مقدمة

أن كتاب «معيار الاختيار فى ذكر المعاهد والديار» لابن الخطيب من اطرف كتب المؤلف الشهيرة ، فقد صاغه على هيئة مقامة ادبية ذات منهاج وأسلوب فنى انفرد به لسان الدين روعة وابداعا ، مستهدفا وصف اهم المدن الاندلسية والمغربية جغرافيا واجتماعيا كما رآها وعاصرها فى منتصف القرن الثامن الهجرى (منتصف الرابع عشر الميلادى). فلم تكن المقامة التقليدية لديه هدفا لذاتها من شعوذة واستجداء كما هى عند الحريرى والهمذانى وغيرهما ، أو وعظ وتذكير بالدار الآخرة وما فيها من ثواب وعقاب كما هى عند الزمخشرى والدمياطى وامثالهما ، بل ان المؤلف كانت غايته علمية بحتة ابرزها فى صورة ادبية ثقافية ممتعة ، وبالرغم من قيود السجع والمحسنات البديعية الا أن وصفه للبلدان فى مناحى شتى قد جاء فى صورة مشوقة تنبض حياة ، وتتألق براعة. ويصف المقرى هذا الكتاب فيقول : «وللسان الدين مقامة عظيمة بديعة ، وصف بها بلاد الاندلس والعدوة ، وأتى فيها من دلائل براعته بالعجب العجاب (١)».

ولقد أورد ابن الخطيب «معيار الاختيار» ضمن مؤلفه الادبى الضخم «ريحانة الكتاب ، ونجعة المنتاب» الذي ما يزال مخطوطا ، وان كان بعض الباحثين قد قام بتحقيق اجزاء منه ، فمن اشهر نسخ «الريحانة» التى ورد بها «المعيار» واقتضت طبيعة التحقيق والدراسة الرجوع اليها فى كل من المغرب (الرباط  ـ  فاس) وتونس والجزائر والقاهرة واسبانيا وروما :

١  ـ  نسختان بدار الكتب بالقاهرة.

الاولى : يوجد منها الجزء الاول وبعض الجزء الاخير فى مجلدين ، وبخط مغربى ، فى ثناياها ثقوب ونقص واضطراب ، وهذان الجزآن مصوران بالفوتوستات عن النسخة الخطية المحفوظة بمكتبة تونس ، ويقعان فى ٣٠٩ لوحة ، مسجلين برقم ١٩٨٧٥ ز.

__________________

(١) النفح : ج ٨ ص ٣١٥ ط محى الدين  ـ  القاهرة.


الثانية : بها نقص يسير من الخطبة ، اولها بعد الديباجة : «.. وسميته لتنوع بساتينه المنسوقة ، وتعدد افانينه المعشوقة ، بريحانة الكتاب ، ونجعة المنتاب» .. الخ ، وتقع هذه النسخة فى مجلدين كتبا بخط النسخ ، وقد نقلا عن الجزاين المخطوطين المقيدين بدار الكتب المصرية برقم ٥٢٤ أدب س ، ويقعان فى ٤٦٠  ـ  ٦٥٠ صفحة ، مسطرتها ٢١ سطرا ، وقد سجلا تحت رقم ٣٤٥٩ ز ، وقد اتخذنا لهذه النسخة فى التحقيق الرمز «د».

٢  ـ  نسخة الاسكوريال بمدريد.

وهى مسجلة برقم ٥٥٤ من فهرس الغزيرى ، وهى نسخة جيدة للغاية قد كتبت بخط اندلسى باهت ، وتقع فى ٢٨١ لوحة كبيرة ، أعنى ٥٦٢ صفحة ، بكل صفحة ٢٧ سطرا ، وفى كل سطر ١٢ كلمة فى المعدل العام ، وقد ذكر فى نهاية هذه النسخة أنها كتبت سنة ٨٨٨ ه‍ ، وقد رمزنا اليها خلال البحث بالرمز «أ».

