
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
ترجمة
المؤلف
هو يوسف بن
سليمان بن عيسى أبو الحجاج الأعلم الشنتمري ، وإنما قيل له الأعلم لأنه كان مشقوق
الشفة العليا شقّا فاحشا.
وكان الأعلم
يعرف بهذا اللقب أكثر من معرفته بالاسم ، ولعل هذا ما كان وراء الخلط الذي كان يقع
بينه وبين الأعلم البطليوسي.
وكان الأعلم
ينسب إلى شنتمرية وهي حصن من حصون الأندلس توجد الآن بدولة البرتغال.
ولادته ونشأته :
ولد الأعلم في
مدينة شنتمرية سنة ٤١٠ ه على ما أجمعت عليه مصادر ترجمته ، عدا ابن خلكان الذي
ذكر أن ولادته كانت سنة ٤١٦ ه ، كما أثبت على غلاف كتاب «أشعار الشعراء الستة
الجاهليين للأعلم» أن ولادته كانت سنة ٤١٥ ه.
أما عن نشأته
العلمية فلم تذكر لنا المصادر عنها شيئا ، فقد أتم مرحلة التحصيل في قرطبة ، حتى
أصبح أحد المدرسين بها ، ثم انتقل إلى إشبيلية ودرس بها أيضا ، ومعظم مؤلفاته
ألفها بعد هذه الفترة. ولم ينقطع عن التدريس حتى آخر عمره حيث كف بصره.
شيوخه :
تتلمذ الأعلم
على فطاحل اللغة والأدب في عصره. وتذكر المصادر من شيوخ الأعلم:
١ ـ ابن
الإفليلي : أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن زكريا توفي ٤٤١ ه كان من أدباء قرطبة
وأعلام اللغويين بها.
٢ ـ ابن الحراني
: أبو سهل يونس بن أحمد بن يونس بن عيسون ، كان بصيرا بلسان العرب ، حافظا للغة
قيما بالأشعار الجاهلية ، وكان من أبرز تلاميذه أبو مروان ابن سراج وأبو الحجاج
الأعلم.
٣ ـ ابن أفلج :
الأديب أبو بكر مسلم بن أحمد بن أفلج النحوي القرطبي ٤٥٦ ه كان رجلا جيد الدين حسن
الخلق عالما بالعربية ورواية الأشعار ، أخذ عنه الأعلم وتتلمذ عليه.
٤ ـ ابن سراج :
أبو مروان عبد الله بن سراج توفي ٤٨٩ ه.
هؤلاء هم شيوخ
الأعلم المباشرون ، وعنهم أخذ معظم مادته العلمية ، وهم شيوخ جمعتهم قرطبة ، فكلهم
منها ، وكلهم من الجيل الذي جاء بعد القالي ، وهم رواد الحركة العلمية في عصر
الطوائف.
تلاميذ الأعلم :
أما تلاميذ
الأعلم ومن روى عنه معظم مروياته ، فقد ذكرت المصادر منهم أربعة :
١ ـ ابن فندلة
: أبو بكر محمد بن عبد الغني بن عمر ٥٣٣ ه صحب الأعلم كثيرا واختص به.
٢ ـ ابن أخضر :
أبو الحسن علي بن عبد الرحمن التنوخي (٥١٤ ه) كان من المداومين على حلقات الأعلم.
٣ ـ ابن حجاج
اللخمي : الوزير أبو الوليد إسماعيل بن عيسى من أهل إشبيلية.
٤ ـ الشيخ
الخطيب أبو بكر محمد بن إبراهيم بن غالب القرشي العامري.
وتذكر المصادر
تلاميذ آخرين من الذين تتلمذوا على الأعلم ، إلا أن ملازمتهم له كانت دون من
سبقوهم ، ومنهم.
ابن أبي الدوس
النحوي : محمد بن أغلب من أهل مرسية.
عبد الجليل بن
وهبون المرسي أحد شعراء الدولة العباسية.
ابن علوش :
محمد بن علي بن إبراهيم اللخمي من أهل إشبيلية.
ابن القصيرة :
أبو بكر بن القصيرة.
ابن عمار الأندلسي
الإشبيلي : أبو بكر محمد بن عمار المهري.
ابن ننتان :
عبد الله بن ننتان النحوي : أبو محمد.
ابن الطراوة :
أبو الحسين سليمان بن محمد بن عبد الله المالقي.
عبد المجيد
الفهري : عبد المجيد بن عبد الله بن عبد ربه.
منصور المغراوي
المالقي : منصور بن الخير بن علي الأحدب المالقي.
محمد بن
إبراهيم العامري : محمد بن إبراهيم بن غالب العامري.
محمد بن مسلمة
: محمد بن محمد بن عبد الله بن مسلمة القرطبي.
أبو علي
الغساني : الحسين بن أحمد الغساني والجياني القرطبي.
هذه مجموعة من
الأسماء التي ذكرتها المصادر. ولا شك أن هناك أجيالا أخرى تتلمذت على الأعلم وأخذت
عنه ، وتأثرت بطرق الشرح عنده وأفادت منها.
مؤلفات الأعلم :
خلف لنا الأعلم
تراثا ضخما في شرح الأشعار واللغة والنحو ، وقد ذكر أصحاب التراجم للأعلم ستة عشر
مؤلفا ، منها الموجود بين مطبوع ومخطوط ، ومنها المفقود.
وهذه المؤلفات
هي :
١ ـ جزء فيه معرفة
الأنواء :
ذكره ابن خير
في فهرسه وهذا الجزء مفقود.
٢ ـ جزء فيه مختصر
الأنواء :
ذكره ابن خير
في فهرسه وذكر أن الأعلم لقنه لتلاميذه أمثال ابن فندلة. وعلمنا به لا يتجاوز
العنوان والنسبة.
٣ ـ جزء فيه معرفة
حروف المعجم :
أورده ابن خير
في فهرسه. وهو مفقود أيضا.
٤ ـ الفرق بين المسهب
والمسهب :
أورد المقري
هذه الرسالة كاملة في نفح الطيب. وهي عبارة عن سؤال وجهه المعتمد للأعلم لما بلغه
أن الأعلم يقول في المسهب بالفتح والكسر ، وأن ما ذهب إليه ابن قتيبة في أدب
الكاتب ، والزبيدي في مختصر العين : أسهب الرجل فهو مسهب أكثر الكلام بالفتح خاصة.
٥ ـ قصائد الصبا في
شعر أبي الطيب :
ذكره ابن خير
وذكره الأعلم في مقدمة شرحه لحماسة أبي تمام.
٦ ـ شرح شعر أبي تمام
:
أطلق عليه ابن
خير وعلى شرحه لشعر أبي الطيب اسم الشعران ، وقد ذكره الأعلم أيضا في مقدمة
الحماسة.
٧ ـ شرح حماسة أبي
تمام :
سماه الأعلم «تجلي
غرر المعاني عن مثل صور الغواني والتحلي بالقلائد ..» توجد منه نسخة بالخزانة
العامة بالرباط.
٨ ـ ديوان الحماسة :
وقد رتب حماسة
أبي تمام على حروف المعجم ، وقد وقع التباس لدى كثير من الدارسين فلم يميزوا بين
شرح الحماسة وديوان الحماسة ، وعدوهما كتابا واحدا.
وذكر خير الدين
الزركلي أن هناك نسخة من شرح الحماسة في المكتبة الأحمدية بتونس.
٩ ـ شرح أشعار
الشعراء الستة الجاهليين :
يحوي هذا
الكتاب على منتخبات من أشعار امرئ القيس ، والنابغة الذبياني ، وعلقمة بن عبدة ،
وزهير بن أبي سلمى ، وطرفة بن العبد ، وعنترة بن شداد العبسي.
وقد طبع هذا
الكتاب تحت عنوان «العقد الثمين في دواوين الشعراء الستة الجاهليين» بعناية
المستشرق فيلهم الورد في لندن سنة ١٨٧٠. وفي باريس ١٩٠٢.
كما طبع تحت
عنوان «شرح الشعراء الستة للشنتمري» بعناية ديروف في ميونخ سنة ١٨٩٢.
وطبع بعناية
محمد عبد المنعم خفاجي في القاهرة أكثر من مرة ، والطبعة المتداولة تحمل عنوان «أشعار
الشعراء الستة الجاهليين» تحقيق لجنة التراث العربي ـ منشورات دار الآفاق الجديدة.
١٠ ـ كتاب المخترع :
سماه الأعلم في
مقدمة شرحه لحماسة أبي تمام «المخترع في إذاعة سرائر النحو» وأطلق عليه ابن خير
اسم «المخترع في النحو» وقد درس الأعلم كتابه هذا ورواه عنه تلاميذه ، يقول ابن
خير : «قرأت كتاب المخترع منها على الشيخ الوزير أبي بكر محمد بن عبد الغني بن عمر
بن فندلة وأجازني سائرها».
١١ ـ المسألة
الرشيدية :
ذكرها ابن خير
في فهرسه. والرسالة مفقودة ، وقد عثرت على نقل عنها ، أورده أبو القاسم الكلاعي في
كتابه «إحكام صنعة الكلام».
قال : «أخبرنا
شيخنا أبو عبد الله بن أبي العافية قال : لما ألف شيخنا أبو الحجاج رسالته
المعروفة بالرشيدية حاول ابن سراج استنقاصه فيها فتعقب عليه قوله في اسم الله عز
وجل إنه اسم منقول من الجنس إلى العلمية وإن أصله : إله فشنع عليه ابن سراج من هذا
غير تشنيع».
١٢ ـ المسألة
الزنبورية :
ذكرها ابن خير
بعنوان «المسألة الزنبورية المقترنة بالشهادة أزورية» والمسألة مطبوعة في كتاب نفح
الطيب في خمس صفحات.
١٣ ـ شرح شواهد
الكتاب :
سماه الأعلم «تحصيل
عين الذهب في معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب» وسماه ابن خير : «عيون الزهد
في شرح أبيات كتاب سيبويه».
توجد منه نسخة
في دار الكتب المصرية عاشر أفندي رقم ١ / ٧٦٤.
١٤ ـ النكت في شرح
كتاب سيبويه :
وهو كتابنا
هذا.
وفاته :
توفي الأعلم
عام ٤٧٦ ه ، على ما أجمعت المصادر عليه ، إلا أن الفيروز آبادي ذكر في كتابه (البلغة)
أن وفاته كانت سنة ٤٤٦ ه ، وابن العماد ذكر أن وفاته كانت سنة ٤٩٥ ه.
النّكت
الجزء
الأول
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
وبه نستعين
وصلّى الله وسلم على
سيدنا محمد وعلى آله
الحمد لله الذي
أوجب حمده على الحامدين له ، نعما تقتضيهم حمدها ، وألزمت معرفة العارفين به آلاء
لا يحصون عدها. فكيف يؤدى شكر من له في شكره نعمة حادثة ، ومنة على أداء حقه فيها
باعثة ، وصلّى الله على محمد خيرته من خلقه ، وصفوته من رسله ، صلاة زاكية نامية نحظى
بها (ونسعد) بمزيتها.
قال
أبو الحجاج رحمه الله :
أما بعد ،
فالفوائد كثيرة متشعبة ، وشرف كل علم بقدر فائدته ، والفوائد ضربان :
ضرب ينال به
عرض الدنيا ، وضرب ينال به ثواب الآخرة. ومن جمعهما ، فبين أن له فضلا لا يشاركه
فيه إلا مثله ، ومزية لا يعدله فيها إلا عدله.
وقد علم
العلماء أن كتاب أبي بشر عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه ـ رحمه الله ـ أجمع ما ألف
في اللسان العربي لإقامة حدوده ، ومعرفة أصوله وفروعه ، وفهم منظومه ومنثوره ،
وجليه ومستوره ، وأصح ما وضع في إبانة أنحاء العرب ولغاتها ، ومراميها في كلامها
وإشاراتها ، ومجازها واستعاراتها. وبقدر ترقي العالم في فهمه ، يترقى في علم
التنزيل وحديث الرسول ، والتأويل لمشكلات الأقاويل.
ولم نر هذا
اللسان العربي المبين منذ وضع هذا الكتاب يدور إلا عليه ، ولا يرجع المختلفون فيه
إلا إليه ، فكم من متشابه من كتاب الله تعالى شرح ، ومشكل من حديث
رسوله صلّى الله عليه وسلّم أوضح ، وعويص من الحكم أبان عنه وأفصح ، وفاسد
من كلام الناس رقح وأصلح. وفضله أكثر من أن يعبر عنه لسان ، أو يحيط به تبيان.
وقد أكثر
المؤلفون في شرحه وتفسيره ، وأطالوا في كشف إعرابه عن الشيء وتعبيره ، فأردت أن
أجمع فائدة ما فرقوا ، وأقصر ما طولوا ، وأقلل ما كثروا فيه واختلفوا. وأنبه على
ما أغفلوا ، وأستدرك ما أهملوا من شرح بيت ، أو تفسير غريب.
فلم أر أحدا
ممن تعاطى شرح هذا الكتاب ، شرح الأبيات الواقعة فيه شرحا يفيد أكثر من فائدة
الكتاب فيها. وإنما غايته أن يذكر بعض غريب البيت ، أو يدل على موضع الشاهد فيه
باديا كان أو خفيّا. وسياق كلام سيبويه قد دل على ذلك وبين وجهه.
وقد بينت من
معانيها في ذاتها ، وشرح غريبها وغامض إعرابها ، ما أرجوا أن يكون كافيا إن شاء
الله.
وبعد.
فهذا الكتاب
جواب لمن قرأ كتاب سيبويه وفهم بعض كلامه ، وتفطن لشيء من مقاصده وأغراضه ، ثم
طالب نفسه بمعرفة عيونه ، والإشراف على غوامض فنونه ، فينبغي للطالب أن يطالع
الباب من كتاب سيبويه ، ويحصر المواضع المشكلة منه ، ويمثل في ذهنه الألفاظ
العازبة عنه ، ثم ينظر في هذا الباب من هذا التأليف ، فإنه (خالص إلى لباب) السؤال
، مشتمل على عامة الجواب إن شاء الله.
ولعل عائبا
يغيظه الجواب فأكثر الناس ، لا سيما في أهل بلدنا ، وخاصة أهل زماننا يعيبني لتأخر
زماني وخمول مكاني ـ فقد قضى الرسول صلّى الله عليه وسلّم بقوله : «رب مبلغ أوعى
من سامع».
إن المتأخر قد
يكون أفقه من المتقدم ، والتالي يوجد أفهم من الماضي ، والحكمة مقسومة على العباد
، لم تؤثر بها الأزمنة ، ولا خصت بها الأمكنة ، بل هي باقية إلى يوم القيامة
يؤتيها الله من يشاء من عباده.
والعلم ضالّة
لا يوجدها إلّا جد الطالب ، وظهر لا يركبه إلا استظهار الراغب ، وعقبة لا يصعدها إلا
الصابر الدائب ، ودرجة لا يرتقيها إلا الباحث المواظب.
وإنما يتفاضل
الناس بالاجتهاد والدءوب وحسن الارتياد. ومن أدمن قرع الباب فيوشك أن يدخل ، ومن
واصل السير فأحر به أن يصل.
ولما هذبت هذا
الكتاب على ما رغبته ، وصح لي منه ما طلبته. وكمل بعون الله على ما أحببته ، نقدت
ملوك عصرنا. وأرباب الدول في دهرنا ، لأطرزه باسم أرجحهم وزنا ، وأفهمهم معنى ،
وأكثرهم يمنا وأوسعهم فضلا ومنّا وأعظمهم فخرا وأكبرهم خطرا وقدر وأسيرهم ذكرا
وأشرفهم نسبا ، وأزكاهم حسبا ، وأعزهم نفسا وأبا ، وأفضلهم طريقة ومذهبا
وأنداهم يدا وأقدمهم سؤددا وأكرمهم محتدا ، وأطيبهم مولدا.
فسبق أول
البرية من لا يختلف العالم فيه ، ولا له في الملوك مثيل ولا شبيه ، الملك المعتضد
بالله أبو عمرو عباد بن محمد أطال الله عمره كما رفع ذكره ، وأدام ملكه كما حسن
ملكه ، ومكن يده كما كثر في الناس يده.
ولو ذهب إلى عد
محاسنه وإحصاء مناقبه ، لنفد الحصى قبل إحصائها ، ولم يف العدد باستيفائها.
وإن من الحق أن
يصان قدره عن مدح لسان قصير ، وثناء يسير ، فالشمس لا تحتاج إلى الوصف بالضياء ،
والبحر لا يفتقر إلى التعريف بالأنداء ، والصبح أشهر من أن يقام عليه دليل ،
والسماء أبين من أن تبين بتمثيل. ورفعت قدره ـ أعزه الله ـ عن أن اسمه باسمه ،
وأعلمه بمعلمه ، إذ كان شرارة من ذكائه ، وقطرة من سمائه فطرزته باسم الحاجب سيف
الدولة أبي الوليد إسماعيل ابنه ، مد الله أمده ، كما أطاب مولده ، ليقرب له بعيد
ما يلتمسه من الأدب ، ويجتنيه من كثب ، ثمرة لسان العرب. وأهديته إليه ليكون مكثرا
لقليله وشافعا في قبوله وعونا في تحسينه وتجميله. والله يبقي بهجة الدنيا ببقائه
ويعلي العلم بتمادي علوه وسنائه وسلامة حوبائه بمنه وفضله.
وكنت قد ألفت
هذا الديوان سنة أربعين وأربعمائة بمدينة قرطبة وطرزته باسم من لم يوف قدره لقلة
معرفته ، ولا أعتمل في التماس فائدته لنبو طبعه وكسل همته. ثم لم أزل بعد أنظر فيه
، وأتكرر عليه ، وأحشد الفوائد فيه إلى حين تطريزي له باسم من هو أحق به لمعرفته
بقدره ...).
وهذا حين نبدأ
بشرح ما شرطناه والله نستعين.
التكلم على إضافة
الاسم إلى الله عز وجل
في قولنا : بسم
الله الرحمن الرحيم ولزوم الألف
واللام له واتصاله به ، ووقوع الرحمن بعده ـ وإن لم يكن مما قصدناه بهذا التأليف ـ
لما في ذلك من الفائدة ، ثم نأخذ فيما قصدنا إليه.
أما إضافة «الاسم»
إلى «الله» عز وجل ، فعلى جهة التوكيد والمبالغة في الاختصاص ، وذلك أن الاسم واقع
على كل لفظ دال على مسمى ، كقولنا : رجل وفرس وزيد وعمرو ونحو ذلك ، فكل لفظة من
هذه الألفاظ يقال لها : اسم لوقوعها على نوع ما ، واختصاصها به من سائر الأنواع.
فإذا قال قائل
: «هذا اسم زيد» أو «اسم رجل» وهو يريد هذا الاسم الذي هو : «زيد» والاسم الذي هو
: «رجل» فقد أضاف الاسم هذا اللفظ إلى زيد ، هذا اللفظ الآخر وهو هو.
فجرى هذا ونحوه على إضافة الشيء إلى نفسه.
ولا يصح ذلك في
الحقيقة ؛ لأنه الشيء لا ينفصل من نفسه ، وإنما تصح إضافة الشيء إلى غيره لانفصاله
منه ، إلا أن الإضافة قد اتسعت فيها العرب. فأضافت الشيء إلى نفسه في بعض المواضع
تأكيدا واختصاصا لاختلاف اللفظين ولضرب من التأويل ؛ لأن اختلاف اللفظين يخرجهما
إلى مشابهة ما أضيف فيه أحد الاسمين إلى غيره ، حيث لم يتفقا في اللفظ ، كما لم
يتفق المختلفان في لفظ ولا معنى ، فصار قولك : «اسم زيد» إذا أردت هذا الاسم الذي
هو زيد بمنزلة قولك : «هذا غلام زيد».
وأما الضرب من
التأويل الذي ذكرناه ، فإن قولهم : «هذا اسم زيد» تأولوا فيه : هذا الاسم الذي هو
زيد ، ثم اختصروا ، وحذفوا ، وأضافوا الاسم إلى زيد وإن كان هو كما قالوا : «هذا
حسن الوجه» و «مسجد الجامع» فأضافوا الحسن إلى الوجه ، والمسجد إلى الجامع ـ والحسن
هو الوجه ، والمسجد هو الجامع ـ لما أرادوا من الاختصار والإيجاز مع اختلاف
اللفظين الذي قدمنا ذكره.
فمعنى قول
القائل : «بسم الله» إنما يريد : أبدأ بالاسم الذي هو الله ، ومعناه كمعنى :
أبدأ بالله ، وأستفتح بالله.
والدليل على
صحة ذلك قوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ
رَبِّكَ) [الرحمن : ٨٧] فإنما معناه : تبارك ربك ، وأضيف الاسم إلى الرب تأكيدا
لاختلاف اللفظين ، والاسم هو الرب لا غيره ، ولو كان غيره لكان المستحق للوصف
بالبركة الاسم دون الرب ، وهذا ممتنع.
ومثل ذلك قول
الشاعر :
* إلى الحول ثم اسم السّلام عليكما
إنما يريد : ثم
السّلام عليكما.
وكذلك قول
الآخر يصف إبلا واردة أو حمرا :
* تداعين باسم الشيب في متثلم
إنما يريد :
دعا بعضهم بعضا إلى الورود بصوت الشرب ومص الماء وهو : شيب شيب. فالمعنى : تداعين
بالشيب ، وبالاسم الذي هو الشيب ، فأضاف ـ كما ترى ـ الاسم إلى الشيب وهو هو ، كما
أضاف (الأول) إلى السّلام ، (ومثل) هذا أضيف الاسم إلى الله فاعلمه.
وأما لزوم
الألف واللام «الله» عز وجل ، ف «الله» اسم منقول من الجنس العام إلى الجنس الخاص
، وذلك أن قولنا : «إله» يقع على كل معبود عام ، لفضله عليه واستحقاقه للتسمية دون
__________________
غيره فألزموه الألف واللام للاختصاص والعلامة الموضوعة للمعرفة المحضة
فقالوا : «الله» كما أدخلوا الألف واللام على أحد النجوم لفضله عليها ، (وشهرته)
فيها ، وهو «الثريا» فقالوا : النجم ، فصار علما لها دون سائر النجوم ، كما صار «الله»
علما للبارئ ـ جل وعز ـ دون سائر الآلهة المعبودة دونه سبحانه وتعالى.
ولما وضعوه
علما خاصّا ، أكدوا العلامة والاختصاص بأن حذفوا الهمزة حذفا لازما حتى لا يشركه
في الاسم المختص من الجنس غيره ، إذ كان قولنا : «إله» يحتمل أن يقع على إله من
الآلهة المعبودة دونه إذا كان معبودا.
ولما حذفوا
الهمزة لهذا المعنى حذفا لازما ، جعلوا إثبات الألف واللام لازما ليكون ذلك عوضا
لازما من حذف لازم ، فصارت الألف واللام كأنها من نفس الكلمة لذلك لم يعاقبها حرف
النداء ، فقطعت معه في الوصل ، وقيل : يا ألله ، فهذا بين صحيح ، فقف عليه فإنه من
أصح القول فيه ، وألطف الاعتلال له.
وأما وجوب
تقديم «الرحمن» على «الرحيم» فمن حيث وجب تقديم «الله» على «الرحمن» ، وذلك أن أصل
الإخبار والوضع للحديث إنما هو للأسماء الأعلام المشاهير نحو : زيد وعمرو والحارث
والعباس وما جرى مجراها.
«فالله» ، هذا
اللفظ هو الاسم العلم الموضوع أولا للدلالة على الباري واختصاصه من غيره. فوجب
تقديمه لما ذكرنا من استحقاق الاسم الخاص لذلك.
و «الرحمن» اسم
خاص له جل وعز ، مشتق من الصفة التي يستحقها دون غيره ، وهي وصفه بالرحمة.
واستحق أن يشتق
له اسم من هذه الصفة دون غيره. كما استحق أن يسمى باسم من الجنس لما قدمنا من فضله
على كل جنس ، وفضل صفته على كل صفة.
فقيل له : «الرحمن»
وهو أحد الرحماء ؛ لأنه أرحمهم كما قيل له : «الله» لأنه أحد الآلهة ، إلا أنه
المستحق للإلهية دونها.
«فالرحمن» اسم
غالب له ، منقول من صفته بمنزلة قولنا : الحارث والعباس ونحوهما من الأسماء
الغالبة المنقولة من الصفات الواقعة. فلما كان «الرحمن» اسما خاصّا مقصودا به قصد
التسمية والوضع للعلامة ، لا قصد النعت والصفة ، وجب تقديمه على «الرحيم» لأن «الرحيم»
لم يقصد به ذلك القصد ، وإنما هو صفة من صفاته ، واسم من أسمائه التي هي غير
منقولة من جنس ولا غالبة من وصف.
وأما وجوب وقوع
«الرحمن» بعد «الله» فلأنه وإن كان اسما خاصا ، غالبا ، منقولا من صفة غالبة ، ف «الله»
منقول من جنس عام ، والصفات بعد الأجناس ، والنعوت بعد الأسماء ،
فوجب وقوعه بعد «الله» وقبل «الرحيم» لذلك.
فثبت لله تعالى
اسمان خاصان علمان :
أحدهما : منقول من جنس.
والآخر : منقول
من وصف.
فكان ذلك
بمنزلة اسمين خاصين لمسمى واحد ، كقولنا : النجم والثريا. وسائر أسمائه (تعالى)
صفات لم يقصد بها قصد هذين الاسمين.
والدليل على
صحة هذا : أننا نجد سائر أسمائه بعد هذين الاسمين معرفة ونكرة ، سواء كانت مخصوصة
به أو مستعملة لغيره ، فتقول : اتق الله فإنه رب عظيم ، ملك جبار ، سبوح قدوس ،
فتنكرها كما ترى ، وكذلك سائرها.
ولا يجوز هذا
في «الرحمن» كما لا يجوز في «الله» لا تقول : إن الله رحمان ، كما لا تقول : إن
ربك إله تريد : الله ، ولا : إن ربك رحمن على هذا التأويل ، فقد تبين الفرق.
ويؤكد الفرق
أنه لو لم يقصد به قصد التسمية ، وكان على أصله من الصفة لاستغنى به عن الإتيان «بالرحيم»
بعده ، إذ القصد بهما معنى واحدا ، فلا معنى لتكريرهما إذن ، وأحدهما يغني عن
الآخر.
ومما يؤكد
الفرق بينه وبينها : أنه لما وضع علامة خاصة ، غير عن بنائه وأصله ، وهو قولنا : «راحم»
فقيل : «الرحمن» ، كما فعل «بالسماك» حيث غير عن سامك ، و «بالدبران» و «العيوق»
ونحوها من الأسماء المختصة الموضوعة للعلامة المنقولة من الصفة.
فإن قال قائل :
غير «الرحمن» من «الراحم» كما غير «الرحيم» منه لمعنى المبالغة.
قيل : إخراجه
على هذا البناء ـ ومثله معلوم مطرد ـ كقولنا : عالم وعليم ، وسامع وسميع ، وقادر
وقدير ونحوه.
وفعيل أحد
الأبنية الخمسة التي يخرج إليها فاعل بمعنى التكثير دون غيرها من الأبنية وهي :
فعول وفعال ومفعال وفعيل وفعل ، وليس فعلان منها ، ولا يخرج إليها من فاعل على هذا
المعنى ، ألا ترى أن فعلان لم يجئ متعديا في شيء من الكلام كما يتعدى فاعل وفعيل ،
وجميع هذه الأبنية التي أخرج الفعل إليها لمعنى التكثير.
فإن قال قائل :
إنما قدم «الرحمن» على «الرحيم» حيث كان على بناء : يختص بالله عز وجل.
فالجواب : أنه
لو كان صفة لا اسما خاصّا ، لم يلزم تقديمه على «الرحيم» إذ هو صفة مثله ، كما لم
يلزم تقديم «الملك» على «القدوس» في قوله عز وجل (هُوَ اللهُ الَّذِي
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) [الحشر : ٢٣] لأن «القدوس» لا يستعمل لغير الله ، و «الملك» قد يستعمل
لغيره تعالى : وقد قدمه على القدوس كما ترى ، وإنما وجب ذلك حيث لم يقصد «بالقدوس»
قصد العلامة والاختصاص بالتسمية ، كما قصد بالرحمن ذلك. فقد سقط الاحتجاج بهذا ،
ووجب الأخذ بما قدمناه من الحجة ، وبيناه من العلة. وبالله التوفيق.
* * *
قال سيبويه :
هذا باب علم ما الكلم
من العربية
هكذا موضوع
كتابه الذي نقله عنه أصحابه بتنوين «علم».
ويسأل في ذلك
عن أشياء منها : أن يقال : إلى ما أشار بقوله : «هذا والإشارة إلى حاضر؟».
فالجواب في ذلك
:
* أن يكون أشار
إلى ما في نفسه من العلم وذلك حاضر.
* والثاني : أن
يكون أشار إلى متوقع قد عرف وانتظر وقوعه في أقرب وقت ، فجعله كالحاضر تقريبا
لأمره ، كقوله عز وجل : (هذِهِ جَهَنَّمُ
الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) [الرحمن : ٤٢].
* والثالث : أن
يكون وضع الإشارة ليشير بها عند الحاجة والفراغ من المشار إليه كقولك : هذا ما شهد
عليه الشهود المسمون ، وهم لم يشهدوا بعد.
ومما يسأل عنه
أن يقال : ما موضع «ما» من الإعراب؟ فالجواب في ذلك :
أنها في موضع
رفع بالابتداء ، و «الكلم» «خبرها» والجملة في موضع نصب «بالعلم» على أن يكون
التقدير : أن تعلم أي شيء الكلم من العربية؟.
أو تكون الجملة
في موضع رفع على تقدير : أن يعلم. ومعنى «ما» على هذين التقديرين : الاستفهام.
وإنما لم يعمل
ما قبلها في لفظها من قبل أن الأسماء المستفهم بها نائبة عن ألف الاستفهام ،
والألف يقطع ما بعدها مما قبلها حتى يكون لها صدر الكلام ، كما يكون «لما» النافية
، و «إن» المؤكدة ، وسائر الحروف الداخلة على (الجمل).
ووجه ثان من
وجوه «ما» : أن تكون بمعنى «الذي» وتكون صلتها «هو الكلم» ، وحذفت «هو» اختصارا ،
وذلك جائز في كلامهم.
ووجه ثالث : أن
تكون «ما» : صلة ، ويكون دخولها كخروجها ، إلا أنها تؤكد المعنى الذي تدخل فيه ،
وتنصب «الكلم» وترفعه على تقدير : أن تعلم وأن يعلم.
ويجوز إضافة «علم»
وترك التنوين منه ، وتكون «ما» مقدرة على وجوهها الثلاثة.
ويسأل عن «الكلم»
فيقال : لم لم يقل : الكلام أو الكلمات؟
فالجواب : أن «الكلام»
مصدر مبهم لا يخص شيئا من شيء ، و «الكلم» جمع كلمة. وإنما أراد أن يبين الاسم
والفعل والحرف وهي جمع ، فعبر عنها بأشكل الألفاظ بها. ولم يقل : «الكلمات» ؛ لأن
الكلم أخف منها في اللفظ فاكتفى بالأخف عن الأثقل.
ووجه ثان : أن «الكلم»
اسم ذات الشيء ، و «الكلام» اسم الفعل المتصرف من «الكلم» بمنزلة : الفعل من
الافتعال ، واسم ذات الشيء في الرتبة قبل ما صرف منه.
فذكر «الكلم»
الذي هو الأقدم في الرتبة ، وترك «الكلام» الذي هو فرع. لو ذكره ما كان معيبا
ولكنه اختار الأفصح الأجود لمعناه الذي أراده.
ويسأل عن قوله
: «الكلم من العربية» لم قاله؟ والكلم أعم من العربية ؛ لأنه يشملها والعجمية ، و
«من» للتبعيض ، والذي يتصل بها هو البعض الكثير. الذي يذكر منه البعض القليل؟
والجواب : أنه
ذكر «الكلم» التي هي شاملة عامة ، وهو يريد بها الخصوص ، وذلك معروف في كلامهم ،
ثم بين المخصوص المراد خشية اللبس ، فقال : «من العربية» تبيينا لما أراد.
ووجه ثان : أنه
أراد «بالكلم» الاسم والفعل والحرف ، فعد هذه الجملة ـ التي هي : اسم وفعل وحرف ـ بعض
العربية. والدليل على ذلك أن ليس من أحاط علما بحقيقة الاسم والفعل والحرف ، أحاط
علما بالعربية كلها.
ودليل هذا
التأويل الثاني قوله : «هذا باب علم» ولم يقل : هذا كتاب علم.
وأما إدخال
الفاء في الكلم ؛ فلأنها جواب للتنبيه في قوله : «هذا» فكأنه قال : انظر وتنبه ،
فالكلم : اسم وفعل وحرف.
ووجه ثان : أن
الجمل تفيد معنى ، وترجمة الباب مفيدة معنى ما ، وكل جملة يجوز أن تجاب بالفاء
كقولك : زيد أبوك فقم إليه.
ومما يسأل عنه
قوله : «حرف جاء لمعنى» والأسماء والأفعال أيضا جئن لمعان.
والجواب : أنه
أراد لمعنى في الاسم والفعل ، وإنما تجيء الحروف مؤثرة في غيرها في النفي والإثبات
وغير ذلك من المعاني. والأسماء والأفعال معانيها في أنفسها قائمة صحيحة ، الدليل
على ذلك أنه إذا قيل : ما الإنسان؟ كان الجواب : الحي الناطق الكاتب.
وإذا قيل : ما
معنى «قام»؟
قيل : وقوع
قيام في زمان ماض ، فعقل معناه في نفسه دون أن يتجاوز به إلى غيره ، وليس كذلك
الحرف ؛ لأنه يعقل معناه بغيره.
ووجه آخر : وهو
أن قوله : «جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل» أي لمعنى ذلك المعنى.
«ليس باسم» ،
أي : ليس بدال عليه الاسم.
«ولا فعل» ، أي
: ليس بدال عليه الفعل.
ووجه ثالث : أن
الحروف على ضربين :
ـ حروف معان :
كإلى ، ونعم ، وثم وما أشبه ذلك.
ـ وحروف لا
معنى لها وهي حروف المعجم.
ومتى قرنت
بالاسم والفعل ، لم يأتلف الكلام. فقال : «جاء لمعنى» ليفرق بينه وبين ما لم يجئ
لمعنى.
ولم يحد سيبويه
الاسم حدّا ينفصل به من غيره ، وذكر منه مثالا اكتفى به عن غيره
فقال : «الاسم
: رجل وفرس».
واختار هذا ؛
لأن أخف الأسماء الثلاثية ، وأخفها : ما كان نكرة للجنس.
وحد الاسم على
الحقيقة أن يقال «كل شيء دل لفظه على معنى غير مقترن بزمان محصل فهو اسم».
فهذا الحد لا
يخرج منه اسم ، ولا يدخل فيه غير اسم.
وقوله «أخذت من
لفظ أحداث الأسماء» يعني أن الأبنية المختلفة أخذت من المصادر التي تحدثها الأسماء
، وأراد بالأسماء : أصحاب الأسماء وهم الفاعلون.
وقوله : «وبنيت
لما مضى» إلى قوله : «لم ينقطع» اعلم أن سيبويه ومن نحا نحوه يقسم الفعل على ثلاثة
أزمنة :
ماض ومستقبل
وكائن في وقت النطق به.
وطعن طاعن في
هذه فقال : أخبرونا عن الحال الكائن أوقع وكان فيكون موجودا في حيز ما يقال عليه
كان؟ أم لم يوجد بعد فيكون في حيز ما يقال عليه لم يكن؟. فإن قلتم : هو في حيز ما
يقال عليه : لم يكن ، فهو مستقبل ، وإن كان في حيز ما يقال عليه كان فهو ماض ، ولا
سبيل إلى ثالث ، فدلوا على صحة هذا؟
فالجواب في ذلك
أن الماضي هو الذي أتى عليه زمانان أحدهما : زمان وجوده وزمان ثان يقال فيه : وجد
وكان ، ونحو ذلك.
فالذي يقال :
وجد الفعل فيه : هو زمان غير زمان وجوده ، فكل فعل صح الإخبار عن حدوثه في زمان
بعد زمان حدوثه فهو ماض.
والمستقبل هو
الذي يحدث عن وجوده في زمان لم يكن فيه ولا قبله ، فقد تحصل لنا الماضي والمستقبل.
وبقى قسم ثالث
: وهو الذي يكون زمان الإخبار عن وجوده زمان وجوده ، وهو الذي قال فيه سيبويه : «وما
هو كائن لم ينقطع».
هذا باب مجاري أواخر
الكلم من العربية
أما قول : «مجاري»
إنما أراد بها حركات أواخر الكلم ، والدليل على ذلك قوله : «وهي تجري على ثمانية
مجار» : على النصب والرفع ، وما بعدهما من الثمانية.
وقوله : «وهي
تجري» : كناية عن أواخر الكلم ، كأنه قال : باب حركات أواخر الكلم.
وأواخر الكلم
تجري على ثماني حركات. وسمى الحركات «مجاري» وهن يجرين والمجاري يجرى فيهن.
فإنما ذلك لأن
الحركات لما كانت أواخر الكلم قد تنتقل من بعضها إلى بعض كما تنتقل فيهن الحركة من
حرف إلى حرف ، جاز أن تسمى الحركات «مجاري» من حيث أواخر الكلم.
ووجه : أن تكون
المجاري جمع مجرى في معنى جرى ، والمصدر قد تلحق الميم أوله كقولك : مضرب ومفر.
فإن قال قائل :
لم جمع والمصادر لا تجمع؟
قيل له : قد
تجمع المصادر إذا كانت مختلفة كقولهم : العلوم ، والأفهام وأشباه ذلك.
فجعل جري كل
واحدة من الحركات خلاف جري صواحبها ؛ لأنهن مختلفات في ذواتها.
ويروى عن
المازني أنه غلط سيبويه في قوله : «على ثمانية مجار» ، وزعم أن المبنيات حركات
أواخرها كحركات أوائلها ، وإنما الجري لما يكون في شيء يزول عنه ، والمبني لا يزول
عن بنائه ، فكان ينبغي أن يقول : على أربعة مجار : على الرفع والنصب والجر والجزم
، ويدع ما سواهن.
والجواب في ذلك
: أن أواخر الكلم لا يوقف على حركاتهن وإنما يحركن في الدرج ، وليس كذا صدور الكلم
وأواسطها فجاز أن تصف حركات أواخر الكلم من الجري بما لا تصف به أوائلها وأواسطها
؛ لأن حركات الأوائل والأواسط لوازم في الأحوال كلها.
ووجه ثان : أن
أواخر الكلم هي مواضع التغيير ، فيجوز إطلاق لفظ المجاري عليهن وإن كان بعض
حركاتهن لازما في حال.
وقوله : «وإنما
ذكر ثمانية مجار» إلى آخر الفصل.
غلطه جماعة من
النحويين في قوله : «لأفرق بين ما يدخله ضرب من هذه الأربعة».
وقال من قبل :
إن ما يدخله ضرب من هذه الأربعة هو حرف ؛ لأن هذه الأربعة أراد بها الحركات
والسكون ، وما يدخله ضرب منها حرف.
ثم قال : «وبين
ما بني عليه الحرف بناء لا يزول».
والذي يبنى
عليه الحرف ، هو حركة البناء ، فكأنه في التمثيل لا فرق بين الحرف والحركة. والفرق
بينهما بين لا لبس فيه وإنما الوجه أن يفرق بين حركة الإعراب وحركة البناء.
والجواب : أن
سيبويه ، إنما أراد : لأفرق بين إعراب ما يدخله ضرب من هذه الأربعة وبين الحركة
التي يبنى عليها الحرف بناء لا يزول ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه.
وقوله : «وحروف
الإعراب للأسماء المتمكنة والأفعال المضارعة» إلى قوله : «الزوائد الأربع».
إن قال قائل :
ما الأسماء المتمكنة؟
قيل له : كل
اسم معرب فهو متمكن ثم ينقسم قسمين.
ـ قسم مستوف
للتمكن كله وهو المنصرف.
ـ وقسم ناقص عن
هذا ، وهو غير المنصرف.
وكان بعضهم
يسمي الاسم المستوفي للتمكن : الاسم الأمكن ، ويسمي كل ما استحق الإعراب متمكنا.
فإن قال قائل :
كيف صارت هذه الحروف في الأفعال المضارعة أولى بها من غيرها؟
قيل له : أولى
الحروف بالزيادة حروف المد واللين وهي المأخوذة منها الحركات ، فأما الألف فلا
سبيل إلى زيادتها أولا ؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة ، ولا يبدأ بساكن فأبدل منها
أقرب الحروف إليها وهي الهمزة مع أنها تزاد أولا كثيرا ، فكانت أولى الحروف بالوضع
مكان الألف.
وأما الواو ،
فإنها لا تزال أولا في حكم التصريف لثقلها فأبدل منها حرف يبدل منها كثيرا وهو
التاء.
واحتاجوا بعد
هذه الحروف إلى رابع فكان أقرب الحروف من حروف المد واللين : النون ، وذلك أنها
تجرى في الخيشوم كما تجري حروف المد واللين في مواضعها.
قوله : «وليس
في الأسماء جزم» إلى قوله : «وذهاب الحركة».
إن قال قائل :
هلا حذفتم الحركة وحدها بدخول الجزم وأبقيتم التنوين ، ثم حركتم الحرف المجزوم
لالتقاء الساكنين؟
قيل له : هذا
يفسد من وجهين :
ـ
أحدهما : أن التنوين
فرع ، وإنما أتى به لقوة المتحرك فإذا دخل ما يحذف الحركة كان أولى بحذف التنوين.
ـ
والوجه الثاني : أنا لو حذفنا الحركة ، ثم حركتها لالتقاء الساكنين لعاد إلى لفظ غير
المجزوم. فلم يكن لتدخل عاملا على اسم فيحدث فيه ما لا يسلم له أبدا.
فإن
قال قائل : فهلا أذهب الجزم التنوين في المنصرف ، وحذف الحركة مما لا ينصرف؟
قيل له : لو
فعل ذلك لكان الاسم المنصرف كغير المنصرف مع أن التنوين يصحب الحركة ، والعوامل
إنما تغير الحركات فإذا لم يغير الجزم الحركة ، كان أجدر أن لا يغير التنوين ، ولو
حذفت الحركة للجزم من غير المنصرف لأشبه المبني.
قوله : «والنصب
في المضارع من الأفعال» إلى قوله : «ليس ذلك في هذه الأفعال».
إن
قال قائل : بم ترتفع هذه الأفعال المضارعة؟
قيل له :
بوقوعها موقع الأسماء وإن اختلف إعراب الأسماء.
فإن
قال قائل : لم وجب ذلك؟
قيل له : من
قبل أن وقوعها موقع الأسماء ليس بعامل لفظي ، إذ كانت عوامل الأسماء لا تعمل في
الأفعال فأشبه الابتداء الذي ليس بعامل لفظي.
فإن
قال قائل : فلم رفعتم الفعل بعد «السين» و «سوف» ولا يقع الاسم بعدهما؟
قيل له : «السين»
و «سوف» إذا دخلا على الفعل صارا من صيغته بمنزلة الألف واللام إذا دخلا على الاسم
؛ لأنهما إذا دخلا ، خلصاه للمستقبل بعينه كتخليص الألف واللام الاسم للواحد
بعينه.
ولم يدخلا
لتغيير معنى ، وإنما دخلا لتحصيل المعنى لنا وتعريفه إيانا دون أن يتغير المعنى في
نفسه.
والعوامل هي
التي تدخل على الألفاظ بعد حصول معانيها ، فتقرها على ما عرفت به من معانيها.
فإن قال قائل :
لم يجعلوا في إعراب الأفعال الجزم دون الأسماء؟
قيل له : لما
كان الاسم هو المستحق للإعراب في أصل الكلام استحق جميع الحركات لقوته فضارع الفعل
الاسم ، فجرى مجراه ، واستحال دخول الجر عليه ، فجعل مكان الجر الجزم ليكون معادلا
للاسم في إعرابه لتمام مضارعته له.
قوله : «وليس
في الأفعال المضارعة جر كما أنه ليس في الأسماء جزم».
اعتل في هذا
الفصل بما استغنينا عن ذكره لبيانه.
واعتل الأخفش
فيه بعلتين :
إحداهما : بينة
، والأخرى : غامضة فنبينها لذلك.
زعم أن الأفعال
أدلة على غيرها ، يعني : على فاعلها ومفعوليها ، وزعم أن المضاف إليه
مدلول عليه فقال :
«والأفعال أدلة
وليست بمدلول عليها ، فلا يضاف إليها ؛ لأن الإضافة إلى المدلول عليه لا إلى
الدليل».
فإن
قال قائل : ما معنى قول سيبويه : «لأن المجرور داخل في المضاف إليه» ، وإلى ما عادت
الهاء في «إليه»؟
فالجواب في ذلك
: أن قوله : «لأن المجرور» يريد : المضاف إليه وهو الثاني.
«داخل في
المضاف إليه» : يعني : «داخلا» في الأول ، الذي قد أضيف إلى المجرور. والهاء تعود
إلى المجرور ، فكأنه قال : لأن الثاني المجرور داخل في الأول المضاف إلى الثاني.
قوله : «وأما
الفتح والضم والكسر والوقف» إلى قوله : «ليس غير».
إن قال قائل :
ما معنى قوله : «ليس غير»؟ وما موضع «غير»؟.
قيل له : «ليس»
دخلت ههنا للاستثناء ، واسم «ليس» مضمر في النية وموضع «غير» منصوب بخبر «ليس»
كأنك قلت : ليس شيء غير ذلك ، فلما حذف المضاف إليه بنى على الضم.
قوله : «وللحروف
التي ليست بأسماء ولا أفعال» إلى قوله : «حيث وأين وكيف».
اعلم أن
الأسماء المبنية كلها لا يخرج بناؤها من أن يكون : لمضارعة الحروف ، أو للتعلق بها
، أو لوقوع المبني موقع فعل مبني ، أو لخروجه عما عليه نظائره.
والمبنيات
كثيرة ، ونفسر منها ما وقع في هذا الباب من الأسماء خاصة ، فمنها «حيث».
اعلم أن فيها
أربع لغات ، يقال فيها ، حيث وحيث وحوث وحوث ، وهي مبنية في جميع وجوهها لعلتين :
ـ إحداهما :
أنها تقع على الجهات الست ، وعلى كل مكان وكل هذه الجهات تقع مضافة إلى ما بعدها ،
فأبهمت حيث وقعت عليها كلها. فشبهوها لإبهامها في الأمكنة ب «إذ» المبهمة في
الزمان الماضي كله. فلما كانت «إذ» موضحة بالجمل ، أوضحت «حيث» بها ، ومنعت
الإضافة ، فصارت بمنزلة «قبل» و «بعد» إذ حذف المضافان إليهما فبنيت كما بنيتا.
ـ والعلة
الثانية : أن «حيث» لما خالفت أخواتها حين أضيفت إلى الجمل ، بنيت لمخالفتها
أخواتها ، ودخولها في غير بابها ، واستحقت أن تبنى على السكون فتجنبوا اجتماع
الساكنين ، فكان يجب أن يكسر آخرها على حكم التقاء الساكنين ، فتجنبوا الكسرة
استثقالا لها مع الياء.
فإن قلت : فقد
قالوا : «جير» و «ويب» فكسروا.
فإنما ذلك :
لقلة استعمالها وكثرة استعمال «حيث» ، والعرب تخص الكثير الاستعمال
بأخف الألفاظ.
وأما من ضم «حيث»
فإنما ضمها لما كانت مستحقة للإضافة ومنعتها كما فعل «بقبل» و «بعد».
أما «أين» :
فإنه اسم من أسماء المكان وهو يستوعب الأمكنة كلها متضمنة لمعنى الاستفهام.
ووجب أن يبنى
على السكون لوقوعه موقع حرف الاستفهام ، إلا أنهم حركوها بالفتح لالتقاء الساكنين
وآثروا الفتحة من أجل الياء التي قبلها ، ولكثرة دورها في الكلام.
وأما «كيف»
فإنها يستفهم بها عن الأحوال ، ووقعت موقع ألف الاستفهام ، فوجب بناؤها على السكون
، فحركوا آخرها كما فعلوا ب «أين».
قوله : «والكسر
فيها نحو : أولاء وحذار وبداد».
إن
قال قائل : لم وجب
الكسر في «أولاء»؟
قيل له : من
أجل أنه إشارة إلى ما بحضرتك ما دام حاضرا ، فإذا زال لم يسم بذلك ، والأسماء
موضوعة للزوم مسمياتها. فلما لم يلزم فيها ما وضع له ، صار بمنزلة المضمر الذي
يعتقب الذكر إذا جرى ، ولا يؤتى به قبل ذلك ، فلما وجب بناء المضمر ، وجب بناء
المبهم.
ووجب بناؤهما
لأنه لا شيء إلا وحروف المعاني داخلة عليه ، فلما كان الضمير والإشارة داخلين على
الأشياء كلها كدخول الحروف ، وجب بناؤهما.
فإن
قلت : فأنت قد تقول
: «شيء» فيكون واقعا على الأشياء كلها ، فهلا وجب بناؤه؟
فالجواب عن ذلك
: أن «شيئا» هو اسم للمسمى لازم له في أحواله كلها ، والكناية والإشارة والحروف ،
أعراض تعترض في الأشياء ، وليس شيء منها إلا يزول ، فافترق المعنيان وتباين
الحكمان.
فإن
قال قائل : لم استوى المذكر والمؤنث في «أولاء»؟
فالجواب : أن «أولاء»
وقع على جمع أو جماعة ، والجمع والجماعة تقع على الرجال والنساء والحيوان ،
والجماعة والمذكر والمؤنث ، فوقع على ذلك كله «أولاء» ، فاستوى المذكر المؤنث.
وأما «حذار»
فإنه وقع موقع فعل الأمر ، وهو مسكن فاستحق مثل حال الذي وقع موقعه ، والتقى في
آخره ساكنان فحرك بالكسر لعلتين :
ـ إحداهما : أن
«حذار» مؤنثة ، والكسر من علم التأنيث.
ـ والثانية :
أنه كسر على حد ما يوجبه التقاء الساكنين من الكسر.
وأما «بداد»
فاجتمع فيها العدل والتأنيث والتعريف ، فزعم سيبويه أن الذي أوجب
بناءهما : مشابهتهما لفعال التي تقع في الأمر. ومشابهتهما إياها وقوعهما
موقع غيرهما وأن لفظهما واحد ، وأنهما معرفتان ومؤنثتان.
وزعم المبرد أن
الذي أوجب بناءها : أنها لو كانت مؤنثة معرفة غير معدولة ، لكان من حكمها ألا تصرف
فلما عدلت ، زادها العدل ثقلا ، فلم يبق بعد منع الصرف إلا البناء.
وهذا قول مدخول
من قبل أن الشيء إذا اجتمع فيه علتان ـ تمنعان من الصرف ـ أو ثلاث أو أربع ، كانت
القصة واحدة في منع الصرف ، ولا يتجاوز العلل إلى البناء ؛ لأن البناء يقع بمشاكلة
الحروف والوقوع موقعها.
ومنع الصرف
إنما يكون لاجتماع علتين فصاعدا من العلل التي تمنع الصرف ، فهذا يبين لك ما
ذكرناه من صحة قول سيبويه وفساد قول غيره.
قوله : «والضم
نحو حيث وقبل وبعد»
وأما"
حيث" فقد مر تفسيرها.
أما «قبل» و «بعد»
: فإن أصلهما في الكلام أن تكونا مضافتين فحذف ما أضيفتا إليه ، واكتفى بمعرفة
المخاطب ، فصار بمنزلة بعض الاسم ، ثم حذف المضاف إليه فوجب أن تبنيا ؛ لأن بعض
الاسم مبني.
فإذا نكرا
لحقهما الإعراب ؛ لأنهما لم يتضمنا معناهما مضافتين ، ولا عرف المخاطب معناهما
مضافتين ، فلم يصيرا كبعض الاسم وبنيتا على الضم من بين الحركات ؛ لأن كل واحدة
منهما لما كانت منصوبة ومخفوضة في حال الإضافة والتمكن ، أعطيت في حال البناء حركة
لم تكن لها في حال التمكن وهي : الضمة.
وعلة ثانية :
أن «قبل» و «بعد» قد حذف منهما المضاف إليه وضمنتا معناه ، فحركا أقوى الحركات وهي
الضمة ليكون عوضا من الذاهب.
قوله : «والوقف
: من ، وكم وقط وإذ»
أما «من» فهي
اسم يستفهم بها عن ذوات من يعقل ، وهي متضمنة حرف الاستفهام ، فبنيت من أجل ذلك.
ـ وتقع في
المجازاة موقع حرف الجزاء ، وهو «إن» فتبنى لوقوعها موقعه.
ـ وتقع بمعنى «الذي»
لذوات من يعقل ، فتحتاج في هذا الموضع من الصلة إلى مثل ما احتاجت إليه «الذي» فهي
بعض الاسم ، وبعض الاسم لا يكون إلا مبنيّا.
وأما «كم» فهي
مبنية على السكون لتضمنها معنى الألف إذا كانت استفهاما. ومعنى «رب» إذا كانت خبرا
، وهي تقعد أبدا في صدر الكلام كما تقع الألف و «رب».
فإن
قلت : لم وقعت «رب»
صدرا وهي من حروف الجر وحروف الجر لا يقعن صدرا؟.
فالجواب : أن «رب»
ضارعت حرف النفي ، وهو «لا» التي تنفي الجنس ومضارعتها لها إنما تقلل ، والتقليل
شبيه النفي فجعلت صدرا كما جعلت «لا».
وأما «قط» :
فهي مبنية على السكون ؛ لأنها اسم وقع موقع فعل الأمر في أول أحواله ، وذلك قولك :
«قطك درهمان» تريد : ليكفك درهمان. أو اكتف بدرهمين ونحو ذلك من التقدير في
معناها. قد تقول : قدك درهمان ، وهما بمعنى «حسب».
فإن
قلت : فهلا بنيت «حسبك»
إذ كانت في معناهما؟
فالجواب في ذلك
أن «حسب» اسم صحيح أريد به معنى الفعل بعد أن وقع متصرفا ، ولم يقع في أول أحواله
موقع الفعل كما فعل «بقط».
والدليل على
ذلك : أنك تقول : أحسبني الشيء إحسابا ، أي : كفاني.
وهذا عطاؤكم
حساب ، أي كاف. فمعنى «حسبك» : أي كافيك في أصل موضوعه من جهة اللغة لما بيناه من
تصرفه ، فلذلك لم يبن فاعرفه.
وأما «إذ»
فإنها مبنية على السكون لوقوعها على الأزمنة الماضية كلها.
واحتياجها إلى
إيضاح يصحح معناها ، ويفهم به موضعها كاحتياج «الذي» إلى الصلة ، فهي بعض الاسم
لاحتياجها إلى ما يوضحها ، وبعض الاسم مبني.
وقوله في
الأفعال الماضية : «فلم يسكنوها كما لم يسكنوا من الأسماء» إلى قوله : «بمنزلة غير
المتمكن».
أي : لم يسكنوا
الأفعال الماضية كما لم يسكنوا من الأسماء التي حكمها البناء ، ما كان مضارعا
للمتمكن نحو : من عل ، ولا ما كان متمكنا في حال ، ثم بني لعلة دخلته نحو قولهم : أول
، ويا حكم.
اعلم أن «عل»
معناه : فوق ، وفيه لغات :
يقال : جئتك من
عل ، ومن عل ، ومن (علو) ، ومن علو ومن معال ، ومن عل ، وهي كلها بمعنى : فوق.
وفوق لا بد من
أن يكون مضافا إلى شيء ظاهر أو مضمر أو مقدر ، فكذلك هذه الألفاظ التي في معناها.
فإذا حذفت المضاف إليه لم يخل من أن يكون معرفة أو نكرة.
ـ فإن كان
المحذوف نكرة : نكر «عل» ، وما كان في معناه ونوّن.
ـ وإن كان
معرفة : بني لأنه بمنزلة اسم قد اكتفى ببعضه إذ حذف المضاف إليه وأدى عن معناه ،
كما كان ذلك في «قبل» و «بعد».
فإن
قلت : ما معنى قول
سيبويه : «ولا ما ضارع المتمكن» ، وهو يعني : مضارعة «عل» «لعل» المنكور والمنون ،
ولا يقال : ضارع الشيء نفسه؟
فالجواب أن
مضارعة «عل» «لعل» هو أنهما يقعان بمعنى واحد على تقديرين مختلفين ، فكل واحد
منهما مضارع للآخر لاشتراكهما في المعنى واختلافهما في التقدير والحركة ، كما يكون
المبتدأ مضارعا للفاعل في أن معناهما سواء ، وإن كان عاملاهما مختلفين.
ويحتمل أن يريد
أن «عل» ضارعت كل متمكن معرب ؛ لأنها قد تصير إلى التمكن والإعراب في حال التنكير فتساوى
في ذلك الحال ، ما لم يرد متمكنا معربا ، ففصلت في حال البناء بحركة عن ما لا
يتمكن البتة نحو : من وكم.
فإن
قيل : كيف استوى
معناهما على اختلاف تقديرهما وأحدهما معرفة والآخر نكرة؟
قيل : هذا جائز
وله نظائر في العربية منها : أن «غدا» منكور. ويعرف به اليوم الذي يلي يومك ،
فيستوي في فهم المخاطب : آتيك غدا ، وآتيك الغد ، وكذلك : «عشيّا» و «عتمة» فكذلك
القول في : عل ، وعل فاعرف ذلك.
فإن
قال قائل : لم مثل سيبويه «بأول» و «يا حكم» دون غيرهما من الأسماء؟
فالجواب : أن
هذا التمثيل تضمن فائدة لطيفة ، وهي أنه لو جعل مكان «أول» : «قبل» ومكان «يا حكم»
يا زيد ، لجاز أن يتوهم أن حركة : «قبل» و «بعد» وزيد لالتقاء الساكنين دون أن
يكونا مستحقين للحركة في أصل البناء ، كما تضم «حيث» لالتقاء الساكنين فمثل مثالا
يزيل الشك وينفي التوهم.
قوله : «والوقف
قولهم في الأمر : اضرب» إلى قوله : «وما كان معناه افعل».
زعم في هذا
الفصل أن فعل الأمر بعد من الأفعال المضارعة المعربة بعدكم وإذا من الأسماء
المتمكنة ، «وبعد» «كم» و «إذ» من الأسماء المتمكنة : أنهما مبنيان على السكون ،
والمتمكنة متحركة منصرفة.
ـ وأبعد
الأسماء من المتحرك المتصرف : ما بني على السكون.
ـ وأقرب من
المبني الساكن إليه : ما كان مبنيّا على حركة.
قوله في الحروف
المبنية : «والكسر فيها قولهم : لزيد وبزيد».
اعلم أن الحروف
التي جاءت لمعنى ـ وهي على حرف واحد ـ حكمها الفتح كواو العطف وفائه ، وألف
الاستفهام.
وإنما كان
الأصل فيها أن تجيء مفتوحة ؛ لأنها حروف يضطر المتكلم بها إلى تحريكها لابتدائه
بها ، وكان حكمها السكون لو أمكن ذلك فيها ، لأنها حروف معان ، فلما أوجبت الضرورة
تحريكها ، حركوها بأخف الحركات ، وهي الفتحة ، ولم يحتاجوا إلى تكلف ما هو
أثقل منها.
وإنما كسروا
الباء من قبل أن الحروف التي ذكرناها غير عاملة عملا تختص به ، ولا تكون في غيره ،
والباء مختصة بالجر ، فلا تكون إلا فيه ، فألزموها الكسر لمشاكله موضعها من الجر.
فإن
قلت : لم كسروا لام
الإضافة ، وهي قد تكون في غير الجر؟
فإنما فعل ذلك
للفرق بينها وبين لام التأكيد في الموضع الذي يلتبسان فيه ، وهو مع الاسم الظاهر ،
فإذا وقعت على المضمر رجعت إلى أصلها.
قوله : «والضم
فيها قولهم : منذ».
اعلم أن «منذ» و
«مذ» في معنى واحد ، وهما يكونان اسمين وحرفين إلا أن الغالب على «منذ» أن تكون
حرفا وعلى «مذ» أن تكون اسما.
فإذا كانتا
اسمين ارتفع ما بعدهما ، وإذا كانتا حرفين انخفض. فإذا قلت : ما رأيته مذ يوم
الجمعة ، فمعناه : انقطاع رؤيتي له : ابتداؤه يوم الجمعة ، وانتهاؤه الساعة ،
فتضمنتا معنى الابتداء والانتهاء.
وإذا قلت : ما
رأيته مذ اليوم ، أو منذ اليوم ، فليس فيه معنى ابتداء الغاية ولا انقطاعها ، وهما
في معنى «في» فانخفض ما بعدهما.
فإن
قلت : لم ضمت منذ؟
فالجواب : أنه
كان حقها السكون ، فالتقى فيها ساكنان فضمت الذال اتباعا للميم ؛ لأن ما بينهما
حرف ساكن خفي ، فلو بنوها على الكسر لخرجوا من ضمة إلى كسرة وذلك قليل في كلامهم.
فصل
قال سيبويه : «اعلم
أنك إذا ثنيت الواحد لحقته زيادتان» إلى قوله : «فكان هذا أغلب وأقوى».
اعلم أن العرب
إذا ثنت اسما باسم ، زادوا على أحد الاسمين زيادة تدل على التثنية ، وكان ذلك أخصر
من أن يعطفوا أحدهما على الآخر ، كقولك : زيد وزيد وجعلوا العلامة الدالة على ذلك
حروفا ، إذ كانت الحركات قد استوعبها الواحد ، وجعلوا تلك الحروف هي المأخوذة منها
الحركات ، وهي حروف المد واللين ، فكان حكم الواو أن تكون في تثنية المرفوع ، وحكم
الياء أن تكون في تثنية المخفوض ، وحكم الألف أن تكون في تثنية المنصوب.
وكذلك الجمع
الذي على حد التثنية ، غير أنه لا بد من فصل بين التثنية والجمع ، فلم
يكن الفصل بينهما بنفس الحروف ؛ لأنها سواكن ، فجعل الفصل بينهما بالحركة
التي قبل الحروف. فكان ينبغي على الترتيب أن تكن تثنية المرفوع بواو مفتوح ما
قبلها ، كقولك : مسلمون وتثنية المجرور : مسلمين ، وتثنية المنصوب : مسلمان.
وجمع المرفوع
بواو مضموم ما قبلها كقولك : مسلمون وجمع المجرور مسلمين ، وجمع المنصوب بالألف ،
والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا.
ووجب أن يكون
ما قبل هذه الحروف في التثنية مفتوحا من قبل أن حرف التثنية لما أضيف إلى الواحد
أشبه علامة التأنيث ـ وهي يفتح ما قبلها ـ ففتح ما قبل حرف التثنية لهذه المشابهة.
ووجه آخر : وهو
أن بعض علامات التثنية ألف لازمة لها ، والألف لا يكون ما قبلها الا مفتوحا ،
ففتحوا ما قبل غيرها لئلا تختلف من غير علة تضطر إلى المخالفة ، ثم غيروا في الجمع
الحركات التي قبل هذه الحروف لئلا يقع لبس غير أنهم لما فعلوا ذلك ، وقع الفرق بين
التثنية والجمع في المرفوع والمجرور ؛ لأن ما قبل الياء والواو في التثنية مفتوح ،
وفي الجمع على غير ذلك. وما قبل الألف في التثنية والجمع مفتوح ، فالتبس تثنية
المنصوب بجمعه فأسقطوا علامة النصب فرارا من اللبس ، فبقي النصب بلا علامة ، فألحق
بالجر لما بينهما من المناسبة مع لزوم الجر للأسماء.
فصارت علامة
التثنية : مسلمون المرفوع بفتحة الميم.
ومسلمون في
الجمع للمرفوع بضمة الميم.
ومسلمين في
تثنية المجرور.
ومسلمين في
جمع.
فأزالوا الواو
من التثنية وجعلوا مكانها ألفا.
وإنما فعلوا
ذلك لأنهم كرهوا أن يستعملوا حرفين من حروف المد واللين ، ويطرح الثالث.
وقد كانت
الحركات المأخوذة منهن مستعملات في الواحد ، فاستعملوا الألف في التثنية دون الجمع
؛ لأن ما قبل حرف التثنية مفتوح مشاكل للألف.
واستعملوه في
المرفوع دون المجرور ؛ لأن المجرور قد ألحقوا به المنصوب ، فلو استعملوها فيه للحق
به المنصوب ، فكان يعود المنصوب بالألف ، وقد أزيلت علامته بالألف لما ذكرت لك.
وعلة أخرى : أن
المجرور ألزم في الاسم من المرفوع وأخص به ، فكان تغيير ما ليس بلازم أولى من
تغيير اللازم.
ومما أوجب أن
تستعمل الألف : أن تثنية المرفوع لو استعملت بالواو فقيل : «مسلمون» ، لأشبهت ما
جمع من المقصور جمع السلامة نحو «مصطفون» ، و «معلّون».
واعلم أن الألف
والياء في التثنية ، والياء والواو في الجمع عند أكثر شارحي كتاب سيبويه : من حروف
الإعراب بمنزلة الدال من زيد ، والألف من قفا.
واحتجوا على
ذلك بحجج منها : أنهم قالوا : حكم الإعراب أن يدخل الكلمة بعد دلالتها على معانيها
لاختلاف أحوالها في فعلها ، ووقوع الفعل بها ، وغير ذلك من المعاني ، ومعنى ذاتها
واحد. فلما كان الواحد دالّا على مفرد ـ وبزيادة حرف التثنية يدل على اثنين ـ كان
حرف التثنية من تمام صيغة الكلمة ، فصار بمنزلة الهاء في : قائمة والألف في حبلى ؛
لأنهما زيدتا لمعنى التأنيث كما زيد حرف التثنية لمعنى التثنية.
فإن قال قائل :
إذا كانت هذه الحروف هي حروف الإعراب كالألف في «حبلى» والتاء في «قائمة» فينبغي
أن لا يتغيرن في حال الرفع والجر ؛ لأن حروف الإعراب لا تتغير ذواتها في هذه
الأحوال.
فالجواب : أن
للتثنية والجمع خاصة ينفردان بها ، فاستحقا من أجلها التغيير ، وكل اسم معتل لا
تدخله الحركات فله نظير من الصحيح نحو : قفا وحبلى ، فنظير قفا : جبل ، ونظير
الألف في حبلى : الألف في حمراء ؛ لأن هذه الهمزة هي ألف التأنيث.
والتثنية وجمع
السلامة لا نظير لواحد منهما إلا تثنية أو جمع ، فامتنعت التثنية والجمع من نظير
يدل إعرابه على إعرابهما كدلالة جبل وحمراء على إعراب مثلهما من المعتل ، فعوض
التثنية والجمع من فقد النظير الدال على مثل إعرابهما تغيير الحروف فيهما.
فإن قال قائل :
هل في هذه الحروف حركة في النية؟.
فالجواب أن
فيها حركة مقدرة ، وإن لم ينطق بها استثقالا لها ، كما يكون في : عصا وقفا حركة
منوية من قبل أن هذه الحروف لما دخلت على تمام الكلمة في ذاتها ، وأشبهن ألف حبلى
وقفا ، جرين مجراها في نية الحركة إذ لا موجب للبناء.
قوله في هذه
الفصل : «ولم يجعلوا النصب ألفا ليكون مثله في الجمع».
يعني : لو
جعلوا النصب بالألف في التثنية ؛ لأن الألف مأخوذ منها الفتحة ؛ للزمهم أن يجعلوا
النصب بالألف في الجمع فكان يلتبس التثنية بالجمع.
ومعنى قوله : «ليكون
مثله في الجمع» :
ـ لئلا يكون ،
وكي لا يكون ، كأن تركهم جعل النصب بالألف في التثنية ؛ لكراهة أن يلزمهم جعله
بالألف في الجمع.
ـ وتقدير آخر :
أن يكون المعنى : لم يجعلوا النصب ألفا وجعلوها ياء ليكون النصب
في الجمع مثله في التثنية ، ثم حذف قوله : «وجعلوه ياء» ؛ لأن قوله : «لم يجعلوا
النصب ألفا» دليل على هذا المحذوف ، وفي «يكون» ضمير النصب. والهاء في «مثله» ضمير
النصب ، كأنه قال : ليكون النصب في تثنيته مثل النصب في الجمع.
وقوله : «وكان
مع ذا أن يكون تابعا لما الجرة منه أولى».
يعني : وكان
النصب مع هذا الذي ذكرنا ، مما يمنع أن يكون النصب بالألف أن يكون النصب تابعا حين
منع الألف أولى ، وأما الجرة منه فالياء ؛ لأن الكسرة من الياء.
وقوله : «ومن
ثم جعلوا تاء الجمع في النصب (والجر) مكسورة» إلى قوله : «لأنها في التأنيث نظير
الواو والياء في التذكير».
يريد أنهم
جعلوا تاء الجمع في النصب والجر مكسورة ، لأنهم قد جعلوا هذه التاء والحرف الذي
قبلها علامة لهذا الجمع ، كما جعلوا الواو والياء علامة لجمع المذكر باجتماعهما في
هذه المعنى ، وأشركوا بين النصب والجر في هذا الجمع كما أشركوا بينهما في ذلك
الجمع.
قال الأخفش في
هذا الجمع من المؤنث : «ليس فيها في موضع النصب إعراب ، ولا حرف إعراب ـ يعني في
التاء ـ وهذه الكسرة عنده كسرة بناء».
والاحتجاج له :
أن هذه الكسرة أتبعت كسرة الخفض ، وكسرة الخفض إعراب ، وكسرة النصب بناء ، كما
قالوا : «يا زيد بن عبد الله» في من فتح الدال من «زيد» ، فأتبعوا حركة الدال
إعراب «الابن» وإحدى الحركتين إعراب والأخرى بناء ، وكذلك امرؤ وابنم.
والاحتجاج على
الأخفش أن يلزم جعل فتحة ما لا ينصرف في حال الجر بناء ؛ لأن هذه الفتحة هي النصب
، والجر داخل عليه فيها كما دخلت الكسرة في التاء للجر ودخل النصب عليها.
والذي فيه من
الاحتجاج لسيبويه ـ في أن الكسرة في التاء في النصب إعراب ـ أن الإعراب إنما هو
تعاقب الحركات على أواخر الكلم باختلاف العوامل ، وهذه الكسرة تدخل معاقبة للضمة
لعوامل توجب ذلك لها ، فقد وجب فيها شرط الإعراب.
فصل
قال سيبويه : «واعلم
أن التثنية إذا لحقت الأفعال المضارعة علامة للفاعلين» إلى قوله : «إذ كانت متحركة
لا تثبت في الجزم».
اعلم أن الفعل
لا يثنى ولا يجمع ؛ لأن المثنى والمجموع ، هو الذي يدخل في نوع يشاركه فيه غيره ،
فيشتمل النوع على آحاد منكورين فتضم بالتثنية واحدا من النوع إلى آخر مثله ، وتضم
بالجمع واحدا إلى أكثر منه ، وليس الفعل كذلك ؛ لأن اللفظ الواحد من الفعل
يعبر به عما قل منه أو كثر ، وما كان لواحد أو لجماعة.
فإذا صح أن
الفعل لا يثنى ، صح أن الألف التي تلحقه في التثنية ، والواو التي تلحقه في الجمع
لغير تثنية الفعل وجمعه.
فزعم سيبويه أن
الألف والواو تكونان مرة اسم المضمرين والمضمرين ، ومرة حرفين دالين على التثنية
والجمع.
وقال أبو عثمان
وغيره من النحويين : الألف في قاما ، والواو في قاموا : حرفان لا يدلان على
الفاعلين والفاعلين المضمرين ، والفاعل في النية كما أنك إذا قلت «زيد قام» ، ففي «قام»
ضمير في النية لا علامة له ظاهرة ، فإذا ثني وجمع فالضمير في النية ، غير أن له
علامة.
والاحتجاج
لسيبويه أنه لا خلاف بينهم أن التاء في قمت هي اسم المتكلم وضميره وقد يكون فعل
المتكلم لا علامة فيه للضمير كقولك : أنا أقوم وأذهب.
فإذا جاز أن
يكون له فعلان :
أحدهما : يكون
ضميره في النية وهو : أقوم وأذهب.
والآخر يتصل به
ضمير المتكلم وهو : قمت ، وذهبت ـ جاز أن يكون ذلك في الغائب.
قوله : «فإن
أردت جمع المؤنث في الفعل المضارع» إلى قوله : «حين قلت : فعلت وفعلن».
ذكر أن الفعل
المضارع قد شارك الماضي في الفعلية ، وشاركه في أن آخر كل واحد منهما متحرك ، فلما
لزم سكون اللام في الماضي ، لزم سكونها في المستقبل للشركة التي بينهما من الفعلية
والحركة.
ثم قال : «وليس هذا بأبعد فيها
ـ إذ كانت هي وفعل شيئا واحدا ـ من يفعل ، إذ جاز فيها الإعراب حين ضارعت الأسماء
وليست باسم».
يعني : ليس هذا
التسكين في الفعل المضارع ، وهذا الحمل على الماضي بأبعد فيهما ـ وهما مشتركان في
الفعلية ـ من حمل الأفعال المضارعة على الأسماء في الإعراب ؛ لأنها إنما أعربت لما
فيها من مشاكلة الأسماء المستحقة للإعراب.
فإذا جاز لهم
حمل المضارع على الاسم في الإعراب ، كان حمله على الفعل الماضي عند لحاق النون به
أولى وأوجب.
ثم قرن هذه
العلة بعلة أخرى فقال : «لأنها قد تبنى مع ذلك على الفتحة في قولك : هل تفعلن».
يريد أن النون
التي للتوكيد متى دخلت على الفعل المضارع سكن لها لام الفعل ، ثم
فتح لالتقاء الساكنين. فإذا كانت نون التوكيد التي يستغنى عنها تؤثر في
الفعل هذا التأثير ، كانت النون التي لا يستغنى عنها ـ وهي ضمير جماعة المؤنث ـ أولى
بهذا التأثير.
فإن
قيل : لم خص تحريك
الفعل بالفتح مع نون التوكيد؟.
فالجواب : أنه
أشبه ما زيد عليه علامة التأنيث وعلامة التثنية ، أو ركب مع نون التوكيد تركيب
خمسة عشر ، فأوثرت الفتحة لخفتها مع ثقله وثقل التوكيد.
وقوله : «وبنوها
على هذه العلامة».
يريد : لام فعل
، بنوها على السكون ، والسكون هو العلامة ، فإنما أراد أن يسهل الأمر في تسكين هذه
اللام إذ كانت حركتها حركة بناء. ثم بين أن الفعل المضارع إذا اتصل بنون النساء
بني على السكون تابع للماضي لما بينهما من الشركة.
فصل
قال سيبويه : «اعلم
أن بعض الكلام أثقل من بعض» إلى قوله : «والاسم قد يستغني عن الفعل».
اعلم أن سيبويه
قدم هذه المقدمة ليرى خفة الأسماء المنصرفة ، وأن الصرف فيها هو الأول ، وأن
المانع من الصرف علل ـ دخلت عليها ـ فرعية ، فبدأ فدل على أن الفعل أثقل من الاسم
في الأصل ؛ لأن الاسم يستغنى به عن الفعل ، ولا يستغنى بالفعل عن الاسم.
فلما دل على أن
الاسم أخف والفعل أثقل ، ذكر أن نقصان الفعل عن الاسم لثقل الفعل وخفة الاسم ؛ لأن
الاسم لخفته تدخله الحركات والتنوين ، والفعل لا يدخله إلا حركتان ، ويمنع من
التنوين.
والعلة الفاصلة
بينهما : الخفة والثقل. فجعل هذه العلة علة لكل ما ثقل من الأسماء بدخول العلل
المثقلة لها عليها في منع التنوين وتمام الحركات التي تكون في الأسماء الخفيفة ،
تشبيها لما ثقل من الاسم بالفعل ، وأشرك بينهما لاشتراكهما في الثقل ونقصانهما عن
تمكن الاسم الأخف.
فهذه جملة
مقدمة لهذا المعنى ، وستقف على تفصيل مسائلها في باب (ما ينصرف وما لا ينصرف) إن
شاء الله.
وجملة ما يمنع
الصرف ، وينزل الاسم منزلة الفعل المضارع هي تسع علل : التأنيث والصفة ، والجمع ،
ووزن الفعل ، والعدل ، والعجمة ، وتركيب الاسم من اسمين والتعريف ، وشبه التأنيث
باللفظ والزيادة.
فهذه التسع علل
متى اجتمع منها اثنان فصاعدا أو واحدة في معنى اثنين امتنع الاسم من الجر
والتنوين. وإنما كانت هذه عللا حادثة من قبل : أن الواحد قبل الجمع. وأن الصفة
في معنى الفعل ، والفعل فرع على الاسم. ووزن الفعل معنى حادث ؛ لأن الفعل
حادث ، فوزنه حادث.
والتعريف حادث
؛ لأنه داخل على التنكير.
والعدل فرع ؛
لأنه تغيير في الاسم عن اللفظ الأول.
والعجمة فرع ؛
لأنها داخلة على كلام العرب ؛ لأن أول ما يعتادون التكلم به ، كلامهم العربي ثم
الكلام العجمي بعد ذلك ، وتركيب الاسم من اسمين فرع ؛ لأن المفرد أول.
وشبه التأنيث
باللفظ والزيادة من أبين الأشياء أنه فرع ؛ لأن المشبه به فرع.
والتأنيث بعد
التذكير من قبل أن كل معلوم يصلح الإخبار عنه ، فإنه يصلح أن يعبر عنه بشيء ،
والشيء مذكر. وفي الأشياء ما لا تصلح العبارة عنه بلفظ المؤنث ، ألا ترى أنك تقول
: الله كريم ، كما تقول : هو شيء كريم والله أعز الأشياء ، وقال تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً
قُلِ اللهُ شَهِيدٌ) [الأنعام : ١٩]. فيقع عليه «شيء» ولا يقع عليه لفظ كلفظ المؤنث.
وقوله : «وإنما
يخرج التأنيث من التذكير».
معنى «يخرج» :
يتفرع كقولك : الإنسان يخرج من النطفة ، والكبير يخرج من الصغير.
وقوله : «وجميع
ما لا ينصرف» إلى قوله : «ولا يكون ذلك في الأفعال».
يعني : أن
الألف واللام والإضافة من خواص الأسماء ، فأخرجتها عن شبه الأفعال.
وتقدير لفظ
اعتلاله : أن يقال : لأنها أسماء دخل عليها من الإضافة والألف واللام ما لا يكون
في الأفعال.
وقوله : «وأمنوا
التنوين».
يعني : بدخول
الألف واللام والإضافة ، أمنوا أن يكون في الاسم تنوين مقدر يكون حذفه علامة لمنع
الصرف ؛ لأن ما لا ينصرف فيه تنوين مقدر محذوف ، وليس ذلك في ما ذكر.
فصل
قوله : «واعلم
أن الآخر إذا كان يسكن في الرفع» إلى قوله : «يغزو ويرمي ويخشى».
إن
سأل سائل فقال : إذا قلت : «لم يرم» فما علامة الجزم فيه؟
قيل له : حذف
الياء ، فإن قال : كيف جاز أن يكون حذف حرف من الكلمة في علامة إعراب؟ قيل له :
إنما جاز ذلك ؛ لأن هذا الحرف مشبه للحركة وذلك أن الحركة منه مأخوذة.
وعلى قول بعضهم
: هو حركة مشبعة ، ومع ذلك فقد كان في حال الرفع لا تدخله حركة ، كما لا تدخل
الحركة حركة ، فلما أشبه الحركة والجزم بحذف ما يصادف من الحركات ، حذف هذه الياء
إذ كانت بمنزلة الحركة فكان حذفها جزما كما يكون حذف
الحركة.
هذا باب المسند
والمسند إليه
قوله : «المسند
والمسند إليه» فيه أوجه نذكر أجودها وأرضاها : وهو أن يكون المسند : «الحديث»
والمسند إليه هو «المحدث عنه» وذلك على وجهين : فعل وفاعل ، واسم وخبر.
وإنما كان
المسند الحديث ، والمسند إليه : المحدث عنه ، كقولك : هذا حديث مسند إلى رسول الله
صلّى الله عليه وسلّم. فالحديث هو المسند. ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو
المسند إليه.
ووجه ثان : أن
يكون التقدير فيه : هذا باب المسند إلى الشيء ، والمسند ذلك الشيء إليه ، وحذف من
الأول اكتفاء بالثاني ، فكل واحد منهما مسند إلى صاحبه لاحتياجه إليه ، إذ لا يتم
إلا به.
قوله : «واعلم
أن الاسم أوله الابتداء».
يعني : أوله
المبتدأ ؛ لأن المبتدأ هو الاسم المرفوع ، والابتداء هو العامل فيه غير أنه اكتفى
بالمصدر عن الاسم ، كقولك : أنت رجائي ، أي مرجوي.
ويحتمل أن يكون
المعنى أول أحواله الابتداء ، فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه.
وقوله : «فإنما
يدخل الناصب».
يعني : إن
وأخواتها وظننت وأخواتها.
«والرفع سوى
الابتداء».
يعني : كان
وأخواتها وظن وأخواتها.
«والجار» هو
الباء في : «بحسب زيد» و «ما في الدار من أحد».
فهذه العوامل
تدخل على المبتدأ فيصير الاسم معربا بها دون الابتداء.
ووقع في الكتاب
: «وإنما تدخل الرافع والناصب سوى الابتداء» والمعنى على التقديم والتأخير ،
وتفسيره كما تقدم.
ويحتمل أن يريد
أن الابتداء ليكون لكل موضعه دون تقديم ولا تأخير.
فإن قيل : أن
يكون ناصبا؟
فالجواب : أنه
ينصب الخبر إذا كان غير الأول كالظرف والحال النائبة مناب الخبر كقولك : زيد خلفك
، وأكلك متكئا ، ونحوه.
هذا باب اللفظ
للمعاني
قوله : «واعلم
أن من كلامهم : اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين».
يحتمل وجهين.
ـ أن يكون أراد
باللفظين الكلمتين.
ـ ويحتمل أن يكون
أراد الحركتين.
فإن كان أراد
الكلمتين ، فهو نحو : دار وثوب ، وما أشبه ذلك مما يخالف بعضه بعضا في اللفظ
والمعنى.
وإن كان أراد
الحركتين : فهو كقولك : ما أحسن زيدا! في التعجب.
وما أحسن زيد
في النفي ، وما أحسن زيد في الاستفهام.
وكذلك : ضرب
زيد عمرا. اختلف حركتاهما لاختلاف معناهما ، وتجري باقي الباب على القياس.
فإن
قال قائل : لم أتى سيبويه بهذا الباب؟ وما الفائدة فيه من طريق الإعراب؟
فالجواب عن أبي
العباس أنه أجاب عن هذا بأن قال : أراد سيبويه باختلاف اللفظين: اختلاف الكلمتين ،
وجعل هذا دليلا على اختلاف الإعرابين لاختلاف المعنيين.
وقال غيره :
الذي قصد إليه سيبويه أنه أراد الإبانة عن هذا المعنى بعينه لا أن جعله دليلا على
سوى هذا ، وذلك أن في الناس من يزعم أنه لا يجيء لفظان مختلفان إلا ومعناهما
مختلف. فأراد سيبويه إبانة مذهب العرب ، وجعلهم اللفظين المختلفين لمعنى واحد ،
واللفظين المتفقين للمعنيين المختلفين.
باب ما يكون في اللفظ
من الأعراض
قوله : «من
الأعراض»
يعني : ما يعرف
في اللفظ فيجيء على غير ما ينبغي أن يكون عليه من قياس.
وقوله : «اعلم
أنهم مما يحذفون من الكلام».
معناه : ربما
يحذفون ، وهو يستعمل هذه الكلمة كثيرا في كتابه ، وهي مشهورة في كلام العرب.
وقوله فيما
عوضوا فيه : «اسطاع يسطيع».
اعلم أن فيه
أربع لغات :
ـ أسطاع يسطيع
إسطاعة بقطع الألف.
ـ واستطاع
يستطيع استطاعة بوصل الألف.
ـ واسطاع يسطيع
اسطاعة.
ـ واستاع يستيع
استاعة بوصل الألف فيهما.
ومعنى الجميع :
القدرة على الشيء.
واشتقاقه من
الطاعة ؛ لأنك إذا استطعت الشيء وقدرت عليه ، فالشيء منقاد لك.
فكأنه مطيع.
فأما اسطاع
يسطيع ، فأصله : أطوع يطوع ، فألقوا حركة الواو على الطاء فانقلبت الواو ألفا ، ثم
زادوا السين في أطاع عوضا من إلقاء حركة الواو على الطاء.
وقد طعن قوم
على سيبويه في قوله : «زادوا السين عوضا من ذهاب حركة العين».
والعين هي
الواو في : أطوع ، فقالوا : الحركة ما ذهبت وإنما ألقيت على ما قبلها.
والجواب عن
سيبويه أنه أراد : جعلوا السين عوضا من ذهاب حركة العين من العين ونقلها إلى
الفاء.
وأما استطاع ،
فهو استفعل من الطاعة.
وأما اسطاع ،
فهو استفعل أيضا ، إلا أن التاء حذفت لمجاورتها الطاء وهما من مخرج واحد ، فثقل
موالاتها بلا فاصل مع كثرة الاستعمال.
وأما استاع :
فإن الأصل فيه : استطاع أيضا. وحذفت الطاء لأنها أثقل من التاء لما فيها من
الإطباق.
فإن
قيل : لم كان العوض
في اسطاع سينا؟
فالجواب في ذلك
، أن يقال : السين والتاء هما من الحروف الزوائد ، وحروف البدل ، فإذا عوضوا حرفا
، فقد وصلوا إلى ما أرادوه من التعويض ـ أي حرف كان ـ لأن الغرض التعويض لا الحرف
بعينه.
ومع ذلك فيحتمل
أن تكون زيادة السين للعوض في : اسطاع لتشاكل سائر اللغات التي فيها السين مزيدة
في بنائها.
ونظيرها في
الزيادة للعوض من ذهاب حركة العين : أهراق ، زيدت الهاء فيه دون غيرها لمشاكلتها
الهمزة ؛ لأنها تبدل منها كثيرا.
وأما قولهم : «اللهم»
فإن الميم زيدت عوضا من «يا» وشددوها لتكون عوضا من «يا» وخصوا الميم ؛ لأنها تقع
زائدة في أواخر الأسماء نحو : زرقم وستهم للأزرق والأسته.
باب الاستقامة من
الكلام والإحالة
قوله في هذا
الباب : «وأما المستقيم الكذب ، فقولك ، حملت الجبل وشربت ماء البحر».
فإنما خص «حملت
الجبل» و «شربت ماء البحر» ؛ لأن هذا يدل على كذب قائلها قبل التصفح والبحث ، وإلا
فكل كلام تكلم به مخبره على خلاف ما يوجبه الظاهر ، كذب علم أو لم يعلم.
وقوله : «وأما
المستقيم القبيح».
إن
قال قائل : كيف جاز أن يسميه مستقيما قبيحا؟ وهل هذا إلا بمنزلة قولك : حسن قبيح ؛
لأن المستقيم هو الحسن؟
فالجواب أن
الكلام على ضربين : كلام ملحون ، وكلام غير ملحون. والملحون هو الذي لحن فيه عن
القصد ، أي : عدل عن وجهه إلى غيره. وما لم يكن ملحونا : فهو على القصد وعلى النحو
، ومن ذلك سمي النحوي نحويّا.
فالمستقيم من
طريق النحو ، هو ما كان على القصد سالما من اللحن ، فإذا قلت : قد زيدا رأيت ، فهو
سالم من اللحن ، فكان مستقيما من هذه الجهة وهو مع ذلك موضوع في غير موضعه ، فهو
قبيح من هذه الجهة.
قال الأخفش :
ومنه الخطأ ، وهو ما لا يتعمده نحو قولك : ضربت زيدا. هذا من جهة اللفظ مستقيم ،
فيقال فيه على قياس ما مضى من الباب : مستقيم كذب ومستقيم قبيح ، إلا أن سيبويه لم
يذكر هذا القسم لأن لفظه لا يدل على أنه خطأ ، وإنما ظاهره أنه صواب ، وإنما حكى
سيبويه أقساما ظاهرها دال على ما قصد بها فاعلم.
باب ما يحتمل الشعر
اعلم أن سيبويه
ذكر في الباب جملة من ضرورة الشعر ليرى الفرق بين الكلام والشعر ، ولم يتقصه ؛
لأنه لم يكن غرضه القصد إلى ذلك نفسه ، وإنما أراد أن يصل الباب بالأبواب التي
تقدمت فيما يعرض في كلام العرب ومذهبهم في الكلام المنظوم والمنثور ، ونبين ضرورة
الشعر مقسمة بأقسامها حتى يكون الشاذ منها مستدلّا عليه بما نذكره إن شاء الله.
اعلم أن ضرورة
الشعر تسعة أوجه وهي :
الزيادة ،
والنقصان ، والحذف ، والتقديم ، والتأخير ، والإبدال ، وتغيير وجه من الإعراب إلى
وجه آخر على طريق التشبيه ، وتأنيث المذكر ، وتذكير المؤنث.
فمن الزيادة :
ما يزداد في القوافي للإطلاق ، وهي الواو بعد الضمة ، والياء بعد الكسرة ، والألف
بعد الفتحة.
ويجوز أن يجعل
مكان الواو والياء والألف والنون.
والنون لا يوقف
عليها إلا في قوافي الشعر. وأما حروف المد فقد يوقف عليهن في الكلام عوضا من
التنوين ، كقولك : هذا زيدو ، ومررت بزيدي ، ورأيت زيدا.
وإنما زيدت هذه
الزيادة في الشعر في القوافي ؛ لأنهم يترنمون به ويحدون ، ويقع فيه تطريب لا يتم
إلا بمد الحرف.
وقد شبهوا
مقاطع الكلام المشجع بالشعر في زيادة هذه الحروف حتى جاء ذلك في أواخر الآي من
القرآن الكريم ، كقوله عز وجل : (فَأَضَلُّونَا
السَّبِيلَا) [الأحزاب ٦٧].
ومن ذلك صرف ما
لا ينصرف ؛ لأن الأسماء أصلها الصرف ودخول التنوين فإذا اضطر شاعر ردها إلى أصلها.
والدليل على ذلك أن ما لا أصل له في التنوين ، لا يجوز
للشاعر تنوينه ، ألا ترى أن الفعل لا ينون عند الضرورة إذ كان أصله غير
التنوين. وقد ينون أيضا ما بني من الأسماء التي قد استعملت منونة في حال إذا اضطر
الشاعر إليه كقولك : «يا زيد» في الضرورة.
وأجاز الكوفيون
والأخفش ترك صرف ما لا ينصرف ، وأباه سيبويه وأكثر البصريين ؛ لأنه ليس لمنع صرف
ما ينصرف أصل يرد إليه الاسم. وأنشدوا في ذلك أبياتا كلها يخرج على غير ما تأولوه
، وينشد على غير ما أنشدوه.
وكان بعض
النحويين يقول : لو صحت الرواية في ترك صرف ما ينصرف ما كان بأبعد من حذف الواو في
قولهم :
* فبيناه يشري رحله
وإنما هو : «فبينا
هو» فحذف الواو من «هو» وهي متحركة من نفس الكلمة ، فإذا جاز حذفها ، جاز حذف
التنوين الذي هو زائدة للضرورة.
ومن الزيادة :
قولهم في الشعر : رأيت جعفرّا ، ومررت بجعفرّ ، وهذا جعفرّ. وإنما شددوا ؛ لأنهم
يقولون في الوقف : جعفرّ ليدلوا على أن آخره متحرك في الوصل ؛ لأنهم إذا شددوا
اجتمع ساكنان في الوقف ، وقد علم أن الساكنين لا يجتمعان في الوصل ، فشددوا ليدلوا
بالتشديد على التحريك في الوصل. فإذا وصلوا ردوا الكلام إلى أصله فقالوا : مررت
بجعفر ، وهذا جعفر ، فاعلم.
فإذا اضطر
الشاعر إلى تشديده في الوصل شدده وأجراه مجراه في الوقف ، فقال. رأيت جعفرا (ومررت
بجعفر ، وهذا جعفر ، ومن الزيادة) : أنهم يزيدون في آخر الاسم نونا مشددة كقولهم
في القطن : قطنن. وهذا من أقبح الضرورة.
قال الراجز :
* كأنّ مجرى دمعها المستنّ
|
|
قطنة من أجود
القطننّ
|
ويروى : «القطن».
ومن الزيادة :
زيادة الحركة اتباعا لما قبلها ، كقول زهير بن أبي سلمى :
* ماء بشرقي سلمى فيد أو ركك
وإنما هو : «رك»
، فحرك الكاف بحركة الراء.
__________________
ومثله له :
* فلم ينظر به الحشك
وإنما هو : «الحشك»
بسكون الشين.
ومن الزيادة :
زيادة الحركة على ما ينبغي أن يكون استعمال اللفظ عليه ، وهو إظهار المدغم كقولك :
في راد : رادد ؛ لأنه فاعل.
وكما قال :
* أنّي أجود لأقوام وإن ضننوا
والمستعمل «ضنوا».
ونحو هذا تحريك
المعتل ورده إلى أصله ، كقوله :
* لا بارك الله في الغواني هل
ومن الزيادة :
قطع ألف الوصل. وأكثر ما يكون في النصف الثاني من البيت. قال حسان بن ثابت :
* لتسمعن وشيكا في دياركم
|
|
ألله أكبر يا
ثارات عثمانا
|
قطع ألف «الله».
وقال آخر :
* لا نسب اليوم ولا خلة
|
|
إتسع الخرق
على الراقع
|
فقطع ألف «اتسع».
ومن الزيادة :
الياء في : مساجيد ، وصياريف. ولا تثبت هذه الياء من الجمع إلا في ما كان واحده
على خمسة أحرف ثالثها حرف مد. أو في ما كان على خمسة أو أكثر من ذلك فحذف ما زاد
على الأربعة ، ثم عوض من المحذوف ياء.
وإنما جاز
إثبات الياء فيما لم يكن على هذه الشريطة تشبيها بهذا عند الضرورة.
ومن الزيادة :
أنهم يزيدون النون الخفيفة والثقيلة في الشعر في الفعل الواجب ، وإنما حقها أن
تدخل في غير الواجب.
ومن الزيادة :
زيادتهم الألف في «أنا» إذا وقفوا عليه ، فإذا وصلوا حذفوا الألف. فإذا اضطر
الشاعر أثبتها في الوصل.
__________________
قال الشاعر :
* أنا سيف العشيرة فاعرفوني
|
|
حميد قد
تذريت السناما
|
فإن قال قائل :
كيف تكون هذه ضرورة ، وفي القراء من يقرأ (وَأَنَا أَعْلَمُ
بِما أَخْفَيْتُمْ) [الممتحنة : ١].
قيل له : يجوز
أن يكون هذا القارئ وصل في نية الوقف كما قرأ بعضهم : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا
أَسْئَلُكُمْ) [الأنعام : ٩٠] فأثبت الهاء في الوصال على نية الوقف.
باب الحذف
اعلم أن الشاعر
يحذف ما لا يجوز في الكلام لتقويم الشعر كما يزيد لتقويمه.
فمن ذلك ما
يحذف من القوافي الموقوفة من تخفيف المشدد كقول امرئ القيس :
* أصحوت اليوم أم شاقتك هر
ومن الحذف
تخفيف المشدد وتسكينه مع حذف حرف بعده كقولك في معلي : معل ، وفي معنّي : معن.
قال الأعشى :
* لعمرك ما طول هذا الزمن
|
|
على المرء
إلا عناء معن
|
ومن الحذف :
الترخيم ، والترخيم على ثلاثة أوجه :
أولها : ترخيم
النداء
والثاني : ما
يجوز حذفه لضرورة الشعر في غير النداء.
وبين النحويين
في هذا اختلاف :
فمنهم من أجازه
على اللغتين جميعا ، وهو مذهب سيبويه وأكثر النحويين ، ومنهم من لم يجز إلا إحدى
اللغتين وهو أن يحذف آخر الاسم ويجعل ما بقي من الاسم كاسم غير مرخم فيجريه بوجوه
الإعراب ، وهو مذهب أبي العباس.
فمما استشهد به
سيبويه على جواز الوجه الذي لم يجزه أبو العباس ، قول ابن أحمر :
* أبو حنش يؤرقنا وطلق
|
|
وعباد وآونة
أثالا
|
فذكر سيبويه أن
«أثال» معطوف على قوله : «أبو حنش وطلق» فحذف الهاء وبقي اللام على فتحها ، والأصل
: أثالة.
__________________
وعلل أبو
العباس البيت ، وذكر أن «أثال» معطوف على النون والألف في «يؤرقنا» فموضعه نصب.
وقال غيرهما :
القول فيه غير هذا وهو أن «أثال» لم تحذف منه هاء ؛ لأنه ليس في الأسماء «أثالة»
وإنما هو «أثال» ولم يعطفه على النون والألف في «يؤرقنا» على أنه يتذكر ؛ لأنهم لا
يؤرقونه إلا وهو يذكرهم فنصب «أثالا» «بأذكرهم» الذي قد دل عليه «يؤرقنا».
والقول ما قاله
سيبويه وسائر المتقدمين في جواز الترخيم على الوجهين في غير النداء ضرورة لعلتين :
ـ إحداهما : الرواية
في قوله :
* وأضحت منك شاسعة أماما.
ـ والثانية :
القياس ، وذلك أن هذا الترخيم أصل جوازه في النداء ، فإذا اضطر الشاعر إلى ذكره في
غير النداء أجراه على حكمه في الموضع الذي كان فيه ؛ لأن ضرورته أن ينقله من موضع
إلى موضع.
ومما يدخل في
حكم هذا الوجه الثاني من الترخيم ـ في أنه لا يجوز إلا في الشعر ـ أن يرخم الاسم
فيبقى من حروفه ما يدل على جملته ، كقول علقمة :
* مفدّم بسبا الكتان ملثوم
أراد بسبائب
الكتان.
وقال العجاج :
* قواطنا مكة من ورق الحمى
يريد : الحمام
، فرخمها. فيجوز أن يكون حذف الألف والميم من الحمام للترخيم الذي ذكرناه ، فبقي «الحم»
فخفضه وأطلقه للقافية.
ويجوز أن يكون
حذف الألف فبقى" الحمم" فأبدل من الميم الثانية ياء استثقالا للتضعيف
كما قالوا : تظنيت.
ويحتمل أن يكون
حذف الميم وأبدل من الألف ياء كما يبدل من الياء ألف في قولهم :مدارى وعذارى ،
وإنما أصله مدار وعذار.
ـ والوجه
الثالث من الترخيم : ترخيم التصغير وهو جائز في الكلام والشعر.
__________________
ومن الحذف :
قصر الممدود ، وكلهم مجمعون على جوازه غير أن الفراء يشترط فيه شروطا يهملها غيره.
زعم أنه لا
يجوز أن يقصر من الممدود ما لا يجيء في بابه مقصورا نحو : حمراء ، وصفراء ، وكذلك
: فقهاء وكرماء.
فلا يجوز عنده
في الشعر أن يجيء مقصورا ، وإنما يجيز قصر الممدود الذي يجيء في بابه مقصورا نحو :
الحداء والدعاء ؛ لأنه قد جاء البكى مقصورا. والبصريون مجمعون على منع مد المقصور.
فإن
قال قائل : ما الفرق بين جواز قصر الممدود ومد المقصور؟
قيل له : قصر
الممدود : تخفيف ورد إلى الأصل ومد المقصور تثقيل وليس براد له إلى أصل.
ومن الحذف :
حذف النون الساكنة من نحو : «من» و «عن» ، و «لكن» لالتقاء الساكنين كما قال :
* ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل
وإنما ذلك لأن
النون تشبه حروف المد واللين مع أنهم قد يحذفون التنوين الذي هو علامة للصرف كما
قرأ بعضهم : (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ) [الإخلاص : ١].
ومن الحذف :
حذف الياء من المعتل في حال الإضافة ، ومع الألف واللام ، تشبيها بحذفهم إياها مع
التنوين كما قال :
* كنواح ريش حمامة نجدية
ومن الحذف :
حذف الياء والواو من هاء الإضمار في الوصل تشبيها بالحذف في الوقف كما قال :
ـ ما حج ربه في
الدنيا ولا اعتمرا.
وربما اضطر
الشاعر فحذف الحركة أيضا كقوله :
* ومطواي مشتاقان له أرقان
ومن ذلك حذفهم
الواو الساكنة والياء إذا كان قبلهما ضمة أو كسرة تدلان عليهما كقوله :
__________________
* فلو أن الأطبا كان حولي
ومن الحذف :
حذف الفاء في جواب الشرط ، كما قال :
* من يفعل الحسنات الله يشكرها
ومن ذلك حذفهم
الفتحة من عين «فعل» كقولهم في هرب : هرب ، وإنما يطرد حذفها في عين «فعل» و «فعل»
ولكنهم قد يضطرون فيفتحون الساكن ، فيقولون في خفق : «خفق» ، وفي حشك ، «حشك».
فلما زادوا هذه
الفتحة على الساكن ـ والسكون أخف من الفتح ـ كان حذف الفتحة أجدر.
ومن الحذف :
حذف الضمة والكسرة في الإعراب ، كما قال :
* فاليوم أشرب غير مستحقب
وكقوله :
* إذا اعوججن قلت : صاحب قوم
قال سيبويه : «شبهوا
هذا الضمات والكسرات المحذوفة بالضمة من عضد والكسرة من :فخد» حين قالوا : عضد
وفخد. غير أن حذفها من عضد وفخذ مطرد في الشعر والكلام ؛ لأنه لا يزيل معنى ، ولا
يغير إعرابا.
ومن الحذف أنهم
يدخلون جزما على جزم إذا لم يكن فيه ساكنان كقولك : «لم يشتر زيد شيئا» ، فإنما
ذلك لأنه في حال الجزم متحرك ، والجازم يسكن آخر الفعل ، فشبه هذا بما يسكن آخره
للجزم.
ومن الحذف أنهم
يجرون هاء التأنيث في الوصل مجراها في الوقف كما قال :
* لما رأى ألا دعه ولا شبع
ومن الحذف
إقامتهم الصفة مقام الموصوف في الموضع الذي يقبح في الكلام مثله ، كقوله :
* فيا الغلامان اللذان فرا
أراد : «فيا
أيها الغلامان».
__________________
ومن ذلك :
إقامتهم الفعل في موضع الاسم إذا كان الفعل نعتا كما قال النابغة :
* كأنك من جمال بني أقيش
|
|
يقعقع خلف
رجليه بشن
|
أراد : «جمل
يقعقع».
باب البدل
اعلم أنهم
يبدلون الحرف من الحرف في الشعر ، في الموضع الذي يبدل مثله في الكلام لمعنى يحاولونه
، من تحريك ساكن ، أو تسكين متحرك ، ليستوي وزن الشعر به ، أو رد شيء إلى أصله ،
أو تشبيه له بنظيره.
فمن ذلك قوله :
* لقد كان يذهب بالدنيا ولذتها
|
|
موالي ككباش
العوس سحاح
|
فضم الياء
لاستقامة البيت.
ومثله :
* لها أشارير من لحم تتمره
|
|
من الثعالي
ووخز من أرانيها
|
أراد من «أرانبها»
ومن «الثعالب».
فلما اضطر إلى
تسكين الباء أبدل منها حرفا لا يحرك ، وشبهه بقولهم : «تظنيت» و «تقصيت».
ومن ذلك قولهم
:
* الله أنجاك بكفي مسلمه
|
|
من بعد ما
وبعد ما وبعدمه
|
فأبدل الهاء من
الألف لأنهما متقاربتا المخرج ، وهما بعد من حروف الزيادة.
ومن ذلك : بدل
الأسماء الأعلام ، وهو يجيء في الشعر على ثلاثة أضرب :
ـ ضرب جائز في
الشعر والكلام.
ـ وضرب جائز في
الشعر دون الكلام.
ـ وضرب لا يجوز
في الشعر ولا في الكلام.
فأما ما يجوز
في الكلام والشعر ، فنحو تصغير الاسم العلم الذي يعرف بغير تصغير ، كقولك في عبد
الله : عبيد الله.
وأما ما يجوز
في الشعر ولا يجوز في الكلام ، فأن تبدل اسما من الاسم المعروف كقول
__________________
الحطيئة :
* فيه الرماح وفيه كل سابغة
|
|
بيضاء محكمة
من نسج سلام
|
أراد : «سليمان».
وقال دريد :
* فإن تعقب الأيام والدهر تعلموا
|
|
بني قارب أنا
غضاب لمعبد
|
يعني : «عبد
الله أخاه».
وإنما ذلك ؛
لأنه يرجع إلى معنى العبودة. وكذلك سلام وسليمان اشتقاقهما من السلامة.
وأما ما لا
يجوز في الشعر ولا في الكلام : فالغلط الذي يغلط الشاعر في اسم أو غيره مما يظن أن
الأمر على ما قال ، كقوله :
* والشيخ عثمان أبو عفان
فظن أن عثمان
يكنى : «أبا عفان» ؛ لأن اسم أبيه عفان ، وإنما هو أبو عمرو. فهذا مما لا يجوز.
وقد يبدل بعض
العرب حروفا من حروف ، ولا يجري ذلك مجرى الضرورة ، لأن ذلك لغتهم كما قال ذو
الرمة :
* أعن ترسمت من خرقاء منزلة
أراد : أأن
ترسمت ، فأبدل من إحدى الهمزتين عينا كراهية لاجتماعهما. وهذا يسمى عنعنة تميم.
وقد يبدل بعضهم
من كاف المؤنث شيئا ، وهذه اللغة في بكر بن وائل ، وتسمى كشكشة بكر.
قال الشاعر :
* فعيناش عيناها وجيدش جيدها
|
|
سوى أن عظم
الساق منش دقيق
|
ومنهم من يبدل
الياء جيما في الوقف ، وأكثر ما يكون في المشددة.
قال الشاعر :
__________________
* خالي عويف وأبو علج
وقال في
المخففة.
* يا رب إن كنت قبلت حجتج
وقد يبدلون من
تاء المخاطب كافا.
قال الراجز :
* يا ابن الزبير طال ما عصيك
أراد : «عصيت».
وقد يبدل
الشاعر بعض حروف الجر مكان بعض وليس ذلك من الضرورة ، كما قال:
* إذا رضيت علي بنو قشير
وقال النابغة :
* كأن رحلي وقد زال النهار بنا
أراد : «عنا»
ومثل هذا كثير.
ومما لا يجوز
إلا في الشعر ، جعل الكاف في موضع «مثل» وإدخال حرف الجر عليهما كقولهم : «زيد
ككعمرو» يريدون : «كمثل عمرو».
ومن البدل :
وضعهم الاسم مكان الاسم على الاستعارة وقد يجيء مثله في الكلام.
قال الحطيئة :
* سقوا جارك العميان لما تركته
|
|
وقلص عن برد
الشراب مشافره
|
أراد : «شفتيه»
والمشافر للإبل ، وهذا كثير في الكلام والشعر.
ومن أقبح
الضرورات : جعل الألف واللام بمعنى : «الذي» مع الفعل كقولك : «جائني اليقوم» تريد
: الذي يقوم.
ومن ذلك جعلهم «مهما»
مكان «ما» التي للاستفهام وإنما تكون «مهما» في الشرط.
قال الراجز :
* مهما لي الليلة مهما ليه؟
__________________
أراد : ما لي
الليلة؟ مستفهما.
ومن ذلك أن كاف
التشبيه لا يتصل بها مكني في الكلام ، وإنما يجوز ذلك في الشعر.
قال العجاج :
* وأم أوعال كها أو أقربا
باب التقديم والتأخير
اعلم أن الشاعر
ربما يضطر حتى يضع الكلام في غير موضعه الذي ينبغي أن يوضع فيه ، ويزيله عن قصده
الذي لا يحسن في الكلام غيره ، ويعكس الإعراب ، فيجعل المفعول فاعلا ، والفاعل
مفعولا ، وأكثر ذلك في ما لا يشكل معناه.
فمن ذلك قول
الأخطل :
* مثل القنافد هداجون قد بلغت
|
|
نجران أو
بلغت سواتهم هجر
|
أراد : بلغت
نجران سواتهم أو هجر ، فقلب الإعراب ؛ لأن المعنى لا يشكل.
ومن ذلك تأخير
المضاف إليه عن موضعه ، والفصل بينه وبين المضاف بالظرف وحرف الجر تشبيها بأن
وأخواتها حيث فصل بينها وبين اسمها بالظرف.
قال ذو الرمة :
* كأن أصوات من إيغالهن بنا
|
|
أواخر الميس
أصوات الفراريج
|
ومما وضع غير
موضعه قول الشاعر :
* صددت فأطولت الصدود وقلما
|
|
وصال على طول
الصدود يدوم
|
ووجه الكلام :
وقلما يدوم وصال على طول الصدود ؛ لأن «قل» قبل دخول «ما» حكمها ألا تليها الأفعال
لأنها فعل ، فأدخلوا عليها «ما» ليوطئوها للفعل ، فلما اضطر ، قدم الاسم الذي كان
يقع بعد «قل» قبل دخول «ما» وإذا قلت : قلما يدوم وصال : فإن «قل» لم تزل عن
فعليتها ، غير أن الذي يرتفع بها «ما» ، وهي اسم مبهم تجعل في هذا الموضع للزمان ،
فكأنه قال : قل وقت يدوم فيه وصال. ويحذف العائد ، كما قال الله عز وجل : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ
عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة ٤٨].
__________________
وقد يجوز في «قلما»
أن تجعل «ما» زائدة ، ويرفع وصال «بقل» فكأنك قلت : وقل وصال يدوم ، كما قال الله
عز وجل : (فَبِما نَقْضِهِمْ
مِيثاقَهُمْ) [النساء ٥٥].
باب تغيير الإعراب عن
وجهه
فمن ذلك قول
الشاعر :
* سأترك منزلي لبني تميم
|
|
وألحق
بالحجاز فأستريحا
|
والوجه في هذا
: الرفع ؛ لأن الفاء لا تنصب في الواجب ، وإنما تنصب في غير الواجب إذا خالف
الثاني الأول في المعنى فلم يمكن عطفه في اللفظ.
ومن تغيير
الإعراب قول الراجز :
* قد سالم الحيات منه القدما
|
|
الأفعوان
والشجاع الشجعما
|
وكان الوجه :
الأفعوان والشجاع الشجعم ، غير أن قوله : قد سالم الحيات منه القدم ، يوجب أيضا أن
القدم قد سالمت الحيات ؛ لأن المسالمة من اثنين ، فلما ذكر مسالمة الحيات القدم ،
دل أن القدم قد سالمت أيضا. فكأنه قال : وسالمت القدم الشجاع ، فحذف لما ذكرنا.
ومن ذلك قوله :
* وجدنا الصالحين لهم جزاء
|
|
وجنات وعينا
سلسبيلا
|
فنصب «جنات»
وما بعدها ، وكان الوجه الرفع عطفا على «جزاء» ، غير أنه لما قال :وجدنا الصالحين
لهم جزاء ، دل على أنه قد وجد الجزاء لهم ، فأضمر «وجدنا» ونصب به «جنات» وما
بعدها.
ومن ذلك بيت
أنشده سيبويه على وجه الضرورة ويجعله غيره على غير الضرورة وهو قول الشماخ :
* أقامت على ربعيهما جارتا صفا
|
|
كميتا
الأعالي جونتا مصطلاهما
|
قال سيبويه : «هذا
مثل : هند حسنة وجهها».
وهذا قبيح لا
يجوز في الكلام ، وإنما الوجه أن تقول :
هند حسنة الوجه
، أو حسنة الوجه.
فإن رفعت الوجه
، جعلت فيه ضميرا من الأول ، فقلت : حسن وجهها.
__________________
فإذا اضطر
الشاعر فلم يرفع وجعل فيه ضميرا ، فقد وضع الإعراب في غير موضعه.
والبيت تقديره
على ذلك : أن «جونتا مصطلاهما» بمنزلة «حسنتا أوجههما» فجونتا بمنزلة :حسنتا ،
ومصطلاهما بمنزلة : أوجههما. وكان الوجه أن يقول : جونتا المصطلى أو المصطلين ولا
يجعل فيه ضميرا.
وأحكام هذا
تأتي في بابه إن شاء الله.
باب تأنيث المذكر
وتذكير المؤنث
فمن ذلك قول
عمر بن أبي ربيعة :
* فكان مجني دون من كنت أتقي
|
|
ثلاث شخوص
كاعبان ومعصر
|
فحذف الهاء من
ثلاثة على أن واحد الشخوص مذكر ، ولكنه ذهب به مذهب النسوة ؛ لأنهن كن ثلاث نسوة.
وقال الشاعر في
تذكير ما ينبغي تأنيثه :
* فلا مزنة ودقت ودقها
|
|
ولا أرض أبقل
إبقالها
|
أراد : ولا أرض
أبقلت ، ولكنه تأول بالأرض المكان فذكّر لذلك.
وهذا الباب إذا
تقدم الفعل فيه لم يستقبح تذكير المؤنث فيما ليس بحيوان ، كقوله :(وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا
الصَّيْحَةُ) [هود ٦٧]. و (فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [البقرة ٢٧].
لأن الفعل إذا
تقدم فهو عار من علامة الاثنين والجماعة ، فشبهوا تعريته من علامة التأنيث بذلك.
فإن كان المؤنث
حيوانا فتقدم الفعل ، لم يحسن التذكير إلا في الشعر كما قال جرير :
* لقد ولد الأخيطل أم سوء
فذكر.
فصل في تفسير أبيات الباب
أنشد سيبويه
للعجاج :
* قواطنا مكة من ورق الحمى
واحدة القواطن
: قاطنة وهي الساكنة. وواحدة الورق : ورقاء ، وهي التي على لون الرماد تضرب إلى
الخضرة.
وقوله : «الحمى»
، أراد : «الحمام» ، وقد ذكرنا علله.
__________________
وأنشد الخفاف
بن ندبة :
* كنواح ريش حمامة نجدية
|
|
ومسحت
باللثتين عصف الإثمد
|
أراد : «كنواحي
ريش» ، فحذف الياء حال الإضافة تشبيها بها في حال الإفراد والتنوين.
شبه شفتي
المرأة بنواحي ريش الحمامة في رقتها ولطافتها وأراد أن لثاتها تضرب إلى السمرة ،
فكأنها مسحت بالإثمد ، وعصف الإثمد : ما سحق منه.
قال على بن
سليمان : والرواية ومسحت بكسر التاء.
وأنشد :
* فطرت بمنصلي في يعملات
|
|
دوامي الأيد
يخبطن السريحا
|
فحذف الياء من «الأيدي».
وإنما يصف أنه
قام بسيفه ـ وهو المنصل ـ في نوق فعقرهن ودميت أيديهن فخبطن السيور المشدودة على
أرجلهن ، وهي خرق تشد عليها ، وقطع من جلود وإنما يفعل بها ذلك ، إذا دميت أخفافها
أو أصابها وجع. وواحد اليعملات : يعملة وهي الناقة الشديدة.
وأنشد للنجاشي
يصف ذئبا استصحبه فرد عليه الذئب فيما حكى فقال :
* فلست بآتيه ولا أستطيعه
|
|
ولاك اسقني
إن كان ماؤك ذا فضل
|
أي : لست آتي
ما دعوتني إليه من الصحبة ، ولا أستطيعه ؛ لأني وحشي وأنت إنسي.
وحذف النون من «لكن»
لاجتماع الساكنين.
وأنشد لمالك بن
حريم الهمداني :
* فإن يك غثا أو سمينا فإنني
|
|
سأجعل عينيه
لنفسه مقنعا
|
أراد : «لنفسهي».
وهو يصف ضيفا ،
يقول : إن كان ما عندي من القرى غثّا أو سمينا ، فإنني أبذله وأقدمه إليه كله حتى
يقنع به. وقوله : «عينيه» ، يريد : ما تراه عيناه.
وأنشد للأعشى :
* وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه
|
|
ويعدن أعداء
بعيد وداد
|
أصح ما قيل في
الغواني : أنهن ذوات الأزواج ، كأنهن غنين بأزواجهن ، أي : استغنين.
وقوله : «يشأ
يصرمنه» أي : متى شاء أن يصرمنه صرمنه. يصفهن بقلة الصبر على
__________________
الرجال والمبادرة إلى القطيعة. وقيل أيضا : المعنى متى يشأ وصالهن صرمنه
وهذا محال ، لو صح هذا لوجب أن لا يتواصل عاشقان أبدا.
والقول في «الغوان»
كما مر في «الأيد».
وأنشد للفرزدق
:
* تنفى يداها الحصى في كل هاجرة
|
|
نفي الدنانير
تنقاد الصياريف
|
فزاد الياء في «الصياريف»
ـ وواحدهم صيرف.
يصف ناقة بسرعة
السير في الهواجر ، فيداها تنفيان الحصى لذلك ، أي تطيره ، فيضطرب فيسمع له صوت
كصوت الدنانير عند ما تنقاد الصياريف لها.
وأنشد لرؤبة :
* ضخم يحب الخلق الأضخما
ويروى : «الضخما»
ومعناه : الضخم الشديد.
فمن قال :
الضخم. جعله كخدب.
ومن قال :
الإضخمّا ، جعله كإرزب. وليس الشاهد في واحد منهما ، وإنما الشاهد في فتح الهمزة ،
كقولك : الأعظم والأكبر ؛ لأن المنصوب المنون إذا وقف عليه حكمه حكم المرفوع
والمخفوض في الوصل ؛ لأن الألف تخرج آخره من الوقف لتحرك ما قبلها. ولذلك مثل
سيبويه «بسبسبّا وكلكلا».
والقافية
المنصوبة تجري في مجرى المنصوب المنون ؛ لأنها موصولة بالألف ، فلذلك استشهد
سيبويه بالبيت.
وأنشد للشماخ
بن ضرار :
* له زجل كأنه صوت حاد
|
|
إذا طلب
الوسيقة أو زمير
|
فحذف الواو من «كأنهو»
يصف حمارا.
والزجل : الصوت. والوسيقة : الأتن لأنه يسقها ، أي : يجمعها ويضمها والزمير :
الزمر. والتقدير في البيت : له زجل إذا طلب الوسيقة كأنه صوت حاد أو زمير.
وأنشد لحنظلة
بن فاتك :
* وأيقن أن الخيل إن تلتبس به
|
|
يكن لفسيل
النخل بعده آبر
|
فحذف الواو من «بعد
هو»
__________________
فسيل النخل :
صغاره. الواحدة فسيلة. وآبر : مصلح وهو الذي يلقح النخل.
وهو يصف رجلا
بالشجاعة والإقدام ، يريد أنه قد علم أنه إن قتل أو مات ، لم تتغير الدنيا ، وكأن
للنخل من يقوم بها ويصلحها.
وقد قيل : إنه
هجا رجلا لقي العدو وفر ، ذكر أنه إن ثبت قتل ، فصار ماله إلى الوارث فانهزم لذلك.
وأنشد لرجل من
باهلة :
* أو معبر الظهر ينبي عن وليته
|
|
ما حج ربه في
الدنيا ولا اعتمرا
|
يريد : «ربهو».
وهذا رجل لص
يتمنى سرقة جمل معبر الظهر ، وهو الذي على ظهره وبر كثير ، وهو سمين. فسمنه ينبي
عن وليته وهي البرذعة. وينبي عنها : أي يزيلها ويرفعها. وقوله : «ما حج ربه» يريد
أن صاحبه لم يحج عليه فينصبه. وهو يتمناه في أحسن ما يكون.
وأنشد للأعشى :
* وما له من مجد تليد وماله
|
|
من الريح حظ
لا الجنوب ولا الصبا
|
أراد «وما لهو».
ومعنى البيت :
أنه يهجو رجلا بقلة الخير.
والجنوب عندهم
: أغزر الرياح خيرا ؛ لأنها تأتي بالمطر وتجمع السحاب. والصبا بضدها لأنها تقشع
الغيم ، وربما جاءت بشيء من المطر ، فليس لهذا المهجو عندهم خير قليل ولا كثير.
وقال بعضهم :
الجنوب والصبا أكثر الرياح خيرا ، فالجنوب تلقح السحاب والصبا تلقح الأشجار ،
فالخير إنما هو في الجنوب والصبا ، فنفى حظه منهما. وأنشد للمرار بن سلامة العجلي
:
* ولا ينطق الفحشاء من كان منهم
|
|
إذا جلسوا
منا ولا من سوائنا
|
وكان ينبغي أن
لا يدخل «من» على «سواء» ؛ لأنها لا تستعمل إلا ظرفا ولكنه جعلها بمنزلة «غير» في
إدخال «من» عليها.
ومعنى البيت
أنه ذكر قوما فقال : لا ينطق الفحشاء من كان منهم منا ، أي : من عشيرتنا ، ولا من
كان منهم من سوائنا ، أي : ليس منهم أحد ينطق بالفحشاء.
وأنشد لخطام
المجاشعي :
__________________
* وصاليات ككما يؤثفين
جعل الكاف
الثانية بمنزلة : «مثل» وأدخل عليها الكاف الأولى ، وأخرج «يؤثفين» على الأصل ؛
لأن الأصل في أفعل : أأفعل ، وفي أكرم أأكرم ، فحذف إحدى الهمزتين للثقل ، ثم أتبع
بعض الفعل بعضا. فإذا اضطر الشاعر رده إلى الأصل.
واختلفوا في
وزن : يؤثفين ، فقال قوم : يؤفعلن. والهمزة زائدة ، والثاء فاء الفعل. وكان ينبغي
أن يكون يثفين ، فرد إلى الأصل للضرورة كما بينا. ومن قال هذا ، جعل أثفية :
أفعولة ، ويستدل على ذلك بقول العرب : ثفّيت القدر : إذا جعلتها على الأثافي.
وقال آخرون :
يؤثفين وزنه : يفعلين بمنزلة : يسلقين من قولك : سلقى يسلقي. فالهمزة فاء الفعل.
وأثفيّة على
هذا القول : فعلّيّة ، والدليل على ذلك قول العرب : تأثفني القوم إذا صاروا حولك
كالأثافي.
فتأثف : تفعل ،
والهمزة فاء الفعل.
ومعنى يؤثفين :
يجعلن أثافي. شبه دورا مات أهلها وهي قائمة بالصاليات ـ وهي الأثافي ـ قد أوقد
عليها فكذلك هذه الدور ، كما كانت في حياة أهلها كذا فسره ابن النحاس وظاهره أن
الراجز وصف الأثافي ، وذكر أنها على حالها إذا كانت تؤثفي ، وكانت قديمة العهد
بالاستعمال.
وأنشد الأخفش
للعجير السلولي :
* فبيناه يشري رحله قال قائل
|
|
لمن جمل رخو
الملاط نجيب
|
أراد : «فبينا
هو».
والملاط :
الجنب. والملاط : العضد أيضا. ومعنى يشرى ههنا : يبيع.
والمعنى : أنه
قد كان فقده ، فجعل يبيع رحله حتى يشتريه.
وأنشد الأخفش
للفرزدق :
* وما مثله في الناس إلا مملكا
|
|
أبو أمه حي
أبوه يقاربه
|
يمدح بهذا
البيت إبراهيم بن هشام بن إسماعيل.
يريد : ما مثل
إبراهيم في الناس حي يقاربه إلا مملك يعني : هشام بن عبد الملك أبو أم ذلك المملك
، يعني : هشاما أبا هذا الممدوح ، يعني إبراهيم فدل بهذا أن الممدوح خال هشام.
ونصب «مملكا» لأنه استثناء مقدم.
__________________
هذا باب الفاعل الذي
لم يتعده فعله إلى مفعول
اعلم أن هذا
الباب مشتمل على تراجم أبواب هي مفصلة بعده بابا بابا ، بما يتضمنه من أصوله
ومسائله.
قوله في هذا
الباب : «وما يجري من الصفات التي لم تبلغ» إلى قوله : «مجراها»
يريد : حسن
الوجه وبابه ، وتقدير اللفظ في هذا الفصل وما يجري من الصفات مجرى أسماء الفاعلين
، فالهاء في «مجراها» تعود إلى أسماء الفاعلين.
وقوله : «وما
أجرى مجرى الفعل وليس بفعل» يعني : إن وأخواتها.
وقوله : «وما
جرى من الأسماء» إلى آخر الباب. يعني به : ما ينصب من الأسماء عن طريق التمييز
كقولك : هذه عشرون درهما ، وما أشبهه ذلك ، فهذا أضعف عوامل الأسماء ؛ لأنه لا
يعمل إلا في منكور ، ولا يتقدم عليه ما يعمل فيه.
إن قال قائل :
لم كان الفاعل مرفوعا دون أن يكون منصوبا أو مخفوضا؟
فالجواب : أن
الفاعل واحد والمفعول جماعة ؛ لأن الفعل قد يتعدى إلى مفعول ومفعولين ، وأكثر من
ذلك ، فكثر المفعولون فاختير لهم أخف الحركات ، وجعل للفاعل ـ إذ كان واحدا ـ أثقل
الحركات ؛ لأن إعادة ما خف ، تكريره في الأسماء الكثيرة أيسر مؤونة مما يثقل.
ووجه آخر : وهو
أن الفاعل أول لا يستغنى عنه والمفعول بعد الفاعل في ترتيبه. فلما كان كذلك ،
وكانت الحركات مختلفة المواضع لاختلاف مواضع الحروف المأخوذة منها ، أعطي الفاعل
أول الحركات وهي الضمة لأنها من الشفتين. وأعطي المفعول ـ لأنه الآخر في الرتبة ـ آخر
الحركات وهي الفتحة ؛ لأنها من الألف كما كانت الضمة من الواو.
واعلم أن قول
النحويين : فاعل وفعل ليس القصد فيه أن يكون الفاعل مخترعا للفعل على حقيقته ،
وإنما يقصد في ذلك إلى اللفظ الذي لقب فعلا لدلالته بصيغته على الفعل المرتبط
بالأزمنة المختلفة ، فسواء كان مخترعا أو غير مخترع رفع الاسم به ، وسمي فاعلا له
من طريق النحو لا على حقيقة الفعل ، ألا ترى أنك تقول : مات زيد وهو لم يفعل موتا
، وتقول من طريق النحو : مات فعل ماض ، وزيد فاعله. وكذلك : طلعت الشمس ، ونظف
الثوب ويتمت البنت.
قال سيبويه بعد
أن مثل فعل الفاعل وهو : ذهب زيد. وفعل المفعول نحو : ضرب زيد : «فالأسماء المحدث
عنها» إلى قوله : «وهو الذهاب والجلوس والضرب».
يعني : أنك إذا
قلت : ذهب زيد ، وجلس عمر ، فقد دللت على ذهاب من زيد وجلوس
من عمرو ، فحدثت عن زيد بذلك الذهاب ، وحدثت عن عمرو بالجلوس. والمحدث به
عن الأسماء هو المصادر. والأسماء ههنا هم المسمون الفاعلون ، كأنه أراد : أصحاب
الأسماء.
قوله : «ليست
الأمثلة بالأحداث ولا ما يكون منه الأحداث»
يعني أن قولك :
قام ويقوم وما أشبه من الأمثلة ، ليست هي المصادر ؛ لأن الفعل يدل على مصادر
وأزمنة ، فليست الأفعال وحدها بالأزمنة ، ولا هي وحدها المصادر ، ولا هي أيضا
الفاعلون الذين تكون منهم الأحداث كزيد وعمرو وسائر الأسماء.
باب الفاعل الذي
يتعداه فعله إلى مفعول
قوله : «فإن
قدمت المفعول وأخرت الفاعل» إلى قوله «ولم ترد أن تشغل الفعل بأول منه».
اعلم أن قولهم
: «ضرب زيدا عبد الله» ، جار على غير الرتبة. وذلك أن حكم الفاعل :التقديم ،
لافتقار الفعل إليه ، ولكنهم قدموا المفعول لدلالة الإعراب عليه فاكتسبوا بتقديمه
ضربا من التوسع في الكلام ؛ لأن في كلامهم : الشعر المقفى والكلام المسجع.
وربما اتفق أن
يكون السجع في الفاعل فيؤخرونه لذلك.
ومعنى قوله : «ولم
ترد أن تشغل الفعل بأول منه» يعني : بالمفعول الذي هو قبله.
قوله : «وإذا
قلت : ضرب عبد الله ، لم يستبن أن المفعول زيد أو عمرو».
يريد أن «ضرب
عبد الله» في تعديه إلى «زيد» ، بمنزلة «ذهب عبد الله» في تعديه إلى الذهاب ، وذلك
أنك إذا قلت : «ذهب عبد الله» ، فقولك : «ذهب» ، يدل على ضرب من المصادر والأحداث
دون سائرها وهو الذهاب.
وإذا قلت : «ضرب
عبد الله» أمكن أن يكون الضرب واقعا من جميع الأسماء. فمفعول الضرب لم تدل عليه
صيغة فعله كما دلت على المصدر.
ثم ذكر سيبويه
تعدي الفعل إلى أنواع المصادر لدلالته عليها وقال : «فمن ذلك : قعد القرفصاء ،
واشتمل الصماء ، ورجع القهقرى».
اعلم أن
المصادر على ثلاثة أنحاء :
ـ فنحو منها :
يدل على المصدر فقط ، كقولك : ضرب زيد ضربا ، يدل على نوع الضرب ، ولا يدل على مرة
ولا على مرتين ولا على صفة دون صفة.
ـ والنحو
الثاني : يدل على الكمية والعدد كقولك : قعد قعدتين وضرب ضربتين.
ـ والنحو
الثالث : يدل على كيفية المصدر نحو : قعد القرفصاء ، واشتمل الصماء ، ورجع القهقرى
، وقعد قعدة سوء.
ـ وذلك أن
القرفصاء ضرب لا يقع على كل قعود وهو أن يقعد مشتملا
متداخلا ، وتقديره : قعد القعود القرفصاء.
واشتمل الصماء
، معناه : الاشتمالة الصماء ، وهو أن يتجلل بثوب وتكون يده داخل الثوب وليس كل
اشتمال كذلك.
ورجع القهقرى
معناه : الرجوع القهقرى كأنه رجع كما ذهب متوجها إلى الوجه الذي كان منه الذهاب
وليس كل رجوع كذلك.
وكذا قعد قعدة
سوء ، وقعدة صدق. القعدة : هي حال قعوده ووصفه ، وليس من باب قعدة ؛ لأن قعدة يقع
على مرة فقط.
وقوله : «الذهاب
الشديد».
هو من باب ما
يدل على النوع ، غير أنه عرفه ووصفه بالشدة.
قوله : «وإن
شئت لم تجعله ظرفا. فهو يجوز في كل شيء» إلى قوله : «من أسماء الحدث».
اعلم أن الظروف
على ضربين : متمكن وغير متمكن.
ـ فالمتمكن :
ما يجوز أن يكون مرفوعا في حال.
ـ وغير المتمكن
: ما لا يدخله الرفع ولا يستعمل إلا ظرفا.
وقول سيبويه : «فهو
يجوز في كل شيء من أسماء الزمان».
أراد به :
الأكثر ؛ لأن في الزمان ما لا يستعمل إلا ظرفا ، فلفظه عام ، ومراده الأكثر
:الخاص.
وقوله : «كما
كان في كل شيء من أسماء الزمان».
يعني : تعدي
الفعل إليه على سبيل الظرف لا على سبيل المفعول ، كما كان في كل شيء من أسماء
الحدث على طريق المصدر ، لا على طريق المفعول.
قوله : «ويتعدى
إلى ما اشتق من لفظه اسما للمكان» إلى قوله : «قد كان ذهاب».
اعلم أن سيبويه
لما رتب المفعولات ، قدم المفعول الذي يدل على الفعل باللفظ وهو المصدر والزمان ،
ثم جعل المفعول الذي يدل عليه المعنى محمولا على ذلك وهو المكان وسائر المفعولات ،
فاشتركا في العلم بوقوعه ، وإن كان أحدهما من طريق اللفظ والآخر من غيره.
وقوله : «اسما
للمكان وإلى المكان».
فالذي هو اسم
للمكان نحو قولك : المذهب والمجلس وما أشبه ذلك.
وقوله : «إلى
المكان».
يريد ما لم يكن
مشتقا من لفظ الفعل المذكور ، كقولك خلفك وقدامك والمكان وشبهه.
قوله : «وقد
قال بعضهم : ذهبت الشام» إلى قوله «دخلت البيت».
اعلم أن
الأماكن المختصة التي لا تقع ألفاظها على كل مكان لا تستعمل ظرفا ، فكان حكم اسم
الشام : أن لا يستعمل ظرفا ؛ لأنه اسم لبقعة بعينها.
فلما قالت
العرب : ذهبت الشام ـ وحذفوا حرف الجر وهو «في» أو «إلى» ـ علمنا أن ذلك شاذ خارج
عن القياس.
وقد ذهب فيه مع
شذوذه مذهبا ـ وإن كان ضعيفا ـ وذلك المذهب هو أنك تعلم أن كل بقعة ، وإن اختصت
باسم كنحو : المسجد والدار ، فله اسم يشاركه فيه سائر البقاع نحو :مكان ، وموضع.
ألا ترى أن
المسجد مكان وإن كان مسجدا. فكذلك الشام هو مكان. وهذا لا يقاس عليه ؛ لأن وضع
الشيء موضع غيره ، إنما يسمع سماعا فيسلم ولا يقاس عليه.
ومثل سيبويه
لهذا بقولهم : «دخلت البيت» وجعله شاذا كشذوذه. وقد رد ذلك عليه من وجهين.
ـ أحدهما : أنه
قيل : ليس «ذهبت الشام» مثل «دخلت البيت» ؛ لأن الشام اسم موضع بعينه ، وكل مكان
كان مبنيّا فهو بيت ، والبيت أعم.
ولم يذهب
سيبويه حيث ذهب هذا الراد عليه ؛ لأن سيبويه إنما أراد أن يرينا أن «ذهبت الشام»
شاذ ، والأصل فيه استعمال حرف الجر ، كما أن «دخلت البيت» كذلك ، وإن كان البيت
أعم من الشام.
ـ والوجه الآخر
من وجوه الرد عليه ما قال أبو عمر الجرمي ، وهو أنك تقول : دخلت البيت ، ودخلت في
البيت ، كما تقول : جئتك وجئت إليك ، فهو كالمفعول به الذي يتعدى الفعل إليه تارة
بحرف الجر وتارة بغيره.
وليس الأمر على
ما قاله أبو عمر ، والدليل على أن دخلت البيت لا يتعدى ـ وأن حرف الجر قد حذف وهو
يزاد ـ قولك : دخلت في الأمر ، ودخلت في كلام زيد. فعلمت بهذا أنهم توسعوا في حذف
حرف الجر من الأماكن فقط وتركوا غيرها على القياس.
قال سيبويه : «ومثل
ذلك قول ساعدة بن جؤية» :
* لدن بهز الكف يعسل متنه
|
|
فيه كما عسل
الطريق الثعلب
|
وكان ينبغي أن
يقول : كما عسل في الطريق ؛ لأن الطريق اسم خاص للموضوع المستطرق.
__________________
ومعنى عسل :
عدا واضطرب ، وهو يصف رمحا يهتز متنه فجعل سرعة اهتزازه بمنزلة عسلان الثعلب.
قوله : «ويتعدى
إلى ما كان وقتا في الأماكن» إلى قوله : «كما أن ذلك وقت في الأزمان».
يريد أن الفعل
يتعدى إلى ما كان مقدر المسافة من الأمكنة نحو : الفرسخ والميل ؛ لأنه يصلح وقوعه
على كل مكان بتلك المسافة المعلومة المقدرة.
وسماه «وقتا» ؛
لأن العرب تستعمل التوقيت في معنى التقدير ، وإن لم يكن زمنا. ومن هذا :مواقيت
الحج ، فسبيل الفرسخ والميل في المكان كسبيل اليوم والشهر في الزمان.
قوله : «وإنما
جعل الزمان أقوى ؛ لأن الفعل بني» إلى قوله : «أنه وقع المصدر»
يريد : أن
الزمان في باب الظرف أقوى من المكان من أجل دلالة الفعل على الزمان باللفظ كما كان
دليلا على المصدر.
قوله : «والأماكن
إلى الأناسي ونحوهم أقرب» إلى قوله : «مكة وعمان».
يعني : أنهم
يلقبون الأماكن لقبا تنفرد به ، ولا يفعلون ذلك بالأيام. فأما يوم الجمعة والسبت
ونحوه فهو لكل يوم وقع في الأسبوع ذلك الموقع ، وإنما أراد سيبويه قوة ظروف الزمان
وشدة إبهامها.
باب الفاعل الذي
يتعداه فعله إلى مفعولين مما يجوز فيه الاقتصار
قوله في هذا
الباب : «دعوته زيدا إذا أردت : دعوته التي تجري مجرى سميته».
اعلم أن الدعاء
في الكلام على ثلاث معان :
ـ أحدهما :
التسمية.
ـ والآخر : أن
تستدعيه إلى أمر يحضره
ـ والثالث : في
معنى المسألة لله عز وجل.
فالدعاء بمعنى
التسمية يجري مجرى التسمية ، تقول : دعوت أخاك زيدا ويزيد ، كما تقول : سميت أخاك
زيدا ويزيد ، وهو الذي يدخل في هذا الباب دون معنى الاستدعاء إلى أمر ، ولذلك قال
:
«وإن عنيت
الدعاء إلى أمر لم يجاوز مفعولا».
ألا ترى أنك لا
تقول : استدعيت أخاك بزيد.
وأنشد لعمرو بن
معدي كرب.
* أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
|
|
فقد تركتك ذا
مال وذا نشب
|
__________________
أهل اللغة
يقولون في النشب : المال الثابت خاصة كالدار وما أشبهها. وهو الصواب ، لأنه يقال :
نشب ينشب نشبا إذا ثبت.
قوله : «وإنما
فصل هذا» إلى قوله : «فلما حذفوا حرف الجر عمل الفعل».
يعني أن هذه
الأفعال تتعدى إلى مفعولين ، أحدهما محذوف منه حرف الجر ، ففضله مما قبله مما
يتعدى إلى مفعولين دون حذف حرف من أحدهما.
قوله : «سميته
بفلان كما تقول : عرفته بهذه العلامة».
فإن عرفته على
ضربين :
ـ ضرب منه
بمعنى : شهرته حتى عرف ، فهذا يجري مجرى التسمية ؛ لأنك إذا شهرته بشيء عرف به ،
فهو بمنزلة تسميتك له باسم يعرف به.
ـ والوجه الآخر
: أن يكون «عرفته» بمعنى أعلمته أمرا كان يجهله.
فتقول في الوجه
الأول : عرفت أخاك بزيد : أي شهرته بهذا الاسم. وتقول في الوجه الثاني : عرفت أخاك
زيدا إذا أعلمته إياه ، ولم يكن عارفا به من قبل.
وأنشد قول
المتلمس.
* آليت حب العراق الدهر أطعمه
|
|
والحب يأكله
في القرية السوس
|
هذا شاهد لجواز
حذف حرف الجر لا الذي تضمنه الباب من تعدي الفعل إلى مفعولين. وقال بعض النحويين «الحب»
منصوب بإضمار فعل كأنه قال : آليت أطعم حب العراق ومعناه : لا أطعم.
يخاطب بهذا
البيت عمرو بن هند ملك العراق ، وكان المتلمس قد خافه على نفسه فانتقل إلى الشام ،
ومدح ملوكها فتوعده عمرو بن هند ، وأقسم ألا يطعم حب العراق. فقال المتلمس ـ مستهزئا
به ـ هذا البيت.
وأراد بالقرية
: الشام.
قوله : «وأما
سميت وكنيت ، فإنما دخلتها الباء على حد ما دخلت في عرفت».
يعني أن الباء
في سميته بزيد وكنيته بأبي عمرو يحتاج إليها في التقدير وإن حذفت ، كما يحتاج
إليها في قولك : عرفته بزيد إذا أردت : شهرته بهذا الاسم.
وأنشد للفرزدق
:
* منا الذي اختير الرجال سماحة
|
|
وجودا إذا هب
الرياح الزعازع
|
__________________
هذا شاهد لقوله
: اخترت الرجال زيدا.
وواحد الزعازع
: زعزع وزعزع وزعزوع ، وهي التي تزعزع لشدتها.
وأنشد للفرزدق
أيضا :
* نبئت عبد الله بالجو أصبحت
|
|
كراما
مواليها لئيما صميمها
|
أراد «بعبد
الله» : القبيلة ، فلذلك أنث «مواليها» و «صميمها».
وصميمه كل شيء
: خالصه. واستشهد به لما قدم من حذف «عن».
وقد أنكر قوم
هذا فقالوا : نبئت زيدا فعل كذا ، بمعنى : أعلمت زيدا فعل كذا. ونحن إذا قلنا هذا
لم تكن. «عن» مقدرة ، فكذلك هي غير مقدرة في نبئت عبد الله.
والجواب في هذا
: أن «نبئت» وإن كانت تجري مجرى أعلمت في العمل ويتقارب معناهما ، فليست هي أعلمت
؛ لأن «نبئت» مأخوذ من النبأ ، وهو الخبر لا العلم بإجماع أهل اللغة.
والخبر يتعدى «بعن»
ألا ترى أنك تقول : هذا خبر عن زيد ، إذا أخبرك به مخبر عنه.
فأصل النبأ أن
يتصل ب «عن» ، وإن حذفت في بعض المواضع.
باب الفاعل الذي
يتعداه فعله إلى مفعولين مما لا يجوز فيه الاقتصار
اعلم أن
الأفعال التي يشتمل عليها هذا الباب ، إنما هي أفعال من القلب تدخل على مبتدأ وخبر
ليتيقن اليقين في الخبر أو الشك والاعتماد بهذه الأفعال على المفعول الثاني. وإنما
كان كذلك ، لأنك إذا قلت : «زيد منطلق» فإنما تفيد المخاطب انطلاقه الذي لم يكن
يعرفه ، لا ذاته التي قد عرفها. فكذلك إذا قلت : «حسبت زيدا منطلقا» ، فالشك في
انطلاقه لا في ذاته. وهذان الاسمان ـ وإن كان الاعتماد على الثاني ـ فلا بد من ذكر
الأول ليعلم صاحب القصة المشكوك فيها أو المتيقنة. ولا بد من ذكر الثاني ؛ لأنه
المعتمد عليه في اليقين أو الشك.
فقد صح أنه لا
يجوز الاقتصار على أحدهما دون الآخر.
واعلم أن حروف
الجر إذا اتصلت بها هذه الأفعال ، فهي بمنزلة الظروف كقولك : ظننت بزيد ، وظننت في
الدار ، أي وقع ظني في هذا المكان ، كما تقول : ظننت يوم الجمعة ، وظننت خلفك.
باب الفاعل الذي يتعداه
فعله إلى ثلاثة مفعولين
اعلم أن هذا
الباب منقول من الباب الذي قبله وذلك أن الباب الذي قبله كان متعديا إلى مفعولين
ولا يجوز الاقتصار على أحدهما. فنقلت الفعل عن الفاعل إلى من أدخله في فعله ،
__________________
فصار الفاعل مفعولا واجتمع فيه ثلاثة مفعولين.
وهذا الباب
يشتمل على ثلاثة أضرب.
ـ منها ما كان
متعديا إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما ، وهذا الضرب في فعلين من الأفعال
التي في الباب المتقدم قبل هذا وهما : أرى وأعلم وهما منقولان من : رأى وعلم.
وكان الأخفش
يقيس عليها أخواتها ، فيقول : أظن زيد عمرا منطلقا ، وما أشبه ذلك ، وغيره لا
يتجاوز ما قالت العرب.
ـ والضرب
الثاني : ما كان في معنى الخبر ، والتقدير فيه :
«عن» وهو في
خمسة أفعال : نبأت وأنبأت ، وخبرت وأخبرت ، وحدثت ، كقولك : أخبرت أباك زيدا
منطلقا. وحدثت عمرا بكرا أخاك.
وهذان الضربان
، المفعول الثالث فيهما خبر عن المفعول الثاني ، ولا يجوز ذكر أحدهما دون الآخر ،
ويجوز الاقتصار في هذين الضربين على المفعول الأول ؛ لأنه بمنزلة الفاعل : يجوز أن
يقتصر عليه.
فأما قول
سيبويه : لا يجوز أن تقتصر على مفعول واحد دون الثلاثة.
فإن معناه لا
يحسن ، ألا ترى إلى قوله : «لأن المفعول ههنا كالفاعل في الباب الذي قبله».
ويجوز الاقتصار
على الفاعل في الباب الذي قبله.
ـ والضرب
الثالث : ما يكون متعديا إلى مفعول أو مفعولين ، ثم يتعدى إلى الظرف فيجعل الظرف
مفعولا على سعة الكلام فيقال : «سرق عبد الله زيدا الثوب الليلة».
فزيدا هو
المفعول الأول وقد سقط منه حرف الجر. و «الثوب» هو المفعول الصحيح.
و «الليلة» ظرف
جعلت مفعولا على السعة.
قال سيبويه في «الليلة»
: «لا تجعله ظرفا ، ولكن كما تقول : يا سارق الليلة زيدا الثوب».
يريد أنك إذا
قلت : يا سارق الليلة ، فقد جعلتها مفعولا على السعة لا غير ، فأضفت إليها اسم
الفاعل كما تقول : يا ضارب زيد.
فإن قال قائل :
لم جاز أن تكون «الليلة» ظرفا إذا لم تضف إليها ، ولا يجوز أن تكون ظرفا إذا أضفت
إليها؟.
قيل : معنى
الظرف : ما كانت فيه «في» محذوفة : فإذا ذكرنا «في» أو حرفا من حروف الجر ، فقد
زال عن ذلك المنهاج ، فإذا أضفنا إليه ، فقد صارت الإضافة بمنزلة حروف الجر ، فخرج
أن يكون ظرفا.
باب المفعول الذي
يتعداه فعله إلى مفعول
اعلم أن الفعل
يصاغ للذي يقع به ، كما يصاغ للذي يقع منه ، وإن كانت الصيغتان مختلفتين. فإن قلت
: ضرب زيد ، فقد صغت «ضرب» «لزيد» ورفعته به كما فعلت في قولك :جلس زيد.
قوله : اعلم أن
المفعول الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول إلى قوله : «الذي لا يتعداه فعله إلى مفعول».
يعني أن قولك :
«ضرب زيد» هو فعل المفعول الذي لا يتعداه إلى مفعول آخر يتعدى إلى الظرف والمصدر
والحال ، كما تعدى فعل الفاعل.
وذكر أن فعل
المفعول قد يجوز أن يجعل الظرف معه مفعولا على السعة ، كما كان ذلك في فعل الفاعل
، ثم مثل لذلك بقوله : «يا مضروب الليلة الضرب الشديد»
«فالليلة»
منقولة من المفعول على سعة الكلام ، فلذلك أضيف إليها «مضروب» ، كما يقال : هذا
مكسو ثوب ، ومعطى درهم.
باب المفعول الذي
يتعداه فعله إلى مفعولين
قوله : «واعلم
أن الأفعال إذا انتهت هنا» إلى قوله : «الذي لا يتعدى إلى المفعول».
يعني أن الفعل
بعد تعديه إلى المفعولين يتعدى إلى المصادر والظرفين والحال ، كما يتعدى : «ضرب
زيد» إلى ذلك.
ثم مثل سيبويه
فقال : «وذلك قولك : أعطي عبد الله الثوب إعطاء جميلا» ، إلى قوله : «يا مسروق
الليلة الثوب» فأما قوله : «فأعطى عبد الله الثوب إعطاء جميلا».
عقد الباب على
مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما ثم جعل الشاهد : أعطى عبد الله الثوب.
وساغ ذلك لأنه
أراد أن يبين المصدر وهو : إعطاء جميلا ، ولم يرد : «أن يمثل نفس الفعل. وحين أراد
أن يمثل نفس الفعل» قال : «نبئت زيدا أبا فلان ، وأرى عبد الله أبا فلان».
وأما قوله : «سرق
عبد الله الثوب الليلة».
فإنما قصد أن
يبين أن فعل المفعول قد يجوز ـ إذا كان متعديا إلى مفعول واحد ـ أن يجعل الظرف معه
مفعولا ثانيا على السعة. وقد ذكرنا نظير هذا.
باب ما يعمل فيه
الفعل فينتصب
وهو حال وقع فيه
الفعل
ضمن سيبويه في
هذا الباب ما ينتصب لأنه حال. وفرق بينه وبين ما ينتصب لأنه مفعول ثان مما يتعدى
من الفعل إلى مفعولين ، ويجوز أن يقتصر على أحدهما من قبل أن
الحال إنما هي وصف من أوصاف الفاعل أو المفعول في وقت وقوع الفعل ، كقولك :
«قام زيد ضاحكا» ، أي : وقع فعله في الحال التي هو موصوف فيها بضاحك.
وإذا قلت : «كسوت
زيدا الثوب» ، «فالثوب» ليس هو الكاسي ، ولا الرجل المكسو ، فليس بحال وقع فيها
الفعل من أحوالها ، فوجب أن يكون «الثوب» مثل «زيد» في وصول الفعل إليه ، وتناوله
له ، وهذا معنى قوله : «ولكنه مفعول كالأول» يعني أن «الثوب» مفعول كذلك.
فأما قوله : «ويكون
معناه ثانيا كمعناه أولا».
يعني أن
المفعول الثاني في قوله : كسوت زيدا الثوب بمنزلة إذا قلت : كسوت الثوب زيدا ، ولم
تذكر غيره. والحال ليس كذلك ؛ لأن الحال لا تقوم بنفسها منفردة عن الأسماء التي هي
حال منها كما انفرد الثوب عن المفعول الأول.
قوله : «والاسم
الأول المفعول في ضربت» إلى قوله : «وكذلك ويحه فارسا».
يعني أن مفعول «ضربت»
إذا قلت : «ضربت زيدا قائما» قد اكتفى الفعل به في التعدي إليه فامتنع «قائم» من
وصول الضرب إليه ، كما يصل إلى المفعولات ، فانتصب لأنه حال ، كما أنك إذا قلت : «ذهب
زيد راكبا» فقد اكتفى «ذهب» «بزيد» في أنه فاعله ، فلم تصر الحال فاعلا ، فقد صار
الفاعل حائلا بين الفعل وبين الحال أن يكون فاعلا.
ثم مثل سيبويه
الحال بالتمييز من قبل أن عمل الفعل في الحال كعمل ما ينصب على طريق التمييز ؛
وذلك أن الحال لا تكون إلا نكرة ، والتمييز لا يكون إلا نكرة ، ومعناهما متقارب
وذلك أنك إذا قلت «جاء زيد» فإن مجيئه يصلح أن يكون واقعا في حال من أحوال يمكن أن
تكون له. فإذا قلت : «راكبا» ، فقد ميزت هذه الحال من سائر أحواله المقدرة.
فإذا قلت : «جاءني
عشرون» يصلح أن يكون من أنواع كثيرة ، فإذا قلت : «رجلا» فقد بينت واحدا من
الأنواع الممكنة ، غير أن النوع المميز : هو غير الشيء المميز والحال هي اسم
الفاعل والمفعول في حال وقوع الفعل ، فهما مختلفان في أنفسهما ، متقاربان في طريق
نصبهما.
قوله : «وإنما
جاز هذا لأنه حال» إلى قوله : «من الأزمنة».
يريد إنما جاز
تعدي الفعل إلى الحال ، وإن كانت مما لا يتعدى إلى مفعول ، كما جاز أن تعمل «العشرون»
ونحوها في التمييز ، ولم يكن الفعل في تعديه إلى الحال بأضعف من عمل العشرين إذ
عملت في التمييز ؛ لأن الفعل يتعدى إلى الظرف والمصدر ، وليس كذلك «العشرون».
باب الفعل الذي يتعدى
اسم الفاعل إلى اسم المفعول
اعلم أن هذه
الأفعال التي ضمنها هذا الباب أفعال تدخل على مبتدأ وخبر ، فتفيد
فيهما زمانا محصلا (أو نفيا) أو انتقالا أو دواما وهي كان وأخواتها.
فأما كان فلها
ثلاثة معان :
أحدهما : أن
تفيد زمانا محصلا ، كقولك : كان زيد عالما وكذلك : يكون زيد منطلقا.
وقد تكون دالة
على انقطاع ما وقعت عليه ، وغير دالة على ذلك.
ـ فأما ما لم
ينقطع : فقول الله عز وجل (وَكانَ اللهُ
عَلِيماً حَكِيماً*) [النساء : ٥] ، وهو في كل حال موصوف بذلك.
ـ وأما ما
انقطع : فقولك : «قد كنت غائبا وأنا الآن حاضر».
ـ والمعنى
الثاني : أن تكون في معنى حدث ووقع ، كقولك : «كان الأمر» أي : وقع.
ـ والوجه
الثالث : أن تكون زائدة لتدل على زمان دون أن يكون لها اسم ولا خبر ، أو تقع على
شيء مذكور ، وذلك قولك : «زيد كان قائم» ، وفاعلها مصدرها ، فدلت ههنا على الزمان
الماضي ؛ لأنك لو قلت : «زيد قائم» لوجب أن يكون ذلك في الحال.
ويجوز أن تكون
واقعة على ضمير «زيد» ، ويحذف خبرها لدلالة المبتدأ عليه ، فيكون التقدير : زيد
قائم كان كذلك ، أي : كان قائما.
ويشهد لهذا
التقدير قول الفرزدق :
* فكيف إذا مررت بدار قوم
|
|
وجيران لنا ـ
كانوا ـ كرام
|
فزاد «كان» بين
النعت والمنعوت كما ترى ، وبين المبتدأ والخبر ، وأتى باسمها وحذف خبرها لعلم
السامع كما ترى وكان التقدير : وجيران لنا كرام كانوا كذلك ، أي : كانوا لنا
جيرانا ، أو كانوا كراما.
فإن
قلت : خبرها هنا :
المجرور الذي قبلها فلم يحذف لها بخبر كما ذكرنا.
فالجواب : أن
المجرور قبلها صلة للخبر المحذوف المقدر ، وهو الإخبار عنهم بالجوار ، ولا يجوز أن
يكون المجرور هو الخبر بعينه ؛ لأنك لو قلت : «كان لي زيد» ، لم يجز إلا أن يكون
لك ملكا على حد قولك : كان لي الغلام والمال إلا أن يكون على حذف شيء معلوم كقول
القائل : من كان لك جارا أو صديقا؟ ونحو ذلك ، فتقول : كان لي زيد : كان لي جارا
أو صديقا أو نحوه.
فعلى هذا يخرج
قول الفرزدق ، ولا يجوز أن يتأول فيه غيره.
فأما «صار» :
ففيها معنى الانتقال وهي تدخل على جملة لم يكن لها مثل تلك الحال من قبل كقولك : «صار
زيد عالما» أي : انتقل إلى هذه الحال ، وقد تدخل على غير جملة لما فيها
__________________
من معنى الانتقال كقولك : صار زيد إلى عمرو ، وأنت لا تقول زيد إلى عمرو ،
وأنت لا تقول زيد إلى عمرو ، ولكنه بمعنى انتقل عمرو.
فأما أصبح
وأمسى وبات وأضحى وظل : فهن أوقات مخصوصة دخلت على جمل. فإذا قلت : أصبح زيد عالما
، فكأنك قلت : دخل وقت الصباح وهو عالم ، وكذلك أخواتها.
وبينهن وبين «كان»
فرق ، وذلك أن «كان» لما انقطع وأضحى وأخواتها لما لم ينقطع ، ألا ترى أنك تقول :
أصبح زيد غنيا ، فهو غني في وقت إخبارك غير منقطع غناه.
وربما توسعت
العرب في بعض هذه الأفعال ، فاستعملوها في معنى كان وصار ، فيقولون : «أصبح غنيا»
ولا يقصدون إلى وقت الصباح دون غيره.
وأما «ليس» :
فإنما تدخل على جملة فتنفيها في الحال. والأصل فيها : «ليس» فخففوا وألزموها
التخفيف ؛ لأنه لا يتصرف للزومه حالة واحدة ، وإنما تختلف أبنية الأفعال باختلاف
الأوقات التي تدل عليها ، وجعلوا البناء ماضيّا لأنه أخف الأبنية ، واختلفوا في
تقديم خبرها عليها.
والذي دل عليه
قول سيبويه في باب ستقف في عليه ، أن تقديم الخبر عليها جائز.
وبعض النحويين
يأباه. ولا خلاف بينهم في تقديم خبرها على اسمها.
وأما «ما زال»
ف «ما» ، و «زال» للنفي ، فصار المعنى بدخول النفي على النفي إيجابا.
ولا تستعمل «زال»
إلا بحرف النفي.
وأما «ما دام»
: فليست «ما» فيها مثلها في قولك : «ما زال» ؛ لأنها في «ما زال» للنفي ، وهي هنا
مع الفعل بتأويل المصدر ، يراد به الزمان فإذا قلت : أنا أقوم ما دام زيد قاعدا ،
فمعناه : أقوم دوام زيد قاعدا ، تريد : وقت الدوام.
(قوله) «وتقول
إذا لم نكنهم فمن ذا يكونهم».
ومعنى يكون هنا
على وجهين :
ـ أحدهما : إذا
لم نشبههم تقول : أنت زيد في معنى : أنت مشبه له.
ـ الآخر : أن
يقول قائل : من كان الذي رأيتهم أمس؟
فيقول المجيب :
نحن كناهم ، إذا كان السائل قد رآهم ولم يعلم أنهم المخاطبون.
قال أبو الأسود
:
* فإلا يكنها أو تكنه فإنه
|
|
أخوها غذته
أمه بلبانها
|
يصف الزبيب
والخمر. وقبل هذا :
دع الخمر
يشربها الغواة فإنني
|
|
رأيت أخاها
مغنيا بمكانها
|
__________________
ثم قال :
فإلا
يكنها ...
يعني : إن لم
يكن الزبيب : الخمر ، أن تكن الخمر : الزبيب ، فإنه أخوها يعني : الزبيب أخو الخمر
لأنهم من شجرة واحدة.
قوله : «فهو
كائن ومكون».
أما كائن : فهو
اسم الفاعل من كان.
وأما مكون :
فهو لما لم يسم فاعله ، غير أنه كان لا يجوز نقلها إلى ما لم يسم فاعله بأن يقام
الخبر مقام الاسم ؛ لأنك لو حذفت الاسم لبقي الخبر منفردا. وهذا لا يجوز ؛ لأنهما
بمنزلة الابتداء والخبر ، ولكن الوجه الذي يصح منه «مكون» ، أن تحذف الاسم والخبر
جميعا ، وتصوغ كان لمصدرها ، فينوب ذلك المصدر مناب الاسم والخبر ، ويكون الاسم
والخبر تفسيرا له. فتقول : «كين الكون زيد منطلق» فالكون اسم ما لم يسم فاعله لكين
، والجملة تفسير الكون ، فتقول على هذا : كين زيد منطلق ، فتضمر الكون في كين
لدلالتها عليه إذا كان مصدرا وكون زيد منطلقا على هذا التفسير.
هذا تقدير
السيرافي وغيره ، وهو مدخول لأن الجملة التي هي تفسير الأمر المضمر في كان خبر في
الحقيقة على حد قولك : كان الأمر هذا ، وكان الكون هذا.
فإذا كان تقدير
الجملة تقدير الخبر المنصوب المفرد بطل أن يقوم لكان مقام الفاعل كما يبطل أن يقوم
الخبر المفرد مقامه.
والذي يصح عليه
مكون : أن يكون منقولا من كان التامة التي يكتفى بفاعلها في قولك : كان الأمر ، أي
: حدث ووقع ، ثم تحذف الأمر ويقام المصدر ـ الذي في قولك : كان الأمر كونا ـ مقامه
، فيقول : كين ، فهو مكون أي : كين الكون فهو مكون ، فتضمر الكون في كين لدلالته
عليه ، كما تقول : قعد وضحك أي : قعد القعود ، وضحك الضحك ، فهذا بين إن شاء الله.
فإن قلت : «كان»
تلك ليست هذه الداخلة على المبتدأ والخبر فكيف جاز لسيبويه أن يحتج لشيء بما ليس
فيه؟
فالجواب : أن
تلك أصل هذه ؛ لأن أصل «كان» أن تكون عبارة عن الزمان المحصل ثم تعلق على ضربين :
ـ أحدهما :
تعليق الفعل الصحيح بفاعله.
ـ والآخر : على
التشبيه به ، فجاز له أن يحتج لهذه الناقصة بتلك التامة لذلك فاعلمه.
فتضمر الكون في
كان بدلالتها عليه إذا كان مصدرا ومكون زيد منطلق على هذا التفسير.
وأنشد سيبويه
قول مقاس العائذي :
* فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي
|
|
إذا كان يوم
ذو كواكب أشهب
|
واستشهد به على
أن «كان» بمعنى وقع.
ومقاس لقب
واسمه : مسهر بن النعمان وسمي مقاسا بقوله :
مقست بهم ليل
التمام مسهرا
|
|
إلى أن بدا
ضوء من الفجر ساطع
|
وأنشد لعمرو بن
شأس :
* بني أسد هل تعلمون بلاءنا
|
|
إذا كان يوما
ذا كواكب أشنعا
|
يريد : إذا كان
اليوم يوما ، فأضمر لعلم السامع ،
ومعناه : إذا
كان اليوم الذي يقع فيه القتال.
قال : وبعض
العرب يقول : «إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا»
فيجعل «كان»
بمعنى وقع ، ويجعل «أشنع» على الحال ، إلا أنها حال لا تفيد إلا توكيدا.
وقد يجوز أن
يكون «أشنعا» خبرا.
قوله : «وقد
يجوز في الشعر» إلى قوله : «على ضعف من الكلام».
اعلم أن الذي
حملهم على أن يجعلوا المعرفة خبرا عن النكرة في باب «كان» : أنهم قد جعلوا «كان»
فعلا بمنزلة : ضرب. وقد يجوز أن يكون فاعل ضرب منكورا ومفعوله معروفا ، وسوغ ذلك
أيضا في «كان» أن الاسم فيها هو الخبر فتعرف الاسم بمعرفتك الخبر إذ كان لشيء
واحد. وضعف ذلك لأنك لم تعرفه بنفسه ثم يستفاد خبره.
واستشهد سيبويه
على ذلك بقول خداش بن زهير.
* فإنك لا تبالي بعد حول
|
|
أظبي كان أمك
أم حمار
|
وبقول حسان بن
ثابت وما بعده من الأبيات.
فأما البيت
الأول فقد رد على سيبويه الاستشهاد به ؛ لأنه جعله شاهدا لجعل النكرة اسما
والمعرفة خبرا. واسم كان في هذا البيت ضمير ظبي والضمير معرفة.
وليس الأمر على
ما ظنه الرادون عليه ، وذلك أن الذي أحوج إلى أن يكون الاسم معروفا تبين المخبر
عنه للمخاطب حتى لا يلتبس عليه ، ويستفيد خبره بعد ذلك وضمير النكرة لا يستفيد به
المخاطب أكثر من النكرة.
__________________
ألا ترى أن
قائلا لو قال : مررت برجل فكلمته ، لم تكن الهاء بموجبة لتعريف شخص بعينه ، وإن
كانت الهاء معرفة من حيث علم المخاطب أن الهاء تعود إلى ذلك الرجل المذكور من غير
أن يكون ميزه من بين الرجال. فلا فرق بين أن يقول : قائم كان زيدا ، وبين كان زيدا
قائم في باب معرفة المخاطب بالمخبر عنه.
ووجه آخر : أن
قوله : «ظبي» اسم لكان أخرى مضمرة ، والثانية تفسير لها ، ويكون اسم «كان» الذي
أراد سيبويه : «ظبي».
وهذا الشاعر
إنما يصف إضراب الناس عن التشرف بالأنساب وتقارب ما شرف منها ووضع فقال : لا أبالي
بعد هذا الوقت إن دام ما نحن فيه إلى من نسبت من الأمهات.
وأما بيت حسان
، فهو مطابق لما استشهد به سيبويه من غير اعتراض عليه ، غير أن فيه ما سهّل جعل
النكرة اسما من جهة المعنى ؛ وذلك أن الذي يستفيده المخاطب بعسل وماء منكورين ، هو
الذي يستفيده بهما معروفين.
ألا ترى أن
قائلا لو قال : شربت الماء والعسل ، أو قال ماء وعسلا ، كان معناهما عندك واحدا
لعلمك أنه إذا قال : العسل والماء ، أن غرضه من ذاك البعض ؛ لأن العسل والماء :
يقال لما قل منه أو كثر : عسل وماء ، فالمعرفة والنكرة مستويتان في هذا.
ومما سهل ذلك
أيضا أن الضمير في «مزاجها» يعود إلى منكور وهي «سلافة». وقد بينا ما في ذلك.
وكان المازني
ينشد :
* يكون مزاجها عسلا وماء
فيحمل و «ماء»
على المعنى ؛ لأن ما مازج الشيء فقد مازجه الشيء فكأنه قال : ومازجها ماء.
وباقي الأبيات
مثل البيت الأول ومعانيها بينة إن شاء الله.
قال سيبويه : «وإذا
كان معرفة فأنت بالخيار».
إن
قال قائل : إذا كان الاسم والخبر جميعا معروفين كقولك : كان زيد أخاك فما الفائدة؟
قيل له : الاسم
المعروف قد يعرف بأنحاء مفردة ، وقد يعرف بها مركبة. «فزيد» معروف بهذا الاسم
مفردا ، و «أخوك» معروف بهذا الاسم منفردا.
غير أن الذي
عرفهما بهذين الاسمين منفردين ، قد يجوز أن يجهل أن أحدهما هو الآخر.
ألا ترى أنك لو
سمعت بزيد وشهر أمره عندك من غير أن تراه لكنت عارفا به ذكرا أو شهرة.
ولو رأيت شخصه
لكنت عارفا به عيانا ، غير أنك لا تركب هذا الاسم الذي سمعته على الشخص الذي رأيته
إلا بمعرفة أخرى بأن يقال لك : هذا زيد.
قوله : «ومثل
قولهم : من كان أخاك؟ قول العرب : ما جاءت حاجتك».
اعلم أن الأصل
في «جاء» أن يكون فعلا كسائر الأفعال متعديا وغير متعد ، كقولك : جاء زيد عمرا ،
وجاء زيد إلى عمرو. إلا أنهم أجروها في هذا المثل مجرى صار ، وجعلوا الهاء اسما
وخبرا هو الاسم كما كان ذلك في باب : كان وأخواتها ، فجعلوا اسمها مضمرا فيها ،
وجعلوا «حاجتك» خبرها. وأنثوا «جاءت» لتأنيث معنى «ما».
فكأنه قال :
أية حاجة جاءت حاجتك؟
وجعل «جاء»
بمعنى «صار» ، ولم يسمع إلا بتأنيث «جاءت» وإنما أجروها مجرى «صار» لضرب من الشبه
بينهما ، وذلك أنك تقول : صار زيد إلى عمرو ، كما تقول : جاء زيد إلى عمرو. ففي «جاء»
من الانتقال ما في «صار» فحملوا «جاءت حاجتك» ـ في جعل الاسم والخبر ـ بمنزلة صار
ـ إذا قلت : صار زيد منطلقا ـ لما بينهما من الاشتراك.
وإنما يقوله
الرجل للرجل إذا أتاه في معنى : قوله ما جاء بك ويقال : إن أول ما شهرت هذه الكلمة
من قول الخوارج لابن عباس حين أتاهم ليستدعي منهم الرجوع إلى الحق من قبل علي بن
أبي طالب رضي الله عنه.
قوله : «كما
جعلوا عسى بمنزلة كان في قولهم عسى الغوير أبؤسا».
يعني أنهم
جعلوا لها اسما وخبرا ، كما جعلوا ل «كان» ولو قلت في الكلام : «عسى زيد أخاك» لم
يجز ، فإنما جاز في «عسى» هنا لأنه مثل.
ويقال : إن
الزباء الرومية هي التي قالت هذا لما أتاها قصير بصناديق فيها رجل طالبا لثأر
جذيمة منها فأخذ في طريق الغار مريدا للإيقاع بها ، ولم يكن الطريق الذي يسلكه
إليها ذلك الطريق ، فلما أحست بذلك قالت : عسى الغوير أبؤسا.
«وأبؤسا» جمع
بأس. فكأنها قالت : صار الغوير أبؤسا ، إلا أن «عسى» فيها معنى الشك والتوقع ، و «صار»
لليقين : فعسى ههنا ، وإن أجريت مجرى صار وكان ، ففيها معنى الشك.
والغوير تصغير
الغار ، وفي الناس من يقول : المعنى عسى الغوير أن يكون أبؤسا ، ولا وجه لهذا
الإضمار كله.
ثم ذكر سيبويه
: «لدن غدوة» احتجاجا بأن الشيء قد يكون على لفظ في موضع ، ولا يطرد القياس في
غيره ؛ لأنك لا تقول : لدن عشية ، ولا لدن زيدا ، وإنما نصبت العرب «غدوة» على ضرب
من التأويل والتشبيه ، وذلك أنهم يقولون : «لد». فيحذفون النون و «لدن» فيثبتون
النون. فشبهوا هذه النون بالنون الزائدة في : عشرين وضاربين ، فنصبوا ما بعدها كما
ينصب
ما بعد العشرين والضاربين.
قوله : «وربما
قالوا في بعض الكلام : ذهبت بعض أصابعه» إلى قوله : «ولو قلت : ذهبت عبد أمك لم
يحسن» أي لم يجز.
اعلم أن المذكر
الذي يضاف إلى المؤنث على ضربين :
أحدهما : تصح
العبارة عن معناها بلفظ المؤنث التي أضيف إليها لو أسقطته ، كقولك : أضربي مر
السنين وذهبت بعض أصابعي. ألا ترى أنك لو قلت : أضرت بي السنون ، وذهبت أصابعي ،
لكان المعنى واحدا.
ـ وأما الآخر (الذي
لا) تصح العبارة عن معناه بلفظ المؤنث فقولهم : ذهب عبد أمك. فلو قلت : ذهبت عبد
أمك لم يجز ؛ لأنك لو قلت : ذهبت أمك لم يكن معناه معنى قولك : ذهبت عبد أمك ، كما
كان في معنى أضرت بي مر السنون ، كمعنى أضرت بي السنون.
ـ وأنشد سيبويه
للأعشى :
* وتشرق بالقول الذي قد أذعته
|
|
كما شرقت صدر
القناة من الدم
|
كأنه قال :
شرقت القناة : لأنه يجوز أن تقول : شرقت القناة وإن (كان) شرق صدرها.
ومعنى تشرق :
تغص.
وأنشد لجرير :
* إذا بعض السنين تعرقتنا
|
|
كفى الأيتام
فقد أبي اليتيم
|
وهو مثال الأول
: ويقال : تعرقت العظم : إذا أكلت ما عليه من اللحم.
وأنشد لجرير
أيضا.
* لما أتى خبر الزبير تواضعت
|
|
سور المدينة
والجبال الخشع
|
فأنث «السور» ؛
لأنه من المدينة. ألا ترى أنه لو قال تواضعت المدينة لصح المعنى الذي أراده بذكر
السور.
وزعم أبو عبيدة
أن «السور» جمع سورة ، وهي كل ما علا ، وبها سمي سور المدينة ، فزعم أن تأنيث
تواضعت لتأنيث «السور» إذ كان جمعا بينه وبين واحده الهاء كنخلة ونخل.
وقوله :
والجبال الخشع ؛ من الناس من يرفع الجبال الخشع بالابتداء والخبر كأنه قال : والجبال
خشع ، لأنه إن رفعها بتواضعت ، ذهب معنى المدح ؛ لأن الخشع : هي المتضائلة ،
__________________
وإنما حكمه أن يقول : الجبال الشوامخ.
ومعنى تواضعت :
تهدمت.
وقال بعضهم :
الجبال مرتفعة بتواضعت ، والخشع نعت لها ، فكأنه قال : تواضعت الجبال الخشع لموته
، أي : التي خشعت لموته.
وأنشد لذي
الرمة :
* مشين كما اهتزت رماح تسفهت
|
|
أعاليها مر
الرياح النواسم
|
فأنث فعل المر
؛ لأنه لو قال : تسفهت أعاليها الرياح لجاز.
ومعنى تسفهت :
استخفت. والنواسم : التي تهب هبوبا ضعيفا.
قال سيبويه : «ومثله
يا طلحة أقبل» إلى قوله : «يا تيم تيم عديّ».
اعلم أن الاسم
الذي في آخره هاء التأنيث ينادى بأربعة ألفاظ :
ـ بالضم من
الهاء ، كقولك : يا طلحة.
ـ وبحذف الهاء
وفتح الحاء كقولك يا طلح ، وبهذا أكثر ما ينادى.
ـ ويا طلح
بالضم.
ـ ويا طلحة
بفتح الهاء.
ونفسر هذا
الوجه الرابع من أجل أنه مفتوح ، ولم يلحقه ترخيم في اللفظ. وإنما جاز لأن كثيرا
ما تنادي العرب هذا الاسم بحذف الهاء وفتح الحاء.
فإذا أدخلوا
الهاء فتحوها على حسب ما تكون الحاء مفتوحة اتباعا لها ، فكان فتحهم آخر المنادي
كفتحهم يا طلح ، وجعل هذا شاهدا لقولهم : اجتمعت أهل اليمامة ، ولم يحفل بدخول أهل
كما لم يحفل بدخول الهاء.
ومعنى قوله في
هذا الفصل : «فتركوا الحاء مفتوحة على حالها».
يريد في قولك :
يا طلحة والخاء لا يمكن فيها إلا أن تكون مفتوحة إذا جئت بالهاء وأقحمتها عليها
وهو يريد الترخيم ، وفتح الهاء.
فلما أقحم
توكيدا للتأنيث الموجود في قولك : يا طلح بصيغة الاسم مفتوحا ترك تلك الفتحة في الحاء
على حالها قبل لحاق الهاء ، ولو لم يتركها على حالها لضمها ، ثم نقل حركتها إلى
الهاء بعدها ، فقال يا طلحة ؛ لأن هاء التأنيث لا تكون إلا بعد حرف متحرك بالفتح
أو بعد الحرف من الفتحة نحو : سعلاة وقطاة وما أشبهه فاعلمه.
__________________
باب ما تخبر فيه
بالنكرة عن النكرة
قال في هذا
الباب : «لا يجوز في أحد أن تضعه موضع واجب».
إن
قال قائل : كيف جاز أن يقع في النفي ما لا يصح وقوعه في الإيجاب؟
قيل له : النفي
قد يصح لأشياء متضادة في حال واحدة لا يصح إيجابها ، تقول : ليس زيد بقائم ولا
قاعد ، فتنفي قيامه وقعوده معا.
ولا يصح أن
تقول : هو قائم قاعد ، وتقول : ليس هو في الدار ولا في المسجد ، ولا يصح أن تقول :
هو في الدار والمسجد.
وإذا قلنا : ما
جاءني أحد وما بالدار أحد ، فقد نفينا أن يكون بها كل من يعقل ، ونفينا أن يكون
بها واحد منهم فقط ، وأن تكون بها جماعة دون غيرها ، أو صغير أو كبير ، أو ضعيف أو
قوي.
ولا يصح إيجاب
هذا على طريق نفيه لأنا إذا قلنا جاءني أحد وسلكنا به مسلك نفي الجنس ، فقد أوجبنا
مجيء كل من يعقل ومجيء واحد منهم فقط ، ومجيء جماعة دون جماعة ، وهذا محال.
قوله : «ولو
قلت : ما كان مثلك أحدا» إلى قوله : «إلا من الناس».
اعلم أن
الفائدة إنما تكون في الخبر دون الاسم ، فإذا قلت : ما كان مثلك أحدا ، «فمثلك» هو
الاسم و «أحد» هو الخبر ، والنفي واقع على «أحد» ، ومعناه : إنسان. كأنك قلت : ما
كان مثلك إنسانا ، فهذا محال إلا أن تريد معنى الوضع منه أو الرفعة له وإن كنت
تعتقد أنه إنسان.
قوله : «إلا أن
تقول : ما كان زيد أحدا ، أي : من الآحدين».
معناه : من
المستقيمي الأحوال
قوله : إذا
جعلت فيها مستقرّا.
يريد أنك إذا
جعلت الظرف والمجرور واقعين موقع الخبر فهما بمعنى : استقر ، فيسمى كل واحد منهما
مستقرّا لذلك ، فإذا كان من صلة الخبر سمي كل واحد منهما ملغى ؛ لأنه يستغنى عنه
إذ كان الخبر في غيره.
قوله : فمن ذلك
قوله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤].
يريد أنه قدم
له ، وجعل «كفؤا» الخبر ، والاسم «أحد» ولم يكن له مستقرّا ، وقد قدمته.
فإن قال قائل :
فقد اختار سيبويه أن لا يقدم الظرف إذا لم يكن خبرا ، وكتاب الله أولى بأفصح
اللغات.
قيل له : قوله
: «له» وإن لم يكن خبرا ، فإن سقوطه يبطل معنى الكلام ، فلما كانت
كذلك ، صارت بمعنى الخبر الذي لا يستغنى عنه وإن لم تكن خبرا.
قال : وأهل
الجفاء يقولون (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤].
يعني الأعراب
الذين لا يعلمون كيف هو في المصحف لقوة التأخير في أنفسهم إذا لم يكن خبرا.
قال الشاعر :
* لتقربن قربا جلذيّا
|
|
ما دام فيهن
فصيل حيّا
|
فقد
دنا الليل فهيا هيا
|
الشاهد في أنه
قدم فيهن (على) فصيل ، وجعله لغوا ، ومما سوغ التقديم أنك لو حذفت فيهن انقلب
المعنى إلى معنى الأبد.
وقوله : لتقربن
أي : لتردن. والقرب : الورود. والجلذى : يحتمل وجهين :
أحدهما : أن
يكون نعتا «لقربا» ومعناه شديدا.
ويحتمل أن يكون
اسم ناقته : جلذية ، فرخم.
هذا باب ما أجري مجرى
ليس في بعض المواضع
بلغة أهل الحجاز ...
وذلك الحرف «ما»
اعلم أن «ما»
حرف نفي يليه الاسم والفعل. وقد كان من حكمه أن لا يعمل شيئا في واحد منهما مثل
ألف الاستفهام ، و «هل». غير أن أهل الحجاز حملوا «ما» على «ليس» فأعملوها وهي مع
ذلك عندهم أضعف من «ليس» ؛ لأن «ليس» فعل و «ما» حرف ، ولذلك لم يجروها مجرى «ليس»
في كل المواضع.
وجعل سيبويه
شذوذها عن بابها وخروجها إلى باب «ليس» بمنزلة «لات» إلا أنه جعلها أقوى من لات :
للزومها العمل في الحين خاصة.
وعملها في
الحين على وجهين :
ـ أجودهما : أن
تنصب الحين بعدها على الخبر وتضمر اسمها فيها.
ـ والوجه
الثاني : أن ترفع الحين بعدها وتحذف الخبر ، والتاء في لات زائدة كما زيدت في «ثم»
إذ قالوا : «ثمت» ، وهي تاء التأنيث.
وزيدت لأحد
وجهين :
إما أن يكونوا
زادوها على معنى الكلمة ؛ لأن «لا» كلمة و «ثم» كلمة.
وإما أن يكونوا
زادوها للمبالغة في معناها من نفي وغيره ، كما قالوا علامة ورواية.
__________________
وتقديرها إذا حذفت اسمها : لات الحين حين مناص.
وإذا حذفت
الخبر : لات حين مناص لك.
قوله : «تضمر
فيها مرفوعا»
يعني : تضمر في
الجملة بعد «لات» في قلبك الحين غير مستكن في «لات» ؛ لأن «لات» حرف. وإنما يستكن
الضمير في الفعل لقوته.
قال الأخفش : «لات
لا تعمل شيئا في القياس لأنها ليست بفعل» فنصب «حين» بعد «لات» عند الأخفش بإضمار
فعل ، كأنه قال : لا أرى حين كذا ، والرفع بالابتداء وإضمار الخبر.
وقال المحتج عن
سيبويه : ليس كون «لات» حرفا بمانعها أن تعمل عمل «ليس» تشبيها بها كما عملت «ما»
في لغة أهل الحجاز.
قوله : «كما أن
التاء لا تجر في القسم وغيره إلا في الله إذا قلت : تالله لأفعلن».
يعني أن التاء
لا تدخل إلا في قولك : تالله ، لا تقول : تالرحمن. ولا تدخل في غير القسم.
فهذا معنى قوله
: «وغيره».
ولدخول التاء
على اسم الله عز وجل ـ خاصة ـ احتجاج ستراه في موضعه إن شاء الله.
قال سيبويه : «وزعموا
أن بعضهم قال : وهو الفرزدق»
* فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم إذ
|
|
هم قريش وإذ
ما مثلهم بشر
|
حكى سيبويه أن
بعض الناس نصب «مثلهم» وجعله على وجه الخبر في هذا البيت ثم استبعده.
وقد رد هذا
التأويل على سيبويه ، فقيل له : قد علمنا أن الفرزدق من بني تميم ، وهم يرفعون
الخبر مؤخرا ، فكيف ينصبونه مقدما؟
فقال المحتج عن
سيبويه : يجوز أن يكون الفرزدق سمع أهل الحجاز ينصبونه مؤخرا.
وفي لغة
الفرزدق لا فرق بين التقديم والتأخير ؛ لأنه يرفع مقدما ومؤخرا. فاستعمل لغتهم
وأخطأ.
وفي نصب «مثلهم»
وجهان آخران :
ـ أحدهما : أن
يكون منصوبا على الحال كقولك : في الدار قاعدا رجل.
والثاني : أن
يكون «مثلهم» منصوبا على الظرف ، كأنه قال : وإذا ما في مثل حالهم وفي
__________________
مكانهم من رفعة «بشر» ، كما تقول : ما فوقهم بشر ؛ أي فوق منزلتهم بشر ،
وإذا ما دونهم على الظرف.
قال سيبويه : «وليس
قولهم : لا يكون في ما إلا الرفع بشيء ، لأنهم يحتجون بأنك لا تستطيع أن تقول :
ولا ليس ولا ما».
يعني بذلك : أن
قوما من النحويين يزعمون أنه لا يجوز : ليس ذاهبا ولا معن منطلقا.
وكذلك في «ما»
، وذلك أنه لا يصح عندهم عطف الثاني على الأول إلا بتقدير إعادة العامل بعد حرف
العطف ، كقولك : قام زيد وعمرو. والتقدير عندهم : وقام عمرو فلا يجيزون : ما زيد
ذاهبا ولا عمرو منطلقا ؛ لأنه لا يصلح إعادة العامل وهو «ما» ، لا تقول : ولا ما
عمرو منطلقا.
ومذهب سيبويه :
أن المعطوف لا يقدر له إعادة العامل ، بل يجعل العامل الأول عاملا فيهما ويجعل حرف
العطف كالتثنية فيصير المعطوف والمعطوف عليه كالمثنى. ألا ترى أن قولنا : قام
الزيدان بمنزلة قام زيد وزيد ، وقام زيد وعمرو بمنزلة : قام الزيدان غير أنه لم
يمكن تثنية زيد وعمرو بلفظ واحد ففصل بينهما بالواو ، وصارت الواو كالتثنية فيما
اتفق لفظه.
ولو قدمت ذكر
زيد وعمرو ، ثم كنيت عنهما ، لم تحتج إلى عطف ، وثنيت كنايتهما لاتفاق الكنايتين ،
وإن كان الاسمان مختلفين ، فقلت. زيد وعمرو قاما.
والذي منع من
إعادة العامل في مسائل «ما» و «ليس» أنك لا تجمع بين حرفي نفي ، فلم يجز إعادة «ما»
و «ليس» بعد «لا» ثم أراهم سيبويه المناقضة في ما أصلوه.
فقال : «فأنت
تقول : ليس زيد ولا أخوه ذاهبين».
يعني أنهم
يعطفون «الأخ» على «زيد» ، والعامل فيه «ليس» ، ولا يحسن إعادة «ليس» فقد ناقض.
قوله : «وإن
شئت قلت : ما زيد ذاهبا ولا كريم أخوه» إلى قوله : «حين بدأت بالاسم».
يعني أنه يجوز
أن تقول : ولا كريم أخوه ، على أن تجعل «أخوه» مرفوعا بالابتداء لا «بكريم» وتجعل «كريما»
مرفوعا بخبر الابتداء وإن كان متقدما.
ويكون التقدير
: ولا أخوه كريم ، كما قلت : ما زيد ذاهبا ولا عمرو منطلقا ، ولا عمرو منطلق إذا
بدأت بالاسم قبل الخبر.
قوله : «وتقول
ما زيد ذاهبا ولا محسن زيدا» إلى قوله : «واستؤنف على حياله وحيث كان ضعيفا».
اعلم أن الاسم
الظاهر متى احتيج إلى تكرير ذكره في جملة واحدة ، كان الاختيار أن يذكر ضميره ؛
لأن ذلك أخف وأنفى للشبهة واللبس ، كقولك : زيد ضربته وإن أعدت ذكره
مظهرا لجاز ، ولم يكن وجه الكلام كقولك : زيد ضربت زيدا.
وإذا أعدت ذكره
في غير تلك الجملة حسن إعادة ظاهره كقولك : مررت بزيد وزيد رجل صالح. فإذا قلت :
ما زيد ذاهبا ولا محسن زيد ، جاز الرفع والنصب. وإذا نصبت جعلت زيدا بمنزلة كنايته
، فكأنك قلت : ما زيد ذاهبا ولا محسنا هو ، كما تقول : ولا محسنا أبوه.
وإذا رفعت جعلت
«زيدا» كالأجنبي وابتدأته ، وجعلت «محسنا» خبرا مقدما.
واختار سيبويه
الرفع ؛ لأن العرب لا تعيد لفظ الظاهر إلا أن تكون الجملة الثانية مستأنفة ،
واستشهد سيبويه ـ لجواز النصب وجعل الظاهر منزلة المضمر ـ بقول سوادة بن عدي :
* لا أرى الموت يسبق الموت شيء
|
|
نغّص الموت
ذا الغنى والفقيرا
|
ويقول الجعدي :
* إذا الوحش ضم الوحش في ظللاتها
|
|
سواقط من حر
وقد كان أظهرا
|
وذلك أن قوله :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء.
الموت الأول :
مفعول «لأرى» ، و «يسبق الموت شيء» المفعول الثاني ، وهما في جملة واحدة ، فكان
ينبغي أن يقول : «يسبقه شيء» فيضمر.
وقوله : «إذا
الوحش ضم الوحش».
الوحش الأول
مرفوع بفعل مضمر هذا الظاهر تفسيره ، كأنه قال : إذا ضم الوحش ضمه سواقط ، فهما في
جملة واحدة ؛ لأن الأول لا يستغنى بنفسه ، فكان ينبغي أن يضمر ولا يظهر.
ومعنى البيت :
أن الوحش تفزع إلى مواضع الظل لشدة فيح الحر. وقوله : وقد كان أظهرا ، يعني : نصف
النهار. والظهر والظهيرة بمعنى. والظّللات جمع ظلل. وظلل : جمع ظليل.
وذهب أبو
العباس إلى أن الموت والوحش جنسان ، فالإظهار والإضمار فيهما سواء ؛ لأنهما جنسان
، وقال : إنما كره : زيد قام زيد ، لئلا يتوهم أن الثاني خلاف الأول. وهذا لا
يتوهم في الأجناس.
واستشهد سيبويه
ـ لاختيار الرفع فيما تقدم ـ بقول الفرزدق :
* لعمرك ما معن بتارك حقه
|
|
ولا منسيء
معن ولا متيسر
|
ومعن الثاني هو
الأول ، بمنزلة قولك : ما زيد ذاهبا ولا محسن زيد.
__________________
ومعنى البيت :
أنه أخبر أنه لا يؤخر أحدا بدينه ، يقال : أنسأته : أي أخرته. ومعنى متيسر ، أي لا
يتسهل في معاملة.
قوله : «فإذا
قلت : ما زيد منطلقا أبو عمرو» إلى قوله : «لأنك لم تجعل له سببا».
يعني أن «أبا
زيد» إذا كانت كنيته : «أبا عمرو» لم يجز أن تقول : ما زيد منطلقا أبو عمرو ، كما
جاز منطلقا أبوه ؛ لأن في «أبوه» هاء تعود إلى زيد ، ولا يشبه هذا قولك : ما زيد
منطلقا زيد ؛ لأن زيدا الثاني هو الأول ، فكأنه ضمير ، ولا يجوز أن يكون خبر الأول
إلا ما كان فيه ضميره ، أو كان الظاهر معادا بعينه.
وقوله : «لأنك
لم تعرفه».
يعني أنك لم
تعرف الأب بزيد ، فتقول أبوه ، أو أبو زيد.
«ولم تذكر له
إظهارا ولا إضمارا».
يعني لم تذكر
لزيد.
واستشهد سيبويه
ـ على الرفع فيما كان الثاني فيه أجنبيا غريبا من الأول ـ بقول الأعور الشني.
* هون عليك فإن الأمور
|
|
بكف الإله
مقاديرها
|
فليس بآتيك
منهيها
|
|
ولا قاصر عنك
مأمورها
|
قوله : «منهيّها»
: اسم ليس : والضمير الذي فيها ضمير «الأمور» ، فكأنه قال : ليس يأتيك منهي
الأمور. وخبر «ليس» قوله «بآتيك» وقوله : «ولا قاصر عنك مأمورها». «مأمور» مضاف
إلي الأمور إلى اسم «ليس» فهو أجنبي منه.
فإن قال قائل :
لم اسشهد سيبويه بهذا الإبطال النصب في ما كان أجنبيا في باب «ما» ، والنصب في
البيت جائز ؛ لأنه ليس يقدم خبرها على اسمها؟
ففي ذلك جوابان
:
ـ
أحدهما : أنه أنشد
البيت ليرينا كيف حكم «ما» لو كانت مكان ليس في البيت الذي أنشده ، وهو يحكى عن
أبي العباس.
ـ والجواب
الثاني : أنه أنشد البيت ليرينا أن الجملة الثانية غريبة من الجملة الأولى لما لم
يكن الضمير الذي في الجملة الثانية ضمير الاسم الأول ، وإنما هو ضمير ما أضيف إليه
كما كان ذلك في المسألة الأولى.
قوله : «وجره
قوم» إلى قوله : «فهو بعضها».
اعلم أنه
سيبويه لا يجيز : ليس زيد بقائم ولا قاعد عمرو ، ويجيز : ليس زيد بقاعد ولا
__________________
قائم أبوه.
وأما إبطاله :
ولا قاعد عمرو ؛ فلأنه لا يرى العطف على عاملين ، ومتى أجازه عطف على عاملين ،
ومعنى ذلك أنك إذا قلت : ليس زيد بقاعد ، فزيد مرتفع بليس وقاعد مجرور بالباء ،
وليس والباء عاملان.
فإذا قلت : ولا
قائم عمرو ، عطفت قائما على قاعد وعطفت عمرا على اسم ليس ، فقد عطفت على شيئين
مختلفين.
ومثل ذلك في
الفاسد : «قام زيد في الدار والقصر عمرو» والذي أبطل العطف على عاملين ، أن حرف
العطف يقوم مقام العامل ، ويغني عن إعادته.
فلما كان حرف
العطف كالعامل ، والعامل لا يعمل رفعا وجرّا ، لم يجز أن يعطف بحرف واحد على
عاملين ، فإن أعدت أحد العاملين مع حرف العطف جاز ؛ لأن العطف حينئذ على عامل
واحد.
وقد أجاز
الأخفش وغيره من البصريين العطف على عاملين ، واحتج الأخفش بقول الله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [الجاثية : ٣ ، ٤].
ولا حجة للأخفش
في الآية ، لأن أحد العاملين ، وهو «في» قد أعيد مع حرف العطف.
وقد بينا ذلك.
واحتج أيضا
بقول الله عز وجل : (لَعَلى هُدىً أَوْ
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤] ، فقال : فعطف على خبر إن وعلى اللام.
وهذا لا حجة له
فيه ؛ لأن قوله تعالى : (لَعَلى هُدىً أَوْ
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ليس فيه معمول «إن» فيكون عطفا على «إن» واللام في قوله
(لَعَلى هُدىً) غير عاملة.
فاحتجاجه بهذا
بعيد.
قال أبو العباس
: غلط أبو الحسن في الآيتين جميعا ، في أنهما عطف على عاملين ، ولكن ذلك في قراءة
من قرأ : (وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الجاثية : ٥] ، ثم قرأ «آيات» فجره ، فقد عطف على عاملين ، ومذهبه إبطال
العطف على عاملين. فلم يجز نصب الآيات ورفعها ليتخلص من العطف على عاملين فلزمه في
الرفع مثل ما فر منه ، وذلك أنه جر (وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [الجاثية : ٥] بالعطف على المجرور «بفي» ورفع «الآيات» ، فلا يخلو في رفعها
من وجهين :
ـ إما أن يكون
عطفها على موضع «إن» وموضعها الابتداء ، فيكون قد عطف على عاملين ، هما الابتداء
وحرف الجر.
ـ وإما أن
يستأنف الآيات ، ويعطف جملة على جملة فيلزمه أن يعيد حرف الجر في
الجملة المستأنفة ، ألا ترى أنك لا تقول : «الدار عمرو» على معنى : في
الدار عمرو.
وأجاز سيبويه
الجر في قوله : «ولا قاصر عنك مأمورها» وذلك أنه جعل منهى الأمور بمنزلة الأمور ،
إذ كان البعض قد يجوز أن يجري مجرى ما أضيف إليه ، فجعل منهي الأمور إذا كان بعضها
بمنزلة الأمور ، كأنه قال : وليس يأتيك الأمور ولا قاصر عنك مأمورها.
واستشهد على
جعله منهي الأمور كالأمور بقوله :
* إذا بعض السنين تعرقتنا
|
|
كفى الأيتام
فقد أبي اليتيم
|
وقد مر البيت
قبل هذا.
قال سيبويه : «ليس
معروف لنا ردها ولا مستنكر».
أي : يكون
الرفع والنصب في «مستنكر» مثلهما في «ولا قاصرا».
وأما الخفض على
مذهب سيبويه ، فعلى تأويل أن يجعل الثاني من سبب الأول.
قوله : «لنا
ردها» يريد : ردها ، أي : رد الخيل.
فإذا قال : ليس
بمعروف لنا رد الخيل ، جاز أن يجعل رد الخيل بمنزلة : الخيل ، فكأنه قال : ليس
بمعروفة لنا الخيل صحاحا ولا مستنكر عقرها.
قول سيبويه ـ رحمه
الله ـ فسره شارح الكتاب.
والقول عندي أن
مذهب سيبويه ومذهب من اتبعه عليه فاسد مختل ؛ لأن المأمور ضد المنهي ، فلا يصح
تبعضه منه ، وكذلك العقر لا يصح وقوعه «بالرد» بوجه من الوجوه ، وأن الآخر في
البيت أجنبي عن الأول. وأن «غير» خبر الآخر جائز على رواية سيبويه ـ رحمه الله ـ على
تقدير حذف حرف الجر من الجملة الأخيرة لدلالة الباء في الجملة الأولى عليه حملا
على قول العرب : «ما كل سوداء ثمرة ولا بيضاء شحمة» ، و «ما مثل زيد يقول ذلك ولا
أخيه يكرهه» ، فيجوز على هذا : ليس بقائم زيد ولا خارج عمرو ، يريد : ولا بخارج :
فإن قلت :«ليس زيد بقائم ولا خارج عمرو» لم يجز.
والفرق بين
الجملتين أن قولك : «ليس بقائم زيد ولا خارج عمرو» جار على رتبته من تقديم المجرور
الذي هو الخبر على المرفوع المخبر عنه ، فوقع المجرور الآخر متصلا بحرف يعطف لفظا
ومعنى يحسن حذفه لقيام حرف العطف عليه. فإن قلت : «ليس بقائم عمرو ، بطل الجر ؛
لأنك أخرت المجرور في الجملة الأولى ، فوجب أن تقدره مؤخرا في الجملة الثانية
لاستواء أجزاء الكلام ، فكما لا يجوز : «ليس زيد بقائم ولا عمرو بخارج» حتى تقول :
ولا عمرو بخارج لا يجوز : ولا خارج عمرو حتى تقول : ولا بخارج عمرو.
__________________
ونظير هذا في
كلام العرب ، وعليه مخرج الآية في قوله عز وجل : (وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ...) [الجاثية : ٥].
وآيات إنما هو
لاتصال المحذوف بحرف العطف ، وتقدمه لفظا ومعنى كما تقدم في الآية.
وأما قوله
تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا
السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ) [يونس : ٢٧] أراد : وللذين فحذف حرف الجر ، فهو كقولك : في الدار زيد
والحجرة عمرو.
فهذا بين لا
اعتراض فيه. فقد تبين أن مخرج البيتين اللذين أنشد سيبويه على هذا فاعلمه إن شاء
الله.
وتقول : (ما كل
سوداء ثمرة ولا بيضاء شحمة) ، وإن شئت أظهرت" كل" فقلت : ولا كل بيضاء.
واحتج بعض
النحويين بأن هذا عطف على عاملين وذلك أن بيضاء جر عطفا على سوداء ، والعامل فيها «كل»
وشحمة منصوبة على خبر «ما».
وجعله سيبويه
على غير ذلك وتأوله تأويلا أخرجه عما قاله القائل ، فقال : بيضاء مجرورة «بكل»
أخرى محذوفة مقدرة بعد «لا» ، وليست بمعطوفة على «سوداء» فلم يحصل العطف على
عاملين.
قال أبو دؤاد :
* أكل امرئ تحسبين امرءا
|
|
ونار توقد
بالليل نارا
|
أراد : وكل نار
توقد ، فاستغنى عنه تثنية كل بذكره إياه في أول الكلام ولقلة التباسه على المخاطب
، وجعله سيبويه بمنزلة قولك : «ما مثل عبد الله يقول ذاك ولا أخيه».
فهذا يحتمل أن
يكون مثل مقدرا بعد «لا» ويجوز أن «لا يكون» مقدرا ، ويكون مثل الأول فاعلا في
الاسمين ، وإن شئت قلت : ولا مثل أخيه.
فإن قلت : «ما مثل
عبد الله يقول ذاك ولا أخيه يكرهه».
فهذا لا محالة
تقدر فيه مثل بعد «لا» ، فلما جاز حذف «مثل» بعد الثاني ـ اكتفاء في هذه المسألة ـ
جاز في التي قبلها.
ومثل هذه
المسألة : «ما مثل أخيك ولا أبيك يقولان ذاك» فلا بد من تقديره «مثل» ؛ لأنه لو
كان «أبيك» معطوفا على «أخيك» ، والعامل مثل الأول ، ما جاز أن يثنى يقولان ، فلما
ثناه علمنا أن تقديره : ما مثل أخيك ولا مثل أبيك يقولان ذاك ، و «مثل» الأول غير
الثاني.
__________________
وهذا كله يؤكد ما
ذكرناه في البيتين إن شاء الله تعالى.
باب ما يجري على
الموضع لا على الاسم الذي قبله
اعلم أنك إذا
قلت : ليس زيد بجبان ولا بخيلا ، جاز النصب في بخيل والجر ، غير أن الجر أجود ؛
لأن معناهما واحد ، ولفظ الآخر مطابق للفظ الأول ، فإذا تطابق اللفظان مع تساوي
المعنيين كان أفصح من تخالف اللفظين ، والعرب تختار ذلك وتحرص عليه وتختار حمل
الشيء على ما يجاوره حتى قالوا : هذا جحر ضب خرب فجروا «خربا» وهو نعت للجحر
لمجاورة الضب.
فلما كان هذا
من كلامهم في ما لا يصح معناه جائزا كان فيما يصح معناه كاللازم ، فلهذا كان
الاختيار «بخيل» على «جبان» لقربه منه ، وبعده عن «ما» و «ليس» مع صحة المعنى.
وأنشد لعقيبة
الأسدي :
* معاوى إننا بشر فأسجح
|
|
فلسنا
بالجبال ولا الحديدا
|
فحمله على موضع
الباء لو لم تكن.
وهذا البيت
يروى مع أبيات سواه على الجر منها :
أكلتم أرضنا
فجردتموها
|
|
فهل من قائم
أو من حصيد
|
وخالف سيبويه
في هذا جماعة من أهل اللغة فقالوا :
الرواية ولا
الحديد عطفا على اللفظ ، واستدلوا على ذلك بالبيت الذي ذكرناه وغيره.
والحجة لسيبويه
أنه لا يدفع عن الثقة والصدق ، فيجوز أن يكون الذي أنشده إياه نقل هذا إلى النصب ،
ويجوز أن يكون من قصيدة منصوبة.
وأكثر أحواله
أن يكون أراد أن يريك أنه جائز عنده وعند جميع النحويين ، ومعنى أسجح : سهل وأرفق.
قال : «ومثل
ذلك قول لبيد» :
* فإن لم تجد من دون عدنان والدا
|
|
ودون معدّ
فلتزعك العواذل
|
وكان الوجه دون
«معد» عطفا على «من» ولكنه نصبه على الموضع ،
ومعنى وزعه :
كفه. يقول : انتسب إلى آخر أجدادك ، فإن لم تجد بينك وبينهم أبا إلا ميتا فلتزعك
العواذل على ما أنت عليه من الزهد في الدنيا ، ولتتبع هواهن وهذا منه على طريق
الوعيد لنفسه ، أي : لا ينبغي لك أن تطيعهن.
ويجوز أن تكون
العواذل : مواعظ الدهر ، وما يزجره عن الرغبة في الدنيا والاستكثار منها.
__________________
قال : «ومن
كلامهم أخذتنا بالجود وفوقه ؛ لأنه ليس من كلامهم : وبفوقه».
معنى هذا
الكلام : أخذتنا السماء بالجود من المطر وهو الغزير وبمطر فوق الجود ، ولم يجز جر «فوق»
عطفا على الجود ؛ لأنهم لا يكادون يقولون : أخذتنا بفوق الجود إنما يقولون : بمطر
فوق الجود.
وقد يجوز جره
وهو بعيد.
وأنشد بيتين في
مثل معنى البيت المتقدم.
قال كعب بن
جعيل :
* ألا حي ندماني عمير بن عامر
|
|
إذا ما
تلاقينا من اليوم أو غدا
|
فنصب غدا ولم
يعطفه على اليوم.
وقال العجاج :
* كشحا طوى من بلد مختارا
|
|
من يأسة
اليائس أو حذارا
|
فحمل «حذارا»
على موضع «من» كأنه قال يأسة اليائس وهذا مفعول له كقولك : انصرفت عن زيد يائسا.
ويجوز أن يكون «حذارا»
عطفا على قوله : مختارا ، كأنه قال مختارا أن محاذرا.
يصف ثورا أو
حمارا ، والكشح : ناحية الجنب ، ونصبه بطوى.
باب الإضمار في ليس
اعلم أن كل
جملة فهي : حديث وأمر وشأن.
والعرب قد تقدم
قبل الجمل ضمير الأمر والشأن ثم تأتي بالجملة فتكون الجملة خبر الأمر والشأن. وهذا
الذي يسميه الكوفيون المجهول.
ومثل سيبويه
الإضمار في «كان» إذا قلت : «كان زيد قائم» بالإضمار في «إن» إذا قلت : «إن زيد
قائم» وهما سواء في ظهور علامة المضمر المنصوب في «إن» واستكان ضمير الرفع في «كان»
فمثل ما لم يظهر بما يظهر تقريبا وبيانا
وأنشد سيبويه
على الإضمار في ليس قول حميد الأرقط :
* فأصبحوا والنوى عالي معرسهم
|
|
وليس كل
النوى تلقي المساكين
|
__________________
فنصب «كل» «بتلقي»
وأضمر في «ليس» ضمير الأمر ، وجعل الجملة خبر ليس.
وقبل هذا البيت
:
باتوا وجلتنا
الصهباء بينهم
|
|
كأن أظفارهم
فيها السكاكين
|
الجلة : القفة
من التمر والعنب. يصف قوما ضعفاء.
وأنشد في مثل
ذلك :
* إذا مت كان الناس صنفان : شامت
|
|
وآخر مثن
بالذي كنت أصنع
|
أضمر في كان
الأمر ، وجعل الجملة تفسيرا له وخبرا عنه.
وأنشد لهشام
أخي ذي الرمة :
* هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها
|
|
وليس منها
شفاء الداء مبذول
|
أضمر في ليس ،
أي : ليس الداء المتولد منها شفاؤه مبذول.
وأنشد لمزاحم
العقيلي :
* وقالوا تعرفها المنازل من منى
|
|
وما كل من
وافى منى أنا عارف
|
فنصب «كل»
بعارف ، وجعل ما تميمية.
ويجوز رفع «كل»
بما وأنا عارف خبر ما.
وسئل أبو إسحاق
الزجاج عن معنى هذا البيت فقيل له : الإنسان يسأل عن الشيء من يعرفه ومن لا يعرفه
، فما معنى هذا؟
فقال : هذا
يذكر امرأة تعشقها ، فليس يسأل عن خبرها إلا من يعرفه ويعرفها.
هذا باب ما عمل عمل الفعل ولم يجر مجراه ـ وهو باب التعجب ـ
اعلم أن التعجب
من الشيء أن يكون زائدا في معنى ما تعجب منه على غيره نادرا في بابه ؛ لأن فيه
تفضيلا. ولا يجوز أن يقال : لزيد إذا كان في أول مراتب الحسن : ما أحسن زيدا ؛
لأنه تفضيل فيه.
ولا يجوز أن
يقال : لزيد إذا كان في أول مراتب الجن : ما أجن زيدا ؛ لأنه لا تفضيل فيه.
ومثل الخليل «ما»
بشيء في قولك : «ما أحسن زيدا ، كأنك قلت : شيء أحسن زيدا».
ومعنى أحسن ،
أي حسن ، أي حسنه وأصاره إلى هذا الحسن ، وخصت «ما» بالتعجب
__________________
دون «شيء» ؛ لأن شيئا اسم غير مبهم و «ما» مبهمة ، والمتعجب معظم للأمر ،
فكأنه إذا قال : ما أحسن عبد الله فقد جعل الأشياء التي بها يقع الحسن متكاملة في
عبد الله ، فلا يصح ذلك إلا بلفظ مبهم.
ولو قال شيء
أحسن عبد الله ، كان قد قصر حسنه على جهة دون سائر جهات الحسن.
واعلم أن «ما»
في الخبر موصولة ، وفي الاستفهام والشرط غير موصولة.
فإن قال قائل :
هي في التعجب خبر ، فكيف جاز أن لا توصل؟
فالجواب : أن
العلة التي من أجلها كانت «ما» في الاستفهام والجزاء غير موصولة هي بنفسها موجودة
في التعجب وذلك أن المستفهم إنما يستفهم عما لا يعرف ، فلو وصل ما لأوضح واستغنى
عن الاستفهام ، والمجازي إنما يريد أن يعم ، فلو وصل لحصل على شيء بعينه ، فاستغنى
عن الصلة. والمتعجب مبهم ، فلا يصلح أن يصل «ما» فتخرج عن الإبهام ؛ لأن الصلة
إيضاح وتبيين.
وقد جاءت «ما»
غير موصولة في الخبر كقولهم : «غسلته غسلا نعمّا» يريد نعم الغسل ، فجعل «ما»
بمنزلة الغسل ولم يصلها ؛ لأن «نعم» إنما يليها المبهم.
قال الأخفش :
وإن شئت جعلت أحسن صلة ل «ما» وأضمرت الخبر ، فهذا أكثر وأقيس.
وهذا يمتنع من
وجهين :
ـ أحدهما : أنه
إذا وصلها وقعت على شيء بعينه ، ولم يكن فيها الموجب لمعنى التعجب والمختص به.
ـ والآخر : أن
الفعل إذا كان من (...) إلى الخبر ، والخبر معدوم في هذا ، فإن قلت : حذف لعلم
السامع ، فالمحذوف من الأخبار يمتنع من الاطراد والإتيان به على أصله ، وقد عدم
هنا اصلا ، فلا جر يقدر ألبتة غير الفعل الذي هو خبر عن «ما» منفصل عنه.
وأجاز بعض
النحويين أن يفصل بين «ما» وفعلها بأخوات كان ، فقال : ما أصبح أبردها وأمسى
أدفأها. فجعلوا أصبح بمنزلة : كان. وأصبح لا تشبه كان في هذا الموضع من وجهين :
أحدهما : أن «أصبح»
لا تكون زائدة مثل كان.
ـ والثاني : أن
«كان» تدل على المضي ، ولا توجب في الحال شيئا ، وأصبح توجب دخوله فيه وبقاء عليه
، وحكم التعجب أن يكون مما مضى.
باب الفاعلين
والمفعولين
اعلم أن جميع
النحويين قد أجمعوا على إعمال الأفعال المتعدية وغير المتعدية في هذا
الباب إلا الجرمي ومن ذهب مذهبه ، فإنهم لا يرون إجراء الفعل المتعدي إلى
ثلاثة مفعولين على القياس في هذا الباب ؛ لأن هذا الباب خارج من القياس ، وإنما
يستعمل فيما استعملت العرب وتكلمت به.
وسائر النحويين
يقيس ذلك في جميع الأفعال.
واعلم أن الفعل
المتعدي إلى مفعولين مما لا يجوز فيه الاقتصار على أحدهما سبيله سبيل أعطيت إلا في
الاقتصار على أحد المفعولين تقول : ظنّني وظننت زيدا منطلقا إياه ـ والنون والياء
هما المفعول الأول للظن ، فأنت مضطر إلى ذكر الثاني ؛ لأنه لا يقتصر على أحد
المفعولين ، فجئت به في آخر الكلام ليرجع على منطلق ؛ لأن المفعول لا يضمر قبل
الذكر.
قال سيبويه
مستشهدا للمحذوف في مسائل هذا الباب : «وقد جاء في الشعر من الاستغناء ما هو أشد
من هذا. وذلك قول قيس بن الخطيم»:
* نحن بما عندنا وأنت بما
|
|
عندك راضى
والرأي مختلف
|
أراد : نحن بما
عندنا راضون.
وتأول أبو
الحسن بن كيسان هذا البيت على غير حذف ـ وهو قول غريب ـ فقال : تجعل قوله لواحد ،
كأنه قال : نحن راض بما عندنا ثم عطف «واو» أنت على نحن.
وأنشد لضابئ
البرجمي :
* فمن يك أمسى بالمدينة رحله
|
|
فإنّي وقيارا
بها لغريب
|
فجاء بخبر
أحدهما
وقيار : اسم
فرس له.
وقال ابن أحمر
:
* رماني بأمر كنت منه ووالدي
|
|
بريئا ومن
أجل الطوى رماني
|
وحق الكلام أن
يقول : بريئين.
فهذه الأبيات
أشذ مما ذكر في المسائل المتقدمة ، وذلك أنه حذف خبر الاسم الذي لا بد منه اكتفاء
بخبر الاسم الأخير وما ذكره ، فإنما حذف منه المفعول المستغنى عنه.
ويروى : «ومن
جول الطوى رماني».
فمن روى : ومن
أجل الطوى : يعني بسبب الطوى ، والطوى : البئر ، وإنما كانت بينهم مشاجرة في بئر ،
فبهته بسبب ما كان بينهم من المشاجرة وقذفه لما لم يكن فيه.
__________________
ومن قال : «ومن
جول الطوى ، أراد : أن ما رماني به رجع عليه ؛ لأن من رمى من بئر رجعت رميته عليه».
والجول والجال
: ما حول البئر ، ويقال : إنه من أحكم ما قالت العرب.
قوله : «ولو
أعملت الأول لقلت : مررت ومر بي زيد» إلى قوله : «إذ لم ينقض».
يعني أن قولك :
«مررت ومر بي زيد» أجود ؛ لأن «زيد» أقرب إلى الفعل الثاني.
قال الفرزدق في
إعمال الثاني :
* ولكن نصفا لو سببت وسبني
|
|
بنو عبد شمس
من مناف وهاشم
|
ولو أعمل الأول
في غير الشعر لقال : سببت وسبوني بني عبد شمس.
وقال الطفيل :
* وكمتا مدمّاة كأن متونها
|
|
جرى فوقها
واستشعرت لون مذهب
|
فأعمل الثاني.
ولو أعمل الأول لقال : جرى فوقها واستشعرته لون مذهب.
والكمت : جمع
كميت ، وكأنه بناه على أكمت ، وإن كان لا يقال. والمدماة : التي غلبت عليها
الحمرة. واستشعرت : صار لها شعارا وهو ثوب يلي الجسد.
وقال رجل من
باهلة :
* ولقد أرى تغنى به سيفانة
|
|
تصبي الحليم
ومثلها أصباه
|
أعمل «تغنى»
ولو أعمل «ترى» لقال : سيفانة.
والسيفانة : المهفهفة
الممشوقة ، كأنها شبهت بالسيف. ومثلها أصباه ، يعني : مثل السيفانة أصباه ، يعني
الحليم.
وأنشد لعمر بن
أبي ربيعة ، وقال الأصمعي هو لطفيل :
* إذا هي لم تستك بعود أراكة
|
|
تنخل فاستاكت
به عود إسحل
|
أراد : تنخّل
عود إسحل فاستاكت به.
ومعنى تنخل : اختير.
والأراك : شجر.
ومعنى قوله بعد
هذا : «لأنه أضمر في الكلام».
معنى أنه شغله
بضمير الآخر وأضمر الاسم الذي بعده فحمل الاسم على الفعل الأول.
فلو لم يشغله
بضميره لأعمله فيه وأضمره في الأول ، فقال : (تنخل فاستاكت بعود إسحل).
__________________
وقال المرار
الأسدي :
* فرد على الفؤاد هوى عميدا
|
|
وسوئل لو
يبين لنا السؤالا
|
وقد نغنى بها
ونرى عصورا
|
|
بها يقتدننا
الخرد الخدالا
|
أراد : ونرى
الخرد الخدال بها يقتدننا في عصور ، وأعمل الفعل الأول في الخرد وهو «نرى».
ولو أعمل
الثاني لقال : بها يقتادنا الخرد الخدال.
قوله : هوى
عميدا ، أي : شديدا. وواحد الخرد : خريدة وهي : الحيية. وواحد الخدال : خدلة وهي
الناعمة. والعصر : الدهور ، واحدها : عصر وعصر ، ونصبه على الظرف.
وأنشد لامرئ
القيس :
* فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة
|
|
كفاني ـ ولم
أطلب ـ قليل من المال
|
فرفع قليل
بكفاني ولم ينصبه بأطلب ؛ لأن امرئ القيس إنما أراد : لو سعيت لمنزلة دنية كفاني
قليل من المال ولم أطلب الملك ، وعلى ذلك معنى الشعر.
قوله : «وترك
ذلك أحسن وأجود للبيان الذي يجيء بعده»
في هذا وجهان :
ـ أحدهما : ما
قاله بعض النحويين : إن شيئا من الكلام قد سقط وإن تمامه :
«وترك ذلك جائز
، وذكره أجود وأحسن للبيان الذي جاء بعده» يعني : وترك ضمير الجماعة جائز وإبانة
ضميرهم أجود لذكر الجماعة التي تأتي من بعد.
ـ والوجه
الثاني : أن يكون المعنى وترك استعمال الحرف أحسن وأجود ، وهو جائز للبيان الذي
يجيء بعده.
قوله : «وقولهم
: هو أظرف الفتيان وأجمله لا يقاس عليه» إلى قوله : «هذا غلام القوم وصاحبه لم
يحسن».
يريد أن قولنا
: هذا أظرف الفتيان وأجمله ، أجود من ضربني وضربت قومك من قبل أنك تقول : هذا أظرف
فتى ، فيكون بمعنى : أظرف الفتيان.
فلما كان
الواحد في هذا الموضع يقع موقع الجماعة ، جاز أن يضمر بعد الجماعة واحد ، وحسن ،
ولم يحسن في : ضربني وضربت قومك إلا أنه مع قبحه جائز.
باب ما يكون فيه
الاسم مبنيّا على الفعل
اعلم أن بناء
الشيء على الشيء كثيرا ما يدور في كلام سيبويه ، فإذا قلت : بنيت الاسم على الفعل
، فمعناه : جعلت الفعل عاملا في الاسم كقولك : ضرب زيد عمرا.
__________________
فإذا قال لك :
بنيت الفعل على الاسم ، فمعناه : جعلت الفعل وما يتصل به خبرا عن الاسم المبتدأ ،
كقولك : زيد ضربته.
وجملة الأمر :
أن الذي حكمه أن يكون مؤخرا ، مبني على ما حكمه أن يكون مقدما ـ عمل في اللفظ أو
لم يعمل ـ إذا كان أحدهما يحتاج إلى الآخر.
وقد ذهب سيبويه
إلى أنك إذا قلت : لو أن زيدا عندنا لأكرمناه ، أن «أن» التي بعد «لو» مبنية على «لو»
وإن كانت «لو» غير عاملة فيها ؛ لأن حكم «لو» أن تكون مقدمة على «أن» ولا يستغنى
عنها.
قال سيبويه ـ بعد
أن ذكر وجه الرفع والنصب في قولك : زيد ضربته : «وأنشدوا هذا البيت على الرفع
والنصب قال بشر بن أبي خازم».
* فأما تميم تميم بن مرّ
|
|
فألفاهم
القوم روبي نياما
|
الروبى :
المستثقلون نوما. الواحد رائب.
قال : «ومثله
قول الآخر وهو ذو الرمة» :
* إذا ابن أبي موسى بلال بلغته
|
|
فقام بفأس
بين وصليك جازر
|
فالنصب عربي ـ كثير
، والرفع أجود
أراد في قوله :
زيدا ضربته.
وأما قول ذي
الرمة : فإن الاختيار فيه النصب ؛ لأن «إذا» فيها معنى المجازاة ، فهي بالفعل
أولى.
وقوله : فقام
بفأس ، هو دعاء على ناقته ، فلذلك ، ما دخلت عليه الفاء ، كما تقول : إن أتاني زيد
فأحسن الله جزاءه ، ولو كان خبرا لم تدخل عليه الفاء.
قوله : «ومثل
هذا في البناء على الفعل وبناء الفعل عليه : أنهم يقولون : أيهم تر يأتك ، وأيهم
تره يأتك».
يعني أنك إذا
قلت : أيهم تر يأتك ، نصبت «أيهم تر» ، كما تقول : زيدا ضربت.
وإذا قلت :
أيهم تراه ، كان الاختيار الرفع ، كما كان في قولك : زيد ضربته. ويجوز فيه النصب
بإضمار فعل كأنك قلت : أيهم تر تره يأتك ، تقدر الفعل بعدها ؛ لأنها في الاستفهام
والمجازاة لا تقع إلا صدرا.
هذا باب ما يجري مما
يكون ظرفا هذا المجرى
اعلم أن الظروف
المتمكنة إذا انتصبت ، كان لك في نصبها وجهان :
__________________
ـ أحدهما : أن
تنصبها من طريق الظرف فتكون مقدرا لفي وإن كانت محذوفة.
والوجه الثاني
: أن يقدر وصول الفعل إليها بلا تقدير «في» ، وهذا هو المفعول على سعة الكلام ،
فإذا شغلت الفعل عنه ، وقد قدرته تقدير الظرف قلت : يوم الجمعة قمت فيه. وإن قدرته
على سعة الكلام قلت : يوم الجمعة قمت.
قوله : «ولا
يحسن في الكلام أن يجعل الفعل مبنيّا على الاسم ولا يذكر علامة الأول» إلى قوله : «حتى
يمتنع من أن يعمل فيه».
يعني أنك إذا
جعلت الاسم مبتدأ ، وجعلت الفعل خبرا ، فالوجه أن تظهر الضمير الذي يعود على الاسم
حتى يخرج الفعل من لفظ ما يعمل في الأول. يعني أنه قبيح أن تقول : زيد ضربت ؛ لأن
ضربت في لفظ ما يعمل في زيد لحذفك الضمير في اللفظ.
قال : «ولكنه
قد يجوز في الشعر ، وهو في الكلام ضعيف ، قال أبو النجم» :
* قد أصبحت أم الخيار تدعي
|
|
عليّ ذنبا
كلّه لم أصنع
|
قال : «فهذا
ضعيف وهو بمنزلته في غير الشعر ، لأن النصب لا يكسر البيت».
يعني أن إضمار
الهاء إذا قلت : زيد ضربت ، جائز في الكلام على قبح ، والدليل على جوازه أن الشاعر
لو قال : كلّه لم أصنع ، استقام البيت ولم ينكسر.
وأنشد قول امرئ
القيس :
* فأقبلت زحفا على الركبتين
|
|
فثوب نسيت
وثوب أجر
|
ولم يقل : أجره
، ولم ينصب : الثوب.
وقوله : «فأقبلت
زحفا على الركبتين».
مثل قوله :
شمرت إليها بعد ما نام أهلها
وقوله : «فثوب
نسيت»
كقوله :
لعوب تنسّيني إذا قمت سربالي.
وقال النمر :
* فيوم علينا ويوم لنا
|
|
ويوم نساء
ويوم نسر
|
أراد : يوم
نساء فيه أو نساؤه ، فأضمر الهاء ولم ينصب يوما.
__________________
قال : «وزعموا
أن بعض العرب يقول : شهر ثرى وشهر ترى. وشهر مرعى» ، يريدون : ترى فيه.
فرفع الشهر ،
ولم يعمل فيه «ترى» للضمير الذي قدره.
ومعنى هذا :
شهر ثرى : أي شهر تتندى فيه الأرض من المطر. وتتثرى ، والثرى ، هو الندى.
وشهر ترى ، أي
ترى فيه النبات ، وشهر مرعى ، أي : يرعى فيه المال.
وأنشد :
* ثلاث كلهن قتلت عمدا
|
|
فأخزى الله
رابعة تعود
|
على معنى :
قتلتهن.
وأنشد لجرير :
* أبحت حمى تهامة بعد نجد
|
|
وما شيء حميت
بمستباح
|
استشهد به على
حذف الهاء من الفعل إذا كان صفة وشبهها في الحذف بما حذف من الصلة.
ولا يجوز أن
ينصب شيء بحميت ؛ لأنه لو وقع ذلك لوجب أن يقول : «وما شيئا حميت مستباحا» ويكون «مستباحا»
نعتا «لشيء» والنعت لا تكون فيه الباء زائدة ، وكان ينقلب أيضا معنى المدح ؛ لأنه
كان يصير التقدير : وما حميت شيئا مستباحا ، أي : حميت شيئا محميّا ، وليس فيه
مدح.
وقال :
* فما أدري أغيرهم تناء
|
|
وطول العهد
أم مال أصابوا
|
أراد : أصابوه
، والمال عطف على تناء ، ولا يجوز ما لا أصابوا ، كما لم يجز النصب في قوله : الذي
رأيت زيد ؛ لأن رأيت من صلة الذي والصلة لا يجوز أن تعملها في الموصول ، والنعت
مشبه بالصلة.
ووجه امتناع
عمل النعت في المنعوت أنه تابع لا يقع إلا بعده ، فلو عمل فيه لقدر قبله ، والنعت
لا يكون قبل المنعوت ؛ لأن حكمه أن يكون قبل المعمول فيه ولهذا جرى النعت مجرى
الصفة.
__________________
باب ما يختار فيه
إعمال الفعل و
ذلك قولك ... رأيت
عبد الله وزيدا مررت به
اعلم أن العرب
إذا ذكرت جملة في كلام ، اختارت مطابقة الألفاظ ما لم تفسد عليهم المعاني. فإذا
جئت بجملة صدرتها بفعل ، ثم جئت بجملة أخرى فعطفتها عليها وفيها فعل ، كان
الاختيار أن تصدر الفعل في الجملة الثانية لتكون مطابقة للجملة الأولى في اللفظ
وتصدير الفعل. وسواء ذكرت في الفعل الأول منصوبا أو مرفوعا أو مجرورا ؛ لأن الغرض
أن تجمع بين الجملتين في تقديم الفعل لا في لفظ النصب أو غيره.
والرفع جائز في
الاسم المصدر به في الجملة الثانية على القطع والابتداء ، وليس بالمختار لتنافي
الكلام عن الاعتدال.
قوله : «ومثل
ذلك : كنت أخاك وزيدا كنت له أخا» وتقول : «لست أخاك وزيدا أعينك عليه» إلى قوله :
«تصرف كان».
يعني إذا قلت :
كنت أخاك ، فجملة الكلام مصدرة بفعل ، وهو كنت ، فلذلك اختير أن تنصب الاسم في
الجملة الثانية كأنك قلت : كنت أخاك ، ولابست زيدا كنت له أخا. ولست أخاك بهذه
المنزلة ، من قبل أن ليس هو فعل ، وإن لم يكن له تصرف غيره من الأفعال.
فإذا قلت : لست
أخاك وزيدا أعينك عليه ، فكأنك قلت : لست أخاك وأخاصم زيدا أعينك عليه أو ما أشبه
ذلك من الأفعال.
قال الربيع بن
ضبع الفزاري :
* أصبحت لا أحمل السلاح ولا
|
|
أرد رأس
البعير إن نفرا
|
والذئب أخشاه
إن مررت به
|
|
وحدي وأخشى
الرياح والمطرا
|
فنصب الذئب
بفعل مضمر. واختار ذلك ؛ لأن قبله أصبحت من أخوات كان وليس.
قال : «ومما
يختار فيه النصب» : قولك «ما لقيت زيدا ولكن عمرا مررت به ، وما لقيت زيدا بل
خالدا لقيت أباه».
جعل ما بعد «بل»
و «لكن» بمنزلة ما بعد الواو فيما مضى ؛ لأن «بل» و «لكن» من حروف العطف ، فما
بعدهما كما بعد الواو.
وإذا تقدمت
جملة مبنية على فعل ـ وإن كان قبلها حرف نفي ـ فتكون بمنزلة قولك : لقيت زيدا
وعمرا لم ألقه ؛ لأن الفعل الذي بعد لم ـ وإن كان منفيّا في العمل ـ بمنزلة الواجب
فتنصب عمرا كما تنصب إذا قلت : عمرا لقيته ، ويكون الإضمار ولم ألق عمرا لم ألقه
حتى
__________________
يكون المضمر مشاكلا للمظهر.
باب ما يحمل الاسم
فيه على اسم بني عليه
الفعل مرة ويحمل مرة
أخرى على اسم مبني على الفعل
وذلك قولك :
عمرو لقيته وزيد كلمته
اعلم أن الكلام
إذا كان مبتدأ وخبرا ، ثم عطفت عليه جملة في أولها اسم وبعده فعل مشتغل بضميره ،
كان الاختيار رفع الاسم الثاني بالابتداء كحاله لو لم تكن قبله جملة.
وقد قدمنا أن
الجملة الأولى إذا كانت مصدرة بفعل ، كان الاختيار في الاسم الذي في الجملة
الثانية النصب على إضمار فعل يفسره الفعل الذي بعده. فهذان أصلان لما يشتمل عليه
هذا الباب.
قال سيبويه : «أنت
في عمرو ، بالخيار ، إذا قلت : عمرو لقيته ، وزيد كلمته ، إن شئت نصبته وإن شئت
رفعته».
وذلك أنه قد
تقدمته جملتان :
ـ إحداهما
مبنية على اسم وهي قولك : زيد لقيته كما هو.
ـ والأخرى قولك
: لقيته. فإن عطفت على الجملة التي هي : زيد لقيته كما هو ، رفعت عمرا لأن صدر
الجملة اسم.
وإن عطفت على
الجملة التي هي : لقيته ، نصبت ؛ لأن صدر الجملة فعل ، فيصير بمنزلة قولك : لقيت
زيدا وعمرا كلمته.
وقد أنكر
الزيادي هذا ـ وغيره ـ على سيبويه ، فقالوا : إذا قلنا : زيد لقيته وعمرو كلمته ،
لم يجز حمل عمرو على لقيته ؛ وذلك لأن لقيته جملة لها موضع يقع موقعها اسم واحد ،
وهي خبر لزيد.
فإن عطفت عليها
قولك : وعمرو كلمته ، لم يجز ؛ لأنها لا تقع موقع خبر زيد ، ألا ترى أنك لا تقول :
زيد لقيته.
فإن جعلت في
الجملة ما يعود إلى زيد ، جاز حينئذ ما قال سيبويه من الوجهين جميعا ، وذلك قولك :
زيد لقيته كلمته عنده ، ألا ترى أنك تقول : زيد كلمته عنده فتصير الجملة خبرا
لزيد.
وكان سيبويه
إنما أراد جواز هذه المسألة إذا جعل في الجملة الثانية ضمير يعود إلى زيد واشتغل
بأن أرانا جواز رد الجملة الثانية إلى المبتدأ مرة ، وإلى المفعول مرة ، ولم يشتغل
بتصحيح لفظ المسألة.
والقول : فيما
اتصل بهذه المسائل إلى قوله : «فهذا يقوي أنك بالخيار في الوجهين»
كالقول فيما تقدم.
قوله : «ومما
يختار فيه النصب قول الرجل : من رأيت وأيهم رأيت» إلى قوله : «كلمت زيدا وعمرا
لقيته».
اعلم أن
المستفهم : الاختيار له في كلامه أن يورد الجواب على منهاج الاستفهام ، فإذا قال
المستفهم : من رأيت؟ وأيهم رأيت؟ قال : زيدا ، فنصب زيدا بمثل الفعل الذي وقع على
الاستفهام ، كأنه قال : رأيت زيدا.
وإذا قال :
أيهم رأيته؟ فالاختيار في الجواب أن تقول : زيد ، فترفع كما رفع المستفهم أيا ،
فيختار أن يكون الجواب على منهاج الاستفهام حتى يجري مجرى العطف في أنه تابع
للاستفهام.
فإذا قال : من
رأيت؟ قلت : زيدا رأيته ، فتنصب الاسم بإضمار فعل ، فكأنه قال : رأيت زيدا رأيته ،
فقد جرى الجواب مجرى العطف في قولك : رأيت زيدا وعمرا رأيته.
قال الأخفش :
يجوز إذا قلت : أيهم ضربته؟ أن تقول : زيدا ضربته ؛ لأن الهاء منصوبة ، وهي في
المعنى مستفهم عنها.
فمعنى كلام
الأخفش أن الرفع والنصب جميعا اختيار فالرفع على اللفظ ، والنصب على المعنى.
وليس الأمر إلا
ما قاله سيبويه ، وذلك أن المعنيين إذا تساويا في اللفظ والمعنى ، كان اتباع اللفظ
أولى بالاختيار. ألا ترى أن قوله : مررت بزيد وعمرو ، أولى من : مررت بزيد وعمرا.
وقد تقدم ذكر
الحجج على ذلك في المطابقة بين الألفاظ مع أن الجواب إنما يكون مردودا على الاسم
الذي وقع به السؤال لا على ضميره ، ولا شيء من أسبابه. ألا ترى أنك لو قلت : أيهم
ضربت غلامه؟ لم يكن الجواب مردودا إلا على «أي» دون الغلام. فكذلك ينبغي أن يكون
مع ضميره مردودا عليه نفسه دون الضمير ، كما كان مردودا عليه دون السبب.
قال سيبويه : «فإن
قال : عبد الله مررت به أم زيدا؟ قلت : زيدا مررت به. كما فعلت ذلك في الأول».
يعني تنصب في
الجواب كما نصب هو في المسألة.
ثم قال : «ولو
قلت : مررت بعبد الله وزيدا. كان عربيّا. فكيف هذا؟».
يعني أنك إذا
قلت : مررت بعبد الله وزيدا جاز على تأويل : لقيت عبد الله وزيدا ، فإذا جاز هذا
في العطف ، كان قولك : أعبد الله مررت به؟ أولى.
وإنما صار فيه
أولى ؛ لأن عبد الله لا يمكن جره بالباء الظاهرة لاشتغالها بالضمير ، ولا بباء
مضمرة ؛ لأن الجار لا يضمر.
وقولك : مررت
بعبد الله وزيد ، يمكن جر زيد بالعطف على عبد الله ، فلما جاز نصبه كان نصب
المستفهم عنه أولى لما ذكرنا.
وأنشد :
* جئني بمثل بني بدر لقومهم
|
|
أو مثل أسرة
منظور بن سيار
|
فحمل مثل على
موضع قوله : جئني بمثل ؛ لأن معنى جئني بكذا : أعطنيه. والأسرة : أقارب الرجل من
قبل أبيه.
وأنشد للعجاج :
* يذهبن في نجد وغورا غائرا
كأنه قال :
ويسلكن غورا.
وغور ونجد :
موضعان. إلا أن نجدا مرتفع ، وغورا منخفض.
قال : «ومثل
هذا : وحورا عينا في قراءة أبي بن كعب».
وإنما نصب حورا
؛ لأن قوله : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ
وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) [الواقعة : ١٧ ـ ١٨] دليل على أنهم قد أعطوا ذلك ، فنصب «حورا عينا» على
معنى يعطون. ومن رفع أراد : ولهم حور عين ، وقد دل الكلام عليه أيضا.
قوله : «فإن
قلت : إنما هو لنصب اللفظ ، فلا تنصب بعد : مررت بزيد ، وأنصب بعد : إن فيها زيدا».
يعني إن قال
قائل : إذا قلنا : قام زيد وعمرا كلمته ، فليس الاختيار في الاسم النصب ؛ لأنه لا
منصوب قبله.
قيل له : لو
كان اختيار النصب في الثاني ـ لأن قبله منصوبا ـ لوجب أن لا ينتصب بعد قولك : مررت
بزيد ولوجب أن تنصب بعد قولك : إن فيها زيدا ، وهذا غير مختار.
قال سيبويه : «فلو
كانت العلة ما زعمه هذا الزاعم للزمه أن لا ينصب بعد : مررت بزيد ، وليس في الدنيا
عربي إلا وهو يجري : مررت بزيد ، مجرى لقيت زيدا».
قال : «فإن كان
الأول ؛ لأنه في معنى الحديث مفعول. فلا ترفع بعد : عبد الله. إذا قلت : عبد الله
ضربته».
يعني
إن قال قائل : إنا إذا قلنا : مررت بزيد وعمرا كلمته إنما نصبنا عمرا ؛ لأن زيدا في
__________________
معنى المفعول لوقوع المرور به في التحصيل ـ لزمه أن يقول : عبد الله ضربته
وعمرا كلمته ؛ لأن عبد الله ـ وإن كان مبتدأ ، فقد وقع به الضرب في التحصيل.
ووقع في اللفظ
اختلال في قوله : «وإن كان الأول ؛ لأنه في معنى الحديث مفعول» فأشكل معناه.
