
بسم اللَّه الرحمن
الرحيم
الحمد للَّه رب العالمين ، والصلاة
والسلام على سيدنا الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما الإمام
المبين وغياث المضطر المستكين عجل الله تعالى فرجه الشريف ، واللعن على أعدائهم
أجمعين من الآن إلى يوم الدين.
وبعد غير خفي على أهل العلم والفضل أن
كتاب «المتاجر» الذي صنّفة فخر الطائفة ، تاج الفقهاء والمجهدين ، عَلَم العِلم
والتقى ، شيخنا المرتضى الأنصاري «نور الله مضجعه» من خير ما ألفه فقهاؤنا الأبرار
في قسم المعاملات من الفقه الشريف ، لما أودع فيه ـ بفكره الثاقب ـ من آراء بديعة وأنظار
دقيقة وتحقيقات شامخة جملتة محوراً للدراسات العليا في الحوزات العلمية ، وأقبل
عليه جهابذة الفقه بالبحث والتدريس ، والشرح والتعليق.
وقد كان من فضِل الله عليّ أن وفقنى
لشرح شطرٍ وأفٍ من هذا الكتاب الشريف أثناء اشتغالي ببحثه حينما كنت متشرًفاً بجوار
باب مدينة علم الرسول «صلّى الله عليهما وآلهما» ولم يتيّسر نشره إلاّ في هذا
الأوان ، فأعدت النظر فيه ـ على ما أنا عليه من ضعف الحال وانحراف المزاج ـ ونهجتُ
فيه منهج شرحي على الكفاية من الفصل بين توضيح المتن والتعليق عليه ، عسى أن يكون
عوناً لإخواني المحصلين في اتقان مطالبة وتفهم نكاتة. وأسأله سبحانه وتعالى
التوفيق لإتمامه ، وأن يتقبل هذا الجهد يقبولٍ حسن ، وأن يجعله خير الزاد ليوم
المعاد.
قم
المقدسة ـ ١٧ ربيع الأول ١٤١٦
|
محمد
جعفر الموسوي الجزائري
المروج
|
لغت النظر
كان المأمول العثور على مصوّر النخة الأصلية
من كتاب «المكاسب» بخطّ شيخنا الأعظم ليقول عليها في الشرح ولئلا يتكلّف التلفيق
بين الطبعات المختلفة ، الا أنه لم يتيسر لنا ـ مع الأسف ـ ذلك رغم الفحص عنها ، والسؤال
ممّن له خبرة بالمخطوطات. ولكن حصلنا ـ والحمد الله ـ على مصوّرة نسخة معتبرة ، وهي
المطبوعة عام ١٢٨٦ ، وبها مشها تصحيحات بخطّ سيدنا الاستاذ العلاّمة الورع آية
الله السيد علي النوري تغمده الله برحمته ، كان يعتمد عليها في التدريس ، قائلاً :
انها مصححة على نسخة المؤلف بواسطة واحدة أو بدونها ـ والتردد لبعد العهد ـ
فاعتمدنا ناها دون الطبعات الاخرى. هذا بالنسبة الى ما عدا الأخبار وكلمات الأصحاب.
وأما هما فقد راجعنا المصادر ونبّهنا غالباً على موارد الاختلاف.
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب
العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم إلى
يوم الدين.
كتاب البيع (١)
______________________________________________________
(١) الذي هو من
كتب ثاني الأقسام الأربعة المنقسم إليها الفقه الشريف ، ولعلّ التعرض له دون غيره
من سائر العقود المعاوضية لأجل كثرة الابتلاء به ودورانه بين الناس ، ووقوع أكثر
المعاوضات والمبادلات المالية به.
وكيف كان فلا
بأس قبل الخوض في تعريف البيع بتقديم أمور :
الأوّل
: أنّ العقد عبارة عن الربط الخاص الحاصل بين التزامين ، مثلا
إذا قال أحد المتعاقدين : «بعت كتابي بدينار» وقال الآخر : «قبلت» فهنا أمور ثلاثة
:
أحدها : التزام
كل منهما بمبادلة الكتاب بالدينار اعتبارا ، وهذان الالتزامان قائمان بهما ، وكلّ
منهما أمر خارجي حقيقي يتعلق به الإرادة تارة والكراهة أخرى ، ويكون الالتزام
الأوّل إحداثا ، والثاني إمضاء ، نظير الإعطاء والأخذ ، والإقباض والقبض ، فالالتزام
الثاني منفعل بالالتزام الأوّل ، والأوّل فاعل له. وهذا الربط الخاص بين
الالتزامين يسمّى عقدا ، فلو لم يكن هذا الربط الخاص بين التزامين كما إذا التزم
أحدهما ببيع الكتاب بدينار ، والتزم الآخر بشراء دفتر بدرهم لم يكن ذلك عقدا ، لعدم
الربط بينهما ، بل كل منهما أجنبي عن صاحبه.
وبالجملة : فالعقد
هو الربط الخاص المتحقق بين التزامين ، لا الإيجاب والقبول ، لأنّهما
.................................................................................................
______________________________________________________
موضوعان للعقد أي الربط ، فإطلاق العقد عليهما مسامحة. والوجه في هذا
الإطلاق المسامحي هو قيام الربط بهما.
فملخص هذا
الأمر : أنّ العقد حقيقة هو نفس الربط الحاصل بين الالتزامين لأنفسهما وإن أطلق
عليهما مسامحة.
ثانيها : الأمر
الاعتباري الذي هو إضافة محضة قائمة بالكتاب والدينار ، المعبّر عنه بمبادلة مال
بمال ، ولا وجود له في الخارج ، والالتزم ـ الذي هو الأمر الأوّل ـ يتعلق بهذه
الإضافة ، فكل من الالتزامين متعلق بها ، فهذه الإضافة ملتزم بها ، وهي الأمر
المعهود به.
ثالثها : الصيغة
الحاكية عن الإيجاب والقبول ، فإنّ قوله : «بعت الكتاب بدينار» حاك بالمطابقة عن
الأثر ـ أعني به الأمر الاعتباري ـ المترتب على البيع ، وبالالتزام عن الالتزام
النفساني ، بقرينة وروده في مقام الإنشاء ، وقول الآخر : «قبلت» حاك بالمطابقة عن
الالتزام النفساني ، وبالالتزام عن الأمر الاعتباري ، فالقبول ـ من هذه الحيثية ـ عكس
الإيجاب ، إذ مدلول «بعت» مطابقة مدلول التزامي ل «قبلت» وبالعكس.
وقد ظهر مما
بينّاه في هذا الأمر : أنّ البيع القابل للإنشاء بقوله : «بعت» هو الأمر الاعتباري
أعني به المبادلة. وأمّا الالتزام النفساني فهو أمر حقيقي خارجي قائم بالنفس ، نظير
الطلب الحقيقي القائم بها غير القابل للإنشاء. وكذا الصيغة من الإيجاب والقبول ، فإنّها
أمر خارجي متصرّم الوجود. وعليه فمفهوم البيع هو الإضافة الاعتبارية المحضة أي
المبادلة بين المالين ، إذ هي القابلة للاعتبار والإنشاء سواء قلنا بمقالة المشهور
من كون الإنشاء ـ قولا أو فعلا ـ إيجادا للأمر الاعتباري ، أم كونه إبرازا له كما
اختاره بعض الأجلّة.
هذا ما يتعلق
بأصل العقد من غير فرق بين اللازم والجائز ، وأمّا كونه مطلق العهد أو خصوص
الموثّق منه فلا علاقة له بما ذكرناه ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.
الثاني
: أنّ العقد الذي يتوقف على إنشاءين يكون على ثلاثة أقسام
:
.................................................................................................
______________________________________________________
أوّلها : العقود
الإذنية كعقد الوكالة ، وتسمية هذا القسم بالعقد إنّما هي باصطلاح خاص ، وهو
اصطلاح الفقهاء ، إذ العقد بالمعنى اللغوي والعرفي ـ كما أفيد ـ هو العهد المؤكد
والالتزام المشدّد ، وهذا المعنى مفقود في العقود الإذنية ، لأنّ حقيقتها الإذن
والرضا بالتصرف في ما له ولاية التصرف فيه ، وليس فيها إلزام والتزام. ولعلّ وجه
التسمية بالعقد هو كونه مرتبطا بشخصين كارتباط العقد بهما.
وكيف كان فليس
هذا عقدا حقيقة ، فلا يشمله قوله تعالى (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) فعدم شمول «العقود» لهذا القسم يكون من باب التخصص ، لا
التخصيص حتى يلزم تخصيص الأكثر.
ثانيها : العقود
العهدية التعليقية ، وهي التي يكون المنشأ فيها معلّقا على شيء ب «إن» ونحوها من
أدوات التعليق ، كالسبق والرماية والجعالة ، بناء على كونها عقدا منوطا بالقبول
وإن كان فعلا ، وكالوصية التمليكية بناء على المشهور ، فإنّ المنشأ فيها ـ أعني به
الملكية ـ معلّق على موت الموصى. وعلى هذا فالعقود العهدية التعليقية عقود حقيقة ،
لما فيها من الإلزام والالتزام المنوطين بشيء يتوقّع حصوله.
ثالثها : العقود
العهدية التنجيزية ، وهي التي لا يكون المنشأ فيها معلّقا على شيء ، كالبيع
والإجارة والنكاح ، فإنّ المنشأ في الأوّل ـ على المشهور ـ تمليك العين ، وفي
الثاني تمليك المنفعة ، وفي الثالث التزويج ، ولا تعليق فيما ينشأ في هذه العقود
أصلا. وتنقسم العقود العهدية إلى معاوضية مالية وغير معاوضية ، فالبيع عقد عهدي
تنجيزي معاوضي مالي. ويمتاز عن سائر العقود المالية كالصلح والهبة بما سيأتي في
تعريفه قريبا إن شاء الله تعالى.
الثالث
: أنّ الأسباب المملّكة ـ الموجبة لحصول علقة الملكية بين
المال والشخص ـ تنحصر في ثلاثة أقسام ، إذ السبب إمّا أن يكون قهريّا كالإرث ، وإمّا
أن يكون اختياريّا ، والسبب الاختياري إما أن يكون من الأمور الاعتبارية الإنشائية
كالبيع والإجارة والهبة ، وإمّا أن يكون فعلا خارجيا كالحيازة وإحياء الموات ، ولا
ترتب بين هذه الأقسام ، بل هي في
.................................................................................................
______________________________________________________
رتبة واحدة ، والبيع من القسم الثاني ، فإنّه من العقود المعاوضية المالية
(*).
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
قدسسره
وهو (١) في
______________________________________________________
(١) هذا الضمير
راجع إلى البيع في قوله : «كتاب البيع» وليس المراد به فعل البائع. توضيحه : أن «البيع»
يطلق على معان ثلاثة :
الأوّل : فعل
البائع ـ وهو باذل السلعة غالبا ـ سواء كان بالإنشاء القولي مثل «بعت الكتاب
بدينار» أم الفعلي بإعطاء المثمن وأخذ الثمن. والبيع بهذا المعنى يقابل الشراء
الذي هو فعل المشتري القابل. وإطلاق البيع على إنشاء الموجب شائع ، بل هو المتبادر
منه.
الثاني : فعل
القابل ، وهو معنى حقيقي للبيع أيضا ، لكونه من الأضداد كما صرّح به ابن منظور وغيره. واستشهد على إرادة الشراء من البيع بما رواه عن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«لا يخطب الرجل
على خطبة أخيه ، ولا يبع على بيع أخيه ، قال أبو عبيد : كان أبو عبيدة وأبو زيد وغيرهما
من أهل العلم يقولون : إنما النهي في قوله : لا يبع على بيع أخيه إنّما هو لا
يشتري على شراء أخيه ، فإنّما وقع النهي على المشتري لا على البائع .. إلخ» .
الثالث : المعاملة
البيعية المعدودة من العقود المعاوضية ، وهي في قبال سائر المعاملات من الصلح والإجارة.
وهذا المعنى شائع في الأدلة وفي الكتب الفقهية ، وهو المراد في قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و (وَذَرُوا الْبَيْعَ) وفي قوله عليهالسلام في دليل خيار المجلس : «وجب البيع» وفي قول الفقهاء : «كتاب
البيع ، أحكام البيع» ونحوها.
والظاهر أن
مقصود المصنف من التعرض لكلام المصباح هو بيان معنى المعاملة البيعية المقابلة
لسائر المعاملات كالإجارة والهبة والصلح ، فلذا يكون المناسب إرجاع ضمير «هو» الى
البيع بهذا المعنى ، لا بمعنى فعل البائع أو المشتري.
__________________
__________________
الأصل كما عن المصباح (١)
______________________________________________________
تعريف
البيع لغة
(١) قال في
المصباح : «والأصل في البيع مبادلة مال بمال ، لقولهم : بيع رابح وبيع خاسر ، وذلك
حقيقة في وصف الأعيان ، لكنه أطلق على العقد مجازا ، لأنّه سبب التمليك والتملك ، وقولهم
: صح البيع أو بطل ونحوه : أي صيغة البيع ، لكن لمّا حذف المضاف وأقيم المضاف إليه
مقامه ـ وهو مذكّر ـ أسند الفعل إليه بلفظ التذكير» .
ويستفاد من
كلامه : أن كلمة «البيع» تطلق على أمرين ، أحدهما حقيقي ، وهو المبادلة بين
المالين ، وثانيهما مجازي ، وهو العقد المؤلّف من الإيجاب والقبول ، من باب إطلاق
اللفظ الموضوع للمسبّب على سببه. وعلى هذا فالمراد بالأصل بقرينة قوله : «أطلق على
العقد مجازا» هو المعنى اللغوي الحقيقي الذي كان متداولا في الأيام السالفة بين
عامّة الناس. ولعلّ الوجه في التنبيه على مجازية إطلاقه على العقد هو شيوع هذا
الإطلاق بحيث ربما يتوهم كون البيع مشتركا بين المبادلة والعقد ، أو كونه منقولا
عن المعنى الأوّل إلى الثاني (*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
«مبادلة (١) مال بمال» (٢).
______________________________________________________
(١) فالبيع اسم
للمبادلة التي هي الملتزم بها ، لا للعقد الذي هو نفس الالتزامين المرتبطين ، ومن
المعلوم مغايرة الالتزام للملتزم به ، لكون الثاني نتيجة للأوّل ، فإطلاق البيع
على العقد مجاز بعلاقة التسبيب ، كما تقدم في كلام المصباح بقوله : «ثم أطلق على
العقد مجازا».
(٢) قد تقدم
آنفا كلام ابن الأثير في معنى المال ، ونحوه عبارة مجمع البحرين ، لكن فسّره في
القاموس بأنّ «المال ما ملكته من كلّ شيء» ويحتمل التعميم لغير الأعيان ، من المنافع والحقوق ، فيكون
مخالفا لمن خصّه بالأعيان ، كما يحتمل إرادة عدم اختصاص المال بالذهب والفضة ، وشموله
لكل عين متموّلة ، بلا نظر إلى إطلاقه على المنافع ، وعلى هذا الاحتمال الثاني لا
يختلف معنى «المال» بحسب اللغة ، لكون «الأعيان» هي القدر المتيقن من «المال».
ثم إنّ مقتضى
الجمود على تعريف المصباح اعتبار عينية كلا العوضين في صدق مفهوم البيع.
لكن الظاهر
إطلاق المال على ما هو أعم من الأعيان ، وصدقه على المنافع أيضا. ولو لم يكن المال
حقيقة في الأعم فلا أقل من استقرار اصطلاح الفقهاء عليه ، كما يظهر بمراجعة
كلماتهم ، ولذا حكم المصنف قدسسره بجواز وقوع المنافع عوضا في البيع ، وهو كاشف عن إطلاق
المال عليها حقيقة كإطلاقه على الأعيان المتمولة. وكذا لا ريب في كون الإجارة من
نواقل الملك ، مع أنّ العوضين أو أحدهما من المنافع.
نعم تفترق
الإجارة عن البيع من جهة المتعلق ، فالبيع تمليك عين بعوض ، والإجارة تمليك منفعة
كذلك. وسيأتي في المتن اعتبار عينية المبيع (*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
والظاهر (١) اختصاص المعوّض
______________________________________________________
اختصاص المبيع
بالأعيان
(١) أي : الظاهر
من إطلاق «البيع» اختصاص المعوّض بالعين ، ومقصوده قدسسره تصحيح تعريف المصباح وعدم كون مطلق مبادلة مال بمال آخر
بيعا ، بل البيع مبادلة عين متمولة بمال آخر ، ويستفاد اعتبار عينية المبيع من نفس
عنوان البيع ، بحيث لو قال المتكلم : «بعت» استفيد منه نقل عين ، ولو قال : «بعت
عينا» كان تأكيدا لما دلّ عليه مادة البيع. ولو قال : «بعت كتابا» كان ذكر المبيع
لأجل تعيينه ، لا لتوقف صحة إطلاق البيع على ذكره حتى يتوهم أعمية المفهوم من
تمليك العين والمنفعة.
والغرض من هذا
البحث تحديد موضوع الأدلة المتكفلة لإمضاء البيع وأحكامه وشرائطه ، مثل «البيع
حلال» و«وجب البيع» إذ يحتمل إرادة المعاوضة التي يكون العوضان عينين ، كما يحتمل
إرادة ما يكون المعوّض فيه عينا سواء أكان العوض عينا أم منفعة أم حقّا قابلا
للنقل إلى الغير.
وتوضيح ما
أفاده المصنف قدسسره : أنّ «المال» إما أن يختص بالأعيان ذوات المنافع كما
تقدم عن ابن الأثير ، ويترتب عليه اعتبار عينية كلا العوضين كما ذهب إليه الوحيد
البهبهاني قدسسره لعدم صدق المال على المنافع ، ولا أقلّ من الشك فيه. وإمّا
أنّ يعمّ المنافع كسكنى الدار وركوب الدابة وخياطة الثوب. وعلى هذا الاحتمال
الثاني يبتني استظهار
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المصنف قدسسره اختصاص المعوّض بالعين ، لتصريحه بجواز وقوع المنفعة
عوضا في البيع ، مع وضوح اعتبار المالية في كلّ من الثمن والمثمن.
ولأجل صدق
المال على المنافع تصدّى لتمييز البيع ـ من ناحية المتعلق ـ عن الإجارة ونحوها من
العقود المالية ، وقال باعتبار كون المعوّض عينا.
وهذه الدعوى
تتوقف على أمرين مسلّمين :
أحدهما : أنّ
المتبادر إلى الأذهان في هذه الأعصار من «البيع» هو تمليك العين لا مطلق المال.
ثانيهما : إحراز
ذلك في عصر التشريع حتى يحمل إطلاق «البيع» في الأدلة على تمليك خصوص العين ، وعدم
إطلاقه على تمليك المنافع إلّا بالمسامحة.
وكلا الأمرين
مسلّم. أمّا الأوّل فلوجهين : التبادر وصحة السلب ، وهما من علائم الحقيقة والمجاز.
أمّا التبادر فلأنّ المنسبق من إطلاق «البيع» ومشتقاته هو مبادلة عين بمال ، ويكفيه
شاهدا تعريفه في كتب الفقهاء بذلك ، وجلّهم من أهل اللسان. وأمّا صحة السلب ، فلاعترافهم
بمجازية استعمال البيع في تمليك المنافع ، كما إذا أنشأ تمليك سكنى الدار بقوله : «بعتك
سكناها سنة بكذا» وهذا كاشف عن صحة سلب عنوان «البيع» عن تمليك غير الأعيان من
الأموال ، وعن مجازية إطلاق البيع على تمليك غير الأعيان.
وأما الثاني ـ أعني
به إحراز كون معنى البيع في عصر التشريع تمليك الأعيان ـ فلأصالة عدم النقل
الجارية في معاني اللغات عند الشك في الموضوع له سابقا ، وأنّه هل هو المعنى
المتبادر من اللفظ فعلا أم أنّه نقل المعنى الفعلي عن الوضع الأوّلي؟ فبناؤهم على
التمسك بأصالة عدم النقل لإثبات وحدة المعنى. وعليه يحرز كون معنى «البيع» الوارد
في الأدلة الشرعية هو المنسبق الى أذهاننا من تمليك خصوص العين ، لا كلّ ما يملك
وإن لم يكن عينا.
بالعين (١)
______________________________________________________
هذا منشأ
استظهار المصنف قدسسره اختصاص المعوّض بالعين ، وقد ظهرت المسامحة في تعريف
المصباح ، حيث أطلق كلمة «المال» ولم يقيّده ـ في جانب المعوّض ـ بالعين.
(١) قد تطلق «العين»
ويراد بها ما يقابل الكلّي ، أي الأعيان الخارجيّة ، وقد تطلق ويراد بها ما يقابل
المنفعة والحق ، والمراد بها هنا المعنى الثاني ، سواء أكانت موجودة بالفعل أم
ممّا يمكن أن يوجد في المستقبل ، فالعين في المقام هي ما إذا وجدت خارجا كانت جسما
، وفي قبالها المنفعة التي هي عرض قائم بالعين ، وحيثيّة فيها توجب بذل المال
بإزائها كسكنى الدار وخياطة الثوب وبناء الدار ونحوها.
والدليل على
عموم «العين» للشخصية والكلية وعدم اختصاصها بالجزئيات الخارجية هو تسالمهم على
جواز كون المبيع كلّيا في موارد :
الأوّل : بيع
الكلّي في المعيّن ، كصاع من صيعان صبرة الحنطة بدينار ، فإنّ الصاع منتشر في
الصّبرة ، ويتعيّن بعد البيع في مقام الوفاء بالعقد.
الثاني : بيع
الكلّي المشاع ، كبيع نصف الدار بمائة دينار ، إذ لا تعيّن للنصف قبل الإفراز
والتقسيم ، ويتعيّن بالتقسيم.
الثالث : بيع
الكلّي الذّمي ، وهو على أنحاء ، فتارة يكون المبيع كلّيا ثابتا في ذمة غير البائع
، كما إذا كان زيد مالكا لمنّ من الحنطة في ذمة عمرو ، فيبيعه زيد من بكر ، فتشتغل
ذمة عمرو لبكر بعد ما كانت مشغولة لزيد. وأخرى يثبت الكلي في ذمة البائع ، إمّا
بأن يسلّم المبيع حالّا ، كم إذا باع زيد منّا من الحنطة ، الموصوفة بكذا من عمرو
، ويسلّمه بعد العقد. وإمّا بأن يسلّم المبيع بعد مضيّ زمان ، كما هو الحال في بيع
السلف ، كما إذا باع زيد في ذمة نفسه منّا من الحنطة على أن يسلّمها بعد ستة أشهر
مثلا.
وصحة البيع في
هذه الموارد كاشفة عن عدم اعتبار كون المبيع عينا خارجية متشخصة ، بل يكفي وجودها
في المستقبل ، ولو وجد كان عينا لا عرضا لعين.
فلا يعمّ (١) إبدال المنافع بغيرها (٢) ، وعليه (٣) استقرّ اصطلاح الفقهاء (٤).
______________________________________________________
(١) هذا متفرّع
على اختصاص المبيع بالعين ، يعني : أنّ إبدال المنافع وتمليكها ليس بيعا ، بل هو
إجارة ، فتمليك منفعة الدار ـ وهي سكناها مدّة عام مثلا سواء أكان العوض عينا
كالدينار والكتاب ، أم منفعة كخياطة الثوب ـ ليس بيعا ، بل لا بد من إنشائه بما
يدل على نقل المنفعة ، مثل «آجرتك الدار ، أو ملّكتك سكناها ، أو أكريتك الدار» ولا
يصحّ إنشاؤه بمثل «بعتك منفعة الدار أو سكناها مدّة عام مثلا» سواء أكان العوض
عينا كالدينار والكتاب ، أم منفعة كخياطة الثوب ، لعدم تعلّق البيع بما عدا العين.
نعم لو قصد الإجارة وقيل بصحة إنشاء العقود بالمجازات جاز ذلك ، كما سيأتي بيانه
في التعليقة إن شاء الله تعالى.
(٢) أي : بغير
المنافع ، وهذا الغير هو العوض سواء أكان عينا أم منفعة أم حقّا.
(٣) يعني : استقرّ
اصطلاح الفقهاء على اختصاص المعوّض بالعين ، حيث جعلوا البيع في قبال الإجارة ، وقالوا
: البيع لتمليك الأعيان ، والإجارة لتمليك المنافع. والمائز بينهما تعلق البيع
بالعين ، والإجارة بالمنافع. ويترتب عليه أنه لو شكّ في صدق عنوان البيع على تمليك
غير الأعيان كفى في عدم جواز التمسك بأدلة نفوذ البيع ، لكون الشبهة مفهومية ، فلا
وجه لترتيب الأحكام المختصة به عليه.
(٤) كما يظهر
بمراجعة كلماتهم في تعريف البيع ، وسيأتي طائفة منها في المتن ، وهي وإن اختلفت
مضامينها من الانتقال والنقل والعقد الدال على الانتقال أو على النقل وغير ذلك ، إلّا
أنّها تطابقت على أخذ «العين» واعتبارها في المبيع ، فمنها قول شيخ الطائفة قدسسره : «انتقال عين مملوكة من شخص الى غيره بعوض مقدّر على
وجه التراضي» واختاره ابن إدريس والعلامة في كثير من كتبه كالتذكرة
والتحرير والقواعد والنهاية .
__________________
نعم (١) ربما
يستعمل في
______________________________________________________
ومنها : قول
ابن حمزة : «البيع عقد على انتقال عين مملوكة أو ما هو في حكمها من شخص إلى غيره
بعوض مقدر على جهة [وجه] التراضي» واختاره العلامة في المختلف .
ومنها : قول
المحقق : «أما البيع فهو الإيجاب والقبول اللذان تنتقل بهما العين المملوكة من
مالك إلى غيره بعوض مقدّر» .
ومنها : قول
المحقق الثاني : «نقل العين بالصيغة المخصوصة» .
وعليه فاختصاص «البيع»
بتمليك الأعيان كأنّه من المسلّمات ، ولعلّه لذا قال في الجواهر : «ثم لا خلاف ولا
إشكال في اعتبار كون المبيع عينا» .
نعم ورد تعريفه
في بعض الكلمات بنقل الملك : كما في الشرائع واللمعة ، إلّا أنّ المراد بالملك هو
العين لا ما يعمّ المنفعة ، كما ستقف عليه في التعليقة.
استعمال البيع في نقل
المنافع
(١) هذا
استدراك على ما نسبه الى الفقهاء من اعتبار كون المبيع عينا. وحاصل الاستدراك : منع
اختصاص البيع بكون المعوّض عينا ، ومنع استقرار اصطلاح الفقهاء على اعتبار عينية
المبيع ، وذلك لما يتراءى من استعمال «البيع» في نقل المنافع وبعض الحقوق على حدّ
استعماله في تمليك الأعيان ، ولا قرينة في ذلك الاستعمال حتى يدّعى مجازيّته. فالظاهر
كون الجميع معنى حقيقيّا للبيع ، ومعه لا وجه لدعوى اختصاص المعوّض بالعين.
وقد ورد
استعمال البيع في تمليك ما عدا الأعيان في موضعين :
__________________
كلمات بعضهم في نقل غيرها (١) ، بل (٢)
______________________________________________________
الأوّل : في كلام
غير واحد من الفقهاء كالشيخ والإسكافي ، والثاني في عدة نصوص.
أمّا الأوّل
فقد عبّر شيخ الطائفة قدسسره عن تمليك منفعة العبد المدبّر بالبيع ، فقال في المبسوط
في مسألة «عدم جواز بيع رقبة العبد المدبّر إلّا إذا أراد نقض تدبيره» ما لفظه : «لأنّ
عندنا يصحّ بيع خدمته دون رقبته مدة حياته» . وقال في النهاية ـ في بطلان بيع رقبته : ـ «إلّا أن
يعلم المبتاع أنّه يبيعه خدمته» .
وحكي نحو ذلك
عن ابن الجنيد ، من أنه «تباع خدمته مدة حياة السيد» .
وأما الثاني ، فقد
استعمل «البيع» في روايات متعددة وأريد منه نقل غير العين ، كما سنذكرها إن شاء
الله تعالى.
(١) أي : تمليك
غير الأعيان ، وهذا الغير هو المنفعة وبعض الحقوق.
(٢) هذا إشارة
إلى الموضع الثاني ـ وهو استعمال البيع في النصوص في إبدال غير الأعيان ـ والإتيان
بأداة الإضراب لأجل التنبيه على أنّ استعمال البيع في كلام بعض الفقهاء في إبدال
المنافع يمكن توجيهه بكونه مسامحيّا غير مناف لاستقرار ظهور اللفظ في تمليك
الأعيان خاصة ، إذ التنافي يترتب على اشتراك المادة لفظا بتعدد الوضع ، أو معنى
بالوضع لجامع نقل الملك ، وأمّا إذا كان اللفظ حقيقة في حصّة من طبيعي النقل
ومجازا في حصة أخرى منه بمعونة القرينة لم يكن بأس بكلا الاستعمالين.
وهذا التوجيه ـ
لو تمّ ـ لا يجري بالنسبة إلى استعمال «البيع» في الكتاب والسّنة في غير نقل العين
مجرّدا عن قرينة المجاز ، ضرورة وروده في الأخبار في نقل الأعيان والمنافع وبعض
الحقوق بوزان واحد. ومعه يشكل ما استظهره المصنف قدسسره من اختصاص المعوّض بالعين واستقرار الاصطلاح الفقهي
عليه.
__________________
يظهر ذلك (١) من كثير من الأخبار ، كالخبر (٢) الدال على جواز بيع خدمة
العبد المدبّر (٣) ، وبيع (٤) سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها ،
______________________________________________________
(١) أي : استعمال
البيع في إبدال المنافع.
(٢) المراد به
الجنس لا الواحد الشخصي ، لتعدد الأخبار الدالة على جواز بيع خدمة العبد المدبّر ،
وهو المملوك المعلّق عتقه على موت مولاه.
(٣) كصحيح أبي
مريم عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «سئل عن رجل يعتق جاريته عن دبر ، أيطأها إن
شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟ فقال : أيّ ذلك شاء فعل» . والشاهد في تقرير الامام عليهالسلام لسؤال الراوي من إطلاق البيع على تمليك خدمة الأمة
وعملها ، ولا قرينة في الكلام على مجازية هذا الإطلاق.
ونحوه خبر
السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عليّ عليهمالسلام ، قال : «باع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خدمة المدبّر ، ولم يبع رقبته» . ونحوهما غيرهما. والتقريب كما تقدم آنفا.
(٤) معطوف على «بيع
خدمة» وهذا إشارة إلى المورد الثاني من موارد استعمال البيع في الأخبار في تمليك
غير الأعيان ، ولا قرينة على مجازية الاستعمال ، كمعتبرة إسحاق بن عمّار عن عبد
صالح عليهالسلام ، قال : «سألته عن رجل في يده دار ليست له ، ولم تزل في
يده ويد آبائه من قبله ، قد أعلمه من مضى من آبائه أنّها ليست لهم ، ولا يدرون لمن
هي ، فيبيعها ويأخذ ثمنها؟ قال : ما أحبّ أن يبيع ما ليس له. قلت : فإنّه ليس يعرف
صاحبها ولا يدري لمن هي ، ولا أظنّه يجيء لها ربّ أبدا؟ قال : ما أحبّ أن يبيع ما
ليس له. قلت : فيبيع سكناها أو مكانها في يده ، فيقول : أبيعك سكناي ، وتكون في
يدك كما هي في يدي؟ قال : نعم ، يبيعها على هذا» .
ودلالتها على
المدّعى أوضح مما تقدم ، لإطلاق الإمام عليهالسلام البيع على تمليك السكنى
__________________
وكأخبار (١) بيع الأرض الخراجيّة وشرائها.
______________________________________________________
بعد كراهته عليهالسلام بيع الرقبة ، ولا قرينة في الكلام على كون الإطلاق
بالعناية والمسامحة.
(١) معطوف على «كالخبر
الدال ..» وهذا إشارة إلى المورد الثالث مما استعمل فيه البيع في إبدال غير
الأعيان ، كاستعماله في نقل حقّه من الأرض الخراجية ، كما في خبر أبي بردة بن رجاء
، قال : «قلت : لأبي عبد الله عليهالسلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : ومن يبيع ذلك؟ هي
أرض المسلمين. قال : قلت : يبيعها الذي هي في يده ، قال : ويصنع بخراج المسلمين
ماذا؟ ثم قال : لا بأس ، اشترى حقّه منها ويحوّل حقّ المسلمين عليه ، ولعلّه يكون
أقوى عليها وأملى بخراجهم منه» .
وتقريب
الاستدلال : أن الامام عليهالسلام أفاد في جواب السائل حكمين ، أحدهما : النهي عن بيع
رقبة الأرض ، لكونها ملكا لكافّة المسلمين ، وليس لأحد منهم أن يبيعها.
ثانيهما : جواز
بيع الحق وشرائه ، لقوله عليهالسلام : «لا بأس ، اشترى حقّه منها» والمراد بالحقّ هو ماله
من جواز التصرف ، دون ملكية رقبة الأرض ، قال شيخ الطائفة قدسسره : «إن أهل الذمة لا يخلو ما في أيديهم من الأرضين من أن
يكون فتحت عنوة أو صولحوا عليه ؛ فإن كانت مفتوحة عنوة فهي أرض المسلمين قاطبة ، ولهم
أن يبيعوها إذا كانت في أيديهم بحقّ التصرف ، دون أصل الملك ، ويكون على المشتري
ما كان عليهم من الخراج كما كانت خيبر مع اليهود. وان كانت أرضا صولحوا عليها فهي
أرض الجزية يجوز شراؤها منهم إذا انتقل ما عليها إلى جزئه رؤوسهم ، أو يقبل عليها
المشتري ما كانوا قبلوه من الصلح ، وتكون الأرض ملكا يصلح التصرف فيه على كلّ حال»
.
وعلى هذا فلمّا
كانت ولاية التصرف من منافع الأرض الخراجية وهي ممّا يبذل المال بإزائها صحّ
المعاوضة عليها بتفويض حقّ الانتفاع الى الغير. وبهذا يثبت استعمال البيع
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
والشراء في إبدال المنافع والحقوق ، وعدم اختصاص استعماله بما كان المعوّض
عينا.
هذا ما أشار
إليه المصنف قدسسره من الموارد الثلاثة ، وكذا ورد إطلاق البيع والشراء على
غير تمليك العين ، في مواضع اخرى :
منها : جواز
نظر مريد التزويج إلى وجه المرأة ومحاسنها ، كما في معتبرة محمد بن مسلم ، قال : «سألت
أبا جعفر عليهالسلام عن رجل يريد أن يتزوّج المرأة أينظر إليها؟ قال : نعم ،
إنّما يشتريها بأغلى الثمن» .
ودلالتها على
المدّعى ظاهرة ، إذ ليس المقصود شراء الرقبة ، بل استيفاء منفعة خاصة ، فأطلق
الشراء ـ المقابل للبيع ـ على بذل المال بإزاء التمتع الخاص.
ومنها : جواز
أخذ الزوجة مالا على إسقاط حقّ القسم ، كما في معتبرة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن
جعفر عليهماالسلام ، قال : «سألته عن رجل له امرأتان ، قالت إحداهما : ليلتي
ويومي لك يوما أو شهرا أو ما كان ، أيجوز ذلك؟ قال : إذا طابت نفسها واشترى ذلك
منها فلا بأس» .
وهي كالرواية
السابقة في إطلاق الشراء على نقل غير العين ، كرفع اليد عن حقّ القسم.
والحاصل : أنّ
شيوع استعمال البيع والشراء في الأخبار في غير تمليك الأعيان مانع عن استقرار ظهور
«البيع» في الأدلة المتكفلة لأحكامه ـ كأدلة خيار المجلس ـ في خصوص مبادلة الأعيان
، بل مقتضى القاعدة تعميم المعوّض لمطلق ما يبذل بإزائه المال عينا كان أو منفعة
أو حقّا.
__________________
والظاهر (١)
أنّها مسامحة في التعبير ، كما (٢) أنّ لفظ الإجارة يستعمل عرفا في نقل بعض
الأعيان
______________________________________________________
(١) غرضه قدسسره منع الاستدراك المتقدم بقوله : «نعم ربما يستعمل ..» وتوجيه
استعمال البيع في الروايات وكلمات بعض الفقهاء في إبدال غير الأعيان. ومحصّل
التوجيه : أنّ التنافي بين ما ذكرناه من اختصاص البيع بنقل العين وبين استعماله في
الكلمات في الأعمّ من ذلك مبنيّ على كونه حقيقيا في كلا المقامين ، لصيرورة «البيع»
مشتركا بين معنيين أحدهما أخص وهو ما يعتبر فيه عينية المعوّض ، وثانيهما أعم وهو
كفاية كونه مالا سواء أكان عينا أم منفعة أم حقّا ، ونتيجة الاشتراك إجمال موضوع
الأدلة ، لدورانه بين الخاص والعام.
لكنك عرفت آنفا
أمارية التبادر وصحة السلب على كون البيع حقيقة في خصوص مبادلة الأعيان بعوض ، وهو
الذي استقرّ عليه اصطلاح الفقهاء ، كاستقرار اصطلاحهم على اختصاص الإجارة بنقل
المنافع بعوض. وعلى هذا يكون استعمال البيع في غير تمليك الأعيان مسامحيّا ، كالمسامحة
في إطلاق «الإجارة» في بعض الأخبار على تمليك العين. وعليه يتعيّن حمل «البيع» في
الأدلة على معناه الحقيقي ، إلّا مع قيام قرينة على إرادة المعنى المجازي.
وبالجملة : لا
منافاة بين الاصطلاح المزبور وبين استعمال البيع في نقل غير العين ، إذ المفروض
كون الاستعمال المذكور مبنيّا على العناية والمسامحة ، وهو غير قادح في حمل «البيع»
على نقل الأعيان خاصة.
(٢) غرضه إقامة
الشاهد على أنّ الاستعمال المسامحي غير قادح فيما استقرّ عليه الاصطلاح ، وحاصله :
أنّ البيع الموضوع لنقل العين كما يستعمل مجازا في نقل المنفعة ، كذلك الإجارة ـ التي
استقرّ اصطلاح الفقهاء على كونها حقيقة في نقل المنفعة ـ قد تستعمل مجازا في «تبديل
العين بعوض» الذي هو معنى حقيقي للبيع ، ولمّا كان الاستعمال في المقامين مبنيّا
على العناية والمسامحة ، لم يلزم إجمال في أدلة كلا البابين ، فيحمل «البيع» بدون
القرينة على تمليك العين ، والإجارة كذلك على تمليك المنفعة مع بقاء العين على ملك
المؤجر.
كالثمرة على الشجرة (١).
______________________________________________________
(١) مقصوده قدسسره أنّ الإجارة تطلق مسامحة على نقل الثمرة حال كونها على
الشجرة ، مع أنّ الثمرة عين ، فلا بد من نقلها بالبيع لا بالإجارة ، فإنّ مقتضى
المقابلة للبيع هو إرادة إطلاق لفظ الإجارة على نقل العين ، كإطلاق لفظ البيع على
نقل المنفعة في روايات بيع خدمة العبد المدبّر وبيع سكنى الدار المجهول مالكها
وبيع الأرض الخراجية. وليس المقصود من استعمال الإجارة في تمليك العين إجارة
الشجرة للانتفاع بثمرتها أو إجارة الدار للانتفاع بسكناها ، وذلك لوضوح كون
المقصود تمليك منفعة الشجرة والدار ، وهذا هو مورد الإجارة.
وكيف كان فقد
ورد استعمال الإجارة ـ مسامحة ـ في تمليك العين في معتبرة عبيد الله الحلبي عن أبي
عبد الله عليهالسلام ، قال : «تقبّل الثمار إذا تبيّن لك بعض حملها سنة ، وإن
شئت أكثر. وإن لم يتبيّن لك ثمرها فلا تستأجر» . والشاهد إنّما هو في استعمال الإجارة في تمليك العين ،
إذ المراد بالتقبّل بقرينة الذيل ـ أعني به قوله عليهالسلام : فلا تستأجر ـ هو الإجارة ، فمحصّل معنى الرواية ـ والله
العالم ـ هو : أنّ الثمار إذا ظهر بعضها جاز بيعها سنة أو أزيد. وإن لم تظهر ـ ولو
بعضها ـ لم يجز بيعها ، وقد عبّر بالإجارة عن نقل العين مسامحة ، هذا (*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
()
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
وأمّا العوض (١)
فلا إشكال (٢) في جواز
______________________________________________________
الثمن في البيع أعم
من العين والمنفعة
(١) قد عرفت
اختصاص المعوّض بالعين ، وأمّا العوض فلا يعتبر فيه ذلك ، بل يكفي كونه مالا يرغب
فيه ويتنافس عليه ، سواء أكان عينا أم منفعة أم حقّا ، وحيث إنّ صدق البيع على ما
إذا كان كلا العوضين عينا من المسلّمات لم يتعرض له المصنف قدسسره ، وإنّما عقد الكلام في مقامات ثلاثة ، أحدها : في
كفاية كون العوض منفعة ، وثانيها : في حكم عمل الحرّ. وثالثها : في جواز جعل بعض
الحقوق عوضا ، وسيأتي تفصيل الكلام فيها عند تعرض المصنف له إن شاء الله تعالى.
أمّا إذا كان
العوض عينا فيجري فيه ما تقدّم في المعوّض من الأقسام ، من الشخصية والكليّة
بأنواعها.
(٢) من هنا شرع
المصنف في بيان المائز بين الثمن والمثمن ، وهو إشارة إلى المورد الأوّل أعني به
البحث عن جواز كون الثمن منفعة ، خلافا للوحيد البهبهاني قدسسره القائل باعتبار عينية العوضين معا.
ثم إن المنفعة
تطلق على معنيين :
الأوّل : ما
يقابل العين ، وهي حيثية قائمة بالعين ، سواء أكانت منفعة الأعيان الجامدة كسكنى
الدار ، أم منفعة الأعيان الناطقة كالأعمال المحترمة التي يعملها الكسوب ـ حرّا
كان أو عبدا ـ كالخياطة والطبابة والنجارة.
الثاني : ما
يشمل العين ، فيكون بمعنى الرّبح والفائدة ، فكما يقال : استفاد بتجارته عشرة
دنانير مثلا أو ربح فيها ، فكذا يقال : إنه انتفع فيها بعشرة ، ومن المعلوم أنّ
المنفعة بهذا المعنى أعمّ من العين الخارجية ومن الحيثية القائمة بالعين.
والمقصود
بالمنفعة هنا هو المعنى الأوّل أي ما يقابل العين ، كما لا يخفى.
ثم إنّ المصنّف
قدسسره حكم بجواز وقوع المنافع ثمنا في البيع سواء أكانت كسكنى
الدار أم
كونها (١) منفعة ، كما في غير موضع من القواعد (٢) وعن التذكرة (٣) وجامع
المقاصد ، ولا يبعد عدم الخلاف فيه (٤).
______________________________________________________
خدمة العبد أم عمل الحرّ ، وفصّل في الأخير بين وقوع معاوضة عليه قبل جعله
ثمنا في البيع ، وبين عدم وقوع المعاوضة عليه قبله ، بالجواز في الأوّل والتأمل في
الثاني كما سيظهر.
(١) تأنيث
الضمير باعتبار الخبر.
(٢) قد ظفرت
بتصريح العلامة بجواز كون العوض منفعة في موضعين من القواعد ، أوّلهما بيع السلف ،
حيث قال فيه : «ولو كان الثمن خدمة عبد أو سكنى دار مدّة معيّنة صحّ» ومن المعلوم عدم الفرق بين بيع السلف وغيره في الحكم.
وثانيهما : عوض
الإجارة ، حيث قال : «وكلّما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون عوضا ، عينا كان أو
منفعة ، ماثلث أو خالفت» .
(٣) قال في
إجارة التذكرة : «مسألة : كلّما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون عوضا في
الإجارة ، لما بينهما من التناسب حتى ظنّا واحدا. فعلى هذا يجوز أن يكون العوض
عينا أو منفعة» .
(٤) أي : في
جواز كون العوض منفعة ، قال في الجواهر : «وأمّا الثمن فالظاهر من إطلاق الأدلّة
والفتاوى وما صرّح به في المصابيح من أنّه مطلق المقابل ، فيدخل فيه الشخصي
والكلّي ، والعين والمنفعة ، فيكون البيع بالنسبة إلى ذلك كالإجارة والصلح يقع
بكلّ منهما ، ولا فرق بينها من هذه الجهة» .
__________________
نعم (١) نسب (٢)
إلى بعض الأعيان (٣) الخلاف فيه (٤).
ولعلّه (٥) لما
اشتهر في كلامهم من «أنّ البيع لنقل الأعيان».
______________________________________________________
(١) استدراك
على نفي البعد عن تحقق الإجماع على وقوع المنفعة ثمنا في البيع ، وحاصله : أنّه
نسب الى بعض الأعيان اعتبار كون العوض عينا كالمعوّض ، ومع وجود المخالف في
المسألة لا تتجه دعوى نفي الخلاف.
(٢) الناسب هو
الفقيه الكبير الشيخ جعفر النجفي في شرحه على بيع القواعد ، قال فيه : «ومنع بعض
الأعيان ناش من قول بعض الفقهاء : انه موضوع لنقل الأعيان. وليس إلّا نظير قولهم :
الإجارة موضوعة لنقل المنافع».
(٣) وهو الوحيد
البهبهاني قدسسره في رسالته الفارسية في المعاملات ، قال فيها ما ترجمته
: «ومن شرائط البيع كون المبيع والثمن عينا لا منفعة ، إذ البيع انتقال عين بإزاء
انتقال عين. وأمّا المنفعة فيمكن انتقالها بعنوان اللزوم بعقد إجارة أو صلح» . ووافقه الفاضل النراقي قدسسره .
(٤) أي : في
جواز كون العوض منفعة.
(٥) أي : ولعلّ
خلاف بعض الأعيان ، ومقصوده قدسسره توجيه فتوى الوحيد البهبهاني قدسسره من اعتبار عينية كلا العوضين ، وهذا التوجيه مذكور في
مفتاح الكرامة والجواهر ، وسبقهما في التنبيه عليه الفقيه الكبير كاشف الغطاء قدسسره. وتوضيحه : أنّه يمكن أن يكون خلاف بعض الأعيان ناظرا
إلى ما اشتهر في كلمات الفقهاء «رضوان الله عليهم» في مقام الفرق بين البيع
والإجارة «أن البيع نقل الأعيان ، والإجارة نقل المنافع» وعليه لا يصدق مفهوم
البيع
__________________
والظاهر (١)
إرادتهم بيان المبيع ، نظير قولهم : إنّ الإجارة لنقل المنافع.
______________________________________________________
إلّا إذا كان كلا العوضين عينا ، فمثل «تمليك كتاب بسكنى دار شهرا» ليس
بيعا.
(١) هذا ردّ
التوجيه المزبور ، وحاصله : أنّ المراد بهذه الجملة المعروفة بين الفقهاء تعيين
حال المعوّض خاصة ، سواء في باب البيع والإجارة ، فمرادهم بوضع البيع لنقل الأعيان
هو اعتبار عينية المبيع ، كما أنّ مقصودهم بوضع الإجارة لتمليك المنافع هو اعتبار
كون المعوّض منفعة ، من دون نظر الى بيان حال العوض. والشاهد على هذه الدعوى تصريح
بعضهم ـ كما تقدم في عبارة قواعد العلامة ـ بجواز كون عوض الإجارة عينا ومنفعة ، فإذا
آجر داره سنة للسكنى جاز أن يجعل الأجرة مائة دينار ، كما جاز أن يجعلها خياطة ثوب
أو بناء غرفة ، ونحوهما. وهذا كاشف عن كون قولهم : «الإجارة لنقل المنافع» ناظرا
إلى المعوّض خاصة ، بلا نظر الى العوض ، فيتعيّن حينئذ أن يراد بقولهم : «البيع
لنقل الأعيان» اختصاص المعوّض بالعين ، فالعوض إنّما تعتبر ماليّته سواء أكان عينا
أم منفعة أم حقّا ، على خلاف في الأخير سيأتي بيانه.
هذا تمام ما
أفاده المصنف في المقام الأوّل مما يتعلق بالعوض ، وصار حاصله : جواز كون المنافع
ثمنا في البيع ، إلّا صنفا خاصّا منها وهو عمل الحرّ كما سيأتي (*).
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
وأمّا (١) عمل الحرّ
______________________________________________________
جواز وقوع عمل الحرّ
ثمنا في البيع
(١) استدراك
على قوله : «وأمّا العوض فلا إشكال في جواز كونه منفعة» وعمل الحرّ وإن كان صنفا
من طبيعيّ المنفعة ، إلّا أنّ وجه إفراده بالبحث هو الشبهة في ماليّته ، بخلاف
سائر المنافع التي لا ريب في ماليّتها. وقد أشرنا إلى أنّ الثمن إمّا أن يكون عينا
أو منفعة أو عمل حرّ أو حقّا ، وتقدم الكلام في مطلق المنفعة ، وجواز وقوعه عوضا ،
ويقع الكلام في المقام الثاني وهو استثناء عمل الحرّ عن حكم كلّي المنفعة ، للشك
في صدق مفهوم «المال» عليه.
وتوضيح ما
أفاده المصنف قدسسره : أنّ منفعة الآدمي ـ التي يقصد جعلها ثمنا في البيع ـ إمّا
أن تكون خدمة مملوك ، وإمّا أن تكون عمل حرّ ، والثاني إمّا أن تقع المعاوضة عليه
قبل البيع ، وإمّا لا ، فالأقسام ثلاثة :
الأوّل : أن
تكون المنفعة عمل مملوك كما إذا أراد السيّد شراء كتاب وجعل ثمنه خدمة مملوكه يوما
، ولا شبهة في صحة هذا البيع ، لكون الثمن مالا مملوكا بتبع ملك رقبته ، ومن
المعلوم سلطنة السيّد على أنحاء التصرفات المشروعة في ماله ، ومنها جعل عمل عبده
أو أمته ثمنا في شراء سلعة.
الثاني : أن
تكون المنفعة عمل حرّ قد عومل بها ، كما إذا آجر زيد نفسه لخياطة ثوب عمرو بدينار
، وصارت الخياطة مملوكة للمستأجر في ذمة أجيره ، فإذا اشترى المستأجر كتابا من بكر
صحّ جعل عوضه الخياطة التي يملكها في ذمة زيد ، وتصير مشغولة حينئذ لبكر بعد ما
كانت مشغولة لعمرو. والوجه في الصحة كون هذه المنفعة الخاصة مالا مملوكا للمستأجر
، ولا يعتبر في البيع إلّا صدق «مبادلة مال بمال» والمفروض تحققه في عمل الحرّ بعد
وقوع معاوضة عليه بإجارة أو صلح.
الثالث : أن
تكون المنفعة عمل حرّ وأريد جعله ثمنا في البيع ابتداء من دون سبق معاوضة عليه ، وهذا
هو مورد البحث فعلا ، كما إذا اشترى الحرّ الكسوب كتابا وجعل ثمنه
.................................................................................................
______________________________________________________
خياطة ثوب ، بأن يقول البائع : «بعتك كتابي بخياطة هذا الثوب» وقبله
المشتري. وفي صحة هذا البيع وجهان أحدهما الصحة ، والآخر البطلان.
ووجه الأوّل : انطباق
تعريف البيع عليه ، إذ المراد بالمال كل ما يتنافس العقلاء عليه ويبذلون بإزائه
شيئا ، عينا أم منفعة أم عمل حرّ أم خدمة عبد ، ومن الواضح صدق المال على عمل
الحرّ كخياطته ونجارته سواء وقعت معاوضة عليه أم لم تقع ، فالمناط كون العمل في
حدّ نفسه مما يرغب فيه النوع. ولولاه لزم بطلان إجارة عمل الحرّ ، لوضوح اعتبار
مالية المنفعة في باب الإجارة أيضا ، مع أنّه لا ريب في صحتها. ومن المعلوم أن
وزان الإجارة وزان البيع في مبادلة الأموال ، غايته أن هذا يفيد تمليك الأعيان ، وتلك
تفيد تمليك المنافع.
ووجه الثاني : ـ
وهو البطلان ـ احتمال اعتبار مالية العوضين ـ في حدّ ذاتهما ـ قبل ورود البيع
عليهما ، لظهور تعريف المصباح في وقوع المبادلة بين شيئين اتّصفا بالمالية مع الغض
عن المعاوضة ، ومن المعلوم أن عمل الحرّ ـ قبل المعاوضة عليه بإجارة أو صلح ـ ليس
مالا ، بل ماليته تتوقف على المعاوضة عليه ، فالخيّاط بمجرد معرفته بالخياطة ليس
ذا مال ، وإنّما يصير كذلك إذا ملّك عمله للغير بعوض.
ويكشف عن عدم
مالية عمل الحرّ ـ في حد ذاته ـ ما ذكروه في مسائل :
الأولى : في
الاستطاعة المالية للحج ، حيث لا يعدّ الكسوب المحترف مستطيعا من ناحية كسبه
وصنعته ، وتتوقف استطاعته المالية على أن يؤجر نفسه للغير ـ قبل الحج ـ بما يفي
بمئونة حجه ، فلو خرج مع الرّفقة ولا يجد ما يحجّ به لا يجب عليه أن يؤجر نفسه في
الطريق بما يكفي لنفقته ، لأنّه تحصيل للاستطاعة ، ومن المعلوم عدم وجوب تحصيلها. ولو
كان نفس عمل الحر وصنعته مالا ـ سواء آجر نفسه للغير أم لا ـ لكان مستطيعا قبل
الإجارة وواجدا لما يحجّ به ، ووجب عليه إجارة نفسه مقدمة لأداء الحج الواجب عليه.
فان قلنا
(١) إنّه قبل المعاوضة عليه (٢) من الأموال فلا إشكال ، وإلّا (٣)
______________________________________________________
الثانية : في
ضمان حابس الحرّ الكسوب لمنافعه الفائتة منه في الحبس ، حيث فصّلوا بين كون
المحبوس أجيرا لغيره ـ قبل الحبس ـ فيضمنها الحابس ، وبين عدم كونه أجيرا فلا
يضمنها. ولو كان ذات عمله ومنفعته متصفة بالمالية لزم تغريم الحابس مطلقا ، ولم
يبق وجه للتفصيل المزبور.
الثالثة : في
حجر المفلّس ، حيث إنه محجور بالنسبة إلى أمواله ، لتعلق حق الغرماء بها ، وليس
محجورا بالنسبة إلى أعماله. ولو كانت أعماله أموالا لكان محجورا بالنسبة إليها
أيضا.
والحاصل : أن
الترديد في صدق المال على عمل الحرّ ـ قبل المعاوضة عليه ـ يكفي في المنع عن جعله
عوضا في البيع ، ولا يلزم الجزم بعدم ماليّته ، لوضوح مانعية الشك في المالية عن
التمسك بإطلاق أدلة الإمضاء ، لكونه من الشك في موضوع الدليل.
هذا توضيح كلام
المصنّف قدسسره في عمل الحرّ. ومحصله : عدم صلاحية عمل الحر لوقوعه
ثمنا في البيع ، وذلك لمقدّمتين :
الاولى : عدم
كون عمله في حدّ نفسه مالا ، والبيع مبادلة بين مالين.
ثانيتهما : أنّه
يعتبر مالية العوضين قبل البيع ، ولا يكفي اتصاف عمل الحرّ بالمالية بنفس البيع.
وقد ظهر مما
ذكرناه وجه تقييد العمل بكونه عمل الحرّ ، وهو الاحتراز عن عمل العبد ، فإنّه مال
مملوك لمولاه بلا ريب كما تقدم.
(١) هذا وجه
تصحيح جعل عمل الحرّ ـ كسائر المنافع ـ ثمنا في البيع ، وكأنّه قال : «وأما عمل
الحر ففيه وجهان فان قلنا ..» وكيف كان فقد عرفت توضيح وجه الصحة بقولنا : «ووجه
الأوّل انطباق تعريف البيع عليه .. إلخ».
(٢) هذا الضمير
وضمير «انه» راجعان الى عمل الحرّ.
(٣) أي : وإن
لم نقل بكون عمل الحر مالا في حد نفسه ـ بل تتوقف ماليته على المعاوضة عليه ـ أشكل
وقوعه ثمنا في البيع. وقد عرفت وجه الاشكال بقولنا : «ووجه الثاني ـ
ففيه (١) إشكال ، من حيث احتمال اعتبار كون العوضين في البيع
مالا قبل المعاوضة (٢) ، كما يدلّ عليه
(٣) ما تقدّم عن
المصباح (*).
______________________________________________________
وهو البطلان ـ احتمال اعتبار ..».
(١) أي : ففي
جواز كون عمل الحرّ عوضا في البيع إشكال ، منشؤه احتمال اشتراط البيع بمالية
العوضين ذاتا ، لا حدوث المالية لهما أو لأحدهما بالبيع.
(٢) أي : قبل
المعاوضة البيعية ، يعني : سواء استؤجر على عمله قبل البيع أم لم يستأجر عليه ، فليس
المراد بكلمة «المعاوضة» هنا مطلق المعاملة ، إذ لو آجر الحرّ نفسه لخياطة ثوب فقد
صحّ أنه عاوض على عمله ، فيقع عمله المملوك للمستأجر عوضا عن المبيع.
(٣) أي : على
اعتبار كون العوضين مالا قبل إنشاء البيع. ووجه دلالة تعريف المصباح عليه هو : أن «مبادلة
مال بمال» مؤلّفة من موضوع ومحمول ، فالموضوع هو المالان ، والمحمول هو المبادلة
بينهما ، ولا ريب في ظهور التعريف في وقوع المبادلة بين المالين الفعليين ، لا بين
ما سيصير مالا بنفس البيع ، ولو فرض عدم هذا الظهور كان نفس الشك في الموضوع
كالقطع بانتفائه في عدم جواز التمسك بدليل الإمضاء.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
وأمّا الحقوق (١) [الأخر]
______________________________________________________
أقسام الحقوق ووقوعها
عوضا في البيع
(١) معطوف على
قوله : «وأمّا عمل الحرّ» ومقصوده قدسسره تحقيق حال الحقوق من حيث قابليتها لوقوعها عوضا في
البيع وعدمها. وقد أشرنا في شرح قوله : «وأما العوض» الى : أنّ الثمن في البيع ـ بعد
عدم اشتراطه بكونه عينا ـ يجوز أن يكون منفعة ، ووقع الخلاف بينهم في عمل الحرّ
والحقوق ، وقلنا : إنّ البحث يقع في مقامات ثلاثة ، وتقدّم الكلام في مقامين ، وهما
كون العوض منفعة وحكم عمل الحر ، وانتهى البحث الى المقام الثالث ، وهو ما عنونه
بقوله : «وأما الحقوق».
ثم إنّه ينبغي
بيان أمور ثلاثة قبل شرح المتن ، فنقول وبه نستعين :
الأمر الأوّل :
أنّ كلمة «الأخر» موجودة في بعض النسخ المصحّحة دون جميعها ، والأولى حذفها ، لعدم
سبق ذكر لبعض الحقوق حتى يحترز بها عن سائر الحقوق. وعلى فرض وجودها في النسخة
الأصليّة بقلم المصنف أعلى الله مقامه لا بدّ من توجيهها إمّا بالاحتراز عن العين
والمنفعة ، لكونهما من الحقوق بالمعنى الأعمّ حيث يقال : يحقّ للمالك أن ينتفع ، وللحرّ
المختار أن يعمل ، فالمراد بالحق هو الثبوت. وإمّا بالاحتراز عن خصوص عمل الحرّ
إذا استحقه شخص بالإجارة ونحوها من المملّكات ، فيكون عمل الحرّ بعد تملّك الغير
له من الحقوق ، يعني يستحقه المستأجر.
وكلا الأمرين
لا يخلو من تكلف. واحتمل بعض الأجلّة قدسسره أن كلمة «الأخر» لم تذكر هنا ، وإنّما يناسب وقوعها
أوّل القسم الثالث ، بأن كانت العبارة هكذا .. : «وأما الحقوق فان لم تقبل
المعاوضة .. وأما الحقوق الأخر القابلة للانتقال كحق التحجير ..» والأمر سهل بعد
وضوح المطلب.
الأمر الثاني :
في معنى الحق ، ولم يظهر من المتن تعريف عام لكافّة الحقوق ، لكنه في القسم الثاني
منها جعل الحقّ سلطنة فعلية ، فبناء على هذا التفسير يكون ذو الحق سلطانا على
المتعلق ، وأدنى مراتب السلطنة هو جواز إسقاط حقه على ما ذكره قدسسره في الخيارات. كما في
.................................................................................................
______________________________________________________
مثل حق الخيار في العقود اللازمة أو الجائزة ، فإنّ ذا الخيار إمّا مالك
لأمر العقد من حيث الفسخ والإمضاء ، وإما لمتعلقه من حيث الرد والاسترداد.
والحقّ ـ بناء
على كونه سلطنة ـ يشارك الحكم المصطلح من التكليفي والوضعي في كونه مجعولا شرعيا
تأسيسا أو إمضاء ، ويفارقه في أنّ الملحوظ في الحقوق نوع سلطنة على المتعلق ، بخلافه
في الحكم ، حيث لا يعتبر فيه إلّا الرخصة وعدم المنع من الشيء ، مثلا يطلق على
جواز فسخ العقد بالخيار : أنه حقّ ، وعلى جواز الرجوع في الهبة : أنّه حكم.
والوجه فيه أنّ
ذا الخيار اعتبره الشارع مسلّطا على أمر العقد ، ومن آثار سلطنته جواز إسقاطه ورفع
اليد عنه. ولكن الجواز في الهبة حكمي ، بمعنى أنّ الشارع رخّص للواهب في الرجوع عن
هبته ، كترخيصه في سائر المباحات ، ولم يعتبر سلطنة على الرجوع ، ولذا لا يرتفع
هذا الجواز الحكمي بإسقاط الواهب ، بل يبقى ما دامت العين الموهوبة باقية بعينها.
هذا معنى الحق
، وقد ذكرناه بنحو الإجمال والإشارة ، وإن شئت الوقوف على أنظار الأعلام في تعريفه
فلاحظ التعليقة الآتية إن شاء الله تعالى بعد الفراغ من توضيح المتن.
الأمر الثالث :
في ما هو المقصود من جعل الحق ثمنا في البيع ، إذ يحتمل فيه وجهان :
أحدهما : أن
يراد بالحق نفس الإضافة الاعتبارية المعبّر عن بعض أقسامها في المتن بالسلطنة
الفعلية ، ومعنى وقوع الحقّ عوضا في البيع تفويض هذه السلطنة الاعتبارية إلى
البائع بدلا عن سلطنته على المبيع ، فإذا باع زيد كتابا من عمرو وجعل عمرو ثمنه
حقّ الخيار الثابت له في معاملة أخرى ، انتقل حقّ الخيار إلى زيد ، وصار كتابه
ملكا لعمرو.
ثانيهما : أن
يراد بالحق متعلقة ، بدعوى عدم قابلية نفس الحق ـ بمعنى الإضافة والسلطنة ـ للنقل
إلى الغير ، لأنّ الإضافة نسبة قائمة بين طرفيها ـ وهما من له الحق ، وما يتعلق به
الحق ـ سواء أكان عينا كالأرض المحجرة التي هي متعلق حق المحجّر ، أم منفعة أم عمل
حرّ. هذا.
والظاهر أنّ
مقصود المصنف قدسسره من البحث عن حكم جعل الحقوق عوضا هو
.................................................................................................
______________________________________________________
الاحتمال الأوّل ، وذلك لوجهين :
الأوّل : أنّه قدسسره تعرّض لحكم العوض في البيع ، وأفاد جواز كونه عينا ـ كالمعوّض
ـ ومنفعة ـ عدا عمل الحر ـ ثم تعرّض للبحث عن قابلية الحقوق لوقوعها عوضا وعدمها. وهذا
يقتضي أن يكون مراده من الحق نفس الإضافة أي السلطنة ، إذ لو كان مقصوده منه
متعلّقه لما كان وجه لإفراد الحقوق بالبحث ، فإنّ متعلق الحق إمّا عين كما في مثل
حق التحجير والرّهانة ، وإمّا منفعة كما في مثل حقّ الاستمتاع بالزوجة ، وإمّا عمل
حرّ كما في مثل حق الولاية وحق الحضانة ، وليس متعلق الحق أمرا خارجا عن هذه
الأقسام حتى يختص بالبحث والنظر. وعليه فعقد أحكام الحقوق على حدة كاشف عن أنّ
المبحوث عنه قابلية نفس الحق لوقوعه عوضا ، لا متعلقة.
الثاني : أنّ
المصنف قدسسره استشكل في وقوع الحقوق عوضا في البيع ـ حتى ما يقابل
بالمال في الصلح كحق التحجير ـ بدعوى اعتبار المالية في العوضين ، وهي مشكوكة
الصدق على الحقوق. ولو كان محطّ البحث والنزاع متعلّق الحق لما كان وجه للتشكيك في
ماليّة حق التحجير ، إذ لا ريب في ماليّة الأرض المحجّرة وتنافس العقلاء عليها ، فلا
بد أن يكون المقصود من الحق المشكوك ماليّته هو نفس الإضافة الاعتبارية لا متعلّقه.
وبهذا ظهر غموض
ما في بعض الكلمات من «أن المراد عوضية متعلقات الحقوق بدعوى عدم قابلية نفس الحق
للعوضية والمعوّضية» وذلك لأنّه على فرض تسليمه ليس بيانا لما أفاده المصنف كما
تقدم.
إذا
عرفت ما ذكرناه
فنقول : اختلف الفقهاء قدسسرهم في صحة جعل الحقوق عوضا في البيع ، فذهب الشيخ الفقيه
كاشف الغطاء قدسسره الى المنع مطلقا ، واختار صاحب الجواهر قدسسره الجواز كذلك. وفصّل المصنف بين أقسام الحقوق فجزم
بالمنع في قسمين منها ـ وهما ما لا يقبل المعاوضة وما لا يقبل النقل ـ وتردّد في
القسم الثالث وهو ما يقبل الانتقال القهري والنقل بالصلح ، وإن كان مآله الى عدم
وقوعه عوضا كالقسمين الأوّلين :
كما أنّه قدسسره تعرّض في القسم الثاني للفرق بين بيع الدين ممن هو عليه
وبين نقل الحق
فإن لم تقبل (١) المعاوضة (٢) بالمال كحقّ
الحضانة والولاية (٣) فلا إشكال (٤).
______________________________________________________
الى من عليه الحق ، بجواز الأوّل دون الثاني ، وسيأتي توضيح تمام ما أفاده
بعونه تعالى.
القسم الأوّل : الحقوق
غير القابلة للإسقاط
(١) هذا هو
القسم الأوّل من التقسيم الثلاثي للحقوق بنظر المصنف ، وضابطه ـ على ما قيل ـ كل
حقّ روعي فيه مصلحة غير من قام به الحق كحقّ الحضانة التي لوحظ فيه مصلحة الطفل من
حيث تربيته وإصلاح شأنه ، وكحقّ الولاية المراعى فيه مصلحة المولّى عليه وغبطته ، فليس
زمام الحق في هذين الموردين بيد من له الحق وهو الامّ والولي كالأب والجد حتى يجوز
لكل منهما التصرف فيه بنقله الى الغير أو إسقاطه للتخلص من تبعاته. فإذا اشترت
الامّ سلعة لم يجز لها جعل الثمن حق حضانتها لولدها ، وكذا لا يجوز للولي جعل حق
ولايته ثمنا لمتاع يشتريه من المولّى عليه.
والوجه في عدم
جواز جعل هذا القسم عوضا هو : أنّ البيع مبادلة مال بمال ، وتمليك للغير ، وهو غير
محقّق فيما كان الثمن هذا الصّنف من الحقوق ، لفرض قيامه بذي الحق وعدم انفكاكه
عنه ، فهو غير قابل للإسقاط عمّن عليه الحق فضلا عن أن ينتقل الى غيره.
(٢) ظاهر كلمة «المعاوضة»
هو المبادلة بين المبيع وبين الحق ، لكنه غير مراد هنا بقرينة ما سيأتي في القسم
الثاني من الحق غير القابل للنقل ، فيكون المقصود بالمعاوضة هو إسقاط الحق ، وإطلاق
المعاوضة عليه من جهة وقوع إسقاط الحق عوضا عن المبيع.
(٣) أي : حق
الولاية للحاكم الشرعي ولسائر الأولياء كالأب والجدّ له.
(٤) يعني : فلا
إشكال في عدم وقوع هذا القسم عوضا في البيع ، لعدم دخول شيء في ملك البائع الذي
خرج المعوّض عن ملكه.
وكذا (١) لو لم تقبل النقل
______________________________________________________
القسم الثاني : الحقوق
غير القابلة للنقل
(١) يعني : وكذا
لا إشكال في عدم وقوع القسم الثاني من الحقوق عوضا في البيع. والمقصود بهذا القسم
هو الحقّ الذي استفيد من دليله جواز إسقاطه مجّانا ومع العوض ، لكنه لا يقبل
الانتقال الى الغير بحيث يقوم الحق بالمنتقل إليه على نحو قيامه بالمنتقل عنه.
ومثّل المصنف قدسسره له بحق الخيار وحق الشفعة ، كما إذا باع زيد كتابه من
عمرو بدينار على أن يكون له الخيار إلى شهر مثلا ، ثم أراد شراء سلعة من عمرو ـ وهو
من عليه الخيار ـ بجعل الثمن حقّ الخيار الذي كان له في بيع الكتاب بدينار.
والوجه في عدم
قابلية هذا القسم من الحقوق لوقوعه عوضا هو : تقوّم مفهوم البيع بالتمليك من
الطرفين ، وحيث إنّ مثل حق الخيار لا ينتقل الى الغير ، لامتناع اتحاد المسلّط
والمسلّط عليه ـ كما سيأتي توضيحه ـ لم يصح جعله عوضا. نعم لا بأس بأخذ المال
بإزاء إسقاطه عمّن عليه الخيار ، لكونه قابلا للإسقاط ، بخلاف القسم الأوّل الذي
دلّ دليله على عدم سقوطه عمّن يقوم به فضلا عن انتقاله الى الغير.
فإن قلت : لا
وجه لجعل القسم الأوّل مقابلا للقسم الثاني ، فإنّ ما لا يقبل المعاوضة لا يقبل
النقل المعاوضي إلى الغير. وعليه فكل حقّ استفيد من دليله عدم قابليته لأخذ العوض
بإزائه كان غير قابل للنقل أيضا ، وكلّ حقّ دلّ دليل تشريعه على عدم نقله عمّن له
الحق فهو غير قابل للمعاوضة عليه. وعليه ينبغي جمع القسمين تحت عنوان واحد ، وهو
ما لا يقبل المعاوضة والنقل.
قلت : قد أفاد
بعض أجلة المحشين قدسسره ـ وتقدمت الإشارة اليه ـ إنّ المعاوضة أعم من النقل ، فالمراد
بالحق غير القابل للمعاوضة هو ما لا ينتقل الى الغير ، ولا يجوز إسقاطه أصلا سواء أكان
الإسقاط مجانا أم بإزاء عوض. والمراد بالحق غير القابل للنقل هو القابل لأخذ العوض
بإزاء إسقاطه.
وعليه فمحصّل
الفرق هو قابلية القسم الثاني للإسقاط مطلقا ، وعدم قابلية القسم الأوّل له كذلك ،
فلا تداخل بين القسمين. كما أنّ القسم الثالث في كلام
كحق الشفعة (١) وحق الخيار ، لأنّ (٢) البيع تمليك الغير.
ولا ينتقض
(٣) ببيع الدّين
______________________________________________________
المصنف قدسسره هو القابل للإسقاط وللانتقال القهري بالإرث ، وللنقل
الاختياري ببعض وجوهه كالصلح ، ولكن يشكل جعله ثمنا في البيع.
(١) وهو
استحقاق الشريك الحصّة المبيعة في شركته ، كما إذا كانت الدار مشتركة بين زيد
وعمرو ، فباع زيد حصّته من بكر ، فيحدث لعمرو حقّ على البيع الواقع بين زيد وبكر ،
ويجوز له دفع الثمن الى بكر وضمّ الحصة المبيعة إلى حصته. فلو اشترى عمرو من بكر
كتابا فهل يجوز له جعل ثمنه حقّ شفعته من الدار حتى لا يتمكن من فسخ العقد الواقع
بين زيد وبكر أم لا؟ قد أفاد المصنف قدسسره عدم جوازه ، لما تقدم من إناطة البيع بانتقال كل من
العوضين الى ملك الآخر ، وحيث كان الحق قائما بصاحبه بحيث لا ينتقل الى غيره ـ وإن
جاز إسقاطه ـ لم يتحقق الانتقال الملكي.
(٢) هذا تعليل
لعدم قابلية وقوع مثل حقّي الشفعة والخيار ـ مما يقبل الإسقاط ولا يقبل النقل الى
الغير ـ عوضا في البيع ، ومحصله : كون البيع من نواقل الأملاك ، فإذا تعذّر انتقال
الحق الى غير من له الحق لزم كون المبيع بلا عوض ، ومن المعلوم
عدم صدق مفهوم
البيع عليه حينئذ.
الفرق بين إسقاط الحق
وبيع الدين
(٣) يعني : ولا
ينتقض عموم قولنا : «لأن البيع تمليك الغير» ـ في مقام تعليل عدم قابلية القسم
الثاني من الحقوق لوقوعه عوضا ـ ببيع الدين ممّن هو عليه ، إذ لا تمليك فيه ، بل
هو إسقاط لما في ذمة المديون.
ولا يخفى أن
كلام المصنف هنا إلى آخر القسم الثاني من الحقوق تعريض بما أفاده صاحب الجواهر قدسسره من تصحيح جعل الحقوق عوضا في البيع ، خلافا لشيخه
الفقيه كاشف الغطاء ، ولمسيس الحاجة الى توضيح الأمر لا مناص من بيان مرام كل منهم
قدس الله أسرارهم الزكيّة ، فنقول وبه نستعين : إنّ هنا مطالب ثلاثة ، أوّلها كلام
كاشف الغطاء ، ثانيها مناقشة
.................................................................................................
______________________________________________________
صاحب الجواهر فيه ، ثالثها تحقيق المصنف.
أما
الأوّل ، فقد ذكر فيه
الفقيه الكبير في شرحه على القواعد ما لفظه : «وأما الحقوق فالظاهر أنّها لا تقع
ثمنا ولا مثمنا» ومقتضى إطلاقه عدم قابلية شيء من الحقوق لوقوعها ثمنا في البيع. وأمّا
عدم كونها مثمنا فمن مسلّماتهم ، لاختصاص المعوض بالعين ، فليس نقل المنفعة والحق
بيعا عندهم.
وأما
الثاني ، فقد قال فيه
في الجواهر : «نعم في شرح الأستاد اعتبار عدم كونه ـ أي الثمن ـ حقّا ، مع أنه لا
يخلو من منع ، كما عرفته من الإطلاق المزبور المقتضي لكونه كالصلح الذي لا إشكال
في وقوعه على الحقوق ، فلا يبعد صحة وقوعها ثمنا في البيع وغيره ، من غير فرق بين
اقتضاء ذلك سقوطها كبيع العين بحق الخيار والشفعة على معنى سقوطهما ، وبين اقتضائه
نقلها كحقّ التحجير ونحوه. وكأنّ نظره في المنع إلى الأوّل ، باعتبار كون البيع من
النواقل لا من المسقطات ، بخلاف الصلح. وفيه : أنّ من البيع بيع الدين على من هو
عليه ، ولا ريب في اقتضائه حينئذ الإسقاط ولو باعتبار أن الإنسان لا يملك على نفسه
ما يملكه غيره عليه ، الذي بعينه يقرّر في نحو حقّ الخيار والشفعة ، والله أعلم» .
ولا بأس
بتوضيحه ، فنقول : قد أفاد صاحب الجواهر قدسسره أنّ المراد بالثمن في باب البيع ـ على ما صرّح به السيد
بحر العلوم قدسسره في مصابيحه ـ هو مطلق المقابل للمثمن ، لا خصوص العين
الشخصية ، ولذا جاز أن يكون العوض عينا كلّية ومنفعة. وكذا يجوز كونه حقا سواء أكان
قابلا للنقل الى الغير كحق التحجير ، أم لا ولكن جاز إسقاطه كحق الشفعة. والدليل
على جواز كون الحقوق ثمنا وجوه ثلاثة :
أحدها : إطلاق
أدلة صحة البيع كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) لاقتضائه حليّة كل ما صدق عليه البيع عرفا ، ولم ينهض
دليل على تقييد الحلية والصحة بما إذا لم يكن العوض
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حقّا حتى يدّعى بطلان عوضية الحقوق.
ثانيها : إطلاق
الفتاوى بصحة البيع سواء كان العوض عينا أم منفعة أم حقّا. وظاهره دعوى اتفاق
الفقهاء على ذلك.
ثالثها : الاستشهاد
بما ذكروه من جواز الصلح على العين بحق الخيار والشفعة والتحجير ، وإن كانت ثمرة
الصلح على الحقوق مختلفة ، فإذا صالح الكتاب على حقّ التحجير انتقل الحق من
المتصالح الى المصالح ، وإذا صالح الكتاب على حقّ الخيار سقط الحق ولم ينتقل الى
المصالح. ولمّا كان الصلح على الحقوق نافذا شرعا فليكن بيع الأعيان بالحقوق صحيحا
أيضا.
ولعلّ نظر كاشف
الغطاء ـ المانع من جعل الحقوق عوضا في البيع ـ الى خصوص الحقوق التي لا تنتقل الى
الغير كحقّ الشفعة القائم بشخص الشريك ، لا إلى مطلق الحقوق حتى ما كان قابلا
للنقل الى الغير كحق التحجير.
والفارق بين
البيع والصلح بنظره قدسسره ـ حيث يجوز الصلح على مطلق الحقوق سواء القابل منها
للإسقاط فقط أم القابل له وللنقل الى الغير ، ولا يجوز جعلها ثمنا في البيع ـ هو
كون البيع من نواقل الملك ، وهو غير صادق على ما إذا كان العوض حقّا لا يقبل النقل
إلى الغير كحق الخيار ، إذ لا يتحقق النقل الملكي من الجانبين. وهذا بخلاف الصلح ،
فإنّه من المسقطات ، لا من النواقل ، فيجوز جعل الحق غير القابل للنقل عوضا عن
المتصالح عليه ، ويكون أثره سقوط الحق عمّن عليه الحق وهو المصالح.
كما إذا صالح
من عليه حق الشفعة مع من له الحق على كتاب بعوض حقّ الشفعة ، فإنّه صلح نافذ ، وأثره
سقوط حق الشريك ، وزوال سلطنته على حلّ عقد شريكه مع المشتري.
ثم أورد صاحب
الجواهر على شيخه الفقيه قدسسرهما بالنقض عليه ببيع الدين ، حيث يظهر به عدم كون الفارق
المذكور بين البيع والصلح مانعا عن جعل الحقوق عوضا في البيع.
وتقريب النقض :
أنّه إذا كان زيد مديونا لعمرو بمائة منّ من الحنطة جاز لعمرو أن يبيع هذا المملوك
الذمي من زيد ، بأن يقول له عمرو : «بعتك ما أملكه في عهدتك بدينار» ويقول
.................................................................................................
______________________________________________________
زيد : «قبلت» ولا ريب في صحة بيع الدين ممّن هو عليه ، مع عدم ترتب النقل
من طرف البائع إلى المشتري ، لعدم إعطائه إياه شيئا ، وإنّما أسقط دينه المستقرّ
على عهدة زيد ، وفرغت ذمّته عما اشتغلت به لعمرو.
وعليه فإذا كان
أثر البيع في بعض الموارد إسقاط الدين كان كالصلح في إفادته النقل تارة والإسقاط
أخرى. وهذا النقض كاشف عن بطلان عموم التعليل المتقدم في المتن من «أن البيع تمليك
الغير» لما عرفت من صحة بيع الدين ، مع أنّ التمليك يكون بدينار من طرف المشتري
فقط ـ وهو المديون ـ لا من الجانبين. هذا توضيح ما أفاده صاحب الجواهر في تصحيح
جعل الحق القابل للإسقاط عوضا في البيع.
ونتيجة هذا
البيان : أنّ القسم الثاني من الحقوق يجوز كونه ثمنا في البيع ، وليس البيع منوطا
بالمبادلة الملكية من الطرفين ، بل يكفي تمليك أحدهما ، وإسقاط الآخر لحقّه ، بشهادة
مشروعية بيع الدين ممن هو عليه ، مع انحصار أثره في السقوط وفراغ ذمة المديون.
وأما
الثالث : وهو إشكال المصنف على صاحب الجواهر قدسسرهما فمحصله : أنّ النقض ببيع الدين ممّن هو عليه ممنوع ، للفرق
بينه وبين وقوع الحق عوضا ، وبيانه : أنّ تحقق عنوان البيع في جميع الموارد منوط
بالانتقال الملكي من الجانبين ، وهذا المعنى حاصل أيضا في بيع الدين من المديون ، وذلك
لأن الدائن يملّك دينه للمديون ، ويتملك المديون لما في ذمة نفسه ، لكن لما لم
يعتبر العقلاء مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه دائما فلذا يتملك المديون دينه آنا
ما ، ثم يسقط عما في ذمته. لا أنّ البيع يفيد سقوط الدين كما زعمه صاحب الجواهر. بل
المديون يتملّك الدّين ثم يسقط عن عهدته.
وعليه فالتعليل
المتقدم وهو «أن البيع تمليك الغير» كبرى تامة لم يرد عليها تخصيص ، لا ببيع الدين
ولا بغيره. وهذا بخلاف الصلح على الحق الذي أثره سقوطه عمّن عليه الحق ، لعدم توقف
الصلح على النقل والانتقال الملكي ، بل يكفي نفس الصلح في ترتب السقوط عليه.
وبعبارة أخرى :
الذي يقتضيه البيع في جميع الموارد حدوث تمليك الغير لا بقاؤه ،
ممّن (١) هو عليه ، لأنّه (٢) لا مانع من
كونه (٣) تمليكا ، فيسقط (٤) ، ولذا (٥) جعل الشهيد
______________________________________________________
والذي يقتضيه نقض صاحب الجواهر ببيع الدين هو امتناع بقاء تملّك الإنسان
لما في ذمة نفسه ، لا حدوثه. ومع اختلاف الاقتضاءين لا مانع من الالتزام بصحة بيع
الدين ممّن هو عليه ، لكونه كسائر أفراد البيع تمليكا من الطرفين هذا.
وقد ظهر الفرق
بين المقيس ـ أعني به الحق القابل للإسقاط دون النقل ـ وبين المقيس عليه أعني به
بيع الدين ، فإنّ الدين قابل لدخوله في ملك المديون آنا مّا ـ أي حدوثا ـ وإن
امتنع بقاؤه على ملكه ، بخلاف الحق غير القابل للنقل ، فإنّ عدم قابليته للدخول في
ملك من عليه الحق حدوثا وبقاء مانع عن جعله عوضا في البيع المتوقف على التمليك من
الجانبين.
وعليه فقياس
الحق بالدين مع الفارق. هذا توضيح ما أجمله المصنف قدسسره في المتن من النقض ببيع الدين والجواب عنه.
(١) يعنى : المديون.
(٢) الضمير
للشأن ، وهذا تعليل لقوله : «ولا ينتقض» وقد تقدم تقريب عدم ورود النقض بقولنا : «ان
تحقق عنوان البيع في جميع الموارد منوط بالانتقال الملكي .. إلخ». ومحصله : أنّ
المعتبر في البيع ـ سواء أكان المبيع عينا شخصية أم كلّية ـ هو حدوث ملكية العوضين
للمتبايعين ، وأمّا بقاؤها فغير معتبر فيه ، ومن المعلوم حدوث تملك المديون لما في
ذمة نفسه آنا ما ، وسقوطه في الآن اللاحق غير قادح في تحقق عنوان البيع. وهذا
المناط غير محقّق في نقل الحق الى من عليه الحق ، لاستحالة اجتماع المتقابلين ـ ولو
آنا ما ـ وهما من له الحق ومن عليه الحق.
(٣) أي : كون
بيع الدين من المديون تمليكا للمديون ، وأثره فراغ الذمة.
(٤) الفاء تدل
على ترتب سقوط الدين ـ عن الذمة ـ على تملكه فورا ، وهذا النحو من الملك يعبّر عنه
بالملكية الآنيّة.
(٥) يعني : ولأجل
أنّه لا مانع من كون بيع الدين مفيدا للملكيّة الآنيّة جعل الشهيد ،
في قواعده (١) الإبراء مردّدا بين الإسقاط والتمليك.
والحاصل (٢) : أنه
يعقل أن يكون مالكا لما في ذمّته ، فيؤثّر
______________________________________________________
وغرض المصنف تأييد ما ذكره ـ في جواب صاحب الجواهر قدسسره ـ من أن مالكية المديون لما في ذمة نفسه آنا ما وسقوط
الدين بعده ليست محالا بل ممكنة ، فإنّ الشهيد قدسسره جعل إبراء الدائن لما يملكه في ذمة مديونه مردّدا بين
كونه إسقاطا لما في ذمته ابتداء ، أو تمليكا له ، ثم سقوط الدين عن الذمة في الآن
الثاني. ولو لم يكن أصل تملك المديون لما في ذمة نفسه ممكنا لم يكن وجه لهذا
الترديد ، إذ لا يعقل الترديد بين ما هو ممتنع وما هو ممكن ، فالترديد بين شيئين
كاشف عن إمكان كليهما ، وعدم كونهما من المحالات. وعليه فبيع الدين من المديون
يفيد الملكية آنا ما فيسقط ، وليس أثر البيع هو السقوط من أوّل الأمر كما زعمه
صاحب الجواهر قدسسره حتى يكون إسقاط الحق مثل بيع الدين.
(١) ذكر الشهيد
ذلك في قاعدة عنونها بقوله : «قد تردّد الشيء بين أصلين يختلف الحكم فيه بحسب
دليل الأصلين ، منه الإقالة .. ومن المتردّد بين الأصلين : الإبراء ، هل هو إسقاط أو
تمليك؟» .
(٢) هذا تقرير
آخر لما أفاده من عدم جواز جعل القسم الثاني من الحقوق ثمنا في البيع ، وجواز بيع
الدين ممن هو عليه ، توضيحه : أنّ الفرق بين الحق والملك ينشأ من مغايرتهما جوهرا
وذاتا ، ولذا يترتب عليه استحالة انتقال الحق ممّن له الحق الى من هو عليه ، وإمكان
مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه آنا ما.
والدليل على
الفرق ما أفاده بقوله : «والسّر» وبيانه : أنّ هذا القسم من الحقوق نوع من أنواع
السلطنة الاعتبارية ، وهذا المبدأ لا يتعدى بنفسه بل بحرف الاستعلاء ، كما ورد في
النبوي : «الناس مسلطون على أموالهم» ومقتضى هذه التعدية تقوّم السلطنة بطرفين ، أحدهما
سلطان والآخر مسلّط عليه ، وهما متقابلان يستحيل اجتماعهما في شخص واحد.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعلى هذا فلو
صحّ وقوع مثل حق الخيار عوضا في البيع بأن ينتقل الى من عليه الخيار لزم كون شخص
واحد مجمعا لعنوانين متقابلين «وهما المسلّط والمسلّط عليه» واستحالته من الواضحات.
مثلا : حقّ الخيار سلطنة على من عليه الحق بحلّ عقده ، كما إذا تبايع زيد وعمرو
دارا بألف دينار ، وشرط زيد لنفسه الخيار ، أي السلطنة على إقرار العقد وفسخه ، فإذا
اشترى من عمرو كتابا وجعل ثمنه الخيار ـ الثابت له في بيع الدار بالألف ـ لزم
صيرورة عمرو ـ وهو من عليه الحق ـ مجمعا لعنوانين متقابلين آنا ما أي كونه من له
الحق ومن عليه الحق ، أو السلطان والمسلّط عليه ، وقد تقرّر استحالة اجتماع
المتقابلين في واحد شخصي ولو في لحظة واحدة.
وهكذا الكلام
في حق الشفعة ، إذ مناط الاستحالة في المقام كون هذا الحق سلطنة ، والسلطنة بحسب
طبعها تقوم بطرفين ، ويمتنع قيامها بواحد ولو آنا ما.
وهذا بخلاف
الملكية ، فإنّها تتعدّى بنفسها الى المملوك ، ولا تتعدى بحرف الاستعلاء ، فيقال :
«ملك زيد الدار» فهي إضافة اعتبارية ـ لا مقولية ـ وعلاقة يعتبرها العقلاء والشارع
بين المالك والمملوك ، ولا يتوقف وجودها في وعاء الاعتبار على قيام المبدأ ـ أي
الملكية ـ بشيء آخر يكون هو المملوك عليه. وحيث كانت الملكية ربطا ونسبة صحّ
اعتبارها في شخص واحد بأن يكون هو من له الملك ومن عليه الملك ـ أي مالكا ومملوكا.
وعليه لا مانع
من مالكية الإنسان لما في ذمة نفسه ، لتحقق المغايرة المعتبرة بين المالك والمملوك
، لكون المالك نفسه ، والمملوك المال الذي في ذمته ، وهما متغايران.
وبهذا البيان
يظهر غموض تنظير صاحب الجواهر «أعلى الله مقامه» جواز جعل الحق ـ القابل للإسقاط
عوضا في البيع ـ ببيع الدين لمن هو عليه. لما عرفت من أنّه يعتبر في البيع حصول
التمليك من الطرفين سواء أكان مستمرا أم زائلا كما في بيع الدين للمديون ، وهذا
التمليك الآنيّ لا يتحقق في نقل الحق إلى من عليه الحق ، لاستحالة اجتماع
المتقابلين ولو آنا ما ، فإنّ اجتماع المسلّط والمسلّط عليه في شخص واحد يرجع الى
التناقض وهو كونه سلطانا وغير سلطان ، وهو كما ترى.
تمليكه (١) السقوط ، ولا
يعقل (٢) أن يتسلّط على
نفسه.
والسّر
(٣) : أنّ مثل هذا
الحق (٤) سلطنة فعلية (٥) لا يعقل قيام طرفيها بشخص واحد (٦)
، بخلاف الملك ، فإنّه نسبة بين المالك والمملوك (٧) ،
______________________________________________________
(١) يعني : أن
تمليك البائع دينه للمديون أثره سقوط الدين عن ذمة المديون.
(٢) يعني : أنّ
ما ذكرناه ـ من حدوث الملكية في بيع الدين ثم سقوطه ـ غير جار في القسم الثاني من
الحقوق ، لأنّ انتقال الحق الى من عليه الحق ـ ولو حدوثا ـ يستلزم صيرورة شخص واحد
سلطانا ومسلّطا عليه ، ومن المعلوم عدم الفرق في استحالة اجتماع المتقابلين بين
الحدوث والبقاء.
(٣) قد عرفت
أنّه تعليل للفرق بين بيع الدين وبين عوضيّة الحق ، وقد أوضحناه آنفا بقولنا : «والدليل
على الفرق ما أفاده بقوله : والسر .. إلخ».
(٤) أي : القسم
الثاني من الحقوق ، كحق الخيار والشفعة مما يقبل الإسقاط دون النقل. هذا بناء على
النسخة المصحّحة المعتمد عليها.
وإن كانت
العبارة : «أن الحق سلطنة ..» فلا بد أن يكون اللام للعهد الى قسم خاص من الحقوق ،
وهو الذي يكون محل النزاع بين صاحب الجواهر والمصنف قدسسرهما ، كالقسم الثاني من الحقوق ، وليس مقصوده تفسير مطلق
الحقوق بالسلطنة الفعلية المتقومة بتعدد طرفيها ، لوضوح أن حق التحجير لا يقوم
بشخصين.
(٥) التقييد
بالفعلية في قبال السلطنة الشأنية الموجودة في الملك كما في موارد الحجر ، فإنّ
الصبي والسفيه مالكان لأموالهما بالملكية الاعتبارية ، إلّا أنّه لا قدرة لهما ـ فعلا
ـ شرعا على التصرف فيهما ، للحجر. وعليه فالسلطنة وإن كانت أثرا مشتركا بين الحق
والملك ، إلّا أنّها في الحق فعليّة وتتقوّم بطرفين ، وفي الملك أعم من الشأنية
والفعلية ، فيصح اعتبار الملكية ولو لم تحدث قدرة فعلية على التقليب والتقلب في
المملوك.
(٦) لما عرفت
من استحالة اجتماع المتقابلين.
(٧) وهذه
النسبة الاعتبارية مغايرة طبعا للحق ، فيصح اعتبارها بين المالك والمملوك وإن
اجتمعا في شخص واحد.
ولا يحتاج (١) إلى من يملك عليه حتى يستحيل
(٢) اتحاد المالك
والمملوك عليه ، فافهم (٣)(*).
______________________________________________________
(١) يعني : لا
يتوقف اعتبار الملكية ـ في جميع مواردها ـ على وجود مملوك عليه ، وان احتيج إليه
أحيانا ، وهذا في قبال الحق المتوقف ـ بحسب طبعه ـ على وجود مسلّط عليه.
ففي المقام إذا
باع الدائن دينه من المديون لا تتوقف مالكية المديون لما في ذمة نفسه على وجود
مملوك عليه ، بل يكفي وجود طرفين أحدهما المالك ، والآخر المال المملوك ، وسيأتي
مزيد توضيح له في التعليقة إن شاء الله تعالى.
(٢) إذ لو
توقّفت الملكية على وجود المملوك عليه استحال بيع الدين من المديون ، كما استحال
انتقال حق الشفعة ممّن له الحق إلى من عليه الحق ، لوحدة المحذور ـ أعني به اجتماع
المتقابلين في واحد ـ في كلا المقامين.
(٣) لعلّه
إشارة إلى : أنّ استحالة قيام طرفي السلطنة بشخص واحد إنما تلزم إذا لم يكن نقل
الحق إلى من هو عليه إسقاطا له ، إذ بناء عليه لا يلزم امتناع اتّحاد السلطان
والمسلّط عليه. نعم يلزم إشكال اتحادهما بناء على كون نقل الحق الى من هو عليه
تمليكا له.
إلّا أن يقال :
إنّ لزومه مبني على بقاء الحق بعد انتقاله إلى من عليه الحق ، وأمّا بناء على سقوطه
عنه بالتمليك كترتب سقوط الدين عن المديون على مجرّد تمليكه ـ كما أفاده المصنف قدسسره ـ فلا يلزم محذور الاتّحاد أصلا.
أو إشارة إلى :
أنّ الحق هو الملك ، والسلطنة تكون من أحكامه ، لا أن الحق نفس السلطنة ، كما
سيأتي في التعليقة إن شاء الله تعالى.
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
وأمّا (١) الحقوق القابلة
______________________________________________________
القسم الثالث : الحقوق
القابلة للانتقال
(١) هذا بيان
حكم القسم الثالث من الحقوق من حيث وقوعها ثمنا في البيع وعدمه. وقد أشرنا إلى أنّ
المصنف قدسسره لم يجزم ببطلان ذلك ، بل تردّد فيه وإن كان مآله إلى
عدم جواز جعله عوضا.
ومحصل ما أفاده
في الإشكال على وقوعه عوضا هو : أنّ مثل حق التحجير وإن كان قائما بشخص المحجّر
كسائر الحقوق القائمة بذويها ، إلّا أنه يجوز نقله الى الغير بصلح ونحوه ويصحّ أخذ
المال بإزائه ، فالمحذور المتقدم في القسمين الأوّلين ـ من عدم قابليتهما في حد
ذاتيهما للنقل إلى الغير ـ غير جار في هذا القسم. إلّا أنّ المانع من جعله عوضا في
البيع هو الخصوصية الملحوظة في مفهوم البيع لغة وعرفا ، وهي وقوع المبادلة بين
مالين ، وصدق «المال» على الحقوق غير ظاهر لو لم يكن ظاهر العدم ، وعليه فلا يجوز
جعلها عوضا في البيع.
أمّا أخذ «المال»
في معنى البيع لغة فلما تقدم في تعريف المصباح له بقوله : «مبادلة مال بمال» فلو
لم تحرز مالية العوضين لم تكن المبادلة بينهما بيعا.
وأمّا أخذه في
مفهومه عرفا ـ مضافا إلى استكشافه بقول اللغوي ـ فلما يظهر من تعريف الفقهاء للبيع
العرفي ، كما تقدّمت جملة منها عند البحث عن اعتبار عينية المبيع ، وقد
__________________
للانتقال (١) ـ كحقّ
التحجير (٢) ونحوه (٣) ـ فهي وإن قبلت
______________________________________________________
عرفت أيضا أن الموضوع للأدلة المتكفلة لأحكامه هو ما يصدق عليه البيع عرفا
، إذ لا حقيقة شرعية ولا متشرعية له.
ويدلّ على
اعتبار مالية العوضين أيضا ما أفاده الفقهاء (قدّست أسرارهم) في موضعين : أحدهما :
في شرائط العوضين من البيع ، وثانيهما : في شرائط الأجرة في كتاب الإجارة.
وعليه فلا يجوز
جعل هذا القسم من الحقوق أيضا عوضا في البيع.
ثم إنّ المصنف قدسسره لم يتعرّض لوجه جواز جعل هذا القسم ثمنا ، ولعلّه لكون «المال»
المأخوذ في تعريف البيع وسائر العقود المعاوضية عبارة عن مطلق ما يتنافس عليه
العقلاء وإن لم يكن عينا ولا منفعة ، ومن المعلوم كون الحقّ مما يبذلون شيئا بإزاء
نقله وإسقاطه وإراحة أنفسهم عنه ، كم يبذلونه بإزاء ما اشتغلت ذممهم به من أموال
الناس عينا ومعنى.
وبعبارة أخرى :
يكون أخذ «المال» في تعريف البيع منزّلا على الغالب من البيوع المتعارفة بين الناس
، ومثالا لكل ما للشخص سلطنة عليه ، وهذا المعنى العام صادق على الحقوق أيضا ، لأنّها
أموال عرفا.
(١) قد يراد
بالانتقال ما يعم النقل الاختياري بالبيع والشراء ، والقهري بالإرث ، وقد يراد به
ما يخصّ النقل القهري ، كما يختص النقل بالاختياري ومقصود المصنف قدسسره من الانتقال هو الأوّل ، لقوله بعده : «قبلت النقل
وقوبلت بالمال في الصلح».
هذا بيان
المراد ، ولكن الانصاف مقابلة الانتقال للنقل ، لاختصاصه بالناقل القهري كاختصاص
النقل بالاختياري.
(٢) فيجوز
للمحجّر نقل حقّه إلى الغير ، ويصير المنقل إليه ـ كالأصيل ـ أولى من غيره في تملك
الأرض بالإحياء ، ولا يجوز للأجنبي مزاحمته فيه.
(٣) كحق
الرهانة والقصاص والشرط كما قيل .
__________________
النقل (١) وقوبلت بالمال في الصلح
(٢) ، إلّا (٣) أنّ في جواز وقوعها (٤) عوضا للبيع إشكالا ، من
(٥) أخذ المال في عوضي المبايعة لغة (٦) وعرفا (٧) ، مع (٨) ظهور كلمات الفقهاء عند التعرض
______________________________________________________
(١) يعني : فلا
يرد الإشكال على هذا القسم بما أورد على القسمين المتقدمين من قوله : «لأن البيع
تمليك الغير» إذ المفروض قابلية قيام القسم الثالث ـ من الحقوق ـ بالغير ، فالإشكال
في عوضيه هذا القسم من الحقوق لا بد أن يكون من ناحية الشك في صدق «المال» عليه.
(٢) قال في
الجواهر ـ في مسألة جواز الصلح على عين بعين أو بمنفعة ، وبالعكس ـ ما لفظه : «للعمومات
المقتضية لذلك ، ولغيره من الصلح عن الحق إسقاطا أو نقلا ، كحق الخيار وحق التحجير
وحق الشفعة ، بل الظاهر أنّها ـ أي عمومات الصلح ـ تقتضي صحة الصلح عن كل حق حتى
يعلم عدم جواز إسقاطه أو نقله شرعا» .
(٣) هذا
استدراك على قوله : «وان قبلت النقل وقوبلت بالمال في الصلح» ومحصّله : التفرقة
بين باب البيع والصلح ، للاغتفار فيه بما لا يغتفر في البيع ، فجواز الصلح عن
الحقوق لا يقتضي جواز وقوعها عوضا في البيع.
(٤) أي : وقوع
الحقوق القابلة للانتقال.
(٥) هذا وجه
عدم الجواز ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «ومحصل ما أفاده في الإشكال على وقوعها
عوضا في البيع .. إلخ».
ووجه الإشكال
أمران ، أحدهما : دخل مالية العوضين في مفهوم البيع العرفي واللغوي ، وثانيهما : ظهور
كلمات الفقهاء في ذلك في موضعين.
(٦) فإنّ ظهور
تعريف المصباح للبيع ـ بالمبادلة بين مالين ـ في اعتبار المجانسة بين العوضين في
الماليّة ممّا لا ينكر.
(٧) لتسالمهم
على دخل ماليّة العوضين في مفهوم البيع عرفا.
(٨) هذا هو
المنشأ الثاني للإشكال في وقوع الحقوق عوضا في البيع ، وهو الاستشهاد بكلمات
الفقهاء في موضعين.
__________________
لشروط العوضين (١) ، ولما (٢) يصحّ أن يكون
اجرة في الإجارة في (٣) حصر الثمن في المال.
______________________________________________________
(١) هذا هو
الموضع الأوّل من كلمات الفقهاء ، وهو بحث شرائط العوضين في البيع.
(٢) عطف على «لشروط»
أي : عند التعرض لما يصحّ اجرة في باب الإجارة ، وهو الموضع الثاني من كلمات
الفقهاء.
(٣) متعلق ب «ظهور
كلمات الفقهاء» أي : أنّ الكلمات ظاهرة في انحصار ثمن البيع واجرة الإجارة في
المال ، وهو مشكوك الصدق على الحقوق القابلة للانتقال.
وقد
تحصّل : أن المصنف قدسسره فصّل في جعل الحقوق عوضا في البيع بين صور نقتصر على
ذكر مهماتها :
الاولى
: إن لا يكون الحق قابلا للمعاوضة ـ بمعنى عدم كونه ممّا
يقبل الإسقاط والنقل الاختياري والانتقال القهري ، إذ المعاوضة لا بدّ وأن تكون
بإزاء النقل أو الإسقاط ـ كولاية الأب والجدّ والحاكم على ما قيل. وحكم هذه الصورة
أنه لا يصح جعله عوضا في البيع ، لكون البيع من النواقل المعاوضية.
والظاهر أنّ
هذه الصورة خارجة عن مورد النزاع بين المصنف وبين صاحب الجواهر قدسسرهما القائل بجواز جعل الحقوق عوضا في البيع ، كما لا يخفى
وجهه.
الثانية
: أن يكون الحق قابلا للإسقاط دون النقل كحق الشفعة ، فجعله
عوضا عن المبيع قد يكون بنحو النقل إلى من عليه الحق ، كأن يقول البائع : «بعتك
هذا الكتاب بحقّ الشفعة الذي لك عليّ». أو إلى غير من عليه الحق ، كأن يقول البائع
: «بعتك هذا الكتاب بحقّ الشفعة الذي لك على زيد على أن ينتقل الحق إليّ». وقد
يكون بنحو الإسقاط.
فإن كان بنحو
النقل لم يصح جعله عوضا في البيع مطلقا ـ سواء أكان البائع من عليه الحق أم غيره ـ
إذ المفروض عدم قبوله للنقل ، والبيع من النواقل ، فجعله عوضا بنحو النقل مساوق
لكون البيع بلا ثمن ، فلا بد أن تكون هذه الصورة أيضا خارجة عن مورد كلام الجواهر
بجواز جعل الحق عوضا في البيع.
وإن كان بنحو
الإسقاط ، فتارة يكون البائع من عليه الحق كأن يقول البائع : «بعتك
.................................................................................................
______________________________________________________
هذا الكتاب بأن يسقط ما لك من حقّ الشفعة عليّ». واخرى يكون أجنبيّا ، كأن
يقول البائع لصاحب الحق : «بعتك هذا الكتاب بأن يسقط ما لك على زيد من حقّ الشفعة».
فإن كان البائع
من عليه الحق ففساد البيع فيه مبنيّ على كون البيع هو النقل من الطرفين ، كما هو
مقتضى تعليل المصنف قدسسره لذلك بقوله : «لأن البيع تمليك الغير». وأمّا بناء على
عدم اعتبار النقل من الطرفين في البيع وكفاية مطلق انتفاع المتبايعين بالعوضين ـ أو
انتفاع أحدهما بأحد العوضين ـ في تحقق البيع ولو بنحو الإسقاط وتخليص نفسه عن حق
الغير ، حيث إنّه انتفاع عقلائي مرغوب فيه عندهم ، فلا مانع من صحته.
وحيث إنّ
المصنف اعتبر في البيع النقل من الطرفين التزم بالفساد ، وصاحب الجواهر لمّا لم
يعتبر النقل من الطرفين ـ واكتفى في تحقق البيع بمطلق الانتفاع بالعوضين ، أو
أحدهما وإن لم يكن بنحو الانتقال ـ حكم بالصحة ، هذا.
وإن كان البائع
أجنبيّا عمّن عليه الحق ، ففساده مبنيّ على اعتبار أحد أمرين في صحة البيع ، إمّا
النقل من الطرفين كما هو مذهب المصنف قدسسره ، وإمّا الانتفاع بالعوضين ولو بغير النقل كما هو مذهب
الجواهر. وكلاهما مفقود فيما إذا كان البائع أجنبيّا عمّن عليه الحق ، ضرورة عدم
نقل المشتري شيئا إلى البائع ، إذ المفروض كون العوض إسقاط الحق لا نقله ، ومن
المعلوم أن البائع الأجنبي عمّن عليه الحق لا ينتفع بإسقاطه ، فالبائع لا ينتقل
إليه الحق ، ولا ينتفع أيضا بإذهابه ، فلا يصح البيع.
وعليه ينبغي
إخراج هذه الصورة أيضا عن مورد نزاع صاحب الجواهر والمصنف ، لاقتضاء مذهب كل منهما
بطلانه ، لفقدان شرط صحته من النقل من الطرفين ، أو الانتفاع بالعوضين ولو بغير
الانتقال فيما إذا كان البائع غير من عليه الحق ، هذا.
الثالثة
: أن يكون الحق قابلا للنقل ومقابلته بالمال في الصلح ، لأجل
قابليته لكلّ من النقل والإسقاط ، كحق التحجير ، فإن جعل عوضا عن المبيع على وجه
الإسقاط ، جرى فيه ما تقدم من بطلان البيع على مذاق المصنف ، لفقدان النقل من
الطرفين المعتبر في البيع
.................................................................................................
______________________________________________________
سواء أكان البائع من عليه الحق أم غيره. وصحته على مذاق صاحب الجواهر
القائل بكفاية انتفاع كل من المتبايعين بالعوضين ولو بغير الانتقال إن كان البائع
من عليه الحق. وبطلانه إن كان البائع أجنبيّا ، إذ لا ينتفع البائع بشيء من أنحاء
الانتفاعات بإسقاط الحق عمّن هو عليه.
وإن جعل الحقّ
عوضا عن المبيع على وجه النقل ـ سواء أكان البائع من عليه الحق أم أجنبيّا ـ فقد
استشكل فيه المصنف قدسسره بعدم وضوح صدق المال على الحق ، مع لزوم اعتبار مالية
كلا العوضين في البيع ، فمقتضى أصالة الفساد في العقود فساد البيع.
ولو كان البائع
أجنبيا ففي صحة البيع إشكال آخر ، وهو عدم انتفاع البائع بعوض المبيع بنحو من
الأنحاء. إلّا أن يكون في انتقال حق التحجير الى الغير ـ بهذا البيع ـ غرض عقلائي
، فلا مانع من صحته حينئذ.
فاتضح من جميع ما ذكرناه : أنّ المصنف قدسسره يمنع جعل الحقوق بأسرها عوضا عن المبيع ، للإشكال في
صدق المال على الحقوق ، ولكون البيع من النواقل ، والأوّل جار في جميع الحقوق ، والثاني
في خصوص الحقوق غير القابلة للنقل ، فلاحظ وتأمّل.
.................................................................................................
______________________________________________________
نظرة في الحقوق ، أقسامها
وأحكامها
قد يعدّ الحق عند جمع من الأعاظم نوعا
من الملك أو مرتبة منه ، فينبغي البحث أوّلا في تعريف الملك ، ثم في ماهية الحق وأقسامه
وأحكامه ، فيقع الكلام في موضعين :
الموضع الأوّل : في
الملك
اختلفت كلماتهم في تعريف الملكية
الاعتبارية المنشئة في المعاملات على أقوال.
منها
: ما اختاره المصنف قدّس سرّه في المتن من أنّها نسبة بين المالك والمملوك. وينبغي
أن تكون منتزعة من الحكم التكليفي كجواز التصرف ، بناء على ما حقّقه في الأصول من
عدم تأصل الأحكام الوضعية في الجعل.
ومنها
: ما اختاره في رسالة «من ملك» في من يصح منه الإقرار بالملك من : أنها سلطنة
فعلية كما تقتضيه اللغة ، واحترز بها عن إقرار الصبي بما يملكه ، إذ ليست سلطنته
إلاّ بالاقتضاء ، فراجع .
ومنها
: أنها سلطنة ، ولعلّ المراد بها ما يعمّ الفعلية والشأنية ، اختاره جمع ، منهم
السيد قدّس سرّه ، حيث قال تارة في تفسير الحق : «سواء جعلناه إضافة ونسبة بين
الطرفين ، أم سلطنة كما في الملك» واخرى في تعريف الملكية : «ويمكن أن يقال : إن
الملكية هي نفس السلطنة الخاصة لا العلقة الملزومة لها» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومنها
: أنّها مرتبة من مقولة الجدة ، كما في تقرير بحث شيخ مشايخنا المحقق النائيني
قدّس سرّه من : «أن الملكية في باب الأموال عبارة عن مرتبة من مقولة الجدة ، أي : اعتبار
كون شيء لشيء آخر» .
ومنها
: أنّها إضافة ، كما ربما يظهر من المحقق الخراساني في باب الأحكام الوضعية ، حيث
قال : «ان الملك يقال بالاشتراك على ذلك ـ أي الجدة المقولية ـ وعلى اختصاص شيء
بشيء خاص» .
ومنها
: أنّها برزخ بين الاعتبارات الذهنية الصرفة وهي الوجودات الادّعائية كأنياب
الأغوال العارية عن الحقيقة ، الزائلة بالغفلة وذهول النفس ، وبين الإضافات
المقولية والنسب الخارجية ، كما في تقرير شيخنا المحقق العراقي قدّس سرّه .
ومنها
: أنّها تساوق الاحتواء والوجدان تقريبا ، كما مال إليه المحقق الأصفهاني قدّس
سرّه .
ومنها
: أنّها إحاطة وسلطنة ، كما في تقرير السيد الخويي قدّس سرّه .
ومنها
: غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.
والظاهر أنّ التعاريف المذكورة تقريبية
، لوحظ في كلّ منها حيثية من حيثيات الملك وأثر من آثاره. ولعلّ الأقرب ـ بالنظر
إلى ورود هذه المادة في الاستعمالات الفصيحة هو الوجدان ، فإنه المنسبق منه الى
الذهن سواء في الملك الحقيقي والاعتباري الذي هو مورد البحث ، فقد تكرّر في الذكر
الحكيم التعبير بعدم الوجدان فيمن لا يستطيع الهدي ، وفي الكفارة المرتّبة ، قال
عزّ من قائل (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ
فَصِيٰامُ ثَلاٰثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ)
. و (فَمَنْ لَمْ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يَجِدْ
فَصِيٰامُ شَهْرَيْنِ مُتَتٰابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ
اللّٰهِ)
. و (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ
ثَلاٰثَةِ أَيّٰامٍ ذٰلِكَ كَفّٰارَةُ
أَيْمٰانِكُمْ)
.
وروي عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «ليّ
الواجد بالدين يحلّ عرضه وعقوبته»
والمقصود به المماطلة بالدين مع القدرة على أدائه. وورد في النصوص المفسّرة
للاستطاعة المالية التعبير بالواجد وأهل الجدة. كما أريد بها الغنى واليسار فيمن
يجب عليه زكاة الفطرة ، وقد تقدم جملة منها .
وعرّفه اللغويون بالاحتواء ، وهو إحراز
الشيء بحيث يتمكن المالك من التصرف في ملكه ، ففي اللسان نقلا عن ابن سيدة : «الملك
والملك والملك : احتواء الشيء ، والقدرة على الاستبداد به»
ونحوه في القاموس وغيره. والاحتواء وإن لم يكن بنفسه منسبقا إلى الذهن ، لكن تقييد
المفهوم «بالقدرة على الاستبداد به في التصرف» يجعله بمعنى الوجدان تقريبا. ويدلّ
على أخذ خصوصية في الملك بها تكون أضيق مفهوما من الوجدان ، وهي كون المالك متبوعا
ومن ذوي الإرادة والعقل ، فلا يقال للدار الواجدة للبيوت : «أنها مالكة لبيوت خمسة»
وإنّما يقتصر على التعبير عنها بالوجدان.
ولا فرق في دخل هذه الحيثية في مفهوم
الملك بين مطابقاته التكوينية والاعتبارية ، كما سيظهر.
كما أنّه لا بدّ من تنزيل كلام اللغوي
على الغالب ، لظهوره في دوران صدق الملك مدار سلطنة المالك فعلا على التصرف في
مملوكه ، وعدم كفاية السلطنة الشأنية فيه ، ومن المعلوم أنّ لازم هذه صحة سلب
الملك عن القاصر المحجور عن التصرف في ماله ، مع أنّه لا ريب في صدق الملك عليه
حقيقة عرفا وشرعا. أمّا عرفا فلأنّ المحاكم العرفية المانعة عن تصرف
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأطفال في أموالهم
قبل بلوغ الثامنة عشر من العمر تلتزم بمالكيتهم لما يرثونه من الأموال وأمّا شرعا
فلوضوح حكمه بمالكية الصبي ـ بل الجنين ـ لحصته من تركة مورّثه.
والمستفاد مما ذكرناه : كفاية السلطنة
الاقتضائية في الملك وإن كانت السلطنة الفعلية للولي ، وبطلان تعريفه بها.
بل قد يقال : بأجنبية مفهوم الملك عن
السلطنة حتى الشأنية ، إذ الملك يتعدى بنفسه ، والسلطنة تتعدى بحرف الاستعلاء ، فلا
ترادف بين مفهوميهما. وعليه فالملك الاعتباري أمر آخر ، ومن أحكامه ـ عرفا وشرعا ـ
السلطنة على أنحاء التصرفات.
وبالجملة
: فالملك العقلائي والشرعي هو الوجدان كما مال إليه المحقق الأصفهاني قدّس سرّه. وليكن
المراد به اعتبار الواجدية ، لوضوح كون الملك مفهوما عاما له مطابقات حقيقية وجعلية.
والمقصود بالبحث هنا وإن كان تعريف الملك الاعتباري ، إلاّ أنّه لما كان وجودا
ادّعائيا للملك الحقيقي كان المناسب الإشارة إلى مطابقاته ، فنقول : يطلق الملك
على معان :
إطلاق الملك على معان
أربع
الأوّل
: الملكية الحقيقية والإضافة الإشراقية ، حيث يكون المالك قيّوما على مملوكه بحسب
ذاته وجميع شؤونه ، وله السلطنة الحقيقية عليه ، والإحاطة التامة به ، كما في ملك
الباري جلّت عظمته لما سواه ، قال عزّ من قائل (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ
لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خٰابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً)
، والقيّوم هو
القائم الحافظ لكل شيء ، والمعطي له ما به قوامه ، وذلك هو المعنى المذكور في
قوله تعالى (اَلَّذِي
أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ)
.
ومثّلوا للملك بهذا المعنى في عالم
الممكنات بوجدان النفس الناطقة للصور الادراكيّة المرتسمة في صقعها ، حيث إنّ
النفس واجدة لها حقيقة ، وهي قيّومها ، بحيث تنمحي عنها
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بالغفلة والذهول. والنفس
وإن كانت جوهرا موجودة لنفسها في نفسها ، لكنها قائمة بغيرها ـ أي بارئها وموجدها
ـ فلذا كانت الصور قائمة بذلك الغير.
وكيف كان فالملك بمعنى الإضافة
الإشراقية مخصوص بالباري جلّ وعلا ، وهو أمر تكويني خارج عن أفق المقولات فضلا عن
الاعتبار. ويثبت بالتبع وفي مرتبة تالية لأوليائه من النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
والأئمة المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام ، لكونهم مجاري فيضه ومجالي نوره ، فلهم
السلطنة المعنوية على جميع الموجودات ، وبهذا الاعتبار بهم تتحرّك المتحركات وتسكن
السواكن ، قال المحقق الأصفهاني : «فإنّ الممكنات كما أنّها مملوكة له تعالى
بإحاطته الوجودية على جميع الموجودات بأفضل أنحاء الإحاطة الحقيقية ، كذلك النبي
صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام لكونهم عليهم السّلام من وسائط
فيض الوجود ، فلهم الجاعلية والإحاطة بذلك الوجه ، بمعنى فاعل ما به الوجود ، لا
منه الوجود ، فإنّه مختص بواجب الوجود ، ولا بأس بأن تكون الأملاك وملاّكها مملوكة
لهم بهذا الوجه ، كما في قولهم عليهم السّلام : الأرض كلّها لنا ، وإن لم تكن
مملوكة لهم بالملك الاعتباري الذي هو موضوع الأحكام الشرعية» .
الثاني
: الملك الذاتي ، وهو حيثية وجودية هي قيام وجود شيء بشيء بحيث يختص به في التصرف
فيه كيف شاء ، ومثّلوا له بمالكية الإنسان لنفسه وأعضائه ومنافعه وأعماله. أما
مالكيته لنفسه فلأنّ وجدان كل موجود لنفسه ضروري الثبوت له ، كوجدان كل ماهيّة
لنفسها. وأمّا مالكيته لفعله فلأنّ زمامه بيده لصدور عنه بإرادته واختياره ، فهو
أملك بفعله من غيره ، لأنّ سلطنته على فعله من شؤون سلطنته على نفسه.
وهذا النحو من الملكية قد يتحقق بين
شخصين إذا كان أحدهما طوع إرادة الآخر في حركته وسكونه ، كما حكاه تعالى عن الكليم
بالنسبة إلى هارون «على نبينا وآله وعليهما الصلاة والسلام» بقوله لاٰ
أَمْلِكُ إِلاّٰ نَفْسِي وَأَخِي إذ لا يراد به الإضافة الاعتبارية بين السيد
والعبد ، بل المراد به انقياد هارون له بحيث تكون أفعاله بإرادة أخيه عليهما
السّلام. والملكية بهذا المعنى حقيقية لا اعتبارية ولا مقولية ، وتسميتها بالذاتية
دون الحقيقية لأجل اختصاص الملك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الحقيقي بالإشراق والإيجاد.
الثالث
: الملك المقولي ، أي ما يعدّ في فنّ
المعقول من الأعراض النسبية ، المعبّر عنه بالجدة أيضا ، قال في الأسفار : «وممّا
عدّ من المقولات : الجدة والملك ، وهو هيئة تحصل بسبب كون جسم في محيط بكلّه أو
بعضه ، بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاط ، مثل التسلّح والتقمص والتعمم والتختّم
والتنعّل ، وينقسم إلى طبيعي كحال الحيوان بالنسبة إلى إهابه ، وغير طبيعي
كالتسلّح والتقمص .. إلخ» .
وجعل في شرح الهداية ملكية الباري تعالى
من الاختصاص الطبيعي ، ككون القوى للنفس .
وإدراج ملك الباري تعالى في الجدة مجرّد
اصطلاح ، لا بمعنى انقسام الملك المقولي الى الطبيعي والاعتباري ، لوضوح أن المبدأ
الأعلى «جلّ وعلا» وفعله الإطلاقي المعبّر عنه بالإضافة الإشراقية جلّ أن يندرج
تحت المقولات التي هي أجناس الماهيات الإمكانية من الجواهر والأعراض. بل الأمر
كذلك في ملك النفس لقواها ، فإنّه حيثية وجودية ، والوجود مطلقا ليس بجوهر ولا عرض
إلاّ بالعرض. والتفصيل في محله.
والمقصود : أن بعض الأمثلة المذكورة في
مقولة الجدة ـ بمعنى الهيئة التكوينية الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسم آخر به ـ أجنبي
عنها ، فمالكية النفس للقوى مثلا مصداق للملكية الحقيقية ، كما أنّ مالكية زيد
للفرس اعتباري ، لا ربط لها بالموجودات الحقيقية المنحصرة في الجواهر والأعراض. إلاّ
أن يراد من مالكية زيد للفرس الهيئة الحاصلة من ركوبه عليه.
الرابع
: الملك الاعتباري وهو وجود ادّعائي تنزيلي للملك الحقيقي أو المقولي. وليس المراد
بالاعتبار هنا ما يصطلح عليه في فنّ المعقول من إطلاقه تارة على الاعتبارات الذهنية
، سواء أكان ظرف العروض والاتّصاف الذهن كالكلية والجنسية ، فإنّهما مفهومان
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عارضان لمعروض ذهني ،
أم كان ظرف العروض الذهن وظرف الاتصاف الخارج كالوجوب والإمكان ، وهما من
المعقولات الثانية في قبال المعقولات الاولى كالإنسان والحجر من المفاهيم الماهوية.
واخرى على الأصالة والاعتبارية في بحث
أصالة الوجود أو الماهية ، حيث إنّ مقصودهم بالاعتبارية تحقق الشيء بالعرض في
قبال ما يكون تحققه بالذات ، فبناء على أصالة الوجود تنسب الآثار الخارجية إلى
الوجود حقيقة وأصالة ، وإلى الماهية بالعرض. وينعكس الأمر بناء على أصالة الماهية واعتبارية
الوجود. وعلى كلّ فاعتبارية الوجود أو الماهية تغاير الاعتبارية بالمعنى الأوّل ،
فإنّ الماهيات أمور حقيقية ، وليست كالوجوب والإمكان المنتزعين من ذات الممكن والواجب.
بل المراد بالاعتبار هنا هو الفرض والتنزيل
، أي : جعل ما ليس مصداقا حقيقيا لمفهوم مصداقا له ادّعاء وتنزيلا ، ثم استعمال
اللفظ فيه ، نظير المجاز العقلي والحقيقة الادّعائية في كلام السكّاكي ، ويترتب
عليه كون استعمال اللفظ في الفرد الادّعائي حقيقة لا بالعناية ، فيقال : إن «الأسد»
موضوع للحيوان الشجاع ، إلاّ أنّ له مصداقين أحدهما حقيقي ، والآخر فرضي تنزيلي وهو
الرجل الشجاع ، واستعمال اللفظ في الفرد الادّعائي أجنبي عن استعماله في غير ما
وضع له ، لكونه استعمالا في ما ينطبق عليه المفهوم ، وإن كانت مصداقيته له
ادّعائية لأجل ترتيب آثار المصداق الحقيقي الواقعي ـ أو أظهر خواصه ـ على الفرد
التنزيلي.
والحاصل
: أن الملكية العقلائية تكون من سنخ المعاني الادّعائية التي يعتبرها العقلاء لنظم
شؤونهم الاجتماعية اقتصاديا وسياسيا كالزوجية والحرية والرئاسة والحكومة ونحوها ، ويكون
وعاء تقرّرها الاعتبار الذي هو برزخ بين الوجودين الذهني والعيني ، ويترتب على وجودها
في ذلك الصّقع أحكام وآثار.
وحقيقة الاعتبار توسعة في المفاهيم
الحقيقية وإعطاء حكم المعتبر عنه للمعتبر له ، كاعتبار زيد رئيسا على قومه ، فإنّ
معناه تنزيله منزلة الرأس من الجسد ، فالملكية الاعتبارية اعتبار للملك الحقيقي أو
لمقولة الجدة كما سيظهر ، يعني : أنّه لو وجد في الخارج لكان مصداقا لمقولة الجوهر
أو الكيف أو الجدة ، أو الإضافة ، لكنه لا حظّ له من الوجود الخارجي حتى
.................................................................................................
______________________________________________________
يكون مصداقا حقيقيا
للمقولة.
والاعتبار بهذا المعنى يسري الى سائر
المقولات أيضا ، «فالأسد» مثلا مطابقه الحقيقي هو الحيوان المفترس ، الذي هو نوع
من الجسم النامي ، الذي هو نوع لمطلق الجسم ، وهو نوع من مقولة الجوهر. ومطابقة
الاعتباري هو الرجل الشجاع كزيد ، مع أنّه مباين له حقيقة ، لكونه نوعا آخر من الحيوان.
وكذا البياض فإنّه عرض متأصل. ومطابقة الحقيقي نوع من مقولة الكيف المبصر المفرق
للبصر ، ويعتبرونه لغير الجسم ، فيقال : «قلبه أبيض» والمقصود منه بيان أمر معنوي.
والفوقية مثلا إضافة حقيقية في مقولة
الأين عند كون جسم في أين بالنسبة إلى جسم آخر بينه وبين الأرض. ولكنها تطلق على
المجردات تنزيلا وادّعاء ، فيقال : «علم زيد فوق علم عمرو» وهكذا في سائر المقولات.
فالعمى مثلا هو عدم البصر في المحلّ القابل له ، مع إطلاقه في الذكر الحكيم على
الضلال المقابل للهداية والرّشد.