٣  ـ  جزء مخطوط بمكتبة الفاتيكان الرسولية بروما ، مكتوبة بخط مغربى وهى عبارة عن السفر الثالث من «الريحانة» ، وعدد لوحاتها ١١٩ لوحة كبيرة ، مسجلة برقم ٢٥٢.

وقد احتوى هذا السفر على «معيار الاختيار» ، ورمزنا لهذا المخطوط اثناء التحقيق بالرمز «ف».

٤  ـ  قطعة مخطوطة أخرى فى مكتبة الجزائر الوطنية من «الريحانة» ، تشتمل على ١٨١ لوحة مزدوجة من القطع الكبير ، مكتوبة بأكثر من خط معظمه قديم ، والبعض منها  ـ  ولا سيما الوسط  ـ  قد أكمل مؤخرا ، أو بتاريخ أحدث ، وهذه النسخة تشتمل على النصف الثانى والاخير من «الريحانة» ، حيث تبدا بالفصل الذي يحمل عنوان «جمهور الاغراض السلطانيات» ، ويغلب على الظن أن هذه النسخة هى أقدم جزء من المخطوط رقم ٢٠١٠ ، وقد احتوى هذا الجزء  ـ  ضمن ما احتوى  ـ  كتاب «معيار الاختيار» موضوع الحديث ، وقد رمزنا اليها بالرمز «ج».

٥  ـ  وفى خزانة القرويين بفاس قطعتان من «ريحانة الكتاب» :

الاولى : تضم السفرين الرابع والخامس ، وتقع فى ٩٩ لوحة مزدوجة من القطع الكبير ، فى كل صفحة منها ٢٧ سطرا ، قد كتبت بخط مغربى ، وفى نهايتها تاريخ الفراغ من نسخها ، وهو يوم الاحد قبل الزوال عام تسعة عشر


ومائة وألف (لم يذكر تاريخ اليوم أو الشهر) وهى برقم ٤٠  ـ  ٥٦٥ ، ورمزها «س» فى تحقيقتا.

أما القطة الثانية : فهى برقم ٣٠١١ ، وتنطبق عليها نفس أوصاف الاولى ولا سيما الخط.

٦  ـ  أما فى الخزانة العامة بالرباط (قسم المخطوطات والمحفوظات) فتوجد عدة نسخ من «الريحانة» ، اظهرها واشهرها النسخة الكتانية المسجلة برقم ٣٣١ ك ، وهى عبارة عن مجلد ضخم يتألف من ٦٠٩ صفحة من القطع الكبير ، وفى كل صفحة ٢٥ سطرا ، قد كتبت بخط مغربى واضح ، وبها زيادات حديثة ، أغلب الظن أنها ليست من انشاء ابن الخطيب ، ولا سيما الجزء الخاص بذكر ملوك بنى امية والخلفاء من بنى العباس ، وهو غفل من تاريخ كتابته ، أما النسخة الاساسية للريحانة فتقع فى ٥٩٩ صفحة ، وقد رمزنا اليها بالرمز «ك»

وتوجد بنفس هذه الخزانة غير التى ذكرنا  ـ  سبع نسخ من «الريحانة» قد اشتمل معظمها على «معيار الاختيار» وفيما يلى ما تضمن منها «المعيار» :

فأولها : نسخة كاملة عبارة عن مجلدين من الحجم المتوسط ، ويشتمل أولها على ٢٢٢ لوحة ، مكتوبة بخط مغربى واضح. والمجلد الآخر عبارة عن ٢١٥ لوحة من نفس الحجم ، وقد كتب بنفس الخط المغربى الواضح. وهذه النسخة بمجلديها مسجلة برقم ٢١٩٥ بالمكتبة الملكية ، وقد رمزنا اليها بالرمز «ل» اثناء التحقيق.