وتلخيصه
وتحقيقه الذي يصح به المعنى ويتبين أن يكون صوابه «وإن كان» لأن الأول في معنى
الحديث مفعول «أي» وإن كان اختيار النصب من أجل أن الأول في معنى الحديث المفعول ،
فأضمر اسم من كان فيها لتقدم ذكر الاختيار ، وقدم الأول من بعد إن ، فابتدأه وجعل
ضميره خلفا منه حالا في أن محله ونظيره من الكلام : كان الأمر زيد ؛ لأنه فاعل كذا
، يريد : لأن زيدا فاعل كذا ، فقلب عن وجهه.
وأنشد سيبويه :
* ألقى الصحيفة كي يخفف رحله
|
|
والزاد حتى
نعل ألقاها
|
فالاختيار في
هذا البيت نصب النعل وعطف ما عمل فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل وبعده الرفع على
الابتداء لاشتغال الفعل بالضمير.
والخفض أبعدها
لأنه يحتاج أن تلغي ألقاها.
باب ما يختار فيه
النصب وليس قبله منصوب وهو باب الاستفهام
اعلم أن الذي
يشتمل عليه هذا الباب ، أن الاسم إذا ولى حرف الاستفهام وجاء بعده فعل واقع على
ضميره ، فالاختيار نصب الاسم بإضمار فعل ، وإنما صار الاختيار النصب من قبل أن
الاستفهام في الحقيقة إنما هو عن الفعل لا عن الاسم ؛ لأن الشك فيه.
ألا ترى أنك
إذا قلت : أزيد ضربته؟ فإنما تشك في الضرب الواقع به ، ولست تشك في ذات زيد.
فلما كان حرف
الاستفهام إنما دخل من أجل الفعل ، كان الأولى أن يليه ما دخله من أجله.
وإنما جاز
دخوله على المبتدأ وخبره لأنهما قبل دخول الاستفهام يوجبان فائدة ، فإذا استفهمت ،
فإنما تستفهم عن تلك الفائدة.
قال سيبويه : «وذلك
أن من الحروف حروفا لا يذكر بعدها إلا الفعل ولا يكون الذي يليها غيره مظهرا أو
مضمرا».
إن
قال قائل : ما الذي أحوج سيبويه إلى ذكر هذه الحروف في صدر هذا الباب وهو باب
الاستفهام؟
__________________
قيل له : لأن
المعنى الذي من أجله يختار إضمار الفعل بعد حروف الاستفهام هو موجد في هذه الحروف
؛ لأن حكمها أن تدخل على الأفعال لا غير ، فمتى وليها الاسم أضمر بعدها الفعل كما
يفعل بحروف الاستفهام ، فحرف الاستفهام مشاكل لهذه الحروف.
قوله : «وهو في
هذه أحسن ؛ لأنه يبتدأ بعدها الأسماء».
يعني تقديم
الاسم في حروف الاستفهام أحسن من تقديمه في «قد» ؛ لأن حروف الاستفهام يليها
المبتدأ والخبر ، و «قد» لا يليها إلا الفعل.
قوله : «وإنما
فعلوا ذلك بالاستفهام لأنه كالأمر» إلى قوله : «أمرا لم يستقر عند السائل».
أراد أن
الاستفهام يشبه الأمر ، وذلك أنك تستفهم عن أمر يجوز عندك أن يكون موجودا وأن يكون
معدوما ، وتأمر بشيء يجوز أن يفعل ولا يفعل ، فلما كان الأمر لا يكون إلا بفعل ،
اختاروا أن يكون الاستفهام بفعل.
قوله : «وقد
يصير معنى حديثها إليه».
يعني إذا قلت :
أين زيد آته؟ ـ فقولك «آته» مجازاة وصار الاستفهام نائبا عن شرطه ـ فقد صار معنى
حديث الاستفهام إلى الجر. ويعني بالحديث هنا : لفظ الاستفهام الذي يؤول معناه إلى
الجزاء ، وليس بحديث في الحقيقة ؛ لأن الحديث ما كان خبرا.
وشبه سيبويه
الألف «بهلا» من قبل أنك تقول : أزيد ضربته؟ كما تقول : هلا زيد ضربته ، فشبه
الألف بهلا في إيلاء الاسم إياها وبينهما فرق ، وذلك أن ألف الاستفهام قد يجوز أن
يليها الاسم المبتدأ ، ولا يجوز أن يلي «هلا» ؛ لأنها جعلت للفعل فقط. ولكن لهلا
قوة على الحروف التي يليها الفعل جاز من أجلها تقديم الاسم على الفعل.
وقوتها على
سائر الحروف أنها مضارعة للأمر بمعنى التحضيض التي تضمنته ، فكما جاز تقديم الاسم
على فعل الأمر في قولك : زيدا اضربه ، جاز في : هلا زيدا ضربته ؛ لتصرف الفعل
وعمله في المقدم والمؤخر.
هذا باب ما ينتصب في
الألف
تقول : «أعبد
الله ضربته؟ ، وأزيدا مررت به؟ ، وأعمرا قتلت أخاه؟».
قد قدمنا أن
حرف الاستفهام بالفعل أولى ؛ لأن المستفهم لا يشك في الاسم ، إنما يشك في الفعل ،
فأولوها المعنى الذي دخلت له.
قوله : «كما
فعلت ذلك فيما نصبته في هذه الحروف في غير الاستفهام».
يعني : أضمرت
فعلا بنصب الاسم في الاستفهام كما أضمرت في قولك : زيدا ضربته.
ولم يرد بقوله
: «في هذه الحروف» حروف المعاني ، إنما أراد الأسماء والأفعال التي أشار إليها.
وأنشد :
* أثعلبة الفوارس أم رياحا
|
|
عدلت بهم
طهيّة والخشابا
|
أراد : أذكرت
ثعلبة الفوارس أو قست أو مثلت ، وما يقارب الفعل المذكور مما يتعدى بغير حرف جر.
وأراد بثعلبة :
القبيلة ، فلذلك ، نعتها بجمع. وطهية والخشاب قبيلتان.
قال : «ومثل
ذلك : أعبد الله كنت مثله؟ وأزيدا لست مثله؟».
اعلم أن (كان)
بمنزلة ضرب في التصرف والعمل. فقولك : كنت زيدا ، بمنزلة : ضربت زيدا. وقولك : مثل
زيد بمنزلة قولك : ضربت مثل زيد ، فإذا قلت : أعبد الله كنت مثله؟ ، فهو كقولك :
أعبد الله ضربت مثله؟ وضربت أخاه و «ليس» هي بمنزلة «كان» وإن كان لا تتصرف.
وقد فهم من قول
سيبويه في هذا الموضع أنه يجيز : قائما ليس زيد ، ويقدم خبر ليس عليها.
وإنما منع ليس
من التصرف في نفسها أن معناها في زمان واحد ، وهو أنها تنفي الحال ، فاستغنى عن أن
يؤتى منها بمستقبل.
وإنما عرف أن
هذا من مذهبه ، وتؤول عليه جوازه أنه قد سوى بين : لست مثله ، وبين : أزيدا كنت
أخاه؟ فلو أسقطت المثل قلت : أزيدا لست؟ كما تقول : أزيدا كنت ، فاعلمه ؛ لأن
الفعل الظاهر لا يكون تفسيرا لمضمر يعمل في الأول حتى يصلح فيه أن يحذف ما اشتغل
به ، فيعمل هو بنفسه فيما قبله. والدليل على ذلك أنك لو قلت : أزيدا أنت الضاربه؟
لم يجز نصب زيد ؛ لأن الضاربه لا يعمل فيما قبله ، فكذلك لا يكون (ناصبا) لغيره.
قوله : «وتقول
: أعبد الله ضرب أخوه غلامه» إلى قوله : «وإن جعلته كزيد فاعلا».
فالأول نصب.
جملة هذا الكلام أن الاسم الذي يلي حرف الاستفهام إذا أتى بعده سببان له ، أحدهما
فاعل والآخر مفعول ، فلا بد من حمله على أحدهما ، ولا يمكن حمله عليهما ؛ لأنه لا
يكون مرفوعا منصوبا في حال واحدة.
فإن حملته على
أحدهما صار الآخر كأنه أجنبي. فإن حملته على السبب المرفوع رفعته ، وإن حملته على
السبب المنصوب نصبته.
قال : «وتقول
السوط ضرب به زيد وكذلك : الخوان أكل عليه اللحم».
__________________
اعلم أنك إذا
قلت : أكل اللحم على الخوان ، وضرب زيد بالسوط ، فموضع الخوان والسوط : النصب ؛
وذلك أنك أقمت الأسماء مقام الفاعل ، فصارت المجرورات في موضع نصب وحلت محل قولك :
مر زيد بعمرو. فلما تقدمت الأسماء واتصلت الحروف بضمائرها وجب أن تنصبها ؛ لأن
ضمائرها في موضع نصب ، فصار بمنزلة قولك : أزيدا مررت به؟.
قال : «وإنما
تعتبره بقولك : السوط ضربت؟ والخوان أكلت؟ ، فلو كان هذا كلاما لم يكن إلا نصبا».
يريد أن الذي
يدلك على أن موضع هذه الحروف نصب ، أنه لو تعدى هذا الفعل بغير حرف جر ، ثم جئت
باسم تقيمه مقام الفاعل لم يكن الاسم إلا حالا نصبا. كقولك : ضرب زيد السوط ، وأكل
اللحم الخوان ، فهذا لو تكلم به لم يكن إلا نصبا ؛ لأنه لا يرتفع اسمان بفعل واحد.
قال : «وتقول :
أأنت عبد الله ضربته؟ تجريه ههنا مجرى : أنا زيد ضربته».
اعلم أن سيبويه
من مذهبه إذا حال بين ألف الاستفهام وبين الاسم الذي وقع الفعل على ضميره باسم آخر
، ولم يكن من سببه ، جعل الاسم الحائل بينهما مخرجا للاسم الذي بعده عن حكم
الاستفهام في اختيار النصب.
فإذا قال : أنت
عبد الله ضربته فقد صار عبد الله عنده بعد أنت ، كأنه مبتدأ ليس قبله حرف
الاستفهام ، كقولك : عبد الله ضربته.
فإن قال قائل :
ولم لا ترفع «أنت» بفعل مضمر ؛ لأن له في الفعل ضميرا مرفوعا ، وهو التاء في ضربت.
وقد قال سيبويه في فصل قبل هذا ، ويكون المضمر ما يرفع كما أضمرت في الأول ما ينصب
بعد قوله : أعبد الله ضرب أخوه زيدا؟ فترفع عبد الله بإضمار فعل ، كما تنصبه إذا
قلت : أعبد الله ضرب أخاه زيد؟
قيل له :
بينهما فرق ، وذلك أنك إذا قلت : أعبد الله ضرب أخوه زيدا؟ فقد ولى عبد الله حرف
الاستفهام ، والفعل الذي يعمل في سببه الرفع متصل به لا فاصل بينهما.
وإذا قلت :
أأنت عبد الله ضربته؟ فبين «أنت» وبين الفعل الذي في ضميره «عبد الله» ويصح أن
يكون مبتدأ فاصلا بين أنت وبين فعله ، فلم تكن بنا حاجة إلى إضمار فعل لأن فعله لم
يله.
قال : «فإن قلت : أكل يوم زيدا تضربه؟ فهو نصب كقولك : أزيدا تضربه كل
يوم».
اعلم أنك إذا
قلت : أكل يوم زيدا تضربه؟ فلا بد من نصب الظرف ؛ لأنه لا عائد عليه ، وإذا نصبناه
، فلا بد من نصبه ـ بالفعل الظاهر أو المضمر الذي ينصب زيدا ـ بالفعل الذي ينصب به
الظرف ، فهذا فرق ما بين «الظرف» و «أنت» إذا قلت : عبد الله ضربته.
قال : «وتقول :
أعبد الله أخوه تضربه ، وهو بمنزلة قولك : أأنت زيد ضربته».
وفيه من
الاعتراض والاختلاف مثل ما في : أنت زيد ضربته.
فإن
قال قائل : إذا قلت : أزيدا أخاه تضربه؟ فما الذي ينصب زيدا والأخ؟ أهما فعلان أم فعل
واحد؟ فإن قلتم : فعل واحد ، فكيف يستقيم هذا ومعناهما مختلف؟ لأن زيدا ليس بمضروب
و «أخاه» مضروب ، وإن كان نصبهما بفعلين مختلفين ، فكيف يصير «تضربه» تفسيرا لهما؟.
قيل له : إن
هذا الفعل الواقع بضمير الأخ قد دل على الناصب للأخ فصار كالظاهر لدلالة الفعل
عليه ، وعلم ما هو.
فإذا علم صار
تفسيرا للفعل الذي نصب زيدا ؛ لأن ما علم فهو كالظاهر.
وفيه قول آخر :
وهو أنا رأينا الفعل الواحد قد يدل في حال على نظيره في اللفظ ، ويدل في حال أخرى
على غير نظيره ، فمن ذلك قولك : أزيدا ضربته؟ فتقدير هذا : أضربت زيدا ضربته؟.
وإذا قلت : أزيدا
ضربت أخاه؟ فتقديره : ألا بست زيدا ضربت أخاه؟ فلم يدل ضربت على مثله ، وإنما دل
على فعل يليق بمعنى الاسم الذي قبله.
فإذا قلت :
أزيدا ضربت أخاه تضربه؟ دل تضربه على فعلين : فعل ينصب الأخ ، وفعل ينصب زيدا ،
فيدل الضرب على ملابسة «ضرب» في حال واحدة ، كما دل على الملابسة والضرب في حالين
مختلفين على حسب الأسماء التي قبله.
قال أبو الحسن
: وتقول : أزيدا لم يضربه إلا هو؟ وكذلك : أزيد لم يضرب إلا إياه.
اعلم أن الأخفش
ذكر هاتين المسألتين وبناهما على أصول النحويين ، ويحتاجان إلى شرح وإيضاح.
اعلم أن
الأفعال المؤثرة إذا وقعت من الفاعل بنفسه لم يجز أن يتعدى ضميره المتصل إلى ضميره
المنفصل ، لا تقول : ضربتن ولا ضربتك وما أشبه هذا. وإنما يقال : ضربت نفسي وما
أشبه هذا. وإنما لم يجز هذا من قبل أن أكثر العادة الجارية من الفاعلين أن يوقعوا
الفعل بغيرهم ، وأن يوقع الفعل بهم غيرهم. وأفعال الإنسان بنفسه هي التي لا تتعدى
نحو : قام وذهب وشبهه.
وإذا وقع
الفاعل بنفسه فعلا ، أجرى لفظه على لفظ غيره ، ولم يعده إلى ضميره ، وأتى بلفظ
النفس ، فصار بمنزلة قولك : ضربت غلامي.
ويجوز تعدي
ضمير الفاعل إلى ضميره في الأفعال الملغاة وهي : ظننت وأخواتها ، تقول : ظننتني
منطلقا ، وظننتك منطلقا.
وإنما كان ذلك
لأن تأثير هذه الأفعال إنما هو المفعول الثاني ، والدليل على ذلك أن الشك لم يقع
في المفعول الأول ، إنما وقع في خبره ، فصار المفعول الأول كاللغو في التحصيل.
واعلم أنه لا
يجوز أن يتعدى ضمير الفاعل المتصل إلى ظاهر نفسه في الأفعال كلها.
ولا ظاهره إلى
ضمير نفسه في هذه الأفعال المؤكدة المؤثرة.
لا يجوز أن
تقول : زيدا ضرب ، على أن تعدي ضميره إليه ، ولا الزيدين ضربا. ولا يجوز مثل هذا
في الأفعال الملغاة ، لا تقول : زيدا ظن منطلقا ولا يجوز أيضا أن تقول : ضربه زيد
، تريد : ضرب نفسه زيد ، ويجوز هذا في الملغاة ، تقول : ظنه زيد منطلقا.
وإنما لم يجز
زيدا ضرب ، والزيدين ضربا ؛ لأنا لو أجزنا ذلك ثم حذفنا المفعول بطل الكلام ،
والمفعول فضلة ، فلا يجوز أن تكون الفضلة لازمة.
وإذا كان
الضمير منفصلا ، كان بمنزلة الأجنبي ، وجاز فيه ما لم يجز في غيره من الضمير المتصل.
فتقول : ما ضربني إلا أنا ، وما ضربت إلا إياي ، وما ضربت زيدا إلا هو ، وما ضرب
زيد إلا إياه.
ثم نعود إلى
كلام الأخفش :
قوله : «أزيدا
لم يضربه إلا هو ، لا يكون فيه إلا النصب ، وإن كان جميعا من سببه».
يعني أن زيدا
يعود إليه عائدان : الهاء المنصوبة في ضربه ، و «هو» المرفوعة بعد «إلا» ، فلا
يجوز حمل زيد إلا على المنصوب ؛ لأنا نقيم الأول مقامه ، ونحذفه فلو جعلناه مكان
الهاء في يضربه ، صار التقدير :
لم يضرب زيدا
إلا هو ، وهذا كلام جائز مستقيم ، فكأننا قلنا : لم يضرب زيدا إلا عمرو ، فجرى هو
على حالة مجرى عمرو. ولو حملنا زيدا على الضمير المتصل فرفعناه ، صار تقديره :
أزيد لم يضربه ، وقد بينا فساد ذلك ؛ لأن ضمير الفاعل حينئذ كان يتعدى إلى ضميره.
قال : «وكذلك أزيد
لم يضرب إلا إياه».
لا يكون في زيد
إلا الرفع على ضميره الذي في يضرب ؛ لأنا إذا وضعنا زيدا موضع ذلك الضمير ، صار
التقدير : لم يضرب زيد إلا إياه ، وهذا مستقيم ؛ لأن الظاهر يتعدى إلى ضميره
المنفصل.
ولو حملناه على
إياه ثم حذفنا الذي حملناه عليه لبقي أن زيدا لم يضرب ، وهذا غير جائز ، كما لم
يجز : زيدا ضرب. وقد جعلت في ضرب ضمير فاعل لزيد.
قال الأخفش : «فإن
قيل : آلخوان أكل عليه اللحم؟ فتنصب الخوان ، وأنت لا تقول :
آلخوان أكل اللحم» إلى قوله : «كما تقول : آلدرهم أعطيته زيدا».
اعلم أن ظاهر
هذا الكلام : أنه كالمنقطع مما قبله وهو متصل به في الحقيقة ، وذلك أنه قد تقدم أن
الاسم الذي بعد ألف الاستفهام إنما يجب أن يكون على سببه أو على ضميره في الفعل
الذي بعده ، إذا كنا متى ألغينا الضمير وصل الفعل إليه ، لأنك تقول : أزيدا لم
يضربه إلا هو؟ فتنصب زيدا ؛ لأنك لو ألغيت الهاء التي في تضربه لقلت : أزيدا لم
يضرب إلا هو؟
فقيل للأخفش :
أنت تقول : آلخوان أكل عليه اللحم؟ وأنت لو حذفت الضمير العائد إلى الخوان لبطل
الكلام فلا ينبغي أن تغير الأول بحذف ضميره.
ففصل الأخفش
فقال : إذا قلنا : آلخوان أكل اللحم؟ لم يجز ؛ لأن الخوان لا يتعدى الفعل إليه إلا
بحرف جر كما لا يجوز أن تقول : مررت زيدا.
وقد يكون في
الفعل ما يتعدى بغير حرف جر كقولك : لقيت زيدا ، وخبرت زيدا.
فالمعنى الذي
أفسد : آلخوان أكل اللحم؟ غير المعنى الذي أفسد أزيد لم يضربه إلا هو؟ لأن المعنى
الذي أفسد : أزيد لم يضربه إلا هو؟ هو أن الظاهر لا يتعدى إلى ضميره المتصل ، ولا
ضميره إلى ضميره.
وهذا الوجه
الآخر في قولهم : آلخوان أكل اللحم إنما يفسد لحذف حرف الجر ، كما يفسد : مررت
زيدا.
فقال الأخفش :
فاللحم في قولنا : آلخوان أكل اللحم عليه؟ اسم منفصل ، والأسماء المنفصلة لا يمتنع
تعدي فعلها إلى كل شيء من الأسماء.
ولو غيرنا في
الجملتين المتقدمتين ـ في حمل «زيد» مرة الضمير المنصوب ومرة على الضمير المرفوع ـ
بحذف الضمير لصار تقدير المسألة الأولى : أزيد لم يضربه؟ وصار تقدير الثانية :
أزيدا لم يضرب؟ فيكون الأول يتعدى ضميره إلى ضميره ، والثاني يتعدى ضميره إلى
ظاهره ، وقد بينا فساد ذلك ، واللحم اسم منفصل غريب من الأول.
ثم قال : «والأسماء
المنفصلة يعمل فعلها في الأول فجرت كلها في ذلك ، كما تقول : الدرهم أعطيته زيدا؟».
يريد أن
الأسماء المنفصلة الأجنبية من المفعول يعمل فعلها في المفعول إذا تقدم ، سواء تعدت
أفعالها بحرف أو بغير حرف ، فيكون : آلخوان أكل عليه اللحم؟ بمنزلة قولك : آلدرهم
أعطيته زيدا؟ كما أن قولك : أزيدا مررت به؟ كقولك : أزيدا لاقيته؟.
وقوله : «والأسماء
(غير) المنفصلة لم تجر مجراها».
يعني أن
الأسماء المنفصلة الغريبة الأجنبية في التعدي إلى المفعول الذي هو غيرها ، لم تجر
مجرى تعدي الأسماء إلى ضمائرها ، وقد بين ذلك.
وقوله : «فشبهت
ما لا يحسن في التقديم بهذا الذي يحسن».
يعني : شبهت :
ألخوان أكل عليه اللحم؟ وأزيدا مررت به؟ بقولك : آلخوان أكل اللحم؟ وأزيدا لقي
عمرو؟.
وقوله : «وأما
غير المنفصلة فلم يكن فيها شيء تشبه به».
يعني : أزيدا
لم يضرب؟ إذا عديت ضمير زيد إليه.
وقولك : لم
يضربه زيد ـ إذا عديت فعل زيد إلى ضميره ـ ليس بشيء يشبه به من الأفعال ؛ لأن
الأفعال كلها لا يجوز فيها ذلك.
قال سيبويه في «إذ»
و «حيث» والرفع بعدهما جائز ؛ لأنك قد تبتدئ الاسم بعدهما إلى قوله : «واجلس إذ
عبد الله جالس».
اعلم أنه قد
أجاز الرفع بعدهما بالابتداء.
ـ فأما «حيث»
فلا شك في جواز ذلك فيها ؛ لأنها قد تخرج عن معنى الجزاء إلى أن يبتدأ ما بعدها
كقولك : لقيته حيث زيد جالس ، فيكون نظيرها من الزمان «إذ» كقولك : لقيته إذ زيد
جالس.
ـ وأما «إذ»
فلا تقع إلا للمستقبل ولا تنفك عن المجازاة.
فقال قائلون :
متى وليها الاسم ، فلا بد من أن يكون بعدها الفعل مقدرا كما يكون بعد حرف الشرط ،
وما يقوي أنها لا بد من فعل بعدها ، أنك تقول : اجلس إذا عبد الله جالس.
وللمحتج عن
سيبويه أن يقول : لما كانت «إذ» غير عاملة في الفعل كعمل «إن» جاز أن يقع بعدها
الابتداء ويصح لها معنى المجازاة بالفعل الذي بعد الاسم المبتدأ كما أن «لو»
بالفعل أولى ، وفيها معنى الجزاء.
فإذا قلت الفعل
الذي هو خبر «أن» يصحح لها معنى المجازاة.
وللمحتج على
سيبويه أن يقول : «أن» مرفوعة بفعل مضمر ، والتقدير لو وقع مجيئك.
وللمحتج عن
سيبويه أن يقول : لو كان الأمر كذلك لجاز لي : أن زيدا قائم أترناك ، على معنى :
لو وقع هذا.
وذكر سيبويه في
هذا الباب أن وقوع المستقبل بعد إذ في قولك : جئتك إذ زيد يقوم ، أحسن من الماضي ،
وأن الماضي بعد «إذا» في قولك : إذا زيد قام ، أحسن من المستقبل.
والفرق بينهما
أن وقوع الاسم المشتق من الفعل في قولك : إذ زيد قائم ، حسن ؛ لأنه واجب ، لا معنى
فيه للشرط ، فلما وضعت الفعل موضع الاسم كان المضارع أولى من غيره ، وإذا قلت :
إذا زيد قام قمت ، فوقوع «قائم» بعد «إذا» لا يجوز لما فيها من معنى الشرط الذي لا
يكون إلا بالفعل.
فكما لا يجوز
وقوع «قائم» بعد «إذا» كذلك لم يحسن وقوع المضارع له موقعه.
و «حيث» إن
اكتفي بعدها بجملة الإشارة والخبر ولم يكن لها جواب ، كان بمنزلة «إذ» فكان وقوع
المضارع فيها أحسن من غير المضارع.
فإن جعلت فيها
معنى الشرط ، وجعلت لها جوابا ، كانت بالماضي أولى من المستقبل فاعلمه.
وهذه مسائل
تشاكل قوله : أزيدا لم يضربه إلا هو.
قال : «وتقول :
أخواك ظنا هما منطلقين وإياهما منطلقين».
وقد تقدم أن
الأفعال الملغاة يتعدى ضميرها إلى ضميرها ، كقولك أظنني منطلقا ، وظاهرها إلى
ضميرها كقولك : ظنه زيد منطلقا.
ولا يتعدى
ضميرها إلى ظاهرها ، كقولك : الزيدان ظنا منطلقين.
فإذا قلت : أخواك
ظناهما منطلقين ، فللأخوين ضمير مرفوع ، وهو الألف في «ظنا» ، وضمير منصوب وهو «هما»
فتحمله على المرفوع ؛ لأنا إذا قلنا ذلك ، فجعلنا الأخوين مكان الضمير المرفوع صار
: ظناهما أخوانك منطلقين ، وهذا شائع جائز.
ولو حملتهما
على ضميرها المنصوب لم يجز ؛ لأنك لو وضعتهما مكان الضمير لقلت : أخويك ظنا
منطلقين ، فكنت تنصب الظاهر بضميره المتصل. وقد بينا فساد ذلك.
وقوله : «إياهما
ظنا منطلقين»
جائز ، كما
يجوز قولك : ظننتني منطلقا ، وإن كان إياهما ضميرا منفصلا ؛ لأن الضمير المنفصل
أقوى من المتصل في تعدي الفعل إليه ، ألا ترى أنك إذا قلت : ظننتني قائما ثم قدمت
، قلت : إياي ظننت قائما ، إذ لا يمكن اتصال الضمير وهو قبل الفعل.
قال : «أأنت
حسبتك منطلقا؟ فيحمل الضمير إن شئت على التاء في حسبتك. وإن حملته على الكاف قلت :
أإياك حسبتك منطلقا؟».
هذا باب ما جرى في
الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل
يبين سيبويه في
هذا الباب أن أسماء الفاعلين والمفعولين الجارية على أفعالها تعمل عمل الفعل
المضارع لها ، لما كانت على معناه كقولك : هذا ضارب زيدا ، ومكسو جبة وما أشبه
ذلك.
فإذا أوليت حرف
الاستفهام اسما أوقعت على ضميره اسم فاعل أو اسم مفعول حمل ذلك الاسم على إضمار
فعل ، وكان اسم الفاعل والمفعول تفسيرا له ، أو تضمر من أسماء الفاعلين والمفعولين
مثلما أظهرت ، مثال ذلك أن تقول : أزيدا أنت ضاربه؟ وأعمرا أنت مكرم له؟ فتنصب
زيدا بإضمار فعل فسره ضارب ؛ لأنه في معناه.
وإن شئت أضمرت
مثلما أظهرت ، فيكون التقدير : أتضرب زيدا أنت ضاربه ، أو أنت ضارب زيدا أنت ضاربه؟
وكذلك : آلدار
نازل فيها؟ وأعمرا أنت واجد عليه؟ وأزيد أنت محبوس عليه؟ ، وأزيدا أنت مكابر عليه؟
، كأنه قال : انتظر زيدا أنت محبوس عليه ، وأسلبت زيدا أنت مكابر عليه؟
وهذا من أسماء
المفعولين التي تجرى مجرى الفعل وتعمل عمله ما دامت على معنى الحال أو الاستقبال ،
فإن أريد بشيء منها معنى المضي ، لم يجز أن تنصب ولا أن تكون تفسيرا لما ينصب ،
وجرت مجرى سائر الأسماء.
وبين سيبويه في
هذا الباب أن اسم الفاعل إذا جمع عمل عمل واحده ، واستشهد على ذلك بقول أبي كبير :
* ممن حملن به وهن عواقد
|
|
حبّك النطاق
فعاش غير مهبّل
|
فنون «عواقد»
ضرورة ، ونصب بها الحبّك.
ومعنى حملن به
: من الحبل ، أي : أنهن حبلن وهن يخدمن ، وكانت العرب تستحب أن تطأ النساء وهن
متعبات وفرعات ليغلب ماء الرجل فيكون شبه الولد به.
فيصف أنها حملت
به وهي عاقدة حبك نطاقها.
والحبك :
الطريق. والمهبل : الكثير اللحم ، وقيل : هو الذي يدعى عليه بقولهم : هبلتك أمك.
والهاء في «به» تعود على من.
وقال العجاج :
* أو الفا مكة من ورق الحمي
فصرف أو الفا
ونصب «مكة» بها.
وذكر سيبويه أن
بعض العرب ينصب بفعال جمع فاعل ، ففرق في العمل والقوة بينه وبين فواعل لأنه قال :
«قد أجرى بعضهم فعّالا مجرى فواعل».
فإن قال قائل :
ما الفرق بينهما ، وفعال في المذكر كفواعل في المؤنث؟ فالجواب أن فواعل ألزم
لفاعلة من فعال لفاعلة ، ولا يقع فواعل لفاعل إلا في ضرورة الشعر ، أو على الشذوذ
، فلما لزمت فواعل فاعلة ، أشبهت فاعلات ، وفاعلات قوية في العمل لجريها على
السلامة.
فبمضارعتها
للفعل إذا جمع فيه الضمير ، قويت في العمل قوة فاعلات ، ولما لم يلزم فعّال فاعلا
لزوم فاعلين ، لم يجر في قوة العمل مجراه ، فكانت الإضافة فيه أكثر من التنوين
والنسبة لذلك.
__________________
وذكر أن اسم
الفاعل إذا غير عن بنائه لما لزمه من معنى المبالغة جرى مجراه قبل التغيير في
العمل.
واستشهد على
ذلك بقول ذي الرمة :
* هجوم عليها نفسه غير أنه
|
|
متى يوم في
عينيه بالشبح ينهض
|
فنصب نفسه
بهجوم ، كأنه قال : يهجم نفسه عليها ، أي : يطرح نفسه.
يصف ظليما يطرح
نفسه على البيض ما لم ير إنسانا فإذا رآه تنحى حتى لا يهتدي إلى البيض.
وهذا كقول ذي
الرمة :
ـ وبيضاء لا تنخاش منا وأمها
|
|
إذا ما رأتنا
زيل منها زويلها
|
وقال أبو ذؤيب
* قلى دينه واهتاج للشوق إنّها
|
|
على الشوق
إخوان العزاء هيوج
|
والبيت للراعي
لا لأبي ذؤيب.
يريد أن المرأة
هيوج إخوان العزاء وذوي الصبر. فإذا كانت تهيج لذوي الصبر ، فهي لغيرهم أهيج. يصف
امرأة ، وأنها لو تراءت لراهب قلى دينه.
وقد ذكر ذلك في
بيت قبل هذا
وقال القلاخ :
* أخا الحرب لباسا إليها جلالها
|
|
وليس بولاج
الخوالف أعقلا
|
فنصب جلالها
بقوله : لباسا. والأعقل : الذي تصطك ركبتاه إذا مشى.
والخالفة :
عمود في مؤخرة الخيمة ، وقيل : هي شقة من بيت الشعر تلي الأرض.
وصف رجلا بأنه
يألف الحروب ، ويلبس لها سلاحها وأنه ليس بضعيف الخلقة ولا ألف للبيوت.
وأنشد :
* بكيت أخا لأواء يحمد يومه
|
|
كريم رءوس
الدار عين ضروب
|
نصب رءوسا
بضروب.
وفي هذا رد على
الكوفيين ؛ لأنهم يأبون التقديم في مثل هذا. واللأواء : الشدة.
__________________
وأنشد لأبي
طالب :
* ضروب بنصل السيف سوق سمانها
|
|
إذا عدموا
زادا فإنك عاقر
|
أراد : ضروب
سوق سمانها.
وصفه بعقر
السمان من الإبل للضيف.
واستشهد على
تعدي «فعل» بقول ابن أحمر :
* أو مسحل شنج عضادة
|
|
سمحج بسراته
ندب لها وكلوم
|
وخالف النحويين
سيبويه في تعدي فعيل وفعل وجريهما مجرى الأفعال.
فقالوا : لا
يقال : زيد حذر عمرا ، ولا رحيم بكرا من قبل أن فعلا وفعيلا هما اسمان يثبتان
للذات لئلا يجري مجرى الفعل.
واحتج سيبويه
على تعديهما بأبيات منها البيت المتقدم.
فقال النحويون
: انتصب عضادة على الظرف لا على المفعول. والعضادة : القوائم.
والشنج :
اللازم. والمسحل : العير. والسمحج : الأتان الطويلة ، كأنه قال ـ على مذهب
النحويين ـ أو حمال لازم يمنة أتان أو يسرة أتان ، أو ناحية أتان على تقدير : لازم
في ناحية أتان.
وقال المحتج عن
سيبويه : شنج في معنى : لازم العضادة وهي القوائم وهي لا تكون ظرفا. كأنه قال :
لازم قوائم سمحج. كما قال :
* قالت سليمى لست بالحادي المدل
|
|
مالك لا تلزم
أعضاد الإبل
|
فأعضاد بمعنى :
عضادة ، وقد نصبها بتلزم.
وشنج في معنى
ذلك.
واستشهد بقول
الشاعر :
* حذر أمورا لا تضير وآمن
|
|
ما ليس
منجئيه من الأقدار
|
فنصب أمورا
بحذر. فرد النحويون هذا البيت.
وروى عن أبي
عثمان المازني عن اللاحقي أنه قال : سألني سيبويه عن شاهد في تعدي «حذر» فعملت له
هذا البيت.
ويروى أيضا
لابن المقفع.
__________________
واستشهد بقول
ساعدة :
* حتى شآها كليل موهنا عمل
|
|
باتت طرابا
وبات الليل لم ينم
|
فنصب موهنا
بكليل.
قال النحويون :
هذا غلط من سيبويه ؛ وذلك أن الكليل هو البرق الضعيف وفعله لا يتعدى. والموهن :
الساعة من الليل ، فهو ينتصب على الظرف.
وإنما يصف
حمارا وأتنا شآها ، أي : ساقها هذا البرق الضعيف في هذه الساعة من الليل ، حتى
نفاها من الموضع الذي كانت فيه إلى الموضع الذي كان منه البرق. «وعمل» نعت «لكليل»
وأراد أنه كان يبدو مرة بعد مرة ، فبذلك البدو عمل ، وباتت الأتن طرابا قد استخفها
الشوق ، وبات الحمار لم ينم من الشوق أيضا والنزاع إلى موضع البرق.
وقد خرّج
سيبويه أن «كليلا» في معنى مكل ، فيصير كأنه أراد موهنا بدوامه عليه مما يقال :
أتعبت يومك ، ونحو ذلك من المجاز والاتساع.
وأجاز الجرمي
تعدي فعل ، وقال : لأنه جاء على وزن الفعل فأشبه أن يكون جاريا مجراه وليس بكثير.
قوله : "
ويقال إنه لمنحار بوائكها"
يعني سمانها
وأفتاها ، الواحد بائك. ومنحار : مفعال من النحر
وأنشد في تعدي
جمع مفعال للكميت ، وليس بحجة عند الأصمعي.
* شم مهاوين أبدان الجزور مخا
|
|
ميص العشيات
لا خور ولا قزوم
|
فعدى مهاوين ،
وهو جمع مهوان ، ومعناه أنه يهين اللحم إذا نحر الجزور والخور : الضعاف. والقزم :
الحقر. أو هو من الشاة القزمة وهي الحقيرة.
قوله : "
لأن هذا لا يقلب ولا يضمر"
يعني الصفة
المشبهة باسم الفاعل ، أي : لا يقدم مفعولها عليها كما يقدم على ضارب ، فهذا معنى
قوله : " لا يقلب"
وإذا قلت : هذا
حسن الوجه والعين ، ولم يصلح أن تنصب العين بإضمار" وحسن العين" ، فهذا
معنى قوله : " ولا يضمر"
قال : "
ومما أجري مجرى الفاعل من المصدر قول الشاعر"
* يمرون بالدهنا خفافا عيابهم
|
|
على حين ألهى
الناس جل أمورهم
|
__________________
ويرجعن من
دارين بجر الحقائب
|
|
فندلا زريق
المال ندل الثعالب
|
فنصب المال على
وجهين :
ـ إما أن يكون
على قولك : اندلي ندلا المال ، فيكون المال منصوبا ب" اندلي" على
الحقيقة ، وندلا نائب عنه.
ـ وإما أن يكون
منصوبا" بندلا" ، ويكون قوله : ندلا منصوبا بإضمار فعل ، كأنه قال : "
أوقعي ندلا وافعلي ندلا"
والدهنا : موضع
قفر. ودارين : سوق من أسواق العرب. والبجر : الممتلئة العظام ، يعني قوما تجارا ،
وقيل هم لصوص. وزريق : قبيلة.
والندل :
العطية. وقال بعضهم : الندل الأخذ باليدين جميعا.
وقوله : ندل
الثعالب ، يريد : سرعتها في الأخذ والكسب وفي المثل" أكسب من ثعلب" وقال
المرار الأسدي :
* أعلاقة أم الوليد بعد ما
|
|
أفنان رأسك
كالثغام المخلس
|
فنصب "أم"
بقوله أعلاقة ، أو بإضمار فعل على ما بيناه في البيت الذي قبله. و "ما"
مع الجملة التي بعدها بمعنى المصدر ، وتقديره : أتعلق بعد إشباه رأسك الثغام.
والأفنان :
الأغصان ، وأراد بها خصل الشعر. والثغام : نبت أبيض.
والمخلس : الذي
اختلط سواده ببياض. والمعنى : أتعلق أم الوليد بعد الكبر والشيب.
وقال الشاعر :
* بضرب بالسيوف رءوس قوم
|
|
أزلنا هامهن
عن المقيل
|
فنصب الرءوس
بالضرب لمّا نوّنه.
والهام :
الرءوس ، (وأضافها إليها لاختلاف اللفظين تأكيدا).
وأراد بالمقيل
: الأعناق ؛ لأنها مقيل للرءوس ، أي مستقر.
قال : "
وتقول أكل يوم أنت فيه أمير؟ ترفعه لأن أميرا ليس بفاعل ".
فهو كقولك :
أزيد تذهب به؟ يعني أن أميرا ليس في معنى فعل فتضمر فعلا ينصب" كل".
فإن قلت : فإن
الأسماء التي لا تجري مجرى الفعل تعمل في الظروف ، فهلا أضمرت فعلا ينصب"
كل" ويكون" أمير" تفسيرا له ، كما تنصب الظروف إذا قلت : زيد أمير
يوم الجمعة؟
__________________
قيل له :
المعاني وإن كانت تعمل في الظروف فإنها لا يبلغ (من) قولتها أن تكون تفسيرا لفعل
مضمر إذ (كانت) هي لا تجري مجرى الأفعال ولا يكون لها تلك القوة.
قال : لو جاز
أن تنصب كل يوم ، لقلت : أعبد الله عليه ثوب ، لأنك تقول : أكل يوم لك ثوب يعني أن
الأمير ليس يجري مجرى الفعل. فهو بمنزلة الثوب ، ولا تنصب الاسم الأول وإن كان
ضميره متصلا بمنصوب ، لأن ذلك المنصوب نصبه كنصب الظرف بمعنى : أستقر.
فإذا قلت :
أعبد الله عليه ثوب؟ فتقديره : أعبد الله استقر عليه ثوب؟ كما تقول : أعبد الله
خلفه ثوب؟.
ولو أظهرت
الاستقرار لنصب" عبد الله" وذلك قولك : أعبد الله استقر عليه ثوب؟ وقولك
: أكل يوم لك ثوب؟ تنصب كل يوم بالظرف.
والعامل فيه
معنى الاستقرار ، فإذا شغلت الظرف بضمير اليوم ، خرج اليوم من أن يكون ظرفا ، ولم
تنصبه لأنه لم يظهر فعل ولا اسم فاعل.
باب الأفعال التي
تستعمل وتلغى
اعلم أن هذه
الأفعال تدخل على جمل هي أسماء وأخبار ، فتحدث الشك أو اليقين في أخبارها فلذلك لم
يجز الاقتصار على أحد المفعولين.
فأما ظننت وحسبت
ودخلت ، فمعناها واحد ، وهو أن يتصور الشيء في القلب من غير استثبات ولا دليل
عليه.
وأما علمت ،
فتكون لمعرفة الاسم بعد أن لم يعرف قبل ، وتكون لعلم الخبر بعد جهله ، وقد كان
العلم بالاسم ثانيا.
وأما زعمت :
فإنه قول يقترن به اعتقاد ومذهب ، وقد يصح ذلك وقد لا يصح ولو كان الزعم في معنى
القول المحض لحكي ما بعده كما يحكى ما بعد القول وأنشد سيبويه في إلغاء الظن إذا
توسط للعين المنقري يهجو العجاج :
* أبالأراجيز يا ابن اللؤم توعدني
|
|
وفي الأراجيز
ـ دخلت ـ اللوم والخور
|
فاللؤم مبتدأ ،
والخبر قوله : وفي الأراجيز ، فاعترضت" دخلت" بين الابتداء والخبر ،
فألغيت.
قوله"
لأنه إنما يجيء بالشك بعد ما مضى كلامه على اليقين أو بعد ما يبتدئ وهو يريد
اليقين ثم يدركه الشك"
يعني بهذا أحد
الوجهين : ـ إما أن يبتدئ كلامه وليس في قلبه منه مخالجة شك ، فإذا
__________________
مضى كله أو بعضه على لفظ اليقين لحقه فيه الشك ، كما تقول : عبد الله أمير
، على طريق الإخبار بذلك وأنت لم تشاهده ، فيجب أن تستظهر في خبرك فتقول : بلغني
أي هذا الذي قلته فيما بلغني لا في ما شاهدته.
ولو قدمت "بلغني"
لم يجز ، لأن "بلغني" فعل و "عبد الله أمير" جملة ، فلا تكون
فاعلة ، ولكن تقول : بلغني إمارة عبد الله ، كما تقول من يقول ذلك تدري؟ مستفهما ،
فمن مبتدأة ، ويقول خبرها ، وتدري ملغى. ولو قدمته لعمل تدري في" من"
وصارت في معنى الذي.
وقد يقول
القائل : زيد قائم ظننت وزيد ظننت قائم ، وهو في أول كلامه شاك ، غير أنه لا يعمل
الشك ، كما يقول القائل : زيد أمين وهو يضمر عندي ، أو في ظني ، فإذا جاز هذا ،
جاز أن يظهر ما أضمر ، ويكون الكلام على حاله.
(قال بعضهم :
سمعت محمد بن الوليد يقول : سيبويه يجيز ظننت زيد منطلق فيلي الظن مقدما ومؤخرا ،
لأن الظن بمنزلة القول عنده.
وقال لنا علي
بن سليمان : هذا كلام إنسان لا يعرف باب الظن ، لأنا إذا قلنا. أزيد منطلق ظننت
فإنما ، بنينا كلامنا على الابتداء ، ثم جئنا بالظن وألغيناه ؛ لأن المعنى زيد
منطلق في ظني فإذا قلت : ظننت زيدا منطلقا بنينا كلامنا على الفعل ووليه المفعول
به ، فكيف يرفع المفعول به وقد بدأنا بالفعل وأوقعناه عليه. والبيت قد جرى تفسيره
في الكتاب).
وأنشدني لأبي
ذؤيب :
* فإن تزعميني كنت أجهل فيكم
|
|
فإنّي شريت
الحلم بعدك بالجهل
|
وشريت بمعنى اشتريت
وبمعنى تعبت
وأنشد للنابغة
الجعدي :
* عددت قشيرا إذ عددت فلم أسأ
|
|
بذاك ولم
أزعمك عن ذاك معزلا
|
فعدى أزعم إلى
مفعولين ، والتقدير : فلم أزعمك معزلا عن ذلك. وقشير قبيلة قوله : " وإنما
يحكى بعد القول ما كان كلاما لا قولا"
يعني بالكلام
الجملة التي عمل بعضها في بعض وبالقول : المصدر
فقولك : قال
زيد قولا ، وقال زيد خيرا لأن معناه قولا خيرا.
قوله : "
وكذلك ما تصرف من فعله إلا" تقول" في الاستفهام" إلى قوله"
كلغة بني تميم".
اعلم (أن القول
قد يستعمل في معنى الظن والاعتقاد ، وذلك أن القول والظن يدخلان
__________________
على جملة ، فتصورهما في القول هو الظن أو العلم ، والعبارة عنهما باللسان :
هو القول. ومن ذلك قول القائل : هو قول فلان ، ومذهب فلان.
فإذا قلت أتقول
زيدا منطلقا ، فإنما تريد أن تستفهمه عن ظنه لأن أكثر ما يقول الإنسان لمخاطبه
أتقول كذا وكذا؟ وما تقول في كذا؟ وهو إنما يريد به ما تعتقد ، وإلى أيش تذهب؟
ألا ترى أنك لو
قلت لفقيه : ما تقول في تحريم المسكر؟ فقال لك أنا أقول بتحريم القليل منه لكان
معناه : أعتقد هذا وأذهب إليه : وكثر هذا المعنى فأجروه مجرى الظن.
فإذا قالوا
للمخاطب : أيقول زيد عمرو منطلق؟ حكوا لأنه لم يكن أن يستفهم (المخاطب) عن ظن
غيره.
فجعله سيبويه
بمنزلة تشبيه أهل الحجاز" ما" بليس ، ما لم تغير عن وجهها في نفي خبرها
وتأخره ، فإذا غيرت عن هذا ، لم تقو قوة ليس في العمل ، كما لم يقو القول ـ في غير
استفهام المخاطب ـ أن يعمل عمل الظن ، لأنه لم يكثر ككثرته فرجع إلى القياس.
وأنشد للكميت :
* أجهالا تقول بني لؤي
|
|
لعمر أبيك أم
متجاهلينا
|
فأعمل تقول عمل
الظن.
وأنشد لعمر بن
أبي ربيعة :
* أما الرحيل فدون بعد غد
|
|
فمتى تقول
الدار تجمعنا؟
|
فنصب الدار
بتقول. وتجمعنا في موضع مفعول ثان.
قال : "
وإن شئت رفعت بما نصبت وجعلته حكاية"
يعني إن شئت
حكيت بعد القول في الاستفهام ولم تجعله في مذهب الظن وغلطه أبو عثمان في
قوله" وإن شئت رفعت بما نصبت" فقال الرفع بالابتداء والخبر ، والنصب
بالفعل على معنى الظن.
فقال المحتج عن
سيبويه : إن هذا لا يذهب على من هو دون سيبويه وإنما أراد : وإن شئت رفعت في
الموضع الذي نصبت ولم يعرض لذكر العامل كما : زيد بالبصرة ، إنما تريد في البصرة.
وقد يجوز أن
يكون المعنى : وإن شئت رفعت بما نصبت ، والباء زائدة كما قال عز وجل : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) أي تنبت الدهن.
__________________
وكقول الشاعر :
* سود المحاجر لا يقرأن بالسور
يريد : لا
يقرأن السور.
(وإن شئت رفعت
بالقول على الحكاية كما نصبت على معنى الظن ، فسميه رافعا وإن لم يعمل شيئا لأنه
علة لارتفاع ما بعده على المبتدأ لحكاية المبتدأ ونقله على ما كان عليه ، فسماه
رافعا مجازا ، كما يقال : في الحروف الملغاة المبتدأ ما بعدها : حروف الرفع ،
والحروف التي ترفع ما بعدها بالابتداء والخبر كقولك : إنما زيد منطلق ، وكأنما
عمرو ، وما أشبهه).
قوله : "
وهو في أين ومتى أحسن إذا قلت : متى ظنك زيد ذاهب" إلى قوله" كما ضعف
غير ذي شك زيد ذاهب وحقا عمرو منطلق"
اعلم أن سيبويه
قد أجاز في هذا الموضع إلغاء الظن ، وقد تقدم المفعولين إذا كان قبل الظن شيء متصل
بالمفعول الثاني ، فأجاز : متى تظن عمرو منطلق؟ ومتى ظنك زيد ذاهب؟ فزيد مبتدأ ،
وذاهب خبره ومتى ظرف للذهاب.
وقد رد ذلك أبو
العباس وغيره ، وقال : هذا نقض الباب لأنه قدم أظن وألغاه.
فقال المحتج عن
سيبويه : أنه إنما شرط أن يتقدم الفعل وليس قبله شيء في صلة ما بعده ، فإذا تقدم
شيء مما بعده قبل أن يأتي بفعل الشك ، فقد مضى ذلك اللفظ على غير الشك فجاز فيه
الإلغاء كما جاز في أين تظن زيد ، إذا تقدم الخبر.
وقوله : "
كما ضعف غير ذي شك زيد ذاهب وحقا عمرو منطلق"
اعلم أن"
حقا" وغير ذي شك وما جرى مجراهما تؤكد بهن الجمل وتحقق ، ولا يأتين مبتدآت
إذا أردت ذلك المعنى لأنك إذا قلت زيد منطلق حقّا فقد وكدت إخبارك بانطلاقه ،
وكأنك قلت : أحق ذلك حقا لأن إخبارك بالجملة ظاهرها يدل على أنك تخبر بما يحققه و
(ما) هو صحيح عندك فلا يقدم هذا التأكيد ، فضعف تقديم الظن كضعف تقديم هذا لأنه
نقضه وكذلك غير ذي شك لأنه في معنى حقا.
قوله : "
فإنما يضعف هذا إذا ألغيت ، لأن الظن يلغي في مواضع أظن" إلى قوله" ولفظك
بذاك أحسن من لفظك بظني"
يعني أنه ضعف :
عبد الله أظنه منطلق ، لأن الظن قد ألغي والمصدر تأكيد ، فكره أن يؤتى بتأكيد شيء
قد ألغي.
قوله : "
ألا ترى" أنك" لو قلت : زيد ظني منطلق ، لم يجز أن تضع ذاك في موضع
ظني"
__________________
يريد أن ظني أدل على أظن من ذلك ، فلذلك صار ذاك أبعد من التأكيد ، ألا ترى
أنك (تقول) زيد ظني منطلق ، ولا تقول : زيد ذاك منطلق.
قال"
وسألت عن أيهم ، لم لم يقولوا : أيهم مررت به"؟
إن
قال قائل : لم لم يختر النصب وهو استفهام كما اختير في قولك أزيدا ضربته؟
قيل له : لأنا
إذا قلنا : أزيدا ضربته؟ فحرف الاستفهام منفصل من زيد وهو أولى بالفعل ، فأضمرنا
بينه وبين زيد فعلا ينصبه.
و "أيهم"
لم يدخل عليه حرف" وإنما صيغ لفظه للاستفهام ، ولم يكن فيه حرف هو أولى
بالفعل فصار بمنزلة زيد ضربته في الاختيار.
(وفرق سيبويه
بين قولهم : أيهم زيدا ضرب؟ ومن زيدا ضربه؟ وبين قولك أيهم زيدا ضربته؟ فأجاز
تقديم الاسم على الفعل في" أي" و" من" ولم يجزه في متى وأين
إلا في الشعر.
والذي أوجب
الفرق بينهما أن "أيا" و "من" بمنزلة حرف الاستفهام مع الاسم
غير الظرف ، فكما يجوز : أزيد عمرا ضربه؟ وهل زيد عمرا ضربه؟ يجوز : أيهم زيد ضربه؟
ومن زيدا ضربه؟
وكما لا يجوز
في الكلام : هل يوم الجمعة زيدا ضربته؟ وهل في الدار عمرا ضربته؟ لم يجز فيه : متى
زيدا ضربته؟ ولا (أين زيدا) ضربته؟ لأن الظرف لا يفصل لتأخره في المعنى ، فكأنك
قلت : هل زيدا ضربته يوم الجمعة؟ وهل عمرا ضربته في الدار؟
وأما قولك : هل
زيدا عمرا ضرب؟ فزيد في موضعه لا ينوي به التأخير وما بعده من الجملة خبر عنه ،
وبعد الفعل من حرف الاستفهام لاعتراض الاسمين بينه وبينه فجاز لذلك).
هذا الباب من
الاستفهام يكون الاسم فيه رفعا
وذلك
قولك" زيد كم مرة رأيته"
اعلم أنك إذا
ابتدأت اسما وأتيت بعده بجملة مصدرة بحرف الاستفهام فيها فعل ناصب لضمير الاسم
المبتدأ ، فلا يصلح نصب ذلك الاسم بإضمار فعل آخر لأن ما بعد حرف الاستفهام لا
يكون مفسرا لفعل قبله ، كما لا يكون عاملا في اسم قبله ، وتفسير ذلك أنك لو نزعت
ضمير زيد من رأيته ، فقلت :
زيدا كم مرة
رأيت؟ لم يجز لأن الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله ، فكذلك لا يكون ما بعده
تفسيرا لما قبله.
قال : "
وإذا كان الفعل في موضع الصفة فهو كذلك"
يعني أن الصفة
لا تعمل فيه قبل الموصوف ، لأنها من تمام الموصوف كالصلة من الموصول ، فكذلك لا
يعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف لأنه من تمام المضاف ، وكذا
تقول : هذا رجل ضارب زيدا ، ولا يجوز أن تقول : هذا زيدا رجل ضارب ، وتقول.
هذا غلام ضارب زيدا ، ولا تقول : هذا زيد غلام ضارب.
وقد أجاز
النحويون : هذا زيدا غير ضارب ، فنصبوا زيدا بضارب ، وإنما ذلك لأن"
غير" معناها" لا" فكأنك قلت : هذا زيدا لا ضارب ، وهذا جائز جدّا.
قال"
وإذا" كان وصفا فأحسنه أن يكون فيه الهاء لأنه ليس بموضع إعمال ولكنه يجوز
كما جاز في الوصل"
إذا قلت :
أزيدا أنت رجل تضربه ، فإنه أحسن من قولك : أزيد أنت تضرب وقوله" لأنه ليس
بموضع إعمال"
فليس يصل الفعل
إلى شيء قبله ، كما أنك إذا قلت : زيد ضربته ثم حذفت الهاء فقلت : زيدا ضربت ،
فلما لم يكن كذلك لم يحسن حذف الهاء.
وأنشد في وقع
الفعل نعتا (لبعض الرجاز)
* أكل عام نعم تحوونه
|
|
يلقحه قوم
وتنتجونه
|
فجعل تحوونه
نعتا للنعم ، فلا يجوز نصبه على هذا ، ولو نصبت على غير هذا الوجه لجاز.
كأنه يقول :
أكل عام تحوون نعما تحوونه
فإن
قال قائل : كيف جاز أن يكون الظرف من الزمان خبرا للنعم وهو جثة؟ قيل له :
التقدير فيه
أكل عام حدوث نعم تحوونه ، وذلك أنه أراد أن كل عام تحوون نعما تأخذونه ، فكأنه في
كل عام نعم حادث ، فصار كقولك الهلال الليلة والمعنى : في الليلة حدوث الهلال.
وأنشد لزيد
الخيل :
* أفي كل عام مأثم تبعثونه على
|
|
محمر ثوبتموه
وما رضا
|
فجعل تبعثونه
نعتا للمأثم.
وقوله : على
محمر ، يريد : فرسا في أخلاق الحمار.
وثوبتموه : من
الثواب ، أي أعطيتموه ثوابا.
وقوله : رضا
يريد رضي ، وهو لغة لطيء ، يقلبون الياء ألفا في ما لا يلتبس لأن الألف أخف من
الياء.
قوله : "
وإنما يكون بمنزلة الفعل نكرة وأصل وقوع الفعل صفة للنكرة".
يعني أن الفعل
في الأصل نكرة. ومعنى قولنا نكرة ، أنه تنعت به النكرة وكذلك الجمل
__________________
كلها نكرات ، وإنما صارت كذلك من قبل أن كل جملة تقع بها فائدة ، فوقوع
الفائدة بها دليل على أنها لم تكن معلومة من قبل ذلك فلذلك لم يعمل من أسماء
الفاعلين إلا ما كان منكورا ، وهو ما كان للحال والاستقبال ، وهذا معنى قوله"
كما لا يكون الاسم كالفعل إلا نكرة".
قوله : "
مما لا يكون في الاستفهام إلا رفعا قولك : أعبد الله أنت أكرم عليه أم زيد".
اعلم (أن) أفعل
لا يعمل في شيء من الأسماء إلا في المنكور على وجه التمييز كقولك : زيد أكثر مالا
منك ، ولا يجوز تقديمه عليه ، لا تقول : زيد ما لا أكثر منك. فإذا كان كذلك فلا
يجوز نصب عبد الله في المسألة من وجهين
ـ أحدهما : أن
عبد الله معرفة ، فلا يعمل فيه أكرم وبابه.
ـ والثانية :
أنه لو كان منكورا يعمل فيه أكرم ما جاز تقديمه عليه.
قوله : وليس
للفعل الأول سبيل لأنه مع" إن" بمنزلة قولك : أعبد الله حين تأتي تضرب؟
وقد قدمنا أن
ما قبل المضاف لا يعمل فيه المضاف إليه. وكذلك إذا قلت حين تأتي زيدا يكرمك ، لا
يجوز أن تقول : زيدا حين تأتني يكرمك ، لأنك أضفت" حين" إلى"
تأتي" ، فلم يجز أن تعمل تأتي فيما قبل الحين المضاف إليه.
فكذلك إذا قلت
: أعبد الله حين يأتني تضرب؟ تنصب عبد الله لأن التقدير أتضرب عبد الله حين تأتي؟
ولا ترفعه حملا على ضميره المرفوع في يأتي لأن يأتي لا يعمل فيه قبل الحين فلا
يحمل عليه ما قبل الحين ، كما لا يعمل فيه.
قوله : "
لأنه بمنزلة قولك : أعبد الله يوم الجمعة تضرب؟ "
هل"
الجمعة" بمنزلة يأتي ، وجعل" يوم" بمنزلة حين ليريك أن يأتي مضاف
إلى الحين وأن لا تسلط له على ما قبله.
قوله : "
وترفع الجواب حين يذهب الجزم من الأول في اللفظ" إلى قوله : " وأما
الفعل الأول ، فصار مع ما قبله بمنزلة حين وسائر الظروف"
يعني أنك إذا
رفعت الفعل الذي بعد إذا رفعت الجواب ، لأن الشاعر شبهها" بأن" فإذا رفع
شرطها لم يجزم جوابها ، لأنه قد أخرجها برفع الشرط من شبه" إن".
وقوله : "
والاسم مبتدأ ههنا إذا جزمت"
يعني : إذا
جزمت جواب إذا ؛ كان الاسم الذي قبل إذا مرفوعا بالابتداء ولم يعمل فيه الجواب
المجزوم كما لا يعمل جواب الشرط فيما قبل الشرط.
قال : "
وكذلك حين إذا قلت : أزيد حين يأتيك تضرب؟ "
ويعني : إذا
جعلت تضرب جوابا لأن قولك : حين يأتيك ، فيه معنى المجازاة ، وهو بمنزلة إذا.
قوله : "
أزيد إن يأتك تضربه؟ لا تكون الهاء فيه إلا لزيد".
قد رد عليه ذلك
، لأنا نقول : أزيد إن يأتك تضرب عمرا؟ فيقع موقع الهاء الأجنبي.
والجواب عن
سيبويه أنه أراد أن زيدا إن أخلى ضميره من جملة الكلام بطل رفعه ، وعبر بالهاء
عنها وعن الضمير المرفوع الذي في يأتيك لأنهم شيء واحد.
ووجه ثان : وهو
ما قاله أبو إسحاق الزجاج : أن هذا ليس من كلام سيبويه.
قوله"
وكذلك زيد حين يأتيك فاضرب" إذا جعلت" فاضرب" جوابا رفعته ، أي :
إذا أحللت فاضرب على الجواب المجزوم رفعت زيدا.
والأحسن أن
تأتي بالهاء إذا جعلته جوابا ونصب زيد أحسن ، على أن تجعل" أضرب" في نية
التقديم كأنك قلت : أضرب زيدا حين يأتيك.
قال : وقع في
هذا الباب" وليس هذا بالقياس (يعني إذا لم تجزم بها) لأنها تكون بمنزلة
حين"
يعني أن القياس
: نصب زيد إذا لم تجزم بإذا وتجعلها بمنزلة" إن" فحكم الفعل أن يعمل
فيما قبلها إذا حسن تقديمه نحو قولك : زيدا إذا أتاك فاضرب ، لأنه يحسن أن تقول ،
زيدا فاضرب إذا أتاك ، ولا يمتنع هذا الفعل من التقديم ونصب الاسم به فالقياس أن
تنصب به.
قال : "
وإذا وحين لا تكون واحدة منهما خبرا لزيد"
يعني أنك إذا
قلت : زيدا حين يأتين أضرب أو زيدا إذا يأتيني أضرب ، فكأنك قلت : زيدا أضرب.
فالأجود أن تنصب زيدا لأن حين وإذا كاللغو إذا كانا غير خبرين ، ولا يستثنى بهما
زيد.
ولو جاز أن
يكونا خبرين لحسن الرفع ، كقولك زيد في الدار أضرب فرفع زيد في هذا الموضع أحسن ،
لأنه قد تم الكلام بالظرف وهو غير محتاج إلى الفعل فيكون أضرب على كلام آخر.
(وقد قيل إن
هذا التفسير لإذا وحين ليس من كلام سيبويه لأنك لو قلت : زيدا إذا أتاك فاضرب ،
وزيد حين يأتيك تضرب ، فلست (تجعل) إذا وحين مع الفعلين المتصلين بهما خبرا عن زيد
دون الجوابين ، فيمتنعا من أن يكونا خبرا عنه ، وإنما تجعلهما مع الفعلين الأولين
والفعلين الآخرين خبرا عنه لأنهما مع ما بعدهما جملتان فيهما ضمير كما تجعل إن مع
الشرط والجواب خبرا عن زيد إذا كان فيه ذكره وضميره ، فتقول : زيد إذا أتاك فاضرب
، وزيد حين يأتيك فاضرب كما تقول : زيد إن أتاك فاضرب).
قوله : فإن قلت : زيدا يوم الجمعة أضرب ، لم يكن فيه إلا النصب"
إلى قوله :
" زيد يوم الجمعة فأنا أضربه لم يجز"
تحصيل هذا
الكلام إنك إذا قلت زيدا إذا أتاك فاضرب ، كان الاختيار النصب وجاز فيه الرفع
وجهين.
ـ أحدهما : أن
تجعل فاضرب جوابا.
ـ والثاني : أن
لا تجعله جوابا وتظهر الهاء على قول من قال : زيد ضربت وإذا قلت : زيدا يوم الجمعة
أضرب فالنصب فيه الوجه.
ويجوز فيه
الرفع من وجه واحد وهو على قول من قال : زيد إذا كان لا يجوز فيه الجواب.
وقوله"
فهذا يدلك على أنه يكون على غير قولك : زيدا فاضرب حين يأتك"
يعني أنه لما
جاز أن تقول : زيد حين يأتيك فأنا أضربه ، وزيدا إذا يأتيك فأنا أضربه ، فتجعل
الفاء جوابا.
ولا يجوز (زيد)
يوم الجمعة فأنا أضربه على جعل الفاء جوابا دلك ذلك على أن قولك : زيد حين يأتيك
فاضرب ، قد يكون على غير قولك : زيدا فاضرب حين يأتيك.
ووقع في آخر
هذا الباب قول لا يدري لمن هو.
قال : "
وهو عندنا غير جائز إلا أن يكون الأول مجزوما في اللفظ"
يعني أنك لا
ترفع زيدا إذا قلت : زيدا إذا يأتيني أضرب إذ كان قولك يأتيني بمنزلة يوم الجمعة
حين لم تجزم الفعل ، فإذا جزمت الفعل فقلت : زيد إذا يأتيني أضرب ، رفعت زيدا إذ
أحللت إذا محل إن وسيبويه يحلها محل" إن" وإن كان ما دونها مرفوعا لأن
فيها معنى الجزاء.
باب الأمر والنهي
اعلم أن الأمر
والنهي هما بالفعل فقط لأنك تأمر بإيقاع فعل وتنهي عن إيقاع فعل وربما أمرت باسم
هو في معنى القول كقولك : عندك زيدا ، ودونك عمرا. فإذا قلت : زيد أضربه نصت على
تقدير أضرب زيدا أضربه وكذلك النهي والنصب فيهما أقوى من الاستفهام من قبل أن
الأمر والنهي لا يكونان إلا بفعل ، والاستفهام قد يكون بغير فعل ، كقولك : أزيد
أخوك؟ وأعبد الله عندك؟
وإذا قلت :
زيدا فاضربه ، فإنما أدخلت الفاء ، لأن حكم الأمر أن يكون الفعل فيه مقدما ، فلما
قدمت الاسم ، أضمرت الفعل وجعلت الفاء جوابا له. وتقدير الكلام على المعنى : تأهب
فاضرب زيدا ، وكذلك إذا قلت : زيدا فاضرب ، فهو على هذا التقدير. وما بعد الفاء
عامل في ما قبلها كما كان عاملا في قولك : أما زيد فضربت : لأنك لما حذفت الفعل من
صدر الكلام جعلت تقويم الاسم عوضا منه.
ويجوز أن تقول
: زيد فاضربه على تقدير : هذا زيد فاضربه (أو هو زيد فاضربه) ، فهذا
تقدير سيبويه وغيره من شارحي الكتاب.
واضطرهم إلى
تقدير هذا الإضمار أن الفاء (مع ما بعدها لا تكون خبرا) عن زيد ، فكما لا يقال :
زيد فمنطلق ، لا يقال : زيد فاضربه على ابتداء والخبر.
والقول عندي
أنه كلام لا إضمار فيه (وذلك) في باب الأمر دون باب الخبر. لأنه لفظ ابتداء وخبر
لا معنى ابتداء وخبر ، ذلك أن معنى قولك : زيد فاضربه ، كمعنى : زيدا فاضربه
بالنصب ، وهما منقولان من قولك : اضرب زيدا.
فلما تقدمت
المفعول على الفاعل للاهتمام به كما نقدمه في الخبر ، ثم شغلت الفعل عنه بضميره ،
جاز لك أن ترفعه كما ترفعه في الخبر إذا قلت زيد ضربته ، فجرى على لفظ المرفوع ،
وإن كان معناه معنى المنصوب ، فلم تمتنع الفاء من دخولها فيما بعدها ـ مرفوعا ـ لا
تمتنع من دخولها عليه منصوبا. ولو جاز في (قولك) زيدا فضربت ، وزيد فضربته بالرفع
، كما جاز زيد لا ضربه ، لجواز : زيدا فاضربه بالنصب ، فدخول الفاء على هذا
كدخولها في قولك : أما زيد فضربته ، تراجع المعنى ضربته ، ثم دخلت الفاء في الخبر
لما حدث في الكلام من معنى الشرط بدخول" أما" وصارت الفاء كما ترى
معترضة بين المبتدأ والخبر كما اعترضت بين المفعول والفعل في قولك : أما زيدا
فضربته فهذا بين إن شاء الله.
ومجاز الآيات
التي استشهد بها سيبويه ـ رحمه الله ـ بما أجمع القراء على رفع الاسم فيه مع إتيان
الفاء في خبره ، وكذلك ما استشهد به من الأبيات على هذا فتدبره تجده مستمرا في
بابه شائعا إن شاء الله.
قال الشاعر
* وقائلة : خولان فانكح فتاتهم
|
|
وأكرومة
الحيين خلوكما هيا
|
أرادك هذه
خولان فلذلك أدخل الفاء.
ومعنى"
أكرومة الحيين خلوكما هيا من قول القائلة أراد أن هذه الفتاة التي أشارت عليه
بتزويجها خلو كما كانت لم تتزوج ، وإنما قال : الحيين لأن خولان قد اشتملت على
حيين ، وعلى أحياء ويجوز نصب خولان كما مر في أول الباب وأنشد لعدي بن زيد :
* أرواح مودع أم بكور
|
|
أنت فانظر
لأي ذاك
|
استشهد بقوله :
أنت فانظر ، وهو يشبه زيد فاضربه. ولم يجزه على إضمار بسبب (دخول) الفاء ، فتأول
ذلك على وجوه أراد بها تصحيح دخول الفاء ، وجملة تأوله ثلاثة أوجه :
منها أن
يرفع" أنت بفعل مضمر يفسره الظاهر الذي فيه ضميره كأنك قلت : انظر أنت
__________________
فانظر ، فيكون الرفع للضمير تفسيرا لفعل يرفع أنت على رتبة المنصوب في قولك
: زيد فاضربه.
والوجه الثاني
: أن تجعل أنت مبتدأ وتضمر له خبرا ، وتجعل الفاء جوابا للجملة كأنه قال : أنت
الراحل كما تقول : أنت الهالك ثم تحذف فتقول : أنت لدلالة الحال عليه ، ومثال هذا
أن تقول إذا وصف أهل النحو فقال الناس : الخليل أي الخليل النحوي.
والوجه
الثالث : أن تجعل أنت (في
نيتك) خبرا لمبتدأ ، كأنك نويت الراحل أنت ، وجعلت في نيتك المبتدأ.
وقال سيبويه في
هذا الوجه الثالث :
وهذا على قولك
: شاهداك ... أي ما يثبت لك شاهداك
ومعنى هذا أن
يتقدم رجلان إلى حاكم أو غيره ، فيدعي أحدهما على الآخر (شيئا) فينكره ، فيقول
الحاكم : شاهديك ـ على معنى : أحضر شاهديك ، وإن شاء قال : شاهداك ، أي الشيء الذي
يثبت لك ويصح شاهدا. وحقيقة هذا الكلام : ما ثبت لك شهادة شاهدك.
ـ ويجوز أن
ترفع" أنت ببكور لأن المصدر يعمل عمل الفعل كأنك قلت أتتروح أم تبتكر أنت؟
ـ ويجوز أيضا
أن تجعل البكور في معنى باكر كما تقولك أنت إقبال وإدبار ، أي مقبل ومدبر.
وفي البيت
أرواح مودع أم بكور ، والرواح لا يودع ..
قال الأصمعي :
يودع فيه ، كما قال (وَالنَّهارَ
مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] أي يبصر فيه. وتحقيقه من جهة النحو : أرواح ذو توديع فبني له
من المصدر الذي يقع فيه اسم الفعل وإن لم يكن جاري على الفعل ، كما قالوا : رجل
رامح ونابل ، على معنى ذوي رمح وذوي نبل.
وأنشد سيبويه
لأبي الأسود الدؤلي :
* أميران كانا أخياني كلاهما
|
|
فكلا جزاه
الله عني بما فعل
|
فنصب"
كلا" بفعل مضمر ، لأن الدعاء بمنزلة الأمر ، فهو بالفعل أولى.
قوله : وقبح
تقديم الاسم في سائر حروف الحروف لأنها حروف تحدث قبل الفعل إلى قوله : ما يقبح
حذف الفعل بعد حروف الجزاء.
يعني قبح تقديم
الاسم في سائر الاستفهام سوى الألف كقولك : أين زيدا ضربته؟ لأن الوجه تقديم الفعل
حتى يكون هو الذي يليها كقولك : أين ضربت زيدا؟
__________________
واحتج بأن قال
: " إنها من حروف تحدث قبل الفعل وقد يصير معنى حدوثها إلى الجزاء".
يعني أن حروف
الاستفهام غير واجبة كما أن حروف الجزاء غير واجبة وأراد بالجزاء هاهنا : حروف شرط
الجزاء.
وقوله :
والجزاء لا يكون إلا خبرا يعني جواب الشرط إذا قلت : إن تأتني أكرمك ، لأنه يصح أن
يقال : فيه صدق أو كذب.
وقوله : وقد
يكون فيهن الجزاء في الخبر يعني يكون في حروف الاستفهام مثل جواب الشرط ، كقولك
أين زيد أكرمه؟
فقد يصح في هذا
صدق أو كذب ، وإنما أراد التسوية بين حروف الجزاء والاستفهام ، وأنها بالفعل أولى
، وأن يفرق بينهما وبين الأمر ، وذلك أن الأمر لا يقبح تقديم الاسم فيه إذا قلت : زيدا
أضربه ، لأنه ليس قبله حروف هو بالفعل أولى فيحتاج إلى إيلاء الاسم.
باب حروف أجريت مجرى
حروف
الاستفهام وهي حروف
النفي
قد تقدم أن
قولك : زيد ضربته أجود من زيدا ضربته ، وأزيدا ضربته؟ أجود من أزيد ضربته؟ وقد
توسطت هذين البابين حروف النفي تقول : ما زيدا ضربته ، وما زيد ضربته ، وإنما
تقارب [النصب] فيها والرفع لأنها تشبه حروف الاستفهام من جهة ، وتشبه الابتداء من
جهة.
ـ فأما شبهها
بحروف الاستفهام ، فلأنها أخرجت المبتدأ عن حد الإيجاب إلى حد النفي ، كما أخرجته
حروف الاستفهام من الإيجاب إلى الاستفهام.
ـ وأما شبهها
بالمبتدأ ، فلأنها نقيضته ونفي له ، تجرى مجرى نقيضه ألا ترى أنك تقول : قام زيد ،
ثم تقول : ما قدم زيد فترد الكلام على لفظه مع حروف النفي ..
وأنشد لجرير :
* فلا حسبا فخرت به لتيم
|
|
ولا جدا إذا
ازدحم الجدود
|
أراد : فلا
ذكرت حسبا فخرت به ..
وقد يجوز أن
تكون لا للنفي ونون الاسم اضطرارا ...
وأنشد لهدبة بن
خشرم.
* فلا ذا جلال هبنه لجلاله
|
|
ولا ضياع هن
يتركن للفقر
|
__________________
يعني أن
المنايا لا تحاشى أحدا.
وذكر سيبويه في
هذا الباب أن ليس قد تكون بمنزلة «ما» واحتج بقولهم :
ليس خلق (الله)
مثله.
ويحتمل أن يكون
في ليس اسمها مضمرا وتكون الجملة تفسيرا للمضمر وخبرا لها ، ولذلك قال : فهذا يجوز
أن يكون منه.
واحتج غير
سيبويه بشيء هو أقوى من هذا عنده ، وهو قول بعض العرب :
ليس الطيب إلا
المسك
فقالوا : هو
بمنزلة ما الطيب إلا المسك.
فقالوا : ولو
كان في ليس ضمير الأمر والشأن لكانت الجملة قائمة بنفسها ونحن لا نقول : الطيب إلا
المسك بغير تقدم حرف النفي.
وليس الأمر على
ما ظنوا ، لأن الجملة إذا كانت في موضع خبر اسم قد وقع عليه حرف النفي ، فقد لحقها
النفي في المعنى ألا ترى أنك إذا قلت ما زيد أبوه قائم فقد نفيت قيام أبيه ، فعلى
هذا يجوز أن تقول : ما زيد أبوه إلا قائم ، كأنك قلت : ما أبو زيد إلا قائم.
وإنما استشهد
سيبويه بقولهم :
ليس الطيب إلا
المسك لأنه قرنه بقولهم : ما كان الطيب إلا المسك فالذين نصبوا (مع) كان هم الذين
رفعوا مع ليس ، فأشبه أن يكون الفرق بين ليس وكان.
قوله : فإن قلت
ما أنا زيد لقيته ، رفعت إلا في قول من نصب زيدا لقيته إلى قوله وهو فيه أقوى لأنه
عامل في الاسم.
يعني أنك إذا
قلت : ما أنا زيد لقيته ، وجعلت ما حجازية ، كان الرفع في زيد أقوى ، لأن ما عاملة
في الاسم الذي قبله وهو أنا فاجتمع عمل «ما» والفصل بينها وبين زيد ، فكان الرفع
في زيد أقوى منه في قولك أأنت زيد ضربته؟ وما أنا زيد ضربته في لغة بني تميم ،
لأنك فصلت هنا بين ألف الاستفهام وما التميمية ، وهما غير عاملتين ، فلما جئت إلى
لغة أهل الحجاز في «ما» وفصلت بينها وبين الاسم الذي وقع الفعل على ضميره ،
وأعملتها في الاسم الذي يليها ، بعد النصب عن الاسم الذي وقع الفعل على ضميره
لبعده من «ما» لما اجتمع الفصل بينهما (وبينه) وعملها فيما وليها ..
فإن قال قائل :
فأنتم تزعمون أن قول القائل : ما أنا زيد كلمته إذا كان ما عاملة ، وإني زيد كلمته
، الاختيار فيه الرفع لأنه جعله في موضع الخبر ، فهي على حالها إذا كانت مبتدأة
ليس قبلها شيء ، فلم اختير النصب في قوله عز وجل : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩].
وكلام الله
أولى بالاختيار؟.
فالجواب : إن
في النصب هاهنا دلالة على معنى لا يوجد في الرفع وذلك أنك إذا قلت : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ
بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] فتقديره : إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر فهو يوجب العموم لأن
قوله : (إنا خلقنا كل شيء) لفظ عام فإذا قال : (كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) فليس فيه عموم لأنه يجوز أن تجعل خلقناه نعتا لشيء ،
ويكون «بقدر» خبرا لكل ، ولا تكون فيه دلالة لفظية على خلق الأشياء كلها ، بل تكون
فيه دلالة على أن ما خلق الله منها خلقه بقدر.
ومثل هذا في
الكلام : كل نحوي أكرمته في الدار ، فقد أوجبت إكرام النحويين ، لأن تقديره :
أكرمت في الدار كل نحوي أكرمته.
قوله : وكيف
يختار فيه النصب وقد حال بينه وبين مفعوله.
يعني : إذا قلت
: كنت زيد ضربته ، فقد وقع زيد ضربته في موضع مفعول كنت ، كأنك قلت : كنت قائما.
فإذا كانت
الجملة هكذا ، لم تشبه الجملة المعطوفة وهي : ضربت زيدا وعمرا كلمته ، لأن الأول
قد نصب مفعوله وعطف الثاني عليه فأجراه مجراه في تسلطه على مفعوله.
وأنشد في جواز
النصب للمرار الأسدي :
* فلو أنها إياك عضتك مثلها
|
|
جررت على ما
شئت نحرا وكلكلا
|
فنصب إياك
بإضمار عضت ، والتقدير : فلو أنها عضت إياك مثلها عضتك مثلها.
وإن شئت كان
التقدير : فلو أنها إياك عضت مثلها عضتك مثلها ، فتقدر الفعل بعد إياك لأنه منفصل
كما تقول : إياك ضربت. وإنما يجوز ضربت إياك في الشعر ..
قوله : عضتك
مثلها كأنه يصف داهية .. والنحر : موضع المنحر والكلكل والكلكال : الصدر.
باب من الفعل الذي
يستعمل في الاسم
ثم يبدل مكان ذلك
الاسم اسم آخر
اعلم أن حكم
البدل أن يكون مكان المبدل منه في العامل ، وليس التقدير فيه أن ينحى الأول عن
معنى الإلغاء له ، وإزالة الفائدة به ولكن على معنى أن البدل قائم بنفسه (غير)
مبين للمبدل منه كتبيين النعت للمنعوت الذي هو تمام المنعوت.
فإن قال قائل :
فلأي شيء دخل؟ قيل له : قد يكون للشيء الواحد اسم من معان تشتق له منها تلك
الأسماء ، فيجوز أن يشتهر ببعض أسمائه عند قوم ، وببعض أسمائه عند آخرين.
فإذا اجتمع
الاسمان على طريق بدل أحدهما من الآخر ، فقد بينه بغاية البيان فهذا هو
__________________
[القصد] من البدل.
قوله بعد أن
ذكر البدل فهذا يجيء على وجهين إلى قوله (فَسَجَدَ
الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) [الحجر ٣٠]
هذا أحد
الوجهين ، والمعنى في ذلك أنه حين قال : رأيت قومك كان غرضه : رأيت ثلثي قومك ،
فعبر باللفظ العام ، وهو يريد البعض كما تقول : ضج أهل بغداد ، وعسى أن لا يكون ضج
منهم إلا نفر.
فإذا أراد ذلك
ثم أتى بالبعض فكرره بلفظ آخر فقد أكد ، كما أكد في قوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ
أَجْمَعُونَ) [الحجر : ٣٠].
وكذلك قول
الشاعر :
* وذكرت تقتد برد مائها
|
|
وعتك البول
على أنسائها
|
فذكر تقتد وهو
يريد برد مائها ، ثم أبدل منها ، وهذا من بدل الاشتمال وأنشده سيبويه للتأكيد الذي
ذكره في البدل.
وعتك البول :
يعني قدمه وصفرته ، يقال : قوس عاتكة ، والمعنى أن هذه الناقة ذكرت برد ماء هذا
الموضع ، وهذا حالها لطول السفر.
ويروى «وعبك
البول» وهو تلبده وتراكبه عليها.
والقول الآخر
من الوجهين هو أن يتكلم فيقول : رأيت قومك وقصده إلى جميعهم ، ثم بدا له في ذلك
وامتنع أن يخبر عن جميعهم فعدل إلى الإخبار عن البعض فهذا لم يكن في أول كلامه
قاصدا إلى ذكر البدل ، ثم بدا له ذلك بعد أن مضى صدر كلامه على الوجه الذي لفظ به
والذي قبل هذا لم يبدله بشيء لم يرد أن يتكمل به من بعد.
قوله بعد أن
ذكر البدل : لأنك حملت النعت على المرور فجعلته حالا.
يعني لأنك جعلت
مرفوعا ومطروحا في قولك : مررت بمتاعك بعضه مرفوعا وبعضه مطروحا ، فجعلته محمولا
على المرور إذ كان العامل فيه ، وسمي مرفوعا ومطروحا نعتا لأنه يسمى نعتا كل ما
فيه تمييز شيء من شيء لو لم يكن ذلك النعت لجاز وقوعه ، يعني ذلك الشيء عليه وعلى
غيره.
وإذا قلت :
مررت بمتاعك ، صلح أن يكون مرفوعا ، وصلح أن لا يكون مرفوعا فصار مرة مرفوعا نعتا
له من طريق التمييز بين أحواله التي تتوهم وعلى ذلك سمي ضربت الناس بعضهم قائما
وبعضهم قاعدا من نعت الفعل ، لأنك إذا قلت ضربت الناس جاز أن يكون مستوعبا
__________________
لضربهم وجاز أن يكون لبعضهم ، فصار ذكر البعض كالتحلية للضرب والتمييز بين
أحواله.
(وقوله) هذا
وجه اتفاق الرفع والنصب في هذا الباب واختيار الرفع واختيار النصب.
يحتمل أن يكون
هذا الكلام راجعا إلى ما تقدم من المسائل ، ويحتمل أن يكون لما يأتي (من) بعد (لا)
لما تقدم.
قوله : والرفع
في هذا أعرف ، لأنهم شبهوه بقولك رأيت زيدا أبوه أفضل منه.
يعني أن قولك :
رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض. وإنما ذلك لأنك إذا رفعت فلست تنوي أطراح المتاع
وإبدال غيره منه ، وإذا كان منصوبا ، فقد أبدل الثاني من الأول ، واعتمد بالحديث
على الثاني.
وأنشد لعبدة بن
الطبيب.
* فما كان قيس هلكه هلك
|
|
واحد ولكنه
بنيان قوم تهدما
|
فالاختيار في
قولك هلك واحد الرفع. والنصب جائز على ما تقدم.
(والمرثى قيس
بن عاصم المنقري وكان سيد أهل الوبر من بني تميم).
وأنشد لرجل من
خثعم أو بجيلة :
* ذريني إن أمرك لن يطاعا
|
|
وما ألفيتني
حلم مضاعا
|
فالحلم بدل من
النون والياء ...
وقال آخر في
البدل :
* إن على الله أن تبايعا
|
|
تؤخذ كرها أو
تجيء طائعا
|
فأبدل تؤخذ من
تبايعا ولو رفعه على معنى وأنت تؤخذ لكان جليّا.
واعلم أن بدل
الفعل من الفعل أنما يكون على وجه واحد ، وهو أن يبدل الفعل من الفعل وهو هو في
معناه ، لأنه لا يتبعض ولا يكون فيه الاشتمال.
قوله وتقول
جعلت متاعك بعضه فوق بعض ، فله ثلاثة أوجه (في) النصب إلى قوله «وهو مفعول من قولك
: سقط متاعك بعضه على بعض».
اعلم أن جعلت
يكون بمعنيين بمعنى عملت وبمعنى صيرت.
ـ فإذا كان
بمعنى عملت تعدت إلى مفعول واحد كقوله عز وجل (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ
وَالنُّورَ) [الأنعام : ١]. بمعنى عمل وخلق.
__________________
وإذا كانت
بمعنى صيرت تعدت إلى مفعولين لا يجوز الاقتصار على أحدهما وهي في هذا الوجه تنقسم
إلى ثلاثة أقسام :
ـ أحدهما :
بمعنى سميت : كقوله عز وجل : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ
الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] أي : صيروهم إناثا بالقول والتسمية ...
ـ والوجه
الثاني : أن تكون على معنى الظن والتخيل كقولك : اجعل الأمير عاميا وكلمته أي :
صيره في نفسك كذلك.
ـ والوجه
الثالث : أن يكون بمعنى النقل كقول الله عز وجل : (اجْعَلْ هَذَا
الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥].
أي : صيره بلدا
آمنا ، وانقله عن هذا الحال.
فأما الثلاثة (الأوجه)
التي ذكرها سيبويه ، فوجهان فيها يرجعان إلى الوجه الأول مما ذكرنا ، وهو أن تجعل
جعلت متعديا إلى واحد.
فأحد الوجهين
هو الأول الذي قال فيه : إن شئت جعلت فوق في موضع الحال فيكون معناه : عملت متاعا
عاليا ، كأنك أصلحت بعضه وهو عال ، كما تقول : عملت الباب مرتفعا ، أي أصلحته وهو
في هذه الحال [وهذا الوجه قسمه سيبويه ثلاثة أقسام وهو أن تقدر «فوق» في موضع «على»
والآخران تقدرهما في موضع «أحسن» كما تقول : زيد فوق عمرو ، فتكون «فوق» مثلا لا
حقيقة ، فلذلك مثله بقولك : رأيت زيدا وجهه أحسن من وجه عمرو ، فكأنك قلت : عملت
متاعك بعضه أحسن من بعض ، فهذان وجه واحد في التحصيل ، لأن «فوق» وقعت فيهما في
موضع الحال.
وأما الوجه
الثالث : فأن يكون «جعلت» في معنى ألقيت ، فيقع «فوق» موقع المفعول به إلا أنه
مفعول زائد في الفائدة ، كما كانت الحال ، فمجراه مجرى الأول من هذه الجهة].
والوجه الثاني
من هذين الوجهين هو الثالث مما ذكره سيبويه في قوله «وإن شئت نصبته على أنك إذا
قلت : جعلت متاعك ، دخله معنى ألقيت متاعك بعضه فوق بعض ، فيكون هذا متعديا إلى
مفعول فيوافق الوجه الأول في التعدي إلى مفعول واحد ويخالفه في غير ذلك ، لأنك لم
تعمل المتاع هاهنا لإصلاح شيء منه وتأثير فيه ، كما تعمل الباب بنجزه ونحته وقطعه».
و «فوق» في هذا
كالمفعول لا في موضع الحال ، لأنه في جملة الفعل الذي هو ألقيت وعمل فيه على طريق
الظرف.
وفي المسألة
الأولى عمل فيه الاستقرار وصار في موضع الحال ، فهذان الوجهان كوجه واحد.
وقوله : «وإن
شئت نصبت على ما نصبت عليه رأيت زيدا وجهه أحسن من وجه فلان».
أي : فتعديه
إلى مفعولين من جهة النقل والعمل جميعا ، كما تقول صيرت الطين خزفا ، وإنما حملنا
هذا الوجه على هذا ، لأنه في ذكر جعلت الذي في معنى عملت وأثرت.
قال : والوجه
الثالث أن تجعله مثل ظننت متاعك بعضه أحسن من بعض
فهذا الوجه
الذي في معنى التخيل ، والذي هو من طريق التسمية يشبه هذا الوجه ، إلا أنه لم
يذكره اكتفاء بهذا.
قوله : «لأنك
إذا قلت : أحزنت قومك بعضهم على بعض .. لم ترد» (أحزنت قومك و) بعضهم على بعض في
عون.
يعني في إمارة
وولاية ، ولا أبكيتهم وبعض أجسادهم على بعض. وإنما هو منقول من بكاء قومك بعضهم
على بعض وبكى بعضهم بعضا.
قوله «وإن كان
مما يتعدى إلى مفعولين أنفذته إليه ، لأنه كأنه لم يذكر قبله شيئا».
يعني إذا جعلت
مكان : حزنت قومك بعضهم على بعض فعلا يتعدى إلى مفعولين ، عديته إليه كقولك : حسبت
قومك بعضهم قائما وبعضهم قاعدا.
ومعنى قوله «كأنه
لم يذكر قبله شيئا يعني أن حال المفعولين بعد حسبت في الاحتياج إليهما ، كحالهما
في الابتداء إذا لم تذكر قبلهما فعلا لأن أحدهما يخبر عن الآخر».
هذا باب من الفعل
يبدل فيه الآخ
ر من الأول ويجري على
الاسم كما يجري أجمعون
قوله في هذا
الباب : مطرنا سهلنا وجبلنا ومطرنا السهل والجبل
يجوز أن تبدل
السهل والجبل من الضمير بدل الاشتمال ، ويجوز أن تجعله تأكيدا بمنزلة أجمعين ،
كأنك قلت : مطرنا بقاعنا كلها ويجوز أن تنصب على أن تجعله مفعولا ثانيا على تقدير
حذف حرف الجر ، ولا يطرد هذا في الأشياء كلها.
وكذلك تقول :
ضرب زيد ظهره وبطنه بالرفع والنصب على ذلك التقدير ولا يقال : ضرب زيد يده ورجله
على الظرف.
وإنما خالف
الظهر والبطن الرجل واليد لأن الظهر والبطن عامان في الأشياء ، ألا ترى أن لكل شيء
بطنا وظهرا ، فأشبها المبهمات من الظروف لعمومها ، وليس كذلك اليد والرجل.
والسهل والجبل
بمنزلة الظهر والبطن ، لأن المواضع إما أن تكون سهلا وإما أن تكون جبلا ، فجعلت
ظروفا لهذا الإبهام ، وهي مع ذلك شاذة لا تطرد ، وكذلك الزرع والضرع ، يشبه السهل
والجبل لأن أكثر ما يراد له المطر : الزرع والمواشي ، فجاز النصب والرفع على
الوجهين.
قال : «وتقول
مطر قومك الليل والنهار فتنصبهما على الظرف وعلى المفعول في سعة الكلام».
ويجوز رفعه على
البدل كما قالوا : صيد عليه الليل والنهار ، فيكون على وجهين :
ـ أحدهما : مطر
أصحاب الليل وأصحاب النهار ثم حذف المضاف اختصارا.
ـ والآخر : أن
تجعلهما ممطورين على المجاز والاتساع.
وأنشد لجرير :
* لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى
|
|
ونمت وما ليل
[المطي] بنائم
|
فأخبر عن الليل
بالنوم ، والمعنى ينام المطي فيه.
وأنشد أيضا.
* أما النهار ففي قيد وسلسلة
|
|
والليل في
بطن منحوت من الساج
|
والمنحوت :
مقطرة تنحت من خبب الساج.
وقال الشاعر في
البدل :
* وكأنه لهق السراة كأنه
|
|
ما حاجبيه
معين بسواد
|
فحاجبيه بدل من
الهاء ، وقال معين لأن الإخبار عن الهاء وإن كنت قد أبدلت منها.
واللهق :
البياض والسراة : الظهر.
وأنشد :
* ملك الخورنق والسدير ودانه
|
|
ما بين حمير
أهلها وأوال
|
فأبدل أهلها من
حمير ، وجعل حمير مكانا وحمير في الأصل أبو قبيلة ولكنهم لما سكنوا اليمن ، جعل
حمير عبارة عن بلادها ، كأنه قال ما بين أهل حمير وأوال.
ودانه في معنى
أطاعه.
قال فأما قوله
:
* مشق الهواجر حلمهن مع السرى
|
|
حتى ذهبن
كلّا كلّا وصدورا
|
فنصب كلّا كلّا
وصدورا عند سيبويه على الحال ، وجعلها في معنى ناحلات. وكان
__________________
المبرد يقول : نصبها على التمييز ، لأن الكلا كل أسماء ليس فيها معنى
الفعل.
قال سيبويه
ومثل ذلك ذهب زيد قدما وذهب أخرا.
فجعل قدما في
معنى متقدما ، وجعل أخرا في معنى متأخرا.
يصف إبلا أذهب
السفر لحومهم. والسرى : سير الليل والكلكل الصر.
وقال آخر.
* طويل متل العنق أشرف كاهلا
|
|
أشق رحيب
الجوف معتدل الجرم
|
فجعل كاهلا
حالا في معنى : عاليا.
والكاهل : أصل
العنق وهو من أعاليه ، فجعله نائبا عن قوله : عاليا أو صاعدا
والمتل :
العظيم العنق الغليظ مغرزه.
ومثله للعماني
الراجز :
* إذا أكلت سمكا وفرضا
|
|
ذهبت طولا
وذهبت عرضا
|
فجعل «طولا» و
«عرضا» في معنى : ذاهبا في الطول وذاهبا في العرض.
وأبو العباس
يجعل هذا كله على التمييز. والطول والعرض مصدران والمصادر تجعل أحوالا فشبهت
الأسماء في الأبيات المتقدمة بهذا الضرب من المصادر ، فجعلت أحوالا.
والفرض : ضرب
من التمر لأهل عمان.
والقول عندي :
أن نصب هذه الأشياء في الأبيات على التمييز دون الحال على ما ذكره المبرد وغيره ،
وأن سيبويه ـ رحمه الله ـ لم يقصد إلا إلى هذا. وأن من تأول عليه نصبه على الحال
واتبعه فيه مخطئ كما أن من ظن به ذلك ولم يتبعه فيه مخطئ في ظنه أو متعسف عليه.
وقد كان ـ رحمه
الله ـ أذكر وأعلم من أن يغلط هذا الغلط فيوهم أن الكلكل والصدر والكاهل ونحوها من
الأعضاء والجواهر أن تكون أحوالا كالأعراض من الأفعال ، وما أجرى عليها من الصفات
وما كان في معناها ، ولكنه سمى التمييز حالا لتناسبهما بوقوعهما فضلتين نكرتين
ولعمل الفعل ومعناه فيهما فعبر عن التمييز بالحال كما يعبر عن الحال بالتمييز إن
شاء لاشتراكهما في اللفظ والمعنى ، فاعلمه.
قال سيبويه : «وليس
هذا كقول الشاعر».
* فلأبغينكم قنا وعوارضا
|
|
ولأقبلن
الخيل لابة ضرغد
|
قنا وعوارضا :
مكانان. وأراد بقنا وعوارض ، فحذف حرف الجر. شبهه بدخلت
__________________
البيت واللابة : الحرة.
وضرغد : جبل.
وإنما ذكر هذه الأبيات التي جعل فيها الأسماء أحوالا ليريك أنها مخالفة ل :
مطرنا السهل
والجبل ، وأنها على معنى التمييز فعمل فيها الفعل عمله في الحال ، وسماها أحوالا
لما بينا من التناسب بينهما.
باب اسم الفاعل الذي
جرى مجرى الفعل المضارع
في المفعول في المعنى
أنشد سيبويه في
هذا الباب (مستشهدا) لما عمل من أسماء الفاعلين عمل الفعل.
* مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة
|
|
ولا ناعبا
إلا ببين غرابها
|
يقول : الغراب
لشؤمهم لا ينعب أبدا إلا بالفراق. واستشهد على ما حمل من المعطوف على المعنى بقول
الشاعر :
* أعني بخوار العنان تخاله
|
|
إذا راح يردي
بالمدجج أحردا
|
وأبيض مصقول
السطام مهندا
|
|
وذا حبك من
نسج داود مسردا
|
فنصب أبيض لأن
معنى أعني بخوار : أعطينه. والخوار العنان الضعيف العنان أي : ينقاد معك حيث سقته
، والأحرد : الذي في يديه استرخاء ، أي تخال هذا الفرس أحرد من نشاطه ومرحه.
والسطام الجوانب. والحبك : الطرائق.
وأنشد :
* بينا نحن نطلبه أتانا
|
|
معلق وفضة
وزناد راع
|
فحمل الزناد
على الموضع.
والوفضة :
الجعبة ، وجمعها وفاض.
وأنشد أيضا في
الحمل على المعنى :
* يهدي الخميس نجادا في مطالعها
|
|
إما المصاع
وإما ضربة رغب
|
الخميس الجيش
.. والنجاد : جمع نجد وهو المرتفع من الأرض. والمصاع القتال.
ورغب : واسعة.
وحمل ضربة رغب
على المعنى ، وذلك أن معنى قوله : إما المصاع : إما يماصع مصاعا ،
__________________
ولو جعل مكان ذلك : إما أمره مصاع كان مستقيما نائبا عن ذلك المعنى ، فحمل
ما بعده عليه فقال :
* فلم يجدا إلا مناخ مطية
|
|
تجافى بها
زور نبيل وكلكل
|
ومفحصها عنها
الحصا بجرانها
|
|
ومثنى نواج
لم يخنهن مفصل
|
وسمر ظماء
واترتهن بعد ما
|
|
مضت هجعة من
آخر الليل ذبل
|
الشاهد في هذه
الأبيات رفع سمر ظماء وما قبلها منصوب بقوله فلم يجدا كأنه قال : فلم يجدا في هذا
المكان إلا مناخ مطية ، يعني ذئبين طرقا رحل رجل بعد رحيله ، فلم يجدا إلا مناخ
مطية وإلا مفحص هذه المطية الحصى عنها بجرانها.
وكان ينبغي أن
يقول : وإلا سمرا ظماء ذبلا ، وإنما يعني بالسمر الظماء الذبل : بعر هذه المطية
وكأنه قال : وبها سمر ظماء.
والجران : باطن
العنق. وأراد بالمثنى : قوائمها ، وقيل هو موضع تثني قوائمها بالأرض.
ومعنى قوله :
تجافى بها زورا ، أي لم تلقه على الأرض لقوتها.
ووصف البعر
بالذبول لبعد عهد الناقة بشرب الماء والنواجي : السريعة.
وقال آخر :
* بادت وغير أيهن مع البلى
|
|
إلا رواكد
جمرهن هباء
|
ومشجع أما
سواء قذاله
|
|
فبدا وغير
ساره المعزاء
|
والشاهد في رفع
(مشجع) كالبيت الأول ، والمشجع : الوتد تدقه في الأرض وقد بدا وسط رأسه وظهر وغير
ساره المعزاء ، وهي الأرض ذات الحصى وقيل : سار في معنى سائر ، كما قيل : هار في
معنى هائر .. ورواكد : يريد بها الأثافي واستثناها من أي الدار لأنها لم تبل ولم
تتغير فيما قد تغير.
وأنشد للفرزدق
فيما يقدر فيه التنوين :
* أتاني على القعساء عادل وطبه
|
|
برجلي لئيم
واست عبد تعادله
|
أراد بالقعساء
: ناقته ، وقيل أراد أتانا. والوطب : زق اللبن ونصب عادل في الحال.
وأنشد للزبرقان
بن بدر :
* مستخفي حلق الماذي يحفزه
|
|
بالمشرفي
وغاب فوقه حصد
|
__________________
الماذي :
الدروع. ويحفزه : يرفعه ويشمره. والمشرفي : [السيف] والغاب : الرماح وأصله الغيضة
، ضربة مثلا لكثرة الرماح. والحصد : المقطوع وهو أيضا الملتف
وأنشد للسليك
بن السلكة :
* تراها من يبيس الماء شهبا
|
|
مخالط درة
منها غرار
|
فإن قال قائل :
لم احتج بقوله : مخالط درة وهو مضاف إلى نكرة فنعت بنكرة لأنه نكرة ، ولو كان
مضافا إلى معرفة وهو نعت لنكرة لعلم أن إضافته غير صحيحة لما فيها من نية التنوين
والنصب؟.
فالجواب : أنه
لما رفع ما بعده كان كالفعل له ، فكأنه قال : يخالط درة منها غرار.
ولو كان في
تأويل الماضي وكانت إضافته صحيحة للحق بالأسماء ولم يجر على ما قبله نعتا ، ولا
رفع ما بعده ، ألا ترى أنك لو قلت : رأيت رجلا غلام امرأة أبوه ، لم يجز إلا
بالرفع على معنى أبوه غلام امرأته.
فكذلك لو كان :
مخالط درة لمعنى المضي لرفعه وجعله خبرا عما بعده ولكنه قدر في : مخالط التنوين ثم
حذفه تخفيفا.
يصف خيلا.
والماء : العرق ، فإذا يبس صار أشهب والدرة الدفعة من العرق والغرار : ذهاب الشيء
وقلته. يريد أن ذلك العرق يبس عليها فتصير كأنها لم تعرق.
وأنشد للمرار
الأسدي :
* سل الهموم بكل معطي رأسه
|
|
ناج مخالط (صهبة)
متعيس
|
مغتال أحبله
مبين عنقه
|
|
في منكب زين
المطي عرندس
|
يريد : معطي
رأسه ، أي : منقاد. ومتعيس يضرب إلى البياض يصف جملا.
ومغتال : أي
واسع الجوف ، فيغتال أحبله ، أي يستغرقها ويستوفيها كلها حتى لا يبطل منها شيء
لسعة جوفه ، وأراد بالأحبل : اتساع الرحل وهي مثل الحزام للسرج. وأصل الاغتيال :
الذهاب بالشيء. وزين : دفع يصفه بالسرعة في السير. وعرندس : شديد.
هذا باب ما جرى مجرى
الفاعل .. في اللفظ لا في المعنى
أنشد في هذا
الباب للشماخ :
* رب ابن عم لسليمي مشمعل
|
|
طباخ ساعات
الكرى زاد الكسل
|
فهذا وجه
الإنشاد بالنصب للزاد ، وإضافة طباخ إلى ساعات الكرى.
__________________
وقد روى (طباخ
ساعات الكرى زاد الكسل) وتكون ساعات في موضع نصب والمشمعل : المنكمش السريع.
وأنشد أيضا
للأخطل :
* وكرار ـ خلف ـ المحجرين جواده
|
|
إذا لم يحام
دون أنثى حليلها
|
والقول في هذا
البيت كالقول في الذي قبله إلا أن الفصل بين المضاف والمضاف إليه بخلف أحسن ، لأن «خلف»
أقل تمكنا وأضعف من «ساعات»
وأنشد لعمرو بن
قميئة :
* لما رأت ساتيدما استعبرت
|
|
لله در ـ اليوم
ـ من لامها
|
وهكذا كالبيت
الذي قبله في الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف خاصة.
ولا يجوز أن
تقدر «من» منصوبة «بدر» ، لأنه لا يعمل عمل الفعل وساتيدما : اسم جبل.
واستعبرت :
حزنت وبكت.
وأنشد لأبي حية
النميري :
* كما خط الكتاب بكف
|
|
يوما يهودي
يضارب أو يزيل
|
وهذا كالبيت
الذي قبله.
وأنشد للأعشى :
* ولا نقاتل بالعصىّ
|
|
ولا نرامي
بالحجارة
|
إلا علالة أو
بداهة
|
|
قارح نهد
الجزارة
|
فأضاف علالة
إلى قارح وأسقط التنوين من أجل الإضافة وفصل بينهما وبين قارح بالبداهة ، وهذا
أجود من الذي مضى ؛ لأنهما شيئان يتناولان المضاف تناولا واحدا. ومثله يجوز في
الكلام.
وأنشد لذي
الرمة :
* كأن أصوات من إيغالهن بنا
|
|
أواخر الميس
أصوات الفراريج
|
أراد كأن أصوات
أواخر الميس.
والميس : شجر
تصنع منه الرحال. والإيغال : السرعة في السير. وأنشد لدرنا بنت عبعبة من بني قيس
بن ثعلبة :
__________________
* هما أخوا ـ في الحرب ـ من لا أخا له
|
|
إذا خاف يوما
نبوة فدعاهما
|
ففرقت بين
المضاف والمضاف إليه «بفي» ومما يشبه قول الأعشى :
إلا علالة أو
بدا
|
|
هة قارح نهد
الجزارة
|
قول الفرزدق :
* يا من رأى عارضا أرقت له
|
|
بين ذراعي
وجبهة الأسد
|
العارض ههنا :
عارض السحاب ، ومعنى أرقت له : أي سهرت من أجله وأراد بالأسد ههنا : أحد نجوم
الأنواء
وأنشد :
* ترى الثور فيها مدخل الظل رأسه
|
|
وسائره باد
إلى الشمس أجمع
|
وكان الوجه أن
يقول : مدخل رأسه الظل ، فيقدم الرأس ؛ لأنه المفعول الأول ، وهو الداخل في الظل ،
فكأنه الناصب له ، ولذلك قال سيبويه «فحد الكلام أن يكون الناصب مبدوءا به».
هذا باب صار فيه
الفاعل بمنزلة الذي فعل في المعنى
إن قال قائل :
لم جعل سيبويه الضارب مفسرا «بالذي ضرب» ولم يفسره بالذي يضرب؟
قيل له : من
قبل أن اسم الفاعل الذي في معنى المضي لا ينصب الاسم بعده مع غير الألف واللام ،
والذي في معنى المستقبل والحال ينصب الاسم دون ألف ولام ، فإذا ذكرت أن الماضي
ينصب هنا لم يقع شك في أن المستقبل يعمل ذلك العمل ، ولو فسره بالمستقبل جاز أن
يقول قائل : إن الماضي لا يعمل ذلك العمل.
وأجاز سيبويه
في هذا الضارب الرجل وزيد وهذا الضارب الرجل وزيد على عطف البيان ، فأجاز في
المعطوف والبيان ما لا يجوز في الاسمين قبلهما لو لم تدخلهما الألف واللام.
وإنما ذلك لأنه
قد يجوز في التابع ما لا يجوز في المتبوع ، ألا ترى أنك تقول : يا أيها الرجل ذو
الجمة ، ولو قلت يا لرجل لم يجز إلا في الشعر.
وأنشد للمرار
الأسدي :
__________________
* أنا ابن التارك البكري بشر
|
|
عليه الطير
ترقبه وقوعا
|
فجعل بشر عطف
بيان للبكري ، ولا يصلح أن يكون بدلا.
وكان أبو
العباس ينصبه ولا يجيز فيه الجر ، والقياس ما ذكر فيه سيبويه لما بينا ، مع إنشاد
العرب البيت بالجر.
وأنشد في العطف
للأعشى :
* الواهب المائة الهجان وعبدها
|
|
عوذا تزجّى
بينها أطفالها
|
وقد خولف
سيبويه في هذا ، ولم تجعل له فيه حجة ؛ لأن الضمير عائد على المائة ، والتقدير :
الواهب المائة الهجان وعبد المائة ، ثم أضمرها كما تقول : هذا الضارب الرجل وغلامه
، وهذا جائز بإجماع.
وإنما احتج
سيبويه بهذا بعد أن صح القياس عنده في جواز الجر في الاسم المعطوف ، فأنشد البيت
ليري ضربا من المثال في المعطوف ، وإن لم تكن له فيه حجة قاطعة.
وأنشد لابن
مقبل :
* يا عين بكّي حنيفا رأس حيهم
|
|
الكاسرين
القنا في عورة الدبر
|
فالقنا في موضع
نصب.
وحنيف قبيلة ،
والعورة : الموضع الذي يتقى فيه العدو ، ولا يكون بينهم وبينه حاجز ، وعورة الدبر
: ما يتقى من خلف ، فهؤلاء يقاتلون إذا أدبر غيرهم وولى.
قوله في فصل
بعد هذا «لأنه لا يكون واحدا معروفا ثم يثنى» إلى قوله : «لأن المعرفة بعد النكرة».
يعني أن
التثنية لحقت المنكور ، ودخلت عليه ، وكان المنكور منونا فجعلت النون في التثنية
عوضا من الحركة والتنوين ، ثم دخلت الألف واللام على المثنى وقد ثبتت فيه النون
فلم تحذف لقوتها ، وحذف التنوين من الواجب لضعفه.
وأنشد للفرزدق
:
* أسيد ذو خريطة نهارا
|
|
من المتلقطي
قرد القمام
|
أضاف المتلقطي
إلى القرد ، وأسيد تصغير أسود. يصف رجلا أرسله إلى من يحب أن يتجسس له أخبارها.
وقرد القمام : ما تراكب من القمامة وهي الكناسة وإنما وصفه بهذا ؛ لأنه
__________________
أراد أن لا يفطن له ولا يشعر بإرساله.
وأنشد لرجل من
بني ضبة :
* الفارجي باب الأمير المبهم
فحذف النون
تخفيفا وأضاف ، والمبهم : المغلق ، والمعنى أن الأمير لا يحجب عنهم لشرفهم وعلو
منزلتهم.
وأنشد لرجل من
الأنصار :
* الحافظو عورة العشيرة لا
|
|
يأتيهم من
ورائنا وكف
|
فحذف النون
اختصارا ونواها ، فنصب ما بعدها ويروى الحافظو عورة العشيرة بالخفض.
وأنشد للأشهب
بن رميلة ويقال ابن زميلة أيضا :
* إن الذي حانت بفلج دماؤهم
|
|
هم القوم كل
القوم يا أم خالد
|
أراد : الذين
والدليل على ذلك قوله : دماؤهم فجعل المضمر في قوله الضارباك والضاربوك في موضع
نصب على كل حال.
وحجته في ذلك
أن اتصال الكناية قد عاقبت النون والتنوين ، فصار الاسم بمنزلة ما لا ينصرف ، وهو
يعمل من غير تنوين كقولك : هؤلاء ضوارب زيدا.
وحكى بعضهم
جواز : ضاربونك ، وضاربونني في الشعر.
وأنشد بعضهم ،
وزعم سيبويه أنه مصنوع :
* هم القائلون الخير والآمرونه
|
|
إذا ما خشوا
من محدث الأمر معظما
|
وأنشد أيضا :
* ولم يرتفق والناس محتضرونه
|
|
جميعا وأيدي
المعتقين رواهقة
|
فوصل الكناية
في : آمرونه ومحتضرونه بالنون فزعم سيبويه أن هذا ضرورة الشاعر.
وجعل الهاء
كناية.
وزعم أبو
العباس أن هذه الهاء هاء السكت فأجراها في الوصف مجراها في الوقف ، وشبهها بهاء
الكناية لثباتها في الوصف فحركها.
__________________
باب من المصادر جرى
مجرى الفعل المضارع في عمله ومعناه
أنشد في هذا
الباب :
* فلو لا رجاء النصر منك ورهبة
|
|
عقابك قد
صاروا لنا كالموارد
|
فعدى قوله «رهبة»
إلى «عقابك».
والموارد :
الطرق ، أي لو لا خوفنا عقابك لوطئناهم كما توطأ الموارد وهي الطرق إلى الماء.
وأنشد :
* أخذت بسجلهم فنفحت فيه
|
|
محافظة لهن
إخا الذمام
|
فنصب «إخا
الذمام» بمحافظة.
والسجل : الدلو
والنصيب ، وإنما ضرب المثل في العطا بالدلو ؛ لأن العيش إنما يكون بالماء ، وأراد
إخاء الذمام فقصر الممدود ، ونفحت أعطيت.
وقال آخر :
* بضرب بالسيوف رءوس
|
|
قوم أزلنا
هامهن عن المقيل
|
نصب الرءوس
بضرب ، ومقيل الهام : الأعناق ، وأضاف الهام إلى ضمير الرءوس توكيدا ومجازا ، وجاز
ذلك لاختلاف اللفظين.
ومما جاء من
المصادر غير منون قول لبيد :
* عهدي بها الحي الجميع وفيهم
|
|
قبل التفرق
ميسر وندام
|
أضاف العهد إلى
الياء ونصب الحي به. وعهدي في موضع ابتداء ، والخبر قوله : وفيهم ؛ لأن الواو وما
بعدها تنوب مناب الحال والحال تكون خبرا للمصدر ، كقولك : قيامك ضاحكا ، وقيامك
وأبوك يضحك وأنشد لرؤبة :
* ورأي عيني الفتى أخاكا
|
|
يعطي الجزيل
فعليك ذاكا
|
الشاهد فيه نصب
الفتى وما بعده بقوله : رأي عيني والقول فيه كالقول في الذي قبله.
فيعطي حال تسد
مسد الخبر.
وقال الراجز :
* قد كنت داينت بها حسانا
|
|
مخافة
الإفلاس والليانا
|
__________________
يحسن بيع الأصل
والقيانا
فنصب القيان
على المعنى ، وأما نصب الليان ، فيجوز أن يكون من هذا الوجه ، كأنه قال : وخاف
الليانا.
ويجوز أن يكون
مخافة الإفلاس ومخافة الليان فحذف المخافة ، وأقام الليان مقامها.
ويجوز أن يكون
على المفعول له.
وأنشد :
* ضعيف النكاية أعداءه
|
|
يخال الفرار
يراخي الأجل
|
فنصب أعداءه
بالنكاية.
وقال المرار :
* لقد علمت أولي المغيرة أنني
|
|
لحقت فلم
أنكل عن الضرب مسمعا
|
فنصب مسمعا
بالضرب ، ويجوز نصبه بلحقت.
وقال بعض
النحويين لا ينصب المصدر إذا عرف بالألف واللام ؛ لأنه قد زال عن شبه الفعل ، فإذا
انتصب بشيء بعده فعلى إضمار مصدر منكور فيقدر ضعيف النكاية نكاية أعدائه ، وعن
الضرب ضرب مسمعا.
باب الصفة المشبهة
بالفاعل فيما عملت فيه
اعلم أن أصل
هذا الباب أن تقول : مررت برجل حسن وجهه فتجرى الحسن على الرجل ، وترفع الوجه به ،
وما سوى هذا من المسائل ، فهو داخل عليه ومغير عن لفظه.
وأحسن الوجوه
بعد هذا أن تقول : مررت برجل حسن الوجه ، فيختار هذا من وجهين :
ـ أحدهما أن
اسم الفاعل في هذا الباب لم يكن فيه فعل مؤثر فيما بعده كما كان ذلك في اسم الفاعل
، فاختاروا في ما كان منه فعل مؤثر أجراه على الفعل ونصبه وما لم يكن له فعل مؤثر
يجري عليه ، جعلوه بمنزلة الاسم إذا اتصل بالاسم كقولك : غلام زيد ، ودار عمرو.
ـ ووجه ثان :
يوجب اختيار الجر ، وهو أن الاسم المضاف إليه لا تستغنى عنه الصفة ؛ لأنك لو حذفته
تغير المعنى ، والمفعول بعد اسم الفاعل إذا حذف لم يتغير معناه.
فلما كان ذكر
الوجه من ذكر المفعول الصحيح وجب أن يكون الجر أولى به ؛ لأن المجرور داخل في
الاسم الأول كبعض حروفه.
__________________
وأنشد في ما
ينتصب على التشبيه :
* أهوى لها أسفع الخدين مطرق
|
|
ريش القوادم
لم ينصب له الشبك
|
أراد مطرق ريش
قوادمه ، أي متراكب كثير ، يعني بذلك صقرا.
وقال العجاج :
* محتبك ضخم شئون الرأس
أي شئون رأسه.
والمحتبك : الشديد.
وقال النابغة :
* ونأخذ بعده بذناب عيش
|
|
أجب الظهر
ليس سنام
|
فنصب الظهر
بأجب على نية التنوين ولو أراد الإضافة لقال : أجب الظهر.
وأنشد لعمرو بن
شأس :
* ألكني إلى قومي السّلام رسالة
|
|
بآية ما
كانوا ضعافا ولا عزلا
|
ولا سيئي زيّ
إذا ما تلبسوا
|
|
إلى حاجة
يوما مخيسة بزلا
|
فهذا كقولك :
مررت برجل حسن وجه.
ومعنى ألكنى :
بلغ عني. والآية : العلامة. والمخيسة : المحبوسة المذللة.
والبزل :
المسنة من الإبل.
وأنشد لحميد
الأرقط :
* لاحق بطن بقرا سمين
أراد : لاحق
البطن والقرى : الظهر ، واللاحق : الضامر ، ونفى أن يكون ضمره من هزال بقوله :
سمين. يصف فرسا.
وأنشد لأبي
زبيد :
* كأن أثواب نقاد قدرن له
|
|
يعلو بخملتها
كهباء هدّابا
|
أراد كهباء
هدابها ، ولو كان مما ينصرف لقلت : متكهبا هدابا. يصف أسدا ، والنقاد : الراعي
صاحب النقد وهو ضرب من الغنم صغار ، فشبه لون الأسد بثوب النقاد.
والكهباء :
الغبراء.
__________________
وقال أيضا :
* هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة
|
|
محطوطة جدلت
، شنباء أنيابا
|
كأنه قال :
نقية أنيابا.
والهيفاء :
اللطيفة الخصر. والمحطوطة : البراقة اللون المصقولة.
وقال عدي بن
زيد :
* من حبيب أو أخى ثقة
|
|
أو عدو شاحط
دارا
|
أراد شاحط داره
، والشاحط : البعيد.
وأجاز سيبويه
في الشعر هي حسنة وجهها وضعفه.
وإنما كان
ضعيفا من قبل أن في حسن ضميرا يرتفع به يعود إلى زيد ، فلا حاجة بنا إلى الضمير
الذي في الوجه ، لأن الأصل : زيد حسن وجهه ، وهند حسنة وجهها. والهاء تعود إلى زيد
فنقلنا هذه الهاء بعينها إلى حسن فجعلناها في حال رفع فاستكنت فيه ، فلا معنى
لإعادتها ، ولكن من أعادها ضرورة جعل الضمير مكان الألف واللام وبقي الضمير الأول
على حاله مرفوعا ، وصيره كقولك : زيد ضارب غلام.
وعلة ثانية
أوجبت امتناعه ، وذلك أن وجه الجر في : حسن الوجه إنما يكون حيث يجوز النصب فيه ،
فكما تقول : برجل حسن الوجه تقول برجل حسن الوجه فتشبههما بقولك : مررت برجل ضارب
الغلام. وضارب الغلام يشبه الوجه من جهة اللفظ حيث لم تضفه إلى الضمير بالغلام ولم
يجز أن تقول : مررت برجل حسن وجهه بالخفض ، كما لم يجز قولك حسن وجهه بالتنوين
والنصب ؛ لأن الوجه فاعل لما قبله والفاعل لا يجوز نصبه فلما امتنع نصبه امتنع
خفضه ؛ لأن هذه الصفة مشبهة باسم الفاعل وأنت لو قلت : مررت برجل ضارب أبوه زيدا ،
لم يجز أن تنصب الأب لأنه فاعل ، ولا أن تجره لأنك لا تضيف.
وأنشد قول
الشماخ :
* أقامت على ربعيهما جارتا صفا
|
|
كميتا
الأعالي جونتا مصطلاهما
|
فجونتا بمنزلة
حسنتا. ومصطلاهما بمنزلة وجوههما ، والضمير الذي في مصطلا يعود إلى قوله : جارتا
صفا. والصفا هو الجبل ، وهما أثفيان والجبل هو الثالث.
قوله : كميتا
الأعالي ، يعني أن الأعالي من الأثافي لم يسود ؛ لأن الدخان لم يصل إليهما فهي على
لون الجبل ، وجونتا مصطلاهما : يعني مسودتا المصطلى وهو موضع الوقود.
وأنكر بعض
النحويين هذا على سيبويه وخرج للبيت ما يخرج به عن حسن وجهه ،
__________________
وذلك لأنه لا خلاف بين النحويين أن قولنا زيد حسن وجه الأخ جميل وجهه جائز
، فالهاء تعود إلى الأخ لا إلى زيد فكأنا قلنا : زيد حسن وجه الأخ وكأنه قال في
البيت : كميتا الأعالي جونتا مصطلا الأعالي ، فالضمير في المصطلى يعود إلى الأعالي
لا إلى الجارتين.
فإن قال قائل :
فلم ثنى الضمير والأعالي جمع؟.
قيل له :
الأعالي في معنى الأعليين ، فرد الضمير إلى الأصل.
ومثله.
* متى ما تلقني فردين ترجف
|
|
روانف إليتيك
وتستطارا
|
فرد تستطارا
إلى رانفين ؛ لأن روانف في معنى رانفين.
والقول عندي ما
ذكره سيبويه من حمله على الضرورة تشبيها بغيره وذلك أن معنى البيت إنما يصح بأن
يصف أعالي الأثفيين بالكميت ، لبعدهما عن مباشرة النار والدخان ، وأسافلها بالجونة
والسواد لاتصالهما بذلك ، فوضع المصطلى كنية عن الأسافل ، فكأنه قال : كميتا
الأعالي جونتا أسافلهما ، أي أسافل الأثفيين ، فالأسافل إنما تصح إضافتها إلى
الأثفيين لا إلى أعاليهما.
ألا ترى أنك لو
قلت هذه أثفية كميت الأعلى جونة الأسفل ثم اضطررت أن تضيف الأسفل إلى ضمير الأثفية
أو ضمير الأعلى ، جاز لك أن تقول كميت الأعلى جونة أسفلها ، فتعيد الضمير على
الأعلى ؛ لأنك لم ترد أن تجعل أعلى وأسفل مختلفين وإنما أردت أن تجعل ذلك للأثفية
، وهو صحيح.
وأنشد لرؤبة
على قولك : الحسن وجها :
* الحزن بابا والعقور كلبا
معناه : الحزن
بابه ، وهو الشديد. والعقور كلبه ، أي : بابه خشن غليظ لمن زاره ، وكلبه عقور لمن
دنا منه.
وأنشد للحارث
بن ظالم :
* فما قومي بثعلبة بن سعد
|
|
ولا بفزارة
الشّعرى رقابا
|
فنصب رقابا
بدخول الألف واللام في الشعرى ، والشعرى مؤنث الأشعر وهو الكثير الشعر. وكانت
العرب تمدح بالجلاء وخفة الشعر ، فانتفى الحارث بن ظالم بن ثعلبة بن سعد
__________________
من فزارة ، وهجاهم بكثرة شعورهم ـ وانتسب إلى قريش ـ في قصيدة له طويلة.
وأنشد :
* لا يبعدن قومي الذين هم
|
|
سم العداة
وآفة الجزر
|
النازلين بكل
معترك
|
|
والطيبون
معاقد الأزر
|
فنصب معاقد
لثبات النون في «الطيبون».
قولنا : سم
العداة ، أي : هم حتف من عاداهم. وآفة الجزر ، أي ينحرونها للأضياف ، والنازلين
بكل معترك ، أي ينزلون بمواضع القتال ويغشون الحروب ، والطيبون معاقد الأزر ، أي
هم أعفاء ، يقال : فلان طيب معقد الأزر وهو كناية عن العفة.
قال سيبويه «وتقول
فيما لا يقع إلا منونا عاملا في نكرة» إلى قوله «هو خير منك أبا وأحسن منك وجها».
إن قال قائل :
لم لم يقع خير منك وأفضل منك وبابهما مضافا؟ ففي ذلك جوابان :
ـ أحدهما أن
هذا الباب وضع التفضيل ، فإذا قلت : زيد أفضل من عمرو فقد زعمت أن فضل زيد ابتداء
من فضل عمرو راقيا صاعدا إلى فوق باب الفضل ، فدللت بهذا على أنه أفضل من كل أحد
مقدار فضله كفضل عمرو ، فكأنك قلت علا فضله عن هذا التقدير ، فتبين المخاطب أنه قد
علا عن هذا الابتداء ولم يعلم موضع الانتهاء.
فلما كان معنى
الباب الدلالة على ابتداء التفضيل على مقدار الفضل عليه ، وعلى كل من كان في محله
ومنزلته ـ لم يكن بد من ظاهرة أو مضمرة فلما كانت كذلك : نون ولم تصلح إضافته إلى
المفضل عليه لدخول من فاصلة بينهما لفظا أو تقديرا.
ـ والعلة
الثانية أنك إذا قلت زيد أفضل منك «فأفضل» بمنزلة الفعل ، كأنك قلت فضله يزيد على
فضلك ، ولذلك لم يثن ولم يجمع لتضمنه المصدر وزيادته ، فكان بمنزلة الفعل الذي
يتضمن المصدر والزمان ولم يجز تعريف «أفعل» إذا نصب ما بعده ؛ لأنه منع التثنية
والجمع لحلوله محل الفعل كما يمنع الفعل فلم يعرف كما لا يعرف الفعل ، ولم يعمل «أفعل»
إلا في النكرة ؛ لأن المنتصب بعده دال على نوع كما دل مفسر العشرين وما جرى مجراه
، فنكر كما ينكر مفسر العشرين ؛ لأنه لا يدل على شيء بعينه.
فقوله : «وهكذا
مبدوء به في أنه يثبت التنوين»
يعني أنك إذا
قلت : هو أفضل أبا منك «فمنك» مبدوء به في المعنى قبل التفسير ، وهو الذي جلب
التنوين ومن أجله دخل الكلام وإن كان مؤخرا في اللفظ ، فمن حيث جاز أن تقدم
المفعول على الفاعل كذلك يجوز تقدير التفسير على «منك» كأن كل واحد منهما لا
__________________
يحل به تأخيره عن موضعه في المعنى الذي دخل في الكلام.
قوله : «ولم
يدخلوا الألف واللام كما لم يدخلوا في الأول»
يعني أنك قلت «أفضل
رجل» وبابه لم يدخل فيه الألف واللام كما لم تدخل في أفضل منك ، وإنما قال : الأول
؛ لأنه أول ما ذكر هو أفضل منك أبا ، ثم بأفضل أب.
قوله : «وفرقوا
بترك التنوين والنون بين معنيين»
أراد : بين
معنى الإضافة ومعنى التمييز.
قوله : «وتقول
هو أشجع الناس رجلا وهما خير الناس اثنين».
معنى هذا
الكلام هو أشجع الناس إذا صنفوا رجلا رجلا ، وهما خير الناس إذا صنفوا اثنين. ولا
يصلح في هذا أن تقول : هو أشجع الناس رجالا ؛ لانقلاب المعنى ؛ لأنك إذا قلت : هو
أشجع الناس رجالا كان بمنزلة قولك : هذا أفره الناس عبيدا ، ومعناه : عبيده أفره
الناس عبيدا ، ومعناه : عبيده أفره من عبيد غيره.
وإنما أراد ب :
هو أشجع الناس رجلا : ما أراد بقوله حسبك به رجلا على التمييز ، وإن أردت به ما
أردت بقولك : هو أشجع الناس رجالا جاز.
وإنما تقول هذا
إذا أردت أن قبيله ورجاله أشجع من رجال غيره ، فإذا أدخلت «من» في الوجه الأول
فقلت : هو أشجع الناس من رجل جاز كما تقول : حسبك به من رجل. ولا يجوز دخول «من»
على الوجه الآخر كما لا تدخل في قولك : هو أفره الناس عبيدا.
قال : «والرجل
هو الاسم المبتدأ».
يعني في قولك :
هو أشجع الناس رجلا ، كما تقول : حسبك بزيد رجلا ولم يرد هو أشجع الناس رجلا على
حد قولك : هو أفره الناس عبدا إذا كان هو المولى.
وقال أبو الحسن
: «هو جميع الرجال ، لأنك إنما أردت من الرجال» وقول أبي الحسن هذا على التفسير
الثاني في المسألة إلا أن «زيد» وإن كان الأول كما ذكر سيبويه ، وهو دال على الجنس
إذا صنفوا رجلا رجلا ، أو رجلين رجلين فيكون شرحا وتفسيرا لقول سيبويه ، وإن لم
يرد هذا المعنى فقد غلط في رده على سيبويه.
قال سيبويه «ومما
أجري هذا المجرى أسماء العدد»
إن قال قائل : إلى
ما أشار «بهذا» وكيف جريه مجراه؟
فالجواب : أن
الفصل الذي قبل هذا وهو قولك : زيد أشجع رجل وأشجع الناس رجلا ، قد يكون فيه منصوب
ومخفوض على معنيين مختلفين ومعنيين متفقين ، فجرى باب العدد مجرى أشجع الناس رجلا
، وأشجع رجل في الناس.
في معنى اجتماع
الجر والنصب فيه لأنك تقول في باب العدد ثلاثة أثواب ، وعشرون
درهما ومائة درهم ، فيكون بعضه منصوبا وبعضه مخفوضا كما كان في ذلك.
قال : وإذا
ضاعفت أدنى العقود كان له اسم من لفظه إلى قوله ويكون حرف الإعراب الواو والياء
وبعدهما النون يعني العشرين.
فإن قال قائل :
ما هذه الكسرة التي لحقت أول العشرين؟ وهلا جرت على عشرة أو عشر؟ فإن الجواب في
ذلك : أن عشرين لما كانت واقعة على الذكر والأنثى ، كسروا أولها للدلالة على
التأنيث وجمع بالواو والنون للدلالة على التذكير ، فتكون آخذة من كل واحد منهما
بتأثير.
ـ وعلة أخرى في
كسر أول العشرين أنه لما وضعوا العشرين مكان تثنية العشرة صار بمنزلة اثنين وثنتين
فكسروا أوله كما كسروا أولها ...
وأنشد على
تنوين المائة ونصب ما بعدها :
* إذا عاش الفتى مائتين عاما
|
|
فقد ذهب
اللذاذة والفتاء
|
فأثبت النون
ضرورة ، فنصب ما بعدها.
وقال آخر
* أنعت عيرا من خنزره
|
|
في كل عير
مائتان كمره
|
واعلم أن مائة
ناقصة بمنزلة «رئة» فلذلك جمعت بالواو والنون ؛ لأنهم يخصون المنقوص من المؤنث
بهذا الجمع كثيرا .. وقد تجمع بالألف والتاء.
فأما قول
الشاعر :
* وحاتم الطائي وهاب المئي
ـ فقال بعضهم
أراد جمع المائة على الجمع الذي بينه وبين واحده الهاء فكأنه قال مائة ومئي ، ثم
أطلق القافية للجر.
ـ وقال بعضهم
أراد المئي وكان أصله المئي على مثال فعيل فكسرت الميم ؛ لأن بني تميم يكسرون
الفاء من «فعيل» إذا كانت العين أحد حروف الحلق ، كقولهم : شعير ورحيم ، ونظير هذا
من الجمع بعير وكليب وعبيد. فمئي على هذا القول مشددة ويجوز تخفيفها في القافية
المقيدة.
ـ وقال بعضهم
إنما هو مئين فاضطر إلى حذف النون كقوله :
* قواطنا مكة من ورق الحمي
__________________
وأنشد سيبويه
في ما يكون لفظه واحدا ومعناه جمع قول علقمة :
* بها جيف الحسرى فأما عظامها
|
|
فبيض وأما
جلدها فصليب
|
وقال آخر :
* ولا تنكر القتل وقد سبينا
|
|
في حلقكم عظم
وقد شجينا
|
أراد علقمة
وأما جلودها ، فاكتفى بالواحد عن الجمع.
وصف فلاة قطعها
وذكر بعدها فقال بها جيف الحسرى ، أي جيف الإبل المعيبة التي تركت في الفلاة
لبعدها ، فأما عظامها فبيض ، أي : قد تفصلت عنها وظهرت من اللحم وأكلت الطيور
والسباع ما عليها ، وأما جلودها فقد سال ودكها عنها بوقوع الشمس وإحمائها عليها.
وأراد في البيت
الثاني حلوقكم عظم ، وكان هؤلاء قوما سبوا من عشيرة هذا الشاعر ، وباعوا ما سبوا
منهم ثم شاب لعشيرة هذا الشاعر ظفر بمن سبي منهم فقتلوا منهم ، فقال شاعرهم وهو
المسيب بن زيد مناة الغنوي من القبيلة التي عاقبت وقتلت ، يخاطب الآخرين الذين
سبوا منهم لا تنكروا القتل وقد سبينا.
وقوله شجينا ،
أي شجينا نحن وفي حلقكم عظم ، وهذا مثل ، كأنه يقول : قد غصصتم بشدة ما نزل بكم ،
كأنه في حلوقكم عظاما لا تنزل ولا تخرج ، ومعنى شجينا : أي غصصنا نحن كما غصصتم
أنتم بما أصابنا قبلكم من السبي.
وأنشد :
* كلوا في بعض بطنكم تعفوا
|
|
فإن زمانكم
زمن خميص
|
أراد في بعض
بطونكم.
ومعنى البيت
أنهم في زمن مجاعة فيأمرهم أن يأكلوا بعض الشبع ، فإن
الزمان فيه
جدوبة.
باب استعمال الفعل في
اللفظ لا ف
ي المعنى لاتساعهم في
الكلام والإيجاز والاختصار
اشتمل هذا
الفصل الذي في صدر الباب على أشياء تحتاج إلى تفسير.
ـ اعلم أن في
الظروف ما يجوز أن يستعمل اسما كزيد وعمرو وكقولك :
صمت اليوم على
مثل : ضربت زيدا.
__________________
ـ واعلم أن
المبتدأ إذا وقع الفعل على ضميره فنصبه جاز أن يسمى مفعولا على المعنى كقولك : زيد
ضربته ، يجوز أن يقال : زيد مفعول.
ـ واعلم أن
الاسم الذي يستفهم به إذا كان له موضع من الإعراب ، فجوابه يكون على لفظ ما يستحقه
الاستفهام ، وعلى تقدير عامله الذي عمل فيه.
ـ واعلم أن
الظرف الذي يجوز إجراؤه مجرى الابتداء ، يجوز أن يقام الفاعل مجازا لأنا قد جعلناه
بمنزلة زيد كقولك : سير بزيد يوم طويل.
ـ واعلم أن
المقادير المضافة إلى الأنواع والمميزة بها ، حكمها حكم الأنواع كقولك : سرت عشرة
أيام ، فعشرة ظرف ؛ لأنها مقدار أضيفت إلى أيام ، وأيام ظرف ، وكذلك : سرت عشرين
يوما.
وجميع هذا
تفسير للفصل الذي صدر به سيبويه ، ومعنى قوله :
«ولذلك وضع
السائل كم غير ظرف».
يريد أن الضمير
الذي في «صيد» إذا قلت : كم صيد عليه؟ ضمير يعود إلى «كم» قد أقيم مقام الفاعل ولم
يجعل ظرفا ، فعبر بلفظ كم عن ضميره.
قال «ومثال ذلك
بنو فلان يطؤهم الطريق» يريد : يطؤهم أهل الطريق. وهذا مدح ، والمعنى فيه أن
بيوتهم على الجادة فالمارة تنزل عليهم ويضيفونهم ، فجعل مرور أهل الطريق بهم وطأهم
إياهم.
قال : «وفي
السعة مثله أنت أكرم عليّ من أن أضربك».
والقول في هذا
ما قاله الزجاج ، قال : إن قدرته «أنت أكرم علي من ضربك» لم يجز وهو ظاهر الكلام ،
فإن حمل المعنى عليه بطل. قال : وتهذيب هذا هو كأن قائلا قال : أنت تضربني ، فنسب
الضرب إلى نفسه ، فقال الآخر : أنت أكرم علي من صاحب الضرب الذي نسبته نفسك ، وليس
لك .. فكأنه قال : أنت أكرم على ممن يستحق ما زعمت أنه لك ونسبته إلى نفسك.
ونظير هذا قوله
تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) [القصص : ٦٢] فأضاف الشركاء إلى نفسه حكاية لقولهم وزعمهم أنهم له شركاء
والمعنى : أين شركائي على زعمكم.
وأنشد للنابغة
الجعدي :
* كأن عذيرهم بجنوب سلى
|
|
نعام قاق في
بلد قفار
|
العذير : الصوت
ههنا والمعنى كأن صوتهم نعام ، ثم حذف وقاق صوت.
__________________
وأنشد لعامر بن
الطفيل :
* ولأبغيكم قنا وعوارضا
|
|
ولأقبلن
الخيل لابة ضرغد
|
أراد بقنا
وعوارض ، فحذف الباء وأوصل الفعل. ومعناه لأطلبنكم بهذين المكانين.
وأنشد للحطيئة
:
* وشر المنايا ميت بين أهله
|
|
كهلك الفتى
قد أسلم الحي حاضره
|
يريد وشر
المنايا منية ميت مات بين أهله كموت الفتى وقد أسلم الحي حاضره. والحي هو الفتى قد
أسلمه الحاضرون له من أهله ؛ لأنه لا حيلة لهم في دفع المرض والموت عنه.
وأنشد للجعدي
* وكيف تواصل من أصبحت
|
|
خلالته كأبي
مرحب
|
يريد : كخلاله
: أبي مرحب والخلالة : الصداقة.
هذا باب وقوع الأسماء
وتصحيح
للفظ على المعنى
قال «وتقول متى
سير عليه؟ فيقال أمس وأول من أمس فيكون ظرفا. على أنه كان السير في ساعة منه. دون
سائر الساعات ـ ويكون أيضا على أن يكون السير في اليوم كله».
اعلم أن الظروف
تنقسم قسمين :
ـ أحدهما يتضمن
أجزاءه كلها الفعل.
ـ والآخر يتضمن
جزءا منه الفعل واللفظ يجري على الكل.
ـ فالأول كقولك
: صمت اليوم.
ـ والثاني
كقولك : ضحكت اليوم ، وتكلمت يوم الجمعة ، وإنما يعلم ذلك بما يعتاده الناس في
الأفعال التي تتصل والتي تنقطع.
فإذا كان الفعل
يتصل حال وينقطع في حال كالسير وما أشبه جاز أن تنوي اتصاله بالظرف كله ، واتصاله
ببعضه ، وسواء في ذلك أن تنصب الظرف أو ترفعه ، فتقيمه مقام الفاعل.
واعلم أن «كم»
استفهام عن كل مقدر من عدد أو غيره. ومتى استفهام عن الزمان فقط.
فإذا وقعت «كم»
استفهاما عن الزمان ، كان القصد فيها المسألة عن مقداره أو عدده.
و «متى»
استفهام عن الزمان من غير اقتضاء مقدار أو عدد.
والجواب عن «متى»
واقع على زمان ؛ لأن القصد في السؤال إلى ذلك وأما «كم» فقد
__________________
يكون جوابها معرفة ونكرة ، وأيتهما كانت جوابا لها ، فالفعل واقع فيها
كلها.
فيقال : يوم
الجمعة ، والسير واقع في بعضه إذا كان المجيب مستكثرا للسير في الساعات التي وقع
فيها من يوم الجمعة ، فيجري اللفظ على الكل وهو يريد البعض وهذا معلوم في كلامهم.
قال : «وما
أجري مجرى الدهر والليل والنهار ـ يعني في أن يكون جوابا لكم ـ المحرم وصفر» إلى
قوله «ولو قلت شهر رمضان أو شهر ذي الحجة لكان بمنزلة يوم الجمعة ولصار جواب متى».
اعلم أن ظاهر
كلام سيبويه الفصل بين أن تقول : شهر المحرم وبين أن تقول المحرم ؛ وكذلك سائر
الشهور ، وهذه رواية رواها كأنهم جعلوا المحرم نائبا مناب قولهم : الثلاثون يوما. وهم
لو قالوا : سير عليه الثلاثون يوما لكان السير في كل يوم منهن.
فأما إذا
أدخلوا شهرا جعلوه اسما للوقت بعينه فصار بمنزلة يوم الجمعة.
فإن قال قائل :
كيف اختلفا وهما بمعنى واحد؟
قيل له : قد
يجوز ـ وإن كانا بمعنى واحد ـ أن يكون أحدهما يدل عليه من طريق الكمية ، والآخر من
طريق التوقيت ، ألا ترى أنك إذا قلت : سير عليه يوم الجمعة ، جاز أن يكون السير في
بعضه ، فإذا قلت سير عليه ساعات يوم الجمعة ، لم يجز أن يكون السير في ساعة منها ،
وساعات يوم الجمعة في معنى يوم الجمعة.
وقال الزجاج :
أراد أنك إذا عطفت على المحرم صفرا ، فقلت سير عليه المحرم وصفر ، فلا بد أن يكون
السير في كل واحد من الشهرين.
ولو ذكرت
أحدهما لجاز أن يكون السير في بعضه فالمحرم وشهر المحرم عند الزجاج بمنزلة واحدة.
قال سيبويه : «وبعض
ما يكون في كم لا يكون في متى نحو : الدهر والليل ؛ لأن كم الأول يجعل الآخر تابعا
له».
يعني أن الدهر
والليل والنهار قد يكون جوابا لكم ، لما فيه من التكثير ، ولا يكون جوابا لمتى ؛
لأنه لا دلالة فيه على وقت بعينه.
وقوله : «لأن
كم الأول»
يعني لأنه
دلالة على المقدار في الزمان وغيره ، ويقع تحته المنكور والمعروف لوقوع التقدير
عليهما ، فجعل الآخر وهو «متى» تبعا له.
قال «وتقول
ذهبت الشتاء وانطلقت الصيف»
وأنشد لابن
الرقاع :
* فقصرن الشتاء بعد عليه
|
|
وهو للذود أن
يقسمن جار
|
يصف نوقا قصرت
ألبانها على فرس ، وذلك الفرس جار للنوق من أن يغار عليهن فيقسمن ، ويجوز أن يكون
الشتاء جوابا لكم ، فيكون قصر ألبانهن في أيام الشتاء كلها ، ويجوز أن يكون في بعض
الأيام على جواب متى.
قال «وتقول سير
عليه يوم على حد قولك يومان».
يعني على أن
تجعله جوابا لكم لأن اليوم مبهم ، واعلم أن غدوة وبكرة تجريان مجرى هذه الظروف في
الرفع والنصب وإن كانتا غير منصرفتين.
والذي منعهما
من الصرف أنه كان الأصل في غدوة : غداة منكورة ، ثم غيروا لفظ النكرة ليجعلوها
علما فصارت غدوة معرفة علامة التأنيث فامتنعت من الصرف لذلك.
وبكرة محمولة
عليها ؛ لأنها على لفظها ومعناها ، غير أنها لم تغير عن نكرة كانت لها لتعرف.
هذا باب ما يكون فيه
المصدر حينا لسعة الكلام والاختصار
قوله في هذا
الباب «إذا كان غد فأتني ... ومن العرب من يقول : إذا كان غدا فالقني».
أما الرفع فعلى
أن في كان معنى وقع وحدث.
وأما النصب
فعلى إضمار وحذف ، والمعنى إذا لم يحدث لك مانع.
ـ أو حال تعذر
في التخلف لحدوثها ـ فالقني ـ وذلك أن مواعيد الناس إنما تقع على بقاء الأحوال
التي هم عليها ، فإن تغيرت تلك الأحوال لم ينسب صاحب الوعد إلى جملة المخلفين
الكاذبين ؛ لأن وعده كان متعلقا بسلامة الأحوال وإن لم يكن ملفوظا به ، فكأنه قال
إذا كان ما نحن عليه من السلامة ، أو من الحال التي نحن عليها غدا فالقني. قال
سيبويه «وحذفوا كما قالوا حينئذ الآن».
يريد : حذفوا
المرفوع بكان في قولهم : إذا كان غدا فأتني ، كما حذفوا في حينئذ الآن.
وتقديره : كان
هذا حينئذ واسمع إلي الآن ، كأن رجلا سمع آخر يذكر شيئا قد مضى لا يهم ولا يعني ،
فأراد أن يصرفه عن ذلك ويخاطبه عما يعنيه.
قال : «فإن قلت
: إذا كان الليل فأتني لم يجز ذلك».
يعني أن الليل
اسم الليالي التي تكون أبدا فلا يتعلق الوعد بها ؛ لأنها غير منقضية ولا موجودة في
وقت واحد ، فسبيلها سبيل الدهر ، وأجازها على وجه آخر وذلك أن يكون مع رجل في شيء
، فقال : إذا كان الليل فأتنا ، فعلمت بالحال التي أنتما فيها أنه يعني ليل ليلته
التي تجيء.
__________________
ويجوز فيه
النصب والرفع كما جاز في غد.
واعلم أن «سحر»
إذا أردت به سحر يومك فهو غير منصرف ولا متصرف ، والذي منعه من الصرف أنه معدول عن
الألف واللام ومعناهما فيه ، وغير عن لفظ ما فيه الألف واللام وهو معرفة ، فاجتمع
فيه التعريف والعدل فلم ينصرف.
والذي منعه من
التصرف ، وقصره على الظرف خاصة أنه عرف من غير وجه التعرف ؛ لأن وجوه التعريف خمسة
: الإضمار ، والإشارة والعلم والألف واللام والإضافة إلى هذه الأربعة.
وإنما صار سحر
معرفة بوضعك إياه هذا الموضع كما صار أجمع وأجمعون وجميع معارف بوضعك إياهن هذا
الوضع وهو أنك لا تصف إلا معرفة ، فإن صغرت سحر من يومك انصرف ولم يتصرف.
أما انصرافه
فلأنهم يضعون المصغر مكان ما فيه الألف واللام فيكون معرفة أو معدولا.
وإنما وضعوه
نكرة ينوب عن المعرفة كما فعلوا بضحوة وعتمة وعشاء ، فلم يتصرف كما لم يتصرفن لقلة
تمكنهن حيث جعلن ـ وهن نكرات ـ بمنزلة المعارف المعينة المخصوصة.
قال : «ومثل
المعارف ذلك : سير عليه ذات مرة ... وبعيدات بين .. وسير عليه بكرا».
أما ذات مرة
وبعيدات بين فلا يستعملان إلا ظرفين ، والذي منعهما من التصرف أنهم استعملتا في
ظروف الزمان وليستا من أسماء الدهر ، ألا ترى أنك تقول ضربتك مرة ومرتين ، يعني
ضربة وضربتين.
و «بعيدات بين»
ليس باسم لشيء من الأوقات وإنما هي جمع «بعد» مصغرا و «بعد» و «قبل» لا يتمكنان ،
وإنما استعملا في الوقت للدلالة على التقديم والتأخير.
فلما استعملت «ذات
مرة» و «بعيدات بين» في الدهر وليس من أسمائه ضعفتا ولم تتمكنا.
وأما «بكرة» من
التصرف ؛ لأنه وضع ـ وهو نكرة ـ موضع المعرفة فعلته كعلة «عتمة» و «صحوة» وما أشبه
ذلك.
ومثله : سير
عليه ذات يوم ، وذات ليلة ؛ لأن «ذات» ليست من أسماء الزمان ، وإنما هي منقولة
إليها فلم تتمكن.
وكذلك سير عليه
ليلا ونهارا ، إذا أردت ليل ليلتك ونهار نهارك ، يعني أنك إذا أردت الليل من ليلتك
التي تلي يومك ، والنهار الذي أنت فيه فهو يجري مجرى ضحوة وبكرة من يومك.
وذكر سيبويه
أنه قد جاء في لغة لخثعم : ذات مرة وذات ليلة.
قال : «وأما
الجيدة العربية فأن تكون بمنزلتها» يعني طرفا.
وأنشد :
* عزمت على إقامة ذي صباح
|
|
لشيء ما يسود
من يسود
|
فجعل سيبويه «ذا
صباح بمنزلة ذات مرة» و «ذات ليلة» واستدل بتمكن ذي صباح وحفظه في هذه اللغة على
تمكن «ذات مرة» وذات ليلة فيها ـ يصف أنه أقام في الصباح وهو وقت الغارة لقوته
وإدراكه لمطلوبه فهو لا يعترض عدوا بل يجاهره.
قال «وليس يجوز
في هذه الأسماء التي لم تمكن من المصادر التي وضعت للحين وغيرها من الأسماء أن
تجري مجرى يوم الجمعة وخفوق النجم ونجومهما».
إن قال قائل :
هل ذكر سيبويه مصدرا غير متمكن في ما تقدم من الكتاب؟ ففي ذلك جوابان :
ـ أحدهما عن
المبرد أنه لم يذكر مصدرا غير متمكن ولكنه قدم هذا ليعلمك أن المصادر إذا لم تتمكن
لا يتسع فيها نحو «سبحان» لا يجوز جئتك زمن سبحانه ، كما تقول : جئتك زمن تسبيحه.
ـ والجواب
الثاني أن يكون عني صباح مساء ؛ لأنه من لفظ المصدر فهما بمنزلة الإصباح والإمساء
كما كان الكلام بمنزلة التكليم.
قوله فيما
انتصب من صفات المصادر إذا حذفت المصادر : «فالنصب في ذا على أنه حال» إلى قوله «لأنه
ليس بحين يقع فيه الأمر».
يعني أنك إذا
قلت : سير عليه شديدا ، فالوجه أن تنصبه على الحال من السير وهو مضمر في سير ولا
يحسن رفعه ؛ لأنك لم تأت بالموصوف فضعف.
ومعنى قوله : «وليس
بحين يقع فيه الأمر» يعني صفة المصدر ليست بمنزلة : ملى وقريب.
هذا باب ما يكون من
المصادر مفعولا فيرتفع
كما ينتصب إذا شغلت
الفعل به وينتصب
إذا شغلت الفعل بغيره
معنى هذا
الكلام أنك إذا قلت : سير بزيد سيرا شديدا ، فقد شغلت الفعل بزيد فانتصب المصدر
لاشتغال الفعل بغيره وترتيب الكلام : «فيرتفع إذا شغلت الفعل بغيره» يعني أنه مصدر
مفعول في حال الرفع ، كما أنه في حال النصب.
قال : «وتقول
على قول السائل : كم ضربة ضرب به؟» إلى قوله «فتقول ضرب به ضربتان».
__________________
تقدير هذا
الكلام : كم ضربة ضرب بالسوط؟ والهاء كناية عنه أو عن غيره مما يضرب به. والكلام
مجاز لا حقيقة ؛ وذلك لأنه جعل كم لمقدار الضرب ، وجعل ضميره في ضرب مقاما مقام
الفاعل ، كأنه قال أعشرون ضربة ضرب بالسوط؟ فجعل الضرب مضروبا على السعة كما تقول
نهارك صائم ، والنهار لا يصوم.
قال : «وتقول
ضرب به ضربتين أي قدر ضربتين من الساعات كما تقول سير عليه ترويحتين».
يعني أنك تنصب
الضربتين على الظرف إذا أردت الوقت ، كأنك قلت : ضرب به وقت ضربتين.
قوله : «ومما
يجيء توكيدا وينصب قولك سير عليه سيرا» إلى قوله «ذهب به مشيا وقتل صبرا»
يعني أنك تنصب
سيرا على المصدر المؤكد به كقولك : ضربت ضربا ، وعلى الحال تأكيدا أيضا كأنك قلت :
سير عليه مسيرا ، على حد قولك قتل الحال به صبرا ، أي مصبورا ، فهذان الوجهان
يرجعان إلى معنى واحد من جهة التوكيد.
ومثل الوجه
الثاني أن تقول : قام زيد قائما ، على الحال المؤكد بها ، وربما استوحش من هذا بعض
النحويين فيقول : ما الفائدة في قولك قام زيد قائما ، وأنت تعني في حال قيامه؟
قيل له إنما
يذكر هذا تأكيدا ، ونظير هذا قوله عز وجل : (وَأَرْسَلْناكَ
لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩]. فجرى قولك رسولا ـ وهو حال في التوكيد ـ مجرى قوله إرسالا.
وأنشد لذي
الرمة :
* نظارة حين تعلو الشمس راكبها
|
|
طرحا بعيني
لياح فيه تحديد
|
ويروى : تجديد.
واللياح : الثور الوحشي ، ومن قال تحديد أراد في بصره ، وناظره تحديد. ومن قال
تجديد أراد في لونه. والجدة الطريق في الجبل تخالف سائر لونه.
والشاهد في
البيت قوله : طرحا وهو مصدر فعل لم يذكر ولكن نظارة قد دلت عليه ؛ لأنه إذا قال :
نظارة ، فقد علم أنها تقلب طرفها وناظرها في جهات ؛ لأن النظر إنما هو تقليب
الناظر في الجهات فقد طرحته فيها ، فكأنه قال : تطرح نظرها طرحا.
وأنشد لجرير
مستشهدا على أن المزيد في أوله الميم من المصادر بمنزلة غيره :
* ألم نعلم مسرحي القوافي
|
|
فلا عيا بهن
ولا اجتلابا
|
أراد : تسريحي ،
والقوافي في موضع نصب وأسكن الياء ضرورة.
__________________
وقوله : فلا
عيا بهن أي لا أعيا بهن عيّا. وقوله ولا اجتلابا أي لا اجتلبهن مع شعر غيري
اجتلابا ، أي لا أسرقهن.
وأنشد :
* تداركن حيّا من نمير بن عامر
|
|
أسارى تسام
الذل قتلا ومحربا
|
ويجوز أن يكون
حربا في معنى غيظا.
قال سيبويه في
شيء قدم ذكره : «وهو بمنزلة قولك : ذهب به السوق».
إن قال قائل :
لم أسقط حرف الجر من السوق وليس بظرف ، وقد زعم سيبويه أن قولهم ذهبت الشام شاذ؟
فالجواب أن هذا
وإن لم يكن ظرفا ، فإن العرب تتسع فيه لعلم المخاطب فتضمر ، فيكون التقدير ذهب به
مكان السوق ، ويحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه.
وأنشد لحمير بن
ثور :
* وما هي إلا في إزار وعلقة
|
|
مغار ابن
همام على حي خثعما
|
والشاهد فيه
مغار بن همام.
وزعم الزجاج أن
سيبويه أخطأ في ذكر هذا البيت في هذا الموضع ، وذلك أنه قدر «مغار» زمانا والزمان
لا يتعدى.
وإنما «مغار»
مصدر ، قال : والدليل على ذلك أنه قد عداه وإنما تقديره : زمان إغارة ابن همام على
حي خثعم.
وهكذا قال أبو
العباس.
وقد غلطا في
الرد عليه ؛ لأن المصادر التي جعلها سيبويه ظروفا إنما هي مضاف إليها الزمان ،
ويحذف الزمان فتكون نائبة عنه ، فمغار بتلك المنزلة.
ومعنى البيت
أنه وصف امرأة وذكر أنها في إزار وعلقة ، وهي البقيرة وهي قميص بلا كمين. يريد أنها
كانت في وقت إغارة ابن همام في هذا الزي ، فإما أن تكون صغيرة ، أو بمعنى آخر.
ويقال أن ابن
همام كان لا يغير إلا وهو عريان وهو الذي ينساق على تأويل الزجاج ، كأنه شبه عريها
بعري ابن همام.
__________________
هذا باب ما لا يعمل
فيه ما قبله من
الفعل لأنه كلام قد
عمل بعضه في بعض
وذلك قولك : قد
علمت أعبد الله ثم أم عمرو ... وأما ترى أي برق ههنا
اعلم أن هذه الأفعال
التي يقع الاستفهام بعدها ، إنما هي أفعال القلوب من ظن وعلم وفكر وخاطر. ولا يجوز
أن يقع في موضع ذلك فعل مؤثر ، لا يجوز : ضربت أيهم في الدار.
وقال أبو عثمان
المازني قوله «أما ترى أي برق ههنا».
يريد به رؤية
العين ؛ لأنه أراد أن يقول انظر إليه ببصرك : وجاز هذا في هذا خاصة لأنها محكية
ولا يقاس عليها.
وقال غيره :
الصحيح أنه يريد الرؤية في معنى العلم وإليه يرجع هذا الكلام ؛ لأن الإنسان إذا
قال أما ترى أي شيء ههنا إنما يريد به رؤية العلم.
وقد يقول
القائل : اذهب فانظر زيد أبو من هو؟ وليس يريد اذهب فأبصره بعينك إنما يريد اعلم
ذلك.
قال : «وتقول
قد علمت لعبد الله خير منك» إلى قوله «ولا تحيل على علم غيرك».
يعني أن الأصل
: لعبد الله خير منك ، غير أنك لو تكلمت بهذا جاز أن يكون على سبيل التظني منك ،
كما أنك إذا قلت : قد علمت أزيد ثم أم عمرو؟ ثم أدخلت علمت لتبين أنك قد استقر في
علمك الكائن منها.
قوله «ولو لم
تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت علمت كما تعمل عرفت» وذلك قولك : قد علمت
زيدا خيرا منك ، قال الله عز وجل (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) [البقرة : ٧٥].
قال المبرد :
ذكر علمت التي في معنى عرفت ليبين لك وجوه علمت. وقال غيره : إنما استشهد بعلمت
التي في معنى عرفت ؛ لأنه قال قبل هذا ولو لم تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت
علمت كما تعمل عرفت.
فتعديه إلى
مفعولين.
ثم استدل على
جواز إعمال علمت عمل عرفت بما ذكر من الآيات وهو قول قريب.
قال «وتقول قد
عرفت زيدا أبو من هو».
«فزيد» منصوب
بعرفت ، وأبو من هو عند المبرد حال وهو غلط ؛ لأن الجملة إذا كانت في موضع الحال ،
جاز أن تدخل عليها الواو كقولك : مررت بزيد وأبوه قائم وأنت لا تقول عرفت زيدا
وأبوه من هو ، فقد بطل الذي قال من الحال. والصواب أن تكون الجملة بدلا من زيد ،
وموضعها نصب ، كأنك قلت : عرفت أبو من هو.
وقد يخرج قول
المبرد ؛ لأن الجملة المستفهم عنها فضلة مفيدة بعد معرفة ، فوقعت
موقع الحال وإن لم يصلح الواو فيها. وامتناعها من الواو أن الواو لا تدخل
إلا على الجمل التي هي أخبار لا استخبار إذ كانت عبارة عن الزمان ، والزمان لا
يفسر إلا بالأخبار ، فمن حيث لم يجز قد عرفت زيدا إذا أبو من هو «كما جاز» عرفت
زيدا إذ هو أبوك لم يجز : قد عرفت زيدا وأبو من هو كما جاز عرفت زيدا وهو أبوك
فاعلمه.
قال : «وإن شئت
قلت : قد علمت زيد أبو من هو. كما تقول ذاك في ما لا تتعدى إلى مفعول كقولك اذهب
فانظر زيد أبو من هو؟».
يريد أنك إذا
رفعت زيدا بعد علمت ؛ لأنه في المعنى مستفهم عنه ـ فقد صارت علمت بمنزلة ما لا
يتعدى ، وهو قولك : انظر زيد أبو من هو ، وأنت لا تقول : نظرت زيدا إلا في معنى
انتظرت زيدا ، وكذلك اسأل زيد أبو من هو؟ فالسؤال لم يقع بزيد فتنصبه ، وإنما
المعنى اسأل الناس زيد أبو من هو. وحكم «انظر» و «اسأل» أن يتعديا بحرف جر ،
فالمعنى المقصود بهذا الكلام كأنك قلت انظر في كنية زيد ، وسل عن كنية زيد.
قال سيبويه
ممثلا للاسم المبتدأ قبل الاستفهام حين كان مستفهما عنه في المعنى : «ومثل ذلك :
إن زيدا فيها وعمرو ... ترد عمرا على موضع زيد لأنه في المعنى مبتدأ ـ ولكنه أكد
كما أكد. فأظهر زيدا وأضمره».
يريد أكد «بإن»
كما أكد في قوله : علمت زيد أبو من هو بإظهار زيد وإضماره ، فلم يخرج زيد من معنى
الاستفهام كما لم يخرج اسم إن من معنى الابتداء.
قال : «وتقول
أرأيتك زيدا أبو من هو ... فلم يجز في زيد إلا النصب».
فإن قال قائل :
فهلا أجاز رفعه ؛ لأنه في المعنى مستفهم عنه كما أجازه في الذي قبله؟
فجواب سيبويه
عن هذا أن «أرأيتك» لا تشبه «علمت» ؛ لأن فيه معنى أخبرني ، وأخبرني فعل لا يلغى ،
فلم يلغ «أرأيتك».
ثم عقب سيبويه
بما بين أرأيتك وبين أخبرني من الفرق في التعدي وإن كانا بمعنى واحد فقال : «فدخول
هذا المعنى فيه لم يجعله بمنزلة أخبرني».
يعني دخول معنى
أخبرني في أرأيتك لم يمنعه من أن يكون له مفعولان كما كان له قبل أن يدخل فيه معنى
أخبرني ، ومنعه هذا من أن يلغى وجرى مجرى علمت في التعدي إلى مفعولين.
قال : «وتقول
قد علمت أي حين عقبتي».
والعقبة بمعنى
في الركوب ، يريد أي حين يصيبني حظي من الركوب.
وأنشد :
* حتى كأن لم يكن إلا تذكره
|
|
والدهر أيتما
حال دهارير
|
__________________
فأيتما ظرف ،
كأنه قال : كل مرة ، ومعناه : أن الدهر مختلف لا يثبت على (حال) واحدة ، أي فيه
خير وشر. والدهارير : أول الدهر ولا واحد له من لفظه. والمعنى أن الدهر متجدد أبدا
كلما مر دهر أتى دهر ، فكأنه أول ، ومنه سمي الدهر الجديد ، وقيل أبلاه الجديدان ،
يراد الليل والنهار.
ويقال الدهارير
: الدواهي واحدها دهرور. وقيل هو جمع دهر على غير قياس بمنزلة ذكر ومذاكير ، وقبل
هذا البيت :
وبينما المرء
في الأحياء مغتبطا
|
|
إذ صار في
الرمس تعفوه الأعاصير
|
وذكر أن
الفرزدق حضر جنازة رجل غريب قد كان عرفه ، فلما دفن إذا رجل في حاشية القبر ينشد
أبياتا منها هذان البيتان ، فقال الفرزدق أتعرفون قائل هذا الشعر؟ قالوا : لا ،
قال الموضوع في حفرته.
هذا باب من الفعل سمي
الفعل فيه بأسماء
لم تؤخذ من أمثلة
الفعل الحادث
اعلم أن هذا
الباب مشتمل على أشياء وضعت موضع فعل الأمر ، ولا يجوز أن يذكر الفعل معها وهي
مشتقة من لفظه ، ومنها ما لم يشتق ، وليست بالمصادر المعروفة للفعل كقولك : ضربا
زيدا في معنى اضرب زيدا.
قال «ومنها قول
العرب حي هل الثريد».
جعلوا «حي» و «هل»
بمنزلة شيء واحد وفتحوهما وأقاموهما مقام اسم الفعل ، وجعلوهما بمنزلة ايتوا
الثريد.
وربما اكتفت
العرب بحي فعدوه بحرف الجر فقالوا : حي على الصلاة ، وربما اكتفوا بهل كقول
الجعدي.
* ألا حييا ليلى وقولا لها هلا
قال : «وأجريت
مجرى ما فيه الألف واللام لئلا يخالف لفظ ما بعدها لفظ ما بعد الأمر والنهي».
يعني أنها جعلت
مفردة غير مضافة ، كما أن النجاء مفرد غير مضاف حتى لا ينخفض ما بعدها وينتصب كما
ينتصب ما بعد الأمر والنهي.
هذا باب متصرف رويد
تقول : رويدا
زيدا ، أي أرود زيدا ، قال الهذلي :
__________________
* رويد عليا جد ما ثدي أمهم
|
|
إلينا ولكن
بغضهم متماين
|
فنصب «عليا»
برويد ، وعلى قبيلة. وجد قطع ، وهذا مثل.
يريد قطع نسبهم
إلينا بالعقوق ، وبغضهم متماين أي متكاذب ، أي أبغضونا على غير ذنب ، فبغضهم كذب
إذ كان على غير أصل. والمين : الكذب.
قال «وسمعنا من
العرب من يقول : والله لو أردت الدراهم لأعطيتك رويد ما الشعر».
قال أبو العباس
: هذا رجل مدح رجلا ، فقال الممدوح للمادح هذا القول ، أي لو أردت الدراهم لأعطيتك
، فدع الشعر لا حاجة بك إليه.
هذا ضرب من الفعل سمي
الفعل فيه
بأسماء مضافة ليست من
أمثلة الفعل الحادث
اعلم أن هذا
يخالف ما قبله ؛ لأنه اشتمل على ظروف وحروف جر تجري مجرى الظروف ، ومصادر مضافات.
والفرق بينه
وبين الذي قبله أن هذا مضاف والذي قبله مفرد ، وينقسم هذا قسمين : قسم يتعدى وقسم
لا يتعدى.
ـ فأما ما
يتعدى فقولك : عليك زيدا ودونك زيدا وعندك زيدا فهذه كلها بمنزلة : خذ زيدا والكاف
فيهن في موضع جر.
وذكر عن
المازني أنه كان يقول : الأصل في عليك زيدا خذه من فوقك وكذلك عندك زيدا ودونك
زيدا ، أي خذه من عندك ، وخذه من أسفل من موضعك.
وتحصيل هذا :
خذ من دونك زيدا ، وخذ من عندك زيدا وخذ من عليك زيد ، كما تقول : خذه من فوقك ثم
حذف حرف الجر وحذف فعل الأمر وهو خذ اكتفاء واستخفافا.
قال «وأما تعدي
المنهي إلى منهي عنه فقولك حذرك زيدا» ورد عليه أبو العباس هذا اللفظ من وجهين :
ـ أحدهما أن
قولك : حذرك إنما هو احذر ، وهذا أمر قد جعله سيبويه نهيا.
قال أبو العباس
: فإن قال قائل فمعنى احذر لا تدن ، قيل له فكذلك عليك ، معناه : لا يفوتنك ، وكل
أمر أمرت به فقد نهيت عن خلافه.
وإذا نهيت عن
شيء فقد أمرت بخلافه ، وإذا كان ذلك فلا حاجة للتفصيل الذي فصل سيبويه بين الأمر
والنهي.
ـ
والوجه الآخر : أنه وضع في هذا الباب ما لم يؤخذ من أمثلة الفعل وحذرك مأخوذ
__________________
من الحذر ، فهو خارج من هذا الباب ؛ لأن هذا باب عليك ودونك.
وليس الأمر على
ما أورده أبو العباس في الوجهين جميعا :
ـ أما الوجه
الأول فإن من الألفاظ للأمر ألفاظا الأكثر في عادة الكلام المشهور أن يقال : نهي ،
وإن كان بلفظ الأمر كقولك : تجنب فلانا واحذر فلانا ، فجرى سيبويه على اللفظ
المعتاد.
ـ وأما الوجه
الآخر فإنما أراد سيبويه في هذا الباب تفصيل المضاف من المفرد الذي قبله ؛ لأنه قد
ذكر ظروفا وأسماء كلها مضافات ، وقد ترجم الباب بقوله «بأسماء مضافة».
قال : «فأما حي
هلك وهاأك وأخواتها فليس فيها إلا ما ذكرنا ؛ لأنهم لم يجعلوهن مصادر».
يعني أن الكاف
في هذه الأشياء لا موضع لها وإنما هي للخطاب ، ففرق بين رويدك وبين حيهلك لأن كاف
رويدك مرة بمنزلة كاف حيهلك ـ للخطاب خاصة ـ ومرة في موضع جر بمنزلة الكاف في عليك
وحذرك.
هذا باب ما جرى من
الأمر والنهي على
إضمار الفعل المستعمل
إظهاره
اعلم أن
الإضمار على ثلاثة أوجه :
ـ وجه يجب فيه
الإضمار ولا يحسن فيه الإظهار.
ـ ووجه لا يجوز
فيه الإضمار.
ـ ووجه أنت
مخير فيه بين الإظهار والإضمار.
ـ فأما ما لا
يجوز فيه الإضمار ، فأن تقول مبتدئا : زيد ، من غير سبب يجري ولا حال حاضرة دالة
على معنى ؛ لأنه لا يدري ما أضمرت من الأفعال.
ـ وأما ما يجوز
إضماره وإظهاره فأن ترى رجلا يضرب أو يشتم ، فتقول زيدا ، تريد أضرب زيدا ، ويجوز
إظهاره.
ـ والوجه
الثالث قولك : إياك والأسد معناه اتق إياك ولا يحسن إظهار ما نصب إياك.
واستشهد سيبويه
على تمثيل إظهار الفعل المضمر في هذا الباب بقول جرير :
* خل الطريق لمن يبني المنار به
|
|
وابرز ببرزة
حيث اضطرك القدر
|
فأظهر الفعل
كما ترى.
يقول هذا لعمرو
بن لجأ الخزرجي ، وكان قد اعترض جريرا فأراد مهاجاته ومفاخرته ،
__________________
فقال هذا. (وبرزة إحدى جداته فعيره بها).
واستشهد سيبويه
على جواز الحذف الذي عقد به الباب بقول العرب في مثل من أمثالها (اللهم ضبعا وذئبا)
أراد بذلك الدعاء على غنم رجل.
قال أبو العباس
: سمعت أن هذا دعاء له لا دعاء عليه ؛ لأن الضبع والذئب إذا اجتمعا يتقاتلان
فأفلتت الغنم.
وقال : أما ما
وصفه سيبويه فإنه يريد ذئبا من هنا وضبعا من ههنا.
واستشهد على
إضمار الفعل بقول الشاعر :
* أخاك أخاك إن من لا أخا له
|
|
كساع إلى
الهيجا بغير سلاح
|
يريد الزم
أخاك. إلا أن هذا مما يجوز إظهاره ؛ لأنهم كرروا فجعلوا أحد الاسمين كالفعل ،
والاسم الآخر كالمفعول ، ومنه قول العرب : (أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك).
أي عليك أمر
مبكياتك واتبع أمر مبكياتك ، ومعناه اتبع أمر من ينصح لك فيرشدك وإن كان مرّا عليك
صعب الاستعمال ، ولا تتبع أمر من يشير عليك بهواك ؛ لأنه ربما أدى إلى العطب.
ومنه (الظباء
على البقر) والمعنى في المثل أنك تنهاه عن الدخول بين قوم يتشابهون ويتكافئون في
شر غيره ؛ لأن الظباء وبقر الوحش متشابهات من حيث كانت وحشيات.
ونصب الظباء
على تقدير خل الظباء على البقر.
هذا باب ما يضمر فيه
الفعل المستعمل
إظهاره في غير الأمر
والنهي
وذلك إذا رأيت
رجلا متوجها وجهة الحج. فقلت : مكة ورب الكعبة كأنك قلت : يريد مكة.
فهذا الباب
يشتمل على ما يجوز إظهار الفعل فيه وإضماره لحالة حاضرة ودلالة بينة ، ولا يجوز أن
تقول : زيد وأنت ليضرب زيدا ، وليضرب زيد ، لأنك إذا فعلت ذلك فلا بد من أن تقدر
للمخاطب ، فعلا كأنك قلت له : قل ليفعل كذا وكذا ، فضعف هذا عندهم لإضمار فعلين
لشيئين مع ما يدخل فيه من اللبس ؛ لأن المخاطب لا يعلم أنك أردت : قلت له ليضرب
زيدا ، أو أردت لا تقل له ليضرب زيدا ونحو ذلك من الأفعال المتضادة.
وإنما جاز
إضمار فعل الغائب في قولهم : أراد مكة ونحوه من الخبر ؛ لأنك لا تضمر للمخاطب
المخبر فعلا آخر كما أضمرت في أمر الغائب فاعله.
__________________
هذا باب ما يضمر فيه
الفعل المستعمل وإظهاره بعد حرف
وذلك قولك :
الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر
اعلم أن هذا
الباب يجوز فيه أربعة أوجه :
ـ الرفع في
الشرط والجواب ، كقولك : إن خير فخير.
ـ والنصب فيهما
..
ـ والنصب في
الأول والرفع في الثاني.
ـ والرفع في
الأول والنصب في الثاني.
وقد فسر سيبويه
جميع هذه الوجوه.
وأنشد لهذبة :
* فإن تك في أموالنا لا نضق بها
|
|
ذراعا وإن
صبر فنصبر للصبر
|
أي وإن كان منا
صبر. والصبر في هذا الموضع : الأمر الذي يجب الصبر عليه ، ويكون كرما وهو قتله.
وكان قد قتل
ابن عمه فقال :
(فإن تك في
أموالنا) ـ يعني الدية ـ (لا نضق بها ذراعا) أي لا نضعف عن أدائها (وإن صبر) أي
وإن وقع قتل يجب الصبر عليه لما في ذلك من الكرم للصبر.
وأنشد :
* قد قيل ما قيل إن حقّا وإن كذبا
|
|
فما اعتذارك
من قول إذا قيلا
|
ويجوز : إن حق
وإن كذب ، على معنى : وإن وقع حق وإن وقع كذب.
قال : «ومثل
ذلك قول العرب في مثل من أمثالها إلا حظية فلا ألية».
أصل هذا المثل
، أن رجلا تزوج امرأة ، فلم تحظ عنده ، ولم تكن مقصرة فيما يحظى النساء عند
أزواجهن ، فقالت لزوجها (إلا حظية فلا ألية) أي إن لم تكن لك حظية من النساء ؛ لأن
طبعك لا يلائم طباعهن فإني غير مقصرة فيما يلزمني للزوج.
وقوله : «ولو
عنت بالحظية نفسها لم يكن إلا نصبا»
يعني إن كان
التقدير في قولها «إلا حظية : إلا أكن حظية ، فالنصب لا غير».
وأنشد :
* لا تقربن الدهر آل مطرف
|
|
إن ظالما
أبدا وإن مظلوما
|
__________________
فهذا لا يجوز
فيه إلا النصب ؛ لأنك إنما تريد : إن كنت ظالما وإن كنت مظلوما.
والمعنى لا
تقربهم على حال ، فإنهم لا يرشدونك إن كنت ظالما ولا ينصرونك إن كنت مظلوما.
وفي الأمثال (أنصر
أخاك ظالما أو مظلوما) ، هكذا فسره بعضهم ، والبيت من قصيدة يمدح بها قومه ،
وبعدها ما يدل على ذلك ، والمعنى على هذا : لا تقربنهم ظالما لهم ولا مظلوما منهم.
ويروى آل مطرف
وهو أصح ، يريد لا تقربنهم ظالما لهم فإنك لا تستطيعهم ولا مظلوما فيهم فإنك لا
تنتصر منهم.
وأنشد أيضا :
* وأحضرت عذري عليه الشهو
|
|
د إن عاذرا
لي وإن تاركا
|
هذا رجل يخاطب
أميرا في شيء قذف به عنده وعذره حجته. وأراد إن كنت عاذرا لي أيها الأمير وإن كنت
تاركا ، فنصبه لأنه عنى الأمير المخاطب ، ولو رفعه على معنى : إن كان له في الناس
عاذر أو تارك ومعنى تارك غير عاذر.
قوله في «عند»
: «ولا يجوز [بعد إن] أن تبنى عندنا على الأسماء. ولا الأسماء تبنى على «عند» كما
لم يجز أن تبني بعد «إن» الأسماء على الأسماء».
يعني لا تجعل «عند»
خبرا للاسم إذا جئت بإن ؛ لأن : إن لا يليها إلا الفعل ، ولا تجعل الاسم مرفوعا
بعند ؛ لأنه ليس بفعل.
قال : «ولا
يجوز أن تقول عبد الله المقتول وأنت تريد كن عبد الله المقتول».
لأنه ليس في
الحال دلالة عليه إذ كان يجوز أن يكون على معنى قول عبد الله وأخيه وما أشبه ذلك.
قال : «ومن ذلك
قوله» :
* من لد شولا فإلى إتلائها
اعلم أن «لد»
إنما تضاف على ما بعدها من زمان أو مكان إذا اقترنت بها «إلى» كقولك : جلست من لد
صلاة العصر إلى المغرب وزرعت من لد الحائط إلى الأسطوانة.
فلما كان الشول
جمعا للناقة الشائلة ، ولم يكن زمانا ولا مكانا ، والإتلاء أن تلد فيتبعها ولدها
ويتلوها ، فلم يجز أن يقول من شول فأضمر ما يصلح أن يقدر زمانا ، من لد أن كانت
شولا ، وإن كانت بمعنى الكون.
__________________
والمصادر
تستعمل في معنى الأزمنة كقولك : جئتك مقدم الحاج وما أشبهه ، وقد جره قوم على سعة
الكلام ، ويحتمل ذلك وجهين :
أحدهما أن تجعل
شولا مصدرا صحيحا ، كقولك : شالت الناقة شولا إذا ارتفع لبنها ، فيجوز على هذا أن
تجعله وقتا ، ويجوز أن يكون قد حذف المضاف وأقيم إليه مقامه ، فيكون التقدير من لد
كون الشول.
قال «وأما قول
الشاعر» :
* لقد كذبتك نفسك فاكذبنها
|
|
فإن جزعا وإن
إجمال صبر
|
فهذا على معنى
إما. ولا يكون على الجزاء.
اعلم أنك إذا
قلت : أكرمك إن جئتني ، فإن للجزاء وجوابها مما قبلها ، فإن أدخلت عليها الفاء أو
ثم ، بطل أن يكون ما قبلها مغنيا عن الجواب ، لا يجوز أن تقول «أكرمك أن جئتني ،
ولا أكرمكم أن جئتني حتى تأتي بالجواب ، فتقول : أكرمك وإن جئتني زدت في الإكرام ،
فلذلك بطل أن يكون «فإن جزعا» على معنى المجازاة وصارت «وإن» بمعنى إما ؛ لأنها
تحسن في هذا الموضع.
وأنشد للنمر بن
تولب مستشهدا بحذف «ما» من «إما» :
* سقته الرواعد من صيف
|
|
وإن من خريف
فلن يعدما
|
وأنكر الأصمعي
هذا على سيبويه ، وزعم أن «إن» هنا للجزاء وإنما أراد : وإن سقته من خريف فلن يعدم
الرأي ، وحذف سقته لذكره في أول البيت.
وإنما يصف وعلا
، وابتداؤه :
فلو أن من
حتفه ناجيا
|
|
لكان هو
الصدع الأعصما
|
والقول قول
سيبويه في بيت النمر ، وذلك أنه لا ذكر للري ، وإنما المعنى سقته الرواعد إما في
الصيف وإما في الخريف فلن يعدم السقي أي هو يسقى من الصيف ومن الخريف ، ولا تحذف «ما»
من «إما» إلا في الشعر.
قال : ومن ذلك
قولك «أو فرقا خيرا من حب».
هذا كلام تكلم
به رجل عند الحجاج ، وكان قد فعل له فعلا فاستجاده فقال له الحجاج : أكل هذا حبا؟
أي فعلت هذا حبّا لي. فقال الرجل مجيبا له : أو فرقا خيرا من حب؟ أي لو فعلت هذا
فرقا فهو أنبل لك وأجل وقد قيل إن هذا الرجل عصبان بن القبعثري.
__________________
قال «ومثل ذلك
أن ترى رجلا قد أوقع أمرا أو تعرض له فتقول متعرضا لعنن لم يعنه كأنه قال فعل هذا
متعرضا».
والعنن : ما عن
لك ، أي عرض ، والمعنى : دخل في شيء لا يعنيه ولا ينبغي له التشاغل به.
ومثله :
* مواعيد عرقوب أخاه بيثرب
عرقوب رجل وعد
وعدا فأخلفه ، وله قصة طويلة فضرب به المثل في الخلف.
قال أبو عبيدة
إنما هي يثرب ، وأنكر يثرب لأن عرقوبا رجل من العماليق ، وكانوا بالبعد من يثرب
ويترب بالتاء وفتح الراء موضع عندهم.
قال : «ومثله
غضب الخيل على اللجم» وذلك إذا رأيت رجلا غضب غضبا لا يضارى قلت له : غضبت كغضب
الخيل على اللجم. (والظباء متروكة على البقر) ، فالرفع فيهما جائز على غضبك غضبة
الخيل ، والظباء متروكة على البقر.
هذا باب ما يكون
منصوبا على إضمار
الفعل المتروك
إظهاره استغناء عنه ، وسأمثله لك مظهرا لتعلم ما أرادوا به إن شاء الله.
هذا الباب
ترجمة لأبواب تأتي بعده مفصلة.
هذا باب ما جرى على
الأمر والتحذير
وذلك قولك إياك
، كأنك قلت : إياك نح ، وإياك باعد
اعلم أن هذا
الفعل الناصب لإياك لا يحسن إظهاره ؛ وذلك أن العرب اكتفت بإياك عن الفعل وكأن
موضعه غير مشكل.
وإذا قلت :
إياك والأسد ، فإنك تضمر فعلا تنصب به إياك وتعطف الأسد عليه ، كما تقول زيدا
فاضرب وعمرا.
فإن قال قائل :
فإذا جعلت الأسد عطفا على إياك بالواو فقد شاركه في معناه ، فإذا جعلت الأسد عطفا
على إياك بالواو يشارك المعطوف عليه ، ألا ترى أنك تقول : ضربت زيدا وعمرا ،
فيشتركان في الفعل ، فينبغي أن يكون الأسد مشاركا لإياك فيكون المخاطب محذورا
مخوفا ، كما أن الأسد محذور مخوف.
قيل له : لا
يستنكر أن يكون التخويف واقعا بهما جميعا وإن كان طريق التخويف مختلفا ، ألا ترى
أنك تقول خوفت زيدا الأسد ، فزيد مخوف والأسد مخوف ، وليس معناه
__________________
واحدا ؛ لأن الأسد مخوف على معنى مخوف منه ، وزيد مخوف على معنى أنه يجب أن
يحذر ، ولفظ خوفت قد تناولهما جميعا.
وكذلك إياك
والأسد المعنى الناصب لهما واحد وإن كان طريق التخويف مختلفا فيهما.
وأما إياي
والشر ، فليس يخاطب نفسه ولا يزرها ، وإنما يخاطب رجلا يقول إياي من الشر ، فينصب
إياي بباعد وما أشبهه ، ويحذف حرف الجر من الشر ويوقع الفعل المقدر عليه فيعطفه
على الأول.
ومثله «إياي
وأن يحذف أحدكم الأرنب» يعني يرميه بسهم أو ما أشبهه ، والمعنى أنهم حذروا أن
يأتوا فعلهم إلى المتكلم الناهي لهم.
قال «ومثل ذلك
أهلك والليل كأنه قال بادر أهلك قبل الليل».
وتحقيق المعنى
أنه عطف الليل على الأهل وجعلهما مبادرين ومعنى المبادرة ، مسابقتك الشيء كقولك :
بادرت زيدا المنزل فكأن الليل والرجل المخاطب يستبقان إلى أهل الرجل ، فأمره الآمر
أن يسابق الليل إليهم ليكون عندهم قبل الليل.
(قال) : «وقال
بعض العرب» : «ماز رأسك والسيف».
كثير من
النحويين من يقول إنه أراد ترخيم مازن ، ولم يكن اسم الرجل الذي خوطب بهذا مازنا ،
ولكنه كان من بني مازن ، واسمه خدام أسر بجير القشيري ، فجاء قعنب اليربوعي ليقتله
فمنعه المازني منه فقال للمازني : (ماز رأسك والسيف).
وترتيبه على
أحد وجهين :
ـ إما أن يكون
سماه بمازن إذ كان من مازن وقد تفعل العرب هذا في بعض المواضع ـ ثم رخمه على ذلك.
ـ وإما أن يكون
ترخيما بعد ترخيم ، كأنه رخم «مازينا» ، فصار «مازنا» ثم رخم «مازنا» فصار «ماز»
ومثله مذكور في الترخيم.
قال : وإذا قلت
الطريق الطريق ، لم يحسن إظهار الفعل ؛ لأن أحد الاسمين قام مقامه ، فإن أفردت
الطريق حسن الإظهار.
وأنشد في ذلك :
* خل الطريق لمن يبني المنار به
|
|
وابرز ببرزة
حيث اضطرك القدر
|
قال ومن ثم قال
عمرو بن معدي كرب :
* أريد حباءه ويريد قتلى
|
|
عذيرك من
خليلك من مراد
|
__________________
وقال الكميت :
* نعاء جذاما غير موت ولا قتل
|
|
ولكن فراقا
للدعائم والوصل
|
يريد : انع ،
ومعنى البيت أن جذاما من أسد بن خزيمة فانتقلوا إلى اليمن ، فيقول : انعهم من غير
موت ، ولكن لفراقهم أصلهم وهم أسد بن خزيمة.
وقال ذو الإصبع
:
* عذير الحي من عدوا
|
|
ن كانوا حية
الأرض
|
ولا يظهر الفعل
الذي نصب «عذيرا» ولا الفعل الواقع على «نعاء» ؛ لأن ذلك قام مقام الفعل ، ودخول
فعل على فعل محال.
وقوله «حية
الأرض» أي يخاف منهم كما من الحية.
واعلم أن العرب
تقول : من يعذرني من فلان ، ويفسر على وجهين :
ـ أحدهما : من
يعذرني في احتمالي إياه.
ـ والآخر : من
يذكر لي عذرا فيما يأتيه.
وقوله : «عذيرك
من خليلك من مراد» يخرج على وجهين :
ـ أحدهما : من
يعذرني في احتمالي إياه ، وإن لم يذكر لي عذرا فيما يأتيه.
ـ والآخر : من
يذكر لي عذره فيما أتاه. واختلفوا في «عذير» فقالوا هو في معنى عاذر كشاهد وشهيد ،
وقادر وقدير.
وقال بعضهم :
هو مصدر بمعنى العذر ، وقد رد هذا القول وضعف ؛ لأن المصادر على فعيل لا تأتي إلا
في الأصوات نحو الصهيل والزئير.
وسيبويه يقدر «عذر»
تقدير عاذر ، وقد أفصح به في غير هذا الموضع.
ومن جعل عذيرك
بمعنى عاذرك ، فكأنه قال : هات عاذرك وأحضر عاذرك ، وكذلك أحضر عاذر الحي من
عدوان.
هذا باب ما يكون
معطوفا في هذا الباب
على الفاعل المضمر في
النية
ويكون معطوفا على
المفعول
أنشد لجرير :
* إياك أنت وعبد المسيح
|
|
أن تقربا
قبلة المسجد
|
__________________
فعطف «عبد
المسيح» على : «إياك» ولو رفعه عطفا على المضمر المقدر المؤكد بأنت لجاز.
وأنشد أيضا :
* إياك إياك المراء فإنه
|
|
إلى الشر
دعاء وللشر جالب
|
غير سيبويه
يقدره على حذف «من» كأنه قال : من المراء وسيبويه يذهب إلى أن المراء منصوب بفعل
غير الفعل المقدر لإياك كأنه أضمر بعد إياك : اتق المراء.
وذكر سيبويه في
هذا الباب أشياء من كلام العرب وأشعارها حذفوا فيها الفعل ، فمن ذاك قول العرب : (هذا
ولا زعماتك) معناه أن المخاطب كان يزعم زعمات ، فلما ظهر خلاف قوله قال له قائل :
هذا الحق ولا زعماتك ، أي لا أتوهم ما زعمت.
قال : «ومنه
قول ذي الرمة» :
* ديار مية إذ مي تساعفنا
|
|
ولا يرى
مثلها عجم ولا عرب
|
كأنه قال :
اذكر ، ولكنه حذف لعلم السامع.
قال : "
ومن ذلك قول العرب كليهما وتمرا التقدير أعطني كليهما وتمرا ، كأنما إنسانا خير
آخر بين شيئين فطلبهما جميعا : المخير وزيادة عليهما فقال : أعطنيهما وتمرا وأنشد
:
* اعتاد قلبك من سلمى عوائده
|
|
وهاج أهواءك
المكنونة الطلل
|
ربع قواء
أذاع المعصرات به
|
|
وكل حيران
سار ماؤه خضل
|
أراد ذلك ربع ،
أو هو ربع.
ولو نصب على
معنى اذكر لجاز.
القواء :
القفر. ومعنى أذاع : فرق ونشر.
والمعصرات :
السحاب وقيل الرياح ، وأراد بالحيران السحاب إذا كان يمطر في موضع واحد يدور عليه
كالحيران.
والخضل :
الغزير.
وأنشد أيضا :
* هل تعرف اليوم رسم الدار والطللا
|
|
كما عرفت
بجفن الصيقل الخللا
|
دار لمية إذ
مي وأهلهم
|
|
بالكناسية
ترعى اللهو والغزلا
|
ولو نصب دارا
على : اذكر لجاز.
والخلل :
الأغشية التي يغشى بها جفن السيف ، واحدتها خلة ، شبه بها رسوم الدار ؛ لأنها كانت
موشية ، والكناسية : موضع. والغزل : الطرب إلى النساء.
__________________
وأنشد لعمر بن
أبي ربيعة :
* فواعديه سرحتي مالك
|
|
أو الربا
بينهما أسهلا
|
فنصب «أسهلا»
بإضمار فعل ؛ لأنه قال : واعديه دل على أنها تقول له : ائت مكان كذا وكذا «وأسهل»
على وجهين :
ـ أحدهما مكانا
سهلا فيه رمل وليس بخشن.
ـ والآخر أن
يكون مكانا بعينه بين سرحتي مالك والربا
وقيل : المعنى
يكن ذلك أسهل لك.
قال «ومثل ذلك
قول القطامي» :
* فكرت تبتغيه فوافقته
|
|
دمه ومصرعه
السباعا
|
ومثله أيضا :
* لن تراها ولو تأملت إلا
|
|
ولها في
مفارق الرأس طيبا
|
قال : «ومثل
ذلك قول ابن قميئة» :
* تذكرت أرضا بها أهلها
|
|
أخوالها فيها
وأعمامها
|
لما رأت
ساتيدما استعبرت
|
|
لله در اليوم
من لامها
|
نصب السباع في
البيت الأول و «الطيب» في البيت الثاني ؛ لأنه حين قال" صادفته" و"
لن تراها" علم أن «السباع» و «الطيب» قد دخلا في الرؤية والمصادفة ونصب
الأخوال والأعمام حين دخلوا في التذكير.
وأنشد أيضا :
* إذا تغنى الحمام الورق هيجني
|
|
ولو تعزّيت
عنها أم عمّار
|
فنصب أم عمار
بإضمار فعل دل عليه هيجني ، كأنه قال : هيجني فذكرني أو فتذكرت أم عمار.
وقد رد بعض هذه
الأبيات المبرد ، وذكر في قوله : «في مفارق الرأس طيبا» أن مثل هذا لا يجوز ؛ لأنه
لا يحمل على المعنى إلا بعد تمام الأول.
وكذلك قوله : «على
دمه ومصرعه السباعا» قال فلما لم يتم ما قصده ـ لأنه أراد
__________________
فصادفته على حال ما ، ولن تراها إلا في حالة ما وكان تمام الكلام مقصود ذكر
الحال ـ لم يجز أن يحمل النصب على إضمار معنى اللفظ الأول.
فرد هذا الزجاج
وذكر أن القصد في قوله : فصادفته إنما هو إلى الولد ، وذلك لأن الوحشية طلبت ولدها
فصادفته وصادفت على دمه السباعا ، فلما كان المعنى يدل على هذا ـ واحتاج الشاعر
إلى إيقاع المصادفة على الولد المطلوب ـ أضمر للسباع فعلا دل عليه أول الكلام ،
كأنه قال صادفته وصادفت السباع على دمه.
وقوله : «لن
تراها ولو تأملت» إنما يصفها بأن الطيب لا يفارقها وقد علم ذلك من مقصده ، فجاز
استغناؤه باللفظ الأول فأضمر إلا رأيت.
وأنشد سيبويه :
* قد سالم الحيات منه القدما
|
|
الأفعوان
والشجاع الشجعما
|
وذات
قرنين ضموزا ضرزما
|
الضموز :
الساكنة. والضرزم : المسنة وهي أخبث الحيات. والأفعوان وما بعده حيات ، وهي منصوبة
والحيات الأولى مرفوعة.
وإنما حمل
الأفعوان على المعنى ، وذلك أنه يصف رجلا بخشونة قدميه وصلابتهما ، وأن الحيات لا
يعملن فيها ، وأنها قد سالمتها ، فإذا سالمت الحيات القدم فالقدم أيضا قد سالمت
الحيات فكأنه قال سالمت القدم الأفعوان.
وأنشد سيبويه
لأوس :
* تواهق رجلاها يداها ورأسه
|
|
لها قتب خلف
الحقيبة رادف
|
وكان وجه
الكلام تواهق رجلاها يديها ، والمواهقة : المتابعة والمسابقة ، فحمله على المعنى ؛
لأنه إذا واهقت الرجلان اليدين ، فقد واهقت اليدان الرجلين على مؤخرة الأتان إذا
غشيها مسابقا لها ، والحقيبة ما يعلق في مؤخر الرحل ، وأراد بها مؤخر الإنسان.
وأنشد :
* ليبك يزيد ضارع لخصومة
|
|
ومحتبط مما
تطيح الطوائح
|
فرفع ضارعا
بإضمار فعل دل عليه «ليبك» ، كأنه قال ليبك ضارع.
والضارع :
الذليل ، والمحتبط : الطالب المعروف ، ومعنى تطيح : تهلك وتذهب ، يقال : أطاحه فهو
مطيح والجمع مطاوح ، ولكنه بنى قوله الطوائح على حذف الزيادة كقوله عز وجل : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢]. أي ملاقيح.
__________________
وأنشد في الحمل
على المعنى :
* وجدنا الصالحين لهم جزاء
|
|
وجنات وعينا
سلسبيلا
|
لأن الوجدان
مشتمل على الجزاء ، فحمل الآخر على المعنى ، وموضع قولهم «لهم جزاء» موضع نصب على
الحال أو على المفعول الثاني إذا أردت «بوجدنا» معنى علمنا.
وكلام سيبويه
دال على أن «وجدنا» بمعنى «أصبنا» بقوله : «لأن الوجدان مشتمل على الجزاء».
ولو كانت بمعنى
علمت لم يكن مصدرها الوجدان.
وأنشد :
* أسقى الإله جنبات الوادي
|
|
وجوفه كل ملث
غادي
|
كل
أجش حالك السواد
|
رفع كل الأخير
ونصب الذي قبله ؛ لأنه حمله على معنى سقاها كل أجش ؛ لأن فيما تقدم من قوله :
دليلا على سقاها كل أجش. والأجش من صفة السحاب. والملث : المقيم : وهو أيضا من
صفات السحاب ، ويروى «عدوات الوادي» والعدوة : الجانب وأصله من عدا يعدو إذا جاوز.
هذا باب ما ينتصب على
إضمار الفعل
المتروك إظهاره في
غير الأمر والنهي
وذلك قولك
أخذته بدرهم فصاعدا.
معنى هذا أن
يشتري أشياء بأثمان مختلفة أدناها درهم ، فإذا قلت : أخذت كل ثوب أو غيره من
الأشياء بدرهم فصاعدا ، كان أدنى الثمن صاعدا فصار بعضها بدرهم وبعضها بدرهم
وقيراط وبعضها بدرهم ودانق وهذا معنى قوله : «ثم قروت شيئا بعد شيء» مأخوذ من قروت
الأرض إذا أنبتت قطعة منها بعد قطعة على جهة التتبع لشيء فيها ، ولا يحسن أن تقول
أخذته بدرهم فصاعد من جهتين :
ـ أحدهما أن
صاعدا نعت ولا يجوز أن تعطف على الدرهم إلا المنعوت.
ـ والجهة
الأخرى : أن الثمن لا يعطف بعضه على بعض بالفاء ؛ لأن الثمن يقع جملة عوضا من
المبيع ، فلا يتقدم بعضها على بعض ، وإنما لم يعطف بالواو ؛ لأنها للجمع ، وإنما
هو على ما فسره سيبويه أنك أخذت بعضه بثمن ، ثم زاد الثمن في بعض ، وتقديره فزاد
الثمن صاعدا.
__________________
قال : «ومن ذلك
قول العرب : من أنت زيدا».
أصل هذا أن
رجلا غير معروف بفضل ، كأنه سمي بزيد ، وكان زيد معروفا بشجاعة وضرب من ضروب الفضل
التي يذكر بها الرجل ، فلما تسمى الرجل المجهول بزيد الذي هو معروف بالشجاعة
والفضل عن ذلك وأنكر عليه فقيل له : من أنت زيدا؟ أي من أنت ذاكرا زيدا ومعروفا
بهذا الاسم؟
وقد يجوز الرفع
، والنصب أقوى ؛ لأنك إذا رفعت فتقديره : كلامك زيد أو ذكرك زيد على معنى ذكرك ذكر
زيد ، وكلامك اسم زيد فيكون على سعة الكلام.
وقد يجوز أن
تقول لمن ليس اسمه بزيد من أنت زيدا؟ على المثل الجاري كما قالوا : «أطري إنك
ناعلة» و «الصيف ضيعت اللبن» فتخاطب الرجل بهذا وإن كان اللفظ للمؤنث ؛ لأن المعنى
أنت عندي بمنزلة التي قيل لها هذا.
ويجوز أن يذكر
غير زيد باسمه ، كأن رجلا ذكر عمرا وذكر ملابسة بينه وبينه أو سؤالا عنه وكأن
منزلة عمرو ترفع عند بكر إن يسأل عنه مثل هذا الرجل السائل ، فقال له : من أنت
عمرا؟ كأن في سؤاله عن عمرو ما يتشرف به أو يكتسب به حالا فيها فخر فقال من أنت
سائلا عن عمرو مفتخرا به؟
وأما ما حكاه
من قول القائل لرجل سأله لم يذكر ذلك الرجل «من أنت فلانا» فيجوز أن يكون على معنى
التعريض ؛ لأنه ليس بموضع يذكر معه غيره قال : «ومن ذلك قول العرب أما أنت منطلقا
انطلقت معك .. وقال الشاعر :
* أبا خراشة أما أنت ذا نفر
|
|
فإن قومي لم
تأكلهم الضبع
|
قال : «فإنما
هي «أن» ضمت إليها ما للتوكيد ولزمت كراهية أن يجحفوا بها لتكون عوضا من ذهاب
الفعل».
اختلف البصريون
والكوفيون في قولهم (أما أنت منطلقا)
فقال الكوفيون
هو بمعنى إن وأن المفتوحة فيها معنى إن التي للمجازاة عندهم ، وعلى هذا يحملون (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ
إِحْداهُمَا الْأُخْرى) [البقرة : ٢٨٢]. وهي قراءة حمزة.
وأما البصريون
فالتقدير عندهم لئن كنت منطلقا أنطلق معك ، أي لانطلاقك في الماضي أنطلق معك ،
ولذلك شبهها سيبويه ب «إذ» وجعلها كشيء واحد.
وإذا ولي «أن»
الفعل الماضي فهو ماض لا غير كما إذا وليها المستقبل فهو للاستقبال لا غير ومن أجل
أن الثاني استحق بالأول جاز دخول الفاء في الجواب في قوله : «فإن قومي لم
__________________
تأكلهم الضبع» والضبع ههنا السنة الشديدة.
قال : «ومثل
ذلك قولهم : «إما لا» الأصل فيه أن الرجل قد يمتنع من أشياء يلزمه أن يفعلها
ويسومه إياها سائم ، فيقنع منها بالبعض فيقول له «إما لا» على معنى إن كنت لا تفعل
غير هذا فافعل هذا ، ثم زيدت ما كما تزاد في حرف الجزاء ثم حذف الفعل لكثرة هذا في
كلامهم وصار «إما» مع «لا» كالشيء الواحد عندهم.
وقولهم : آثرا
ما معناها من قولك آثرا أن تفعل كذا وأنت تريد افعل هذا أول شيء أي أول ما يؤثر
يقدم في الفعل.
قال : «ومن ذلك
قولهم : مرحبا وأهلا. وإن تأتني فأهل الليل وأهل النهار».
وتقدير الناصب
في هذا : أتيت رحبا وأهلا وإن تأتني فتأتي أهل الليل ، وأهل النهار ، على معنى أنك
تأتي من يكون لك كالأهل بالليل والنهار.
وقد قدره
سيبويه برحبت بلادك وأهلت ، وهذا التقدير إنما قدره بفعل ؛ لأن الدعاء إنما يكون
بالفعل ، فقدره بفعل من لفظ الشيء المدعو به وإن لم يكن المعنى على ذلك ، ألا ترى
أن الإنسان الزائر إذا قال له المزور : مرحبا وأهلا ، فليس يريد : رحبت بلادك
وأهلت ، إنما يريد ، أصبت رحبا وسعة وأنسا ؛ لأن الإنسان إنما يأتي بأهله ومن
يألفه.
قال : «ومنهم
من يرفع فيقول : أهل ومرحب. وأنشد :
* وبالسهب ميمون النقيبة قوله
|
|
لملتمس
المعروف : أهل ومرحب
|
أي : هذا أهل
ومرحب.
وحقيقته : هذا
أهل مثل أهلك.
والسهب : موضع
مستمر. يصف أنه بذلك الموضع رجل ميمون النقيبة ، والنقيبة : الخليفة.
وأنشد أيضا :
* إذا جيت بوابا قال : مرحبا
|
|
ألا مرحب
واديك غير مضيق
|
كأنه قال : ألا
مرحب ، أو لك مرحب ، ولو نصب أيضا لجاز.
هذا باب ما يظهر فيه
الفعل وينتصب الاسم لأنه مفعول
معه ومفعول به ...
وذلك قولك : ما
صنعت وأباك ... ومثل ذلك : ما زلت وزيدا حتى فعل.
وقال الشاعر :
__________________
* فكونوا أنتم وبني أبيكم
|
|
مكان
الكليتين من الطحال
|
وقال آخر :
* فكان وإياها كحران لم يفق
|
|
عن الماء إذ
لاقاه حتى تقددا
|
فنصب بني أبيكم
على أنه مفعول معه.
وقوله : فكان
وإياها بتلك المنزلة.
ومذهب سيبويه
أنك إذا قلت : ما صنعت وأباك؟ أن الأب منصوب بصنعت ، وكان الأصل فيه : ما صنعت مع
أبيك؟
ومعنى «مع»
والواو متقاربان ؛ لأن معنى «مع» الاجتماع والانضمام ، والواو تجمع ما قبلها مع ما
بعدها وتضمه إليه ، وأقاموا الواو مقام «مع» ؛ لأنها أخف في اللفظ. والواو حرف لا
يقع عليه الفعل ولا يعمل في موضعه ، فجعلوا الإعراب الذي كان في «مع» من النصب في
الاسم الذي بعد الواو ، إذ لم تكن الواو معربة ولا في (موضع) معرب كما قالوا : ما
جاءني أحد إلا زيد ، وجاءني القوم إلا زيدا فإذا جئت «بغير» أعربتها بإعراب الاسم
الذي يقع بعد «إلا» فقلت : ما قام أحد غير زيد ، وما جاءني غير زيد وجاءني القوم
غير زيد ، فإذا جعلوا إلا مكان غير تجاوز الإعراب الذي كان في غير إلى ما بعد إلا
؛ لأنها حرف غير عامل.
وكذلك ما زلت
وزيدا ، لما كانت «الباء» عاملة في قولك : ما زلت بزيد ، لم يكن للفعل الذي قبلها
عمل في ما بعدها لأن الباء في موضع نصب فإذا قلت : ما زلت وزيدا ، ، تجاوز النصب
الذي كان يقدر في الباء إلى ما بعد الواو.
وكان الزجاج
يقول : إذا قلت : ما صنعت وأباك فإنما تنصب بإضمار فعل ، كأنه قال : ما صنعت
ولابست أباك ، قال : من أجل أنه لا يعمل الفعل في المفعول وبينهما الواو.
والقول قول
سيبويه ؛ لأنك تقول : ضربت زيدا وعمرا ، فتعمل ضربت في زيد دون واسطة إذ كان
الكلام مستغنيا عنها لعمله في عمرو بواسطة حرف عطف ، فقد عمل الفعل في مفعوله
وبينهما حرف. وكذلك : «ما ضربت إلا زيدا» فتعمل ضربت في زيد وبينهما إلا.
واعلم أن الواو
لا يذهب بها إلا معنى «مع» حتى يكون فيها معنى غير العطف المحض ، والعطف المحض :
أن توجب لكل واحد من الاسمين الفعل من غير أن يتعلق فعل أحدهما بالآخر كقولك : قام
زيد وعمرو وما صنع زيد وعمرو إذا أردت أن كل واحد منهما فعل فعلا لا يتعلق بالآخر.
فإن أردت : ما
صنع زيد مع عمر؟ على معنى إلى أي شيء انتهيا فيما بينهما من
__________________
خصومة أو مواصلة أو غير ذلك ـ جاز النصب.
هذا باب معنى الواو
فيه كمعناها
في الباب الأول
إلا أنها تعطف
الاسم ههنا على ما لا يكون ما بعده إلا رفعا على كل حال. وذلك قولك : أنت وشأنك ...
وما شأنك وشأن زيد؟ وما أنت وعبد الله؟.
قال الشاعر :
* يا زبرقان أخا بني خلف
|
|
ما أنت ـ ويب
أبيك ـ والفخر
|
وقال آخر :
* وأنت امرؤ من أهل نجد وأهلنا
|
|
تهام فما
النجدي والمتغور
|
وقال :
* وكنت هناك أنت كريم قيس
|
|
فما القيسى
بعدك والفخار
|
إن قال قائل :
نحن متى عطفنا شيئا على شيء بالواو ، دخل الآخر في ما دخل فيه الأول ، واشتركا في
المعنى وكانت الواو بمعنى «مع» كقولنا : قام زيد وعمرو ، فكيف اختصصتم هذا الباب
والذي قبله بمعنى «مع»؟
قيل له : قولنا
: قام زيد وعمرو ، ليس أحدهما لابسا للآخر ولا بينهما فرق في وقوع الفعل من كل
واحد منهما على حدة.
وإذا قلنا : ما
صنعت وأباك؟ ، أو ما أنت والفخر؟ فإنما تريد : ما صنعت مع أبيك؟ وأين بلغت في فعلك
به وفعله بك؟ وما أنت مع الفخر في افتخارك وتحققك به.
ويدلك على صحة
هذا المعنى أن قائلا لو قال : زيد وعمرو ، وهو يريد : خارجان أو قائمان ، لم يجز
حذف الخبر ؛ لأنه بمنزلة قولك : زيد معرى من الخبر.
ويجوز أن تقول
: أنت وشأنك ، فتكتفي بهذا اللفظ وتضمر الخبر ، وتقديره : أنت وشأنك معروفان ؛ لأن
الواو إذا كانت بمعنى «مع» دلت على ذلك.
وأجاز سيبويه
أن تقول : ما أنت وعبد الله؟ وكيف أنت وعبد الله؟ وقدره على معنى : ما كنت وزيدا ،
وكيف تكون وزيدا؟
وأنكر المبرد
لفظه في تقدير الناصب ، وقال : لم جعل «كيف» مختصة بتكون ، و «ما» مختصة بكنت؟.
__________________
ولم يذهب
سيبويه في ذلك إلى اختصاص «كيف» بالمستقبل و «ما» بالماضي وإنما أراد التمثيل على
الوجه الذي يمكن أن يمثل به.
واستدل سيبويه
على أن قولهم : ما أنت وزيدا؟ وهم يريدون معنى مع.
وأنشد :
* تكلفني سويق الكرم جرم
|
|
وما جرم وما
ذاك السويق
|
استكثر لها شرب
الخمر.
وبعد هذا البيت
:
وما عرفته
جرم وهو حل
|
|
فلما أنزل
التحريم فيها
|
وما غالى بها
إذ قام سوق
|
|
إذا الجرمي
عنها لا يفيق
|
يريد أنه لم
يكن محل جرم أن تعرف الخمر في الجاهلية ولا تشربها ، وإنما ذكر «عرفته» ؛ لأنه رده
إلى لفظ «السويق» وسويق الكرم : الخمر. فسماها بذلك لانسياقها في الحلق. وبذلك سمي
السويق لأنه يشرب ولا يؤكل.
وأنشد لبعض
الهذليين :
* وما أنا والسير في متلف
|
|
يبرح بالذكر
الضابط
|
كأنه قال : ما
كنت مع السير؟
ومعنى يبرح :
يشق عليه ويجده. والضابط : القوي الشديد. يصف جملا.
وأنشد :
* فمن يك سائلا عني فإنّي
|
|
وجروة لا
ترود ولا تعار
|
فعطف «جروة»
على المنصوب «بإن» والمعنى مع ، فاستغنى عن ذكر الخبر لذلك ، وهو كقول العرب (إنك
وما وخيرا) يريدون إنك مع خير ، و «ما» زائدة ، والخبر محذوف ، وقد بينت جواز
حذفه.
أنشد :
* أزمان قومي والجماعة كالذي
|
|
منع الرحالة
أن تميل مميلا
|
أراد : أزمان
قومي كان مع الجماعة ، وحذف «كان» ؛ لأنهم يستعملونها كثيرا في مثل
__________________
هذه المواضع ، ولا لبس فيه ولا تغير معنى.
وأنشد عن أبي
الخطاب عن بعض العرب :
* أتوعدني بقومك يا ابن حجل
|
|
أشابات
يخالون العبادا
|
بما جمعت من
حضن وعمرو
|
|
وما حضن
وعمرو والجيادا
|
فنصب الجياد
على تقدير : وما حضن وعمرو مع الجياد وأشابات : أخلاط. نصبهم على الذم ، وإن شئت
كان مخفوضا على البدل من القوم.
وأنشد فيما حمل
على المعنى :
* فلم أر مثلها خباسة واحد
|
|
ونهنهت نفس
بعد ما كدت أفعله
|
أراد : كدت أن
أفعله ، فحذف «أن» ضرورة بعد أن قدرها مستعملة للضرورة ، وغير سيبويه يقول : أنهم
أرادوا : بعد ما كدت أفعلها فحذفوا الألف وسكنوا الهاء وألقوا حركتها على اللام ،
وقد جاء مثل ذلك في كلامهم ، وبعضهم يقول : أراد فعلته ، فحذف النون وبقيت اللام
مفتوحة.
كما قال :
* اضرب عنك الهموم طارقها
|
|
ضربك بالسوط
قونس الفرس
|
فحذف النون من «اضربن»
ومعنى الخباسة
في البيت : الظلامة ، ومنه يقال : رجل خبوس ، أي ظلوم.
هذا باب ما يضمرون
فيه الفعل لقبح الكلام
إذ حمل آخره
على أوله ، وذلك قولك : مالك وزيدا ، وما شأنك وعمرا
قال الشاعر :
* فما أنا والتلدد حول نجد
|
|
وقد غصت
تهامة بالرجال
|
وقال آخر :
* فما لكم والفرط لا تقربونه
|
|
وقد خلته
أدنى مرد لعاقل
|
التلدد :
الذهاب والمجيء كالتخير ، وأصله من الديدين ، وهما صفحتا العنق.
ونصب التلدد
بإضمار الملابة ، وكذلك نصب الفرط في البيت الذي بعده.
__________________
واستدل سيبويه
على أنه لا يحسن عطف «عمرو» على «الشأن» بأنك لو قلت : ما شأنك وما عبد الله؟ لم
يحسن لأن الشأن ليس يلبس بعبد الله كالتباس «جرم» «بالسويق» إذا قلت : ما جرم وما
ذاك السويق ، وإنما التباس عبد الله بالكاف إلا أنه لا يعطف عليها ؛ لأنها ضمير
مجرور ، ولو كان اسما ظاهرا لعطف عليه.
هذا باب ما ينتصب من
المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره
وذلك قولك :
سقيا لك وجوعا ونوعا ورعيا.
قال الشاعر :
* تفاقر قومي إذ يبيعون مهجتي
|
|
بجارية بهرا
لهم بعدها بهرا
|
معنى بهرا :
قهرا ، أي : غلبوا غلبا من قولك : بهرني الشيء ، أي غلبني. ومنه القمر الباهر إذا
تم ضوؤه وغلب.
ومعنى قولهم :
جوعا وبوعا ، أي : جوعا وعطشا ، وقيل : هو اتباع وأنشد لأبي زبيد يصف أسدا :
* أقام وأقوى ذات يوم وخيبة
|
|
لأول من يلقى
وشر ميسر
|
أراد : أقام
السد. وأقوى : لم يأكل شيئا. والقواء : فناء الزاد.
وخيبة لأول من
يلقى الأسد المقوى الجائع ، وليس هذا على معنى الدعاء عليه ولكنه متوقع كما أن
المدعو به متوقع في حال الدعاء ، فلذلك استشهد به سيبويه.
قال : ومثله في
الرفع :
* عذيرك من مولى إذا نمت لم ينم
|
|
يقول الخنا
أو تعتريك زنابره
|
فرفع عذيرك ،
والأكثر نصبه ، والذي يرفعه يضمر خبره. أراد بالزنابر : ذكره إياه بالسوء
واغتيابه.
قال : «ومثله
قول حسان» :
* أهاجيتم حسان عند ذكائه
|
|
فغي لأولاد
الحماس طويل
|
فهذا دعاء من
حسان عليهم ؛ لأنه هجا رهط النجاشي ، ورفع كما رفع ما تقدم ، وفيه معنى الدعاء ،
والذكاء : انتهاء السن.
__________________
هذا باب ما أجري من
الأسماء مجرى المصادر التي يدعى بها
وذلك قولك : تربا
وجندلا
اعلم أن هذا
الباب يدعى فيه بجواهر لا أفعال لها ، وعبر عنها سيبويه «بأفعال» على جهة التمثيل
لوقوعها موقع المصادر المدعو بها ، والرفع فيها أقوى من الرفع في المصادر.
وأنشد :
* لقد ألب الواشون ألبا بجمعهم
|
|
فترب لأفواه
الوشاة وجندل
|
معنى ألب : جمع
، وكنى بالترب والجندل عن الخيمة.
فتا : «ومثله :
«فاها لفيك يريد فا الداهية» فجعل فاها منصوبا بمنزلة تربا ، كأنه قال : تربا لفيك
، وإنما يخصون في مثل هذا : الفم ؛ لأن أكثر المتالف فيما يأكله الإنسان أو يشربه
من السم وغيره.
وجعل سيبويه
هذا بدلا من اللفظ بقولك :
«دهاك الله»
تقريبا ؛ لأنه في معنى الدعاء به.
وأنشد :
* تحسب هواس وأقبل أنني
|
|
بها مفتد من
واحد لا أغامره
|
فقلت له :
فاها لفيك فإنّها
|
|
قلوص امرئ
قاريك ما أنت حاذره
|
يصف أسدا ،
والهواس : من أسماء الأسد. وتحسب تحسس ويجوز أن يكون بمعنى اكتفى ، والمعنى أنه
عرض لناقة له فحكى عن الأسد أنه توهم أنني أدع الناقة وأفتدي بها من الأسد ، وواجه
هو الأسد.
وقوله : «لا
أغامره» أي : لا أرد معه غمرات الموت. ويروى : «وأقبل أنني» فيكون تحسب على هذا
بمعنى ظن ، وقوله : «فاها لفيك» دعاء عليه بإصابة الداهية له ، وهو على وجه
التهدد.
قال : «والدليل
على أنه يريد الداهية قوله» :
* وداهية من دواهي المنو
|
|
ن يرهبها
الناس لا فالها
|
المعنى أنها
لشناعتها وعظيم أمرها ، لا يدري الناس كيف يأتونها ويتوصلون إليها.
هذا باب ما أجري مجرى
المصادر المدعو بها من الصفات
وذلك : هنيئا مريئا
وليس في الباب
غير هذين الحرفين ، وإنما أفرد لهما بابا لأنهما صفتان يدعى بهما ، ألا
__________________
ترى أنك تقول : هذا شيء هنيء مريء ، كما تقول : هذا رجل صبيح جميل.
واستدل سيبويه
على أنهما بدل من الفعل باستعمال الفعل مكانهما.
وأنشد :
* إلى إمام تغادينا فواضله
|
|
أظفره الله
فليهنئ له الظفر
|
فجعل «فليهنئ»
بمنزلة : هنيئا له الظفر.
وأنشد :
* هنيئا لأرباب البيوت بيوتهم
|
|
وللعزب
المسكين ما يتلمس
|
فجعل «هنيئا»
بدلا من هنأة ذلك.
هذا باب ما أجري من
المصادر المضافة مجرى
المصادر المفردة
المدعو بها
وذلك قولك :
ويحك وويسك.
ذكر سيبويه هذه
الأشياء على نحو استعمال العرب لها ، ولم يجز «سقيك» ؛ لأن العرب لم تدع به.
ولم يجعل هذا
قياسا يتبع ؛ لأنها أشياء وضعت موضع الفعل دون أن يذكر معها فلا يجوز تجاوزها إلى
غيرها ؛ لأن الإضمار والحذف اللازم ليس بمستمر.
قال : «وهذا
حرف لا يتكلم به مفردا .. وهو قولك : ويلك وعولك»
وهذا كالإتباع
الذي لا يؤتى به إلا بعد شيء يتقدمه.
فإن قال قائل :
عولك لا يجري مجرى الإتباع لأمرين :
ـ أحدهما : أن
فيه الواو ، والإتباع المعروف لا يكون بعد الواو.
ـ والآخر : أن «عولك»
معنى معروف ؛ لأنه من عال يعول كما تقول : جاز ، يجوز ، قيل له : إنما أراد سيبويه
أنه لا يستعمل في الدعاء ـ وإن كان مفعول المعنى ـ إلا عطفا ، ولم يرد باب الإتباع
الذي هو بمنزلة أجمعين أكتعين.
هذا باب ما ينتصب على
إضمار الفعل المتروك إظهاره
من المصادر في غير
الدعاء
ومن ذلك قولك : حمدا
وشكرا
اعلم أن هذه
المصادر أخبار يخبر بها المتكلم عن نفسه وليس بدعاء ، ولكنها ضارعت الدعاء
لاستعمال الأفعال المضمرة.
__________________
ومعنى قوله : «ولا
كيدا ولا همّا» أي : لا أكاد أفعل ذلك كيدا ، ولا أهم به همّا تبعيدا لما بقي أنه
يفعله.
قال : «وقد جاء
بعض هذا رفعا».
وأنشد لرجل من
مذحج :
* عجبت لتلك قضية وإقامتي
|
|
فيكم على تلك
القضية أعجب
|
كأنه قال : أمر
عجب.
يصف قضية غير
مرضية يتعجب منها. وقبل هذا :
* أم السوية أن إذا أخصبتم
|
|
وأمنتم فأنا
العبيد الأجنب
|
وإذا تكون
كريهة أدعى لها
|
|
وإذا يحاس
الحيس يدعى جندب
|
هذا وجدكم
الصغار بعينه
|
|
لا أم لي إن
كان ذاك ولا أب
|
ثم قال : عجبا
لتلك قضية ...
قال : ومثل هذا
في الرفع قوله :
* فقالت حنان : ما أتى بك ههنا
|
|
أذو نسب أم
أنت بالحي عارف
|
كأنها قالت :
أمرنا حنان ، ولم ترد الفعل ، ولو أرادته لقالت : حنانا. والحنان : الرحمة.
ومثله قول
الشاعر :
* يشكو إلىّ جملي طول السرى
|
|
صبر جميل
فكلانا مبتلى
|
والنصب في هذا
أجود ؛ لأنه يأمره بالصبر لما تشكى إليه طول السرى.
هذا باب من المصادر
ينتصب على إضمار الفعل المتروك إظهاره
ولكنها وضعت موضعا
واحدا لا تتصرف
وذلك قولك :
سبحان الله ومعاذ الله. وريحانة الله وعمرك الله ، وقعدك الله إلا فعلت كذا وكذا.
فصل سيبويه هذا
الباب مما قبله من المصادر ؛ لأنه منصوب لا يتصرف تصرف غيره.
وأنشد :
* عمّرتك الله إلا ما ذكرت لنا
|
|
هل كنت
جارتنا أيام ذي سلم
|
وأنشد أيضا :
__________________
* عمرتك الله الجليل فإنني
|
|
ألوي عليك لو
أن لبك يهتدي
|
فعمرتك الله
بمنزلة : عمرك الله ، ومعناه ذكرتك الله تذكيرا.
وأما سبحان
الله : فإنه يستعمل مضافا وغير مضاف ، وإذا لم يضف ، ترك صرفه ؛ لأنه معرفة وفي
آخره زيادتان ، فهو كعثمان ونحوه.
قال الأعشى :
* أقول لما جاءني فخره
|
|
سبحان من
علقمة الفاخر
|
أي : براءة
منه. وقد ينون في الشعر.
قال أمية :
* سبحانه ثم سبحانا يعود له
|
|
وقبلنا سبح
الجودي والجمد
|
أي : براءة له
بعد براءة ، وتنزيها مما نسب إليه المشركون والملحدون.
والجود والجمد
: جبلان معروفان. وأما ريحانة ففيه معنى الاسترزاق ، فإذا دعوت به كان مضافا وهو
متصرف في الكلام متمكن.
وذكره سيبويه
في جملة ما لا يتمكن ، ولعله أراد إذا ذكر مع سبحانه ، فقيل : سبحان الله وريحانة
، كان غير متمكن كسبحان.
فأما : «عمرك
الله» فهو مصدرا ونصب على تقدير فعل ، فمنهم من يقدر : أسألك بعمرك الله ،
وبتعميرك الله ، أي : وصفك الله بالبقاء.
ومنهم من يقدر
أنشدتك بعمرك الله ، أي : أسألك ، وهم يستعملون أنشدتك في هذا المعنى فيقولون :
أنشدتك بالله ، فإذا حذفوا الباء وصل الفعل ، ويصرفون منه فعلا ، فيقولون : عمرتك
الله بمعنى ذكرتك الله وسألتك به.
وأما نصب اسم
الله بعد عمرك ، فإنه منصوب بالمصدر فكأنه قال : أسألك الله ، وبوصفك الله
بالبقاء.
وأجاز الأخفش
رفعه على أن الفاعل للتذكير هو الله ، كأنه قال : أسألك بما ذكرك الله به.
وأما قعدك الله
: فبمعنى : عمرك الله وفيه لغتان : قعدك الله ، وقعيدك الله ، وتقديره : أسألك
بقعدك وبقعيدك ، ومعناه : بوصف الله عز وجل بالثبات والدوام ، مأخوذ من القواعد
التي هي الأصول لما يثبت ويبقى. ولم يتصرف منه فعل فيقال : قعدتك الله كما يقال :
عمرتك الله ؛ لأن العمر معروف في كلام العرب ، وهي كثيرة الاستعمال في اليمين ،
فلذلك تصرف.
__________________
وجواب هذه
الأشياء يكون بستة وهي :
الاستفهام
والأمر والنهي ، وإن ، وإلا ، وإما ؛ لأن هذه الأشياء كلها في معنى الطلب ،
ومعناها : سألتك بالله ، وطلبت منك به ، وهذه الستة تصلح أن تتعلق بالسؤال على
معنى الجواب.
ومن هذه
المصادر قولهم : «سلاما» أي : براءة منك وتسليما ، وقد يضاف.
قال أمية :
* سلامك ربنا في كل فجر
|
|
بريئا ما
تغنثك الذموم
|
أي : تنزيها من
السوء. ومعنى ما تغنثك ، أي : ما تلصق بك صفة ذم. وتغنثك بالثاء المنقوطة ثلاث
نقط.
هذا باب يختار فيه أن
يكون المصادر مبتدآت مبنيا عليها ما بعدها
وذلك قولك :
الحمد لله والعجب لك وما أشبه ذلك.
اعلم أن العرب
اختارت رفع هذه المصادر ، لأنهم جعلوها كالشيء اللازم الواجب فأخبروا عنها فجعلوها
مبتدآت وما بعدها خبر عنها ، وصارت بمنزلة قولك : الغلام لزيد.
ثم ذكر سيبويه
أن مواضع الابتداء للمعرفة ، ثم بين قبح ابتداء النكرة ، ووصل ذلك بأشياء قد
ابتدأت العرب فيها بالنكرة.
فوجه لها وجها
، وذلك قولك : «شيء ما جاء بك» و «شر أهرّ ذا ناب» فذكر أنه حسن ذلك معناه : ما
جاء بك ، وجرى مثلا فاحتمل.
ومعنى هذا :
كأنهم سمعوا هرير كلب في وقت لا يهر في مثله إلا لسوء ، ولم يكن غرضهم الإخبار عن
شر ، وإنما يريدون أن الكلب أهره شيء.
وكذلك قولهم : «شيء
ما جاء بك» يقوله الرجل لرجل جاءه ، ومجيئه غير معهود في ذلك الوقت ، هذا ، ومعناه
، ما جاء بك إلا شيء حادث لا يعهد مثله.
ثم قال :
* «وقد ابتدئ
المنكور في الكلام على غير الوجه الذي ذكر وعلى غير ما فيه معنى المنصوب».
وهو قولهم : «أمت
في الحجر لا فيك» ومعناه : اعوجاج في الحجر لا فيك ، فحمله على أنه إخبار محض ،
وجاز ذلك لأنه مثل.
وقال المبرد :
أريد به معنى الدعاء ، كأنهم قالوا : جعل الله في الحجر أمتا لا فيك.
__________________
هذا باب من النكرة
يجري مجرى ما فيه الألف واللام من المصادر والأسماء
وذلك قولك : «سلام
عليك ، ولبيك ، وخير بين يديك».
المراد في هذا
: قوله : «خير بين يديك» ولكنه ذكره مع لبيك على ما استعملته العرب.
وجملة ما في
هذا الباب قد تقدم في تضاعيف الأبواب المتقدمة.
وأجاز سيبويه
النصب في هذا الباب وأنشد :
* كسا اللؤم تيما خصرة في جلودها
|
|
فويلا لتيم
من سرابيلها الحصر
|
قال : «ويقول
الرجل : يا ويلاه ، فيقول الآخر : نعم ويلا كيلا».
وربما قالوا :
ويل كيل ، يعني أن الذي قال : نعم ويلا كيلا ، يضمر مبتدأ وخبرا ، ويجعل ويلا كيلا
في موضع الحال ، كأنه أظهر ، فقال : لك الويل ويلا كيلا أي : كثيرا ، ثم جعل «نعم»
دليلا على الإضمار ؛ لأن «نعم» تحقيق لكلام يتكلم به وذلك الكلام الذي تحقيقه «نعم»
هو قولهم : لك الويل : وما أشبهه.
وقوله : «وإن
شاء جعله على قوله : جدعا وعقرا».
أي : إن شاء
نصب «ويلا» و «كيلا» بإضمار فعل فجعله كأنه مصدر له ؛ لأن جدعا وعقرا على معنى :
جدعك الله وعقرك عقرا.
هذا باب ما استكرهه
النحويون وهو قبيح
فوضعوا الكلام فيه
على غير ما وضعته العرب
وذلك قولك : ويح له ،
وتب وتبا له وويحا
أما قوله : «استكرهه
النحويون».
فيعني أنهم
جمعوا في الدعاء بين شيئين لا تجمع العرب بينهما ، وقاسوا كلام العرب ، والشيئان :
ـ أحدهما : ويح
لك وما جرى مجراه مما يكثر رفعه في كلامهم.
ـ والآخر : تبا
لك. والاختيار نصبه في كلامهم.
فإن جمعوا
بينهما ، فقدموا الذي يستحق الرفع حملوا الثاني عليه ، وكان يستحق النصب ، وإن
قدموا المستحق للنصب أتبعوه المستحق للرفع فنصبوه.
وسيبويه يختار
أن يحمل كل واحد منهما على وجهه إذا أفرد. فإن قالوا : تبا له وويحا فلم يأتوا
بخبر للآخر ، وافقهم سيبويه على النصب لعدمه الخبر ؛ لأن العرب لا تقول : ولا ويل
إلا مع خبرها.
__________________
هذا باب ما ينتصب فيه
المصدر كان فيه الألف
واللام أو لم يكونا
فيه .. وذلك قولك : ما أنت إلا سيرا
وما أنت إلا ضربا
هذا ونحوه يقال
: لمن كثر منه الفعل وواصله واستغنى عن إظهار الفعل بدلالة المصدر عليه ، ولك أن
ترفع فتقول : إنما أنت سير على معنى إنما أنت صاحب سير.
وأنشد لجرير :
* ألم تعلم مسرجي القوافي
|
|
فلا عيّا بهن
ولا اجتلابا
|
كأن قائلا قال
: هو عيابهم واجتلابا لهن على معنى يعي بهن عيّا ، ويجتلبهن اجتلابا ، فأدخل «لا»
على التقدير ، والفاء في قوله «فلا عيّا بهن» دخلت لمعنى الاتصال ، أي : إذا سرحت
القوافي ، اتصل بتسريحي لها أن لا أعيى ولا اجتلب.
وأنشد للخنساء
في الرفع :
* ترتع ما غفلت حتى إذا اذكرت
|
|
فإنما هي
إقبال وإدبار
|
أي : ذات إقبال
وذات إدبار.
تصف ناقة فقدت
ولدها فهي ترتع ما غفلت عن ذكره حتى إذا ذكرته ، ألهاها ذلك عن الرعي فأقبلت
وأدبرت.
وأنشد لمتمم :
* لعمري وما دهري بتأبين هالك
|
|
ولا جزع مما
أصاب فأوجعا
|
أي : بدهر
تأبين مالك ، وجعل الدهر هو التأبين مجازا ، والتأبين : الثناء على الرجل بعد
موته.
وأنشد للعجاج :
* أطربا وأنت قنّسري
كأنه قال :
أتطرب وأنت قنسري ، ينكر عليه الطرب مع هذه الحال والقنسري : المسن في هذا الموضع.
قال : ومثله
قول بعض العرب ـ وهو يعزى إلى عامر بن الطفيل ـ أغدة كغدة البعير ، وموتا في بيت
سلولية.
يقول هذا حين
أصابته الغدة ، وهو داء إذا أصاب البعير لم يلبثه حتى يموت ، وكان قد أتى النبي
صلّى الله عليه وسلّم هو وأربد بن ربيعة أخو لبيد ليغتالاه ، فأطلعه الله على ذلك
ودعى عليهما فقال :
__________________
«اللهم اكفني عامرا وأربد» فأصابت أربد صاعقة ، وأصابت عامرا الغدة.
وأنشد لجرير :
* أعبدا حل في شعبي غريبا؟
|
|
ألؤما لا أبا
لك واغترابا؟
|
الشاهد في قوله
: ألؤما.
وبخه على ما
يأتيه من اللؤم مع غربته ، وشعبي : اسم موضع.
قال : «ومثل ما
تنصبه في هذا الباب وأنت تعني نفسك قول الشاعر» :
* سماع الله والعلماء أنّي
|
|
أعوذ بحقو
رأسك يا ابن عمرو
|
كأنه قال :
أسمع الله هذا ، كما تقول : أشهد الله بهذا على نفسي ، ولو نون سماعا لنصب «الله» و
«العلماء» فقال : سماعا الله بمعنى : إسماعا الله كما تقول : أعطيته عطاء بمعنى
إعطاء.
هذا باب ما ينتصب من
الأسماء التي أخذت من الأفعال انتصاب الفعل
استفهمت أو لم تستفهم
وذلك قولك :
أقائما وقد قعد الناس ، وأقاعدا وقد سار الركب
وهذا الباب مثل
الذي قبله ، غير أن الأول مصدر وهذا اسم فاعل ، وقدره سيبويه في العمل تقدير
المصدر فقال : «كأنه لفظ بقوله : أتقوم قائما؟ وأتقعد قاعدا ولكنه حذف استغناء».
وهذا ينكره بعض
الناس ؛ لأن لفظ الفعل لا يكاد يعمل في اسم الفاعل الذي من لفظه ، فإذا جاء ذلك
صرف إلى أنه مصدر لا اسم فاعل.
والقول فيه ما
قاله سيبويه ، أنه حال لا مصدر ؛ لأنه قد تكون الحال توكيدا ، كما يكون المصدر
تأكيدا وإن كان الفعل قد دل عليه ، قال الله عز وجل : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء ٨٩].
واعلم أنه لا
يجوز أن تقول : قائما زيد مبتدئا بهذا من غير حال تدل عليه ، لأنه يجوز أن يكون
التقدير : أثبت قائما ، وتكلم قائما ، وشبهه مما لا يحصر.
فأما قوله : «عائذا
بالله من شرها».
فإنما جاز ذلك
لأنه رأى شيئا يتقى فصار عند نفسه في حال استعاذة حتى صار في منزلة الذي رآه في
حال قيام أو قعود ، فقال : عائذا بالله ، كأنه قال : أعوذ بالله عائذا.
وأنشد لعبد
الله بن الحارث السهمي من الصحابة :
* ألحق عذابك بالقوم الذين طغوا
|
|
وعائذا بك أن
يعلوا فيطغوني
|
__________________
فنصب «عائذا»
على الحال المؤكدة بها كأنه قال : أعوذ بك عائذا.
ومثله :
* أراك جمعت مسألة وحرصا
|
|
وعند الحق
زحارا أنانا
|
كأنه قال :
زحيرا وأنينا ، هذا قول سيبويه.
فأجرى زحارا
مجرى زاحر في أنه حال ، والعامل فيها الفعل المضمر على ما تقدم.
ويجوز أن تجعل
أنينا مصدرا للفعل الذي يعمل في «زحار» أو «لزحار» نفسه ، فيكون التقدير : تزحر
أنينا ؛ لأن معنى تزحر وتئن متقاربان فهو كقولك : تبسمت وميض البرق.
هذا باب ما جرى من الأسماء
التي لم تؤخذ من الفعل
مجرى الأسماء التي
أخذت من الفعل
وذلك قولك :
أتميميّا مرة وأسديا أخرى.
هذا الباب مثل
الذي قبله إلا أن الاسم هنا ليس بمأخوذ من فعل ، فأحوج إلى تقدير فعل يعمل فيه من
غير لفظه مما شاهده في حاله.
قال سيبويه : «وحدثنا
بعض العرب أن رجلا من بني أسد قال يوم جبلة ـ واستقبله بعير أعور فتطير منه فقال :
يا بني أسد أعور وذا ناب».
فنصب كأنه قال
: تستقبلون أعور ، وحذف الفعل للحالة الدالة عليه.
ويوم جبلة :
يوم لبني عامر على بني أسد وذبيان وتطير هذا الأسدي على قومه من استقبالهم هذا
البعير الأعور فحقق حذره وهزموا.
قال : «ومثل
ذلك قول الشاعر» :
* أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة
|
|
وفي الحرب
أشباه النساء العوارك
|
هجاهم بما
شاهدهم عليه من التنقل والتلون بكونهم في حال السلم مثل الحمير من قوتهم وغلظتهم
على الأهل ، وفي الحرب : مثل النساء الحيض من اللين والانقباض توبيخا لهم ، لأنهم
في الحالتين على طريق الذم.
وقال آخر :
* أفي الولائم أولادا لواحدة
|
|
وفي العيادة
أولادا لعلات
|
هذا أيضا ذم ؛
لأنه وصفهم بالنهم والتواصل من أجل الطعام ، فإذا كانوا في الولائم كانوا متآلفين
كأنهم إخوة بنو أم واحدة ، وفي قضاء حقوق بعضهم لبعض متقاطعين
__________________
متهاجرين كأنهم أولاد علات ، وهي الأمهات الشتى.