والغرض من ذكر المعاني الاعتبارية هو
النظر في ما ذهب إليه شيخنا الأعظم قدّس سرّه ومن تبعه من دعوى انتزاع الملكية من
التكليف ، لكونها من الاعتباريات الذهنية التي يمتنع جعلها استقلالا كما سيأتي
بيانه.
ثم
إنه ينبغي تتميم البحث في الملكية بالتعرض إجمالا لأمور :
الأمر
الأوّل : أنّ إطلاق الملك على الموارد
الأربعة المتقدمة حقيقي لا عناية فيه أصلا ، ولكنه ليس من إطلاق الكلي المشكّك على
جزئياته ، إذ التشكيك صدق طبيعة واحدة على أفرادها بالتفاوت بأوّليّة وشبهها ، وليس
مطلق عموم المفهوم من التشكيك ، إذ لا جامع أصيل بين كل ما ينطبق عليه الملك حتى يكون
صدقه على بعض أولى من صدقه على غيره ، وذلك لأنّ مطابقات الملك أمور متباينة
بالذات لا تندرج تحت طبيعة واحدة ، فمالكية الباري تعالى بإضافته الإشراقية وإحاطته
الوجودية في مرحلة فعله بإيجاد الممكنات ، ومن المعلوم أنّ الوجود مطلقا ليس
بجوهر ولا عرض إلاّ بالعرض ، فكيف بالوجود المطلق؟
والملك بمعنى الجدة عرض نسبي ، وهو وإن
كان موجودا خارجا بوجود ناعتي ، إلاّ أنّ الماهيات أمور عدمية وإن لم تكن إعداما.
.................................................................................................
______________________________________________________
والملكية الاعتبارية لا خارجية لها أصلا
، ولذا عدّوها دون مرتبة المقولات التي هي أجناس للموجودات الإمكانية؟ومع تباين
هذه المطابقات لا وجه لدعوى صدق الملكية عليها بالتشكيك.
ولا ينافي تباين هذه الموارد سنخا صدق
المفهوم عليها حقيقة ، بلحاظ سعته وعمومه لمراتب الموجودات ، فينطبق على الموجود
في وعاء الاعتبار وعلى المقولة ، وعلى ما هو خارج عن أفق المقولات طرّا. «ونظيره
العلم ، فإنّه بمعنى الحضور ، وهو مفهوم عام صادق على مقولات مختلفة وعلى ما هو
خارج عن حدود المقولة ، فحضور الصورة المجردة للجوهر العاقل من مقولة الكيف على
المشهور ، وعلم الجوهر النفساني بذاته من مقولة الجوهر النفساني ، وعلم العقل
بذاته من مقولة الجوهر العقلاني ، وعلمه تعالى بذاته وبمصنوعاته في مقام ذاته وجود
واجبي خارج عن أفق المقولات ، بل علمه الفعلي في مقام الإيجاد بعين الوجود المنبسط
، وهو لا جوهر ولا عرض» .
وبهذا يظهر غموض ما في تقرير شيخ
مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه وتقرير السيد المحقق الخويي قدّس سرّه «من كون
الملكية ذات مراتب أربع أطلق عليها بالتشكيك»
لما تقدم من أنّ الحقائق المتباينة بالذات لا تندرج تحت جامع أصيل. مع أنّ جعلها
مراتب لمقولة الجدة لا يخلو من تأمل آخر ، إذ ليست مالكية الباري تعالى للعالم
إلاّ بالإشراق ، مع أنّ الجدة المقولية هي الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسم
آخر بكلّه أو بعضه. كما أنّ كون الملكية الاعتبارية مرتبة لمقولة الجدة محل بحث
كما سيأتي.
الأمر
الثاني : قد تقدم أن الملكية العقلائية والشرعية
ليست من الأمور الاعتبارية بحسب اصطلاح أهل المعقول ، كالكلية والجنسية لأنها
عوارض ذهنية لمعروضات ذهنية ، والملكية الشرعية والعرفية من عوارض الموجودات
الخارجية سواء وجدت بالفعل أم بالقوة ، إذ الموصوف بالمالكية زيد الخارجي لا
الذهني ، والموصوف بالمملوكية هو العين
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الخارجية أو المنفعة
المتدرجة في الوجود.
وكذا ليست من سنخ المقولات العرضية سواء
الموجود بوجود ما بحذائه أو الموجود بوجود منشأ انتزاعه كمقولة الإضافة ، وذلك
لأنّ الأعراض المقولية برمّتها يتوقف وجودها الناعتي على وجود معروضاتها خارجا. والملكية
الاعتبارية لا تتوقف فعليتها على موضوع محقّق ، فقد يعتبرها المعتبر في ظرف عدم
أحد طرفي الإضافة أو كليهما ، فتتعلق الملكية بالمعني المفعولي ـ أي المملوكية ـ بالكلي
الذمي في بيع السلف ، للإجماع على صحته. وكذا تتعلق في أبواب الضمانات بالمثل أو
القيمة ، وربما لا يكون له وجود خارجي. كما أن الملكية بالمعنى الفاعلي ـ أي
المالكية ـ تتعلق بطبيعي السيّد والفقير في بابي الخمس والزكاة.
وعليه : فتمام المناط في الاعتبارات
الوضعية التي منها الملكية هو اعتبار من بيده الأمر عند تحقق الجهة المقتضية
للاعتبار والجعل من عقد أو حيازة مباح أو إحياء موات أو موت مورّث ونحوها. ولا
يعتبر فعلية طرفي إضافة الواجدية في جعلها كما عرفت.
وحيث كانت الملكية الادّعائية التنزيلية
خارجة عن حدود المقولات العرضية فهل هي اعتبار لمقولة الكيف أو الإضافة أو الجدة
أو غيرها؟لا يبعد أن تكون اعتبار الواجدية ، من جهة تبعية المملوك للمالك وكون
زمامه بيده ، وبهذا اللحاظ لا مانع من جعلها إضافة اعتبارية لما بينهما من الربط.
والتفصيل في محلّه.
الأحكام الوضعية
مجعولة بالأصالة أم منتزعة من التكليف
الأمر
الثالث : في أن الأحكام الوضعية كالملكية والزوجية
والحرية هل هي منتزعة من الأحكام التكليفية في مواردها ، أم هي بأنفسها قابلة
للجعل؟نسب الى شيخنا الأعظم قدّس سرّه امتناع تأصلها في الجعل ، وكونها منتزعة من
التكليف ، والأولى نقل كلامه ، قال في بحث الاستصحاب عند التعرض لكلام الفاضل
التوني في الأحكام الوضعية ما لفظه : «فان لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفي كالبيع
لإباحة التصرفات ، والنكاح لإباحة الاستمتاعات ، فالكلام فيهما يعرف ممّا سبق في
السببية وأخواتها. وإن لوحظت لأمر آخر كسببية البيع للملكية والنكاح للزوجية والعتق
للحرية ، وسببية الغسل للطهارة ، فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاما
.................................................................................................
______________________________________________________
شرعية. نعم الحكم
بثبوتها شرعي ، وحقائقها أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية ، كما يقال : الملكية
كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه .. وإمّا أمور واقعية كشف عنها الشارع ، فأسبابها
على الأوّل في الحقيقة أسباب للتكليف ، فيصير سببية تلك الأسباب في العادة كمسبباتها
أمورا انتزاعية» .
وظاهره التردد في كون الملكية ونحوها من
الوضعيات اعتبارا ذهنيا منتزعا من التكليف ، أو أمرا واقعيا كشف عنه الشارع بما
أنه محيط بحقائق الأمور ، كإخباره عن الطهارة والنجاسة اللتين هما حالتان في
الجسم الطاهر والنجس.
وبناء على كلا شقي الترديد يتعيّن صرف
الأدلة المتكفلة لترتيب أحكام تكليفية على الملكية ـ بمجرد إنشائها ـ عن ظاهرها
إلى أنّ المجعول بها نفس التكاليف التي هي منشأ الانتزاع ، لفرض عدم قابلية الاعتبارات
الوضعية للجعل الاستقلالي.
واختار هذا المسلك جمع من الأعيان
كالمحققين الميرزا الآشتياني والإيرواني قدّس سرّهما بل استدل عليه وشيّد أركانه
الميرزا الآشتياني بتمهيد أمور ستة مدّعيا أنّها مجموع إفادات شيخنا الأعظم في
مجلس الدرس والكتاب ، وملخّصه : أن الأحكام الوضعية كالسببية والشرطية والملكية
اعتبارات منتزعة من التكليف ، إذ الأمر الاعتباري لا يقبل الوجود الخارجي ، وإنّما
يكون وجوده باعتبار المعتبر ، بحيث لو لم يعتبره لم يكن شيئا مذكورا ، مع أنّ
الحكم الذي ينشؤه الحاكم موجود خارجي ، فكيف يوجد بالاعتبار بعد وضوح تباين
الوجودات؟
وكذا الحال لو كانت الأحكام الوضعية من
الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع ، كالملكية التي هي علقة واقعية بين المالك والمملوك
، وكالطهارة والنجاسة اللتين هما حالتان في الطاهر والنجس ، لما عرفت من أنّ
الحكم الشرعي فعل قائم بالحاكم ، وهذه الأمور ـ على التقدير المذكور ـ من الأوصاف
الكامنة في متعلقاتها واقعا ، فيستحيل قيامها بالحاكم. نعم قد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يصير الحكم كاشفا عن
وجودها الواقعي بمقتضى علمه ، فهو إخبار حينئذ عن وجودها ، لا جعل له بالجعل
الشرعي ، هذا.
وبناء على مسلك الانتزاع فالمجعول
بالأصالة هو التكليف كجواز أنحاء التصرفات في المال حيث ينتزع منه الملكية ، وكحلية
النظر والاستمتاع المنتزع منها الزوجية ، وهكذا.
ويكفي في الانتزاع وجود حكم تكليفي في
المورد سواء أكان منجزا أم معلّقا على أمر غير حاصل فعلا ، فتنتزع ملكية البالغ من
خطابه الفعلي بجواز التصرف ، وتنتزع ملكية القاصر كالصبي من خطاب تعليقي كقول
الشارع : «إذا بلغت جاز لك التصرف» ولا منافاة بين فعلية الأمر الانتزاعي وتعليقية
منشئه ، إذ المهم وجود الحكم التكليفي القابل لأن ينتزع منه الاعتبار الوضعي سواء أكان
منجزا أم معلّقا.
هذا محصّل ما أفاده شيخنا الأعظم ، وقرّره
عليه تلميذه الأجل قدّس سرّهما بل زاد الميرزا الآشتياني : انتزاع ضمان الصبي
بالإتلاف من خطاب وليّه فعلا بدفع غرامة ما أتلفه المولّى عليه ، حتى لا يلزم
التفكيك بين الأمر الانتزاعي ومنشئه بجعل الأوّل فعليا تنجيزيا ، والثاني تقديريا
، هذا.
أقول : الظاهر أنّ منشأ إنكار قابلية
الأحكام الوضعية للجعل الاستقلالي هو مقايستها بالاعتبارات الذهنية باصطلاح أهل
المعقول ، كما يشهد بها تنظير الملكية بالسببية والشرطية ، مع وضوح الفرق بين
الاعتبار باصطلاح الأصولي بينه باصطلاح غيره ، فالمقصود بالاعتباريات التي منها
الأحكام الشرعية هو الوجود الادّعائي التنزيلي.
وعليه فالحقّ هنا ما صنعه المحقق
الخراساني قدّس سرّه من التفصيل بين ما عدّ من الوضعيات ، بأنّ بعضها وجودات
ذهنية تتقوّم بالتصور وتنعدم بالغفلة والذهول ، وبعضها اعتبارات عقلائية وشرعية
موطنها وعاء الاعتبار. وليست الملكية والزوجية من قبيل السببية حتى يحكم عليهما
بعدم قابليتهما للجعل.
وكيف
كان فقد أورد على مسلك الانتزاع بوجوه :
الأول
: ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه في مواضع من كلماته ، ومحصله ـ بتوضيح منّا
ـ أن الحكم التكليفي ليس عين الحكم الوضعي ولا منشأ انتزاعه ، ولا مصحّح انتزاعه. فلا
معنى
.................................................................................................
______________________________________________________
للقول بالانتزاع.
أمّا عدم كون الحكم التكليفي ـ كإباحة
التصرف في المال ـ عين الحكم الوضعي كالملكية ، فلأنّ حقيقة الملكية أمّا النسبة
بين المالك والمملوك وإمّا الاحتواء أو السلطنة أو الواجدية ، وليس شيء منها عين
مفهوم إباحة التصرف كما لا يخفى.
وأمّا عدم كون التكليف منشأ الانتزاع ، فلوجهين
أحدهما : أن الأمر الانتزاعي كالفوقية ليس إلاّ حيثية القبول القائمة بالمتحيّث ، ولازمها
صحة حمل العنوان الاشتقاقي ـ المأخوذ من الأمر الانتزاعي ـ على المتحيّث بها أعني
به منشأ انتزاعه ، بلحاظ تلك الحيثية ، كصحة حمل عنوان «الفوق» على السقف لأجل
قيام مبدئه ـ أي الفوقية القائمة بقيام انتزاعي ـ بالسقف.
ومن المعلوم عدم تحقق هذا الملاك في
المقام ، لأنّ الحكم التكليفي ـ مثل جواز التصرف الذي فرض كونه منشأ الانتزاع ـ لا
يحمل عليه عنوان المالك والمملوك. ويستكشف من عدم صحة الحمل أنّ مبدأ العنوانين
المتضايفين غير قائم بجواز التصرف بقيام انتزاعي.
ودعوى كون الملكية جواز التصرف ، والمالك
من يجوز له التصرف والمملوك ما يجوز فيه التصرف ، فينتزع الملك بتبع إنشاء التكليف
، ممنوعة بأنّ الملكية لو كانت إباحة التصرف كان ذلك عدولا عن الانتزاع الى دعوى
العينية ، وهو ممنوع ، بعدم الترادف ، مضافا الى كونه خلاف الفرض.
ثانيهما : أنّ الأمر الانتزاعي تابع
لمنشإ انتزاعه فعليّة وقوّة ، ومن البديهي اعتبار الملكية والزوجية للصغير مع
ارتفاع قلم التكليف عنه. وجعل منشأ الانتزاع خطابه التعليقي المتوقف فعليّته على
البلوغ كما ترى ، لامتناع انتزاع الملكية والزوجية الفعليتين ـ لترتيب آثارهما
عليهما ـ من الخطاب التقديري الذي لا حظّ له من الوجود الفعلي.
كما أنّ تصحيحه بما أفاده المحقق
الآشتياني قدّس سرّه من «انتزاع ملكية الصبي من خطاب وليّه بإباحة التصرف فيه ، وانتزاع
ضمانه لما أتلفه من خطاب الولي فعلا بالتغريم» غير ظاهر ، إذ لا يعقل قيام الحيثية
المصحّحة للانتزاع بشيء ، والانتزاع من شيء آخر.
وتوجيه كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه من
قابلية الخطاب التعليقي لانتزاع الملكية فعلا للصبي منه «للفرق بين الإضافة
المقولية وبين الاعتبارات الشرعية ، فلا مانع من صحة انتزاع
.................................................................................................
______________________________________________________
الملكية والزوجية من
التكليف المتوقف فعليته على البلوغ ، فإنّ للحكم التعليقي حظّا من الوجود في صقع
الإنشاء ، فلا بأس بانتزاع ضمان الصبي فعلا لما أتلفه من خطاب الشارع بعد بلوغه : «أغرم
ما أتلفته حين صباك» ممنوع ، فإنّ تبعية الأمر الانتزاعي لمنشئه حكم عقلي لمطلق
وجود الإضافة ، فالإضافة المقولية تتوقف على منشإ متأصل ، والإضافة الاعتبارية على
منشإ اعتباري ، وليس قيام الأمر الانتزاعي بمنشئه من أحكام الوجود الحقيقي حتى
يتوهم امتناع تسريته الى الاعتباريات.
هذا مضافا إلى إباء صراحة ما قرّره
الميرزا الآشتياني قدّس سرّه عن هذا الحمل ، فإنّه جعل الملكية والسببية والشرطية
من واد واحد وقال بأنها اعتبارات ذهنية.
هذا كله في استحالة كون التكليف منشأ
الانتزاع.
وأمّا عدم كون الحكم التكليفي مصحّح
الاختراع فلأنّ لازمه كون الملكية مثلا من المقولات الواقعية الموجودة في جميع
الأنظار كسائر المقولات التي لا خلاف فيها بين نظر ونظر آخر ، ومن المعلوم توقف
العرض المقولي على معروض موجود ، مع أنّه لا شبهة في قيام الملكية العرفية والشرعية
بالمعدوم كما تقدم.
وعلى هذا فإن أراد شيخنا الأعظم قدّس
سرّه بقوله : «الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به وبعوضه» وحدتهما مفهوما ، وحكايتهما
عن حقيقة واحدة ، فقد عرفت منعه ، فإنّ الملكية عنده هي النسبة أو السلطنة ، وهما
غير إباحة التصرف. مع أنه رجوع عن دعوى الانتزاع الى العينية.
وإن أراد كون التكليف منشأ الانتزاع كما
هو ظاهره ، فالمفهومان متباينان ، ولكنهما متصادقان في الوجود ، ففيه ما عرفت من
انتفاء ملاك الانتزاع بين التكليف والوضع.
ومنه يظهر الإشكال في انتزاعها من العقد
القولي أو الفعلي. مضافا الى : أنّ نسبة العقد إلى الملكية نسبة المسبب الى سببه
، بناء على المشهور من كون ألفاظ العقود أسبابا لعناوينها ، والسبب مباين لمسببه
كما لا يخفى .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
هذا محصل ما اعترض به المحقق الأصفهاني
على إنكار قبول الأحكام الوضعية للجعل المستقل ، وانتزاعها من التكليف أو العقد. وهو
في غاية المتانة.
الثاني
: ما في تقرير شيخنا المحقق العراقي قدّس سرّه ومحصله : منافاة ظواهر الأدلة
الشرعية ـ التي جعلت الملكية والزوجية ونحوهما من الإضافات الاعتبارية فيها
موضوعات لأحكام تكليفية ، كقوله عليه السّلام : لا يحلّ لأحد أن يتصرف في مال
غيره إلاّ بطيبة نفسه ـ لانتزاع تلك الاعتبارات من التكاليف ، لوضوح أنّ موضوع
الحلية هو الملك أي المال المضاف الى الغير ، فلو كانت الملكية منتزعة من التكليف
، فإمّا أن تنتزع من تكليف آخر ، أو من نفس الحكم بحرمة التصرف ، المتأخر عنها رتبة.
وكلاهما محال. أمّا الأوّل ، فلاستلزامه
اجتماع المثلين ، أحدهما التكليف الثابت في الرتبة السابقة ، وهو محقّق الإضافة ، وثانيهما
التكليف المترتب عليها ، المدلول عليه بقوله : «لا يحل».
وأما الثاني ، فلاستلزامه تقدم المتأخر
، لفرض أنّ مثل جواز التصرف متأخر عن الملكية رتبة ، لتأخر كل حكم عن موضوعه كذلك
، فلو كان هو محقّق الإضافة ومنشأ الانتزاع لزم تقدمه على الأمر الانتزاعي كتقدم
وجود العلة على معلولها رتبة ، مع أن جواز التصرف متأخر عنها. واستحالة اجتماع
المتقابلين في واحد من الأمور الواضحة سواء في التكوينيات والاعتباريات.
وعليه يتعين القول بأنّ الملكية ونحوها
من الاعتباريات المتأصلة بالجعل ، ولا وجه للتكليف وإتعاب النفس لإثبات انتزاعيتها
من التكليف ، مع أنّه لا تكليف في مثل «من حاز ملك».
الثالث
: ما في التقرير المذكور أيضا من أنّ الملكية ونحوها اعتبارات متداولة بين
العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم ممّن لا يلتزم بشريعة ، فلو كان مصحّح اعتبارها
الخطابات التكليفية الشرعية لزم عدم وجودها في حقّهم ، وعدم ترتيب الأثر على
معاملاتهم ، وهو كما
.................................................................................................
______________________________________________________
ترى ، فلا مناص من
القول بأن هذه الأمور مجعولة بالاستقلال ، قد أمضاها الشارع ، هذا .
أقول
: أمّا الوجه الأوّل ـ مما أفاده شيخنا العراقي ـ فهو وإن كان متينا في نفسه ، إلاّ
أنه لا بد أوّلا من إثبات أجنبية الاعتباريات العقلائية عن الأمور الانتزاعية عند
أهل المعقول ، فمجرد مخالفة مسلك الانتزاع لظواهر الأدلة الشرعية لا يكفي في نفي
نظر الشيخ الأعظم ومن وافقه ، لتصريح الميرزا الآشتياني بلزوم التصرف في ظهور
الأدلة المتكفلة لأحكام تكليفية مترتبة على مثل الملكية والزوجية. وعليه فالمهمّ
على القائل بأصالتها في الجعل إبطال الانتزاع حتى تصل النوبة إلى إبقاء ظواهر
الخطابات على حالها.
وأمّا الوجه الثاني فيمكن أن يقال فيه :
إنّ كون الملكية والزوجية من الاعتباريات المتداولة بين العقلاء حتى غير ذوي
الأديان لا يكشف عن أصالتها في الجعل بالعقود المتعارفة بينهم وغيرها من الأسباب ،
ولا يبطل به مسلك الانتزاع ، فإنّ المقصود من التكليف الذي يفرض منشأ للانتزاع
ليس خصوص الحكم المتعبّد به عند الكل ، فإنّ الخطابات عامة لجميع المكلفين سواء
من تديّن منهم بها ومن لم يكن كذلك.
والحاصل : أنّ الأمور الاعتبارية لو
قيل بانتزاعيتها من التكليف كانت الأحكام المشتركة بين الجميع منشأ الانتزاع وإن
لم يلتزم بها بعضهم.
هذه جملة من الكلام في الملكية. وتلخص
مما ذكرناه أمور :
الأوّل
: أن الملكية العرفية والشرعية خارجة عن حدود المقولات ، فإنّ موطنها وعاء
الاعتبار ـ باصطلاح الأصولي ـ لا الاعتبار عند أهل المعقول بما له من الإطلاقات.
الثاني
: أنّ الملكية ليست مشتركة معنويّة مقولة على مواردها بالتشكيك ، بل هي مفهوم عام
يكون مطابقها إشراقا تارة ، وجدة مقولية أخرى ، واعتبارا عقلائيا أو شرعيا ثالثة.
الثالث
: أن الملكية اعتبار الواجدية ، وهي متأصلة في الجعل إما بجعلها تأسيسا أو إمضاء
لما عند العرف ، ولا تنتزع من التكليف ولا من العقد.
هذا كله في الموضع الأوّل ، وهو البحث
عن الملك.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الموضع الثاني : في
الحق
واستقصاء جهات البحث فيه يتم في طيّ
مقامات :
المقام
الأوّل : في بيان ماهيته وحقيقته.
فنقول : عرّفه جمع من اللغويين بما
يقابل الباطل ، ففي القاموس واللسان أنه «ضدّ الباطل» وفي الصحاح «أنه خلافه»
قال ابن منظور : «حقّ الأمر ويحقّ حقّا وحقوقا : صار حقّا وثبت. قال الأزهري : معناه
وجب يجب وجوبا. وفي التنزيل : قال الّذين حقّ عليهم القول ، أي : ثبت. ولكن حقّت
كلمة العذاب على الكافرين ، أي : وجبت وثبتت ..» .
وعرّفه الراغب بأنّ أصل الحق المطابقة والموافقة
، ويطلق على أمور أربعة :
أحدها : موجد الشيء بحسب ما تقتضيه
الحكمة ، فيطلق عليه تعالى كما في قوله جلّ وعلا ثُمَّ رُدُّوا إِلَى
اللّٰهِ مَوْلاٰهُمُ الْحَقِّ.
ثانيها : الموجد ـ بمعناه المفعولي ـ بحسب
ما تقتضيه الحكمة ، ففعله تعالى حقّ ، كما في قوله عزّ من قائل : ما خلق اللّه
ذلك إلاّ بالحق.
ثالثها : الاعتقاد بشيء ثابت في نفسه
كالثواب والعقاب وحوادث القيامة.
رابعها : الفعل والقول الواقع بحسب ما
يجب وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب ، كقوله تعالى حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
، و حَقَّ
الْقَوْلُ مِنِّي .
ولا يبعد أن يكون معناه المصدري الثبوت
ـ كما احتمله المحقق الأصفهاني ـ ورجوع سائر معانيه إليه من باب اشتباه المفهوم
بالمصداق ، ومعناه الوصفي هو الثابت ، فإطلاقه عليه جلّ وعلا لكونه ثابتا بأفضل
أنحاء الثبوت الذي لا يخالطه عدم ولا عدمي .
هذا بحسب اللغة.
وأما بحسب الاصطلاح الفقهي فهل هو
اعتبار للثبوت الواقعي أم أمر آخر؟قد تقدم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
في بحث الملك أن
حقيقة الاعتبار هو الادّعاء وفرض الوجود لما لا حظّ له من الوجود العيني ، فيقال
: إنّ الملكية الاعتبارية اعتبار الواجدية ، في قبال الواجدية الحقيقية في مثل
مالكية النفس للقوى ، والاعتبار يدور مدار ترتب الأثر. وعليه يقال : إنّ الحق
الاعتباري ليس اعتبارا للثبوت الواقعي ، للغوية اعتبار الثبوت المطلق كلغوية
اعتبار ثبوت شيء لشيء ، فليس المراد من مثل حق التحجير اعتبار ثبوت الأرض المحجرة ولا
ثبوتها للمحجّر ، بل المقصود إثبات سلطنته عليها أو ملكه لها أو أولويته بها من
غيره ، فالمعنى الواقع في حيّز الاعتبار هو الملكية ونحوها لا مجرّد الثبوت ، ويستكشف
منه عدم كون الحق المصطلح اعتبارا للثبوت الواقعي.
مضافا إلى : أنّ الثبوت مفهوم عام يصح
إطلاقه على كل ما له تقرّر في نفس الأمر ، فالملك والحكم التكليفي حقّ أي ثابت في
وعاء الاعتبار والتشريع ، ومنه قولهم في باب القضاء : للمدعي حق الاستحلاف ، وأن
الصلاة حقّ اللّه ، لثبوتها على المكلف بنفس إيجابها عليه.
فيعلم من هذا أنّ الحق المصطلح اعتبار
آخر أخصّ من مفهوم الثبوت ، ويقع الكلام في أنّه اعتبار الملك أو السلطنة أو
الأولوية وما شابه ذلك أو غيرها؟لم نقف في كلماتهم على تحديد جامع ومانع كما سيظهر
بعد التعرض لجملة من الضوابط المذكورة :
فمنها
: ما نسب الى المشهور من كون الحق سلطنة ، وربّما تقيّد بالفعلية في بعض أقسامها
كما تقدم في المتن بالنسبة إلى حق الخيار والشفعة.
واختاره جمع منهم السيد في أوّل كلامه وإن
عرّفه في آخره بأنه نوع من الملك. فقال ما محصله : إنّ الحق نوع من السلطنة على
شيء متعلق بعين كحق التحجير ، أو غير عين كحق الخيار في العقود اللازمة ، أو على
شخص كحق القصاص. وعليه فالحق مرتبة ضعيفة من الملك ونوع منه ، وصاحبه مالك لشيء
يكون أمره إليه ، بخلاف الحكم ، فإنّه مجرد اعتبار الرخصة مثلا بلا اعتبار السلطنة
كما في جواز الرجوع في العقد الجائز.
وقال في آخر البحث : «وبالجملة : الحق
نحو من الملك ، بل هو ملك بحسب اللغة ، وكونه في مقابل الملك اصطلاح عام أو خاص ، ولا
بدّ له من متعلّق ، سواء جعلناه إضافة ونسبة
.................................................................................................
______________________________________________________
بين الطرفين ، أو
سلطنة كما في الملك» .
ومقتضى تفسير الحق بالملك والملك
بالسلطنة كون الحق سلطنة ، لا اعتبارا مغايرا للملك.
ومنهم المحقق الإيرواني قدّس سرّه حيث
إنه جعل الفارق بين الملك والحق سعة دائرة متعلق السلطان وضيقها ، فالشيء إذا كان
متعلق سلطنة الشخص بجميع حيثياته كان ملكا ، وإن كان متعلّقها ببعض شؤونه كان حقّا
، نظير الأمة والزوجة ، فالأولى ملك سيّدها ، لأنّ له أنحاء التصرفات فيها من
البيع والهبة والمباشرة ، والزوجة متعلق حق الزوج ، إذ ليس له إلاّ السلطنة على
البضع .
ولكنك خبير بأنّهم إن أرادوا بالسلطنة
ما تكون فعلية غير مقترنة بالمانع فهو وإن كان صادقا على كثير من الحقوق ، لكنه
ينتقض بما تسالموا عليه من انتقال حق الخيار بالإرث إذا كان الوارث صبيّا غير
مميّز ، لحجره عن التصرف في كل ما انتقل اليه من مورّثه. ودعوى أن سلطنة القاصر
سلطنة وليّه ممنوعة بأن المحجور مسلوب السلطنة لا مفوّضها ، ولا منشأ آخر لسلطنة
الولي.
وإن أرادوا بالسلطنة ما هو أعم من
الفعلية والاقتضائية ـ فالصبي غير المميّز وإن لم يكن سلطانا فعلا ، لكنه لا مانع
من جعله سلطانا شأنا ، وتتوقف فعليته على زوال المانع وهو الصبا ، وبهذا الاعتبار
يصح قيام وليّه مقامه ، لتشريع أصل السلطنة في حقّه ـ ففيه : أن الاعتبار هو
الادعاء والتنزيل المنوط بترتب الأثر ، كما في تنزيل الطواف منزلة الصلاة لمشاركته
لها في بعض أحكامها ، فلو فرض سلب جميع آثار المنزّل عليه لغا الاعتبار. ولمّا لم
تكن للصبي سلطنة على فسخ عقد مورّثه وإمضائه ولا على إسقاط حقه ولا نقله الى
الغير ـ بناء على كونه من الحقوق القابلة للنقل الى غير من عليه الخيار ـ لم يكن
مصحّح الاعتبار والتنزيل موجودا حتى يتفصّى به عن محذور تفسير الحق بالسلطنة
الفعلية إلى جعله سلطنة اعتبارية. وعليه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فلا بد من كون الحق
إضافة أخرى قد يكون ملزوما للسلطنة وقد لا يكون.
إلاّ أن يقال : ان السلطنة مجعولة للصبي
فعلا وإن لم يكن قادرا على الإعمال بنفسه بل كان الأمر مفوّضا إلى الولي ، فالسلطنة
الفعلية بيد الوليّ.
وأمّا ما أفاده المحقق الإيرواني فينتقض
بمثل حق التحجير الذي التزم قدّس سرّه بجواز أنحاء التصرفات فيه بالبيع والهبة ونحوهما
من النواقل ، إذ لو كان الفارق بين الحق والملك راجعا الى متعلق السلطان لا نفسه
كان حقّ التحجير من الملك المصطلح لا من الحقوق ، مع أنه قدّس سرّه جعله من
الحقوق ، ولذا اعترض على المصنف قدّس سرّه في تردده في صدق المال عليه.
وقد تحصّل : أن تعريف الحق بالسلطنة لا
مانع ولا جامع.
ومنها
: ما اختاره جمع من الأعيان من كون الحق نوعا من الملك أو مرتبة منه ـ على اختلاف
بينهم في التعبير ـ فمنهم السيد الطباطبائي قدّس سرّه في كلامه المتقدم ، ومنهم
شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه في بعض تعابيره ، حيث فسّره بالملكية الناقصة
وبالمرتبة الضعيفة من الملك ، وإن عرّفه في موضع آخر تارة «بالسلطنة الضعيفة» وأخرى
«بالاعتبار الخاص الذي أثره السلطنة الضعيفة على شيء ، ومرتبة ضعيفة من الملك» .
ومنهم سيدنا الأستاد قدّس سرّه حيث
فسّره بالملك ، وجعل الفارق بينهما اختلاف المملوك ، ومحصّله : أنّ إضافة الملكية
ـ وهي التابعية والمتبوعيّة ـ سنخ واحد في الملك والحق ، لاتحادهما مفهوما ، واختلافهما
موردا ، وذلك لأنّ طرف إضافة الملكية إمّا عين وإمّا عرض ومعنى ، وكلّ منهما على
ثلاثة أقسام ، فالعين إمّا خارجية كالدرهم والدار ، وإمّا ذميّة كالمبيع الكلي في
باب السلف ، والثمن الكلّي في النسيئة ، وإمّا لا هذا ولا ذاك ، بل كحق الجناية
المتعلق بالعبد الجاني ، وحق الزكاة المتعلق بالنصاب ، على بعض الأقوال.
والعرض والمعنى إمّا أن يكون ذمّيا كعمل
الحرّ الأجير للغير ، وإمّا أن يكون قائما بعين خارجية من دون توقف الاعتبار على
الإضافة إلى ذمّة ، كمنافع الأعيان المملوكة كالدار والعبد ، حيث إنّ تعلق
الملكية الاعتبارية بها منوط بقابلية العين للمنفعة ، ويكفي اعتبار ملكية العين
في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إضافة المنفعة إليه. بخلاف
مثل عمل الحرّ ، فإنّ ملكيته الاعتبارية متوقفة على وقوع عقد عليه كالإجارة والصلح.
وإمّا أن يكون اعتبار الملكية موقوفا على إضافته إلى مالك ، ووجود مصحّح الاعتبار
كحقّ الخيار القائم بالعقد ، وحق الشفعة القائم بالمبيع ، وحق القسم القائم بالزوج
، ونحوها من الحقوق ، فاعتبار الخيار لأحد المتعاملين منوط بوجود غبن أو شرط
أو عيب ، ونحوها. كما أنّ الشركة في مثل الدار تصحّح استحقاقه لحصّة شريكه
المبيعة من الأجنبي.
إذا عرفت هذه الأقسام الستة فاعلم : أنّ
إضافة الملكية في جميعها على حدّ سواء ، فلا فرق بين أن تقول : زيد مالك للدينار
الشخصي أو الكلّي ، أو لمنافع الدار التي استأجرها ، أو لعمل أجيره كخياطته ، أو
لأخذ المبيع المشاع بالشفعة ، أو للاقتصاص من الجاني المعتمد ، أو لاستيفاء دينه
من العين المرهونة ، أو للمضاجعة مع زوجته ، أو للتصرف في الأرض المحجّرة ، ولا
تتفاوت إضافة الملكية بالشدة والضعف ، نعم تسمى في قسمين منها ـ وهما ثالث أقسام
العين والمعنى ـ بالحق. فالحقّ الاصطلاحي عين أو معنى متعلق بغيره على نحو يتوقف
اعتباره على اعتبار ملكية لمالكه ، فاعتبار حق الجناية مثلا منوط بالجناية
المصحّحة لإضافة ملكية الاقتصاص ، واعتبار حق الخيار منوط بإضافة ملكيّته لذي
الخيار بسبب مثل الغبن والشرط والمجلس ، هذا.
ويختلف الحق عن الذميات ـ حيث إنّها
أملاك وليست بحقوق ـ بأن الذمة ظرفها لا موضوعها ، ولذا لا يكون الدين المستقرّ في
ذمة الحرّ من الحقوق ، فلا يسقط بانعدام ذي الذمة ، بل يقضى من تركته أو غيرها ،
بخلاف الاقتصاص القائم برقبة الحرّ الجاني حيث يسقط بموته. هذا .
أقول
: الظاهر أنّ التابعية والمتبوعية أوسع مفهوما من الملكية ، لشمولها لتصرفات
الأولياء فيما لهم الولاية عليه ، كتصرف الفقيه الجامع للشرائط في سهم الإمام «عليه
الصلاة والسلام» من الخمس ـ على ما مال إليه قدّس سرّه في خمس المستمسك ـ وأنّه
وليّ على مصرفه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وعلى الجهات المتعلقة
به ، وكتصرف وليّ
الموقوفة في عوائدها ، وكتصرف الأب والجدّ له في مال الصبي ، وغيرهم من الأولياء ،
إذ لا ريب في سلطنتهم على التصرفات ، ونفوذها شرعا ، فإنّ الأموال والأملاك تابعة
للأولياء مع عدم كونهم مالكين لها.
ولو أريد من التابعية في الملكية خصوص
الذاتية فسلطنة الأولياء وإن كانت خارجة عن دائرة الملكية ، لفرض كونها بالعرض ، وتكون
التبعية الذاتية للمولّى عليه ، إلاّ أنه ينتقض بمثل حق الاختصاص بالخمر المنقلب
عن الخلّ ، المعدّ للتخليل ، حيث إنّ التبعية موجودة قطعا ، مع عدم الملكية
المصطلحة ، بشهادة تصريحهم بأنّ الخمر الكذائي ليس بملك ، بل للمسلم نحو اختصاص
به. ولو جعلنا التبعية أعم مما هو بالذات وبالعرض لانتقض بتصرفات الأولياء.
والحاصل : أنه إن أراد قدّس سرّه من
التبعية الاعتبارية خصوص الذاتية انتقض بحق الاختصاص بالخمر ، وكذلك بحقّ التحجير
، فإنّهم جعلوا هذا الحق مقابلا للملك ، وقالوا بتوقف تملك الرقبة على إحيائها ، وليس
له قبل الإحياء إلاّ الأولوية بها. وإن أراد قدّس سرّه منها ما يعمّ التبعية
بالعرض انتقض بتصرف الأولياء ، فإنّ الملك تابع للولي شرعا وعرفا ، مع أنّ إضافة
الملكية للمولى عليه دون الولي.
وهذا كاشف عن عدم كون الملكية
الاعتبارية بمعنى التابعية ، بل اعتبار الواجدية ، فالمالك من يكون واجدا لشيء
اعتبارا ، سواء أكانت له السلطنة على التصرف في مملوكه أم لا.
هذا بالنسبة إلى أصل جعل الحق من أقسام
الملك.
ومنه يظهر حال تعريفه بالمرتبة الضعيفة
منه. إذ فيه : أن الملكية الاعتبارية هي اعتبار الواجدية ، وهي ليست ذات مراتب حتى
تسمى مرتبة منها بالملك ، ومرتبة اخرى بالحق.
نعم لو كانت الملكية اعتبارا لمقولة
الكيف أمكن تفاوت أفرادها بالشدة والضعف ، لكن الظاهر عدم كونها منها.
وأمّا ما أفاده المحقق النائيني قدّس
سرّه فمقتضى تعريف الحق بالسلطنة موافقته لما نسب الى
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المشهور فيه ، ومقتضى
تعريفه بالملكية الناقصة والضعيفة ـ مع تفسير الملكية باعتبار مقولة الجدة ـ هو
كون الحق مرتبة ضعيفة من هذه المقولة ، وأثرها السلطنة. وهو موقوف على جريان
الاشتداد والمرتبة في هذه المقولة. ومقتضى كلامه الآخر من كون الحق اعتبارا وضعيا
مغايرا للملك والسلطنة هو العدول عما اشتهر في تعريف الحق بالسلطنة ، والميل الى
ما أفاده المحقق الخراساني قدّس سرّه من كونه اعتبارا خاصا ـ مجهول الكنه ـ له
آثار منها السلطنة ، قال قدّس سرّه : «هو .. اعتبار خاص ، له آثار مخصوصة ، منها
السلطنة» .
وهو وإن كان سليما عمّا يرد على تعريفه
بالملك والسلطنة ، إلاّ أن ظاهره كون ذلك الاعتبار الخاص واحدا سنخا ، فينطبق على
أنحاء الحقوق ، لكونها مصاديقه وموارده ، والأثر المشترك بينها سلطنة ذي الحق على
شؤونه ، وأقل مراتبها الإسقاط وإخراج نفسه من طرفية الإضافة. ولا بأس به في مثل
حق الخيار والشفعة والرهانة والقصاص ، إلاّ أنه لا يجري في مثل حق الولاية والحضانة
، بل يشكل حتى في حق الخيار الذي يرثه القاصر ، إلاّ بأن تكون سلطنة الولي سلطنة
المولّى عليه لا غيرها.
ومنها
: ما اختاره المحقق الأصفهاني قدّس سرّه
ـ بعد تعذّر تصور جامع لشتات الحقوق حتى ينطبق الحق عليها انطباق الكلّي على
مصاديقه ـ من أنه مشترك لفظي ، فهو في كل مورد نحو من الاعتبار له أثر مخصوص ، ولأجله
تختلف آثار الحقوق ، فحقّ التولية والولاية والرهانة والاختصاص والوصاية اعتبار
لنفس هذه الأمور ، والإضافة بيانيّة ، فحقّ الولاية للأب والجد والحاكم اعتبار
ولايته على التصرف فيما يتعلق بالمولّى عليه ، وحقّ الرهانة اعتبار كون العين
وثيقة للدين أو محبوسة عليه ، وأثره جواز استيفاء الدين منه. وحقّ الاختصاص نفس
اعتبار اختصاصه بالخمر ، لسبق ملكه له قبل انقلابه عن الخلّ الى الخمر. وحقّ
الوصاية اعتبار كون الشخص نائبا في التصرف عن الموصى. وحق التحجير اعتبار كون
المحجّر أولى بالأرض من غيره في تملكها بالإحياء.
وحق الخيار والشفعة والجناية اعتبار
للسلطنة ، فحق الشفعة اعتبار للسلطنة على ضمّ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حصة الشريك إلى حصة
نفسه ببذل مثل الثمن للمشتري ، وحق الخيار اعتبار للسلطنة على الفسخ. وحق الجناية
اعتبار للسلطنة على الاسترقاق ، وحق الاقتصاص هو اعتبار كونه سلطانا شرعا ، وهكذا .
ومنها
: ما اختاره السيد المحقق الخويي قدّس سرّه من عدم مغايرة الحق للحكم سنخا ، فالكل
أمور اعتبارية اعتبرها الشارع لمصالح خاصة ، وأنّ الحق المصدري بمعنى الثبوت ، والوصفي
بمعنى الثابت ، ويصح إطلاقه على كل أمر متقرّر في وعائه المناسب له. وإنّما الفارق
بين الحق والحكم اختلاف آثارهما لا ذاتهما ، فالمجعول الشرعي إن كان قابلا للإسقاط
كان حقّا مصطلحا ، وإن لم يكن قابلا له سمّي حكما ، لأنّ زمام الأمور الشرعية بيد
الشارع حدوثا وبقاء ، فإن حكم ببقائه بعد إسقاط المكلف له كان حكما ، وإلاّ كان
حقّا ، وهذا المقدار من التفاوت في الأثر لا يوجب اختلافهما ماهية.
ويشهد له أنّ جواز فسخ العقد في الهبة
الجائزة وفي العقد الخياري اعتبار شرعي واحد ، وإنّما يطلق الحكم على الأوّل بلحاظ
عدم تأثير إسقاطه في ارتفاعه ، ويطلق الحق على الثاني بلحاظ انتهاء أمده بإسقاط
من له الخيار. وكذا لا فرق بين جواز قتل الكافر الحربي وقتل الجاني قصاصا ، فالجواز
في الجميع معنى واحد وإن اختلف أثرهما.
وأمّا فرق الحق والملك فهو أن متعلق
الحق فعل من الافعال ، ومتعلق الملك أعم من العين الخارجية والفعل.
أقول
: إن أريد بالحكم مطلق ما هو مجعول للشارع ـ سواء أكان تكليفا أم وضعا وسواء أكان
إلزاما أم ترخيصا ـ فلا إشكال في شموله للحق ، فإنّه اعتبار وضعي تأسيسي أو إمضائي
، كغيره من الاعتبارات التي تنالها يد الجعل ولو إمضاء كالملكية والزوجية والحرّيّة
، فالحكم بهذا المعنى العام صادق على الحق والملك والتكليف على حدّ سواء.
وإن أريد بالحكم ما يقابل الحقّ والملك
ـ كما هو المقصود من تقسيم الأمر الاعتباري
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الى هذه العناوين الثلاثة
ـ فلا إشكال في مباينتها ، لأنّ الحق ـ كما قالوا ـ متقوّم بقابليته للإسقاط وسلطنة
ذي الحق عليه ، وهذا بخلاف مثل حليّة الماء والحنطة ، فإنّها أحكام على موضوعاتها
، ولا إضافة تصحّح اعتبار سلطنة أو ملك للمحكوم عليه.
والتعبير ب «لزيد شرب الماء كما أن له
حلّ العقد والاقتصاص من الجاني» وإن كان صحيحا ، إلاّ أنّ اللام في حلية شرب
الماء تكليفا للتعدية والظرف لغو ، لتعلقه بمقدّر مثل «يحل ويجوز» كما هو الحال في
إضافة الحلية إلى الأعيان في الذكر الحكيم ، قال عزّ من قائل : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ)
، ولكن الظرف في
اعتبار حلّية العقد مستقرّ ، ويدل على اعتبار إضافة خاصة كالسلطنة أو الملك.
وعلى هذا فما أفاده قدّس سرّه ـ من كون
الحق حكما حقيقة لأنه أمر اعتباري كاعتبار اللابدية والحرمان في باب التكاليف ، ولأنّ
الحق بمعناه الوصفي بمعنى الثابت ، وهو صادق على الحكم والحق ـ غير ظاهر ، ضرورة
أنّ مجرّد اعتبارية الحق لا يوجب وحدته مع الحكم ولا مغايرته مع الملك ، لوضوح
أنّ الاعتبارات الوضعية متقومة أيضا بالجعل ولو إمضاء ، مع أنه قدّس سرّه حكم
بمغايرة الحق للملك ، لكونه سلطنة أو إحاطة. لكنك خبير بصدق «الثابت» على الملك
الاعتباري كصدقه على التكليف المحض وعلى الحق أيضا ، إذ المناط في جميعها هو
التقرر في الوعاء المناسب له.
ومنه يظهر أنّ الحق المصطلح ليس بمعناه
اللغوي أي الثابت ، لكونه مفهوما عاما منطبقا على الجواهر والأعراض فضلا عن
الموجود الادعائي ، هذا.
مضافا إلى : أنّ جعل الحق هنا مقابلا
للملك الذي هو السلطنة والإحاطة ينافيه تصريحه ـ في مسألة قيام حق القصاص بمطلق
الوجود من الولي أو بصرف الوجود منه أو بالمجموع ـ بأنه سلطنة منحلة بعدد أولياء
الدم. وهذا عدول الى جعل هذا الحق بمعنى السلطنة كما ذهب إليه المشهور ، والمحقق
الأصفهاني الذي جعله مشتركا لفظيا.
وإلى : أنّ جعل الحق عبارة عن الجواز واللزوم
الشرعيين القابلين للإسقاط قد يشكل
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
بتسالمهم على ثبوت
الحق في موارد انتفاء التكليف مما يكشف عن تغاير سنخ المجعول ، فإذا كان حق الخيار
بمعنى جواز فسخ العقد تكليفا لزم انعدامه بما يوجب زواله كالسفه الطاري ، الرافع
للجواز التكليفي ، فإنّه لا يسقط حقه ، وإنما يقوم وليّه مقامه.
ولا
يبعد أن يقال : انه إن أريد بالحق المصطلح
مفهومه العام الصادق على مطلق المجعولات الشرعية ـ ولو إمضاء ـ حتى إذا لم يقبل
الإسقاط ، فمن المعلوم أنّه ليس نوعا من الملك ولا مرتبة منه ولا سلطنة ولا
مرتبة منها ، بل ينبغي تعريفه بما له ثبوت في وعاء الاعتبار ، سواء لوحظ فيه
حيثية التفويض الى المكلف في إبقائه ورفعه ، أم لا ، فيطلق الحق على وجوب الصلاة وإباحة
شرب الماء وحرمة الربا وجواز فسخ العقد ونحوها على حدّ سواء ، لكونها أمورا
اعتبارية.
وإن أريد بالحق المجعول الذي اعتبر فيه
سلطنة ذي الحق أو كونه مفوّضا أو كونه أولى به من غيره بحيث كان زمامه بيده ـ وهو
المسمّى في كلام الشهيد بحقّ العبد في قبال حقّه تعالى ـ فمن المعلوم أنّه لا
ينبغي تعريفه «بما هو ثابت في وعاء الاعتبار» لما عرفت من شموله لمطلق المجعول. بل
إمّا أن يختص بالمجعول الذي استفيد من دليل اعتباره نحو سلطنة أو أولوية ، وحينئذ
تخرج جملة معتدّ بها من الحقوق عن حريم البحث ، لفرض عدم قابليتها للإسقاط.
وإمّا أن يلتزم بما سلكه المحقق
الأصفهاني من إنكار معنى وحداني للحق وكونه مشتركا لفظيا بين شتات الحقوق ، فكلّ
حقّ اعتبار خاص له أثر مخصوص ، فكما لا جامع بين وجوب الصلاة وبين حق التحجير سوى
كونهما مجعولين شرعيين ، فكذا لا جهة مشتركة بين حق الحضانة وحق الخيار إلاّ
الثبوت في وعاء الاعتبار ، مع أنّهم عدّوا حق الحضانة من الحقوق ـ بالمعنى الأخص ـ
المقابلة للحكم والملك.
ويتوقف حلّ الاشكال على الالتزام
بالاشتراك اللفظي ، أو جعل مثل حق الولاية والوصاية والأبوّة اعتبارا وضعيا أجنبيا
عن الحق المصطلح ، حيث لا دخل لإرادة المكلّف في بقائها وارتفاعها.
أو يقال : إنّ الحق بمعنى الأولوية
منطبق على الكلّ ، ومقتضاه جواز الإسقاط والنقل ، إلاّ
.................................................................................................
______________________________________________________
أن للمنع الشرعي
مجالا آخر ، فتأمل.
هذا بعض الكلام في ماهية الحق ، وامتيازه
ثبوتا عن الحكم والملك.
وأمّا الفارق الإثباتي فمنوط بالفحص
التام عن دليل كل واحد من الأمور المعدودة من الحقوق سواء أكانت تأسيسية أم
إمضائية.
وقد يقال في ضابطه : إنّ دليل التشريع
إن كان متكفلا لإثبات شيء من عين أو فعل على المخاطب كان ظاهرا في الحكم ، كقوله
تعالى شأنه وَعَلَى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
، وقوله عزّ من قائل
وَلِلّٰهِ
عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ
سَبِيلاً .
وإن كان متكفلا لإثبات شيء كذلك له كان ظاهرا في الحق ، مثل ما ورد في مملكية
الحيازة من قول أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين : «للعين ما رأت ، ولليد ما
أخذت» ، فإنّ العين
المباحة الأصلية المقصودة ب «ما» الموصولة حمل المكلف عليها ، وصارت تحت يده. ونحوه
ما ورد في الخيارات ، كقول الصادق عليه السّلام في رواية الحلبي : «في الحيوان كله
شرط ثلاثة أيام للمشتري»
، وما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ، قال : «قال رسول اللّه
صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : البيّعان بالخيار حتى يفترقا» .
ولكنه لا يخلو من غموض ، إذ المثبت له
إن كان عينا كان ظاهر اللام ملكيتها للحائز وليست حقّا مصطلحا. وإن كان معنى كان
أعم من الحق ، لاحتمال كونه حكما ، إذ لا فرق بين قولنا : «للمغبون حلّ العقد» و«لزيد
شرب الماء» مع أنّ مدلول الأول حق ، والثاني حكم. وعليه فمجرد كون لسان الدليل
إثبات شيء للمكلف لا يدلّ على أن المجعول حق.
فالإنصاف أنه لم يحرّر الى الآن ضابط
إثباتي للحق والحكم ، وإن كان الفرق بينهما ثبوتا من الواضحات ، فتمييزهما في مقام
الإثبات لا بدّ وأن يكون بالنظر إلى خصوصيات
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الموارد والأدلة ، هذا.
ولا يبعد أن يقال : ـ وإن كان محتاجا
إلى الدقة والتأمل فيه ـ إنّ مفاد الدليل إن كان ثبوت حكم لعين أو فعل من دون
إضافته إلى فاعل مّا ، كأن يقال : «الماء أو شربه حلال ، والمعاطاة جائزة ، والتدبير
والمضاربة والوكالة ونحوها من العقود والإيقاعات جائزة» كان ظاهرا في الحكم ، لظهور
الدليل في كون الجواز حكما للطبيعة من حيث هي ، مع الغضّ عن كل شخص. وأنّ اشتمال
الخطاب أحيانا على أشخاص لأجل الامتنان أو غيره من النكات كقوله تعالى : « أُحِلَّتْ لَكُمْ
بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ
» ولذا كان الظرف لغوا لا مستقرا.
وإن كان مفاد الدليل إثبات شيء لشخص ، فان
كان ذلك الشيء عينا خارجية أو ذمية كان ظاهرا في الملك. وإن كان معنى كان حقا ، مثل
«للمغبون حلّ العقد» وهذا الظاهر متّبع حتى يثبت خلافه.
هذا بعض الكلام في المقام الأوّل.
المقام
الثاني : في أقسام الحقوق
وحيث عرفت الفرق بين الحقّ والحكم
ثبوتا ، وعدم انطباق أحدهما على الآخر ، فاعلم : أنّ الفقهاء «رضوان اللّه عليهم»
قسّموا الحق باعتبار قابليته للسقوط بالإسقاط وعدمها ، ونقله الاختياري مع
العوض وبدونه وعدمه ، وانتقاله القهري بالموت ونحوه وعدمه على أنحاء شتى. وقبل
التعرض لها لا بأس بالتنبيه على أمر ربما يكون دخيلا في وضوح الحال ، فإنّ كثيرا
ممّا ذكروه من الحقوق خارج عنها ومندرج في الحكم ، وذلك الأمر هو ملاحظة ما ورد في
الروايات من إطلاق الحق على كثير من الأحكام ، فلاحظ باب جوامع الحقوق من كتاب
العشرة من الوسائل ، الذي هو مختصر من جوامع الحقوق المدوّنة في بحار الأنوار ، فإنّ
الحق أطلق في تلك الروايات على حكم الأب بالنسبة إلى الولد وبالعكس ، وعلى عبادة
اللّه سبحانه وتعالى ، وعدم الإشراك له ، وعلى ولاية الحاكم والسلطان ، وعلى الماء
وكيفية شربه من الكوز وغيره ممّا لا ينطبق عليه ضابط الحق المصطلح.
وبالجملة : يظهر بمراجعة الروايات المشتملة
على إطلاق الحق على الحكم أنّ التقسيم الى ما لا يسقط بالإسقاط وإلى ما يسقط
به ويجوز نقله ليس في محله ، لأنّ ما لا يسقط بالإسقاط
.................................................................................................
______________________________________________________
ينافي ما ذكروه من
القاعدة المسلّمة بينهم ، وهي أنّ لكل ذي حق إسقاط حقه.
ولا يندفع هذا التنافي إلاّ بإخراج ما
لا يسقط بالإسقاط ـ كحق الأبوّة والولاية وحقّ السلام ، على ما حكاه الفقيه
المامقاني قدّس سرّه عن بعض المشايخ
، وحق الرجوع في الطلاق الرجعي ، وغير ذلك ـ عن حريم الحق موضوعا ، وإدراجه في
الحكم.
نعم
من لم يلتزم بتلك القاعدة كالمحقق الأصفهاني صحّ له تقسيم الحقوق الى ما لا يسقط
بالإسقاط وإلى ما يسقط به ، كما سيأتي بيانه إن شاء اللّه تعالى.
إن
قلت : إنّ تقسيم الحقوق الى ما يسقط
بالإسقاط وما لا يسقط به لا ينافي تسلّم قاعدة «لكل ذي حق إسقاط حقه» لكونها
من العمومات القابلة للتخصيص ، فتخصّص بالحقوق غير القابلة للإسقاط ، فكأنّه قيل
: كل حق قابل للإسقاط إلاّ حق الأبوة وحقّ السلام ، وغير ذلك.
قلت
أوّلا : منع كون ما لا يسقط بالإسقاط حقّا ، لإباء الروايات الدالة على الحقوق
عن حملها على الحق المصطلح وهو السلطنة وتفويض الأمر والأولوية ، بل هي أحكام
إلزامية أو ترخيصية أو وضعية سمّيت بالحق ، فلا تندرج في قاعدة «ان لكل ذي حق
إسقاطه حقه» حتى يلتزم بالتخصيص لأجل دلالة الروايات على عدم سقوطها بالإسقاط ، بل
الشك في انطباق الحق المصطلح عليها كاف في عدم جريان التخصيص في القاعدة ، لوضوح
كون التخصيص إخراجا حكميا متوقفا على مصداقية الفرد الخارج بالتخصيص للعام ، وحينئذ
يدور الأمر بين التخصيص والتخصص ، ويتعيّن تقديم الثاني. وعليه فلو شك في صدق الحق
على ما لا يقبل الإسقاط كان مقتضى عكس القاعدة خروجه عنه موضوعا لا حكما.
وثانيا : أنه لو سلّم شمول الحق لما لا
يقبل الإسقاط قلنا : إنّ قاعدة «سلطنة كل ذي حق على إسقاط حقه» من العمومات
الآبية عن التخصيص ، لظهوره في علّية عنوان الحق للسلطنة على إسقاطه ، نظير قبح
الظلم ، وأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» و«أنه لا يطاع اللّه من حيث يعصى» الى
غير ذلك من العمومات الآبية عن التخصيص ، خصوصا بملاحظة ما اشتمل عليه من تقديم ما
حقّه التأخير ، فإنّ تقديم الخبر على المبتدأ يوجب خصوصية في الكلام
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ويورث تأكيدا في ثبوت
المحمول للموضوع.
وثالثا : انّ البناء على كون «ما لا
يقبل الإسقاط» حقّا يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن ، ولا مناص منه إلاّ باختصاص
الحق بالمجعول الذي جاز لمن ثبت له بعض أنحاء التصرفات ، وأقلّها الإسقاط.
فتلخّص
: أنّ ما لا يقبل الإسقاط ليس حقّا ، بل هو حكم ، فحقّ الأبوّة والسلام والحضانة
والولاية ونحوها ممّا لا يقبل الإسقاط غير مندرجة في الحق المصطلح حتى يصح تقسيم
الحق الى ما يقبل الإسقاط وما لا يقبله.
والمنافاة المذكورة ـ وهي إدراج ما لا
يقبل الإسقاط في الحق ، مع تسليم قاعدة «ان لكل ذي حق إسقاط حقه» ـ باقية على
حالها ، ولا يمكن دفعها عمّن التزم بها ، ثم قسّم الحقوق إلى ما لا يقبل الإسقاط
وإلى ما يقبله ، فلاحظ وتدبّر.
ومنه يظهر غموض ما صنعه جمع منهم الشهيد
والمصنف قدّس سرّهما من التزامهما بهذه القاعدة مع تقسيم الحق المقابل للحكم الى
ما يقبل الإسقاط وما لا يقبله.
أمّا الشهيد قدّس سرّه فقد جعل الفارق
بين حق اللّه وحق العبد قابلية الثاني للإسقاط دون الأوّل ، حيث قال في قواعده :
«والضابط فيه : أنّ كلّ ما للعبد إسقاطه فهو حقّ للعبد ، وما لا فلا ، كتحريم
الربا والغرر .. إلخ» .
إذ ظاهر المقابلة والتمثيل لحكم اللّه تعالى بحرمة الربا أنّ ما لا يسقط
بالإسقاط لا يكون من حقوق العبد ، بل من حقوقه تعالى المعبّر عنها بالحكم ، ومقتضاه
الالتزام بقابلية مطلق الحقوق للإسقاط ، لكونها راجعة الى العبد وزمامها بيده. مع
أنّه قدّس سرّه قسّم الحق ـ المقابل للحكم ـ من حيث القابلية للإسقاط وعدمها الى
قسمين. والمنافاة كما ترى.
وأما المصنف قدّس سرّه فقد تقدم منه في
المتن تقسيم الحقوق الى ما لا يقبل المعاوضة بالمال ، وما لا يقبل النقل ، وما
ينتقل قهرا وينقل بالصلح ، والقسم الأوّل هو ما لا يقبل الإسقاط ، على ما
استفاده محقّقوا المحشّين ، بشهادة تمثيله بحق الولاية والحضانة. وهذا التقسيم
مناف لتصريحه ـ في مسقطات خيار المجلس ـ بسقوط الحق بالإسقاط ، للقاعدة
المتقدمة ، قال : «و
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
من المسقطات : إسقاط
هذا الخيار بعد العقد .. الى أن قال : ويدل عليه بعد الإجماع فحوى ما سيجيء من
النص .. مضافا الى القاعدة المسلّمة من أنّ لكل ذي حقّ إسقاط حقه» .
والتهافت واضح ، إذ لو كان قوام الحق
بقبوله للإسقاط وكونه أدنى مراتبه لم يبق مجال لإدراج ما لا يقبل الإسقاط في
الحقوق ، ثم البحث عن وقوعها عوضا في البيع وعدمه.
إلاّ أن يعوّل في دفع هذا التنافي على
تصريح السيد قدّس سرّه بأنّ جملة ممّا عدّ من الحقوق ليست منها حقيقة ، بل هي
أحكام ، إذ ليس المجعول فيها سلطنة لذي الحق ولا ملكا له .
فبناء على هذا التوجيه لا مانع من تقسيم
ما يسمّى بالحق إلى أقسام ستة ، ومنها ما لا يسقط بالإسقاط ، ضرورة كون المقسم
ما يستعمل فيه كلمة الحق ، لا ماهيّته التي فسّرها السيد كالمصنف قدّس سرّهما
بالسلطنة.
هذا كلّه بناء على كون قاعدة «لكل ذي حق
إسقاط حقه» حجة شرعا ، فلو نوقش فيها سندا أو دلالة كان الحكم بعدم قابلية بعض
الحقوق للإسقاط منوطا بإحراز عليّة العنوان ، ودوران الحق مداره ، دون ما كان
مقتضيا له كما سيأتي.
وقد
ناقش المحقق الأصفهاني قدّس سرّه فيها تارة بمنعها سندا ، لعدم ورودها في آية ولا
رواية ، ولا هي معقد إجماع حتى يؤخذ بعمومها أو إطلاقها ، وعليه فالحق ينقسم حقيقة
الى ما يقبل الإسقاط وإلى ما لا يقبله .
وأخرى دلالة ، بناء على استفادتها من فحوى قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم : «الناس
مسلّطون على أموالهم» لاقتضائه سلطنة الناس على حقوقهم بالأولوية القطعية.
ومحصل المناقشة : منع الفحوى ، وذلك
لأنّ مفاد الحديث سلطنة الملاّك على أموالهم لا على ملكيّاتهم حتى تثبت لهم
السلطنة على حقوقهم بالأولوية ، بيانه : أن الملكية تنحل إلى أمرين ، أحدهما
الإضافة المعبّر عنها بالملكية ، وثانيهما المضاف وهو المملوك ، وكذلك الحق ينحل
إلى الإضافة وإلى طرفها من عين أو عقد أو فعل تعلّق به الاعتبار الحقّي. والسلطنة
على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المملوك إنّما تقتضي
إخراجه عن طرفية الإضافة ، فتنقطع نفس الإضافة بالتبع ، فإذا أبرأ الدائن حقّه أو
أعرض المالك عن العين المملوكة كان معناه إخراج المال عن طرفية إضافته ، فتزول
ملكيته ، لامتناع بقائها بدون طرف ، وهذا هو مقتضى السلطنة على المملوك بالتصرف
فيه ، وعدم سلطنة المالك على نفس الملكية.
ولكن هذا المعنى لا يجري في الحق ، ضرورة
أنّ ما يقصد إسقاطه هو نفس الحق لا متعلقة من المال والعين والفعل ، ومن المعلوم
أن سلطنة ذي الحق على إزالة نفس الإضافة ـ المعبّر عنها بالحق ـ أجنبية عن مفاد
الحديث الدال على سلطنة الناس على أموالهم ـ لا على ملكياتهم ـ حتى يبقى مجال
للتمسك بالفحوى.
لكن يمكن أن يقال : أمّا الخدشة في
مستند قاعدة «لكل ذي حق إسقاط حقه» فيجاب عنها بأن هذا المضمون وإن لم يرد في
آية ولا رواية ولا معقد إجماع معتبر ، إلاّ أنّها من القواعد العقلائية المرتكزة
عندهم ، ويكفي في إمضاء الشارع لها عدم ردعه عنها ، بل يمكن استفادة إمضائها ممّا
ورد في سقوط خيار الحيوان بالتصرف فيه من قوله عليه السّلام : «فذلك رضا منه» بتقريب
: أن المناط في سقوط الخيار هو رضا المشتري بالبيع سواء أظهره بالتصرف أو
بإسقاط حقّه. ويتعدّى من حقّ الخيار إلى الحقوق الأخر التي استفيد من أدلّتها جعل
التفويض والأولوية لشخص بحيث يكون لرضاه دخل في زوال سلطنته على المتعلّق. ولا
مانع من الالتزام بشمول القاعدة للحق المصطلح.
ويؤيّد ارتكازية القاعدة ـ بل يدل عليها
ـ اعتماد الأصحاب عليها وإرسالها إرسال المسلّمات ، كما يظهر من تعبير العلاّمة
قدّس سرّه في التذكرة وغيرها من قوله في سقوط خيار المجلس بالإسقاط : «ولأنّه
حقه أسقطه فسقط كالدين»
ونحوه في حق الشفعة وغيرها ، فراجع.
وعليه فدعوى كون القاعدة من الارتكازيات
العقلائية غير المستحدثة كارتكازهم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
على العمل بظواهر
الألفاظ وبخبر الثقة قريبة جدا ، مضافا الى انتفاء الرادع أو ما يصلح للرادعية.
نعم لا ريب في أن موضوع سلطنة ذي الحق
على إسقاط حقه ليس خصوص الحقّ المصطلح المقابل للملك والحكم ، بل يعمّ الذميات
كالديون ، وهو الذي يعبّر عنه الفقهاء بالإبراء في قبال الإسقاط الذي خصّصوا
إطلاقه بمثل حق الشفعة والخيار والقصاص.
وأمّا الخدشة في الفحوى التي ادّعاها
المصنف في خيار المجلس ، فيمكن التخلص عنها أوّلا : بإمكان كون القاعدة بنفسها
مورد التسالم ، لا كونها من شؤون سلطنة الناس على أملاكهم حتى تتجه المناقشة
بالفرق بين إبراء الملك وإسقاط الحق.
وثانيا : بأنّ إسقاط الملك والحق من
واد واحد ، وذلك لأنّ إسقاط الحق إمّا أن يراد به إخراج المتعلق عن طرفية
الإضافة الحقيّة ، كما التزم به المحقق الأصفهاني في رسالة الحق ، حيث قال ـ بعد
نفي كون الإسقاط مطلقا بمعنى العفو ـ ما لفظه : «ثم إنّ الإسقاط هل هو بمعنى
رفع الإضافة أو إخراج الشخص أو الطرف عن الطرفية للإضافة ، ربما يترجّح الثاني ..»
.
وعليه لا يبقى فرق بين إبراء الملك وإسقاط
الحق ، لاشتراكهما في إخراج المضاف عن طرفية الإضافة ، وتزول الإضافة حينئذ بتبع
زوال الطرف ، فلو كان مفاد قاعدة السلطنة سلطنة المالك على التصرف في مملوكه
بإخراجه عن طرفية علقته كانت سلطنة ذي الحق على إسقاط حقه أيضا بمعنى إخراج
المتعلق عن طرفية إضافة الحقّية ، لا بمعنى إعدام نفس الإضافة ابتداء حتى يختلف
الملك عن الحق.
وإمّا أن يراد به إعدام نفس الإضافة وقطع
العلقة ابتداء كما لعلّه يستفاد من كلماتهم ، إلاّ أنّه لا يوجب وهنا في الاستدلال
، لإمكان كون الإبراء في باب الكليات المملوكة في الذمم متعلقا بنفس الملكية لا
إخراجا للطرف.
ولا يبعد دلالة حديث السلطنة على أنّ
كلّ ما يعدّ من شؤون الملك عرفا كان متعلق سلطان المالك؛حتى قطع نفس الإضافة ، وسيأتي
في أدلة مملكية المعاطاة الكلام في مفاد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
قاعدة السلطنة إن شاء
اللّه تعالى.
وقد تحصل : أنّه لا مانع من التشبث
بقاعدة «لكل ذي حق إسقاط حقه» والحكم بعدم حقّية ما لا يقبل الإسقاط ، فيختص
الحق بما كان المجعول سلطنة أو أولوية أو نحو اختصاص يوجب كون زمامه بيده ، والمعوّل
في ذلك كله أدلة الحقوق ، وذلك نظير حق القصاص وحق الخيار والشفعة ، وحق التحجير. وحق
الاسترقاق على رقبة العبد الجاني ونحوها.
أمّا حق القصاص فلأنّ المجعول هو سلطنة
وليّ الدم على القاتل ظلما ، سواء أكان حق القصاص نفس هذه السلطنة أم كانت من
آثاره وأحكامه.
وأمّا حق الخيار فلأن المستفاد من
الأخبار جعل المختارية وتفويض أمر العقد فسخا وإمضاء إليه ، فالخيار هو التفويض في
ترجيح أحد الأمرين.
وأمّا حق الشفعة فالمستفاد من رواية
الغنوي
أولوية الشريك بالحصة المبتاعة وأحقيته بها ، واستيلاؤه على انتزاعها من يد
المشتري ببذل مثل الثمن إليه.
وأمّا حق التحجير فالمستفاد من دليله
اعتبار أولويته من غيره بتملك الأرض بالإحياء وإن لم تكن ملكا مصطلحا له قبل
الإحياء.
وأما حق الجناية فالمجعول هو تفويض أمر
قتل الجاني واسترقاقه إلى وليّ الدم.
ثم إنّه لو لم تتم القاعدة المذكورة
التي هي كالقرينة الحافّة بأدلة الحقوق ، أو قلنا بكون الحقوق اعتبارات متفاوتة
لكل منها أثر مخصوص كما اختاره المحقق الأصفهاني قدّس سرّه فتنقسم الى ما يسقط
بالإسقاط وما لا يسقط به. والضابط المذكور في كلام بعض الأعلام كالسّيد صاحب
البلغة قدّس سرّه هو : أن ما كان العنوان الموجب للحق علّة تامة له استحال إسقاطه ونقله
، لاستحالة تخلف المعلول عن علّته التامة. وإن كان مقتضيا له ، فإمّا أن يقترن
بمانع عن النقل والإسقاط كما إذا تقوم الموضوع بعنوان خاصّ ، أو تقيّد مورد
الحق ومتعلقة بقيد يوجب
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
تضيق دائرته لم يقبل
النقل والانتقال ، وإمّا أن لا يقترن بمانع فيقبل الإسقاط والنقل ، هذا .
وهذا الضابط الثبوتي وإن كان متينا في
نفسه ، لكنه لا يجدي في مقام الإثبات لو لم يستظهر من نفس دليل الحق العلية والاقتضاء.
إذ لا معيّن لكون الموجب لولاية الحاكم مثلا علة تامة ، ولحق الخيار والشفعة
مقتضيا ، مع اقتضاء أصالة الموضوعية في العناوين المأخوذة في الخطابات دخلها
بأنفسها في الأحكام المترتبة عليها وعدم انفكاكها عنها. وحملها على المشيرية إلى
أمر آخر هو موضوع الحكم واقعا خلاف الأصل لا يصار إليه بلا قرينة ، ومن المعلوم
استحالة تخلف الحكم عن موضوعه.
ولأجله تصدّى المحقق الأصفهاني قدّس
سرّه لاستظهار ضابط إثباتي ينتفع به لو شكّ في قابلية المجعول للإسقاط أو
النقل ، ومحصله : بعد إنكار اقتضاء طبع الحق لقابلية الإسقاط : أن المرجع في ذلك
دليل الحق ومناسبة الحكم والموضوع والحكمة الباعثة على الجعل والتشريع ، فإن روعي
في مقام الجعل مصلحة ذي الحق كالإرفاق به اقتضت مناسبة الحكم والموضوع جواز إسقاطه.
وإن روعي فيه غبطة الغير ومصلحته لم يجز إسقاطه ، بل يقوم بذي الحق ، خاصة. هذا
بحسب الكبرى.
وأمّا في مقام التطبيق على أنحاء الحقوق
فسيأتي التعرض لبعض كلامه قدّس سرّه في ذلك ان شاء اللّه تعالى.
وحيث إنّك عرفت اقتضاء طبع الحق لقبول
الإسقاط كان الأولى إخراج ما لا يقبله عن التقسيم ، لكن لا بأس بذكره تبعا للقوم
، أو بناء على عدم تقوم الحق بالملكية والسلطنة ، بل هي اعتبارات وضعية مختلفة
ذاتا وأثرا ، والمرجع في ذلك دليل كل واحد من الحقوق والقرائن المكتنفة به ، فنقول
وبه نستعين وبوليّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وعجّل فرجه الشريف نستجير :
القسم
الأوّل : ما لا يقبل الإسقاط والنقل
الاختياري والانتقال القهري.
وعدّ منها حق الأبوة والنظارة والولاية والوصاية
والحضانة ، والضابط فيه ما روعي فيه مصلحة غير من له الحق ، فمثل حق ولاية
الحاكم غير قابل للسقوط والنقل. أمّا عدم قبوله
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
للسقوط فلأنّ
الملحوظ في مقام الجعل مصلحة المولّى عليه ، وكذا في حق الوصاية المجعول لأجل
القيام بشؤون الموصى.
وأمّا تقوم الحق بنفس العنوان المأخوذ
في الدليل وعدم قبوله للنقل إلى الغير فلأنّ موضوع الولاية الشرعية هو الفقيه الجامع
للشرائط. فلا معنى لنقله إلاّ لمثله ، ولكنه لا يعقل نقله إلى حاكم آخر ، لفرض
كونه بنفسه مشمولا لأدلة الولاية العامة ، فلا معنى لتفويضها إليه من قبل حاكم آخر.
وكذا خصوصية تعيين الوصي من بين الأشخاص
ـ في نظر الموصى ـ مانعة عن نقل الحق إلى غيره إلاّ مع إيصاء الموصى بذلك.
وهكذا حق الحضانة المجعول للأم لأجل
مصلحة الطفل وتربيته ، وظاهر مكاتبة أيوب بن نوح «المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ
سبع سنين ، إلاّ أن تشاء المرأة»
وإن كان جواز رفع اليد عن حقّها إن شاءت. لكن لا أظن الالتزام بمضمونة ، فنفس حكمة
الجعل تقتضي عدم قبوله للإسقاط.
القسم
الثاني : ما يقبل السقوط دون النقل والانتقال
، كحق الغيبة والشتم والإهانة ، بناء على كونها من الحقوق التي لا ترتفع بالتوبة
فقط ، بل لا بد من إرضاء صاحبها وإبرائه. أمّا كونها من الحقوق فلأنّها ظلم وإيذاء
، ولا ريب في قبحه عقلا ، وشرعا ، للنصوص الدالة على «أن من حق المؤمن على المؤمن
أن لا يغتابه»
و«أنّ حرمة عرض المسلم كحرمة دمه وماله»
ونحوهما ، فلاحظ.
وأمّا توقف ارتفاعها على إبراء ذي الحق
فللمستفيضة المعتضدة بالأصل الدالة على «أنّ الغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها»
وللنبوي : «من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
مال فليستحللها من
قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم ، ولا دينار ، فيؤخذ من حسناته ، فان لم يكن له
حسنات أخذ من سيئات صاحبه فيتزايد على سيئاته» .
والنبوي الآخر : «من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل اللّه صلاته ولا صيامه أربعين
يوما وليلة ، إلاّ أنّ يغفر له صاحبه» .
الى غير ذلك من الروايات والأدعية الدالة على كونها من الحقوق التي يتوقف ارتفاعها
على إبراء ذي الحق ، وعدم كفاية التوبة. والتفصيل موكول الى محله.
القسم
الثالث : ما يقبل الإسقاط والنقل الى آخر
ينطبق عليه العنوان أيضا ولا ينتقل بالموت ، كحق القسم في الزوجات ، أما جواز
إسقاطه فلأنّه مقتضى كونه حقّا للزوجة ، فإذا طابت نفسها بعدم استيفائه كان لها
ذلك. وأمّا عدم الانتقال بالإرث فلأنّه حق للزوجة ما دامت حيّة وكانت في حبالة
زوجها ، فإذا ماتت لم يكن لها شيء حتى ينتقل الى الوارث.
وأمّا جواز نقله إلى زوجة أخرى فلعلّه
مما لا خلاف فيه ، إنّما الكلام في جواز أخذ العوض بإزائه وعدمه ، قال العلاّمة في
قواعده : «ولو وهبت ليلتها من ضرّتها فللزوج الامتناع ، فان قبل فليس للموهوبة
الامتناع ولا لغيرها ، وليس له المبيت عند غير الموهوبة أو الواهبة .. الى أن قال
: ولو عاوضها عن ليلتها بشيء لم يصح المعاوضة ، لأنّ المعوّض كون الرجل عندها ، وهو
لا يقابله عوض ، فتردّ ما أخذته ، ويقضى ، لأنّه لم يسلم لها العوض» .
وعلّل الشهيد الثاني في الروضة فتوى
الشهيد ـ في اللمعة «ولا يصحّ الاعتياض عن القسم بشيء من المال» ـ بما لفظه : «لأنّ
المعوّض كون الرجل عندها ، وهو لا يقابل بالعوض ، لأنّه ليس بعين ولا منفعة. كذا
ذكره الشيخ قدّس سرّه وتبعه عليه الجماعة. وفي التحرير نسب القول إليه ساكتا عليه
، مشعرا بتوقفه فيه أو تمريضه. وله وجه ، لأنّ المعاوضة غير منحصرة فيما ذكر ، ولقد
كان ينبغي جواز الصلح عليه كما يجوز الصلح على حق الشفعة والتحجير ونحوهما من
الحقوق. وحيث لا تجوز المعاوضة فيجب عليها ردّ العوض إن كانت قبضته ، ويجب عليه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
القضاء لها إن كانت
ليلتها قد فاتت ، لأنه لم يسلم لها العوض» .
وقال في كشف اللثام ـ في ذيل تعليل
القواعد المتقدم آنفا ـ ما لفظه : «وفيه تردد ، لمنع الحصر ، ولأنّ علي بن جعفر
عليه السّلام سأل أخاه عليه السّلام ، عن رجل له امرأتان ، فقالت إحداهما : ليلي ويومي
لك يوما أو شهرا أو ما كان ، أيجوز ذلك؟قال : إذا طابت نفسها واشترى ذلك منها فلا
بأس» .
وهذا ممّا تقتضيه القاعدة في الحقوق
التي جعل فيها السلطنة لذي الحق أو الأولوية بالشيء ، فيجوز له إسقاطه ونقله الى
الغير بعد إحراز قابليته له عرفا ، سواء أكان مع العوض أم بدونه. نعم لو استفيد من
الدليل تقوّم الحق بعنوان لا ينطبق على غير ذي الحق أو المماثل له تعيّن تخصيص جواز
النقل بما إذا كان المنتقل إليه مماثلا لمن له الحق كالضرّة في حق القسم ، لصدق
عنوان الزوجة على كل واحدة من الضرّات.
وعليه فما في بعض الكلمات «من تجويز نقل
هذا الحق إلى الأجنبي ليكون له الإسقاط أو النقل وإن لم يتمكّن من استيفاء الحق
بنفسه للمنع الشرعي» لا يخلو من غموض ، لكون الأثر المطلوب من المعاوضة إباحة
التصرف فيما انتقل الى كلّ من المتعاملين ، ومن المعلوم أنّ مضاجعة الزوجة مع
الأجنبي ممّا يأباه العقلاء فضلا عن الشرع ، فعدم قابلية خصوص حق القسم للنقل الى
الغير عرفا يكون من باب قصور المقتضي لا للمانع الشرعي.
وبالجملة
: لولا النّص الخاص وهو رواية علي بن جعفر الدال على جواز نقل حق القسم اختيارا
لكان ذلك مقتضى القاعدة في كل مجعول أحرز كونه حقّا لا حكما.
وعليه فلا فرق في جواز النقل الاختياري
بين المجّاني والمعاوضي. فعدم القابلية ينشأ من قيام الحق بشخص خاص كالوصي والناظر
والمتولي للموقوفة ، حيث إنّ للموصى عناية بشخص الوصي ، والواقف يجعل التولية
لشخص خاص من حيث إنه خاص ، لا من حيث إنّه إنسان أو عالم مثلا حتى يكون قابلا
للنقل الى الغير.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لكن تقوّم الحق بصاحبه لا بدّ أن يستفاد
من نفس الدليل بماله من الخصوصيات المكتنفة به ، أو من دليل خارجي ، فمع الشك يرجع
الى عموم قاعدة سلطنة ذوي الحقوق في حقوقهم.
القسم
الرابع : ما يقبل السقوط والنقل ـ مجانا ومع
العوض ـ والانتقال كحق التحجير ، بل حق الخيار والشفعة ونحوهما.
أمّا حق التحجير فلأنّ ما اعتبره
الشارع فيه هو كونه أولى بالأرض المحجّرة بتملكها بالإحياء ، وعدم جواز مزاحمة
الغير له ، فللمحجّر إسقاط أولويته بمعنى إخراج الأرض عن طرفية الإضافة الخاصة
المعبّر عنها بالأولوية ، ويرتفع المانع حينئذ عن تملك الغير بإحيائها وعمارتها. كما
أنّ له نقل أولويته إلى الغير مجانا أو مع العوض ، وكذا تنتقل الى الوارث ، فيقوم
مقام مورّثه في أولويته بالأرض.
وأمّا حق الشفعة والخيار فقد حكم المحقق
الأصفهاني قدّس سرّه بجواز الإسقاط والانتقال ، ومنع من نقلهما. أمّا جواز
الإسقاط في باب الخيار فلأنّ مصلحة الإرفاق بالبائع أو بالمشتري أو بهما معا
أوجب اعتبار السلطنة لهم على فسخ البيع وإمضائه رعاية لذي الحق ، لا لمن عليه الحق
كما كان في حق الولاية والحضانة ، ومن المعلوم أنّ لصاحب الحق إسقاط حقه.
وكذا في حق الشفعة ، فإنّ حكمة الجعل ـ
وهي عدم تضرر الشريك ببيع حصة شريكه ممنّ لا يلائمه أحيانا ـ أوجبت جعل حق انتزاع
الحصة من المشتري ببذل مثل الثمن إليه ، فلذي الحق إسقاط حقه كما إذا لم يكن
تضرّر في البين ، أو تحمّل الضرر.
وأمّا الانتقال بالإرث فلأنّه مقتضى
قيام الوارث مقام مورّثه فيما كان له من مال وحق كما يدل عليه ما ورد من «أن كل ما
تركه الميت من مال أو حق فلوارثه».
وأمّا عدم جواز النقل فلأنّ حق الخيار
ثبت لعنوان البيّع والمغبون وصاحب الحيوان ومن له الشرط ونحوه من العناوين ، وهذا
العنوان كما يحتمل كونه معرّفا كذلك يحتمل كونه مقوّما ، والمجدي في جواز النقل
إحراز المعرفية ، ومع عدمه يقتصر على نفس العنوان المأخوذ في أدلة جعل الخيار.
وأمّا حق الشفعة فلأنّ حكمة التشريع هي
عدم تضرر الشريك ، دون غيره ، فلا معنى
.................................................................................................
______________________________________________________
لنقله إلى الأجنبي أو
إلى الشريك. أمّا الأجنبي فلعدم تضرره. وأمّا المشتري فلأنّه قد تملك الشّقص
بشرائها من أحد الشريكين فلا معنى لتملكه له مرة أخرى بانتقال الحق إليه
، هذا.
أقول
: لا ريب في أنّ القرائن المكتنفة بالكلام توجب ظهورا ثانويا في توسعة موضوع
الحكم تارة وتضييقه اخرى ، إن كانت تلك القرائن بمثابة يصح للمتكلم الاعتماد عليها
في إفادة مراده الجدّي ، وإلاّ فالمتّبع بحسب الأصل العقلائي المتسالم عليه هو
الظهور الأوّلي ما لم تقم على خلافه حجة أقوى كما في موارد حمل الظاهر على النص أو
الأظهر.
وعلى هذا فحكمة تشريع حق الشفعة وإن
كانت سدّ باب تضرر الشريك أحيانا ، إلاّ أن النسبة بين موارد مشروعية هذا الحق والضرر
عموم من وجه ، فقد يجتمعان ، وقد يتضرر ولا شفعة كما في زيادة الشركاء على اثنين ،
وكما في الشركة في غير الأرضين والدور على ما تضمنته عدة من النصوص .
وقد يثبت الشفعة مع انتفاء الضرر كلّية ، بل ربما كان المشتري أنفع للشريك من
شريكه السابق.
وعليه فلا سبيل لجعل التضرر قرينة على
عدم قابلية الحق للنقل الى الغير. خصوصا بناء على ميل هذا المحقق في قاعدة لا ضرر
إلى مختار الفقيه شيخ الشريعة قدّس سرّه من : أنّ قضاء النبي صلّى اللّه عليه وآله
وسلّم بالشفعة لم يكن مذيّلا بلا ضرر ، وإن وردا مجتمعين في رواية عقبة بن خالد عن
الصادق عليه السّلام : «قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بالشفعة بين
الشركاء في الأرضين والمساكن ، وقال : لا ضرر ولا ضرار» .
لكنه من الجمع في الرواية لا من الجمع في المروي حتى يكون ملاك الجعل المنّة على
الشريك بنفي الضرر عنه خاصة.
كما أنّ حكمهم بثبوت حق الشفعة مطلقا
حتى مع عدم التضرر بشركته مع المشتري ـ بل مع الانتفاع به ـ كاشف عن عدم دوران
الحق مدار التضرر أصلا. وعليه فليس من ثبت له الحق إلاّ عنوان الشريك ، وكما يحتمل
كون العنوان معرّفا فكذا يحتمل كونه مقوّما ، ومعه لم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يكن الحكم بانتقال
الحق إلى الوارث بذلك الوضوح. فلو فرض كون الضرر حكمة الجعل كان كتعليل وجوب
الاعتداد على الزوجة بمنع اختلاط المياه ، والمناسبة تقتضي تضيق موضوع الحكم بمن
يتمشّى فيه احتمال الاختلاط ، مع أنّهم تسالموا على وجوب العدة على الزوجة مطلقا
ولو مع القطع بانتفاء الاختلاط. وهذا كاشف عن عدم كون حكمة التشريع موجبة
للتوسعة والتضييق في جميع الموارد.
فالمهم في الحكم بجواز الإسقاط والنقل
والانتقال ملاحظة دليل الحق ، كرواية الغنوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام بعد
سؤاله عن مورد الشفعة ، فقال عليه السّلام : «الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو
أحق بها بالثمن»
وورد هذا التعبير في بعض الأخبار ، كما دلّ على هذا الحق في بعض النصوص كلمة
اللام الذي قد يدّعى ظهوره في الملك ، فلاحظ روايات الباب. ومن المعلوم أنّ
تفويض الأمر إلى الشريك وكونه أولى بحصة شريكه التي باعها ظاهر عرفا في قابلية
إسقاطه ونقله وانتقاله.
وأمّا في حق الخيار فالحكمة وإن كانت هي
الإرفاق بذي الخيار ، إلاّ أنّ إلغاء خصوصية العناوين المأخوذة في الأدلة «كالبيّع
، والمشتري ، وصاحب الحيوان» ونحوها ـ حتى يترتب عليه قابلية إسقاطها وانتقالها
دون نقلها ـ لا يخلو من تأمل.
فالأولى استظهار القابلية من لسان
الدليل المتكفل للسلطنة على ترجيح أحد الطرفين من الفسخ والإمضاء ، كقوله صلّى
اللّه عليه وآله وسلّم : «البيّعان بالخيار حتى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار
ثلاثة أيام»
وكتعليل سقوط خيار الحيوان إن أحدث المشتري في الحيوان حدثا قبل انقضاء الثلاثة
بما روي عن الصادق عليه السّلام : «فذلك رضى منه ، فلا شرط» .
فإنّ ظهوره العرفي في كون المجعول حقّا ممّا لا ينكر.
وعلى هذا فلا يبعد جواز نقل حق الخيار
إلى الغير كجواز إسقاطه ، فيكون للمنتقل إليه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السلطنة على أمر
العقد فسخا وإمضاء ، أو على الاسترداد. فجواز نقل الخيار إلى الأجنبي كجواز جعله
له ابتداء في ضمن العقد. نعم لا بد من ترتب غرض عقلائي عليه ، وإلاّ فالعوضان
يعودان الى مالكيهما لا إلى من انتقل الحق إليه. ولذا قد يشكل نقل حق الشفعة إلى
الأجنبي. إلاّ أن يراد منه التوكيل في إعمال الحق ، كما إذا لم يتمكن الشفيع ـ لجهة
من الجهات ـ من ضمّ الحصة إلى ملكه.
والحاصل : أنّ مجرد أخذ عنوان خاصّ في
دليل الخيار والشفعة لا يمنع عن قبول النقل الى الغير ، إلاّ بإحراز كون العنوان
مقوّما ، فهما نظير الحبوة المخصوصة بالولد الأكبر من بين الورثة ، ولكن لا مانع
من سلطنته على نقلها الى غيره ببيع أو هبة أو صلح.
وأمّا
حقّ الرهانة فهو حق متعلق بالعين المرهونة لاستيفاء الدين منها. وحيث إنّ غير
الدائن لا حقّ له فيها فقد يشك في جواز نقله ، إلاّ أن يكون من باب التوكيل في
الإنقاذ واستيفاء الدين منها. نعم لا مانع من انتقاله بالموت ، فيكون الوارث قائما
مقام الدائن في جعل العين وثيقة لدينه المستقرّ في ذمة المديون.
هذا بعض الكلام في أقسام الحقوق بلحاظ
ما يستفاد من أدلتها من قبولها للسقوط والنقل والانتقال.
المقام
الثالث : في حكم الشك في كيفية الجعل ، فتارة
يكون الشك في أنّ المجعول حكم ـ بمعناه الأخص المقابل للحق ـ أو حق ، وأخرى في
قابلية الحق للسقوط ، وثالثة في قابلية نقله وانتقاله.
أ ـ حكم الشك في أن
المجعول حق أو حكم
أمّا
الأوّل : فإن كان لدليله عموم أو إطلاق أخذ به
، ومقتضاه إحراز إطلاق المجعول وعدم سقوطه بالإسقاط ، ويندرج في الحكم المصطلح
المقابل للحق ، ولا بأس بالتعرض لبعض ما عدّ مثالا للمسألة.
فمنه
: ما إذا شكّ في أنّ جواز أكل المارّة من الشجرة الممرور بها حق يسقط بالإسقاط
أو حكم يبقى بعد إسقاط المارّ.
.................................................................................................
______________________________________________________
وإن كان دليله مجملا ، فإن كان في
المورد عام فوق كان هو المرجع ، كحرمة أكل أموال الناس بالباطل ، والقدر المتيقن
من دليل التقييد أو التخصيص هو المارّ الآكل للثمرة ، فيبقى غيره مندرجا في عموم
حرمة الأكل ، ونتيجته عدم بقاء الجواز بعد إسقاطه. ولو منع من مرجعية الآية الشريفة
هنا أمكن الرجوع الى عموم النهي عن التصرف في مال الغير بدون إذنه ورضاه ، لأنه من
الشك في التقييد الزائد على جواز التصرف ـ للمارّ ـ في ملك غيره.
وإن لم يكن في المورد عام فوق كان
المرجع استصحاب بقاء المجعول ، ونتيجته بقاء الحق بعد إسقاطه ، بناء على حجية
الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
ومنه
: ما إذا شكّ في بقاء سلطنة ولي الدم على القاتل عند إسقاط حقه من القصاص ، فمقتضى
إطلاق قوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ
مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنٰا لِوَلِيِّهِ سُلْطٰاناً)
بقاء الجواز بعد
إسقاطه ، لإطلاق السلطنة المجعولة لحالتي الإسقاط وعدمه.
ولو نوقش في إطلاق الآية كان المرجع
استصحاب بقاء المجعول بناء على جريانه في الشبهات الحكمية ، فيترتب عليه جواز
الاقتصاص بعده.
وأمّا ما أفاده السيد المحقق الخويي
قدّس سرّه «من مرجعية عموم الآيات والروايات الدالة على حرمة قتل النفس المحترمة ،
كقوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً
فِيهٰا)
وقوله عزّ من قائل وَ
(لاٰ تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّٰهُ إِلاّٰ بِالْحَقِّ)
، وكالروايات
المتضافرة المروية في أبواب قصاص النفس .
وبها يثبت عدم جواز الاقتصاص بعد إسقاطه»
فلا يخلو من تأمل ، فإنّ العام وإن كان حجة في غير القدر المتيقن من التخصيص
بالمجمل ، كما إذا تردد الفاسق بين مرتكب خصوص الكبائر ومطلق المعصية ، فإنّ عموم
«أكرم العلماء» يعيّن حكم مرتكب الصغيرة ، فيجب إكرامه ، ويكون الخارج عن
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
حكم العام خصوص مقترف
الكبيرة.
إلاّ أنّ تطبيقه على مثل حق القصاص بعد
الإسقاط لا يخلو من شيء ، وذلك لأنّ الآيات والروايات الناهية عن سفك الدماء
محفوفة بقرينة قطعية من أوّل الأمر مانعة عن انعقاد الإطلاق فيها لمن يقتل قصاصا ،
فإنّه من مرتكزات العقلاء ومن أحكام الشرائع السابقة ، خصوصا بملاحظة مثل قوله
تعالى وَجَزٰاءُ
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا
وقوله تعالى فَمَنِ
اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ
عَلَيْكُمْ
وما دلّ على حرمة الإسراف في القتل ، والكلّ شاهد على أنّ حرمة قتل المؤمن والوعيد
بخلود القاتل في النار غير ناظر إلى حكم وليّ الدم الذي يأخذ بحق قصاصه. وليس
القتل بسبب حقّ كالقصاص مندرجا في عموم النهي عن قتل المؤمن حتى يرجع إليه لو شك
في بقاء السلطنة على القاتل بعد الإسقاط.
وبعبارة أخرى : ارتكازية حق القصاص عند
العقلاء ـ بقرينة وروده في الشرائع السابقة وإباء سياق ما دلّ على حرمة قتل
المؤمن متعمدا عن التخصيص ، وكون تضيق المحمول من أقوى القرائن على تضيق الموضوع وتقيّده
بغير القتل القصاصي ـ تقتضي خروج القتل قصاصا عن عموم النهي موضوعا ، وليس مندرجا
فيه حتى يرجع إليه في الشك في التقيّد الزائد ، والمستفاد منها أنّ القتل قد يكون
بحقّ كما في الأخذ بالقصاص ، وقد لا يكون بحقّ وهو الذي توعد عليه بالخلود في
النار. وأنّهما متقابلان لا يندرج أحدهما في الآخر.
ومنه
: ما إذا شكّ في بقاء حقي الخيار والشفعة بعد الإسقاط كبقاء الجواز الحكمي في
رجوع الواهب عن هبته ، وارتفاعهما لكونهما من الحقوق التي يكون زمامها بيد ذي الحق
، وقد أفاد قدّس سرّه أنّه لا إطلاق في دليل ثبوتهما لذي الخيار والشفيع ، بل
المرجع الاستصحاب بناء على حجيته في الشبهات الحكمية ، وعلى تقدير عدم حجيته فيها
فالعمومات الدالة على حرمة أكل مال الناس من دون رضاه محكّمة .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
أقول : أمّا إنكار إطلاق دليل حقي
الخيار والشفعة فغير ظاهر ، فإنّه كما يتمسك بإطلاق ما روي عنه صلّى اللّه عليه وآله
وسلّم : «من سبق الى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو له»
و يلتزم ببقاء أولويته بما سبق إليه من المكان سواء أسقط حقّه أم لم يسقطه ، كما
اعترف قدّس سرّه به ، فكذا لا مانع من الأخذ بإطلاق قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم
: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» سواء أسقط أحدهما أو كلاهما حقّه أم لم يسقطه.
وكذا قوله عليه السّلام في حق الشفعة : «فهو أحق به» مع وضوح كون الإسقاط في كلا
المقامين من الحالات المتبادلة المندرجة في الدليل.
وأمّا الحكم بمرجعية الاستصحاب أوّلا ثم
عموم حرمة أكل مال الغير بالباطل فلا يخلو من غموض ، إذ مع فرض وجود العموم الذي
هو حجة في ما عدا القدر المتيقن من دليل المخصّص ـ أعني به الأخذ بحقّي الخيار والشفعة
وعدم إسقاطهما ـ لا يبقى مجال للرجوع الى الأصل العملي ، وبيانه : أنّ لدليل حرمة
الأكل عموما أفراديا وإطلاقا أزمانيا وأحواليا ، فلا يجوز للبائع التصرف في ما
انتقل عنه إلى المشتري ، ولا للشريك التصرف في حصة المشتري التي اشتراها من شريكه.
وإجمال المخصّص ـ وهو دليل تشريع الخيار والشفعة ـ يقضي بالأخذ بالقدر المتيقن منه
وهو إعمال ذي الخيار والشفيع حقّهما ، وانتزاع ما كان بيد من عليه الخيار والمشتري.
وأمّا إذا أسقطا حقّهما وأرادا الأخذ به بعده كان عموم حرمة الأكل حاكما بعدم
الجواز.
هذا ما تقتضيه الصناعة ، لكنه مجرد فرض
، إذ لا وجه للشك في أنّ المجعول في مورد القصاص والخيار والشفعة هو السلطنة والأولوية
المعبّر عنهما بالحق المقابل للجواز الحكمي ، ومن المعلوم كون أدنى مراتبه قابلية
سقوطه بإسقاط من له الحق. هذا كله في حكم الشك في السقوط والبقاء ، ومرجعه الى
الشك في كون المجعول حقّا مصطلحا أو حكما.
ب ـ حكم الشك في
قابلية الحق للإسقاط
وأمّا الثاني : وهو الشك في قابلية الحق
للسقوط بعد إحراز عدم كونه حكما مصطلحا
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فإن قلنا باقتضاء
قاعدة «لكل ذي حق إسقاط حقه» عدم حقّية ما لا يقبله فهو ، وإلاّ فإن أمكن رفع
الشك بالرجوع إلى دليل الحق ولو بمعونة القرائن المكتنفة به واستفادة قيام الحق
بشخص ذي الحق كالوصي والمتولي للموقوفة والناظر عليها ، أو قيامه بعنوان خاص
كالفقيه ، أو روعي فيه مصلحة الغير كما في حق الحضانة ، فالظاهر عدم قابليته
للسقوط ، لظهور العنوان في دوران الحق مداره.
وإن لم يمكن استفادة شيء من ذلك كان
مقتضى جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية بقاءه وعدم سقوطه.
ج ـ حكم الشك في
قابلية الحق للانتقال
وأمّا
الثالث : وهو الشك في انتقال الحق قهرا بموت وارتداد
فنقول : إن أمكن استفادة الحكم من الدليل والخصوصيات المكتنفة به فهو ، وإلاّ يجري
الاستصحاب فيه ، ويحكم بعدم سقوطه بالموت ، الذي هو من قبيل الشك في رافعية
الموجود ، وهو مورد تسالمهم على حجية الاستصحاب. فلو شك في انتقال حق الخيار والشفعة
والتحجير الى الوارث لم يكن مانع من الالتزام بانتقاله.
ومناقشة المصنف قدّس سرّه في هذا
الاستصحاب بما أفاده في أحكام الخيار بقوله : «والتمسك في ذلك ـ أي في قابلية حق
الخيار للانتقال ـ باستصحاب بقاء الحق ، وعدم انقطاعه بموت ذي الحق أشكل ، لعدم
إحراز الموضوع ، لأنّ الحق لا يتقوّم إلاّ بالمستحق» غير ظاهرة ، لاعترافه قدّس
سرّه بأن هذا القسم من الحقوق سلطنة ، وهي كالملك قابلة للانتقال القهري ، والشك
إنّما هو في رافعية الموت لها ، كالشك في إطفاء الريح الخفيفة للسراج مع استعداد
نورها للبقاء لوجود الوقود. فيندرج هذا الحق ببركة الاستصحاب في «ما تركه الميت».
والإشكال في جريانه بعدم إحراز الموضوع
ـ لتقوم الحق بالمستحق ـ ممنوع بالنقض بأملاكه ، لتقوّمها بالمالك ، مع أنّه لا
ريب في انتقالها الى الوارث.
وحلّه : أن سبب الانتقال الى الوارث
بقاء الملك أو الحق إلى زهوق روح المورّث ، والأوّل محرز بالاستصحاب ، والثاني
بالوجدان.
.................................................................................................
______________________________________________________
بل لا يبعد الاستغناء عن الاستصحاب في
المقام بناء على كون الحق سلطنة فعلية ، أو إضافة اعتبارية أخرى أثرها السلطنة ، فإنّه
كالملك مشمول لإطلاق الموصول في قولهم عليهم السّلام : «ما تركه الميت فهو لوارثه»
بناء على أن مفاده عدم إيجاب الموت سقوط ما كان للميت من المال أو الحق عن إضافة
الملكية ، بل تنتقل هذه الإضافة إلى الوارث. وإن كانت الدقة تقتضي حدوث إضافة أخرى
للوارث مماثلة لإضافة المورّث ، لاستحالة بقاء شخص الإضافة مع تبدل طرفها.
والحاصل : أنّ مدلول الرواية عقدان
سلبي وإيجابي ، فالأوّل عدم سقوط الملكية بالموت ، والثاني انتقال الإضافة إلى
الوارث على النحو الّذي كان للمورّث.
لا يقال : إن مقتضى أصالة عدم الانتقال
إلى الوارث ذهاب الحق بالموت ، فلا يصدق عليه «ما تركه الميت» حتى ينتقل الى
الوارث.
فإنه يقال : إنّ الشك في الانتقال
مسبّب عن بقاء الحق بعد الموت وارتفاعه به ، فإذا جرى الأصل في السبب وأحرز به
بقاؤه وعدم سقوطه بالموت اندرج في «ما تركه الميت» وانتقل الى الوارث.
نعم الشك في البقاء إلى ما بعد الموت
ناش عن الشك في القابلية ، إذ لو كان الحق مجعولا بنحو يتقوّم بمن له الحق خاصة
كان ارتفاعه بموت صاحبه مسلّما ، ولا موضوع لعنوان «ما تركه الميت» حتى ينتقل الى
الوارث.
لكن لا يجري الأصل في نفس القابلية ، لعدم
العلم بها سابقا ، فيجري الأصل ـ لا محالة ـ في مسبّبه ، وهو البقاء إلى ما بعد
الموت الملازم لانتقاله إلى الوارث ، لصدق «ما تركه الميت» عليه.
وهذا نظير عدم جريان الاستصحاب في
قابلية الحيوان للتذكية وعدمها ، وجريانه في عدم التذكية ، فإذا تحقّق كلّ ما له
دخل في التذكية من فري الأوداج بشرائطه ، وتمحّض الشك في حلية الحيوان في قابليته
للتذكية جرى الأصل في المسبب ، ويحكم بعدم التذكية.
هذا كله في تقريب التمسك باستصحاب شخص
الحق ، والحكم ببقائه بعد الموت.
ويمكن أن يقرّر بنحو يندرج في القسم
الثاني من أقسام استصحاب الكلّي ، بتقريب : أنّ
.................................................................................................
______________________________________________________
الحق ـ المشكوك
انتقاله بالموت ـ إن كان متقوّما بصاحبه كان ساقطا بموته ، وإلاّ فهو باق ، وهذا
نظير الشك في كون الحيوان الداخل في الدار موجودا بفرد قصير العمر وطويله.
وبعبارة أخرى : مناط القسم الثاني ـ وهو
كون الشبهة موضوعية ـ موجود في المقام ، حيث إن الحقوق على نوعين ، فمنها ما
يتقوّم بمن له الحق ويرتفع بموته قطعا كحق القسم والاستمتاع ، ومنها ما لا يتقوم
به كحق التحجير ، فلو شكّ في مثل حق الخيار أمكن إبقاؤه تعبدا بالاستصحاب ، فيندرج
في موضوع تشريع الإرث.
وتوهّم كونه من قبيل القسم الثالث من
أقسام استصحاب الكلي ، ببيان : «أنّه يعلم بارتفاع الفرد الأوّل من المستحقّ ـ بالموت
ـ ويشك في قيام الثاني مقامه. نظير العلم بخروج زيد من الدار والشك في دخول عمر وفيها
مقارنا لخروج زيد عنها» فاسد ، بأن هذا الشك ناش عن كيفية جعل الحق وتشريعه ، فيجري
الاستصحاب في نفس المجعول الشرعي الجامع بين الخصوصيتين ، ويحكم ببقائه إلى ما بعد
الموت ببركة الأصل ، ويندرج في الموصول في «ما تركه الميت».
ولكن ما ذكرناه ـ من استصحاب كلي الحق
إلى ما بعد الموت بنحو القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي ـ مخدوش بأنّ جريانه
منوط بموضوعية نفس الكلي للأثر الشرعي ، كاستصحاب كلّي الحدث لمن توضأ بعد البلل
المشتبه ، فإنّه لا مانع من جريانه لإثبات حرمة مسّ الكتاب العزيز ، بناء على
موضوعية كلّي الحدث لحرمة المسّ على ما استفيد من قوله تعالى (لاٰ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)
وعدم كونه مشيرا إلى خصوصيتي الحدث الأكبر والأصغر ، إذ عليه لا أثر لكلي الحدث
حتى يستصحب ، والتفصيل في محله.
وعليه يقال في المقام : إنّ المنتقل
إلى الوارث ليس كلّي الحق الثابت للمورّث ، بل خصوص الحق غير المتقوم بمستحقه ، والاستصحاب
قاصر عن إثبات هذه الخصوصية إلاّ بناء على القول بالأصل المثبت. فاستصحاب الحق ـ الجامع
بين فرديه ـ لا يجري ، لعدم كونه موضوعا للأثر المقصود وهو الانتقال الى الوارث ، وإنّما
موضوع الأثر هو الحق المتخصص بعدم كونه متقوّما بمن له الحق ، واستصحاب الجامع لا
يثبت هذه الخصوصية. فلا يجري ، لعدم أثر له. وحينئذ فلا محيص عن استصحاب عدم
الانتقال.
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه فالشكوك الثلاثة المترتبة ـ وهي
الشك في كيفية جعل الحق ، والشك في بقائه ، والشك في انتقاله ـ إنما يجري الأصل في
ثالثها وهو عدم الانتقال كما أفاده السيد المحقق الخويي قدّس سرّه.
إلاّ أن يقال : إنّ شبهة تقوّم الحق
بالمستحق في كلام الشيخ الأعظم قدّس سرّه إن كان منشؤها كونها من الشك في المقتضي
، لفرض عدم إحراز استعداد الحق للبقاء بعد موت ذيه أمكن الجواب عنه بأنّ المبنى
المنصور في المسألة حجية الاستصحاب مطلقا سواء كان الشك في المقتضي أم في الرافع. وعليه
لا مانع من استصحاب بقاء الحق ، والحكم بانتقاله ظاهرا بالموت.
د ـ حكم الشك في
قابلية الحق للنقل الاختياري
وأما
الرابع : ـ وهو الشك في قابلية نقل الحق إلى
الغير اختيارا ـ فإن أمكن استظهار قبوله للنقل من حكمهم بانتقاله بالإرث كما في
حقي الخيار والشفعة ، بدعوى استكشاف عدم تقوّم الحقّ بمن له الحق ، وإلاّ لم
ينتقل الى وارثه ، فهو ، للملازمة العرفية بين انتقاله قهرا ونقله اختيارا في عدم
قيامه بذي الحق.
وإن لم يمكن ذلك الاستظهار ، لعدم ثبوت
الملازمة بين جواز النقل والانتقال ، أو لكون الحق مما لا ينتقل بالإرث كحق القسم والاستمتاع
، كان المعوّل في جواز نقله الى الغير قابليته العرفية للنقل والمعاوضة عليه ، وكون
الشك في الجواز متمحّضا في احتمال المنع تعبدا عن سقوطه أو نقله أو اعتبار شرط
فيه ، ومن المعلوم أنّ المرجع فيه عمومات إمضاء العقود والمعاوضات وإطلاقاتها.
إلاّ أن يناقش في التمسك بها بأحد وجهين
:
الأوّل : أنّ الرّجوع إليها من التشبث
بالعام في الشبهة الموضوعية ، وهو ممنوع على ما حقّق في محله ، بيانه : أنّ طائفة
من الحقوق غير القابلة للإسقاط والنقل خرجت عن حيّز أدلة تنفيذ المعاملات كالأمر
بالوفاء بالعقود ، وحلية البيع ، وجواز الصلح بين المسلمين ، ووجوب العمل بالشرط
، ونحوها ، فحقّ الولاية والأبوّة خرج عن تلك العمومات ، لما ثبت من عدم
.................................................................................................
______________________________________________________
قابليتهما للإسقاط والنقل
، كما أنّ طائفة منها باقية تحت العمومات كحق التحجير. ولا يعلم أنّ المشكوك فيه
مندرج في هذا القسم أو ذاك ، وفي مثله لا وجه للرجوع الى العام لإحراز حال الفرد ،
لكونه نظير الشك في كون زيد عالما أو جاهلا ، حيث إنّ عموم «أكرم العلماء» قاصر
عن إحراز حاله وتعيين حكمه ، وهذا معنى عدم حجية أصالة العموم في الشبهة المصداقية.
ولكن يمكن دفعه بأن يقال : إنّ الخارج
عن عموم أدلّة المعاوضات إنّما خرج عنها فرديّا لا عنوانيا ، ومن المعلوم أنّ
القادح في التمسك بالعام هو القسم الثاني لا الأوّل ، مثلا إذا قال : «أكرم
العلماء ، ولا تكرم البصريين منهم» وتردّد «زيد» بين البصري والكوفي ـ لتعارض البيّنتين
فيه مثلا ـ لم يجز التمسك ب «أكرم العلماء» لإثبات وجوب إكرام زيد ، بل المرجع
فيه أصالة البراءة عن وجوب إكرامه.
وأمّا إذا قال : «أكرم العلماء إلاّ
زيدا وعمروا» ثم شكّ في استثناء بكر أيضا لم يكن مانع من التمسك بالعام لإثبات
وجوب إكرامه ، لأنّه من الشك في التخصيص الزائد ، الذي هو كالشك في أصل التخصيص في
جواز الرجوع الى العام.
وما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّ
الخارج عن حيّز العمومات حقوق معيّنة كحقّ الأبوّة والسلام وولاية الحاكم الشرعي والحضانة
، لا العنوان الكلّي حتى يكون الشك في اندراج المشكوك فيه في عنوان الخاص أو العام
من باب الرجوع الى العام في الشبهة الموضوعية. والعنوان الانتزاعي كعدم القابلية
لا يجدي ، إذ ليس ذلك العنوان خارجا عن العمومات حتى يوجب تعنون العام. وعليه
فالشك في كون الحق قابلا للمعاوضة يكون من الشك في التخصيص الزائد ، ومن المعلوم
مرجعية أصالة العموم فيه.
الثاني : ما أفاده المحقق الأصفهاني ، ووافقه
بعض الأجلة من تلامذته وبيانه : أنّ الشك في صحة معاملة ينشأ تارة من الشك في
قابلية مورد المعاملة للمعاوضة عليه ، كما إذا شك في قابلية جعل الغناء ـ المشكوك
حرمته ـ ثمنا في بيع أو عوضا في صلح أو موردا لإجارة. واخرى من الشك في دخل سبب
خاص في صحة المعاملة بعد إحراز قابلية العوضين لها ، كما إذا شك في صحة البيع
المعاطاتي بين مالين قابلين للتمليك والتملك ، أو شكّ في دخل العربية والماضوية
في صيغ العقود.
.................................................................................................
______________________________________________________
وأدلة الإمضاء كالأمر بالوفاء بالعقود ونفوذ
الصلح بين المسلمين وحلّية البيع ومشروعية الإجارة ناظرة إلى نفوذ أسباب النقل والانتقال
، فيتمسك بإطلاق حلية البيع على مملّكية المعاطاة على حدّ البيع بالصيغة ، وأنّه
لا يعتنى بالشك في دخل سبب خاص في صحة المبادلة بين المالين ، لمكان عموم دليل
الإمضاء وإطلاقه.
وأمّا الشك من الناحية الاولى ـ وهي
الشك في قابلية العوضين للمعاملة عليهما ـ فلا بد من رفعه بدليل آخر ، لعدم ارتباط
هذا الشك بسببية سبب خاص حتى يجدي الإطلاق لنفيه.
وعليه فالشك في جواز جعل أحد العوضين
الغناء في كلام صحيح كالدعاء يكون المرجع فيه أدلة شرائط العوضين ، ولو فرض عدم
استفادة شيء منها فالمرجع أصالة الفساد المحكّمة في المعاملات ، ولا تتكفل أدلة
الإمضاء هذه الجهة حتى يتجه تصحيح المعاملة المذكورة بها .
وببيان آخر : أنّ أدلة المعاملات بما
أنّها صادرة عن الحكيم الملتفت الى انقسام موضوع المعاملة إلى المورد القابل وغير
القابل يستحيل إهمالها ، فإمّا أن يتعلّق الإمضاء بمسمّى المعاملة سواء أكان
المورد قابلا لها أم لم يكن. وإمّا أن يتعلّق بحصّة خاصة منها وهي ما أحرز قابليته
قبل الإمضاء. ولا مجال للإطلاق فيتعين التقييد ، ويكون الرجوع الى العام أو الإطلاق
ـ لإحراز حال المشكوك فيه ـ من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية.
وعلى هذا فلو شكّ في جواز نقل حق
الخيار إلى الغير بهبة أو بيع أو صلح لم يتجه تصحيحه بالرجوع إلى أدلة تنفيذ
المعاملات ، بل المرجع فيه الأصل العملي وهو أصالة عدم قبوله للنقل ، هذا.
لكن
يمكن أن يقال : إنّ أدلة المعاملات إمضائية ، وليست تأسيسية ، وموضوعها هو
العنوان العرفي لا الشرعي ، فما أحلّه الشارع وأمر بالوفاء به هو البيع العرفي لا
البيع الصحيح شرعا ، وكذا بالنسبة إلى سائر العقود. ومن المعلوم أنّ تمام المناط
قابلية العوضين للمبادلة في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
نظرهم ، فلو كان
تبديل منّ من التراب بمثله سفهيا عندهم ، أو لم يترتب على بيع الخنافس والديدان
غرض عقلائي يعتنى به بحيث يصحّ سلب عنوان المعاقدة والبيع عنه عرفا لم يكن موضوعا
لدليل الإمضاء قطعا. وأمّا إذا أحرزت قابلية العوضين بنظرهم للمبادلة وتمحّض الشكّ
في مشروعيتها في المنع التعبدي كانت أدلة المعاملات هي المرجع لإثبات صحتها ، فلو
كان بيع الجنسين بالتفاضل متداولا عند العقلاء ، كتداول بيع الخمر والخنزير عندهم
كان موضوع أدلة الإمضاء محقّقا ، وبطلان البيع موقوفا على تقييدها أو تخصيصها شرعا.
ولا يبعد جريان ديدنهم على الرجوع الى
العمومات والإطلاقات في رفع الشك في اعتبار شرط تعبدا أو مانع كذلك بعد إحراز
الموضوع العرفي. ولم يظهر وجه لتخصيص مرجعية الأدلة بالشك في تنفيذ الأسباب خاصة.
نعم في التمسك بقاعدة السلطنة في المقام
إشكال ، ينشأ من احتمال كونها بصدد بيان عدم محجورية المالك عن التصرفات المشروعة
، لا كونها مشرّعة للتصرف المشكوك في حكمه ، على ما سيأتي في المعاطاة إن شاء
اللّه تعالى.
وأمّا قياس الحق القابل عرفا للنقل إلى
الغير بجعل الغناء مثلا أحد العوضين ـ حيث لا تتكفل أدلة الإمضاء حلّيته وصحة جعله
عوضا ـ فالظاهر أنّه مع الفارق ، وذلك لأنّ تلك الأدلة غير ناظرة إلى بيان حكم
الأفعال تكليفا بعناوينها الأوّلية ، لكونها واردة لبيان حكم الفعل بعنوانه
الثانوي أي صحة وقوعه في العقد المعاوضي أحد العوضين ، فلو كان الفعل مشكوك الحكم
ـ بعنوان أنه غناء مثلا ـ لم يكن وقوعه عوضا في البيع أو معوّضا في الإجارة كاشفا
عن مشروعيته بعنوانه الأوّلي.
وهذا بخلاف المقام ، إذ ليس المقصود من
التمسك بدليل الإمضاء إحراز مشروعية أصل الحق حتى تكون الأدلة قاصرة عن إثباته ، بل
المراد استكشاف صحة وقوعه عوضا بعد كون أصل الحق مشروعا وقابلا للنقل عرفا.
فالمتحصل
ـ بعد اندفاع كلتا جهتي الإشكال ـ أنّ كل حقّ شكّ في قبوله شرعا للنقل يرجع فيه
الى عمومات المعاوضة ، فعدم قبوله للنقل لا بدّ أن يستفاد من دليله بأن يكون ظاهرا
في تقومه بعنوان خاص أو شخص كذلك ، كحق الولاية ، ضرورة كون العنوان أو الشخص
.................................................................................................
______________________________________________________
موضوعا للحق يدور
مداره ، لا موردا له حتى يجوز تفويضه الى غيره ، هذا.
وأمّا جواز المعاوضة على الحقوق فسيأتي
في المقام الخامس.
المقام
الرابع : في ذكر بعض ما يتردد بين الحق والحكم.
اعلم : أنّهم ذكروا أمورا جعلوها من
المصاديق المشتبهة بين الحق والحكم :
منها
: الأولوية بالسبق إلى المساجد والمدارس والقناطر والرباطات والطرق النافذة ، ونحو
ذلك من الحقوق الراجعة إلى عموم الناس ، أو المتلبس بعنوان خاصّ منهم كالمصلّين والزائرين
والعابرين ونحوهم ، فإنّه لم يظهر المراد من الأولوية ، فهل يراد بها الحق بحيث
يصير السابق إلى مكان من الأمكنة المذكورة ذا حقّ فيها ، فتكون العبادة مع دفع
السابق وإخراجه عنه باطلة ، لكون المكان متعلقا لحق الغير كحقي الرهانة والتحجير؟أم
يراد بها حرمة المزاحمة مع السابق تكليفا ، فدفع السابق وإن كان حراما تكليفيا ، لكنه
لا يوجب الغصبية حتى تبطل الصلاة ، فتقديم السابق حينئذ في تزاحم الحقوق يكون من
باب الحكم. نظير تقديم الأهم في تزاحم الواجبات. فإطلاق الأحقّية في النصوص على
السابق الدّالة على زيادة المبدأ ـ وهو الحق ـ في السابق إنّما هو باعتبار اختصاص
الاستيفاء فعلا بالسابق ما دام شاغلا للمكان ، فالحق المشترك بينه وبين غيره من
الموقوف عليهم الثابت بنفس الوقف يختص استيفاؤه بالسابق ، وليس لغيره استيفاء ذلك
الحق المشترك حتى يعرض السابق عن المكان؟
ظاهر كلمات الأصحاب كون السبق سببا
لحدوث حقّ للسابق ، حيث إنّهم عبّروا بكونه أحق من غيره. قال في الشرائع : «وأمّا
المسجد فمن سبق إلى مكان منه فهو أحق به ما دام جالسا» .
وقال في القواعد : «وأمّا المسجد فمن
سبق الى مكان فهو أحق به ، فإذا قام بطل حقّه وإن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة
أو نوى العود ، إلاّ أن يكون رحله باقيا فيه» .
وفي اللمعة وشرحها : «فمنها المسجد ، وفي
معناه المشهد ، فمن سبق إلى مكان منه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فهو أولى به ما دام
باقيا فيه» .
وفي الجواهر : «وأما المسجد فلا إشكال ولا
خلاف في أنّ من سبق إلى مكان منه فهو أحق به ما دام جالسا فيه ، بل يمكن تحصيل
الإجماع أو الضرورة عليه. بل في المسالك وغيرها : سواء أكان جلوسه لصلاة أم لمطلق
العبادة أم لتدريس العلم والإفتاء ونحو ذلك .. الى أن قال : وعلى كل حال فلو قام
مفارقا رافعا يده عنه بطل حقّه ، بلا خلاف ولا إشكال حتى لو عاد وقد شغله غيره. وإن
قام ناويا للعود إليه ، فإن كان رحله باقيا فيه فهو أحق به ، وإلاّ كان مع غيره
سواء كما صرّح به الفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم. بل في جامع المقاصد : أنه
المشهور. بل في محكي المبسوط نفي الخلاف فيه ، قال : فمن سبق الى مكان في المسجد
كان أحقّ به ، فان قام وترك رحله فيه فحقّه باق ، وإن حوّل رحله منه انقطع حقّه
منه ، ولا خلاف فيه ، وفيه نصّ لنا عن الأئمة عليهم السّلام» .
وظهور هذه العبارات وغيرها مما لم
نذكرها في حدوث حقّ للسابق مما لا يمكن إنكاره. ومستندهم في ذلك ـ بعد الإجماع
الذي ادّعاه في مفتاح الكرامة بعد قول العلامة : فهو أحق به «ما دام فيه إجماعا
محصّلا بل كاد يكون ضروريا»
وكذا غيره من الأصحاب ـ روايات :
إحداها : خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد
اللّه عليه السّلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه السّلام : سوق المسلمين
كمسجدهم ، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل ، وكان لا يأخذ على بيوت السوق
كراء» .
ثانيها : مرسلة محمد بن إسماعيل بن بزيع
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ، قال : «قلت له : نكون بمكة أو بالمدينة أو
بالحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل ، فربما خرج الرجل يتوضأ
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
فيجيء آخر فيصير
مكانه ، فقال عليه السّلام : من سبق الى مكان[موضع]فهو أحق به يومه وليلته» .
والتعبير بالإرسال من جهة سقوط
الواسطة بين محمد وبين الإمام عليه السّلام لعدم كون ابن بزيع من أصحاب الإمام
الصادق عليه السّلام. ورواه في البحار عن أمالي الشيخ عن ابن بزيع عن بعض أصحابه
يرفعه الى الإمام أبي عبد اللّه عليه السّلام. وعليه فلا تبقى شبهة في الإرسال وحذف
الواسطة.
ثالثتها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي
عبد اللّه عليه السّلام قال : «سوق المسلمين[القوم] كمسجدهم ، يعني ، إذا سبق الى
السوق كان له مثل المسجد» .
رابعتها : النبوي «من سبق الى ما لا
يسبقه إليه مسلم فهو أحق به» .
أمّا سندها فغير نقيّ ، لأنّ في سند
الأولى «طلحة بن زيد» وهو عامي ، ولم أعثر إلى الآن على توثيقه. وما في الفهرست من
«أن طلحة بن زيد عامي المذهب ، إلاّ أنّ كتابه معتمد»
ليس توثيقا لطلحة ، بل تصحيحا لكتابة ، وهو لا يدلّ على توثيق طلحة ، لعدم
الملازمة بينهما ، إذ من الممكن أنّ الشيخ صحّح كتابه لكون ما فيه مرويّا في
الكتب المعتبرة ، لا لأجل كون صاحب الكتاب موثّقا عنده حتى يكون قول الشيخ : «ان
كتابه معتمد» شهادة بوثاقته ، بل يكون قوله هذا تصحيحا لكتابة ، فيندرج في البحث
المعروف بينهم ، وهو : أن تصحيح الغير هل يجوز الاعتماد عليه؟ويغني الآخرين عن
نقد السند أم لا؟ هذا مضافا إلى : أنّه ـ بعد تسليم صحة الاعتماد على تصحيح الغير
ـ إنّما يجدي ذلك فيما إذا أحرز أنّ الراوي نقل عن كتاب طلحة لا عن نفسه ، وهو
ممّا لا سبيل إلى إحرازه ، فالرواية مشكوكة الاعتبار ، ومن المعلوم أنّ الأصل
يقتضي عدم حجيتها ، هذا.
ويظهر مما ذكرناه ضعف ما أفاده بعض
المعاصرين من قوله : «ويكفيه في اعتبار خبره
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ مضافا الى تصريح
شيخ الطائفة بكون كتابه معتمدا ـ رواية ابن الوليد الذي لم يرو بعض كتب الصفار وسعد
، لعدم معلومية صحة مضمون ذلك البعض ، واستثنى كثيرا من أخبار كتاب محمد بن أحمد
بن يحيى لكتابة» .
وجه الضعف : أنّ رواية ابن الوليد
لكتاب طلحة لا تدلّ على أزيد من اعتقاد ابن الوليد بصحة مضامين الكتاب ومطابقتها
للواقع أو للروايات المعتبرة ، ولا تدلّ على وثاقة مؤلفه ، وتكون الشهادة بصحة
الكتاب من قبيل تصحيح شخص لرواية ، في كون حجية تصحيحه لغيره موردا للبحث والنظر والإشكال.
وعليه فالشهادة بصحة الكتاب ليست إلاّ شهادة باعتبار الكتاب ، ولا تكون شهادة
بوثاقة مؤلفه. وقد عرفت عدم طريق لإحراز كون الرواية المزبورة مرويّة عن كتابه حتى
نلتزم باعتبارها ، بعد البناء على اعتبار الكتاب المزبور بشهادة الشيخ ورواية ابن
الوليد له.
وأمّا كونه من رجال كامل الزيارة وتفسير
علي بن إبراهيم فلا يكفي للتوثيق كما قرر في محله.
وبالجملة : فلم يثبت اعتبار الخبر
المزبور بسبب ضعف طلحة ، فالإعتماد عليه في غاية الإشكال. هذا ما في سند خبر طلحة
من الضعف.