وثانيتها : تشتمل على السفرين الرابع والخامس من «الريحانة» وعدد لوحاتها ١٤٥ لوحة من الحجم الصغير ، ورقم التسجيل ٦٠٠

وثالثها : عبارة عن النصف الثانى من «الريحانة» ، وهى نسخة تحتوى على الاسفار الرابع والخامس والسادس ، وتقع جميعها فى ١٨٦ لوحة.

ورابعها : نسخة ذات اوراق بالية وقديمة تشمل ٤٠ لوحة كبيرة ، قد كتب على الصفحة الاولى منها «السفر الثالث من ريحانة الكتاب» ، وفى نهاية اللوحة الاخيرة عبارة «كمل السفر الخامس» ورقم تسجيلها ٦٤٠٠.


هذا ، ولا يغيب عن الفكر أن هناك نسخا أخرى من مؤلف ابن الخطيب «ريحانة الكتاب» فى حوزة المكتبات الخاصة ، جلها فى المغرب الاقصى ، ومعظمها قد انتظم «معيار الاختيار» ، بيد أنه لا يتسنى للباحث أن يستدل ويطلع عليها فى سهولة ويسر لسبب أو لآخر ، فمن ذلك على سبيل المثال النسخة الجيدة التى بمكتبه صديقى الاستاذ عبد الكبير الفهرى الفاسى بالرباط ، وقد تصفحت سفرا خاصا ب «معيار الاختيار» فوجدتها نسخة قريبة الشبه خطا ونسخا من النسخة الاولى الخاصة بالمكتبة الكتانية التى أشرنا اليها فى ثنايا الحديث عن نسخ الخزانة العامة بالرباط.

ونرى  ـ  بهذه المناسبة  ـ  أن نذكر أن مؤرخ المملكة المغربية الاستاذ عبد الوهاب بن منصور قد أخبرنا فى صدد «معيار الاختيار» بأنه سبق أن رأى نسخة تكاد تكون فريدة منه لدى أحد شيوخ مدينة «تلمسان» منذ مدة طويلة ، وترجع أهميتها لكون هذه النسخة قد اشتملت على وصف تلك المدينة وهو ما تنفرد به من دون النسخ الاخرى الخالية منها تماما ، ويعزز رواية الاستاذ عبد الوهاب وجود وصف مدينة تلمسان فى كتاب «نفح الطيب» (ج ٩ ص ٣٤٠  ـ  ٣٤١) وهو لابن الخطيب كما اثبته المقرى ، والاسلوب فى الوصف على نمط الاسلوب الذي انتهجه المؤلف فى «معيار الاختيار» من بداية بالاستفسار : «قلت فمدينة تلمسان؟ فاجابة من الراوى : قال : «تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف ، ووضعت فى موضع شريف .. الخ» ، ثم يعقب وصفه للمدينة بما عودنا من ايراد أبرز المثالب كمثيلاتها ، فقال : «.. ألا أنها بسبب حب الملوك ، مطعمة للملوك. ومن أجل جمعها الصيد فى جوف الفرا ، مغلوبة للامراء ، .. الخ».

حقا لقد كانت «تلمسان» يومئذ ضمن مملكة بنى مرين حينما امتد ملكهم الى الجزائر عام ٧٩٦ ه‍ (١٣٩٣ م) ، واضحى ملك بنى زيان تابعا لبنى مرين ، وبقى الامر كذلك حتى دب الضعف فى الدولة المرينية ، واستبد بنو وطاس ووزراؤهم بالامر ، فهيأ ذلك لبنى زيان أن يستقلوا مرة أخرى بأمر تلمسان ، كما هيا مثل هذا الاستقلال للاشراف أن يظهروا فى مراكش بجنوب المغرب (١).

وقد وفد ابن الخطيب فى ذلك الابان على مدينة تلمسان سفيرا ثم زائرا ، وأخيرا عندما لجا فارا من الاندلس ، حيث احتمى بظلال بنى مرين على ما

__________________

(١) ابن خلدون فى «العبر» ج ٧ ص ١٦٦ ، والذخيرة السنية ص ١٤٨ ، والاستقصاء ج ٢ ص ١٦.