وأنشد للفرزدق
:
* ألم ترني عاهدت ربّي وإنني
|
|
لبين رتاح
قائما ومقام
|
على حلف لا
أشتم الدهر مسلما
|
|
ولا خارجا من
فيّ زور كلام
|
قال : «أراد
ولا يخرج في ما استقبل»
قال : «ولو
حمله على أنه نفى شيئا هو فيه ولم يحمله على عاهدت لجاز».
وإلى هذا الوجه
كان يذهب عيسى بن عمر في ما نرى ؛ لأنه لم يكن يحمله على عاهدت.
وفسره أبو
العباس وأبو إسحاق الزجاج ؛ بأنه جعل «لا أشتم» جواب يمين ، إما يكون جواب حلفه ،
كأنه قال : عاهدت ربي على أن حلفت لا أشتم الدهر مسلما. أو يكون «عاهدت» بمعنى
أقسمت فيكون أيضا جوابا له ، ويكون التقدير ولا يخرج خروجا ، عطفا على لا أشتم ،
وجعل خارجا في معنى خروجا.
قال المبرد : «ومثله
قم قائما ، أي : قم قياما ، وفسر قول عيسى أن خارجا حال معطوف على موضع لا أشتم ،
كأنه قال : لا شاتما مسلما ولا خارجا من في ...».
وجعلا العامل
في الحال ـ على مذهب عيسى ـ عاهدت كأنه قال : عاهدت ربي لا شاتما الدهر مسلما
والمعنى على نفس ذلك ومقدارا أن لا أفعله.
وكلام سيبويه
يخالف هذا ؛ لأنه قال ـ يعني عيسى ـ «لم يكن يحمله على عاهدت».
ومعنى قول
سيبويه : «ولو حمله على أنه نفى شيئا هو فيه».
أي : نفى الحال
، وهو قوله : لا أشتم الدهر ولا خارجا ، وإذا لم يكن العامل في الحال «عاهدت» على
ما حكاه سيبويه عن عيسى ، فنصبه على أحد وجهين :
ـ إما أن يكون
مفعولا ثانيا لقوله : ترني.
ـ وإما أن يكون
محمولا على حلفه ، كأنه قال : على أن حلفت لا شاتما ولا خارجا ، والمصدر يعمل عمل
الفعل في الحال وغيره.
هذا باب ما يجري من
المصادر مثنّى منتصبا
على إضمار الفعل
المتروك إظهاره
وذلك قولك :
حنانيك. كأنه قال : تحنّنا بعد تحنن
وقال الشاعر :
__________________
* أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا
|
|
حنانيك بعض
الشر أهون من بعض
|
اعلم أن
التثنية في هذا الباب الغرض منها التكثير ، وأنه شيء يعود مرة بعد أخرى ، ولا يراد
بالتثنية اثنان فقط.
والدليل على
التكثير بلفظ التثنية أنك تقول : ادخلوا الأول فالأول ، وجاءني القوم رجلا ، ولا
تحتاج إلى تكريره أكثر من مرة واحدة.
وهذا المثنى
كله غير متصرف ، لا يكون إلا مصدرا منصوبا أو اسما في موضع الحال ، وإنما لم يتمكن
؛ لأنه دخله بالتثنية معنى التكثير لا معنى التثنية ، وخص بهذا دون غيره ، فلم
يتصرفوا فيه ، وبعضه يوجد فيتصرف ؛ لأنه لم يدخله معنى غير الذي يوجبه اللفظ ، وهو
أصل الاسم الموضوع.
قال الشاعر :
* فقالت حنان : ما أتى بك ههنا؟
|
|
أذو نسب أم
أنت بالحي عارف
|
فرفع لما أفرد.
وأما لبيك
وسعديك فتثنية ، ولا يفرد واحد منهما لما ذكرته لك من معنى التكثير.
ولبيك مأخوذ من
قولهم : ألبّ الرجل بالمكان إذا أقام به.
وسعديك مأخوذ
من السعادة والمتابعة ، وقد فسر سيبويه معنيهما بما أغنى عن التفسير ههنا.
قال : «ومن ذلك
قولهم : دواليك ، قال عبد بني الحسحاس» :
* إذا شق برد بالبرد مثله
|
|
دواليك حتى
ليس للبرد لابس
|
وهذا من فعل
العرب في الجاهلية ، إذا أراد الرجل أن يقعد مع امرأة شق كل واحد منهما ثوب الآخر
ليؤكد المودة.
ودواليك مأخوذ
من المداولة وهو في موضع الحال ، كأنه قال : فعلنا ذلك متداولين متعاقبين للفعل
الذي فعلاه.
ومن التثنية :
هذا ذيك : مأخوذ من هذّ يهذّ ومعناه السرعة في القراءة وفي الضرب وغيره.
قال الراجز :
* ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا
__________________
الوخض :
التحريك ، والهذ : القطع بسرعة ، وثناه لما أراد من معنى التكثير.
ومثل ذلك قولهم
: «حواليك» بمعنى حوالك ، وثنوه لأنهم يريدون الإحاطة من كل وجه ، ثم يقسمون
الجهات التي تحيط به إلى جهتين ، ولا يريدون أن جهة من جهاته قد خلت ، وقد يفرد
فيقال حوالك.
قال الراجز :
* أهدموا بيتك؟ لا أبالكا
|
|
وزعموا أنك
لا أخا لكا
|
وأنا
أمشي الدّألي حوالكا
|
فوحد حوالك.
وزعم الجرمي عن
أبي عبيدة أن العرب تقول : هذا بقوله أضب للحسل وهو ولده حيث كانت الأشياء تتكلم ؛
وإنما هذا على طريق المثل لا على الحقيقة.
ويقال مر يدأل
: إذا مر بحمل ثقيل.
وزعم يونس أن «لبيك»
اسم واحد غير مثنى وأن الياء التي فيه كالياء التي في : عليك ولديك.
وخالفه سيبويه
وأنشد :
* دعوت لما نابني مسورا
|
|
فلبي فلبي
يدي مسور
|
فجعل الياء في
لبي للتثنية كالياء في يدي ولو كانت كالياء في «عليك» لقال فلبّي يدي ، كما تقول :
على زيد مال.
هذا باب ما ينتصب فيه
المصدر المشبه به على إضمار الفعل المتروك إظهاره
وذلك قولك : مررت به
فإذا له صوت صوت حمار
قال الشاعر :
* لها بعد إسناد الكليم وهدئه
|
|
ورنة من يبكي
إذا كان باكيا
|
هدير هدير
الثور ينفض رأسه
|
|
يذب بروقيه
الكلاب الضواريا
|
يصف طعنة لها
خرير مما يجري من دمها ، والكلم : المطعون وإسناده : أن يسند ، والرنة : صوت
الباكي ، وهدير الثور : خواره إذا قاتل الكلاب ، شبه خرير الطعنة به.
واعلم أن النصب
في هذا الباب على وجوه :
__________________
ـ منها أن يكون
انتصاب الاسم بفعل يدل عليه «له صوت» لأن «له صوت» يدل على أنه يصوت كأنه قال :
مررت به فإذا هو يصوت صوت حمار فيكون على هذا التقدير مصدرا.
وإن شئت كان
حالا ، وهو في كلا الأمرين على معنى التشبيه
ـ فأما المصدر
: فتقديره يصوت صوتا مثل صوت حمار.
ـ وأما الحال :
فتقديره : فإذا هو يصوت مشبها صوت حمار ، أو مخرجا مثل صوت حمار ، أو ممثلا صوت
حمار.
ويجوز أن يكون
نصبه بإضمار فعل ، ويكون ذلك الفعل من لفظ الصوت ، ويجوز أن يكون من غير لفظه.
ـ فإن كان من
لفظه ، فتقديره : له صوت يصوت صوت حمار ، ويكون على هذا التقدير مصدرا وحالا على
ما تقدم.
وإن كان الفعل
المقدر من غير لفظه نصب على الحال لا على المصدر ، فيكون تقديره ، له صوت : يخرجه
مشبها صوت حمار ، ويمثله مشبها أو ما جرى مجراه.
واحتج سيبويه
لإضمار الفعل بعد قوله بقول الشاعر :
* إذا رأتني سقطت أبصارها
|
|
دأب بكار
شايحت بكارها
|
فنصب دأب بإضمار
فعل دل عليه ما قبله ، كأنه قال : دأبت دأب بكار.
ومذهب سيبويه
أنه إذا جاء المصدر من فعل ليس من حروفه ، كان بإضمار فعل من لفظ ذلك المصدر ، فمن
أجل هذا استدل على إضمار فعل ـ بعد قوله «له صوت» بهذا الشعر ؛ لأن قوله : «دأب
بكار» منصوب وليس قبله فعل من لفظه. فأضمر : دأبت أو تدأب.
وقوله «سقطت»
دليل عليه ؛ لأن المعنى أدامت النظر إلي.
والدأب هنا :
دوام النظر ، فكان في سقطت أبصارها «بالنظر إليه ما دل على أنها دأبت ودامت» ،
وينتصب على الحال وعلى المصدر.
وقيل المعنى
إذا نظرت إليّ تسقط أبصارها هيبة لي ، أي تغطي أبصارها دأب بكار ، أي كعادة بكار ،
جمع بكر ، شايحت ، أي حاذرت فأغضت أبصارها ، كأنه يعني جماعة تهابه.
وكان أبو
العباس يرد هذا من قول سيبويه ويقول : إنه يجوز أن يجيء المصدر من فعل ليس من
حروفه إذا كان في معناه.
وذكر المازني
في قولهم : «تبسمت وميض البرق وجهين» :
__________________
ـ أحدهما : مثل
قول سيبويه : أنهم يضمرون فعلا كأنهم قالوا : أومضت
وميض البرق.
ـ والثاني : أن
يكون منصوبا «تبسمت».
قال سيبويه :
ومما لا يكون حالا ويكون على الفعل المضمر قول رؤبة :
* لوحها من بعد بدن وسنق
|
|
تضميرك
السابق يطوي للسبق
|
أراد أنك نصبت «تضميرك
السابق» ، ودل على ذلك لوحها ؛ لأن معنى لوحها : غيرها ، وضمرها في معناه ، ونصبه
على المصدر ، ولا يكون حالا ؛ لأنه مضاف إلى الكاف متعرف به.
والبدن : السمن
، والسنق : أن تكره الطعام والكلأ ، ومعنى يطوي : يضمر للسباق.
وأنشد للعجاج :
* ناج طواه الأين مما وجفا
|
|
طي الليالي
زلفا فزلفا
|
سماوة
الهلال حتّى احقوقفا
|
«فسماوة» عند سيبويه مصدر ولا فعل
له من لفظه ، فصار بمنزلة «لوحها تضميرك» و «سقطت دأب بكار».
وكان المازني
يرد هذا ، ويجعل «سماوة» مفعول طي ، كأنه قال : كما تطوي الليالي سماوة الهلال ،
وسماوة الشيء : شخصه ، ويقال أعلاه ، والليالي تطوي القمر وتضمره حتى يصير هلالا.
واحقوقف على التفسير للهلال ، ومعناه تقوس ، وعلى مذهب سيبويه : كأنه قال : سما
سماوة الهلال إذا أضمر من لفظه ، وإذا أضمر من غير لفظه ، فكأنه قال : ضمر سماوة
الهلال.
وكان الزجاج
يرد على المازني ويقول : لو كان سماوة يعمل فيه طي الليالي لكان حق الكلام أن يقول
: سماوة القمر ؛ لأن الليالي تنقص القمر حتى يصير هلالا ، ولا يقال : إن الليالي
تنقص الهلال.
وللمحتج عن المازني
أن يقول : قد ينسب الفعل إلى الاسم في منتهاه ، وإن كان الفعل قد وقع قبل ذلك ،
كقول القائل : نسجت الثوب ، والثوب لا ينسج ، إنما ينسج الغزل فإذا انتهى صار
ثوبا.
ويجوز أن يكون
احقوقف للحمل على الناجي الذي طواه الأين ، ويجوز أن يكون الهلال.
وأنشد أيضا
لأبي كبير :
__________________
* ما إن يمس الأرض إلا منكب
|
|
منه وحرف
الساق طي المحمل
|
فنصب «طي
المحمل» ، وليس قبله فعل من لفظه ، ولكن قوله : «ما إن يمس الأرض» دليل على معنى «طوى»
فأضمر لدلالته عليه.
وجعل سيبويه
هذا دليلا على ما ذكره من إضمار فعل غير المذكور ، وقوى ذلك أيضا بقوله : «وإنما
أنت شرب الإبل».
فهذا لا بد فيه
من إضمار الفعل ، فإذا أضمر ههنا أضمر فيما قبله ، والمحمل هاهنا : حمالة السيف ،
وشبه طي الرحل وضمره بطي المحمل.
قال : «وزعم
الخليل ـ رحمه الله ـ أنه يجوز أن تقول : هذا رجل أخو زيد على الصفة إذا أردت أنه
مثل أخي زيد».
واستضعفه
سيبويه ، وقال : «لو جاز هذا لقلت : هذا قصير الطويل ، تريد مثل الطويل» ولجاز أن
تقول : جاءني زيد أخاك على الحال وهذا يقبح جدا.
قال : «وهو في
الصفة أقبح لأنك تنقض ما تكلمت به».
يريد أن الصفة
والموصوف كشيء واحد ، فلا يجوز أن يكون أحدهما معرفة والآخر نكرة ، والحال مع
صاحبها ليسا كشيء واحد فصار في الصفة أقبح.
هذا باب ما يختار فيه
الرفع
وذلك قولك : له علم
علم الفقهاء ، وله رأي رأي الأصلاء
اعلم أن جميع
هذا لا يكون فيه إلا الرفع ؛ لأنه يقال : إلا لمن استقر فيه وثبت فبعد النصب فيه ،
إذ لم يكن في الكلام حالة تدل على الفعل.
فأما قولك : «له
صوت صوت حمار» فإنما هو معالجة للصوت وإخراجه ، ولو أراد بقوله : له علم تعلم وفهم
لجاز النصب ، ولكن المفهوم من كلام الناس وما جرت به عادتهم أن ذلك مدح للمذكور
بخصال قد استقرت فيه من العلم والفهم وغير ذلك.
هذا باب ما يختار فيه
الرفع إذا ذكرت المصدر
الذي يكون علاجا
وذلك قولك : له
صوت صوت حسن.
والرفع في هذا
أحسن ؛ لأنك ذكرت اسما هو الأول ، فحسن أن يكون محمولا عليه وصفا أو بدلا وقد يجوز
نصبه على معنى يصوت صوتا حسنا على الحال وعلى المصدر.
وأنشد لرؤبة :
__________________
* فيها ازدهاف أيما ازدهاف
وقبل هذا :
قولك أقوالا مع
التحلاف.
والازدهاف :
الشدة والأذى. وحقيقته : استطارة القلب والعقل من شدة الجزع والحزن ، ونصب أيما
على تقدير : تزدهف أيما ازدهافا ، ودل على الفعل قوله : فيها ازدهاف ، فصار بدلا
منه.
هذا باب ما الرفع فيه
الوجه
وذلك قولك : هذا صوت
صوت حمار
الفرق بين هذا
وبين «له صوت» أن الذي له صوت هو فاعل الصوت ، ففيه دليل على أنه يصوت صوت حمار.
وقولك «هذا صوت» الثاني هو الأول ، وليس في الكلام ذكر فاعل يفعل الصوت فبعد من
النصب.
قال : «ولو نصب
لكان وجها ؛ لأنه إذا قال : هذا صوت ، فقد أحاط العلم أنه مع الصوت فاعلا يفعله
فتحمله على المعنى» كما قال :
* قد سالم الحيات منه القدما
|
|
الأفعوان
والشجاع الشجعما
|
فنصب الأفعوان
بفعل دل عليه المعنى ، وقد تقدم شرحه
هذا باب ما لا يكون
فيه إلا الرفع
وذلك قولك : له يد يد
الثور ،
وله رأس رأس الحمار
هذا لا يكون
فيه إلا الرفع ؛ لأنه جوهر وليس بمصدر يتوهم فيه فاعل يفعله كالصوت ونحوه.
هذا باب آخر لا يكون
فيه إلا الرفع
وذلك قولك :
صوته صوت حمار ... ووجدي به وجد ثكلى
فالرفع واجب في
هذا ؛ لأن قولك : صوته مبتدأ وصوت حمار خبره على معنى : مثل صوت حمار.
* وجدي بها وجد المطل بعيره
|
|
بنخلة لم
تعطف عليه العواطف
|
فإن قلت مررت
به فإذا صوته صوت حمار جاز النصب والرفع :
ـ فأما الرفع
فعلى قولك : خرجت فإذا زيد قائم.
__________________
ـ وأما النصب
فعلى أن تكون «إذا» خبرا يتم بها الكلام فتضمر قبل «صوت حمار» فعلا يعمل فيه. وإن
شئت نصبته على الحال.
هذا باب ما ينتصب من
المصادر لأنه عذر لوقوع الأمر
وذلك قولك :
فعلت ذاك حذار الشر ، وفعلته مخافة فلان ، وادخار فلان
قال حاتم :
* وأغفر عوراء الكريم ادخاره
|
|
وأعرض عن شتم
اللئيم تكرما
|
وقال الحارث بن
هشام :
* فصفحت عنهم والأحبة فيهم
|
|
طمعا لهم
بعقاب يوم مفسد
|
ويروى «ففررت
عنهم» والمعنى أنه فر عن أعدائه المحاربين له منهزما وأحبته فيهم طمعا أن يعيش
فيعود عليهم بيوم يعاقبهم فيه. وهذا البيت من أحسن الاعتذار فيما يأتيه المرء من
قبيح الفعل.
وقال العجاج :
* يركب كل عاقر جمهور
|
|
مخافة وزعل
المحبور
|
والهول
من تهول المهبور
|
العاقر : ما لا
ينبت من الرمل. والجمهور : الكثير ، والزعل : النشاط. والمحبور : المسرور ، أي : يركب
هذا الثور الموصوف ، فأعظم من الرمل مرة لخوفه من الصائد ، ومرة لنشاطه وسروره.
ويروى : «والهول
من تهول المهبور» برفع الهول على الابتداء ، والهبور : الخوف والجبن.
واعلم أن
المصدر المفعول له إنما هو السبب الذي له يقع ما قبله وهو جواب لقائل قال : لم
فعلت كذا وكذا؟ فقال : بكذا وكذا ، كرجل قال لرجل : لم خرجت من منزلك؟ فيقول :
لابتغاء رزق الله.
وبعضهم يقدره «بلولا»
ومعناه : لو لا ابتغاء رزق الله ما خرجت ، وهو على ضربين :
ـ أحدهما : أن
تفعل فعلا تجتذب به فعلا آخر كقولك : احتملتك لاجتلاب مودتك فهذا معنى يجتذبه
باحتماله.
ـ والوجه الآخر
: أن توقع بالفعل الأول معنى حاصلا وتجتذب به معنى آخر كقولك : فعلت هذا حذار شر ،
كأن الحذار معنى حاصل يزيله بفعل ذلك الشيء ، ويجتذب ضده من الأمر.
ويجوز أن يكون
هذا المصدر معرفة ونكرة ؛ لأنه ليس بحال فيحتاج إلى لزوم النكرة
__________________
هذا باب ما ينتصب من
المصادر لأنه حال وقع فيه الأمر ..
وذلك قولك :
قتلته صبرا ، ولقيته كفاحا ، ورأيته ركضا وعدوا ومشيا.
اعلم أن مذهب
سيبويه في قولك : أتيت زيدا مشيا وقتلته صبرا ، وما كان مثله أن المصدر في موضع
الحال ، كأنه قال : أتيته ماشيا ، وقتلته مصبورا ، إذا كان حالا من الهاء.
وإن كان من
التاء فتقديره صابرا ، والصبر هنا : الحبس على القتل وليس بقياس مطرد لأنه شيء وضع
في غير موضعه.
وكان أبو
العباس يجيز هذا من كل شيء يدل عليه الفعل ، فأجاز :
أتانا سرعة ،
وأتانا رجلة ، ولم يجز أتانا ضربا ، ولا أتانا ضحكا ؛ لأن هذا ليس من ضروب الإتيان
، والسرعة والرجلة من ضروب الإتيان.
وكان يقول : إن
نصب «مشيا» إنما هو بالفعل المقدر كأنه قال : «أتانا يمشي مشيا».
وكان الزجاج
يذهب إلى تصحيح قول سيبويه أنه على الحال وهو الصواب ؛ لأن قول القائل : أتانا زيد
مشيا ، يصح أن يكون جوابا لقائل قال : كيف أتاكم زيد؟
ولو كان على ما
قاله المبرد ـ إن الناصب للمصدر : الفعل المضمر ، وإن ذلك الفعل في موضع الحال ـ لجاز
أن يقول : أتانا زيد المشي وهو لا يجيز هذا. وعلى قياسه يلزمه ، وذلك أن الفعل
يعمل في مصدره معرفة ونكرة.
وأنشد لزهير :
* فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا
|
|
على ظهر
محبوك ظماء مفاصلة
|
فالتقدير فيه :
فلأيا بلأي حملنا «وما» زائدة ولأيا : بطئا وجهدا ، وهي في موضع الحال ، كأنه قال
: حملنا وليدنا مبطئين وجاهدين ، ويقال : التأت عليه الحاجة : إذا بطأت.
والمحبوك :
الشديد الخلق. والظماء : القليلة اللحم الضئيلة ، يعني قوائمه ومفاصله.
وأنشد أيضا :
* ومنهل وردته التقاطا
أي فجأة ،
وتقديره : ملتقطة.
وهذا باب منه في
الألف واللام
وذلك قولك : أرسلها
العراك
وقال لبيد :
* فأرسلها العراك ولم يذوها
|
|
ولم يشفق على
نغص الدخال
|
__________________
فنصب العراك
وهو مصدر عارك يعارك : إذا زاحم. وجعل العراك في موضع الحال وهو معرفة ، وجاز هذا
لأنه مصدر ، ولو كان اسم فاعل لم يجز. يصف أنه وجه الإبل ولم يرتبها فأرسلها
مزدحمة على الماء ، ولم يشفق على بعض الدخال.
والدخال : أن
يقع الضعيف بين قويين فيتنغص عليه شربه ، أي : أرسلها مزدحمة ولم يشفق على الماشية
منها.
ومثل هذا قول
أوس بن حجر :
* فأوردها التقريب والشد منهلا
|
|
قطاة معيد
كرة الورد عاطب
|
أي : فأوردها
تقريبا وشدا في معنى : مقربا وشادا.
هذا باب ما جعل من
الأسماء مصدرا كالمضاف في الباب الذي يليه
وذلك قولك :
مررت به وحده ومررت بهم ثلاثتهم.
ومثل ذلك قول
الشماخ :
* أتتني تميم قضها بقضيضها
|
|
تمسح حولي
بالبقيع سبالها
|
هذا البيت
منسوب في النسخ إلى الشماخ : هو لأخيه مزرد.
والنحويون
يروونه في الاستشهاد منصوب اللام من سبالها ، وهي مرفوعة لأن سائر الأبيات كذلك ،
ويتصل بهذا :
* يقولون لي احلف ، قلت لست بحالف
|
|
أخادعهم عنها
لعلي أنالها
|
ومن روى الأول
بالنصب ينشد «لكيما أنالها» ، والمعنى أتتني تميم منقضين عليّ : أي مجتمعين ، وهو
مأخوذ من القض ، وهو الكسر ، وقد يستعمل الكسر في موضع الوقوع على الشيء بسرعة ،
كما يقال : عقاب كاسر ، أي : منقضة.
والمعنى : أنه
كان عليه دين ، فوصف أنهم جاءوا عليه وهم يهيئون لحاهم. والبقيع : موضع.
هذا باب ما يجعل من
الأسماء مصدرا كالمصدر الذي فيه الألف واللام
نحو : العراك
وهو قولك :
مررت بهم الجماء الغفير.
اعلم أن الجماء
هي اسم والغفير نعت لها. وهو بمنزلة قولك : الجم الغفير. أي : الكثير ؛ لأنه إنما
يراد به الكثرة. والغفيرة يراد به أنهم قد غطوا الأرض من كثرتهم ، من قولهم : غفرت
__________________
الشيء ، أي : غطيته ، ونصب على الحال وهو اسم مشبه بالعراك ، كأنك قلت :
مررت بهم الجموم الغفر ، على معنى مررت بهم ، وذكر بعضهم أنه يستعمل على غير حال.
وأنشد للأعشى.
* صغيرهم وشيخهم سواء
|
|
هم الجماء في
اليوم الغفير
|
وأما قاطبة وطرّا
وما أشبهها ، فمحمولة على المصدر ؛ لأن المصادر قد تخرج على التمكن فتلزم طريقة
واحدة. فلا يتجاوز بقولك : طرّا وقاطبة الحال ، كما لم يتجاوز بما تقدم من المصادر
موضعه.
وبين سيبويه
ويونس خلاف فيما ذكره سيأتي في الباب الذي يليه إن شاء الله.
هذا باب ما ينتصب لأنه
حال وقع فيه الأمر
وذلك قولك :
مررت بهم جميعا وعامة وجماعة.
اعلم أنك إذا
قلت : مررت بهم جميعا ، فله وجهان :
ـ أحدهما : أن
تريد : مررت بهم وهم مجتمعون ، كما قال الله عز وجل : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) [القمر : ٤٤].
والآخر : أن
تريد : مررت بهم فجمعتهم بمروري وإن كانوا متفرقين في مواضع.
فإذا أردت
الوجه الأول فهو حال لا وجه له غيره.
وإن أردت الوجه
الثاني ، جاز أن يكون في موضع المصدر ، كأنه قال : جمعتهم جمعا في مروري.
وإن صيرته حالا
، فعلى نحو قوله عز وجل :
(وَأَرْسَلْناكَ
لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٦] ، وقولك : قم قائما.
وعامة وجماعة
بمنزلة جميع.
وجعل سيبويه «الماء
الغفير» بمنزلة : العراك ، وجعل «طرّا» و «قاطبة» إذ لم يكونا صفتين معروفتين
بمنزلة «الجميع» ؛ لأن القطب في الأصل ضم الشيء وجمعه. والطر مأخوذ من أطرار
الطريق وهي جوانبه ، فصار طرّا وقاطبة في معنى جميعا ، وصار نصبهما كنصب مررت بهم
جميعا.
وحكي عن
المازني أنه قال : يقال : طررت القوم ، إذا مررت بهم جميعا ، وإذا صح هذا لم يوجب
تمكن «طر» لأنه يكون مأخوذا من لفظ طر كما أخذ سبح من لفظ : سبحان الله ، وهلل من
لفظ : لا إله إلا الله.
__________________
ومذهب يونس أن
الجماء الغفير اسم لأنه في موضع المصدر ، وأن الألف واللام في نية الطرح.
ورد هذا سيبويه
وألزمه أن يجيز مررت به القائم ، وجعل يونس «قضهم» «وحده» بمنزلة كلمته فاه إلى
في. فرد عليه سيبويه بأن قال «فاه إلى في غير الأول».
و «وحده» عند
يونس هو الأول.
ومعنى ذلك أن
يونس يجعل وحدة بمنزلة متواحدا أو منفردا. ويجعله للمرور به.
وقوله : «كلمته
فاه إلى في» معناه المشافهة.
وفي قول يونس
وجه آخر ، قال : إذا قلت : مررت به وحده ، فمعناه على حياله ، وعلى حياله في موضع
الظرف ، وإذا كان الظرف صفة أو حالا قدر فيه مستقر ناصب للظرف ، ومستقر هو الأول.
وأما مذهب
سيبويه في «وحده» فالذي قال أبو العباس أنه يحتمل أن يكون للفاعل والمفعول به.
ـ أما كونه
للمفعول فهو أن تقول : مررت وحده ، أي : منفردا في مكانه ، لم يكن معه غيره.
ـ والآخر أن
تجعل قصدك إليه دون غيره ، فتقول مررت به وحده ، أي : لم أعتمد غيره.
وكان الزجاج
يذهب إلى أن «وحده» مصدر وهو من الفاعل دون المفعول. فإذا قلت : مررت به وحده
فكأنك قلت : أفردته إفرادا ، ثم إن سيبويه جعل يونس ـ في جعله طرا وقاطبة اسمين لا
مصدرين ـ أعذر منه في الجماء الغفير ؛ لأنهما نكرتان ، وهما اسمان ، غير أنه لا
يقول بقوله من أجل أنه لو كانا اسمين يوصف بهما لجاز أن يستعملا متمكنين ؛ لأن هذا
سبيل الصفات التي تستعمل أحوالا.
قال : «وتقول
هو نسيج وحده».
فهذا مدح ،
وأصله أن الثوب إذا كان رفيعا لا ينسج على منواله غيره ، فكأنه قال : نسيج إفراده
، ويقال للرجل إذا انفرد بالفضل.
وأما : «عيير
وحده ، وجحيش وحده».
فهو تصغير عير
وهو الحمار. وجحيش وهو ولد الحمار ، ويذم بهما الرجل ، وهو الذي ينفرد برأيه ولا
يخالط أحدا في مشورة ولا معونة ، ومعناه أنه ينفرد بخدمة نفسه ، ويقال : عيير نفسه
وجحيش نفسه على ذلك المعنى.
هذا باب ما ينتصب من
المصادر توكيدا لما قبله
وهو قولك : هو
عبد الله حقّا ، وهذا عبد الله لا الباطل ، وهذا زيد غير ما تقول.
اعلم أن «حقّا»
وما بعده مصادر والناصب لها فعل قبلها يؤكد الجملة وذلك الفعل أحق أو ما جرى مجراه
، وذلك أنك إذا قلت : هذا عبد الله جاز أن يكون كلامك قد جرى على يقين منك وتحقيق
وجاز أن يكون على شك.
فإذا قلت «حقّا»
أكدت وبينت.
وإذا قال : «الحق
لا الباطل» فالباطل عطف على الحق «بلا» وإذا قال هذا زيد أقول : غير ما تقول ،
فكأنه قال : هذا زيد قولا غير ما تقول ، فجعل قول المخاطب باطلا وحقق قوله.
فكأنه قال :
أقول الحق.
ومثله في
الاستفهام : أجدك لا تفعل كذا وكذا. وأصله من الجد. كأنه قال : أجد ، غير أنه لا
يستعمل إلا مضافا حتى يعلم من صاحب الجد ، فيجري في لزوم الإضافة مجرى لبيك ومعاذ
الله.
وهذا باب يكون فيه
المصدر توكيدا لنفسه.
وذلك قولك : له
عليّ ألف درهم عرفا ، ومثل ذلك قول الأحوص :
* أصبحت أمنحك الصدود وإنني
|
|
قسما إليك مع
الصدود لأميل
|
يخاطب بهذا
البيت منزل محبوبته ، وكان يعرض عنه ويتجنبه لئلا يفطن له.
واعلم أن الفرق
بين هذا الباب والذي قبله ، أن الباب الأول توكيد لما قبله ، وهذا توكيد لنفسه.
فإذا قلت : هذا عبد الله حقّا. فقولك : هذا عبد الله ـ من قبل أن تذكر حقا ـ يجوز
أن يظن ما قلته حقا وأن يظن باطلا ، فتأتي ب «حقّا» لتجعل الجملة مقصورة على أحد
الوجهين المختلفين عند السامع.
وقولك : له
عليّ ألف درهم ، وهو اعتراف منك حقّا كان أو باطلا ، فصار هذا توكيدا لنفسه إذ كان
الذي ظهر فيه هو الاعتراف. وسمى سيبويه ـ أيضا ـ الباب الأول توكيدا عاما ؛ لأنه
سمي هذا توكيدا لنفسه من حيث كان توكيد الاعتراف الذي هو معنى الكلام الظاهر ، وهو
لفظ اختصاص ، فجعل الآخر عاما.
وأنشد لرؤبة :
* إن نزارا أصبحت نزارا
|
|
دعوة أبرار
دعوا أبرارا
|
ومعناه أن
نزارا وهو أبو ربيعة ومضر ، لما وقع بين ربيعة ومضر تباين وحرب بالبصرة
__________________
وصارت ربيعة مع الأزد في قتال مضر ، وكان رئيسهم مسعود بن عمرو الأزدي ،
فقتل مسعود ، ثم إن ربيعة صالحت مضر ، فلما اجتمعت ربيعة ومضر بعد أن افترقت قال
الشاعر :
أصبحت نزارا
ونزار يجمع
ربيعة ومضر لأنه أبوهما.
والمعنى :
أصبحت مجتمعة الأولاد إذا دعا بعضهم بعضا إلى النصرة قال : يالنزار.
وفي حال
التباين والعداوة والحرب كان يقول المضري منهم : يا لمضر ويقول الربيعي يا لربيعة
؛ لأن أحد الفريقين لم يكن ينصر الآخر.
فقوله : «أصبحت
نزارا» بمنزلة دعاء بعضهم بعضا بهذا اللفظ ، ثم جاء بالمصدر وهو : «دعوة أبرار»
توكيدا لذلك ، وأضافه إلى الفاعل تبيينا وتخصيصا.
وأنشد للراعي :
* دأبت إلى أن ينبت الظل بعد ما
|
|
تقاصر حتى
كاد في الآل يمصح
|
وجيف المطايا
ثم قلت لصحبتي
|
|
ولم ينزلوا :
أبردتم فتروحوا
|
فنصب «وجيف
المطايا» على نحو ما مضى في الباب ؛ لأن دأبت قد دل على أنه بمعنى سرت سيرا شديدا
دائما ، فصار بمنزلة قولك : أوجفت ، فجعل أوجيف المطايا توكيدا لأوجفت الذي هو في
ضميره.
ومعنى قوله : «إلى
أن ينبت الظل» أي : إلى وقت الزوال إذا زال الظل.
ومعنى يمصح :
يذهب والوجيف : سير سريع والإبراد : إقبال برد العشي.
والدخول فيه.
هذا باب ما ينتصب من
المصادر لأنه حال
صار فيه المذكور
ذلك قولك : أما
سمنا فسمين ، وأما علما فعالم ... وأمّا نبلا فنبيل.
قال أبو إسحاق
الزجاج : هذا الباب لم يفهمه أحد إلا الخليل وسيبويه ، ومعناه أن رجلا يدعى أو تدعى
له أشياء فيعرف ببعضها فتدخل «أما» على ذلك ، كأن قائلا قال : أنا عالم وأنا دين
وأنا شريف ، فأنكر السامع بعض ما قال وعرف بعضا ، فقال : مهما تذكر من شيء فأنت
الرجل لعلم ، وحذفت اللام ونصب.
وكذلك إذا قال
: هذا الفرس سمين وجواد ، قيل له : مهما تذكر ، فهو سمين من أجل سمن أو بسمن.
__________________
واعلم أن «أما»
عند سيبويه قد نابت عن شرط الجزاء ؛ والفاء وما بعدها جواب ، والشرط الذي نابت عنه
«أما» يجوز فيه وجهان :
ـ أحدهما : أن
يحذف جميعه ويقدم اسم ما بعد الفاء من اسم أو ظرف أو شرط فيكون تقديم ذلك على
الفاء عوضا من المحذوف.
ـ والآخر : أن
يكون ما قبل الفاء جزاء من الشرط المحذوف.
فأما الاسم
فقولك : أما زيدا فضربت ، والتقدير مهما يكن من شيء فقد ضربت زيدا.
وأما الظرف
فقولك : أما يوم الجمعة فلا تخرج ، والتقدير : مهما يكن من شيء فلا تخرج يوم
الجمعة.
ـ وأما الشرط ،
فقولك : أما إن جاء زيد فأكرمه ؛ لأن التقدير : مهما يكن من شيء فإن جاءك زيد
فأكرمه.
فهذا تمثيل ما
تقدم بعد الفاء.
وأما ما يكون
قبل الفاء جزاء من الشرط المحذوف بعضه المبقّى بعضه ، فقولك : «أما علما فلا علم
عند زيد».
فالعلم المنصوب
، بما دل عليه «أما» ، وتقديره : مهما يذكر زيد علما ، أي : من أجل علم أو لعلم
فلا علم عنده.
فلا يجوز أن
يكون العامل في «علما» ما بعد الفاء ؛ لأنه لا يعمل فيما قبله ، ألا ترى أنك لو
قلت : «لا علم عند زيد» لم يحسن أن تقول : عند زيد لا علم.
واعلم أن
الظاهر من كلام سيبويه أنه ينصب هذه المصادر على الحال ، وقد دل على ذلك بترجمة
الباب.
وكذلك قولك : «أنت
الرجل علما ودينا وفهما وأدبا».
ثم عقب في
الباب بأن جعل هذا التقدير في مذهب بني تميم دون أهل الحجاز ؛ لأن بني تميم إذا
أدخلوا اللام على المصدر لم يجروه مجرى الأول ورفعوه ، وأهل الحجاز يجرونه مجرى
الأول فينصبونه ، فدل ذلك عنده على أن أهل الحجاز يذهبون في نصب ذلك إلى أنه مفعول
له ، والمفعول له يكون معرفة ونكرة ، وأن بني تميم يذهبون به مذهب الحال ، والحال
لا تكون إلا نكرة.
فإذا قالوا :
أما العلم فأنا عالم ، رفعوا العلم بالابتداء ، وتقديره : مهما يكن من شيء ،
فالعلم أنا عالم به ، فإذا قالوا : أما العلم فأنا عالم بالعلم فهو على ضربين :
ـ إن جعلت
العلم الأول هو الثاني ، رفعته كأنك قلت : فأنا عالم به.
ـ وإن جعلت
الأول غير الثاني ، نصبت الأول ويكون تقديره : أما العلم فأنا عالم
بزيد ، فنصبه المصدر ، كأنك قلت : مهما يكن من شيء فأنا عالم بزيد العلم ،
ثم قدمته على هذا الوجه.
ومعنى قوله : «إن
العلم الأول غير العلم الثاني» مفهوم لأن الإنسان قد يقول : فلان عالم بالفقه أو
بالنحو أو غير ذلك ، فتكون منزلة الفقه ، وإن كان علما من العلوم بمنزلة «زيد» في
قولنا : هو عالم بزيد. فإذا جاز أن تقول هو عالم بزيد علما ـ والعلم غير زيد ـ جاز
أن تقول : هو عالم بالفقه علما ، والعلم غير الفقه.
وأما قول
سيبويه «فعمل فيه ما قبله وما بعده» بعد ذكره : «وأما سمنا فسمين».
فمعنى «ما قبله»
ما تتضمنه الجملة التي تدل عليها «أما» كأنه قال : مهما يذكر زيد سمنا فهو سمين ،
لأن هذا الكلام إنما جرى على إنسان مذكور ، وحذف ذكره استغناء ، وأما «ما بعده»
فيعني به : سمين ؛ أنه قد عمل في سمن فنصبه.
وأنشد سيبويه :
* ألا ليت شعري هل إلى أمّ عامر
|
|
سبيل؟ فأمّا
الصبر عنها فلا صبرا
|
فالناصب للصبر
ما قبل الصبر من التقدير ؛ لأنه ليس فيما بعده ما يعمل فيه ، فكأنك قلت : مهما ترض
الصبر وتذكر الصبر فلا صبرا. وبنو تميم يقولون : أما الصبر عنها بالرفع كما قالوا
: أما العلم فعالم على إضمار الهاء وعلى مذهب أهل الحجاز يكون الصبر مفعولا له
كأنه قال : مهما تذكر الشيء للصبر فلا صبر.
وأنشد تقوية
لبني تميم :
* ألا يا ليل ويحك نبّئينا
|
|
فأمّا الجود
منك فليس جود
|
أي : «ليس لنا
منك جود».
وتصحيح الكلام
أن الجود مبتدأ ، ولا بد من عائد إليه ، فالتقدير : أما الجود منك ، فليس لنا جود
له ، أو من أجله أو نحو ذلك.
قال : «ومثل
ذلك من الصفات : أما صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف ... وأما عالما فعالم».
ثم قال : «والرفع
لا يجوز هنا لأنك قد أضمرت صاحب الصفة».
يريد أن قوله :
أما صديقا مصافيا فهو حال ، وقد أضمر الذي منه الحال كأنه في التقدير : أما صديقا
مصافيا فليس زيد بصديق مصاف.
__________________
ومعنى قوله : «أضمرت
صاحب الصفة».
أي : أضمرت
زيدا الذي هو صديق مصاف ، وهو يسمّي الحال صفة.
وقال المبرد :
العامل في «صديقا مصافيا» هو ما يقدر قبل الفاء مما يدل عليه أما ، كأنه قال :
مهما تذكر زيدا
صديقا مصافيا فليس بصديق مصاف ، ولا يعمل فيه «بصديق» لأن ما بعد الفاء لا يعمل
فيما قبلها.
وخالفه غيره من
النحويين ، قالوا : يجوز عمل ما بعد الفاء فيما قبلها ؛ لأنها ههنا زائدة ، دخولها
كخروجها.
وظاهر كلام
سيبويه أن رفع الصفة المذكورة لا يجوز البتة ، وهو جائز على ضعف ، وقد حكى مثله في
الباب الذي بعده وهو قوله :
«أمّا ابن
مزنية فأنا ابن مزنية».
فهذا وصف نكرة
كما ترى ، وجعل بمنزلة المعرفة في الابتداء ، فلا يبعد فيما كان من الصفات نكرة أن
يجري مجراه ، وإن كان هذا أقوى من غيره لاختصاصه بنوع معروف.
واعلم أن
الدليل القاطع على أن المصدر النكرة في هذا الباب يكون حالا وعلة : أن العرب تضع
موضع ما لا يكون إلا حالا البتة أو علة البتة. كقولك : أما عالما فعالم ، فقولك «عالما»
لا يكون مفعولا له ؛ لأن اسم الفاعل لا يقع علة لغيره ، كما يقع المصدر ، فلما وقع
قولك : أما علما فعالم موقع ، أما عالما فعالم ، علمنا أن المصدر حال لوقوعه موقع
ما لا يكون إلا حالا.
وأما الدليل
على أن المصدر في هذا الباب يكون علة لا حالا. فوقوع «أن» مع الفعل موقعه في قولك
: أما أن يعلم فعالم. فإنّ «يعلم» علة ـ لوقوع الفعل ـ لا حال ، ألا ترى أنك لو
قلت : جئتك أن أركب ، على معنى جئتك راكبا لم يجز ، كما تقول : جئتك مشيا وعدوا ،
أي : ماشيا وعاديا.
فإن قلت : جئتك
أن تعطيني وتحملني جاز على معنى : جئتك لهذا ، ومن أجل هذا.
فلما وقع «أن
يعلم» موقع «علم» في قولك : «أما أن يعلم فعالم» ، علمنا أن «علما» الواقع موقعه :
علة مثله ، ولذلك جاز نصبه مع الألف واللام ؛ لأن العلة تكون معرفة ونكرة ، فقف
على هذا فإنه ملاك الباب.
باب ما يكون فيه
الرفع الاختيار ووجه الكلام في جميع اللغات
وذلك قولك :
أما العبيد فذو عبيد وأما العبد فذو عبد وأما عبدان فذو عبدين.
وإنما يكون
الرفع في هذا الوجه ، لأنه ليس بمصدر يقدر فعل من لفظه ينصبه على ما مضى في
المصادر ، وهو رفع بالابتداء ، وما بعده خبره. والعائد إليه محذوف كأنه قال : أما
العبيد فأنت منهم ذو عبيد أو ما جرى هذا المجرى وذكر سيبويه عن يونس أن ناسا من
العرب ينصبون هذا ، ثم أبعد ذلك وقبحه.
وكان المبرد لا
يجيزه أصلا ، وإنما أجازه سيبويه على ضعفه إذا لم يرد : عبيد بأعيانهم ، فإذا
كانوا مختصين معروفين لم يجز عنده النصب.
وكان الزجاج
يتأول في نصب العبيد تقدير الملك والملك مصدر فكأنه قال : أما ملك العبيد كما تقول
: أما ضرب زيد فأنا ضاربه.
فإذا قلت :
" أما البصرة فلا بصرة" ، و" أما أبوك فلا أباك" فهذا لا يكون
فيه إلا الرفع ، ولا يجوز فيه النصب على مذهب من أجازه في : " أما
العبد" أن هذا وما أشبهه أشياء معروفة معلومة ، فلا يجوز حملها على المصادر
المبهمة.
ويستعمل مثل
هذا في أحد معنيين :
ـ إما أن يكون
جعل أباه غير فاعل به ما يفعله الآباء من النصرة له والبر به.
ـ وإما أن تكون
الحال التي أصابت أباه أعجزته عن ذلك.
وكذلك : أما
البصرة فلا بصرة لك أما أن يكون منع من البصرة ومن منافعها.
ـ أو تغيرت
البصرة في نفسها فبطلت منافعها.
قال : "
وسمعنا من العرب من يقول : أما ابن مزنيّة فأنا ابن مزنية كأنه قال : أما ابن
مزنية فأنا ذلك".
أو فأنا هو
جعله مبتدأ وخبرا ، وإن شئت نصبته على الحال ، كما تقول : أما صديقا فأنت صديق ،
وأما صاحبا فأنت صاحب".
واعلم أنك إذا
قلت : أما أبوك فلك أب ، وأما أبوك فلا أب لك ، فما بعد الفاء خبر عن الألف
والعائد عليه مضمر والتقدير : أما أبوك فلك فيه أب ، أي : لك في ابتنائك إليه
وتحققك به أب من الآباء ونصيب صالح هذا معناه ، وجرى اللفظ على الاتساع ، وجعل
الأب كالظرف لنفسه ، وإن لم يصح ذلك فيه ، وإنما هو اتساع لفظ ، والمعنى ما ذكرت لك.
ومثله قولهم :
" لك في هذه الدار دار صالحة" و" لك في هذا الرجل رجل صدق".
وأهل الكوفة لا
يجيزون هذا حتى يخالف لفظ الآخر لفظ الأول ، فيقال : لك في هذا الدار منزل صالح ،
ولك في هذا الرجل صاحب صدق ، ويحتجون بقول الله عز وجل :
(ذلِكَ جَزاءُ
أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ) [فصلت : ٢٨]. فدار الخلد ليست من لفظ النار ، وإن كانت إياها في المعنى ،
والأمران عند أهل البصرة سواء وليس في الآية ما يوجب امتناع غيرها مما اتفق فيه
اللفظان ، لان المعنى واحد ، والاتساع في الاتفاق والاختلاف سواء فاعلمه.
باب ما ينتصب من
الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر
لأنه حال يقع فيه
الأمر ...
وذلك قولك :
كلمته فاه إلى فيّ ، وبايعته يدا بيد.
اختلف النحويون
في باب" فاه إلى فيّ" ، فالبصريون يذكرون أن الناصب كلمته ، وإنه ليس
فيه إضمار ، وجعلوه نائبا عن مشافهة ومعناه : مشافها ، وجعلوه من الشاذ المحمول
على غيره لأنه معرفة ، ولأنه اسم غير صفة وصار بمنزلة قولك : " الجمّاء
الغفير" و" رجع عوده على بدئه".
والكوفيون
ينصبون" فاه" بإضمار" جاعلا" كأنه قال : كلمته جاعلا فاه إلى
فيّ.
ويدل على قول
البصريين أنه لو كان على إضمار" جاعلا" ما كان فيه شذوذ ، ولجاز أن تقول
: كلمته وجهه إلى وجهي ، وعينه إلى عيني ، ولم يقل هذا أحد لأن الشاذ لا يقاس عليه
، وإقامة الشيء مقام غيره ليس بمستمر.
قال سيبويه :
" ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه الفعل : بعت الشاء شاة ودرهما" إلى قوله
: " تصدقت بما لي درهما درهما".
اعلم أن هذه
الأسماء المنصوبة هي حالات جعلت في موضع" مسعرا" فإذا قلت : " بعت
الشاء شاة ودرهما" فمعناه : بعت الشاء مسعرا على شاة بدرهم ، وجعلت الواو في
معنى الباء فبطل خفض الدرهم ، وجعل معطوفا على شاة فاقترن الدرهم والشاة ، لأن
الشاة مثمن ، والدرهم ثمنه ، ولاقترانهما عطف أحدهما على الآخر.
وإذا قلت :
" قامرته درهما في درهم" فمعناه : قامرته هذا الضرب من القمار ، كأنه
قال : باذلا درهما في درهم ، وهو في موضع الحال.
وإذا قلت :
" أخذت منه زكاة ماله درهما لكل أربعين درهما" فمعناه : فارضا هذا الفرض
ومقدّرا هذا التقدير.
و" بينت
له حسابه بابا" ، أي مصنفا مبوبا.
و" تصدقت
بمالي درهما درهما" ، أي : مفرقا هذا التفريق.
ويكون الذي منه
الحال في" بعت الشاء شاة ودرهما" وفي" قامرته" من التاء من
الهاء ومنهما جميعا إن شئت.
وفي" بعته
داري" من الدار ، وفي" بعته البر" من البر ، وفي" أخذت زكاة
ماله" من التاء.
فيكون التقدير
: فارضا هذا الفرض ، ومن" الزكاة" فتكون : مفروضة هذا الفرض.
وعلى هذا يجري
ما أشبهه.
قال : "
وزعم الخليل أنه يجوز بعت الشاء شاة ودرهم ، والمعنى شاة بدرهم".
ورفعه على
الابتداء والخبر ، والجملة في موضع الحال ، والتقدير شاة منه ودرهم مقرونان ، وجاز
حذف الخبر لأن الواو التي بمعنى مع : تدل على الاقتران كما يقال : " كل رجل
وضيعته" بمعنى : مع ضيعته ، والتقدير : كل رجل وضيعته مقرونان.
باب ما ينتصب فيه
الاسم لأنه حال يقع فيه السعر
وذلك قولك : لك
الشاء شاة بدرهم شاة بدرهم"
هذا يجوز فيه
الرفع والنصب :
ـ فوجه النصب :
أن تجعل" لك" خبرا يكتفي بها الكلام وتنصب" شاة" على الحال.
ـ ووجه الرفع :
أن تلغى" لك" وترفع ما بعدها بالابتداء والخبر ، وقياس هذا على قولك :
في الدار زيد قائم وقائما.
باب يختار فيه الرفع
والنصب لقبحه أن يكون صفة
وذلك قولك :
مررت ببر قبل قفيز بدرهم ، وسمعنا بعض العرب ينصبونه
أجاز سيبويه
نصب هذا على الحال جوازا حسنا ، وقبح أن يكون صفة وإنما حسن أن يكون حالا ، ولم
يحسن أن يكون صفة لأنهم قد يجعلون الجواهر أحوالا كقولك : " هذا مالك
درهما" و" هذا خاتمك حديدا" لأن الحال مفعولة ، والمفعول يكون
جوهرا وغير جوهر والصفة لا تكون جوهرا ، لا تقول : " مررت بخاتم حديد"
ولا" مررت بمال درهم" إلا على بعد من الكلام وحمل على معنى".
هذا باب ما ينتصب من
الصفات كانتصاب الأسماء في الباب الأول
وذلك قولك :
أبيعكه الساعة ناجزا بناجز.
معنى ناجزا :
بيعا ماضيا ، كأنه قال : أبيعكه بيعا مبتولا لا خيار فيه ولا مرجوع.
والناجز : صفة
لأنه من نجز ينجز وكذلك : " سادوك كابرا عن كابر" لأن معناه : من كبر
يكبر ، كأنه قال : سادوك كبيرا بعد كبير ، والمعنى أن آباءه لم يزالوا يسودوا
آباءك واحدا بعد واحد. ونصبه كنصب : " بعته رأسا برأس" إلا أن هذا ليس
بصفة ، وهو كقولك : " بعته يدا بيد" في أنهما اسمان جعلا في موضع الحال.
هذا باب ما ينتصب فيه
الصفة لأنه حال وقع فيه الأمر وفيه الألف واللّام
وذلك قولك :
ادخلوا الأول فالأول.
اعلم أن حق
الصفة أن تكون تحلية في الموصوف في حال الإخبار عنه
كقولك : القائم
والقاعد والأحمق العاقل ، فهذه أشياء حاصلة في المحلّى بها.
فإذا قلت :
ليدخل العاقل ، فقد عرف العاقل في الوقت الأمر ، فإذا قلت ليدخل الأول.
لم يجز إلا أن
يكون واحدا قد استحق هذا الاسم ، وهذا هو القياس.
وقد يتسعون في
مثل هذا فيأمرون بالفعل الذي يستحق فاعله صفة ما ، فيوقعون عليه تلك الصفة من قبل
وقوعها منه على معنى ما يكون ، فيقولون : فيدخل الأول ، ومعناه : ليدخل رجل من
القوم إذا صار الأول ، فهذا الغرض فيه قد سموه قبل استحقاقه على هذا المعنى ، ومن
أجل هذا جاز أن تجعل الأول فالأول حالا ، لأنه ليس بصفة قد استقرت فيكون بمنزلة
العاقل ، وإنما يصير أولا في ترتيب الفعل إذا سبق فأشبه النكرات.
وقال المبرد :
إنما أدخلوا الألف واللام ، إذا قلت : ادخلوا الأول فالأول ، كأن القائل قال :
أعرفكم إذا دخلتم. ولو قال : ادخلوا أولا فأولا لكان منكورا لا يعرف ترتيبهم إذا
دخلوا على ذلك.
وقال سيبويه :
" وإذا قلت : ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير رفعت على التوكيد كقولك :
ادخلوا كلكم ، ولم يجز العطف في مثل هذا بالفاء لأنها للتفرقة والواو للجمع.
وأنشد لأمية بن
أبي عائذ :
* ويأوي إلى نسوة عطّل
|
|
وشعث مراضيع
مثل السّعالى
|
فعطف شعثا على
عطل بالواو ، وهما نعتان للنسوة ولو قال : عطل فشعث لم يحسن.
هذا باب ما ينتصب من
الأسماء والصفات لأنها أحوال تقع فيها الأمور
وذلك قولك :
هذا بسرا أطيب منه تمرا
اعلم أن هذا
الباب يأتي لتفضيل شيء في زمن من أزمانه على نفسه في سائر الأزمان.
ويجوز أن يكون
زمان تفضيله ماضيا ، ويجوز أن يكون مستقبلا ، ولا بد من إضمار ما يدل على المضي
منه والاستقبال ، فإن كان زمانا ماضيا ، أضمرت" إذ" وإن كان مستقبلا
أضمرت" إذا".
فإذا قلت :
" هذا بسرا أطيب منه تمرا" وكانت الإشارة إليه في حال ما هو تمر ، فالتفضيل
وقع له فيما مضى ، فتقدره" بإذ".
وإن كانت
الإشارة إليه قبل أن يكون بسرا ، قدرته بإذا ، ونصبت تمرا وبسرا في الوجهين على
الحال ، والعامل في الحال" كان".
__________________
قال : "
البرّ أرخص ما يكون قفيزان ، أي : البرّ أرخص أحواله التي يكون عليها قفيزان ...
ومن ذلك هذا البيت تنشده العرب على أوجه ... وهو لعمرو بن معدي كرب :
* الحرب أوّل ما تكون فتيّة
|
|
تسعى ببزّتها
بكلّ جهول
|
فقوله : "
البر" مبتدأ و" أرخص ما يكون" مبتدأ ثان ، " وقفيزان"
خبره والجملة خبر الأول ، والعائد إليه محذوف كأنه قال : أرخص ما يكون البر منه
ومعناه أرخصه.
والحذف في هذه
الأشعار مطرد ، وقد أنشد سيبويه البيت على ثلاثة أوجه فرفع الأول وفتية ، ورفع
الأول ونصب فتية ، ونصب فتية ، ونصب الأول ورفع فتية.
ـ فأما من رفع
الأول وفتية وأنت" تكون" ، فإنه جعل" الحرب" مبتدأ و"
الأول" مبتدأ ثانيا. و" فتية" خبر الأول. وكان حقه أن يقول : فتيّ
لأنه خبر أول ، وأول مذكر ، ولكنه حمله على المعنى فأنّث. لأن معناه : أول أحوالها
،. فهو كقولك : بعض أحوالها ، وأنث المضاف لتأنيث المضاف إليه كقولك : " ذهبت
بعض أصابعه".
ـ والذي نصب
أول ورفع فتية ، جعل فتية خبر الحرب ، ونصب أول على الظرف ، كأنه قال : الحرب فتية
في أول ما تكون.
ـ ومن رفع أول
ونصب فتية ، فإن" أول" يكون بدلا من الحرب ، وتكون فتية منصوبة على
الحال ، كأنه قال : الحرب أول ما تكون إذا كانت فتية.
واعلم أن
العامل في" إذا"" وإذ" المقدرتين في هذا الباب : أطيب ونحوه.
وإنما جاز أن
يعمل فيهما وهو لا ينصرف ، وما لا ينصرف لا يعمل في ما قبله من الحال والمصدر لأن
العامل في الظرف قد يكون متأخرا ضعيفا يعمل في معناه.
ألا ترى أنك
تقول : زيد الساعة في الدار ، ولا تقول : زيد قائما في الدار.
وتقول : زيد
الساعة أخوك ، تريد من الصداقة ، ولا تقول : زيد قائما أخوك.
وتقول : زيد
أخوك أخوة على التوكيد ، ولا تقول : زيد أخوة مؤكدة.
أخوك. فهذا فرق
بين الظرف والحال والمصدر.
قال : " وتقول
: آتيك يوم الجمعة ... أبطؤه"
فرفع"
أبطؤه" على معنى : ذلك أبطؤه.
وتقول : آتيك
يوم الجمعة أو يوم السبت أبطؤه على ذلك التفسير. وإن شاء قال : أو يوم السبت أبطؤه
على الابتداء والخبر.
وكذلك أعطيته
درهما أو درهمين أكثر ما أعطيت ، فتنصب أكثر على أنه مفعول به بدل
__________________
من الدرهمين. وإن شئت نصبته على الحال ، كأنه قال : أو درهمين في حال كثرة
، لأنه أكثر مما دونه ، ففيه تأويل كثير.
ويجوز أن تقول
: أو درهمان أكثر ما أعطيته على الابتداء والخبر.
وإنما جاز
نصب" أكثر" على الحال وهو مضاف إلى" ما" لأن" ما"
قد يجوز أن تكون نكرة فلا يتعرف" أكثر" بالإضافة إليها.
كما قال :
ربما تكره
النّفوس من الأم
|
|
ر له فرجة
كحل العقال
|
فأدخل عليها
رب.
هذا باب ما ينتصب من
الأماكن والوقت
وذلك أنها ظروف
توقع فيها الأشياء ... وعمل فيها ما قبلها وما بعدها
ـ اعلم أن ظاهر
كلام سيبويه أن ما قبل الظرف عاملا فيه ، فكأن قولك : " هو خلفك" الناصب
لخلفك" هو" وكذلك زيد خلفك.
ـ وإنما أراد
سيبويه ـ فيما ينتظم على مذهبه ـ أن الذي هو الدال على المحذوف ، فناب عنه ، فجعل
ما ناب عنه كالنصب للظرف.
ـ وإنما مثل
سيبويه الظرف بقولك : أنت الرجل علما ، وعشرون درهما ، لأن الرجل إنما ينصب علما
إذا قدرناه تقدير الكامل ، أو ما جرى مجراه مما هو في معنى فعل.
ـ "
وعشرون درهما" إنما يقدر نصبه على مذهب ضاربين زيدا أو نحو هذا من التقدير.
وكذلك : زيد
خلفك ، على معنى : استقر. فكان اشتراكها في نصب ما بعدها كاشتراكها كلها في تقدير
ناصب لما بعدها.
قال : "
وتقول : هو قصدك كما قال الشاعر :
سرى بعد ما
غار الثّريّا وبعد ما
|
|
كأن الثريا
حلّة الغور منخل
|
أي : قصده ،
وأصله من حلّ يحلّ : إذا نزل واستقر وشبه الثريا ـ حين اجتمعت واستدارت للغور ـ بالمنخل.
وأنشد أيضا
للأعشى :
__________________
نحن الفوارس
يوم الحنو ضاحية
|
|
جنبي فطيمة
لا ميل ولا عزل
|
فنصب جنب على
الظرف وفطيمة : اسم موضع ومعنى ضاحية بارزة ظاهرة. والأميل : الذي لا يثبت في
الحرب. والأعزل : الذي لا رمح له.
وقال أبو عبيدة
: هو الذي لا سلاح معه.
واعلم أن
المصادر بمنزلة أسماء الأماكن المأخوذة من الفعل كقولك : هو قصدك ، ومشيت قصدك ،
فتجري مجرى المذهب والمجلس.
وكذلك"
حلّة الغور" بمنزلة" قصده" ، وهو مأخوذ من حل يحل ، ومنزلته بمنزلة
المحل.
والمحل بمنزلة
المذهب ، ألا ترى أنك تقول : قمت محل فلان ، وحللت محله.
قال : "
سمعنا من العرب من يقول : دارك ذات اليمين ، قال الشاعر :
فغدت كلا
الفرجين تحسب أنه
|
|
مولى المخافة
خلفها وأمامها
|
يعني أن ما جرى
ذكره من الظروف قد يجوز أن يكون اسما بخبر عنها.
ومعنى البيت
أنه يصف بقرة وحشية وضميرها في" غدت" ، أي : غدت هذه الوحشية تحسب أن
كلا طريقيها فيه ما يريبها وتخاف منه. والطريقان : هما خلف وأمام. وكلا الفرجين :
موضعه رفع بالابتداء ، وتحسب : خبره ، ومولى المخافة خبر" إن" ومعناه :
صاحب المخافة. وخلفها وأمامها : بدل من كلا ، والفرج والثغر : موضع المخافة. وأراد
بالفرجين هنا : طريقيها من خلفها وأمامها.
وذكر سيبويه في
هذا الباب أن سواء لا تكون إلا ظرفا ، إلا أن يضطر شاعر فيجره لأنه بمعنى غير.
وإنما خص سواء
الممدود دون المقصور ، لأن الإعراب يتبين فيه ، وهما سواء في الظروف ، وغيروهما
بمنزلة غير ، وفيهما زيادة على غير ، فإذا قلت : زيد سواك أو سواءك ، أو مررت برجل
سواك ، فمعناه أنه غيرك ويغني غناك ، ويكون بدلك ، وحقهما أن يستعملا ظرفين ،
فمعناهما يتغير عن معناهما اسمين ، لأن سواء في معنى مستو ، وسواء الشيء : وسطه ،
وهي في الظروف بمعنى غير ، وغير ليس بظرف وإنما جعل بمنزلة غير على الوجه الذي
ذكرته من البدل والغناء على أنه ظرف ، فإذا خرج عن ذلك لم يستعمل اسما إلا في
ضرورة على تأويل غير.
__________________
ومثل سيبويه
سواء ـ إذا استعمل اسما في ضرورة الشعر ـ بالكاف التي هي حرف ، وقد يضعها الشاعر
في موضع" مثل" اسما لأنها للتشبيه كقوله :
فصيروا مثل كعصف مأكول
ومثل الكاف ـ في
إنها حرف ـ بالباء الجارة فقال : " ومثل ذلك : أنت في حال كعبد الله فأجري
مجرى : بعبد الله".
أي : أن الكاف
حرف بمنزلة الباء إلا أن الشاعر إذا اضطر أجرى الكاف مجرى مثل فجعلها اسما.
قال : "
وتقول : كيف أنت أقبل قبلك ونحي نحوك"
فجعل"
قبلا" و" نحوا" اسمين وأقامهما مقام الفاعل.
قال : "
وهو بمنزلة قولك : كيف أنت إذا أقبل النقب الركاب".
فالركاب اسم
للإبل ، وقد أقامها مقام الفاعل في أقبل ، ونصب" النقب" ومعناه : الطريق
في الجبل ، فشبه قبلك ونحوك وناحيتك بالركاب في إقامتها مقام الفاعل.
قال : "
وأما دونك فإنه لا يرفع أبدا"
اعلم أن دونك
تستعمل على معنيين.
ـ أحدهما : في
المكان : كقولك : زيد دون عمر ، ويكون هذا على ضربين :
أحدهما : أن
تريد الموضوع بعينه.
والآخر : أن
تريد أنه دونك في الشرف والعلم ونحو ذلك ، فيكون على طريق المثل.
ـ وأما الموضع
الآخر : فأن تكون بمعنى : حقير ومسترذل ، فيقال : هذا دونك ، أي هذا حقير ، وهذا
مسترذل ، كما تقول : ثوب دون إذا كان رديئا.
وقد ذكر سيبويه
هذا الوجه. وإنما قطع على أن" دون" لا ترفع أبدا إذا كانت للموضع
والمنزلة من الشرف وغيره.
وذكر سيبويه في
هذا الباب حروفا غرائب استعملت ظروفا ، ففسر معانيها.
قال : فمن ذلك
حرفان ذكرناهما في الباب الأول ثم نفسر معناهما وهما :
صددك ، ومعناه
: القصد ، وسقبك ومعناه : القرب ، ومنه قول العرب : هو وزن الجبل ، أي : ناحية منه
، وهم زنة الجبل ، أي : حذاءه فرقوا بين المعنيين لاختلاف اللفظين ومن ذلك قول
العرب : هم قرابتك أي : قربك.
فهذه ظروف
لأنها جهات أجريت مجرى : خلف وقدام.
ومنه قول أبي
حية النميري :
* إذا ما نعشناه على الرحل ينثني
|
|
مساليه عنه
من وراء ومقدم
|
ومسالاه :
عطفاه وناحيتاه. ومعنى نعشناه : أقمناه ورفعناه ، وينثني : يميل في أحد جانبيه
لغلبة النوم عليه.
هذا باب ما يشبه من
الأماكن المختصة
بالمكان غير
المختص ، شبهت به إذ كانت تقع على الأماكن وذلك قول العرب.
هو مني منزلة
الشغاف ، وهو مني منزلة الولد ... وكذلك : هو مني مزجر الكلب ، وأنت مني مقعد
القابلة
قال أبو ذؤيب :
فوردن
والعيوق مقعد رابئ الض
|
|
ضرباء خلف
النّجم لا يتتلّع
|
فنصب مقعد على
الظرف.
يصف حميرا وردت
الماء ليلا وقد ارتفع العيوق والثريا في وسط السماء سحرا في آخر الليل ، وذلك في
شدة الحر.
ومثل موضع
الثريا من العيوق ـ إذا ارتفع عليها وقرب منها بمقعد رابئ الضرباء وهو الأمين
المشرف على الذين يضربون بالقداح كي لا يخونوا وموضعه أعلاه منهم وأراد بالنجم :
الثريا ، ومعنى تتتلع : تبعد وتزول.
قال : ومما
استعملت العرب هو مني درج السيول قال الشاعر وهو أمية بن هرمة :
* أنصب للمنية تعتريهم
|
|
رجالي ، أم
هم درج السيول
|
يقال : رجع
أدراجه ، أي : رجع في الطريق الذي جاء فيه ، فاستعملوا درج السيول ظرفا ، كما
استعملوا ما قبله.
وتقدير البيت :
أرجالي نصب للمنية تعتريهم؟ والنصب : ما يطاف به ويتكرر عليه كالضم وغيره. والرج :
الموضع ، موضع يتردد فيه بالمجيء والذهاب.
قال : وإذا قلت
: وهو مني فرسخان فمعناه : بعده مني مقدار فرسخين ، وكذلك : هو مني دعوة الرجل
وفوت اليد أي مقدار ما تبلغه صحة الرجل ومعنى فوت اليد بيني وبينه
__________________
مقدار ما إذا امددت اليد إليه لم أنله ، وفاتني أخذه باليسر من المسافة
بيننا.
قال : "
وأما الخلف والأمام والتحت فتكون أسماء وكينونة تلك أسماء أكثر وأجرى في كلامهم.
يعني أن القصد
والنحو والقبل والناحية أكثر في الأسماء من الخلف والأمام ، واعتبر كون مرأى ومسمع
ظرفين لقول العرب : هو مني بمرأى ومسمع ، فلما أدخلوا الباء علم أنهم جعلوه غير
الأول ، فإذا نزعوا الباء ، فهو غيره أيضا فينصبونه كما ينصبون الظرف الذي هو غير
الاسم الأول.
وأنشد فيما كان
الاسم الثاني فيه الأول :
* وأنت مكانك من وائل
|
|
مكان القراد
من است الجمل
|
فجعل مكان
الثاني هو المكان الأول ، فكأنه قال : مكانك من وائل مثل مكان القراد كقوله :
له رأس رأس
الحمار ومعناه : مثل رأس الحمار ، ولو نصب مكان على الظرف لجاز وكأنه قال : مكانك
في مكان القراد من است الجمل.
قال : وتقول :
أنت مني فرسخين.
أي : أنت مني
ما دمنا نسير فرسخين ، فأنت : مبتدأ ومني خبره وفرسخين ظرف ، ومعنى مني : من
أصحابي وأشياعي كما قال الله عزّ وجلّ : (فَمَنْ تَبِعَنِي
فَإِنَّهُ مِنِّي) [إبراهيم : ٣٦].
فجعل : ويقال :
الهلال الليلة.
فجعل الليلة
ظرفا ، والهلال جثة لأنه جزء من القمر ، وإنما جاز ذلك لأن الهلال يتغير تغيرا
دائما بصورة يتغير إليها ، فكأنه قال : استهلاله الليلة أو تصوره بهذه الصورة
الليلة.
قال : واعلم أن
ظروف الدهر أشد تمكنا في الأسماء إلى قوله : فأجر الأسماء كما أجروها.
قال المبرد :
غلط سيبويه في هذا لأنه ذكر في أول الكتاب أن ظروف المكان أقرب إلى الأناسي ونحوهم
، لأن لها جثثا وأسماء تعرف بها كما تعرف الأناسي.
وصوب الزجاج
سيبويه فقال : أصاب ، لأن ظروف الزمان يقل فيها ما لا يتمكن ، ألا ترى أن سحر إذا
نكر تمكن؟.
وردّ أبي إسحاق
على أبي العباس ضعيف ، لأن في ظروف الزمان : قبل وبعد ، وبعيدات
__________________
بين ، وذات مرة وذا صباح ، وما أشبه ذلك.
ورد أبي العباس
أيضا على سيبويه ضعيف لا يلزم وظروف الزمان أقوى في الاسمية ، وذلك أن الفعل لفظ
مبني على الزمان الماضي وغيره ، كما أنه مبني من لفظ حروف المصدر ، وليس كذلك
المكان. فأسماء الزمان بمنزلة المصادر ، والمصادر متمكنة كسائر الأسماء في وقوع
الفعل منها وبها ، والزمان شبيهها ، وكذلك المكان وعلى أن ظرف الزمان اللفظ العام
لها هو الزمان والوقت والدهر ، وذلك كله متمكن ، ثم ينقسم ذلك إلى الليل والنهار
وهما متمكنان وينقسم إلى الساعة وهي متمكنة وليس كذلك المكان ، لأن الاسم العام له
هو المكان ، ثم ينقسم إلى الجهات الست وهي ضعيفة التمكن.
وأما ما حكاه
أبو العباس من كلام سيبويه : أن ظرف المكان أقرب إلى الأناس ونحوهم ، فإنما قربها
من الأناسي أن في الأماكن ما لا يكون ظرفا ، كما أن الأناس لا تكون ظرفا ، وجميع
ألفاظ الزمان تكون ظروفا وإن استعملت أسماء.
باب الجر
جعل سيبويه
الجر في كل اسم مضاف إليه ، وجعل المجرور : بحرف جر وإضافة اسم إليه كله مضافا
إليه.
واعلم أن الجر
يكون بشيئين :
أحدهما : بدخول
حرف ليس باسم ولا ظرف.
والآخر :
بإضافة اسم إلى اسم.
ومن حروف الخفض
ما قد يكون اسما في حال وهي : على وعن وكاف التشبيه ومنذ ومذ.
ومنها ما قد
يكون فعلا فينصرف به وهي : خلا ، وحاشى في الاستثناء.
وذكر الأخفش أن
عدا قد يخفض بها وينصب.
وأما إضافة اسم
إلى اسم فهو على ثلاثة أقسام :
ـ أحدهما :
أسماء هي ظروف مضافة إلى ما بعدها.
ـ والثاني :
أسماء كثر استعمالها مضافة فذكرها النحويون في ما يجر لغلبة الجر عليه.
ـ والثالث :
أسماء تضاف في حال ، وليست الإضافة بالغالبة عليها وهي أكثر الأسماء.
هذا باب مجرى النعت
على المنعوت
والشريك على الشريك
اعلم أن النعت
هو اختصاص الاسم المنعوت وإخراجه من إبهام وعموم إلى ما هو أخص منه. فأما في
النكرة ، فالنعت يخرج المنعوت من نوع إلى نوع أخص منه.
وأما في
المعارف فيخرجه من شخص مشترك الاسم عند وقوع اللبس فيه إلى أن يزول اللبس.
وذكر سيبويه
أصناف النعوت ، وكان في ما ذكر أي ، وهو اسم غير مشتق من معنى يعرف به ، وإنما
يضاف إلى الاسم الأول للمبالغة في مدحه ، فلذلك وصف به.
وذكر مصادر
ينعت بها على التأويل أسماء الفاعلين ، فمنها : حسبك وكافيك ، وهمك وشرعك وهدك وهو
كله على معنى واحد.
فأما حسبك :
فهو مصدر موضع محسب ، يقال : أحسبني الشيء ، أي : كفاني.
وشرعك وهدك
وهمك في معنى ذلك وإن لم يستعمل منها فعل وهي في المعنى للحال لا للماضي ، فلذلك
نعت بها النكرة ، وامتنعت هذه النعوت من التثنية والجمع لأنها مصادر نعت فهي
بمنزلة عدل ورضى وما أشبه ذلك.
قال : ومنه :
مررت برجل مثلك.
أي : شبيه
بصورتك ، وكذلك : مررت برجل ضربك وشبهك ونحوك ، وهن مضافات بمعنى أسماء الفاعلين
في معنى : مماثلك ومشابهك للحال. كما أن المماثلة موجودة فيه في وقت مرورك.
قال : ومما
يكون نعتا للنكرة وهو مضاف إلى معرفة قول امرئ القيس :
* بمنجرد قيد الأوابد لاحه
|
|
طراد الهوادي
كل شأو مغرب
|
ومنه : مررت
على ناقة عبر الهواجر.
ومعنى قيد
الأوابد : أنّه مقيد الأوابد ، أي : إذا اصطادها لم تنج منه فكأنه قد قيدها.
والأوابد :
الوحش ، والشأو : الطلق. والمغرب : البعيد. ومعنى عبر الهواجر : جمع هاجرة ،
والسير يضعف فيها ، وإنما يريد قوتها على السير في هذا الوقت.
وأنشد لجرير :
* ظللنا بمستن الحرور كأننا
|
|
لدى فرس
مستقبل الرّيح صائم
|
فنعت الفرس
بمستقبل الريح لأنه في نية التنوين.
يصف أنهم في
خيمة ، والريح تحركها فيصل إليهم الحر كأنه عند فرس مستقبل الريح فالريح تأخذه.
والمستن من قولهم : أخذ على سنته ، أي طريقه. والصائم : القائم الممتنع من
__________________
الذهاب أو العلف.
وأنشد للمرار :
* سل الهموم بكل معطي رأسه
|
|
ناج مخالط
صهبة متعيس
|
مغتال أحبله
مبين عنقه
|
|
في منكب زين
المطي عرندس
|
فنعت معطي رأسه
بما تنعت به النكرة المفردة لأنه في معنى معط رأسه.
يعني : جملا ذلولا
منقادا. والمتعيس : الأبيض. والعرندس : الشديد وقد مر تفسير البيتين.
وأنشد لذي
الرمة :
* سرت تخبط الظلماء من جانبي قسا
|
|
وحب بها من
خابط الليل زائر
|
فنعت خابط
الليل بزائر.
يصف امرأة سرى
خيالها إليه وقسا : اسم موضع وحب بها في معنى : أحبب بها ، ولك أن تصرف قسا وأن لا
تصرفه.
وأنشد لجرير :
* يا رب غابطنا لو كان يطلبكم
|
|
لاقى مباعدة
منكم وحرمانا
|
فغابطنا نكرة ،
فلذلك دخلت رب عليه.
وأنشد لأبي
محجن الثقفي :
* يا رب مثلك في النساء غريرة
|
|
بيضاء قد
متعتها بطلاق
|
فأدخل رب على
مثل لأنها نكرة.
والغريرة :
المغترة الغافلة.
قال : ومنه
مررت برجل رجل صدق ومررت برجل رجل سوء.
كأنك قلت :
مررت برجل صالح ، ومررت برجل فاسد ، لأن الصدق صلاح ، والسوء فساد.
وليس الصدق
هاهنا بصدق اللسان لأنك تقول : هذا ثوب صدق وحمار صدق ،
__________________
وكذلك السوء ليس في معنى سؤته. والسوء هنا بمعنى الفساد والرداءة وليس من
ساءني يسوؤني. والصدق بمعنى الجودة والصلاح ، فكأنه قال مررت برجل صاحب فساد ،
وحمار ذي رداءة ، أي قال : مررت بحمار سوء.
قال : ومنه
مررت برجلين مثلك ، أي : كل رجل منهما مثلك ، ووجه آخر : أنهما جميعا مثلك.
أي إذا اجتمعا
كانا مثلك في القوة والغناء ، فإذا انفردا لم يكونا كذلك.
قال : ومما جاء
في الشعر قد جمع فيه الاسم ، وفرق النعت وصار مجرورا.
قوله :
* بكيت وما بكا رجل حزين
|
|
على ربعين
مسلوب وبالي
|
كذا سمعنا
العرب تنشده والقوافي مجرورة. وقد رد قوله والقوافي مجرورة.
فقال الراد
عليه : بال مرفوع ومجرور على لفظ واحد لأنه من بنات الياء. والجواب عن سيبويه أن
اعتماده في ذلك على ما سمعه من العرب في خفض مسلوب ، وقوى ذلك ببناء القافية على
الجر ، لأن الشاعر المجيد قد يبني القافية على ما يوجب الإعراب ، ويجري باقي الشعر
على تقديره ذلك الإعراب ، وإن كان لا يظهر ولا يلفظ به كقول الحطيئة :
* شاقتك أظعان لليلى
|
|
دون ناظرة
بواكر
|
وهذه القصيدة
موقوفة ، ولو أطلق أبياتها كلها لكانت مرفوعة.
وكقول الكميت :
قف بالديار
وقوف زائر
|
|
وتأبى أنك
غير صابر
|
فلو أطلق أبيات
هذه القصيدة لكانت مخفوضة كلها.
وأنشد قول
الرجز :
* خوى على مستويات خمس
|
|
كركرة وثفنات
ملس
|
__________________
قال : فهذا
يكون على وجهين : على البدل وعلى الصفة.
قال الزيادي :
لا تكون الكركرة والثفنات وصفا لأنها أسماء.
ولم يقصد
سيبويه إلى الوصف الذي هو تحلية في الموصوف ، وإنما أراد أنها تبين لما قبلها
كالوصف.
يصف جملا ومعنى
خوى : تجافى في بروكه. على مستويات خمس : ثفناته وكركرته.
والثفنات : ما
ولي الأرض من قوائمه. والكركرة : ما ولي الأرض من صدره.
وأنشد لكثير :
* وكنت كذي رجلين : رجل صحيحة
|
|
ورجل رمى
فيها الزّمان فشلت
|
والقول فيه من
طريق الإعراب كالقول فيما تقدم.
قال : ومثله :
ما مررت برجل صالح بل طالح.
أبدلت الصفة
الآخرة من الصفة الأولى وأشركت بينهما بل في الإجراء على المنعوت ، ومثله : ما
مررت برجل صالح ولكن طالح ، أبدلت الآخر من الأول فجرى مجراه.
واستعمل سيبويه
في هذا الموضع لفظ البدل على غير ما يعتاده النحويون لأن البدل في كلامهم هو أن
يقدر ما قبله مسقطا ، ويقام الثاني مقامه ، ونحن إذا قدرنا هذا في هذا الموضع لم
يصلح الكلام ، لأنك لو قلت في كلامك : " ما مررت برجل كريم بل لئيم : ما مررت
برجل لئيم ضم الكلمة المعنى.
فليس هذا
المراد وإنما المراد أنك أبدلت الإيجاب من النفي على ما يصلح من اللفظ والمعنى
فيصير التقدير : ما مررت برجل صالح ولكن مررت برجل طالح ، فالأول من الكلام مطرح
غير معمول به ، والثاني هو المعتمد عليه فأبدل كلاما معتمدا عليه من كلام مطرح وهو
معنى البدل.
وأنشد للعجاج
مستشهدا لما حمل على الجواز :
* كأن نسج العنكبوت المرمل
فخفض المرمل
على العنكبوت وهو في الحقيقة نعت للنسج ، والمرمل والمرمول : المنسوج.
__________________
ومثل هذا على
مذهب الخليل غلط لا يجوز حتى يكون المتجاورات متساويين في التذكير والتأنيث
والإفراد والجمع. والعنكبوت مؤنثة ، والمرمل مذكر.
ورد عليه
سيبويه مذهبه ، واستشهد بهذا البيت.
وقال بعض
النحويين : إنما جاز الخفض في قولهم : " هذا جحر ضب خرب على تقدير : هذا جحر
ضب خرب الجحر ، فكأنه من باب : حسن الوجه ، وعلى هذا تقول : مررت برجل حسن الأبوين
لا قبيحين ، والتقدير : لا قبيح الأبوين ، فكان التقدير خرب جحره ، ثم أضمر الجحر
في خرب لما جرى ذكره.
هذا باب ما أشرك بين
الاسمين
فجريا عليه كما
أشرك بينهما في النعت فجريا على المنعوت. وذلك قولك : مررت برجل وحمار قبل.
ساق سيبويه في
هذا الباب حروف العطف وبدأ بالواو لأنها أقواها من حيث عطف بها في الإيجاب والجحد
وفي كل ضرب من الفعل.
وذكر سيبويه في
هذا الباب كيف نفى الموجب وفي ما ذكر : أنك إذا قلت : مررت بزيد وعمرو جائز أن
يكون وقع عليهما في حال واحدة.
وجائز أن يكون
مر بهما مرورين في حالين. فإذا كان المرور بهما واحدا ، فنفيه أن تقول :
ما مررت بهما
وإن كانا مرورين قلت : ما مررت بزيد وما مررت بعمرو.
وقال المازني
رادّا على سيبويه : نفي هذا ـ وإن أراد مرورين ما مررت بزيد وعمرو.
قال : والذي
قاله سيبويه خطأ.
ولو قال : ما
مررت بزيد ومررت بعمرو ، كان نفيه : ما مررت بزيد وما مررت بعمرو.
وقول سيبويه
أصح وأجود ، وذلك أن النافي يكذب المثبت في ما يثبته ويخبره. فإذا كان الذي أخبر
به مرورين ، كل واقع منهما وقع بأحد الرجلين ، فقال : ما مررت بهما ـ احتمل
التأويل أن يكون : ما مررت بهما مرورا واحدا ، فلا يكون مكذبا ، فإذا قال ما مررت
بزيد وما مررت بعمرو ، فقد كشف التكذيب له وأبطل التأويل.
قال سيبويه : (وجواب)
أو (إن نفيت الاسمين).
يعني إذا قلت :
مررت بزيد أو عمرو ، وما مررت بواحد منهما ، وإن أثبت أحدهما قلت : ما مررت بفلان.
قال المازني :
ما مررت بواحد منهما في جواب أو إنما هو جوابها في المعنى ، وجوابها في اللفظ : ما
مررت بزيد أو عمرو.
وقول سيبويه
أصح لأنه إذا قال : ما مررت بزيد أو عمرو ، فالظاهر أنه نفى مروره بأحدهما ،
والمثبت إنما مروره بأحدهما ، فيجوز أن يكون الذي نفاه هو الذي لم يثبته المثبت ،
فلا يكون تكذيبا.
هذا باب المبدل من
المبدل منه
وذلك قولك : مررت
برجل حمار ، ومررت برجل بل حمار ، وما مررت برجل ولكن حمار.
وقال في الباب
: ومن المبدل أيضا مررت برجل أو امرأة فجعل" أو" من الباب لأنك ابتدأت
بالأول على لفظ اليقين ثم شككت فيه ، فالشك فيه كالإبطال له فشبه أو بلكن لما
ابتدأ بيقين ثم جعل مكانه شكا ، فهو شبيه بقولك : ما مررت بزيد لكن عمرو ، ابتدأت
بنفي ثم جعلت مكانه يقينا.
فإن
قال قائل : فهلا جعل قولك : مررت بزيد لا عمرو من هذا الباب لأنه نفي بعد إيجاب؟.
فالجواب : أن
الجحد الذي بعد الإيجاب بمنزلة التوكيد للإيجاب المتقدم ، كما أن قولك : هذا زيد ،
لا شك فيه ، كقولك : هذا زيد حقّا.
قال : وإن شئت
رفعت فقلت : ما مررت برجل بل حمار على إضمار مبتدأ.
جعل سيبويه رفع
هذا وما أشبهه بإضمار اسم مكني يكون الظاهر خبره ويكون ذلك المكني على ضربين
أحدهما : أن يكون قد جرى ذكره فيضمر الاسم الذي ذكر والآخر : أن يعرف المعنى فيضمر
ذلك المعنى ، وإن لم يجر ذكره.
فأما ما جرى
ذكره فيضمر ، فهو الكلام الظاهر المعروف ، وهو تمثيله بالرجل الذي يذكر ، فتقول :
أنت قد مررت به ، فما مررت برجل بل حمار على معنى : بل هو حمار وهو الرجل المذكور.
فأما الذي أضمر
ولم يذكر ، فقولك : ما مررت ببغل ولكن حمار تريد ولكن هو حمار ، ولم يجز ذكر شيء
كنى عنه بهو ، ومعناه : لكن الذي مررت به حمار. لأن قولك : ما مررت ببغل ، قد دل
عليه فيكثر إضماره لدلالة الكلام عليه ، وجعل الأقوى في الكناية ما جرى ذكره لقرب
المكنى بالذكر الجري ، وإضمار الذي لم يجر ذكره عربي جائز ، لأن معناه : ما مررت
بشيء هو بغل بل هو حمار ، فجاز هذا إن لم يجز ذكره كما جاز في المنعوت الذي جرى
ذكره وهو نحو قولك : ما مررت برجل صالح بل طالح ، أي : بل هو طالح والضمير لرجل.
وقوله عز وجل :
(بَلْ عِبادٌ
مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] : رفعه على الوجهين المتقدمين : أحدهما : أنهم كانوا ذكروا
الملائكة عليهم السّلام باتخاذ الله إياهم ولدا ، فنزه نفسه عن ذلك ،
وقال : (بَلْ عِبادٌ
مُكْرَمُونَ) أي : هم عباد مكرمون ، وهم إضمار شيء جرى ذكره في كلام
القوم فأضمروا على ذلك.
والوجه الآخر :
بتقدير ، بل الذين قالوا : اتخذهم الله ولدا عباد مكرمون من غير ذكر جرى لهم.
هذا باب مجرى نعت
المعرفة عليها
اعلم أن
التعريف معلق بمعرفة المخاطب دون المتكلم ، وقد يذكر المتكلم ما يعرفه هو ، ولا
يعرفه المخاطب ، فيكون منكورا كقولك للمخاطب : في داري رجل ، ولي بستان فتعرف
الرجل بعينه والبستان وهو لا يعرفهما.
واعلم أن
المعارف كلها توصف ، إلا الإضمار ، لأن فائدة النعت تخصيص المنعوت وإخراجه من
الاشتراك بصفة ينفرد بها ، والمضمر لا يخلو من أن يكون عائدا على معهود أو يقع على
المتكلم أو المخاطب فلم يحتج إلى النعت بخروجه عن الاشتراك.
واعلم أن الاسم
المبهم مخالف لغيره في النعت ، وذلك أن ينعت بأسماء الأجناس كقولك : مررت بهذا
الرجل ، وركبت هذا الفرس وما أشبه ذلك ، وإنما نعت بالجنس لأن طريق نعته على غير
طريق نعت غيره ، وذلك أن غير المبهم يحتاج إلى النعت إذا شاركه غيره في لفظه ،
فيبان من غيره بذكر شيء فيه دون غيره مما يحلى به على ما تقدم من ذكر ذلك.
والمبهم ، إنما
دخل وصله لخروج ما فيه الألف واللام عن العهد إلى الحضور ، لأن الشيء قد يكون
بحضرة اثنين لم يكن بينهما فيه عهد ، فيريد أحدهما الإخبار عنه معرفا له فلا يمكنه
الإخبار عنه لعدم العهد بينه وبين مخاطبه فيه ، فيأتي بأسماء الإشارة فيتوصل بها
إليه ، وينتقل من تعريف العهد إلى تعريف الإشارة.
ألا ترى أنك
تقول ابتداء من غير عهد تقدم : ما فعل هذا الرجل؟
فالأصل في نعت
المبهم أن ينعت بالاسم لما ذكرته من أنه وصلة إلى ذكر الاسم الذي فيه الألف
واللام. وقد يجوز أن ينعت بالصفة التي فيها الألف واللام من حيث جاز أن تنقلها من
تعريف العهد إلى تعريف الإشارة والحضرة ، ألا ترى أنك تقول : مررت بالظريف ، فيكون
للعهد. تقول : مررت بهذا الظريف فيصير للإشارة. ولو لا ما احتيج إليه من التوصل
إلى هذا بما فيه الألف واللام ، لما احتاجت إلى صفة لأنها ليست باسم ثابت لما تقع
عليه ، ثم يشاركه غيره فيحتاج إلى فصل بينهما بالنعت والتحلية.
واعلم أن
المبهم لا ينعت بالمضاف لأنه دخل لينقل ما فيه الألف واللام من تعريف العهد إلى
تعريف الإشارة. والمضاف تعريفه بالمضاف إليه.
ولا يغيره ،
ولا يجوز الفصل بين المبهم ونعته لأن المبهم أحدث تعريفا لنعته : صار
كجزء في التعريف : الألف واللام ، ولا يفصل بين الألف واللام وما اتصلا به.
وأشبه أيضا : يا أيها الرجل ، ولا يفصل بينهما.
ومذهب سيبويه :
أن يكون نعت المعرفة دونها في التخصيص أو مساويا لها لأن حق الكلام أن يجعل الأخص
هو الذي يبدأ به فإن اكتفى به المخاطب لم تحتج إلى أن تأتي بنعت وإن احتاج إلى
زيادة ـ ولم يكتف ـ زدت من المعرفة وما يزداد به المخاطب معرفة.
وأنشد في هذا
الباب :
* فإلى ابن أمّ أناس أرحل ناقتي
|
|
عمرو فتبلغ
حاجتي أو تزحف
|
ملك إذا نزل
الوفود ببابه
|
|
عرفوا موارد
مزبد لا ينزف
|
فحمل عمرا على
ابن ، ولو قطعه منه لجاز ، وكذلك قوله : ملك إذا نزل.
وزعم بعض
النحويين أن ترك صرف ما لا ينصرف جائز في الشعر واستشهد بقوله : (فإلى ابن أم أناس
ارحل)
وهذا عند
البصريين غير جائز ، والرواية الصحيحة خفض وتخفيف الهمزة من أرحل ، وإلقاء حركتها
على التنوين ، وعمرو : الممدوح ، وهو عمرو بن هند اللخمي.
وأم أناس بعض
جداته. ومعنى تزحف : تعيي وتسقط.
وأنشد للفرزدق
:
* فأصبح في حيث التقينا شريدهم
|
|
طليق ومكتوف
اليدين ومزعف
|
الشريد هنا :
جماعة وهم المنهزمون وطليق وما بعده على الابتداء على معنى منهم كذا ومنهم كذا ـ والمزعف
بكسر العين على ما رواه ـ حملة الكتاب. وغيرهم قال : مزعف بفتح العين ، أزعفه
الموت ، إذا قاربه وهو مأخوذ من قولهم : موت زعاف : أي : معجل ، وقيل المزعف :
للذي لا حراك به.
وأنشد أيضا :
* فلا تجعلي ضيفي : ضيف مقرب
|
|
وآخر معزول
عن البيت جانب
|
__________________
التقدير : منها
ضيف مقرب ، ومنها آخر معزول ، ولو نصب لجاز
كما قال :
* وكانت قشير شامتا بصديقها
|
|
وآخر مرزيا
وآخر رازيا
|
ولو رفع شامتا
وما بعده لجاز.
وأنشد لذي
الرمة :
* ترى خلقها نصف قناة قويمة
|
|
ونصف نقا
يرتج أو يتمرمر
|
قال : وبعضهم
ينصبه على البدل ، وإن شئت كان بمنزلة رأيته قائما كأنه صار خبرا يعني حالا.
ورد المبرد نصب
نصفا على الحال ، وقال : لأن نصفا ينبغي أن يكون معرفة والعلة التي ادعى بها
التعريف ، أن نصفا بمنزلة بعض وكل ، فالمعنى عنده في نصف : نصفه ، كما أنه إذا قال
: مررت ببعض إنما يريد بعضه ، وكذلك كل. والقول ما قاله سيبويه ، لأن النصف من باب
الثلث وسائر الأجزاء إلى العشرة ، وهو يثنى ويجمع كما يفعل ذلك بالثلث وما بعده ،
فيقال : المال بينهما نصفان ، وهذه أوضح ما يدل على بطلان قوله أنه يقال : النصف
بالألف واللام ، ولو كانت معرفة لم تدخله كما تدخل بعضا وكلّا.
قال : ومن
الصفة قولك : أنت الرجل كل الرجل فإن قلت : هذا عبد الله كل الرجل فليس في الحسن
كالألف واللام.
اعلم أن الصفة
قد تأتي على غير وجه البيان لما قبلها ، ولكن على المدح وتعريف المخاطب من أمر
الموصوف ما لم يكن يعرفه ، ويأتي ذلك في صفات الله عز وجل على جهة التقرب إليه
بالثناء عليه ، وذكر صفاته ، ويأتي في صفات الآدميين على المدح لهم لمن لا يعرفهم
بذلك ، ويعرفهم به على جهة الإخبار عن نفسه بمعرفة ذلك والتقرب إلى الممدوح به.
وقد يستعمل في
صفات المدح والذم ألفاظ يراد بها المبالغة في ما تضمنه لفظ الموصوف كقولك : أنت
الرجل كل الرجل ، ومعناه : الكامل في الرجال وكذلك لو قال : هو اللئيم جد اللئيم ،
لكن مبالغة في وصفه باللؤم. ولم يحسن هذا عبد الله كل الرجل كحسن ما
__________________
فيه الألف واللام لأنه ليس من لفظ عبد الله معنى يكون على الرجل مبالغة فيه
وكمالا ، وهو يجوز لأنه لو قال : هذا كل الرجل ، لجاز ودل على معنى المبالغة
والكمال.
والنكرة
كالمعرفة في المدح لا فرق بينهما.
هذا باب بدل المعرفة
من النكرة
والمعرفة من المعرفة
، وقطع المعرفة من المعرفة مبتدأة
أنشد في هذا
الباب لمالك بن خويلد الخناعي الهذلي :
* يامي إن تفقدي قوما ولدتهم
|
|
أو تخلسيهم
فإن الدهر خلاس
|
عمرو وعبد
مناف والذي عهدت
|
|
ببطن مكة أبي
الضيم عباس
|
فرفع عمرا وما
بعده على القطع مما قبله ، والخلس : أخذ الشيء من حيث لا يشعر به عجلة وسرعة ،
والضيم : الذل والظلم.
وأنشد لمهلهل
أيضا :
* ولقد خبطن بيوت يشكر خبطة
|
|
أخوالنا وهم
بنو الأعمام
|
فرفع ، كأنه
لما قال : خبطن بيوت يشكر ، قيل له : من هم؟ فقال هم أخوالنا وهم بنو الأعمام.
وأنشد أيضا :
* ورثت أبي أخلاقه عاجل القرى
|
|
وعبط المهاري
كومها وشنونها
|
فرفع"
كومها" على معنى هي كومها شنونها. ولم يذكر قائل هذا البيت في كتاب سيبويه
ببائين. ومعنى الشبوب : السماع منها.
وبعض الناس
ينسبه إلى الفرزدق ـ والشنون بالنون : الذي أخذ من السمن شيئا ولم يبلغ منه كل
المبلغ ـ والغبط : الذبح من غير علة. والمهري : جمع مهرية ، وهي إبل منسوبة إلى
مهرة ، حي من اليمن ـ والكوم : جمع كوماء ، وهي العظيمة السنام.
وبين سيبويه أن
النكرة في هذا الباب ـ في الحمل على الأول والقطع منه ـ بمنزلة المعرفة.
وأنشد قول
الراجز :
__________________
* وساقيين مثل زيد وجعل
|
|
سقبان
ممشوقان مكنوزا العضل
|
فرفع معنى هما
سقبان ، ولو خفضه على البدل أو نصبه على المدح لجاز والممشوق : الطويل الضريب
اللحم والمكنوز : الشديد.
والعضل : جمع
عضلة وهي لحمة الساق.
هذا باب ما تجري عليه
صفة ما كان من سببه
وصفة ما التبس
به أو بشيء من سببه كمجرى صفته التي خلصت له
أما صفته التي
خلصت له فقولك : مررت برجل ضارب زيدا وملازم عمرا.
وأما صفة ما
كان من سببه ، فقولك : مررت برجل ضارب أبوه رجلا ، وملازم أبوه رجلا ، فالضرب
والملازمة للأب وهو من سبب الرجل الأول.
وأما صفة ما
التبس به ، فقولك : مررت برجل مخالطه داء فمخالطه فعل للداء وقد وقع بضمير الرجل
فالتبس به.
وأما ما التبس
بشيء من سببه ، فقولك : مررت برجل ملازم أباه رجل فملازم فعل للرجل الآخر ، وقد
التبس بالأب ، ووقع على ضميره من سبب الأول.
واعلم أن في
هذا الباب أشياء قد أجمع النحويون عليها واختلفوا في غيرها فجعل سيبويه ما أجمعوا
عليه أصولا ، ورد إليها ما اختلفوا فيه بتشبيه صحيح لا يقع على المتأمل له لبس.
والذي أجمعوا
عليه : أن الصفة إذا كانت فعلا للأول أو لسببه أو لما التبس به ، وكانت منونة ،
فهي تجري على الأول وتنجر بجره.
وذلك قولك :
مررت برجل ضارب زيدا ، وضارب أبوه وضارب أباه زيد ثم اختلفوا إذا كانت الصفة
مضافة.
فأما سيبويه
فأجراها كلها على الأول على حكمها إذا كانت منونة ، وأجرى مخالفه بعضها على الأول
ومنع إجراء بعضها. وطالبه سيبويه لإجراء الجميع على الأول وألزمه المناقضة بما ضمن
الباب من كلامه.
وإذا تأملته
وجدته أثبته بما يكون من المقايسة وعضده بالاحتجاج بكلام العرب.
وأنشد مستشهدا
لذلك بقول ابن ميادة :
* وارتعشن حين أردن أن برميننا
|
|
نبلا بلا ريش
ولا بقداح
|
__________________
ونظرن من خلل
الخدور بأعين
|
|
مرضى مخالطها
السقام صحاح
|
ثم قال : سمعنا
من العرب من يرويه ، ويروي القصيدة التي فيها هذا البيت لم يلقنه أحد هكذا.
يعني : بخفض
مخالطها ، يصف نساء ، وجعل عيونهن بمنزلة القسي في رميها بالنظر ، وأقام النظر :
مقام السهام ، والأشفار : مقام الريش. والخلل : الفرج ـ وقوله : " مرضى"
يعني أن فيها فتورا ، فكأنها مرضى ثم نفى عنها المرض بقوله : " صحاح".
واحتج سيبويه
بقوله : " مخالطها" ، على من خالفه في الصفة المضافة وأنشد أيضا :
* حمين العراقيب العصا وتركنه
|
|
به نفس عال
مخالطه بهر
|
فمخالطه ، صفة
للنفس على معنى : مخالط له. وهذا أيضا حجة على من خالف سيبويه في الصفة المضافة ،
يصف في البيت إبلا تتقدم الحادي لسرعتها ، وتبعد عنه فتحمي عراقيبها من عصاه
وتتركه مسرعا على آثارها قد علا نفسه من الإعباء وخالطه البهر.
هذا باب ما جرى من
الصفات على الأول
إذا كان لشيء من سببه
وذلك قولك :
مررت برجل حسن أبوه وكريم أخوه
احتج سيبويه
لهذه الصفات في جريها على الأول بأنها قد تقوم مقامه ، ويخبر عنها ، ألا ترى أنك
لو قلت : ضربت قائما أبوه أو كان زيد قائما أبوه ، لكان الضرب واصلا إلى غير الأب
، كأنه قال : ضربت رجلا قائما أبوه ، فعلى هذا تقول : ضربت حسنا أبوه ، فحسن صفة
للمضروب والمضروب غير الأب ، فقد جرى مجرى قولك : ضربت قائما وضربت حسنا وكان زيد
قائما.
هذا باب : الرفع فيه
وجه الكلام وهو قول العامة
وذلك قولك :
مررت بسرج خز صفته ، ومررت برجل فضة حلية سيفه ، ومررت برجل طين خاتمه.
اعلم انك إذا
أردت حقيقة هذه الأشياء ، فلا يجوز غير الرفع لأنها جواهر ، فلا يجوز أن ينعت بها
، وإن أردت المماثلة والحمل على المعاني جاز النعت ، فيكون معنى طين كمعنى :
__________________
مطين ، ومعنى خز كمعنى : ليّن. أو يكون التقدير مثل خز ومثل طين ، وكذلك
سائر الباب.
هذا باب ما جرى من
الأسماء التي تكون صفة
مجرى الأسماء التي لا
تكون صفة
وذلك : أفعل منك ومثلك
وأخواتها
اعلم أن ما يقع
بعد الاسم من الأسماء المفردة أو المضافة أو الموصولة على ضربين أحدهما : يكون صفة
للأول ، والآخر : لا يكون صفة له.
* فأما الذي
يكون صفة : فما كان تحلية أو جرى مجرى التحلية ، كقولك : رجل كاتب وضاحك وخير منك
وحسبك من رجل.
* فأما ما لا
يكون صفة ، ويكون بدلا : فنحو : بستان ودار وحصير فإذا اتصل بشيء ، مما لا يكون
صفة اسم يكون مع ما بعده ، جملة كقولك : مررت برجل ثوبه فاخر ، وبستانه حسن جاز ،
وكانت الجملة نعتا للأول.
وأما الصفة إذا
اتصل بها اسم فعلى ضربين : أحدهما : يختار فيه الرفع كقولك : مررت برجل سواء عليه
الخير والشر ، ومررت برجل حسبك به من رجل ، وهذه الصفات إذا انفردت ، جرت على
الأول نعتا. والضرب الآخر من الصفة : أن يجري ما قبله في إعرابه ويرتفع به ما بعده
، كارتفاع الفاعل بفعله ، كقولك : مررت برجل شديد عليه الحر والبرد ، ومررت برجل
مستو عليه الخير والشر ، فتجرد هذا الضرب وتنعت به الأول لأنه جار على الفعل وعلى
هذا يجري سائر الباب.
هذا باب ما يكون من
الأسماء صفة مفردا
وليس بفاعل ولا صفة
تشبه الفاعل كالحسن وأشباهه
وذلك قولك :
مررت بحية ذراع طولها ، ومررت بثوب سبع طوله ومررت برجل مائة إبله.
اعلم أن ما كان
من المقادير إذا انفرد ، كان نعتا لما قبله مما يتضمن لفظه من الطول والقصر والقلة
والكثرة ، فناب ذلك عن طويل وقصير وقليل وكثير.
فإن قال قائل :
فهلا وصفتم بقفيز ونحوه وأجريتموه مجرى القليل والكثير كما فعلتم ذلك بذراع ونحوه
، فقلتم : مررت بحنطة قفيز على الصفة بتأويل قليل؟
قيل له : هذا
واجب في جميع الأعداد من أي صنف كانت ، وإنما منع سيبويه من الصفة بقفيز في قوله :
مررت ببر قفيز بدرهم على الصفة ، لأنك لم ترد أن تجعل البر كله قفيزا واحدا كما
يريد ، في قولك : مررت ببر قفيز وحبل ذراع ، وإنما تجوز الصفة بالمقادير إذا كانت
مستوعبة للأول.
ومعنى : مررت
ببر قفيز بدرهم : قفيز منه بدرهم ، وإن كان قفزانا كثيرة. فإذا اتصلت هذه المقادير
باسم بعدها كانت رفعا ، لأنها ليست بمشتقة من فعل ، ولأن ما هو أقرب إلى الفعل
منها يختار فيه الرفع نحو : مررت برجل خير منك أبوه أفضل منك أخوه وما أشبهه.
وأنشد للأعشى
في ما أفرد فجاء صفة الأول :
* لئن كنت في جب ثمانين قامة
|
|
ورقيّت أسباب
السماء بسلّم
|
فنعت بثمانين
كأنه قال : في جب طويل.
واعلم أنك إذا
قلت : مررت برجل حسن أبوه ظريف ، لم يحسن فيه جر حسن وظريف إذا أردت أن ترفع الأب
بحسن وظريف نعت لحسن ، لأنك إذا قلت : وصفت اسم الفاعل خرج من باب الأفعال ، وقوي
في الاسمية ، فصار الباب الرفع على الابتداء والخبر.
فإن قلت : مررت
برجل شديد رجل أبوه ، فهو رفع لأن هذا وإن كان صفة فقد جعلته في هذا الموضع بمنزلة
أبي عشرة أبوه ، و" رجل" الذي بعد شديد بدل من شديد ، فبطل أن يعمل شديد
في أبوه ، وقد أبدل منه رجل فخرج عن شبه الأفعال.
واعلم أنك إذا
قلت : ما رأيت رجلا أبغض إليه الشر منه إليه ، فأبغض : نعت لرجل ، و"
إليه" في صلته"" والهاء" في إليه ضمير لرجل ، و"
الشر" مرفوع بأبغض على أنه فاعله و" الهاء" في" منه"
ضمير الشر ، و" الهاء" في ضمير الشر ، و" الهاء" في إليه التي
بعد منهن ضمير رجل ذكر ، كأنه قال : منه إلى زيد.
فإن قال قائل :
قد مر من احتجاج سيبويه في مررت برجل خير منه أبوه ، ما يوجب أن يكون هذا مثله ،
لأنه احتج في رفعه بأنك لا تستطيع أن تفرد شيئا من هذه الأسماء (و) لو قلت : هذا
رجل خير ، وهذا رجل أفضل لم يستقم. وكذلك لا يفرد أبغض في قولك : ما رأيت رجلا
أبغض وذكر أيضا أن الذي يجري على الأول اسم الفاعل أو الصفة المشبهة ، وأفعل ليس
بواحد منها فهذا ، والذي تقدم في علة منح الإجراء على الأول مجتمعان ، فلم أجريت
أحدهما عليه ، ومنعت الآخر الإجراء؟
قيل له :
بينهما فرق في المعنى : يوجب للذي أجراه على الأول قرب شبه من اسم الفاعل ، وفرق
في اللفظ تدعو الضرورة فيه إلى إجرائه على الأول.
وأما الفرق في
المعنى ، فإنك إذا قلت : مررت برجل خير منه أبوه ، فمن تقع على المفضول ، والذي
بعده هو الفاضل ، وأحدهما غير الآخر.
وإذا قلت : ما
رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ، ما رأيت رجلا
__________________
أبغض إليه الشر منه إليه ، فليست الهاء في منه مفضولة فضلها على غيرها ،
ولكنها ضمير الكحل ، والكحل : هو الفاضل ، فصار الفاضل والمفضول واحدا ، وصار ما
اكتسب من الفضل بسبب الأول ، وذلك أنك تفضل الكحل إذا كان في عين زيد عن نفسه إذا
كان في عين غيره فبكونه في عين من ذكر فضل.
وأما الفرق في
اللفظ : فإنك إذا قلت : مررت برجل خير منه أبوه ، " فمنه" في صلة خير ،
" وأبوه" مبتدأ و" خير" خبره ، ولم تفصل بين شيئين أحدهما :
في صلة الآخر. ولو رفعت : " ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد"
، فجعلت أحسن مبتدأ ، وخبره الكحل ، أو الكحل مبتدأ وخبره أحسن لفصلت بين أحسن
وصلته بالكحل الذي حقه أن يكون مؤخرا عن الجميع أو مقدما على الجميع ، فإن أخرته
على أن تجعله خبرا عن أحسن بطل التقديم المضمر عليه ، وإن قدرته ـ وهو مؤخر ـ مرفوعا
بالابتداء وخبره أحسن.
واستشهد سيبويه
على حذف بعض الكلام في هذه المسائل بقول سحيم بن وثيل.
* مررت على وادي السباع ولا أرى
|
|
كوادي السباع
حين يظلم واديا
|
أقل به ركب
أتوه تئية
|
|
وأخوف إلا ما
وقى الله ساريا
|
والمعنى : أقل
به الركب تئية منهم به ، فحذف منهم و" به".
والهاء"
في" به" الأول ضمير واديا والهاء التي" به التي بعد"
منهم" ضمير وادي السباع ، و" أتوه" نعت لركب و" تئية" في
معنى تلبث وتمكث ، كأنه قال : لا أرى واديا أقل به مكثا وتلبثا الركب الآتوه منهم
بوادي السباع ، فحذف" منهم"" وبه" كما تقول : الله أكبر
ومعناه : من كل شيء.
هذا باب ما جرى من الأسماء
التي من الأفعال
وما أشبهها من
الصفات التي ليست بعمل نحو : الحسن والكريم وما أشبه ذلك مجرى الفعل إذا أظهرت
بعده الأسماء وأضمرتها وذلك قولك : مررت برجل حسن أبواه ، وأحسن أبواك؟ ، وأخارج
قومك ، اعلم أن الصفات إذا جرت مجرى الأفعال في رفع ما بعدها ، فحكمها أن لا تثنى
ولا تجمع كما لا يثنى الفعل ولا يجمع إذا تقدم.
اعلم أن
التأنيث على ضربين :
أحدهما : تأنيث
حقيقي ، والآخر : غير حقيقي.
* فأما الحقيقي
: فهو كل نوع من الحيوان الذي فيه ذكر وأنثى ، كالمرأة والناقة
__________________
والأتان ، فهذا حقيقي ، لأنه يخلق فيه خاصة تبين بها من الذكر ، فهذا الضرب
إذا تقدم فعله ، فكان ماضيا زدت في آخره تاء ساكنة لعلامة التأنيث ، وإن كان
مستقبلا جعلت حرف المضارعة تاء في أوله.
* وأما التأنيث
غير الحقيقي : فهو ما كان تأنيثه وتذكيره واقعين على ما لا خلقة فيه فاصلة بين
الذكر والأنثى كنحو : دار وأذن وفخذ وما أشبه ذلك. فإذا تقدم الفعل في هذا الضرب ،
فالأصل الذي رتب اللفظ له إثبات علامة التأنيث ، وحذفها جائز ، وإذا تقدم المؤنث
الذي تأنيثه غير حقيقي ثم أتي بفعله وأضمر ، لم يحسن إسقاط علامة التأنيث كإسقاطها
إذا تقدم الفعل ، وذلك قولك : دارك بنيت ، وعينك كحلت ولو حذفت التاء لم يحسن
كحسنه في التقدم ، لأنك إذا قدمت الفعل فصلت الفاعل من الفعل ، وظهر لفظه الموضوع
للتأنيث فاكتفي به وأغنى عن العلامة ، فإذا تقدم الاسم صار الفعل لضميره ، وهو
مختلط بالفعل ، وليس في لفظه دلالة على التأنيث فكرهوا إسقاط العلامة مع ذهاب
اللفظ الموضوع للتأنيث. وبعض العرب يجعل في الفعل علامة التثنية والجمع كما جعل
فيه علامة التأنيث وهي لغة قليلة.
قال الفرزدق :
* ولكن ديافيّ أبوه وأمه
|
|
بحوّر ان
يعصرن السّليط أقاربه
|
فرفع أقاربه
بيعصرن ، وجمع الضمير في الفعل المقدم.
والديافي :
منسوب إلى دياف : قرية بالشام يصنع فيها الزيت. والسليط : الزيت.
واعلم أن الاسم
الفاعل الجاري على الفعل ، يعمل في الاسم كعمل الفعل ، فإذا تقدم على ما يرفعه ،
كان الاختيار توحيده. من ثنى الفعل إذا تقدم وجمعه ، فعل ذلك باسم الفاعل ، وإذا
ألزمت الفعل علامة التأنيث ، فهي لازمة لاسم الفاعل الذي يعمل عمله ، وإذا تأخر
اسم الفاعل وقد أعمل عمل الفعل ، فالاختيار أن يجمع جمع السلامة ، وذلك أن الفعل
هو الفاعل في الأمر ، وهو أبدا موحد ، ويتصل به ضمير الفاعلين فيصير في لفظ شيء
مجموع جمع السلامة ، فحمل اسم الفاعل عليه حين أعمل عمله.
قال : "
وكذلك أقرشيّ قومك"؟
فأجراه مجرى
اسم الفاعل ، كأنه قال : أمتقرش قومك؟ في معنى : أيتقرش قومك؟ كما يقال : تنزّر الرجل
، وتقيّس ، بمعنى : انتسب إلى نزار وقيس ، فلهذا وحد قرشي ، وقومك جمع.
وذكر سيبويه عن
العرب حذف علامة التأنيث من الحيوان مع قلة
__________________
وكان المبرد
ينكر ذلك أشد الإنكار ، ويقول : لم يوجد ذلك في قرآن ولا كلام فصيح ولا شعر.
وقول سيبويه
أصح بأنه حكاه عن العرب ، وهو غير متهم في حكايته ، وليس كل لغة توجد في كتاب الله
عز وجل ، ولا كل ما يجوز في العربية يأتي به القرآن والشعر. وللمبرد مذاهب يجوزها
لم توجد في قرآن وغيره. من ذلك إجازته : إن زيد قائما قياسا على ما زيد قائما وهذا
لا يكاد يوجد له شاهد من شعر أو غيره.
واعلم أن العرب
جعلت لمن يعقل اختصاصا في اللفظ يفصل بينه وبين ما لا يعقل ، وإنما ذلك لأن من
يعقل يخاطب ويمر ويؤمر ، ويخبر ويخبر عنه ، وذلك الاختصاص جمعه مع السلامة. والحق
ما لا يعقل بلفظ المؤنث لنقص رتبته عما يعقل كنقص رتبة المؤنث عن المذكر ، فجمع
بالألف والتاء إذا سلم ، كما جمع مؤنث من يعقل. وسمي سيبويه ما لم يكن من الحيوان
مواتا وإن كان في الحقيقة ليس من الحيوان ولا الموات لمساواته الموات في اللفظ.
فقال : "
ومما جاء في القرآن من الموات ... قوله عز وجل : (فَمَنْ جاءَهُ
مَوْعِظَةٌ) [البقرة : ٢٧٥] والموعظة ليست من الموات بالحقيقة.
واعلم أن
الجموع المكسرة مؤنثة كلها ، كانت لمن يعقل ولما لا يعقل أو المذكر أو المؤنث ،
وحكم اللفظ في تأنيثها حكم تاء الواحد المؤنث تقول : هي الرجال وهي الجمال ، فتجري
مجرى هي الجذوع ، وإنما ذلك لأنها خرجت عن الواحد الأول الأمكن الذي يقع ـ بالخلقة
ـ فيه الفرق بين المذكر والمؤنث فأجري كله مجرى الموات ، تقول : جاء جواريك وجاء
نساؤك فلا تلزمه التاء كما لزمت جاريتك ، لأن هذا التأنيث الحادث بجمع التكسير غير
التأنيث الحقيقي الذي كان في الواحد. وكذلك ما لم يكسر عليه الواحد ، إلا أنه اسم
للجمع كقولك : قال نسوتك ، لأن تأنيثها تأنيث جمع ، وواحد امرأة ، فحكمها حكم
الجمع كما أن" من" لما كان في معنى الجمع ، جاز أن يرد لفظها على المعنى
كقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) [يونس : ٤٢].
قال : وتقول :
مررت برجل أعور آباؤه ، كأنك تكلمت به على حد أعورين ، وإن لم يتكلم به كما توهموا
في هلكى ومرضى وموتى أنّه فعل بهم ، فجاءوا به على مثال جرحى وقتلى.
قال النابغة :
* ولا يشعر الرمح الأصم كعوبه
|
|
بثروة رهط
الأبلخ المتظلم
|
__________________
فرفع الكعوب
بالأصم والأصم : الصلب الشديد ، والثروة : الكثرة ، والأبلخ : الشامخ بأنفه كبرا ،
والمتظلم : الظالم.
والمعنى : إن
الرمح لا يبالي بالرجل الظالم ولا يشعر به فيتجنبه ، ويروى في أخبار النابغة
الجعدي أنّه لما قال هذا البيت ، قال له المهجو : لكن حامله يشعر فيقدعه يا أبا
ليلى فغلبه بالكلام ويروى : رهط الأعبط والأغيظ.
ومعنى قوله
سيبويه : كأنك تكلمت به على حد أعورين.
أي : أن أعور ،
وإن كان لا يجمع جمع السلامة ، فقد أجروا واحده على الأول بتقدير معور إذا رفع به
واحد ، فكذلك إذا رفع به اثنان أو جماعة ، فكأنك تكلمت به على حد ما يجمع جمع
السلامة ، وإن كان إنما يجمع مكسرا كما جمعوا : هلكى ، ومرضى ، وموتى على حد فعيل
، بمعنى : مفعول مثل : جريح وقتيل ، وصريح ، وجمعه صرعى وجرحى وقتلى ، فتقدير
أعورين ـ وإن لم يتكلم به كتقدير هلك فهو هليك ومرض فهو مريض ، وإن لم يتكلم به.
واعلم أن هذه
الصفات إذا كسرت ، فهي تجري في رفع ما بعدها مجرى الفعل لأنها جاءت على مثال مختص
بها. كما اختص الواحد ببنائه ، فأجريت مجرى الواحد في رفع ما بعده ، ومما يدل على
أن هذا الجمع المكسر ليس كالفعل المتصل بضمير الجمع ، أنّه ليس شيء من الفعل إذا
كان للجميع يجيء على غير بنائه إذا كان للواحد. فمن ثم صار حسان وما أشبهه بمنزلة
الاسم الواحد ، نحو : مررت برجل جنب أصحابه وصرورة قومه وما أشبه ذلك.
واختار سيبويه
أن تجري الصفات المكسرة مجرى الفعل ، كما يجري واحدها نحو : مررت برجل حسان قومه.
واختار في ما
يجمع بالواو والنون إذا كان مفردا أن يجري مجرى الفعل ، فإذا ثني وجمع ، اختار فيه
القطع والابتداء.
وقال المبرد :
أختار في كل ما جمع بالواو والنون نحو منطلق ومنطلقين ، الإجراء على الأول ، وما
كسر ، فإني أختار فيه أن أجريه مجرى : باب خير منه فأرفعه.
وقال الزجاج :
الجيد قول سيبويه ، في قولك : مررت برجل عور قومه بالجر ، لأنه قد كان يجوز : مررت
برجل منطلقين آباؤه ، فإذا جاز في الذي فيه علامة الجمع : كان الاختيار هاهنا ،
وهذا قياس يستمر في العربية.
وأنشد سيبويه ـ
مستشهدا بحذف علامة التأنيث ـ قول أبي ذؤيب يمدح الزبير :
* بعيد الغزارة فما إن يزا
|
|
ل مضطمرا
طرّته طليحا
|
فحذف التاء من
مضطمرة والمضطمر : الضامر ـ والطرتان : الجانبان والطليح : المعيي.
وقال الفرزدق :
* قرنبي يحك قفا مقرف
|
|
لئيم مآثر
قعدد
|
فحذف التاء من
لئيمة وقرنبي : مصروف وغير مصروف ، وهو اسم دابة. ومقرف : نذل ـ وقعدد : ليس
بمستعلي النسب.
وأنشد للفرزدق
:
* وكنّا ورثناه على عهد تبّع
|
|
طويلا سواريه
شديدا دعائمه
|
فحذف التاء من
طويلة وشديدة ، ذهب به إلى معنى الجميع.
وأنشد لأبي
زبيد الطائي :
* مستحسن بها الرياح
|
|
فما يجتابها
في الظلام كل هجود
|
فحذف الهاء من
مستحسنة والمستحسن : الذي له حنين وصوت ، يصف فلاة ويجتابها : يقطعها والهجود هنا
: الساهر ، وقد يكون النائم.
وأنشد لمضرس
الأسدي :
* فلاقى ابن أنثى يبتغي مثل ما ابتغى
|
|
من القوم
مسقى السمام حدائده
|
فحذف الهاء من
مسقيه وقوله : فلاقى ابن أنثى : يعظم أمره كما تقول ابن رجل ، يعني : أنّه لقي لصا
يبتغي مثل ما ابتغى ، لأنه لص مثله وحدائد جمع حديد والسمام : جمع سم.
وأنشد للكميت :
* وما زلت محمولا على ضغينة
|
|
ومضطلع
الأضغان مذ أنا يافع
|
__________________
فحذف الهاء من محمولة
، لأن ضغينة وضغنا واحد ومضطلع : أي هي بين أضلاعه واليافع : المقارب الإدراك.
واستشهد على
حذف علامة التأنيث وهي مؤخرة بقول الأعشى :
* فإما ترى لمّتى بدّلت
|
|
فإن الحوادث
أودى بها
|
فجعل الحوادث
بمعنى الحدثان ، فلذلك حذف التاء من أودت ، ولو أثبتها هنا لا تزن البيت ، ولكن
القصيدة مردفة بألف ، فلو أتى بتاء التأنيث لم يستقم أن يكون البيت من القصيدة.
وأنشد لعامر بن جوين الطائي :
* فلا مزنة ودقت ودوقها
|
|
ولا أرض أبقل
إبقالها
|
على تأويل ولا
مكان. وقد روي : ولا أرض أبقلت ابقالها بتخفيف همزة إبقالها ، ولا حجة فيه على هذا
ـ والمزنة : السحاب.
والودق :
المطر.
وأنشد لطفيل :
* إذ هي أحوى من الرّبعيّ حاجبه
|
|
والعين
بالإثمد الحاري مكحول
|
فذهب بالعين
مذهب الطرف كأنه قال : والطرف بالإثمد مكحول ، والحاري : منسوب إلى الحيرة.
وأنشد مستشهدا
لما صير مما لا يعقل بمنزلة من يعقل في الأخبار ، قول النابغة الجعدي :
* شربت بها والديك يدعو صباحه
|
|
إذا ما بنو
نعش دنوا فتصوبوا
|
وكان القياس :
بنات نعش دنون فتصوبن ، ولكنه لما وصف بنات نعش بالدنو والتصوب ، صيرها بمنزلة من
يعقل.
وأنشد لخطام
المجاشعي مستشهدا لتثنية الشيئين وجمعهما.
__________________
* ظهراهما مثل ظهور الترسين
فثنى وجمع ـ وصف
فلاتين مستويين لا نبت فيهما ، فشبه ظهريهما بظهور الترسين.
هذا باب إجراء الصفة
على الاسم فيه في بعض المواضع أحسن
وقد يستوي فيه
إجراء الصفة على الاسم وأن تجعله خبرا فتنصبه قوله في هذا الباب : ومثل ذلك مما
الوصف فيه أحسن : هذا رجل عاقل لبيب.
اختار في هذه
المسألة رفع لبيب لأنه بمنزلة عاقل في بيانه للأول وتحليته به ، وأجاز نصبه على
الحال ، وتقديره : يعقل في حال لبه ، وضعفه لأنه لم يرد أن الأول وقع وهو في هذه
الحال ، ولكنه أراد أنهما ثابتان ولم يكن واحد منهما قبل صاحبه.
وتقدير الحال
هنا في أنها ثابتة في الأول غير عارضة فيه ، كتقدير قولهم : قم قائما ، وقد علم أن
وقوع القيام في حال ما هو قائم ومثله قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ
لِلنَّاسِ رَسُولاً) [النساء : ٧٩] وقد علم أنه رسول في حال الإرسال ، كما علم أنه لبيب إذا كان
عاقلا.
واعلم أن بعض
النحويين لا يجيز الخفض في الصفة الثانية إذا اتصلت بضمير الموصوف في قولك : مررت
برجل معه صقر صائد به واحتجوا بأن القلب لا يصلح ، ألا ترى أنك لو قلت : مررت برجل
صائد به معه صقر ، لم يجز ، لتقديم المضمر على الظاهر فاحتج عليهم سيبويه بمسائل
يوافقونه فيها ، ولو قلبت لبطل الكلام بها ، وقوي ذلك بقول حسان بن ثابت :
* ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم
|
|
وفينا نبي
عنده الوحي واضعه
|
فواضعه : صفة
لنبي ، ولو قدم لم يجز
وطعن بعض
النحويين على سيبويه على استشهاده بالبيت ، وقال : لا شاهد فيه ، لأن الهاء في
واضعه للذي صنعتم ، ولو قدم واضعه على هذا التأويل لجاز والذي قاله سيبويه : صحيح
، لأنه جعل الهاء في واضعه ضمير الوحي وقوله عند الوحي صفة لرسول ، واضعه : صفة
أخرى.
ومعناه مفشيه
وذاكره ، لأنهم ظنوا أنّه يخفى ما دبروه ، فيبلغوا إرادتهم فأفشاه الوحي فبطل.
ومعنى الوحي في البيت هو ما بينه الله بالوحي من صنيع القوم ، الذي بينه النبي
صلّى الله عليه وسلّم
__________________
لأصحابه ، وليس بحقيقة الإيحاء ، فهذا طريق واضح واحتجاج صحيح.
قال : واعلم
أنك إذا نصبت في هذا الباب فقلت : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا إلى قوله : لأنه
ليس يرفعه الابتداء ، وفي الظروف إذا قلت : فيها أخواك قائمان يرفعه الابتداء.
في هذا الفصل
من كلام سيبويه ما يختلف في معناه ، والصحيح أراد إلغاء الظرف ورفع ما بعده على
الابتداء والخبر لا يجوز في هذا الموضع ، كما يجوز في المبتدأ الذي ليس قبله شيء
كقولك مبتدئا : معك زيد قائم ، فتلغي الظرف وتعلمه. ولا يجوز الإلغاء إذا اتصل
الظرف بما يكون نعتا له أو خبرا أو حالا إذا كان مع الظرف الضمير العائد إلى الأول
، وذلك قولك في نعت المجرور : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا وهذا معنى قوله :
فإذا صار الاسم مجرورا أو عاملا فيه فعل أو مبتدأ لم تلغه وإلغاؤه أنك لو حذفت معه
، لم يعد إلى المنعوت من شيء ، ولا إلى المبتدأ شيء من خبره ، لأن قولك : معه صقر
جملة فإذا كانت في موضع نعت أو خبر أو حال لم يكن بد من عائد يعود إليه ، والعائد
هو الهاء في معه. وإذا كان الكلام مبتدأ ليس قبله شيء ، فليس يمنع من إسقاط الظروف
مانع كقولك : فيها عبد الله قائم غدا ، وفيها أخواك قائمان وظن بعض النحويين أن
سيبويه يرفع الاسم بالظرف لا بالابتداء ، فيكون صقر مرفوعا معه ، وتأول قوله :
" لأنه ليس يرفعه الابتداء".
والذي علم من
سيبويه في هذا الموضع ، إن الظرف لا يرفع ما بعده ، ومعنى قوله : لأنه ليس يرفعه
الابتداء.
الهاء في لأنه
ترجع إلى أول الكلام ، وإنما يريد : لأن الهاء المجرورة في معه ، ولم يرد الصقر ،
فاعرف ذلك.
واعلم أنّه لا
يجوز : يا ذا الجارية الواطئها زيد ، بنصب الواطئها لأنه صفة للجارية والضمير يعود
إليها. فإن قلت : الواطئها أبوه ، جاز النصب في الخفض للضمير العائد في أبوه إلى
المنادى ، وإذا قلت : يا ذا الجارية الواطئها ، نصبت صفة المنادى ، والتقدير :
الذي وطئها ، فإن جعلت الواطئها بمعنى التي وطئها ، خفضتها وأظهرت ضمير الفاعل
فقلت الواطئها هو ، لأن اسم الفاعل جرى صلة للألف واللام ، وليس بفعل لها ، فلم
يتضمن الضمير.
قال : أما مررت
برجل وأخيه منطلقين ، ففيها قبح حتى تقول : وأخ له.
ومثل ذلك قول
الشاعر :
* أي فتى هيجاء أنت وجارها
|
|
إذا ما رجال
بالرجال استقلت
|
فعطف قوله :
وجارها على فتى ومعناه : أي فتى هيجاء أنت؟ وأي جار هيجاء أنت؟
__________________
وجارها نكرة ، لأن أيا أضيفت إلى واحد لم يكن إلا نكرة ، لأنه في معنى
الجنس ، فجارها ، وإن كان مضافا إلى ضمير هيجاء ، فهو نكرة في المعنى ، ولا يجوز
أن يكون رفعا لأنه إذا رفع فهو على أحد وجهين :
إما أن يكون
عطفا على أنت أو عطفا على أي فإن كان عطفا على أنت صار غير أنت وصار شريك أنت في
المدح ، وكأنه قال : أي فتى هيجاء أنت جار هند؟ وما أشبهها وإن قدر أنت وجار
الهيجاء ، فليس برجل يعرف وليس قصد الشاعر إلى هذا ، وإن كان عطف : وجارها على أي
: كان الكلام بإعادة حرف الاستفهام ، كما تقول : أي رجل عندكم؟ وأي زيد عندك؟ ومتى
قال : وجارها ، لم يكن فيه معنى ، أي : جارها الذي هو التعجب.
وأنشد للأعشى :
* وكم دون بيتك من صفصف
|
|
ودكداك رمل
وأعقادها
|
ووضع سقاء
وأحقابه
|
|
وحل حلوس
وأغمادها
|
في هذا حجة
لقوله : ربّ رجل وأخيه لأن قولك : (من صفصف) لا يليه إلا نكرة معطوف على (صفصف)
كعطف أخيه على رجل ، وكذلك وأغمادها معطوف على ما قبلها ، ولا تكون إلا نكرة ، وقد
بين سيبويه العلة في ذلك.
والصفصف : المستوي
من الأرض الذي لا نبات به. والدكداك : ما علا من الرمل والأعقاد ما تعقد منه ويروى
: وأحقابه كأنه جمع حقيبة على حذف الزيادة ، والحلس : مسح من شعر أو صوف يعلق على
البعير.
هذا باب ما ينتصب فيه
الاسم لأنه لا سبيل له إلى أن يكون صفة
وذلك قولك :
هذا رجل معه رجلين قائمين.
أجاز سيبويه
نصب هذا على الحال ، ولم يجزه على النعت لأن الحال قد تكون من اسمين مختلفي
الإعراب ، وكذلك : ضرب زيد عمرا قائمين ، إذا كان الضرب واقعا من زيد لعمر وهما في
حال قيام.
وقال عنترة :
* متى ما تلقني فردين ترجف
|
|
إليه روانق
إليتك وتستطار
|
(ففردين) حال من اسم الفاعل
والمفعول في تلقني ، والهاء في (معه) ورجل تأويلهما
__________________
تأويل فاعلين ، أو فاعل ومفعول ، لأنك إذا قلت : مع عمرو وزيد ، فتأويله
اجتمعا ، أو جامع زيد عمرا ، ثم تكون الحال منهما على هذا التأويل أو تحمله على
هذا فيكون على التنبيه بتقدير : انتبه لهما قائمين والإشارة بمعنى أشر إليهما
قائمين.
وأنشد في ما
اختلف إعرابه فلم يحمل النعت عليه ، وقطع منه على إضمار مبتدأ أو نصب بإضمار فعل ،
قول الخرنق :
* لا يبعد قومي الذين هم
|
|
سم العداة
وآفة الجزر
|
النازلين بكل
معترك
|
|
والطيبون
معاقد الأزر
|
فنصب النازلين
، ورفع الطيبين وجعل هذا شاهدا لقوله :
افعل ما سر
أخاك وأحب أبوك الرجلان الصالحان ، بالنصب والرفع على القطع ، ولو حمل هذا على
النعت لم يجز الخلاف إعراب الاسمين.
وأما البيت :
فالحمل فيه على الأول جائز ، إلا أن القطع أكثر في كل شيء كان تعظيما ، لأنك إذا
أثنيت على قوم فإنما تقول : هم كذا وأذكر كذا ، وإنما امتنع حمل الصفات على
الأسماء المختلفة الإعراب ، والمختلفة العوامل مع اتفاق الإعراب ، لأن الصفة تتبع
الموصوف في الإعراب ، فيكون الإعراب الحاصل في الوصف متعلقا بالعامل الذي عمل في
الموصوف.
فلو جمعت صفتان
بلفظ واحد فجعلتا للمرفوعين المتقدمين أو المجرورين ، صار لفظ الصفة وهو واحد
متعلقا برافعين أو جارين ، ولا يعمل في شيء واحد شيئان ولا خلاف بين النحويين أن
الفعلين إذا اتفق معناهما جاز أن يوصف فعلاهما بلفظ واحد كقولك : مضى زيد ، وانطلق
عمرو الصالحان وجعل أخوك وقعد أبوك الكريمان المختلفان ، وإذا اختلف معناهما فمذهب
الخليل وسيبويه في الفعلين المختلفين والمتفقين واحد ، فأجازا : ذهب أخوك وقدم
عمرو الرجلان الحليمان.
وكان المبرد
والزجاج وكثير من المتأخرين ، يأبون جواز ذلك إلا في المتفقين. والحجة للخليل
وسيبويه أن مذهب عمل الفعل والفاعل مذهب واحد ، وإن اختلف معنى الفعلين ، ومما يدل
على ذلك أنك تقول اختلف زيد وعمر الصالحان ومعنى اختلف : أن كل واحد منهما فعل
فعلا مخالفا لفعل الآخر. وتقول : فعل زيد وعمرو فعليهما ، وعملا عمليهما وإن كانا
مختلفين ، فإذا قلنا : ذهب أخوك وقدم عمرو والرجلان الحليمان ، فكأنا قلنا : فعل
أخوك وزيد الحليمان هذين الفعلين ، والذي لا يجيز هذا ، ويجيز : ذهب زيد وانطلق
عمرو الصالحان ، يلزمه مثل ما فر منه في الفعلين المختلفين ، ذهب ارتفع زيد وحده ،
وانطلق ، ارتفع به عمرو وحده ولا يجوز أن يكون الصالحان يرتفع بالفعلين أو يتعلق
بهما ، وهو لفظ واحد.
فإن قال قائل :
تسقط الفعل الثاني في التقدير ، وتجعله مؤكدا للأول فكأنا قلنا : ذهب
زيد وعمرو الصالحان.
قيل له : فإذا
رفعتهما بالأول ، بقي انطلق بلا فاعل وهذا فاسد في مذهب البصريين.
هذا باب ما ينتصب
لأنه حال صار فيه
المسئول والمسئول عنه
وذلك قولك : ما
شأنك قائما؟ وما شأن زيد قائما؟ وما لأخيك قائما؟
قوله : قائما
شيء قد عرفه المتكلم من المسئول ، وهو الكاف في شأنك ، والمسئول عنه وهو زيد. فسأل
عن شأنه في هذه الحال ، ومعناه : ما تصنع وما تلابس في هذه الحال ، وقد يكون فيه
إنكار لقيامه ، وسؤال عن السبب الذي أداه إليه ، فكأنه قال : لم قمت؟ وعلى هذا
المعنى يجوز أن يقول الله عزّ وجلّ :
(فَما لَهُمْ عَنِ
التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩] كأنه أنكر إعراضهم ، فوبخهم على السبب الذي أداهم إلى
الإعراض ، فأخرج مخرج الاستفهام في اللفظ وتأويل ما لهم تأويل ما شأنهم كأنه قال :
ما تصنعون؟
وقوله : من ذا
قائما بالباب؟
من مبتدأ وذا
خبرها ، وقد يكون ذا مبتدأ ومن خبر مقدم وقائما منصوب على الحال ، والعامل فيه ذا
بمعنى الإشارة كأنه سأل عمن عرف قيامه لم يعرفه.
فأما
قولهم" من ذا خير منك؟ " فيجوز أن يكون : " من" مبتدأ و"
ذا" خبره ، وخير منك ويجوز أن يكون ذا بمعنى الذي ، ويكون تقديره : من الذي
هو خير منك؟
وأكثر ما
يستعمل هذا على إنكار أن يكون أحد خيرا منك كقولك : من ذا أرفع من الخليفة؟ والنصب
في هذا جائز على هذا المعنى ، وقد ذكره سيبويه.
هذا باب ما ينتصب على
التعظيم والمدح
وإن شئت جعلته
صفة فجرى من الأول ، وإن شئت قطعته وابتدأته وذلك قولك الحمد لله والملك لله أهل
الملك. ولو رفعته كان حسنا.
كما قال الأخطل
:
* نفسي فداء أمير المؤمنين إذا
|
|
أبدى النواجذ
يوم باسل ذكر
|
الخائض الغمر
والميمون طائره
|
|
خليفة الله
يستسقى به المطر
|
كأنه قال : هو
الخائض الغمر. والباسل : الشديد ، والذكر مثله.
__________________
وقوله : أبدى
النواجذ ، كناية عن شدته وهوله وقوله الخائض الغمر : أي يحمل نفسه على الشدائد
والغمر : الماء الكثير فضربه مثلا ، ويجوز أن يكون الغمر جمع غمرة وهي الشدة وقوله
: والميمون طائره : كناية عن بركته ويمنه وإنه لا يتشاءم به.
وذكر سيبويه أن
الذم يجري مجرى المدح.
وأنشد لابن
خياط العكلي.
* وكل قوم أطاعوا أمر مرشدهم
|
|
إلا نميرا
أطاعت أمر غاويها
|
الظاعنين
ولما يظعنوا أحدا
|
|
والقائلون
لمن دار نخليها
|
فنصب الظاعنين
، ورفع القائلون ، ولو نصبها جميعا أو رفعها لجاز ومعنى قوله : الظاعنين ولم
يظعنوا أحدا : أي هم أهل غدر فإذا أحسوا بمكروه ، رحلوا عن موضعهم ولم يعلموا
جارهم بذلك حتى يصيبه المكروه وهو كقول امرئ القيس :
ولا آذنوا جارا فيظعن سالما
وفيه معنى آخر
وهو أن يصفهم بالقلة والذل ، فيظعنون لذلك من موضع ، ولا يظعنون أحدا ، لأنه لا
كثرة عندهم ولا عزة فيظعن أعداؤهم خوفا منهم.
وأنشد :
* لقد حملت قيس بن عيلان حربها
|
|
على مستقل
للنوائب والحرب
|
أخاها إذا
كان غضابا سمالها
|
|
على كل حال
من ذلول ومن صعب
|
الشاهد نصب
أخاها وهو المستقل المجرور.
وأنشد قول
الراجز :
* بأعين منها مليحات النّقب
|
|
شكل التّجار
وحلال المكتسب
|
أي : ليس فيهن
تبرج وتكشف ، ولكن خفر وحياء وتستر ، وذلك حلال المكتسب.
وأنشد لمالك بن
خويلد الخناعي :
* ياميّ لا يعجز الأيام ذو حيد
|
|
في حومة
الموت رزام وفراس
|
يحمي الصريمة
أحدان الرجال له
|
|
صيد ومجترئ
بالليل هماس
|
__________________
هذا الشعر لأبي
ذؤيب ، ووقع في البيت الأول من هذين غلط في كتاب سيبويه ، لأن قوله : ذو حيد ،
ورزام وفراس : أسد والصواب الذي حملته الرواة :
* يامي لا يعجز الأيام ذو حيد
|
|
بمشمخر به
الظيان والآس
|
والظيان :
ياسمين البر. والمشمخر : الشامخ وروى المبرد : ذو حيد بفتح الحاء والياء وجعله
مصدرا بمنزلة : الأود والعوج ورواه ثعلب والسكري بكسر الحاء ، كأنه جمع حيدة مثل
حيضة وحيض ، ويجوز أن يكون جمع حيد على الشذوذ.
وبعد هذا البيت
بأبيات من القصيدة :
يا مي لا
يعجز الأيام مبترك
|
|
في حومة
الموت رزام وفراس
|
يحمي الصريمة
البيت وحومة الموت : شدته. ورزام : أخذ يصف أسدا ويقال رزم به إذا صرعه. والصريمة
: القطيعة من الرمل. فراس : دقاق الظهور ومكسر لها.
قال : ومما حمل
على الابتداء قوله :
* فتى الناس لا يخفى عليهم مكانه
|
|
وضرغامة إن
هم بالأمر أوقعا
|
التقدير : وهو
ضرغامة والضرغامة : الأسد.
وقال الآخر :
* إذا لقي الأعداء كان خلاتهم
|
|
وكلب على
الأدنين والجار نابح
|
التقدير : هو
كلب والمعنى أنه لين لأعدائه كالخلاة ، وهي : ما رطب من الحشيش وهو كلب على من قرب
منه وجاوره.
واعلم أن
التعظيم يحتاج إلى اجتماع معنيين في المعظم : أحدهما : أن يكون المعنى الذي عظم به
صفة مدح ، وثناء ، ورفعه والآخر : أن يكون المعظم قد عرفه المخاطب وشهر عنده بما
عظم به ، أو يتكلم المتكلم بصفة ينفرد به المخبر عنه عند المخاطب ، ويعرفه بها ،
ثم يأتي بعد بصفات يعظمه بها ، كقولك : مررت بعبد الكريم الفاضل ، فتنصب الفاضل
على التعظيم ، لأنك لما قدمت الكريم ، صار كأنه قد عرف وشهر ـ فتدبر ذلك إن شاء
الله.
هذا باب ما يجري من
الشتم مجرى التعظيم
وذلك قولك :
أتاني زيد الفاسق الخبيث.
__________________
وقال عروة
الصعاليك :
* سقوني الخمر ثم تكنفوني
|
|
عداة الله من
كذب وزور
|
فنصب عداة على
الشتم ، ومعنى البيت : أنه كان عنده امرأة سبية فرغبت إلى قومها أن يفادوها منه ،
فسقوه الخمر ثم راموه على ذلك ورغبوه في الفداء حتى أجابهم فلما صحا من سكره ندم
فهجاهم بهذا.
وأنشد في مثل
هذا :
* متى تر عيني مالك وجرانه
|
|
وجنبيه تعلم
أنه غير ثائر
|
حضجر كأم
التوأمين توكأت
|
|
على مرفقيها
مستهلة عاشر
|
فرفع على معنى
هو حضجر يخبر أن مالكا ليس ممن يطلب بثأر لأنه ناعم مترف لا هم له إلا الأكل
والشكم فإذا نظرت إلى عنقه وجنبيه ، علمت أنه لا يهتم بثأر. والجران : باطن العنق.
وقوله : توكأت
على مرفقيها أي : لعظم بطنها مستهلة عاشر ، أي : فدخلت في أول الشهر العاشر وهذا
كقول الآخر :
رأيتكما يا
بني أخي قد سمنتما
|
|
ولا يدرك
الأوتار إلا الملوح
|
الأوتار : جمع
وتر ، وهو الثأر ، والملوح : الضامر المتغير لكثرة تصرفه وحمله على نفسه.
وأنشد لرجل من
أزد السراة :
* قبح من يزني بعو
|
|
ف من ذوات
الخمر
|
الآكل
الأسلاء لا
|
|
يحفل ضوء
القمر
|
الآكل نصب على
الذم ، ويعني به عوفا المخفوض الأسلاء جمع سلى وهي المشيمة وهي مستقذرة وهذا مثل
يريد أنه يأتي الأمور القبيحة لا يحفل بظهورها عليه ويروى الأشلاء : وهو جمع شلو :
وهو العضو ، كأنه يأكل اللحم ليس له هم إلا الأكل ، ولا يبالي أطلع القمر أم لم
يطلع ، لأنه ليس ممن يسافر.
وزعم النحاس عن
أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش ، أنه كان يقول : العوف هنا :
__________________
ذكر الرجل ، ومعنى الآكل الأسلاء : أنه يصل إلى الولد فجعله آكلا للأسلاء
لوصوله إليها.
وليس هذا بشيء.
قال سيبويه :
زعم يونس أنه سمع الفرزدق ينشد :
* كم عمة لك يا جرير وخالة
|
|
فدعاء قد
حلبت على عشاري
|
شغارة تقذ
الفصيل برجلها
|
|
فطارة لقوادم
الأبكار
|
أراد أن عمته
وخالته راعيتان ، ألا تراه وصفهما بالحلب.
وفدعاء ناتئة
القدم ، وهي المتقاربة العقبين أيضا والعشار : جمع عشراء وهي الناقة التي بلغت
عشرة أشهر من حملها ، وربما سميت بذلك بعد النتاج وقوله : شغارة : منصوب على الذم
والمعنى أنها ترفع رجلها لتضرب الفصيل فتقذه ، أي : تدق عنقه وتكسره إذا أراد
الرضاع ، وهو من قولهم : شغر الكلب برجله إذا رفعها ليبول.
وقوله : فطارة
، أي : تحلب فطرا ، وهو الحلب بالسبابة والوسطى وتستعين بطرف الإبهام ـ والقوادم :
الأخلاف المتقدمة من الضرع ، والأبكار : جمع بكر ، وهي التي وضعت أول بطن ، وإنما
وصفها بهذا الضرب من الحلب ، لأنه لا يمكن حلبها صبا ، لأن أخلافها صغار قصار.
وأنشد أيضا :
* طليق الله لم يمنن عليه
|
|
أبو داود
وابن أبي كثير
|
ولا الحجاج
عيني بنت ماء
|
|
تقلب طرفها
حذر الصقور
|
فنصب عيني بنت
ماء على الذم.
يصف أن الحجاج
جبان يحدد طرفه من الفزع كبنت ماء ، أي كطائر من طيور الماء إذا نظر إلى صقر.
قال : وأما قول
حسان بن ثابت :
* حار بن كعب إلا أحلام تزجركم
|
|
عنا وأنتم من
الجوف الجماخير؟
|
لا بأس
بالقوم من طول ومن عظم
|
|
جسم البغال
وأحلام العصافير
|
__________________
فلم يرد أن
يجعله شتما وقال الخليل : لو جعله شتما فنصبه على الفعل كان جائزا.
يعني أنه لم
يجعل جسم البغل شتما ، لأن عظم الأجسام ليس بشتم ولا ذم : وإنما وصفهم بأن ليس لهم
من الأحلام ما يشاكل عظم أجسامهم ، وإنما قال الخليل : ولو نصبه على الشتم لجاز
لأن عظم الأجسام مع قلة العقول ذم أبلغ من ذم صغر الجسم.
وأراد بقوله :
حار بن كعب : القبيلة ، وكان النجاشي يهاجيه ، وهو منها ، والجوف : جمع أجوف ، وهو
العظيم الجوف ، والجماخير : جمع جمخور وهو مثل الأجوف ، وقيل هو الضعيف.
وأنشد في ما
نصب على غير مدح ولا ذم :
* وما غرني حوز الرزامي محصنا
|
|
عواشيها
بالجو وهو خصيب
|
فنصب محصنا على
أعني ، وهو اسم الرزامي ، وليس فيه مدح ولا ذم ، وإظهار الفعل في مثل هذا جائز ولو
كان مدحا أو ذمّا ، لم يظهر ، لأن المعنى يدل عليه ، فيصير بدلا منه.
قال : ومن هذا
الترحم ، والترحم يكون بالمسكين والبائس ونحوه.
اعلم أن مذهب
الترحم غير مذهب التعظيم والشتم لأنهما شيء قد وجب للمعظم والمشتوم وشهرا به قبل
التعظيم أو الشتم ، فيذكر على جهة المدح له والذم.
والترحم : إنما
هو رقة وتحنن يلحق الذاكر على المذكور في حال ذكره إياه.
وأنشد :
* فأصبح بقرقري كوانسا
|
|
فلا تلمه أن
ينام البائسا
|
في تلمه.
وقرقري : اسم موضع ـ وأراد بالكوانس إبلا مستقرة في مباركها.
والمكنس :
الموضع الذي يكون فيه الظبي ، فاستعاره للإبل ، والبائس : المسكين.
وأنشد :
* بنا تميما يكشف الضباب
يريد أن نصب
المسكين فيه معنى الترحم.
وقوله : تميما
: فيه معنى الاختصاص والفخر.
قال : وزعم
الخليل أنه يقول : أنه المسكين أحمق وهو ضعيف وإنما ضعف لأنه فصل بين اسم إن
وخبرها.
__________________
وسمى النحويون
هذا وما جرى مجراه : الاعتراض ، وجوزوا ذلك لأن فيه اختصاصا للأول وإن كان مرفوعا
بإضمار مبتدأ وشبهه الخليل بأنا تميما ، للاختصاص الذي فيه.
هذا باب ما ينتصب
لأنه خبر
للمعروف المبني
على ما قبله من الأسماء المبهمة.
ترجم سيبويه
للباب بالأسماء المبهمة وخلطها بالمضمرة لقرب الشبه بينهما ، ولأنه يبني عليها
مسائل الباب.
ومع هذا أن
المبرد قال : علامات الإضمار مبهمة كلها ، من قبل أن : هو وأخواتها ، وهذا
وأخواتها تقع على كل شيء من الحيوان والموات وغيره.
واعلم أن
العامل في الحال في قولك هذا زيد منطلقا الإشارة أو التنبيه فإن أعملت التنبيه
فالتقدير : انظر إليه منطلقا ، وإن أعملت الإشارة فالتقدير : أشير إليه منطلقا.
والمقصد أنك
أردت أن تنبه المخاطب لزيد في حال انطلاقه فلا بد من ذكر منطلقا ، لأن الفائدة
تنعقد به ، ولم ترد أن تعرفه إياه ، وأنت تقدر أنه يجهله ، كما تقول : هذا زيدا
إذا أردت هذا المعنى.
والأصل في
المسألة : زيد منطلق ، ثم اتفق قرب زيد منك ، فأردت أن تنبه المخاطب عليه ، وتقربه
له ، فأدخلت هذا ، وهو اسم ، فلا بد له من موضع إعراب لإصلاح اللفظ ، فرفع
بالابتداء لأنه أول الكلام ، وجعل" زيد" خبره ، فاكتفى به ونصب منطلقا
على الحال ، ولا يستغنى عنها ، لأنها خبر في المعنى ، كما لا يستغنى عن الرجل في
قولك : يا أيها الرجل ، وإن كان صفة لأنه المقصود بالنداء في الأصل.
قال : وتقول هو
زيد معروفا.
قال ابن دار :
* أنا ابن دارة معروفا بها نسبي
|
|
وهل بدارة يا
للناس من عار
|
فنصب معروفا
على الحال المؤكد بها.
واعلم أن النصب
في : هذا زيد منطلقا ، على غير وجه النصب في قولك هو زيد معروفا ، ويبين لك أنك لا
تقول : هو زيد منطلقا ، فأما النصب في هذا زيد منطلقا ، فقد تقدم ذكره ، وأما
النصب في : هو زيد معروفا فعلى جهة التوكيد لما ذكرته وأخبرت به ، وذلك أنك إذا
قلت : هو زيد ، فقد أخبرت بخبر يجوز أن يكون حقّا وباطلا ، وظاهره يوجب أن
__________________
المخبر يحقق ما خبر به ، فإذا قال : معروفا ، فكأنه قال : لا شك فيه ،
والعامل فيه أحق وما أشبهه ، والجملة دالة عليه. ولم يجز أن تقول : هو زيد منطلقا
لأنه لو صح له انطلاق ، لم تكن فيه دلالة على صدقه في ما قاله كما أوجب قوله
معروفا.
قال : ولو أن
رجلا من إخوانك ومعرفتك ، أراد أن يخبرك عن نفسه ، أو عن غيره بأمر فقال : أنا عبد
الله منطلقا ، وهو زيد منطلقا كان محالا.
ثم بين فساده ،
وقال بعد ذلك : " ألا أن رجلا لو كان خلف حائط أو في موضع تجهله فيه ، من أنت؟
فقال : أنا زيد منطلقا في حاجتك كان حسنا".
وإنما استحسنه
سيبويه في هذا الموضع لأنه كان عهده منطلقا في حاجته من قبل أن يقول له : من أنت؟
فصار لما عهده بمنزلة شيء ثبت له في نفسه ، كشجاع وبطل فنصبه كنصب عبد الله هو
شجاعا بطلا.
هذا باب ما غلبت فيه
المعرفة النكرة
وذلك في قولك :
هذان رجلان وعبد الله منطلقين.
نصب منطلقين
على الحال ، والعامل فيها التثنية ـ وجميع هذا الباب مفهوم ، وقد مضى تفسيره.
هذا باب ما يجوز فيه
الرفع مما ينتصب
في المعرفة
أنشد سيبويه في
هذا الباب مستشهدا لرفع الخبرين بقول الراجز.
* من يك ذا بت فهذا بتي
فرفع مقيظ وما
بعده على أنه خبر بعد خبر والبت : الكساء
قال : "
وأما قول الأخطل
* ولقد أبيت من الفتاة بمنزل
|
|
فأبيت لا حرج
ولا محروم
|
فزعم الخليل أن
هذا ليس على إضمار أنا"
إنما فر الخليل
من إضمار" أنا" ـ وإن كانت قد تضمر في غير هذا الموضع
ـ لأنه يلزمه
أن يقول : كنت لا خارج ولا ذاهب وجئت لا مسرع ولا عجل ، وهذا
__________________
قبيح جدّا ، فجعله على الحكاية.
والمعنى :
فأبيت" بمنزلة الذي قال له : لا حرج ولا محروم" ، أي إنها لم تحرمني ،
فيقال لي محروم ، ولم أتحرج من حضوري معها فيقال لي : حرج.
قال الزجاج :
وهو في معنى لا حرج ولا محروم لأنه في مكانه كما قال :
* يأبى الظلامة منك النوفل الزّفر
وهو النوفل
الزفر
وكلام الزجاج
هذا تفسير لقول سيبويه
وقد زعم بعضهم
أن رفعه على النفي
وقوى سيبويه
مذهب الخليل في الرفع على الحكاية بقول الشاعر
* على حين إن كانت عقيل وشائظا
|
|
وكانت كلاب
خامري أم عامر
|
هجا هذا الشاعر
عقيلا وكلابا فجعلهم وشائظ ، واحدهم وشيظ ، وهو : الحميس ـ والوشيظ أيضا : الملزق
بالقوم ـ وأما كلاب فجعلهم حمقى ، وذلك أن أم عامر إذا أرادوا صيدها يقولون لها
خامري أم عامر ، أي ادخلي الخمر ، فتدخل جحرها فيصطادونها.
وتقدير البيت :
وكانت كلاب يقال لها : (خامري أم عامر) ، أي : كانت كضبع يقال لها هذا.
وقوى مذهبه
أيضا بقوله :
* كذبتم وبيت الله لا تنكحونها
|
|
بني شاب
قرناها تصر وتحلب
|
فهذا على
الحكاية أيضا ، أي : بني من يقال لها ذلك ، يصف أنها عجوز وإنها راعية.
هذا باب ما يرتفع فيه
الخبر لأنه مبني على مبتدأ
وينصب وفيه الخبر
لأنه حال ...
فأما الرفع
فقولك : هذا رجل منطلق ، فالرجل نعت لهذا هو معه كالشيء الواحد ومنطلق : خبر
المبتدأ.
وأنشد للنابغة
:
* توهمت آيات لها فعرفتها
|
|
لستة أعوام
وذا العام سابع
|
__________________
فالعام : نعت لذا
وسابع : خبر ، وآيات : علامات ، توهمت : تفرست ، يصف دارا خلت من أهلها فتغيرت
بعدهم ، فلم يعرفها إلا بآيات دلته عليها.
وقوله في هذا
الباب" لأن المبتدأ يعمل في ما بعده".
يعني أنه يرفع
الخبر ، وفي الخبر قولان :
أحدهما : أن
المبتدأ يرفعه ، والآخر : أن الابتداء يرفع المبتدأ والمبتدأ والابتداء يرفعان
الخبر.
والظاهر من
كلامه ـ في هذا الموضع ـ أن المبتدأ هو العامل ، وقد يجوز أن يريد بالمبتدأ أنه
إذا كان إشارة ، عمل في ما بعده نحو : هذا وما جرى مجراه وإنما أراد أن يريك حالين
في" منطلق" من المبتدأ ومن الفعل ، تقول : هذا منطلق ، فترفعه على الخبر
، ثم تقول : هذا زيد منطلقا فيصير حلا ، كما تقول ذهب منطلق فترفعه بالفعل ، ثم
تقول : ذهب زيد منطلقا فتنصبه على الحال ، لأن" زيدا" قد حال بينه وبين
الفعل ، فصار حالا قد ثبت فيها ، وصار فيها ، كما أن الظرف موضع قد صير فيه بالنية
، وإن لم تذكر فعلا ، فإذا قلت : فيها زيد ، فكأنك قلت : استقر فيها زيد ، وهنا
أفصح سيبويه بنصب الظرف باستقر ، ثم شبه نصب الظرف بنصب عشرين لما بعده من اسم
النوع المميز.
هذا باب ما ينتصب
لأنه خبر لمعروف
يرتفع على الابتداء ،
قدمته أو أخرته
وذلك قولك :
فيها عبد الله قائم وقائما
النصب على
الحال وإعمال الظرف ، والرفع على الخبر وإلغاء الظرف.
وأنشد النابغة
:
* فبت كأنّي ساورتني ضئيلة
|
|
من الرقش في
أنيابها السم ناقع
|
فناقع :
خبر" السم" ، وفيه لغو. ولو كان في غير الشعر لجاز ناقعا على الحال.
الضئيلة : حية دقيقة قليلة اللحم يقل دمها ويشتد سمها ، وإنما ذلك من الكبر ، وطول
مرور الدهر عليها.
والرقش :
المنقطة بسواد ، والناقع : الثابت ، ومعنى ساورتني : وثبت على يعتذر إلى النعمان ،
ويصف أنه يبيت فزعا.
وأنشد سيبويه
للهذلي ، وهو المتنخل :
__________________
* لا درّ درّي إن أطعمت نازلكم
|
|
قرف الحتى
وعندي البر مكنوز
|
فألغى الظرف ،
والقرف : القشر والحتي : المقل. يصف أنه ليس ببخيل.
واحتج سيبويه
على أن الظرف لا يرفع ما بعده فقال : " لو كان عبد الله يرتفع"
بفيها" ـ إذا قلت : فيها عبد الله ـ لارتفع بقولك : بك عبد الله مأخوذ".
ولا خلاف بينهم
أن عبد الله لا يرتفع" ببك" ، وكأن قائلا قال لسيبويه : إن"
بك" لا تشبه فيها ، لأن" بك عبد الله" لا يتم الكلام به ، وفيها
عبد الله : يتم الكلام به ، فأجاب عن هذا بأن العامل الذي يتم به الكلام والذي لا
يتم به الكلام سواء لا يتغير ، ألا ترى أن : كان عبد الله لا يكون كلاما ، وضرب
عبد الله : كلام ، وعملهما واحد.
ومما جاء في
الشعر مرفوعا قوله :
* لا سافر الني مدخولا ولا هبج
|
|
عاري العظام
عليه الودع منظوم
|
فألغى المجرور
، يصف جارية ، وشبهها بالظبي ، فقوله لا سافر الني : أي هو غير منكشف اللحم ظاهره
والسافر : المنكشف.
والني : الشحم
، ولا قليل اللحم عاري العظام ، هو بين بين.
والودع : الخزر
، أي : هي ذات حلي وقوله : (لا سافر الني مدخول ولا هبج* عاري العظام) كله داخل في
النفي ، وهو كقوله عز وجل : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا
ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) [البقرة : ٧١].
قال : ومما جاء
في الشعر قد انتصب خبره وقوله :
* إن لكم أصل البلاد وفرعها
|
|
فالخير فيكم
ثابتا مبذولا
|
فنصب ثابتا على
الحال من الخبر.
هذا باب من المعرفة
يكون فيه الاسم
الخاص شائعا في الأمة
نحو قولك للأسد
: أبو الحارث وأسامة ، وللثعلب : ثعالة وأبو الحصين.
وما أشبه ذلك.
هذه الأسماء
التي ذكرها في الباب ، معارف ، أعلام للأجناس التي ذكرها كزيد وهند إلا
__________________
أن اسم زيد وهند يختص شيئا بعينه دون غيره من الأشخاص وأسماء الأجناس يختص
كل اسم منها جنسا ، كل شخص من ذلك الجنس يقع عليه الاسم الواقع على الجنس والفرق
بينهما : أن الناس تقع أسماؤهم على الشخوص ليختص بعضهم من بعض ، لأن لكل واحد منهم
حالا في الناس ، ينفرد بها في معاملته وأسبابه وماله وعلمه ، ليست لغيره ، فاحتاج
إلى اسم يختص شخصه ، وكذلك ما يتخذه الناس ويألفونه من الخيل والكلاب والغنم ،
ربما خصوها بأسماء يعرف بعضها من بعض ، وهذه السباع ، وما لا يألفه الناس ، لا
يخصون كل واحد منها بشيء دون غيره ، فيحتاجون من أجله إلى تسميته ، فصارت التسمية
للجنس بأسره ، فيصير الجنس في حكم اللفظ كالشخص ، فيجري خبره ونعته مجرى خبر زيد
وعمرو وما أشبه ذلك من الأسماء والكنى.
وإنما كثرت
أسماء هذه الأشياء عند العرب ، واتسعت فيها على مقدار ملابستهم لجنس منها وكثرة
إخبارهم عن ذلك الجنس كالأسد والذئب والثعلب والضبع ، فإن لها عندهم آثارا تكثر
بها أخبارهم عنها ، فيفتنون في أسمائهم وكناها ، ولأن إقامتهم في البوادي ، وكونهم
في البراري ، قد تقع أعينهم فيها على طير غريب ، ووحش ظريف ، ويرون من دواب الأرض
وهوامها وأجناسها ما لا اسم له عندهم ، فيسمونه باسم يشتقونه من خلقته أو فعله أو
من بعض ما يشبهه ، أو غير ذلك ، أو يضيفونه إلى شيء على ذلك المنهاج ، ويلقبونهم
كفعلهم بالناس.
واعلم أن تلقيب
هذه الأشياء وتسميتها بهذه الأسماء المعارف في مذهب سيبويه ، دلالة على الاسم وبعض
صفاته وخواصه ، ألا تراه قال : " فكأنهم إذا قالوا : هذا ابن قترة فقد قالوا
: هذا الحية الذي من أمره كذا وكذا".
وكان المبرد
يذهب إلى أن أوبر نكرة ، ويحتج بدخول الألف واللام عليه.
قال بعض
الشعراء :
* ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا
|
|
ولقد نهيتك
من بنات الأوبر
|
وليس هذا بحجة
لأنه أدخل الألف واللام ضرورة.
كما قال أبو
النجم :
* باعد أم العمر من أسيرها
وكقول الآخر :
__________________
* رأيت الوليد بن اليزيد مباركا
وفي ذكر سيبويه
من هذه الأسماء المعارف ، ابن مطر وهو معرفة وهو دويبة حمراء تظهر بأثر المطر وأما
ابن ماء ، فطائر طويل العنق يتنكر إذا نكرت الماء ، ويتعرف إذا عرفت الماء.
قال ذو الرمة :
* وردت اعتسافا والثريا كأنها
|
|
على قمة
الرأس ابن ماء محلق
|
فوصف بمحلق وهو
نكرة الاعتساف : المشي على غير الهداية. وقمة الرأس : أعلاه. وصف أنه ورد الماء في
جوف الليل وأنشد لأبي الهندي في التعريف بالألف واللام :
* مفدمة قزا كأن رقابها
|
|
رقاب بنات
الماء أفزعها الرعد
|
يصف أباريق خمر
طوال الأعناق ومشدودة الأفواه بالقز ، وشبهها في طول أعناقها ببنات الماء إذا سمعت
الرعد فطولت أعناقها.
وأنشد لجرير :
* وابن اللبون إذا ما لز في قرن
|
|
لم يستطع
صولة البزل القناعيس
|
فعرفه بالألف
واللام والقنعاس : الشديد. والبزل : المسنة وهي أقواها وأجلدها. والمعنى أن الصغير
الذي لم يجرب الأمور ، إذا جعل مع الكبار المجربين لم يستطعهم.
وأنشد للفرزدق
:
* وجدنا نهشلا فضلت فقيما
|
|
كفضل ابن
المخاض على الفضيل
|
فعرف ابن
المخاطب بالألف واللام. ونهشل وفقيم قبيلتان.
وذكر ابن
الأعرابي أن هذا يضرب مثلا للشيئين لا خير فيهما ، ولا فضل لأحدهما على
__________________
صاحبه ، إلا كفضل ابن المخاض على الفصيل ، وكلاهما لا خير عنده ، ولا فضل
له ، ولا منتفع به. فجعل فضل نهشل على فقيم ، كفضل هذا على هذا ، والبيت يروى
للفرزدق.
ونهشل : قبيلة
، ولا أدري وجه هذا إلا أن يكون البيت لغير الفرزدق ، وينسب إليه على الغلط.
قال سيبويه :
وكذلك ابن أفعل ، إذا كان أفعل ليس باسم لشيء" فهو نكرة كابن أحقب وهو
الحمار".
وحكى عن ناس
قالوا : " كل ابن أفعل معرفة لأنه لا ينصرف"
وقال سيبويه :
" هذا خطأ لأن أفعل لا ينصرف وهو نكرة ألا ترى أنك تقول هذا أحمر قمد فلا
تصرفه وهو نكرة ، وقمد صفة له".
وأنشد لذي
الرمة :
* كأنا على أولاد أحقب لاحها
|
|
ورمى السفا
أنفاسها بسهام
|
جنوب ذوت
عنها التناهي وأنزلت
|
|
بها يوم ذباب
السبيب صيام
|
الشاهد في
البيتين أن" صيام" الذي في آخر البيت الثاني : صفة لأولاد. فأولاد أحقب
نكرة. ومعنى البيت : كأنا على حمير قد لاحها ، أي : عطشها. جنوب ذوت عنها التناهي
: أي جفت من أجلها الغدران وهي التناهي ، واحدتها تنهية ، سميت بذلك لانتهاء السيل
إليها واستنقاعه فيها. وأنزلت الجنوب بهذه الحمير يوم ذباب السبيب ، أي يوم حر
احتاجت فيه إلى تحريك أذنابها ، والسبيب في هذا الموضع : أذنابها وصيام : قيام
ورمى السفا : معطوف مقدم على جنوب : وأنفاسها : أنوفها لأنها مواضع الأنفاس.
والسفا : شوك البهمي" وجعل ما يصيب أنوفها من ذلك بمنزلة السهام ، وإنما يريد
أن هذه الحمير أسرع ما تكون في هذه الحال ، فكأنا عليها من السرعة والانزعاج.
هذا باب ما يكون فيه
الشيء غالبا على
اسم يكون لكل من كان
من أمته ،
أو كان في صفته من
الأسماء التي يدخلها الألف واللام
كقولك : فلان
بن الصعق وما أشبه ذلك.
اعلم أن الاسم
العلم إنما وضع لإبانة شخص من سائر الشخوص ، وليس فيه دلالة على وجود معنى ذلك
الاسم في الشخص الذي سمي به ، كرجل يسمى بزيد أو عمرو أو جعفر أو حمزة أو ما أشبه
ذلك. ومعنى زيد : الزيادة ، ومعنى عمرو : العمر ، وجعفر هو النهر ، وحمزة : اسم بقلة.
وقد علم أن
المسمى من الناس بشيء من هذا ، لا يرد به أنه نهر ، ولا أنه بقلة ، وإنما وضعوه
على الشخص ليميز عن سائر الأشخاص ، فهذا تعريف الاسم العلم الذي لا يحتاج إلى
الألف واللام ولا الإضافة. وهذه الأسماء إذا اشترك فيها المسمون ، لم يكن بينهم
اتفاق يجب به اشتراكهم كاشتراك الشخوص الذين هم كلهم رجال في تسمية كل واحد منهم
بالرجل ، وكذلك سائر ما فيه الألف واللام ، وربما غلب على اسم من هذا الصنف بعض
المسمين به حتى يصير له العلم الذي يعرف إذا ذكر مطلقا ولا يعرف به غيره إلا بعهد
يتقدم.
فمن ذلك الصعق
، وهو رجل من بني كلاب ، وهو خويلد بن نفيل بن عمرو بن كلاب ذكروا أنه كان يطعم
الناس بتهامة فهبت ريح فسفت في جفانه التراب ، فشتمها فرمي بصاعقة فقتلته ، فقال
فيه بعض بني كلاب :
وإن خويلدا
فأبكى عليه
|
|
قتيل الريح
في البلد التهامي
|
فعرف خويلد
بالصعق ، وغلب عليه حتى إذا ذكر لم يذهب الوهم إلى غيره إلا ببيان ، وكان أشهر
ولده وأجمعهم للفضل يزيد بن عمرو بن الصعق ، وليس كل من كان ابنا للصعق عرف بابن
الصعق كمعرفة يزيد.
ومثله في
الإسلام من شهر بالنسب إلى أبيه دون إخوته ابن عمر بن الخطاب ، وهو عبد الله ، دون
غيره من ولد عمر ، وابن الزبير ، وهو عبد الله ، وكذلك ابن عباس ، وهو عبد الله
أيضا دون غيره ، فإذا ذكر هؤلاء ، لم يذهب الوهم إلى غيرهم من هؤلاء الثلاثة.
وكذلك إذا قيل
: ابن رألان ، علم أنه جابر بن رألان الطائي ، ولا يذهب الوهم إلى آخر لرألان ،
وكذلك ابن كراع ، يراد به سويد بن كراع العكلي.
ومن ذلك قولهم
للثريا : النجم فإذا ذكر من غير عهد ، لم يذهب الوهم إلى غير الثريا ، وكذلك
الثريا : تجري هذا المجرى لأن الأصل فيها ثرواء ، ومعناها : كثيرة من الثروة وهي
الكثرة ، لأن كواكبها سبعة أو نحوها فصغرت وجعلت الألف واللام علما.
فأما الحارث
والحسن والعباس ، فمذهب العرب في هذه الأسماء وما جرى مجراها ، أن يجعلوها
لأولادهم وسائر من يسمونه بها تفاؤلا وترجيا أن يكونوا كذلك ، فالحارث معناه
الكاسب الذي يحرث لدنياه ، والعباس الذي يعبس في الحرب لتجربته ومعرفته بشدتها ،
فسموا بنحو هذا لأنهم أعدوا له كما يقال الأضحية والذبيحة لما أعد لذلك.
وقوله : تنزع
الألف واللام من هذا النحو ، ويجري مجرى زيد ونظائره ، فيقال : حارث وعباس.
__________________
وقد يشبهون
الشيء بالشيء فيوقعون عليه اسمه معرفا بالألف واللام فيغلب عليه كقولهم : النسران
: للكوكبين تشبيها لهما بالطائرين.
والفرقدان :
تشبيها لهما بفرقدي بقرة وحشية لبياضها. وقد يشتقون لبعضها أسماء من معان فيها غير
مطردة أسماؤه فيما شاركه من المعاني كالدبران والعيوق والسماك فالدبران : مشتق من
دبر يدبر ، وهم يذكرون أنه يتبع الثريا ويطلبها خاطبا لها ، وليس لكل شيء دبر شيئا
يقال له دبران ، إلا أن في كلامهم فعلانا في موضع الفعل كقولهم العدوان للعادي ،
والصلتان للنشيط الشديد.
والعيوق مشتق
من عاق يعوق ، كأنه عاق كواكب وراءه من المجاوزة ، لأنهم يقولون : الدبران يطلب
الثريا ويخطبها ، وقد ساق مهرها كواكب صغار معه ، والعيوق بينهما ، فكأنه يعوقه
عنها ، وهو على وزن فيعول مثل قيوم وما أشبهه.
وأما السماك :
فهو الارتفاع ، ويقال : سمك بمعنى : ارتفع. وسمكه ، أي رفعه ، وهو في معنى سامك ،
كما يقال : رجل نقاب أي ناقب عن غوامض العلم فطن بها.
وقد بين سيبويه
أن هذه الأشياء لا يقاس عليها ، وإن كل من كان في معناها لا يسمى في أسمائها ثم
قال : وكل شيء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة ، فإن كان عربيّا نعرفه ولا
نعرف الذي اشتق منه ، فذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا ، أو يكون الآخر لم يصل إليه
علم وصل إلى الأول المسمى.
يريد أن المعنى
الذي اشتق منه : إما أن يكون نحن لا نعرفه ويعرفه غيرنا من أهل عصرنا وإما أن يكون
علم ذلك قد درس ولم يقع إلى أهل عصرنا.
قال : "
ومما جرى مجرى الأول : الثلاثاء والأربعاء"
هما مشتقان من
الثالث والرابع ، واختص بهذا الاشتقاق اليومان فقط كما اختص بالعيوق الكواكب وهي
كلها معارف.
هذا باب ما يكون
الاسم فيه بمنزلة الذي في المعرفة
والاحتياج إلى
الحشو ، يكون نكرة بمنزلة رجل وذلك قولك : هذا من أعرف منطلقا ، وهذا من لا أعرف منطلقا.
هذا الباب إلى
آخره في : " من" و" ما" في الخبر ويكونان معرفتين ونكرتين.
أنشد سيبويه في النكرة :
* فكفى بنا فضلا على من غيرنا
|
|
حب النبي
محمد إيانا
|
__________________
فغيرنا : نعت
لمن وهو نعت لازم كالصلة ، ويجوز رفعه على معنى الذي هو غيرنا.
وقال الفرزدق
في مثله :
* إني وإياك إذ حلت بأرحلنا
|
|
كمن بواديه
بعد المحل ممطور
|
فممطور نعت
لمن.
وأنشد لعمرو بن
قميئة :
* يا رب من يبغض أزوادنا
|
|
رحن على
بغضائه واغتدين
|
ورب : لا يكون
ما بعدها إلا نكرة.
وأنشد لأمية بن
أبي الصلت :
* ربما تكره النفوس من الأم
|
|
ر له فرجة
كحل العقال
|
فجعل ما نكرة ،
وهي اسم وليست بكافة لرب لأن الهاء في له تعود إليها. وقد يجوز أن تكون كافة ،
فتعود الهاء إلى الأمر وفيه بعد والفرجة بالفتح : في الأمر ، والفرجة بالضم : ما
يرى من الحائط وغيره.
وأنشد :
* ألا رب من تغتشه لك ناصح
|
|
ومؤتمن
بالغيب غير أمين
|
فناصح نعت لمن
، لك تبيين لناصح.
ومعنى البيت :
أن الإنسان قد يتهم ويستغش من هو له ناصح أمين ، وقد يأتمن من هو غير أمين على سره
وغائب أمره.
هذا باب ما لا يكون
فيه الاسم إلا نكرة
وذلك قولك :
هذا أول فارس مقبل.
فمقبل نعت
لأول.
وأنشد للشماخ :
__________________
* وكل خليل غير هاضم نفسه
|
|
لوصل خليل
صارم أو معارز
|
فجعل غيرا نعتا
لكل ولو حملها على خليل لجاز.
والمعارز :
المنقبض. والهاضم : الظالم المتحامل ، ومعناه أن الصديق إذا لم يهضم نفسه للصديق
فيحتمله ويغضي عنه وقع الصرم والانقباض.
وأنشد أيضا :
* كأنا يوم قرى إنما نقتل إيانا
|
|
قتلنا منهم
كل فتى أبيض حسانا
|
فجعل أبيض
وحسانا نعت. وقرى : اسم موضع ، والحسانا : الحسن والمعنى كأنا إذا قتلنا من هذه
صفته فكأنا قتلنا أنفسنا لأن هذه صفتنا.
وأنشد أيضا لابن
أحمر :
* ولهت عليه كل معصفة
|
|
هوجاء ليس
للبها زبر
|
فهو جاء نعت
لكل ومعنى هوجاء : تجيء من كل ناحية فكأنها حمقاء ، يعني ريحا شديدة. ومعنى ولهت
عليه : لزمته بهبوبها ولصقت به. وقوله ليس للبها زبر أي : ليس لعقلها إحكام ، يقال
زبرت البئر : إذا أحكمت طيها ، ويقال للعقل زبر : لأنه محكم.
وإنما احتج
سيبويه بهذه الأبيات ليقطع من زعم أن" أول" وكلا وما أشبههما مما يضاف
إلى واحد معرفة إذ كانت الألف واللام لا تدخل في المضاف إليه.
واحتج عليهم
أيضا بأن التمييز لا تدخله الألف واللام وهو نكرة فليس امتناعه من الألف واللام
بموجب له أن يكون معرفة.
واحتج بأشياء
كثيرة ساقها في الباب.
والذي أوجب
لهذه الأسماء أن تكون نكرات ، أنها موضوعة وهي مفردة في معنى الجمع وفعلوا ذلك
للتخفيف والاقتصار على أخف لفظ يدل على المعنى الذي أرادوه من الجمع ، وهو الواحد
المنكور من الجنس ، فزعم قوم أن المعرفة تكون حالا للمعرفة ، فألزمهم سيبويه أن
يجعلوا حال النكرة معرفة ، لأنه لا فرق بين حال المعرفة والنكرة ، ثم ألزمهم أن
يقولوا :
__________________
هذا أخوك عبد الله لأنه قد يكون عبد الله عطف البيان ، يجري مما قبله مجرى
النعت ، والحال والنعت كأنهما جنس واحد ، فألزمهم نصب عبد الله على الحال ، وهذا
لا يجوز أصلا.
هذا باب ما ينتصب
خبره لأنه معرفة
وهي معرفة لا توصف ولا
تكون وصفا
وذلك قولك :
مررت بكل قائما ... وببعض جالسا.
اعلم أن هذا
وما أشبهه لا يتكلم به مبتدأ وإنما يتكلم به إذا جرى ذكر قوم ، فيقول : مررت بكل
وببعض ، أي : بكلهم وببعضهم ، فتستغني بما جرى من الكلام ، ومعرفة المخاطب بما
يغني عن إظهار الضمير ، وصار ما عرفه المخاطب مما يغني به مغنيا عن وصفه ولم يوصف
به أيضا ، لأنهم لما أقاموه مقام الضمير ، والضمير لا يوصف به إذ لم يكن تحلية ولا
فيه معنى تحلية فلم يصفوا به ، لا يقال : مررت بالزيدين كل ، كما لا يقال : مررت
بكل الصالحين.
وجعل سيبويه
هذا الحذف شاذّا وشبهه بغيره من المحذوفات ومن حمله ما ذكر قولهم : لاه أبوك
يريدون لله أبوك فحذفوا منه لامين وقد كانوا حذفوا منه ألف الوصل ، واللامان
المحذوفتان عند سيبويه لام الجر واللام التي بعدها.
وقال المبرد :
لام الجر هذه اللام المبقاة ، لأنها دخلت لمعنى فلا تحذف وفتحت لأنها مفتوحة في
الأصل.
والصواب قول
سيبويه ، لأن حروف الجر قد حذفت في مواضع كثيرة.
وجملة القول :
أن قول سيبويه أولى لأنه إذا حذف من الكلمة ما قاله ، فالباقي منها هو اللفظ
الموجود من غير تغير.
وعلى قول
المبرد تبقى اللام المكسورة وتغير ، وليس على التغيير دليل يجب التسليم له.
قال سيبويه :
وتقول ما فيهم يفضلك أي : ما فيهم أحد يفضلك.
ونظيره قول
الراجز :
* لو قلت ما في قومها لم تيثم
|
|
يفضلها في
حسب وميسم
|
والتقدير : لو
قلت ما في قومها أحد يفضلها لم تيثم.
واعلم أن
الأغلب في" كلهم" أن يجري مجرى أجمعين لأنها تعم كعموم أجمعين. وقد
__________________
اتسع في لفظها فأضيفت إلى المكنى والظاهر والمعرفة والنكرة ، كقول القائل :
كل القوم وكل رجل ، وجعل نعتا لأنه على معنى العموم والمبالغة ، كقولك : رأيت
الرجل كل الرجل ، فاستحسنوا الابتداء به لهذا التصرف والإضافة ، لأن أول الكلام
الابتداء ، ثم تدخل عليه العوامل ، ولأن الابتداء بكلهم ـ بعد كلام ـ يجري مجرى
التوكيد ، كقولك : إن قومك كلهم ذاهب ويجوز أن تدخل عليها العوامل كلها ، وإن كان
فيها بعض الضعف من حيث دخل عليها الابتداء.
هذا باب ما ينتصب ،
لأنه قبيح أن يكون صفة
وذلك قولك :
هذا راقود خلا وعليه نحي سمنا.
اعلم أن الراقود
والنحي ، مقدار ينتصب ما بعدهما إذا نونتهما كما ينتصب ما بعد أحد عشر وعشرين ،
وإن أضفتهما فبمنزلة المائة والألف.
ولم يذكر
سيبويه نصب ما بعدهما من أي وجه هو ، إلا أن القياس يوجب ما ذكرته لك. وجعل سيبويه
هذه جبتك خزّا حالا لأن الجبة ليست بمقدار يقدر به الخز فيجري مجرى راقود ونحي.
وقال المبرد :
خطأ أن يكون حالا ، إنما هو تمييز ، لأنه جوهر وقد تقدم القول في هذا.
هذا باب ما ينتصب
لأنه ليس من اسم ما قبله ولا هو هو
وذلك قولك : هو
ابن عمي دنيا وهو جاري بيت بيت.
قال سيبويه :
ليس باسم ما قبله ، أي : ليس محمولا على إعرابه ، لأنه نكرة بعد معرفة ، فلا يكون
نعتا له.
وقوله : ولا هو
هو أي ليس الآخر هو الأول ، لأن الثاني مصدر أو معنى مصدر ، والأول اسم ليس بمصدر.
واعلم أن دنيا
: مصدر في الأصل. ولا يخبر عنه ولا يكون خبرا وأصله دنوا ، لأنه من دنا يدنو ،
فقلبوا الواو ياء لأن بينهما وبين الكسرة نونا وهي خفية ، وهو في معنى دانيا.
وقوله : هو
جاري بيت بيت : معناه : هو جاري ملاصقا. وبيت بيت : جعلا اسما واحدا ووضعا موضع
مصدر في موضع الحال.
قال : وهذا شيء
ينتصب على أنه ليس من اسم الأول ولا هو هو وذلك قولك : هو عربي محضا ، وهذا عربي قلبا.
فمحضا وقلبا ،
ليسا بالعربي ، لأنهما مصدران ولا جريا على عربي في نعته وإعرابه فصار بمنزلة دنيا
وما أشبهه.
ثم قال :
والرفع فيه وجه الكلام وإنما صار الرفع الوجه لأنه كثر في كلامهم أن يجروا
محضا وقلبا مجرى عدل ، وأنت تقول : هذا رجل عدل بمعنى عادل ، وكذلك محض في
معنى ماحض ؛ لأنه يقال : محض يمحض وأمحضته أنا ، ومعناه خالص ، ولم يستعمل الفعل
من قلب كاستعماله من محض.
قال المبرد :
معناه قد تقلب في العرب : أي دار في أنسابها.
وقال غيره :
يجوز أن يكون أخذ من قلب كأنه فتش ونقي من العيب وأما (عربي قح) فلم يستعمل إلا
صفة ، لأنه اسم ليس بمصدر وليس له فعل يتصرف.
هذا باب ما ينتصب
لأنه قبيح أن يوصف
بها بعده أو يبنى على
ما قبله
وذلك قولك :
هذا قائما رجل وهو قائما رجل وفيها قائما رجل.
قال ذو الرمة :
* وتحت العوالي في القنا مستظلة
|
|
ظباء أعارتها
العيون الجآذر
|
فنصب مستظلة
على الحال من الظباء ، وكان وجه الكلام :
ظباء مستظلة
على النعت. والنصب على الحال جائز ، فلما تقدم صارت الحال لازمة ، لأنها قد تقدم
على صاحبها ، ولا يقدم النعت على المنعوت يصف السبي تحت العوالي ، وهي صدور الرماح
، والقنا : الرماح ، أي : أنهم إذا حاربوا سبوا ، وشبه السبي بالظباء لطول الأعناق
، وجعل عيونهن ، كعيون الجآذر ، وهي أولاد البقر.
وأنشد أيضا :
* وبالجسم مني بينا لو علمته
|
|
شحوب وإن
تستشهدي العين تشهد
|
فنصب بينا على
الحال من شحوب ، والشحوب : التغير.
وأنشد أيضا :
* لمية موحشا طلل
|
|
يلوح كأنه
خلل
|
فنصب موحشا على
الحال من طلل ، ومعنى يلوح : يتبين ويظهر ووقع في النسخ وهو قائما رجل ، وهو سهو
لم يتفقد ، ونصبه إن صح من متناول بعيد ، كأن قائلا قال : على أي
__________________
حال زيد رجل؟ يريد من الرجلة والشجاعة ، فقال المجيب ، هو قائما رجل ، أي :
إذا كان قائما كما تقول : هذا بسرا أطيب منه تمرا.
هذا باب ما يثنى فيه
المستقر توكيدا
وليست تثنيته بالتي
تمنع الرفع حاله قبل التثنية
وذلك قولك :
فيها زيد قائما وقائم إن شئت.
جعل سيبويه
تثنية الظروف وتكريرها بمنزلة ما لم يقع فيه تكرير في حكم اللفظ ، وجعل التكرير
توكيدا للأول لا يغير شيئا من حكمه.
وقال الكوفيون
: ما كان من الظروف تاما فإنك إذا كررته وجب النصب في الخبر ، وإن لم تكرره فأنت
بالخيار في الرفع والنصب ، واحتجوا بقوله عز وجل : (وَأَمَّا الَّذِينَ
سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) [هود : ١٠٨] وما كان مثله في القرآن ، وذكروا أنه لم يجئ شيء من نحو هذا
مرفوعا ، وما ليس فيه تكرير قد جاء بالرفع والنصب.
وحجة سيبويه أن
هذه التثنية والتكرير قد أتيا في القرآن وسائر الكلام ، كقوله عز وجل : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) [الأعراف : ٤٥] فأفرد. وفي هود (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ
هُمْ كافِرُونَ*) [هود ١٩ : يوسف ٣٧ : فصلت : ٧] ، وهم الثانية تثنية وتوكيد.
وإذا جاز : فيك
زيد راغب فيك ، ودخول فيك الثانية وخروجها سواء في إعراب ما قبلها ، فمثله قولك :
في الدار زيد قائم فيها.
وأما قولهم :
إنه ما جاء في القرآن الرفع في ما كرر فيه المستقر ، فليس كل جائز جيد فصيح جاء في
القرآن ، ألا ترى أنه لم يجئ في القرآن : ما زيد قائم ، ولا خلاف في أنه جيد فصيح.
هذا باب الابتداء
قد تقدم ذكر
الابتداء ما هو ، وللمبتدأ والخبر وما يرتفع به كل واحد منهما وأنا أعيده هنا.
اعلم أن
الابتداء : هو تعرية الاسم من العوامل اللفظية لتخبر عنه. وهذه التعرية عاملة فيه
لأن العوامل في الإعراب بمنزلة العلامات الدالة على ما يجب من الإعراب ، والتعرية
قد تكون عاملة في بعض الأماكن كثوبين أبيضين متشابهين إذا أعلم أحدهما بعلامة وعري
الآخر كانت تعريته من العلامة علامة له.
فأما الابتداء
والمبتدأ فمن البصريين من يقول : إن الابتداء يرفع الاسم والخبر جميعا.
وقال المبرد :
الابتداء يرفع المبتدأ والابتداء والمبتدأ يرفعان الخبر.
ولسيبويه فيها
عبارات مختلفة يوهم بعضها أن الخبر يرفعه المبتدأ. وذلك قوله : لأن
المبني عليه يرتفع به كما ارتفع هو بالابتداء.
يعني : يرتفع
بالمبتدأ ويوهم بعضها أن الابتداء يرفع المبتدأ والخبر لقوله : وارتفع المنطلق وهو
يعني خبر المبتدأ لأن المبني على المبتدأ بمنزلته.
فإن
قال قائل : إن التعرية الموجبة للرفع قد وقعت على المبتدأ والخبر فعملت فيهما.
فهو مصيب ، لأن
البصريين لا خلاف بينهم أن خبر المبتدأ قد يتقدم عليه فيرتفع.
فلو كان
الابتداء مع المبتدأ عاملا في الخبر لم يتقدم عليه لأن العامل الضعيف لا يعمل في
ما قبله ، ويقوي هذا قول سيبويه لأن المبني على المبتدأ بمنزلته.
وقد نسب المبرد
سيبويه إلى الغلط في قسمته خبر المبتدأ في هذا الباب على شيء هو هو أو يكون في
زمان أو مكان.
ولم يأت بالجمل
التي تكون أخبارا كنحو : زيد ضربته ، وزيد أبوه قائم. وكان سيبويه جعل ما فيه ذكره
مما يتبين في التثنية والجمع من خبر ما هو هو ، فاقتصر على ذلك لأنه مفهوم لا
يشكل.
هذا باب ما يقع موقع
الاسم المبتدأ
ويسد مسده لأنه مستقر
لما بعده
وذلك قولك :
فيها عبد الله .. وأين زيد وكيف عمر؟
جملة هذا الباب
: أن المبتدأ الذي خبره ظرف من مكان وزمان ، إذا تقدم الظرف ، فرفع الاسم على ما
كان عليه مقدما كقوله :
فيها زيد ،
لأنك تقول : إن فيها زيدا ، كما تقول : إن زيدا فيها ، وإذا قلت : أين زيد؟ وكيف
زيد؟ فلا يكونان اسمين وإن تقدما ـ ألا ترى أنك لو قلت : أين يعجبني؟ وكيف يسرني؟
لم يجز كجواز من يعجبني؟ وما يسرني؟ لأن من وما اسمان يخبر عنهما ، وليس كذلك أين
لك أين وكيف؟ فأراد سيبويه : أن تقديم أين وكيف لم يجعلهما اسمين. وكذلك تقديم
فيها وشبهه ، ثم بين أن أين ؛ و" كيف" يلزمهما التقديم من أجل
الاستفهام.
هذا باب من الابتداء
يضمر فيه ما يبنى على المبتدأ
وذلك قولك : لو
لا عبد الله لكان كذا وكذا.
اعلم أن لو لا
وجوابها جملتان : إحداهما : جواب للأخرى ، والجملة الأولى مبتدأ وخبر ، والأخرى :
فعل وفاعل ، فربطت لو لا إحداهما بالأخرى واحتاجت إلى اللام في الجواب كاحتياج"
لو" إلى اللام في جوابها. مثال الجملتين بالأخرى أن تقول : زيد بالحضرة خرج
عمرو ، أو زيد أمين بهت عمرو ، فلا تتعلق إحدى الجملتين بالأخرى ، فإذا أدخلت : لو
لا علقت إحداهما بالأخرى فصارت الأولى شرطا والأخرى جوابا ، فقلت : لو لا زيد لبهت
عمرو ولو لا زيد لخرج عمرو ، وحذف الخبر حين كثر استعمالهم له وفهم المعنى
، ومعناها أن الثاني يمتنع لوجود الأول ، وربما جاء بعد" لولا" مكان
الابتداء والخبر ، الفعل والفاعل لاستوائهما في المعنى ، فتقول : لو لا قام زيد
لجلست معك ، والمعنى لو لا قيام زيد لجلست معك ، وهذا إنما يكون في شعر وإنما
ذكرته ، لأن الكوفيين يزعمون أن" لو لا" ترفع الاسم الذي بعدهما لانعقاد
الفائدة به مع لو لا.
فلو كان هذا
المذهب صحيحا لما وقع بعدها الفعل ، لأن الحرف لا يعمل في نوع حتى ينفرد به.
وشبه سيبويه ما
حذف من خبر المبتدأ بعد لو لا بأشياء من المحذوفات كقولهم : " إما لا"
والمعنى إن كنت لا تفعل غير هذا ، فافعل هذا ، أي : افعل هذا إن كنت تفعل جميع ما
يلزمك. وقد تقدم شرحه في ما مضى.
ومما ذكره
قولهم : " ما أغفله شيئا ، أي دع الشك عنك".
لم يفسر هذا
الحرف أحد ممن مضى إلى أن مات المبرد ، وفسره أبو إسحاق الزجاج بعد ذلك ، فقال :
معناه على الكلام قد تقدم ، كأن قائلا قال : زيد ليس بغافل عني ، فقال النجيب : بل
ما أغفله عنك ، انظر شيئا ، أي : تفقد أمرك. فاحتج به على حذف انظر الناصب شيئا ،
كأنك لما قلت له : ما أغفله ، أردت أن تبعثه أنت على أن يعرف صحة كلامك ، فقلت له :
أنظر شيئا ، فإنك تعرف ما أقوله كما تقول : أنظر قليلا ، أي : تفقد واستثبت.
هذا باب يكون المبتدأ
فيه مضمرا ويكون المبني عليه مظهرا
وذلك إنك رأيت
صورة شخص ، فصار آية لك على معرفته ، فقلت : عبد الله وربي ، كأنك قلت : ذاك عبد
الله أو هذا عبد الله.
هذا الباب كله
مفهوم ، فلا يحتاج فيه إلى تفسير.
هذا باب الحروف
الخمسة التي تعمل في ما بعدها
كعمل الفعل في ما
بعده
وهي من الفعل
بمنزلة عشرين من الأسماء التي بمنزلة الفعل.
شبه سيبويه هذه
الحروف في نصب ما بعدها بالأفعال في نصب مفعولاتها وجعل منزلتها من الفعل (في
الشبه كمنزلة عشرين) وشبه هذه الحروف بالأفعال من وجهين : أحدهما : من جهة اللفظ.
والآخر : من
وجهة المعنى فشبهها من جهة اللفظ : أن أواخرها مفتوحة كأواخر الفعل الماضي ،
وشبهها من جهة المعنى : أنها تطلب الأسماء ولا تقع إلا عليها.
والعامل في
خبر" إن وأخواتها عند سيبويه وغيره من البصريين إن وأخواتها وأهل
الكوفة يقولون : إن الخبر مرفوع بما كان يرتفع به قبل دخول" إن"
لأن" إن" دخلت وعملها ضعيف فعملت في الاسم ولم تجاوزه ، وبقي الخبر
مرفوعا على حاله قبل دخول" إن".
وهذا غلط منهم
ومناقضة ، فأما الغلط : فلأن خبر المبتدأ كان يرتفع بالتعري من العوامل اللفظية ،
وقد دخلت" إن" فزال ذلك التعري ، وأما المناقضة : فإنهم يقولون : زيد
قائم ، كل واحد منهما يرافع الآخر ، وإذا دخلت" إن" بطلت المرافعة ،
فكيف يبقى الخبر على حاله؟
وأنشد سيبويه
في تقديم الظرف على المنصوب بإن :
* فلا تلحني فيها فإن بحبها
|
|
أخاك مصاب
القلب جم بلابله
|
فرفع مصابا على
الخبر. ولا يجوز نصبه ، لأن المجرور لا يتم به الكلام. والجم : الكثير ، والبلابل
: الأحزان.
وأنشد في دخول
اللام على الظرف المقدم قبل الخبر لأبي زبيد.
* إنّ امرأ خصني عمدا مودته
|
|
على التنائي
لعندي غير مكفور
|
فغير مكفور :
هو الخبر ، وعندي من تمامه مقدم عليه.
وأنشد في
تخفيف" كأن" ، وحذف اسمها في الشعر لابن صريم اليشكري
* ويوم توافينا بوجه مقسم
|
|
كأن ظبية
تعطو إلى وارق السلم
|
أي : كأنها
ظبية ، ويروى : كأن ظبية على إعمال" كأن" المخففة عمل المثقلة ، وحذف
الخبر ، كأنه قال : كأن ظبية هذه المرأة ـ ويروى كأن ظبية : بجعل أن توكيدا زائدة
، وبخفض بالكاف.
قال أبو عبيدة
: القسمات : مجاري الدموع من الخدين ومعنى مقسم : حسن القسمات ، وتعطو : تتناول ،
والوارق : ذو الورق. والسّلم : شجر.
وأنشد للآخر :
* ووجه مشرق النحر
|
|
كأن ثدياه
حقّان
|
__________________
ورواية الأخفش
: كأن ثدييه ، يعملها عمل المشددة والمعنى : كأن ثديي صاحب الوجه ، أو صاحب النحر.
والنحر : الصدر.
وأنشد للفرزدق
:
* فلو كنت صبيّا عرفت قرابتي
|
|
ولكن زنجي
عظيم المشافر
|
قال : "
والنصب أكثر في كلام العرب"
فمن نصب ، حذف
الخبر ، والمعنى ، ولكن زنجيّا لا يعرف قرابتي.
ومن رفع حذف
الاسم ، ويكون تقديره ولكنك زنجي ، وإنما صار النصب أكثر وأولى لأن إظهار ما هو
الأصل المبني عليه أولى إذا حذفت المحذوف ، ومثله في الحذف قوله :
* فما كنت ضفّاطا ولكن طالبا
|
|
أناخ قليلا
فوق ظهر سبيل
|
أي : ولكن
طالبا منيخا" أنا" فحذف الخبر وهو" أنا" ، ولو رفع"
طالبا" على قوله : " ولكن زنجي" ، لجاز ، والضفاط : الذي تقضي
حاجته من خوفه ، ويقال أيضا : الضفاط الذي يكري الحمير من قرية إلى قرية ، ويقال
للحمير ضافطة ، والضافط أيضا : الذي يحمل طعامه إلى مكان فيبيعه.
قال : وأما قول
الأعشى :
* في فتية كسيوف الهند قد علموا
|
|
أن هالك كل
من يحفى وينتعل
|
فإن هذا على
إضمار الهاء ، ولم يحذفوا لأن يكون الحذف يدخله في حروف الابتداء بمنزلة إن ولكن ،
ولكنهم حذفوا كما حذفوا الإضمار وجعلوا الحذف علما لحذف الإضمار في إن ، كما فعلوا
ذلك في كأن"
اعلم أن"
أن" المفتوحة المشددة إذا خففت ووليها ما يقوم بنفسه من مبتدأ وخبر ، وفعل
وفاعل فإن اسمها محذوف.
" وجعلوا
حذفها علما لحذف الإضمار كما فعلوا ذلك في كأن"
__________________
وليست بمنزلة
إن المكسورة ولكن المشددة ، لأن إن المكسورة و" لكن" المشددة يدخلان على
المبتدأ ولا يغيران معناه ، فإذا خففتا كان الاسم بعدهما مبتدأ ولم يحتج إلى تقدير
اسم لهما محذوف. وليست" أن" المفتوحة كذلك لأنها في صلة شيء قبلها ولا
يبتدأ بها ، وليس الاسم بعدها في موضع مبتدأ فتسقط هي في التقدير ، ألا ترى أن
قوله عز وجل : (عَلِمَ أَنْ
سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) [المزمل : ٢٠] لو أسقطت" أن" لم يصلح : علم سيكون منكم مرضى ،
وكذلك قوله : في فتية كسيوف الهند قد علموا أن هالك كل من يحفى وينتعل.
لو أسقطت"
أن" لم ترفع" كل" ، و" كأن" كذلك لم تتضمنه من معنى
التشبيه والكاف داخلة على" أن" وليس كذلك" إن" المكسورة
و" لكن" ، لأنها لا يقع عليها شيء قبلها ، وهذه الحروف إذا دخلت
عليها" ما" كفتها عن العمل.
وأنشد لابن
كراع :
* تحلل وعالج ذات نفسك وانظرن
|
|
أبا جعل
لعلما أنت حالم
|
فرفع ما بعد
لعل لدخول ما.
هذا باب ما يحسن عليه
السكوت في هذه الأحرف الخمسة
لإضمارك ما يكون
مستقرّا
وذلك قولك : إن
مالا وإن ولدا ... أي : إن لهم مالا وإن لهم ولدا
وقال الأعشى :
* إن محلّا وإن مرتحلا
|
|
وإن في السفر
ما مضى مثلا
|
معناه إن لنا
محلّا ، يعني في الدنيا ما عشنا وإن لنا مرتحلا إلى الآخرة إذا فنينا ، والسفر :
المسافرون ،
يعني به من مات.
وقوله : مثلا
أي : من مات وفنى فهو مثال لمن عاش وبقى يفنى كما يفنى ويروى : إذ مضى مهلا أي :
مهلة لمن بقى بعدهم أي يستعد ويصلح من شأنه. وقيل : معنى مهلا ذهابا لا يرجعون ـ وقيل
: معنى في السفر مهلا أي من قدم لآخرته فاز وظفر. والمهل : السبق.
وأنشد في مثل
هذا :
* يا ليت أيام الصبا رواجعا
__________________
تقديره : ياليت
لنا أيام الصبا في حال رجوع ، أو يا ليت أيام الصبا أقبلت رواجعا.
وذكر سيبويه أن
العرب كثر استعمالهم للقرب ظرفا ، وقل استعمالهم للبعيد على معنى الظرف ، ثم قال :
" فالدنو أشد تمكنا في الظروف من البعد".
وإنما
صار" الدنو" أمكن في الظروف ، لأن الظروف موضوعة على القرب ،
أو على أن يكون
ابتداؤها من قرب ، فأما الموضوع على القرب" فعند" و" لدن" وما
كان في معناهما.
وأما ما يكون
ابتداؤه من قرب ، فالجهات المحيطة بالأشياء : كخلف وقدام ويمنة ويسرة ، وفوق وتحت
، لأنك إذا قلت : (زيد خلف عمرو) فهذا مطلوب خلفه من أقرب ما يليه إلى ما لا نهاية
له ، والبعد لا نهاية له ولا حد لأوله ، معلوم كعلم حدود الجهات الست.
ويقوى هذا
ويكشفه أنك إذا قلت : قربك زيد ، طلبه المخاطب في ما قرب منه ، وذلك ممكن مفهوم
كما تقول : عندك زيد ، وإذا قلت : خلفك زيد ابتدأ بما يليه من خلفه في موضع
استقرار طلبا له ، وإذا قلت : بعدك زيد لم يكن ذلك فيه.
هذا باب ما يكون
محمولا على إن فيشارك فيها الاسم الذي وليها
ويكون محمولا على
الابتداء
وذلك قولك : إن
زيدا منطلق وعمرا وعمرو
وأنشد لرؤبة في
حمله على المنصوب :
* إن الربيع الجود والخريفا
|
|
يدا أبي
العباس والصيوفا
|
فعطف الصيوف
على الربيع. والجود : المطر الغزير.
وأنشد أيضا
لجرير :
* إن الخلافة والنبوة فيهم
|
|
والمكرمات
وسادة أطهار
|
فحمل :
المكرمات وما بعدها على موضع إن أو على الابتداء وإضمار الخبر.
واعترض المبرد
على سيبويه في قوله في هذا الباب.
" ولكن
المثقلة في جميع الكلام بمنزلة إن"
فقال : تدخل
اللام في خبر إن ولا تدخلها في خبر لكن والذي أراده سيبويه أن" لكن"
بمنزلة" إن" في العطف الذي ساق الكلام عليه ، وسياق الكلام يدل على
إرادته وإنما تدخل اللام على" لكن" لأنها استدراك شيء مما قبلها ، ولا
تقع في أول الكلام ، و" إن" تدخل في أول الكلام واللام تقدر قبلها ،
فخلفت" لكن"" إن" في دخول اللام لهذا المعنى.
__________________
هذا باب ما تستوي فيه
الحروف الخمسة
وذلك قولك : إن
زيدا منطلق العاقل اللبيب بالرفع والنصب.
وهكذا سائر
الباب ، وهو مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ينتصب فيه
الخبر بعد الحروف الخمسة انتصابه
إذا كان ما قبله
مبنيّا على الابتداء
وذلك قوله : إن
هذا عبد الله منطلقا.
ذكر سيبويه في
هذا الباب مسألة ، ظاهرها غير جائز إلا أن تحمل على معنى ، وهي قوله : " إن
الذي في الدار أخوك قائما" فإن جعلت" قائما" حالا عمل فيها الأخ
وأنت تريد أخوة النسب ، لم يجز كما لا يجوز : زيد أخوك قائما في النسب ، وإن نصبت
قائما بالظرف على تقدير : إن الذي في الدار قائما أخوك صار : قائما في صلة"
الذي" ولم يجز أن يفصل بين الصلة والموصول بالأخ وهو خبر ، وإن جعلت"
أخوك" في معنى : المؤاخاة والمصادقة ، وحملته هو العامل في قائم ، جاز وإن
حملته على مثل قولك : أنا زيد منطلقا في حاجتك ، إذا كان قد عهده قائما قبل هذه
الحال ، كما يجوز مثله في الابتداء.
قال : وسألت
الخليل ـ رحمه الله ـ عن قول الأسدي :
* إن بها أكتل أو رزاما
|
|
خويربين
ينقفان الهاما
|
فزعم أن"
خويربين" انتصبا على الشتم ، ولو انتصبا على" إن" لقال : خويربا
لأن"
أو" لأحد الشيئين والخارب : سارق الإبل خاصة في قول أبي عبيدة وقال غيره : يقال
لكل لص خارب ، والدليل على ذلك أن بعده :
ولم يتركا لمسلم طعاما
وأنشد في ما
ينتصب على الشتم :
* أمن عمل الجرّاف أمس وظلمه
|
|
وعدوانه
أعتبتمونا براسم؟
|
أميري عداء
أن حبسنا عليهما
|
|
سهائم مال
أوديا بالبهائم
|
" فأميري عداء" : لا
يصلح بدلهما من" الجراف" و" راسم" وهما الأميران الظالمان
العاديان ، لأن" الجراف" مجرورة بإضافة" عمل" إليه وراسم :
مجرور" بالباء" ، وهي في صلة" أعتبتمونا" ولا تعلق للجراف به
، فدعت الضرورة إلى نصب أميري عداء على الشتم.
__________________
قال : ومما
ينتصب على المدح والتعظيم ، قول الفرزدق :
* ولكنني استبقيت أعراض مازن
|
|
وأيامها من
مستنير ومظلم
|
أناسا بثغر
لا تزال رماحهم
|
|
شوارع من غير
العشيرة في الدم
|
كأنه قال أعظم
أناسا ، وذكر أناسا ـ والشوارع : الواردة.
والمعنى : أنهم
ينالون من العدو ، ويخصونه بالمكروه ويحفظون العشيرة ويحمونها.
وأنشد أيضا في
التعظيم ، لعمرو بن شأس الأسدي :
* ولم أر ليلى بعد يوم تعرضت
|
|
لنا بين
أثواب الطراف من الأدم
|
كلابية وبرية
خيبرية
|
|
نأتك وخانت
بالمواعيد والذمم
|
أناسا عدى
علقت فيهم وليتني
|
|
طلبت الهوى
في رأس ذي زلق أشم
|
كأنه قال :
أعظم كلابية ، ألا ترى كيف دل على تفخيمه إياها بذكره قبائلها ونصب أناس بأعني ،
والطراف : القبة من أدم.
ومعنى الأبيات
: أن هذه المرأة نأت عنه وقطعت حبله ، وقومها أعداء له ، فلا مطمع له فيها ، وهو
مع ذلك مشغوف بها ، ولذلك تمنى أن يطلب الهوى في رأس حبل أشم.
أنشد أيضا في
التعظيم :
* ضننت بنفسي حقبة ثم أصبحت
|
|
لبنت عطاء
بينها وجميعها
|
ضبابية مرية
حابسية
|
|
منيفا بنعف
الصيدلين وضيعها
|
فنصبت"
ضبابية" وما بعدها على التعظيم ، النعف : الأصل ، والصيدلان : جبل أو موضع.
وأبعد سيبويه
أن يكون نصب بعد هذه الأشياء على الحال لضعف المعنى ، لأنه لم يرد لم أر ليلى في
حال ما هي كلابية وبرية خيبرية لأنها أسباب لا تتغير ، وكذلك : ضبابية مرية حابسية
، فحمل ذلك على تعظيم شأنها بهذا الأشياء الرفيعة الشريفة عنده.
قال : وزعم
يونس أنه سمع رؤبة يقول :
* أنا ابن سعد أكرم السعدينا
__________________
فنصبه على الفخر
والتعظيم"
قال سيبويه
وقال الخليل : إن من أفضلهم : كان زيد على إلغاء كان وشبهه بقول الشاعر :
* فكيف إذا مررت بدار قوم
|
|
وجيران لنا
كانوا كرام
|
ورد المبرد هذا
، وزعم أن كانوا له اسم وخبر ، فاسمها" الواو" وخبرها" لنا"
التي قبلها ، كأنه قال : وجيران كانوا لنا. والأظهر : كلام الخليل لأن"
لنا" من صلة جيران ، " وكانوا" دخولها غير مغير الكلام ، كأنه قال
: وجيران لنا كرام وأضمر الجيران في كان لئلا يخلو من فاعل.
قال : وسألت
الخليل ـ رحمه الله ـ عن قوله تعالى : (وَيْكَأَنَّ اللهَ) [القصص : ٨٢] فزعم أن" وي" مفصولة من كأن ، والمعنى وقع على أن
القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا.
يريد أن معنى
أي تنبيه يقولها الإنسان عند تندمه واستعظامه للأمر ، ويقولها المندم لغيره
والمنبه له.
ومعنى كأن الله
يبسط الرزق ، وإن كان لفظه لفظ التشبيه ، فمعناه : التحقيق. وقد قال الشاعر :
* فأصبح بطن مكة مقشعرا
|
|
كأن الأرض
ليس بها هشام
|
ومعناه : الأرض
ليس بها هشام ، لأنه مات ، وهذا من مراثيه.
وزعم الفراء
أن" ويك" موصولة بالكاف ، وأن الله مفصول عن الكاف ، وزعم أن معناها في
كلام العرب التقدير ، كقول الرجل : أما ترى إلى صنع الله ، وكل واحد من مذهب
الخليل ومذهب الفراء يتخرج على ما روى عن المفسرين لأن قولهم : ألم تر تنبيه.
وأجاز الفراء
وغيره أن يكون ويك بمعنى : ويلك ، وحذفت اللام لكثرتها في الكلام ، وأنشد قول
عنترة :
* ويك عنتر أقدم
__________________
وهذا المذهب
بعيد ، لأنه لا يقال : ويلك أن زيدا قائم بفتح أن وإنما يقال بالكسر ، وحكى الفراء
أيضا عن بعض النحويين أنه يذهب إلى أنها : ويك بمعنى : ويلك وجعل أن منصوبة بفعل
مضمر ، كأنه قال : ويلك اعلم أن الله ، وأنكر الفراء هذا ، وقال : ألا ترى أنه لا
يجوز في الابتداء : يا هذا إنك قائم.
ويحتمل بيت
عنترة أن يكون" الكاف" في ويلك للخطاب مثل الكاف في رويدك.
وأنشد سيبويه
لزيد بن عمرو بن نوفل :
* سألتان الطلاق أن رأتا
|
|
مالي قليلا ،
قد جئتماني بنكر
|
وي كأن من
يكن له نشب يحبب
|
|
ومن يفتقر
يعش عيش ضر
|
وأنشد في
المبتدأ المعترض بين اسم إن وخبرها :
* وإلا فاعلموا أنا وأنتم
|
|
بغاة ما
بقينا في شقاق
|
والتقدير : أنا
بغاة ما بقينا وأنتم ، والشقاق : العداوة والمخالفة.
وفيه تقدير آخر
: أن تضمر لأنا خبرا محذوفا يدل عليه ما بعده ، وتجعل بغاة خبر" أنتم"
كأنه قال : أنا بغاة ، وأنتم بغاة ، وحذف خبر الأول اكتفاء بخبر الثاني.
هذا باب كم
ذكر سيبويه في
هذا الباب أن" كم" تكون فاعلة ، وهي لا تكون فاعلة أبدا ، لأنها أول
الكلام في اللفظ وإنما أراد أن ضميرها فاعل ، وهي وضميرها شيء واحد ، فهي في
المعنى فاعلة وإن كانت مبتدأة.
وذكر أن الفصل
بين" كم" وما نصبته يجوز جوازا حسنا ، كأنه صار عوضا من تمكنها.
فإن
قال قائل : فيلزم من" خمسة عشر" ونظائره أن يجوز الفصل جوازا حسنا ليكون
عوضا من تمكنها ، فللمحتج عن سيبويه أن يقول : قد كثر الكلام" بكم" لأنه
في كل مستفهم عنه من المقدار ، فاجتمع كثرة الاستعمال إلى منع التمكن ، ولم يكثر
في باب : خمسة عشر ويجوز أن تقول : إن خروج" كم" عن التمكن أشد من
خروج" خمسة عشر" ، لأن" كم
__________________
تبنى على السكون ، و" خمسة عشر" على الحركة ، فجعل في"
كم" الفصل للانتهاء في الخروج عن التمكن.
وذكر أن"
كم تنصب في الاستفهام ، وتخفض في الخبر".
فإن قال قائل :
لم صارت التي للاستفهام أولى بالنصب والأخرى أولى بالخفض؟
قيل له : إن
التي في الخبر تضارع" رب" وهي حرف ، فلما وجب للتي تضارع" رب"
الخفض بالمضارعة ، وجب للأخرى النصب ، لأن العدد إنما عمل نصبا أو خفضا. ومما يقوي
ذلك أن الاستفهام مضارع للفعل ، والفعل له ناصب ، فلذلك جعلت بمنزلة ما ينصب.
واعلم أن بعض
العرب ينصب بها في الخبر حملا على الاستفهام وهو الأصل ، لأن" كم" عدد
مبهم ، فأصلها الاستفهام ، لأن المستفهم يحتاج أن يبهم ليشرح له ما يسأل عنه ،
وليس الأصل في الإخبار الإبهام ، فإذا نصب بها في الخبر ، جاز أن يكون المنصوب
جماعة ، لأن معناها وهي ناصبة في الخبر ، كمعناها خافضة ، فصار كقولك : مائتين
عاما ، وثلاثة أثوابا إذا نون ضرورة.
قوله : "
ولم يرد من المسئول أن يفسر".
أي على السائل
أن يفسر فيقول : كم درهما أو دينارا لك؟
فيقول المسئول
: عشرون أو ثلاثون ، وإن شاء قال : عشرون درهما أو ثلاثون درهما ، وأتى بالنوع
توكيدا ، وإذا حذفه ، دل الكلام عليه ، لأن السائل قد ذكره ، فلا اضطرار بالمجيب
إلى ذكره ولو لم يبين السائل النوع لم يدر المسئول بأي شيء يجيبه.
ومعنى قوله :
" ولو أراد المسئول عن ذلك أن ينصب عبدا أو عبدين خرج عن حد الجواب وصار
سائلا ، لأنه إذا نصب ، فإنما ينصب بكم ، والذي يلفظ بكم هو سائل ، فإذا أظهرها
فقال في جوابه : كم عبدا وكم عبدين؟ فقد أحال ، لأنه يسأل وحقه أن يجيب ، وإن لم
يظهر" كم" فلا بد من أن يقدرها مضمرة ، فيشارك من أظهرها ويزيد عليه في
إعمالها مضمرة وهي وأمثالها لا تضمر لضعفها.
وبين سيبويه في
آخر الباب أن" كم" اسم ، و" رب" حرف بأن جاء" لكم"
بخبر المبتدأ كقول : كم غلاما لك ذاهب؟ وكذا ، كم مأخوذ بك؟ وتقديره : كم رجلا
مأخوذ بك؟ ، ولو نصب" ذاهب" على الحال لجاز ، ولا يجوز نصب"
مأخوذ" ، لأن الكلام لا يتم دونه ولا يجوز في" رب" أن تقول : رب
مأخوذ بك لأنها حرف فلا يخبر به.
وأنشد في ما
فصل في العدد عن التمييز ضرورة :
* على أنني بعد ما قد مضى
|
|
ثلاثون للهجر
حولا كميلا
|
يذكرنيك حنين
العجول
|
|
ونوح الحمامة
تدعو هديلا
|
العجول :
الناقة التي فقدت ولدها. ونصب" هديلا" بمعنى يدعو كأنه قال : تهدل
هديلا. والهديل : صوت الحمام. والمعنى أن مدة الهجر وإن طالت فهو لا يسلو عنها ،
بل يتذكرها بالأصوات الحنينة ويشتاق إليها.
وأنشد في ما
أضمرت فيه رب :
* وجدّاء ما يرجى بها ذو قرابة
|
|
لعطف ، وما
يخشى السّماة ربيبها
|
فخفض جداء
بالإضمار. وغير سيبويه يزعم أن الواو عوض منها.
والجداء : فلاة
لا ماء فيها. وصف أنها لا يرجى بها عطف من ذوي قرابة بشيء من طعام أو شراب لبعدها
وقلة مائها ، وإن وحشها الربيب بها لا يخشى صائدا لبعدها عن الأنيس وتعذرها على من
أراد الوصول إليها ، فوحشها آمن من أن يصاد. وواحد السماة : سام ، وهو الذي يصيد
نصف النهار.
وأنشد في ما
حمل على الفعل :
* ومثلك رهبى قد تركت رذيّة
|
|
تقلب عينيها
إذا مر طائر
|
فنصب مثلك
بتركت ، ولو خفضه بإضمار رب لجاز. والرهباء : الخائفة والرذية : الساقطة المعيية
من طول السفر ؛ يصف ناقة تركها بفلاة من الأرض لإعيائها. فهي خائفة تقلب عينيها
إذا مر طائر مخافة أن يكون سبعا يأكلها.
وأنشد لزهير :
* تؤم سنانا وكم دونه
|
|
من الأرض
محدودبا غارها
|
فنصب محدودبا
لما فصله من كم ، والمعنى : كم بين هذه الناقة وبين سنان من فلاة محدودب غارها.
وأنشد للقطامي
:
* كم نالني منهم فضلا على عدم
|
|
إذ لا أكاد
من الإقتار أحتمل
|
فنصب"
فضلا" لما فصله من" كم". والمعنى" كم فضل نالني منهم بعد فقر
شديد لا أكاد أحتمل ، وتصرف من أجله". ويروى أجتمل بالجيم أي : أذيب الشحم
والجميل : الودك.
وأنشد أيضا :
* كم قد فاتني بطل كمي
|
|
وياسر فتية
سمح هضوم
|
فرفع البطل
وجعل كم ظرفا واقعا على المرار. والياسر : المقامر والهضوم : الذي يهضم المال
بكثرة العطاء. والكمي : الذي يكمي شجاعته أي يخفيها إلا في وقت الحرب.
وأنشد أيضا.
* كم بجود مقرف نال العلى
|
|
وكريم بخله
قد وضعه
|
فخفض مقرفا بكم
وقد فصل بينهما وهو جائز في الشعر. والمقرف : النذل اللئيم الأب وأصله في الخيل.
وأنشد أيضا :
* كم فيهم ملك أغر وسوقة
|
|
حكم بأردية
المكارم محتبى
|
فملك ،
خفض" بكم" ، ولو نصب لكان الوجه من أجل الفصل ، والرفع جائز على أن يكون
كم لتكثير المرار.
وأنشد أيضا :
* كم في بني بكر بن سعد سيد
|
|
ضخم الدسيعة
ماجد نفاع
|
الدسيعة :
العطية. والمعنى : كثير العطية ـ وقيل الدسيعة : الجفنة ، وهي أيضا كناية عن
العطية ، وقيل الدسيعة : الذراع ، فيكون على هذا : ضخم الدسيعة كناية عن الشدة.
وإن شئت عن كثرة العطاء ، كما يقال : فلان طويل الذراع ، أي واسع المعروف.
هذا باب ما جرى مجرى
كم في الاستفهام
وذلك قولك : له
كذا وكذا درهما ، هو مبهم في الأشياء وكناية للعدد بنزلة فلان.
وبمنزلة : ذيت
وذيت ، وكيت وكيت ، وكذلك كأين رجلا قد رأيت وكأين من رجل.
قال عمرو بن
شأس :
* وكائن رددنا عنهم من مدجج
|
|
يجيء أمام
القوم يردي مقنعا
|
" فكائن" بمعنى"
كم" وبمعنى" رب" وهي : " أي" دخلت عليها كاف التشبيه كما
دخلت على أن في قولك : " كأن" ، وفيها خمس لغات ، أصلها كلها : كائن
وهي" كأي وكاء وكئ وكأي وكأ وهي تنصب ما بعدها بلزوم التنوين لها ، وتدخل على
المنصوب" من" لتخرجه من معنى المفعول إلى معنى التمييز ، لأن المفعول قد
يصح وقوعه بعده في بعض المواضيع.
فأما اللغات
فأصلها وأفصحها : " كأين" مشددة ، والوقف عليها بغير تنوين ، وبعدها في
الفصاحة" كائن" على مثال" كاعن".
قال المبرد :
لما دخلت" الكاف" ، جعلت مع" أي" اسما واحدا.
وحذفت"
الياء" الأولى مع" أي" ، وجعل التنوين عوضا من" الياء"
المحذوفة.
فالذي يوجبه
مذهبه أن يجعل على وزن فاعل ، الكاف منه كفاء الفعل وبعد الكاف ألف فاعل ، وبعدها
الهمزة التي في أول" أي" ، وقد حذفت إحدى اليائين ، فتكون الهمزة في
موضع عين الفعل ، والياء الباقية في موضع لام الفعل ، ودخل عليه التنوين الذي كان
في" أي" ، فسقطت الياء لاجتماع الساكنين فصار كأن ولزمت النون عوضا.
وأما كيء على
وزن كيع فحكاه أبو العباس.
وأما كأين
فحكاه أبو الحسن بن كيسان ، وهو حكى أيضا كئن.
ومعنى كأي عند
سيبويه كمعنى" رب". وقال الفراء : معناها" كم".
وقول سيبويه
أصح ، لأن الكاف حرف دخوله على ما بعده كدخول" رب" ، و" كم"
في نفسها اسم ، وأنت تقول" كم لك؟ ، ولا تقول : كأين لك؟ ، كما لا تقول : رب
لك.
وفي ذيت وذيت ،
وكيت وكيت إذا خففت ثلاث لغات ، الضم والكسر والفتح فإذا شددت ، فالفتح لا غير ،
لأن الهاء وما قبلها بمنزلة خمسة عشر ، وشغر بغر.
هذا باب ما ينتصب نصب
كم إذا كانت منونة
وذلك ما كان من
المقادير ، وذلك قولك : ما في السماء موضع راحة سحابا ، ولي مثله عبدا.
اعلم أن
المقادير في الكيل والوزن والعدد والمساحة وغير ذلك يجري مجرى واحدا.
فقوله : "
ما في السماء موضع كف سحابا" مقدار من المساحة كما أن عشرين مقدار من العدد ،
وسحابا هو النوع الذي يفسره ، كما أن درهما نوع يفسر العشرين.
" ولي
مثله" أي : مقداره ، أي : ما يقادره ويماثله في عدده. و" عبدا" هو
النوع ، فنصب هذه الأشياء كنصب ما بعد العشرين لأن المقصد فيها كلها واحد.
قوله : "
فاستخرج على المقدار نوعا ، والنوع هو المثل ولكنه ليس من اسمه.
يعني أنه ليس
بنعت له وإن كان هو هو.
وأنشد لكعب بن
جعيل :
* لنا مرفد سبعون ألف مدجج
|
|
فهي في معد
فوق ذلك مرفدا
|
المعنى : لنا
مرفد هذا عددهم على التكثير ، فهل في معد فوق ذلك؟ أي : عدد فوق ذلك مرفدا ، فهو
كقولك : لي مثله عبدا.
فمرفد : هو
العدد المقدر ، كما أن العبد هو المثل. وكذلك : لا كزيد فارسا ، معناه : لا فارس
كزيد من الفرسان ، فقولك : من الفرسان يدخل زيد فيه ، وفيه معنى التعجب ، ولو قلت.
لا كزيد فارس لم يكن من الأول لأنه بمنزلة : لا كزيد أخوك.
هذا باب ما ينتصب
انتصاب الاسم بعد المقادير
وذلك قولك :
ويحه رجلا وحسبك به رجلا.
اعلم أن جميع
ما ذكر في هذا الباب من الهاءات ، إنما هو ضمير ما قد ذكر فيبنى عليه ، ويذكر
اللفظ الذي يستحق به المدح فيقال : ويحه رجلا ، فيدل بهذا على أنه محمود في الرجال
متعجب من فضله فيهم ، فإذا قلت : " ويحه فارسا" دللت على أنه متعجب منه
في
فروسيته فيقع له المدح والتعجب بهذا ، وقد يكون مذموما ومقصرا في غيره ،
فلذلك انتصب على التمييز ، لأن الأول المذكور يقتضيه فتبينه به ، وهو يشبه باب نعم
رجلا وبئس غلاما.
قال : ومثل ذلك
قول عباس بن مرداس :
* ومرهة يحميهم إذا تبددوا
|
|
ويطعنهم شزرا
فأبرحت فارسا
|
وأنشد للأعشى :
* فأبرحت ربا وأبرحت جارا
وأول البيت :
تقول ابنتي
حين جد الرحيل
|
|
فأبرحت ربا
وأبرحت جارا
|
قوله : أبرحت
فارسا أي : بالغت في الفروسية وأفرطت ، ومنه برح به : إذا بالغ في الشدة عليه ،
وقيل : معنى أبرحت ربا وأبرحت جارا أي أعظمت وأكرمت ، أي : اخترت ربا كريما وجارا
عظيم القدر ، يعني : الممدوح الذي رحل إليه.
هذا باب ما لا يعمل
في المعروف إلا مضمرا
وذلك أنهم
بدأوا بالإضمار لأنهم شرطوا التفسير ... وذلك قولهم : نعم رجلا عبد الله ، كأنك
قلت : حسبك به رجلا .. ومثل ذلك : ربه رجلا.
اعلم أن باب
نعم وبئس يلزمه ذكر شيئين : أحدهما : الاسم الذي يستحق به المدح أو الذم ، والآخر
: الممدوح أو المذموم ، وذلك قولك : نعم الرجل زيد ، وبئس القادم غلامك ، فالاسم
الذي يستحق به المدح أو الذم هو الاسم الذي تعمل فيه نعم وبئس والمستحق لهذا هو :
زيد والغلام ، فلا بد من الإتيان بهما جميعا إلا أن يتقدم ذكر الممدوح والمذموم
فتحذفهما لما جرى من ذكرهما.
ورد المبرد على
سيبويه ترجمة الباب ، وألزمه المناقضة فيها لأنه قال :
__________________
" هذا باب ما لا
يعمل في المعروف إلا مضمرا"
ثم جاء بعده
نعم الرجل عبد الله فجاء بالرجل مظهرا.
والذي أراده
سيبويه : أنه لا يعمل في المعروف إلا مضمرا إذا بني ذلك المعروف ، وعلى أن يفسر
بما بعده وشبهه بقولك : إنه كرام قومك ، فالهاء إضمار الحديث الذي يأتي بعده ، ولا
يجيء إلا مضمرا لأنه قد لزمه التفسير ، وكذلك الاسم الذي يعمل فيه نعم ـ وبني على
التفسير ـ لا يكون إلا مضمرا.
واعلم أنك إذا
قلت : ربه رجلا ، فليست الهاء بضمير شيء جرى ذكره ، ولو كانت كذلك لصارت معرفة ولم
يجز أن تلي رب لأنه لا يليها إلا نكرة ، ولكنها ضمير مبهم يحتاج إلى التفسير بغيره
، فضارع النكرات إذ كان لا يخص كما أن النكرات لا تخص.
ومعنى ربه رجلا
: رب رجل ، وقال الزجاج : معناه : أقلل به في الرجال.
وأنشد سيبويه :
* هل تعرف الدار يعفيها المور
|
|
والدجن يوما
والسحاب المهمور
|
لكل
ريح فيه ذيل مسفور
|
استشهد بهذا
لأن الضمير المتصل بفيه راجع على الدار ، والدار مؤنثة ، وجاز ذلك لأنها بمعنى
المكان ، ومثل هذا قولهم : هذا البلد نعم الدار ، فذكر نعم لأن الدار بمعنى البلد.
وذكر سيبويه في
هذا الباب" حبذا" لأن معناها ومعنى نعم في المدح والثناء سواء ، فإذا
قلت : حبذا زيد فمعناه : المحمود زيد وحب : فعل ، ذا : فاعله ، وبني معه وجعلا
بمنزلة شيء واحد يقع موقع اسم مبتدأ في الواحد والاثنين والجماعة والمذكر والمؤنث
بلفظ واحد ، نحو" هلم" في لغة أهل الحجاز ، لأنهم يجرونه في جميع الكلام
مجرى واحدا ، كقوله تبارك وتعالى : (هَلُمَّ إِلَيْنا) [الأحزاب : ١٨].
وأنشد سيبويه
للراعي في ما أتى على معنى التعجب :
* فأومأت إيماء خفيّا لحبتر
|
|
ولله عينا
حبتر أيما فتى
|
والمعنى : أيما
فتى هو. وإنما جاء به مع" حبذا" لأن فيه معنى التعجب من الفتوة ، كما
كان في حبذا : معنى التعجب.
__________________
وذكر سيبويه من
الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي أسماء ليبين حكمها ومواقعها ، وأنها لا تقع
تفسيرا لشيء من المقادير التي تفسر بالأنواع ، والذي ذكر : " أحد وكرأب وأرم
وكتيع وعريب" ومعناها كلها واحد ، ولا تقع إلا في النفي لاستغراق الجنس ولها
نظائر في الكلام كثيرة ذكرها أهل اللغة.
هذا باب النداء
أنشد سيبويه في
هذا الباب مستشهدا لما نعت من المفرد بالمضاف :
* أزيد أخا ورقاء إن كنت ثائرا
|
|
فقد عرضت
أحناء حق فخاصم
|
الأحناء :
النواحي ، واحدها حنو ، والمعنى : قد أمكنك الحق فاطلبه.
وأنشد لرؤبة :
* إنّي وأسطار سطرن سطرا
|
|
لقائل : يا
نصر نصرا نصرا
|
أنشد على أنه
جعل الثاني عطف البيان الذي يقوم مقام الصفة فقد خولف في هذا ، فقال الأصمعي :
النصر : المعونة ، فهو على هذا منصوب على المصدر كأنه قال : عونا عونا ، وقال أبو
عبيدة كان نصر بن سيار له حاجب يقال له نصر ، فقال : يا نصر ، يعني حاجبه ، يغريه
به.
وأنشد لرؤبة
أيضا :
* يا دار عفراء ودار البخدن
اعلم أن
المنادى عند سيبويه وسائر البصريين بمنزلة المفعول به ، وحجتهم في ذلك أن العرب
نصبت المنادى المضاف والموصول والنكرة ونعوتها ، وأجازت في نعت المفرد ـ إذا كان
مفردا ـ النصب ، فعلم بنصب نعته أن الاسم مقدر له ما ينصبه كما يقدر في أمس من
قولك : لقيته أمس الأحدث ، أنه منصوب بلقيته ، ويحمل الأحداث على ما قدر في أمس من
العوامل وإن كان مكسورا.
فإن
قال قائل : كيف يقدر الناصب للمنادى؟
قيل له :
تقديره على التقريب : أنادي وأدعو وشبهه ، وليس هذا على الحقيقة لأن النحويين قد
أجمعوا على أن النداء ليس بخبر.
__________________
وقوله : أدعو
وأنادي : إخبار عن نفسك ، وتحقيقه أن المنادي لما احتاج إلى عطف المنادى على نفسه
ـ واستدعائه إياه ليقبل عليه ، فيخاطبه بالذي يريد ـ احتاج إلى حرف يصله باسمه
ليكون تصويتا به وتنبيها له ـ وهو" يا" وأخواتها ، فصار المنادي
كالمفعول بتحريك المنادي له وتصويته به ، والمنادي كالفاعل لا لفظ له وصار بمنزلة
الفعل الذي يذكره الذاكر ، فيصله بمفعول ظاهر وفاعل مضمر مقدر. فهذا ما يستحقه
المنادى في الأصل ثم عرض في المفرد ما أوجب ضمه وإن كان أصله النصب ، لأنه مخاطب ،
وسبيله أن يعبر عنه بالمكنى من الأسماء" كأنت" و" إياك" وغير
ذلك ، غير أنه قد يكون بعيدا منك أو غافلا عنك فإذا ناديته بأنت أو إياك ، لم يعلم
أنك تعنيه أو تعني من سواه ، فجئت بالاسم الذي يخصه دون غيره وهو زيد أو نحوه ،
فوقع ذلك الاسم موقع المكني فبنيته ، وكان الضم به أولى من الفتح والكسر.
أما امتناعه من
الفتح فليفرق بينه وبين المعرب.
وأما امتناعه
من الكسر فليفرق بينه وبين المضاف إلى المتكلم إذا أسقطت ياؤه استخفافا ، ويشبه
أيضا بقبل وبعد ، لما بينا على ما لم يكن لهما في حال الإعراب ، وكانا في حال
الإعراب ينصبان ويخفضان ، فلما بنيا حركا بما لم يكن يدخلهما في حال الإعراب وهو
الضم.
ومما يوجب له
البنيان : أن المنادى واقع موقع الصوت الذي يجب بناؤه كالزجر والاستدعاء
والاستحثاث وسائر ما يصوت به للبهيمة عند ما يراد منها ، كعدس ، وهلا وجوب وتشوء
وغير ذلك. وهذه الأصوات مبنية ، فبني الاسم المنادى لذلك.
وكان المازني
يجيز : يا زيد وعمرا أقبلا على الموضع.
والذي قال
سيبويه : يا زيد وعمرو ، لأن حرف النداء شملهما جميعا ولم يقل : على كل واحد منهما
مفردا.
وأما : يا زيد
والنضر ، فرفع النضر هو الاختيار ، ويا زيد والرجل ، الاختيار فيه النصب ، والفصل
بينهما أن الألف واللام في النضر دخولها كخروجها ، لأن النضر ونضر علمان ، فلم تفد
الألف واللام معنى ، وقد أفادت في الرجل معنى ، وهو معاقبة الإضافة ، فلما كان
الواجب في المضاف النصب ، كان الاختيار في ما هو بمنزلة الإضافة النصب.
إن
قال قائل : لم جاز
دخول" يا" على هذا ، ولا يجوز دخولها على الألف واللام؟
فأحسن ما يقال
فيه أن أصل هذا أن تشير به واحد لواحد ، فلما دعوته ، نزعت منه الإشارة التي كانت
فيه وألزمته إشارة النداء فصار" يا" عوضا من نزع الإشارة ، ومن أجل ذلك
لا يقال : هذا أقبل.
وباقي الباب
مفهوم.