وأمّا مرسلتا ابن أبي عمير ومحمد بن
إسماعيل بن بزيع فالإشكال في اعتبارهما ظاهر ، لأنّهما مرسلتان ، ولا عبرة
بالمراسيل ما لم تنجبر بعمل المشهور بناء على ما هو الأقوى من جبر عمل المشهور
لضعف الرواية ، كموهنيّة إعراضهم عنها لاعتبارها. وكذا الحال في النبوي.
ودعوى «انجبارها بعمل المشهور الّذين
بنوا على ثبوت حق السبق للسابق في المسجد» خالية عن البينة ، إذ يعتبر في جبر
الشهرة لضعف الرواية إحراز استناد المشهور في فتواهم إلى الرواية الضعيفة حتى يدلّ
استنادهم إليها على اعتبارها لديهم ، وإلاّ فمجرد موافقة فتواهم لرواية ضعيفة لا
تكشف عن حجيتها عندهم كما هو واضح.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وبالجملة : فلا سبيل إلى إثبات حجية
الروايات المزبورة.
إلاّ أن يدّعى : أنّ سياق عباراتهم يدل
على استنادهم إلى هذه الروايات ، لتعبيرهم بما عبّر به فيها. وان كان هذا مخدوشا
أيضا ، لإمكان كون مستندهم رواية معتبرة سندا مع كون متنها مثل متن المرسلتين ، فاقتبس
الأصحاب من تلك الرواية لا من هاتين الروايتين ، فلا يحصل الوثوق باستنادهم إليهما.
كما لا وجه لحجية الإجماع المدعى في
المقام بعد احتمال مدركيته ، إذ من المحتمل استناد المجمعين الى الروايات المزبورة
، فلا يصح الاستناد إلى شيء من الروايات والإجماع.
نعم يمكن الاستناد إلى السيرة العقلائية
الحاكمة باختصاص من سبق الى ما يشترك فيه غيره ـ كالمباحات الأصلية ونحوها ـ بذلك
المشترك ، بحيث يرى العقلاء نحو اختصاص للسابق بذلك الشيء ، بل هذا مركوز في
الحيوانات أيضا ، والشارع لم يردع عن هذه السيرة ، فهي حجة.
كما يمكن أن يكون مستندهم مرسلة ابن أبي
عمير ، ولا يقدح إرسالها ، لما يظهر من الأصحاب من تسالمهم على العمل بمراسيله ، لقول
النجاشي : «أصحابنا يسكنون إلى مراسيله» .
ولقول الشيخ في حقه وحق آخرين من أصحاب الإجماع في بحث تعارض الرواية المسندة مع
المرسلة : «وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل ، فان كان
ممن يعلم أنه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل
ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد ابن
أبي نصر وغيرهم من الثقات الّذين عرفوا بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق
به وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم» .
وكذا عدّ الكشي جمعا من أصحاب أبي
إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليهما السّلام ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح
عنهم والانقياد لهم والإقرار لهم بالفقه ، ومنهم ابن أبي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عمير .
وعليه تتصف مرسلة ابن أبي عمير
بالاعتبار بعد شهادة أعلام الرجال بالتسوية بين المسندات والمرسلات.
لكن في أصل تحقق هذا الإجماع التعبدي
تأملا بل منعا قد تعرّضنا له في شرح الكفاية فيما يتعلق بسند مقبولة عمر بن حنظلة
، فراجع .
فتلخص
: أن مراسيل أصحاب الإجماع كمراسيل غيرهم
ما لم تنجبر بعمل المشهور لا تكون حجة بحيث تخصص عموم أدلة حرمة العمل بالظن ، فمرسلة
ابن أبي عمير الدالة على حق السبق لا تصلح للاستناد إليها. هذا كله في السند.
وأمّا دلالتها فعن المشهور ـ بناء على
استنادهم إليها كما لعلّ كلماتهم مقتبسة منها ـ دلالتها على ثبوت حقّ للسابق ، واللازم
حينئذ ترتيب آثار الحق عليه من جواز إسقاطه ونقله مجّانا ومع العوض ، وانتقاله قهرا
الى الوارث ، ومن بطلان العمل العبادي الصادر من المزاحم المخرج للسابق عن المكان
، لكونه غصبا كما في اعتكاف العروة ، حيث قال : «إذا غصب مكانا من المسجد سبق إليه
غيره ، بأن أزاله وجلس فيه فالأقوى بطلان اعتكافه» .
إلاّ إذا نهض دليل على منع بعض هذه الآثار. ولم أعثر إلى الآن على قائل بهذا
التعميم.
كما أنّ لازم الحقّية هو صيرورة السابق
ذا حقّين أحدهما بالوقف ، والآخر بالسبق ، وهذا بعيد.
فالمحتمل قويّا : أنّ المراد بالأحقيّة
هو حرمة المزاحمة مع السابق وإزعاجه ودفعه عن المكان ما دام باقيا فيه وشاغلا له ،
فالسبق لا يوجب إلاّ حرمة المزاحمة كحرمة مزاحمة غير الولي للولي في تجهيز الميت ،
بناء على كون المراد بالولاية هناك ـ على ما عن جماعة من القدماء ـ حرمة المزاحمة
معه ، فإن تصدّى الولي للتجهيز مباشرة أو تسبيبا فليس لأحد مزاحمته ،
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وإن لم يتصدّ لذلك
جاز لغيره ـ بل وجب عليه كفاية ـ القيام به.
وبالجملة : فالسبق في الحقوق كالأهمية
في تزاحم الواجبات ، فكما أنّ تقديم الأهم هناك ليس من باب الحق في شيء ، فكذلك
السبق في باب الحقوق ، فإنّه لا يوجب حقّا للسابق حتى يصير المكان متعلّقا لحقّه ،
ويندرج دفع الغير له عن ذلك المكان ـ وإشغاله له ـ في الغصب ، وتكون صلاة المزاحم
الدافع للسابق من صغريات مسألة الاجتماع ، لصيرورة المكان حينئذ مغصوبا ، إذ لا
فرق في المغصوب بين كون الرقبة مال الغير وبين كونها متعلّقة لحق الغير كحقي
الرهانة والتحجير ، فيكون هنا أمر متعلق بطبيعي الصلاة ، ونهي متعلق بطبيعي الغصب
، وتكون الصلاة مندرجة تحت هذين العنوانين ، فبناء على الاجتماع ـ بمعنى صغروية
المورد لكبرى التزاحم لتعدد المتعلق وكون التركيب انضماميا ـ تصحّ الصلاة في وجه.
وبناء على الامتناع ـ لوحدة المتعلق ، لكون التركيب اتحاديا ـ لا تصح الصلاة ، لكون
مسألة الاجتماع حينئذ من صغريات النهي في العبادة.
فالمتحصل
: أن المراد بالأحقّية في الروايات ـ بعد البناء على اعتبارها ـ يحتمل أن يكون
اختصاص السابق في استيفاء الحق المشترك بين السابق وبين سائر أفراد الموقوف عليهم
الثابت لهم بالوقف ، فالسبق يوجب هذا الاختصاص.
كما يحتمل أن يراد به الحق المصطلح ، بأن
يكون السبق موجبا لتعيّن مصداق كلّيّ الموقوف عليه في السابق ما دام شاغلا للمكان
أو غير معرض عنه ، كتعين مصداق كلّي المالك في الخمس والزكاة وغيرهما من الجهات
العامة بالقبض ، فإنّ الكلّي لا يتعيّن إلاّ به. وقد عرفت بعد هذا الاحتمال ، وعدم
الالتزام بكثير من آثار الحق من الانتقال والنقل.
وإذا شكّ في كون السبق موجبا للحق ودار
أمر تقديم السابق على غيره بين الحكم والحق فالأثر المشترك ـ وهو سقوطه بالاعراض ـ
يترتب عليه قطعا. وأمّا جواز النقل الاختياري مع العوض وبدونه فلا يترتب عليه ، للشك
في القابلية العرفية ، إذ لو كان حكما لم يقبل النقل أصلا كما هو ظاهر ، فلا وجه
للتمسك بأدلة العقود الجائزة لإثبات جوازه. وكذا الحال في الانتقال القهري ، فلا
يترتب عليه ، لكونه من الآثار المختصة بالحق.
.................................................................................................
______________________________________________________
وأمّا أخذ المال بإزاء الإعراض عن
المكان فالظاهر أنّه لا بأس به ، لأنّ رفع موضوع الحرمة ـ وهو المزاحمة ـ يكون
تحت سلطنة السابق ، لكونه عملا من أعماله كسائر أعمال الحرّ.
وأمّا صلاة المزاحم الدافع للسابق فلا
تبعد صحتها ، للبراءة عن الشك في مانعية المزاحمة ، إذ لو كان السبق موجبا للحق
كانت الصلاة باطلة ، وإلاّ فهي صحيحة. ولمّا كان منشأ الشك في الصحة الشكّ في
مانعية التزاحم جرى الأصل في المانعية.
نعم بناء على اقتضاء الأمر بشيء للنهي
عن ضده يحكم بفساد الصلاة ، للعلم ببطلانها ، إمّا لكون السبق موجبا للحق ، وإمّا
لكون الأمر مقتضيا للنهي عن ضده ، فتدبّر.
ثم
إنّه بناء على ما تقدم من الإشكال في سند الروايات كالإشكال في حجية الإجماع لاحتمال
مدركيته لا يبقى مستند لحق السبق. إلاّ أن يتمسك بالسيرة العقلائية القاضية بتقديم
السابق في المشتركات ، بل تقديم السابق من مرتكزات الحيوانات أيضا ، حيث إنّ ما
تقدم من السباع إلى افتراس حيوان ليأكله لا يزاحمه غيره من السباع في أكله ، فعدم
مزاحمة السابق من الأمور الارتكازية الجارية عليها السيرة العقلائية التي لم يردع
عنها الشريعة المقدسة الإسلامية ، بل الإجماع والروايات المتقدمة ـ على تقدير
تماميتها ـ دليل على إمضاء تلك السيرة.
لكن المتيقن منها هو اختصاص السابق ، بمعنى
عدم جواز مزاحمة أحد له فيما سبق إليه. وأمّا الاختصاص بمعنى الحق فليس مما تقتضيه
السيرة ، بل لا بد حينئذ من معاملة الحكم مع ما جرت عليه السيرة دون معاملة الحق
معه ، فلا يبطل العمل الصادر من المزاحم ، كما لا ينتقل قهرا بموت ونحوه إلى غير
السابق. وكذا لا يقبل النقل.
نعم لا بأس بأخذ مال لتخلية المكان وتفريغه
، لأن التفريغ عمل يبذل بإزائه المال ، وبعد التخلية يشغله باذل الفلوس ، فيصير هو
السابق ، واللّه العالم.
ومن
المصاديق المشتبهة بين الحق والحكم ، جواز الرجوع في المطلقة الرجعية على ما قيل ،
وإن كان الظاهر كونه من الأحكام ، والتفصيل في محله.
.................................................................................................
______________________________________________________
ومن
المصاديق المشتبهة ـ على ما قيل أيضا ـ جواز الرجوع في العقود الجائزة ، فإن كان
حكما لم يسقط بالإسقاط ، وإلاّ يسقط به. لكن الحق أن الجواز فيها حكم ، فلا
تصير العقود الجائزة لازمة بإسقاطه ، فلاحظ.
ومنها
: غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.
المقام
الخامس : في حكم المعاوضة على الحقوق القابلة
للنقل والإسقاط.
أمّا
ما لا يقبل الإسقاط ـ بناء على كونه حقّا ـ فلا كلام في عدم جواز أخذ العوض
بإزائه ، وأمّا القابل للنقل والإسقاط فقد تقدم في أوّل بحث الحقوق خلاف الأعلام
فيه ، فمنهم من منع من وقوع الحق عوضا في البيع مطلقا ، كالشيخ الفقيه كاشف الغطاء
، واختاره المحقق النائيني قدّس سرّهما أيضا. ومنهم من جوّز ذلك مطلقا كصاحب
الجواهر قدّس سرّه. ومنهم من فصّل بين ما يقبل الانتقال وبين ما لا يقبله ويقبل
الإسقاط خاصة ، كالمصنف قدّس سرّه وإن مال في آخر كلامه الى المنع مطلقا.
والتحقيق : جواز جعل الحقوق عوضا عن
المبيع مطلقا أي جعل إسقاط ما يقبل الإسقاط ثمنا ، وانتقاله الى باذل المبيع
فيما يقبل الانتقال الى الغير ، وذلك بعد تمامية أمرين :
أحدهما
: عدم اختصاص «المال» بالأعيان المتمولة ، وصدقه على منافع الأعيان الصامتة وعمل
الحر ولو بعد المعاوضة عليه. وجواز أخذ العوض في الصلح على إسقاط بعض الحقوق
كاشف عن ماليّته عرفا ، وعدم اختصاص المال بالأعيان. ويتعيّن حمل كلام ابن الأثير
في تفسير المال على الغالب ، وإلاّ أشكل الأمر في بذل المال بإزاء المنافع في
الإجارة والصلح.
ولو فرض تعذر توجيه كلام اللغوي بالحمل
على الغالب لم يقدح في اتصاف الحقوق بالمالية ، لأعمية المال عرفا من العين والمعنى
والحق ، إذ المال عندهم كل ما يرغب فيه العقلاء ويتنافسون عليه ، ولا شك في أعمية
المعنى العرفي حتى تجري فيه أصالة عدم النقل عن معناه اللغوي.
ثانيهما
: كفاية صدق المعاوضة على البيع ولو لم يكن فيها نقل وتمليك من الطرفين ، ولا
انتفاع أحد المتبايعين بمال صاحبه ، فالعبرة فيه بتحقق عنوان المعاوضة والمبادلة
بحيث لا يخلو البيع عن الثمن والعوض ، ويكون بذل المال مورد غرض العقلاء. والقيود
المأخوذة في تعريف البيع بالمبادلة بين المالين ـ المستفادة من كلام المصباح ـ غير
دخيلة في حقيقته العرفية ، سوى كون المبيع عينا ، وأمّا عينية الثمن ، أو تحقق
المبادلة في خصوص إضافة الملكية ، أو اختصاص المال بالأعيان فلا دليل على شيء منها
لو لم ينهض على خلافها ، ففي بيع سهم سبيل اللّه من الزكاة لا ينتفع البائع بالعوض
، لفرض صرفه في جهات القرب وسبل الخير كالمساجد والمشاهد والقناطر. وإنكار صدق
البيع على هذه المعاوضة لا يخلو من مكابرة ، وكذا بيع الوقف بمثله عند اقتضاء
المصلحة ، وبيع الحاكم مقدارا من زكاة الحنطة بشيء من زكاة النقدين.
وبناء على تمامية هذين الأمرين وتسلّمهما
يظهر أنّ الأصل الأوّلي في الحقوق القابلة للإسقاط والنقل جواز المعاوضة عليها
، فهي وإن لم يصحّ جعلها مبيعا لعدم كونها من الأعيان ، لكنها كالمنافع وعمل
الحرّ يصحّ جعلها ثمنا في البيع ، كصحة أخذ العوض بإزاء نقلها وإسقاطها في باب
الصلح ، وذلك لصدق المال عرفا عليها ، وكفاية ماليّة الإسقاط والنقل في صحة
المعاوضة ، وإمضائها بأدلة المعاملات.
إلاّ أن يستشكل في مالية الحقوق بما في
تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه حيث قال : «والأقوى عدم قابلية الحق
لوقوعه ثمنا في البيع ، كعدم قابلية وقوعه مثمنا ، سواء جعل نفس الإسقاط والسقوط
ثمنا أو جعل نفس الحق. أمّا الأوّل فلأنّ الثمن لا بدّ من دخوله في ملك البائع ، والإسقاط
بما أنه فعل من الأفعال والسقوط بما أنه اسم المصدر ليس كالخياطة وسائر أفعال
الحرّ والعبد ممّا يملكه البائع ، ويكون طرفا لإضافة ملكية البائع ، ويقوم مقام
المبيع في الملكية ، فإنّ هذا المعنى معنى حرفي غير قابل لأن يتموّل إلاّ باعتبار
نفس الحق. وسيجيء ما فيه.
وبالجملة : نفس الإسقاط بما أنّه فعل
، وأثره بما أنّه اسم المصدر لا يقبل الدخول في ملك الغير بحيث يتحقق بالنسبة إليه
الخروج عن ملك المشتري الى ملك البائع ، ويكون البائع
.................................................................................................
______________________________________________________
مالكا لهذا العمل.
ولا يقاس بشرط الإسقاط في ضمن عقد
لازم ، لأنّ في باب الشرط يملك المشروط له على المشروط عليه إسقاط الحق
أو سقوطه. ولا ملازمة بين قابليته للدخول تحت الشرط وبين قابلية وقوعه ثمنا ، لأنّ
إسقاط الحق يصير بالشرط مملوكا للغير على صاحب الحق ، ولكنّه لا يمكن أن يكون
بنفسه مملوكا ، ويحلّ محل المبيع في الملكية.
وأمّا الثاني ـ وهو جعل نفس الحق ثمنا
بعد فرض كونه قابلا للنقل إلى الغير كحق التحجير ـ فلما عرفت من أنه في باب البيع
يعتبر أن يكون كل من الثمن والمثمن داخلا في ملك مالك الآخر ، ولا شبهة في أن الحق
لا يكون قابلا لذلك ، فإنّه مباين مع الملك سنخا وإن كان من أنحاء السلطنة بالمعنى
الأعم. ومن المراتب الضعيفة للملك. ولكن كونه كذلك غير كاف لوقوعه عوضا ، لأنّه لا
بدّ من حلول الثمن محلّ المثمن في الملكية ، فلا بد أن يكون كل منهما من سنخ
الآخر» .
لكنه لا يخلو من غموض ، لأن دخول كل
واحد من العوضين في ملك الآخر غير معتبر في مفهوم البيع عرفا ، بل المعتبر فيه هو
صدق المبادلة والمعاوضة ، ومن المسلّم صدقها على ما إذا جعل الثمن حقّا على وجه
النقل أو الإسقاط ، وعدم صدق «البيع بلا ثمن» على هذا البيع ليكون أكل المبيع
أكلا للمال بالباطل ، هذا.
وغير خفيّ على المتأمّل مواقع النظر في
كلامه قدّس سرّه :
منها
: قوله : «والإسقاط بما أنه فعل من الأفعال والسقوط بما أنّه اسم المصدر ليس
كالخياطة ..» إذ فيه : أنه لا مانع من صيرورة الإسقاط بما أنّه فعل مبذول بإزائه
المال عند العقلاء كسائر أعمال الحر مملوكا ، فالبائع يصير مالكا للإسقاط بسبب
البيع كما يصير المشروط له مالكا له بالشرط ، لوجود مناط مملوكية الفعل وهو
كونه مرغوبا فيه عند العرف بحيث يبذلون المال بإزائه ، فللبائع إجبار المشتري على
الإسقاط كما له الإجبار على الخياطة والكتابة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ونحوهما.
نعم جعل العوض في البيع السقوط ـ لا
الإسقاط ـ لا يخلو من إشكال ، لعدم معلومية تعلق الملكية بالنتائج كما قرّر ذلك
في شرط النتيجة. وحديث عدم تمول المعنى الحرفي أجنبي عن الإسقاط بما هو فعل ومعنى
اسمي ، فتدبّر.
ومنها
: قوله : «ولا يقاس بشرط الإسقاط في ضمن عقد لازم ..» إذ فيه : أنّ الإسقاط
إن كان في نفسه قابلا لأن يكون طرفا لإضافة الملكية فصيرورته مملوكا بالبيع أولى
من مملوكيته بالشرط في ضمن عقد لازم ، لأنّ تأثير نفس العقد في ملكيّة أحد
ركنية ـ وهو الثمن ـ أولى من تأثير الشرط الواقع في ضمنه ـ الذي هو كالجزء من
العقد ـ في الملكية.
وإن لم يكن في نفسه قابلا للملكية ـ كما
هو مقتضى قوله : فانّ هذا المعنى معنى حرفي غير قابل لأن يتمول ـ لم يعقل أن
يؤثّر الشرط في ملكيته ، ولا يؤثّر نفس العقد اللازم في ملكيته كما هو واضح ، بل
لا بد من عدم تأثير شيء من العقد والشرط في ملكيته.
وعلى هذا فبين قوله : «ولا يقاس بشرط
الإسقاط في ضمن عقد لازم» وقوله : «فان هذا المعنى معنى حرفي» تهافت واضح ، لأنّ
مقتضى هذه العبارة امتناع صيرورة الإسقاط طرفا لإضافة الملكية ، ومقتضى قوله : «ولا
يقاس» إمكانها ، فتدبّر.
ومنها
: قوله : «ولا ملازمة بين قابلية الدخول تحت الشرط» الى قوله : «ولكن لا يمكن أن
يكون بنفسه مملوكا ويحلّ محل المبيع في الملكية» إذ فيه : أنّ الملازمة ضرورية ،
لأنّ نفس العقد اللازم أقوى بمراتب في التأثير في الملكية من الشرط الواقع في
ضمنه كما عرفت آنفا ، فقوله : «ولكن لا يمكن أن يكون بنفسه مملوكا» في غاية
الغرابة ، إذ لا يدّعيه أحد ، وإنّما المدّعى الملكية بسبب البيع.
ومنها
: قوله : «ولا شبهة أن الحق لا يكون قابلا لذلك» إذ فيه : أنّ الشبهة إن كانت من
جهة صدق المال على الحقّ فقد عرفت دفعها. وإن كانت من جهة اعتبار التمليك ، بتقريب
: أن الحق لا يملك ، لمباينته للملك ، فقد عرفت عدم اعتبار المبادلة في إضافة
الملكية خاصة في مفهوم
............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البيع عرفا.
ومنها
: قوله : «فإنه مباين مع الملك سنخا» إذ فيه : منافاته لقوله : «ومن المراتب
الضعيفة للملك ، وقد تقدمت الإشارة إلى تهافت كلماته قدّس سرّه في تفسير الحق وبيان
ماهيته في المقام الأوّل ، عند التعرض للأقوال ، فراجع.
وقد
تحصل : أنّ الأقوى وفاقا لجماعة منهم صاحب
الجواهر وسيّدنا الأستاد
و غيرهما من أعلام المحشّين قدّس سرّهم صحة جعل الحقوق القابلة للإسقاط والنقل والانتقال
عوض المبيع ، لأعميّة المال عرفا من العين والمنفعة والعمل والحق ، كما لا يعتبر
في صدق المعاوضة المبادلة في خصوص الملكية ، واللّه العالم. هذا تمام الكلام في
هذا المقام.
ولنختم الكلام في بحث الحقوق بالإشارة
الى ما مرّ من الأبحاث في ضمن أمور :
الأوّل
: أنّ الحق اعتبار وضعي مجعول تأسيسا أو إمضاء كالحكم التكليفي ، ولكنه يفترق عنه
بأنّ زمام الحق بيد من ثبت له ، بخلاف الحكم الذي لا خيرة للمحكوم عليه في رفعه وإبقائه.
والأحسن في تعريفه إمّا جعله نحو اختصاص أو أولوية ، فتكون السلطنة من أحكامه وآثاره
، ويختص بطائفة ممّا عدّ من الحقوق. وإمّا جعله مشتركا لفظيا بين أنحاء الاعتبارات.
وحينئذ لا مانع من إطلاق الحق على ما لا سلطنة لذي الحق على إسقاطه.
الثاني
: أنّ الحق ينقسم الى ما يقبل كلاّ من الإسقاط والنقل الاختياري والانتقال
القهري ، مع العوض وبدونه كحق التحجير ، وإلى ما لا يقبل شيئا غير الإسقاط كحق
الغيبة ، وإلى ما يقبل الإسقاط والنقل بلا عوض ـ عند بعض ـ كحقّ القسم ، وإلى
غير ذلك كما تقدم.
الثالث
: أن المرجع في الشك في كلّ من الأقسام إطلاق دليل نفس الحق إن كان ، وإلاّ
فالعموم الفوق ، وإلاّ فاستصحاب بقاء المجعول بناء على حجيته في الشبهات الحكمية.
الرابع
: أنّ المرجع في الشك في قبول الحق للنقل شرعا ـ بعد إحراز قبوله له عرفا ـ هو
__________________
............................................................................................
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إطلاق أدلة إمضاء
المعاملات ، لرجوع الشك الى التقييد بخصوصية مّا ، وليس من التمسك بالعام في
الشبهة المصداقية حتى يرجع فيها إلى أصالة الفساد المحكمة في العقود والإيقاعات.
الخامس
: أن متعلق الحق كالحكم فعل المكلّف ، فيقال : «للمغبون حلّ العقد» كما يقال «يباح
شرب الماء» ولو تعلق بعين كما في حق التحجير والاختصاص والرهانة كان متعلقة لبّا
فعلا ، فالمحجّر أولى من غيره في عمارة الأرض ، وصاحب الخمر أولى من غيره بتخليله
، والمرتهن له استيفاء دينه من الرهن ، وهكذا سائر الحقوق. وهذا مما يفترق به الحق
عن الملك ، حيث إنّه أعم موردا ، فقد يتعلق بالعين الشخصية والذمية ، وبالفعل
كالخياطة ، وبمنافع الأعيان كالسكنى ، أي كون الدار مسكونة ، وهكذا.
ثم الظاهر (١) أن لفظ البيع ليس له
______________________________________________________
تعريف البيع في كلمات
الفقهاء
(١) قد تقدم
تعريف البيع عن المصباح المنير ب «مبادلة مال بمال» وكان ظاهر المصنف ارتضاءه وعدم
التصرف فيه سوى اعتبار كون المعوّض عينا ، وتردّد قدسسره في صدق «المال» ـ في طرف العوض ـ على عمل الحرّ والحقوق.
وعلى هذا فالبيع العرفي هو «مبادلة عين بمال» وهذا المعنى هو موضوع أدلة الإمضاء ،
كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) ، فالبيع الممضى شرعا هو مبادلة عين بمال ، لا غير.
لكن قد ينافي
هذا تعريف البيع في كلمات الفقهاء بما يغاير تعريف المصباح ، فعرّفوه تارة بالنقل
، وأخرى بالانتقال ، وثالثة بالإيجاب والقبول ، ورابعة بالتمليك الإنشائي ، مع
اختلافهم في القيود المأخوذة فيه. ولمّا كان كلّ منهم بصدد تعريف حقيقة البيع كان
اختلافهم فيه كاشفا عن اختلاف حقيقته ، ومن المعلوم أن ذلك يقتضي إجمال مفهوم «البيع»
وهو مانع عن التمسك بالآية الشريفة ونحوها من الأدلة الإمضائية ، إذ لم يعلم أن
موضوع الحلية هل هو النقل الذي يكون فعل البائع ، أم العقد الذي يكون فعل البائع
والمشتري معا ، أم الانتقال الذي هو أثر البيع ، أم غير ذلك؟ ومع إجمال الموضوع لا
وجه للتمسّك بالدليل كما هو واضح. وكيف يوجّه استقرار سيرتهم قديما وحديثا على
التشبث بالآية الشريفة لإثبات مشروعية البيع وصحته ونفوذه؟
والظاهر أن
مقصود المصنف قدسسره من قوله : «ثم الظاهر» دفع هذه الشبهة وتصحيح الرجوع
الى الآية ونحوها من أدلّة الإمضاء ، ومحصله : أنّ اختلاف الفقهاء في تعريف البيع
ليس لأجل تعدد معانيه العرفية حتى يشكل الأمر من جهة إجمال الموضوع وينسدّ باب
التمسك بالأدلة ، بل لأجل أنّ كل واحد من التعاريف ناظر إلى جهة من جهات المعنى
العرفي المركوز في الأذهان ، الذي هو موضوع أدلّة الإمضاء.
وعليه فجميع
التعاريف تشير الى معنى واحد ، وهو المعنى العرفي الذي فسّره المصباح
__________________
حقيقة شرعية (١) ولا متشرّعيّة (٢) ، بل هو باق على معناه العرفي
______________________________________________________
بالمبادلة بين مالين ، ولم ينقل لفظ «البيع» منه الى معنى آخر شرعا ، لا
بالوضع التعييني ولا التعيّني.
والشاهد على
أنّ الفقهاء بصدد الإشارة الى ما هو المتفاهم عرفا من لفظ «البيع» هو إنكارهم
الحقيقة الشرعية ، واعترافهم ببقاء اللفظ على معناه العرفي ، الذي كشف كلّ تعريف
له عن حيثية من حيثياته ، فمن عرّفه بالعقد لاحظ كونه سببا للمبادلة الاعتبارية
بين المالين ، ومن عرّفه بالنقل لاحظ تعنون الإنشاء بالنقل عند استجماعه لشرائط
التأثير. ومن عرّفه بالانتقال لاحظ الأثر الحاصل في المالين ، وتبدّل إضافة كل
منهما الى صاحبه بإضافة أخرى ، وهكذا.
وعليه لا يلزم
إجمال المفهوم حتى ينسدّ باب الرجوع الى الأدلة الإمضائية.
(١) يعني : أنّ
الشارع ـ الذي جعل البيع موضوعا لأحكامه ـ لم يتصرّف في مفهوم لفظه عرفا ، كما لم
يتصرف في سائر الألفاظ المأخوذة في الخطابات كالماء والصعيد والتراب ونحوها.
(٢) يعني : لم
ينقل «البيع» عن مفهومه العرفي ـ في لسان الأئمّة المعصومين «عليهم الصلاة والسلام»
والفقهاء العظام ـ إلى معنى آخر.
__________________
__________________
كما سنوضّحه (١) إن شاء الله ، إلّا (٢) أن الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه.
ففي المبسوط
والتذكرة وغيرهما (٣) : «انتقال عين (٤) من شخص
إلى غيره بعوض مقدّر على وجه التراضي» .
وحيث إنّ في هذا
التعريف مسامحة واضحة (٥)
______________________________________________________
(١) أي : في
خلال كلامه المتعلق بتعريفات القوم ، خصوصا ما يتعلق بكلام الشهيدين ، فانتظر.
(٢) هذا
كالاستدراك على قوله : «باق على معناه العرفي» حيث إنّ مقتضى نفي الحقيقة الشرعية
وبقاء «البيع» على مفهومه العرفي هو عدم اختلاف الفقهاء في تعريفه ، واقتصارهم على
ما يتفاهم منه عند العرف العام ، لكنّهم اختلفوا في تحديده على عناوين شتّى ، وربّما
أوجب ذلك إجمال المفهوم. إلّا أنّ مقصودهم بيان المعنى العرفي ، والإشارة
الإجمالية إليه ، وليس اختلافهم في حقيقة البيع وماهيّته.
(٣) كالسرائر
والتحرير والقواعد والنهاية وقد نقلنا بعض كلماتهم للاستشهاد بها على اعتبار كون
المبيع عينا ، فراجع ص ٣٤.
(٤) الموجود في
الكتب المذكورة «انتقال عين مملوكة» والأمر سهل.
(٥) الوجه في
وضوح المسامحة ـ كما عن مصابيح العلّامة الطباطبائي قدسسره ـ وجوه ثلاثة : «أحدها : أن البيع فعل ، فلا يكون
انتقالا ، لأنّه انفعال. ثانيها : أن الانتقال أثر البيع وغايته المسببة عنه ، لا
نفسه. ثالثها : أن تعريفه بالانتقال لا يوافق تصاريف البيع ، إذ لا يراد من لفظ
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ـ بعت ـ انتقلت ، وكذا سائر تصاريفه» انتهى ملخّصا.
والوجه الأوّل
ناظر إلى امتناع تفسير المباين بالمباين ، لتقابل المقولات وعدم صدق بعضها على
الآخر ، وعليه لا وجه لتفسير «البيع» ـ الذي هو فعل ـ بالانتقال الذي هو افتعال ، وهو
هنا الانفعال (*).
والوجه الثاني
ناظر إلى امتناع تفسير الشيء بعلّته الغائيّة ، كتعريف السرير بالجلوس عليه. وجه
الامتناع : أن غاية الشيء مباينة للشيء ، فلا وجه لتعريف البيع بالانتقال ، كما
أنّ الأثر لازم للمؤثّر ، واللازم غير الملزوم ، فلا يعرّف أحدهما بالآخر.
__________________
__________________
عدل آخرون (١) إلى تعريفه «بالإيجاب والقبول الدّالّين على الانتقال»
(٢).
______________________________________________________
والوجه الثالث
ناظر إلى بطلان التعريف بالانتقال ، لأنّ قاعدة «لزوم توافق المشتق والمشتق منه في
المعنى الكلّي الساري في المشتقات» تقتضي وحدة مدلولي «بعت وانتقلت» لو كان البيع
هو الانتقال.
هذا مضافا الى
مسامحتين أخريين :
إحداهما : توصيف
«العين» بالمملوكة ، لعدم اشتراط صحة البيع بكون المبيع مملوكا ، وإلّا لم يصح بيع
الوقف والزكاة ، مع أنّه لا ريب في صدق البيع العرفي عليه.
ثانيتهما : انّ
الانتقال صفة العوضين ، والبيع كالتمليك والتبديل ونحوهما ممّا يقوم بالبائع ، فجعل
الانتقال قائما بالبائع مسامحة ، لأنّه من قبيل الوصف باعتبار المتعلق.
(١) كابن حمزة
والعلامة في خصوص كتابه «المختلف» حيث قال في تعريفه بعد نقل تعريف المبسوط : «وقال
ابن حمزة : البيع عقد على انتقال عين مملوكة ـ أو ما في حكمها ـ من شخص إلى غيره
بقدر معيّن على وجه التراضي . والأقرب قول ابن حمزة ، لنا : انه المتبادر إلى الفهم
عند الإطلاق ، فيكون حقيقة فيه» .
(٢) أي : انتقال
عين مملوكة أو ما في حكمها من شخص الى غيره بقدر معيّن على وجه التراضي ، ولم يذكر
المصنف قدسسره تمام التعريف اتّكالا على وضوحه ، ولأنّ مقصوده الإشارة
إلى تعريف البيع بالعقد في قبال تعريفه بالانتقال.
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ثمّ إنّ تعريف
البيع بالعقد شائع بين الفقهاء كما نسبه صاحب المقابس قدسسره إليهم ، قال في مقام بيان إطلاقات البيع : «رابعها نفس
العقد المركّب من الإيجاب والقبول ، وهذا هو الشائع المعروف بين الفقهاء في سائر
ألفاظ العقود ممّا كان منها مصدرا بصيغة الفعال والمفاعلة ، أو بمعناه كالقراض
والمضاربة والمزارعة» . وعليه فأشهر معاني البيع ـ بل مشهورها ـ هو هذا المعنى.
وأمّا وجه
العدول عن تعريفه «بالانتقال» الى تعريفه «بالإيجاب والقبول الدالّين عليه» فهو ما
تقدم من كون الانتقال اسم مصدر ، وصفة للعوضين ، مع أن البيع المقصود في التعريف
معنى مصدري لكونه فعل البائع ، ولا ينبغي تعريف المعنى المصدري بالمعنى الاسمي
المغاير له. وهذه المسامحة لا ترد على تعريفه بالإيجاب والقبول ، لأنّ ما بيد
المتعاقدين هو العقد المؤثّر في الانتقال ، لا نفس الانتقال المترتب عليهما (*).
__________________
__________________
وحيث إنّ البيع
______________________________________________________
(١) غرضه قدسسره تزييف تعريف البيع بالعقد ـ الدال على الانتقال ـ بأنّ
ظاهره كون البيع من مقولة اللفظ ، مع أنّه من مقولة المعنى ، لأنّه مقتضى أمور
مسلّمة :
الأوّل
: أنّ الإنشاء ـ على المشهور ـ هو التسبيب باللفظ أو
بالفعل إلى حصول أمر اعتباري موجود في صقع النفس ، كما إذا اعتبر الشارع لا بديّة
الصلاة على المكلّف وأنشأها بقوله : «أقم الصلاة» فيوجد به الصلاة في عهدته.
والمعاملات من
العقود والإيقاعات كلّها أمور اعتبارية ، فهي أمور قصدية يتوقف وجودها في وعاء
الاعتبار على إيجادها بآلة كالصيغ المخصوصة بها.
الثاني
: أنّ اللفظ موجود خارجي متصرم الوجود كالزمان ، وهو من
مقولة الكيف المسموع ، ووجود كلّ لفظ منوط بسبب تكويني كتحريك اللسان نحو مقاطع
الحروف ، ولا يصير لفظ من مبادئ وجود لفظ آخر كما لا يخفى.
الثالث
: أنّ حقيقة البيع ـ بناء على توقف إيجادها على اللفظ ـ لا
تخلو من أحد وجوه أربعة ، أشار المصنف إلى ثلاثة منها :
أحدها : أن
يكون البيع أمرا معنويا اعتباريا يقصده المتبايعان ، ولا دخل للفظ في ماهيته أصلا
، سوى أنه يوجد به في مقام الإنشاء ، وقد أشار الماتن إلى هذا الاحتمال بقوله : «من
مقولة المعنى».
ثانيها : أن
يكون من مقولة اللفظ ، يعني : أن الإيجاب والقبول اللفظيين هما تمام ماهية البيع ،
ووجوده في موطن الاعتبار أجنبي عن حقيقته التي هي نفس العقد اللفظي. وقد أشار إلى
هذا بقوله : «دون اللفظ مجرّدا».
ثالثها : أن
يكون هو العقد اللفظي ، لكن بشرط قصد ذلك الأمر الاعتباري. ويفترق عن سابقه بأنّ
قصد المبادلة الاعتبارية غير مؤثّرة في تحقق البيع على الاحتمال الثاني ، ومؤثّر
على الاحتمال الثالث ، لأنّ مقتضى الاشتراط انتفاء المشروط بعدم شرطه.
رابعها : عكس
الثالث ، بأن يكون البيع هو الأمر المعنوي الاعتباري ، لكن لا مطلقا
من مقولة المعنى (١) ـ دون اللفظ مجرّدا ، أو بشرط قصد المعنى ، وإلّا (٢)
لم يعقل إنشاؤه
______________________________________________________
ـ كما كان في الاحتمال الأوّل ـ بل بشرط أن يتأدّى باللفظ ، فإن أنشئ
التمليك والتبديل باللفظ كان بيعا ، وإلّا فلا بيع. وهذا الاحتمال لم يتعرض له المصنف.
ومما ذكرناه
يظهر وجه بطلان تعريف البيع بالإيجاب والقبول الدالين على الانتقال ، ضرورة كونه
كسائر المعاملات ـ من الإجارة والهبة والوصية والوقف ـ من الأمور الاعتبارية
المنشئة تارة باللفظ واخرى بالتعاطي ، وثالثة بالإشارة ، ورابعة بالمنابذة ، وخامسة
بالكتابة ، ونحوها. ولا دخل للفظ في حقيقتها شطرا وشرطا ، إذ لو كان اللفظ مؤثّرا
فيها لزم استحالة إنشائها ، لما عرفت من استحالة إنشاء لفظ بلفظ آخر ، وإنّما
القابل للإنشاء هو الأمر المعنوي الذي موطنه وعاء الاعتبار ، ولا يصلح للوجود
الخارجي أصلا.
وعلى هذا فإن
كان البيع نفس الانتقال ـ كما عرّفه به الشيخ والعلّامة ـ أمكن إنشاؤه باللفظ
كإنشائه بالفعل بناء على مملكية المعاطاة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وإن كان البيع
نفس الإيجاب والقبول استحال إنشاؤه ، لأنّ اللفظ موجود مقولي خارجي ، ويمتنع
إنشاؤه بلفظ آخر أي بإيجاب وقبول. ولا مناص من هذا المحذور إلّا إنكار تعريف البيع
بالعقد. هذا.
(١) هذا هو
الوجه الأوّل ـ والمتعيّن ـ ممّا يحتمل في حقيقة البيع ، والمراد بمقولة المعنى هو
الأمر الاعتباري الموجود في موطن الاعتبار ، الذي هو وعاء وجود الأحكام العقلائية
والشرعية ، من التكليفية والوضعية. ولو فرض دخل اللفظ فيها فإنّما هو في مقام
الإنشاء والإيجاد ، وإلّا فنفس البيع بما أنّه «مبادلة اعتبارية بين المالين» أجنبي
عن اللفظ والفعل وغيرهما من آلات الإنشاء وأسبابه.
(٢) أي : وإن
لم يكن البيع من مقولة المعنى ـ بل كان من مقولة اللّفظ مجرّدا عن المعنى أو
مشروطا بقصد معناه ـ لزم استحالة إنشاء البيع ، لما عرفت من أنّ الإنشاء لا يتعلّق
إلّا بالأمور الاعتبارية التي لا وجود لها إلّا في صقع الاعتبار كالأحكام الشرعية.
ولا يتعلق الإنشاء باللفظ ، لأنّه موجود حقيقي مغاير للموجود الاعتباري سنخا ، ويتوقف
وجود اللفظ خارجا
باللفظ (*) ـ
______________________________________________________
على مباد خاصة ، ولا يصلح لفظ لأن يصير من مبادي وجود لفظ آخر.
ولا فرق في
استحالة إنشاء البيع ـ لو كان هو العقد ـ بين كون اللفظ تمام حقيقته أو بعضها. مضافا
الى استلزامه نفي بيعية المعاطاة ، لخلوّها عن الإيجاب والقبول اللفظيين ، مع
أنّها بيع عندهم ولو كانت فاسدة عند بعضهم.
__________________
__________________
عدل (١) (*) جامع المقاصد إلى تعريفه «بنقل العين بالصيغة المخصوصة».
______________________________________________________
(١) جواب «وحيث
إن البيع» وتوجيه عدول المحقق الكركي قدسسره عن تعريف البيع «بالإيجاب والقبول» الى تعريف آخر ، قال
في جامع المقاصد ـ بعد أن حكى عن المختلف تعريفه تبعا لابن حمزة بالعقد ، وتوجيه
فخر المحققين والشهيد له ـ ما لفظه : «وفيه نظر ، فإنّ المفهوم من ـ بعت ـ ليس هو
عقد البيع قطعا ، وإنّما المفهوم منه هو المفهوم من ـ ملّكت ـ فانّ كليهما إيجاب
للبيع. ولو كان المفهوم من ـ بعت ـ هو عقد البيع لما صحّ الإيجاب بملّكت. ولأنّ
البيع هو المقصود بالعقد لا نفسه .. الى أن قال : والأقرب : أن البيع هو نقل الملك
من مالك الى آخر بصيغة مخصوصة لا انتقاله ، فإنّ ذلك أثره إن كان صحيحا. وأيضا
فإنّ البيع فعل ، فكيف يكون انتقالا؟» .
ولمّا كان
البيع نفس النقل الاعتباري الذي هو من مقولة المعنى كان سليما عن محذور استحالة
إنشاء اللفظ باللفظ.
__________________
__________________
ويرد عليه
(١) ـ مع أنّ
______________________________________________________
(١) أي : على
تعريف جامع المقاصد للبيع ، وقد أورد المصنف عليه بوجوه ثلاثة :
الأوّل
: أنّه يعتبر في باب الحدود والتعريفات ـ ترادف الحد
للمحدود كترادف «الحيوان الناطق» للإنسان ، ولذا يصح إطلاق أحدهما مكان الآخر. ولم
تراع هذه الضابطة في تعريف المحقق الثاني للبيع بالنقل ، وذلك لعدم ترادفهما ، إذ
لا يصح استعمال النقل موضع البيع ، فلا يقال : «نقلت الدار» مثلا بدل «بعت الدار» ومن
المعلوم أن عدم صحة هذا الاستعمال يكشف عن عدم الترادف.
ويدل عليه
تصريح العلامة في التذكرة بعدم وقوع البيع بلفظ «نقلت» لكونه من الألفاظ الكنائيّة
، مع أنّ المعتبر في صيغ العقود الصراحة أو الظهور الوضعي ، ولا تقع بالألفاظ
الكنائية.
وعليه فلا وجه
لتفسير البيع بالنقل أصلا ، بل لا بد من تعريفه بمثل التمليك ممّا يرادف البيع كما
سيأتي تعريفه في المتن ب «إنشاء تمليك عين بعوض».
الثاني
: أنّ تقييد البيع بكونه «نقلا بالصيغة» يوجب خروج البيع
المعاطاتي عن التعريف ، لوقوع النقل بالفعل لا بالقول ، مع أنّ «المعاطاة بيع» جزما
، خصوصا عند المحقق الثاني الذي حمل مذهب المشهور ـ من إفادتها الإباحة ـ على
الملك الجائز ، على ما سيأتي تفصيله في المعاطاة إن شاء الله تعالى ، ومعه يختلّ
أخذ «الصيغة» في التعريف ، بل ينبغي جعل البيع مطلق نقل العين سواء أكان باللفظ أم
بالتعاطي.
__________________
النقل (١) ليس مرادفا للبيع (*) ،
______________________________________________________
ثم إنّ هذا
الإشكال نبّه عليه في الجواهر أيضا بقوله : «مضافا الى منافاته ما عنده من كون
المعاطاة بيعا ، مدّعيا الاتفاق عليه» .
الثالث : أنّ المحذور المتقدم في تعريف البيع «بالإيجاب
والقبول الدالّين على الانتقال» ـ من استحالة الإنشاء حينئذ لعدم قابلية العقد
للإنشاء ـ يرد على تعريف المحقق الثاني قدسسره أيضا ، لوضوح أنّ القابل للإنشاء بصيغة مخصوصة مثل «بعت
وملّكت» هو نفس النقل الاعتباري ، لا النقل المقيّد بكونه بصيغة مخصوصة ، لكون
الصيغة لفظا ، وهو مما لا يقبل الإنشاء ، وإنّما القابل له هو الأمور الاعتبارية
التي توجد في صقع الاعتبار بواسطة ألفاظ خاصة ، وقد مرّ توضيحه. ولو اقتصر المحقّق
الكركي قدسسره على قوله : «نقل الملك من مالك إلى آخر» ولم يعقّبه «بالصيغة
المخصوصة» كان سليما عن هذا المحذور.
(١) هذا أوّل
وجوه المناقشة في تعريف جامع المقاصد ، وحاصله : عدم ترادف البيع والنقل ، مع لزوم
رعاية الترادف في التعريف ، بل النقل من لوازم المبادلة الاعتبارية ، كما أنّ كثرة
الرماد وهزال الفصيل من لوازم جود زيد مثلا.
__________________
__________________
ولذا (١) صرّح في التذكرة بأنّ إيجاب البيع لا يقع بلفظ «نقلت» وجعله
(٢)من الكنايات. وأنّ (٣) المعاطاة عنده بيع مع خلوّها عن الصيغة ـ : أن النقل بالصيغة أيضا
(٥) لا يعقل إنشاؤه
بالصيغة (*).
______________________________________________________
(١) أي : ولأجل
عدم الترادف ، ومقصوده تثبيت الإشكال على المحقق الثاني بالاستشهاد بكلام العلّامة.
ولكن لم أظفر بما نسبه إليه بعد الفحص ، وإنّما قال في التذكرة : «ويشترط في
الصيغة أمور .. الرابع : التصريح ، فلا يقع بالكناية مع النيّة ، مثل : أدخلته في
ملكك ، أو : جعلته لك ، أو : خذه منّي ، أو : سلّطتك عليه بكذا. عملا بأصالة بقاء
الملك ، ولأنّ المخاطب لا يدري بم خوطب به ..» . ولا بد من مزيد التتبّع.
(٢) يعني : جعل
العلّامة في التذكرة ـ النقل ـ كناية عن البيع الذي هو تمليك العين بعوض.
(٣) معطوف على «أنّ
النقل» واشارة إلى المناقشة الثانية في تعريف جامع المقاصد ، ومحصّلها : النقض
بالمعاطاة التي هي بيع مجرّد عن الصيغة.
(٤) مرفوع
محلّا على أنّه فاعل لقوله : «ويرد عليه» وكأنّ هذا الاشكال هو الأصل في الإيراد
على تعريف جامع المقاصد ، وهو ـ كما عرفت ـ محذور مشترك بين تعريف ابن حمزة بالعقد
وتعريف المحقق الكركي ، ومحصّله : أنّ دخل اللفظ في حقيقة البيع يوجب استحالة
إنشائه ، لفرض كون بعض المنشأ لفظا ، والإنشاء لفظا آخر ، وكل لفظ بما أنّه عرض
متأصّل ـ ومن مقولة الكيف المسموع ـ يستحيل أن يتسبّب وجوده من لفظ آخر.
(٥) يعني : كما
لا يعقل إنشاء «الإيجاب والقبول الدالّين على الانتقال» بصيغة مثل «بعت».
__________________
__________________
ولا يندفع هذا
(١) بأنّ المراد
______________________________________________________
(١) أي : ولا
يندفع الاشكال الثالث ـ وهو امتناع إنشاء اللفظ بلفظ آخر ـ ومحصّل وجه اندفاع
الاشكال : أنّ مقصود المحقق الكركي قدسسره من تعريف البيع بأنه «نقل الملك بالصيغة المخصوصة» بيان
كون البيع نقلا اعتباريا لا خارجيا ، توضيحه : أنّ نقل الملك قد يكون خارجيا ، كما
إذا بدّل الكتاب بدينار بجعل كل منهما في مكان الآخر ، وقد يكون اعتباريا ، وهو
المبادلة بينهما في إضافة الملكية ، بأن يصير المبيع ملكا للمشتري بدلا عن ديناره
، والثمن ملكا للبائع كذلك. وحيث إن البيع مبادلة اعتبارية بين المالين أراد
المحقق الثاني تعريفه بالنقل الاعتباري ، ولا دخل للفظ في حقيقته حتى يتّجه عليه
المحذور ، وإنّما أتى بقوله : «بالصيغة المخصوصة» لمجرّد الإشارة إلى أنّ البيع
نقل اعتباري ينشأ بالصيغة تارة وبالمعاطاة أخرى. وليس قوله : «بالصيغة» قيدا
لحقيقة البيع ودخيلا في ماهيته حتى يستحيل إنشاؤه.
وبعبارة أخرى :
البيع نفس النقل الاعتباري ، لا المقيّد بكونه مدلول الصيغة ، فجعله مدلول الصيغة
للإشارة الى ذلك الفرد من النقل الذي هو بيع ، ومن المعلوم خروج العناوين المشيرة
عن المشار إليها ، إذ العنوان المشير ليس إلّا حاكيا عن ذات المشار إليه ومرآة لها.
__________________
من البيع (١) نفس النقل الذي هو مدلول
الصيغة (٢) ، فجعله (٣) مدلول الصيغة إشارة إلى تعيين ذلك الفرد من النقل
(٤) ، لا أنّه (٥) مأخوذ في مفهومه حتى يكون مدلول «بعت» نقلت بالصيغة (٦). لأنّه
(٧) إن أريد بالصيغة خصوص «بعت» لزوم الدور
،
______________________________________________________
(١) أي : البيع
الذي أريد تعريفه بقوله : «نقل الملك بصيغة مخصوصة» هو نفس النقل والتبادل
الاعتباريين.
(٢) أي : مدلول
صيغة «بعت أو ملّكت».
(٣) أي : فجعل
البيع مدلول صيغة «بعت» إشارة إلى النقل الاعتباري ، لا قيدا في التعريف.
(٤) أي : النقل
الاعتباري في قبال النقل الخارجي ، ومن المعلوم أنّ النقل في وعاء الاعتبار ينشأ
باللفظ وشبهه ، ولكن ليس اللفظ جزءا من مفهومه ولا دخيلا في حقيقته ، وعليه فتعريف
المحقق الكركي قدسسره سليم عن الاشكال الثالث.
(٥) أي : لا
أنّ كون البيع مدلولا للصيغة مأخوذ في ماهية البيع حتى يستحيل إنشاؤه باللفظ من
جهة امتناع إنشاء لفظ بلفظ آخر.
(٦) بل مدلول «بعت»
: هو «نقلت» فالصيغة غير مأخوذة في حقيقة البيع ، بل هي آلة لإنشائه.
(٧) تعليل
لقوله : «ولا يندفع هذا» ومقصوده تثبيت الإشكال الثالث وعدم إمكان التفصّي عنه بما
أفيد من جعل الصيغة المخصوصة عنوانا مشيرا لا قيدا في مفهوم البيع.
توضيح عدم
اندفاع الاشكال بذلك هو : أنّه يلزم من إرادة ما ذكر أحد محذورين على سبيل منع
الخلوّ ، إذ لو كان مراد المحقق الثاني قدسسره من «الصيغة المخصوصة» خصوص صيغة «بعت» لزم الدور ، لوقوع
المعرّف في المعرّف ، مع توقف معرفة المحدود ـ أعني به البيع ـ على الحدّ ، والمفروض
أخذ «بعت» في الحدّ ، وكلّما توقف معرفة الحد ـ كلّا أو بعضا ـ على المحدود لزم
الدور ، فكأنه قيل «البيع هو نقل الملك بالبيع».
وهذا الشق من
الاشكال قد نبّه عليه صاحب الجواهر قدسسره بقوله ـ في الإيراد على تعريف
لأنّ المقصود (١) معرفة مادة (٢) «بعت» (*)
______________________________________________________
ابن حمزة والعلّامة ، وهذا التعريف ـ : «والأوّل منهما .. مشتمل على الدور
، لذكر المبيع فيه ، بل لعلّ الثاني كذلك أيضا ، ضرورة إرادة صيغة البيع من الصيغة
فيه ، وإلّا انتقض بغيره» . ثم دفعه بما سيأتي نقله في التعليقة إن شاء الله تعالى.
وإن كان مراد
المحقق الثاني قدسسره من «الصيغة المخصوصة» ـ في مقام إنشاء النقل الاعتباري
ـ صيغة «نقلت وملّكت» فكأنّه قيل : «البيع نقل الملك بصيغة نقلت أو ملّكت» قلنا : إنّ
إشكال الدور وإن لم يتجه حينئذ ، لكن فيه محذور آخر ، وهو لزوم الاقتصار في مقام
الإنشاء على لفظ النقل والتمليك والتبديل مثلا ، وعدم صحة إنشائه بلفظ «بعت» أصلا.
مع كون صيغة «بعت» أصرح صيغ البيع ، لأنّ جواز الإنشاء بلفظي النقل والتمليك مورد
بحث بينهم كما ستقف عليه في ألفاظ العقود إن شاء الله تعالى ، ومعه كيف يقتصر على
هذين اللفظين ويترك الإنشاء بمادة البيع مع صراحتها في إرادة تمليك العين بعوض؟
فالنتيجة : أنّه
بعد بطلان كلا شقّي الترديد يبقى الاشكال الثالث ـ أعني به : استحالة إنشاء اللفظ
باللفظ ـ على حاله ، ولا يصلح جعل الصيغة عنوانا مشيرا للتخلّص عنه ، هذا.
(١) هذا تقريب
الدور ، لأنّ المقصود معرفة «البيع» الذي هو مادة صيغة «بعت» فكيف يؤخذ المعرّف في
المعرّف؟
(٢) التي يكون
معناها ساريا في جميع التصاريف والمشتقّات التي منها صيغة «بعت».
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ولعلّه مقتبس
مما أفاده صاحب الجواهر قدسسره بقوله : «اللهم إلّا أن يدفع الدور بأن الموقوف معرفة
البيع بالرسم أو الوجه الأتمّ ، والموقوف عليه معرفته بالوجه الظاهر المعلوم لكل
أحد» .
وحاصل وجه دفع
الدور : أن المحدود هو معنى البيع ، والمأخوذ في الحد ـ أعني به : بعت ـ هو نفس
اللفظ ، فالموقوف هو المعنى ، والموقوف عليه هو اللفظ ، وهما متغايران ، ألا ترى
أنّه لو قيل : «البيع نقل العين بلفظ : بعت» لم يلزم الدور ، لأنّ الدال على النقل
هو اللفظ ، لا المعنى.
أقول : لا مجال
لشيء من إشكال الدور ، ولزوم الاقتصار على النقل والتمليك حتى تصل النوبة إلى
دفعهما ، وذلك لأنّ «الصيغة المخصوصة» بناء على صحة وجه الاندفاع ـ أعني به مشيرية
قوله : بالصيغة المخصوصة ـ خارجة عن الحد رأسا ، لأنّ معنى المشيرية هو خروج
العنوان المشير عن الحد ، وعدم دخله فيه أصلا. ومع فرض خروجه عن حيّز الحد لا معنى
لإيراد أحد الإشكالين من الدور أو لزوم الاقتصار على النقل والتمليك على التعريف
المزبور ، بداهة أنّ القيود المأخوذة في الحدود دخيلة في نفس المفهوم ، بخلاف
العناوين المشيرة ، فإنّها خارجة عن الحد ، وحاكية عن المفهوم المبيّن حدوده.
وبعبارة أخرى :
دخل الحدود في المحدودات ثبوتي ، ودخل العناوين المشيرة في المحدودات إثباتي ، لأنّها
واسطة في العلم والإثبات.
وعلى هذا فلا
موضوع لإشكال المصنف قدسسره ـ على جعل «الصيغة المخصوصة» مرآة ـ بما ذكره من الدور
، أو لزوم الاقتصار في التعريف على مجرد التمليك والنقل ، وإسقاط الصيغة المخصوصة
، وذلك لأن موضوع الاشكال هو ما يؤخذ في الحد ، والمفروض خلافه ، إذ لا دخل
للعنوان المشير في الحد أصلا.
نعم يرد على
المشيرية : أنّها خلاف الأصل في القيود ، سيّما الواقعة في الحدود ، إذ المقصود
بها بيان حدود المفهوم ، والحمل على المشيرية إلغاء للقيد حقيقة ، كالحمل على
__________________
وإن أريد بها ما يشمل «ملّكت» وجب الاقتصار على مجرّد التمليك والنقل.
______________________________________________________
(١) أي : بالصيغة
المخصوصة ، وهذا هو الشق الثاني مما أجاب به المصنّف قدسسره عن اندفاع الاشكال الثالث. وقد عرفت توضيحه آنفا بقولنا
: «وإن كان مراد المحقق الثاني قدسسره من الصيغة المخصوصة في مقام .. إلخ».
(٢) لا تخلو
العبارة عن قصور في التأدية ، لأنّ المقصود بهذا الشق هو إرادة ما عدا صيغة «بعت» من
قول المحقق الثاني : «بصيغة مخصوصة» فالبيع هو نقل الملك بصيغة «نقلت أو ملّكت» حتى
يندفع محذور الدور ، إذ لو أريد من الصيغة ما هو أعم من «بعت وملّكت» لم يندفع
المحذور ، فحقّ العبارة بقرينة قوله : «وجب الاقتصار» أن تكون هكذا : «وإن أريد
بها ما عدا لفظ بعت وجب الاقتصار ..».
(٣) وجه وجوب
الاقتصار هو عدم قابلية لفظ «بعت» لإنشاء البيع به.
__________________
فالأولى (١) تعريفه (٢) بأنّه
______________________________________________________
المختار في تعريف
البيع
(١) هذه
الأولوية تعيينيّة كالأولوية في استحقاق أولى الأرحام للإرث ، وليس المراد مجرّد
تفضيل هذا التعريف على ما سبق من التعاريف ، فإنّها لمّا لم تكن خالية عن الخلل
ولا وافية بتعريف البيع لم تكن مشاركة للتعريف الآتي حتى يكون هذا التعريف راجحا
عليها ، بل المتعيّن تعريف البيع بإنشاء التمليك ، ولا وجه لتعريفه بما تقدّم من
الانتقال والعقد ونحوهما.
(٢) أي : تعريف
البيع ، وهذا مأخوذ ـ مع بعض التصرف ـ من العلامة الطباطبائي قدسسره حيث قال في محكي المصابيح : «ان الأخصر والأسدّ تعريفه
بأنّه إنشاء تمليك العين بعوض على وجه التراضي» .
ويتلخّص وجه
الأولوية في سلامة هذا التعريف من وجوه الخلل والإشكالات الواردة على التعاريف
الثلاثة المتقدمة.
وبيانه : أنّه
لا يرد على تعريف المصنف قدسسره ما أورد به على تعريف المبسوط والتذكرة «بانتقال عين من
شخص إلى غيره ..» تارة بأنّ البيع من مقولة الفعل ، والانتقال من مقولة الانفعال. واخرى
بأنّ الانتقال من الغايات المترتبة على البيع لا نفسه. وثالثة بانخرام قاعدة لزوم
موافقة التصاريف لمبدإ الاشتقاق في المعنى ، بداهة عدم كون معنى «بعت ، أبيع : انتقلت
، أنتقل» وهكذا سائر التصاريف.
وكذا لا يلزم
على تعريف المتن ما أورد به على تعريفه «بالعقد الدال على الانتقال» من عدم تعقل
إنشاء اللفظ باللفظ.
وكذا ما أورد
به على تعريف جامع المقاصد «بنقل الملك بالصيغة المخصوصة» من عدم مرادفة البيع
للنقل ، ومن خروج المعاطاة عن التعريف مع كونها بيعا عنده ، ومن عدم تعقل إنشاء
النقل ـ المقيّد بالصيغة ـ باللفظ.
هذا مضافا إلى
: إسقاط قيد «على وجه التراضي» المذكور في تعريف شيخ الطائفة
__________________
«إنشاء (١) تمليك عين بمال» (*).
______________________________________________________
والسيد بحر العلوم وغيرهما قدسسرهم ، لأنّ أخذه في التعريف يوجب خروج بيع المكره عن الحدّ
، مع أنه بيع عندهم إذا لحقه الرضا ، بل بدونه أيضا في بعض الموارد كبيع الحاكم في
موارد جواز إكراهه البائع عليه ، فإنّ البيع صحيح مع عدم التراضي.
وإلى : العدول
عن «العوض» إلى «مال» من جهة أعمية العوض من المال ، لشموله لجملة من الحقوق كحقّ
السلام وحقّ ولاية الأب والجد على الصغير ، وحق الحضانة ، ونحوها مما لا يصدق عليه
المال مع صدق العوض عليها ، على ما قيل. وقد تقدم تحقيق الحال في بحث الحقوق ، وأنّ
ما يقبل منها الإسقاط فقط ـ أو مع النقل ـ مال عرفا ، فلا مانع من جعله عوضا في
البيع.
(١) وجه زيادة
لفظ «الإنشاء» في التعريف هو : كون البيع تمليكا إنشائيا لا تمليكا خارجيا أي ممضى
شرعا ، أو عقلائيا ، لأنّ ما بيد البائع هو التمليك الإنشائي ، والملكية الشرعية
أو العقلائية خارجة عن حيّز قدرته ، فلا معنى لإيجادها بالإنشاء ، فإن كان ما
أنشأه واجدا لشرائط البيع الصحيح العرفي والشرعي ترتّبت الملكية على إنشائه ، وإلّا
فلا.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
ولا يلزم (١)
عليه شيء ممّا
تقدّم.
نعم
(٢)
______________________________________________________
(١) أي : لا
يرد على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» شيء من الإشكالات المتقدمة على
تعريفه بالانتقال أو بالعقد أو بالنقل بالصيغة ، نعم تبقى وجوه من المناقشة في
التعريف المتقدم تعرّض المصنف قدسسره لجملة منها ، ونتعرض ـ بعدها ـ لجملة أخرى منها في
التعليقة إن شاء الله تعالى.
مناقشات في التعريف
المختار
(٢) استدارك
على قوله : «لا يلزم» يعني : أنّ إشكالات سائر التعاريف وإن لم ترد على تعريف
المتن ، لكن هنا وجوه اخرى ربما يتوهم ورودها عليه ، فلا بد من ذكرها وبيان سلامة
التعريف منها.
وليعلم أنّ
جملة من الوجوه ـ التي تعرّض المصنف لها ـ لا تختص بتعريفه ، بل يشترك فيها تعريف
البيع بالعقد أو بالانتقال أو بالنقل ، فإنّ الشهيد الثاني قدسسره أورد بها على تعريف المحقق بالعقد كما ستقف عليه إن شاء
الله تعالى.
__________________
يبقى عليه (١) أمور :
منها
(٢) : أنّه موقوف
على جواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» وإلّا (٣) لم يكن مرادفا له.
ويردّه (٤)
: أنّه (٥) الحق كما سيجيء
(٦) (*).
______________________________________________________
(١) أي : على
تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال».
أ ـ توقف التعريف على
جواز الإنشاء بالتمليك
(٢) هذا أوّل
الإشكالات التي أوردها المصنف على تعريفه البيع بما ذكره ، ومحصله : أنّ هذا
التعريف يتوقّف صحته على جواز إيجاب البيع بلفظ «ملّكت» ووجه التوقف واضح ، إذ
المفروض تفسير ماهية البيع بالتمليك الإنشائي ، فلو لم يصح إنشاء البيع بلفظ
التمليك امتنع تفسيره به ، لاحتمال كون حقيقته أمرا آخر غير التمليك. وعليه فصحة
التعريف موقوفة على جواز إنشاء البيع بالتمليك ، فإن جاز إنشاؤه به صحّ تعريفه به
، وإلّا فلا.
(٣) أي : وإن
لم يجز الإيجاب بلفظ «ملّكت» لم يكن التمليك مرادفا للبيع ، ولم يصح حينئذ تعريف
البيع بإنشاء التمليك.
(٤) هذا جواب
الإشكال الأوّل ، وحاصله : الالتزام بجواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» فلا محذور من هذه
الناحية في تعريف البيع بإنشاء التمليك ، فالترادف ثابت بين المادّتين.
(٥) أي : أنّ
جواز الإيجاب بلفظ «ملّكت» هو الحق.
(٦) سيأتي
تصريحه بجواز الإنشاء بلفظ «ملّكت» في موضعين :
أحدهما : قوله
في جواب الاشكال الخامس على تعريف البيع : «فلو قال : ملكتك كذا بكذا كان بيعا ، ولا
يصح صلحا ولا هبة معوّضة وان قصداهما ..».
ثانيهما : في
المقدمة المعقودة لألفاظ العقود ـ بعد تنبيهات المعاطاة ـ حيث قال : «ومنها : لفظ
ـ ملّكت ـ بالتشديد».
__________________
.................................................................................................
__________________
ومنها (١) :
______________________________________________________
ب ـ خروج بيع الدين
عن الحدّ
(١) هذا ثاني
الإشكالات التي أوردها المصنف قدسسره على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» وحاصله : عدم
جامعية التعريف لأفراد البيع ، وذلك لأنّ مقتضى أخذ التمليك في حقيقة البيع هو
صيرورة المشتري مالكا للمبيع ، كمالكية البائع للثمن ، فلو لم يترتب عليه مالكية
المشتري له لم يكن بيعا ، ومن المعلوم عدم صدق التعريف على بيع الدين على المديون
، إذ لا يصير المشتري مالكا لمال على نفسه.
مثلا : لو كان
زيد مديونا لعمرو بمنّ من الحنطة ، فباعه عمرو على زيد بدينار ، فإنّ المشتري لم
يتملك شيئا في هذه المعاملة ، لعدم معقولية تملك الإنسان شيئا على عهدة نفسه ، وإذا
امتنع التملك امتنع تمليك البائع إيّاه ، لتضايف التمليك والتملّك ، فلا يفيد بيع
الدين تمليك الدين للمديون ، وإنّما يؤثّر في سقوط ما في ذمته.
وعليه فلازم
عدم ترتّب انتقال الملك ـ في بيع الدين ـ هو عدم صحة إطلاق البيع عليه ، مع أنّ
كون «بيع الدين» من أفراد البيع لعلّه مما لا خلاف في مشروعيّته وصحته في الجملة ،
قال العلامة قدسسره : «قد بيّنّا أنه يجوز بيع الدين ، وهو مذهب علمائنا ، ولا
فرق بين بيعه على من هو عليه أو على غيره» .
وفي الجواهر : «يجوز
بيع الدين ـ بعد حلوله ـ على الذي هو عليه ، بلا خلاف فيه بيننا ولا إشكال ، بل
وعلى غيره ، وفاقا للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك ، بعد
انحصار الخلاف في الحلّي ، لوجود المقتضي وارتفاع المانع ..» .
والحاصل
: أنّ بيع الدين على الغريم بيع حقيقة ، مع أنّ أثره سقوط
الدين ، ولا تمليك فيه.
__________________
أنّه لا يشمل بيع الدين على من هو عليه ، لأنّ الإنسان لا يملك مالا على نفسه.
وفيه ـ مع ما
______________________________________________________
وهذا النقض
يوجب بطلان تعريف البيع بإنشاء التمليك. بل لا بد من تعريفه بما ينطبق على بيع
الدين ونحوه مما لا يترتب عليه تبديل إضافة الملكية.
ثم لا يخفى أنّ
هذا النقض ـ لو تمّ في نفسه ـ لا يختص بتعريف المصنف ، بل يرد على التعاريف
المتقدمة أيضا ، إذ كما لا يتملك المديون ما في ذمة نفسه ، فكذا لا ينتقل إليه شيء
، وعليه فلا بد من علاج الاشكال على جميع التعاريف ، هذا.
(١) أي : أنّ
هذا التعريف غير جامع لأفراد البيع.
(٢) تقييد بيع
الدين ببيعه على خصوص المديون إنّما هو لأجل إفادته التمليك لو باع الدائن دينه
للأجنبي ، فيصير المشتري مالكا للكلّي في ذمة المديون بدلا عن مالكية البائع له. وعلى
هذا فإشكال عدم اطّراد التعريف مختص بما إذا كان المشتري للدين هو المديون ، لا
الأجنبي.
(٣) محصل هذا
التعليل : أنّ عنواني «المالك والمملوك عليه» متقابلان كتقابل عنواني «المسلّط
والمسلّط عليه» ومن المستحيل اتحاد المتقابلين ، فإذا بني على جواز تملك المديون
لما في ذمة نفسه لزم وحدة المتقابلين وهما المالك والمملوك عليه ، وهذا المحذور
ألجأ بعضهم الى القول بأن بيع الدين على المديون يفيد السقوط لا الملك.
(٤) هذا جواب
الإشكال الثاني على تعريف البيع ، وهو يرجع الى وجهين ، أحدهما : تقدّم في القسم الثاني
من أقسام الحقوق ، وأضاف إليه هنا تنظيره بباب التهاتر ، وثانيهما : نقض على
المستشكل ، وأنّ الإشكال لا يختص بتعريف البيع بإنشاء التمليك ، بل يرد على تعريفه
بالنقل والانتقال أيضا ، فلا بدّ من علاجه على جميع التعاريف.
هذا إجمال
الوجهين.
أمّا
توضيح الوجه الأوّل
فهو : أنّه لا مانع من تعريف البيع ب «إنشاء التمليك» وترتب الملكيّة عليه في جميع
الموارد حتى في بيع الدين على المديون ، ولا منافاة بين مالكية المديون لما
.................................................................................................
______________________________________________________
في عهدة نفسه وبين سقوطه عنه ، لأنّ الممتنع هو تملك الإنسان لمال على نفسه
حدوثا وبقاء ، وأمّا تملّكه له حدوثا فقط ثم سقوط المال عن ذمته فليس بممتنع. فالمقام
ـ من حيث التملك آنا ما ثم السقوط ـ نظير أن يكون زيد مديونا لعمرو دينارا ، واشترى
عمرو منه متاعا بدينار كلّي في ذمته ، فإنّ الدينارين يسقطان عن كلتا الذمّتين
بالتهاتر.
وعليه فلم
ينتقض تعريف المصنف ببيع الدين أصلا ، لفرض دخول المبيع الكلّي في ملك المديون آنا
ما ، وهذا المقدار كاف في صحة البيع ، ولا يعتبر فيه تأثيره في بقاء المبيع على
ملك المشتري.
وأمّا
توضيح الوجه
الثاني فهو : أنّ إشكال عدم جامعية التعريف لأفراد المعرّف لا يختص بما إذا كان
البيع بمعنى التمليك ، بل هو مشترك الورود على تعريفه بالانتقال أو بالنقل أو
بالعقد الدال على أحدهما ، إذ لو كانت نتيجة بيع الدين على من هو عليه مجرّد فراغ
الذمة لا التملّك كان تعريفه بالنقل والانتقال منتقضا أيضا ببيع الدين ، لفرض عدم
انتقال شيء إلى المديون.
وعليه فلا وجه
لإيراد هذا المحذور على خصوص تعريف المصنف قدسسره بل اللازم ـ على من عرّفه بالنقل وشبهه ـ التفصّي عن
هذا الاشكال ، وتصحيح بيع الدين على المديون على كلّ حال ، سواء أكان البيع هو
التمليك ، كما عن فخر المحققين ، حيث قال فيما حكي عنه : «انّ بعت في لغة العرب
بمعنى ملّكت غيري» أم هو المبادلة أم النقل ، لأنّ عدم معقولية مالكية
الإنسان لما في ذمة نفسه يوجب عدم معقولية البيع ، الذي هو عبارة في العرف واللغة
عن المبادلة والنقل والتمليك وما يساويها من الألفاظ.
والحاصل
: أنّ استحالة تملك الشخص لما في ذمته يوجب عدم معقولية
بيع الدين مطلقا حتى لو عرّفنا البيع بالمبادلة والنقل ، مع أنّ من عرّفه
بالانتقال ـ كشيخ الطائفة والعلامة وغيرهما ، أو بالعقد الدال على نقل الملك كما
في الشرائع ـ صرّح بجواز بيع الدين ممّن هو عليه ،
__________________
عرفت (١) وستعرف (٢)
من تعقل تملك ما على نفسه ، ورجوعه (٣) إلى سقوطه عنه (٤) ، نظير (٥) تملك ما هو
مساو لما في ذمته وسقوطه (٦) بالتهاتر ـ أنّه (٧) لو لم يعقل التمليك لم يعقل البيع ، إذ ليس للبيع لغة
وعرفا معنى غير المبادلة والنقل والتمليك
______________________________________________________
كما تقدم في عبارة المختلف والجواهر.
(١) يعني : في
القسم الثاني من الحقوق ، حيث قال : «لأنّه لا مانع من كونه تمليكا فيسقط .. والحاصل
: أنه يعقل أن يكون مالكا لما في ذمته ، فيؤثّر تمليكه السقوط».
(٢) يعني : بعد
أسطر ، حيث يقول : «فإذا لم يعقل ملكية ما في ذمة نفسه ، لم يعقل شيء مما يساويها
.. إلخ».
(٣) أي : ورجوع
التملّك ، يعني : أنّ مآل تملك الإنسان لما في ذمة نفسه هو سقوط الدين الذي كان في
ذمته.
(٤) أي : سقوط
ما على عهدته عن نفسه.
(٥) كالمثال
المتقدم آنفا من كون زيد مديونا لعمرو دينارا ، ثم شراء عمرو من زيد متاعا بدينار
كلّي نسيئة ، إذ يتساقط الديناران عن الذمتين قهرا.
وغرضه من هذا
التنظير رفع الاستبعاد عن سقوط ما في الذمة قهرا بدون الإسقاط في بيع الدّين على
المديون ، وأنّ السقوط يترتب على مالكية المديون لما في ذمته آنا ما. وليس الغرض
من هذا التنظير ما أفاده بعض المحشين من «مجرّد رفع الاستبعاد عن سقوط ما في الذمة
قهرا بدون الاسقاط» بل المقصود إثبات مالكية المديون لما في ذمة نفسه آنا
ما أيضا حتى يتجه بيع الدين من المديون.
(٦) أي : سقوط
ما في ذمة المديون بسبب التهاتر القهري.
(٧) هذا وبعده
مرفوع محلّا لكونه مبتدأ مؤخرا لقوله : «وفيه» وهذا إشارة إلى الوجه الثاني مما
أجاب به عن الاشكال ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «وأما توضيح الوجه الثاني فهو .. إلخ».
__________________
وما يساويها من الألفاظ ، ولذا قال (١) فخر الدين : «ان معنى بعت في لغة العرب ملّكت غيري» فإذا لم
يعقل ملكية ما في ذمة نفسه لم يعقل شيء ممّا يساويها ، فلا يعقل البيع (٢).
______________________________________________________
(١) مقصوده قدسسره جعل كلام فخر المحققين قدسسره شاهدا على أنّ معنى البيع في اللغة والعرف هو التمليك ،
فإذا لم يتحقق «تمليك الغير» في مثل بيع الدين من جهة استحالة تملك الإنسان لما في
ذمة نفسه لم يعقل النقل والمبادلة أيضا ، لاتحاد هذه العناوين مفهوما ، وحيث إنّ
القائلين بأن البيع هو الانتقال أو العقد أو المبادلة صرّحوا بصحة بيع الدين ، فلا
بدّ من صحته بناء على كونه التمليك أيضا. وينحلّ الاشكال بحصول النقل والملك
والمبادلة آنا ما ، ثم يسقط الدين عن المديون.
(٢) مع أن
البيع بمعنى النقل والانتقال معقول في بيع الدين ، فليكن معقولا بناء على تعريفه
بالتمليك (*).
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
ومنها (١) أنه يشمل التمليك بالمعاطاة
(٢) ، مع (٣) حكم المشهور (٤) بل (٥) دعوى الإجماع على أنّها ليست بيعا.
______________________________________________________
ج ـ انتقاض التعريف
بالمعاطاة
(١) أي : ومن
الأمور الباقية على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» عدم كونه مانعا عمّا لا
يفيد التمليك ، فينتقض بالمعاطاة ، فإنّها وإن كانت تمليكا فعليا فاقدا للصيغة
المعتبرة في العقود اللازمة ، إلّا أنّه يصدق عليها «إنشاء تمليك عين بمال» كالبيع
القولي ، فإنّ كل واحد من المتعاطيين يدفع ماله الى الآخر بقصد التمليك. مع أنّ
المشهور ـ بل المجمع عليه ـ عدم كون المعاطاة بيعا ، فيلزم أن يكون تعريف المصنف
للبيع غير مانع عن دخول ما ليس من أفراد البيع في البيع.
(٢) لعلّ
تعبيره بالتمليك بالمعاطاة دون «يشمل المعاطاة» لأجل التنبيه على أنّ المعاطاة ـ كما
سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى ـ قد يقصد بها إباحة التصرف ، وقد يقصد بها
التمليك. ومن المعلوم أن انتقاض تعريف البيع إنّما هو بالمعاطاة المقصود بها
التمليك دون ما يقصد بها الإباحة ، لخروجها موضوعا عن تعريف البيع ، لفرض بقاء
المالين على ملك المتعاطيين كما كانا قبل التعاطي.
(٣) هذا هو
منشأ ورود الإشكال الثالث على التعريف ، ومحصله : ذهاب مشهور الفقهاء إلى نفي
بيعية المعاطاة المقصود بها التمليك ، لتوقف العقود اللازمة على اللفظ ، والمعاطاة
فاقدة للصيغة ، فليست بيعا ، مع أنّها إنشاء فعليّ لتمليك عين بمال ، فلو عرّف
المصنف البيع بقوله : «إنشاء تمليك عين بمال بالصيغة» كان سليما عن نقضه بالمعاطاة.
(٤) قال السيد
الفقيه العاملي : «وفي الميسية : أن المشهور بين الأصحاب أنّها ليست بيعا محضا» .
(٥) غرضه تقوية
الاشكال والإضراب عن قيام مجرّد الشهرة على نفي بيعية المعاطاة ، حتى يقال بكفاية
كونها بيعا عند بعض الفقهاء ، فلا ينتقض التعريف حينئذ بها.
__________________
وفيه
(١) :
______________________________________________________
ومحصل الإضراب
: انعقاد الإجماع على عدم كون المعاطاة بيعا ، قال السيد ابن زهرة : «إنّها ليست
ببيع ، وإنّما هي إباحة للتصرف. يدل عليه الإجماع المشار إليه .. إلخ» . وقال الشهيد الثاني معلّقا على كلام المحقق : «ولا
يكفي التقابض من غير لفظ» ما لفظه : «هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل كان يكون
إجماعا ..» .
(١) هذا جواب
الاشكال الثالث ، وتوضيحه : أنّ النقض بالمعاطاة غير وارد ، لأنّ المحدود هو البيع
بالمعنى الأعم الشامل للصحيح والفاسد ، ومن المعلوم أنّ المعاطاة ـ المقصود بها
التمليك ـ بيع عرفا ، ونفي بيعيتها في بعض العبائر راجع إلى حكمها أي عدم ترتب أثر
البيع اللفظي على مجرد التعاطي ، وهذا نظير بيع ما لا يملك شرعا ـ كالخمر ـ بالصيغة
، فإنّه لا يؤثّر في الملكية وإن صدق عليه عرفا حدّ البيع.
وبعبارة اخرى :
إن كان مورد النفي بيعية المعاطاة كان للنقض المزبور مجال ، إذ المفروض وجود «إنشاء
التمليك» في المعاطاة مع عدم كونها بيعا. وإن كان مصبّ النفي حكم المعاطاة من
الصحة أو اللزوم لم يبق مورد للنقض المذكور ، إذ المفروض صدق البيع على المعاطاة
وإن كانت بيعا باطلا. وعلى هذا فنفي بيعيّتها ـ الذي هو المشهور أو المجمع عليه ـ يرجع
إلى نفي الحكم أعني الصحة ، لا الموضوع ، وورود النقض يتوقف على كون مورد النفي هو
الموضوع أعني البيعية ، لا الحكم.
والشاهد على
أنّ مراد النافين نفي الحكم لا الموضوع ـ بعد بداهة صدق مفهوم البيع لغة وعرفا على
المعاطاة المقصود بها التمليك ـ أنّ الإجماع لا بدّ أن ينعقد على حكم شرعي ، لا
على ثبوت موضوع عرفي أو نفيه. وعليه فلا محيص عن كون معقد الإجماع على النفي هو
الحكم الشرعي من صحة المعاطاة أو لزومها.
__________________
ما سيجيء (١) من كون المعاطاة بيعا ، وأنّ (٢)
مراد النافين نفي صحتها (٣).
ومنها (٤)
:
______________________________________________________
(١) يعني : في
بحث المعاطاة عند الاستدلال على إفادتها للملك بآية (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) حيث قال : «وأمّا منع صدق البيع عليه عرفا فمكابرة ، وأمّا
دعوى الإجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا كابن زهرة في الغنية ، فمرادهم
بالبيع : المعاملة اللازمة التي هي إحدى العقود .. إلخ».
(٢) معطوف على «كون»
ومبيّن لمراد النافين حتى يندفع توهم المنافاة بين دعوى بيعية المعاطاة وبين نفي
بيعيتها. وعليه فلا ينتقض تعريف المصنف قدسسره بالمعاطاة.
(٣) فلم يتوارد
النفي والإثبات على أمر واحد ، بل المثبت ناظر الى الموضوع ، والنافي إلى الحكم.
د ـ انتقاض التعريف
بالشراء
(٤) يعني : ومن
الأمور الباقية على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» وهذا رابع الإشكالات
التي أوردها المصنف قدسسره على تعريف نفسه. ومحصله : انتقاض التعريف بالشراء ، لصدق
«إنشاء التمليك» على قبول المشتري ، لأنّ البيع «تمليك الغير» كما صرّح به المصنف قدسسره في المنع من جعل القسم الثاني من الحقوق ـ اى ما لا
يقبل النقل الى الغير ـ ثمنا في البيع ، فكما يملّك البائع المبيع للمشتري ، كذلك
المشتري يملّك الثمن للبائع ، وهذا معنى المبادلة في إضافة الملكية ، فكلّ من
المتبايعين ينشئ التمليك ، ولا يختص بالبائع. مع أنّ مقصود المصنف قدسسره تعريف البيع بالمعنى المصدري الذي هو فعل البائع وقائم
به ، لا الملكية والنقل بالمعنى الاسمي المترتب على مجموع الإيجاب والقبول.
نعم لو لم
يعتبر التمليك من الطرفين وكان تمليك البائع كافيا كان تعريفه ب «إنشاء تمليك عين
بمال» سليما عن هذا النقض ، لكنه خلاف تصريحه باعتبار التمليك من كلا المتبايعين. وعلى
هذا فتعريف البيع بما في المتن غير مانع للغير ، وهو إنشاء قبول المشتري.
صدقه (١) على الشراء ، فإنّ (٢) المشتري بقبوله للبيع يملّك ماله بعوض المبيع
(٣)(*).
______________________________________________________
وليعلم أن هذا
النقض ناظر إلى ما هو الغالب من كون الثمن عينا خارجية كالمثمن ، سواء أكان نقدا
أم عرضا ، إذ يتوجه حينئذ محذور صدق تعريف البيع على قبول المشتري. وأمّا لو كان
الثمن منفعة مملوكة ـ كسكنى الدار أو عمل الحرّ بعد المعاوضة عليه ـ لم ينتقض
تعريف البيع بقبول المشتري ، لفرض عدم كون الثمن عينا ، حتى يصدق البيع على تمليكه
، لما تقدم من اعتبار عينية المعوّض دون العوض.
(١) أي : صدق
تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» على الشراء الذي هو فعل المشتري.
(٢) هذا تقريب
النقض ، وقد عرفته آنفا.
(٣) فيصدق على
الشراء «أنه إنشاء تمليك عين بمال» مع أنّ المقصود تعريف البيع القائم بالبائع ، فلا
بدّ من تعريفه بما لا ينطبق على قبول المشتري.
__________________
__________________
وفيه (١) أنّ التمليك فيه (٢) ضمنيّ ، وإنّما حقيقته التملّك بعوض ، ولذا
(٣)
______________________________________________________
(١) هذا جواب
الاشكال ، وحاصله : عدم انتقاض تعريف البيع بقبول المشتري ، وذلك لأن المتصدّي
لإيجاد المبادلة بين المالين هو البائع ، فهو يملّك ماله للمشتري بالعوض ، وإنشاء
المشتري يتعلق بما أنشأه البائع من التمليك بالعوض ، فوظيفة المشتري إنشاء التملّك
الذي هو مطاوعة فعل البائع ، وإن انحلّ هذا التملك المطاوعي المعاوضي إلى تمليك
ماله للبائع ، إلّا أنّه ليس متعلّقا للإنشاء أوّلا وبالذات ، بل بالتحليل ، حيث
إن مطاوعة تمليك البائع تستلزم تمليك المشتري.
والحاصل : أنّ
متعلّق إنشاء البائع ـ أوّلا وبالذات ـ هو التمليك ، ومتعلق إنشاء المشتري كذلك هو
التملك الذي يكون مطاوعة لفعل البائع ، وحيث إنّ فعل البائع هو التمليك بالعوض فلا
محالة يكون فعل المشتري تملّكا بالعوض ، فهذا التملّك ـ الذي هو متعلق إنشاء
المشتري أوّلا ـ يتضمّن التمليك أيضا ، لأنّ مقتضى سلطنة الناس على أموالهم عدم
انتقال إضافتهم الملكية إلى غيرهم إلّا بفعل اختياري مسمّى بالتمليك.
وإن شئت فقل : إنّ
متعلق إنشاء المشتري ـ أوّلا وبالذات ـ هو التملك المتضمن لتمليك الثمن للبائع ، لفرض
كون البيع من المعاوضات. ومتعلّق إنشاء البائع أوّلا وبالذات هو التمليك ، فالإنشاء
ان متعاكسان ، ولا يصدق أحدهما على الآخر.
(٢) أي : في
الشراء.
(٣) أي : ولأجل
كون التمليك في الشراء ضمنيا غير مستقل لا يجوز إنشاء الشراء بلفظ «ملّكت» وذلك
لأنّ هذا اللفظ ليس صريحا ولا ظاهرا في التمليك الضمني ، بل ظاهر في التمليك
__________________
لا يجوز الشراء بلفظ «ملّكت» تقدّم على الإيجاب أو تأخّر
(١) (*).
______________________________________________________
الأصلي الابتدائي ، والمفروض عدم كون الشراء تمليكا أصليا ، فلا يجوز
إنشاؤه بلفظ ليس صريحا ولا ظاهرا في التمليك الضمني.
(١) عدم دلالته
على التمليك الضمني واضح ، إذ ليس فيه شائبة التمليك التبعي ولا التملّك بالعوض
أصلا ، ولا فرق في هذه الجهة بين تقدم القبول على الإيجاب وتأخره عنه ، لأنّ تمام
المناط هو دلالة القبول ـ أوّلا وبالذات ـ على مطاوعة الإيجاب والتملك بالعوض ، ثم
دلالته على تمليك الثمن للبائع ، والمفروض عدم تكفل «ملّكت» للتملك بالعوض
والتمليك التبعي ، وإنّما مدلوله التمليك الأصلي الذي هو مدلول الإيجاب.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
قدسسره «بأنّ الإيجاب وإن
كان من المشتري ، إلّا أنّه يملّك بعنوان العوض ، فكأنّه قال : أعطيتك الدراهم
عوضا عن تمليكك الطعام ، فالتمليك الأصلي من البائع والضمني من المشتري ، فلا نقض»
__________________
وبه (١)
يظهر اندفاع الإيراد بانتقاضه (٢) بمستأجر العين
______________________________________________________
ه ـ انتقاض التعريف
بالاستيجار بالعين
(١) أي : وبما
ذكرناه ـ من كون التمليك في الشراء ضمنيا ـ يظهر اندفاع الإيراد ، .. إلخ. وهذا
إشكال خامس على تعريف البيع بإنشاء تمليك عين بمال ، ولم يفرده بالبحث لأجل
مشاركته للإشكال الرابع نقضا وجوابا ، فهنا أمران ، أحدهما تقريب النقض ، وثانيهما
دفعه.
أما الأوّل ـ وهو
أصل النقض ـ فبيانه : أن حقيقة الإجارة ـ كما سبق التعرض له في اعتبار عينية
المبيع ـ هي تمليك المنفعة بعوض ، سواء أكان العوض عينا كالدينار والكتاب ونحوهما
، كما إذا آجر داره شهرا بدينار ، أم منفعة كما إذا آجر داره شهرا بخياطة ثوب أو
نجارة سرير ونحوهما ، فإذا استأجر زيد دارا من عمرو وكانت الأجرة عينا كدينار صدق
على تمليك الدينار للموجر : أنّه إنشاء تمليك عين بمال ، وهذا معنى انتقاض تعريف
البيع باستئجار عين بعين.
ويظهر من هذا
البيان ورود هذا النقض أيضا على تعريف البيع بانتقال عين مملوكة بعوض.
وأمّا الثاني ـ
وهو جواب النقض ـ فتوضيحه : أن الاستيجار ليس إنشاء تمليك الأجرة كالدينار
بالمنفعة ، بل حقيقته إنشاء تملّك المنفعة بالأجرة ، فتمليك الأجرة لمالك الدار
مثلا ضمني ، وليس بنفسه ـ أوّلا وبالذات ـ متعلّقا للإنشاء ، كما تقدّم في حقيقة
الشراء.
(٢) بيان
للإيراد ، يعني : ينتقض تعريف البيع ـ بإنشاء تمليك عين بمال ـ بباب الإجارة إذا
كانت الأجرة عينا كالدينار والكتاب.
__________________
بعين (١)
، حيث (٢) إنّ الاستيجار
يتضمّن تمليك العين بمال أعني المنفعة (*).
ومنها (٣) : انتقاض
______________________________________________________
(١) قد عرفت
أنّ تقييد النقض ـ بالإجارة ـ بما إذا كانت الأجرة عينا إنّما هو لأجل إخراج
مستأجر العين بالمنفعة ، فإنّه لا تمليك للعين أصلا لا من طرف المؤجر لكونه مملّكا
لمنفعة العين لا رقبتها ، ولا من طرف المستأجر ، لفرض كونه مملّكا لمنفعة كالخياطة
والنجارة ، فتقع المبادلة بين منفعتين ، فلا مورد حينئذ لدخول الإجارة في تعريف
البيع حتى ينتقض تعريفه بها.
(٢) هذا تقريب
النقض ، وقد عرفته. وأمّا جواب النقض فقد أحاله المصنف على ما ذكره في دفع النقض
بالشراء ، ومحصله : أن المستأجر بالعين إنما يتملّك المنفعة بعوض بالأصالة ، ويملّك
عينه للموجر ضمنا ، كما أنّ المشتري يتملّك المبيع أصالة ، ويملّك الثمن للبائع
ضمنا ، فلا موضوع للنقض.
وـ انتقاض التعريف
بالصلح
(٣) أي : ومن
الأمور الباقية على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» انتقاضه
__________________
طرده (*) بالصلح
على العين
______________________________________________________
بالصلح على عين بعوض وبالهبة المعوضة ، وهذا خامس الإشكالات التي أوردها
المصنف قدسسره على تعريفه للبيع ، وقد أورده صاحب الجواهر قدسسره على تعريف المصابيح ـ الذي هو كالأصل لما في المتن ـ بقوله
: «وفيه ـ مع كونه مبنيّا على أصالة البيع في نقل الأعيان بالعوض ـ من دون توقف
على قصد البيع ـ ينتقض بالصلح والهبة المعوضة» .
وقد سبقهما
الشهيد الثاني ، حيث عدّ النقض بالصلح والهبة المعوّضة من وجوه الخلل في تعريف
البيع «بالعقد الدال على نقل الملك» كما في الشرائع ، قال في المسالك : «الثالث : ينتقض
أيضا بالهبة المشروط فيها عوض معيّن ، فإنّ التعريف يشملها وليست بيعا. الرابع : يدخل
فيه أيضا : الصلح المشتمل على نقل الملك بعوض معيّن ، فإنّه ليس بيعا عند المصنف» .
ويظهر منه عدم
اختصاص النقض بهما بتعريف البيع بإنشاء التمليك أو بالعقد الدال على نقل الملك ، بل
يرد على تعريفه بانتقال عين مملوكة أيضا ، كما أورد به المحقق الثاني على تعريف
العلّامة ، فراجع .
وكيف كان
فتوضيح هذا الاشكال الخامس هو : عدم مانعية التعريف عن دخول غير البيع في الحدّ ، وذلك
لأنّ «إنشاء تمليك عين بمال» يصدق على عقدين آخرين.
أحدهما : الصلح
على العين بمال ، كما إذا صالح على الدار بألف دينار.
__________________
__________________
بمال (١) ، وبالهبة (٢) المعوّضة (*).
______________________________________________________
الثاني : الهبة
المعوّضة ، كما إذا وهبه كتابا بشرط أن يدفع المتهب دينارا إلى الواهب.
والوجه في
النقض واضح ، لما فيهما من إنشاء تمليك عين بمال كإنشاء تمليكها به في البيع ، وعليه
لا يكون تعريف البيع هنا مانعا عن دخول الغير فيه ، كالصلح والهبة المعوضة
والإجارة ، مع أنه لا ريب في خروجها عن حد البيع ، بشهادة عقد باب على حدة لكل
منها في المعاملات ، فتعيّن حينئذ تعريف البيع بتعريف آخر مطرد ومنعكس.
(١) تقييد
النقض بما إذا كان «الصلح على عين» إنّما هو لسلامة تعريف البيع عن هذا النقض إذا
كان الصلح على منفعة أو على حقّ قابل للإسقاط أو النقل ، أو كان الصلح على إبراء
دين ، فالأوّل كما إذا صالح على سكنى الدار شهرا بدينار ، والثاني كالصلح على حق
الخيار أو حق التحجير بدينار ، والثالث كالصلح على إبراء ما في ذمة المديون من
الدين بدينار ، فالصلح في هذه الموارد لا يصدق عليه «إنشاء تمليك عين بمال» حتى
ينتقض تعريف البيع به كما هو واضح.
ز ـ انتقاض التعريف
بالهبة المعوّضة
(٢) معطوف على
قوله : «بالصلح» وتقريب انتقاض التعريف بالهبة المعوّضة هو : أنّ الموهوب لا بدّ
أن يكون عينا ، ففي الهبة المعوّضة ينشئ الواهب تمليك عين بعوض ، فيصدق تعريف
البيع على الهبة ، وتندرج هي في الحدّ مع وضوح خروجها عنه ، وعليه فليس التعريف
مانعا للأغيار.
__________________
وفيه (١) أنّ حقيقة الصلح
______________________________________________________
(١) هذا دفع
الاشكال الخامس ، ولمّا كان متضمنا لنقض تعريف البيع بعقدين آخرين ـ وهما الصلح
والهبة المعوضة ـ فلذا تصدّى للجواب عن كل واحد منهما بما يناسبه. فيقع الكلام في
مقامين : أحدهما في التفصّي عن النقض بالصلح ، والثاني في دفع النقض بالهبة
المعوّضة.
أمّا المقام
الأوّل ، فمحصّل ما أفاده فيه : مغايرة البيع والصلح مفهوما ، واستدل عليه بأمور
ثلاثة.
أمّا اختلافهما
مفهوما فبيانه : أنّ البيع ـ كما تقدّم في كلام بعض أهل اللغة كالفيومي
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وكذا في كلمات الفقهاء ـ تمليك عين بمال على وجه المقابلة ، فلا يصدق على
تمليك غير الأعيان من الحقوق والمنافع ، كما لا يصدق على تمليك عين خال عن العوض. ومعنى
الصلح هو التراضي بين المتنازعين وتسالمهما على أمر من تمليك عين أو منفعة ، أو
إباحة تصرّف ، أو سقوط حقّ ، أو إبراء دين ، ونحوها. قال العلامة الطريحي في بيان
النبوي : «الصلح جائز بين المسلمين إلّا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» ما لفظه :
«أراد بالصلح : التراضي بين المتنازعين ، لأنّه عقد شرّع لقطع المنازعة» .
وعليه فحقيقة
الصلح ـ إذا تعلّق بعين مع عوض ـ ليست إنشاء تمليك عين بمال حتى ينتقض به البيع ، بل
هي التسالم الاعتباري ، يعني : أنّ الإنشاء يتعلّق أوّلا بالتراضي والموافقة ، لا
بالتمليك ، إلّا أنّ التسالم حيث إنّه من سنخ المعاني التعلّقية ـ لاستحالة
التراضي المطلق كاستحالة تعلقه بالأعيان ـ فلا بد من تعلّقه بفعل أو بحكم ، فالأوّل
ـ أي تعلّقه بالفعل ـ نظير الصلح عن الدار بألف دينار ، بأن يكون المقصود التسالم
على تمليكها بالألف ، والثاني كالصلح على ملكيتها بالألف.
وفائدة هذا
السنخ من الصلح ـ إذا تعلّق بالتمليك ـ وإن كانت متّحدة مع البيع من حيث وقوع
المبادلة بين عين وعوض ، إلّا أنّ العبرة في صدق كل عقد ـ ليترتب عليه أحكامه
الخاصة به ـ هي نفس العنوان المنشأ ، سواء اتحدت نتيجته مع عقد آخر أم اختلفت عنه.
هذا كلّه في اختلاف مفهومي البيع والصلح سنخا.
وأما الدليل
عليه فوجوه ثلاثة نشير إليها فعلا ، وسيأتي توضيحها عند شرح كلمات المصنف قدسسره.
أوّلها : تعدي
البيع بنفسه الى المبيع ، وتعدي الصلح إلى متعلّقه بالحرف ، سواء أكان المتصالح
عليه عينا أم منفعة ، وسواء أفاد الملك أم الإباحة أم غيرها ، ومن المعلوم أنّ
التعدّي بالنفس وبالحرف أمارة اختلاف المفهومين.
ثانيها : أنّ
الصلح يجري في موارد طائفة من العقود المعاوضية والإيقاعات ، فلو كان
__________________
ـ ولو (١) تعلّق بالعين ـ ليس هو التمليك على وجه المقابلة (٢) والمعاوضة ،
بل معناه الأصلي (٣) هو التسالم ، ولذا (٤) لا يتعدّى بنفسه إلى المال.
______________________________________________________
مدلوله كالبيع تمليك عين بعوض فإمّا أن يكون إطلاقه في تمليك المنفعة
وإسقاط الحق ونحوهما مجازيا ، وإمّا بنحو الاشتراك اللفظي ، وكلاهما ممنوع.
ثالثها : أنّه
لو كان التمليك مأخوذا في مفهوم الصلح لزم أن يكون طلبه من الخصم إقرارا بمالكيّته
، مع أنّهم فرّقوا بين طلب التمليك وطلب الصلح على المتنازع فيه.
فهذه أمور تشهد
بأنّ «التمليك على وجه المقابلة» غير ملحوظ في تعريف الصلح ، وأنّ مفهومه مجرّد
التسالم مهما كان المتسالم عليه ، هذا.
(١) وصليّة ، يعني
: لا فرق في عدم تضمّن مفهوم الصلح للتمليك على وجه المقابلة بين كون المتصالح
عليه عينا ، وغيرها ، فالمنشأ في وعاء الاعتبار هو التسالم ، لا التمليك بنحو
المعاوضة بين عين ومال.
ونبّه بقوله : «ولو
تعلق بعين» على مورد النقض ، حيث إنّ مورد انتقاض تعريف البيع إنّما هو الصلح على
العين ، كما تقدّم في عبارتي المسالك والجواهر ، فدفعه المصنف قدسسره بأجنبية مفهوم الصلح عن التمليك بالعوض ، بل هو التسالم
والتراضي بلا فرق بين تعلّقه بالعين أو بالمنفعة أو بغيرهما كالحقوق.
(٢) أي : المقابلة
بين العوضين ، وبهذه العبارة يمكن إخراج الهبة المعوّضة عن تعريف البيع أيضا ، لأنّ
تمليك المتّهب للواهب ليس لاقتضاء تمليك العين الموهوبة له ، بل للشرط ، مع أنّ
الثمن في باب البيع عوض نفس المبيع ، ولذا يصحّ سلب العنوان حقيقة عمّا إذا قال : «بعتك
بلا ثمن».
(٣) الذي هو
المنشأ ، وهو المناط في تعنون الإنشاء بعنوان الصلح ، ولا عبرة بالفائدة المترتبة
عليه.
(٤) هذا هو
الدليل الأوّل على تغاير مفهومي البيع والصلح سنخا ، ومحصّله : أنّ مادة
نعم (١)
هو متضمن للتمليك إذا تعلّق بعين ، لا أنّه (٢) نفسه.
والّذي يدلّك
على هذا (٣) أنّ الصلح قد يتعلّق
______________________________________________________
«البيع» تتعدى الى المبيع بنفسها ، فيقال : «بعت الدار بكذا». ولكن الصلح
لا يتعدّى الى المتصالح عليه بنفسه ، بل بمعونة حرف المجاوزة أو الاستعلاء ، فيقال
: «صالحتك عمّا علم بما علم» أو «صالحتك على أن يكون هذا لك وذلك لي» فيعلم منه
عدم كون الصلح بمعنى التمليك والنقل والبيع المتعدية بأنفسها إلى العين ، لأنّ
التعدية بالنفس وبالحرف أمارة اختلاف المفهومين. ولو كان الصلح بمعنى التمليك على
وجه المقابلة لصحّ إنشاؤه بمثل «صالحتك الدار بألف دينار» مع عدم صحته.
(١) استدراك
على قوله : «ليس هو التمليك» وقد عرفت عدم المنافاة بين كون المنشأ في الصلح هو
التراضي على أمر ، وبين إفادته التمليك.
(٢) يعني : لا
أنّ الصلح نفس تمليك العين على وجه المقابلة كالبيع.
(٣) أي : على
أنّ الصلح هو التسالم الاعتباري ، لا التمليك. وغرضه إقامة دليل ثان على عدم كون
الصلح نفس التمليك ، وحاصله : أنّ الصلح يجري في موارد عقود ومعاوضات متعددة ، ويفيد
في كل واحد منها فائدة تلك المعاملة. والمذكور منها في المتن خمسة :
أوّلها : أن
يتعلق التسالم بتمليك عين في قبال عوض ، وفائدته فائدة البيع ، غير أنّ الأحكام
الخاصة به لا تجري في الصلح ، كخيار المجلس ، فيتملك لزوما كلّ من المتصالحين
المال عقيب وقوع العقد وإن لم يفترقا عن مجلس المعاملة.
ثانيها : أن
يتعلّق التسالم بتمليك منفعة كسكنى الدار مدة شهر بدينار ، وثمرته متّحدة مع
الإجارة.
ثالثها : أن
يتعلّق التسالم بتسلط المتصالح على الانتفاع بملك المصالح ، فيباح له الانتفاع به
من دون دخول المنفعة في ملكه ، وهذا فائدة عقد العارية.
رابعها : أن
يتعلّق الصلح بإسقاط حقّ أو بنقله ، فالأوّل كما إذا تصالح الشفيع والمشتري
.................................................................................................
______________________________________________________
على إسقاط حق الشفعة ، أو تصالح ذو الخيار مع من عليه الخيار على رفع اليد
عن حقّه.
والثاني كالصلح
على نقل حق التحجير الى الغير حتى يكون المتصالح ـ بمنزلة المحجّر ـ أولى بإحياء
الأرض وعمارتها من غيره.
خامسها : أن
يتعلّق الصلح بتقرير مقاولة بين المتصالحين ، كما إذا اشترك شخصان في رأس مال
للتجارة به ، فاتّجرا وربحا ، غير أنّ الفوائد موزّعة بعضها نقود وبعضها ديون على
آخرين ، فإنّ مقتضى عقد الشركة توزيع الأرباح والخسائر على ذوي الحصص بنسبتها. لكن
لو أراد أحد الشريكين فسخ الشركة وأخذ رأس ماله جاز أن يصالح شريكه على سحب حصته ،
بأن يكون الربح والخسارة المحتملان في مال الآخر ، فإن كانت شركتهما رابحة كانت
الفائدة له بمنزلة هبة من الذي أخذ حصّته ، وإن كانت خاسرة فالمتضرّر أبرأ ذمة ذلك
الذي استقلّ برأس ماله.
وفائدة هذا
الصلح تثبيت المقاولة المذكورة بين المتصالحين ، إذ لولاها كان اللازم العمل
بمقتضى عقد الشركة من توزيع الربح والخسارة على الشريكين بنسبة الحصص.
هذه جملة من
الموارد التي شرّع عقد الصلح فيها ، ولا يترتب تمليك العين فيها إلّا على الأوّل
منها أعني به الصلح على عين بعوض ، وهو متحد مع البيع أثرا وفائدة.
وحيث كانت
الفوائد في هذه المقامات متفاوتة فالمتعيّن جعل المنشأ جامع التسالم والتراضي كي
ينطبق المفهوم على جميع الموارد ، ولم يؤخذ التمليك في حقيقة عقد الصلح حينئذ. ولو
لم يكن المنشأ هو جامع التسالم فإمّا أن يلتزم بأنّ الصلح كالبيع تمليك عين بعوض
لا غير ، فيكون استعماله مجازا في ما لو تعلق بتمليك المنفعة أو بإباحة الانتفاع
أو بإسقاط حقّ وما شابه ذلك. وإمّا أن يلتزم بتعدد الوضع ، بأن يكون موضوعا مرة
لتمليك العين ، واخرى لإباحة الانتفاع ، وثالثة للإبراء ، وهكذا.
بالمال عينا (١) أو منفعة ، فيفيد التمليك.
وقد يتعلّق (٢)
بالانتفاع فيفيد فائدة العارية ، وهو مجرّد التسليط.
وقد يتعلّق (٣)
بالحقوق ، فيفيد الإسقاط أو الانتقال.
______________________________________________________
وكلاهما كما
ترى أمّا مجازية استعماله فيما عدا تمليك الأعيان فظاهر المنع ، فإنّ استعماله في
الأمثلة المتقدمة يكون بوزان واحد ، وليس في الصلح على الإبراء مثلا قرينة صارفة
عن معناه الحقيقي ـ أي تمليك العين ـ الى معنى آخر. وأمّا اشتراكه اللفظي فكذلك
واضح البطلان ، إذ المعهود بينهم هو انطباق الصلح بمفهومه الوحداني على تلك
الموارد ، وإن كان مفيدا في كل مورد فائدة غير الفائدة المترتبة على مورد آخر.
(١) هذا إشارة
إلى المورد الأوّل ، وهو يفيد فائدة البيع ، وإن لم يترتب عليه أحكامه الخاصة به ،
فلا يثبت في هذا الصلح خيار المجلس.
كما أنّ قوله :
«أو منفعة» إشارة إلى المورد الثاني ، وهو يفيد فائدة الإجارة.
ثم إنّ تصريحه
بأعمّيّة المال من العين والمنفعة يوافق ما أفاده في أوّل كتاب البيع من كفاية كون
الثمن منفعة متمولة ، ويخالف ما سيأتي منه في بحث المقبوض بالعقد الفاسد من
التشكيك في صدق المال على المنافع.
(٢) هذا إشارة
إلى المورد الثالث ، وهو : إفادة الصلح فائدة العارية وهي التسليط على العين
للانتفاع بها. والفارق بين الانتفاع والمنفعة أن الانتفاع عرض قائم بالمستعير ، بخلاف
المنفعة التي هي حيثية في نفس العين ذات المنفعة.
وهل تفيد
العارية الإذن في الانتفاع من دون أن يتملّك المستعير شيئا ، أم تفيد الملك ، كما
أنّ الإجارة تمليك المنفعة؟ وجهان ، ولا صراحة في عبارة المصنف قدسسره في واحد منهما.
ولعلّ قوله : «مجرد
التسليط» أقرب الى إفادة الإباحة المالكية لا التمليك.
(٣) هذا إشارة
إلى المورد الرابع ، وهو الصلح على الحقوق ، فإن كان الحقّ قابلا للإسقاط خاصة
ترتّب على الصلح عليه سقوطه عمّن عليه الحق. وإن كان قابلا لكلّ من الإسقاط والنقل
جاز الصلح على كلتا الحيثيتين. وأمّا الحق غير القابل للإسقاط كحق الولاية ونحوه
وقد يتعلّق (١)
بتقرير أمر بين المتصالحين ، كما في قول أحد الشريكين لصاحبه : «صالحتك على أن
يكون الربح لك والخسران عليك» فيفيد مجرّد التقرير.
فلو كانت (٢)
حقيقة الصلح هي عين كلّ من هذه المفادات الخمسة ، لزم كونه مشتركا لفظيّا ، وهو
واضح البطلان (٣) ، فلم يبق إلّا أن يكون مفهومه معنى آخر (٤) ،
______________________________________________________
فلا يقبل الصلح عليه.
(١) هذا إشارة
إلى المورد الخامس وهو الصلح على مقاولة بين شريكين لأجل تقريرها وتثبيتها ، والظاهر
مشروعية هذا النوع من الصلح ، قال المحقق : «وإذا اصطلح الشريكان ، على أن يكون
الربح والخسران على أحدهما ، وللآخر رأس ماله ، صحّ» .
ومستنده ـ مضافا
الى إطلاق دليل الصلح ـ خصوص معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في رجلين اشتركا في مال ، فربحا فيه ، وكان من المال
دين ، وعليهما دين [وفي التهذيب : وكان من المال دين وعين] وقال لصاحبه : أعطني
رأس المال ولك الربح وعليك التّوى ، فقال : لا بأس إذا اشترطا ، فإذا كان شرط
يخالف كتاب الله فهو ردّ إلى كتاب الله عزوجل» .
(٢) غرضه قدسسره الاستنتاج مما ذكره بقوله : «ويدلك على هذا» إلى هنا ، وأنّ
الصلح لو استعمل في تلك الموارد حقيقة ـ بعد عدم وجود جامع بينها كالتمليك ـ لزم
كونه مشتركا لفظيا ، والمقرر في محلّه بطلانه ، فهذا التالي الفاسد شاهد على نفى
تعدّد الوضع ، فلا بدّ من فرض جامع بين الموارد وهو التسالم. وعليه يخرج التمليك ـ
في الصلح على العين ـ عن حريم المفهوم ، وإنّما يقتضيه المتعلّق.
(٣) إذ لم
يدّعه أحد ، وعدم ادّعائه يدلّ على عدم اشتراكه اللفظي ، مضافا إلى كونه خلاف
الأصل.
(٤) يعني : غير
التمليك والتسليط والإسقاط والتقرير ونحوها.
__________________
وهو التسالم (*) ، فيفيد في كل موضع فائدة من الفوائد المذكورة بحسب ما
يقتضيه متعلّقه. فالصلح (١) على العين بعوض
تسالم عليه ، وهو (٢) يتضمّن التمليك ، لا أنّ مفهوم الصلح في خصوص هذا المقام
(٣) وحقيقته
______________________________________________________
(١) هذه نتيجة
نفي الاشتراك اللفظي ، وأنّ الصلح موضوع بنحو الاشتراك المعنوي لجامع التسالم
والتراضي ، فيكون التسالم على كل شيء بحسبه مقتضى متعلق الصلح ، ولا دخل لذلك
الأثر المترتب عليه في مفهوم الصلح ومعناه.
(٢) أي : الصلح
على العين يقتضي التمليك وإن لم يكن المنشأ تمليك عين بعوض. وقد عرفت أنّ المدار
في صدق عنوان من العناوين الاعتبارية نفس المنشأ ، لا الخواص التي قد يشترك فيها
عقدان أو أكثر.
(٣) وهو مقام
نقض تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» بالصلح على عين بعوض ، فكما أنّ الصلح
على الانتفاع ليس معناه التسليط بل معناه التسالم ، فكذا في الصلح على عين بعوض ، فليس
مفهومه التمليك وإن ترتّب عليه لأجل خصوصيّة في متعلق التسالم.
__________________
__________________
هو إنشاء التمليك (١).
ومن هنا
(٢) لم يكن
______________________________________________________
(١) حتى ينتقض
تعريف البيع بهذا المورد من موارد الصلح.
(٢) يعني : ومن
عدم كون مفهوم الصلح ـ إذا تعلّق بعين على عوض ـ هو التمليك لم يكن طلب الصلح من
المنكر إقرارا بصحة ما يدّعيه المدّعي ، وغرضه إقامة دليل ثالث على اختلاف البيع
والصلح مفهوما ، وعدم كون الصلح تمليكا ، وتوضيحه : أنّهم ذكروا في كتاب الصلح : إذا
تنازع زيد وعمرو على أرض ـ مثلا ـ فادّعى زيد ملكيّتها ، وأنكر عمرو ذلك ، فأرادا
التصالح وفصل الخصومة ، أمكن ذلك بأحد نحوين :
الأوّل : أن
يستدعي عمرو من زيد بيع الأرض أو تمليكها ، فيقول : «بعني الأرض أو ملّكنيها».
__________________
طلبه (١) من الخصم إقرارا له ، بخلاف طلب التمليك
(٢).
وأمّا (٣)
الهبة المعوّضة
______________________________________________________
الثاني : أن
يستدعي منه الصلح على تلك الأرض ، فيقول : «صالحني عليها بكذا».
وفرّقوا بين
الطريقين بأنّ الأوّل ـ وهو طلب التمليك والبيع ـ يعدّ تنازلا من المنكر واعترافا
بمالكية المدّعي للعين المتنازع فيها ، إذ لا معنى لاستدعاء البيع من غير المالك ،
فلا بدّ أن يتضمّن طلب البيع إقرارا بصحة دعوى زيد ومالكيته للأرض. بخلاف الثاني ،
فإنّ استدعاء الصلح ليس إقرارا بصحة دعوى زيد ، لأنّ همّه قطع المنازعة.
قال المحقق : «وإذا
قال المدّعى عليه : صالحني عليه ، لم يكن إقرارا ، لأنّه قد يصحّ مع الإنكار. أمّا
لو قال : بعني أو ملّكني كان إقرارا» .
وهذا التفصيل
خير شاهد على أنّ حقيقة الصلح ـ مع الغضّ عن متعلّقه ـ ليست تمليكا ، وإلّا لم يكن
فرق بين أن يطالب المنكر من المدّعي تمليك العين بالبيع ، وبين أن يطالب الصلح
عليها.
هذا توضيح
كلمات المصنف قدسسره في المقام الأوّل من الجواب عن الاشكال الخامس. وأما
المقام الثاني المتعلق بدفع النقض بالهبة المعوّضة فسيأتي.
(١) يعني : أنّ
طلب المنكر الصلح واستدعاءه من المدّعي ليس إقرارا له بكونه مالكا.
(٢) حيث إنّ
طلب التمليك من المنكر إقرار منه للخصم ، فلو كانت حقيقة الصلح تمليكا لكان طلبه
كطلب التمليك إقرارا للخصم وتصديقا له في دعواه ، بداهة أنّ طلب التمليك لا يصحّ
إلّا فيما إذا كان بناء طالب التمليك على مالكيّة الخصم للمدّعى به ، إذ لا معنى
لطلب التمليك من غير المالك.
(٣) هذا شروع
في المقام الثاني أعني به دفع نقض تعريف البيع ـ بإنشاء تمليك عين بمال ـ بالهبة
المعوّضة ، أي المشروط فيها العوض ، ومحصّله : اختلاف مفهومي البيع والهبة ، فالبيع
متقوّم بالعوض بحيث لو كان التمليك من طرف واحد صحّ سلب العنوان عنه ، ولكنّ الهبة
متقوّمة بالمجّانية وتمليك العين بلا عوض ، ففي الهبة المعوّضة لا بدّ من إناطة
وجوب العوض
__________________
والمراد بها هنا (١) ما اشترط فيها العوض ، فليست إنشاء تمليك بعوض على جهة
______________________________________________________
بالشرط ، بأن يشترط الواهب على المتهب تمليك شيء في قبال هبته ، ومن
المعلوم الفرق بين اقتضاء ذات العنوان المعاملي للعوض بحيث لا يصدق بدونه كما في
البيع ، وبين عدم اقتضاء نفس العنوان له ، وتوقّف وجوب دفعه على الشرط ، الذي هو
خارج عن حدود المفهوم كما لا يخفى.
هذا بحسب
الدعوى.
والدليل على
الفرق المزبور ما أفتى به الأصحاب في بحث الهبة المعوّضة من : أنّ الواهب لا
يتملّك العوض ـ المشروط على المتّهب ـ بمجرّد هبته وقبول المتهب ، بل يتوقف تملكه
للعوض على أن يملّكه المتهب ، بحيث لو تخلّف المتهب عن الشرط ولم يف به لم تبطل
هبة الواهب ، وإنّما يثبت له خيار تخلّف الشرط ، فيكون رجوعه عن هبته واسترداد
عينه مستندا الى الخيار ، لا إلى اقتضاء ذات الهبة للمعاوضة والمقابلة ، إذ لو كان
كذلك امتنع تملّك المتهب للعين الموهوبة من دون أن يتملّك الواهب للعوض الذي
اشترطه على المتهب.
وهذا الفرق
كاشف عن كون هبة المتهب للواهب تمليكا مستقلّا ، ولا يقدح التخلف عنه في صدق عنوان
«الهبة» على فعل الواهب. وهذا بخلاف البيع ، فإنّ عدم قبول المشتري ـ بحيث يصير
البيع بلا ثمن ـ يمنع عن صدق البيع عليه.
(١) أي : في
مقام النقض على تعريف البيع ، ومقصوده قدسسره إخراج قسم آخر من الهبة المعوّضة عن مورد النقض ، وهو
ما إذا لم يشترط العوض في عقد الهبة ، ولكن المتهب يهب شيئا للواهب جبرا لإحسانه ،
وهذه وإن صدقت عليها الهبة المعوّضة ـ على ما قيل ـ لاشتمالها على العوض ، لكن لا
ينتقض تعريف البيع بها ، لعدم كون الإعطاء بعنوان العوضيّة حتى يصدق المعاوضة بين
المالين أو بين الإعطاءين.
وبهذا ظهر أنّ
مقصود المصنف قدسسره بقوله : «هنا» ليس الاحتراز عن مثل العطية والنحلة
والصدقة والوقف مما يطلق عليها الهبة بالمعنى العام ، كما في بعض الحواشي ، بل
المراد به إخراج الهبة المعوّضة التي يعطي المتهب شيئا للواهب إحسانا إليه ، لا
لأجل الشرط.
المقابلة (١) ، وإلّا
(٢) لم يعقل (*)
تملّك أحدهما (٣) لأحد العوضين من دون تملك الآخر للآخر ،
______________________________________________________
(١) كما في
البيع ، فإنّه تمليك عين بعوض على جهة المقابلة بين المالين ، فالهبة المعوّضة
يقصد فيها المعاوضة بين الهبتين لا بين العين الموهوبة والعوض ، فالهبة المعوّضة
تمليك في قبال تمليك ، لا معاوضة بين مالين كما هو المقصود في باب المعاوضات.
(٢) يعني : ولو
كانت الهبة ـ المشروط فيها العوض ـ إنشاء تمليك عين بعوض على وجه المقابلة ، لم
يعقل تملك المتّهب للعين الموهوبة قبل أن يملّك العوض للواهب ، لامتناع اعتبار
المعاوضة بين المالين إلّا بتملّك كلّ من المتعاملين للعوض في ظرف خروج المعوّض
عنه ، مع أنّهم حكموا بانتقال العين الموهوبة إلى المتهب من دون تملّك الواهب لشيء
من مال المتهب. وهذا أقوى دليل على عدم كون الهبة مطلقا ـ حتى المعوضة ـ من سنخ
المعاوضات.
(٣) يعني : تملّك
المتّهب للموهوبة من دون تملك الواهب لعوضه الذي استحقه بالشرط.
__________________
__________________
مع (١) أنّ ظاهرهم عدم تملّك العوض (٢)
بمجرد تملّك الموهوب
له الهبة (٣) ، بل (٤) غاية الأمر أنّ المتّهب لو لم يؤدّ
(٥) العوض كان للواهب
الرجوع
______________________________________________________
(١) غرضه
الاستدلال ـ على أجنبية الهبة المعوّضة عن باب المعاوضات ـ بفتوى الأصحاب بأنّ
المتّهب يتملّك العين الموهوبة بمجرّد قبول الهبة سواء وفى بالشرط أم لم يف به. قال
المحقق : «ولا يجبر الموهوب له على دفع المشترط ، بل يكون بالخيار» يعني : يكون المتّهب مخيّرا بين التعويض وردّ العين
الموهوبة إلى الواهب ، فلو امتنع عن دفع العوض تخيّر الواهب ـ بمقتضى الشرط ـ بين
الرجوع والإمضاء ، ومن المعلوم أنّ جواز رجوع الواهب كاشف عن تملّك الموهب له ـ ولو
بالملك المتزلزل ـ للعين الموهوبة قبل الوفاء بالشرط. ولو كان تملّكه لها منوطا
بالعمل بالشرط لم يبق وجه لأن يكون الواهب بالخيار ، لبطلان أصل العقد حينئذ.
وعليه فليست
الهبة المشروط فيها الثواب من سنخ المعاوضات ، لاقتضاء المعاوضة ملكيّة كلّ واحد
من المالين في رتبة الآخر ، فحكمهم بتملّك المتهب ـ قبل أن يهب العوض للواهب ـ دليل
على خروج الهبة عن المعاوضات.
(٢) يعني : عدم
تملّك الواهب للعوض قبل أن يهبه المتّهب ، فمجرّد عقد الهبة المعوّضة لا يقتضي
تحقّق ملكيّة كلّ منهما في آن ملكية الآخر.
(٣) مفعول
لقوله : «تملك» والمراد بالهبة هنا : العين الموهوبة.
(٤) يعني : ليس
شرط العوض في الهبة كالبيع الموجب لتملّك كلّ من المتعاملين لكلّ من العوضين في
رتبة واحدة ، بل غاية ما يترتب على هذا الشرط هي : أنّ الواهب يتسلّط على الرجوع
عن هبته لو لم يف المتّهب بالشرط ، إذ ليست حينئذ هبة معوّضة ، فهي وإن لم تكن
باطلة من أوّل الأمر ، لكنها جائزة كما هو الأصل في الهبة.
(٥) المقصود من
الأداء هو الهبة الواجبة على المتّهب من جهة الشرط.
__________________
في هبته (١) (*) ، فالظاهر (٢) أنّ التعويض المشترط في الهبة كالتعويض غير المشترط
______________________________________________________
(١) المقصود
بجواز رجوع الواهب هنا هو الجواز الحقّي الناشئ من تخلف المتّهب عن الوفاء بالشرط
، وهذا وإن اتّحد أثره مع جواز فسخ عقد الهبة ذاتا ، إلا أنّ الأوّل جواز حقي قابل
للإسقاط ومتعلّقه العقد ، والثاني حكمي غير قابل للإسقاط ، ومتعلقة استرداد العين
الموهوبة. مضافا إلى ظهور الثمرة في الهبة المشروطة لذي رحم ، لانتفاء جوازها
الحكمي ، ويبقى جوازها الحقّي خاصة.
(٢) هذه نتيجة
عدم كون الهبة معاوضة ، يعني : أنّ شرط العوض في الهبة ـ بعد أن لم يكن موجبا
لصيرورة الهبة كالمعاوضات ـ صار كالتعويض من باب الإحسان في كونه تمليكا مستقلّا
يقصد به وقوعه عوضا ، فكما لا يكون التعويض غير المشروط في ضمن الهبة إلّا تمليكا
مستقلا ، فكذلك التعويض المشروط في ضمنها ، غايته أنّه يكون في الهبة المشروطة
هبتان ، بخلاف غير المشروطة ، حيث إنّها واحدة.
والحاصل : أنّ
الهبة متقوّمة بالمجّانيّة ، في مقابل المعاوضة ، فلا يصدق عليها «تمليك العين
بعوض» حتى ينتقض بها تعريف البيع بإنشاء تمليك عين بمال.
__________________
__________________
فيها في (١) كونه تمليكا مستقلا يقصد به وقوعه
(٢) عوضا ، لا أنّ حقيقة المعاوضة والمقابلة مقصودة في كلّ من العوضين (٣) ، كما
يتّضح ذلك (٤) بملاحظة التعويض غير المشترط في ضمن الهبة الأولى
(٥).
فقد تحقق (٦)
مما ذكرنا (٧) أنّ حقيقة
تمليك العين بالعوض ليست إلّا البيع ،
______________________________________________________
(١) متعلق
بالتعويض ، وهو وجه اشتراك الهبة التي يكون العوض بسبب الشرط ، مع الهبة التي يكون
التعويض فيها من جهة الإحسان إلى الواهب ، ووجه الاشتراك ما عرفته من كون هبة
المتّهب تمليكا جديدا ، وليس باقتضاء الهبة الأولى أي هبة الواهب.