سنفصله فى الترجمة للمؤلف من بعد ، الامر الذي يقطع بأن المؤلف أورد وصف تلمسان ضمن «المجلس الثانى» الخاص بأهم المدن المغربية ، كما لا نستبعد من ناحية أخرى أن تأليف لسان الدين للمعيار كان زمن امتلاك المرينيين لتلمسان ، وربما كان ذلك أواخر أيامه ، حيث أتيحت له أكثر من فرصة لدراسة المدينة وسواها من مدن المغرب ، ورسم صورة واقعية لها ، كعهدنا به نحو المدن الاخرى التى تناولها بالوصف فى مؤلفه هذا.

لقد كنت تواقا الى رؤية تلك النسخة ، عسى أن أتمكن من ازالة علامة الاستفهام التى ترتسم حيال بقية النسخ من «الريحانة» المشتملة على «معيار الاختيار» والتى خلت  ـ  للاسف  ـ  من وصف مدينة «تلمسان» ، ومن يدرى فربما كانت نسخة الجزائر اقرب من غيرها الى عصر المؤلف أن لم تكن قد نسخت على أيامه ، ولكن ما الحيلة وقد طوى الزمن صاحب النسخة ، ولا ندرى بالتالى الى من آلت ، هذا أن لم تكن قد انقرضت هى بدورها حيث لم نسمع عنها حتى يومنا هذا من قريب أو بعيد ، ولم تتناولها من قبل فهارس المستشرقين ، كما لم تشر اليها أقلام الباحثين من المهتمين بالتراث الاندلسى خاصة.

وعلى اى حال فلا مناص من الحاق وصف مدينة «تلمسان» فى نهاية «المجلس الثانى» للمدن المغربية ، وذلك نقلا عن «نفح الطيب» بنصه ، مقدرا للاستاذ عبد الوهاب بن منصور لفتته العلمية.

هذا ، وقد نوهت اثناء عرض الكتاب ب «الفصل الثالث» أن النسخة التى رأيت أنها أوفى واحق بالاعتماد فى التحقيق  ـ  مع اعتبار بقية النسخ  ـ  هى نسخة الاسكوريال (٥٥٤).

وقد رأيت استكمالا للفائدة ، والماما بما قد يحتاجه الباحث أن اختط فى هذا التحقيق النحو التالى فى أربعة فصول :

الفصل الاول :

وقد أوردت فيه ترجمة تكاد تكون وافية بالغرض لحياة المؤلف «لسان الدين ابن الخطيب».

الفصل الثانى :

وبه بيان لوجهة نظر بعض المستشرقين والباحثين تجاه ابن الخطيب.


الفصل الثالث :

وقد أوردت فيه دراسة خاصة ب «معيار الاختيار» فى عرض تحليلى من الناحيتين الادبية والتاريخية ، واهمية الكتاب كعمل أدبى ، ثم كوثيقة تاريخية هامة.

الفصل الرابع :

وقد أوردت فيه «المجلس الاول» من النص ، وهو الخاص بوصف «المدن الاندلسية».

الفصل الخامس :

وقد أوردت فيه «المجلس الثانى» من النص ، وهو الخاص بوصف «المدن المغربية». وفى ذيلا كلا «المجلسين» اثبت فى التعليق ما اقتضاه التحقيق ، واستوجبته الدراسة.

ولا يسعنى  ـ  اذ أقدم هذا العمل كتحقيق جديد فى مجال التراث الاندلسى  ـ  الا أن أعترف بالفضل لكل سابق فى هذا الميدان ، ولا سيما حيال من أسهموا بدراسة أو تحقيق لابن الخطيب ومؤلفاته فقد كانت بحوثهم عونا جديرا بالتقدير ، كما اذكر لاستاذنا العلامة عبد الله كنون فضله فى هذا العمل ، جزاه الله خير الجزاء ، وانوه بسبق الزميل الدكتور أحمد مختار العبادى ، معترفا بالاستفادة الحقة من دراسته فى هذا الموضوع.