هذا باب لا يكون فيه
الوصف المنفرد إلا رفعا
ولا يقع في موضعه غير
المفرد
وذلك قولك :
يأيها الرجل ويأيها الرجلان
اعلم أن الأصل
في دخول" أي" أنهم أرادوا نداء الرجل وهو قريب من المنادي فلم يمكن
نداؤه من أجل الألف واللام ، وكرهوا نزعهما وتغيير اللفظ ، فأدخلوا"
أيا" وصلة إلى نداء الرجل على لفظه وجعلوه الاسم المنادي ، وجعلوا الرجل نعتا
له وألزموه" هاء" دلالة على خروجه عما كان عليه في الكلام ، وعوضا من
المحذوف منه ، والذي حذف منه الإضافة كقولك : أي الرجلين؟ وأي القوم؟ والصلة التي
توجد في نظائره. ألا ترى أنك إذا ناديت" من" ، قلت : يا من في الدار
أقبل ، ويا من أبوه قائم تعال.
وقال سيبويه :
وجعلوا : ها : فيها بمنزلة يا وأكدوا التنبيه.
قال : وقد يجعل
الأسماء المبهمات بمنزلة أي ، كقولك : يا هذا الرجل ، ويا هذان الرجلان.
وذكر"
أولئك" في هذا الموضع وهي لا تنادي لأن الكاف للمخاطب و" أولاء"
غير الذي له الكاف ، فكيف ينادى من ليس بمخاطب ، والذي أراد ـ والله أعلم ـ بذكرها
هنا ، أن يعدها في المبهمات لا في ما ينادى.
ولا يجوز في
نعت" أي" إلا الرفع لأن قولك : يأيها ، لا يتم بها النداء ولا بد من
الرجل بعدها ، والرجل هو المقصود بالنداء على ما تقدم ، فيلزم رفع الرجل من وجهين
: أحدهما : أنه يلزمه لفظ المنادي المفرد إذ هو في التقدير المنادي.
والآخر : أن
الباب أن لا يحمل الشيء على الموضع إلا بعد تمام الكلام ، والنداء لم يتم ب يأيها
، فحمل الرجل على اللفظ دون الموضع.
وأنشد سيبويه
في نعت المبهم بالمضاف الذي يقدر فيه الانفصال :
* يا صاح يا ذا الضامر العنس
|
|
والرحل ذي
الأنساع والحلس
|
ومثله :
* يا ذا المخوفنا ـ بمقتل شيخه
|
|
حجر تمنى
صاحب الأحلام
|
__________________
فهذا في
البيتين للإشارة وما بعدها نعت لها وهو رفع ، وإن كان مضافا لأن الأصل فيه غير
الإضافة ، فتقدير البيت الأول :
ياذا الضامر
عنسه ، والبيت الثاني : يا ذا المخوف لنا
ومثله : يا ذا
الحسن الوجه ، وتقديره : يا ذا الحسن وجهه.
والكوفيون
ينشدون : يا ذا الضامر العنس بخفض الضامر ، وإضافة ذا إليه ، ويجعلونه مثل ذا
الجمة. ويحتجون لصحة روايتهم بخفض الرحل وما بعده ، ويقدرون البيت : يا ذا العنس
الضامر والرحل ، بمعنى : يا صاحب العنس والرحل.
وقالوا : لو
كان على ما قاله سيبويه لم يستقم خفض الرحل لأنا إن عطفناه على العنس ، فقلنا : يا
ذا الضامر عنسه ورحله لم يستقم ، لأن الرحل لا يوصف بالضمر.
والذي أنكروه
ليس بمنكر لأن هذا من باب قوله :
* فعلفتها تبنا وماء باردا
فيحمل الثاني
على ما يليق به ، ولا يخرج من قصد الأول ، فيكون معنى الضامر المتغير ، والرحل
محمول عليه ، كأنه قال : المتغير العنس والرحل.
وتقول : يا حسن
الوجه بالنصب ، ولا يجوز الرفع كما جاز في قولك :
يا حسن وليس
امتناعه من أجل أنه مضاف ، وكأنه لما كان تمام حسن الوجه ، نصب كما نصب يا خيرا من
زيد ، ويا ضاربا أخاه ، وهذا المنصوب إذا نعت به ، جرى مجرى المفرد ، كقولك : يا
زيد الحسن الوجه ، ويا عمرو الضارب زيدا ، وكذلك ما أشبهه.
وأنشد سيبويه
في نعت الاسم المنادى" بأي" المضافة :
* يأيها الجاهل ذو التنزي
ويجوز نصبه على
البدل من موضع" أي" والتنزي : التوثب ، يقال نزي عليه وتنزي.
وأنشد أيضا في
نعت المبهم بالألف واللام ونعت" أي" بالمبهم :
* ألا أيها ذا المنزل الدارس الذي
|
|
كأنك لم يعهد
بك الحي عاهد
|
فهذا نعت"
لأي" والمنزل نعت لهذا.
يقول : كأنك
لدروسك وقدم عهدك ، لم يعهد بك الحي المقيم عاهد.
هذا باب ما ينتصب على
المدح والتعظيم
أو الشتم لأنه
لا يكون وصفا للأول ، ولا عطفا عليه ـ وذلك قولك : يأيها الرجل
__________________
وعبد الله المسلمين الصالحين ... وكذلك يا هؤلاء وزيد الطوال).
وقد تقدم أن
المبهم يوصف بما فيه الألف واللام وينقله المبهم من تعريف العهد الماضي إلى تعريف
القرب والإشارة ، فيصير المبهم وصفته كشيء واحد ، فإذا قلنا : يا هؤلاء وزيد الطوال
، فقد فصلنا بزيد بين هؤلاء والطوال ، فخرج عن المذهب الموضوع لصفة المبهم فلم يسم
بالصفة ، وسمي بعطف البيان ، لأن فيه شرحا وبيانا كالبدل والتوكيد وليس بصفة له ،
ولو أراد الصفة لقال : يا هؤلاء الطوال وزيد.
وفصل سيبويه
بين الصفة والعطف بأن الصفة تجيء بمعنى الألف واللام.
يريد أن الصفة
في غير المبهمة ما أتي بمعنى فيه يختص به ويتبين من غيره ، فلهذا جعل الأخ صفة لأن
فيه معنى الأخوة التي عرف بها الموصوف وباين بها غيره ، وكذلك المبهم ، لأن فيه
معنى القرب والإشارة ، ولو قلت : مررت بأخيك زيد ، لم يكن زيد بصفة لأنه لم يسم
بزيد لمعنى فيه فيقدر بمعنى الذي من أمره كذا وكذا ، ولكنه عطف لما فيه من البيان
والشرح.
ووقع بعد هذا
الفصل في كتاب سيبويه : وكل شيء جاز أن يكون هو والمبهمة بمنزلة شيء واحد ، فهو
عطف عليها.
فمعنى"
حاز" جاوز وفي بعض النسخ : جاوز.
قال الأخفش :
واعلم أن قولك : يأيها الرجل ، أن يكون الرجل صفة" لأي" أقيس ،
لأن" أيا" لا يكون اسما في غير الاستفهام والمجازاة إلا بصلة.
قال الزجاج :
هذا خطأ لو كان كذلك ، لوجب أن لا تضم" أيها" لأنه لا يبنى في النداء ما
يوصل ، ألا ترى أنه لا يقال : يا خير من زيد ، وإنما يقال : يا خيرا من زيد لأن ما
بعده من صلته فلو كان الرجل من صلة" أي" لوجب نصبه.
وذكر سيبويه أن
العرب لا تنادي اسما فيه الألف واللام ألبتة ، إلا أنهم قد قالوا : يا الله اغفر
لنا.
واعتل لذلك بأن
الألف واللام لا تفارقه فأشبها الأصلي مع كثرة الاستعمال.
وفرق بينه
وبين" الذي"" والتي" لأنهما صفتان ، فيمكن أن ينادى موصوفهما
ويؤتى بهما صفتين كقولك : يا زيد الذي في الدار ، ويا هند التي أكرمتني ، ولا يكون
ذلك في اسم الله تعالى.
وأصل اسم"
الله" كأنه قال : " إلاه" ثم دخلت عليه الألف واللام فصار"
الإلاه" ، ثم لينت الهمزة وألقيت حركتها على لام التعريف وأسقطت هي
فصار" اللاه" ثم أدغمت اللام في اللام فصار" الله" وصارت
الألف واللام عوضا من الهمزة المحذوفة.
وقال بعضهم
حذفت الهمزة على غير وجه التليين ، وذلك أبلغ في إثبات الألف واللام ، وقد حذفوا
الهمزة من : " خذ" و" كل" على غير وجه التليين.
قال سيبويه :
" ومثل ذلك أناس" فإذا أدخلوا الألف واللام أسقطوا الهمزة ، وهذا تقديره
ـ في التخفيف والإدغام والعوض ـ تقدير اسم الله تعالى ، كأن الهمزة من"
أناس" خففت وألقيت حركتها على لام التعريف فصار" الناس" ثم أدغمت
اللام في النون فصار" الناس" ولا يستعمل مع الألف واللام إلا بإسقاط
الهمزة.
فهو عند سيبويه
كاسم" الله" في أن الألف واللام عوض من الهمزة.
وذكر عن
المازني أنه أنشد في إبطال العوض في الأناس :
* إن المنايا يطلعن على الأناس الآمنينا
وليس في هذا
مندفع لما ذكرناه من العوض ، لأن البيت غير معروف ويجوز مع ذلك أن يكون الشاعر
اضطر فرد المعوض منه مع وجود العوض وهذا كثير في الشعر.
وذكر سيبويه
أشياء من التعويضات تقوية للعوض في اسم" الله" وفي" الناس".
قال : وقال
الخليل : " اللهم" نداء ، والميم هاهنا بدل من" يا".
وزعم أنه لا
يوصف من قبل أنه صار مع الميم بمنزلة صوت كقولك : يا" هناه" و"
نومان" و" فل" ، وليس شيء من هذا ينعت.
قال المبرد :
إذا كانت" الميم" عوضا من" يا" فإنا إذا قلنا : يا الله
الكريم ، فالكريم نعت ، وكذلك إذا قلنا : اللهم الكريم فالكريم نعت لله ، واستشهد
بقوله عز وجل : (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الزمر : ٤٦] وعلى مذهب سيبويه (فاطر السموات والأرض) : نداء ثان.
وأما" يا
هناه" ، فهو في معنى : " ياهن" ، وأصل" هن" : هنة ثم بني
على" فعال" فصار هناه ، وقال بعض النحويين أصله" هن" ، وأدخل
عليه الألف واللام لبعد الصوت في النداء ، وأدخلت الهاء بعد ذلك للوقف ، وكثر في
كلامهم حتى صارت الهاء كأنها أصلية فحركوها كما يحرك المنادى المفرد ويثنى ويجمع
على هذا المذهب فيقال : يا هنانيه ، ويا هنوناه.
وأنشد سيبويه
في نداء" التي" ضرورة :
* من أجلك يا التي تيمت قلبي
|
|
وأنت بخيلة
بالود عني
|
وكان المبرد لا
يجيز هذا ، ويطعن على البيت.
__________________
وسيبويه غير
متهم في ما حكاه ، وبعض النحويين يقول هو على الحذف ، كأنه قال : يا أيتها التي
تيمت قلبي ، فحذف وأقام النعت مقام المنعوت.
واستدل سيبويه
على تعريف ما يقصد من الأسماء المناداة وأن حرف النداء يصيره إلى حال التعريف
بقولهم : يا خباث ويا لكاع لأن فعال المبنية على الكسر ، إنما تكسر في حال
التعريف. وهذه الأسماء المبنية على الكسر لا تستعمل إلا في النداء نحو : " يا
نومان"" ويا هناه" و" يا فل" ، وإنما كان ذلك لأن أصل
النداء تصويت وزجر ، وربما زجر بتنحنح وهمهمة وما لا يتبين فيه حروف التهجي ،
فجعلت هذه الحروف كبعض الزجر ، ولا يكون مثل هذا في غير النداء.
وأنشد في نداء
النكرة لذي الرمة :
* أدارا بحزوى هجت للعين عبرة
|
|
فماء الهوى
يرفض أو يترقرق
|
فنصب دارا
لأنها نداء منكور. وقوله : بحزوى في موضع الوصف لها ، أي : مستقرة بحزوى وهو اسم
موضع. وقوله : فماء الهوى يعني الدمع ، لأن الهوى والشوق يبعثه. ومعنى يرفض :
يتفرق ومنه سميت الرافضة لأنهم تفرقوا عن زيد بن علي حين سألوه عن أبي بكر وعمر
رضي الله عنهما فقال خيرا. ويترقرق : يجول.
وأنشد لتوبة بن
الحمير :
* لعلك يا تيسا نزا في مريرة
|
|
معذب ليلى أن
تراني أزورها
|
كأنه قال :
نازيا. والمريرة : طاقة الحبل. ويقول هذا لزوج ليلى الأخيلية وشبهه بالتيس إذا
تحرك في حبله.
وأنشد لعبد
يغوث وقيل لمالك بن الريب :
* فيا راكبا إما عرضت فبلغن
|
|
نداماي من
نجران أن لا تلاقيا
|
وأنشد للطرماح
:
__________________
* يا دار أقوت بعد أصرامها
|
|
عاما وما
يعنيك من عامها
|
استشهد بهذا
على أنه أراد دارا بعينها. وقوله : " أقوت" إخبار عنها وليس بوصف لها ،
كأنه ينادي الدار ثم أقبل على إنسان فقال : أقوت وتغيرت ، ولو جعله وصفا لها لكانت
نكرة منصوبة. والأصارم : الجماعات يصف أنها خلت من أهلها عاما.
قال : ومثل ذلك
قول الأحوص :
* يا دار حسرها البلي تحسيرا
|
|
ووسفت عليها
الريح بعدك مورا
|
فخاطب الدار ،
ثم جعل يخبر عنها بأن البلي قد غيرها وعفا آثارها وأن الريح قد سفت عليها التراب
حتي خفيت رسومها.
وأنشد أيضا
للمرادي :
* ألا يا بيت بالعلياء بيت
|
|
ولو لا حب
أهلك ما أتيت
|
نادى البيت
الأول ثم جعل يخبره أن له بالعلياء بيتا غيره ، ثم قال : ولو لا حب أهلك ما أتيت ولا
تركت داري بالعلياء لك وبعد هذا :
ألا يا بيت
أهلك أو عدوني
|
|
كأني كل
ذنبهم جنيت
|
المعنى : كأني
جنيت كل ذنب أتاه إليهم آت.
قال سيبويه :
أما قول الأحوص :
* سلام الله يا مطر عليها
|
|
وليس عليك يا
مطر السّلام
|
فإنما لحقه
التنوين كما لحق ما لا ينصرف.
يعني :
أن" مطرا" اسم معروف ، فكان قياسه أن يضم ولا ينون ، ولكن الشاعر اضطر
فنونه وتركه على لفظه كما ينون ما لا ينصرف ولو كان تنوينه من أجل أنه نكرة
لانتصب.
وحكى عن عيسى
بن عمر : مطرا ، وحجته أن التنوين رده إلى أصله ، لأن أصل النداء النصب ، كما ترد
الإضافة إلى الأصل.
هذا باب ما يكون
الاسم والصفة فيه بمنزلة اسم واحد
وذلك قولك : يا
زيد بن عبد الله.
__________________
قال الراجز :
* يا حكم بن المنذر الجارود
|
|
سرادق المجد
عليك ممدود
|
ومثله :
* يا عمر بن معمر لا منتظر
ويروى : "
فتى مضر" الأصل في هذا : يا حكم بن المنذر وعمر بن معمر ، لأن"
حكما" مفرد و" ابن المنذر" نعت مضاف ، ولكن لما كثر الكلام بالاسم
العلم المضاف إلى اسم أبيه العلم ، استجازوا فيه من التخفيف ما استجازوا في غيره.
فقالوا : يا
زيد بن عبد الله ففتحوا الدال اتباعا لفتحة النون. وجعلوا حركة الدال من زيد كحركة
الراء من امرئ : الهمزة وحركة النون من ابنم : الميم.
وجروا على هذا
المنهاج في الرفع والخفض ، فقالوا : هذا زيد بن عبد الله وهذه هند بنت عبد الله ،
فجعلوا ضمة دال زيد وهند للاتباع لا للإعراب ، ولذلك حذفوا التنوين منهما وهما
منصرفان.
ويبين أن سقوط
التنوين لما ذكرته من الإتباع لا لاجتماع الساكنين قولهم : هذه هند بنت عبد الله
في من صرف ، وهذه حال المخفوض أيضا كقولك : مررت بزيد بن عبد الله ، وبهند بنت عبد
الله فالكسرة فيها كالكسرة في راء امرئ.
وأصل ابنم :
ابن ، وكان الإعراب يقع على النون ، فلما زاد والميم تخفيفا واختصاصا ، ووقع
الإعراب عليها ، سلموا النون من حركات الإعراب التي كانت تقع عليها ، فبقيت ساكنة
، فلم يمكن إقرارها على السكون ، لسكون ما قبلها ، فاضطروا إلى إتباعها الميم.
و"
امرئ" نحو : ابنم لأن الراء قد كان يجري عليها ـ " في مرء" الإعراب
إذا خففوا الهمزة فقالوا : " المرء" فلما أسكنوا الميم وأدخلوا ألف
الوصل : لم يكن بد من تحريك الراء ، وبعدها همزة يقع الإعراب عليها ، ولم يكن
للراء حركة ثابتة لأنها ساكنة في أصل البناء أو متحركة بحركات الإعراب ، فعمل بها
ما عمل بابنم.
وأما من قال :
يا زيد بن عبد الله فضم الدال ، فإنما هو على قول من قال : هذه هند بنت عبد الله ،
فنون الدال ولم يتبعها حركة التاء ، لأنه لو أتبعها لحذف تنوينها ، وهو على قول
__________________
من حذف التنوين
لاجتماع الساكنين في قولك : هذا زيد بن عبد الله لا لأنه أتبع الدال منه للنون من
ابن ، وهذا معنى قوله :
لئلا ينجزم حرفان. وجعل سيبويه هذا في
الإتباع بمنزلة : " يا ابن أم" و" يا ابن عم" فالأم والعم في
موضع جر ولكن كثر كل واحد منهما في الكلام فأتبعوا فتحة الميم فتحة النون وحركة
النون إعراب ، وحركة الميم بناء ، وهذا عكس : يا زيد بن عمرو ، لأن الأول في زيد
بن عمرو أتبع الثاني ، وفي هذا أتبع الثاني الأول.
هذا باب يكرر فيه
الاسم في حال الإضافة
فيكون الأول
بمنزلة الآخر.
وذلك قولك : يا
زيد زيد عمرو
قال جرير :
* يا تيم تيم عدي لا أبا لكم
|
|
لا يلقينكم
في سوءة عمر
|
السوءة :
الفعلة القبيحة وكان عمرو بن لجأ الخارجي قد تعرض لهجو جرير ، فتوعد جرير قومه ـ وهم
تيم عدي ـ وحذرهم من الهجاء.
ومذهب سيبويه
أن قولك : يا زيد زيد عمرو ، زيد الأول هو المضاف إلى عمرو ، والثاني هو توكيد
للأول وتكرير له ، ولا تأثير له في المضاف إليه.
ومذهب المبرد
أن الأول مضاف إلى اسم محذوف ، وأن الثاني مضاف إلى الاسم الظاهر المذكور وتقديره
: يا زيد عمرو زيد عمرو ، وحذف عمرو الأول اكتفاء بالثاني.
وذكر غيرهما
وجها ثالثا ، وهو أن يجعل أصله : يا زيد زيد عمرو فيكون زيد عمرو الثاني نعتا
للأول مثل قولك : يا زيد بن عمرو ، ثم تتبع حركة الأول المبني ، حركة الثاني
المعرب ، لأن" زيد عمرو" في بيانه الأول مثل : ابن عمرو ، وهذا وجه قوي.
وذكر سيبويه
أشياء تدخل توكيدا ولا تغير حكم اللفظ تقوية لقوله : يا زيد زيد عمرو ، ومن جملة
ما ذكر :
قول النابغة :
* كليني لهم يا أميمة ناصب
__________________
فأدخل الهاء توكيدا
وهو يريد الترخيم ، فحركها بحركة ما قبلها.
ولو لم ينو
إقحامها لبناها على الضم. وذكر أن هذه الأشياء حدثت في النداء لكثرته في كلامهم ،
ولأنه أول الكلام. ومعنى هذا أن المتكلم إذا تكلم ، فلا بد من مخاطب يخاطبه بكلامه
الذي تكلم به ، فيقول له يا فلان كان من الأمر كذا وكذا ، وإن كان المخاطب مقبلا
عليه جاز أن يدع يا فلان.
ثم ذكر أنهم
يحذفون في النداء ، وربما ألحقوا الهاء في أمهات والذي ألحقوا فيه قولهم : يا أبت
ويا أمة.
ومما استشهد به
في هذا الباب قول بعض ولد جرير ، ويروى لعبد الله بن رواحة.
* يا زيد زيد اليعملات الذبل
وقد تقدم القول
في مثله ، وواحد اليعملات : يعملة ، وهي الناقة القوية على العمل.
والذبل :
الضامرة المتغيرة بطول السفر.
هذا باب إضافة
المنادى إلى نفسك
اعتمد سيبويه
في إسقاط الياء من المنادى ، على أن الياء بدل من التنوين ، لأن الاسم مضاف إليها
، وأنها لا معنى لها ، ولا تقوم بنفسها إلا أن توصل بالمضاف ، كما أن التنوين لا
يقوم بنفسه حتى يكون في الاسم. وتمام هذا الاعتلال أن يقال : إن الياء إذا حذفت
دلت الكسرة عليها ، والدليل على هذا أنا لو قلنا :
يا غلامنا ، لو
يجر حذف" نا".
وذكر أن العرب
تقول : " يا رب .. ويا قوم" على تقدير يأيها الرب ، ويأيها القوم ، وإن
كانوا يريدون : يا رب ويا قوم ، وإنما يفعلون هذا في الأسماء التي الغالب عليها
الإضافة ، فإذا لم يضيفوها إلى ظاهر أو إلى غير المتكلم ، علم أنه مضاف إلى
المتكلم والمتكلم أولى لأن اسمه هو" الياء" فحذف.
وأنشد في ما
أثبت فيه" الياء" لعبد الله بن الأعلى القرشي :
* وكنت إذ كنت إلهي وحدكا
|
|
لم يك شيء يا
إلهي قبلكا
|
وذكر سيبويه
قبل البيت أن أبا عمرو قرأ : (يا عِبادِ
فَاتَّقُونِ) [الزمر : ١٦].
__________________
ولم يثبت أبو
عمرو ههنا الياء ، إنما أثبتها في الزخرف في قوله (يا عِبادِ لا خَوْفٌ
عَلَيْكُمُ) [الزخرف : ٦٨].
وذكر في الباب
قول العرب" يا أبت ويا أمت ، وأنه مما خص به النداء ، ولحقت هذه الهاء
للتأنيث كما لحقت في قائمة وذاهبة.
فأما لحاقها
بالأم ، فلأنها مؤنثة لحقها ما يلحق المؤنث لتحقيق التأنيث. وأما" أب" :
فإنه لما حذفت ياء الإضافة جعلت هذه الياء عوضا ، ولا يجوز دخول الهاء في مثل عم
وخال ، لأن عما له مؤنث من لفظه ، وأب : كان الأصل في مؤنثه أبة ، فاستغني عن أبة
بأم ، فصار لفظ المؤنث ساقطا ، فإذا أدخلت هاء التأنيث في أب. لم يلتبس ، ولو
أدخلتها في عم لالتبس لأن له من لفظه مؤنثا.
ومثل سيبويه
دخول التاء في هذا عوضا ، بقولهم : " أينق" وذلك أن الأصل فيها"
أنوق" لأنه جمع ناقة فاستثقلوا الضمة على الواو فأسقطوها ، وعوضوا منها الياء
، ومنهم من يقول : " أونق" فيقدم الواو إلى
موضع تسكن فيه فتخف ، ومنهم من يقول : " أنوق" فيأتي بها على الأصل ولا
يبالي بثقلها.
هذا باب ما تضيف إليه
ويكون مضافا
إليك قبل
المضاف إليه وتثبت فيه الياء لأنه غير منادى ...
وذلك قولك : يا
ابن أخي ويا ابن أمي
قال أبو زبيد
الطائي :
* يا ابن أمي ويا شقيق نفسي
|
|
أنت خليتني
لدهر شديد
|
فأثبت الياء في
الأم وفي النفس لأنهما في موضع يثبت فيه التنوين كما تقول : يا ابن زيد ، ويا صاحب
عمرو ، وكذلك إذا قلت : أي ابن أمي ويا ابن عمي فالقياس فيها إثبات الياء إلا أن العرب
اختلفت فيه ، فمنهم من يجريه على القياس ، ومنهم من يجعله كالمنادى المضاف إلى
المتكلم ، فيحذف الياء ويكتفي بالكسرة منها ، ومنهم من يبنيه على الفتح ويتبع آخره
أوله على ما تقدم. ومنهم من يجعل الياء ألفا كقول أبي النجم :
* يا ابنة عما لا تلومي واهجعي
وإنما فعلوا
هذا بهذين الاسمين لكثرة الاستعمال ، ألا ترى أن الرجل يقول لمن لا
__________________
يعرف ، ولمن لا رحم بينه وبينه : يا ابن أم ويا ابن عم.
هذا باب يكون فيه
النداء مضافا
إلى المنادى بحرف
الاستفهام
وذلك قول
الشاعر : وهو مهلهل :
* يا لبكر أنشروا لي كليبا
|
|
يا لبكر أين
أين الفرار؟
|
فاستغاث بهم
لأن ينشروا له كليبا وهو منه وعيد وتهدد.
وكليب أخوه ،
وكان قد قتل ، والمعنى كما لا سبيل إلى إحياء الموتى ، فكذلك لا سبيل لكم إلى النجاة
منا ومن قتلنا.
وقوله :
فاستغاث بهم لأن ينشروا له كليبا.
جعل : أنشروا
في معنى : اللام ، كأنه قال : يا لبكر للإنشار ، أي : أدعوكم إلى الإنشار.
ومعنى قولة :
" استغاث بهم لهم".
يريد : أن قوله
: يا لبكر أين أين الفرار بمعنى : يا لبكر أدعوكم للفرار ، ومم الفرار؟ ، ومعنى
الكلام : ممّ تفرون؟ على جهة الاستطالة عليهم والوعيد لهم.
وأنشد أيضا
لأمية بن أبي عائذ الهذلي :
* ألا يا لقومي لطيف الخيال
|
|
أرق من نازح
ذي دلال
|
النازح :
البعيد. ومعنى أرق : منع النوم.
وأنشد لقيس بن
ذريح :
* تكنفني الوشاة فأزعجوني
|
|
فيا للناس
للواشي المطاع
|
الوشاة :
النمامون ، وأصله من الوشي ، لأنهم يزينون الكذب ويحسنون الباطل. يصف أنهم وشوا
بامرأته إليه حتى تركها فندم على ذلك ، فاستغاث بالناس من أجلهم.
وأنشد أيضا :
* يا لقومي من للعلى والمساعي
|
|
يا لقومي من
للندى والسماح؟
|
يا لعطافنا
ويا لرياح
|
|
وأبي الحشرج
الفتى النفاح
|
__________________
يصف هؤلاء
القوم ، فلم يوجد من يقوم للعلى والمساعي والندى والسماح مقامهم.
والنفاح :
الكثير العطاء وروي الوضاح أي المشهور البين الفضل.
وذكر سيبويه أن
هذه اللام تدخل على معنى التعجب ، وأنشد
* لخطّاب ليلى يا لبرثن منكم
|
|
أدلّ وأمضى
من سليك المقانب
|
هذا رجل اتهم
قوما من بني برثن كانوا يزورون امرأته فاتهمهم بفساد بينهم وبينها ، فشبههم بسليك
المقانب : وهو سليك بن السلكة السعدي في حذقهم ودقة حيلتهم في الفساد ثم استغاث
بمن لا يزور امرأته من برثن على من زارها منهم فقال : يا لبرثن امنعوا من زيارتها
بعضكم وبعد هذا :
تزورونها ولا
أزور نساءكم
|
|
ألهفي لأولاد
الإماء الحواطب
|
ومما يسأل عنه
في هذا الباب : أن يقال : لم فتحت هذه اللام ، واللام الخافضة في الأسماء الظاهرة
مكسورة؟
فالجواب عن هذا
أن يقال : أصل هذه اللام الفتح ثم كسرت في الظاهر لئلا تلتبس بلام الابتداء ثم عرض
دخولها في النداء على معنيين مختلفين فاحتيج إلى الفصل بينهما ، وكانت الأولى أولى
بالفتح من الثانية من قبل أن المدعو لم يخرج عن منهاج ما تدخله اللام المكسورة ،
لأنك إذا قلت يا للعدو ، فمعناه : أدعوكم للعدو ، وهي على أصلها ، والمنادى : المدعو في دخول
اللام عليه خارج عن القياس لأن المنادى لا يحتاج إلى لام ، فكان تغير لامه أولى ،
لأن دخولها في غير موضعها هو معنى حادث أوجب الفصل ، وليس فتحها بالفتح الذي كان
يجب في أصل اللام ، وإنما هو تبين بعد لزوم الكسرة ، والدليل على ذلك إذا عطف عليه
رددته إلى الكسرة وذلك أنك إذا عطفت عليه رددته إلى الكسر ، وذلك لأن الكسر قد صار
كالأصل له بعد الفتح تقول : يا لزيد ولعمرو فتكرر لام عمرو ؛ لأن اللام المفتوحة
في زيد قد دلت على المعنى فاكتفي بها وكسرت لام عمرو على ما ينبغي من كسرها.
وبوب سيبويه بابا
للام المدعو له وبين أنها مكسورة للفرق.
وأنشد قول قيس
بن ذريج :
* فيا للنّاس للواشي المطاع
وأنشد :
__________________
* يا لقومي لفرقة الأحباب
وبين أن قولهم
: " يا للعجب ويا للماء" ، على حذف المدعو كأنه نبه إنسانا ودعاه للعجب
، وذلك على أن المدعو محذوف بقول الشاعر.
* يا لعنة الله والأقوام كلهم
|
|
والصالحين
على سمعان من جار
|
فحذف المنادى
وابتدأ اللعنة ولم يوقع عليها حرف النداء.
هذا باب الندبة
اعلم أن الندبة
تفجع ونوح من حزن وغم ، يلحق النادب على المندوب عند فقده فيدعوه ـ وإن كان يعلم
أنه لا يجاب ـ لإزالة الشدة التي لحقته لفقده ، كما يدعو المستغاث به لإزالة الشدة
التي لحقته وغشيته ، ودعاؤه له كالدلالة على ما ناله من الحزن لفقده ، ولما كان
المندوب ليس بحيث يسمع ، احتيج إلى غاية بعد الصوت فألزموا أوله"
يا"" أو"" وا" ، وآخره الألف في الأكثر من الكلام لأن
الألف أبعد للصوت وأمكن للمد فوجب بدخول الألف فتح كل ضمة وكسرة ، إذ لا يكون ما
قبلها مفتوحا ، إلا أن يلتبس الكلام فتقلب على حركة ما قبلها.
وأنشد في ما لم
تزد الألف في آخره ـ غير أنه بينت حركة آخره بالهاء ـ
لابن قيس
الرقيات :
* تبكيهم دهماء معولة
|
|
وتقول سلمى :
وا رزيتّيه
|
معولة من
العويل وهو البكاء.
وأنشد أيضا
لرؤبة فيما استعمل بالألف وغير الألف :
* بكاء ثكلى فقدت حميما
|
|
فهي ترثّى
بأبي وابنيما
|
فما صلة ،
وإنما حكي ندبتها ويروى : (بأبا وابناما) ، والألف لا تجوز في القافية المردفة
بالياء ، فإذا كانت فيه رواية غير الأول فهي في" بأبا" دون"
ابنيما" أو يكون منشد من العرب أنشد البيت وحده ، ولم يعرف القصيدة فيكون
إنشاد ذلك العربي هو الحجة.
__________________
هذا باب تكون فيه ألف
الندبة
تابعة لما قبلها ،
وإن كان مكسورا فهي ياء ، وإن كان مضموما فهي واو للفرق
ذكر سيبويه في
هذا الباب أنك إذا أردت كنية ألحقت الزيادة في آخرها ، وإن وقع حرف النداء على
أولها ، كقولك : (يا أبا عمراه) ، من قبل أن المضاف والمضاف إليه كاسم واحد فلو
ألحقت الألف الاسم الأول لانفصل من الثاني ، ونظير هذا أن تقول : هذه مائة درهم ،
فإن أضفت" مائة" إلى" نفسك" قلت : هذه مائة درهمي. وقد علم
أنك لم ترد أن تضيف درهما إلى نفسك ولا قصدت إلى درهم واحد بعينه ، وإنما قصدك إلى
إضافة مائة إليك دون غيرها ، وعلى هذا إذا أضفت أبا عمرو إليك أضفته كأنه لك ،
فقلت : هذا أبو عمر ، وإن كان قصدك أن تضيف الأب إليك دون عمرو.
ومن الدليل على
هذا ، أنه لا يجوز : هذا أبو النضرك ، لأنك لو أفردت النضر لم يجز أن تقول : مررت
بالنضرك ، ويجوز أن تقول : هذا أبو زيدك ، كما تقول : هذا زيدك ، فعلم أن حكم
الاسم في إضافته إلى الاسم المضاف إليه كحكمه لو كان مفردا غير مضاف إليه.
وإنما جاز أن
تدخل الياء والواو على الألف في هذا الباب للفرق دون غيرها ، لأنهما أختا الألف
وشركتاها في المد واللين وبعد الصوت فاختصتا لذلك.
هذا باب ما لا تلحقه الألف
التي تلحق المندوب
وذلك قولك :
وازيد الظريف ولا يجوز الظريفاه.
قال الخليل :
" ولو جاز هذا لقلت : وا زيدا أنت الفارس البطلاء"
وأجاز يونس
والكوفيون ندب الصفة ، وقال المحتج له ردّا على الخليل ، ليس الخبر مثل الصفة
فلذلك لم يجز : أنت الفارس البطلاء ، لأن الخبر منقطع عن المندوب ، والصفة من
تمامه.
ومن حجة الخليل
أن الصفة والخبر جميعا خارجان عن النداء ، فقد اتفقا في خروجهما ، وإن اختلفا في
المعنى وإنما الندبة للمنادى ولا تدخل في غيره ، فما كان خارجا عن النداء ،
فالندبة مفارقة له.
وفصل سيبويه
بين من اسمه" ضربوا" وبين من اسمه" ضربا" كما فصل بين التثنية
والجمع في الباب الذي قبل هذا في : واغلامهما ، وواغلامهمو.
وألزمه المبرد
المناقصة في ما ذكره في الباب الذي قبل هذا فقال : ذكر أنك إذا أضفت غلاما إلى
نفسك ثم ندبته في من قال : يا غلامي بإسكان الياء ، أنك تقول : واغلامياه بتحريك
الياء ، ثم قال في باب ترجمته : هذا باب تكون فيه ألف الندبة تابعة لما قبلها وذلك
قولك : واظهرهوه ليفصل بينه وبين المؤنث وقال في الذي يلي هذا الباب في رجل
يسمى" ضربوا" ، " وا ضربوا" ، ليفصل بينه وبين من يسمى"
ضربا" إذا قلت وا ضرباه" ، فألزمه أن يحذف الياء من" غلامي"
لاجتماع الساكنين فيقول : " وا غلاما" ، أو يحرك الواو من هذا ويأتي
بعدها
بألف الندبة ، فيقول : " وا ظهرهواه" و" وا ضربواه".
والذي ألزمه
المبرد لا يلزمه ، لا هذه الواوات السواكن المضموم ما قبلها كالألفات ولا أصل لهن
في الحركة والياء في غلامي يجوز فيها حركة لغير التقاء الساكنين وأصلها الحركة ،
والتغيير للندبة ضعيف ، لأنه لا يجوز أن تأتي بعلامة الندبة ، وإن كنت نادبا ،
فلذلك فرق بين هذه الأشياء.
هذا باب ما لا يجوز
أن يندب
قد تقدم أن أصل
الندبة حزن وبكاء على فائت لا عوض منه في فضل وإحسان وشجاعة وقيام بأمر لا يقوم به
غيره فيحتاج إلى تعظيم الأمر الذي حزنوا له وبكوا عليه ليكون عذرا.
فيجب أن لا
يأتوا فيه من اللفظ إلا بما يعرف ويشهر ، فلهذا لم تندب النكرة ولا المبهم كما لا
يجب أن يندب الإنسان من لا يعنيه أمره ، ولا يؤلمه فقده.
هذا باب ما تكون الأسماء
فيه بمنزلة اسم
واحد ممطول وآخر
الاسمين مضموم إلى الأول بالواو
وذلك قولك :
وثلاثة وثلاثيناه الذي يشتمل عليه هذا الباب : أن كل ما كان من المنادى ، لا يتم
الاسم فيه إلا بشيء بعده ، وليس بمضاف إليه فإنه ينصب وإن كان معرفة بالقصد إليه
كقولك : يا خيرا من زيد ، وضاربا رجلا.
ونصبه كنصب
الاسم المضاف لبطلان البناء فيه ، والبناء إنما يجب للمفرد التام الذي لا يحتاج
إلى معنى يتمم اسمه ، وضاربا رجلا ، وخيرا من زيد ، إذا أردت بكل واحد منهما شيئا
بعينه فتعريفه من أحد وجهين :
ـ إما أن
تناديه بالمعنى الذي فيه ، فتقول لمن ضرب زيدا ، ولمن خير من زيد : يا ضاربا زيدا
، ويا خيرا من زيد وتقديره : يأيها الضارب ، ويأيها الرجل الذي هو خير من زيد ،
فهذا تعريف يحدثه النداء.
ـ وإما أن تسمي
رجلا بضارب زيدا أو بخير منك ، وإن لم يكن على تلك الحقيقة فتقول : يا ضاربا زيدا
، ويا خيرا من زيد كما تقول : يا قيس قفة ، ويا سعد كرز ، وما أشبهه من الألقاب.
هذا باب الحروف التي
ينبه بها المدعو
ذكر سيبويه
أن" يا" تحذف من النكرة في الشعر ضرورة وأنشد للعجاج :
* جاري لا تستنكري عذيري
__________________
يريد : جارية ، ووصل هذا بأمثال العرب ،
وهي قولهم : افتد مخنوق ، وأصبح ليلا ، واطرق كرا معنى البيت أن العجاج كان يصلح
حلسا لجمله فأنكرته عليه ، فقال لها هذا فأما الأمثال : فجاز حذف حرف النداء منها
لكثرة استعمالهم لها ، فصارت كالمعرفة فحسن جواز الحذف فيها.
ومعنى قوله في
باب الندبة وفي هذا الباب : " لأنهم يحتلطون ويدعون ما فات".
الاحتلاط :
الاجتهاد في الغضب والغيظ ، وقد يقال : احتلط في الأمر إذا اشتد فيه.
ورد المبرد قول
سيبويه في هذا الباب : " وقد يجوز حذف يا من النكرة" ومجيئه بالبيت
والأمثال وقال : أخطأ في هذا كله خطأ فاحشا يعني أن هذه الأسماء معارف بالنداء ،
وقد جعلها سيبويه نكرات.
وادعاء المبرد
هذا هو الخطأ ، والعجب منه كيف ذهب عليه ذلك أيتوهم أن سيبويه يعتقد أن"
مخنوق" و" وليل" نكرات وهو يضمها بغير تنوين؟ فإنما حذف"
يا" من النكرة ، يعني : ما كان نكرة قبل النداء ، فورد النداء عليه فصار
معرفة من أجله.
هذا باب ما جرى على
حرف النداء وصفا له
وليس بمنادى ينبهه
غيره
قوله : "
ما جرى على حرف النداء وصفا له".
أراد"
أيا" إذا قلت : أنا أفعل كذا وكذا أيها الرجل ، و" اللهم اغفر لنا أيتها
العصابة" وسمي" أيا" هنا حرف نداء لأنه لا يستعمل إلا في النداء
وما بعده وصف له. وأيها في هذا الباب ، وإن كان لفظ المنادى ، فليس بمنادى في
الحقيقة لأن حرف النداء لا يدخل عليه ، ولكنه استعمل للاختصاص لأن المنادى مختص
وإن لم تناده ، فاستعير لفظ أحدهما للآخر من حيث شاركه في الاختصاص ، كما جعل حرف
الاستفهام لما ليس باستفهام لما اشتركا في التسوية وقد بين ذلك سيبويه.
هذا باب من الاختصاص
يجري على ما
جرى عليه النداء
فيجيء لفظه على موضع النداء نصبا
وذلك قولك :
أنا معشر العرب نفعل كذا وكذا.
قال عمرو بن
الأهتم :
__________________
* إنا بني منقر قوم ذوو حسب
|
|
فينا سراة بني
سعد وناديها
|
وقال الفرزدق :
* ألم تر أنا بني دارم
|
|
زرارة منا
أبو معبد
|
وقال رؤبة :
* بنا تميما يكشف الضّباب
النصب في هذا
الباب على مذهب ما يوجبه النداء من النصب بفعل غير مستعمل إظهاره ، والدليل على
ذلك أن الاسم المفرد الذي يقع فيه لا يبنى على الضم كما يبنى الاسم المفرد في
النداء على الضم ، ولا يجوز أن يدخل عليه حرف النداء كما يدخل على المنادى.
ومعنى قول
سيبويه : فيجيء لفظه على موضع النداء نصبا
إلى قوله :
لأنك أجريت الكلام على ما النداء عليه ، ولم تجره مجرى الأسماء في النداء.
يريد أن موضع
النداء فعل تقصد به في التقدير إلى المنادى الغافل عنك فتختصه لتعطفه على نفسك
وكذلك له.
والمنصوب في
هذا الباب يعمل فيه فعل يقصد به الاختصاص على جهة الافتخار به والتفضيل له.
قال : وسألت
الخليل ويونس عن نصب قول الصلتان :
* أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله
|
|
جرير ولكن في
كليب تواضع
|
فزعما أنه غير
منادى ، وإنما انتصب على إضمار ، كأنه قال : يا قائل الشعر شاعرا.
وشرح هذا :
أن" شاعرا" ليس بمنادى ، لأنه مقصود به إلى واحد بعينه ، والمنادى إذا
كان مقصودا إليه يعرف ، والمنادى في البيت محذوف ، يجوز أن يكون هو الشاعر ، ويجوز
أن يكون غيره ، فإذا كان المنادى غيره ، فكأنه قال لمن بحضرته : يا هذا حسبك به
شاعرا على المدح له والتعجب منه ، ثم بين أنه جرير ، وشبه هذا الإضمار بقولهم :
نعم رجلا زيد.
والتقدير عند
الخليل ويونس : يا قائل الشعر ، على أن قائل الشعر غير" شاعر"
__________________
المذكور ، كأنه قال : يا شاعرا عليكم شاعرا لا شاعر اليوم مثله ، أو حسبكم
به شاعرا ، فهذا ظاهر كلام سيبويه.
ويجوز أن يكون
قائل الشعر المحذوف هو الشاعر المذكور ، وينتصب" شاعر" على الحال ، ولا
شاعر اليوم" في موضع النعت له ، واحتاج إلى إضمار قائل الشعر أو نحوه ، حتى
يكون المنادى معرفة وكأنه قال :
يا قائل الشعر
في حال ما هو شاعر لا شاعر مثله.
قال : "
ومما جاء فيه معنى التعجب كقوله : يا لك فارسا قول شريح بن الأحوص الكلابي :
* تمناني ليقتلني لقيط
|
|
أعام لك بن
صعصعة بن سعد
|
وإنما دعاهم
لهم تعجبا.
معنى هذا أن
لقيط بن زرارة التميمي ، وهو من بني ارم ، تمنى قتل شريح بن الأحوص ، وهو من بني
عامر بن صعصعة فعجب شريح قومه من أنفسهم حيث تمناهم لقيط وهم أمنع منه وأشد بأسا ،
كأنه قال : يا عامر بن صعصعة أعجب لك من تمني لقيط إياك ، وتمنى شريح كتمنيه
لعامر.
والعرب تستعمل حذف
فعل التعجب وتكتفي باللام ، كقولك : يا لك فارسا كأنه نادى وأضمر معه فعلا لعلم
المخاطب ، كأنه قال : يا هذا أعجب لك فارسا ، ومعناه : أعجب بك فارسا.
ومن النحويين
من قال : يا لك كقولك : يا لزيد على معنى استغثت بك فارسا.
قال : وزعم
الخليل أن هذا البيت مثل ذلك :
* أيام جمل خليلا لو يخاف لها
|
|
صرما لخولط
منه العقل والجسد
|
قال أبو العباس
: في هذا قولان : أحدهما : أن خليلا مفعول به ، وتقديره أعني خليلا ، والآخر : أن
يكون حالا ، وتجعل أيام مضافة إلى جمل وفي إضافتها إليها يحدث معنى فعل لها ،
وشبهه بقولك : (لقيته يوم عبد الله قائما) ، إذا عرفت اليوم لعبد الله وكان له فيه
أثر. فقد يكون له يوم يذكر به قائما ، ويكون له يوم يذكر به راكبا ، فالشاهد في
البيت على قول أبي العباس نصب خليل.
__________________
وقال غيره :
إنما أراد بإنشاده البيت أنه اختص" أيام جمل" دون غيرها والتقدير : أعني
أيام جمل ، فأشبه هذا البيت ما ذكره من المنصوب على الاختصاص.
قال : "
وأما قول لبيد :
* نحن بنو أم البنين الأربعة
فلا ينشدونه
إلا رفعا لأنه لم يرد إذا افتخروا أن يعرفوا أن عدتهم أربعة ولكنه جعل الأربعة
وصفا.
وأجاز المبرد
النصب من وجهين :
أحدهما : أن أم
البنين امرأة شريفة وبنوها الأربعة كلهم سيد فينصب على الفخر ويكون الخبر في البيت
الذي بعده.
والوجه الآخر :
أنه لم يرد معنى الفخر ، ونصبه على أعني فيكون مثل قوله :
* وما غرّني حوز الرّزامي محصنا
وقال غير
المبرد أما الاختيار بأم البنين فلو لم يقل" الأربعة" لجاز ذلك كما يجوز
: نحن بني تميم نفعل كذا ، وتكون هذه المرأة معروفة بالنجاعة والفضل ، ولما ذكر
الأربعة خرج ذلك من أن يكون فخرا ، إذ ليس في ذكر العدد ما يوجب الافتخار به وإن
كان الأربعة نجباء ، فليس لنجابتهم في الشعر ذكر يصح الافتخار به ، ولا هو اسم علم
لهم ، فقول سيبويه أقرب وأصح.
هذا باب الترخيم
الترخيم المطرد
يلزم المنادى دون غيره تخفيفا من اسمه إذا طال لكثرة النداء في كلامهم ، ومعنى
الترخيم نقص الاسم عن تمام الصوت به ، ومن ذلك : كلام رخيم إذا كان لينا.
وللترخيم شروط
إذا نقص منها شرط امتنع الترخيم ، فشروطه : ألا يكون الاسم منادى ، مفردا ، معرفة
، على أكثر من ثلاثة أحرف ، ويكون في آخرها هاء التأنيث ، وإن كان على ثلاثة أحرف
في عدة وثبة ، فإن نقص من هذه الشرائط شيء لم يجز ترخيمه.
هذا باب ما أواخر
الأسماء فيه الهاء
اعلم أن
الترخيم لا يكثر في شيء ككثرته في ما آخره هاء التأنيث لأنها شيء مضاف إلى الاسم
وليس من نفسه لأنها لا تعود في جمع مكسر ولا سالم تعود ألف التأنيث ، ولأنها إذا
دخلت للتأنيث لم تغير بنية ما تدخل عليه من المذكر ، وهي مع ذلك متغيرة ، تكون تاء
في
__________________
الوصل وهاء في الوقف ، ودخولها في الكلام أكثر من دخول ألفي التأنيث لأنها
تدخل على أفعال المؤنث وعلى بعض أسماء المذكر للتوكيد ، فلما كانت هكذا كثر حذفها
في الترخيم.
وذكر سيبويه أن
من العرب من لا يحذف الهاء من آخر الاسم المعرفة في الفصل والوقف ، ثم يختلف هؤلاء
المثبتون للهاء في حركة الهاء فمنهم من يضمها كما يضم سائر الأسماء المفردة ،
ومنهم من يفتحها ويجعلها مقحمة بمنزلة يا تيم عدي ، وقد تقدم ذكر ذلك.
وذكر أن الذين
يحذفون الهاء في الوصل يقفون عليها ليبينوا بها حركة الميم والحاء من سلم وطلح كما
يفعلون ذلك في" قه" و" ارمه" ، كأنهم جعلوا لزوم الهاء
للترخيم كلزوم حذف الياء في ارم ، ثم جعلوا العوض من الحرفين في الوقف : "
الهاء" وهذه حكاية سيبويه عن العرب في فصلهم بين الوصل والوقف ، ومثله بأقرب
ما يكون يشبهه من كلامهم ، ثم جعل سيبويه حذف الهاء في الوقف من المرخم كالضرورة.
وأنشد :
* كادت فزارة تشقى بنا
|
|
فأولى فزارة
أولى فزارا
|
أراد : يا
فزارة فحذف هاء السكت وعوض منها الألف. ومعنى أولى : زجر ووعيد ، ومعناه : كدت تقع
ولم تقع.
وأنشد لهدبة :
* عوجي علينا واربعي يا فاطما
هذا البيت
لزائدة بن زيد العذري يذكر أخت هذبة ابن عمه وقوله : عوجي واربعي : أي ميلي وقفي.
والقول في" فاطما" كالقول في فزارا وقد يجوز هذا في غير الضرورة لأن
سيبويه حكى عن الثقة من العرب" يا حرمل" يريد : يا حرملة ، كما قال
بعضهم ارم فيقفون بغير هاء.
هذا باب يكون فيه
الاسم بعد ما
يحذف منه الهاء
بمنزلة اسم بتصرف في الكلام ...
وذلك قول بعض
العرب :
* يدعون عنتر والرماح كأنها
|
|
أشطان بئر في
لبان الأدهم
|
__________________
المعنى :
يقولون يا عنتر. وشبه الرماح في صدر فرسه بالحبال في البئر.
وأنشد للأسود
بن يعفر :
* ألا هل لهذا الدهر من متعلل
|
|
على الناس
مهما شاء بالناس يفعل
|
وهذا ردائي
عنده يستعيره
|
|
ليسلبني نفسي
أمال بن حنظل
|
فرخم حنظلة في
غير النداء ، وأجراه على لغة من قال : يا حار.
يصف أن الدهر
قد أخذ بهجته ونضارته وهي : رداؤه ، فقال : إنما أخذ ردائي ليسلبني نفسي بالموت.
وأنشد لرؤبة :
* إما تريني اليوم أم حمز
|
|
قاربت بين
عنقي وجمزي
|
أراد : حمزة
والعنق : ضرب من السير سريع وكذلك الجمز.
قال : "
وأما قول ذي الرمة :
* ديار مية إذ مي تساعفنا
|
|
ولا يرى
مثلها عجم ولا عرب
|
فزعم يونس أنه
كان يسميها مرة مية ومرة ميّا.
أراد أن"
ميّا" غير مرخم ، إنما هو اسم على حياله بمنزلة دعد.
وأنشد لأبي
النجم :
* في لجة أمسك فلانا عن فل
استشهد بهذا
على أنه اضطر فأسقط الألف من" فلان" لأنها ليست بحاجز حصين وأسقط النون
لقربها من اللام ، وحرك اللام بما يجب بحرف الإعراب. هذا قول ابن سليمان الأخفش ،
وهو ظاهر قول سيبويه بعد ذكر" فلان" وقد اضطر الشاعر فبناه على حرفين.
وقال غير
الأخفش : أراد سيبويه أن" فل" قد يبنى على حرفين في النداء ، وليس
بضرورة ، وأن" فلانا" يستعمل في النداء وغيره على التمام ، وأن الشاعر
استعمل فلانا على
__________________
حرفين في قوله" عن فل" وهو يريد : " عن فلان" فنقله من
النداء إلى غيره ، فكان اضطرارا لأنه حذفه من : " فلان" في غير النداء.
هذا باب إذا حذفت منه
الهاء وجعلت الاسم بمنزلة ما
لم تكن فيه الهاء
أبدلت حرفا مكان الحرف الذي يلي الهاء
اعلم أن
الترخيم وقع على أن يكون المبقي بمنزلة اسم كامل غير مرخم كقوله : " يا
حار" فينبغي أن تراعي الحرف الذي يقع طرفا بعد المحذوف للترخيم ، فإن كان آخره
مما يغير إذا وقع طرفا غير ، وإن بقي ما يزاد فيه حتى يتم اسما ، زيد فيه حتى يكون
على منهاج الأسماء المفردة ، فمن أجل ذلك تقول في : " عرقوة" و"
قمحدوة" : يا عرقي ويا قمحدي ، ، لأن الواو وقعت طرفا وقبلها ضمة ، وهذا
معدوم في الأسماء ، فقلبت ياء وكسر ما قبلها حتى يكون بمنزلة : أدل وأحق ، جمع :
دلو وحقو.
قال : واعلم أن
ما يجعل بمنزل اسم ليست فيه هاء أقل من كلامهم.
يعني : "
يا طلح" و" يا حار" ثم قال بعد ذلك : " وهو على ذلك عربي ،
وقد حملهم على هذا أن رخموه حيث جعلوه بمنزلة ما لا هاء فيه ، قال العجاج :
* لقد رأى الراءون غير البطّل
|
|
أنك يا
معاويا ابن الأفضل
|
يريد معاوية.
قال أبو الحسن
: البيت للعجاج يمدح به يزيد بن معاوية ولا أدري كيف هذه الرواية ، إلا أن سيبويه
هكذا رواه ، وتقدير هذا الترخيم أنه لما رخم : معاوية فأسقط الهاء صار كاسم لا هاء
فيه ، ثم رخمه فأسقط الياء. ولو قال قائل : إن الياء بعد الواو من معاوية ، وإن
ابن الأفضل" نعت لمعويا" وليس فيه حرف نداء ، كان أقيس وأجود.
قال : "
واعلم أن الأسماء التي في أواخرها هاء لا يحذف منها أكثر ، لأنهم إن يخلوا بها
فيحملوا عليها حذف التنوين وحذف حرف أصلي.
ثم قال :
" وإن حذفت فحسن" وأنشد لمهلهل بن ربيعة :
* يا حار لا تجهل على أشياخنا
|
|
إنا ذوو
السورات والأحلام
|
السّورة :
الجدة والغضب.
وأنشد لامرئ
القيس :
__________________
* أحار ترى برقا أريك وميضه
|
|
كلمع اليدين
في حبي مكلل
|
الحبي : السحاب
المتداني ، يحبو بعضه إلى بعض. وشبه وميض البرق وانتشاره في السحاب بتحريك اليدين
وانتشار الأصابع.
وأنشد للأنصاري
:
* يا مال والحق عنده فقفوا
وهذا البيت في
نسخة أبي الحسن الأخفش وتمامه :
تؤتون منه الوفاء معترفا
قوله : والحق
هو منصوب بإضمار فعل معطوف على جملة الفعل المحذوف في النداء ، كأنه قال : أريد
مالكا والزموا الحق ، فقفوا عنده والزموه.
وأنشد للنابغة
:
* فصالحونا جميعا إن بدا لكم
|
|
ولا تقولوا
لنا أمثالها عام
|
يريد"
عامر" ، وكانت بنو عامر قد دعت النابغة إلى أن تنقض حلف بني أسد ويأمر قومه
بمتاركتهم ، فأبى النابغة ذلك ورد عليهم وعتبهم.
وأنشد أيضا :
* فقلتم تعال يا يزي بن مخرم
|
|
فقلت لكم :
إني حليف صداء
|
أراد : "
يا يزيد" وصداء : اسم حي ، وقيل هو فرسه.
وأنشد لمجنون
بني عامر :
* ألا ياليل إن خيّرت فينا
|
|
بنفسي فانظري
أين الخيار
|
يريد ليلي.
وقوله : بنفسي ، أراد أفديك بنفسي.
وأنشد لأوس بن
حجر :
* تنكرت منا بعد معرفة لمي
__________________
أراد : "
لميس".
وأنشد في ما
رخم في غير النداء على لغة من قال : يا حار ، لامرىء القيس :
* لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره
|
|
طريف بن مال
ليلة الجوع والخصر
|
أراد : طريف بن
مالك ، وكان امرؤ القيس قد نزل به فأحمده.
وأنشد لرجل من
بني مازن :
* على دماء البدن إن لم تفارقي
|
|
أبا حردب
ليلا وأصحاب حردب
|
أراد : حردبة
فرخم ، وأجراه كاسم لم يرخم.
وأنشد أيضا
لبعض العباديين ، وهو مصنوع على طرفة :
* أسعد بن مال ألم تعلموا
|
|
وذو الرأي
مهما يقل يصدق
|
وذكر سيبويه أن
الأسماء غير الأعلام لا ترخم ، إلا أن العرب قد قالت : " يا صاح" ، وهم
يريدون : " يا صاحب" لكثرة استعمالهم هذا ، لأن كل من كان معك في سفر
فهو صاحب لك ، وكل من لابسك في أمر فهو صاحبك فيه ، فشبه بالأسماء وإن كان في
الحقيقة صفة.
وليس من كلامهم
ترخيم الصفة التي لا هاء فيها ، لأن أكثر ما ينادى اسم الرجل العلم الذي يعرف به
لا صفته.
وزعم المبرد أن
بعض الأسماء يبطل ترخيمها ـ على قول من قال :
" يا
حار" ـ منها : رجل اسمه" طيلسان" في من كسر اللام لأنه إذا حذف
الألف والنون بقي" طيلس" ، وليس في الكلام" فيعل" في غير
المعتل ، ومنه رجل اسمه"" حبلوي" لأنه لو رخم لانقلبت الواو ألفا فصار
: " حبلى" والألف منقلبة من واو وليس في الكلام : " فعلى" إلا
وألفها للتأنيث غير منقلبة.
ولم يذكر
سيبويه شيئا من هذا الباب اعتبر فيه بناء ما يبقى ، وإنما اعتبر فيه ما إذا عرض في
الكلام غيرته العرب من حرف إلى حرف ، وذلك تحويل الواو من" عرقي"
و" قمحدو" ، إلى الياء لأن من كلامهم : أحق وأدل في جمع : دلو وحقو ،
وكذلك مما وصل بهذا من سائر المرخمات.
__________________
فأما البنية
العارضة في كلامهم الخارجة عن أبنيتهم ، فلا يلزمون تغيرها إلى أبنيتهم ولا
إخراجها من كلامهم نحو استعمالهم : إبراهيم وإسماعيل وهابيل وقابيل ، وليس شيء من
هذه الأبنية في كلامهم ، وكذلك إذا قلنا يا طيلس ويا حبلى إنما هو شيء عرض في
الكلام وليس ببنية أصلية.
ويقال للمحتج
عنه : أخبرنا عن" حار" ، من قولك : " يا حار" ما وزنه؟ فإن
قال : " فاعل" على أصله قبل الترخيم فيجوز" طيلس" ،
لأنه" فيعلان" لا : فيعل.
فالقول في نحو
هذا لا يعتبر الحروف ، فإذا وقعت في مواضع يستمر الحس في تغييرها ، غيرت على ما
بينا في قمحدو ، وغيرها.
هذا باب ما يحذف من
آخره حرفان
وذلك قولك في
عثمان : يا عثم أقبل ، وفي مروان : يا مرو أقبل
وقال الفرزدق :
* يا مرو إن مطيتي محبوسة
|
|
ترجو الحياة
وربّها لم ييئس
|
يريد : "
يا مروان". والحباء : العطاء.
وأنشد أيضا :
* يا نعم هل تحلف لا تدينها
وأنشد للبيد :
* يا اسم صبرا على ما كان من حدث
|
|
إن الحوادث
ملقي ومنتظر
|
أراد : أسماء.
وذكر ملقيا ومنتظرا على معنى : منها حادث ملقي وحادث منتظر.
إن قال قائل :
قد جعل سيبويه العلة في حذف الحرفين جميعا أنهما زيدا معا وقد زيدت الواو والنون
في" بنون" معا فهلا حذفا جميعا؟.
فالجواب :
أنهما في" بنون" غيرتا بناء إلى لفظ لا يستعمل مفردا ، لا يقال : "
بن" في" ابن" فصار" بنون"" كزعوم" و"
ثمود" وصارت الواو والنون كأنهما من نفس الكلمة.
__________________
هذا باب يكون فيه
الحرف الذي من نفس الاسم
وما قبله بمنزلة زائد
وقع وما قبله جميعا
وذلك قولك في
منصور : يا منص أقبل ، وفي عمار : يا عم أقبل ، وفي عنتريس : يا عنتر أقبل.
احتج سيبويه
لحذف هذه الزوائد مع الأصلي بكلام معناه :
أنه لما كان
الحرف الأصلي في منصور وعمار وعنتريس قد وجب حذفه لأنه طرف ، صارت هذه الحروف
الأصلية في الحذف كالزائد الثاني من الزائدين اللذين زيدا معا فقد ساوت الحروف
الأصلية الزائد الثاني وقد ساوى الزائد أن الزائد والأصلي ، وقد وجب حذف الزائدين
، فوجب حذف الزائد والأصلي.
هذا باب تكون الزوائد
فيه بمنزلة ما هو
من نفس الحرف
وذلك قولك في
قنور : يا قنو أقبل ، وفي هبيخ : يا هبي أقبل.
احتج سيبويه
لإثبات هذه الزوائد بكلام معناه ، أن الواو في" قنور" ، والياء في"
هبيخ" تجريان مجرى الأصلي وإن كانتا زائدتين ، وكان ترتيب زيادتهما أن أصل
قنور من قنر ، فزيدت الواو الأخيرة المتحركة فصار" قنور" بمنزلة جدول ،
وجدول ملحق بجعفر بزيادة الواو فيه ، والواو فيه بمحل الفاء (في) جعفر.
وكان أصل"
هبيخ" من هبخ ، وزيدت فيه الياء المتحركة الأخيرة فصارت كياء"
عثير" و" عثير" ملحق" بهجرع" وياؤه كراء"
هجرع" ، ثم ألحقا بالخمسة ، بحرف لحق كل واحد منهما ، فألحقه" بسفرجل"
وبابه فكأن قنور ـ بعد زيادة الواو المتحركة عليه ـ صار بمنزلة" فدوكس"
، فالواو المزيدة في محل الكاف من" فدكس" ، ولما زيدت واو"
فدكس" قبل الكاف ثالثة فقيل : فدوكس وزيدت أيضا واو على قنور قبل الواو التي
هي بمنزلة الكاف ، فقيل : " قنور" وكذلك هبيخ ، لما زيدت الياء المتحركة
فألحقته" بهجرع" فصار" هبيخ" كعثير. ولا يمثل بجعفر لأنه ليس
في الكلام مثل" فعيل" ، ثم ألحق ـ بعد زيادة الياء المتحركة بسفرجل فقيل
: هبيخ كما أن هجرعا لو ألحق بزيادة ياء ثالثة الحروف لقيل : " هجيرع"
كما قيل : " سميدع".
وبين سيبويه أن
هذه الزوائد مما يلحق بالأصلي حتى يكون حكمه كحكم الأصلي وأن الألف في"
معزى" دخلت للإلحاق ، لأن الأصل : " معز" ، ودخلت الألف لتلحقه
ببناء هجرع فصار حكمه كحكمه ، وينون كما نون" هجرع" ، ولم يكن
كألف" دفلى" و" ذكرى" فإنها للتأنيث ولا تنون.
واستدل على ذلك
أيضا بأن الزائد الملحق قد يلحقه زائد آخر كما يلحق الأصلي ، وذلك نحو : "
جلواخ" و" قرواح" و" جريال" ، كما قالوا : "
سرداح".
وأصل"
قرواح" و" جلواخ" و" جريال" : من قرح وجلخ وجرل ، فلحقت
الواو والياء فصار في التقدير : جلوخ وقروح وجريل ، وهذه الواو والياء بمنزلة
الدال من سردح ثم لحقت الدال من سردح ألف فصار سرداح ، فلحقت هذه الحروف كما لحقت
بالأصلي الألف ، فصار : جلواخ وقرواح وجريال ، فاعلمه.
هذا باب تكون فيه
الزوائد أيضا
بمنزلة ما هو من نفس
الحرف
وذلك قولك في
رجل اسمه : حولايا أو بردرايا : (يا حولاي أقبل ويا بردراي أقبل).
هذا الباب إلى
آخره في أن الألف الأخيرة في" حولايا" و" بردرايا" بمنزلة
الهاء في : درحاية و" عفارية" وأنا إذا رخمنا" حولايا"
و" بردرايا" لا نحذف غير الألف لأن ما قبلها ليس معها بمنزلة زيادتين
زيدتا معا ، كما لم تكن الهاء مع ما قبلها كذلك.
واستدل سيبويه
أن الهاء وما قبلها لا تكون بمنزلة زيادة واحدة ، أنهم يقولون في تصغير"
سعلاة" : سعيلية ، لأن ألف سعلاة زائدة للإلحاق كألف" معزى"
و" أرطى" ، ثم دخلت الهاء عليها كما تدخل على الحروف الأصلية ، ولو كانت
الهاء وما قبلها بمنزلة زيادة واحدة لوجب أن يقال : سعليت أو يقال سعيلاة ، تصير
على هذا" كسرحان" ، فكما تقول : سريحين ، كذلك يجب أن تقول : "
سعيليت" ، أو يقال : " سعيدة" ، فيصغر الصدر الذي هو السين والعين
واللام ، ويرد فيه لفظ الزائدين الأخيرين كما يقال : " عثيمان" و"
حميراء" ، وقوى هذا المعنى سيبويه بغير هذا مما هو مفهوم.
هذا باب إذا طرحت منه
الزائدتان رجعت حرفا
وذلك قولك في
رجل اسمه قاضون : يا قاضي أقبل ، وفي ناجي يا ناجي أقبل.
أصل"
قاضون" : " قاضيون" استثقلت الضمة في الياء فسكنت وبعدها واو
الجميع ساكنة ، فسقطت الياء لاجتماع الساكنين وضموا الضاد لتسلم واو الجميع ، فإذا
ذهبت واو الجميع للترخيم رجعت الياء. وأصل" ناجي" : " ناجية"
نسب إليها فأسقطت الهاء للنسبة ووجب كسر الياء التي في" ناجية" لياء
النسبة الداخلة ، فاستثقلت الكسرة عليها لانكسار ما قبلها فسكنت ، وبعدها الياء
الأولى من ياء النسبة وهي ساكنة فسقطت لاجتماع الساكنين ، فإذا رخمت حذفت منه ياء
النسبة فعادت ياء" ناجية" وعلى هذا يجري سائر الباب.
هذا باب يحرك فيه
الحرف الذي يلي
المحذوف لأنه لا يلقى
ساكنان
وهو قولك في
رجل اسمه راد : يا راد أقبل
جملة هذا أنه
إذا كان آخر الاسم الذي على أكثر من ثلاثة أحرف مشددا ، كان ترخيمه بحذف الحرف
الآخر منه ، فإذا حذف بقي الحرف المدغم الأول ساكنا فإن كان قبله ساكن فلا بد من
تحريكه ، فإن كان أصله التحريك حرك بالحركة التي هي أصله ، وإن كان قبله متحرك ترك
على سكونه لأنه لا ضرورة تدعو إلى تحريكه.
قال :
وأما" أسحار" فإنك إذا حذفت الراء الأخيرة لم يكن لك بد من تحريك الراء
الساكنة لأنه لا يلقي ساكنان فحركتها بالفتح لأنها تلي الألف وقبل الألف الفتحة ،
فحركت الراء بحركة أقرب المتحركات إليها إذا كانوا قد حركوا الراء بالفتح في قولهم
: " لم يضار" وبين الراء والألف حرف ساكن. وقوى سيبويه تحريكه بالفتح ـ لقربه
من الألف والفتحة التي قبل الألف ـ بأن العرب تقول في : " انطلق ولم
يلد" إذا سكنوا اللام : " انطلق ولم يلد" ، فحركوا آخر الفعلين
بحركة أقرب المتحركات إليه.
وأنشد عن
الخليل لرجل من أزد السراة :
* ألا رب مولود وليس له أب
|
|
وذي ولد لم
يلده أبوان
|
أراد : لم يلده
، فسكن اللام على لغة من قال في" فخد" : " فخد" ثم حرك الدال
لسكونها وسكون اللام وخصها بالفتح إتباعا للفتحة قبلها. وقوله : (مولد ليس له أب)
يعني : عيسى عليه السلام. وقوله : (وذي ولد) يعني : آدم عليه السّلام.
هذا باب الترخيم في
الأسماء التي كل اسم
منها من اسمين
جعلا اسما واحدا بمنزلة عنتريس وحلكوك.
اعلم أن
الاسمين إذا جعلا اسما واحدا ، فحكم الاسم الثاني منهما كحكم هاء التأنيث في كثير
مما يلحق الأسماء ، وذلك أنك إذا صغرته تصغر الصدر وتفتح آخره كما تفعل بما فيه
هاء التأنيث ، وإذا نسبت إليه تحذف الاسم الآخر كما تحذف هاء التأنيث ، والاسم
الثاني لا يغير بنية الاسم الأول. كما أن الهاء لا يتغير ما دخلت عليه.
ومعنى قول
سيبويه : فهي في الموضع الذي يحذف منه ما يثبت في الإضافة ، أجدر أن تحذف إذا أردت
أن ترخم.
__________________
يريد أنك لما
كنت تحذف في الإضافة ـ وهي النسبة ـ الاسم الثاني إذا قلت" معدي" ، وكان
الاسم في الترخيم أولى بالحذف إذ كنت تحذف في الترخيم ما لا يحذف في النسبة كقولك
: " جعفري" ، وتقول في ترخيمه : " يا جعف".
هذا باب ما رخمت
الشعراء في غير النداء اضطرارا
قال الراجز :
* وقد وسطت مالكا وحنظلا
فرخم حنظلة ،
ومعنى وسطت : صرت وسطهم ، أي موضع شرفهم وحميمهم.
وأنشد لابن
أحمر :
* أبو حنش يؤرفنا وطلق
|
|
وعباد وآونة
أثالا
|
قال سيبويه :
يريد أثالة
والمبرد يذهب
إلى أن موضعه نصب حملا على الضمير في يؤرقنا ، وسيبويه يحمله على الأسماء المرفوعة
في لغة من قال : يا حار.
وآونة : جمع
أوان ، ويؤرقنا : يسهدنا. يذكر أصحابا له هلكوا فأسهد ذكرهم.
وبعض النحويين
يجعل" أثال" غير مرخم ويزعم أن ليس في أسماء العرب ولا في أسماء
المواضع" أثالة" وقد عرف من كلامهم" أثال" وهو جبل ، وقد
يتسمى به وجعل صاحب هذا القول نصبه بإضمار فعل ناصب لا يخرج من معنى الرافع كأنه
قال : ولنذكر أثالا وآونة ، لأن يؤرقنا : فيه معنى التذكر. وهذا كنحو تأويل سيبويه
في المعنى لا في اللفظ لأن سيبويه جعل" أثالة" من مات أو قتل فأرقهم
تذكره.
وأنشد لجرير :
* ألا أضحت حبالكم رماما
|
|
وأضحت منك
شاسعة أماما
|
يشق بها
العساقل مؤجدات
|
|
وكل عرندس
ينفي اللّغاما
|
وزعم المبرد أن
عمارة أقرأه :
وما عهد كعهدك
يا أماما
فهذا لا ضرورة
فيه.
وأما إنشاد
سيبويه : فزعم المبرد أنه لا وجه له.
وقوله : رماما
أي : أخلافا واحدها رمة. والشاسعة : البعيدة. والمؤجدات القوية المحكمة الخلق.
والعرندس : الجمل الشديد ، واللغام : ما يطرحه من فمه من الزبد.
__________________
وأنشد لزهير :
* خذوا حظّكم يا آل عكرم واذكروا
|
|
أواصرنا
والرحم بالغيب تذكر
|
يريد : "
عكرمة". والأواصر : العواطف.
وأنشد لابن
حبناء التميمي :
* إن ابن حارث إن أشثق لرؤيته
|
|
أو أمتدحه
فإن الناس قد عملوا
|
يريد : "
حارثة".
قال : وأما قول
الأسود بن يعفر :
* أودى ابن جلهم عبّاد بصرمته
|
|
إن ابن جلهم
أمسى حية الوادي
|
فإنما أراد أمه
جلهم ، والعرب يسمون المرأة جلهم والرجل جلهمة فأراد سيبويه أن هذا ليس بترخيم
قال الزجاج :
إن كان أراد أباه ، فقد رخم ، وإن كان أراد أمه فلم يرخم.
الصرمة :
القطيعة من الإبل ـ من الثلاثين إلى الأربعين. وأراد : أمسى مثل حية الوادي يخاف
منه كما يخاف من الحية.
وأنشد لرجل من
بني يشكر :
* لها أشارير من لحم تتمره
|
|
من الثعالي
ووخز من أرانيها
|
يريد بالثعالي
: الثعالب ، وبالأراني : الأرانب ، ثم اضطر إلى" الياء" فأبدلها
مكان" الباء" ، لأن" الياء" تسكن في موضع الحركة ، و"
الباء" لا يجوز فيها ذلك.
والأشارير :
القطع من الغدير المشرر وهو الميبس ، وكذلك المتمر بالتاء نقطتين ، وواحدها
أشرارة. والوخز : القطع والطعن ، وأراد به ما تقطع من الأرنب ،
وأنشد في مثل
هذا :
* ومنهل ليس له حوازق
|
|
ولضفاضي جمّه
نقانق
|
أراد : ولضفادع
، فأبدل الياء من العين لأنها تسكن في حال الجر والعين لا يجوز فيها ذلك.
__________________
والحوازق :
جماعات الناس ، واحدها حزيقة ، وكأنه بناها على" فاعلة" وجمعها
على" فواعل" وواحد النقانق : نقنقة وهو الصوت.
وقال ابن
السكيت : زعم الأصمعي أن هذا الرجز لخلف.
والحوازق :
شواخص تشخص في البئر نبتا عن جرابها ، وجرابها : جدارها.
وكان المبرد
يزعم أن الترخيم في غير النداء ـ في الشعر ـ لا يجوز إلا على لغة من قال : "
يا حار".
وسيبويه يجيزه
على الوجهين ، ومما يدل على صحة قوله مع القياس قول الشاعر :
* أيا عرو لا تبعد فكل ابن حرة
|
|
سيدعوه داعي
موته فيجيب
|
ففتح واو عرو
ولا يمكن أحدا أن يتأول فيه أنه لا ينصرف ، لأنه كنية وليس بقبيلة.
وكلامه في باقي
الباب مفهوم.
باب النفي بلا
اعلم أن قولك :
لا رجل في الدار ، جواب : هل من رجل في الدار؟ وذلك أنه إخبار ، وكل إخبار يصح أن
يكون جواب مسألة ، ولما كان : لا رجل في الدار ، نفيا عامّا ، كانت المسألة عنه
مسألة عامة ، ولا يتحقق لها العموم إلا بإدخال من لأنها تدخل على واحد منكور في
معنى الجنس ، ولا تدخل على معروف.
ولو قال في
مسألته : هل رجل في الدار؟ ، جاز أن يكون سائلا عن رجل واحد كما تقول : هل عبد
الله في الدار؟.
وسبيل
الاستفهام سبيل الجحد ، فلما كان لا رجل في الدار ، جواب هل من رجل في الدار؟
" وهل من رجل" مغير عن" هل رجل"؟ بإدخال عامل عليه يخرجه إلى
تحقيق عموم المسألة ، جعل الجواب مغيرا عن الابتداء ، ليدل على عموم النفي ، فلم
يبق بعد الرفع إلا النصب والخفض ، فعدلوا عن الخفض ، لأن الباب في حروف الخفض ، أن
لا تأتي مبتدأة ، وإنما تأتي في صلة شيء كقولك : (أخذت من زيد ومضيت إلى عمرو) ،
أو زائدة بعد شيء كقولك : هل من رجل في الدار؟. وما من رجل في الدار. ولما نصبوا
بها لم تعمل إلا في نكرة ، على سبيل حرف الخفض الذي في المسألة ، ولم يفصلوا بينها
وبين ما عملت فيه ، كما لم يفصل بين" من" وبين" ما" بعدها ،
وجعلت وما نصبته بمنزلة شيء واحد نحو : " خمسة عشر" ودلوا على جعلها
كذلك بحذف التنوين مما بعدها ، ولم يقولوا في الجواب : لا من رجل ، لأن التغيير
الذي يكون من" من" يصلح" بلا" ، فاكتفوا بتأثير لا في الاسم
الذي بعدها عن إدخال" من" على ما عملت فيه.
وذكر سيبويه أن
موضع" لا" وما عملت فيه في موضع اسم مبتدأ في لغة بني تميم ،
واستدل على ذلك بقول العرب من أهل الحجاز : " لا رجل أفضل منك".
ومعنى استدلاله
بهذا : أن بني تميم كأنهم يقولون : " لا رجل" ، ويسكتون عن إظهار الخبر
، فاحتج بلغة أهل الحجاز ، لأنهم يظهرون الخبر.
وذكر مبرمان عن
المبرد أنه زعم أن" لا" تعمل نصبا ورفعا ، كما تعمل" أن" وقد
يجوز في" لا أحد أفضل منك" أن يكون رفعا" بلا" ويجوز أن يكون
رفعا بخبر الابتداء ، لأن" لا" وما بعدها في موضع النداء.
هذا باب المنفي
المضاف بلام الإضافة
اعلم أنه إذا كان
بعد الاسم المنفي لام الإضافة ففي الاسم الأول وجهان :
أحدهما : أن
يبني الاسم الأول مع" لا" وتكون اللام في موضع النعت للاسم ، أو في موضع
الخبر ، وهذا هو الأصل والقياس ، كقولك : لا غلام لك ، ولا أب لزيد.
والوجه الآخر :
أن يكون لفظ الاسم الأول ، كلفظ الاسم المضاف ، و" لا" عاملة فيه غير
مبنية معه ، كقولك : لا أبا لزيد ولا أخا لك.
فعلم بثبات
الألف في" أبا" و" أخا" أنهما مضافان ، إذا كانت هذه الألف لا
تثبت إلا في الإضافة ، وزيادة اللام شاذة ولا تزاد إلا في" لا" والنداء
كقولك :
* يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام
وأخرجه سيبويه
عن القياس ، وذكر الأشياء الشاذة ليؤنس بشذوذه ، وأصل هذا عنده ، أن الإضافة كما
لا تعرف إضافة" مثل" إلى" زيد" في قولك : لا مثل زيد ، فالأصل
عنده في لا أبا لك : لا أباك.
وأنشد غيره :
* وقد مات شماخ ومات مزرد
|
|
وأي كريم لا
أباك يخلد
|
وقال الآخر :
* أبالموت الذي لا بد أني
|
|
ملاق ولا
أباك تخوفيني؟
|
فأدخلوا اللام
بين المضاف والمضاف إليه توكيدا لأن الإضافة بمعنى اللام ، كما أدخلوا"
تيم" الثاني بين" تيم" الأول وبين" عدي" ، وكما ردوا
الهاء في" طلحة" بعد الترخيم ، وزادوا اللام في : " يا بؤس للحرب".
وشبه باب النفي
بباب النداء لما وقع فيهما من التغيير وحذف للتنوين.
ومعنى قوله
سيبويه في الاحتجاج على يونس : " وقد يفرق بين الذي يحسن عليه
__________________
السكوت والذي لا يحسن في موضع غير هذا.
يعني مثل قولك
: في الدار زيد قائم وقائما ، لأن الكلام يتم بقولك : في الدار ، ولا تقول : بعمرو
زيد كفيلا.
وأنشد لنهار بن
توسعة اليشكري في ما جعله خبرا :
* أبي الإسلام لا أب لي سواه
|
|
إذا افتخروا
بقيس أو تميم
|
فجعل"
لي" خبر" لا" ولو أراد الإضافة وإقحام اللام لأثبت الألف في"
أبا".
فإن قال قائل :
ذكرتم أن قول القائل : لا أخا لك تقديره : لا أخاك واللام زائدة ، فإذا قيل : لا
أخا لي وجعلت اللام زائدة ، بقى لا" أخاي" وليس في الكلام : رأيت أخاي؟.
فالجواب : أن
الأصل أن يقال : رأيت أخي ، كما تقول : هذا فتي ، فاستثقلوا تشديد الياء ، فحذفوا
لام الفعل ، وشبهوها بما حذف لامه نحو" يدي" و" دمي" ، فإذا
فصلوا بينهما باللام رجع الحرف إلى أصله ونطق به على قياسه في : لا أخا لك ،
وغيره. وأنشد سيبويه في ما عطف على المنصوب بلا :
* لا أب وابنا مثل مروان وابنه
|
|
إذا هو
بالمجد ارتدى وتأردا
|
فلا يجوز في الابن
إلا التنوين ، لأن الواو قد فصلت بينه وبين الأب ، فلا يبنى معه.
وأنشد أيضا
لرجل من بني سليم :
* لا نسب اليوم ولا خلة
|
|
اتسع الخرق
على الراقع
|
فنون"
خلة" لأنه عطفها على المنصوب بلا وجعل" لا" الثانية توكيدا ويجوز
رفعها على الموضع.
هذا باب ما يثبت فيه
التنوين من الأسماء المنفية
وذلك قولك : لا
خيرا منه لك ، ولا حسنا وجهه لك.
قد تقدم أن
الاسم المبني مع" لا" هو اسم مفرد منكور ، فإذا وقع بعدها اسم مضاف عملت
فيه ولم تبن معه لئلا تجعل ثلاثة أشياء شيئا واحدا ، وليس ذلك في كلامهم. ويجري
مجرى المضاف : الاسم الموصول بشيء هو من تمامه ، لأن الاسم مع تمامه بمنزلة المضاف
والمضاف إليه كقولك : لا خيرا من زيد لك. ولا ضاربا زيدا ، لأن : " من
زيد" : من تمام خير ، " وزيدا" مفعول ضارب ، وعلى هذا قال الخليل :
" لا أمرا بالمعروف لك" لأن الباء مع
__________________
" معروف" في موضع نصب بآمر ، كقولك : أمرت بالمعروف ، فأنا آمر
بالمعروف ، فالباء في اسم الفاعل مثلها في الفاعل كأنك قلت : لا آمرا معروفا كما
تقول : أمرت الخير وأمرت بالخير ، فإن قلت : لا آمر بمعروف ، فإن الباء ليست في
صلة آمر كأنك قلت : لا آمر ، وسكت وأضمرت خبره ، ثم جئت بالباء للتبيين ، كأنك قلت
: أعني بمعروف كما تقول : " سقيا" ، ثم تجيء ب" لك" على معنى
: أعني.
هذا باب وصف المبني
الذي يفسر من
هذا الباب أن الاسم والصفة بنيا و" لا" قد دخلت عليهما وهي تبنى مع ما
بعدها فتصير ثلاثة أشياء كشيء واحد في الظاهر؟.
فإن اعترض
معترض بهذا فالجواب : أنهما بنيا ، لأن الموضع الذي وقعا فيه موضع تغيير وبناء شيء
مع شيء غيره ، فإذا كان قد بني فيه الاسم مع حرف ، فبناء اسم مع اسم أولى ، لأن
ذلك أكثر في الكلام" كخمسة عشر" ، و" جاري بيت بيت" فإذا
أدخلت" لا" على الاسم والصفة وقد بنيا ، وكانت هي غير مبنية معهما ولكن
تعمل في موضعهما عملها في موضع خمسة عشر ، ولا خيرا من زيد وما أشبهه.
هذا باب لا يكون فيه
الوصف إلا منونا
وذلك قولك : لا
رجل اليوم ظريفا ولا رجل فيها عاقلا
في كلام سيبويه
في هذا الباب مع ما تقدم من الشرح ما يغني عن تفسيره إن شاء الله.
هذا باب لا تسقط فيه
النون وإن وليت لك
وذلك قولك : لا
غلامين ظريفين لك ولا مسلمين صالحين لك.
اعلم أن الذي
منع إسقاط النون وبعدها" لك" أن النون إنما تسقط من النفي الذي
يلي" لا" على نية الإضافة إلى ما بعد اللام ، فإذا قلت : غلامين ظريفين
لك ، فلا بد من إثبات النون في غلامين لأنك فصلت بينهما وبين" لك"
بظريفين ، ولا بد من إثباتها في" ظريفين" إذا لم يتصلا بحرف النفي ،
وإنما يكون حذف النون في الاسم المنفي دون صفة.
هذا باب ما جرى على
موضع المنفي
لا على الحرف
الذي عمل في المنفي ، فمن ذلك قول ذي الرمة :
* بها العين والأرام لا عد عندها
|
|
ولا كرع إلا
المغارات والربل
|
" فالمغارات" : بدل من
موضع المنصوب ب" لا" و" عندها" : خبر" لا" ،
والمغارات :
__________________
حيث يغور الماء. وقوله : ولا كرع معطوف على موضع" لا" ، والعد :
الماء الكثير من ماء العيون. والكرع : ما يكرع فيه من ماء السماء. والربل : نبت
يخرج في أصول ما يبس في الصيف. يصف فلاة.
وأنشد لرجل من
مذحج :
* هذا لعمركم الصغار بعينه
|
|
لا أم لي إن
كان ذاك ولا أب
|
فعطف"
الأب" على موضع" لا" وما عملت فيه.
قال : "
وتقول" : " لا مثله رجل" إذا حملته على الموضع ... وإن شئت حملته
على" لا" فنونته ونصبته.
يعني : أن
رفع" الرجل" على البدل من موضع" لا" ، أو على عطف البيان
ونصبه حملا على اللفظ. قال : " وإن شئت قلت : لا مثله رجلا على قوله : لي
مثله غلاما".
يعني على
التمييز.
وأنشد لذي
الرمة :
* هي الدار إذ ميّ لأهلك جيرة
|
|
ليالي لا
أمثالهن لياليا
|
فنصب"
ليالي" على التمييز ، وفيه قبح لأن حق التمييز أن يكون واحدا. وقال بعضهم : ليس
بتمييز وإنما هو مكرر للتوكيد والتفخيم.
قال المازني :
يجوز أن يكون" ليالي" بدلا من" أمثالهن" ، والخبر في كل هذا
محذوف.
وأنشد لامرئ
القيس :
* ويلمها في هواء الجو طالبة
|
|
ولا كهذا
الذي في الأرض مطلوب
|
التقدير : ولا
شيء كهذا. و" مطلوب" نعت محمول على الموضع.
يصف عقابا تطلب
ذئبا تصيده ، فتعجب منها بقوله : ويلمها ، وجعل المطلوب لا شيء مثله في السرعة
والهرب منها.
قال : وأما قول
جرير.
__________________
* لا كالعشية زائرا ومزورا
فلا يكون إلا
نصبا من قبل أن العشية ليست بالزائر
وتقديره : لا
أرى زائرا مزورا كزائر العشية ومزورها ، كما قالوا : ما رأيت كاليوم رجلا رأيته أو
أراه ، وإنما يقال ذلك عند التعجب ، ولو قال : " لا كالعشية عشية" ، جاز
في" عشية" الرفع والنصب على الموضع وعلى اللفظ. وأجاز النصب أيضا على
التمييز الذي مر ذكره في قوله :
* فهل في معد فوق ذلك مرفدا
كأنه قال : فهل
عدد كثير فوق ذلك مرفدا ، وقد تقدم شرحه.
قال الزجاج :
لا أعرف لقولهم : " ويلمه" نظيرا في كلام العرب إلا شيئا حكاه الفراء ،
وهو" إيش عندك" ، يريد : أي شيء عندك فحذف.
هذا باب لا تغير فيه
لا الأسماء عن حالها
التي كانت
عليها قبل أن تدخل لا
ومن ذلك قول
الراعي :
* وما صرمتك حتى قلت معلنة
|
|
لا ناقة لي
في هذا ولا جمل
|
اعلم أن"
لا" إذا عملت كانت على وجهين : أحدهما : أن تنصب ما بعدها وتبني معه إذا كان
مفردا ، وإن كررتها وأردت إعمالها على هذا الوجه جاز.
والوجه الثاني
: أن ترفع ما بعدها من النكرات وتنصب أخبارها ولا تعمل إلا في النكرة ولا يفصل
بينها وبين ما عملت فيه ، وتكون محمولة على ليس في رفع الاسم ونصب الخبر ، وليس
هذا بالكثير فيها. ولما جاز هذا منها ، لم تخرج عن حكمها في أقوى حاليها وهو نصب
الاسم ورفع الخبر فلم يفصل بينها وبين ما عملت فيه ولم تعمل إلا في نكرة ، وعلى
هذا المذهب جعل سيبويه قول سعد بن مالك :
* من صد عن نيرانها
|
|
فأنا ابن قيس
لا براح
|
__________________
فبراح :
اسم" لا" ، وخبرها محذوف كما يحذف وهي ناصبة.
واعلم أنه لا
يجوز أن تقول : " لا زيد عندي" من غير تكرير" لا" وذلك أن
قولك : " لا زيد عندي" إنما هو جواب من قال : أزيد عندك؟ فكان حق الجواب
أن يقول المجيب : نعم ، إن كان عنده ، أو : لا إن لم يكن عنده. ولا يزيد شيئا
على" لا" كما لا يزيد شيئا على" نعم". وإن كرر ، فهو جواب
كلام لا يجوز في جوابه" لا" ولا" نعم" لأنه جواب قولك : أزيد
عندك أو عمرو؟.
وأغلام عندك أم
جارية؟ ، وهو سؤال موضوع على أن السائل قد علم أن أحدهما عنده ، وإنما يسأل عن
تعيينه. فإن كان الأمر كما اعتقده السائل ، فالجواب أن يقول : زيد ، أو يقول :
عمرو ، وأن تقول : غلام ، أو تقول : جارية. وإن لم يكن كما اعتقد السائل ولم يكن
عنده واحد منهما ، قال : لا غلام عندي ولا جارية ، ولا زيد عندي ولا عمرو ، فلذلك
خالف التكرير الإفراد.
وقد أجاز
سيبويه الإفراد في الشعر وأنشد :
* بكت جزعا واسترجعت ثم آذنت
|
|
ركائبها أن
لا إلينا رجوعها
|
لأن المعنى
الموجب منه لا يحتاج إلى تكرير. لو قال : " إنه إلينا رجوعها" ، لكان
كلاما حسنا ، فدخلت" لا" لمعنى الجحد ، ولم تغير لفظ الموجب.
وأنشد :
* ورد جازرهم حرفا مصرمة
|
|
ولا كريم من
الولدان مصبوح
|
رفع"
مصبوحا" لأنه خبر" لا". والحرف : الناقة الضامر ، وقيل : هي
العظيمة الخلق كحرف الجبل. والمصرمة : التي لا لبن لها. والمصبوح : الذي سقي صبوحا
وهو شرب الغداة.
والمعنى : أنهم
نحروا هذه الناقة للأضياف في شدة الزمان حيث لا يصبح الكريم من الولدان.
وأنشد أيضا :
* فرطن فلا رد لما بتّ فانقضى
|
|
ولكن بغوض أن
يقال عديم
|
ذكر الشباب والقوة
وغير ذلك ، فقال : فرطن ، أي ذهبن وتقدمن فلا رد لهن أي : فليس يرجعن ، ولكن بغوض
أن يقال عدم شبابه.
و"
بغوض" على تكثير الفعل مثل" ضروب" و" شروب" ،
ويروى" بغيض" وهو اسم
__________________
للذات دون تكثير الفعل ، ويروى" ولكن تعوض أن يقال عديم" أي :
تعوض من شبابك حلما لئلا يقال عديم.
وأنشد :
* لا هيثم الليلة للمطي
وأنشد لابن
الزبير الأسدي :
* أرى الحاجات عند أبي خبيب
|
|
نكدن ولا
أمية في البلاد
|
أبو خبيب : عبد
الله بن الزبير ، وأراد بأمية : بني أمية ، وأعمل فيها" لا" وهي معرفة
على تقدير" مثل" وكذلك عملت في هيثم ، وهو : اسم علم.
وفي قولهم :
" قضية ولا أبا حسن" ، وهم يعنون علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
والمعنى الذي
يذكر من هذا الكلام عند حضوره وكونه هو الذي يسوغ في التنكير ، وذلك أن هذا الكلام
إنما يقال لإنسان كان يأمر بأمر من الأمور وله فيه كفاية وغناء ، فحضر ذلك الأمر
ولم يوجد ذلك الإنسان ولا من يقوم به مثل قيامه ، ولو وجد من يقوم مقامه لم يطلب
هو ، فصار التقدير : " لا مثل هيثم" ، و" لا مثل أبي الحسن"
و" لا مثل أمية" ، ودخلت هذه الأسماء في المعنى كما يقول القائل لمن
يخاطبه : مثلك لا يتكلم بهذا ، وإنما يريد : أنت وأمثالك لا يتكلمون به.
هذا باب لا يجوز فيه
المعرفة إلا أن تحمل على
الموضع
فمن ذلك قولك :
لا غلام لك ولا العباس
جملة ما في هذا
الباب بين مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ما إذا
لحقته" لا" لم تغيره عن حاله
التي كان عليها
قبل أن تلحق ...
وذلك قولك : لا
مرحبا ولا أهلا ... ومثل ذلك : لا سلام عليك
قال جرير :
* ونبئت جوابا وسكنا يسبني
|
|
وعمرو بن
عفرا لا سلام على عمرو
|
__________________
فرفع"
سلاما" بالابتداء ، ولم يلزمه تكريره لأنه في المعنى بدل من الفعل ، كأنه قال
: " لا سلام الله على عمرو" ، فكما لا يلزم تكرير" لا" مع
الفعل كذلك لا يلزم تكريرها مع جعل بدلا من الفعل.
وقال المبرد :
الأفعال وقعت موقع الأسماء النكرات التي تنصبها لا وتبنى معها فلما أن وقعت
الأفعال في موضع النكرات لم يحتج إلى تكريرها ولم يجز أن تبنى مع" لا"
لأنها ليست بأسماء.
ولو قدرتها
تقدير : لا رجل في الدار ولا غلام لقلت : لا يقوم زيد ولا يقعد وصارت جوابا لقوله
: أيقوم زيد أم يقعد؟.
والذي احتج به
المبرد ، لا يصح على موضع أكثر النحويين لأنهم يقولون عوامل الأسماء لا تدخل على
الأفعال. والصحيح أن" لا" الواقعة على الفعل لا يلزمها التكرير لأنها
جواب يمين ، واليمين قد تقع على فعل واحد مجحود فلا يجب فيها تكرير" لا"
كقولك : والله لا أخرج إلى البصرة.
ووجه آخر أيضا
وهو أن" لا أفعل" نقيض" لأفعلن" ، فمن حيث لم يجب ضم فعل آخر
إلى" لأفعلن" ، لم يجب ذلك في نقيضه.
قال : واعلم
أن" لا" قد تكون بمنزلة اسم واحد هي والمضاف إليه كقولك : أخذته بلا ذنب
وغضبت من لا شيء.
ومن هذا النحو
قول الشاعر :
* تركتني حين لا مال أعيش به
|
|
وحين جن زمان
الناس أو كلبا
|
معنى كلب : اشتد
، ومن هذا قولهم : كلب كلب : للشديد الجرأة.
وقوله : "
أخذته بغير ذنب" وكذلك : " جئت بغير شيء".
لا يراد به :
جئت بشيء هو غير شيء ، وإنما يراد به جئت خاليا من شيء معك ، وهذا معنى قول سيبويه
: " رائقا" ، لأن الرائق : الخالي ، واشتقاقة من راق الشراب ، أي : صفا
، كأنه جاء ولم يعلق به شيء سوى نفسه.
ومما أنشد أيضا
:
* حنت قلوصي حين لا حين محن
"
حين" منصوب ب" لا" ، كقولك : لا مثل زيد ، وخبره محذوف و"
حين" الأول
__________________
مضاف إلى الجملة وتقديره : لا حين محن لنا ، و" لنا" : هو الخبر
ويجوز خفضه بإضافة" حين" الأول إليه وزيادة" لا" على ما تقدم.
وأما قول جرير
:
* ما بال جهلك بعد الحلم والدين
|
|
وقد علاك
مشيب حين لا حين
|
فحين الأول
مضاف إلى الثاني ، وفصلت" لا" بينهما ، كفصلها في حيث بلا شيء ، كأنه
قال : حين لا حين فيه لهو ولعب ، وهو قبل دخول" لا" حين حين فيه لهو
ولعب.
وأنشد :
* أنت امرؤ منا خلقت لغيرنا
|
|
حياتك لا نفع
وموتك فاجع
|
هذا ضعيف عند
سيبويه ، لأنه لم يكرر" لا" على ما تقدم من حكم تكريرها.
وقال المبرد :
لا أرى بأسا أن تقول لا رجل في الدار ، تجعله جواب قوله : هل رجل في الدار؟. وجائز
أن يكون لرجل واحد وجائز أن يكون في موضع جمع.
وقوله : حياتك
لا نفع ، من ذلك على غير ضرورة وكذلك : لا زيد في الدار ، جواب : هل زيد في الدار؟
جائز على غير ضرورة.
قوله بعد أن
ذكر قول العرب : لا سواء : " وإنما دخلت لا هاهنا لأنها عاقبت ما ارتفع
عليه" إلى قوله بعد ذكر" لا نولك أن تفعل .."
فدخل فيه ما
دخل في ينبغي
اعلم أن قولهم
: " لا سواء" ، إنما يتكلم بها المتكلم عند ادعاء مدع لاثنين جرى ذكرهما
، أن أحدهما مثل الآخر ، فيقول له المنكر لذلك : لا سواء ، أي : هما لا سواء ، أو
هذان لا سواء ، على الابتداء والخبر ، ودخلت" لا" لمعنى الجحد على قول
المدعي : هما سواء ، وهذان سواء واستجازوا حذف المبتدأ لأنهم جعلوا" لا"
كافية من المبتدأ ، لكثرة الكلام عند رد بعضهم على بعض ادعاء التساوي في الشيئين.
وشبهه سيبويه
بجعل" ها" عوضا من" واو" القسم في : ها الله ذا ، وعوض"
ها" من الواو أوكد ، لأن المبتدأ المحذوف يجوز أن يؤتى به فيقال : هذان لا
سواء ، ولا يجوز أن يؤتى بالواو مع" ها" لأنهم قد غيروا لفظ الكلام في
الأصل وترتيبه ولو لم تدخل" لا" ، لم تقل : سواء وأنت تعني : هما سواء.
__________________
وقولهم :
" لا نولك أن تفعل" معناه : لا ينبغي لك أن تفعل ، وقد يوقع"
نولك" على جميع الفعل ، كما أن" الأخذ" قد يستعمل في جميع الأفعال
حتى يقال : فلان لا يأخذ ولا يترك إلا بأمر فلان. فلهذا صار نولك بمعنى الفعل لأن
التناول بمنزلة الأخذ.
وذكر سيبويه
أن" لا" إذا دخلت عليها ألف الاستفهام بمنزلتها قبل أن تدخل عليها.
وأنشد لحسان بن
ثابت :
* ألا طعان إلا فرسان عادية
|
|
ألا تجشؤكم
عند التنانير
|
ويروى : "
تجشؤكم" بالنصب وهو استثناء ليس من الأول ورفعه على البدل من موضع الطعان
والفرسان ويروى : " غادية" بالغين معجمة ، والأجود : عادية لأن العادية
، تكون بالغداة وغيرها ، وغادية بالغين جيدة لأن الغد والبكور عند العرب : التقدم
في الوقت مع أن الغارات أكثر ما تكون بالغدو. قال : " ومثله قولهم : أفلا
قماص بالبعير" هذا يضرب مثلا للرجل المعيي الذي لا حراك به.
وذكر سيبويه
أن" لا" إذا كانت للتمني ، فهي بمنزلة" لا" في العمل في
النكرة وحذف التنوين.
ثم قال : وسألت
الخليل عن قوله :
* ألا رجلا جزاه الله خيرا
|
|
يدل على
محصلة تبيت
|
فزعم أن رجلا
منصوب بإضمار فعل ، كأنه قال : ألا ترونني رجلا ، وفيه معنى التمني ، وهذا قول حسن
، لأنه حذف لعلم السامع ، المعنى دال عليه.
وزعم يونس :
أنه نون مضطرّا.
المحصلة : التي
تحصل الذهب فتميزه من تراب المعدن ، وأراد ذهبا ، تبيت للزنا أو غيره والله أعلم.
هذا باب الاستثناء
هذا الباب
ترجمة لأبواب تأتي بعده مفصلة إن شاء الله.
هذا باب الاستثناء
بإلا
اعلم أن إلا ،
أم حروف الاستثناء ، والاستثناء : هو إخراج الشيء مما دخل فيه هو
__________________
وغيره بلفظ شامل لهما ، وإدخاله في ما خرج عنه هو وغيره بلفظ شامل لهما.
وأفرد سيبويه
هذا الباب بالاسم الذي تدخل عليه" إلا" فلا تغيره عما كان عليه كقولك :
ما أتاني إلا زيد ، وما لقيت إلا زيدا ، وسماه استثناء.
ولقائل أن يقول
: كيف جاز أن يستثني الشيء لا من شيء؟ فيقال له : هذا وإن حذف واعتمد ما قبل حرف
الاستثناء على الاسم الذي بعده في العمل ، فلا يخرجه ذلك عن معنى الاستثناء ، كما
أن المفعول إذا حذف فاعله وأقيم هو مقامه ، لم يخرجه ذلك من أن يكون مفعولا به ،
إلا أنه رفع لاحتياج الفعل إلى لفظ الفاعل.
وكذلك لما حضر
حرف الاستثناء الذي يثبت لما بعده ما ينفي عن كل شيء سواه ، علم أن المفعول أثبت
لزيد وحده ونفي عن غيره وإن لم يذكر غيره. فإذا قلت : ما قام إلا زيد ، كان معناه
كمعنى ما قام أحد إلا زيد ، فإذا حذفت أحدا استوى حذفه وإثباته في المعنى ، واحتيج
إلى تصحيح اللفظ عند حذفه. وتصحيحه : ألا يعرى الفعل من فاعل وليس في الكلام فاعل
سوى ما بعد" إلا" فجعل فاعله.
هذا باب ما يكون
المستثنى فيه بدلا
مما نفي عنه ما أدخل
فيه
ذكر سيبويه في
النفي ما يكون له اسم ظاهر واسم مكنى متعلقان بعاملين مختلفين ، فجوز في بعضه
البدل من أي الاسمين شئت ، ولم يجز في بعضه البدل إلا من أحد الاسمين ، فالذي فيه
هو الذي كل واحد من عاملي الاسمين مجحود في المعنى.
والذي لم يجز
فيه هو الذي : عامل أحد الاسمين مجحود ، وعامل الآخر غير مجحود فتبدل من الاسم
الذي عامله مجحود دون الآخر.
وأنشد في ما كل
واحد من عاملي الاسمين مجحود في المعنى.
* في ليلة لا نرى بها أحدا
|
|
يحكي علينا
إلا كواكبها
|
الشاهد فيه أنه
أبدل" كواكبها" من الضمير في يحكي ، ونرى هنا : من رؤية القلب ، وكأنه
قال : لا يحكي علينا أحد إلا كواكبها ، ولو كان في غير الشعر لجاز : " إلا
كواكبها" بالنصب على البدل من" أحد" المنصوب ، ولكان الاختيار ،
لأنه للفظ ولمعنى ، وأما البدل من الضمير في يحكي فهو للمعنى خاصة.
ومعنى يحكي
علينا : أي يخبر عنا.
__________________
وجملة القول في
ما أنت فيه بالخيار وفي ما لا خيار فيه ، أن كل ما وقع على ضمير الاسم المبتدأ
المجحود ، وما وقع على المبتدأ والخبر من أقعال الظن والعلم لا يخرجه عن حكم الاسم
الظاهر في المعنى فتكون فيه بالخيار : إن شئت أبدلت من الضمير ، كقولك : (ما أحد
يقول ذاك إلا زيد) فزيد بدل من " أحد " ، وإن شئت من الضمير في "
يقول " ، وكذلك : (ما ظنت أحداً يقول ذاك إلا زيد وإلا زيد) ، وأما الاختيار
فيه : فقولك (ما ضربت أحداً يقول ذاك إلا زيدا) ، لا يكون فيه إلا النصب ، لأن
الضرب هو المنفي في المعنى ، والقول ليس بمنفي ، فلم يجز البدل من الضمير المستمكن
فيه لأنه موجب.
ومما قوى به
سيبويه البدل من الاسمين في أفعال الظن والعلم في المنفي في أنك تقول : (ما رأيته يقول ذاك إلا زيد) ، و (ما
أظنه يقوله إلا عمرو). وذلك أن الهاء ضمير الأمر والشأن ، و" رأيت"
بمعنى علمت ، والاعتماد على ما بعد" رأيته" و" أظنه" ، فكأنه
قال : ما يقول ذلك إلا زيد ، فهذا يدل على جواز البدل من الضمير الذي في"
يقول" في قولك : ما ظننت أحدا يقول ذلك إلا زيد.
واعلم أنك إذا
قلت : (أقل رجل يقول ذاك إلا زيد) ، فلا يصلح البدل من لفظه. لأنا إذا
أبدلنا" زيدا" من" أقل رجل" طرحناه في التقدير ، فبقي : (يقول
ذاك إلا زيد) ، وهذا لا يصلح ، ولكنا نرده إلى معناه حتى يصح البدل. و"
أقل" ينصرف على معنيين :
أحدهما : النفي
العام والآخر : ضد الكثرة. وتقديره إذا أريد به النفي العام :
ما رجل يقول
ذاك إلا زيد. وإن أريد به الكثرة ، فتقديره : ما يقول ذاك كثير إلا زيد. ومعناهما
يؤول إلى شيء واحد.
وقوله : "
كذلك أقل من وقل من إذا جعلت من نكرة بمنزلة رجل لزمتها الصفة ، فإذا قلت : أقل من
يقول ذاك ، صار يقول ذاك صفة لمن ، ويبقي أقل بلا خبر.
وإذا قلت : أقل
رجل يقول ذاك ، " فرجل" غير محتاج إلى صفة ، ويقول ـ ذاك : خبر أقل ،
" وزيد" : بدل من" أقل" كما ذكرناه ، وأقل من يقول ذاك ، لم
يتم به الكلام ، وتمامه في قولك : " إلا زيد" فيصير بمنزلة : ما أخوك
إلا زيد. وأما قل من يقول ذاك فهو كلام تام لأنه فعل وفاعل.
وحكى سيبويه
عمن لم يسمه من النحويين ، أن المنفي إذا كان في لفظه الإيجاب جائزا ، لم يجز فيه
البدل ، ولم يكن غير النصب كقولك : ما أتاني القوم إلا أباك ، لأنه يجوز أن تقول :
أتاني القوم إلا أباك. ورد سيبويه على صاحب هذا المذهب بقوله عز وجل : (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) [النساء : ٦٦] فرفع" وفعلوه" يقع في الإيجاب.
والقياس أيضا
يبطل هذا المذهب ، لأنا إذا قلنا : ما أتاني أحد فقد أحاط العلم أن القوم
وغيرهم قد دخلوا في النفي لاشتمال أحد عليهم ، فمن حيث جوزوا البدل من أحد
ينبغي أن يجوزوه في القوم لأنهم بعض الآحدين.
وقال سيبويه
محتجّا عليهم : " كان ينبغي ـ لمن قال ذلك ـ أن يقول : ما أتاني أحد إلا قد
قال ذاك إلا زيد".
والصواب نصب
زيد ، لأن المعنى : كلهم قالوا ذاك إلا زيدا وإنما ذكر هذا لأنه ألزم القائل ما
ذكر من جواز : ما أتاني أحد إلا زيد ، ومنع : ما أتاني القوم إلا زيدا. بأن قال له
: إن كان وجوب النصب لأن الذي قبل" إلا" جمع فقد قال الله تعالى : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا
أَنْفُسُهُمْ) [النور : ٦] فرفع بعد الجمع.
وإن كان جواز
الرفع والبدل ، لأن الذي قبل" إلا" واحد ، فينبغي أن يجيز الرفع في
قولهم : (ما أتاني أحد إلا (قد) قال ذاك إلا زيد).
والواجب فيه
النصب. وإنما ألجأهم سيبويه إلى أن يقولوا إن الذي يوجب البدل أن يكون ما قبل إلا
منفيّا فقط ، جمعا كان أو واحدا.
هذا باب ما حمل على
موضع العامل
في الاسم والاسم لا
على ما عمل في الاسم
قوله في هذا
الباب : " ما علمت أن فيها إلا زيدا ، إنما جاز هذا لأنك تقول : ما علمت فيها
زيدا ، وما علمت أن فيها زيدا بمعنى واحد. فمن حيث جاز ما علمت أن فيها إلا زيدا
لأن أن للتوكيد والناصب لزيد في ما علمت فيها إلا زيدا : " علمت وفي ما علمت
أن فيها إلا زيدا : " أن". ولو قلت : ما علمت أن إلا زيدا فيها لم يجز ،
وذلك أن الاستثناء لا يجوز أن يكون في أول الكلام ، لا تقول : إلا زيدا قام القوم.
وكذلك لا يجوز الاستثناء بعد حرف يدخل على جملة ويلي الحرف" إلا".
وأنشد في ما
حمل على الموضع :
* يا ابني لبينى لستما بيد
|
|
إلّا يدا
ليست لها عضد
|
فبدل من موضع
الباء وما عملت فيه. ويروى إلا يدا مخبولة العضد وهي التي بها وهن ، وهذا مثل ، أي
: ليست بكما قوة إلا كقوة يد لا عضد لها ولا قوة.
قوله بعد أن
ذكر : " إن أحدا لا يقول ذاك إلا زيدا" وقبحه بضمير هذا ، يعني يصير أن
أحدا لا يقول ذاك بمنزلة : أعلم أن أحدا يقول ذاك ، كما صار هذا يعني رأيت أحدا لا
يقول
__________________
ذاك إلا زيدا ، بمنزلة ما رأيت ، حيث دخله معنى النفي.
وقوله : فليس
هذا في القوة كقولك : لا أحد فيها إلا زيدا وأقل رجل رأيته إلا عمرو.
يعني ليس قولك
: إن أحدا لا يقول ذاك في القوة كقولك : لا أحد و" أقل رجل" ، لأن هذا
الموضع ، إنما ابتدئ مع معنى النفي.
يعني : لا أحد
وأقل رجل ، وهذا موضع إيجاب ، يعني : أن أحدا لا يقول ذاك.
وقوله : "
فجاز الاستثناء أن يكون بدلا من الابتداء".
يعني : فجاز في
: لا أحد إلا زيد ، وأقل رجل رأيته إلا عمرو البدل من الابتداء ، لأن"
أحدا" في موضع اسم مبتدأ.
وقوله : "
لا يجوز أن يكون الاستثناء أولا لو لم تقل : أقل رجل ولا رجل.
يعني : لا تقول
: إلا زيد أقل رجل رأيته ، ولا تقول : إلا زيد لا أحد في الدار ، لأنه لا بد من أن
يتقدمه نفي ، فيجوز من أجله البدل.
وقوله : "
وجاز أن يحمل على" إن" هاهنا".
يعني في قوله :
إن أحدا لا يقول ذاك إلا زيدا ، فحمل" زيدا" في النصب على"
أن" وجعل" إن" بمنزلة فعل منفي نصب زيدا بعد" إلا" كقولك
: (ما رأيت أحدا يقول ذاك إلا زيدا).
هذا باب النصب في ما
يكون المستثنى بدلا
وذلك قولك :
" ما أتاني أحد إلا زيدا".
اختلف النحويون
في الناصب للمستثنى في قولك : أتاني القوم إلا زيدا.
فأما الذي قال
سيبويه فإنه يعمل فيه ما قبله من الكلام كما تعمل العشرون في ما بعدها إذا قلت :
عشرون درهما.
وقال في باب
غير : ولو جاز أن تقول : أتاني القوم زيدا تريد الاستثناء ولا تذكر"
إلا" لما كان إلا نصبا.
وقال غيره :
الذي يوجبه القياس والنظر الصحيح أن تنصب زيدا بالفعل الذي قبل" إلا" ،
وذلك أن الفعل ينصب كلما تعلق به بعد ارتفاع الفاعل به على اختلاف وجوه المنصوبات
، فمن ذلك : المفعول به والمصدر والظرف والحال وكذلك المفعولات التي أخذت منها
حروف الجر ، فوصل إليها الفعل ، ومنها التمييز بعد الفعل نحو : (تفقأت شحما).
ومنها ما ينتصب بتوسط حرف بينه وبين العامل كقولك : ما صنعت وأباك؟. فلما
كان" أتاني" قد ارتفع به فاعله وهم" القوم" ، وكان ما
بعد" إلا" متعلقا به ، انتصب وعلق به ليعلم اختلاف حال القوم وحاله ،
كما أن قولك : (رأيت زيدا إلا عمرا) ، قد تعلق حال زيد وعمرو برأيت على اختلاف
أحوالهما في التعلق به.
وكان المبرد
والزجاج يذهبان إلى أن المنصوب في الاستثناء ينتصب بتقدير : " استثنى" ،
ويجعلان" إلا" نائبة عن" استثنى". وهذا غير صحيح لأنك تقول :
أتاني القوم غير زيد فتنصب غيرا. ولا يجوز أن تقدر استثني غير زيد ، وليس
قبل" غير" حرف تقيمه مقام الناصب له ، وإنما قبله فعل وفاعل ، ولا بد له
ـ إن كان منصوبا ـ من ناصب ، فالفعل هو الناصب ، وناصب" غير" هو الناصب
لما بعد" إلا".
قوله : ومثله
في الانقطاع عن أوله : إن لفلان مالا إلا أنه شقي.
يعني"
بالانقطاع من أوله" ، أنه ليس ببدل منه ، لأنه ذكر : " ما مررت بأحد إلا
زيدا" وما بعده مما نصبه بالاستثناء ، ولم يحمله على ما قبل" إلا"
من طريق البدل ، وكذلك لم يحمل" أنه شقي" على البدل مما قبله ، ولا سبيل
إلى البدل فيه لأن ما قبل" إلا" موجب.
وقدر سيبويه
هذا" بلكن" وحكمها ، أن يكون ما بعدها ضدّا لما قبلها.
فإن قال قائل :
فكيف يكون هذا الحكم في المسألة؟
قيل له : إذ
قال : " إن لفلان مالا" ، فقد أخبر أنه سعيد لملكه المال ، ثم استدرك
ذلك بقوله : إلا أنه شقي ، كأنه قال : إلا أنه بخيل على نفسه ، شقي بترك الانتفاع
بماله والتلذذ بإنفاقه.
هذا باب يختار فيه
النصب لأن الآخر
ليس من نوع الأول وهو
لغة أهل الحجاز
اعلم أن قولهم
: ما فيها أحد إلا حمارا ونحوه مما يشتمل عليه الباب ، فأهل الحجاز ينصبونه لأنه
ليس من نوع الأول ولم يبدلوه منه إذا كان من غير نوعه.
وأما بنو تميم
، فرفعوه على تأويلين ذكرهما سيبويه :
أحدهما : أنك
أردت ما فيها إلا حمار ، وقولك : ما فيها حمار ، قد نفيت به الناس وغيرهم في
المعنى ، ودخل في النفي من يعقل ومن لا يعقل ، ثم ذكرت" أحدا" توكيدا ،
لأن يعلم أنه ليس بها آدمي.
والوجه الآخر :
أن تجعل المستثنى من جنس ما قبله على المجاز كأن الحمار هو من أحد أناسي ذلك
الموضع ، ومن عقلاء ذلك الموضع. وعلى هذا المجاز أنشد سيبويه الأبيات.
وقال المازني
فيه وجه ثالث : وهو أنه خلط من يعقل بما لا يعقل ، فعبر عن جماعة ذلك بأحد ثم
أبدل" حمارا" من لفظ مشتمل عليه وعلى غيره ، وعلى هذا قول الله عز وجل :
(فَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥] لما خلط من يعقل بما لا يعقل في قوله : (كل دابة) ، خبر عنها
كلها بلفظ من يعقل.
وأنشد سيبويه ـ
محتجّا لمذهب بني تميم في البدل على المجاز ـ لأبي ذؤيب
* فإن تمس في قبر برهوة ثاويا
|
|
أنيسك أصداء
القبور تصيح
|
قال : فجعلها
أنيسه والأصداء : جمع صدى ، وهو طائر تزعم العرب أنه يخرج من رأس القتيل إذا لم
يدرك بثأره ، فلا يزال يصيح : اسقوني ، إلى أن يدرك بثأره.
وأنشد أيضا
للنابغة الذبياني :
* يا دار مية بالعلياء فالسند
|
|
عيت جوابا
وما بالربع من أحد
|
إلا الأواري
لأيا ما أبينها
|
|
والنؤي
كالحوض بالمظلومة الجلد
|
" فالأواري" و"
النؤي" بدل من موضع أحد ، والنصب على الاستثناء أجود لانقطاعه من الأول.
الأواري : محابس الخيل وهي من تأريت بالمكان إذا أقمت به.
والنؤي : حاجز
حول الخيمة يحجز ماء السيل عنها. والمظلومة : التي مطرت في غير وقتها ، أو التي
حفر فيها ولم يكن حقها أن يحفر فيها ، وأصل الظلم : وضع الشيء في غير موضعه.
قال : ومثل ذلك
قوله :
* وبلدة ليس بها أنيس
|
|
إلا اليعافير
وإلا العيس
|
يصف فلاة لا
أنيس بها ، ثم جعل اليعافير والعيس أنيسها على المجاز ، فأبدلها مما قبلها ، ويجوز
أن يكون بدلا على التقدير الثاني الذي تقدم ذكره في المسألة.
وأنشد للنابغة
في مثل هذا :
* حلفت يمينا غير ذي مثنوية
|
|
ولا علم إلا
حسن ظن بصاحب
|
النصب والرفع
جائزان على ما تقدم.
قال المبرد :
سألت المازني : هل تجيز لا إله إلا الله ، فأجازه على وجهين : على تمام الكلام
لأنه أضمر لنا وللناس فنصبه بالاستثناء.
والوجه الآخر :
أن تجعل" إلا" وصفا ، كأنه قال : لا إله غير الله ، وأضمر الخبر ،
وجعل" إلا" وما بعدها في موضع" غير" ورفعه على البدل من موضع
إله أحسن لأنه إيجاب بعد النفي والخبر أيضا محذوف.
__________________
وأنشد سيبويه
لابن الأيهم التغلبي :
* ليس بيني وبين قيس عتاب
|
|
غير طعن
الكلى وضرب الرقاب
|
" فغير" : بدل من العتاب
، أي : الذي يقوم لهم مقام العتاب ، هذا مثل قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١].
وأنشد محتجّا
لهذا المجاز :
* وخيل قد دلفت لها بخيل
|
|
تحية بينهم
ضرب وجيع
|
أي : الذي يقوم
لهم مقام التحية هذا. ومعنى دلفت : أسرعت. وأراد بالخيل أصحابها ، ولذلك قال :
تحية بينهم.
وأنشد أيضا
للحارث بن عباد :
* والحرب لا يبقى لجاحمها التخيل
والمراح
|
|
إلا الفتى
الصبار في النجدات والفرس الوقاح
|
هذا على
الوجهين المتقدمين في لغة بني تميم : أحدهما : كأنه قال :
لا يبقي
لجاحمها إلا الفتى الصبار ، ودل ذلك على أنه يبقى شيء سواه ، وذكر التخيل و"
المراح" : توكيدا.
والوجه الآخر :
أنه جعل الفتى الصبار هو التخيل والمراح في الحرب مجازا.
وفي وجه ثالث :
وهو أن التخيل على معنى : ذي التخيل ثم حذف مثل قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، وهذا على الوجه الذي يتفق عليه أهل الحجاز ، وبنو تميم.
وأنشد أيضا :
* لم يغذها الرسل ولا أيسارها
|
|
إلا طري
اللحم واستجزارها
|
__________________
قال الزجاج :
كأنه قال : لم يغذها إلا اللحم ، وذكر الرسل توكيدا ، والرسل : اللبن.
والأيسار :
أصحاب الميسر.
يصف امرأة.
وإنما أبعد عنها أن تتغذى بلحم الميسر ؛ لأنه لا يأكل منه إلا الضعيف الصغير فيهم.
وأنشد :
* عشية لا تغني الرماح مكانها
|
|
ولا النبل
إلا المشرفي المصمم
|
" المشرفي" بدل من"
النبل" و" الرماح" وهو السيف. والمصمم : النافذ الماضي.
وجعل سيبويه
هذه الأبيات تقوية لقوله :
" ما
أتاني زيد إلا عمرو" ، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه ، فجاز في هذا البدل كما
أجازه في الأبيات.
هذا باب ما لا يكون
إلا على معنى ولكن
هذا الباب مخالف
الذي قبله في لغة بني تميم ، لأنه لا يمكن فيه البدل ، ولا حذف الاسم الأول منه في
التقدير ، كما أمكن في قولهم : ما فيها أحد إلا حمار على الوجهين اللذين تقدما.
فمن ذلك قول الله عز وجل : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ
مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣] يعني من رحمه الله تعالى ، ومن رحمه الله معصوم ولا يمكن البدل
فيه ، لأنه لا يقال : إلا اليوم من أمر الله إلا من رحم. وقد قيل : لا عاصم بمعنى
لا معصوم وهذا ضعيف لا يعتد به ، ولا يجيء مثل هذا إلا في الشعر كقوله :
* لقد عيل الأيتام طعنة ناشرة
|
|
أناشر لا
زالت يمينك آشره
|
أي : مأشورة.
وأجود من هذا
أن يكون" من رحم" ، هو الله ، لأنه الراحم ، وكأنه قال : لا عاصم اليوم
لهم إلا الله. وأما قوله تعالى : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ
الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي
الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً) [هود : ١١٦] فلا يجوز فيه البدل ، لأن لو لا للاستبطاء والتحضيض ، وفي معنى
: لو فعلت ذلك لكان أصلح ، وهذه أشياء تجري مجرى الأمر ، وفعلا الشرط ، ولا يجوز
في شيء من ذلك البدل لو قلت : ليقم القوم إلا زيد لم يجز ، كما لا يجوز
__________________
ليقم إلا زيد. وكذلك إن قلت : إن قام أحد إلا زيد ، ولو قام أحد إلا زيد لم
يجز ، كما لا يجوز : إن قام إلا زيد ولو قام إلا زيد ، ولا يجوز فيه الاستثناء
الذي هو إخراج جزء من جملة هو منها ، لأن المقصد في ذلك إلى قوم من الكفار طبعوا
على الكفر به ولم يكن فيهم مؤمنون ، فقبح فعلهم ، ثم ذكر قوما مؤمنين باينوا
طريقتهم فمدحهم.
ومعنى : "
أولوا بقية" : أولوا خير وصلاح. ويجوز في هذا ونحوه الرفع على الصفة ، فيكون
بمنزلة قوله : إلا الفرقدان.
وقوله : "
لا تكونن من فلان في شيء إلا سلاما بسلام.
معنى سلاما هنا
: متاركة ومبارأة ، كأنه قال : لا تخالطنه إلا متاركة.
وليست المتاركة
من المخالطة في شيء ، فصار المعنى : لا تخالطنه ولكن تاركه.
وأنشد للنابغة
:
* ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
|
|
بهن فلول من
قراع الكتائب
|
فنصب"
غير" على الاستثناء المنقطع ، لأن فلول سيوفهم ـ من مقارعة الكتائب ومضاربة
الأقران ـ ليس بعيب.
وقد يحتمل في
لغة بني تميم رفع" غير" كما يقول القائل : (لا عيب في زيد إلا الجود) و
(لا عيب فيه إلا الشجاعة) وكقوله : (عتابك السيف وتحيتك الضرب)
وأنشد للجعدي :
* فتى كملت خيراته غير أنه
|
|
جواد فما
يبقي من الجود باقيا
|
فهذا معنى
استثناء على معنى لكنه جواد.
فإن قال قائل :
" لكن" فيها مخالفة ما بعدها لما قبلها ، فإذا قدرت هذا : لكنه جواد ،
فكيف يخالف قوله : كملت خيراته؟
فالجواب عن ذلك
: أنه ذهب إلى معنى : لكن عيبه الجود ، كما يقول القائل عيب زيد جوده على معنى :
ليس فيه عيب ، لأن الجود ليس بعيب ، كأنه قال : كملت خيراته لكن نقصه
__________________
جوده فيصير عيبه ونقصه مخالفا" لكملت خيراته" على ما ذكرناه.
وأنشد للفرزدق
:
* وما سجنوني غير أني ابن غالب
|
|
وأني من
الأثرين غير الزعانف
|
واحد الزعانف :
زعنفة وهو الدخيل في القوم الملتصق بهم
وواحد الأثرين
: الأثري. وهو الكثير العدد.
قال سيبويه :
" ولكني ابن غالب"
فالظاهر من
كلامه أنه لم يقع به سجن ، كأنه قال : ما أنا الذي يناله سجن وذل ، ولكني ابن غالب
عزيز ، لأن من له هذا النسب فهو عند الفرزدق عزيز.
وكان المبرد
يرد على سيبويه ، وينكر تأويله على معنى" لكن" ، لأنه يوجب أن الفرزدق
لم يسجن ، والصحيح أنه كان مسجونا وكان الذي سجنه خالد بن عبد الله القسري عامل
هشام بن عبد الملك وهذا البيت من قصيدة يمدح فيها هشاما ، ويستجيره وقبل هذا البيت
:
وما زال فيكم
آل مروان منعم
|
|
عليّ بنعماء
بادئ ثم عاطف
|
فإن كنت
محبوسا بغير جريرة
|
|
فقد أخذوني
آمنا غير خائف
|
وما سجنوني ...
(البيت).
وذهب المبرد
إلى أن معنى البيت : وما سجنوني إلا أني ابن غالب ، أي : سجنوني حسدا لي على نسبي
وشرفي.
ومذهب سيبويه
جائز وإن كان مسجونا وذلك أنه لم يعد سجنه سجنا لأنه لم يبطل عزه ولم يلحقه ذل ـ كما
يقول القائل : تكلمت ولم تتكلم. فكأنه قال : وما أذلوني بالسجن ، ولكني عزيز بمحلي
ونسبي.
وأنشد لعنز بن
دجاجة المازني :
* من كان أشرك في تفرق فالج
|
|
فلبونه جربت
معا وأغدت
|
إلا كنا شرة
الذي ضيعتم
|
|
كالغصن في
غلوائه المتنبت
|
ويروى :
المتبتت بكسر التاء. ويروى من كان أسرع
__________________
وفالج بن ذكوان
بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم ، انتقل إلى بني سليم وانتهى إلى ذكوان بن بهتة
بن سليم وادعى نسبه فيهم وقومه من بني مازن آذوه فأحوجوه إلى الانتقال عنهم. وقبل
ذلك ، ما ضيع بنو مازن ناشرة وآذوه حتى انتقل إلى بني أسد ، فدعا هذا الشاعر على
من أسرع في تفرق فالج وآذاه وأخرج عنهم مثل ناشرة ، لأن أمثال ناشرة ما أسرعوا في
تفرق فالج ، لأن ناشرة كان مطلوبا مؤذي فلم يدع الشاعر على أمثال ناشرة ، فكأنه
قال :
ولكن أمثال
ناشرة ما أسرعوا في تفرق فالج ، فلا يكون في أمثال ناشرة بدل ولا إخراج واحد من
جميع ، وليس فيه إلا معنى" لكن".
وأنشد :
* لولا ابن حارثة الأمير لقد
|
|
أغضيت من
شتمي على رغم
|
إلا كمعرض
المحسر بكره
|
|
عمدا يسببني
على الظلم
|
قوله : "
إلا كمعرض" بمعنى : " إلا كناشرة".
والمعنى : لو
لا منع ابن حارثة إياي من شتمك ، لشتمك ولأغضيت على شتمي ، ولكن معرضا المحسر بكره
في سبي ، مباح لي شتمه.
ويسببني : يكثر
سبي. ومعرض : اسم رجل ، والمحسر : من نعته.
ويقال : حسر
بكره : إذا اتّبعه وشق عليه.
وكان المبرد
يجعل الكاف في" كناشرة" وفي" كمعرض" زائدة.
ولا ضرورة تدفع
إلى ذلك لأنها تجعل بمعنى مثل ، فيصح معناه ويدخل فيه الذي دخلت عليه الكاف كما
تقول : مثلك لا يفعل هذا.
هذا باب ما تكون فيه
أنّ وأن مع
صلتهما بمنزلة غيرهما
من الأسماء
وذلك قولك : ما
أتاني إلا أنهم قالوا كذا وكذا ومثله : ما منعني إلا أن يغضب على فلان وأن في موضع
اسم مرفوع.
واحتج سيبويه
على أن هذا موضع رفع بقول الشاعر :
* لم يمنع الشرب منا غير أن نطقت
|
|
حمامة في
غصون ذات أو قال
|
__________________
فقوله : غير أن
، بمنزلة : إلا أن.
والأوقال : جمع
وقل وهو من توقل الجبل إذا صعد فيه. ويروى منها أي : سمعت حمامة فامتنعت من الشرب.
قال : "
وبعض العرب ينصب غير" والعلة في ذلك أنه لما أضافها إلى غير متمكن بناها
وموضعها رفع. كما قال النابغة :
* على حين عاتبت المشيب على الصبا
فبناها
لإضافتها إلى فعل مبني.
هذا باب ما لا يكون
المستثنى فيه إلا نصبا
لأنه مخرج مما أدخلت
فيه غيره
وقد تقدم تفسير
أكثر هذا الباب في تضاعيف الأبواب المتقدمة وسائره مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ما تكون
فيه" إلا" وما بعدها
وصفا بمنزلة غير ومثل
وذلك قولك : لو
كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا .. وقال تبارك وتعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢]
اعلم أن البدل
لا يكون في" لو" بعد" إلا" ، لأنها في حكم اللفظ ، تجري مجرى
الموجب ، وذلك أنها شرط بمنزلة" إن". ولو قلت : إن أتاني أحد إلا زيد
خرجت ، لم يجز ، لأنه يصير في التقدير : إن أتاني إلا زيد خرجت ، كما لا يجوز :
أتاني إلا زيد فهذا وجه من الفساد.
ووجه آخر من
فساده : أنه إذا قال : لو كان معنا إلا زيد لهلكنا وهو يريد : الاستثناء لكان
محالا ، لأنه يصير في المعنى : لو كان معنا زيد لهلكنا ، لأن البدل بعد إلا في
الاستثناء موجب.
وأنشد لذي
الرمة :
* أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة
|
|
قليل بها
الأصوات إلا بغامها
|
كأنه قال :
قليل بها الأصوات غير بغامها ، أي : الأصوات التي هي غير بغام الناقة قليلة
__________________
بهذه البلدة ، لأنها فلاة لا أنيس بها.
وفيه وجه آخر :
أن يكون" قليل" بمعنى النفي ، فيكون بمعنى ما بها أصوات إلا بغامها ،
وهو استثناء وبدل صحيح ، كما تقول : أقل رجل يقول ذاك إلا زيد.
ومعنى قوله :
" فألقت بلدة" ، أي : صدرا ، يعني : الناقة فوق بلدة : فوق أرض. وأراد
بالبغام : صوت الناقة.
وأنشد للبيد :
* وإذا أقرضت قرضا فاجزه
|
|
إنما يجزي
الفتى غير الجمل
|
" فغير" نعت"
للفتى" وجاز ذلك لأن تعريف" الفتى" جنس ، فهو مضارع للنكرة.
والمعنى : من
لا يجزي فهو بمنزلة البهيمة التي لا تعقل ولا تجزي محسنا إليها بإحسانه ، ومن يجزي
فليس مثل البهائم.
وأنشد أيضا :
* لو كان غيري سليمى اليوم غيره
|
|
وقع الحوادث
إلا الصارم الذكر
|
ف"
إلا" وما بعدها نعت لغير.
وقائل هذا
الشعر كأنه نابته شدة فصبر لها ولم تضعفه ولا غيرته فقال : لو كان غيري ـ يا سليمى
ـ في هذه الشدة لضعضعته وغيرته إلا أن يكون غيري ـ الذي يقع في هذه الشدة الصارم
الذكر ـ فإنه مثلي لا تغيره هذه الشدة التي هي وقع الحوادث. وتقريبه : لو كان غيري
المخالف للصارم الذكر لغيره وقع الحوادث.
وقوله : "
لا يجوز أن تقول : ما أتاني إلا زيد وأنت تريد أن تجعل الكلام بمنزلة مثل"
إلى قوله : " أجمعون".
يريد أن"
إلا" وما بعدها لا تقام مقام الموصوف كما يقال" مثل" و"
غير" لأن الأحرف لا تتمكن في الوصف كما أن" أجمعين" لا يكون إلا
نعتا للأسماء المذكورة قبله ، ولا يقام مقام المنعوت لأنه وضع للتوكيد خاصة.
وأنشد :
* وكل أخ مفارقه أخوه
|
|
لعمر أبيك
إلا الفرقدان
|
__________________
فنعت كلا"
بإلا" وما بعدها ، ولو نعت" الأخ" المخفوض بكل لقال إلا الفرقدين ،
والتقدير : كل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه ـ وهذا الشعر الجاهلي لا يقول بالبعث
ولا بفناء الأشياء. ويجوز أن يكون أراد : لا يتفرقان ما دامت الدنيا.
وروي أنه لعمرو
بن معدي كرب ، وقيل هو لسوار بن المضرب.
قوله : ولا
يجوز رفع زيد على" إلا أن يكون"
كأن قائلا
اعتقد أن زيدا في قولك : ما قام أحد إلا زيد يرتفع بمعنى : إلا أن يكون زيد فأنكر
سيبويه ذلك لأن" أن" مع ما بعدها موصولة ، وحذف الموصول أو حذف بعض صلته
غير جائز.
هذا باب ما يتقدم فيه
المستثنى
كلام سيبويه
واحتجاجه في هذا الباب بين.
واعلم أن
المستثنى بعد" إلا" إذا تقدم على شيء من نعت المستثنى منه ، فإن سيبويه
ذكر فيه البدل والاستثناء ، وقدم البدل كقولك : (ما أتاني أحد إلا أبوك خير من زيد)
وحجته أن المبدل منه إنما هو الاسم الأول وقد تقدم ، والنعت فضلة في الكلام يأتي
بعد تمام الاسم الإخبار عنه.
واختار المازني
الاستثناء ، وحجته أن المبدل منه في تقدير الملغي فإذا قدر المتكلم ملغي فما حاجتك
إلى نعته؟ فوجب بذكر المتكلم نعت المستثنى منه بعد أن ألغى المنعوت ، وقدره محذوفا
ساقطا أن ينصب ما بعد إلا لأنه استثناء مقدم قبل النعت الذي لم يلغه.
وذهب المبرد
إلى اختيار البدل وحكاه عن سيبويه.
قوله : "
من لي إلا أبوك صديقا".
قدره المبرد
على أن من مبتدأة ، وأبوك خبره ، ومثله بقولك ما زيد إلا أخوك ، وصديقا : حال.
وقول سيبويه :
" لأنك أخليت من للأب يدل على خلاف تقدير المبرد لأن معنى : أخليت من الأب ،
أي : أبدلت الأب منه ، فعلى هذا يكون" من مبتدأ ، " ولي" خبره ،
وأبوك :بدل من" من" كأنه قال : ما لي أحد إلا أبوك ، وتقدير المبرد لا
يصح.
وأنشد سيبويه
لكعب بن مالك :
__________________
* الناس ألب علينا فيك ليس لنا
|
|
إلا السيوف
وأطراف القنا وزر
|
فنصب"
السيوف" على الاستثناء المقدم. والألب : المجتمعون المتعاونون والوزر :
الملجأ والمعتصم.
وأنشد للكلحبة
اليربوعي :
* أمرتكم أمري بمنقطع اللوى
|
|
ولا أمر
للمعصي إلا مضيعا
|
اللوى : مستدق
الرمل حيث ينقطع. ونصب مضيعا على وجهين : أجودهما : الحال.
وحرف الاستثناء
قد يدخل بين الحال وصاحبها كقولك : (ما قدم زيد إلا ضاحكا) ، والعامل فيه اللام.
كأنه كان في الأصل للمعصي أمر مضيعا وهو حال من نكرة ثم دخل حرف النفي على أمر ،
ودخلت إلا بين الحال وبين ما قبلها.
والوجه الآخر :
أنه نصب على الاستثناء بعد النفي ، والوجه البدل من موضع" لا" كما أن
الرفع على البدل من موضع لا في : لا إله إلا الله أقوى من النصب بالاستثناء.
هذا باب ما يكون فيه
المستثنى الثاني بالخيار
وذلك قولك : ما لي
إلا زيدا صديق وعمرا وعمرو
نصب عمرو
بالعطف على زيد ، ورفعه على المعنى لأنه إذا قال : ما لي إلا زيدا صديق فكأنه قال
: زيد صديق ولي عمرو ، ولو قدم عمرا على صديق لم يجز إلا النصب لأنه استثناء مقدم.
هذا باب تثنية
المستثنى
وذلك قولك : ما أتاني
إلا زيد إلا عمرا
اعلم أن
الاسمين المستثنيين وإن اختلف إعرابهما ، فهما مشتركان في معنى الاستثناء ، وإنما
رفع أحدهما ونصب الآخر على ما يوجبه تصحيح اللفظ.
فإذا قلت : ما
أتاني إلا زيد إلا عمرا ، فلا بد من رفع أحد الاسمين لئلا يخلو الفعل من فاعل ،
فإذا رفعت أحدهما لم يجز رفع الآخر ، لأن المرفوع بعد" إلا" إنما يرفع
على وجهين :
إما : أن يرفع
إذا فرغ له الفعل الذي قبل إلا. وإما : أن يجعل بدلا من المرفوع الذي قبله فإذا
قلت : ما جاءني إلا زيد إلا عمرا فليس في عمرو وجه من وجهي الرفع ، لأن الفعل
__________________
قد ارتفع به" زيد" ولا يجوز أن يبدل من" زيد" لأنه ليس
به ولا ببعضه ولا يشتمل عليه ، فوجب النصب بالاستثناء ، وثبت للاسمين الإتيان الذي
نفي عن غيرهما.
ومما يدل على
أنهما مستثنيان جميعا ، أن لو أخرت المستثنى منه وقدمتهما ، نصبتهما كقولك : (ما
لي إلا عمرا إلا بشرا أحد).
واحتج سيبويه
لهذا بقول الكميت :
* فما لي إلا الله لا رب غيره
|
|
وما لي إلا
الله غيرك ناصر
|
فنفى كل ناصر
سوى الله عز وجل وسوى هذا المخاطب ، ونصبهما بالاستثناء المقدم.
قال : "
وأما قوله وهو حارثة بن بدر الغداني :
* يا كعب صبرا على ما كان من حدث
|
|
يا كعب لم
يبق منا غير أجلاد
|
إلا بقيات
أنفاس نحشرجها
|
|
كراحل رائح
أو باكر غادي
|
ويروى غير
أجساد ـ فغير فاعله بقوله لم يبق ، وليست باستثناء مقدم ، ولذلك قدرها سيبويه
تقدير مثل و" إلا باقيات" بدل منها ، ولو نصبت بقيات على الاستثناء
المقدم لجاز.
وأنشد للفرزدق
:
* ما بالمدينة دار غير واحدة
|
|
دار الخليفة
إلا دار مروانا
|
في هذه أربعة
أوجه :
أحدها
: رفع (غير
واحدة) ورفع (دار مروان)
والثاني
: رفع (غير)
ونصب (دار مروان)
والثالث
: نصب (غير)
ورفع (دار مروان)
والرابع
: نصبهما جميعا.
فإذا رفعا ،
ففي رفعهما وجهان :
أحدهما
: أن ترفع (غير
واحدة) على النعت لدار ، فيكون معناها : بالمدينة دار جامعة دورا و (دار مروان)
بدل من دار المنفية.
__________________
والوجه
الثاني : في رفعهما :
أن تجعل (غير واحدة) استثناء ، كأنه قال : (وما بالمدينة إلا دار واحدة) ، كأنه لم
يعد دور المدينة دورا استصغارا لها ، وتقديره : ما بالمدينة إلا دار واحدة ، هي
دار الخليفة ، ثم يبدل (دار مروان) منها ، لأن داره هي دار الخليفة ، فيكون بمنزلة
قولك : (ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله) إذا كان أبو عبد الله هو زيد.
فإذا رفع
أحدهما ونصب الآخر ، فهما مستثنيان بمنزلة قولك : (ما أتاني أحد إلا زيدا وعمرو ،
وإلا زيد إلا عمرا).
وإذا نصبا
جميعا فعلى الاستثناء ، لأن الكلام قد تم بقوله : ما بالمدينة دار ، كما تقول : (ما
أتاني أحد إلا زيدا إلا عمرا) ، فتستثنيها جميعا.
وأنشد سيبويه :
* ما لك من شخصك إلا عمله
|
|
إلا رسيمه
وإلا رمله
|
استشهد بهذا
على قولك : (ما أتاني إلا زيد إلا أبو عبد الله) فأبو عبد الله : زيدا ، وهو بدل
منه ، فعلى هذا يكون" الرسيم" و" الرمل" بدلا من"
العمل" لأنهما : العمل ويجوز أن يكون على بدل البعض من الكل ، لأن الرسيم
و" الرمل" بعض"" العمل" والرسيم والرمل : ضربان من المشي
يستعملان في الطوف والسعي ، فالرمل في الطواف والرسيم في السعي بين الصفا والمروة
هذا باب ما يكون
مبتدأ بعد إلا
وذلك قولك : ما مررت
بأحد إلا زيد خير منه
فقولك : زيد
خير منه : جملة في موضع النعت لأحد ، وإلا معترضة بينهما كاعتراضها بين الحال
وصاحبها في ما تقدم.
قال : "
ومثل ذلك قول العرب : والله لأفعلن كذا وكذا إلا حل ذلك أن أفعل كذا وكذا".
"
حلّ" : مبتدأ وأن : خبره ، وإلا في موضع لكن ، وإنما دخلت بمعنى لكن لأن ما
بعدها مخالف لما قبلها ، وذلك أن قوله : (والله لأفعلن كذا) عقد يمين عقده على
نفسه ، وحله : إبطاله ونقضه ، كأنه قال : علي فعل كذا معقود ، ولكن بطلان العقد
كذا ، وهذا مذهب" لكن" ومعناه.
قوله : "
والله لا أفعل إلا أن تفعل"
تقديره : لا
أفعل إلا بعد فعلك ، وإلا مع فعلك.
فأن وما بعدها
منصوبة على الظرف ، وتقديرها تقدير مصدر وضع مع ظرف زمان.
__________________
هذا باب غير
قد تقدم أن أصل
الاستثناء" إلا" وهو الحرف الموضوع له وحملت" غير" عليه
لمخالفتها ما أضيفت إليه كما خالف ما بعد" إلا" ما قبلها ، الا أن"
غير" من أجل أنها اسم أعربت بإعراب الاسم الذي بعد إلا ومن أجل أن"
إلا" حرف لا يقع عليه عامل ، تخطي عمل ما قبلها إلى الاسم الذي بعدها فعمل
فيه.
وبينّ سيبويه
أن" غير" لا تكون بمنزلة" إلا" في الاستثناء في كل موضع.
فمن ذلك : (ما
أتاني أحد إلا زيد خير منه) ، ولا يجوز : (ما أتاني أحد غير زيد خير منه) وذلك
لوجهين :
ـ أحدهما :
أن" غير" إنما تكون بمعنى" إلا" ، إذا كان بعد"
إلا" اسم تصح الإضافة إليه" بغير" لأن" غير" ليست تخالف
سوى الاسم الذي أضيفت إليه.
ـ والوجه
الثاني : أن" إلا" يقع بعدها فعل وفاعل كقولك : ما أتاني أحد إلا يضحك ،
ولا يجوز : غير يضحك ، ولا يجوز : غير يضحك ، فلا تصح إضافة" غير" إلى
المبتدأ والخبر كما لا تصح إضافته إلى الفعل.
وبين سيبويه
أن" غير" تجزئ من الاستثناء وإن لم تكن للاستثناء ليقوى الاستثناء بها
في الموضع الذي جعلت فيه بمنزلة" إلا" وذلك قولك : أتاني غير عمرو ،
" فغير" فاعل أتاني ، ولا يكون بمعنى" إلا" ، لأنك تقول :
أتاني إلا عمرو ، وقد أغني عن الاستثناء ، لأن الذي يفهم به ، أن عمرا ما أتاك
فخرج عمرو عن الإتيان كخروجه بالاستثناء إذا قلت : أتاني كل آت إلا عمرا.
وقد يستقيم في
حقيقة اللفظ أن يكون عمرو أتاه ، وذلك أن قوله : " أتاني غير عمرو ظاهر اللفظ
أن غير عمرو أتاه ، وليس في إتيان غير عمرو نفي لإتيان عمرو.
ولو قال قائل :
ما أتاني غير زيد ، ولم يرد به الاستثناء ، كان حقيقة الكلام أن غير زيد ما أتاه ،
وزيد مسكوت عنه ، يجوز أن يكون قد أتى ، وأن يكون لم يأت غير أن العادة جرت بأن
يراد بمثل هذا الكلام ، أن زيدا داخل في الفعل الذي خرج عنه غيره ، وخارج عن الفعل
الذي دخل فيه غيره.
واعلم أن
سيبويه يقدر" غير" إذا لم يكن فيها معنى الاستثناء" بمثل"
لأنها نقيضتها ولا تستعمل إلا مضافة كما تستعمل" مثل" وهي صفة.
هذا باب ما أجري على
موضع غير
لا على ما بعد غير
رد سيبويه
اعتبار" غير" إلى" إلا" ، لأنها أصل الاستثناء وأدخل"
إلا" على ما بعد غير الاسمين ، حتى أدى صحة معنى الاستثناء فيهما فقال في
قوله : " ما أتاني غير زيد وعمرو" :
كأنك قلت : ما أتاني إلا زيد وعمرو وجميع الباب مفهوم.
هذا باب يحذف
المستثنى فيه استخفافا
وذلك قولك : ليس غير
وليس إلا
اعلم أن هذا
الحذف ، لا يستعمل إلا بعد ليس ، ولو كان مكان ليس غيرها من ألفاظ الجحد لم يجز
الحذف ، لا تقول : (لم يكن إلا) ، و (لم يكن غير).
قال الأخفش :
إذا أضفت" غير" جاز فيه الرفع والنصب ،
ـ فأما من نصب
فقال : جاءني زيد ليس غيره ، فإنه يضمر الاسم فكأنه قال : ليس الجائي غيره أو ليس
الآمر غيره.
ـ وأما من رفع
: فإنه يضمر الخبر المنصوب كأنه قال : ليس غير هذا صحيحا ، أو نحو هذا مما يكون
خبرا له. فإذا لم تضف" غير" ، فإن الأخفش أجاز فتحها وضمها على نية
الإضافة وشبهها" بيا" (تيم تيم عدي) ، وزعم أن" تيم" الأول قد
حذف منه المضاف إليه وبقي على لفظ ما هو مضاف غير منون.
ـ وذكر الأخفش
أن بعضهم ينون" غير" لأنه في اللفظ غير مضاف
وأنشد سيبويه
محتجّا للحذف ، للنابغة :
* كأنك من جمال بني أقيش
|
|
يقعقع بين
رجليه بشنّ
|
يريد كأنك جمل.
قال الزجاج :
خص بني أقيش لأنه يقال هم من الجن ، فجمالهم بها هوج.
والشن : القربة
البالية. والقعقعة : صوت الجلد البالي.
وأنشد أيضا :
* لو قلت ما في قومها لم تيثم
|
|
يفضلها في
حسب وميسم
|
أي : ما في
قومها أحد يفضلها. وكسر التاء من تيثم ، وكسرها لغة وبعدها ألف فانقلبت بانكسار ما
قبلها.
وأنشد لابن
مقبل :
* وما الدهر إلا تارتان فمنهما
|
|
أموت وأخرى
أبتغي العيش أكدح
|
أراد : فمنهما
: تارة أموت فيها. ومعنى أكدح : أسعى وأجهد ، وكثيرا ما يأتي الحذف مع"
من" لأنها تدل على التبعيض وأقل أجزاء العدد واحد. وقد جاء في القرآن : وإن
من أهل
__________________
الكتاب إلا ليؤمنن به وجاء الحذف مع في ، وليس مثل" من" في
الكثرة.
وأنشد أيضا
للعجاج :
* بعد اللّتيّا واللّتيّا والتي
|
|
إذا علتها
أنفس تردّت
|
فحذف صلة هذه
الموصولات ، وأراد شدة الأمر وعظمه ، فكأنه قال بعد الحال التي تناهت شدتها وعظمت
بليّتها ، وهذا احتجاج من سيبويه في حذف الاسم بعد إلا.
وقوله : إذا
علتها أنفس صلة لما قبلها لا محالة ، وإنما يعني بعد مراكب من الهول والشدة إذا
ركبتها تردت أي : هلكت. فيجوز أن تكون صلة أخراها وصلة الأوليين محذوفة ويجوز أن
يكون جعلها كشيء واحد ، لأنها في مذهب واحد ، فجعل الصلة لها كلها. ويجوز أن يكون
تصغير اللتيا ـ لما كان دلالة على الشدة والجهد ـ عرف معناه فأغنى عن الصلة.
ومن كلامهم أن
يصغروا الأمر الجليل وهم يريدون تعظيمه كما قال :
دويهة تصفرّ
منها الأنامل.
هذا باب" لا
يكون" و" ليس" وما أشبههما
ذكر سيبويه في
هذا الباب : " عدا" و" خلا" و" مثلهما""
يجاوز" وأبعد الاستثناء بجاوز.
فإن قال قائل :
لم لم يستثن بها كما استثنى" بعدا" و" خلا" و"
جاوز" أبين وأجلى في المعنى ، وإليه رد سيبويه" عدا" و"
خلا" حين مثلهما؟
فالجواب : أن
اللفظين قد يجتمعان في معنى ، ثم يختص أحدهما بموضع لا يشاركه فيه الآخر كالعمر
والعمر في البقاء ، ثم يختص العمر باليمين وله نظائر كثيرة. ومن أجل هذا لم يجز في
الاستثناء : " لم يكن" و" ما كان" في موضع" ليس"
و" لا يكون".
وقد قيل : إن
عداني الشيء ، يقال في ما قرب منك وكاد يقع بك" وجاوز" قد تقع في ما
تباعد وفي ما قرب ، تقول : جاوزنا الغيم ولا يقال : عدانا الغيم ، لتباعده عنا.
وقدر سيبويه" ما عدا" و" ما خلا" بالمصدر كأنه قال مجاوزتهم.
إن
قيل : على أي شيء
انتصب هذا المصدر؟
فالجواب : أنه
كالمصدر الذي يوضع موضع الحال في قولك : (رجع عوده على بدئه) ، كأنه قال : أتاني القوم
مجاوزين زيدا وخالين من زيد.
فأما : إلا أن
يكون فإن الاستثناء" بإلا" والمستثنى" أن" مع"
يكون" وهما في تقدير المصدر. فإذا قلت : أتوني إلا أن يكون زيد فتقديره في
اللفظ : إلا كون زيد ، ومعناه : إلا
__________________
زيدا ، ومن نصب زيدا ، فعلى معنى : إلا أن يكون بعضهم زيدا ، كما أضمر
في" ليس" و" لا يكون" ومعنى ذلك كله : إلا زيدا.
واعلم أن"
حاشى" عند سيبويه حرف جر ، معناه الاستثناء ، ولا يجيز النصب بها وخالفه غيره
فجعلها حرفا وفعلا.
وحجة سيبويه ،
أن العرب لم تصلها" بما" ، كما وصلت" خلا"" عدا"
لأنها حرف ، و" ما" إنما توصل بالفعل ، ولو كانت" حاشى" فعلا
لم يمتنع من ذلك.
وحجة من خالفه
: أن الفعل قد تصرف منها كقولهم : حاشى يحاشى.
ولقائل أن يقول
: هذا الفعل المتصرف أخذ من لفظ" حاشي" الذي هو حرف للاستثناء ، ومنزلته
من" حاشى" الذي هو حرف ، " كمنزلة" هلّل" وحوقل من :
" لا إله إلا الله" ، و" لا حول ولا قوة إلا بالله"
فقد صرف الفعل
بما ليس بفعل. ومما احتج به المبرد في أنها فعل كقولهم : (حاشَ لِلَّهِ*) وزعم أنها لو كانت حرفا ، لم تدخل عليها اللام وهي حرف.
وقال الزجاج
حاشى لله في معنى براءة الله ، وهي مشتقة من قولك : كنت في حشى فلان ، أي : في
ناحية فلان وحاشيته.
فإذا قال :
حاشى لزيد فمعناه : قد تنحى زيد من هذا وتباعد منه.
وعلى طريقة
الزجاج قال بعض النحويين : " حاشى" في معنى المصدر.
قال : ويقال
حاشى لله وحاشى الله كما يقال : براءة الله وبراءة لله فإن قيل : لم لم ينون إذا
جعل مصدرا؟
فالجواب : أنه
مبني مثل" بله" وجعله سيبويه مصدرا وهو مبني.
هذا باب علامة
المضمرين وما يجوز فيهن كلهن
اعلم أن المضمر
إنما دخل في الكلام خوفا من اللبس واحتراسا منه ، ومن النحويين من يسميه : "
المكني" ، وذلك أن الأسماء الظاهرة ، كثيرة الاشتراك والالتباس ، وليس لها
أحوال تقترن بها ، تدل على المختص منها إذا التبست ، وإنما تدل على اختصاص المختص
منها ـ في كثير من أحواله ـ الصفات كقولنا : (مررت بزيد البزاز) ، وبهذا الرجل ،
وبرجل ظريف.
والمضمرات
تستغني عن ذلك بالأحوال المقترنة بها ، المغنية عن صفاتها ، والأحوال المقترنة بها
: حضور المتكلم والمخاطب ، والمشاهد لهما ، وتقدم ذكر الغائب الذي يصير بمنزلة
الحاضر المشاهد في الحكم.
واعلم أن ضمير
المتكلم جعل له لفظ ينفرد به ، لا يشارك فيه غيره ، كما لا يشاركه غيره في لفظه
وعبارته عن نفسه إذا كان لا يجوز كلام واحد من متكلمين ، ولا لفظ من لفظين.
ومن أجل ذلك
استوفى لفظ المتكلم المذكر والمؤنث ، لأن الفصل يحتاج إليه لئلا يتوهم غير المقصود
في موضع المقصود.
وتثنية المتكلم
وجمعه على لفظ واحد ، وذلك أن المثنى هو شيئان متساويان في اللفظ ، ضم أحدهما إلى
الآخر كزيد وزيد ورجل ورجل ، فيقال : زيدان ورجلان ، والمجموع هو جماعة متساوو
اللفظ ، ضم بعضهم إلى بعض كقولك : زيد وزيد وزيد فيقال : زيدون ، والمتكلم لا يشاركه
متكلم آخر في خطاب واحد ، فيكون اللفظ لهما ، فتبطل تثنيته وجمعه على منهاج
التثنية والجمع ، ولكنه لما كان قد يتكلم عن نفسه وحدها ، ويتكلم عن نفسه وغيره
مخالفا اللفظ الذي له وحده ، استوى أن يكون غيره المضموم إليه واحدا أو اثنين أو
جماعة ، فيقول : أنا خارج ، ونحن خارجان ونحن خارجون.
وأما المخاطب
والغائب فجريا على القياس في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع لمخالفتهما حكم
المتكلم.
واعلم أن جملة
الضمير تجري مجرى حروف المعاني التي تستعمل في الأشياء المختلفة ، وهي حروف قليلة
محصورة في ما لا يحصى من الأسماء والأفعال كحروف الخفض والنصب والجزم وحروف العطف
والاستفهام وما جرى مجراهن. وكذلك الضمائر : هي ضمائر أشياء مختلفة بألفاظ قليلة
محصورة تتكرر على كل المضمرات ، فلما كانت كذلك قللت حروفها ، فجعل ما كان منها
متصلا على حرف ، إلا أن يكون هاء فيزاد عليه حرف آخر لخفائه ، كالتاء في : قمت ،
والكاف في : ضربتك. وإذا كان منفصلا جعل على حرفين أو أكثر ، لأنه لا يمكن إفراد
كلمة على حرف واحد مفرد عن غيره. وهذه سبيل حروف المعاني ، منها ما هو على حرف
واحد متصل ، ومنها ما هو على أكثر من حرف. ومن أجل أن المتصل أقل حروفا من المنفصل
، كان النطق به أخف ، فلم يستعملوا المنفصل في موضع المتصل إلا في الضرورة.
وهو الذي ضمنه
سيبويه الباب حين قال : " لا يقع أنت موضع التاء في فعلت" وما أشبه ذلك
مما ذكر.
فإن
قال قائل : لم تغيرت حروف المضمرات وصيغتها في الرفع والنصب.
ومن سبيل
الأسماء الظاهرة أن لا تتغير حروفها وصيغها كقولك : هذا زيد ورأيت زيدا ومررت بزيد؟
قيل له : لما
كانت الضمائر واقعة مواقع الأسماء المعربة المختلفة الإعراب وهي مبنية ، جعلوا
العوض من الإعراب ـ الدال على المعاني المختلفة ـ تغيير صيغة المضمرات ليدل على
مثل ما دل عليه الإعراب فاعرف ذلك.
هذا باب استعمالهم
علامة الإضمار
الذي لا يقع موقع ما
يضمر في الفعل إذا لم يقع موقعه
فمن ذلك قولهم : كيف
أنت؟ وأين هو؟
وقال الشاعر :
* فكأنها هي بعد غبّ كلالها
|
|
أو أسفع
الخدين شاة إران
|
هي : خبر
كأنها. يصف ناقة أنها بعد كلالها وتعبها كأنها نفسها قبل الكلال في النشاط والقوة
، أو كأن أسفع الخدين يعني : ثورا وحشيا ، وهو يسمى شاة ، وكذلك البقرة الوحشية
تسمى شاة ونعجة.
وإران : نشاط ،
يقال : أرن يأرن أرنا ، والاسم الإران. وشاة : بدل من أسفع. هذا تفسير بعضهم ،
وقال قوم هي كناية عن سفينة ذكرت قبل هذا البيت في القصيدة ، وهي للبيد ، وشبه
الناقة بها في السرعة.
وأنشد لعمرو بن
معدي كرب :
* قد علمت سلمى وجاراتها
|
|
ما قطّر
الفارس إلّا أنا
|
فوقعت الكناية
بعد حرف الاستثناء ، فكانت منفصلة إذ لا سبيل إلى المتصلة هنا.
ومعنى قطّر :
صرعه على أحد قطريه أي جانبيه. واعلم أن قولهم : " ها أنا ذا" و"
ها أنت ذا" إنما يقال إذا طلب رجل ولم يدر أحاضر هو أم غائب ، فيقول المطلوب
: ها أنا ذا ، أي : الحاضر عندك أنا ، ويقول القائل : أين من يقوم بالأمر؟ فيقال
له : أنت ذا أي : أنت الحاضر في الموضع الذي التمست فيه من التمست.
وأكثر ما يأتي
في كلام العرب" هذا" بتقديم" ها" والفصل بينهما وبين"
ذا" بالضمير المنفصل.
وأنشد :
* ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا
|
|
فقلت لها هذا
لها وذا ليا
|
استشهد به
محتجّا للفصل بين هذا في قولك : ها أنا ذا ، وكذلك فصل هنا بينهما بالواو
__________________
وتقديره : وهذا لي.
هذا باب علامة
المضمرين المنصوبين
هذه الضمائر
المنصوبة المتصلة التي ذكرها سيبويه ، لا يجوز استعمال" أيا" مكانها ،
وإنما يستعمل" أيا" في الموضع الذي لا يقع فيه المتصل ، وقد تقدم ذكر
هذا.
والباب مفهوم
إن شاء الله.
هذا باب
استعمالهم" أيا" إذا لم تقع مواقع الحروف التي ذكرنا
فمن ذلك قولهم
: إياك رأيت وإياك أعني
وأنشد :
* مبرّأ من عيوب النّاس كلّهم
|
|
فالله يرعى
أبا حرب وإيّانا
|
فأتى بالضمير
المنفصل إذ لم يقدر على المتصل.
وأنشد لآخر :
* لعمرك ما خشيت على عديّ
|
|
سيوف بني
مقيّدة الحمار
|
ولكني خشيت
على عديّ
|
|
سيوف القوم
أو إيّاك حار
|
فأتى"
بإياك" لأنه لا يقدر على الكاف.
واعلم أنك إذا
قلت : (عجبت من ضربيك) ، فالاختيار أن تقول : من ضربي إياك ، وذلك أن الضرب اسم
ولا تستحكم فيه علامة الإضمار إذا كانت علامة ضمير المرفوع ولا يتصل به ، وإنما
يتصل به ضمير المجرور الذي تشاركه فيه الأسماء التي ليس فيها معنى فعل ، نحو غلامي
، غلامك وغلامه أيضا ، فإن الضمير المضاف إليه الضرب ، مجرور يحل محل التنوين في
ضرب ، ومتى نون ضرب لم يله إلا المنفصل ، كقولك : عجبت من ضرب إياك ، وما أشبهه ،
وإنما جاز عجبت من ضربيك تشبيها بضربتك حين اتصل به التاء والكاف ، وهما ضميرا
فاعل ومفعول ، وهو في الفعل قوي لاستحكام علامات الإضمار في الفعل.
واختار
النحويون انفصال ضمير كان وأخواتها لعلل ثلاث :
منها أن كان
وأخواتها أفعال دخلن على المبتدأ وخبره ، وخبرها قد يكون فعلا ، وجملة ، وظرفا غير
متمكن ، فلما كانت هذه الأشياء لا يجوز إضمارها ، ولا تكون إلا منفصلة
__________________
من الفعل ، اختير في الخبر الذي يمكن اضماره ـ إذا أضمر ـ أن يكون على
منهاج ما لا يضمر في الأخبار في الخروج عن الفعل.
ـ ومنها أن
الاسم والخبر كل واحد منهما منفصل من الآخر غير مختلط به ، فإذا اجتمع الضميران في
الفعل ، كقولك : كنتك وإن زيدا كأنه ، لم ينفصل الخبر من الاسم واختلط به.
ـ ومنها أنا
وصلنا ضمير الخبر بضمير الاسم ، فقلنا كنتك أو كأنك زيد ، فالفاعل والمفعول في هذه
الأفعال كشيء واحد لأنهما اسم وخبر ، فإما أن يكون أحدهما هو الآخر ،
أو يكون مشبها به مجعولا بمنزلته ، وفعل الفاعل لا يتعدى إلى نفسه متصلا ، ويتعدى
إلى نفسه منفصلا في الأفعال المؤثرة لا يجوز ضربتني ، ويجوز إياي ضربت. وأنشد :
* ليت هذا اللّيل شهر
|
|
لا نرى فيه
عريبا
|
ليس إيّاي
وإيّا
|
|
ك ولا نخشى
رقيبا
|
ففصل الضمير
من" ليس" ومعنى" ليس" ههنا الاستثناء ، ويجوز أن تكون نعتا
لعريب ومعنى عريب : أحد.
هذا باب الإضمار في
ما جرى مجرى الفعل وذلك إن ولعل ورويد وعليك
جملة ما في هذا
الباب على ثلاثة أضرب في الاتصال والانفصال :
ـ فأقوى
الثلاثة في الاتصال : إن وأخواتها لأنهن أجرين مجرى الفعل في أكثر أحوالها ، فوجب فيها ما وجب في المفعولات
بالأفعال من الضمير المتصل
وبعدها في
القوة : رويد وذلك أن رويد وضع موضع أرود ، ولم يؤت بمصدره المحض
__________________
كما قالوا : تراكها ومناعها لأنهما وضعا موضع : اتركها وامنعها ، وهما أقوى من تركا
ومنعا ، وذلك رويد في قيامه مقام الفعل أقوى من أرود.
ـ وبعدهما"
عليك" وهي أقوى في الفصل : يجوز" عليكه" وعليك إياه وإنما جاز
انفصال الضمير لأنه بالإضافة إلى الكاف قد أشبه المصدر المضاف نحو : ضربتك إياي ،
وضربكني.
وباقي الباب
مستغني عن التفسير.
هذا باب ما يجوز في
الشعر من إيا" ولا يجوز في الكلام
من ذلك قول حميد
الأرقط :
* إليك حتى بلغت إياكا
هذا عند سيبويه
ضرورة.
وكان الزجاج
يقول : أراد بلغتك إياك وهذا لا يخرجه من الضرورة ، لأنه إن أراد الكاف وحذفها ،
فهو ضرورة ، ولو أخرجه هذا التقدير عن الضرورة لجاز : ضربت إياك على تقديره.
وأنشد سيبويه
لبعض اللصوص :
* كأنا يوم قرّي إنّما نقتل إيّانا
هذا أقل ضرورة
، وذلك لأنه لا يمكنه أن يأتي بالضمير المتصل فيقول نقتلنا ، لأنه لا يتعدى فعله
إلى ضميره ، وكان حقه أن يقول : " أنفسنا" فجعل" إيانا"
مكان" أنفسنا" لاشتراكها في الانفصال.
وكان الزجاج
يقول : هو محمول على : ما نقتل إلا إيانا ، لأن في" إنما" : تقليل ونفي.
وهذا التقدير
لا يخرجه عن الضرورة ، لأنك لو قلت : إنما نخدمك لتحسن إلينا ، لم يجز إنما نخدم
إياك إلا في الضرورة.
هذا باب علامة إضمار
المجرور
اعلم أن
المجرور لا يتقدم على عامله ولا يفصل بينهما. ومن أجل ذلك لم يكن ضمير إلا متصلا
بعامله ، فإن عرض أن يعطفه على المجرور ، أو يبدل منه في الاستثناء اقتضى حرف الجر
بعد حرف العطف وحرف الاستثناء على ما بين سيبويه في الباب.
__________________
هذا باب إضمار
المفعولين اللّذين تعدّى
إليهما فعل الفاعل
كلام سيبويه في
هذا الباب بيّن وذكر فيه ما قاسه النحويون من اتصال الضمائر بالفعل وإن اختلف
ترتيبها فقبّح ذلك واحتج عليهم بأن ألزمهم أن يقولوا : منحتنيني وذهب المبرد إلى
قول النحويين ، وقياسهم واستحسن منحتنيني واستجاده.
فإن
قال قائل : ما أنكر سيبويه من منحتنيني وليس فيه تقديم بعيد على قريب؟ وهل سبيل
منحتنيني الا سبيل أعطاهوها ، وهو مستحسن عنده؟
قيل له :
المنكر من منحتنيني عند سيبويه أن" ني" الثانية مؤخرة وترتيبها :
التقديم على كل ضمير ، وليس كذلك أعطاهوها.
وأنشد سيبويه
في اتصال الضميرين بالمصدر.
* وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة
|
|
لضغمهماها
يقرع العظم نابها
|
هذا البيت
لمغلس بن لقيط الأسدي في قصيدة يعاتب فيها رجلين من بني أسد ، ويذكر أخاه لقيط بن
لقيط ، وقبل هذا البيت :
سقيتكما قبل
التّفرّق شربة
|
|
يمر على باغي
الظلام شرابها
|
وقد جعلت نفسي
.... (البيت).
وقوله :
لضغمهماها : الضمير المثنى ضمير الرجلين : مدرك ومرة الأسديين وهما ضمير الضغمة
التي ذكر والضغم : العض.
هذا باب لا تجوز فيه
علامة المضمر المخاطب
ولا المتكلم ولا
الغائب
لا يجوز أن تقول :
أضربك ولا ضربتك
واعتماد المبرد
وغيره في إبطال هذا ونحوه على أن الفاعل بكليته لا يكون مفعولا بكليته ، فأبطلوا
من أجله ضربتني وضربتك وما أشبههما.
وهذا كلام إذا
فتّش لم يثبت ، وذلك لأن المفعول الصحيح ما اخترعه فاعله وأخرجه من العدم إلى
الوجود ، كنحو : خلق الله الأشياء بعد عدمها ، وكنحو : ما يفعله الإنسان من القعود
والقيام وغيره. ولا يجوز أن يكون الفاعل في ذلك مفعولا ، لأنه لا بدّ من أن يكون
موجودا قبل وجود المفعول ، فإذا قلنا : ضرب زيد عمرا ، فالذي فعله زيد إنما هو
الضرب ، لا
__________________
أنه فعل عمرا.
فإذا قال
القائل : ضربتني أو شتمتني ، فالمفعول الصحيح إنما هو الضرب والشتم ، والمتكلم
والمخاطب ، كزيد ، في ضربت زيدا وشتمته ، وليس زيد بمفعول صحيح على ما بيناه ولم
يبطل ضربتني وشتمتني لفساد معناه واستحالته ، وكيف يستحيل ذلك وأنت إذا قلت : ضربت
زيدا ، فإنما أوقعت ضربا بشيء من جسمه ، وكذلك شتمته إنما هو ذكري له بشيء من
السوء ، وقد أوقع الضرب بشيء من جسمي على النحو الذي أوقعه بزيد ، وذلك الذكر
السيء غير مستحيل أن أذكر نفسي به ، كما ذكرت زيدا ، ولكن العرب لا تتكلم بذلك ،
لأن فعل الإنسان على ضربين :
أحدهما : فعل
يفعله بنفسه لا يعتمد به غيره ، كقولك : قام زيد وقعد ونحوه.
ومعنى : فعله
بنفسه : أنه أحل القيام والقعود بنفسه ، وأوجده في نفسه دون غيره
والآخر : فعل
يعتمد به غيره ، فلا بد أيضا في ذلك أن يفعله بنفسه أو يفعل بسببه ، ويعتمد به
غيره. فأما ما يفعله بنفسه ، ويعتمد به غيره ، فقولك : شتمت زيدا ومدحت عمرا.
والذي يفعل
سببه بنفسه ، فقولك : ضربت زيدا ، وقتلت عمرا ، فلما كان سبيل الفعل الذي يعتمد به
الإنسان الفاعل غيره. أن لا يكون له مفعول. وجب أن لا تقول : ضربتني وشتمتني ،
ولما كان الفعل الذي يعتمد به غيره في مقاصد الناس وعاداتهم قد يعرض فيه أن يعتمد
الفاعل نفسه على سبيل ما كان يعتمد غيره ، أتوا بلفظ النفس ، وأضافوه إليه ،
فقالوا : ضربت نفسك ، وشبهوه ـ من جهة اللفظ لا المعنى ـ بضربت غلامك ، لأن المضاف
في الأصل ليس بالمضاف إليه فجعلوا نفشه في حكم اللفظ كأنها غيره.
فأما حسبتني
وعلمتني أفعل كذا وكذا وما أشبهه من أفعال القلوب مما لا يقتصر على أحد مفعوليه.
فإنما جاز ذلك فيها لأن المقصود بهذه الأفعال : المفعول الثاني ، وليس للأول نصيب
في المعنى ، لأن الظن والعلم ، إنما يقع في الخبر ، وكان الضمير المتصل أخف في
اللفظ من المنفصل ومن النفس ، فاستعملوا الأخف فيه.
وقد جاء في
فعلين من غير هذا وهما : فقدتني ، وعدمتني وإنما جاز ذلك لأنه محمول على غير ظاهر
الكلام وحقيقته ، لأن الفاعل لا بد من أن يكون موجودا ، وإذا عدم نفسه صار عادما
معدوما وذلك محال.
وإنما جاز هذا
لأن الفعل له في الظاهر ، والمعنى لغيره ، لأنه يدعو على نفسه بأن يعدم ، فكأنه
قال : عدمني غيري.
قال جران العود
:
* لقد كان لي عن ضرتين عدمتني
|
|
وعما ألاقي
منهما متزحزح
|
وسائر الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب علامة إضمار
المنصوب
المتكلم والمجرور
المتكلم
اعلم أن ضمير
المتكلم المنصوب الياء والنون مجتلبة لعلة وهي أنهم حرسوا أواخر الأفعال من دخول
كسرة عليها لازمة لتباعد الأفعال من الجر. فلما كرهوا كسر الفعل أدخلوا قبل الياء
نونا تقع عليها الكسرة التي تحدثها الياء ، وذلك قولك : ضربني ويضربني ، وأدخلوا
النون أيضا في ما لا يتحرك آخره من الفعل المعتل نحو : أعطى يعطي إتباعا للصحيح ،
ليكون حكم الفعل واحدا.
وبين سيبويه أن
حكم الضمير مع إن وأخواتها كحكمه مع الفعل وبين العلة في حذف النون من قولهم :
" إني" و" لعلي" ، وذكر أن الشاعر إذا اضطر أجرى"
ليت" في حذف النون مجرى" إن" وأنشد لزيد الخيل :
* كمنية جابر إذ قال : ليتي
|
|
أصادفه وأفقد
بعض مالي
|
فحذف النون
من" ليتني" لأنها زائدة ، وهذا في" ليت" أحسن منه في ضرب لأنه
يجريها مجرى أخواتها نحو" إني" و" لعلي".
واحتج سيبويه
بقطني و" لدني" و" مني" و" عني" أنهم : لم يحركوا
الطاء والنونات كراهية أن تشبه الأسماء المتحركة المتمكنة نحو : يد وهن.
وذكر أن الشاعر
إذا اضطر حذف النون منها وأنشد :
* قدني من نصر الخبيبين قدي
فحذف النون
من" قدي" الآخرة تشبيها بيد وهن إذا قلت : يدي وهني ومعنى"
قدني" و" قطني" : حسبي.
وأراد
بالخبيبين : عبد الله بن الزبير ، وكان يكنيّ : أبا خبيب وأخاه مصعب بن الزبير ،
__________________
وغلب أبا خبيب لأنه أشهر من أخيه كما يقال : سيرة العمرين ، يعني : أبو بكر
وعمر رضي الله عنهما.
وباقي الباب
مفهوم.
هذا باب ما يكون
مضمرا فيه الاسم
متحولا عن حاله إذا
أظهر بعده الاسم
وذلك قولهم :
لولاك وعساك.
قد تقدم أن
الاسم الظاهر بعد" لولا" مرفوع بالابتداء على مذهب سيبويه ومن تابعه ،
فينبغي إذا كني عنه أن يكون منفصلا ، فيقال فيه : " لو لا أنت" لأن سبيل
المضمر سبيل الظاهر في موضعه من الإعراب ، وهذا هو الشائع الكثير في كلام العرب.
قال تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ
لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ.)
ثم أجمع
النحويون المتقدمون من البصريين والكوفيين على الرواية عن العرب" لولاك"
و" لولاي" ، واستشهد سيبويه ببيت يزيد بن الحكم الثقفي :
* وكم موطن لولاي طحت كما هوى
|
|
بأجرامه من
قلة النيق منهوي
|
معنى طحت :
ذهبت ذهاب هلاك وهويت. وجرم كل شيء : جملته. والنيق : رأس الجبل.
ورد المبرد ما
رواه سيبويه وأبطل الاستشهاد بهذا البيت وزعم أن هذه القصيدة فيها خطأ كثير.
وهذا تحامل من
المبرد ، وتجاوز في الأخذ من النحويين والطعن على العرب أن يسقط الاستشهاد بشعر
رجل من العرب قد روى قصيدته النحويون وغيرهم ، وأن ينكر ما أجمع الجماعة على
روايته.
واختلفوا بعد
في موضع" الياء" و" الكاف" من" لولاي" و"
لولاك" بعد إجماعهم على روايته. فقال سيبويه : موضعها جر. وقال الأخفش هما في
موضع رفع. واستدل سيبويه على ذلك أن الياء والكاف لا يكونان علامة مضمر مرفوع ،
ورد على من زعم أن الموضع رفع ـ وأن الرفع وافق الجر ـ بأنك إذا أضفت إلى نفسك ،
فالجر مفارق للنصب في غير هذه الأسماء تقول : معي وضربني. ومعنى هذا الاحتجاج أنه
لو كان الرفع محمولا على الجر في لولاك لفصل بين اللفظين في المتكلم ، فقيل لولاني
كما فعل في النصب حين وافقه الجر في معك وضربك ، ثم خالفه في معي وضربني.
__________________
واحتج الأخفش
بأن علامة الجر دخلت على الرفع في لو لا كما دخلت علامة الرفع على الجر في قولهم :
ما أنا كأنت.
فإن قال قائل :
حروف الخفض هي صلات للأفعال ، فإذا جعلتم لو لا خافضة للمضمر ، فصلة أي شيء تكون؟.
قيل له : حرف
الجر قد يكون غير صلة لشيء كقولك :
بحسبك زيد ،
ومعناه : حسبك ، وكذلك : هل من أحد عندك؟ وإنما هو هل أحد عندك؟
واحتج الزجاج
لعمل" لولا" الجر في المضمر بأن خبر المبتدأ الذي بعد" لولا"
لا يظهر ، فأشبهت حروف الجر لوقوع اسم واحد بعدها ، وكان المضمر لا يتبين فيه
الإعراب ، فجعل موضع المجرور ، وزاد على هذا أنه احتج بقول رؤبة ، وهو ممن لا تدفع
فصاحته :
* لولاكما قد خرجت نفساهما
وأما"
عساك" و" عساني" ، فإن سيبويه جعل" عسى" بمنزلة"
لعل" تنصب ما بعدها الاسم ، والخبر مرفوع في التقدير ، وإن كان محذوفا.
واستدل على نصب
الكاف في قوله :
* يا أبتا علك أو عساكا
بقول عمران بن
حطان :
* ولي نفس أقول لها ـ إذا ما
|
|
تنازعني ـ لعلي
أو عساني
|
والنون والياء
في ما آخره ألف لا تكون إلا للنصب.
وقال الأخفش :
" الكاف" في موضع رفع ، وحجته : أن لفظ النصب استعير للرفع في هذا
الموضع ، كما استعير له لفظ الجر في" لولاك".
وجعلها المبرد
في موضع نصب على خبر" عسى" وجعل اسمها مضمرا فيها مرفوعا وقاسه على
قولهم : عسى الغوير أبؤسا.
هذا باب ما يحسن أن
يشرك المظهر المضمر
في ما عمل فيه وما
يقبح أن يشركه
بين سيبويه في
هذا الباب أن ضمير النصب يعطف عليه ، وإن لم يؤكد ، لأنه كالمنفصل
__________________
من الفعل حيث لم يبين ولا استكن فيه كاستكان ضمير الرفع.
واستقبح العطف
على المضمر المرفوع حتى يؤكّد ، وإنما ذلك لأن هذا الضمير قد يكون في الفعل بغير
علامة كقولك : قم واذهب.
ومنه ما له
علامة تغير بنية الفعل ، ولكن بتسكين آخره كقولك قمت وذهبت ، فلما كان كذلك ،
واختلط بحروف الفعل ، صار المعطوف عليه في اللفظ ، كأنه قد عطف على الفعل وحده ،
إذا كان الموجود لفظ الفعل مجردا ، أو ما يجري ببنيته مع الفعل كالمجرد ، والاسم
لا يعطف على الفعل فقبح لذلك ، فإذا أكد المضمر المرفوع أو فصل بينه وبين المعطوف
عليه بشيء حسن العطف وقوي ؛ لأنه يشبه الفاعل المنفصل بالتوكيد ، ويكون الكلام
الذي بينه وبين المعطوف عليه عوضا من التوكيد.
وزعم الأخفش
أنه سمع من يونس لابن أبي ربيعة :
* قلت إذا أقبلت وزهر تهادي
|
|
كنعاج الملا
تعسّفن رملا
|
فعطف على
المضمر في أقبلت وإن لم يؤكده ، وهذا جائز في الشعر. يصف جارية أقبلت في جوار زهر
يتهادين في مشيتهن ويترسلن فيها ثم شبههن ببقر الوحش إذ تعسفن رملا ، فسكنت مشيتهن
وهذا كقوله :
يمشين في
الربط والمروط كما
|
|
تمشي الهوينا
سواكن البقر
|
هذا باب ما ترده
علامة الإضمار إلى أصله
فصل سيبويه ـ في
هذا الباب ـ بين توكيد المضمر بالنفس وتوكيده بأجمعين ، فلم يستحسن توكيده بالنفس
حتى يؤكد ، واستحسن ذلك في أجمعين وإن لم يؤكد ذلك من أجل أن أجمعين لا يكون إلا
توكيدا ، فلم يحتج إلى أن يتقدمه ضمير ، ولما كان النفس اسما يتصرف ويكون توكيدا
وغير توكيد ، أشبه ما يعطف من الأسماء على الضمير المرفوع ، وبين أن عطف الظاهر
المجرور على المضمر المجرور غير جائز ، واحتج بما ذكره في الباب.
وهذا لا اختلاف
فيه بين النحويين.
واحتج المازني
لذلك بأن قال : لما كان المضمر المجرور لا يعطف على الظاهر إلا بإعادة الخافض ؛
لأنه لا ينفصل ، حمل عطف الظاهر عليه محمله إذا كانا مستويين في العامل ، وقد جاء
في الشعر عطف الظاهر المجرور على المضمر في أبيات كثيرة ، منها ما وقع في آخر هذا
الباب من كتاب سيبويه.
__________________
قال الشاعر :
* أبك أيه بي أو مصدر
|
|
من حمر الجلة
جأب حشور
|
فعطف المصدر
على المضمر المتصل بالباء ، وكان حقه أن يكون منصوبا ، لأنه بمنزلة : امرر بي أو
زيرا ، ولكنه اضطر إلى الجر لخفض القوافي ، ومعنى أية بي : صح بي ، يقال أيهت
بالإبل : صحت بها ، ومعنى آبك : أويلك ، والمصدر : العظيم الصدر.
والجأب والحشور
: الحمار الغليظ. والجلة : المسنة ، واحدها جليل.
وقال الآخر :
* فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا
|
|
فاذهب فمابك
والأيام من عجب
|
هذا ليس قبله
فعل يحمل عليه ، فالضرورة تدعو إلى حمله على المضمر المخوض.
وبيّن سيبويه
أن هذا المضمر ـ وإن أكد ـ فعطف الظاهر عليه لا يجوز كما جاز في ضمير الرفع ، لأن
التوكيد في المرفوع خارج عن الفعل ، فيعتبره بمنزلة الفاعل الذي ليس متصلا فتعطفه
عليه كما تعطف على ما ليس بمتصل من الفاعلين ، والمجرور لا يكون إلا متصلا بالجار
، فلا يخرجه التوكيد إلى شبه ما ليس بمتصل ، فاعلم ذلك.
هذا باب ما لا يجوز
فيه الإضمار من حروف الجر
وذلك الكاف الذي في
أنت كزيد وحتى ومذ
وإذا اضطر
الشاعر أضمر في الكاف.
قال العجاج :
* وأمّ أو عال كها أو أقربا
وقال العجاج
أيضا :
* ولا ترى بعلا ولا حائلا
|
|
كهو ولا كهن
إلا حاظلا
|
بين سيبويه في
الباب أنهم استغنوا بقولهم" مثلي" و" شبهي" عن إضافة" الكاف"
، واستغنوا بقولهم : " حتى ذاك" و" ومن ذاك" عن أن يضمروا.
وعلل الزجاج
ذلك فقال : لم يجز الإضمار في" حتى" لأنه يقع ما بعدها على ضروب
__________________
كثيرة ، " ومذ" يقع ما بعدها على غير ضرب ومنذ صارت في الأيام
خاصة.
وكان المبرد
يجيز إضافة ما منع سيبويه إضافته ويقول إذا كان ما بعد" حتى" رفعا : حتى
هو ، وإذا كان نصبا : حتى إياه ، وإذا كان جرّا : حتاه وحتاك. وفي" مذ"
في الرفع : مذ هو ، وفي الجر : مذه.
والصحيح ما قال
سيبويه في موافقة كلام العرب.
وأما قوله :
وأم أو عال : فهي هضبة ذكر قبلها مكانا آخر مؤنثا ، وشبه أم أو عال بها ، فقال : كها
، أي : مثلها ، وعطف" أقرب" على شيء قبل هذا البيت ، ولم يعطفه على
المضمر المجرور.
وأما قوله :
فلا ترى بعلا ولا حائلا كه ، فتقف على الهاء ساكنة ؛ لأنها ضمير خفض ، أي : كحمار
ذكره وأتن. والحاظل : مثل العاظل وهو المانع من التزويج. والحمار يمنع حمارا آخر
من قرب شيء من أتنه.
هذا باب ما تكون
فيه" أنت" و" أنا" و" نحن"
وما أشبهها وصفا
اعلم أن أصل
المضمر أن يكون على صيغة واحدة في الرفع والنصب والجر كما كانت الأسماء الظاهرة ،
ولكنهم فصلوا في المضمر ـ في بعض المواضع ـ بين صيغة المرفوع والمنصوب والمخفوض
للبيان ، وسووا بين المرفوع والمنصوب والمجرور في بعض المواضع لدلالة العوامل على
مواضعها من الإعراب نحو : قمنا وأكرمنا زيد ، ورغب فينا عمرو.
قد تقدم أن
المضمر المنفصل في الأصل للمرفوع ؛ لأن أول أحواله الابتداء ، وعامل الابتداء ليس
بلفظ ، فإذا أضمر لم يكن بد من أن يكون ضميره منفصلا. فإذا وصفنا المضمر المنصوب
والمجرور ـ ووصفهما هو توكيدهما ، لئلا يذهب الوهم إلى غيرهما ، كما يؤكدان بالنفس
والعين لتحقيق الشيء بعينه ـ احتجنا إلى ضمير منفصل. ولا ينفصل إلا ضمير الرفع
فاستعملنا في المجرور والمنصوب : المرفوع (فقلنا رأيتك أنت) ، ومررت بك أنت ، كما
اشتركن جميعا في" نا" وكما ذكرنا من إيجاب القياس اشتراكها كلها في لفظ
واحد.
والفائدة في
نعت المضمر بالمضمر ، والنفس بالعين ، أنك إذا قلت : مررت بك ، يجوز أن تكون مررت
بمن يخلفه أو يشبهه في أمر من الأمور ، فإذا قلت مررت بك أنت ، بينت أنه المرور به
، وكذلك إذا قلت : مررت بك نفسك.
ويسمي النحويون
هذا" وصفا" وإن خالف" وصف" زيد في المعنى ؛ لأنه يجري على
الأول في اللفظ مجرى النعت على المنعوت.
وبين سيبويه أن
هذه المضمرات لا توصف بها المظهرات لاختلاف ما بينهما.
فإن قال قائل :
وما يكره من هذا ، ومن كلامهم وصف المضمر بالمظهر في قولك : قمتم أجمعون ، ومررت
بهم أنفسهم؟
فالجواب أن
المضمر لا يوصف بما يعرفه ، وإنما يوصف بما يؤكد عمومه أو عينه ، والظاهر يشارك
المضمر في التوكيد بالعموم وبالعين كقولك : مررت بالقوم أجمعين ، ومررت بزيد نفسه
، ويختص الظاهر بالصفة التي هي تحلية عند التباسه بظاهر آخر مثله نحو : مررت بزيد
البزاز وما أشبهه.
وقد جرى
التوكيد والاختصاص مجرى صفة التحلية في اشتراك الصفة والموصوف في الإعراب والتعريف
، ومن شرط الصفة ألا تكون الصفة أعرف من الموصوف ، فلما كان المضمر أعرف من الظاهر
، لم يجعل توكيدا لظاهر ، لأن التوكيد كالصفة.
وأما البدل ،
فإنه يجوز أن يبدل من المضمر ، والمظهر من المضمر ، والمضمر من الظاهر. والفرق بين
البدل وبين التوكيد والصفة ، أن الصفة تطلب المشاكلة بينهما وبين الموصوف في
التعريف والتنكير. والبدل ليس يطلب ذلك ، لأنه يجوز بدل المعرفة من النكرة والنكرة
من المعرفة.
وباقي الباب
مفهوم.
هذا باب من البدل
أيضا
وذلك قولك : ما رأيته
إياه نفسه وضربته إياه قائما
بدأ سيبويه في
هذا الباب بالفعل الذي لا يجوز فيه الفصل ويجوز فيه التوكيد والبدل ، وهو كل فعل
لم يتعلق باسمين أحدهما هو الآخر. وأما ما يقع فيه الفصل ، فهو : ما كان من الفعل
متعلقا باسمين أحدهما خبر عن الآخر ، فيدخل الفصل بعد الأول ليؤذن أن الاسم قد تم
وبقي الخبر حسب.
وقد ضمن سيبويه
أحكامه ومسائله الباب الذي يلي هذا.
ومعنى قول
سيبويه في الباب : ونفسه تجزئ من إياه كما تجزئ منه الصفة.
يريد : أنك إذا
قلت : رأيتك نفسك ، أجزأت نفسك عن إياك ويكون معنى رأيتك نفسك ، كمعنى : رأيتك
إياك ، وهو : كأنت إذا قلت : رأيتك أنت ، أجزأت" أنت" عن أن تقول :
رأيتك أنت إياك لأنهما جميعا للتوكيد ، غير أن" النفس" يجوز أن يؤتى بها
مع الضمير الذي مع التوكيد ، فيكون توكيدا ولا يجوز أن يؤتى بضميرين متواليين
للتوكيد ، لا تقول : رأيتك أنت إياك.
وقوله : فإن
قلت : أظنه هو خيرا منه جاز أن تقول : إياه لأن هذا ليس موضع فصل.
فسر النحويون
أن مذهب سيبويه في هذه المسأله جائز ، ولم يجوزوا تقديم" إياه" على
" خير" واجتماعها مع هو لأنهما جميعا في مذهب واحد ، فسبيلهما
سبيل" اللام" و" إن" ، في التوكيد لا يجتمعان ، فإذا فصل
بينهما جاز.
هذا باب ما تكون فيه
هو وأخواتها فصلا
اعلم أن أصل
دخول الفصل ، إيذان للمخاطب المحدث ، بأن الاسم قد تم ولم يبق منه نعت ولا بدل ولا
شيء من تمامه ، وأن الذي بقي من الكلام هو ما يلزم المتكلم أن يأتي به وهو الخبر ،
وهو الذي نحاه سيبويه.
وقال بعضهم :
إنما أتي به ليؤذن أن الخبر معرفة ، أو ما يقوم مقامها وأجمع من هذين في التعليل
أن يقال : أتي بالفصل ليبين أن ما بعده ليس بنعت للاسم ، فجميع هذا سبب المجيء
بالفصل ، وأن الذي بعده كان مما يصح أن ينعت به الأول.
ومما يفصل بين
الفصل وبين الصفة والبدل ، أن الفصل تدخل عليه اللام ولا تدخل على الصفة والبدل ،
تقول في الفصل :
إن كان زيد لهو
الظريف ، وإن كنا لنحن الصالحين ، ولا يجوز مثل هذا في النعت والبدل ؛ لأن اللام
تفصل بين البدل والمبدل منه ، والصفة والموصوف ، وإنما جاز دخولها على الفصل لأنه
لا موضع له من الإعراب.
وقوله : "
واعلم أنهن لا يكن فصلا إلا في الفعل من مذهبه أنهن يكن فصلا في" إن"
وفي الابتداء ، وإنما ابتدأ بالفعل وخصه لأنه لا يتبين الفصل إلا فيه ، وأما"
إن" والابتداء ، فلا فرق فيهما بين الفصل وغيره في اللفظ.
وأنشد لقيس بن
ذريح :
* تبكّي على لبنى وأنت تركتها
|
|
وكنت عليها
بالملا أنت أقدر
|
رفع"
أقدر" ، ولو كانت القوافي منصوبة لنصب ، لأنه من النكرات المقاربة للمعرفة ،
والمعنى : أقدر منك الآن. والملا : ما اتسع من الأرض. يصف أنه طلق لبنى في موضع
مرتبعهم ، ثم ندم وبكى على فراقها.
وأنشد محتجّا
لشيء قدمه لرجل من بني عبس :
* إذا ما المرء كان أبوه عبس
|
|
فحسبك ما
تريد إلى الكلام
|
احتج به على أن
اسم" كان" مضمر فيها بمنزلته في المسألة التي قدم ، والجملة خبرها.
__________________
هذا باب لا تكون فيه
هو وأخواتها فصلا
ولكن يكن بمنزلة اسم
مبتدأ ، وذلك قولك : ما أظن
أحدا هو خير منك
اعلم أن الفصل
لا يكون بعد النكرة ، لأنه يجري مجرى صفة المضمر ، و" هو" وأخواتها
معارف فلا يجوز أن يكن فصلا للنكرة كما لا يجوز أن تكون المعارف صفات للنكرة.
وأما ما ذكر
سيبويه من إنزال أهل المدينة" هو" ها هنا بمنزلتها في المعرفة في كان
ونحوه ، فإن هذا الكلام إنما حمل على ظاهره ، فهو غلط وسهو ، لأن أهل المدينة لم
يحك عنهم إنزال" هو" في النكرة منزلتها في المعرفة. والذي حكي عنهم (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ.) و" هؤلاء" و" بناتي" جميعا معرفتان
، و" أطهر لكم" من باب هو خير منك.
والذي أنكر
سيبويه ، أن يجعل : ما أظن أحدا هو خيرا منك بمنزلة : ما أظن زيدا هو خيرا منك ،
وليس هذا مما حكي عن أهل المدينة في شيء. والذي يصح به كلام سيبويه ، أن يقال هذا
الباب والذي قبله بمنزلة باب واحد ، لأن الباب الذي قبله لما يجوز فيه الفصل ،
وهذا لا يجوز ، وقد يضمن باب واحد ما يجوز وما لا يجوز في معنى واحد وترجمة الباب
الثاني كالفصل ، وقد يجري في كلام سيبويه أن يترجم بابا يتضمن أشياء ثم يعيد ترجمة
الباب في بعض تلك الأشياء.
فإنما قصد
سيبويه إلى الآية خاصة.
ومعنى قول أبي
عمرو : احتباء ابن مروان في ذه باللحن أي : اشتمل بالخطأ وتمكن فيه ، وهو من قراء
المدينة ، وإنما لحن في قراءته لأنه جعل الفصل بين الحال وما قبلها ، ولا يكون
انفصال إلا بين شيئين لا يستغني عنهما ، وجملة ذلك ما كان بمنزلة الابتداء والخبر.
هذا باب أي
اعلم أن"
أيا" لتبعيض ما أضيف إليه ، ويأتي للاستفهام والجزاء فلا يوصل ، ويكون
بمعنى" الذي" موصولا ، وهو موضوع على الإضافة لأن المراد به في أحواله
الثلاث : بعض ما أضيف إليه وقد يفرد ومعناه الإضافة وردّ على سيبويه من هذا الباب
قوله :
" وإن
أدخلت الفاء جاز وجزمت تشاء" ونصبت" أيها" يعني في قولك : أيها تشأ
لك.
فقال الراد :
إضمار الفاء إنما يجوز في الشعر ، وقد ذكره سيبويه والذي أراده سيبويه : إذا أضمرت
في الموضع الذي يجوز إضماره كان حكمه أن ينصب" أيها" بفعل الشرط ويجزم
فعل الشرط.
وذكر سيبويه أن
العرب تقول : اضرب أيّهم أفضل ، والكوفيون يأبون هذا ويجرونه على القياس فينصبون.
ويقوي ما حكاه
سيبويه والخليل حكاية أبي عمرو الشيباني عن أحد مما يأخذ عنه اللغة من العرب أنه
أنشد :
* إذا ما أتيت بني مالك
|
|
فسلم على
أيّهم أفضل
|
ومذهب الخليل
أنه محمول على الحكاية وإنما وجهه على هذا لأن العرب لما تكلمت به مرفوعا ـ وهو
شاذ والقياس عندهم : اضرب أيّهم أفضل بالنصب ـ كان حمله على الحكاية أقوى عنده من
حمله على البناء الذي اختاره سيبويه.
ويقوي مذهب
سيبويه في البناء أن" أيّا" نظيره" من" و" ما" ،
وهما مبنيتان ، وكان حق" أيهم" أن يكون مبنيّا ، فلما دخل"
أيهم" نقص في العائد ضعف ، فرد إلى أصله من البناء كما أن" ما" في
لغة أهل الحجاز إذا تقدم خبرها أو أوجب ، ردت إلى ما يوجبه القياس من بطلان عملها.
وأما يونس فزعم
أن" اضرب" : معلقة بالجملة.
وهذا القول
ضعيف ، وإنما تعلق أفعال القلوب على الاستفهام كقولك : انظر أيهم في الدار؟ واعرف
أزيد في الدار أم عمرو؟
وتعليقه أن
يبطل علة ما بعده.
ومعنى قول
سيبويه : ومن قال : امرر على أيهم أفضل قال : امرر بأيهم أفضل.
كأنه قد
سمع" على أيهم أفضل" أكثر من" بأيهم أفضل" ، فقاس"
بأيهم" قياس" على أيهم" لأنه لا فرق بينهما.
وإذا
أفردت" أيّ" ، فالخليل ويونس فيها على مذهبهما من الرفع يقولان : اضرب
أي أفضل ، وهو القياس على مذهبهما لأنه ليس بمبني عندهما ، وإنما هو مرفوع
بالابتداء على التقدير الذي ذكر عنهما.
وسيبويه يرده
إلى الأصل فيقول : " اضرب أيّا أفضل" ، ومن حجته : أنهم لو بنوه في
الأصل لكان حقه أن لا ينون لأنه معرفة بمعنى" الذي" ، لأن المعرب الذي
يبنى في حال إذا كان مفردا معرفة لم ينون ، كقولك : يا زيد ومن قبل ومن بعد. وإذا
نكّر نوّن.
قال : ولو كانت
العرب بنته في الإفراد لزمتنا متابعتهم ولا يلزم القياس على الشاذ في كل شيء.
وأنشد سيبويه
للعباس بن مرداس :
* فأيي ما وأيك كان شرّا
|
|
فسيق إلى
المنية لا يراها
|
__________________
المعنى : فأينا
كان شرّا ، إلا أنه أفرد" أيا" لكل واحد من الاسمين وأخلصه له توكيدا ،
و" ما" : زائدة.
وأنشد لخداش بن
زهير في نحو هذا :
* ولقد علمت إذا الرجال تناهزوا
|
|
أيي وأيكم
أعز وأمنع
|
المناهزة :
المفاجأة في الغارة ونحوها.
وأنشد لخداش بن
زهير أيضا :
* أيي وأي ابن الحصين وعثعث
|
|
غداة التقينا
كان عندك أغدرا
|
ونظير هذا كثير
في كلام العرب ، وقد ذكر سيبويه بعض هذا.
هذا باب"
أي" مضافا على القياس
وذلك قولك : اضرب
أيهم هو أفضل
قد تقدم من
مذهب سيبويه في بناء" أيهم" إذا كان في معنى" الذي" أنه
استعمل فيه حذف العائد الذي لا يحسن في الذي بني ، وإذا استعمل في صلة ما يحسن في
صلة" الذي" لم يبن وتقدم أن السبب في بنائها : أن نظيريها ، وهما :
" من" و" ما" مبنيتان ، فإذا حذف العائد منهما فقد دخلها نقص
وإزالة عن ترتيبها ، فأجريت مجرى نظيرتها كما فعل بما ، إذا تقدم خبرها ـ أو أثبت
بإلا ـ ردت إلى قياس نظائرها من حروف الابتداء.
هذا باب"
أي" مضافا إلى ما لا يكون اسما إلا بصلة
فمن ذلك قولك : أي من
رأيت أفضل
اعلم أن"
أيا" إذا أضيفت إلى" من" ، فلا تكون إلا بمعنى" الذي"
و" أي" على وجوهها الثلاثة ، وتقديره هذه المسألة ، أي : الذين رأيتهم
أفضل ، فأي مبتدأ ، وأفضل خبره ، ورأيت من صلة" من" و" من" في
معنى جماعة.
قال : "
وتقول في شيء منه آخر" : أي من إن يأتنا نعطه نكرمه.
فأي استفهام ،
ولا يصح غيره ، و" من" بمعنى : الذي ، لأن" أيا" مضاف إليه ،
والشرط وجوابه في صلة من ، فتم أي اسما بالمضاف إليه وصلته. فكأنك قلت. أي القوم
نكرمه ، و" نكرمه" خبر" أي" ولو حذفت الهاء من نكرمه ،
نصبت" أيا" كأنك قلت : أيهم تكرم : ولو جعلت" أيا" خبرا
بمعنى" الذي" لم يجز حتى يزيد فيه.
وذلك أنك تحتاج
بعد المضاف إليه إلى صلة ، فيصير بعد : المضاف إليه وبعد الصلة
__________________
بمنزلة اسم واحد ، فتزيد ما يكون به كلاما وذلك قولك : أي من إن يأتنا نعطه
نكرم تهين.
"
فنكرم" صلة" لأي" ، فإن شئت ، أثبت الهاء فقلت : نكرمه ، وإن شئت
نزعتها ، ولا يتغير لفظ" أي" بنزع الهاء من نكرمه لأنه في الصلة ،
وتنصب" أيا" ب" تهين" ، فكأنك قلت : زيدا تهين ، ولو قلت :
تهينه لرفعت" أيا". ولو جعلت" أي" للمجازاة جزمت نكرمه ،
وتحتاج إلى جواب ، فتأتي بما يكون جوابا ، وذلك قولك : أي من إن يأتنا نعطه نكرم
ونهن ـ فنكرم شرط عامل في" أي" ، ونهن جزاء ومفعوله محذوف. وإن وصلت
الضمير بذكر ، رفعت أيا.
وذكر سيبويه عن
الخليل أن قولهم : أيهن فلانة وأيتهن بمنزلة قول بعض العرب : كلتهن في كلهن.
وقد يجيء مثل
هذا في أسماء مذكرة تقع على المذكر والمؤنث بلفظ واحد كقولهم : زيد خير الرجال ،
وعمرو شر الناس ، وهند خير النساء ودعد شر النساء. وربما قالوا : خيرة وشرة.
ومما يشبه هذا
: ضمير الأمر والشأن في المذكر والمؤنث كقولك : إنه زيد قائم ، وإنه هند قائمة ،
ثم يؤنثون في المؤنث دون المذكر ، فيقولون : إنها هند قائمة ، قال الله عز وجل : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ
وَلكِنْ) على إضمار القصة ، وقد أجاز بعضهم : إنها زيد قائم.
فاعرف ذلك.
هذا باب"
أي" إذا كنت مستفهما عن نكرة
اعلم أن الأصل
إذا قال القائل : رأيت رجلا ، أن يقول السائل : أي الرجل؟ ، لأن النكرة إذا أعيدت
، عرفت بالألف واللام وأضمرت.
يقول لك الرجل
: سألت رجلا عن كذا وكذا ، فتقول له : فما أجابك الرجل؟
فعدل عن هذا
تخفيفا إلى أن يؤتى" بأي" مفردا ، وأعرب بإعراب الاسم المذكور ليعلم أن
القصد إليه دون غيره ، وهو في موضع خبر الابتداء ، والابتداء محذوف ، أو في موضع
ابتداء وخبره محذوف وتقديره : أيا من ذكرت؟. وكذلك الرفع والخفض كقولك : أيّ من
ذكرت؟ وأيّ من ذكرت؟ فإذا وقعت" أي" على المعرفة ، لم تجز الحكاية كما
جازت في النكرة.
والفصل بينهما
أن المسألة عنهما على وجهين مختلفين ، ففرقوا بينهما لذلك. فأما المسألة عن النكرة
فإنما هي عن ذاتها لا عن صفتها.
فإن قال القائل
: رأيت رجلا ، فقال السائل : أيا؟ وجب على المسئول أن يقول : زيدا أو عمرا ؛ لأنه
لا يعرف الرجل عينا.
وإذا قال :
رأيت عبد الله ، فالقائل ، لم يورد ذلك إلا معتقدا أن المخاطب يعرفه ، وقد يجوز أن
يكون المخاطب يعرف جماعة بأعيانهم اسم كل واحد منهم : عبد الله ، فيحتاج إلى
تخليص كل من ذكر منهم بالنعت ، فإذا قال : أي عبد الله؟ ، فإنما سئل عن
نعته فيقول المسئول : العطار أو البزاز ، كما يبتدئ المتكلم بمعرفة وينعته إذا خاف
اللبس ، ولا بد من ذكر عبد الله ؛ لأن الجواب نعت ولا بد من ذكر المنعوت.
هذا باب : "
من" إذا كنت مستفهما عن نكرة
القول في حذف
الاسم المنكور بعد" من" كالقول في حذفه بعد" أي" ، إلا أن (من)
ضمّن لفظه من علامات دلائل إعراب المسئول عنه ـ وتثنيته وجمعه وتأنيثه ـ ما يدل
عليه ، وهذه العلامات ، إنما تلحقها في الوقف وليست بإعراب لها ؛ لأنها مبنية على
السكون ، وإنما هي دلالة على المسئول عنه. وإنما أدخلوا الضمة على" من"
ولم يجز الوقف على الضمة لأنه لا يوقف على متحرك ، ولم يجز أيضا ضمها إذا وصلوا ،
لأن" من" مبنية على السكون ، فاحتاجوا إلى وصلها بالواو في الوقف ليتبين
ما قصدوه من الدلالة على المسئول عنه وصار وصلها بالواو والياء والألف كوصل حرف
الروي في قولك في القافية : الرجلو ، والرجلا ، والرجلي. ولم يفعلوا هذا"
بأي" في الوقف لأنه معرب جار مجرى زيد وفرس ، ففعل به في الوقف ما فعل بهما.
وقولهم في
تثنية المؤنث : منتين بتسكين النون ، إنما كان ذلك لأن النون كانت في"
من" ساكنة ، وإنما حركتها في" منه" من أجل ما بعدها لأن هاء
التأنيث لا تقع إلا بعد حرف متحرك.
وحركت النون
في" منو" و" مني" لعلتين :
إحداهما : قولك
في النصب : " منا" لأن الألف لا تقع إلا بعد مفتوح فلما حركت في النصب ،
حركت في الرفع والخفض ليكون المجرى واحدا.
والعلة الأخرى
: أن الياء والواو خفيتان ، فحرك ما قبلهما ليظهرا ويثبتا. وإن شئت قلت : أدخلوا
الضمة والكسرة والفتحة أولا ، كما يدخلونها في" أي" وتبعتها الحروف لما
تقدم من العلة في ذلك.
وأما"
منتين" ، فسكنوا النون لأنهم بنوها مع التاء كما قالوا : منت ، وبنت وأخت ،
وحركوها في الواحد لخفاء الهاء ومضارعتها الألف ، ففتحوا ما قبلها كما يفتح ما قبل
الألف.
وأنشد سيبويه
في جمع" من" في الوصل ضرورة :
* أتوا ناري فقلت : منون أنتم؟
|
|
فقالوا :
الجن قلت : عموا ظلاما
|
__________________
قال الزجاج :
كأنه وقف على منون وسكت عندها ثم ابتدأ.
وللشاعر أن
يجري الكلام في الوصل مجراه في الوقف.
وهذا الشعر
ينسب إلى سمير بن الحارث ، وبعضهم يرويه : عموا صباحا وهو غلط لأن هذا البيت من
قصيدة قافيتها الميم ، وهي مشهورة.
هذا باب ما لا يحسن
فيه" من" كما حسن في ما قبله
قد تقدم أن
المسألة عن المعرفة لا تكون باسم واحد ، كما كانت عن النكرة في قولك : أيا ومنا ،
وذكرت الفصل بين المعرفة ، والنكرة.
وحكى سيبويه
أنه سمع من العرب من يقال له : ذهب معهم ، فيقول : مع منين؟ وإنما جاز هذا لأن
المتكلم بنى أمر المخاطب على أنه عارف بالاسم المكني عنه ، ولم يكن عارفا به ،
فأورد مسألته على غير ما ذكره المتكلم ، فكأن السائل سأل على ما كان ينبغي للمتكلم
أن يقول فيه : (ذهب مع رجال) ، فلما غلط المتكلم في توهمه ، وعلم المخاطب أنه
يعرفه رده المخاطب إلى الحق في حال تيقنه أنه غير عالم بمن ذكره ، وسأل عن ذلك ،
وجعل المتكلم كأنه قد تكلم به ، وقد يأتي الجواب على غير لفظ السؤال ، وقد تقدم
ذكره.
باب اختلاف العرب في
الاسم العلم
إذا استفهمت
عنه" بمن"
اعلم أن أهل
الحجاز يحكون كلام المتكلم في الاسم العلم رفعا كان أو نصبا أو خفضا لئلا يتوهم
المسئول أنه سئل عن غير الذي ذكره ، وموضع المنصوب والمخفوض في : من زيدا؟ أو من
زيد؟ رفع على خبر من ، كما أن قولهم : (دعنا من تمرتان) في موضع خفض.
وإنما يختار
أهل الحجاز الحكاية في الأسماء الأعلام دون غيرها ، لأن أكثر ما يخبر عن الناس بها
في جميع صفاتهم وأحوالهم.
والاسم العلم
إذا ذكر ، فكأنه مشتمل على تعريف جميع ما فيه من صفاته المعروفة ، وإنما ينعت إذا
زاحمه غيره في لفظه ليبين من غيره. فإذا لم يكن الاسم علما ، أجري على القياس ،
ورفع على الابتداء والخبر ، وإنما وجب رفع العلم إذا نعت أو عطف عليه لأن السائل
محتذ على كلام المتكلم فحكايته ـ لذكر العطف والنعت ـ تغنيه عن حكايته لإعرابه ،
وإنما جازت الحكاية" بمن" ، ولم تجز" بأي" في الأسماء الأعلام
لعلتين :
ـ إحداهما : أن
السؤال بمن عن من يعقل أكثر من السؤال" بأي" ، وما كثر استعماله فهم أشد
تغييرا له.
ـ والعلة الأخرى
: أن" أيا" معربة ، فإذا سألوا بها ، فلا بد من رفعها فإذا فعلوا ذلك
أتبعوها لفظ الاسم العلم على ما يوجبه القياس.
وحكى المبرد في
المقتضب عن يونس أنه كان يجيز الحكاية في جميع المعارف.
والذي حكاه
سيبويه عن يونس في الباب : " إذا قال رجل : رأيت زيدا وعمرا ، أو زيدا وأخاه
، أو : زيدا أخا عمرو ، فالرفع يرده إلى الأصل والقياس كما يرد : ما زيد منطلق إلى
القياس.
ولا أدري من
أين للمبرد هذه الحكاية عن يونس؟.
هذا باب من إذا أردت
أن يضاف لك من تسأل عنه
اعلم أن
الإنسان قد يحتاج إلى معرفة نسب من يذكر له إذا عرف ذاك الاسم لجماعة مختلفي
الأنساب ، فإذا سأل عنه وأورد لفظ المسألة مبهما منسوبا ، فاحتاج إلى ذكر اللفظ
المبهم الذي يسأل به عن : أي الرجل الذي يراد معرفة نسبه ، واحتاج إلى نسبته ،
وإلى الألف واللام.
فأما الاسم
المبهم فهو" من" لأنها بها يسأل عن الرجل المنسوب إليه وأما علامة
النسبة ، فليعلم أنه يسأل عنه منسوبا ويجري إعراب المبني على إعراب الاسم الذي
ذكره المتكلم ، إن قال : جاءني زيد ، قلت : " المني" وهو مشتمل على كل
من ينسب إلى" أب" ولا يحتاج في" المني" إلى ألف الاستفهام كما
لم يحتج إليها في" من".
وإذا جعلت
مكانها اسما منسوبا أدخلت ألف الاستفهام فقلت : أالقرشي أم الثقفي؟
هذا باب إجرائهم
صلة" من" وخبرها إذا عنيت
اثنين كصلة اللذين ،
وإذا عنيت جماعة كصلة الذين
اعلم أن
ل" من" لفظا ومعنى فأما لفظها : فواحد مذكر ، فإذا رددت إليها ضميرا من
صلتها أو خبرها أو غير ذلك ، كان واحدا مذكرا على لفظها. عنيت واحدا أو جمعا أو
مؤنثا أو مذكرا وإن أردت أن يكون العائد إليها على معناها ، فهو على ما يقصده
المتكلم من المعنى وقد مثل سيبويه المسائل في ذلك وذكر الشواهد عليه.
وأنشد في ما
حمل على المعنى للفرزدق :
* تعال فإن عاهدتني لا تخونني
|
|
نكن مثل من ـ
يا ذئب ـ يصطحبان
|
يريد ب"
من" نفسه والذئب ، فلذلك قال : يصطحبان ، و" من" هاهنا ، نكرة
و" يصطحبان" في موضع النعت ، ولا يحسن أن تقدرها معرفة لئلا تحول بين
الصلة والموصول بقوله : " يا ذئب" ، وليس من الصلة. والمعنى أنه وصف
ذئبا طرقه ليلا وقد أوقد نارا في فلاة نزل بها ، فدعاه إلى طعامه وشرط على نفسه إن
لم يخنه الذئب أن يكون صاحبه
__________________
وقبل هذا البيت :
وأطلس عسال
وما كان صاحبا
|
|
رفعت لناري
موهنا فأتاني
|
فقلت له لما
تكشر ضاحكا
|
|
وقائم سيفي
من يدي بمكان
|
تعال فإن ..
البيت
وذكر بعض
الكوفيين أنه إذا حمل من على المعنى لم يجز أن يرد إلى اللفظ وإذا حمل على اللفظ ،
جاز أن يرد إلى المعنى والذي يبطل ما قاله : قوله عز وجل : (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) بعد قوله : (خالِدِينَ فِيها
أَبَداً.)
هذا باب
إجرائهم" ذا" بمنزلة" الذي"
وإجرائهم إياه
مع" ما" بمنزلة اسم واحد
قد اشتمل تفسير
سيبويه للباب على وجهين مقدرين في" ماذا".
فإن قال قائل :
هلا جعلت" ذا" زائدة وجعلت" ما" للاستفهام وبمعنى"
الذي" كما كانت قبل دخول" ذا"؟
فإن سيبويه
استدل على بطلان هذا بشيئين.
أحدهما :
أن" ذا" لو كانت زائدة ، ثم قلنا ما ذا تصنع كانت" ذا" في
موضع نصب ، ويكون على الحقيقة جوابه منصوبا ، فلما قال لبيد :
* ألا تسألان المرء ما ذا يحاول
|
|
أنحب فيقضى
أم ضلال وباطل؟
|
فرفع قوله : أنحب
وهو بدل" مما" علم أن ما في موضع رفع وإذا كانت في موضع رفع ، فهي
مبتدأة ، وخبرها" ذا" ويحاول : صلة" ذا" ، وتقديره يحاوله
والنحب : النذر ، وهو ما يوجبه الإنسان على نفسه من فعل البر.
ومما احتج به
سيبويه على أن" ما" و" ذا" جميعا بمعنى : " الذي"
قول الشاعر :
* دعي ما ذا علمت سأتقيه
|
|
ولكن بالمغيب
نبئيني
|
فالحرفان جميعا
بمعنى" الذي"
فإن قال قائل :
هلا جعلت" ما" زائدة ، وجعلت" ذا" وحدها بمعنى" الذي كما
قال الله
__________________
عز وجل : (وَما تِلْكَ
بِيَمِينِكَ يا مُوسى.)
"
فتلك" بمعنى" التي و" يمينك" صلة لها؟
فالجواب :
أن" تلك" و" هذا" و" ذاك" وما جرى مجراها من أسماء
الإشارة لا يكن عند البصريين (بمعنى) الذي وأخواتها ، إلا" ذا" وحدها ،
إذا وصلت" بما" قبلها فلما كانت" ذا" لا تكون بمنزلة"
الذي" حتى تكون قبلها" ما" لم يجز أن تكون" ما" زائدة ،
إذا كان إخراجها من الكلام يبطل المعنى المقصود" بذا" و (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ) عندهم في موضع الحال ، كأنه قال : وما تلك مستقرة
بيمينك؟
هذا باب ما تلحقه
الزيادة في الاستفهام
جعل سيبويه في
هذا الباب الإنكار على وجهين :
أحدهما : أن
تنكر كون ما ذكر كونه وتكذب به وتبطله ، كرجل قال لك : أتاك زيد ، وزيد ممتنع
إتيانه عندك ، فتنكره لبطلانه عندك ، فهذا معنى قوله :
" إذا
أنكرت أن تثبت رأيه على ما ذكر".
والوجه الآخر :
أن يقول : أتاك زيد ، وزيد من عادته إتيانك ، فتنكر أن يكون ذلك على غير ما قال ،
كما يقول القائل في ما يرد عليه من الكلام إذا لم يشك فيه. ومن شك في هذا ، ومن
أنكره ، على وجه التعجب والإنكار ، لذكر مثله مما لا يشك في كونه ، وهذا معنى قوله
: " أو تنكر أن يكون رأيه على خلاف ما ذكر".
والعلامة التي
للإنكار على لفظين : أحدهما حرف ساكن من حروف المد واللين يلحق آخر اللفظ فيتبع
حركته وإن كان آخر اللفظ ساكنا ، حرك لاجتماع الساكنين ، فإن كان الحرف الساكن مما
لا يحرك ، فإنك تدخل عليه مثله في التقدير ، ثم تحذف الأول لاجتماع الساكنين ،
فإذا قال : رأيت المثنى ، قلت المثناه؟. وإن قال : مررت بالقاضي ، قلت : آلقاضيه؟
وإذا قلت : زيد
يغزو ، قلت : أزيد يغزوه؟
والعلامة
الأخرى : أن يترك لفظ المتكلم على حاله ويؤتى بالعلامة منفصلة ، فيقال : أعمرونيه؟
أو أزيدنيه؟
وقد ذكر سيبويه
علته.
والحرف
المزيد" أن" ثم زيد على" أن" ما يزاد على التنوين من حرف ساكن
في التقدير ، فيكسر لاجتماع الساكنين وتلحقه الهاء في الوقف لبيان العلامة.
هذا باب إعراب
الأفعال المضارعة للأسماء
قد بين سيبويه
سبب إعراب رفع الفعل ونصبه بما أغنى عن تفسيره.
واعلم أن ما
كان من أفعال الظن والخوف ، فإنه يجوز أن تقع على (أن) الثقيلة وعلى
(أن) الخفيفة ، وما كان من أفعال الإيجاب انفرد بالمشددة ، وما كان لغير
الإيجاب انفرد بالمخففة ، فلما كانت" أن" و" أن" تجتمعان في
كثير من الكلام ـ ومعناهما واحد في دلالتهما على المصدر ، ولفظهما سواء ـ حمل نصب
الفعل" بأن" على نصب الاسم" بإنّ".
وأما"
لن" و" كي" و" إذن" فمحمولة على" أن" في النصب
لمشاركتها لها في الاستقبال ، والدليل على ذلك أن" إذن" قد تدخل على
الحال فيبطل النصب بها.
وذكر سيبويه عن
الخليل في" لن" أن أصلها : " لا أن" ، ورد عليه سيبويه بما
ذكر في الباب.
ومما يدل على
بطلانه ، أنا إذا قلنا : لن أضرب زيدا ، كان كلاما تامّا لا يحتاج إلى إضمار شيء.
وإذا قلنا : لا أن أضرب زيدا لم يتم به الكلام ، لأن (أن) وما بعدها بمنزلة اسم
مبتدأ لا خبر له ، وليس لفظ" لن" وفقا للفظ" لا أن" ولا
معناها كمعناها ، فما الذي أوجب أنها هي؟
فإن قال قائل :
إذا زعمتم أن : " لن" و" كي" و" إذن" ، إذا حملت
على" أن" في نصبهن لاشتراكهن في الاستقبال ، فهلا نصبتم فعل الأمر.
والنهي والمجازاة وهن مستقبلات؟
قيل له : أما
لام الأمر ، فما بعدها جزم ، لأنه بمعنى الأمر المبني على السكون ، فلمضارعته له ،
ودخوله في معناه حمل على إعراب لفظه كلفظ البناء وحمل النهي على الأمر ، لأنه
نقيضه ، والأمر مبني ، كما جزم الفعل بلم ، لأنه نقيض الماضي والماضي مبني.
وأما المجازاة
فجزمت لأنها شرط وجواب ، فطالت ، واختاروا لها أخف
الإعراب وهو
الجزم لطولها.
هذا باب الحروف التي
تضمر فيها" أن"
ذكر سيبويه في
هذا الباب أن" كي" قد تكون بمنزلة اللام فتنصب بإضمار" أن"
واستدل على ذلك بقولهم : كيمه كما يقولون لمه ولو لم تكن بمنزلة اللام لثبتت الألف
في" ما" لأنّها لا تسقط إلا إذا كانت" ما" في موضع خفض ،
واتصل بها الخافض في الاستفهام.
ولام الجحد عند
سيبويه : بمنزلة" كي" في إضمار" أن" بعدها ، وبينهما فصل في
إظهار" أن" بعدهما ، فاستحسن ظهورها بعد لام" كي" ولم يجز
ظهورها بعد لام الجحد ، وإنما قبح ظهورها بعد لام الجحد لأنها نقيض فعل ليس تقديره
تقدير اسم ، ولا لفظه لفظ اسم ، وهو" السين" و" سوف" فإذا
قلنا : " ما كان زيد ليخرج" فهو قبل الجحد : كان زيد سوف يخرج" أو
سيخرج" فإذا قلنا : " ما كان ، وزيد لأن يخرج" ، بإظهار"
أن" فكأنما جعلنا مقابل : " كان سوف يخرج" و" سيخرج"
اسما فكرهوا" أن" لذلك.
وقال الكوفيون
: لام الجحد هي العاملة بنفسها ، وأجازوا تقديم المفعول كقولك : ما كنت زيدا
لأضرب.
وأنشدوا :
* لقد عذلتني أم عمرو ولم أكن
|
|
مقالتها ما
كنت حيّا لأسمعا
|
ومثل هذا لا
يجوز عند البصريين ، لأن" أن" بعد اللام مضمرة وما بعدها من صلتها إذا
تقدم عندهم بإضمار فعل دل عليه وما بعده.
هذا باب ما يعمل في
الأفعال فيجزمها
ذكر سيبويه أن
الجازم قد يجوز حذفه في الشعر وإعماله مضمرا ـ واحتج لذلك بقول الشاعر :
* محمد تفد نفسك كل نفس
|
|
إذا ما خفت
من شيء تبالا
|
أراد : لتفد
نفسك.
وكان المبرد
ينكر البيت ، ويزعم أنه باطل.
وذكر عن
المازني أنه قال : يجوز أن يكون الشاعر أراد تفدي نفسك على الخبر ولكنه حذف الياء
كما حذفوا من (دوامي الأيد).
وأجود من هذا
الاستشهاد خط المصحف ، وقراءة من قرأ :
(ما كُنَّا نَبْغِ
فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) [الكهف : ٦٤]
وأنشد لمتمم بن
نويرة :
* على مثل أصحاب البعوضة فاخمشى
|
|
لك الويل حر
الوجه أو يبك من بكى
|
أراد ليبك
وأجاز المبرد هذا البيت على أن يعطف (أو يبك من بكى) على معنى" فاخمشي"
، وقدره مجزوما باللام ، فكأنه قال : " فلتخمشي حر الوجه أو تبك" ومعنى
فاخمشي : فاخدشي ، ويجوز فاخمشي بكسر الميم.
ومثل هذا في
الحمل على المعنى قول الآخر.
* فقلت ادعي وأدع فإن أندى
|
|
لصوت أن
ينادي داعيان
|
__________________
كأنه قال :
لتدعي ولا أدع.
واعلم أن (لما)
معناها (لم) ، وجزمها كجزمها ، إلا أنها تزيد على (لم) بتطويل زمان ، تقول : ندم
زيد ولم تنفعه الندامة أي : ما نفعته عقب ندمه وإن قال : ولما تنفعه الندامة ، أي
إلى وقته وما بين (لم) و (لما) كما بين" فعل" و" قد فعل"
فلم" نفي فعل ، " ولما" : نفي قد فعل تقول : جاءني زيد ، فيقول
الراد : لم يجئ ، ويقول : جاء زيد وقد أعتم ، فيقول : جاء زيد ولما يعتم و (قد) و
(لما) جميعا في موضع الحال من زيد. فلو قال : ولم يعتم ، لم يحسن كحسن و" لما
يعتم" ، ومن أجل زمان" قد" و" لما" جاز حذف الفعل منهما
، كقولك : ندم زيد وقد نفعته الندامة وندم غيره ولما.
وتقول في"
قد" : (أزف الشخوص .... وكأن قد)
قال النابغة :
* لما تزل برحالنا وكأن قد
أي : قد زالت.
هذا باب وجه دخول
الرفع في هذه
الأفعال المضارعة
الأسماء
مذهب سيبويه أن
الفعل يرتفع بوقوعه موقع الاسم ، وهو عنده سبب رفعه لأن وقوعه موقع الاسم عامل غير
لفظي فمنزلته منزلة الابتداء في أنه عامل غير لفظي لا في أنه واقع يرتفع بالابتداء
ورأى أفعالا ترتفع في مواضع لا يقع فيها الاسم ، فبين أن تلك المواضع في الأصل تقع
فيها الأسماء ، وأنه عرض فيه معان اختاروا من أجلها لزوم الفعل وترك الأصل.
فمن تلك
المواضع : هلا يقول زيد ذاك ، ، والأصل : يقول زيد ذاك ، ثم قال قائل : لا يقول
زيد ذاك ، فينفي ثم يقول فيحضض السامع على القول فيجعل مكان" لا""
هلا".
ولما
كانت" هلا" وأخواتها للتحضيض ، ومعناهن معنى الأمر ـ ذكر الفعل لئلا
يزول معنى التحضيض والأمر ، والموضع موضع الابتداء.
ومثل ذلك : ما
أحسن زيدا." ما" : مبتدأة ، وأحسن" : فعل ماضي في موضع الخبر ،
وخبر الابتداء في تقديم الاسم لأنه شيء هو المبتدأ.
ونحن لا نقول :
ما محسن زيدا ، لأن ، أحسن" فعل ماضي يدل على استقرار يحسن فيه الذي ـ باستقراره
فيه ـ يستحق التعجب ، و" محسن" لا يدل على ذلك.
وقوله : "
ائتني بعد ما تفرغ"
"
ما" موصولة بتفرغ ، ويجوز وصلها بالابتداء والخبر كقولك :
" ائتني
بعد ما زيد أمير" ، قبلها الاسم والخبر ، ويليها الفعل فلذلك لم تنصب الفعل
كما
تنصبه" أن" وإنما مثلها سيبويه" بالذي" في أنها لا
تعمل شيئا كما يعمل" الذي".
وأما" كدت
أفعل" وما أشبهه ، فإنما لزموا فيه الفعل ، لأنه أريد بها الدلالة بصيغة
الفعل على زمانه ومداناته وقرب مواقعته.
فإذا قلت : كدت
أفعل كذا ، فلست بمخبر أنك فعلته ولا أنك عريت منه عري من لم يرمه ، ولكنك رمته
وتعاطيت أشياء منه حتى لم يبق بينك وبينه إلا مواقعته لفعله ، أو على حد فعله.
ولفظ : " كدت أفعل" ، أدل على حقيقة المعنى وأحضر في اللفظ.
ومثله : عسى
زيد أن يقوم ، ومعناه عسى زيد القيام ، إلا أن القيام لا يدل على زمان محصل فلزموا
اللفظ الذي يدل على زمان بعينه ، وإذا قلت : " عسى الغوير أبؤسا".
ومعنى قوله :
" فتركوا الفعل حين خزلوا أن ولم يستعملوا الاسم لئلا ينقضوا هذا
المعنى".
أي :
حذفوا" أن" في قولهم : جعل يقول ، وأخذ يقول ، ولم يستعملوا المصدر لئلا
ينقضوا مقاربة الحال كما فعلوا في : " كاد يفعل" لأن لفظ الفعل مجردا
يدل على الحال ولا يدل عليه المصدر ومعنى" تركوا الفعل" أي : أبقوه ولم
يحذفوه.
هذا باب إذن
مذهب سيبويه
أن" إذن" هي العاملة الناصبة ، وذكر أن مذهب الخليل ذلك في ما سمعه هو
منه ، وذكر عن غيره الخليل أن (أن) بعدها مضمرة ، واحتج عليه بما ذكره آخر الباب.
واعلم أن"
إذن" تلغى من بين حروف النصب وجاز ذلك لأنها جواب يكفي من بعض كلام المتكلم ،
كما تكفي" نعم" و" لا" من كلامه. يقول القائل : إن تزرني أزرك
، فيجاب : إذن أزورك والمعنى : أزورك للشرط الذي شرطت فنابت" إذن" عن
الشرط ، وكفت من ذكره. ويقول : أزيد في الدار؟. فيقال له : نعم أو لا فينوب"
نعم" و" لا" عن قوله : زيد في الدار ، وما زيد في الدار ، فلما
كانت" إذن" جوابا ، قويت في الابتداء لأن الجواب لا يتقدمه كلام ، ولما
وسطت وأخرت ، زايلها مذهب الجواب فبطل عملها.
وأنشد لابن
عنمة الضبي :
* أردد حمارك لا تنزع سويته
|
|
إذن يرد وقيد
العير مكروب
|
فأعلم"
إذن" لأنها جواب مبتدأ ، والمعنى : يرد إن لم تردده فنابت" إذن" عن
هذا المعنى ، وقدمت فأعملت. والسوية : البرذعة ، وقيل هو شيء يكون تحت البرذعة.
__________________
والمكروب :
المشدود بالكرب وهو الحبل.
وأنشد لكثير
عزة :
* لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها
|
|
وأمكنني منها
إذن لا أقيلها
|
فالمعنى :
" إذن" ، لأن الكلام معتمد على القسم ، والمعنى :
والله لئن (عاد
لي بمثلها لا أقيلها إذن). وعبد العزيز بن مروان أخو عبد الملك ، والضمير في قوله
: بمثلها يعود على مذكور قبل هذا البيت وهو قوله :
فإن ابن ليلي
نالني بمقالة
|
|
ولو سرت فيها
كنت ممن ينيلها
|
فالضمير في
قوله : بمثلها ، يعود على : المقالة المذكورة في هذا البيت والمعنى : ممن ينيلهوها
أي : ينيله إياها ، أي : ممن ينيلها ابن ليلي.
ومعنى لو سرت
فيها : لو سرت في طلبها.
فإن قيل : كيف
ينيله المقالة؟
فإن المعنى
ينيله المقولة فيه ، كقولك : الخلق في معنى المخلوق.
وباقي الباب
مفهوم.
باب حتى
مذهب سيبويه أن
حتى من الحروف الخافضة ، وأنها إذا نصبت الفعل نصبته بإضمار" أن" كاللام
لأن ما بعدها في الأسماء مخفوض إذا كانت غاية ، فلما وقع الفعل بعدها وكانت حروف
الجر لا تعمل في الأفعال ، أضمرت" أن" بعدها فنصبت الفعل ، وكانت مع
الفعل بمنزلة اسم تعمل فيه" حتى".
ومما يدل على
أنها خافضة للأسماء دون أن يقدر بعدها" إلى" قولهم حتى م؟ وحتى مه؟ كما
تقول : إلى م؟ ، وإلى مه؟ ، فسقطت الألف من" ما" كما تسقط مع سائر حروف
الجر إذا دخلت عليها في الاستفهام.
واعلم أن (أن)
لا تظهر بعد" حتى" ، كما تظهر بعد" إلى" لأن (إلى) لا تدخل
إلا على الأسماء ، فألزموا (إلى) دخول (أن) لتظهر إسمية ما دخلت عليه ، قوة لزومها
الخفض ، ومن أجل ذلك حسن ظهور (أن) بعد اللام المكسورة ، ولا يحسن ظهورها بعد حتى
لأن عملها يبطل في أحواله فتدخل على الأسماء بمعنى حروف العطف. وتدخل على الأفعال
في مواضع ،
__________________
فلا تعمل شيئا. وتكون كحروف الابتداء ، فلم يكن لها قوة الخفض فمنعوها ـ من
ظهور" أن" بعدها ما أعطوه (إلى) لقوتها في الخفض.
واعلم أن رفع
الفعل بعد" حتى" على وجوه : أصلها : وجه واحد في المعنى ، وذلك أن يكون
ما قبلها موجبا لما بعدها ومؤديا إليه. ولكن بما يوجبه ما قبلها فقد يجوز أن يكون
عقيبا له ، ومتصلا به ، وقد يجوز أن يكون متصلا به ، ولكن يكون موطأ مسهلا بالفعل
الأول متى اختاره صاحبه أوقعه.
ومن هذا قوله :
لقد سرت حتى أدخلها ما أمنع ، لأن السير مكن له أن يدخلها كيف شاء في المستقبل.
وكذلك : "
رأى مني عاما أول شيئا حتى لا أستطيع أن أكلمه العام بشيء ـ لأن الذي رأى منه
العام الأول هو الذي أصاره في عامه إلى الضعف عن كلامه ، وسائره محمول على ما
ذكرنا. و" حتى" في رفع الفعل بمنزلة حروف الابتداء وسبيلها في بطلان
عملها في الفعل كسبيلها في بطلان عملها في الاسم إذا كانت عاطفة.
ومعنى تقدير
سيبويه حتى إذا رفعت ما بعدها تقدير الفاء إنما أراد أن يشبه كون الفعل في ما مضى
مع" حتى" بكونه مع" الفاء" في ما مضى ، ولم يرد أن يوجب أن
عمل (حتى) ومعناها ، كعمل" الفاء" ومعناها لأن" الفاء" ، لم
يكن قيام زيد من أجل خروجه.
واحتج سيبويه
على أن رفع الفعل بعد حتى كرفع الاسم بقول الفرزدق :
* فيا عجبا حتى كليب تسبني
|
|
كأن أباها
نهشل أو مجاشع
|
فرفع ما بعد
حتى بالابتداء والخبر.
ومعنى البيت :
أنه تعجب من مهاجاة جرير له ، وكليب رهط جرير وهم لا يقاومون في الشرب نهشلا
ومجاشعا ، وهم رهط الفرزدق.
وهذا كقوله :
* ولكن نصفا لو سببت وسبني
|
|
بنو عبد شمس
من مناف وهاشم
|
فلم يرض أن
يساب إلا من كان شريفا مثله. وفي البيت الأول استعظم لجرير أن يسابه وهو في الشرف
دونه. والمعنى : فيا عجبا يسبني الناس حتى كليب تسبني على تحقير كليب وتصغير
شأنهم.
واحتج في رفع
الفعل بعد حتى بقول حسان بن ثابت :
* يغشون حتى ما تهر كلابهم
|
|
لا يسألون عن
السواد المقبل
|
__________________
فرفع ما
بعد" حتى" على معنى : حتى أنهم لا تهر كلابهم ، أي حتى هذه حالهم.
والمعنى : أن هؤلاء القوم يكثر التردد عليهم والغشيان لهم طلبا لمعروفهم حتى إن
كلابهم لا تنكر من أتاهم ولا تنبحه.