(٢) هذا الضمير
وضمير «به» راجعان الى التمليك المستقل.
(٣) إذ لو كانت
المقابلة ملحوظة كانت منافية للهبة التي قصد بها المجانية المقوّمة لحقيقتها ، بداهة
منافاة المجانية للمقابلة بين المالين.
(٤) أي : عدم
كون الهبة المعوّضة معاوضة حقيقية ، وحاصله : أنّ بذل المتّهب عوضا الى الواهب
تداركا لإحسانه كما لا يوجب صيرورة الهبة معاوضة حقيقية بأن تكون البدلية ملحوظة
في العين الموهوبة وما يبذله المتّهب ، فكذلك لا تكون الهبة المشروطة بالعوض
مندرجة في المعاوضة الحقيقية ، لوضوح خروج الشرط عن حقيقة الهبة ، كما في سائر
الشروط الضمنية المأخوذة في المعاملات ، فإنّ المشروط أمر لا يقتضيه طبع تلك
المعاملة.
(٥) هذه الكلمة
قرينة على أنّ المراد بالهبة المعوّضة في المقام هو القسم الثالث المتقدم عند بيان
النقض ، أعني به ما يكون المقابلة بين الفعلين أي الهبتين ، فالهبة الأولى تصير
مشروطة بالثانية ، بأن يقول الواهب : «وهبتك هذا الكتاب على أن تهبني هذا الدرهم» فالهبة
الأولى فعل الواهب ، والثانية فعل المتهب.
هذا تمام ما
حقّقه المصنف قدسسره في المقام الثاني أعني به دفع النقض بالهبة المعوّضة.
(٦) هذا تلخيص
لما سبق في دفع النقض بالصلح والهبة المعوّضة ، وتمهيد للإشكال على جعل الأصل في
تمليك الأعيان هو البيع كما صرّح به الفقيه الكبير كاشف الغطاء قدسسره.
(٧) يعني : في
جواب انتقاض تعريف البيع بالصلح على عين وبالهبة المعوّضة ، حيث
فلو (١) قال : «ملّكتك كذا بكذا» كان
بيعا (٢) ، ولا يصحّ
صلحا ولا هبة معوّضة
______________________________________________________
أفاد : أنّ حقيقة الصلح هي التسالم على أمر ، وليس التمليك مأخوذا فيها ، وأنّ
الهبة المعوّضة ليست تمليكا على وجه المقابلة بأن يدخل العوض في ملك الواهب بمجرد
هبته ، بل هبة المتهب تمليك جديد ، وقد دخل الموهوب في ملكه سواء وفى بالشرط أم لا.
ومن هنا يعلم
أنّ «تمليك عين بعوض» ـ على وجه المقابلة بين العوضين ـ منحصر في البيع ، فلذا لو
أنشأ البائع الإيجاب بالتمليك لا بالبيع كان بيعا لا معاملة أخرى ، بأن قال : «ملكتك
الكتاب بدينار» فإنّه متحد مفهوما مع قوله : «بعتك الكتاب بدينار» ولا يكون هذا
التمليك صلحا ولا هبة معوّضة ، إذ ليس المنشأ فيهما جعل مال عوض مال آخر. والمفروض
كما عرفت أنه جعل في قوله : «ملكتك الكتاب بدينار» مال وهو الدينار عوض الكتاب.
(١) هذه نتيجة
انحصار «تمليك عين بعوض على وجه المقابلة بين المالين» في البيع ، وعدم كون هذا
النحو من التمليك مشتركا معنويا جامعا بين البيع والصلح على عين والهبة المعوّضة ،
ولا مشتركا لفظيا بينها. وعليه فحقيقة التمليك بالعوض هي البيع ، واستعماله فيما
عداه مجاز يتوقف إرادته على قرينة.
(٢) أمّا كونه
بيعا فلأنّ مضمون هذه الصيغة الخاصة ليس إلّا البيع ، والمفروض قصده في مقام
الإنشاء. وأمّا عدم كونه صلحا ولا هبة فواضح ، لأنّه إمّا أن يقصد الموجب بقوله : «ملّكتك
كذا بكذا» الصلح أو الهبة المشروطة بالعوض ، وإما أن لا يقصد شيئا منهما. فإن قصد
أحد الأمرين لم يقع ، لما تقرّر من أنّ المعاملات وإن كانت متوقفة على القصد ، ولذا
قيل : «العقود تابعة للقصود» إلّا أن تأثير القصد في حصول المقصود منوط بكون اللفظ
كاشفا عمّا قصده ، وظاهرا فيه عرفا ولو بوضع ثانوي ، فلو لم يكن اللفظ كذلك لم
يؤثّر في حصول المقصود. وإن لم يقصد بقوله : «ملّكتك كذا بكذا» أحد الأمرين من
الصلح والهبة ، كان عدم تحققهما من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، وكان كإنشاء
النائم والهازل في عدم تأثيره في حصول العنوان الاعتباري.
وإن قصدهما (١) ، إذ (٢) التمليك على جهة المقابلة الحقيقية
(٣) ليس صلحا ولا هبة ، فلا يقعان به (٤). نعم (٥) لو قلنا بوقوعهما بغير الألفاظ الصريحة توجّه تحقّقهما مع قصدهما
(٦).
فما قيل (٧)
من : «أن البيع
______________________________________________________
(١) أمّا إذا
لم يقصدهما لم يقعا قطعا ، فإنّ قوام الأمر الإنشائي بالقصد.
(٢) تعليل
لقوله : «كان بيعا ..»
(٣) التقييد
بالمقابلة الحقيقية لأجل اشتمال الصلح والهبة على التمليك من الطرفين ، إلّا أنّه
ليس مأخوذا في حقيقتهما كما عرفت.
(٤) أي : فلا
يقع الصلح والهبة بقول المنشئ : «ملّكتك كذا بكذا» ووجه عدم الوقوع عدم صراحة لفظ
التمليك في إفادة العنوانين.
(٥) استدراك
على قوله : «فلا يقعان به» ومقصوده أنّ عدم وقوع الصلح والهبة المعوضة بقوله : «ملّكتك»
مبني على اعتبار الألفاظ الصريحة في صيغ العقود ، كعدم وقوع الإجارة بمثل «بعتك
سكنى الدار».
فلو قيل بجواز
استعمال الألفاظ غير الصريحة ـ من المجازات والكنايات ـ في مقام الإنشاء جاز إنشاء
الصلح والهبة بالتمليك عند قصد العنوان.
(٦) هذا الضمير
وضميرا «بوقوعهما ، تحققهما» راجعة إلى الصلح والهبة.
أصالة البيع في تمليك
الأعيان
(٧) هذا متفرّع
على اختصاص التمليك على وجه المقابلة الحقيقية بالبيع ، وعدم كونه جامعا بين أقسام
العقود المعاوضيّة ، ومقصوده قدسسره الخدشة فيما أفاده الشيخ الفقيه كاشف الغطاء في موضعين
من شرح القواعد ، حيث قال في أحدهما : «وأنّ الأصل في مطلق التمليك للأعيان
التنزيل على البيع» وقال في ثانيهما : «فالظاهر : أنّه متى جاء الفعل مستقلّا أو
مع ألفاظ لا تستجمع الشروط مقصود بها المسامحة جاء حكم المعاطاة. وعلى الأوّل ، فإن
صرّح فيها بإلحاق ببيع وغيره بنى عليه. وإلّا فالبيع أصل في المعاوضة على الأعيان
مقدّم على الصلح
هو الأصل (*) في تمليك الأعيان بالعوض ،
______________________________________________________
والهبة المعوّضة. والإجارة في نقل المنافع مقدمة على الصلح والجعالة».
ومحصله : أنّ «نقل
العين بالعوض» وإن كان جامعا بين البيع والصلح والهبة المعوضة ، إلّا أنّه عند
الإطلاق ينصرف إلى البيع ، لأنّ الأصل في «انتقال عين بعوض» هو البيع.
وظاهر هذا
الكلام : أنّ تمليك الأعيان مشترك معنوي بين البيع والصلح والهبة ، فإذا قصد الصلح
أو الهبة فلا كلام ، لأنّ مميّزهما هو القصد ، فيحمل الإنشاء على ما قصده. وإن لم
يقصد شيئا منهما كان بيعا ، لكونه الأصل في تمليك عين بعوض. وعليه فخصوصية البيع
عدمية ، وخصوصيتهما وجودية.
وناقشه المصنف قدسسره بما عرفت آنفا من منع الاشتراك المعنوي ، وأنّ «تمليك
عين بعوض» هو حقيقة عقد البيع خاصة ، واستعماله في غيره مجاز منوط بالقرينة ، فإرادة
البيع من قوله : «ملكتك الكتاب بدينار» ليست لكونه الفرد الغالب من تمليك العين
بعوض حتى يكون صدقه على الصلح والهبة المعوضة حقيقيا أيضا بدعوى مصداقيّتهما لجامع
التمليك. بل تكون إرادة البيع من التمليك لأجل أنّه الموضوع له بالخصوص.
نعم يمكن توجيه
كون البيع أصلا في تمليك الأعيان بما يبعد عن مساق كلام كاشف الغطاء قدسسره بأن يقال : إنّ التمليك بالعوض معنى حقيقي لخصوص البيع
، فلو شكّ في أنّ الموجب بقوله : «ملّكتك» أراد معناه الحقيقي أي البيع ، أو معناه
المجازي من الصلح والهبة ، اقتضت أصالة الحقيقة ـ التي هي من الأصول العقلائية
الكاشفة عن المرادات ـ إرادة البيع لا غير ، كما لو شكّ في أن القائل : «رأيت أسدا»
أراد معناه الموضوع له أو الرجل الشجاع ، فإنّ أصالة الحقيقة تقضي بالحمل على
المعنى الحقيقي.
لكن الظاهر أنّ
مقصود كاشف الغطاء من الأصل ليس أصالة الحقيقة الكاشفة عن المراد في مقام الإثبات
، بل مراده الغلبة ، وسيأتي مزيد توضيح له.
__________________
فيقدّم (١) على الصلح والهبة المعوّضة» محل تأمّل بل منع ، لما عرفت
(٢) من أنّ تمليك الأعيان بالعوض هو البيع لا غير (٣).
نعم (٤)
لو أتى بلفظ التمليك بالعوض واحتمل إرادة
______________________________________________________
(١) يعني : فيقدّم
البيع ـ عند إطلاق «ملكتك كذا بكذا» وعدم قصد خصوصية الصلح والهبة ـ على إرادة
أحدهما.
(٢) تعليل
لقوله : «محل تأمل» وقد عرفت توضيحه.
(٣) يعني : فليس
تمليك الأعيان مشتركا معنويا حتى يدّعى انصرافه عند الإطلاق إلى البيع ، بل ليس
تمليك الأعيان بالعوض إلّا البيع.
(٤) استدراك
على قوله : «محل تأمل بل منع» ومقصوده قدسسره تصحيح أصالة البيع في تمليك الأعيان بإرادة أصالة
الحقيقة في معنى التمليك ، لا الأصل الذي ادّعاه كاشف الغطاء قدسسره وهو الغلبة والانصراف.
وعليه فيكون
قوله : «نعم» كالاستثناء المنقطع الذي يختلف فيه المستثنى والمستثنى منه موضوعا. وليس
هذا توجيها للأصل الذي أسّسه الشيخ الكبير قدسسره في شرح قواعده ، لإباء كلامه عنه. ووجه كون الاستثناء
منقطعا أجنبية الأصل بمعنى الغلبة ـ والانصراف في المشترك المعنوي ـ عن أصالة
الحقيقة المعوّل عليها في تمييز المراد من المعنى الحقيقي عن المجازي.
__________________
غير حقيقته (١) كان مقتضى الأصل اللفظي حمله
(٢) على المعنى الحقيقي ، فيحكم بالبيع (٣).
لكن (٤) الظاهر أنّ الأصل بهذا المعنى
(٥) ليس مراد القائل المتقدم ، وسيجيء (٦)توضيحه في مسألة المعاطاة في غير البيع إن شاء الله
تعالى.
بقي القرض داخلا في ظاهر الحد.
______________________________________________________
(١) أي غير
حقيقة «التمليك بالعوض» التي هي البيع ، والمراد بالغير احتمال إرادة الصلح والهبة
المعوّضة ، ومن المعلوم أنّ حمل كل لفظ على معناه الموضوع له عند دوران الأمر بين
إرادته وإرادة المعنى المجازي هو مقتضى أصالة الحقيقة كما عرفت في مثل الأسد.
(٢) أي : حمل «التمليك
بالعوض» على معناه الحقيقي وهو البيع.
(٣) ولا يقبل
منه دعوى إرادة الصلح أو الهبة المعوّضة.
(٤) هذا بيان
أجنبية التوجيه الذي أفاده بقوله : «نعم» عن مراد الشيخ الكبير قدسسره.
(٥) أي : أصالة
الحقيقة التي هي حجة في تشخيص المراد ، ولذا عدّت من الأصول المراديّة التي هي
معتبرة في مقام الإثبات. والظاهر عدم إرادة كاشف الغطاء قدسسره هذا المعنى ، لظهور عبارته في مقام الثبوت ، وهو تحديد
مفهوم البيع وتمييزه عن مفهومي الصلح والهبة ، فمراده بالأصل هو عدم دخل خصوصية في
مفهوم البيع ، والمفروض أنّه لم يقصد إلا التمليك بالعوض ، وهذا أصل ثبوتي لا
إثباتي ، فالبيع لا خصوصية فيه ، بخلاف الصلح والهبة ، فإنّ مفهومهما متخصّص
بخصوصية وجودية وهي قصد عنوانهما.
(٦) في خامس
تنبيهات المعاطاة. لكنه قدسسره لم يف بوعده في ذلك التنبيه كما ستقف عليه.
ح ـ انتقاض التعريف
بعقد القرض
(٧) هذا سابع
النقوض التي أوردها المصنف قدسسره على تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» تقريب النقض
: أن هذا التعريف يصدق على القرض كصدقه على البيع ، حيث إنّ المقرض يملّك المقترض
عينا في قبال العوض الذي يؤدّيه المقترض عند المطالبة أو عند حلول
ويمكن إخراجه
(١) بأنّ مفهومه ليس نفس المعاوضة ، بل هو تمليك على وجه
______________________________________________________
الأجل ، فإذا أقرض زيد عمروا دينارا مثلا فقد ملّكه دينارا بعوض ، وهو
الدينار المماثل للدينار الذي أقرضه ، وعليه ف «إنشاء تمليك العين بعوض» صادق على
القرض أيضا.
ثم إنّ هنا
أمرين ينبغي التنبيه عليهما.
الأوّل : أنّ
سوق العبارة يقتضي أن يقال : «ومنها : صدقه على القرض» يعني : ومن الأمور الباقية
على تعريف البيع عدم مانعيّته للغير ـ أي القرض ـ كعدم مانعيّته عن الشراء والصلح
والهبة المعوّضة ، مع خروج القرض عن البيع قطعا ، فلا بد من تعريفه بما لا ينتقض
بالقرض. ولم يظهر وجه عدول المصنف قدسسره عن السياق الى قوله : «بقي القرض».
الثاني : أنّ
هذا النقض لا يختص بتعريف البيع بما في المتن من «إنشاء تمليك عين بعوض» لوروده
على تعريفه بالانتقال وبالعقد الدال عليه أو على النقل إذا كان الإنشاء بلفظ
التمليك ، لاشتراك الكل في جامع التمليك بالعوض. نعم في ورود النقض على تعريفه بما
في جامع المقاصد من «نقل العين بالصيغة المخصوصة» تأمل لا يخفى وجهه.
(١) هذا الضمير
وضمير «مفهومه» راجعان الى القرض ، وهذا جواب الاشكال. ومحصل ما أفاده في دفع نقض
تعريف البيع بالقرض هو : أنّ حقيقة القرض تمليك وتضمين ، بمعنى أنّ المقرض تارة
ينشئ تمليك المال للمديون ، واخرى ينشئ شرطية ضمانه عليه بما يناسبه ويكون أقرب
إليه من المثل إذا كان مثليّا أو القيمة إذا كان قيميّا. فيكون نظير الهبة بشرط
العوض في كون شرط العوض خارجا عن البدلية المقوّمة للمقابلة المعتبرة في حقيقة
المعاوضة.
وببيان آخر : يخرج
القرض عن تعريف البيع بقيد «العوض».
توضيحه : أنّه
يعتبر عرفا في مفهوم المعاوضة المقوّمة للبيع تغاير العوض للمعوّض وتعدّدهما ، إذ
لا يعقل اعتبار المعاوضة في شيء واحد بأن يكون عوضا عن نفسه كما هو واضح.
إذا عرفت هذا
فنقول : إنّ المديون تشتغل ذمته بكلّيّ ينطبق على الأفراد الخارجية المساوية للعين
المقترضة في الخصوصيات النوعية والصنفيّة الدخيلة في المالية التي تدخل
ضمان المثل أو القيمة ، لا معاوضة للعين بهما (*).
______________________________________________________
تحت الضمان ، بخلاف الخصوصيات الشخصية فإنها لا تدخل تحت الضمان ، لبناء
الدائن والمديون على ذلك ، حيث إنّ القرض يوجب ملكية العين للمديون ليتمكن من صرفه
في حوائجه ، فلو كانت الخصوصيات الشخصية داخلة تحت الضمان لزم من ذلك نقض الغرض من
القرض ، وكان ضمان الدين كضمان الغصب ، حيث إنّ العين المغصوبة بجميع خصوصياتها
النوعية والصنفية والشخصية مضمونة على الغاصب.
فالفارق بين
الضمان القرضي والغصبي هو : أنّ جميع الخصوصيات في الغصب مضمونة على الغاصب ، ولذا
يجب دفع العين لو كانت موجودة إلى المغصوب منه. بخلاف القرض ، إذ المضمون على
المديون ليس إلّا الخصوصيات النوعية والصنفية ، وأمّا الشخصية فلا ، ولذا لا يجب
على المديون دفع العين إذا كانت موجودة ، كما ليس للدائن إلزام المديون بذلك
بقاعدة اليد ، لعدم موضوع لها بعد وضوح كون يد المقترض على العين المقترضة مالكية.
ولا قاعدة الإقدام ، لأنّها تابعة لما تعهّد به الضامن. وقد عرفت أنّ ما ثبت به
تعهّده هو المال المقترض بخصوصياته النوعية والصنفية دون الشخصية. هذا كله في
اختلاف البيع والقرض مفهوما.
ويترتب عليه
اختلافهما بحسب الآثار والأحكام ، وهو كاشف إنّا عن مغايرتهما سنخا ، وقد استشهد
المصنف قدسسره بأمور أربعة يفترق فيها البيع عن القرض ، وسيأتي بيانها.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ولذا (١) لا يجري فيه ربا المعاوضة ، ولا (٢)
الغرر المنفيّ فيها ،
ولا (٣) ذكر العوض ،
______________________________________________________
(١) أي : ولأجل
عدم كون مفهوم القرض هو التمليك على وجه المقابلة ، بل مفهومه «التمليك على وجه
ضمان المثل أو القيمة» لا يجري فيه ربا المعاوضة.
وهذا أوّل
الوجوه الأربعة التي استشهد بها المصنف قدسسره على خروج القرض عن مفهوم البيع ، وحاصله : أنهم ذكروا
انقسام الربا الى قسمين أحدهما معاوضي ، والآخر قرضي. واعتبروا في صدق الربا في
المعاوضة أن يكون العوضان من جنس واحد ، وأن يكونا مكيلين أو موزونين ، فلا يحرم
مطلق التفاضل بين العوضين كما إذا كانا من جنسين أو لم يكونا من المكيل والموزون.
وهذا بخلاف
الربا القرضي ، فإنّه يحرم التفاضل ـ في القرض ـ مطلقا ، ولا يشترط بكون العين
المقترضة من المكيل والموزون ، ولا بوحدة الجنس.
وعلى هذا نقول
: بخروج القرض عن باب المعاوضة ، إذ لو كان بيعا لاعتبر في رباه ما يعتبر في ربا
المعاوضة ، مع وضوح حرمة اشتراط التفاضل ـ مطلقا ـ في باب القرض ، حتى إذا لم تكن
العين المقترضة من المكيل والموزون ، فلو أقرض معدودا كالبيض ـ كما هو المتعارف في
بيعه بالعدّ في بعض البلاد ، لا بالوزن ـ بأكثر منه كان ربا حراما. أو أقرض منّا
من حنطة بمنّين من عدس ، وهكذا. بخلاف ما إذا باع بيضة واحدة باثنتين ، أو منّا من
حنطة بمنّين من عدس ، فإنّه لا بأس بذلك. وهذا شاهد على عدم كون القرض بيعا.
(٢) هذا ثاني
الوجوه التي استشهد بها على عدم كون القرض معاوضة ، وحاصله : أنّه لو كان القرض
بيعا لم يجز قرض المجهول ، إذ يعتبر في البيع كون المبيع معلوما ، لنهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر ، فجواز قرض المجهول ـ كصبرة أو قبضة من الدراهم ـ دليل
على عدم كون القرض بيعا ، إذ القرض وقع صحيحا.
(٣) هذا ثالث
الوجوه ، وحاصله : أنّه يعتبر في المعاوضة ذكر العوضين في متن العقد ، لأنّهما
ركنان في باب المعاوضة ، فعدم ذكر أحدهما أو كليهما يوجب اختلال العقد ، لعدم ذكر
__________________
ولا (١) العلم به ، فتأمّل (٢).
______________________________________________________
ركنية أو أحدهما. مع أنّه لا يجب ذكر العوض في باب القرض ، وعليه فعدم وجوب
ذكره فيه كاشف عن خروجه عن باب المعاوضة.
(١) هذا رابع
تلك الوجوه ، ومحصله : أنّه يعتبر العلم بالعوض في باب المعاوضة ، مع أنّه غير
معتبر في القرض ، بشهادة صحة القرض مع عدم العلم بكون العين المقترضة مثليّا أو
قيميّا ، ومن المعلوم أنه لو كان القرض معاوضة بين العين المقترضة وما يؤدّيه
المقترض لزم إحراز كون العين مثليا أو قيميا حتى يعلم بما اشتغلت الذمة به من
المثل أو القيمة.
(٢) لعلّه كما
أفاده جماعة من المحشّين ـ منهم الفقيهان المامقاني والسيد قدسسرهما ـ إشارة إلى : أنّ الوجوه الأربعة المتقدمة لا تشهد
بعدم كون القرض من المعاوضات ، لإمكان اختلاف أنواع المعاوضات في الأحكام ، فلا
يدلّ شيء من تلك الوجوه على خروج القرض موضوعا عن حيّز المعاوضات ، كما هو
المقصود من الاستشهاد بها ، إذ ليست تلك الأمور الأربعة مقوّمة لمفهوم المعاوضة
عرفا حتى يكون انتفاؤها موجبا لانتفاء حقيقة المعاوضة ، بل هي أحكام تعبّديّة ثبتت
في البيع لقيام الدليل على ثبوتها له ، وعلى هذا فلا سبيل لإخراج القرض عن باب
المعاوضات ولا بدّ من افتراقه عن البيع بوجه آخر (*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ثم إنّ ما ذكرنا
(١)
______________________________________________________
(١) يعني : من
تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» وغرضه بيان أمرين :
الأوّل : أنّ
البيع الذي يكون أصلا للمشتقات هو البيع بمعناه المصدري ، الذي هو فعل البائع ، في
قبال الشراء الذي هو فعل القابل ، لا البيع بمعناه الاسمي ، فإذا قال : «بعت» فمعناه
: أنشأت البيع ، وهذا هو مختار المصنف قدسسره في تعريف البيع ، حيث قال : «إنه إنشاء تمليك عين بمال».
الثاني : عدم
منافاة التعريف المزبور لإطلاق البيع على معان آخر ، ورجوعها إلى المعنى الذي
اختاره ، وهو : إنشاء تمليك عين بمال ، كما سيتّضح عند تعرّضها في المتن.
هذا إجمال
الأمر ، والمقصود الأصلي النظر في كلام صاحب المقابس قدسسره ، حيث إنّه ادّعى إطلاق البيع حقيقة على معان أربعة ، وجعل
ثانيها : إنشاء التمليك الذي يكون بيد البائع.
وأوّل تلك
الإطلاقات هو : إنشاء تمليك البائع ، وإنشاء تملك المشتري ـ لكون البيع من الأضداد
ـ لكن بشرط انضمام أحدهما إلى الآخر ، فلو لم يتعقب إنشاء البائع بقبول المشتري لم
يطلق على إنشاء البائع : أنه بيع.
وثانيها : إنشاء
التمليك ، الذي هو فعل البائع.
وثالث تلك
المعاني هو النقل المترتب على الإيجاب والقبول.
ورابعها : نفس
العقد المؤلّف من الإيجاب والقبول. والفرق بين هذا الإطلاق الأخير وبين إطلاقه على
إيجاب البائع بشرط تعقبه بتملّك المشتري هو دخل القبول شرطا في الأوّل ، وشطرا في
الأخير.
هذا ما أفاده
صاحب المقابس من إطلاق البيع على معان أربعة ، وقد سبقه في التنبيه عليه شيخه الفقيه كاشف الغطاء قدسسره في شرح القواعد ، حيث قال ـ بعد تعريف البيع بالانتقال
كما في القواعد ـ ما لفظه : «وقد يراد به ـ أي البيع ـ مجموع النقلين في العوضين
أو الانتقالين ، أو مجموع كلا القسمين ، أو ما دلّ على النحو السابق وإن لم يوافق
ما أريد به في هذا الكتاب. وعلى نحو اختلاف التعريفات اختلفت الإطلاقات ، فمرّة
يقع الشراء قسيمه ، ومرّة قسمه ، ومرّة جزأه. ويتعيّن الأوّل عند تعاطفهما ، والثاني
إذا أريد النقل بالنحو الخاص ، والثالث إذا
__________________
تعريف للبيع المأخوذ في صيغة «بعت» وغيره من المشتقات
(١).
ويظهر من بعض
من قارب عصرنا استعماله في معان أخر (٢) غير ما ذكر (*) :
______________________________________________________
أريد به العقد في مقابلة العقود الأخر. ومعنى النقل أو إيجابه هو الشائع
على اللسان. والعقد إيجابا وقبولا ألصق بباب المعاملات ومذاق الفقهاء. وأمّا
الانتقال فلا يوافق مقتضى الحال ، لأنّ البيع على الظاهر من مقولة الفعل لا
الانفعال ، ويشهد لذلك تعديته بالاستقلال ..» .
وعليه فإطلاق
البيع على معان أربعة وإن كان موجودا في كلام صاحب المقابس وشيخه الفقيه كاشف
الغطاء قدسسرهما ، إلا أنّ مقصود المصنف قدسسره من «بعض من قارب عصرنا» هو الأوّل ، بقرينة ما سيأتي
نقله في المتن بقوله : «قال : بل الظاهر اتفاقهم على إرادة هذا المعنى في عناوين
أبواب المعاملات ..» فإنّها نصّ كلام صاحب المقابس.
(١) ك «أبيع
وبائع وبع» ونحوها من التصاريف ، فالمبدأ الساري في الكل معنى وحداني وهو إنشاء
تمليك عين بمال. «نعم لو كان في مقام الإخبار عما أنشأه كان معناه «إنشاء التمليك
المقرون بقبول المشتري» لا إنشاء البيع مطلقا حتى بدون انضمام القبول ، ولكن
خصوصية التعقب مستفادة من كونه في مقام الإخبار عن إنشاء المعاملة المتوقفة على
تمامية العقد شطرا وشرطا.
إطلاق البيع على معان
أخرى
(٢) أي : معان
ثلاثة أخرى ذكرها الفقيهان كاشف الغطاء وصاحب المقابس.
__________________
__________________
أحدها : التمليك
المذكور (١) ، لكن بشرط تعقّبه بتملّك المشتري. وإليه
(٢) نظر بعض
مشايخنا ، حيث أخذ قيد التعقّب بالقبول في تعريف البيع المصطلح
(٣). ولعلّه (٤) لتبادر
التمليك المقرون بالقبول من اللفظ ، بل وصحّة السلب عن المجرّد ،
______________________________________________________
(١) أي : إنشاء
تمليك عين بمال ، وهو فعل البائع ، ولكن البيع ليس مجرّد هذا الإنشاء ، بل المشروط
بانضمام القبول إليه. وإطلاق «البيع» على الإيجاب المشروط بالقبول هو أوّل المعاني
الأربعة المذكورة في المقابس ، حيث قال : ـ بعد إطلاقه حقيقة على كلّ واحد من
الإيجاب والقبول ، لكونه من الأضداد ـ ما لفظه : «ويشترط في كلا الإطلاقين انضمام
الفعلين واجتماعهما في الوجود ، فلا يقال لمن أوجب البيع بقوله : بعت : أنّه باع ،
إلّا بعد أن ينضمّ قول الآخر. وقبوله. ومثله الآخر ، بل الحكم فيه أظهر .. إلخ».
ووجّه المصنف قدسسره هذا الاشتراط بالتبادر وصحة السلب ، حيث إنّ المتبادر
من لفظ «البيع» ومشتقاته هو التمليك المتعقّب بتملّك المشتري. وكذا يصح سلب عنوان «البيع»
عن التمليك المجرّد عن قبول المشتري ، بشهادة أنّه لا يقال في مقام الإخبار : «باع
زيد داره» إلّا بعد أن يشتريها شخص منه. وعلى هذا فلو لم ينضمّ قبول المشتري إلى
إيجاب البائع لا يصدق عنوان «البيع» على إنشاء التمليك الذي هو فعل البائع.
(٢) أي : وإلى
استعمال البيع في التمليك الإنشائي المشروط بقبول المشتري نظر بعض المشايخ ، ولعلّ
هذا البعض صاحب الجواهر قدسسره.
(٣) يعني : ما
يقابل سائر المعاملات والعقود ، وإلّا فالبيع المقابل للشراء لم يؤخذ فيه قيد
التعقّب بالقبول قطعا.
(٤) غرضه قدسسره توجيه كلام بعض من عاصره من إطلاق البيع حقيقة على
إنشاء تمليك البائع بشرط انضمام القبول إليه. ومحصّل التوجيه : وجود أمارتين من
علائم الحقيقة في المقام
__________________
ولهذا (١) لا يقال : «باع فلان ماله» إلّا بعد أن يكون قد اشتراه
غيره. ويستفاد (٢) من قول القائل : «بعت مالي» أنّه اشتراه غيره ، لا أنّه
أوجب البيع فقط.
الثاني (٣) : الأثر الحاصل من الإيجاب والقبول ، وهو الانتقال (*)
______________________________________________________
تكشفان عن وضع «البيع» لفعل البائع المنضمّ الى قبول المشتري.
أحدهما : تبادر
هذه الحصة ـ دون طبيعي التمليك الإنشائي ـ لو قال المخبر : «بعت داري» إذ لا يراد
منه الإيجاب المحض.
والآخر : صحة
سلب عنوان «البيع» عن الإيجاب المجرد عن قبول المشتري.
وعليه فالتمليك
غير المقرون بالتملّك ليس بيعا.
(١) يعني : ولتبادر
الإنشاء المتعقب بالقبول ـ وصحة سلب البيع عن الإيجاب المجرّد عن القبول ـ لا يقال
لمن يخبر عن بيع داره : أنّه باعها إلّا بعد أن اشتراها غيره.
(٢) زاد المصنف
قدسسره هذا المثال الثاني لأجل تثبيت التبادر وصحة السلب ، وكان
المثال الأوّل وافيا بإثبات الأمارتين ، ولذا اقتصر صاحب المقابس قدسسره على مثال واحد.
(٣) قال في
المقابس : «ثالثها : الأثر المترتب على تحقق جزأي العقد معا ، وهو النقل العرفي
مطلقا ، والشرعي مع صحة العقد ، ويعبّر عنه بالانتقال أيضا ويختلفان بالاعتبار» وحاصله
: أنّ البيع موضوع لمعنى ثالث ـ غير ما تقدّم من وضعه تارة للإيجاب المحض ، وأخرى
للإيجاب المنضمّ الى القبول ـ وهو الأثر المترتّب على كلا الفعلين : تمليك البائع
وتملّك المشتري. وهذا المعنى الثالث هو ظاهر جمع من الفقهاء كشيخ الطائفة والحلّي
والعلّامة ـ في ما عدا المختلف من كتبه ـ حيث عرّفوا البيع ب «انتقال عين مملوكة
..» ومن المعلوم أنّ الانتقال ـ القائم بالمال ـ أثر مترتب على مجموع الإيجاب
والقبول.
__________________
__________________
كما يظهر من المبسوط وغيره.
الثالث
(١) نفس العقد المركّب من الإيجاب والقبول
(٢) ، وإليه (٣) ينظر (*) من
عرّف البيع بالعقد ، قال (٤) : بل الظاهر اتّفاقهم على إرادة هذا المعنى في عناوين أبواب
______________________________________________________
(١) قال في
المقابس : «رابعها : نفس العقد المركّب من الإيجاب والقبول ، وهذا هو الشائع
المعروف بين الفقهاء في سائر ألفاظ العقود ، ممّا كان منها مصدرا بصيغة الفعال
والمفاعلة ، أو بمعناه كالقراض والمضاربة والمزارعة والمساقاة والمسابقة والمبارأة
والمكاتبة والشركة والصلح. أو اسم عين كالوديعة والعارية .. إلخ».
(٢) ظاهره
إرادة الإيجاب والقبول اللفظيين ، لظهور «العقد» في خصوص القولي ، فكلّ من عبّر عن
البيع بالعقد أراد العقد اللفظي ، خصوصا مع بناء جلّهم على إفادة المعاطاة للإباحة
، وتصريح بعضهم بنفي بيعيّتها.
(٣) أي : وإلى
إرادة نفس العقد المؤلّف من الإيجاب والقبول نظر من عرّف البيع بالعقد كالحلبي
وابن حمزة والمحقق وغيرهم قدسسرهم.
(٤) يعني : قال
بعض من قارب عصرنا ـ وهو صاحب المقابس ـ بأنّ إرادة العقد لا تختص بالبيع ، بل
الأمر كذلك في مطلق العقود والمعاملات كالصلح والهبة والإجارة والشركة والعارية
والمضاربة وغيرها ، فتعريف كلّ منها في كلمات الفقهاء يراد به تعريف عقدها المؤلّف
من الإيجاب والقبول ، وسيأتي مزيد توضيح له.
__________________
__________________
المعاملات حتّى (١) الإجارة وشبهها التي ليست هي في الأصل اسما لأحد طرفي
______________________________________________________
(١) كلمة «حتى»
تدلّ على كون مدخولة أضعف من سابقه ، كقوله : «قدم الحاجّ حتى المشاة». وتوضيح وجه
أضعفيته منوط ببيان أقسام عناوين المعاملات على ما ذكره صاحب المقابس قدسسره.
فمنها : ما
يكون عنوان المعاملة مصدرا من باب المفاعلة أو الفعال ، فالأوّل كالمزارعة
والمسابقة والمساقاة والمكاتبة والمضاربة ، والثاني كالقراض. ومن المعلوم أنّ
مقتضى الاشتراك في المبدأ في بابي المفاعلة والتفاعل هو كون العنوان المعاملي اسما
لطرفي العقد أي الموجب والقابل.
ويلحق بهذا
القسم مثل الشركة والصلح ، فإنّهما وإن كانا مصدرين للفعل المجرّد ، إلّا أن
العنوان قائم بشخصين.
ومنها : ما
يكون عنوان المعاملة اسما لأحد طرفي العقد كالبيع والضمان والخلع وما أشبهها ، فإنّها
أسماء للإيجاب الذي هو أحد طرفي العقد.
ومنها : ما
يكون العنوان المعاملي اسم عين ، لا هو فعل أحد المتعاقدين ولا فعل كليهما ، وذلك
كالوديعة والعارية والصدقة ، فإن معناها لغة وعرفا وشرعا نفس المال الذي يستأمن
الودعي على حفظه ، ويسلّط المستعير على الانتفاع به ، ويعطى للغير بقصد القربة.
وقد تستعمل هذه
الثلاثة بمعنى المصادر أيضا نادرا. ومن هذا القبيل الإجارة ، فإنّها ليست في الأصل
فعل الموجر ولا المستأجر ، بل هي اسم لعوض المنفعة. قال في القاموس : «الأجر
الجزاء على العمل ، كالإجارة» .
__________________
__________________
العقد .
______________________________________________________
إذا عرفت هذه
الأقسام الثلاثة في العناوين المعاملية ، فنقول : إنّ المقصود بكل واحدة من
المعاملات العقد الدال عليه. ولكن إطلاق المعاملات على عقودها ليس على السواء ، فإطلاق
المزارعة مثلا على إيجابها وقبولها قريب جدا ، لدلالة «المفاعلة» على قيام المبدأ
بالموجب والقابل. وإطلاق البيع ونظائره مما يكون اسما لأحد طرفي العقد إنما هو
لوجود علاقة الكلّ والجزء فيها ، حيث إنّ استعمالها في العقد يكون من استعمال
اللفظ الموضوع للجزء في الكل ، الذي هو من جنسه أعني به اللفظ الجامع بين الإيجاب
والقبول.
وأمّا استعمال
الإجارة في العقد القائم بطرفين ـ مع كونها اسما للمال ـ لا فعلا لهما فأبعد من
استعمال البيع في العقد ، لأنّ علاقة الجزء والكل المتحققة في البيع مفقودة في مثل
الإجارة ، لعدم كون الإجارة ـ بمعنى الأجرة التي هي عين المال ـ بمعنى المصدر حتى
تصاغ منها المشتقات. نظير الأمر بمعنى الفعل والشأن ، فإنّه لا يصح حينئذ صوغ
المشتقات منه ، بخلاف الأمر بمعناه المصدري ، فإنّه مبدأ للمشتقات وأصل لها.
وعليه فاستعمال
الإجارة والوديعة في العقد ليس لعلاقة الكلّ والجزء ، بل لعلاقة السببيّة
والمسببيّة.
والحاصل : أنّ
مقصودهم من كلّ عنوان معامليّ عقده ، ولكن إطلاق عناوين المعاملات على عقودها ليست
على سواء ، فالأقرب ما كان عنوان المعاملة اسما للطرفين كالمزارعة ، ويتلوه مثل
البيع ممّا كان العنوان اسما لأحد الطرفين. ويتلوه مثل الإجارة ممّا ليس العنوان
اسما لشيء من الإيجاب والقبول ، وكان مصحّح الإطلاق مجرّد علاقة السببية
والمسببية ، هذا.
(١) وإنّما هي
أسماء لأعيان خارجية ، فالإجارة كالأجرة عوض المنفعة غالبا ، والوديعة اسم للعين
المودعة عند المستودع. والعارية اسم للعين التي ينتفع بها المستعير.
هذا تمام
الكلام في الأمر الأوّل ، وهو توضيح كلام صاحب المقابس قدسسره.
أقول (١) أمّا البيع بمعنى الإيجاب
المتعقّب للقبول فالظاهر أنّه ليس مقابلا للأوّل (٢)، وإنّما هو (٣)
فرد انصرف إليه اللفظ في مقام قيام القرينة (٤) على إرادة
______________________________________________________
تحقيق إطلاق البيع
على معان اخرى
١ ـ إطلاقه على
الإيجاب المنضم الى القبول
(١) هذا شروع
في الأمر الثاني الذي أشرنا إليه بقولنا : «الثاني عدم منافاة التعريف المزبور
لإطلاق البيع على معان أخر .. إلخ» فالمقصود مناقشة كلام بعض من قارب عصره ، وأنّ
إطلاق البيع على معان أخر ـ غير إنشاء تمليك عين بمال ـ ليس حقيقيا ناشئا من تعدّد
الوضع كما يظهر من إطلاق كلامه.
أمّا عدم
التنافي بين المختار في تعريف البيع ـ من إنشاء تمليك عين بمال ـ وبين المعنى
الأوّل من المعاني الثلاثة الأخرى ، وهو الإيجاب المتعقّب للقبول ـ فلأنّ البيع في
جميع موارد إطلاقه يراد به إنشاء التمليك خاصة ، سواء تعقّبه تملّك المشتري أم لا.
ودلالة قولنا : «باع زيد داره» على خصوص الإيجاب المقرون بالقبول وإن كانت مسلّمة
، إلّا أنّها ليست مستندة إلى الوضع ، بل منشؤها قرينية الإخبار على وقوع بيع
مؤثّر وهو التمليك المتعقّب بالقبول ، فيكون من باب تعدّد الدال والمدلول. لا أنّ
البيع استعمل في التمليك المقيّد بالقبول حتى يكون استعمالا آخر في مقابل المعنى
المختار ، ومنافيا لانحصار معناه في جامع التمليك المقرون بالقبول وغير المقرون به.
وعليه فليس
مختارنا في تعريف البيع مغايرا لما ذكره بعض من قارب عصرنا من «أن البيع هو
التمليك المشروط بتمليك المشتري» بل هذا المعنى الذي ذكره يكون من أفراد البيع
بالمعنى الذي ذكرناه وهو «تمليك العين بمال». فالموضوع له هو «إنشاء التمليك» الجامع
للمتعقب بالقبول وغيره ، ويتوقف إرادة خصوص المتعقّب على قرينة. وأما إرادة
الإنشاء المجرّد فلا يتوقف على شيء ، بل يكفيه الإطلاق الذي هو عدم التقيّد
بالتعقب بالقبول.
(٢) المراد
بالأوّل هو «إنشاء تمليك عين بمال» الذي اختاره المصنف قدسسره في تعريف البيع ، لا الأوّل في كلام صاحب المقابس.
(٣) هذا الضمير
وضميرا «أنه ، إليه» راجعة إلى البيع بمعنى الإيجاب المتعقب للقبول.
(٤) يعني : فيكون
قيد تملّك المشتري مستفادا من قرينة مقامية ، وهي كون المتكلم
الإيجاب المثمر ، إذ لا ثمرة في الإيجاب المجرّد
(١) ، فقول المخبر : «بعت» إنّما أراد الإيجاب المقيّد ، فالقيد مستفاد من الخارج
(٢) ، لا أنّ البيع مستعمل في
الإيجاب المتعقّب للقبول (٣). وكذلك (٤) (*) لفظ النقل والإبدال والتمليك وشبهها
، مع (٥) أنّه لم يقل أحد بأنّ
تعقّب القبول له دخل في معناها (٦).
______________________________________________________
بصدد الإخبار عن فعله ، لا أنّ البيع استعمل في مجموع تمليك البائع وتملّك
المشتري.
(١) أي : الإيجاب
المجرّد عن القبول ، فلو لم تكن القرينة المقامية لكان المراد من لفظ «البيع» الإيجاب
المحض.
(٢) أي : من
قرينة مقامية ، لا من حاقّ لفظ «البيع» حتى تكون دلالته على اقتران الإيجاب
بالقبول بالوضع. وعليه فتكون استفادة قيد التعقّب من باب تعدد الدال والمدلول ، نظير
دلالة «أعتق رقبة مؤمنة» على مطلوبية عتق الصنف لا طبيعي الرقبة ، فإنّ «الرقبة» لم
تستعمل إلّا في طبيعة الرقبة ، وقيد «الايمان» استفيد من لفظ «المؤمنة».
(٣) حتى يكون
مغايرا للمعنى المختار وهو تمليك العين بالمال.
(٤) غرضه إثبات
مقصوده ـ وهو عدم دخل تعقّب القبول في مفهوم البيع ـ بما حاصله :
أنّ ما يرادف
البيع من «النقل ، والإبدال ، والتمليك ، وشبهها كالتبديل» لا يتوقف صدق مفاهيمها
على تعقّب القبول ، بل يتحقق مفهومها بدونه ، إذ لم يقل أحد بدخل تعقب القبول في
معناها ، فلا بدّ أن يكون الأمر في البيع كذلك ، فلا يعتبر في مفهوم البيع أيضا
تعقّبه بالقبول كما هو مقتضى الترادف.
(٥) ليس هذا
وجها آخر ، بل هو متمّم استشهاده ، فكأنّه قال : «لا يعتبر في مفهوم البيع تعقبه
بالقبول ، لعدم اعتباره فيما يرادفه من النقل وغيره ، حيث إنّه لم يلتزم أحد من
الأصحاب باعتبار القبول فيه ، فلا بد أن يكون البيع كالنقل والتمليك في عدم اعتبار
القبول فيه».
(٦) أي : في
معنى النقل والإبدال والتمليك وشبهها ممّا يرادف البيع.
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
نعم (١)
تحقق القبول شرط للانتقال
في الخارج ، لا في نظر الناقل ، إذ (٢)
______________________________________________________
(١) بعد أن نفى
دخل القبول في مفهوم البيع ـ والتزم بتحققه بدون القبول ـ استدرك عليه وقال : نعم
يشترط القبول في تحقق الانتقال الخارجي لا الانتقال في نظر البائع ، لأنّ النقل
الإنشائي يؤثّر في الانتقال الإنشائي لا محالة ، وإلّا يلزم انفكاك الأثر عن
المؤثّر ، فالأثر المترتب على الإيجاب المتعقّب للقبول هو الانتقال الخارجي ، لا
الانتقال في نظر البائع.
(٢) تعليل لعدم
شرطيّة القبول للانتقال في نظر الناقل ، وملخّصه : أنّ المؤثر التام في الانتقال
الإنشائي في نظر الناقل هو نقله المفروض تحققه ، ولا يمكن التفكيك بين المؤثّر
وأثره ، غاية الأمر أنّ هذا الأثر الإنشائي غير الأثر الخارجي الذي يترتّب على
الإيجاب المتعقّب بالقبول.
__________________
التأثير لا ينفك (١) عن الأثر ، فالبيع (٢) وما
يساويه معنى من قبيل
الإيجاب والوجوب ، لا الكسر والانكسار كما تخيّله بعض
(٣) ، فتأمّل (٤).
______________________________________________________
(١) بل التأثير
والأثر واحد وتعددهما اعتباري ، لأنّه إذا نسب الى الفاعل فهو تأثير ، وإذا نسب
الى المحل فهو أثر ، فلا يعقل التأثير بدون الأثر.
(٢) هذا بمنزلة
التعليل لعدم اعتبار القبول في مفهوم البيع ، يعني : أنه لا يعتبر القبول في البيع
، لأنّه من قبيل الإيجاب والوجوب ، فكما ينفك الوجوب عن الإيجاب ، فكذلك ينفك
إيجاب البيع عن الانتقال الخارجي المترتب على انضمام القبول. وليس البيع من قبيل
الكسر والانكسار حتى لا ينفك إيجاب البيع عن الانتقال ، كما لا ينفك الكسر عن
الانكسار.
(٣) وهو المدقق
صاحب المقابس قدسسره.
(٤) لعله ـ كما
قيل ـ إشارة إلى : أنّ البيع من قبيل الكسر والانكسار ، حيث إنّ الانتقال الإنشائي
لا ينفك عن النقل ، فلا يتوقف على القبول. نعم الانتقال الشرعي الذي هو الحكم
الشرعي موقوف على القبول. وكذا الحال في الوجوب والإيجاب ، فإنّه لا يكاد يمكن
انفكاكهما في مرتبة واحدة بحسب نظر واحد. نعم إنّما ينفكّ الإيجاب في مرتبة ـ أو
بحسب نظر ـ عن الوجوب في مرتبة اخرى ونظر آخر.
وبالجملة : فالإيجاب
في نظر أو في مرتبة لا ينفكّ عن الوجوب في ذلك النظر أو تلك المرتبة ، وينفكّ عنه
في مرتبة اخرى أو نظر آخر.
وكذا النقل
والانتقال ، فإنّ النقل في كل نظر أو مرتبة لا ينفكّ عن الانتقال في ذلك النظر أو
تلك المرتبة. فلا فرق بين الإيجاب والوجوب والنقل والانتقال والكسر والانكسار
__________________
ومنه (١) يظهر ضعف أخذ القيد المذكور في معنى البيع المصطلح
(٢)
______________________________________________________
إلّا في كونهما من الأمور الخارجية التي لها مرتبة واحدة ، بخلاف الإيجاب
والوجوب والنقل والانتقال ، فإنّهما من الأمور الاعتبارية التي لا واقع لها إلّا
بحسب الاعتبار الذي يختلف بحسب الأنظار.
ولعلّه إشارة
إلى الدقّة والإمعان فيما أفاده لا تمريضه. ولعلّه أولى بملاحظة ما فرّعه عليه
بقوله : «ومنه يظهر ضعف ..» إذ لو كان المطلب السابق موهونا لم يبق مجال لبناء
قدحه في مطالب الآخرين على أساس ضعيف في نظره.
(١) أي : ومن
عدم دخل القبول في النقل والانتقال في نظر البائع ـ وأنّ البيع لم يستعمل إلّا في
مجرّد النقل ، وأنّ قيد التعقب بالقبول يستفاد من دالّ آخر ـ يظهر ضعف أخذ قيد
التعقب بالقبول في معنى البيع الاصطلاحي.
ومقصوده قدسسره في خاتمة مناقشته في أوّل إطلاقات البيع هو التنبيه على
أن قيد التعقب بالقبول غير دخيل في معنى البيع سواء أريد به معناه المصطلح عليه
بين الفقهاء من «إنشاء تمليك عين بمال» وما يقرب منه ، أم أريد به معناه اللغوي من
مبادلة مال بمال.
وعليه فلا وجه
لما ذهب إليه بعض مشايخه من عدم دخل قيد التعقب بالقبول في معناه اللغوي ، وإنّما
هو دخيل في معناه باصطلاح الفقهاء. ولا لما أفاده صاحب المقابس قدسسره من أخذ قيد التعقب في معناه اللغوي ، حيث ادّعى إطلاق
البيع حقيقة على معان أربعة ، وكونه مشتركا لفظيا بينها ، وجعل أوّل تلك المعاني :
الإيجاب المشروط بالقبول والمقترن به.
وقد نفى المصنف
قدسسره دخل القبول في البيع الاصطلاحي واللغوي معا ، ومن
المعلوم أنّ عدم دخله في البيع الاصطلاحي يدلّ بالأولوية القطعية على عدم دخله في
معناه اللغوي ، ووجه الأولوية : أنّ الفقيه ربّما يتصرّف في المعنى اللغوي بزيادة
قيد التعقب بالقبول في مصطلحه وإن لم يكن دخيلا في الوضع اللغوي ، فإذا ثبت عدم
دخله في معناه الاصطلاحي فقد ثبت ـ بالأولوية ـ خلوّ معناه اللغوي عن هذا القيد.
(٢) الذي أخذه
بعض مشايخه ، على ما تقدم في قوله : «وإليه نظر بعض مشايخنا حيث أخذ قيد التعقب
بالقبول في تعريف البيع المصطلح».
فضلا (١) عن أن يجعل أحد معانيه.
وأما البيع
(٢) بمعنى الأثر ـ
وهو الانتقال ـ فلم يوجد في اللغة (٣) ولا في
العرف (٤) ،
______________________________________________________
(١) قد عرفت
آنفا وجه الأولوية ، ومحصله : أنّ القبول لا يكون دخيلا في المعنى الاصطلاحي الذي
هو أهون من المعنى الأصلي اللغوي ، فكيف جعله صاحب المقابس قدسسره دخيلا في معناه اللغوي؟
إلّا أن يناقش
في هذه الأولوية بمنع الملازمة بين اللغة والاصطلاح الفقهي ، لإمكان دخل القبول في
البيع باصطلاح الفقهاء وإن لم يكن دخيلا في معناه اللغوي.
هذا تمام
الكلام فيما يتعلق بإطلاق البيع حقيقة على الإيجاب المشروط بتعقبه بالقبول ، وقد
ظهر أنّ شرطية التعقب ليست مدلول نفس البيع ، بل استفيدت من قرينة خارجية من باب
تعدّد الدال والمدلول.
٢ ـ إطلاق البيع على
الأثر
(٢) هذا هو
المعنى الثاني الذي قيل بإطلاق البيع عليه حقيقة في قبال إطلاقه على إنشاء تمليك
عين بمال. وحاصل إشكال المصنف عليه : أنّ استعمال «البيع» في الانتقال ـ المترتب
على الإيجاب والقبول ـ غير معهود لا لغة ولا عرفا ، على ما سبق تفصيله في مناقشة
تعريف الشيخ والعلّامة وغيرهما بالانتقال.
وعليه فلم يثبت
كونه من معاني البيع حتى يتكلّف في دفع التنافي بينه وبين ما اختاره المصنف ـ وجعله
صاحب المقابس ثاني إطلاقات البيع ـ من كونه إنشاء تمليك عين بمال. فالانتقال أثر
البيع وغايته ، ويكون استعماله فيه مجازيا ، ومن المعلوم عدم التنافي بين استعمال
لفظ في معناه الحقيقي تارة والمجازي أخرى.
(٣) لأنّ معناه
اللغوي «مبادلة مال بمال» والمبادلة مغايرة للانتقال مفهوما.
(٤) لأنّ معناه
العرفي إمّا هو إيجاب البائع خاصة ، وإمّا العقد كما ادّعى العلّامة في المختلف
تبادره منه .
__________________
وإنّما وقع في تعريف جماعة تبعا للمبسوط. وقد يوجّه بأن المراد من
البيع المحدود المصدر من المبني للمفعول
______________________________________________________
(١) كابن إدريس
والعلّامة في ما عدا المختلف من كتبه.
(٢) نسب هذا
التوجيه إلى العلامة الطباطبائي قدسسره في المصابيح ونقله صاحب الجواهر معترضا عليه ، قال قدسسره : «بل ربما قيل : انّ التعريف بالانتقال للبيع مصدرا
للفعل المبني للمجهول ، فيوافق حينئذ تعريفه بالنقل مصدرا للفعل المعلوم ، ويسلم
من التجوز في الحد والمحدود ، وان كان فيه ما فيه» .
وتوضيح هذا
التوجيه : أنّ للمصدر حيثيتين ، إحداهما : انتساب المادة إلى الفاعل ، وهو في
المقام من يصدر منه البيع ، وهذا موافق لتعريفه بإنشاء التمليك ونحوه ممّا ظاهره الصدور
من البائع ، وأثره الانتقال.
ثانيتهما : حيثية
انتساب المادة إلى المفعول به ، وهو ما يقع عليه البيع أعني به العوضين.
والفرق بين
هاتين الحيثيتين : أنّ الملحوظ في الأولى نسبة الصدور من الفاعل ، والملحوظ في
الثانية نسبة الوقوع على المفعول به. مثلا «الضرب» يراد به تارة ضاربية زيد ، واخرى
مضروبية عمرو.
وعلى هذا
فتعريف البيع ب «إنشاء التمليك» ناظر إلى ظهوره في نسبة المادة إلى البائع ، فيكون
المعرّف حيثية بايعيّته. ولكن هذا الظهور لا يمنع من إرادة المعنى المفعولي من
المصدر ، فيكون المعرّف مبيعية المعوّض ، ومن المعلوم أنّ تعريف البيع بالانتقال
ناظر إلى تعريف المصدر المبني للمفعول الذي هو أثر البيع المصدري المبني للفاعل.
وعليه فليس
إطلاق البيع على الانتقال مجازيا ، بدعوى : كونه أثرا مسبّبا عن الإيجاب والقبول. وذلك
لما عرفت من إرادة المبيعية من «البيع» المعرّف بالانتقال ، لكون الانتقال صفة
للمبيع ، هذا.
__________________
أعني المبيعية
(١) (*).
______________________________________________________
(١) وهو
المعبّر عنه بالفارسية ب «فروخته شده ، منتقل شده».
__________________
__________________
وهو (١) تكلّف حسن (*).
وأمّا البيع
(٢) بمعنى العقد فقد صرّح
(٣) الشهيد الثاني رحمهالله بأنّ إطلاقه عليه مجاز ، لعلاقة السببيّة.
______________________________________________________
(١) يعني : أنّ
هذا التوجيه تكلّف حسن. أمّا كونه تكلّفا فلظهور التعريف في إرادة البيع بمعناه
المصدري ، لا بلحاظ ما يشتقّ منه كالمبيعية التي لوحظ فيها حيثية زائدة على أصل
المبدأ ، وهي وقوع البيع على عين متموّلة.
وأما كونه حسنا
فلأنّ إشراب المعنى المفعولي لا يوجب خروج «البيع» المحدود عن المبدأ المقصود
تعريفه.
٣ ـ إطلاق البيع على
العقد مجازا
(٢) هذا هو
المعنى الثالث المتقدم في كلام صاحب المقابس ومحصل ما أفاده المصنف قدسسرهما في دفع التنافي بين تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين
بمال» وبين جعله بمعنى العقد هو : أنّ إطلاق البيع على الإيجاب والقبول ليس حقيقيا
، بل هو مجازيّ بعلاقة السببية والمسببية ، لما تقدم في تعريف البيع «بالعقد الدال
على الانتقال» من كون المعاملات أمورا اعتبارية أي من مقولة المعنى ، وليست من
مقولة اللفظ ، ومن المعلوم أنّ إطلاق اللفظ الموضوع للمسبّب على سببه مجازيّ لا
حقيقيّ.
وعليه فللبيع معنى
حقيقي واحد ، ولا منافاة بينه وبين استعماله في ما عداه بقرينة كعلاقة السببية
والمسببية ونحوها. فما تقدم في كلام صاحب المقابس وغيره من «أن للبيع إطلاقات ، وعدّ
منها إطلاقه على الإيجاب والقبول» ممنوع بما عرفت.
(٣) غرضه قدسسره الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني قدسسره على مجازية تعريف البيع بالعقد
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الدال على الانتقال ، وبيانه : أنّه قدسسره ذكر في المسالك تعريفين للبيع.
أحدهما : العقد
كما في الشرائع والمختصر النافع والدروس ، بدعوى أنّه المتبادر عرفا من معنى البيع.
وثانيهما : أثر
العقد وهو الانتقال كما في كلام المبسوط وغيره. ثم نقل الشهيد الثاني عن الشهيد
الأوّل : إرجاع تعريف البيع بالانتقال الى تعريفه بالعقد ، ووجّهه بقوله : «نظرا
إلى أنّ الصيغة المخصوصة سبب في الانتقال ، فأطلق اسم المسبب على السبب ، وعرّف
المغيّا بالغاية» ثم اعترض الشهيد الثاني عليه بقوله : «وفيه نظر ، لأنّ الإطلاق
المذكور مجازيّ يجب الاحتراز عنه في التعريفات الكاشفة للماهيّة ، إلّا مع قيام
قرينة واضحة ، وهو منتف. وأمّا التعريف بالغاية بهذا المعنى فغير جائز .. إلخ» .
والمقصود من
نقل عبارة المسالك أمران :
أحدهما : أنّ
قول المصنف ـ من تصريح الشهيد الثاني قدسسره بمجازية إطلاق البيع على العقد ـ لا يخلو من شيء ، فإنّه
وإن صرّح بهذا الإطلاق المجازي ، إلّا أنّ علاقة السببية والمسببية قد نقلها عن
الشهيد الأوّل في مقام توجيه تعريف البيع بالعقد ، وكان مقصود الشهيد الثاني
الإيراد على الشهيد الأوّل بإلزامه بما اعترف به من وضع البيع للانتقال ـ أي
المسبّب ـ وأطلق مجازا على العقد ، لكونه سببا له. لا أنّ الشهيد الثاني صرّح
بمجازية إطلاق البيع على الإيجاب والقبول.
ثانيهما : أنّ
ما في بعض الحواشي «من عدم العثور على تصريح الشهيد الثاني في المسالك» غير ظاهر ،
لوفاء عبارته المتقدمة بكون العقد معنى مجازيا للبيع بعلاقة السببية والمسببية ، غايته
أنّه نقله عن الشهيد الأوّل ولم يعترف به.
وقد ظهر مما
ذكرناه مسامحة دعوى صاحب الجواهر من «أن الشهيد صرّح بالمجازية
__________________
والظاهر (١)
أنّ المسبّب هو
الأثر الحاصل في نظر
______________________________________________________
في الروضة» لا في المسالك ، فإنّا لم نظفر على المطلب في بيع شرح
اللمعة ، فراجع.
هذا تمام
الكلام في نفي ما ذكره الفقيهان في شرح القواعد والمقابس من إطلاق البيع حقيقة على
معان أربعة ، فيكون مشتركا لفظيا فيها.
وقد تحصّل من
كلمات المصنف : أنّ تلك الإطلاقات ليست على نحو الحقيقة إلّا واحدا منها وهو
الإيجاب القائم بالبائع ، وعليه فاستعمال اللفظ في المعاني الثلاثة الأخر مجازي ، فلا
ينافي إرادة الحقيقة عند التجرّد عن القرينة.
وجه عدم
المنافاة : أنّ المعنى الأوّل قد استفيد قيد التعقب بالقبول فيه من قرينة خارجية
مثل كون المتكلم في مقام الإخبار عن بيع داره.
والمعنى الثاني
أيضا ليس مدلول البيع أصلا ، إذ النقل المعتبر في مقام الإنشاء هو قصد المنشئ
مبادلة مال بمال ، وليس ترتب الأثر ـ أعني به الانتقال في وعاء الاعتبار عرفا أو
شرعا ـ دخيلا في المفهوم.
والمعنى الثالث
ـ وهو العقد ـ قد عرفت أنّ استعمال البيع فيه مجازيّ بعلاقة السببية والمسببية.
(١) غرضه قدسسره توجيه ما حكاه عن الشهيد الثاني قدسسره ـ من أنّ إطلاق البيع على العقد مجاز بعلاقة السببية ـ بنحو
لا يرد عليه إشكال ، وهو عدم كون المقام من صغريات إطلاق اللفظ الموضوع للمسبب على
السبب ، بتقريب : أنّ لفظ «البيع» وضع للنقل الذي هو فعل البائع فقط ـ على ما
اختاره المصنف من عدم دخل القبول في معناه ـ ومن الواضح أنّ البيع بهذا المعنى
مسبّب عن جزء العقد وهو الإيجاب فقط ، لا عن جزئي العقد معا حتى يصح إطلاق البيع
على العقد بعلاقة السببية ، فهذا الإطلاق خارج عن حيّز استعمال اللفظ الموضوع
للمسبّب في السبب مجازا بعلاقة السببيّة والمسببيّة.
وملخّص ما
أفاده المصنف في دفع الاشكال وتوجيه هذا الإطلاق المجازي بعلاقة
__________________
الشارع (١) ، لأنّه
(٢) المسبّب عن العقد (٣). لا النقل الحاصل من فعل الموجب ، لما
(٤) عرفت من أنه (٥) حاصل بنفس إنشاء الموجب من دون توقف على شيء (٦) ، كحصول وجوب الضرب
______________________________________________________
السببية بقوله : «والظاهر ..» هو : أنّ الإشكال المذكور إنّما يتوجه على
الشهيد قدسسره إذا أراد من المسبّب الأثر المتحقق في نظر الموجب. وأمّا
إذا أراد من المسبّب الأثر الحاصل في نظر الشارع لم يرد عليه هذا الإشكال أصلا ، بداهة
أنّ السبب فيه هو تمام العقد لا جزؤه ، فيصح حينئذ استعمال «البيع» بمعنى الأثر
الشرعي المترتب على العقد ـ بكلا جزئية ـ في العقد بعلاقة السببية والمسببية.
(١) والشاهد
على إرادة هذا النقل الشرعي لا النقل في نظر البائع ما ورد ـ في تعريف شيخ الطائفة
بالانتقال ـ من القيود مثل كون العين مملوكة والعوض مقدّرا ، ورضى المتبايعين ، فإنّها
تكشف عن إرادة الانتقال بنظر الشارع أي الإنشاء المثمر ، لا مطلق الإنشاء وإن كان
فاقدا لشرائط التأثير في نظر الشارع.
(٢) أي : لأنّ
الأثر الحاصل في نظر الشارع من النقل الاعتباري هو المسبّب عن العقد.
(٣) فالمصنف
والشهيد الثاني قدسسرهما متفقان على كون البيع مجازا في العقد المراد به الإيجاب
والقبول ، ومختلفان في العلاقة المصحّحة للاستعمال المجازي ، فالمصنف يقول : إنّها
علاقة الكل والجزء ، إذ البيع اسم للإيجاب ، فاستعماله في العقد يكون بعلاقة الكل
والجزء ، والشهيد يقول : إنّها علاقة السببية والمسببية.
(٤) تعليل
لقوله : «لا النقل ..».
(٥) أي : أنّ
النقل الحاصل من فعل الموجب حاصل بنفس إنشائه.
(٦) فيكون
إنشاء الموجب والنقل المترتب عليه في نظره نظير الكسر والانكسار ، والإيجاب
والوجوب ، والإيجاد والوجود ، ولا فرق بينها إلّا في كون ما عدا الكسر والانكسار
من الأمور الاعتبارية التي يمكن اختلاف الأنظار فيها كما مرّت الإشارة إليه ، بخلاف
الكسر والانكسار ، فإنّه أمر خارجي لا اختلاف فيه حتى يحصل بنظر دون نظر آخر.
في نظر الآمر (١) بمجرد الأمر وإن لم يصر واجبا في الخارج في نظر غيره.
وإلى هذا
(٢) (*) نظر جميع ما ورد في النصوص والفتاوى من قولهم : «لزم
البيع» (٣)
______________________________________________________
(١) الظاهر أنّ
مقصوده من الآمر هنا هو من لم يحكم العقل بلزوم إطاعته ، وإلّا فالسيادة الحقيقية
تقتضي الوجوب والامتثال في نظر المأمور قطعا. نعم إذا لم يكن الآمر عاليا ولا
مستعليا لم يكن إيجابه مستتبعا للوجوب كما هو واضح.
(٢) يعني : وإلى
الأثر الحاصل في نظر الشارع ـ الذي هو المسبب عن العقد ـ نظر جميع ما ورد في
النصوص والفتاوى ، فالمراد بالبيع الموجود فيهما هو هذا المعنى ، لا النقل الحاصل
من فعل الموجب.
(٣) كما في
رواية عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في رجل اشترى أرضا على أنّها عشرة أجربة ، فإذا هي
خمسة أجربة ، قال : ان شاء استرجع فضل ماله ، وإن شاء ردّ البيع وأخذ ماله كلّه ، إلّا
أن يكون له الى جنب تلك الأرض أيضا أرضون فليؤخذ ويكون البيع
__________________
أو «وجب البيع» (١) أو «لا بيع بينهما» (٢) أو «أقاله
في البيع» (٣) ونحو ذلك (٤).
والحاصل (٥) (*) : أن البيع الذي يجعلونه من العقود يراد به النقل بمعنى اسم المصدر مع
اعتبار تحققه في نظر الشارع المتوقف على تحقق الإيجاب والقبول ، فإضافة العقد الى
البيع ـ بهذا المعنى ـ ليس بيانية : ولذا يقال : انعقد البيع ولا ينعقد البيع.
______________________________________________________
لازما له ، وعليه الوفاء بتمام البيع ..» الحديث .
(١) كما في عدة
نصوص ، منها معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى
يفترقا ، فإذا افترقا وجب البيع» الحديث.
(٢) كما في
معتبرة علي بن يقطين «أنّه سأل أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ، ولا يقبض الثمن
، قال : فإنّ الأجل بينهما ثلاثة أيّام ، فإن قبض بيعه ، وإلّا فلا بيع بينهما» .
(٣) كما في مثل
رواية هارون بن حمزة عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «أيّما عبد أقال مسلما في بيع أقاله الله عثرته
يوم القيامة» .
(٤) مثل قوله
تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وقوله عليهالسلام في ما رواه إسحاق بن عمار : «فلا بيع له» .
(٥) يعني : وحاصل
كلام الشهيد بملاحظة التوجيه المذكور : أنّ البيع ـ الذي يعدّونه من
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
العقود ، ويستعملونه في العقد بعلاقة السببية ، ويقولون : البيع عقد مركب من
إيجاب وقبول ـ يراد به النقل الشرعي المسبّب عن العقد ، ويطلق عليه العقد بعلاقة
السببية ، لا النقل في نظر الموجب ، لما مرّ من أنّه مسبّب عن الإيجاب خاصة.
وعلى هذا
فإضافة العقد إلى البيع لاميّة من قبيل إضافة السبب الى المسبّب ، لا بيانية بأن
يكون البيع بمعنى العقد ، إذ لا يصح حينئذ أن يقال : «انعقد البيع أو لم ينعقد» حيث
إنّ مرجعه إلى انعقاد العقد وعدمه ، ومن المعلوم أنّه لا معنى له ، لأنّ العقد
بمعنى الإيجاب والقبول اللفظيين بعد تحققه لا يكون موردا للنفي ، فلا يقال : لم
ينعقد البيع ، مع أنّه يصحّ ورود النفي والإثبات على البيع بعد تحقق العقد ، فلا
بدّ أن تكون الإضافة لاميّة حتى يصح أن يقال : «انعقد البيع أو لم ينعقد» لأنّ
انعقاده عبارة عن ترتب الأثر الشرعي ، وعدم انعقاده عبارة عن عدم ترتب الأثر
الشرعي عليه. فبعد تحقق الإيجاب والقبول يمكن أن ينعقد البيع ـ أي الأثر الشرعي ـ إذا
كان العقد جامعا للشرائط ، ويمكن أن لا ينعقد كما إذا كان فاقدا لها.
__________________
ثمّ (١) إنّ الشهيد الثاني نصّ في كتاب
اليمين من المسالك على أنّ عقد البيع
______________________________________________________
ألفاظ المعاملات
موضوعة للصحيح أو للأعم
(١) لمّا فرغ
المصنف قدسسره من تثبيت تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» ودفع ما
أورده عليه ، وناقش في كلام بعض من قارب عصره وهو إطلاق «البيع» على معان ثلاثة
أخرى غير إنشاء التمليك ـ من باب تعدد الوضع والاشتراك اللفظي ، أراد التنبيه على
أمر آخر ،
__________________
وغيره حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد ،
______________________________________________________
وهو وضع ألفاظ المعاملات لخصوص الصحيح أو للأعم منه ومن الفاسد ، فنقل كلام
الشهيدين قدسسرهما الظاهر في الوضع للصحيح ، ثم أورد عليهما بأنّ لازم ذلك
إجمال الأدلة الإمضائية المانع عن التمسك بها ، ثم وجّه التمسك بالإطلاقات حتى على
القول بوضعها لخصوص الصحيح ، وستظهر هذه الأمور إن شاء الله تعالى.
كما أنّ في نقل
خصوص كلام الشهيد الثاني قدسسره غرضا آخر ، وهو التنبيه على تهافت كلامه المتقدم ـ من
كون إطلاق البيع على العقد مجازا بعلاقة السببية والمسببية ـ مع ما أفاده في كتاب
اليمين ، وذلك لدلالة كلامه المتقدم على كون البيع حقيقة في المسبب وهو الانتقال
الشرعي ، وعلى خروج القبول عن مفهوم البيع ، وكون استعماله في العقد المركّب من
الإيجاب والقبول مجازا بعلاقة السببية ، ولدلالة كلامه في يمين المسالك ـ الذي
سيتلى عليك ـ على دخل القبول في مفهوم البيع ، لأنّه حقيقة في العقد الصحيح ، فيكون
البيع على هذا اسما للسبب وهو العقد ، لا المسبب أعني به الأثر الشرعي ، ومن
المعلوم أنّ هذا تناقض.
توضيحه : أنّ
المتصف بالصحة والفساد هو الشيء المفروغ عن وجوده ، لكونهما وصفين للشيء الموجود.
فإن أريد بالبيع «العقد» اتّصف بالصحة تارة وبالفساد اخرى.
وإن أريد به
الأثر الحاصل ـ وهو الانتقال ـ لم يتصف بالصحة والفساد ، بل يتصف بالوجود تارة
وبالعدم اخرى. وكذا الحال لو أريد بالعقد معناه اللغوي ـ المعبّر عنه بالفارسية ب
ـ گره ـ لدوران أمره بين الوجود والعدم.
فالمتحصل : أنّ
المراد بعقد البيع هو الإيجاب والقبول ، لأنّه المتصف بالصحة إن كان جامعا لشرائط
التأثير ، وبالفساد إن كان فاقدا لها ولو لبعضها ، فيكون إضافة «العقد» إلى «البيع»
لاميّة ، كما أنّ إضافة العقد بمعناه اللغوي إلى البيع بيانية من قبيل إضافة
الكلّي إلى الفرد.
(١) الأولى نقل
كلام الشهيد الثاني قدسسره بألفاظه ، قال في المسألة الثانية من مسائل المطلب
الرابع ـ ذيل قول المحقق : إطلاق العقد ينصرف الى الصحيح دون الفاسد ـ ما لفظه : «عقد
البيع وغيره من العقود حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد ، لوجود خواصّ الحقيقة
والمجاز فيهما ، كمبادرة المعنى الى ذهن السّامع عند إطلاق قولهم : باع فلان داره
، وغيره ، ومن
لوجود (١) خواصّ
الحقيقة والمجاز كالتبادر وصحة السلب (٢) ، قال : «
______________________________________________________
ثمّ حمل الإقرار به عليه ، حتّى لو ادّعى إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا. وعدم
صحة السلب ، وغير ذلك من خواصّه. ولو كان مشتركا بين الصحيح والفاسد ليقبل تفسيره
بأحدهما كغيره من الألفاظ المشتركة. وانقسامه الى الصحيح والفاسد أعمّ من الحقيقة.
وحيث كان الإطلاق محمولا على الصحيح لا يبرّ بالفاسد ، ولو حلف على الإثبات سواء أكان
فساده لعدم صلاحيته للمعاوضة كالخمر والخنزير ، أو لفقد شرط فيه كجهالة مقداره
وعينه ، وسيأتي البحث فيه» .
والمستفاد من
كلامه قدسسره أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح المؤثّر ، لا للجامع
بينه وبين الفاسد ، وذلك لوجود أمارة الحقيقة من تبادر خصوص الصحيح ، وصحة السلب
عن الفاسد ، واطّراد استعمالها في الصحيح. وحيث إنّ المتّصف بالصحة والفساد هو
العقد لا الأثر المترتب عليه كان دعوى وضع عناوين المعاملات لخصوص العقود الصحيحة
منافية لما تقدم عن الشهيد الثاني قدسسره ـ بناء على صحة النسبة ـ من التصريح بكون إطلاق البيع
على العقد مجازا بعلاقة السببية ، فلاحظ.
ثم إنّ في
كلامه تأمّلا من جهات سيأتي بيانها في التعليقة إن شاء الله تعالى.
(١) تعليل
لقوله : «حقيقة في الصحيح ، مجاز في الفاسد» وقد تقدم آنفا
(٢) هذا
التعبير أولى مما في عبارة المسالك من قوله : «وعدم صحة السلب» فإنّ مقصود الشهيد
الثاني قدسسره إقامة أمارة على وضع «البيع» ونحوه من العقود لخصوص
الصحيح المؤثّر ، فكان المناسب أن يقول : «وصحة السلب عن الفاسد» لا «وعدم صحة
السلب» وذلك لأنّ عدم صحة السلب عن الصحيح ليس أمارة الوضع لخصوص الصحيح ، لوضوح
أنّ عدم صحة السلب عن الحصة لا يشهد بعدم كون الجامع والطبيعي موضوعا له ، فإذا لم
يصح سلب الإنسان عن العالم لم يكشف ذلك عن عدم وضع لفظ «الإنسان» للجامع بين
العالم والجاهل ، فعلامة الوضع لخصوص العالم صحة سلب الإنسان عن الجاهل ، لا عدم
صحة سلبه عن العالم.
__________________
ومن ثمّ (١) حمل الإقرار به عليه (٢) حتّى لو
ادّعى (٣) إرادة الفاسد لم يسمع إجماعا. ولو كان مشتركا بين الصحيح والفاسد لقبل
تفسيره بأحدهما ، كغيره من الألفاظ المشتركة. وانقسامه (٤) إلى الصحيح والفاسد أعم
______________________________________________________
والحاصل : أنّ
عدم صحة سلب «البيع» عن العقد الصحيح لا يدلّ على كون الموضوع له هو خصوص الصحيح. كما
أنّ عدم صحة سلب الإنسان عن العالم لا يشهد بوضعه لخصوص العالم ومجازيته في غيره. ولعلّه
لهذا أصلح المصنف قدسسره العبارة وقال : وصحة السلب.
(١) أي : ولأجل
وجود علائم الحقيقة في إطلاق العقود على خصوص الصحيح منها ـ ومجازية إطلاقها على
الفاسد ـ حمل الإقرار بالبيع على الصحيح خاصة ، كما لو ترافع شخصان في بيع دار
فادّعاه أحدهما وأنكره الآخر ، ثمّ اعترف المنكر بوقوع البيع ، ولكنّه وجّهه بكون
عقده فاسدا لفقده بعض الشرائط ، فإنّه يلزم المقرّ بالبيع ، ولا يسمع منه اعتذاره
بفساد العقد. ومن المعلوم أنّ قبول أصل إقراره بوقوع البيع ـ وعدم سماع اعتذاره
بفساد العقد ـ دليل على وضع «البيع» لخصوص الصحيح ، لا للجامع بينه وبين الفاسد ، إذ
لو كان الموضوع له هو الجامع المشترك بين الصحيح والفاسد لزم قبول دعوى فساد العقد
، كما هو الحال في الإقرار بلفظ مشترك بين معنيين أو أكثر.
(٢) أي : حمل
إقرار أحد المترافعين بالبيع على الصحيح.
(٣) أي : لو
ادّعى المقرّ بالبيع إرادة عقد فاسد لم يقبل منه ، بل يؤاخذ بظاهر إقراره ، وهو
البيع الصحيح أي العقد الجامع للشرائط.
(٤) أي : وانقسام
البيع ، ومقصود الشهيد قدسسره دفع دخل ، أمّا الدخل فتقريبه : أنّ القائل بوضع ألفاظ
المعاملات للجامع بين الصحيح والفاسد يستدلّ بصحة تقسيم العنوان المعاملي ـ كالبيع
ـ الى الصحيح والسقيم ، فيقال : «هذا بيع صحيح لاستجماعه لشرائط الصحة ، وذاك بيع
فاسد لاختلال شرائطه لكونه غرريا مثلا» ولو كان «البيع» حقيقة في خصوص الصحيح
ومجازا في الفاسد لم يصح توصيف البيع بأنّه فاسد ، إذ البيع الفاسد ليس ببيع
وإنّما هو كإنشاء العابث واللّاغي يصح سلب العنوان عنه ، مع أنّه لا ريب في صحة
تقسيم البيع الى الصحيح
من الحقيقة» (*).
______________________________________________________
والفاسد ، كصحة تقسيم كل لفظ موضوع للجامع إلى حصصه وأفراده.
وأمّا الدفع
فهو : أنّ مجرّد الانقسام الى الصحيح والفاسد لا يدلّ على كون المقسم معنى حقيقيا
للفظ ، فيمكن أن يكون المقسم معنى مجازيا له ، فلا يثبت كون لفظ «البيع» ونحوه
حقيقة في الجامع بين الصحيح والفاسد ، لأنّ مجرّد الاستعمال ـ الذي هو أعم من
المعنى الحقيقي ـ لا يثبت الوضع ، وذلك لما ثبت في محله من اختصاص أصالة الحقيقة
بالشك في المراد مع العلم بالمعنى الحقيقي. وأمّا لو علم بالمراد وشك في الموضوع
له فلا تجري حتى يثبت كون المراد معنى حقيقيا.
__________________
وقال (١)
الشهيد الأوّل
في قواعده : «الماهيات الجعلية كالصلاة والصوم
______________________________________________________
(١) غرضه من
نقل كلام الشهيد قدسسرهما أنّ مختاره في مسألة الصحيح والأعم هو الوضع
__________________
__________________
وسائر العقود لا تطلق على الفاسد إلّا الحجّ ، لوجوب المضيّ فيه»
(١). وظاهره (٢)
______________________________________________________
لخصوص الصحيح ، والفارق بينه وبين كلام الشهيد الثاني المتقدم : أنه قدسسره خصّ نزاع الصحيح والأعم بالمعاملات ، ولم يتعرّض للنزاع
في العبادات ، ولكن الشهيد الأوّل عمّم الوضع للصحيح لمطلق الألفاظ المتداولة في
الخطابات الشرعية ، سواء أكانت معاملة أم عبادة.
(١) وقال بعد ذلك
: «فلو حلف على ترك الصلاة أو الصوم اكتفى بمسمّى الصحة ، وهو الدخول فيهما ، فلو
أفسدهما بعد ذلك لم يزل الحنث. ويحتمل عدمه ، لأنّها لا تسمّى صلاة شرعا ولا صوما
مع الفساد. أمّا لو تحرّم في الصلاة أو دخل في الصوم مع مانع من الدخول لم يحنث
قطعا» .
وعلى هذا فكلام
الشهيد الأوّل موافق لما حكاه المصنف عن الشهيد الثاني قدسسره من وضع ألفاظ العبادات والمعاملات للصحيح أي الواجد
لكلّ ما يعتبر فيه شرطا وشطرا.
واستثنى الشهيد
الأوّل قدسسره الحجّ ، لكونه موضوعا للأعم من الصحيح والفاسد ، بشهادة
إطلاقه ـ على الفاسد ـ في النصوص الآمرة بإتمام الحج فيمن أفسده بالوقاع قبل
الوقوفين ، كمضمرة زرارة ، قال : «قلت : فأيّ الحجّتين لهما؟ قال : الأولى التي
أحدثا فيها ما أحدثا ، والأخرى عليهما عقوبة» . فإنّ الحجّة الاولى مع فسادها بالجماع قد وجب إتمامها.
ومن المعلوم أنّ إطلاق الحج على الفاسد منه ظاهر في كونه على نحو الحقيقة.
وهذا بخلاف
الصلاة والصوم والزكاة والمعاملات ، فإنّها موضوعة للصحيح خاصة ، واستعمالها في
الفاسد ـ أي الفاقد شطرا أو شرطا ـ مجاز.
(٢) يعني : وظاهر
قول الشهيد : «لا تطلق على الفاسد» هو الإطلاق الحقيقي ، وعليه فاستعمال هذه
الألفاظ على نحو الحقيقة منوط بكون تلك الماهية المخترعة واجدة للأجزاء
__________________
إرادة الإطلاق الحقيقي (*).
______________________________________________________
والشرائط وفاقدة للموانع ، فلو كانت فاسدة كالصلاة الفاقدة للستر أو للسورة
كان استعمالها فيها مجازيا. وكذا الحال في ألفاظ المعاملات كالبيع ، فإنّها موضوعة
لخصوص المؤثّر في النقل والمبادلة ، فالبيع الربوي والغرري ليسا بيعا حقيقة ، ولا
يصحّ أن يقال : إنّهما بيع فاسد.
__________________
__________________
ويشكل (١) ما ذكراه
______________________________________________________
امتناع التمسك
بالإطلاق بناء على الوضع للصحيح
(١) بعد أن فرغ
المصنف قدسسره من نقل كلام الشهيدين قدسسرهما الظاهر في وضع ألفاظ المعاملات ـ بل والعبادات كما في
قواعد الشهيد الأوّل ـ لخصوص الصحيح ، أخذ في بيان الإشكال الوارد على هذه المقالة
، ومحصله : أنّ مقتضى وضع ألفاظ المعاملات للصحيح ، وعدم شمول الموضوع له فيها
للفرد الفاسد هو عدم صحة التمسك بإطلاق ما دلّ على مشروعية المعاملة عند الشك في
أصل مشروعيّتها أو في اعتبار أمر فيها ، ضرورة أنّ الشك حينئذ يكون في موضوع دليل
الإمضاء ، ومن المعلوم أنّه مع الشك في انطباق موضوع الدليل على المشكوك فيه لا
سبيل للتمسّك بإطلاقه ، فينسدّ باب التمسّك بإطلاقات أدلة المعاملات طرّا ، ويجري
أصالة الفساد في جميع موارد الشك في دخل شيء شطرا أو شرطا في المعاملة.
وهذه الدعوى
مما يقطع بفساده ، لاستقرار سيرة الأصحاب «رضوان الله عليهم» قديما وحديثا على
التمسك ، بالإطلاقات في دفع الشك في جزئية شيء أو شرطيته في المعاملات ، بل نسب
المصنف على ما في تقرير بحثه الشريف الى الشهيد تمسكه بها ، قال مقرر بحثه : «حتى
أنّ الشهيد قد ملأ الأساطير من ذلك ، بل ولولاه لما دار رحى الفقه كما لا يخفى على
المستأنس بكلامهم. وقد ادّعى الفاضل الإجماع على جواز التمسك بعموم قوله تعالى «أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ» .
ثم لا يخفى أنّ
كلام المصنف قدسسره مسوق لبيان الاشكال من جهة إجمال الأدلة الإمضائية بناء
على الوضع للصحيح.
ولمّا كان ذلك
متوقفا على القول بالحقيقة الشرعية وتصرّف الشارع في الأوضاع اللغوية والعرفية كان
الاشكال منحلّا إلى أمرين وإن لم يصرّح بهما معا.
الأوّل : أنّ
اختصاص وضع الماهيّات المخترعة الشرعية ـ والعقود ـ بالأفراد الصحيحة
__________________
بأنّ وضعها (١) للصحيح يوجب عدم جواز التمسك بإطلاق
نحو (٢) (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وإطلاقات (٣)
أدلة سائر العقود في مقام الشك في اعتبار شيء فيها (٤) ،
______________________________________________________
مبني على القول بالحقيقة الشرعية بمعنى أخذ قيد الصحة في الموضوع له ، فكما
أنّ الشارع وضع لفظ «الصلاة» للماهية التي تحريمها التكبير وتحليلها التسليم ، فكذلك
وضع لفظ «البيع» مثلا للمعاملة المؤثّرة في نقل العوضين ، وهي الواجدة لجميع
الشرائط والقيود ، فالمعاملة الفاقدة لبعضها ليست بيعا حقيقة.
الثاني : أنّ
لازم وضع أسامي المعاملات لخصوص الصحيح المؤثّر في ترتب الأثر المقصود على العقد
هو إجمال الأدلة عند صدق العنوان عرفا على المعاملة ، والشك في اعتبار شيء فيه
شرعا. مثلا إذا أحرز صدق «البيع» عرفا على عقد المكره ، وشكّ في اشتراط البيع
الممضى شرعا بالرضا المقارن للعقد لم يمكن الرجوع إلى مثل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) للحكم بنفوذ عقد المكره المتعقب بالرضا ، إذ المفروض
كون البيع موضوعا للصحيح الشرعي لا العرفي ، ومع الشك في اعتبار مقارنة الرضا
للعقد يشك في صدق موضوع الدليل ، ومن المعلوم عدم جواز التمسك بالدليل ما لم يحرز
موضوعه من الخارج.
هذا تقريب
الإشكالين ، وسيأتي الجواب عنهما.
(١) يفهم من
هذه الكلمة ابتناء إشكال إجمال الأدلة على القول بالحقيقة الشرعية ، بمعنى : جعل
وضع شرعيّ لأسامي المعاملات كالعبادات ، فكما أنّ «الصلاة» في عرف الشارع تختلف عن
معناها اللغوي والعرفي وهو الدعاء ، فكذلك البيع والنكاح والصلح ونحوها من عناوين
المعاملات موضوعة بوضع جديد لمفهوم آخر أضيق من مفاهيمها العرفية واللغوية.
(٢) مثل (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) بناء على اختصاص التجارة بالبيع والشراء ، وقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء على كونه عنوانا مشيرا إلى آحاد العقود.
(٣) مثل «النكاح
سنّتي» و«الصلح جائز بين المسلمين» ونحوهما.
(٤) للإجمال
الناشي من احتمال دخل ما يحتمل اعتباره ـ في صحة المعاملة ـ في صدق الاسم ، فيتوقف
صدق «البيع» على رعاية جميع الشرائط الشرعية ، ولا يكفي إطلاقه عرفا
مع (١) أنّ سيرة علماء الإسلام التمسك بها في هذه المقامات
(٢) (*).
______________________________________________________
على العقد الفاقد لبعض ما يحتمل دخله شرعا فيه.
(١) هذا وجه
الاشكال على كلام الشهيدين قدسسرهما ومحصله : منافاة الوضع للصحيح ـ المستلزم للإجمال ـ لسيرة
الفقهاء على تسليم إطلاق الأدلة ، ونفي دخل ما يشك في اعتباره في المعاملات بها ، فيتمسكون
بإطلاق آية حلّ البيع لمشروعية العقد بالفارسية وبالمعاطاة ، وذلك لصدق البيع
العرفي عليهما.
(٢) أي : مقام
الحكم بعدم دخل ما يحتمل اعتباره شرعا في المعاملات.
__________________
نعم (١)
يمكن أن يقال : إنّ
البيع
______________________________________________________
توجيه الوضع للصحيح
(١) استدراك
على قوله : «ويشكل ما ذكراه» وغرضه قدسسره دفع الاشكال الوارد على مقالة الشهيدين قدسسرهما من وضع ألفاظ المعاملات للصحيح ، وكونها مجازا في
الفاسد. وكلام المصنف متضمن لمقامين.
أحدهما : إمكان
وضع أسامي المعاملات لخصوص الصحيح ، بنحو لا يترتب عليه إجمال الأدلة الإمضائية ، ولا
ينسدّ باب التمسك بإطلاقاتها.
وثانيهما : توجيه
التمسك بالإطلاق بناء على الوضع لخصوص الصحيح.
والكلام فعلا
في المقام الأوّل ، ولا بأس بالإشارة إلى أمرين تمهيدا لتوضيح المتن :
الأوّل : أنّ
المعاملات أمور اعتبارية ، متقوم حقائقها باعتبار المعتبر ، وليس لها وجود وراء
وجودها في وعاء الاعتبار ، وبهذا تمتاز عن الموجودات الحقيقية التي لا دخل للجعل
والمواضعة في وجودها في موطنها ، ولا تتغيّر حقائقها باختلاف الأنظار. وأمّا الأمر
الاعتباري فيمكن وجوده باعتبار معتبر ، دون آخر ، وذلك كالأوراق النقدية التي
يعتبر ماليّتها حكومة ، ولا يعتبرها حكومة أخرى ، فتسقط عن الاعتبار حينئذ.
الثاني : أنّ
انطباق العنوان والمفهوم على المصاديق مختلف ، فقد يكون قهريّا لا يتوقف على أزيد
من تحققه خارجا بمعدّاته ومباديه كالقتل ، الصادق على إزهاق الروح قسرا سواء أكان
مع القصد أم بدونه ، ولذا يسند القتل حقيقة إلى القاتل في القتل الخطائي الذي لم
يقصد القاتل ذلك أصلا. وقد يكون متوقفا على القصد والاعتبار كالتعظيم ، فإنّه لا
ينطبق على مجرّد القيام عند قدوم الغير ، بل لا بدّ من كونه بقصد إكرامه ورعاية
عظمته.
ثم إنّ مثل
التعظيم مما يناط صدقه بالاعتبار ربما يقع الخلاف في مصداقه مع عدم الخلاف في أصل
المفهوم ، فقد يعدّ القيام بنظر جمع ـ بقصد إكرام القادم الى مجلس ـ من أظهر أنحاء
التعظيم ، بينما يرى آخرون كشف الرأس أو الانحناء إلى حدّ الركوع مطابقا للمفهوم. وهذا
الاختلاف ناش من اعتبار فعل مصداقا للتعظيم عند جمع ، واعتبار فعل آخر كذلك
وشبهه (١) في العرف إذا استعمل في الحاصل
______________________________________________________
بنظر غيرهم. ونتيجة تعدد الاعتبارات كون كلّ واحد من الأفعال مصداقا حقيقيا
لذلك المفهوم الوحداني ، من دون أن يخطئ بعضهم بعضا.
إذا اتّضح ما
ذكرناه فنقول في توجيه كلام الشهيدين قدسسرهما ـ من وضع ألفاظ المعاملات للصحيح ، وأنّ استعمالها في
الفاسد مجاز ـ : إنّ المعاملات أمور عرفية اعتبرها العقلاء قبل الشريعة الإسلامية
لتنظيم شؤون مجتمعهم ، ولم يخالفهم الشارع الأقدس في أصل المفهوم ، ولم يخترع
طريقا آخر ، ولم يتصرّف فيها تصرّفا أساسيا ، وإنّما ردع عن بعضها كالبيع الربوي
والملامسة والمنابذة ، ونكاح الشغار ، وزاد قيدا في بعضها الآخر كاعتبار البلوغ في
المتعاقدين ، واعتبر في بعضها صيغة خاصة كما في الطلاق.
وليس هذا
التصرف راجعا الى تغيير أصل المفهوم حتى يكون المستعمل فيه من لفظ «البيع» عند
الشارع مغايرا لما هو عند العرف ، بل المستعمل فيه واحد عندهما ، وهو ما يترتّب
عليه الأثر المترقب كمبادلة إضافة الملكية ، غاية الأمر أنّ للبيع مثلا مصداقين
حقيقيين أحدهما منسوب الى الشارع ومضاف اليه ، وهو موضوع للآثار الشرعية ، والآخر
منسوب الى العرف وهو الموضوع للآثار الخاصة عندهم ، وينطبق على كليهما ذلك الجامع
الوحداني أعني به «النقل المؤثّر» فيكون اختلاف العرف والشرع في ترتب الملكية عند
أحدهما دون الآخر نظير اختلاف طائفتين في كون ما به التعظيم هو القيام خاصّة أو
فعل آخر. والسّر في تعدد الأنظار حينئذ هو أنّ المعاملات لا حقائق لها وراء
الاعتبار.
والمتحصّل : أنّ
الموضوع له في مثل «البيع» بمعناه المصدري هو الإنشاء المؤثّر في النقل والانتقال
، فإن ترتّب عليه الأثر ـ ولو بنظر العرف ـ اتّصف بالصحة ، وإلّا كان فاسدا ، ويتوقف
استعماله فيه مجازا على قرينة. وإرادة هذا المعنى من الصحة لا يمنع من الرجوع الى
إطلاقات أدلّة الإمضاء كما سيظهر إن شاء الله تعالى.
(١) كالإجارة
والنكاح والرهن ونحوها من عناوين العقود والإيقاعات مما يكون رائجا عند العقلاء مع
الغضّ عن الشرع.
من المصدر (١) ـ الذي (٢) يراد من قول القائل : «بعت» عند الإنشاء ـ لا يستعمل
(٣) حقيقة إلّا فيما
(٤) كان صحيحا مؤثّرا ولو في نظرهم
، ثمّ إذا كان مؤثّرا في نظر الشارع
______________________________________________________
(١) المراد
بالمصدر هو «إنشاء تمليك عين بمال» وهذا مختار المصنف في تعريف البيع. والمراد
بحاصل المصدر هو الملكية والانتقال المترتبان على الإنشاء ، فإذا أنشأ البائع فقد
حصلت الملكية به في اعتبار نفسه ، وكذا بنظر العرف ، وإن لم تحصل بنظر الشارع.
(٢) صفة للمصدر
، يعني : أنّ المراد من قول البائع : «بعت» هو المعنى المصدري.
(٣) خبر قوله :
«ان البيع» يعني : أنّ ما يستعمل فيه لفظ «البيع» هو الملكية المنشئة المؤثّرة ـ بنظر
العرف ـ في انتقال إضافة العوضين ، فإذا لم يترتب عليها أثر كان استعمال البيع
فيها مجازا.
(٤) المراد
بالموصول هو التمليك ، والمقصود بالتمليك الصحيح هو المؤثّر ، فالبيع مستعمل حقيقة
في النقل المؤثّر ، فما ليس بمؤثّر ليس بصحيح. لكن التأثير قد يكون بنظر العرف دون
الشرع ، فإن اعتبر العرف الملكية كان البيع متصفا بالصحة عنده ، وإن اعتبرها الشرع
كان صحيحا بنظره ، فلا منافاة بين وضع ألفاظ المعاملات لخصوص الصحيح ، وبين اختلاف
العرف والشرع في المصداق.
وبالجملة : أنّ
إيجاب البائع يتضمن أمورا ثلاثة :
الأوّل : نفس
الإنشاء والتمليك الذي هو معنى البيع المصدري.
الثاني : الملكيّة
في اعتبار نفس البائع ، حيث إنّه يعتبر تبادل إضافة العوضين من كلّ منهما الى
الآخر.
الثالث : تأثير
هذا الاعتبار في حكم العرف والشرع بترتب الانتقال على الإنشاء.
والأمران
الأوّلان متحققان في كل إنشاء صادر بداعي الجدّ. ولكن الأمر الثالث قد يتخلّف ، فإن
كان اعتبار الموجب مؤثّرا ـ أي واجدا للشرائط العرفية ـ كان ذلك بيعا صحيحا ، وإلّا
كان فاسدا نظير إيجاب الهازل ، فإنّه يعتبر الملكية ، لكن العرف لا يراه مؤثّرا.
كان بيعا عنده (١) ، وإلّا كان صورة بيع ، نظير
بيع الهازل عند العرف. فالبيع (٢) الذي يراد منه ما
(٣) حصل عقيب قول القائل : «بعت» عند العرف والشرع حقيقة في الصحيح المفيد للأثر ،
ومجاز في غيره. إلّا (٤) أنّ الإفادة وثبوت الفائدة مختلف في نظر العرف والشرع (٥).
______________________________________________________
(١) فيصير
الصحيح الشرعي أخص من الصحيح العرفي ، ضرورة أنّ العقلاء يعتبرون الملكية في بيع
الخمر ، ويرونه مؤثّرا في الانتقال ، ولكن الشارع لا يعتبر ذلك التأثير ، فيصير
بيع الخمر عند العرف ـ في عدم التأثير بنظر الشارع ـ نظير ما إذا اعتبر البائع
ملكية منّ من التراب بمثله ، ولم يعتبرها العقلاء ، فيكون فاسدا بنظرهم.
وعليه فالموضوع
له عند العرف والشرع هو النقل المؤثّر ، لكن ما به يتحقق هذا النقل مختلف بنظر
العرف والشرع.
(٢) هذه نتيجة
جعل معنى البيع هو خصوص الملكية ـ في نظر البائع ـ المؤثّر في إمضائه عرفا وشرعا ،
فإذا كانت الملكية والانتقال مخصوصين باعتبار البائع فقط كان استعمال البيع فيهما
مجازا.
وعلى هذا فلو
كان مقصود الشهيدين قدسسرهما ـ من وضع ألفاظ العقود للصحيح ـ وضعها للإنشاء المؤثّر
بنظر العرف أو الشرع كان وجيها ، ولو كان مقصودهما وضعها لخصوص ما يراه الشارع مؤثّرا
لم يمكن المساعدة عليه.
(٣) المراد
بالموصول كما عرفت هو الملكية والانتقال في نظر البائع ، وقد أفاده فيما يتعلق
بكلام كاشف الغطاء قدسسره بقوله : «نعم تحقّق القبول شرط للانتقال في الخارج لا
في نظر الناقل». فالانتقال بنظر الناقل يحصل بمجرد إنشائه ، وهذا الانتقال يتصف
بالصحة تارة وبالفساد أخرى.
(٤) يعني : لا
منافاة بين وضع عناوين المعاملات للصحيح المفيد للأثر وبين اختلاف العرف والشرع ، كما
لا منافاة في اختلاف الملل فيما به التعظيم مع اتفاق الكلّ على مفهومه.
(٥) فإنّه
يعتبر شرعا في بيع المكيل والموزون ـ إذا كانا متجانسين ـ عدم زيادة أحدهما على
الآخر ، ويعتبر في بيع الصرف التقابض في المجلس ، ولا يعتبر شيء منهما في البيع
العرفي.
وأمّا (١)
وجه تمسّك العلماء
______________________________________________________
هذا تمام الكلام في توجيه كلام الشهيدين قدسسرهما من وضع أسماء العقود للصحيح ، لا للأعم منه ومن الفاسد.
وسيأتي الكلام في توجيه التمسك بالإطلاق.
طريق التمسك بالإطلاق
بناء على الوضع للصحيح
(١) هذا هو
المقام الثاني مما أفاده قدسسره في دفع الإشكال المتقدم على كلام الشهيدين قدسسرهما وتقريبه : أنّ جهة البحث الى الآن كانت في توجيه
كلامهما وتحقيق مرادهما من وضع ألفاظ العقود للصحيح ، وقلنا إنّ المقصود به في
البيع مثلا هو طبيعي النقل المؤثّر في انتقال الإضافتين ، ولهذا المفهوم الجامع
مصداقان ، أحدهما النقل المؤثّر عرفا ، والآخر النقل المؤثّر شرعا.
وبعد استيفاء
هذه الجهة عطف عنان البحث الى تصحيح الرجوع الى الخطابات الشرعية بوجهين.
وينبغي تقديم
أمرين قبل بيانهما :
الأمر الأوّل :
أنّهم فرّقوا في مسألة الصحيح والأعمّ بين ألفاظ العبادات والمعاملات بناء على
إنكار وضعها للأعمّ ، والقول باختصاصها بالصحيح ، ومحصّل الفرق : أنّ العبادات
ماهيات مخترعة شرعية غير معلومة للعرف ، فمع عدم معرفة تلك الماهيات لا وجه للتمسك
بإطلاقاتها ، لكون الشك في صدق مفهوم «الصلاة» مثلا على فاقد ما يشك دخله فيها
جزءا أو شرطا. فلا بد من علاج الشك بالرجوع إلى إطلاق مقامي أو أصل عملي كما حرّر
ذلك في الأقل والأكثر الارتباطيين.
وهذا بخلاف
المعاملات ، فإنّها أمور عرفية كانت متداولة بينهم ـ قبل عصر التشريع ـ لتنظيم
شؤونهم الاجتماعية. وقد أمضى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هذه الطريقة ولم يخالفهم فيها ، ولم يخترع طريقا آخر ، ولم
يتصرّف فيها تصرّفا أساسيّا ، بل كان تصرّفه بالردع عن بعضها كالبيع الربوي ونكاح الشغار
، وبزيادة قيد كاعتبار البلوغ في المتعاقدين ، واعتبار صيغة خاصّة في بعضها
كالطلاق والنكاح.
.................................................................................................
______________________________________________________
والحاصل : أنّ
الشارع لم يستعمل ألفاظ المعاملات إلّا في مفاهيمها العرفية ، ودخل القيود في مقام
تأثيرها شرعا إنّما استفيد من دوالّ اخرى ، وليست مقوّمة لمفاهيمها ، فكما لم
يستعمل الشارع ألفاظ الخمر والحنطة والماء ـ في الأدلة التي جعلها موضوعات لأحكامه
ـ إلّا في مفاهيمها العرفية ، فكذلك لم يستعمل لفظ البيع والصلح والنكاح في قوله :
«البيع حلال ، الصلح جائز ، النكاح سنّتي» إلّا في معانيها العرفية التي تنسبق إلى
أذهانهم.
الأمر الثاني :
أنّ أدلة المعاملات لا يستفاد منها أزيد من كونها إمضاء للمعاملات العرفية ، فمثل
قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) إمضائي لا تأسيسي ، والممضى هو المعاملة العرفية ، لا
المعاملة الشرعية حتى يكون مفهومها مجملا مانعا عن الرجوع الى الإطلاق. نعم لا بدّ
من إحراز الصحة العرفية ، فلو شك في صدق العنوان ـ كما إذا شكّ في اعتبار معرفة
العوضين ، أو شكّ في قابلية وقوع المنافع ثمنا في البيع العرفي ـ امتنع التمسك
بالآية الشريفة لإثبات الصحة ونفي دخل ما يحتمل اعتباره في المفهوم العرفي. وأمّا
إذا أحرز صدق الاسم عندهم وكان الشك متمحّضا في الدخل التعبّدي كان الإطلاق نافيا
له ، إذ لو كان ذلك المشكوك فيه دخيلا في ترتب الأثر على المعاملة شرعا لزم
التنبيه عليه لئلّا يكون عدم بيانه مخلّا بالغرض.
إذا اتّضح ما
قدّمناه قلنا في تقريب الوجهين المشار إليهما في المتن :
الوجه
الأوّل : أن يحمل «البيع»
الوارد في الخطابات الشرعية على المنشإ ـ أي المسبّب ـ كالملكية والانتقال
المترتبين على الإنشاء ، فالممضى هو الملكية العقلائية الحاصلة بالعقد القولي أو
الفعلي. وعلى هذا فليس المراد بالبيع طبيعيّ النقل المؤثّر حتى يكون نظر العرف
والشرع طريقا إليه ومصداقا له ، بل المراد خصوص المؤثّر بنظر العرف ، فمفاد آية حل
البيع هو : أنه تعالى أمضى كلّ ملكية حاصلة بالعقد المؤثّر في الانتقال بنظر العرف
، ومن المعلوم أنّ هذا خطاب انحلالي يعمّ جميع المصاديق العرفية.
فمقتضى عموم
الإمضاء مشروعية بيع المنابذة والملامسة والغرر والخمر والخنزير والبيع الربوي
وبيع الكالي بالكالي وغير ذلك من البيوع الفاسدة الشرعية. ويتوقف الحكم
.................................................................................................
______________________________________________________
ببطلان هذه على ورود مقيّد لإطلاق الآية ، إذ لو لا التقييد والتخصيص كان
موضوع الخطاب ـ وهو البيع المؤثر عرفا ـ صادقا على جميعها ، وينحصر الردع الشرعي
عنها في الإخراج الحكمي مع محفوظية موضوع الإمضاء.
ولا ربط لهذا
التقريب بالتصرف في الموضوع بأن يكون إمضاء طريقة العرف تصويبا لنظرهم ، وردعها في
مثل بيع الخمر تخطئة لهم. وذلك لما عرفته من أنّ الموضوع العرفي بحدوده محفوظ في
مورد النهي الشرعي ، فيتعين تصرف الشارع في التخصيص والتقييد.
الوجه
الثاني : أن يحمل «البيع» الواقع في الأدلة الإمضائية على المصدر
الذي يراد من لفظ «بعت» والمصدر هو ما تقدّم في تعريف المصنف قدسسره للبيع بقوله : «فالأولى تعريفه بإنشاء تمليك عين بمال» وهذا
فعل الموجب فقط ، فمعنى آية حلّ البيع : أن إنشاء النقل حلال مطلقا ويؤثّر في
النقل والملكية ، إذ لو لا تأثيره فيهما لم يكن حلالا ولم يجب الوفاء به ، فإذا
كان معنى البيع عرفا هو إنشاء التمليك كان معنى إمضاء الشارع تأثير هذا الإيجاب في
حصول الملكية عرفا وشرعا ، سواء أكان إنشاء النقل متعلقا بجنس ربوي أم بالخمر أم
بالأعيان المحلّلة.
ولو لم يكن هذا
الإنشاء مؤثّرا في اعتبار الملكية شرعا كان عليه التنبيه لئلّا يلزم الإخلال
بالغرض ، فيقيّد هذا الإطلاق بما دلّ على عدم تأثير «إنشاء التمليك» في مثل الخمر
والأعيان النجسة والمنابذة ونحوها. ويبقى موارد احتمال التصرف الشرعي مندرجا في
إطلاق الحلّ ، كما لو شك في اعتبار مقارنة الرضا بالعقد ، وعدم كفاية الرضا
المتأخر في مثل بيع المكره ، فإنّه لا مانع من نفي هذا الشك بالتمسّك بإطلاق حلية
إنشاء النقل المؤثّر بنظر العرف.
وهذا الوجه
يشترك مع سابقه في أنّ موضوع الإمضاء مبيّن ، والتصرف الشرعي راجع الى الإخراج
الحكمي تخصيصا أو تقييدا. ويفترق عنه بأنّ الوجه الأوّل ناظر إلى كون الموضوع
العرفي هو البيع بالمعنى الاسمي كالملكية والانتقال ، والوجه الثاني ناظر إلى ما
اختاره في معنى البيع من إرادة المعنى المصدريّ ، وهو إنشاء التمليك.
ثم إنّ الحلّية
المدلول عليها بالآية الشريفة تكون تكليفية بناء على ما سيأتي في
بإطلاق أدلّة البيع (١) ونحوه (٢) فلأنّ الخطابات لمّا وردت على طبق العرف (٣)
حمل لفظ «البيع» وشبهه في الخطابات الشرعية على ما (٤) هو الصحيح المؤثّر عند
العرف (٥) ، أو (٦) على المصدر الذي يراد من لفظ «بعت» فيستدلّ (٧)
______________________________________________________
المعاطاة من جعل متعلق الحلّ التصرفات. وبناء على كونها للجامع بين التكليف
والوضع أو إرشادا إلى خصوص الوضع كانت الحلية للأعم أو لخصوص الوضع ، فالمسألة
مبنائيّة.
(١) كقوله
تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) سواء أكانت التجارة خصوص البيع والشراء ، أم شاملة
لغيرهما من المعاملات التي يقصد بها الاسترباح وتنمية المال.
(٢) كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الصلح جائز بين المسلمين» و«النكاح سنّتي» فالمراد
في الجميع هو المسبّب ـ كالتسالم والزوجية ـ الصحيح عرفا أي موضوعا لترتيب الآثار
عليها عندهم.
(٣) لما تقدّم
من أنّه ليس للشارع في المعاملات اصطلاح جديد ، بخلاف العبادات التي هي مخترعاته ،
وهو المرجع في تعيين حدودها.
(٤) هذا إشارة
إلى أوّل الوجهين لتوجيه التمسك بإطلاق الأدلة الإمضائية بناء على الالتزام بوضع
أسامي المعاملات للصحيح ، لا للأعمّ منه ومن الفاسد.
(٥) لا المؤثر
واقعا حتى يكون نظر العرف طريقا إليه ، بل تمام الموضوع التأثير بنظر العرف. وعليه
فما ليس بمؤثّر في نظر العقلاء ليس موضوعا للأدلة الإمضائية ، لصحة سلب العنوان
عنه.
ثم إنّ هذا
المعنى للصحّة يجعل موارد الردع الشرعي خارجة حكما ، لكونها بيوعا عرفية صحيحة ، لا
أنّها خارجة عنه موضوعا من باب التخطئة كما مال إليه جمع من الأعلام.
(٦) هذا إشارة
إلى الوجه الثاني من توجيه التمسك بأدلة المعاملات بناء على وضعها للصحيح لا للأعم
، وحاصله : أنّ كل ما يعدّ عرفا مصداقا لإنشاء التمليك فهو حلال.
(٧) يعني : لمّا
كانت أدلة المعاملات إمضائية لا تأسيسية ، وكان الممضى هو المعاملة المؤثّرة بنظر
العرف لا الشرع ، فلا محالة يتمسك بها ـ فيما إذا أحرز إطلاقها ـ وينفى دخل ما
يحتمل اعتباره في المعاملة ، سواء قلنا بوضع البيع مثلا للمعنى الاسمي ـ أي
المسبّب ـ كما هو
بإطلاق الحكم بحلّه (١) أو بوجوب الوفاء (٢) على (٣) كونه مؤثّرا في نظر
الشارع أيضا (٤) ، فتأمّل (٥) ، فإنّ للكلام محلّا آخر (*).
______________________________________________________
مقتضى الوجه الأوّل ، أم للمعنى المصدري ـ أي السبب ـ كما هو مقتضى الوجه
الثاني.
وعليه فقوله : «فيستدل»
متفرّع على الوضع للصحيح المؤثّر ، سواء أكان الموضوع له اسم المصدر أو نفسه.
فإن قلت : بناء
على الوجه الثاني كيف يحمل البيع على المعنى المصدري القائم بالبائع؟ مع أنّ
الإنشاء المؤثّر بنظر العرف يتوقف في مطلق العقود على انضمام القبول إلى الإيجاب.
قلت : لا
منافاة بين وضع البيع للمعنى المصدري وبين توقّف تأثيره على تعقب القبول للإيجاب ،
وذلك لقابلية الإطلاق للتقييد ، فكما قيّد الإيجاب المؤثّر عرفا بموارد ردع الشارع
وتصرّفه ، فكذلك قيّد بانضمام القبول إليه ، فالبيع حينئذ هو السبب القابل للاتصاف
بالصحة والفساد.
(١) كما هو
مقتضى قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ).
(٢) كما هو
مقتضى قوله تعالى (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ).
(٣) متعلق
بقوله : «فيستدل».
(٤) كما هو
مؤثّر بنظر العرف.
(٥) لعلّه
إشارة إلى : أنّ التوجيه الثاني ينافي ما تقدم عنه من كون البيع «إنشاء تمليك عين
بمال» وإن لم يتعقبه القبول ، ضرورة أنّ المؤثّر ليس خصوص الإيجاب ، بل هو مع
القبول.
إلّا أن يقال :
إنّ البيع حقيقة في المؤثّر أيضا ، فيكون مشتركا. لكنه بعيد ، فتدبّر.
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
بقي
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسرهقدسسره
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
الكلام في المعاطاة (١)
______________________________________________________
(١) لمّا فرغ
المصنف قدسسره من تعريف البيع ب «إنشاء تمليك عين بمال» تعرّض ـ تبعا
للقوم ـ لحكم المعاطاة ، وأنّه هل يعتبر في إفادة الملكية اللازمة إنشاء البيع
باللفظ ، أم يكفي إنشاؤه بالفعل ، وقد فرّع الفقهاء هذا البحث على اعتبار الصيغة
في المعاملة ، كما لا يخفى على من راجع كلماتهم ، قال المحقق في تعريف عقد البيع :
«العقد هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك الى آخر بعوض معلوم. ولا يكفي
التقابض من غير لفظ وإن حصل من الأمارات ما يدل على إرادة البيع .. إلخ» .
وظاهر هذا
التفريع اعتبار جميع ماله دخل في البيع بالصيغة في المعاطاة ، من شرائط العوضين
والمتعاقدين ، وينحصر الفرق في فقد العقد القولي.
ثم إنّ المصنّف
قدسسره بسط الكلام في المعاطاة وما يتعلق بها ، فتعرّض لجملة
من أحكامها وفروعها في التنبيهات ، وقدّم البحث عن مفهومها وحكمها الشرعي ، في طيّ
مقامات :
أحدها : بيان
مفهومها ، لأنّ معرفة الموضوع مقدّمة على حكمه ، ويذكر فيه صور المعاطاة بحسب قصد
المتعاطيين.
ثانيها : الأقوال
المذكورة فيها.
ثالثها : حكمها
على ما يقتضيه الدليل الاجتهادي والأصل العملي ، وسيأتي بيانها
__________________
اعلم : أنّ المعاطاة
(١) (*) على ما فسّره جماعة
(٢) : أن يعطي كلّ من
اثنين عوضا عمّا يأخذه
______________________________________________________
مرتّبا إن شاء الله تعالى.
المقام الأوّل : تعريف
المعاطاة
(١) هذا شروع
في المقام الأوّل المتكفّل لبيان مفهوم المعاطاة ، ومحصّله : أنّ مقتضى دلالة باب
المفاعلة على قيام المبدأ باثنين هو أن يعطي كلّ من المتعاملين ماله للآخر ، وهذا
هو القدر المتيقن من قيام العقد الفعلي مقام العقد القولي ، فلا ينافي ما سيأتي
منه في التنبيه الثامن من تقوية كفاية وصول المالين أو أحدهما مع التراضي بالتصرّف
بناء على الإباحة.
(٢) كالعلّامة
والشّهيد الثاني والسّيد الطباطبائي ، ففي شرح اللمعة : «وهي : إعطاء كل واحد من
المتبايعين ما يريده من المال عوضا عمّا يأخذه من الآخر باتفاقهما على ذلك بغير
العقد المخصوص» .
__________________
__________________
من الآخر (١). وهو (٢) يتصوّر على وجهين :
أحدهما : أن
يبيح كلّ منهما للآخر التصرّف فيما يعطيه من دون نظر
______________________________________________________
(١) هذا معنى
المعاطاة لغة بناء على المشهور بين علماء العربية في مدلول هيئة المفاعلة ، قال في
شرح النظّام : «و ـ فاعل ـ لنسبة أصله وهو مصدر ثلاثيّة إلى أحد الأمرين متعلقا
بالآخر ، للمشاركة صريحا ، فيجيء العكس ضمنا ، نحو : ضاربته وشاركته. الى أن قال
: وبمعنى ـ فعّل ـ نحو : ضاعفته ، بمعنى : ضعّفت. وبمعنى ـ فعل ـ نحو : سافرت
بمعنى سفرت» .
والمستفاد من
كلامه استعمال هيئة المفاعلة في غير الاثنين أيضا ، فجعل المعاطاة إعطاء كلّ من
اثنين ـ بحيث يكون استعمالها في إعطاء واحد لكونها من المفاعلة مجازا ـ غير ظاهر. وقد
عرفت آنفا أعمية المعاملة المتداولة من ذلك ، لجريان النزاع فيما لو كان الإعطاء
من طرف واحد ، وغير ذلك.
صور المعاطاة بحسب
قصد المتعاطيين
(٢) يعني : أنّ
إعطاء كل واحد للآخر لمّا كان منبعثا عن القصد فإمّا أن يكون المقصود مجرّد إباحة
التصرف بمقتضى الإذن المالكي ، وإمّا أن يكون المقصود التمليك على حدّ البيع
اللفظي.
ثم إنّ ظاهر
المتن جعل مقسم الوجهين المذكورين المعاطاة المعنونة في كتاب البيع ، حيث ذهب جمع
من الخاصة والعامة إلى كونها مفيدة للملك ، خلافا لمشهور القدماء من إفادتها
الإباحة. وليس المقسم مطلق التعاطي ، وذلك لإمكان تصويره على نحو لا يقصد فيها
تمليك ولا إباحة ، كالوديعة بناء على جريان المعاطاة فيها ، وهكذا غيرها من العقود
والإيقاعات على ما سيأتي تفصيله في التنبيه الخامس إن شاء الله تعالى.
فان قلت : لو
كان المقصود تصوير المعاطاة الواقعة بعنوان البيع فمن المعلوم أنّ مقصود
المتبايعين هو تمليك ماليهما لا إباحتهما ، فينبغي حصر المعاطاة ـ بقصد البيع ـ في
الصورة الثانية
__________________
إلى تمليكه (١).
الثاني (٢)
: أن يتعاطيا على وجه التمليك
(٣).
وربما يذكر (٤)
وجهان آخران :
______________________________________________________
وهي قصد التمليك ، وإخراج قصد الإباحة عن حريم البحث.
قلت : نعم ، إذ
مقتضى التفريع أجنبية قصد الإباحة عن المعاطاة المقصود بها البيع ، إلّا أنّ
الموجب لذكر الوجه الأوّل ـ وهو قصد الإباحة ـ ما سيأتي تفصيله في المقام الثاني
من دلالة بعض عبائر القوم على قصد الإباحة كما في كلام شيخ الطائفة : «وإنّما هي
استباحات محضة» لظهور هيئة «الاستفعال» في قصد الإباحة ، لا في ترتبها تعبدا على
ما إذا قصدا التمليك.
وعليه فلا مانع
من جعل قصد المتعاطيين للإباحة من أقسام المعاطاة في البيع.
(١) فتكون
الإباحة بإزاء الإباحة ، فالمقابلة بين الفعلين وهما الإباحتان.
(٢) هذا هو
الشائع من المعاطاة البيعية ، وهو المناسب لعقد البحث عن حكمها في كتاب البيع ، إذ
لو لم يقصدا التمليك كان عدم ترتب الملك على تعاطيهما من باب السالبة بانتفاء
الموضوع ، فلا بدّ من قصد التمليك حتى يتمحّض البحث عن حكمها من إفادة الإباحة أو
الملك المتزلزل أو اللازم.
(٣) فيكون
مقصودهما تمليك عين بإزاء تمليك عوض.
(٤) الذاكر
صاحب الجواهر قدسسره فإنّه جعل صور المعاطاة أربعا : أولاها : قصد الإباحة
المطلقة مع التصريح بها. ثانيتها : قصد التمليك. ثم قال : «ثالثها : أن يقع الفعل
من المتعاطيين ، من غير قصد البيع ولا تصريح بالإباحة المزبورة ، بل يعطي البقّال
مثلا شيئا ليتناول عوضه ، فيدفعه إليه .. الى أن قال : رابعها : أن يقصد الملك
المطلق» .
وظاهر كلامه في
الصورة الثالثة : أنّ كل واحد من المتعاطيين يدفع مالا الى الآخر لا بقصد التمليك
البيعي ولا بتصريح بالإباحة المالكية ، فيكون المقصود الأصلي مجرّد حصول مال كلّ
منهما عند الآخر ، كما إذا دفع باذل الفلوس ماله الى البقّال ليتناول البقل ، فقبض
البقليّ
__________________
أحدهما : أن يقع
النقل (١) من غير قصد البيع ولا تصريح بالإباحة المزبورة ، بل يعطي
شيئا ليتناول شيئا (٢) ، فدفعه الآخر إليه.
والثاني : أن
يقصد الملك المطلق ، دون خصوص البيع.
ويردّ الأوّل
(٣)
______________________________________________________
الفلوس وأعطى البقل إلى الباذل ، ففي هذا التعاطي لم يقصدا التمليك ، ولم
يصرّحا بالإباحة. وإنّما الحاصل به مطلق التسليط. ولم يستبعد صاحب الجواهر قدسسره مشروعية هذا الوجه.
وأمّا الصورة
الرابعة ـ وهي قصد الملك المطلق ـ فقد حكم قدسسره بفسادها ، لأنّ تمليك العين لا بدّ أن يكون بعنوان
البيع أو الهبة أو الصلح ، فمع عدم قصد خصوصية إحدى المعاملات لا ينطبق عليها
عنوان خاص ، فتبطل. إلّا أن يكون الأصل في تمليك الأعيان هو البيع ، فيحمل عليه. ويصير
كالصورة الثانية أي : قصد المتعاطيين التمليك البيعي.
(١) الموجود في
الجواهر ـ كما تقدم آنفا ـ في بيان هذه الصورة : «أن يقع الفعل من المتعاطيين .. إلخ»
لا «النقل» ولعل المصنف حكاه بالمعنى.
وكيف كان
فالمراد بالنقل هو النقل الخارجي الحسّي المعبّر عنه بالمعاطاة ، وليس المراد به
النقل الاعتباري ـ الذي يفسّر به البيع في جملة من الكلمات ـ أي الملكية المترتبة
في موطن الاعتبار على الإعطاء والأخذ الخارجيين.
والوجه في
إرادة النقل الخارجي في كلام صاحب الجواهر هو : أنّ المفروض عدم قصد المتعاطيين
البيع والتمليك ، فلا مقتضي لحصول الملكية بهذا التعاطي.
(٢) بأن أعطى
أحدهما قطعة ليتناول بقلا ، فدفع صاحب البقل بقلة إلى باذل الفلوس.
(٣) ناقش
المصنف قدسسره في كلا الوجهين المذكورين في الجواهر. وما أفاده في منع
أوّل الوجهين مبنيّ على أمرين :
الأوّل : أنّ
النقل الخارجي ـ أي إعطاء كلّ واحد منهما ماله للآخر ـ فعل إرادي لهما ، وليس
كحركة يد المرتعش خارجا عن الاختيار.
الثاني : أنّ
العناوين المعاملية محصورة في أمور معلومة ، بعضها يفيد ملك العين كالبيع
بامتناع (١) خلوّ الدافع [الواقع] عن قصد عنوان من عناوين البيع أو
الإباحة (٢)
______________________________________________________
والقرض والهبة ، وبعضها يفيد ملك المنفعة كالإجارة والصلح على المنفعة ، وبعضها
يفيد إباحة الانتفاع كالعارية ، وبعضها يفيد الاستيمان في الحفظ عن التلف والضياع كالوديعة
، وبعضها يفيد الإذن في التصرف كالوكالة ، إلى غير ذلك.
وعلى هذا فإذا
وقع النقل الخارجي من الناقل الملتفت وكان قصده المعاملة امتنع خلوّه عن قصد عنوان
خاص من عناوين المعاملات ، فإمّا أن يقصد تمليك العين بعوض وهو البيع ، أو يقصد
التسالم على العين بعوض وهو الصلح ، أو يقصد تمليك العين في قبال هبة عين أخرى ، وهو
الهبة المعوّضة ، أو يقصد التسليط على الانتفاع وإباحته وهو العارية ، أو يقصد
المتعاطيان إباحة التصرف كما في الضيافة وهي الإباحة المالكية المصطلحة. ولا يعقل
تحقق النقل والتعاطي من الشاعر المختار مجرّدا عن أحد العناوين المتقدّمة.
وعليه فلا وجه
لما في الجواهر من تصوير المعاطاة على نحو النقل المطلق الخالي عن قصد البيع ، وعن
قرينة على إرادة الإباحة.
هذا توضيح
مناقشة المصنف قدسسره في الوجه الأوّل. ويمكن أن يورد على صاحب الجواهر بوجه
آخر ذكرناه في التعليقة.
وناقش في الوجه
الثاني بما حاصله : أنّ «تمليك عين بعوض على وجه المقابلة بين المالين» هو مفهوم
البيع ، وليس أمرا آخر حتى يعدّ الإعطاء بقصد التمليك المطلق أمرا آخر مغايرا
للتعاطي بقصد التمليك البيعي. وعليه لم يظهر فرق بين الوجه الثاني والرابع من صور
المعاطاة في كلام صاحب الجواهر قدسسره.
(١) وجه
الاستحالة ما عرفت من أنّ الفعل الإراديّ ـ القابل للانطباق على عناوين مختلفة ـ يتشخّص
بالقصد ، فلا معنى للتعاطي المهمل أو المطلق.
(٢) المراد بها
الإباحة المصطلحة ولو استلزمت إتلاف العين كما في الضيافة ونحوها ، وبهذا تفترق عن
إباحة الانتفاع بالعارية ، حيث إنّ المستعير يضمن العين لو أتلفها.
أو العارية أو الوديعة أو القرض أو غير ذلك
(١) من العنوانات
الخاصة (*).