أخيرا ، آمل بهذا التحقيق  ـ  على هذه الصورة  ـ  لكتاب «معيار الاختيار» أن أكون قد أسهمت بلبنة فى صرح الذخائر الاندلسية.

والله أسأل أن يجد فيه رواد الفكر وعشاق التراث ما ينشدون أو يؤملون ، أنه سميع قريب ، وبالاجابة جدير.

وهو  ـ  سبحانه  ـ  ولى التوفيق

المحقق

دكتور محمد كمال شبانه

أستاذ التاريخ والحضارة الاسلامية

بجامعات المغرب

القاهرة / ٢  ـ  ٣  ـ  ٢٠٠٢


الفصل الأوّل

حياة ابن الخطيب

وآراء بعض المستشرقين حوله



ابن الخطيب

٧١٣  ـ  ٧٧٦ ه‍ (١٣١٣  ـ  ١٣٧٤ م)

ثانى اثنين أرّخا لعصر بنى الأحمر ، فكشفا عن السلالة النصرية ، حتى عصرهما الذي عاشاه جنبآ الى جنب ، ولم ينل من علاقتهما الطيبة سوى التنازع على المزيد من السلطة ، فى دولة طالما استبد فيها الحجاب والوزراء ، وانتقصوا من سلطة السلطان ، فكانت نهايتهم على يدى من نازعوهم أمور المملكة ، بايعاز من صاحب سلطة قضائية أو ادارية ، وهذا ما حدث بين ابن الخطيب ، وبين قاضى الجماعة أبى الحسن على النباهى الجذامى ، على نحو ما سنرى من خلال سيرة الأول.

هو لسان الدين أبو عبد الله محمد ، بن عبد الله ، بن عبد الله ، بن سعيد ، بن على ، بن أحمد ، السلمانى ، نسبة الى سلمان ، بقعة باليمن نزلت بها بعض القبائل القحطانية ، وكانت أسرة ابن الخطيب احدى هذه القبائل ، ومن اليمن وفدت الأسرة الى الأندلس ، حيث اتخذت قرطبة مقرا لها.

ثم هاجرت الأسرة الى طليطلة  ـ  كما أخبر بذلك ابن الخطيب نفسه فى مقدمة «الاحاطة»  ـ  عام ٢٠٢ ه‍ ٨١٧ م ، وهو العام الذي حدثت فيه ثورة أهل الربض بقرطبة ، ضد أمير الأندلس الحكم بن هشام ، حيث حرض الفقهاء أهل الربض ضد الأمير ، ولكن الحكم قضى على الثورة فى الموقعة المشهورة


ب (موقعة الربض) وشنتت شمل القائمين بها ، فنفى من نفى ، وشرد من شرد ، وغادر قرطبة جمهور من المعارضين وعديد من العلماء ، ومن هؤلاء أسرة ابن الخطيب ، حيث قصدت طليطلة ، فبقيت بها قرابة قرن ونصف ، ولما أحست أسرة المترجم له بالخطر المحدق بالمدينة  ـ  حيث أصبحت هدفا للأسبان فى أواسط القرن الخامس الهجرى (أوائل القرن الثانى عشر الميلادى)  ـ  بادرت بالنزوح عنها الى مدينة لوشة (١) مسقط رأس ابن الخطيب فى ٢٥ رجب ٧١٣ ه‍ (١٦ نوفمبر ١٣١٣ م).

تربى ابن الخطيب فى أسرة عرفت بالاصالة والعلم والجاه ، فقد كان أبوه عبد الله من أكابر العلماء والخاصة ، كما أخبر بذلك ابن الخطيب نفسه ، حيث ترجم لأبيه فى كتابه (الاحاطة فى أخبار غرناطة) فروى لنا أنه ولد فى (٦٧٢ ه‍ ١٢٧٣ م) واستقر حينا فى غرناطة ، ثم عاد الى لوشة مقر الأسرة ، ثم رجع الى غرناطة أخيرا ، حيث التحق بخدمة السلطان أبى الوليد اسماعيل ملك غرناطة (٧١٣  ـ  ٧٢٥ ه‍  ـ  ١٣١٤  ـ  ١٣٢٤ م).