وقوله : "
لا يسألون عن السواد المقبل ، أي : قد عرفوا أن كل من يفد عليهم ويغشى فناءهم طالب
لمعروف ، فيستغنون عن السؤال عنه لمعرفتهم به. والسواد ها هنا : الشخص ، ويكون
أيضا معظم القوم.
وأنشد أيضا ـ في
اتصال الفعل بعد حتى بما قبلها كاتصاله بالفاء ـ لعلقمة بن عبدة :
* تراد على دمن الحياض فإن تعف
|
|
فإن المندّى
رحلة فركوب
|
فاتصل الركوب
بالرحلة هنا في ما مضى كاتصال الفعل بعد حتى بما قبلها في قولك : سرت حتى أدخلها ،
أي : كان مني سير فدخول. يصف أنه سائر متعجل ، فإذا عرض ناقته على دمن الحياض وهو
ما بقي من الماء فيها فتغير لقلته ، فإن عافته وامتنعت من شربه لم يقم عليها ولا
نداها. والتندية : أن تشرب شيء ثم تعف ثم تعاد إلى الشرب ، ولكن يرحلها أي يجعل
الرحل عليها فيركبها ، وقوله : فإن المندى رحلة ، أي : الذي يقوم لها مقام المندى
رحلة ، كقولهم : " عتابك السيف.
هذا باب الرفع في ما
اتصل بالأول كاتصاله بالفاء
وما انتصب لأنه غاية.
تقول سرت حتى أدخلها
وقد سرت حتى أدخلها
اعتمد بهذا
الباب ذكر ما قد كان بعد" حتى" متصلا بما قبلها ، وذلك ما كان من
المرفوع ، وقد أوجبه ما قبله ، وما كان من المنصوب غاية وهما يتقاربان في
اشتراكهما في اتصال ما قبلهما بما بعدهما ، فاتصل المرفوع بما قبله كاتصال ما
بعد" الفاء" بما قبله.
وكل فعل كان
مبناه على الإيجاب فهو مما يرتفع به الفعل بعد" حتى" وإن اتصل به تشكك ،
كقولك : سار عبد الله حتى يدخلها وسار حتى يدخلها ، أرى وبلغني وما أشبهه.
ويجوز أن يكون
ما قبل" حتى" المرفوع وما بعدها من أفعال الظن ، لأن القلوب تنعقد على
ذلك ، وإن كان من فيه بعض عوارض الشك ، كانعقادها على العلم واليقين ، ويكون اللفظ
عليه كما يكون ذلك في الخبر واليقين ، وذلك قولك : أظن عبد الله سار حتى يدخلها.
__________________
وكذلك إن كان مبنى الكلام على الجحد وعقيبه إيجاب ، فهو كالإيجاب كقولك :
" ما سرت إلا قليلا حتى أدخلها ، لأنه بمعنى : سرت قليلا حتى أدخلها ،
والقليل قد يؤدي إلى الدخول كما يؤدي الكثير إليه.
وحكي سيبويه عن
بعض النحويين أنهم لا يجيزون الرفع بعد" حتى" في ما لا يصلح فيه القلب ،
وضعف قولهم واحتج عليهم أيضا بأنه لا فرق بين قولنا : " كنت سرت حتى
أدخلها" ، وبين : سرت مرة الزمان حتى أدخلها لأنه يحسن فيه القلب ، تقول :
سرت حتى أدخلها مرة في الزمان الأول.
وذكر سيبويه :
إنما سرت حتى أدخلها ، فأجاز الرفع والنصب في موضع ، ولم يجزه في موضع ، وذلك
أن" إنما" تكون على وجهين :
أحدهما : تحقير
الشيء ، والآخر : الاقتصار عليه.
فأما الاقتصار
عليه : فأن تقول في رجل ادعي له شجاعة وكرم وغير ذلك : " إنما هو شجاع"
، فعلى هذا الوجه ترفع الفعل بعد" حتى" لأنك قد أثبت قبلها فعلا يؤدي
إلى ما بعدها.
وأما تحقير
الشيء : فقولك لمن تحقر صنيعه : إنما تكلمت فسكت لم تعتد بكلامه.
فعلى هذا الوجه
نصب سيبويه : إنما سرت حتى أدخلها ، لأنه لم يعتد بسيره سيرا ، فصار بمنزلة المنفي
وقبح الرفع ، لأنك لم تجعل السير مؤديا إلى الدخول فيكون منقطعا بالدخول ، ولا
نصبت" يدخل" فيكون غاية السير. وهذا معنى قول سيبويه" ليس في اللفظ
دليل على انقطاع السير يعني : إذا رفعت مع التحقير.
واعلم أنك إذا
قلت : كثر ما سرت حتى أدخلها ، وطال ما سرت حتى أدخلها ، لم يجز فيه غير النصب
لأنك لم تذكر فعلا يؤدي إلى الدخول ، وإنما نفيت فعلا ولم تثبت فعلا آخر ولهذا نصب
سيبويه بعد قل ما سرت حتى أدخلها ، ولما كان نفيا لكثر ما سرت كما أن" ما
سرت" نفي لقوله : سرت.
وقوله بأنه
قبيح أن تقول : قلما سرت فأدخلها .. كقبح ما سرت فإذا أنا داخل. لأن الفاء تقتضي
أن ما بعدها وقع عقب فعل اتصل به ، وأنت قد نفيت ما قبل الفاء. ولو قلت قل ما سرت
فأدخلها فنصبت ، كان جيدا للنفي ، كما تقول : " ما أتيتنا فنكرمك". ولا
يحسن : كثر ما سرت فأدخلها ، لأنه موجب.
والذي يعتبر
القلب بنصب : ربما سرت حتى أدخلها ، لأنه لا يحسن أن تقول : " سرت حتى أدخلها
ربما" ، وطال ما وكثر ما.
ثم قال سيبويه
: فإن احتجوا ـ يعني في نصبها ـ بأنه غير سير واحد ، فرد كلامهم بأنه
يقال : " سرت غير مرة حتى أدخلها" ، وهذا يعرفونه ، لأنه يحسن في
القلب ، ومعناه معنى : " ربما سرت" و" طال ما سرت" ، فأبطل
احتجاجهم في النصب إذا تعلقوا بغير القلب.
وقوله : ولكنهم
اعتزموا على النصب في ذا كما اعتزموا عليه في قد.
يريد أن نصب
العرب لما ينصبونه من : ربما سرت حتى أدخلها ، وكنت سرت أدخلها ، وغير ذلك ، لم
يكن من أجل قبح القلب ، ولكن لأن كل ما يرفع بعد" حتى" يجوز فيه النصب
على الغاية ؛ لأن ما بينهما متقارب في المعنى ، لأن" السير" ينقطع
عند" الدخول" رفعت أو نصبت ؛ لأنهم ذهبوا به مذهب الغاية.
ويجوز في الرفع
كما جاز بعد : " قد سرت" ، والنصب أيضا عنده جائز.
وقوله : "
أن أسير" بمعنى" سرت إذا أردت" بأسير" معنى" سرت".
اعلم أن هذا
إنما يستعمل إذا كان الفاعل قد عرف منه ذلك الفعل خلقا وطبعا ، وينكر منه في المضي
والاستقبال. ولا يكون لفعل فعله مرة من الدهر ، من ذلك ما أنشد لبعض السلوليين :
* ولقد أمر على اللئيم يسبني
|
|
فمضيت ثمة
قلت : لا يعنيني
|
يريد : "
ولقد مررت" ، ولم يرد أن ذلك كان منه مرة وأنه لا يعود إليه ، وإنما أراد أن
ذلك كان منه سجية أبدا يصف في البيت أنه يكرم نفسه عن معارضة من سبه من اللئام برد
الجواب عليه ، لأن ذلك مما يغض منه.
ومثل هذا قول
حاتم :
* وأعرض عن شتم اللئيم تكرما
وقوله : فمضيت
ثمة قلت : لا يعنيني أي : أنزلته منزلة من لم يعنيني بالسب فلم أجبه.
وقال الأخفش :
ما سرت حتى أدخلها ، معنى الرفع فيه صحيح إلا أن العرب لم ترفع غير الواجب في
باب" حتى" ، ألا ترى أنك لو قلت : " ما سرت فأدخلها" ، كان
حسنا.
وغلط الأخفش ،
وذلك أن الدخول في" حتى" إذا رفع إنما يقع بالسير ، فإذا نفى السير لم
يكن دخول. وكأن الأخفش أراد أن" ما" تدخل على قولك : سرت حتى أدخلها بعد
وجوب الرفع فتنفي جملة الكلام ، فلذلك رآه صحيحا في القياس ، وإن كانت العرب لا
تتكلم به.
هذا باب ما يكون
العمل فيه من اثنين
وذلك قولك :
" سرت حتى يدخلها زيد" وكذلك : " سرت حتى يدخلها ثقلي".
__________________
قد تقدم أن رفع
الفعل بعد حتى بإيجاب ما قبله له وتأديته إليه ، فإذا قلت : (سرت حتى أدخلها) جاز
أن يدخلها أيضا من يتبعك ومن يسير بسيرك من أجير وصاحب وثقل ونحو ذلك ؛ لأنك تؤدي
بسيرك إلى دخولهم إذا ساروا معك كما تؤدي به إلى دخولك.
ومنع سيبويه
جواز : " سرت حتى أدخلها وتطلع الشمس".
أما امتناع
الرفع : فلأن السير لا يؤدي إلى الطلوع ، وأما امتناع النصب : فلأن"
حتى" التي ترفع ما بعدها ليست هي التي تنصب الفعل ، فبطل إضمارها ، فإن أردت
النصب ذكرت" حتى" قبل" تطلع" فجاز.
وأنشد لامرئ
القيس :
* سريت بهم حتى تكلّ مطيّهم
|
|
وحتى الجياد
ما يقدن بأرسان
|
فنصب"
تكل" ولو رفع لجاز ، ولكنه نصب ليريك جواز عطف" حتى" على"
حتى" وهما مختلفان في النصب والرفع لأن الأولى :
نصبت"
تكل" ، والثانية : بعدها مبتدأ وخبر ، ولو وقع موقع المبتدأ فعل لكان مرفوعا.
يصف أنه أطال
السير بهم حتى كلت إبلهم وانقطعت خيلهم حتى لم تحتج إلى أن تقاد بأرسان.
ومثل هذا قول
زهير :
حتى يؤوب بها عوجا معطلة
أي : قد عطلت
من الأرسان وغيرها.
هذا باب الفاء
اعلم أن"
الفاء" في الأصل في جميع أماكنها عاطفة ، وإن اختلفت معانيها ، وقد يتناول
العامل الشيئين بإعراب واحد على وجهين مختلفين ، كقولك : " لو ترك زيد وعمرو
لضربه" ، وكذلك : " لو ترك أخواك لظلم أحدهما الآخر" ، بلفظ"
الترك" قد وقع عليهما وهما مختلفان ؛ لأن أحدهما ممنوع ، والآخر ممنوع منه.
والعطف"
بالفاء" على وجهين : أحدهما : عطف ظاهر ، والآخر : عطف متأول.
فالعطف الظاهر
: أن تدخل الثاني في إعراب الأول وفي معناه ، ويجوز مكان ذلك : ثم.
وأما العطف
المتأول المحمول على المعنى : فهو أن يكون ما قبل" الفاء" غير موجب ،
ويكون معلقا بما بعد" الفاء" شرطا على وجوه مختلفة أخرت إلى التغيير
وإضمار أن لتدل على تلك الوجوه.
__________________
فمن ذلك :
" ما تأتيني فتحدثني" ، بالنصب من وجهين :
أحدهما : أن
يكون الإتيان منفيّا نفيا مطلقا ، والحديث ممتنع من أجل عدم الإتيان ، ولو وجد
الإتيان لوجد الحديث.
الوجه الآخر
معناه : " ما تأتيني أبدا إلا لم تحدثني ، أي : منك إتيان كثير ولا حديث منك.
فالإتيان المنفي هو الإتيان الذي معه الحديث.
فهذان الوجهان
المقصودان في النصب هما معنا عطف" تحدثني" على" تأتيني" في
الرفع. لأنه إذا رفع الفعلين ، فليس أحدهما شرطا في الآخر. والرفع بعد"
الفاء" على وجهين :
أحدهما : أن
تعطف الثاني على الأول" بالفاء" كما تعطفه" بثم" فيكون النفي
مشتملا عليهما.
والوجه الآخر :
أن يكون الإتيان منفيّا ، والحديث موجبا ، ويكون عطف جملة على جملة ، كأنه قال :
" ما تأتيني ثم أنت تحدثني الآن" ، وليس يتعلق أحدهما بالآخر ، ولا هو
شرط فيه. فلما لم يكن عطفه على ظاهر لفظه ـ لئلا يبطل المعنى المقصود به ـ ردوه في
التقدير إلى ما لا يبطل معناه. فجعلوا الأول في تقدير مصدر ، وإن لم يكن لفظه لفظ
المصدر الظاهر ، وجعلوا الثاني مقدرا بمصدر ليس بظاهر ، فلذلك قدرت" أن"
ـ فعلمت ، ولم تظهر ، وكان هذا التقدير والتغير والعدول عن الظاهر دلالة على
المعنى المقصود ولو أظهرت (أن) لكان المصدر قد ظهر ولم يظهر في المعطوف عليه فجعل
التغير لهما كالمشاكلة بينهما ، واكتفي بذلك.
وقد قوى سيبويه
هذا بما ذكره من تقدير ما لا يتكلم به ولكنه محمول على المعنى والفاء ـ وإن نصبت
ما بعدها بإضمار" أن" في جميع الأجوبة ، فحكمها مختلف في المعنى
واختلافها : أن جواب النفي على وجهين مختلفين قد تقدم ذكرهما.
وجواب
الاستفهام والأمر والنهي والتمني على المعنى ، وليس ذلك المعنى الذي في وجهي النصب
الجحد لأن قولك : " لا تأتيني فتحدثني ، على معنى : " ما تأتيني فكيف
تحدثني ، أو على : " ما تأتيني إلا لم تحدثني ، وهذان المعنيان ليسا في جواب
الاستفهام ولا في جواب الأمر واتفاق العامل في ذلك مع اختلاف المعاني كقولك :
" يعلم
الله" ، " ويذهب زيد" فقد اختلفا في المعنى وعملهما واحد.
وأما قوله :
" ما أتيتنا فتحدثنا".
وجها النصب في
تحدثنا جيدان وإن كان الفعل الأول ماضيا والثاني مستقبلا. فأما الرفع : فأحد وجهيه
جيد والآخر ضعيف.
فأما الجيد :
فعلى معنى : فأنت تحدثنا الساعة.
وأما الضعيف :
فأن تريد : ما أتيتنا فتحدثنا ، فتنفيهما جميعا.
وحد الكلام في
ذلك أن تعطف الماضي ، ولكن الذي رفعه ، حمله على أن ما إذا وقع بعدها فعل معرب رفع
فصار موضع الماضي موضع الرفع ، فلذلك رفع المستقبل بعده.
ومعناه
معنى" ما كنت تأتينا فتحدّثنا".
والإتيان
والحديث منفيان في ما مضى.
وقوله : "
لا يسعني شيء فيعجز عنك.
ليس في هذا إلا
وجه واحد ، كأنك قلت : " لا يسعني شيء إلا لم يعجز عنك". ولو حملته على
الوجه الآخر من النصب فسد الكلام لأن تقديره:
" لا
يسعني شيء فكيف يعجز عنك ذلك الشيء؟ ".
ومن المحال أن
لا يسعه شيء ومن المحال أن كل ما لا يسعه لا يعجز عن المخاطب.
والرفع في
الوجهين أيضا فاسد ؛ لأنه ينتقل معناه إلى أنه : " لا يسعه شيء" ، وهو
محال.
وأنشد مستشهدا
للحمل على المعنى قول الفرزدق :
* وما زرت سلمى أن تكون حبيبة
|
|
إليّ ولا دين
بها أنا طالبه
|
فعطف قوله :
" ولا دين" على تقدير اللام في قوله : " أن تكون حبيبة" ،
أي" ما زرتها لأن تكون حبيبة". وحقيقته : وما تركت زيارة سلمى لامتناع
أن تكون حبيبة ولا أن تطالبني بدين ولكن خوف العيون والوشاة ، هكذا فسره أبو جعفر
النحاس عن أبي الحسن الأخفش.
وظاهر البيت لا
يدل على هذا التفسير وإنما يدل على أنه : زارها لغير محبة فيها ولا دين يطلبه
عندها إلا لمعنى أراده.
وأنشد لبعض
الحارثيين :
* غير أنّا لم تأتنا بيقين
|
|
فنرجى ونكثر
التأميلا
|
كأنه قال :
" فنحن نرجى على كل حال وإن لم تأتنا بيقين ، ولم يجعل الثاني واقعا بسبب
الأول.
وأنشد للفرزدق
:
* وما قام منا قائم في ندينا
|
|
فينطق إلا
بالتي هي أعرف
|
__________________
فنصب الفعل
لأنه جعل ما قبله سببا له والمعنى : وما قام منا قائم إلا ناطقا بالمقالة التي هي
معروفة بالصواب لا ينكرها أحد ولا يردها.
وأنشد ـ للعين
ـ في مثل هذا :
* وما حل سعديّ غريبا ببلدة
|
|
فينسب إلا
الزبرقان له أب
|
يريد أن
الزبرقان : سيد قومه المشهور فيهم وهو من بني سعد ، فإذا تعرف رجل من قومه فيسأل
عن نسبه انتسب إلى الزبرقان كما ينتسب الرجل إلى أبيه.
وأنشد للفرزدق
:
* فما أنت من قيس فتنبح دونها
|
|
ولا من تميم
في اللها والغلاصم
|
فنصب تنبح ولو
رفعه على القطع لجاز أي : فأنت تنبح على كل حال. والمعنى : فما أنت من قيس فتهاجي
عنها ولا تذب عن أعراضها ولا أنت من تميم في موضع الشرف منها وضرب اللها والغلاصم
مثلا للشرف لأنها في الرأس ، والرأس أشرف ما في الإنسان وأرفعه ، وكثيرا ما يضربون
به المثل لهذا المعنى.
وأنشد لأمية بن
أبي الصلت :
* ألا رسول لنا منا فيخبرنا
|
|
ما بعد
غايتنا من رأس مجرانا
|
فنصب"
يخبرنا" على الجواب ، ولو قطعه لجاز.
وأنشد أيضا :
* ألم تسأل فتخبرك الرسوم
|
|
على فرتاج
والطلل القديم؟
|
فنصب على
الجواب. وفرتاج : اسم موضع.
وأنشد لأبي
النجم :
* يا ناق سيري عنقا فسيحا
|
|
إلى سليمان
فنستريحا
|
نصب"
نستريح" على جواب الأمر بالفاء. والعنق : سير سريع والفسيح : المكان الواسع.
__________________
وأنشد لرجل من
بني دارم :
* كأنك لم تذبح لأهلك نعجة
|
|
فيصبح ملقى
بالفناء إهابها
|
تقديره : لم
تذبح فيصبح ، فلما دخلت" كأن" أوجبت أنه ذبح لأهله نعجة فأصبح إهابها
ملقى بالفناء. الإهاب : الجلد.
وأنشد.
* ألم تسأل الربع القواء فينطق؟
|
|
وهل تخبرنك
اليوم بيداء سملق؟
|
فرفع"
ينطق" لرفع القوافي ، ورفعه على تقدير : فهو ينطق على كل حال ، ثم استدرك ذلك
وأبعد أن ينطق ، فقال : وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق ، والبيداء : الفلاة المقفرة
، والسملق : التي لا شيء بها. والقواء : القفر الخالي الذي لا ينبت.
وأنشد للأعشى :
* لقد كان في حول ثواء ثويته
|
|
تقضى لبانات
ويسأم سائم
|
حكى سيبويه عن
الخليل رفع" ويسأم" ، ولم يعرف غير هذا.
وقد روي :
" تقضى لبانات ويسأم" : بالنصب على إضمار" أن" والعطف على
تقضى.
وأنشد :
* سأترك منزلي لبني تميم
|
|
وألحق
بالحجاز فأستريحا
|
فنصب"
أستريحا" بإضمار" أن" في الواجب ضرورة ، وقد قيل الرواية : "
لأستريحا".
وأنشد للأعشى
في مثل هذا :
* ثمت لا تجزونني عند ذاكم
|
|
ولكن سيجزيني
الإله فيعقبا
|
فنصب"
يعقب" في الواجب
وأنشد لطرفة :
* لنا هضبة لا ينزل الذل وسطها
|
|
ويأوي إليها
المستجير فيعصما
|
__________________
فنصب في الواجب
، ويروى : " ليعصما" ولا ضرورة فيه على هذا. الهضبة : ما ارتفع من الأرض
، ضربها مثلا لعزة قومه ومنعتهم.
هذا باب الواو
اعلم أن الناصب
بعد الواو (أن) كما أن الناصب بعد الفاء (أن) ، ومعناهما مختلف وإن كان الناصب
فيهما واحدا.
ومعنى الواو في
كل أحوال نصبها : الجمع بين الشيئين ، فإذا قلت" لا تضرب زيدا وتكرم
عمرا" ، فمعناه : لا تجمع بين ضربك لزيد وإكرامك لعمرو ، ولو حملت تكرم على
تضرب فجزمته لكنت قد نهيته عن ضرب زيد على حدة وإكرام عمرو على حدة ، وكل واحد
منهما غير معلق بالآخر ، وكأنك قلت : " لا تضرب زيدا ولا تكرم عمرا".
ومنع سيبويه
جزم الثاني في قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن. لأن المقصود في كلام الناس
والمعتاد أن لا يجمع بينهما للضرر الذي يعتقد في الجمع بينهما ، ولو أراد مريد أن
ينهى عن الأكل والشرب على كل حال لقال : " لا تأكل السمك وتشرب اللبن".
وأنشد للأخطل :
* لا تنه عن خلق وتأتي مثله
|
|
عار عليك إذا
فعلت عظيم
|
معناه : لا
تجمع بين نهيك عن الشيء وبين إتيانك إياه ، ولو جزمت" تأتي" لاستحال
المعنى لأنه كان ينهاه أن ينهى عن شيء ، وينهاه عن أن يأتي شيئا من الأشياء. فلما
كان هذا محالا ، رد الأول والثاني في التقدير إلى غير ظاهر الكلام ، ليدل على أنه
يريد : لا تجمع بينهما.
وذكر عن
الأصمعي أنه قال : لم أسمعه إلا وتأتي مثله مرفوع على القطع.
وهذا لا يصح ،
إلا أن تكون الواو في معنى الحال كأنه قال : " لا تنه عن خلق وأنت تأتي
مثله" ولو أدخلت الفاء هنا لأفسدت المعنى.
وكان التقدير :
متى نهيت عن خلق أتيت مثله ، وهذا غير المقصود.
وأنشد لجرير :
* ولا تشتم المولى وتبلغ أذاته
|
|
فإنك إن تفعل
تسفه وتجهل
|
وهذا محمول على
الأول داخل في النهي كأنه قال : لا تشتم ولا تبلغ ، لو نصب فسد المعنى.
__________________
وأنشد للحطيئة
:
* ألم أك جاركم وتكون بيني
|
|
وبينكم المودة
والإخاء؟
|
أراد : ألم
يجتمع الجوار وكون المودة يؤكد الحرمة بينه وبينهم والوسيلة.
وأنشد لدريد بن
الصمة :
* قتلت بعبد الله خير لداته
|
|
ذؤابا فلم
أفخر بذاكا وأجزعا
|
أي : ألم أجمع
الفخر والجزع؟ أي : فخرت غير جازع.
يصف أنه قتل
بأخيه عبد الله بن الصمة خير لداته. واللدة : الذي على سنه ، كأنه ولد معه في حين
واحد. ثم قال : فلم أفخر بقتله وأنا جازع أن أقتل بقتله لعزتي ومنعتي.
وأنشد للأعشى :
* فقلت ادعي وأدعو إن أندى
|
|
لصوت أن
ينادي داعيان
|
فنصب"
وأدعو" لأنه جواب الأمر. ويروى : " وادع" عطف على معنى لتدعي
ولأدع.
والندى : بعد
الصوت.
يقول : ليجتمع
مني ومنك الدعاء ، فذلك أبعد للصوت وأشد له.
وأنشد :
* للبس عباءة وتقر عيني
|
|
أحب إلي من
لبس الشفوف
|
لا بد من نصب
وتقر ، لأن قوله : للبس عباءة : مبتدأ ، وتقر : عطف عليه ، بمعنى : وأن تقر عيني
وأحب خبر لهما وفضلهما مجتمعين على لبس الشفوف ولو انفرد أحدهما بطل المعنى المراد
، لأنه لم يرد للبس عباءة أحب إلي من لبس الشفوف ، وهي الرقاق من الثياب ، وإنما
المعنى : للبس عباءة مع قرة العين والسرور ، أحب إلي من لبس الناعم الرقيق ، فلما
كان المعنى يضطر إلى ضم" تقر" إلى" لبس" ليكون أحب لها ، اضطر
إلى إضمار" أن" والنصب.
وأنشد لكعب
الغنوي :
* وما أنا للشيء الذي ليس نافعي
|
|
ويغضب منه
صاحبي بقؤول
|
__________________
الأجود في يغضب
: الرفع ، وهو في صلة الذي عطفا على موضع ليس ، وتقديره : الذي لا ينفعني ويغضب
منه صاحبي ، وعطفه على موضع" لا" ، وهذا قريب التناول صحيح المعنى.
والنصب متأول ،
ومعناه في الظاهر : غير صحيح ، لأنك تقدره معطوفا على الشيء وليس الشيء بمصدر ظاهر
فيسهل عطفه عليه وعطفه عليه يوجب حمله على اللام ، واللام في صلة" قؤول"
، فيصير التقدير : ما أنا بغضب صاحبي بقؤول ، والغضب لا يكون مقولا ، ولكن حمله
على الجواز ، وتقديره وما أنا للقؤل الذي يوجب غضب صاحبي بقؤول.
ورد المبرد على
سيبويه تقديمه النصب على الرفع.
ولم يقدم
سيبويه النصب من أجل أنه مختار عنده ، ولكن الباب للنصب دون الرفع ، فإنما قدم ما
يقتضيه الباب وما القصد إلى ذكره فيه.
وأنشد لقيس بن
زهير :
* فلا يدعني قومي صريحا لحرة
|
|
لئن كنت
مقتولا ويسلم عامر
|
فرفعه على أن
الواو واو حال كأنه قال : وعامر هذه حاله.
والنصب في يسلم
أجود ؛ لأن معناه : لئن كنت مقتولا مع سلامة عامر ، فلا ينسبني قومي إلى حرة.
والصريح : الخالص النسب.
هذا باب أو
اعلم أن أصل (أو)
العطف حيث كانت ، ومعناها : أحد الأمرين وهذا وجهها المعروف. ولها وجه آخر : وهو
أن يخالف ما بعدها ما قبلها ، ويكون معناها ـ مع ما بعدها ـ معنى : " إلا
أن" ، ويكون الفعل الذي قبلها كالعام في كل زمان والثاني كالمخرج من عمومه ،
ولذلك صارت ـ بمعنى" إلا أن".
ألا ترى أن
قولك : لألزمنك ، متضمن للأوقات المستقبلة ، فإذا قلت : " أو تقضيني
حقي" فقد أخرجت بعض الأوقات المستقبلة من ذلك التضمن ، صار التقدير ، لألزمنك
إلا الوقت الذي أوله قضاؤك لحقي. واجتمعت" أو" و" إلا" في هذا
المعنى للشبه الذي بينهما في العدول كما أوجبه اللفظ الأول ، وذلك أنا إذا
قلنا" جاء القوم إلا زيدا" ، فاللفظ الأول قد أوجب دخول زيد في القوم
لأنه منهم.
فإذا قلت :
" إلا" فقد بطلت ما أوجبه الأول. فإذا قلت : " جاءني زيد أو
عمرو" ، فقد وجب المجيء لزيد في اللفظ قبل دخول" أو" فلما دخلت بطل
ذلك الوجوب ، ولهذا المعنى
__________________
احتيج إلى تقدير الفعل مصدرا ، وعطف الثاني عليه. وكذلك التقدير على ما مضى
في الفاء.
وأنشد لامرئ
القيس :
* فقلت له : لا تبك عينك إنما
|
|
نحاول ملكا
أو نموت فنعذرا
|
فنصب على معنى
: إلا أن نموت.
وأنشد لذي
الرمة :
* حراجيج لا تنفك إلا مناخة
|
|
على الخسف أو
نرمي بها بلدا قفرا
|
الحراجيج :
الطوال من الإبل ، واحدتها حرجوج ، والخسف : الإذلال والهوان. والخسف أيضا : أن
تبيت على غير علف.
وكان الأصمعي
يخطئ ذا الرمة في قوله : " إلا مناخة ، لأنه لا يقال : ما انفك زيد إلا
قائما" ، كما لا يقال : " ما زال زيد إلا قائما. لأن معنى ما زال :
الإيجاب ، فلا يدخل عليه إيجاب.
ولقول ذي الرمة
وجهان :
أحدهما : أن
يكون" تنفك" بغير معنى" يزال" ويكون من : " انفك"
من الشيء : إذا انفصل منه ، كما يقال : فككت الغل عنه فانفك منه ويجوز دخول
الاستثناء في هذا الوجه.
وتقول : ما
انفك زيد إلا بعد شدة ، فيكون التقدير : لا تنفك من الشدة والسير إلا مناخة على
الخسف ، كما تقول : ما انفصل زيد من الشيء إلا مجهودا.
والوجه الثاني
: أن يكون" على الخسف" ، خبر" ينفك" ، وإلا مناخة : استثناء
مقدم ، كأنه قال : لا تنفك مجهودة ، أي لا تزال مجهودة إلا في حال إناختها ، فإنها
تستريح إذا أنيخت.
وفي رفع"
نرمي" وجهان :
أحدهما : أن
يكون معطوفا على خبر" ينفك" ، وهو" على الخسف" ، كأنه قال :
لا تزال على الخسف أو تزال ترمي بها بلدا قفرا.
ويجوز : أن
يكون على الابتداء ، أو نحن نرمي بها بلدا قفرا.
وأنشد لزياد
الأعجم :
* وكنت إذا غمزت قناة قوم
|
|
كسرت كعوبها
أو تستقيما
|
__________________
فنصب على تقدير
: إلا أن تستقيما. ولو كانت القوافي مرفوعة لجاز الرفع عطفا على موضع"
كسرت" ، لأنه في موضع رفع ، إذ كان جواب" إذا" بالفعل المستقبل في
المعنى.
الغمز : العض
على الشيء بالأصابع لتليينه أو تقويمه. والكعوب : رءوس أنابيب العصى. يقول : إذا
اختبرت أخلاق قوم أدبتهم إلا أن يستقيموا لي ويحسنوا معاملتي. وضرب البيت مثلا.
وأنشد لطرفة :
* ولكن مولاي امرؤ هو خانقي
|
|
على الشكر
والتساءل أو أنا مفتدي
|
فاستأنف
بعد" أو" وحمله على الابتداء.
وأنشد للحصين
بن حمام المري :
* ولو لا رجال من رزام أعزة
|
|
وآل سبيع أو
أسوأك علقما
|
فنصب على معنى
: لو لا رجال ، أي : ولو لا أن أسوأك علقم ، وجواب" لولا" في ما بعد
البيت.
وأنشد للأعشى :
* إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا
|
|
أو تنزلون
فإنا معشر نزل
|
ذكر سيبويه عن
الخليل أن هذا محمول على المعنى ، كأنه قال : أتنزلون أو تركبون.
وذكر عن يونس
أنه يرفعه على الابتداء ، كأنه قال : أو أنتم تنزلون وجعل قول يونس أسهل.
وفيه قول ثالث
هو أسهل من هذين القولين ، وهو أن تقدر في موضع" أن تركبوا ، " إذا
تركبون" لأن" أن" و" إذا" متقاربتان في المعنى وإن اختلف
عملهما ، فإذا قدرنا : " أن تركبوا" بمعنى : " إذا تركبون"
عطفنا" أو تنزلون" عليه في التقدير.
هذا باب اشتراك الفعل
في أن
وانقطاع الآخر من
الأول الذي عمل فيه أن
اعلم أن حروف
العطف إنما تعطف ما دخل في معنى الأول فإن لم يدخل في معناه ، رفع على الاستئناف
كقولك :
" أريد أن
تزورني" و" أريد أن تأتيني فتقعد عندي". فما بعد" الفاء"
في هذا ونحوه مرفوع لا غير ، لأنه لم يدخل في الإرادة. وأن في صلة الإرادة ، فلو
عطفنا الثاني على الأول
__________________
كان قد دخل في الإرادة ، وإنما ينصب بحروف العطف ما يصح دخوله في معنى
الأول كنحو ما ذكر سيبويه ، وما يصح دخوله في معنى الأول فقد يجوز أن يقطع عنه
ويستأنف.
وأنشد في ذلك
لبعض الحارثيين
* وما هو إلا أن أراها فجاءة
|
|
فأبهت حتى لا
أكاد أجيب
|
فرفع على معنى
: فإذا أنا مبهوت ، ولو نصبه وحمله على" أن" لجاز.
وأنشد لابن
أحمر :
* يعالج عاقرا أعيت عليه
|
|
ليلقحها
فينتجها حوارا
|
قال سيبويه :
" كأنه قال يعالج فإذا هو ينتجها".
والنصب الوجه ،
ولم يذكره سيبويه. والرفع بعيد جدّا ، وذلك أن العاقر لا تلد ، ولا يكون لها نتاج
، فكيف يرفع وهو لا يخبر بكونه؟
وإنما يصف ابن
أحمر رجلا من قومه يعالج أمرا في مكروه ابن أحمر ومساءته ، لا يتم ولا يكون ، وذلك
الأمر هو العاقر ، والرجل يعالجها ليلقحها ولينتجها وذلك لا يكون ، كأنه يعالج هذه
العاقر لتلد ، وهي لا تلد ، فلا يصلح في : ينتجها : إلا النصب.
وقبل هذا البيت
:
أرانا لا
يزال لنا حميم
|
|
كداء البطن
سلا أو صفارا
|
يعالج عاقرا ...
(البيت)
وكل واحد من
وجهي الرفع لا يصح في ينتجها ، لأنك إن عطفته على" يعالج" لم يجز ، لأن
العلاج للعاقر يكون ، ونتاجها لا يكون ، وإن جعلته مستأنفا بمعنى : " فهو
ينتجها" ، لم يصح أيضا ، لأنها عاقر.
والرفع في :
" لا يعدو أن يأتيك فيصنع ما تريد" حسن ، لأن : يعدو أن يأتيك. بمعنى : "
يأتيك" ، فكأنه قال : يأتيك فيصنع ما تريد.
وقوله : "
ما عدوت أن آتيك"
فيه وجهان :
أحدهما : أن تريد : " ما عدوت في ما مضى أن آتيك في ما أستقبل ، ومعناه :
رأيت في ما مضى أن آتيك في ما أستقبل وما تجاوزت في ما مضى اعتقاد إتيانك في ما
أستقبل.
والوجه الآخر :
" ما عدوت في ما مضي" ، و" تجعل آتيك في موضع أتيتك". وهذا
معنى
__________________
قوله : " ويجوز أن تجعل أفعل في موضع فعلت وإنما جاز ذلك لأنك تقول :
" كنت أتيتك" ، و" كنت آتيك" ، ومعناهما واحد. فإنما يجوز ذلك
إذا تقدم قبله شيء قد مضى أو شيء فيه دلالة على المضي ، والفعل المستقبل مصاحب له
كما تقول جاءني زيد أمس يضحك. ولا يجوز الماضي في موضع المستقبل مصاحب له ، كما
تقول : جاءني زيد إلا في المجازاة ، ولو قلت : " يكون زيد قام" ، لم يجز
كما جاز : " زيد يقوم" ، وإنما لم يجز : " ما أعدو أن أجالسك
أمس" لأن قولك : " أعدو" مستقبل ، وإذا كان ابتداء الكلام مستقبلا
لم يجز أن يكون
المستقبل بعده في معنى الماضي.
وأنشد في ما
جاء منقطعا لعبد الرحمن ابن أم الحكم :
* على الحكم المأتي يوما إذا قضى
|
|
قضيته أن لا
يجور ويقصد
|
فرفع : و"
يقصد" ، لأنه جعله بمنزلة : وينبغي له أن يقصد ـ فناب" يقصد"
عن" ينبغي له أن يقصد" ، ومن أجل ذلك تضمن معنى الأمر ولم يحمل
على" أن".
ومثله (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) [البقرة : ٢٣٣] أي : ينبغي لهن أن يرضعن.
ويكون في ذلك
معنى الأمر ، وإن لم يكن لفظ الأمر كما يقول المولى لعبده : الواجب عليك أن تفعل ،
أو" الذي أريده منك أن تخرج إلى السوق" ، ففي هذا : معنى الأمر له وإن
لم يظهر لفظ الأمر.
هذا باب الجزاء
فرق سيبويه
بين" حيثما" وبين" إذا ما" فجعل" حيثما" في جملة
الظروف التي يجازى بها ، وجعل" إذ ما" في حيز الحروف.
والفرق بينهما
أن" إذ" لما ضمت إليها" ما" وجوزي بها خرجت عن معناها لأنها
كانت من قبل دخول" ما" عليها ـ لما مضى من الزمان وبعد دخولها للمستقبل
ـ كإن.
وقد يركب
الشيئان فيخرجان عن حكم كل واحد منهما إلى حكم مفرد نحو" هلا" و"
لولا" وغيرهما. فجعلها سيبويه حرفا ، لوقوعها موقع" إن" ولم يقم
دليل على اسميتها.
وقد قال بعض
النحويين : إذ ما هي إن ما
وعدلوا
عن" إما" إليها ، لأن" إما" لا تكاد تأتي إلا بدخول النون على
الفعل الذي بعدها كقوله عز وجل : (فَإِمَّا
تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) [الأنفال : ٥٧ ـ ٥٨] ولا تكاد تقع في القرآن إلا بالنون.
__________________
فلما احتاج
الشاعر إلى" إما" وكانت النون تكسر البيت ، جعل مكانها" إذ
ما".
وأنشد سيبويه
للعباس بن مرداس :
* إذا ما أتيت على الرسول فقل له
|
|
حقّا عليك
إذا اطمأن المجلس
|
فجازى ب"
إذ ما" والفعل الماضي بعدها في معنى المستقبل والفاء جوابها وأنشد لعبد الله
بن همام السلولي :
* إذ ما تريني اليوم مزجى ظعينتي
|
|
أصعد سيرا في
البلاد وأفرع
|
فإني من قوم
سواكم وإنما
|
|
رجالي فهم
بالحجاز وأشجع
|
فجازى"
بإذ ما" وجوابها قوله : " فإني من قوم" ، وقوله :
"
مزجى" : من أزجيت البعير إذا سقته. وفهم وأشجع : قبيلتان.
وأنشد للبيد :
* فأصبحت أنى تأتها تستخربها
|
|
كلا مرفقيها
تحت رجلك شاجر
|
فجازى"
بأني" ، وفي معنى هذا البيت بعض اللبس ، ومعناه أنه يخاطب رجلا قد وقع في
معضلة وقصة صعبة يعسر التخلص منها ، فيقول : كيف أتيت هذه المعضلة؟ من قدام أو من
خلف تلتبس بها ، أي : تدخل فيها ولا تتخلص منها وهو جواب الشرط وكلا مركبيها تحت
رجلك شاجر : يعني مركبها من قدام ومن خلف ، وشاجر : أي داخل تحت الرجل ،
ويروى" تحت رحلك" ، وإذا دخل الشيء تحت الشيئين ففرجهما : فقد شجرهما.
وأنشد لابن همام
السلولي :
* أين تضرب بنا العداة تجدنا
|
|
نصرف العيس
نحوها للتلاق
|
فجازى"
بأين" ، ويروى : " أين تصرف" ـ والعيس : الإبل البيض.
وأنشد لذي
الرمة :
* تصغي إذا شدها بالرحل جانحة
|
|
حتى إذا ما
استوى في غرزها تثب
|
__________________
استشهد به على
أن" إذا" لا يجزم الفعل بعدها وإن كان فيها معنى الجزاء للعلة التي
ذكرها عن الخليل.
يصف ناقته
فيقول : إذا شدها بالرحل جنحت إليه وأصغت نحوه ، ولا تتعصب عليه ، لأنها قد ذلت
وتأدبت ، فإذا استوى غرزها جعلت تثب وتسرع في سيرها. (والغرز) للرحل مثل : الركاب
للسرج.
وأنشد في مثل
هذا :
* إذا ما الخبز تأدمه بلحم
|
|
فذاك أمانة
الله الثريد
|
فرفع ما
بعد" إذا" ولم يجازيها.
وأنشد لقيس بن
الخطيم الأنصاري :
* إذا قصرت أسيافنا كان وصلها
|
|
خطانا إلى
أعدائنا فنضارب
|
فجازى"
بإذا" ضرورة ، و" قصرت" : في موضع جزم" بإذا" ، وكان
جوابها وموضعها جزم ، فعطف" فنضارب" على موضعها ، وكسر للوصل بعد الوقف
على ما يجب في القوافي ، ولو أن القافية مرفوعة لرفع" نضارب" ولم يكن في
البيت ضرورة.
يصف أنهم
يقدمون على الأقران في القتال ، فسيوفهم ـ وإن قصرت عن حد المضاربة بها ـ فخطاهم
لها كالوصل الزائد فيها المطول لها.
وأنشد للفرزدق
في مثل هذا :
* ترفع لي خندف والله يرفع لي
|
|
نارا إذا
خسرت نيرانهم تقد
|
فجزم"
تقد" على الجزاء. وخندف : قبيلة.
يقول : ورثتني
خندف شرفا باقيا مشهورا كشهرة النار المرفوعة للطارق ، فإذا ذهب شرف هؤلاء وخفي ،
ظهر شرفي وتبين.
وأنشد لبعض
السلوليين في مثل هذا :
* إذا لم تزل في كل دار عرفتها
|
|
لها واكف من
دمع عينك يسجم
|
__________________
فجزم"
يسجم" على المجازاة" بإذا".
قال الجرمي :
المعنى : إذا لم تزل المرأة في كل دار عرفتها لها يسكب واكف من دمع عينك ،
وخبر" لم تزل" : " في كل دار" ، وجواب" إذا" : تسكب
المضمرة قبل واكف ، ويفسره" يسكب" الذي في آخر البيت.
وقال الأخفش :
معناه : إذا لم تزل عينك في هذه الدار لها واكف سجمت ، وجعل" لها واكف"
خبر" لم تزل" ، و" تسجم" جواب" إذا".
والبيت يروى
على وجهين : " تسكب" و" تسجم" ، والرواية الصحيحة"
تسكب" لأنه في قصيدة لجرير يهجو فيها الأخطل أولها :
عجبت لهذا
الزائر المرتقب
|
|
وإدلاله
بالصرم بعد التخبب
|
وأنشد لكعب بن
زهير :
* وإذا ما تشاء تبعث منها
|
|
مغرب الشمس
ناشطا مذعورا
|
فلم يجاز"
بإذا" وهو الجيد فيها. والناشط : الثور الوحشي ، ومعنى تبعث منها : تثيره من
مريضه. والمذعور : المفزع.
وأنشد للأسدي :
* بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها
|
|
بني ثعل من
ينكع العنز ظالم
|
أي : فهو ظالم.
ومعنى تنكعوا : تمنعوا.
وأنشد لجرير بن
عبد الله البجلي :
* يا أقرع بن حابس يا أقرع
|
|
إنك إن يصرع
أخوك تصرع
|
التقدير عنده :
" إنك تصرع إن يصرع أخوك" ، وهو عند المبرد على حذف الفاء.
وأنشد سيبويه :
* هذا سراقة للقرآن يدرسه
|
|
والمرء عند
الرشا إن يلقها ذيب
|
التقدير عنده :
والمرء ذيب إن يلق الرشا. وعند المبرد على حذف الفاء والهاء في
__________________
" يدرسه" كناية عن المصدر ، كأنه قال : يدرس درسا وتعدى"
يدرس" إلى القرآن باللام ، كما تقول لزيد اضرب. وإنما جاز هذا لأن الفعل بدل
على المصدر ، والمصدر مما يتعدى باللام كثيرا فحمل الفعل عليه.
وأنشد لذي
الرمة :
* وإني متى أشرف على الجانب الذي
|
|
به أنت من
بين الجوانب ناظر
|
فتقديره عند
سيبويه : " إني ناظر متى أشرف". وعند أبي العباس على حذف الفاء.
وأنشد للفرزدق
:
* دست رسولا بأن القوم إن قدروا
|
|
عليك يشفوا
صدرا ذات توغير
|
فأولى"
إن" الفعل الماضي ، وأتى بالجزاء مستقبلا فجزمه.
والتوغير :
الحقد والغضب ، وهو مشتق من وغرت القدر إذا غليت.
واعلم أن"
كيف" لا يجازي بها لعلتين : إحداهما : أنه لما كان أخواتها معارف ونكرات ـ نحو
: " من" و" ما" و" أي" ـ وقصرت هي على أحد الأمرين
، فلم تقع إلا على النكرة خاصة لأنها سؤال عن الحال ، ضعفت على التصريف لها في المجازات.
والعلة الأخرى
: أنه لما لم يخبر عنها ولا عاد إليها ضمير كما يكون ذلك في : " من"
و" ما" و" أي" ، ضعفت عن تصريفها في مواضع نظائرها من
المجازاة ، وجعلوا قولهم : على أي حال يغني عنها.
وأما كم فلم
يجازوا بها لأن : " ما" و" من" يغنيان عنها ، لأنهما في المجازاة
لقليل ما يقعان عليه وكثيره ، ألا ترى أنك إذا قلت : " ما تسر أسر"
فمعناه : إن تسر قليلا أو كثيرا أسر مثله. وليس المتكلم بعالم كم يسير ، ولا هو
بمستودع من المخاطب تعريفه مقدار سيره ، وإنما وضعت" كم" ليتعرف بها
المتكلم مقدار ما يسأل عنه ليقف عليه.
وقوله : "
إن تأتني لأفعلن فيه وجهان :
أحدهما : تقدير
الفاء ، أي : إن تأتني فلأفعلن.
والآخر : على
نية التقديم كأنه قال : لأفعلن إن تأتني. وكلاهما غير حسن إنما يجوز في الشعر. فإن
قلت : " والله لئن أتيتني لأكرمنك" ، حسن ، لأن جواب اليمين يغني عن
جواب الشرط ويبطل جزمه ، ويصير بمنزلة ما ذكر قبله ، كأنه قال : والله لأكرمنك إن
أتيتني ، وإنما
__________________
صارت" إن" إذا جزمت اقتضت مجزوما بعدها ، لأنها بجزمها ما بعدها
يظهر أنها تجزم : وجزمها يتعلق بفعلين ، فإذا لم يظهر جزمها في الثاني صارت بمنزلة
حرف جازم لا يؤتى بعده بمجزوم ، فاعلم ذلك.
هذا باب الأسماء التي
يجازى بها
وتكون بمنزلة الذي
اعلم أن هذه
الأسماء التي يجازى بها المذكور في هذا الباب إنما يجازى بها إذا كانت مبتدأة في
اللفظ غير واقع عليها عامل قبلها لأنها متضمنة لأن ، وأن تكون صدرا إذا جوزي بها
ولا يدخل عليها عامل خافض ولا غيره ل (أن) إلا أن هذه الأسماء إذا جوزي بها قد
تدخلها الأشياء الخافضة إذا كانت في صلة ما بعدها ، أو كانت مبتدأة في اللفظ ،
وذلك للضرورة المؤدية إلى ذلك فيها ، تقول : " بمن تمرر أمرر به" ،
و" على أيهم تنزل أنزل" ، " فالباء" و" على" ،
موصولتان بفعل الشرط إلى الاسمين ، لأنهما فعلان متعديان بحروف الجر ، وحروف الجر
لا تكون إلا قبل الأسماء متصلات بها فدعت الضرورة إلى تقديمها لذلك.
وأنشد سيبويه
للفرزدق :
* ومن يميل أمال السيف ذروته
|
|
حيث التقى من
حفافي رأسه الشعر
|
" فمن" بمعنى"
الذي" ، والفعل من صلتها ، وفيها معنى الشرط لإبهامها وإن لم يجزم بها. وذروة
الشيء : أعلاه ، وحفافا الرأس : جانباه.
وأنشد للهذلي :
* فقلت : تحمل فوق طوقك إنها
|
|
مطبعة من
يأتها لا يضيرها
|
في رفع يضيرها
وجهان :
أحدهما :
بإضمار الفاء وهذا الوجه لا خلاف في جوازه.
والوجه الآخر :
يرتفع على التقديم كأنه قال : لا يضيرها من يأتها.
وقد خالف
المبرد سيبويه في هذا وما أشبهه من التقديم وحجته أن المرفوع إذا وقع بعد الشرط ،
فقد وقع في موضعه فلا ينوي به التقديم الذي ليس بموضعه كما لا يقال : " ضرب
غلامه زيدا" ، و" زيدا" على نية : ضرب زيدا غلامه.
والجواب عن هذا
أن الشرط على وجهين :
أحدهما : أن
يكون المعتمد المقصود تقديم الشرط وإتباع الجواب له كقولك : " إن تأتني
__________________
آتك" ، و" إن تأتيني فأنا مكرم لك" ، فلا يجوز تقديم الجواب
على الشرط.
والآخر : أن
يكون الاعتماد على فعل وفاعل ، أو مبتدأ وخبر يبتدئه المتكلم ويعلقه بشرط كما
يعلقه بظرف ، فيقول : " أكرمك إن أتيتني" ، أو" أنا مكرمك إن
زرتني" كما تقول : " أكرمك يوم الجمعة". فإذا قال : فإن أتيتني أكرمك".
فليس أكرمك بجواب ، فيكون تقديمنا له على غير موضعه ، وإنما هو الفعل الذي يقصد
فيه التقديم ، ألا ترى أنك تقول : " والله لئن جفوتني لا أزورك"
فترفع" لا أزورك" لأنه جواب لقسم معلق بالشرط ، وقد أغنى عن جواب الشرط
، فإن كان" لا أزورك" مجازاة ، فينبغي أن يكون مجزوما ، وإن كان ينوي به
غير المجازاة ، فقد وقع ما ينوي به غير الجزاء ، موقع الجزاء.
وذكر مبرمان عن
المبرد أنه قال : إذا قلت : لئن أتيتني لأكرمنك ، إنما هو : " والله لئن
أتيتني والله لأكرمنك" ، وأضمرت" قال" ، ولا يكون هذا إلا على
قسمين.
وهذا غلط من
المبرد ، لأن الشرط إذا أفرد عن الجواب فليس بخبر ، والقسم إنما يقع على خبر يصح
فيه التصديق والتكذيب.
ورد بعض
النحويين على سيبويه تقديم لا يضيرها ؛ لأنه لا فاعل معه إذا قدم ، لأن قوله : من
يأتنا مبتدأ لا يعمل فيه ما قبله ، فلا يكون فاعلا ليضير.
والجواب عن
سيبويه : أن يكون ضمير الفاعل على شرط (التفسير) كأنه قال : لا يضيرها أحد إن
أتاها أحد لأن معنى : " من يأتها" : " إن يأتها أحد" ، فأضمر
في" يضيرها" لأن الكلام الذي بعدها فيه ذكر المضمر الذي أضمر على شرط
التفسير.
وبين سيبويه في
آخر الباب أن" مهما" وإن كانت اسما بمنزلة" ما" فلا يخبر عنها
كما يخبر عن" ما" ، تقول : في الكتاب ما تقول ، بمعنى : مكتوب عندي الذي
تقول ، ولا يجوز : " في الكتاب مهما تقول" ، إذا جعلت" تقول"
صلة" لمهما" ، كما يجعلها صلة" لما" فاعرف ذلك.
هذا باب ما تكون فيه
الأسماء التي
يجازى بها بمنزلة
الذي
قد تقدم أن
الاسم الذي يجازى به لا يعمل فيه إلا فعل الشرط أو ما يتصل بفعل الشرط من حروف
الإضافة فإذا دخل عليها ما ينصبها ويرفعها ويخفضها مما تقدم بينها لم يجاز لها ،
وبطل عملها.
وأنشد سيبويه
في ما جوزي به على إرادة الفاء :
* إن من لام في بني بنت حسا
|
|
ن ألمه وأعصه
في الخطوب
|
__________________
أراد : "
إنه" ، فأضمر الهاء في" إن" وجازى" بمن".
وأجاز الزيادي
: " إن من يأتنا نأته" على غير إضمار في" إن" وهذا لا يجوز
لامتناع الجزاء من أن يعمل فيه ما قبله.
وأنشد سيبويه
لأمية بن أبي الصلت :
* ولكن من لا يلق أمرا ينوبه
|
|
بعدته ينزل
به وهو أعزل
|
أراد : "
ولكنه" ، فحذف الهاء وجازى" بمن".
يقول : من لم
يعد لنوائب الزمان قبل نزولها ، ضعف عن دفعها إذا نزلت به. والأعزل : الذي لا سلاح
معه.
وأنشد للراعي :
* فلو أن حق اليوم منكم إقامة
|
|
وإن كان سرح
قد مضى فتسرعا
|
استشهد بالبيت
لحذف الهاء في ما تقدم من الأبيات ، وأراد فلو أنه حق ، ولو لم يرد الهاء كان
محالا لأن" أن" لا تعمل في الفعل.
والمعنى : أنه
تمنى أن تكون منهم إقامة ، وإن كان" السرح" الذي يحمل على"
الإقامة" قد ذهب مسرعا.
وأنشد في مثل
هذا من الحذف :
* أكاشره وأعلم أن كلانا
|
|
على ما ساء
صاحبه حريص
|
أراد : أنه
كلانا حريص ـ ومعنى أكاشره : أضاحكه.
وباقي الباب
مفهوم.
هذا باب يذهب فيه
الجزاء من
الأسماء كما ذهب في
إن وكان
وذلك قولك :
أتذكر إذ من يأتينا نأتيه ، وما من يأتينا نأتيه.
أنكر المبرد
على سيبويه منعه من الجزاء هنا وكراهيته له.
ولفظ سيبويه
يدل على أن من قبله كره ذلك ، إما من النحويين وإما من العرب ، ولعلهم كرهوا ذلك
من أجل أن" إذ" اسم للوقت ، وكان حقه أن يضاف إلى اسم واحد لا يقع بعده
مجازاة ؛ لأنه يجر ما بعده ، وموضع المجازاة لا يكون مجزوما بما قبله ، ثم أجازه
في
__________________
الشعر لوقوع الاسم المبتدأ والخبر بعده ، وبعد ما كان في معناه من أسماء
الزمان.
وأنشد للبيد :
* على حين من تلبث عليه ذنوبه
|
|
يرث شربه إذ
في المقام تدابر
|
فجازى"
بمن" ، وأضاف" حين" إلى جملة الشرط.
يصف مجلسا فاخر
فيه القبائل بين يدي بعض الملوك فظهر عليهم ، وقوله : على حين من تلبث عليه ذنوبه
: أراد شدة الكلام في ذلك المجلس وأن من أبطأت عليه الحجة في الافتخار فقد غلب.
والذنوب : الدلو ضربها مثلا للحجة. والتدابر : التقاطع ، لأن ما هم فيه من الشدة
يحملهم على أن يتقاطعوا. ويروى تداثر : أي : تزاحم وتكاثر.
وكان المبرد
يجيز المجازاة في جميع هذا الباب وينكر على سيبويه مذهبه.
واحتج الزجاج
لسيبويه ، فقال : قبحت المجازاة بعد" إذا" لأن حق" إذا" أن
يقع بعدها الفعل والفاعل والمبتدأ وخبره ، فلما وقع الشرط وجوابه بعدها ، وهما
جملتان ، قبح ذلك من جهة اللفظ ، فإذا قلت : (أتذكر إذ نحن من يأتنا نأته) حسن
لأنه وقع بعدها مبتدأ وخبر.
واستحسن سيبويه
المجازاة بعد (لا) لأن" لا" لا تفصل بين العامل والمعمول فكان دخولها في
الكلام كخروجها.
وأنشد لابن
مقبل :
* وقدر ككف القرد لا مستعيرها
|
|
يعار ولا من
يأتها يتدسم
|
فجازى"
بمن" بعد" لا" ومعنى قوله : ككف القرد ، أي : هي حقيرة. وصفهم بصغر
القدر لقلة خيرهم.
وأنشد لطرفة :
* ولست بحلال التلاع مخافة
|
|
ولكن متى
يسترفد القوم أرفد
|
أراد ولكن أنا
متى يسترفد القوم أي : يسألوني الرفد.
وأنشد للعجير
السلولي :
* وما ذاك أن كان ابن عمي ولا أخي
|
|
ولكن متى ما
أملك الضر أنفع
|
__________________
أراد : ولكن
أنا أنفع متى ما أملك الضر ، وفيه قبح لأنه جزم الشرط وليس بعده جواب.
وهو في مذهب
المبرد على حذف الفاء ، وقد تقدم مثله.
ولو روي بالجزم
والكسر للقافية لجاز على الإقواء.
هذا باب إذا ألزمت
فيه الأسماء
التي تجازى بها حروف
الجر لم تغيرها عن الجزاء
قد تقدم القول
في جواز هذا والعلة فيه.
وأنشد لابن
همام السلولي :
* لما تمكن دنياهم أطاعهم
|
|
في أي نحو
يميلوا دينه يمل
|
فجازى"
بأي" وجعل في وصلة للفعل المجزوم لها على الشرط ولم يجعلها وصلة للجواب ، لأن
اسم الشرط لا يعمل فيه الجواب.
وأنشد لبعض
الأعراب :
* إن الكريم وأبيك يعتمل
|
|
إن لم يجد
يوما على من يتكل
|
في هذا وجهان :
أحدهما : يعتمل على من يتكل عليه ، معناه أنه يحترف ويعمل بيديه على محتاج إليه أو
عيال يتكل عليه إن لم يصب ما لا يعولهم به وينفق عليهم منه ، فكرمه يحمله على أن
يعمل بيديه حتى ينفق عليهم منه.
والآخر : ما
ذكره الزجاج وهو أنه جعل" عليه" بمعنى" عنده" وجعل الذي يعتمل
إنما يعتمل على نفسه ، فإذا لم يجد عند من يتكل عليه شيئا ينفقه على نفسه وعياله
اعتمل حتى ينفق ، والمعتمل في هذا هو المتكل وفي الأول هو المتكل عليه والقول
الأول أصح.
وذهب المبرد
إلى أن الكلام قد تم عند قوله : إن لم يجد يوما ـ وقوله : على من يتكل كلام مستأنف
على جهة الاستفهام وليس في هذا القول محذوف يقدر.
وقول سيبويه
أولى ، لأن الظاهر أنه كلام واحد فلا يرد بعضه عن بعض إلا بدلالة.
وحكى عن المبرد
قول آخر ، وهو أن يكون قوله : إن لم يجد بمعنى : إن لم يعلم ويكون المعنى إن لم
يعلم أعلى هذا يتكل أو على هذا؟
وباقي الباب
مفهوم.
__________________
هذا باب الجزاء إذا
أدخلت فيه ألف الاستفهام
اعلم أن ألف
الاستفهام تدخل على الجمل وتدخل على العامل والمعمول فيه ، فلا تعمل شيئا ، فأشبهت
واو العطف وفاءه.
فإذا قال
القائل : مررت بزيد ، فقيل له : أزيد؟
فهذا الخفض
محمول على الكلام الأول ، كما يحمل ما بعد حرف العطف على ما قبله.
وقوله : "
ألا ترى أن الألف لغو".
يريد : دخولها
بين العامل والمعمول فيه كدخول" ما" و" لا" في قوله عز وجل : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥] وقوله : " فإن هذا الكلام معتمد لها".
يعني : ما بعد
ألف الاستفهام من الشرط والجزاء معتمد لها كما يعتمد على الابتداء والخبر في قولك
: أزيد منطلق؟ وكما يعتمد" الذي" في صلتها على الشرط والجزاء والابتداء
والخبر ، فاعلم ذلك.
هذا باب الجزاء إذا
كان القسم في أوله
اعلم أنك إذا
أقسمت على المجازاة ، فالقسم إنما يقع على الجواب ؛ لأنه إخبار ووعد يقع فيه
التصديق والتكذيب ، والقسم إنما يؤكد الإخبار الذي يقع فيها الصدق والكذب ، فلما
كان القسم معتمدا به على الجواب بطل الجزم فيه ، وصار لفظه كلفظه لو كان في غير
مجازاة ، فتقول : " والله إن أتيتني لا أفعل" ، كأنك قلت : " والله
لا أفعل إن أتيتني" ، فإذا تقدم القسم شيء ثم أتى بعده المجازاة ، اعتمدت
المجازاة على ذلك الشيء وألغي القسم كقولك : " أنا والله إن تأتني لا
آتك" ، فاعتمد الجزاء على" أنا" ، كأنه ليس بعده القسم ، ألا ترى
أنك تقول : " زيد والله منطلق" ، ولو قدمت القسم لقلت : " والله
لزيد منطلق" فلزمته اللام.
وأنشد للفرزدق
:
* وأنتم لهذا الناس كالقبلة التي
|
|
بها أن يضل
الناس يهدي ضلالها
|
قال سيبويه :
" فلا يكون الآخر إلا رفعا"
يعني : "
يهدي" ، لأن" أن" لا يجازى بها ، والتقدير : التي بها يهدي الضال
عنها ، والهاء في ضلالها ترجع إليها ، وأن يضل الناس هو السبب الذي جعل الهدى من
أجله.
وباقي الباب
مفهوم.
__________________
النّكت
الجزء
الثاني
باب ما يرتفع بين
الجزمين وينجزم بينهما
اعلم أن ما يقع
بين فعل الشرط والجزاء المجزومين من الفعل على قسمين :
أحدهما : معناه
مخالف لمعنى فعل الشرط.
والآخر : معناه
كمعنى فعل الشرط. فإذا كان مخالفا لفعل الشرط لم يجز فيه غير الرفع ، ووقع موقع
الحال. وإذا كان في معنى فعل الشرط وتأويله جاز فيه الرفع والجزم على البدل وقد
مثل سيبويه المسائل في ذلك.
وأنشد لزهير :
* ومن لا يزال يستحمل الناس نفسه
|
|
ولا يغنها
يوما من الدهر يسأم
|
فرفع يستحمل
لأنه في موضع خبر يزال. ويروى : ولا يعفها ، ويسأم جواب الشرط.
وأنشد :
* متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
|
|
تجد حطبا
جزلا ونارا تأججا
|
فجزم"
تلمم" على البدل من" تأت" لأنه في معناه.
وقوله : "
تأججا" فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن
تجعل الألف للتثنية وهي للحطب والنار وذكرت لتذكير الحطب.
والثاني : أن
يكون للحطب.
والثالث : أن
تجعل النار في تأويل الشهاب فتذكر.
وفيه وجه رابع
: أن يكون تتأججن ، فحذف التاء استخفافا وعوض الألف في الوقف من النون الخفيفة ،
وفيه على هذا التقدير ضرورة لدخول النون في الواجب.
وأنشد :
* إن يبخلوا أو يجبنوا
|
|
أو يغدروا لا
يحفلوا
|
يغدوا عليك
مرجلين
|
|
كأنهم لم
يفعلوا
|
وزاد الزيادي :
كأبي براقش
كل لو
|
|
ن لونه يتنقل
|
فجعل"
يغدوا" بدلا من موضع" لا يحفلوا". ولا يجوز أن يكون بدلا من"
يحفلوا" وحدها ، والتقدير : أن يبخلوا أو يجبنوا أو يغدروا. ويغدوا عليك
مرجلين ، وغدوهم مرجلين : ترك الحفل بذلك ، وقلة المبالاة به ، ولو جعلت يغدوا
بدلا من يحفلوا وحدها دون" لا" لكان التقدير : لا يغدوا مرجلين ، وهذا
خلاف ما أراد من المعنى. وأبو براقش : طائر يتلون ألوانا مختلفة في اليوم ، فضربه
مثلا للقوم في فعلهم ذلك. وهذه الأبيات أنشدها الأصمعي عن أبي عمرو لبعض بني أسد.
وأنشد لابن
زهير :
* ومن لا يقدم رجله مطمئنة
|
|
فيثبتها في
مستوى الأرض يزلق
|
فنصب"
يثبتها" كما ينصب : " لا ما تأتينا فتحدثنا" ، بمعنى : " لا
تأتينا إلا لم تحدثنا" كأنه قال : ومن لا يقدم إلا لم يثبت زلق.
وأنشد للأعشى :
* ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى
|
|
مصارع مظلوم
مجرا ومسحبا
|
وتدفن منه
الصالحات وإن يسئ
|
|
يكن ما أساء
النار في رأس كبكبا
|
فنصب"
تدفن" لأنه حمل على المعنى كأنه قال : لا يزل يرى مصارع مظلوم ، يعني : نفسه
، وأن تدفن منه الصالحات.
ومعنى قوله :
يكن ما أساء النار ، أي مثل النار في الشهرة والظهور للناس. وكبكب : اسم جبل ،
وجعل النار في رأسه لأن ذلك أشهر لها. والمعنى : أن من اغترب عن قومه. لم يزل
مظلوما متهضما لا ناصر له وإن أتى بصالحة سترت عليه ولم يخبر بها عنه وإن فعل سيئة
حدث بها عنه ونقمت عليه.
وإذا قلت :
" إن تأتيني آتك فأحدثك فالنصب ضعيف وهو على ضعفه أحسن منه في
__________________
قولك : " آتيك فأحدثك" ، لأن الخبر واجب أن تفعله على كل حال ،
وجواب الشرط ليس بواجب أن تفعله إلا أن تريد الشرط ، وقد يوجد ولا يوجد ، فأشبه
الاستفهام ونحوه وشبهه سيبويه بقولك : " أفعل إن شاء الله" لأن أفعل
موضعه وأصله إخبار حقه الوفاء به ، وقوي بذلك النصب بعد جواز الشرط إذا كان تعليقه
بالشرط يخرجه عن الأفعال المجردة.
هذا باب من الجزاء
ينجزم فيه الفعل
إذا كان جوابا لأمر
أو نهي أو استفهام أو عرض أو تمن
اعلم أن جواب
هذه الأشياء ينجزم بإضمار شرط ، والدليل على ذلك أن الأفعال التي تظهر بعد هذه
الأشياء إنما هي ضمانات يتضمنها الآمر والناهي والمستفهم والعارض بوقوع أفعال
قبلها ، وليست بضمانات مطلقة ، إنما هي متعلقة بمعنى : إن كان ووجد ، وجب الضمان
والعدة. وإن لم يوجد ، لم يجب. ألا ترى أنه إذا قال : " ائتني آتك" ، لم
يلزم الآمر أن يأتي المأمور إلا بعد أن يأتيه المأمور ، فوجب أن يكون التقدير :
ائتني إن تأتي آتك ، وهكذا التقدير في جميع ما يجزم جوابه من هذا الباب ، وإن كان
لا يتكلم بهذا ، لأن لفظ الأمر والنهي وما أشبههما يغني عن ذكر الشرط بعده ويكفي
منه.
وأنشد لجابر بن
حني التغلبي :
* ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي
|
|
محارمنا لا
يبوء الدم بالدم
|
هذا وإن كان
لفظه لفظ الاستفهام ، فإن معناه معنى الأمر كأنه قال : لتنته عنا ملوك إن تنته عنا
لا يبوء الدم بالدم. ومعنى لا يبوء الدم بالدم : لا يقتل واحد بآخر ، يريد أن
الملوك إذا قتلوا منا قتلنا منهم ، ولو حمل هذا على حقيقة الاستفهام فسد المعنى
على لفظ الجواب ، وحقيقة لفظ الاستفهام لأن" الألف" للاستفهام ، و"
لا" للجحد ، فيكون الشرط المقدر بحرف الجحد ، فيصير التقدير : ألا تنته عنا
لا يبوء ، وهذا ضد المعنى المراد. وإنما لم يجز : لا تدن منه يأكلك وهذا محال لأنه
يصير تباعده سببا لأكله ، ولا يستقيم أن تضمر : " إن تدن منه" لأن"
تدن" لا يدل على ذلك ولا فيه معناه كما كان في قوله :
إلا تنته ،
معنى لتنته. فإن قلت : لا تدن من الأسد فيأكلك بالفاء والنصب جاز وحسن ، لأن
الجواب بالفاء تقديره تقدير العطف كأنه قال : لا يكون دنو فأكل. وإن لم تدخل الفاء
رفعت على الاستئناف ، أي : هو مما يأكلك فاحذره.
ومثله ما حكاه
سيبويه عن بعض الأعراب : " لا تذهب به تغلب عليه" وقوله : " مره
يحفرها".
__________________
يجوز فيهما
وجهان في ما ذكر :
أحدهما : على
الابتداء والاستئناف كأنه قال : مره فإنه يحفرها ولا يخالف ألبتة.
والوجه الآخر :
مره أن يحفرها ، فأسقط" أن" ورفع ، فتقديره على هذا تقدير اسم فاعل واقع
موقع الحال كأنه ظهرت فيه أمارة التيه في حفرها ، والعزم عليه ، فصار كأنه حافر ،
ومثله قوله عز وجل : (فَادْخُلُوها
خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] أي : مقدرين الخلود.
وقول الله عز
وجل (قُلْ أَفَغَيْرَ
اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر : ٦٤] أصح ما يقال فيه ما ذكره سيبويه عن الخليل ، وهو : نصب"
غير" بأعبد ، و" تأمروني" غير عامل كما تقول : هو يفعل ذلك بلغني ،
أي : في ما بلغني قال سيبويه : وإن شئت كان بمنزلة :
* ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغي
وهو ضعيف لأنه
يؤدي إلى أن يقدر" أعبد" بمعنى : عابدا غير الله ، وفيه فساد لأن أعبد
في تقدير أن أعبد ، ولو أظهرت ، لم يجز تقديم" غير" عليها ، لأنه في
صلتها ، ولكن لما حذفت" أن" وناب الفعل مناب الحال المقدرة جاز التقديم
على ضعف ، والذي عليه هو الوجه الأول.
وأنشد للراجز :
* متى أنام لا يؤرقني الكري
ويتصل بهذا :
ليلا ولا أسمع أجراس المطي
كان قائل هذا
الشعر مكار يكري الإبل. والكري : المكترى منه ، ومتى استفهام. وفي يؤرقني وجهان :
أحدهما : أنه
جزم جواب الاستفهام. وتقدير الشرط فيه : " إن أنم لا يؤرقني" كأنه لم
يعد نومه نوما ، وجعل النوم هو الذي لا ينبهه منه الكرى.
والوجه الآخر :
أن يؤرقني مرفوع تركت ضمته استثقالا كما قال :
* وقد بدا هنك من المئزر
__________________
ومعناه : متى
أنام غير مؤرق. كأنه تمنى النوم الذي لا ينبه منه ولا يكون فيه سهر ، وفي هذا
المعنى : أشم الرفع من أشمه على ما حكاه سيبويه.
وأنشد للأخطل :
* وقال رائدهم أرسوا نزاولها
|
|
فكل حتف امرئ
يمضي لمقدار
|
فرفع"
نزاولها" على معنى : نحن نزاولها ، أي : نخاتلها ونعالجها.
وأنشد للأنصاري
:
* يا مال والحق عنده فقفوا
|
|
تؤتون فيه
الوفاء معترفا
|
فرفع"
تؤتون" على معنى : فإنكم تؤتون ، ولم يجعله جوابا ونصب" الحق"
بإضمار فعل يفسره : فقفوا ، كأنه قال : الحق ما لزموا ، وعطف جملة (و"
الحق" بالواو على جملة النداء لأن حروف النداء بدل من اللفظ بالفعل) ودخلت
الفاء لأنها تدخل زائدة في الأمر كقولك : " بزيد فامرر". ويروى : "
معترفا" بكسر الراء وفتحها ، فمن كسر صير الحق معترفا لهم ، ومن فتحه فهو
بمعنى اعترافا.
وأنشد في مثله
لمعروف :
* كونوا كمن واسى أخاه بنفسه
|
|
نعيش جميعا
أو نموت كلانا
|
فرفع"
نعيش" على الاستئناف.
قوله : "
أو نموت كلانا" لفظ" كلانا" كلفظ رجلين لأنه أراد الحيين والجمعين
فأنزلهما منزلة اثنين فقال : " كلانا".
وحكى عن الخليل
أنه قدر" نعيش" محمولا على" كونوا" وخبرا له وظاهر الكلام يمنع
من ذلك ، لأن الواو في" كونوا" اسم المخاطبين ، والمتكلم خارج عنها.
وقوله : "
نعيش" : للمتكلم. إذا كان مع غيره فكيف يكون ما للمتكلم خبرا عن المخاطب من
غير ضمير عائد؟ فهذا في اللفظ فاسد ، ولكن إذا حمل على معناه صح ، وذلك أن يكون
قوم اجتمعوا فتواصوا بالتآلف وترك الفرقة ، فمتكلمهم إذا أوصاهم بشيء فهو داخل
معهم فيه ، ولا فرق بين أن يأمرهم ، وهو في المعنى داخل معهم وبين أن يكون لفظ
الأمر لنفسه وهم معه فيصير قوله : " كونوا" ، كقولهم : " لنكن نعيش
جميعا" ، " فنعيش" خبر
__________________
فهذا محمول على معناه.
وأنشد للأخطل :
* كروا إلى حرّتيكم تعمرونها
|
|
كما تكر إلى
أوطانها البقر
|
فجعل"
تعمرونها" حالا من الضمير في" كروا" كأنه قال : كروا عامرين لهما ،
وأجاز فيه القطع والابتداء. والحرة : الأرض ذات الحجارة السود ، ولا ينزلها إلا
الضعيف الذليل يتحصن بها ، فلذلك أمرهم بالكر إليها والإقامة فيها.
هذا باب الحروف التي
تنزل منزلة
الأمر والنهي لأن
فيها معنى الأمر والنهي
وذلك قولك :
" حسبك ينم الناس" ، وكذلك كفيك وشرعك ، ومثل ذلك : " اتقى الله
امرؤ وخيرا يثب عليه".
اعلم أن"
حسبك وكفيك" و" شرعك" : أسماء مبتدأة وأخبارها محذوفة لعلم المخاطب
بها وذلك أنه لا يقال شيء من هذا إلا لمن كان في عمل قد بلغ منه الكفاية ، فيقال
له هذا ليكف ويكتفي بما قد عمله منه ، فتقديره : حسبك هذا ونحوه ، وفيه معنى الأمر
لأنه يراد : اكتف بما قد عملت ونحوه ، و" ينم الناس" : جواب لأن معناه
معنى الأمر ، وإن كان مبتدأ ، وكذلك كفيك وشرعك ومعناهما حسبك.
وقوله : "
اتقى الله امرؤ" ، وإن كان لفظه لفظ الخبر فمعناه الأمر ، لأن هذا يقوله
الواعظ لمن يسمع كلامه وليس قصده أن يخبر عن إنسان أنه قد اتقى الله.
ومثله : "
غفر الله لزيد ورحمه" ، لفظه لفظ الخبر ومعناه : الدعاء.
وقوله : "
آتي الأمير لا يقطع اللص".
رفع"
يقطع" لأن الذي قبله كلام موجب وإخبار مطلق ، ولو اضطر شاعر فجزم"
يقطع" لجاز على معنى : إن آته لا يقطع اللص ، وقد اعتقد أن إتيانه إياه هو
سبب لا يقطع اللص من أجله.
وأنشد لعمرو بن
عمار الطائي :
* فقلت له صوّب ولا تجهدنّه
|
|
فيدنك من
أخرى القطاة فتزلق
|
عطف"
فيدنك" و" تزلق" على قوله : " ولا تجهدنه" ، ولو كان في
غير الشعر لجاز
__________________
نصبها على الجواب ، ويروى : فيذرك يقال أذراه عن فرسه : إذا رمى به.
والقطاة : مقعد
الردف ، وأخراها : آخرها. يقول لغلامه : صوب الفرس وارفق به ولا تحمل عليه بالجهد
والمشقة.
وأنشد للشماخ :
* ودوية قفر تمشّي نعامها
|
|
كمشي النصارى
في خفاف اليرندج
|
المعنى : ورب
دوية ، والدوية : الفلاة. واليرندج : الجلود السود. شبه سوق النعامة بها لسوادها ،
واستشهد به على أنه لم يأت" لرب" بجواب. وقد خولف سيبويه في هذا ، وأنشد
المخالف له بيتا فيه جوابها وهو قوله :
* قطعت إلى معروفها منكراتها
|
|
وقد خب آل
الأمعز المتوهج
|
والعلة للخليل
وسيبويه في ما زعما من حذف الجواب ، أن جواب" رب" جائز عند جميع
النحويين أن يحذف إذا عرف معناه ، فيجوز أن يكونا حملا هذا البيت على ما يجوز وإن
لم يكونا عرفا ما بعده ، أو يكونا أنشداه وحده.
وحذفه مشهور في
القرآن وفي كلام العرب.
هذا باب الأفعال في
القسم
اعلم أن"
النون" دخلت مع" اللام" وحدها ، أن تدخل على الفعل في خبر إن
للتأكيد ، وقد تدخل في خبر إن ومعها القسم فألزموها النون للفصل بين اللام الداخلة
لجواب القسم والداخلة لغير القسم وبين هذه اللام وبين التي معها النون فصل من
وجهين :
أحدهما :
أن" اللام" التي معها" النون" لا تكون إلا للمستقبل ، والتي
بغير نون تكون للحال. وقد يجوز أن يراد بها المستقبل.
والوجه الآخر
من الفصل بينهما : أن المفعول به لا يجوز تقديمه على الفعل الذي فيه النون ، ويجوز
تقديمه على الذي لا نون فيه ، لأن نية اللام فيه التقديم. ولا يجوز أن تقول : إن
زيدا عمرا ليضربن ، ويجوز : إن زيدا عمرا ليضرب.
فإن قال قائل :
إذا أردنا القسم على فعل الحال فكيف السبيل إليه؟ قيل له : يقع جواب القسم"
بإن" ، ويكون الفعل المستقبل خبرا له ويراد به الحال ، كقولك : والله إن زيدا
ينطلق ، وإن شئت أدخلت اللام فقلت : لينطلق ، والمعنى : واحد ، وإن شئت قلت : إن
زيدا لينطلق ، فيستغني بدخولها على الاسم عن دخولها على الفعل المقسم عليه كقولك :
أقسمت عليك إلا
__________________
فعلت و" لما فعلت".
وقولهم :
" أقسمت عليك لتفعلن" ، بينهما فرق ، فإذا قال : أقسمت عليك إلا فعلت
ولما فعلت ، فهو طالب منه سائل ، ولا يلزمه فيه تصديق ولا تكذيب.
وإذا قال :
" أقسمت عليك لتفعلن" ، فهو مخبر عن فعل المخاطب أنه يفعله ، ومقسم عليه
، فإذا لم يفعله فهو كاذب ؛ لأنه لم يوجد خبره على ما أخبر به. فللفرق بين
المعنيين ، فرق بين اللفظين.
وقوله عز وجل :
(وَإِنَّ كُلًّا
لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) [هود : ١١١] اللام الأولى : التي تدخل في اسم" إن" إذا قلت : إن
في الدار لزيد. أو في خبرها إذا قلت : إن زيدا ليقوم ، ولا تدخل معها النون.
واللام الثانية
: هي جواب قسم يقدر بعد اسم" إن" وقبل خبرها وذلك في نحو قولك : إن زيدا
ليقومن ، ولا تجتمع هاتان اللامان.
فإذا فرق
بينهما جاز ، و" ما" زائدة للتوكيد.
وأنشد في حذف
المنفي من جواب القسم :
فحالف فلا
والله تهبط تلعة
|
|
من الأرض إلا
أنت للذل عارف
|
أراد : "
لا تهبط" وقوي حذف" لا" لذكرها أول البيت.
يقول : حالف من
تقوى به وتعز بمعاقدته ، فإن لم تفعل ذلك ، لقيت الذل وعرفته حيث كنت من الأرض.
والتلعة :
المسيل في ما ارتفع من الأرض ، وهي أيضا ما انحدر.
وأنشد أيضا :
* فأقسم أن لو التقينا وأنتم
|
|
لكان لكم يوم
من الشر مظلم
|
جعل سيبويه
ههنا" أن" توكيدا كاللام ، ألا ترى أن اللام لا تدخل ههنا لو قلت : "
فأقسم لأن لو التقينا" لم يجز ، لأن اللام إنما تدخل في المقسم عليه أو في ما
كان من سببه كقولك : " والله لئن قمت لأقومن ، فدخلت في : " لأقومن ،
لأنه المقسم عليه. ودخلت في" لئن" لأن" أن" من سببه ،
ودخول" أن" مع" أو" توكيدا بدلا من اللام.
وأنشد للبيد :
__________________
* ولقد علمت لتأتين منيتي
|
|
إن المنايا
لا تطيش سهامها
|
أراد : والله
لتأتين ، فحذف القسم لدلالة اللام والنون عليه.
وقوله : لا
تطيش سهامها : أي لا تخطئ من بلغ أجله ، يقال : طاش السهم إذا عدل عن الرمية.
هذا باب الحروف التي
لا تقدم فيها الأسماء
هذا الباب كلام
سيبويه فيه واضح
وقوله : "
وصار الفصل في الجزم والنصب أقبح منه في الجر لقلة ما يعمل في الأفعال من العوامل
وكثرة ما يعمل في الأسماء منها".
يعني : أن
الأسماء تعمل فيها الأفعال والحروف ، والأسماء والأفعال إنما تعمل فيها حروف
معلومة قليل عددها.
وأجاز سيبويه
تقديم الاسم في الجواب ورفعه بإضمار ، كما أجازه في الشرط وذلك قولك : " إن
يأتني زيد يقل ذلك" ، فزيد : مرفوع بفعل مضمر يفسره ما بعده ، كأنه قال :
" إن يأتني يقل زيد ذاك يقل" ، ولا يجوز أن يرتفع زيد بالابتداء إلا على
إرادة الفاء ، ولا بد مع ذلك من رفع يقول.
وأنشد في إضمار
فعل الشرط بعد" إن" :
* عاود هراة وإن معمورها خربا
وهراة : اسم
موضع وهذا جائز في الكلام إذا كان الفعل ماضيا مع إن خاصة لأنها أصل الجزاء.
وأنشد في ما
جاء مجزوما في غير" إن" ـ لعدي بن زيد :
* فمتى واغل ينبهم يحيو
|
|
ه وتعطف عليه
كأس الساقي
|
أراد : فمتى
ينبهم واغل ينبهم ، وهذا من أقبح الضرورات.
والواغل :
الداخل على القوم يشربون ، ولم يدع. ومعنى ينبهم : ينزل بهم ويحل عليهم.
وأنشد في مثل
هذا :
__________________
* صعدة نابتة في حائر
|
|
أينما الريح
تميلها تمل
|
الصعدة :
القناة والحائر : موضع السيل حيث يستقر ، كأن الماء قد حار فيه.
وأنشد لهشام
المري :
* فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن
|
|
ومن لا نجره
يمس منا مفزعا
|
أراد : فمن
نؤمنه نحن نؤمنه. يقول : من أمناه وأخبرناه بات آمنا من غيرنا ، ومن لم نجره
وأجاره غيرنا أمسى مفزعا منا.
وقوله في آخر
الباب : " ومثل الأول قول هشام" يعني بالأول : فمتى واغل وأينما الريح
اعلمه
هذا باب الحروف التي
لا يليها بعدها إلا الفعل
فمن تلك الحروف
: " قد" و" سوف" وما أشبه ذلك.
اعلم أن المانع
ل" قد" من أن يفصل بينها وبين الفعل ، أنها من الفعل بمنزلة الألف
واللام من الاسم ، لأنها تدخل على فعل متوقع أو مسئول عنه ، فأشبهت العهد في قولك
: " جاءني الرجل" ، لمن عهده المتكلم أو جرى ذكره عنده قبل ذلك. ومما
يوجب ـ أيضا ـ أن لا يفصل بينها وبين الفعل ، أنها نقيض" لما" و"
لما" حرف جازم لا يفصل بينه وبين الفعل.
وقد أجازوا
الفصل بين" قد" والفعل وقد ذكر ذلك سيبويه في أول الكتاب وجعله من
المستقيم القبيح.
وأكثر ما يقع
الفصل بينها وبين الفعل ، بالقسم. كقولك قد ـ لعمري ـ فعلت كذا".
و" قد ـ والله
ـ أحسنت إليه" ، وحسن الفصل في" قد" ولم يحسن في الألف واللام ،
لأن" قد" تنفرد ولا يذكر بعدها شيء فقويت بذلك ، واحتمل الفصل فيها كقول
النابغة :
* لما تزل برحالنا وكأن قد
والقول في
الامتناع من الفصل في" السين" و" سوف" كالقول في"
قد" أنهما بمنزلة الألف واللام.
ووجه آخر
في" السين" و" سوف" : أنهما إثبات" لن" ، و"
لن" ـ نقيضتهما ولا يفصل
__________________
بين" لن" وما تدخل عليه ، فكذلك" السين" و"
سوف".
فاعلم ذلك.
هذا باب الحروف التي
يجوز أن يليها
بعدها الأسماء ويجوز
أن يليها بعدها الأفعال
قال في الباب :
سألت الخليل عن قول العرب : انتظرني كما آتيك
اعلم أن الفعل
يرتفع بعد كما من وجوه : منها أن تجعل الكاف التي للتشبيه مع" ما" كشيء
واحد يليها الفعل ، فرفع الفعل بعدها كما رفع بعد" ربما" ، وجعلت
بمعنى" لعل" والفعل للاستقبال دون الحال وفيه معنى" كي" وإن
ارتفع الفعل كقولك للرجل :
" ائتني
لعلي أذهب معك" وإنما صار كذلك ، لأن ، " لعل" فيها طمع والذي يفعل
الفعل ملتمسا لكون الشيء كثيرا في الألفاظ.
ومنها : أن
يكون" ما" في" كما" وما أبعدها من الفعل بمنزلة المصدر كقولك
: " أزورك كما تزورني" ، أي" أزورك كزيارتك إياي" ، ومن هذا
قوله :
* لا تشتم الناس كما لا تشتم
أي : أترك
شتمهم كتركهم شتمك إن تركت شتمهم.
والوجه الثالث
: أن يكون" كما" وقتا ، كقولك : " ادخل كما يسلم الإمام" أي :
في ذلك الوقت.
والوجه الرابع
: أن تفيد التشبيه خاصة ، تقول : " أنا عندك كما أنت عندي" ، "
فكما" بجملتها مفيدة للتشبيه ، وعلى هذا تجعل" ربما" بجملتها
بمعنى" رب" غير أنها لا تخفض.
وأجاز الكوفيون
النصب" بكما" على معنى" كيما" ، ولم يجز البصريون ذلك ، ووافق
الكوفيون المبرد واستحسن قولهم وأظهر وجوه معاني" كما" في ما أنشده
سيبويه في آخر الباب.
معنى"
لعل" كأنه قال : " لا تشتم الناس لعلك لا تشتم" ، وكذلك قول أبي
النجم :
* قلت لشيبان : ادن من لقائه
|
|
كما تغدي
الناس من شوائه
|
معناه : ادن من
لقائه لعلنا نغدي القوم من شوائه إذا دنوت من لقائه وصدته وشيبان : ولد أبي النجم.
__________________
هذا باب نفي الفعل
اعلم أن حق نفي
الشيء وإيجابه أن يشتركا في مواقعهما ، وأن لا يكون بينهما فرق في أحكامهما إلا أن
أحدهما إيجاب ، والآخر نفي ، وعلى هذا ساق سيبويه ما ذكره في الباب ، وقد فصل جميع
ذلك.
هذا باب ما يضاف إلى
الأفعال من الأسماء
ذكر سيبويه في
هذا الباب أشياء تضاف إلى الأفعال ، فمنها قولهم : " ما رأيته مذ كان
عندي"." فمذ" يحتمل أن يكون هاهنا اسما وحرفا ، فإن كان اسما ، فهو
كإضافة الزمان إلى الأفعال.
و"
مذ" من الزمان وإن كان حرفا ، فهو حرف جر مختص به الزمان ، وعمله في ما بعده
كعمل الاسم المضاف ، فجاز إدخاله على الفعل إذا كان في معناه ، وعمله كزمان إلى
فعل يتلوه.
وذكر
إضافة" آية" إلى الفعل ، ومعناها : علامة ، ومنزلتها منزلة الوقت ، لأن
أصل الوقت هو فعل وجد ، فجعل وقتا لفعل آخر في كونه معه أو كونه قبله أو بعده ،
فإذا جعلت قيام زيد علامة لفعل يحدث بعده ، فقد صيرته كالتاريخ لما قبله ، وبعده ،
ومعه. ألا ترى أن قائلا لو قال لآخر : " علامة خروجي أذان المؤذن" ، علم
المخاطب بوجود الأذان وقت خروجه ، كما أنه إذا قال : " خروجي يوم الجمعة"
، علم خروجه بوجود يوم الجمعة.
وأنشد :
* بآية تقدمون الخيل شعثا
|
|
كأن على
سنابكها مداما
|
فأضاف آية إلى
الفعل ، لأن معناها علامة من الزمان ، فأضيف إلى الفعل كما يضاف الزمان إليه.
والشعث : المتغبرة من الجهد والمشقة والسنابك : أطراف الحوافر. وشبه ما تصبب من
العرق عليها ـ ممتزجا بالدم ـ بالمدام ، وهي : الخمر.
وأنشد لزيد بن
عمرو بن الصعق :
* ألا من مبلغ عني تميما
|
|
بآية ما
تحبون الطعاما
|
فالشاهد في هذا
، إذا جعلت" ما" لغوا وليس بلازم ، جعلها لغوا ؛ لأنه يحتمل أن يجعل
__________________
" ما" و" تحبون" مصدرا ، كأنه قال : بآية محبتكم ، هذا
مذهب المبرد وإنما قال : ما تحبون الطعام ؛ لأن تميما تنسب إلى حب الطعام ، وتعير
بذلك لقصة شهرت عنهم ، وهي معروفة في كتب الأخبار.
ومما ذكر
سيبويه قولهم : " اذهب بذي تسلم".
ومعنى هذا
الكلام : دعاء ، كأنه قال في المعنى : والله يسلمك وتقدير سيبويه في هذا ونحوه من
المضاف ، أن الفعل يقام مقام مصدره في الإضافة كأنه قال : " بذي سلامتك"
وهو قول المبرد وشرحه في" يوم يقوم زيد" ونحوه.
وقال : "
ذو" لا تقع مفردة أبدا ، فجازت إضافتها إلى ما لا يضاف إليه غيرها فوقعت على
الفعل.
ووجه آخر
في" ذي تسلم" ، كأنه قال : في زمان" ذي تسلم" ، و"
ذي" : نعت لزمان والنعت هو المنعوت ، فأضيف إلى الفعل ؛ لأنه في معنى زمان ،
كأنه قال : " ليوم تسلم".
ووجه آخر : أن
يكون : " ذي" بمعنى" الذي" ، وخولف بين لفظها في هذا المثل
وبين لفظها في سائر المواضع ، فإنها تستعمل في هذا الباب" بالياء" وفي
غيره" بالواو" في الرفع والنصب والجر ، وهذه اللغة في طيئ كثيرة ، فيكون
المعنى : اذهب بالزمان الذي تسلم فيه.
هذا باب إنّ وأنّ
اعلم أن"
أنّ" وما بعدها بتأويل المصدر ، كما تكون (أن) المخففة وما بعدها بمنزلة
المصدر ، إلا أن المثقلة لا تقع مبتدأة في اللفظ ، فإن تقدمها شيء ، جاز ابتداؤها
، كقولك : " عندي أن زيدا راحل" ، معناه : عندي رحيله ، وإنما
امتنعت" أن" من التقديم لأن" إن" و" أن" من حيز
واحد في الأصل ، فاختاروا الابتداء للفظ" إن" المكسورة وجعلوها بمنزلة
الفعل المبتدأ به. ومن الدليل على أنهما بمعنى واحد أنك تقول : (ظننت إن زيدا
لمنطلق) ، فإذا أسقطت اللام قلت : (ظننت أن زيدا منطلق) ، فالمكسور هي المفتوحة
كما أنك إذا قلت : علمت زيدا منطلقا ثم قلت : علمت لزيد منطلق ، فالمبتدأ والخبر
هما المفعولان في المعنى.
وهذا معنى قول
سيبويه في الباب الذي يلي هذا في حسن تقديم" أن" الخفيفة" لأنها لا
تزول عن الأسماء والثقيلة تزول" يعني أن المفتوحة تقع مكانها المكسورة.
ومما يمنع من
تقديم" أن" المفتوحة في اللفظ ، أنها إذا تقدمت ارتفعت بالابتداء ، وكل
مبتدأ ليس قبله شيء يتعلق به ، يجوز دخول" إن" المكسورة عليه وأن يليها
في اللفظ ، فيلزم في هذا أن يقال : " إن أن زيدا منطلق بلغني" ، وهذا لا
يجوز لاجتماعهما في اللفظ ، فاعلم ذلك.
هذا باب من أبواب أنّ
شبه سيبويه ـ في
هذا الباب ـ وقوع" أن" بعد" لو" وهي في تقدير الاسم ،
ولا يستعملون الاسم بعدها لوقوع" تسلم" بعد" ذي" ،
" وتسلم" في موضع اسم ، ولا يستعملون الاسم بعد" ذي" في هذا
الموضع ، وهذا عنده بمنزلة ما لا يقاس عليه.
وقد تقدم القول
في موضع" أن" من الإعراب بعد" لو" في صدر الكتاب والحجة
لسيبويه وغيره ، فأغنى ذلك عن ذكره هاهنا.
وقوله : "
أما إنه منطلق"
يجوز فيه
كسر" إن" وفتحها ، فمن كسرها جعل" أما" استفتاحا وتنبيها
للمخاطب ليسمع الكلام المقصود ولم يعتد بها ومن فتحها فهو بمنزلة : " حقّا
أنه منطلق" ، فحقا ، في مذهب الظرف ، و" أنه منطلق" في موضع مبتدأ
، كأنه قال : في حق انطلاقه ، وأما قول الله عز وجل : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ
لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ١٠٦] ففيه قراءتان : كسر" إن" وفتحها. فمن كسرها ،
فقد تم الكلام بقوله : (وما يشعركم) ثم أخبر الله أنهم لا يؤمنون.
ومن فتحها :
فقد تم الكلام أيضا عند قوله : (وما يشعركم) ثم استأنف الكلام وأبهم أمرهم ، ولم
يخبر عنهم بإيمان ولا غيره ، فقال : " أنها" على معنى" لعلها"
، وهذا قول النحويين : الخليل والكسائي والفراء وغيرهم ، وقد حكى سيبويه عن الخليل
ما حكاه عن العرب مما يدل على هذا المعنى.
وإنما كرهوا أن
يجعلوا" أنها" في صلة يشعركم" لأن" ذلك يصير : كالعذر لهم
والإخبار بأنهم يؤمنون. ألا ترى أنك إذا قلت لإنسان : ما يدريك أن زيدا ليس بمحسن؟
فالأظهر في قصد قائله : أنه يغلب له الإحسان ، فلذلك عدلوا إلى تفسيرها"
بلعل" ـ والعرب تقول : علك وعنك ، ولعلك ولعلهم ، العين في" عنك"
همزة لأنها من مخرجها كما أبدلوا اللام نونا.
ومعنى قول
سيبويه : " ألا ترى أنك لا تقول : إن أنك ذاهب في الكتاب".
مثل بهذا فساد
الجمع بين" إن" وأن" ، ولو فصل بينهما فقال : (إن في الكتاب أنك
ذاهب) ، لجاز وحسن الفصل بينهما.
ومعناه : أن
الكتاب انطوى واشتمل معناه على أنه ذاهب ، كما يقول القائل لصاحبه : في اعتقادي
أنك راحل ، وليس يريد حكاية لفظ الكتاب وإنما يريد به معنى ما في الكتاب.
قوله : "
ويقول الرجل للرجل : لم فعلت ذلك؟ فيقول : لم أنه ظريف؟.
فتح"
أن" لتقدير اللام ، وإعادة" لم" لا يعتد بها ، لأن المسئول كأنه
أعاد سؤال السائل ، وحكى لفظه ثم حدث عنه.
وأما قوله :
" أي إني نجد"
كأن إنسانا
تكلم بشيء عرض فيه أنه شجاع كرجل قال : " أنا أسير بالليل وحدي لي
المفاوز" بمنزلة من قال : إني نجد.
وإذا قال : أي
: أني نجد ، ففتح" أن" فكأنه قال : أي : لأني نجد فاعرف ذلك.
وأنشد في ما
أتى محمولا على الفعل ففتحت" أن" لذلك ـ لساعدة بن جؤية :
* رأته على شيب القذال وأنها
|
|
تواقع بعلا
مرة وتئيم
|
ففتح"
أن" على تقدير : رأته ، ورأت أنها تواقع ، ولو كسرها على القطع لجاز ، ومعنى
تئيم : تصير أيما لا زوج لها.
هذا باب آخر من أبواب
أنّ
تقول ذاك وأن
لك عندي ما أحببت.
اعلم أن هذا
الكلام إنما يتكلم به المتكلم لقصة يقدمها ثم يؤكدها بالذكر ليعطف عليها قصة أخرى
زيادة على القصة الأولى ، كقولك للرجل : أنا أكرم من قصدني من أمثالك ، ذلك وأن لك
عندي ما أحببت على ذلك. وإن استأنفت" إن" فكسرتها فهو جيد ، لأنها جملة
معطوف على الجملة التي قبلها.
وأنشد للأحوص :
* عودت قومي إذا ما الضيف نبهني
|
|
عقر العشار
على عسري وإيساري
|
إنّي إذا
خفيت نار لمرملة
|
|
ألفي بأرفع
تل رافعا ناري
|
ذاك ولأنّي
على جاري لذو حدب
|
|
أحنو عليه
بما يحني على الجار
|
فكسر قوله :
وإني على جاري لذو حدب من أجل اللام.
قال سيبويه :
" فهذا أيضا يقوي ابتداء إن في الأول" يعني : (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا
تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا) [طه : ١١٨ ـ ١١٩] بالابتداء والقطع.
يصف في الأبيات
أنه مكرم للضيف ، وإن أتاه في أصعب الأوقات ووافقه على أشد الأحوال أو أصلحها ، من
عسر أو يسر ، وأنه يوقد ناره بالليل في أرفع موضع لتتبين للطارق فيقصد إليها إذا
كان غيره مخفيا لناره لئلا يشعر بمكانه فيتعرض لمعروفه ، ثم قال : "
ذاك" ، أي : أمري" ذاك" وإني لذو حدب : أي عطف على الجار وميل إليه
بما يجب عليّ من مشاركته وحق جواره.
هذا باب آخر من أبواب
أنّ
تقول : جئتك
أنك تريد المعروف على معنى جئتك لأنك تريد.
اعلم أنه إذا
تقدمت" أن" مفتوحة وقبلها حرف جر مقدم فقول الخليل : أنها في موضع
__________________
نصب بالفعل الذي بعدها.
فإذا قلت :
جئتك أنك تريد المعروف ، " فأنك" في موضع نصب" بجئتك" ، لما
حذفت اللام ، وصل الفعل إلى ما بعدها ، وكانت اللام في موضع ، نصب وكذلك سائر ما
ذكره في الباب.
وكان الكسائي
يقول : إنها في موضع جر.
وقد قوى سيبويه
ذلك من غير أن يبطل قول الخليل.
وكان المبرد
يراه منصوبا والزجاج يجوز الأمرين جميعا. والأقوى : أن موضعه جر لأن حروف تحذف
من" أن" و" أن" مخففة ومشددة ، لأنهما وما بعدهما بمنزلة اسم
واحد وقد طال فحسن الحذف منه كما يحسن حذف الضمير العائد إلى" الذي" ،
فحرف الجر وإن لم يذكر فكأنه موجود في الحكم كما أن الضمير وإن حذف ، فهو كالمثبت
في التقدير.
وأنشد سيبويه
للفرزدق :
* منعت تميما منك أني أنا ابنها
|
|
وشاعرها
المعروف عند المواسم
|
ففتح"
أن" على معنى : " لأني أنا ابنها" ، وكسرها على القطع جائز ، وحكاه
سيبويه عن العرب.
وشبه سيبويه
حذف حرف الجر وإعماله مضمرا بحذف" رب" وإعمالها مضمرة.
وأنشد :
* وبلد تحسبه مكسوحا
أراد : ورب
بلد.
والمبرد يخالفه
في هذا ويجعل" الواو" بدلا من رب مغنية عنها ، فما بعدها ينخفض"
بما" كما ينخفض" برب"
والمكسوح :
المكنوس ، وصفه بالخراب وقلة العمارة ، فهو لا ينبت شيئا ولا ترى به أثرا فكأنه
مكنوس.
قوله في آخر
الباب بعد أن ذكر الخليل : " إلا أنه" الهاء للخليل ـ وقوله : "
موصولا إليه" : الهاء : " لأن" ، والهاء في" تقديمه
وتأخيره"" لأن" أيضا.
وقوله : "
ليس هو الذي عمل فيه".
يعني : ليس
الفعل الذي عمل في" أن"
هذا الباب
مفهوم إن شاء الله.
__________________
هذا باب إنما
بين سيبويه في
هذا الباب أن" إنما" بمنزلة" أن" في أنها مع ما بعدها بمنزلة
المصدر ، ولا فرق بينهما إلا امتناع" إنما" من العمل بدخول"
ما" كافة عليها ، وهو معنى قول الخليل : " أنها بمنزلة فعل ملغى" ،
أي : إن منزلتها منزلة فعل إذا نصبت اسمها ، فإذا كفت" بما" عن العمل
صارت بمنزلة فعل ملغي كقولك : " أشهد لزيد خير منك" وما أشبهه.
وأنشد لابن
الإطنابة :
* أبلغ الحرث بن ظالم المو
|
|
عد والناذر
النذور عليا
|
أنما تقتل
النيام ولا تقتل
|
|
يقظان ذا
سلاح كميّا
|
ففتح"
أنما" حملا على" أبلغ" ولو كسر على معنى : " قل له : إنما
تقتل النيام" ، لجاز وأبلغ في معنى" قل له".
ومعنى قوله :
أنما تقتل النيام أن الحارث بن ظالم المري قتل خالد بن جعفر بن كلاب وهو نائم ،
وسببه أن الحارث بن ظالم دخل على النعمان بن المنذر ، وخالد جالس معه يأكل تمرا ،
فلما رآه النعمان ، قال : ادن يا حار فقال له خالد بن جعفر : من ذا الذي أراك تدني
أبيت اللعن؟ قال : هذا الحارث بن ظالم.
قال خالد
للحارث : ما أراني إلا حسن البلاء عندك ، قال : وما بلاؤك؟ قال : قتلت أشراف قومك
فتركتك سيدهم قال : سأجزيك ببلائك.
وجلس يأكل معهم
فلما خرج الحارث ، قال النعمان لخالد : ما أردت إلا أن تحرش هذا الكلب وأنت ضيف
لي. قال خالد : إنما هو عبد من عبيدي ، ولو كنت نائما ما أيقظني ، فلما أمسى
النعمان بعث إلى الحارث بن ظالم بظرف من خمر ليعتقه وأراد أن يشغله بذلك فصبه بينه
وبين جيبه في كثيب ، فلما أمسى الحارث خرج بالسيف حتى أتى خالدا وهو في قبة من أدم
فوضع السيف في بطنه ثم اتكأ عليه حتى قتله ، ثم تحمل من تحت ليلته حتى لحق بقريش.
فلما قال ابن
الإطنابة هذا الشعر : أتاه الحارث متنكرا وهو نائم ، فأنبهه وهو لا يعرف الحارث ،
فلما انتبه قال له :
البس سلاحك
فإني مستنصرك ، فلبس سلاحه ومشى معه حتى تنحى عن البيوت فقال له الحارث : ألست
يقظان ذا سلاح؟
__________________
قال : بلى ،
قال : فأنا الحارث بن ظالم أريد قتلك. فذل له ابن الإطنابة حتى كف عنه.
وأنشد أيضا
لكثير :
* أراني ولا كفران لله وإنما
|
|
أواخي من
الأقوام كل بخيل
|
فهذا لا يجوز
فيه فتح إنما لأن إن لو رفعت هاهنا كانت مكسورة لدخولها على جملة ابتداء وخبر
وقوعها موقع المفعول الثاني كما تقول : أرى زيدا صاحبه كل بخيل ولو دخلت"
إن" هنا لكسرت. فاعلم ذلك.
هذا باب تكون
فيه" أن" بدلا من شيء هو الآخر
وذلك قولك : بلغتني
قصتك أنك فاعل
ففتحت أن لأنها
بدل من القصة ، وهذا وما أشبهه بين إن شاء الله.
هذا باب تكون فيه أن
بدلا من شيء ليس بالآخر
ذكر في هذا
الباب آيات من القرآن تحتاج إلى التبيين والفرق بين بعضها وبعض فمنها قول الله عز
وجل : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ
اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) [الأنفال : ٧] " فأنها" بدل من" إحدى الطائفتين"
وهو بدل
الاشتمال كما تقول : وعدتك إحدى الثوبين ملكه ، " فملكه" : بدل من إحدى
الثوبين.
وقوله عز وجل :
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ
أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) [يس : ٣١] : أنهم بدل من معنى جملة (كم أهلكنا).
لا من
لفظ" كم" ، لأن لفظ" كم" في التقدير منصوب" أهلكنا"
، فلو أبدلنا" أنهم" من لفظ" كم" صار العامل فيها" أهلكنا"
فيكون تقديره" أهلكنا أنهم إليهم لا يرجعون" ، وهذا لا معنى له ،
ولكن" كم" وما بعدها إذا جعلت اسما غير استفهام ، فتقديرها : " ألم
يروا الذين أهلكناهم من القرون" ، ومعنى" يروا" : يعلموا فإذا
قدرناه هذا التقدير ، وأبدلناه ، صار المعنى : ألم يعلموا أن القرون التي أهلكناهم من قبلهم لا يرجعون.
وفيه وجه آخر :
وهو أن تجعلها في صلة" أهلكناهم" ، أي : أهلكناهم بهذا الضرب من الهلاك.
وقوله عز وجل :
(أَيَعِدُكُمْ
أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : ٣٥] فيه وجهان :
__________________
أحدهما : أن
تجعل" أنكم" الأولى المفعول الثاني من" يعدكم" واسم"
أن" الكاف والميم وخبرها : " مخرجون"" وإذا متم" : ظرف
لقوله : (مُخْرَجُونَ ،) و" أنكم" الثانية معادة وهي الأولى ، لتقرب
من الخبر لما تراخى ما بينها وبين الخبر ، كقوله عز وجل : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ،)" فهم" الثانية إعادة للأولى وتوكيد لها وهو
قول الجرمي في هذا ونحوه ويحتج له في ذلك ، بأنها تقع بعد الفاء مفتوحة كقوله عز
وجل : (أَنَّهُ مَنْ
يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) [يوسف : ٣٧] أنما هو" فله" ، ثم كررها توكيدا.
والوجه الثاني
: أن تجعل" أنكم" الأولى المفعول الثاني" ليعدكم" و"
أنكم مخرجون" في موضع اسم مبتدأ ، وخبره" إذا متم" وهو ظرف له.
وتقديره : " أيعدكم أنكم إذا متم إخراجكم" ، وهو قول المبرد.
وعلى هذين
الوجهين قولهم : " زعم أنه إذا فعل أنه سيمضي".
وظاهر كلام
سيبويه أنه جعل" أنكم" الثانية بدلا من" أنكم" الأولى في قوله
: (أيعدكم).
وفي هذا الكلام
خلل ؛ لأنه لا يجوز البدل من الاسم حتى يتم ، وقوله : (أنكم إذا متم) ليس باسم تام
لأنه لم يأت" لأن" بخبر.
وأنشد سيبويه
لابن مقبل :
* وعلمي بأسدام المياه فلم تزل
|
|
قلائص تخدي
في طريق طلائح
|
وأني إذا ملت
ركابي مناخها
|
|
فإني على حظي
من الأمر جامح
|
استشهد به على
كسر" إن" بعد الفاء في قوله : " فإني" ولو فتحها على التكرير
والتوكيد الأول لجاز.
الأسدام :
المياه القليلة المتغيرة بقلة الواردة عليها. ومعنى تخدي : تسير سيرا سريعا ،
والطلائح : المعبية لطول السفر.
والجامح :
الماضي على وجهه لا يرده شيء عن مراده.
هذا باب من أبواب أنّ
تكون فيه أنّ مبنية على ما قبلها
وذلك قولك :
أحقّا أنك ذاهب؟ ... وأكبر ظنك أنك منطلق
هذا يجوز فيه
وجهان : الرفع والنصب ، فالرفع : على الابتداء ، وتقديره : أحق ذهابك ، وأكبر ظنك
ذهابك.
__________________
والنصب : على
تقدير الظرف ورفع" أن" بالابتداء ، ويكون التقدير : أفي زمن حق أنك ذاهب؟
، ثم حذف" زمن" كما قيل : " سير عليه مقدم الحاج".
وذهب المبرد
إلى أن الخليل رفع" أنك" بالظرف في هذا الموضع للضرورة كما ترفع بالظرف
المضمر في قولك : " زيد في الدار وعمرو عندك" ورفع المضمر بالظرف صحيح ،
وأما رفع الظاهر ، فليس بمذهب سيبويه والخليل. والذي دعا المبرد إلى حكاية هذا عن
الخليل ، أنه لما ذكر : أفي حق أنك ذاهب؟ " ، قال عقيبه : " فصارت أن
مبنية عليه كما يبني الرحيل على غد إذا قلت : غدا الرحيل".
وقد استعمل
سيبويه لفظ البناء في الشيء الذي ليس بعامل في ما يبنى عليه كما قال : " أن" مبنية على"
لولا" ، وإنما ذلك على جهة تقدمها وحاجة ما بعدها إليها.
وذكر سيبويه
قولهم : " لا محالة أنك ذاهب" ، والظاهر من كلامه أن ـ " أن"
في موضع خفض" بمن" المحذوفة وهو على القلب من خفض أن بعد حذف الخافض
منها في الباب الذي ذكر فيه ذلك.
وقال المبرد :
إذا قلت : " لا محالة أنك ذاهب" ، فإنه في موضع رفع بخبر
الابتداء كما
تقول : " لا رجل أفضل من زيد" وكذلك : " لا بد أنك ذاهب". فإن
قال قائل : " لا" الناصبة هي جواب" هل من؟ " ، فما المسألة
التي جوابها" لا محالة" ، ولا بد؟ وما معنى ذلك؟ ومن أي شيء أخذ؟
قيل له :
أما" لا محالة" فالمحالة والحيلة معناهما واحد ، وأصل المسألة : هل من
محالة من كذا؟ وهل من حيلة؟ ومعناه : هل من محالة في تركه أو في التخلص منه.
فيقول المجيب :
" لا محالة منه" أي في الخلاص.
وأما"
بد" ، فأصلها : من مفارقة الشيء ، ومنه قيل : تبدد الشيء أي تفرق ، وقولهم : رجل أبد وامرأة
بداء إذا تفرق ما بين فخذيه.
فإذا قال :
" لا بد منه" ، فكأنه قال : لا مفارقة ولا تباعد منه.
وقال المبرد :
معنى" بد" : موسع ، فإذا قلت : " لا بد أنك ذاهب" فكأنك قلت :
" غير موسع عليك أنك ذاهب" ، وحقيقته : غير موسع عليك تركك
الذهاب". وأصل هذا من المعنى الأول ؛ لأن تفرق ما بين الشيئين : سعة ما
بينهما.
ومعنى قول
سيبويه : " أما جهد رأيي فأنك ذاهب لأنك لم تضطر إلى أن تجعله ظرفا كما
اضطررت في الأول.
يعني أنك مضطر
قبل دخول" أما" أن تفتح" أن" إذا قلت : " جهد رأيي أنك
ذاهب" فتجعل" أن" مبتدأ وما قبلها ظرفا لها كقولك : " خلفك
زيد" ، لأنك إن كسرتها انقطع الظرف
منها لأن ما بعد" أن" لا يعمل في ما قبلها قبل دخول"
أما" فصرت مضطرّا إلى فتحها ، وإذا أدخلت" أما" جاز فيها الكسر ،
فلم تضطر إلى فتحها وابتدأتها.
وذكر سيبويه
قولهم : " أما بعد ، فإن الله عز وجل قال في كتابه" ثم قال : " ولا
تكون بعد وقبل خبرين إذا لم يكونا مضافين".
ولم يذكر غيره
أن بينهما ـ مضافتين ومفردتين ـ فرقا ، وإنما لم يخبر عنهما في مذهبه لنقصانهما
وهما في حال الإضافة غير متمكنين ، فإذا منعا الإضافة ، ازدادا بعدا عن التمكن ،
فمنعا بذلك أن يكونا خبرين.
وأما في حال
الإضافة ، فالإخبار بهما جائز كقولك : " زيد قبلك" و" عمرو
بعدك".
وقولهم :
" لا جرم" ، هي عند الخليل وسيبويه ومن تبعهما من البصريين فعل ماض ،
ويجعلون" لا" داخلة عليها ، فمنهم من يجعلها جوابا لما قبلها وهم :
الخليل ومن تابعه ، ومثلوه بقول الرجل : كان كذا ، وفعلوا كذا ، فتقول : " لا
جرم أنهم سيندمون".
واختلفوا في
معنى : " جرم" إذا كان فعلا ماضيا.
قال سيبويه :
" حقّ أن لهم النار" واستدل على ذلك بقول المفسرين : هي بمعنى"
حقّا".
ويقول الشاعر :
* جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي : حققتهم
للغضب.
وقال غيره :
" جرم" بمعنى : " كسب" ، من قوله تعالى : (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) [هود : ٨٩](وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ
شَنَآنُ) [المائدة : ٢] وعلى هذا تأول : جرمت فزارة ، أي : كسبت فزارة الغضب.
واختلفوا في
فاعل" جرم" ، فقال المبرد" أن" في موضع رفع" بجرم"
، كأنه قال : حق كون ذلك.
و"
جرم" عند الفراء وأصحابه اسم منصوب" بلا" على التبرئة وهي عندهم
بمعنى : " حقّا" ومجراها في
اللفظ مجرى" لا بد" و" لا محالة"
وأما : "
شد ما أنك ذاهب ، وعزما أنك ذاهب" ، فقد جعله سيبويه على وجهين :
أحدهما : أن
يكون بمعنى : حقّا أنك ذاهب فيكون في تأويل ظرف و" أنك ذاهب" مبتدأ ،
و" شد" و" عز" فعلان في الأصل ـ دخلت" ما" عليهما
فأبطل عملها ، وهما وإن جعلا
__________________
في موضع حقّا ، فلا تدخل عليهما" في" كدخولها على"
حقّا" ، لأنهما في الأصل فاعلان.
والوجه الآخر :
أن يكون" شد" وعز فعلين ماضيين" كنعم" و" بئس"
ووقوع" ما" بعدهما كوقوعها بعد" نعم" و" بئس" في
قولك : نعما صنيعك وبئسما عملك. وتقديره : " نعم الصنيع صنيعك" ،
و" بئس العمل عملك".
وقوله : "
كما أنه لا يعلم ذلك فتجاوز الله عنه"
دخلت الفاء
على" تجاوز" لأنه دعاء ، ودخولها عليه كدخولها في فعل الأمر إذا تقدم
المفعول ، كقولك : " زيدا فاضرب" ، وإن شئت أسقطت الفاء ، و"
ما" عند سيبويه : لغو ، ولا يجوز إسقاطها وإن كانت لغوا ؛ لأنهم أرادوا
بزيادتها : الفرق بين مشتبهين ، فإذا أدخلوا" ما" على حرف التشبيه ،
أرادوا : أن أحد الشيئين وجوده حق كما أن وجود الآخر حق ، وإن كان الشيئان في
أنفسهما مختلفين ، كقولك : " زيد عندنا كما أن عمرا عندك" ، أي : هذا
موجود صحيح كما أن هذا موجود صحيح.
وإن أردت تشبيه
أحدهما بالآخر ، قلت : " زيد عندنا كأن عمرا عندنا" ، أي مشتبهان في
كونهما عندنا ، وإن لم ترد أن هذا حق كما أن هذا حق.
وكان المبرد
يجيز أن تكون" ما" مع كاف التشبيه لغوا ، وأن تكون مبنية معها.
وقد بين سيبويه
الدلالة على أن" ما" لغو دون أن تبنى مع الكاف ولم يقم دليل على غير
ذلك.
ومما احتج به
على أنها لغو ، أن الشاعر إذا اضطر أسقطها ، وأنشد للنابغة الجعدي :
* قروم تسامى عند باب دفاعه
|
|
كأن يؤخذ
المرء الكريم فيقتلا
|
التقدير عنده :
كما أنه يؤخذ ، فحذف" ما" وخفف" أن" وقد نسب سيبويه في هذا
التقدير إلى السهو ؛ لأنه لم يشبه جملة بجملة لأن قوله : " دفاعه" اسم
واحد وليس بجملة.
وقوله : "
كأن يؤخذ" ليس من الأسماء الواضحة الوجود ، فشبه به تحقيق وجود شيء آخر ،
وإنما يصف النابغة خصومة جرت بين رجل من عشيرته يناظر عنها ، وبين خصوم له من
قبائل أخر ، بحضرة ملك ، وأن ذلك الملك كان ميله على عشيرته ، وأن المناظر عنهم
ثبت لهم في المناظرة ومعنى قوله" دفاعه" : أي : دفاع الباب هو رده وحجبه
لمن يريد الدخول وطرده ، وهو مثل القتل في شدته ، لأنه إذلال للمطرود والمحجوب.
وقال المازني :
" أنا لا أنشده إلا : (كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا) لأنها" أن"
التي تنصب الأفعال ، دخلت عليها كاف التشبيه".
__________________
وأنشد سيبويه
للأسود بن يعفر :
* أحقّا بني أبناء سلمى بن جندل
|
|
تهددكم إياي
وسط المجالس
|
فنصب"
حقّا" على الظرف ، وتهددكم" مبتدأ وخبره في الظرف ، فهذا بمنزلة :
" حقّا" أنك ذاهب" لأن" أن" مع ما بعدها بمنزلة"
الذهاب"
قال : ونظير :
أحقّا أنك ذاهب ، قول العبدي :
* أحقّا أن جيرتنا استقلوا؟
|
|
فنيتنا
ونيتهم فريق
|
فأن مبتدأة ،
وخبرها في الظرف قبلها وقوله : فنيتنا ونيتهم فريق.
أفرد لأن"
الفريق" ، قد يستعمل في لفظ الواحد للواحد والاثنين والجميع كما تقول هو صديق
، و" هما صديق". وهم" صديق" يصف أن جيرتهم المرتبعين معهم
رحلوا عنهم وأخذوا في جهة غير جهتهم ، والنية : الجهة التي نووها وهي مثل النوي.
وأنشد لابن أبي
ربيعة :
* أألحق أن دار الرباب تباعدت
|
|
أو انبت حبل
أن قلبك طائر؟
|
فنصب"
الحق" على الظرف وجعله خبرا ، لأن. ومعنى قوله : " أن قلبك طائر".
أي : يضطرب ويخفق جزعا لتباعدها وانقطاع حبلها. ويكون أيضا في معنى : " أن
عقلك زائل" ، وكنى على" العقل"" بالقلب" لأنه مستقره
وموضع ثباته ، وكنى عن" الزوال"" بالطيران".
وأنشد للنابغة
الجعدي :
* ألا أبلغ بني خلف رسولا
|
|
أحقّا أن
أخطلكم هجاني
|
القول فيه
كالقول في ما قبله. وبنو خلف حي من بني تغلب ، وهم رهط الأخطل ، وكانت بينه وبين
النابغة مهاجاة.
هذا باب من أبواب إن
جميع هذا الباب
في ما أتى محكيّا وهو مفهوم مستغن عن التفسير إن شاء الله.
__________________
هذا باب آخر من أبواب
إنّ
إن قال قائل :
ذكر سيبويه في هذا الباب أن" إذا" تكسر بعدها" إن" وتفتح ،
فإذا كسرت" إن" فما موضع" إذا"؟ وما العامل فيها؟ وقد علمتم
أنه لا يعمل خبر إن في ما قبل" إن"؟.
قيل له :
" إذا" حرف دخل لمعنى المفاجأة ولا عمل لها ، وهي في مذهب حروف العطف ،
فمن حيث دخلت" إن" المكسورة بعد حروف العطف ، كان دخولها بعد"
إذا" ، ومن أجل ذلك جاز دخول" الفاء" عليها وخروجها منها.
ـ أما دخولها
فلأن" الفاء" للعطف ، وما بعدها معطوف على ما قبلها كعطف جملة على جملة
، وإذا للمفاجأة ، واختصت بالدخول عليها" الفاء" من بين حروف العطف ،
لأن ترتيب الثاني أن يكون بعد الأول في المعنى.
ـ وأما
إسقاط" الفاء" فلأن حرف المفاجأة لما ورد بعد الفعل الأول دل على أنه
عقيبه فأغنى عن الفاء.
وأنشد :
* وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا
|
|
إذا إنه عبد
القفا واللهازم
|
فكسر"
إن" بعد" إذا" على معنى : " فإذا هو عبد القفا واللهازم"
ولو فتحها على معنى : " فإذا العبودية أمره
وشأنه" ، لجاز.
ومعنى قوله : "
عبد القفا واللهازم" أي : إذا نظرت إلى قفاه ولهازمه تبينت أنه لئيم كالعبد.
هذا باب آخر من أبواب
إن
أنشد ـ في هذا
الباب ـ لكثير مستشهدا بكسر" إن" بعد" إلا" :
* ما أعطياني ولا سألتهما
|
|
إلا وإنّي
لحاجزي كرمي
|
فقوله : "
إلا وإني لحاجزي" ، " إن" ما بعده ، جملة في موضع الحال ، ولذلك
دخلت عليها واو الابتداء.
وكان المبرد
يرد البيت على سيبويه ، ويقول : تقدير سيبويه في العربية صحيح ولكنه
__________________
غلط في معنى الشعر ، ويرويه : ألا وإني لحاجزي ، يذهب إلى أنهما ما أعطياه
وأنه ما سألهما ، ثم ابتدأ يصف نفسه بأنه يحجزه عن سوء الهمة كرمه ، ويجعل ألا
للتنبيه.
والصحيح"
إلا" ، لأنهما يوجب أنهما أعطياه وأنه سألهما وحجزه كرمه عن أن يعيب إعطاءهما
، وأن يلح عليهما في مسألته ، وشعره يدل على ذلك ، وبعد هذا البيت :
مبدى الرضا
عنهما ومنصرف
|
|
عن بعض ما قد
سألت لم ألم
|
فهذا وما يتصل
به من الأبيات يدل على الإعطاء والسؤال.
وأراد بالشعر :
عبد العزيز وعبد الملك ابني مروان بن الحكم ، وكانا يعطيانه ويسألهما ، مشهور ذلك
من فعله وفعلهما.
هذا باب آخر من أبواب
إن
ذكر في هذا
الباب أن بعض العرب يقول : لهنك لرجل صدق في حال اليمين. وفيها ثلاثة أقوال :
أحدهما : قول
سيبويه وهو أن أصلها" إن" أبدلوا همزتها" هاء" كما أبدلوا
الهاء من هرقت مكان الألف ، ولحقت اللام التي قبل الهاء لليمين كما لحقت بعدها في
قوله : إن زيدا لما لينطلقن ، فاللام الأولى في" لهنك" لام اليمين ،
والثانية لام إن. وفي : " لما لينطلقن" ، اللام الأولى" لإن"
، والثانية لليمين وشبه سيبويه دخول اللام على إن لليمين وإن كان بعدها إن وهي
للتوكيد ـ بدخولها لام اليمين في آخرها وإن كان قبلها" لما" وهي
للتوكيد. وقد يجتمع الحرفان في معنى واحد فيؤكد أحدهما الآخر. كقولهم : (ما إن زيد
منطلق) ، وهما حرفا جحد.
والثاني : قول
الفراء ، قال : هي كلمتان كانتا تجتمعان ، فيقولون :
والله إنك
لعاقل ، فخلطتا فصار فيهما اللام والهاء من" الله" والنون من"
إن" المشددة ، وحذفوا ألف" إن" كما حذفوا الواو من أول و"
الله".
والثالث :
معناه : لله إنك لمحسن ، ثم حذف وغير. وهذا أسهل في اللفظ وأبعد في المعنى. والذي
قال الفراء أصح في المعنى لأن قول القائل : " والله إنك لقائم" ، أصح من
: " لله إنك لقائم" ، لأن قولهم : " لله" : تعجب ، والتعجب لا
تدخل معه إن ؛ لأن التعجب وضع لما هو قائم ثابت ، ولما قد مضى و" إن"
للاستقبال لا غير ، وضعت ثم كثرت حتى صارت للواجب على معنى الجواب ، وهذا القول ـ في
الوجه الثالث ـ حكاية المفضل بن سلمة.
وقوله : "
وأجاز سيبويه في الشعر أشهد إن زيدا ذاهب بالكسر. ورد عليه المبرد فقال : ليس للضرورة
في" أن" و" إن" عمل ، لأن وزنهما واحد والقافية بهما سواء.
__________________
ووجه الضرورة ـ
على مذهب سيبويه ـ أن تريد اليمين ولا تدخل في خبرها اللام ، ولا تفتحها وأنت تريد
اليمين ؛ لأن فتحها ، إنما يكون إذا أردت بها معنى" الياء" ـ فاعلمه.
وأنشد سيبويه :
* ألم تر إني وابن أسود ليلة
|
|
لنسري إلى
نارين يعلو سناهما؟
|
فكسر"
إن" من أجل اللام وألغى قوله : " ألم تر" ، وعلقه بالجملة ومعناه :
" ألم تعلم" ، ولا يجوز أن يكون من رؤية العين لأنها فعل مؤثر لا يجوز
إلغاؤه.
هذا باب"
أن" و" إن"
بين سيبويه في
هذا الباب أن دخول" إن" بعد" ما" يبطل عمل" ما" في
قول أهل الحجاز ، وهو يرد قول المبرد لأن" إن" وحدها لو دخلت على اسم
لعملت كعمل" ما" : " إن زيد قائما" ، ولو كانت تعمل وحدها ما
أبطلت عمل" ما" ، بل كانت تؤكد عملها.
وأنشد سيبويه
لفروة بن مسيك :
* وما إن طبنا جبن ولكن
|
|
منايانا
وطعمة آخرينا
|
فألغى"
ما" لدخول : " إن" عليها.
ومعنى البيت :
أنه أخبر أنهم لم ينهزموا من جبن ، ولكن حضرت مناياهم فقتلوا ، وغنم قوم آخرون
فصارت طعمة لهم.
هذا باب من
أبواب" أن" التي تكون والفعل بمنزلة مصدر
أنشد سيبويه في
هذا الباب.
* إني رأيت من المكارم حسبكم
|
|
أن تلبسوا حر
الثياب وتشبعوا
|
" رأيت" هنا : من رؤية
القلب. و" حسبكم" : المفعول الأول ، ومعناه : كافيكم. و" أن تلبسوا"
، المفعول الثاني ، والتقدير : إني عملت الكافي لكم لبس الثياب.
وقوله : "
من المكارم" : تبيين ، وليس من المفعولين في شيء ، ولو قدرته في موضع
__________________
المفعول الثاني لكان مدحا لهم ، وإنما يهجوهم بالبيت ويصف أنهم لا يسعون في
شيء من المكارم ولا يجهدون أنفسهم في طلب ، ولكن يكفيهم من ذلك التنعم بلبس حر
الثياب والشبع من الطعام كقول الحطيئة :
دع المكارم
لا ترحل لبغيتها
|
|
واقعد فأنت
لعمري طاعم كاسي
|
وأنشد للأعشى :
* أأن رأت رجلا أعشى أضربه
|
|
ريب المنون
ودهر تابل خبل
|
" فأن" مع ما بعدها
بمنزلة المصدر وهي مخففة من الثقيلة وموضعها نصب على المفعول له ، والتقدير :
" ألأن رأت رجلا".
واللام متصلة
بفعل مضمر دل عليه ما قبله وهو قوله :
صدت هريرة عنا ما تكلمنا
فتقديره :
" ألأن رأت رجلا أعشى صدت"؟
وأنشد لأبي حية
النميري :
* وإنا لمما نضرب الكبش ضربة
|
|
على رأسه
تلقي اللسان من الفم
|
استشهد به على
أن مما بمنزلة" ربما" ، وهي مركبة من : " من" و"
ما".
وذكر سيبويه عن
الفصحاء من العرب أنهم يقولون :
" لحق أنه
ذاهب" بإضافة" حق" إلى" أنه". وإضافته إليه توجب أنهما
اسم واحد مبتدأ وخبره محذوف ، ومثله : ليقين ذلك أمرك وأبعده الأخفش لحذف الخبر ثم
أجازه على ضعف.
وإنما مثله
سيبويه : بيقين ذلك ، لأن قولك : زيد منطلق حقّا ويقينا يتقارب معناه ، و" حق
أنه ذاهب" ، في التقدير : " حق ذهابه" ، ومعناه : ذهابه حق صحيح
حسن حذف خبره لتضمن الأول الاسم والخبر ، كما حسن حذف خبر : " حسبت أن زيدا
قائم" لتضمن : أن الاسم والخبر.
وذكر
سيبويه" عسى" وبين أن وجهها أن تستعمل" بأن" ، وإنما كان ذلك
لأنها
__________________
موضوعة لفعل يتوهم كونه في الاستقبال فاحتاجت إلى ذكر" أن"
للدلالة على المستقبل.
وقال المبرد
عند ذكر سيبويه اتصال الضمائر بعسى وحذفها :
واتصالها هو
الوجه الجيد. واحتج بقوله عز وجل : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) [محمد : ٢٢] وذهب عليه قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ
تَكْرَهُوا شَيْئاً) وقوله : (وَعَسى أَنْ
تُحِبُّوا شَيْئاً) [البقرة : ٢١٦].
وأما"
كاد" ، فالباب فيه إسقاط" أن" لأنك إذا قلت : " كاد
يفعل" فإنما تقوله لمن هو على حد الفعل كالداخل فيه لازمان بينه وبين دخوله
فيه ، وسبيل المستقبل أن يكون في كونه مهملة ، وقد يجوز في كاد إدخال"
أن" تشبيها بعسى.
كما قد يجوز
إسقاط" أن" من عسى تشبيها" بكاد".
ومما يحتج به
لإسقاطها من" عسى" ، أنها وإن كانت للمستقبل فقد يكون بعض المستقبل أقرب
إلى الحال من بعض ، فإذا قال : عسى زيد يقوم فكأنه قرب ، حتى أشبه قرب"
كاد" ، وإذا أدخل" أن" في" كاد" فكأنه بعد عن الحال التي
أشبه" عسى". وكرب يفعل ، مثل كاد يفعل.
وأما : "
أخذ يفعل" ، " وجعل يفعل" وما أشبه ذلك ، فإنهم ذهبوا بالأفعال
بعدها مذهب اسم الفاعل. ولم يذهبوا بها مذهب المصادر ، لأن قولك : " أخذ
يفعل" ، و" جعل يفعل" ، هو داخل في الفعل فصار بمنزلة : زيد يفعل
إذا كان في حال فعل وهذا معناه.
وقوله : "
أخذ" و" جعل" : تحقيق لدخوله فيه ، ولا يجوز فيها" أن".
ويوشك معناه يسرع ، وهو ضد يبطئ ، ومعنى أن فيه صحيح لأنه بمنزلة : "
يقرب" ، ويبطئ بمنزلة : " يبعد".
والذي يحذف أن
بعدها كالذي يحذفها بعد عسى.
وقول سيبويه
عند ذكر كرب وكاد : " لما ذكرناه في الكراسة التي تليها يعني ما ذكره في هذا
في : (باب وجه دخول الرفع ، بعد ابتداء إعراب الأفعال بيسير).
وأنشد في
إسقاط" أن" بعد عسى لهذبة بن خشرم :
* عسى الكرب الذي أمسيت فيه
|
|
يكون وراءه
فرج قريب
|
خاطب بهذا رجلا
من معارفه كان قد أسر.
وأنشد أيضا :
* عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر
|
|
بمنهمر جون
الرباب سكوب
|
__________________
فحذف"
أن" من" يغني". والمنهمر : المنصب ، والجون : الأسود ، والرباب :
سحاب دون سحاب. والسكوب : الصبوب.
وأنشد :
* فأما كيّس فنجا ولكن
|
|
عسى يغترّ بي
حمق لئيم
|
فحذف"
أن" ويقال : أحمق وحمق ، كما يقال أشعث وشعث ، وله نظائر كثيرة.
والكيس : ضد
الأحمق.
وأنشد في
استعمال" كاد" بأن ـ لرؤبة :
* قد كاد من طول البلى أن يمصحا
يصف منزلا قدم
عهده وأبلاه الزمان حتى كاد يعفو رسمه ويخفى أثره.
وأنشده ـ في
حذف" أن" بعد" يوشك" ـ لأمية بن أبي الصلت :
* يوشك من فر من منيته
|
|
في بعض غراته
يوافقها
|
أراد : يوشك أن
يوافق منيته في بعض غراته من فر منها ، والغرات : جمع غرة وهي الإعراض عن الشيء
والغفلة عنه.
قال : "
وسألت الخليل عن قول الفرزدق :
* أتغضب إن أذنا قتيبة حزتا
|
|
جهارا ولم
تغضب لقتل ابن خازم
|
فقال : لأنه
قبيح أن تفصل بين أن والفعل فلما قبح ذلك ، حملوه على إن لأن الأسماء قد تقدم فيها
، فحكى هذا سيبويه عن الخليل ولم يخالفه فيه.
وقد رده المبرد
وتوهم أنه إذا كسر" إن" ، فلا يجوز أن تكون أذناه محزوزتين لأن : "
إن" توجب الاستقبال ، وقد أحاط العلم أن الفرزدق قال هذا الشعر بعد قتل قتيبة
وحز أذنيه.
وليس الأمر ما
ظنه ، وذلك أن العرب قد تضع المستقبل مكان الماضي كقوله عز وجل : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) [الرعد : ٥].
__________________
وقال الشاعر :
* إن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم
|
|
بعتيبة بن
الحارث بن شهاب
|
والقتل واقع
بالتخاطب ، وقد كسر" إن". وهذا ونحوه يحمل على فعل غير هذا الظاهر ،
كأنهم افتخروا بقتله فقال : إن يفخروا بقتلك فإن الأمر كذا وكذا.
وذهب المبرد
إلى أن (إن أذنا) بمعنى المشددة.
ووجه الكلام في"
يغضب" وفي" يرضى". بإن الخفيفة.
ومعنى البيت :
أتغضب قيس قتل قتيبة بن مسلم ، ولم تغضب من قتل عبد الله بن خازم السلمي ، وهما
جميعا من قيس وقاتلاهما من بني تميم.
إنما يريد
الفرزدق : هذا علو بني تميم على قيس ، والوضع من قيس في العجز عن الانتصار وطلب
الثأر.
وأنشد في
الإضافة إلى" أن" :
* تظل الشمس كاسفة عليه
|
|
كآبة أنها
فقدت عقيلا
|
فأضاف"
كآبة. إلى" أن" وهي مصدر كئيب ، والمعنى : تظل الشمس متغيرة النور حزنا
لفقد عقيل.
وباقي الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ما تكون
فيه" أن" بمنزلة" أي"
اعلم أنّ أن
إذا كانت بمعنى" أي" للعبارة ، فهي محتاجة إلى ثلاثة شرائط :
أولها : أن
يكون الفعل الذي تفسره وتعبر عنه فيه معنى القول وليس بقول في اللفظ.
والثاني : أن
لا يتصل به شيء من صلة الفعل الذي تفسره ؛ لأنه إذا اتصل به شيء منه صار في جملته
ولم يكن تفسيرا له ، كالذي قدره سيبويه من قوله :
" أو عزت
إليه بأن أفعل".
والثالث : أن
يكون ما قبلها كلاما تاما لأنها وما بعدها جملة تفسر جملة قبلها.
وأنشد سيبويه
في تخفيف" كأن" وإعمالها.
* كأن وريديه رشاء خلب
__________________
فشبه"
كأن" بفعل محذوف لا يتغير عن عامله تامّا.
والوريدان :
حبلا العنق. والرّشاء : الحبل ، والخلب : ليف النخل. والرفع إذا خففت"
كأن" أجود ، ويضمر اسمها فيها لأنها" أن" دخلت عليها"
كاف" التشبيه ، و" أن" إذا كانت مفتوحة لم تقع أولا في موضع
المبتدأ فتجعل ما يليها مبتدأ ، وتجعل" أن" ملغاة كإن إذا كسرتها وخففت
، لأن المكسورة تدخل على المبتدأ وتؤكده ، فإذا ألغيت ولم تعمل ، فما بعدها مبتدأ
واقع موقعه من الكلام.
ومعنى قوله :
لنصبوا كما ينصبون إذا اضطروا في الشعر بكأن إذا خفّفوا يريدون معنى"
كأن" ، ولم يريدوا الإضمار.
إن قال قائل :
أي ضرورة إلى النصب تقع والوزن فيه وفي الرفع واحد؟ قيل له : إنما أراد إذا اضطروا
إلى التخفيف ولم يريدوا إضمارا ، وسبيل ذلك سبيل ما خفف من الفعل في اللفظ ولم
يتغير عمله ، كقولك : لم يك زيد قائما وما أشبهه.
هذا باب آخر تكون أن
فيه مخففة
اعلم أن العلم
واليقين والمعرفة وما جرى مجراها من أفعال التحقيق مختص بهن" أنّ"
المشددة الناصبة للأسماء ، وإنا خصت بها ، لأن المشددة ـ المفتوحة بمنزلة"
إنّ" المكسورة في باب التوكيد والإيجاب ، وما اختص بالإيجاب لا يدخل عليه ما
ينقص دلالته على الإيجاب.
فلم يدخل
على" أنّ" المشددة : رجوت واشتهيت وبابها ؛ لأن هذه الأفعال يجوز أن
يوجد ما بعدها وأن لا يوجد ، فوقعت على" أن" المخففة التي لا توكيد فيها
ولا مضارعة لما يوجب التوكيد.
واعلم أن من
الأفعال ما يكون فيه تأويلان : أحدهما : الإيجاب والآخر : غيره فيجوز فيه أن
تكون" أن" بعده بالتشديد ، أو التخفيف بتأويل التشديد ورفع الفعل بعده.
ويجوز أن تكون
بعده ناصبة للفعل ، وذلك : ظننت وخلت ـ وحسبت و" رأيت" من رؤية القلب ،
وفيها تأويلان :
أحدهما : تأويل
العلم واليقين والمعرفة ، لأن الظان قد أثبت في ظنه ما ظنه واعتقده ، وعنده أنه حق
كما يعتقده العالم في ما علم أنه حق ، فعلى هذا التأويل تجري" أن" بعد
هذه الأفعال مجراها بعد العلم.
والتأويل
الثاني : في هذه الأفعال : أنها أفعال وقعت في القلب واعتقدها صاحبها بغير دليل
ولا برهان ، وعلم أن ذلك الاعتقاد ـ لما كان بغير دليل ـ يجوز أن يكون معتقده يصح
ويجوز أن لا يصح ، فصار بمنزلة : خشيت و" خفت" فعلى هذا التأويل تكون أن
بعد هذه الأفعال ناصبة للفعل ، كما كانت بعد : خشيت وخفت.
وذكر سيبويه
قولهم : أمّا أن جزاك الله خيرا
ومعناه : حقا
أنه جزاك الله خيرا ، كما تقول : " أما أنك رجل" بمعنى : حقا أنك رجل ،
وحذف اسم أن وخففت ووليها الفعل وجاز ذلك لأن هذا الكلام دعاء.
والأشياء التي
تكون عوضا من التخفيف وحذف الاسم ، لا يصح وقوعها فيه ، لأن" قد" لا تقع
في الدعاء ، وكذلك" السين" و" سوف" ، لأنهما يصيران الكلام
يقينا واجبا ، والدعاء ليس بواجب. ولا يجوز دخول" لا" لأنها تقلب معنى
الدعاء له إلى الدعاء عليه ، فاحتمل لذلك ترك العوض ، وأجازوا كسر" إن"
في هذا الموضع فقالوا : " أما إن جزاك الله خيرا" ، على تخفيف"
إن" ولإضمار اسمها ، ومعنى" أما" إذا كسرت" إن" ،
معنى" ألا" التي يستفتح بها الكلام.
وأجاز سيبويه :
" ما علمت إلا أن تقوم"
وإنما جاز ذلك
لأن العلم استعمل فيه على معنى المشورة والرأي ، فصار بمنزلة الظن ، ولو أراد
العلم الحقيقي لقال : " ما علمت إلا أن ستقوم"
وباقي الباب
مفهوم إن شاء الله.
باب أم وأ
هذا الباب ترجمة لما
يأتي بعده مفصلا إن شاء الله
هذا باب"
أم" إذا كان الكلام بها بمنزلة أيهم وأيهما
اعلم أنّ"
أم" فيها معنى حرف الاستفهام ، وحرف العطف وهي تشبه ـ من حروف العطف ـ "
أو" فأما موقعها في الاستفهام فعلى وجهين :
أحدهما : أنها
تعادل ثانيه ألف الاستفهام أولا وتكون بمعنى" أيهما" وإنما تكون كذلك
إذا كان المستفهم قد عرف وقوع شيء من شيئين أو من أشياء ولا يعرفه بعينه ، فيسأل
من يقدر أن عنده علم ذلك ليخبره به معينا معروفا. ويعبر عن هذا السؤال بأن فيه
تسوية ومعادلة ، فأما التسوية : فهي أن الاسمين المسئول عن تعيين أحدهما مستويان
في علم السائل ، فما عنده في أحدهما مثل ما عنده في الآخر. وأما المعادلة : فهي
بين الاسمين ، جعلت الاسم الآخر عديلا للأول بوقوع" الألف" على الأول
و" أم" على الثاني. وقد اتسعت العرب في هذا واستعملوه في غير الاستفهام
، من ذلك قول القائل : " قد علمت أزيد في الدار أم عمرو" ، وهذا ليس
باستفهام والمتكلم فيه بمنزلة المسئول ، والمخاطب يصير فيه بمنزلة السائل ، لأن
القائل قد علمت أزيد في الدار أم عمرو ، يعتقد من قول المتكلم له أن في الدار
أحدهما ، ولا يعرفه بعينه ، فهو بمنزلة السائل في الأول ، وإنما جاز
الاستفهام" بأم" في هذا وما أشبهه ـ وإن لم يكن استفهاما ـ لما فيها من
معنى التسوية والمعادلة ، فشبهت بالاستفهام لاجتماعهما في التسوية لا في
الاستفهام.
قال سيبويه :
" وتقول : ما أدري أقام أو قعد؟ إذا أردت أنه لم يكن بينهما شيء".
كأنه يقول : لا
أدعي أنه كان منه في تلك الحال قيام ولا قعود ، أي : لم أعدد أعدد قيامه قياما ،
ولم يستبن لي قعوده ، فصار بمنزلة ما لا قيام له يعرف ولا قعود. فكأنه قال : ما
أدري أكان منه أحد هذين ، وإذا أيقن بكون أحد الأمرين منه وشك فيه عينا ، قال :
" ما أدري أقام أم قعد" فهذا قد علم أن أحد الأمرين منه كائن ولا يعرفه
بعينه.
هذا باب أم منقطعة
قد تقدم أحد
وجهي أم في الباب الذي يلي هذا.
والوجه الثاني
: أن تكون منقطعة مما قبلها ومنزلتها منزلة الألف إذا اتصلت بكلام قبلها ، إلا
أن" الألف" تكون ابتداء و" أم" لا تكون ابتداء لأنها للعطف.
ففي الوجه
الأول : تعطف شيئا على شيء وهما من جملة واحدة. وفي الوجه الثاني : تعطف جملة على
جملة ، إلا أن الثاني منقطع من الأول ، ولا يكون ما بعدها إلا كلاما تاما.
وقد شبه
النحويون" أم" في هذا الوجه ببل ، ولم يريدوا بذلك أن ما بعد"
أم" محقق كما يكون ما بعد" بل" محققا ، وإنما أرادوا أن"
أم" استفهام (مستأنف) بعد كلام يتقدمها ، كما أن" بل" تحقيق ـ بعد
كلام ـ مستأنف يتقدمها.
واعلم أنه إذا
كان بعد" أم" حرف الجحد الذي هو نقيض ما قبله ، فمعناها ومعنى"
أو" سواء ، وذلك قولك : " أعدك زيد أم لا؟ فأم" منقطعة كأنه حين
قال : أعندك زيد؟ كان يظن أنه عنده ، وسأل عنه وحده ثم أدركه مثل ذلك الظن في أنه
ليس عنده ، فقال : " أم لا"؟.
والدليل على
أنها منقطعة : أن السائل لو اقتصر على قوله : " أعندك زيد؟ "
لاقتضى
استفهامه عن ذلك أن يقال له : " نعم" أو" لا" فقوله : "
أم لا" : مستغني عنها في تتميم الاستفهام الأول ، وإنما يذكره الذاكر ليبين
أنه عرض له الظن في نفي أنه عنده ، كما كان عرض له الظن في أنه عنده ، و"
أو" تقتضي هذا المعنى ، فلذلك استوت" أم" و" أو" فيه.
ويدخل في هذا
المعنى ما حكاه الله جل وعز عن فرعون من قوله :
(أَفَلا تُبْصِرُونَ*
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا) [الزخرف : ٥١ ـ ٥٢] لأن قوله : " أم أنا خير" بمنزلة قوله :
" أم تبصرون ، أم أنا" ، على ما بينه سيبويه وبالإيجاب ، بأحد الأمرين
في المسألة الأولى ، وذكر" أم" بعدها كالتوكيد المستغنى عنه. ألا ترى أن
قوله : أفلا تبصرون يستدعي السائل به أن يقال له : " لا تبصر" أو"
تبصر" ، كأن فرعون ظن أولا أنهم لا يبصرون ثم أدركه ظن أنهم يبصرون على نحو
ما ذكرناه في ما قبله.
وقال أبو زيد :
" أم" زائدة في هذا الموضع ، ولم يقله غيره من النحويين وأما ما أنشده
سيبويه للأخطل :
* كذبتك عينك أم رأيت بواسط
|
|
غلس الظّلام
من الرباب خيالا؟
|
فإنه يكون على
أنه خبر بكذب عينه إياه ، كأنها تمثلت لعينه ثم لم تدم على ذلك ، فقال : كذبتك
عينك ثم أدركه ظن بأن ذلك كان في النوم ، فقال : أم رأيت بواسط خيالا ، وقد يخبر
الشاعر بالشيء ثم يرجع عنه إما بتكذيب ، وإما بتشكيك فيه.
كقول زهير :
* بلى وغيّرها الأرواح والديم
بعد أن قال :
" لم يعفها القدم".
ويجوز أن يكون
على حذف الألف من : " أكذبتك" على تقدير أيهما كان ، كأنه قال : أتمثلت لك في
اليقظة كفكرك فيها على غير حقيقة ، أم رأيتها في النوم؟
وعلى هذا قال
الأسود بن يعفر :
* لعمرك ما أدري وإن كنت داريا
|
|
شعيث بن سهم
أم شعيث بن منقر
|
فلا بد فيه من
تقدير الألف لأنه يهجو هذه القبيلة ، فيقول : لم تستقر على أب ، لأن بعضا يعزونها
إلى سهم وبعضا يعزونها إلى منقر.
وعمر بن أبي
ربيعة :
* لعمرك ما أدري وإن كنت داريا
|
|
بسبع رمين
الجمر أم بثمان
|
أراد : "
بسبع" أم" بثمان" على تقدير : ما أدري بأيهما رمين.
وأما قول كثير
:
* أليس أبي بالنضر أم ليس والدي
|
|
لكل نجيب من
خزاعة أزهرا
|
" فأم" فيه منقطعة ،
والكلام جملتان ، ومعناه : تقدير شيء بعد شيء ، كأنه قال : أليس أبي
__________________
بالنضر؟ ، أليس والدي لكل نجيب؟ ، وإنما قال : أليس أبي بالنضر؟ ، لأنه
ادعاء من ولد خزاعة من ولد النضر بن كنانة ، وكثير من خزاعة ، والنضر أبو قريش ،
فانتسب إليه.
هذا باب أو
تقول : أيهم
تضرب أو تقتل .... ومن يأتيك أو يحدّثك.
قوله : أيهم
تضرب أو تقتل : ادعاء السائل أن سواء من ضرب أو قتل يقع بواحد منهم لا يعرفه بعينه
، فإذا سأل عن ذلك : أجيب عن الاسم ، فقيل له : ضرب ، أو قيل له : قتل.
وإذا قال : من
يأتيك أو يحدثك؟ فقد سأله عن اسم يقع فيه أحد هذين الفعلين ، فالجواب أن يقول :
" زيد" ، فيعرفه بعينه ثم يسأله عن أحد فعليه كما تقدم في الذي قبله.
وأنشد سيبويه
لزفر بن الحارث ، والصحيح أنه لجحاف بن حكيم السلمي.
* أبا مالك هل لمتني مذ حضضتني
|
|
على القتل أم
هل لامني لك لائم
|
فأم هنا
منقطعة. ولو قال : " أو هل لامني" لجاز ، لأن معناهما متقارب ، ولا فرق
بينهما إلا أن" أو" من كلام واحد و" أم" من كلامين. ومعنى
قوله : مذ حضضتني على القتل ، أن الأخطل قال للجحاف في مجلس عبد الملك بن مروان :
ألا تسأل
الجحاف هل هو ثائر
|
|
لقتلي أصيبت
من سليم وعامر
|
وهم قوم الجحاف
بن حكيم ، فخرج الجحاف مغضبا فجمع لبني ثعلب فأوقع بهم بالبشر وقيعة عظيمة ثم قال
للأخطل في قصيدة له :
أبا مالك هل
لمتني مذ حضضتني ـ البيت.
وأنشد لمالك بن
الريب :
* ألا ليت شعري هل تغيرت الرحا
|
|
رحا الحزن أم
أصبحت بفلج كما هي
|
وينشد أم أضحت
وهي منقطعة هنا ؛ لأنها لا تكون للتسوية إلا بعد الألف خاصة.
ومثل هذا قول
علقمة :
* هل ما علمت وما استودعت مكتوم
|
|
أم حبلها إذ
نأتك اليوم مصروم؟
|
أم هل كبير
بكى لم يقض عبرته
|
|
إثر الأحبة
يوم البين مشكوم؟
|
__________________
"
فأم" في الموضعين منقطعة ، ولو استعملت" أو" هنا لجاز ، ولا فرق
بينهما لما تقدم من أن" أم" لجملتين (و) " أو" لجملة واحدة.
يقول : هل ما
اطلعت عليه من سر هذه الجارية التي نأت عنك واستودعتك إياه مكتوم عندك لا تبوح به
أم تقطع حبلها؟ أو تبوح بسرها أم هل تجازيك على بكائك في أثرها لمفارقتك إياها
وأنت شيخ كبير؟ : " لم يقض عبرته" ، أي : دام البكاء فلم تنقطع دموعه.
والشكم :
العطاء جزاء ، فإن كان ابتداء فهو شكر.
هذا باب آخر من أبواب
أو
اعلم أن"
أو" حقيقتها أن تفرد من شيء ، ووجوه الإفراد تختلف فتتقارب في حال وتتباعد في
أخرى ، وهي في ذلك ترجع إلى الأصل الذي وضعت له. فمن ذلك قولك : " جاءني زيد أو عمرو" ،
فالأصل فيه أن أحدهما جاءك ، والأكثر في استعمال ذلك أن يكون المتكلم شاكا لا يدري
أيهما الجائي.
وقد يجوز أن
يكون غير شاكّ ، إلا أنه أبهمه على السامع لحال قصدها في ذلك وقد يحسن أن يبين
أشياء يتناولها كلها الفعل في أوقات مختلفة فيراد بذكر" أو" إفراد كل
واحد منهما في وقته كقولك إذا قيل لك : ما تأكل من الطعام؟ فتقول : برا أو أرزا أو
لحما أو سمكا ، أي أفرد مرة هذا أو مرة هذا ، فدخلت" أو" للإفراد ، ولو
جئت" بالواو" لجاز أن يتوهم الجمع بينهما في وقت واحد ، فإذا أراد بيان
الإفراد ، جاء" بأو".
فهذا
بيان" أو" في الإخبار ، فإذا وقعت في الأمر فهي على وجهين كلاهما
للإفراد : فأحد الوجهين : أن يكون أحد الأمرين إذا اختاره لا يتخطاه ويكون الآخر عليه
محظورا وهذا الذي يسمى التخيير.
والوجه الآخر :
أن يكون اختيار كل واحد من الأمرين من غير حظر الآخر عليه ، وهذا يسمى الإباحة.
واعلم أن
الاسمين إذا كانت بينهما" أو" فلا معادلة بينهما ولا تسوية وهما كاسم
واحد مبهم يجوز أن يعادل بينه ـ مبهما ـ وبين آخر كقولك : أزيدا أو عمرا رأيت أم
بشرا؟ ، فزيد و" عمرو" ـ لدخول" أو" بينهما ـ بمنزلة اسم واحد
عودل بينه وبين" بشر" ، فكأنه قال : أأحد هذين رأيت أم بشرا؟
ومثله قول صفية
بنت عبد المطلب عمة النبي صلّى الله عليه وسلّم :
* كيف رأيت زبرا؟ أأقطا أو تمرا؟
__________________
أم قرشيّا صارما هزبرا؟
"
زبر" : مكبر الزبير ، والزبير بن العوام رضي الله عنه ابنها رأته قد صارع آخر
فصرعه الزبير ، فقالت للمصروع : كيف رأيت زبرا؟. أي : الزبير ، أرأيته طعاما تأكله
ويلين لضربتك أم خشنا على قرنه كالسيف والأسد؟ وقولها : أأقطا أو تمرا؟
لدخول" أو" بينهما بمنزلة : أطعاما؟ ، ووقعت المعادلة بينه وبين" قريشا".
قال سيبويه :
فإذا قلت : أتجلس أم تذهب؟ ، فأم و" أو" فيه سواء.
فجعل"
أم" و" أو" جميعا تلي حرف الاستفهام ؛ لأن المسألة ليست عن أحد
الاسمين ، وإنما هي عن إحدي جملتين لكل واحدة منهما فعل وفاعل ومفعول ، فصارت"
كأم" المنقطعة التي لا يدخل ما بعدها في ما قبلها ولا يتعلق به.
وكان المبرد
يقول : إن معنى قول سيبويه" فأم" و" أو" فيه سواء ، يعني. في
جواز وقوعها في هذا الموضع وإن كان مختلفا معناهما في أصل الباب. واستواؤهما
أن" أم" لم تدخل لتثبت الفعل لأحد الاسمين ، كما تكون في : أزيد قام أم
عمرو؟ ونحوه.
وأنشد سيبويه
لحسان بن ثابت :
* ما أبالي أنبّ بالحزن تيس
|
|
أم لحاني
بظهر غيب لئيم
|
فهذا لا تكون
فيه" أو" ، كما لا تقول : ما أبالي أقام زيد أو عمرو ؛ لأنه لا يجوز
السكوت على الاسم الأول ، فلا يجيء إلا على معنى أيهما كان وإنما أراد أن يسوي بين
نبيب التيس ، ولحي اللئيم له في قلة الاهتمام بهما والمبالاة.
هذا باب أو في غير
الاستفهام
تقول : جالس
زيدا أو عمرا أو خالدا كأنك قلت : جالس أحد هؤلاء ، وتقول : " خذ بما عز أو
هان" ، كأنك قلت خذه بهذا أو بهذا. وإن شئت جئت بالواو.
اعلم أن :
" أو" و" أم" و" الواو"" وبل" : أصول
وضعن مختلفة ، ثم يقع فيهن من المجاز والاتساع ما يتدخلن به فيستعمل الحرفان منهن
في معنى واحد. فمن ذلك اجتماع" الواو" و" أو" في قولك :
" خذه بما عز أو هان" ، و" بما عز وهان" ، لا فرق بينهما.
فأما من قال : " بأو" فمعناه خذه بأحد
هذين : إما العزيز ، وإما الهين ولا يفوتك بحال. وأما من قال : " بما عز
وهان" بالواو ، فمعناه : خذه بما بدا لك من العزيز والهين كما تقول : استصلحه
بالرفق
__________________
والعنف ، والمعنى : بما صلح له من هذين الشيئين.
ومثله : "
كلّ حقّ له" ، بإحدى هاتين الصفتين إما مسمى أو غير مسمى ، ويكون على وجهين :
على أنه صفة للحق وعلي أنه حال ،
ـ فالصفة على
تقدير : كل حق مذكور أو غير مذكور.
ـ والحال على
معنى : إن كان مسمى وإن كان غير مسمى ، كأنه قال : كل حق له كائنا ما كان ، كما
تقول : " لأضربنه ذهب أو مكث أي : لأضربنه ذاهبا أو ماكثا.
ـ وأما من
قال" بالواو" ، فمعناه : كل حق له من المسمى وغير المسمى. ومما تكون
فيه" أم" و" أو" بمعنى واحد ـ وإن كان أصل وضعهما مختلفا ـ قولهم
: أضربت زيدا أولا : وقد تقدم القول في هذا.
واعلم أنه إذا
دخل" نهي" أو" نفي" على ما فيه" أو" فإن النهي
والنفي عن الجميع ، في ما كان مباحا أو تخييرا ، وذلك أنك إذا أمرت وأنت تخيره
فقلت : خذ دينارا أو ثوبا. فأنت تأمره بأخذ أحدهما والآخر محظورا. فإذا نهيته فقد
حظرت عليه الذي كنت تأمره بأخذه ، فصار الجميع محظورا.
فمن حيث كان
الأمر : خذ أحدهما ، صار النهي : لا تأخذ أحدهما.
وإذا قال :
" لا تأخذ أحدهما" فأيهما أخذ فقد عصى ؛ لأنه قد أخذ أحدهما وأما من قال
: المعنى : اترك أحدهما ، فإن هذا القول لا يكون ولا على وجه اللغز ، كأنه يقصد
بأحدهما في اللفظ واحدا بعينه ولم يعرض للآخر بشيء.
واعلم أن قولك
: " لأضربنه (ذهب أو) مكث ، " أم" و" أو" فيه سواء.
واستدل الخليل
على جواز" أم" هنا بقولهم : " لأضربنه أي ذلك (كان) ، وهي بدخول
ألف الاستفهام بمعنى" أو" ؛ لأن الكلام في" أو" يقدر كائنا ما
كان ، وفي" أم" يقدر : أي ذلك كان" ومعناهما واحد ، واحتاجوا
في" أم" إلى ألف الاستفهام للتعديل والتسوية.
وقوله : "
لأضربنه كائنا ما كان كائنا : نصب على الحال من الهاء في" لأضربنه" ،
و" ما" : في موضع رفع بكائن ، وهي بمعنى" الذي" ،
و" كان" : صلتها.
وفيها معنى
المجازاة ، وفي كان ضمير يعود إلى" ما" ، وبعد" كان" هاء
محذوفة تعود إلى" الهاء" في" لأضربنه".
وأنشد لزيادة
بن زيد العذري :
* إذا ما انتهى علم تناهيت عنده
|
|
أطال فأملى
أو تناهى فأقصرا
|
__________________
ويجوز" أم
تناهي" ، فإذا كانت" أو" فهو من : طال يطيل بغير استفهام كقولك : لأضربنه
قام أو قعد.
وإذا كان"
بأم" : فألف أطال للاستفهام دخلت على طال يطول ، والأجود" أو" بغير
استفهام. وهو الكثير من الكلام ؛ لأن معناه كائنا ما كان.
ومثله :
* فلست أبالي بعد يوم مطرف
|
|
حتوف المنايا
أكثرت أو أقلت
|
أي : لا
أباليها ، كانت كثيرة الإهلاك أو قليلة.
يصف أن هذا
المفقود لعظيم مصابه قد استوى عنده من أجل فقده قليل الموت في من بقي بعده وكثيره.
هذا باب" الواو"
التي تدخل عليها ألف الاستفهام
اعلم أن ألف
الاستفهام تقع ـ من حروف العطف ـ على" الفاء" و" الواو"
و" ثم" وتتقدمهن. ولا يتقدم شيء من حروف الاستفهام على حروف العطف
سوى" الألف" ، بل حروف العطف تدخل عليهن وتتقدمهن ، فأما : "
أم" ـ وهي من حروف الاستفهام ـ فإنها لا تدخل على حروف العطف ولا تدخل عليها
حروف العطف ؛ لأنها ، وإن كانت للاستفهام ، فهي للعطف ، ولا تكون مبتدأة كما لا
تكون حروف العطف مبتدأة ، ومن أجل ذلك تدخل" أم" على" هل"
وعلى الأسماء التي يستفهم بها ، كما تدخل حروف العطف عليها.
فإذا
دخلت" أم" على الاستفهام ، فإنما من حيث كانت عطفا لا من حيث كانت
استفهاما.
وإنما
صارت" الألف" تدخل على حروف العطف ، ولم تدخل" هل" عليهن ،
لأن ألف الاستفهام قد تدخل على بعض الكلام ، ولا يكون ما بعدها كلاما تاما كقولك
لمن قال : ضربت زيدا : أزيدنيه؟ ويقول الرجل : مررت بزيد ، فيقال : أبزيدنيه؟ ، وهو
بعض الجملة ، ولا يجوز شيء من ذلك في" هل". فلما كان المعطوف مع حرف العطف بعض
الجملة ، اقتطعت بالألف من الجملة المعطوف ، ولم يجز اقتطاعه" بها" لما
ذكرته.
فإذا قال
القائل : هل وجدت فلانا عند فلان؟ فقال المجيب : أو هو ممكن يكون عنده؟ فكلام المخاطب
عطف على كلام المتكلم باستفهام وغير استفهام. فأما غير الاستفهام. فإن القائل إذا
قال : جاءني زيد ، جاز أن يقول المخاطب : وأقام عندك؟ أو فأقام عندك؟ ، أو ثم أقام
عندك؟ ، فإذا عطف واستفهم ، كان حرف العطف (بعد) حرف الاستفهام إن كان
__________________
الاستفهام بألف ، وإن كان بغيرها ؛ فحرف العطف قبله ، فالألف (قولك) : أو
هو ممكن يزورك؟ وأفهو لك صديق؟ ونحو ذلك. وإذا قال : ألست صاحبنا؟ أو ألست أخانا؟
فقد صار الأول تقريرا بدخول ألف الاستفهام وعطف الثاني عليه عطف جملة على جملة ،
وأدخلت فيه ألف الاستفهام فصارت الجملة (الثانية) كالجملة الأولى ورد العامل فيه
يصيره في معنى" بل" ، كأنك قررته على الجملة الثانية وتركت التقرير على
الأولي ، كما تعمل" بل" في ترك الأول وتثبيت الثاني.
ومثله قوله :
ألا تأتينا أو لا تحدثنا؟ هذا يكون تقريرا ويكون استدعاء وعرضا ، وهو في
معنى" هلا" ، وهذا معنى قول سيبويه : " إذا أردت التقرير أو غيره.
هذا باب تبيان"
أم" لم دخلت عليه حروف الاستفهام
قد تقدم
أن" أم" دخلت على حروف الاستفهام لأنها حرف عطف فدخلت عليها كما تدخل
حروف العطف عليها في قولك : ومن؟ وكيف؟ ومتى؟ ونحوهن ، ولم تدخل" أم"
على الألف لأن" أم" : نظيره الألف في التعديل والتسوية ، وأنهما حرفان
ليسا باسمين ، والألف هي الأصل في حروف الاستفهام ، وكان حقها أن تدخل على سائر
حروف الاستفهام ، ولكنها لما خصت في استعمالها بالاستفهام أو بالجزاء استغني عن
حرف الاستفهام وحرف الجزاء معها لدلالتها عليهما ، وقد تقدم القول في وجهي"
أم" فأغنى عن ذكرهما هنا.
فأما"
هل" فإنها حرف دخلت لاستقبال الاستفهام ، ومنعت بعض ما يجوز في الألف من
اقتطاعها بعض الجملة ومن جواز التعديل ، فصارت داخلة لغير الاستفهام المطلق الذي
حرفه الألف ولذا قال سيبويه : " وإنما هي بمنزلة" قد" إلا أنهم
تركوا الألف إذا كانت" هل" لا تقع إلا في الاستفهام".
ومعنى قول
سيبويه في الفصل بين" أم" وبين" الألف" في دخول"
أم" على" هل" ، وامتناع" الألف" من دخولها على" هل"
: " إن أم إنما تجيء هاهنا بمنزلة لا بل للتحويل من شيء إلى شيء إلى قوله :
" لو تركوها لم يتبين المعنى".
يريد بقوله :
" إن" أم" تجيء بمنزلة" لا بل" أي : أنها إذا كانت
منقطعة ، دلت على مثل ما دلت عليه" بل" في ترك شيء إلى شيء ، ولو جئنا
بالألف في موضع" أم" لكنا قد استأنفنا الاستفهام ولم يكن فيه ترك شيء
بشيء.
وسبيل"
أم" ـ لما كانت للعطف ، أن يصير بين ما قبلها وما بعدها ملابسة (ما) كسائر
حروف العطف ، فلذلك احتاجوا إلى" أم" واستغنوا عن" الألف" ولو
لم يذكروا" أم" لم يتبين المعنى.
وكان المبرد (يجيز)
دخول الألف على" هل".
وأنشد :
* سائل فوارس يربوع لشدّتها
|
|
أهل رأونا
بسفح القفّ ذي الأكم
|
وأما دخول
الألف عليها فغير معروف. والرواية : " أم هل رأونا". والقول ما ذكره
سيبويه فاعرفه إن شاء الله.
هذا باب ما ينصرف وما
لا ينصرف هذا باب أفعل
اعلم أن
الأسماء تنقسم قسمين : متمكن وغير متمكن ، فالمتمكن : المعرب ، وغير المتمكن :
المبني.
والمتمكن على
ضربين : أحدهما : مستوف للتمكن ويسمى الأمكن ، والآخر ناقص التمكن. فأما الأمكن :
فهو ما يدخله الرفع والنصب والجر والتنوين ، والناقص التمكن : هو ما يمنح الجر
والتنوين.
وسبب نقصان التمكن
عشرة أشياء : وزن الفعل ، وبنيته ، والصفة ، والتأنيث ، والتعريف ، والجمع ،
والعدل ، والعجمة ، وزيادة الألف وحدها ، والألف والنون في آخر الاسم ، وجعل
الاسمين اسما وحدا.
وإنما صار وزن
الفعل ثقلا بمنع الصرف ؛ لأن الاسم أصل ، والفعل فرع ، والاسم أخف من الفعل ، فإذا
دخل على الاسم ما هو للفعل ، ثقله.
وكذلك الصفة :
هي أثقل من الموصوف والموصوف قبلها.
والتأنيث أثقل
من التذكير ؛ لأن التذكير أول ، والتأنيث داخل عليه.
والتعريف أثقل
من التذكير ؛ لأن أصل الأسماء أن تكون منكورة شائعة في الجنس ثم تعرف بأسباب
التعريف.
والجمع أثقل من
الواحد ؛ لأن الواحد هو الأصل ثم تجمع.
والعدل أثقل من
الاسم الذي عدل عنه لأن ذلك الاسم هو أصل.
والعجمة أثقل
من العربية لأنها ترد على كلام العرب بعد التكلم بالعربية.
وزيادة الألف
وحدها ، وزيادة الألف والنون ثقل ؛ لأن الاسم أولا بغير زيادة.
وجعل الاسمين
اسما واحدا ثقل ؛ لأن الأصل اسم واحد ثم ضم إليه آخر ، وجعلت هذه الزيادات في
الآخر ثقلا ؛ لأنها في لحاقها آخر الاسم تجري مجرى التأنيث.
فإذا اجتمع في
الاسم من هذه العلل العشر الفرعية اثنان فصاعدا ، أو واحدة تقوم مقام
__________________
ثنتين منع الاسم التصرف. وإذا دخلت واحدة لم يمنع الصرف ؛ لأن في الاسم خفة
بالاسمية ، فإذا دخل ثقل ، قاومته الخفة ، فلم يغلبها ، فإذا دخل ثقلان غلباها.
وابتدأ سيبويه
بذكر ما يجتمع فيه علتان من العلل المانعة من الصرف ، وساق الأبواب على ذلك ،
فبدأ" بأفعل" الذي هو وصف ، وقد اجتمعت علتان : وزن الفعل والصفة وإن
صغرته لم يخرجه التصغير إلى الصرف ؛ لأن الفعل قد صغر في قولهم : " ما أميلح
زيدا" ، و" ما أحيسنه" فاعلم ذلك.
هذا باب أفعل إذا كان
اسما
وما أشبه
الأفعال من الأسماء التي في أوائلها الزوائد.
ذكر سيبويه في
هذا الباب أن" أفعل" وإن لم يعرف اشتقاقه حكم لهمزته بالزيادة ـ ثم قال
: " وإن لم تقل هذا".
يعني : إن لم
تقل في" أفكل" أن الهمزة زائدة ـ وفرقت بينه وبين أحمر لأن أحمر : (قد)
عرف اشتقاقه ، وأفكل لا يعرف له اشتقاق ـ دخل عليك ألا تجعل في ما لا يعرف اشتقاقه
حرفا زائدا ، كألف في" الرجازة" ، وهي : شيء يعدل به حمل البعير و"
الربابة" : التي تجمع فيها القداح ، وأن تجعلها بمنزلة" القمطرة"
و" الهدملة" ، وهذا فاسد. وسنبين ذلك في باب التصريف إن شاء الله.
قوله : "
ولو جاء في الكلام شيء نحو : أكلل وأيقق. فسميت به رجلا صرفته لأنه لو كان أفعل لم
يكن الحرف الأول إلا ساكنا مدغما".
يعني : أن ما
كان على أفعل (مما) عين الفعل ولامه من جنس واحد تدغم في لامه كقولنا : أشدّ وأكسّ
وأطلّ البعير ، وما أشبهه. وإذا جاء على" فعلل" لم يدغم أحدهما ، كقولنا
: قردد ومهدد ، فلذلك جعل أكلل وأيقق وما أشبهها ـ إذا سمي بشيء منها ـ مصروفا
، وإذا سميت رجلا بألبب ، فهو غير مصروف لأنه من اللب ، وهو" أفعل".
والعرب تقول :
* قد علمت ذاك بنات ألببه
يعنون : لبه.
أراد سيبويه أن الاشتقاق قد بين أن الهمزة زائدة. وترك الإدغام شاذ. ومن الناس من
يقول : ألببه بجعله جمع لب ، كذا حكى الفراء.
قال : وكذلك
تألب لا يصرف لأنه تفعل ، ويدلك على ذلك أنه يقال للحمار : ألب
__________________
يألب وهو طرده طريدته ، وإنما قيل : تألب من هذا ، والتألب : شجر يتخذ منه
القسي ، الواحدة تألبة ، فيجوز أن تكون مشتقة من ألب ؛ لأن القوس تطرد السهام
وتسوقها إلى المرمى.
واعلم أن"
أفعل" إذا كان صفة ثم سمي به لم ينصرف في المعرفة ولا في النكرة عند سيبويه
والخليل وهو قول المازني. والأخفش يصرفه في النكرة وتابعه على ذلك المبرد ، وحجته
أن أحمر وما جرى مجراه من قبل أن يسمى به ، غير مصروف لعلتين : وزن الفعل والصفة ،
فإذا سمينا به فقد زالت الصفة ، وامتنع من الصرف لعلتين : وزن الفعل ، والتعريف ،
فإذا تنكر بقيت فيه علة واحدة وهي وزن الفعل ، فوجب أن ينصرف كما تقول : "
مررت بأحمد وأحمد آخر".
وأما سيبويه فإنه
عنده ، وإن سمي به فحكم الصفة باق فيه ، واحتج في ذلك بأنه إذا نكر فإنه يرجع إلى
تنكير كان له وهو اسم ، وإن وصف به فكأنه يرجع إلى الحال الأولى التي كان لا ينصرف
فيها.
وذكر أن
المازني سأل الأخفش فقال له : لم صرفته؟ قال : لأنه صار اسما وزالت عنه الصفة فبقي
فيه وزن الفعل فقط. قال له المازني : ألست تقول : " مررت بنسوة أربع"
فتخفض" أربع" وتنون وهو صفة على وزن الفعل؟ فقال : بلى ، قال : فلم
صرفته وقد اجتمعت فيه علتان؟ قال : لأن" أربعا" اسم في الأصل ، فلا أحكم
له بحكم الصفة وإن وصفت به ، فقال له المازني : فاحكم لأحمد بحكم الصفة وإن سميت
به ، لأن الأصل فيه صفة ، فلم يأت الأخفش بمقنع.
قوله : "
وليس لك أن تغير البناء في مثل ضرب وضورب ... لأنك قد تسمّي بما ليس في
الأسماء".
يريد أن ضرب
وضورب وإن لم يكن مثلها في الأسماء ، فإنك لا تغير البناء ، لأنك إن غيرته بطل
التعريف ، وتغير اللفظ ، ونحن قد نسمى بالحروف وبالأسماء الأعجمية وما ليس له في
كلام العرب نظير.
هذا باب ما كان من
أفعل (صفة في بعض) اللغات
واسما في أكثر الكلام
قوله : "
وذلك أجدل وأخيل وأفعى" إلى قوله : على هذا المثال جاء أفعى كأنه صار صفة وإن
لم يكن له فعل ولا مصدر.
يعني : أنه جعل
بمنزلة خبيث أو ضار وما أشبه ذلك مما يليق بأن يكون صفة له ، وإنما اختار سيبويه
أن تكون هذه الأسماء مصروفة ، وإن كان أصلها الصفة لأن كل اسم منها مختص
بنوعه ، فيقال للصقر : " أجدل" ، ولا يقال لشيء غيره ولا يقال
أيضا : " مررت بصقر أجدل".
و" أخيل"
و" أفعى" اسمان لنوعين من الطير والحيات ولا يقال ذلك لغيرهما.
وقد حكى سيبويه
عن بعضهم أنه جعله نعتا للعلة التي ذكرها ، وفيه بعد ، وقد أجرت العرب : "
أدهم" إذا أرادت القيد ، وأسود إذا عنت الحية وكذلك أرقم : صفات وإن كانت
أسماء لأشياء بعينها ، وذلك لأنا قد عرفنا معنى الأدهم في غير القيد وهو : الأسود
من الخيل.
وإنما قيل
للقيد : أدهم لسواده وشاركه فيه غيره.
وكذلك للأسود
من الخيل لسواده ، وقد شاركه في اللفظ والمعنى الأسود من غير الحيات ، وكذلك
الأرقم ، إنما هو : اسم لضرب من الحيات لرقمه فيه ، ويقال لمثل ما كان فيه ذلك
اللون أرقم ، إلا أنه غلبت هذه الصفات على هذه الأشياء فصارت كالأسماء.
وقولهم :
" أرقم" و" أدهم" لا يوجب الاسمية لأرقم وأدهم ، لأن العرب قد
قالت : أباطح وأجارع وأبارق ، وقد أحاط العلم بأنها صفات لقولهم : أبطح للمكان
المنبطح وبطحاء ، وأبرق للمكان الذي فيه لونان وبرقاء ، وأجرع وجرعاء للمكان
المستوي من الرمل المتمكن ، فيجيء المذكر على أفعل ، والمؤنث على فعلاء فقد بين
أنه صفة.
ومثل ذلك قولهم
: الأبعث للطائر الذي في لونه كدرة فيقيمون الصفة مقام الاسم وهو اسم لضرب من
الطير فاعلمه.
هذا باب أفعل منك
جميع ما في هذا
الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب ما لا ينصرف
من الأمثلة وما ينصرف
اعلم أن المثال
الذي يمثل به الاسم أو الفعل أو الصفة ، منزلته منزلة اسم ليس بصفة ، وإن كان
موضعه يوجب له التنكير كان اسما منكورا ، وإن كان يوجب (له) التعريف : كان اسما
معروفا ، ثم ينظر ، فإن كان مثله في رجال التنكير أو التعريف ممنوع الصرف منع
الصرف ، وإن كان غير ممنوع لم يمنعه.
وقد بين سيبويه
المسائل في ذلك وبينه واحتج له.
وزعم المازني
أن سيبويه أخطأ في قوله : هذا رجل أفعل حين ترك صرف أفعل.
وقال المبرد :
لم يصنع المازني شيئا.
والقول عند غير
المبرد أنه ينصرف ؛ لأن العرب لما وصفت بأفعل الذي هو اسم في الأصل ، صرفته ، وذلك
قولهم : " هؤلاء نسوة أربع" و" مررت بنسوة أربع".
وسائر الباب
مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب ما ينصرف من
الأفعال إذا سمّيت به رجلا
هذا الباب يذكر
فيه من سمي بفعل لا ضمير فيه ولا زيادة في أوله وله نظير من الأسماء.
فالنحويون يرون
صرفه إلا عيسى بن عمر فلا يصرفه في المعرفة.
واحتج سيبويه
بأن العرب تصرف الرجل يسمى بكعسب وهو فعلل من الكعسبة وهو : العدو الشديد.
وكان عيسى بن
عمر يحتج ببيت سحيم بن وثيل :
* أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا
|
|
متى أضع
العمامة تعرفوني
|
فلم يصرف"
جلا" وقد سمى به أباه لأنه فعل ماضي. وتأويل سيبويه أن في" جلا"
ضميرا من أجله له يصرفه ، والفعل إذا كان فيه ضمير لو كان معه فاعل ظاهر ثم سمي به
، حكى ولم يغير كما قال :
* بني شاب قرناها
وقوله : أنا
ابن جلا ، أي : ابن المعروف المنكشف الأمر ، والتثنية : الطريق الشاق في الجبل ،
أي : أركب الأمور الشاقة الصعبة لجلدي وشدّة عزمي.
وأما"
فعل" وما كان نظيره مما لا مثال له في الأسماء فلا ينصرف في المعرفة ، وقد
جاء في الأسماء المعارف أسماء على" فعل" كلها غير مصروف ، فمن ذلك : خضم
وهو اسم العنبر ابن عمرو بن تميم. وشلم وهو : اسم بيت المقدس. وبذر وعثر : موضعان.
قال كثير :
* سقى الله أمواها عرفت مكانها
|
|
جرابا
وملكوما وبذر والغمرا
|
فإن احتج محتج
ببقم وهو : جنس من الخشب ، قيل له : بقّم : ليس باسم عربي وتكلمت به العرب ، ووافق
من كلامها ما كان من الفعل لا نظير له في الأسماء ، وأجرى حكمه على حكم الفعل الذي
لا نظير له ، فينصرف في النكرة ، ولا ينصرف في المعرفة.
فإن قال قائل :
وقد جاء في الأسماء" دئل" فلا ينبغي أن يمنع ضرب ـ إذا سمى به ـ الصرف.
__________________
قيل له : لم
يذكر سيبويه في أبنية الأسماء" دئل". وذكر الأخفش أنه جاء اسما معرفة ،
والمعارف غير معوّل عليها في الأبنية ؛ لأنه يجوز أن يسمى الرجل بالفعل وبالحرف
وبما لا نظير له في كلام العرب.
وذكر عن الأخفش
أن" دئل" اسم دابة شبيه بابن عرس ولا حجة في هذا ؛ لأنه يجوز أن
يكون" دئل" سمي بالفعل. وفي أسماء الأجناس ما سمي بالفعل كثيرا ، كطائر
يقال له : تبشر ، وآخر يقال له : تشوط ، وهذان بناءان لفعل كأنهما سميا بفعل
يفعلانه فاعلم ذلك.
وذكر سيبويه أن
الفعل إذا اتصل به علامة الاثنين وعلامة الجمع ثم سمي به ، زيدت النون بعدهما ؛
لأن النون عوض من الحركة والتنوين في الاسم ، وقد وجبت الحركة والتنوين بالتسمية
في الفعل الواحد ، فتزاد في تثنية الفعل وجمعه إذا سمي به لذلك.
وعلة أخرى : أن
هذه" الواو" كانت في الأصل معها" نون" وإنما سقطت"
النون" في الماضي (لأنه مبني على الفتح) ، والنون في مثل هذا الفعل إنما تدخل
علامة الرفع ، فإذا كان الفعل منصوبا (أو) مجزوما سقطت النون ، فإذا سمينا به رجعت
النون.
واعلم أن الاسم
إذا لحقته الواو والنون على غير وجه الجمع مما لم تتكلم به العرب ـ وإنما هو مختلف
لتسمية المسمى كقولهم : حمدون وعبدون وزيدون ـ كان فيه وجهان :
أحدهما : أن
تجعل الإعراب في النون وتلزمه الإعراب على كل حال ، فيقال : هذا حمدون وعبدون ،
ومررت بحمدون وعبدون ، فيصير بمنزلة : زيتون وعرجون.
والوجه الثاني
: أن يجعل بمنزلة الجمع فيقال : هذا حمدون وعبدون ، ورأيت عبدين ، ومررت بحمدين ،
ولا يجوز فيه" حمدين" و" عبدين" في هذا الوجه. فإن سمي بحمدين
وعبدين بالياء كان فيه وجهان أيضا : أحدهما : أن تعرب النون وقبلها ياء ساكنة ،
ويجوز أن تجعله كالجمع السالم ، مرة بالياء ، ومرة بالواو ولا يجوز أن تجعله
كزيتون وعرجون ؛ لأنه لا يجوز أن تكون النون معربة على وجهين مختلفين ، كما لا
يجوز أن يقال في زيتون : زيتين فكذا هذا وما أشبهه.
وأما ما كانت
الواو فيه للجمع في الأصل فقد بين سيبويه وجوهه فأغنى ذلك عن ذكره.
وقوله بعد ذكر
التسمية بضربا : " فإنما كففت في الفعل ـ يعني النون لأنك حين ثنّيت وكانت
الفتحة" إلى قوله : " كما كان الكسر في هيهات نظير الفتح في
هيهات".
يريد أن الفتح
الذي أوجبه البناء في الفعل الماضي. كالفتح الذي يوجبه الإعراب في المستقبل ،
يشتركان جميعا في إسقاط نون الجميع في" فعلوا" و" لم يفعلوا"
، فإذا سمي بها ، عادت النون ، وذلك مثل الفتحة في" هيهات" والكسرة
في" هيهات" وهما مبنيتان ، أحدهما : جمع وهو هيهات ، والآخر : واحد وهو هيهات ، جعلوا التاء
في هيهات مكسورة وإن كانت
مبنية لأنه جمع ، والتاء في هيهات مفتوحة لأنه واحد ، وكان حق الجميع أيضا
أن تكون تاؤه مفتوحة لأن الذي أوجب بناءهما معنى واحد وهو الإشارة ، والإشارة توجب
بناء المشار إليه كقوله" هذا".
وتقول في
المكان : ثمّ ، ولما بعد كثيرا : هيهات ، ولكنه لما جعل جمعا بالألف والتاء وكان
يجب فيه الفتح للبناء جعل كسرا. كما أن الفتح الذي يجب بالنصب في ما جمع بالألف
والتاء يجعل كسرا ، نحو مسلمات وصالحات ، فجعل الجمع ـ كما وإن كان مبنيا ـ مكسور
التاء إذا كان جمعا في موضع يوجب البناء فيه الفتح ، كان ذلك في المعرب.
هذا باب ما لحقته
الألف في آخره
فمنعه ذلك من
الانصراف
ذكر في هذا
الباب" تترى" ، وهي تحتمل أن تجعل ألفها للتأنيث ، وأن تجعل زائدة
للإلحاق بجعفر ونحوه ، ويجوز أن تكون الألف فيها عوضا من التنوين ، إلا أنّ خط
المصحف يدل على أحد القولين الأولين ؛ لأنها مكتوبة بالياء ، وأصلها"
وترى" ، والتاء الأولى بدل من الواو لأنها من المواترة.
وذكر أن"
علقى" : منهم من ينونها ويجعل ألفها للإلحاق ومنهم من يجعلها للتأنيث فلا
ينون.
وأنشد للعجاج :
* يستن في علقى وفي مكور
أنشده رؤبة غير
منون. ومعنى يستن : يرتعي وهو من السين ، وهو رعي الماشية والقيام عليها. والعلقى
والمكور : شجر.
قال المبرد :
حدثني المازني قال : كنت عند أبي عبيدة فسمعته يقول : ما أكذب النحويين يزعمون أنه
لا يدخل تأنيث على تأنيث وقال سمعت رؤبة يقول : " علقاة" ، قلت له : فهلا
فسرت له كما علمتنا أن الألف للإلحاق ، فقال : كان أغلظ طبعا من أن يفهم ذلك.
هذا باب ما لحقته ألف
التأنيث بعد ألف
فمنعه ذلك من
الانصراف في المعرفة والنكرة
استدل سيبويه
على أن الهمزة في علباء فزيزاء ، منقلبة من ياء وأنها ليست بمنزلة الهمزة في باب
حمراء ، بأنهم يقولون : درحاية.
__________________
والأصل في
علباء وزيزاء : علباي وزيزاي ، قلبت الياءان همزة لما يوجبه التصريف وألحقا بسرداح
وسربال.
فإن قال قائل :
إذا كنتم قد منعتم من صرف" حبنطى" وما أشبهه من المعرفة لأن فيه ألفا
زائدة تشبه ألف التأنيث في الزيادة واللفظ.
قيل له : حبنطى
، لفظ الألف فيه لفظ ألف التأنيث ، والهمزة في حمراء ليست بعلامة التأنيث ، وإنما
علامة التأنيث الألف التي هي منقلبة منها ، فلما كانت الهمزة في : "
علباء" منقلبة من ياء ، وفي حمراء منقلبة من ألف ، وليست الهمزة بعلامة
التأنيث ، لم يشتركا في اللفظ.
هذا باب ما لحقته نون
بعد ألف فلم ينصرف
في معرفة ولا نكرة
قد بين سيبويه
العلة في منع الصرف من فعلان وجلب النظائر إليه والاحتجاج عليه.
وكان المبرد
يحتج بأن النون بدل من ألف التأنيث واستدل على ذلك بأن العرب تقول في النسب إلى
صنعاء : صنعاني وإلى بهراء : بهراني ، فيجعلون مكان حرف التأنيث نونا ، ويقولون :
ندمان وندامى كما قالوا صحراء وصحارى.
وباقي الباب
مفهوم من كلام سيبويه.
هذا باب ما لا ينصرف
من المعرفة مما ليست نونه
بمنزلة الألف في :
بشرى
جملة هذا الباب
أنه إذا كان في آخر الاسم ألف ونون ، وقبلهما ثلاثة أحرف ، حكم عليهما بالزيادة
حتى يقوم الدليل من اشتقاق أو غيره أن النون أصلية. ومن أجل هذا حكم الخليل
على" رمان" أن النون فيه زائدة ولم يعرف اشتقاقه لأن الأكثر كذلك وأنه
لا يعرف" لرمن" معنى.
وأكثر النحويين
يذهبون إلى أن النون في" رمان" أصلية ؛ لأن الألف والنون ، إنما تكثر زيادتهما
في الجموع والمصادر ، وأما ما تكون النون فيه أصلية ، ولا تمنع من الصرف ، فمرّان
، وهو مشتق من المرانة وهي اللين ، ويقال للرماح : مران ، للينها وتثنيها ، وكذلك
رجل يسمى" فينان" ، وهو" فيعال" ، ومعناه : الكثير الشعر
والكثير الأغصان من الشجر ، وعلى هذا قياس ما تثبت النون في تصريفه.
وذكر أن العرب
في" معزى" على مذهبين : منهم من يجعل" معزى" مؤنثا بالألف
ولكن كما تجعل إبل وغنم مؤنثا ، فمن ذهب هذا المذهب وسمى رجلا معزى ثم صغره ، لم
يصرفه ، فقال : هذا معيز ومررت بمعيز ، ورأيت معيزى. ومنهم من يذكّره.
وذكر سيبويه عن
أبي الخطاب أنه سمعهم يقولون :
* ومعزى هدبا يعلو
|
|
قران الأرض
سودانا
|
" فهدبا" : نعت"
لمعزى" ، ومعناه كثير الهدب ، أي : الشعر.
فعلى هذا
المذهب إذا سمي به لا يصرف في التكبير من أجل الألف ويصرف في التصغير كما
يصرف" حبنطى" إذا صغر ، فاعلمه.
هذا باب هاءات
التأنيث
جميع هذا الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ما ينصرف في
المذكّر ألبتّة مما ليس في
آخره هاء التأنيث
ذكر سيبويه في
هذا الباب" أختا" و" بنتا" ، والتاء فيهما عنده بمنزلة التاء
في" سنبتة" و" عفريت" ، والتاء فيهما زائدة للإلحاق. والسنبتة
: القطعة من الدهر والمدة.
والدليل على
زيادة التاء أنهم يقولون : سنبة ، ويقولون : عفر وعفرية ، وكذلك أخت وبنت ملحقتان
بجذع وقفل ، والتاء فيهما زائدة للإلحاق ، فإذا سمينا بواحد منهما رجلا صرفناه
لأنه بمنزلة مؤنث على ثلاثة أحرف ليس فيه علامة التأنيث كرجل سميناه بفهر وعين.
وأما : "
هنت" ، فهي مخالفة لأخت وبنت.
قال : "
إذا سمينا بهنت وجب أن تقول في الوصل والوقف : هذا هنه وهنه"
قد جاء بتحريك
النون ، ولا نسكنها في الوصل كما كانت مسكنة قبل التسمية ، لأن إسكانها ليس
بالقياس ، ولم يلزموها الإسكان فيكون بمنزلة" بنت" و" أخت"
وتكون التاء للإلحاق ، وإنما يسكنونها وهم يريدون الكناية بها عن الاسم تشبيها
بنون" من" لما فيها من معنى الكناية ، فإذا سمينا بها رددناها إلى
القياس ، فلا نصرفها ، وتكون منزلتها منزلة رجل سميناه" بسنة" وما أشبه
ذلك.
هذا باب فعل
سمى سيبويه
المعدول محدودا ، لأن المحدود عن الشيء هو الممنوع والمعدول عنه في نحو معناه.
وقوله : "
وهذا قول الخليل".
يريد أن الخليل
شرح المعدول وذكره على الترتيب الذي جاء به ، ولم يرد أن له مخالفا خالفه فيه.
__________________
واعلم أنّ
الأصل أن يقال في جمع" جمعاء" و" كتعاء" : جمع وكتع على قياس
حمراء وحمر ، وشهباء وشهب ، غير أنهم عدلوا عن جمع وكتع إلى جمعاء وكتعاء ، لأن هذا
لا يستعمل إلا معرفة ، وباب حمراء يستعمل معرفة ونكرة ، فشبهوه في جمعهم إياه بباب
الأفضل والفضلى والفضل ، والطّولى والطول ، وهذا لا يستعمل إلا بالألف واللام فلما
كان : جمع وكتع معرفة بغير ألف ولام صار كالفضل والطّول ، واجتمع فيه علتان :
العدل والتعريف فلم ينصرف.
واعلم أن"
أحاد وثناء" معدول اللفظ والمعنى ، وذلك أنك إذا قلت مررت بواحد أو اثنين ،
أو ثلاثة وإن كانوا ألوفا.
والمانع من
الصرف أنه صفة ومعدول.
وقال بعضهم عدل
في اللفظ والمعنى فصار كأنّ فيه عدلين ، وقد تقدم شرح ذلك.
وذكر الزجاج
أنّ القياس لا يمنع أن يبنى منه إلى العشرة على التباين" مفعل" و"
فعال" ، والمسموع من العرب من الواحد إلى الأربعة.
وزعم بعض
النحويين أنها معارف. والدليل على تنكيرها قوله عز وجل : (أُولِي أَجْنِحَةٍ
مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) [فاطر : ١] فوصف بها النكرة.
وقال ساعدة بن
جؤية :
* وعاودني ديني فبتّ كأنما
|
|
خلال ضلوع
الصّدر شرع ممدود
|
ولكنّما أهلي
بواد أنيسه
|
|
ذئاب تبغي
الناس مثنى وموحد
|
فوصف ذئابا
بمثنى وموحد.
وذكر سيبويه
أن" فعل" إذا سمّي به ، ثم خففت عينه صرف ، لأنه قد خرج إلى مثال ما
ينصرف لسكون عينه.
وخالفه المبرد
فقال : إن خففنا" ضرب" قبل التسمية فقلنا" ضرب" ؛ ثم سمينا به
مخففا فإنه ينصرف ، وإن سمينا" بضرب" ثم خففناه لم ينصرف ، لأنا
ننوي" ضرب" في التسمية وليس بمنزلة : قيل وبيع ؛ لأن هذا بني على
التخفيف وهو لازم ـ فيه وليس بلازم في ضرب.
وقال المحتج عن
سيبويه إنما منع من صرف" ضرب" اللفظ الذي ليس من الأسماء فإذا زال اللفظ
إلى ما له نظير انصرف كما ينصرف إذا حقرته. واستدل سيبويه أنه ليس الحذف في كل حال
للعدل بأن : " هار" مخفف من" هائر" محذوف الهمزة وليس بمعدول
ولا ممنوع الصرف ، فاعلمه.
__________________
هذا باب ما كان على
مفاعل أو مفاعيل
ذكر في هذا
الباب أن" أفعالا" و" مفعولا" تمتنع من الصرف في المعرفة وإن
كانت جمعا لمضارعتها للواحد ، وقوى ذلك ما حكاه عن أبي الخطاب الأخفش أنه سمع
العرب يقولون : ثوب أكياش : للخلق ، وبعضهم يقول : أكياش جمع وإن كان واقعا على
الثوب كما يقال : قميص أخلاق يراد : أنه ذو قطع مخلقة.
وذكر أن العرب
تقول : سدوس : للطّيلسان الأخضر وحكى" جدور" في معنى جدور ، وأتي ، وهو
: مسيل الماء ووزنه" فعول" ، فهذا وما أشبهه تقوية لصرف"
فعول" من أبنية الجمع إذا سمي به.
واعترض بعض
الناس في الجمع الذي أوله مفتوح وثالثه ألف فقال : قد وجدنا في الواحد نظير هذا ،
وهو قولهم للضبع حضاجر ، وحضاجر عند سيبويه جمع سميت به (الضبع) وهي معرفة ،
والمعارف من أسماء المدن والناس قد تقع بالجموع كقولهم في بعض آبار القبائل : كلاب
وفي بعض المدن مدائن. وواحد حضاجر : حضجر ، يقال ضب حضاجر أي ممتلئة ، وسميت الضبع
حضاجر لكبر بطنها.
وأما"
سراويل" فهي عند سيبويه والنحويين أعجمية وهو اسم واحد وافق بناؤه بناء ما لا
ينصرف ، فأجري مجراه ومن الناس من يجعل" سراويل" جمعا لسروالة وجمعه
جمعا لقطع الخرق. وأنشد :
* عليه من اللؤم سرواله
وقد ذكره المبرد
واعتمد عليه.
والذي عند غيره
أن سروالة لغة في سراويل ، والدليل على ذلك أن الشاعر لم يرد : عليه من اللؤم قطعة
من السراويل ، هذا بعيد.
والعلة المانعة
من صرف هذا الجمع :
ـ أنه جمع وأنه
لا نظير له في الواحد.
ـ وفي الجموع
ما له نظير فصار لهذا الجمع مزية في البعد عن الواحد ، فكأنه جمع مرتين فصار
كالنقلين والعلتين.
ـ ووجه آخر
يقال : لمّا لم يحتمل هذا الجمع أن يكسّر ، وفي الجمع ما يحتمل التكسير صار له
بذلك مزية في البعد عن الواحد يكسر.
__________________
ـ ووجه آخر :
أنه لما لم يحتمل التكسير أشبه الفعل لأن الفعل لا يجمع فكأن فيه شبه الفعل والجمع
، وقد سقط ألف الجمع تخفيفا ، فيقال : جندل وذلذل يريدون جنادل وذلاذل ، وهي أسافل
القميص الطويل ، ويصرفونه لأنه نقص عن البناء المانع للصرف.
وبين سيبويه
أن" ثمانيا ورباعيا ويمانيا وشاميا" ـ وإن كان على لفظ الجمع فهو منصرف
لأنه منسوب في الأصل ، والألف عوض من إحدى ياءي النسب.
وذكر أنّ بعض
العرب ترك صرف" ثمان" على مذهب الجمع كأن الواحد ثمنى والجمع ثمان كما
قالوا : ملهى وملاه وأرطى وأراط.
وأنشد :
* يحدو ثماني مولعا بلقاحها
|
|
حتّى هممن
بزيغة الإرتاج
|
فلم يصرف"
ثماني" ، وهو قليل ـ عند سيبويه ـ ضعيف.
واعلم
أنّ" ياء" النسب إذا دخلت على ما قبلها ولم يجمع. فهو منصرف كقولك : " حواريّ" لأن التقدير
أنا نسبناه إلى حوار ، وكذلك رجل حوالي كأنا نسبناه إلى حوال.
ومعنى حوالي :
لطيف الحيلة ، حسن التصرف.
وأما"
عواديّ"" وحوالي" جمع حولي فإنه لا ينصرف لأنه منسوب قبل الجمع ،
ولم يلحق بالنسب بحوال فاعلم ذلك.
هذا باب تسمية المذكر
بلفظ الاثنين
والجمع المسلّم
اعلم أن الاسم
المثنى إذا سمي به لا يجوز أن يجعل الإعراب في النون ، ويجعل ما قبلها ياء لازمة ،
كما جاز ذلك في الجمع ، وإنما يجعل ما قبل نون التثنية ألفا لازمة لأن نظيرها في
الكلام موجود نحو : زعفران ، وعثمان وما أشبه ذلك.
وليس في الكلام
في آخر الاسم ياء ونون زائدتان ، وقبل الياء فتحة ، فمن أجل ذلك لم يقل : رجلين
ومسلمين إذا سمينا بالمثنى ، وأما في الجمع ، فقد وجد نظير في الكلام إذا ألزمت
النون الإعراب وجعلوا قبلها ياء لازمة كقولهم : " غسلين" : وما أشبهه.
واعلم أن بعض
النحويين يقول : إذا حذف التنوين من جماعة المؤنث إذا سمي بها لم يجز إلا الفتح.
وكان المبرد لا
يجوز الفتح. وكلام سيبويه يدل على جوازه وإن لم يفصح بذلك لأنه
__________________
قال : " ومن العرب من لا يقول أذرعات ويقول : قريشيات كما ترى شبهوها
بهاء التأنيث ؛ لأن الهاء تجئ للتأنيث ولا تلحق بنات الثلاثة بالأربعة".
فهذا من كلام
سيبويه دليل بين أن التاء في الجمع بمنزلة الهاء ، والألف عنده كالمطرحة إذ ليست
بحاجز حصين فينبغي أن يكون الفتح أولى ، وروي عن الأصمعي أنه قال : ترك التنوين مع
الكسر خطأ وينبغي أن يفتح ، فاعلمه.
هذا باب الأسماء
الأعجميّة
ذكر سيبويه في
هذا الباب : " هودا" مع" نوح" و" لوط" وهما أعجميان
، والمعروف أن" هودا" عربي ، والذي يظهر من كلامه ، أنه أعجمي عنده ،
لما عده مع نوح ولوط.
والناس مختلفون
في هذا فمنهم من يقول : إن العرب من ولد إسماعيل ، ومن كان قبل ذلك فليس بعربي ،
و" هود" قبل إسماعيل في ما يذكر ، والله أعلم بحقيقة ذلك.
ووقع في الباب
: " النّيروز بالياء ، وينبغي أن يكون بالواو ولو كان بالياء لقالوا يناريز.
واعلم أن الاسم
الأعجمي إذا صغر فهو ممتنع من الصرف كما كان قبل التصغير ، لأن العجمة باقية فيه
كما أن" عناق" إذا سمي به رجل ، كان على تأنيثه ولم يصرف فاعلمه.
هذا باب تسمية المذكر
بالمؤنث
ذكر في هذا
الباب أن" فعولا" و" مفعالا" إذا نقلا من صفة المؤنث إلى
تسمية المذكر فهما منصرفان ، لأن أصلهما التذكير. ووصف بهما المؤنث كما يوصف بعدل
ورضي ، وكذلك حائض وطامث ، وناقة ضارب إذا سمي بها رجل انصرفت لأن أصلها التذكير.
والناقة الضارب : التي تضرب الحالب بخفها.
ثم شبه تقديره
حائضا صفة لشيء ـ والشيء مذكر وإن لم يستعملوه ـ بقولهم : الأبرق والأبطح والأجدل
، في من ترك الصرف ، لأنها صفات وإن لم يستعملوا الموصوفات.
وذكر أن أسماء
الرياح تكون صفات وأسماء.
وأنشد في الصفة
للأعشى :
* لها زجل كحفيف الحصا
|
|
د صادف
باللّيل ريحا دبورا
|
فوصف"
بالدّبور" والزّجل : الصوت. والحفيف : صوت الريح في ما يبس من الزرع والحصاد
، كلما حان أن يحصد.
وأنشد في الاسم
قول الشاعر :
__________________
* حالت وحيل بها وغير آيها
|
|
صرف البلى
تجري به الرّيحان
|
ريح الجنوب
مع الشمال وتارة
|
|
رهم الرّبيع
وصائب التهتان
|
فأضاف
إلى" الجنوب" ولو كانت صفة لم يضف إليها ؛ لأن الشيء لا يضاف إلى صفته
كما لا يضاف إلى نفسه ، فعلى هذا إذا سمي بها رجل لم تصرف ، لأنها اسم لمؤنث سمي
به مذكر.
يصف دارا خلت
من أهلها حولا ، وحيل بها ، أي : غيرت والمعنى : أحيلت ، وعاقبت الباء الهمزة.
وآيها : علاماتها ورسومها. والبلى : تقادم العهد. ثم ذكر أن الرياح تعاقبت عليها
فمحت آثارها ، وكذلك الأمطار ، وهي : الرهم. والتهتان : الغزير السائل من المطر.
وقال سيبويه في
سعاد وأخواتها إنها اشتقت ، وكذلك عناق وعمان.
ومعنى قوله :
" اشتقت" ، أي : استؤنفت لهذه الأشياء واختصت بها ولم تكن من قبل أسماء
لأشياء أخر فنقلت إليها ، كأنها اشتقت من السعادة ، وزيد عليها ما زيد ليوضع اسما
لشيء بعينه ، وكذلك أخواتها ، كما أن" عناق" أصله من العنق وزيدت فيه
الألف ، فوضع لهذا الجنس.
هذا باب تسمية المؤنث
اعلم أن
النحويين مجمعون على صرف المؤنث الساكن الأوسط وترك صرفه.
وكان الزجاج
يخالفهم وحجته أن السكون لا يغير حكما أوجبه اجتماع علتين تمنعان الصرف.
والقول ما قاله
النحويون لأن إجماعهم عليه لم يكن إلا لشهرة ذلك في كلام العرب مع أنهم قد أسقطوا
لقلة الحروف أحد الثقلين وذلك إجماعهم في نوح ولوط أنهما مصروفان وإن كانا أعجميين
معرفتين لنقصان الحروف ، فمن حيث وجب هذا في الأعجمي ، وجب في المؤنث لنقصان
الحروف والحركة.
واعلم أن
سيبويه يجعل ثقل المذكر إلى المؤنث لما كان خلاف الموضوع من كلام العرب ، والمعتاد
من ألفاظهم ثقلا يعادل به نهاية الخفة التي بها صرف من صرف" هندا".
وكان عيسى بن
عمر يرى صرف ذلك أولى ، وإلى هذا ذهب المبرد ؛ لأن زيدا وأشباهه إذا سمي به مؤنث
فأقل أحواله أن يصير مؤنثا فيثقل بالتأنيث ، وكونه خفيفا في الأصل لا يوجب له ثقلا
أكثر من الثقل الذي في أصل المؤنث.
__________________
هذا باب تسمية
الأرضين
ذكر سيبويه أن
واسطا كان أصلها أن تكون بالألف واللام ؛ لأنها في الأصل صفة كما يقال : الحارث
والعباس ، ولكن حذفت الألف واللام على تقدير تسمية المكان بصفته دون أن تجعل صفة
غالبة. والعرب قد تفعل هذا ، فربما قالوا : العباس وعباس والحسن وحسن.
وأنشد :
* ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته
|
|
عليه تراب من
صفيح موضّع
|
وهو النابغة
بالألف واللام على أنه صفة غالبة ، ولكنه سماه بنابغة الذي هو صفة فخرج عن باب
الصفة الغالبة.
وأنشد للفرزدق
في تأنيث" هجر" فترك صرفها :
* منهن أيام صدق قد عرفت بها
|
|
أيّام فارس
والأيام من هجرا
|
فلم يصرف"
هجر" لأنه جعلها اسما للأرض والبقعة.
قال : "
وسمعنا من يقول : كجالب التّمر إلى هجر"
فاستعمل المثل
بترك صرف" هجر" وهذا يضرب مثلا لكلّ من جلب شيئا إلى موضع لا يستغرب فيه
ولا يعجب منه ؛ لأن" هجر" أرض كثيرة التمر ، فهي مستغنية عن أن يجلب
إليها ويضرب أيضا لمن أعلم غيره بشيء هو أعلم به منه.
وأنشد لجرير في
ترك صرف" حراء" :
* ستعلم أيّنا خير قديما
|
|
وأعظمنا ببطن
حراء نارا
|
فجعل" حراء"
اسما لبقعة فلم يصرف ، ويقال فلان عظيم النار : إذا كان كثير الأضياف واسع
المعروف.
وأنشد لرؤبة في
صرفه :
* وربّ وجه من حراء منحن
__________________
فصرف حراء لمّا
أراد به المكان ، وعلى هذا تجري أسماء الأرضين فاعلم ذلك.
هذا باب أسماء
القبائل والأحياء
وما يضاف إلى الأم
والأب
ذكر سيبويه في
هذا الباب أن العرب لا تقول : هذا تميم ، على معنى : هذا حي تميم لئلا يلتبس اللفظ
بالإخبار عن تميم ، وكان القياس أن يقال على قوله عز وجل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا) [يوسف : ٨٢] ففصل سيبويه بينهما لوقوع اللبس ، وكأن القرية كثر استعمالها
عبارة عن الأهل ، فلا يقع اللبس فيها إذا أضيف فعل إليها.
وأنشد في أنّ"
أبا القبيلة" جعل لفظه عبارة عن القبيلة لهند بنت بشير في روح ابن زنباع :
* بكي الخز عن روح وأنكر جلده
|
|
وعجت عجيجا
من جذام المطارف
|
فجعل"
جذام" ـ وهو أبو القبيلة ـ اسما لها. فلم يصرف ، وجذام قبيلة روح ـ والمطارف
: الثياب المعلمة الأطراف.
وأنشد للأخطل :
* فإن تبخل سدوس بدرهميها
|
|
فإن الريح
طيبة قبول
|
فلم يصرف"
سدوس" لأنه جعله اسما للقبيلة ، وهو في الأصل اسم للأب. وإنما قال الأخطل هذا
: لأنه مدح رجلا من العرب ففرض له على أحباء من قبيلة درهمين درهمين على كل واحد
منهم فقضاه كل رجل من كل حي درهمين إلا" سدوس" فقال هذا مستقصرا لهم
معرضا بهم للهجاء.
وكان المبرد
يقول" سدوس" اسم امرأة وهي بنت ذهل بن شيبان ، وذكر محمد بن حبيب في
كتابه" القبائل" ما يدل على صحة ما قال سيبويه ، قال في كتابه المذكور : سدوس بن دارم
بن مالك وسدوس بن ذهل بن ثعلبة بن بكر بن وائل وفي طيىء سدوس بن أصمع بن نبهان.
واعلم أن الذي
لا يقال فيه بنو فلان على ضربين :
أحدهما : أن
يكون لقبا للحي ولم يقع اسما ولا لقبا لأب.
__________________
والآخر : أن
يكون اسما لأب ثم غلب عليهم فصار كاللقب لهم ، واطرح ذكر الأب.
فأما ما يكون
لقبا لجماعتهم فهو يجري مرة على الحي ومرة على القبيلة كقريش وثقيف.
وأما ما كان
اسما لرجل منهم فنحو معد ، وهو : معد بن عدنان وهو أبو قبائل ربيعة ومضر ، ونحو :
كلب بن وبرة ، ولا يستعمل فيه بنو كلب ، وقد استعمل بعض الشعراء بني معبد ، فقال :
* غنيت دارنا تهامة في
|
|
الدّهر وفيها
بنو معدّ حلولا
|
فمن جعل هذه
الأسماء لجملة القوم فهو يجريه مرة اسما للحي فيذكر ويصرف ، ومرة اسما للقبيلة
فيؤنث ولا يصرف.
وأنشد :
* غلب المساميح الوليد سماحة
|
|
وكفي قريش المعضلات
وسادها
|
فجعل"
قريش" اسم القبيلة فلم يصرف. والبيت لعدي بن زيد بن الرقاع يمدح الوليد ابن
عبد الملك.
وأنشد :
* علم القبائل من معدّ وغيرها
|
|
أنّ الجواد
محمّد بن عطارد
|
فلم يصرف"
معد" لما أراد القبيلة.
وأنشد :
* ولسنا إذا عدّ الحصى بأقلّة
|
|
وإنّ معدّ
اليوم مود ذليلها
|
يقول : عددنا
كثيرا فإذا عد الحصى ووجد كثيرا ، لم يقل عددنا عند كثرة الحصى كما يقلّ الشيء وإن
كان كثيرا عند ما هو أكثر منه. ومعنى مود : هالك ذاهب.
وأنشد أيضا :
* تمدّ عليهم من يمين وأشمل
|
|
بحور له من
عهد عاد وتبّعا
|
__________________
فلم يصرف"
عاد" لأنه سمى به القبيلة ، وكذلك" تبع".
ومثله :
* لو شهد عاد في زمان عاد
|
|
لا بتزّها
مبارك الجلاد
|
فصرف ولم يصرف
، يقول لو شهد عادا في زمانها فلقيها محاربا لها لسلبها في مواضع الجلاد بالسيف.
قال : "
وتقول هذه ثقيف بن قسيّ. فتجعله اسم الحيّ وتجعل الابن وصفا كما تقول كل ذاهب وهو
واحد فأجراه على لفظ كل ، لا على معناه.
وقال الشاعر في
وصف الحي بواحد :
* بحيّ نميريّ عليه مهابة
|
|
جميع إذا كان
اللّئام جنا دعا
|
فوصف"
الحي" بنميري حملا على اللفظ ، يصف أن هذا الحي معظّم مهيب مجتمع عند أمر
ينوب إذا كان اللئام متفرقين عند النائبة لا يجتمعون لدفعها.
وأنشد :
* سادوا البلاد وأصبحوا في آدم
|
|
بلغوا بها
بيض الوجوه فحولا
|
فجعل"
آدم" اسم قبيلة ، فسماها باسم أبيها ؛ لأن آدم أبو القبائل كلها ، وقال :
" بلغوا بها بيض الوجوه" فأنث وجمع وصرف" آدم" للضرورة.
قال : "
وكان أبو عمرو لا يصرف سبأ يجعله اسما للقبيلة".
وأنشد للنابغة
الجعدي :
* من سبأ الحاضرين مأرب إذ
|
|
يبنون من دون
سيله العرما
|
فلم يصرف"
سبأ" ، لأنه أراد القبيلة. ومأرب : اسم أرض. والعرم : السكر وهو السد.
وقال في الصرف
للنابغة أيضا :
* أضحت ينفّرها الولدان من سبأ
|
|
كأنهم تحت
دفّيها الدّحاريج
|
__________________
فصرف"
سبأ" ؛ لأنه قصد الحي والأب ، ولو لا أن الوجهين ـ في الصرف ، وترك الصرف ـ مشهوران
في الكلام ، وقد أتت بهما القراءة ، ما كان في صرف" سبأ" في الشعر حجة ،
إذا كان للشاعر أن يصرف ما لا ينصرف.
ووصف في هذا
البيت إبلا أن الولدان ينفرونها ، وشبههم ـ إذا أحاطوا بها منفرين لها ـ بالدحاريج
، وهي ما يدرج ، واحدها : دحروج.
هذا باب ما لا يقع
إلا اسما للقبيلة
كما أن عمان لا
تقع إلّا اسما للمؤنث .... وذلك مجوس ويهود
قال امرئ القيس
:
* أحار ترى بريقا هبّ وهنا
|
|
كنار مجوس
تستعر استعارا
|
فلم يصرف"
مجوس" لأنه جعله اسما لجماعة هذه الملة ، وإنما شبه البرق بنار المجوس لأنهم
يعبدونها ويعظمونها فهي مستعرة أبدا مشتعلة ، فشبه البرق في سطوعه وانتشاره بها.
وصغره وهو يريد تعظيمه ، وقد يقع مثل هذا في كلامهم ، وقد تقدم ذلك.
وقال الأنصاري
يرد على عباس بن مرداس ، وكان قد مدح بني قريظة ، وهم يهود ، فمدح الأنصاري
المسلمين فقال :
* أولئك أولى من يهود بمدحة
|
|
إذا أنت يوما
قلتها لم تؤنب
|
أي : لم تلم ـ وأما"
نصارى" : فنكره ، وهو عند سيبويه جمع نصران ونصرانة ، والغالب في الاستعمال
نصراني ونصرانية والأصل : نصران ونصرانة ، مثل : ندمان وندمانة ، فإذا جمع رد إلى
الأصل فقالوا : نصارى ، كما قالوا : ندامى.
قال الشاعر :
* فكلتا هما خرّت وأسجد رأسها
|
|
كما سجدت
نصرانة لم تحنفّ
|
فجاء"
نصارى" على هذا وإن كان غير مستعمل في الكلام ، وقال غير سيبويه في أن"
نصارى" جمع نصرى كما أن مهارى جمع مهرى.
وأنشد سيبويه
على أن" نصارى" جمع نكرة لشيء مثل يهود ومجوس في التعريف ـ قول الشاعر :
__________________
* صدّت كما صدّ عما لا يحلّ له
|
|
ساقي نصارى
قبيل الفصح صوام
|
فوصف"
نصارى" بصوام. والفصح : عيد فطرهم ، سمي بذلك لأكلهم الطعام نهارا كأنهم
أفصحوا به.
يصف ناقة عافت
الماء فصدت عنه وهو النمر بن تولب.
هذا باب أسماء السّور
استدل سيبويه
على أنّ (حاميم) ليس من كلام العرب بأن العرب لا تدري ما معنى (حاميم).
قال : ولو قلت
إن لفظ حروفه لا يشبه لفظ حروف الأعجمي فإنه قد يجيء الاسم هكذا وهو أعجمي. قالوا
: قابوس ونحوه من الأسماء ؛ لأن حا من كلامهم.
و"
ميم" من كلامهم يعني : من كلام العجم ، كما أنها من كلام العرب ، وكذلك القاف
والألف والباء والواو والسين في قابوس ، ولغات الأمم تشترك في أكثر الحروف فاعلمه.
وأنشد ـ في
أن" حاميم" لا تصرف لموافقتها أبنية العجم نحو هابيل وقابيل ـ للكميت :
* وجدنا لكم في آل حاميم آية
|
|
تأوّلها منّا
تقيّ ومعرب
|
أراد" بآل
حاميم" سورة (حاميم).
ومعنى البيت :
أنه أخبر أن قوله عز وجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] ـ قرآن ـ فمن كان على تقية أو غير تقية لم يجد بدا من أن
يفصح بهذه الآية لأنه كتاب الله جل وعز ، والمعرب : المفصح بالشيء المبين له.
وأنشد أيضا :
* أو كتبا بين من حاميما
|
|
قد علمت
أبناء إبراهيما
|
فلم يصرف"
حاميم" لأنه اسم للسورة وهو على بناء الأعجمية.
والبيت الثاني
دليل على ترك صرفها لأن في آخره إبراهيم وهو غير منصرف.
هذا باب تسمية الحروف
والكلم
ذكر سيبويه في
هذا الباب أن الرجل إذا سمي" ذو" ، فإن مذهبه أن يقال : " هذا
ذوا"
__________________
و" رأيت ذوا" و" مررت بذوا" بمنزلة عصى ورمى لأن أصله
فعل. وكان الخليل يقول هذا ذو ، فيجعله فعلا بتسكين العين.
وكان الزجاج
يذهب مذهب الخليل. ومن حجة الخليل أن الحركة غير محكوم عليها إلا بثبت ، ولم يقم
الدليل على أن العين متحركة. والدليل عند سيبويه ذواتا.
وذكر من يحتج
للخليل ، أن الاسم إذا حذفت لامه ، بني فردّ إليه اللام وحركت العين ، وإن كان
أصلها السكون كقولهم يديان." ويد" عندهم" فعل" في الأصل ،
ولكنها لما حذفت اللام فوقع الإعراب على الدال ثم ردوا المحذوف لم يسلبوا الدال
الحركة ، وجعلت الحركة فتحة لخفتها. وذكر سيبويه أنه يقال : واحد اثنان فيشم
الواحد الضم وإن كان مبنيا ؛ لأنه متمكن في الأصل ، وما كان متمكنا إذا صار في
موضع غير متمكن جعل له فضيلة على ما لم يكن متمكنا قط.
وأنشد سيبويه ـ
في تذكير اسم الحرف إذا قصد به الحرف دون الكلمة ـ للراجز :
* كافا وميمين وسينا طاسما
وفي بعض
النسخ" طامسا" ، وهما بمعنى يقال : طمس الأثر وطسم : إذا عفا وتغير.
وأنشد للراعي :
* كما بينت كاف تلوح وميمها
فقال : "
بينت" وأنث.
وأنشد في
تأنيث" ليت".
* ليت شعري مسافر بن عم
|
|
ر وليت
يقولها المحزون
|
فأنث : "
يقولها". وينشد : مسافر بالرفع والنصب. فمن رفع فتقديره : ليت شعري خبر مسافر
بن أبي عمرو ، فحذف خبر وأقام مسافر مقامه في الإعراب.
ـ ومن نصبه :
نصبه" بشعري" وحذف الخبر ، ويجوز أن يكون" مسافر" منادى ،
والشعر لأبي طالب يرثي مسافرا.
وأنشد لأبي
زبيد :
* ليت شعري وأين مني ليت؟
|
|
إن ليتا وإن
لوا عناء
|
__________________
فزاد في"
لو" حرفا لما جعلها اسما وأخبر عنها.
وأنشد في مثل
هذا :
* ألام على لوّ ولو كنت عالما
|
|
بأذناب لوّ
لم تفتني أوائله
|
واعلم أن حروف
التهجي إذا أردت التهجي : مبنيات ؛ لأنهن حكاية الحروف التي في الكلمة ، والحروف
في الكلمة إذا قطعت ، كل حرف منها مبني ؛ لأن الإعراب إنما يقع على الاسم بكامله ،
وإذا قصدنا إلى كل حرف منها بنيناه وهذه الحروف التي على حرفين أحدهما ألف هي
بمنزلة" لا" و" ما" فإذا احتجنا جعلناها أسماء ومددناها فقلنا
: ياء وتاء ، كما نقول : لاء وماء إذا احتجنا إلى جعلها أسماء ، وتعرف بالألف
واللام وتنكر بخروجها عنها.
وأما"
ليت" و" لو" ، فلا تدخلها الألف واللام ، والفرق بينهما أن الباء
قد توجد في أسماء كثيرة ، فيكون حكمها وموضعها في كل واحد من الأسماء على خلاف
حكمها في الآخر ، كقولك : بكر وضرب وخبر وغير ذلك من الأسماء والأفعال ، لما ذكرت
في موضعها واختلفت ، صار كل واحد منها نكرة.
وأما"
ليت" و" ولو" وما أشبه ذلك فهن لوازم في موضع واحد وما استعمل منها
في أكثر من موضع ، فليس ذلك بالشائع الكثير ، ومواضعه تتقارب فتصير كالمعنى
الواحد.
وأنشد في تسكين
حروف المعجم إذا تهجيت :
* تكتبان في الطريق لام ألف
ألقى
حركة" ألف" على ميم" لام" وكانت ساكنة ، وليست هذه الحركة
حركة يعتد بها ، وإنما هي تخفيف الهمزة بإلقاء الحركة على ما قبلها ، وقبل هذا
البيت :
أقبلت من عند
زياد كالخرف
|
|
تخط رجلاي
بخط مختلف
|
يصف أنه شرب
عند زياد فسكر ، فلما أراد المشي لم يمتلك نفسه كما لا يملكها الخرف وهو الهرم
المتقارب.
__________________
هذا باب تسمية الحروف
بالظروف وغيرها من الأسماء
" ومنهم
من يقول : عن قيل وقال لما جعله اسما"
وأنشد :
* أصبح الدّهر وقد ألوي بهم
|
|
غير تقوالك
من قيل وقال.
|
فأجرى"
قيل وقال" اسمين فخفض ، ولم يرد الحكاية.
يصف أن الدهر
قد أذهبهم فلم يبق منهم غير الخبر عنهم.
قال سيبويه :
" والقوافي مجرورة".
وقد أنكر
المبرد احتجاجه بجر القوافي على خفض قيل ، يذكر أنه يجوز أن تكون القافية موقوفة
وتكون اللام من قبل مفتوحة ، فيقول : " من قيل".
وقال : قال
سيبويه : وفي الحكاية ، قالوا : مذ شبّ إلى دبّ. وإن جعلتهما اسمين قلت : مذ شبّ
إلى دبّ".
وهذا مثل ،
كأنه قال : مذ وقت الشباب إلى أن دب على العصا من الكبر.
وفصل سيبويه
بين : " أبي جاد" و" هوز" و" حطي" ، فجعلهن عربيات
، وبين البواقي فجعلهن أعجميات.
وكان المبرد
يجوز أن يكن كلهن أعجميات.
وقال بعض
المحتجين لسيبويه : إنما جعلهن لأنهن مفهومات المعاني في كلام العرب ، وقد
جرى" أبو جاد" على لفظ لا يجوز إلا أن يكون عربيا ، تقول : " هذا
أبو جاد" ، و" رأيت أبا جاد" و" مررت بأبي جاد".
قال الشاعر :
* أتيت مهاجرين فعلموني
|
|
ثلاثة أحرف
متتابعات
|
وحطوا لي أبا
جاد وقالوا
|
|
تعلم صعفصا
وقريشيات
|
و"
جاد" في قولك : أبو جاد مشتق من جاد يجود ، أو من الجواد وهو العطش ، أو من
قولهم : جودا له أي : جوعا له.
و"
هوّاز" : مأخوذ من هوز الرجل وقوز إذا مات أو من قولهم : ما أدري أي الهوز هو
، أي : أي الناس هو. وحطي : من حط يحط.
والذي يقول :
إنها أعجميات غير مبعد إن كان يريد بذلك أن الأصل فيها العجمة ؛
__________________
لأن هذه الحروف عليها يقع تعليم الخط بالسرياني ، وهي معارف لا تدخلها
الألف واللام ـ فاعلم ذلك.
هذا باب ما جاء
معدولا عن حده من المؤنث كما جاء المذكر معدولا
اعلم أنك إذا
سميت امرأة بشيء من العدول عن الفعل فإن بني تميم ترفعه وتنصبه ، وتجريه مجرى اسم
لا ينصرف ، وهو القياس عند سيبويه.
واحتج بأن نزال
في معنى أنزل. ولو سمينا" بأنزل" امرأة لكنا نجعلها معرفة ولا نصرفها ،
فإذا عدلنا عنها نزال وهي اسم فهي أخف من الفعل الذي هو أفعل ، وقد رد هذا المبرد
، فقال (أبو) العباس قول أهل الحجاز ، لأن أهل الحجاز : يجرون ذلك مجراه في الأول
فيكسرون ، ويقولون فيه كما يقولون في امرأة اسمها حذام : هذه حذام ، ورأيت حذام ،
ومررت بحذام. وبنو تميم يقولون : هذه حذام ورأيت حذام ومررت بحذام ،
فالتسمية" بنزال" أقوى في البناء من التسمية" بأنزل"
لأن" أنزل" فعل ، فإذا سمينا به فقد نقلناه عن بابه فلزمه التغير ، كما
أنا نقطع ألف الوصل ، فنغيرها عن حال الفعل.
و"
فعال" اسم ، فإذا سمينا بها لم نغيرها ؛ لأنا لم نخرجها عن الاسمية ، فلما لم
تخرج عن الاسمية ، أجريت على لفظها الأول.
قوله : "
فمما جاء آخره الراء : سفار وهو اسم ماء وحضار وهو اسم كوكب. لأنهما مونثان كماوية
والشعري كأن تلك اسم الماءة. وهذه اسم الكوكبة".
أراد سيبويه
أن" سفار" وإن كان اسما لماء ـ والماء مذكر ـ فإن العرب قد تؤنث بعض
مياهها ، فيقولون : " ماء بني فلان" فكأن" سفار" اسم الماءة ،
و" حضار" وإن كان اسم الكوكب ، والكوكب مذكر ، فكأنه اسم الكوكبة في
التقدير ؛ لأن العرب قد أنثت بعض الكواكب فقالوا : الشعرى والزهرة.
وأما قوله :
" كماوية" ، فإنما أراد أن" سفار" و" حضار" في
التأنيث كماوية والشعري.
والأغلب أن
التمثيل" بماوية" ، غلط وقع في الكتاب وإن كانت كل نسخ متفقة عليها ،
وإنما هو : كماءة" وهو أشبه ؛ لأن" سفار" : ماء والعرب قد تقول
للماء المورود : ماءة.
وأنشد في ما
جاء اسما للفعل قول الراجز :
* مناعها من إبل مناعها
|
|
ألا ترى
الموت لدى أرباعها؟
|
الأرباع : جمع
ربع وهو : ما نتج في الربيع.
__________________
وأنشد أيضا :
* تراكها من إبل تراكها
|
|
ألا ترى
الموت لدى أوراكها؟
|
أي : اتركها
فإن الموت في القرب منها والالتباس بها.
وأنشد لأبي
النجم :
* حذار من أرماحنا حذار
وقال رؤبة :
* نظار كي أركبها نظار
فنظار اسم
لقوله : انظر ، بمعنى : انتظر.
وأنشد :
* نعاء ابن ليلى للسماحة والندى
|
|
وأيدي شمال
باردات الأنامل
|
معنى قوله :
وأيدي شمال باردات : كان يطعم الناس إذا هبت الشمال واشتد البرد فبردت الأيدي
والأنامل.
وأنشد لجرير :
* نعاء أبا ليلى لكل طمرة
|
|
وجرداء مثل
القوس سمح حجولها
|
الطمرة :
الخفيفة من الخيل الوثوب. والجرداء : القصيرة الشعرة وشبهها بالقوس لضرها
وصلابتها. وقوله : سمع حجولها : يعني : أنها ذلول لا تمنع من التقييد والحجول :
جمع حجل وهو القيد.
وأنشد للنابغة
الجعدي :
* فقلت لها عيثي جعار وجرري
|
|
بلحم امرئ لم
يشهد اليوم ناصره
|
" فجعار" اسم للضبع
معدول عن الجعارة وهي التي تجعر. والعيث : أشد الفساد.
وأنشد :
* لحقت حلاق بهم على أكسائهم
|
|
ضرب الرقاب
ولا يهمّ المغنم
|
__________________
"
حلاق" اسم المنية معدول عن الحالقة. والأكساء : المآخير واحدها كسؤ ، أي :
لحقت بهم على أدبارهم منهزمين ولم يهتم أحد منهم بالغنيمة.
وأنشد لمهلهل :
* ما أرجى بالعيش بعد ندامى
|
|
قد أراهم
سقوا بكأس حلاق
|
أي : أهلكتهم
المنية ، فكأنهم سقوا بكأسها.
وأنشد :
* فقلت امكثوا حتى يسار لعلنا
|
|
نحج معا ،
قالت : أعاما وقابله؟
|
" فيسار" معدولة عن
المسيرة ، وهي الغنى واليسر. أمرها أن تتربص عليه حتى يوسر فيحج معها.
وأنشد للجعدي :
* وذكرت من لبن المحلّق شربة
|
|
والخيل تعدو
بالصعيد بداد
|
" فبداد" في موضع الحال
، وهي في معنى مصدر مؤنث معرفة ومعناه : تعدو بدادا ، أي : متفرقة ، غير أنها لم
تعدل عن بدد ؛ لأن بددا نكرة ، وإنما عدلت عن البدة والمبادة وغير ذلك من ألفاظ
المصادر المعروفة المؤنثة.
يعيّر رجلا
بالانهزام ، فيقول : ذكرت شربك اللبن وتنعمك فكرهت الموت فرجعت منهزما ، والخيل
متفرقة للغارة. والصعيد : وجه الأرض. وهذا البيت لعوف بن عطية بن الخرع يهجو لقيط
بن زرارة ، وكان قد أسر أخاه معبد بن زرارة بنو عامر.
وأنشد في ما
عدل من بنات الأربعة :
* قالت له ريح الصبا : قرقار
وبعد هذا :
واختلط المعروف
بالإنكار.
يريد : قالت
الصبا للسحاب : قرقر بالرعد. وقوله : واختلط المعروف بالإنكار أي أصاب
__________________
المطر كل ما كان مما كان يبلغه المطر ويعرف ، ومما كان لا يبلغه المطر
وينكر بلوغه إياه.
قال المبرد :
غلط سيبويه في هذا ، وليس في بنات الأربعة من الفعل عدل ، وإنما" قرقار"
و" عرعار" حكاية للصوت ، كما يقال : غاق وغاق ، ولا يجوز أن يقع (عدل)
في ذوات الأربع ، لأن العدل إنما يقع في الثلاثة ، لأنه يقال فيه : فاعلت إذا كان
من كل واحد فعل فيقع فيه تكثير الفعل ، كقولك : ضربت وقتلت وما أشبه ذلك.
وقال الزجاج :
باب فعال في الأمر أن يراد بها التوكيد والدليل على ذلك أن أكثر ما يجيء منه مبني
مكرر كقولهما :
حذار من
أرماحنا حذار
|
|
تراكها من
إبل ترّاكها
|
وذلك عند شدة
الحاجة إلى هذا الفعل.
وحكى المبرد عن
المازني مثل قوله ، وحكى المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو مثله.
وقوله سيبويه
أصح ، وذلك أن حكاية الصوت إذا حكوا كرروا فلا يخالف الأول الثاني ، كما قالوا :
غاق غاق ، وحاي حاي ، وقد يصرفون الفعل من الصوت المكرر فيقولون : عرعرت وقرقرت ،
وإنما الأصل : عار عار وقار قار ، فإذا صرفوا الفعل منه غيروه إلى وزن الفعل ،
فلما قال : عرعار وقرقار ، فخالف اللفظ الأول الثاني علم أنه محمول على عرعر
وقرقر. وعرعر : لعبة للصبيان ، وكذلك خراج ، ومعناه : اخرجوا.
وأنشد للمتلمس
:
* (جماد لها جماد) ولا تقولي
|
|
طوال الدّهر
ما ذكرت : حماد
|
" فجماد" : معدولة عن
الجمود في المعنى لا في اللفظ ، وكأنه في الحقيقة معدول عن الجمدة ، و" حماد
لها" وهو اسم المحمدة ، كما كان يسار اسما للميسرة.
وأنشد للأعشى
في ما أجرى مما في آخره الراء مجرى غيره :
* ومر دهر على وبار
|
|
فهلكت جهرة
وبار
|
فرفع"
وبار" وجرها وأجراها مجرى" قطام" وغيرها في لغة بني تميم.
و"
وبار" : اسم أرض أو أمة هلكت في الزمان الأول. وأول هذه القصيدة :
ألم تروا
أمما وعادا
|
|
أودى بها
الليل والنهار
|
__________________
هذا باب تغيير
الأسماء المبهمة إذا صارت أعلاما خاصة
قال في هذا
الباب : " وإن سميت رجلا بألا المقصورة من ألاء أجريتها مجرى هدى ونونتها.
وليس بمنزلة حجا ورمى لأن هذين مشتقان وألا ليس مشتقا ولا معدولا ، يعني : أن حجا
ورمى معدولان كعمر وزفر من حاج ورام ، والحاج هو : المتنحي. يقال : حجا عنه ناحية
فهو حاج.
و"
ألا" ليس كذلك وإنما هي لغة في" ألاء".
وبين سيبويه أن
الاسم المتمكن لا يكون على حرفين أحدهما حرف لين إلا أن يكون مضافا ، ثم مثل
المضاف إليه بهاء التأنيث المحذوفة في" عرقوة" في أن المضاف إليه سوغ
التكلم بالمضاف لأنه من تمامه ، كما أن الهاء سوغت التكلم بالواو"
عرقوة" ، فإذا أفردت وحذفت الهاء قلت : " عرق" لأنه لا يكون اسم
آخره واو قبلها حركة.
وذكر عن الخليل
أنه يرد النون في جمع" ذي" إذا سمي به مفردا ؛ لأن الإضافة قد زالت عنه.
وأنشد للكميت :
* فلا أعني بذلك أسفليكم
|
|
ولكني أريد
به الذوينا
|
جمع"
ذا" بالواو والنون لأنه أراد : ذو يمن وذو فايش وذو يزن ، فحذف المضاف إليه
وجمعه ، كما تجمع سائر الأسماء بالواو والنون.
ووقع في النسخ
بعد هذا البيت : ذو يزن بصرف يزن ، وحكي عن الجرمي أنه قال : ذو يزن غير منصرف
بمنزلة ليسع اسم رجل.
واعلم أن الأصل
في المبنيات كلها أنه إذا سمي بشيء منها رجل أعرب ، ولم يغير حكمه أن أصله مبني.
"
فأمس" مبني على الكسر ، فإذا سمينا به رجلا ، أعربناه ، والذي أوجب بناءه قبل
التسمية ، أن فيه معنى الإشارة إلى اليوم الذي ثانيه يومك ، فإذا انقضى اليوم لم
يلزمه هذا الاسم فصار بمنزلة شيء حاضر تشير إليه" بذا" ، فإذا زال عن
الحضرة ، لم تقل" ذا" وأيضا فإنه بمنزلة الضمير ؛ لأنه لا يعرف إلا
باليوم الذي أنت فيه فأشبه الضمير الذي لا يضمر إلا بأن يجري ذكره أو يكون حاضرا.