______________________________________________________
(١) كقصد
الإعراض أو التوكيل ، فالأوّل : بأن يقصد كلّ منهما بإعطاء ماله الإعراض عن ملكه
ورفع المانع عن تملك غيره له ، فيكون الفعل الصادر من كلّ منهما إعراضا ، فيقع
التقابل بين الإعراضين ، ومن المعلوم أنّ الإعراض عنوان قصدي كالعناوين الخاصة
المزبورة.
والثاني : بأن
يقصد كلّ واحد من المتعاطيين توكيل الآخر في أن يأخذه لنفسه ، إمّا تملكا وإمّا
على وجه الإباحة ، فيكون إعطاء كل منهما توكيلا معاطاتيا بإزاء توكيل.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
والثاني (١) بما تقدّم في تعريف البيع
(٢) من : أن
التمليك بالعوض على وجه المبادلة (٣) هو مفهوم البيع لا غير.
نعم (٤) يظهر من غير واحد منهم في بعض العقود ـ كبيع
(٥) لبن الشاة مدّة
______________________________________________________
(١) يعني : ويردّ
الوجه الثاني بأن التمليك المطلق بين عين وعوض هو معنى البيع ، وليس قدرا جامعا
بينه وبين الصلح والهبة حتى يحمل على خصوص البيع ـ عند الشك في إرادة غيره ـ لأجل
الغلبة مثلا. وعليه فالوجه الرابع في كلام الجواهر متحد مع الوجه الثاني فيه ، وليس
وجها على حدة.
(٢) في ردّ ما
أفاده الشيخ الكبير من أن الأصل في تمليك الأعيان هو البيع ، فيقدّم على الصلح
والهبة المعوّضة ، حيث قال المصنف : «ان تمليك الأعيان بالعوض هو البيع
لا غير».
(٣) واشتمال
الصلح على العين والهبة المعوّضة على البدل لا يقتضي كون «التمليك بالعوض» مشتركا
معنويا بين مفادات عقود ثلاثة ، إذ المنشأ في الصلح هو التسالم لا التمليك. والبدل
في الهبة ليس مقابلا للعين الموهوبة ، كما تقدم تفصيله ، فراجع.
(٤) استدراك
على قوله : «ان التمليك بالعوض هو مفهوم البيع» يعني : أنّ ما ذكرناه ـ من إنكار
تعدد مفهوم البيع والتمليك المطلق ـ ليس أمرا متفقا عليه ، لذهاب غير واحد من
الفقهاء إلى أعمية «التمليك المطلق» من البيع ، وحينئذ يتجه ما أفاده صاحب الجواهر
قدسسره من جعل التعاطي بقصد التمليك البيعي وجها ، وبقصد
التمليك المطلق وجها آخر. فتصير المسألة مبنائيّة بعد وجود الخلاف فيها. نعم حكم
صاحب الجواهر قدسسره بفساد التعاطي بقصد الملك المطلق ، فراجع.
(٥) الأولى
تبديل كلمة «البيع» بالتمليك ، بأن يقال : «كتمليك لبن الشّاة مدّة ..» وذلك لأنّ
غرض المصنف قدسسره من نقل هذا الكلام إثبات أعمية «تمليك العين بعوض على
وجه المقابلة بين المالين» من البيع ، فكما أن تمليك اللّبن مدّة لا يكون صلحا ولا
هبة معوّضة ولا إجارة للشاة للبنها فكذا لا يكون بيعا ، بل هو معاملة مستقلة ، ومن
المعلوم أن هذه الأعمية منافية لما اختاره شيخنا الأعظم من أن «التمليك على وجه المقابلة
بين العوضين» هو البيع لا أمر آخر.
__________________
__________________
وغير ذلك ـ كون (١) التمليك المطلق أعمّ من البيع.
ثم إنّ
(٢) المعروف بين
علمائنا في حكمها أنّها مفيدة
______________________________________________________
وكيف كان فلا
ريب في صحة ما نسبه المصنف إلى بعض الأصحاب من أعمية «تمليك العين بعوض» من البيع
، للتصريح بصحته في مسألتين :
إحداهما : في
تمليك لبن الشاة مدّة معلومة بعوض. ولعلّ الأصل فيه كلام العلّامة ، حيث قال : «مسألة
: قال الشيخ في النهاية : لا بأس أن يعطي الإنسان الغنم والبقر بالضريبة مدّة من
الزمان بشيء من الدراهم والدنانير والسمن ، وإعطاء ذلك بالذهب والفضّة أجود في
الاحتياط. وقال ابن إدريس : لا يجوز ذلك. والتحقيق : أنّ هذا ليس ببيع ، وإنّما هو
معاوضة ومراضاة غير لازمة ، بل سائغة ، ولا منع من ذلك .. إلخ» .
ووافقه المحقق
الثاني قدسسره في جامع المقاصد ومحكي تعليق الإرشاد .
ثانيتهما : في
مسألة القبالة ، وهي : أن يتقبّل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة بخرص معلوم. قال
السيد الفقيه العاملي قدسسره : «إنّ هذا التقبيل هل هو معاملة برأسها غير الصلح
والبيع أو أحدهما ويكون مستثنى من القاعدة؟ ظاهر الأصحاب الأوّل ، كما في المسالك
، وهو كما قال ، بل صريح جماعة» .
والغرض من نقل
العبارتين هو مشروعية تمليك اللّبن مدّة وتمليك الثمرة ، مع عدم اندراجه في البيع
وسائر العقود المعهودة.
(١) بالرفع
فاعل «يظهر». هذا تمام الكلام في المقام الأوّل المتكفل لمفهوم المعاطاة ، والوجوه
المحتملة ثبوتا في قصد المتعاطيين.
ولا يخفى عدم
انحصار الصّور في الأربعة المتقدمة ، لإمكان أن يقصد أحدهما التمليك والآخر
الإباحة بحيث تكون الإباحة بإزاء التمليك ، وسيأتي في التنبيه الرابع أحكام جملة
من الصور إن شاء الله تعالى.
المقام الثاني : آراء
الفقهاء في حكم المعاطاة
(٢) هذا هو
المقام الثاني أعني به الأقوال المذكورة في حكم المعاطاة ، وهي ستة كما
__________________
لإباحة التصرّف (١) ، ويحصل الملك بتلف إحدى العينين
(٢).
______________________________________________________
سيأتي تصريح المصنف بها ، لكنه قدسسره أشار ـ فعلا ـ إلى ثلاثة منها ، مقدّمة للخوض في تحرير
محل النزاع حتى تتوارد الأقوال المختلفة على موضوع واحد.
ومحصّله : أنه
اختلف نظرا المحقق الكركي وصاحب الجواهر قدسسرهما في أن مصبّ الآراء المتضاربة في المعاطاة هل هو
المعاملة الفعلية المقصود بها مجرد إباحة التصرف أم التي يقصد المتعاطيان بها
التمليك كما في البيع بالصيغة؟ كما سيظهر إن شاء الله تعالى.
(١) كما في
المسالك ، حيث قال : «لكن هل يفيد ـ أي التقابض ـ إباحة تصرف كل منهما فيما صار
إليه من العوض ، نظرا إلى إذن كل منهما للآخر في التصرف ، أم يكون بيعا فاسدا من
حيث اختلال شرطه وهو الصيغة المخصوصة؟ المشهور الأوّل. فعلى هذا يباح لكل منهما
التصرف ، ويجوز له الرجوع في المعاوضة ما دامت العين باقية ، فإذا ذهبت لزمت» .
وقد حكيت
الشهرة على إفادتها الإباحة عن كفاية الفاضل السبزواري ومفاتيح المحدّث الفيض
وغيرهما . وعلى هذا فالشهرة على الإباحة ـ التي هي القول الأوّل
ـ متضافرة النقل. وهل الإباحة شرعية أم مالكية؟ سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
(٢) كما صرّح
به الشهيد الثاني بقوله : «لو تلفت العينان معا تحقق الملك فيهما. ولو تلفت
إحداهما خاصة فقد صرّح جماعة بالاكتفاء به في تحقق ملك الأخرى» .
والمستفاد منه
: أنّ المراد باللزوم هو الملك لا لزوم الإباحة ، وإنّما الخلاف في كفاية تلف إحدى
العينين في حصول الملكيّة ـ وتبدل الإباحة بالملك ـ أو توقفه على تلفهما معا.
فإن قلت : إنّ
ما نسبه المصنف الى المشهور ـ من حصول الملك اللازم بتلف إحدى العينين في المعاطاة
المفيدة للإباحة عندهم ـ غير سديد ، لخلوّ عبارات الأصحاب عن الحكم بحصول الملك
بالتلف ، بل حكموا باللزوم بالتلف ، فإنّ عبارة جمع من المتأخرين ـ كما صرّح به
__________________
وعن المفيد (١) القول بكونها لازمة كالبيع. وعن العلّامة
______________________________________________________
في جامع المقاصد ـ هي : أنّها تفيد الإباحة ، وإنّما تلزم بتلف إحدى
العينين. وظاهره لزوم الإباحة ـ لا الملك ـ بالتلف ، إذ حصول الملك بمجرّد التلف
مع كون الحاصل قبله هو الإباحة خلاف القواعد» وعليه فالأولى تغيير قول المصنف : «ويحصل الملك بتلف ..»
بأن يقال : «وتحصل الإباحة اللازمة بتلف إحدى العينين» كي لا يكون مخالفا لكلمات
المشهور.
قلت : ما نسبه
المصنف قدسسره إلى المشهور في غاية المتانة ، لما عرفت من صراحة عبارة
الشهيد الثاني قدسسره في تبدّل الإباحة ـ بالتلف ـ بالملك ، لا صيرورة
الإباحة لازمة بعد أن كانت جائزة. بل يتعيّن إرادة هذا المعنى أيضا من عبارة جامع
المقاصد ، لأنّ المحقق الثاني ـ كما سيأتي في المتن ـ استغرب من فتوى المشهور
بترتب الإباحة على المعاطاة ، وأنّها تنقلب الى الملك بسبب تلف إحدى العينين أو
التصرف فيها ، ولأجله حمل المحقق الثاني الإباحة ـ في كلمات القدماء ـ على الملك
المتزلزل ، إذ لا غرابة حينئذ في صيرورة الملك الجائز لازما بالتلف ، لكونه كالعقد
الخياري الذي ينقلب جوازه باللزوم بانقضاء زمان الخيار أو بإسقاطه.
(١) إشارة إلى
ثاني الأقوال في المعاطاة ، وهو كونها كالبيع القولي مفيدا للملكية ، نسب الى
المفيد منّا ، وإلى بعض العامة. قال الشيخ المفيد قدسسره : «والبيع ينعقد على تراض بين الاثنين فيما يملكان
التبايع له ، إذا عرفاه جميعا ، وتراضيا بالبيع ، وتقابضا ، وافترقا بالأبدان» . ودلالته على تأثير المعاطاة في الملك اللازم ـ كالبيع
بالصيغة ـ إنّما هي لاقتصاره قدسسره على التقابض ، وعدم تعرّضه لشرطية الصيغة في البيع (*).
__________________
__________________
وبعض العامّة (١) القول بكونها لازمة كالبيع
(٢). وعن العلّامة رحمهالله في النهاية (٣)
______________________________________________________
(١) يعني : جماعة
منهم ، على ما يظهر من تعبير بعضهم : «الصيغة في البيع هي كلّ ما يدلّ على رضاء
الجانبين : البائع والمشتري ، وهي أمران ، الأوّل : القول وما يقوم مقامه من رسول
أو كتاب .. والثاني : المعاطاة» . ثم نقل عن الشافعية : «أنّ البيع لا ينعقد إلّا
بالصيغة الكلامية ، أو ما يقوم مقامها .. أمّا المعاطاة فإنّ البيع لا ينعقد بها
.. إلخ».
والمقصود من
نقل هذه العبارة أن القول بكون المعاطاة لازمة كالبيع القولي مذهب جماعة من العامة
، ولم ينقل الخلاف من غير الشافعية.
(٢) يعني : كالبيع
اللفظي.
(٣) هذا إشارة
إلى القول الثالث ، ولعلّ المتفرّد به هو العلّامة في النهاية لا في سائر
__________________
__________________
احتمال كونها فاسدا في (١) عدم إفادتها لإباحة التصرف.
ولا بدّ أوّلا (٢)
من ملاحظة
______________________________________________________
كتبه ، قال قدسسره : «والمعاطاة ليست بيعا ، .. وهل هو إباحة؟ أو يكون
حكمه حكم المقبوض بسائر العقود الفاسدة؟ الأقرب الثاني ، فلكل منهما مطالبة الآخر
بما سلّمه إليه ما دام باقيا ، ويضمنانه إن كان تالفا» .
وهذا مختاره في
النهاية ، فلا بد من حمل قول المصنف : «احتمال كونها ..» على الاحتمال الراجح الذي
يسكن إليه الفقيه ، لا مجرّد الاحتمال الثبوتي الموهوم ، إذ المفروض أنّ العلّامة قدسسره استقرب فساد المعاطاة.
(١) خلافا
للمشهور القائلين بترتب الإباحة عليها ولو كانت بيعا فاسدا ، ولعلّ الأولى بسلاسة
العبارة أن يقال : «بيعا فاسدا في جميع الجهات حتى في عدم إفادتها إباحة التصرف» وجه
الأولوية : اتفاق الأكثر على أنّ المعاطاة بيع فاسد لا يؤثر في النقل الملكي ، وإنّما
الخلاف في أنها فاسدة من جميع الجهات فيكون المأخوذ بالمعاطاة كالمأخوذ غصبا في
حرمة التصرف والضمان ، أو أنّها فاسدة من حيث خصوص عدم ترتب الملك عليها ، ولا
تكون كالغصب ، بل يباح التصرف في العينين.
تحرير محلّ النزاع في
المعاطاة
(٢) اقتصر
المصنف قدسسره هنا على ثلاثة من الأقوال ، وسيأتي نقل تمامها قبيل
استدلاله على المختار من إفادتها الملك. وغرضه الآن تحرير محلّ النزاع بين الفقهاء
، إذ بعد ما عرفت في المقام الأوّل من تصوّر وجهين ـ بحسب قصد المتعاطيين ـ في
المسألة لا بدّ من تعيين مصبّ الأقوال المتضاربة ، وأنّ الفقهاء ـ القائلين بفساد
المعاطاة أو بصحتها أو بجواز التصرفات غير المتوقفة على الملك ، أو بغير ذلك ـ هل
يكون موضوع حكمهم المعاطاة المقصود بها الملك ، أم المقصود بها الإباحة؟ إذ بهذا
يصير نزاعهم معنويا ، لتوارد الآراء على موضوع واحد.
__________________
أن النزاع في (١) المعاطاة المقصود بها الإباحة أو في المقصود بها
التمليك؟ الظاهر من الخاصة والعامة هو المعنى الثاني
(٢).
وحيث (٣) إنّ الحكم بالإباحة بدون الملك قبل التلف وحصوله
(٤) بعده لا يجامع (٥) ظاهرا قصد التمليك من المتعاطيين نزّل
(٦) المحقّق الكركي الإباحة في
كلامهم على الملك الجائز المتزلزل ، وأنّه
(٧) يلزم بذهاب إحدى العينين
،
______________________________________________________
وأمّا إذا قال
بعضهم بفساد المعاطاة المقصود بها الملك ، وقال آخرون بصحة المعاطاة المقصود بها
الإباحة كان النزاع بينهم صوريّا لا معنويّا.
(١) الظرف
متعلق بمحذوف ، يعني : هل يكون محلّ النزاع المعاطاة المقصود بها الملك ، أم
المقصود بها الإباحة؟
(٢) كما سيظهر
عند نقل العبارات ، فإنّ تفريع المعاطاة على اعتبار الصيغة في البيع أقوى شاهد على
كون المراد هي المعاطاة المقصود بها التمليك ، وأنّ للبيع فردين قوليّا وفعليّا.
(٣) هذا شروع
في تقرير النزاع بين المحقّق الثاني وصاحب الجواهر قدسسرهما في أنّ معركة الآراء هل هي المعاطاة المقصود بها
الإباحة أم المقصود بها التمليك؟ فالمحقق الكركي ذهب الى الثاني مصرّا على حمل «الإباحة»
في كلمات القدماء على الملك المتزلزل. وصاحب الجواهر حكم بلزوم إبقاء الإباحة على
ظاهرها ، ويتعيّن جعل محلّ النزاع هي المعاطاة المقصود بها الإباحة.
(٤) بالجرّ
معطوف على «الإباحة» أي : الحكم بحصول الملك بعد التلف.
(٥) أمّا عدم
اجتماع الحكم بالإباحة مع قصد التمليك فلأنّ الإباحة غير مقصودة ، فما قصد لم يقع
، وما وقع لم يقصد. وأمّا عدم اجتماع الملك بعد التلف مع قصد التمليك فلأنّ قصد
التمليك إذا لم يكن مؤثّرا في الملكية قبل التلف فكيف يؤثّر في الملكية بعده؟ وليس
هذا إلّا من كون التلف مملّكا ، وهو كما ترى. وهذا دعا المحقّق الثاني إلى حمل
الإباحة في كلامهم على الملك الجائز ، ولزومه بالتلف.
(٦) جواب «وحيث
ان الحكم» والمراد بالتنزيل التوجيه والتصرف في ظاهر الكلام.
(٧) معطوف على «الملك»
وضميره وضمير «يلزم» راجعان الى الملك الجائز.
وحقّق (١) ذلك في شرحه على القواعد وتعليقه على الإرشاد بما لا مزيد
عليه.
لكنّ بعض المعاصرين
(٢) لمّا استبعد هذا
الوجه التجأ إلى جعل محل النزاع هي المعاطاة المقصود بها مجرّد الإباحة ، ورجّح
بقاء الإباحة في كلامهم على ظاهرها المقابل للملك ، ونزّل مورد حكم قدماء الأصحاب
بالإباحة على هذا الوجه (٣) ، وطعن على من جعل محلّ النزاع في المعاطاة بقصد التمليك ، قائلا : «إنّ
القول بالإباحة الخالية عن الملك مع قصد الملك ممّا لا ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلا
عن أعاظم الأصحاب وكبرائهم» (*).
______________________________________________________
(١) معطوف على «نزّل».
(٢) هو صاحب
الجواهر قدسسره ووجه استبعاده هو : أنّ إرادة الملك من الإباحة ـ بعد
نفي حصول الملك بالمعاطاة ـ في غاية البعد ، بل غير صحيحة كما سيظهر من جملة من
الكلمات المذكورة في المتن ، مثل قول الشيخ في الخلاف : «فيتصرف كل منهما فيما
أخذه تصرفا مباحا من دون أن يكون ملكه .. إلخ». ونحوه كلام غيره. ولذا أبقى صاحب
الجواهر قدسسره «الإباحة» المذكورة في كلامهم على حالها ، ونزّل مورد حكم القدماء بالإباحة
على المعاطاة المقصود بها الإباحة ، لا التمليك.
(٣) أي : الإباحة
المقابلة للملك ، لا المترتبة عليه.
__________________
__________________
والإنصاف (١) أنّ ما ارتكبه المحقق الثاني في توجيه الإباحة بالملك
المتزلزل بعيد في الغاية عن مساق كلمات الأصحاب مثل الشيخ في المبسوط والخلاف ، والحلّي
______________________________________________________
(١) بعد ما
عرفت من كمال المقابلة بين دعويي المحقق الثاني وصاحب الجواهر قدسسرهما شرع المصنف قدسسره في مناقشة كلتا الدعويين بمخالفتهما لظواهر كلمات
الأصحاب ، ولا ملزم بهذا الحمل والتوجيه ، فلا بد من إبقائها على ظاهرها من قصد
المتعاطيين التمليك ، وترتب الإباحة عليها تعبدا. ولا تفيد هذه المعاطاة ملكا
متزلزلا ، كما أنّه ليس محطّ النزاع ومصبّ الأقوال ما إذا قصد المتعاطيان الإباحة
كما زعمه صاحب الجواهر أعلى الله مقامه.
والدليل على
بطلان التوجيهين المزبورين ما سيأتي من المصنف قدسسره من الأخذ بظاهر كلمات أساطين الفقه ، الآبية عن الحمل
على الملك المتزلزل وعلى قصد الإباحة ، فانتظر.
__________________
__________________
في السرائر ، وابن زهرة في الغنية ، والحلبي في الكافي ، والعلّامة في
التذكرة وغيرها ،
__________________
__________________
بل كلمات بعضهم صريحة في عدم الملك كما ستعرف
(١).
إلّا أنّ جعل
محل النزاع ما إذا قصد الإباحة دون التمليك
(٢) أبعد منه (٣) ، بل لا يكاد
يوجد (*)
______________________________________________________
(١) ومع هذه
الصراحة كيف تحمل الإباحة على الملك ولو الجائز منه؟
(٢) كما صنعه
صاحب الجواهر قدسسره حيث إنّه جعل محلّ النزاع ومصبّ الأقوال المعاطاة
المقصود بها الإباحة دون التمليك.
(٣) أي : أبعد
من توجيه الإباحة بالملك المتزلزل ، وجه الأبعديّة أمور ثلاثة :
الأوّل : ظهور
كلمات العامة والخاصة في تفريع المعاطاة على اشتراط الصيغة في البيع وعدمه ، فمن
اشترطها فرّع عليه عدم كفاية المعاطاة. ومن المعلوم عدم صحة هذا التفريع نفيا
وإثباتا على صورة قصد الإباحة ، فلا يصح أن يكون مورد النزاع صورة قصد الإباحة.
الثاني : أنّ
مورد نفي الخاصة إفادة المعاطاة للملك عين مورد إثبات العامة لإفادتها الملك ، ومن
المعلوم أنّ مورد الخلاف لا يمكن أن يكون صورة قصد الإباحة ، بل لا بدّ أن يكون
صورة قصد التمليك ، إذ لا يصدر القول بالملك اللازم ـ مع قصد الإباحة ـ من عاقل
فضلا عن فاضل.
الثالث : أنّ
مورد البحث والخلاف إنّما هو المعاطاة المتداولة بين الناس ، ومن المعلوم أنّها هي
المعاطاة المقصود بها التمليك. وأمّا المعاطاة المقصود بها الإباحة ففي غاية
الندرة ، بل عامة الناس لا يلتفتون إلى الإباحة حتى يقصدوها ، فلو كان محلّ النزاع
بينهم المعاطاة المقصود بها الإباحة لزم تعرّضهم للنادر وإهمالهم لحكم ما هو
الشائع بينهم وهذا في غاية البعد.
__________________
في كلام أحد منهم ما يقبل الحمل على هذا المعنى
(١).
ولننقل أوّلا
كلمات جماعة ممّن ظفرنا على كلماتهم ليظهر منه بعد تنزيل الإباحة على الملك
المتزلزل كما صنعه المحقق الكركي ، وأبعديّة جعل محلّ الكلام في كلمات قدمائنا
الأعلام ما لو قصد المتعاطيان مجرّد إباحة التصرفات دون التمليك
(٢) ، فنقول
وبالله التوفيق :
قال في الخلاف
: «إذا دفع قطعة إلى البقلي أو الشارب فقال : أعطني بها بقلا أو ماء فأعطاه ، فإنّه
لا يكون بيعا ، وكذلك سائر المحقّرات ، وإنّما يكون إباحة له ، فيتصرّف كل منهما
فيما أخذه تصرّفا مباحا من دون أن يكون ملكه. وفائدة ذلك أنّ البقلي إذا أراد أن
يسترجع البقل ، أو أراد صاحب القطعة أن يسترجع قطعته
______________________________________________________
(١) أي : كون
مورد كلامهم صورة المعاطاة المقصود بها الإباحة.
(٢) كما صنعه
صاحب الجواهر قدسسره.
__________________
__________________
كان لهما ذلك ، لأنّ الملك لم يحصل لهما. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة
: يكون بيعا صحيحا وإن لم يوجد الإيجاب والقبول ، وقال ذلك في المحقرات دون غيرها.
دليلنا : أنّ العقد حكم شرعي ، ولا دلالة في الشرع على وجوده هنا ، فيجب أن لا يثبت
(١). وأمّا الإباحة (٢)
بذلك فهو مجمع عليه
لا يختلف العلماء فيها» انتهى.
ولا يخفى
(٣) صراحة هذا
الكلام في عدم حصول الملك (٤) ، وفي أنّ محل الخلاف بينه
وبين أبي حنيفة ما لو قصد البيع ، لا الإباحة المجردة (٥) ، كما يظهر أيضا من بعض كتب الحنفية ، حيث إنّه ـ بعد تفسير
البيع بمبادلة مال بمال ـ قال : «وينعقد بالإيجاب والقبول والتعاطي».
______________________________________________________
(١) للاستصحاب.
(٢) يعني : أنّ
مقتضى عدم ثبوت العقد الشرعي عدم ترتب شيء من الملك والإباحة على المعاطاة ، لانتفاء
السبب المؤثر. ولكن الالتزام بالإباحة إنّما هو لدليل تعبدي ، وهو الإجماع على
تأثير التعاطي في إباحة التصرفات.
(٣) غرضه وفاء
عبارة الخلاف بأمرين :
أحدهما : عدم
حصول الملك ، وبه يضعف تأويل المحقق الثاني للإباحة المذكورة في كلام الأصحاب
بالملك.
ثانيهما : كون
مورد الأقوال خصوص المعاطاة المقصود بها التمليك ، وبه يضعف ما أفاده الجواهر من
جعل مورد النزاع المعاطاة المقصود بها الإباحة.
(٤) فلا وجه مع
هذه الصراحة لتأويل المحقق الكركي الإباحة بالملك المتزلزل.
(٥) فلا يبقى
وجه لما نسبه إلى الجواهر من جعل محل النزاع المعاطاة المقصود بها الإباحة لا
التمليك.
__________________
وأيضا : فتمسّكه
(١) بأنّ العقد حكم شرعي يدلّ على عدم
انتفاء قصد البيعيّة ، وإلّا (٢) لكان الأولى بل المتعيّن التعليل به (٣) ، إذ مع انتفاء حقيقة البيع لغة وعرفا لا معنى للتمسّك بتوقيفيّة الأسباب
الشرعية كما لا يخفى.
وقال في
السرائر ـ بعد ذكر اعتبار الإيجاب والقبول ، واعتبار تقدم الأوّل على الثاني ـ ما
لفظه : «فإذا دفع قطعة إلى البقليّ أو إلى الشارب فقال : أعطني ، فإنّه لا يكون بيعا
(٤) ولا عقدا
(٥) ، لأنّ الإيجاب والقبول (٦) ما حصلا. وكذلك سائر المحقّرات وسائر الأشياء محقّرا كان أو غير محقّر من
الثياب والحيوان ، أو غير ذلك ، وإنّما يكون إباحة له ، فيتصرّف كلّ منهما فيما
أخذه تصرفا مباحا ، من غير أن يكون ملكه
(٧) ، أو دخل (٨) في ملكه. ولكلّ منهما أن يرجع فيما بذله ، لأنّ الملك لم يحصل لهما.
______________________________________________________
(١) يعني : وكذا
يدلّ تمسّك شيخ الطائفة ب «أن العقد حكم شرعي» على وجود قصد التمليك ، وكان المانع
عن حصوله انتفاء الصيغة الخاصة.
(٢) أي : وإن
لم يقصد المتعاطيان التمليك كان اللازم إسناد عدم الملك إلى عدم مقتضية وهو القصد
، لا إلى عدم شرطه وهو العقد الذي هو سبب شرعي لترتيب آثار الملك.
(٣) أي : بانتفاء
قصد البيعية أي بانتفاء المقتضي للملك.
(٤) حتى يشمله
إطلاق قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) كي يكون التعاطي مفيدا للملك.
(٥) حتى يكون
كالعقد اللفظي مفيدا للملك بمقتضى عموم قوله تعالى (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ).
(٦) أي : اللفظيّين.
وكذا في قول المسالك : «وإن لم يوجد الإيجاب والقبول» فلو كان المفقود قصد التمليك
كان التعليل به أولى ، لأنّ التعليل بعدم المقتضي أولى منه بعد الشرط.
(٧) أي : بنفس
التعاطي.
(٨) أي : بما
يوجب الملك بعده كالتلف ، وذلك بقرينة جملة لم يذكرها المصنف ، بعد قوله : ـ فيما
بذله ـ وهي : «بشرط إن بقيا ، فإن لم يبق أحدهما بحاله كما كان أوّلا فلا خيار لأحدهما»
وليس ذلك (١) من العقود الفاسدة ، لأنّه لو كان عقدا فاسدا لم يصحّ التصرف فيما
صار إلى كلّ واحد منهما ، وإنّما ذلك (٢) على جهة الإباحة» انتهى.
فإنّ تعليله
(٣) عدم الملك بعدم حصول الإيجاب والقبول يدلّ على أن ليس المفروض ما لو لم يقصد
التمليك (٤). مع أنّ ذكره في حيّز شروط العقد يدلّ على ما ذكرنا
(٥). ولا ينافي ذلك قوله : «وليس هذا من العقود الفاسدة .. إلخ» كما لا
يخفى.
______________________________________________________
لدلالة انتفاء الخيار بعد التّلف على دخول العين الأخرى في ملك الآخذ. وعليه
فقول ابن إدريس : «أو دخل في ملكه» ليس عطفا تفسيريا لقوله : «ومن غير أن يكون
ملكه».
(١) يعني : فيكون
التعاطي المفيد للإباحة برزخا بين العقد القولي المفيد للملك وبين العقد الفاسد
الذي يكون كالغصب في الحرمة والضمان.
(٢) أي : دفع
القطعة إلى البقلي أو الشارب إنّما هو على جهة الإباحة ، لا البيع حتى يقال :
إنّ البيع
الفاسد كسائر العقود الفاسدة لا يجوّز التصرف مطلقا.
(٣) غرضه قدسسره أنّ كلام ابن إدريس واف بما هو المقصود من نقل عبارات
الأصحاب ـ من أنّ محطّ الكلام في المعاطاة قصد الملك وترتب الإباحة التعبّديّة
عليها ـ وذلك لوجهين :
أحدهما : تعليل
عدم إفادتها الملك بانتفاء الشرط الشرعي وهو الصيغة.
ثانيهما : أنّ
تفريع المعاطاة ـ على شرائط عقد البيع ـ ممّا يدلّ على أنّ قصد المتعاطيين تمليك
مالهما مفروغ عنه.
(٤) بل يكون
مورد الكلام قصد التمليك ، وإلّا كان الأولى تعليل عدم الملك بعدم المقتضي لا
بفقدان الشرط كما لا يخفى.
(٥) وهو قصد
التمليك ، لما عرفت آنفا من أنّ الاستناد إلى عدم المقتضي أولى من الاستناد إلى
عدم الشرط ، فهذا التفريع يدلّ على أنّ عدم بيعية المعاطاة إنّما هو لفقدان
الإيجاب والقبول ، لا لعدم قصد التمليك.
(٦) المراد
بالمشار إليه عدم حصول الملك بالتعاطي ، وحصول الإباحة به في صورة
__________________
وقال في الغنية
ـ بعد ذكر الإيجاب والقبول في عداد شروط صحة انعقاد البيع كالتراضي ومعلوميّة
العوضين ، وبعد بيان الاحتراز بكلّ من الشروط عن المعاملة الفاقدة له ـ ما هذا
لفظه : «واعتبرنا حصول الإيجاب والقبول تحرّزا عن القول بانعقاده بالاستدعاء من
المشتري والإيجاب من البائع ، بأن يقول : بعنيه بألف ، فيقول : بعتك بألف ، فإنّه
لا ينعقد بذلك ، بل لا بدّ أن يقول المشتري بعد ذلك : اشتريت أو قبلت ، حتى ينعقد.
واحترازا أيضا (١) عن القول بانعقاده بالمعاطاة ، نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة
ويقول : أعطني بقلا ، فيعطيه ، فأنّ ذلك ليس ببيع ، وإنّما هو إباحة للتصرف. يدل
على ما قلناه الإجماع المشار إليه (٢). وأيضا (٣) فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد
به ، وليس على صحة ما عداه دليل. ولما ذكرنا (٤) نهى صلىاللهعليهوآلهوسلم
______________________________________________________
قصد التمليك منه.
وتقريب وجه
المنافاة هو : أنّه في صورة قصد البيع ـ مع فرض عدم ترتّب الأثر عليه ـ لا معنى
لنفي كونه من العقود الفاسدة ، إذ لا معنى للفساد إلّا عدم ترتب الأثر المقصود
عليه ، هذا.
ووجه عدم
المنافاة : أنّ الفساد من حيثية البيع لا ينافي الصحة من الحيثية الأخرى ، فلا
منافاة بين فساد البيع من حيث البيعية ، وصحته من حيث الإباحة. فليس مقصود السرائر
نفي الصحة مطلقا ، بل الصحة من حيث البيعية ، فلا مانع من كونه صحيحا بلحاظ إفادته
الإباحة ، وهذا معنى ما ذكرناه من كون المعاطاة برزخا بين العقد اللفظي والغصب.
(١) يعني : كما
احترزنا عن انعقاد البيع بالاستدعاء.
(٢) لم يصرّح
السيد ابن زهرة قدسسره بالإجماع على عدم بيعية المعاطاة حتى يشير إليه ، ولعل
مراده ما ذكره في أول البيع من شرطية الإيجاب والقبول ، بلا نقل خلاف فيه.
(٣) يعني : كما
تحقّق ـ الإجماع على إفادة الإباحة ، كذلك على نفي بيعية المعاطاة المقصود بها
الملك.
(٤) أي : ولاعتبار
الإيجاب والقبول اللفظيين نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع المنابذة.
عن بيع المنابذة والملامسة وعن بيع الحصاة
(١) على التأويل الآخر .
ومعنى ذلك
(٢) أن يجعل اللمس بشيء والنبذ له وإلقاء الحصاة بيعا موجبا» (٢) انتهى. فإنّ (٣)
دلالة هذا الكلام على أنّ
المفروض قصد المتعاطيين التمليك من وجوه متعددة :
منها : ظهور
أدلته الثلاثة (٤) في ذلك (٥).
ومنها : احترازه
عن المعاطاة والمعاملة بالاستدعاء بنحو واحد
(٦).
______________________________________________________
(١) التأويل الأوّل
المذكور في كلامه هو : أن يكون بيع الحصاة عبارة عن كون المبيع ما يقع عليه الحصاة
، فبطلان البيع إنّما هو لجهالة المبيع ، وفقدان شرط الصحة وهو العلم بالعوضين
وهذا المعنى أجنبي عما نحن فيه ، والمرتبط بالمقام معناه الآخر ، وهو : أن يكون
بيع الحصاة إيجاب البيع بنفس إلقاء الحصاة ، ولذا فرّع بطلانه على اعتبار الإيجاب
والقبول.
(٢) أي : ومعنى
التأويل الآخر أن يجعل .. إلخ.
(٣) غرضه : استظهار
مدّعاه ـ وهو قصد التمليك بالمعاطاة ـ من عبارة الغنية.
(٤) أوّلها
الإجماع الذي معقده عدم حصول البيع بالمعاطاة.
ثانيها : قوله
: «وأيضا فما اعتبرناه مجمع على صحة العقد به .. إلخ». والمراد بهذا الكلام هو كون
الأصل في ما عداه البطلان ، والمعاطاة تكون ممّا عداه.
وثالثها : قوله
: «ولما ذكرنا نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .. إلخ» حيث إنّه لا وجه لبطلان المعاطاة إلّا فقدان
اللفظ كإنشاء البيع بالملامسة.
(٥) أي : في
قصد المتعاطيين التمليك.
(٦) حيث فرّع
السيّد ابن زهرة ـ على اشتراط البيع بالإيجاب والقبول ـ أمرين :
أحدهما : المنع
من انعقاده بالاستدعاء من المشتري.
والآخر : المنع
من انعقاده بالمعاطاة. ومقتضى التفريع وجود قصد التمليك في المعاطاة كوجوده في
الاستدعاء.
__________________
وقال في الكافي
ـ بعد ذكر أنه يشترط في صحة البيع أمور ثمانية ـ ما لفظه : «واشترط الإيجاب
والقبول ، لخروجه (١) من دونهما (٢) عن حكم البيع» الى أن قال : «فإن اختلّ شرط من هذه لم
ينعقد البيع ، ولم يستحق التسليم وإن جاز التصرف مع إخلال بعضها ، للتراضي
(٣) ، دون عقد البيع ، ويصح معه الرجوع» انتهى.
وهو في الظهور قريب
(٤) من عبارة
الغنية.
وقال المحقق قدسسره في الشرائع : «ولا يكفي التقابض من غير لفظ وإن حصل من
الأمارات ما دلّ على إرادة البيع» (٢) انتهى.
وذكر (٥) كلمة الوصل ليس لتعميم المعاطاة
______________________________________________________
(١) أي : البيع
الفاقد للإيجاب والقبول يخرج عن البيع شرعا وإن كان بيعا عرفا ، ومن المعلوم تقوّم
البيع العرفي بقصد التمليك.
(٢) أي : من
دون الإيجاب والقبول.
(٣) متعلق
بقوله : «وان جاز» يعني : وإن جاز التصرف للتراضي لا لأجل عقد البيع ، إذ المفروض
عدم تحققه بغير الإيجاب والقبول اللفظيين.
ثم لا يخفى أن
قوله : «للتراضي» شاهد على أنّ الإباحة الحاصلة بالمعاطاة مالكية لا تعبدية ، لفرض
رضى كلّ من المتعاطيين بتصرف الآخر في المأخوذ بالمعاطاة. نعم تختص هذه الإباحة
المالكية بما إذا علم المتعاطيان باشتراط الصيغة الخاصة في حصول الملكية وعدم
انعقاد البيع بالتعاطي.
(٤) وجه القرب
صراحة قول أبي الصلاح : «لم ينعقد البيع ، ولم يستحق التسليم» في نفي البيعية في
فرض بناء المتعاطيين على التمليك.
(٥) يعني : قوله
: «وإن حصل .. إلخ» توضيحه : أنّ حرف الوصل يشير الى الفرد الخفي ، وهو في عبارة
المحقق قدسسره يحتمل وجهين :
__________________
لما لم يقصد به البيع (١) بل للتنبيه على أنّه لا عبرة بقصد البيع من الفعل.
وقال في
التذكرة في حكم الصيغة : «الأشهر عندنا أنّه لا بدّ منها ، فلا يكفي التعاطي في
الجليل والحقير ، مثل : أعطني بهذا الدينار ثوبا ، فيعطيه ما يرضيه أو يقول : خذ
هذا الثوب بدينار فيأخذه. وبه قال الشافعي مطلقا ، لأصالة بقاء الملك ، وقصور
الأفعال عن الدلالة على المقاصد. وعن بعض الحنفية وابن شريح : في الجليل. وقال
أحمد : ينعقد مطلقا ، ونحوه قال مالك ، فإنّه قال : ينعقد بما يعتقده الناس بيعا» انتهى.
ودلالته على
قصد المتعاطيين للملك لا تخفى من وجوه (٢) : أدونها جعل مالك موافقا لأحمد في
الانعقاد من جهة أنه قال : «ينعقد بما يعتقده الناس بيعا».
______________________________________________________
الأوّل : أن
يكون مقصوده عدم كفاية التقابض في حصول الملك ، سواء قصد المتعاطيان التمليك كما
في البيع القولي ، أم قصدا مجرّد إباحة التصرفات والإذن فيها.
الثاني : أن
يكون مقصوده عدم تأثير التقابض في ترتب الملك عليه ، سواء قامت قرينة على أنّ
المتعاطيين قصدا التمليك ـ كاستظهار قصدهما من المقاولة التي تسبق التقابض غالبا ـ
أم لم تقم قرينة على قصد التمليك.
والمصنف قدسسره استظهر الاحتمال الثاني ، لأنّ المحقق قدسسره فرّع عدم كفاية التقابض على العقد الدال على نقل الملك
، فلا بدّ أن يكون المتعاطيان قاصدين للتمليك حتى يتجه التفريع المذكور ، إذ لو
كانا قاصدين للإباحة كان عدم حصول الملك مستندا إلى عدم المقتضي لا إلى فقد الشرط.
ومن المعلوم أنّ المبيح يجوز له الرجوع عن إذنه في التصرف ، وله استرداد ماله.
(١) كما زعمه
صاحب الجواهر قدسسره حيث وجّه عدم ترتب الملك في المعاطاة بعدم قصده ، إذ
مقصودهما الإباحة لا التمليك.
(٢) أحدها : قوله
: «فلا يكفي التعاطي .. إلخ» فإنّ تفريعه على اعتبار الصيغة يدل على كون
المتعاطيين قاصدين للتمليك ، وأنّ الفساد نشأ من فقدان الشرط وهو الصيغة.
__________________
وقال الشهيد في
قواعده ـ بعد قوله : قد يقوم السبب الفعلي مقام السبب القولي وذكر أمثلة لذلك ـ ما
لفظه : «وأمّا المعاطاة (١) في المبايعات فهي تفيد الإباحة لا الملك وإن كان في الحقير
عندنا» .
ودلالتها على
قصد المتعاطيين للملك مما لا يخفى (٢).
هذا كله
(٣) مع أنّ الواقع في
أيدي الناس هي المعاطاة بقصد التمليك ، ويبعد فرض الفقهاء من العامة والخاصة
الكلام في غير ما هو الشائع بين الناس ، مع أنّهم صرّحوا بإرادة المعاملة
المتعارفة بين الناس.
______________________________________________________
ثانيها : قوله
: «وقصور الأفعال .. إلخ» لظهوره في أنّ مقصود المتعاطيين هو الملك ، وعدم الوقوع
إنّما هو لقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد وما في الضمائر.
ثالثها : قوله
: «ينعقد بما يعتقده الناس بيعا» إذ لا معنى لوقوع البيع عند الناس بدون قصد
التمليك كما لا يخفى.
(١) ليس في
النسخة المطبوعة من قواعد الشهيد «قيام السبب الفعلي مقام القولي» لأنّه قدسسره قال : «قد يقوم السبب الفعلي غير المنصوب ابتداء مقام
الفعلي المنصوب ابتداء ، كتقديم الطعام الى الضيف ، فإنّه مغن عن الإذن في الأصح ،
وتسليم الهدية إلى المهدي إليه وإن لم يحصل القبول القولي في الظاهر من فعل السلف
والخلف ، وكذلك صدقة التطوع .. إلخ».
نعم الأمثلة
المذكورة قرينة على إرادة السبب القولي من قوله : «السبب الفعلي المنصوب» فراجع
كلامه.
(٢) يعني : أنّ
المعاطاة عند غيرنا تفيد الملك.
(٣) يعني : أنّه
ـ مضافا الى كلمات الفقهاء الدالة على أنّ محلّ النزاع هو المعاطاة المقصود بها
الملك ـ يكفي لإثبات المطلب المراجعة إلى سيرة العقلاء في بيوعهم المعاطاتية
المبنيّة على التمليك لا على الإذن المالكي مع بقاء العينين على ملكهما كما كان
قبل التعاطي.
__________________
ثم إنّك (١) قد
عرفت ظهور أكثر العبارات المتقدمة في عدم حصول الملك ، بل صراحة بعضها كالخلاف
والسرائر والقواعد.
ومع ذلك (٢)
كلّه فقد قال المحقق الثاني في جامع المقاصد : «انّهم أرادوا بالإباحة الملك
المتزلزل».
فقال : «المعروف
بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيع وإن لم يكن كالعقد في اللزوم ، خلافا لظاهر عبارة
المفيد (٣) ، ولا يقول أحد بأنّها بيع فاسد سوى المصنف في النهاية ، وقد رجع عنه
في كتبه المتأخرة. وقوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) عام (٤) إلّا ما أخرجه الدليل. وما (٥) يوجد في عبارة
جمع من متأخري الأصحاب ـ من أنّها تفيد الإباحة وتلزم بذهاب إحدى العينين ـ يريدون
به عدم اللزوم في أوّل الأمر ، وبالذهاب يتحقق اللزوم ، لامتناع (٦) إرادة الإباحة
المجرّدة من أصل الملك إذ (٧) المقصود للمتعاطيين الملك ، فإذا لم يحصل كان بيعا
فاسدا ،
______________________________________________________
(١) بعد أن
استوفى المصنف قدسسره مقصوده من نقل كلمات الفقهاء في تحرير محلّ النزاع ، وأنّ
مرادهم قصد الملك ، ويترتب عليه الإباحة تعبدا ، تعرّض لجملة مما أفاده المحقق
الكركي قدسسره في وجه حمل الإباحة على الملك الجائز ، وسيورد المصنف
عليه بإباء عبارات الأصحاب عن هذا الحمل.
(٢) أي : مع
صراحة بعضها ، وظهور بعضها الآخر.
(٣) قد تقدمت
عبارة المفيد التي استفيد منها كون المعاطاة بيعا لازما كالبيع القولي.
(٤) يعني : أنّ
الآية المباركة ـ التي هي من أدلة إمضاء البيع ـ قد أخذت التجارة فيها موضوعا
للنفوذ والصحة ، ومن المعلوم شمول «التجارة» لكلّ من القول والفعل ، ولا تختص
بالمعاملة اللفظية.
(٥) من هنا أخذ
المحقق الكركي في التصرف في «الإباحة» الواردة في كلمات القوم بحملها على الملك
الجائز.
(٦) تعليل
لقوله : «يريدون ..» والمعنى واضح.
(٧) تعليل
لامتناع إرادة الإباحة العارية عن الملك ، ومحصله : أنّ قاعدة «تبعية العقود
ولم يجز التصرف وكافة (١) الأصحاب
على خلافه. وأيضا (٢) فإنّ الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا ورأسا ، فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال
آخر في يده. وإنّما (٣) الأفعال لمّا لم تكن دلالتها على المراد بالصراحة
كالقول ـ لأنّها تدلّ بالقرائن ـ منعوا من لزوم العقد بها ، فيجوز التّراد ما دام
ممكنا ، ومع تلف إحدى العينين يمتنع التّراد ، فيتحقق اللزوم ، ويكفي تلف بعض إحدى
العينين ، لامتناع التّراد في الباقي ، إذ هو موجب لتبعض الصفقة والضرر» انتهى.
______________________________________________________
للقصود» من القواعد المسلّمة عندهم ، وعليه فلمّا كان المتعاطيان قاصدين
للتمليك كان اللازم إمّا ترتب الملك على تعاطيهما حتى تتحقق متابعة عقد المعاطاة
للقصد ، وإمّا فساد أصل المعاملة وكون التصرف في العينين كالغصب في الحرمة والضمان
، ومن المعلوم أنّ ترتب الإباحة المحضة ليس مقتضى صحة المعاملة ولا فسادها. فلا
مجال للقول بها.
(١) يعني : والحال
أنّ كافة الأصحاب قائلون بجواز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة.
وهذا الإجماع
كاشف عن حصول الملك.
(٢) هذا وجه
آخر استدل به المحقق الثاني على ضرورة توجيه الإباحة بالملك المتزلزل.
ومحصله : أنّ
الفقهاء حكموا بلزوم المعاطاة بتلف إحدى العينين ، ويستبعد جدّا أن تصير إحدى
العينين ملكا لمن هي في يده بسبب تلف العين الأخرى في يد المتعاطي الآخر. ويزول
هذا الاستغراب بالالتزام بحصول الملك الجائز حتى يصير لازما بتلف إحدى العينين ، فإنّ
ترتب الملك الجائز على العقد ثم انقلابه بالملك اللازم أمر واقع في الشريعة كما في
موارد الخيارات.
(٣) مقصود
المحقق الثاني قدسسره تأييد توجيه الإباحة بالملك الجائز ، ومحصله : أنّ
الفقهاء حكموا بتوقف العقود اللازمة على إنشائها باللفظ ، لقصور الأفعال عن تأدية
القصود والمرادات ، ولأجله منعوا من إفادة المعاطاة للملك اللازم ، وحكموا بجواز
ترادّ العينين مع الإمكان ، وبلزوم الملك إذا تلفت إحدى العينين. وليس مقصودهم من
جواز التّراد حصول
__________________
ونحوه المحكيّ
عنه في تعليقه على الإرشاد ، وزاد فيه : «أن مقصود المتعاطيين إباحة مترتبة على
ملك الرقبة كسائر البيوع ، فإن حصل مقصودهما ثبت ما قلنا ، وإلّا لوجب أن لا تحصل
إباحة بالكلية ، بل يتعيّن الحكم بالفساد ، إذ المقصود غير واقع ، فلو وقع غيره
لوقع بغير قصد ، وهو باطل. وعليه يتفرّع النماء وجواز وطي الجارية ، ومن منع فقد
أغرب» (١) انتهى.
والذي (٢) يقوى في النفس إبقاء ظواهر كلماتهم على حالها ،
______________________________________________________
الإباحة المجرّدة عن الملك كما اشتهر نسبة ذلك الى الأصحاب ، بل مرادهم
الملك الجائز الذي يجوز استرداد المال كما في العقد الخياري.
والنتيجة : أنّ
جواز التراد أعم من الإباحة والملك المتزلزل ، فليس قرينة على إرادة الإباحة في
كلمات الأصحاب.
(١) هذه
العبارة قد نقلها السيد العاملي قدسسره . وراجعنا نسخة مخطوطة من تعليق المحقق الكركي على إرشاد
العلامة قدسسرهما وفيها زيادة على ما في المتن ، وهي قوله : «وممّا يرشد
إلى ما قلناه ـ مضافا الى ما تقدم ـ عبارات القوم ، فإنّ بعضها كالصريح فيما قلناه.
قال المصنف في التحرير : فتجويز الفسخ يستلزم الاعتراف بثبوت ملك في الجملة. وكذا
تسميتها معاوضة. والحكم باللزوم بعد الذهاب يستلزم ثبوت شيء متزلزل قبله ليتصف
باللزوم بعده .. إلخ».
(٢) لمّا فرغ
المصنف من نقل كلمات المحقق الثاني قدسسرهما في شرح القواعد وتعليقه على الإرشاد ، شرع في تحقيقها ،
والمستفاد من أوّل كلام الماتن الى آخره مطالب ثلاثة.
أحدها : الإيراد
على المحقق الكركي.
ثانيها : الانتصار
له في إيراده على المشهور.
ثالثها : الاعتراض
على المحقق الكركي مرّة أخرى بأن استلزام مقالتهم لمخالفة القواعد المسلّمة لا
يوجب التصرف في كلامهم بحمل الإباحة على الملك المتزلزل. وسيأتي بيانها إن شاء
الله تعالى.
__________________
وأنّهم (١) يحكمون
بالإباحة المجرّدة عن الملك في المعاطاة (٢) مع فرض قصد المتعاطيين التمليك ، وأنّ الإباحة لم تحصل
بإنشائها ابتداء (٣) ، بل إنّما حصلت كما اعترف به في المسالك
(٤) من «استلزام إعطاء كلّ منهما سلعته مسلّطا عليها
الإذن (٥) في التصرف فيها بوجوه
التصرفات».
______________________________________________________
(١) عطف تفسيري
لقوله : «حالها» وهذا هو المطلب الأوّل ، ومحصله : أنّه لا وجه لتنزيل الإباحة ـ الواردة
في عبارات الأصحاب ـ على الملك المتزلزل كما أفاده المحقق الكركي ، لكونه خلاف
الظاهر ، لا يصار إليه بلا قرينة ، والمفروض عدم وجود قرينة على التصرف المزبور.
(٢) خلافا
للمحقق الثاني ، حيث جعل الإباحة بمعنى الملك لئلّا يلزم تخلف العقد عن القصد ، وقال
: إنّ مرادهم بالإباحة هو الملك المتزلزل.
(٣) يعني : كما
هو مقتضى توجيه الجواهر ، لأنّ المفروض أنّ المتعاطيين قصدا التمليك لا الإباحة.
(٤) أي : كما
اعترف الشهيد الثاني بحصول الإباحة في المسالك ، حيث قال فيه ـ بعد نفي الملك
احتجاجا بأنّ الناقل للملك لا بدّ أن يكون من الأقوال الصريحة في الإنشاء المنصوبة
من قبل الشارع ـ ما لفظه : «وإنما حصلت الإباحة باستلزام إعطاء كلّ منهما الآخر
سلعته مسلّطا عليها الإذن في التصرّف فيها بوجوه التصرّفات ، فإذا حصل كان الآخر
عوضا عمّا قابله ، لتراضيهما على ذلك. وقبله يكون كل واحد من العوضين باقيا على
ملك مالكه ، فيجوز له الرجوع فيه. ولو كانت بيعا قاصرا عن إفادة الملك المترتب
عليه لوجب كونها بيعا فاسدا إذ لم يجتمع شرائط صحته ، وما جاء من قبل الشارع أنّ
البيع على قسمين ، فما حصل فيه الإيجاب والقبول على وجههما لازم ، وما حصل فيه
التراضي بدونه جائز ، ومن ثمّ ذهب العلامة في النهاية إلى كونها بيعا فاسدا ، وأنّه
لا يجوز لأحدهما التصرف فيما صار إليه أصلا» .
(٥) بالنصب
مفعول قوله : «استلزام» و«مسلّطا» حال من «إعطاء» يعني : أنّ الإعطاء التسليطي
يستلزم الإذن في التصرف.
__________________
ولا يرد عليهم (١)
عدا ما ذكره المحقق المتقدم في عبارته المتقدمة (٢) وحاصله (٣) : أن المقصود هو الملك ، فإذا لم يحصل فلا منشأ لإباحة
التصرف ،
______________________________________________________
(١) هذا هو
المطلب الثاني ، وهو تقوية كلام المحقق الثاني في الإيراد على المشهور ، الذي دعاه
الى حمل الإباحة ـ في كلامهم ـ على الملك الجائز.
(٢) وهو قول المحقق
الكركي : «إذ المقصود للمتعاطيين إنما هو الملك لا الإباحة».
(٣) أي : حاصل
ما ذكره المحقق الكركي : أنّ المقصود هو الملك ، فإذا لم يحصل لزم عدم تأثير
المعاطاة أصلا ، لكونها عقدا فاسدا ، فلا منشأ للإباحة.
ثم إنّ هذا
بيان المطلب الثاني المشار إليه آنفا ، وهو الانتصار للمحقق الثاني في الاعتراض
على المشهور ، وهو يتضمن أمرين ، أحدهما : المناقشة في ترتب الإباحة على المعاطاة
، وثانيهما : تأييد المناقشة بالاستناد إلى إطلاق كلامهم.
أمّا أصل المناقشة فبيانها : أنّ الإباحة التي ادّعاها
المشهور إمّا مالكية وإمّا تعبدية.
فإن أرادوا
ترتب الإباحة المالكية على المعاطاة اتّجه عليهم : أنّه لا ريب في انتفائها ، إذ
مفروض الكلام قصد المتعاطيين للملك لا الإباحة المحضة ، ومن المعلوم إناطتها
بالقصد كالملك.
وإن أرادوا
ترتّب الإباحة التعبدية اتجه عليهم أوّلا : أنّ هذه الإباحة حكم شرعي يتوقف إسناده
إلى الشارع على حجة شرعية ، والمفروض خلوّ كلمات الأصحاب عن الاستناد إلى نصّ يدلّ
على ترتب الإباحة على المعاطاة المقصود بها التمليك.
وثانيا : لا
ريب في أنّ قاعدة «العقود تابعة للقصود» من القواعد الفقهية المسلّمة بينهم ، ومقتضى
هذه التبعية عدم وقوع ما لم يقصده المتعاقدان ، وعليه يستبعد جدّا أن يلغي الشارع
التمليك الذي قصده المتعاطيان ، وأن يحكم بحصول الإباحة المحضة غير المقصودة.
هذا مضافا إلى
: منع أصل النسبة ، إذ لم يثبت التزام المشهور بترتب الإباحة الشرعية على المعاطاة
المقصود بها التمليك ، فإنّ التأمل في كلماتهم يعطي ترتب الإباحة المالكية لا
التعبدية ، لقولهم «برضى المتعاطيين بتصرف كلّ منهما فيما يأخذه من الآخر
بالمعاطاة» ومن المعلوم
إذ (١) الإباحة إن كانت من المالك فالمفروض أنّه لم يصدر منه إلّا التمليك
(٢) ،
______________________________________________________
بعد ـ بل منع ـ حمل الرضا بالتصرف على أنّ الشارع حكم بترتب الإباحة على
المعاطاة تعبدا من باب إعمال مولويّته ، ولم يمض إذن المالك المبيح بتصرف الآخذ
فيما أخذه.
فالنتيجة : أنّه
ـ بعد بطلان إرادة الإباحة المالكية والتعبدية في كلمات المشهور ـ يتعين الالتزام
بترتب الملك الجائز على المعاطاة طبقا لقصد المتعاطيين. وهذا هو الذي استظهره
المحقق الثاني من عبارات القوم.
وأما تأييد
المناقشة المتقدمة فبيانه : أنّه لا بدّ أن يريد المشهور بقولهم : «المعاطاة تفيد
الإباحة» الملك. وذلك لأنّهم حكموا بجواز تصرف المتعاطيين مطلقا فيما يأخذانه ، سواء
أكان ذلك التصرف منوطا بالملك ، كالبيع والوقف والعتق ونحوها ، أم لم يكن منوطا به
، كجواز أكل المارّة من ثمرة الشجرة الممرور بها ، وكجواز الأكل من بيوت من
تضمّنته الآية المباركة من الأقارب.
ووجه التأييد
واضح ، فإنّ تجويز أنحاء التصرفات المخصوصة بالمالك ـ ومن يقوم مقامه ـ يتوقف على
صيرورة المتعاطيين مالكين لما يأخذانه ، وإلّا لزم مخالفة حكم الشارع في قوله عليهالسلام : «لا بيع إلّا في ملك» ونحوه. ولو كان مقصودهم من
الإباحة ظاهرها ـ لا الملك ـ كان عليهم تقييد جواز التصرف بأن يقولوا : «إنّ
المعاطاة تفيد إباحة خصوص التصرفات غير المتوقفة على الملك» فإطلاق الجواز كاشف عن
إرادة الملك.
وأمّا وجه
التعبير بالتأييد فسيأتي.
(١) تعليل
لقوله : «فلا منشأ لإباحة التصرف» وهذا وجه بطلان ترتب الإباحة على المعاطاة ، وقد
أوضحناه بقولنا : «فإن أرادوا ترتب الإباحة المالكية على المعاطاة اتجه عليهم .. إلخ».
(٢) ومن
المعلوم أنّ التمليك مضادّ للإباحة ، وليست الإباحة من مراتب الملك ، فإنّ حقيقة
الإباحة هي الإذن في التصرف في ملك الغير ، وهي غير إباحة التصرف للمالك في ملكه
لقاعدة السلطنة.
وإن كانت (١) من الشارع فليس عليها دليل ، ولم يشعر كلامهم بالاستناد
إلى نصّ في ذلك. مع (٣) أنّ إلغاء الشارع للأثر المقصود وترتيب غيره بعيد جدّا. مع
(٤) أنّ التأمّل في
كلامهم يعطي إرادة الإباحة المالكية لا الشرعية
(٥).
ويؤيّد (٦) إرادة الملك أنّ ظاهر إطلاقهم إباحة التصرف شمولها للتصرفات التي لا
تصحّ إلّا من المالك كالوطي والعتق
______________________________________________________
(١) معطوف على
قوله : «إن كانت من المالك» وهذا إبطال لترتب الإباحة التعبدية على المعاطاة ، وقد
أوضحناه بقولنا : «وإن أرادوا ترتب الإباحة التعبدية اتجه عليهم أوّلا .. إلخ».
(٢) بل استند
بعضهم ـ كالخلاف والغنية ـ إلى الإجماع ، فراجع.
(٣) هذا إشارة
إلى الإشكال الثاني على المشهور إن أرادوا بالإباحة التعبدية ، وقد تقدم بيانه
بقولنا : «وثانيا : لا ريب في أن قاعدة العقود تابعة للقصود .. إلخ».
(٤) مقصوده قدسسره منع صحة ما نسب الى المشهور من ترتب الإباحة التعبدية
على المعاطاة ، ومن أنّ مرادهم من الإباحة هي المالكية. وقد عرفته بقولنا : «مضافا
إلى منع أصل النسبة ، إذ لم يثبت التزام المشهور .. إلخ».
(٥) بل كلام
المسالك ـ المتقدم آنفا ـ كالصريح في كون الإباحة مالكية ، لقوله : «استلزام إعطاء
كل منهما الآخر سلعته مسلّطا عليها الإذن في التصرف فيها».
(٦) بعد أن
أبطل المصنف قدسسره ترتب الإباحة ـ بقسميها ـ على المعاطاة وأنّه يتعيّن
إرادة ما استظهره المحقق الثاني قدسسره من الملك الجائز من قولهم : «المعاطاة تفيد الإباحة» أراد
تأييده بالاستناد إلى كلماتهم الظاهرة في جواز كلّ تصرف في المأخوذ بالمعاطاة سواء
أتوقف على الملك أم لا ، ومن المعلوم أنّ المعاطاة لو لم تؤثّر في الملك لم يكن
للمتعاطيين إباحة مثل البيع والعتق فيما وصل إليهما ، فإنّ توقّف البيع على كون
العوضين مملوكين ـ أو كالمملوكين ـ حكم شرعي ليس بيد المتعاطيين جوازه ومنعه.
وأمّا وجه
التعبير بالتأييد دون الدلالة ـ مع أنّ الإطلاق أصل لفظي يصح الاحتجاج به على
المشهور ـ فهو : أنّ الأخذ بالإطلاق منوط بعدم معارض أقوى منه. ولعلّ صراحة
والبيع لنفسه (١) ، والتزامهم (٢) حصول الملك مقارنا لهذه التصرفات ـ كما إذا وقعت
______________________________________________________
كلمة «الإباحة» في ما يقابل الملك مانعة عن انعقاد الإطلاق في قولهم : «المعاطاة
تفيد الإباحة» فيكون نتيجة تقديم أقوائية الإباحة ـ في الإذن المجرّد ـ على إطلاق
التصرف هي : اختصاص إباحة التصرف بما لا يتوقف على الملك ، وقد صرّح بهذا التقييد
الشهيد في محكي حواشيه على القواعد ، حيث منع دفع المال ـ المأخوذ بالمعاطاة ـ بعنوان
الخمس والزكاة المتوقفين على الملك.
(١) تقييد
البيع لنفسه لأجل أنّ المتعاطي يجوز له أن يبيع المأخوذ بالمعاطاة بقصد مالكه ، فجواز
البيع للمالك لا يصير مؤيّدا لإرادة الملك من «الإباحة» في كلام المشهور ، وإنّما
يحصل التأييد إذا استفيد من إطلاق كلام المشهور إباحة أن يبيع المباح له لنفسه بأن
يصير الثمن ملكا له لا للمبيح.
(٢) هذا دفع
دخل مقدر ، وحاصل الدخل : أنّ ما ذكره المصنف بقوله : «ويؤيد إرادة الملك» ممنوع ،
وذلك لتوقف التأييد المزبور على أنّ المشهور أرادوا «بإباحة أنحاء التصرفات» حصول
الملك للمتعاطيين بمجرّد التقابض ، إذ يتعيّن حينئذ حمل الإباحة على الملك ، ضرورة
توقف بعض التصرفات على الملك.
ولكن يمكن منع
هذه الاستفادة ، بأن يلتزم المشهور بالملكية الآنيّة ، وبيانه : أن المشهور أرادوا
بالإباحة الإذن المقابل للملك ، وتجويز البيع والعتق والوقف ليس قرينة على إرادة
الملك من حين التعاطي ، فما دامت العين باقية على حالها فهي ملك المبيح ، وإذا
أراد المباح له بيعها أو وقفها دخلت العين في ملكه آنا مّا ، فيكون ذلك التصرف
المتوقف على الملك واقعا في ملكه ، لا في ملك المبيح.
وعليه فلا وجه
لاستفادة مالكية المتعاطيين ـ من حين التعاطي ـ من إطلاق قول المشهور بإباحة
التصرفات. بل لا بد من إبقاء الإباحة على ظاهرها ، والالتزام بالملكية الآنيّة
التي ليست هي عديمة النظير في الشريعة المقدسة. وذلك كتصرف ذي الخيار ، فإنّهم
حكموا بأنّ البائع إذا جعل لنفسه الخيار صارت العين ملكا جائزا للمشتري ، فإن أمضى
البائع العقد
هذه التصرفات من ذي الخيار أو من الواهب الذي يجوز له الرجوع
ـ بعيد (١). وسيجيء (٢) ما ذكره بعض. الأساطين من أنّ هذا القول
(٣) مستلزم لتأسيس قواعد جديدة (٤).
______________________________________________________
صارت ملكا لازما للمشتري ، وإن فسخ بقوله : «فسخت» عادت الى ملكه كما كانت
قبل البيع ، وإن فسخ بالفعل بأن باعها من شخص آخر فقد قالوا بصحة هذا البيع ، ويكون
فسخا فعليا للبيع الأوّل ، وتصير العين ملكا له آنا مّا قبل بيعه الثاني حتى يقع
البيع في ملكه.
وكذلك حكم
الفقهاء بالملكية الآنيّة في رجوع الواهب عن هبته. وليكن المقام كذلك. وعليه فلا
مجال للتأييد المتقدم.
(١) خبر قوله :
«والتزامهم» ودفع للدخل المزبور. وحاصل الدفع : أنّ حمل إطلاق كلام المشهور على
بقاء العينين على ملك المتعاطيين ـ ودخول كل منهما في ملك الآخر آنا مّا قبل
التصرف المتوقف على الملك ـ بعيد جدّا ، لعدم كون الملكية الآنيّة معهودة منهم في
باب المعاطاة. ومجرّد التزامهم بها في فسخ ذي الخيار ورجوع الواهب لا يوجب
الالتزام بها في المقام ، فإنّ الجمع بين الأدلة يقتضي القول بالملكية الآنيّة في
المسألتين السابقتين ، وهما : فسخ ذي الخيار ورجوع الواهب.
بخلاف المعاطاة
ـ بناء على المشهور من إفادتها للإباحة المحضة ـ إذ كان عليهم تقييد التصرفات
الجائزة بما لم يتوقف على الملك ، لا إبقاء «جواز التصرف» على إطلاقه حتى يتكلف
لمشروعيّته بالملكيّة الآنيّة بلا دليل عليها. وعليه فالتأييد المتقدم في محله.
(٢) مقصوده قدسسره إقامة الشاهد على بعد حمل كلام المشهور على الملكية
الآنيّة ، وهو ما أفاده الفقيه كاشف الغطاء قدسسره ـ وسيأتي كلامه مفصّلا ـ من أن القول بترتّب الإباحة
المحضة على المعاطاة ثم تبدّلها بالملك يستلزم تأسيس قواعد جديدة. وليس البعد
منحصرا في الالتزام بدخول العين آنا مّا في ملك المباح له قبل تصرفه فيها ، بل
هناك محاذير أخرى سيأتي بيانها ان شاء الله تعالى.
(٣) أي : القول
المنسوب إلى المشهور ، وهو إفادة المعاطاة للإباحة مع قصد الملك.
(٤) يعني : فعلى
هذا لا بدّ من إرادة الملك من الإباحة المذكورة في كلماتهم ، لا ظاهرها من
لكنّ الإنصاف
(١) أنّ القول
بالتزامهم لهذه الأمور أهون من توجيه
______________________________________________________
الإباحة المجرّدة عن الملك ، لاستلزام ذلك تأسيس قواعد جديدة.
(١) هذا شروع
في المطلب الثالث مما أفاده المصنف حول كلام المحقق الثاني قدسسرهما ومحصّله : المناقشة في حمل الإباحة ـ في كلام المشهور ـ
على الملك المتزلزل ، وذلك لوجهين :
أحدهما : راجع
إلى منع الكبرى ، وهو أصل الاستبعاد عن ترتيب آثار الملك على المأخوذ بالمعاطاة
المفيدة للإباحة المحضة.
وثانيهما : راجع
الى منع الصغرى ، وهو عدم جواز التصرفات المتوقفة على الملك في المأخوذ بالمعاطاة.
وتوضيح الوجه
الأوّل : أنّ حكم المشهور بإباحة التصرفات المتوقفة على الملك مع كون المعاطاة
مفيدة للإباحة عندهم وإن لم يكن مستأنسا ، إلّا أنّ في رفع اليد عن الإباحة بحملها
على الملك الجائز ـ كما صنعه المحقق الكركي ـ محذورا أكثر ، وذلك لإمكان توجيه رأي
المشهور بما ينطبق على القواعد الفقهية ولا تبقى غرابة في البين.
وبيانه : أنّ
الدليل على الحكم الشرعي لا ينحصر في الآية والرواية الواضحتين دلالة ، بل الجمع
بين الأدلة المختلفة لو اقتضى حكما شرعيا كان حجة أيضا بنظر الفقيه.
وعلى هذا يقال
في تأييد كلام المشهور : إنّ هنا طائفتين من الأدلة.
إحداهما : استصحاب
عدم مالكية المتعاطيين لما انتقل إليهما ، بعد قصور الأدلّة الاجتهادية عن إفادة
حكم المعاطاة.
ثانيتهما : الإجماع
المدّعى في كلامهم على مشروعية أنحاء التصرفات في المأخوذ بالمعاطاة سواء توقفت
على الملك أم لا. ومن المعلوم أنّ الجمع بين هذين الدليلين يقتضي الالتزام
بالإباحة العارية عن الملك ما لم يتصرف المباح له فيما أخذه تصرّفا متوقفا على
الملك كالوقف والعتق ، فإذا تصرّف فيه بهذا التصرف الخاص دخل في ملكه آنا ما.
وأما قاعدة «تبعية
العقود للقصود» فهي قاعدة شرعية قابلة للتخصيص كما سيأتي تفصيله.
وعليه فليس في
كلام المشهور ما يكون خارقا للقواعد الفقهية المسلّمة ، والأحكام
كلامهم (١) ، فإنّ هذه الأمور لا استبعاد في التزامها إذا اقتضى الأصل عدم الملكية ، ولم
يساعد عليها (٢) دليل معتبر ، واقتضى (٣) الدليل (٤)
صحّة التصرفات
المذكورة.
______________________________________________________
الضرورية.
وتوضيح الوجه
الثاني ـ وهو المنع الصغرويّ ـ : أنّ جواز التصرفات المتوقفة على الملك ليس مجمعا
عليه حتى يتجه الاستبعاد ، بل هو من المسائل الخلافية ، وذلك لما يستفاد من تضاعيف
كلماتهم ، فشيخ الطائفة قدسسره منع من مباشرة الجارية المهداة بالمعاطاة. والشهيد منع
من أداء الزكاة والخمس بالمأخوذ بالمعاطاة ، لتوقّفهما على الملك ، والمعاطاة
مفيدة للإباحة دون الملك.
وقد تحصّل : أنّ
توجيه المحقق الكركي للإباحة بالملك المتزلزل ـ لأجل تلك الاستبعادات ـ غير سديد ،
فالأولى إبقاء ظواهر كلماتهم على حالها ، والتخلّص عن الاستبعادات بوجه آخر.
(١) بإرادة
الملك من الإباحة كما صنعه المحقق الكركي قدسسره وذلك لأنّ الأمور المبعّدة المذكورة الموجبة لتأسيس
قواعد جديدة لا استبعاد في التزامها إذا اقتضى الدليل صحة تلك التصرفات ، مع أنّ
صحّتها ليست مسلّمة عند الكل كما عرفت آنفا.
(٢) أي : لم
يقم على الملكية دليل معتبر حتى يكون حاكما على أصالة عدم حدوث الملك بالتعاطي.
(٣) معطوف على
قوله : «اقتضى» ومقصوده الجمع بين الاستصحاب وما دلّ على نفوذ التصرف المتوقف على
الملك في المأخوذ بالمعاطاة ، ومحصّله : الالتزام بالملكية الآنيّة أي دخول العين
في ملك الآخذ في الآن المقارن للتصرف المتوقف على الملك كالبيع لنفسه والعتق
ونحوهما. وقد تقدم توضيح هذا الوجه بقولنا : «وتوضيح الوجه الأوّل : أن حكم
المشهور .. إلخ».
(٤) الكلام
كلّه في وجود هذا الدليل ، وسيأتي تفصيله فيما يتعلق باستبعادات الفقيه كاشف الغطاء
قدسسره.
مع (١) أنّ المحكىّ عن حواشي الشهيد على القواعد : المنع عمّا
يتوقف على الملك كإخراجه في خمس أو زكاة ، وكوطي الجارية .
وممّا يشهد على نفي البعد عمّا ذكرنا من إرادتهم الإباحة المجرّدة
مع قصد المتعاطيين التمليك : أنّه قد صرّح الشيخ في المبسوط والحلّي في السرائر كظاهر العلّامة في القواعد بعدم
حصول الملك بإهداء الهديّة (٣) بدون الإيجاب والقبول (٤)
ولو من الرّسول (٥) ،
______________________________________________________
(١) هذا إشارة
إلى الوجه الثاني من الإشكال على المحقق الكركي. ومحصله : منع الصغرى ، وبه لا
يبقى موضوع للاستبعاد أصلا ، لفرض عدم جواز التصرف المتوقف على الملك في المأخوذ
بالمعاطاة.
(٢) وجه
الشهادة : أنّه لو كان التعاطي مفيدا للملك المتزلزل لم يكن وجه لاستثناء وطي
الجارية ، لأنّه يسوغ بالملك ولو كان متزلزلا ، فاستثناؤه يشهد بأنّ المعاطاة ـ المقصود
بها التمليك ـ لا تسوّغ إلّا إباحة التصرف ، دون التصرفات المتوقفة على الملك
كالوطي ، ومع هذا الاستثناء كيف تحمل الإباحة على الملك المتزلزل كما أصرّ عليه
المحقق الثاني قدسسره؟
(٣) مطلقا سواء
كانت جارية أم شيئا آخر.
(٤) قال الشيخ
: «وإذا وصلت الهدية الى المهدي إليه لم يملكها بالوصول ولم تلزم ، ويكون ذلك
إباحة من المهدي ، حتى أنّه لو أهدي إليه جارية لم يجز أن يستمتع بها ، لأنّ
الإباحة لا تدخل في الاستمتاع. ومن أراد الهدية ولزومها وانتقال الملك فيها الى
المهدي إليه الغائب فليوكّل رسوله في عقد الهدية معه .. إلخ». ونحوه كلام ابن
إدريس ، فلاحظ.
(٥) هذا إشارة
إلى الفرد الخفي من الهدية المفيدة للملك. إذ تارة يكون العاقد هو الواهب الأصيل ،
وأخرى رسوله بالوكالة من مرسل الهدية ، فلو لم يقترن إقباض الهدية بالعقد ـ سواء
من المالك أم من وكيله ـ لم يفد إلّا إباحة التصرف ، ولا تشرع التصرفات المنوطة
بالملك فيه.
__________________
نعم (١) يفيد ذلك إباحة التصرف ، لكن الشيخ
استثنى وطي الجارية (٢).
ثم (٣) إنّ المعروف بين المتأخرين أنّ من قال بالإباحة المجرّدة في
المعاطاة قال بأنّها ليست بيعا حقيقة كما هو ظاهر بعض العبائر المتقدمة
(٤) ومعقد إجماع الغنية (٥)
______________________________________________________
(١) استدراك
على قوله : «بعدم حصول الملك» ومقصوده أنّ الهبة المعاطاتية ليست عقدا فاسدا
بالكليّة حتى لا يباح التصرف غير المنوط بالملك فيها ، بل تؤثر في إباحة ما لا
يتوقف على الملك.
(٢) ففرق ـ بنظر
شيخ الطائفة ـ بين الاستمتاع وبين سائر التصرفات ، فتباح هذه دون الاستمتاع ، لتوقفه
على الملك ، ولم يحصل حسب الفرض.
(٣) غرضه قدسسره من هذا الكلام الى الشروع في الأقوال : التنبيه على
أمرين :
أحدهما
: أنّهم اختلفوا فيما يراد من قول القدماء : «المعاطاة
تفيد الإباحة» فاستظهر منه جماعة عدم كونها بيعا حقيقة ، إذ البيع عقد مملّك ، فترتب
الإباحة المحضة على المعاطاة كاشف عن عدم كونها بيعا حقيقة ، فيصح سلب الاسم عنها.
واستظهر منه
المحقق الثاني قدسسره الملك المتزلزل ـ كما تقدم كلامه مشروحا ـ فالمعاطاة
بيع قطعا ، ولا يقدح جواز الملك في بيعيّتها كما هو حال البيوع الخيارية ، حيث إنه
لا يصير الملك لازما إلّا بانقضاء أمد الخيار.
ولا يخفى على
المتأمّل تقابل هذين الاستظهارين وتهافتهما.
ثانيهما
: أنّ كلا الاستظهارين المذكورين ممنوع ، فلا وجه لدعوى
نفي بيعية المعاطاة المفيدة للإباحة ، كما لا وجه لدعوى كون المعاطاة بيعا جائزا. وسيأتي
بيانه إن شاء الله تعالى.
(٤) مثل قول
الشيخ في الخلاف : «فإنّه لا يكون بيعا» وقول ابن إدريس في السرائر : «فإنّه لا
يكون بيعا ولا عقدا» وقول السيد ابن زهرة في الغنية : «فإنّ ذلك ليس ببيع ، وإنّما
هو اباحة للتصرف».
(٥) حيث قال : «يدلّ
على ما قلناه : الإجماع المشار إليه» والمشار إليه في كلامه هو نفي بيعية المعاطاة.
وما أبعد ما بينه (١) وبين توجيه المحقق الثاني من إرادة نفي اللزوم.
وكلاهما (٢)
خلاف الظاهر.
ويدفع الثاني
(٣) تصريح بعضهم بأنّ
شرط لزوم البيع منحصر في
______________________________________________________
(١) يعني : ما
بين نفي البيع حقيقة وبين توجيه المحقق الثاني من إرادة نفي اللزوم ، وهذا هو
الأمر الأوّل الذي ذكرناه.
(٢) يعني : أنّ
نفي بيعية المعاطاة ، وتوجيه الإباحة بالملك الجائز خلاف الظاهر.
أمّا كون
الأوّل خلاف الظاهر فلأنّ المعاطاة بيع عرفي يقصد بها التمليك.
وأمّا الثاني
فلأنّ الإباحة المحضة والملك المتزلزل مغايرتان ماهية ، فلا معنى لتنزيلها عليه ، لكونه
تصرفا في ظاهر الإباحة بلا شاهد.
(٣) هذا شروع
في إبطال كلا الاستظهارين سواء أراد المشهور من قولهم : «المعاطاة تفيد الإباحة» نفي
البيعية أم الملك المتزلزل أم أرادوا معنى آخر.
وإرادة الملك
الجائز من الإباحة وإن ناقش فيها المصنف قدسسره بقوله : «لكن الإنصاف .. إلخ» إلّا أن ما أفاده هنا وجه
آخر للمناقشة فيه ، ومحصّله وجهان :
الأوّل : أنّ
بعض الفقهاء صرّح بكون البيع عقدا لازما من غير جهة الخيارات ، فتزلزله منوط بوجود
خيار فيه ، فلو لم يكن فيه خيار فلا بد من لزومه. فلو اقتضت المعاطاة ملكا جائزا
كان ذلك مخالفا لطبع البيع المبني على اللزوم ، وانحصار سبب جوازه في ثبوت خيار
فيه. وعليه فصدق البيع على معاملة مساوق للزومه ، ولا معنى لصدق البيع على
المعاطاة مع الالتزام بإفادتها ملكا جائزا.
الثاني : أنّ
جماعة صرّحوا بكون الإيجاب والقبول اللفظيين من شرائط صحة انعقاد البيع ، لا من
شرائط لزومه ، ومعنى هذا الاشتراط عدم بيعية المعاملة العارية عن الإيجاب والقبول
، فكيف التزم المحقق الثاني قدسسره بصدق البيع على المعاطاة حقيقة ، وبإفادتها للملك
الجائز.
ثم إنّه لا
يخفى الفرق بين ما أورده المصنف على المحقق الثاني هنا. بقوله : «ويرد الثاني» وبين
ما تقدم في قوله : «لكن الإنصاف أن القول بالتزامهم بهذه الأمور أهون ..» وذلك
لأنّ
مسقطات الخيار (١) فكلّ بيع عنده لازم من غير جهة الخيارات. وتصريح
(٢) غير واحد (٣) بأنّ الإيجاب
والقبول من شرائط صحة انعقاد البيع بالصيغة
(٤).
وأمّا الأوّل
(٥) فإن قلنا بأنّ
البيع عند المتشرعة حقيقة في الصحيح
______________________________________________________
مقصود المصنف هناك إبطال ما صنعه المحقق الكركي من حمل عبارات القوم على
الملك المتزلزل. ومقصوده هنا إبطال أصل كون البيع مفيدا للملك الجائز ، وهذا مع
الغضّ عن أنّ حمل الإباحة على الملك المتزلزل ممكن أولا. وعليه فليس في كلمات
المصنف هنا تكرار.
(١) كان الأولى
بسلاسة العبارة أن يقال : «بأن شرط جواز البيع منحصر في الخيار».
(٢) معطوف على «تصريح»
وهذا إشارة إلى الوجه الثاني المانع عن الالتزام بإفادة المعاطاة ملكا جائزا. والمصرّح
بتوقف صحّة البيع على العقد جمع ، منهم القاضي حيث قال : «وتفتقر صحته ـ أي صحة
عقد البيع ـ الى شروط ثمانية .. وقول يقتضي إيجابا من البائع وقبولا من المبتاع» .
(٣) كما تقدم
في عبارتي الغنية والكافي وغيرهما من جعل الإيجاب والقبول من شرائط الصحّة ، لا من
شرائط اللزوم.
(٤) هذه اللفظة
مخلّة بالمقصود ، إذ الصيغة هي الإيجاب والقبول اللفظيان ، فلا معنى لشرطية الصيغة
للإيجاب والقبول.
ويمكن توجيهه :
بأنّ البيع يقع بالصيغة تارة وبالفعل أخرى. فالبيع القولي يعتبر فيه الإيجاب
والقبول ، بخلاف الفعلي ، إذ لا يعتبر فيه ذلك.
لكنه كما ترى ،
إذ «البيع بالصيغة» ليس إلّا البيع بالإيجاب والقبول.
نعم لو كانت
العبارة : «انعقاد البيع باللفظ أو بالقول» أمكن توجيهها ، وذلك لأعمية مطلق اللفظ
من الصيغة ، فأمكن اعتبار لفظ خاص في البيع القولي ، وأمّا البيع بالصيغة فهو بيع
بلفظ خاص ، فلا يعقل التقييد بالصيغة. فلاحظ.
(٥) وهو نفي
بيعيّة المعاطاة الذي صرّح به جماعة كالشيخ في الخلاف ، والحلّي
__________________
ـ ولو (١) بناء على ما قدّمناه في آخر تعريف البيع من أنّ البيع في
العرف اسم للمؤثّر منه في النقل ، فإن كان في نظر الشارع أو المتشرعة من حيث إنّهم
متشرعة ومتديّنون بالشرع ـ صحيحا مؤثرا في الانتقال كان بيعا حقيقيّا ، وإلّا كان
(٢) صوريّا ، نظير بيع
الهازل في نظر العرف ـ فيصح (٣) على ذلك نفي البيعيّة على وجه
______________________________________________________
في السرائر ، وابن زهرة في الغنية. ومقصوده المناقشة في قولهم : «المعاطاة
ليست بيعا» فإنّهم إن أرادوا نفي البيع العرفي كان واضح المنع ، لما تقدم من أنّ
المعاطاة المقصود بها التمليك بيع عرفي ، وإنّما الكلام في صحته شرعا وعدمها.
وإن أرادوا نفي
الصحة الشرعية أمكن توجيه النفي بأن يكون على نحو الحقيقة ، وذلك بما تقدم في
التمسك بالإطلاقات من أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيح المؤثّر عند العرف فالبيع
موضوع لما يؤثّر في الملكيّة بنظر العرف ، فإن كان مؤثّرا فيها بنظر الشارع بل
المتشرّعة أيضا كان بيعا حقيقة. وإلّا كان البيع العرفيّ بيعا صوريّا لا حقيقيّا ،
كما أنّ بيع الهازل ليس عند العرف بيعا حقيقة.
وعلى هذا فبناء
على جعل الإيجاب والقبول شرط صحة البيع ، أو جعل البيع نفس العقد الدال على النقل
ـ كما تقدم في كلام جماعة كالمحقق وابن حمزة والعلامة في المختلف ـ كان البيع
الصحيح هو المنشأ باللفظ ، وصحّ سلب البيع عن المعاطاة حقيقة.
(١) هذا بيان
للفرد الخفيّ ، إذ الصحة إمّا أن تكون بنظر الشارع ، كما كان ظاهر كلام الشهيدين
من وضع ألفاظ المعاملات للصحيح ، وعليه فعدم كون المعاطاة بيعا حقيقيا واضح. حيث
إنّ المشروط عدم عند عدم شرطه. وإمّا أن تكون بنظر العرف أي الإنشاء المستجمع
لشرائط التأثير عندهم ، فإذا كان مؤثّرا عرفا لا شرعا ـ لخلوّه عن الإيجاب والقبول
اللفظيين ـ صحّ سلب العنوان عنه حقيقة ، لعدم كونه مؤثّرا في النقل شرعا ، ويعدّه
العرف كإنشاء الهازل مما لا يصدق عليه البيع حقيقة.
(٢) أي : وإن
لم يكن البيع مؤثّرا في النقل كان بيعا صوريا.
(٣) جواب قوله
: «فان قلنا» وجملة الشرط والجزاء جواب قوله : «وأما الأوّل»
__________________
الحقيقة في كلام كل من اعتبر في صحته الصيغة أو فسّره بالعقد ، لأنّهم
(١) في مقام تعريف
البيع بصدد بيان ما هو المؤثّر في النقل في نظر الشارع.
إذا عرفت ما ذكرنا
(٢) فالأقوال في المعاطاة على ما يساعده ظواهر كلماتهم ستة (٣) :
اللزوم مطلقا
(٤) كما عن ظاهر المفيد (٥) ، ويكفي في وجود القائل به
______________________________________________________
ولم يذكر المصنف قدسسره عدلا لقوله : «فان قلنا» اتّكالا على وضوحه ، وتقديره :
أنه إذا لم نقل بالوضع للصحيح لا شرعا ولا عرفا ـ بل قلنا بالوضع للأعمّ منه ومن
الفاسد ـ فلا ريب في كون المعاطاة بيعا وإن كانت فاسدة.
(١) تعليل قوله
: «فيصح» يعني : بناء على كلا القولين ـ من جعل الصيغة من شرائط الصحة أو تفسير
البيع بالعقد المؤثّر ـ يتجه نفي بيعية المعاطاة ، لفرض عدم تأثيرها في النقل
والانتقال ، وإنّما تفيد إباحة التصرف مع بقاء العينين على ملك المتعاطيين
المبيحين.
هذا تمام
الكلام في تحرير محلّ النزاع ومصبّ الأقوال في المعاطاة.
وقد تحصّل : أنّ
محطّ البحث هو المعاطاة المقصود بها الملك ، لا الإباحة ، ولم يتم توجيه المحقق
الكركي من حملها على الملك الجائز ، ولا توجيه صاحب الجواهر قدسسرهما من جعل مقصود المشهور القائلين بترتب الإباحة عليها ما
لو قصدها المتعاطيان ولم يقصدا الملك.
تفصيل الأقوال في حكم
المعاطاة
(٢) هذا شروع
في بيان الأقوال في حكم المعاطاة مقدّمة للاستدلال على القول المختار.
(٣) بل سبعة ، والقول
السابع منسوب الى كاشف الغطاء قدسسره في شرحه على القواعد من : أنّ المعاطاة معاوضة مستقلة
مفيدة للملك.
(٤) أي : سواء
كان الدال على التراضي لفظا أم غيره.
(٥) قد تقدّمت
عبارة المفيد ، ومرّ الكلام في هذا الاستظهار. وكيف كان فقد اختاره المحقق
الأردبيلي قدسسره جازما بأنّ المعاطاة بيع صحيح مفيد للملك ، قال : «فاعلم
: أنّ الذي
قول العلامة قدسسره في التذكرة : «الأشهر (١)
عندنا أنّه لا
بدّ من الصيغة» .
واللزوم بشرط
كون الدال على التراضي (٢) أو المعاملة (٣) لفظا (٤). حكي عن
______________________________________________________
يظهر أنّه لا يحتاج في انعقاد عقد البيع المملّك الناقل للملك من البائع
إلى المشتري وبالعكس ـ إلى الصيغة المعيّنة كما هو المشهور. بل يكفي كل ما يدلّ
على قصد ذلك مع الإقباض ، وهذا المذهب منسوب الى الشيخ المفيد من القدماء ، وإلى
بعض معاصري الشهيد الثاني رحمهالله ، وهو المفهوم عرفا من البيع .. إلخ» ووافقه المحدث الكاشاني. ثم استدل المحقق الأردبيلي
بأربعة عشر دليلا على مدّعاه ، فراجع.
نعم في عدّ بعض
معاصري الشهيد من أصحاب هذا القول تأمل ، فإنّ الشهيد الثاني حكى عنه اعتبار مطلق
اللفظ الدال على التراضي ، لا خصوص الإيجاب والقبول اللفظيين.
(١) هذا
التعبير يدلّ على وجود القول المعتدّ به بحيث يكون مشهورا ، وإلّا كان المناسب
التعبير عنه بالمشهور بدل «الأشهر» وسيأتي من المصنف في خاتمة الاستدلال اختيار
هذا القول. ومستنده العمومات ، كقوله تعالى (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) بعد وضوح كون المعاطاة المقصود بها التمليك بيعا عرفا.
(٢) هذا هو
القول الثاني ، والظاهر أنّ أوّل من قال به بعض مشايخ الشهيد الثاني ، ولعلّ وجهه
: إناطة العقود اللازمة بإنشائها بلفظ ، فبدونه لا يصير لازما ، لعدم دليل عليه.
(٣) أي : المقاولة
التي هي قبل إنشاء المعاملة ، وإلّا فمفروض الكلام وقوع الإنشاء بالتعاطي.
(٤) بأن كان
اللفظ الفاقد للشرائط كالعربية والماضوية ـ بناء على اعتبارهما ـ آلة إنشاء البيع.
__________________
بعض (١) معاصري
الشهيد الثاني ، وبعض (٢) متأخّري المحدثين.
لكن في عدّ هذا
من الأقوال في المعاطاة تأمّل (٣).
والملك الغير
اللازم ، ذهب إليه المحقق الثاني (٤) ، ونسبه
الى كلّ من قال بالإباحة ، وفي النسبة ما عرفت (٥).
______________________________________________________
(١) وهو السيد
حسن ابن السيد جعفر الكركي ، كما حكاه السيد العاملي عن حاشية المسالك ، قال الشهيد الثاني ـ بعد نقل خلاف
المفيد مع المشهور ـ ما لفظه : «وقد كان بعض مشايخنا المعاصرين يذهب الى ذلك أيضا
، لكن يشترط في الدال كونه لفظا ، وإطلاق كلام المفيد أعم منه .. إلخ»
(٢) كصاحب
الحدائق ، ونسبه الى جمع من علماء البحرين ، فراجع .
(٣) هذه
العبارة حاشية من المصنف قدسسره على قوله : «واللزوم بشرط كون الدال .. إلخ» ولعل وجه
التأمل هو : أنّه مع شرطيّة مطلق اللفظ يكون إنشاء البيع بالصيغة لا بالفعل ، غاية
الأمر ذهب هذا القائل الى عدم اعتبار لفظ خاص.
إلّا أن يكون
المراد اعتبار اللفظ في مقام المساومة ، لا إنشاء المعاملة ، بل لا بد من إنشاء
البيع باللفظ ، فتأمل.
(٤) هذا هو
القول الثالث ، ذهب اليه المحقق الكركي قدسسره مصرّا عليه ، حتى أوّل كلمات القائلين بالإباحة به ، وتقدم
نصّ كلامه في المتن. واستدل عليه بالسيرة المستمرة على معاملتهم مع المأخوذ
بالمعاطاة معاملة الملك وبآيتي التجارة عن تراض وحلّ البيع.
(٥) من الاشكال
، وأنّ حمل «الإباحة» في كلمات القدماء على «الملك الجائز» بعيد غايته ، بل خلاف
تصريح بعضهم بعدم الملك.
__________________
وعدم الملك مع
إباحة جميع التصرفات (١) حتى المتوقفة على الملك ، كما هو ظاهر عبائر كثير ، بل ذكر
في المسالك : «أنّ كل من قال بالإباحة يسوّغ جميع التصرفات»
(٢).
وإباحة (٣) ما لا يتوقف على الملك ، وهو الظاهر من الكلام المتقدم عن
حواشي الشهيد على القواعد (٤) ، وهو (٥) المناسب لما حكيناه عن الشيخ في إهداء الجارية من دون إيجاب
وقبول.
______________________________________________________
(١) هذا هو
القول الرابع ، ومستنده وجوه :
الأوّل : استقرار
السيرة من الخاص والعام والنسوان والصبيان على التصرف في المأخوذ بالمعاطاة
ويؤيّده الإجماع المنقول عن الغنية والروضة والمسالك المعتضد بالشهرة المحققة ، إذ
لم يقل أحد ـ ممّن عدا المفيد رحمهالله ـ بإفادة المعاطاة للملك الى زمان المحقق الكركي.
الثاني : الأخبار
الدالة على حصر المحلّل والمحرّم في الكلام ، فإنّها وإن اقتضت نفي الحلّ عند
انتفاء الكلام ، لكنها تحمل على نفي لزوم المعاملة عند انتفائه ، جمعا بينها وبين
ما دلّ على حصول الإباحة بالتراضي.
الثالث : استصحاب
بقاء ملك المالك الأوّل مع فرض الشك في انتقال كل مال عن صاحبه إلى غيره.
(٢) عبارة
المسالك هذه : «لأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ أنواع التصرفات» .
(٣) هذا هو
القول الخامس ، ووجهه : أنّ الإباحة غير الملك ، فدليل الإباحة ـ من الإجماع
المنقول عن الغنية أو السيرة ـ لا يقتضي التصرفات المنوطة بالملك كالبيع والعتق
والوطي.
(٤) حيث ذكر
المصنف : أنّ المحكيّ عن حواشي الشهيد على القواعد : المنع عمّا يتوقف على الملك
كإخراجه في خمس أو زكاة ، وكوطي الجارية.
(٥) يعني : وما
ذكره الشهيد ـ من إباحة التصرفات غير المتوقفة على الملك ـ هو
__________________
والقول (١) بعدم إباحة التصرف مطلقا
(٢).
______________________________________________________
المناسب لما حكيناه عن الشيخ في إهداء الجارية ، حيث قلنا : «وصرّح الشيخ
في المبسوط : بأنّ الجارية لا تملك بالهدية العارية عن الإيجاب والقبول ولا يحلّ
وطيها» فإنّ المنع عن وطي الجارية المهداة بالهديّة المعاطاتية ينطبق على هذا
القول أي : عدم الملك مع إباحة التصرف غير المتوقف على الملك.
(١) هذا هو
القول السادس أي : كون المعاطاة بيعا فاسدا ، ومستنده وجهان :
أحدهما : أنّ
ما قصد لم يقع ، لأنّ المقصود وهو الملك لم يقع ، والإباحة غير مقصودة ، فلا وجه
لحصولها ، فالمرجع عمومات حرمة التصرف في مال الغير بدون رضاه.
ثانيهما : ما
ورد من أنّه «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» قال في الوافي : «الكلام هو إيجاب
البيع ، وإنّما يحلّل نفيا ويحرّم إثباتا» .
(٢) يعني : حتّى
التصرفات غير المتوقفة على الملك ، فتكون المعاطاة على هذا كالعقود الفاسدة التي
ادّعي الإجماع على كون المقبوض بها كالمغصوب.
وهنا قول سابع
ذكره السيد قدسسره في حاشيته ، وهو : «أنّ المعاطاة معاملة مستقلة مفيدة
للملكية ، وليست بيعا وإن كانت في مقامه ، ونسب هذا القول الى الشيخ الكبير كاشف
الغطاء» .
وفي مفتاح
الكرامة عن حواشي الشهيد على قواعد العلّامة : «أنّها معاوضة برأسها إمّا لازمة
وإما جائزة» وقال بعد أسطر : «حيث يجعلونها معاوضة برأسها» .
والفرق بين هذا
القول وبين ما عن المحقق الثاني ـ من كون المعاطاة بيعا جائزا ـ هو : أنّ المعاطاة
بناء على قول الشيخ كاشف الغطاء ليست بيعا ، فلا تجري عليها أحكام البيع ، بخلافها
على قول المحقق الثاني ، لأنّ المعاطاة بناء عليه بيع جائز ، فتجري عليها أحكام
البيع.
__________________
نسب إلى ظاهر النهاية ، لكن ثبت رجوعه عنه في غيرها (١).
والمشهور (٢) بين علمائنا عدم ثبوت
الملك (٣) بالمعاطاة وإن قصد
المتعاطيان بها التمليك ، بل لم نجد قائلا به إلى زمان المحقق الثاني الذي قال به
، ولم يقتصر على ذلك (٤) حتى نسبه (٥) الى الأصحاب
(٦).
______________________________________________________
ومستند هذا
القول السابع ـ مع عدم كونها بيعا ـ هو آية التجارة عن تراض ، لوضوح صدق «التجارة»
على المعاطاة وإن لم يصدق عليها البيع ، لتوقف صدق البيع على الإيجاب والقبول
اللفظيين. وهذا القول يدلّ على كون النزاع في المعاطاة صغرويا ، لأنّه يكشف عن عدم
صغرويتها للبيع ، وعدم فرديّتها له ، فيكون مساوقا لنفي بيعيّتها في العبائر
المتقدمة.
(١) يعني : ثبت
رجوع العلامة قدسسره عن هذا القول في غير «نهاية الأحكام» من كتبه ، وسيأتي
كلامه في التحرير ـ الموهم لموافقته للمحقّق الكركي في الالتزام بالملك الجائز.
ثم إنّ النزاع
في المعاطاة على هذه الأقوال صغرويّ على بعضها ، وكبرويّ على بعضها الآخر ، فإنّ
من نفى بيعيّتها نظر إلى عدم صغرويّتها لمفهوم البيع بناء على كون النفي حقيقيّا.
ومن قال
ببيعيّتها ونفى صحّتها أو لزومها وأثبت جوازها كان نزاعه كبرويّا ، لتسليمه بيعية
المعاطاة ، وإنّما يناقش في الكبرى ، وهي : أنّ كل بيع لازم.
(٢) بعد أن
أشار إلى الأقوال وأربابها أراد التنبيه على ما هو المشهور منها وما ليس كذلك ، وما
تفرّد به بعض دون آخر.
(٣) لما عرفت
من أنّ حمل الإباحة في كلامهم على الملك الجائز ـ كما صنعه المحقق الكركي قدسسره ـ بعيد جدّا.
(٤) أي : على
إفادة المعاطاة للملك.
(٥) هذا الضمير
وضميرا «به» في الموضعين راجعة إلى الملك.
(٦) حيث قال في
جامع المقاصد وتعليقه على إرشاد العلامة : «المعروف بين الأصحاب أنّ المعاطاة بيع
وإن لم تكن كالعقد في اللزوم» .
__________________
نعم (١) ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير ، حيث قال فيه (*) : «الأقوى أنّ المعاطاة غير لازمة ، بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما
دامت العين باقية ، فإن تلفت
______________________________________________________
(١) هذا
استدارك على قوله : «بل لم نجد قائلا به» يعني : أنّ كلام العلامة في التحرير يوهم
ترتّب الملك على المعاطاة ، فلعلّ الأولى نسبة إفادة الملك الجائز إلى العلامة
المتقدم عصرا على المحقق الكركي قدسسرهما.
(٢) فإنّ ظاهره
وجود القول القوي بالملك اللازم. توضيحه : أن تعبير العلّامة ب «الأقوى» يحتمل
أمرين ، قال بكلّ منهما بعض.
الأوّل : أن
يكون القول القوي ـ المقابل للأقوى ـ هو الإباحة المحضة التي هي القول المشهور
المتداول على الألسن إلى زمان العلّامة.
الثاني : أن
يكون القول القوي : الملك اللازم المنسوب الى المفيد.
وعلى كلا
الوجهين يتمّ استشهاد المصنف قدسسره بعبارة التحرير ، لأنّ محطّ نظر شيخنا الأعظم هو قول
العلامة : «ان المعاطاة غير لازمة» سواء أكان مقصود العلامة من القول الآخر الملك
اللازم المنسوب إلى المفيد ، أم الإباحة التي ذهب إليها المشهور.
__________________
لزمت»
انتهى. ولذا (١) نسب ذلك إليه في المسالك. لكن (٢) قوله
بعد ذلك : «ولا يحرم على كل منهما الانتفاع بما قبضه ، بخلاف البيع الفاسد» ظاهر
في أنّ مراده مجرد
______________________________________________________
(١) يعني : ولأجل
توهم هذا الظهور قال الشهيد الثاني : «وعبارة العلّامة في التحرير كالصريحة في
إفادة هذا المعنى ، لأنّه قال : الأقوى عندي : أن المعاطاة غير لازمة .. إلخ» .
وما أبعد ما
بين تعبير المصنف بالإيهام ودعوى الشهيد الثاني التصريح.
(٢) غرضه دفع
قوله : «نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير» ومحصل ما أفاده تضعيفا لتوهم الظهور
المزبور هو : أنّ منشأ توهم الظهور في الملك في عبارة التحرير أمور :
أحدها : قوله :
«الأقوى».
ثانيها : قوله
: «بل لكل منهما فسخ المعاوضة» لظهوره في كون المعاطاة من المعاوضات ، كما أنّ
الفسخ مخصوص بالعقود ، وفي موارد الإباحة استرداد للعين.
ثالثها : قوله
: «فان تلفت لزمت» فإنّ جميع ذلك ظاهر في حصول الملك المتزلزل ولزومه بالتلف.
والمصنف قدسسره ناقش في الجميع. أما في الأوّل فبأنّ المراد بقوله : «الأقوى»
هو في مقابل قول المفيد باللزوم.
وأمّا في
الثاني فبأن إطلاق المعاوضة عليها إنّما هو باعتبار قصد المتعاطيين. وكذا إطلاق
الفسخ على الرد ، لا باعتبار تحقق عقد مملّك.
وأمّا الثالث
فبأنّ إطلاق اللزوم بالتلف إنّما هو بهذا الاعتبار أيضا.
وعلى فرض ظهور
هذه الجمل في الملك يكون قوله : «ولا يحرم على كل منهما الانتفاع .. إلخ» أظهر من
تلك الجمل في عدم حصول الملك ، إذ مع فرض حصوله لا يبقى مجال لقوله : «ولا يحرم» لأنّه
لا ينبغي الارتياب في جواز التصرف في الملك ، فمع حصول الملك بالمعاطاة لا يبقى شك
في حليّة التصرف.
__________________
الانتفاع ، إذ لا معنى (*) لهذه (١) العبارة بعد الحكم بالملك.
وأمّا قوله : «والأقوى
.. الى آخره» فهو إشارة إلى خلاف المفيد رحمهالله والعامة القائلين باللزوم
(**).
وإطلاق (٢) المعاوضة عليها باعتبار ما قصده المتعاطيان. وإطلاق
الفسخ على الرّد بهذا الاعتبار (٣)
______________________________________________________
(١) أي : لقول
العلامة : «ولا يحرم على كل منهما الانتفاع» إذ لو كانت المعاطاة مفيدة للملك ، لم
يكن معنى لحكم العلامة بعدم حرمة الانتفاع ، لكون جواز انتفاع كلّ واحد منهما ـ فيما
انتقل إليه ـ من آثار الملك ، فلا حاجة الى التنبيه عليه ، فصون كلام العلامة عن
توضيح الواضح يقتضي إرادة الإباحة من الملك ، لما بين الإباحة وجواز الانتفاع من
الملائمة والمناسبة.
(٢) معطوف على
: «وأما قوله» وهو إشارة إلى منع المنشأ الثاني لظهور عبارة التحرير في الملك ، وهذا
هو إطلاق المعاوضة على المعاطاة ، وإطلاق الفسخ على استرداد العينين ما دامتا
باقيتين.
(٣) أي : باعتبار
قصد المتعاطيين.
__________________
أيضا (١) ، وكذا اللزوم (٢).
ويؤيّد (٣) ما
ذكرنا ـ بل يدل عليه ـ : أنّ الظاهر من عبارة التحرير في باب الهبة توقفها على
الإيجاب والقبول ، ثم قال : «وهل يستغنى عن الإيجاب والقبول في هدية الأطعمة؟
الأقرب عدمه (٤) ، نعم (٥) يباح التصرف بشاهد الحال» انتهى. وصرّح بذلك (٦) أيضا في الهدية ، فإذا لم يقل (٧) في الهبة بصحة المعاطاة فكيف يقول
بها في البيع؟
______________________________________________________
(١) أي : كصدق
المعاوضة على المعاطاة باعتبار قصدهما.
(٢) أي : إطلاق
لزوم المعاطاة باعتبار القصد. وهذا منع المنشأ الثالث.
(٣) أي : يؤيّد
إرادة مجرّد الانتفاع ـ لا الملكية المتزلزلة ـ في عبارة التحرير ما أفاده العلامة
في هديّة التحرير من توقف مملّكيّتها على الإيجاب والقبول اللفظيين ، وإلّا أفادت
إباحة محضة.
والتعبير
بالتأييد لعلّه لاحتمال وجود تعبّد في البين فارق بين باب المعاطاة في البيع
والهدية. والإضراب عنه إلى الدلالة ناظر الى منع التعبد ، وكونهما من باب واحد.
(٤) أي : عدم
الاستغناء عن الإيجاب والقبول.
(٥) الشاهد في
تصريح العلامة قدسسره بحصول إباحة التصرف في الهدية الفعلية ، ولو كانت
بالإيجاب والقبول اللفظيين لأفادت الملك.
(٦) أي : بعدم
استغناء الهدية عن الإيجاب والقبول اللفظيين ، وبحصول مجرّد إباحة التصرف ، كعدم
استغناء الهبة عنهما.
(٧) يعني : أنّ
عدم التزام العلّامة قدسسره بالمعاطاة في عقد الهبة يستلزم إنكار المعاطاة في البيع
بالأولوية القطعية ، إذ البيع عقد لازم ، والهبة جائزة ، فتوقف العقد الجائز على
إنشائه باللفظ يستلزم أولوية توقف العقد اللازم عليه.
__________________
وذهب (١) جماعة
تبعا للمحقق الثاني إلى حصول الملك (٢). ولا يخلو عن قوّة ، للسيرة (٣) المستمرة
على معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك في التصرف فيه بالعتق والبيع والوطي
والإيصاء وتوريثه ، وغير ذلك من آثار الملك.
______________________________________________________
(١) معطوف على
قوله : «والمشهور بين علمائنا عدم ثبوت الملك بالمعاطاة» وهذا إشارة إلى القول
الثاني ـ المعتنى به ـ في حكم المعاطاة ، بعد القول المشهور النافي للملك.
(٢) هذا مختاره
قدسسره من بين الأقوال الستة المتقدمة. والعبارة ظاهرة بدوا في
الميل الى مختار المحقق الكركي قدسسره من الملك المتزلزل. لكن مقصود المصنف قدسسره ـ بقرينة أدلة مملّكيّة المعاطاة وما سيأتي من أدلة
اللزوم ـ هو الاستدلال على أصل إفادة المعاطاة للملك ، مع الغض عن جوازه ولزومه ، بقرينة
قوله : «الى حصول الملك» ولم يقل «الملك المتزلزل» وليس مقصوده تقوية خصوص الملك
الجائز الذي أسّسه المحقق الكركي حتى يتوهم منافاة قوله : «ولا يخلو عن قوة» لما
سيأتي من الأدلة الثمانية على كون المعاطاة كالبيع بالصيغة مفيدة للملك اللازم.
ثم إن هذا شروع
في المقام الثالث المتكفل لحكم المعاطاة بحسب الأدلّة الاجتهادية ، وتعرّض المصنف
لوجوه خمسة استدلّ بها القوم ، وناقش في بعضها. أوّلها : السيرة ، ثانيها : آية
حلّ البيع ، ثالثها : آية التجارة عن تراض. رابعها : حديث السلطنة ، خامسها : الإجماع
المركّب.
المقام الثالث : الاستدلال
على القول المختار
الدليل الأوّل : السيرة
(٣) هذا هو
الدليل الأوّل على مملّكية المعاطاة ، وقد استدل به المحقق الثاني في ما تقدم من
عبارتي جامع المقاصد وتعليق الإرشاد ، وتبعه غيره ممّن قال بالملك.
ثم إنّ السيرة
أمّا عقلائية وإمّا متشرعية ، والمراد بالأولى بناء العقلاء ـ بما هو عقلاء ـ مع
الغضّ عن تديّنهم بشريعة ، كسيرتهم على الأخذ بظاهر الكلام في مقام الاحتجاج ، وبالعمل
.................................................................................................
______________________________________________________
بإخبار الثقة ونحوهما. والمراد بالثانية عمل المتشرّعة بأمر والتزامهم به
بما أنّهم متديّنون.
والفارق بين
السيرتين : أنّ اعتبار الاولى يتوقف على إمضاء الشارع لها ولو بعدم الردع ، دون
الثانية ، لكونها إجماعا عمليا متلقاة من الشارع.
والظاهر أنّ
مقصود المصنف قدسسره من السيرة هنا هي السيرة العقلائية دون المتشرعية ، وذلك
لما سيأتي منه في التشكيك في حجيتها بقوله : «فهي كسائر سيرهم الناشئة عن المسامحة
وقلّة المبالاة في الدين ..» ومن المعلوم أنّ سيرة المتشرعة لا سبيل للطعن فيها
بمثله ، وإلّا لم تكن سيرة المتشرعة.
وكيف كان
فالاستدلال بالسيرة العقلائية على ترتيب آثار الملك على المعاطاة منوط بأمور ثلاثة
لا بدّ من إحرازها :
الأوّل : أصل
ثبوت بناء العقلاء على معاملة الملك مع المأخوذ بالمعاطاة.
الثاني : استمرار
عملهم من زماننا إلى عهد الشارع وعدم كونه من السير الحادثة.
الثالث : عدم
ردع الشارع الأقدس عنه حتى يستكشف إمضاؤه له وتقريره إيّاه. وهذه الأمور الثلاثة
محققة في المقام.
أمّا
الأمر الأوّل ،
فلوضوح استقرار بناء العقلاء على ترتيب آثار الملك على المعاطاة ، لتصرفهم في
المأخوذ بها بما يكون من شؤون سلطنة المالك خاصة ، من جواز بيعه وعتقه والإيصاء به
الى الغير ، وتوريثه ، ووقفه ، والتصدّق به ، ونحو ذلك من التصرفات التي يتوقف
نفوذها على صدورها من المالك أو من يقوم مقامه ، ولا تكون مشروعة من المباح له. ولو
كانت المعاطاة مؤثّرة في الإباحة المحضة دون الملك لكانت التصرفات المذكورة غير
نافذة شرعا ، وأوجب ذلك اختلال نظام المعيشة. وإنكار هذه السيرة مكابرة ، فإنّها
ثابتة من العقلاء بما هم عقلاء ، ومن المتشرعة بما هم متشرّعون. فدعوى كون المتيقن
من هذه السيرة هو إباحة التصرفات لا الملكية مجازفة.
وأمّا الأمر الثاني : فلأنّ هذه السيرة ليست حادثة في الزمن
المتأخر عن عصر الشارع ،
ويدلّ عليه (١)
______________________________________________________
بل مقتضى تشابه الأزمنة وعدم نقل خلافها في التواريخ ثبوت هذه السيرة في
عصر الشارع. وقد أشار المصنف الى هذه الجهة بقوله : «المستمرة».
وأمّا الأمر الثالث فلأنه يكفي في إحراز الإمضاء ـ بعد ثبوت
الاستمرار ـ عدم ثبوت الردع الشرعي ، ولو لم تكن سيرة العقلاء مرضيّة له لزمه
الردع عنها.
فان قلت : يكفي
في الردع إطلاق دليل الاستصحاب القاضي بلزوم الجري العملي على اليقين ـ أو
المتيقّن ـ السابق ، وعدم نقضه بالشك ، فأصالة عدم حدوث الملك بالمعاطاة حجة شرعية
صالحة للردع. وكذا الإجماع المتقدم ـ في عبارة شيخ الطائفة وابنا زهرة وإدريس ـ على
كون المعاطاة مبيحة لا مملّكة. وعليه فالسيرة هنا ساقطة عن الاعتبار.
قلت : لا مجال
للردع بإطلاق دليل الاستصحاب مع كون السيرة دليلا اجتهاديا حاكما على الاستصحاب ، بعد
البناء على حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية الكلّية ، وأما الإجماع المنقول
ففيه عدم حجيّته في نفسه خصوصا مع احتمال مدركيّته.
الدليل الثاني : آية
حلّ البيع
(١) أي : ويدلّ
على حصول الملك بالمعاطاة عموم قوله تعالى. وهذا هو الدليل الثاني على كون
المعاطاة ـ كالبيع بالصيغة ـ في إفادة الملكية. والمذكور في المتن في تقريب دلالة
الآية المباركة على المدّعى وجوه ثلاثة :
أوّلها : دلالة
الآية بالمطابقة على حلية أنحاء التصرفات ـ تكليفا في المأخوذ بالمعاطاة سواء
توقفت على الملك أم لا ، ومدلولها الالتزامي الشرعي هو صحة المعاطاة أي : كونها
مؤثّرة في النقل.
والشاهد على
ابتناء هذا الوجه على الملازمة الشرعية بين حلية البيع وصحته هو ما سيأتي منه قدسسره في مقام المناقشة فيه بقوله : «وإباحة هذه التصرفات
إنّما تستلزم الملك بالملازمة الشرعية الحاصلة في سائر المقامات .. إلخ».
.................................................................................................
______________________________________________________
ثانيها : دلالتها
بالمطابقة على الصحة ، لأنّ تعلق الحلية بالأمر الاعتباري يناسب إرادة الوضع لا
التكليف ، ومعه لا حاجة الى تقدير الأفعال الخارجية التي هي متعلقات الأحكام
التكليفية.
ثالثها : دلالة
الآية بالملازمة العرفية ـ لا الشرعية ـ على صحة المعاطاة ، وإفادتها للملك من
أوّل الأمر. وسيأتي بيان الأخيرين عند تعرّض الماتن لهما.
وأما الأوّل فتقريبه : أنّه مبني على أمور مسلّمة :
أحدها : أنّ
المعاطاة المقصود بها الملك بيع عرفا.
ثانيها : أنّ
مقتضى إلقاء الخطابات الى العرف كون موضوع الأدلة الشرعية هو البيع الصحيح ـ بنظرهم
، لا الصحيح ـ شرعا ، لما تقدم قبيل بحث المعاطاة من أن المستعمل فيه ـ من كلمة
البيع في الأدلة ـ هو النقل المؤثّر عند العرف.
ثالثها : أنّ
الموجب لتقدير «التصرفات» وإرادة الحلية التكليفية من الآية المباركة ـ مع تعلق
الحلّ بنفس البيع ـ أحد أمور أربعة :
الأول : ظهور «الحلّ»
في التكليفي ، خصوصا مع تأكّد هذا الظهور الذاتي بالعرضي وهو تحريم الربا ، وعدم
تعلق الحلّ التكليفي بالبيع بمعنى إنشاء التمليك ، إذ لا يتوهم فيه غير الحلّ حتى
يحتاج إلى البيان.
الثاني : ورود
الآية مورد الامتنان ، ومن المعلوم عدم الامتنان في حلّيّة مجرّد الإنشاء ، بل لا
بدّ في حصول الامتنان من تحليل التصرفات المترتبة على البيع.
الثالث : كون
البيع بنفسه غير اختياري ، لترتبه على سببه بلا اختيار ، فلا بدّ حينئذ من تقدير
ما يصحّ تعلق الحلّ التكليفي به وهو التصرفات.
الرابع : أنّ
الملكية اعتبار ذهني لا يتعلق بها الجعل ، بل تنتزع من التكليف المجعول بالاستقلال.
وبهذا يتم
الاستدلال ، حيث إنّ إباحة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة تستلزم شرعا
أيضا (١) عموم (٢) قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) حيث إنّه (٣) يدلّ على حليّة جميع التصرفات المترتبة
على البيع (*).
______________________________________________________
صحّتها ، إذ لو لم تكن مؤثّرة في النقل لم يحلّ التصرف فيه أصلا.
هذا تقريب
الاستدلال ، وسيأتي مناقشة المصنف قدسسره فيه من عدم اقتضائه أزيد من الملك الآنيّ ، وأمّا حصول
الملكية من أوّل الأمر فلا.
(١) أي : كما
دلّت السيرة العقلائية الممضاة شرعا على صحة المعاطاة وتأثيرها في الملك من حين
التعاطي.
(٢) المراد به
الشمول الصادق على كل من العموم الوضعي والإطلاق الحكمي ، لوضوح أنّ شمول «البيع» للقولي
والفعلي ليس بالوضع ، بل بمعونة مقدمات الحكمة.
(٣) يعني : حيث
إنّ عموم الآية يدلّ على حلّيّة جميع التصرفات ، والوجه في هذه الدلالة بعد تقدير
متعلق الحلّ أي ـ التصرف ـ هو العموم الناشي من حذف المتعلق ، فتثبت حلّية كل تصرف
في المأخوذ بالمعاطاة ، سواء توقف على الملك أم لا.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
()()()
__________________
.................................................................................................
__________________
()
()
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
()
قدسسره
.................................................................................................
__________________
بل قد يقال (١)
بأنّ الآية دالّة عرفا بالمطابقة على صحة البيع ، لا مجرّد الحكم التكليفي (٢).
لكنه محل تأمّل
(٣) (*).
______________________________________________________
(١) هذا هو
التقريب الثاني من وجوه الاستدلال بالآية الشريفة على مملكية المعاطاة ، ولعلّه
مختار من يقول بقابلية الأحكام الوضعية للجعل الاستقلالي ، وأنّ الحلّية لو كانت
ظاهرة بدوا في خصوص التكليف ، إلّا أنّ ذلك منوط بتعلّقها بالتصرّف الخارجي كالأكل
والشرب ، وأمّا إذا تعلقت بالتصرف الاعتباري من عقد أو إيقاع فلا ، حيث إنّ الحلّ
الوضعي عبارة عن نفوذ متعلقة وتأثيره في الأثر المقصود ، فالبيع المقصود به
التمليك تكون صحته عبارة عن تأثيره في الملكية ، فالآية الشريفة حينئذ يكون
مدلولها المطابقي إفادة البيع للملكيّة ، وقد تقدّمت فرديّة المعاطاة للبيع
وصغرويّتها له ، فتشملها آية الحلّ.
وبهذا ظهر وجه
الإضراب المستفاد من قوله : «بل قد يقال» لأولوية استظهار صحة البيع المعاطاتي من
الآية الشريفة بالمطابقة من استظهارها بالدلالة الالتزامية المتفرعة على تمامية
الدلالة المطابقية ، فلو نوقش في دلالة الآية على حلية التصرفات المترتبة على
البيع امتنع إثبات مملّكية المعاطاة كالبيع القولي ، وهذا بخلاف ظهور الحلية
ابتداء في الوضع.
(٢) وهو إباحة
التصرفات ـ المترتبة على البيع ـ المستلزمة لصحته.
(٣) وجهه : أنّ
حمل الحلّ على الوضعي خلاف الظاهر ، لظهوره في التكليفي ، ولا بدّ حينئذ من تعلّقه
بالتصرفات مطلقا خارجية كانت أم اعتبارية ، إذ لا يتوهم حرمة إنشاء البيع حتى يدفع
بقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) فلا بدّ أن يتعلق بالتصرفات. فالآية الشريفة تدل
بالدلالة المطابقية على حلية التصرفات تكليفا ، وبالدلالة الالتزامية على حلية
البيع وضعا.
__________________
وأمّا (١) منع
صدق البيع عليه عرفا فمكابرة.
وأمّا (٢) دعوى
الإجماع في كلام بعضهم على عدم كون المعاطاة بيعا ـ كابن زهرة في الغنية ـ فمرادهم
(٣) بالبيع المعاملة اللازمة التي هي أحد العقود ،
______________________________________________________
(١) هذا راجع
إلى أصل استدلاله قدسسره على مملكية المعاطاة بالآية الشريفة بالدلالة
الالتزامية ، وليس متعلقا بخصوص قوله : «بل قد يقال» وبيانه : أنّ الاستدلال
بالآية المباركة منوط بصدق الموضوع ـ أعني به البيع ـ على المعاطاة ، إذ بدونه لا
يكون المورد فردا لموضوع الدليل حتّى يصحّ التمسّك به لإثبات حكمه ، ولذا قال : «إنّ
منع صدق البيع الذي هو موضوع الدليل على المعاطاة مكابرة» حيث إنّ صدق مفهوم البيع
عرفا على المعاطاة من الواضحات التي لا يعتريها ريب. وقد أشرنا الى هذا بقولنا : «ان
المعاطاة المقصود بها الملك بيع عرفا».
(٢) هذا اعتراض
على قوله : «فمكابرة» وحاصله : أنّ وضوح صدق البيع على المعاطاة عرفا ـ بحيث يكون
منع صدقه عليها مكابرة ـ ينافي دعوى ابن زهرة رحمهالله : الإجماع على عدم بيعية المعاطاة.
(٣) هذا دفع الاعتراض
، وحاصله : أنّ المنافاة المذكورة مبتنية على أن يكون مراد المجمعين نفي بيعيّة
المعاطاة حقيقة ، وليس الأمر كذلك ، لأنّ مرادهم من البيع ـ الذي نفوه عن المعاطاة
ـ هو المعاملة الصحيحة المؤثّرة في إفادة الملك فعلا الموصوفة باللزوم بحسب طبعها
، والجائزة لأمر خارج عن ذاته كالخيار. وإذا كان معقد إجماعهم على نفي البيع عن
المعاطاة ذلك لم يكن منافاة بين هذا الإجماع النافي لبيعية المعاطاة وبين بناء
العرف على بيعيّتها ، لأنّ نفي الصحة غير نفي الحقيقة ، والمنفي في كلامهم ومعقد
إجماعهم هو البيع الصحيح الشرعي كما مرّ ، والمثبت هو البيع العرفي ، فتعدّد مورد
النفي والإثبات فلا إشكال.
لا يقال : إنّ
ظاهر عبارة الغنية عدم انعقاد البيع بالتعاطي ، لا عدم لزومه ، لقوله فيها : «وأمّا
شروطه فعلى ضربين ، أحدهما شرائط صحة انعقاده ، والثاني شرائط لزومه ، فالضرب
الأوّل ثبوت الولاية في المعقود عليه .. وأن يحصل الإيجاب من البائع والقبول من
المشتري .. إلخ» ومن المعلوم أنّ مقتضى شرطية الصيغة للانعقاد عدم بيعية المعاطاة
حقيقة ، فلا يشملها قوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ).
وعلى هذا فقول
المصنف : «ولذا صرّح في الغنية» شاهد على عدم بيعية المعاطاة ،
ولذا (١) صرّح في الغنية بكون الإيجاب والقبول من شرائط صحة البيع.
ودعوى (٢) ـ أنّ
البيع الفاسد عندهم ليس بيعا ـ
______________________________________________________
لا على عدم لزومها.
فإنّه يقال : إنّ
مقصود السيد ابن زهرة قدسسره عدم بيعية المعاطاة شرعا لا عرفا ، إذ لو كان مراده نفي
بيعيّتها عرفا لكان اللازم التمسك له بعدم الصدق العرفي الذي هو من قبيل عدم
المقتضي ، لا بالإجماع الذي هو دليل شرعي ، ويكون من قبيل المانع. وعليه فالتمسك
بالإجماع دليل على كون الإيجاب والقبول من الشرائط الشرعية لا العرفية ، فصدق
البيع على المعاطاة ممّا لا ينبغي الارتياب فيه. هذا.
ولو سلّم ظهور
إجماع الغنية في نفي بيعية المعاطاة حقيقة قلنا : إنّه إجماع منقول ، وقد ثبت في
محله عدم حجيته ، مضافا الى معارضته بدعوى المحقق الثاني : «ان المعروف بين
الأصحاب كون المعاطاة بيعا».
(١) غرضه إقامة
الشاهد على التصرف المزبور ، وهو كون المنفي في كلامهم البيع الصحيح المؤثّر شرعا
، لا البيع العرفي. وجه الشهادة : أنّه لو كان مرادهم ما هو ظاهر كلامهم ـ من نفي
البيع حقيقة ـ لم يكن وجه لجعل الإيجاب والقبول من شرائط الصحة ، بل كان اللازم
حينئذ جعلهما من شرائط محقّق مفهوم البيع وحقيقته ، فيستكشف من تصريح السيد في
الغنية «بكون الإيجاب والقبول من شرائط صحة البيع» أنّ المنفي هو البيع الصحيح ، لا
البيع العرفي.
(٢) هذه مناقشة
في الاستشهاد بعبارة الغنية من جعلها قرينة على التصرف في كلامهم من عدم كون
المعاطاة بيعا حقيقة.
توضيح المناقشة
: أنّ كلام السيد ابن زهرة قدسسره يكون شاهدا على التصرف في كلامهم لو كان البيع الفاسد
بيعا عندهم ليكشف ذلك عن وضعه للأعم ، وذلك ممنوع ، فتكون الصحة مساوقة لتحقق
المفهوم ، فبانتفائها ينتفي الحقيقة ، فيكشف ذلك عن وضعه للصحيح. وعليه فتصريح ابن
زهرة في الغنية ـ بكون الإيجاب والقبول من شرائط الصحة ـ لا يكون شاهدا على التصرف
في كلامهم بحمل النفي على نفي الصحة مع بقاء الحقيقة ، حيث إنّه بناء على هذا
قد عرفت (١) الحال فيها (*).
______________________________________________________
يكون نفي الصحة مساوقا لنفي الحقيقة.
ونتيجة ذلك : أنّه
لا يصحّ الاستدلال بالآية الشريفة على مملّكية المعاطاة ، إذ المفروض عدم كونها
بيعا حقيقة.
(١) هذا دفع
المناقشة المزبورة ، وحاصل الدفع : أنّه قد ذكرنا سابقا : أنّ البيع ليس إلّا
إنشاء تمليك عين بمال ، ولم يؤخذ في مفهومه قيد التعقب بالقبول فضلا عن الإيجاب
والقبول اللفظيين.
ويمكن أن يكون
نظره بقوله : «قد عرفت الحال» إلى ما تقدم عن جامع المقاصد من قوله : «المعروف بين
الأصحاب أن المعاطاة بيع وإن لم يكن كالعقد في اللزوم». وعلى التقديرين يكون البيع
الفاسد بيعا حقيقة وإن لم يكن مؤثرا شرعا.
هذا تمام
الكلام في التقريب الأوّل والثاني من وجوه الاستدلال بآية حلّ البيع ، وبقي
التقريب الثالث ، وسيأتي بقوله : «فالأولى حينئذ التمسك في المطلب بأن المتبادر
عرفا من حلّ البيع صحّته شرعا» فانتظر.
__________________
وممّا ذكر (١)
يظهر وجه التمسك بقوله تعالى (إِلّا أَنْ تَكُونَ
تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).
______________________________________________________
الدليل الثالث : آية
التجارة عن تراض
(١) أي : من
جعل متعلّق الحلّ في آية حلّ البيع : التصرفات وملازمتها شرعا لصحة البيع ونفوذه
يظهر وجه التمسك بقوله تعالى (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ
تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) . وهذا هو الدليل الثالث ممّا تعرض له المصنف قدسسره من الأدلة على مملّكية المعاطاة. وقد سبقه في الاستدلال
به المحقق الكركي قدسسره في كلامه المتقدم عن جامع المقاصد وتعليق الإرشاد ، والمحقق
الأردبيلي قدسسره في شرح الإرشاد .
ولا يخفى أنّ
الوجوه الثلاثة المشار إليها في الاستدلال بآية حلّ البيع تجري في هذه الآية
المباركة أيضا ، والمهمّ منها فعلا ـ بنظر الماتن ـ هو الوجه الأوّل ، أعني به
دلالة الآية بالمطابقة على حلية التصرف تكليفا في المأخوذ بالتجارة عن تراض ، وبالدلالة
الالتزامية على صحتها ومملّكيتها ، لأنه قدسسره أحال تقريب الاستدلال بهذه الآية المباركة على ما ركن
إليه في آية حلّ البيع ، فيقال : المعاطاة المقصود بها الملك تجارة عن تراض ـ إذ
التجارة هي التصرف في رأس المال طلبا للربح ـ والتصرفات المالكيّة المترتبة على التجارة جائزة ، فالتصرف
في المأخوذ بالمعاطاة جائز ، وهذا الجواز التكليفي يستلزم شرعا صحة المعاطاة
ومملّكيتها.
وكيف كان فوجوه
الاستدلال بهذه الآية الشريفة متعددة ، من جهة كون الأكل كناية عن التصرف أو عن
التملك ، ومن جهة كون النهي في المستثنى منه مولويا أو إرشادا إلى الفساد ، وكون
الجواز في المستثنى إباحة تكليفية أو إرشادا إلى الصحة ، ومن كون الاستثناء متصلا
أو منقطعا. لكن المهم منها اثنان ، تعرض المصنف لأحدهما ، وسيأتي ذكر الآخر في
التعليقة
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
إن شاء الله تعالى.
وتوضيح الوجه
المذكور في المتن منوط بالإشارة إلى أمرين :
أوّلهما : أنّ
النهي في المستثنى منه ظاهر في حرمة الأكل تكليفا ، فيكون الجواز في المستثنى ظاهرا
في الحلية التكليفية أيضا.
ثانيهما : أنّ
متعلّق النهي وان كان هو الأكل لكن لا يراد به ظاهره أي الازدراد المقابل للشرب
قطعا ، بل المراد به التصرف في أموال الناس بغير حق ، ومقتضى حذف المتعلق إرادة
مطلق التصرف سواء أكان متوقفا على الملك أم لا ، إذ لا قرينة في الآية الشريفة على
إرادة صنف خاص من التصرفات. ومقتضى المقابلة إرادة حلية كل تصرف ـ سواء توقف على
الملك أم لا ـ في المأخوذ بالتجارة عن تراض.
قال في مجمع
البيان : «ذكر الأكل وأراد سائر التصرفات ، وإنّما خصّ الأكل لأنّه معظم المنافع
.. الى أن قال : وفي قوله : بالباطل قولان : أحدهما : أنّه الربا والقمار والنجش
والظلم ، عن السدي ، وهو المروي عن الباقر عليهالسلام. والآخر : أنّ معناه : بغير استحقاق من طريق الأعواض ، عن
الحسن. قال : وكان الرجل منهم يتحرّج عن أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه
الآية إلى أن نسخ ذلك بقوله في سورة النور (وَلا عَلى
أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) .. الى قوله (أَنْ تَأْكُلُوا
جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) .. إلى أن قال : وثالثها : أنّ معناه : أخذه من غير
وجهه ، وصرفه فيما لا يحلّ له ، إلّا أن تكون تجارة أي مبايعة» .
وبوضوح الأمرين
المتقدمين نقول في تقريب الاستدلال بالآية المباركة : إنّ «الأكل» كناية عن مطلق
التصرف ، إذ لا قرينة على إرادة فعل خاص ، فيتعيّن إرادة مطلق التصرف ، والمعنى
حينئذ : أنّه لا تتصرّفوا في أموال الناس بالأسباب الباطلة ، إلّا أن يكون ذلك
السبب تجارة عن تراض كالمعاطاة التي هي تجارة لغة وعرفا. والاستثناء من الحرمة
التكليفية يقتضي الحلّ التكليفي ، فتدل الآية بالمطابقة على حليّة التصرفات ـ تكليفا
ـ المترتبة على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
التجارة عن تراض ، وتدلّ على تحقق الملكية من أوّل الأمر ـ لا حين إرادة
التصرف ـ بالملازمة العرفية ، لأنّ السلطنة المطلقة على شيء لا تنفك عرفا عن
الملكية ، وإن كانت الملكية قد تنفك عن السلطنة كالمحجور لأحد موجبات الحجر من صغر
أو فلس أو جنون أو غيرها.
وبالجملة : فوزان
الاستدلال بهذه الآية المباركة وزان الآية المتقدمة ، غاية الأمر أنّ الاستدلال
بهذه الآية لا يتوقف على التقدير ، لكون متعلق الجواز مذكورا وهو «الأكل» المراد
به التصرف. بخلاف الاستدلال بتلك الآية ، فإنّه منوط بتقدير التصرفات. فالاستدلال
بهاتين الآيتين على مملكية التجارة والبيع ـ الذي تكون المعاطاة من أفراده ـ يكون
بالدلالة الالتزامية الشرعية ، لأنّ مدلولهما المطابقي هو حلية التصرفات تكليفا
كما عرفت (*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
()
__________________
وأما قوله (١) «الناس
مسلّطون على أموالهم»
______________________________________________________
الدليل الرابع : حديث
السلطنة
(١) هذا إشارة
إلى رابع الأدلة على مملّكية المعاطاة ، وإن ناقش المصنف في دلالته بما سيأتي بعد
تقريب الاستدلال به ، فنقول : قد استدلّ بهذا النبوي على كون المعاطاة مفيدة للملك
، بتقريب : أنّ المراد بتسلّط الناس وقدرتهم على أموالهم هو نفوذ تصرفاتهم فيها ، ومقتضى
عموم السلطنة ـ المستفاد من الحكمة أو حذف المتعلق ـ نفوذ جميع التصرفات الخارجية
والاعتبارية التي منها المعاطاة ، ومن المعلوم أنّ نفوذ المعاطاة المقصود بها
التمليك هو كونها مملّكة كسائر الأسباب المملّكة. والمنع عن نفوذ المعاطاة في
الملكية مناف لعموم السلطنة الذي يقتضيه الحديث.
__________________
عليهالسلام
__________________
فلا (١) دلالة فيه على المدّعى ، لأنّ عمومه باعتبار أنواع السلطنة (٢) ،
______________________________________________________
(١) غرضه
المناقشة في دلالة الحديث المزبور على مملّكية المعاطاة. وحاصل المناقشة : أنّ
الاستدلال به على المقام منوط بعمومه لأسباب أنواع السلطنة وموجبات تحققها ، حتى
يقال : إنّ تمليك المال بالمعاطاة من أنواع السلطنة المشمولة للحديث ، فالتمليك
بالبيع القولي كما يكون جائزا كذلك البيع المعاطاتي.
لكنه ليس كذلك
، لأنّ المتيقن من الحديث هو السلطنة على أنواع التصرفات من البيع والهبة والصلح
وغيرها من التصرفات الاعتبارية ، فإذا شكّ في قدرة المالك على نوع من أنواع
التصرفات حكم له بالعموم المزبور. وأمّا بالنسبة إلى سبب حصول ذلك النوع وأنّه هل
يحصل بفعل أو قول خاص أم لا؟ فلا يتمسك لذلك بالعموم المذكور ، لأنّ الحديث مهمل
بالنسبة إليه ، فهو مجمل من هذه الجهة ، وإن كان مطلقا من جهة أنواع التصرف. ولمّا
كان الشك في مملّكية المعاطاة شكّا في السبب لم يكن للحديث إطلاق من هذه الحيثية
حتى يتمسك به ويثبت به سببيّة المعاطاة للتمليك.
وإن شئت فقل : القدر
المسلّم من العموم هو العموم بحسب الكمّ لا بحسب الكيف ، فلا وجه للاستدلال
بالحديث لمشروعية الأسباب. ومن هنا اشتهر أنّ قاعدة السلطنة ليست مشرّعة للأسباب ،
بل هي في مقام جواز المسببات ـ وهي الأمور الاعتبارية كالهبة والصلح ـ وعدم حجر
المالكين عن أنواع التصرفات في أموالهم ، والتقلب فيها ، فإذا دلّ دليل على اعتبار
اللفظ مثلا في البيع وأنّ النقل لا يتحقق إلّا بصيغة مخصوصة لم يكن ذلك منافيا
لقاعدة السلطنة ومخصّصا لها.
وبعبارة أخرى :
سببية شيء لحصول نوع ثابت من السلطنة تكون حكما ، وقاعدة السلطنة لا تشرّع الحكم
، ولذا قيل : انّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «ان الناس مسلطون على أموالهم» لا على أحكامهم
بحيث تكون سببية الأسباب تحت سلطنتهم.
(٢) كالبيع
والصلح والهبة والمزارعة والمساقاة ونحوها ، فعموم السلطنة ـ المستفاد من الحكمة
أو حذف المتعلّق ـ لا يجدي في الأسباب.
فهو (١) إنّما يجدي فيما إذا شك في أنّ هذا النوع من السلطنة ثابتة للمالك
وماضية شرعا في حقه أم لا ، أمّا إذا قطعنا بأن سلطنة خاصة كتمليك ماله للغير
نافذة في حقه ماضية شرعا ، لكن شك في أنّ هذا التمليك الخاص هل يحصل بمجرّد
التعاطي مع القصد (٢) أم لا بدّ من القول الدال عليه (٣) فلا يجوز (٤) الاستدلال
على سببية المعاطاة في الشريعة للتمليك بعموم تسلط الناس على أموالهم.
ومنه (٥) يظهر
أيضا عدم جواز التمسك به لما سيجيء من شروط الصيغة.
______________________________________________________
(١) أي قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ان الناس مسلّطون» إنّما يجدي في دفع الشك عن نوع
التصرف.
(٢) أي : قصد
التمليك قصدا مجرّدا عن اللفظ.
(٣) أي : على
التمليك.
(٤) جواب «أما
إذا قطعنا» وهذا متفرّع على عدم كون الحديث ناظرا إلى الأسباب ، حيث إنّ النظر إلى
المسببات ـ وهي أنواع التصرفات ـ غير النظر إلى الأسباب ، فإنّ تشريع السلطنة على
البيع ـ أي التمليك ـ ليس ناظرا إلى تشريع أسبابه ، فالاستدلال بالحديث المزبور
لإثبات كون المعاطاة مفيدة للملك غير تام.
وبالجملة : فالحديث
مهمل بالنسبة إلى الأسباب ، فلا يصح الاستدلال به لسببية المعاطاة للتمليك.
(٥) أي : ومن
عدم كون الحديث ناظرا إلى الأسباب يظهر أيضا عدم جواز التمسك به في مقام آخر ، وهو
نفي ما يشك في اعتباره في الصيغة ، لوحدة المناط ، يعني : كما لا يجوز التمسك
بالحديث لسببية المعاطاة للتمليك ، كذلك لا يجوز التمسك به لما سيجيء من شروط
الصيغة ، إذ المفروض عدم كون الحديث ناظرا إلى الأسباب التي منها المعاطاة والبيع
القولي ، فلا يجري فيه أصالة العموم أو الإطلاق حتى يصح التمسك به لنفي الشك في
شرطية شيء
.................................................................................................
______________________________________________________
في الصيغة (*).
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
صلىاللهعليهوآلهوسلم
وكيف كان (١)
ففي الآيتين (٢) مع السيرة (٣) كفاية.
اللهم إلّا أن
يقال (٤) : إنّهما (٥) لا تدلان (*) على الملك ، وإنّما تدلّان على إباحة جميع
التصرفات حتى المتوقفة على الملك ، كالبيع والوطي والعتق والإيصاء ،
______________________________________________________
(١) يعني : سواء
تمّ الاستدلال بحديث السلطنة على مملّكية المعاطاة أم لم يتم ، لما عرفت من
المناقشة في دلالته ، لعدم كونه ناظرا الى تشريع السلطنة على الأسباب حتى يؤخذ
بإطلاقه.
(٢) وهما آية
حلّ البيع ، والتجارة عن تراض ، لأنّ حلية مطلق التصرفات تستلزم شرعا مملّكية
المعاطاة.
(٣) أي : السيرة
العقلائية المستمرة إلى عصر المعصومين عليهمالسلام ، الممضاة بعدم الردع عنها.
إلى هنا تعرّض
المصنف قدسسره لأدلة أربعة على إفادة المعاطاة للملك ، واختار وفاء
ثلاثة منها بالمقصود ، وناقش في دلالة حديث السلطنة كما عرفت مفصّلا.
(٤) مقصوده من
هنا إلى قوله بعد أسطر : «فالأولى التمسك في المطلب بأن المتبادر عرفا من حلّ
البيع صحته شرعا» الخدشة في دلالة الآيتين والسيرة على إفادة المعاطاة للملك من
حين التعاطي.
(٥) أي : أنّ
الآيتين لا تدلان على الملك ـ من أوّل الأمر ـ الذي ادّعاه المحقق الثاني ووافقه
المصنف بقوله : «لا يخلو من قوة». وليعلم أنّ مناقشته في الآيتين ليست بمعنى
كونهما أجنبيتين عن تأثير المعاطاة في الملكية رأسا كما كان حديث السلطنة أجنبيا
عنه ، بل غرضه قدسسره من الخدشة في دلالة الآيتين الكريمتين هو : أنّ المدّعى
حصول النقل الملكي من حين وقوع التعاطي ، والآيتان إنّما تدلّان على حصول الملكية
الآنيّة قبل تصرف كل من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
المتعاطيين فيما أخذه من الآخر تصرّفا منوطا بالملك كالوقف والعتق ، ولا
تدلّان على الملك من أوّل الأمر.
وتوضيح
المناقشة : أنّ دلالة الآيتين على كون المعاطاة كالبيع القولي مفيدا للملكية من
أوّل الأمر تتوقف على مقدمات ثلاث :
الاولى : أنّ
المدلول المطابقي للآيتين هو حكم تكليفي أعني به إباحة التصرف في المأخوذ
بالمعاطاة.
الثانية : أنّ
حلية بعض أنحاء التصرفات تكليفا وصحتها وضعا منوطة بصدورها من المالك ، لا من
المباح له.
الثالثة : أنّ
إباحة جميع التصرفات المترتبة على البيع تستلزم شرعا تأثير المعاطاة ـ التي هي بيع
عرفي ـ في الملكية من أوّل الأمر.
ولو اختلّت
إحدى هذه المقدمات اختلّ الاستدلال بالآيتين على تأثير المعاطاة في الملكية من
أوّل الأمر. وغرضه قدسسره منع المقدمة الثالثة ـ وهي الملازمة الشرعية بين الحلية
التكليفية والملكية ـ وذلك لأنّ الملازمة بين إباحة التصرف المترتب على البيع
القولي وبين
__________________
وإباحة (١) هذه التصرفات إنّما تستلزم الملك
______________________________________________________
الملكية ثابتة من جهة قيام الإجماع على إباحة مطلق التصرف حتى المتوقف على
الملك ، وهو كاشف عن حصول الملكية بمجرد العقد اللفظي. وأمّا في البيع المعاطاتي
فلا دليل على هذه الملازمة ، بل صرّح بعض الفقهاء بالتفكيك بينهما ، فقال بإباحة
جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك ، وبعدم إفادة المعاطاة للملك ، وتتوقّف
الملكية على تلف إحدى العينين. ومع هذا التصريح كيف تتجه دعوى الملازمة الشرعية
بين حلية التصرفات المترتبة على البيع وبين الملك من أوّل الأمر؟
نعم لا مناص من
الالتزام بالملكية الآنامائيّة إذا أراد أحد المتعاطيين أن يتصرّف في المأخوذ
بالمعاطاة ـ بما يتوقف على الملك ، جمعا بين الأدلة ، ولكن هذه الملكية الآنيّة
أجنبية عن المدّعى وهو تأثير المعاطاة في الملك من أوّل الأمر.
وقد تحصل مما
ذكرنا : قصور دلالة الآيتين الكريمتين على إثبات مملكية المعاطاة على حدّ البيع
القولي.
(١) هذا إشارة
إلى توهم ودفعه ـ وقد اتّضحا مما ذكرناه ـ أمّا التوهم فحاصله : أنّ الآيتين وإن
لم تدلّا مطابقة على الملك ، لكنهما تدلّان عليه التزاما ، إذ الإباحة المطلقة
تقتضي حصول الملك من أوّل الأمر ، لوجود الملازمة بينهما كما في غير مقامنا من
البيوع القولية ، حيث إنّه يحصل الملك في البيع القولي من حين العقد بلا إشكال ، فوزان
البيع المعاطاتي وزان البيع القولي في استكشاف الملكية ـ من أوّل الأمر ـ من إباحة
التصرفات حتى المتوقفة على الملك ، للملازمة الشرعية بين الإباحة المطلقة وبين
الملك كذلك. فتحقق اللّازم أي الملك من أوّل الأمر في البيع المعاطاتي ، وهو
المطلوب.
وأمّا الدفع
فحاصله : أنّ القياس مع الفارق ، بداهة كون الملازمة بين إباحة التصرفات وبين
الملكية من أوّل الأمر ـ في البيع اللفظي ـ شرعية ، لا عقلية وعادية حتى يتعدّى من
موردها وهو البيع القولي إلى المعاطاتي.
والوجه في كون
الملازمة شرعية : أنّ الدليل على حصول الملكية من حين العقد هو الإجماع على عدم
انفكاك الملك عن العقد المفيد لإباحة جميع التصرفات في العوضين ، ومن المعلوم
اختصاص هذه الملازمة بالبيع القولي الذي هو المقيس عليه.
بالملازمة الشرعية (١) الحاصلة في سائر المقامات من الإجماع وعدم القول
بالانفكاك (٢) ، دون المقام (٣) الذي لا يعلم ذلك (٤) منهم ، حيث (٥) أطلق
القائلون (٦) بعدم الملك إباحة التصرفات ،
______________________________________________________
وأمّا البيع
المعاطاتي فلم يثبت فيه التلازم المزبور ، بل علم من المشهور الانفكاك بينهما فيه
، لأنّ القدماء ـ مع قولهم بالإباحة وعدم مملّكية المعاطاة ـ قائلون بإباحة جميع
التصرفات حتى المتوقفة على الملك ، على ما يقتضيه إطلاق كلماتهم ، حيث لم يقيّدوا «إباحة
التصرف» بما لا يتوقف على الملك.
ويشهد بهذا
الإطلاق فهم الشهيد الثاني قدسسره على ما صرّح به في المسالك من «أنّ من أجاز المعاطاة سوّغ
أنواع التصرفات» فإنّه لا مسوّغ لهذه النسبة إليهم إلّا إطلاق كلماتهم.
(١) هذه الكلمة
هي القرينة القطعية على أنّ مراد المصنف قدسسره من الاستدلال بالآيتين ـ بالتقريب الأوّل من الوجوه
الثلاثة ـ هو الملازمة الشرعية بين الإباحة التكليفية ومملكية المعاطاة وصحتها. وتقييد
الملازمة ب «الشرعيّة» لأجل التنبيه على أنّ الملازمة لو كانت عرفية كانت حليّة
التصرف في المأخوذ بالمعاطاة دالة على إفادة الملك من حين التعاطي كالبيع القولي ،
إذ لا يرى العرف فرقا بينهما في إفادة الملك من أوّل الأمر.
(٢) بين إباحة
جميع التصرفات وبين الملك من أوّل الأمر ، وأنّ الملكيّة لا تتوقف على التصرف أو
التلف ونحوهما من الملزمات.
(٣) وهو البيع
المعاطاتي ، وهذا إشارة إلى الدفع المتقدم بقولنا : «ان القياس مع الفارق .. إلخ».
(٤) أي : عدم
الانفكاك بين إباحة جميع التصرفات وبين الملك من أوّل الأمر.
(٥) تعليل
لقوله : «لا يعلم ذلك منهم» فإنّ إطلاق إباحة التصرفات مع القول بعدم الملك يوجب
القول بالانفكاك بين إباحة التصرفات وبين الملك.
(٦) كقول الشيخ
في الخلاف : «وإنّما يكون إباحة له ، فيتصرف كل منهما فيما أخذه تصرّفا مباحا من
غير أن يكون ملكه» ونحوه عبارة ابن إدريس والسيد ابن زهرة والقاضي
__________________
وصرّح (١) في المسالك «بأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ جميع التصرفات» غاية
الأمر (٢) أنه لا بدّ من التزامهم بأنّ التصرّف المتوقف على الملك يكشف عن سبق
الملك عليه آنا ما ، فإنّ (٣) الجمع
______________________________________________________
الحلبي وغيرهم ، وقد تقدمت في المقام الأوّل المنعقد لتحرير محل النزاع في
المعاطاة.
(١) معطوف على «أطلق
القائلون» يعني ـ مضافا الى إطلاق كلام القدماء ـ صرّح في المسالك ، ومقصوده قدسسره أنّ كلمات الأصحاب في الحكم بإباحة التصرف وإن كانت دالة
بإطلاقها على إباحة كل تصرف حتى ما يتوقف على الملك ، إلّا أنّه يؤيّد هذا
الاستظهار بفهم الشهيد الثاني قدسسره حيث نسب الى المشهور إباحة مطلق التصرفات مع التزامهم
بعدم الملك.
وعلى هذا
فالقول بالملازمة غير معلوم بل معلوم العدم ، فكيف يقاس البيع المعاطاتي ـ الذي لم
يثبت فيه الإجماع على الملازمة بين إباحة كل تصرف وبين الملك ـ على البيع القولي
الذي ثبت فيه الإجماع المزبور.
وعليه فلا يحصل
الملك الابتدائي بالمعاطاة ، وتصل النوبة إلى الملكية الآنيّة من باب الجمع بين
الأدلة.
(٢) غرضه قدسسره توجيه فتوى المشهور حتى لا يرد عليهم إشكال ، محصّله : أن
نفي مملّكية المعاطاة ينافي إباحة التصرفات المتوقفة على الملك كالعتق والوقف ، فإنّهما
لا يقعان من المباح له. فأجاب قدسسره بأنّ المشهور لا بدّ أن يلتزموا بالملكية الآنامّائية
في التصرفات المنوطة بالملك ، وإلّا كان اللازم تخصيص إباحة التصرف ، بما يتوقف
على الملك ، فإذا لم ينبّه المشهور على هذه الملكية الآنيّة فإنّما هو للاتّكال
على وضوحها لا لأجل إنكارها.
(٣) تعليل
لقوله : «يكشف عن سبق» يعني : أن دخول المأخوذ بالمعاطاة في ملك المتصرّف ـ آنا
مّا ـ يستفاد من الجمع بين دليلين ، أحدهما : ما دلّ على إباحة جميع التصرفات في
المأخوذ بالمعاطاة.
ثانيهما : الأدلة
الخاصة على توقف بعض التصرفات على الملك وعدم صحتها من المباح له ، مثل قولهم عليهمالسلام : «لا بيع إلّا في ملك ، لا وقف إلّا في ملك ، لا عتق
إلّا في ملك».
فالجمع بين كل
واحد من هذه وبين الإجماع على إباحة جميع التصرفات يقتضي
بين إباحة هذه التصرفات (١) وبين توقفها على الملك يحصل بالتزام هذا
المقدار (٢) ، ولا يتوقّف على الالتزام بالملك من أوّل الأمر ليقال : إنّ مرجع هذه
الإباحة أيضا الى التمليك (٣).
وأمّا ثبوت
السيرة واستمرارها على التوريث فهي (٤) كسائر سيراتهم الناشئة عن المسامحة وقلّة
المبالاة في الدين ممّا لا يحصى في عباداتهم ومعاملاتهم وسياساتهم كما لا يخفى.
ودعوى (٥) أنّه
لم يعلم من القائل بالإباحة جواز مثل هذه التصرفات المتوقفة
______________________________________________________
الالتزام بدخول المال في ملك المتعاطي ـ آنا مّا ـ حتى يقع البيع والوقف
والعتق في ملكه ، لا في ملك المبيح.
(١) المتوقفة
على الملك.
(٢) أي : الملك
آنا ما.
(٣) يعني : حتى
يصحّ التمسك بالآيتين على مملّكية المعاطاة من أوّل الأمر.
وبهذا ظهرت
المناقشة في دلالتهما على كون المعاطاة كالبيع القولي مفيدا للملك من أوّل الأمر. ولهذه
المناقشة تتمة سيأتي بيانها بعد الخدشة في السيرة.
(٤) غرضه
المناقشة في الدليل الأوّل وهو السيرة ـ التي تشبّث بها سابقا على صحة المعاطاة
وإفادتها الملك ـ بأنّ هذه السيرة من السير التي لا عبرة بها ، لنشوها عن المسامحة
وقلّة المبالاة بالدين ، فلا يكشف استمرارها عن رضى المعصوم عليهالسلام بها حتى تكون حجة ، ومن المعلوم أنّ مجرّد الاستمرار
الى عصر المعصوم عليهالسلام ليس إمضاء لها ، فهي كسيرتهم على المنكرات كأكل الربا
وحلق اللحى ، فهل يكون مجرّد تعارفها في عصر المعصوم إمضاء لها؟
ولا يخفى أنّ
الخدشة في السيرة بما في المتن ظاهر في أنّ السيرة المستدل بها على مملّكية
المعاطاة هي العقلائية لا المتشرعية ، إذ لو كانت متشرعية كانت حجة بمجرّد إحراز
استمرارها ، لأنّها إجماع عملي كاشف عن رضى الشارع.
(٥) كان
المناسب ذكر هذه الدعوى قبل قوله : «وأما ثبوت السيرة .. إلخ» لأنّ هذه
على الملك ، كما يظهر من المحكي عن حواشي الشهيد على القواعد من : منع إخراج المأخوذ
بالمعاطاة في الخمس والزكاة وثمن الهدي ، وعدم جواز وطي الجارية المأخوذة بها (١).
وقد صرّح الشيخ رحمهالله بالأخير في معاطاة الهدايا ، فيتوجّه التمسك
______________________________________________________
الدعوى من بقية الإشكالات المتعلقة بالآيتين ، وغرض المستشكل نفي ما أفاده
المصنف قدسسره من الملكية الآنيّة وإثبات الملكية من أوّل الأمر ، وأنّه
لا وجه للجمع بين الأدلة بالالتزام بالملك آنا ما.
وتوضيح ذلك : أنّ
نفي الإجماع على الملازمة بين إباحة جميع التصرفات وبين الملك مبني على العلم بأنّ
المشهور ـ القائلين بعدم الملك من أوّل الأمر ـ ملتزمون بإباحة جميع التصرفات حتى
المتوقفة على الملك ، لأنّه حينئذ يثبت عدم الإجماع على الملازمة بين إباحة جميع
التصرفات وبين ثبوت الملك من أوّل الأمر.
لكنّه لم يعلم
هذا الالتزام منهم ، إذ لا طريق الى العلم بذلك إلّا الإطلاق ، وهو غير ثابت ، لعدم
إحراز كونهم في مقام البيان من هذه الجهة ، لقوّة احتمال إرادتهم التصرفات غير
المتوقفة على الملك ، كما يؤيّده ـ بل يشهد به ـ ما عن الشهيد قدسسره في حواشيه على القواعد :
من منع
التصرفات المتوقفة على الملك ، كإخراج المأخوذ بالمعاطاة في الخمس ، والزكاة ، وثمن
الهدي ، وعدم جواز وطي الجارية المأخوذة بالمعاطاة. وكذا يشهد به تصريح شيخ
الطائفة في المبسوط بعدم جواز وطي الجارية المأخوذة بالهدية المعاطاتية.
وعليه فإذا لم
يثبت من القائلين بالإباحة جواز التصرفات المتوقفة على الملك فيتمسك في إثبات
جوازها بالآيتين ، إذ لا دليل آخر حسب الفرض على حلية هذه التصرفات ، فيثبت الملك
من أوّل الأمر ، فيكون المأخوذ بالمعاطاة كالمأخوذ بالبيع اللفظي في ثبوت الملك من
أوّل الأمر.
(١) أي : بالمعاطاة
البيعية ، في قبال معاطاة الهدايا الآتية في كلام شيخ الطائفة.
__________________
حينئذ (١) بعموم الآية على جوازها ، فيثبت الملك (٢) ، مدفوعة (٣) بأنّه
وإن لم يثبت ذلك (٤) إلّا أنّه لم يثبت (٥) أنّ كلّ من قال بإباحة جميع التصرفات
قال بالملك من أوّل الأمر.
______________________________________________________
(١) أي : حين
عدم العلم بالتزام القائلين بالإباحة بجواز التصرفات المنوطة بالملك يتوجه التمسك
بعموم الآية بجواز تلك التصرفات من أوّل الأمر.
(٢) يعني : من
أوّل الأمر ، لأنّه مقتضى عموم الآية ، فتكون الآيتان ردّا على القائلين بالإباحة
، ولا وجه للالتزام بالملكية الآنيّة من باب الجمع بين الأدلة.
(٣) هذا دفع
الدعوى المذكورة ، وحاصله : أنّ مجرّد عدم المعلومية ـ وجواز إثبات هذا النحو من
التصرفات ولو بالآيتين ـ غير كاف في إثبات المطلوب وهو الملكية من أوّل الأمر ، بل
يتوقف ذلك على إثبات الملازمة بالإجماع ، وأنّ كل من قال بإباحة جميع التصرفات قال
بحصول الملك من أوّل الأمر ، ودون إثبات هذه الملازمة خرط القتاد.
(٤) أي : وإن
لم يثبت من القائل بالإباحة جواز التصرفات المتوقفة على الملك. ووجه عدم الثبوت : تصريح
الشهيد بعدم جواز بذل المأخوذ بالمعاطاة في الخمس والزكاة المتوقفين على الملك.
(٥) يعني : لم
يثبت التلازم بين إباحة جميع التصرفات وبين الملك من أوّل الأمر. ووجه عدم ثبوت
الملازمة : إمكان التزام القائل بإباحة جميع التصرفات ـ حتى المتوقفة على الملك ـ بالملك
في آن التصرف ، لا بالملك من أوّل الأمر ، فيتعيّن حينئذ الالتزام بالملكية
الآنيّة جمعا بين الأدلة.
وقد تحصّل الى
هنا : أنّ المصنف قدسسره أبطل استدلاله بالآيتين الشريفتين بناء على التقريب
الأوّل ، وهو حلية التصرفات المترتبة تكليفا على البيع واستلزامها شرعا مملّكية
المعاطاة من أوّل الأمر كالبيع القولي.
فالأولى (١)
حينئذ التمسك في المطلب بأنّ المتبادر عرفا من حلّ البيع صحته شرعا ، هذا.
______________________________________________________
(١) هذا متفرع
على المناقشة في دلالة الآيتين بالملازمة الشرعية بين حلية التصرف والملكية من
أوّل الأمر. ومقصوده تقريب دلالة الآيتين على مملكية المعاطاة بوجه آخر ، وهذا
تقريب ثالث أشرنا إليه في صدر البحث عن آية حلّ البيع ، ومحصله : إثبات الملازمة
العرفية بين إباحة التصرف وبين الملك. وتوضيحه : أن متعلّق الحلّ هو التصرفات
المترتبة على البيع ، وحليّتها يتصور على نحوين :
أحدهما : مجرّد
تحليل التصرفات الموقوفة على الملك ، وهذا المدلول المطابقي لا يستلزم شرعا ولا
عرفا صحة المعاطاة ومملّكيتها من حين الانعقاد. وقد تقدّم وجه عدم الملازمة
بالتفصيل.
ثانيهما : تحليل
التصرفات المترتبة على البيع بما أنّه معاملة يتسبب بها إلى الملك ، بأن تدلّ
الآية على حلية التصرف بخصوص هذا السبب ـ أي البيع الصادق على المعاطاة ـ ومن
المعلوم أنّ جواز التصرف بهذا السبب الخاص يلازم عرفا سببية المعاطاة للحلية
وتأثيرها فيها ، وهذا معنى استلزام الحلية التكليفية للصحة والنفوذ عرفا ، يعني : أنّ
المعاطاة من حين انعقادها بيع مؤثر في النقل الملكي ، ولا بد من ترتيب آثار البيع
عليها في إفادة الملكية من أوّل الأمر.
وهكذا يقال في
استلزام إباحة الأكل لسببية التجارة عن تراض ، يعني : أنّ حلية التصرف المتوقف على
الملك فيما يؤخذ بالتجارة عن تراض ـ بما أنّها سبب مملّك ـ تستلزم صحتها وتأثيرها
في الملكية من أوّل الأمر ، وإلّا لم تكن الحلية مستندة إلى سببية التجارة ، لإمكان
تصوير الملكية الآنامائية.
وقد تحصل من
كلمات المصنف في الاستدلال بآيتي الحلّ والتجارة وجوه ثلاثة :
: دلالة الآيتين على حلية التصرفات المترتبة على البيع
والتجارة تكليفا بالمطابقة ، ودلالتهما بالملازمة الشرعية على الصحة والملكية. وقد
ناقش فيه بمنع الملازمة
مع إمكان (١)
إثبات صحة المعاطاة في الهبة والإجارة ببعض
______________________________________________________
الشرعية ، وإنّما غايته إثبات الملكية الآنيّة قبل التصرف المنوط بالملك.
الثاني : دلالة الآيتين على الحكم الوضعي وهو الصحة لا مجرّد
الحكم التكليفي. وقد ناقش فيه بالأمر بالتأمل فيه. ولعلّ وجهه انتفاء الجامع بين
الحلّ التكليفي والوضعي ، فلا بد أن يراد أحدهما ، ومقتضى ظهوره في التكليف تعلقه
بالتصرفات ، وهو الوجه الأوّل.
الثالث : دلالة الآيتين بالمطابقة على حلية التصرفات ، وبالملازمة
العرفية على صحة المعاملة المعاطاتية ، يعني : أن مدلول الآيتين ليس مجرّد اشتراك
المعاطاة مع البيع والتجارة في ترتيب الآثار حتى تنفك الملكية عن الحلية ، بل
مدلولهما هو الحلية الناشئة من سببيّتهما للملك ، لكونهما سببين عرفيين له. وهذا
هو الذي استقرّ عليه رأيه في الحكم بإفادة المعاطاة للملك. هذا.
ويحتمل أن يريد
المصنف قدسسره بهذا الوجه الثالث أمرا آخر ، وهو : دلالة الآية
بالمطابقة على صحة البيع المعاطاتي ، ولعلّه أوفق بقوله : «بأن المتبادر عرفا من
حلّ البيع صحته شرعا» لا ما ذكرناه ـ أخذا من المحقق الأصفهاني قدسسره ـ من إرادة الملازمة العرفية بين تحليل التصرفات وصحة
المعاطاة. وعليه يكون مختاره قريبا من التقريب الثاني وهو إرادة الحل الوضعي.
لكن قد يشكل
بأنّ دلالة الآية بالمطابقة على الصحة ينافي انتزاع الوضعيات من التكليف وعدم
استقلالها بالجعل ، فلعلّ الأولى إرادة الملازمة العرفية كما ذكرناه.
الدليل الخامس : الإجماع
المركّب
(١) هذا إشارة
إلى دليل خامس على مملّكية المعاطاة ، وهو الاستدلال بالإجماع المركّب حتى إذا
نوقش في الأدلة الثلاثة المتقدمة من الآيتين والسيرة. تقريبه : أنّ من الممكن
تصحيح المعاطاة في الهبة والإجارة ببعض إطلاقاتهما ، وتتميمه في البيع بالإجماع
المركّب ، إذ لا يقول أحد بصحة المعاطاة في الهبة والإجارة وعدم صحتها في البيع ، فكل
من يقول بصحتها فيهما يقول بصحتها في البيع.
إطلاقاتهما (١) (*) وتتميمه في البيع بالإجماع المركّب ، هذا.
______________________________________________________
(١) أي : إطلاقات
الهبة والإجارة. أما إطلاق أدلّة الهبة ، فكرواية جرّاح المدائني ، قال : «سألت
أبا عبد الله عليهالسلام عن عطيّة الوالد لولده يبينه ، قال : إذا أعطاه في صحّة
جاز» تقريب الإطلاق : أنّ الإعطاء إن لم يكن ظاهرا في خصوص الإعطاء الخارجي ـ لا
المترتب من باب الوفاء على الإيجاب والقبول اللفظيين ـ فلا أقلّ من شموله لكل من
الهبة القولية والفعلية ، والوجه في الإطلاق عدم استفصال الامام عليهالسلام عن أنّ العطيّة هل كانت باللفظ أم بالفعل.
وكرواية أبي
بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام : «الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض ، قسمت أو لم تقسم» الحديث.
وأما إطلاق بعض
أدلة الإجارة فمثل ما جاء في حديث تحف العقول : «وأما تفسير الإجارات فإجارة
الإنسان نفسه أو ما يملكه ، أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال
من جهات الإجارة» ووجه الإطلاق : عدم تقييد الإجارة النافذة شرعا بما إذا
وقعت بالإيجاب والقبول اللفظيين.
وكذلك ما في
مكاتبة اليقطيني الى الامام أبي محمد العسكري عليهماالسلام : «في رجل دفع ابنه الى رجل وسلّمه منه سنة بأجرة
معلومة ليخيط له ، ثم جاء رجل ، فقال : سلّم ابنك منّي
__________________
__________________
مع (١) أنّ ما
ذكر ـ من أنّ للفقيه التزام حدوث الملك عند التصرف المتوقف عليه ـ
______________________________________________________
بزيادة ، هل له الخيار في ذلك؟ وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأوّل أم
لا؟ فكتب عليهالسلام : يجب عليه الوفاء للأوّل ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف»
فإنّ الدفع والتسليم ظاهران في إنشاء عقد الإجارة بهما ، لا كونهما وفاء
بإنشاء الإجارة بالصيغة سابقا على الدفع. ولا أقلّ من الإطلاق المستند إلى ترك
الاستفصال ، فإنّه عليه الصلاة والسّلام لم يسأل هل أنشئت الإجارة باللفظ أم لا؟ وإنّما
حكم بوجوب الوفاء للأوّل مطلقا ، سواء كان إنشاؤها باللفظ أم بالفعل.
فان قلت : هذا
الإطلاق محكّم في آية حل البيع أيضا ، لشمول العنوان للمعاملة الفعلية والقولية
على حدّ سواء ، لصدق البيع العرفي على المعاطاة قطعا ، ومعه لا حاجة الى تطويل
الطريق بالتمسك بإطلاق الهبة والإجارة أوّلا وإثبات عدم الفصل بين البيع وبينهما
ثانيا. فنفس إطلاق البيع على المعاطاة كاف في ترتيب آثاره عليها.
قلت : إطلاق
الآية المباركة وإن كان ثابتا بدوا ، إلّا أنّ تشتت الأقوال في المعاطاة وإجماع
السيد ابن زهرة على نفي بيعيتها أوجبا ضعف الإطلاق وقوّة اختصاص البيع ـ المفيد
للملك اللازم ـ باللفظي ، وعدم شموله للمعاطاة ، ولأجله تصدّى المصنف قدسسره للتمسك بالإجماع المركب.
(١) غرضه تصحيح
الاستدلال بآيتي الحلّ والتجارة ـ بالملازمة الشرعية بين الحلية التكليفية والملك
من أوّل الأمر ـ وإبطال ما نوقش فيه بقوله : «اللهم إلّا أن يقال : إنّهما لا
تدلّان على الملك ، وإنّما تدلّان على إباحة جميع التصرفات .. غاية الأمر : أنّه
لا بد من التزامهم بأن التصرف المتوقف على الملك يكشف عن سبق الملك عليه آنا ما ..
إلخ».
وحاصل وجه
الإبطال ـ الكاشف عن صحة الاستدلال بالآيتين ـ هو : أنّ الالتزام بالملك آنا ما
قبل التصرف ممّا لا يليق بالمتفقّه فضلا عن الفقيه ، فهو فاسد ، ولا يمنع عن
الاستدلال بالآيتين على الملكية من أوّل الأمر. فالاستدلال بهما على مملكية
المعاطاة كالبيع
__________________
لا يليق (١) بالمتفقه فضلا عن الفقيه ، ولذا (٢) ذكر بعض الأساطين في شرحه
على القواعد ، في مقام الاستبعاد : أنّ القول بالإباحة المجرّدة مع فرض قصد
المتعاطيين التمليك والبيع مستلزم لتأسيس قواعد (٣) جديدة : «
______________________________________________________
القولي صحيح ، والالتزام بالملك الآنيّ قبل التصرف فاسد. وعليه فإمّا أن
يقال بإفادة المعاطاة لإباحة التصرفات وعدم حصول الملك أصلا حتى آنا ما قبل التصرف
، وإما أن يقال بإفادتها للملك من أوّل الأمر ، وحيث لا سبيل للالتزام بالأوّل
تعيّن الأخير وهو إفادتها للملك من حين التعاطي.
(١) خبر «أنّ
ما ذكر» ووجه عدم اللياقة هي الاستبعادات التي ذكرها الفقيه كاشف الغطاء قدسسره على المشهور القائلين بالإباحة.
(٢) أي : ولأجل
فساد الملك آنا ما قبل التصرف ذكر كاشف الغطاء قدسسره في مقام الاستبعاد .. إلخ ، حيث نقل في شرح القواعد بعض
الأقوال في حكم المعاطاة ، وقال : «والقول بمجرد الإباحة والاذن في التصرف من غير
ملك ، كما ادعيت عليه الشهرة ونقل فيه الإجماع ، وهو مردود بالسيرة المستمرة
القاطعة في إجراء حكم الأملاك على ما أخذ بالمعاطاة من إيقاع عقد البيع والإجارة
والهبة والصلح والصدقة وجميع العقود وما يتعلق بتمليك الأعيان أو المنافع عليه ، وتعلق
العتق والوقف والحبس والرهن والربا والنذر والأيمان والوصايا ونحوه به ، وكذا حكم
المواريث والأخماس والزكوات واستطاعة الحج ، والنظر إلى الجواري ولمسهن ووطئهن
وتحليلهن وتزويجهن ونحو ذلك. فيلزم إمّا إنكار ما جاز بديهة أو إثبات قواعد جديدة
: منها : أن العقود وما قام مقامها لا تتبع القصود .. إلخ».
استلزام القول
بالإباحة تأسيس قواعد جديدة
(٣) يعني : أنّ
القول بالإباحة يستلزم تأسيس قواعد جديدة لم تكن مشروعة ، ومع استلزام القول
بالإباحة لتأسيسها يتعيّن المصير إلى كون المعاطاة مفيدة للملك من أوّل الأمر.
وبعبارة أخرى :
إباحة جميع التصرفات تستلزم قواعد غير مشروعة ، فعدم مشروعيتها دليل إنّي على فساد
القول بإفادة المعاطاة للإباحة.
منها : أنّ
العقود (١) وما قام مقامها لا تتبع القصود.
______________________________________________________
ثم إنّ هنا
أمورا ينبغي التنبيه عليها :
الأوّل : أنّ
أصول استبعادات كاشف الغطاء قدسسره ثمانية ، وان انحلّ بعضها الى استبعادين أو أكثر كما
سننبّه عليه إن شاء الله تعالى.
الثاني : أنّ
جملة من هذه الاستبعادات قد نبّه عليها المحقّق الثاني قدسسره الذي التجأ إلى تأويل القول بالإباحة إلى الملك
المتزلزل. ولكنّه قدسسره لم يذكرها بهذا الترتيب والبسط كما صنعه الشيخ الفقيه
كاشف الغطاء قدسسره.
الثالث : أن
هذه الاستبعادات تدور بين ترتيب آثار الملك على غير الملك ، وبين كون التلف
والتصرف مملّكا ـ عند التلف أو التصرف ، من دون ربط له بالإباحة بما هي. وعليه
ينبغي أن يضاف إلى قوله : «التمليك والبيع» : وحصول الملكية قبل التلف أو التصرف.
القاعدة الاولى : عدم
تبعية العقود للقصود
(١) هذا هو
الاستبعاد الأوّل ، أي : القاعدة الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها لو قلنا بإفادة
المعاطاة ـ المقصود بها الملك ـ للإباحة المحضة ، وحصول الملكية آنا ما قبل التصرف
المملّك. وتوضيحه : أنّ العناوين الاعتبارية كالملكية والزوجية والحرية والبينونة
لا تترتب على أسبابها ـ من الإنشاء اللفظي والفعلي ـ قهرا ، بل يناط ترتبها بقصد
ذلك العنوان الإنشائي ، ولذلك أسّس الفقهاء «رضوان الله عليهم» قاعدة «أنّ العقود
تابعة للقصود». وهذه الجملة تتكفل عقدين ، أحدهما : إيجابي ، وهو لزوم وقوع ما
يقصده المتعاقدان. والآخر سلبي وهو عدم وقوع ما لا يقصدانه.
وعلى هذا فلو
ترتّبت الإباحة المحضة على المعاطاة المقصود بها الملك لزم مخالفة كلا العقدين ، ولا
بدّ من تأسيس قاعدة جديدة ، وهي : «أنّ العقود لا يلزم متابعتها للقصود» إذ
المقصود هو الملك ولم يحصل ، والحاصل وهو الإباحة لم يكن مقصودا. ولا سبيل للفقيه
أن يلتزم بهذه القاعدة الجديدة. ويتوقف إنكارها على القول بإفادة المعاطاة للملك
من حين انعقادها.
ومنها (١) أن
يكون إرادة التصرف من المملّكات ،
______________________________________________________
القاعدة الثانية : مملّكية
التصرف أو إرادته
(١) هذا ثاني
اللوازم الفاسدة المترتبة على مقالة المشهور من إفادة المعاطاة لإباحة التصرف دون
الملك ، ومحصله : لزوم تأسيس قاعدة فقهية جديدة لم تكن معهودة من ذي قبل ، وهي : كون
إرادة التصرف ـ أو نفس التصرف أو هما معا ـ من الأسباب المملّكة. توضيحه : أنّ
مقصود المتعاطيين ـ وهو الملكية ـ لم يحصل حسب الفرض. وحيث إنّ بعض التصرفات
كالبيع والوقف والعتق موقوف على الملك ، فلا بد أن تكون مجرد إرادة التصرف في
المأخوذ بالمعاطاة موجبة لدخول المباح له في ملك مريد التصرف ، أو تكون تلك
الإرادة مع نفس التصرف مملّكة بأن يكون كل من الإرادة والتصرّف جزء السبب المملّك.
وكلا الشقّين
ممنوع ، لأنّ إدخال المال في ملك الآخذ قبل التصرف ـ حتى يقع ذلك التصرف في ملكه ـ
لم يكن مشمولا لإذن المالك الأوّل الدافع للمال ، لأنّه قصد التمليك ، ولم يحصل
حسب الفرض ، فالإذن الضمني في إدخاله في ملكه لم يكن موجودا حين التعاطي ، فكيف
يجوز للآخذ إدخال مال الغير في ملك نفسه بمجرد تصرفه فيه أو بإرادة تصرّفه؟
فإن قلت : لا
مانع من إدخال المأخوذ بالمعاطاة في ملك الآخذ بمجرد التصرف أو بإرادته ، لوجود
الإذن في التملّك ضمنا من قبل الدافع ، نظير الإذن الضمني في التملّك في مسألتين :
إحداهما : فيما
إذا أمر شخص غيره بعتق عبده من قبل الآمر.
وثانيتهما : فيما
إذا أمره بالتصدق بماله عنه.
مثلا : إذا قال
زيد لعمرو : «أعتق عبدك عنّي» كان أمره متضمّنا للوكالة في أمرين ، الأول : تمليك
عمرو عبده لزيد ، الثاني : عتق العبد عن الآمر ـ وهو زيد ـ فالمأمور يملّك عبده
لزيد بالأصالة ، لكونه مالكا للعبد ، ويقبل هذا التمليك ـ عن زيد ـ بالوكالة ، ثم
يعتقه عن الآمر بالوكالة أيضا. وعليه فالإذن الضمني في إدخال العبد في ملك زيد
متحقق.
وكذا الحال في
مسألة الأمر بالتصدق.
وليكن المقام
من قبيل هذين الفرعين المتسالم على صحتهما. يعني : أنّ من يدفع ماله
فيملك العين (١) أو المنفعة (٢) بإرادة التصرف بهما (٣) ، أو معه (٤) دفعة (٥)
، وإن لم يخطر (٦)
______________________________________________________
للغير بالمعاطاة يعلم بترتب إباحة جميع التصرفات ـ حتى المتوقفة على الملك
ـ على الدفع ، وهذا يتضمن كون الآخذ مأذونا في إدخال المال في ملك نفسه قبل التصرف
المتوقف على الملك. ومع وجود هذا الإذن لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، وهي كون
التصرف في مال الغير إحدى المملّكات.
قلت : قياس
المقام بالأمر بالعتق والصدقة مع الفارق ، لوجود الإذن والتوكيل فيهما ، بخلاف
المعاطاة ، فإنّ المقصود أمر واحد وهو التمليك بنفس التعاطي ، والمفروض عدم حصوله
، لأنّ الشارع ألغى هذا القصد وحكم بترتب الإباحة المحضة ، فكيف يتضمن الدفع إذنا
للآخر في التمليك ، بل مقتضاه أمّا حرمة التصرف المتوقف على الملك ، والمفروض عدم
التزامهم بها ، وإمّا جعل إرادة تصرّف الآخذ موجبة لدخول المال في ملكه. وهذا هو
القاعدة التي لم تعهد من الفقهاء ، والتخلص منها يتوقف على إنكار الإباحة رأسا ، والالتزام
بالملك كالبيع القولي.
(١) فيما إذا
كان المعاطاة في البيع ، الذي هو تمليك عين بعوض.
(٢) فيما إذا
كانت المعاطاة في الإجارة ـ التي هي تمليك المنفعة بعوض ـ كتمليك سكنى الدار سنة
بدينار.
(٣) الباء
بمعنى «في» أي : يتملّك الآخذ العين أو المنفعة بمجرّد إرادة تصرّفه في كلتيهما.
(٤) معطوف على «ارادة
التصرف» يعني : لا فرق في لزوم تأسيس قاعدة جديدة بين الالتزام بمملّكية إرادة
التصرف وحدها ، وبين جعل المملّك مؤلّفا من إرادة التصرف ونفس التصرف.
(٥) قيد لقوله
: «فيملك» يعني : فيملك العين أو المنفعة دفعة. ولعلّ المقصود بالدفعة عدم دخل
لفعل المالك المبيح في تملك صاحبه للمال أصلا.
(٦) إذ لو خطر
ببال المالك المبيح الإذن في التصرف صارت المعاطاة نظير الأمر بالعتق والصدقة في
اشتمالهما على التوكيل في التملك.
ببال المالك الأوّل الإذن (١) في شيء من هذه التصرفات ، لأنّه (٢) قاصد
للنقل من حين الدفع ، لأنّه (٣) لا سلطان له بعد ذلك (٤). بخلاف (٥) من قال : أعتق
عبدك عنّي ، وتصدّق بمالي عنك.
ومنها (٦) : أنّ
______________________________________________________
(١) حتى يكون
إذنه دخيلا في تملّك صاحبه لما أخذه بالمعاطاة.
(٢) تعليل لعدم
خطور الإذن ببال المالك في شيء من التصرفات ، يعني : أنّ عدم الخطور إنّما هو
لأجل كون المالك قاصدا للنقل حين إعطاء المال ، ولا سلطنة له بعد ذلك على المال
حتى يخطر بباله الإذن في التصرف ، حيث إنّ المالك يعتقد ـ حين الإعطاء ـ صيرورة
المال ملكا للآخذ وخارجا عن حيّز سلطنته.
(٣) أي : لأنّ
المالك قاصد للنقل من حين الدفع لا من حين تصرّف الآخذ ، وهذا تعليل لعدم كون
المالك معتقدا بمالكية نفسه بعد الإعطاء حتى يأذن للآخر في التصرف في المال ، بل
يرى سلطنته منقطعة بعد الإعطاء ، فكيف يتمشى منه الإذن في التصرف في المال؟
(٤) أي : بعد
الدفع.
(٥) مقصود كاشف
الغطاء قدسسره بهذا منع تمسّك القائل بالإباحة لإثبات الإذن الضمني المالكي
ـ في تملك المباح له قبل تصرّفه في المأخوذ بالمعاطاة ـ بمقايسته بما تسالموا عليه
من صحة الأمر بالعتق والتصدق. ووقوعهما عن الآمر لا المأمور. وقد أوضحناه بقولنا :
«فان قلت .. قلت .. إلخ».
القاعدة الثالثة : ترتيب
آثار الملك على المباح
(٦) هذا هو
الاستبعاد الثالث المترتب على القول بالإباحة ، والقاعدة الجديدة التي لا بدّ من
تأسيسها هي : الحكم بترتب عدّة من الأمور على ما في يد المباح له ، مع عدم كونه
ملكا له ، مع أنّ هذه الأمور من آثار الملك وشؤونه ، ولازم عدم إفادة المعاطاة
للملك هو تعلّقها بغير الملك ، لأنّ المال المأخوذ بالمعاطاة ـ مع بقاء عينه وعدم
تلفها ـ باق على ملك مالكه الأوّل ، ولم ينتقل الى الآخذ ، ومع ذلك يتعلق به
الأمور المذكورة في المتن ، وهي أحد عشر موردا.
فإن قلت : لا
يلزم تأسيس قاعدة جديدة وهي ترتيب آثار الملك على المباح ، وذلك
الأخماس (١)
______________________________________________________
لأنّ المنسوب إلى القدماء وإن كان إفادة المعاطاة للإباحة المجرّدة عن
الملك ، إلّا أنّهم قالوا بحصول الملك عند تلف إحدى العينين أو كلتيهما. وعلى هذا
فالعين الباقية بحالها عند أحد المتعاطيين تصير ملكا له بمجرد تلف الأخرى عند
الآخر ، أو تصرفه فيها.
مثلا إذ تعاطى
زيد وعمرو جنسا زكويا كالحنطة والشعير بمائة دينار ، واجتمعت شرائط وجوب الزكاة في
الحنطة والشعير ، فإنّهما تدخلان في ملك عمرو بمجرّد تصرّف زيد في الدنانير ، وعليه
فإذا حكم الشارع على عمرو بوجوب إخراج زكاتهما لم يستلزم تأسيس قاعدة جديدة وهي
إخراج الزكاة من المباح لا الملك ، بل كان وجوب الزكاة مترتبا على الملك ، لفرض
دخولهما في ملكه بمجرد تصرف زيد في الدنانير.
قلت : مبنى هذا
الاستبعاد هو بقاء العين وعدم تصرف الآخر أو الشك فيه ، إذ هنا صور ثلاث :
الأولى : العلم
بتصرف زيد في الثمن أو العلم بتلفه.
الثانية : العلم
بعدم تصرفه في الثمن أصلا والعلم ببقائه.
الثالثة : الشك
في تصرّفه فيه وفي بقائه وتلفه. وتأسيس قاعدة جديدة يبتني على الصورتين الأخيرتين
، ضرورة أنّه مع العلم بعدم تصرف زيد في الثمن أو الشك فيه ـ وكذا مع العلم ببقائه
ـ تكون الحنطة والشعير مباحة لعمرو وليستا ملكا له ، ومع ذلك يجب عليه إخراج
الزكاة ، فثبت ما استغربه الفقيه كاشف الغطاء قدسسره من ترتيب حكم الملك ـ وهو وجوب إخراج الزكاة ـ على غير
الملك.
(١) هذا هو
المورد الأوّل من الموارد الأحد عشر ، وتوضيحه : أنّه إذا كان المأخوذ بالمعاطاة
فاضلا عن مئونة سنته بأن بقي على حاله من دون أن يتصرّف فيه إلى أن مضت السّنة
عليه ، فإنّه يجب عليه أداء خمسه ، مع أنّه ليس بملك له ، وإنّما أبيح له التصرف
فيه. فيلزم تأسيس قاعدة جديدة ، وهي : عدم اختصاص وجوب الخمس بما يملكه الإنسان
ويفضل عن مئونته ، بل يعمّ كل ما في يده سواء أكان ملكا أم مباحا ، وهو غريب.
والزكوات (١) والاستطاعة (٢) والديون (٣) والنفقات (٤) وحقّ المقاصّة (٥) [المقاسمة]
______________________________________________________
(١) هذا هو
المورد الثاني ، وقد ظهر المراد به آنفا.
(٢) هذا ثالث
الموارد ، وتوضيحه : أنّه إذا كان الثمن في المعاطاة وافيا بمئونة الحج ، وبقي إلى
آن خروج الرّفقة ، فإنّه لا بد أن يحكم على الآخذ بأنّه مستطيع واجد للزاد
والراحلة ، مع وضوح عدم كونه مالكا لهما بالمعاطاة ، بل أبيح له التصرف في ذلك
الثمن ، فيلزم ترتيب حكم الملك ـ وهو وجوب الحج على من له الزاد والراحلة ـ على
غير الملك.
(٣) هذا رابع
الموارد ، وتوضيحه : أنّ المديون يجب عليه أداء دينه ممّا يملكه ، فإذا اشترى
بالمعاطاة شيئا وأراد أداء دينه به ـ مع عدم صيرورته ملكا له ـ لزم جواز أداء
الدين بالمباح لا بالملك ، وهو كما ترى.
(٤) هذا خامس
الموارد ، وبيانه : أنّه يجب على الزوج الإنفاق على زوجته ـ بل على غيرها من
الأقارب مع التمكن ـ والنفقة إنّما تجب عند مالكيته لما ينفقه ، فلو تعامل
بالمعاطاة واشترى الطعام والملبس ، وجب عليه صرفهما في النفقة الواجبة ، مع عدم
دخولهما في ملكه ، بل وقعا في يده بعنوان الإباحة. فيدور الأمر بين عدم وجوب
الإنفاق أصلا ـ لعدم كونه مالكا ـ وبين وجوبه عليه حتى في المباح ، ولا سبيل
للأوّل ، والثاني هو معنى تأسيس قاعدة جديدة.
(٥) هذا سادس
الموارد ، وتوضيحه : أنّ المديون الذي لا يؤدّي دينه ـ إمّا قصورا وإمّا تقصيرا ـ إذا
باع بالمعاطاة شيئا ، وكان ثمنه وافيا بدينه ، فظفر به الدائن ، جاز له أخذه منه
تقاصّا ، مع أنّ المأخوذ مقاصّة لا بد أن يكون ملكا للمديون حتى يجوز للدائن أخذه
مقاصّة ، ولا يكفي مجرّد الإباحة ووقوع الشيء في يد المديون.
هذا بناء على
كون العبارة «حق المقاصة». وبناء على ما في بعض نسخ شرح القواعد من «حق المقاسمة» فبيانه
: أنّه إذا اشترك اثنان في شراء شيء مشاعا ، ثبت لكل منهما حق القسمة وإفراز حصته
من حصة شريكه ، مع أنّه ليس ملكا له ، بل ثبت بالمعاطاة مجرد إباحة التصرف ، وعليه
يلزم تعلق حق القسمة بما في اليد دون الملك.
والشفعة (١) والمواريث (٢) والربا (٣) والوصايا (٤) تتعلّق بما في اليد ،
______________________________________________________
(١) هذا سابع
الموارد ، وبيانه : أنّه إذا كانت دار مشتركة بين زيد وعمرو ، فباع زيد حصّته من
بكر بالمعاطاة ، فيثبت لعمرو حق الشفعة ، ويستحق إرجاعها إلى نفسه ببذل مثل الثمن
الى بكر. فعلى القول بإفادة المعاطاة للإباحة المحضة يلزم تعلق حق الشفعة بحصة
الشريك ـ أي زيد ـ مع عدم خروجها عن ملكه ، ومن المعلوم أنّه لا بدّ في تعلّق حق
الشفعة من خروج الحصة عن ملك الشريك.
(٢) هذا ثامن
الموارد ، كما إذا اشترى زيد بالمعاطاة دارا ومات ، فإنّها تنتقل كسائر أمواله إلى
ورثته ، مع أنّ هذه الدار لم تكن ملكا للمورّث ، بل كانت في يده مباحة ، فيلزم
تأسيس قاعدة جديدة : وهي : تعلق الإرث بالمباحات وعدم اختصاصه بالأملاك والحقوق.
(٣) هذا هو
المورد التاسع ، وبيانه : أنّه إذا كان العوضان في المعاطاة من جنس واحد مع
التفاضل ، فإنّ الزيادة محرّمة ، فلو لم تكن المعاطاة مفيدة للملك لم يكن وجه
لحرمة الزيادة ، لأنّ موضوع الحرمة هو المعاملة الصحيحة المؤثّرة في الملك لولا
الربا ، ومن المعلوم فقدان الصحّة بدون الربا أيضا ، إذ المفروض عدم كون المعاطاة
بيعا مؤثّرا ولو بدون الربا.
وكما إذا باع
المأخوذ بالمعاطاة بجنسه مع التفاضل.
(٤) هذا عاشر
الموارد ، وبيانه : أنّه إذا أوصى شخص بصرف المأخوذ بالمعاطاة في الوجوه البرّيّة
، أو أوصى بإعطائه لشخص بعد وفاته ، فإنّ المعاطاة لو أفادت الإباحة لزم كون
الوصية بمال غيره لا بمال نفسه ، لفرض عدم دخوله ـ بمجرد المعاطاة ـ في ملكه
(*).
__________________
مع (١) العلم ببقاء مقابله (٢) وعدم (٣) التصرف فيه ، أو (٤) عدم العلم به (٥)
، فينفى (٦) [فيقى] بالأصل ،
______________________________________________________
(١) قيد لقوله
: «تتعلق» يعني : أنّ تأسيس قاعدة جديدة يبتني على أحد أمرين على سبيل منع الخلوّ
:
الأوّل : العلم
ببقاء العين الأخرى في يد المتعاطي الآخر ، وأنّها لم تتلف بعد ، ولم يتصرّف فيها
أصلا.
الثاني : الشك
في بقائها ، أو تصرّفه فيها.
فلو علم أحد
المتعاطيين بأنّ العين الّتي أخذها المتعاطي الآخر قد تلفت أو تصرّف فيها لم يلزم
تأسيس قاعدة جديدة ، لأنّ هذه العين أيضا تصير ملكا لزيد بمجرد تصرف عمرو في تلك
العين. وقد أوضحنا هذا بقولنا : «ان قلت .. قلت ..» راجع (ص ٤٢٦).
(٢) أي : مقابل
ما في اليد ، إذ مع تلف العين الأخرى عند عمرو يصير ما في يد زيد ملكا له قهرا.
(٣) معطوف على «بقاء»
يعني : مع العلم بعدم تصرف عمرو في ما أخذه بالمعاطاة. والوجه في هذا العطف أنّ
الموجب لتبدل الإباحة بالملك ـ عند المشهور أحد أمرين : إمّا تلف إحدى العينين ، وإمّا
التصرف فيها.
(٤) معطوف على «العلم»
يعني : أو مع عدم العلم ببقاء مقابله عند الآخذ ، فيحكم ببقائه بالاستصحاب. وعليه
ففي كلتا الصورتين ـ وهما العلم ببقاء مقابله ، أو الشك في بقائه ـ يكون ما بيده
ملكا للغير ، ومع ذلك يجري عليه أحكام الملك.
(٥) أي : عدم
العلم ببقاء المقابل ، وعدم العلم بعدم التصرف في المقابل.
(٦) هذه الكلمة
اختلف ضبطها في نسخ شرح القواعد ، ففي بعضها «فينفى» وفي بعضها «فيبقى» وعلى كل
منهما لا يختلف المقصود. إذ لو كانت «فينفى أو فينتفي» كان الضمير المستتر راجعا
إلى «عدم التصرف فيه» يعني : يحرز ـ باستصحاب عدم تصرف عمرو في العين ـ أنّ ما في
يد زيد لم ينتقل إلى ملكه ، فيلزم ترتيب آثار الملك عليه مع كونه محكوما بالإباحة
المحضة.
ولو كانت «فيبقى
بالأصل» كان الضمير المستتر في الفعل المبني للفاعل راجعا إلى كل
فتكون (١) متعلّقة بغير الأملاك. وأنّ (٢) صفة الغنى والفقر
______________________________________________________
من «بقاء مقابله ، عدم التصرف فيه» يعني : يحرز ـ ببركة الاستصحاب ـ بقاء
العين الأخرى في يد عمرو على حالها ولم تتلف ، ويحرز أيضا عدم تصرف عمرو فيها ، ويترتب
على كلّ ـ من البقاء وعدم التصرف ـ كون ما في يد زيد مباحا لا ملكا له.
ولعلّ الأوفق
بسياق الكلام : «فينفى بالأصل» أي : فينفى بالأصل التصرف المشكوك فيه ، ويحرز
الموضوع المؤلّف من وجودي وهو بقاء العين ، وعدمي وهو عدم التصرف فيه.
(١) هذا متفرّع
على إحراز بقاء العين الأخرى في يد عمرو وعدم تصرفه فيها ، إمّا بالوجدان وإمّا
بالتعبد ، إذ في كلتا الصورتين يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، وهي تعلّق أحكام الملك
بما ليس ملكا ، كما مرّ في الموارد العشرة.
(٢) الظاهر
أنّه معطوف على قوله : «أن الأخماس» ولازمه أن يكون هذا أمرا على حدة في مقابل
الموارد العشرة من الأخماس والزكوات. لكن حيث إنّ القاعدة التي يتعيّن تأسيسها في
الجميع هي إجراء حكم الملك على ما ليس بملك كان المناسب جعل قوله : «وأنّ الغنى» المورد
الحادي عشر لما تقدم عليه.
وكيف كان
فتوضيحه : أنّ الاتّصاف بالفقر والغنى موقوف على الملك ، فإن كان الإنسان واجدا
لمئونة سنته ولو بالقوة كان غنيّا وحرم عليه أخذ الصدقات ، والخمس إن كان هاشميا. وإن
لم يكن واجدا لها ـ ولو بالقوّة ـ كان فقيرا وجاز له أخذها.
وعليه فإذا باع
زيد بالمعاطاة شيئا من مئونته ـ ككتاب يحتاج إليه ـ بثمن غال لصرفه في نفقة عياله
، ولم يتلف الكتاب في يد المشتري ولم يتصرف فيه ، وبقي الثمن في يد زيد أيضا وهو
واف بمئونة سنته ، فإنّه يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، وهي : دوران الغنى والفقر مدار
الإباحة دون الملك ، وذلك لأنّ الكتاب باق على ملك زيد حسب الفرض ، كما أنّ الثمن
باق على ملك عمرو ، فلو صار زيد غنيّا بالمأخوذ بالمعاطاة كان معناه ترتّب الغنى
على مجرّد كون المال في يده وإن كان ملكا للغير ، وصار عمرو فقيرا بشراء الكتاب مع
أنّ الثمن باق على ملكه.
والحاصل : أنّه
يلزم ترتب صفة الغنى والفقر على ما في اليد مع كونه ملكا للغير ، فيترتب وجود
الغنى على المأخوذ بالمعاطاة ، ويرتفع به الفقر مع عدم كون هذا المأخوذ ملكا ،
تترتّب عليه (١) كذلك (٢) ، فيصير (٣) ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك.
ومنها (٤) : كون
التصرف من جانب مملّكا للجانب الآخر (٥). مضافا إلى غرابة (٦) استناد الملك الى
التصرف.
______________________________________________________
فالآخذ غني وليس بمالك ، والمعطي للمال فقير مع عدم خروج المال عن ملكه.
(١) أي : على
ما في اليد وإن لم يكن ملكا له.
(٢) أي : مع
العلم ببقاء مقابله وعدم التصرف فيه ، أو مع الشك في البقاء والتصرف. وهذا إشارة
إلى الصورتين المتقدمتين.
القاعدة الرابعة : مملّكية
تصرف أحد المتعاطيين للآخر
(٣) هذا هي
القاعدة التي يلزم تأسيسها لو قيل بإفادة المعاطاة للإباحة المحضة.
(٤) أي : ومن
القواعد الجديدة ، وهذه رابع الاستبعادات ، وهو يتضمن أمرين لا بدّ من تأسيسها.
أحدهما : كون
أصل التصرف في المباح سببا لدخوله في الملك ، وهو بعيد ، لأنّ الأسباب المملّكة
المعهودة من الشرع محصورة في أمور اختياريّة وقهرية ، وليس التصرف منها ، فالاختيارية
إمّا خارجية كحيازة المباحات ، وإمّا اعتبارية كالبيع والإجارة والمضاربة والصلح
ونحوها. والقهريّة كالموت والارتداد. فكيف حكم المشهور بدخول المأخوذ بالمعاطاة في
الملك بالتصرف فيه؟
ثانيهما : أن
يكون تصرف أحد المتعاطيين في المأخوذ بالمعاطاة موجبا لصيرورة الآخر مالكا لما في
يده. وهذا أكثر غرابة من الأوّل.
(٥) ولم يعهد
كون التصرف من جانب مملّكا للجانب الآخر ، إذ لم يتحقق إلّا أمران ، أحدهما : المعاطاة
، والآخر : التصرف ، والمفروض أنّ الأوّل لم يؤثّر في الملكية ، فالمملّك هو
التصرف.
(٦) وجه
الغرابة أنّ التصرف مؤخّر طبعا عن الملك ، لأنّه مقتضى توقف التصرف على الملك ، ومع
تأخّره عن الملك كيف يستند الملك إليه؟
ومنها (١) جعل
التلف السماوي (٢) من جانب مملّكا للجانب الآخر (٣).
والتلف (٤) من
الجانبين مع التفريط معيّنا للمسمّى
______________________________________________________
القاعدة الخامسة : ترتب
آثار غير معهودة على التلف
(١) أي : ومن
القواعد الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها بناء على القول بالإباحة ، وهذا الاستبعاد
الخامس يتضمن قواعد أربعة تتعلق بتلف إحدى العينين أو كلتيهما.
الاولى : أنّ
المشهور قالوا : «إذا تلفت إحدى العينين لزمت» والتلف الملزم أعم من الاختياري
كالأكل والشرب ونحوهما من التصرفات الخارجية والاعتباريّة ، والقهري وهو ما لم يكن
بإرادة الإنسان كالسيل والصاعقة والزلزال وشبهها من أنواع البلاء ، المعبّر عنها
بالتلف السماوي.
ووجه الغرابة :
أنّ تلف المال قهرا عند أحد المتعاطيين كيف يوجب دخول المال الآخر في ملك المتعاطي
الآخر قهرا؟ فإنّ مملّكية هذا التلف السماوي أكثر مئونة من مملّكية تصرف أحدهما
للآخر ، إذ التصرف فعل اختياري قد يتيسّر توجيه مملّكيته ، وأمّا التلف القهري فلا.
هذا وسيأتي
بيان القواعد الثلاث الأخر التي تضمنها هذا الاستبعاد الخامس.
(٢) التقييد
بالسماوي في قبال الإتلاف الأناسي فإنّه تصرّف في المال ، ويندرج في الاستبعاد
الرابع ، وهو غرابة مملّكية التصرف.
(٣) فيلزم أن
يكون أكل الهرّة مثلا للحم المأخوذ بالمعاطاة مملّكا للثمن الذي أخذه الآخر
بالمعاطاة. ومن المعلوم أن كون التلف مملّكا وناقلا في غاية البعد. وأمّا بناء على
إفادة المعاطاة للملك فلا يلزم هذا المحذور أصلا.
(٤) معطوف على «التلف»
وهذا إشارة إلى القاعدة الثانية التي ينبغي تأسيسها ، وبيانها : أنّ مقتضى تأثير
المعاطاة في خصوص الإباحة هو : أنّ العينين باقيتان على ملك مالكيهما ، وهما
أمانتان عند المتعاطيين ، ومن المعلوم أنّ إتلاف الأمانة والتفريط في حفظها يوجب
ضمان بدلها الواقعي من المثل أو القيمة ، لاقتضاء قاعدة «على اليد ما أخذت حتى
تؤدّيه» اشتغال الذمة بالبدل الواقعي ، لا بالمسمّى ، فإنّه مخصوص بالمعاوضة
الصحيحة ، كما إذا باع زيد كتابا بدينار من عمرو ، وكانت قيمته الواقعية دينارين ،
فتبيّن غبن زيد بدينار ، فإذا أتلف كلّ منهما
من الطرفين (١) ، ولا رجوع إلى قيمة المثل (٢) حتى يكون له الرجوع بالتفاوت.
ومع حصوله (٣)
في يد الغاصب
______________________________________________________
ما في يده مفرّطا في ذلك كان الضمان بالمسمّى ، ولا يرجع زيد على عمرو
بدينار آخر وهو التفاوت بين المسمّى والقيمة الواقعية.
وعلى هذا فلو
أتلف كل من المتعاطيين ما في يده لزم أن يضمن للآخر بدله الواقعي ، لعدم كون
المعاطاة عقدا صحيحا مملّكا حسب الفرض ، بل هي مبيحة للتصرف ، ومعه كيف حكم
المشهور بأنّ إتلاف المأخوذ بالمعاطاة لا يوجب انتقال الضمان من المسمّى إلى
الواقعي؟ إذ مقتضى قاعدة «اليد» استقرار البدل الواقعي على العهدة ، ولا وجه
لصيرورة الضمان معاوضيّا.
(١) مع أنّ
مقتضى قاعدة «اليد» هو الضمان بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة ، وجواز الرجوع
بالتفاوت.
(٢) يعني : كما
هو مقتضى قاعدة المعاوضة الفاسدة حتى يرجع المغبون منهما الى التفاوت. مثلا : إذا
أعطى كتاب المكاسب بدينار ، فأتلف كلّ منهما ما في يده مفرّطا في ذلك ، فالضمان
على كل منهما يكون بالمسمّى ، فإذا كانت قيمة الكتاب دينارين مثلا لا يرجع مالك
الكتاب على الآخر ـ الآخذ له ـ بدينار يكون ما به التفاوت بين المسمّى وبين القيمة
الواقعية.
(٣) أي : ومع
حصول المأخوذ بالمعاطاة في يد الغاصب ، وهذا إشارة إلى القاعدة الثالثة التي
تضمّنها الاستبعاد الخامس ، وحاصل ذلك : أنّه إذا تعاطي زيد وعمرو كتابا بدينار ، فغصب
بكر الكتاب ، سواء تلف عنده أم بقي بحاله. فإن قلنا بأن القابض بالمعاطاة ـ وهو
عمرو ـ هو الذي يطالب الكتاب من الغاصب كان القول به بعيدا ، لأنّ غصب الغاصب
للمأخوذ بالمعاطاة أو تلفه عنده كيف يوجب ملكية المأخوذ للقابض بالمعاطاة حتى تصير
المطالبة من الغاصب للمالك؟ إذ لم يعهد نهوض دليل على كون الغصب أو التلف عند
الغاصب من النواقل الشرعية.
وإن قلنا بأنّ
المطالب هو القابض بالمعاطاة ـ وهو عمرو ـ مع فرض عدم تملكه للمأخوذ بالمعاطاة
بسبب غصب الغاصب أو تلف المال عنده كان أيضا بعيدا جدّا ، حيث إنّ
أو تلفه (١) فيها ، فالقول بأنّه (٢) المطالب (٣) لأنّه (٤) تملّك بالغصب أو
التلف في يد الغاصب غريب (٥) ، والقول (٦) بعدم الملك بعيد جدّا.
مع (٧) أنّ في
التلف القهري
______________________________________________________
المطالبة من الغاصب من شؤون سلطنة المالك على ماله ، فليس لغير المالك
سلطنة المطالبة من الغاصب.
(١) يعني : تلف
المأخوذ بالمعاطاة في يد الغاصب.
(٢) أي : بأنّ
القابض بالمعاطاة.
(٣) بصيغة
الفاعل ، والمراد به القابض بالمعاطاة.
(٤) أي : لأنّ
القابض بالمعاطاة.
(٥) خبر «فالقول»
وهذا إشارة إلى أحد الأمرين الغريبين ، وقد تقدم بقولنا : «فإن قلنا بأن القابض
بالمعاطاة ـ وهو عمرو ـ هو الذي يطالب .. إلخ».
(٦) معطوف على «فالقول»
وهذا إشارة إلى ثاني الأمرين الغريبين ، ووجه الغرابة : ما عرفت من أنّ المباح له
إذا لم يصر مالكا للمأخوذ بالمعاطاة ـ بسبب غصب الغاصب أو التلف عنده ـ لم يكن له
حقّ مطالبة تلك العين ـ أو بدلها ـ من الغاصب ، لأنّ الغاصب ضامن للمالك المبيح لا
للآخذ المباح له. ومعنى هذا عدم جواز رجوع المباح له على الغاصب لاسترداد ماله. مع
أنّه لا ريب في ثبوت حق المطالبة للآخذ ، وهو كاشف عن كونه مالكا لما أخذه
بالمعاطاة ، ولا أثر من الإباحة في نظر العرف أصلا.
(٧) هذا إشكال
آخر على مملّكية التلف القهري غير ما أفاده بقوله : «جعل التلف السماوي من جانب
مملّكا للجانب الآخر» وهذه هي القاعدة الرابعة التي تضمّنها الاستبعاد الخامس. ومقصود
كاشف الغطاء قدسسره إنكار أصل مملّكية التلف القهري سواء أكان التلف في يد
الغاصب أم القابض.
وحاصل الاشكال
: أنّه إن قلنا بأنّ القابض بالمعاطاة ملك المأخوذ بها قبل التلف كان عجيبا ، إذ
لو حصلت الملكية بغير سبب لزم وجود المعلول بلا علّة ، ولو حصلت بسبب التلف لزم
تقدم المعلول على علّته ، وكلاهما غير معقول.
إن ملك التالف قبل التلف فعجيب (١) ، ومعه (٢) بعيد ، لعدم قابليته. وبعده (٣)
ملك معدوم. ومع عدم (٤) الدخول في الملك (٥) يكون ملك الآخر بغير عوض.
______________________________________________________
وإن قلنا بحصول
الملكية مع التلف كان بعيدا ، إذ لا موجب لها في خصوص زمان التلف دون ما قبله. مضافا
إلى : أنّ زمان التلف هو زمان انتفاء الملكية لا حدوثها.
ومنه يظهر
بطلان الملكية بعد التلف ـ لو قيل بها ـ لأنّ تملك المعدوم غير معقول.
وعليه لا يعقل
مملّكية التلف القهري أصلا. لا قبله ولا مقارنا له ولا بعده.
(١) لما عرفت
آنفا من أنّه إمّا من تقدم المعلول على العلّة ، وإمّا من وجود المعلول بلا علّة.
(٢) أي : ومع
التلف فبعيد ، والأولى اقتران «بعيد» بالفاء ، لاقتضاء العطف على «قبل التلف» كونه
جزاء لقوله : «ان ملك» فكأنّه قال : «وإن ملك التالف مقارنا للتلف فبعيد» والوجه
في البعد ما أفاده بقوله : «لعدم قابلية» لأنّ آن التلف هو آن انتفاء الملكية
بانتفاء المملوك ، فكيف تحصل الملكية مقارنة للتلف؟
(٣) أي : بعد
التلف ، يعني : يكون حصول الملكية ـ بعد تلف المأخوذ بالمعاطاة ـ من ملك المعدوم ،
وهو غير معقول. والأولى أيضا اقتران «ملك» بالفاء لما أشرنا إليه آنفا.
(٤) هذا بمنزلة
نتيجة ما أفاده من عدم معقولية مملّكية التلف القهري ، يعني : ولازم عدم دخول
المأخوذ بالمعاطاة ـ بسبب التلف ـ هو اجتماع العوض والمعوّض عند المتعاطي الآخر.
(٥) يعني : في
صورة التلف إن بني على عدم صيرورة التالف ملكا للقابض لزم منه أن يكون ملك
المتعاطي الآخر لما قبضه ـ من صاحبه ـ بلا عوض ، ولازمه الجمع بين العوض والمعوّض.
فإن قلت : إذا
لم يكن التلف مملّكا لمن تلف عنده المال فليكن غير مملّك للمتعاطي الآخر أيضا
بالنسبة إلى العوض.
قلت : لا سبيل
لنفي ملكية الآخر لما عنده ، وذلك لوجهين.
أحدهما : قيام
السيرة على صيرورة المال ملكا للقابض بمجرّد تلف إحدى العينين عند الآخر.
وثانيهما : بناء
المتعاطيين على معاملة الملك مع المأخوذ بالمعاطاة.
ونفي الملك (١) مخالف للسيرة وبناء (٢) المتعاطيين.
ومنها (٣) : أنّ
التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف على النيّة فهو بعيد ، وإن أوقفناه
عليها (٤) كان الواطي للجارية (٥) من غيرها (٦)
______________________________________________________
(١) يعني : ونفي
ملك المتعاطي الآخر لما قبضه بالمعاطاة مخالف للسيرة التي قامت على كونه مالكا له.
(٢) بالجر
معطوف على «السيرة». أمّا كون نفي ملك المتعاطي الآخر لما قبضه بالمعاطاة مخالفا
لبناء المتعاقدين فلأنّ المفروض كونهما قاصدين للتمليك بالمعاطاة كقصدهما له
بالبيع القولي.
القاعدة السادسة : التصرف
سبب مملّك قهرا أو اختيارا
(٣) أي : ومن
القواعد الجديدة التي لا بدّ من تأسيسها بناء على القول بالإباحة : أنّ التصرف .. إلخ.
وهذا هو الاستبعاد السادس ، وهو ناظر إلى بعد مملّكية التصرف سواء أكان من النواقل
القهرية أم الاختياريّة.
توضيحه : أنّ
التصرف لا يكون مملّكا ولا ناقلا ، إذ لو قلنا بذلك ، فإن كانت مملّكيته قهرية ـ أي
: بلا حاجة إلى نيّة التملّك ـ كان بعيدا ، إذ لا دليل عليه ، ومجرّد الإمكان لا
يجدي في الوقوع.
وإن كانت
مملّكيّته متوقفة على قصد التملك لزم منه ما لم يلتزم به أحد ، وهو كون الواطئ
للجارية المأخوذة بالمعاطاة واطيا لها بالشبهة إذا لم ينو تملكها به ، وجريان حكم
وطي الشبهة عليه.
وكذا لزم منه
كون الجاني على ما أخذه بالمعاطاة والمتلف له جانيا على مال الغير ومتلفا له لا
لمال نفسه ، وهذا خلاف ما جرت عليه سيرتهم ، ونتيجة ذلك بعد كون نفس التصرف مملّكا
، بل لا بدّ من القول بحصول الملكية من أوّل الأمر.
(٤) أي : وإن
قلنا بتوقف ناقلية التصرف على النيّة لزم منه كون الواطئ للجارية .. إلخ.
(٥) المأخوذة
بالمعاطاة.
(٦) أي : من
غير النّيّة.
واطيا بالشبهة (*) والجاني عليه والمتلف له (١) جانيا على مال الغير ومتلفا له (٢).
ومنها (٣) : أنّ
النماء الحادث قبل التصرف (٤) إن جعلنا حدوثه مملّكا له (٥) دون العين فبعيد ، أو
معها (٦) فكذلك (٧) ،
______________________________________________________
(١) تذكير هذا
الضمير وضمير «عليه» باعتبار المأخوذ بالمعاطاة.
(٢) أي : لمال
الغير.
القاعدة السابعة : مملّكية
حدوث النماء
(٣) أي : ومن
القواعد الجديدة التي لا بد من تأسيسها هو : أنّه لا بد من القول بمملّكية حدوث
النماء ، وهو غير معهود ، توضيحه : أنّه يجوز للآخذ بالمعاطاة التصرف في نماء
المأخوذ بها الحادث في العين قبل التصرف فيها ، وجواز التصرف في النماء إمّا لأجل
كون حدوث النماء مملّكا له ، وإمّا لأنّ المالك الأصلي أذن له في التصرف في النماء
كإذنه في التصرف في ذي النماء.
وعلى الأوّل
فإن قلنا بكون حدوث النماء مملّكا للنماء فقط ـ أي بدون ذي النماء ـ كان بعيدا ، إذ
لا وجه للتفكيك في الملكية بين النماء والأصل ، خصوصا في النماء المتصل. مع أنّه
لم يعهد من مذاق الشارع الأقدس كون حدوث النماء من موجبات تملك النماء.
وإن قلنا بأنّ
حدوث النماء مملّك له وللأصل معا كان بعيدا أيضا ، لمنافاته لظاهر أكثر الفقهاء
القائلين بعدم حصول الملكية في المأخوذ بالمعاطاة من دون التصرف فيه.
وعلى الثاني ـ وهو
أن يكون التصرف في النماء مستندا إلى إذن المالك ـ قلنا : إنّ شمول الإذن ـ في
التصرف في العين ـ للتصرف في النماء أمر خفي ، فلا يمكن الالتزام به ، حيث إنّ
المالك الأصلي لم يأذن للمباح له إلّا في التصرف في نفس المأخوذ بالمعاطاة لا في
نماءاته المتكوّنة منه بعد التعاطي.
(٤) التقييد
بالقبليّة لأجل كون التصرف قبل حدوث النماء مملّكا للأصل ، فلا يبقى موضوع
للاستبعاد.
(٥) هذا الضمير
وضمير «حدوثه» راجعان الى النماء.
(٦) أي : جعل
حدوث النماء مملّكا له وللعين معا.
(٧) أي : بعيد.
__________________
وكلاهما (١) مناف لظاهر الأكثر. وشمول (٢) الإذن له خفيّ.
ومنها (٣) : قصر
التمليك على التصرف
______________________________________________________
(١) أي : كون
حدوث النماء مملّكا للنماء خاصة ـ أو مملّكا للعين والنماء معا ـ خلاف ظاهر الأكثر
، لأنّهم قائلون بمملّكية التصرف ، لا بمملّكية حدوث النماء.
(٢) هذا دفع دخل
مقدر ، حاصله : عدم كون حدوث النماء مملّكا من جهة مخالفة المشهور ، ولكن نقول
بجواز التصرف في نماء المأخوذ بالمعاطاة من باب إذن المالك في التصرف.
فأجاب قدسسره عنه بأنّ شمول الإذن المالكي لإباحة التصرف في النماء
خفيّ ، خصوصا إذا كان حدوث النماء بعد وقوع المعاطاة بزمان طويل ، كما إذا تعاطيا
سخلة بدينار فأحبلت بعد سنة ، أو تعاطيا على شجرة بدينار فأثمرت بعد أشهر ، فإنّه
لم يعلم إذن المالك في التصرف في لبن الشاة أو ثمرة الشجرة ، لاحتمال ـ غفلته حين
التقابض ـ عن التصرف في النماء حتى يأذن له.
القاعدة الثامنة : مملكية
التصرف تستلزم اجتماع المتقابلين
(٣) أي : ومن
القواعد الجديدة : قصر التمليك .. إلخ ، وهذا هو الاستبعاد الثامن والأخير من
استبعادات كاشف الغطاء قدسسره وهو يتضمن استبعادين :
أحدهما : أنّه
يلزم من مملّكية التصرف اجتماع المتقابلين في واحد ، أي صيرورة الموجب والقابل
واحدا في المعاطاة.
ثانيهما : أولوية
استناد الملكية إلى نفس المعاطاة من استنادها الى التصرف.
توضيحه : أنّه
يلزم ـ بناء على إفادة المعاطاة للإباحة ، واستناد مملّكية التصرف إلى إذن المالك
، لأجل كون الإذن في الشيء إذنا فيما يتوقف عليه ـ كون المتعاطي موجبا وقابلا ، لأنّه
موجب من ناحية المالك المبيح ، حيث إنّه مأذون من المالك في تمليك المال لنفسه ، وقابل
لتملّكه للمال.
لكنه ـ بناء
على استناد مملّكية التصرف إلى إذن المالك ـ يلزم أن يكون نفس التعاطي مملّكا
بالأولوية ، وذلك لاقتران التعاطي بقصد التمليك من المعطي ، دون التصرف الصادر بعد
المعاطاة ، لانفصاله عنها ، بخلاف التعاطي ، فإنّ الإذن في التمليك مقرون به.
وبالجملة : فالإذن
في التصرف المملّك يوجب مملّكية نفس المعاطاة بالأولوية
مع الاستناد فيه (١) إلى : أنّ إذن المالك فيه (٢) إذن في التمليك ، فيرجع (٣)
الى كون المتصرّف في تمليك نفسه موجبا قابلا ، وذلك (٤) جار في القبض ، بل هو (٥)
أولى منه ، لاقترانه (٦) بقصد التمليك ، دونه» انتهى (٧).
والمقصود من
ذلك كلّه استبعاد هذا القول (٨) ، لا أنّ الوجوه المذكورة تنهض في مقابل الأصول
والعمومات (٩) ، إذ ليس فيها تأسيس قواعد جديدة لتخالف
______________________________________________________
(١) أي : أنّ
التمليك المستند إلى الإذن في التصرف جار في القبض أيضا وهو الأخذ من المعطي ، لاقتران
الإعطاء بقصد تمليك المعطي.
(٢) أي : أن
إذن المالك في التصرف إذن في أن يتملّك المتصرّف المأخوذ بالمعاطاة.
(٣) يعني : أن
مآل إذن المالك في التصرف إلى صيرورة المتصرّف موجبا وقابلا.
(٤) يعني : أنّ
ما ذكر ـ من كون الإذن في التصرف إذنا في التمليك ـ جار في القبض.
(٥) أي : القبض
المعاطاتي أولى من التصرف الذي تكون مملكيّته مستندة إلى : أنّ إذن المالك في
التصرف إذن في التمليك. وجه الأولوية ما عرفته من اقتران المعاطاة بقصد التمليك
دون التصرف ، فإنّ الإذن في التمليك وإن كان موجودا حين التصرف أيضا فيتملّك
المتصرف المأخوذ بالمعاطاة ، إلّا أنّ الإذن في التمليك موجود في نفس زمان
المعاطاة ، فليكن هو المملّك بوجوده الحدوثي ، لا بوجوده البقائي.
هذا ظاهر العبارة.
لكن التعليل لا يخلو من مسامحة ، إذ الإذن المملّك موجود من زمان حدوثه بالمعاطاة
إلى جميع الآنات المتأخرة ، ولا يعتبر حدوث إذن آخر في زمان التصرف حتّى تتجه
الأولويّة.
(٦) أي : لأن
القبض مقترن بالاذن المملّك ، دون التصرف ، فإنّ إذن التمليك غير مقترن به ، بل
الاذن سابق عليه.
(٧) أي : انتهى
ما ذكره بعض الأساطين في مقام الاستبعاد عن القول بالإباحة.
(٨) أي : القول
بإفادة المعاطاة للإباحة.
(٩) وهي ما
يأتي إليه الإشارة في كلامه من أدلة توقف التصرفات على الملك ، وعموم «على اليد» وغير
ذلك. وليس المراد بها العمومات الدالة على صحة المعاطاة وكونها بيعا مفيدا
للملكيّة كما قد يتوهم ، إذ لو كانت تلك العمومات دالّة على مملكية المعاطاة كانت
القواعد المتداولة بين الفقهاء.
أمّا (١) حكاية
تبعية العقود وما قام مقامها للقصود ففيها أوّلا (٢) :
______________________________________________________
هي المعوّل ولم تصل النوبة الى هذه الاستبعادات التي هي كالدليل الإنّي
كاشفة عن فساد القول بالإباحة.
واعلم أنّ غرض
الشيخ الكبير قدسسره من بيان الوجوه المزبورة هو : أنه لو لم يتم الاستدلال
على مملّكية المعاطاة بما تقدم من آيتي الحلّ والتجارة وغيرهما كفى في إثبات
مملّكيتها ما ذكر من الاستبعادات ، وإلّا لزم تأسيس قواعد جديدة. والمصنف قدسسره ناقش في ذلك بأنّ تلك الوجوه لا تفي بإثبات المقصود ، وهو
إفادة المعاطاة للملك ، لأنّ لتلك الأمور نظائر في الشريعة ، فليست قواعد جديدة
توجب رفع اليد عن القول بالإباحة.
المناقشة في القواعد
المرتبة على القول بالإباحة
(١) أجاب
المصنف قدسسره عن استبعادات كاشف الغطاء قدسسرهما بوجهين : أحدهما : بالتفصيل بالنظر في كل واحد من
الأمور الثمانية ، كما ستقف عليه. والآخر بالإجمال ، وهو الذي تعرض له في آخر
كلامه بقوله : «مع أنه لم يذكرها للاعتماد» وهو اعتذار عن كاشف الغطاء بأن مقصوده
مجرّد الاستبعاد عن الالتزام بهذه القواعد ، لا أنّها تصلح لرفع اليد عن القول
بالإباحة.
١ ـ المناقشة في ما
يتعلق بقاعدة التبعية
(٢) قد أجاب
المصنف قدسسره عن أوّل تلك الوجوه بجوابين ، أحدهما حلّي ، والآخر
نقضي.
ومحصل الأوّل
هو : أنّ المعاطاة ليست من صغريات تلك القاعدة ، لأنّ مورد تلك القاعدة هو العقود
الصحيحة شرعا ، ومعنى الصحة ترتب الأثر المقصود عليها ، فإذا دلّ دليل على صحة عقد
البيع فمعناه ترتب الأثر المقصود ـ وهو الملكية ـ عليه ، ويستحيل مع صحته عدم ترتب
الأثر عليه ، إذ ليس ذلك إلّا التناقض. وأمّا إذا لم يدلّ دليل على صحة عمل بمعنى
ترتب الأثر المقصود عليه ، ولكن حكم الشارع في مورده بالإباحة التي لم تكن مقصودة
من ذلك العمل لم يلزم تخلف العقد عن القصد.
أنّ المعاطاة ليست عند القائل بالإباحة المجردة من العقود (١) ، ولا من
القائم مقامها (٢) شرعا ، فإنّ (٣) تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه عنه إنّما هو
لأجل دليل صحة ذلك العقد بمعنى (٤) ترتب الأثر المقصود عليه ، فلا يعقل (٥) حينئذ
الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه. أمّا المعاملات الفعلية التي لم
يدلّ على صحتها (٦) دليل
______________________________________________________
والمعاطاة التي
لا تفيد الملكيّة ـ وتترتب عليها الإباحة شرعا ـ كذلك ، لأنّ الإباحة حكم شرعي
تعبدي يترتّب على المعاطاة ، وليست هذه الإباحة عقديّة حتى يلزم من ثبوتها محذور
مخالفة العقد للقصد.
وبالجملة : المعاطاة
التي لم يترتّب عليها الملكية ـ التي هي المقصودة منها ـ موضوع لحكم الشارع
بالإباحة ، نظير حكمه بجواز الأكل من أموال الناس في المجاعة ، وجواز أكل المارّة
من ثمرة الشجرة التي يمرّ بها وإن لم يرض به المالك ، بناء على جواز الأكل مطلقا ،
وعدم إناطته برضى المالك.
(١) خبر «أنّ
المعاطاة» أي : ليست من العقود حتى تندرج في كبرى «تبعية العقود للقصود» فعدم ترتب
الملكية على المعاطاة يكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، إذ ليست عقدا حتى يجري
فيها قاعدة التبعية.
(٢) كالوصية
التمليكية بناء على كون قبول الموصى له شرطا لا جزء ، فإذا قبل الموصى له ترتب
عليه أثر العقد الصحيح وإن لم تكن هذه الوصية عقدا حقيقة ، لأنّه مؤلّف من جزأين
الإيجاب والقبول ، فلو كان القبول شرطا صار العنوان ملحقا بالعقد حكما. وعلى كلّ
فالمعاطاة عند القائل بالإباحة ليست عقدا ولا قائمة مقامه ، بل هي إباحة تعبدية.
(٣) تعليل
لقوله : «ليست من العقود» وقد عرفت توضيحه.
(٤) هذا مفسّر
لقوله : «صحة العقد» يعني : أنّ معنى صحة العقد ترتب أثره الذي قصده المتعاقدان.
(٥) هذا نتيجة
حكم الشارع بصحة عقد ، وأنّه يمتنع انفكاك الأثر عن العقد الصحيح.
(٦) على مذاق
القدماء القائلين بإفادة المعاطاة للإباحة.
فلا يحكم بترتب الأثر المقصود عليها (١) كما نبّه عليه (٢) الشهيد في كلامه
المتقدم من : أن السبب الفعلي لا يقوم مقام السبب القولي في المعاملات.
نعم (٣) إذا
دلّ الدليل على ترتب أثر عليه حكم به وإن لم يكن مقصودا.
وثانيا (٤) : أنّ
تخلّف العقد عن مقصود
______________________________________________________
(١) أي : على
المعاملات الفعلية.
(٢) أي : نبّه
الشهيد قدسسره على عدم صحة المعاملة الفعلية ، وأنّ السبب الفعلي لم
يقم دليل على صحته وتأثيره. حيث قال : «وأما المعاطاة في المبايعات فهي تفيد
الإباحة دون الملك» .
وهذه العبارة
وإن لم تكن صريحة في عدم قيام السبب الفعلي مقام القولي ، إلّا أنّها تدل عليه
بالالتزام ، إذ السبب القولي ـ وهو الإيجاب والقبول ـ يؤثّر في الملكية المقصودة
من البيع ، ولمّا لم تكن المعاطاة مشتملة على القول لم تكن مؤثّرة في الملكية ، وأمّا
تأثيرها في الإباحة فهو تعبد محض ، ولولاه لكان مقتضى القاعدة فسادها وعدم تأثيرها
أصلا حتى في إباحة التصرف.
(٣) استدراك
على قوله : «فلا يحكم» وغرضه دفع التنافي بين عدم ترتب الأثر المقصود على المعاطاة
وبين إفادتها لإباحة التصرف بدليل خاص وإن لم تكن الإباحة مقصودة ، إذ المقصود هو
الملك ، ولم يحصل.
(٤) هذا هو
الجواب الثاني ـ أي النقض بموارد ثبت فيها التخلف عن القصد ـ وحاصله : أنّه لا
غرابة في تحلف العقد عن القصد ، لوقوعه في موارد ، نبّه المصنف على خمسة منها في
المتن وسيأتي بيانها.
ولا يخفى أنّ
ظاهر الكلام ذكر موارد النقض على قاعدة «تبعية العقود للقصود» وأنّها ليست
كالقواعد العقلية الآبية عن التخصيص ، فورد تخصيصها بموارد خمسة ، ولتكن المعاطاة
__________________
المتبايعين (١) كثير ، فإنّهم (٢) أطبقوا على أنّ عقد المعاوضة إذا كان
فاسدا
______________________________________________________
سادسة تلك الموارد ، فهي عقد يقصد به الملك ، ولكنها تفيد الإباحة.
لكن في عبارة
المصنف احتمال آخر تفطّن له المحقق الأصفهاني قدسسره وهو : أنّ غرضه من ذكر موارد النقض ليس تخصيص قاعدة
التبعية ، بل انّ ترتب الإباحة على المعاطاة المقصود بها الملك تخلّف صوري غير
قادح بعموم القاعدة ، فالقاعدة آبية عن التخصيص ولو بمورد واحد. والشاهد على إرادة
هذا الاحتمال أمران :
أحدهما : صراحة
كلام المصنف : «فلا يعقل حينئذ الحكم بالصحة مع عدم ترتب الأثر المقصود عليه» في
أن الشارع إذا حكم بصحة عقد وترتّب أثر خاصّ عليه امتنع تخلف ذلك الأثر عن القصد. وأمّا
ترتب أثر آخر ـ غير مقصود ـ على العقد فلا ينافي صحته أصلا.
وثانيهما : أنّ
الموارد الخمسة المذكورة في المتن من هذا القبيل ، لأنّ العقد إمّا ليس بصحيح فلا
يبقى موضوع للتخلف ، وإمّا يكون التخلف صوريا.
هذا ما
احتملناه ، وعليك بالتدبر في كلام المصنف قدسسره لعلّك تقف على حقيقة الأمر.
(١) الأولي
تبديله ب «المتعاقدين» ليشمل المورد الخامس وهو نسيان ذكر الأجل في النكاح المنقطع
، وكذا المورد الثاني ، لعدم اختصاص مفسدية الشرط الفاسد وعدمها بالبيع.
(٢) هذا شروع
في بيان المورد الأوّل ، وهو انقلاب ضمان المسمّى إلى الواقعي عند فساد العقد ، توضيحه
: أنّ المقصود في العقد المعاوضي هو الضمان بالمسمّى ، مع أنّه في فاسده واقعي ، فإذا
باع متاعه بدينار ثمّ تبيّن فساد البيع كان ضمان كل من العوضين بقيمته الواقعية ، مع
أنّ هذا الضمان لم يكن مقصودا ، بل المقصود كان ضمان المتاع بالدينار ، وبالعكس ، فتخلّف
العقد عن القصد ، لأنّ المقصود منه هو الضمان بالمسمّى ، مع أنّ الضمان صار
بالقيمة الواقعية ، وهو غير مقصود.
فان قلت : إنّ
عموم قاعدة تبعية العقود للقصود باق بحاله ، ولم ينتقض بانقلاب ضمان المقبوض
بالعقد الفاسد من المسمّى إلى الواقعي. وجه عدم النقض : أنّ ضمان القيمة الواقعية
يؤثّر في ضمان كلّ من العوضين القيمة (١) ، لإفادة (٢) العقد الفاسد الضمان
عندهم فيما يقتضيه صحيحه ،
______________________________________________________
لا يستند إلى العقد حتى يتخلّف عن القصد ، بل إلى قاعدة اليد ، إذ من
المعلوم أنّ كلّا من المتعاقدين وضع يده على مال الآخر. ومقتضى وضع اليد هو الضمان
الواقعي. وعليه فلا وجه للنقض على كاشف الغطاء قدسسره بما أفاده المصنف من تبدّل الضمان المسمّى ـ عند فساد
العقد ـ بضمان القيمة الواقعية.
قلت : إن عموم
القاعدة قد خصّص بمورد النقض ، وذلك لأنّ انقلاب ضمان المسمّى إلى ضمان القيمة
الواقعية لا يستند إلى قاعدة اليد ، لدلالة كلماتهم على أنّ المؤثّر في الضمان
الواقعي هو نفس العقد الفاسد ، وإقدامهما على الضمان. وإنّما ذكر بعض الأصحاب
قاعدة اليد مستندا للضمان الواقعي ، ولا عبرة به ، إذ المهم رعاية نظر الأكثر. وقد
عرفت أنّ مستندهم في هذا الانقلاب الى نفس الإقدام العقدي لا غير. وبه يتّجه صورة
النقض على قاعدة التبعيّة.
(١) بالنصب
مفعول «ضمان» والمراد به القيمة الواقعية ، قال في الجواهر في مسألة المقبوض
بالعقد الفاسد : «ولذا أطلق المصنف وغيره الضمان على وجه يراد منه الضمان بالمثل
أو القيمة. بل لعلّه هو الظاهر من معاقد إجماعاتهم في المقام ، فضلا عن التصريح به
من بعضهم ..» .
وعليه فضمان
المقبوض بالعقد الفاسد بالبدل الواقعي كأنّه من مسلّماتهم ، ولذا كان الأولى
التعبير «بالبدل» من التعبير بالقيمة ، إلّا أن يريدوا بالقيمة ماليّته الفعلية ، والأمر
سهل.
(٢) تعليل
لقوله : «يؤثّر» يعني : أنّ تأثير العقد المعاوضي الفاسد ـ كالبيع ـ في الضمان
بالبدل الواقعي لا المسمّى إنّما هو لكونه من صغريات قاعدة مسلّمة عندهم وهي : «أنّ
كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، وأنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» وحيث إنّ
البيع الصحيح يؤثّر في الضمان بالعوض المسمّى كان فاسده مؤثّرا في الضمان بالعوض
الواقعي من المثل أو القيمة.
__________________
مع (١) أنّهما لم يقصدا إلّا ضمان كل منهما (٢) بالآخر
(*).
وتوهّم (٣) أنّ
دليلهم على ذلك قاعدة اليد
______________________________________________________
(١) هذا هو
محطّ الاشكال والنقض على قاعدة تبعية العقود للقصود ، حيث إنّ الضمان بالبدل
الواقعي غير مقصود للمتعاملين بالعقد الفاسد ، وقد حصل ، والمقصود ـ وهو الضمان
بالمسمّى ـ لم يحصل ، فتخلّف العقد عن القصد.
(٢) أي : كل من
العوضين ، يعني : أنّهما لم يقصدا إلّا الضمان المعاوضي لا الواقعي ، فوقع ما لم
يقصد ، وقصد ما لم يقع.
(٣) غرض
المتوهّم الذّب عن عموم قاعدة تبعية العقود للقصود ، وعدم نقضه بتبدل ضمان العوض
المسمّى بضمان البدل الواقعي في المقبوض بالعقد الفاسد ، وأنّ الموجب للضمان
الواقعيّ هو قاعدة اليد لا العقد الفاسد. حتّى يتوهّم حصول ما لم يقصده المتعاقدان
، وقد تقدّم توضيحه بقولنا : «ان قلت .. قلت ..».
__________________
مدفوع (١) بأنّه لم يذكر هذا الوجه (٢) إلّا بعضهم معطوفا على الوجه الأوّل
، وهو إقدامهما على الضمان ، فلاحظ المسالك (٣).
وكذا (٤) الشرط
الفاسد ـ لم يقصد المعاملة إلّا مقرونة به ـ
______________________________________________________
(١) خبر «وتوهم»
ودفعه ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «قلت : ان عموم القاعدة قد خصّص بمورد النقض ، وذلك
..».
(٢) أي : قاعدة
اليد الموجبة للضمان الواقعي ـ لا المسمّى ـ في العقد الفاسد.
(٣) قال الشهيد
الثاني في شرح قول المحقق قدسسرهما : «ولو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم يملكه
وكان مضمونا عليه» ما لفظه : «لا إشكال في ضمانه إذا كان جاهلا بالفساد ، لأنّه
أقدم على أن يكون مضمونا عليه ، فيحكم عليه به ، وان تلف بغير تفريط. ولقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (*).
هذا ما يتعلّق بأوّل
الموارد الخمسة من النقض على قاعدة التبعية.
(٤) معطوف على «فإنهم
أطبقوا» وهذا هو المورد الثاني من موارد النقض ، وحاصله : أنّ الشرط الفاسد لا
يفسد العقد عند أكثر القدماء ، مع أنّ ما قصد ـ وهو العقد المقيّد بالشرط الفاسد ـ
غير واقع ، والواقع الذي هو ذات العقد ـ المعرّى عن الشرط ـ لم يقصد ، فتخلّف
العقد عن القصد. نعم بناء على مفسديّة الشرط الفاسد للعقد لم يتوجّه هذا النقض على
بعض الأساطين ، لكنّه خلاف التحقيق.
__________________
__________________
غير (١) مفسد عند أكثر القدماء (٢) (*).
وبيع (٣) ما
يملك وما لا يملك
______________________________________________________
(١) خبر «الشرط
الفاسد» وجملة «لم يقصد» صفة للشرط الفاسد ، وضمير «به» راجع الى الشرط الفاسد.
(٢) قال في
مفتاح الكرامة : «الأصحاب في البيع الذي تضمّن شرطا فاسدا على أنحاء : الأوّل : صحة
البيع وبطلان الشرط. وهو خيرة الشيخ في المبسوط ، وابن سعيد في الجامع ، والآبي في
كشف الرموز ، والمحكي عن أبي علي والقاضي ، وربما حكي عن الحلي ولم أجده في
السرائر ، ووافقهم أبو المكارم في الشرط المخالف لمقتضى العقد أو للسنة .. ووافقهم
ابن المتوج في الشرط الفاسد الذي لا يتعلق به غرض ، كما لو شرط أكل طعام بعينه أو
لبس ثوب ونحوه ، فليتأمّل» . وعليه فنسبة الحكم إلى جماعة من القدماء في محلّها.
(٣) معطوف على «فإنهم»
وهذا ثالث موارد النقض ، وحاصله : أنّ بيع المملوك وغير المملوك صحيح عند المحققين
بالنسبة إلى المملوك ، وباطل بالنسبة إلى غير المملوك ، كما لو باع الشاة والخنزير
ـ صفقة واحدة ـ من شخص. مع أنّ مقصود المتبايعين ـ وهو بيع المجموع ـ لم يقع في
الخارج ، فما قصد لم يقع ، وما وقع لم يقصد.
__________________
__________________
صحيح عند الكلّ (١) (*).
وبيع الغاصب (٢)
لنفسه يقع للمالك مع إجازته على قول كثير (٣) (**).
______________________________________________________
(١) وفي
الجواهر ـ بعد الاستدلال على الصحة فيما يملك ـ : «مضافا الى عدم الخلاف المعتدّ
به بين من تعرّض له» .
(٢) معطوف على «فإنهم
أطبقوا». وهذا رابع النقوض ، وهو ما إذا باع الغاصب لنفسه المال المغصوب ، فإنّ
جمعا كثيرا ذهبوا إلى أنّ البيع يقع عن المالك فضولا ، وتتوقف صحّته على إجازته ، مع
أنّ المقصود ـ وهو كون البيع للبائع ـ لم يقع ، والواقع ـ وهو وقوع البيع عن
المالك ـ غير مقصود.
(٣) بل نسبه
المصنف في بيع الفضولي إلى المشهور ، حيث قال : «المسألة الثالثة : أن يبيع
الفضولي لنفسه ، وهذا غالبا يكون في بيع الغاصب .. والأقوى فيه الصحة وفاقا
للمشهور».
__________________
__________________
وترك (١) ذكر
الأجل في العقد المقصود به الانقطاع يجعله دائما على قول نسبه في المسالك وكشف
اللثام إلى المشهور (٢) (*).
______________________________________________________
(١) معطوف على «فإنّهم
أطبقوا» وهذا خامس النقوض ، ومحصله : أنّ العاقد إذا ترك ذكر الأجل في النكاح
المنقطع انقلب دائما على ما أفتى به جماعة ، مع أنّ المقصود هو الزواج المنقطع لا
الدائم ، فالمقصود غير واقع ، والواقع غير مقصود.
(٢) قال في
المسالك : «ولو قصدا المتعة وأخلّا بذكر الأجل ، فالمشهور بين الأصحاب : أنّه
ينعقد دائما ، وهو الذي اختاره المصنف ، لأنّ لفظ الإيجاب صالح لكل منهما ، وإنّما
يتمحّض للمتعة بذكر الأجل ، وللدوام بعدمه ، فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني. ولأنّ
الأصل في العقد الصحة ، والفساد على خلاف الأصل. ولموثقة عبد الله بن بكير .. الى
أن قال : ليس فيه دلالة على أنّ من قصد المتعة ولم يذكر الأجل يكون دائما ، بل
إنّما دلّ على أنّ الدوام لا يذكر فيه الأجل ، وهو كذلك ، لكنه غير المدّعى ، وحينئذ
فالقول بالبطلان مطلقا أقوى» .
وعليه فليس انقلاب
العقد دائما ـ عند ترك ذكر الأجل ـ مسلّما عندهم حتى يصحّ النقض به ، إذ لا بد في
صحة النقض من تسلّم المورد ، ومع الخلاف لا يصح النقض به كما لا يخفى.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
نعم (١) الفرق بين
العقود وما نحن فيه : أنّ التخلّف عن القصود يحتاج الى
______________________________________________________
(١) استدراك
على قوله : «وثانيا» أن تخلف العقد عن مقصود المتبايعين كثير» وحاصله : أن مقتضى
قابلية عموم «تبعية العقود للقصود» للتخصيص بالموارد الخمسة المتقدمة وإن كان جواز
تخصيصها بمورد سادس وهو المعاطاة المقصود بها الملك ، حيث إنّها لا تؤثّر إلّا في
الإباحة المجرّدة عن الملك ، إلّا أنّ في الخروج عن عموم قاعدة التبعية فرقا بين
المعاطاة وبين تلك الموارد الخمسة. والفارق هو : أنّ التخلف في المعاطاة إنّما هو
من جهة عدم المقتضي للتبعية ، لما تقدم من عدم قيام دليل ـ بعد ـ على صحتها وترتب
الملك المقصود عليها ، والتخلف في الموارد الخمسة يكون من جهة وجود المانع ، وهو
الدليل الدال على خروجها عن أدلة صحة العقود. فخروج المعاطاة عن قاعدة التبعية
يكون بالتخصص ، وخروج غيرها عنها يكون بالتخصيص.
هذا ظاهر المتن
أو صريحه في الفرق بين المعاطاة وموارد النقض.
__________________
__________________
الدليل المخرج عن أدلة صحة العقود (١) ، وما نحن فيه (٢) عدم الترتب مطابق
للأصل.
وأمّا (٣) ما
ذكره من لزوم كون إرادة التصرف مملّكا فلا بأس بالتزامه
______________________________________________________
لكن بناء على
اختصاص قاعدة «تبعية العقود للقصود» بالعقود الصحيحة الممضاة شرعا استحال التخلّف
عن القصد فيها كما نبّه عليه المصنف قدسسره بقوله : «لم يعقل».
وعليه فموضوع
القاعدة خصوص العقود الصحيحة ، لا الأعم منها ومن الفاسدة ، فالعقد الفاسد ـ كالمعاطاة
ـ خارج موضوعا عن عموم القاعدة. والفارق بين العقد الفاسد والمعاطاة حينئذ هو عدم
صدق العقد على المعاطاة المفيدة للإباحة ، بخلاف العقد الفاسد ، فإنّه عقد عرفا
وإن لم يكن صحيحا شرعا.
(١) كما دلّ في
نسيان ذكر الأجل في المتعة ، بناء على ما عن المشهور من انقلابها قهرا بالدّوام.
(٢) وهو
المعاطاة على مسلك القدماء من إفادتها الإباحة المحضة. هذا تمام ما أفاده المصنف
في ردّ أوّل استبعادات كاشف الغطاء قدسسره ، وأنّه لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة ـ في قبال قاعدة
تبعية العقود للقصود ـ بعنوان «أن العقود لا تتبع القصود» بل العقود الصحيحة لا
تتخلّف عن القصود ، ولو تخلّفت لم يقدح ذلك في عموم القاعدة ، إذ ما من عام إلّا
وقد خصّ.
٢ ـ التصرف مملّك
للمتصرف
(٣) هذا شروع
في مناقشة ثاني الاستبعادات المذكورة في شرح القواعد ، وهو : استبعاد كون إرادة
التصرف في المأخوذ بالمعاطاة مملّكة له للمتصرّف فيه.
ومحصل ما أفاده
المصنف : أنّه وإن لم يدلّ دليل مستقل على مملّكية إرادة التصرف ، إلّا أنّه لا
ينحصر الدليل الشرعي في ذلك ، بل الجمع بين الدليلين ـ أو الأدلة ـ لو اقتضى حكما
شرعيا كفى في الأخذ به ، كما هو غير عزيز في الفقه.
والمقام من هذا
القبيل ، لوجود طوائف ثلاث من الأدلة لا بد من الجمع بينها.
الاولى : استصحاب
بقاء علقة كل من المتعاطيين بما دفعه للآخر ، كما إذا تعاطى زيد وعمرو كتابا
بدينار ، فأصالة بقاء الكتاب على ملك زيد ، وأصالة بقاء الدينار على ملك
إذا كان مقتضى الجمع بين الأصل (١) ودليل جواز التصرف المطلق (٢) وأدلّة
توقف بعض التصرفات على الملك (٣) ،
______________________________________________________
عمرو تقتضي بقاء هذه الملكية وعدم زوالها أصلا إلّا بقيام حجة على قطع هذه
العلقة.
الثانية : الإجماع
على إباحة مطلق التصرف في المأخوذ بالمعاطاة سواء توقّف على الملك أم لم يتوقف.
الثالثة : الأدلة
الدالة على توقف بعض التصرفات على الملك ، كالبيع والعتق والوقف.
ومقتضى الجمع
بين هذه الطوائف الثلاث هو الحكم بأنّ المأخوذ بالمعاطاة يدخل في ملك الآخذ بمجرّد
إرادة التصرف فيه بما يتوقف على الملك.
والجمع بهذا
النحو قد التزموا به في مسألتين :
إحداهما : تصرّف
ذي الخيار ـ فيما انتقل عنه بمثل البيع ـ تصرفا منوطا بالملك ، كما إذا باع مبيعه
الخياري على شخص آخر ، فإنّ مقتضى الجمع بين سلطنته على فسخ العقد الأوّل وتوقف
صحة بيعه ثانيا على دخول المال في ملكه هو : أنّ إرادة بيع ماله في زمن الخيار
توجب فسخ العقد السابق وتملّكه له آنا ما حتى يصح بيعه ثانيا من شخص آخر.
وثانيتهما : تصرف
الواهب ـ فيما وهبه لغيره ـ تصرّفا منوطا بالملك.
وعليه فكما أن
تصرّف ذي الخيار ـ فيما انتقل عنه ـ بأحد التصرفات المتوقفة على الملك يكشف عن
انفساخ العقد ورجوع المال الى مالكه الأوّل. وكذا تصرف الواهب في الهبة يكشف عن
انحلال عقد الهبة وعود العين الموهوبة إلى الواهب ، ووقوع تصرفه في ملكه. فكذلك
المقام ، أعني به المعاطاة ، فإنّ المتعاطي ـ الذي يتصرف فيما أخذه بالمعاطاة ـ يتملّك
المأخوذ بها قبل تصرفه بإرادة التصرف.
(١) المراد به
استصحاب بقاء كل من المالين على ملك المعطي ماله للآخر.
(٢) وهو الإجماع
المدّعى في كلام بعضهم على إباحة مطلق التصرفات في المأخوذ بالمعاطاة.
(٣) مثل ما قيل
: من دلالة «لا بيع ولا وقف ولا عتق إلّا في ملك» على اعتبار إضافة الملكية في
نفوذ بيعه ووقفه وعتقه ونحوها من التصرفات.
فيكون (١) كتصرف ذي الخيار والواهب فيما انتقل عنهما بالوطي (٢) والبيع
والعتق وشبهها (٣) (*).
______________________________________________________
(١) يعني : فيكون
الالتزام بمملّكية إرادة التصرف في المأخوذ بالمعاطاة نظير الالتزام بمملّكية
إرادة التصرف من قبل ذي الخيار والواهب.
(٢) هذا و«البيع
والعتق» متعلق ب «تصرف ذي الخيار والواهب» يعني : أنّ ذا الخيار والواهب إذا لم
يفسخا العقد بل تصرفا في ما انتقل عنهما تصرّفا متوقفا على الملك ـ كالمباشرة مع
الأمة المبيعة ببيع خياري أو الموهوبة بهبة جائزة ـ كان ذلك التصرف فسخا فعليا ، وإرادة
الفسخ توجب عود المال الى الملك ، فيقع التصرف في ملكي الواهب وذي الخيار.
(٣) كالوقف. وقد
تحصّل : أن مملّكية إرادة التصرف ليست قاعدة غريبة يلزم تأسيسها لو قيل بإفادة
المعاطاة للإباحة ـ كما زعمه كاشف الغطاء قدسسره ـ بل لا بدّ من الالتزام بها ، لاقتضاء الجمع بين
الأدلة ذلك. مضافا الى وجود نظيره في الفقه.
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
وأمّا (١) ما
ذكره من «تعلّق الأخماس والزكوات إلى آخر ما ذكره» فهو استبعاد محض.
______________________________________________________
٣ ـ تعلق الاستطاعة
والغنى بالمأخوذ بالمعاطاة
(١) هذا شروع
في ردّ ثالث استبعادات كاشف الغطاء قدسسره وهو لزوم تعلق الأخماس والزكوات ونحوهما بما في اليد
دون الملك ، مع أنّ المعهود من الشرع تعلّقها بالملك.
وما أفاده
المصنف قدسسره في ردّه أمران أحدهما : منع أصل الاستبعاد ، وأنّه لا
مانع من الالتزام بعدم تعلق هذه الأمور الأحد عشر ـ المذكورة في الاستبعاد الثالث
ـ بالمأخوذ بالمعاطاة بناء على إفادتها للإباحة كما عليها القدماء.
وثانيهما : المنع
الصغروي ، بمعنى أنّ بعض الأمور المذكورة في كلامه لا مانع من الالتزام به ، وإجرائه
في المأخوذ بالمعاطاة ، لعدم توقفه على الملك ، ومعه لا يبقى موضوع للاستبعاد ، لأنّه
يتوقف على اختصاص الموارد الأحد عشر بالملك حتى يستغرب من عدم تعلقها بالمأخوذ
بالمعاطاة ، فإذا لم تتوقف على الملك بل جرت في المباح أيضا التزمنا بترتبها على
ما في اليد وإن لم يصر ملكا أصلا.
وتوضيح الوجه
الأوّل ـ وإن لم تف به العبارة لقصورها ـ هو : أنّ الحكم بعدم تعلق الخمس والزكاة
والاستطاعة ونحوها بالمأخوذ بالمعاطاة استبعاد محض ، فلا بأس بالالتزام بعدم
التعلّق.
فان قلت : إنّ
عدم التعلّق مخالف للسيرة القائمة على تعلق المذكورات بالمأخوذ بالمعاطاة ، فلا
وجه لدعوى عدم التعلق ، مع قيام السيرة على تعلق هذه الأمور بالمأخوذ بالمعاطاة ، وهذا
التعلق المستند إلى السيرة كاشف عن إفادة المعاطاة للملك ، لا لإباحة التصرف.
قلت : لا ريب
في قيام السيرة على التعلّق ، ولكن على هذا تكون السيرة دليلا على التعلق وإن كان
التعلّق مخالفا للقاعدة ، فتكون السيرة دليلا على تخصيصها. فالقاعدة تقتضي عدم
التعلق ، ولكن في خصوص هذه الأمور نلتزم بالتعلق لأجل دليل تعبدي وهو السيرة.
ودفعه بمخالفته (١) للسيرة رجوع إليها (٢). مع (٣) أنّ تعلّق الاستطاعة
الموجبة للحجّ ، وتحقّق الغنى المانع عن استحقاق الزكاة لا يتوقفان على الملك (*).
______________________________________________________
وحينئذ فالسيرة دليل على التعلّق ، لا على الاستبعاد المزبور الذي يريد بعض
الأساطين جعله دليلا على مملّكية المعاطاة ، لأنّ غرضه كون الاستبعاد دليلا على
إفادة المعاطاة للملك ، لا السيرة ، فجعل السيرة دليلا على الملكية من أوّل الأمر
رجوع عن الاستبعاد إلى السيرة.
(١) هذا الضمير
وضمير «دفعه» راجعان الى عدم التعلّق.
(٢) أي : إلى
السيرة ، وأنّ الرجوع الى السيرة عدول عن جعل الاستبعاد دليلا على مملّكية
المعاطاة إلى جعل السيرة دليلا على مملّكيّة المعاطاة.
(٣) هذا إشارة
إلى الوجه الثاني وهو المنع الصغروي ، يعني : أنّ الأمور المذكورة في كلام كاشف
الغطاء ليس جميعها متوقفة على الملك ، حتى يلزم تأسيس قاعدة جديدة لو قلنا بتعلقها
بالمأخوذ بالمعاطاة المفيدة للإباحة لا الملك. ووجه عدم توقفها على الملك هو : أنّ
الاستطاعة كما تحصل بملك الزاد والراحلة كذلك تحصل بإباحتهما بالبذل نصّا وفتوى.
وكذلك الغنى
المانع عن استحقاق الزكاة ، لأنّ الظاهر صدقه عرفا بوجدان ما يحتاج إليه في مئونة
سنته وإن لم يكن مملوكا له. وتفسير الفقير في كلمات الفقهاء ب «من لا يملك قوت
سنته» يراد به من لا يجد ذلك ولو بنحو الإباحة ، فليتأمّل.
__________________
.................................................................................................
__________________
()
__________________
وأمّا (١) كون
التصرّف مملّكا للجانب الآخر فقد ظهر جوابه (٢) (*).