فإذا سمي"
بأمس" رجل ، فهو مصروف في لغة أهل الحجاز وبني تميم ، وقد بين سيبويه
__________________
هذا وكأن قائلا قال له : لم تصرفه على اللغتين جميعا ، وبني تميم لا
يصرفونه إذا قالوا : " ذهب أمس"؟ ، ففرق بين ترك الصرف في لغة بني تميم
إذا أرادوا اليوم ، وبين أن تسمي به رجلا ؛ لأن" أمس" إذا أرادوا به
الوقت ، لم يعربوه. وإن أعربوه فهم يريدون أحد أمرين : إما أن يكون على تقدير :
ذهب الأمس فيعدلون به عن الألف واللام ، فيجمع فيه العدل والتعريف فيمنع الصرف ،
أو يكون معدولا على لغة أهل الحجاز ولغة بني تميم في المجرور والمنصوب ، فكأنه
عدلوه عن المبني وهو معرفة فاجتمع فيه العدل والتعريف ، فإذا سمينا به رجلا ، فقد
زال عنه العدل ، فلذلك انصرف.
ومعنى قول
سيبويه : " لأنهم عدلوه عن الأصل الذي هو عليه في الكلام"
يريد : على
معنى نفسه ، ولم ينقلوه إلى شيء آخر ، والأصل الذي هو عليه في الكلام أن يكون
بالألف واللام إذا عرفنا ، أو مكسورا للعلة التي ذكرنا من البناء.
والذي ينبغي أن
يكون عليه في القياس أن متى لقينا شيئا بلفظ وجعلناه علما له ، لم نحتج إلى الألف
واللام وصار معرفة به ، فهم لم يجعلوا هذا اللفظ على جهة أنه علم ، وإنما جعلوه
على معنى الألف واللام وعدلوه عنها فترك صرفه ، كما ترك صرف" سحر" إذا
عدل عن الألف واللام. فاستعمل بنو تميم في منع الصرف من" أمس" تقدير
الألف واللام وعدله عنهما ، كما استعمل الناس ذلك في" سحر" ظرفا.
وقوله : "
وإذا سميت رجلا بأمس في هذا القول" إلى قوله : " لأنك لم تعدله عن أصله
في الكلام مخالفا للقياس".
يعني لم يعدل
الرجل عن أصله في الكلام كما عدلت بنو تميم أمس الذي ثانيه اليوم من أصله في
الكلام ، وكذلك" سحر" إذا سميت به رجلا تصرفه.
قال : "
وهو في الرجل أقوى لأنه لا يقع ظرفا ، ولو وقع اسم شيء فكان ظرفا صرفته.
وكان كأمس لو
كان أمس منصوبا غير ظرف مكسور كما كان".
يعني : لو
سمينا وقتا من الأوقات أو مكانا من الأمكنة التي تكون ظرفا" بسحر" ،
وجعلناه لقبا له لا نصرف ؛ لأنه ليس بالشيء المعدول ، وكان" كأمس" لو
سميت به.
وقوله : "
وهو في الرجل أقوى".
يعني : في باب
الصرف ؛ لأن الرجل لا يكون ظرفا أقوى.
قال : "
وقد فتح قوم أمس في مذ" وهم بعض بني تميم. وإنما فعلوا ذلك لأنهم تركوا صرفه
، وما بعد مذ" يرفع ويخفض ، فلما ترك بعض من يرفع تصرف" أمس" بعد
مد ترك أيضا من يجر صرفه بعدها ، فكانت مشبهة بنفسها.
قال الراجز :
* لقد رأيت عجبا مذ أمسا
|
|
عجائزا مثل
الأفاعي خمسا
|
وهذا قليل لأن
الخفض بعد مذ قليل ـ فاعلمه.
باب الظروف المبهمة
غير المتمكنة
قال في هذا
الباب : " ويدلّك على أن قبل وبعد غير متمكنين أنه لا يكون فيهما مفردتين ما
يكون فيهما مضافتين. لا تقول : هذا قبل كما تقول هذا قبل العتمة.
هذا حكاه
سيبويه ولم يخالف فيه.
واحتج بعضهم في
امتناع جوازه ؛ لأنه لا فائدة فيه ؛ لأن الفائدة في التوقيت بما قد أضيف إليه ،
فإذا حذف ، زالت الفائدة. ويلزم صاحب هذا القول أن يكونا لا فائدة فيهما إذا حذف
ما أضيفا إليه في غير الخبر.
والعلة الصحيحة
في ذلك : أن" قبل" و" بعد" إذا كانا خبرين فقد حذف من الكلام
ما يعمل في الظروف كقولنا : " زيد قبل عمرو" ، والتقدير فيه : "
استقر قبل عمرو" فإذا حذفنا ما قبله في التقدير صار ذلك إجحافا فتجنبوه.
وقوله في لدن :
إنها لا تقع في جميع مواضع عند فضعيف.
يعني : أن عند
اتسعوا فيها فقالوا : " عندي مال" ، وإن كان نائبا ، ولا يقولون ذلك
في" لدن" ، فجعلت بمنزلة" قط" لأنها غير متمكنة ، وكذلك :
" قط" و" حسب" إذا أردت : " ليس إلا" و"
حسب" في البناء مثل" قط" إلا أنهم بنوه على حركة.
وإذا
أردت" قط" المشددة التي هي لما مضى من الدهر كانت مبنية على الضم
لامتناع الساكنين ، وشبهوه" بمنذ" لأنه في معنى : " ما رأيته منذ
كنت".
قال : "
وسألته عن معكم ومعي. لأي شيء (لم يبن على السكون)؟ فقال : لأنها استعملت غير
مضافة اسما كجميع. ووقعت نكرة وذلك قولك. جاءا معا.
فلما حركت في
هذا الموضع المذكور المفرد وجب تحريكها في الإضافة ، وإنما وجب إفراده في هذا
الموضع ، لأنا إذا أضفنا فقلنا : " ذهب زيد مع عمرو" فقد ذكرنا اجتماعه
مع عمرو وأضفنا" مع" إلى غير الأول ، فإذا قلنا : " ذهبنا
معا" فليس في الكلام غيرهما تضيف" مع إليه" ، ولا يجوز أن تضيف"
مع" إليهما كما لا تقول : " ذهب زيد مع نفسه" ونصب" معا"
على الحال في قولك : " ذهبا معا" ، ويجوز أن يكون ظرفا ، كأنه قال :
ذهبا في وقت اجتماعهما ، وقد يسكن في الشعر ، يشبه" بلدن" ، و"
بهل" وما أشبه ذلك من المسكنات.
__________________
قال الشاعر :
* (و) ريشي منكم وهواي معكم
|
|
وإن كانت
زيارتكم لماما
|
فسكن مع ضرورة
، واللّمام : ما يراه في النوم ، وهو من ألمّ يلمّ إذا نزل ، فيقول : أنا منكم
وهواي مائل إليكم ، وإن لم تكن زيارة إلا في النوم.
وأنشد :
* يا ليتها كانت لأهلي إبلا
|
|
أو هزلت في
جدب عام أوّلا
|
فنصب"
أولا" على الظرف ، ويجوز أن تكون نعتا لعام.
وكان الزجاج
يجيز منع صرفه على تقدير عدله عن الألف واللام كما منع أمس من الصرف في لغة بني
تميم لأنه استعمل في الكلام بغير إضافة ولا ألف ولام ، فصار كآخر وأمس في لغة بني
تميم.
قال : "
ومن العرب من يقول من فوق ومن تحت يشبهه بقبل وبعد".
وأنشد لأبي
النجم :
* أقبّ من تحت عريض من عل
الأقب :
الضامر. والعريض : الواسع ، يصف فرسا بضمر الخصر وسعة ما بين الجنبين.
وأنشد :
* لا يحمل الفارس إلا الملبون
|
|
المحض من
أمامه ومن دون
|
استشهد به على
أنّ دون لم يضف وليس فيه دليل على التنكير والتعريف لأن الشعر موقوف ، ولكن قوله :
من" أمامه" دليل على أنه أراد : " ومن دونه" فلما قصره عن
الإضافة وتضمن معناها قدره مبنيا ، ويجوز رفع المحض ونصبه ، فمن رفعه فعلى الوصف
للملبون ، ومعناه ، لا يحمل الفارس في الحرب إلا الفرس المسقي اللبن. الخالص مقدمه
ومؤخره من العيوب. ومن نصب فعلى معنى : إلا الملبون المحض : أي : المسقي (اللبن)
المحض.
وأنشد للجعدي :
__________________
* لها فرط يكون ولا تراه
|
|
أماما من
معرسنا ودونا
|
فنصب"
أمام" و" دون" على الظرف ونونهما ؛ لأنه أفاد النكرة.
واعلم أن السبب
في حركة آخر" ذية" ، أنا لو أسكناها لوجب أن نجعلها أبدا هاء ، فكانت
تذهب التاء وهي أصل التأنيث ، ويجوز أن يكون أيضا أن لو تركوها على حال لتوهم أنها
هاء أصلية ، وعلى أن سيبويه قد جعلها بمنزلة عشر في : " خمسة عشر" ففتح
آخرها لذلك.
قال : "
وسألت الخليل عن شتان فقال فتحها كفتحة هيهات".
يعني : أنها
مبنية على الفتح كما بنيت" هيهات" والذي أوجب بناءها : أنها وقعت موقع
الفعل الماضي ، فإذا قلنا" شتان ما زيد وعمرو" فكأنا قلنا : افترقا
وتباعدا.
ومعنى : شت يشت
شتاتا : تفرق وتباعد. وقال بعضهم" شتان" : مصدر على فعلان ، وقد خالف
المصدر لأنه ليس في المصادر فعلان ، فلما خالف المصدر أشبه باب" فعال"
وهو مصدر في موضع" فعل" على غير مصدر ذلك الفعل ، كقولك : نزال وحذار.
والمصدر على الحقيقة : النزول والحذر. وقال بعضهم : اجتمع في" شتان"
خروجه عن وزن المصادر والتعريف وزيادة الألف والنون في آخره ، فبني وحرك بالفتح
اتباعا للألف والفتحة التي قبلها.
هذا باب الأحيان في
الانصراف وغير الانصراف
حكى سيبويه عن
العرب : " هذا يوم اثنين مباركا فيه" ، وجعل اثنين اسما ليوم معرفة كما
تجعله اسما لرجل.
ورد المبرد هذا
، وذكر أن اثنين لا يكون معرفة أبدا بالألف واللام ، وأن قولهم : " مباركا
فيه" نصب على الحال من النكرة.
وذكر سيبويه
أيضا أن بعض العرب يدع التنوين في" عشية" كما ترك في غدوة.
وقال المبرد :
ليس بشيء ، و" عشية" على كل حال منصرفة. وهذا الرد لا يلزم سيبويه إلا
أن ترد حكايته عن العرب ويتهم في ما نقله عنهم.
هذا باب الألقاب
بين سيبويه في
هذا الباب أن الاسم المنفرد إذا لقب بمفرد ، أضيف إليه والعلة في ذلك : أنهم لو
أفردوا كل واحد منهما لخرجوا عن منهاج أسمائهم إذ ليس أصل التسمية أن يكون اسمان
مفردان لشخص واحد ، فإذا أضافوه ، فله نظير مثل : " أبي زيد" و"
أبي عمرو" ، فإذا كان
__________________
اللقب مفردا بعد اسم مضاف فصل منه ، لأنه يصير بمنزلة قولك : " أبو
بكر زيد" ، وهذه الألقاب متى لقبت بها شيئا ، صار تعريفه بغير ألف ولام ،
وخرج عن التعريف الذي كان له بالألف واللام ، فإذا سمي بها صار تعريفها بالتسمية.
فإن
قال قائل : لم لم تكن الشمس معرفة إلا بالألف واللام ولا شمس غيرها في الدنيا؟.
قيل له : قد
يسمى ضوء الشمس شمسا كقول القائل : لا تقعد في الشمس وإنما يريد ضوءها ، وتقول :
" شمس البصرة أحرّ من شمس الكوفة" ، وحرّ الشمس واحد ، وإنما يريد
ضوءها.
هذا باب الاسمين
اللذين ضم أحدهما إلى الآخر
ذكر في هذا
الباب : " عمرويه" في المبنيات ، والذي أوجب بناءه أن المضاف إلى عمرو
صوت أعجمي فخالف أصوات العرب المعرفة كما اختلفت سائر ألفاظ العرب والعجم ، وبنوه
على الكسر لاجتماع الساكنين ، وجعلوا علامة التنكير فيه التنوين ، وكذلك التنوين
في سائر المبنيات ، إلا أن منها ما لم تستعمله العرب إلا منكرا ومنه ما استعملته
بالتنكير والتعريف.
فمما استعملته
منكرا فقط قولهم : " أيها يا زيد" ، إذا أردت : اكفف و : "ويها"
: إذا أغريته : و "إيه" إذا استزدته.
وقد خطأ
الأصمعي ذا الرمة في قوله :
* وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم
|
|
وما بال
تكليم الديار بلاقع
|
فقال بترك
التنوين في" إيه".
وقوم من
النحويين أنكروا قول الأصمعي ، وصوبوا قول ذي الرمة فقالوا :
أتى به معرفة ،
كما تقول : غاق غاق.
وقد أصاب
الأصمعي في ذلك لأنه أراد أن العرب لم تستعمل "إيه" إلا منكرا ، فلا
يجوز استعماله على غير ذلك ، كما لا يجوز ترك التنوين في "ويها" و "أيها"
وإنما يجعل هذا من ذي الرمة على الضرورة لما اضطر تأوله معرفة.
قال : وسألت
الخليل عن قوله : فداء لك فقال (هو) بمنزلة أمس. يعني : أنه مبني ، وإنما بني لأنه
وضع موضع الأمر كما قالوا : "ليفدك أبي وأمي" ونوّن.
__________________
لأنه نكرة كما
عمل بغاق ، حين نكر ، وإنما صار نكرة ؛ لأنهم أرادوا" يفديك" في كل ضرب
يفدي فيه الإنسان من موت أو مرض.
واعلم أن قول
العرب : "يوم يوم" ، وصباح مساء ، و "بيت بيت" ، "بين
بين". بعضهم يجعله بمنزلة اسم واحد ، وبعضهم يضيف الأول إلى الثاني ، وإنما
يجعل بمنزلة اسم واحد إذا كان ظرفا أو حالا ، وتجوز إضافته أيضا في الظرف والحال ،
وإذا لم يكن ظرفا ولا حالا لم يجز غير الإضافة ، ومعنى : يوم يوم : كأنه قال : شدة
يوم أو وقعة يوم. وإنما يذكر هذا في شيء قد شهر وانتشر ، كما يقال أيام العرب ، في
معنى : الوقائع والأشياء التي تشير.
واعلم أن قولهم
: " ذهبوا أيادي سبأ" ومنهم من يجعله مضافا فنون سبأ ، ومنهم من يبني
الاسمين فلا ينون" سبأ" ، ومنهم من يبني الاسمين فلا ينون"
سبأ" و" سبأ" مهموز في الأصل ، وكانوا باليمن ، فخافوا سيلا يهلكهم
فتفرقوا في البلاد وتباعدوا فضرب المثل بهم لكل متفرقين ، يقال : تفرق القوم أيادي
سبأ ، وأيدي سبأ ، والأيدي عبارة عنهم ، كأنهم قالوا : تفرق القوم أولاد سبأ أي :
تفرق أولاد سبأ.
وأما : "
بادي بدا" ، فمعناه : ظاهر الظهور من قولك : بدا يبدو ، أي ظهر وهو في موضع
الحال كقولك : بيت بيت ويقال فيه : " بادي بادي" وأما شغر بغر ، فمعناه
: متفرقين ، وذلك أنه يقال : شغر الكلب إذا رفع إحدى رجليه ليبول وفرق ما بينهما
وبين الأخرى. وأصل بغر : من قولهم : " بغرت السماء" إذا كثر مطرها
والبغر : كثرة الشرب ، فإذا قال : " ذهب القوم شغر بغر" ، فكأنهم توسعوا
في التفرق.
وأما : "
حيري دهر" ففيه ثلاث لغات : منهم من يقول : حيري دهر ، وحيري دهر ، وهو منسوب
في الأصل ، فمن شدد ، جاء بياء النسبة على حالها ، ومن أسكن الياء حذف الياء
الثانية من ياءي النسبة ، ومعناه : لا أفعل ذلك ما حار الدهر ، أي : لا أفعله أبدا
، وحار : رجع ، والدهر (لا) يرجع أبدا.
قال : " وأما
أخول ، فلا يخلو أن يكون كشغر بغر ، وكيوم يوم".
يعني : أنه لا
يخلو من أن يكون حالا ، كشغر بغر ، في معنى متفرقين ، أو ظرفا : كيوم يوم. ويقال :
إن أخول أخول هو ما يتساقط من شرر الحديد المحمي.
وأنشد في ما
جعل مركبا من اسمين. لجرير :
* لقيتم بالجزيرة خيل قيس
|
|
فقلتم : مار
سرجس لا قتالا
|
وهذا يقوله
للأخطل يعيره" بمار سرجس" ، وأصله بالنبطية ، والمعنى : لقيتم خيل قيس
__________________
يا مار سرجس ، فقلتم : لا نقاتل قتالا. وأنشد لأمية بن أبي عائذ :
* قد كنت خراجا ولوجا صيرفا
|
|
لم تلتحصني
حيص بيص لحاص
|
معنى" حيص
بيص" : داهية يضيق المخرج عنها.
وتلتحصني :
تنشبني فيها ، ولحاص هي المنشبة. وأصل حيص من حاص يحيص : إذا مال ، وكأن بيص من
باص يبوص إذا تقدم وفات. وكان ينبغي أن يكون بالواو. فقال : بوص ، إلا أنها أتبعت
حيص.
وأنشد :
* مثل الكلاب تهرّ عند درابها
|
|
ورمت لهازمها
من الخزبار
|
" فالخزباز" هنا : اسم
لداء يصيب الكلاب وهو في غير هذا الموضع ذباب يكون في الروض. وفيه لغات قد بينها
سيبويه.
وأنشد :
* وهيج الحي من دار فظل لهم
|
|
يوم كثير
تناديه وحيهله
|
فجعل" حي
هل" بمنزلة : حضرموت ، ومعناه : المبادرة ـ والسرعة.
وأنشد للنابغة
الجعدي :
* بحيهلا يزجون كل مطية
|
|
أمام المطايا
سيرها المتقاذف
|
جعله بمنزلة :
" خمسة عشر" ، فلذلك لم ينونه.
ومعنى يزجون :
يسوقون. والتقاذف : سرعة السير. وإنما احتج سيبويه بهذا البيت والذى قبله ليرى أن
حيهل من شيئين لأنه ليس في الأسماء المفردة ولا في الأفعال مثل هذا البناء ، وقوى
بقولهم : " حي على الصلاة" ، وإنما وجب بناء الخزباز من بنائه لأنه
متعلق بالذباب أو داء ، فكأنه بمنزلة الأصوات ، وبنيت الأصوات لأنها كناية لا تعرف
إلا بتعلقها
__________________
بالمصوت ، ووجب بناؤه وفيه الألف واللام لأن العلة لحقته وهو نكرة فبني ،
فلما بني في أول أحواله ولم يتمكن في النكرة ، وجب بناؤه في المعرفة كما فعل"
بخمسة عشر" ونحوه.
وأنشد للفرزدق
:
* ولو لا يوم يوم ما أردنا
|
|
جزاءك القروض
لها جزاء
|
فأضاف ،
والمعنى : ولو لا يوم بلائنا ونصرنا لك ما أردنا جزاءك. والقروض : جمع قرض وهو
العطاء والتفضل.
وأنشد لذي
الرمة :
* فيا لك من دار تحمّل أهلها
|
|
أيادي سبا
بعدي وطال احتيالها
|
وقد تقدم
تفسير" أيادي سبا" وما يجوز فيه. وقد قيل : الأيادي هنا جمع يد ، من
النعمة ، فمعنى" تفرقوا أيادي سبا" ، أي : كتفرق نعم سبا.
وأنشد :
* وقد علتني ذرأة بادي بدي
|
|
وريثة تنهض
في تشدّدي
|
معنى"
بادي بدي" ، أي : ظاهرا. وقيل : معناه : بدا أول شيء فكأنه من يبدأ يبدأ ثم
ترك همزه استخفافا. والذرأة : الشيب. والرّيثة : انحلال المفاصل والضعف.
وأنشد :
* سيصبح فوقي أقتم الريش واقعا
|
|
بقالي قلا أو
من وراء دبيل
|
قالي قلا : اسم
موضع. ودبيل : موضع أيضا. والأقتم : الأغبر ، قال الأصمعي : كان لرجل من يحصب على
آخر دين إلى أجل ، فلما حان الأجل فرّ وترك رقعة فيها :
اذا حان دين
اليحصبي فقل له
|
|
تزود بزاد
واستعن بدليل
|
سيصبح فوقي ..
البيت
قال الأصمعي :
فأخبرني رجل أنه رآه بقالي قلا مصلوبا وعليه نسر أقتم الريش.
وأنشد سيبويه
لرؤبة :
__________________
* سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق
أسكن الياء
في" مساحيهن" ؛ لأنه قد كان سكنها في حال الرفع والجر فألحق النصب بها ،
وشبهها بالألف ، لأنها أختها ، والألف لا تتحرك ألبتة ، ونصب" تقطيط" ،
لأن معنى سوى : قطط. والقط : قطع الشيء وتسويته. الحقق : جمع حقة ، وهو طرف الطي.
وأنشد لبعض
السعديين في مثل هذا :
* يا دار هند عفت إلا أثافيها
فسكن الياء في
النصب ، تقول : تغيرت الدار وعفت رسومها لقدم عهدها إلا الأثافي وموضع النار فإنها
باقية.
هذا باب ما ينصرف وما
لا ينصرف من بنات
الياء والواو إذا
كانتا لامين
اعلم أن
التنوين الذي دخل المعتل ، وإن كان نظيره لا ينصرف ، فإن سيبويه يجعله بدلا من
الياء.
وكان المبرد
يخالفه فيقول : إنه بدل من ذهاب حركة الياء لاستثقالها لما انكسر ما قبلها ، فتبقى
الياء ساكنة ولا تسقط حتى يدخل التنوين وهو ساكن ، فوجب من هذا أن يكون التنوين
أتى به عوضا من ذهاب الحركة ثم التقى ساكنان فأسقطت الياء.
فإن قال قائل :
كيف نجعل التنوين في مذهب سيبويه عوضا من الياء ، ولا طريق إلى حذف الياء قبل دخول
التنوين ؛ لأن سقوط الياء لاجتماع الساكنين هي التنوين؟
قيل له : تقدير
هذا أن أصل جواري جواري ، فيكون التنوين لما يستحقه الاسم من الصرف في الأصل ، ثم
استثقلوا الضمة على الياء في الرفع والكسر عليهما في الجر ، فأسكنوها فاجتمع
ساكنان : الياء والتنوين ، فحذفوا الياء لاجتماع الساكنين ثم حذفوا التنوين لمنع
هذا البناء الصرف ؛ لأن الياء منونة ، وإن كانت محذوفة ، ثم عوضوا من الياء
المحذوفة تنوينا غير تنوين الصرف ، فهذا الذي يتوجه من كلام سيبويه.
وبعض أصحاب
سيبويه جعل قوله : " عوضا من الياء" ، على معنى : عوضا من حركة الياء
وأجراه مجرى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].
__________________
وهذا مثل قول
المبرد الذي ذكرنا.
قوله : ولو
سميت رجلا بقيل ، فيمن ضم القاف.
يعني : من
أشمها الضم ، لا في قول من قال : قول بواو محضة قال : تكسرها إذا سميت ، وتزيل
الإشمام حتى تكون كبيض.
قال : وإنما
أراد الفرق بين الاسم والفعل ؛ لأن الضم اختص به الفعل ليبين معنى فعل.
قال : "
وإن سميت رجلا قل أو خف أو بع رددت ما سقط من أجل سكون الأول والآخر فقلت : قول
وخاف وبيع واحتج للرد بأن قال : فإذا قلت قولا أو خافا أو بيعا .. أظهرت التحريك.
لم يرد أن الحروف
رجعت لدخول ألف التثنية وواو الجمع ؛ لأنك تقول : " هند رمت" فتحذف
الألف من رمى لسكونها وسكون التاء ثم تثنى ، فتقول : " الهندان رمتا"
فلا ترد الألف لتحرك التاء ، وإنما أصل : قولا : قولان لأن الأمر من المستقبل ،
وكان في الأصل يقولان ، فلما وقع الأمر سقطت النون كما تسقط للجزم ، وإنما أراد
بهذا أن الواو تسقط من" قل" حيث كانت اللام ساكنة لاجتماع الساكنين.
وأنشد للراجز
في ما قلب من الواو إلى الياء ليكون على قياس الأسماء :
* حتى تفضي عرقي الدّليّ.
فجمع"
عرقوة" بحذف الهاء ، فصارت الواو ظرفا وقبلها حركة ، وذلك معدوم في الأسماء
فكسر ما قبلها لتنقلب ياء فتوافق سائر الأسماء. وتفضي : تكسري.
وأنشد للهذلي :
* أبيت على معاري واضحات
|
|
بهنّ ملوب
كدم العباط
|
استشهد به على
أنه اضطر إلى تحريك الياء في" معاري".
فإن قال قائل :
ليس فيه ضرورة ؛ لأن الشاعر لو قال على معار واضحات لاستوى البيت.
فالجواب : أن
الضرورة فيه أن الشاعر كره الزحاف فرد الكلمة إلى أصلها ، وجعل الياء كالصحيح
ضرورة. والمعاري : جمع معري وهي الأرض التي عريت من النبات والملوب هنا : الدم
ويقال للصبغ : ملاب. والعباط : جمع عبيط وهي التي نحرت من غير علة ، وقيل المعاري
__________________
هنا الفرش.
والملوب : طيب
للعرب كالخلوف ، فشبه ذلك الطيب بدم العباط.
وأنشد للفرزدق
:
* فلو كان عبد الله مولى هجوته
|
|
ولكن عبد
الله مولى المواليا
|
فأجرى"
مواليا" مجرى السالم ففتح الياء.
وأنشد لابن قيس
الرقيات :
* لا بارك الله في الغواني ه
|
|
ل يصبحن إلا
لهنّ مطّلب
|
فجر الياء
ضرورة ـ ويروى : " إنما يصبحن ، على حذف الياء من" الغواني والغانية :
التي استغنت بجمالها ، وقيل بزوجها.
وأنشد :
* فيوما يوافيني الهوى غير ماضي
|
|
ويوما ترى
منهنّ غولا تغوّل
|
فكسر الياء من
ماضي للضرورة. ويروى : غير ما صبا ولا شاهد فيه على هذا وهو أشبه بمعنى البيت لأن
المعنى : أن هؤلاء النسوة في يوم نيلهن يبذلن اليسير ولا يوفين الصبا حقه ، ويوما
يمنعن ، الغول : ما اغتال الإنسان ، أي : أهلكه وذهب به.
وأنشد أيضا :
* سماء الإله فوق سبع سمائيا
ذكر المازني أن
هذا ضرورة من ثلاثة أوجه :
ـ أحدهما : أن
جمع سماء على سمائي ، وكان حقه أن يقول سمايا كما تقول : مطية ومطايا ، وأتى
بالهمزة على الأصل. وكان حقها أن تكون ياء ، وأتى بالياء ، وكان حقها أن تكون ألفا
فهذان وجهان.
__________________
ـ والثالث :
أنه كان حقها في الجر : " سبع سماي" ، كما تقول : هذه سبع جوار ففتح في
الجر وهي ضرورة.
وأنشد أيضا في
تحريك الياء :
* قد عجبت مني ومن يعيليا
|
|
لما رأيتني
خلقا مقلوليا
|
هذا عند يونس
غير ضرورة لأن" يعيليا" تصغير" يعلى" وهو لا ينصرف ، وقد بين
سيبويه الرد عليه ، المقلولي : الذي يتقلى من الحزن والمقلولي أيضا : المنتصب.
وأنشد للكميت :
* خريع دوادى في ملعب
|
|
تازر طورا
وتلقي الإزارا
|
فأجرى دوادى
مجرى السالم. والخريع : الجارية الناعمة اللينة ، وقيل : الضعيفة لصغرها ، وقال
الأصمعي : الدوادي آثار تسلق الصبيان ، وقوله : تأزر طورا وتلقي الإزار" أي :
هي صغيرة لا تبالي بما صنعت ، فمرة تتزر مستترة ومرة تلقي الإزار لاعبة.
وأنشد في ما
قلب من الواو إلى الياء :
* لا مهل حتى تلحقي بعنس
|
|
أهل الرباط
البيض والقلنسي
|
جمع"
قلنسوة" بحذف الهاء فلما صارت الهاء طرفا ، أبدل منها ياء. وعنس قبيلة.
والرباط : جمع
ربطة.
هذا باب إرادة اللفظ
بالحرف الواحد
اعلم أنك إذا
سميت رجلا" بإب" التي هي اللفظ بالباء من اضرب ففيها أقوال :
قال سيبويه :
أقول : إذا ابتدأته : " إبّ قد جاء" ، وإذا وصلته بكلام أسقطت ألف الوصل
، وبقيت الباء وحدها ، فأقول : هذا أب وقام أب.
وقال : رأيت
بعض الأسماء على حرف واحد إذا اتصل بكلام ، وهو قولنا : " من أب لك؟ "
تريد : من أب؟ وتخفف الهمزة فتلقى حركتها على ما قبلها وتسقطها ، فجعل سقوط ألف
الوصل كإلقاء الحركة.
ورد المبرد
عليه ذلك ، ففرق بين تخفيف الهمزة وإسقاط ألف الوصل ، فقال : تخفيف
__________________
الهمزة غير لازم ، وألف الوصل إذا اتصلت سقطت في هذا الموضع ، ولم يكن
مذهبه في ذلك مذهب سيبويه.
وقال المازني :
أقول" رب" لأن الراء كانت مكسورة في اضرب.
وقال الأخفش :
" ضب" ، فرد أول الفعل. وعلى قول المبرد" اضرب" فيرد الكلمة
إلى أصلها.
وكان الزجاج
يقول : " إب" ويقطع الألف. وقام إب وهذا إب ، قال : " وإنما أقطع
الألف لأني لما نقلته من اللفظ وهو حرف إلى التسمية ، قطعت الألف ليكون فرقا بين
الاسم والحرف ، كما يفعل بالفعل إذا سمي به.
وقال بعضهم :
لا يجوز أن يسمى" بإب" لأنه يحتاج إلى تحريك الياء وتحريكها يمنع من ألف
الوصل ، وقد ذكر هنا في الباب مع كلام سيبويه ، وقيل بعده : " وهذا مذهب
قوي".
قال سيبويه :
" كان الخليل يقول : المن قولك : الرجل ونحوه بمنزلة قد ، واستبدل على ذلك
بأن الشاعر قد فصله فقال.
* دع ذا وعجّل ذا وألحقنا بذل
|
|
بالشحم إنّا
قد مللناه بجل
|
أراد أن يقول :
" بذا الشحم" ، فوقف على الألف واللام من الشحم ، فقال : "
بذل" ، ثم ألحقها ب" الشحم" ، وأعاد البناء فقال : "
بالشحم" ومعنى بجل : حسب وكفى.
هذا باب الحكاية التي
تغيّر الأسماء فيها
قال في هذا
الباب : " وإن سميت رجلا وامرأة بعاقلة لبيبة ... صرفته وأجريته مجراه قبل أن
يكون اسما" ، لأن كل واحد منهما مفرد ليس باسم المسمى ، فحكيت لفظهما قبل
التسمية فقلت : " هذا عاقلة لبيبة" ، و" مررت بعاقلة لبيبة" ،
ويجوز أن تجعلها كحضرموت فتجعلها اسما واحدا وتضيف الأول إلى الثاني كما فعلت
بحضرموت ، فإن جعلتهما اسما واحدا قلت : " هذا عاقلة لبيبة" و" هذا
عاقل لبيب" إن سميت بعاقل لبيب ، وكذلك تفعل بالمرأة لأن الاسمين إذا جعلا
اسما واحدا لم ينصرف ومن أضاف حضرموت قال : " هذا عاقلة لبيبة" ،
و" هذا عاقل لبيب".
وإن سميت"
بعاقل لبيب" ، وسمي بعاقلة وحدها ، فالأكثر أن لا تصرف ، ويجوز صرفها على
الحكاية ، كأنه قال في امرأة مسماة بعاقلة : " هذه امرأة عاقلة" ،
فتجريها على النعت ، وإن كان اسما كما سموا بالحسن والعباس وما أشبه ذلك.
__________________
وأنشد :
* إن لها مركّبا إرزبا
|
|
كأنّها جبهة
ذرّي حبّا
|
استشهد به على
المحكي الذي لا يتغير. و" ذرّي حبا" : محكي ومعنى البيت : أنه يصف فرج
امرأة وشبهه بجبهة هذا الرجل. والركب والمركب : الفرج.
ويروى مركنا
بالنون.
وأنشد أيضا :
* وجدنا في كتاب بني تميم
|
|
أحقّ الخيل
بالركض المعار
|
فأوقع"
وجدنا" على قوله : " أحق" وما بعده ، فحكاه كما وقع في الكتاب.
ومعنى البيت :
أنه هجاهم فقال : في كتب وصاياهم : (أحق الخيل بالركض المستعار).
وقيل المعار :
السمين. ويروى : المغار بالغين معجمة ، ومعناه : الشديد كالخيل المعار ، فعلى
هاتين الروايتين لا يكون هجوا ، وقد يجوز أن يكون المعار ، فلا يكون هجوا أيضا ،
ويكون معناه : أحق الخيل بأن يركض ويتعجل به في قضاء الحاجة ليصرف إلى صاحبه سريعا
ما استعير.
ومثل هذا قول
الشاعر :
كأن حفيف
منخره ـ إذا ما
|
|
كتمن الرّبو
ـ كير مستعار
|
فشبه شدة نفس
الفرس وسرعته : بصوت كير استعير فتعجل العمل به ليصرف معجلا.
وجميع الباب
مفهوم بيّن من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب الإضافة وهو
باب النسبة
ذكر سيبويه أن
النسب في كلامهم على ضربين : مقيس وشاذ ، فمما ذكر من الشاذ قولهم في النسب إلى
هذيل : هذلي.
وهذا الباب
كالخارج عن الشذوذ لكثرة النسب إليه بحذف الياء. والعلة في حذف الياء أنه اجتمع
ثلاث ياءات وكسرة ، فعدلوا إلى الحذف لذلك.
__________________
ومعنى قول
سيبويه : " في فقيم كنانة".
لأن في بني
تميم فقيم بن جرير بن دارم والنسبة إليه فقيمي وقال :
" في مليح
خزاعة" ؛ لأن العرب : مليح بن الهون بن خزيمة ، وفي السكون مليح بن عمرو بن
ربيعة ، وينبغي أن تكون النسبة إليهما ملحي ، وهذا الشذوذ يجيء على ضروب : منها
العدول عن ثقيل إلى ما هو أخف منه. ومنها : الفرق بين نسبتين إلى لفظ واحد ، ومنها
: النسبة (إلى) معناه.
فأما
قولهم" زبانيّ" في زبينة ، فكان القياس فيه زبنيّ بحذف الياء ، غير
أنّهم كرهوا حذفها لتوفية الكلمة حروفها ، وكرهوا الاستثقال أيضا فأبدلوا من الياء
ألفا.
وأما النسبة
إلى" طيئ" ـ فكان القياس فيه طيئ كما نسبوا إلى" ميت" : ميتي
، فكرهوا اجتماع ثلاث ياءات بينهما همزة ، والهمزة من مخرج الألف تناسب الياء وهي
مع ذلك مكسورة ، فقلبوا الياء ألفا.
ويجوز أن
يكونوا نسبوا إلى ما اشتق منه. ذكر بعض النحويين أن طيئا يشتق من الطاءة وهي بعد
الذهاب في الأرض وفي المرعى.
وأما قولهم
في" العالية" : علوي ، فإنما نسبوا إلى العلو لأنه في معنى : العالية ،
والعالية بقرب المدينة ، مواضيع من بقعة على غيرها ، والعلو : المكان العالي.
ويجوز أن يفرق بين النسبة إليها والنسبة إلى امرأة اسمها العالية.
وأما قولهم
في" البادية" : بدويّ ، فنسبوه إلى بدا وهو مصدر. أو الفعل الماضي من :
بدا يبدو إذا أتى من البادية.
وقالوا
في" البصرة" : بصريّ ، فمن الناس من يقول : نسبوه إلى بصر وهي حجارة بيض
تكون في الموضع الذي يسمى بالبصرة ، فإنما نسبوا إلى ما فيها وقال بعضهم : كسروا
الباء إتباعا لكسر الراء ؛ لأن الحاجز بينهما ساكن وهو غير حصين كما قالوا : منتن
ومنخر.
وقولهم في
السهل : سهليّ ، وفي الدهر : دهريّ ، قال بعضهم غيّر للفرق ، وذلك لأن الدهري : هو
الرجل يقول بالدهر من أهل الإلحاد والدّهري : المسن الذي أتت عليه الدهور.
و"
السّهليّ" هو المنسوب إلى السهل الذي هو خلاف الجبل ، والسهلي منسوب إلى اسم
رجل. وحي من عدي يقال لهم : بنو عبيدة ينسب إليهم عبدي ، كأنّهم فرقوا بينهم وبين
عبيدة من قوم آخرين ، وكذلك بنو الخبلي من الأنصار ، ومن ولده : عبد الله بن أبيّ
بن سلول رأس المنافقين ، يقال في النسبة إليه حبليّ للفرق بينه وبين حي آخر ، وسمي
الحبلي لعظم بطنه.
وقالوا في
جذيمة : جذمي ؛ لأن في العرب جماعة اسمهم جذيمة. وأما قولهم : صنعاني وبهراني
ودستواني : فلأن الألف والنون تجري مجرى ألفي التأنيث وقالوا في الشتاء : شتوي
كأنهم نسبوه إلى شتوة ، وبعضهم يجعل هذا مقيسا ؛ لأن جمع شتوة كركوة وركاء
، وإذا نسب إلى جمع فسبيله أن ينسب إلى واحده.
ونسبوا إلى
البحرين : بحرانيّ ، والقياس أن تحذف علامة التثنية في النسبة كما تحذف هاء
التأنيث ، غير أنّهم كرهوا اللبس بينه وبين النسبة إلى البحر فبنوا البحرين لما
سموا به على مثال سعدان ونسبوا إليه على ذلك.
وأما قولهم إلى
الأفق : أفقيّ ، فلأن فعل وفعل يجتمعان كثيرا كقولهم : عجم وعجم ، وعرب وعرب. ومن
ضم الهمزة وسكن الفاء ، فهو على القياس ؛ لأن فعل يجوز أن يسكن ثانية قياسا مطردا.
وأما"
حروراء" و" جلولاء" فكان القياس : حروراويّ وجلولاويّ غير أنهم
أسقطوا ألفي التأنيث لطول الاسم وشبهوهما أيضا بهاء التأنيث.
والذي قال :
خراسي شبه الألف والنون بهاء التأنيث أيضا ، والذي قال : خرسيّ : أسقط الزوائد
وبناه على فعل ؛ لأنه أخف الأبنية ، ولم يغير الضمة من خراسان. وحمضية بفتح الميم
حكي عن المبرد أنه قال : حمض وحمض ، فإن صح هذا فليس بشاذ.
وقولهم :
" خرفيّ" في النسب إلى الخريف ، والشذوذ فيه كالشذوذ في ثقفي.
الخرفي بفتح
الخاء وتسكين الراء أكثر ، أضافوه إلى المصدر وهو الخرف ، والمصدر قد يستعمل في
معنى اسم الفاعل كقولهم : رجل عدل وماء غور.
وقولهم : إبل
طلاحية إذا أكلت الطلح : فرقوا بينها وبين ما ينسب إلى طلحة ، كما فرقوا في قولهم
: رجل رقباني وجماني بين الغليظ الرقبة والعظيم الجمة ، وبين أن ينسب إلى رجل يقال
له : رقبة وجمة.
وغير سيبويه
حكى : إبل طلاحية بكسر الطاء.
وأما عضاهي ،
فيكون شاذّا ومقيسا. فأمّا المقيس فعلى لغة من يقول : عضاهة للواحد ، وعضاة للجمع.
وأما الشاذ فأن يكون واحده : عضة ، وقد سقط منه لام الفعل وهي هاء فإذا جمع قيل
عضاة ، والقياس أن يضاف إلى الواحد من هذا ، لا إلى الجمع المكسر.
ومن العرب من
يقول في أميّة : أموي بالفتح لطلب الخفة. وأما النسبة إلى القفا : فقفوي ، ومن قال
: قفي فهو شاذ وحذفت الواو استثقالا لها.
وذكر سيبويه في
طهية طهوي على الشذوذ ، وطهويّ على القياس ، وزاد غيره طهوي بفتح الطاء وتسكين
الهاء وهو شاذ أيضا.
وأما قولهم :
" شآم" و" يمان" وتهام" ، فالأصل فيه : يمني وشاميّ ، ثم
أسقطوا إحدى ياءي النسبة وعوضوا مكانها ألفا قبل آخر المنسوب إليه.
وأما تهام فاسم
البقعة المعروفة : تهامة ، والنسبة إليها تهامي ، ومن قال : تهام ، قدر أن الألف
في تهامة تحذف وتفتح التاء ، فبني الاسم على تهم أو تهم ثم ينسب إلى يمن وشأم.
ومن العرب من
يقول : تهامي وشآمي ، ويماني ، فتهامي على القياس ، وأما يماني وشامي ، فمنسوب إلى
المنسوب المخفف كأنهم لما قالوا : شآم ويمان ، صار ذلك اسما لكل مكان نسب إلى
اليمن والشآم. ثم نسب إليه.
وأما النسبة
إلى الملائكة والجن روحاني ، فهو نسبة إلى الروح ، كما ينسب إلى جمة جماني ، وإنما
قيل لهم الروح للطافة أجسامهم وخفائهم عن الناس.
هذا باب ما حذف الياء
والواو فيه القياس
جعل سيبويه
فعولة في التغيير بمنزلة ، فأسقط الواو كما أسقط الياء وفتح عين الفعل المضمومة
وذهب في ذلك أن العرب قالت في النسبة إلى شنؤة : شنئيّ وكان المبرد يرد القياس على
هذا ويجعله من شاذ النسبة الذي لا يقاس عليه.
واحتج في ذلك
بأشياء يفرق فيها بين الواو والياء ، فمن ذلك : النسب إلى عديّ : عدويّ ، ومن ذلك
نسبهم إلى سمر : سمري ، وإلى نمر نمري ، فلما خالفت الضمة الكسرة في نمر وسمر ،
فغيرت الكسرة ولم تغير الضمة ، وخالفت الياء الواو في عدي وعدو ، وجب أن تخالف
الياء في فعلية الواو في فعولة.
ومن الشاذ عند
سيبويه قولهم : سليقي للرجل من أهل السليقة ، وهو الذي يتكلم على أصل طبعه ولغته
ويقرأ القرآن كذلك ، وكأنه من الأعراب الذين لا يقرءون القرآن على سنة كما يقرؤه
القراء ، ويقرأ على طبع لغته.
هذا باب الإضافة إلى
كل اسم على
أربعة أحرف فصاعدا
أنشد في هذا
الباب :
* فكيف لنا بالشرب إن لم تكن لنا
|
|
دوانيق عند
الحانويّ ولا نقذ؟
|
قال : "
والوجه : الحاني"
وإنما صار
الوجه ما قال ؛ لأنه منسوب إلى" الحانة" وهي بيت الخمار ، وإنما جاز أن
يقول : حانوي ؛ لأنه بناه على فاعله من حنا يحنو ، إذا عطف ، فقال : حانوي على
مثال النسبة إلى يرمي : يرموي ، فكأنه جعل البقعة الجامعة للشرب حانية عليهم كما
تحن الأم على ولدها.
__________________
وأنشد لعلقمة
بن عبدة :
* كأس عزيز من الأعناب عتقّها
|
|
لبعض أربابها
حانية حوم
|
فقال : "
حانية" على ما يجب.
والكأس هنا :
الخمر ، ونسبها إلى العزيز وهو الملك ؛ لأنه لا يشرب إلا أعتق الخمر وأطيبها.
والحانية : الجماعة المنسوبة إلى الحانة ، وهم خدامها. والحوم : جماعة حائم ، أي
يحومون على هذه الخمر ويتعهدونها. وقيل معنى حوم : أنها سود الأعناب ، وهو أجود ما
عندهم.
هذا باب الإضافة إلى
كل شيء من بنات الياء والواو
إذا كان على ثلاثة
أحرف
جميع ما في هذا
الباب مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب الإضافة إلى
فعيل أو فعيل من
بنات الياء والواو
قال في هذا
الباب : وإذا نسبت إلى تحية قلت : تحويّ وتحية أصلها : تفعلة ؛ لأنه مصدر حياة.
وأصلها تحيية ، فألقوا كسرة الياء الأولى على الحاء ، وأدغموا فصار لفظها كلفظ
فعيلة لأن ثالثها ياء ساكنة قبلها كسرة ، فنسبوا إلى فعيلة بحذف الياء فقالوا :
تحويّ كما قالوا عمويّ.
وباقي الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب الإضافة إلى
كل اسم كان آخره ياء أو
واوا وكان الحرف الذي
قبلها ساكنا
قال سيبويه عن
يونس ، كان يقول في ظبية : ظبويّ ، وفي دمية : دمويّ قال الخليل : فكأنهم شبّهوها
حيث دخلت الهاء بفعلة ؛ لأن اللفظ بفعلة إذا أسكنت العين وفعلة من ذوات الياء
سواء.
معنى هذا : أنّ
ظبية كأنها ظبية ، ودمية كأنها دمية وفتية كأنها فتية : ثم أسكنوا ، فقيل : ظبية
كما يقال في عمية : عمية ، وفي فخذ : فخذ ، وقالوا : دمية كما يقال : في عصر : عصر
، وفي فتية : فتية ، كما يقال في إبل : إبل ، فصار ظبية بعد الإسكان لها من ظبية
في لفظ ما كان على فعلة في الأصل. ودمية ـ إذا أسكنوا الميم ـ على وزن فعلة في
الأصل. وفتية على لفظ فعلة في الأصل ، فإذا نسبت إلى ظبية أو دمية أو فتية ،
وثوانيه مكسورة ، وجب فتحها وقلب
__________________
الياء واو في النسبة كما لو نسبنا إلى عمية وجب أن نقول : عموي.
وكذلك لو بنيت
فعلة من ذوات الواو لصارت بهذه المنزلة تقول في فعلة من الغزو : غزية ، فيصير
المسكن على الكسر بمنزلة ما أصله الإسكان.
قال : "
فلما" رأوا آخرها ـ يعني آخر فعلة ـ جعلوا إضافتها ـ يعني فعلة ـ كإضافتها ،
وجعلوا دمية كفعلة ، وجعلوا فتية كفعلة ، هذا قول الخليل. واحتجاجه ليونس.
وكان الزجاج
يرد من هذا القول" دمية" ، ويقول ليس في الأسماء فعلة ، ورد عليه فتية ؛
لأنه ليس في الأسماء فعل إلا إبل.
وقال غيره : لو
خففنا نمرا ، فقلنا نمر وسمي به رجل ثم نسبنا إليه لم نرده إلى الأصل ، ونسبنا
إليه على التخفيف ، وإنما قدر الخليل رد ذوات الياء إلى الأصل لأنه يستفاد به
الخفة لنقل الياء إلى الواو.
وفي"
نمر" وأشباهه ، لو رددناه إلى الأصل لصار فيه زيادة ثقل الحركة ، ولذلك لم
تقدر في ذوات الواو ـ إذا كان قبل الواو ساكن ـ حركة في الساكن فيردها في النسبة ؛
لأن تقدير ذلك ورده لا يفيد خفة ، لأن الواو حاصلة والسكون قبلها ، فلو رددنا
لحركنا ما قبل الواو فكنا نزيد حركة على اللفظ والواو بحالها ، وإنما ذلك في بنات
الياء لأن تحريك الثاني منها يوجب قلب الآخر واوا ، فلم يقل الخليل في غزوة وعروة
إلا غزوي وعرويّ.
ومعنى قوله :
" ولو كانت فعلة ليست على فعل كما أن بسرة على بسر لكان الحرف الذي قبل الواو
يلزمه التحريك.
يعني : أنها
إذا كانت مثل بسرة على بسر ، قلت : عرية وإن خففت قلت : عرية. وإذا لم تكن فعلة
على فعل ، وجب أن يقال فيه عروة وعروة ، فهذا معنى قوله : " لكان الحرف الذي
قبل الواو يلزمه التحريك". يعني : الضم. ولم يشبه عروة لأن الواو في عروة
قبلها راء ساكنة لا تضم.
ومعنى قوله :
" وكنت إذا أضفت إليه جعلت مكان الواو ياء كما فعلت ذلك بعرقوة.
يعني : أنك لو
بقيت فعلة على التأنيث فقلت : عروة ، ثم نسبت إليه لقلت عروي وذلك أنك تحذف الياء
فتبقى عرو فتنقله إلى الياء فيصير : عري ثم تفتح الراء في عر فيصير عرويّ كما أنك
لو أضفت إلى عرقوة حذفت الهاء وقلبت الواو ياء فنسبت إلى عرقي ، فإما قلت عرقي ،
وإما قلت : عرقوي ، فاعلم ذلك.
هذا باب الإضافة إلى
كلّ شيء لامه واو أو ياء
وقبلها ألف ساكنة
أنشد سيبويه في
هذا الباب لجرير :
* إذا هبطن سماويا موارده
|
|
من نحو دومة
خبت قلّ تعريسي
|
السماوة :
الارتفاع ، ونسب سماويا إليها ، ودومة خبت : موضع ، والتعريس : النزول (في الليل).
وجميع هذا
الباب مفهوم من كلام سيبويه.
هذا باب الإضافة إلى
كل اسم آخره ألف مبدلة
وقع في الباب
من كلام سيبويه أنّ" أعيا" حيّ من العرب من جرم.
والمعروف عند
أهل النسب أن بني أعيا من بني أسد ، وهو أعيا بن طيف بن عمرو بن قعين من بني أسد.
وباقي الباب
مفهوم من كلام سيبويه.
هذا باب الإضافة إلى
كلّ شيء كان آخره
ألفا زائدة لا تنون
أنشد في هذا
الباب :
* كأنما يقع البصريّ بينهم
|
|
من الطوائف
والأعناق بالوذم
|
البصريّ هنا :
السيف ، نسبه إلى بصرى وهي مدينة تنسب إليها السيوف ، وجعل وقع السيف في الأعناق
وسرعة قطعه كأنه واقع بالوذم ، والوذم : سيور تشد في عروة الدلو تقوية لها.
وجميع ما في
الباب مفهوم من كلام سيبويه.
هذا باب الإضافة إلى
كل اسم كان آخره ألفا وكان
على خمسة أحرف
ذكر سيبويه عن
يونس أنه يجعل مثنى وما جرى مجراه بمنزلة معطي في النسبة. واحتج بإدغام مثنى. وهو
قول ضعيف ؛ لأن المدغم بزنة ما ليس بمدغم ، وهما حرفان في الوزن الأول بينهما
ساكن.
وقال سيبويه :
يلزم يونس أن يقول في عبدّى عبدّوي كما جاز في حبلى حبلويّ ، وإنما ذلك لأن يونس
كان يفرق بين ألف مثنى وعبدى ، لأنها في مثنى أصيلة وفي عبدى للتأنيث ،
__________________
فيقال له : إن كان مثنى من أجل الإدغام يصير بمنزلة معطى ، فينبغي أن يصير
عبدى بمنزلة ذكرى ، فيجيز عبدوي كما جاز حبلوي. وألزمه أيضا سيبويه : أنه لو جاء
اسم مؤنث على مثال معد أو حمص أو ما أشبه ذلك ، فسميناه به مذكرا وجب أن يصرفه ؛
لأنه جعل المدغم كحرف واحد فيصير كرجل سميناه بقدم أو أذن فاعلم ذلك.
هذا باب الإضافة إلى
بنات الحرفين
ذكر في هذا
الباب أن الاسم إذا كان على حرفين ثم نسب إليه يردّ آخره ، ويحرك ثانيه بالفتح ،
وإن كان أصله السكون. وإنما حرّك لأنه كان قبل الرد متحركا بحركة الإعراب ، فلما
ردوا إليه الذاهب منه ، لم يسلبوه الحركة وجعلوا الحركة فتحة لأنها أخف الحركات.
فإن قال قائل :
كيف تنسب إلى رب المخففة برد الذاهب؟
قلت : ربي ،
بالإدغام.
فإن قيل لك :
قد كانت الباء متحركة قبل أن ترد الباء فينبغي أن تدعها على حركتها ، فتقول : ربي؟.
قيل : كره ذلك من أجل التضعيف ، وهو مستثقل كما استثقل ردد فأدغم.
وقد نسبوا إلى
قرة : وهم قوم من عبد القيس ، فقالوا : قرّيّ لأن أصلها قرة ، فخففوا ثم ردوا في
النسبة فأدغموا.
واستدل سيبويه
على أن أصل" غد" فعل بتسكين الثاني بقول الشاعر :
* وما الناس إلا كالديار وأهلها
|
|
بها يوم
حلوها وغدوا بلاقع
|
شبه الناس
بالديار إذا كان أهلها بها وهن بلاقع غدا.
والبلاقع :
الخالية. وإنما أراد أن الناس في حال اجتماعهم كالديار العامرة ، وأنهم في حال
تفرقهم وتغير أحوالهم كالديار الخالية ، أي : إن الناس لا يثبتون على حال كما لا
تثبت الديار.
هذا باب ما لا يجوز
فيه من بنات الحرفين إلا الرد
أنشد في هذا
الباب ـ على أن عضة لامها واو محذوفة قول الشاعر :
* هذا طريق يأزم المآزما
|
|
وعضوات تقطع
اللهازما
|
فجمع"
عضة" على عضوات ، والأزم : العضّ.
__________________
يصف صعوبة
الطريق وشدته على من ركبه.
واستدل سيبويه
على أن" هنت" أصلها هنوة ، بقول الشاعر :
* أرى ابن نزار قد جفاني وملني
|
|
على هنوات
كلها متتابع
|
فجمع"
هنت" على هنوات ، وهنوات كناية عن أفعال قبيحة فعلها به.
وباقي الباب
مفهوم.
هذا باب الإضافة إلى
ما فيه الزيادة من بنات الحرفين
اعلم أن تاء
التأنيث قد دخلت على أسماء مؤنثة فجعلت عوضا من المحذوفات ، فأجريت مجرى الحرف
الأصلي فسكن ما قبلها. وخولف مذهب هاء التأنيث إذا كانت هاء التأنيث تفتح ما قبلها
، فهذه الأسماء يكون ما قبل التاء فيها ساكنا ، وذلك قولهم : بنت وأخت وهنت ومنت
فجعلت أخت بمنزلة : قفل ، وبنت بمنزلة : جذع ، وهنت بمنزلة : فلس ، فصار للتاء في
هذه الأسماء مذهبان :
ـ مذهب الحروف
الأصلية لسكون ما قبلها.
ـ ومذهب هاء
التأنيث ؛ لأنها لم تقع إلا على مؤنث ومذكر بخلاف لفظها ، فجمعتها العرب وصغرتها
بالرد إلى الأصل وترك الاعتداء بالتاء ، فاختار النحويون ردها إلى الأصل في النسبة
كما ردتها العرب في التصغير والجمع إلى ذلك فقالوا : بنويّ في بنت ، وأخوي في أخت
، وفتحت النون والخاء ؛ لأن الجمع قد دل على فتح الثاني في الأصل حين قالوا : بنات
وأخوات.
وكان يونس يجيز
: بنتي وأختي على ما ذكرناه من إلحاقها بجذع وقفل ، فأجرى الملحق بمنزلة الأصلي ،
ولم يكن يقول في هنت ومنت : هنتيّ ومنتيّ.
فقال الخليل :
" من قال : بنتي ، قال : هنتي ومنتي"؟
يعني : أنه يجب
عليه أن يقول : هذا.
قال : "
وهذا لا يقوله : هذا.
قال : "
وهذا لا يقوله أحد".
وذكر سيبويه
كلتا بعد بنت ، وقد ذكرنا أن التاء في كلتا كالتاء في بنت.
ثم قال بعد هذا
: " ومن قال : رأيت كلتا أختيك ، فإنه يجعل الألف ألف تأنيث.
وهذه التاء
بمنزلة التاء في بنت غير أنها لما صارت للإلحاق وجاز أن تلحقها ألف
__________________
التأنيث ، ومن حيث وجب رد بنت في النسبة إلى الأصل ، وحذف التاء منها ، وجب
رد كلتا إلى الأصل ، وحذف التاء ثم تقلب ألف التأنيث فقال : كلوي.
من أجل ذلك فسر
بعض النحويين أن التاء في كلتا عوض الواو وهذا غير خارج عما قلناه لأنّا نقول : إن
الألف في اسم ما جرى مجراه عوض مما حذف ، ولا يمنع ذلك من رده إلى الأصل في
النسبة.
ومن قال : إن
التاء بدل من الواو كما يبدل الحرف مكان الحرف في نحو قولك : ستة ، والأصل"
سدسة" ، لزمه أن يقول : كلتي.
وكان الجرمي
يقول : كلتا : فعتل ، والتاء زائدة ، والألف من الأصل ، والنسبة إليها : كلتوي ،
كما يقال في ملهى : ملهويّ وليس هذا بقول مختار ؛ لأن زيادة التاء قبل لام الفعل
في هذا غير موجود ، ولا يعلم له نظير.
قال سيبويه :
" ومن قال في التثنية فمان ، جاز أن يقول فمي وفموي ، ومن قال : فموان فلا
يجوز فيه إلا فموي".
وكان المبرد
يقول : من لم يقل (فمي) فحقه أن يرده إلى الأصل ، فوه فيقول : فوهيّ.
وإنما ذهب
سيبويه في فموي إلى قول الشاعر :
* هما نفثا في فيّ من فمويهما
|
|
على النابح
العاوي أشدّ رجام
|
فلما رد الواو
في التثنية ، وجب ردها في التثنية.
ومعنى البيت :
أنه ذكر رجلين شاعرين نزع إليهما في قول الشعر وورثه عنهما ، وأراد بالنابح : من
هاجاه. والرّجام : المواجهة بالهجو والقذف به ، وإنما جعل الهجو رجما لما جعل
المهاجي نابحا عاويا.
فإن قال قائل :
لم رد الشاعر الواو في التثنية ، والميم بدل منها؟ قيل له : لا ينكر في الضرورة
مثل ذلك ؛ لأنه ربما زيد على الكلمة حرف من لفظ ما هو موجود فيها كقولهم : قطن
وجبن فكيف من لفظ ما قد غير؟
ـ ويجوز أن
يكون لما كان الساقط من بنات الحرفين إذا كان أخيرا والأغلب أن يكون واوا لأنه رأى
الفم على حرفين.
ـ وقال بعضهم :
إن الميم بدل من الهاء وإن الساقط من فم هو الواو فلذلك ردّها.
__________________
قال سيبويه :
وأمّا الإضافة إلى شاء فشاويّ.
وأنشد :
* فلست بشاويّ عليه دمامة
|
|
إذا ما غدا
يغدو بقوس وأسهم
|
وكان ينبغي أن
يقول : بشائي كما يقال في عطاء : عطائي ولكنه ألزم الرد على الأصل على الشذوذ.
والدمامة : الحقارة في المنظر ونفى عن نفسه أن يكون راعيا دميما.
وذكر سيبويه أن
النسب إلى امرئ : امرئي. وقد قالوا : مرئي في النسبة إلى امرئ القيس. وهذا عنده من
الشاذ الخارج عن القياس ، ولا يعرف امرئيّ ، ولكنه أتى به على القياس.
والمعروف في
كلام العرب مرئي.
وقال محمد بن
جبيب : كل من اسمه امرؤ القيس من العرب النسب فيه مرئي إلا امرئ القيس في كندة
فإنه يقال في النسب مرقسيّ ، فاعرفه.
هذا باب الإضافة إلى
ما ذهبت فاؤه من بنات الحرفين
كلام سيبويه في
هذا الباب مفهوم.
وكان الأخفش
إذا ردّ الذاهب من بنات الحرفين ترك الكلمة على أصلها ، ولم يحرك الساكن فيها بعد
الرد إليها.
وكان المبرد
يذهب إلى مثل قول الأخفش ، وأن الشيء إذا رد منه ما ذهب ، وجب أن ينسب إليه على
بنائه.
وحكى عن الأخفش
عدويّ بتسكين الدال ؛ لأن الأصل عنده عدو.
واختلفوا في دم
، فمذهب سيبويه أنه فعل بتسكين العين وكذلك مذهب الأخفش.
وكان المبرد
يذهب إلى أنه فعل ، ويستدل على ذلك بقولهم : دمي يدمي دمي.
والذي احتج به
المبرد لا يلزم لأن الكلام في الدم المسفوح لا في مصدر ، وقد يكون الشيء على وزن ،
فإذا صرف منه فعل كان مصدر ذلك الفعل على غير لفظه ، ومن ذلك قولهم : جنب الرجل
يجنب جنبا إذا اشتكي جنبه ، فالفعل مأخوذ من الجنب ومصدره فعل ، والجنب فعل ونحو
هذا كثير.
__________________
هذا باب الإضافة إلى
كل اسم ولي آخره
ياءان مدغمة إحداهما
في الأخرى
قال : "
وإذا أضفت إلى مهييمّ قلت مهييميّ".
فلا تحذف شيئا.
وقد بين العلة في الامتناع من الحذف ، ويقال هيم الرجل الحب يهيمه وهوم الرجل :
إذا نام فهو : مهوم ، فإذا صغرناه وجب أن تحذف إحدى الواوين ثم تصغر فيصير : مهيوم
وتقلب الواو ياء فيصير : مهيم ، وتعوض من المحذوف التصغير فيصير : مهييم كما تقول
: سفيريج فاعلمه.
هذا باب ما لحقته
الزيادة للجمع
جميع ما في هذا
الباب مفهوم إن شاء الله.
هذا باب الإضافة إلى
كل اسم لحقته التاء للجمع
وقع في آخر هذا
الباب ، قال : والإضافة إلى محيّ محييّ ، وإن شئت قلت : محويّ.
قال الجرمي :
هذا أجود ، كما قلت : أموي وأميي نظير الأول.
وقال غيره :
وهذا حقه أن يكون في الباب الذي فيه مهييم ؛ لأنه أتى بمحيي وقبل آخره ياء مشددة
كأسيّد وحميّر.
وكان المبرد
يقول : محيي أجود من محوي ؛ لأنا نحذف الياء الأخيرة لاجتماع الساكنين ، ووقوعها
خامسة كنحو ما تحذف من مرامي وما أشبهه ، ويبقى محي.
والذي يقول :
محوي ، يحذف إحدى ياءي : محي بعد حذف الياء التي هي لام الفعل فيختل ، فكما أوجب
سيبويه في مهييم أن لا يحذف الأخيرة لئلا يلزم حذف آخر ، فكذلك لا يختار ما يلزم
فيه حذف حرفين وهو محوي ـ فاعلم ذلك.
هذا باب الإضافة إلى
الاسمين أحدهما إلى الآخر
ما في هذا
الباب مفهوم من كلام (سيبويه).
هذا باب الإضافة إلى
الحكاية
وذلك قولك في
تأبط شرا : تأبطي.
ـ إن قال قائل
: لم أضافوا إلى الجملة والجملة لا يدخلها تثنية ولا جمع (ولا إعراب) ولا شيء مما
يدخل الأسماء المفردة؟
ـ قيل له :
إنما خصت النسبة بذلك لأن المنسوب غير المنسوب إليه ، ألا ترى أن البصري غير
البصرة ، وأن الكوفي غير الكوفة ، والتثنية والجمع والإضافة إلى المجرور والتصغير
لا يخرج الاسم عن حاله ، فلما كان كذلك ، وكان المنسوب قد ينسب إلى بعض (حروف)
المنسوب إليه ، نسبوا إلى بعض حروف الجملة.
وأما قولهم في
كنت : كوني ، فلأنه حذف التاء التي هي الفاعل ونسب إلى كن فلما احتاج إلى كسر
النون لدخول ياء النسبة رد الواو.
والذي قال :
كني ، كأنه شبه باسم واحد لما اختلط الفاعل بالفعل ، وربما قالوا" كنتي"
كأنه زاد النون ليسلم لفظ الفعل.
وأنشد الزجاج
عن ثعلب :
* ولست بكنتي بعاجن
|
|
وشر الرجال
الكننتي وعاجن
|
هذا باب الإضافة إلى
الجمع
ذكر في هذا
الباب عن أبي عبيدة أن العرب تنسب إلى العبلات ـ وهي حي من قريش ـ عبلي.
والعبلات : من
بني عبد شمس. وهم أمية الأصغر وعبد أمية ونول وأمهم عبلة بنت عبيد من بني تميم من
البراجم وإنما قيل لهم عبلات لأن كل واحد منهم سمي باسم أمه عبلة ثم جمعوا.
قال : "
وتقول في الإضافة إلى أناس أناسيسّ
ومنهم من يقول
: إنساني. فأما من قال : إنساني فإنه يجعل أناسا جمع إنسان كما قالوا في توأم :
تؤام وفي ظئر ظؤار ، فلما نسب إليه رد إلى واحده.
وأما من قال :
أناسيه. فإنه اسما للجميع بمنزلة مفرد ونحوه.
قال : وتقول في
النّسب إلى الأعراب : أعرابي ؛ لأنه ليس له واحد على هذا المعنى.
يعني : أن
العرب ليس بواحد الأعراب ؛ لأن العرب يقع على أهل الحاضرة والبادية ، والأعراب
إنما هم الذين يسكنون البدو من قبائل العرب ، فلم يكن معنى الأعراب معنى العرب
فيكون جمعا للعرب ، فلذلك نسب إلى الجمع.
قال : ولو سميت
رجلا ضربات ، لقلت : ضربي ، لا تغير المتحرك لأنك لا تريد أن توقع الإضافة على
الواحد.
يريد أن الرجل
الذي اسمه" ضربات" لا يرد إلى الواحد ، لأنه جمع قد سمي به واحد ،
__________________
فلا يراعى ذلك الجمع ، بل يضاف إلى لفظه ، وإذا أضفنا إلى لفظه حذفنا الألف
والتاء والراء مفتوحة فنسبنا إليه ، وإنما قلنا في العبلات : عبليّ لأنهم جماعة
واحدهم عبلة على ما ذكرته.
وقالوا :
أبناوي في النسب إلى قبائل من بني سعد بن عبد مناة.
ابن تميم ،
يقال لهم : الأبناء كأنهم جعلوه اسم الحي ، فلذلك لم ينسبوه إلى واحده كما نسبوا
إلى واحد العبلات.
هذا باب ما يصير إذا
كان علما في الإضافة
على غير طريقته
وإن كان في الإضافة قبل أن يكون علما غير طريقة ما هو على بنائه.
جميع ما في هذا
الباب مفهوم.
وتفسير ترجمة
الباب : أنك إذا سميت رجلا بلحية أو رقبة وصار علما ثم نسبت إليه قلت : لحيّ
ولحويّ ورقبيّ ، ومن قبل أن تسمي به ويصير علما كان ينسب إليه : اللّحياني
والرقباني ، وهذه النسبة بزيادة الألف والنون على غير طريق النسبة المعروفة
فاعرفه إن شاء
الله.
هذا باب من الإضافة
تحذف فيه ياءي الإضافة
وذلك إذا جعلته صاحب
شيء بزواله أو ذا شيء
اعلم أن الباب
في كل ما كان صنعة أو معالجة أن يجيء على فعال لأن فعالا لتكثير الفعل ، وصاحب
الصنعة مداوم لصنعته ، فجعل له البناء الدال على الكثير كالبزار والعطار ونحو ذلك.
والباب في من
كان ذا شيء وليس بصنعة يعالجها ، أن يجيء على فاعل لأنه ليس فيه تكثير كقولنا :
لذي الدرع : دارع ، ولذي التمر : تامر ، ولذي اللبن : لابن.
وأنشد للحطيئة
:
* وغرزتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر
أي : ذو لبن
وتمر. يقول هذا الزبرقان بن بدر ، فانتقل عنهم إلى قوم من بني فريع فجعل يهجو
الزبرقان.
وأنشد لذي
الرمة :
__________________
* إلى عطن رحب المباءة آهل
أي : ذي أهل.
ومما استدل (به)
سيبويه على أن فعالا بمنزلة المنسوب الذي فيه الياء ، أنهم قالوا : البتي ، وهو
الذي يبيع البتوت ، واحدها بت وهي الأكسية. ويقال أيضا البتات والذي نسب : عثمان
البتي من كبار الفقهاء فاعرفه.
هذا باب ما يكون
مذكرا يوصف به المؤنث
قال في هذا
الباب : وتقول رجل نهر ، أي : نهاري.
يريدون : صاحب
عمل بالنهار دون الليل.
وأنشد.
* لست بليليّ ولكني نهر
|
|
لا أدلج
الليل ولكن أبتكر
|
قال : أدلجت :
إذا سرت من أول الليل ، وأدلجت : إذا سرت من آخره.
وذكر قولهم :
شعر شاعر وشغل شاغل.
كأنه شغل عن
معرفة سببه لشدته.
وأما قولهم : (عِيشَةٍ راضِيَةٍ*) فذكر بعضهم أن عيشة راضية غير جار على الفعل ؛ لأن
العيشة هي المرضية.
وإنما فعلها :
رضيت ، فحملوها على أنها ذات رضى من أهلها.
وقال بعضهم :
معنى راضية : أنها رضيت أهلها ، فهي راضية كأنها لملازمتها لهم راضية بهم ، فاعلم
ذلك.
هذا باب التثنية
قد تقدم حكم
التثنية في صدر الكتاب ، والقصد في هذا الباب والذي بعده اعتبار المقصور والممدود
وذوات الواو والياء بالتثنية.
قال : وحكى أبو
الخطاب عن أهل الحجاز أنهم يقولون في تثنية الكبا : كبوان والكبا بالقصر : الكناسة
، والكباء بالمد : عود البخور.
__________________
وقولهم :
مذروان لطرفي الإليتين شاذ ، وكان القياس مذريان ؛ لأن تقدير الواحد مذرى ، غير
أنهم لم يستعملوا الواحد مفردا فيجب قلب آخره ياء ، وجعلوا حرف التثنية فيه
كالتأنيث الذي يلحق آخر الاسم فيغيّر حكمه ، تقول شقاء وعطاء ، فلا يجوز غير الهمز
في شيء من هذا لوقوع الياء والواو طرفا بعد ألف زائدة ثم قالوا : شقاوة وعظاية ،
فجعلوه ياء وواوا ؛ لأنه لما اتصل به حرف التأنيث ولم يقع الإعراب على الياء
والواو كأنهما في وسط الكلمة ، وكذلك (مذروان لما لم يفارقها) علامة التثنية.
ومثل ذلك :
" عقلته بثنايين" لما لزمته التثنية جعل بمنزلة عظاية ولم تقلب الياء
التي بعد الألف همزة فاعرفه.
هذا باب تثنية
الممدود
إنما وجب قلب
همزة التأنيث واوا في التثنية ؛ لأن الهمزة لما ثقل وقوعها بين ألفين في كلمة
ثقيلة بالتأنيث وأرادوا قلبها كان الواو أولى بها من الياء ؛ لأن الهمزة في الواحد
منقلبة من ألف تأنيث وليس الهمزة من علامات التأنيث. فلما ثنوا جعلوا مكانها حرفا
ليس من علامات التأنيث وهو الواو. ولو جعلوه ياء لكانت الياء من علامات التأنيث ،
لأنهم يقولون : أن تذهبين وتقومين ، فتركوا الياء إلى الواو في التثنية حتى يشاكل
الواحد في الحرف الذي ليس من علم التأنيث.
وقال بعضهم :
جعلوه واوا ؛ لأنهم لما كرهوا وقوع الهمزة بين ألفين ، وكانت الياء أقرب إلى الألف
، كرهوا أيضا الياء لشبهها بالألف ، فاختاروا الواو البعيدة منها فاعلم ذلك.
هذا باب ما لا يجوز
فيه التثنية والجمع المسلّم
قال في هذا
الباب : وقد بلغني أن بعض العرب يقول : اليوم الثّنيّ.
وفي بعض النسخ
: الثني : على لفظ التصغير.
وأما الثني :
فهو فعول مثل النّدىّ ، كأنه جمع الاثنين على فعول : والذي يدل عليه كلام سيبويه :
أن يكون على لفظ الجمع لا على لفظ التصغير.
وجميع ما في
الباب مفهوم من كلامه.
هذا باب جمع الاسم
الذي في آخره هاء التّأنيث
ذكر في هذا
الباب جمع الممدود إذا سمي به رجل ، وأن الهمزة تنقلب واوا فيقال : ورقاوون
وحمراوون كما انقلبت في التثنية والجمع بالألف والتاء.
وذكر أن
المازني كان يجيز فيه الهمزة لانضمام الواو.
وهذا سهو ، لأن
انضمامها لواو الجمع بعدها عارض بمنزلة ضم للإعراب
هذا باب جمع الرجال
والنساء
اعلم أن هذا
الباب يشتمل على جمع الأسماء لمعارف الأعلام. والباب فيما أن كل اسم سميت به مذكرا
يعقل ، ولم تكن في آخره الهاء جاز جمعه بالواو والنون وجاز تكسيره. وإن كان مؤنثا
، جاز جمعه بالواو والتاء وتكسيره.
ومذهب سيبويه
أنّه إذا كسر شيء من ذلك ، وكانت العرب قد كسرته قبل التسمية على وجه من الوجوه ـ وإن
لم يكن ذلك بالقياس المطرد ـ فإنه يكسره على ذلك الوجه ولا يعدل عنه ، فإن كان لا
يعرف تكسيره في الأسماء قبل التسمية به ، حمله على نظائره.
ومما أنشد ـ في
تكسير الاسم العلم ـ قول الفرزدق :
* وشيّد لي زرارة باذخات
|
|
وعمرو الخير
إذا ذكر العمور
|
فجمع على عمور.
ومعنى شيّد : طول البناء. والباذخات : المرتفعات يعني المكارم والمآثر التي ورّثه.
وأنشد أيضا :
* رأيت الصّدع من كعب وكانوا
|
|
من الشنآن قد
صاروا كعابا
|
فجمع كعبا على
كعاب. يعني : أنّهم قبيلة يقع عليهم اسم واحد إذا كانوا متآلفين ، فإذا تفرقوا ،
وعادى بعضهم بعضا ، صارت كل فرقة منهم تنسب إلى كعب ، وكأنّهم كعاب ، جماعة كعب.
ومعنى رأيت : لأمت وأصلحت.
وأنشد للقتال
الكلابي في غير جمع العلم.
* أمّا الإماء فلا يدعونني ولدا
|
|
إذا ترامى
بنو الإموان بالعار
|
فجمع أمه على
إموان ، كأخ وإخوان ، يصف أنّهن نساء أحرار ، فأفعاله كريمة لكرم أمهاته.
وأنشد :
__________________
* فلمّا تبين أصواتنا
|
|
بكين
وفدّيننا بالأبينا
|
فجمع الأب
مسلما ، ولم يرد الذاهب منه.
واعلم أن
سيبويه قد خولف في بعض هذا الباب ، فمن ذلك قوله في رجل سمي بعدة : إنّه يجوز فيه
عدات وعدون.
قاله الجرمي
والمبرد ؛ لأن عدة : جمعت على عدات ، ولم تجمع على عدون قبل التسمية.
ومن مذهبه أن
لا يتجاوز بعد التسمية الجمع الذي كانت العرب تجمعه ووجه آخر : أن الساقط من عدة
فاء الفعل ، وإنما يجمع بالواو والنون مما فيه هاء التأنيث مما سقطت لامه. ولم يجئ
هذا الجمع فيما سقطت فاؤه إلا في حرف واحد شاذ وهو قولهم : لدة ولدون.
وذكر سيبويه في
رجل اسمه ظبة ، أنّه لا يجوز فيه غير ظبات وقد خولف في هذا.
وأنشد ـ النحويون
فيه ـ قول الشاعر :
* تعاود إيمانهم بينهم كئو
|
|
س المنايا
بحدّ الظّبينا
|
وقال في رجل
اسمه سنة : إن شئت قلت : سنوات وإن شئت قلت : سنون.
وقال أجاز ابن
كيسان سنات وسنون ، فجعل سنات قياسا على بنات ، وسنون قياسا على شاء بنون.
وهذا باطل ؛
لأن جمعهم أبناء على بنين وابنه على بنات من الشاذ ، ولا يقاس على شاذ.
وكان يجيز في
شفة شفات.
وأجاز في رجل
اسمه ابن أن يجمع على بنون. والعرب قد جمعت ابنا في جمع السلامة على بنين ، وفي
التكسير على أبناء فلا يتجاوز هذا ، ولا يجوز في من اسمه اسم واست : اسمون واستون
؛ لأن العرب لم تجمع هذين الاسمين جمع السلامة فيتبع مذهبهم في ذلك.
وكان الجرس لا
يجيز جمع الأب والأخ مسلما إلا في الضرورة ، والبيت الذي أنشده سيبويه عنده ضرورة.
ومذهب سيبويه
أن القياس هو الأبون ، وأن نقصان الحرف الذاهب من الأب لا يوجب أن يجتلب في الجمع
السالم ذلك الحرف ، لأنّا نقول في رجل اسمه يد ودم يدون ودمون ، بل عنده أن قولهم
: أبوان وأخوان ، إنما نقوله اتباعا للعرب لا على القياس ، وهو معنى قوله :
إلا أن تحدث
العرب شيئا ، كما بنوه على غير بناء الحرفين
يعني : في
التثنية ، فاعلم ذلك.
__________________
هذا باب يجمع فيه
الاسم إن كان لمذكر أو لمؤنث بالتاء
جميع النحويين
مجمعون على موافقة سيبويه في ما ضمه الباب إلا ابن كيسان ، فإنه أجاز في بنت
التكسير ، فيقول : أبناء ، وكذلك يقول في أخت أخاء ، وهو قد تفرد به. وما بقي من
الباب متفق عليه غير أن ابن كيسان أيضا زعم أنّه يقال في جمع ذيت إذا سمي به :
ذيّات بالتشديد ، مثل كيّ إذا سمينا به شدّدنا الياء ، فإذا جمعنا قلنا كيات وهو
القياس.
هذا باب ما يكسر مما
كسّر للجمع وما لا يكسر
قوله : وإذا
سميت رجلا بفعول جاز أن تكسره فتقول : فعائل إلى قوله لم يكن بأبعد من فعول من
أفعال.
ذهب إلى أن
فعولا قد يكون في الواحد ، ثم جاء بالأتيي والسّدوس ، والأتي السيل وأصله أتوي ،
ثم قال : ولو لم يكن له نظير في الواحد ، لكان أيضا يجمع على أقرب الأبنية منه ،
وهو فعول ، كما أن أفعالا قد جمعوه وهو جمع حين قالوا : أنعام وأناعيم ، كما جمع
الواحد الذي على إفعال كقولهم : إثكال وأثاكيل ، فمحل فعول ـ الذي هو جمع من فعول
الذي هو واحد ـ كمحل أفعال الذي هو جمع من أفعال الذي هو واحد.
هذا باب جمع الأسماء
المضافة
اعلم أن الاسم
المضاف إذا كان كنية والاسم الثاني ليس باسم معروف فالاختيار عند سيبويه أن يوحد
ولا يجمع فيقال في أبي زيد آباء زيد وذكر أنّه قول يونس وأنه أحسن من آباء
الزيدين.
وهو بدل ، على
أن أباء الزيدين قول قد قيل ، وإنما اختار سيبويه توحيد الاسم المضاف إليه لأنه
ليس شيء بعينه ؛ لأنه واقع على غير حقيقة.
وذكر أن هذا
مثل قولهم : بنات لبون ؛ لأنه أراد به : البنين المضافة إلى هذه الصفة وكذلك :
آباء زيد كأنه قال : آباء هذا الاسم. فاعرفه.
هذا باب من الجمع
بالواو والنون وتكسير الاسم
اعلم أن القياس
في قولهم الأشعرون ، أن يقال الأشعريّون لأنه جمع أشعري ولا يقال للواحد شعر ،
وإنّما هم بنو أشعر ينسب إليه الواحد.
شعرى ، والجمع
: أشعريون.
والذي يقول :
الأشعرون ، جعل كل واحد منهم أشعر ، فسماه باسم أبيه ثم جمعه وهذا ليس بقياس.
وشبهه سيبويه
بقولهم : الأشاعر والأشاعث والمسامعة ، وهذا أسرع وأقيس من الأشعريين. لأن هذا كان
أصله : أشعثي ومسمعي ، فلما جمع جمع التكسير صار بمنزلة اسم
على ستة أحرف ، فإذا كسرناه حذفنا اثنين منها.
واعلم أن
مقتوين شاذ من وجهين : وذلك أن الواحد مقتويّ منسوب إلى مقتى وهو مفعل من القتو ،
والقتو : الخدمة والمقتوي : الخادم فإذا جمع على لفظه وجب أن يقال : مقتويون ، ثم
حذف ياء النسبة كما قالوا في الأشعري : أشعرون ، ووجب أن يقال : مقتون لأنا إذا
حذفنا ياء النسبة بقي مقتو ، فتقلب الواو ألفا فيصير مقتا ، فإذا جمع لزم فيه
مقتون ، كما يقال في مصطفى : مصطفون.
والذي سوغ
إثبات الواو فيه أنّهم جعلوها صحيحة غير معتلة حملا على قولهم مقاتوة ، وكان حق
هذا : مقاتية ، لانكسار ما قبل الواو ، ولم يجئ لهذا نظير إلا حرف حكاه أبو عبيدة
وهو قولهم : سواسوة في معنى سواسية إذا كانوا مستوين في الشركة.
هذا باب ما لا يتغير
في الإضافة إلى الاسم
إذا جعلته اسم رجل أو
امرأة وما يتغير
ذكر سيبويه
أن" علي" و" لدي" إذا سمي بهن وأضفن إلى مضمر قلت : علاك
ولداك ، وإلاك وكانت قبل التسمية يقال فيها لديك وعليك وإنما قلبوها في الإضافة
إلى مكنى عند سيبويه ، فرقا بينهما وبين الأسماء المتمكنة إذا قلت : هذاك وعصاك
وما أشبه ذلك.
واعترض بعض
النحويين على ما قاله سيبويه فقال : رأينا ما لا يتمكن من هذه الظروف لم يفرق
بينها وبين المتمكن بتغيير كقولهم : عندك وقبلك وبعدك ، وكانت إضافته إلى الظاهر
والمكنى بمنزلة واحدة.
فقال المجيب عن
سيبويه : رأينا خروف العلة ينقلب بعضها إلى بعض أكثر من انقلاب غيرها بل يطرد فيها
من الإعراب ما لا يطرد في غيرها.
وقال بعض
النحويين : إنما قلبوا في هذه الحروف الألف ياء في الإضافة إلى المكنى ؛ لأنّا
رأينا الإضافة لازمة لهذه الحروف كما رأينا اسم الفاعل لازما للفعل ورأينا اسم
الفاعل قد يتغير له الفعل إذا اتصل به كقولك : غزا ورمى ثم تقول : غزوت ورميت
فتنقلب الألف واوا وياء واختاروا الياء في هذا دون الواو ؛ لأن كناية المتكلم ياء
فلو قلبوها واوا فقالوا : علوك ـ وعلوه لقالوا في المتكلم : علوى فيجتمع واو وياء
فيجب القلب والإدغام ، فاختاروا حرفا لا ينقلب وهو الياء ، وحملوا على لديك
وإليك" مررت بكليهما"" رأيت كليهما" شبهوا كليهما للزوم
الإضافة ـ بعليهما وإنما حملوه في الجر والنصب على عليك دون الرفع ؛ لأنّ"
على" تقع في موضع مجرور ومنصوب ولا تقع في موضع مرفوع كقولك : " من
لديه" و" من عليه" و" هذا لديه وعليه" فحمل"
كلا" عليهما في الحال التي تكون لهما ، فاعلم ذلك.
هذا باب إضافة
المنقوص إلى الياء التي هي علامة المجرور المضمر
هذا الباب
والذي بعده مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب التصغير
اعلم أن
التصغير يجئ على وجوه ، منها : تقليل ما يجوز أن يتوهم كثيرا أو تحقير ما يجوز أن
يتوهم عظيما أو تقريب ما يجوز أن يتوهم بعيدا.
فأما التقليل
فقولك : دريهمات.
وأما التحقير :
فقولك : كليب ورجيل
وأما التقريب
فكقولك : جئتك قبيل شهر رمضان وبعيده.
واعلم أن
المصغر يدل بما يزاد فيه على صفته في القلة والصغر والقرب فتغني علامة التصغير عن
الصفة فإذا قلت : مررت بكليب أغنى التصغير عن قولك : كلب صغير.
وقال بعض
النحويين : قد يكون التصغير لتعظيم الأمر وأنشدوا :
* وكلّ أناس سوف تدخل بينهم
|
|
دويهيّة
تصفرّ منها الأنامل
|
فقالوا : دويهة
يريد تعظيم الداهية.
وقالوا : قد
يقول الرجل للرجل : يا أخيّ إذا أراد المبالغة ويا صديقي وليس الأمر كما ظنوا في
ما احتجوا به أما دويهة فإن الشاعر أراد بها الصغر ؛ لأن حتف الإنسان يكون بصغير
الأمر الذي لا يؤبه له ولا يترقب. وأما أخيّ وصديقي فإنما يراد به لطف المنزلة ،
واللطيف من المنازل في الصداقة والأخوة ، إنما المدح فيه أنّه يصل بلطافة ما
بينهما إلى ما لا يصل ـ إليه العظيم فهو من باب التصغير والتلطيف ، لا من باب
التعظيم.
واعلم أن الاسم
المصغر قد خص له أوله بالضم لأنّا إذا صغرنا ، فلا بد من تغيير المكبر عن لفظه
بعلامة تلزم الدلالة على التصغير ، وكان الضم أولى بذلك ؛ لأنهم قد جعلوا الفتح
للجمع في قولهم" مساجد" و" قنادل" وما أشبه ذلك ، فلم يبق إلا
الكسر والضم ، فاختاروا الضم لأن الياء علامة التصغير ويقع بعد الياء حرف مكسور في
ما زاد على ثلاثة أحرف ، فلو كسروا أوله لاجتمعت كسرتان وياءان ، فعدلوا عنها لثقل
ذلك إلى ما يقاوم الياء والكسرة مما يخالفها ، فاعلمه.
هذا باب تصغير ما كان
على خمسة أحرف
جميع ما في هذا
الباب بين إن شاء الله.
__________________
هذا باب تصغير
المضاعف
ذكر أنّهم
يقولون : مديق وأصيم ، كما قالوا في الجمع : مداقّ وأصامّ لأن الياء الساكنة فيها
مد وإن انفتح ما قبلها ، ألا ترى أن الشاعر إذا قال قصيدة قبل آخرها ياء ساكنة
قبلها فتحة ، لزمه أن يأتي بها في جميع القصيدة كما يلزمه في الألف ، كقول الشاعر
:
* ومهمهين قذفين مرتين
|
|
ظهراهما مثل
ظهور التّرسين
|
هذا باب تصغير ما كان
على ثلاثة أحرف ولحقته الزيادة للتأنيث
إن قال قائل :
لم لم تحذف الألف الممدودة للتأنيث وهاء التأنيث إذا كان قبلها أربعة أحرف كقولهم
في" خنفساء"" خنيفساء" وفي" سلهبة""
سليهبة"؟
قيل له : هاء
التأنيث والألف الممدودة متحركتان فصار لهما بالحركة مزية وصار مع الأول كاسم ضم
إلى اسم ومثلهما ياء النسبة والألف والنون الزائدتان كقولك في زعفران : زعيفران
وفي سلهبي : سليهبي والمقصورة هي حرف ميت بالسكون الذي يلزمها ، فحذفت لأنها لم
تشبه الاسم فاعلمه.
هذا باب تصغير ما كان
على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث بعد ألف
ذكر في هذا
الباب أن الملحق بالألف والنون يجري مجرى الملحق به في التصغير والجمع فيقولون :
سريحين كما قالوا سراحين.
فإن قال قائل :
فأنتم تقولون في تصغير ورشان : وريشين وفي حومان حويمين وليس في الكلام حرف أصلي
يلحق به نون ورشان ، وليس في الكلام فعلان بفتح العين فيلحق به حومان.
فإن الجواب عن
ذلك أنّهم ألحقوا الجمع والتصغير فجمع ما فيه الحرف الأصلي وتصغيره ولم يلحقوا به
الواحد ، فصار وراشين ووريشين ملحقين بسرابيل وسريبل.
قوله : وأما
ظربان فتحقيره ظريبان كأنك حقرته على ظرباء إلى قوله كما ثبتت لام سربال وأشباه
ذلك. يريد أن ظربان ، لا يجوز أن تكون ملحقا ؛ لأنه ليس في الكلام فعلال فلما
جمعته العرب على ظرأبي علمنا أنّهم لم يجعلوا الجمع ملحقا كما لم يجعلوا الواحد
ملحقا بواحد. وقد عرّفتك أنّهم جعلوا جمع" ورشان" وتصغيره ملحقين
بجمع" سربال" وتحقيره فوجب أن يقال" ظريبان" وكان جمعهم إياه على"
ظرابي" لأنهم جعلوا النون كالبدل من ألف التأنيث وقد مضى هذا في موضعه.
هذا باب تحقير ما كان
على أربعة أحرف فلحقته ألف التأنيث
قوله في هذا
الباب : وتقول في أقحوانة وعنظوانة : أقيحيانة وعنيظيانة إلى قوله : فكأنك حقرت
عنظوة وأقحوة.
يريد : أنك
تجري الألف والنون فيصير عنيظيان ، أقيحيان فاعلمه.
هذا باب ما يحقر على
تكسيرك إياه لو كسرته
للجمع على القياس لا
على التكسير للجمع على غيره
يعني على غير
القياس. وجميع ما في الباب بين إن شاء الله.
هذا باب ما يحذف في
التحقير من بنات الثلاثة
اعلم أنّه إذا
كان زائدان في خمسة أحرف ، فلم يكن أحدهما رابعا حرف مد ولين وجب حذف أحدهما ، وفي
بعض ذلك ، أنت المخير في حذف أيهما شئت ، وفي بعضه : أحد الزائدين أولا ، إما ميما
أو همزة أو ياء فالزائد الذي ليس بأول أولى بالحذف كقولك في مغتسل : مغيسل وفي
أرندج أريدج وفي ألندد أليدد.
وإنما كان كذلك
لأن الأوائل أقوى من الأعجاز وأمكن ؛ ولأنها تدخل للمعاني لأن الميم تدخل للفاعل
والمفعول. والهمزة والياء تدخلان في أول الفعل المضارع للمتكلم والغائب.
ومنه أن يدخل
أحد الزائدين للإلحاق فتصير بمنزلة الأصلي ؛ ثم يدخل بعد ذلك الزائد الثاني فإذا
صغرت الاسم كان حذف الزائد الثاني أولى ، كقولك في تصغير عفنجج : عفيجج لأن النون
يقدر دخولها على عفنجج بعد إلحاقه بجعفر. فصارت منزلة النون في دخولها على عفنجج
كمنزلة زائد يدخل على أصلي وفي بعض ذلك خلاف وسيأتي في موضعه إن شاء الله.
قال : وإذا
حقرت غدودن قلت : غديدين وكانت الواو أولى بالحذف ؛ لأن الدال من الحروف الأصلية
فلها قوة في التبقية وتقول في قطوطي : قطيط وقطيطي لأنها بمنزلة غدودن فجعله
سيبويه فعوعل على مثال عثوثل.
وكان المبرد
يقول : إن جعله فعلعل أقيس ؛ لأن فعلعل في الكلام أكثر من فعوعل ، كقولك : صمحمح :
ودمكمك ، قول سيبويه : أولى لأن القطوطي : هو البطيء في مشيه ويقال منه : قطا يقطو
: إذا مشى مثل مشي القطاة والقبع وشبهه ويقال : اقطوطي. واقطوطي : افعوعل وقطوطي
منه.
وإذا حقرت
مقعنسسا حذفت النون وإحدى السينين فقلت : مقيعس.
وقال المبرد :
تصغيره قعيسس لأنه ملحق بمحرنجم ولو صغر محرنجم لقيل : حريجم.
وقول سيبويه :
أجود لأن لإحدى السينين وإن كانت للإلحاق فهي زائدة إلا أنّها لها قوة الإلحاق ،
وللميم قوتان : إحداهما أولى ، والأخرى أنّها لمعنى فهي أولى بالتبقية.
وإذا حقرت
عطوّدا قلت عطيّد وعطيّيد والأصل عطيّود وعطيويد كأن سيبويه أسقط الواو الأولى من
الواوين ؛ لأنها ثالثة بمنزلة ألف عذافر وياء خفيدد وواو فدوكس إلا أنّه ألحق
أولا ببنات الأربعة فقيل : عطود ، ثم زيدت عليه واو ثالثة ساكنة ، فصار
عطود كما قيل عدبّس.
وكان المبرد
يقول : عطيد لأنه لم يحذف إحدى الواوين وذكر أن الواو الثانية لما كانت زائدة وهي
رابعة ، صارت بمنزلة : مسرول. وسيبويه يقول في مسرول : مسيريل ، فيجعل الواو
الزائدة المتحركة بمنزلة الواو الساكنة ولم يحذفها.
والقول ما قاله
سيبويه للأصل الذي قدمته.
وإذا حقرت :
عثول وما جرى مجراه قلت : عثيّل وعثيّيل وفي الجمع عثاول وعثاويل.
وأصله من عثل ،
وألحق بجردحل وبنائه وإذا حقرته على مذهب سيبويه إن حذف إحدى اللامين أولى من حذف
الواو ، فيبقى عثول فيقال فيه : عثيل قال : لأنهم جاءوا بهذه الواو لتلحق بنات
الثلاثة بالأربعة ، فصارت عندهم كشين قرشب وصارت اللام الزائدة بمنزلة الباء
الزائدة في قرشب.
وكذلك قول
الخليل وقول العرب ، وقال المبرد : وحكاه عن المازني أيضا إنّه يقال : عثيل بحذف
الواو لأنها زائدة كما أن اللام زائدة.
وكان المبرد
يقول في ألندد : أليدد ولا يدغم ؛ لأنه ملحق فصار بمنزلة قودد إذا صغر قيل : قويدد
، ولم يدغم.
وكان سيبويه
يقول : أليد وحجته أن ألنددا إنما كان ملحقا لاجتماع النون مع الألف ، ولو انفردت
الألف بالزيادة لم تكن ملحقا ببناء ؛ لأن أفعلا لا يكون ملحقا ، فلما أوجب التصغير
حذف النون ، وانفردت الهمزة أولا وبعدها ثلاثة أحرف صار الاسم على أفعل ، وخرج من
الإلحاق فوجب إدغامه.
وبين سيبويه أن
ذرحرحا : من بنات الثلاثة ، واستدل على ذلك بأن العرب تقول في معناه ذرّاح وذرّوح.
قال : فضاعف
بعضهم الراء والحاء.
وجلعلع مثل :
ذرحرح. والجلعلع في ما ذكر عن الأصمعي ـ خنفساء نصفها طين ونصفها من خلق الخنفساء
وذكر أن رجلا كان يأكل أكل الطين فعطس عطسة فخرجت منه خنفساء نصفها طين ، فرآه رجل
من العرب ، فقال : خرجت منه جلعلعة ، وقيل : الجلعلع من الإبل الحديد النفس.
والصّمحمح :
الشديد وهو أيضا الأصلع ، والدّمكمك : الصلب الشديد.
قال : وتقول في
تصغير مرمريس : مريريس.
ووزن مرمريس
عنده : فعفعيل ؛ لأن أصله من المراسة وهو شديد المراسة من قولك :
رجل مرس بالشيء إذا كان معتادا له قويا ، فإذا حقرته احتجت إلى حذف الميم
الثانية ، وحذف الميم أولى لأنّا حذفنا الميم فقلنا : مريريس ، فهو فعيعيل كما
تقول من مراس : مريريس ، ويعلم بذلك أنّه من بنات الثلاثة ، ولو حذفنا الراء
وبقينا مريميس ، صار كأنه من الرباعي من باب : سرحوب وسرداح.
هذا باب ما تحذف منه
الزوائد من بنات الثلاثة
جميع ما في هذا
الباب مفهوم من لفظ سيبويه إن شاء الله.
هذا باب تحقير ما كان
من الثلاثة فيه زائدتان
قوله : ومن ذلك
كوألل إلى قوله : لأنهما زائدتان ألحقتاه بسفرجل.
اعلم أن"
كوأللا" غير مشتق ، وإنما حكم على الواو وإحدى اللامين بالزيادة حملا على
النظائر ؛ لأن الواو إذا وجدت غير أولى في ما هو على أكثر من ثلاثة أحرف ، حكم
عليها بالزيادة ، وكذلك الحرف المضاعف في ما دون الثلاثة ، يحكم له بالزيادة ،
فالواو وإحدى اللامين زيدا للإلحاق معا في كوألل ، وليس بمنزلة عفنجج ؛ لأن عفنججا
ـ تصغيره عفيجج بحذف النون فقط والنون والجيم زائدتان. ولم يخير في عفنجج كما خير
كوألل ؛ لأنه قدّر في عفنجج أنّه ألحق أولا بزيادة الجيم بجعفر ، ثم دخلت النون
وألحقته بسفرجل ، كما ألحقت جحفل حين قلت : جحيفل ، وذلك لقوة الواو في كوألل
بالحركة. ووقوعها ثانية ، وليست النون كذلك.
قال : وإذا
حقرت بروكاء وجلولاء ، قلت : بريكاء وجليلاء وهذا وما جرى مجراه مما رد المبرد على
سيبويه قال : إن آخر" جلولاء" وبروكاء ألفان للتأنيث بمنزلة ألفى حمراء
وهي نظيرة الهاء ولا خلاف بينهم أنّه إذا حقر جلولة وبروكة قيل : جليلة وبريكة.
وسيبويه أسقط الواو من" بروكاء" و" جلولاء" على الحذف فيقال
له : إن كان ألف التأنيث معتدّا بها فينبغي أن لا يصغّر المصدر ويجعل تصغيره
كتصغير علباء وحرباء ، فيقال : بريكي كما يقال : عليبي ولا يقول هذا أحد. وإن كان
بمنزلة شيء ضم إلى الأول فينبغي أن تصغر الأول بأسره ثم تلحقه ألفي التأنيث ، فهذا
احتجاج المبرد عليه.
والحجة لسيبويه
، أن ألف التأنيث وإن كانت شبه هاء التأنيث ، فقد تخالفها فتجرى مجرى ما هو ملحق
بالأصلي ؛ لأنهم قالوا : " صحراء" و" صحارى" كما قالوا :
حرباء وحرابي فلما رأيناها قد أجريت مجرى ما هو بمنزلة الأصل ، ولم يفعل ذلك
بالهاء ، استعمل فيه ـ لما كثرت ـ ما يستعمل في حروف المرخم وهو أن تحذف منه
الزوائد التي فيه فحذفوا الواو من بروكاء كما قالوا في تصغير فاطمة"
فطيمة" وفي أزهر : زهير وذلك لما كثرت الحروف وكان آخرها حرف التأنيث وهي
علامة كالهاء فلم يجدوا سبيلا إلى حذفها ، وجعلوا ما حذفوا
منها ، كحذفهم ألف مبارك وعذافر دون الكاف والراء.
واحتج سيبويه
للفرق بين الواو في" بروكاء" ، والواو في فعولاء أن واو فعولاء بالحركة
قد صارت بمنزلة الواو الأصلية ، ألا ترى أنك تقول في جدول : جديول ولا يجوز في
عجوز : عجيوز ، لأنها واو مبنية وليست للإلحاق. فهذا الذي قاله سيبويه ـ ولا تحذف
واو فعولاء ـ إنما هو على قول من يقول في تصغير جدول : جديول ومن قال جديل ، لزمه
أن يحذف الواو في فعولاء ، فيقول : فعيلاء لأنه إذا قلب الواو ، فقال : فعيلاء. صارت
كواو" عجوز" و" برود" فوجب حذفها.
قال : ولو سميت
رجلا جدارين ، ثم حقّرته لقلت : جديران. لأنك لست تريد معنى التثنية ، وإنما هو
اسم واحد. وكذلك لو سميت بدجاجات.
والمبرد لا
يحذف في هذا كله. والقول فيه كالقول في" بروكاء" فاعلم ذلك.
هذا باب تحقير ما
ثبتت زيادته من بنات الثلاثة في التحقير
هذا الباب بين
من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب ما يحذف في
التحقير من زوائد بنات الأربعة
استدل سيبويه
على زيادة التاء في آخر" عنكبوت" و" تخربوت" على خمسة أحرف
أصلية ، إلا أن تستكرههم فيخلطوا ، ومعنى ذلك أن يسألهم سائل فيقول : كيف تجمعون
فرزدقا وجردحلا وما أشبه إلى ذلك فربما جمعوه على قياس التصغير في مثل فرزدق
وسفرجل وربما جمعوه بالواو والنون أو غير ذلك ، فهذا معنى قول سيبويه : إلا أن
تستكرههم فيخلطوا لأنه ليس من كلامهم.
وفرق الخليل
بين تصغير" عنتريس" و" خنشليل" ، فحذف النون في تصغير عنتريس
لأنه من عترسة وهي : الأخذ بالشدة ، ولم يكن" لخنشبيل" اشتقاق تسقط فيه
النون فجعلها أصلية.
وتقول في"
منجنون" : " منيجين" ؛ لأن إحدى النونين الأخيرتين زائدة ، فحذف
الأول منهما لئلا يحذف ، فبقي" منجون" فقال : منيجين على نحو ما فعل
في" خنشليل".
قال : وإذا
حقرت إبراهيم وإسماعيل قلت : بريهيم وسميعيل وكان المبرد يرد هذا ويقول : أبيريه
وأسيميع واحتج في ذلك بأن الهمزة لا تكون زائدة أولا أربعة أحرف أصول وإذا احتجنا
إلى حذف شيء منه في التصغير حذفنا من آخره كما يفعل ذلك" بسفرجل".
والذي قال
سيبويه هو الصواب والحجة له تصغير العرب ذلك بحذف الهمزة على ما رواه أبو زيد
وغيره.
وحكى سيبويه عن
الخليل عنهم في باب تصغير الترخيم" بريه" و" سميع" وهذه
الأسماء أعجمية يجوز أن تكون قدّرت فيها العرب غير ما تقدّره في الأسماء العربية ،
وذلك أنّه لا
يكاد يوجد في الأسماء العربية اسم ، في أوله ألف بعدها أربعة أحرف أصلية ،
لا إن كانت الألف زائدة ، ولا إن كانت أصلية ، إلا في مصادر الأفعال الرباعية
المزيدة كقولهم : احرنجام واقشعرار. والألف في أولها ألف وصل فلما جاءت أسماء
كثيرة من أسماء الأنبياء في أولها ألف مكسورة ، وبعدها أربعة أحرف أصلية ، أو
ثلاثة أحرف أصلية وزوائد شبهوها بألف الوصل وأجروا حكمها على الزيادة.
وأنشد سيبويه
للطرماح :
* يضحي على جذم الجذول كأنه
|
|
خصم أبرّ على
الخصوم ألندد
|
احتج به على أن
النون في ألندد زائدة ؛ لأنه في معنى ألدّ وهو الشديد الخصومة وقد ذكرنا تصغيره
والاختلاف فيه. والجذول : أصول الشجر. ومعنى أبرّ : غلب وظهر. يصف حرباء وهو
يستقبل الشمس على أصول الشجر ويحرك يديه لما يجد من حر الشمس ، فكأنه خصم ألدّ ظهر
على خصومه فهو يحرك يديه كثيرا استعانة على الكلام وحرصا عليه.
وأنشد :
* ولم أجد بالمصر من حاجاتي
|
|
غير عفاريت
عفرنيات
|
استشهد به على
أن معنى عفرني وعفرناة كمعنى العفر ، العفريت وعفرنيات. جمع : عفرناة وهي صفة
عفاريت والمعنى واحد.
وهذان البيتان
وقعا من كتاب سيبويه في : باب تحقير ما كان من الثلاثة في الزائدتان وبيت الطرماح
وقع في باب : ما يحذف في التحقير من بنات الثلاثة.
هذا باب تحقير ما
أوّله ألف الوصل من بنات الأربعة
هذا الباب
والذي بعده مفهومان من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب تحقير بنات
الحرفين
قال في هذا
الباب : ولو حقرت ربّ اسم رجل قلت : ربيب ؛ لأنه مخفف من ربّ فترده في التصغير إلى
أصله ، وكذلك" بخ" المخففة تقول : " بخيخ" وأصله التشديد.
قال العجاج :
* في حسب بخّ وعزّ أقعسا
__________________
فردّ بخّ
المخففة إلى أصلها في التشديد. كما قال :
* وهي تنوش الحوض نوشا من علا
وإنما المستعمل
: من" علو" و" من عل" فرده إلى أصله ، وأصله : "
علو" فقلب الواو ألفا لانفتاح ما قبلها.
وأنشد :
* إنّ عبيدا هي صئبان السّه
أنشد هذا على
أن الساقط من" است" الهاء ، ويروى في الحديث عن على ومعاوية رحمهما الله
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم : العين وكاء السّه.
وأنشد في ما
يحذف في التحقير من زوائد الأربعة لغيلان.
* قد قرّبت ساداتها الرّوائسا
|
|
والبكرات
الفسّج العطامسا
|
استشهد به على
حذف الياء من" العطامس" ضرورة.
والروائس : جمع
رائسته ، وهي الناقة السريعة ، والفاسج : التي لم تحمل وهي فتية لم تذهب قوتها ،
أي : قربرا كلما عندهم. والعطموس : الحسنة الخلق.
وهذا الباب وما
بعده من أبواب بنات الحرفين جميعا مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب تحقير ما
كانت فيه تاء التأنيث
اعلم أنّ
سيبويه أراد بتاء التأنيث هاهنا ، ما كان من الأسماء فيه تاء في الوصل والوقف من
المؤنث وهي أسماء يسيرة نحو : أخت وبنت وهنت ومنت وذيت وكيت.
فهذه التاء وإن
كان قبلها ساكن فهي للتأنيث كالهاء في عبلة وتمرة فإذا صغرت هذه الأسماء ، رددتها
إلى أصلها ؛ لأنها في الأصل مزيدة بعد ما بني الاسم على حرفين للتأنيث وعلامة تاء
تأنيث لا يعتد بها في تصغير ولا جمع ، فتقول : بنيّة وأخية وذبية.
ثم قال سيبويه
: ولو سميت امرأة بضربت أو رجلا لقلت ضريبة لأنك تقول قبل التصغير : ضربة كزقية ثم
تصغر على ذلك.
قال : وكانت
الهاء أولى بها من بين علامات التأنيث لشبهها بها ـ يعني لشبهها بالتاء ـ ألا ترى
أنّها في الوصل تاء ولأنّهم لا يؤنثون بالتاء شيئا إلا شيئا علامته في الأصل
الهاء.
يعني : أن
الأسماء التي تثبت فيها التاء في الوقف من الأسماء التي ذكرناها هي أسماء مؤنثة
__________________
الأصل في علامتها ، لأن الأصل فيها : أخوة وبنوة وهنوة وذوية وأصل ذلك كله
الهاء فاعلمه.
هذا باب تحقير ما حذف
منه ولا يرد في التحقير ما حذف منه
اعلم أن سيبويه
قد خولف في بعض ما ذكر في الباب. واعتماده على أن الحذف لما وقع في هذه الأسماء
نحو : " ميت"" هار" وما أشبه ذلك على جهة التخفيف لا على علة
توجب حذفها ، وكان التصغير غير محوج إلى رد ما حذفوه ، لأن الباقي ثلاثة أحرف لم
يرد المحذوف ؛ لأن التخفيف الذي أرادوه في المكبر هو الذي أحوج في المصغر لزيادة
حروفه.
وحكى عن يونس :
أن ناسا يقولون : هو يئر في التصغير فقال سيبويه هؤلاء لم يحقروا هارا ، إنما
حقروا هائرا ، كما قال : رويجلا كأنهم حقروا راجلا ، ثم قال : وقالوا : أبينون ،
كأنهم حقروا أبنى مثل أعمى.
وتفسير هذا أن
العرب إذا صغروا" أبناء" جمع" ابن" يقولون : أبينون وليس ذلك
تصغير أبناء في لفظة لأن تصغيره : " أبيناء" مثل" أحيماء" ،
ولا هو تصغير : " بنين" لأن تصغير بنين : فكأن قولهم : أبينون على تقدير
شيء غير أبناء ولا بنين ، ولكن صغروا أبناء وجمعوه بعد ذلك فقدره تقدير أفعل
مثل" أعمى" فكأنه" أبنى". ثم صغروا أبنى فصار أبين ، ثم جمع
فصار أبينون بمنزلة : " أعيمون" ولا يستعمل" أبنى" كما لم
يستعمل" راجل" في معنى رجل ، وإن كان قد صغروه على ذلك.
وحكى المبرد من
قوله ، وقال المازني : إنّه يقول في يضع : يويضع وفي هار : هويئر ؛ لأنه من وضع
يضع ، ويرده إلى أصله.
وقد تقدم
الاحتجاج لسيبويه ، ويلزم أن يقولوا في : " خير منك" و" شر
منك"" أشير منك" و" أخير منك" ؛ لأن أصله" أشر
منك" و" أخير منك" ، فاعلمه.
هذا باب تحقير كل حرف
كان فيه بدل
فإنّ ذلك البدل يحذف
حكى بعض
اللغويين أن من العرب من لا يرد المبدل إلى أصله إذا جمع
وأنشد :
* حمى لا يحلّ الدّهر إلا بإذننا
|
|
ولا نسأل
الأقوام عهد المياثق
|
وهذا جمع"
ميثاق" ، وأصله من وثقت ، فعلى هذا يجوز في ميثاق وميعاد" مييثيق"
ومييعيد.
وذكر أبو حاتم
أن عمارة بن عقيل غلط فقال : " ريح"" أرياح" قال : فأنكرته
عليه.
وأنشدته قول
جده جرير :
* إذا هبّ أرواح الشّتاء الزّعازع
فقال : أما
تصريف في المصحف : (وَتَصْرِيفِ
الرِّياحِ) [البقرة : ١٦٤] " فأخذ طريق القياس فأخطأ.
وقال سيبويه :
وإذا حقّرت قيّ قلت : قويّ والقيّ : الأرض القفر وأصله قوى لأنه من الوقاء ، وهي
الأرض التي لا شيء فيها.
قال : وما كانت
الهمزة فيه أصلية غير منقلبة ؛ فإنها تثبت في التصغير ولا تحذف ، فمن ذلك : "
ألاءة" وهي" نبت" و" أشاءة" وهي : الفسيلة.
تقول في
تصغيره" أليئة" ، و" أشيئة" ؛ لأن الهمزة ليست بمبدلة والأصل
في هذا عند سيبويه أن ما كان معروف الأصل بالاشتقاق من واو أو ياء فهو من
باب" عطاء ورشاء" ، وما كان لا يعرف ، جعلت همزته أصلية حتى يقوم الدليل
على غيرها ؛ لأن الهمزة هي الموجودة فيه.
واعلم أنّ
النحويين اختلفوا في" الشاء". فذهب سيبويه أنّه ليس من لفظ"
شاة" ، وأنه اسم للجمع وأصله : شوى أو شوو قلبت عين الفعل منه ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها ، وقلبت لام الفعل منه همزة لأنها طرف وقبلها ساكن وهذا شاذ لأنه
أعل العين واللام جميعا واستدل بأن العرب تجمع الشاء : شوي ولام الفعل في"
شوي" ياء.
وقال المبرد
أما" الشاء" فهو بمنزلة" الماء" والهمزة فيه بدل من الهاء وهو
جمع" شاة" بإسقاط هاء التأنيث كما قالوا : تمرة وتمر ، وذلك أن"
شاة" أصلها : " شاهة" فحذفوا الهاء الأصلية استثقالا للهاءين فلما
جمعوه أسقطوا هاء التأنيث فردوا الهاء الأصلية فصار" شاة" ويوقف
عليها" شاة" فيلتبس بالواحدة التي فيها هاء التأنيث فأبدل من الهاء همزة
وهي تبدل منها كثيرا.
ومما دعا إلى
قلب الهاء همزة في" ماه" ، وأصله : " ماء" أن الهاء خفية ،
والألف خفية أيضا ، والهمزة تبين الألف فقلبوا الهاء همزة لذلك.
هذا باب تحقير ما
كانت الألف فيه بدلا من عينه
هذا الباب
مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب تصغير
الأسماء التي تثبت الإبدال فيها
خولف سيبويه في
هذا الباب ومن مذهبه أن يقول في تصغير اسم الفاعل المعتل نحو : قائم وبائع : قويئم
وبويئع بالهمز ، ويقول في أدؤر عين الفعل منه واو ، ثم همزت نحو : السّؤور والغؤور
من سأر يسؤر وغار يغور ـ سويئر وغويئر.
ويقول في تخمة
وترات وتدعة ـ والتاء بدل من واو ـ " تخيمة وتريث" و" تديعة".
ويقول في متعد
ومتزن : متيعد ومتيزن وهما مفتعل من الوزن والوعد ، والتاء الأولى بدل
من الواو ، فهذا جملة قول سيبويه في هذا الباب.
وكان الجرمي
يترك همز قائل وبائع في التصغير فيقول : قويل ، بويع وحجته أن العلة التي من أجلها
جعلت الواو همزة في قائل ، وقوعها بعد الألف وكذلك بائع ونحوهما من ذوات الياء
والواو.
وأما"
أدؤر" إذا صغّرته أو جمعته ، فالمبرد يترك همزة ؛ لأن الواو إنّما همزت
في" أدؤر" لانضمامها ، وقد زالت الضمة في التصغير والجمع وكذلك قياس
السّؤور والنّؤر.
وأما متّعد
ومتّزن فإن الزجاج كان يقول في تصغيره : مويعد ومويزن ؛ لأن التاء تبدل من أجلها
الواو تسقط في التصغير فترجع الواو.
واعتماد سيبويه
في همز تصغير قائل على الجمع.
ولا خلاف بينهم
في همز الجمع في قولك : " قوائم" و" بوائع" ومما يحتج له في
ذلك أنّه قد يكون واوا.
فيصح كقولنا :
" عاور" و" صاود" من صيد البعير ، فإذا صغر ذلك لم يهمز
ففصلوا بين ما همز قبل التصغير وبين ما لم يهمز.
وأما الهمز في
تصغير" أدؤر" ، فاحتج له الزجاج بأن الهمز ، وتركه جائز في أدؤر فجعلوا
إثبات الهمز في التصغير دلالة على قول من يهمز.
وألزم الزجاج
في ذلك أن يقال : " متيعد" على قول سيبويه ليكون فصلا بين من يقول : "
متّعد" ومن يقول : موتعد وهي لغة أهل الحجاز.
والقول
في" أوائل" و" قبائل" ونحوه ، كالقول في قائم.
وأما تخمة
وتهمة وما أشبهه فهي على لفظها في التصغير بإجماع منهم ؛ لأنها لم تنقلب لعلة تزول
في التصغير فاعلم ذلك.
هذا باب تصغير ما كان
فيه قلب
اعلم أن ما كان
من القلب ـ وهو تقديم حرف على غيره من الكلمة ، والأصل غير ذلك ـ إذا صغّر لم يرد
إلى الأصل ؛ لأن التقديم والتأخير على غير قياس ، وإنما جاء في بعض الكلام ولم
تحمل عليه ما سواه ؛ لأنه شاذ ، ولا يغير في التصغير ؛ لأنه ليست له علة موجبة
لذلك يزيلها التصغير ، فمن ذلك قولهم في لائث : " لاث".
قال العجاج :
* لاث به الأشاء والعبريّ
__________________
الأشياء :
الغسيل : والعبري : ما ينبت من السدر على شاطئ النهر ومثله في القلب قول الشاعر :
* فتعرفوني أنني أنا ذاكم
|
|
شاك سلاحي في
الحوادث معلم
|
أراد"
شائك" والشائك : الذي له شوكة ، وهو مثل : قائم ، ثم قدموا الكاف فقالوا :
شاك كقولنا غاز.
وأنشد لكعب بن
مالك :
* لقد لقيت قريظة ما سآها
|
|
وحلّ بدارهم
ذلّ ذليل
|
فقدم الهمزة
في" سآها" وأخر الألف.
ومثله لكثير :
* وكل خليل رآني فهو قائل
|
|
من أجلك :
هذا هامة اليوم أو غد
|
أراد : رآني
فقلب ومعنى قوله هامة اليوم أو غد : يموت في يومه أو في غده حزنا وأسفا.
وأنشد ـ في ما
أبدل من الهمزة ـ لحسان بن ثابت :
* سالت هذيل رسول الله فاحشة
|
|
ضلّت هذيل
بما جاءت ولم تصب
|
فأبدل من
همزة" سألت" ألفا.
ويقال : إن
الفاحشة التي سألت هذيل أن يبيح لها الزّنا.
وللقائل أن
يقول : سالت لغة ـ في سألت ـ قائمة بنفسها فما وجه استشهاده بهذا؟
فالجواب أن هذا
الشاعر من لغته الهمز في" سألت" وإنما أبدل في هذا الموضع فاعرفه.
هذا باب تحقير كل اسم
كانت عينه واوا وكانت العين ثانية أو ثالثة
ذكر في هذا
الباب : " أرويّة" وهي على مذهبين : ـ أحدهما أنّها فعليّة والآخر أنّها
أفعولة وعلى هذا ذكره سيبويه لأن الباب في ما كانت عينه واوا فإذا جعلناها فعلية
فالواو لام الفعل
__________________
فإذا صغرتها على" فعلية" لم يجز فيها إلا : " أريّية"
بتشديد الياءين لأن الياء الثانية ياء نسبة.
وإنما قال :
أرية إذا كانت" أفعولة" : لأن الأصل فيه" أرووية" فاجتمع في
آخره ياء متحركة قبلها واو ساكنة فقلبت الواو ياء ساكنة وأدغمت في الياء وكسر ما
قبلها لتسلم الياء فصارت أروية فإذا صغرنا أدخلنا ياء التصغير قبل الواو
فصارت" أرويّة" فحذفت الياء المشددة الأخيرة كما حذفوا الياء الأخيرة
في" أحيّ" و" مهيّ" تصغير : أحوى ومهوى.
وأما"
مروية" ، فهي : " مفعولة" من رويته بالراء ، أي : شددته بالحبل
والحبل : الرواء.
ورويت في معنى
: حدثت فإذا حذفت فهي مثل" أروية" في هذا الوجه وإن كانت مورية منسوبة
إلى مروة فهي بمنزلة الوجه الأول في" أروية". وقوّى سيبويه ظهور الياء
في التصغير بظهورها في الجمع.
وأنشد للفرزدق
:
* إلى هادرات صعاب الرءوس
|
|
قساور للقسور
الأصيد
|
فأظهر الواو
في" قساور" وهو جمع : " قسور" وهو من صفات الأسد والأصيد :
الذي به الصيد ، وهو داء يأخذ الإبل فترفع له رءوسها ، ومنه يقال للمتكبر : أصيد.
هذا باب تحقير بنات
الياء والواو اللاتي لاماتهن ياءات أو واوات
اختلف النحويون
في تصغير" أحوى" على قول الواو ، وأما من أظهر ، فلا خلاف بينهم أنّه :
أحيو ورأيت أحيوى يا فتى وعلى الوجه الآخر ، كان سيبويه يحذف الياء الأخيرة ولا
يصرفه وجعل سقوط الياء الأخيرة بمنزلة النقص في أصم وأصله : وبمنزلة"
أروس" إذا خففت الهمزة من" أرؤس".
وكان عيسى بن
عمر يصرفه ، وقد ردّ عليه سيبويه" بأصم" و" أرس" إذا سمّي به.
وكان المبرد
يبطل رد سيبويه" بأرس" و" أصمّ" ، قال : لأن" أصمّ"
لم يذهب منه شيء لأن حركة الميم الأولى قد ألقيت على الصاد. وليس هذا بشيء ؛ لأن
سيبويه إنما أراد أن الخفة مع ثبوت الزائد المانع من الصرف لا يوجب صرفه ، و"
أصم" هو أخف من" أصمم" الذي هو أصل ، ولم يجب صرفه وكذلك لو سمينا
رجلا" بيضع" لم نصرفه وإن كان سقط حرف من وزن الفعل.
وكان أبو عمرو
بن العلاء يقول : هذا" أحيّ" وقد ردّه سيبويه وألزمه" عطيّ"
ويدل على صحة
قول سيبويه في" أحيّ" بحذف الياء تصغير العرب" معيّة" فإذا
حقرت مطايا اسم رجل قلت : مطى على قول الخليل ويونس :
__________________
أجمعنا على
اللفظ بذلك على تقديرين مختلفين وذلك أن الخليل يرى إذا صغرنا قبائل اسم رجل ، أن
يقول : " قبيئل" فتحذف الألف وتبقى الهمزة.
ويونس يرى أن
يقول : " قبيّل" فيحذف الهمزة ويبقي الألف ثم يقلبها لياء التصغير.
وإذا صغر
الخليل" مطايا" وهو الوزن مثل ، " قبائل" حذف الألف ، التي
قبل الياء فيبقى مطيا فتنقلب الأخيرة ياء فيصير" مطيّ" كما قلت : عطيّ.
وأما يونس
فيحذف الياء التي بين الألفين في مطايا فيبقى بعدها ألفان ، فيدخل ياء التصغير
فتنقلب الألف التي بعدها ياء وتنكسر ، كما تنقلب الألف في" حمار" إذا
قلت : " حمير" وتنكسر ، فإذا انكسرت صارت الألف الأخرى ياء ، ثم تحذف
كما ذكرنا.
ولا يجوز أن
تقول في تصغير" مطايا"" مطيىء" فإن قال قائل : لم لا يجوز
الهمز على قول الخليل وإنما أصل" مطايا" مطايي" لوقوع ياء الفعل
بعد ألف الجمع؟
قيل له : هذه
الهمزة لم يلفظ بها قط ، وإنما يلفظ بها في الصحيح ، فصارت الياء في"
مطايا" بمنزلة الياء في مطية.
وإذا
صغرت" خطايا" اسم رجل ، قلت" خطيء" فهمزت ، لأن الألف الأخيرة
في خطايا أصلها همزة فتردها في التصغير. واحتج سيبويه لترك الهمزة في"
مطايا" بأن قال : " لما أبطلناها في الجمع وأبدلنا منها بدلا
لازما".
يعني : الياء
في" مطايا" وكانت الهمزة في الجمع أقوى منها في التصغير كأن التصغير
أولى بالياء. ومما قوى به هذا قوله : ومع ذلك لو قلت : فعائل من المطيّ لقلت :
مطاء ولو كسرته لقلت مطايا إلى قوله : " هذا مع البدل يقوى ، وهو قول يونس
والخليل".
في هذا الفصل
من كلامه إشكال وخلاف.
ـ أما الخلاف :
فإن فعائل مثل : مطائى وغير ذلك ، إذا جمع يقال فيه : " مطايا" ولا يهمز
فذكر المازني أنّه لا يجوز غير الهمز ؛ لأنها همزة في الواحد لم تعرض في الجمع
فترد الهمزة في الجمع كما كانت في الواحد ألا ترى أنّا نقول : " جائية"
و" جواء" ولا نقول جوايا لأن الهمزة كانت في الواحد.
ـ والذي قاله
المازني صحيح في" جواء" والهمزة في" فعائل" الذي هو"
مطاء" ويخالف الذي قال لأنها ليست بهمزة لازمة وإنما هي بمنزلة عطاء وقعت بعد
ألف ، إذا صغر وجمع أجرى مجرى ما ليس بمهموز وذلك أن" فعائل" كان أصله :
" فعال" فمدوا بزيادة ألف قبل هذه الألف ، فوقعت الألف في"
فعال" بعدها ، فهمزوا لاجتماع الألفين وليست همزة من نفس الحرف ولا بدلا من
حرف أصلي كالهمزة في قائل والهمزة في جاء فإذا جمع مطاء وحذفت المدة في الجمع ،
عاد إلى" فعال" فصار كأنه" مطاء" وأصله" مطاو" فجمع
على
" مطايا" للهمزة العارضة في الجمع وينبغي إذا صغّر"
مطاء" أن يقال : فيه" مطى" وهو قول يونس والخليل على ما ذكر
سيبويه.
هذا باب تحقير كلّ
اسم كان من شيئين
هذا الباب
والذي بعده مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب ما يجري في
الكلام مصغّرا وترك تكبيره لأنه عندهم مستصغر
وذلك قولهم :
جميل وكعيب وهو البلبل.
وحكى عن المبرد
أنّه طائر يشبه البلبل وليس بالبلبل وذكر في هذا الباب سكيت وزعم أنّه ترخيم سكيت
فأما" سكّيت" فهو" فعّيل" مثل : " جمّيز" و"
علّيق" وليس بتصغير وأما" سكيت" فهو تصغير" سكّيت" على
الترخيم ؛ لأن الياء وإحدى الكافين في" سكيت" زائدتان ، فحذفوهما فبقي
سكت فصغر : " سكيت" فاعلمه.
هذا باب ما يحقر
لدنوه من الشيء وليس مثله
ذكر سيبويه في
هذا الباب تصغير العرب فعل التعجب. والعلة في ذلك أن فعل التعجب قد خولف به عن
مذهب الأفعال ، وصححوه كما صححوا هو أفعل منك ، وهما يتساويان في معنى التفضيل وفي
بناء وزن الفعل وتصحيحه حيث قلنا : " ما أقوم زيدا" كما قالوا : "
هو أقوم منك" وهم يقولون في غير هذا أقام يقيم.
ووجه ثان أنّ
قولهم : " ما أميلح زيدا" إنما يريدون لطف صاحب الملاحة ونقصانه عما هو
أفضل منه وذلك لا يتبين إلا في لفظ" أملح" ؛ لأنهم لو صغروا زيدا جاز أن
يكون محقرا في غير الملاحة ، فجعلوه في لفظ" أملح" وصار بمنزلة قولك زيد
مليح.
قال : "
ولا تصغر علامات الإضمار".
والعلة في ذلك
أنّه يجري مجرى الحروف ، ولا تحقر الحروف ، وأيضا فإن الضمائر على حرف أو حرفين ،
وأيضا فليست أسماء ثابتة للشيء الذي أضمر.
فإن قال قائل :
فقد حقروا المبهمات وهي مبنيات تجري مجرى الحروف وفيها ما هو على حرفين؟.
فالجواب : أن
المبهم قد يجوز أن يبتدأ به كقولك : هذا زيد وما أشبهه ، وليس فيه شيء يتصل بالفعل
، ولا يجوز فصله كالكاف في" ضربتك" والتاء في" قمت" فأشبه
المبهم الظاهر لقيامه بنفسه.
واعلم أن اليوم
والشهر والسنة والليلة ، أشياء وضعن لمقادير من الزمان في أول الوضع وتصغيرهن على
وجهين :
أحدهما : أنك
إذا صغّرت اليوم فقد يكون التصغير له نقصانا عما هو أطول منه
لأنه قد يكون يوم طويل ويوم قصير ، وكذلك الليلة والساعة.
والوجه الآخر :
أنّه قد يقل انتفاع المصغر لشيء في يوم أو ليلة أو شهر أو ساعة فيحقر من أجل
انتفاعه.
وأما"
أمس" و" غد" فهما لمّا كانا متعلقين باليوم الذي أنت فيه ، صارا
بمنزلة الضمير لاحتياجهما إلى حضور اليوم كما أنّ الضمير محتاج إلى ذكر يجري
للمضمر أو يكون المضمر المتكلم أو المخاطب.
وقال بعض
النحويين : أما" غد" فإنه لا يصغر ؛ لأنه لم يوجد بعد فيستحق التصغير.
وأما أمس فما
كان فيه من التصغير فقد عرفه المتكلم والمخاطب قبل أن يصغّر" أمس" فإذا
ذكروا" أمس" فإنما يذكرونه على ما عرفوه في حال وجوده ، بما يستحقه من
التصغير فلا وجه لتصغيره.
وذكر سيبويه أن
أسماء الشهور والأيام لا تصغر. والعلة فيها : أنّها أسماء أعلام تتكرر على هذه
الأيام فلم تتمكن وهي معارف كتمكن" زيد" و" عمرو" ؛ لأن اسم
العلم إنّما وضع للشيء على أنّه لا شريك له فيه ، وهذه الأسماء وضعت على الأسبوع
وعلى الشهور ليعلم أنّه اليوم الأول من الأسبوع أو الثاني ، أو الشهر الأول من
السنة أو الثاني. وكان الكوفيون يرون تصغيرها.
وحكى المازني
عن الجرمي أنّه كان يرى تصغير ذلك
وكان ابن كيسان
يختار مذهب سيبويه للعلة التي ذكرت لك فاعلمه.
هذا باب تحقير كل اسم
ثانيه ياء
هذا الباب
مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب تحقير المؤنث
ذكر سيبويه في
هذا الباب أسماء ثلاثية للمؤنث ، صغروها بغير هاء ، فمنها" الناب" وهي
المسنة من الإبل يقال في تصغيرها : " نييب" وفي" الحرب""
حريب" وفي قوس : " قويس" وهي تقع على المذكر والمؤنث.
فأمّا النّاب
فإنما قالوا لها : " نييب" لأن" النّاب" من الإنسان مذكر ،
والمسنة من الإبل إنما يقال لها : ناب لطول نابها فكأنّهم جعلوها الناب من الإنسان
كما يقال للمرأة : إنما أنت بطين : إذا كبر بطنها.
وأما"
الحرب" : فهو مصدر جعل نعتا مثل" العدل" وكان الأصل هذه مقاتلة ،
أي : حاربة تحرب المال والنفس ، كما تقول : امرأة عدل على معنى : عادلة ، ثم أجريت
مجرى الاسم فأسقطوا المنعوت كما قالوا : الأبرق والأجدل.
فإن قال قائل :
لو سميت امرأة" بحجر" أو" جبل" وما أشبه ذلك من المذكر ثم
صغرته ، أدخلت هاء فقلت : " حجيرة" و" جبيلة" وإذا وصفت
المؤنث بالمذكر ثم صغرته لم تلحق الهاء؟.
قيل له :
الأسماء لا يراد بها حقائق الأشياء ، أو الشبيه بحقائق الأشياء ألا ترى
أنّا إذا سمينا
شيئا" بحجر" فليس الغرض أن نجعله حجرا وإنما أردنا إبانته كما سمينا
إبراهيم وإسماعيل وما أشبه ذلك.
وإذا وصفنا به
وأخبرنا عنه ، فإنما نريد الشيء بعينه أو التشبيه ، فصار كأن المذكر ، ثم لم يزل.
ألا ترى أنّا
إذا قلنا : امرأة عدل ، ففيها عدالة ، وإذا قلت للمرأة : " ما أنت إلا
رجل" فتقديره : ما أنت إلا مثل رجل وكذلك : أنت حجر إذا لم يكن اسما لها ،
تريد مثل حجر في الصلابة والشدة فاعلم ذلك.
هذا باب ما يحقّر على
غير بناء مكبّره والمستعمل في الكلام
هذا باب من
نوادر التصغير وشواذه ، وجميع ما وقع فيه الشذوذ من أسماء العشايا فقط.
والعلة فيه :
أنّه لما خالف معنى التصغير فيه ، معنى التصغير في غيره ، من الأيام خولف بلفظه ،
كما فعل ذلك في باب النسبة ومخالفة معناه لغيره أن تصغيره اليوم في ما ذكرنا يقع
لأحد الأمرين : إمّا لتحقير اليوم والوقت نفسه ونقصانه من غيره وإما لقلة الانتفاع
به.
وقولهم :
" مغيربان" إنما تصغير للدلالة على قرب باقي النهار من الليل ، كما أنك
إن نسبت إلى رجل اسمه" جمّة" أو" لحية" أو" رقبة"
قلت : " جمي" و" لحي" و" رقبي" ففصلوا بين لفظي
النسبة لاختلاف المعاني وكذلك في التصغير.
وأما قولهم :
أصيلال ففيه شذوذ من ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنّه
أبدل اللام من النون في" أصيلان".
و"
أصيلال" تصغير : أصلان ، و" أصلان" : جمع أصيل مثل رغيف ورغفان
و" فعلان" من أبنية الجمع الكثير الذي لا يصغر لفظه ، وإنما يرد إلى
واحده ، وكان حق أصيل إذا صغر أن يقال : أصيل على لفظ الواحد ، فصار فيه نقل
الواحد إلى الجمع وتصغير الجمع ، الذي لا يصغر مثله ، وإبدال اللام من النون.
ثم ذكر سيبويه
غدوة وسحر وضحى وتصغيرهن على ما يوجبه القياس ليريك أنّه من غير باب"
مغيربان" و" عشيان".
وأنشد للنابغة
الجعدي :
* كأنّ الغبار الذي غادرت
|
|
ضحيا دواخن
من تنضب
|
فصغر"
ضحى" على" ضحيّ" و" ضحى" مؤنثة ، وإنما حذفوا الهاء لئلا
يشبه بتصغير" ضحوة" والدواخن : جمع دخان ، والتنضب : شجر شبه الغبار
الذي غادرت قوائم فرسه بالدخان.
وأنشد لجرير :
* قال العواذل ما لجهلك بعد ما
|
|
شاب المفارق
واكتسين قتيرا؟
|
استشهد به على
قولهم : عشيانات ومغيربانات ، كأنهم جعلوا الحين أجزاء ، ثم جمعوه كما قالوا :
" مفارق الرأس".
وإنما هو"
مفرق" فجعلوا كل جزء منه" مفرقا" ثم جمعوه. والقتير : الشيب وهو
مشتق من : القتر ، وهو الغبار لأن الشعر يغبر به ، والغبرة من البياض والسواد.
وأنشد لرؤبة في
تصغير صبية على لفظها :
* صبيّة على الدخان رمكا
|
|
ما إن عدا
أصغرهم أن زكّا
|
قال المبرد :
إنّما هو" ما إن عدا أكبرهم" ؛ لأن المعنى يوجب ذلك لأنّه أراد تصغيرهم
، فإذا كان أكبرهم بلغ إلى الزكيك من المشي ، فمن دونه لا يقدر على ذلك والرّمكة :
الغبرة مثل لون النعامة.
هذا باب تحقير الأسماء المبهمة
اعلم أنّهم
خالفوا في تصغير المبهمة ، وغيروه بأن تركوا أوله على لفظه ، وزادوا في آخره ألفا
عوضا من الضم الذي هو علامة التصغير.
وقد ذكر سيبويه
العلة في تغييرها وإخراجها عن حكم التصغير في غيرها فإذا صغرت" الذي"
و" التي" قلت : " اللّذيّا" و" اللتيا" فإذا ثنيت ،
قلت : " اللذيان" و" اللتيان" وقد اختلف مذهب سيبويه والأخفش
في ذلك.
فأما سيبويه
فإنه يحذف الألف المزيدة في تصغير المبهم ولا يقدرها.
وأما الأخفش ،
فإنه يقدرها ويحذفها لاجتماع الساكنين ولا يتغير اللفظ في التثنية فإذا جمع تبين
الخلاف بينهما يقول سيبويه في جمع" الّلذيّون" و" اللّذييّن"
بضم الياء وكسرها وعلى مذهب الأخفش ـ الّلذيّون واللّذيّين بفتح الياء على مذهبه ـ
يكون اللفظ في الجمع
__________________
كلفظ التثنية ؛ لأنه يحذف الألف التي في" اللذيا" لسكونها وسكون
ياء الجميع فيصير مثل : المصطفين والأعلين وفي مذهب سيبويه أنّه لا يقدرها ويدخل
علامة الجمع ، على الياء من غير تقدير حرف بين الياء وبين علامة الجمع وإلى مذهب
الأخفش يذهب المبرد.
والحجة لسيبويه
أن هذه الألف تعاقب ما يزاد بعدها فتسقط من أجل هذه المعاقبة ومثل هذا معاقبة ألف
الندبة التنوين في قولك : واغلام زيداه فتحذف التنوين من زيد كأنه لم يكن قط منه
ولو حذفته لاجتماع الساكنين لجاز أن تقول : واغلام زيدناه ولهذا نظائر كثيرة.
هذا باب تحقير ما
كسّر عليه الواحد للجمع
جميع ما في هذا
الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب ما كسّر على
غير واحده المستعمل في الكلام
هذا الباب في
ردّ الجمع فيه إلى الواحد من التصغير بمنزلة الجموع التي ليست بأدنى الجمع إذا
رددناه إلى الواحد. غير أن هذا الباب ، الجموع فيه شاذة وفي غيره مطردة.
وليست الجموع
في هذا الباب ـ وإن كانت شاذة ـ كالجمع الذي يجري مجرى الواحد كقولنا : راكب وركب
و" مسافر" و" سفر" لأن هذا اسم واحد يسمى به الجمع ، فجرى
مجرى أسماء الجنس كقولنا : " حامل" و" باقر".
وأما ظروف
وسمحاء وشعراء وجلوس وقعود فتقع أبنيتها جموعا مكسرة مطردة في غير هذه الآحاد
كقولنا : فلس وفلوس وكريم وكرماء فاعلمه.
هذا باب تحقير ما لم
يكسّر عليه الواحد
وهو ما كان اسما
للجمع
ذكر سيبويه أن
ما كان آخره الألف والنون الزائدتان وكسر على بناء : " مفاعيل" صغر
بالياء كقولك : " سرحان" و" سريحين" والجمع سراحين قال : وإذا
حقرت أفعالا اسم رجل قلت : أفيعال.
وكذلك تحقيره
قبل أن يسمى به كقولك أجيمال وأحيجار فإن اعترض معترض فقال : يجب أن يصغر
على" أفيعيل" لأن جمعه على" أفاعيل" كما يعتبر سريحين سراحين.
قيل له : إنما
اعتبرنا الجمع في ما كان فيه ألف ونون. لأن النون قد تكون للإلحاق بمنزلة حرف من
حروف الأصل فتجرى مجرى الأصل ، فإذا قيل : سرحان وسراحين علم أن النون فيه قد جعلت
كالحاء في : سرداح ، وإذا كان لا ينقلب في الجمع فلم يجعل ملحقا بشيء كعطشان
وعثمان.
وأما أفعال وإن
كان قد يجمع على أفاعيل فلا يقال فيه" أفيعيل" لأن" أفعالا"
لا يقع إلا جمعا فكرهوا إبطال علامة الجمع فاعلمه.
وأنشد سيبويه :
* قد شربت إلّا دهيدهينا
|
|
قليصات
وأبيكرينا
|
قال :
والدّهداه : حاشية الإبل ورذالها فكأنه حقّر دهاده ، فرده إلى الواحد وهو دهداه ،
وأدخل الياء والنون كما تدخل في أرضين.
وأما"
أبيكرين" فالواحد منها" بكر" ، ثم جمعه على" أبكر" ثم
جمع أبكر فصار" أباكر" فلما صغر" أباكر" رده إلى الجمع الذي
أقامه مقام الواحد ، فجمعه ثم صغّره وكان القياس أن يقول : " أبيكرات"
فجعل مكان الألف والتاء والياء والنون كما فعل" بدهيدهين" ، فاعلمه.
هذا باب حروف الإضافة
إلى المحلوف به وسقوطها
ذكر في هذا
الباب أنّ العرب قد تحذف حرف القسم من اسم الله عز وجل ، وقوّى ذلك بقول العرب : «لاه
أبوك». وأصله لله أبوك ، فحذف لام الجر ولام التعريف ، وقد ذكرت هذا في ما تقدم من
الكتاب ، وبيّنت اختلاف سيبويه والمبرد فيه.
قال سيبويه :
قال بعض العرب : لهى أبوك فبناه على الفتح وهو مقلوب من لاه أبوك وهذا مما يحتج به
على المبرد ، لأنّه يزعم أنّ اللام في لاه لام الجر.
والمحذوف عنده
لام التعريف واللام الأصلية. فيقال له :
إذا كانت اللام
للجر فهلّا كسروها في لهى أبوك؟. وحجته : أنّهم لما قلبوا. كرهوا إحداث تغيير آخر
مع الحذف الكثير ـ الذي في لأه ـ والقلب ، وإنما بنى لهى لأنه حذف منه لام الجر
ولام التعريف ، ثم قلب فاختاروا له لفظا واحدا من أخف ما يستعمل حتى يكون على
ثلاثة أحرف أوسطها ساكن وأخرها مفتوح.
ومما يقال في
ذلك : إنّهم لما قلبوا ـ وصغروا ـ وضعوا الهاء موضع الألف
وسكنوها كما
كانت الألف ساكنة ، ثم قلبوا الألف لاجتماع الساكنين ؛ لأنهم لو تركوها ألفا
وقبلها الهاء ساكنة ، لم يمكن النطق بها ، فردوها إلى الياء وهي أخف من الواو ، ثم
فتحوها لاجتماع الساكنين كما فتحوا آخر أين.
وأنشد سيبويه
لأمية بن أبي عائذ :
* لله يبقى على الأيّام ذو حيد
|
|
بمشمخر به
الظّيان والآس
|
استشهد به على
أن في اللام معنى التعجب.
فعلى هذا لا
يجوز حذف اللام لئلا يذهب المعنى. ويروى : حيد بفتح الحاء
__________________
وقد تقدم القول
فيه.
والمشمخر :
الجبل الشامخ. والظيان : ياسمين البر. تقول لا يبقى على الأيام حي ولا الوعل
المقيم بالشامخ من الجبال.
ومعنى قوله :
الظيان والآس أي فيه ما يتعدى به.
وأنشد في حذف
حرف الجر من المقسم به ونصبه :
* ألا ربّ من قلبى له الله ناصح
|
|
ومن قلبه لى
في الظّباء السّوانح
|
فنصب لما أسقط
حرف القسم ؛ لأنه عدى الفعل المضمر.
والسوانح : جمع
سانح ، وهو ما أخذ عن ميامن الرامى فلم يمكنه رميه ، وهو مما يتشاءم به ولذلك ضربه
مثلا هنا ، وقد يكون السانح أيضا لما يتيمّن به.
وأنشد مقويا
لحذف حرف القسم من اسم الله جل وعز :
* وجدّاء ما يرجى بها ذو قرابة
|
|
لعطف وما
يخشى السّماة ربيبها
|
أراد : ورب
جداء.
والواو عند
المبرد بدل من رب وقد تقدم القول في هذا.
والجدّاء :
الفلاة التي لا ماء فيها. والسّماة : الصائدون نصف النهار.
وربيبها :
وحشها.
هذا باب ما يكون فيه
ما قبل المحلوف عوضا من اللّفظ بالواو
وذلك قولك : إي
ها الله ذا.
اختلفوا في
معنى الكلمة : فقال الخليل : ذا هو المحلوف عليه كأنه قال : إي والله للأمر هذا ـ كما
تقول : إي والله لزيد قائم ـ وحذف الأمر لكثرة استعمالهم هذا في كلامهم وقدم ها
كما قدم قوم ها هوذا أو هأناذا.
قال زهير :
* تعلّمن ها لعمر الله ـ ذا قسما
|
|
فاقصد بذرعك
وانظر أين تنسلك
|
أراد : تعلمن
هذا قسما. ومعنى تعلمن : اعلمن.
__________________
وقال الأخفش :
قولهم : ذا ، ليس هو المحلوف عليه ، إنما هو المحلوف به ،
وهو من جملة
القسم ، والدليل على ذلك أنّهم قد يأتون بعده بجواب قسم ، والجواب هو المحلوف عليه
فيقولون : «إي ها الله ذا لقد كان كذا وكذا» كأنهم قالوا : إي والله هذا المقسم
به.
فيقال له
وللمحتج عنه : فما وجه دخول ذا المقسم به ، وقد جعل القسم بقوله والله وهو المقسم
به؟. فيقول : ذا المقسم به عبارة عن قوله والله وتفسيرا له.
وكان المبرد
يرجح قول الأخفش ، ويجيز قول الخليل.
ومن العوض
قولهم : " أفأ لله لتفعلن"؟ بقطع ألف الوصل في اسم الله ، وقبل الفاء
ألف الاستفهام. والفاء للعطف ، وقطع ألف الوصل في اسم الله عز وجل عوض من الواو ،
ولو جاء بالواو ، سقطت ألف الوصل وقال : " أفو الله"؟
وإنما يكون هذا
إذا قال قائل لآخر : أفعلت كذا؟
فقال له : نعم
، فقال السائل : أفأ الله لقد كان ذلك؟
فالألف
للاستفهام والفاء للعطف ، وقطع ألف الوصل للعوض.
ومن العوض
قولهم : الله لتفعلن ، صارت ألف الاستفهام بدلا هاهنا بمنزلة ها ، فلا تقول : أو
الله كما لا تقول ها والله. فاعلم ذلك.
هذا باب ما عمل بعضه
في بعض وفيه معنى القسم
وذكر في هذا
الباب قول العرب : " أيم الله" ، و" أيمن الله".
وحكى عن يونس
أن ألفها موصولة ، وحكاه يونس عن العرب.
وأنشد :
* وقال فريق القوم لّما نشدتهم
|
|
نعم وفريق :
ليمن الله ما ندري
|
فحذف ألف"
أيمن" في الوصل.
ويقال :
إن" أيمن" لم يوجد مضافا إلا إلى اسم الله وإلى الكعبة.
ومعناه : اليمن
والبركة. وفي النحويين من يقول : إنّه جمع يمين ، وألفه قطع في الأصل ، وإنما حذف
تخفيفا لكثرة الاستعمال.
وكان الزجاج
يذهب إلى هذا ، وهو مذهب الكوفيين فاعلمه.
__________________
هذا باب ما يذهب
التّنوين فيه من الأسماء
لغير إضافة ولا ألف
ولام
وذلك قولك :
هذا زيد بن عمرو وما أشبهه.
اختلفوا في
السبب الذي حسّن حذف التنوين في هذا.
فكان سيبويه
يذهب إلى أن السبب فيه كثرته في الكلام واجتماع الساكنين.
وكان يونس يذهب
إلى أن العلة اجتماع الساكنين ولم يذكر غير ذلك.
وكان أبو عمرو
يذهب إلى كثرته في الكلام ، فيجوز على مذهبه : هذه هند بنت عبد الله ، في من صرف
هندا فيحذف لكثرته في كلامهم لاجتماع الساكنين كما حذفوا : لا" أدر" ،
و" لم أبل" وأشباه ذلك كثيرة.
ومما يجري مجرى
العلم في حذف التنوين ، قولهم : هذا فلان بن فلان ، ومثله : " طامر بن
طامر" ، " وضلّ بن ضلّ" لأنها جعلت أعلاما للأناسي ، وغيرهم وهي
معارف وإن كانت كنايات. لأن : " فلان بن فلان" كناية عن العلم الذي لم
يذكر ، و" طامر بن طامر" : كناية عن البرغوث ، سمى بذلك لوثوبه.
و" ضلّ بن
ضلّ" يعبر به عمن لا يعرف.
وهذه الكنايات
، وإن كان يدخل فيها كل من كان بهذه الصفة ، فهي كالأسماء
الأعلام
للأجناس ، و" كأم عامر" : للضبع و" أبي الحارث" : للأسد وما
أشبه ذلك.
وأنشد في ما
نون ضرورة :
* هي ابنتكم وأختكم زعمتم
|
|
لثعلبة بن
نوفل ابن جسر
|
فنون «نوفلا».
وأنشد للأخطل :
* جاريه من قيس ابن ثعلبه
فنون «قيسا»
وبعده :
كأنّها حليه سيف مذهبّه
وبين سيبويه أن
الكنية تجري مجرى الاسم العلم.
__________________
وأنشد للفرزدق
:
* ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها
|
|
حتّى أتيت
أبا عمرو بن عمّار
|
يريد : أبا
عمرو بن العلاء.
يقول : لم أزل
خابرا للعمل أطويه وأنشد ، حتى لقيت أبا عمرو فسقط علمي عند علمه.
وأنشد :
* فلم أجبن ولم أنكل ولكن
|
|
يممت بها أبا
صخر بن عمرو
|
يقال : يممت
وأممت بمعنى قصدت. ومعنى أنكل : أرجع منهزما.
هذا باب يحرّك فيه
التّنوين في الأسماء الغالبة
وذلك قولك :
هذا زيد ابن أخيك .. وهذا زيد الطويل وشبهه.
جميع هذا الباب
مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب النّون
الثقيلة والخفيفة
ذكر في هذا
الباب أن العرب تقول : أقسمت لمّا تفعلنّ واحتج لدخول النون بأن فيه معنى الطلب ،
فصار كالأمر والنهى وكأنه قال : لا تفعلنّ.
وبين أن النون
لا تدخل في الجواب إلا أن يقسم عليه.
ثم ذكر أنّهم
قد أدخلوها في أفعال مستقبلة في الخبر ، من أجل دخول ما قبلها توكيدا ، فمن ذلك
قولهم : " بجهد ما تبلغنّ" وفي مثل من أمثال العرب :
فى عضه ما
ينبتنّ شكيرها وفي مثل آخر : بألم ما تختننّه.
وقالوا : بعين
ما أرينّك ، فشبهوا دخولها في هذه الأشياء بدخولها في الجزاء.
ـ وجعلوا قولهم
: بجهد ما تبلغنّ لما كان لا يبلغ إلا بجهد كأنه غير واجب إذ لا يناله إلا بمشقة.
ـ وقولهم : في
عضة ما ينبتنّ شكيرها يضرب مثلا لما كان له أصل وأمارة تدل على كون شيء آخر.
وقولهم : بعين
ما أرينّك ، كأنه يقول : أتحقق الذي أراه فيك ، ولا أشك فيه ، فهو توكيد ،
__________________
ودخلت ما لأجل التوكيد في هذه الأشياء فشبهت باللام ، وقد تدخل في الضرورة
وليس معها لام.
قال الشاعر وهو
جذيمة الأبرش :
* ربّما أوفيت في علم
|
|
ترفعن ثوبى
شمالات
|
وإنما يحسن هذا
لأن ما قد زيدت في ربّ ترفعن من جملتها.
ومعنى أوفيت :
أشرفت. والعلم : الجبل.
وأنشد سيبويه ـ
في دخول النون الثقيلة والخفيفة ـ للأعشى :
* وإيّاك والميتات لا تقربنّها
|
|
ولا تعبد
الشّيطان والله فاعبدا
|
أراد : فاعبدن
فعوض من النون في الوقف.
وأنشد أيضا
للأعشى :
* أبا ثابت لا تعلقنك رماحنا
|
|
أبا ثابت
واقعد وعرضك سالم
|
فتوعده في
البيت بالحرب والهجاء
وأنشد لبيد :
* فلتصلقنّ بني ضبينه صلقة
|
|
تلصقنهم
بخوالف الأطناب
|
معنى"
لتصلقنّ" : لتصدمنّ ولتصرفنّ ، يعني : الخليل ، وخوالف الإطناب : أواخرها.
وأنشد لليلى
الأخيلية :
* تساور سوّارا إلى المجد والعلا
|
|
وفي ذمّتي
لئن فعلت ليفعلا
|
__________________
أراد : "
ليفعلن". ومعنى تساور : تسامى وتعارض ، وأصل السوارة : المواثبة.
وأنشد :
* فمن يك لم يثأر بأعراض قومه
|
|
فإنّي وربّ
الراقصات لأثأرا
|
أراد : "
لأثأرنّ" ، فوقف على الألف. والراقصات : الإبل سميت بذلك لأنها ترقص في مشيها
، وإنما قال : ورب الراقصات تعظيما لها ، ولأنهم يحجون عليها.
وأنشد :
* فأقبل على رهطي ورهطك نبتحث
|
|
مساعينا حتّى
ترى كيف نفعلا
|
أراد : "
تفعلن" ومعنى نبتحث : نستخرج ونبين.
دعاه إلى
المفاخرة ليتبين الشريف من الوضيع.
وأنشد :
* هل تحلفن يا نعم لا تدينها
أراد : يا
نعمان فرخم. ومعنى تدينها : تجازيها.
وأنشد في ما
جاء في الواجب شاذّا :
* نبتّم نبات الخيزراني في الثّرى
|
|
حديثا متى ما
يأتك الخير ينفع
|
أراد : "
ينفعن" وهو جواب الشرط ، والخيزراني : كل غصن ناعم ، كأنه يصف قوما ثابت لهم
نعمة بعد بؤس ، فظهر أثرها عليهم فضرب لهم هذا مثلا.
وأنشد ابن
الخرع :
* فمهما تشأ منه فزارة تعطكم
|
|
ومهما تشأ
منه فزارة تمنعا
|
أراد : "
تمنعن".
وأنشد :
* يحسبه الجاهل ما لم يعلما
|
|
شيخا على
كرسيّه معمّما
|
أراد : "
يعلمن".
__________________
يصف جبلا قد
أحاط به الماء. وهذا كقول امرئ القيس :
كأنّ أبان في
أفانين ودقه
|
|
كبير أناس في
بجاد مزمّل
|
وقول سيبويه :
" إنما تجيء ما لتسهل الفعل".
إنما يريد بذلك
: الفرق بين" ربما" و" كثر ما" ، وبين لام القسم ؛ لأن لام
القسم
تلزم فيه النون
، وربما لا تلزم بعدها النون.
ومعنى قوله : «واللّام ليست مع
المقسم به كحرف واحد» إلى آخر الباب.
يعني : أن لام
القسم ليست كما في" ربما" لأن" ما" و" رب" شيء واحد
، ولا ك" ما" في بألم ما تختننه ؛ لأن" ما" بعد"
ألم" زائدة لغو ، واللام لازمة للفعل ومنفصلة من المقسم به ، فاعرفه.
هذا باب أحوال الحروف
التي قبل النّون الخفيفة والثّقيلة
اعلم أنّهم
إنما فتحوا آخر الفعل المجزوم مع النون ؛ لأن النون الخفيفة ساكنة ، وأول النون
الثقيلة ساكنة فاجتمع ساكناه ، لام الفعل والنون الساكنة ، فكرهوا ضمها وكسرها
لئلا يلتبس بفعل المؤنث وجمع المذكر. وإنما وجب سكون اللام في حال الرفع ؛ لأنهم
لو تركوا الضمة لالتبس بفعل الجماعة ، فأبطلوا الإعراب في الرفع كما أبطلوه في
الجزم ، ثم فتحوا لاجتماع الساكنين.
وأنشد ـ لحذف
نون الاثنين ونون الجميع إذا دخلت النون الثقيلة أو الخفيفة
ـ لعمرو بن
معدي كرب :
* تراه كالثّغام يعلّ مسكا
|
|
يسوء
الفاليات إذا فليني
|
أراد : "
فلينني" ، فأسقط إحدى النونين.
وينبغي أن تكون
النون المحذوفة هي النون التي مع الياء ؛ لأن النون الأولى في فلينني هي ضمير
الفاعل ، والنون الثانية لغير معنى ، فلا يخلّ سقوطها بالكلام. والثغام : نبت له
نور أبيض يشبّه الشيب به. ومعنى يعل : يطيب مرة بعد مرة ، وأصل العلل : الشرب
الثاني.
هذا باب الوقف عند
النون الخفيفة
قوله في هذا
الباب : فإذا وقفت عندها وقد أذهبت علامة الإضمار إلى قوله : " كما ترد الألف
في مثنى إذا سكت"
معنى قوله :
" أذهبت علامة الإضمار"
__________________
يعني : واو
الجماعة في اضربن وياء التأنيث في اضربنّ.
قوله : "
التي تذهب إذا كان بعدها ألف خفيفة ، أو ألف ولام.
يعني بالألف
الخفيفة : ألف الوصل في مثل : " ابن" و" اسم" تقول : "
اضربي ابنك" و" اضربوا ابن زيد" وفي الألف واللام : اضربوا الرجل
فتذهب الواو والياء ، فإذا وقفت عليهما عادتا.
وإذا قلت : هذا
مثنى يا هذا ، ثم وقفت ، قلت : مثنى ، فجئت بالألف ، وهي عند سيبويه الألف التي
كانت في أصل مثنى.
وعند غيره :
الألف التي تعوض من التنوين. وجواز الإمالة فيها يدل على صحة مذهب سيبويه فاعلم
ذلك.
هذا باب النّون
الثّقيلة والخفيفة في فعل
الاثنين وجماعة
النّساء
اختلف النحويون
في إدخال النون الخفيفة على التثنية وجمع المؤنث ، فكان الخليل وسيبويه لا يريان
ذلك.
وكان يونس وناس
من النحويين يرون ذلك وهو قول الكوفيين.
والذي احتج به
سيبويه ، أنّه لا يجتمع ساكنان إلا أن يكون الأول من حروف المد واللين ، والثاني
مدغم في مثله كقولك : " دابة" ، " تمودّ" الثوب وما أشبه ذلك.
فلم يجز إدخال
النون الخفيفة ، ولسنا بمضطرين إليها على ضرورة تخرج بها من كلام العرب.
فإن قال قائل :
فقد يلحقها ما يجب إدغامها فيه ، فأجيزوا دخولها كقولك :
" اضربان
نّعمان" و" اضرباني".
قيل له : هذا
لا يجوز على مذهب سيبويه وأصحابه لأنا لو أجزنا هذا في :
" اضربان
نعمان" لوجب إجازته في غيره من الأسماء التي لا نون في أولها ، ويكون الحكم
فيها واحدا ، ألا ترى أنا نقول : هذان عبد الله فتسقط ألف التثنية للساكن الذي
بعدها.
ولو قال قائل :
قولوا عبد الله ، فأثبتوا الألف لأن بعدها لاما مشددة ، لقلنا له : فلا يجوز أن
تقول : عبد الواحد و" عبد الكريم" ؛ لأنه لا يقع بعدها لام مشددة ، فلا
تثبت الألف فحمل الباب على طريق واحد. وكذلك جعل : " اضربا نعمان" كقولك
: " اضربا سعدان" وما أشبه ذلك.
ومذهب سيبويه
أن النون الخفيفة ليست بمخففة من الثقيلة ، ولو كانت كذلك لكانت بمنزلة نون"
لكن" وأن المخففتين من" لكن" ، و" أن" فكانت لا تتغير في
الوقف. وأيضا فإن
النون الخفيفة إذا لقيتها ألف وصل سقطت ، ونون" لكن" و"
أن" لا تسقط ، فعلم أنّها غير مخففة من الثقيلة.
قال الخليل :
إذا أردت النّون الخفيفة في فعل الاثنين كان بمنزلة إذا لم ترد الخفيفة.
فإن اعترض
معترض فقال : كيف يجوز أن تريد النون الخفيفة ، وأنت لا تجيز دخولها بوجه على فعل
الاثنين؟
فالجواب في ذلك
: أن رجلا يكون من عادته إدخال النون في فعل الواحد والجماعة ، ولضرب ما ينويه من
التوكيد إذا أمر ، فإذا عرض له أمر الاثنين ، فأراد التوكيد ، لم يجاوز لفظ
الاثنين بلا توكيد وإن أراد التوكيد الذي جرت به عادته.
ثم احتج سيبويه
في إبطال : " اضربان نعمان". بأن قال : " لو جاز هذا" لجاز أن
يقول : " جيئوني" و" جيئوا نعمان" إذا أردت النون الخفيفة.
وذلك أنا ندخل النون الخفيفة على جيئوا فتقول : " جيئن يا قوم". فتحذف
الواو التي في جيئوا لاجتماع الساكنين ، فإذا وصلنا نون المتكلم ونون نعمان اندغمت
فيه النون الخفيفة ولا ترد الواو وإن كان بعدها نون مشددة ؛ لأنها قد سقطت لاجتماع
الساكنين ، والتشديد غير لازم.
قال : "
وأما يونس ومن ذهب مذهبه فيقول : اضربان واضربنان ، وهذا لم تقله العرب ويقولون في
الوقف : اضربا واضربنا فيمدون ، وهو قياس قولهم لأنها تصير ألفا ، فإذا اجتمعت
ألفان مد الحرف".
وكان المازني
والمبرد يفسران مذهب يونس كما فسره سيبويه.
وكان الزجاج
ينكر هذا ويقول : لو مددت الألف الواحدة طال مدها ما زادت على الألف ؛ لأن الألف
حرف لا يكرر ولا يؤتى بعدها بمثلها.
والذي قاله
سيبويه ليس بمنكر لأنه يقدر أن ذلك المد الذي زاد بعد النطق بالألف الأولى يرام به
ألف أخرى وإن لم ينكشف في اللفظ كل الانكشاف.
ثم قال سيبويه
على قياس قولهم : فإذا لقي هذه النون ألف ولام ، أو ألف موصولة جعلوها همزة مخففة
وفتحوها. ثم رد عليهم فقال : " إنما القياس أن يقولوا : اضربا الرّجل كما
يكون بغير النّون الخفيفة".
يعني أنّهم إذا
قالوا : " اضربان" ، فقد جعلوها بمنزلة : " اضربن زيدا"
فينبغي لهم أن يحذفوها إذا لقيها الذي وصل كما يحذفون النون في" أضربن"
إذا لقيتها ألف وصل. فإذا حذفوها ، حذفوا الألف التي قبلها أيضا لاجتماع الساكنين
فيبقى كلفظ الاثنين إذا لم يكن فيها نون كقولك : " اضربا الرجل". فاعرفه
إن شاء الله.
هذا باب ثبات الخفيفة
والثقيلة في بنات الواو والياء
أنشد في هذا
الباب :
* استقدر الله خيرا وارضينّ به
|
|
فبينما العسر
إذ جاءت مياسير
|
فصحت الياء في
ارضين لانفتاحها وسكون ما بعدها كما تصح في قولك : رميا وما أشبه ذلك.
ومعنى استقدر
الله : سله أن يقدر لك ، ويقال : قدر وقدر بمعنى واحد. والباب مفهوم من كلام
سيبويه إن شاء الله.
هذا باب ما لا يجوز
فيه النّون الخفيفة ولا الثّقيلة
ذكر في هذا
الباب : " هلمّ" وزعم أن أصلها : " ها أمّ" وها للتنبيه. وقال
غيره أصلها هل زادوا عليها" أم" التي في معنى اقصد ، وحذفوا الهمزة لما
جعلوها كشيء واحد ، والقوا حركة الهمزة من" أم" على اللام فضموها.
وهذا قول قريب.
وقد دخلت"
لا" على" هل" فجعل في معنى التحضيض في قولهم : " هلا فعلت
كذا" و" هلم" أمر مثل التحضيض.
وجميع ما في
الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب مضاعف الفعل
هذا الباب
مفهوم من لفظ سيبويه :
وذكر في الباب
الذي بعده ، أن الفعل المضاعف إذا وقعت بعده الألف واللام ، كسر آخره في الموضع
الذي يكسر فيه أكثر كلام العرب قبل دخولهما ، وهو قولهم : رد الرجل و" غض
الطرف" وما أشبه ذلك.
وإنما كسروا ؛
لأن الأصل في غض الطرف اغضض الطرف بكسر الضاد لالتقاء الساكنين كما تكسر"
اضرب الرّجل" و" اضرب ابنك" ولا خلاف في هذا فكأنهم إذا لقي
المجزوم ألف ولام أو ألف خفيفة اتفقوا على لغة أهل الحجاز.
وإنما سمى
سيبويه ألف الوصل التي لا لام معها : الألف الخفيفة لأنها تسقط في حال وتثبت في
حال ، فيكون سقوطها في حال خفة لها.
وشبه كسر من
كسر" ردّ الرجل" ، و" غض الطرف" على الأصل بقولهم : " مذ
اليوم" ،
__________________
و" ذهبتم اليوم" ؛ لأن" مذ" مخففة من" منذ"
، و" ذهبتم" مخففة من" ذهبتموا" ، فإذا احتيج إلى تحريك ذلك
حركوه بالحركة التي يوجبها الأصل.
وذكر سيبويه أن
الشعراء إذا اضطروا إلى إظهار المدغم وإخراجه عن الأصل فعلوا ذلك.
وأنشد لقعنب
ابن أم صاحب :
* مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقى
|
|
أنّي أجود
لأقوام وإن ضننوا
|
وقد تقدم في
صدر الكتاب.
وأنشد للعجاج :
* يشكو الوجى
|
|
من أظلل
وأظلل
|
أراد :
من" أظل" ، فأظهر التضعيف ضرورة.
والوجى :
الحفا. والأظل : باطن خف البعير.
وسائر الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب المقصور
والممدود
قد يسمى
المقصور منقوصا أيضا. فأما قصره فهو حبسه عن الهمزة بعده ، وأما نقصانه ، فنقصان
الهمزة منه.
وقد قسم سيبويه
المقصور والممدود ، وبين وجوههما فأغنى ذلك عن أن أفسرهما.
ومما ذكر من
المقصور : " الغوى" ، وهو من غوى الصبي إذا شرب اللبن حتى تخثر نفسه.
قال : "
وقد قالوا : غرى يغري" غرى" فهو غر ، والغراء شاذّ ممدود كما قالوا :
الظماء".
وقد اختلف فيه
أهل اللغة ، فأما الأصمعي فكان يقول : غرى مقصور ، وكان الفراء يقول : "
غراء" ممدود.
وبعض النحويين
يقول : إن" غرى" هو المصدر ، و" الغراء" الاسم ، وكذلك يقول
في" الظّماء".
وقال بعضهم :
إنّه حمل على ما جاء من المصادر على فعال كقولك : " ذهبت ذهابا بدا
بدا". وهو على كل حال شاذ كما ذكره سيبويه.
قال : وقالوا
ندى وأندية وهو شاذ في ما ذكره.
وقال الشاعر :
* في ليلة من جمادى ذات أندية
|
|
لا يبصر
الكلب من ظلمائها الطّنبا
|
وفي هذا البيت
ثلاثة أوجه :
منهم من يقول :
" أندية" جمع : ندى وهو المجلس الذي يجتمعون فيه يتواصوا على إطعام
الفقراء منهم.
ومنهم من يقول
: إنّه جمع ندى على" نداء" ، كما قالوا : جمل وجمال ، ثم جمع فعالا على
أفعلة.
ومنهم من قال :
إنّه شاذ ، وهو مذهب سيبويه.
هذا باب الهمز
للهمزة أحكام تكلم
عنها سيبويه. وفي كلامه غموض وإشكال ، وأنا أقدم جملة موجزة في تخفيف الهمز والبدل
على مذهبه توطئ كلامه إن شاء الله.
اعلم أن الهمزة
إذا وقعت أولى ولا كلام قبلها فهي محققة لا غير بأي حركة تحركت ، وإذا وقعت غير
أولى فلا تعدو ثلاثة أوجه :
ـ فإن كانت
ساكنة وقبلها متحرك وخففتها ، فإنك تقلبها على الحرف الذي منه حركة ما قبلها ، وإن
كان ما قبلها مفتوحا قلبتها ألفا كقولك : في رأس : راس ، وفي قرأت : "
قرات".
وإن كان مكسورا
، قلبتها ياء كقولك في ذئب : " ذيب" وفي جئت : " جيت".
وإن كان مضموما
قلبتها واوا كقولك في جؤنة : " جونة" ، وفي سؤت : " سوت".
وإن كانت
متحركة وقبلها ساكن ، فهي تنقسم قسمين : فإن كان الساكن قبلها من حروف المد واللين
، فإنك تقلبها على ما قبلها وتدغم ما قبلها فيها.
فإن كان ما
قبلها ياء قلبتها ياء كقولك في خطيئة : " خطية".
وإن كان واوا ،
قلبتها واوا كقولك في أزد شنوءة : " أزد شنوة"
وإن كان ما
قبلها ألفا جعلتها بين بين ، ولم تقلبها ألفا كما قلبتها واوا وياء ، لأنه لا
تجتمع ألفان ولأن الألف لا تدغم في الألف كقولك : واوا وياء ؛ لأنه لا تجتمع ألفان
ولأن الألف لا تدغم في الألف كقولك : سأل : سال ، في التساؤل : "
التساول" ، وفي قبائل" قبايل".
ومعنى"
بين بين" : أن تجعلها بين مخرج الهمزة ومخرج الحرف الذي منه حركة الهمزة.
فإذا كانت
مفتوحة جعلتها متوسطة في إخراجها بين الهمزة وبين الألف كقولك : " سال"
و" قرا".
وإن كانت
مضمومة جعلتها متوسطة بين الهمزة والواو كقولك : لؤم
وإن كانت
مكسورة جعلتها بين الهمزة والياء كقولك : قايل في قائل.
فهذا أحد
وجهيها إذا كانت متحركة وقبلها ساكن.
والوجه الآخر :
أن يكون السّاكن الذي قبلها من غير حرف المد واللين ، فإذا كان كذلك فحكمها والحد
فيها أن تلقى حركتها على ما قبلها وتحذف كقولنا في مسألة : مسالة
وفي مرأة : مرة ، وفي مرآة : " مراة". وكذلك" من ابوك؟
" و" من امك؟ " ، و" من ابلك؟ ".
وإذا كانت
متحركة وقبلها متحرك ، فإنك تجعلها بين بين في كل حال إلا في حالين ، وهما أن تكون
مفتوحة وقبلها كسرة أو ضمة ، فإن كانت ضمة قلبتها واوا ، وإن كانت كسرة قلبتها
ياء.
فأما حالها بين
بين فسأل ولؤم ويئس ، وسؤل ورؤس ومن ذلك : يستهزئون.
في هذا أجمع
إذا خففتها عند سيبويه جعلتها بين بين.
وأما إذا
انفتحت وقبلها كسرة فنحو : " مئر" جمع" ميرة" وهي التضريب
بين القوم
بالفساد ، يقال : " مأرت بين القوم" إذا ضربت بينهم ، فتخفيف هذا أن
تقول : " مير" ، وتخفيف" جؤن" جمع جؤنة : " جون".
فإن قال قائل :
لم قلبتها في هذه المواضع ياء محضة وواوا محضة ، وجعلتها بين بين في ما قبل؟.
فإن الجواب في
ذلك أن يقال : إن همزة بين بين إنما هي بين الهمزة والحرف الذي منه حركتها فإذا
كانت مفتوحة وقبلها ضمة أو كسرة لم يستقم أن تجعلها بين بين وتنحو بها نحو الألف ؛
لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فقلبتها واوا محضة أو ياء لذلك.
وقد كان الأخفش
يقلبها أيضا ياء إذا كان قبلها كسرة وهي مضمومة ، ولا يجعلها بين بين ، وذلك نحو :
يستهزئون إذا خففها ، قال : يستهزون. واحتج بأن همزة بين بين تشبه الساكن للتخفيف
الذي لحقها قال : وليس في الكلام كسرة بعدها واوا ساكنة ، فلذلك جعلتها ياء محضة
ولم تجعلها بين الواو والهمزة.
واعلم أن
الهمزة إذا كانت أولا : فهي لا تجعل بين بين وذلك أن الابتداء لا يقع إلا بمتحرك ،
وإذا جعلت بين بين قربت من الساكن وإن كانت متحركة في التحصيل ، ولا يبدأ إلا بما
قد تمكنت فيه حركته.
وقد قال أهل
الكوفة لهذه العلة بعينها : إنّها ساكنة. واحتج سيبويه على أنّها متحركة ـ وإن
كانت قد خففت ، وأخفى حركتها ضربا من الإخفاء ـ يقول الأعشى.
* أأن رأت رجلا أعشى أضرّ
|
|
به ريب
المنون ودهر مفسد خبل
|
" فالمنون" ساكنة وقبلها
همزة مخففة بين بين ، فعلم أنّها متحركة لاستحالة اجتماع حركتين في هذا الموضع.
قال :
وإنما" جعلت هذه الحروف بين بين ولم تجعل ألفات ولا ياءات ولا واوات ، ولأن
أصلها الهمزة ، فكرهوا أن يخففوا على غير ذلك فتتحول عن بابها".
أي : لم تقلب
ياء محضة ولا واوا محضة لئلا تخرج عن حكم الهمز في جميع وجوهها
فأبقوا فيها بقية من الهمز على ما ذكرنا.
قوله : "
وإنما منعك أن تجعل هذه السواكن بين بين أنّها حروف ميتة" إلى قوله" كما
ألزموا المفتوح الذي قبله كسرة أو ضمة البدل".
يعني : أن
الهمزة إذا كانت ساكنة وقبلها متحرك نحو : رأس وذئب ، ولؤم إذا خففتها ألفا أو ياء
أو واوا على ما وصفنا ، ولم تجعلها بين بين لأنها ساكنة وقد بلغت غاية ليس بعدها
تضعيف ؛ لأن السكون في نهاية الضعف ، ولا يجوز أن تنحو بالساكن نحو شيء آخر هو
أضعف منه كما تنحو بالمتحرك ، نحو ما هو أضعف منه وهو الساكن ، فلم يوصل إلى تضعيف
هذا الحرف الساكن بأكثر مما هو فيه.
وقوله : "
ولا تحذف".
يريد : ولا
تحذف الهمزة الساكنة إذا خففت ؛ لأنه لم يرد ما يوجب حذفها ، فلما" لم تجعل
بين بين" و" لم تحذف" ، أبدلت على حركة ما قبلها كما تبدل الهمزة
في مئر فتجعل ياء ، وفي" جؤن" فتجعل واوا ، وهذا معنى قول سيبويه ، كما
ألزموا المفتوح الذي قبله كسرة أو ضمة البدل.
وأنشد للراجز :
* عجبت من ليلاك وانتيابها
|
|
من حيث
زارتني ولم أورابها
|
والأصل :
" أؤرابها" ، أي : لم أعلم. واشتقاقه من الوراء كأنه قال : لم أشعر بها
من ورائي.
وعلى هذا مذهب
من يجعل الهمزة في وراء أصلا ، ويقول في تصغيرها : وريئة وبعضهم يجعلها منقلبة من
ياء أو واو فيقال في تصغيرها على هذا : ورية ، كما يقال في عطاء : "
عطيّ".
وقوله : "
وليس حرف أقرب إلى الهمزة من الألف" ، وهي إحدى الثلاث ، والواو والياء شبيهة
بها أيضا مع شركتهما أقرب الحروف.
يعني : أن
الألف شبيهة بالهمزة ، والواو والياء أيضا شبيهة بالهمزة مع شركة الواو الياء
لأقرب الحروف منها. يعني : من الهمزة وهي الألف.
وإنما أراد
سيبويه بهذا الذي ذكره تقريب أمر هذه الحروف الثلاثة من الهمزة لإبدالهن منها.
فإن قال قائل :
ما شبه الواو والياء بالهمزة؟
قيل له :
شبههما بالهمزة أن الواو والياء تقلبان إليها في موضع ضرورة لا يجوز إلا قلبها نحو
قولنا في جمع عجوز : " عجائز" وفي سفينة : " سفائن" ، وكقولنا
: " بائع" و" قائل" وما أشبه ذلك.
__________________
قال : "
وقد قالوا الكماة والمراة".
هذا عند سيبويه
وأصحابه غير مطرد ، وهو عند الكوفيين مطرد ، والذي قال : الكمأة ، قلب الهمزة
لإنهاجها وفتح ما قبلها لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا والوجه : "
الكمة" و" المرة" لا يكون على ما بينا.
قوله : "
وقال الذين يخففون : (أَلَّا يَسْجُدُوا
لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [النمل : ٢٥] إلى قوله : فلم يكن ليلتقي ساكن وحرف هذه قصته".
يعني أنك إذا
خففت الهمزة التي قبلها ساكن ، لم يجز أن تجعلها بين بين فتنحو بها نحو الساكن ؛
لأن ذلك كالجمع بين ساكنين.
ثم قال :
" ولم يبدلوا ؛ لأنهم كرهوا أن يدخلوها في بنات الواو والياء اللتين هما
لامان".
يعني : أنّهم
لم يقولوا : " الخبؤ" ولا" الخبئ" ، وكذلك ما كان من نحو هذا
كدفء وملء ولا يقال فيه عند سيبويه : " دفو" ولا" دفى"
ولا" ملى" ، ولكن تلقى حركة الهمزة على الحرف الذي قبلها وتحذف.
وقد أجاز
الإبدال الكوفيون ، وأبو زيد من البصريين ، فاعلمه.
قوله : "
وإنما تحتمل الهمزة أن تكون بين بين" إلى قوله : " فجاز ذلك فيها".
يعني : أن همزة
بين بين ، لا تقع بعد ساكن إلا الألف نحو قولك : في قائل" قايل" ، وإنما
كانت كذلك في الألف وحدها ؛ لأن الألف لا يمكن إلقاء الحركة عليها.
وقوله : "
ولا يبالي إن كانت الهمزة في موضع الفاء أو العين أو اللام إلى قوله إلا في موضع
لو كان فيه ساكن جاز".
يعني أن همزة
بين بين لا تقع إلا في موضع يقع فيه الساكن ؛ لأنه ينحى بها نحو الساكن.
فإن قال قائل :
قد جعلت الهمزة في قوله : " آأن رأت رجلا". بين بين ، فلا يصلح أن يكون
في موضعها ساكن لأن النون التي بعدها ساكنة فيجتمع ساكنان.
قيل له : موضع
الهمزة يجوز أن يقع فيه ساكن ، لأنه بعد حرف متحرك ، ولكن متى وقع فيه ساكن ، لم
يجز أن يأتي ساكن آخر لئلا يجتمع ساكنان ، وهمزة بين بين وإن كانت لا تقع إلا في
موضع يقع فيه الساكن.
قوله بعد أن
ذكر تخفيف" رأى" و" أرى" و" ترى" :
" غير أن
كل شيء كان في أوله زائدة سوى ألف الوصل من رأيت فقد اجتمعت العرب على تخفيفه
لكثرة استعمالهم إياه وجعلوا الهمزة تعاقب".
يعني : أن كل
شيء في أوله زائدة كألف المتكلم وسائر حروف المضارعة ، فإن العرب تلزمه التخفيف
وحذف الهمزة.
وقوله : سوى
ألف الوصل.
يريد : أنّه
إذا كان في أول الفعل ألف الوصل سكنت الراء ، فلا بد أن تأتي بالهمزة فتقول : أريافتى
، فدخول ألف الوصل قد أوجب تخفيف الهمزة ؛ لأنك إذا لم تحققها وخففتها حركت الراء
، وإذا حركت الراء بطلت ألف الوصل.
والوجه : أن لا
تدخل ألف الوصل فتقول : " ره رايك". لأن الأمر من الفعل المستقبل ، وقد
جرى الفعل المستقبل على حذف الهمزة.
وقوله : "
جعلوا الهمزة تعاقب".
أي : تعاقب هذه
الزوائد ، يعني أن العرب اجتمعت على حذف الهمزة في مستقبل" رأى" ، كأنهم
عوضوا همزة" أرى" التي للمضارعة من الهمزة التي هي عين الفعل ، وجرى
سائر حروف المضارعة على الهمزة.
قوله : "
وإذا كانت الهمزة المتحركة بعد ألف لم تحذف إلى قوله : وذلك قولك في هباءة : هباأة
، وفي المسائل : مسايل ، وجزاء أمّه : جزاؤ امّه".
وقد ذكر سيبويه
أن الهمزة إذا كانت متحركة وقبلها ساكن أن تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على ما
قبلها إذا كان في غير حروف المد واللين. ولحروف المد واللين أحكام غير ذلك ، ابتدأ
سيبويه منها بذكر الهمزة التي بعد الألف إذا خففتها. فحكموها أن تجعل بين بين ؛
لأنها لا يمكن إلقاء حركتها على الألف ، ولا أن تقلب وتدغم فيها الألف ؛ لأن الألف
لا تدغم في شيء.
وقوله : لأنك
لو حذفتها.
يعني : لو
حذفتها وفعلت بالألف ما فعلت بالسواكن من إلقاء حركة الهمزة عليها لتحولت الألف
إلى غير الألف لأن الألف لا تتحرك ، فكنت تحتاج إلى أن تجعل مكانها حرفا آخر.
وقوله : "
لو فعلوا ذلك لخرج كلام كثير من حد كلامهم ؛ لأنه ليس من كلامهم أن تثبت الواو والياء
ثانية وقبلها فتحة".
يريد أنا لو
حولنا الألف حرفا آخر ، وألقينا عليه حركة الهمزة ما كانت تحول إلا إلى ياء أو واو
؛ لأن الألف لا تنقلب إلا إليهما. ولو فعلت ذلك لوجب قلب الواو ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها ، وإنما تثبت الياء والواو إذا كانت أصلهما السكون كبيع وقول.
ولقائل أن يقول
: إن ما تحرك من الياء والواو بإلقاء حركة الهمزة عليهما لا يوجب قلبها ألفا
كقولنا في تخفيف جيئل : جيل ، وموءلة مولة فلا وجه للاحتجاج بهذا. وفى ما احتج به
قبله كفاية.
قوله : "
وأما أهل الحجاز (إذا أدخلوا ألف الاستفهام) إلى قوله : " فكرهوا التقاء
الهمزة والذي هو بين بين".
يعني : أن أهل
الحجاز يدخلون بين الهمزتين ألفا ، لئلا تلتقي همزتان ، ثم يلينون الثانية.
وبنو تميم
لينوا الثانية من غير إدخال ألف بينهما ، ومذهب أهل الحجاز في ذلك أن همزة بين بين
، في نية الهمزة فكرهوا ألا يدخلوا الألف بينهما إذا كانت همزة بين بين كالهمزة في
النية.
قوله : "
وأما خطايا ، فكأنهم قلبوا ياء أبدلت من آخر خطايا ألفا" إلى قوله :
" أو بدلا
مما هو من نفس الحرف".
اعلم أن الأصل
في" خطايا" : " خطائي" ، وذلك أن واحدها" خطيئة"
على" فعيلة" ولامها همزة ، فإذا جمعتها على" فعائل" انقلبت
ياء" فعيلة" همزة أيضا ، فصارت : " خطائى" ، ثم إنّهم أرادوا
أن يفرقوا بين ما كانت الهمزة في واحد.
و"
خطائي" لم تكن الهمزة في واحدة أعني : الهمزة التي هي بدل من الياء.
وإنما هي عارضة
في الجمع ، فواو الجمع الذي عرضت فيه الهمزة أحق بالتغيير من الجمع الذي الهمزة في
واحده ، فقالوا : " خطاءا" ، فجعلوا مكان الياء ألفا وجعلوا قلب الياء
ألفا لازما في ذلك ، وذلك أنّهم يقلبون الياء ألفا طلبا للتخفيف لأن الألف أخف من
الياء فيقولون في مدار : مداري ، فلما قلبوها ألفا في" خطاءا" اجتمعت
ألفان بينهما همزة مفتوحة ، والهمزة تشبه الألف فصارت كثلاث ألفات فقلبوا الهمزة
ياء فقالوا : " خطايا" ولم يقلبوها واوا لأن الياء أقرب إلى الألف من
الواو ، فلم يرد إبعادها عن شبه الحرفين اللذين اكتنفاها.
وكان الخليل
يقدّر على هذا التقدير ، ويقول : إن خطيئة لما جمعناها قدمنا ياء الفعل على
ياء" فعيلة" ، فوقعت لام الفعل بعد ألف الجمع ، فصار" خطاءي"
وهذه الياء بعد الهمزة هي ياء فعيلة.
وكذلك مذهبه
في" جاء". وقد أنكر ذلك عليه المبرد وادعى عليه المناقضة ، وذلك أن
الهمزة إذا كانت غير عارضة في الجمع ، لم يجب تغيير الجمع كقولك :
" جائية"
و" جواء" فقال : إذا كانت الهمزة في خطأ هي الهمزة التي كانت في الواحد
فهي غير عارضة في الجمع فينبغي أن لا تغير في الجمع.
وللخليل أن
يقول : إني فرقت بالتعبير بين ما كانت الهمزة فيه مقدمة من آخره إلى أوسطه في
الجمع ، وبين ما لم يعرض ذلك له في الجمع ولكن يجعل العلة : تقديمها عارضة في
الجمع فاعلمه.
وقال بعض
النحويين في قلب الياء في خطايا ونحوها قولا قويا ، وهو : أن الياء لو لم تقلب
ألفا لوجب إسقاطها في الوقف كما يقال : جوار وغواش ، فإذا أسقطنا الياء ، بقيت
الهمزة ساكنة في الوقف وهي خفيفة في الوقف جدا ، فاختاروا قلب الباء ألفا لذلك.
قوله : "
ألا ترى أن ناسا : يحققون الهمزة فإذا صارت بين ألفين خففوا ، وذلك قولك : كساآن ،
ورأيت كساء".
أراد بهذا أن
يدل على استثقال الهمزة الواقعة بين ألفين في" خطايا" و"
مطايا" فلذلك قلبوها ياء.
وقوله : "
ولا يبدّلون لأن الاسم قد يجري في الكلام" إلى قوله : " كالهمزة التي
تكون في كلمة واحدة".
يعني : لا
يبدلون من الهمزة في" كسا آن" ، و" رأيت كساء" ، ياء من قبل
أن" كسا آن" ، و" رأيت كساء" ، قد يفارق الألف الأخيرة فيقال
: " هذا كساء" ، فلما كانت الألف التي بعد الهمزة تفارقها لم يجب أن تبدل
من الهمزة ياء.
هذا معنى قوله
: " فلا تلزق الألف الآخرة بهمزتها"
يعني :
همزة" كسا آن" ، و" رأيت كساء" ، ثم رجع إلى"
خطايا" و" مطايا".
قال : "
فلما كان ذا من كلامهم أبدلوا مكان الهمزة التي تكون قبل الآخرة ياء.
يعني : لما كان
من كلامهم تخفيف الهمزة وجعلها بين بين في" كسا آن" و" رأيت
كساء" لسبب وقوعها بين ألفين لا تلزم الثانية منها ، جعلوا مكان الهمزة
في" خطاءا" و" مطاءا" ياء لوقوعها بين ألفين لازمين.
وأنشد سيبويه
في تخفيف الأولى من الهمزتين إذا اجتمعتا :
* كلّ غرّاء إذا ما برزت
|
|
ترهب العين
عليها والحسد
|
فحقق الأولى
وخفف الأخيرة ، وعلى هذا قراءة نافع (فَقَدْ جاءَ
أَشْراطُها) [محمد : ١٨] ، و (يا زَكَرِيَّا إِنَّا) [مريم : ٧].
قال : "
وقد يجوز في ذلك كله البدل حتى يكون قياسا إذا اضطر الشاعر"
يعني : أن كل
همزة متحركة إذا كان قبلها فتحة جاز قلبها ألفا في الشعر وإن لم يكن مسموعا في
الكلام.
وإن كانت
مضموما ما قبلها ، جاز قلبها واوا.
وإن كان مكسورا
، جاز قلبها ياء.
وأنشد للفرزدق
:
* راحت بمسلمة البغال عشيّة
|
|
فأرعي فزارة
لا هناك المرتع
|
__________________
كان الوجه أن
يقال : " لا هناءك" بين بين ، ولكن البيت لا يتزن بذلك فأبدل الألف
مكانها.
وأراد : مسلمة
بن عبد الملك ، وكان قد عزل من عمله وولي ابن هبيرة الفزازي مكانه.
وأنشد لحسان بن
ثابت :
* سالت هذيل رسول الله فاحشة
|
|
ضلّت هذيل
بما جاءت ولم تصب
|
وهذا في
التخفيف والبدل مثل البيت الأول.
وقال القرشي ،
وذكر ابن حبيب أنّه نبيه بن الحجاج السهمي :
* سالتاني الطّلاق أن رأتاني
|
|
قلّ مالي قد
جئتماني بنكر
|
وأنشد لعبد
الرحمن بن حسان :
* وكنت أذل من وتد بقاع
|
|
يشجّج رأسه
بالفهر واج
|
يريد"
واجئ" ، إلا أنّه يجوز في الكلام : هذا واجئ إذا وقفت ؛ لأن الهمزة تسكن إذا
وقفت عليها وقبلها كسرة ، فتنقلب ياء كما يقال في بئر : بير.
ومعنى يشجج :
يعلوه بالضرب ، والفهر : الحجر. والواجئ : الضارب به وهو من وجأته.
فإن قال قائل :
لم جعل سيبويه الألف في سال بدلا من الهمزة وبعض العرب يقول : سال يسال مثل : خاف
يخاف والألف منقلبة من واو ، وقد حكى هما يتساولان؟
قيل له : قد
بين سيبويه ذلك وزعم أن هذين الشاعرين من لغتهما سأل بالهمزة ، وإنما اضطرا إلى
ذلك مثل : " لا هناك المرتع"
وباقي الباب
مفهوم من كلام سيبويه إن شاء الله.
هذا باب الأسماء التي
توقع على عدّة المؤنّث والمذكّر
إنما خص سيبويه
في هذا الباب لفظ العدد من ثلاثة إلى تسعة عشر ، فلم يتجاوز ذلك ؛ لأن ما فوق
التسعة عشر لا يختلف فيه المؤنث والمذكر لأن العشرين والثلاثين والمائة والمائتين
وما فوق ذلك للمذكر والمؤنث على لفظ واحد.
وما كان مضموما
إلى شيء من ذلك من ثلاثة إلى" تسعة عشر" كقولك : ثلاثة وعشرون رجلا
و" خمس وعشرون امرأة" وما أشبه ذلك بمنزلة : من" ثلاثة" إلى
تسعة عشر ، وقد تقدم القول في هذا والحجة عليه من باب الصفة المشبهة باسم الفاعل.
واحتج سيبويه
لتغييرهم العشرة بقولهم :
" خمسة
عشر" و" خمس عشرة" باب قال : " وقد يكون اللفظ له بناء في حال
، فإذا انتقل
__________________
عن تلك الحال تغير بناؤه ، فمن ذلك تغييرهم الاسم في الإضافة ، يعني النسب
، قالوا في الأفق : أفقي ، وفي زبينة : زباني".
وكان سيبويه ،
ذهب إلى أن عشرا ليس محذوفا من عشرة وأما غيره فاحتج بأنهم كرهوا أن يثبتوا الهاء
في" العشرة" و" الثلاثة".
لأنهما قد صيرا
كاسم واحد ، فيصير كتأنيثين في اسم واحد.
فقيل له : قد
قالوا : " إحدى عشرة" فجمعوا بين تأنيثين. فذكر أن الألف من غير لفظ
الهاء وأنها تختلط بالاسم حتّى تكون كجزء من أجزائه ، ألا تراهم قالوا : صحراء
و" صحارى" فزادوا ألف التأنيث في الجمع المكسر ، ولا يقع مثل هذا في هذا
التأنيث.
وقد رد المبرد
ما قاله سيبويه ، وزعم أن الهاء في عشرة حذفت لئلا يجتمع ساكنان.
والقول ما قاله
سيبويه ، وذلك أنّهم يقولون في المؤنث" ثلاث عشرة" وفي الإفراد : عشر بغير
هاء ، ويقولون : " عشرة بكسر الشين" ، ولا يقولون" عشرة" في
الإفراد فتغييرهم عشرة للمؤنث دليلك على تغيير عشر للمذكر.
ومما يقوي قول
سيبويه : أنّهم يدخلون هاء التأنيث في الاسمين اللذين يجعلان اسما واحدا ، وذلك
قولهم : " ثالثة عشرة" و" تاسعة عشرة" ، فقد جمعوا بين
تأنيثين من لفظ واحد.
ومعنى قول
سيبويه : " أحد عشر كأنك قلت : أحد جمل وقوله : ليس في عشر ألف".
توهم بعض الناس
أن قوله : " ليس في عشر ألف" ، غلط وقع في الكتاب وأن حكمه أن يكون :
" ليس في عشر هاء" ، والذي أراد سيبويه بذكر الألف : إبطال ما يتكلم به
بعض العوام من قولهم : " أحد عشر" ، فمثل : بأحد جمل ؛ لأن يحترس من هذا
اللفظ ، ووكد ، بأن قال : " ليس في عشر ألف" بمعنى : ألف وصل تسكن له
العين من" عشر".
فقد حكى الفراء
أن بعضهم يسكن الشين فيقول : " أحد عشر".
وسائر الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب الاسم الذي
تتبين فيه العدّة كم
هي مع تمامها الذي هو
من ذلك اللفظ
معنى قوله :
تتبين فيه العدة كم هي.
يعني : ثلاثة.
وقوله : ومع
تمامها الذي هو من ذلك اللفظ
يعني ثالثا ؛
لأنه من تمام ثلاثة ، وهذا التمام يبنى على فاعل كما قال : فيقال : " ثاني
اثنين وثالث ثلاثة".
واعلم أن سيبويه
يجعل الأصل في ثالث" ثلاثة عشر" : " ثالث عشر" ثلاثة عشر ،
ويقدر
إضافته إلى" ثلاثة عشر" فيكون في" ثالث عشر"
حروف" ثلاثة عشر" كما كان في" خامس خمسة".
وقوله : لما
كان من كلمتين وجب أن يؤتى أيضا بثالث عشر من كلمتين.
وقوله : "
وأجري مجرى المضاف".
يعني : وأجري
مجرى المصدر في التغيير ، لأنا نقول : ثالث فنغير ثلاثة إلى لفظ ثالث ولا نغير عشر
في الاسمين إذا جعلا اسما واحدا كحضرموت وبعلبك ، فتقول : بعلي وحضري.
وذكر سيبويه في
هذا الباب" بضعة عشر" ، و" بضع عشرة" وهو عدد مبهم من الثلاثة
إلى التسعة. واشتقاقها من بضعت الشيء : إذا قطعته ، كأنها قطعة من العدد.
وكان حقها أن
تذكر في الباب الأول ، ولكنه ذكرها هنا ليرى أنّها ليست بمنزلة : ثالث عشر أو
ثالثة عشرة ، فاعلمه.
هذا باب المؤنث الذي
يقع على
المذكر والمؤنث وأصله
التأنيث
اعلم أن المذكر
قد يعبر عنه باللفظ المؤنث فيجري حكم اللفظ على التأنيث وإن كان المعبر عنه مذكرا
في الحقيقة ، ويكون ذلك بعلامة التأنيث وبغير علامة :
ـ فأما ما كان
بعلامة ، فقولك : " هذه شاة" ، وإن أردت" تيسا" وهذه بقرة ،
وإن أردت ثورا ، وهذه حمامة وإن أردت الذكر.
ـ وأما ما كان
بغير علامة ، فقولك : " عندي ثلاث من الغنم" ، " ثلاث من
الإبل". وقد جعلت العرب الإبل والغنم مؤنثين كما جعلت العين والأذن والرجل
مؤنثات بغير علامة.
فإن قال قائل :
فلم لا يقال : " هذه طلحة" لرجل يسمى طلحة لتأنيث اللفظ كما قالوا : "
هذه بقرة" للثور؟
فالجواب :
أن" طلحة" لقب وليس باسم موضوع له في الأصل. وأسماء الأجناس موضوعة لها
لازمة ، لذلك فرقت العرب بينهما.
وقوله : "
كأنك قلت : هذه ثلاث غنم".
يريد : كأن غنم
تكسير لواحد مؤنث ، كما تقول : " ثلاث مائة" فتترك الهاء من ثلاث ، لأن
المائة مؤنثة. و" مائة" : واحد في معنى جمع المؤنث ، وكذلك"
غنم" واحد في معنى جمع.
قال : "
وتقول له ثلاث من البطّ لأنك تصيّره إلى بطة".
يريد : كأنك
قلت : " له ثلاث بطات من البط".
قال : "
ومثل قولهم ثلاثة أشخص ... ثلاث أعين. وإن كانوا رجالا ؛ لأنّ العين مؤنّثة".
وإنما أنّثوا ؛
لأنهم جعلوا الرجال كأنهم أعين من ينظرون إليهم.
وأنشد سيبويه
في تذكير النفس حملا على معنى الإنسان والشخص للحطيئة :
* ثلاثة أنفس وثلاث ذود
|
|
لقد جار
الزّمان على عيالي
|
يريد : ثلاثة
أشخص ، والشخص مذكر ، فلذلك أثبت الهاء في الثلاثة يصف أنه كان له من الإبل ثلاث
يتقوت من ألبانها هو وعياله ، فضلّت ، فقال : لقد جار الزمان على عيالي.
واعلم أنّ
الأيام والليالي إذا اجتمعت غلب التأنيث على التذكير والسبب في ذلك أن ابتداء
الأيام الليالي. لأن دخول الشهر الجديد من شهور العرب ـ برؤية الهلال ، يرى في أول
الليل فتصير الليلة مع اليوم الذي بعدها يوما في حساب الشهر. والليلة هي السابقة ،
فجرى الحكم لها في اللفظ ، فإذا أبهمت ولم تذكر الأيام ولا الليالى جرى اللفظ على
التأنيث فقلت : أقام زيد عندنا ثلاثا.
تريد : "
ثلاثة أيام وثلاث ليال" ، كقوله عز وجل : (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤].
وعلى هذا وقع
التاريخ بالليالي ، دون الأيام فلذلك قال : " سار خمس عشرة" فجاء بها
على تأنيث الليالي ، ثم أكد بقوله : " من بين يوم وليلة".
ومثل هذا قول
النابغة :
* فطافت ثلاثا بين يوم وليلة
|
|
يكون النّكير
أن تضيف وتجأرا
|
ومعنى البيت :
أنه يصف بقرة وحشية فقدت ولدها فطافت ثلاث ليال وأيامها تطلبه ، ولم تقدر أن تنكر
من الحال التي دفعت إليه أن تضيف ، ومعناه : تشفق وتحذر. وتجأر : معناه تصيح في
طلبها له.
وبين سيبويه أن
العرب تقول : " ثلاثة أشياء" ؛ لأن" أشياء" اسم مؤنث واحد
موضوع للجمع على قوله وقول الخليل ؛ لأن وزنه فعلاء وليس بمكسر ، وكما أن غنما وما
أشبهه اسم مؤنث وليس بجمع مكسر.
فقال : "
جعلوا أشياء ، هذه التي لا تنصرف ووزنها فعلاء نائبة عن جمع شيء" لو كسر على
القياس. و" شيء" إذا كسر على القياس ، فحقه أن يقال : أشياء ، كما يقال
: بيت وأبيات ، وشيخ وأشياخ ، فقالوا : " ثلاثة أشياء" كما يقال : ثلاث
أشياء لو كسروا شيئا على القياس ، وقد تقدمت العلة في قلب أشياء والاختلاف فيها.
قال سيبويه :
وزعم يونس عن رؤبة أنّه قال : ثلاث أنفس على تأنيث النفس كما يقال : ثلاث أعين
للعين من الناس ، وكما يقال : " ثلاثة أشياء" لو كسروا" شيئا"
على القياس ، وقد
__________________
تقدمت العلة قلب أشياء والاختلاف فيها.
قال سيبويه :
" وزعم يونس عن رؤبة أنّه قال : ثلاث أنفس على تأنيث النفس كما يقال : ثلاث
أعين للعين من الناس ، وكما يقال : ثلاث أشخص في النساء".
قال الشاعر وهو
رجل من بني كلاب :
* وإنّ كلابا هذه عشر أبطن
|
|
وأنت برىء من
قبائلها العشر
|
يريد : "
عشر قبائل" ؛ لأنه يقال : للقبيلة بطن من بطون العرب. ومعنى قوله : "
وأنت بريء من قبائلها" :
كأنه يخاطب
رجلا ادّعى نسبه في بني كلاب ، فعدد هذا الشاعر بني كلاب فلم يجد له نسبا فيهم
فبرأه منهم.
وأنشد للقتال
الكلابي :
* قبائلها سبع وأنتم ثلاثة
|
|
وللسّبع خير
من ثلاث وأكثر
|
فقال : وأنتم
ثلاثة ، فذكر على تأويل ثلاثة أبطن وثلاثة أحياء ، ثم ردها إلى معنى القبائل ،
فقال : وللسبع خير من ثلاث ، على معنى : ثلاث قبائل.
وأنشد لعمر بن
أبي ربيعة :
* فكان نصيري دون من كنت أتقي
|
|
ثلاث شخوص
كاعبان ومعصر
|
فأنت"
الشخص" لأن المعنى : ثلاث نسوة.
يصف أنّه توارى
بمحبوبته وأختيها لئلا يشعر به القوم.
ويروي : "
فكان مجنى" ، والمجّن : التّرس. والكاعب : التي كعب ثديها ، أي نهد وتربع.
والمعصر : التي
بلغت عصر شبابها. فاعلمه.
هذا باب ما لا يحسن
أن تضيف إليه الأسماء
التي تبيّن بها العدد
اعلم أن حق
العدد أن يبين بالأنواع لا بالصفات لاشتراكها في الموصوفات. فلذلك لم يحسن أن تقول
: ثلاثة قرشيين وليس إقامة الصفة مقام الموصوف بالمستحسنة في كل موضع ، وربما جرت
الصفة لكثرتها في كلامهم مجرى الموصوف فيستغنى بها لكثرتها عن الموصوف كقولك :
مررت بمثلك ، ولذلك قال الله عز وجل (فَلَهُ عَشْرُ
أَمْثالِها) [الأنعام : ٦٠] ، أي : عشر حسنات أمثالها.
__________________
فاعرفه إن شاء
الله.
هذا باب تكسير الواحد
للجمع
هذا الباب ذكر
سيبويه فيه الأسماء الثلاثية التي ليس ثالثها ياء ولا واوا ، ولا ألفا ، مما في
آخره هاء التأنيث ومما ليس فيه هاء.
والذي ذكره في
هذا الباب وما بعده من أبواب الجمع تجري مجرى اللغة ، ولا يحتاج إلى تفسير إلا
اليسير منه.
والباب في جمع
الثلاثيات على أقل العدد أن يكون على أفعل وأفعال ، وإنما اختصروهما لأنهما بناءان
لا يكاد يوجد لواحد منهما نظير في الواحد ، فاختاروهما لئلا يقع لبس ، وليعلم
أنّهما للجمع.
واختاروا"
أفعلا" لفعل لأنه أكثر من سائر الأبنية وأفعل أقل حروفا من" أفعال"
، وأخف ، فاختاروا الأخف لأكثر الأبنية دورا.
واعلم أن"
فعلا" ، بابه أن يجمع على" فعلان" ، واختصاصهم إياه بهذا الجمع
يحتمل وجهين :
ـ أحدهما :
أن" فعلا" إذا كان موضوعا لواحد ، فلا يكاد يقع إلا على الحيوان ويلزمه
ولا يفارقه كقولنا : صرد وصردان ، وجرد وجردان ، وجعل وجعلان ، وما أشبه ذلك من
الحيوان ، فكان اختصاصه بهذا المعنى يخالف غيره ، لأن سائر الأبنية مشترك في
الحيوان والموات فاختصوا" فعلا" بهذا الجمع دون غيره كما اختصوا جميع ما
كان من آفة" بفعلى" ، فلا يجمع عليه إلا ما أصابته بلية كقولهم : قتيل
وقتلى ، ومريض ومرضى ، وزمين وزمنى.
والوجه الآخر :
أن يكون فعل مخففا من" فعال" ، و" فعال" يجئ جمعه الكثير على
فعلان كقولك : غراب وغربان ، وعقاب وعقبان ، ويقوى ذلك أن فعلا يكون معدولا
من" فاعل" كقولك : عمر ، وزفر في عامر وزافر ، فلما وقع التغيير إليه
من" فاعل" ، كان التغيير إليه من فعال أولى ، لأنه ليس بينهما إلا الألف
فقط.
وبين سيبويه أن
أفعالا ، قد يجيء جمعا لفعل" مكان" أفعل".
وأنشد للأعشى :
* وجدت إذا ما اصطلحوا خيرهم
|
|
وزندك أثقب
أزنادها
|
فجمع"
زندا" على" أزناد" ، وقياسه : أزند ، ونظيره : فرخ وأفراخ وجدّ
وأجداد ، ورأد وأراد. والراد : أصل اللحيين ، وقوله : " زندك أثقب
أزنادها" ، مثل لكثرة خيره وتيسر معروفه.
وأنشد أيضا
للأعشى :
* إذا روّح الرّاعي اللّقاح معزّبا
|
|
وأمست على
آنافها عبراتها
|
فجمع"
أنفا" على آناف ، وبابه : آنف.
وهذا البيت في
شعر الأعشى : على آفاقها ، ويعني بالآفاق جوانب السماء ، كنى عنها ولم يجر لها ذكر
؛ لأنه قد عرف المعنى.
وروّح : ردها
من مرعاها إلى مراحها وهو موضعها الذي تروح إليه.
واللقاح : ذوات
الألبان واحدتها : لقحة. ومعزبا ، أي : سعدا بها في المرعى أي : كان معزبا لها ،
فلما اشتد الزمان أراحها.
وعلى رواية
آفاقها يحسن" غبراتها".
ومن روى
على" آفاقها" فينبغي أن يروى" عبراتها" بالعين غير معجمة أي :
تسيل دموعها على أنوفها من شدة البرد ، ، ويروى : معجلا : أي يعجل إيابها إلى
المراح يبادر غروب الشمس من شدة البرد.
ومعنى قول
سيبويه : " ثم تطلب النظائر كما تطلب نظائر الأفعال هاهنا".
يعني : أن
باب" فعل" جمعه" أفعل" في أدنى العدد ، وما كان منه على أفعال
فإنما هو شيء سمع من العرب ، فحكي ، وليس من الباب ، والباب : أزند ، وأمست على
آنفها.
قال : "
وقد تجيء خمسة كلاب ، يراد بها خمسة من الكلاب كما تقول : هذا صوت كلاب ، أي : من
هذا الجنس".
وأنشد قول
الراجز :
* كأنّ خصييه من التّدلدل
|
|
ظرف عجوز فيه
ثنتا حنظل
|
فجعل سيبويه
إضافة خمسة كلاب كإضافة عدد إلى جنس ، و" ثنتا حنظل"
في معنى :
ثنتان من حنظل. وكان قياسه أن يقول : " حنظلتان" فجاء به على الأصل.
وحنظل : اسم
الجنس في الكثير من العدد.
وقواه سيبويه
بقوله : " صوت كلاب" ؛ لأنّه قد أحاط العلم أن صوتا واحدا لا يكون
للكلاب ، وإنما يريد صوتا من الكلاب ، أي : من هذا الجنس.
وأنشد أيضا :
__________________
* قد جعلت ميّ على الظّرار
|
|
خمس بنان
قانئ الأظفار
|
فأضاف"
خمسا" إلى" بنان" على تقدير : خمس من البنان.
وبنان : جمع
بنانة مثل نخل ونخلة ، وهما اسمان للجنس ، والظّرار : حجارة مدورة ، واحدها ظرر ،
ويقال : أرض مظرة ، أي : كثيرة الظرار.
ويروى : "
الطّرار" ، بالطاء غير معجمة ، وهي جمع طرّة ، وهو أن يعقص من مقدم ناصية
الجارية كالطرة تحت التاج ، وقد تتّخذ من رامك ، وهو : ضرب من الطيب ، وهذه
الرواية أشبه بالمعنى.
قال : "
وأمّا فعلان ـ في جمع فعل ـ فخربان وبرقان وورلان ، وأما فعلان ، فنحو : حملان
وسلقان".
الخرب : ذكر
الحبارى. والبرق : الحمل ، وهو الخروف الكبير وتصغيره : بريق ، والعامة تشدد الراء
، والورل : دويبة تسميه العامة الورق. والسلق : المطمئن من الأرض.
وذكر أن"
فعلا" قد يجمع على" فعلان" نحو حجل وحجلان ورأل ورئلان.
الحجل : الرق
وهو أيضا كبار النخل.
والرأل : فرخ
النعام.
وقال سيبويه
بعد ذكر جمع العرب : " أسدا" على" أسد" ووثنا على وثن"
بلغنا أنّه قراءة".
يعني : ما قرئ
من قرآن : إن يدعون من دونه إلا أثنا.
أراد : "
وثنا" ، جمع" وثن" ، فقلب الواو همزة لانضمامها ، كما قال : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) [المرسلات : ١١].
وبين أن العرب
ربما كسرت فعلا على أفعل كقولهم جبل وأجبل ، وزمن وأزمن.
وأنشد لذي
الرمة :
* أمنزلتي مىّ سلام عليكما
|
|
هل الأزمن
اللّائي مضين رواجع
|
فجمع"
زمنا على" أزمن" ، وكان حقّه الأزمان.
قال : "
وقالوا : الحجار ، فجاءوا به على الأكثر والأقيس" في نظيره غير أن الحجار أقل
من الحجارة في الكلام.
__________________
وأنشد :
* كأنّها من حجار الغيل ألبسها
|
|
مضارب الماء
لون الطّحلب اللّزب
|
الغيل : الماء
الجاري. واللّزب : هو اللازم ، كأنّه يصف حوافر فرس فشبهها لصلابتها واملساسها
بحجارة الماء إذا علاها الطحلب.
قال امرؤ القيس
:
وتغدو على
صمّ صلاب كأنّها
|
|
حجارة غيل وارسات
بطحلب
|
قال سيبويه :
وقد جاء من الأسماء اسم واحد على فعل ، ولم يجئ مثله ، وهو إبل ، وقالوا : آبال
كما قالوا أكتاف ، فهذه حال ما كان على ثلاثة أحرف ، وتحركت حروفه جمع.
وقال الراجز :
* فيها عياييل أسود ونمر
ـ قال ابن
السكيت : عال في مشيته يعيل عيلا : تمايل.
ـ وقال غيره :
ومنه قيل للذئب : " عيّال" : فكأن" عياييل" جمع"
عيّال".
قال المبرد :
هذا البيت على ما تقدم من الكلام إنما يقصد إلى أنّهم جمعوا ربعا على"
أرباع" فأدخلوه في باب فعل كجمل وأجمال ، كما جمع الراجز نمرا على فعل ،
فأدخله في باب أسد :
قال : "
وقالوا : ثلاثة قروء فاستغنوا بها على أقرؤ".
اعلم أن
واحد" القروء" : " قرء. وقياس أدنى العدد فيه" أقروء"
كما يقال : فلس وأفلس واستغنوا بالكسر وهو قروء.
ولم يذكر
سيبويه أقراء على أفعال ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال
للمستحاضة : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» ، فإن كان هذا مضبوط اللفظ فهو على"
فعل" و" أفعال" كزبد وأزباد.
وذكر سيبويه
أن" القدر" قد تجمع على أقدر.
وقال الجرمي :
" أقدر" لا يعرف.
وسيبويه أعلم
بما حكى ، وهو غير متهم في ما نقله.
وأنشد سيبويه :
__________________
* كرام حين تنكفت الأفاعي
|
|
إلى أجحارهنّ
من الصّقيع
|
استشهد به على
أنّه جمع حجرا على أحجار ، وحجرة أكثر في كلام العرب ، ومعنى تنكفت : تنقبض.
والصّقيع :
الجليد. يقول : هم كرام إذا اشتد الزمان وتمكن البرد.
وذكر في
جمع" فعل" قولهم : كرز وأكراز وكرزة.
والكرز : خرج
الراعي. والكبش الذي يحمله يقال له : كرّاز.
قال : "
وأما بنات الياء والواو فقليل".
قالوا : مدي
وأمداء.
وقد جاء منه
غير الذي ذكره سيبويه ، قالوا : " طبي" و" أطباء" وهو طرف
الضرع من ذوات الحافر من السباع ، وقالوا : " جرو" و" أجر"
وقالوا في أسماء الأجناس : طبي وهو الحوض ، والواحدة طبية. ومدي : مكيال يكال به
كالمد.
وبين أن"
فعلا" قد يجمع على" أفعل" شاذا ، قالوا : ركن وأركن.
وأنشد لرؤبة :
* وزحم ركنيك شداد الأركن
وشذوذه كشذوذ
فعل ، قالوا : قدح وأقدح.
وذكر أن الجمع
بالتاء قد يراد به الكثير ، وأنشد لحسان :
* لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى
|
|
وأسيافنا
يقطرن من نجدة دما
|
أراد بالجفنات
: الكثير ؛ لأن جمع السلامة يصلح للقليل والكثير ، ولا يجوز أن يفتخر بالشيء
القليل.
وحكي أن
النابغة غاب عليه ذلك ، وكتاب الله يبطل هذا العيب ، قال عز من قائل : (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) [سبأ : ٣٧] ، ونحو هذا في القرآن كثير ، وإنما جعل الجفنات غرّا : لما فيها
من الشحم ، ووصفها باللمعان لكثرة ودكها.
قال : والمضاعف
... بتلك المنزلة ، تقول : سلة وسلال .. ودبة ودباب.
__________________
والدبة :
المغرفة ، والدبة أيضا : الرملة الحمراء.
وذكر رحبة بفتح
الحاء ولم يذكرها غيره.
وحكى أبو زيد :
رحبة ورحبة.
وذكر أن"
فعلة" قد تجمع على" فعلات" بفتح تخفيفا.
وأنشد :
* ولمّا رأونا باديا ركباتنا
|
|
على موطن لا
نخلط الجدّ بالهزل
|
وكان الكسائي
جمع" ركبة" على" ركب" ثم جمع" ركبا" بالألف والتاء.
والصواب ما
قاله سيبويه ؛ لأنه يجوز أن يقال : " ثلاث ركبات". ولو كان كما قال ما
جاز في ثلاث ركبات على تقديره لأنه جمع كثير.
وقوله : "
باديا ركباتنا" ، أي : مشمرين كاشفين عن أسؤقنا للحرب.
قال : وهذا في
فعلة كبناء الأكثر في فعلة.
يعني : غرف
وركب في فعلة بمنزلة" فعال" في" فعلة" ، مثل صحاف وجفان في
صفحة وجفنة.
قال : "
إلا أن التاء في فعلة أشد تمكّنا من فعلة وفعلات لكثرة فعلة ولكراهة
الضّمتين".
يعني : فعلة
وفعلات بالألف والتاء أشد تمكنا من فعلة كالمضاعف من فعلة وذلك قولهم : قدّة"
وقدات" وقدد ، وربة وربات وربب.
"
والمقددة" القطيعة من الناس وغيرهم ، والربة : نبت.
قال : "
وقد كسرت فعلة على أفعل وذلك قليل قالوا : نعمة وأنعم ، وشدّة وأشدّ.
قال أبو عبيدة
: " أشدّ" جمع لا واحد له.
وقال غيره :
" أشدّ" جمع شد كما قيل : قد وأقد.
وقال المبرد :
أنعم جمع المصدر ، وهو نعم على القياس وكذلك قال في أشد ، جمع شدّ.
وذكر سيبويه
أن" فعلة" قد يجمع على فعل وذلك قولك : نعمة ونعم ، ومعدة ومعد ، وهذا
قليل لا يستمر قياسه ، ولا يقال في خلقة خلق ، ولا في كلمة : كلم. وإنما جمع هذا
على" فعل" لأنهم يقولون : نقمة ومعدة كقربة وكسرة فجمع على ذلك.
وفرّق سيبويه
بين" تخمة وتخم" و" رطبة ورطب" فأما" تخمة وتخم" ،
فإنهم أجروا فعلة مجرى" فعلة" ، كما أجروا" فعلة" مجرى"
فعلة" ، ألا تراهم قالوا : رقبة ورقاب كما قالوا : جفنة وجفان ، وكذلك تخمة
وتخم ، كأنهم قالوا : تخمة مثل : ظلمة وغرفة ، وتخم
__________________
وتهم مثل ظلم وغرف.
وأما الرطب وما
أشبهه من الأسماء الأجناس فهو بمنزلة تمرة وتمر ، وهو اسم يقع للجنس مذكرا فيجري
مجرى الواحد ، ولو صغرته لقلت : " رطيب" ، ولو صغرنا تخما لقلت : تخيمات
؛ لأنه جمع مكسر ، فاعلم ذلك.
هذا باب ما يكون
واحدا يقع للجمع
هذا الباب في
أسماء الأجناس ، وكل اسم منها يقع لنوعه كما يقع الواحد ؛ لأنه نوع يخلقه الله
جملة ، ثم يلحق الواحد منه علامة تأنيث.
والباب في هذا
النحو أن لا يكون الجمع الكثير منه مكسرا ، وأن يكون اسم النوع الموضوع ، وأن يكون
القليل منه بالألف والتاء كقولنا : نملة للواحدة وللكثير نمل ، وللقليل : نملات.
وبرة : للواحد ، وبرّ : للكثير ، وبرّات : للقليل.
وما جاء منه
مكسرا فهو" مشبه" بما كان من غير هذا الباب مما يصنعه الآدميون ولم يقع
الخلق على جملته ، ويكثر ذلك في ما كثر استعمالهم له كقولهم : تمرة وتمر وتمور ،
وقالوا : عنبة وعنب وأعناب لأنهم للعنب والتمر أشدّ استعمالا منهم لغيرها.
قال : وقولهم
أضاة وهو الغدير بمنزلة أكمة وإكام ، وجذاب في جمع جذبة ، وهي جمارة النخيل.
وجعل سيبويه
وقولهم : حلق وفلك في الجمع وفي الواحد : حلقة وفلكة من الشاذ ، وشذوذه مما تغير
في الإضافة وهي النسب مما يخفف ، كقولهم : ربيعة وفي النسب : ربعي وياء النسب تشبه
في بعض المواضع هاء التأنيث ؛ لأنهم قالوا : زنجي للواحد ، ورومي للواحد ، والجمع
: زنج وروم ، فياء النسبة علامة للواحد كما كانت الهاء علامة الواحد في ثمرة
وطلحة.
قال : "
وزعم أبو الخطّاب أن واحد الطلي : طلاة .. وقالوا الحكاء ، والواحدة : حكاة".
وهي من العظاء
، والمرع والواحد مرع وهي طائر ، وفي الطلاة لغتان : طلية وطلي ، والجمع فيهما
جميعا الطلي ، وهي : صفحة العنق.
قال : "
وقد قالوا : حقة وحقق".
وأنشد قول
المسيب بن علس :
* قد نالني منهم على عدم
|
|
مثل الفسيل
صغارها الحقق
|
الفسيل : صغار
النخل. والحقق : جمع حقّة ، وهي التي استحقت أن يحمل عليها وأن تركب من الإبل.
__________________
هذا باب نظائر ما
ذكرنا من بنات الياء والواو
التي الياءات
والواوات فيهنّ عينات
ذكر في هذا
الباب أن فعلا المعتل العين قد يجمع على فعلان نحو : ثور وثيران ، وقوز وقيزان.
قال : "
ونظيره من غير هذا الباب وجذ ووجذان".
والوجذ : نقرة
في الجبل ، والقوز : قطعة من الرمل.
وقد ذكر أنّه
يجمع على أفعل.
وأنشد :
* لكل عيش قد لبست أثؤبا
فجمع ثوبا على
الأصل في" فعل" وإن كان مطروحا في المعتل لثقله.
قال : "
وقد يجمع على فعلة ... كقولهم زوج وأزواج وزوجة ، وثور وأثوار وثورة ، وبعضهم يقول
: " ثيرة".
قال غيره :
والقياس : ثورة ؛ لأن الواو إذا انفتحت وانكسر ما قبلها لم يلزم قلبها ياء.
وفي قولهم :
ثيرة وجهان :
ـ أحدهما : أن
العرب قد جمعوا ثورا على ثيرة وهي فعلة كما قالوا : فتية وصبية ، فلما أسكنت الواو
وانكسر ما قبلها وجب قلب الواو ياء فلما قلبت في ثيرة ، قلبت في ثير ، كما قالوا :
ديمة وديم ، فجمعوا ديمة على ديم وأصلها من الدّوام.
والوجه الثاني
: أن الثور : القطعة من الأقط ، وجمعه ثورة ، فأرادوا الفصل بين جمع الثور من
البقر والثور من الأقط.
قال : "
وقد بنوا فعلا من ذوات الياء على أفعل قالوا أعين".
وقال الراجز :
* أنعت أعيارا رعين الخنزرا
|
|
أنعتهن آيرا
وكمرا
|
فجمع"
أيرا" على" آير" وهو الأصل في فعل ، والمستعمل آيار مثل : عير
وأعيار.
وأنشد :
* يا أضبعا أكلت آيار أحمرة
|
|
ففي البطون
وقد راحت قراقير
|
__________________
فجمعه على
أفعال.
وقال الشاعر :
* ولكنّني أغدو عليّ مفاضة
|
|
دلاص كأعيان
الجراد المنظّم
|
فجمع"
عينا" على" أعيان". المفاضة : الدّرع السابغة.
والدّلاص :
البرّاقة ، وشبه الدرع ـ في انتظام حلقها ولمعانها ـ بأعيان الجراد لو نظم.
ومعنى قوله : "
فلما ابتز فعال من بنات الواو .. وابتزت الفعول بفعل من بنات الياء".
يعني :
أن" أفعالا" و" فعولا" وقد كانا يدخلان على" فعل"
من الصحيح ، ويشتركان فيه ، ثم انفرد فعال بفعل من بنات الواو كقولك : سوط وسياط
لاستثقال" فعول" فيه ، وانفرد" فعل" من ذوات الياء" بفعول"
كما انفرد من ذوات الواو بفعال لأن الضمة في الياء أخف منها في الواو.
ومعنى قوله :
" وليست أفعل وأفعال شريكين في شيء كشركة" فعول" وفعال فتعوض
الأفعل الثّبات".
يريد أن فعولا
وفعالا لما كانا شريكين في جمع فعل من الصحيح ، فأفردوا فعالا بالواو ، وأفردوا
شريكه الذي هو فعول بالياء ، لم يجب إذا جمعوا فعلا على أفعال من ذوات الواو
كقولهم : أسواط أن يجمعوا ذوات الياء على أفعل ، فيقولوا : أقيد ، ومع ذلك إنّهم
لو قالوا في الجمع الكثير من ذوات الياء : " فعالا" نحو بيات وقياد في
جمع بيت وقيد ، لالتبس بذوات الواو. فأرادوا أن يفصلوا بينهما. وفي القليل تثبت
الياء فتتبين من ذوات الواو إذا قالوا : أبيات وأسواط.
وذكر أن"
فعلا" المعتل العين يجمع على فعلان نحو : ساج وسيجان ، والسّاج : الطيلسان
الأخضر ، ونظير ذلك من غير المعتل : شبث وشبثان ،. والشبث : دابة كثيرة القوائم.
قال : وقد
قالوا : فعلة في بنات الواو وكسّروها على فعل كما كسّروا" فعلا" على
بناء غيره وذلك قولهم : نوبة ونوب ، وجوبة وجوب ، ودولة ودول ومثلها : قرية وقرى ،
وثروة وثرى.
ولم يذكر"
ثروة وثرى" إلّا سيبويه والجرمي.
النوبة : ما
ينوب الإنسان ، والجوبة : الدرع تلبسه المرأة.
والثروة :
الكثيرة.
وذكر أنّ فعلة
من المعتل قد كسرت على فعل ، " قالوا : قامة وقيم ، وتارة وتير.
__________________
وأنشد للراجز :
* يقوم تارات ويمشي تيرا
" وإنّما
احتملت الفعل في بنات الياء والواو لأن الغالب الذي هو حدّ الكلام في فعلة ـ في
غير المعتل ـ الفعال".
واعلم أن"
الفعال" أولى بالإعلال من" فعلة" ، ألا تراهم قالوا : حوض وحياض ،
وسوط وسياط فقلبوا الواو وقالوا : عود وعودة ، وزوج وزوجة ، فجاءوا بالواو فعلم أن
الإعلال في فعال أقوى.
قال سيبويه :
" إنّما قالوا : قامة وقيم". وأصلها من الواو ؛ لأنه محمول على فعال
الذي أصله أن يعمل ، " وفعال" هو الحد في جمع" فعلة" في غير
المعتل كقولهم : رقبة ورقاب ورحبة ورحاب ، فاعلمه.
هذا باب ما يكون
واحدا يقع على الجمع
من بنات الياء والواو
جملة هذا الباب
في ما كان من الثلاثي المعتل من أسماء الأجناس مما بيّنه وبيّن واحده الهاء.
وأنشد للقطامي
:
* فكنّا كالحريق أصاب غابا
|
|
فيخبو ساعة
ويهبّ ساعا
|
فجمع"
ساعة" على" ساع". والغاب : الشجر الملتف.
وأنشد للعجاج :
* وخطرت أيدي الكماة وخطر
|
|
رأي إذا
أورده الطّعن صدر
|
" فرأى" : جمع"
راية". وهو مرفوع بقوله : و" خطر" ، كأنه قال : وخطرت أيدي الكماة
وخطرت الرايات ، أي : اضطربت في الحرب.
وسائر الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ما هو اسم
واحد يقع على جميع
وفيه علامة التأنيث
اعلم أن ما كان
من الأجناس فيه ألف التأنيث مقصورة أو ممدودة ، فالباب في واحده
__________________
أن يكون على لفظ الجميع كقولك : طرفاء وحلفاء وبهمى وشكاعى.
فإذا أردنا
الواحد من هذا الجنس قلنا : طرفاء واحدة.
وحلفاء واحدة ،
وبهمى واحدة ، ولم يجز إدخال الهاء عليها كما قيل في واحد النخل : نخلة ؛ لأن كون
ألف التأنيث فيها يمنع من دخول هاء التأنيث لئلا يجتمع تأنيثان. فاكتفوا بما فيه
من التأنيث ، وبينوا الواحد بالوصف.
وقد ذكر أهل
اللغة للطّرفاء والحلفاء واحدا على غير هذا اللفظ قالوا : طرفاء وطرفة وقصباء
وقصبة واختلفوا في الحلفاء فقال الأصمعي : حلفاء وحلفة بكسر اللام.
وقال أبو زيد
والفراء وغيرهما : حلفة على قياس طرفة وقصبة ، وقد كسر حلفاء فقالوا : حلافى
وحلافي. ذكره أبو عمر الجرمي.
هذا باب ما كان على حرفين وليست فيه علامة التأنيث
قوله في هذا
الباب : وأمّا ما كان من بنات الحرفين وفيه الهاء للتّأنيث إلى قوله : "
وبعضهم يقول : قلون فلا يغيّر".
اعلم أن ما كان
على حرفين وفيه هاء التأنيث ، فله باب ينفرد به ويشاركه فيه غيره إلا ما شذ مما
يشبه به وثبات ذلك أنّه يجمع بالألف والتاء فلا يغير لفظه ، كقولهم : قلة وقلات ،
وكرات ، ويجوز جمع ذلك بالواو والنون ؛ لأن هذا الجمع إنما هو لمذكر من يعقل.
وإنّما جمعوا
هذا المنقوص بالواو والنون ؛ لأنهم جعلوا ذلك عوضا مما منعه من جمع التكسير ؛ لأن
جمع التكسير لا يكاد يجيء فيه وغيروا أوله مع الواو والنون توكيدا للتغيير فيه ،
وإعلاما أن هذا الجمع خارج عن قياس نظائر.
وأما قولهم :
مائة ومئون ، فقال بعض النحويين : إن هذه الكسرة ليست التي في مائة ، كما أن الألف
التي في" تهام" ليست الألف التي كانت في" تهاميّ".
وذكر الجرمي أن
الجمع بالألف والتاء في هذا للقليل ، وبالواو والنون للكثير. والدليل على صحة قوله
: أنّهم إذا صغروا ، لم يكن تغير الألف والتاء ، تقول : سنيات وبنيات ، ويجوز أن
يكون إنما صار التصغير بالألف والتاء لأنا نردّ بالتصغير الحرف الذاهب ، فيصير
بمنزلة التام ، وليس الباب في التام مما فيه هاء التأنيث أن يجمع بالواو والنون.
وبعض العرب لا
يغير أول ذلك ، فيقولون : ثبون وقلون ، ولم يقل في سنين بغير الكسر.
قال : وزعم
يونس أنّهم يقولون : " حرة وإحرّون يعنون الحرار".
وحكى الجرمي
أنّهم يقولون : أحرون بفتح الألف.
وكل ذلك شاذ
ليس بمطرد ، وإنما شبهوا حرة للإدغام الذي فيها بالمنقوص ؛ لأن النطق بالحرفين في
دفعة واحدة صار كحرف واحد ، فجمعوه بالواو والنون لذلك.
وقال بعضهم في
هذا المنقوص إذا جمع بالألف والتاء : يجوز أن تفتح التاء في النصب ، وتقام مقام
لام الفعل فيقال : سمعت لغاتهم ، ورأيت ثباتهم ، كما قالوا : سنين ، فأعربوا
النون.
والأفصح الأشهر
، ما ذكره سيبويه. وقال الله عز وجل : (خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا
ثُباتٍ) [النساء : ٧١].
قال : وقد
يجمعون المؤنث الذي ليست فيه هاء التأنيث بالتاء كما يجمع ما فيه الهاء لأنه مؤنث
مثله وذلك قولهم : عرسات وأرضات وعير وعيرات.
لأن العير
مؤنثة ، قال الله عز وجل : (وَالْعِيرَ الَّتِي
أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٦] ، وكان حقها أن يقال : عيرات لاستثقال الحركة في الياء كما
يقال : " تبنات" ، ولكنهم قالوا : " عيرات" فحركوا على مثل
لغة هذيل في تحريك الثاني من" تبنات وبيضات" وما أشبهه.
قال : "
وقد قالوا : أهلات فثقلوا كما قالوا أرضات".
قال الشاعر وهو
المخبل :
* وهم أهلات حول قيس بن عاصم
|
|
إذا أدلجوا
بالليل يدعون كوثرا
|
وإنما ثقلوا ؛
لأنه اسم وإن كان قد أشبه الصفة.
والكوثر :
الكثير العطية.
قال : وقالوا
إموان : جماعة الأمة ، كما قالوا : إخوان ؛ لأنهم جمعوها كما جمعوا ما ليس فيه
نقص.
يعني قولهم :
خرب وخربان.
"
فأمة" أصلها : " فعلة" ، و" فعل" قد يجمع على"
فعلان".
وأنشد للقتال
الكلابي :
* أما الإماء فلا يدعونني ولدا
|
|
إذا ترامى
بنو الإموان بالعار
|
فجمع أمة
على" إموان" تشبيها بأخ وإخوان ؛ لأنّ الزّنة واحدة وليس بينهما إلا
الهاء ، وهي تسقط في الجمع.
هذا باب تكسير ما عدته
أربعة أحرف للجمع
ذكر في هذا
الباب أن فعالا من ذوات الواو المعتل العين يجمع في الكثير على فعل مخففة العين
استثقالا للضم ، ذلك قولهم : خوان وخون ، ورواق ، وبون. والبوان : عمود النخلة.
__________________
ومعنى قوله بعد
ذكر" سماء" و" عطاء" وجمعها على" أفعلة" خاصة :
" لأنها أقل الياءات احتمالا وأضعفها".
يعني : أنّها
لام الفعل ، ولام الفعل أضعف من عين الفعل.
وقوله : "
سماء وأسميّة" يريد المطر لا السماء بعينها ، يقال للمطر : سماء وأسمية في
أقل العدد ، وللكثير : سميّ.
وذكر البغاث في
ما بني على فعال ، وفيه ثلاث لغات : بغاث بغاث وبغاث وهو حشاش الطير.
قال : وقالوا :
" حوار وحيران ، كما قالوا : غراب وغربان" إلى قوله : " جعلوا هذه
بمنزلة فعال ، كما أنّهما متفقان في أدنى العدد".
يريد : أن
حوارا فيه لغتان : حوار وحوار ، وكذلك صوار ، وصوار ولغة الكسر توجب أن يكون الجمع
الكثير على فعلان ، ولغة الكسر توجب أن يكون الكثير على" فعل" كقولهم : خوان
وخون ، فاتفقوا في هذين الحرفين على لغة الضم ، فقالوا : حيران وصيران ، كما
أن" فعالا" و" فعالا" قد اتفقا في أدنى العدد على أفعلة. وعلى
نحو هذا سوار فيه لغتان : سوار وسوار ، وقد اتفقوا فقالوا : جيران وصيران في جمعه
الكثير على لغة الكسر فقالوا : سور كما قالوا : خوان وخون.
وذكر أن"
فعيلا" قد يكسر على" فعلان" تشبيها" بفعال" كقولهم :
ظليم وظلمان ، وعريض وعرضان.
والظّليم : ذكر
النعام. والعريض : التيس.
ومعنى قوله :
بعد أن ذكر أن العرب تقول : عناق وأعنق وعنوق : " كرهوا أن يجمعوه جمع قصعة
لأن زيادته ليست كالهاء".
يعني : أنّهم
كرهوا أن يجمعوه جمع" فعالة" ، و" فعالة" لأن التأنيث الذي
فيه ، ليس بعلامة ، إنما هو شيء في نفس الحرف ، فأسقطت منه الزيادة ـ يعني الألف
في فعال فصار على ثلاثة أحرف ، وبني على" أفعل" كما بني ما كان على
ثلاثة أحرف كفعل. ومعنى قوله : فكسروها على فعول كما كسّروها على أفعل بنوه على ما
هو بمنزلة أفعل.
يعني : أنّهم
لما قالوا : عناق وأعنق فأجروه مجرى فلس جمعوه في الكثير على فعول.
فقالوا :
" عنوق" كما قالوا : " فلوس".
وذكر أبو حاتم
أنّه يقال : عناق وعنق ، ويقال أيضا : بالتخفيف : عنق وفي بعض الأمثال"
العنوق بعد النوق" يضرب مثلا للذي يفتقر ، كأنه يملك العنوق بعد ملكه النوق.
قال : "
ونظير عنوق قول بعض العرب في السماء : سميّ".
وقال أبو نخيلة
:
* كنهور كان من أعقاب السّمي
الكنهور :
الغيم المتراكب. والسمي : جمع سماء من المطر وهي مؤنثة يقال : أصابتنا سماء.
قال : "
وقالوا أسمية والسماء مؤنثة" ، وإنما" أفعلة" جمع للمذكر؟
فالجواب : أنّه
يذكر على معنى السقف أو على أنّه جمع للجنس وأصله سماوة للواحد ، وسماء للجمع.
وقد ذكره على
هذا الفصل في جملة المذكر فقال : " وذلك قولك : سماء وأسمية وعطاء
وأعطية".
وذكر في هذا
الموضوع مع المؤنث فقال : " جاءوا به على الأصل".
أي : جاءوا به
على ما يجب للمذكر ، والمذكر هو الأصل فيجوز أن يكون سيبويه ذكره في الموضعين ؛
لأنه يذكر ويؤنث ، فاختاروا في جمعه في الموضعين أسمية كراهة" لأفعل"
لأنها تعتل إذا قلنا : " أسم" كما قلنا" أدل" فعدلوا إلى ما
لا يعتل.
وأنشد للأزرق
العنبري :
* طرن انقطاعة أوتار محظربة
|
|
في أقوس
نازعتها أيمن شملا
|
يصف طيرا ثارت
من مكان وتفرقت في الطيران فشبهها في التفرق بأوتار محكمة الشد انقطعت في المد.