______________________________________________________
٤ ـ تصرّف أحد
المتعاطيين مملّك للجانب الآخر
(١) هذا رابع
الاستبعادات التي ذكرها كاشف الغطاء قدسسره من كون تصرف أحد المتعاطيين في المأخوذ بالمعاطاة موجبا
لصيرورة العوض في ملك المتعاطي الآخر قهرا.
(٢) يعني : ظهر
جوابه ممّا ذكره في الجواب عن الاستبعاد الثاني ، بقوله : «فلا بأس بالتزامه إذا
كان مقتضى الجمع .. إلخ» وحاصل ذلك الجواب : أن مملّكية التصرف تكون مقتضى الجمع
بين الأدلة ، فإذا كانت مملّكية التصرف من أحدهما للجانب الآخر مقتضى الجمع بين
الأدلة فلا إشكال. وإن لم يكن مملّكا للجانب الآخر ـ بأن كان مملّكا للمتصرف فقط ـ
لزم اجتماع العوض والمعوّض في ملك المتصرّف ، وهو كما ترى. وعليه فالجمع بين
الأدلة يقتضي كون التصرّف مملّكا للطرف الآخر أيضا.
__________________
وأمّا (١) «كون
التلف مملّكا للجانبين»
______________________________________________________
٥ ـ تلف إحدى العينين
مملّك للطرفين
(١) هذا خامس
الاستبعادات ، والمراد بالتلف أعم من تلف إحدى العينين أو كلتيهما.
ومحصل ما أفاده
جوابا عنه هو : أنه يمكن أوّلا أن لا نلتزم بمملّكية التلف أصلا ، بدعوى كون التلف
من مال مالكه بدون ضمان من تلف في يده ، للإذن المالكي أو الشرعي ، غاية الأمر أنّ
التالف إن كان إحدى العينين فقط صارت الإباحة لازمة ، فلا يجوز لمن تلف مال الآخر
في يده أن يرجع على الآخر بماله الذي في يده.
هذا ، مع الغض
عن إجماع أو سيرة على مملّكية التلف. ومع النظر إليه فلا إشكال ، لأنّه قبل التلف
آنا ما ينتقل كل من المالين إلى آخذه ، فيقع التلف في ملكه ، فيكون ضمان كل منهما
بعوضه المسمّى ، لا بالمثل أو القيمة ، فيكون المقام نظير تلف المبيع قبل قبضه في
يد البائع في رجوعه آنا ما قبل التلف إلى ملكه.
والوجه في
الالتزام بالملكية التقديرية هو دوران الأمر بين وجهين :
أحدهما : تخصيص
عموم اليد ـ المقتضي للضمان بالمثل أو القيمة في المعاطاة كسائر موارد اليد ـ بالإجماع
والسيرة القائمين على عدم الضمان بالمثل أو القيمة في مورد المعاطاة.
وثانيهما : التخصّص
، بأن يلتزم بالملكية من أوّل الأمر ، حفظا لعموم «على اليد» عن التخصيص.
ومقتضى القاعدة
ـ على ما قيل في محلّه ـ وإن كان تقديم التخصّص على التخصيص المقتضي للحكم في
المعاطاة بالملكيّة من أوّل الأمر ، لكن أصالة عدم الملكيّة تقتضي عدم الملكية
إلّا آنا ما قبل التلف ، وعدم حصول الملكية من أوّل الأمر.
ثم إنّ غرض
المصنف قدسسره مراعاة عموم دليل اليد عن التخصيص وإبقائه على عمومه ، لما
ثبت في محله من تقديم التخصّص على التخصيص عند الدوران بينهما ، فيحكم في المقام ـ
لأجل عموم اليد ـ بأنّ ضمان المسمّى في المأخوذ بالمعاطاة خارج عن موضوع عموم «على
اليد» بالإجماع ، وليس الإجماع مخصّصا لعموم اليد ، لأنّه بعد فرض دخول كلّ من
المالين في
فإن ثبت (١) بإجماع (٢) أو سيرة (٣) كما هو الظاهر كان (٤) كلّ من المالين
مضمونا بعوضه (٥) فيكون تلفه (٦) في يد كلّ منهما من ماله مضمونا بعوضه (٧)
______________________________________________________
ملك آخذه آنا ما قبل التلف يقع التلف في ملكه ، فيكون أجنبيّا عن موضوع
دليل اليد ـ وهو مال الغير ـ فيبقى عموم اليد بحاله ، ومقتضى عمومها عدم كون
الضمان بالمسمّى من أفراده ، لصيرورة العوضين ملكا للمتعاطيين ، فضمان المسمّى ليس
مستندا إلى عموم اليد ، بل إلى الإجماع.
والكاشف عن
صيرورة المالين قبل التلف آنا مّا ملكا للمتعاطيين هو العموم المذكور ، فلا يكون
الإجماع المزبور مخصّصا لعموم اليد ، بل عمومها يثبت كون المأخوذ بالمعاطاة داخلا
في ملك الآخذ وأنّ التلف وقع في ملكه ، لا في ملك الغير الذي هو موضوع اليد.
وبالجملة : فغرض
المصنف قدسسره حفظ عموم اليد عن التخصيص ، لا إثبات ضمان المسمّى به (*).
(١) لم يذكر
المصنف عدلا لقوله : «فان ثبت» فالأولى أن يقال : «كما ثبت» بقرينة اعترافه بثبوته
بقوله : «كما هو الظاهر».
وكيف كان فقوله
: «فان ثبت» وما بعده جواب الشرط في قوله : «وأما كون التلف ..».
(٢) الإجماع
على مملّكيّة التصرّف والتلف موجود في بعض كلمات القدماء.
(٣) أي : السيرة
العقلائية الممضاة شرعا ولو بعدم الردع.
(٤) جواب «فان
ثبت». أي : كان ضمان المأخوذ بالمعاطاة بالمسمّى ، لكون العقد المعاوضي صحيحا ، ولا
موجب لانقلاب ضمان المسمّى بالواقعي.
(٥) أي : بعوضه
المسمّى.
(٦) أي : تلف
المأخوذ بالمعاطاة.
(٧) أي : بعوضه
المسمّى لا الواقعي.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
نظير تلف المبيع قبل قبضه في يد البائع (١) ، لأنّ (٢) هذا هو مقتضى الجمع
بين هذا الإجماع (٣) وبين عموم (٤) «على اليد ما أخذت» وبين أصالة عدم الملك إلّا في
______________________________________________________
(١) في وقوع
التلف في ماله ، لا في مال المشتري.
(٢) علّة لكون
التلف من مال ذي اليد ، المتوقف على كونه ملكا له قبل التلف.
(٣) أي : الإجماع
على كون المأخوذ بالمعاطاة مضمونا بعوضه المسمّى لا بقيمته الواقعية.
(٤) المقتضي
للضمان بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة.
__________________
__________________
الزمان المتيقّن (١) بوقوعه (٢) فيه.
توضيحه (٣) : أنّ
الإجماع لمّا دلّ على عدم ضمانه (٤) بمثله أو قيمته حكم بكون التلف من مال ذي اليد
(٥) ، رعاية لعموم «على اليد ما أخذت» فذلك الإجماع مع العموم المذكور بمنزلة
الرواية الواردة في «أنّ تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه» (٦) فإذا قدّر التلف
من مال ذي اليد فلا بدّ من أن يقدّر في آخر أزمنة إمكان تقديره ، رعاية (٧) لأصالة
عدم حدوث الملكية
______________________________________________________
(١) وهو الزمان
المتصل بالتصرف.
(٢) أي : بوقوع
الملك في ذلك الزمان ، وهو زمان التصرف.
(٣) أي : توضيح
أنّ مقتضى الجمع بين عموم اليد والإجماع واستصحاب عدم الملك هو الالتزام بحدوث
الملك للآخذ في الآن المتصل بالتصرف ، أو بالتلف : أن الإجماع .. إلخ.
(٤) أي : دلّ
الإجماع على عدم ضمان التالف ببدله الواقعي من المثل أو القيمة ، بل دلّ على ضمانه
بالمسمّى.
(٥) يعني : يحكم
بحصول الملكية لذي اليد قبل التلف رعاية لعموم «اليد» من عروض التخصيص عليه ، إذ
مع بقاء المالين على ملك مالكيهما يلزم تخصيص عموم اليد ، والمفروض أنّ التخصص
مقدّم على التخصيص.
(٦) فكما أنّ
تلك الرواية تدلّ على أنّ كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ـ لا من مال
المشتري ـ المترتب على انفساخ العقد قبل التلف وعوده إلى ملك البائع ، وإلّا لم
يكن من ماله ، وكان ضمانه بالمثل أو القيمة لا ضمان المسمّى ، فكذلك الإجماع على
الضمان بالمسمّى في المقام ـ بضميمة إبقاء العموم على حاله ـ يدلّ على كون التلف
من مال ذي اليد ، المتوقف على حصول الملكية آنا ما قبل التلف.
(٧) تعليل لما
أفاده من لزوم فرض ملكية الآخذ في آخر أزمنة تقدير الملكية ، وهو الآن المتصل
بالتلف ، لأنّ مقتضى الاستصحاب بقاء المال على ملك الدافع إلى زمان تلفه في يد
الآخذ ، وفي آن التلف ينقطع الاستصحاب ، لقيام الدليل على انتقال المال ـ في ذلك
الآن ـ الى ملك الآخذ.
قبله (١) ، كما (٢) يقدّر ملكيّة المبيع للبائع وفسخ البيع من حين التلف
استصحابا لأثر (٣) العقد.
وأمّا (٤) ما
ذكره من صورة غصب المأخوذ بالمعاطاة فالظاهر ـ على القول بالإباحة ـ أنّ لكل منهما
(٥) المطالبة ما دام باقيا ، وإذا تلف فظاهر إطلاقهم «التملّك بالتلف» تلفه من مال
المغصوب منه (٦).
______________________________________________________
(١) أي : قبل
آخر أزمنة إمكان تقدير الملك ، وهو الآن المتصل بالتلف.
(٢) هذا تنظير
لجزاء «إذا» الشرطية ، وهو قوله : فلا بد من أن يقدّر في آخر أزمنة إمكان تقديره
.. إلخ يعني : كما يقدّر ملكية المبيع للبائع المترتبة على انفساخ البيع من حين
تلفه لا قبله ، لكون استصحاب ملكيته للمشتري ـ التي هي أثر العقد ـ مانعا عن حدوث
ملكية المبيع للبائع قبل التلف.
(٣) وهو ملكية
المبيع للمشتري عند ما يتلف في يد البائع ، ففي الآن قبل التلف ينقطع أثر العقد
وتزول ملكية المشتري ، وينتقل المال إلى البائع حتى يقع التلف في ماله ، لا في مال
المشتري.
٦ ـ يجوز للمبيح
والمباح له المطالبة من الغاصب
(٤) هذا سادس
الاستبعادات التي ذكرها كاشف الغطاء قدسسره ، وهو ناظر إلى حكم مطالبة المأخوذ بالمعاطاة لو غصبه
غاصب.
(٥) أي : من
المتعاطيين ، أمّا جواز المطالبة للمالك فواضح ، لأنّه من شؤون سلطنته على ماله. وأمّا
جوازها للمباح له فلأنّه ـ بناء على القول بالإباحة ـ يكون الآخذ مسلّطا على جميع
التصرفات ، ومطالبة الغاصب به من شؤون تلك السلطنة ، هذا إذا كانت العين باقية.
وأمّا مع تلفها
فمقتضى إطلاقهم «كون التلف مملّكا» وعدم تقييده بالتلف عند المباح له ـ وشموله
للتلف عند الغاصب ـ هو : صيرورة التالف بيد الغاصب آنا ما قبل التلف ملكا للمباح
له. فعلى هذا لا يكون المطالب من الغاصب إلّا المباح له ، لأنّه المالك للتالف حسب
الفرض ، فمطالبته على طبق القاعدة ولا يلزم تأسيس قاعدة جديدة كما زعمه كاشف
الغطاء قدسسره.
(٦) وهو الذي
أخذ منه المال ، فله المطالبة ، لا للمالك الأوّل ، لذهاب ملكه بالتلف.
نعم (١) لو قام
إجماع [لو لا قام الإجماع] كان تلفه من مال المالك لو لم يتلف عوضه (٢) قبله.
وأمّا (٣) ما
ذكره من حكم النماء فظاهر المحكي
______________________________________________________
(١) هذا
استدراك على قوله : «فظاهر إطلاقهم .. إلخ» وحاصله : أنّ مقتضى إطلاق مملّكية
التلف هو كونه مملّكا مطلقا سواء أكان العوض باقيا أم تالفا ، فتلف إحدى العينين
مملّك للجانبين. نعم إذا لم يتم هذا الإطلاق ، وقلنا باختصاص التملّك بالتلف بتلف
كلا العوضين فحينئذ يلاحظ أنّ العوض الآخر تلف قبل تلف المغصوب عند الغاصب أو لا ،
فعلى الأوّل يكون المطالب من الغاصب هو المباح له ، وإلّا فالمطالب هو المالك
الأصلي.
هذا بناء على
كون العبارة كما في النسخ المتداولة : «نعم لو قام إجماع .. إلخ».
وأمّا بناء على
كونها : «لو لا قام الإجماع» كما أنّه حكي كون نسخة المصنف المصحّحة كذلك ، فالمراد
بها : أنّه لو لا الإجماع على الملكيّة قبل التلف آنا ما كان مقتضى القاعدة اختصاص
حق المطالبة من الغاصب بالمالك ، لكون العين تالفة في ملكه ، إلّا إذا تلفت العين
الأخرى قبل تلف المغصوب ، فإنّ حق المطالبة حينئذ للمغصوب منه ، لأنّه صار مالكا
للمغصوب منه بسبب تلف عوضه قبله.
وعلى كل حال لا
تخلو العبارة من سوء التأدية ، فتدبّر فيها.
(٢) أي : لو لم
يتلف عوض المغصوب قبل تلف نفس المغصوب.
٧ ـ احتمال حدوث
النماء في ملك المبيع
(٣) هذا سابع
الاستبعادات ، وهو ما ذكره الفقيه كاشف الغطاء قدسسره حول حكم نماء المأخوذ بالمعاطاة ، وكان حاصله : استبعاد
كون حدوث النماء مملّكا للأصل.
وحاصل جواب
المصنف قدسسره : أنّ هنا احتمالين يندفع الاستبعاد بكل منهما :
الأوّل : أنّ
حدوث النماء لا يوجب صيرورة النماء ولا أصله ملكا للآخر ، بل كلاهما باق على ملك
الدافع ، لا القابض ، فكما يجوز للدافع الرجوع في العين ـ ما دامت باقية ولم يتصرف
فيها ـ واستردادها من الطرف الآخر ، فكذا يجوز استرداد نمائها ، لأنّه حدث في ملكه.
وعلى هذا لا يلزم تأسيس قاعدة جديدة ، لأنّ المحكي عن بعض القائلين بالإباحة تبعية
النماء للأصل في عدم الانتقال الى الآخذ.
عن بعض (١) أنّ القائل بالإباحة لا يقول بانتقال النماء إلى الآخذ ، بل
حكمه حكم أصله (٢) (*).
ويحتمل (٣) أن
يحدث النماء في ملكه (٤)
______________________________________________________
الثاني : أنّ
حدوث النماء يوجب ملكيّته للآخذ ، لأنّ المالك قد أباح التصرف في العين وتوابعها ،
فإباحة الأصل موضوع لحكم الشارع بملكية النماء حين حدوثه ، يعني : أنّ كلّا من
إباحة الأصل وحدوث النماء ـ معا ـ موضوع لحكم الشارع بملكية النماء. ومع التزام
القائل بالإباحة بملكية النماء للآخذ لم يبق مجال للإشكال عليه بالاستبعاد وتأسيس
قاعدة جديدة.
(١) لا يحضرني
القول بعدم الانتقال ، كما حكاه المصنف عن بعض. نعم احتمله الشهيد الثاني قدسسره حيث ذكر في المراد بالإباحة وجهين : أحدهما الملك
المتزلزل ، والآخر : الإباحة المحضة التي هي الإذن في التصرف ، ثم قال : «وعلى
الوجهين يتفرّع النماء ، فان قلنا بالأوّل ـ أي الملك المتزلزل ـ كان تابعا
للانتقال وعدمه. وإن قلنا بالثاني احتمل كونه مباحا لمن هو في يده كالعين ، وعدمه»
. وفي الجواهر جزم بتبعية النماء للعين على جميع الأقوال ، سواء قلنا
بالملك أم بالإباحة ، وباللزوم أم بالتزلزل ، فلاحظ .
(٢) وهو الذي
جعله في شرح القواعد ظاهر الأكثر ، فدخوله في ملك الآخذ يحتاج إلى التصرف الذي
تتوقف سببيته للملك على إذن المالك فيه ، وقد تقدّم أنّ شمول إذن المالك ـ في
التصرف في ذي النماء ـ للتصرف في النماء خفيّ كما صرّح به بعض الأساطين.
والحاصل : أنّ
النماء بحكم الأصل في عدم الملكية ، فكما لا يكون الأصل ملكا للآخذ فكذلك النماء. نعم
يباح له التصرف في النماء كإباحة التصرف في الأصل.
(٣) حاصله : أنّ
إباحة الأصل موضوع لحكم الشارع بملكية النماء حين حدوثه ، فإباحة الأصل وحدوث
النماء معا موضوع لحكم الشارع بملكية النماء.
(٤) أي : في
ملك الآخذ ، يعني : بأن يكون حدوث النماء ـ بضميمة إباحة التصرف في الأصل ـ مملّكا
له.
__________________
__________________
بمجرّد الإباحة (*).
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ثم إنّك (١)
______________________________________________________
المناقشة في سائر
وجوه الاستبعاد
(١) لمّا لم
يتعرض المصنف قدسسره لدفع جميع استبعادات كاشف الغطاء واقتصر على جملة منها
أراد إحالة دفع ما بقي منها على ما أفاده من الأجوبة ، ولنذكرها تتميما للكلام :
فمنها : ما
أفاده كاشف الغطاء قدسسره في الاستبعاد الخامس في مملكية التلف القهري بقوله : «إن
ملك التالف فعجيب ، ومعه بعيد ، لعدم قابليته ، وبعده ملك معدوم».
إذ يرد عليه : إمكان
اختيار الشق الأوّل وهو تملّك التالف آنا ما قبل التلف ، لما عرفت في نظائره من
أنّ الملكية الآنيّة وجه جمع بين الأدلة. وعليه يكون التلف كاشفا عن سبق دخول
المال في ملك الآخذ آنا ما ، كما أنّ تلف المبيع في يد البائع ـ قبل قبضه من
المشتري ـ كاشف عن انفساخ العقد وعود المال الى ملك البائع آنا ما ، ووقوع التلف
في ملكه.
وليس التلف
سببا للملك حتى يتجه استعجاب كاشف الغطاء قدسسره.
مضافا إلى : أنّ
تعليل استحالة دخول المال في ملك الآخذ بعد التلف بقوله : «وبعده ملك معدوم» ممنوع
، إذ لو تمّ لم يختصّ بما بعد التلف ، بل يجري في الدخول مقارنا لآن التلف ، لأنّ
حال التلف حال العدم ، ولا واسطة بين الوجود والعدم.
ومنها
: ما أفاده
كاشف الغطاء قدسسره في الاستبعاد السادس من قوله : «انّ التصرف إن جعلناه
من النواقل القهرية ، فلا يتوقف على النيّة فهو بعيد».
إذ يرد عليه : أنّه
لا مانع من كون التصرف ناقلا قهريا غير متوقف على النيّة ، لاقتضاء الجمع بين
الأدلة ذلك ، ولا بعد فيه.
ومنها
: ما أفاده في
الاستبعاد الثامن بقوله : «قصر التمليك على التصرف مع الاستناد فيه الى أنّ إذن
المالك فيه إذن في التمليك ، فيرجع إلى كون المتصرّف في تمليك نفسه موجبا قابلا ،
__________________
مما ذكرنا (١)
تقدر على التخلّص عن سائر ما ذكره (٢).
مع (٣) أنّه رحمهالله لم يذكرها للاعتماد.
______________________________________________________
وذلك جار في القبض بل هو أولى منه».
إذ يمكن أن
يجاب عن اتحاد الموجب والقابل بأحد وجوه :
الأوّل : أنّ
التصرف مملّك ، للجمع بين الأدلة ، فلا حاجة الى الإيجاب والقبول حتى يلزم اتحاد
الموجب والقابل ، إذ ليس هنا إذن من الدافع للآخذ في تمليك المال لنفسه حتى يكون
الآخذ موجبا وقابلا ، كي يتوهم استحالته ، لكونهما متقابلين لا يجتمعان في واحد.
الثاني : أنّه
لا مانع من اتحاد الموجب والقابل في العقود مع تعددهما اعتبارا كما حقق في محلّه ،
وليسا متقابلين حتى يستحيل اجتماعهما في واحد.
الثالث : أنّ
اتحاد الموجب والقابل إنّما يترتب على الإذن المالكي في تمليك الآخذ المال لنفسه ،
وهذا لا مجال له هنا ، لأنّ الإباحة تعبدية مستندة الى الإجماع ، لا مالكية.
وأمّا قوله في
ذيل كلامه : «وذلك جار في القبض» ففيه : أنّ القبض لا يتوقف على الملك حتى يكون
الإذن فيه إذنا فيما يتوقف عليه من جهة اقتضاء الجمع بين الأدلة مملكية القبض
حينئذ. وهذا بخلاف الإذن في البيع والوقف ونحوهما من التصرفات المتوقفة على الملك
، فإنّ الإذن فيها إذن في التملك الذي تتوقف عليه تلك التصرفات ، وإلّا يلزم لغوية
الإذن في البيع وشبهه.
وعليه ففرق
واضح بين القبض والبيع ، ومجرّد اقتران القبض بقصد التمليك لا يجعله مساويا لتلك
التصرفات ، فضلا عن أولويته منها.
هذا تمام
الكلام في الجواب التفصيلي الحلّي الذي أفاده المصنف عن استبعادات كاشف الغطاء قدسسرهما.
(١) يعني : في
دفع جملة من استبعادات بعض الأساطين قدسسره.
(٢) كالاستبعاد
الأخير وجملة مما تضمّنه الاستبعادان الخامس والسادس.
(٣) هذه الجملة
ناظرة الى جميع الاستبعادات الثمانية التي ذكرها الفقيه
والانصاف أنّها
استبعادات في محلّها (١).
وبالجملة (٢) :
فالخروج
______________________________________________________
كاشف الغطاء قدسسره وهو جواب ثان عنها كما أشرنا إليه قبل الشروع في مناقشة
كل واحد من الأمور الثمانية. ومقصود المصنف : أنّ الأجوبة المتقدمة لو لم تكن
وافية بدفع تلك الاستبعادات لم يقدح بقاؤها على حالها في القول بإفادة المعاطاة
للإباحة تعبّدا.
ووجه عدم القدح
: أنّ كاشف الغطاء قدسسره لم يذكر هذه الاستبعادات من باب إقامة الدليل على تعيّن
إفادة المعاطاة للملك ، وإنّما كان مقصوده مجرّد استبعاد القول بالإباحة ، فلا بد
للقول بالملك من إقامة دليل آخر حتى لو لم يمكن المناقشة في تلك الاستبعادات ، وبقيت
على حالها.
(١) وذلك لأنّ
غاية ما أفاده المصنف قدسسره في تصحيح القول بالإباحة والتخلّص عن تلك الاستبعادات
هو اقتضاء الجمع بين الأدلة للقول بالملك الآنامّائي قبل التصرف أو إرادته أو قبل
التلف. مع أنّ مقصود كاشف الغطاء قدسسره من هذه الوجوه إنكار هذا الجمع ، للخدشة في تلك الأدلة
، فإنّ إجماع السيد ابن زهرة مظنون المدركية بحديث نهي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع المنابذة والملامسة ، مع أنّه إجماع منقول ، وبسقوطه
عن الحجية لا يبقى موضوع للجمع المزبور من باب دلالة الاقتضاء ، حتى يترتب أثر
الملك على غير الملك ، أو جعل ما لم يعهد سببيّته للتمليك سببا له كالتلف والتصرف
، أو إرادته على التفصيل المتقدم (*).
فذلكة الكلام في
المقام الثالث
(٢) هذا إلى
قوله : «فالقول الثاني لا يخلو عن قوّة» نتيجة ما فصّله المصنف قدسسره في المقام الثالث المنعقد لتحقيق حكم المعاطاة ، من
الاستدلال على الملك بوجوه خمسة ، ثم المناقشة في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الدلالة الالتزامية الشرعية ، وفي السيرة ، وتوجيه الملك الآني ، ثم
استبعادات كاشف الغطاء المترتبة على قول مشهور القدماء من إفادتها للإباحة ، ثم
المناقشة فيها ، فالمقصود فعلا بيان المختار من الأقوال.
وتوضيح ما
أفاده قدسسره : أنّ هنا طائفتين من الأدلة تقتضي إحداهما المصير الى
مسلك القدماء من الإباحة المحضة ، وتقتضي ثانيتهما القول بالملك بنفسه مع الغضّ عن
خصوصيّة الجواز واللزوم.
أما الطائفة
الأولى فهي ثلاثة وجوه :
الأوّل : استصحاب
بقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك الدافع ، وعدم مملوكيته للآخذ.
الثاني : الشهرة
الفتوائية القدمائية على إفادة المعاطاة للإباحة المجرّدة عن الملك ، كما طفحت به
كلماتهم المتقدمة في المقام الثاني.
الثالث : الإجماع
المدّعى في الخلاف والغنية على عدم تأثير المعاطاة في الملك ، بل تؤثّر في الإباحة.
والمهمّ من هذه
الأدلة هو الاستصحاب ، إذ لا دليل على اعتبار الشهرة الفتوائية والإجماع المنقول ،
فهما يصلحان لتأييد المطلب ، ومعاضدة الاستصحاب الذي هو دليل معتمد على القول
بالإباحة ، لو لم يكن هناك دليل حاكم عليه.
وأما الطائفة
الثانية فهي ثلاثة وجوه أيضا.
الأوّل : عمومات
حلّ البيع والتجارة عن تراض ، وإطلاقات بعض العقود كالهبة والإجارة الشاملة للعقود
القولية والفعلية على حدّ سواء.
الثاني : السيرة
العقلائية القطعيّة على ترتيب آثار الملك على المأخوذ بالمعاطاة.
الثالث : الإجماع
المدّعى في جامع المقاصد وتعليق الإرشاد على إفادة المعاطاة للملك ، بناء على حمل
كلمات القائلين بالإباحة على الملك المتزلزل. فإن تمّ هذا التوجيه فهو ، وإلّا كان
الدليل على الملك أمرين : العمومات والسيرة.
عن أصالة (١) عدم الملك المعتضدة بالشهرة (٢) المحقّقة إلى زمان المحقّق
الثاني ، وبالاتفاق (٣).
______________________________________________________
والعمدة من هذه
الثلاثة عمومات البيع والعقود ، وجعل المصنف قدسسره السيرة وإجماع المحقق الكركي قدسسره مؤيّدين للعمومات.
أمّا السيرة
فلإمكان الخدشة فيها بعدم إحراز الإمضاء ، وأنّها ناشئة من قلّة المبالاة في الدين.
وأمّا الإجماع
فيمكن منعه بوجهين :
أحدهما : منع
تحقق هذا الاتفاق ، بعد صراحة كلمات القدماء في الإباحة ، الآبية عن الحمل على
الملك المتزلزل.
وثانيهما : كونه
ـ يعد تسليمه ـ محتمل المدركية ، لاحتمال استناد المجمعين إلى السيرة والعمومات ، فيكون
العبرة بالمستند لا بالاتفاق.
وحيث اتّضح أنّ
عمدة الدليل على الإباحة هو الاستصحاب ، وعمدة الدليل على الملك هو العمومات ، تعيّن
الأخذ بالثاني ، لعدم صلاحية الأصل العملي للمعارضة مع الدليل الاجتهادي حتى تصل
النوبة إلى الترجيح أو التساقط ، لما تقرّر في الأصول من تقدم الدليل على الأصل
العملي بالحكومة كما عليه المصنف ، أو بالورود كما عليه المحقق الخراساني.
ونتيجة البحث :
أنّ المختار كون المعاطاة مؤثّرة في الملك ، لا في الإباحة.
(١) هذا الأصل
عمدة وجوه القول بالإباحة.
(٢) هذه هي
المؤيّدة الاولى لاستصحاب بقاء المأخوذ بالمعاطاة على ملك الدافع.
وتقييد الشهرة
بزمان المحقق الثاني للتنبيه على انقطاع شهرة القدماء على الإباحة ، وحدوث شهرة
اخرى على الملك المتزلزل.
(٣) هذا هو
المؤيّد الثاني للاستصحاب المزبور. وقد تقدم كلام السيد في الغنية والشهيد في
القواعد عند نقل الأقوال في المقام الثاني ، والفرق بينهما صراحة كلام السيد في
الإجماع ، وظهور «عندنا» فيه في قواعد الشهيد.
المدّعى في الغنية والقواعد هنا (١) ، وفي (٢) المسالك في مسألة توقف الهبة
على الإيجاب والقبول مشكل (٣). ورفع (٤) اليد عن عموم أدلة البيع والهبة ونحوهما (٥)
المعتضدة (٦) بالسيرة (٧) القطعية المستمرة (٨) ،
______________________________________________________
(١) أي : في
حكم المعاطاة في خصوص البيع ، وغرضه من التقييد ب «هنا» التنبيه على إجماع المسالك
في عقد الهبة.
(٢) حيث قال
فيه : «وظاهر الأصحاب الاتفاق على افتقار الهبة مطلقا إلى العقد القولي في الجملة
، فعلى هذا ، ما يقع بين الناس على وجه الهديّة من غير لفظ يدلّ على إيجابها
وقبولها لا يفيد الملك ، بل مجرّد الإباحة» . بناء على اتحاد حكم البيع والهبة في توقفهما على
الصيغة وعدمه.
(٣) خبر «فالخروج»
ووجه الإشكال : أنّ الاستصحاب حجة شرعية ، وإطلاقه يقتضي الحكم ببقاء المأخوذ
بالمعاطاة على ملك الدافع. هذا كلّه في دليل القول بالإباحة.
(٤) معطوف على «فالخروج»
وغرضه بيان وجوه القول بالملك.
(٥) كالإجارة. وهذه
العمومات هي العمدة في القول بالملك.
(٦) نعت ل «أدلة».
(٧) هذه هي
المعاضدة الاولى للعمومات ، حيث إنّ بناء العقلاء على معاملة الملك مع المأخوذ
بالمعاطاة.
(٨) إلى عصر
المعصومين عليهمالسلام ، وليست من السير المستحدثة حتى يشك في إمضائها.
ولا بدّ أن
يكون مقصود المصنف قدسسره من السيرة هنا ما يعمّ سيرة العقلاء والمتشرعة حتى تكون
حجة في نفسها ، إذ لو كانت السيرة عقلائية لا متشرعية كانت مخدوشة بما تقدم عنه من
أنّها ناشئة من قلّة المبالاة في الدين.
وأما سيرة
المتشرعة فلا سبيل لهذه الخدشة فيها ، لأنّ بناء المتشرعة ـ بما هم متدينون ـ على
أمر يكشف عن تلقّيه من الشارع ورضاه به.
__________________
وبدعوى (١) الاتفاق المتقدم عن المحقق الثاني ـ بناء (٢) على تأويله لكلمات
القائلين بالإباحة ـ أشكل (٣) (*).
فالقول الثاني (٤)
لا يخلو عن قوّة.
وعليه (٥) فهل
هي لازمة ابتداء
______________________________________________________
(١) معطوف على «بالسيرة»
وهذا هو المؤيّد الثاني للقول بالملك.
(٢) قيد ل «بدعوى
الاتفاق» يعني : لو تمّ تأويل كلمات القدماء بالملك المتزلزل فهو ، وإلّا لم يكن
إجماع المحقق الثاني على الملك ثابتا ، لفرض تصريح القدماء بالإباحة ، فأين
الإجماع على الملك؟
(٣) خبر «ورفع»
ووجه أشدية الإشكال ـ في رفع اليد عن العمومات ـ ما تقدّم من أنّها دليل اجتهادي
حاكم على الأصل العملي.
فإن قلت : بناء
على الحكومة لا إشكال في الخروج عن استصحاب بقاء الملك حتى يكون رفع اليد عن
العمومات أشدّ إشكالا ، لفرض ارتفاع موضوع الأصل العملي ببركة الدليل الاجتهادي.
قلت : نعم ، لكن
المصنف قدسسره متحرّز عن مخالفة المشهور ، فلذلك لم يكن عدم الاعتناء
بالقول بالإباحة هيّنا ، وإنّما التزم بالملك لأجل الحجة الشرعية وهي العمومات.
(٤) هذه نتيجة
المباحث المتقدمة في حكم المعاطاة ، وأنّه يتعيّن الأخذ بالعمومات المقتضية لنفوذ
المعاطاة وتأثيرها في الملكية بعد صدق البيع والتجارة والعقد عليها عرفا ، على ما
مرّ مفصّلا.
المعاطاة تفيد الملك
اللازم أو الجائز
(٥) أي : وعلى
القول الثاني ـ وهو إفادة الملك ـ فهل هي لازمة؟ يعني : بعد إحراز تأثير المعاطاة
في الملك ، وبطلان سائر الأقوال تصل النوبة إلى البحث عن أنّ الملك المترتب عليها
__________________
مطلقا (١) كما حكي عن ظاهر المفيد رحمهالله ، أو (٢) بشرط كون الدال على التراضي لفظا ، كما حكي عن
بعض معاصري الشهيد الثاني ، وقوّاه جماعة من متأخري المحدثين ، أو (٣) هي غير
لازمة مطلقا ، فيجوز (٤) لكل منهما الرجوع في ماله ، كما عليه أكثر القائلين
بالملك (٥) ، بل كلّهم عدا من عرفت (٦)؟
______________________________________________________
لازم كما في البيع بالصيغة ، أم متزلزل يجوز لكل منهما الرجوع؟ في المسألة
أقوال ثلاثة :
أوّلها : إفادة
المعاطاة للملك اللازم سواء أكان الدال على التراضي لفظا أم كتابة أم إشارة أم
غيرها. وهذا منسوب الى الشيخ المفيد قدسسره من أنّها كالبيع القولي في اللزوم ، ولا جواز إلّا من
ناحية الخيار.
ثانيها : إفادتها
للملك اللازم ، بشرط كون الدال على التراضي لفظا ، حكاه الشهيد الثاني عن بعض
مشايخه. ووافقه جمع ، وقد تقدّمت كلمات بعضهم في المقام الثاني عند بيان الأقوال.
ثالثها : إفادتها
للملك الجائز دون اللازم ، سواء أكان الدال على التراضي لفظا أم غير لفظ ، ويتوقف
اللزوم على طروء أحد الملزمات ، وهو منسوب إلى أكثر القائلين بالملك من عصر المحقق
الثاني قدسسره.
واختار المصنف قدسسره القول الأوّل ، واستدل عليه بوجوه ثمانية كما سيأتي إن
شاء الله تعالى.
(١) أي : سواء
كان الدال على التراضي لفظا أم غير لفظ.
(٢) هذا هو
القول الثاني الذي أبداه بعض معاصري الشهيد الثاني قدسسرهما.
(٣) هذا هو
القول الثالث الذي نسبه المصنف قدسسره الى أكثر القائلين بالملك.
(٤) هذا متفرع
على تأثير المعاطاة في الملك الجائز ، كسائر العقود الجائزة كالهبة في جواز الرجوع
في العين ما دامت باقية.
(٥) حيث إنّ
لزوم العقد موقوف على إنشائه باللفظ.
(٦) من المحقق
الأردبيلي وجمع من علماء البحرين الّذين اعتبروا دلالة اللفظ على
وجوه (١) أوفقها بالقواعد هو الأوّل (٢) بناء على أصالة اللزوم (٣) في
الملك (*)
______________________________________________________
التراضي في اللزوم ، وإن لم تعتبر صيغة خاصة عندهم.
(١) مبتدأ
مؤخّر لخبر محذوف ، فكأنّه قيل : «فيه وجوه ثلاثة».
(٢) وهو اللزوم
من أوّل الأمر وإن لم يكن الدال على التراضي لفظا.
أدلة القول باللزوم
الدليل الأول : استصحاب
الملك الحادث بالمعاطاة
(٣) المراد
بهذا الأصل ما يعمّ اللفظي والعملي ، لأنّه قدسسره استدلّ على اللزوم بالاستصحاب ، ثم بالأدلة اللفظية
الاجتهادية ، وعليه فقوله بعده : «للشك في زواله» ليس قرينة على إرادة خصوص الأصل
العملي ، بعد صراحة قوله بعد الفراغ من الاستصحاب : «ويدل على اللزوم مضافا الى ما
ذكر عموم .. إلخ».
__________________
.................................................................................................
__________________
للشك (١) في زواله بمجرّد رجوع مالكه الأصلي (٢) (*).
______________________________________________________
(١) استدل
المصنف قدسسره على أصالة اللزوم بأدلة ثمانية كما يظهر من عدّها هنا ،
وصرّح به في أوّل التنبيه السادس بقوله : «اعلم أن الأصل على القول بالملك اللزوم
، لما عرفت من الوجوه الثمانية المتقدمة» والدليل الأوّل هو الاستصحاب ، وقد أجراه
تارة في شخص الملك الحادث بالمعاطاة ، واخرى في الملك الجامع بين الجائز واللازم ،
وثالثة في الملك مع تردده بين الشخصي والكلّي ، فهنا تقاريب ثلاثة ينبغي بيانها
تبعا لتعرض الماتن لها.
الأوّل : ما
أفاده بقوله : «للشك في زواله ..» وهو استصحاب بقاء شخص الملك ـ الحادث بالمعاطاة
ـ بعد الرجوع ، حيث يشكّ في ارتفاعه بسبب رجوع مالكه الأوّل ، وهو الدافع للمال
إلى المتعاطي الآخر ، فيستصحب بقاء ملك الآخذ ، لكونه من موارد الشك في رافعية
الموجود ، الذي لا ينبغي الارتياب في حجية الاستصحاب فيه ، كحجيّته في الشك في
وجود الرافع. فهو نظير العلم بدخول زيد في الدار والشك في موته بفجأة أو صاعقة أو
انهدام سقف عليه أو غيرها ، فتستصحب حياته وتترتب عليها الأحكام الشرعية المترتبة
عليها من حرمة تقسيم أمواله ووجوب الإنفاق وغيرهما.
(٢) المراد به
كل من المتعاطيين ، لأنّ كل واحد منهما ملّك الآخر ماله بالمعاطاة ، ويشك في
انفساخها برجوع أحدهما ، فيستصحب بقاء الملك الحادث بالمعاطاة ، وعدم تأثير الرجوع
في عود ملكيّتهما كما كان قبل المعاطاة.
__________________
ودعوى (١)
______________________________________________________
(١) هذا إشكال
على استصحاب بقاء شخص الملك ـ لأجل إثبات لزوم المعاطاة ـ ومنشأ الاشكال وجهان :
أحدهما : اختلال
بعض أركان الاستصحاب.
والآخر : وجود
أصل حاكم عليه حتى لو فرض اجتماع أركانه.
أمّا الوجه
الأوّل ، فتوضيحه : أنّه يعتبر في جريان الاستصحاب تعلّق اليقين والشك بشيء واحد
ذاتا مع تعدده زمانا ، بحيث تكون القضية المتيقنة عين المشكوكة ، كالقطع بعدالة
زيد يوم الجمعة ، والشك في بقائها يوم السبت ، فإنّ متعلّق اليقين والشك ـ وهو
العدالة ـ واحد ذاتا ومتعدد زمانا.
وليس المقام
كذلك ، لأنّ متعلّق اليقين هو القدر المشترك بين الفردين أعني به الملك اللازم
والجائز ، ومتعلّق الشك هو الفرد المعيّن وهو اللازم ، إذ الحادث على تقدير كونه
الفرد الآخر ـ وهو الملك الجائز ـ قد علم ارتفاعه بالرجوع ، فالشك في بقاء
المستصحب يستند إلى الشك في حدوث الفرد اللازم ، فيصح أن يقال : اليقين والشك لم
يتواردا على مورد واحد حتى يجري فيه الاستصحاب ، لتعلّق اليقين بالقدر المشترك ، وتعلق
الشك بحدوث الفرد المعيّن ، ومع اختلاف المتعلّق لا يجري الاستصحاب ، لعدم موضوع
له حقيقة مع الاختلاف المزبور.
وهذا نظير
اختلاف شهادة البينة في تعيين المشهود به وترديده ، كما إذا شهد أحد العدلين
بنجاسة أحد الكأسين مردّدا ، والآخر بنجاسة أحدهما المعيّن ، فلا يثبت النجاسة
حينئذ بشهادتهما ، لاختلاف المشهود به ، فيبني على طهارتهما ، إمّا لقاعدتها ، وإمّا
لاستصحابها.
وعلى هذا فجهة
الإشكال هي تعدّد متعلقي اليقين والشك ، لتعلق اليقين بالكلي ، وتعلق الشك بحدوث
الفرد الطويل ، فلا يجري استصحاب الشخص.
وأمّا الوجه
الثاني ، فتقريبه : أنّ استصحاب الملكيّة وإن كان واجدا للشرائط من اجتماع أركانه
من اليقين والشك ، إلّا أنّ هنا أصلا حاكما عليه يمنع عن جريان استصحاب الملك ،
أنّ الثابت (١) هو الملك المشترك بين المتزلزل والمستقرّ ، والمفروض انتفاء
الفرد الأوّل بعد الرجوع (٢) ، والفرد الثاني كان مشكوك الحدوث من أوّل الأمر (٣)
فلا ينفع (٤) الاستصحاب ـ بل (٥) ربما يزاد استصحاب بقاء علقة المالك ـ مدفوعة (٦)
______________________________________________________
وذلك لأنّ الشك في بقاء الملك بعد رجوع المالك الأوّل ناش من انقطاع علقته
بالمرّة بسبب البيع المعاطاتي ، وبقاء شيء من تلك العلقة التي أثرها جواز الرجوع
، فإذا استصحبنا بقاء العلقة لم يبق لاستصحاب ملكية المالك الثاني مجال. هذا توضيح
الوجهين وسيأتي الجواب عنهما.
(١) يعني : أنّ
المعلوم سابقا هو كلّي الملك المشترك بين المتزلزل والمستقرّ ، وليس المعلوم هو
خصوصية اللزوم ، فلا يكون المستصحب شخصيّا ، بل يكون كلّيّا.
(٢) إذ لو كان
المعلوم الملك المتخصّص بخصوصية الجواز فقد ارتفع قطعا بالرجوع.
(٣) يعني : فيجري
فيه استصحاب العدم ، فينتفي بذلك القدر المشترك ، لأنّه لو كان باقيا فهو لأجل
حدوث الفرد الطويل كاللزوم في المقام ، والمفروض أنّه محكوم بالعدم بمقتضى الأصل.
(٤) بل لا يجري
استصحاب الفرد ، لعدم العلم بحدوث الخصوصية ـ أي اللزوم ـ حتى يشك في بقائها ، فيجري
فيها الاستصحاب ، بل العلم تعلّق بالجامع ، والشك تعلّق بحدوث الفرد الطويل ، ومع
مغايرة متعلّقي اليقين والشك لا يجري الاستصحاب.
(٥) هذا إشارة
إلى ثاني وجهي الإشكال في استصحاب شخص الملكية الحادثة بالمعاطاة ، ومحصله : عدم
جريانه ، لوجود الأصل الحاكم.
(٦) خبر قوله :
«ودعوى» وهذا دفع الاشكال ، وليعلم أنّ المصنف قدسسره اقتصر هنا على دفع الإشكال الأوّل ، ولم يتعرض لدفع
الإشكال الثاني ـ ولعلّه اتكالا على وضوح وهنه ـ وإنّما أجاب عنه في أوّل الخيارات
كما تقف عليه في التعليقة (*) ، فالأولى الاقتصار هنا على
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ما أفاده من دفع الإشكال الأوّل ، فنقول : قد دفعه بوجهين :
أحدهما : أنه
لو سلّم كون المستصحب هو الجامع بين الملك المتزلزل والمستقر أمكن إجراء الاستصحاب
فيه بناء على ما تقرّر في الأصول من حجية القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي.
وثانيهما : أنّ
المستصحب في المقام هو شخص الملكية الحادثة بالمعاطاة ، وليس كلّيا أصلا ، وقد
برهن عليه بما سيأتي توضيحه.
__________________
ـ مضافا (١) إلى إمكان دعوى كفاية تحقق القدر المشترك في الاستصحاب ،
______________________________________________________
أمّا الوجه
الأوّل فتقريبه : أنّا نلتزم بكون المستصحب هنا كلّيا ، لا شخصيا ، ولكن لا يسقط
الاستصحاب عن الاعتبار ، لما تقرّر في علم الأصول من شمول أدلة حجيته ـ كقوله عليه
الصلاة والسلام : «لا تنقض اليقين بالشك» ـ لما إذا كان المتيقن شخصيا وكلّيا ، كما
إذا علم بحدث مردّد بين الأكبر والأصغر ، أو بنجاسة مرددة بين البول والدم ، فإنّه
بعد الإتيان برافع الحدث الأصغر كالوضوء ، وبغسل المحل مرّة يشكّ في بقاء الحدث
والنجاسة ، فيستصحب كلّي الحدث والنجاسة ، وهذا هو ثاني أقسام استصحاب الكلي الذي
حقيقته العلم بوجود الكلي في ضمن أحد فردين : أحدهما معلوم الارتفاع ، والآخر
محتمل الحدوث.
والمقام من هذا
القبيل ، فإنّه وإن لم يعلم بحدوث إحدى الخصوصيتين بالمعاطاة ـ من جواز الملك
ولزومه ـ حتى تستصحب ، لكنه لا مانع من استصحاب الجامع بينهما بعد كون الأثر
مترتبا عليه ، لا على الخصوصية.
وعليه فملخص
هذا الجواب هو : كفاية استصحاب كلّي الملك في إثبات المقصود ، وهو لزوم المعاطاة ،
وعدم الحاجة الى استصحاب الفرد ـ أي اللزوم ـ حتى يقال : إنّه مشكوك الحدوث ، فلا
يجري فيه الاستصحاب. لكن أركان الاستصحاب في القدر المشترك مجتمعة ، لليقين بحدوث
الملكية بالمعاطاة والشك في ارتفاعها برجوع أحد المتعاطيين ، ومنشأ الشك في بقاء
القدر المشترك هو تردّد الحادث بين مقطوع البقاء والارتفاع.
هذا توضيح
الجواب الأوّل. وأمّا الجواب الثاني فسيأتي إن شاء الله تعالى.
(١) الترتيب
الطبعي يقتضي تقديم الجواب الثاني على هذا الجواب ، لأنّه قدسسره جعل المستصحب شخصيا ، ومقصوده من الجواب الذّب عنه ، وأجنبية
الملك عن القدر المشترك ، لكونه حقيقة واحدة ، ولو سلّم كونه كلّيا لم تمنع كلّيته
عن جريان الاستصحاب فيه ، لما ثبت في الأصول من حجيته في القسم الثاني ، بل وبعض
أقسام القسم الثالث.
فتأمّل (١) ـ
______________________________________________________
(١) يمكن أنّ
يكون إشارة إلى وجوه :
منها
: عدم كفاية
استصحاب القدر المشترك في إثبات اللزوم ، لأنّ الشك في بقائه مسبّب عن الشك في
حدوث الفرد الطويل ، والأصل عدمه ، فلا تصل النوبة إلى جريان الاستصحاب في القدر
المشترك ، لكون الشك فيه مسبّبا عن الشك في حدوث الفرد الطويل ، والأصل الجاري في
الشك السببي حاكم على الأصل الجاري في الشك المسببي ، هذا.
ففي المقام
يتسبّب الشك في بقاء الملك وارتفاعه ـ بعد الرجوع ـ عن الشك في حدوث ملك لازم
بالمعاطاة ، ويستصحب عدم حدوثه ، لكون هذا العدم متيقنا قبل التعاطي ، ويترتب على
إحراز عدم حدوث الملك اللازم ارتفاع الملك بالرجوع ، وينتفي الشكّ تعبدا في بقاء
القدر المشترك بين الملك اللازم والجائز.
لكن المصنف
أجاب عنه في رسالة الاستصحاب «بأنّ ارتفاع القدر المشترك من آثار كون الحادث ذلك
المقطوع الارتفاع ، لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر. نعم اللازم من عدم حدوثه
عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني ، لا ارتفاع المشترك
بين الأمرين ، وبينهما فرق واضح» (*).
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ومنها : أنّ
الشك ليس في المقتضي حتى لا يجري فيه الاستصحاب على مبنى المصنف ، بل في رافعيّة الموجود
وهو الرجوع ، حيث إنّ الملكية من الأمور الاعتبارية التي لها في حدّ ذاتها اقتضاء
الدوام والاستمرار ، فليست الملكية الجائزة كالنكاح المنقطع الذي لا استمرار فيه ،
بل يرتفع بنفس مضيّ زمانه وأمده. وهذا بخلاف الملك ، فإنّ زواله منوط بطروء زماني
كرجوع المالك الأصلي ، فلا يكون الشك في الملكية شكّا في المقتضي ، بل من الشك في
وجود الرافع ورافعيّة الموجود.
فيندفع بهذا
البيان ما في حاشية المحقق الخراساني قدسسره من «عدم كفاية استصحاب القدر المشترك ، لكونه من الشك
في المقتضي الذي لا يكون الاستصحاب حجّة فيه» .
ووجه الاندفاع
ظاهر مما ذكرنا.
: أنّ المقصود من استصحاب القدر المشترك هو عدم تأثير
الرجوع في زوال الملكية ، وليس هو من آثار القدر المشترك بين الملك اللازم والجائز
، بل من آثار خصوص الأوّل ، فلا تصح دعوى كفاية تحقق القدر المشترك.
ومحصل دفعه منع
كون المقصود ذلك ، بل المقصود من استصحاب القدر المشترك إثبات صرف الملك ، وعدم
تأثير الرجوع في زواله لازم عقلي له ، ولا ضير فيه بعد كون المستصحب حكما شرعيا ، كوجوب
الإطاعة عقلا المترتب على الوجوب والحرمة الثابتين شرعا بالاستصحاب.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
__________________
بأنّ (١) انقسام الملك الى المتزلزل والمستقرّ ليس باعتبار اختلاف في حقيقته
، وإنما
______________________________________________________
(١) هذا هو
الجواب الثاني من وجهي دفع الاشكال ، وحاصله : منع انقسام الملك الى قسمين وتنوّعه
بنوعين حتى يكون كل من المتزلزل والمستقر فردا لطبيعة الملك كي يجري الاستصحاب في
تلك الطبيعة التي هي القدر المشترك بينهما. وعلى هذا فلا كليّ هنا حتى يجري فيه
الاستصحاب ، بل يجري في الشخص ، وهو الملكية التي هي إضافة خاصة بين المالك
والمملوك ، فالتزلزل والاستقرار ينشأان ـ من حكم الشارع على الملك بزواله برجوع
المالك الأصلي في بعض الموارد ، وببقائه وعدم زواله برجوع المالك الأصلي في بعضها
الآخر. فاللّزوم والجواز حكمان للملك ، وليسا منوّعين له ، بل هما من أحكام السبب
المملّك لا من خصوصيات المسبّب وهو الملك.
__________________
هو باعتبار حكم الشارع عليه في بعض المقامات بالزوال برجوع (١) المالك
الأصلي. ومنشأ هذا (٢) الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملّك ، لا اختلاف حقيقة
الملك ، فجواز الرجوع وعدمه من الأحكام الشرعية للسبب (٣) ، لا من الخصوصيات
المأخوذة في المسبب (٤) (*).
______________________________________________________
والحاصل : أنّه
بعد كون الجواز واللزوم من أحكام الملك ـ لا من خصوصيات نفس الملك ـ لا جامع
بينهما حتى يجري فيه استصحاب الكلّي ، بل الجاري فيه هو استصحاب الشخص.
هذا كله بحسب
الدعوى ، وقد استدلّ عليه بوجهين سيأتي بيانهما.
(١) متعلق ب «زوال»
وضميرا «حقيقته عليه» راجعان الى الملك.
(٢) يعني : اختلاف
حكم الشارع بجواز الرجوع وعدمه.
(٣) كالبيع
والهبة وغيرهما من الأسباب المملّكة.
(٤) وهو الملك
، فلا يكون اللزوم والجواز من الخصوصيات الدخيلة في حقيقة الملك.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
ويدل عليه (١)
ـ مع (٢) أنّه يكفي في الاستصحاب الشّك في أنّ اللزوم من
______________________________________________________
(١) أي : ويدلّ
على كون الجواز واللزوم من أحكام الملك لا من الخصوصيات المنوّعة له .. إلخ.
(٢) ظاهره ـ بمقتضى
السياق ـ كونه دليلا على أنّ اللزوم والجواز من أحكام الملك ، لا من الخصوصيات
الدخيلة في حقيقته ، لكن من البديهي عدم إرادة ذلك ، لأنّ غرضه قدسسره عدم الحاجة الى إقامة الدليل على كون اللزوم والجواز من
أحكام السبب لا من الخصوصيات الدخيلة في المسبب وهو الملك.
وجه عدم الحاجة
إلى ذلك : عدم توقف صحة الاستصحاب المزبور ـ وهو استصحاب الملك ـ على إحراز كون
اللزوم والجواز من أحكام الملك لا من خصوصياته المنوّعة له ، لأنّ الاستصحاب
المزبور يجري ، ويثبت اللزوم ، ولو مع الشك في كون اللزوم والجواز من خصوصيات نفس
الملك حتى يكون المستصحب كلّيا ، أو من أحكام الملك حتى يكون شخصيّا.
والوجه في
جريان استصحاب الملكية مع هذا الشك هو : أنّه بناء على كون الإشكال في جريان
استصحاب الكلي حكومة الأصل السببي يكون الشك هنا في وجود المانع عن استصحاب
الملكية ، إذ لو كان المستصحب كلّيا فالمانع موجود ، وإن كان شخصيّا فلا مانع ، فمرجع
الشك حينئذ إلى الشك في وجود المانع وهو الأصل الحاكم وعدمه. وعليه لا مانع من
جريان استصحاب الملكية.
وبالجملة : بناء
على المنع عن جريان استصحاب الكلي ـ لأجل حكومة الأصل السببي
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
عليه ـ لا مانع من جريان استصحاب الملكية في المقام ، لكون الشك في وجود
المانع عن جريانه ، حيث إنّه لو كان اللزوم والجواز من خصوصيات الملك لا من أحكامه
لم يجر الاستصحاب ، لكون المستصحب حينئذ كلّيا ، والأصل الحاكم عليه موجود. وإن
كان من أحكامه فالمستصحب شخصي ، والاستصحاب جار فيه ، فمرجع الشك حينئذ إلى وجود
المانع وهو الأصل الحاكم وعدمه ، وما لم يحرز وجود الحاكم يجري الأصل المحكوم ، فلا
مانع من جريان استصحاب الملكية ، فلا يتوقف جريان استصحاب الملكية على إحراز كون
اللزوم والجواز من أحكام الملك ، لا من خصوصياته المنوّعة له (*).
هذا توضيح ما
أفاده المصنف قدسسره.
ومنه يظهر أن
قوله : «مع أنّه يكفي في الاستصحاب» إشارة إلى تقريب ثالث لاستصحاب الملك الحاصل
بالمعاطاة ، سواء أحرز كون المستصحب شخصيا أم كليا ، أم شك في شخصيته وكلّيته ، وكان
المناسب تأخيره عمّا هو بصدده فعلا من الاستدلال على أنّ الملك الحاصل بالعقد واحد
شخصي ، ويرجع تزلزله واستقراره إلى السبب المملّك.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
خصوصيات الملك أو من لوازم السبب المملّك. ومع أنّ المحسوس (١) بالوجدان
أنّ إنشاء (٢) الملك في الهبة اللازمة وغيرها على نهج واحد ـ أنّ (٣) اللزوم
والجواز لو كانا من خصوصيات الملك فإمّا أن يكون تخصيص القدر المشترك
______________________________________________________
(١) قد تقدم في
توضيح قوله : «لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب» الإشارة إلى : أنّه قدسسره استدل بدليلين على مدعاه من أنّ الملكية في جميع
الموارد حقيقة واحدة ، وأنّ اللّزوم والجواز غير منوّعين لها ، بل هما حكمان
شرعيان عارضان عليها ، ولا يتنوع الموضوع بحكمه المتأخر عنه.
وما أفاده
بقوله : «مع أن المحسوس» هو الدليل الأوّل على هذه الدعوى ، بتقريب : أنّ الملكية
المنشئة في الهبة اللازمة ـ التي يكون الملك فيها لازما ـ والملكية المنشئة في غير
الهبة اللازمة من العقود الجائزة كالهبة للأجنبي تكونان على نهج واحد ، فليس
المنشأ في العقود اللّازمة والجائزة إلّا إضافة الملكية التي هي أمر بسيط شخصي ، وإنّما
الشارع حكم في هبة ذي الرحم باللزوم ، وفي هبة الأجنبي بجواز الرجوع.
وعليه فلا يوجب
الحكم باللزوم تارة وبالجواز أخرى تنوّعا في حقيقة الملك حتى يصير الملك اللازم
حقيقة مباينة للملك الجائز ، بل هما حكمان شرعيّان للملك يستندان إلى السبب
المملّك.
(٢) الأولى أن
يقال : الملكية المنشئة في الهبة.
(٣) هذا دليل
ثان على كون اللزوم والجواز من أحكام الملك لا من مقوّماته ، ومحصله : أنّ اللزوم
والجواز لو كانا من خصوصيات الملك كان تخصيص القدر المشترك باللزوم والجواز ـ الموجبين
لتشخّصه ـ إمّا بجعل المالك ، وإمّا بجعل الشارع ، ولا ثالث لهما ، لأنّهما إن
كانا حكمين لموضوعهما فلا بد أن يكون التخصيص وظيفة الشارع ، وإن كانا دخيلين في
الموضوع فلا بد أن يكونا من فعل المالك ، فلا ثالث في البين.
فإن كان الأوّل
فلازمه التفصيل في الحكم باللزوم أو الجواز بين صور ثلاث :
إحداها : أن
يقصد المالك اللزوم ، ويجعله ، فيحكم به لا غير.
بإحدى (١) الخصوصيتين بجعل المالك أو بحكم الشارع.
فان كان الأوّل
(٢) كان اللازم التفصيل بين أقسام التمليك المختلفة بحسب (٣) قصد الرجوع (٤) وقصد
عدمه ،
______________________________________________________
ثانيتها : أن
يقصد الجواز ، ويجعله ، فيحكم به دون غيره.
ثالثتها : أن
لا يحكم بشيء من اللزوم والجواز فيما إذا لم يجعل المالك شيئا منهما ولم يقصده ، بأن
أنشأ الملكية المهملة عن خصوصيتي اللزوم والجواز.
وبالجملة : يدور
اللزوم والجواز مدار قصد المالك لهما ، فإذا قصد أحدهما حكم به ، وإلّا فلا يحكم
بشيء منهما. وذلك ـ أي دوران اللزوم والجواز مدار قصد المالك ـ بديهيّ البطلان ، ضرورة
أنّه لا يؤثّر قصد المالك في ذلك أصلا ، ولذا لو وهب لأجنبيّ عينا ولذي رحم اخرى
مع الغفلة عن الجواز واللزوم كانت الهبة الأولى جائزة والثانية لازمة ، وقصد
اللزوم في الأولى يوجب البطلان ، لأنّه على خلاف تشريع الهبة للأجنبي ، وعلى فرض
الصحة تكون جائزة.
وكذا الحال إذا
قصد الجواز في الثانية ، فإنّها لا تصح جائزة ، بل إمّا تبطل وإمّا تصحّ لازمة.
فالنتيجة : أنّه
ثبت بالدليلين المتقدمين كون اللزوم والجواز من أحكام الملك.
(١) هذا وقوله
: «بجعل» و«بحكم» متعلق ب «تخصيص» يعني : أنّ تعيين كلّي الملك تارة في الجائز
واخرى في اللازم إمّا يتسبّب عن قصد المالك وجعله ، وإمّا يتسبب عن إرادة الشارع
وحكمه ، ولا ثالث لهما.
(٢) أي : كان
تخصيص القدر المشترك بإحدى الخصوصيتين بجعل المالك ، وعليه فاسم «كان» ضمير راجع
الى التخصيص.
(٣) متعلق ب «المختلفة»
أي : كان اختلاف حصول الملك الجائز تارة واللازم اخرى دائرا مدار قصد المملّك
الرجوع حتى يكون جائزا ، وقصده عدم الرجوع حتى يكون الملك لازما.
(٤) الأولى
تبديله بقصد الجواز واللزوم ، وكذا قوله : «إذ لا تأثير لقصد المالك في الرجوع».
أو عدم قصده (١). وهو (٢) بديهي البطلان ، إذ (٣) لا تأثير لقصد المالك في
الرجوع وعدمه.
وإن كان (٤)
الثاني لزم إمضاء الشارع العقد على غير ما قصده (٥) المنشئ ، وهو (٦) باطل في
العقود ،
______________________________________________________
(١) أي : عدم
قصد الرجوع ، بأن قصد المالك التمليك المهمل العاري عن خصوصيتي اللزوم والجواز ، فيلزم
أن يقع الملك المشترك بينهما ، لا خصوص اللازم والجائز. مع أنّه بديهي البطلان ، إذ
الملكية الاعتبارية لا تخلو من أن تقع لازمة أو جائزة ، فعدم قصد الخصوصية لا يوجب
وقوع الملك الجامع بين الخصوصيتين ، وهذا دليل قطعي على بطلان الاحتمال الأوّل وهو
دوران الجواز واللزوم مدار قصد المالك.
(٢) أي : التفصيل
بين أقسام الملك ـ بحسب قصد الملك ـ باطل بالبداهة ، فإنّ الهبة لغير ذي رحم تفيد
ملكا متزلزلا سواء قصد الواهب الرجوع في هبته أم لم يقصده ، أو قصد عدم الرجوع.
(٣) تعليل
لبداهة البطلان ، وقد عرفته.
(٤) معطوف على «فان
كان الأوّل» وهذا هو الشق الثاني من المنفصلة ، يعني : إذا كان تخصيص القدر
المشترك بإحدى الخصوصيتين مسبّبا عن حكم الشارع باللزوم تارة وبالجواز أخرى لزم
تخلف قاعدة تبعية العقود للقصود ، فإذا قصد المالك في الهبة لذي رحم الجواز ـ لقصده
الرجوع ، وحكم الشارع بصحة هبته ولزومها ـ لزم تخلف العقد عن قصد الرجوع ، مع وضوح
تبعية العقود الصحيحة للقصود.
(٥) لأنّ الشارع
جعل الملكية اللازمة مع قصد المالك الملكية الجائزة ، وبالعكس.
(٦) يعني : وإمضاء
الشارع العقد على غير ما قصده المنشئ باطل ، لما تقدم من أنّ العقود المصحّحة شرعا
تابعة للقصود ، يعني : أنّ العقد الصحيح عبارة عن إمضاء الشارع العقد على النحو
المقصود للمنشئ ، فلا يمكن أن يكون ممضى شرعا مع مخالفته لمقصود المنشئ ، فلو قصد
اللّزوم مثلا لم يصحّ إمضاء الشارع لذلك العقد على وجه الجواز.
.................................................................................................
______________________________________________________
وعليه فلا ربط
لحكم الشارع ـ باللزوم والجواز ـ بقصد المتعاقدين أصلا ، إذ لا عبرة بقصدهما في
لزوم العقد وجوازه.
فإن قلت : هذا
الشق الثاني من المنفصلة ممنوع ، لمنع الملازمة بين قوله : «وان كان الثاني لزم
إمضاء .. إلخ» وحينئذ لا سبيل لإحراز كون الملك المنشأ في العقود أمرا بسيطا حتى
يرجع الاختلاف باللزوم والجواز إلى التعبد الشرعي ، بل يحتمل كون الملك الجائز
مغايرا للملك اللازم حقيقة ، فلا يتم استصحاب الشخص حينئذ ، ولا بد من استصحاب
القدر المشترك.
وجه منع
الملازمة : أنّ المصنف قدسسره صرّح في مناقشة أول استبعادات كاشف الغطاء قدسسره بأنّ مورد قاعدة تبعية العقود للقصود هو العقد الصحيح
الذي أمضى الشارع ما قصده المتعاقدان ، فإن أحرز الإمضاء تعيّن ترتب الأثر المقصود
على العقد ، وإن لم يحرز فلا.
وعلى هذا فلمّا
كانت المعاطاة معاملة فعلية لم يحرز إمضاؤها شرعا لم يكن بأس بتخلّفها عن التمليك
اللازم الذي قصده المتعاطيان. فلا مانع من كون الملك طبيعيا جامعا بين اللازم
والجائز ، ويتوقف حصول كل واحد من النوعين أو الفردين على تعيين الشارع. ولم يلزم
منه مخالفة قاعدة التبعية أصلا ، لأنّ هذه القاعدة مخصوصة بالعقود الصحيحة. ونتيجة
ذلك عدم إثبات شخصية الملك حتى يرجع اللزوم والجواز إلى محض التعبد الشرعي.
قلت : بل
الملازمة ثابتة ، فإنّها مبتنية على مقدمتين مسلّمتين :
الأولى : أنّ
أصالة اللزوم لا تختص بالمعاملة الفعلية المملّكة ، بل تجري في العقد اللفظي
المملّك ، مثلا لو شكّ في أنّ الملكية المنشئة بعقد السبق والرماية جائزة يجوز
الرجوع فيها قبل إصابة النصل ، أو لازمة لا يجوز الرجوع فيها؟ جرى استصحاب شخص
الملك الحادث بالعقد ، ويحكم بلزومه. ولا ريب في أنّ الملكية المنشئة بالعقد
اللفظي حقيقة واحدة لا تعدد فيها بالنوع والمرتبة والفرد ، ويرجع اللزوم والجواز
إلى تأثير السبب المملّك ، لا إلى نفس الملك.
الثانية : أنّه
ثبت عدم القول بالفصل بين موارد حصول الملك ، فسواء كان اللزوم والجواز من خصوصيات
السبب القولي أم من خصوصيات المسبّب ـ في المعاملة الفعلية ـ
لما (١) تقدّم (٢) أنّ العقود المصحّحة عند الشارع تتبع القصود. وإن أمكن (٣)
القول بالتخلّف هنا في مسألة المعاطاة بناء على ما ذكرنا سابقا (٤) انتصارا للقائل
______________________________________________________
تجري أصالة اللزوم في الملك ، لبنائهم على حجية هذا الأصل في العقود
القولية والمعاملات الفعلية ، ولمّا كان المستصحب في العقد اللفظي شخص الملك
الحادث بالعقد كان كذلك في السبب الفعلي أيضا.
ونتيجة هاتين
المقدمتين : أنّ قاعدة التبعية وإن لم تجر في المعاملة الفعلية كالمعاطاة ، إلّا
أنّ قاعدة اللزوم لا تختص بالمعاطاة ، بل تشمل العقود اللفظية المفيدة للملك أيضا
، فحينئذ نجري فيها الدليل المزبور ، وهو «أنّ اللزوم والجواز إن كانا من خصوصيات
الملك بحكم الشارع لزم إمضاء الشارع العقد على غير الوجه الذي أنشأه العاقد ، فيلزم
تخلف العقد عنه ، وهو باطل بالضرورة».
وعليه فإذا ثبت
عدم كون اللزوم والجواز في العقود اللفظية من خصوصيات الملك ـ بحكم الشارع ـ ثبت
عدم كونهما من خصوصيات الملك في العقود الفعلية بحكم الشارع أيضا ، لعدم القول
بالفصل في حقيقة الملك بين سببها القولي والفعلي ، فاللزوم والجواز خارجان عن
حقيقة الملك مطلقا من دون فرق بين موارده من العقود اللفظية والفعلية.
(١) تعليل
لبطلان الشق الثاني من المنفصلة ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «يعني : إذا كان تخصيص
القدر المشترك بإحدى الخصوصيتين .. إلخ».
(٢) حيث قال في
مناقشة استبعادات كاشف الغطاء قدسسره : فإنّ تبعية العقد للقصد وعدم انفكاكه عنه إنما هي
لأجل دليل صحة ذلك العقد .. إلخ.
(٣) غرضه رفع
محذور منافاة إمضاء الشارع لقاعدة تبعية العقود للقصود ، ومحصل ما أفاده في رفع
المنافاة هو : أنّ مورد قاعدة تبعية العقود للقصود هو العقود القولية لا الفعلية ،
وقد تقدّم توضيحه بقولنا : «فان قلت : هذا الشق الثاني من المنفصلة ممنوع .. إلخ».
(٤) عند التعرض
لأجوبة استبعادات بعض الأساطين ، حيث قال : «أما حكاية تبعية العقود وما قام
مقامها .. الى أن قال : أمّا المعاملات الفعلية التي لم يدلّ على صحتها دليل فلا
يحكم
بعدم الملك من (١) منع وجوب إمضاء المعاملات الفعلية على طبق قصود
المتعاطيين.
لكن (٢) الكلام
في قاعدة اللزوم في الملك يشمل العقود أيضا (٣).
______________________________________________________
بترتب الأثر المقصود عليها».
(١) بيان لقوله
: «ما ذكرنا».
(٢) هذا جواب
قوله : «وإن أمكن القول بالتخلف» وغرضه تصحيح الشق الثاني من المنفصلة المتقدمة ، وقد
أوضحناه بقولنا : «قلت ، بل الملازمة ثابتة .. إلخ».
(٣) يعني : كما
تشمل المعاملات الفعلية ، فقاعدة تبعية العقد للقصد وإن اختصت بالعقود اللفظية ، لكن
أصالة اللزوم لا تختص بالمعاطاة ، بل تعمّ العقود اللفظية أيضا (*).
__________________
قدسسره
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
وبالجملة (١) فلا
إشكال في أصالة اللزوم في كل عقد (٢) شكّ في لزومه شرعا.
وكذا (٣) لو
شكّ في أنّ الواقع في الخارج هو العقد اللازم أو الجائز كالصلح من
______________________________________________________
(١) هذه خلاصة
ما حقّقه المصنف قدسسره في جريان استصحاب الملك في الشبهة الحكمية ـ عند الشك
في لزومه وجوازه ـ بتقاريب ثلاثة تقدمت مفصّلا.
(٢) مملّك ، لا
كلّ عقد ولو غير مملّك أيضا ، ولذا لا تجري قاعدة اللزوم في العقد المردّد بين
كونه قرضا وبين كونه وديعة ، لعدم إحراز أصل الملك حتى تجري أصالة اللزوم في الشك
في اللزوم والجواز كما لا يخفى.
هذا تمام
الكلام في جريان أصالة اللزوم في الشبهة الحكمية التي هي المقصد الأصلي من عقد
البحث ، إذ الغرض المهم في المقام هو إثبات ترتب الملك اللازم على المعاطاة بعد
الفراغ عن ترتب أصل الملك عليها. وسيأتي لهذا الأصل تتمة في جريانه في الشبهة
الموضوعية إن شاء الله تعالى.
(٣) هذا إشارة
إلى حجية أصالة اللزوم في الشبهة الموضوعية كالحكمية. وكلامه قدسسره يتضمن جهتين من البحث :
إحداهما : بيان
الحكم الكلّي ، أي ما يفتي به الفقيه في كل مورد تردّد العقد الخارجي
__________________
دون عوض ، والهبة (١).
نعم (٢) لو تداعيا
احتمل
______________________________________________________
المملّك بين كونه مفيدا للزوم والجواز ، كما لو شك في أنّ المنشأ صلح على
هذه العين بلا عوض حتى يكون العقد لازما ، أم هبة حتى يكون العقد جائزا يصح فيه
الرجوع؟ فيبني على لزوم العقد باستصحاب الملك ، وإن لم يترتب عليه أحكام عقد الصلح
، لقصور الأصل الجاري في الجامع بين الخصوصيتين عن إثبات خصوصية الحادث. والظاهر
أنّ المستصحب هنا هو الكلّي لا شخص الملك.
ثانيتهما : بيان
حكم ترافع المتعاقدين ، وادّعاء أحدهما وقوع عقد لازم ، والآخر وقوع عقد جائز حتى
يصح معه الرجوع. والحكم هنا يبتني على ما هو مذكور في كتاب القضاء من أنّ العبرة
بالغرض من الترافع أم بمصبّ النزاع؟ وسيأتي بيان حكم هذه الصورة.
(١) أي : هبة
غير ذي رحم ، وإلّا كان العقد الواقع لازما على كل حال ، لكون الصلح لازما.
فتحصل : أنّ
أصالة اللزوم تجري في الملك مطلقا من غير فرق بين كونه ناشئا من العقود اللفظية
والفعلية ، فإنّ للملك حقيقة واحدة في جميع العقود.
(٢) استدراك
على قوله : «وكذا لو شك .. إلخ» وهذا إشارة إلى الجهة الثانية مما تعرض له في
الشبهة الموضوعية ، يعني : أنّ مقتضى أصالة اللزوم ـ مع شك كلّ من المتعاقدين في
كون الواقع عقدا لازما أو جائزا ـ هو البناء على اللزوم ، وعدم تأثير رجوع المالك
الأصلي في الفسخ لكنه في صورة الاختلاف والترافع هو التحالف ، كما لو ادّعى أحدهما
العلم باللزوم لكون العقد الواقع صلحا ، وادعى الآخر العلم بالجواز وأنّه هبة.
توضيحه : أنّه
تارة يكون الغرض من الدعوى تعيين خصوصية السبب الواقع ، وأنّه صلح أو هبة ، وأخرى
يكون الغرض بقاء الملك بالرجوع وعدمه.
ففي الصورة
الأولى يرجع الى التحالف ، لعدم أصل يقتضي تعيين العقد الواقع ، وقول كلّ منهما
مخالف للأصل ، فكلّ منهما مدّع لشيء ينكره الآخر ، فينطبق على هذه الصورة ضابطة
التحالف التي هي ادّعاء كلّ من المتداعيين على الآخر ما ينفيه الآخر ، بدون
الاتفاق على أمر واحد ، كما في الحدائق التصريح به .
__________________
التحالف (١) في
الجملة (٢).
ويدل (٣) على
اللزوم ـ مضافا إلى ما ذكر (٤) ـ عموم قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم [قولهم] : «الناس مسلّطون على أموالهم (٥)»
______________________________________________________
وإن شئت فقل : إنّ
قول كلّ منهما موافق للأصل من جهة ومخالف له من جهة أخرى.
وفي الصورة
الثانية يقدّم قول من يدّعي انتفاء الملكيّة بالرجوع ، لمخالفة قوله لقاعدة اللزوم.
(١) ويقابل هذا
الاحتمال ما عن المشهور من احتمال كون اليمين على مدّعي الجواز ، وإن كانت صورة
الدعوى تعيين العقد. وهذا وجيه ، لأنّ المدار في المرافعات على أغراض المترافعين
ونتيجة دعواهم ، ومن المعلوم أنّه لا أثر لتعيين العقد إلّا ما يترتب عليه من
الأثر وهو اللزوم أو الجواز.
وما عن الجواهر
من «احتمال التحالف مطلقا سواء أكانت صورة الدعوى تعيين العقد أم الجواز واللزوم» لا
يخلو من غموض. والتفصيل في محله.
(٢) وهو الصورة
الأولى ، وهي كون الغرض تعيين العقد الواقع.
الدليل الثاني : حديث
السلطنة
(٣) هذا هو
الدليل الثاني على أصالة اللزوم ، وهذا وما بعده من عمومات الكتاب والسنة تدل على
أصالة اللزوم في الملك بما أنّها أصل لفظي لا عملي ، ولذا كان الأنسب تقديم هذه
الأدلة السبعة على ما ذكره من الاستصحاب كما لا يخفى وجهه.
(٤) وهو أصالة
اللزوم في الملك.
(٥) هذا تقريب
الاستدلال بالحديث الشريف النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم على أصالة اللزوم في الملك بالإطلاق.
ومحصّل تقريب
الاستدلال ـ على نحو لا يرد عليه إشكال الشبهة المصداقية ـ هو : أنّه قد تقدم في
أدلة مملكية المعاطاة أنّ هذا الحديث وان كان قاصرا عن إثبات مشروعية
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
الأسباب ، إلّا أنّه يدل على سلطنة المالك على أنحاء التصرفات في ماله ، سواء
أكان تصرفا خارجيا أم اعتباريا.
وعلى هذا نقول
: إنّ مقتضى تشريع سلطنة مطلقة للمالكين على أموالهم هو جواز كل تصرف للمالك
بمجرّد تحقق التعاطي المفيد للملك حسب الفرض ، ومنع الغير عن التصرفات المزاحمة ، ومن
المعلوم أنّ فسخ المالك الأوّل وتملّكه لما انتقل عنه بالمعاطاة ينافي تلك السلطنة
المطلقة ، فيدفع بإطلاق السلطنة ، ويثبت به عدم نفوذ فسخه ، ولا نعني بلزوم الملك
إلّا عدم تأثير فسخ المالك الأوّل فيه.
فإن قلت : إنّ
التمسك بهذا الحديث للزوم الملك تشبّث به في الشبهة المصداقية ، لأنّ موضوع
السلطنة هو المال المضاف إلى المالك ، وأنّ السلطنة مترتبة على هذه الإضافة ترتّب
الحكم على موضوعه ، ومن المعلوم أنّ إطلاق السلطنة ـ كسائر الأحكام ـ لا يقتضي حفظ
الموضوع ، إذ ليس شأن الحكم ذلك ، بل الحكم يثبت على تقدير وجود الموضوع من باب
الاتفاق ، فانحفاظ ملكيّة المال للمالك خارج عن مدلول السلطنة التي هي متفرعة على
هذه الإضافة ، ولعلّ رجوع المالك الأوّل يرفع موضوع السلطنة وهو ملكيّة المال
للمالك الآخذ ، لاحتمال خروجه عن ملكه برجوع مالكه الأصلي ، وحينئذ لا يمكن تطبيق
القاعدة ، لعدم إحراز موضوعها.
ولو قيل بأنّ
الاستصحاب يقتضي بقاء المال على ملك من انتقل إليه بالمملّك الشرعي ، قلنا : انه
رجوع عن الاستدلال بقاعدة السلطنة على اللزوم إلى الاستصحاب ، هذا.
قلت : لا يرد
هذا الاشكال ، وذلك لأنّ مقتضى إطلاق السلطنة الفعليّة للمالك على ماله هو المنع
عن المزاحمات التي منها تملّك الغير له بالفسخ ، فإنّ تملّك الغير ينافي سلطنة
المالك بداهة ، فالقاعدة تقتضي عدم تأثير الفسخ في رجوع المال إلى ملك مالكه
الأوّل ، ولا نعني باللزوم إلّا عدم نفوذ تملك المالك الأصلي له بالفسخ.
وبالجملة : فاحتمال
خروج المال عن ملك المالك بلا إذنه منفي بقاعدة السلطنة ، فليست الشبهة مصداقيّة
حتى لا يجوز التمسك بالقاعدة.
فإنّ (١) مقتضى السلطنة أن لا يخرج (٢) عن ملكيته (٣) [ملكه] بغير اختياره
، فجواز تملّكه (٤) عنه بالرجوع فيه من دون رضاه مناف للسلطنة المطلقة.
فاندفع (٥) ما
ربما يتوهم من (٦) : أن غاية مدلول الرواية سلطنة الشخص على ملكه ، ولا نسلّم
ملكيّته له بعد رجوع المالك الأصلي (٧) (*).
______________________________________________________
(١) هذا تقريب
الاستدلال بالحديث ، ومحصله : ظهوره في أنّ المجعول هو السلطنة المطلقة غير
المحدودة بشيء ، فإذا تحققت إضافة الملكية بالمعاطاة مثلا وقعت جميع شؤون المملوك
تحت اختيار المالك الفعلي وسلطنته ، ولم يجز لغيره ـ سواء كان هذا الغير المالك
الأوّل أم شخصا أجنبيا ـ أن ينتزع المال من مالكه بدون رضاه ، ومن المعلوم أنّ
المال لو لم يكن ملكا لازما للمتعاطي لجاز للمالك الأوّل أن يستردّه منه ، ولم تكن
سلطنة المتعاطي مطلقة ، بل كانت مقيّدة بعدم رجوع الطرف ، مع أنّ مدلول الحديث
سلطنة المالك مطلقة وغير مقيّدة برجوع الآخر وعدم رجوعه ، وهذا هو اللزوم.
(٢) الضمير
المستتر وضميرا «تملّكه ، فيه» راجعة إلى المال.
(٣) هذا الضمير
وضمائر «اختياره ، عنه ، رضاه» راجعة إلى المالك ، المستفاد من العبارة.
(٤) يعني : إذا
جاز للمالك الأوّل أن يتملّك المال بالرجوع كان منافيا للسلطنة المطلقة للمالك
الفعلي.
(٥) هذه نتيجة
تقريب الاستدلال ، ومقتضاه عدم المجال لاحتمال كون المقام من التمسك بالدليل في
الشبهة المصداقية ، الذي تقرّر عدم جوازه في الأصول.
(٦) قد تقدّم
توضيح هذا التوهم بقولنا : «فان قلت : ان التمسك بهذا الحديث .. إلخ» كما تقدّم
جوابه بقولنا : «قلت : لا يرد هذا الإشكال».
(٧) إذ لعلّه
عاد بالرجوع الى ملك المالك الأوّل ، ويرتفع موضوع سلطنة المالك الفعلي حينئذ. هذا
تمام التوهم. ولم يذكر المصنف قدسسره جوابه اتكالا على ما أفاده في تقريب الاستدلال بالحديث
، وقد تقدم توضيحه.
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ولما (١) ذكرنا
تمسّك المحقّق قدسسره في الشرائع على لزوم القرض بعد القبض بأنّ (٢)
______________________________________________________
(١) أي : ولأجل
كون مقتضى السلطنة المطلقة على الملك عدم خروجه عن ملكه بغير اختياره تمسّك المحقق
في الشرائع على لزوم القرض ـ الذي هو من موجبات الملك ـ بأنّ فائدة الملك السلطنة.
وغرض المصنف إقامة الشاهد على ما استظهره من الحديث النبوي من دلالته على جعل
السلطنة المطلقة للملّاك على أموالهم ، وأنّ تحديدها بشيء يتوقف على دليل.
قال المحقق : «القرض
يملك بالقبض ، لا بالتصرف ، لأنّه فرع الملك ، فلا يكون مشروطا به. وهل للمقرض
ارتجاعه؟ قيل : نعم ولو كره [اكره] المقترض. وقيل : لا ، وهو الأشبه ، لأنّ فائدة
الملك التسلّط» .
(٢) يعني : أنّ
فائدة ملك المقترض هي السلطنة على العين المقترضة ، وهذه السلطنة مانعة عن رجوع
المقرض ، فليس له الرجوع بدون إذن المديون ، لأنّ تملّكه برجوعه مناف لسلطنة
المقترض على ماله ، فلا ينفذ. فدليل السلطنة يدلّ بالدلالة الالتزامية على عدم
جواز الرجوع ، وعدم نفوذه ، لأنّ لازم نفوذه عدم سلطنة المالك على ماله.
__________________
__________________
فائدة الملك السلطنة. ونحوه العلّامة قدسسره في موضع آخر (١).
ومنه (٢) يظهر
جواز التمسك بقوله عليهالسلام : «لا يحلّ مال امرء إلّا عن طيب نفسه»
______________________________________________________
فالمتحصل : أنّه
لا ينبغي الإشكال في كون تملّك مال الغير بلا إذنه ـ وبدون طيب نفسه ـ منافيا
لسلطنة المالك ، فيدفع بإطلاق دليل السلطنة.
(١) يعني : غير
كتاب القرض ، ولعلّ مقصود المصنف ما أفاده العلامة في بيع التذكرة بقوله : «يجوز
بيع كل ما فيه منفعة ، لأنّ الملك سبب لإطلاق التصرّف» .
وفي قرض
المختلف ما يستفاد منه المطلب أيضا ، حيث قال ـ في مسألة عدم جواز استرجاع المقرض
العين المستقرضة ـ ما لفظه : «وقال ابن إدريس : ليس له ذلك إلّا برضى المقترض. وهو
الأجود. لنا : أنّه ملكه بالقرض والقبض ، فلا يتسلّط المالك على أخذه منه ، لانتقال
حقه الى المثل أو القيمة» لدلالته على اقتضاء الملك السلطنة على التصرف في ماله ،
وإنّما لا يجوز للمقرض الرجوع في العين من جهة انقطاع إضافته عن العين بمالها من
المشخّصات ، وانتقال حقه الى البدل.
الدليل الثالث : حديث
توقف حلية مال الغير على طيب نفسه
(٢) يعني : ومن
تقريب الاستدلال ـ على أصالة اللزوم في الملك ـ بحديث السلطنة يظهر جواز التمسك
بقوله عليهالسلام : «لا يحل ..» وهذا هو الدليل الثالث على أصالة اللزوم
، وينبغي البحث أوّلا في متن الحديث وسنده ، ثم دلالته على المدّعى ، فنقول : لم
أظفر في كتب الأخبار بالنصّ المذكور في المتن ، إذ فيها روايات خمس تختلف عمّا
أثبته المصنف قدسسره.
الاولى : معتبرة
سماعة وزيد الشحام عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث : «ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها
، فإنّه لا يحلّ دم
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
امرء مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفس منه [نفسه]» .
الثانية : ما
في تحف العقول عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنه قال في خطبة حجة الوداع : أيّها الناس (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، ولا يحلّ لمؤمن مال أخيه إلّا عن طيب نفس منه» .
الثالثة : ما
في عوالي اللئالي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «المسلم أخو المسلم ، لا يحلّ ماله إلّا عن طيب
نفس منه» .
الرابعة : رواية
محمد بن زيد الطبري ، قال : «كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليهالسلام : يسأله الإذن في الخمس ، فكتب إليه : بسم الله الرحمن
الرحيم .. لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه الله» .
الخامسة : ما
في التوقيع المبارك إلى محمد بن جعفر الأسدي ـ في جواب مسائله عنه عليه الصلاة
والسلام : «وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا ، هل يجوز القيام
بعمارتها وأداء الخراج منها ، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية ، احتسابا للأجر
، وتقرّبا إليكم ، فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه ، فكيف يحلّ ذلك
في ما لنا ، من فعل شيئا من ذلك بغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه ، ومن
أكل من أموالنا شيئا فإنّما يأكل في بطنه نارا ، وسيصلى سعيرا» .
وهذا التوقيع
الشريف وإن كان مرسلا في الاحتجاج ، لكنه مسند بنقل الصدوق في
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
كمال الدين ، فلا وجه لرميه بالإرسال بقول مطلق ، فلاحظ.
وعدم انطباق ما
في المتن على إحداها واضح ، فيحتمل أنّ المصنف قدسسره نقل المضمون والمعنى لا اللفظ ، ويحتمل سهو الناسخ.
وكيف كان
فتقريب الاستدلال بما في المتن : أنّ الحديث يدلّ على كون سبب حلية التصرف في
أموال الناس منحصرا في رضا الملّاك ، وأنّه لا يجوز لغير المالك شيء من التصرفات
، وحيث إنّ المال انتقل الى ملك المتعاطي بنفس المعاطاة لم يجز للغير ـ سواء أكان
هو المالك السابق أم أجنبيا عن المعاملة ـ أن يتملّك ذلك المال بدون رضا مالكه
الفعلي ، حيث إن تملّكه كذلك مناف لانحصار سبب الحلّ في الرضا وطيب النفس ، كمنافاة
تملكه بدون رضاه لسلطنة المالك المطلقة.
وعليه فانحصار
سبب الحلّ في رضا المالك يكشف عن عدم نفوذ فسخ المالك الأصلي ، لأنّ الفسخ والرجوع
تصرّف في مال من انتقل إليه المال بالمعاطاة ، وكل تصرّف غير مقرون برضا المالك
ممنوع شرعا ، فلا عبرة برجوع المالك الأصلي ، وهذا معنى لزوم الملك بالمعاطاة.
فإن قلت : إنّ
موضوع حرمة التصرف والتملك هو المال المضاف إلى الغير ، فما دام هذا الموضوع
محقّقا ثبتت الحرمة ، وإلّا فلا ، إذ لا يتكفل الحكم لموضوعه نفيا وإثباتا.
وعليه فالتمسك
بأحاديث الحل على لزوم المعاطاة لا يخلو من شبهة التشبث بالدليل في الشبهة
الموضوعية ، إذ لو اشترى زيد كتابا من عمرو بدينار ـ بالمعاطاة ـ حرم على عمرو
التصرف في الكتاب ما لم يرجع عن بيعه ، لأنّه تصرف في مال الغير. وأمّا إذا رجع
وفسخ المعاطاة احتمل خروج الكتاب عن ملك زيد وانتقاله إلى ملك نفسه ، لاحتمال
إفادة المعاطاة ملكا جائزا ، فلم يحرز حينئذ كون الكتاب مال زيد كي يترتب عليه
حكمه ـ أعني به حرمة تصرّف عمرو فيه ـ حتى يستكشف منها لزوم المعاملة.
قلت : لا مجال
لهذه الشبهة ، لما تقدم في حديث السلطنة ، من أنّه ليس المجعول سلطنة
حيث (١) دلّ على انحصار سبب حلّ مال الغير (٢) أو جزء (٣) سببه في (٤) رضا
المالك ، فلا يحل (٥) بغير رضاه.
______________________________________________________
مهملة حتى يتطرّق إليه الشك في تأثير الرجوع ، بل السلطنة مطلقة ، ونقول
هنا : إنّ المقرّر في الأصول : إفادة حذف المتعلّق للعموم ، وفي المقام يكون الفعل
المحذوف المتعلق بالمال في قوله عليهالسلام : «لا يحل مال امرء» كل فعل يتعلّق بمال الغير سواء أكان
تصرفا خارجيا كالأكل والشرب واللبس ومطالعة الكتاب وسكنى الدار ونحوها ، أم تصرفا
اعتباريا كتملكه وبيعه ووقفه ، وعليه فكلّ تصرف في مال الغير منهي عنه إلّا إذا
كان بطيب نفس المالك ، فلا ينفذ تملكه إلّا بإذنه ، فلا أثر لرجوع المالك الأوّل.
وبهذا ظهر
أجنبية المقام عن التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، لدلالة الحديث على أنّ نفس
رجوع المالك الأوّل ـ الذي يوجب الشك في انقطاع إضافة المال الى الغير وهو
المتعاطي ـ مما لا عبرة به ، لانّ الرجوع الموجب لخروج المال عن ملك المتعاطي
منهيّ عنه وغير نافذ شرعا.
(١) هذا تقريب
الاستدلال ، وقد تقدم توضيحه آنفا بقولنا : «وكيف كان فتقريب الاستدلال بما في
المتن .. إلخ».
(٢) كما في
موارد إباحة المالك ماله للغير كالإذن له في شربه وأكله ، فإنّ الرضا هنا سبب
منحصر لحلية تصرف غير المالك.
(٣) معطوف على «سبب»
أي : دلّ على انحصار جزء سبب الحلّ في رضا المالك ، وذلك كما في موارد التمليك
بالعوض كالبيع أو بلا عوض كالهبة ، فإنّ الرضا جزء السبب ، وجزؤه الآخر هو العقد
سواء أكان قوليّا أم فعليّا.
(٤) متعلق ب «انحصار».
(٥) أي : فلا
يحلّ مال الغير من دون رضا مالكه.
وتوهّم (١)
تعلّق الحلّ بمال الغير (٢) ، وكونه (٣) مال الغير ـ بعد الرجوع ـ أوّل الكلام ـ مدفوع
(٤) بما تقدّم (٥) من أن تعلّق الحلّ بالمال يفيد العموم ، بحيث يشمل التملّك أيضا
(٦) ، فلا يحلّ (٧) التصرف فيه ، ولا تملّكه إلّا بطيب نفس المالك (*).
______________________________________________________
(١) غرض
المتوهّم درج المقام في التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية ، وهو ممنوع عندهم.
(٢) يعني : أنّ
قوله عليهالسلام : «لا يحل» متعلق ب «مال امرء» ومن المعلوم أن الحكم
بالحرمة منوط بإحراز كون المال «مال امرء» حتى لا يجوز التصرف فيه ، والمفروض
الشكّ في بقاء إضافة الملكية بعد الرجوع والفسخ.
(٣) أي : لم
يحرز كون المال مال الغير بعد رجوع المالك الأصلي حتى يحرم عليه التصرف فيه.
(٤) خبر «وتوهّم»
وتقدم توضيحه بقولنا : «قلت : لا مجال لهذه الشبهة ، لما تقدّم ..».
(٥) يعني : في
حديث السلطنة ، فكما أنّ حذف متعلق السلطان يفيد إطلاق السلطنة المجعولة ، كذلك
يفيد حذف متعلق «لا يحلّ» عموم التصرف ، الشامل للخارجي والاعتباري ، ومن المعلوم
أنّ المالك الأصلي لو فسخ المعاملة وتملّك ـ ما باعه بالمعاطاة ـ كان فسخه تصرّفا
في مال غيره ، فهذا الفسخ غير نافذ.
(٦) كما يشمل
التصرّف الخارجيّ كالأكل والشرب وركوب الدابة ونحوها.
(٧) هذا متفرّع
على عموم حرمة التصرّف في مال الغير ، المستفاد من حذف المتعلق ، ومقصوده من قوله
: «فلا يحلّ له» هو التصرّف الخارجي ، بقرينة قوله : «ولا تملّكه» الناظر إلى
التصرّف الاعتباري.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
ويمكن
الاستدلال أيضا (١) بقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا
أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) .
______________________________________________________
الدليل الرابع : حرمة
أكل المال إلّا بالتجارة عن تراض
(١) يعني : كما
أمكن الاستدلال بما مضى من حديثي السلطنة والحلّ. وكان الأنسب تقديم الاستدلال
بهذه الآية المباركة ـ وآية وجوب الوفاء بالعقود ـ على الاستدلال بالحديثين
الشريفين.
__________________
قدسسره
__________________
ولا ريب (١) أنّ الرجوع ليست تجارة (٢) ولا عن تراض (٣) ،
______________________________________________________
وكيف كان فهذه
الآية دليل على أصالة اللزوم في الملك ، وللمصنف تقريبان للاستدلال بها.
أحدهما : بالنظر
الى مجموع المستثنى والمستثنى منه : وهو رابع الأدلة على اللزوم.
والآخر : مقصور
على استفادة الحكم من عقد المستثنى منه بلا ضمّ الاستثناء ، وهو خامس الأدلة
وسيأتي توضيح كلا الوجهين إن شاء الله تعالى.
(١) هذا شروع
في تقريب الوجه الأوّل ـ أعني به دلالة المستثنى منه والمستثنى معا على لزوم الملك
ـ وحاصله : أنّ الأكل كناية عن التصرف كما هو الشائع ، يعني : أنّ مجوّز التصرف في
مال الغير منحصر ـ بمقتضى الحصر ـ في التجارة عن تراض ، فالآية في مقام سلب سببيّة
الباطل للنقل والتمليك ، ومن المعلوم أنّ الرجوع ليس تجارة عرفا ، بل حلّا وفسخا
لها ، ولا عن تراض ، لعدم رضا المالك الفعلي برجوع المالك الأصلي.
وعليه فمقتضى
انحصار السبب الناقل والمملّك للأموال في التجارة عن تراض هو عدم كون الرجوع
مملّكا وناقلا ، لكونه باطلا عند العقلاء عرفا وشرعا. فالآية الشريفة تدلّ على
بطلان الفسخ وعدم تأثير رجوع المتعاطي فيما أعطاه للآخر ، وذلك لأنّ المدار في
جواز أكل مال الغير هو صدق التجارة عن تراض على السبب المحلّل له ، وحيث إنّه لا
يصدق أصل التجارة ـ ولا بقيد التراضي ـ على الرجوع استكشف منه حرمة التصرف في
المال بعد الرجوع ، وهو دليل لزوم المعاطاة ، وكون الرجوع لغوا.
(٢) وجه عدم
صدق عنوان التجارة على رجوع المتعاطي هو كون التجارة لغة : الإعطاء والأخذ بقصد
الاسترباح ، وهذا المفهوم منحصر في المعاملات الموجبة لنموّ رأس المال وزيادته. ومن
المعلوم أنّ المتعاطي عند رجوعه لا يحصّل ربحا ، وإنّما يستردّ عين ماله التي
تعاطى بها.
(٣) وجه عدم
كون الرجوع تجارة عن تراض ـ لو سلّم صدق التجارة عليه ـ واضح ،
فلا يجوز (١) أكل المال.
والتوهم
المتقدم في السابق (٢) غير جار هنا ، لأنّ (٣) (*) حصر مجوّز أكل المال
______________________________________________________
لفرض عدم رضا المتعاطي الآخر به ، وإلّا كان إقالة من الطرفين.
(١) يعني : فلا
يجوز لأحد المتعاطيين أن يتصرف فيما أعطاه للآخر ، لأنّ تصرّفه فيه أكل لمال غيره
بالباطل.
(٢) يعني : في
تقريب الاستدلال بحديثي السلطنة وعدم حلّ مال غيره إلّا بطيب نفسه. والتوهّم
المزبور هناك هو : أنّ التمسك بهما من التمسّك بالدليل في الشبهة المصداقيّة ، ضرورة
أنّه بعد رجوع المالك الأصليّ يشكّ في كون المال ملكا للغير ، لاحتمال رجوع المال
إليه ، فلا يكون أكله حينئذ أكلا لمال غيره ، بل لمال نفسه. ومع هذا الشك لا تحرز
الإضافة التي هي موضوع السلطنة وحرمة التصرّف ، فيكون التمسّك بالدليل تشبّثا به
في الشبهة الموضوعية.
(٣) تعليل لعدم
جريان التوهّم المزبور ، وحاصل وجه عدم جريانه هنا هو : أنّ المستفاد من الآية حصر
سبب تملّك أموال الناس في التجارة عن تراض ، بحيث يكون تصرف الآكل فيه تصرفا في
ماله لا في مال غيره ، ومن المعلوم أنّ هذا الحصر ينفي سببيّة رجوع المالك الأصلي
بتملّكه ، لعدم كون رجوعه تجارة عن تراض ، بل من الأسباب الباطلة ، فهذه الآية
الشريفة نصّ في عدم كون رجوع المالك مملّكا ، لعدم اندراج الرجوع في «التجارة عن
تراض» وكلّ ما لم يكن كذلك يعدّ من الأسباب الباطلة.
وبالجملة : فمفاد
الآية الشريفة هو : أنّه لا يجوز للإنسان أن يأكل مالا على أنّه ماله ، وهو مال
لغيره واقعا ، إلّا إذا كان بسبب التجارة عن تراض. وليس مفادها عدم جواز تصرفه في
مال الغير حتى يقال : إنّه بعد رجوع المالك يشكّ في أنّه مال الغير ، فلا يصح
التمسك بالآية ، لكونه من التشبث بالدليل في الشبهة المصداقية.
__________________
في التجارة إنّما يراد به أكله على أن يكون ملكا للآكل (١) لا لغيره.
ويمكن التمسّك
أيضا بالجملة المستثنى منها (٢) ، حيث إنّ أكل المال
______________________________________________________
(١) يستفاد هذا
القيد في المستثنى منه بقرينة المقابلة للمستثنى ، بداهة أنّ المترتب على المستثنى
هو الأكل بعنوان كون المال ملكا للآكل ، لأنّ أثر التجارة عن تراض التي هي سبب
شرعي للنقل والتمليك هو كون المتصرّف ـ بعد وقوع هذه التجارة ـ مالكا للمال ، وقرينة
المقابلة تقتضي كون المأكول في المستثنى منه أيضا ـ بعنوان كونه ملكا لذي اليد ، وعدم
جواز أخذه منه.
وعلى هذا فلا
يرد عليه التخصيص بمثل الضيافة وغيرها مما يجوز الأكل فيه بدون تجارة عن تراض ، لأنّ
خروجها بناء على هذا المعنى موضوعي ، إذ المفروض أنّ المالك أجاز للآكل أن يتصرف
فيه.
نعم يرد عليه
التخصيص بالإرث ونحوه ، كانتقال مال المرتد الفطري إلى وارثه بالارتداد ، فإنّ
الوارث يتصرف في المال على أنّه مال الآكل مع عدم كون السبب المحلّل تجارة عن تراض.
الدليل الخامس : حرمة
الأكل بالباطل
(٢) يعني : مع
الغضّ عن الاستثناء ، بخلاف التقريب الأوّل الذي كان تمسّكا بمجموع جملتي المستثنى
منه والاستثناء.
ومحصّل تقريب
الاستدلال بالوجه الثاني : أعني به جملة المستثنى منها ـ مع قطع النظر
__________________
ونقله عن مالكه (١) بغير رضى المالك أكل وتصرف بالباطل عرفا (٢). نعم (٣)
بعد إذن المالك الحقيقي وهو الشارع ـ وحكمه التسلّط على فسخ المعاملة من دون رضا
المالك ـ يخرج (٤) عن البطلان (*)
______________________________________________________
عن الاستثناء ـ هو : أنّ تملّك أموال الناس قهرا وبغير رضى منهم تملّك
بالباطل ، وهو حرام بمقتضى النهي عنه ، فيكون تملّك المال بالفسخ بدون رضى مالكه
أكلا له بالباطل ، إلّا إذا أذن له الشارع في الفسخ ، فحينئذ يخرج التملك بالفسخ
عن الباطل ويكون جائزا ، كما ثبت ذلك شرعا في موارد :
منها : أكل
المارّة من ثمرة الشجرة الممرور بها ، فإنّه بعد إذن الشارع يخرج عن أكل المال
بالباطل.
ومنها : الأخذ
بالشفعة والفسخ بالخيار.
ومنها : تملك
أموال المرتد الفطري بالارتداد. وغير ذلك من الأسباب القهريّة لتملّك أموال الناس
، فإنّ إذن الشارع يخرجها عن الباطل.
هذا بحسب
الكبرى. وتطبيقها على المقام هو : أنّ الشارع لمّا لم يأذن في فسخ المعاطاة ـ لفرض
عدم ثبوت جواز الرجوع بعد ـ كان التصرف في مال الغير بإخراجه عن ملكه أكلا له
بالباطل ، وهو حرام تكليفا ووضعا.
(١) وهو الذي
اشترى المال بالمعاطاة وصار مالكا له.
(٢) هذه الكلمة
صريحة في أنّ موضوع حرمة الأكل هو الباطل العرفي الصادق على فسخ أحد المتعاطيين
ورجوعه فيما انتقل عنه ، وليس المراد به الباطل الشرعيّ حتى تتجه شبهة التمسّك
بالدليل في الشبهة المصداقية.
(٣) استدراك
على موضوعية الباطل العرفي لحرمة الأكل ، يعني : أنّ ترخيص الشارع لأكل مال الغير
كاشف عن كونه سببا حقّا لا باطلا.
(٤) ظاهر
الخروج عن البطلان هو الخروج الموضوعي لا الحكمي بالتخصيص ،
__________________
ولذا (١) كان أكل المارّة من الثمرة الممرور بها أكلا بالباطل لو لا إذن
المالك الحقيقي (٢) ، وكذا الأخذ بالشفعة (٣) ، والفسخ بالخيار (٤) ، وغير ذلك من
الأسباب القهرية (٥) (*).
______________________________________________________
فمقصوده ظاهرا تخطئة الشارع نظر العرف فيما يرونه باطلا كأكل المارّة من
ثمرة الشجرة الممرور بها ، فهذا سبب حق عرفي بعد التفاته إلى إباحة الأكل شرعا.
والوجه في الخروج
الموضوعيّ لا الحكمي هو : أن عنوان «الباطل» كالعلّة التامة لحرمة الأكل غير قابل
للتخصيص ، وعليه فموارد ترخيص الشارع في الأكل خارجة عن الباطل تخصصا.
(١) يعني : ولأجل
خروج موارد ترخيص الشارع في الأكل عن «الباطل» موضوعا كان أكل المارّة باطلا بنظر
العرف لو لا إذن الشارع ، وأمّا بعد إذنه فليس أكله باطلا.
(٢) يعني : وبعد
إذن المالك الحقيقي يخرج الأكل عن كونه أكلا بالباطل إلى كونه أكلا بالحق.
(٣) حيث إنّ
الشريك مسلّط على فسخ عقد المشتري ببذل مثل الثمن إليه ، فيضمّ حصة المشتري الى
حصة نفسه قهرا وإن لم يرض المشتري به ، وهذا أكل للمال بالباطل بنظر العرف لو لا
اطّلاعه على ترخيص المالك الحقيقي.
(٤) الظاهر
إرادة الخيار التعبّدي كخياري المجلس والحيوان ، فإنّ الفسخ بهما باطل عرفا ، ما
لم يطلع على تخيير الشارع للمتعاقدين أو لصاحب الحيوان. وأمّا الأخذ بالخيارات
المستندة إلى شرط ارتكازي أو إلى جعل نفس المتعاقدين فليس أكلا للمال بالباطل عرفا
من أوّل الأمر ، بل هو سبب حقّ بنظرهم.
(٥) كالإرث
والارتداد والإتلاف في حال الغفلة كالنوم ، فإنّ هذه أسباب باطلة للتملك ما لم
يطّلع العرف على جعل الشارع ، وأما مع الاطلاع فيحكم العرف أيضا بحقية هذه الأسباب
للأكل.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
هذا كلّه (١)
مضافا إلى ما دلّ على لزوم خصوص البيع (٢) ، مثل قوله عليهالسلام : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» .
______________________________________________________
(١) يعني : أنّ
الأدلة المتقدمة على أصالة لزوم الملك ـ من الاستصحاب وحديثي السلطنة والحلّ ، وآية
النهي عن أكل أموال الناس بالباطل ـ كانت أدلة عامة على لزوم الملك سواء أكان
السبب المملّك فعلا اختياريّا من العناوين المعاملية والحيازة ونحوها ، أم قهريّا
كالإرث والارتداد. وهذا بخلاف الدليل الآتي فإنّ مفاده لزوم الملك الحاصل بالبيع خاصّة.
الدليل السادس : أخبار
خيار المجلس
(٢) هذا دليل
سادس على لزوم الملك ، وهي طائفة من الأخبار الواردة في خيار المجلس ، وتقريب
الاستدلال بها يتم بوجوه ثلاثة :
الأوّل : جعل
الخيار في البيع ، حيث إنّ جعله مختص بالبيع اللازم ، ومقتضى إطلاق الجعل ثبوت
الخيار في البيع المعاطاتي ، فثبوت الخيار فيه يكشف عن اللزوم ، فتكون المعاطاة
بيعا لازما لأجل ثبوت الخيار فيها ، الذي هو من خصائص البيع اللازم.
الثاني : دلالة
مفهوم الغاية ، ببيان : أنّ ماهيّة الخيار مغيّاة بعدم الافتراق ، لقوله عليهالسلام :
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
«فإذا افترقا وجب البيع» إذ مفهومه بقاء الخيار قبل الافتراق ، ومعه يسقط
الخيار ، وسقوطه ملازم للزوم ، ومن المعلوم أنّ مقتضى إطلاق البيع على المعاطاة هو
صدق البائع على من باع معاطاة ، فتكون لازمة.
الثالث : قوله عليهالسلام : «فإذا افترقا وجب البيع» بتقريب : أنّ الإطلاق يقتضي
أن يكون البيع واجبا فعليا من جميع الجهات ، لكن يقيّد بأدلة سائر الخيارات أمّا
لو أريد جعل اللزوم من حيث خيار المجلس لا مطلقا فلا يدل سقوط الخيار ـ من حيث
المجلس ـ على اللزوم من سائر الحيثيّات ، وحينئذ يشترك المعاطاة مع البيع بالصيغة
في أنّ المدلول عليه برواية خيار المجلس هو اللزوم الحيثي أي من حيث خيار المجلس ،
وأمّا من سائر الجهات فلا دلالة فيها على اللزوم.
وعلى كلّ فهذا
المقدار من اللزوم الثابت للمعاطاة كاف لإثبات المدّعى وهو اقتضاء طبع البيع مطلقا
للّزوم (*).
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
عليهالسلام
__________________
.................................................................................................
__________________
وقد يستدلّ
أيضا بعموم قوله تعالى (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ (١))
______________________________________________________
الدليل السابع : الأمر
بالوفاء بالعقود
(١) هذه الآية
الشريفة دليل سابع على أصالة اللزوم ، ونسب الفاضل النراقي قدسسره الى المشهور استدلالهم بها على لزوم كل عقد عرفي. ولم
يتعرّض المصنف قدسسره هنا لتقريب دلالتها على المدّعى ، وإنّما أفاده في أدلة
اللزوم في أوّل الخيارات ، فينبغي توضيح كلامه هنا وعدم الإحالة على بحث الخيارات
مع ما بين المبحثين من الفصل الكثير ، فنقول وبه نستعين وبوليّه
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
صلوات الله وسلامه عليه نتوسّل ونستجير :
إنّ الاستدلال
بالآية المباركة يكون تارة بجعل الأمر بالوفاء مولويا ، وأخرى إرشادا إلى صحة المعاملة
بالمعنى الأعم ، ولمّا كان مختار المصنف هو الأوّل كان اللازم الاقتصار على
المقدمات الدخيلة في إثبات مقصوده قدسسره.
الأولى : أنّ
الأصل الأوّلي في مدلول هيئة «افعل» هو الوجوب التكليفي وبعث المكلّف نحو المادّة
، وهذا أصل متّبع لا يرفع اليد عنه إلّا بقرينة ، كما التزموا به في صرف الأمر
بأجزاء المركبات إلى الإرشاد إلى الجزئية. وأمّا في المقام فلا قرينة تقتضي الحمل
على الإرشاد إلى صحة المعاملة ولزوم العقد ، فيبقى الأمر بالوفاء على ظاهره من
الوجوب المولوي.
الثانية : أنّ
معنى الوفاء الذي وقع في حيّز الأمر هو القيام بمقتضى العقد ، كما عن البيضاوي ، فإذا
دلّ عقد البيع على تمليك العاقد ماله لغيره وجب عليه العمل بمقتضاه من تسليمه الى
المشتري ، وترتيب آثار مملوكيته له ، فلا يجوز أخذه منه بغير رضاه ، فإذا تصرّف
البائع فيه بغير رضى المشتري كان ذلك نقضا للعقد لا وفاء به.
ثم إنّ في هذا
الوفاء المأمور به مدلولا آخر ، وهو إطلاقه الأزماني والأحوالي ، وربما يعبّر عن
الأوّل بعمومه بحسب الأزمان ، كما في دوران الأمر بين الرجوع الى حكم العام
واستصحاب حكم المخصّص.
الثالثة : أنّ «العقود»
التي يجب الوفاء بها تكليفا والعمل بمقتضاها قد اختلفت كلماتهم في المراد بها في
خصوص الآية المباركة ، كما اختلفت كلمات أعلام اللغة في أصل معنى العقد ، فينبغي
الإشارة إلى كلا الاختلافين.
أمّا في معناه
اللغوي ففي اللسان : «العقد نقيض الحل» وفي المفردات : «الجمع بين أطراف الشيء ، ويستعمل ذلك
في الأجسام الصلبة كعقد الحبل وعقد البناء ، ثم يستعار ذلك
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
للمعاني نحو عقد البيع» وفي القاموس : «عقد الحبل والبيع والعهد يعقده : شدّه» وفي الصحاح : «عقدت البيع والحبل والعهد فانعقد» وعن البيضاوي : «العقد : العهد المشدّد».
وفي مجمع
البيان : «العقود جمع عقد بمعنى معقود ، وهو أوكد العهود. والفرق بين العقد والعهد
: أنّ العقد فيه معنى الاستيثاق والشّد ، ولا يكون إلّا بين متعاقدين ، والعهد قد
ينفرد به الواحد ، فكل عهد عقد ، ولا يكون كل عقد عهدا. وأصله : عقد الشيء بغيره
، وهو وصله به ، كما يعقد الحبل» .
هذه بعض
كلماتهم ، ولعلّها تتلخّص في معنيين :
أحدهما : مطلق
العهد والالتزام النفساني سواء أكان بين شخصين كالعقود ، أم شخص واحد كالحلف
واليمين ، وسواء أكان مشدّدا لا يجوز فسخه والعدول عنه أم غير مشدّد.
ثانيهما : خصوص
العهد المؤكّد الذي يقتضي بحسب طبعه العمل بمقتضاه ، وعدم الرجوع عنه. هذا بحسب
اللغة.
وأما اختلاف
المفسّرين في خصوص ما يراد من العقود في هذه الآية المباركة ، فقد نقل أمين
الإسلام أقوالا أربعة بعد تفسير العقود بالعهود.
أحدها : العهود
التي كان أهل الجاهلية يعاهد بعضهم بعضا على النّصرة والمؤازرة والمظاهرة على من
حاول ظلمهم.
ثانيها : العهود
التي أخذها الباري جلّ وعلا على عباده بالايمان به وطاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم
عليهم.
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ثالثها : العقود
التي يتعاهدها الناس كعقد الأيمان وعقد النكاح والعهد والبيع ، أي العقود الفقهية
والمعاملات بالمعنى الأعم.
رابعها : العهود
المأخوذة من أهل الكتاب على العمل بما فيها من تصديق نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثم رجّح أمين
الإسلام قدسسره القول بعموم العهود لكلّ ما أوجبه الله تعالى على
العباد والفرائض والحدود والعقود الفقهية المتداولة بين العقلاء .
وهذه المعاني
الأربعة أنهاها الفاضل النراقي إلى ستة أو ثمانية ، فراجع كلامه .
وكيف كان
فتقريب الاستدلال بالآية الشريفة على لزوم المعاطاة هو : أنّ العقد ـ سواء أكان
مطلق العهد أم خصوص المؤكّد ـ يصدق على المعاطاة ، إذ لا شبهة في أنّ عنوان العقد
لا يتقوّم باللفظ ، لحصول المعاقدة ـ والربط بين التزامين ـ بكلّ من اللفظ والفعل ،
فيجب الوفاء بما يقتضيه العقد من تمليك أو تزويج أو غيرهما ، ويحرم نقضه.
ومن المعلوم
أنّ الوفاء بالعقد ليس مجرّد ترتيب الأثر عليه حدوثا ، بل يدور صدق الوفاء مدار
القيام بمقتضى العقد بقاء أيضا ، فلو لم يستمرّ العاقد في العمل بمقتضى العقد لم
يصدق الوفاء به ، بل صدق مقابله وهو النقض الذي هو رفع اليد عن بقاء مقتضى العقد.
فإذا باع زيد
كتابا من عمرو بالمعاطاة وسلّمه إيّاه ، ولكنّه بعد ساعة رجع واستردّ الكتاب منه
لم يصدق أنّه وفى بالعقد بقول مطلق ، بل صدق عليه عنوان النقض ، لأنّ وفاءه كان في
الساعة الأولى خاصة ، مع أنّ مدلول الآية الشريفة وجوب ترتيب أثر العقد في جميع
الآنات المتأخرة عن العقد ، وهذا هو اللزوم ، إذ لا يجوز للبائع أن يفسخ العقد
ويتملّك الكتاب مرّة أخرى.
وبهذا التقريب
ظهر عدم جريان توهم التمسك بالعام في الشبهة المصداقية «لاحتمال تأثير الفسخ
والرجوع في رفع أثر العقد ، وعود المال إلى البائع» وجه عدم الجريان : أنّ الآية
__________________
بناء (١) على أنّ العقد هو مطلق العهد كما في صحيحة عبد الله بن سنان ، أو العهد المشدّد كما عن بعض أهل اللغة (٢) ، وكيف
كان (٣) فلا يختص (٤)
______________________________________________________
المباركة ـ بمقتضى الإطلاق ـ تدل على وجوب الوفاء بالعقد في كل حال وفي كل
زمان ، فالتصرفات الواقعة بعد الفسخ محرّمة أيضا ، لكونها نقضا للعقد ، وينتزع من
حرمة هذه التصرفات تكليفا فساد الفسخ وضعا ، وعدم ارتفاع العقد به بناء على ما
حرّر في الأصول من انتزاع الوضع من التكليف وعدم تأصّله في الجعل ، هذا.
(١) قد عرفت
وجه هذا التقييد ، وأنّ الاستدلال بالآية يتوقف على أحد القولين في المراد بالعقد.
أحدهما : مطلق
العهد ، كما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره ـ بسند صحيح ـ عن الصادق عليهالسلام.
ثانيهما : خصوص
العهد المشدّد ، كما ورد في كلام جمع من اللغويين.
وأمّا لو كان
المراد بالعقود في هذه الآية المباركة أمورا أخر ـ كما تقدمت في كلام مجمع البيان
ـ كانت أجنبية عمّا نحن فيه.
(٢)
كالفيروزآبادي والجوهري والبيضاوي ، ونحوهم صاحب معيار اللغة.
(٣) أي : سواء أكان
العقد مطلق العهد أم خصوص المشدّد يتجه الاستدلال ، لعدم اختصاص مطلق العهد ـ ولا
خصوص المشدّد منه ـ باللفظ ، لصدقه على إنشائه بالفعل أيضا.
وبالجملة : فالمراد
بالوفاء بالعقد هو العمل به مستمرّا ، ويقابله الحلّ والنقض. والمقصود بالأمر هو
وجوب الوفاء تكليفا في جميع الأزمنة التي منها زمان فسخ أحدهما ، فلا ينفذ الفسخ
في انحلال العقد.
(٤) أي : لا
يختص العقد باللفظ كما قيل ، إذ المعاقدة كما تحصل بالقول كذلك تحصل بالفعل ، فتكون
المعاطاة عقدا ، حيث إنّ المراد بالشّد مطلق الربط وإن لم يكن لازما ، ولذا يمكن
الجمع بين التفسير بالعهد الموثق وبين حسن الوفاء به ، وهو كالمفسّر لسائر كلمات
أهل اللّغة ممّن عبّر بالشّد كالقاموس والمعيار والمنجد وأقرب الموارد ، فالمراد
بالأحكام
__________________
باللفظ (*) فيشمل المعاطاة.
______________________________________________________
والشّد هو إيقاع الربط كما يستفاد من المحكيّ عن أقرب الموارد «عقد الحبل
والبيع والعهد واليمين ونحوها عقدا : أحكمه وشدّه ، وهو نقيض حلّه» وعنه «حل
العقدة حلّا : نقضها وفتحها».
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
وكذلك (١) قوله
صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المؤمنون عند شروطهم»
______________________________________________________
الدليل الثامن : الأمر
بالعمل بالشرط
(١) كما دلت
آية وجوب الوفاء بالعقود على اللزوم ، كذلك يدلّ عليه ما روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله : «المؤمنون عند شروطهم» وهذا هو الدليل الثامن
، وذلك آخر الأدلة التي استدل بها المصنف قدسسره على أصالة اللزوم في الملك.
وينبغي التعرض
لأمرين قبل تقريب الاستدلال :
الأوّل : أنّ
هذا الحديث الشريف روي مرسلا عن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وربما يرمى بالضّعف للإرسال ، لكنّه روي مسندا في نصوص
معتبرة أسنده الإمام عليهالسلام في بعضها إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يسندها إليه في بعضها الآخر ، وإن كان كلام
أوّلهم وآخرهم صلى الله عليهم أجمعين نورا واحدا نابعا من الوحي الإلهي وترجمانا
له.
__________________
قدسسره
()
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ففي معتبرة
منصور بن بزرج ـ الآتية في التعليقة ـ استدلّ الامام الكاظم عليهالسلام بهذه الجملة على وجوب الوفاء بالشرط فقال : «فان رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : المؤمنون عند شروطهم».
وفي موثقة
إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فإنّ
المسلمين عند شروطهم إلّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما».
وكذا في
معتبرتي عبد الله بن سنان عن الصادق عليهالسلام .
وفي معتبرة
محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث : «والمسلمون عند شروطهم ..».
وعليه فهذا
المضمون قد قامت الحجة على صدوره من أهل بيت الوحي عليهم الصلاة والسّلام ، ومجرّد
روايتها مرسلة في عوالي اللئالي غير قادح في الاعتبار.
مضافا الى : أنّها
من الروايات المعتمد عليها في الكتب الفقهية من عصر شيخ الطائفة كما لا يخفى على
المتتبع.
الثاني : أنّ
المحقق الأردبيلي قدسسره استدل بهذا الحديث الشريف على اللزوم ، حيث قال : «لعلّه
يظهر عدم الخلاف في أنّ مقتضى البيع هو اللزوم ، مستندا إلى الكتاب والسنة ، مثل
قوله تعالى (أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ) ، ومثل قول أبي عبد الله عليهالسلام : المسلمون عند شروطهم ، إلّا كل شرط خالف كتاب الله ، فإنّه
لا يجوز ، في صحيحة عبد الله بن سنان ، وغير ذلك كما سيجيء ، فهو مؤيّد لما قلناه
من اللزوم في بيع المعاطاة ، فتذكّر» .
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
وقد حكاه
المصنف عنه في أوّل الخيارات عند ذكر هذا النبوي في عداد أدلة اللزوم ، لكنه ناقش
في دلالته بمنع صدق الشرط على الالتزامات الابتدائيّة ، فراجع.
وأمّا تقريب
الاستدلال بهذا النبوي على لزوم كل عقد سواء أكان مقتضاه الملكية أم غيرها فهو : أنّ
الشرط أطلق على الالتزام الابتدائي ـ لا خصوص الالتزام المأخوذ في ضمن عقد ومعاملة
ـ في موارد :
منها : قوله عليهالسلام في ردّ من اشترط على نفسه عدم التزويج بامرأة اخرى : «انّ
شرط الله قبل شرطكم» حيث أطلق الشرط الأوّل على حكم الله الأوّلي من تشريع التزويج
بأربع.
ومنها : قوله عليهالسلام في خيار الحيوان : «الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام» إذ
المقصود بالشرط ليس الالتزام المجعول في عقد البيع ، بل نفس كون المشتري بالخيار
إلى ثلاثة أيام.
ومنها : ما ورد
في دعاء الندبة : «بعد أن شرطت عليهم الزهد في هذه الدنيا» فإنّ المقصود بالشرط هو
الميثاق المأخوذ من الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام من الإعراض عن زخارف الدنيا
والزهد فيها.
ومنها : غير
ذلك مما سيأتي في التعليقة.
فإطلاق الشرط
في النصوص على التعهّد الابتدائي مسلّم.
وكذا ورد في كلام
بعض اللغويين ، قال في المنجد : «الشرط : إلزام الشيء والتزامه» وظاهره أعمية الشرط من الالتزام الابتدائي والضمني ، فكما
يصدق الشرط على الالتزام بخياطة ثوب في ضمن بيع كتاب بدينار ، كذلك يصدق على نفس
بيع الكتاب بدينار ، لما فيه من الالتزام بالمعاملة والمبادلة بين المالين.
وعليه فيشمل
الشرط الالتزامات المعاملية ، من غير فرق بين كونها مبرزة بمظهر قولي كالبيع
بالصيغة ، وفعلي كالبيع المعاطاتي ، فكأنّه قيل : إنّ المؤمن ملزم بشرطه ، وأنّه
لا يزول شرطه بالفسخ ، فالبيع المعاطاتي من الالتزامات التي لا تزول بالفسخ ، وليس
هذا إلّا اللزوم ،
__________________
فإنّ الشرط لغة (١) مطلق الالتزام (٢) فيشمل ما كان بغير اللفظ (٣).
______________________________________________________
فيدل الحديث المزبور على لزوم المعاطاة (*).
(١) لا بد أن
يكون مقصود المصنف من اللغة : بعض اللغويين ، وإلّا لما صحّ نسبته إلى اللغة بقول
مطلق ، إذ فيما بأيدينا من كتبهم تخصيص الشرط بالالتزام الضمني ، ففي اللسان : «إلزام
الشيء والتزامه في البيع ونحوه» ونحوه في القاموس وأقرب الموارد. بل في المنجد أيضا قبل
عبارته المتقدمة ، حيث قال : «شرط عليه في بيع ونحوه : ألزمه شيئا فيه».
وعليه فكون
الشرط في اللغة بمعنى مطلق الالتزام غير ثابت. وتمام الكلام في التعليقة الآتية.
(٢) يعني : سواء
أكان ابتدائيا أم ضمنيا ، وسواء أكان قوليا أم فعليا ، وعليه فالإطلاق هنا من
ناحيتين.
(٣) كالمعاطاة
، فإنّ الالتزام القلبي فيها يكون كالالتزام في البيع القولي ، فيشمله الحديث
الدال على وجوب الوفاء به بقول مطلق ، ومن المعلوم أنّ رجوع أحد المتعاطيين فيما
انتقل عنه بالمعاطاة نقض للشرط ، وهو منهي عنه تكليفا ، وليس بنافذ وضعا ، وهذا هو
المقصود من لزوم المعاطاة.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلامصلىاللهعليهوآلهوسلم
عليهالسلامصلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
.................................................................................................
__________________
قدسسره
__________________
.................................................................................................
__________________
والحاصل (١) أن
الحكم باللزوم
______________________________________________________
(١) لمّا فرغ
المصنف قدسسره من إقامة الدليل على أصالة اللزوم نبّه على ما تحصّل
منها تمهيدا للمناقشة في ترتب الملك اللازم على خصوص المعاطاة في البيع. وحاصل تلك
الأدلة الثمانية أمران :
الأوّل : أنّ الأصل في كل عقد مملّك هو اللزوم ، سواء حصل
بالبيع أم الصلح أم الهبة أم غيرها ، وتزلزله منوط بدليل خاص.