والذي يمد
القوس ، يمينه تنازع شماله ؛ لأن كل واحدة من اليدين تمد إلى خلاف الأخرى ، كأنهما
يتنازعان القوس.
قوله : فإن
أردت بناء أكثر العدد كسرته على فعلان إلى قوله : " خالفت فعيلا كما خالفتها
فعال في أوّل الحرف".
يريد :
خالفت" فعيلا" كما خالفت" فعال" فعيلا ، وذلك أن"
فعيلا" يجمع على فعلان كقولك : قفيز وقفزان ، وفعال يجمع على"
فعلان" ، كقولك : غراب وغربان ، وفعول بمنزلة" فعال" لأنهم قالوا :
خروف وخرفان.
ومعنى قوله :
" في أول الحرف" يعني : في حركة أوّل الحرف في الجمع على ما تقدم.
قوله : "
وكرهوا فعلا بعد ذكر عدوّا وفلوّا إلى قوله : " وعدو وصف ولكنه ضارع
الاسم".
يقول : "
كرهوا فعلا" لأنه يلزمهم أن يقولوا : عدي وفليّ.
__________________
وكرهوا
أيضا" فعلان" لأنهم لو قالوا : عدوان وفلوان ، وقع بين الكسرة والواو
حرف ساكن ليس بحاجز حصين. وكان الباب في عدوان الجمع بالواو والنون لأن فعولا إذا
كان صفة لمن يعقل جمع جمع السلامة ، ولكنه ضارع الاسم لكثرته حتّى يقال : "
هذا عدوّ لزيد" ، و" مررت بعدو لزيد" ، وإن لم يكن قبله منعوت.
قوله بعد أن
ذكر أن" فعلى"" أفعل" بجمع على فعل : " وإنما فعلوا هذا
ليفرقوا بينهما وبين ما لم يكن فعلى أفعل".
يعني : بينها
وبين حبلى وسعدى وما أشبه ذلك.
وقوله : وأما
ما كان على أربعة أحرف ، وكان آخره ألف التأنيث إلى قوله : فهم في هذا أجدر أن
يقولوه لئلا يكون بمنزلة ما كان آخره لغير التأنيث.
اعلم أن
المقصور ، مما هو على أربعة أحرف على ضربين :
أحدهما
: تكون الألف
فيه للتأنيث ، فإذا كسر ، فإن الباب في ما كان في آخره ألف التأنيث أن يقال فيه
فعالى نحو : حبلى وحبالى ، وذفرى وذفارى ، والأصل فيه حبال وذفار ، غير أنّهم
يقلبونها ألفا ، لأن الألف أخف من الياء. وقد يقلبون ما ليس للتأنيث فيقولون في
مدري : مداري ، فألزموا باب حبال الألف إذا جاز ذلك في مدارى ، وليست هذه الألف في
حبال للتأنيث بل هي منقلبة من ياء حبال.
ـ وإذا كانت
الألف لغير التأنيث : فإن الباب فيه أن تقلب ياء ، كقولك : أرطى وأراطي ، وملهى
وملاهي.
وقد يبدلون من
الياء ألفا لخفة الألف. وما كان من الممدود ألفه للتأنيث ، فإنه يجوز فيه أن يجري
مجرى حبلى وحبال ، ويجوز أن تقلب ياء. قالوا : صحراء وصحاري ، وقالوا : صحارى ،
كأنهم حذفوا الألف التي قبل الهمزة فصار آخره كآخر حبلى ، ليفرقوا بين علباء ونحوه
مما ألفه للإلحاق.
وربما قالوا :
صحاري فأتوا به على استيفاء الحروف ؛ لأن الألف في الواحدة رابعة ولا يوجب الجمع
إسقاطها ولكنهم آثروا التخفيف في صحراء إذا خففوا في قولهم : مهرية ومهاري.
وكان القياس أن
يقال : مهاري ، فلمّا كان التخفيف هنا جائزا ، كان في صحارى لازما لثقل التأنيث.
وبين سيبويه أن
فعالا قد يكون جمعا كأنهم شبهوه بفعال إذ ليس بينهما إلا الضم والكسر وهو في الجمع
قليل ، وإنما جاء في سبعة أسماء ، قالوا : ربيّ ورباب ، والربى : هي الشاة التي
تربي ولدها.
وقالوا : ظئر
وظؤار ، والظئر في النوق بمنزلة الرأفة في الناس. ويقال أيضا : أظؤر.
ورخل ورخال ،
وفرير وفرار : الفرير الحمل ، وهو أيضا ولد البقرة.
وعرق وعراق ،
والعرق : العظم الذي عليه اللحم ، وثني وثناء ، والثني : الناقة التي نتجت مرتين ،
ويقال أيضا : ثناء ، وتوأم وتوام ويقال أيضا : توائم.
وقال الراجز :
* قالت ودمع عينها تؤام
|
|
كالدر إذ
أسلمه النّظام
|
على الذين
ارتحلوا السّلام .
قوله : "
وقد يقولون : ثلاث صحائف ، وثلاث كتائب ، وذلك لأنها صارت على مثال حضاجر وبلابل
وجنادب فأجروهما مجراها".
يعني : أنّهم
قالوا : صحائف في القليل ، وقد كان يمكنهم أن يقولوا ثلاث صحيفات ، فتجمع بالألف
والتاء لتأنيث الواحدة ، ولكنهم أجروه مجرى : حضجر وحضاجر وبلبل وبلابل ، وجندب
وجنادب ، وهذه أسماء مذكرة لا يحسن أن تقول فيها : بلبلات وحضجرات ، فحملوا صحائف
على هذا إذا كان رباعيّا مثله.
وذكر سيبويه
أضاءة بالمد ولم يذكرها بالمد غيره والمعروف أضاة وأضا مثل حصاة وحصى ، وقد ذكره
في ما تقدم مقصورا.
قال"
ومثله من بنات الواو والياء عظاءة .. وصلاءة .." إن قال قائل : هما من بنات
الياء لأنك تقول : عظاية وصلاية ، فلم قال : من بنات الياء والواو.
قيل له : بنات الياء
والواو تجري مجرى واحدا ، فمثّل ببعض ذلك لأن التمثيل جزء يدل على غيره.
وذكر أن
الرباعي ، وإن اختلفت حركاته ، يتفق في الجمع ، ومثل ذلك بضفدع وضفادع.
وحبرج وحبارج
وجنجن وجناجن.
والحبرج : ذكر
الحباري. والجنجن : عظم الصدر ، وبعضهم يقول : جنجن بالفتح.
إن قال قائل :
لم قال سيبويه : " وكل شيء من بنات الثلاثة لحقته الزيادة كسر على مثال
مفاعل" ثم ذكر" سلما وسلالم ، وجندبا وجنادب". وليس من مذهبه أن في
بنات الأربعة" فعلل" وإن كان الأخفش وغيره يقولون إن جندبا فعلل وقد
حكوا : برقع وبرقع ، وجؤذر وجؤذر؟
قيل له : هذه الأسماء
تجري عندى مجرى الملحق ؛ لأن جندبا حروفه أصلية ، وإنما عدل
__________________
أن يجعل أصلا في الرباعي لأنه مخفف من جنادب عنده ، وصار بمنزلة الرباعي
الأصلي ؛ لأن حروفه كلها أصلية ، وصار سلم ودمل وجندب ملحقا به.
قوله : "
وقد يكسّرون الفاعل على فعلان" إلى قوله : " قلبوها حين صارت الواو بعد
الكسرة".
يعني : أن
الأصل في غائط وحائط : الواو ؛ لأن الغائط : الأرض المطمئنة ، ويقال لها الغوطة ،
وبها سميت الغوطة قرية بدمشق ، وحائط من قولك : حاط يحوط.
والحاجز : أرض
مستديرة. والسائل : موضع يكون فيه شجر ، والحاجر : وهو الذي تسميه العامة الجير ،
وهو : بطن من الأرض يجتمع فيه الماء.
قال : وقد
قالوا : غال وغلان وفالق وفلقان.
والغال :
المكان المطمئن. والفالق : المكان المستدير الذي ليس فيه نبت. وقع بعد هذا في
النسخ مال وملان ولم يعلم له تفسير.
وقد جمع فاعل
اسما على أفعلة ولم يذكره سيبويه ، وذلك قولهم : واد وأودية كأنهم حملوه على فعيل
كجريب وأجربة ، وكرهوا فواعل لئلا يجتمع واوان في أول الكلمة وكرهوا أيضا فعلان
وفعلان لئلا تضم الواو وتنكسر ، فاعرفه.
هذا باب ما يجمع من
المذكر بالتاء لأنه يصير
إلى تأنيث إذا جمع
اعلم أن قولهم
سرادق وسرادقات ، وحمام وحمامات جمع مشبه بما في واحده هاء التأنيث. ووجه التشبيه
أن جمع المذكر يصير مؤنثا في التكسير ، فجعل سرادقات بمنزلة الجمع المكسر المؤنث ،
وجعل تأنيثه الحادث من أجل الجمع بالألف والتاء ، وكذلك سائر ما ذكر.
وإنّما يفعلون
أكثر ذلك في ما لم يكسروه ، وربما كسروا وجمعوا بالألف والتاء كقولهم : بوان
وبوانات للجمع ، وبون. كما قالوا : عرسات وأعراس في جمع العرس.
ووقع في الباب
: السبحل وهو العريض البطن من الضباب والربحل وهو التار الناعم ، وقد يوصف بهما النساء
والإبل وغير ذلك.
هذا باب ما جاء بناء
جمعه على غير ما يكون
في مثله ولم يكسر هو
على ذلك البناء
قوله : "
ومثل أراهط أهل وأهال ، وليلة وليال".
يعني : أن ليال
ليس بجمع ليلة على لفظها ، ولا أهال جمع أهل وإنما تقديره أهلاة ولم يستعمل.
وقالوا : لييلة على ليلاة في التصغير كما جاءت عليه في الجمع.
قال : وزعم أبو
الخطاب أنّهم يقولون : أرض وأراض أفعال كما قالوا : أهل وأهال.
وقد ذكر سيبويه
في ما تقدم أنّهم لم يقولوا أرض ولا أراض ، فيجب على هذا أن يكون" أراض"
غلطا وقع في الكتاب وأن يكون الصواب : أرض وأراض ، كما قالوا : أهل وأهال ، فيكون
مثل ليلة وليال ويشاكل الباب على هذا. إلا أنّه إنما ذكر في الباب ما جاء جمعه على
غير الواحد ، ونحن إذا قلنا : أرض وأراض وأهل وأهال فهو على الواحد وإن كان شاذّا
مثل زيد وأزياد ، وفرخ وأفراخ.
قوله : "
بعد أن ذكر جمع توأم على" تؤام" : كأنهم كسروا عليه تئم".
معنى هذا : أن
الباب عنده في" فعال" ، أن يكون جمع" فعل" ، لأن أكثره جمع
فعل ، وذلك : ظئر وظؤار ، ورخل ورخال ، وثنى وثناء.
قال : "
ومثل هذا حمير ... وأطيار ... وأفلاء".
يعني : أن ما
كان من جمع الثلاثي مما جاء جمعا لما كان على أربعة أحرف فهو بحذف حرف منه في
التقدير وليس ذلك بمطرد ، فكأنهم قدروا : حمارا على حمر. وجمعوه على حمير ، كما
قالوا : كلب وكليب ، وعبد وعبيد وجعلوا صاحبا وطائرا على صحب وطير ، ثم جمعوه
على" أصحاب" وأطيار ، كما قالوا : بيت وأبيات.
وجعلوا فلوا
على فعل أو فعل كما قالوا : عجز وأعجاز.
هذا باب ما عدة حروفه
خمسة أحرف
وخامسه ألف التأنيث
ذكر في هذا
الباب أن" فاعلاء" يجمع على" فواعل" كما تجمع فاعلة"
وذلك قاصعاء وقواصع ، ونافقاء ونوافق وداماء ودوام. وهذه كلها حجرة اليرابع.
وذكر"
حانباء" و" حواني" ولا يعلم تفسيره.
هذا باب جمع الجمع
ذكر سيبويه في
هذا الباب ثلاثة أشياء ، الباب فيها أن لا تجمع ، وما جمع منها فهو مسلم للعرب ،
والباقى على قياسه ، منها الجمع المكسر كقولهم : أيد وأياد وأوطب وأواطب.
قال الراجز :
* تخلب منها ستة الأواطب
وأسقية
وأساق".
وقد روى أسماء
وأسام. والثاني من الثلاثة المصادر التي يدل بها على نوع المصدر نحو :
__________________
القتال والشتم والضرب لا تقول قتول ولا شتوم ، وإنما جاء أشغال ، وعقول ،
وحلوم ، وألباب فلا يتجاوز ذلك.
وكذلك أسماء
الأجناس نحو : التمر والبرّ. وقد ذكر عن المبرد أنّه قال : تمر وأتمر ، وبر وأبرار
، إذا أردت أجناسا مختلفة.
وقد منع سيبويه
أن يقال أبرار في جمع بر. وذكر سيبويه أنّهم قالوا : عوذ وعوذات وأعوذ ، جمع عائذ
من الإبل : وهي الحديثة العهد بالنتاج.
قال الراعي :
* لها بحقيل فالتثّميرة منزل
|
|
ترى الوحش
عوذات به ومتاليا
|
ويروى : "
فالنميرة" ، والمتالي : التي تتلوها أولادها.
قال : وقالوا :
حشان وحشاشين كما قالوا : مصران ومصارين والحشان : جمع حشّ وحشّ : وهو البستان.
وأنشد للراجز :
* ترعى أناض من جزيز الحمض
ويروى"
أناص" فمن قال : أناض ، جمع النضو أنضاء وجمع الأنضاء أناض. والنضو : الهزيل.
والنصي : الرطب من الخلا فجمع نصيا على أنصاء بحذف الزائد ، كما قالوا : شريف
وأشراف ثم جمع أنصاء على أناص. وهذا ضعيف لأنه قال : من" جزيز الحمض" ،
والنصي : نبت ليس من الحمض.
هذا باب ما كان من
الأعجمية على أربعة وقد أعرب
فكسرته على مثال
مفاعل
اعلم أن ما كان
من الأعجمي والمنسوب ، فإن أكثر ما يأتي جمعه بالهاء ، وهو الباب فيه.
وما لم يأت
بالهاء فهو مشبه بالعربي وبغير المنسوب.
ـ فأما المنسوب
فمثل : المسامعة ، واحدهم مسمع ، والمهالبة واحدهم : مهلبي.
ـ وأما الأعجمى
فنحو : الجواربة والموازجة واحدها جورب وموزج.
ـ فأما دخول
الهاء في المنسوب فلوجهين :
أحدهما
: توكيد التأنيث
فيه كما وكد في بعض ما مضى من الجمع ، كقولنا : ذكر وذكورة وحجر وحجارة.
__________________
والوجه
الثاني : أن تكون الهاء
في الجمع عوضا من ياء النسبة التي كانت في الواحد ، فالهاء تكون عوضا من ياء
النسبة التي كانت في الواحد ، والهاء تكون عوضا من الياء كقولهم : زنادقة وجحاجحة
، والأصل زناديق وجحاجيح. فأما دخولها في الأعجمي فلتوكيد التأنيث في الجمع المكسر
والدلالة على أنّه أعجمي.
وذكر أناسية في
جمع إنسان ، وفيه وجهان :
أحدهما
: أن يجعلوا
الهاء عوضا من إحدى ياءي أناسي ، وتكون الياء الأولى من الياءين في أناسي منقلبة
من الألف التي بعد السين في إنسان ، والثانية منقلبة من النون كما تنقلب النون
منها إذا نسبت إلى صنعاء وبهراء فقلت : صنعاني وبهراني.
والوجه الثاني
: أن تحذف الألف والنون من إنسان تقديرا ، وتأتي بالياء التي تكون في تصغيره إذا
قلت : " أنيسان" ، فكأنهم ردوا في الجمع الياء التي يردونها في التصغير
فيصير : أناسي ، ويدخلون الهاء لتحقيق التأنيث.
وقال المبرد :
أناسية جمع إنسي ، والهاء عوض من الياء المحذوفة ؛ لأنه كان يجب"
أناسي".
وقولهم :
السيابجة واحدهم : سيبجي ، وهم قوم من الهند وقد يقال : سابج بالألف.
والموزج والكربج
: الحانوت ، وهما أيضا اسم موضع ، ولعله سمي بحانوت كان فيه.
ومعنى قوله :
" فأهل الأرض كالحيّ" ..
يريد : أن
البرابرة والسيابجة ـ وهم منسوبون إلى بلادهم ـ بمنزلة المسامعة وهم من أحياء
العرب فاعلمه.
هذا باب ما لفظ به
ممّا هو مثنى
كما لفظ بالجمع
بين في هذا
الباب أن العرب قد تجمع بعض الجمع إلا أن ذلك إذا أرادت تكثيره.
وذكر أن الجمع
لا يثنى قياسا على جمع الجمع ، إلا أن العرب قد ثنت بعض ما يذهبون فيه مذهب شيئين
مختلفين كقولهم : إبلان إذا أرادوا : إبل قبيلة وإبل قبيلة أخرى أو إبلا سودا
وإبلا حمرا ، كأنهم قالوا : قطعتان من الإبل ، وكذلك لقاحان على مذهب سيبويه.
قال أبو النجم
:
* تبقّلت في أوّل التبقّل
|
|
بين رماحي
مالك ونهشل
|
فثنى"
رماحا" ، لأنه أراد رماح هذه القبيلة وهذه القبيلة.
وأنشد للفرزدق
:
* بما في فؤادينا من الشّوق والهوى
|
|
فيبرأ منهاض
الفؤاد المعذّب
|
فثنى فؤادا ،
وكان القياس أن يجمعه على قياس شيء من شيئين.
والمنهاض : من
الهيض وهو الكسر بعد الجبر ويروى المشعف مكان المعذب ، وهو بالفاء أشهر.
وأنشد أبياتا
قد تقدم تفسيرها في ما مضى من الكتاب فأمسكنا عن ذكرها لذلك.
وسائر الباب
مفهوم من كلام سيبويه.
هذا باب ما هو اسم
يقع على الجمع
لم يكسر عليه الواحد
ذكر في هذا
الباب أن قولهم في جمع" فاعل" : " فعل" ليس ، بتكسير وإنما هو
اسم للجمع كقولهم : ركب وصحب وشرب وكذلك : سفر في جمع مسافر.
وقال الأخفش :
هو مكسر. فإذا صغر على مذهب الأخفش رد إلى الواحد فيصغر ثم تلحقه الزوائد للجمع.
وعلى مذهب
سيبويه يصغر اللفظ ولا يرد إلى واحده.
واحتج الزجاج
لسيبويه أن الجمع المكسر حقه أن يزيد على لفظ الواحد.
وفعل أخف أبنية
الواحد ، فليس بجمع مكسر ولا يستمر قياس هذا في الجموع ، لا يقال : جالس وجلس ،
ولا كاتب وكتب.
وذكر
سيبويه" الكمأة" و" الجبأة" ، وهي ضرب من الكمأة ، وواحدها
كمء وجبء. هذا نادر الجمع لأن الهاء تكون في الواحد ، وحذفها علامة للجمع كقولنا :
تمرة وتمر ، وهذا" كمء" للواحد و" كمأة للجميع" ، وقدد
يجمع" كمء" على" أكمؤ" كما قيل : كلب وأكلب.
ووقع في الكتاب
: ومثل ذلك أخ وإخوة ، وسرىّ وسراة ، على أنّهما اسمان للجمع ، والواجب أن يكون
أخوة بضم الهمزة ؛ لأن إخوة" فعلة" ، و" فعلة" من الجموع
المكسرة نحو صبية وغلمة وفتية.
وأما ضم الهمزة
فبمنزلة : " صحبة" و" ظؤرة" وهما اسمان للجمع.
وأنشد لامرئ
القيس :
* سريت بهم حتّى تكل غزيّهم
|
|
وحتّى الجياد
ما يقدن بأرسان
|
يريد :
أن" غزيا" اسم يقع على الجمع لم يكسر عليه واحد وإنما هو كقولك : قاطن
__________________
وقطين ، وعازب وعزيب.
هذا باب تكسير الصفة
للجمع
اعلم أن الباب
في جمع الصفة أن يكون مسلما غير مكسر ؛ لأنها تجري على الفعل ، والفعل يلحقه
الضمير للمذكر والمؤنث ، فالجاري عليه تلحقه علامة التذكير والتأنيث وإذا لحقته
العلامتان لم يكن بد من السلامة ، كقولك : قائم وقائمة وقائمات ، ويضعف فيه
التكسير لأنه لا يضاف إليه ثلاثة وأربعة إلى عشرة إلا بتقديم الموصوف ، لا تقول :
ثلاثة قائمين ولا ثلاث قائمات حتى نقول : ثلاثة رجال قائمين ، وثلاث نسوة قائمات
فلما كانت الصفة على وصفنا ، كان التكسير فيها أضعف منه في الاسم.
وقد ذكر سيبويه
جمعها على الوجهين وبين جمع ذلك.
وأنشد للراجز :
* قالت سليمى : لا أحبّ الجعدين
|
|
ولا السّباط
إنّهم مناتين
|
فجمع جعدا
مسلما.
وذكر أنّهم
قالوا : شاة لجبة ، وشياه لجبات ، وهي التي قد ولّى لبنها وقلّ.
واعتل للتحريك
في الجمع بأن من العرب من يقول : شاة لجبة فأجمعوا في الجمع على هذه اللغة.
وبين أن العرب
قد تكسر المصادر التي يوصف بها كقولهم : خلق وأخلاق ، وثوب سمل وأسمال ، وهو الخلق
أيضا ، ومثل هذا : حدث وأحداث ، وعزب وأعزاب والعزب يقال للذكر والأنثى.
قالت ابنة
الحمارس :
* يا من يدلّ عزبا على عزب
|
|
على ابنة
الحمارس الشّيخ الأزب
|
وكان لعبد
القيس فرس يقال لها هراوة الأعزاب ، يركبها العزب ويعزو عليها ، فإذا تأهل أعطوها
عزبا آخر.
ولها يقول لبيد
:
* تبدي أوائلهنّ كلّ طمرّة
|
|
جرداء مثل
هراوة الأعزاب
|
وقد ذكر عزبة
للأنثى.
وقال الجرمي :
لا تنكر عزبة ، ولكني لم أسمع به.
وذكر سيبويه
أن" فعلا" في الصفات لا يكسر ، وذلك قولك : حذرون وعجلون ، ويقظون ،
وندسون.
والندس : هو
الذي يبحث عن الأخبار ويكون بصيرا بها.
ولم يكسر من
هذا إلا حرفان وهما : نجد وأنجاد ، والنّجد : المجرب وهو أيضا : الدليل الهادي.
ويقظ وأيقاظ.
وبين أن فعلا
في الصفات لا يكسر على فعل ، كقولهم : قوم فرقون ، وقوم وجلون وفزعون. وقد قالوا :
نكد وأنكاد ، وقال الجرمي : فرح وفرحون وأفراح وقالوا : فراح.
قال الشاعر :
* وجوه النّاس ما عمّرت بيض
|
|
طليقات
وأنفسهم فراح
|
هذا باب
تكسير ما كان من
الصفات عدة حروفه أربعة أحرف
ذكر في هذا
الباب أن فعيلا من المعتل والمضاعف يجمع على" أفعلا" بدلا من"
فعلاء" ، وقد جاء حرف نادر من هذا الباب على فعلاء لا يعرف غيره.
وهو : تقى
وتقواء ، ولما شذ غيروا الياء فيه إلى الواو وكان حقه أن يكون تقياء ، ولا يعرف
غيره في ما حكاه البصريون.
وقد حكى الفراء
: سرى وسروات وأسريات.
وبين أن فعيلا
قد تجمع على أفعال كما جمعوا عليه فاعلا لاشتراكهما في عدة الحروف والزيادة ،
قالوا : يتيم وأيتام ، وشريف وأشراف.
وحكى عن أبي
الخطاب أنّهم يقولون : أبيل وآبال والأبيل : القسّ.
قال الشاعر :
* وما سبح الرهبان في كل موطن
|
|
أبيل
الأبيلين المسيح ابن مريما
|
وبين أن فعلاء
مما يخص بها المذكر في الجمع ، وليس في المؤنث فعلاء الآخر. فإن قالوا : امرأة
فقيرة ، ونسوة فقراء ، وسفيهة وسفهاء ، ويقال : سفاهة على القياس.
قال : وزعم
الخليل أن قولهم : ... ظروف لم يكسر عليه ظريف ، كما أن المذاكير لم يكسر عليه
ذكر.
وقال أبو عبيدة
: هو مكسر على غير بابه ، وليس مثل مذاكير ، والدّليل على ذلك أنك إذا صغرت قلت :
ظريفون ، ولا تقول ذلك في مذاكير : والخليل يجعل" ظروفا" اسما للجمع في
ظريف أو يجعله جمعا لظرف وإن كان لا يستعمل ، ويكون ظرف في معنى : ظريف كما يقال :
عدل في معنى عادل.
وقال الجرمي :
ظروف جمع لظريف على غير قياس ، بمنزلة قولهم : زيد وأزياد ، وزمن وأزامن.
وذكر أن"
فعولا" من صفات المؤنث قد يجمع على فعائل ، قالوا : " جدود وجدائد
وصعود وصعائد".
شبهوه بصحيحة
وصحائح ؛ لأنه مؤنث مثله وإن لم يكن فيه علامة.
والجدود : التي
لا لبن لها ، والصعود : التي عطفت على ولد غيرها بعد إسقاطها.
وقالوا للواله
: عجول وعجل ، ولم يقولوا : عجائل ، وهي التي فقدت ولدها.
وسلوب وسلب
وسلائب ، وهي التي فارقها ولدها بموت أو ذبح أو غير ذلك.
وذكر أن"
فعولا" في الصفات لا يجمع مسلما ، والعلة فيه أن : صبورا وشكورا وما أشبههما
، قد استعملت للمؤنث بغير هاء من أجل أنّها لم تجر على الفعل ، فلما طرحت الهاء في
الواحدة ـ وإن كان التأنيث يوجب الهاء ـ كرهوا أن يأتوا بجمع يوجب ما كرهوا في
الواحد ، فعدل به على السلامة إلى التكسير في المؤنث ، فلما عدل إلى التكسير في
المؤنث أجرى المذكر مجراه.
قال : "
ومثل هذا : مري وصفي ، قالوا : مرايا وصفايا ، والمري التي يمريها الرجل يستدرها
للحلب".
والصفي :
الغزيرة اللبن ، ويجوز أن يكون وزنها فعيلا وفعولا.
قال : وقالوا
رجل ودود ورجال ودداء.
اعلم أن في هذا
مخالفة للقياس من وجهين :
ـ
أحدهما : أن"
فعولا" لا يجمع على فعلاء وإنما يجمع عليه فعيل ككريم وكرماء.
ـ
والثاني : أن"
فعيلا" من المضاعف لا يجمع على" فعلاء" لا يقولون : شديد وشدداء ،
وإنما قالوا : ودداء لأنه لما خرج عن بابه فشذ في وزن الجمع ، احتملوا شذوذه أيضا
في التضعيف وشبهوه مع ذلك بخششاء.
قال : فأما
فعال فبمنزلة فعول. وذلك قولك : صناع وصنع" وقالوا جماد وجمد" وكما
قالوا : " صبور وصبر".
والصناع :
الحاذقة. والجماد : الممسكة ، يقال : سنة جماد وامرأة جماد ، إذا كانت بخيلة.
قال : "
وأما فعال فبمنزلة فعال ، ألا ترى أنك تقول : ناقة كناز ... وكنز للجميع ، وقالوا
: رجل لكاك".
وامرأة لكاك ،
وكذلك الجمل والناقة. وجمعه : لكك وهو الكثير اللحم وجمل دلاث وناقة دلاث : وهو
الماضي السريع ، والجمع دلث.
وذكر سيبويه
قولهم : " هجان" للواحد و" هجان" للجمع وذكر عن الخليل أنّه
مكسر وبين العلة فيه.
وذكر الجرمي
أنّه قد يجري مجرى المصدر فيستعمل للواحد والاثنين والجميع بلفظ
واحد.
قال : وقالوا :
" جواد وجياد" للجمع لأن جوادا مشبهة بفعيل فصار بمنزلة قولك : طويل
وطوال ، واستعماله بالياء دون الواو كما قال بعضهم : طيال في معنى طوال.
قال :
وقالوا" عوار وعواوير".
والعوار :
الرجل الجبان ، وكسروه لأنهم أجروه مجرى الأسماء لأنهم ، لا يكادون يقولون للمرأة
: عوارة ؛ لأن الشجاعة والجبن في الأغلب من أوصاف الرجال الذين يحضرون الحروب
وشبهوا" عوارا" و" عواوير" بنقاز ونقاقيز.
والنقاز :
العصفور ، وفي بعض النسخ : نقاز ونقاقير وهو غلط.
ذكر أبو حاتم
النقاز وقال : سمي بذلك لأنه ينقز وذكره ابن دريد في باب الزاي والقاف والنون.
وذكر أن"
فيعلا" قد يجمع على" أفعال" كما جمع فاعل عليه ، قالوا : ميت
وأموات كما قالوا : شاهد وأشهاد. ومثل ذلك : قيل وأقيال وأصل قيل قيل من القول وهو
الملك ، وأصله : قيول وإنما قيل له قيل : لأن : قوله نافذ في جميع ما أراد.
وذكر سيبويه :
أقيال وكيس وأكياس ، قال : وقد جاء شيء من فيعل في المذكر والمؤنث سواء.
قالوا : ناقة
ريض وهي الصعبة التي تراد.
قال الراعي :
* وكأنّ ريّضها إذا باشرتها
|
|
كانت معاودة
الرّحيل ذلولا
|
طرحوا الهاء
منها كما طرحوها في سديس ، وجديد.
ويجوز أن يكون
طرح الهاء منها تشبيها بامرأة قتيل وجريح ؛ لأنها في معنى مروضة.
وذكر أن"
أفعل" الذي تلزمه من يجمع مسلما ومكسرا إلا آخر ، فإنهم جمعوه مسلما فقالوا :
الآخرون ولم يقولوا : الأواخر كراهة أن يلتبس بجمع آخر.
وذكر أن فعلا
إذا كان مذكرها" فعلان" ، تجمع على" فعالى" و"
فعالى" كقولهم : رجل رجلان الشعر ، وامرأة رجلى ، وفي الجميع رجالى ورجال
وكذلك عجالى وعجال في جمع عجلان وعجلى. ويقال : شاة حرمى وشياه حرام وحرامى ، كما
قالوا : عجلي ، وللجميع عجال وعجالى.
ليس لحرمى ذكر
لأن الحرام : شهوة الأنثى إلا أنّهم أجروه مجرى ما مذكره حرمان.
وذكر في الباب
أنّهم قد يدخلون الهاء في فعيل الذي في معنى : " مفعول" على غير القصد
لوقوع الفعل به وحصوله فيه. ومذهبهم في ذلك : الإخبار عن الشيء المتخذ لذلك الفعل
كقولهم : ضحيّة للمذكر والأنثى ، ويجوز أن يقال ذلك من قبل أن يضحى به ،
وذبيحة فلان لما قد اتخذه للذبح.
وقولهم : بئس
الرميّة الأرنب.
أي : الشيء
الذي يرمي ، وسواء رمى أو لم يرم ، والعلة فيه : أن ما قد حصل فيه الفعل يذهب به
مذهب الأسماء ، وما لم يحصل فيه الفعل ذهب به مذهب الصفات فأنث لأنه كالمستقبل ،
ألا ترى أنك تقول : " امرأة حائض" ، فإذا قلت : حائضة غدا لم يحسن فيه
غير الهاء. وتقول : " زيد مائت غدا" فتجعل فاعلا جاريا على فعلة ، وحمل
المذكر على المؤنث لأن أكثر ذلك مؤنث.
قال وقالوا :
" عقيم وعقم شبهوه بجديد وجدد".
وعقيم : "
فعيل" في معنى" مفعوله" ولكنهم شبّهوه بجديد وجدد في معنى فاعل على
ما دل عليه كلام سيبويه. وبعض الناس يجعل جديدا في معنى مفعول ، ويقال : جد الشيء
: إذا قطع ، وجدّ الحائك الثوب : إذا قطعه. واستدل أيضا بأنه يقال : ملحفة جديد
كما يقال : امرأة قتيل.
وقال المحتج عن
سيبويه : إنّه قد يتفق لفظ المؤنث والمذكر في الشيء الذي يكون فيه إدخال الهاء على
المؤنث ، كقولهم للرجل : صديق ، وللمرأة : صديق وكقولهم ميت للرجل والمرأة ، وإن
كان باب فيه ميتة.
قال : "
وقالوا : طلحت الناقة ، وناقة طليح شبّهوها بحسير ؛ لأنها قريبة من معناها"
إلى قوله : ولكن المعنى أنّه فعل بها : يعني قولهم : طلحت الناقة ، ومعناها : أعيت
، يوجب أن يقال : طليحة كما قالوا : مرضت فهي مريضة وسقمت فهي سقيمة ، ولكنه لما
كان الإعياء شيئا يصيب الإنسان من غير شهوة ولا اختيار. شبه بالفعل الذي لم يسم
فاعله ، فأشبهت : جرحت فهي جريح وما أشبه ذلك.
وأنشد في
جمع" فاعل" على" فواعل" ضرورة للفرزدق :
* وإذا الرّجال رأوا يزيد رأيتهم
|
|
خضع الرّقاب
نواكسي الأبصار
|
أراد : "
نواكسين" على جمع الجمع ، ثم حذف النون للإضافة.
هذا باب بناء الأفعال
التي هي أعمال
اعلم أن هذا
الباب وما يتلوه إلى باب الإمالة يذكر سيبويه فيها المصادر واختلافها وما يتعلق
بالفعل من أبنية الفاعلين والمفعولين وغير ذلك بأبنيته.
__________________
وذكر في الباب
ما جاء على فعل يفعل فعلا : ملجه يملجه ملجا وهو مالج ومعناه : مصه ورضعه.
قال : "
وقالوا : سخطه سخطا شبهه بالغضب حين اتفق البناء يعني : أن سخطا مصدر فعل يتعدى.
وقد شبه بالغضب وهو مصدر فعل لا يتعدى لاتفاقهما في وزن الفعل وفي المعنى.
قال : "
وقد جاء شيء من هذا المتعدى على فعيل .. قالوا : ضريب قداح للذى يضرب بالقداح ،
وصريم للصارم".
وقال طريف بن
تميم العنبري.
* أو كلّما وردت عكاظ قبيلة
|
|
بعثوا إليّ
عريفهم يتوسّم؟
|
يريد عارفهم.
والباب في ذلك
أن يكون بناؤه على فاعل كضارب وما أشبهه ، ويجوز أن يكون : ضريب قداح. فرقا بينه
وبين من يضرب في معنى آخر ، وبين الصريم في القطيعة وبين من يصرم في معنى آخر ،
وبين العريف الذي يتعرف الأنساب وبين العارف بشيء سواه.
قال : "
وقالوا : لويته حقّه ليّانا على فعلان".
وذكر بعض
النحويين أن ليانا أصله ليان ؛ لأنه ليس في المصدر فعلان وإنما يجيء على فعلان
وفعلان كثيرا كالوجدان والإتيان والشّكران والغفران ، فكأن أصله : ليان أو"
ليان" فاستثقلوا الضمة والكسرة مع الياء المشددة ففتحوا استثقالا.
وقد ذكر أبو
زيد عن بعض العرب : لويته ليانا بالكسر.
" وقوله
بعد أن ذكر أن مصدر فعل الذي لا يتعدى قد يجيء على فعل وقولهم : فاعل يدلك على
أنّهم إنما جعلوه من هذا الباب وتخفيفهم الحرد".
أراد أنّهم لما
حملوا مصادر ما لا يتعدى على ما يتعدى في قولهم : عجز عجزا ، وسكت سكتا.
والباب فيه :
" الفعول" كما حملوا ما يتعدى حيث قالوا : لزمه لزوما وجحده جحودا ،
والباب فيه : لزما وجحدا على ما لا يتعدى ، وقوى حملهم ذلك على ما يتعدى أنّهم
قالوا حارد من حرد يحرد : إذا غضب.
وكان القياس أن
يقال : حرد حردا فهو حردان ، كما قالوا غضب غضبا فهو غضبان
__________________
فأخرجوه عن باب غضبان بتخفيف الحرد ، وبقولهم حارد.
ومعنى قول سيبويه
: " فإنه يكون فعله على ما ذكرنا في الذي يتعدى".
يريد من باب
فعل يفعل كقولنا : قعد يقعد ، وفعل يفعل مثل : جلس يجلس ، وفعل يفعل كقولك : حرد
يحرد ، فهذه الأفعال لها نظائر في ما يتعدى ويجيء في ما لا يتعدى بناء ينفرد به
كقولك : ظرف يظرف ، وكرم يكرم.
وذكر سيبويه
أن" الفعال" يكثر في الأدواء ، كقولنا : السّكات والبوار ، والدوار ،
والسهام ، وهو تغير من حر الشمس ، والنّحاز وهو مثل السعال.
وقال الأصمعي :
وقع في الإبل السّواف وهو الهلاك والموت.
وقال أبو عمرو
الشيباني : السّواف بفتح السين. فأنكر الأصمعي وغيره ما قاله أبو عمرو.
وقد قال سيبويه
بعد أسطر : " كما أنك قد تجيء ببعض ما يكون من داء على غير فعال ، وبابه
فعال".
وذكر أن فعالة
يكثر في ما كان ولاية أو صناعة وذكر في معنى الولاية : النكابة وهي من المنكب ،
والمنكب : رأس العرفاء الذي في يده اثنى عشرة عرافة.
قال : " وأما
الوسم فيجيء على فعال نحو : الخباط والعلاط ، والعراض والجناب ، والكشاح"
وقد فسرها
سيبويه :
قال : "
وقد جاء بعض السمات على غير الفعال نحو : القرمة والجرف ، اكتفوا بالعمل ، يعني
المصدر والفعلة فأوقعوهما على الأثر والجرف : أن يقطع شيء من الجلد بحديد ، والقرمة
: أن يقطع شيء من الجلد يكون معلقا منه.
قال : "
وقالوا : الحيدان والميلان ، فأدخلوا الفعلان في هذا كما أن ما ذكرنا من المصادر
قد دخل بعضها في بعض".
يعني : أن
الحيدان والميلان إنما هما أخذا في جهة ما عادلة من جهة أخرى فهما بمنزلة الرغوان.
وقال بعضهم :
الحيدان والميلان ليس فيهما زعزعة شديدة ، وما ذكر ففيه زعزعة شديدة فلذلك قال ما
قال.
وقال بعد أن
ذكر أشياء بنيت على" فعل"" يفعل" فهو" فعل" ومثل
هذا" في التقارب : بطن يبطن بطنا وهو بطين وبطن. وتبن تبنا وهو تبن .. وطبن
.. طبنا وهو طبن".
قال بعض
النحويين : زيدت الياء في بطين للزوم الكسرة لهذا الباب ، يعني لفعل ،
فيصير كالمريض والسقيم وما يشبه ذلك. ومعنى تبن : فطن ، أي : ذلك من طبعه ،
وقال بعضهم : تبن بطنه : إذا انتفخ.
هذا باب ما جاء من
الأدواء على مثال
وجع يوجع وجعا وهو
وجع لتقارب المعاني
اعلم أن فعل
يفعل إذا كان اسم الفاعل منه على فاعل فهو يجري مجرى ما يتعدى ، وإن كان لا يتعدى
كقولك : سخط يسخط وهو ساخط ، وخشي يخشى وهو خاش ، وكان الأصل : سخط منه ، كما تقول
: غضب منه وخشي منه كما تقول : وجل منه ، فجمعوا خشي وهو خاش كقولهم : رحم وهو
راحم ، ولا يقدر في رحم حرف من حروف الجر.
ومعنى قول
سيبويه : " فلم يجيئوا باللّفظ كلفظ ما معناه كمعناه" يريد : لم يقولوا
خش كما قالوا : فرق ، وجل.
قوله : "
ولكن جاءوا بالمصدر والاسم".
يعني بالمصدر :
الخشية ، وبالاسم : الخاشي. والخشية بمنزلة الرحمة في وزنها ، والخاشي كالراحم في
وزنه ، وبناء خشي يخشى : كبناء رحم يرحم وهو ضده.
وقد يحمل الضد
في لفظه على ما يضاده لتلبسهما بخبر واحد وإن كانا يتنافيان في ذلك الخبر.
قال : وقالوا :
سهك يسهك سهكا وهو سهك وقنم يقنم وهو قنم ، جعلوه كالداء لأنه عيب ، وقالوا قنمة
وسهكة. وهما الرائحة المنكرة.
قال وقالوا :
لقس يلقس لقسا وهو لقس. ولحز يلحز لحزا وهو لحز لما صارت هذه الأشياء مكروهة عندهم
، صارت بمنزلة الأوجاع.
واللقس : سوء
الخلق. واللحز : الضيق والشح.
ويقال لجج يلجج
لججا وهو لجج ؛ لأن معناه قريب من السقم ، يقال : لجج في الشيء إذا نشب فيه ولم
يمكنه التخلص منه إلا بشدة.
هذا باب فعلان ومصدره
ذكر في هذا
الباب قولهم : روى يروي ريّا وهو ريان.
قال : أدخلوا
الفعل في هذه المصادر كما أدخلوا الفعل فيها حين قالوا : السكر.
ولقائل أن يقول
: هو فعل كسر من أجل الياء ، كما قالوا : قرن ألوى وقرون لي.
وفي السكر ثلاث
لغات : قالوا : السّكر والسّكر والسّكر وحكى عن الأخفش السكر.
وذكر أن ما كان
في معنى الجوع قد يبنى على فعل يفعل كقولهم : جاع يجوع جوعا وهو جائع ، وناع ينوع
نوعا وهو نائع.
وقال بعضهم :
النائع : المتألم من الجوع.
وقال بعضهم :
هو المائل من الجوع.
وقال بعضهم :
النائع : العطشان.
وبين سيبويه أن
بعض الصفات مما هو في معنى الامتلاء قد يبنى على فعلان ، فعلى وإن لم يكن له فعل
يجري عليه كقولهم : قدح نصفان ، وجمجمة نصفى وهي أيضا قدح ، وقدح قربان وجمجمة
قربي ، إذا قاربت الامتلاء.
قال : ولم
نسمعهم قالوا : قرب ولا نصف ، اكتفوا بقارب ونصف وكأنهم توهموا فيه قرب ونصف ،
وقوى هذا باستعمالهم : أعزل عزل ولم يقولوا : أعازل.
ومعنى هذا : أن
أعزل. وإن كان على لفظ أحمر ، فلم يذهب به مذهب أحمر ، لأنه لا مؤنث له ، وذهبوا
به مذهب الأسماء كأفكل وأبدع ولم يجمعوه كجمع الأسماء في هذا الوزن ، ولم يقولوا :
أعازل كما قالوا : أفاكل ، وقالوا : عزل كأنهم قدروا" أعزل" و"
عزلاء" مثل : " أحمر" و" حمراء" وإن لم يستعملوه ،
وقالوا : عزّل على أن الواحد عازل.
وذكر قولهم :
" ندمان" و" ندمى".
قال المبرد :
ندمان الذي من الندامة على الشيء يقال فيه : ندمى ولا يقال فيه ندمانة ، وإنما
ندمان وندمانة لباب المنادمة ـ فاعلمه.
هذا باب ما يبنى على
أفعل
ذكر في هذا
الباب أن الألوان تبنى على" أفعل". وأفعالها على فعل يفعل ، وربما بني
بعضها على فعل يفعل ، قالوا : أدم يأدم أدمة فهو آدم ، ومنهم من يقول : أدم يأدم ،
وكهب يكهب كهبة ، وقالوا : كهب يكهب وهي غبرة وكدرة في اللون.
وقهب يقهب قهبة
وهي سواد يضرب إلى الحمرة.
قال : وقالوا :
الغبسة كما قالوا : الحمرة.
وفي بعض النسخ
العيسة من الأعيس ، وأصلها العيسة فكسرت العين لتسلم الياء.
قال : وقالوا
امرأة ستهاء ورجل أسته ، فجاءوا به على بناء ضده ، وهو أرسح ورسحاء والأرسح :
الممسوح العجز ، وكذلك الأزل.
قال : "
وقالوا : أهضم وهضماء والمصدر الهضم" وهو عيب في الخيل ، وهو الذي ليس بمحفر
الوسط.
قالوا : وقالوا
أخلق وأملس والأخلق : الأملس ، وخلقته : ملسته.
قال : وقالوا :
مال يميل ميلا وهو مائل وأميل فلم يجيئوا به على مال يميل.
يريد : أن أفعل
ليس باب فعله أن يكون على فعل يفعل ، فكان حقّ أميل أن يكون فعله
ميل يميل ميلا. وإنما حكى سيبويه مال يميل.
وقد حكى غير
سيبويه : ميل يميل ميلا فهو أميل فاعرفه.
هذا باب أيضا للخصال
التي تكون في الأشياء
قوله في هذا
الباب : وقالوا : نضر وجهه ينضر فبنوه على فعل يفعل إلى قوله : وقالوا : ناضر كما
قالوا : نضر
إنما ذكر هذا ؛
لأنه من باب الحسن والقبح الذي يأتي فعله على فعل يفعل ليريك خروجه عن الباب.
واسم فاعله :
ناضر ونضير. فناضر على قياس فعله. ونضير محمول على وسيم لأنه نحوه في المعنى. ونضر
محمول على حسن. إلا أنّه مسكن الأوسط. ومثله : ضخم ولم يقولوا : ضخيم على ما ذكره
سيبويه ، وقد حكاه المبرد.
قال سيبويه :
وما كان من الرّفعة والضّعة .. فهو نحو هذا.
اعلم أن الضعة
وزنها فعلة ، والأصل : وضعة مثل عدة وزنة ، وربما فتحوا أشياء من ذلك إذا كان فيها
شيء من حروف الحلق كما يفتحون في الفعل من أجل حروف الحلق ما لا يفتح في غيره ،
قالوا : ضعة وقحة وصفة ، ولا يقولون في مثل صفة وزنة : زنة وصفة لعدم حروف الحلق.
قال : وقالوا
آمر علينا وهو أمير ، كنبه وهو نبيه وفي بعض النسخ : أمر علينا كنبه مفتوحا ،
والفتح أجود وأفصح.
قوله بعد أن
ذكر حكاية يونس عن بعض العرب : لببت تلب .. وإنما قلّ هذا لأن هذه الضمة تستثقل في
ما ذكرت لك ـ يعني في عضد ونحوه فلما صارت في ما يستثقلون فاجتمعا ، فرّوا
منهما".
يعني : لما
صارت الضمة في المضاعف وهما ثقيلان ، فروا منها ، والأكثر في الكلام لببت تلبّ.
قالت صفية بنت
عبد المطلب في ابنها الزبير :
* اضربه لكي يلب
|
|
وكي يعود ذا
لجب
|
__________________
هذا باب علم كل فعل
تعداك إلى غيرك
ذكر في هذا
الباب ما شذ من الأفعال عن قياسه في المستقبل والماضي وبين جميع ذلك.
وأنشد :
*
واعوجّ غصنك : من لحو ومن قدم
|
|
لا ينعم
الغصن حتى ينعم الورق
|
فقال : ينعم
والماضي نعم ، والقياس نعم ينعم.
واللّحو : مصدر
لحوت العود إذا : قشرته.
وأنشد للفرزدق
:
* وكوم تنعم الأضياف عينا
|
|
وتصبح في
مباركها ثقالا
|
والأقيس :
" تنعم الأضياف".
يصف إبلا قد
أمنت أن تنحر للأضياف ، فهي تنعم بهم عينا وتصبح مطمئنات في مباركها لا تذعر بعقر
فتثور من مواضعها.
وذكر سيبويه أن
من الأفعال ما جاء على فعل يفعل ، وذلك في حرفين كقولهم : فضل يفضل ومتّ تموت وحكى
غيره : حضر يحضر ودمت تدوم.
وباقى الباب
مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب ما جاء من
المصادر
فيه ألف التأنيث
ذكر في هذا
الباب أن" الفعّيلى" يأتي مصدرا لتكثير الفعل ، وبيّن أنّها أكثر ما
تأتي من اثنين فأكثر ، وقد يكون منها يكون للواحد. قالوا : الدلّيلي : لكثرة العلم
بالدلالة والرسوخ فيها.
وقالوا :
القتيتي : وهي النميمة ، والهجيرى : كثرة القول والكلام بالشيء وقال الأخفش : الإهجيري
: وهو كثرة كلامه بالشيء يردده.
ويروى أن عمر
رضى الله عنه قال : لو لا الخليفي لأذنت يعني : الخلافة وشغله بحقوقها والقيام بها
عن مراعاة الأوقات التي يراعيها المؤذنون.
قال : "
وقد قال بعض العرب : اللهم أشركنا في دعوى المسلمين".
وقال بشر بن
النكد :
* ولّت ودعواها كثير صخبه
__________________
فالدعوى عند
سيبويه مصدر بمعنى الدعاء ، أنث بالألف كما يؤنث بالهاء وقد تكون الدعوى الشيء
المدعى مثل الحذيا والسقيا ، وتكون الكلام الذي هو دعاء ، والهاء في قوله : صخبه
لدعواها ، والدعوى : مؤنثه فذكره في صخبه ؛ لأنه أراد دعاءها. والصخب : ارتفاع
الصوت واختلاطه.
هذا باب ما جاء من
المصادر على فعول
جميع ما في هذا
الباب مفهوم من كلام سيبويه.
هذا باب ما تجيء فيه
الفعلة تريد بها
ضربا من الفعل
ذكر في هذا
الباب قولهم : " ليت شعري" ، وبين أن الأصل : " ليت شعرتي" ،
وهي مصدر شعر شعرة بمنزلة : درى درية ، ومعناها العلم والمعرفة ، وأسقطت الهاء
لكثرة استعمالهم له ، وأنه صار كالمثل حتى لا يقال : ليت علمي ، وهو بمنزلة قولهم
: ذهب فلان بعذرة امرأته : إذا افتضها. ويقال للرجل المبتني بالمرأة : هو أبو
عذرها ، فيحذفون الهاء لأنه صار مثلا.
ويقال : "
تسمع بالمعيديّ لا أن تراه ، وهو تصغير معدّيّ بتشديد الدال ، وكان حكمه أن تقول :
معيدّي ولكنهم خففوا الدال لأنه مثل. يضرب لكل من سمع بذكره ووصف بما يعجب منه ،
فإذا نظر إليه ازدرته العين وصغر قدره عند الاختبار.
قال : وقالوا :
غزاة فأرادوا عمل وجه واحد كما قالوا حجة : يريد عمل سنة ، ولم يجيئوا به على
الأصل.
يريد : أنّه
كان حقه للمرة الواحدة : غزوة وحجة ولكنه جعل اسما لعمل سنة واحدة في الحج ، وغزو
في وجه واحد.
قال : وقالوا
قنمة وسهكة وخمطة جعلوه اسما لبعض الريح كالبنة ... ولم يرد به فعل فعلة.
يعني : أن
القنمة : اسم للرائحة الموجودة في الزيت.
والخمطة : تغير
الشراب إلى الحموضة. والبنة : رائحة موضع الغنم وأبعارها ، فاعرفه.
هذا باب نظائر ما
ذكرنا من بنات الياء والواو
التي الياء والواو
منهن لامات
اعلم أن فعلا
يقلّ في المصدر ، وكلام سيبويه ظاهره يوجب أنّه لم يأت مصدر على فعل غير هدى.
وللقائل أن
يقول : قد وجدنا تقى وسرى وبكى في من قصر.
وقد تكلم
النحويون في ذلك فذكر عن المبرد أنّه قال :
وزن تقي : تعل
، والتاء زائدة وفاء الفعل محذوفة سقطت في المصدر كسقوطها في الفعل إذا قلت : تقى
يتقى فالتاء في تقى افتعل ، والأصل : اتتقى فحذفت التاء الأولى وهي بدل من الواو
التي هي فاء الفعل فبقي عنده فعل من افتعل ، وتقى تفعل فحذفت فاء الفعل فصار تعل.
وقال الزجاج :
هو فعل وكان يقول : إن تقى الذي هذا مصدره ، لا يتعدى ، وأنه يقال فيه : تقى يتقي
، مخفف من اتقى يتقي وهو متعد .. وكان يزعم أن سيبويه إنما قال في هدي : إنّه لم
يجئ غيره.
يريد : في
المتعدي وأن سرى مصدر فعل غير متعد فحمله ذلك على أن قال : تقى مصدر فعل لا يتعدى.
والذي قاله :
غير معروف ؛ لأنه لا يعرف تقى يتقي بإسكان التاء ولا يؤمر منه باتق ، إنما المعروف
: تقى يتقي ، وتق يا زيد.
وبكى فيه لغتان
: المد والقصر ، وكأن القصر تخفيف ، والأصل المد لأنه صوت.
قال : وقال :
قوم غزي ، وبدي ، وعفي ، كما قالوا ضمر وشهد وفرح ، وقالوا : السقاء والجناء ـ جمع
جان ـ كما قالوا : الجلاس والعباد.
وإنما ذكر جمع
الفاعل في هذا الموضع ، وليس بباب له ، شاهدا على ما هو من المصادر مقصورا وممدودا
كقولهم : بدى وبداء ، وثنى وثناء.
وذكر في آخر
الباب : سرته فأنا أسوره سؤورا.
ومعناه : سرت
إليه إذا ارتفعت إليه.
وأنشد للأخطل :
* لما أتوها بمصباح ومبزلهم
|
|
سارت إليهم
سؤور الأبجل الضّاري
|
المبزل : شيء
يصفى به الشراب والبزل تصفية الشراب كأنه يصف شربا أتوا إناء خمر فحاولوا إخراجها
منه وتصفيتها فبدت لهم حمراء صافية كدم الأبجل ، وهو عرق الأكحل.
وهذا البيت في
الباب الذي بعد هذا.
وأنشد فيه أيضا
للعجاج :
* سرت إليه في أعالي السّور
وباقي هذا
الباب والباب الذي بعده مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب نظائر ما
ذكرنا من بنات الواو التي الواو فيهن فاء
ذكر في هذا
الباب أن فعل يفعل مما فاؤه واوا يعتل مستقبله لوقوع الواو بين ياء وكسرة
__________________
نحو وعد يعد ، وليس ذلك في فعل يفعل مثل : وضؤ يوضؤ.
فإن قال قائل :
لم لم تعتل الواو هنا فتحذف استثقالا لوقوعها بين ياء وضمة وهي أثقل من وقوعها بين
ياء وكسرة؟
قيل له : أتموا
هذا الباب لأنه لزم طريقا واحدا لا يمكن فيه التغير في وزنه ؛ لأن فعل يطرد
مستقبله على يفعل ولا يتخلف. وأما باب وعد ووزن فهو على" فعل" و"
فعل" يجيء مستقبله على يفعل فاقتصروا في وعد وما أشبهه على يفعل ، فكان ذلك
تغييرا لفعل ، فحملهم التغيير في ذلك أن حذفوا الواو أيضا استثقالا لها ، فكأنهم
أتبعوا التغيير ، وهذا الطريق يسلكه سيبويه.
فإن قال قائل :
قد تقع الواو بين ياء وكسرة في مثل" يوقن" و" يوصل" فهلا حذفت؟
فالجواب فيه كالجواب في" فعل"" يفعل" و" يفعل" ، أن
مستقبل أفعل لا يتغير عن يفعل كما أن مستقبل فعل ، لا يتغير عن يفعل ومع ذلك فإن
الواو الساكنة إذا كان قبلها ضمة فهي كالإشباع للضمة والاستثقال لها أقل.
وقد ذكر سيبويه
أن من العرب من يقول : يجد وذلك قليل.
وحذفوا الواو
من يجد لأن الأصل فيه يوجد فسقطت الواو من أجل ذلك.
وأما ما كانت
فاؤه ياء ، فإنه جاء سالما ؛ لأن الياء أخفّ من الواو ، وقد شذ حرف واحد ، قالوا :
يئس يئس ، والأصل فيه ييئس فسقطت الياء لوقوعها بين ياء وكسرة كسقوط الواو في يزن
ويعد.
هذا باب افتراق فعلت
وأفعلت في المعنى
مذهب سيبويه
أن" أفعلته" الذي للنقل معناه جعلته فاعلا للفعل الذي كان له ، أي : صيرته
فاعلا ، أي : جعلت فيه ذلك الفعل. فإذا قلت : أدخلته ، فمعناه جعلته داخلا ، وإذا
قلت : ضربته فمعناه جعلت فيه ضربا ، ولذلك فرق بين فتنت الرجل وأفتنته. فمن قال
فتنته أراد جعلت فيه فتنة ، ومن قال أفتنته أراد جعلته فاتنا ، يقال : فتن الرجل
فهو فاتن.
قال : ومثل ذلك
: سودت ... وسدت غيري ، أي سودته.
قال نصيب :
* سودت فلم أملك سوادي وتحته
|
|
قميص من
القوهيّ بيض بنائقه
|
وقال بعضهم :
" سدت : يريد فعلت"
تحصيل هذا أنّه
يقال : اسواددت ، واسوددت ، وسودت ، وسدت بمعنى واحد ، وذلك
__________________
كله غير متعد. فإذا أردت المتعدى جاز أن تقول : سدته وسودته ، فأما سدته :
فجعلت فيه سوادا ، واما سوّدته : فجعلته أسود.
يصف أنه لم
يملك خلقه فلا يكون أسود ، ثم قال : أما وإن كنت أسود ، فإن وراء ذلك خلقا وكرما ،
وضرب القوهيّ مثلا : وهو ثوب أبيض.
قال : "
وقد جاء فعلت إذا أردت أن تجعله مفعلا وذلك : فطّرته فأفطر ، وبشّرته فأبشر ، وهذا
النحو قليل".
ومعنى ذلك أنّه
جعل فعلته نقلا لأفعلت ، والباب أن يكون نقلا لفعلت كما يقال : عرف وعرفته ، وفرح
وفرحته.
قال : "
وقد تدخل أفعلت على فعّلت : قالوا : أسقيته في معنى سقّيته".
أي : دعوت له
بالسقيا.
وأنشد لذي
الرمة :
* وقفت على ربع لمّية ناقتى
|
|
فما زلت أبكي
حوله وأخاطبه
|
وأسقيه حتى
كاد مما أبثّه
|
|
تكلّمني
أحجاره وملاعبه
|
قوله : وأسقيه
، أي : أدعو له بالسقيا ، وكان حقه أسقيه. ومعنى أبثه : أحزنه.
والملاعب :
أفنية الدار حيث يلعب الغلمان والجواري.
قال الخليل :
" قولهم : سقيته مثل كسوته ، وأسقيته مثل ألبسته".
معنى هذا : أن
: أسقيته : جعلت له سقيا ، كما أن كسوته جعلت له كسوة وإن لم يلبسها. وسقّيته
بمنزله ألبسته إذا جعلته لابسا. ففرق الخليل بين سقيته وأسقيته.
وبعض أهل اللغة
ذكر أن لا فرق بينهما.
قال : ويقال
لما أصابه : هذا نحز وجرب وحائل للنّاقة.
يعني : أنّه
ليس يقال للبعير الذي أصابه الجرب في نفسه : مجرب ، والذي أصابه النحاز : منحز ،
وإنما يقال نحز والمنحز : صاحبه والنحاز : السعال.
قال : ومثل ذلك
: أسمنت وأكرمت فاربط.
يقال ذلك للرجل
إذا وجد شيئا نفسيا يرغب فيه ويتمسك به ، فمعنى أسمنت وجدت سمينا. ومعنى أكرمت :
وجدت فرسا كريما أو غير فرس ، فاربط أي : اتخذه.
قوله : كما
قالوا : أدنف فبنوه على أفعل فلم يستعملوا ما يوجب الباب وهو دنف ، واستعملوا
أدنف.
__________________
وقالوا أشكل
أمرك ، ولم يستعملوا غيره.
وقالوا حرثت
الظهر ، أي أتعبته. والظهر : المركوب. أحرثته.
قال : ومثل
أدنفت : أصبحنا وأمسينا وأسحرنا وأفجرنا شبّهوه بهذه التي تكون في الأحيان.
يريد : كأن
معناه دخلت في وقت الدنف كما دخلت في وقت السحر.
قال : "
وتقول : أكثر الله فينا مثلك ، أي : أدخل الله فينا مثلك كثيرا.
وأما"
كثّر" فمعناه : جعل الله القليل كثيرا.
وذكر أو تحت ،
جئت بوتح ، أي : قليلا ، وهو بمنزلة أقللت ـ فاعلمه.
هذا باب دخول فعّلت
على فعلت لا يشركه في ذلك أفعلت
قوله : واعلم
أن التخفيف في هذا كله جائز عربي إلى قوله : كأنما هذا بناء خاص للتكثير.
يريد أن
التخفيف في فعلت قد يجوز أن يراد به القليل والكثير ، فإذا شددت دللت على الكثير
كما أن الركوب والجلوس قد يقع لقليل الفعل ولكثيره ولجميع صنوفه ، فإذا قلت : الركبة
والجلسة ، دل على هيئة ما وحالة ما ، وإذا قلت : الركبة والجلسة ، دل على مرة
واحدة ، والجلوس مشتمل على هذا كله.
قال : "
وكما أن الصرف والرّيح قد يكون فيه معنى صرفة ورائحة" يريد أنك إذا قلت : صرفته
صرفا ، فقد يجوز أن تريد به المرة وهي الصرفة.
وإذا قلت :
شممت ريحا ، فيجوز أن تريد معنى الرائحة ، كأنه جعل الرائحة للواحدة ، والريح
للجنس ، وهذا في أكثر الاستعمال. قال الله عز وجل : (وَلِسُلَيْمانَ
الرِّيحَ) [الأنبياء : ٨١] فعبر عنها بالريح وهو الكثير. وأما الرائحة فأكثر ما
تستعمل في ما يفوح في دفعة واحدة.
وأنشد :
* ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها
|
|
حتّى أتيت
أبا عمرو بن عمّار
|
ثم قال :
" وفتّحت في هذا أحسن ، كما أن قعدة في هذا أحسن".
يريد : أن
اللفظ الخاص الموضوع لمعنى ، أكشف لذلك المعنى من أن يؤتى بمبهم.
هذا باب ما طاوع الذي
فعله على فعل
قوله في هذا
الباب بعد أن ذكر تفاعل : وفتحت التاء لأن معناه معنى الانفعال والافتعال.
يعني : فتحت
تاء تفاعل لأنها أول فعل ماض سمي فاعله ، وإن كان زيادة للمطاوعة كالافتعال
والانفعال ، وليست بألف الوصل دخولها لسكون ما بعدها. قال : ونظير ذلك من بنات
الأربعة .. معددته فتمعدد وصعررته فتصعرر" ومعنى : معددته : حملته على
الخشونة والصلابة.
وصعررته :
دوّرته ودحرجته.
قوله : "
وكذلك كل شيء كان على زنة فعللة عدد حروفه أربعة .. ما خلا أفعلت ، فإنه لم يلحق
ببنات الأربعة".
يريد : أن كل
شيء من الفعل كان ماضيه على أربعة أحرف ، يجوز أن تزاد في أوله التاء ما خلا أفعلت
، فإنه لا تزاد فيه التاء. لا تقول : أكرمته فتأكرم كما تقول : دحرجته فتدحرج ،
وناولته فتناول.
هذا باب ما جاء فعل
منه على غير فعلت
وذلك نحو : جنّ
وسلّ ... وورد ومعنى ورد : حمّ.
قد بين سيبويه
جميع الباب فهو مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب دخول الزوائد
في فعلت للمعاني
ذكر أن"
تفاعلت" يجيء ليريك الإنسان أنّه في حال ليس فيها على الحقيقة.
وأنشد قول
الشاعر :
* إذا تخازرت وما بى من خذر
ومعنى تخازرت :
صغرت عيني وما كانت صغيرة .
وبعد هذا :
ثم كسرت
العين من غير عور
|
|
ألفيتنى ألوى
بعيد المستمر
|
أحمل
ما حمّلت من خير وشر
|
ويروى أنّها
لعمرو بن العاص قالها في يوم صفين.
والباب مفهوم
من كلام سيبويه.
هذا باب استفعلت
قال : "
ومثال ذلك ـ يعني تحلم ـ تقعّدته ، أي ريّثته عن حاجته وعقته ، ومثله ... تهيبتني
البلاد وتكاءدني ذلك الأمر".
معناه : هابني
أهل البلاد. وتكاءدنى معناه : شق علي ، من قولهم للمكان الشاق المصعد : كؤود
وكأداء.
قال : وأما
تهيبه فإنه حصر ليس فيه معنى شيء مما ذكرنا.
__________________
يريد : أن معنى
تهيبه : معنى هابه ، ولم يبن على تفعل لزيادة معنى في فعل ، كما أن استعليته لم
يزد معناه على علوته.
ومعنى قوله :
" إنه حصر" يريد : أن الهيبة حصر للإنسان عن الإقدام.
قوله : "
وأمّا التعمّج والتّعمّق ، فنحو من هذا" يريد : أنّه مثل" يتجرّع"
، ويتفوق في أنّه يصل شيئا بعد شيء. وهو مأخوذ من الفواق.
وفرق سيبويه
بين كسب واكتسب في الباب الذي بعد هذا.
وقال غيره : لا
فرق بينهما ، قال الله عز وجل :
(لَها ما كَسَبَتْ
وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٥] والمعنى واحد.
وأنشد في آخر
الباب لذي الرمة :
* تعرض إعراضا لدين المفتن
وليس بشاهد لما
تقدم مما يلي البيت.
وقال بعض
النحويين : يريد أن المفتن والمفتون واحد.
يقال : فتن
وأفتن فجاء هذا كما جاء : قلع واقتلع ، وجذب واجتذب.
وأنشد في الباب
قبل هذا لحاتم الطائي :
* تحلّم على الأدنين واستبق ودّهم
|
|
ولن تستطيع
الحلم حتّى تحلّما
|
أنشد هذا لأن
معنى تفعل عنده : أراد أن يدخل نفسه في أمر حتى يكون من أهله.
فمعنى تحلم عن
الأدنين : استعمل الحلم عنهم إذا جهلوا عليك ، واستبق ودهم بالعفو عنهم والإغضاء
على جهلهم.
ثم ذكر أن
الإنسان لا يعرف بالحلم ولا ينسب إليه حتى يستعمله إذا جهل عليه. فقال : ولن
تستطيع الحلم حتى تستعمله إذا جهل عليك فقال : ولن تستطيع الحلم حتى تحلما.
هذا باب افعوعلت وما
كان على مثاله ممّا لم نذكره
هذا الباب
مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب مصادر ما
لحقته الزّوائد
قوله : وأما
الذين : كذابا ، فإنهم قالوا : تحمّلت تحمالا ، أرادوا دخول الألف كما أدخلوها في
أفعلت واستفعلت
يعني : أنّهم
لو أتوا بحروف الفعل بنفسها ، وزادوا قبل آخرها ألفا وكسروا أولها كما
__________________
فعلوا ذلك في مصدر : أفعلت واستفعلت ، وإنما يريد أن المصدر اسم ، والأسماء
أخف من الأفعال وأحمل للزيادة.
قال : "
وأمّا فاعلت فإنّ مصدره : مفاعلة ، جعلوا الميم عوضا من الألف التي بعد أول حرف
منه ، والهاء عوض من الألف التي قبل آخر حرف منه.
كلام سيبويه في
هذا مختل ، وقد أنكر ، وذلك أنّه جعل الميم عوضا من الألف التي بعد أول حرف منه
وذلك غلط ؛ لأن الألف من فاعل ثانية في مفاعلة ، فكيف تكون الميم عوضا من الألف
والألف لم تذهب؟
والجيد في هذا
ما وقع في نسخة مبرمان ، وهو أن هذه المصادر جاءت مخالفة الأصل كفعلت ، وذلك أن
مصدره يجيء مخالفا لما يوجبه قياس الفعل وتزاد في أوله الميم كما يقال : ضربته
مضربا ، وشربته مشربا ، وقد يزاد فيه مع الميم الهاء ، كما يقال : المرحمة ،
وألزموا الهاء في هذا لما ذكره من تعويض الألف ـ فاعرفه.
هذا باب ما جاء
المصدر فيه على غير الفعل
كلام في هذا
الباب مفهوم.
ومما استشهد به
قول القطامي :
* وخير الأمر ما استقبلت منه
|
|
وليس بأن
تتبّعه اتّباعا
|
فقال : اتباع ،
لأن : تتبّعت واتّبعت واحد في المعنى.
وأنشد لرؤبة :
* وقد تطوّيت انطواء الحضب
فقال : انطواء
؛ لأن تطوّيت وانطويت واحد. والحضب : الحيّة.
هذا باب ما لحقته هاء
التّأنيث عوضا لما ذهب
أجاز سيبويه أن
لا تدخل الهاء عوضا ، واحتج بقوله عز وجل : (وَإِقامَ الصَّلاةِ) [الأنبياء : ٧٣]. ولم يفصل بين المضاف وغيره.
وذكر الفراء أن
الهاء لا تسقط إلّا مما كان مضافا والإضافة عوض منها.
وأنشد :
* إن الخليط أجدّوا البين فانجردوا
|
|
وأخلفوك عد
الأمر الذي وعدوا
|
أراد : عدة
الأمر ، وحذف الهاء من أجل الإضافة.
فأجاز سيبويه
أقمته إقاما ، ولم يجزه الفراء.
__________________
وأما قولهم :
" أريته إرآءة" فليس من هذا الباب لأنه لم يعتل عين الفعل فيه ، ولكنه
دخله النقص لتليين الهمزة وإلقاء حركتها على الراء فعوض الهاء منها.
قال سيبويه :
" ولا يجوز حذف الهاء في تجزئة وتهنئة ، وتقديرهما : تجزعة وتهنعة ولأنهم
ألحقوهما بأختيهما من بنات الياء والواو.
قال المبرد :
الإتمام على تفعيل في ما كان مهموزا أجود وأكثر ، فتقول : هنأته تهنيئا وتهنئة ،
هذا قول زيد وجميع النحويين.
وقال بعضهم :
إن سيبويه ما أراد ما قال المبرد من الإتيان بالمصدر على التمام ، وإنما أراد أنّه
لا يجوز حذف الهاء من الناقص من تفعلة كما جاز في" إقام" ، لا تقول :
جزّأته تجزئا ، وهنّأته تهنئا.
والدليل على
ذلك أن سيبويه قال في باب المفعول الذي يتعدى فعله إلى" مفعولين" : "
ونبّئت تنبيئا".
ولو كان ذلك لا
يجوز عنده ، ما استعمله.
هذا باب يكثّر فيه
المصدر من فعلت
فتلحق الزوائد ويبنى
بناء آخر
اعلم أن سيبويه
يجعل التفعال تكثيرا للمصدر الثلاثي فيصير : التهدار بمنزلة : الهدر الكثير ،
والتلعاب بمنزلة : اللعب الكثير.
وكان الفرّاء
وأصحابه يجعلونه بمنزلة التفعيل ، ويجعلون الألف عوضا من الياء ، فيقولون :
التكرار والترداد بمنزلة : التكرير والترديد.
والقول ما قاله
سيبويه ؛ لأنهم يقولون : التلعاب ولا يقولون : التلعيب.
وبين أن
التبيان والتلقاء ليسا بجاريين على الفعل ، ولو كانا كذلك ، لفتح أولهما. وإنما
هما اسمان وضعا موضع المصدر.
وأنشد للراعي :
* أمّلت خيّرك هل تدنو مواعده
|
|
فاليوم قصّر
عن تلقائك الأمل
|
يريد عن لقائك
:
والمصادر كلها
على" تفعال" بفتح التاء ، وإنما تجيء تفعال في الأسماء وليس بالكثير.
وقد ذكر بعض
أهل اللغة منها ستة عشر حرفا منها :
__________________
التّبيان ،
والتّلقاء ، ويقال : مر تهواء من الليل ، وتبراك وتعشار ، وترباع : مواضع ، وتمساح
: الدابة المعروفة ، والتمساح : الرجل الكذاب ، وتخفاف ، وتمثال ، وتمراد : بيت
للحمام تبيض به ، وتلفاف : وهو ثوبان يلفقان ، وتلقام : سريع اللقم ، ويقال : أتت
الناقة على تضرابها أي : الوقت الذي يضربها الفحل ، وتلعاب : كثير اللعب ، وتقصار
: وهي القلادة وتنبال : وهو القصير ، فاعلمه.
هذا باب بنات الأربعة
جميع الباب
مفهوم من كلام سيبويه.
ومن غريبه :
المسّرهف : وهو : المنعّم الذي قد أحسن غذاؤه.
هذا باب نظير ضربته
ضربة
من هذا الباب
الذي بعده.
هذا باب اشتقاقك
الأسماء
لمواضع بنات الثلاثة
أنشد في هذا
الباب للراعي في ما بني على" مفعل" من مصادر بنات التضعيف والياء :
* بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة
|
|
لا يستطيع
بها القراد مقيلا
|
أراد : قيلولة
، وهو مصدر قلت من القائلة.
ومزلة : مفعلة
من الزلل وهو اسم الموضع الذي يزل فيه ، أي : يزلق.
وجميع الباب
مفهوم من كلامه.
هذا باب ما كان من
هذا النحو من بنات الواو التي الواو فيهن فاء
معنى قول
سيبويه في هذا الباب : تقلب الواو مرة ياء.
يعني : قولهم
في يوجل ويوحل : يبجل ويبخل.
وقوله :
و" ألفا مرة".
يعني قولهم :
ييجل فيكسرون الياء الأولى وحقها الفتح.
وقوى سيبويه
كسر الموجل والموحل ـ وإن كان من وجل يوجل ووحل يوحل ـ بأنهم قالوا : علاه المكبر
في الصحيح ، وهو من كبر يكبر.
قال : "
وقالوا : مودة لأن الواو تسلم ولا تقلب"
يعني : في
قولهم : ودّ يودّ. ولا يقال" ييدّ" ، كما يقال ييجل ، فيصير بمنزلة
الصحيح إذا
__________________
قلت : شرب يشرب والمشرب للمصدر والمكان.
وقد جاء
على" مفعل" من هذا الباب أسماء ليست بمصادر ولا أمكنة للفعل.
فمن ذلك :
" موحد وهو اسم معدول عن واحد في باب العدد ، كما عدل عمر عن عامر فشبهوه
بقولهم : موهب وهو : الغدير من الماء.
وكموهب : موألة
، والمورق : اسم ، يقال : فلان بن مورق ، وموكل : اسم موضع أو رجل.
هذا باب ما تكون
مفعلة لازمة لها الهاء والفتحة
قال في الباب :
وقالوا : " أرض محياة ومفعاة"
مذهبه أن عين
الفعل من حية : ياء ، فلذلك قال : " أرض محياة". وقال غيره : هي واو.
قال صاحب
كتاب" العين" : أرض محواة ، وقالوا : رجل حواء ، صاحب حياة ، وفي ذلك
دليل على أن عين الفعل واو.
وجميع هذا
الباب مفهوم من كلامه. وكذلك الباب الذي بعده.
هذا باب نظائر ما
ذكرنا ممّا جاوز بنات الثلاثة بزيادة
أنشد في هذا
الباب لمالك بن أبي كعب بن مالك :
* أقاتل حتّى لا يرى لى مقاتلا
|
|
وأنجو إذا
غمّ الجبان من الكرب
|
أنشد على أن
مقاتلا في معنى : قتالا ، ويجوز أن يكون اسما للمكان.
وأنشد لزيد
الخيل :
* أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا
|
|
وأنجو إذا لم
ينج إلا المكيّس
|
وأنشد لأمية بن
أبي الصلت :
* الحمد لله ممسانا ومصبحنا
|
|
بالخير
صبّحنا ربّي ومسّانا
|
" فممسانا" و"
مصبحنا" مصدران وضعهما اسمين لوقت الصباح والمساء فنصبهما على الظرف.
واعلم أن
المفعول عند بعض النحويين يجوز أن يكون مصدرا ، وجعلوا هذه المفعولات التي ذكرها
سيبويه مصادر ، فالميسور عندهم بمنزلة : اليسر ، والمعسور كالعسر ،
__________________
والمرفوع والموضوع والمعقول كالرفع والوضع والعقل.
وكلام سيبويه
يدل على أنّها غير مصادر ، وأنها مفعولات ، فجعل المعسور والميسور زمانا يعسر فيه
وييسر ، كما تقول : هذا وقت مضروب فيه زيد.
وجعل المرفوع
والموضوع هو الشيء الذي تضعه وترفعه ، وتقول : هذا مرفوع ما عندي وموضوعه ، أي ما
أرفعه وأضعه.
وجعل المعقول
مشتقّا من قولك : عقل له ، أي : شد له وحبس ، فكأن عقله قد حبس له وشد ، واستغنى
بهذه المفعولات التي ذكرها عن الذي يكون مصدرا لأن فيها دليلا على المفعل. فاعلم
ذلك.
هذا باب ما لا يجوز
فيه ما أفعله
قوله في هذا
الباب : " وإنما دعاهم إلى ذلك أن هذا البناء داخل على الفعل" إلى قوله
: " فلما كان مضارعا للفعل موافقا له في البناء كره فيه ما لا يكون في
فعله".
يريد : أن الذي
دعاهم إلى أن لا يقولوا : أفعل منه في ما لا يقولون فيه : ما أفعله ، أن أفعله :
فعل.
فإذا كان يمتنع
في الفعل فهو في الاسم أشد امتناعا لأن أصل البناء للفعل.
ومما يدل على
أن أصله للفعل أن كل فعل مستقبله على يفعل فهو للمتكلم على أفعل مثل أذهب وأصنع.
قوله : ولا
تكون هذه الأشياء في مفعال ولا فعول.
إلى قوله : ولا
تريد أن تجعله بمنزلة كل من وقع عليه قاتل" وحسن"
يعني : أن
مفعالا وفعولا ، وإن كان فيهما معنى المبالغة ، فليس يجريان مجرى أفعل في المواضع
التي ذكرها في معنى ما أفعله.
واعلم أن
سيبويه لما ذكر" أحمر" و" أبيض" وما كان من" أفعل"
لونا وخلقة وأبطل فيه التعجب ، ذكر ما كان على أفعل مما يجوز فيه التعجب. وفصل
بينه وبين ما كان لونا وخلقة نحو : الأحمق والأنوك والأرعن ، فجعل ذلك بمنزلة
الجهل ، وأنه كان حقه في الأصل أن يجيء مثل : بليد وجاهل ، وما كان نحو ألد وهو
الشديد الخصومة بمنزلة العاقل واللسن وما أشبه ذلك.
فأجازوا فيها
التعجب كما تقول : ما أبلده وما أجهله وما أشجعه وما ألسنه وشبه قولهم : ما أهوجه
بقولهم : ما أجنّه ـ فاعلمه.
هذا باب ما يستغنى
فيه عن ما أفعله بما أفعل فعله
وذلك في الجواب
: ألا ترى أنك لا تقول : ما أجوبه ، إنما تقول : ما أجود جوابه.
اعلم أن ظاهر كلام
سيبويه ، أنّه جعل هذا الباب خارجا عن حكم القياس الذي ينبغي.
والفعل الذي
يستعمل في هذا أفعل يفعل ، وهو أجاب يجيب. والذي يذكره كثير من النحويين أن قولهم
: " ما أعطاه وما أولاه" على غير قياس مستمر.
وظاهر كلام
سيبويه يدل على أن التعجب مما فعله على أفعل : كثير مستمر ، وأنه لم يستعمل فيه
هذا الحرف على طريق الاستغناء بالشيء كما قالوا ما أكثر قائلته ، ولم يقولوا : ما
أقيله. وفعله : قال يقيل ، وهذا مما استدل به بعض النحويين أن سيبويه يرى الباب فى
: أفعل يفعل ، مما يجوز فيه التعجب ويستمر.
ومثله مما جاء
في التعجب وفعله على : أفعل يفعل قولك : ما أيسر زيدا ، هو من أيسر يوسر ، وما
أعدمه من أعدم يعدم ، وما أسنّه وهو مسنّ وما أوحش الدار وقد أوحشت ، وما أفرط
جهله وهو مفرط ، ونحو هذا كثير.
هذا باب ما أفعله على
معنيين
اعلم أن سيبويه
قد ذكر التعجب من المفعول في هذا الباب في أشياء تتكلم بها العرب.
والأصل أن
المفعول لا يتعجّب منه لعلتين :
إحداهما
: أن دخول
الهمزة لنقل الفعل ، إنما تدخل على الفاعل كقولك : لبس زيد وألبسه عمرو ، ودخل
وأدخله غيره.
والوجه الآخر :
أنّه لو تعجب من المفعول ، لوقع اللبس بينه وبين الفاعل ، فقال سيبويه : ما تعجب
منه من المفعول كأنه يقدر له فعل ، فإذا قال : ما أبغضه إلي ، فكأن فعله بغض ،
وإذا قال : ما أمقته عندي فكأنه قال : مقت عندي ، وإذا قال : ما أشهاه إليّ فكأنه
قال : شهي وإن لم يستعمل. ويكون معنى شهي في هذا التقدير. أي : دعاه إلى أن يشتهي
بالأحوال التي تظهر فيه.
ويفرق بين
الفاعل والمفعول في ذلك أنّه يدخل مع الفاعل حرف ومع المفعول حرف آخر ، فمن ذلك
اللام التي تدخل مع الفاعل ، تقول : ما أبغضني لزيد." وما أيقنتني له"
وتقول للمفعول" ما أمقتنى إلي" و" ما أمقته عندي" ، ومثله :
هو أكرم لى منك للفاعل ، يكرمني أكثر من إكرامك. و" هو أكرم علي منك".
وقولهم : ما أبغضنى له ، يقوى فعل التعجب من أفعل ؛ لأن الفعل منه : أبغض يبغض ـ فاعلمه.
هذا باب ما تقول
العرب فيه ما أفعله وليس
فيه فعل وإنّما يحفظ
هذا حفظا ولا يقاس عليه
اعلم أن الأصل
في التعجب أن يدخل على ما له فعل. لأنه نقل الفعل بدخول الهمزة في أوله ،
__________________
وقد قالوا : " أحنك الشّاتين" و" آبل الناس" ولم
يستعمل" أحنك" ولا آبل كأنهم قدروا له فعلا ، وقد قالوا : آبل ، وإن لم
يكن له فعل ، كما قالوا : رامح ونابل ، وإن لم يكن له فعل ، وآبل : فاعل وبناء
فاعل يجري على الفعل فصار كأن له فعلا. ومثله مما ليس في الباب : فارس وما أفرسه
وهو أفرس الناس ، ولم يستعمل منه فعل فأجروه على ما ذكرته لك ، فاعلمه.
هذا باب ما يكون يفعل
من فعل فيه مفتوحا
اعلم أن حروف
الحلق مستثقلة على اللسان ، والحركات ثلاث ، وكل حركة منها ، مأخوذة من حرف من
الحروف ، فالضمة من الواو والكسرة من الياء ، والفتحة من الألف.
ومخرج الواو من
بين الشفتين ، والياء من وسط اللسان ، واللف من الحلق.
فإذا كانت حروف
الحلق عينات أو لامات ثقل عليهم أن يضموا أو يكسروا ، لأنهم إذا ضموا فقد تكلفوا
الضمة من بين الشفتين ، وإن كسروا فقد تكلفوا الكسرة من وسط اللسان. وإن فتحوا ،
فالفتحة من الحلق ، فثقل الضم والكسر ؛ لأن حرف الحلق مستثقل والحركة عالية
متباعدة منه ، فحركوه بحركة من موضعه وهي الفتح ؛ لأن ذلك أخف عليهم وأقل مشقة.
قوله بعد ذكره
فتح ما يفتح من أجل حرف الحلق ولم يفعل هذا بما هو من موضع الواو ولا الياء إلى
قوله وكرهوا أن يتناول للذي قد سفل حركة من هذا الحيز.
يريد أن ما كان
من موضع الواو والياء من الحروف ، لا يلزمه أن تكون الحركة مأخوذة من الواو ولا من
الياء بل يجيء على قياسه. ولا تغيّر الياء ولا الواو حكم القياس فيه. والذي هو من
مخرج الواو : الياء والميم والذي هو من الياء الجيم والشين ، تقول : ضرب يضرب ،
وشتم يشتم ، فتكسر هذه الحروف ، وإن كان الباء والميم من مخرج الواو. وتقول : مجن
يمجن ، ومشق يمشق فلم يكسر ذلك من أجل الياء ؛ لأن موضع الواو والياء بمنزلة ما هو
من مخرج واحد لاجتماعهما في العلو على الحلق وتقارب ما بينهما ـ فاعلم ذلك.
هذا باب ما هذه
الحروف فيه فاءات
بيّن في هذا
الباب أن حرف الحلق إذا كان فاء الفعل ، وكان الماضي على فعل لم يأت مستقبله على
يفعل ، فرق بينه وبين ما كان حرف الحلق عينه ولامه ، بأنه إذا كان فاء الفعل فهو
يسكن في المستقبل فلا يوجب فتح ما بعده لضعفه بالسكون ، ثم شبه ذلك بالإدغام في أن
الأول يتبع الثاني.
يريد : أن عين
الفعل يجوز أن تتبع لام الفعل إذا كانت لام الفعل من حروف الحلق ، كما أن الحرف
الأول يدغم في ما بعده ، ولا تتبع عين الفعل فاءه ؛ لأن الفاء قبل العين.
قال : ومع هذا
أن الذي قبل اللام فتحته اللام إلى قوله : فحالهما في الفاء واحدة كما أن حال هذين
في العين واحدة.
يريد أن لام
الفعل إذا كان من حروف الحلق فتحت العين ، كما أن العين إذا كانت من حروف الحلق
فتحت نفسها.
فلما كانت تفتح
نفسها إذا كانت من حروف الحلق ، وجب أن يفتحها ما يجاورها لاشتراكهما في الحركة ؛
لأن العين واللام متحركتان جميعا. وليست كذلك الفاء والعين ؛ لأن الفاء ساكنة في
المستقبل ، والعين متحركة فهما مختلفان.
وفيه وجه آخر
يقوى ما قال سيبويه ، وهو أن الفتحة التي تجتلبها حروف الحلق إنما هي على العين ،
والحركة في الحرف المتحرك يقدر أنّها بعده ، فهي بعد العين وقبل اللام ، فتوسطها
بينهما ومجاورتها لهما واحدة ، فمن أجل ذلك جاز أن تكون الفتحة تجتلبها العين
واللام.
وليست الفاء
كذلك ؛ لأن الفتحة بعيدة من الفاء إذا كانت تقع بعد الحرف الذي بعده.
قوله بعد أن
ذكر : أبى يأبى ، وجبى يجبى ، وقلى يقلى : " وأتبعوه الأول كما قالوا : وعده
، يريدون وعدته فأتبعوا الأول ، يعني في يأبى لأن الفاء همزة.
ففتحوا عين
الفعل إتباعا للفاء كما أتبعوا الثاني الأول في إدغام وعده
وحكى الزجاج عن
إسماعيل القاضى أنّه علل" أبى يأبى" فقال : إنما جاء على فعل يفعل ، لأن
الألف من مخرج الهمزة.
وقال : إن هذا
ما سبقه إليه أحد واستحسنه.
وهو غلط لأن
الألف ليست بأصل في أبى يأبى ، إنما هي منقلبة من ياء فحقها أن تكون في المستقبل
على يأبى ، كما تقول : أتى يأتي ورمى يرمي.
ومعنى قوله :
" ولا نعلم إلا هذا الحرف".
أشار إلى : أبى
يأبى دون جبى يجبى وقلى يقلى ؛ لأنهما لم يصحا عنده كصحة : أبى يأبى.
ومعنى قوله :
" فشبّهوا هذا بقرأ يقرأ".
أى شبهوا : أبى
يأبى بقرأ يقرأ في فتح العين من أجل الهمزة إلا أنّهم أتبعوا العين الفاء في أبى
يأبى ، كما أتبعوا التاء الدال في : وعدّه.
هذا باب ما كان من
الياء والواو
قوله في هذا
الباب : وزعم يونس أنّهم قالوا كع يكع ويكع أجود إلى قوله : وقد خالفت باب جئت كما
خالفتها في أنّها تحرك.
يريد أن الذي
يقول : يكعّ وماضيه كععت ، جاء به على مثال صنع يصنع ؛ لأن باب كع
لما كانت عين الفعل فيه قد تتحرك في كععن ويكععن ، صار بمنزلة صنعن ويصنعن
، وخالفت باب جئت من ذوات الواو والياء لأنهما لا يتحركان إلا إذا كانتا عينين ،
فاعرفه.
هذا باب الحروف الستة
إذا كان واحد منها عينا
اعلم أن حروف
الحلق لما أثرت في يفعل إذا كان واحد منها في موضع عين الفعل ولامه ، فجوزت أن
يصير على يفعل ما حقه أن يجيء على يفعل أو يفعل جعلت في فعل وفعيل ـ مجوزة ـ تغيير
ذلك وإن اختلف التغييران وذلك أن حكمها في يفعل أن يفتح ما ليس حقه الفتح ، وفي
هذا أن تكسر ما ليس حقه الكسر ؛ لأن الفاء في فعل وفعيل ـ في الأصل ـ مفتوحة ،
وإنما جاز كسرها في فعل وفعيل من أجل حرف الحلق ، فكسر إتباعا للثاني ، ولأن الكسر
قريب من الفتح ، والياء تشبه الألف فأتبعوا الأول ـ في الكسر الثاني ، كما يتبعون
الأول الثاني في الإدغام.
وأهل الحجاز لا
يغيرون ذلك ، ويأتون به على أصله.
قوله : وسمعت
بعض العرب يقول : بيس ، فلا يحقق الهمزة ... كما قالوا : شهد ، فخففوا وتركوا
الشين على الأصل.
يريد أن الهمزة
قد يترك تحقيقها ولا يتغير كسر الأول وكذلك شهد ، وإنما كسرت الشين لكسرة الهاء في
الأصل ، فلما سكنت الهاء لم تغير كسرة الشين لأن النية كسر الهاء وتحقيق الهمزة ،
وإن كان لحقها هذا التخفيف.
قوله : "
وقالوا في حرف شاذ : أحبّ ونحب شبهوه بقولهم من إلى قوله : " كما أن يدع ويذر
على ودعت ووذرت وإن لم يستعمل".
اعلم أن في يحب
قولان : أحدهما : ما قال سيبويه في هذا الفصل ، أن أصله : حب وإن لم يستعمل ، وكان
حقه على تقديره أن يقال : يحبّ بفتح الياء لكنه أتبع الياء الحاء.
وقال غيره :
يحب بالكسر أصله يحبّ من قولك : أحبّ يحبّ ، وشذوذه : أنّهم أتبعوا الياء المضمومة
الحاء كما قالوا : مغيرة.
وهذا القول
أقوى لأن الكسرة بعد الضمة أثقل وأقل في الكلام. فالأولى أن يظن أنّهم اختاروا
الشاذ عدولا عن الأثقل.
ومن حجة سيبويه
أنّهم قالوا : يئبي ، والأصل يأبى ، فقد كسروا المفتوح.
وإنما كسروا
المفتوح في يئبي وحق الكسر أن يكون في أوائل يفعل مما ماضيه على فعل إذا كان الأول
تاء أو نونا أو ألفا ، ولا تدخل الكسرة على الياء تقول في علم : أنت تعلم ، وأنا
إعلم ، ونحن نعلم.
ولا يقولون :
زيد يعلم ، فصار يئبي شاذّا من وجهين :
أحدهما : أنّه
أبي يأبي شاذ ، وكسر الياء فيه شاذ ، وعند سيبويه : ربما شذ الحرف عن نظائره في
كلامهم فيجزئهم ذلك عن ركوب شذوذ آخر فيه وقد مثل ذلك بقولهم :
با ألله بقطع
الألف ، وبغير ذلك من الشواذ.
ثم قال : وأما
أجيء ونحوها فعلى القياس وعلى ما كانت عليه لو أتموا
يعني أنّه يفتح
الألف في أجيء ولا يكون مثل أحب ويحب ؛ لأن هذا شاذ ، وتجيء وأوجيء ونحو ذلك جاء
على ما ينبغي أن يكون.
ومن غريب الباب
: رجل محك وهو اللجوج. وماضغ لهم : وهو الكثير البلع.
ورجل وغل : أي
كثير الدخول على الشرب دون أن يدعى
ورجل جئز : وهو
الذي يغص بما يأكل ، والجأز : الغصص.
وعير نعر : وهو
الصياح ، وهو أيضا الذي أصابته النعرة وهو معروف.
والأصل في جميع
هذه فتح أوائلها ، وإنما كسرت من أجل حروف الحلق فاعلمه.
هذا باب ما تكسر فيه
أوائل الأفعال المضارعة للأسماء
قوله بعد ذكر :
تخال وتعض ونحو ذلك : كسروا هذه الأوائل لأنهم أرادوا أن تكون أوائلها كثوانى فعل
كما ألزموا الفتح في ما كان ثانيه مفتوحا في فعل.
يعني : أنّهم
كسروا أول المستقبل في ما كان الثاني منه في ماضيه مكسورا كما ألزموا الفتح في ما
كان ثانيه مفتوحا كقولك : ضربت تضرب ، وقتلت تقتل ، فأجروا أوائل المستقبل على
ثواني الماضي في ذلك. ولم يمكنهم أن يكسروا الثاني من المستقبل كما كسروه من
الماضي ؛ لأن الثاني يلزمه السكون في أصل البنية فجعل ذلك في الأول.
وذكر قولهم :
أبيت وأنت تئبي ، وبيّن شذوذه. وقد ذكرته في الباب قبل هذا بما أغنى عن ذكره
هاهنا.
وقوله : "
شبّهوه بييجل" في كسر الياء.
إلى قوله :
" وكان إلى جنب الياء حرف الاعتلال".
يعني : أنّهم
شبهوا الهمزة في يئبي بعد ياء الاستقبال إذ كان يجوز تليينها وقلبها إلى الياء
بقلب الواو إلى الياء في ييجل ونحوه.
قوله : وإذا
قلت : يفعل منه ، فبعض العرب يقول : ييجل كراهية الواو .. كما يبدلونها من الهمزة.
يعني كما
يقولون في ذئب : ذيب فقلبوا الياء من الهمزة الساكنة.
وقوله بعد هذا
: فأبدلوا مكان الواو ألفا .. كما يبدلونها من الهمزة الساكنة.
يعني إذا خففوا
همزة رأس فقالوا : راس بألف.
قوله : وكل شيء
من تفعلت أو تفاعلت أو تفعللت يجري هذا المجرى إلى قوله : وهو بمنزلة انفتح وانطلق
ولكنهم لم يستعملوه استخفافا.
يريد : أنّه
يجوز أن تقول في مستقبل تدحرج وتعالج وتمكن : تتدحرج وتتمكن وتتعالج ؛ لأنه كان
الأصل في ما زاد على الأربعة من الأفعال الثلاثية أن يكون فيها ألف وصل ، فحملت
كسرة هذه الأفعال على كسرة ما في أوله ألف وصل.
قوله : ومثل
ذلك قولهم : تقى الله رجل ، ثم قال : يتقى الله ، أجروه على الأصل ، وإن كانوا لم
يستعملوا الألف حذفوها والحرف الذي بعدها.
قد تقدم القول
في هذا وذكر الاختلاف فيه.
وإنما أراد
سيبويه أنّهم قالوا في المستقبل : يتقى ، وإن كان الماضي تقى لأن أصل تقى : اتّقى
، فردوا إلى أصل اتّقي ، فقالوا : يتقى ، واحتج بهذا الشيء وقدمه قبله.
قوله : ولم
يريدوا تفريقا بين معنيين كما أردت ذلك في فعل.
حين قالوا :
تفعل في مستقبله ، فرقوا بهذه الكسرة بين ما كان ماضيه على فعل وبين ما كان ماضيه
فعل ، فقالوا : تعلم ولم يقولوا : تذهب ، فاعلمه.
هذا باب ما يسكّن
استخفافا وهو في الأصل عندهم متحرك
ذكر في هذا
الباب قول العرب في مثل : " لم يحرم من فصد له"
ومعنى هذا
أنّهم كانوا عند عوز الطعام يفصدون البعير ليشرب الضيف من دمه فيمسك جوعه.
وأنشد لأبي
النجم :
* لو عصر منه البان والمسك انعصر
يريد : "
عصر" فحذف الكسرة تخفيفا.
وأبو النجم من
بكر بن وائل ، وهذه اللغة كثيرة في تغلب وهو أخو بكر بن وائل.
وسائر الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ما أسكن من
هذا الباب الذي
ذكرنا وترك أول الحرف
على أصله
قوله في هذا
الباب : ومثل ذلك غزى الرجل إلى قوله : كما أن الذي خفف ، الأصل
__________________
عنده التحريك.
يريد أن أصل
غزى غزو لأنه من الغزو ، فانقلبت الواو ياء لأنها طرف وقبلها كسرة ، فلما خفف فقيل
: غزى فانقلبت الواو ياء ، ترك على قلبه ؛ لأن تخفيفه ليس بواجب ولا هو بناء بني
عليه اللفظ في الأصل ، وإنما هو عارض ، كما أن الذي يقول : علم وكرم ، الأصل عنده
: علم وكرم ، وإن خفف. والدليل على أن الأصل هذا ، أنّه لو جعل الفعل لنفسه لقال :
علمت ، وكرمت فرد البناء إلى أصله.
وأنشد للأخطل :
* إذا غاب عنّا غاب عنا فراتنا
|
|
وإن شهد أجدى
فيضه وجداوله
|
أراد شهد فكسر
الشين إتباعا للهاء ثم سكن الهاء تخفيفا وترك الشين على كسرها.
وغير سيبويه
يقول : لما سكن الهاء ألقى حركتها على الشين.
ويروى : أجدى
فضله وجداوله.
هذا باب ما تمال فيه
الألفات
معنى الإمالة
أن تمال الألف نحو الياء فتكون بين الألف والياء في اللفظ ، والذي دعا إلى ذلك
أنّه إذا كان في الكلمة كسرة أو ياء نحوا بالألف نحو الياء وجنحوا إليها إتباعا
للكسرة لأن الياء أقرب إلى الألف من الواو.
والأشياء التي
من أجلها تمال الألف : الياء والكسرة إذا كانتا ظاهرتين أو مقدرتين ، أو كان في
تصاريف الكلمة ياء تنقلب عن واو ليفرق بين لفظتين فيشبه ما لا أصل له في الإمالة
بما يمال لاشتراكهما في لفظ الألف. وذلك منها ما تقوى فيه الإمالة ، ومنها ما يجوز
وليس يقوى ، ومنها ما يقبح وقد تكلم به على قبحه ، ومنها ما جاء شاذّا تكلمت به
العرب.
وقد ذكر سيبويه
جميع ذلك.
قوله : ولا
تتبع الواو لأنها لا تشبهها ، ألا ترى أنك لو أردت التقريب من الواو انقلبت فلم
تكن ألفا.
يريد : أن
الألف إذا كانت بعدها ضمة لم تملها إلى الواو كما أملتها إلى الياء إذا كان بعدها
كسرة لبعدها من الواو ؛ لأن اللفظ لا يتأتى فيه ، ومتى أملتها صارت واوا كقولنا : أوجر.
وبين أن الألف
إذا كانت منقلبة من ياء تمال لينحى بها نحو الياء التي هي بدل منها.
وقوى ذلك بأن
بعضهم يقول في ردّ : ردّ فيشمّ الكسر لأن أصل الفعل ردد.
__________________
وأنشد للفرزدق
:
* وما حلّ من جهل حبا حلمائنا
|
|
ولا قائل
المعروف فينا يعنّف
|
فأنشده بإشمام
الكسر في حل.
والحبا : جمع
حبوة وهو ما يحتبى به الإنسان ، يعتمد عليه في جلوسه. وكانت العرب تفعل ذلك كثيرا
، فإذا دهمهم أمر ينكرونه ، حلوا حباءهم. فيصف الفرزدق قومه بالحلم وترك العجلة
والخفة ، وأن من حكم منهم بما فيه الصلاح لهم وقضى عليهم رضوا بحكمه ولم يردّوا
قوله ولا عنّفوه عليه.
قوله : "
وقال ناس : رأيت عمادا ، فأمالوا للإمالة كما أمالوا للكسرة".
يريد أنّهم
أمالوا الألف التي بعد الدال لإمالة الألف التي بعد الميم لكسرة العين ، لأن إمالة
الألف كالكسرة.
وسائر الباب
مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب من إمالة
الألف يميلها فيه ناس من العرب كثير
قال : واعلم أن
من لا يميل الألفات في ما ذكرنا قبل هذا الباب لا يميلون شيئا منها في هذا الباب.
يعني من يقول :
كيال والسيال ـ وهو شجر له شوك ـ وما أشبه ذلك مما تضمنه الباب المتقدم فلا يميل
شيئا مما ذكر إمالته في هذا الباب.
قال : واعلم أن
بعض من يميل ، يقول : رأيت يدا ويدها ، فلا يميل تكون الفتحة أغلب وصارت الياء
بمنزلة دال دم لأنها لا تشبه المعتل منصوبة.
يعني : أن الذي
لا يميل هذا لم يحفل بالياء ؛ لأن الفتحة التي في الياء هي بعد الياء في التقدير
فغلبت عليها لأنها أقرب إلى الألف.
قوله : وقال
أكثر الفريقين إمالة : رمى فلم يمل كره أن يتحقق نحو الياء إذ كان إنما فر منها.
إلى قوله : ولا يقول ذلك في حبلى ؛ لأنه لم يفر فيها من ياء ولا في معزى يريد : أن
قلبهم الياء ألفا في رمى ، إنما كان فرارا من الياء فلا يميلون الألف لئلا
يقربونها من شيء فروا منه.
وألف"
معزى" زائدة بمنزلة ألف" حبلى" فأجروها مجراها في الإمالة.
وسائر الباب
مفهوم من كلامه إن شاء الله.
__________________
هذا باب ما أميل على
غير قياس وإنما هو شاذ
قوله بعد ذكر
ألف مال : " لأنها كألف فاعل إذا كانت ثانية"
يعني : أن
ألف" مال" كألف فاعل إذا كان بعدها كسرة كالكسرة بعد ألف فاعل.
وقوله : "
فلم تمل في غير الجر"
يعني :
ألف" مال" ، لا تمال حتى تنكسر اللام ، فتشبه الألف ألف فاعل لانكسار ما
بعدها.
وقوله : "
كراهية أن تكون كباب رميت وغزوت".
يريد : أن
ألف" مال" عين الفعل ، وهي منقلبة من الواو.
وباب رميت
وغزوت ، الياء والواو فيه لام الفعل ، وعين الفعل أبعد من الاعتدال ثم قال : "
وأما باب ومال فشبهوا الألف فيهما".
وإن كانت
منقلبة من واو ـ بألف" غدا" و" دنا" المنقلبة من واو ، فأجروا
عين الفعل كلامه وإن كان العين أبعد من الإمالة ، فحكى سيبويه الإمالة في هذا عن
بعض العرب.
وقال المبرد :
لا تجوز إمالة باب ومال ؛ لأن لام الفعل قد تنقلب ياء وعين الفعل لا تنقلب.
وليس الأمر على
ما قال.
والذي حكاه
سيبويه صحيح ، وله وجه من القياس لأنه عين الفعل إذا كانت واوا فقد تنقلب ياء في
قولهم : " قيل" من القول ، وقيد : من" القود" ، وما أشبه ذلك
، وفي قولهم : أقام يقيم وأجاد يجيد ـ فاعلمه.
هذا باب ما يمتنع من
الإمالة من الألفات التى أملتها في ما مضى
قوله بعد أن
ذكر أن بعض العرب يميل" جادا" و" مادا" وما أشبهه في الجر :
شبهوها بمالك إذا جعلوا الكاف اسم المضاف إليه وجه احتجاجه بمالك لإمالة"
جاد" و" جوادّ" أن الكسرة في مالك كسرة إعراب لا تثبت ولا يعتد بها
، وقد أميلت الألف من أجلها وكذلك ـ أيضا ـ كسرة" جاد" و"
جواد" المقدرة تمال من أجلها الألف وإن ذهبت في اللفظ.
وأصل جاد :
جادد ، وجوادّ : جوادد.
ومثل هذا قولهم
: ماش أمالوا مع الوقف ولا كسرة فيه ؛ لأنه يكسر إذا وصل الكلام ، فبينوا بالأمالة
الكسرة في الأصل.
قوله :
وسمعناهم يقولون : أراد أن يضربها زيد ومنّا زيد ، فلما جاءوا بالقاف في هذا النحو
نصبوا فقالوا : أراد أن يضربها قاسم إلى قوله : كما لا يمنع في السماليق قلب السين
صادا.
أراد : أنّه
يجوز في السماليق : الصماليق : من أجل القاف وإن بعد ما بين القاف والسين.
وقوله : "
وصارت المستعلية في هذه الحروف أقوى منها في مال قاسم ؛ لأن القاف هاهنا ليست من
الحرف وإنما شبهت ألف مال بألف فاعل".
تشبيهه الألف
في مال بألف" فاعل" أن قولنا : " مالف" إذا أضفنا قاف قاسم
إلا اللام ، فهو لفظ فاعل ـ فاعلمه.
هذا باب الراء
اعلم أن الراء
فيها تكرير إذا نطق بها ومدّ الصوت.
والتكرير الذي
فيها يمنع من الإمالة إذا كانت مضمومة ، أو مفتوحة أكثر من منع غيرها من الحروف
سوى الحروف المستعلية ، فإذا كانت مكسورة ، فهي تقوى على الإمالة أكثر من قوة
غيرها من الحروف المكسورة ، لأنها إذا كانت مضمومة أو مفتوحة ، فكأن الضم أو الفتح
يتضاعفان فيها وهما يمنعان الإمالة. وإنما وجب أن يكون الحرف المستعلى وحرف
التكرير ـ وهو الراء إذا كان بعد الألف في فاعل وما جرى مجراه ـ أشد منعا للإمالة
منهما ، إذا كانا قبل الألف ؛ لأن الحرف المستعلى إذا كان قبل الألف فهو بمنزلة
النزول من علو إلى سفل إذا أملت الألف ، وإذا كان بعد ألف ، وأملت الألف فهو
بمنزلة الصعود من سفل إلى علو. فمن أجل ذلك أجازوا الإمالة في ما كان قبل الألف
حرف مستعل وبعده راء مكسورة كنحو : قارب وغارب ، ولم يجيزوها في : فارق وناعق.
وقالوا : من
قرارك ، فأمالوا الألف وإن كان قبلها راء مفتوحة ، للراء المكسورة بعدها ، كما
أمالوا ألف" قارب" و" غارب" وما أشبه ذلك.
قوله : واعلم
أن قوما من العرب يقولون : الكافرون ... والكافر وهي المنابر إلى قوله فلما كانت
كذلك عملت الكسرة عملها إذا لم يكن بعدها راء.
يريد : أن
الراء في الكافر لما صار بينها وبين الألف حرف وإن كانت مضمومة أو مفتوحة لم تمنع
من الإمالة كما منعت حروف الاستعلاء ؛ لأن الراء وإن كانت مكررة ، فهي من مخرج
اللام ، وهي قريبة من الياء ألا ترى أن الألثغ قد يجعل الراء ياء فيقول : بايك
الله عليك في موضع : بارك الله عليك.
قال : "
واعلم أن الذين يقولون : هذا قارب ، يقولون : مررت بقادر ، ينصبون الألف ، ولم
يجعلوها حيث بعدت تقوى ، كما أنّها في لغة الذين قالوا : مررت بكافر لم تقو على
الإمالة".
ذكر أن هؤلاء
فصلوا بين" قارب" وبين" قادر" ، لأن الراء في قارب مكسورة تلي
الألف ، وكسرتها لازمة ، وفي" قادر" بعيدة من الألف وكسرتها غير لازمة
فضعفت عن مقاومة الحرف الذي هو حرف الاستعلاء.
قال : "
وقد قال قوم ترضي عربيتهم : مررت" بقادر" إلى قوله : " فاستوت
القاف وغيرها".
مما ليس
بمستعمل إذا كانت بعد ألف راء مكسورة ، وكذلك إذا كانت بعد الألف بحرف فيصير"
بقادر" بمنزلة" بكافر".
وأنشد لهذبة بن
خشرم ، وزعم أنّه سمع الثقة من العرب ينشده ممالا :
* عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر
|
|
بمنهمر جون
الرباب سكوب
|
قوله : "
ومن قال : مررت بحمار قاسم ، قال : مررت بسفار قبل" إلى قوله : وهو حرف
الإعراب.
يريد : أن الذي
يقول : " مررت بحمار قاسم" ـ والراء في حمار قد تتغير بالإعراب إلى
الرفع والنصب ـ يقول أيضا : " مررت بسفار قبل" والراء في سفار مبنية على
الكسر ، فلا يفصل بين الراءين ؛ لأن" سفار" ، وإن كانت مبنية ، فإنك إذ
سميت بها مذكرا جرت بوجوه الإعراب ، فحكمها واحد.
و"
سفار" : اسم ماء لبني تميم. قوله : " وإذا اضطر الشاعر قال الموارر إلى
قوله : كان اللازم لهذه الإمالة إذ كانت الراء بعد الألف مكسورة".
يريد أن"
الموارّ" أصله : " الموارّر" ، فإذا اضطر الشاعر أظهر التضعيف ،
فوقعت الراء مكسورة بعد الألف فجازت الإمالة لذلك ، وكانت الإمالة ألزم لها إذا
كانت جائزة في قولهم : " هي المنابر" بإمالة الألف من أجل كسرة الياء
والراء المكسورة أقوى على الإمالة ـ فاعلم ذلك.
هذا باب ما يمال من
الحروف التي ليس
بعدها ألف إذا كانت
الراء بعدها مكسورة
وذلك قولك : من
الضرر ومن البعر ومن الكبر.
اعلم أن الراء
في ما ذكر سيبويه في هذا الباب والذي قبله ، حرف لا نظير له للتكرير الذي فيه
ولاختصاصه بأحكام ينفرد بها ، منها ما انفرد به في هذا الباب من إمالة ما قبله إذا
كان مكسورا وقبله فتحة ، ومن جواز الإمالة من أجله في ما تمنع حروف الاستعلاء من
إمالته.
وقد تقدم
الكلام على ذلك.
قال الأخفش في
هذا الباب : أقول في ابن أمّ مذعور وابن ثور فأميل ما قبل الواو ، وأما الواو فلا
أميلها ، وسيبويه يقول : أروم الكسرة في الواو.
فمذهبه أنّه لا
يميل الواو الساكنة ؛ لأن إمالتها توجب إمالة ما قبلها ، كما أن إمالة الألف
توجب إمالة ما قبلها ، ولكنك تروم الكسرة في نفس الواو فيكون رومها
كالإمالة كما رمت الكسرة في ردّ.
ومن مذهب
الأخفش : أن الواو تمال ويمال ما قبلها معها كما يفعل بالألف.
قوله وقالوا :
مررت بعير ، ومررت بخير فلم يسمع لأنها تخفى مع الياء.
يعني أن إشمامه
الكسر يخفى مع الياء كما أن الكسر نفسه في الياء أخفى.
ووقع في آخر
الباب ، قال أبو الحسن الأخفش : يحسب ويضع لا يكون فيه إلا الفتح في التاء والنون
والهمزة وهو قول العرب.
ليس ذكر هذا من
هذا الباب ، وقد مضى في موضعه.
وهو أن فعل
يفعل لا يكسر في مستقبله حرف الاستقبال كما يفعل ذلك في فعل يفعل ، نحو علمت تعلم
ونعلم واعلم ولا تقول في تحسب : تحسب ، ولا في تضع تضع ، لأن أصله : توضع وإنما
فتح لحرف الحلق.
وذكر بعض
النحويين أنّه لا يجوز أن تقول تحسب فتكسر التاء في لغة من يفتح السين ؛ لأن
الأكثر في تحسب كسر السين ـ فاعرفه.
هذا باب ما يلحق
الكلمة إذا اختلت حتى تصير حرفا
" وذلك
قولك : عه وشه" وما أشبه ذلك.
كلامه في الباب
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ما يتقدّم
أوّل الحروف
وهي زائدة قدمت
لإسكان أوّل الحروف
والزيادة هنا
الألف الموصولة.
اعلم أن أصل
ألف الوصل أن تكون في الأفعال ؛ لأنه يعرض فيها ما يوجب سكون أولها فيحتاج إلى ألف
الوصل للتوصل إلى النطق بالساكن وذلك في نحو قولك : ذهب يذهب ، وقتل يقتل ، وضرب
يضرب ، وكان يجب أن يحرك الأول في المستقبل كما حرك في الماضي ، فيقال : ذهب يذهب
: وقتل يقتل ، وضرب يضرب ، فاجتمع أربع متحركات فاستثقلوا توالي الحركات ، فسكنوا
فاء الفعل ولم يسكنوا الحرف الذي قبل الفاء ؛ لأنه يبتدأ بساكن.
ـ ولا سكنوا
العين لأنه بحركته يعرف اختلاف الأبنية.
ـ ولا آخره
لأنه يقع عليه الإعراب ، فأسكنوا الثاني لأنه لا يمنع من إسكانه مانع فقالوا :
يذهب ، ويضرب. فإذا أرادوا الأمر : حذفوا حرف الاستقبال فبقي فاء الفعل ساكنا ،
فاحتاجوا إلى ألف الوصل.
وفرّق سيبويه
بين ألف" أفعلت" وألف الوصل بأن ألف" أفعلت" قد صيرت بمنزلة
ما
هو من نفس الكلمة وإن كانت زائدة وبنيت الكلمة عليها كما بنيت على زيادة
ألف" فاعلت" لأنها تجيء لمعنى ، وليست كألف الوصل التي لا معنى لها سوى
التوصل إلى النطق بالساكن الذي بعدها.
واحتج سيبويه
لفتح أول المستقبل مما في ماضيه ألف الوصل فقال : لأنها لا تلزم أول الكلمة ، يعني
: الف الوصل ، فهي كالهاء في عه.
وإذا لم تلزم
الكلمة ، وقد دخلت على ما أصله الثلاثي لم يجب الضم الذي يجب في مثل قولنا : أكرم
يكرم ، وقاتل يقاتل ، وصار احرنجمت واقشعررت ـ اللذان أصلهما الرباعي ـ كاستفعلت ؛
لأن الألف لم تدخل في احرنجمت واقشعررت لتنقله إلى بناء من الفعل أكثر من الرباعي
؛ لأنه ليس في الكلام فعل من الخماسي مثل : سفرجل ، ولم يكن مثل أفعل الذي دخلت
الألف على الثلاثي فيه ، فأخرجته إلى مثال الرباعي في اللفظ كدحرج وصلصل وما أشبه
ذلك.
وحكى سيبويه :
* اضرب السّاقين إمّك هابل
فكسر الألف
من" إمّ" لكسرة النون من الساقين ، ثم قال : فكسرهما يعني : الألف من إم
والحرف المكسور الذي قبلها.
" كما ضمّ
في ذلك".
يعني : كما ضم
: " أنبوءك وأجؤرك" يريد : أنبئك وأجئرك
وأنشد للنعمان
بن بشير :
* ويلمّها في هواء الجو طالبة
|
|
ولا كهذا
الذي في الأرض مطلوب
|
يريد : "
وي لأمّها" ثم حذف الهمزة.
ويجوز أن تقدر
الهمزة في هذا الوجه بالضم وبالكسر.
ويجوز أن يكون
: " ويل أمّها" بانفصال ويل من" أم" وتكون" الأم"
مخفوضة بإضافة ويل إليها وحذفت الهمزة فصارت ويل أمها بفتح اللام وكسر الميم ثم
كسر اللام إتباعا لكسرة الميم.
ومن الناس من
يقول : " ويل أمّها" فيضم اللام ويلقي عليها ضمة الألف من أم وقد تقدم
تفسير البيت في ما مضى من الكتاب.
وشبه سيبويه
الألف واللام التي للتعريف بقد وسوف.
وشبههما"
بقد" و" سوف" أنّها تدخل على اسم مبهم يقع على أشياء فتعرّف بها
كقولك : الرجل والفرس وما أشبه ذلك.
وكذلك"
سوف" تدخل على" يفعل" فتخلصه للاستقبال دون الحال ، "
وقد" تدخل على فعل متوقع وتصيّر الفعل الماضي في معنى الحال ، وقد تقدم ذلك.
هذا باب كينونتها في
الأسماء
وإنما تكون في
أسماء معلومة
اعلم أن هذه
الأسماء التي ذكرها سيبويه وجب أن تدخل عليهما ألف الوصل ؛ لأنها أسماء معتلة سقط
أواخرها للاعتلال ، فسكن أوائلها لتكون ألفات الوصل عوضا مما سقط منها.
فأما"
ابن" فكان أصله : بنو أو بني فأسقط آخره.
وأما"
اثنان" فكان أصله : ثنيان لأنه من ثنيت الشيء.
وأما"
اسم" فأصله : سمو أو سمو ؛ لأنه مشتق من" سما يسمو" إذا علا والاسم
في المعنى بمنزلة الشيء يعلو على المسمى ، ألا ترى أنّهم يقولون : وقع هذا الشيء
تحت هذا الاسم فعلم أن الاسم كالطالع على المسمى. وأما" است" ، فأصله :
سته ، وقد اختلفت فيه العرب فمنهم من يحذف الهاء فيقول : " ست" ومنهم من
يحذف التاء فيقول : " سه" ، ومنهم من يسكن الهاء ويسكن السين ويدخل ألف
الوصل فيقول : است.
وأما امرؤ :
فإنهم شبهوا الهمزة بحرف معتل ؛ لأنها يلحقها التخفيف ولم يحفلوا بها فشبهوه
بالاسم الذي قد أسقط آخره ، فسكن أوله وأدخل ألف الوصل عليه.
فأما"
ابنم" : فزيدت فيه الميم على" ابن" للتوكيد والمبالغة كما تقول
للأزرق : " زرقم" ، والعظيم العجز : " ستهم" فاعلم ذلك.
وذكر أنّه
الألف الداخلة على لام التعريف تحذف في اتصال الكلام إلا أن يقطع الكلام قبلها
ويستأنف مع ما بعدها ، واحتج لذلك بأن الشعراء تفعل ذلك بأنصاف البيوت لأنها مواضع
فصول.
وأنشد :
* ولا يبادر في الشتاء وليدنا
|
|
ألقدر ينزلها
بغير جعال
|
فقطع الألف من
القدر ؛ لأنه أول النصف الثاني من البيت ، فهو بمنزلة الابتداء. والجعال : الحزقة
التي ينزل بها القدر.
وأنشد للبيد :
* أو مذهب جدد على ألواحه
|
|
ألناطق
المزبور والمختوم
|
__________________
فقطع ألف الوصل
من الناطق ، لأنه ابتدأ النصف الثاني من البيت. والمزبور : المكتوب.
هذا باب تحرّك أواخر
الكلم السّاكنة
إذا حذفت ألف الوصل
ذكر سيبويه في
هذا الباب قوله عز وجل : (الم* اللهُ لا إِلهَ
إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [آل عمران : ١ ، ٢] ، ولم يجز كسر الميم.
وكان الأخفش
يجيز الكسر. وفي فتح الميم وجهان :
ـ
أحدهما : أنّه لالتقاء
الساكنين الميم واللام من الله.
ولم يكسروا لأن
قبل الميم ياء ، وقبل الياء كسرة.
ـ والوجه
الثاني : أنّه ألقى فتحة الألف من قولنا : الله على الميم ؛ لأن هذه الميم موقوفة
حقها أن تبتدأ الألف بعدها مفتوحة ، فلما وصلت جعلت الهمزة وهي الألف مخففة فألقي
حركتها على الميم كما يعمل في تخفيف الهمزة.
ـ وشبه سيبويه
الكسر في الساكن الذي بعده ألف الوصل : " بحذار" و" بداد"
و" نظار" ؛ لأنه كان عنده أن" نظار" و" حذار"
آخرهما ساكن وكسروا آخره لاجتماع الساكنين ولم يكن ذلك في" حذام" اسم
امرأة ؛ لأن العرب تختلف في كسر" حذام" ولم تختلف في" نظار"
و" حذار".
ـ وقد تقدم ذلك
في موضعه.
ـ ومثل ذلك
أيضا : " جيد" ، ومعناه : نعم وهو حرف.
ـ وجعل نظير ما
فتح من الساكن قبل ألف الوصل : قولهم : " لم يلده" واعلمن ذلك
ـ فأما : لم
يلده : فأصله : لم يلده وحذفوا الكسرة من اللام ، ثم حركوا الدال لاجتماع الساكنين
، وفتحوه إتباعا لفتحة الياء ، وكرهوا الكسر في الدال ؛ لأنهم هربوا من الكسر
فكرهوا العود إلى ما هربوا منه.
ـ وأما قولهم :
" اعلمن ذلك" : فحركت الميم بالفتح ؛ لأنه أخف الحركات ، ولأنهم أرادوا
الفرق بين المؤنث والمذكر والجمع ـ فاعلمه.
هذا باب ما يضمّ من
السواكن إذا حذفت بعده ألف الوصل
وذلك قولك :
اخشوا الله ، ورموا ابنك وما أشبهه
ذكر سيبويه أن
العلة في تحريك هذه الواو بالضم ، أن الضمة من الواو ، فحركوها بها لمشاكلتها لها.
وقال غيره :
إنما اختاروا الضم ؛ لأنه سقط من الكلام ضمة كانت قبل واو الجمع ، فلما احتاجوا
إلى التحريك حركوه بمثل تلك الضمة ، وكان الأصل : اخشيوا الله. ورميوا ابنك ،
فأعلّوا الياء وحذفوها.
وتبين من كلام
سيبويه في هذا الباب أن الياء التي في فعل المؤنث علامة الإضمار ، وهي اسم كالتاء
في فعلت على مذهبه.
وغيره من الناس
يذهب إلى : أن الياء علامة التأنيث في اضربي.
واخشي. وأنها
بمنزلة التاء فى : قالت هند.
واحتج بأنها لو
كانت علامة إضمار الواحدة لصار علامة إضمار الاثنين على حرفين كما كان في الماضي
بزيادة تزاد على إضمار الواحد كقولنا : فعلت وفعلتما ـ فاعرفه.
هذا باب ما يحذف من
السّواكن إذا وقع بعدها ساكن
قوله في آخر
الباب : وأما اخشوا القوم ورموا الرجل واخشى الرجل إلى قوله : لأنه ليس لاستثقال
ما بعدهما حذفت.
يريد أن الواو
المفتوح ما قبلها لا تسقط لاجتماع الساكنين ؛ لأنها لو سقطت لقلت : " اخش
القوم" وأنت تريد : اخشى القوم. ولو حذفت الياء لاجتماع الساكنين لبقي على
لفظ الأمر للمذكر ، ومع ذلك : إن قبل هذه الواو والياء أخف الحركات فلم يستثقل
تحريك الياء والواو لخفة ما قبلهما ، وإذا كانت الواو قبلها ضمة ، والياء قبلها
كسرة ، فإنه يجتمع في تحريك الواو والياء : أنّه أثقل ، وأنه لا يخاف فيه التباس ،
فحذف.
ومثل ذلك :
" لم يبع" ، و" لم يقل" ، فحذفت الواو والياء ولم يحركا كما
حذفت ألف يخاف ، فقيل : لم يخف.
والواجب في :
" يخاف" حذف الألف إذا سكنت الفاء ؛ لأن الألف لم يمكن تحريكها ،
فحمل" لم يبع" و" لم يقل" على الألف ؛ لأنها أخوات ، ومع ذلك
فإنه يستثقل : لم يبيع ، ولم يقول ، فيحرك لالتقاء الساكنين.
هذا باب ما لا يردّ من هذه الأحرف الثلاثة لتحريك ما بعدها
ذكر في هذا
الباب أن قولهم : لم يخافا ، ولم يقولا ولم يبيعا ، إنما لزم فيه ردّ الحروف
الذاهبة في الواحد ؛ لأن الأصل قبل الجزم : يخافان ويقولان ويبيعان ، فدخل الجزم
فسقطت له النون ، فلم تدخل ألف التثنية على شيء مجزوم ، فلذلك ثبتت الألف والواو
والياء في : يخافا ويقولا ويبيعا.
واستدل على ذلك
أنك تقول : " رمت" ، فتحذف ألف رمى لسكونها وسكون التاء ، فإذا قلت :
" رميا" ، لم ترد الألف المحذوفة وإن كانت التاء متحركة لدخول ألف
التثنية على فعل الواحد.
وقد جاء في
الشعر : " رماتا" على قول بعض العلماء.
وعلى ذلك تؤول
قول امرئ القيس :
* له متنتان خظاتا كما
|
|
أكبّ على
ساعديه النّمر
|
أنه فعل ماضي
وأن الأصل : خظا فدخل عليه تاء التأنيث فصار خظت ، ثم ثني فدخلت ألف التثنية على
التاء فتحركت فردت الألف الذاهبة قبل التاء لتحرك التاء. وقيل في البيت غير هذا
وليس هنا بموضع تفسيره.
هذا باب ما تلحقه
الهاء في الوقف لتحريك آخر الكلمة
قال في آخر
الباب : " وزعم أبو الخطاب أن ناسا من العرب يقولون : ادعه" ثم بيّن
سيبويه العلة في كسر العين وجعله جاريا على الغلط والتوهم.
وذكر غيره وجها
آخر ، وذلك أن من العرب من يسكن الحرف الذي يبقى بعد المحذوف من المجزوم فيقول :
اشتر ثوبا واتّق زيدا.
قال الشاعر :
* ومن يتّق فإن الله معه
|
|
ورزق الله مؤتاب
وغادي
|
فلما كان هذا
قد يسكن قدر إسكان العين من" ادعه" على هذه اللغة ، واجتمع ساكنان ،
وهذا التقدير في التحصيل يرجع إلى قول سيبويه وإن لم يلفظ به.
وقد حكى أبو
زيد القشيري : " لم يأل عن ذلك" بكسر اللام وهو من : ألا يألو. فاعرفه.
هذا باب ما تلحقه
الهاء لتبين الحركة من غير ما ذكرنا
اعلم أن هذا
الباب ذكر فيه سيبويه ما تلحقه هاء الوقف مما قبله ساكن.
وجملة الأمر أن
هاء الوقف لا تلحق المعرب ؛ لأن حركات المعرب تتغير وتختلف ، وقد يدخل المعرب
التنوين ، فجعلت الحركات الداخلة عوضا من الهاء ، وذلك أن الهاء أصل دخولها عوضا
من النقص الذي يلحق الكلمة نحو : عه وارمه وتدخل في المبنيات لنقصان تصرفها عن
المعرب وأنها مقصورة على شيء واحد ، وقد تمنع من بعض المبنيات لعلل تحمل على ذلك.
وأنشد سيبويه ـ
في ما دخلته الهاء من المبنيات ـ للراجز :
* يأيها الناس ألا هلمّه
__________________
وأنشد أيضا :
* ويقلن : شيب قد علا
|
|
ك وقد كبرت ،
فقلت : إنّه
|
فأدخل الهاء
على إنّ لبيان الحركة في الوقف ومعناها : نعم.
قال : "
وزعم الخليل أنّهم يقولون : انطلقته ، يريدون انطلقت".
وقد منع بعض
النحويين جواز هذا لأنه يلتبس بالمفعول إذا قلت : ضربته ، وبالمصدر إذا قلت :
انطلقته يريدون انطلقت انطلاقا ، ثم أضمرت المصدر.
والقول ، ما
قاله سيبويه والخليل ؛ لأن سيبويه قد حكى : ضربتنه ، والهاء للوقف ، وإن جاز أن
تقع الهاء للمفعول. ولو كان يبطل لوقوع اللبس ، لم يجز في" ليته" ولعله
، لأنه يلتبس باسم : " ليت" و" لعل" ، وقد حكاه سيبويه عن
العرب.
هذا باب ما يبيّنون
حركته وقبله متحرك
قوله : "
شبّهوا هيه بياء بعدي"
يريد في قولك :
جاء من بعديه. وإنما قال سيبويه هذا لأن الياء في" بعدي" حرف واحد وهي
اسم على حرفين وما كان على حرف واحد فهو أولى بالهاء لقلته ونقصانه.
وبين سيبويه أن
العرب قد تبين الحركة بالألف كما تبينها بالهاء كقولهم أنا فعلت ؛ لأن الألف من
مخرج الهاء.
وزعم غيره أن
من العرب من يقف على" أنا" بالهاء فيقول : " أنه". وروي أن
حاتما الطائي كان أسيرا في قوم ، فأمر أن يفصد بعيرا فنحره. فقيل له : لم فعلت ذلك؟
فقال : " هذا فصدي أنّه".
قوله : "
وكذلك الأفعال نحو : ظنّ وضرب" إلى قوله : " شبّهت بأحمر".
يريد : أن
الفعل الماضي ـ وإن كان مبنيا ـ لا تدخله الهاء للوقف ؛ لأن آخر الفعل الماضى هو
الذي يعرب في المستقبل فصار له بذلك قوة فلم تدخل عليه الهاء كما أن حكم"
جعفر" إذا بني في النداء لم يسكن ، وبني على حركة فصار إعرابه في حال قوة له
في حال البناء.
قوله : "
ولو كان في موضع ألف هؤلا حرف متحرك سواها إلى قوله أجروا الألف مجرى ما يتحرك في موضعها".
يعني : أن ما
كان في آخر الألف إن كان مبنيّا ، جاز أن تدخله الهاء في الوقف ، وذلك نحو :
" هذا" و" هاتا".
تقول : "
هذاه" وهاتاه وما أشبه ذلك ، وإن كان معربا في التقدير ، لم يوقف عليه بالهاء
، لا تقول : " هذه أفعاه". ولا" هذا أعماه" ، لأنه معرب بمنزلة
أحمر وأصفر ، فلا تدخله الهاء كما
لا تدخل المعرب في اللفظ والمعنى.
وقوله : "
واعلم أنّهم لا يتبعون الهاء ساكنا" إلى قوله : " فأرادوا البيان كما
أرادوا أن يحركوا".
يعني : أن
الهاء تدخل في ما كان آخره ألفا فقط دون ما كان آخره ياء أو واوا ، لأن الألف أخفى
، وهي إلى البيان أحوج ، فلا يقول : حاجتي هذيه وما أشبه ذلك من السواكن فاعلمه.
هذا باب الوقف في
أواخر الكلم المتحركة في الوصل
قوله : ومثل
هذا في الاختلاف الحرف الذي فيه هاء التأنيث إلى قوله : وما هو بمنزلة ما هو من
نفس الحرف نحو : تاء سنبتة وتاء عفريت"
هذا الكلام من
سيبويه فيه سهو ؛ لأنه مثّل بتاء" سنبتة" الأولى ولا يقع عليها وقف ،
وإنما ينبغي أن يكون بتاء سنبت وما أشبهه مما يوقف على التاء فيه.
قوله بعد شيء
قدمه : " ولا بمنزلة ما هو من نفس الحرف ، نحو ياء محبنط ومجعبي".
يريد : أن
الياء في محبنطئ ومجعبي للإلحاق ، فهي بمنزلة ما هو من نفس الحرف.
ومعنى مجعبي :
صارع ، يقال : جعبه وجعبأه إذا صرعه.
هذا باب الوقف في
أواخر الكلم المتحركة
في الوصل التي لا
تلحقها زيادة في الوقف
ذكر سيبويه في
هذا الباب العلامات التي يوقف عليها من الرّوم والإشمام والتشديد وغير ذلك.
وإنما جعلت هذه
العلامات للفرق بين ما يكون مبنيّا على السكون في كل حال وبين ما يحرك في الوصل ،
وقد بيّن سيبويه ذلك.
وإنما كان
التشديد علامة لأن الحرف المشدد حرفان ، فإذا وقفوا عليه اجتمع به ساكنان فيعلم
أنّه لا بد من التحريك في الوصل.
وبعض النحويين
لا يعرف الإشمام الذي ذكره سيبويه ، ولا يفرق بين الإشمام والروم.
وإنما جعل
سيبويه علامة أجرى مجرى الجزم والإسكان الخاء لأنها أول قولك : " خفيف"
فيدل به على السكون لأنه تخفيف.
وإنما جعل
الشين للتضعيف ؛ لأن الشين أول حرف من شديد فدل به عليه لأن الحرف مشدد.
وأما النقطة
للإشمام فلأن الإشمام أضعف من الروم فجعل للإشمام نقطة ، وللروم خطّا ، لأن النقطة
بعض من الخط.
وأنشد في ما
جاء مشددا لرجل من بني أسد :
* ببازل وجناء أو عيهلّ
فشدد اللام من
عيهلّ.
والبازل :
المسنة من الإبل. والوجناء العظيمة الوجنات.
والعيهلّ :
الناقة السريعة. والعيهل : الذّكر من الإبل أيضا.
وأنشد لرؤبة :
* لقد خشيت أن أرى جدبّا
|
|
في عامنا ذا
بعد ما أخصبا
|
أراد : جدبّة.
وأنشد لرؤبة
أيضا :
* بدء يحبّ الخلق الأضخمّا
أراد : "
الأضخم" ، فشدد. والبدء : السيد.
واعلم أن الأصل
في إلحاق التشديد في ما فيه تنوين في المرفوع والمخفوض دون المنصوب ، وذلك أن
المنصوب المنون إذا وقف عليه أبدل من التنوين ألفا ، فيتحرك حرف الإعراب الذي قبل
الألف ؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا وإذا تحرك حرف الإعراب استغني عن
التشديد ، ثم يلحق المجرور والمرفوع في القوافي وصل بالياء والواو على وجه إطلاق
الشعر لا على أنّه بدل من التنوين.
وتدخل على
المشدد في الوقف الواو والياء لإطلاق القافية ، ويبقى الشديد على حاله كقوله :
* كأن مهواها على الكلكلّ
|
|
موضع كفّي
راهب مصلّي
|
فلما جرى في
المرفوع والمخفوض ، ألحقوه المنصوب فأدخلوا فيه الألف للإطلاق فقالوا : الأضخمّا ،
وأخصبّا ؛ لأن الألف والواو والياء تجري مجرى واحدا في القوافي.
قال سيبويه :
" وحدثني من أثق به أنّه سمع عربيّا يقول : أعطني أبيضه ، يريد : أبيض ،
وألحق الهاء كما ألحقها في هنّه"
وهذا الذي حكاه
من أقبح ما يكون من الشذوذ.
وبعض النحويين
يقول : هو غلط من قائله : لأن أبيض معرب ، فلا وجه لهاء الوقف ،
__________________
لأنها إنما تدخل على المبني وأيضا فإن التشديد إنما يلحق في الوقف إذا سكن
الحرف الموقوف عليه ، فإذا حركناه بإدخال الهاء استغنينا عن التشديد فاعرفه.
هذا باب السّاكن الذي
يكون قبل
آخر الحرف فيحرك
لالتقاء الساكنين
قوله : وقالوا
رأيت العكم فلم يفتحوا الكاف إلى قوله" صار في النصب كأنه بعد الساكن".
ثم بين في هذا
الفصل أنّه لا يحرك الساكن الأول بالفتح ، في حال من الأحوال لا بإلقاء فتحة ما
بعده عليه ولا بإتباع فتحة ما قبله ، لا تقول : رأيت البكر ، ولا هذا البكر فتتبع
الكاف الباء ، وإنما يحرك الساكن الأول بالضم أو الكسر. فإن كان الحرف الأول
مفتوحا حرك بحركة ما بعده كقولك : " هذا عدل" ، و" هذا بسر"
في قول من يقول بسر بإسكان السين.
قال : "
ولا يكون هذا في زبد وعون لأنهما حرفا مد ، فهما يحتملان ذلك إلى قوله وكذلك
الألف".
يريد : أنك لا
تقول : هذا زبد ولا عون ؛ لأن الياء والواو يستثقل فيهما الضم والكسر وهما من حروف
المد واللين. واحتمال اجتماع الساكنين في الوقف أشد من احتمال غيرهما كما اختصا في
القوافي بأشياء لم يحتملها غيرهما ، وسيأتي ذلك في القوافي إن شاء الله.
قوله : "
واعلم أن من الحروف حروفا مشوبة ضغطت من مواضعها إلى قوله والدليل على ذلك أنك
تقول : الحذق فلا تستطيع أن تقف إلا مع الصويت لشدة ضغط الحرف".
اعلم أن هذه
الحروف التي ذكرها في هذا الفصل ، إذا أردت امتحان ما ذكر فيها فإنك تبتدئ بحرف من
الحروف ، وتثني بأحد هذه الحروف الخمسة فتقف عليه فتسمع صويتا عند الوقف عليه
كقولك : اق ، واج ، واط ، واب ، واذ وقد تدخل في ذلك الكاف كقولك : اك ، وذلك أن
هذه الحروف لما انضغط موضعها ولم يكن للصوت منفذ صار الوقف عليه وقطعه بمنزلة شيء
شديد التحزيق ، والتحزيق هو الذي يوجب التصويت ؛ لأن ما كان متفشيا لم يكن له في
التصويت من الأثر ما للتحزيق.
وقوله بعد هذا
: ومن المشوبة حروف إذا وقفت عندها خرج معها نحو النفخة إلى قوله : وقد فتر من بين
الثنايا لأنه يجد منفذا.
معنى قوله في
هذا الفصل : " انسل آخره وقد فتر من بين الثنايا".
يريد : انسل
آخر هذه الحروف من بين الثنايا ؛ لأنه لا يجد منفذا غير ذلك وانسلاله هو النفخ.
وقوله : "
وقد فتر".
يريد : آخره ،
إذا ضعف.
قوله : فإذا
وقفت في المهموس والأربعة.
يعني : الظاء
والذال والضاد والزاي.
وقوله : ولا
يكون شيء من هذه الأشياء في الوصل نحو : أذهب زيدا ... واحرسهما إلى قوله : "
أحذّ" ، و" دقّ ورشّ".
يعني : أن
الحرف الأول من الذالين في" أحذّ" ، والقافين في" دقّ"
والشينين في" رشّ" لا يمكن أن يكون بعده صويت ولا نفخ لاتصال الحرف
الثاني به فكذلك هذه الحروف وغيرها التي لم تدغم إذا وصلت بغيرها بطل فيها الصويت
والنفخ.
وجعل بعض
النحويين مكان قوله : أذهب زيدا : أبهت زيدا لأن التاء ليست من الحروف التي معها
صويت ولا نفخ ، ورأى أذهب كالغلط في الرواية ، والنسخ على أذهب.
واحتجاج سيبويه
إنما هو بالزاي من زيد لا بالباء من" أذهب"
هذا باب الوقف في
الياء والواو والألف
ذكر في هذا
الباب ، أن بعض العرب يجعل مكان الألف همزة في الوقف ، والعلة في ذلك أن الهمزة
إذا كان قبلها متحرك فهو أبين من الألف فقلبوا من التنوين في الوقف همزة ، كما
يقلب غيرهم الياء والهمزة من موضع الألف فاعلمه.
هذا باب الوقف في
الهمز
معنى قول
سيبويه : بعد ذكر ما كانت الهمزة في آخره وقبلها ساكن مثل الخبء ونحوه في الوقف :
فإنه يلزمها في الرفع النصب والجر ما يلزم الفرع من الإشمام وروم الحركة.
إنما قصد إلى
التشبيه بالفرع ؛ لأن الهمزة تشبه بالعين ولذلك شبه الهمز المفتوح ما قبلها
بالنّطع.
وأما من يلين
الهمز من أهل الحجاز فقولهم : " هذا الحبا" إلى قوله : " نحو
أهني" وتقديرها أهنع.
يريد : إذا
وقفت على مذهب من لا يحقق ، قلت : أكمو وأهني بواو محضة وياء محضة ، ولم يكن فيها
ـ على مذهب أهل الحجاز ومن لا يحقق إشمام ولا روم ولا غير ذلك من الوجوه التي
تخالف الوقف على حروف المد واللين.
والحبأ : وزير
الملك وخاصته الذين يجلسون معه ، يقال : هؤلاء أحباء الملك وقرابته.
هذا باب السّاكن الذي
تحركه في الوقف
أنشد في هذا
الباب لزياد الأعجم :
* عجبت والدهر كثير عجبه
|
|
من عنزيّ
سبّني لم أضربه
|
وأنشد لأبي
النجم :
* فقرّبن هذا وهذا أزحله
يريد : "
أضربه" و" أزحله" ، فألقى حركة الهاء في الوصل على الساكن الذي
قبلها في الوقف.
ومعنى أزحله :
أبعده.
وسائر الباب
مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب الحروف الذي
يبدل في الوقف مكانه أحرفا أبين منه تشبهه لأنه خفي
ذكر في هذا
الباب أن ناسا من بني سعد يبدلون الجيم مكان الياء لخفائها ، وبيان الجيم.
وأنشد :
* خالي عويف وأبو علج
|
|
المطعمان
اللحم بالعشج
|
وبالغداة
فلق البرنج
|
البرني : ضرب
من التمر.
وأنشد أبو زيد
في الياء الخفيفة :
* يا ربّ إن كنت قبلت حجّتج
|
|
فلا يزال
شاحج يأتيك بج
|
أراد : يأتيك
بي.
هذا باب ما يحذف من
أواخر الأسماء في الوقف
ذكر في هذا
الباب عن الخليل أنّه يقول في النداء : يا قاض بالتنوين ، واختار سيبويه قول يونس
واعتل له.
وبعض النحويين
يختار قول الخليل ، وحجته أن المنادى المعرفة لا يدخله تنوين في وقف ولا وصل ،
والذي يسقط الياء هو التنوين ، فوجب أن تثبت الياء لأنها لام الفعل كما تثبت غيرها
من سائر الحروف.
__________________
وأنشد سيبويه
لزهير بن أبي سلمى :
* وأراك تفري ما خلقت
|
|
وبعض القوم
يخلق ثم لا يفر
|
أنشده على حذف
الياء من يفري في القافية ، وهذا كقوله عز وجل : (ذلِكَ ما كُنَّا
نَبْغِ) [الكهف : ٦٤].
قال : "
وإثبات الياء أقيس".
ومعنى تفري أي
تقطع على جهة الإصلاح. ومعنى خلقت : قدّرت ، يقول للممدوح إذا قدرت أمرا وتبينت
صوابه أنفذته وأتممته ، وبعض القوم يقدر الأمر ، ثم لا يمضيه ولا يتمه.
هذا باب ما يحذف من
الأسماء من الياءات في الوقف
التي لا تذهب في
الوصل
ذكر أن من
العرب من يحذف ياء المتكلم في الوقف فيقول هذا غلام ، ويريد : غلامي.
وقد أسقان ،
يريد : أسقاني. فأما ياء المتكلم في الفعل فالحذف فيها حسن ؛ لأن النون التي قبلها
تدل عليها ولا لبس فيها.
وأما قولك :
هذا غلام ، ففيه لبس ، فلا يجيزه بعض النحويين للبس ، وقد أجازه سيبويه لأن الوصل
يبينه بكسر الميم.
وأنشد سيبويه
للنابغة :
* إذا حاولت في أسد فجورا
|
|
فإني لست منك
ولست من
|
يريد : "
مّني" يقول هذا لعيينة بن حصن الفزاري وكان قد دعاه إلى مقاطعة بني أسد ،
ونقض حلفهم فأبى النابغة ذلك وتوعده بهم.
وأنشد أيضا :
* وهم وردوا الجفار على تميم
|
|
وهم أصحاب
يوم عكاظ إن
|
يريد : إني ،
وخبر إنّ في بيت بعد هذا.
يصف بني أسد ،
ويذكر أيّامهم ومشاهدهم ، توعّدا لعيينة بن حصن وفخرا عليه بهم.
وأنشد للأعشى :
* فهل يمنعني ارتيادي البلاد
|
|
من حذر الموت
أن يأتين
|
__________________
ومن شانئ
كاسف وجهه
|
|
إذا ما
انتسبت له أنكرن
|
أراد : "
أن يأتيني" ، و" أنكرني".
قال عز وجل :
" أكرمن" و" أهانن".
وقوله : كاسف
وجهه ، أي عابس متغير.
وأنشد في ما
قلبت فيه الياء ألفا لطفيل الغنوي
* إن الغويّ إذا نها لم يعتب
أراد : "
نهي".
وأنشد في ما
حذفت من الألف ضرورة للبيد :
* وقبيل من لكيز شاهد
|
|
رهط مرجوم
ورهط ابن المعل
|
يريد"
المعلّى". وهذا من أقبح الضرورة.
ومعنى قول
سيبويه الألفات التي تذهب في الوصل لا تحذف في الوقف. يريد : ألف عصى ورحى ، وما
أشبه ذلك يحذف في الوصل لاجتماع الساكنين : التنوين والألف ، فإذا وقفت ، ذهب
التنوين فعادت الألف ، وهذا الموضع يدل على أن مذهب سيبويه أن الألف التي تثبت في
الوقف هي التي كانت في الحذف ، ويقوى ذلك أيضا أنك تقول : هذا فتى فتميل.
وقال بعض
النحويين : إنّها منقلبة من التنوين ، ولو كانت كذلك ما أميلت.
هذا باب ثبات الياء والواو في الهاء التي هي علامة الإضمار وحذفها
اختلف النحويون
في الواو والياء المتصلتين" بضربهو" و" عليهى" فبعضهم جعله من
نفس الاسم ، وبعضهم جعله زائدا ، ولا خلاف بينهم أن الألف في" عليها"
و" ضربها" هما جميعا الاسم.
وقد اختلفوا في
مذهب سيبويه في الواو والياء من ضربهو وعليهى.
فقال الزجاج :
مذهبه أنّها بمنزلة الألف ، وأنهما من الاسم كالألف ، وذكر أن مذهبه أنّهما ليستا
من نفس الاسم ، قال : والدليل على ذلك أن الواو والياء لا يوقف على واحدة منهما
إذا قلت : " ضربته" و" مررت به" ويوقف على الألف إذا قلت :
ضربتها.
وللقائل أن
يقول : قد يجوز أن يحذف ما هو من نفس الاسم في قولنا : هذا قاض ، فلا يكون للزجاج
حجة في ذلك.
__________________
وبعض النحويين
يذهب إلى أن مذهب سيبويه : أن الواو والياء ليستا من الاسم واعتل بحذفهما في
الوقف.
وفصل سيبويه
بين الهاء التي قبلها ساكن أو واو أو ياء ، وبين الهاء التي قبلها ساكن من غير هاء
، فاختار أن يقال عليه : (فَأَلْقى عَصاهُ) [الشعراء : ٣٢] و (خُذُوهُ) [الحاقة : ٣٠]. بحذف حروف المد التي بعد الهاء ، واختار" منهو"
و" أصابتهو" جائحة بإثبات الواو.
واختار المبرد
حذف الواو في : منه وأصابته ، ولم يفرق بين حرف اللين وغيره.
وهو الصحيح لأن
أكثر القراء والجمهور على (مِنْهُ آياتٌ
مُحْكَماتٌ) [آل عمران : ٧].
والعلة في هذا
كالعلة في حروف اللين ، وذلك أن الهاء خفية ، فلو وصلت بحرف ساكن ، وقبلها ساكن ،
وهي لخفائها كأنها ساكن لصار كأنه ثلاث سواكن.
وقوله : "
ولم يفعلوا هذا بذة هي ، ومن هي ونحوهما إلى قوله : وليست الياء في هي وحدها باسم
كياء غلامي".
يريد : أن
الهاء التي قبلها حركة لا بد أن توصل ، وحذف الوصل منها إنما يجوز في الشعر كما
جاز في حذف ألف معلى حتى قيل : معل وحذف صلة الهاء أجدر لأنه قد يحذف في الكلام في
: عليه ومنه ويحذف من : هي وهو لأن الواو والياء مع الهاء التي قبلهما هما الاسم ،
ولأن الواو والياء في هي ، يوقف عليهما ، وليس ذلك في ضربته ولا مررت به ، ولذلك
ضعف الوصل فقال : الهاء هي هاء الإضمار ، والياء التي بعدها أيضا مع هذا أضعف
لأنها ليست بحرف من نفس الكلمة ، وهذا مما يدل على أن الهاء وحدها عند سيبويه
الاسم.
وقوله : وليست
الياء في هي وحدها باسم.
يدل أيضا أن
الياء مع الهاء اسم. وقد استدل بعضهم على أن الهاء وحدها الاسم ، بقول سيبويه :
هاء الإضمار.
ومعنى قوله :
لو ترك كان حسنا وكان على أصل كلامهم.
يريد : لو ترك
وصل الهاء في الوقف والوصل كان حسنا إذا لم تكن الواو من نفس الكلمة.
وبعضهم ذهب إلى
أنّه أراد : لو لم تحذف في الوقف الياء والواو من الهاء لجاز لبيان الهاء ؛ لأنهم
يلحقون للبيان الحروف ، ولكنهم لزموا الحذف خاصة في الوقف ، ليدلوا على أنّهما
ليسا من نفس الحروف.
وأنكر من كلام
سيبويه بعد أن ذكر اجتماع المتحركات في نحو قولك : " رسلكم ولو فعلوا ذلك
لاجتمعت في كلامهم أربع متحرّكات".
فأنكر عليه في
هذا : لأنّا إن أسكنا الميم من" رسلكم" ففيه أربع متحركات متوالية ، وإن
حركنا الميم ففيه خمس متحركات.
وقوله هذا ،
على أحد وجهين : إمّا أن يكون سهوا في عدد الحروف ، وإما أن يكون على ما قال بعض
النحويين : لاجتمعت أربع متحركات من قبل تحريك الميم ، فإذا حركناها زاد على أربع
متحركات فيكون زائدا على نهاية الثقل المستعمل في الشعر والموجود في كلمة واحدة ،
كقولنا : علبط وما أشبه ذلك.
وقوله : "
فأما الهاء فحرّكت في الباب الأول" إلى قوله : " كما فعلت في
الأول".
يعني أن الهاء
لا تسكن كما سكنت الميم في أبوهم ورسلهم وما أشبه ذلك ، لأن الميم لا يكون ما
قبلها إلا مضموما ، فإذا سكناه لم يلتق ساكنان ، والهاء قد يكون ما قبلها ساكنا
كقولنا : ألقى عصاه وعليه ، وما أشبهه ، فلو سكناها اجتمع ساكنان ـ فاعلمه.
هذا باب ما تكسر فيه
الهاء التي هي علامة الإضمار
ذكر في هذا
الباب أن بعض العرب يقولون : " بكم" و" عليكم" ، يشبهونها
بقولهم : " بهم" وهي لغة رديئة.
وزعم أن أهل
اللغة سمعهم ينشدون قول الحطيئة :
* وإن قال مولاهم على كلّ حادث
|
|
من الدهر :
ردّوا فضل أحلامكم ردّوا
|
ومعنى البيت
أنّه يصف قوما بالحلم والأخذ بالعفو والفضل ، فإذا كان بينهم وبين مولاهم ـ وهو
ابن عمهم ـ مباينة بشيء وقع بينه وبينهم ثم نابه حدث ونزلت به شدة ، فاستنصرهم
وسأل أن يردوا عليه فضل أحلامهم ففعلوا ذلك.
وذكر قولهم :
" هذه أمة الله" بالإسكان ، وفرق بيّن هذه الهاء وهاء الإضمار وإنما
إسكانها لقلة تصرفها إذا كان ما قبلها مكسورا خاصة ، وما قبل هاء الإضمار مختلفا.
ووجب إسكانها أيضا لأنها مبنية وبدل من شيء لو كان حرفا صحيحا للزمه البناء على
السكون وذلك أنّها بدل من ياء في حرف إشارة والإشارات مبنية على السكون ، فجاز
فيها السكون لذلك فاعرفه.
هذا باب الكاف التي
هي علامة المضمر
ذكر في هذا
الباب أن قوما يلحقون الشين بعد كاف المؤنث يبيّن بها الكسرة في الوقف.
وذلك قولهم :
أعطيتكش وهذه اللغة تسمى : الكشكشة ، ويقال إنّها في قوم من بكر بن وائل ، وإنما
ألحقوا الشين في الوقف ؛ لأنهم إذا وقفوا على الكاف سكنت ، فلم يكن فصل بين
__________________
المذكر والمؤنث ، فأرادوا بيان المؤنث في الوقف فجعلوا ترك الشين علامة
للمذكر.
وباقي الباب
مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب ما يلحق
التاء والكاف اللتين
للإضمار إذا جاوزت الواحد
ذكر في هذا
الباب لحاق الميم في تثنية التاء والكاف ، وجمعهما وضم ما قبل الميم.
فأما الميم ،
فذكر أنّها لحقت التثنية والجمع ؛ لأنهم بالغوا في الفرق فجعلوه بين الواحد والجمع
بحرف ، سوى الحرف الذي كان يلحق في الاسم الظاهر كقولنا : زيدان وزيدون ، وأن هذه الميم
لحقت في التثنية ؛ لأن التثنية جمع كما تلحق في الجميع وتختلف العلامة اللاحقة بعد
الميم فيهما ، فالزيادة في التثنية بعد الميم ، الألف كقولك : ذهبتما ، وفي الجمع
، الواو كقولك : ذهبتمو.
وأما لزوم الضم
لما قبل الميم ؛ فلأن هذه الميم لحقت بالتاء ، وكانت حركة التاء قبل لحاق الميم
تختلف للفرق بين المؤنث والمذكر ، فلما ثنوا وجمعوا ، صارت العلامة علامة الجميع
في ما بعد الميم كقولك : فمتمو يا رجال وقمتن يا نسوة ، وضربتكمو وضربتكن ، فأغنى
ذلك عن تغيير الكاف والتاء للفرق ، فألزموها حركة كانت تدخل على أحدهما وهي ضمة
التاء والكاف ولم يسكنوا التاء ؛ لأن ما قبلها ساكن أبدا ، فلا يجوز أن يجمع بين
ساكنين ، وحملوا الكاف على التاء لأنها قد يكون ما قبلها ساكنا في قولك : أعطاكما
وما أشبه ذلك.
هذا باب الإشباع في
الجر والرفع
وغير الإشباع والحركة
كما هي
أنشد في هذا
الباب في ما سكن ضرورة :
* رحت وفي رجليك ما فيهما
|
|
وقد بدا هنك
من المئزر
|
يريد : هنك.
وأنشد للراجز :
* إذا اعوججن قلت : صاحب قوم
|
|
بالدّوّ
أمثال السّفين العوّم
|
أراد : صاحب ،
فأسكن الباء. يصف إبلا. والدو : الصحراء وشبه الإبل في عظم خلقها وقطعها للصحاري
بالسفين العوم.
وأنشد لامرئ
القيس :
* فاليوم أشرب غير مستحقب
|
|
إثما من الله
ولا واغل
|
الواغل :
الداخل على الشرب ولم يدع. والمستحقب : الحامل في الحقيقة وهي مؤخر الرحل. وإنما
قال هذا لأنه كان حرم على نفسه شرب الخمر ، حتى يدرك بثأر أبيه ، وكانت بنو أسد
قتلته فجمع لهم امرؤ القيس وأوقع بهم فحلل بهم قسمه وحلت له الخمر بزعمه ، فهو
لا يكتسب إثما في شربها.
وأنكر المبرد
وغيره ما أجاز سيبويه من تسكين المتحرك في الشعر ورووا :
ـ " وقد
بدا ذاك من المئزر".
ـ " وقلت
صاح قوّم" ،
ـ و"
فاليوم أسقى ..."
ـ ومنهم من
يروي : " فاليوم فاشرب ..."
وما قاله
سيبويه صحيح لأنهم لا خلاف بينهم أن الإعراب قد يزول بالإدغام ، والقراء قد أجمعوا
على إدغام النون في قوله عز وجل : (ما لَكَ لا
تَأْمَنَّا) [يوسف : ١١].
والأصل :
تأمننا فذهبت الضمة التي هي علامة للرفع ، فإذا كان الإعراب قد ذهب في اللفظ من
المدغم في الكلام ، فغير بعيد أن يجوز إسكان الحركة في الشعر مع رواية سيبويه له
وأخذه عن العرب.
باب وجوه القوافي في
الإنشاد
قوله : "
لأن الشّعر وضع للغناء"
يريد : أنّه
يحتاج إلى ألحان موزونة ، ونغم منظومة تكرر على مقادير من الحروف وبنسب لا تختلف ،
فلا يجوز أن يحمل ذلك إلا كلام موزون يكون قدر بعضه إلى بعض معروفا. ولو لا ذلك ما
احتيج إلى المنظوم ، وهذا في جميع الألسنة : ما أرادوا الترنم به والغناء من
الكلام كان موزونا ، وفيهم من يلزم حرفا بعينه مع الوزن. وفيهم من يعتمد على اتفاق
ومقدار الحروف ، وإن لم يقفه على حرف معلوم. فلما كان موضوع الشعر للغناء والترنم
، احتاجوا ـ إذا ترنموا ـ إلى الحروف التي تتم الصوت ، وهي الألف والواو والياء
فزادوها بعد حركاتها المأخوذة منها لامتداد الصوت بهذه الحروف.
فإذا أنشدوا
على غير الترنم ، فأهل الحجاز أجروا آخره مجرى الترنم على كل حال ، ولزموا الأصل
الذي يوجبه الشعر من التغني به ، وفرقوا بينه وبين الكلام الذي لم يوضع للغناء.
وأما من أبدل
مكان المدة النون من بني تميم ، فإنهم أرادوا إتمام الوزن فجعلوا مكان حرف المد
نونا ؛ لأن أكثر الأواخر في الكلام منون ، فلزموا التنوين في هذا كله فحرسوا الوزن
ولم ينقصوا منه شيئا ، وفصلوا بين ما يترنم به وبين ما لا يترنم به.
وأما الذين
أجروه مجرى الكلام ، فذهبوا إلى أنّه لما ترك الترنم زال عنه المقصد الذي يقصد
بالشعر الموزون ، فأجروه مجرى سائر الكلام ، واحتمل النقصان الوزن في اللفظ لزوال
الترنم والغناء الذي يحتاج معه إلى التمام واستيفاء النغمة.
وحمل سيبويه ما
يحذف من الألفات والياءات والواوات الأصليات في القوافي ؛ على ما
يحذف منهن في الكلام إذا لم يكن أصليّا ، فمن ذلك الألف هي بدل من التنوين
إذا وقفت عليها لا تحذف ، تقول : رأيت زيدا ، فلا يحسن حذف الألف ، فإذا كان في
قافية لم يحسن أيضا حذفه ، فإذا كانت الألف أصلية جرت مجراها في أن لا يحسن حذفها
، كقوله :
* داينت أروى والدّيون تقضى
|
|
فمطلت بعضا
وأدّت بعضا
|
فالألف
في" تقضى" لا تحذف كما لا تحذف الألف في" بعضا". وينبغي على
قياس من يقول : رأيت زيدا ، إذا وقف عليه ، أن يجيز حذف الألف في يخشى ونحوه وذلك
معنى قول سيبويه : " فلو كانت تحذف في الكلام ولا تمدّ إلا في القوافي ،
لحذفت ألف يخشى".
ومعنى قوله :
" فإنما فعلوا ذلك بيقضي ويغزو ؛ لأن بناءهما لا يخرج نظيره إلا في
القوافي".
أي ليس في
الكلام ما يبدل من تنوينه ياء ولا واوا ، وإنما يكون في القوافي كقولك في :
* حبيب ومنزلي
وكقولك :
* طحا بك قلب في الحسان طروب
واعلم أن
سيبويه إنما ذكر وجوه القوافي في الإنشاد ليعلمك حكم اللفظ بأواخر الشعر في الوقف
والوصل كما أعلمك في الأبواب التي قبلها في غير الشعر.
وذكر فصل ما
بين الكلام والشعر في ذلك ، فكان ما ذكره منه. على ما يوجبه النحو من حكم اللفظ
بآخر الكلمة الموقوفة والموصولة ، لا على ما ينحوه أهل العروض والقوافي.
وأنشد سيبويه
ليزيد بن الطثرية :
* فبتنا تحيد الوحش عنّا كأننا
|
|
قتيلان لم
يعلم لنا النّاس مصرعا
|
أنشد هذا في ما
يوقف عليه بحروف المد واللين إذا ترنموا.
وهذا البيت
يروى لامرئ القيس. وصف جارية خرجت إليه في الليل من بين الحي فباتا معا لا يعلم
بموضعهما.
وأنشد لجرير :
* متى كان الخيام بذي طلوح
|
|
سقيت الغيث
أيّتها الخيامو
|
__________________
فوصل القافية
بالواو في الرفع كما توصل بالألف في النصب.
وأنشد لجرير
أيضا :
* أيهات منزلنا بنعف سويقة
|
|
كانت مباركة
من الأيامي
|
فوصل بالياء في
الخفض على قياس الرفع والنصب.
والنّعف : ما
ارتفع من الوادي واتصل بالجبل. وسويقة : اسم موضع. وأيهات : في معنى هيهات ،
ومعناها البعد.
وأنشد للعجاج
في ما يترنم فيه بالنون لمضارعتها حروف المد واللين :
* يا صاح ما هاج الدّموع الذّرّفن
وأنشد العجاج
أيضا :
* من طلل كالأتحميّ أنهجن
أراد : "
الذرفا" و" أنهجا" والذرّف القاطرة. والأتحميّ : ضرب من ثياب الوشي
شبه آثار الدار به. ومعنى أنهج : أخلق.
وأنشد في ما
أجري من القوافي مجرى الكلام في الوقف لجرير :
* أقلّي اللوم عاذل والعتاب
وأنشد للأخطل :
* واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل
قال : ويقولون
:
* قد رابني حفص فحرّك حفصا
تثبت الألف
لأنه كذلك في الكلام.
قال : "
وسمعت من يروي هذا الشعر من العرب ينشده" :
__________________
* لا يبعد الله أصحابا تركتهم
|
|
لم أدر بعد
غداة البين ما صنع
|
يريد : ما
صنعوا.
وقال :
* لو ساوفتنا بسوف من تحيّتها
|
|
سوف العيوف
لراح الرّكب قد قنع
|
يريد : قنعوا
والعيوف : من
عفت الشيء إذا كرهته وأبيته. والسوف هاهنا : من التسويف وهو المطل بالعدة.
وأنشد :
* طافت بأعلاقه خود يمانيّة
|
|
تدعو
العرانين من بكر وما جمع
|
يريد : ما
جمعوا.
والخود من
النساء : الحسنة الخلق ، وجمعها خود. والعرانين : الأنوف ، ضربها مثلا للأشراف من
قومها.
وأنشد لتميم بن
مقبل :
* جذيت ابن أروى بالمدينة قرضة
|
|
وقلت يشفّاع
المدينة : أوجف
|
يريد : أوجفوا
، فحذف الواو ، وهي ضمير الفاعلين في هذه الأبيات ؛ لأنه يشبهها بواو"
يغزو" وحذفها دون حذف واو يغزو في الحسن ؛ لأن الواو هاهنا اسم ، وواو يغزو
حرف.
ومعنى أوجفوا :
أسرعوا.
والوجيف : سير
سريع.
وأنشد للخزر بن
لوذان ، ويروى لعنترة :
* كذب العتيق وماء شنّ بارد
|
|
إن كنت
سائلتي غبوقا فاذهب
|
يريد : فاذهبي.
يخاطب بهذا
امرأته وكانت تعاتبه على إيثاره فرسه باللبن عليها.
ومعنى كذب
العتيق ، أي : عليك بالعتيق وهو التمر ، وهي كلمة تستعمل في الإغراء ويرفع ما
بعدها وينصب. والغبوق : شرب العشي.
__________________
قال : وأنشد
الخليل :
* خليليّ طيرا بالتفرق أوقعا
فلم يحذف
الألف.
وأنشد لأبي
النجم :
* الحمد لله الوهوب المجزلي
فأثبت الياء
كما أثبت الألف.
وأنشد :
* وأعلم علم الحق أن قد غويتم
|
|
بني أسد
فاستأخروا أو تقدّم
|
يريد : تقدموا.
وأنشد : في ما
كسر من السواكن وألحقت به الياء للإطلاق ـ لطرفة :
* متى تأتني أصبحك كأسا رويّة
|
|
وإن كنت عنها
غانيا فاغن وازدد
|
وأنشد لأبي
النجم :
* إذا استحثّوها بحوب أوحلي
فكسر اللام وهي
في الكلام مسكنة ، ثم وصلها بالياء للإطلاق. وحوب ، وحل : زجر للبعير لينهض.
واحتج سيبويه
في آخر الباب لتحريك الساكن في القوافي بالكسر يقول الرجل : قدى ، يريد : قد كان
كذا وكذا فيقطع الكلام ليذكر.
وحكى عن بعضهم
: " هذا سيفني يريد : سيف".
فكسر التنوين ؛
لأنه أراد أن يصله بكلام بعده فنسيه فوقف متذكرا له ، فكسر النون الساكنة هي
التنوين ، وألحقها ياء ـ فاعلم ذلك.
هذا باب عدة ما يكون
عليه الكلام
هذا الباب لا
يحتاج فيه إلى كثير تفسير ؛ لأنه يجري مجرى اللغة ، وهو مفهوم من كلام سيبويه.
__________________
ومعنى قوله بعد
أن ذكر لام الإضافة : " ومعناها الملك والاستحقاق".
يريد : أن بعض
ما تدخل عليه اللام ، لا يحسن أن تقول أنّه يملك ما أضيف إليه ، وبعضه يحسن. فأما
الذي يحسن : فقولك : الدار لزيد. والذي لا يحسن : أن تقول : زيد صاحب للدار ،
والله رب الخلق ، ورب للخلق ، فالخلق مستحقون أن يكون الله ربهم ، ولا يقال :
إنّهم يملكون ولا يقال : إن الدار مالكة لصاحبها.
ومعنى قوله في
الباء : " هي للإلزاق والاختلاط" إلى قوله : " فما اتسع من هذا
الكلام فهذا أصله" إنما قال هذا لأنه قد يستعمل بالباء ما لا يكون إلصاقا
كقولك : مررت بزيد لم تلزق المرور بزيد ، إنما تريد المرور التزق بالموضع الذي
يقرب منه ويقع منه ، وتقع فيه مشاهدته والإحساس به.
وذكر في الباب
أن" إن" تكون لغوا في قولك : " ما إن تفعل".
وقال الفراء :
هما جميعا للنفي ، وزاد على ذلك بأنه يقال : " لا إن ما" فتكون الثلاثة
للجحد.
وأنشد :
* إلا الأوارى لا إن ما أبينها
والذي قاله
فاسد ؛ لأن الجحد إذا دخل على الجحد صار إيجابيّا ، والذي قاله سيبويه وأصحابه
صحيح ؛ لأنهم جعلوا أحدهما لغوا ، واعتمدوا بالجحد على الآخر.
وأما البيت
الذي أنشده الفراء فرواية الناس : " لأيا ما أبيّنها".
وذكر سيبويه
أن" إن" تزاد بعد ما التي هي ظرف للتوكيد.
وأنشد للمعلوّط
القريعي :
* ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته
|
|
على السنّ
خيرا لا يزال يزيد
|
ويروى : "
عن السن" وعن بمعنى على.
يريد : رجّه
للخير ما رأيته لا يزال خيرا على السن والكبر.
وأنشد لأبي
ذؤيب :
__________________
* بل هل أريك حمول الحىّ غادية
|
|
كالنّخل
زيّنها ينع وإفضاح
|
الينع : إدراك
النخل. والإفضاح : أن يحمر البسر ويصفر.
شبه ما على
الحمول من الهوادج المزينة بالألوان المختلفة بالنخل المدرك.
وأنشد للبيد في
نحو هذا :
* بل من يرى البرق بتّ أرقبه
|
|
يزجي حبيا
إذا خبا ثقبا
|
الحبي : السحاب
، يحبو بعضه إلى بعض ، ومعنى خبا : فتر لمعانه وسكن.
وثقب : ضده.
وليست بل لترك
الشيء على جهة الإبطال له في كل حال ولكنها تكون للإبطال تارة ، وللآذان بأن القصة
الأولى قد تمت وأخذ في غيرها. وعلى هذا تأتي في الشعر ؛ لأن الشاعر لم يرد أن ما
تكلم به قبل بل باطل ، وإنما يرد أنّه قد تم وأخذ في غيره ، كما يقول الشاعر :
" دع ذا" و" اترك ذا" ، وما أشبهه عند تمام ما تكلم به
والانتقال إلى غيره.
وذكر سيبويه أن
قد تكون بمعنى ربما.
وأنشد للهذلي :
* قد أترك القرن مصفرّا أنامله
|
|
كأنّ أثوابه
مجّت بفرصاد
|
أراد : "
ربما".
ومعنى قوله :
" مصفرّا أنامله" : أي : ميتا. وجعل ثيابه ـ لاحمرارها بالدم ـ كأنها
صنعت بالفرصاد وهو شجر التوت.
وبيّن أن «يا»
للتنبيه ، وأنشد للشماخ :
* ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال
كأنه قال :
اسقياني ، و «ألا» و «يا» جميعا للتنبيه ، والمنبه المنادى محذوف وهذا كثير في
كلامهم.
وبين أن «من»
تكون للتبعيض ، ولابتداء الغاية وذكر في معنى التبعيض : " هو أفضل من
__________________
" زيد" و" شر من زيد".
وقال : أراد أن
يفضله على بعض ولا يعمم ، وجعل زيدا الموضع الذي ارتفع منه أو سفل منه.
والأولى في هذا
: أن يجعل من باب ابتداء الغاية ؛ لأنه إذا قال : " هو أفضل من زيد" فقد
ارتفع عن محل زيد وعن مكانه ، وارتفاعه عن محل زيد هو ابتداء ارتفاعه حتى يفضي
بذلك إلى أنّه أفضل من كل من محله كمحل زيد أو دونه لأنه ارتفع عن ذلك المكان.
ومعنى
قوله" وتقول : رأيته من ذلك الموضع. فجعلته غاية رويتك كما جعلت حيث أردت
الابتداء والمنتهى".
معناه : أنك
ترى شيئا في مكان فتقول : رأيته من ذلك المكان ، فكان ذلك الموطن منه ابتداء رؤيتك
إذا لم تصح الرؤية إلا منه.
ومعنى قوله :
إن ما جاء على حرفين ، مما وضع موضع الفعل ، أكثر مما جاء من الفعل المتصرف. يريد
بالفعل المتصرف : الأحرف الثلاثة التي ذكرها وهي : كل ، وخذ ومر ، وليست بمطردة.
وأما ما يدخله
الإعلال فيصير على حرفين في الأمر فكثر نحو قولنا : قل وبع وخف وشبهه ، وليس بالذي
أراده سيبويه.
قال : واعلم أن
بعض العرب يقول : م الله لأفعلن ، يريد : أيم الله فحذف.
هذا قول
سيبويه. وغيره يقول : إنما الميم من من وقد قيل : من ربي لأفعلن.
وقال بعضهم :
من يمين ، وهذا أولى به ؛ لأنها مكسورة وميم" أيم" مضمومة.
وذكر"
بله" ، ومعناها : دع ، تقول : " بله" زيد و" بله" هاهنا
: بمنزلة المصدر كما تقول : ضرب زيد.
قال الشاعر :
* تذر الجماجم ضاحيا هاماتها
|
|
بله الأكفّ
كأنّها لم تخلق
|
كأنه قال : دع
الأكف ثم جاء ببله فجعله مكان المصدر كأنه قال : ترك الأكف كما تقول : ضرب زيد ،
بمعنى : اضرب زيدا.
ومنهم من ينصب
الأكف ، ولم يذكره سيبويه. ويحتمل ذلك وجهين :
ـ أحدهما : أن
يقدر : " بلها الأكفّ" وحذف التنوين لاجتماع الساكنين.
ـ والآخر :
أن" بله" لا يتمكن ، فوضع موضع الفعل كما قيل : رويد زيدا وما أشبهه.
قوله : "
وأما نول ، فتقول : نولك أن تفعل كذا وكذا ، أي : ينبغي لك فعل كذا ، وأصله من
التناول".
وهو يستعمل
للشيء الممكن تناوله ، ويشار بتناوله فيقال : نولك أن تفعل ، بمعنى : ينبغي لك أن
تفعل.
وذكر"
إذا" التي للموافقة والمفاجأة ، واختلفوا فيها.
فكان المبرد
يقول : إنّها ظرف من مكان ، فإذا قلت : خرجت فإذا زيد ، فكأنك قلت : " خرجت
بحضرتي زيد" كما تقول : " أمامي زيد".
وكان الزجاج
يقول : إن إذا على كل حال للزمان ، وإن قولهم : " خرجت فإذا زيد" ، كأنه
قال : " خرجت فالزمان حضور زيد" ، أو" فالزمان مفاجأة زيد" ،
فإذا انفرد زيد بعدها ، قدرت زيدا تقدير الحضور والمفاجأة ؛ لأن ظروف الزمان تكون
أخبارا للمصادر.
وأجاز سيبويه :
" بينما زيد قائم إذا جاء عمرو".
فمن الناس من
يقول : إن" إذ" زائدة ، ومن الناس من يقول : إنّها خبر لبينما كأنا قلنا
: وقت زيد قائم وقت جاء عمرو أي : وقت قيام زيد مجيء عمرو.
ويجوز أن يكون
بينما و" إذ" ظرفين لما بعد بينما.
وكان الأصمعي
لا يجيز دخولها على بينما ، ودخولها في أشعارهم معلوم.
قال الشاعر :
* استقدر الله خيرا وارضينّ به
|
|
فبينما العسر
إذ دارت مياسير
|
ونحو هذا كثير.
وذكر"
كيف" وبين أن معناها" على أي حال".
وللقائل أن
يقول : إذا كان معنى كيف : " على أي حال" فلم لا تقول : " على كيف
زيد؟ " كما تقول : " على أي حال زيد؟ ".
فالجواب :
أن" كيف" هو اسم" زيد" كأنا قلنا : أصحيح زيد أم مريض؟ أعاقل
زيد أم أحمق؟.
وإنما جاء
سيبويه بذلك على المعنى ؛ لأن الإنسان إذا كان صحيحا فهو على صحة وبيّن أن من
العرب من يحذف نون" لدن" حتى تصير على حرفين.
وأنشد للراجز :
* يستوعب البوعين من جريره
|
|
من لد لحييه
إلى منحوره
|
البوع : مصدر
باع يبوع ، وهو بسط الباع ، والجرير : الحبل ، أراد به زمام البعير ، أو
__________________
الرسن ، والمنحور : المنحر والصدر ، كأنه يصف بعيرا أو فرسا بطول العنق فهو
يستوعب بأعين من الرسن في ما بين لحييه إلى صدره.
قوله بعد أن
ذكر" لما"" وإنما هي بمنزلة لو"
يريد : أنّها
ضد" لو" وذلك أن لو ينفي بها الشيء لانتفاء غيره كقولك : " لو
جئتني لأعطيتك". و" لما" يقع بها الشيء لوقوع غيره كقولك : "
لما جاءني زيد أكرمته".
وقوله : بعد أن
ذكر" لولا" و" لوما" : فالأول سبب ما وقع وما لم يقع.
يريد : أنك
تقول : " لو لا زيد لأكرمتك" ، " فزيد" سبب أنّه لم يكرمه.
وتقول : "
لولا زيد لم أكرمك" ، " فزيد" سبب كرامته. فالثاني الذي هو الجواب
، إن كان منفيّا في اللفظ فهو موجب في المعنى. وإن كان موجبا في اللفظ فهو منفي في
المعنى.
وقوله في آخر
الباب : " وإنما كتبنا من الثلاثة وما جاوزها غير المتمكن إلى آخر الفصل ..
جملة كلامه :
أن من سئل عن الغامض فسره بما يفهم من الألفاظ المعتادة ، فقرب على السائل فهم
التفسير. فإذا سئل عن الواضح المعتاد ، احتاج أن يتكلف لفظا ليس بمعتاد ، وهو أغمض
عند السائل من الذي سأل عنه فبعد عليه ، فلذلك صار تفسير الواضح أشد.
ومما أنشد في
الباب قول كعب بن زهير :
* غدت من عليه بعد ما تمّ خمسها
|
|
تصلّ وعن قيض
بزيزاء مجهل
|
استشهد به لكون
على اسما ودليل ذلك دخول من عليها.
يصف قطاة في
أشد أحوالها وحاجتها إلى الطيران من عطشها وحاجة فرخها إلى الري ؛ لأنها غدت في
الخامس من شربها الماء ، وجوفها يصوت من يبسه ، وبعد عهده بالماء. وعن قيض : يعني
عن فراخ. والقيض في الأصل اسم لما يقشر من البيض عن الفراخ. وإنما يريد أن يذكر
سرعة طيرانها من أجل ذلك.
وأنشد لجرير :
* حتى اختطفتك يا فرزدق من عل
استشهد به على
أن على بمعنى فوق واعلم ذلك.
هذا باب علم حروف
الزيادة
قال : وهي عشرة
أحرف
__________________
وتجمعها قولك :
اليوم تنساه. وقد بيّن سيبويه أحكامها ومثّل جميع ذلك ومما ذكر في الباب مما فيه
الألف زائدة خامسة : حلبلاب : وهو نبت. ومثله في زيادة الألف خامسة : حبنطى وهو :
العظيم البطن. ودلنطي : وهو السريع المرور ـ وجحجبي : وهو بطن من الأنصار.
وقد تدخل الألف
سادسة ، ولم يذكرها سيبويه وهي الألف في قبعثرى : وهو الجمل العظيم ، وبعضهم يقول
: الفصيل الضئيل. وفي نحو اشهيباب ، واحرنجام وما أشبه ذلك.
وذكر زيادة
الياء وبين مواضعها ، ومما ذكر : حذرية : وهي الأرض الغليظة قال : وتلحق مضاعفة كل
اسم إذا أضيف نحو" هنىّ". يعني ياء النسبة كقولك : بصريّ وتميميّ وما
أشبه ذلك. وإنما مثل" بهني" لأن هنا كناية عن جميع الأشياء.
وذكر زيادة
النون. ومن جملة مواضعها التي ذكر ، رعشن : وهو المرتعش ، وعرضنة : وهو الاعتراض ،
يقال : ناقة فيها عرضنة أي : اعتراض عن قصد الطريق بنشاطها. وعنسل : وهي الناقة
السريعة ، يقال : عسل الذئب مشى بسرعة.
وذكر زيادة
التاء : فمما زيدت فيه : تنضب : وهو شجر تعمل منه القسي.
فيحكم على
زيادتها بأن" فعللا" ليس في الكلام و" تفعل" موجود. وترتب
التاء الأولى فيه زائدة بدليلين :
أحدهما : أنّه
مأخوذ من الراتب ، والدليل الثاني : مثل ذلك : تنضب.
وذكر زيادة
الواو ، فمما ذكر : حوقل : وهو المسن ويقال : حوقل حوقلة إذا مشى مشية ضعيفة من
الكبر.
وقسور : وهو
الأسد. وهو مشتق من القسر وهو القهر ، ويقال له قسورة أيضا. ويقال للصائد قسورة ؛
لأنه يقشر الصيد ويقهره ، والقسورة أيضا شجر من شجر الحمض. والقرنوة : شجر يدبغ
به. والعضرفوط : دويبة تقاتل الأسد.
وذكر زيادة
اللام : في : " ذلك" وفي" عبدل".
فأما ذلك :
فذكر المبرد أنّه أبعد في الإشارة من ذاك وذكر الزجاج أن اللام عوض من"
ها" التي للتنبيه ، فلو أدخلت ها لم تقل : ها ذلك ، وكأن اللام دخلت للتبعيد
في الإشارة.
وأما"
عبدل" فذكر الأخفش أن معناه عبد الله ، فهذا يحتمل معنيين : أحدهما : أن تكون
اللام زائدة كما ذكر سيبويه.
والوجه الثاني
: أن تكون اللام هي اللام التي في قولك : الله ، كأنك بنيت عبدلا من حروف عبد ومن
بعض حروف قولنا : الله كما قالوا : عبدري وقيسي.
هذا باب حروف البدل
وهي : "
أحد عشر حرفا." قد ذكرها سيبويه ويجمعها في اللفظ : " أجد طويت
منها".
ذكر بدل الهمزة
من الياء والواو إذا كانتا لامين بعد ألف زائدة كقولنا : قضاء
وشقاء.
وإنما وجب ذلك
، من قبل أن الياء والواو إذا كانت قبلهما فتحة قلبتا ألفين إذا كانتا في موضع
حركة ، كقولنا : دعا وقضى.
ولو كانت ساكنة
لم تقلب كقولك : بيع وقول.
فلما وقعت
الياء والواو طرفا في موضع تلزمهما فيه الحركة وقبلهما ألف وجب قلبهما إذا كانت
قبلهما ألف وفتحة ؛ لأن الألف والفتحة من حيز واحد ، فقلبتا للألف التي قبلهما
ألفين ، كما قلبت ألفين مع الفتحة ، فلما قلبت ألفين اجتمعت ألفان وهما : الألف
التي كانت في الكلمة ، والألف المنقلبة من الياء والواو ، واستحال اجتماع ألفين ،
فلم يجز إسقاط أحدهما لئلا يلتبس الممدود بالمقصور ، ولا سبيل إلى تحريك الألف ؛
لأن الحركة لا تمكن فيها فقلبت إلى أقرب الحروف منها مما يمكن تحريكه وهو الهمزة.
قوله عقيب ذكر
إبدال الهاء من الياء في هذه : وذلك في كلامهم قليل ... كما أن تبيين الحركة
بالألف قليل.
وذلك أن الحركة
إنما تبين بالهاء ، وجاء في أنا تبين النون بالألف في الوقف.
ومن العرب من
يقول : أنه على ما يوجبه قياس بابه ، وكذلك : حيهلا ، وحيهله.
قال : "
وتبدل الياء مكان الواو .. في مسلمين ومسلمين".
يعني : الأصل هو
المرفوع وعلامته في الجمع واو وفي التثنية ألف ، فإذا جعل المجرور والمنصوب بالياء
في الجمع والتثنية ، فكأن الياء من الواو والألف.
وذكر أن التاء
تبدل في" افتعل" من وزن ووعد. قالوا : اتعد واتزن ، وإنما قلبوا الواو
تاء ؛ لأنهم لو لم يقلبوها تاء ، لم تثبت على حال واحدة ، لأنك إذا قلت : اوتزن
اوتعد لزمك أن تقلب الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فتقول : "
ايتزن" فإذا صرت إلى المستقبل وجب على هذا القياس أن تقول ياتزن ، فتتبع
الواو ما قبلها ، فقلبوا هذه الواو تاء ؛ لأن التاء لا تقلب إلى غير جنسها بشيء من
الحركات. واختاروا التاء دون غيرها ؛ لأنها تبدل من الواو كثيرا كقولك : تراث
وتجاه وما أشبه ذلك ، وأرادوا مع هذا حرفا يشاكل تاء" افتعل" ليدغم فيها
فيكون أخف عليهم.
وذكر بدل التاء
من الياء إذا كانت لاما.
وفي بعض النسخ
من الواو ، وذلك قولهم : " أسنتوا" : إذا أصابهم القحط والسنة ، وكان
ينبغي أن يكون أسنى القوم يسنون ؛ لأن السنة من ذوات الواو على هذا ، ولكنهم
ألزموه
البدل لأنهم لو قالوا أسنوا في القحط والسنة المجدبة ، لالتبس بدخول السنة
عليهم.
وأما اختلاف
النسخ في الياء والواو فهو محتمل ، وذلك أن الأصل في الكلمة الواو ؛ لأن"
سنة" أصلها : " سنوة" ، فالتاء على هذا التأويل بدل من الواو ،
وإذا وقعت الواو رابعة في الفعل انقلبت ياء فجاز أن يقال : إن التاء منقلبة من
الياء على هذا.
وذكر بدل الميم
فقال : " تبدل من النّون في العنبر وشنباء".
وكذلك كل نون
ساكنة بعدها" باء" واو رام أحد ألا يجعلها ميما ويخرجها نونا لشق عليه
ذلك ، وذلك أن النون الساكنة مخرجها من الخيشوم وليس لها تصرف في الفم إلا أن
يتكلف إخراجها من الفم مع حروف الحلق. فلما كانت بهذه الصورة ، وكانت الباء حرفا
شديدا للزوم موضعه ، نبت النّون عن الباء نبوّا شديدا ، فجعلوا مكانها ميما ؛ لأن
الميم متوسطة بين الباء والنون مشابهة لهما وذلك أنّها من مخرج الباء وفيها غنة
تشاكل بها النون فتوسطت بينهما لذلك.
وذكر بدل النون
من الهمزة في فعلان فعلى ، وذلك أنّه يجعل النون في سكران وغضبان بدلا من الهمزة
ولذلك لم ينصرف سكران وغضبان ، ومما يدل على ذلك أن هاء التأنيث لا تدخل عليها كما
لا تدخل على ألف التأنيث.
فإن قال قائل :
لم جعلتم الهمزة هي أصل النون دون أن تكون النون أصلا لها؟
قيل له :
لعلتين :
ـ إحداهما :
أنّه غير منصرف ، والأصل في منع الصرف لألف التأنيث لا للنون.
ـ والعلة
الثانية : أن الهمزة قد أبدل منها النون في النسبة إلى بهراء وصنعاء فقالوا : بهراني
وصنعاني.
قال : "
وتبدل الواو مكان الياء في شروى وتقوى ونحوهما".
وهذا مطرد في
جميع العربية إذا كانت" فعلى" اسما لا نعتا وأصلها من الياء ، لأن شروى
الشيء : مثله ، وأصله من شريت ، لأنه ما شري بالشيء فهو مثله. وتقوى من وقيت.
فأما النعت فلا
تقلب فيه واو نحو : حريا وصديا. فرقا بين الاسم والصفة ، وخصت الصفة بالياء ؛
لأنها أثقل من الاسم ، والياء أخف من الواو.
وللبدل أحرف لم
يأت بها سيبويه في الباء : كالزاي التي تكون بدلا من كل صاد ساكنة بعدها دال كقولك
: يزدر في يصدر. وفزد في موضع : فصد.
وقلب السين
صادا إذا كانت بعدها قاف أو خاء كقولك" صقف" في : سقت ، وصلخت في :
سلخت.
وكذلك الشين من
الكاف المؤنث في لغة بعض العرب كقولهم : ضربتش في ضربتك.
وقال شاعرهم.
* تضحك مني أن رأتني أحترش
|
|
ولو حرشت
لكشفت عن حرش
|
يعني حرك ـ فاعلمه.
هذا باب الأبنية
اختلف النحويون
في قوله : " وما قيس من المعتل".
فقال سيبويه ـ ومن
ذهب مذهبه ـ كل بناء من اسم أو فعل عرف في كلام العرب يجوز لنا أن نبني مثله وإن
كانت العرب لم تبنه ، كقائل قال لنا : كيف نبني من" ضرب" مثال"
جعفر"؟
فالجواب :
" ضربب" وليس في كلام العرب" ضربب". ولكن في كلامهم مثاله.
ولو قال :
ابنوا من ضرب مثال" جالينوس" لم يبن منه هذا المثال ، ولم يجز ذلك لأنا
لو بينا مثالا على غير المثال الذي في كلامهم لخرجنا عما تكلموا به ، وإنما نريد
أن نتكلم بكلامهم ونقيس عليه ونقتدي به.
وأما الأخفش
فإنه كان يجيز أن يبنى من كلام العرب أمثلة ليست في كلامهم. وذلك أنّه لو سئل :
كيف تبني من ضرب مثال" فعل" : لقال : ضرب وليس في كلام العرب"
فعل" ، واحتج في ذلك بأن من يخالفه قد بني مثل" فعل" من ضرب فقال :
ضرب ، وضرب لا معنى له في كلام العرب ، فإذا جاز أن يبني ما لا معنى له في كلامهم
جاز أن يبني ما لا نظير له من الأمثلة.
وقال الجرمي :
لا نبني من الكلام شيئا لم تبنه العرب لأنا إذا فعلنا ذلك أتينا بما لا معنى له
ولا تحصل به فائدة. وما لا معنى له ساقط لا وجه للتشاغل به ، فيسقط كثير من تعب
التصريف على قول الجرمي.
وأما التصريف
فهو تغيير الكلمة بالحركات والزيادات والقلب للحروف حتى تصير على مثال كلمة أخرى
كقولك في مثال : جلجل من" ضرب"" ضرب" ، فتغير الضاد إلى الضم
، وزيادة الباء ، وتغيير الحروف التي في" ضربب" عن الحركات التي في ضرب
هو التصريف.
واعلم أن الطرق
التي يتوصل بها إلى معرفة الزيادة فهي ثلاثة : الاشتقاق ، والخروج عن الأمثلة ،
والقياس على زيادة النظير.
فأما الاشتقاق
: فهو أن ترد عليك الكلمة وفيها بعض حروف الزيادة ، فإذا صرفتها سقط ذلك الحرف في
بعض تصاريفها فيحكم على الحرف بالزيادة لذلك.
وأما الخروج عن
الأمثلة : فهو أن ترد الكلمة وفيها بعض الزوائد وليس فيها تصرف ولا اشتقاق. غير
أنا متى جعلنا النون أصلية صارت الكلمة على مثال لا يكون في كلامهم كقولك : قرنفل
، وكنهبل ، يمكن أن تكون النون زائدة وأن تكون أصلية إلا أنّها إذا جعلت أصلية
صارت الكلمة على مثال لا يكون في كلامهم : فعلل مثل سفرجل ، وليس في كلامهم
نظير لذلك فجعلنا النون زائدة فصار قرنفل : فعنلل ، وكنهبل فنعلل.
وأما الحمل على
النظير : فهو أن يمتحن الحرف في بعض المواضع فيعلم أنّه زائد فتكثر زيادته في ذلك
الموضع ، فإذا ورد الحرف في ذلك الموضع ولا اشتقاق له ، قضى عليه بالزيادة حملا
على ما قد عرف بالاشتقاق ، من ذلك أنا قد اعتبرنا الهمزة في أوائل الكلم وبعدها
ثلاثة أحرف فرأيناها زائدة بالاشتقاق في أشياء كثيرة نحو : أحمر وأصفر وأبيض وما
أشبه ذلك ، فحملنا عليه مثل : أفكل وأيدع ، وكل ما لا يعرف له اشتقاق من هذا
النوع.
واعلم أن الباب
الأول من هذه الأبواب ، غرض سيبويه فيه أن يذكر الأبنية الأصلية وهي من الأسماء
الثلاثية وجملتها عشرة وقد بين جميعها في الأسماء والصفات.
وهي محتاجة إلى
تفسير الغريب منها ، فمن ذلك :
الخدل : وهو
الممتلئ الأضلاع خاصة. والجلف : وهو الأعرابي الجافي وهي صفة ، وأصله الشاة
المسلوخة وهي على هذا الوجه اسم. والنقض : وهو الجمل الذي هزله السفر كأنه نقضه عن
بنيته. والنّضو : في معناه : والصنع : الحاذق بالعمل ، يقال رجل صنع وصنع.
والخرص : وهو
حلقة القرط أو غيره ، وهي في بعض النسخ الحرض : وهو الأشنان والمعروف فيه ضم
الراء. وناقة عبر أسفار إذا كانت قوية عليها ، كأنه يعبر عليها الأسفار.
والوقل الخفيف
الذي يتوقّل في الجبل : أي يصعب فيه.
والحصر :
البخيل الممسك. والخلط والنّدس : المقبول من الرجال الذي يخالط الناس ويخف عليهم.
والحطم : الذي يحطم كل شيء ويكسره لقوته. واللّبد : الكثير والختع : الدليل ،
ويقال : الخوتع. والسّكع : المتحير وهو ضد الختع.
والجمد : جبل.
والطّنب : حبل يشد إلى وتد البيت.
والأجد :
الشديد الخلق. والنّضد : المنضود بعضه على بعض.
والنّكر :
المنكر. والأنف : أول الشيء وبه سمى أنف الإنسان لأنه متقدم في وجهه على سائر
الأعضاء. والسّجح : القصد ، يقال : مشى مشية سجحا ، أي قصدا.
قال سيبويه في
فعل : " ولا نعلمه جاء صفة في حرف من المعتل ..." قولهم : قوم عدى.
وهم الأعداء.
وذكر غيره : (دِيناً قِيَماً) [الأنعام : ١٦١] ، في معنى : قيّما ، وقد يكون في معنى قياما ، والقيام
مصدر فيكون القيم مصدرا جعل في موضع الصفة.
ولحم زيم : إذا
كان متفرقا.
وقال سيبويه :
" لا نعلم في الأسماء والصفات فعل إلا إبل".
وقال الأخفش :
يقال امرأة بلز ، وهي العظيمة الضخمة. وفي أسنانه حبرة إذا كان فيها صفرة.
والمعروف في
ذلك حبرة.
قال الفرزدق :
* ولست بسعدي على فيه حبرة
ويقال للأبطل
وهو الخاصرة : إطل ، ويقال : أتان إبد للوحشية.
هذا باب ما لحقته
الزوائد من بنات الثلاثة من غير الفعل
اعلم أن هذا
الباب مشتمل على ما كان أصله ثلاثة أحرف ، فزيد فيه زيادة أو زيادتان ، أو أكثر من
ذلك.
وهو ينقسم
قسمين :
ـ ومنه ما زيد
فيه حرف واحد ألحقه ببنات الأربعة ، أو حرفان ألحقاه ببنات الخمسة.
ـ ومنه ما زيد
فيه حرف أو حرفان أو أكثر ، ولم يلحق بشيء من الأبنية ، وأنت تقف على ذلك من كلام
سيبويه.
ـ تفسير غريب
الباب :
ـ من ذلك
الأفكل : الرّعدة. والأبدع : دم الأخوين. وقيل : الزعفران. وقيل : صبغ والإجرد :
نبت يخرج عنه الكمأة ويستدلّ به عليها. وإبرم : موضع. وإبين : رجل أضيف إليه عدن ،
فقيل عدن إبين : والإنفحة : شيء في بطن ذى الكرش يعقد به اللبن الحليب ، وقد تشدد
الحاء. والأبلم : خوص المقل وهو الدّوم.
ـ والإعصار :
ريح شديدة ، وقال بعضهم : لا تسمّى بهذا حتى يكون فيها نار.
ـ والإسنام :
نبت واحدته إسنامة. والإمخاض : الإخلاص. والإسكاف : النّجّار وكل صانع يقال له
إسكاف. والإخريط : شجر أصفر اللون يخرط من عيدانه فينخرط. والإكليل : من منازل
القمر وهو أيضا نبت. والإسليح : نبت من فاضل المرعى. والإجفيل : الظليم يجفل من كل
برق ، أي يهرب منه.
والأسلوب :
الطريق. والأخدود : الشق في الأرض. والأركوب : الجماعة من الركبان.
والأملود :
الناعم. والأسكوب : المنسكب السائل.
وأنشد سيبويه :
* برق يضيء أمام البيت أسكوب
أراد : أن يأتي
بالمطر الغزير.
__________________
والأفنون :
العجوز ، والأفنون أيضا : الأغصان المتفرقة ، والأفنون أيضا : الحية. وأدابر :
الرجل الذي لا يرجع إلى عضة أحد ـ وأجارد : اسم أرض ، والأحامر : موضع. والأباتر :
الذي يبتر رحمه. أي : يقطعها ، ويقال : هو القصير كأنه بتر عن حد التمام. ويقال
أباتر : اسم موضع.
والإردون :
الدّرن والدنس. والإسحوف : الواسع من أحاليل الضرع. والإزمول : أي يتبع غيره
لضعفه.
وأنشد لابن
مقبل :
* عودا أحمّ القرا إزمولة وقلا
|
|
يأتي تراث
أبيه يتبع القذفا
|
قال : وإنما
لحقته الهاء كما تقول نسابة.
وقيل : الإزمول
: الذي يتراجح في مشيه مرحا ونشاطا.
وقيل :
الإزمولة : المصوت من الوعول.
والألنجج : عود
الطيب. وأبنبم : اسم موضع ، ويقال : بنبم. وألندد : الشديد الخصومة.
والإهجيرى :
كلام الرجل الذي يعتاده ويردده. والإجريا : عادة الرجل ووجهه الذي يأخذ فيه.
والأجفلي :
الدعوة العامة ، وهي ضد النّقري.
وأسكفّة الباب
: عتبته. والأسطمّة : الأصل ، وقيل هي الوسط.
وإيجلي : اسم
موضع. وإزفلّة : اسم رجل. والإزءفنّة والإرزبّ : الغليظ القصير.
والإنقحل :
المسن.
والأقحوان :
نبت والأرجوان : الحمرة. والأسحلان : الحسن الرابع.
والألعبان : ذو
اللعب.
وإسحمان : جبل
بعينه. وإمدان : موضع. والإضحبانة : الطلقة البطشة.
والإنبجان :
الفاسد الحامض المنتفخ. واليوم الأرونان : الشديد الغيم.
وأنشد للنابغة
الجعدي :
* فظلّ لنسوة النّعمان منّا
|
|
على سفوان
يوم أرونان
|
سفوان : اسم
موضع.
وكان بعض الناس
ينكر هذا ويزعم أن القصيدة مجرورة. وأولها :
__________________
ألا أبلغ بني
خلف رسولا
|
|
أحقا أنّ
أخطلكم هجاني
|
فهذا يحتمل
وجهين :
ـ
أحدهما : أن يكون قد
أقوى.
ـ
الوجه الآخر : أن يكون نسب النعت إلى نفسه.
* والدّهر بالإنسان دوّاريّ
أراد : دوار.
والأرمداء :
الرماد ، وقيل هو جمع رماد.
والضّهيأ : شجر
من العضاة. والضهيأ : المرأة التي لا تحيض وقد تمد. والضّهيأ أيضا : أرض لا نبت
بها.
وقال الزجاج :
ضهيأ : " فعيل" من ضاهأت ، أي : شابهت وفيها لغتان : الهمز وتركه ،
والمعنى أنّها المرآة التي تشبه الرجل في أنّها لا تحيض ، فليس في الكلام فعيل إلا
هذا على ما ذكره.
والحطائط :
الصغير ، وأصله من حطّ يحطّ. والجرائض : الجمل العظيم وكأنه مشتق من قولك : جرض
بريقه ؛ لأن ذلك مما ينتفخ له.
ومما جاء به
غير سيبويه من باب زيادة الهمزة :
إفعلّة ، وذلك
قولهم : هو إكبرة قومه : إذا كان أقعدهم في النسب. وفعنلاء وذلك حبنطاء : للعظيم
البطن.
وفعيلأ وذلك :
خفيسأ للقصير من الرجال.
وفعأل وذلك :
ضنأك ، للعظيمة من النوق.
وأفعلاء وذلك
أربعاء لعود من أعواد الخباء.
أفعلاوي ، قالو
: قعد الأربعاوي : إذا قعد متربعا.
وأفعلاء ،
قالوا : أربعاء لموضع.
وأفنعول ،
قالوا : ألنجوج : للعود.
ومن زيادة
الألف :
الحاطوم :
الماء المري. والفاتور : الفاتر. والجاروف : الذي يجرف كل شيء فيمضي به.
والناموس :
جبريل عليه السّلام ، وأصله من نمس الكلام إذا أخفاه ، وأصله بيت الصائد الذي يخفى
نفسه فيه للاختيال.
والعاقور : ما
يستدير في البحر.
والطابق : ظرف
يطبخ فيه ، وهو أيضا عضو من أعضاء الشاة.
والجماد :
الأرض التي لم تمطر.
والضناك من
النوق والنساء : الضخمة الغليظة المؤخر.
والكناز :
المجتمعة اللحم.
والقاصعاء
والنافقاء من حجرة اليربوع. والسابياء.
والحولاء :
الماء الذي يخرج مع الولد. وقيل : السّابياء : النّتاج وكثرة النسل.
والمداعس : جمع
مدعس وهو المطعن. والمقاول : الألسن. الواحد : مقول ، وهم الملوك أيضا.
ومعنى قول
سيبويه فكل واحد منهما يعوض إذا اختص ، أو كثر فيه البناء لما قل فيه من غير ذلك.
يعني أنّه متى
قلت الصفات لبناء من الأبنية ، وكثرت الأسماء جعل عوض هذا أن تكثر الصفات في أبنية
أخر وتقل الأسماء.
والمخاريق :
جمع مخراق وهو شيء يلعب به الصبيان.
والبلاليط :
الأرضون المستويات ، مأخوذ من البلاط وهو وجه الأرض.
والبلاليق :
جمع بلوقة ، وهي ما استوى من الأرض ، وقيل : هي الطريق في الرمل.
والعواوير :
جمع عوار وهو الجبان ، والعوار أيضا البئر في العين والقذا وهو على هذا اسم.
والجبابير : جمع جبار وهي الناقة العظيمة ، ويقال : نخلة جبارة إذا فاتت يد
المتناول.
والزرارق : جمع
زرق وهو الصقر ، ورجل زرق إذا كان حاد النظر. والحواول والقلالب : جمع حول وقلّب ،
وهو المجرب الذي قلب الأمور وحولها ظهر البطن. والزرافي : الجماعات.
والسعالي : جمع
سعلاة وهي الصخابة.
والدّباسي :
جمع دبس وهو طائر. والحوالي : جمع حولي وهو ابن حول. والدراري : البيض واحدهم دري
منسوب إلى الدر.
والظّنابيب :
جمع ظنبوب وهو مقدم عظم الساق.
والفساطيط :
القباب. والشماليل : جمع شملال وهو الخفيف من الخيل وغيرها.
والقرادد : جمع
قردد وهو المرتفع من الأرض. والقعادد : جمع قعدد وهو الأقعد بالولاء ، وقيل : هو
الأقرب إلى الميت ، وهو اللئيم أيضا.
والفراسن : جمع
فرسن وهو ما ولي الأرض من خف البعير.
والرعاشن : جمع
رعشن وهو المرتعش. والعلاجن : جمع علجن وهو المرأة الماجنة وهي أيضا الناقة
الغليظة. والجداول : جمع جدول ، وهو ما غلظ من الأرض.
والجراول أيضا
: الحجارة ، واحدها : جرولة ، والحشاور : جمع حشور وهو العظيم البطن.
والعثاير : جمع
عثير وهو الغبار. والحثايل : جمع حثيل وهو شجر ينبت بالجبال. والغيالم : جمع غيلم
وهو الذكر من السلاحف ، والغيلم أيضا : المرأة الحسناء ، والغياطل جمع غيطل ، وهو
الملتف من الشجر. والغيطلة : البقرة. والدياسق : جمع ديسق وهو الحوض الملآن ماء.
والعيالم : جمع عيلم وهي البئر الكثيرة الماء. والجياحل : جمع جيحل ، وهو القنفذ
الكبير ، وقيل الجيحل : الصخرة الملساء العظيمة. والدياميس : جمع ديماس وهو البناء
وهو الحمام أيضا. والدياميم : جمع ديمومة وهي الفلاة الواسعة. والتجافيف : جمع
تجفاف وهو آلة من آلات الحرب.
والتلاقم : جمع
تلقامة وهو الذي ينعم الالتقام وهو صفة. ولم يذكر سيبويه أن تفاعيل جاء وصفا.
والتناضب : جمع
تنضبة وهي شجرة ذات شوك يألفها الحرباء ، فلذلك قيل : حرباء تنضبة. والتّحالب :
جمع تحلبة وهي الناقة التي تحلب قبل أن تحمل ، ولم يذكره سيبويه في الصفة.
واليعاقيب :
جمع يعقوب وهو ذكر الحجل. واليعاسيب : جمع يعسوب وهو رئيس النحل.
واليحاميم :
جمع يحموم وهو الأسود. واليخاضير : جمع يخضور وهو الأخضر.
وأنشد للراجز :
* عيدان شطّي دجلة اليخضور
والعيدان :
الشجر الطوال. وشطّا الوادي : جانباه.
واليرامع : جمع
يرمع وهو الحصى الأبيض. واليعامل : جمع يعملة ولم يذكره سيبويه صفة.
والعصاويد :
جمع عصواد ، وهو مستدار القوم في حرب أو خصومة ، وهو اسم ، ولم يذكره سيبويه
والقراويح : جمع قرواح وهي الأرض التي لا شجر فيها ، ومن هذا الماء القراح الذي لم
يخالطه شيء. والجلاويخ : جمع جلواخ. وهو الواسع من الأودية.
والكراييس :
جمع كرياس وهو المرحاض الذي يكون في العالي ، واشتقاقه من الكرس وهو ما تلبد من
البول والنجو. والعفاريت : جمع عفريت وهو : الخبيث من الناس والجن.
والملاكيت جمع
ملكوت ، وهو الملك ولم يذكره سيبويه اسما.
والجنادب : جمع
جندب وهو : ضرب من الجراد. والعناظب : جمع عنظب وهو : من الجراد أيضا. والعناسل :
جمع عنسل وهي الناقة الخفيفة. والعنابس : جمع عنبس وهو من صفات الأسد. أخذ من
العبوس.
واللّبادى :
طائر يلبد بالأرض. والعلادى : الجمل الضخم وهو صفة ، ولم يذكره سيبويه.
__________________
والبركاء :
معظم كل شيء ، والبراكاء أيضا : أن يركبوا إبلهم ، وينزلوا عن الخيل للقتال ،
والطّباقاء : العاجز الذي ينطبق عليه أمره. والطباقاء أيضا : البعير الذي لا يضرب
والعجاساء : المتقاعس من الإبل وهي العظيمة من النوق أيضا.
والسلامان :
شجر. والحماطان : نبت.
وصواعق : موضع
، وكذلك العوارض. والدواسر : الشديد القوي ، ومنه سمي المسمار دسارا.
وأنشد سيبويه :
* والرّأس من ثغامة الدّواسر
قال ابن ولاد :
ثغامة : قبيلة هاهنا.
والزّعارّة :
سوء الخلق. والحمارّة : شدة القيظ ، والعبالّة : الثقل ، والصّبارّة : شدة البرد ،
ولم يذكرها سيبويه. وليس في الكلام على هذا المثال غير هذه الأربعة الأحرف.
والهبريّة
والهباريّة : شيء يكون في الرأس يضرب إلى البياض ، وهي أيضا الريح الكثيرة الغبار.
والصّراحيّة :
الخمر التي تمزج. والعفاريّة : من صفات الأسد. والقراسية : الفعل العظيم.
والعباقيّة
اللاصق ـ يقال : شين عباقية ، أي : ذو أثر باق لازم من قولك : عبق به.
والحزابيّة :
القصير الغليظ.
والأرطي : شجر
يدبغ به. والعلقى : شجر تدوم خضرته في الصيف. وتترى : معناه متتابعة. والعزهاة :
الذي لا أرب له في النساء.
ورضوى وسلمى :
جبلان لطيء. والعبرى : الكثيرة الحزن والبكاء.
وقلهي : اسم
أرض. وأجلى : موضع. ودقري : اسم روضة بعينها ، وقال بعضهم : هي الروضة الخضراء
الكثيرة النبات. وصفوي : موضع. والبشكي : الناقة السريعة والجمزي : عدو في فيه
نزو. والمرطي : الناقة السريعة.
وشعبى وأدمى :
موضعان. وأربى اسم للداهية.
والقرطاط :
البرذعة. وسنداد : اسم موضع. والطّملال : الفقير. والصّفتات : المحتنك في سنه
القوي.
والفسطاط :
القبة.
والكلّاء :
الميناء ، وهو الموضع الذي تحبس فيه السفن.
__________________
والجبّان :
المقبرة. والقذاف : المنجنيق وما أشبهه.
والكلّوب
والكلّاب : هو الذي يأخذ به الحداد ما أحماه من الحديد.
والخطّاف :
شبهه ، وهو أيضا طائر. والنّسّاف : طائر.
والعلباء : عرق
في العنق. والخرشاء : جلد الحية ، وهو أيضا رغوة اللبن.
والحرباء :
دويبة.
والرّحضاء :
العرق.
والشّقّاري :
نبت. والحوّاري : الدّرمك. والخضّاري : نبت.
وقرماء وجنفاء
: موضعان.
وأنشد للسليك :
* على فرماء عالية شواه
|
|
كأن بياض
غرّته خمار
|
الشوى :
الأطراف.
يصف فرسا مات
وانتفخ فارتفعت قوائمه.
وأنشد أيضا :
* رحلت إليك من جنّفاء حتى
|
|
أنخت فناء
بيتك بالمطالي
|
وسولاف : موضع.
والسّعدان :
نبت له شوك ويحمد في المرعى. والضّمران : نبت. والعلجان : شجر والصّميان : الرجل
الماضي النافذ من قولهم : أصمى : إذا أنفد الرمية.
والزّفيان :
الخفيف. والقطوان : المقارب الخطو في المشي.
والظّربان :
دابة منتنة الريح. والشّقران : نبت ، وقيل دابة.
والسّبعان :
اسم موضع.
وأنشد لابن
مقبل :
* ألا يا ديار الحيّ بالسّبعان
|
|
أملّ عليها
بالبلى الملوان
|
الملوان :
الليل والنهار.
الدّرواس :
الكبير الرأس ، ويقال : هو الشجاع ، والدّرواس أيضا الغليظ العنق.
__________________
والدّيماس مثل
الديماس وقد تقدم تفسيره ، والغيداق : الواسع العطية والخلق وهو أيضا فرخ الضب ،
وقيل : وهو الضب الذي لم يبلغ.
والعتوارة
بالتاء : القطعة من المسك.
والقنعاس :
الجمل الضخم. والفرناس : من صفات الأسد ، وهو مأخوذ من الفرس ، والفرناس أيضا :
الماضي من الرجال. والقرنبي : دويبة تشبه الخنفساء.
والعلندي : نبت
من شجر الرمل ، والعلندي : الجمل الضخم. والسرندي : الشديد.
والسّبندي :
الجريء من الرجال ، ويقال للنمر سبندى وسبنتى.
والعفرني :
الغليظ العنق. والعلدني : الجمل الضخم. وقد يضم أوله.
والحنظباء :
ذكر الخنافس. والعنصلاء بصل البر. والزّمكّي : أصل ذنب الطائر. والجرشي : النفس.
والعبدي :
العبيد والكمرّي : القصير. والجنفّي : المائل العنق ، ويروى بالجيم والحاء ، وقد
حكى بالخاء أيضا.
والعرضنى :
الاعتراض في المشي ، وكذلك العرضّى.
والدفقّى :
مشية يتدفق فيها ويسرع.
وجلندى : اسم
رجل.
والخيزلى
والخيزرى : مشية فيها تفكك ، وكذلك : الخوزلى والخوزرى.
والبلنصى : جمع
بلوص وهو طائر.
وحذرّى وبذرّى
: الحذر والتبذير.
والضّيمران :
نبت. والأيهقان : الجرجير البري. والرّيبذان : نبت
والحيسمان :
الضخم ، وهو أيضا نبت ولم يذكره سيبويه في الصفة.
والهينمان : من
الهينمة وهي صوت دون الدندنة لا يفهم.
والقيقبان
والسّيسبان : شجر. والهيبان : الهيوب الفزاع.
والتّيحان :
الكثير الحركة. والصّليّان : نبت ، ويقال تركته بذي بليان : إذا تركته بأرض مجهل
لا يدري أين هو. والخريّان : الجبان.
والعنظيان :
الفاحش.
والعنفوان :
أول كل شيء. والعنظوان : شجر من الحمض. والعنظوان أيضا : الفاحش.
والحومّان :
نبت. والعمدّان : الطويل ، وهو أيضا : غمد السيف.
والجلبان :
الأحمق ، ويقال : جلبّانة وجربّانة للحمقاء الجافية الخلق.
وفركان : أرض.
وعرفان : موضع ، ويقال رجل كلماني : وهو الجيد الكلام عن الفراء.
ولم يذكره
سيبويه صفة.
وملكعان : اسم
رجل وهو من قولهم : يالكع ، ومعناه يادنيء.
والسّيماء
والسّيمياء والسّيمي : العلامة. والجربياء ريح الشمال.
والدّبوقاء :
العذرة. وبروكاء بمعنى براكاء ، وقد تقدم تفسيرها وجلولاء : موضع وعشورى : اليوم
العاشر ، وقد يمد.
والسّرطواط :
الفالوذج.
وفرنداد : موضع
وفيه قبر ذى الرمة.
والعجيساء :
فحل لا ينذو. والقريثاء والكريثاء : ضرب من التمر.
والقمحان
والقمحان : زبد الخمر. والقمحان : الذريرة أيضا.
والسّمهى :
الهواء. والسّمّهى : الباطل. والبدّرى : من المبادرة ويروى بالذال من التبذير.
وحوفزان : اسم
رجل. والحوتنان : نبت.
والتّئفان :
الوقت والحين ، يقال : جاء على تئفان ذلك وتئفة ذلك ، أي : على وقته.
والقتيتي :
النميمة. والحثّيثى : الحث والاجتهاد.
والمعيواراء :
جمع عير.
واللغيزى :
موضع يلغز فيه اليربوع فينعطف في سربه.
وبقيرى : لعبة
للصبيان. وخليطى : من الاختلاط.
ويهيرى :
الباطل.
والمرحيّا :
لعبة من المرح. وبرديّا : موضع ـ وقلهيّا : حفيرة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
والمكورى :
الدابة العظيمة الروثة ، وقيل : هو الرجل العظيم روثة الأنف.
والرغنبوتي :
الرغبة. والرهبتي : الرهبة. والرحموتي : الرحمة وفي الأمثال : " رهبوتي خير
لك من رحموتي ، والمعنى : لأن ترهب خير لك من أن ترحم.
ومما جاء من
هذا ولم يأت به سيبويه :
فنعال : قالوا
: عنظاب لضرب من الجراد.
وتفعّالة :
قالوا : تلقّامة للكثير الكلام.
وتفاعل : قالوا
: جمل ترامز للذي يرتفع دماغه وينزل إذا مضغ ، وفعولى وفاعولى ، قالوا : عدولى
وبادولى لموضعين ـ وفعائل ، قالوا : رجل قرانس للشديد الماضي. وفعلّان ، قالوا : رجل
قمدّان للطويل ـ وفعلايا ، قالوا : برحايا من التبريح وفعالاء ، قالوا القصاصاء في
القصاص وفناعل ، قالوا حمار كنادر للغيظ ـ ونفعلاء ونفعال قالوا : نفرجاء ونفراج
للمنكشف الفرج ، وفعيلاء قالوا : الفخيراء والخصيصاء يريدون الفخر والاختصاص.
وفعلولاء :
قالوا : هم في بعكوكاء ومعكوكاء إذا كانوا في جلبة وشر ـ وفعلولى قالوا : أمرهم
فوضوضي ، أي يتفاوضون فيه ـ وفعيلاء ، قالوا : هو عالم بدخيلاء أمرك أي بباطنه ـ ومفعلان
، قالوا : مسحلان لموضع ، وشاب مسحلان أي حنين القوام ـ وفعلوي ، قالوا : الهرنوى
لنبت ـ وفعّلان قالوا : هم في كوّفان أي في أمر شديد. وفيعلاء وفيعلاء ، قالوا : ديكساء
ديكساء للقطعة من النعم ـ وفعلناة ، قالوا : خلفناه للخلاف. وتفعلاء ، قالوا : هو
يمشي التّركضاء.
ومما زيدت فيه
الياء مما ذكر سيبويه. اليرمع : الحصى الأبيض. واليلمق : القباء.
واليرقوع :
الجوع الشديد.
واليقطين : كل
شجر لا يقوم على ساق واليعضيد : نبت له نور أصفر ـ واليخضير : مثل اليخضور ، وقد
تقدم تفسيره.
واليسروع : دود
تكون في البقل ، ثم تنسلخ فتكون فراشا ، وهي أيضا دويبات تغوص في الرملة تشبه بها
بنان النساء.
والخيعل : قميص
لا كمي له. وجيّأل : اسم للضبع.
والضّيغم : من
صفات الأسد مشتق من الضّغم وهو العض.
والخيفق :
السريعة من الخيل. والعيلم : البئر الغزيرة الماء.
والقيصوم :
نبت. والحيزوم : الصدر ، والعبثوم : الفيل ، وهو أيضا من أسماء الضباع : ويقال :
العيثوم العظيم الخف من الجمال.
وأنشد لعلقمة
بن عبدة :
* يهدي بها أكلف الخدّين مختبر
|
|
من الجمال
كثير اللّحم عيثوم
|
الأكلف :
الأغبر. وقوله : مختبر ، أي : قد عود السفر واختبر فيه ، ولذلك قال : يهدي بها ،
أي يتقدم الإبل فيهديها الطريق.
والحيفس :
الغليظ القصير من الرجال. والصّيهم : الجمل الضخم.
والعثير :
الغبار. والحثيل : شجر. وحمير : اسم رجل كان يلبس الحلل الحمر. والطريم : الطويل ،
وهو العسل أيضا.
والحفيلل :
شجر. والخفيدد : الظليم السريع ، والهبيّخ : الغلام ، والهبيخة : الجارية ، وقيل :
هي المرأة المرضع. والهبيغة : المرأة التي لا ترد كف لامس.
والكديون :
دردي الزيت. وذهيوط : موضع. والعذيوط : المحدث عند الجماع.
__________________
وعليب : اسم
واد. والحذرية : الأرض الخشنة. والهبرية والإبرية : قشور بيض تكون في الرأس.
والزّبنيّة :
واحد الزبانية وهم الشرط ، واشتقاقه من الزبن وهو الدفع والعفريّة : الخبيث
المنكر.
والمريّق : نبت
، ويقال هو شجر العصفر.
والزميل :
الضعيف. والسّرّيط : الذي يسترط كل شيء ، أي يبلعه.
والمشريق :
مدخل الشمس من الباب. والمحضير : السريع من الدواب.
وخنزير : موضع.
والصّهميم : الذي لا يرد ، وقيل : هو الجمل الذي لا يرغو. والصنديد والصّنتيت :
الشريف
وغسلين : غسالة
أهل النار.
وغزويت : موضع
، وفي بعض النسخ : عزويت بالعين غير معجمة.
والحمصيص بقلة
حامضة تلقى في الأقط. والصمكيك : الشديد.
والبلهنية :
لين العيش ، ويقال عيش أبله.
والمرميس :
الأملس.
والخنفقيق :
الداهية. والخنشليل : الماضي من الرجال ، وقد قيل هو رباعي وزنه فعلليل.
ومما جاء من
هذا الباب لم يأت به :
يفعلّ : قالوا
حجر يهيرّ للصلب ـ ويفنعول : قالوا : يلنجوج للعود. وفنعيلة ، قالوا : خنديرة
للحدقة. وفعلّين ، قالوا : رجل كفرّين عفرّين للخبيث.
وفعالن ، قالوا
: أتيتك كراهين أن تفعل ، أي : كراهة أن تفعل ـ وفعيلة ، قالوا : قدروئية للبعيدة
القعر ويقال : وئيبة في ذلك المعنى ـ وفوعيل قالوا : صوليت للبذر على وجه الأرض.
وفعيل ، قالوا
: رجل قشيب. للطويل ، وفوعليل : قالوا حمامة ذات صوقرير في صوتها ـ ومفعلين ،
قالوا : رجل مقتوين للخادم ، ويفعل ، قالوا : يرنّأ للحناء.
ومما زيدت فيه
النون مما ذكره سيبويه :
الجندب : وهو
ضرب من الجراد ، وكذلك العنظب. والقنبر والقنبرة : طائر يقال له : الحمرة.
والحنظأو :
العظيم البطن. والقندأو والسندأو : الرجل الخفيف.
والبلغن : الذي
يبلغ بعض الناس أحاديث بعض.
والعقنقل :
المتعقد من الرمل. وعصنصر : موضع.
والعفنجج :
الأحمق. والضعندد : الأحمق الضخم.
والعرند :
الشديد. والجرنبة : اسم أرض.
ومما جاء في
هذا الباب لم يأت به سيبويه :
فعلنّة وفعلنّة
، قالوا : امرأة (سمعنّة نظرتّة) ، وهي التي إذا سمعت أو تبصرت فلم تر شيئا ،
تظنيا.
وفنعول ، قالوا
: عنظوب لضرب من الجراد ، وفعنول ، قالوا : ذرنوح للذّرحرح ، ونفعل ، قالوا : نرجس
لنوار ، وفعلون وهو قولهم : زيتون وتفوعل ، قالوا : جرو تخورش. إذا خرش وخدش ،
ونفعل قالوا : نفرج للمنكشف الفرج ، وفعنّل ، قالوا : زونك للقصير ، وفنعولة ،
قالوا : حندورة للحدقة ، وفنعلوة ، قالوا : رجل عنزهوة لا أدب له في اللهو والغزل
، وهو العزهاة أيضا.
ومما زيدت فيه
التاء :
التّسرّة :
السرور ، والتضرة : الضر.
والتّدرأ :
المنع والدفع ، والتّرتب : الراتب الثابت.
والتّقدمة :
التقدم ، والتّحلبة : الناقة تحلب قبل أن تحمل.
والتّحلئ :
القشر الذي في الشعر فوق الجلد ، ويقال حلأت الأديم إذا أخرجت تحلئه.
والتّرنموت
ترنم القوس وصوتها.
والتّمتين :
خيوط تشد بها الرّحال ـ والتنبيت : فسيل النخل.
والتّرعية :
الحسن الرعي ، وقد تسكن التاء وتضم.
والتّعضوض :
ضرب من التمر والتّخموت : التمر الشديد الحلاوة.
والتذنوب :
البسر المرطب من أذنابه.
والتّدورة :
دارة من جمال. والتّودية : عود على الناقة يضرب به.
والتّنهية :
الغدير ، وهي النهي أيضا.
والتّؤثور :
حديدة يؤثر بها باطن خف البعير.
والتّهبط :
طائر أغبر يعلق رجليه ويصوب رأسه ثم يصوت.
والتّبشر :
طائر يعينه وقد تفتح الياء.
والتّنوط :
طائر يدلي خيوطا من شجر ثم يفرخ فيها ، وكذلك التّنوّط.
والسّنبتة :
الحين من الدهر.
والخلبوت :
الرجل الخداع. والتربوت : الجمل الذلول ويقال : دربوت أيضا.
ومما زيدت فيه
الميم :
المشتى :
الموضع الكبير.
والمنكب : عون
العريف ، وقد نكب نكابة.
والمخدع :
الخزانة ، واشتق من قولهم خدع إذا توارى.
والمشرقة :
موضع تشرق فيه الشمس. والمسربة : الشعر المتصل من الصدر إلى السرة.
والمحرمة :
الحرمة.
والمعلوق : ما
تعلق فيه الأشياء. والمغفور والمغثور : صمغ من شجر الرمث والدقعم والدقعاء :
التراب. والدّلقم والدّلقاء والدّلوق : الناقة التي تكسر فوها وسال مرغها وهو
اللعاب.
والدّردم
والدرداء : التي لا أضراس لها.
والدّلامص
البراق ، ويقال له : دملص ودلمص.
ومما جاء من
هذا الباب لم يأت به سيبويه :
مفعل ، قالوا :
رجل مكور للعظيم روثة الأنف.
وفعلم ، قالوا
: رجل جذعم للجدع ، وشدقم : للأشدق.
ومما زيدت فيه
الواو :
حومل : موضع ،
ووقع في كتاب سيبويه في الصفة والصواب : حوقل ، وهو المدبر عن النساء.
الهوزب :
الشديد من الإبل ، وقيل المسنّ.
والكوألل :
القصير.
والجدول :
الحجر ، والحشور : العظيم البطن.
والخروع : نبت
لين.
والعلود :
الكبير هكذا وقع في النسخ ، والصواب : عتود. وهي دويبة ، ولا يعرف معنى علود في
الأسماء. وإنما هو صفة.
والعثول :
الكثير الشكر من الرجال. والعلود : الكبير.
والعسودّ :
الحية.
والعطوّد :
الانطلاق السريع ـ والكروّس : العظيم الرأس.
والعثوثل :
الضخم المسترخي. والغدودن : الطويل.
والقطوطي :
الذي يقارب المشي. والشجوجي : الطويل.
وشرورى : اسم
رجل ولم يذكره سيبويه اسما.
وحبونن : واد
باليمامة.
وعرقوة الدلو :
أذنه. والقرنوة : نبت يدبغ به.
والحنذوة :
شعبة من الجبل ، ويروى بالخاء.
والعنصوة :
القطعة من المال وغيره.
والقلّوب :
الذئب. والسّرّوط : الذي يسترط كل شيء أي يبلعه.
والطخرون : قطع
من الغنم. والهذلول : الرمل المستطيل.
والبهلول :
الضحاك. والحلكوك : الأسود. والحلبوب : مثله.
والبعكوك :
الغبار. والحلكوك : الأسود
وذكر سيبويه في
هذا الباب أن قوباء واوها أصلية.
فإن قال قائل :
لم جعلها أصلية وقد قال : طومار وسولاف على فوعال فجعل الواو زائدة؟
قيل له : أما
طومار فجعل واوها زائدة ؛ لأن حكم الواو والياء والألف إذا وجدت في شيء من الكلام
، ووجد سواهن ثلاثة أحرف ، قضى عليهن بالزيادة ، إلا أن يدلّ دليل على أنّها أصول.
وطومار : فيه
ثلاثة أحرف ، وهي الطاء والميم والراء ، فقضينا على الواو والألف بالزيادة.
وأما"
قوباء" فهي في معنى قوباء ، وقوباء : فعلاء فثبت أن الواو أصلية ، وأيضا فإنه
مشتق من التقوب.
وذكر فيعال
فقال : شيطان ، فجعل النون أصلية وجعله مشتقّا من شطن ، ومعناه : البعد كأنه
المبعد في الشر ، وقال بعضهم : هو فعلان من شاط يشيط ومعناه : هلك ، فكأنه الهالك
مبثا وتمردا.
وقوله : بعد أن
ذكر زيادة الألف خامسة : " ولا تلحق في بنات الثلاثة إلّا مع غيرها من
الزّوائد"
إن قال قائل :
هذا الكلام لا فائدة فيه لأنا قد علمنا أنّه لا يدخل حرف على ذوات الثلاثة فيصير
خامسا إلا ومع ذلك الحرف الخامس حرف آخر. فالجواب : أنّه إنما أراد بذلك أن الألف
إذا كانت خامسة لغير التأنيث في ذوات الثلاثة فمنعها غيرها من الزوائد التي لم
تدغم في حرف من الاسم كما قد يكون ذلك في ما ألفه للتأنيث نحو سمهى وزمكى وعبدى ،
فهذه الألفات للتأنيث ، ولا تكون في نحو هذه الأسماء الألف لغير التأنيث.
وجعل سيبويه :
سكارى وبابه بمنزلة حبارى.
والألف للتأنيث
، وإذا فتحت أوله ، فقلت : سكارى ، فليست الألف للتأنيث ، بل هي بدل من الياء.
وفى سكارى
وبابه قولان :
ـ
أحدهما : أن يكون هذا
الجمع بمنزلة اسم بني مبنى الواحد ، ودلّ به على الجمع.
ـ
والوجه الثاني : أن سكارى وكسالى ليست بجمع كسلان وسكران على توفية حروفه. ولكنه جمع على
حذف الزوائد منه ، كأنا جمعنا كسل وسكر على سكارى وكسالى ، ويقوّى ذلك أنّا
نجمع" زمنا" و" ضمنا" وعلى" زمنى وضمنى" فنجعلها
على غير زيادة ، ونأتي في الجمع بألف التأنيث ، وكذلك كسالى زدنا ألفا في الجمع
كما نزيدها في كلاب ، وألف للتأنيث كما نزيدها في" ضمنى" و"
زمنى" ، وهذا أقوى القولين وأشبهها بمذهب سيبويه ؛ لأنه ذكر أن فعالى :
" ولا يكون وصفا إلا أن يكسر عليه الواحد" فقوله : " إلا أن يكسر
عليه الواحد للجمع" يدل على أن الألفين زيدتا للجمع على سبيل التكسير كما
زيدت ألف كلاب وألف : زمنى وضمنى ، فاعلم ذلك.
هذا باب الزيادة من
غير موضع حروف الزيادة
مما ذكر سيبويه
في هذا الباب مما ضوعفت عينه فعّل وفعّل وفعّل وليس في الثلاثي المضاعف غير هذه
الثلاثة الأمثلة إلا فعّل وهو قليل ، قالوا تبّع : للظل.
وقدم مثل
سيبويه جميع ذلك فمما ذكر :
العلّف : وهو
ثمر الطلح وهو كالخروبة. والحمر : طائر.
والجبّأ :
الجبان ، والزّمّج : طائر وهو اسم ، وذكره سيبويه في الصفة.
والأشبه بما
ذكر الزّمح بالحاء وهو اللئيم ، وقيل : هو القصير من الرجال.
والقنب : طين
القاع إذا تشقق ، والإمّر : من السائمة كلها الولد. والهيّج شهوة الفحل من هاج
يهيج ، ويقال هو زجر للجدي ، والذنّب والذنّبة : القصير من الرجال. والإمّعة :
الذي لا رأى له. وجلق : موضع. والجلّق : نبات. والحلّزة : القصير وهي صفة.
ومما ضوعفت
لامه : القردد : الغليظ من الأرض. ومهدد : اسم امرأة.
والسردد :
التتابع ، وسردد أيضا موضع ، ودعبب : ثمر نبت ، وشربب : موضع. والدّخلل : الصديق
المداخل.
والعندد :
الملجأ ، يقال ما له عنه عنددا ، أي ملجأ وبد. والرماد الرّمدد : الذي أتى عليه
الدهر وغيره عن حاله. والشرّبة : موضع والهبيّ : الغلام ، والجربّة : المتساوون
وهي الجماعة أيضا ، وعيال جربة أي أكلة ليس فيهم صغير ، والهجف : الطويل الضخم من
النعام ، والخدب : الضخم ، والهقب : الضخم الطويل ، والمجن : الترس وهو عند سيبويه
فعل من مجن إذا صلب ، وعند غيره مفعل من جن إذا ستر ، والفلج : الصنف ، يقال : هما
فلجان أي صنفان ، والقمدّ : الغليظ الشديد ، والصمل : مثله. والعتلّ : الغليظ
الجافي. وحبرّ : اسم بلد. والفلز : جواهر
الأرض ، ويقال هو خبيث ما أذيب منها. والطمرّ من الخيل : الطويل القوائم
الخفيف الوثب.
والهبر :
البعير الكثير اللحم. والخبقّ : الطويل من الرجال. والتئفّة : الحسن.
والدّرجة :
طائر أصغر من الدراج ، وقد تخفف الراء.
والتّلنة :
التلبث ، وهي الحاجة أيضا.
ومما ضوعفت
عينه ولامه من الثلاثي :
الحبربر
والحورور هما الشيء القليل ، والتّبرير : الصوت الشنيع ، والصّمحمح والدمكمك : الشديد
من الرجال ، ويقال : الصّمحمح : الأصلع. والبرهرهة : الناعمة.
والجلعلع :
الجعل ، ويقال هي خنفساء نصفها طين ونصفها خلق.
وزاد غير
سيبويه :
فعلعل وفعّلعل
، قالوا : كذبذب وكذّبذب للكذاب.
وزعم الفراء أن
صمحمحا وما أشبهه فعلّل مثل : سفرجل ، وأنكر أن يكون" فعلعل" ، وقالوا :
لو كان" فعلعل" لتكرير لفظ العين واللام فيه لجاز أن يكون صرصر فعفع.
والقول ما قاله
سيبويه ، والذي احتج به الفراء غير صحيح ، وذلك أن الحرف لا يجعل زائد في الفعل ،
ولا في الاسم حتى توجد فيه ثلاثة أحرف سواه تكون فاء الفعل وعينه ولامه ، وإذا
جعلنا في صمحمح عين الفعل مكررة استقام ولم يفسد لأنا لم نجعل العين ساقطة.
ومما يبطل قول
الفراء ، قولهم : جلعلع لو سلكنا به مذهب سفرجل ، لم يكن له نظير في كلام العرب ؛
لأنه ليس في كلامهم مثل سفرجل ، ومتى خرج اللفظ من أبنية العرب الصحيحة كان خروجه
عن الأبنية أحد الدلائل على زيادة الحرف ، فاعرف ذلك.
هذا باب إلحاق
الزيادة ببنات الثلاثة من الفعل
قوله في هذا
الباب بعد أن ذكر زيادة الألف في أفعل" فهذا الذي على أربعة أبدا يجري
مستقبله على مثال يفعل في الأفعال كلها مزيدة وغير مزيدة".
إن قال قائل :
هذا المثال لا يجيء أبدا بزيادة الألف فما معنى قوله : " مزيدة وغير
مزيدة"؟
قيل له : أراد
أن كل فعل ماضيه على أربعة أحرف ، فإن مستقبله مضموم الأول زائدا كان أو أصليّا
فالأصلي نحو : دحرج يدحرج ، والزائد نحو : أكرم يكرم ، وقاتل يقاتل.
والأصل في كل
ماضيه على أربعة أحرف أن يضم أول مستقبله ، وتعاد حروف ماضيه كقولك : قاتل يقاتل ،
ودحرج يدحرج ، وما أشبه ذلك.
وقوله : بعد أن
ذكر همزة أفعل في المستقبل ، وقوى ذلك بحذفهم همزة" كل" وما أشبهها
فقال" وكان هذا أجدر أن يحذف"
يعني : الهمزة
في يؤكرم ؛ لأنها زائدة وفي كل أصلية إذا كانت في موضع الهاء من الفعل.
وقوله : وأن له
عوضا في يؤكرم الياء وسائر حروف المضارعة عوض من الهمزة.
وذكر أن للشاعر
أن يثبت الهمزة في" كل" بأضرب من أفعل وأنشد :
* وصاليات ككما يؤثفين
لأن الهمزة في
أثفية زائدة عند سيبويه ووزنها" أفعولة" وبعضهم يجعلها أصلية
ووزنها" فعلية" ولا شاهد له في البيت على هذا.
وأنشد أيضا :
* كرات غلام من كساء مؤرنب
ومعنى"
مؤرنب" متخذ من جلود الأرانب ، ويقال فيه صور الأرانب فمؤرنب : مؤفعل ،
والهمزة زائدة عند سيبويه ؛ لأن أرنبا عنده : أفعل.
ومن النحويين
من يقول : أرنب" فعلل" ويجعل الهمزة أصلية فاعلمه.
هذا باب ما تسكّن
أوائله من الأفعال المزيدة
قوله في هذا
الباب : كما جعلوا ياء أينق عوضا.
يعني : أن الأصل
في أنيق أنوق ، لأنه جمع ناقة ، وأصلها نوقة فجمع على" أفعل" ، ثم
استثقلوا الضم على الواو ، فحذفت الواو وعوض منها الياء التي في" أينق".