الثاني : أنّ الأصل في خصوص البيع هو اللزوم ، سواء أنشئ
باللفظ أم بالتعاطي. وعليه فلا يبقى مجال لسائر الأقوال في المسألة ، مثل كون
المعاطاة بيعا فاسدا كما في نهاية العلامة ، وكونها مفيدة للإباحة المحضة كما نصّ
عليه المشهور في كلماتهم ، وكونها مفيدة للملك اللازم بشرط كون الدال على التراضي
لفظا كما نقله الشهيد الثاني عن بعض مشايخه ، ووافقه جمع.
ومقصود المصنف
فعلا تمهيد الكلام لرفع اليد عن هذا الأمر الثاني ، وأنّ أصالة اللزوم في العقود
المملّكة والبيع اللفظي وإن كانت حجة ، إلّا أنها في خصوص المعاطاة معارضة
__________________
__________________
في مطلق الملك (١) ، وفي خصوص البيع (٢) مما لا ينكر.
لكن (٣) الظاهر
فيما نحن فيه (٤) قيام الإجماع
______________________________________________________
بالإجماع على عدم لزوم الملك فيها ، فلا بد من علاج المعارضة ، وستأتي تتمة
الكلام في ذلك.
(١) كما اقتضته
الأدلة العامة ، وهي آيتا حرمة الأكل بالباطل ووجوب الوفاء بالعقود ، وحديث
السلطنة والحل والشرط ، والاستصحاب.
(٢) كما اقتضاه
أخبار خيار المجلس ، لاختصاص مدلولها بلزوم عقد البيع.
(٣) هذا شروع
في الاشكال على القول بإفادة المعاطاة للملك اللّازم ، وغرضه إقامة الدليل على
تخصيص قاعدة اللزوم ـ في الملك والبيع ـ بالمعاطاة ، وأنّ الملك الحاصل بالمعاطاة
خارج عن حيّز هذه القاعدة ، لوجوه :
أوّلها : الإجماع
، وهو يقرّر تارة بنحو الإجماع البسيط ، وأخرى بنحو الإجماع المركب.
ثانيها : دلالة
بعض الأخبار على اعتبار اللفظ في إنشاء البيع.
ثالثها : السيرة
على عدم الاكتفاء بالتعاطي في البيوع الخطيرة.
أمّا الإجماع
فالظاهر تحققه ، ففي الجواهر ـ لدى التعليق على قول المحقق : ولا يكفي التقابض ـ ما
لفظه : «للأصل المقرّر بوجوه : الإجماع بقسميه أو الضرورة. وصدق البيع مثلا بعد
التسليم والتجارة عن تراض لا يستلزم تحقق العقد الذي يترتب عليه اللزوم ..».
وعليه لا بد من
تخصيص أصالة اللزوم في الملك والبيع ، والالتزام بالملك المتزلزل الذي اختاره
المحقق الثاني ، ويتوقف لزوم المعاطاة على طروء بعض الملزمات من التلف والتصرف
ونحوهما.
هذا كله في أصل
تحقق الإجماع ، وسيأتي بيان بعض الوجوه المؤيّدة له.
وأمّا سائر
الأدلة فسيأتي بيانها بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
(٤) وهو
المعاطاة.
__________________
على عدم لزوم المعاطاة (١) بل ادّعاه صريحا بعض (٢) الأساطين في شرح
القواعد.
ويعضده (٣)
الشهرة المحققة ، بل لم يوجد به (٤) قائل
______________________________________________________
(١) هذا هو
الإجماع البسيط على عدم لزوم المعاطاة ، في مقابل الإجماع المركب الآتي.
(٢) يعني : أنّ
كاشف الغطاء قدسسره ادّعى الإجماع على عدم لزوم المعاطاة ، لا مجرّد
الإجماع على اعتبار اللفظ في البيع ، لاحتمال إرادة عدم الصحة لا عدم اللزوم. لوضوح
أنّ الإجماع على اعتبار اللفظ يلتئم مع القول بالإباحة كما هو المشهور ، والقول
بالملك المتزلزل.
وبهذا ظهر وجه
إضرابه عن ظهور الإجماع إلى صراحته في نفي اللزوم ، حيث إنّ معقد إجماع مثل صاحب
الجواهر مجرّد اعتبار اللفظ في البيع والعقود اللازمة. ومعقد إجماع كاشف الغطاء
نفي تأثير المعاطاة في الملك اللازم.
(٣) أي : وتعضد
الشهرة الإجماع ، وغرضه تأييد دعواه الإجماع ـ على عدم لزوم المعاطاة ـ بأمور
ثلاثة ، وهي الشهرة واجماعان منقولان :
فالأوّل هو الشهرة
الفتوائية القطعية على عدم ترتب الملك اللازم على المعاطاة. قال الشهيد الثاني ـ في
شرح قول المحقق : ولا يكفي التقابض ـ ما لفظه : «هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل
كاد أن يكون إجماعا ، غير أنّ ظاهر المفيد رحمهالله يدل على الاكتفاء في تحقق البيع بما دلّ على الرّضا به
..» فإنّ المشهور ينكرون لزوم الملك بالمعاطاة ، سواء أبقيت عبائرهم على
ظاهرها من الإباحة المحضة ، أم حملت على الملك الجائز.
وعلى هذا
فالإجماع المدّعى على عدم اللزوم يتأيّد بفتوى المشهور ، ويشكل مخالفته بدعوى كونه
منقولا بخبر الواحد.
(٤) أي : بلزوم
المعاطاة ، وغرضه الترقّي عن الشهرة إلى دعوى الإجماع ، يعني : أنّ الإجماع الذي
ادّعاه كاشف الغطاء على عدم اللزوم ليس إجماعا حادثا ، بل هو متلقّى من السلف
الصالح ، لذهاب الأصحاب طرّا ـ قبل عصر المحقق الأردبيلي ـ الى عدم اللزوم.
فان قلت : إنّ
القائل باللزوم من القدماء هو المفيد ، فلا إجماع منهم على عدم اللزوم ،
__________________
إلى زمان بعض (١) متأخري المتأخرين ، فإن (٢) العبارة المحكيّة عن المفيد قدسسره في المقنعة لا تدلّ على هذا القول كما عن المختلف
الاعتراف به (٣) ، فإنّ المحكي عنه أنه قال : «ينعقد البيع على تراض بين الاثنين
فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا وتراضيا بالبيع وتقابضا وافترقا بالأبدان»
انتهى.
______________________________________________________
ولا ينحصر القائل باللزوم في المحقق الأردبيلي وغيره ممن هو في طبقة متأخري
المتأخرين.
قلت : الظاهر
اتفاق القدماء على عدم اللزوم ، لعدم إحراز مخالفة الشيخ المفيد لهم ، إذ في
عبارته احتمالان ، وليس كلامه صريحا ولا ظاهرا في اللزوم حتّى يعدّ مخالفا للمشهور.
(١) وهو المحقق
الأردبيلي والكاشاني والمحدث الجزائري قدسسرهم قال جدّنا الأجل السيد الجزائري قدسسره في ذيل الكلام المتعلق بآية التجارة ـ على ما حكي عنه ـ
ما لفظه : «واعلم أنّه يمكن أن يستفاد من ظاهر الآية حكمان ، أحدهما عدم توقف
المبايعة ولزومها على العقد المصطلح بين فقهائنا من الإيجاب والقبول كميّة وكيفيّة
، لأنّه جعل مناط الصحة هو التراضي ، وهذا عن شيخنا المفيد طاب ثراه في تجويز بيع
المعاطاة. وثانيهما : فساد بيع الفضولي ، لأنّه لم يقع عن تراض من أهل المال ، وإليه
ذهب الشيخ رحمهالله في المبسوط. والمشهور بين علمائنا الجواز تعويلا على
رواية عروة ، وذكر مضمون الرواية ، ثم قال : وفيه بعد تسليم الرواية جاز أن يكون
ذلك لكون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكّله وكالة مطلقة» انتهى كلامه رفع مقامه.
والشاهد في
قوله : «عدم توقف المبايعة ولزومها على العقد المصطلح بين الفقهاء» لصراحة هذا
الكلام في إفادة المعاطاة ملكا لازما.
(٢) هذا دفع ما
يتوهم من منافاة ما عن المفيد من اللزوم لقوله : «بل لم يوجد به قائل .. إلخ» وقد
تقدم توضيحه بقولنا : «ان قلت .. قلت».
(٣) أي : الاعتراف
بعدم الدلالة ، قال العلامة في المختلف : «ولا تكفي المعاطاة في العقد ،
__________________
ويقوى (١)
إرادة بيان شروط صحّة العقد الواقع بين اثنين وتأثيره في اللزوم ، وكأنّه لذلك (٢)
حكى كاشف الرّموز عن المفيد والشيخ رحمهالله : أنّه لا بدّ في البيع عندهما من لفظ مخصوص.
______________________________________________________
ذهب إليه أكثر علمائنا ، وللمفيد رحمهالله قول يوهم الجواز ، فإنّه قال : والبيع ينعقد .. إلخ» ثم
قال العلّامة : «وليس في هذا تصريح بصحته ، إلّا أنّه موهم».
ومقصوده : أنّ
العبارة المذكورة توهم صحة المعاطاة ـ عند المفيد ـ وإفادتها للملك ، وليست صريحة
في ذلك حتى يعدّ المفيد مخالفا للقائلين بعدم لزوم المعاطاة.
(١) غرضه أنّ
عبارة الشيخ المفيد قدسسره تحتمل ضعيفا إرادة اللزوم بعد استجماع البيع للشروط
التي ذكرها ، ومن المعلوم أنّ الصيغة لم تذكر من تلك الشروط ، ومقتضى ذلك كون
المعاطاة الجامعة لتلك الشرائط لازمة ، فعليه يكون الشيخ المفيد قدسسره مخالفا للمجمعين.
ولكن يحتمل في
عبارته قويّا عدم إرادة انحصار شروط الصحة واللزوم فيما ذكره حتى يقتضي عدم
التصريح بشرط آخر انعقاد البيع ولزومه ، بل مقصوده بيان شرائط الصحة كمعرفة
العوضين ، والتراضي بالبيع ، وشرائط اللزوم كالتقابض المترتب على البيع ، والافتراق
بالأبدان ، ومقتضى شرطيّة شيء هو فقدان المشروط بانتفائه ، كشرطية الطهارة للصلاة
، فإنّ مقتضى شرطيّتها هو انعدام الصلاة بانعدامها ، ومن المعلوم أنّ شرطية
الطهارة لها لا تنافي شرطية شيء آخر للصلاة كما لا يخفى.
وعليه فشرطيّة
ما ذكره الشيخ المفيد رحمهالله لصحة البيع ولزومه لا تنافي شرطية غيره كالإيجاب
والقبول.
ويؤيّده أنّ
الشيخ المفيد لم يذكر الصيغة في عقد النكاح ، مع أنّ اعتبارها فيه من القطعيّات ، فحينئذ
لا يمكن عدّ المفيد مخالفا.
فغرض المصنف من
قوله : «ويقوى» هو عدم كون المفيد مخالفا للمجمعين.
(٢) يعني : ولأجل
كون مراد المفيد شروط صحة البيع ولزومه حكى كاشف الرموز .. إلخ ، حيث بنى الفاضل
الآبي قدسسره صحة بيع الفضولي وبطلانه على اقتضاء النهي في المعاملات
فساد
__________________
وقد تقدّم (١)
دعوى الإجماع من الغنية على عدم كونها بيعا (٢) ،
______________________________________________________
المنهي عنه ، وعدمه ، فالقائل بالاقتضاء يلزمه القول بالفساد ، إلّا أن
يقول إنّ عقد البيع لا يستلزم لفظا مخصوصا ، بل كلّ ما يدل على الانتقال فهو عقد ،
ثم قال : «وإذا تقرّر هذا فلا إشكال على شيخنا دام ظله ـ وهو المحقق الحلّي ـ لأنّ
النهي عنده في المعاملات لا يقتضي الفساد ، ولا للبيع لفظ مخصوص. بل يشكل على
الشيخين ، لأنّهما يخالفانه في المسألتين» .
والشاهد في
الجملة الأخيرة ، حيث إنه نسب ـ جازما ـ إلى الشيخ المفيد والطوسي قدسسرهما اعتبار لفظ مخصوص في عقد البيع ، فيكون مختار الشيخ
المفيد ما هو المشهور من اعتبار الصيغة المخصوصة في انعقاد البيع ، وليست المعاطاة
بيعا.
ولعلّ إسناد
كاشف الرموز اعتبار اللفظ المخصوص في البيع الى المفيد قدسسره يكون لأجل اعتبار التقابض بعد قوله : «وينعقد البيع» إذ
لا معنى لشرطية التقابض للمعاطاة ، لأنّ حقيقتها التقابض ، ولا معنى لكون شيء
شرطا لنفسه ، فلا بد أن يراد بالبيع بقوله : «وينعقد البيع» خصوص القولي. وعليه
فمورد كلام الشيخ المفيد هو البيع اللفظي ، لا الأعم منه ومن الفعلي ، ولا خصوص
الفعلي حتى يقال : إنّه قائل باللزوم ، ومخالف للمجمعين القائلين بعدم لزوم
المعاطاة.
(١) غرضه قدسسره من الإشارة إلى كلام السيد ابن زهرة قدسسره تأييد ما ادعاه بقوله : «بل لم يوجد به قائل إلى زمان
بعض متأخري المتأخرين» وهذا معاضد ثان للإجماع المنقول الذي ادّعاه بعض الأساطين ،
فليس ذلك إجماعا منقولا بخبر الواحد حتى يرمى بعدم الاعتبار ، بل هو إجماع متضافر
النقل.
(٢) حيث قال في
عبارته المنقولة عند نقل الأقوال في المعاطاة : «واحترازا أيضا عن القول بانعقاده
بالمعاطاة .. فإنّ ذلك ليس ببيع. يدلّ على ما قلناه الإجماع المشار إليه».
__________________
وهو (١) نصّ في عدم اللزوم (*).
______________________________________________________
(١) يعني : وإجماع
السيد ابن زهرة على نفي بيعية المعاطاة نصّ في عدم لزومها بلحاظ القدر المتيقن منه.
فان قلت : لا
وجه لجعل إجماع السيد مؤيّدا ومعاضدا لإجماع بعض الأساطين على عدم ترتب الملك
اللازم على المعاطاة ، وذلك لأنّ مقصود السيد من الإجماع على نفي بيعية المعاطاة
نفي الماهية والصحة ، لقوله : «وإنّما هو إباحة التصرف» وعليه فالمعاطاة عند ابن
زهرة بيع فاسد لا يفيد الملك أصلا لا متزلزلا ولا مستقرا ، وتفيد الإباحة تعبدا ، فلا
ربط لكلامه بنفي الملك اللازم وإثبات الملك الجائز حتى يكون معاضدا لإجماع كاشف
الغطاء على نفي اللزوم.
قلت : لا مانع
من الاستشهاد بكلام السيد وجعل دعواه الإجماع مؤيّدا لعدم اللزوم ، وذلك لدلالة
قوله : «ليس ببيع» على أمرين : أحدهما : نفي اللزوم ، والآخر : نفي الصحة.
ودلالته على
الأوّل تكون بالصراحة ، إذ الأثر الأقصى المترتب على البيع هو الملك اللازم ، وهو
غير مترتب على المعاطاة سواء قيل بإفادتها الإباحة أم بإفادتها الملك المتزلزل.
ودلالته على
الثاني ـ وهو نفي طبيعة البيع عن المعاطاة ـ تكون بالظهور ، لاحتمال إرادة نفي
اللزوم خاصة. وحينئذ فيؤخذ بالقدر المتيقن من قول السيد : «ليس ببيع» وهو عدم
مماثلة المعاطاة للبيع بالصيغة في اللزوم ، ولا يؤخذ بظهور كلامه في نفي أصل بيعية
المعاطاة.
وعليه يتجه ما
أفاده المصنف قدسسره من جعل إجماع الغنية موافقا لإجماع بعض الأساطين على
عدم لزوم المعاطاة.
__________________
ولا يقدح (١)
كونه (٢) ظاهرا في عدم الملكية الذي (٣) لا نقول به.
وعن جامع
المقاصد : «يعتبر اللفظ في العقود اللازمة بالإجماع» (٤).
نعم (٥) قول
العلّامة رحمهالله في التذكرة : «انّ الأشهر عندنا : أنّه لا بدّ من
الصيغة»
______________________________________________________
(١) يعني : لا
يقدح ظهور كلام الغنية ـ في نفي بيعية المعاطاة ـ في المدّعى ، وهو عدم لزوم
المعاطاة.
وجه عدم القدح
رفع اليد عن ظهور كلام السيد في نفي مملّكية المعاطاة ، وذلك لقيام الأدلة على
إفادتها للملك الجائز ، فهذا الظهور لا يمكن الأخذ به من جهة معارضة الأدلّة على
مملّكية المعاطاة بمنعها صغرويّا. وقد تقدم توضيح وجه عدم القدح بقولنا : «فان قلت
.. قلت».
(٢) يعني : كون
إجماع الغنية ظاهرا في نفي الموصوف وهو طبيعة البيع ، لا خصوص الوصف وهو اللزوم.
(٣) وصف لقوله
: «عدم الملكية» يعني : لا نقول بعدم الملكية.
(٤) هذا
الإجماع معاضد ثالث لإجماع بعض الأساطين.
وقد تحصّل إلى
هنا : أنّ الإجماع المتضافر نقله قد قام على عدم ترتب ملك لازم على المعاطاة ، وعليه
لا بدّ من تخصيص أصالة اللزوم ـ في الملك والبيع ـ بهذه الإجماعات المنقولة. وسيشرع
المصنف في هدم هذه الإجماعات ، فانتظر.
(٥) استدراك
على قوله : «لكن الظاهر فيما نحن فيه قيام الإجماع على عدم لزوم المعاطاة» ومقصوده
الإشكال على هذا الإجماع بوجهين :
أحدهما : منع
تحققه في نفسه ، لوجود المخالف المعتدّ به.
وثانيهما : منع
حجيته ، لكونه فاقدا لمناط الاعتبار وهو الكشف عن رأي المعصوم عليهالسلام.
وتوضيح الوجه
الأوّل : أنّ كلام العلّامة في التذكرة : «أن الأشهر عندنا .. إلخ» يدلّ عرفا على
وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة ، بحيث يقدح في دعوى الإجماع على عدم اللزوم ، إذ
لو كان المخالف شاذّا لعبّر العلامة بالمشهور ، كما لا يخفى على العارف بمحاورات
الفقهاء.
__________________
يدلّ (١) على وجود الخلاف المعتدّ به في المسألة. ولو كان المخالف شاذّا
لعبّر بالمشهور.
وكذلك (٢)
نسبته في المختلف إلى الأكثر.
وفي التحرير : «أنّ
الأقوى أنّ المعاطاة غير لازمة» .
ثم (٣) لو
فرضنا الاتفاق من العلماء على عدم لزومها مع ذهاب كثيرهم أو أكثرهم إلى أنّها ليست
مملّكة ، وإنّما تفيد الإباحة
______________________________________________________
(١) خبر قوله :
«قول العلّامة».
(٢) يعني : وكذلك
كلام العلامة في المختلف والتحرير يدل على وجود الخلاف المعتدّ به ، وذلك فإنّ
نسبة عدم اللزوم إلى الأكثر في الأوّل ـ وجعله أقوى في الثاني ـ يدلّ أيضا على
وجود الخلاف المعتدّ به القادح في دعوى الإجماع على عدم اللزوم في المعاطاة.
ومع دلالة هذه
العبارات الثلاث ـ من التذكرة والمختلف والتحرير ـ على وجود الخلاف المعتدّ به كيف
تصح دعوى الإجماع على اللزوم؟ فغرض المصنف من ذكر هذه العبائر الثلاث توهين
الإجماع المدّعى على عدم اللزوم.
(٣) هذا هو
الوجه الثاني من الاشكال على الإجماع البسيط على عدم اللزوم ، وحاصله : أنّ
الإجماع على عدم اللزوم ـ بعد تسليمه والإغماض عن وجود الخلاف المعتدّ به الذي
استظهرناه من كلمات العلامة قدسسره في التذكرة والمختلف والتحرير ـ غير مفيد ، لذهاب كثير
من القائلين بعدم اللزوم بل أكثرهم إلى كون المعاطاة مفيدة للإباحة ، وهذا الإجماع
لا يكشف عن إفادة المعاطاة للملك الجائز ، لإمكان ذهاب كلّهم أو جلّهم إلى اللزوم
على تقدير عدولهم عن الإباحة ، وبنائهم على إفادة المعاطاة للملك. فالإجماع المفيد
المطابق للمدّعى هو اتفاقهم على عدم اللزوم على تقدير إفادتها للملك ، وهذا غير
معلوم ، فالإجماع المفيد غير متحقق ، والمتحقق غير مفيد.
__________________
لم يكن (١) هذا الاتفاق كاشفا (٢) ، إذ (٣) القول باللزوم فرع الملكية ، ولم
(٤) يقل بها إلّا بعض من تأخّر عن المحقق الثاني تبعا له. وهذا مما (٥) يوهن حصول
القطع بل الظنّ من الاتّفاق المذكور ، لأنّ (٦) قول الأكثر بعدم اللزوم سالبة
بانتفاء الموضوع (٧).
نعم (٨) يمكن
أن يقال : ـ بعد ثبوت الاتفاق المذكور ـ إنّ أصحابنا بين قائل
______________________________________________________
(١) جواب «لو
فرضنا».
(٢) يعني : عن
رأي المعصوم عليهالسلام بعدم لزوم الملك في المعاطاة ، مع أنّ مناط حجيّة الإجماع
عندنا هو الكشف عن رأيه عليهالسلام.
(٣) تعليل لعدم
كاشفية الإجماعات المتقدمة.
(٤) يعني : والحال
أنّه لم يقل بالملكية إلّا بعض .. إلخ.
(٥) يعني : وعدم
القول بالملكية إلّا من بعض متأخري المتأخرين تبعا للمحقق الثاني يوهن حصول القطع
أو الظن بقول المعصوم عليهالسلام من الاتفاق المزبور الذي ادّعاه السيد والمحقق الكركي ،
والمفروض أنّ مناط حجية الإجماع إنّما هو الكشف عن قوله عليهالسلام أو عن حجة معتبرة.
(٦) تعليل
لقوله : «يوهن» توضيحه : أنّ السالبة بانتفاء الموضوع لا تثبت السالبة بانتفاء
المحمول التي هي مورد البحث ، فإنّ نفي الملكية لا يثبت الملك الجائز على تقدير
القول بإفادة المعاطاة للملك.
وإن شئت فقل : انّ
الإجماع تقييدي ، وهو غير كاشف عن كون إفادة المعاطاة للملك المتزلزل إجماعية ، لأنّ
نفي اللزوم وإن كان ظاهرا في سلب المحمول على ما هو الأصل في القضايا السلبية ، إلّا
أنّ هنا قرينة على إرادة سلب الموضوع ، حيث إنّ الأكثر قائلون بإفادة المعاطاة
للإباحة دون الملك ، فالمراد بنفي اللزوم نفي الملك ، لا نفي وصفه وهو اللزوم مع
وجود أصل الملك.
(٧) لكونهم
قائلين بالإباحة ، فلا بيع حتى يكون لازما أو جائزا.
(٨) هذا بظاهره
استدراك على مناقشته في الإجماع على عدم اللزوم ، ولكنه في الحقيقة
بالملك الجائز (١) وبين قائل بعدم الملك رأسا (٢) فالقول بالملك اللازم قول
ثالث (٣) ، فتأمّل (٤).
وكيف كان (٥)
فتحصيل (٦) الإجماع على وجه استكشاف قول الامام عليهالسلام
______________________________________________________
إشارة إلى الدليل الثاني على تخصيص قاعدة اللزوم في المعاطاة ، وهو الإجماع
المركّب.
وحاصل تقريبه :
أنّ الأصحاب بين قائل بالملك الجائز وبين قائل بعدم الملك رأسا ، بل بالإباحة ، فهم
على هذين القولين ، ومن المعلوم أنّ القول بالملك اللازم مخالف لهما معا ، ويكون
قولا ثالثا لا يجوز إبداعه.
وعليه فلا بدّ
من الالتزام باختصاص الملك اللازم بالبيع القولي ، دون المعاطاتي.
(١) كالمحقق
الثاني ومن تبعه.
(٢) كما هو
مذهب مشهور القدماء من القول بإباحة التصرف.
(٣) يعني : فلا
يجوز إحداثه ، لكونه خرقا للإجماع المركّب.
(٤) لعلّه
إشارة إلى : أنّ عدم جواز إحداث القول الثالث مبنيّ على رجوع الإجماع المركّب إلى
البسيط ، بأن يكون الفريقان متّفقين على نفي الثالث ، لا أن يكون نفي الثالث
منتزعا منهما. ومن المعلوم أنّه لم يثبت اتفاقهم هنا على نفي الثالث.
وعليه فدعوى
الإجماع المركب غير مفيدة في المقام.
أو إشارة إلى :
أنّه إذا كان المقصود نفي القول بالملك اللازم من دون قصد إلى إثبات الملك الجائز
لم يكن حاجة حينئذ إلى التشبث بالإجماع المركب ، لكفاية نفس الإجماع البسيط على
عدم اللزوم في نفي الملك اللازم.
(٥) يعني : سواء
أريد تخصيص قاعدة اللزوم في المعاطاة بالإجماع البسيط أو المركّب ، فإنّ كليهما
ممنوع.
(٦) هذا تقريب
الاشكال على كلا تقريبي الإجماع على نفي اللزوم ، ومحصّله : عدم تحقق الاتفاق ـ بسيطا
ومركّبا ـ لدلالة كلمات العلّامة في التذكرة والمختلف والتحرير على وجود الخلاف
المعتدّ به في المسألة ، ومعه لا تصحّ دعوى الإجماع على عدم اللزوم في المعاطاة ، إذ
من قول غيره من العلماء ـ كما هو طريق المتأخرين ـ مشكل (١) ، لما ذكرنا (٢)
، وإن كان هذا (٣) لا يقدح في الإجماع على طريق القدماء ، كما بيّن في الأصول.
وبالجملة (٤) :
فما ذكره في المسالك (٥) من قوله ـ بعد ذكر قول من اعتبر مطلق اللفظ في اللزوم ـ :
«ما أحسنه وما أمتن دليله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه» في غاية الحسن والمتانة.
______________________________________________________
ليس اتفاق جماعة كاشفا عن قول المعصوم عليهالسلام كما هو مناط حجية الإجماع عند المتأخرين.
(١) خبر «وتحصيل».
(٢) من عدم
تحقق الاتفاق على عدم لزوم المعاطاة ، بل المسألة خلافية.
(٣) أي : ما
ذكرناه من وجود الخلاف المعتدّ به ، حاصله : أنّ الخلاف قادح في الإجماع على طريقة
المتأخرين ، وهي كشف قول المعصوم عليهالسلام حدسا عن قول المجمعين. وغير قادح فيه على طريقة
القائلين بأنّ مناط حجية الإجماع دخول المعصوم عليهالسلام ، فلا مانع حينئذ من تحقق الإجماع ولو مع مخالفة كثير
منهم ممّن هو معلوم النسب ، إذ المفروض وجود الامام عليهالسلام في غيرهم.
(٤) هذه خلاصة
ما ذكره من النقض والإبرام حول الإجماع المدّعى على عدم اللزوم.
(٥) حيث قال : «والذي
اختاره متأخرو الشافعية وجميع المالكية انعقاد البيع بكلّ ما دلّ على التراضي ، وعدّه
الناس بيعا ، وهو قريب من قول المفيد وشيخنا المتقدم. وما أحسنه وأمتن دليله إن لم
ينعقد الإجماع على خلافه».
وهذه العبارة
وإن كانت ظاهرة في كفاية مطلق الكاشف لا خصوص اللفظ ، لكن تعبيره ب «وهو قريب من
قول المفيد وشيخنا المتقدم» قرينة على أنّ مراده من الحسن والمتانة هو ما نبّه
عليه في أوّل بحث المعاطاة ـ بعد نقل كلام المفيد ـ بما لفظه : «وقد كان بعض
مشايخنا المعاصرين يذهب إلى ذلك أيضا ـ أي إلى اللزوم ـ لكن يشترط في الدال كونه
لفظا» .
وكيف كان فوجه
المناسبة في نقل كلام المسالك هو : تأييد ما أفاده المصنف قدسسره من
__________________
والإجماع (١)
وإن لم يكن محقّقا على وجه يوجب القطع ، إلّا أنّ المظنون قويّا تحققه (٢) على عدم
اللزوم مع عدم لفظ دالّ على إنشاء التمليك ، سواء لم يوجد لفظ أصلا (٣) أم وجد
ولكن لم ينشأ التمليك به (٤) ، بل كان من جملة القرائن على قصد التمليك بالتقابض (٥)
(*).
______________________________________________________
التردد والتأمل في ثبوت الإجماع على إناطة لزوم الملك باللفظ ، حيث إنّ
ظاهر المسالك هو تردّده في ثبوت الإجماع ، ومع التردد فيه يتعيّن التمسك بعموم ما
دلّ على لزوم الملك.
(١) مقصوده قدسسره ـ بعد أن منع آنفا من تحقق إجماع تعبدي على اعتبار
الصيغة في لزوم الملك ـ التفصيل في المسألة ، وتأييد الإجماع في صورتين ، إذ
الصّور ثلاث :
الأولى : أن لا
يوجد لفظ دالّ على التمليك أصلا ، بأن كانت المقاولة بالإشارة والكتابة ، ثم تحققت
المعاطاة. وحكم هذه الصورة عدم اللزوم ، للإجماع المظنون تحققه.
الثانية : أن
يوجد لفظ دالّ على التراضي ، ولكن كان في مقام المقاولة ، لا في مقام إنشاء
التمليك ، فكان الإنشاء كالصورة السابقة بنفس التقابض. وهذه الصورة كالأولى في عدم
اللزوم ، للإجماع.
الثالثة : أن
يوجد لفظ دال على التراضي وأنشئت المعاملة به ، لا بنفس التقابض. وحكم هذه الصورة
اللزوم ، لفرض تحقق الإنشاء بالصيغة ، سواء أكانت ملحونة مادة أو هيئة ، أم صحيحة
جامعة لشرائط الصحة والتأثير في الملك اللازم.
(٢) والظنّ وإن
لم يغن من الحقّ شيئا ، لكن لا بأس بالاعتماد عليه في الخروج عن مخالفة المشهور
القائلين باعتبار الإنشاء القولي.
(٣) أي : لا في
مقام المقاولة ولا في مقام الإنشاء. وهذه اولى الصور الثلاث.
(٤) أي : باللفظ
، وهذا إشارة إلى الصورة الثانية.
(٥) وبقيت صورة
واحدة خارجة عن معقد الإجماع ، وهي ما إذا كان إنشاء المعاملة باللفظ الملحون مثلا
، فإنّه يؤثّر في اللزوم كالصيغة الجامعة للشرائط.
__________________
.................................................................................................
__________________
وقد يظهر (١) ذلك (٢) من غير واحد من الأخبار (٣) ،
______________________________________________________
(١) هذا إشارة
إلى الدليل الثاني على لزوم تخصيص أصالة اللزوم في الملك بالمعاطاة ، كما أنّ
الإجماع المتقدم ـ من بسيطه ومركبة ـ هو الدليل الأوّل على التخصيص.
ومحصّل هذا
الوجه : دلالة طائفة من الأخبار على اعتبار اللفظ ـ في الجملة ـ في مقام إنشاء
البيع ، وعدم كفاية التعاطي العاري عنه.
(٢) قال السيد
الطباطبائي قدسسره : «يعني : يظهر اشتراط اللزوم بكون إنشاء المعاملة
باللفظ في الجملة» . وقال الفقيه المامقاني قدسسره : «يعني : أنّه يظهر منها انتفاء اللزوم بانتفاء مطلق
اللفظ الدال على الإنشاء ، سواء لم يوجد أصلا أم وجد ولكن لم ينشأ به التمليك» .
ومفاد كلام كلا
العلمين واحد بالتأمّل.
(٣) قال السيد
: «ولعلّ نظره في ذلك إلى ما أشرنا إليه سابقا من الخبر الوارد في بيع المصحف
وأطنان القصب» مثل قوله عليهالسلام في موثّق سماعة : «لا تشتر كتاب الله عزوجل ، ولكن اشتر الحديد والورق والدفتين ، وقل : أشتري منك
هذا بكذا وكذا» .
__________________
__________________
بل (١) يظهر منها أنّ إيجاب البيع باللفظ ـ دون مجرّد التعاطي ـ كان
متعارفا بين أهل السّوق والتجار.
______________________________________________________
ونحوه غيره من
الروايات الواردة بهذا المضمون التي جمعها في الوسائل في باب عدم جواز بيع المصحف
وجواز بيع الورق والجلد .
ومثل رواية
العجلي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في رجل اشترى من رجل عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على
بعض من أجمة واحدة ، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن ، فقال البائع : قد بعتك من هذا
القصب عشرة طن ، فقال المشتري : قد قبلت واشتريت ورضيت .. إلخ» (*).
(١) قال الفقيه
المامقاني قدسسره ما لفظه : «هذا الظهور يحصل من ملاحظة أخبار متعدّدة ، بمعنى
: أنّ التعارف يستفاد من المجموع ، لا أنّ كل واحد منها يدلّ عليه ..» ثم ذكر جملة
من تلك الروايات :
منها : ما رواه
عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن السمسار أيشتري بالأجر؟ فيدفع إليه الورق ويشترط
عليه أنّك تأتي بما تشتري ، فما شئت أخذته وما شئت تركته ، فيذهب ويشتري ، ثم يأتي
بالمتاع فيقول : خذ ما رضيت ودع ما كرهت. قال :
__________________
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
لا بأس» .
ومنها : ما
رواه إسحاق المدائني في جواز بيع المبيع قبل قبضه ، قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن القوم يدخلون السفينة يشترون الطعام ، فيتساومون بها
، ثم يشتريه رجل منهم ، فيسألونه ، فيعطيهم ما يريدون من الطعام ، فيكون صاحب
الطعام هو الذي يدفعه إليهم ويقبض الثمن. قال : لا بأس ، ما أراهم إلّا وقد شركوه»
الحديث .
ثم قال قدسسره : «وجه الدلالة : أنّه ليس شيء من المعاملتين على وجه
وقع فيه الصيغة الخاصة المقرّرة ، وإنّما وقع المقاولة كما لا يخفى على من تدبّر
فيها. ويمكن استظهار ما ذكره المصنف رحمهالله من ملاحظة أخبار أخر في أبواب البيع» (*).
__________________
__________________
بل (١) يمكن
دعوى السيرة على عدم الاكتفاء في البيوع الخطيرة
______________________________________________________
وبهذا يظهر وجه
إضراب المصنف عن قوله : «وقد يظهر ذلك» الى قوله : «بل يظهر» وذلك لأنّ قوله : «قد
يظهر» ربما يوهم ضعف ظهور بعض الأخبار في توقف لزوم الملك على اللفظ ، فأراد قدسسره التنبيه على قوة دلالة الأخبار على المدّعى ، ووجه
القوة : أنّ البيع بالصيغة إذا كان متعارفا بين أهل السوق والتجار في عصر التشريع
اقتضى انصراف إطلاق أدلة الإمضاء ـ مثل آية حلّ البيع ـ الى خصوص البيع القولي ، وخروج
الفعلي عن حريم تلك الأدلة. فالمهمّ حينئذ إحراز صغرى التعارف ، والمدّعى دلالة
مجموع الأخبار على هذا التعارف من قبيل تراكم الظنون وإن كان كل واحد من الأخبار
بخصوصه قاصرا عن إثباته.
(١) هذا دليل
ثالث على خروج المعاطاة عن عموم قاعدة اللزوم في الملك ـ غير ما سبق من الإجماع
والتعارف ـ وظاهره الترقّي عن مجرّد تداول البيع القولي إلى قيام السيرة المستمرة
__________________
__________________
ـ التي (١) يراد بها عدم الرجوع ـ بمجرد (٢)
______________________________________________________
على إنشاء المعاملات الخطيرة بالصيغة ، فلو لم يكن مجرّد تعارف البيع
اللفظي موجبا لانصراف أدلة صحة البيع الى خصوص ما كان متداولا في ذلك العصر قلنا :
إنّ قيام سيرة المتشرعة والعقلاء على عدم الإكتفاء بمجرد التعاطي كاف في اختصاص
قاعدة لزوم الملك بالبيع اللفظي.
والفرق بين هذا
الدليل وسابقيه هو : أنّ الوجهين المتقدمين يدلّان على عدم كفاية التعاطي مطلقا
سواء أكان العوضان خطيرين أم حقيرين. ولكن هذا الدليل مخصوص بالأموال الخطيرة مع
زيادة قيد ، فهنا صور ثلاث :
الأولى : أن
يكون العوضان من المحقّرات ـ وربما يقدّر بما لا يبلغ حدّ القطع في السرقة ـ فهنا
جرت سيرتهم على كفاية التعاطي وترتب ملك جائز عليه ، وجواز الرجوع فيه.
الثانية : أن
يكون العوضان من الأموال الخطيرة كالدور والبساتين ، ويجعل المتبايعان أو أحدهما
خيارا فيه ، فهذه كالصورة الأولى في بنائهم عملا على إنشاء المعاملة بالمعاطاة.
الثالثة : أن
يكون العوضان من الأموال الخطيرة مع بنائهم على لزوم المعاملة وعدم جواز فسخها
أصلا ، وهذه الصورة مورد قيام سيرة المتشرعة والعقلاء على عدم الاقتصار بالفعل
كالمصافقة ، بل يلتزمون بالإنشاء اللفظي ، بحيث يكون لزوم الملك بنظرهم متوقفا
عليه.
وعلى هذا
فالسيرة مخصّصة لعموم أدلة لزوم الملك في المعاطاة بالنسبة إلى الأموال الخطيرة
التي لا يلتزم فيها بعدم الفسخ والرجوع. ومن المعلوم أنّ سيرة المتشرعة حجة بنفسها
، لكونها متلقّاة من الشرع ، ولا يطالب بدليل على إمضائها ، فالمهم إحراز أصل
السيرة التي هي إجماع عملي.
(١) هذه إشارة
إلى الصورة الثالثة المتقدمة ، ومفهومها يدلّ على الاكتفاء بالتعاطي في الأمور
الخطيرة عند جعل الخيار لهما أو لأحدهما.
(٢) متعلق
بقوله : «الاكتفاء».
التراضي (*).
نعم (١) ربما
يكتفون بالمصافقة ، فيقول البائع : «بارك الله لك» أو ما أدّى هذا المعنى
بالفارسية (٢).
نعم (٣) يكتفون
بالتعاطي في المحقّرات ، ولا يلتزمون بعدم جواز الرجوع فيها ، بل ينكرون على
الممتنع عن الرجوع مع بقاء العينين (٤).
نعم (٥)
الاكتفاء في اللزوم بمطلق الإنشاء القولي غير بعيد ،
______________________________________________________
(١) مقصوده قدسسره أنّ سيرتهم وإن استقرّت على إنشاء المعاملة باللفظ في
البيوع الخطيرة ، لكنّه لا ينافيها اكتفاؤهم في بعض الموارد بالمصافقة ، وعدم
الإتيان بالصيغة التامّة مادة وهيئة. ووجه عدم المنافاة واضح ، إذ المناط في
السيرة التزام أغلب المتشرعة والعقلاء ، ولا يقدح مخالفة بعضهم في تحققها.
(٢) كقول
البائع : «خيرش را ببيني».
(٣) هذا إشارة
إلى الصورة الاولى من الصور الثلاث ، وهي الاقتصار على التعاطي في المحقّرات ، مع
اعتقادهم جواز المعاملة وعدم لزومها ما دامت العينان باقيتين. وعليه فالاقتصار على
المعاطاة في المحقّرات ليس بمعنى كونها عقدا لازما فيها ، بل يلتزمون بكونها جائزة
، يصحّ الرجوع فيها.
(٤) وأمّا مع
تلفهما فتصير لازمة قطعا.
(٥) هذه
كالتتمّة لما أفاده بقوله : «بل يمكن دعوى السيرة» ومقصوده أنّ البناء العملي على
عدم الاكتفاء بمجرد التراضي ـ ولزوم الإتيان باللفظ ـ لا ينافي قيام السيرة
العملية على
__________________
للسيرة (١) (*) ولغير واحد من الأخبار (٢) ، كما سيجيء إن شاء الله تعالى
في شروط الصيغة.
______________________________________________________
الاقتصار بمطلق اللفظ في إنشاء البيع سواء أكان واجدا لجميع ما يعتبر في
الإيجاب والقبول مادّة وهيئة ، أم كان فاقدا لبعض ما يعتبر فيهما. وعلى كلّ يثبت
المقصود ، وهو قيام السيرة على عدم الاكتفاء بمجرّد التراضي ، ودخل اللفظ في
اللزوم.
(١) أي : سيرة
المتشرعة بما هم متشرّعة.
(٢) التي تقدّم
بعضها ، وإليك بعضها الآخر :
فمنها : ما ورد
في بيع العبد الآبق مع الضميمة ، كموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في الرجل يشتري العبد ، وهو آبق عن أهله؟ قال : لا
يصلح ، إلّا أن يشتري معه شيئا آخر ، ويقول : أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا
وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه» . بتقريب : أنّه عليهالسلام علّم السائل كيفية إنشاء شراء العبد الآبق مع ضميمته ، فكأنّ
أصل دخل اللفظ في اللزوم مستغن عن البيان.
ومنها : ما ورد
في بيع اللبن في الضّرع ، كموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «سألته عن اللّبن يشترى وهو في الضّرع ، فقال :
لا ، إلّا أن يحلب لك منه أسكرجة ، فيقول : اشتر منّي هذا اللّبن الذي في الأسكرجة
وما في ضروعها بثمن مسمّى ، فإن لم يكن في الضّرع شيء كان ما في الاسكرجة» وتقريب الدلالة كما تقدم.
ومنها : فحوى
الأخبار الواردة في النكاح المشتملة جميعا على الإيجاب والقبول بلفظ
__________________
__________________
بقي الكلام في
الخبر الّذي تمسّك به في باب المعاطاة تارة على عدم إفادة المعاطاة إباحة التصرف (١)
، وأخرى على عدم إفادتها اللزوم ، جمعا (٢) (*) بينه (٣) وبين
______________________________________________________
المضارع ، والمشتملة على الإيجاب ب «نعم» والقبول بالأمر.
هذا تمام
الكلام في الوجوه الثلاثة الموجبة لخروج المعاطاة عن قاعدة اللزوم في الملك.
وقد استقرّ رأى
المصنف قدسسره أخيرا على اعتبار الإنشاء القولي في البيوع الخطيرة ، وإن
لم يكن جامعا لكلّ ما يعتبر في الصيغة ، وسيأتي تتمة بحث أصالة اللزوم ، وهي تحقيق
مفاد الأخبار الدالة على حصر المحلّل والمحرّم في الكلام.
(١) وكونها
بيعا فاسدا ، وهذا مبني على أوّل الوجوه الأربعة التي سيذكرها المصنف قدسسره في معنى قوله عليهالسلام : «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» والمراد بأوّل
الوجوه هو : أن يكون النطق والكلام تمام المناط في تحليل شيء وتحريمه ، فلا يتحقق
شيء من الحلّ والحرمة بالقصد المجرّد عن الكلام ، ولا بالقصد المدلول عليه
بالأفعال دون الأقوال. وعليه فلا تكون المعاطاة سببا للإباحة ولا للملك.
(٢) قيد لقوله
: «عدم إفادتها اللزوم» يعني : استدلّ بعضهم بهذا الخبر على إناطة اللزوم باللفظ ،
لا أصل صحة المعاطاة ، والوجه في هذا هو الجمع بين هذا الخبر وبين الأدلة المتقدمة
على إفادة المعاطاة للملك.
(٣) أي : بين
الخبر وهو قوله عليهالسلام : «إنّما يحلل الكلام .. إلخ» وبين ما دلّ على صحة
البيع مطلقا كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ
الْبَيْعَ) فيجمع بينهما بحمل «إنما يحلّل الكلام» على أنّ
__________________
__________________
ما دلّ على صحة مطلق البيع كما صنعه في الرياض (١) ، وهو قوله عليهالسلام : «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» (٢).
وتوضيح المراد
منه يتوقف (٣) على بيان تمام الخبر ، وهو ما رواه ثقة الإسلام في باب «بيع ما ليس
عنده» والشيخ (٤) في باب «النقد والنسيئة» عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجّاج عن
خالد بن الحجّاج أو ابن نجيح ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرّجل يجيئني ويقول : اشتر لي هذا الثوب وأربحك كذا
وكذا ، فقال : أليس إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس ، إنّما
يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» .
______________________________________________________
اللزوم منوط بالكلام ، فيراد بقوله عليهالسلام : «يحلّل الكلام» أنّه يلزم الكلام ، فالمعاطاة وإن
كانت صحيحة ، لكنها غير لازمة ، بل هي مفيدة للملك الجائز. أمّا الملكية فلكونها
بيعا ، وأمّا غير اللزوم فلعدم الكلام.
(١) وفي مفتاح
الكرامة وشرح كاشف الغطاء على القواعد وغيرهما أيضا. قال في الرياض : «ففي الصحيح
وغيره من المعتبرة : أنه إنّما يحلل الكلام ، وهي وإن اقتضت حرمة التصرف ، إلّا
أنّها محمولة على اللزوم وعلى ما بعد الرجوع ، جمعا بينه وبين ما دلّ على الإباحة
بالتراضي ..» .
(٢) هذا
المضمون ورد في روايات متعددة ، ولكن المقصود فعلا التعرض لرواية خالد كما سينقله
المصنف في المتن.
(٣) وجه التوقف
تطرّق احتمالات عديدة في الجملة المستدل بها ، وهي «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم
الكلام» فلا بد من التأمل في جميع فقرات الرواية ، عسى أن يكون صدرها قرينة معيّنة
لما يراد من الذيل.
(٤) ظاهر العطف
يقتضي اتحاد طريقي الشيخ والكليني ، واشتراك السند من
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
ابن أبي عمير الى الامام الصادق عليهالسلام ، ونتيجة ذلك تردّد الراوي عن الإمام ـ في الكافي
والتهذيب ـ بين «خالد بن الحجاج وخالد بن نجيح».
مع أنّ الأمر
ليس كذلك ، لعدم اختلاف نسخ التهذيب في هذا السند ، بل الظاهر توافقها في ضبط
الراوي بعنوان «خالد بن الحجاج». وإنّما حكي اختلاف نسخ الكافي المصحّحة ، ففي
بعضها «خالد بن نجيح» وفي بعضها «خالد بن الحجاج».
وعليه كان
المناسب أن يقتصر المصنف قدسسره على سند الكافي الذي تردّد الراوي فيها بين ابن الحجاج
وابن نجيح ، ثم تعقيبه بذكر سند الشيخ بأن يقول ، «ورواه الشيخ في باب النقد
والنسيئة عن خالد بن الحجاج».
وكيف كان فلا
بأس بالإشارة إلى سند الرواية ، ففي الكافي «عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي
عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن نجيح ، قال : قلت لأبي عبد الله .. إلخ» .
ورواها شيخ
الطائفة عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن يحيى بن الحجاج عن خالد بن الحجاج
..» .
والظاهر اعتبار
السند برواية الشيخ ، لأنّ إسناده إلى الحسين بن سعيد صحيح ، كما لا يخفى على من
راجع مشيخة التهذيب .
وابن أبي عمير
معلوم الحال ، ويحيى ابن الحجاج وخالد قد وثّقهما النجاشي بقوله في ترجمة يحيى : «ثقة
، وأخوه خالد» وعليه فلا شبهة في سند الرواية بنقل الشيخ.
إنّما الكلام
في سندها بنقل الكافي ، ومنشأ الاشكال اختلاف نسخ الكتاب في الراوي عن الامام
الصادق عليهالسلام كما ذكرناه ، والمفروض عدم ثبوت وثاقة خالد بن نجيح
بوجه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
يعتمد عليه.
وفي مثله إمّا
أن يقال بترجيح النسخة المشتملة على «خالد بن الحجاج» ووقوع السهو من قبل نسّاخ
الكافي ، لقرينية وحدة متن الرواية ـ سؤالا وجوابا ، واتحاد الطريق من ابن أبي
عمير إلى خالد ، وكون المسؤول في كلا الطريقين الامام الصادق عليهالسلام ـ على ضبط الراوي في النسخة الأصليّة من الكافي بعنوان «خالد
بن الحجاج».
وإمّا أن يقال
ـ كما هو الظاهر ـ بأنّ ما ذكر من القرائن لا يورث الاطمئنان بضبط الراوي ـ في
النسخة الأصلية من الكافي ـ ب «خالد بن الحجاج» بعد شهادة غير واحد من أهل الخبرة
باشتمال بعض النسخ المصحّحة على «ابن نجيح» ، وبعضها على «ابن خالد». وحينئذ يشكل
الاعتماد على سند الكافي ، ويتعيّن الأخذ بسند الشيخ ، والمفروض صحته كما أشرنا
إليه.
وكم له من نظير
، حيث يروى عن المعصوم عليهالسلام كلام واحد بطريقين أو أكثر ، ويكفي صحة إحدى الطريقين
في شمول أدلة حجية خبر الثقة له.
وليكن المقام
منها ، فتكون الرواية ضعيفة بنقل ثقة الإسلام ، ومعتبرة بنقل شيخ الطائفة.
وأمّا احتمال
سراية الضعف من سند الكافي إلى سند التهذيب فممّا لا وجه له.
نعم لو رواها
الشيخ عن الكافي ـ كما في كثير من روايات كتابي التهذيب والاستبصار ـ كان لذلك
الاحتمال وجه بالنظر إلى أضبطية ثقة الإسلام من الشيخ ، فتأمل. وأمّا في خصوص هذه
الرواية فلا موضوع للبحث ، لأنّ الشيخ رواها بإسناده عن الحسين بن سعيد ، لا عن
ثقة الإسلام.
فالنتيجة : أنّ
الرواية معتبرة سندا ، والعويصة كلّها في مفاد التعليل كما ستقف عليه إن شاء الله
تعالى.
وقد ورد بمضمون هذا الخبر روايات أخر (١) مجرّدة عن قوله عليهالسلام : «إنّما يحلّل» كلّها تدلّ على : أنّه لا بأس بهذه
المواعدة والمقاولة ما لم يوجب بيع المتاع قبل أن يشتريه من صاحبه.
______________________________________________________
(١) رواها
الشيخ الحرّ في الباب الثامن من أبواب العقود.
منها : معتبرة
ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك ، تساومه
، ثم تشتري له على الذي طلب ، ثم توجبه على نفسك ، ثم تبيعه منه بعد» .
وأمّا فقه
رواية خالد سؤالا وجوابا ـ وبملاحظة رواية يحيى الآتية في المتن ـ فهو أنّ الغرض
التوصّل إلى حلية الربح الذي يأخذه السمسار ، وحلّية المتاع الذي يشتريه الرجل منه.
وتوضيحه : أنّ
المستفاد من السؤال أمران :
أحدهما : أنّ
رجلا يراجع السمسار ويفاوضه على شراء ثوب منه ، فيقول السمسار : إنّه ليس لي ، فيأمره
الرجل بشرائه من مالكه حتى يشتريه هذا الرجل من السمسار بثمن أزيد ، بأن تكون
الزيادة ربح السمسار بإزاء عمله.
الثاني : أنّ
مفروض الرواية شراء السمسار الثوب لنفسه ثم بيعه للرجل ، لا كونه وكيلا عن الرجل
في شراء الثوب من مالكه ، ولا كونه أجيرا له ، إذ لو كان السمسار وكيلا أو أجيرا
للآمر لما افتقر الى عقد جديد بين السمسار والآمر ، بل كان الآمر مالكا للثوب بنفس
شراء السمسار الثوب من مالكه. هذا ما يستفاد من السؤال.
وأمّا الجواب
فقد استفصل فيه الامام عليهالسلام من السائل بأنّ الرجل الذي يريد الثوب ـ بعد استدعائه
من السمسار شراء الثوب من مالكه ـ لا يخلو إمّا أن يكون ملزما بأخذ الثوب من
السمسار ، وإمّا أن يكون مخيّرا بين الأخذ والانصراف.
فعلى الأوّل
يبطل ، لأنّ السمسار قد باع الثوب من الآمر قبل أن يشتريه من مالكه ، وهو منهي عنه
، لكونه من بيع ما ليس عنده.
__________________
ونقول : إن هذه
الفقرة ـ مع قطع النظر (١) عن صدر الرواية ـ تحتمل وجوها : (٢)
______________________________________________________
وعلى الثاني
يصح ، لأنّ خياره بين الأخذ والترك كاشف عن عدم وقوع البيع بين السمسار والآمر ، بل
كان الواقع مجرّد مقاولة ومواعدة ، وهما من مقدمات البيع لا نفسه ، وحينئذ يجوز
للسمسار أن يبيع الثوب من الآمر بعد أن يشتريه من مالكه ، ويحلّ الربح للسمسار كما
يحلّ الثوب للآمر.
وعلى هذا فما
من شأنه تحليل الثوب والربح هو مجرّد المقاولة بين السمسار والآمر ، وما من شأنه
تحريمهما هو إنشاء البيع اللازم. هذا كله مفاد السؤال والجواب.
وقد علّل عليهالسلام هذا التفصيل بجملة «إنما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» ولمّا
كان اللازم مناسبة هذا التعليل للحكم المعلّل به فينبغي أن يكون المراد من الكلام
المحلّل هو المقاولة الواقعة بين الرجل والسمسار ، ومن الكلام المحرّم هو إنشاء
البيع.
وبهذا يظهر
أجنبية التعليل عن مقصود القائلين بتوقف صحة العقد أو لزومه على اللفظ ، ولهذا
أشار المصنف قدسسره بقوله : «مع قطع النظر عن صدر الرواية» إلى أنّه لا بدّ
من فرض جملة «انما يحلّل ..» منفصلة عن ذلك السؤال والجواب حتى يتطرّق فيها
احتمالات أربعة أو أزيد.
وأمّا لو أريد
التحفظ على علّيته لجوابه عليهالسلام لم تجر الوجوه الأربعة فيه ، بل يتعين وجه واحد وهو
الاحتمال الثالث منها ، كما سيأتي مشروحا.
(١) إذ مع
النظر الى صدر الرواية لا يتطرّق إلّا وجه واحد لئلّا يكون تعليله عليهالسلام أجنبيا بالمرة عمّا علّله به من حلية المقاولة
والمواعدة ، وحرمة إنشاء البيع.
(٢) مقصوده قدسسره أنّ ذيل الرواية ـ مع قطع النظر عن صدرها ـ يبحث عنه في
مقامين ، أحدهما الثبوت ، والآخر الإثبات. فيقع الكلام أوّلا في محتملات فقه الذيل
، ثم في استظهار
الأوّل (١) أن
يراد من الكلام في المقامين (٢) اللفظ الدال على التحريم والتحليل ، بمعنى أنّ
تحريم شيء وتحليله لا يكون إلّا بالنطق بهما (٣) ، فلا يتحقق بالقصد المجرّد عن
الكلام (٤) ولا بالقصد المدلول عليه بالأفعال (٥)
______________________________________________________
أحدها إن لم يصر مجملا.
(١) هذا
الاحتمال هو ظاهر الجملة بدوا ، وقد استظهره كلّ من استدلّ بها على دخل الإنشاء
القولي في اللزوم ، بل مقتضى إناطة التحليل والتحريم بالكلام عدم تأثير المعاطاة
في الإباحة فضلا عن الملك الجائز ، لكنّهم رفعوا اليد عنه للجمع بين الأدلة كما
تقدم في عبارة الرياض ، ونحوها ما في مفتاح الكرامة وغيرها.
وكيف كان
فمحصّل هذا الاحتمال الأوّل : أنّ الملحوظ هو نفس طبيعة الكلام مع الغضّ عن مدلوله.
فموضوع التحليل والتحريم هو نفس اللفظ ، بخلاف المعاني الآتية ، فإنّ اللفظ لوحظ
فيها حاكيا ومرآة ، ولذا لا يكون جامع بين هذا المعنى الأوّل وبين سائر المعاني
الآتية ، لامتناع اجتماع اللحاظين الآلي والاستقلالي.
فإن أمكن إرادة
هذا المعنى من قوله عليهالسلام : «انما يحلل ..» صحّ الاستدلال به على المقام ، لفقد
الإنشاء اللفظي في المعاطاة حتى يوجب الإباحة أو الملكية ، إذ القصد المجرّد عن
الكلام ـ أو المبرز بغير اللفظ ـ لا يترتب عليه أثر.
(٢) أي : في
مقام التحريم والتحليل ، فإذا كان شيء حراما لم يحلّ بغير الكلام ، وإن كان حلالا
لم يحرم إلّا باللّفظ.
(٣) أي : بالتحليل
والتحريم ، فلو لا النطق لا يحرّم الحلال ، ولا يحللّ الحرام شيء آخر من القصد ، أو
الكاشف الآخر كالكتابة والتقابض والإشارة ونحوها.
(٤) كالنذر ، لإناطة
وجوب الوفاء به بالتلفظ بصيغة النذر ، ولا تكفي النية المجرّدة عنه. على المشهور. وكذا
الحال في الظهار والطلاق.
(٥) كما في
المعاطاة ، لوجود الكاشف عن القصد الى البيع وهو التعاطي ، ولكنه غير
دون الأقوال (*).
______________________________________________________
كاف ، لتوقف حلية التصرف في المأخوذ بالمعاطاة على الإنشاء اللفظي المفقود
حسب الفرض.
__________________
.................................................................................................
__________________
الثاني (١) أن
يراد بالكلام (٢) اللّفظ مع مضمونه ، كما في قولك : «هذا الكلام صحيح أو فاسد» (٣)
، لا مجرّد اللفظ أعني الصوت. ويكون المراد (٤) : أنّ المطلب الواحد يختلف حكمه
الشرعي حلّا وحرمة باختلاف المضامين المؤدّاة بالكلام.
______________________________________________________
(١) محصل هذا
الاحتمال الثاني : أنّ المقصود الواحد يختلف حكمه باختلاف المضامين المؤدّاة
بالكلام ، يعني : أنّ المقصود الواحد إذا أدّى بعبارة مخصوصة صار حلالا ، وإن أدّى
بعبارات اخرى لم يحل ، مثلا : يكون الغرض من النكاح السلطنة على بضع المرأة ، وهو
يحصل بقولها : «متعتك نفسي» ولا يحصل بقولها : «سلّطتك على بضعي أو آجرتك بضعي».
وكذا البينونة
المقصودة بالطلاق ، فإنّها تحصل بقول الزوج : «أنت طالق» ولا تتحقق بقوله : «أنت
خليّة أو مسرّحة أو مطلّقة أو بريّة».
فملخص هذا
الوجه هو ملاحظة المطلب الوحداني المقصود الذي يمكن أداؤه بمضامين متعددة ، فيكون
أداؤه بمضمون محرّما وبمضمون آخر محلّلا. وعليه فليس المراد في هذا الوجه الثاني
محلّلية وجود اللفظ ومحرّمية عدم اللفظ كما كان في الاحتمال الأوّل ، إذ على
الاحتمال الثاني يوجد اللفظ في الجميع ، لكن المراد من «إنما يحرم ويحلل الكلام» هو
محلليّة لفظ ومحرّمية لفظ آخر ، مع اشتراكهما في تأدية المطلب الواحد.
ويؤيّد إرادة
هذا الاحتمال ما ورد في أخبار عقد المزارعة ، وسيأتي بيانها.
(٢) في قوله عليهالسلام : «انما يحلل الكلام ويحرم الكلام».
(٣) حيث إنّ
مقصود القائل : «هذا الكلام صحيح» هو صحة مضمونه ، لا مجرّد صحة الألفاظ والكلمات
إعرابا وبناء ، فالمنظور إليه هو المفاد والمدلول اللّذان يتوصل إليهما بالألفاظ.
(٤) أي : ويكون
المراد من محلّلية الكلام ومحرّميته : أنّ المطلب الواحد .. إلخ.
مثلا المقصود الواحد ـ وهو التسليط على البضع مدة معيّنة ـ يتأتّى بقولها :
«ملّكتك بضعي أو سلّطتك عليه أو آجرتك نفسي أو أحللتها لك» وبقولها : «متّعت نفسي
بكذا» فما عدا الأخير موجب لتحريمه (١) ، والأخير محلّل.
وعلى هذا
المعنى (٢) ورد قوله عليهالسلام : «إنّما يحرّم الكلام» في عدة من روايات المزارعة :
منها (٣) : ما
في التهذيب عن ابن محبوب عن خالد بن جرير عن أبي الربيع
______________________________________________________
(١) المراد من
إيجاب تلك العبارات لحرمة المرأة هو عدم تأثيرها شرعا في حلّية البضع ، وإلّا
فالحرمة ثابتة قبل هذه الألفاظ من جهة كونها أجنبيّة.
(٢) أي : على
هذا الوجه الثاني ـ من معنى الكلام المحلّل والمحرّم ـ ورد قوله عليهالسلام في روايات المزارعة : «إنّما يحرّم الكلام» وغرضه تأييد
هذا الاحتمال الثاني.
وتقريب التأييد
: أنّ قوله عليهالسلام : «إنّما يحرّم الكلام» في باب المزارعة هو نفس التعبير
الوارد في رواية خالد بن نجيح من قوله عليهالسلام : «إنّما يحلّل الكلام ويحرّم الكلام» وحيث إنّ المقصود
بالجملة الواردة في المزارعة واضح لا إجمال فيه ، فليكن التعليل في رواية خالد ـ من
جهة مطابقة المتن ـ محمولا على هذا الاحتمال الثاني الذي هو ظاهر رواية المزارعة
أيضا.
ووجه ظهورها : أنّ
مقصود المالك والعامل جعل حصة الأوّل ثلثا وحصّة الثاني ثلثين ، وهذا المطلب
الواحد إذا أنشئ باشتراط ثلث للبقر وثلث للبذر لم يقع صحيحا ، بل هو عقد فاسد ، وإذا
أنشئ بقول الزارع : «أزرع في أرضك ولك منها ثلث ولي ثلثان» كان صحيحا. ثم علّل عليهالسلام بطلان الإنشاء الأوّل بقوله : «فإنّما يحرّم الكلام» ومن
المعلوم أنّ مسانخة العلّة للحكم المعلّل بها ضرورية ، فيتعيّن أن يراد بجملة «إنّما
يحرّم الكلام» إنشاء عقد المزارعة بلفظ دون لفظ آخر.
وحيث إن رواية
خالد قد اشتملت على هذا المتن كان المناسب حمل «الكلام» على هذا الاحتمال الثاني ،
وهو اللفظ مع مضمونه.
(٣) وكذا يشتمل
على التعليل روايتان أخريان :
الشامي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «أنّه سئل عن الرجل يزرع أرض رجل آخر ، فيشترط عليه
ثلثا للبذر وثلثا للبقر ، فقال : لا ينبغي له أن يسمّي بذرا ولا بقرا ، ولكن يقول
لصاحب الأرض : أزرع في أرضك ، ولك منها كذا وكذا ، نصف أو ثلث أو ما كان من شرط ، ولا
يسمّي بذرا ولا بقرا ، فإنّما يحرّم الكلام» .
الثالث (١) أن
يراد بالكلام في الفقرتين :
______________________________________________________
الأولى : صحيحة
الحلبي قال : «سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن الرجل يزرع الأرض فيشترط للبذر ثلثا ، وللبقر ثلثا ،
قال : لا ينبغي أن يسمّي شيئا ، فإنّما يحرّم الكلام» .
الثانية : معتبرة
سليمان بن خالد ، قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرّجل يزارع ، فيزرع أرض آخر ، فيشترط للبذر ثلثا
وللبقر ثلثا ، قال : لا ينبغي أن يسمّي بذرا ولا بقرا ، فإنّما يحرّم الكلام» .
(١) هذا
الاحتمال الثالث مبني على حمل «الكلام» في جملة التحريم والتحليل على تعبير واحد
وجملة واحدة ، مع كون محرميته ومحلّليته بحسب تعدد المحلّ أو الوجود والعدم.
ويمكن توضيحه
بوجهين :
الأوّل : ما
يظهر من الفاضل النراقي ، وحكي عن المحقق القمي في جامع الشتات وسبقهما المحدث
الكاشاني ، حيث قال : «الكلام هو إيجاب البيع ، وإنّما يحلّل نفيا ، وإنّما يحرّم
إثباتا» .
ومحصله : أنّ
المراد بالكلام في الفقرتين لفظ واحد يكون محرّما في حال وجوده ، ومحرّما في حال
عدمه ، أو بالعكس ، بأن يكون وجوده محلّلا وعدمه محرّما. فالأوّل وهو
__________________
الكلام الواحد (١) ، ويكون تحريمه وتحليله باعتبار وجوده وعدمه ، فيكون
وجوده محلّلا وعدمه محرّما ، أو بالعكس. أو (٢) باعتبار محلّه وغير محلّه ، فيحلّ
في محلّه ويحرّم في غيره.
ويحتمل (٣) هذا
الوجه الروايات الواردة في المزارعة.
______________________________________________________
محرّمية وجود الكلام نظير تسمية البذر والبقر في إنشاء المزارعة ، فإنّه
محرّم أي يوجب استمرار الحرمة السابقة على العقد ، وعدم هذه التسمية محلّلة. والثاني
نظير إذن المالك ـ قولا ـ لغيره في التصرف في ماله ، فإنّ وجود هذا اللفظ محلّل ، وعدمه
محرّم.
الثاني : أنّ
المراد بالكلام وجوده ، ويكون اتصافه بالمحلّلية والمحرّمية باعتبار وجوده في محلّ
أو زمان ، فاللفظ الواحد محرّم في محلّ ومحلّل في محل آخر. مثلا : صيغة «أنكحت
وقبلت» إن صدرت من المحرم كانت محرّما غير مؤثّر في حدوث علقة الزوجية ، وإن صدرت
من المحلّ كانت محلّلا ومؤثّرا في التزويج. وكالعقد على ذات العدّة ، فإنّه محرّم
أبدا ، وعلى الخليّة محلّل.
(١) يعني : فالمتصف
بالتحليل والتحريم حينئذ كلام واحد مع اتحاد مضمونه ، وهذا هو الفارق بين هذا
الوجه الثالث وبين سائر الوجوه. بخلاف الوجه السابق ، فإنّ المتصف بهما كلامان ، حيث
إنّ تسمية البذر والبقر محرّم ، والتعبير بالنصف أو الثلث كلام محلّل.
فالفرق بين هذا
الوجه وسابقه هو : تعدد الكلام المتصف بالتحليل والتحريم هناك واتحاده هنا.
كما أنّ فرق
هذا الاحتمال مع الاحتمال الأوّل هو : أنّ المناط في التحريم والتحليل هناك كان في
طبيعة الكلام في مقابل الفعل ، لا بما أنّه كلام واحد أو متعدّد ، ولا باعتبار
وجوده في محلّ وعدمه في محل آخر.
(٢) معطوف على «باعتبار»
وهذا إشارة إلى الاحتمال الثاني المذكور في الوجه الثالث.
(٣) أي : الوجه
الثالث ، فيقال : انّ وجود تسمية البذر والبقر محرّم ، وعدمها محلّل. أو يقال : انّ
قول الزارع للمالك : «لي الثلثان ولك الثلث» محلّل ، وعدمه محرّم.
وأمّا تقريب
احتمال حمل أخبار المزارعة على الوجه الثالث فهو : نهي الامام عليهالسلام عن
الرابع (١) أن
يراد من الكلام المحلّل خصوص المقاولة والمواعدة ، ومن الكلام المحرّم إيجاب البيع
______________________________________________________
تسمية ثلث للبذر وثلث للبقر ، فهذه التسمية محرّمة وموجبة لفساد العقد
وحرمة التصرف ، وعدم هذه التسمية محلّل ، بأن يقول ـ كما علّمه عليهالسلام ـ : «لي الثلث ولك الثلثان» مثلا.
فإن قلت : إنّ
احتمال إرادة هذا الوجه الثالث من روايات المزارعة ينافي تصريح المصنف قدسسره في الوجه الثاني بقوله : «وعلى هذا المعنى ورد قوله عليهالسلام : إنّما يحرّم الكلام». والمنافاة واضحة ، لأن أخبار
المزارعة إمّا أن تكون مجملة محتملة لكل من الوجه الثاني والثالث ، وإمّا أن تكون
ظاهرة في خصوص الاحتمال الثاني ، فإن كانت محتملة لكلا الوجهين لم يصحّ قوله في
الوجه الثاني : «وعلى هذا المعنى ورد ..» وإن كانت ظاهرة في خصوص الاحتمال الثاني
لم يصح قوله هنا : «ويحتمل هذا الوجه الروايات الواردة في المزارعة».
قلت : لا تنافي
بين كلامي المصنف قدسسره ، لأنّ مدعاه في الاحتمال الثاني هو ظهور أخبار
المزارعة فيه ، وأنّ المطلب الواحد يمكن تأديته بعبارتين : إحداهما محلّلة والأخرى
محرّمة. ومن المعلوم أنّ هذا الظهور لا ينافي احتمال تنزيل تلك الأخبار على الوجه
الثالث ، بأن يقال : إنّ وجود الكلام ـ أي تقييد حصّة العامل بالبذر والبقر ـ محرّم
، وعدم هذا التقييد محلّل.
والحاصل : أنّ
ظهور الكلام في معنى لا ينافي احتمال إرادة معنى آخر منه. وإنما يتحقق التهافت
بينهما إذا ادّعي تارة صراحة الكلام في مؤداه ، واخرى احتماله لمعنى آخر.
(١) محصّل هذا
الوجه : أنّ المراد بالكلام المحلّل ـ بالنظر إلى صدر الرواية ومورد السؤال فيها ـ
خصوص المقاولة ، وبالكلام المحرّم إيجاب البيع ، لأنّه بيع قبل الشراء ، وهو غير
جائز. وتقدم مزيد توضيح لهذا الوجه عند بيان فقه الرواية قبل الشروع في المقام
الأوّل المنعقد لبيان محتملات التعليل.
ثم إنّه ينبغي
تتميم الكلام ببيان فوارق هذه المحتملات الأربعة ، فنقول : انّ الكلام في هذا
الوجه الرابع متعدّد ، لكون المقاولة التي هي الكلام المحلل مغايرة لإيجاب البيع
الذي هو الكلام المحرّم. فهذا الوجه الرابع يغاير الوجه الثاني في أنّ المضمون فيه
متعدد ، إذ المواعدة غير الإيجاب.
وبعبارة أخرى :
المقاولة والبيع مطلبان ، لا مطلب واحد.
وإيقاعه (١) (*).
______________________________________________________
بخلاف الوجه
الثاني ، فإنّ المقصود من الكلام شيء واحد ، وهو كون ثلثي الزرع للزارع ، والاختلاف
إنّما يكون في التأدية ، وعليه فيكون المعنى الرابع أخص من الثاني.
ويشارك هذا
الوجه الرابع الوجه الثاني في تعدد الكلام الموضوع للتحليل والتحريم هذا.
والوجه الرابع
يغاير الوجه الثالث بالمباينة ، لأنّ الكلام المحلّل والمحرّم متعدد في الرابع ، ومتّحد
في الثالث.
كما أنّ هذا هو
الفرق أيضا بين الوجه الثاني والثالث ، فإنّ الكلام المحلّل والمحرّم في الوجه
الثاني متعدد ، وفي الثالث متّحد.
كما أنّه ظهر
الفرق بين مجموع هذه الوجوه الثلاثة وبين الوجه الأوّل ، بكون الملحوظ استقلالا في
الأوّل هو اللفظ مع الغض عن معناه ، بخلاف الوجوه الثلاثة ، فإنّ الملحوظ فيها
استقلالا هو المعنى ، واللفظ ملحوظ فيه آليّا ، كما تقدم آنفا. فالفرق بين الوجه
الأوّل وبينها هو التباين.
(١) فاللّام في
قوله عليهالسلام : «الكلام» على هذا المعنى الرابع يكون للعهد ، فلا
يستفاد منه ضابط مطّرد في جميع الموارد.
هذا تمام
الكلام في مقام الثبوت ، وسيأتي الكلام في مقام الإثبات.
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
عليهالسلام
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
ثم (١) إنّ
الظاهر عدم إرادة المعنى الأوّل (٢) ، لأنّه (٣) ـ مع لزوم تخصيص الأكثر ،
______________________________________________________
(١) هذا ناظر
إلى المقام الثاني وهو الإثبات ، وأنّ أيّ واحد من تلك الوجوه الأربعة يكون ظاهر
الكلام ومرادا منه.
(٢) مع أنّ
المجدي للاستدلال بذيل رواية خالد بن الحجاج على عدم لزوم الملك بالمعاطاة هو
إرادة هذا المعنى الأوّل.
(٣) أي : لأن
المعنى الأوّل يوجب ، وهذا وجه عدم إرادة الاحتمال الأوّل ، وهو يرجع إلى وجهين :
أحدهما : أنّ
المعنى الأوّل يستلزم تخصيص الأكثر ، لأنّ مقتضاه حصر المحلّل والمحرّم في الكلام
، مع أنّه ليس كذلك ، لكثرة المحرّمات والمحلّلات في الشريعة ، مع عدم كون المحلّل
والمحرّم فيها كلاما ، كمحرّمية الغليان ، ومحلّلية ذهاب الثلثين ، ومحرّمية الموت
بغير التذكية للحيوان القابل للتذكية ، ومحلّلية التذكية ، ومحرّمية الجلل ، ومحلّليّة
الاستبراء منه ، إلى غير ذلك.
ثانيهما : أنّ
الفقرة المذكورة ـ أعني بها : محلّلية الكلام ومحرّميته ـ علّة للحكم المذكور قبله
، وإرادة المعنى الأوّل منها توجب عدم ارتباطها بالحكم المزبور وعدم انطباقها عليه
، لأنّ الحكم ـ على ما يستفاد من جملة من الروايات ـ هو الجواز إذا لم يوجب
السمسار البيع قبل الشراء من مالكه ، ولا دخل للكلام في هذا الحكم أصلا ، بل
المدار في الجواز وعدمه هو الإيجاب قبل الشراء. وعدم الإيجاب قبله ، فليس المدار
في التحليل والتحريم هو النطق حتى يصحّ تعليل الحكم بالجواز وعدمه به ، فإنّ إيجاب
البيع من قبيل المعنى دون اللفظ ، فلا يصحّ التعليل به.
__________________
حيث (١) إنّ ظاهره حصر أسباب التحليل والتحريم في الشريعة في اللفظ ـ يوجب (٢)
عدم ارتباطه بالحكم المذكور في الخبر جوابا عن السؤال ، مع (٣) كونه كالتعليل له ،
لأنّ ظاهر الحكم ـ كما يستفاد من عدة روايات أخر (٤) ـ تخصيص الجواز (٥) بما إذا
لم يوجب البيع على الرجل قبل شراء المتاع من مالكه ، ولا (٦) دخل (*)
______________________________________________________
(١) هذا تعليل
للزوم محذور تخصيص الأكثر ، يعني : أنّ ظهور التعليل في حصر سبب التحليل والتحريم
الشرعيين في اللفظ يوجب ورود الاشكال عليه ، وذلك لكثرة الأسباب المحلّلة
والمحرّمة التي لا دخل للفظ فيها أصلا ، وهذا يكشف إنّا عن إباء التعليل عن الحمل
على الاحتمال الأوّل ، بل لا بد من إرادة معنى آخر منه لا يترتب عليه محذور تخصيص
الأكثر وغيره.
(٢) خبر «لأنه»
وهذا إشارة إلى الوجه الثاني من وجهي الإشكال على الاحتمال الأوّل ، ومحصله : أجنبية
التعليل عن الحكم المعلّل به ، مع وضوح اعتبار المناسبة والسنخيّة بين الحكم
الشرعي وعلته.
(٣) أي : والحال
أنّ قوله عليهالسلام : «إنّما يحلل الكلام ويحرم الكلام» يكون كالعلة لقوله عليهالسلام : «لا بأس» وهل يتصور تعليل حكم بأمر أجنبي عنه؟
(٤) كمعتبرة
ابن سنان المتقدمة في ص ٥٨٥ ، ورواية يحيى ابن الحجاج الآتية في ص ٦٠٧.
(٥) المستفاد
من قوله عليهالسلام : «لا بأس».
(٦) يعني : والحال
أنّ الجواز المزبور لا دخل للفظ فيه حتى يعلّل بحصر المحلّل والمحرّم في الكلام.
__________________
لاشتراط النطق في التحليل والتحريم في هذا الحكم أصلا ، فكيف يعلّل به (١)؟
وكذا (٢)
المعنى الثاني ، إذ ليس هنا (٣) مطلب واحد حتى يكون تأديته بمضمون محلّلا وبآخر
محرّما.
فتعيّن المعنى
الثالث (٤) ، وهو : أنّ الكلام الدالّ على الالتزام بالبيع لا يحرّم
______________________________________________________
(١) يعني : فكيف
يكون «إنّما يحلّل» علّة لمشروعيّة المقاولة بين الدلّال والمشتري للثوب ، وعلّة
لعدم مشروعية إيجاب البيع قبل شراء الثوب من مالكه؟
(٢) معطوف على «المعنى
الأوّل» أي : أنّ الظاهر عدم إرادة المعنى الثاني كعدم إرادة المعنى الأوّل ، ووجه
عدم إمكان حمل التعليل ـ في رواية خالد ـ على الاحتمال الثاني هو : أنّه لو كان في
مورد الرواية مطلب واحد يؤدّى بتعبيرين أو أكثر كما في النكاح المنقطع أمكن تطبيق
التعليل على الاحتمال الثاني ، ولكن مورد السؤال وجواب الامام عليهالسلام مطلب واحد ـ وهو إيجاب بيع ما لا يملكه السمسار ـ وهذا
يؤدّي بإنشاء واحد لا بكلامين حتى يكون أحدهما محلّلا والآخر محرّما.
(٣) يعني : ليس
في مورد الرواية مطلب واحد حتى يكون أداؤه بمضمونه محرّما وبمضمون آخر محلّلا ، بل
الموجود في الرواية مطلب واحد يعبّر عنه بكلام واحد ، غايته أنّ هذا الكلام الواحد
عدمه محلّل ووجوده محرّم ، يعني : أنّ إنشاء البيع ـ قبل أن يشتري السمسار الثوب
من مالكه ـ محرّم ، لكونه من بيع ما ليس عنده ، وهو منهي عنه.
(٤) أو المعنى
الرابع ، فإنّ مجرّد بطلان الوجهين الأوّلين غير كاف في تعيّن الاحتمال الثالث ، بل
لا بد من إبطال الاحتمال الرابع أيضا. ولكن مقصوده قدسسره ملاءمة التعليل لمورد الرواية ، وتطبيقه عليه سواء قلنا
بالاحتمال الثالث ، أم الرابع كما سيأتي تصريحه بقوله :
__________________
هذه المعاملة ، إلّا وجوده قبل شراء العين (١) التي يريدها الرجل ، لأنّه
بيع (٢) ما ليس عنده ، ولا يحلّل إلّا عدمه ، إذ مع (٣) عدم الكلام الموجب لالتزام
البيع لم يحصل إلّا التواعد بالمبايعة ، وهو (٤) غير مؤثّر.
فحاصل الرواية
: أنّ سبب التحليل والتحريم في هذه المعاملة منحصر في
______________________________________________________
«أو المعنى الرابع».
(١) كالثوب
الذي هو مورد رواية خالد بن الحجاج أو خالد بن نجيح.
(٢) أي : لأنّ
الكلام الدال على الالتزام بالبيع ، وهذا تعليل لقوله : «لا يحرّم هذه المعاملة» وحاصله
: أنّ الموجب لحرمة هذه المعاملة هو كونه من بيع ما ليس عنده ، ومن المعلوم أنّه
لا يتحقق هذا العنوان إلّا بوجود الكلام الدال على البيع ، فالمحرّمية إنّما تكون
بوجود الكلام ، والمحلّلية بعدمه قبل الشراء من المالك.
(٣) تعليل
لقوله : «ولا يحلّل إلّا عدمه» وحاصله : أنّ إسناد التحليل إلى عدم الكلام إنّما
هو لأجل عدم تحقق الكلام الموجب للبيع ، حيث إنّ الكلام الموجود كان هو التواعد
بالمبايعة لا نفس البيع ، ومن المعلوم أنّ المواعدة ليست بيعا حتى تحرّم.
وبالجملة : فالمناسب
لمورد الرواية إرادة المعنى الثالث ، وهو كون وجود الكلام ـ أي إنشاء البيع ـ محرّما
، وعدمه محلّلا.
وبه يظهر
أجنبية التعليل عن إناطة لزوم البيع بإنشائه باللفظ خاصة كما هو مراد المستدل بهذه
الرواية على عدم لزوم المعاطاة.
ثم لا يخفى أنّ
الاحتمال الثالث كان منحلّا الى وجهين : أحدهما : إناطة التحليل والتحريم بالوجود
والعدم ، والآخر : إناطتهما معا بالوجود ، غايته دخل الحال والزمان في محلّلية
إنشاء تارة ومحرّمية نفس ذلك الإنشاء أخرى. وكلام المصنف هنا موافق للوجه الأوّل ،
لعدم تعرّضه لتطبيق التعليل على الوجه الثاني وإن كان ممكنا كما لا يخفى.
(٤) يعني : ومجرد
التواعد غير مؤثّر.
الكلام عدما (١) ووجودا (٢).
أو (٣) المعنى
الرابع ، وهو : أنّ المقاولة والمراضاة مع المشتري الثاني (٤) قبل اشتراء العين
محلّل للمعاملة ، وإيجاب (٥) البيع معه محرّم لها.
______________________________________________________
(١) يعني : أنّ
المحلّل هو عدم إنشاء البيع قبل أن يشتري السمسار الثوب من مالكه.
(٢) يعني : أنّ
المحرّم هو إنشاء البيع قبل شراء الثوب من مالكه ، ووجه محرّميته هو كونه من بيع
ما ليس عنده.
(٣) معطوف على «الثالث»
يعني : فتعيّن المعنى الرابع بعد بطلان المعنيين الأوّلين ، وحاصله : أنّ المراد
بالكلام المحلّل في مورد الرواية هو المقاولة والمواعدة ، وبالكلام المحرّم إيجاب
البيع ، وهذا المعنى ينطبق على مورد الرواية كانطباق الاحتمال الثالث.
وعلى هذا
الاحتمال الرابع يصير التعليل أجنبيا عن مرام القائل بتوقف لزوم الملك على اللفظ
وعدم تأثير المعاطاة فيه.
فتحصل : أنّ
المصنف قدسسره رجّح من المعاني الأربعة اثنين ، أحدهما المعنى الثالث
وهو إضافة التحليل إلى عدم الكلام ، والتحريم إلى وجوده. والآخر المعنى الرابع ، وهو
كون الكلام المحلّل المقاولة ، والمحرّم إيجاب البيع.
واستبعد إرادة
المعنيين الأوّلين. إذ في أوّلهما : لزوم تخصيص الأكثر ، وعدم ارتباط العلة بالحكم
المعلّل.
وفي ثانيهما : عدم
مطلب واحد يمكن تأديته بمضمونين حتى يكون أحدهما محلّلا والآخر محرّما ، بل مطلب
واحد لا يتأدّى إلّا بمضمون واحد ، وهو إيجاب البيع قبل الشراء ، فلا بدّ من إرادة
المعنى الثالث أو الرابع.
هذا محصل ما
أفاده المصنف في معنى الرواية.
(٤) وهو الرجل
الآمر ، والمشتري الأوّل هو السمسار الذي يشتري الثوب من مالكه.
(٥) معطوف على «المقاولة»
يعني : وأنّ إيجاب السمسار البيع مع المشتري الثاني محرّم للمعاملة.
وعلى كلا
المعنيين (١) يسقط (٢) الخبر عن الدلالة على اعتبار الكلام في التحليل ، كما هو
المقصود في مسألة المعاطاة (*).
______________________________________________________
(١) وهما
المعنى الثالث والرابع اللّذان يتعيّن حمل التعليل على أحدهما.
(٢) أمّا وجه
سقوطه بناء على المعنى الثالث فهو : أنّ المحلّل حينئذ في هذه المعاملة الخاصة
منحصر بعدم الكلام البيعي الإنشائي قبل شراء الدلّال لنفسه ، والمحرّم فيها هو
وجود الكلام البيعي قبله ، ولا يدلّ هذا على عدم كفاية غير الكلام ـ ومنه المعاطاة
ـ في جميع الموارد حتى في بيع إنسان مال نفسه.
والحاصل : أنّ
الرواية لا تدلّ إلّا على أنّ وجود إيجاب «بيع ما ليس عنده» محرّم قبل الشراء ، وعدمه
محلّل قبله.
وأمّا وجه
سقوطه بناء على المعنى الرابع فهو : أنّ مفاده حينئذ هو : أنّ المحلّل في مورد
الرواية منحصر في المقاولة والمواعدة ، والمحرّم منحصر في الكلام الإنشائي ، ومن
المعلوم أنّ هذا أيضا أجنبي عن اعتبار اللفظ في البيع في غير مورد الرواية ، وهو
بيع ما ليس عنده ، وعدم كفاية المعاطاة فيه ، فلا يدلّ على اعتبار اللفظ في بيع ما
عنده حتى تكون دليلا على عدم تأثير المعاطاة في إنشاء البيع في جميع الموارد.
وكذا يسقط
الخبر على المعنى الثاني ، لأنّ اللفظ فيه ملحوظ أيضا آليّا لا استقلاليا
فالاستدلال بالرواية على اعتبار الكلام في إنشاء البيع مبني على الوجه الأوّل الذي
استظهره جمع من الفقهاء.
__________________
.................................................................................................
__________________
نعم (١) نعم
يمكن استظهار اعتبار الكلام في إيجاب البيع
______________________________________________________
(١) استدارك
على قوله : «يسقط الخبر عن الدلالة» ومقصوده توجيه الاستدلال بالتعليل على عدم
لزوم المعاطاة بناء على تطبيق التعليل على الاحتمال الثالث ، ومحصله : أنّ مقتضى
حصر المحلّل والمحرّم في الكلام هو انحصار إيجاب البيع بالكلام ، وعدم تحققه بغيره
من الإشارة والمنابذة والمعاطاة ، إذ لو تحقّق البيع بغير اللفظ كان مخالفا لمقتضى
حصر المحلّل والمحرّم في الكلام.
والفرق بين هذا
التقريب وبين الوجه الأوّل حينئذ هو : ابتناء الوجه الأوّل على حصر جميع المحلّلات
والمحرّمات في الكلام ، سواء في العقود والإيقاعات وغيرها ، ولذا ناقش فيه المصنف قدسسره بلزوم تخصيص الأكثر ، من جهة عدم توقف الحلية والحرمة
على اللفظ في موارد كثيرة. بخلاف هذا الاحتمال الأخير ، فإنّ المراد بالكلام
بقرينة مورد السؤال هو إيجاب البيع ، فالتعليل من أوّل الأمر مخصوص بباب البيع ، فكأنّه
عليه الصلاة والسّلام قال : «إنّما يحلّل الكلام البيعي ويحرّم كذلك» فإيجاب البيع
محرّم للثوب والربح إذا كان قبل شراء الدلّال ، وإيجابه بعد شراء الثوب من مالكه
محلّل لهما.
__________________
بوجه آخر (١) بعد ما عرفت من أنّ المراد بالكلام هو إيجاب البيع (٢) ، بأن (٣)
يقال : إنّ حصر المحلّل والمحرّم في الكلام لا يتأتى إلّا مع انحصار إيجاب البيع
في الكلام ، إذ لو وقع بغير الكلام لم ينحصر المحلّل والمحرّم في الكلام.
إلّا أن يقال (٤)
: إنّ وجه انحصار إيجاب البيع في الكلام في مورد الرواية هو عدم إمكان المعاطاة في
خصوص المورد (٥) ، إذ المفروض أنّ المبيع عند مالكه الأوّل ، فتأمّل (٦).
______________________________________________________
وعليه فدلالة
التعليل على توقف لزوم البيع على الكلام تامّة ، ولا يترتب اللزوم على المعاطاة.
(١) يعني : غير
الوجه الأوّل الذي تعذّر حمل التعليل عليه ، لتخصيص الأكثر ، وأجنبية الحكم عن
التعليل.
(٢) وهو المعنى
الثالث.
(٣) هذا تقريب
الوجه الآخر المبني على الاحتمال الثالث الذي ارتضاه المصنف. وقد تقدم تقريبه آنفا.
(٤) هذا إشكال
على قوله : «نعم يمكن استظهار ..» ومحصله : كون التوجيه المزبور مخصوصا بمورد
الرواية مما لا تجري المعاطاة فيه ، ولا يدلّ على اعتبار اللفظ في موارد اخرى يمكن
تحقق البيع فيها بالتعاطي ، وبيانه : أنّ حصر المحلّل والمحرّم في مورد الرواية في
الكلام يكون لأجل نكتة ، وهي : أنّ المعاطاة غير متحققة هنا ، لأنّ المتاع ـ وهو
الثوب ـ عند مالكه الأوّل ، فلا يتحقق إيجاب البيع من الدلّال بالمعاطاة ، بل لا
بدّ من إنشائه بالقول.
(٥) وأمّا في
الموارد التي يكون المبيع فيها عند البائع والثمن عند المشتري ـ ويمكن إنشاء البيع
بالتعاطي ـ فلا تدل رواية خالد على اعتبار اللفظ في التحريم والتحليل ، وعليه
فالدليل أخصّ من المدّعى.
(٦) إشارة إلى
ضعف قوله : «الّا أن يقال» حاصله : إمكان المعاطاة في المورد أيضا ، لظهور قوله : «اشتر
لي هذا الثوب» في كون الثوب عند الدلّال ، فيمكن المعاطاة فيه.
وكيف كان (١)
فلا تخلو الرواية عن إشعار أو ظهور (٢).
كما يشعر به (٣)
قوله عليهالسلام في رواية أخرى واردة في هذا الحكم (٤) أيضا (٥) ، وهي
رواية يحيى بن الحجاج عن أبي عبد الله عليهالسلام : «عن رجل قال لي : اشتر لي هذا الثوب أو هذه الدابة ، وبعنيها
، أربحك فيها كذا وكذا ، قال لا بأس بذلك ، اشترها ، ولا تواجبه البيع قبل أن
تستوجبها أو تشتريها» (٦).
فإنّ (٧)
الظاهر أنّ المراد من مواجبة البيع
______________________________________________________
ولو سلّم عدم
كون المتاع عند الدلّال أمكن أن يقال بكفاية المعاطاة بإعطاء الثمن من جانب والأخذ
من آخر ، كما سيأتي تحقيقه في التنبيه الثاني إن شاء الله تعالى.
(١) أي : سواء
تمّ هذا التوجيه المبني على الوجه الثالث ، أم لم يتم.
(٢) في اعتبار
الكلام في التحليل والتحريم بملاحظة الاستظهار المزبور.
(٣) أي : يشعر
بانحصار إيجاب البيع في الكلام قول أبي عبد الله عليه الصلاة والسّلام في رواية
يحيى بن الحجاج.
(٤) وهو
التفصيل في شراء المتاع من الدلّال بين تحققه قبل أن يشتريه الدلّال من مالكه ، فيبطل
، وبين تحققه بعده فيصح.
(٥) يعني : كما
ورد هذا الحكم في رواية خالد بن الحجاج أو خالد بن نجيح ، ومقصود المصنف أنّ الحكم
المزبور يدلّ عليه أكثر من رواية ، ولا ينحصر الدليل عليه في رواية خالد المتقدمة.
نعم لا ظهور للرواية في اعتبار اللفظ ، وإنّما هو مجرد إشعار.
(٦) يعني : إلى
أن تشتريها ، وحاصله : أنّه لا تبعه الدابة إلّا بعد أن تشتريها من مالكها.
(٧) مقصوده
بالظاهر هو الإشعار ، لأنّه جعل هذه الرواية مشعرة باعتبار اللفظ في لزوم البيع ، ومحصّله
: أنّه يلزم من هذه الرواية أنّ الامام عليهالسلام أمره بإيجاب البيع باللفظ ، وأنّ نهيه عليهالسلام عن مواجبة البيع قبل شراء العين من المالك ظاهر في النهي
عن إنشائه ، لا مجرّد النهي عن إعطاء العين إلى المشتري قبل أن يشتريها السمسار من
مالكها.
__________________
ليس مجرّد إعطاء العين للمشتري (١).
ويشعر به (٢)
أيضا (٣) رواية العلاء الواردة في نسبة الربح إلى أصل المال ، قال : «قلت لأبي عبد
الله عليهالسلام : الرّجل يريد أن يبيع بيعا ، فيقول : أبيعك بده دوازده
، أو : ده يازده ، فقال : لا بأس ، إنّما هذه المراوضة (٤) ، فإذا جمع البيع جعله
جملة واحدة» .
فإنّ ظاهره ـ على
ما فهمه بعض الشرّاح (٥) ـ أنّه لا يكون ذلك في المقاولة التي قبل العقد ، وإنّما
يكره حين العقد.
وفي صحيحة ابن
سنان : «لا بأس بأن تبيع الرجل المتاع ليس عندك ، تساومه ، ثم تشتري له (٦) نحو
الذي طلب ، ثم توجبه على نفسك ، ثم تبيعه منه بعد» .
______________________________________________________
(١) حتى يحتمل
كفاية المعاطاة.
(٢) أي : وتشعر
رواية العلاء بانحصار إيجاب البيع في اللفظ.
(٣) كما أشعرت
رواية يحيى بن الحجاج وخالد بن نجيح بالانحصار المزبور.
(٤) قال في
مجمع البحرين : «نتراوض على أمر ، نستقرّ على أمر» والمراد بجمع البيع هو العزم عليه ، يعني فإذا عزم على
البيع جعل رأس المال والربح جملة واحدة ، ويسمّيها.
(٥) وهو سيدنا
الجد المحدّث السيد نعمة الله الجزائري قدسسره ، وحاصله : أنّ تسمية الربح مكروهة في نفس العقد ، لا
في المقاولة والمراوضة التي ليست هي بيعا ، فكأنّ اعتبار اللفظ في إنشاء البيع
مفروغ عنه ، وإنّما كان السؤال عن جواز بيان نسبة الربح في الإيجاب ، فأجابه عليهالسلام بعدم البأس ببيانه في المقاولة التي هي من مقدمات أصل
البيع.
(٦) أي : تشتري
لذلك الرجل ، وتوضيحه : أنّ شراء السمسار متاعا من مالكه يكون تارة بفرض نفسه
وكيلا عن الرجل الذي يريد ذلك المتاع ، فيتملّكه الرجل بمجرّد أن اشتراه
__________________
.................................................................................................
______________________________________________________
السمسار من مالكه ويكون اخرى بشرائه لنفسه ، فيبيعه بعده للرجل.
ومورد الرواية
هو الثاني ، بقرينة قوله عليهالسلام : «ثم توجبه على نفسك» أي : تشتريه لنفسك ، وبعد تملّكه
تبيعه للرجل.
وعلى كل تقدير
لا بدّ من حمل «تشتري» على مقدمات الشراء ، لدلالة «توجبه على نفسك» على الشراء من
مالكه.
هذا تمام
الكلام في الأخبار التي ادّعى المصنف قدسسره إشعارها بدخل اللفظ في لزوم البيع (*) ، وبذلك ينتهي
البحث في إفادة المعاطاة للملك اللازم ، ويقع الكلام في التنبيهات.
__________________
.................................................................................................
__________________
__________________
.................................................................................................
__________________
الفهرست
كتاب البيع..................................................................... ٥
العقد هو الربط بين
إلتزامين....................................................... ٥
إنقسام العقد إلى
تنجيزى وتعليقي وإذني............................................ ٧
إنقسام السبب المملَّك
إلى اختياري وقهري.......................................... ٧
كلام المحقق الا
يرواني : أ ـ الحيازة اُمّ الأسباب المملَّكة................................. ٨
ب ـ تقابل الحيازة
والاعراض........................................................ ٨
ج ـ اتحاد طائفة من
المعاملات حقيقة واختلاف طائفة أخرى كذلك..................... ٩
تعريف البيع لغة................................................................ ١٤
المراد بالأصل في كلام
المصباح.................................................... ١٥
البيع تبديل الاضافة
وطرفها...................................................... ١٨
كلام المحقق النائيني........................................................ ٢٠
ـ ١٨
المناقشة في جعل البيع
تبديل طرفي الإضافتين خاصة............................ ٢٢
ـ ٢٠
المبادلة بين المالين
تحصل بإنشاء البائع............................................. ٢٢
عدم إختصاص المبادلة
بالاضافة الملكية وشمولها للاضافة الحقيقة والمصرفية............... ٢٣
اعتبار مالية العوضين............................................................ ٢٣
مناقشات في تعريف
البيع بالمبادلة................................................. ٢٥
أ ـ كلام السيد
الطباطبائي....................................................... ٢٥
ب ـ كلام المحقق
الخراساني........................................................ ٢٧
سلامة تعريف البيع
بالمبادلة عن الاشكال.......................................... ٢٩
اختصاص المعوض بالأعيان...................................................... ٣١
معنى العين..................................................................... ٣٣
استعمال البيع في نقل
المنافع في بعض الأخبار والكلمات............................ ٣٥
توجيه الاستعمال
المزبور بالمسامحة والمجاز............................................ ٤٠
استعمال الاجارة
مجازاً في تمليك العين.............................................. ٤١
كلام السيد الطباطبائي
في تمليك المنافع...................................... ٤٢
ـ ٤١
النظر في ما أفاده
السيد.................................................... ٤٥
ـ ٤٥
تحقيق اختصاص المبيع
بالأعيان............................................. ٥٢
ـ ٤٥
لا فرق في المبيع بين
العين الشخصية والكلية بأقسامها............................... ٥٢
كلام الفاضل النراقي
في تصحيح بيع الكلي.................................. ٥٧
ـ ٥٦
كلام السيد الطباطبائي
في تصحيح بيع الكلي..................................... ٥٨
العوض أعم من العين
والمنفعة.................................................... ٥٩
كلام الوحيد البهبهاني
في اعتبار عينية العوضين والنظر فيه...................... ٦٢
ـ ٦١
اعتبار عينية العوضين
والنظر فيه............................................. ٦٦
ـ ٦٢
عمل الحر ، وحكم وقوعه
ثمنا في البيع....................................... ٧٠
ـ ٦٧
صدق المال على عمل
الحر سواء وقعت معاوضة عليه أم لا.......................... ٧١
توقف الاستطاعة
المالية على مالكية مؤونة الحج فعلا ، وعدم صدقها على عمل الحر ٧٥ ـ ٧٢
ضمان حابس الحر الكسوب
لما يفوت منه.................................... ٨٥
ـ ٧٥
أقسام الحقوق.................................................................. ٨٦
القسم الأول : ما لا
يقبل المعاوضة............................................... ٨٩
القسم الثاني : ما لا
يقبل النقل وإن جاز إسقاطه.............................. ٩٦
ـ ٩٠
منعُ الكاشف الغطاء عن
وقوع الحقوق بأسرها عوضاً في البيع........................ ٩٢
مناقشة صاحب الجواهر
في كلام كاشف الغطاء ومقايسة عوضية الحق بيع الدين... ٩٤ ـ ٩٢
إشكال المصنف على قياس
نقل الحق ببيع الدين............................... ٩٩
ـ ٩٤
مناقشات الأعلام في
منع وقوع الحق القابل للنقل ثمنا في البيع.................. ١٠٧
ـ ٩٩
القسم الثالث : الحقوق
القابلة للانتقال القهري................................... ١٠٧
المنع من وقوعها عوضا
في البيع................................................. ١٠٩
تلخيص ما أفاده المصنف
في وقوع الحقوق ثمنا في البيع...................... ١١٢
ـ ١١٠
رسالة
في الحق والملك
الموضوع الأوّل في
الملك................................................. ١٢٨
ـ ١١٣
تعريف الملك في كلمات
الاصحاب....................................... ١١٦
ـ ١١٣
الملكيه العرفية
والشرعية إعتبار الواجدية.......................................... ١١٦
١ ـ إطلاق الملك فلى
معانٍ أربع................................................ ١١٦
الملكية الحقيقية هي
الاحاطة الصادقة على فاعل منه الوجود وما به الوجود...... ١١٦
الملكية الذانية........................................................... ١١٧
الملكية المقولية.................................................... ١١٨
ـ ١١٧
الملكية الاعتبارية.................................................. ١٢٠
ـ ١١٨
٢ ـ المراد باعتبارية
الملكية العرفية................................................. ١٢١
٣ ـ الأحكام الوضعية
مجمولة بالأصالة وليست منتزعة من التكليف.................. ١٢٢
كلام المصتف في إنتزاع
الملكية ونحوها من التكليف......................... ١٢٤
ـ ١٢٢
مناقشة المحقق
الأصفهاني في كلام المصنف................................. ١٢٦
ـ ١٢٤
مناقشة المحقق العراقي
في كلام المصنف.................................... ١٢٨
ـ ١٢٦
الموضع
الثاني : في الحق
المقام الأوّل : تعريف
الحق............................................... ١٣٧
ـ ١٢٨
تمييز الحق عن الحكم
إثباتاً.............................................. ١٣٩
ـ ١٣٧
المقام الثاني : أقسام
الحقوق.........................................................
التنافي بين قابلية كل
حق للاسقاط وتقسيم الحقوق إلى ما يقبل الاسقاط وما لا يقبله.. ١٤٠
مناقشة المحقق
الأصفهاني في قاعدة : لكل ذي حق إسقاط حقه.................... ١٤٣
اختصاص القاعدة
بالحقوق المجعول فيها سلطنة أو أولوية........................... ١٤٥
القسم الأوّل : ما
يقبل الاسقاط دون النقل والانتقال.............................. ١٤٧
القسم الثاني : ما
يقبل السقوط دون النقل والانتقال............................... ١٤٧
القسم الثالث : ما
يقبل الاسقاط والنقل إلى من ينطبق عليه العنوان لا مطلقا.. ١٥٠ ـ ١٤٨
القسم الرابع : مايقبل
السقوط والنقل والانتقال................................... ١٥٠
كلام المحقق الاصفهاني
في كون العنوان معرَّفاً تارة ، ومقوَّماً اُخرى.................... ١٥٠
قابلية هذا القسم من
الحقوق للنقل والانتقال..................................... ١٥١
المقام الثالث : الشك
في كيفية المجعول........................................... ١٥٣
أ ـ الشك في أن
المجعول حق أو حكم............................................ ١٥٤
كلام بعض الاعاظم في
حق المبارة والقصاص......................... ١٥٥
ـ ١٥٤
الشك في بقاء حقي
الخيار والشفعة بعد الإسقاط............................ ١٥٦
ب ـ حكم الشك في
قابلية الحق للإسقاط........................................ ١٥٧
ج ـ حكم الشك في
قابلية الحق للانتقال......................................... ١٥٧
استصحاب بقاء الحق بعد
موت ذي الحق............................ ١٦٠
ـ ١٥٧
د ـ حكم الشك في
قابلية الحق للنقل الاختياري................................... ١٦٠
مناقشة المحقق
الأصفهاني في الرجوع إلى إطلاق أدلة المعاملات............... ١٦٤
ـ ١٦١
المقام الرابع : ذكر
بعض الامور المردّدة بين الحق والحكم..................... ١٧٢
ـ ١٦٥
حقّ السبق في المشتركات................................................ ١٧٢
ـ ١٦٥
جواز أخذ المال بإزاء
الاعراض عن المكان الذي سبق إليه........................... ١٧٢
المقام الخامس : جواز
المعاوضة على الحقوق القابلة للنقل والاسقاط.................. ١٧٣
ما أفاده المحقق
النائيني في المنع عن جعل الحقوق ثمنا في البيع........................ ١٧٤
فذلكة مباحث الحقوق........................................................ ١٧٧
تعريف
البيع في كلمات الفقهاء
١ ـ تعريفه بالانتقال
، والنظر فيه................................................ ١٨١
٢ ـ تعريفه بالعقد
الدال على الانتقال............................................ ١٨٣
٣ ـ تعريفه بالنقل
بالصيغة المخصوصة............................................ ١٨٨
المناقشة في التعريف
الثالث بوجوه ثلاثة.............................. ١٩٦
ـ ١٨٩
الأوّل : عدم مرادفة
النقل للبيع............................................ ١٨٩
الثاني : استلزام أخذ
الصيغة خروجَ المعاطاة عن الحد.......................... ١٩١
الثالث : استلزم أخذ
الصيغة للدور................................. ١٩٦
ـ ١٩١
٤ ـ التعريف المختار :
إنشاء تمليك عين بمال..................................... ١٩٧
البحث في حقيقية
الانشاء..................................................... ١٩٨
الاستدلال للمشهور من
كون الانشاء إيجادا...................................... ١٩٩
مختار المحقق النائيني
من كون الانشاء آلة لتحقق المنشأ............................. ٢٠٢
مختار المحقق العراقي
من كون الانشاء إبرازا كالإخبار ، والمائز بينهما.................. ٢٠٣
كلام السيد المحقق
الخوئي في أن الانشاء اعتبار وإبراز.............................. ٢٠٤
بعض ما يورد على القول
بأن الانشاء إبراز لا ايجاد................................ ٢٠٥
بيان معنَّ آخر
للابراز.................................................. ٢٠٦
ـ ٢٠٥
مناقشات في التعريف
المختار............................................ ٢٦٥
ـ ٢٠٧
أ ـ توقفه على جواز
الايجاب بلفظ التمليك....................................... ٢٠٨
ب ـ خروج بيع الدين عن
التعريف ، والجواب عنه.......................... ٢١٤
ـ ٢١٠
تحقيق ما أفاده المصنف
في تصحيح بيع الدين ، وتنظيره بالتهاتر القهري.. ٢١٨
ـ ٢١٤
كلام المحقق الأردبيلي
في منع التهاتر القهري................................ ٢١٥
بيان المحقق النائيني
في تصحيح بيع الدين............................. ٢١٨
ـ ٢١٦
ج ـ انتفاض تعريف البيع
بالمعاطاة............................................... ٢١٩
د ـ انتفاض تعريف
البيع بالشراء.......................................... ٢٢٤
ـ ٢٢١
تحقيق مقصود المصنف من
كون الشراء تمليكا ضمنيا.................. ٢٢٨
ـ ٢٢٤
ه ـ انتفاض تعريف
البيع باستيجار عين بعين..................................... ٢٢٨
و ـ انتفاض تعريف
البيع بعقد الصلح............................................ ٢٢٩
ز ـ انتفاض تعريف
البيع بعقد الهبة المعوضة....................................... ٢٣١
الجواب عن انتفاض
تعريف البيع بالصلح............................. ٢٣٥
ـ ٢٣٢
إقامة شواهد على
مغايرة المنشأ في الصلح والبيع....................... ٢٤١
ـ ٢٣٥
الجواب عن انتفاض
التعريف بالهبة المعوضة........................... ٢٤٥
ـ ٢٤١
التعويض المشترط في
الهبة تمليك مستقل.................................... ٢٤٥
كلام كاشف الغطاء من
أن البيع أصل في تمليك الأعيان..................... ٢٤٨
المناقشة في الأصل المذكور................................................ ٢٥٠
ح ـ نقض تعريف البيع
بعقد القرض............................................. ٢٥١
إختلاف مفهومي القرض
والبيع................................................. ٢٥٢
تحقيق ما أفاده المصنف
من كون القرض تمليكا على وجه ضمان البدل............... ٢٥٣
مختار المحقق
الإيرواني في حقيقة القرض........................................... ٢٥٤
إقامة شواهد أربعة على
خروج القرض عن العقود المعاوضية......................... ٢٥٧
مناقشات أعلام المحشين
في تعريف البيع بانشاء تمليك عين بمال.............. ٢٦٣
ـ ٢٥٨
استعمال البيع في غير
إنشاء التمليك مجازا................................. ٢٨٨
ـ ٢٦٤
كلام صاحب المقابس في
إطلاق البيع حقيقة على معان ثلاثة أخرى................ ٢٦٥
الأول : إيجاب البائع
بشرط انضمام القبول إليه................................... ٢٦٦
الثاني : الانتقال
المترتب على العقد.............................................. ٢٦٧
الثالث : العقد المؤلف
من الايجاب والقبول....................................... ٢٦٨
تحقيق المعنى الأول...................................................... ٢٧٨
ـ ٢٧١
البيع كالايجاب
والوجوب لا كالكسر والانكسار.................................. ٢٧٦
تحقيق المعنى الثاني............................................................. ٢٧٩
تحقيق المعنى الثالث............................................................ ٢٨٢
اطلاق البيع في النصوص
على الانتقال الشرعي المسبب عن العقد................... ٢٨٦
وضع ألفاظ المعاملات
للصحيح أو للأعم................................. ٣١٦
ـ ٢٨٩
كلام الشهيدين في
الوضع لخصوص الصحيح.............................. ٢٩٦
ـ ٢٨٩
الاشكال على كلام
الشهيدين بامتناع التمسك باطلاق الأدلة...................... ٢٩٧
توجيه الوضع للصحيح........................................................ ٣٠٠
تقريب التمسك بالاطلاق
بوجهين بناء على الوضع للصحيح....................... ٣٠٤
الوجه الأول : حمل
العنوان المعاملي على المعنى الاسمي.............................. ٣٠٥
الوجه الثاني : حمل
العنوان المعاملي على المعنى المصدري............................. ٣٠٦
تحقيق مراد المصنف من
خروج البيع الفاسد شرعا عن الأدلة الامضائية ، وأنه موضوعي أو حكمي ٣١٠
أدلة تنفيذ المعاملات
هل تدل على امضاء المسبب أو السبب؟...................... ٣١٤
عدم كون صيغ العقود
أسبابا للأمور الاعتبارية.................................... ٣١٦
الكلام
في المعاطاة
الصورة الأولى : قصد
الإباحة................................................... ٣١٩
الصورة الثانية : قصد
التمليك البيعي............................................ ٣٢٠
الصورة الثالثة : وقوع
التعاطي بلا قصد البيع ولا تصريح بالاباحة................... ٣٢١
الصورة الرابع : قصد
الملك المطلق............................................... ٣٢١
مناقشة المصنف في
الصورتين الأخرين المذمورتين في الجواهر......................... ٣٢١
تحقيق كلام الجواهر........................................................... ٣٢٣
أعمية تمليك العين من
البيع.................................................... ٣٢٥
المقام الثاني : الأقوال
في المعاطاة................................................. ٣٢٦
تحرير محل النزاع............................................................... ٣٣٠
كلام المحقق الثاني في
توجيه الإباحة بالملك الجائز مع قصد الملك..................... ٣٣١
حمل صاحب الجواهر
القول بالإباحة على قصدها دون قصد الملك.................. ٣٣٢
مناقشة المصنف في
كلامي المحقق الثاني وصاحب الجواهر........................... ٣٣٣
سلامة كلام صاحب
الجواهر عن إشكال المصنف عليه............................ ٣٣٣
الاستشهاد بكلمات
الفقهاء على إبقاء الإباحة على ظاهرها مع قصد الملك... ٣٤٤ ـ ٣٣٦
كلام المحقق الثاني في
توجيه الإباحة بالملك الجائز.................................. ٣٤٥
المناقشة في التوجيه
المزبور....................................................... ٣٤٧
توجيه حمل الإباحة على
الملك الجائز............................................. ٣٤٩
استلزام القول
بالإباحة لمخالفة القواعد لا يقتضى الحمل على الملك الجائز............. ٣٥٤
ذهاب القائل بالإباحة
إلى عدم كون المعاطاة بيعا.................................. ٣٥٧
تفصيل الأقوال في
المعاطاة............................................... ٣٧١
ـ ٣٦١
القول الثاني : اللزوم
بشرط دلالة اللفظ على التراضي.............................. ٣٦٢
القول الثالث : الملك
الجائز مطلقا............................................... ٣٦٣
القول الرابع : إباحة
مطلق التصرفات............................................ ٣٦٤
القول الخامس : إباحة
التصرف غير المنوط بالملك................................. ٣٦٤
القول السادس : كون
المعاطاة بيعا فاسدا........................................ ٣٦٥
ذهاب مشهور القدماء
إلى القول الرابع........................................... ٣٦٦
المقام الثالث : الاستدلال
على الملك بأدلة خمسة.......................... ٤٧٨
ـ ٣٧١
الدليل الأوّل : السيرة......................................................... ٣٧١
الدليل الثاني : آية
حل البيع ، بوجوه ثلاثة....................................... ٣٧٣
التقريب الأول : دلالة
الآية على حلية التصرفات بالمطابقة ، وعلى صحة البيع المعاطاتي بالملازمة الشرعية ٣٧٤
تحقيق دلالة الآية على
صحة المعاطاة مطابقة............................... ٣٨١
ـ ٣٧٥
المناقشة في الاستدلال
بالملازمة الشرعية.......................................... ٣٨١
التقريب الثاني : دلالة
الآية على صحة البيع بالمطابقة والنظر فيها................... ٣٨٣
صدق البيع العرفي على
المعاطاة................................................. ٣٨٤
الدليل الثالث : آية
التجارة عن تراض ، بتقريب دلالتها على الحلية التكليفية ، وبالملازمة الشرعية على
الصحة ٣٨٧
تقريب دلالة الآية على
حلية التملك............................................ ٣٩٠
الاستثناء متصل أم
منقطع............................................... ٣٩٣
ـ ٣٩٠
الدليل الرابع : حديث
السلطنة................................................. ٣٩٤
منع دلالة الحديث على
تنفيذ الأسباب.......................................... ٣٩٥
تحقيق حديث السلطنة
سنداً ودلالة...................................... ٤٠٨
ـ ٣٩٧
الاستشهاد بكلمات جمع
من الفقها على عمل المشهور بالحديث............. ٤٠١
ـ ٣٩٧
الأقوال في مدلول
الحديث :
أ ـ دلالته على جعل
سلطنة مطلقة كما وكيفا ، اختاره السيد والمحقق الأصفهاني. ٤٠٥ ـ ٤٠١
ب ـ دلالتة على جعل
سلطنة مطلقة كمّاً ، اختاره المصنف هنا...................... ٤٠٦
ج ـ دلالة على استقلال
المالك وعدم حجره ، لا السلطنة ، اختبار المحقق الخراساني.... ٤٠٦
تقوية القول الثالث............................................................ ٤٠٨
مناقشة المصنف في
الملازمة الشرعية بين حلية البيع والتجارة تكليفا وبين مملكيتهما ٤١٦ ـ ٤٠٩
المناقشة في الاستدلال
بالسيرة.................................................. ٤١٤
التقريب الثالث : دلالة
الآيتين على صحة البيع والتجارة بالملازمة العرفية............. ٤١٧
الدليل الخامس : الاجماع
المركّب................................................ ٤١٨
إتّحاد البيع والاحارة
والهبة حكماً................................................ ٤١٨
استلزام القول
بالإباحة تأسيس قواعد جديدة............................... ٤٣٩
ـ ٤٢١
القاعدة الأولى : عدم
تبعية العقود للقصود....................................... ٤٢٢
القاعدة الثانية : مملكية
إرادة التصرف........................................... ٤٢٣
القاعدة الثالثة : ترتيب
آثار الملك على المباح..................................... ٤٢٥
القاعدة الرابعة : تصرف
أحد المتعاطيين في المأخوذ بالمعاطاة يقتضي تملك الآخر لما أخذه ٤٣١
القاعدة الخامسة : ترتب
آثار غير معهودة على التلف............................. ٤٣٢
القاعدة السادسة : مملكية
التصرف قهرا أو اختيارا................................ ٤٣٦
القاعدة السابعة : ممليكة
حدوث النماء.......................................... ٤٣٧
القاعدة الثامنة : استلزام
مملكية التصرف لاجتماع المتقابلين......................... ٤٣٨
المناقشة
في الاستبعادات المذكورة
الإيراد على القاعدة
الأولى بالحل والنقض.................................. ٤٥٣
ـ ٤٤٠
اختصاص قاعدة تبعية
العقود للقصود بالعقود الصحيحة........................... ٤٤١
النقض على قاعدة
التبعية بموارد خمسة........................................... ٤٤٢
الأول : انقلاب ضمان
المسمى بالواقعي عند فساد العقد.......................... ٤٤٣
الثاني : الشرط الفاسد
غير مفسد للعقد......................................... ٤٤٦
الثالث : بيع ما يملك
وما لا يملك.............................................. ٤٤٧
الرابع : بيع الغاصب
لنفسه.................................................... ٤٤٨
الخامس : إنقلاب
النكاح المنقطع بالدائم عند ترك دكر الأجل...................... ٤٤٩
تحقيق إنقلاب العقد
المنقطع بالدائم...................................... ٤٥٣
ـ ٤٤٩
الفرق بين المعاطاة
والعقود الصحيحة التي قد تتخلف عن القصد.................... ٤٥٣
المناقشة في القاعدة
الثانية ، واقتضاء الجمع بين الأدلة مملكية التصرف............... ٤٥٤
تنظير المقام بتصرف ذي
الخيار والواهب......................................... ٤٥٦
المناقشة في القاعدة
الثالثة...................................................... ٤٥٨
جواز تعليق الاستطاعة
والأخماس ونحوهما بالمأخوذ بالمعاطاة نناءً على الاباحة........... ٤٥٩
تحقيق تعليق الامور
الأحد عشر بالمأخوذ بالمعاطاة................................. ٤٥٩
المناقشة في القاعدة
الرابعة...................................................... ٤٦١
جواز كون تصرف أحدهما
مملّكاً للآخر.......................................... ٤٦١
المناقشة في القاعدة
الخامسة.................................................... ٤٦٢
لامجذور في كون تلف
إحدى العينين مملَّكاً للطرفين................................ ٤٦٢
ايراد السيد على
المصنف...................................................... ٤٦٣
المناقشة في القاعدة
السادسة................................................... ٤٦٧
يجوز للمبيح وللمباح
له المطالبة من الغاصب...................................... ٤٦٨
المناقشة في القاعدة
السابعة..................................................... ٤٦٨
احتمال حدوث النماء في
ملك المبيح............................................ ٤٦٩
عدم وفاء كلام المصنف
بدفع اشكال مملكية حدوث النماء......................... ٤٧١
المناقشة في سائر
القواعد التي رتبها كاشف الغطاء على القول بالإباحة............... ٤٧٢
فذلكة الكلام في إثبات
إفادة المعاطاة للملك وبطلان القول بالإباحة وغيرها... ٤٧٩ ـ ٤٧٤
أصالة
اللزوم في الملك
الأقوال في لزوم الملك
الحاصل بالمعاطاة وجوازه..................................... ٤٧٩
أدلة القول باللزوم...................................................... ٥٦٠
ـ ٤٨٠
أ ـ استصحاب شخص الملك
الحادث بالمعاطاة.................................... ٤٨٢
المناقشة في استصحاب
شخص الملك............................................ ٤٨٤
ب ـ كفاية استصحاب كلي
الملك في إثبات اللزوم................................. ٤٨٦
الخدشة في الاستصحاب
الكلي هنا بوجوه أوردها أعلام المحشين.............. ٤٩١
ـ ٤٨٧
ما أفاده المصنف من
تقوية كون المستصحب هنا شخص الملك لاكلَّيّه............... ٤٩٢
إيراد المحقق
الخراساني على المصنف بتهافت كلاميه في اللزروم والجواز................. ٤٩٢
ج ـ جريان استصحاب
الملك سواء كان اللزوم والجواز من أحكام الملك أم من خصوصياته المنوعة له ٤٩٤
الاستدلال بوجهين على
بساطة الملكية وكون اللزوم والجواز حكمين لها............... ٤٩٨
كلام المحقق الأصفهاني
في توجيه وحدة الملك وتأثير الأسباب المختلفة في مسببات مختلفة ٥٠٣
بساطة الملكية................................................................ ٥٠٤
جريان أصالة اللزوم في
كل من الشبهة الحكمية والموضوعية.......................... ٥٠٧
حكم تداعي المترافعين......................................................... ٥٠٨
الدليل الثاني : حديث
السلطنة................................................. ٥٠٩
شبهة التمسك بالدليل
في الشبهة المصداقية بعد رجوع المالك الأصلي................ ٥١١
مناقشة المحقق
الأصفهاني في الاستدلال بالحديث على أصالة اللزوم.................. ٥١٣
الدليل الثالث : حديث
توقف حلية مال الغير على طيب نفسه.................... ٥١٥
شبهة التمسك بالدليل
في الشبهة الموضوعية...................................... ٥١٩
المناقشة في الاستدلال
بالحديث بما أفاده السيد الأستاذ والسيد الخوئي قدس سرهما ٥٢٣ ـ ٥٢٠
الدليل الرابع : النهي
عن أكل مال الغير إلا بالتجارة عن تراض..................... ٥٢٣
شبهة التمسك بالدليل
في الشبهة المصداقية...................................... ٥٢٥
الدليل الخامس : حرمة
الأكل بالباطل........................................... ٥٢٦
هل المراد بالباطل هو
الواقعي أو العرفي؟................................... ٥٣١
ـ ٥٢٩
مناقشة المحقق
الإيرواني في الاستدلال بالآية على أصالة اللزوم....................... ٥٣١
ما أفاده السيد من
إبتناء الاستدلال على اتصال الاستثناء.......................... ٥٣٢
الدليل السادس : أخبار
خيار المجلس..................................... ٥٤٠
ـ ٥٣٣
تقريب دلالة الاخبار
على لزوم البيع بوجوه ثلاثة.................................. ٥٣٤
المناقشة في الاستدلال
بالأخبار على اللزوم لمنع التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مطلقا ٥٣٥
الخدشة في الاستدلال
بمفهوم الغاية.............................................. ٥٣٦
أخبار خيار المجلس
طوائف ثلاث............................................... ٥٣٧
الدليل السابع : الأمر
بالوفاء بالعقود............................................ ٥٤٠
المراد بالعقد لغة وفي
خصوص الآية المباركة........................................ ٥٤١
مناقشة المحقق
النائيني في دلالة الآية على اللزوم باختصاص العقد باللفظي............ ٥٤٥
مناقشة المحقق
الإيرواني في دلالة الآية بالشبهة المصداقية............................ ٥٤٧
مناقشات أخرى في
الاستدلال بالآية المباركة............................... ٥٥١
ـ ٥٤٨
الدليل الثامن : الأمر
العمل بالشرط...................................... ٥٦٠
ـ ٥٥١
توقف الاستدلال على
صدق الشرط على الالتزام الابتدائي........................ ٥٥٤
النظر إلى مفاد
الأخبار الآمرة بالوفاء بالشرط.............................. ٥٥٩
ـ ٥٥٧
صفوة ما تقدم في
الاستدلال على أصالة اللزوم.................................... ٥٦٠
الخروج عن إصالة
اللزوم في خصوص المعاطاة بوجوه ثلاثة........................... ٥٦١
إ ـ الاجماع المنقول
على عدم تأثير المعاطاة في الملك اللازم........................... ٥٦١
شهرة القول بالجواز
إلى عصر متأخري المتأخرين................................... ٥٦٢
مفاد كلام الشيخ
المفيد في المقنعة............................................... ٥٦٣
مفاد كلمات العلامة في
التذكرة والتحرير والمختلف................................ ٥٦٧
ب ـ الاجماع المركب
على عدم لزوم المعاطاة....................................... ٥٦٩
المناقشة في الاجماع
على عدم اللزوم............................................. ٥٧١
ج ـ استفادة عدم لزوم
المعاطاة من بعض الأخبار.................................. ٥٧٤
دعوى قيام السيرة على
إنشاء البيوع الخطيرة باللفظ................................ ٥٧٧
الاقتصار على التعاطي
في المحقرات.............................................. ٥٧٩
الرواية الحاصرة
للمحلل والمحرم في الكلام.......................................... ٥٨١
صحة سند الرواية بنقل
التهذيب................................................ ٥٨٣
محتملات التعليل مع
قطع النظر عن مورد السؤال ، وهي أربعة أو ستة :.............. ٥٨٦
الأول : حصر مطلق
المحلل والمحرم في اللفظ....................................... ٥٨٧
الثاني : إختلاف
المضمون الواحد حلية وحرمة باختلاف الألفاظ المؤدية له........... ٥٩٠
تأبيد هذا الوجه
بأخبار المزارعة.................................................. ٥٩١
الثالث : أ ـ محللية
وجود الكلام ومحرمية عدمه ، أو بالعكس........................ ٥٩٢
ب ـ محلّلية وجود كلام
ومحرميته باعتبار محلّه....................................... ٥٩٣
احتمال إرادة هذا
الوجه في أخبار المزارعة......................................... ٥٩٣
الرابع : الكلام
المحلل هو المقاولة ، والمحرم إنشاء البيع............................... ٥٩٤
بيان احتمال خامس في
التعليل ، أفاده صاحب الجواهر وغيره....................... ٥٩٥
بيان احتمال سادس
أفاده المحقق الأصفهاني....................................... ٥٩٧
كلام المصنف في
إستظهار أحد الوجوه الأربعة.................................... ٥٩٨
منع الاحتمال الأوّل........................................................... ٥٩٨
منع الاحتمال الثاني........................................................... ٦٠٠
تعيّن الاحتمال الثالث
أو الرابع................................................. ٦٠٠
سقوط التعليل عن اثبات
توقف لزوم البيع أو صحته على إنشائه باللفظ............. ٦٠٣
تقريب آخر للاستدلال
بالتعليل على اعتبار اللفظ في إنشاء البيع................... ٦٠٥
اشعار روايات أخرى
باعتبار اللفظ....................................... ٦٠٧
ـ ٦١١
الفهرست.................................................................... ٦١٣
|