فإن قال قائل :
فهلا عوضت الياء في موضع الواو فقالوا : أنيق؟
قيل له : لو
قيل له : " أنيق" لجاز أن يتوهم متوهم أن الياء ليست بعوض ، وأن الألف
في ناقة بدل من ياء والأصل" نيقة" فعوضوها في غير موضعها ليزول هذا
التوهم. وسائر الباب مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب ما لحقته
الزوائد من بنات الثلاثة
اعلم أن الذي
ألحق من ذوات الثلاثة بدحرج.
ستة أبنية حتى
صارت على مثال دحرج بزيادة حروف مختلفة فيها وهي : فعلل بزيادة حرف من جنس لام
الفعل كقولك : شملل وجلبب ومعنى شملل أخذ من النخل بعد قطافه ما يبقى من ثمره
وجلبب : ألبسه الجلباب وهو القميص.
ـ وفوعل :
كقولك : حوقل وصومع. ومعنى حوقل : مشى مشيا ضعيفا من الكبر وصومع : طوّل البناء أو
غيره على هيئة الصومعة.
__________________
ـ وفيعل نحو :
بيطر وهيثم ومعناه تكلم كلاما خفيّا.
ـ وفعول نحو :
جهور وهرول ومعناه : أسرع.
ـ وفعلى نحو :
سلقى وجعبى ومعناه : صرع.
ـ وفعنل نحو :
قلنسته إذا ألبسته القلنسوة.
ومن غريب الباب
:
اقعنسس أي :
ثبت وتمكن ، واعفنجج ، أي : ضخم واسترخى واحرنبى إذا تنفس : واحرنبى الرجل : إذا
غضب.
ومعنى قوله :
بعد أن ذكر اقعنسس واحرنبى : فكما لحقتا ببنات الأربعة ، وليس فيهما إلا زيادة
واحدة كذلك زيد فيهما ما يزاد في بنات الأربعة.
يعني : أن
الياء قد تزاد في ذوات الثلاثة فتلحق بالأربعة كقولك : سلقى وكذلك شملل ملحقا
بدحرج فقد لحقت بنات الثلاثة ، بزيادة حرف من غيرها وبزيادة حرف من جنس لام الفعل
بدحرج فكذلك لحق اقعنسس واحرنبى باحرنجم واخرنطم وفيهما زيادتان وهما الألف والنون
فقد صارت ذوات الثلاثة تلحق بالرباعي الذي فيه زائد كلحاق اقعنسس واحرنبى باحرنجم
، وفي احرنجم : زائدان وليس في دحرج زائد.
وقوله : "
وإذا ألحقوها في البقية توالت زائدتان إلى قوله : " مزيدة وغير مزيدة"
في غير موضعها بعد لام الفعل لتوالى زائدتان ، يعني : النون والحرف المزيد ففرق
بين النون والحرف المزيد لذلك.
وقوله : "
مزيدة وغير مزيدة".
يعني بالمزيدة
: ما لحق من بنات الثلاثة ببنات الأربعة كلحاق اقعنسس واحرنبى باحرنجم واحرنطم.
ويعني : "
بغير المزيدة" لحاق سلقى وكوثر ، بدحرج وجعفر فاعلمه.
هذا باب تمثيل ما بنت
العرب من بنات الأربعة
في الأسماء والصفات
غير مزيدة
اعلم أن هذا
الباب يشتمل على الأبنية الرباعية الأصلية ، وعلى ما لحق بها من الثلاثة.
وقد بيّن
سيبويه جميعها.
ومن غريب الباب
:
الجعفر : وهو
النهر الصغير. والسّلهب والخلجم والشّجعم : ومعناه كله الطويل ، وقيل : الشّجعم
الضخم من الحيات ، وقد قيل ميمه زائدة واشتقاقه من الشجاعة وهو عند سيبويه غير
مزيد بمنزلة سلهب وخلجم.
والبرثن : ظفر
السبع والترتم : ما فضل من الإناء من إدام أو طعام ، والجرشع : العظيم من الجمال.
والصنتع : الصلب الرأس من الظلمان ، وقيل : هو الحمار الشديد الرأس الناتئ
الحاجبين ، وقيل هو الشاب الشديد والكندر : القصير الغليظ ، ويقال في معناه كدر ،
فعلى هذا تكون النون زائدة. والزّبرج : السحاب الرقيق ، والعنفص : الندية اللسان
من النساء ، وقيل : هي الذميمة الخلق ، والخرمل المرأة الحمقاء ، والزّهلق :
السمين.
والهجرع :
الأحمق وقيل هو الطويل وهو الخفيف أيضا من الكلاب السلوقية.
والقلعم :
الشيخ المسن ويقال هو الطويل وفي معناه العلجم للشيخ ، والهبلع : الأكول ، والفطحل
: دهر لم يخلق الناس فيه ، والصقعل : التمر اليابس في اللبن الحليب والهدملة :
الرملة الكثيرة الشجر ، والهدملة أيضا : الدهر الذي لا يوقف عليه لتقادم عهده
والهزبر من صفات الأسد والسبطر السبط الممتد ، والقمطر : الشديد الصلب من الجمال ،
وهو أيضا القصير الضخم من الرجال ، والدودم والدوادم : صمغ شبيه بالدم يخرج من السمرة.
والعجلط
والعجالط والعكلط والعكالط : اللبن الخاثر ، وكذلك العلبط والعلابط ويقال : هو
العظيم من الإبل وزاد غير سيبويه :
فعلل ، قالوا :
برقع وجؤدر : وهو ولد البقرة.
وفعلل ، قالوا
: ما عليهم طحربة أي : قطعة خرقة.
وفعلّين قالوا
: لقيت منه الفتكرين أي : الأمور الشداد.
هذا باب ما لحقته
الزوائد من بنات الأربعة غير الفعل
اعلم أن هذا
الباب يشتمل على ما لحقته الزوائد من بنات الأربعة مما زيد للإلحاق ولغير الإلحاق.
وقد بين سيبويه
جميع ذلك.
وذكر المنجنون
، وقال بعده : فنعلول فجعل النون الأولى زائدة.
والأقيس أن
تكون من ذوات الأربعة ؛ لأن الميم أصلية والنون الأولى أصلية والجيم كذلك وإحدى
النونين الآخرتين زائدة ويقضي على إحدى النونين الآخرتين بالزيادة بسبب تكريرهما
في موضع لام الفعل.
ومن جعل النون
الأولى زائدة فهو من ذوات الثلاثة ، وإحدى النونين الآخرتين زائدة لا محالة ؛
لأنهما قد تكررا في موضع لام الفعل.
ومن جمل النون
الأولى أصلية : جمعه على" مناجين" وكذلك تجمعه عامة العرب.
ومن جعلها
زائدة جمعها على مناجين فاعلمه.
وذكر منجنيق
فجعل الميم أصلية ، والنون زائدة فلما صح أن النون زائدة ، جعلت الميم
أصلية لئلا يجتمع زائدان في أول الاسم.
وقال بعضهم :
إن النون الأولى والميم زائدتان ، وذكر أن من العرب من يقول : جنقناهم : إذا
رميناهم بالمنجنيق ، ووزنهما على هذا القول : من فعيل وعلى قول سيبويه فنعليل.
ومعنى قوله بعد
أن ذكر بنات الأربعة الملحقة ببنات الخمسة لأنك لو أكرهتها حتى تكون فعلا لاتّفق.
يعني : لو بنيت
منها فعلا لكان سبيل الفعل كسبيل الذي يمكن بناؤه من سفرجل على الإكراه الذي ذكره
، وإن كان لا يبنى منه فعل سفرجل يسفرجل يشبهه بدحرج يتدحرج لأن عدته بدحرج وسفرجل
واحدة كما أنّهم لو قالوا : في جمع سفرجل وتصغيره على تمام حروفه في الجمع
والتصغير لقالوا : سفارجل وسفيرجل تشبهيا بصناديق وصنيدق فاعلمه.
ومن غريب أبنية
هذا الباب :
الحبوكر : وهو
من أسماء الداهية ، والفدوكس : اسم رجل ، والسّرومط : وعاء يكون زق الخمر ،
والعرومط : الكساء وهو الطويل أيضا.
والعبوثران :
من ريحان البر وهو طيب الريح ، وحبوكرى : اسم للداهية ، والكنهور : قطع من السحاب
كالجبال ، وبلهور : اسم ملك.
وجعله سيبويه
صفة.
والقندويل :
العظيم الهامة ، والهندويل : الضخم الرأس ، وقد رويا بإسكان النون وفتح الدال.
والشّنحوط :
الطويل ، والقرضوب : اللص القاطع ، والسّرحوب : الطويل ، وقلمون : موضع ، والقرقوس
والقرقر والقرق : المكان المستوي.
والفردوس :
الجنة مشتقة من الفردسة وهي السعة وقيل الفردوس الكرم وخضرته ، والعلطوس : الناقة
الجبارة الفارة.
والقمحدوة :
أعلى مؤخر الرأس.
والخيتعور : ما
تراه في الهواء كالصغب ، وقيل : هو الباطل وهو الذي لا يوثق به أيضا.
ويقال للذئب
والغول : خيتعور ، والخيسفوج : الخشب البالي ، ويقال هو الشراع. والعيضموز : العجوز
، والعيطموس : من النوق والنساء التامة الخلق الحسنة ، والعيسجور : الشديد من
الإبل ، وقيل : هو الطويل.
والتّخربوت :
الناقة الفارة. والمنجنون : الفلك والسانية وكل ما استدار. والحندقوق : بقلة.
وزاد سيبويه :
فعلول قالوا :
زرنوق لعمود البئر الذي عليه البكرة والمعروف ضم أوله وصعفوق : قرية باليمامة يقال
لأهلها الصعافقة ، وكانوا عبيدا فاستعربوا ، ويقال الصعفوق : اللئيم وفوعلل ،
قالوا : دودمس لحيّة إذا نفخت أحرقت.
ومما زيدت فيه
الياء على بنات الأربعة مما ذكر سيبويه السّميدع.
السيد الموطأ
الأكتاف والعميثل الطويل وهو المبطى أيضا
والحفيثل :
القصير ووقع في الكتاب الحفيتل والصواب بالثاء.
والعريقصان :
نبت بالبادية.
والبرطيل : حجر
مستدير ، والكندير : القصير الغليظ ، والشنظير : الفاحش ، وهو أيضا جرف الجبل ،
والحربيش : حية كثيرة السم ، والزحليل : الأملس ، والحنذيذ : الفحل وهو الطويل
أيضا والخنذيذ : الخصي وهو من الأضداد.
والغرنيق :
الشاب من الرجال ، وهو أيضا طائر معروف. والسّحفنية : المحلوق الرأس سحف رأسه :
إذا حلقه ، والعنتريس : الشديد من النوق ، وكنابيل : اسم موضع.
والعرطليل :
الطويل. والعفشليل : الجافي ووقع في الكتاب قفشليل وهو اسم للمعرفة.
والجلفزيز :
الصلبة الغليظة ، وقيل هي المرأة لها بقية من السمن. والغلفقيق : الداهية
والقمطرير : الشديد.
وزاد غير
سيبويه :
فيعللّ قالوا :
امرأة هيدكرّ للكثيرة اللحم.
وفعنليل ،
قالوا شمنصير : اسم موضع.
وفعلّيل ،
قالوا : قشعريرة وهي معروفة.
ومما زيدت فيه
الألف على بنات الأربعة مما ذكره سيبويه ، برائل : وهو عرف الخرب ، وهو ذكر
الحباري ، والعلابط : اللبن الرائب وهو الغلام العريض المنكبين والجخادب : دابة
نحو العظا. وأبو جخادباء : للجراد الأخضر الطويل الرجلين. وعتائد : موضع والفرافض
: الشديد البطش ، والعذافر : الجمل العظيم ، والقراشب : جمع قرشب وهو الطويل
الغليظ.
والحملاق : ما
ولي الجمجمة من الحدقة ، ويقال حملق إذا فتح عينيه وشدد النظر والسرداح : المكان
اللين. وقيل : هو الطويل والشّنعاف : الطويل وهو أيضا رأس يخرج من الجبل ،
والهلباج : الأحمق الضعيف ، وقيل : هو الطويل.
والجثجات : نبت
، والجرجار : بقلة لها زهرة صفراء. والرمرام : عشبة شاكة العيدان صفراء الزهر ،
وقيل : هو نبت أغبر يشفى به من العقرب.
والدهداه :
حاشية الإبل وصغارها ، والحثحاث والقسقاس : الطلب الشديد والجد في السير إلى
الماء. والصلصال : المصوت.
وذكر غير
سيبويه :
فعلالا في غير
المضاعف ، قالوا : ناقة بها خزعال وهو الظلع ، وقالوا : دأداء لآخر الشهر وقد جاء
مكسور الأول ولا نظير له في غير المصادر.
ومما ذكر
سيبويه :
البرناساء
والبرنساء : للخلق ، وعقرباء وحرملاء : موضعان ، والقرطاس : لغة في القرطاس.
والقرناس : أنف
الجبل.
والحبركي :
الطويل الظهر القصير الساقين ـ والجلعبي : الشديد من كل شيء.
والجحنبار
والجعنبار : القصير المحمر من الرجال.
والجنبار : فرخ
الحبارى والشّنفّار : الخفيف. والجلّباب : لغة في الجلباب والقرفصاء : الاجتماع في
القعدة.
والطّرمساء :
الظلمة ليلة طرمساء. وطلمساء : مظلمة. والجلحظاء : أرض لا شجر فيها وقد روي
بالطاء.
والهندباء :
بقلة.
والقردمان :
ضرب من الدروع وهو معروف. والعرقصان : نبت. والدّحسمان : العظيم الأسود من الرجال.
والرّقرقان :
المترقرق المضطرب من الأول. والعردمان : الغليظ الشديد.
والحندمان :
اسم قبيلة ، والحدرجان : صفة رجل من العرب. والشّعشعان : الطويل.
وجحجبى : حي من
الأنصار. وقرقرى : موضع. والقهقرى : النكوص والتأخر بعد الإقبال. ويقال لكل أمة
فرتنتى ، وفرتنى : اسم جارية وهو أيضا اسم قصر ، ويقال : لكل أمة فرتنى.
والهندبي : لغة
في الهندباء.
وذكر غيره :
فعللى ، قالوا
: هربذى ، وهي مشية للهرابذة وهم أساورة الفرس.
ومما ذكر هو :
السّبطرى مشية
فيها التبختر. والضّبغطى : كلمة يفزع بها الصبيان.
ومما جاء في
هذا الباب لم يذكر سيبويه :
فعنللى ، قالوا
: شفنترى وهو اسم رجل مشتق من المشفترّ : وهو المفترق وفعلّاة قالوا :
سلحفاة لواحدة السلاحف.
وفعللّي ،
قالوا : شفصلّي وهو حمل بعض الشجر يتفلق على مثل القطن ، ومما زيدت فيه النون مما
ذكره سيبويه :
خنثعبة : وهي
غزر اللبن والخنثعبة الناقة الغزيرة اللبن.
والكنتال :
القصير. والقنفخر والقنفخري : التارّ الممتلئ وهو أصل البردي
والكنهبل :
شجر.
والحزنبل :
القصير الموثّق ، والعبنقس : ولد الأمة.
والفلنقس : هو
الذي أحاطت به الإماء ، وقيل : هو ولد الزنا في الجاهلية والجحنفل : العظيم الشفة.
والعرنتن : شجر
يدبغ بعروقه ، وتسمى عروقه العرنة وفيه لغات ، يقال : عرنتن وعرنتن.
وزاد غيره :
فنعلل : قالوا عجوز حنضرف للتي استرخى جلدها ، وقيل : هي الكبيرة الثديين.
وفنعلل ، قالوا
: عجوز شنهبرة للكبيرة.
هذا باب لحاق التضعيف
فيه لازم
هذا الباب
يشتمل على ذوات الأربعة والتي لحق عينها تضعيف ، ولحق لامها. وقد بيّن سيبويه جميع
ذلك.
ومن غريب الباب
:
العلّكد : وهو
الغليظ الشديد العنق. والهلّقس : الشديد الغليظ والشّنّغم : إتباع للرغم لتفعلنّ
ذلك رغما شنّغما ، والمعنى ترغم على ذلك وتكره ، ويروى بالعين أيضا والهمقع : جنى
التنضب. والزملق : الذي يقضى شهوته قبل وصوله إلى المرأة ، والدّمّلص : البراق.
والشّمّخر
والضّمّخر : الكمر وهو الطّامح البصر أيضا
ويقال : هو
الفحل الجسيم والدّبّخس : الضخم.
والهمّرش :
العجوز الكبير.
والصّنّبر :
الثلج.
والشّفلّح :
ثمر الكبر وهو أيضا الواسع المنخرين العظيم الشفتين من الرجال. والهمرّجة : الشدة
والعدبّس : الجمل القوي الضخم ، والعملس : الرجل القوي على الأسفار. والعجنس : الضخم
الشديد من الإبل.
والصّفرّق :
نبت. والزّمرد : معروف.
والسبهلل :
الفارغ الذي لا شيء معه. والقفعدد : القصير.
والعربد : حية
تنفخ ولا تؤذي. والهرشف : العجوز ، وهي أيضا قطعة كساء أو غيره ينشف بها الماء من
الأرض ثم يعصر في الإناء. والقهقبّ والقهقمّ الذي يبلغ كل شيء ، والقسقب : الضخم.
والقسحب : الذكر القاسح ، والطرطب : الثدي العظيم. والطرطبة : العجوز ، وهي أيضا
الطويلة الثديين.
هذا باب تمثيل الفعل
من بنات الأربعة مزيدا وغير مزيد
كلام سيبويه في
هذا الباب مفهوم إن شاء الله.
هذا باب تمثيل ما بنت
العرب من الأسماء والصّفات
من بنات الخمسة
هذا الباب
يشتمل على الأبنية الخماسية ، وهي أربعة أبنية قد بيّنها سيبويه :
ومعنى قوله :
" ولا يكون من هذا فعل استثقالا أن تلزمهم الزيادة".
يعني : أنك لو
صرفت من ذلك فعلا ، ألزمك أن تجعل فيه علامة الاستقبال في أوله وضمائر الفاعلين في
آخره ، وتجعل في اسم الفاعل الميم ، فتكثر حروفه ويستثقل فاعلم ذلك.
ومن غريب الباب
:
الفرزدق : قطع
العجين ، والواحدة فرزدقة. والهمرجل : السريع. والجنعدل من الإبل : الضخم القوي.
والشمردل : الحسن الخلق من الإبل ، ويقال الشمردل : الدليل.
والقهبلس :
المرأة العظيمة وهي أيضا حشفة الذكر. والجمحرش : الأفعى الغليظة.
والصهصلق :
المصوت.
والقذعملة من
النساء : القصيرة ، ويقال : ما في بطنه قذعملة ، أي : ما في بطنه شيء.
والقذعمل :
الضخم ، والخبعثن : الشديد الخلق العظيم وبه سمي الأسد والقرطعب ، يقال : ما عليه
قرطعبة أي : ليس عليه شيء والجردحل : الناقة الغليظة ، وقال المازني : هو الوادي.
الحنزقر :
القصير. والحنبتر : الشديد ، عن الزجاج.
وزاد غير
سيبويه :
فعللل ، قالوا
: هندلع لبقلة.
هذا باب ما لحقته
الزيادة من بنات الخمسة
كلام سيبويه في
هذا الباب مفهوم.
ومن غريبه :
السّلسبيل :
الماء السلس في الحلق. والخندريس : الخمر العتيقة القديمة.
والعندليب :
طائر صغير. والدردبيس : الداهية. والعلطميس : الضخم الغليظ من الإبل ، ويقال :
عمطميس أيضا. والحنبريت : الخالص ، يقال كذب كذبا حنبريتا ، أي : خالصا ، وقيل :
هو الضعيف.
والخزعبيل :
الباطل. والقذعميل : الضخم الرأس. والدّرخميل والدّرخمين : الداهية.
والخبعبيل :
الشديد. البلعبيس : الأعاجيب.
والعضر فوط :
ذكر العظاة.
والقرطبوس :
الناقة العظيمة. واليستعور : شجرة ، ويقال : هي الداهية.
والقبعثرى :
العظيم الخلق الكثير الشعر من الناس والإبل. والضبغطرى : الضبع ، وهو أيضا الرجل
الأحمق.
والقرطبوس :
لغة في القرطبوس ، وقد تقدم تفسيرها.
وذكر غير
سيبويه :
فعلّول ، قالوا
: سمرطول للطويل.
وفعلالل ،
قالوا : درداقس لعظم في القفا ، وخزرانق : لضرب من النبات وهو أيضا الوتر القديم.
وفعللانة ،
قالوا : قرعبلانة لدويبة بعينها.
كملت الأبنية
بحمد الله.
هذا باب ما أعرب من
الأعجمية
هذا الباب
يشتمل على ثلاثة أوجه مما عرب من الأعجمية : فوجه منها غيرت حروفه أو حركاته وألحق
بأبنية العرب نحو : درهم وبهرج ألحقا بهجرع وجعفر. ووجه غير حروفه ولم يلحق بأبنية
كلامهم نحو : إبريسم وإسماعيل وسراويل والأصل فيهن الشين.
ـ ووجه لم تغير
حروفه ، ولم يزل بناؤه ، وكان لفظه في العربية كلفظه في العجمية نحو : خراسان ، وخرم
، وهو موضع. وكركم : وهو الزعفران.
قال في آخر
الباب" : وربما غيروا الحرف الذي ليس من حروفهم ، ولم يغيروه عن بنائه في
الفارسية نحو : فرند وبقّم وآجر وجربز ، يعني : غيروا لفظ الحروف فجعلوه ياء محضة
، أو ياء وأصلها ليس كذلك ، ثم لم يجعلوه على شيء من أمثلتهم فاعرفه.
هذا باب اطراد
الإبدال في الفارسية
اعلم أن العرب
تبدل من كلام العجم ، وذلك في عشرة أحرف ، وهي الجيم والكاف والباء والفاء والقاف
والسين والشين والعين واللام والزاي.
وهذه الحروف
تنقسم قسمين : أحدهما يطرد إبداله والآخر لا يطرد.
فأما ما يطرد
فخمسة أحرف : الجيم والكاف والباء والفاء والقاف. وأما ما لا يطرد فالخمسة
الباقية.
فأما"
الجيم" و" الكاف" فيبدلان من الحروف التي بين الجيم والكاف ، فربما
كان البدل من
ذلك الجيم ، وربما كان الكاف ، فأما الجيم فقولك : جورب ، وجربز والآجر ، وأما
الكاف ، فقولك : كربق ، وكوسج ، وربما أبدلوا من ذلك قافا كقولهم : قربق.
ويبدلون الجيم
من الهاء في آخر الكلمة كقولهم في الخف : موزج ، وكوسج ومالوذج ، وقد بيّن سيبويه
العلة في ذلك.
وأما الباء
والفاء فيبدلان الحرف الذي بين الفاء والباء ، فربما جعلوه باء ، وربما جعلوه فاء.
فأما ما كان
فاء فقولهم : فندق وفرند.
وأما الباء ،
فقولهم : برند.
وأما السين
فيبدلونها من الشين كقولهم : إبريسم وأصله بالشين في كلام العجم ، وكذلك إسماعيل ،
وأصله إشماول ، وإنما أبدلت السين من الشين لاجتماعهما في الهمس والانسلال ومثله :
سراويل.
والعين في
إسماعيل بدل من الواو في إسماول وإنما أبدلوا العين من هذه الواو ؛ لأن هذه الواو
في لغتهم بين الهمزة والواو ، فكأنها بدل من الهمزة لقربها منها ، وأما بدل اللام
فقولهم : قفشليل ومعناه : المعرفة وأصله في لغتهم : كفجليز فجعلوا الزاي لاما فأتبعوها
اللام الأولى ، وجعلوا الكاف قافا وجعلوا الجيم شينا.
وأما الزاي ،
فقولهم في النسب إلى الري : رازي وإلى مرو : مروزي ، وذلك لأن النسب إلى هاتين
المدينتين في لغتهم بالجيم التي تشبه الزاي كقولهم : مروجي وراجي فاعلمه.
هذا باب علل ما تجعله
زائدا من حرف الزيادة
قوله في هذا
الباب بعد أن ذكر أفعل ، وبيّن حكمه في زيادة الهمزة ، فإن لم تقل ذلك دخل عليك أن
تزعم أن ألحقت بمنزلة دحرجت إلى قوله : فقد صير إلى ما لم يقله أحد.
يعني : فإن لم
تقل أن الهمزة في" أفكل" زائدة وأمها تخالف الحروف الأصلية التي تكون في
أوائل الأسماء والأفعال ، لزمك أن تجعلها في ألحقت بمنزلة الدال من دحرجت وإذا
جعلتها كذلك لزمك أن تقول ألحق ألحقه وأكرم أكرمه كما قلت : حوقل حوقلة حين ألحق
بدحرج ، فأما لم تقل : ألحق ألحقه ، علمنا أنّه ليس" أفكل" يعني :
" إن فرق مفرق بين الهمزة في" أفكل" ، والهمزة في" ألحق"
فقال : " ألحق" تسقط في المستقبل وليست في أفكل كذلك لأنها لا تسقط
فأبطل سيبويه هذا بأن قال : " ذهبت الهمزة كما ذهبت واو وعد في يفعل".
يعني : أن سقوط
الهمزة في المستقبل ، ليس بدلالة على أن الهمزة في" ألحق" لم تجر مجرى
الدال من" دحرج" ؛ لأنا قد رأينا الواو من" وعد" بمنزلة الضاد
من ضرب ومع ذلك فإن الواو
سقط في يعد على أن الهمزة في" يلحق" أولى بالسقوط وأجدر أن تذهب
لأنها زائدة.
وقوله : "
فأرادوا أن يعرضوا حرفا يكون في نفسه بمنزلة الذي ذهب".
يعني أنّه إن
احتج محتج ـ بأن بمنزلة دحرج ـ بأن مصدره إلحاق وهو بمنزلة الدحراج فليس في هذا
حجة ؛ لأنه يجوز أن يكون إلحاق جعل بمنزلة الدحراج والمرهاف لتكون هذه الألف التي
قبل آخر الكلمة عوضا من الهمزة تذهب في" تلحق" وسائر مستقبل بابه.
وقوله بعد أن
ذكر أن ميم" منجنيق" أصلية والنون التي تليها زائدة" ولو لم يكن في
هذا ، إلا أن الهمزة التي نظيرتها ولم تقع بعدها الزيادة لكانت حجة".
يعني : أنّه لو
لم يكن في هذا من الحجة إلا أن الهمزة التي هي نظير الميم في زيادتها ، لم توجد
زائدة وبعدها حرف زائد ، لكان حجة على أن النون لما كانت زائدة لم يجز أن تكون
الميم زائدة.
وجعل سيبويه
الميم في مرعزّى زائدة ؛ لأنها دخلت على الثلاثي ؛ لأن الراء والعين والزاي ثلاثة
أحرف أصول ، والألف الأخيرة زائدة ؛ لأنها للتأنيث ، فكأن دخول الميم في مرعزى
كدخولها على مكورى وهو : العظيم روثة الأنف.
وقد علم أن
الميم في مكورى زائدة ؛ لأنه مشتق من الكور ، والكور : الجماعة فلما كانت ميم
مرعزى زائدة ، كانت في مرعزى بالكسر زائدة أيضا ، وكسرت الميم فيه للإتباع كما
كسرت في" منخر" و" منتن".
ومعنى
قوله" ليست كطرمساء"
هو أن طرمساء
من ذوات الأربعة لحقه ألف التأنيث وليس مرعزى ، قال : " لأن مرعزى لم يوجد له
من ذوات الأربعة ما قد لحقه ألف التأنيث عن هذا المثال".
يعني : لم يوجد
من ذوات الأربعة ما شدد لامه الثانية ولحقه ألف التأنيث ، وقد وجد ذلك في بنات
الثلاثة نحو مكورى ويهيّرى ، وهو من ذوات الثلاثة ؛ لأنهم يقولون : يهير ، فيعلم
أن الياء الأولى زائدة بمنزلة الياء في يرمع ويعمل. ولا يجعل الياء الثانية زائدة
؛ لأنا لو جعلناها زائدة لجعلنا الأولى أصلية ، وصارت الكلمة على فعيل ، وليس في
الكلام فعيل إلا حرف زعموا أنّه مصنوع وهو صهيد.
وقوله : "
إن لم تشتق من الحرف شيئا تذهب فيه الألف" إلى قوله : " لأنها عندهم
بمنزلة الهمزة".
يعني إن لم تقل
: إن الألف زائدة في أفعى وموسى ، لزمك ألا تقول إن الألف في الزامج والعالم زائدة
؛ لأنه لا اشتقاق له دون ما يحمل على النظير الذي تكثر زيادته ويلزمه أيضا أن يقول
: إن الألف في سرادح بمنزلة الميم في" هدملة" وهذا لا يقوله أحد لكثرة
تبين مثلها زائد
في ما دل الاشتقاق عليه.
ثم قال سيبويه
: عقيب شيء قدمه" كما جعلت المراجل ميمها من نفس الحرف
حيث قال العجاج
:
* بشية كشية الممرجل
يعني : أن
الميم في" المراجل" أصلية ، وكان الحكم عليها في الظاهر أن تكون زائدة
لأنها إذا وقعت أولى وبعدها ثلاثة أحرف ، قضي عليها بالزيادة إلا أن يقوم دليل
يبين أنّها أصلية.
والدليل الذي
حمل على أنّها في" المراجل" أصلية قولهم :
ممرجلة للثياب
التي تعمل على نحو : " المراجل" أو على نقشها أو صورها ، فلو جعلنا
الميم زائدة في المراجل كان ممرجل : ممفعل ، وليس ذلك في الكلام ، فإذا جعلناها
أصلية كان" ممرجل" مفعلل نحو : مدحرج ومسرهب.
وقوله : لا
يدخل الزامج ونحو اللهابة إلى قوله كألف حاحيت وألف حاحى ونحوه.
يعني : أنّه إن
قال قائل : إن ألف الزامج واللهابة زائدة ، لأنا لو بنينا منها فعلا سقطت الألف
منه ، لأنا نقول : زمج أو زمّج ، ولهب أو لهّب ، فعلم أن الألف زائدة بهذا.
وما كان غير
هذا نحو ألف : هلكى وعلقى ، قضي عليه بأنه أصل لأنك لو صرفت منه فعلا ، ثبتت فيه
الألف فقلت : علقى يعلقى.
فقال له سيبويه
: فإذا كنت لا تجعل الألف زائدة إلا باشتقاق ، فيلزمك أن تجعل كل ألف لا يسقطها
الاشتقاق أصلية ، سواء ثبتت في ما تصرف من الفعل أولم تثبت إذا لم يأت اشتقاق
يذهبها. فلزمك من هذا أن ألف زامج" ولهابة" أصلية بمنزلة ألف حاحيت
وعاعيت"
و"
حاحيت" و" عاعيت" عند البصريين فعللت ، دون فاعلت وهو عندهم بمنزلة
صلصلت وليس بمنزلة : قاتلت.
واستدلوا على
ذلك بمصدره لأنهم يقولون : حاحاة وعاعاة كما يقولون صلصلة ورقرقة في مصدر صلصل
ورقرق.
والأصل في
حاحيت وعاعيت وما أشبههما عندهم منقلبة من ياء ، كما قالوا في ييجل ياجل.
قالوا : وليست
بمنقلبة من واو ؛ لأنها لو كانت كذلك لجاءت على الأصل كنظائرها من قوقيت وضوضيت ،
ولا يعرف شيء من الياء في الباب على أصله فحمل على الياء لأجل ذلك.
__________________
وقال بعض
النحويين : ليست ألف منقلبة من ياء ولا واو ، بل الياء في حاحيت منقلبة من ألف ،
والأصل : حاح وحا الثانية تكرار للأولى وهما حكاية الصوت ، فلما ركبا فصيرا كلمة
واحدة وقع التغيير بالأخيرة منها ؛ لأنه لا يجوز أن تقع تاء المتكلم على ألف في
الفعل حتى تغير فتقلب ياء أو واوا كقولك : غزوت ورميت وما أشبه ذلك.
وقوله : "
فمن قال سرداح ؛ لأنها لا تدخل لأنها أكثر من جردحل" إلى قوله : "
فالألف أكثر مما ألحق به من بنات الأربعة".
يعني أن قائلا
ـ من لا يحكم للألف بالزيادة على مذهب سيبويه ـ لو قال : إن الألف في"
سرداح" زائدة لأنها تدخل في باب" جردحل" الأقل ، ولا تلحق به إذا
كان أكثر من جردحل ؛ لأن ما جاء على وزن جردحل أقل مما جاء على وزن سرداح.
قيل له : ليس
هذا بحجة لأنا قد رأينا ما يلحق ببنات الأربعة من ذوات الياء والواو ، والألف أكثر
من ذوات الأربعة ، ولم يمنع ذلك أن يلحق بها ، فكذلك سرداح يلحق بجردحل وإن كان
مثاله أكثر من مثال جردحل.
قال : "
ومن أدخل عليه سرداح مثل جردحل لزمه أن : يجعل عذافر مثل قذعمل لتساوي نظير
تحريكاتهما وسواكنهما".
وحكم الألف إذا
كانت حشوا في الاسم ، أن لا تكون لاحقة بشيء من ذوات الأربعة ولا غيرها.
وجعل سيبويه
التاء في تنبالة وتنبال أصلية ، ووزن تنبال عنده : فعلال ومن أهل اللغة من يجعل
التاء في تنبال زائدة كالتاء في تخفاف وتبيان ، ويزعم أن التنبال : هو القصير ،
والنبل هو القصير ، فتنبال تفعال بما ذكره من الاشتقاق.
وذكر أن النون
والواو في" كنثأو" و" قندأو" وما أشبههما زائدتان ، واستدل
على ذلك بشيء لطيف ، وذلك أنّه قدر زيادة الواو لكثرة كونها زائدة ، وبقيت النون
والهمزة وإحداهما لازمة للأخرى في هذا البناء.
فيجوز أن تكون
الهمزة هي الأصل والنون زائدة ويجوز أن تكون النون الأصل والهمزة زائدة فجعل
الهمزة أولى بالأصل والنون أولى بالزيادة لأن زيادة النون حشو أكثر من زيادة
الهمزة فاعلمه.
ومن غريب الباب
:
كنابيل : أرض
معروفة. واللهابة : كساء يجعل فيه حجارة أو غيرها يعدل به الجمل إذا ركب في شق.
والزامج : جملة الشيء ، يقال : أخذته بزامجه ، أي : بجملته ، والرامك : ضرب من
الطيب ، واستسعلت المرأة إذا خبث حلقها وطال لسانها والمرأة سعلاة : إذا كانت
كذلك.
وقطوطى وقطوان
: هو الذي يتبختر في مشيه. والأرونان : الشديد. والشجوجي : الطويل. وآذلولي : الرجل إذا انطلق في استخفاء. وحاحيت
بالغنم : صوت بها.
والهينغ :
المرأة الضاحكة المغازلة لزوجها ، والميلع : الناقة السريعة ، وملعت : أسرعت
والحذيم الحاذق بالشيء ، وحذمت الشيء قطعته. العيضموز : الناقة المسنة والعيطموس : الحسنة التامة.
والزبنية : واحدة الزبانية.
والعفرية :
الداهية. والحماطط : ضرب من الشجر يتخذ منه القسي.
يأجج : موضع
حكاه سيبويه بفتح الجيم الأولى ، وهو عنده على فعلل والياء أصلية ، وكذلك قال
الجرمي : إلا أنّه حكى كسر الجيم الأولى ، وهو عنده على فعلل وجاز ذلك لأن إحدى
الجيمين زائدة. وفي كسر الجيم وجه آخر غير هذا ، وهو أن يكون يفعل والياء زائدة
وأظهرت الجيم ولم تدغم كما قالوا : مششت الدابة ، ولججت عينه.
ضوضيت من
الضوضاء وهي الجلبة. دهديت الشيء ودهدهته إذا دحرجته عاعيت وحاحيت وهاهيت متقاربة
في المعنى وهي أصوات البهائم.
قوقيت ، أي :
صوت ، وأكثر ما تستعمل للدجاج عند المبيض ، الصيصية : شوكة الديك ، وقرن الثور وكل
ما احتمي به. والشوحط : شجر يتخذ منه القسي.
الصوقعة : خرقة
تجعلها المرأة عند رأسها دون خمارها. اعتنفته : إذا ـ استأنفته وابتدأته.
والدواسر :
الشديد وورنتل : الشر ، يقال وقع في ورنتل : أي في شر. قرنوة : نبت يدبغ به.
الخروع : نبت
لين. التنضب : شجر. التّحليء والتحلئة : ما يقع من الأديم إذا قشر ، وفي مثل
العرب" حلأت حالئة عن كوعها" والتّربوت : ناقة ذلول ، والتاء بدل من
الدال وأصله الدربة والدولج والتولج : المدخل ، وأصله وولج والتخربوت : الناقة
الفارهة ، والنهشل والنهسر : الذئب ، والنهضل : الشيخ الكبير.
والجعثن :
الغصن : والعنتر : ضرب من الذباب ، والزرنب نبت طيب الريح.
الحبتر : القصير.
والعفرني : الشديد.
عصنصر : جبل.
السرحان في لغة بعض العرب الذئب وفي لغة بعضهم الأسد ، والقيقبان والقيقب : خشب
السرج ، شرنبث : شديد قبيح المنظر.
الجرنفس :
الغليظ. وبعضهم يقوله بالشين المعجمة ، الجعظري والجعنظار : الشره النهم.
الخدرنق :
الذكر من العناكب. الجرائض : العظيم الثقيل. والحطائط : القصير.
هذا باب من الزيادة :
الزيادة فيه من غير حروف الزيادة ولزمه التضعيف
كلام سيبويه في
هذا الباب مفهوم.
ومن غريبه :
الجبّاء
والجبّاء : الضعيف الجبان. الطّملال : الذئب الأطلس. والدّخليل : السريع.
هذا باب ما ضوعفت فيه
العين واللام
هذا الباب وما
بعده إلى باب ما الياء فيه والواو ثانية وهما في موضع العين بينة من كلام سيبويه
إن شاء الله.
هذا باب ما الواو
والياء فيه ثانية وهما في موضع العين فيه
ذكر في هذا
الباب طاح يطيح وتاه يتيه ، وبين أنّها من ذوات الواو وكان قياسها طاح يطوح ؛ لأن
ما كانت عينه واوا وكان ماضيه فعل فمستقبله يفعل ، ولكنه بنوه على فعل والدليل على
ذلك قولهم : طحت وتهت ، كما تقول : خفت ، ولو كان فعل لقيل : طحت وتهت ، كما يقال
: جرت وقلت ، فلما كان كذلك صح أنّها فعل. وكان قياس المستقبل أن يكون على يفعل
ولكنهم بنوه على يفعل مثل : حسب يحسب ، وكان أصله : يطوح ويتوه ، فألقيت كسرة
الواو على ما قبلها فسكنت الواو وانكسر ما قبلها فانقلبت ياء.
وقال بعضهم :
قد يكون طاح وتاه من الياء. وإذا صح هذا فهي فعل يفعل بمنزلة باع يبيع ، وزاد يزيد
فاعلمه.
هذا باب ما لحقته
الزوائد من هذه الأفعال المعتلة من بنات الثلاثة
قوله في هذا
الباب : " ولم يجعلوه يعتل من محول إليه كراهة أن يحول إلى ما ليس من
كلامهم".
يعني : أنّهم
إذا قالوا : أقام وأجاد فهو أفعل وإذا قالوا : استعاذ واستراب فهو استفعل ، ولم
يكن على بناء غير هذا ، فحول إليه كما حول كنت وبعت إلى فعلت ، ثم حول إلى فعلت
وفعلت وليس في الكلام ما على هذا النحو يحول إلى أفعل.
وقوله : "
لو كان يخرج إلى ما هو من كلامهم لاستغني بذا ؛ لأن ما قيل المعتل قد تغير عن حاله
في الأصل".
يعني : لو كان
في الكلام بناء يخرج إليه هذا البناء كما خرج قلت إلى فعلت الذي مثله في كلامهم
لاستغنى بهذا عن البناء الآخر ؛ لأنه قد عمل به ما يعمل به لو حمل من بناء إلى
بناء آخر ، ألا ترى أن أجاد وأخاف قد غير فاء الفعل منه فصار بمنزلة : قلت وبعت
الذي قد غير فاء الفعل منه ، فقد قام أجاد بتغيير فاء الفعل منه مقام ما غير بناؤه
، وحول منه بتغيير فاء الفعل منه فاعلمه.
هذا باب ما اعتل من
أسماء الأفعال المعتلة على اعتلالها
قوله في الباب
بعد أن ذكر اسم الفاعل من الفعل المعتل : " وذلك أنّهم يكرهون أن يجيء على
الأصل مجيء ما لا يعتل فعل منه".
يعني : أنّهم
لو قالوا : قاول وبايع بغير همز لصار بمنزلة مقاول ومبايع ، الذي قد صح فعله في
قاول وبايع ، فكرهوا أن يساوي ما اعتل فعله من أسماء الفاعلين ما صح فعله. وقوله :
ولو يصلوا إلى الإسكان مع الألف.
يعني : أنّهم
لو أسكنوا الواو في قاول. والياء في بايع لاجتمع ساكنان ، ولا يمكن الجمع بينهما ،
ولو حذف أحدهما لالتبس اسم الفاعل بفعله.
واعلم أن
المحذوف من اسم المفعول المعتل العين من ذوات الواو ، واو" مفعول" عند
الخليل وسيبويه لأنها زائدة ، والتي قبلها أصلية ؛ لأنها عين الفعل فإذا اجتمع
حرفان أحدهما زائد والآخر أصلي ، واحتجنا إلى حذف أحدهما ، حذفنا الزائد ، وكان
أولى بالحذف ؛ لأنه مجتلب لم يكن موجودا من قبل.
وقال الأخفش :
الواو الأولى هي المحذوفة وإن كان عين الفعل ؛ لأن الساكنين إذا اجتمعا فالأول
أولى بالتغيير والحذف.
ألا ترى أنا
نكسر الحرف الأول لالتقاء الساكنين كقولك :
قامت المرأة :
ولم يقم الرجل.
وأما مفعول من
ذوات الياء نحو : مبيع ومكيل فسقط أيضا الواو على قول الخليل وسيبويه ؛ لأنها
زائدة فإذا سقطت الواو من مبيوع وقد ألقينا ضمة الياء على الباء. صار"
مبيع" بسكون الياء وضمة الباء فكسرت الباء لتسلم الياء لأنها لو تركت على
ضمتها لوجب قلب الياء واوا ، فكان يصير" مبوع"" ومخوط" على
لفظ" مقول" فتلتبس ذوات الياء بذوات الواو ، فكسروا ما قبل الياء لتسلم
كما قالوا في جمع أبيض : بيض.
وزعم الأخفش أن
الياء هي المحذوفة ، وأنهم ألقوا ضمة الياء على ما قبلها فسكنت فاجتمع ساكنان :
الياء والواو ، الأولى منهما أولى بالحذف على ما مضى من قوله في ذوات الواو.
فقيل له : فإذا
كان المحذوف هو الياء والمبقى هو واو مفعول وقبلها الضمة التي كانت في الباء
فألقيناها على ياء مبيوع وخاء مخيوط فما هذه الياء التي في مخيط ومبيع؟
فأجاب في ذلك
أنّه لما ألقينا ضمة الياء على ما قبلها كسر ما قبل الياء قبل حذفها لتسلم الياء ،
ثم حذفت الياء لاجتماع الساكنين فقلبت واو مفعول ياء للكسرة التي قبلها.
وبيّن سيبويه
أن الياء أخف من الواو ، واستدل على ذلك بأنها أقرب إلى الألف من الواو إذ كانت
متوسطة بين الواو والألف.
واستدل على ذلك
أيضا بقولهم في ذوات الواو : مشيب ومنيل فيقلبونها إلى الياء لأنها أخف منها ،
والأصل مشوب ، ومنول من قولك : شبت الشيء ، إذا خلطته ونلت الرجل : أعطيته.
فمن حيث قيل :
مشيب في مشوب ومنول. ولم تكن فيه ياء ولا كسرة لزم أن يقال :
مبيع ومخيط إذا كانت الياء موجودة فيه.
وبعض النحويين
يقول : إنما قلبت الواو ياء في مشيب ومنيل لانقلابها في الفعل.
وذلك أنك تقول
: شيب الشراب ونيل زيد معروفا ، فلما انقلبت في الفعل انقلبت في المفعول لأنه جار
عليه.
واعلم أنك إذا
قلت : مفعلة مما عينه ياء أو فعل وكان في غير جمع ، فإن الخليل وسيبويه ومن
تابعهما كانوا يثبتون الياء ويجعلون مكان الضمة قبلها كسرة لتسلم الياء ويقولون :
لو بنينا من البيع والعيش مفعلة لقلنا : مبيعة ومعيشة والأصل معيشة ومبيعة ،
فألقيت حركة الواو على ما قبلها فسكنت وقبلها الضمة فجعلوا مكانها كسرة لتسلم
الياء كما قالوا : بيض وعين.
قال الأخفش :
" مفعلة" و" فعل" إذا لم يكن جمعا مثل : بيض ، تقلب الواو فيه
ياء لانضمام ما قبلها ، فتقول : معوشة ومبوعة. ومما يشهد لقوله ، أنّهم يقولون :
مضوفة لما يخاف منه وهي من : ضاف يضيف إذا أشفق وحذر. وقال الأخفش : بيض وعين ليست
بحجة لأنه جمع ، والجمع يلزمه من الاعتلال ما لا يلزم الواحد.
ومعنى قول
سيبويه" وإنما جعلناها في فعلت يفعل تابعة لما قبلها في القياس" إلى
قوله : " إذا سكنت لم تتبعها
الكسرة".
يعني : أنك لو
بنيت من ذوات الواو فعل يفعل والواو لام الفعل ، صارت ذوات الواو ياء لانكسار ما
قبلها كقولهم : شقي ورضي من الشقوة والرضوان.
وتقول في يفعل
: يطيح ويتيه على لغة من يقول : ما أطوحه وأتوهه ، وإنما كان هذا على هذه اللغة :
يطوح ويتوه ، فلما ألقيت كسرة الواو على ما قبلها سكنت وقبلها كسرة فانقلبت ياء
فتبعت الواو الكسرة التي في" شقي" وفي" يطيح" وكذلك تبعت
الياء الضمة في : رمو وقصو.
وقوله بعد أن
ذكر فعل التعجب واعتل لصحته فقال : " لأن معناها نحو من معنى أفعل منك ،
وأفعل الناس لأنك تفضله على من لم يجاوز أن لزمه قائل وبائع ، كما فضلت الأول على
غيره وعلى الناس".
يعني أنك إذا
قلت : ما أقوله وأبيعه ، فأنت تفضله على غيره ، وإذا قلت : هو أقول الناس وأبيع
منك : فأنت تفضله أيضا ، فهما في معنى واحد.
وقوله : "
لأنك لم تفضله على من لم يجاوز أن لزمه قائل وبائع".
يعني أن
التفضيل بقولك : ما أقوله ، وبقولك : هو أقول منك وأبيع الناس لا يقع لكل من قال
شيئا أو باعه ؛ لأنك إذا قلت : ما أقوله فإنما تفضله على قائل آخر ، فإذا قلت : هو
أبيع منك فإنما تفضله على المخاطب. وإذا قلت : هو أقول الناس فأنت تفضله على الناس
فيقع على كل من قال قولا أو باع بيعا ، اسم قائل وبائع فقط ، فإذا تكرر قوله وبيعه
صار إلى أحد
يفضل جاز أن يقال : ما أقوله وأبيعه فتفضله على ما يستحق أن يقال له قائل
وبائع فقط.
ومعنى قوله :
" وكما فضلت الأول على غيره وعلى الناس".
يعني : يفضل
بقولك : ما أقوله وأبيعه على من يستحق اسم قائل فقط كما أنك إذا قلت : هو أقول منك
، فقد فضلته على غيره وإذا قلت هو أقول الناس فقد فضلته على الناس.
وقوله بعد أن
ذكر أبنية مختلفة وبيّن وجوهها ثم قال : " وإنما منعنا أن نذكر الأمثلة مما
أوله ياء. أنّها ليست في الأسماء والصفات إلا في يفعل".
يعني : أنّه لم
يذكر أبنية مختلفة في أولها ياء زائدة لأنه لم يجئ في الأسماء شيء أوله ياء زائدة
على مثال الفعل إلا في يفعل خاصة نحو يرمع ويعمل.
فإن قال قائل :
فقد جاء يعفر.
قيل له : يجوز
أن يكون يعفر إتباعا ، إما أن يكون يعفر فأتبعوا الياء الفاء أو يكون يعفر فأتبعوا
الفاء الياء.
وقوله عقب شيء
قدمه : " وإنما تشبه الأسماء بأفعل وإفعل" إلى آخر الباب.
يعني : أن تفعل
من القول إذا بنيناه معتلّا فقلنا : تقول ، فهو مشبه بأفعل في الفعل.
ومعنى قوله :
" ويفرق بينه وبينهما إذا كانتا مسكنتين على الأصل قبل أن يدركهما الحذف لا
على ما استعمل في الكلام".
يعني : أنا إذا
قلنا : قل وبع ، فأصله أقول وأبيع ، ثم تعلها فتلقي حركة الواو والياء على ما
قبلها فيصير أقول وأبيع ثم تحذف منه ألف الوصل لتحرك القاف والباء فإذا بنينا تفعل
وهو تقول ، أو تفعل وهو تبيع فهو مشبه بأقول وأبيع. بعد إلقاء حركة الواو والياء
على ما قبلها وقبل حذف ألف الوصل.
فمعنى
قوله" مسكنتين" :
أي : بعد أن
سكنت الواو والياء بإلقاء حركتيهما على ما قبلهما
ومعنى قوله :
" قبل أن يدركهما الحذف"
يعني : قبل حذف
ألف الوصل يقع التشبيه.
وقوله : "
لا على ما استعمل في الكلام ولا على الأصل" يعني أن المستعمل في الكلام قل
وبع بغير ألف وصل ، والأصل ضم الواو وكسر الياء ، أقول وأبيع ولم يقع التشبيه بهذا
المستعمل في الكلام إذا لا ألف وصل فيه ولا بالأصل لأن الواو والياء في الأصل
متحركتان ، وإنما يوقع التشبيه بالحال التي كانت بين الحالتين وهي إلقاء حركة
الواو والياء على ما قبلهما قبل حذف ألف الوصل.
وقوله : "
ولكنهما إذا كانتا بمنزلة أقام وأقال. ليس فيهما إلا إسكان متحرك أو تحريك
ساكن".
يعني : إنما
وقع التشبيه إذا كانت بمنزلة أقام ؛ لأن أقام أصله أقوم ، فألقيت حركة الواو على
القاف وسكّنت الواو ، فإذا ألقيت من أقول حركة الواو على القاف قبل أن تلقى ألف
الوصل ، فقد صار بمنزلة أقام لأنك لم تعمل بواحد منها أكثر مما ألقيت حركة الواو
على الساكن الذي قبلهما ، فتسكن الواو وتحرك الساكن الذي قبلها ، فهذا معنى
قوله" إسكان متحرك أو تحريك ساكن".
وأنشد في ما
جاء تفعلة مما عينه واو :
* بتنا بتدورة يضيء وجوهنا
|
|
دسم السليط
على فتيل ذبال
|
فتدورة : تفعلة
من دار يدور ، وهو موضع مستدير بين جبال.
هذا باب أتم فيه
الاسم على مثال ، فمثل به لسكون ما قبله وما بعده ،
كما المضعف إذا سكن
ما بعده
قوله بعد أن
ذكر الإقامة والاستقامة واعتلالهما : لو كانتا تفارقان كما
تفارق بنات
الثلاثة التي لا زيادة فيها مصادرها ، لتمت كما تتم فعول منهما.
يعني : أن
الإقامة والاستقامة مصدران لأفعل واستفعل وهما معتلان وليسا كمصادر الأفعال
الثلاثية التي لا تلزم طريقا واحدا كفعول مصدر : غار يغور غؤورا وقعد يقعد قعودا ،
وليس كل ثلاثي مصدره فعول ؛ لأنك تقول : قدر قدرة وعلم علما وقد صح فعول ؛ لأنه
ليس بمصدر لازم لفعل معتل.
وقوله : "
فإذا قلت : فواعل من عورت وصيدت" : همزت إلى آخر الباب.
اعلم أن ألف
الجمع متى وقعت بين واوين وكانت الواو الثانية منهما قبل الطرف وليس بينهما وبين
الطرف حاجز وجب قلب الواو الثانية همزة والأصل في ذلك أنّهم رأوا العرب قد
همزت" أوائل" وقد علم أن الأصل فيه أوايل ، لأن الواحد أول وهو أفعل ،
فالواو والعين واوان ، فلما فعلت العرب ذلك ـ لأن اجتماع واوين ثقيل واعتلال
الأطراف كثير ـ غيروا إحدى الواوين وشبهوهما باجتماع واوين في أول الكلمة ، وذلك
يوجب الهمز كتصغير" واصل" وجمعه" أويصل" و" أواصل"
وغير ذلك قاس سيبويه فزعم أن اجتماع الياء والواو إذا وقعت ألف الجمع بينهما
كاجتماع الواوين ، كقولك في جمع : بعير صائد غدا : أبعرة صوائد ، بهمز الياء لوقوع
ألف الجمع بينهما وبين الواو ، وجعل الأصل في ذلك ما سمع من العرب في جمع عيل :
عيائل مهموزة.
__________________
وقال الأخفش :
القياس أن لا تهمز الياءان ولا الواوان ، كما أن اجتماع الواوين في أول الكلام
يوجب قلبهما همزة واجتماع الياءين ، والياء والواو لا توجب قلب واحد منهما.
فإذا كان بين
الواو الثانية وبين الطرف حرف لم يقلبهما همزة في مذهب سيبويه وغيره كقولك :
طواويس ونواويس ، وكذلك الياءان كقولك : عاييل وما أشبهه وعيائل جمع عيال ، وهو
فعال من عال يعيل إذا تبختر وعياييل جمع عيل من عال يعيل ، إذا افتقر.
فإذا اضطر
الشاعر إلى أن يمد ، جمع عيل ثم يهمز لبعد الياء من الطرف كما لم يهمز طواويس ،
فتقول : عياييل في جمع عيل.
واعلم أن لام
الفعل متى اعتلت وعرضت قبلها همزة في الجمع ، ولم يكن أصلها الهمز ، فإن لام الفعل
تقلب ألفا ، ثم تقلب الهمزة ياء ، تقول في جمع شاوية : شوايا ، والأصل شواو ،
فوقعت ألف الجمع بين واوين وهي قريبة من الطرف فوجب همز الواو فصار شواء ، فعرضت
هذه الهمزة في الجمع ولام الفعل معتلة فقلبت الياء ألفا وصار شواء ، فوقعت
الهمزتان ألفين والهمزة تشبه الألف فصارت كأنها ثلاثة ألفات ، فقلبت الهمزة ياء
فصار شوايا ، وعلى هذا قياس ما جاء من هذا الجمع.
ومعنى قول
سيبويه في آخر الباب : " أن" نظيرها من" حييت" يجري
مجرى" شويت" فيوافقها كما اتفقا في الاعتلال في قلت وبعت"
يعني أن : ذوات
الياء وهي : " حييت" وذوات الواو وهي : " شويت" تجري في الجمع
مجرى واحدا في باب الاعتلال ، فيقال : شوايا وحيايا كما اتفق قلت وبعت في
الاعتلال.
هذا باب ما جاء من
أسماء هذا المعتل على ثلاثة أحرف لا زيادة فيه
ذكر في هذا
الباب أن ما كان من الأسماء عينه واو وياء ولا نظير له في الأفعال ، لا يعتل نحو :
فعل وفعل كقولك : رجل نوم أي : كثير النوم. ورجل سولة : على لغة من قال رجل أسول ،
أي : مسترخي ، ورجل لومة : كثير اللوم ، وعيبة : كثير العيب. وفعل فهذه المنزلة
كقولك حول ، وهو التحول عن المكان وبيع وديم.
وأما فعل من
ذوات الواو فمعتل لثقل الضمة في الواو كقولهم : عوان وعون ، وسوار وسور ، فإن اضطر
الشاعر أتى" به على الأصل كما قال" :
* وفي الأكف اللامعات سور
فأما فعل من
الياء فإنه لا تستثقل فيه الضمة ؛ لأن الياء أخف من الواو ، تقول : رجل
__________________
غيور ، وقوم غير ، ودجاج بيض ، وكذلك ما أشبهه.
هذا باب تقلب فيه
الواو ياء ، لا لياء قبلها ساكنة ولا لسكونها وبعدها ياء
قوله في هذا
الباب : " ولا يستثقلونها في فعلات. إلى قوله : " ألزموا البدل ما قلب
في الواحد".
يعني أنّهم
يقولون : حورات ودولات ، فيسكنونها وهم يحركون غيرها من الحروف الصحيحة كقولهم :
تمرة وتمرات ، وضربة وضربات ، وإنما لم يحركوها لأنها من حروف العلة ، وقد تسكن في
مثل هذا الجمع الحروف الصحيحة كقول الشاعر :
* فتستريح النفس من زفراتها
فإذا كان ما
ليس فيه علة قد يسكن ، كان حرف العلة أولى بذلك.
قوله : "
فصارت الكسرة بمنزلة ما قبلها.
يعني : الكسرة
في : قيام ورياض بمنزلة الياء في" ميوت" ، وهو أصل ميت ، قلبت الواو ياء
من أجل الياء فصارت الكسرة في قيام كالياء في ميوت.
وقوله : "
وعملت فيها الألف لشبهها بالياء ، كما عملت ياء يوجل في ييجل".
يعني : اجتماع
الواو والألف في قيام وحياض ، والأصل : قوام وحواض ، كاجتماع الياء والواو في يوجل
؛ لأنه قد جعل الألف كالياء لشبهها بها. وتقدم الواو وتأخرها في القلب واحد. ألا
ترى أنك تقول : لويته ليّا وأصله لويا ، وتقول في تصغير" صفو" : "
صفي" وأصله" صفيو" فلما كان ذلك كذلك ، كان تقدم الواو على الألف
في قوام وحواض كتأخرها في يوجل.
وقوله : "
وأما ما كان قد قلب في الواحد فإنه لا يثبت في الجمع إذا كان قبله الكسر".
يعني أن ما قلب
من الواحد ، أولى بالإعلال مما سكنت الواو فيه ولم تقلب ، فصار ما قلب واوه في
الواحد يقلب في الجمع ، وإن لم يكن بعدها ألف كقولك : ديمة وديم ، وأصلها من دام
يدوم ، وكذلك قامة وقيام وهي من قام يقوم.
وقوله : "
وأما فعلان فيجري على الأصل نحو : " جولان وحيدان" إلى قوله نحو : الحول
واللّومة".
جعل فعلانا إذا
كانت عين الفعل واوا أو ياء بمنزلة ما لا يعتل وهو كلام العرب الشائع الكثير ،
وذلك أنّهم جعلوه بهذه الزيادة خارجا عن وزن الفعل ، لاحقا بها لا يعتل ولا يشبه
الفعل كحول وغيره.
ثم قوّى سيبويه
ذلك بأن قال : لما رأينا فعلان إذا كانت لام الفعل منه واوا أو ياء لا يعتل كقولك
النّزوان والنفيان ولام الفعل أولى بالإعلال من عينه ، وجب أن لا يعتل العين في
هذا البناء إذا لم تعل اللام في ذلك وهي أولى بالإعلال منها.
ثم ذكر أن بعض
العرب يعل فعلان الذي عينه واو أو ياء فيقول : حادان وهامان ، والأصل : حيدان من
حاد يحيد ، وهيمان من هام يهيم ، ودولان من دال يدول من الدّولة وهذا شاذ قليل.
وقال المبرد :
القياس إعلال جولان وحيدان ؛ لأن الألف والنون عنده بمنزلة هاء التأنيث. و"
جولان وحيدان" عنده شاذ خارج عن القياس.
هذا باب ما تقلب فيه
الياء واوا
ذكر في هذا
الباب أن العرب فرقت بين الاسم والصفة في أبنية ، فأجروا الاسم لخفته مجرى يحببوه
في الصفة ، من ذلك" فعلى" إذا كان اسما وكان عين الفعل منه ياء ، قلبوها
واوا لانضمام ما قبلها وإذا كان صفة كسروا ما قبل الياء حتى تسلم الياء فقالوا في
الاسم : طوبى والأصل : " طيبى" لأنه من الطيب ، وقالوا في الصفة امرأة
حيكى و (قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢٢].
لأنه من حاكت
في مشيها حيكا ، وضيزى : من ضاز يضيز ، وليست في الصفات فعلى فيصير حيكى وضيزى مثل
بيض ، وأصله بيض.
فإذا كان"
فعلى" في المؤنث نظيرا لأفعل في المذكر كان بمنزلة الاسم وإن كان نعتا ؛ لأنه
لا يستعمل إلا بالألف واللام كقولك في تأنيث الأكيس : الكوسى كما قلت في تأنيث
الأفضل : الفضلى ، شبهوا الاسم في قلب الياء واوا لانضمام ما قبلها بموسر وموقن
وشبهوا الصفة ـ بكسر ما قبل الياء ـ ببيض وعين وكانت سلامة الياء في الصفة أولى ؛
لأن الصفة أثقل من الاسم والياء أخف من الواو فجعل لفظ الخفيف للثقيل.
فإذا كان الاسم
أو النعت على" فعلى" من ذوات الواو والياء ، ولم يتغيرا لأنهما ساكنان
وقبلهما فتحة كقولك : فوضى وامرأة عيثى ، تأنيث عيثان من عاث يعيث وهو المفسد.
وسائر الباب
مفهوم من كلام سيبويه.
هذا باب ما تقلب فيه
الواو ياء
إذا كانت متحركة
والياء قبلها ساكنة
قوله في هذا
الباب بعد أن ذكر" فيعلا" من القول يقال : به قيل : " فلو كان يغير
شيء من الحركة باطراد لغيّروا الحركة هاهنا".
يعني أنا لو
بنينا" فيعل" من القول لوجب أن تقول قيّل ؛ لأنا نزيد ياء فيعل فيصير
قيول فتنقلب الواو لسكون الياء قبلها وتدغم فيها.
ولو كان"
فيعل" من ذوات الياء والواو يوجب الكسر ـ كما زعم من حكى عنه سيبويه في سيد
وميت أنّه : فيعل غيرت حركته ـ لوجب أن يقال قيّل ولاطّرد ذلك وسائر كلامه
مفهوم إن شاء الله.
هذا باب ما يكسر عليه
الواحد
مما ذكرناه في الباب
الذي قبله
قوله في هذا
الباب بعد أن ذكر ما أعلّ من الجمع لاعتلال واحده ، ولو لم يعتل لم يهمز كما قالوا
: ضيون وضياون يعني أن ضيونا لم تحمله العرب على ما يوجبه القياس ، لأن القياس فيه
أن يقال" ضين" لاجتماع الواو والياء.
فلما حمل على
الأصل في الواحد ولم يعلّ ، حمل عليه في الجمع. وقد ألزم المبرد سيبويه المناقضة
في ذلك من قبل أنّه يقول في قول العرب :
* قد علمت ذلك بنات ألببه
لو جمع لقيل :
بنات ألّابه ولم يقل بنات ألاببه ؛ لأن القياس في الواحد كما قالته العرب على
الأصل ، فإذا جمعت إلى القياس فتقول : ضياين كما قلت : بنات ألابه.
والحجة لسيبويه
في الفرق بينهما أن العرب تكلمت بواحده وجمعت فقالت" ضيون"
وضيّاون" حكى ذلك أبو زيد وغيره من أهل اللغة ، فكان الجمع والواحد شاذا عن
القياس.
هذا باب ما يجري فيه
بعض ما ذكرنا إذا كسر للجمع على الأصل
جميع ما في هذا
الباب مفهوم من كلامه وقد تقدم تبيين أكثره فاعلمه.
هذا باب فعل من فوعلت
من قلت وفيعلت من بعت
قوله في هذا
الباب : وإنما صح اسيوير في ما لم يسمّ فاعله" لأن هذه الواو تقع وليست بعدها
ياء".
يعني : أن
الباء التي وقعت قبلها الواو الزائدة قد يقع موقعها حرف آخر فيمد نحو"
اغدودن" فإذا وقعت الياء لم تذهب المدّة وإنما أدغم في ما سمي فاعله لزوال
المدّ ، وإذا بنيت من قال : " افعوعل قلت على قول سيبويه اقووّل".
وكان الأخفش يقول
: اقويل كراهية لاجتماع الواوات فيقلب الطرف فيصير : " اقوويل" ثم تقلب
وتدغم ولم يكن سيبويه يفعل باجتماع الواوات.
لأنه يجتمع في
حشو الاسم من الواوات ما لا يجوز مثله في الطرفين ، ألا ترى أنّهم قالوا غرت غؤورا
، فجمعوا بين ضمتين وواوين والضمات كالواو فكأنها ثلاث واوات.
قال : "
وسألت الخليل عن اليوم فقال : كأنه من يمت وإن لم يستعملوا هذا في كلامهم".
إن قال قائل :
ما معنى قوله : " كأنه من يمت؟ " وما الذي أحوجه إلى الفعل والأسماء
أصول ، والأفعال فروع ، وهذا الذي يتردد في غير موضع من الكتاب؟
قيل له : لو
يرد أن يوما مأخوذ من" يمت" وإن كان لا يتكلم به ، وإنما أراد أنّه لو
بني
من يوم فعل لقيل : " يمت" وإن كان لا يتكلم به ولا يبنى منه ،
ألا ترى أن سيبويه والخليل قد أجازا أن يبنى الفعل من كل اسم يورده السائل.
فإن قال قائل :
ابن لي من" يوم" فعل يفعل كان ممتنعا ؛ لأنه ليس في شيء من الأفعال ما
عينه وفاؤه من حروف العلة ، وإنما يقع ذلك في الأسماء لأنها لا تتصرف ، وكذلك
الفعل لا يبنى من آءة وهي نبت ؛ لأن عين الفعل واو ، وفاؤه ولامه همزتان.
ولو بني من شيء
من هذا" فعل" لزمه ما يستثقل من الاعتلال ، ولو بني من" آءة"
فعل للزمه تغير بعد تغير ؛ لأنه يلزمه في الماضي" آء" وفي المستقبل :
" يؤوؤ" إن كان من ذوات الواو. وإن كان من ذوات الياء" يئيء"
فإذا كان الفعل للمتكلم قلت : " أووت" أو" أييت" تقلب الهمزة
التي هي لام الفعل واوا أو ياء لاجتماع الهمزتين لما سقط عين الفعل اجتمعت همزتان
وهما فاء الفعل ولامه ، فيجتمع فيه إعلال بعد إعلال.
هذا باب ما تقلب فيه
الياء واوا
أنشد في هذا
الباب محتجّا ـ لقلب الياء واوا في فعلل من الكيل ـ بقول الشاعر :
* مظاهرة نيّا عتيقا وعوططا
|
|
فقد أحكما
خلقا لها متباينا
|
يصف ناقة
بالسمن وتراكب الشحم وبالحبال وهو أن لا تحمل ، وذلك أقوى لها.
والظهار
والمظاهرة : لبس ثوب على ثوب فالظاهر منهما يسمى ظهارة ، والباطن يسمى بطانة ،
والني : الشحم. والعوطط : من اعتياط رحم الناقة والأتان.
وهو أن لا
يحملا ، ويقال للناقة عائط.
قال أبو عبيدة
: يجمع عائط : عوط وعيط.
والحجة لسيبويه
فيمن قال عيط فجعلها من الياء. فاعلمه.
هذا باب ما الهمزة
فيه في موضع اللام من بنات الياء والواو
قوله في هذا
الباب : " واعلم أن ياء فعائل مهموزة أبدا .. ولم تزد إلا كذلك وشبهت
بفعاعل".
يعني : أن
فعائل ليست تكون إلا جمع فعول أو فعيل أو فعال أو نحو هذا مما يسكن ثالثة من الواو
والياء والألف ، وإذا تحركت الياء في الواحد لم تهمز في الجمع كقولك : عثير وعثاير
، وحذيم وحذائم.
وقوله : "
وشبّهت بفعاعل".
__________________
مما اعتلت عينه
نحو جمع : قولّ وبيّع يقال فيه : قوائل وبيائع مهموزتين لوقوع ألف الجمع بين واوين
أو ياءين وقربهما من الطرف.
وذكر سيبويه
قول الخليل في جاء وشاء وأنهما عنده مقلوبان ، واستشهد بقول العجاج :
* لاث بها الأشاء والعبريّ
يريد لائث به ،
أي : قد التفّ بهذا الموضع الأشاء والعبريّ.
والأشاء : صغار
النخل. والعبريّ : السدر المثاني.
وأنشد لطريف بن
تميم العنبري :
* فتعرّفوني أنّني أنا ذاكم شاك
|
|
سلاحي في
الحوادث معلم
|
أراد : شائك ؛
لأنه مأخوذ من شاك بتشديد الكاف. واستثقلوا التشديد ، فقلبوا أحد الحرفين ياء.
والشاك مأخوذ من الشكة ، وهي السلاح ، وقد يكون أصل شاك شائك من الشوكة ، يريد بها
حدة السلاح ونفوذها.
قوله : "
وأما افعللت من صدئت فاصدأيت ، تقلبها ياء كما قلبتها في مفعلل" إلى قوله : " وهذا قول الخليل".
يعني : أن
اصدأيت ، أصل هذه الياء همزة ؛ لأنه من الصدأة ، وهو افعللت فالهمزة مكررة لأنها
لام الفعل ، وكان ينبغي أن تقول : اصدأأت فكرهوا اجتماع الهمزتين في كلمة فخففوا
الثانية وجعلوا تخفيفها قلبها إلى الياء ولم يجعلوها بالألف كقولك : اخطأت وقرأت ،
وكان قلبها إلى الياء أولى بها من قبل أن المستقبل على يفعلل ، فتقع الهمزة
الثانية طرفا وقبلها كسرة فيقلبونها بانكسار ما قبلها ، ثم لزم هذا القلب في
الماضى كما قالوا : غزيت وهو من الغزو ، فقلبوه ياء لأنه ينقلب في المستقبل
بانكسار ما قبله ، فأتبعوا الماضي المستقبل.
وأنشد مستشهدا
للقلب في شيء قدمه.
* مروان مروان أخو اليوم اليمي
أراد : أخو
اليوم اليوم.
كما قال :
* إن مع اليوم أخاه غدوا
فقدم الميم
بضمتها إلى موضع الواو فصارت : اليمو ، فوقعت الواو طرفا وقبلها ضمة ، فقلبت ياء
وكسر ما قبلها كما قيل في جمع دلو : أدل.
__________________
قوله : "
ومع هذا إن هذه الواو تعتل" إلى قوله : " فصار اليوم بمنزلة القووس".
يعني : أن
اليوم لو تركت الواو ولم تقلب ، لاعتلت لتحركها وانفتاح ما قبلها ويكره كونها
مضمومة ، فإذا انضم إلى ضمتها كون الياء من يوم ، كان أشد للكراهية ، فصارت الواو
في اليوم كضمة قووس.
وأما أشاوى
فإنها جمع إشاوة مثل : إداوة وأداوى ، وإشاوة غير مستعملة ولا هي من لفظ شيء فزعم
سيبويه أن أصلها : شياءة لأن عين الفعل من شيء : ياء ولامه : همزة فإذا بنينا منه
فعالة مثل : هراوة ، صار : شياءة ثم قدمت الهمزة التي هي لام الفعل إلى موضع فاء
الفعل كما فعل ذلك بأشياء ، وأصلها شيئاء عند الخليل وسيبويه ، فإذا قدمت الهمزة
في شياءة صارت : أشاية فقلبت الياء واوا فقيل إشاوة ، كما قيل : أتيته أتوة ،
فقلبوا الياء واوا لتداخل الياء والواو ومشاركتهما ، فإذا جمعوا إشاوة قالوا :
أشاوى كما قالوا : إداوة وأداوى.
وقوله : "
وإنما حملت هذه الأشياء على القلب حيث كان معناها لا يطرد ذلك فيه" إلى قوله
: " ما يذهب فيه الحرف الزائد". يعني : أن القلب إنما يعرف بأن لا يثبت
الحرف في تصاريفه على ترتيب القلب كقولنا :
إذا صرفنا
مسايئه في وجوهها قلنا : هي من ساء يسوء ، فتجد الواو قبل الهمزة في هذه التصاريف
، وكذلك" أشاوى" لما رأينا الواو فيها لا تطرد في قولك شيء وأشياء ،
علمنا أن الواو بدل ، وكذلك" اليمي" قد علم باليوم وسائر تصاريفه أن
الميم مقدمة فاعلمه.
هذا باب ما كانت
الواو والياء فيه لامات
قوله في هذا
الباب : " والوجه في الجمع الياء ، وذلك ثديّ وعصيّ إنما" ذكر"
ثديّ" في هذا الباب وليس منه لأنه فعول وتقديرها : " ثدوي" وقلب
الواو ياء يلزم لاجتماعهما وسكون الأول منهما ولأنه جمع. ويجوز أن يكون إنما ذكره
لأن العرب قد جعلت ذوات الياء في هذا الباب كذوات الواو لفظها حتى سوّت بينهما في
ما كان شاذّا.
فقالوا : إنّه
لينظر في نحو كثيرة ، وهو جمع" نحو" من ذوات الواو ، وقالوا : "
فتوّ" وهو جمع فتى وفتيان من ذوات الياء.
واعلم أنك تقول
في فعل من جئت على قول الخليل وسيبويه : جيء ، فإذا خففت الهمزة ، قلت : جي. وذلك
أن الأصل في جيء : جيء ، وكسرنا الجيم لتسلم الياء كما فعلنا في بيض لسكون الياء ،
فإذا ألقينا حركة الهمزة على الياء تحركت الياء فعادت ضمة الجيم التي هي لها في
الأصل ، فإن بنينا منه فعلل قلنا : جوئ ، والأصل : جوئي فقلبنا الياء واوا لانضمام
ما قبلها وسكونها وبعدها من الطرف كما قلبناها في عوطط وكولل ، وهو فعلل من الكيل.
فإذا خففنا
الهمزة ألقينا حركتها على الواو فتحركت فرجعت إلى الياء وانضم ما قبلها ، فإذا
صغرت أو جمعت قلت : مييقن ومياقن لتحريك الياء فاعلمه.
هذا باب ما يخرج على
الأصل إذا لم يكن حرف إعراب
ذكر في هذا
الباب قولهم : ثنايان ومذروان ، وهما شاذان في الظاهر والذي أوجب مجيئها على الأصل
أن الثنايين وقعت الياء فيه بعد ألف واتصلت بها علامة التثنية وهي غير مفارقة لها
، لأن واحدها لا يفرد كما أن هاء النهاية لما اتصلت بالياء قلبها ، وقع الإعراب
عليها ولم يجب قلبها همزة.
و"
الثنايين" : حبلان أحدهما مشدود مع الآخر ، أو حبل واحد يعطف في الشد حتى
يصير كحبلين ، يقال عقلته بثنايين.
وأما المذروان
، وهما طرف الإلية ، فلم تقلب فيهما الواو ياء وإن كانت رابعة للزوم علامة التثنية
له وأنه لا يستعمل في الكلام واحده ، ولو استعمل لقيل : مذرى وكان يثنى مذريان ،
ولكنه لما اتصل به علامة التثنية ، ولم يقع طرفا كان بمنزلة قمحدوة فاعلمه.
هذا باب ما تقلب فيه الياء واوا ليفصل بين الصفة والاسم
قد تقدم القول
في هذا الباب في ما تقدم من الكتاب. وذكر سيبويه في غير هذا الموضع أنّهم أبدلوا
الياء واوا في دعوى وشروى عوضا عن واو من كثرة دخول الياء عليها وقلبها إليها.
والذي ذكر في
هذا الباب أنّهم أرادوا الفصل بين الاسم والصفة فجعلوا الاسم في" فعلى"
من ذوات الياء بالواو ؛ لأن الاسم أخف ، وهو أحمل للواو ، والصفة متروكة على الياء
لأن الياء أخف.
وذكر أن الصفة
من باب" فعلى" من ذوات الواو على الأصل ، ولم يذكر صفة على"
فعلى" مما لامه واو إلا ما يستعمل بالألف واللام نحو : الدّنيا والعليا وما
أشبه ذلك. وهذه عند سيبويه بمنزلة الأسماء ، وإنما ذكره أن" فعلى" من
ذوات الواو إذا كانت صفة على أصلها ، وإن كان لا يحفظ في كلامهم شيء من ذلك على
فعلى لأن القياس أن يحمل على أصله ، حتى يتبين أنّه خارج عن أصله شاذ عن بابه.
وأما
القصوى" فالباب فيه : القصيا كما قالوا : الدّنيا والعليا وإنما قالوا :
القصوى ؛ لأنها صفة بالألف واللام وإن كانت الصفات التي لا تستعمل بالألف واللام
بمنزلة الأسماء.
هذا باب ما إذا التقت
الهمزة والياء قلبت الهمزة ياء والياء ألفا
قوله في هذا
الباب بعد احتجاج قدمه : " يدلك على ذلك أن الذين يقولون سلاء فيحققون كما
ترى يقولون : رأيت سلا بين بين فلا يحققون.
يعني : أنك إذا
نصبت جعلت بعد الهمزة ألفا بدلا من التنوين ، فصارت الهمزة بين ألفين
فلم يحققوا لأنهم أقاموا الألفين مقام همزة ، فكأن همزتين قد اجتمعتا فيجب
التخفيف والتليين.
وقوله : "
وأبدلوا الياء التي كانت ثابتة في الواحد" إلى قوله : " كما علم أن بعد
القاف مضموم أو مكسور".
يعني أنّهم
إنما أبدلوا الياء من الهمزة في مطايا لأنهم أرادوا أن يبينوا أن في الواحد ياء
كما بنوا قلت وبابه على فعلت ، وبعت وبابه على فعلت ، لتلقى حركة العين على الفاء
فيعلم بحركة الفاء حركة العين كأنه قد علم حركة الواو المحذوفة ، ممن قلت أنّها
كانت ضمة ، بضمة القاف وعلم حركة الياء المحذوفة ، من بعت أنّها كانت كسرة ، بكسر
الباء.
قال : "
وقال بعضهم : هداوى ، فأبدلوا الواو لأن الواو قد تبدل من الهمزة" يعني أنّهم
قد يبدلون الهمزة واوا في حمراوان وسماوى ونحو ذلك.
وذكر أن ما
كانت الواو في واحدة ، لزمت في جمعه نحو : هراوة وهراوى ، وعلاوة وعلاوى. كما أن
الياء إذا كانت في الواحد نحو : مطيّة وهديّة ، لزمته في الجمع ، فتقول مطايا
وهدايا ، وكان الأصل أن يقال : هداءا ومطاءا فقلبوا الهمزة في" مطايا"
لظهور الياء في مطية ، وقلبوا الهمزة في" هراءا" و" أداءا"
واوا لظهور الواو في هراوة وإداوة ، وليست الواو في إداوى هي الواو في إداوة لأن
الواو في إداوة ، قد انقلبت ياء وهي طرف وهي الواو في إداوى ، وهي منقلبة من
الهمزة التي كانت بدلا من ألف إداوة ، والألف في إداوى ليست للتأنيث بل هي بدل من
ياء ، مثل ألف : مدارى وعذارى فاعلمه.
هذا باب ما بني على
أفعلاء وأصله فعلاء
جميع هذا الباب
مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب ما يلزم
الواو فيه بدل الياء
قوله بعد أن
ذكر ضوضيت وقوقيت : " وإنما الواوان هاهنا بمنزلة واوي قوّة ، وياءي"
حييت" لأنك ضاعفت".
يعني : أن
الواوين في ضوضيت و" قوقيت" : وإن كانت الثانية منهما منقلبة ياء بمنزلة
ياءي حييت وواوي قوة ، وذلك أن ياءي حييت ، وإن كانت ياءين على لفظ ، وإحداهما عين
الفعل ، والأخرى لامه ، فكذلك واوي" ضوضيت" إحداهما عين والأخرى لام.
قال"
وكذلك حاحيت ، وعاعيت ، وهاهيت ولكنّهم أبدلوا الألف لشبهها بالياء فصارت كأنها
هي".
يعني أن حاحيت
: فعللت ، مثل : ضوضيت والألف فيه منقلبة من ياء والأصل حيحيت ، والدليل على ذلك ،
أنّا رأينا ذوات الواو من هذا الباب تجيء على أصلها كقولك : ضوضيت
وقوقيت ، ولم نر شيئا من ذوات الياء جاء على أصله من هذا الباب ، والألف لا
تكون أصلا ، إنما هي منقلبة ، فجعل انقلابها من ياء كما قالوا ياجل والأصل ييجل.
وقوله : "
وكذلك الصّيصية والدّاوداة والشّوشاء إلى قوله : " كما ضاعفت القمقام".
يعني : أن
شوشاة أصلها : شوشوة ودوداة : دودوة قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ،
ووزنها : فعللة ، وليس فيها زائد غير هاء التأنيث.
والشوشاة :
السريعة ، والدوداة : أرجوحة من أراجيح الصبيان وقد يحتمل أن تكون شوشاة ودوداة ،
فوعلة إذا جعلت الواو زائدة ، وفعلالة إذا جعلت الألف زائدة إلا أن فعللة أولى بها
لأن فعللة أكثر في الكلام من فوعلة وفعلالة.
وقوله : "
وأما المروراة فبمنزلة الشجوجاة إلى قوله : " لأن مثل صمحمح أكثر".
يعني : أن
شجوجى يحتمل أن يكون فعلعل مثل : صمحمح فتكون الشين فاء الفعل ، والجيم الأولى
عينه والواو لامه ثم أعاد الجيم والواو اللتين هما عين ولام ، وقلبت الواو ألفا
لتحركها وانفتاح ما قبلها ويحتمل أن يكون فعوعل مثل : عثوثل ، إلا أن فعلعلا أولى
به لأنه أكثر في الكلام ، فاعلمه.
هذا باب التضعيف في
بنات الياء
قوله : "
وأما تحية فهي بمنزلة أحيية وهي تفعلة" فرق سيبويه بين محيية ومعيية وبين
أحية وتحية لأنها مصدر حييت ، كما تقول : كرمت تكرمة فأجاز في أحيية وتحيية
الإظهار والإدغام ؛ لأن الهاء لا تفارقهما ، ولا يكون فيهما تذكير ، فالحركة لازمة
للياء الثانية ، وفي محيية ومعيية يلحقها التذكير فتزول حركة الياء.
ثم قال في آخر
الباب محتجّا بجواز إدغام الياء في تحيّة وأحية فقال :
"
والمضاعف من الياء قليل لأن الياء قد تثقل وحدها لاما فإذا كان قبلها ياء كان أثقل
لها".
يعني : أن
اجتماع ياءين قليل في كلامهم ؛ لأن الياء وحدها قد تستثقل في نحو القاضي ، فتسكن
في الرفع والجر ، وتحذف في نحو : يرمي للجزم ، فإذا اجتمعت ياءان ولزمت الثانية
الحركة ، أدغموا لأن الإدغام من الإظهار فاعلمه.
هذا باب ما جاء على
أن فعلت منه مثل بعت
وإن كان لا يستعمل في
الكلام
اعلم أنّه إذا
اجتمع حرفا علة ، لم يجز إعلالهما جميعا وإنما يعل أحدهما ، والأولى بالإعلال
منهما الأخيرة ، وهو لام الفعل كقولك : حيى وشوى وأحيى وأغوى وفي المستقبل يحيى
ويشوى ويحيى ويغوي ، تجعل الحرف الأول بمنزلة حرف صحيح ، وتوفيه مما يستحقه من
الحركات ، ويلحق الثاني القلب والتغيير والسكون والحذف.
فالحذف
والتغيير ، قولك في مستقبل حيّ : يحيا وشوا بالألف. والأصل : شويت بالياء والسكون
في يشوي ويحيي في حال الرفع. والحذف في الجزم كقولك : لم يشو ولم يحي ، ولو صححنا
لام الفعل وأعللنا عينه ، لخرجنا عن منهاج كلامهم ودخله اللبس فكما تقول في حيى
حاى تقول في ما اعتلت عينه وصحت لامه ، نحو : باع وهاب وفي أحيى : أحاى ، كما تقول
: أبان وألآن ومتى قلنا ذلك ، كان المستقبل كالمستقبل ، فتقول : يجيء كما
تقول : يبيع ، وتقول : يجيء ، كما تقول : يبين فتضم الياء في الفعل المستقبل في
موضع الرفع.
ولو قال قائل :
تسكن الياء في الرفع ، لزمه أن يحذف الياء الأولى التي هي عين الفعل لسكونها وسكون
الياء بعدها ، فتقول : يحى فيصير كمستقبل وحى يحى ووعى يعي ، ثم يلحقه الجزم فتسقط
ياؤه كقولك : لم يح وفي ذلك اختلال والتباس واعتلال بعد اعتلال.
وقوله : "
فممّا جاء في الكلام على أن فعله مثل بعت : أي وغاية وراية".
إلى قوله :
" وتجري عينه على الأصل".
يعني أنّه قد
جاءت أشياء شاذة اجتمع في آخرها حرفا علة ، فأعل الأول منهما وهو عين الفعل ، وكان
القياس أن يعلّ الثاني الذي هو لام الفعل ، وهي الأسماء التي ذكرها ، وكان القياس
فيها أن يقال غواة أو غياة وذلك أن الألف من غاية إن كانت منقلبة من ياء فأصلها
غيية ، وإن انقلبت من واو فأصلها غوية ، فيجتمع حرفا علة فالقياس أن يعل الثاني
ويصحح الأول ، فإذا فعلنا ذلك وجب أن تقول في فعله : غيا إن كان من الياء ، وغوى
إن كان من الواو ، كما تقول : غوى وثوى وما أشبه ذلك ، ولكن هذا جاء شاذا محمولا
على دار وباب في الإعلال.
ثم قال :
" وشبّه شذوذها بشذوذ قود وروع في باب قلت".
يعني أن هذا
الشذوذ الذي أتى في غاية وآية ونحوهما إنما أتى في الأسماء دون الأفعال ، والتقدير
أن لو أتى الفعل على ذلك ، لاعتلت عينه ، وصحت لامه نحو : بعت وهبت ، ولكن لم يأت
في الفعل ذلك بسبب ما ذكرناه من الاختلال والخروج عن مذهب كلام العرب.
وأشبه غاية
وسائر ما ذكر معها في الشذوذ : قودا وورعا وذلك أنّهما اسمان شذا في تصحيح موضع
العين منهما وكان القياس أن يعلا فيقال : قاد وراع لأنهما من باب قال وقام ، وهذا
الشذوذ لم يأت مثله في شيء من الفعل إنما أتى في الاسم ولم يأت مثل : قوم يقوم
وبيع يبيع في الفعل لما يلزم الفعل من التغيير والتصرف.
وقوله"
وجاء استحيت على حاي مثل : باع" إلى قوله : " وهذا النحو كثير".
اعلم أن استحيت
فيها لغتان : إحداهما : استحييت بياءين وهي لغة أهل الحجاز وبه
القياس ؛ لأنه صححوا الياء الأولى وهي عين الفعل.
واللغة الأخرى
: استحيت بياء واحدة وهي لغة بني تميم.
واختلفوا في
السبب الذي حذفت إحدى الياءين من أجله فقال الخليل ـ وهو الذي حكاه سيبويه عنه ـ إن
استحييت استفعلت ، وعين الفعل منه معتلة كأنه في الأصل حاي كقولك : باع ، ثم دخلت
السين على حاي ، فقيل : استحاي كما قيل استباع ، ثم اتصلت تاء المتكلم بياء استحاي
، فسكنت الياء والألف قبلها ساكنة ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين ثم بيّن سيبويه
أنّه لم يستعمل حاي الذي جاء عليه استحيت كما يستعمل : " يذر ويدع" ،
ولم يستعمل الماضي منهما وقيل :
إن استحيت أصله
استحييت حذفت إحدى الياءين تخفيفا ، وألقوا حركتها على الحاء.
ومعنى قوله :
" ولكن مثل لويت كثير ؛ لأن الواو لم تعتل في يلوي كييجل فيكون هذا
مرفوضا".
يعني : أن
الواو إذا كانت متحركة وبعدها ياء لا تستثقل كما استثقلت الواو إذا كان قبلها ياء
، فقولك : يلوي ويحوى أخف من يوجل ، وذلك أن الياء أخف من الواو والكسرة أخف من
الضمة. وإذا بدأت بواو ثم جئت بعدها بكسرة أو ياء ، كان أخف من أن تبتدئ بياء ، ثم
تأتي بعدها بضمة أو واو لئلا تنتقل من الأخف إلى الأثقل.
وقوله : "
وكانت الكسرة في الواو والياء بعدها أخف من الضمة في الياء والواو بعدها".
يعني : أن يروي
ويلوي أخف من يحيو وحيوت ، فلذلك لم يأت حيوت ويحيو.
وقوله : "
لأن الياء والكسرة نحو الفتحة والألف وهذا إذا صرت إلى يفعل"
يعني : أن
الياء والكسرة في الخفة كالألف والفتحة ؛ لأن الياء والكسرة أخف من الواو والضمة
وأقرب شبها بالألف والفتحة.
ومعنى قوله :
" إذا صرت إلى يفعل".
يعني : في
المستقبل إذا قلت : يحيو وقد تقدم القول فيه.
هذا باب التّضعيف في
بنات الواو
اعلم أن الاسم
قد يجوز أن يجتمع في آخره واوان طرفا إحداهما عين الفعل والأخرى لامه نحو : جوّ ،
وحوّة وقوة ، وقو ، وبو. وما أشبه ذلك فإذا بنيت من شيء من هذا ـ فعلا ثلاثيّا على
زنة لا توجب قلب إحداهما ياء ، لم يجر ، فلا يجوز أن يبنى من شيء منه فعلت ولا
فعلت لأنك لو فعلت ذلك لقلت من القوة : قووت وقووت وفي مستقبله : يقوو ، وفي النصب
: لن يقوو فتجتمع واوان ، إحداهما مضمومة ، وقد تتحرك الأخرى بالنصب ، وذلك مستثقل
، فإذا بنيته على فعلت جاز ، لأنك تقلب إحدى الواوين ياء كقولك : قويت وحويت
من القوّة والحوّة فتخف الواو لانكسارها ومجيء الياء بعدها كما خفت في يلوي
ويحوي وما أشبه ذلك.
وقد يجوز أن
تجتمع واوان في حشو الفعل إذا لم تكن إحداهما طرفا كقولك : أحووان ، وهو أفعل من
الحوة وأصله احووّ مثل : احمر ، أصله : احمرر فقلبوا الواو الأخيرة ألفا لتحركها
وانفتاح ما قبلها ، فبطل الإدغام لانقلاب الواو ألفا ، ولم يكن سبيل الواوين في
احووى كالواوين في قووت ؛ لأن الواوين في احووى في حشو الفعل فهي أقوى وأمكن مما
يكون طرفا.
وقوله : "
ولم يقولوا قد قوّ" إلى قوله : " فأتبعتها الواو"
يعني : لم
يقولوا في فعل من القوة : قوة ، كما قالوا : عضّ لأن الواو الثانية تنقلب ياء
لانكسار الواو التي قبلها وتسكن في الوقف فيبطل الإدغام.
وقوله : "
فكسرت العين فأتبعتها الواو" الثانية ، فانقلبت ياء إتباعا للكسرة التي
قبلها.
وقوله : "
إنما منعهم أن يجعلوا اقتتلوا بمنزلة رددت" إلى قوله : " ولكنه بمنزلة
الواو الوسطى في القوة" يعني : أنك بالخيار في اقتتلوا ، إن شئت أدغمت ، وإن
شئت لم تدغم ولم يلزموه الإدغام بمنزلة رد لأن الدالين في رد وقعتا طرفا ، ووقعت
التاءان في اقتتل متوسطتين بحيث تقوى فيه الحروف لتمكنها من الكلمة ألا ترى أن
الواو المتوسطة أقوى من المتطرفة في قولك ارعوى وإنما كان" ارعوو"
فانقلبت المتطرفة وبقيت المتوسطة ، وهذا معنى قوله : "
ولكنه بمنزلة الواو الوسطى في القوة".
وقوله : "
وتقول في فعل من شويت شيّ" إلى قوله : " وصار كأنه بعده حرف
متحرك".
اعلم أن"
فعلا" متى كانت العين منه واوا ، واللام ياء قلبت الواو ياء ، وكسرت فاء
الفعل لتسلم الياء ، وأدغمت كما تكسر التاء في" عتي" والصاد في
عصي" وكانتا مضمومتين ويجوز ضم الفاء من فعل على الأصل فيقال : شيّ ، ولا
يجوز ضم التاء من" عتي" والصاد من" عصيّ" فيقال : عتى وعصى
والفرق بينهما أن كسر التاء من عتي لصاد من عصى لا يوقع لبسا بين بناءين لأنهما
فعول ، فإذا كسرنا التاء والصاد لم يتوهم بناء آخر وإذا كسرنا الشين من"
شيّ" الذي هو فعل التبس بفعل.
وقوله : "
ولم يجعلها كبيض ؛ لأنه حين أدغم ذهب المدّ".
يعني : أن
بيضا" لا يجوز فيه إلا كسر الياء ، ولأن الياء غير مدغمة في الضاد ، والياء
الأولى في" شيّ" مدغمة في الياء الثانية وبإدغامها يذهب المد فصار كأنه
حرف متحرك نحو : " صيد" فلم يلزم كسر
الشين كما لم تقلب.
ضمة"
صيد" كسرة لتحرك الياء.
وذكر أنّه سمع
العرب تقول : قرن ألوى وقرن ليّ ثم قال : " ومثل ذلك قولهم : ريّا
ورية".
معنى ألوى معوج
، ووزنه أفعل ويجمع على فعل فيقال لوي مثل : أحمر وحمر ، فتقلب الواو ياء وتدغم ،
ثم تكسر اللام لتسلم الياء كما فعل ذلك ببيض.
وقد يجوز ضم
اللام لما ذكره سيبويه وبيّناه في شيّ.
وأما ريّا
وريّة فأصلها : رؤيا ورؤية ، خففت الهمزة وهي ساكنة وقبلها ضمة فجعلت واوا فقلبت
في رؤية روية كقولك : في جونة ، وفي رؤيا رويا ، فمن العرب من لا يقلب الواو هنا
ياء وإن كانت بعدها ياء فتقول : روي وروية ؛ لأن هذه الواو في نية الهمزة وليست
بواو أصلية.
ومنهم من يقلب
الواو ياء ، ولا يفرق بين الواو المنقلبة من الهمزة وغيرها ، فيقول ريا ورية فمنهم
من يكسر على ما ذكرنا من شيّ ، وقرن ليّ ومنهم من يضم.
وقوله في آخر
الباب : " وكذلك فعلوا بقولهم : بالة كأنها بالية بمنزلة العافية" إلى
قوله : " وإنما تحذف في الموضع الذي
تحذف منه الحركة"
اعلم أن بالة
اسم للفعل من باليته بمنزلة العافية من" عافاه الله".
والمحذوف منها
: الياء التي في موضع اللام من الفعل ، فإذا رددناها إلى موضعها صارت" بالية"
كقولك : عافية ، وإنما حذفوا هذه الهاء كما حذفوا لام الفعل من سنة وثبة وما أشبه
ذلك.
وقوله : "
ولم يحذفوا لا أبالي لأن الحرف يقوى هاهنا ولا يلزمه حذف".
يعني أن قولك :
لا أبالي هو في موضع رفع ، وليس بموضع جزم يقع فيه حذف كما أنّهم إذا قالوا لم يكن
الرجل فتحركت النون بطل حذفها ، وإنما حذفهم الألف من لم أبل بسبب ما ذكره ، ولأن
المجزوم في موضع حذف فاعلمه.
هذا باب ما قيس من
المعتل من بنات الياء
ولم يجيء في الكلام
نظيره إلّا من غير المعتل
قوله بعد شيء
قدمه : " فألزمه التغيير كما ألزم مثل محنية البدل إذا غيّرت في ثيرة
والسّياط".
فألزم غزوو
التغيير إذ كان أثقل من عتوو ومعدو ، وقد غيروا عتوا ومعّدوا فقالوا : عتيّ ومعديّ
كما ألزموا محنية التغيير ، والأصل : محنوة : إذا كان محنوة أثقل من ثيرة وسياط
فقلبت الواو ياء كأن محنية أولى بذلك.
قال : "
وتقول في فعلان من قويت وحييت قوان وحيّان إلى قوله : " ومن قال حيي عن بينة
قال : قووان".
أما إدغام
قووان ، فلأن فعّل فعل لما عينه ولامه من جنس واحد في الاسم والفعل الصحيحين ، يجب
فيه الإدغام. ولو بنينا فعلا من رددت اسما لقلنا : " ردّ" والأصل :
" ردد" وإذا بنيناه فعلا قالوا : رد وأصله ردد وإنما جاز الإظهار لأن
الواو الثانية تقلب ألفا لو تطرفت ، ولم تكن لتثبت فصار بمنزلة حي الذي يجوز فيه
الإدغام كعضّ ومسّ ، إذا كانا حرفين من جنس واحد.
ويجوز فيه
الإظهار لأن الياء الثانية تنقلب ألفا في يحيى.
قال المبرد :
قووان غلط ينبغي إذا لم يدغم أن يقول : قويان فيكسر الأولى ويقلب الثانية ياء لأنه
اجتمع فيه واوان في أحدهما ضمة والأخرى متحركة وهذا قول الجرمي وأكثر أهل العلم.
ومما يؤيد قول
الجرمى ما قاله سيبويه بعد هذا إذا بنيت فعلوة من غزوت قلت : غزوية استثقالا
لغزووة فإذا كانتا لا تثبتان في غزووة وجب أن لا تثبتان في قووان.
وكان الزجاج لا
يجيز أن يبنى من قويت فعلان ؛ لأنه ليس في الكلام ألبتة اسم ولا فعل مما عينه
ولامه واوان ، استثقالا للواوين مع الضمة في هذا البناء ، بل يعدلون فيه إلى فعل
حتى تنقلب الواو الثانية ياء.
وقول سيبويه :
" وأما حيوان ، فإنهم كرهوا أن تكون الياء الأولى ساكنة" إلى قوله :
" كما صارت اللام الأولى في مملّ على أصل حين أبدلت الياء في آخره.
قال المبرد :
حيوان أصله : فعلان ساكن العين ؛ لأن فعلان إنما يجيء في ما يكون اضطرابا نحو :
الغليان والنّزوان فلما قلبوا اللام واوا ، لزمها القلب فتصير واوا قبلها فيلزمها
الإدغام فيصير حيّان مثل : " أيام" فحركوا العين وأبدلوا اللام واوا ؛
لأنهم قالوا : حييان ، استثقلوا جمع الياءين فأبدلوا الثانية واوا ، وإنما
استثقلوا حييان كما حيى وإن كان حيى أثقل.
ومعنى قوله :
" ولم يكونوا ليلزموها الحركة هاهنا ، والأخرى غير معتلة من موضعها".
يعني : أنّه
كان في" حيان ياءان ، الأولى ساكنة والأخرى متحركة ، فغيروا الأولى بأن
فتحوها فكرهوا ترك الثانية على حيالها ، وقد غيروا الأولى ليعلم أن الكلمة مغيرة
لوجود الواو في موضع الياء.
وقوله : "
كما صارت اللام في مملّ ونحوه على الأصل حين أبدلت الياء من آخره".
يعني : أن ممل
أصله : مملل ولكنهم تركوا التضعيف في قولك : أمللت فأبدلوا اللام ياء كما قالوا :
تظنيت والأصل : تظننت ، وغيروا الحرف الثاني دون الأول كما غيروا الحرف الثاني
في" حيوان" حين صيّروه واوا.
وقوله : "
وتقول في مثل كوألل من رميت : روميا ومن غزوت : غوزوا إلى قوله : ولكنك
قلبت الواو ياء إذ كانت ساكنة".
اعلم أن"
كوألل" وزنه فوعلل ، الواو زائدة وإحدى اللامين والهمزة أصلية ، فإذا بنينا
مثله من رميت فأصله أن تقول : روميى فقلبت الياء الثانية ألفا لانفتاح ما قبلها ،
ومن قويت قووا وذلك أن عين الفعل منه ولامه واوان ؛ لأنه من القوة فالواو الأولى :
واو فووعل الزائدة والواو المشددة عين الفعل ولامه ، والألف هي بدل من واو لانفتاح
ما قبلها ويجب على قياس قول الأخفش في فوعلل من قويت قويّا لاجتماع ثلاث واوات كما
قال في افعوعل من قال أقويل وسيبويه يقول اقووّل.
ومعنى قوله :
" فأجر أوّل"" وجيت" على أول" وجلت" يعني : تثبت في
المستقبل من وجيت الواو ، كما تثبت في وجلت ، فيقال : يوجي ويوجل ، وياؤه كياء
خشيت لأنها تنقلب ألفا في المستقبل إذا قلت يخشى ويوجي.
وقوله : "
ووأيت بمنزلة : وعيت".
يعني أن الهمزة
في" وأيت" بمنزلة حرف صحيح ، والاعتلال في واوه التي هي فاء الفعل وفي
الياء التي هي لام الفعل بمنزلة" وعيت".
وقوله : "
كما أن أويت حرف صحيح كغين غويت ، وشين شويت ، فاعلم ذلك.
هذا باب تكسير بعض ما
ذكرنا على بناء الجمع
الذي هو على بناء
مفاعل ومفاعيل
قوله بعد كلام
قدمه : " ولو قال إنسان : أحذف في جميع هذا إذ كانوا يحذفون في نحو
أثاف" إلى قوله : " كما ألزم التغيير مطايا".
يعني : لو قال
إنسان أنّه يحذف إحدى الياءات الثلاث في رمائي ، ورائي فيقول : رماي وراي ، لكان
يجب عليه أن يلتزم الحذف أبدا ولا يكون بمنزلة أثاف ؛ لأن الذي يقول : أثاف ومعاط
فيخفف ، قد يقول : أثافي ومعاطي فيشدد ، والذي يحذف في رماي فيخفف ، لا يجوز له
التشديد ، وذلك أن أثاف ومعاط قد كان يجوز فيه الحذف والإثبات لاجتماع الياءين ،
فلما كان رمائي فيه ثلاث ياءات ، وهي أثقل من أثافي ألزموا الأثقل التخفيف كما
أنّه لما جاز القلب في مدار للتخفيف فقالوا : مدري كان ذلك لازما في مطايا.
وقوله : "
وما يغير للاستثقال ولم يحذف ، أكثر من أن يحصى ، فمن ذلك في الجمع معايا ومدارى
ومكاكي".
يعني : أن من
غير الياء الأولى في رمايي فجعلها همزة أو واوا فلم يحذفها ، فقد حمله على أشياء
من كلام العرب تغير ولم يلحقها حذف ، فمن ذلك : معايا جمع : معى وكان الوجه أن
يقال : معايي ، فقلبوا الياء ألفا ولم يحذفوها ، وكذلك مدارى ، أصلها مدارر جمع
مدري ،
ومكاكي أصلها : مكاكيك ؛ لأنه جمع مكوك ، ولكنهم استثقلوا اجتماع ثلاث
كافات ، فقلبوا الأخيرة ياء فاعلمه.
هذا باب التضعيف
قوله في هذا
الباب : " ولم يجئ فعلّل ولا فعلّل" زعم بعض النحويين أن ذكر سيبويه
لهذا لا معنى له وإنما أنكروا ذلك أن فعلل في الكلام نحو سفرجل وفعلل نحو جردحل ،
وفعلّل نحو : قذعمل.
وقد غلطوا في
ذلك ، وذهب عليهم ما قصد سيبويه وإنما أراد أنّه لم يجئ فعلّل ولاماته الثلاثة من
جنس واحد مثل : فعلّل الذي وزنه المثال ، ألا ترى أنّه قال عقيب ذلك : " ولم
يبنوهن على فعالل كراهية التضعيف".
يعني لم يأت
على فعالل واللامان من جنس واحد ، وقد جيء عليه واللامان مختلفان كقولهم : عذافر
وحمارس وعلى فعلل واللامات مختلفات.
وقوله : "
فلما صار تعبا عليهم أن يداركوا في موضع واحد ، ولا تكون مهملة كرهوا وأدغموا
لتكون رفعة واحدة".
يعني قوله :
" في موضع واحد" في موضع مخرج واحد وأراد بالمهملة : أن يكون بينهما حرف
آخر كقولهم : قلقل وصلصل ، وقد فصل بين القافين والصادين اللام فسهل ـ لفصل اللام
ـ النطق بالقافين واللامين.
وقوله : "
وليست بمنزلة أفعل واستفعل ، ونحو ذلك" إلى قوله : " ولا تحرك العين
وبعدها العين أبدا".
يعني : إن رددت
الذي لا يغير منه شيء لا يشبه أفعل ، وذلك أن أفعل إذا كانت عينه ولامه من جنس
واحد ألقيت حركة العين في الفاء وذلك قولك :
أحلّ وأقرّ
أصله : أحلل وأقرر ، فألقيت حركة العين على الفاء ، وكذلك استفعل نحو استعد ،
وأصله : استعدد فألقيت حركة الدال على العين ، ولم يفعل ذلك بفعل الذي هو رددوه
نحوه لأن العينين إذا اجتمعتا لا تحرك الأولى منهما أبدا ، وفاء الفعل قد تحرك إذا
كان بعدها عين كقولك يقوم وما أشبهه.
قوله بعد شيء
قدمه : " وإن كان يكون ذلك اللفظ فعلا".
يعني أجلّ
والذي يقول : هذا أجل من هذا فيدغم ولفظ أجل يكون فعلا كقولك : أجل زيد عمرا.
وقوله : "
وإن كان على مثل الفعل" :
يعني : ما كان
من المصادر التي في أوائلها ميمات حركاتها كحركات حروف المضارعة
نحو مرد ومقر ومستعد وممد لأنها بمنزلة يقرّ ويستعد ، ويمد ، إلا أن أول
الاسم ميم وأول الفعل غير ميم.
وقوله : "
أو على غير واحد من هذين".
يعني : ما كان
على غير لفظ الفعل كألدّ ، وأضلّ وعلى غير مثاله كمردّ وممدّ ، وهو نحو : مدقّ وما
أشبهه.
قوله : "
ألا ترى أنك لا تكاد تجد فعلت في التضعيف ولا فعلت" إلى قوله" ألا ترى
أنّهم يقولون فخذ وعضد ساكنة ، ولا يقولون جمل".
أما فعلت في
التضعيف ، فلا يكاد يوجد ، وأما فعلت فهو موجود وليس بالكثير بالإضافة إلى فعلت.
ففعلت فيه نحو
: مسست وعضضت وشممت.
وقال بعضهم :
فعلت بكسر العين في التضعيف كثير ، وهذه الحكاية في الكتاب كما وجدت في كل نسخة
وكأن سيبويه أراد : أن فعلت قليلة في المعتل في باب قلت وبعت ، وإنما جاء منه هاب
يهاب ، وخاف يخاف ، ونال ينال في أحرف يسيرة وأنها في المضاعف.
وإن كثرت نحو :
عضضت أعضّ وشممت فهي أقل من فعلت نحو : رددت وما أشبهه.
وقوله : "
ولم يستعملوا في كلامهم الياء والواو عينات في باب فعل".
يعني : لم يكن
ذلك في كلامهم وقد استعمل مع قلته كقولهم صيد في جمع صيود وبيض في جمع دجاجة بيوض
وفي الواو سوار وسور وهو قليل.
وقوله : "
واحتمل هذا في الثلاثة لخفتها".
ويعني : احتمل
التضعيف في الثلاثة في مدد وسرر ، ولو زاد على ثلاثة أحرف لأدغم إلا أن يكون
للإلحاق كقولك في ما ليس للإلحاق : مدق ، وأصله مدقق وفي ما هو للإلحاق : رمدد
وقعدد فاعرفه.
هذا باب ما شذّ من
المضاعف فشبّه بباب أقمت وليس بمتلئب
اعلم أن هذا
الحرف في هذا الباب شاذ غير مطرد ، والذين استعملوه مع شذوذه ، قد تأولوا فيه ضربا
من التأويل.
فإذا قيل :
أحسست وأحسن للنسوة وفي المستقبل يحسن ، فالأصل في ذلك قيل هذا التغيير : أحسّ
ويحسّ ، ثم دخلت التاء للمتكلم وللمخاطب ، والنون لجماعة النساء ، فسكن ما قبلها
وهو السين الأخيرة وقد كانت السين الأولى ساكنة مدغمة في الأخيرة ، فكرهوا تحريك
واحدة منهما فحذفوا إحداهما.
وقوله : "
فشبّهوها بأقمت".
يعني أن أقمت ،
حذفوا الألف منها لأنها ساكنة ، وقد سكنت الميم فاجتمع ساكنان ، وكذلك لما اجتمع
السينان ساكنين حذف إحداهما.
وقوله : "
ولا تصل الحركة إليها"
يعني : أن ما
اتصل به تاء المتكلم أو نون جماعة النساء لا يحرك لاجتماع الساكنين وليس بمنزلة ما
يسكن في الجزم والأمر ألا ترى أنك تقول لم يذهب الرجل فتكسر الباء لاجتماع
الساكنين.
وسائر الباب
مفهوم من كلامه إن شاء الله.
هذا باب ما شذّ فأبدل
مكان اللّام والياء
كراهة التضعيف ، وليس
بمطرد
ذكر في هذا
الباب قولهم : تسرّيت ، وجعل الياء بدلا من الراء ، وأصله تسررت ، وهو من السرور.
وقال الأخفش.
لأن السّريّة يسرّ بها صاحبها.
وقال ابن
السراج : هو عندي من السر ، لأن الإنسان كثيرا ما يسرها ويسترها عن حرته.
وقال غيره :
الأولى أن يكون من السر ، الذي هو النكاح.
وقال غير
سيبويه : ليس الأصل فيه : تسرّرت ، وإنما هو تسريت بمعنى ركبت سراتها ، أي :
أعلاها ، وسراة كل شيء : أعلاه.
وقال آخر :
إنما هو من سريت ، والقول الأول أولى وأصحّ.
وذكر سيبويه في
هذا الباب : " كلا وكلّا" ليريك أن ألف كلا ليست منقلبة من لام كل ، كما
أن تظنيت منقلبة من نون تظننت.
واختلفوا في
ألف كلا فقال البصريون : " كلا" موحد وهو بمنزلة معا.
وأضيف إلى
اثنين ، وليست الألف للتثنية ؛ لأنها لا تنقلب في النصب والخفض كما تنقلب ألف
التثنية ، وقال الفراء : هي ألف التثنية ، وتعلق ببيت أنشده لا يعرف قائله وهو
قوله :
* في كلت رجليها سلامى واحده
|
|
كلتاهما
مقرونة بزائده
|
وهذا غلط من
المحتج ؛ لأنه أضاف كلت إلى رجليها وهما اثنان ، فإن كانت" كلتا" مثنى
وهي مضافة إلى اثنين ، فالواحدة مضافة إلى واحدة ، فكان ينبغي أن يقول : في كلت
رجلها.
__________________
وحكى سيبويه عن
أبي الخطاب أنّهم يقولون : هنانان يريدون معنى : " هنين" وفيه مذهبان :
أحدهما
: أن يقال : إن
سيبويه أراد أن هنانين ، وإن كان بمعنى هنين فهو لفظ على حياله ليس بمشتق من"
هن" كما أن" كلا" ليس بمأخوذ من لفظ كل.
والمذهب
الثاني : أن"
هن" ، لام الفعل منه : واو ويجمع" هنوات" ولام الفعل من"
هنانان" نون ، فصار كأنه في الواحد" هن" فأبدلت النون الثانية واوا
فاعرفه.
هذا باب تضعيف اللّام
في غير ما عينه ولامه من موضع واحد
قوله : وأما
معد فبمنزلة خدب ، ولا تقول أصله : فعلل ، وكذلك معدّ ، ليس من فعلل في شيء يريد
أن" معدا" ليس أصله معدد على مثال جعفر ، كما أن خدبا لا يقال فيه
أصله" خدبب" ثم ألقيت فتحة الباء الأولى على الدال ثم أدغمت ، بل بنيت
الياء الأولى على السكون والدال على الفتحة كما فعل بمعد ، وخدب ملحق بقمطر.
وقوله : "
ومنزلة جبنّ منها منزلة فعل من فعلل" يريد منزلة جبن من قعدد كمنزلة معد من
قردد لأن جبنّا فيه ضمتان وحرف مزيد من جنس آخر ، وليس بملحق كقعدد كما أن معدّا
فيه فتحتان وحرف مزيد من جنس آخره ، وليس بملحق كقردد.
وجعل سيبويه
قعددا ملحقا بجندب.
فإن قال قائل :
لم جعله ملحقا به وجندب وشبهه نونه زائدة ، وإنما يكون إلحاقه ما فيه زائدة بمنزلة
ما ليس فيه زائدة؟
فالجواب : أنّه
جعل عنصلا وجندبا كالأصل في وزن ما أوله مضموم وثانيه ساكن وثالثه مفتوح ؛ لأن
النون الذي هو حرف الزيادة ، لا يسقط بحال ، ولا يعرف له اشتقاق من شيء تسقط فيه
النون. وقعدد معروف الاشتقاق ، ويقال : هذا قعدّ من هذا فاعلمه.
هذا باب ما قيس من
المضاعف الذي عينه ولامه من موضع واحد
ولم يجئ في الكلام
إلا نظيره من غيره
قوله : بعد شيء
قدمه" والدليل على ذلك أن هذه النون لا تلحق ثالثة والعدة على خمسة ، إلا
والحرف على مثال سفرجل".
يريد أن النون
زيدت ثالثة ، فليس يكون إلا في بناء قد ألحق بالخماسي.
ولقائل أن يقول
: قرنفل فيه النون ثالثة زائدة وليس بملحق بالخمسة لأنه ليس في الكلام : فعلّل مثل
سفرجل.
فالذى يصحّ به
قول سيبويه : أنّه سقط من النسخة تكاد فكأنه قال : والدليل على ذلك أن هذه النون
لا تكاد تلحق ثالثة.
أي : هو قليل
جدّا ، ومن القليل : قرنفل.
وقوله : "
ولا تكاد تلحق وليست آخرا مع الألف إلا وهي تخرج بناء إلى بناء".
يريد أن النون
إذا لم تكن مع الألف في آخر الكلمة كعطشان وما أشبهه لا تكاد تزاد إلا لإلحاق بناء
ببناء وذلك كثير جدّا نحو : رعشن ، جحنفل ، وعنسل والذي ليس بملحق قليل ، كقولهم :
كنهبل ، وقرنفل ونرجس ونحوه ، وهو قليل.
قوله وإن قلت :
" إنما ألحقتها بالواو ، فإن التضعيف لا يمنع أن يكون على زنة جعفر إلى قوله
: وليس فيه اعتلال ولا تشديد لأنك قد فصلت بينهما".
معنى هذا
الكلام : إن قال قائل : إنما ألحقت رودد بجعفر بالواو دون غيرها ، فلم تدغم الدال؟
فأجاب : أن
التضعيف ، وإن كان بالواو فعلينا أن نأتي بحركات الملحق على منهاج الملحق به
والتضعيف.
ومعنى قوله :
" إذا كانت اللامان تكرهان كما يكره التّضعيف وليس فيه زيادة".
يريد أن
استثقال التضعيف ، وهو إظهار الحرفين من جنس واحد في اللامين ، وإحداهما زائدة في
قولك : احمر واشهب ككراهية إظهارهما أصلين في قولنا : ردّ وعضّ. فلما استوى الزائد
والأصلي في الإدغام استويا في الإظهار فوجب أن يكون رودد ـ والدالان أصليتان ـ بمنزلة
جلبب ، وأخرى الباءين زائدة ، وقوى رودد ألندد ، إذا كانت الدالان أصليتين ،
فاعرفه.
هذا باب ما شذ من
المعتل على الأصل
وذلك نحو :
ضيون." و" :
* قد علمت ذاك بنات ألببه
وتهلل وحيوة
ويوم أيوم للشديد".
أما ضيون :
فكان حقه أن يقال فيه : ضيّن بالقلب والإدغام.
ولكنه شذ عن
النظائر ، ويجوز أن تكون العرب قالت ضيون ؛ لأنه لا يعرف له اشتقاق ولا فعل يتصرف
، فلو قالوا : ضيّن لم يعرف أهو من الياء أم الواو.
وقولهم : قد
علمت ذاك بنات ألببه.
معناه : بنات
أعقله ، وهو اللب ، ومعناه : قد علم ذلك العقل أمهم. وكان حقه أن يقال ألبه كما
يقال : أشده ، وأجلّه.
وقد قال قوم :
" ألببه" وهو جمع" لبّ". وبنات الألبب ، هي : القلوب ومواضع
العقول.
وأما"
تهلل" ، فإن سيبويه ذكره على أنّه تفعل ، وأما الشذوذ فيه : إظهار اللامين ،
وإحداهما عين الفعل ، والأخرى لام الفعل ولا يكون ذلك إلا مدغما كقولك : يمس ويعض.
وقال غير
سيبويه : تهلل : فعلل ، مثل قردد. لأن التاء لا يحكم عليها في أصل الكلمة بالزيادة
إلا بثبت ولو كانت اللام مدغمة لقضينا على التاء بالزيادة ؛ لأنه لا تدغم إلا في
تفعّل ، والتاء في تفعل زائدة ، ولجاز أيضا أن تكون أصلية وتكون كميم معد.
وأما حيوة ،
فكان القياس فيه أن يقال : حيّة كالقياس في ضيون ، ويجوز أن يكونوا أظهروا الواو
لأنه لا يصرف تصرفا يعلم به أنّه أصله واو.
وقوله : "
واعلم أن الشيء يقلّ في كلامهم" إلى قوله : " كراهية كثرة ما يستثقلون
في الكلام".
يريد أنّه قلّ
في الكلام فعلل الملحق بجعفر مثل قردد ، وكذلك فعلل الملحق ببرثن نحو : قعدد ، وهم
يقولون كثيرا ردد يردّد من المضاعف. وقد طرحوا أصلا من كلامهم وهو فعالل نحو :
ضرايب ، وفعلل نحو : ضربب ، وذلك كله كراهية ما يستثقلون ، وإن كانوا قد يستعملون
مثله في الثقل وأثقل منه. ولا يستنكر أن ينتقل الإنسان عند استثقال الشيء إلى ما
هو أخف منه ، وأن يصبر على ما يثقل عليه ويستثقله.
فأراد سيبويه
بما ذكره في الباب من هذا وغيره ، تسهيل أمر الشاذ في أحرف لم يتجاوزوها ، كما
يستعملون ما يثقل في شيء ويلزمونه ويدعونه في شيء آخر استثقالا.
ومعنى قوله :
" ومن ثم تركوا من المعتل ما جاء نظيره في غيره".
يريد أن فعيلا
من الصحيح يجمع" نعتا" على فعلاء ويجمعونه من المعتل على أفعلاء نحو :
قويّ وأقوياء وصفيّ وأصفياء ، وكذلك ما يعل من الأفعال تأتي مخالفة لنظائرها من
الصحيح.
وقوله : "
قد يجيء الاسم على ما اطّرح من الفعل" يعني مثل قولهم : ويل وويح وآءة وقوّة
وآية وغاية ولا يجيء فعل في شيء من ذلك.
وقوله : "
وقد بيّن ما يجيء من المعتل على أصله يعني : استحوذ ونحوه ، والخونة والحوكة
وشبهه".
وقوله : "
وما يجيء على غير أصله".
يريد : قال
وباع وأبان وما أشبه ذلك.
هذا باب الإدغام
ذكر سيبويه
التسعة والعشرين حرفا المعروفة من حروف المعجم ، وذكر أنّها تكون خمسة وثلاثين
حرفا بحروف هي فروع ، وأصلها من التسع والعشرين ، وهي كثيرة مستحسنة.
وذكر أنّها
تصير اثنين وأربعين بحروف غير مستحسنة ، فمن الحروف المستحسنة :
النون الخفيفة
، وهي النون الساكنة التي مخرجها من الخيشوم نحو النون في : منك وعنك.
ووقع في النسخ
: النون الخفيفة ، وقد يجب أن تكون : الخفية ؛ لأن التفسير يدل عليها لأنها تخفى
مع حروف الفم ، وإذا كانت ساكنة وبعدها حروف الحلق ، كان مخرجها من الفم من موضع
الراء واللام وكانت بينة غير خفية.
والنون الساكنة
تدغم في خمسة أحرف : يجمعها : ويرمل. وتنقلب ميما مع الباء كقولك في عنبر ومنبأ :
عمبر وممبأ. ولو تكلف متكلف إخراجها من الفم وبعدها باء لأمكن بأعلى مشقة وبعلاج ،
وإنما تخرج من الخيشوم وهي ساكنة وبعدها الباء فتنقلب ميما لأن الباء لازمة
لموضعها ، وليس فيها غنة فكرهوا تكلف إخراج النون من الفم لما ذكرته لك.
وتباعد ما بين
الخيشوم وبين مخرج الباء من الشفتين ، ولم تكن بينهما مشابهة تجمعهما ، فطلبوا
حرفا يتوسط بينهما بملابسة تكون بينة وبين كل واحد منهما وهو الميم ، وذلك أن
الميم من مخرج الباء وتدغم الباء فيه ، فهذه ملابسة الميم للباء ، وفي الميم غنة
في الخيشوم ، فهذه ملابسة الميم للنون التي من الخيشوم.
ومن المستحسنة
: همزة بين بين ، وعدها سيبويه حرفا ، وينبغي في التحقيق أن تعد ثلاثة أحرف ، وذلك
أن همزة بين بين ، تجعل بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها. فإن كانت مكسورة
فهي بين الهمزة والياء ، وإن كانت مضمومة ، فبين الهمزة والواو ، وإن كانت مفتوحة فبين
الهمزة والألف. فلما كانت الياء غير الواو وجب أن يكون الحرف الذي بين الهمزة
والياء غير الحرف الذي بين الهمزة والواو وكذلك الذي بين الهمزة والألف.
ومن المستحسنة
: ألف الإمالة. ووقع في بعض النسخ ألف الترخيم وهي الألف الممالة وسماها ألف
الترخيم ، لأن الترخيم تليين الصوت ونقصان الجهر فيه.
ومن المستحسنة
: الشين التي كالجيم كقولك في أشدق : أجدق ، وإنما نحي بها إلى الجيم لأن الدال
حرف مجهور شديد ، والجيم مجهور شديد ، والشين حرف مهموس رخو ، فهو ضد الدال بالهمس
والرخاوة ، فقربوها من لفظ الجيم من مخرجها وهي موافقة للدال في الشدة والجهر.
ومن المستحسنة
: ألف التفخيم ، وهي ضد الممالة لأن الممالة ينحى بها نحو الياء ، وهذه ينحى بها
نحو الواو.
وزعموا أن
كتبهم الصلاة والزكاة ونحوه مما كتبت بالواو على هذه اللغة.
ومن المستحسنة
: الصاد التي كالزاي في : مصدر ويصدق ونحوه.
وسيأتي ذلك في
ما بعد إن شاء الله.
فأما السبعة
غير المستحسنة التي هي تتمة الاثنين والأربعين حرفا.
فأولها الكاف
التي بين الجيم والكاف ، وهي في لغة لأهل اليمن ، يقولون في جمل : كمل ، وفي رجل
: ركل ، فهي عند أهل المعرفة معيبة مرذولة.
والجيم التي
كالكاف ، وهي كذلك ، وهما جميعا شيء واحد ، إلا أن أصل أحدهما : الجيم ، وأصل
الآخر : الكاف ثم يقلبونه إلى هذا الحرف الذي بينهما.
والجيم كالشين
، ويكثر ذلك في الجيم إذا سكنت وبعدها دال أو تاء نحو : اجتمعوا والأجدر ، يقولون
فيه : " اشتمعوا" ، و" الأشدر" فيقلبون الجيم من الشين لأنها
من مخرج واحد ، والشين أسلس وألين وأفشى.
فإذا كانت
الجيم مع بعض الحروف المفارقة لها ، ولا سيما إذا كانت ساكنة ، صعب إخراجها لشدة
الجيم ، ومال الطبع بالنطق إلى الأسهل.
وذكر الجيم
التي كالشين في غير المستحسنة ، والفرق بينهما أن الشين التي كالجيم في نحو :
الأشدق ، إنما قربت فيه الشين من الجيم بسبب الدال لما بين الجيم والدال من
الموافقة في الشدة والجهر ، كراهية لجمع الشين والدال لما بينهما من التباين. وإذا
كانت الجيم قبل الدال في الأجدر ، وقبل التاء في اجتمعوا ، فليس بين الجيم وبين
الدال والتاء من التنافر والتباعد ما بين الشين والدال فلذلك حسن الشين التي
كالجيم ، وضعف الجيم التي كالشين.
وأما الطاء
التي كالتاء فإنها تسمع من عجم أهل المشرق كثيرا لأن الطاء في أصل لغتهم معدومة ،
فإذا احتاجوا إلى النطق بشيء فيه طاء تكلفوا ما ليس في لغتهم فضعف نطقهم بها.
والضاد الضعيفة
من لغة قوم ليس في أصل حروفهم ضاد ، فإذا احتاجوا إلى التكلم بها من العربية
اعتاصت عليهم ، فربما أخرجوها طاء ، وذلك أنّهم يخرجونها من طرف اللسان وأطراف
الثنايا.
وربما تكلفوا
إخراجها من مخرج الضاد. فلم يتأتّ لهم فخرجت بين الصاد والضاد ووقع في كتاب مبرمان
في الحاشية : الضاد الضعيفة ، يقولون في إثرد : إضرد ، يقربون الثاء من الضاد حكاه
أبو سعيد.
والصّاد التي
كالسين في ما ذكروا : كأنها كانت في الأصل فقربها بعض من تكلم بها من السين ، لأن
السين والصاد من مخرج واحد.
والطاء التي
كالتاء مثل الطاء التي كالياء.
والباء التي
كالفاء هي كثيرة في كلام الفرس وغيرهم من العجم على لفظتين :
أحدهما
: لفظ الباء
أغلب عليه من الفاء.
والآخر
: لفظ الفاء
أغلب عليه.
وقد جعلا حرفين
من حروفهم سوى الباء والفاء المخلصتين.
وذكر سيبويه
أجناس الحروف وسماها بأسماء تشاكل حقيقتها ، فمن ذلك :
المجهورة :
سماها بذلك لما فيها من إشباع الاعتماد المانع من جرى النفس معه عند الترديد ؛ لأن
قوة الصوت باقية. وأخذه سيبويه من الجهر ، وهو علو الصوت وبيانه. وسمي الحروف
الأخر مهموسة ؛ لأنها حروف أضعف الاعتماد فيها وجرى النفس مع ترديد الحرف بضعف.
والهمس : الصوت
الخفي ، ويجمع الحروف المهموسة :
" كست
شخصه فحث" ، وسائر الحروف المجهورة.
وأعلم أن ترديد
الحروف الذي يعلم به المجهور من المهموس لا يمكن إلا بتحريكه ، لأن الساكن لا يمكن
تحريكه.
ومعنى قول
سيبويه : " إذا أردت اعتبار الحرف" إلى قوله : " وإن شئت
أخفيت".
يعني أن ترديد
الحرف على الوصف الذي ذكره يعرف به المجهور من المهموس ، سواء رفعت صوتك أو
أخفيته. وحروف المد هي : الألف والواو والياء وما فيها يعني الحركات.
ويحتمل أن يكون
قوله : " فيها" بمعنى معها ، كأنه قال :
وما معها من
الحركات المأخوذة منها ، مثال ذلك أنا نعتبر القاف فندخل عليها ألفا فنقول قاقاقا
، أو : واوا" ، فنقول : قوقوقو. أو ياء ، فنقول : قي قي قي ، فنرفع صوتا
بالألف بعد القاف ، وبفتحة القاف ، أو بالواو والضمة أو بالياء والكسرة.
ويحتمل أن يكون
الضمير في قوله : " فيها" للحروف المهموسة والمجهورة ، فيكون الترديد
مرة بزيادة حرف المد على الحرف الممدود ، وزيادة حركة ، ومرة بزيادة حركة فقط.
كما قلنا : ق ق
ق.
قال : "
ومن الحروف : الشديد ، وهو الذي يمنع الصوت أن يجري فيه".
ويجمعها :
" أجدك قطبت".
قال : "
ومنها الرخوة وهي : الحاء ، والهاء ، والغين والخاء ، والشين والصاد ، والضاد ،
والزاي ، والسين ، والظاء ، والثاء ، والذال ، والفاء".
والرّخوة ضد
الشديدة. والفرق بينهما أن الحرف الشديد إذا وقفت عليه انحصر الصوت عليه. والرخو :
إذا وقفت عليه لم ينحصر الصوت. تقول : اق فتجد الصوت مع القاف منحصرا ، وتقول : اش
، واخ فتجده جاريا.
قال : "
ومنها المنحرف".
وهو اللام.
وإذا تأملت الذي ذكر سيبويه فيه ووصفه به وجدته كما قال.
" ومنها
حرف شديد يجري معه الصوت غنّة من الأنف.
وهو النون ،
وكذلك الميم ، وإذا تأملت كلام سيبويه فيه ثبتت صحة قوله.
قال : ومنها
المكرّر وهو الراء وهو حرف شديد جرى فيه الصوت لتكريره"
وهو في ابتداء
النطق به ينحصر الصوت في مكانه ، ولا يجري ، فإذا كرر انحرف إلى اللام فتجافي لجري
الصوت.
قال : "
ومنها اللينة وهي الواو والياء".
وقد بيّن
سيبويه وجه اللين فيها.
ومنها : الهاوي
، وهو الألف ؛ لأنه يخرج بهواء الصوت. وهذه الحروف الثلاثة : الواو والياء والألف
ـ لاتساع مخارجها وأن الحركات منها ، ولا يمد في الغناء وسائر الألحان سواهن ـ كل
واحدة منهن لها صوت في غير مخرجها من الفم ، فصارت مشبهة للرخوة بالصوت الذي يخرج
عند الوقف عليها. وهي الشديدة للزومها مواضعها.
وقال الأخفش :
سألت سيبويه عن الفصل بين المهموس والمجهور فقال : المهموس إذا خففته ثم كررته
أمكنك ذلك فيه ، وأما المجهور فلا يمكنك ذلك فيه ، ثم كرر سيبويه الثاء بلسانه
وأخفى ، فقال : ألا ترى كيف يمكن. وكرر الطاء والدال وهما من مخرج الثاء فلم
يمكنا. وأحسبه ذكر ذلك عن الخليل.
وسائر الباب
إذا تأملته وحققت النظر فيه ، وجدته بينا من كلامه إن شاء الله.
هذا باب الإدغام في
الحرفين اللذين تضع لسانك لهما موضعا واحدا
قال سيبويه :
" وإذا التقى الحرفان المثلان وقبل الحرف الأول حرف لين ، فإن الإدغام
حسن".
اعلم أن اجتماع
الساكنين في الوقف مستقيم ، كقولك : زيد وعمرو ، والدرج غير ممكن ، فإذا كان قبل
الأول من الساكنين حرف من حروف المد واللين ، وكان الثاني مدغما في مثله ، جاز
كقولك : دابة ، وضالّ وما أشبهه ، وذلك أن زمان الحرف الممدود أطول من زمان غيره ،
كما أن زمان الحرف المتحرك أطول من زمان الحرف الساكن فصار الممدود بزيادته وطوله
كالمتحرك فحسن لذلك اجتماع الساكنين ، مع أن المدغم في مثله ينحى بالحرفين نحو
الحرف الواحد ، فاجتمع في ذلك مد الحرف الذي هو كالحركة ، وكون الحرفين كالحرف
الواحد ، وفي الثاني منهما حركة فجاز اجتماع الساكنين لذلك.
وأنشد مستشهدا
لما يجوز إخفاؤه ويكون بمنزلة المتحرك لغيلان بن حريث :
* إني بما قد كلّفتني عشيرتي
|
|
من الذبّ عن
أحسابها لحقيق
|
الشاهد فيه :
إخفاء الباء مع الميم في بما ، ولو أدغم انكسر البيت لأن الياء في إني ساكنة ،
__________________
وتسكن الباء في بما فيجتمع ساكنان.
وأنشد في مثله
:
* وأمتاح منّي حلبات الهاجم
|
|
شأو مدل سابق
اللهامم
|
الشاهد فيه
إخفاء الميم الأولى ، ولو أدغم فقال : اللهامم لانكسر البيت.
واللهامم : جمع
لهموم ، وهو الفرس السريع ، كأنه يلتهم الأرض أي : يبلعها بشدة جريه ، والهاجم :
الحالب ، يقال هجمت اللبن أي : حلبته.
يصف فرسا جوادا
له شأو يدل فيه ويسبق به السراع من الخيل ، وهي اللهامم ، فشأوه ذلك يحمله أن
يسقيه اللبن ويؤثره به على غيره.
وأنشد في مثل
هذا :
* وغير سفع مثّل يحامم
أخفى الميم
الأولى في يحامم. واليحامم : جمع يحموم وهو الأسود ، وحذف الياء ضرورة ، والسّفع :
السود تضرب إلى الحمرة ، يعني : الأثافي ، والمثل : المنتصبة.
قال : "
وتقول هذا ثوب بكر ، فالبيان في هذا أحسن منه في الألف".
اعلم أن الياء
والواو إذا كانت ساكنتين وانفتح ما قبلهما ، ففيهما مد دون المد الذي يكون فيهما
إذا انضم ما قبل الواو وانكسر ما قبل الياء ، وذلك أن الألف ، هي أوسع حروف المد
مخرجا وأبعدها مدا ، ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ، فإذا كان قبل الواو الساكنة
ضمة ، وقبل الياء كسر ، فهما على منهاج الألف ، فلذلك لم يستحسن الإدغام في قولك :
هذا ثوب بكر ، وعيب بكر ، كما يستحسن في قولك : المال لك وما أشبهه.
واحتجّ لقيام
المد في حرف المد مقام الحركة متحركا عوّض منه حرف مد وجعله ردفا.
وأنشد :
* وما كلّ مؤت نصحه بلبيب
فلم يجز سيبويه
في هذا وما جرى مجراه مما يلزمه الردف على ظاهر الكلام أن يكون ردفه واوا مفتوحا
ما قبلها أو ياء مفتوحا ما قبلها ، وقد يأتي مثل ذلك في الشعر وهو قليل.
__________________
قوله : وقد
كسروا قاف يقتّل وقتّل لأنهما ساكنان التقيا فشبّهت بقولهم : ردّ يا فتى.
يعني : أن كسرة
دال رد لاجتماع الساكنين.
وزعم أن كسر
هذا طلبا للكسر الذي في ألف اقتتل وحملا عليه ، وزعم أنّه لو كسر لاجتماع الساكنين
لجاز في يعضّ ويردّ.
فردّ عليه هذا
القول وفصل" الرادّ" بيّن يقتّل وبيّن يعضّ ويردّ ، فقال : يقتل : يفتعل
، وليس به بناء آخر ، فإذا قلنا : يقتل فكسرنا ، لا يتوهم أنّه غير يفتعل ، ومتى
قلنا : يعض ويرد توهم أنّه يفعل لأن في الكلام يفعل.
قال سيبويه :
" ولا يكون في هذا وأشباهه غير إلقاء الحركة على ما قبلها من الساكن".
يعني : في باب
يعضّ ويردّ ويفرّ لا يكون فيه غير إلقاء حركة العين على الفاء ، ولا يجوز كسره
لاجتماع الساكنين لما ذكرناه من وقوع اللبس.
قال : "
وجاز في قاف يقتتلون الفتح والكسر ؛ لأنه يجوز في الكلام فيه الإظهار والإدغام ،
فكما جاز فيه وجهان : إلقاء حركة التاء الأولى على القاف وكسرها لالتقاء الساكنين
حتى تصرف بإظهار الحرف وتبيينه.
والإخفاء هو
إظهار الحرفين مع اختلاس ـ تصرفوا فيها بإلقاء الحركة والكسرة لاجتماع الساكنين ،
ولم يتصرفوا في باب يعض ويرد بالإظهار فلم يزيدوه على إلقاء الحركة.
قوله : "
فإن قال قائل : ما بالهم قالوا : ألحمر ... فلم يحذفوا الألف حين حركوا" إلى
قوله : " لأنه ضارع ـ حين كان الحرفان غير منفصلين ـ احمررت" ولما ذكر
سيبويه سقوط ألف الوصل لتحريك ما بعدها في قتل ، وردّ وقل في الأمر وسل ، عارض
نفسه بقولهم : لحمر إذا خففوا الهمزة من قولهم الأحمر ، وحذفت ألف الوصل لتحريك
اللام.
ومنهم من يقول
: ألحمر ، يحرك اللام ولا يسقط ألف الوصل ، ينوي أن تكون اللام على سكونها وإن
تحركت لأن الحركة للهمزة.
فإن سأل سائل
فقال : لم ثبات ألف الوصل في ألحمر ولم يجر في سل ، فيقال : اسل؟
لأن السين في
نية السكون وحركتها حركة الهمزة المحذوفة ففرق سيبويه بينهما بأن الألف لام
المعرفة قد ضارعت الألف المقطوعة ، يعني ألف أحمر بانفتاحها إذا ابتدأت وثباتها في
الاستفهام في قولك : الرجل حاضر؟
قال : "
فلما كانت كذلك قويت ، كما قلت : الجوار حين قلت : جاورت".
أي ثباتها في
الاستفهام وفتحها في الابتداء ، أو جبالها قوة ، كما أن الجوار حين كان مصدر فعل
لا يعتل ـ وهو جاورت ـ لم يعل ولو كان مصدر فعل معتل لانقلبت الواو ياء كقولك :
قام قياما ، وما أشبهه.
ثم قوّى ذلك
بقولهم أفألله ، وبقولهم أي ها ألله.
فأما قولهم :
أفألله ، فإنه يهمز بعد الفاء ألف الوصل عوضا من حرف القسم.
وأما : أي : ها
الله. فإن الألف تثبت ولا تحذف لاجتماع الساكنين ، كأن الهمزة من ألله باقية ،
وإنما حذفت في اللفظ ، كما أن اللام من قولنا : ألحمر كأنها ساكنة وإن حركت بإلقاء
حركة ألف أحمر عليها.
وقوله في آخر
الباب : " وأما ردّ داود فبمنزلة اسم موسى"
يعني : لو
أدغمنا الدال الثانية في دال داود ، لوجب أن تحرك الدال وتغيّر ، كما لو أدغمنا
الميم لوجب تحريك السين من اسم موسى.
وقد ذكر فساد
ذلك فاعرفه.
هذا باب الإدغام في
الحروف المتقاربة التي هي من مخرج واحد
والحروف المتقاربة
مخارجها
قوله : ولو كان
مع هذه الياء التي ما قبلها مفتوح إلى قوله : لأن الحرفين استويا في اللين.
يعني : أن
الياء تدغم في ياء مثلها إذا انفتح ما قبل الأولى نحو : اخشى ياسرا ، وكذلك الواو
في نحو قولك : اخشوا واقدا ؛ لأنهما قد استويا في اللين فلا يستطاع إلا ذلك.
وقوله فصارت
هذه الياء والواو مع الجيم والياء نحوا من الألف مع المقاربة ؛ لأن فيهما لينا.
يعني : أن
الياء مع الجيم ، والواو مع الياء التي من مخرجها في تباين الكيفية والحكم مع
الحروف المقاربة لها. لما فيها من اللين وإن لم يبلغا منزلة الألف.
وقوله : ولا
يدغمان في هذه الياء والواو ؛ لأنك تدخل اللين في ما لا يكون فيه لين.
يعني : لا تدغم
الجيم في الياء ، ولا الميم في الواو فتصير الميم والجيم من حروف المد واللين ؛
لأن تباعد ما بين حروف المد واللين وبين غيرها ، أشدّ من تباعد الحروف المتباعدة
المخارج ، ألا ترى أن حروف المد واللين وإن تباعدت مخارجهن ، يجتمعن في أحكام
وينقلب بعضهن إلى بعض ؛ لأن ما بينهن في المد واللين ، أقوى مما يكون من المتقارب
في المخرج.
فإن اعترض
معترض بأن النون تدغم في الياء والواو وليس فيها لين.
فإن الجواب في
ذلك : أن النون لما فيه من الغنة ، وأن له مخرجا من الخيشوم أجري مجرى حرف المد
واللين في أشياء كثيرة ، منها أنّها علامة الإعراب في يذهبان ويذهبون ، ومنها أن
الألف تبدل من التنوين في المنصوب ، ومن النون الخفيفة في قولك : اضربا ، فقربت
بذلك من حروف اللين ، وحملت عليها ، وليس كذلك غيرها.
وذكر أن من
الحروف حروفا لا تدغم في المقاربة ، وتدغم المقاربة فيها ، وتلك
الحروف : الميم ، والراء ، والفاء ، والشين.
وإنما امتنعت
من أن تدغم لأن لكل واحد منها ضربا من الفضل على غيره.
فكرهوا إذهاب
ذلك الفضل بإدغامه في غيره ، فمن ذلك قولك : أكرم به.
ولا تدغم الميم
في الباء لأنهم يقلبون النون ميما في نحو العنبر ، وقد تقدمت العلة في ذلك.
فلما وقع مع
الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون ، لم يغيروه ، وأيضا فإن النون الساكنة
بعيدة من الباء في المخرج ، ومباينة لها في الاشتراك في الغنة ، ولم تدغم الميم ـ المنقلبة
من النون ـ في الباء فكانت الميم الأصلية أولى أن لا تدغم في الباء.
قال : "
وأما الفاء فلا تدغم ... لأنها من باطن الشّفة".
يريد أن حروف
الفم أقوى من حروف الشفتين وحروف الحلق. لأن معظم الحروف في الفم للسان ، وهو وسط
مواضع النطق. والحلق والشفتان طرفان فصارت الفاء لذلك أقوى من الباء ؛ لأنها من
باطن الشفتين وهي من الفم ، والباء من الطرف.
قال : والراء
لا تدغم في اللام ولا في النون ؛ لأن الراء مكررة وهي تتفشى ، إذا كان معها غيرها.
فلهذه الفضيلة
لم يجز إدغامها في النون واللام ، لئلا تذهب تلك الفضيلة ولذلك لا يختار إدغام
الطاء في التاء ؛ لأن الطاء مطبقة ، فيكره ذهاب إطباقها بإدغامها في التاء.
وكذلك الشين لا
تدغم في الجيم ؛ لأن فيها استطالة وتفشيا ، فلم يدغموها لئلا يذهب ذلك منها.
قال : ومما
أدغمت العرب الهاء فيه في الحاء قول الراجز :
* كأنّها بعد كلال الزّاجر
|
|
ومسحي مرّ
عقاب كاسر
|
يريد : "
ومسحه".
يصف ناقة ،
يقول : كأن مرّها ـ بعد طول السير وكلال الحادي بها الزاجر لها ، ومسحه الأرض أي :
ذرعه بالمشي وقطعه لها ـ مرّ عقاب كاسر ، وهي التي كسرت جناحيها للانقضاض ، أي :
تضم منهما وتقبضهما.
قال الأخفش :
لا يجوز الإدغام في : ومسحه ، ولكن الإخفاء جائز.
وقال غيره :
أما إدغام الهاء في الحاء إذا كانت قبلها بأن تقلبها حاء فصحيح ، وأما الاستشهاد
بهذا الشعر فسهو وغلط ؛ لأن الإدغام لا يصح في البيت من أجل اجتماع
__________________
الساكنين ، ولا يدغم حرف بعد ساكن في مثله إلا أن يكون الساكن من حروف المد
واللين.
ويبطله أيضا ،
أن الإدغام يكسر البيت. ويبطله أيضا أنّه قال : " ومما أدغمت العرب الهاء في
الحاء".
وليس الأمر
كذلك ؛ لأن الحاء قبل الهاء في الكلمة ، فكيف يدغم الثاني في الأول؟.
وذكر سيبويه :
أن العين تضعف عن إدغام الحاء فيها ويحسن إدغام العين في الحاء ، وكذلك يحسن إدغام
الغين في الخاء ، والخاء في الغين لأنهما قربا من حروف الفم ، حتى إن من الناس من
يجريها مجرى حروف الفم ، فيخفى النون الساكنة معهما ، كما يخفيها مع القاف والكاف
وما أشبههما من حروف الفم فصار العين والحاء حيزا مفردا بين حروف الحلق وحروف الفم
، فيدغم أحدهما في الآخر ولا يدغم في واحد منهما ما قبلهما من حروف الحلق ، ولا ما
بعدهما من حروف الفم.
وإنما جاز
إدغام الخاء في الغين ، ولم يجز إدغام الحاء في العين لأن للحاء فضيلة بالرخاوة
والهمس ، وسهولة اللفظ وخفته ، ولأن حروف الحلق ليست بأصل في الإدغام ولا قوى فيها
، والحاء والعين من وسط الحلق ، والخاء والغين قريبتان من حروف الفم ، وقد أجريتا
مجراها في إخفاء النون الساكنة عندها في بعض اللغات على ما أعلمتك.
وقوله : "
ويدلك على حسن البيان عزّتها في باب رددت".
يريد أن التقاء
الغينين أقل من التقاء الخاءين.
ألا ترى أن ما
عين فعله ولامه خاء قد جاء منه حروف كثيرة نحو رخ في قفاه ، ورخّها إذا نكحها ،
وشخّ البول : إذا أخرجه قليلا قليلا.
والمخّ والفخّ
وما أشبهه.
ولا يعلم غينان
التقيا عينا ولاما إلا أن يكون بينهما حاجز قالوا : ضغيغة من بقل وعشب ، إذا كانت
الروضة ناضرة.
والرّغيغة :
لبن يحبس حتى يحمض.
فعلّة التقاء
الغينين في باب رددت ، يوجب حسن البيان إذا كانت خاء بعدها غين ، لأنها لو لم تبين
وأدغمنا الخاء في العين لالتقت غينان.
وقوله : بعد
ذكره النون : " وتدغم في اللام لأنها قريبة منها" إلى قوله : " لأن
الذي بعده ليس له في الخياشيم نصيب ، فيغلب عليه الاتفاق" قوله : " لأن
الذي بعده" يعني اللام ليس له في الخياشيم نصيب ولو كان له نصيب في الخياشيم
لما احتجنا أن نتكلف غنة من أجل النون كما أنا إذا أدغمنا النون في الميم ،
استغنينا بما في الميم من الصوت في الخيشوم عن الغنّة التي تتكلف للنون.
وقوله وهو يعني
النون : وإنما منعها أن تقلب مع الواو ميما ـ كما قلبت مع الباء ميما في عنبر وما
أشبهه ـ لأن الواو يتجافى عنه اللسان.
يريد باللسان :
الشفتين ، وفي الواو أيضا مد ولين فتباعد ما بين الواو والميم ، والميم كالياء في
الشدة ولزوم الشفتين ، فمن أجل بعد الميم من الواو ، وشبهها بالباء ، جعلت النون ـ
وهي شبيهة الميم ـ مع الباء ميما ولم تجعل مع الواو ميما ، والميم أشبه الحروف من
موضع الواو بالنون ، وليس مثلها في التجافي واللين والمد ، كما كانت الميم مثل
الباء في الشدة ولزوم الشفتين.
وقوله :
فاحتملت الإدغام كما احتملته اللام وكرهوا البدل.
يعني : لم تجعل
النون ميما مع الواو واحتملت النون الإدغام في الواو كما احتملت اللام الإدغام لأن
اللام وهي من مخرج النون تدغم في ثلاثة عشر حرفا سوى النون ، وكثرة بدل اللام
أنّها تبدل إلى الحروف التي تدغم فيها كلها.
قوله : "
وتكون النون مع سائر حروف الفم حرفا خفيّا مخرجه من الخياشيم إلى قوله وكان الأصل
الإدغام".
جملة قوله في
هذا الفصل أن النون تخفى إذا كانت ساكنة قبل خمسة عشر حرفا من حروف الفم وهي :
القاف والكاف والجيم والشين والضاد والصاد والسين والزاي والطاء والدال والتاء
والظاء والذال والثاء والفاء.
ومن الناس من
يخفيها قبل الغين والخاء ، وقد تقدم ذلك.
وإنما أخفيت
النون عند هذه الحروف ؛ لأنها من حروف الفم والنون من الفم فصارت هذه الحروف
ملابسة للنون باشتراكهن في الفم ، ومع ذلك إن النون تدغم في بعض حروف الفم ،
والإخفاء في طلب الخفة ، كالإدغام في طلب الخفة ، فلما أمكن استعمال الخيشوم وحده
في النون ، ثم استعمال الفم في ما بعده ، كان أخف من أن يستعملوا في إخراج النون
ثم يعودوا إلى الفم في ما بعد النون ، وإنما ساغ هذا في حروف الفم خاصة ـ دون حروف
الحلق ـ لقرب مدخل الخيشوم ومخرجه من حروف الفم دون حروف الحلق.
وقوله : "
ولم نسمعهم قالوا في هذا : حين سّليمان فأسكنوا النون مع هذه الحروف التي مخرجها
معها من الخياشيم".
يعني : إذا
تحركت النون قبل السين وأخواتها ـ وسائر الحروف التي تخفى قبلها النون وتخرج من
الخياشيم ـ ثم تسكن كما تسكن النون المتحركة قبل الحرف الذي تدغم فيه للإدغام.
وترتيب لفظ
سيبويه" ولم نسمعهم قالوا : حين سّليمان" كأنه قال : ولم أسمعهم أسكنوا
النون المتحركة مع الحروف التي تخفى النون معها : السين والقاف والكاف
وسائر حروف الفم سوى ما تدغم فيه.
ومعنى قوله من
قبل : " أنها لا تحوّل حتى تصير من مخرج الذي بعدها".
أي : لا تحول
النون مع السين وسائر حروف الفم ، كما تحول مع الستة الأخرى وهي : الراء واللام ،
والنون والميم والياء والواو.
قال : "
وإن قيل لم يستنكر.".
يريد : لو
أسكنت النون المتحركة مع الحروف التي تخفى قبلها من حروف الفم لم يستنكر ذلك.
قال : "
لأنهم يطلبون ها هنا من الاستخفاف ما يطلبون إذا حولوها".
يريد : أنّهم
يطلبون التخفيف بإخراج النون من الخيشوم مع حروف الفم ، فغير مستنكر أن يسكنوا
النون المتحركة ليحصل لهم خروجها من الخيشوم وخفاؤها كما يسكنونها إذا أرادوا
إدغامها فيحولونها إلى جنس ما تدغم فيه.
ومعنى قوله :
فلم يحتمل عندهم حرف ليس من مخرجه غيره للمقاربة أكثر من هذه الستة.
يريد لم يحتمل
ـ وهي حرف ليس من مخرجه غيره ـ قلبها قبل حرف سوى هذه الأحرف الستة من المقاربة
المناسبة.
وفرق سيبويه
بين إدغام التاء في الدال ، وإدغام النون في الراء واللام ، فجعل إدغام التاء في
الدال أقوى لأن كل واحد منهما يدغم في الآخر ، والراء لا تدغم في النون ، وإدغام
اللام فيها ليس بالقوي ، وهما جميعا من الفم ، وصوتهما منه ، والنون ليست كذلك لأن
فيها غنة.
ومعنى قوله :
" كما ثقلت التاء مع الدال في ودّ وعدّان"
يريد : في وتد
وعتدان فأدغموا.
وقوله : "
وإنما احتمل ذلك في الياء والواو"
يعني : احتمل
بيان النون معهما في كلمة نحو : كنية وقنر.
وقوله : وليس
حرف من الحروف التي تكون النّون معها من الخياشيم يدغم في النون إلى قوله : "
فلم يحتمل أن تصير من مخارجهن".
اعلم أنّهم
جعلوا الإدغام في النون ضعيفا لخروجها مرة من الفم ومرة من الخيشوم ، وصار ذلك
طريقا لإدغامها في ما يعد من مخرجها ، وقلبها إلى غيرها من غير إدغام كنحو قلبها
في : عنبر ، ومن بك ، فلم يدغموا فيها شيئا من الحروف التي معها من الخياشيم
لبعدهن منها ، ولا النون تدغم فيهن لبعدها منهن.
وقوله : "
وإنما جعل الإدغام في التاء وأخواتها أضعف".
يعني بأخواتها
: الطاء والدال.
وفي الظاء
وأخواتها أقوى.
وأخوات الظاء :
الذال والثاء ؛ لأن اللام لا تسفل إلى أطراف اللسان ، كما لم تفعل ذلك الطاء
وأخواتها ، وهذا الذي ذكره إذا اختبرت ذلك في الوقف عليها على اعتلال إخراجها مع
طرف اللسان ملصقا بها فوق أصول إحدي الرباعيتين ، وإحدى الثنيتين العليتين غير
نازلة إلى الثنايا والرباعيات أو منحرفة إلى الناب أمكن ذلك.
والطاء والتاء
والدال من طرف اللسان وأطول الثنايا العلا.
والظاء والثاء
والذال من طرف اللسان وأطراف الثنايا.
فعلم أن اللام
أقرب إلى الطاء وأختيها ؛ لأنهن اشتركن في أن لم ينزلن إلى أطراف الثنايا.
والذي جوّز
الإدغام : اشتراكهما في طرف اللسان ، فهذا الذي ذكره سيبويه من تقوية إدغام اللام
في الطاء وأختيها على إدغامها في الظاء وأختيها.
وقد سوّى بين :
الطاء والدال والتاء ، وبين : الصاد والسين والزاي.
والصاد
وأخواتها أسفل من الطاء وأختيها ، وهما أبعد من اللام من الطاء وأختيها ، فكان
ينبغي أن يكون الإدغام في الصاد أضعف.
وللمحتج عن
سيبويه أن يقول : إن الصاد والسين والزاي من حروف الصفير ولهن قوة في باب الإدغام
حتى يدغم فيهن غيرهن ، ولا يدغمن في غيرهن.
فمن أجل ذلك
ألحقهن ـ في إدغام اللام فيهن ـ بما قرب.
وذكر أن إدغام
اللام مع الشين أضعف من إدغامها مع سائر الحروف ، وجوزه مع ضعفه.
وأنشد لطريف بن
تميم العنبري :
* تقول إذا استهلكت مالا للذّة
|
|
فكيهة هشّيء
بكفّيك لائق
|
يريد : هل شيء
فأدغم اللام في الشين.
وأنشد محتجا
لإدغامها في التاء ، لمزاحم العقيلي :
* فذر ذا ولكن هتّعين متيّما على
|
|
ضوء برق آخر
اللّيل ناصب
|
أراد : "
هل تعين".
__________________
ثم ذكر إدغام
اللام في النون وقبحه وأتبع ذلك بكلام مفهوم إلى آخر الباب.
هذا باب الإدغام في
حروف طرف اللّسان والثنايا
اعلم أنّ هذه
الحروف اثني عشر حرفا ، وهي : الراء واللام والنون والطاء والدال والتاء والصاد
والسين والزاي والظاء والذال والثاء.
فأما الراء
منها فلا تدغم في شيء من أخواتها لما فيها من التكرير ، وقد روي إدغامها في اللام
وهو قبيح جدّا.
وأما اللام
والنون فقد تقدم القول فيهما.
وأما الطاء
والدال والتاء والظاء والذال والثاء ، فكل واحد من هذه الحروف الستة يدغم في عشرة
أحرف منها : الخمسة الباقية من الستة ، وحروف الصفير لا تدغم في غيرها ويدغم بعضها
في بعض.
وقد رتب سيبويه
إدغام بعض ذلك في بعض ، وبين ما يستحسن ويقوى ، وما يضعف.
واستشهد ـ لإدغام
التاء في الصاد ـ بقول ابن مقبل :
* وكأنّما اغتب قصّبير غمامة
|
|
بعرّا تصفّقه
الرّياح زلالا
|
فأدغم التاء في
الصاد.
والصّبير :
السحاب الكثيف ، وأراد به هاهنا : المطر ، والعرى : المكان المنكشف غير المستتر
بشجر أو غيره ـ ومعنى تصفّقه : تضربه وتباشره فيبرد.
وذكر في الباب
قولهم : ثلاث دراهم.
يريدون : ثلاثة
دراهم ، فأدغموا التاء في الهاء من دراهم.
وقوله : "
وتدغم الطاء والدال والتاء في الضاد لأنها اتصلت بمخرج اللام إلى قوله وسمعت من
يوثق بعربيته" قال :
* ثار فضجّضجّة ركائبه
فأدغم التاء في
الضاد.
جعل سيبويه
السبب في إدغام هذه الحروف في الضاد ، أن هذه الحروف قريبة المخرج من اللام ، وأن
الضاد قد اتصلت باللام وهي منحطة عن اللام قليلا ، وتشرك اللام هذه الحروف جميعا
في أنّهن حروف طرف اللسان.
__________________
وقد تقدم تحقيق
مخارجهن ، فلما كانت اللام تدغم في الضاد أدغمت هذه الحروف فيها.
وذكر إدغام
الثاء في التاء بقولهم : متّرد في مثترد. ومثرد ـ وهو مفتعل ـ من الثرد ، وفيه
ثلاث لغات :
ـ مثترد : وهو
الأصل.
ـ ومتّرد : على
إدغام الثاء في التاء وهو القياس والأولى لأن الأول يدغم في الثاني.
ـ ومثرد : تقلب
الثاني إلى جنس الأول بإدغام أحدهما في الآخر.
ـ وقد ذكر
سيبويه نحو هذا في الحاء والعين ، إذا كانت الحاء أولا والعين ثانيا ، واختير
الإدغام وقلبت العين حاء ، وأدغمت الحاء في الحاء.
ـ وذكر سيبويه
بدل الطاء من التاء في : مصطبر ونحوه وأصله : مصتبر. فقلبت التاء طاء ، طلب
الاستواء في الحروف ؛ لأن الطاء مستعلية مطبقة ، والتاء مستقبلة لا إطباق فيها ،
فجعلوا مكانها الطاء ؛ لأنها من مخرج التاء وموافقة للصاد في الإطباق والاستعلاء ،
فصار مصطبر.
ولك فيه وجهان
:
ـ مصطبر
بالبيان لاختلاف الحرفين.
ـ وقال بعضهم :
مصّبر فقلب الطاء صادا ، ثم أدغم الصاد في الصاد ، ولا يجوز إدغام الصاد في الطاء
فيقال : مصبر ؛ لأن للصاد فضيلة بالصفير ، فلو أدغمت لذهب الصفير.
قال : "
ومن قال مصّبر ، قال : مزّان".
يريد : مزدان ،
والأصل فيه : مزتان ؛ لأنه مفتعل من الزّين ، فقلبت التاء دالا لأنها من مخرج
التاء ، وهي مجهورة كالزاي فأرادوا الاستواء باجتماع المجهورين ، فصار مزدان ، فإن
أظهرت ، فالبيان حسن لاختلاف الحرفين وإن أدغمت قلبت الدال زايا ، ثم أدغمت الزاي
في الزاي فقلت :
مزّان ، كما
تقول في مصطبر : مصّبر.
وأجاز سيبويه
في مظطلم : مظلم على قلب الطاء ظاء كما قالوا : مصبر ، وأصله مصطبر على قلب الثاني
من جنس الأول.
قال : "
أقيسها مطلم"
واحتج لذلك بأن
أصل الإدغام أن يتبع الأول الآخر في نحو : ذهب به ، وبيّن ذلك.
ولو كان الثاني
ساكنا لم يدغم فيه الأول نحو : ذهب بن زيد ؛ لأن باء ابن ساكنة. فلما كان الثاني ـ
إن كان متحركا أدغم فيه ، وإن كان ساكنا لم يدغم فيه ـ دل على أن الثاني يتبعه
الأول. ومع ذلك : يجوز قلب الأول للثاني كما قيل مترد ، ومصبر.
ومعنى قوله بعد
شيء قدمه" ولن يدغموها لأنهم لم يريدوا إلا أن يبقى الإطباق إذا كان يذهب
بالانفصال".
يريد : لم
يدغموا الطاء في التاء في نحو قولك : اطعنوا والأصل : اطتعنوا.
وقوله : لأنهم
لم يريدوا إلا أن يبقى الإطباق أراد أن لا يبقى الإطباق فحذف لا كما قال الله عز
وجل : (يُبَيِّنُ اللهُ
لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ، أي : لا تضلوا ، ولو أدغم الطاء في التاء لذهب الإطباق.
وقوله : إذا
كان يذهب في الانفصال.
معناه : أنّهم
لم يريدوا أن لا يبقى الإطباق بحسب ما يذهب الإطباق في المنفصل إذا التقى الطاء
والتاء في كلمتين.
وجاز فيهما
إدغام الطاء في التاء وذهاب الإطباق ، وفي كلمة واحدة لا يجوز ، لقوة الإدغام في
كلمة واحدة وفضل الإطباق.
وقوله : "
فكرهوا أن يلزموه الإدغام في التاء في كلمة واحدة لذهاب الإطباق" ، فقالوا : اطّعنوا ، ولم
يقولوا : اتعنوا ، والأصل : اطتعنوا.
وقوله : "
وقد شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته هذه الحروف الأربعة : الصاد والضاد والطاء
والظاء في فعلت بهن في افتعل إلى قوله : " وخبطّه يريد : خبطته ، وحفطّه ،
يريد : حفظته.
يعني : أن من العرب
من قلب تاء المتكلم والمخاطب طاء إذا كان قبلها هذه الحروف الأربعة كما فعل بتاء
الافتعال لأن التاء لما اتصلت بما قبلها وسكن لها ما قبلها ، صارت ككلمة واحدة ،
وأشبهت تاء افتعل.
وأنشد لعلقمة
بن عبدة مستشهدا لهذه اللغة :
* وفي كلّ حي قد خبطّ بنعمة
|
|
فحقّ لشأس من
نذاك ذنوب
|
أراد : "
خبطت" ، فقلب التاء طاء ثم أدغم فيها الطاء الأولى.
وشأس : أخو
علقمة بن عبدة ، وكان بعض الملوك قد أسره ، فسار إليه علقمة ومدحه وشفع في أخيه
شأس فشفعه. ويروى أنّه لمّا قال : " فحق لشأس من نداك ذنوب".
قال الملك :
نعم وأذنبه ، وأمر بإطلاقه وأحسن إليه وأجزل الصلة لعلقمة.
ويروى أن الملك
: هو الحارث بن أبي شمر الغساني.
__________________
قوله : "
وأما اصّبروا واظّلموا ويخصمون ومضّجع وأشباه ذلك إلى قوله : فهذه الأشياء ليس
فيها التباس يريد أن اصبروا ومضّجع ، وإن كان أصله اصطبروا ومضطجع ، فلا يتوهم أن
الصاد المشددة صادان في الأصل ؛ لأنه ليس بناء على حرف مشدد بعد ألف الوصل وهما من
جنس واحد في الأصل كما يتوهم ذلك في : وتد ، ووطد إذا أدغمنا فقلنا : ودّ لأنه
يلتبس بودّ من : وددت وما أشبه ذلك.
قال وقالوا :
" محتد ، فلم يدغموا ؛ لأنه قد يكون في موضع التاء دال"
يريد أنّهم لو
أدغموا في : محتد لقالوا : محدّ فيشبه مقرّ ، وما أشبهه مما عينه ولامه من جنس
واحد.
قوله : "
فإن وقع حرف مع ما هو من مخرجه ، أو قريب من مخرجه مبتدأ أدغموا وألحقوا الألف
الخفيفة"
يريد : الفعل
الماضي ؛ لأن التاء في الفعل الماضي مبتدأة ليس قبلها شيء.
وقوله : "
وأدغموا".
يعني : وإن
أرادوا الإدغام ؛ لأن الإدغام غير لازم والألف الخفيفة
يريد بها : ألف
الوصل في اطوع وما أشبهه.
وقوله : فأما
الأفعال المضارعة فأرادوا أن يخلّصوها من باب فعل وأفعل.
يريد أنّهم لم
يدخلوا ألف الوصل على الفعل المستقبل فيشبه فعل ، يعني الفعل الماضى فى : اطّيّروا
، وادارءوا أو يشبه افعل إذا أمرت من : اطير وادرأ ، فقلت : اطير ، وادرأ ؛ لأن
أصله في الأمر : تدارأ ، وتطيّر إذا أذهبت ألف الوصل.
وقال ولا يجوز
حذف حرف جاء لمعنى المخاطبة والتأنيث.
يريد أنّهم لو
حذفوا التاء الأولى لكانوا قد حذفوا حرفا جاء لمعنى ينفرد به وهو الخطاب إذا قلت :
يا زيد لا تتكلم ، والتأنيث في قولنا هند تتكلم.
قال : ولم تكن
لتحذف الذال وهي من نفس الحرف.
يعني في تدأل
إذا قلت : تدل ، وفي تدع ، ولم تكن لتقلب التاء دالا وتدغم فيعسر الحرف بالتغيير
ودخول ألف الوصل ، ولم يروا ذلك محتملا إذا كان البيان عربيّا ، فلذلك تركت التاء
التي للخطاب والاستقبال وهي الأولى على حالها ولم تغير فاعلمه.
هذا باب الحروف التي
يضارع بها حرف من موضعها والحرف الذي يضارع به ذلك
الحرف وليس من موضعه
ليقربوه مما بعده
أما الحرف الذي
يضارع به فهو الصاد ، والحرف الذي من موضعه الزاي ، وشرطه أن تسكن الصاد وبعدها
دال كقولك : مصدر وأصدر والتصدير ، وليس يلزمك أن تجعل الصاد
الساكنة ، التي بعدها الدال بين الصاد والزاي ، بل لك في ذلك ثلاثة أوجه :
ـ إن شئت
جعلتها صادا خالصة.
ـ وإن شئت
قلبتها زايا خالصة.
ـ وإن شئت
قلبتها حرفا بين الصاد والزاي.
لأن الصاد
مهموسة رخوة مطبقة فنبت الصاد عن الدال ـ لما بينهما من هذه
المخالفة ـ بعض
النبو ، فجعل مكان الصاد حرف بين الصاد والدال والزاي الذي هو من مخرجها ، يقارب
الدال ويوافقها في بعض صفات الدال لتكون أشد ملاءمة للدال وأقل نبوا عنها من
الصاد.
وذلك الحرف هو
الزاي ، وهي مجهورة غير مطبقة ، فوافقت الدال بالجهر وعدم الإطباق ، ووافقت الصاد
بالمخرج والصفير.
فمن قلب الصاد
زايا خالصة ، فلما ذكرناه من موافقة الزاي للصاد والدال.
ومن جعلها بين
الصاد والزاي ، فإنه كره أن يقلبها زايا خالصة ، فيذهب الإطباق الذي في الصاد ،
والإطباق فضيلة فيكون إجحافا بها.
وبين أن الصاد
إذا تحركت لم يجز بدلها ؛ لأن الحركة بعد الحرف المتحرك في التقدير ، فصار بين
الصاد والدال حاجز ، وصار ما بينهما من التنافر والنبو أخف ، لأنه إنما ينافره
وينبو عنه بالاجتماع ، فأجازوا فيه أضعف الأمرين وهو أن ينحى بالصاد نحو الزاي ،
وذلك مستمر في كل صاد متحركة بعدها دال ، ولا يجوز قلبها زايا خالصة إلا في ما سمع
من العرب.
فإذا فصل بين
الصاد والدال بأكثر من حركة ، لم يلزم جواز جعلها بين الصاد والزاي ، ولم يستمر
ذلك ، ولم يقل إلا في ما سمع نحو : مصادر والصّراط ؛ لأن الطاء كالدال وقد قلبوها
زايا في الصّراط ، وذلك غير مطرد.
والمضارعة
بالصاد ، والزاي هاهنا حين بعدت من الدال كقولهم : صويق ، ومصاليق ، فأبدلوا السين
صادا كما أبدلوها حين لم يكن بينهما شيء في سقت ونحوها ، وذلك أن القاف إذا كانت
بعد السين في كلمة واحدة ، فبعض العرب تقلب السين صادا إن كانت القاف إلى جنب
السين ، وإن كان بينهما حاجز كقولك : صقت ، وصبقت ، وصملق في : سقت ، وسبقت وسملق.
فشبهوا الصاد ـ
التي بينها وبين الدال بعد في كلمة واحدة بالسين التي بينها وبين القاف بعد في قلب
القاف إياها صادا على بعدها ، فصار ، مصادر والصراط ، كصدر كما أن سملق ، وسبق
كسقت ، فاعلم ذلك.
هذا باب تقلب فيه
السين صادا في بعض اللغات
فرق سيبويه في
هذا الباب بين قلب السين صادا مع القاف ، وبين قلب التاء طاء مع
القاف ، بأشياء منها : أن الذي بين السين والصاد من الموافقة ، أكثر مما
بين التاء والطاء والثاء والظاء ؛ لأن السين كالصاد في الهمس والصفير والرخاوة
فإنما يخرج من السين إلى الصاد في سقت ونحوه ؛ لأنها مثلها في كل شيء إلا الإطباق.
ثم أبطل قلب
التاء في نتق وقلب الثاء ظاء بأن قال : قلب السين صادا قبل القاف ليس بالمختار ،
ولا بالكثير في كلامهم.
وإنما يتكلم به
بنو العنبر مع أقرب من القاف ، وما بين الصاد والسين من المشابهة والموافقة.
فإذا كان قلب
السين صادا ليس بالمختار مع ما بينهما ، كان ما دونه باطلا غير جائز.
ومما فصل به
بين السين وبين التاء والثاء ، أن السين قد ضارعوا بها حرفا من مخرجها ـ يعني
الزاي ـ لأنها من مخرج السين بما هو غير مقارب لمخرجها يعني : ضارعوا الزاي بالشين
والجيم ، وهما غير متقاربين لمخرج السين.
وقوله : "
وإنما بينه وبين القاف مخرج واحد".
يعني : بين
الشين والجيم ـ وهما من مخرج واحد ـ وبين القاف مخرج واحد وهو مخرج الكاف.
وقوله : "
فقربوا من هذا المخرج ما يتصعد إلى القاف".
معناه : قربوا
من مخرج الزاي ، السين بأن قلبوا السين صادا ليتصعدوا إلى القاف ، فلما كان في
مخرج السين الزاي وهو مضارع بالشين والجيم القريبتين من القاف ، ولم يكن في مخرج
التاء والثاء حرف يضارع بما يقرب من القاف ، كان ذلك مما يقوي حكم السين في قلبها
صادا مع القاف.
ومما فصل به
بين السين وبين التاء خاصة :
أن السين :
يجوز أن يبدل منها حرف من مخرجها وهو الزاى ولا يجوز أن يبدل من التاء حرف من
مخرجه ، وذلك قولهم في التسدير : التزدير ، ولا يجعل مكان الثاء في قولك : التثدير
، التّزدير فيجعل مكان الثاء ذال.
ووقع في الكتاب
: التثدير ، ولم يعرف له معنى في اللغة ، ولو وقع مكانه التثدين ـ وهو كثرة اللحم
على الرجل ـ كان أوجب ؛ لأن له معنى مفهوما.
يقال : رجل
مثّدن ، إذا كان كثير اللحم فاعلمه.
هذا باب ما كان شاذّا
مما خففوا على ألسنتهم وليس بمطرد
كلام سيبويه في
هذا الباب بين. وأنا أذكر بعض ما أتى به لأبسطه وأزيده بيانا.
فمن ذلك : ستّ
، وهو شاذ ، وأصله : سدس ، والدليل على شذوذه أنّه لو كان يلزم فيه
الإدغام لوقوع الدال الساكنة بين السينين لكان يلزم في سدس الشيء ست ، وفي
سدس أظماء الإبل : ست ، وذلك لا يقوله أحد ، وإنما شذ ستّ وستة في الإدغام ؛
لأنهما اسمان للعدد وبعدهما في الكلام كثير ، فاستثقلوا السينين المتطرفتين
وبينهما دال والدال قريبة المخرج من السين فكأنها ثلاث سينات ، والدال تدغم في
السين.
فلو أدغموا على
ما يوجبه حكم الإدغام لوجب أن يقال : سسّ ، فكرهوا ذلك. وقد هربوا من سينين بينهما
دال وكرهوا أن يقلبوا السين دالا ويدغموا الدال في الدال فرارا من قلب الثاني إلى
جنس الأول.
ولو فعلوا ذلك
فقالوا : سد لصار كأنهم أدغموا السين في الدال ، والسين لا تدغم في الدال من أجل
الصفير ، فقلبوا السين إلى أشبه الحروف بها ـ من مخرج الدال ـ وهو التاء ؛ لأن
التاء والسين مهموستان ، فصارت سدت ، ثم أدغموا الدال في التاء لأنهما من مخرج
واحد.
ومن الشاذ
قولهم : عدّان ، جمع عتود وهو التيس ، وفيه لغتان عتدان ، وعدّان.
فعدّان شاذ
كشذوذ ود في : وتد ؛ لأنهما في كلمة ، فيجوز أن يتوهم أن المشدد عين ولام في
الأصل.
وقوله : وإنما
يفرون بها إلى موضع تتحرك فيه.
يريد : أنّهم
يختارون في مصدر وتد ووطد : تدة وطدة ولا يختارون وتدا ولا وطدا لسكون التاء
والطاء وبعدهما الدال ، وذلك مستثقل.
وقوله : وهذا
شاذ مشّبه بما ليس مثله يعني : ودّ وعدان شاذان وقد شبه بيهدي ويقدي في إدغام تاء
يهتدي ، ويقتدى في الدال ـ وتاؤهما زائدة ولا يقع في بابه لبس لأنه يعلم أنّه
يفتعل ، وليس كذلك" ودّ" و" عدان".
ومن الشاذ أيضا
: تقيت وهو يتقي ويتسع
وأصل تقيت :
اتقيت على افتعلت ، فحذفوا التاء الأولى تخفيفا وهي فاء الفعل فبقيت تاء افتعلت ،
وهي متحركة فسقطت ألف الوصل.
ومستقبله على
هذا الحد : يتقي بحذف التاء الساكنة من يتقي ، والأمر فيه : تق الله ، والأصل : اتقّ الله ،
فحذفت التاء الساكنة وسقطت ألف الوصل لتحرك التاء بعدها.
ويتسع مثله ،
وأصله : يتسع.
وقوله : "
وكانوا على هذا أجرأ لأنه موضع حذف وبدل" يعني أن التاء الأولى من يتقي ويتسع
أولى بالحذف من السين الأولى من أحست ، ومست ، واللام الأولى من ظلت. لأن التاء
الأولى واو وهي فاء الفعل من : وقى ، ووسع ويقع فيها حذف وبدل :
فأما الحذف ففي
المستقبل إذا قلت : تقى ويسع.
وأما البدل ؛
فإنها تبدل تاء في افتعل إذا قلت : اتقى واتسع. كما تقول : اتّزن واتعد وشبهه.
ومن الشاذ
قولهم : استخذ فلان أرضا
وفيه وجهان :
ـ أحدهما : أن
يكون اتخذ بتشديد التاء ووزنه افتعل أبدل من التاء الأولى ـ وهي تاء الفعل ـ السين
كما أبدلت التاء من السين في ستّ ، وأصلها سدس.
ـ ويقوي هذا :
حذفهم التاء الأولى من يتقي ويتسع وليس إبدال السين من التاء على ما بينهما من
الاشتراك في الهمس وتقارب المخرجين بأشد من حذفها في تقيت ويتّقي ، وذلك لاستثقال
التشديد وكراهيتهم له.
وشبه إبدال
التاء الأولى في اتّخذ سينا ـ باتخذ لما بين التاء والسين من الشبه ـ بقلب بعض
العرب الضاد لاما في الطجع.
يريد : اضطجع
استثقالا للحرفين المطبقين وهما الضاد والطاء ، واختاروا اللام لمشاركتها الضاد في
الإعراب والمقاربة.
والوجه الثاني
: أن يكون أصله : استخذ على استفعل فحذفوا التاء الساكنة ؛ لأنهم لو حذفوا الأولى
اجتمع ساكنان وأخرجهم ذلك إلى تغيير آخر.
وفى بعض النسخ
في آخر الباب زيادة ، وذلك قوله : " بلعنبر وبلحارث" وعلماء بنو فلان.
وقال الشاعر :
* وما غلب القيسيّ من سوء سيرة
|
|
ولكن طفت
علماء غرلة خالد
|
وقال :
* فما أصبحت علّرض نفس بريّة
|
|
ولا غيرها
إلّا سلمان بالهاد
|
يريد : على
الأرض.
فأما بلعنبر
وبلحارث فأصله : بنو العنبر ، وبنو الحارث فلما تحركت النون وبعدها اللام ساكنة ،
وسقطت الواو لاجتماع الساكنين فصار : بنلحارث وبنلعنبر ، كأن تحرك النون وسكون
اللام بعدها بمنزلة : مسست في تحريك السين الأولى.
وقوله : "
وهذا أبعد".
يريد الإدغام
في بلعنبر أبعد منه في مسست من جهتين :
ـ إحداهما : أن
اللام في بلعنبر من كلمة والنون من كلمة قبلها ، ومسست كلمة واحدة ، والإدغام في
كلمة أقوى منه في كلمتين.
ـ والجهة
الأخرى : أن لام المعرفة مبنية على السكون ، لا تصرف لها في الحركة ، والسينان في
مسست قد تتحرك الثانية منهما في قولك : مسّ يمسّ. وإنما يقع الإدغام في متحرك ،
والذي لا يكون إلا ساكنا لا يكون فيه إدغام.
ـ واعلم أن هذه
النون لا تحذف في مثل بني النجار وبني النمر ، وما أشبهه لأن لام المعرفة إذا ظهرت
بان مخرجها ، فظهرت النون واللام كأنها من جنس واحد لما بينهما من التجاور ؛ لأن
النون تدغم في اللام فصارتا كأنّهما سينا مسست ، ولاما ظللت.
ـ فإذا أدغمت
لام المعرفة في حرف آخر باين ذلك الحرف النون ، وأيضا فإن لام المعرفة إذا أدغمت
فأبدلت للإدغام فقد أعلت ، فكرهوا حذف ما قبلها لئلا يدخلوا علة على علة فاعلم
ذلك. وصلّى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
* * *
فهرس الموضوعات
التعريف بصاحب
الكتاب
|
٣
|
باب الفعل الذي
يتعدى اسم الفاعل الى السم
المفعول
|
٦٠
|
المقدمة
|
٧
|
باب ما تخبر فيه
بالنكرة عن النكرة
|
٧٠
|
باب علم ما الكلم من
العربية
|
١٣
|
باب ما أجري مجرى
ليس في بعض المواضع
|
٧٠
|
باب مجاري أواخر
الكلم من العربية
|
١٦
|
بلغة أهل الحجاز ...
وذلك الحرف ((ما))
|
٧٦
|
فصل
|
٢٤
|
قول سيبويه ـ رحمه
الله ـ فسره شارح الكتاب.
|
٧٨
|
فصل
|
٢٧
|
باب ما يجري على
الموضع لا على الاسم الذي قبله
|
٧٩
|
فصل
|
٢٩
|
باب الإضمار في ليس
|
٨١
|
فصل
|
٣٠
|
باب ما عمل عمل
الفعل ولم يجر مجراه ـ وهو باب التعجب ـ
|
٨٤
|
باب المسند والمسند
إليه
|
٣١
|
باب الفاعلين
والمفعولين
|
٨٨
|
باب اللفظ للمعاني
|
٣١
|
باب ما يكون فيه
الاسم مبنيّا على الفعل
|
٨٨
|
باب ما يكون في
اللفظ من الأعراض
|
٣٢
|
باب ما يجري مما
يكون ظرفا هذا المجرى
|
٨٩
|
باب الاستقامة من
الكلام والإحالة
|
٣٣
|
باب ما يختار فيه
إعمال الفعل
|
٨٩
|
باب ما يحتمل الشعر
|
٣٤
|
وذلك قولك ... رأيت
عبد الله وزيدا مررت به
|
٩٢
|
باب الحذف
|
٣٧
|
باب ما يحمل الاسم
فيه على اسم بني عليه
|
٩٣
|
باب البدل
|
٤١
|
الفعل مرة ويحمل مرة
أخرى على اسم مبني على الفعل
|
١٠٠
|
باب التقديم والتأخير
|
٤٤
|
باب ما يختار فيه
النصب وليس قبله منصوب
|
١٠٦
|
باب تغيير الإعراب
عن وجهه
|
٤٥
|
وهو باب الاستفهام
|
١١٠
|
باب تأنيث المذكر
وتذكير المؤنث
|
٤٦
|
باب ما ينتصب في
الألف
|
١١٤
|
فصل في تفسير أبيات
الباب
|
٤٦
|
باب ما جرى في
الاستفهام من أسماء الفاعلين والمفعولين مجرى الفعل
|
١١٧
|
باب الفاعل الذي لم
يتعده فعله إلى مفعول
|
٥١
|
باب الأفعال التي
تستعمل وتلغى
|
١١٩
|
باب الفاعل الذي
يتعداه فعله إلى مفعولين مما يجوز فيه الاقتصار
|
٥٢
|
هذا الباب من
الاستفهام يكون الاسم فيه رفعا
|
١١٩
|
باب الفاعل الذي
يتعداه فعله إلى مفعولين مما لا يجوز فيه الاقتصار
|
٥٧
|
باب الأمر والنهي
|
١١٤
|
باب الفاعل الذي
يتعداه فعله إلى ثلاثة مفعولين
|
٥٩
|
باب حروف أجريت مجرى
حروف
|
١١٧
|
باب المفعول الذي
يتعداه فعله إلى مفعول
|
٥٩
|
الاستفهام وهي حروف
النفي
|
١١٧
|
باب المفعول الذي
يتعداه فعله إلى مفعول
|
٥٩
|
باب من الفعل الذي
يستعمل في الاسم
|
١١٩
|
باب ما يعمل فيه
فينتصب
|
٥٩
|
ثم يبدل مكان ذلك
الاسم اسم آخر
|
١١٩
|
وهو حال وقع فيه
الفعل
|
٥٩
|
|
|
باب من الفعل يبدل فيه الآخر
|
١٢٣
|
بعد حرف
|
|
من الأول ويجري على الاسم كما يجري
أجمعون
|
١٢٣
|
باب ما يكون منصوبا على إضمار
|
١٥٩
|
باب اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل
المضارع
|
١٢٦
|
باب ما جرى على الأمر والتحذير
|
١٥٩
|
في المفعول في المعنى
|
١٢٦
|
باب ما يكون معطوفا في هذا الباب
|
١٦١
|
باب ما جرى مجرى الفاعل .. في اللفظ
لا في المعنى
|
١٢٨
|
على الفاعل المضمر في النية
|
١٦١
|
باب صار فيه الفاعل بمنزلة الذي فعل
في المعنى
|
١٣٠
|
ويكون معطوفا على المفعول
|
١٦١
|
باب من المصادر جرى مجرى الفعل
المضارع في عمله ومعناه
|
١٣٣
|
باب ما ينتصب على إضمار الفعل
|
١٦٥
|
باب الصفة المشبهة بالفاعل فيما عملت
فيه
|
١٣٤
|
المتروك إظهاره في غير الأمر والنهي
|
١٦٥
|
باب استعمال الفعل في اللفظ لا في
|
١٤١
|
باب ما يظهر فيه الفعل وينتصب الاسم
لأنه مفعول
|
١٦٧
|
المعنى لاتساعهم في الكلام والإيجاز
والاختصار
|
١٤١
|
معه ومفعول به ...
|
١٦٧
|
باب وقوع الأسماء ظروفا وتصحيح
|
١٤٢
|
باب معنى الواو فيه كمعناها
|
١٦٩
|
اللفظ على المعنى
|
١٤٣
|
في الباب الأول
|
١٦٩
|
باب ما يكون فيه المصدر حينا لسعة
الكلام والاختصار
|
١٤٣
|
باب ما يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام
|
١٧١
|
باب ما يكون من المصادر مفعولا فيرتفع
|
١٤٧
|
باب ما ينتصب من المصادر على إضمار
الفعل غير المستعمل إظهاره
|
١٧٢
|
كما ينتصب إذا شغلت الفعل به وينتصب
|
١٤٧
|
باب ما أجري من الأسماء مجرى المصادر
التي يدعى بها
|
١٧٣
|
إذا شغلت الفعل بغيره
|
١٥٠
|
وذلك قولك : تربا وجندلا
|
١٧٣
|
باب ما لا يعمل فيه ما قبله من ١٥٠
|
١٥٠
|
باب ما أجري مجرى المصادر المدعو بها
من الصفات
|
١٧٣
|
الفعل لأنه كلام قد عمل بعضه في بعض
|
١٥٢
|
وذلك : هنيئا مريئا
|
١٧٤
|
باب من الفعل سمي الفعل فيه بأسماء
|
١٥٢
|
باب ما أجري من المصادر المضافة مجرى
|
١٧٤
|
لم تؤخذ من أمثلة الفعل الحادث
|
١٥٢
|
المصادر المفردة المدعو بها من الصفات
|
١٧٥
|
باب متصرف رويد
|
١٥٢
|
باب ما ينتصب على إضمار الفعل المتروك
إظهاره
|
١٧٤
|
هذا ضرب من الفعل سمي الفعل فيه
|
١٥٣
|
من المصادر في غير الدعاء
|
١٧٧
|
بأسماء مضافة ليست من أمثلة الفعل
الحادث
|
١٥٣
|
ومن ذلك قولك : حمدا وشكرا
|
١٧٤
|
باب ما جرى من الأمر والنهي على
|
١٥٤
|
باب من المصادر ينتصب على إضمار الفعل
المتروك إظهاره
|
١٧٥
|
إضمار الفعل المستعمل إظهاره
|
١٥٤
|
ولكنها وضعت موضعا واحدا لا تتصرف
|
١٧٥
|
باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل
|
١٥٥
|
باب يختار فيه أن يكون المصادر مبتدآت
مبنيا عليها ما بعدها
|
١٧٧
|
إظهاره في غير الأمر والنهي
|
١٥٥
|
باب من النكرة يجري مجرى ما فيه الألف
|
١٧٨
|
باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل
وإظهاره
|
١٥٦
|
|
|
واللام من المصادر والأسماء
|
|
|
|
باب ما استكرهه النحويون وهو قبيح
|
١٧٨
|
وباب منه في الألف واللام
|
١٩٠
|
فوضعوا الكلام فيه على غير ما وضعته
العرب
|
١٧٨
|
وذلك قولك : أرسلها العراك
|
١٩٠
|
وذلك قولك : ويح له ، وتب وتبا له
وويحا
|
١٧٨
|
باب ما جعل من الأسماء مصدرا كالمضاف
في الباب الذي يليه
|
١٩١
|
باب ما ينتصب فيه المصدر كان فيه
الألف
|
١٧٩
|
باب ما يجعل من الأسماء مصدرا كالمصدر
الذي فيه الألف واللام
|
١٩١
|
واللام أو لم يكونا فيه .. وذلك قولك
: ما أنت إلا سيرا
|
١٧٩
|
نحو : العراك
|
١٩١
|
وما أنت إلا ضربا`
|
١٧٩
|
باب ما ينتصب لأنه حال وقع فيه الأمر
|
١٩٢
|
باب ما ينتصب من الأسماء التي أخذت من
الأفعال انتصاب الفعل
|
١٨٠
|
باب ما ينتصب من المصادر توكيدا لما
قبله
|
١٩٤
|
استفهمت أو لم تستفهم
|
١٨٠
|
وباب يكون فيه المصدر توكيدا لنفسه.
|
١٩٤
|
باب ما جرى من الأسماء التي لم تؤخذ
من الفعل
|
١٨١
|
باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال صار
فيه المذكور
|
١٩٤
|
مجرى الأسماء التي أخذت من الفعل
|
١٨١
|
باب ما يكون فيه الرفع الاختيار ووجه
الكلام في جميع اللغات
|
١٩٥
|
باب ما يجري من المصادر مثنّى منتصبا
على إضمار الفعل المتروك إظهاره
|
١٨٢
|
باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست
بصفة ولا مصادر
|
١٩٥
|
باب ما ينتصب فيه المصدر المشبه به
على إضمار الفعل المتروك إظهاره
|
١٨٤
|
لأنه حال يقع فيه الأمر ...
|
١٩٩
|
وذلك قولك : مررت به فإذا له صوت صوت
حمار
|
١٨٤
|
باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه حال يقع
فيه السعر
|
٢٠٠
|
باب ما يختار فيه الرفع
|
١٨٧
|
باب يختار فيه الرفع والنصب لقبحه أن
يكون صفة
|
٢٠٠
|
وذلك قولك : له علم علم الفقهاء ، وله
رأي رأي الأصلاء
|
١٨٧
|
باب ما ينتصب من الصفات كانتصاب
الأسماء في الباب الأول
|
٢٠١
|
باب ما يختار فيه الرفع إذا ذكرت
المصدر
|
١٨٧
|
باب ما ينتصب فيه الصفة لأنه حال وقع
فيه الأمر وفيه الألف واللّام
|
٢٠١
|
الذي يكون علاجا
|
١٨٧
|
باب ما ينتصب من الأسماء والصفات
لأنها أحوال تقع فيها الأمور
|
٢٠٢
|
باب ما الرفع فيه الوجه
|
١٨٨
|
باب ما ينتصب من الأماكن والوقت
|
٢٠٤
|
وذلك قولك : هذا صوت صوت حمار
|
١٨٨
|
باب ما يشبه من الأماكن المختصة
|
٢٠٧
|
باب ما لا يكون فيه إلا الرفع
|
١٨٨
|
باب الجر
|
٢٠٩
|
وذلك قولك : له يد يد الثور ،
|
١٨٨
|
باب مجرى النعت على المنعوت
|
٢٠٩
|
وله رأس رأس الحمار
|
١٨٨
|
والشريك على الشريك
|
٢٠٩
|
باب آخر لا يكون فيه إلا الرفع
|
١٨٨
|
باب ما أشرك بين الاسمين
|
٢١٤
|
باب ما ينتصب من المصادر لأنه عذر
لوقوع الأمر
|
١٨٩
|
|
|
باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال وقع
فيه
|
١٩٠
|
|
|
باب المبدل من المبدل منه
|
٢١٥
|
وهي معرفة لا توصف ولا تكون وصفا
|
٢٥٢
|
باب مجرى نعت المعرفة عليها
|
٢١٦
|
باب ما ينتصب ، لأنه قبيح أن يكون صفة
|
٢٥٣
|
باب بدل المعرفة من النكرة
|
٢١٩
|
باب ما ينتصب لأنه ليس من اسم ما قبله
ولا هو هو
|
٢٥٣
|
والمعرفة من المعرفة ، وقطع المعرفة
من المعرفة مبتدأة
|
٢١٩
|
باب ما ينتصب لأنه قبيح أن يوصف
|
٢٥٤
|
باب ما تجري عليه صفة ما كان من سببه
|
٢٢٠
|
باب ما يثنى فيه المستقر توكيدا
|
٢٥٥
|
باب ما جرى من الصفات على الأول
|
٢٢١
|
وليست تثنيته بالتي تمنع الرفع حاله
قبل التثنية
|
٢٥٥
|
إذا كان لشيء من سببه
|
٢٢١
|
باب الابتداء
|
٢٥٥
|
هذا باب : الرفع فيه وجه الكلام وهو
قول العامة
|
٢٢١
|
باب ما يقع موقع الاسم المبتدأ
|
٢٥٦
|
باب ما جرى من الأسماء التي تكون صفة
|
٢٢٢
|
باب من الابتداء يضمر فيه ما يبني على
المبتدأ
|
٢٥٦
|
باب ما يكون من الأسماء صفة مفردا
|
٢٢٢
|
باب يكون المبتدأ فيه مضمرا ويكون
المبني عليه مظهرا
|
٢٥٧
|
باب ما جرى من الأسماء التي من
الأفعال
|
٢٢٤
|
باب الحروف الخمسة التي تعمل في ما
بعدها
|
٢٥٧
|
باب إجراء الصفة على الاسم فيه في بعض
المواضع أحسن
|
٢٣٠
|
كعمل الفعل في ما بعده
|
٢٥٧
|
باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه لا سبيل
له إلى أن يكون صفة
|
٢٣٢
|
باب ما يحسن عليه السكوت في هذه
الأحرف الخمسة
|
٢٦٠
|
باب ما ينتصب لأنه حال صار فيه
|
٢٣٤
|
لإضمارك ما يكون مستقرّا
|
٢٦٠
|
باب ما ينتصب على التعظيم والمدح
|
٢٣٤
|
باب ما يكون محمولا على إن فيشارك
فيها الاسم الذي وليها
|
٢٦١
|
باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم
|
٢٣٦
|
ويكون محمولا على الابتداء
|
٢٦١
|
باب ما ينتصب لأنه خبر
|
٢٤٠
|
باب ما تستوي فيه الحروف الخمسة
|
٢٦٢
|
باب ما غلبت فيه المعرفة النكرة
|
٢٤١
|
باب ينتصب فيه الخبر بعد الحروف
الخمسة انتصابه
|
٢٦٢
|
باب ما يجوز فيه الرفع
|
٢٤١
|
إذا كان ما قبله مبنيّا على الابتداء
|
٢٦٢
|
مما ينتصب في المعرفة
|
٢٤١
|
باب كم
|
٢٦٥
|
باب ما يرتفع فيه الخبر لأنه مبني على
مبتدأ
|
٢٤٢
|
باب ما جرى مجرى كم في الاستفهام
|
٢٦٨
|
وينصب وفيه الخبر لأنه حال ...
|
٢٤٢
|
باب ما ينتصب نصب كم إذا كانت منونة
|
٢٦٩
|
باب ما ينتصب لأنه خبر لمعروف
|
٢٤٣
|
باب ما ينتصب انتصاب الاسم بعد
المقادير
|
٢٦٩
|
باب من المعرفة يكون فيه الاسم
|
٢٤٤
|
باب ما لا يعمل في المعروف إلا مضمرا
|
٢٧٠
|
الخاص شائعا في الأمة
|
٢٤٤
|
باب النداء
|
٢٧٢
|
باب ما يكون فيه الشيء غالبا على
|
٢٤٧
|
باب لا يكون فيه الوصف المنفرد إلا
رفعا
|
٢٧٤
|
باب ما يكون الاسم فيه بمنزلة الذي في
المعرفة
|
٢٤٩
|
ولا يقع في موضعه غير المفرد
|
٢٧٤
|
باب ما لا يكون فيه الاسم إلا نكرة
|
٢٥٠
|
باب ما ينتصب على المدح والتعظيم
|
٢٧٥
|
باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة
|
٢٥٢
|
باب ما يكون الاسم والصفة فيه بمنزلة
اسم
|
٢٧٩
|
واحد
|
|
باب يحرك فيه الحرف الذي يلي
|
٣٠١
|
باب يكرر فيه الاسم في حال الإضافة
|
٢٨١
|
المحذوف لأنه لا يلقى ساكنان
|
٣٠١
|
باب إضافة المنادى إلى نفسك
|
٢٨٢
|
باب الترخيم في الأسماء التي كل اسم
|
٣٠١
|
باب ما تضيف إليه ويكون مضافا
|
٢٨٣
|
باب ما رخمت الشعراء في غير النداء
اضطرارا
|
٣٠٢
|
باب يكون فيه النداء مضافا
|
٢٨٤
|
باب النفي بلا
|
٣٠٤
|
باب الندبة
|
٢٨٦
|
باب المنفي المضاف بلام الإضافة
|
٣٠٥
|
باب تكون فيه ألف الندبة
|
٢٨٧
|
باب ما يثبت فيه التنوين من الأسماء
المنفية
|
٣٠٦
|
تابعة لما قبلها ، وإن كان مكسورا فهي
ياء ، وإن كان مضموما فهي واو للفرق
|
٢٨٧
|
باب وصف المبني
|
٣٠٧
|
باب ما لا تلحقه الألف التي تلحق
المندوب
|
٢٨٧
|
باب لا يكون فيه الوصف إلا منونا
|
٣٠٧
|
باب ما لا يجوز أن يندب
|
٢٨٨
|
باب لا تسقط فيه النون وإن وليت لك
|
٣٠٧
|
باب ما تكون الأسماء فيه بمنزلة اسم
|
٢٨٨
|
باب ما جرى على موضع المنفي
|
٣٠٧
|
واحد ممطول وآخر الاسمين مضموم إلى
الأول بالواو
|
٢٨٨
|
باب لا تغير فيه لا الأسماء عن حالها
|
٣٠٩
|
باب الحروف التي ينبه بها المدعو
|
٢٨٨
|
باب لا يجوز فيه المعرفة إلا أن تحمل
|
٣١١
|
باب ما جرى على حرف النداء وصفا له
|
٢٨٩
|
على الموضع
|
٣١١
|
وليس بمنادى ينبهه غيره
|
٢٨٩
|
باب ما إذا لحقته" لا" لم
تغيره عن حاله
|
٣١١
|
باب من الاختصاص يجري على ما
|
٢٨٩
|
باب الاستثناء
|
٣١٤
|
جرى عليه النداء فيجيء لفظه على موضع
النداء نصبا
|
٢٨٩
|
باب الاستثناء بإلا
|
٣١٤
|
باب الترخيم
|
٢٩٢
|
باب ما يكون المستثنى فيه بدلا
|
٣١٥
|
باب ما أواخر الأسماء فيه الهاء
|
٢٩٢
|
مما نفي عنه ما أدخل فيه
|
٣١٥
|
باب يكون فيه الاسم بعد ما
|
٢٩٣
|
باب ما حمل على موضع العامل
|
٣١٧
|
باب إذا حذفت منه الهاء وجعلت الاسم
بمنزلة ما
|
٢٩٥
|
في الاسم والاسم لا على ما عمل في
الاسم
|
٣١٧
|
لم تكن فيه الهاء أبدلت حرفا مكان
الحرف الذي يلي الهاء
|
٢٩٥
|
باب النصب في ما يكون المستثنى بدلا
|
٣١٨
|
باب ما يحذف من آخره حرفان
|
٢٩٨
|
باب يختار فيه النصب لأن الآخر
|
٣١٩
|
باب يكون فيه الحرف الذي من نفس الاسم
|
٢٩٩
|
ليس من نوع الأول وهو لغة أهل الحجاز
|
٣١٩
|
وما قبله بمنزلة زائد وقع وما قبله
جميعا
|
٢٩٩
|
باب ما لا يكون إلا على معنى ولكن
|
٣٢٢
|
باب تكون الزوائد فيه بمنزلة ما هو
|
٢٩٩
|
باب ما تكون فيه أنّ وأن مع
|
٣٢٥
|
من نفس الحرف
|
٢٩٩
|
صلتهما بمنزلة غيرهما من الأسماء
|
٣٢٥
|
باب تكون فيه الزوائد أيضا
|
٣٠٠
|
باب ما لا يكون المستثنى فيه إلا نصبا
|
٣٢٦
|
باب إذا طرحت منه الزائدتان رجعت حرفا
|
٣٠٠
|
لأنه مخرج مما أدخلت فيه غيره
|
٣٢٦
|
|
|
باب ما تكون فيه" إلا" وما
بعدها
|
٣٢٦
|
|
|
وصفا بمنزلة غير ومثل
|
٣٢٦
|
|
|
باب ما يتقدم فيه المستثنى
|
٣٢٨
|
|
|
باب ما يكون فيه المستثنى الثاني
بالخيار
|
٣٢٩
|
وذلك قولك : ما لي إلا زيدا صديق
وعمرا وعمرو
|
٣٢٩
|
باب ما يحسن أن يشرك المظهر المضمر
|
٣٤٥
|
باب تثنية المستثنى
|
٣٢٩
|
في ما عمل فيه وما يقبح أن يشركه
|
٣٤٥
|
وذلك قولك : ما أتاني إلا زيد إلا
عمرا
|
٣٢٩
|
باب ما ترده علامة الإضمار إلى أصله
|
٣٤٦
|
باب ما يكون مبتدأ بعد إلا
|
٣٣١
|
باب ما لا يجوز فيه الإضمار من حروف
الجر
|
٣٤٧
|
وذلك قولك : ما مررت بأحد إلا زيد خير
منه باب غير
|
٣٣٢
|
وذلك الكاف الذي في أنت كزيد وحتى ومذ
|
٣٤٧
|
باب ما أجري على موضع غير
|
٣٣٢
|
باب ما تكون فيه" أنت" و "أنا"
و "نحن"
|
٣٤٨
|
لا على ما بعد غير
|
٣٣٢
|
وما أشبهها وصفا
|
٣٤٨
|
باب يحذف المستثنى فيه استخفافا
|
٣٣٣
|
باب من البدل أيضا
|
٣٤٩
|
وذلك قولك : ليس غير وليس إلا
|
٣٣٣
|
وذلك قولك : ما رأيته إياه نفسه
وضربته إياه قائما
|
٣٤٩
|
باب" لا يكون" و "ليس"
وما أشبههما
|
٣٣٤
|
باب ما تكون فيه هو وأخواتها فصلا
|
٣٥٠
|
باب علامة المضمرين وما يجوز فيهن
كلهن
|
٣٣٥
|
باب لا تكون فيه هو وأخواتها فصلا
|
٣٥١
|
باب استعمالهم علامة الإضمار
|
٣٣٧
|
ولكن يكن بمنزلة اسم مبتدأ ، وذلك
قولك : ما أظن
|
٣٥١
|
الذي لا يقع موقع ما يضمر في الفعل
إذا لم يقع موقعه
|
٣٣٧
|
أحدا هو خير منك
|
٣٥١
|
فمن ذلك قولهم : كيف أنت؟ وأين هو؟
|
٣٣٧
|
باب أي
|
٣٥١
|
باب علامة المضمرين المنصوبين
|
٣٣٨
|
باب" أي" مضافا على القياس
|
٣٥٣
|
باب استعمالهم" أيا" إذا لم
تقع مواقع
|
٣٣٨
|
وذلك قولك : اضرب أيهم هو أفضل
|
٣٥٣
|
الحروف التي ذكرنا
|
٣٣٨
|
باب" أي" مضافا إلى ما لا
يكون اسما إلا بصلة
|
٣٥٣
|
باب ما يجوز في الشعر من إيا"
ولا يجوز في الكلام
|
٣٤٠
|
فمن ذلك قولك : أي من رأيت أفضل
|
٣٥٣
|
من ذلك قول حميد الأرقط :
|
٣٤٠
|
بابا" أي" إذا كنت مستفهما
عن نكرة
|
٣٥٤
|
باب علامة إضمار المجرور
|
٣٤٠
|
هذا باب : " من" إذا كنت
مستفهما عن نكرة
|
٣٥٥
|
باب إضمار المفعولين اللّذين تعدّى
|
٣٤١
|
باب ما لا يحسن فيه" من"
كما حسن في ما قبله
|
٣٥٦
|
إليهما فعل الفاعل
|
٣٤١
|
باب اختلاف العرب في الاسم العلم
|
٣٥٦
|
باب لا تجوز فيه علامة المضمر المخاطب
|
٣٤١
|
إذا استفهمت عنه" بمن"
|
٣٥٧
|
ولا المتكلم ولا الغائب
|
٣٤١
|
باب من إذا أردت أن يضاف لك من تسأل
عنه
|
٣٥٧
|
لا يجوز أن تقول : أضربك ولا ضربتك
|
٣٤١
|
باب إجرائهم صلة" من"
وخبرها إذا عنيت
|
٣٥٧
|
باب علامة إضمار المنصوب
|
٣٤٣
|
اثنين كصلة اللذين ، وإذا عنيت جماعة
كصلة الذين
|
٣٥٨
|
المتكلم والمجرور المتكلم
|
٣٤٣
|
باب إجرائهم" ذا"
بمنزلة" الذي"
|
٣٥٨
|
باب ما يكون مضمرا فيه الاسم
|
٣٤٤
|
وإجرائهم إياه مع" ما"
بمنزلة اسم واحد
|
٣٥٨
|
متحولا عن حاله إذا أظهر بعده الاسم
|
٣٤٤
|
باب ما تلحقه الزيادة في الاستفهام
|
٣٥٩
|
باب إعراب الأفعال المضارعة للأسماء
|
٣٥٩
|
باب الحروف التي تنزل منزلة
|
٣٩٦
|
باب الحروف التي تضمر فيها"
أن"
|
٣٦٠
|
الأمر والنهي لأن فيها معنى الأمر
والنهي
|
٣٩٦
|
باب ما يعمل في الأفعال فيجزمها
|
٣٦١
|
باب الأفعال في القسم
|
٣٩٧
|
باب وجه دخول الرفع في هذه
|
٣٦٢
|
باب الحروف التي لا تقدم فيها الأسماء
|
٣٩٩
|
الأفعال المضارعة الأسماء
|
٣٦٢
|
باب الحروف التي لا يليها بعدها إلا
الفعل
|
٤٠٠
|
باب إذن
|
٣٦٣
|
باب الحروف التي يجوز أن يليها
|
٤٠١
|
باب حتى
|
٣٦٤
|
بعدها الأسماء ويجوز أن يليها بعدها
الأفعال
|
٤٠١
|
باب الرفع في ما اتصل بالأول كاتصاله
بالفاء
|
٣٦٦
|
باب نفي الفعل
|
٤٠٢
|
وما انتصب لأنه غاية. تقول سرت حتى
أدخلها
|
٣٦٦
|
باب ما يضاف إلى الأفعال من الأسماء
|
٤٠٢
|
وقد سرت حتى أدخلها
|
٣٦٦
|
باب إنّ وأنّ
|
٤٠٣
|
باب ما يكون العمل فيه من اثنين
|
٣٦٨
|
باب من أبواب أنّ
|
٤٠٣
|
باب الفاء
|
٣٦٩
|
باب آخر من أبواب أنّ
|
٤٠٥
|
باب الواو
|
٣٧٤
|
باب آخر من أبواب أنّ
|
٤٠٥
|
باب أو
|
٣٧٦
|
باب إنما
|
٤٠٧
|
باب اشتراك الفعل في أن
|
٣٧٨
|
باب تكون فيه" أن" بدلا من
شيء هو الآخر
|
٤٠٨
|
وانقطاع الآخر من الأول الذي عمل فيه
أن
|
٣٧٨
|
وذلك قولك : بلغتني قصتك أنك فاعل
|
٤٠٨
|
باب الجزاء
|
٣٨٠
|
باب تكون فيه أن بدلا من شيء ليس
بالآخر
|
٤٠٨
|
باب الأسماء التي يجازى بها
|
٣٨٥
|
باب من أبواب أنّ تكون فيه أنّ مبنية
على ما قبلها
|
٤٠٩
|
وتكون بمنزلة الذي
|
٣٨٥
|
باب من أبواب إن
|
٤١٣
|
باب ما تكون فيه الأسماء التي
|
٣٨٦
|
باب آخر من أبواب إنّ
|
٤١٤
|
يجازى بها بمنزلة الذي
|
٣٨٦
|
باب آخر من أبواب إن
|
٤١٤
|
باب يذهب فيه الجزاء من
|
٣٨٧
|
باب آخر من أبواب إن
|
٤١٥
|
الأسماء كما ذهب في إن وكان
|
٣٨٧
|
باب "أن" و "إن"
|
٤١٦
|
باب إذا ألزمت فيه الأسماء
|
٣٨٩
|
باب من أبواب "أن" التي
تكون والفعل بمنزلة مصدر
|
٤١٦
|
التي تجازى بها حروف الجر لم تغيرها
عن الجزاء
|
٣٨٩
|
باب ما تكون فيه "أن"
بمنزلة "أي"
|
٤٢٠
|
باب الجزاء إذا أدخلت فيه ألف
الاستفهام
|
٣٩٠
|
باب آخر تكون أن فيه مخففة
|
٤٢١
|
باب الجزاء إذا كان القسم في أوله
|
٣٩٠
|
باب أم وأو
|
٤٢٢
|
باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما
|
٣٩١
|
هذا الباب ترجمة لما يأتي بعده مفصلا
إن شاء الله
|
٤٢٢
|
باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل
|
٣٩٣
|
باب "أم" إذا كان الكلام
بها بمنزلة أيهم وأيهما
|
٤٢٢
|
إذا كان جوابا لأمر أو نهي أو استفهام
أو عرض أو تمن
|
٣٩٣
|
باب أم منقطعة
|
٤٢٣
|
باب أو
|
٤٢٥
|
وما يضاف إلى الأم والأب
|
٤٤٦
|
باب آخر من أبواب أو
|
٤٢٦
|
باب ما لا يقع إلا اسما للقبيلة
|
٤٤٩
|
باب أو في غير الاستفهام
|
٤٢٧
|
باب أسماء السّور
|
٤٥٠
|
باب "الواو" التي تدخل
عليها ألف الاستفهام
|
٤٢٩
|
باب تسمية الحروف والكلم
|
٤٥٠
|
باب تبيان "أم" لم دخلت
عليه حروف الاستفهام
|
٤٣٠
|
باب تسمية الحروف بالظروف
|
٤٥٣
|
باب ما ينصرف وما لا ينصرف باب أفعل
|
٤٣١
|
وغيرها من الأسماء
|
٤٥٣
|
باب أفعل إذا كان اسما
|
٤٣٢
|
باب ما جاء معدولا عن حده من المؤنث
كما جاء المذكر معدولا
|
٤٥٤
|
باب ما كان من أفعل (صفة في بعض)
اللغات
|
٤٣٣
|
باب تغيير الأسماء المبهمة إذا صارت
أعلاما خاصة
|
٤٥٨
|
واسما في أكثر الكلام
|
٤٣٣
|
باب الظروف المبهمة غير المتمكنة
|
٤٦٠
|
باب أفعل منك
|
٤٣٤
|
باب الأحيان في الانصراف وغير
الانصراف
|
٤٦٢
|
باب ما لا ينصرف من الأمثلة وما ينصرف
|
٤٣٤
|
باب الألقاب
|
٤٦٣
|
باب ما ينصرف من الأفعال إذا سمّيت به
رجلا
|
٤٣٥
|
باب الاسمين اللذين ضم أحدهما إلى
الآخر
|
٤٦٣
|
باب ما لحقته الألف في آخره
|
٤٣٧
|
باب ما ينصرف وما لا ينصرف من بنات
|
٤٦٧
|
فمنعه ذلك من الانصراف
|
٤٣٧
|
الياء والواو إذا كانتا لامين
|
٤٦٧
|
باب ما لحقته ألف التأنيث بعد ألف
|
٤٣٧
|
باب إرادة اللفظ بالحرف الواحد
|
٤٧٠
|
فمنعه ذلك من الانصراف في المعرفة والنكرة
|
٤٣٧
|
باب الحكاية التي تغيّر الأسماء فيها
|
٤٧١
|
باب ما لحقته نون بعد ألف فلم ينصرف
|
٤٣٨
|
باب الإضافة وهو باب النسبة
|
٤٧٢
|
في معرفة ولا نكرة
|
٤٣٨
|
باب ما حذف الياء والواو فيه القياس
|
٤٧٥
|
باب ما لا ينصرف من المعرفة مما ليست
نونه
|
٤٣٨
|
باب الإضافة إلى كل اسم على
|
٤٧٥
|
بمنزلة الألف في : بشرى
|
٤٣٨
|
أربعة أحرف فصاعدا
|
٤٧٦
|
باب هاءات التأنيث
|
٤٣٩
|
باب الإضافة إلى كل شيء من بنات الياء
والواو
|
٤٧٦
|
باب ما ينصرف في المذكّر ألبتّة مما
ليس في
|
٤٣٩
|
إذا كان على ثلاثة أحرف
|
٤٧٦
|
آخره هاء التأنيث
|
٤٣٩
|
باب الإضافة إلى فعيل أو فعيل من
|
٤٧٦
|
باب فعل
|
٤٣٩
|
بنات الياء والواو
|
٤٧٦
|
باب ما كان على مفاعل أو مفاعيل
|
٤٤١
|
باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ياء
أو
|
٤٧٦
|
باب تسمية المذكر بلفظ الاثنين
|
٤٤٢
|
واوا وكان الحرف الذي قبلها ساكنا
|
٤٧٦
|
والجمع المسلّم
|
٤٤٢
|
باب الإضافة إلى كلّ شيء لامه واو أو
ياء
|
٤٧٧
|
باب الأسماء الأعجميّة
|
٤٤٣
|
وقبلها ألف ساكنة
|
٤٧٧
|
باب تسمية المذكر بالمؤنث
|
٤٤٣
|
باب الإضافة إلى كل اسم آخره ألف
مبدلة
|
٤٧٨
|
باب تسمية المؤنث
|
٤٤٤
|
باب الإضافة إلى كلّ شيء كان آخره
|
٤٧٨
|
باب تسمية الأرضين
|
٤٤٥
|
ألفا زائدة لا تنون
|
٤٧٨
|
باب أسماء القبائل والأحياء
|
٤٤٦
|
|
|
وما يضاف إلى الأم والأب
|
٤٤٦
|
|
|
باب الإضافة إلى كل اسم كان آخره ألفا
وكان
|
٤٧٨
|
باب التصغير
|
٤٩٢
|
على خمسة أحرف
|
٤٧٨
|
باب تصغير ما كان على خمسة أحرف
|
٤٩٢
|
باب الإضافة إلى بنات الحرفين
|
٤٧٩
|
باب تصغير المضاعف
|
٤٩٣
|
باب ما لا يجوز فيه من بنات الحرفين
إلا الرد
|
٤٧٩
|
باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف
ولحقته الزيادة للتأنيث
|
٤٩٣
|
باب الإضافة إلى ما فيه الزيادة من
بنات الحرفين
|
٤٨٠
|
باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف
ولحقته ألف التأنيث بعد ألف
|
٤٩٣
|
باب الإضافة إلى ما ذهبت فاؤه من بنات
الحرفين
|
٤٨٢
|
باب تحقير ما كان على أربعة أحرف فلحقته
ألف التأنيث
|
٤٩٣
|
باب الإضافة إلى كل اسم ولي آخره
|
٤٨٣
|
باب ما يحقر على تكسيرك إياه لو كسرته
|
٤٩٤
|
ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى
|
٤٨٣
|
للجمع على القياس لا على التكسير
للجمع على غيره
|
٤٩٤
|
باب ما لحقته الزيادة للجمع
|
٤٨٣
|
باب ما يحذف في التحقير من بنات
الثلاثة
|
٤٩٤
|
باب الإضافة إلى كل اسم لحقته التاء
للجمع
|
٤٨٣
|
باب ما تحذف منه الزوائد من بنات
الثلاثة
|
٤٩٦
|
باب الإضافة إلى الاسمين أحدهما إلى
الآخر
|
٤٨٣
|
باب تحقير ما كان من الثلاثة فيه
زائدتان
|
٤٩٦
|
باب الإضافة إلى الحكاية
|
٤٨٣
|
باب تحقير ما ثبتت زيادته من بنات
الثلاثة في التحقير
|
٤٩٧
|
باب الإضافة إلى الجمع
|
٤٨٤
|
باب ما يحذف في التحقير من زوائد بنات
الأربعة
|
٤٩٧
|
باب ما يصير إذا كان علما في الإضافة
|
٤٨٥
|
باب تحقير ما أوّله ألف الوصل من بنات
الأربعة
|
٤٩٨
|
باب من الإضافة تحذف فيه ياءي الإضافة
|
٤٨٥
|
باب تحقير بنات الحرفين
|
٤٩٨
|
وذلك إذا جعلته صاحب شيء بزواله أو ذا
شيء
|
٤٨٥
|
باب تحقير ما كانت فيه تاء التأنيث
٤٩٩
|
٤٩٩
|
باب ما يكون مذكرا يوصف به المؤنث
|
٤٨٦
|
باب تحقير ما حذف منه ولا يرد في
التحقير ما حذف منه
|
٥٠٠
|
باب التثنية
|
٤٨٦
|
باب تحقير كل حرف كان فيه بدل
|
٥٠٠
|
باب تثنية الممدود
|
٤٨٧
|
فإنّ ذلك البدل يحذف
|
٥٠٠
|
باب ما لا يجوز فيه التثنية والجمع
المسلّم
|
٤٨٧
|
باب تحقير ما كانت الألف فيه بدلا من
عينه
|
٥٠١
|
باب جمع الاسم الذي في آخره هاء
التّأنيث
|
٤٨٧
|
باب تصغير الأسماء التي تثبت الإبدال
فيها
|
٥٠١
|
باب جمع الرجال والنساء
|
٤٨٨
|
باب تصغير ما كان فيه قلب
|
٥٠٢
|
باب يجمع فيه الاسم إن كان لمذكر أو
لمؤنث بالتاء
|
٤٩٠
|
باب تحقير كل اسم كانت عينه واوا
وكانت العين ثانية أو ثالثة
|
٥٠٣
|
باب ما يكسر مما كسّر للجمع وما لا
يكسر
|
٤٩٠
|
باب تحقير بنات الياء والواو اللاتي
لاماتهن ياءات أو واوات
|
٥٠٤
|
باب جمع الأسماء المضافة
|
٤٩٠
|
|
|
باب من الجمع بالواو والنون وتكسير
الاسم
|
٤٩٠
|
|
|
باب ما لا يتغير في الإضافة إلى الاسم
|
٤٩١
|
|
|
إذا جعلته اسم رجل أو امرأة وما يتغير
|
٤٩١
|
|
|
باب إضافة المنقوص إلى الياء التي هي
علامة المجرور المضمر
|
٤٩٢
|
|
|
باب تحقير كلّ اسم كان من شيئين
|
٥٠٦
|
والمذكّر
|
٥٣١
|
باب ما يجري في الكلام مصغّرا وترك
تكبيره لأنه عندهم مستصغر
|
|
باب الاسم الذي تتبين فيه العدّة كم
هي
|
٥٣١
|
باب ما يحقر لدنوه من الشيء وليس مثله
|
٥٠٦
|
مع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ
|
٥٣٢
|
باب تحقير كل اسم ثانيه ياء
|
٥٠٦
|
باب المؤنث الذي يقع على
|
٥٣٢
|
باب تحقير المؤنث
|
٥٠٧
|
المذكر والمؤنث وأصله التأنيث
|
٥٣٤
|
باب ما يحقّر على غير بناء مكبّره
والمستعمل في الكلام
|
٥١٠
|
باب ما لا يحسن أن تضيف إليه الأسماء
|
٥٣٤
|
باب تحقير الأسماء المبهمة
|
٥٠٧
|
التي تبيّن بها العدد
|
٥٣٥
|
باب تحقير ما كسّر عليه الواحد للجمع
|
٥٠٨
|
باب تكسير الواحد للجمع
|
٥٤١
|
باب ما كسّر على غير واحده المستعمل
في الكلام
|
٥٠٩
|
باب ما يكون واحدا يقع للجمع
|
٥٤٢
|
باب تحقير ما لم يكسّر عليه الواحد
|
٥١٠
|
باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء
والواو
|
٥٤٢
|
وهو ما كان اسما للجمع
|
٥١٠
|
التي الياءات والواوات فيهنّ عينات
|
٥٤٤
|
باب حروف الإضافة إلى المحلوف به
وسقوطها
|
٥١٠
|
باب ما يكون واحدا يقع على الجمع
|
٥٤٤
|
باب ما يكون فيه ما قبل المحلوف
|
٥١١
|
من بنات الياء والواو
|
٥٤٤
|
عوضا من اللّفظ بالواو
|
٥١٢
|
باب ما هو اسم واحد يقه على جميع
|
٥٤٤
|
باب ما عمل بعضه في بعض وفيه معنى
القسم
|
٥١٢
|
وفيه علامة التأنيث
|
٥٤٥
|
باب ما يذهب التّنوين فيه من الأسماء
|
٥١٣
|
باب ما كان على حرفين وليست فيه علامة
التأنيث
|
٥٤٦
|
لغير إضافة ولا ألف ولام
|
٥١٤
|
باب تكسير ما عدته
|
٥٤٦
|
باب يحرّك فيه التّنوين في الأسماء
الغالبة
|
٥١٤
|
أربعة أحرف للجمع
|
٥٥١
|
باب النّون الثقيلة والخفيفة
|
٥١٥
|
باب ما يجمع من المذكر بالتاء لأنه
يصير
|
٥٥١
|
باب أحوال الحروف التي قبل النّون
الخفيفة والثّقيلة
|
٥١٥
|
إلى تأنيث إذا جمع
|
٥٥١
|
باب الوقف عند النون الخفيفة
|
٥١٨
|
باب ما جاء بناء جمعه على غير ما يكون
|
٥٥١
|
باب النّون الثّقيلة والخفيفة في فعل
|
٥١٨
|
فى مثله ولم يكسر هو على ذلك البناء
|
٥٥١
|
الاثنين وجماعة النّساء
|
٥١٩
|
باب ما عدة حروفه خمسة أحرف
|
٥٥٢
|
باب ثبات الخفيفة والثقيلة في بنات
الواو والياء
|
٥٢١
|
وخامسه ألف التأنيث
|
٥٥٢
|
باب ما لا يجوز فيه النّون الخفيفة
ولا الثّقيلة
|
٥٢١
|
باب جمع الجمع
|
٥٥٣
|
باب مضاعف الفعل
|
٥٢١
|
باب ما كان من الأعجمية على أربعة وقد
أعرب
|
٥٥٣
|
باب المقصور والممدود
|
٥٢٢
|
فكسرته على مثال مفاعل
|
٥٥٣
|
باب الهمز
|
٥٢٣
|
باب ما لفظ به ممّا هو مثنى
|
٥٥٤
|
باب الأسماء التي توقع على عدّة
المؤنّث
|
٥٣٠
|
كما لفظ بالجمع
|
٥٥٤
|
|
|
باب ما هو اسم يقع على الجمع
|
٥٥٥
|
|
|
لم يكسر عليه الواحد
|
٥٥٥
|
باب تكسير الصفة للجمع
|
٥٥٦
|
باب کثر فه المصدرر من
فعلت
|
٥٧٥
|
هذا باب
|
٥٥٧
|
فتلحق الزوائد ويبنى بناء آخر
|
٥٧٥
|
تكسير ما كان من الصفات عدة حروفه
أربعة أحرف
|
٥٥٧
|
باب بنات الأربعة
|
٥٧٦
|
باب بناء الأفعال التي هي أعمال
|
٥٦٠
|
باب نظير ضربته ضربة
|
٥٧٦
|
باب ما جاء من الأدواء على مثال
|
٥٦٣
|
باب اشتقاقك الأسماء
|
٥٧٦
|
وجع يوجع وجعا وهو وجع لتقارب المعاني
|
٥٦٣
|
لمواضع بنات الثلاثة
|
٥٧٦
|
باب فعلان ومصدره
|
٥٦٣
|
باب ما كان من هذا النحو من بنات
الواو التي الواو فيهن فاء
|
٥٧٦
|
باب ما يبنى على أفعل
|
٥٦٤
|
باب ما تكون مفعلة لازمة لها الهاء
والفتحة
|
٥٧٧
|
باب أيضا للخصال
|
٥٦٥
|
باب نظائر ما ذكرنا ممّا جاوز بنات
الثلاثة بزيادة
|
٥٧٧
|
التي تكون في الأشياء
|
٥٦٥
|
باب ما لا يجوز فيه ما أفعله
|
٥٧٨
|
باب علم كل فعل تعداك إلى غيرك
|
٥٦٦
|
باب ما يستغنى فيه عن ما أفعله بما
أفعل فعله
|
٥٧٨
|
باب ما جاء من المصادر
|
٥٦٦
|
باب ما أفعله على معنيين
|
٥٧٩
|
فيه ألف التأنيث
|
٥٦٦
|
باب ما يكون يفعل
|
٥٨٠
|
باب ما جاء من المصادر على فعول
|
٥٦٧
|
من فعل فيه مفتوحا
|
٥٨٠
|
باب ما تجيء فيه الفعلة تريد بها
|
٥٦٧
|
باب ما هذه الحروف فيه فاءات
|
٥٨٠
|
ضربا من الفعل
|
٥٦٧
|
باب ما كان من الياء والواو
|
٥٨١
|
باب نظائر ما ذكرنا من بنات الياء والواو
|
٥٦٧
|
باب الحروف الستة إذا كان واحد منها
عينا
|
٥٨٢
|
التى الياء والواو منهن لامات
|
٥٦٧
|
باب ما تكسر فيه أوائل الأفعال
المضارعة للأسماء
|
٥٨٣
|
باب نظائر ما ذكرنا من بنات الواو
التي الواو فيهن فاء
|
٥٦٨
|
باب ما يسكّن استخفافا وهو في الأصل
عندهم متحرك
|
٥٨٤
|
باب افتراق فعلت وأفعلت في المعنى
|
٥٦٩
|
باب ما أسكن من هذا الباب الذي
|
٥٨٤
|
باب دخول فعّلت على فعلت لا يشركه في
ذلك أفعلت
|
٥٧١
|
ذكرنا وترك أول الحرف على أصله
|
٥٨٤
|
باب ما طاوع الذي فعله على فعل
|
٥٧٢
|
باب ما تمال فيه الألفات
|
٥٨٥
|
باب ما جاء فعل منه على غير فعلت
|
٥٧٢
|
باب من إمالة الألف يميلها فيه ناس من
العرب كثير
|
٥٨٦
|
باب دخول الزوائد في فعلت للمعاني
|
٥٧٢
|
باب ما أميل على غير قياس وإنما هو
شاذ
|
٥٨٧
|
باب استفعلت
|
٥٧٢
|
باب ما يمتنع من الإمالة من الألفات
|
٥٨٧
|
باب افعوعلت وما كان على مثاله ممّا
لم نذكره
|
٥٧٣
|
التى أملتها في ما مضى
|
٥٨٧
|
باب مصادر ما لحقته الزّوائد
|
٥٧٣
|
باب الراء
|
٥٨٨
|
باب ما جاء المصدر فيه على غير الفعل
|
٥٧٤
|
باب ما يمال من الحروف التي ليس
|
٥٨٩
|
باب ما لحقته هاء التّأنيث عوضا لما
ذهب
|
٥٧٤
|
بعدها ألف إذا كانت الراء بعدها
مكسورة
|
٥٨٩
|
باب ما يلحق الكلمة إذا اختلت حتى
تصير حرفا
|
٥٩٠
|
التي لا تذهب في الوصل
|
٦٠٢
|
باب ما يتقدّم أوّل الحروف
|
٥٩٠
|
باب ثبات الياء والواو في الهاء
|
٦٠٣
|
وهي زائدة قدمت لإسكان أوّل الحروف
|
٥٩٠
|
التي هي علامة الإضمار وحذفها
|
٦٠٣
|
باب كينونتها في الأسماء
|
٥٩٢
|
باب ما تكسر فيه الهاء التي هي علامة
الإضمار
|
٦٠٥
|
باب تحرّك أواخر الكلم السّاكنة
|
٥٩٣
|
باب الكاف التي هي علامة المضمر
|
٦٠٥
|
إذا حذفت ألف الوصل
|
٥٩٣
|
باب ما يلحق التاء والكاف اللتين
|
٦٠٦
|
باب ما يضمّ من السواكن إذا حذفت بعده
ألف الوصل
|
٥٩٣
|
للإضمار إذا جاوزت الواحد
|
٦٠٦
|
باب ما يحذف من السّواكن إذا وقع
بعدها ساكن
|
٥٩٤
|
باب الإشباع في الجر والرفع
|
٦٠٦
|
باب ما لا يردّ من هذه الأحرف الثلاثة
|
٥٩٤
|
وغير الإشباع والحركة كما هي
|
٦٠٦
|
لتحريك ما بعدها
|
٥٩٤
|
باب وجوه القوافي في الإنشاد
|
٦٠٧
|
باب ما تلحقه الهاء في الوقف لتحريك
آخر الكلمة
|
٥٩٥
|
باب عدة ما يكون عليه الكلام
|
٦١١
|
باب ما تلحقه الهاء لتبين الحركة من
غير ما ذكرنا
|
٥٩٥
|
باب علم حروف الزيادة
|
٦١٦
|
باب ما يبيّنون حركته وقبله متحرك
|
٥٩٦
|
باب حروف البدل
|
٦١٨
|
باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة في
الوصل
|
٥٩٧
|
باب الأبنية
|
٦٢٠
|
باب الوقف في أواخر الكلم المتحركة
|
٥٩٧
|
باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة
من غير الفعل
|
٦٢٢
|
في الوصل التي لا تلحقها زيادة في
الوقف
|
٥٩٧
|
باب الزيادة من غير موضع حروف الزيادة
|
٦٣٦
|
باب السّاكن الذي يكون قبل
|
٥٩٧
|
باب إلحاق الزيادة ببنات الثلاثة من
الفعل
|
٦٣٧
|
آخر الحرف فيحرك لالتقاء الساكنين
|
٥٩٩
|
باب ما تسكّن أوائله من الأفعال
المزيدة
|
٦٣٨
|
باب الوقف في الياء والواو والألف
|
٥٩٩
|
باب ما لحقته الزوائد من بنات الثلاثة
|
٦٣٨
|
باب الوقف في الهمز
|
٦٠١
|
باب تمثيل ما بنت العرب من بنات
الأربعة
|
٦٣٩
|
باب السّاكن الذي تحركه في الوقف
|
٦٠١
|
فى الأسماء والصفات غير مزيدة
|
٦٣٩
|
باب الحروف الذي يبدل في الوقف مكانه
أحرفا
|
٦٠٠
|
باب ما لحقته الزوائد من بنات الأربعة
غير الفعل
|
٦٤٠
|
أبين منه تشبهه لأنه خفي
|
٦٠١
|
باب لحاق التضعيف فيه لازم
|
٦٤٤
|
باب ما يحذف من أواخر
|
٦٠١
|
باب تمثيل الفعل من بنات الأربعة
مزيدا وغير مزيد
|
٦٤٥
|
الأسماء في الوقف
|
٦٠١
|
باب تمثيل ما بنت العرب من الأسماء
والصّفات
|
٦٤٥
|
باب ما يحذف من الأسماء من الياءات في
الوقف
|
٦٠٢
|
من بنات الخمسة
|
٦٤٥
|
|
|
باب ما لحقته الزيادة من بنات الخمسة
|
٦٤٥
|
|
|
باب ما أعرب من الأعجمية
|
٦٤٦
|
|
|
باب اطراد الإبدال في الفارسية
|
٦٤٦
|
|
|
باب علل ما تجعله زائدا من حرف
الزيادة
|
٦٤٧
|
باب من
الزيادة : الزيادة فيه من غير حروف الزيادة ولزمه التضعيف
|
٦٥١
|
باب ما بني على أفعلاء وأصله فعلاء
|
٦٦٥
|
باب ما ضوعفت
فيه العين واللام
|
٦٥٢
|
باب ما يلزم الواو فيه بدل الياء
|
٦٦٥
|
باب ما الواو
والياء فيه ثانية وهما في موضع العين فيه
|
٦٥٢
|
باب التضعيف في بنات الياء
|
٦٦٦
|
باب ما لحقته
الزوائد من هذه الأفعال المعتلة من بنات الثلاثة
|
٦٥٦
|
باب ما جاء على أن فعلت منه مثل بعت
|
٦٦٦
|
باب ما اعتل
من أسماء الأفعال المعتلة على اعتلالها
|
٦٥٦
|
وإن كان لا يستعمل في الكلام
|
٦٦٦
|
باب أتم فيه
الاسم على مثال ، فمثل به لسكون ما قبله وما بعده ،
|
٦٥٦
|
باب التّضعيف في بنات الواو
|
٦٦٨
|
كما المضعف
إذا سكن ما بعده
|
٦٥٧
|
باب ما قيس من المعتل من بنات الياء
|
٦٧٠
|
باب ما جاء
من أسماء هذا المعتل على ثلاثة أحرف لا زيادة فيه
|
٦٥٨
|
ولم يجيء في الكلام نظيره إلّا من غير
المعتل
|
٦٧٠
|
باب تقلب فيه
الواو ياء ، لا لياء قبلها ساكنة
|
٦٥٩
|
باب تكسير بعض ما ذكرنا على بناء
الجمع
|
٦٧٠
|
ولا لسكونها
وبعدها ياء
|
٦٥٩
|
الذى هو على بناء مفاعل ومفاعيل
|
٦٧٢
|
باب ما تقلب
فيه الياء واوا
|
٦٥٩
|
باب التضعيف
|
٦٧٢
|
باب ما تقلب
فيه الواو ياء
|
٦٦٠
|
باب ما شذّ من المضاعف فشبّه بباب
أقمت وليس بمتلئب
|
٦٧٣
|
إذا كانت
متحركة والياء قبلها ساكنة
|
٦٦٠
|
باب ما شذّ فأبدل مكان اللّام والياء
|
٦٧٤
|
باب ما يكسر
عليه الواحد
|
٦٦٠
|
كراهة التضعيف ، وليس بمطرد
|
٦٧٥
|
مما ذكرناه
في الباب الذي قبله
|
٦٦٠
|
باب تضعيف اللّام في غير ما عينه
ولامه من موضع واحد
|
٦٧٥
|
باب ما يجري
فيه بعض ما ذكرنا إذا كسر للجمع على الأصل
|
٦٦٠
|
باب ما قيس من المضاعف الذي عينه
ولامه من موضع واحد
|
٦٧٦
|
باب فعل من
فوعلت من قلت وفيعلت من بعت
|
٦٦٠
|
ولم يجئ في الكلام إلا نظيره من غيره
|
٦٧٦
|
باب ما تقلب
فيه الياء واوا
|
٦٦١
|
باب ما شذ من المعتل على الأصل
|
٦٧٦
|
باب ما
الهمزة فيه في موضع اللام من بنات الياء والواو
|
٦٦١
|
باب الإدغام
|
٦٧٧
|
باب ما كانت
الواو والياء فيه لامات
|
٦٦٣
|
باب الإدغام في الحرفين اللذين تضع
لسانك لهما موضعا واحدا
|
٦٧٨
|
باب ما يخرج
على الأصل إذا لم يكن حرف إعراب
|
٦٦٤
|
باب الإدغام في الحروف المتقاربة التي
هي من مخرج واحد
|
٦٨٢
|
باب ما تقلب فيه الياء واوا ليفصل بين
الصفة والاسم
|
٦٦٤
|
والحروف المتقاربة مخارجها
|
٦٨٥
|
باب ما إذا التقت الهمزة والياء قلبت
الهمزة ياء والياء ألفا
|
٦٦٤
|
باب الإدغام في حروف طرف اللّسان
والثنايا
|
٦٩١
|
|
|
باب الحروف التي يضارع بها حرف من
موضعها والحرف الذي يضارع به ذلك الحرف وليس من موضعه ليقربوه مما بعده
|
٦٩٤
|
|
|
باب تقلب فيه السين صادا في بعض
اللغات
|
٦٩٥
|
|
|
باب ما كان شاذّا مما خففوا على
ألسنتهم وليس بمطرد
|
٦٩٦
|
|