وقد كانت أسرته تحمل اسم «الوزير» الى أن جاء جده سعيد فعرفت باسم «الخطيب».

ولما توفى هذا السلطان ، وخلفه ابنه السلطان أبو عبد الله محمد ، التحق والد ابن الخطيب بديوان كتابته أيضا ، ثم بأخيه السلطان أبى الحجاج يوسف (٧٣٣  ـ  ٧٥٥ ه‍  ـ  ١٣٣٣  ـ  ١٣٥٤ م) ، حيث عاصر الكاتب الكبير ، والرئيس العظيم أبا الحسن على بن الجيّاب ، والذي منح من قبله لقب الوزارة ، وأخيرا سقط عبد الله مع ولده الأكبر  ـ  أخى لسان الدين  ـ  قتيلا فى موقعة طريف الشهيرة ، التى تمخضت عن فوز الأسبان على المسلمين من الأندلس والمغرب ، وسقوط كل من طريف ثم الجزيرة الخضراء وقلعة بنى سعيد ، وذلك فى جمادى الأولى ٧٤١. ه (١٣٤٠ م).

__________________

(١) تعرف فى الاسبانية اليوم باسم «Loja» ، تقع على بعد ٥٥ كم غرب غرناطة ، وهى احدى المدن الاسلامية الشهيرة أيام حكم العرب ، وقد استردها الأسبان قبل سقوط غرناطة بقليل (٨٩١ ه‍ ١٤٨٦ م) ، يقدر عدد سكانها حاليا بعشرين ألف نسمة تقريبا ، بينما كان عدد السكان  ـ  على عهد ابن الخطيب  ـ  يجاوزون هذا العدد بكثير كما يتضح من تاريخ المدينة يومئذ.


لقد نشأ ابن الخطيب فى العاصمة غرناطة ، وتلقى بها دراسته (٢) ، فقد كانت وقتئذ ميدانا احتشد فيه الأكابر من العلماء والأدباء ، فدرس اللغة والشريعة والأدب على جماعة من أقطاب العصر ، مثل «أبى عبد الله بن الفخار الألبيرى» شيخ النحاة فى عصره ، «وأبى عبد الله بن مرزوق» فقيه المغرب الكبير ، «والقاضى أبى البركات بن الحاج البلفيقى» ، ودرس الأدب والشعر على الوزير «أبى عبد الله ابن الحكيم اللخمى» وعلى الرئيس «أبى الحسن على بن الجياب» ، وغير هؤلاء ، كما درس الطب والفلسفة على حكيم العصر وفيلسوفه الشيخ «يحيى بن هذيل». فلا نبالغ اذن اذا قلنا : ان غرناطة  ـ  فى ذلك الوقت  ـ  كانت أعظم مركز للدراسات الأدبية والعلمية والاسلامية ، فى هذا القطر الغربى من العالم الاسلامى ، وكان هذا من حظ ابن الخطيب الى حد بعيد.

هذا ، وقد تأثر مستقبل ابن الخطيب السياسى بحكم منصب والده ، فمنذ شب عن الطوق ونفسه تطمح للوصول الى مركز أبيه ، فلما توفى الوالد دعى ابنه للخدمة مكانه ، وكان حينئذ فى الثامنة والعشرين من عمره ، حيث تولى أمانة السر لأستاذه الرئيس «أبى الحسن بن الجياب» وزير السلطان ابى الحجاج يوسف الأول النصرى وكاتبه (٣) ، ثم خلف أستاذه فى الوزارة ، وتقلد ديوان الانشاء لهذا السلطان ، وكان ابن الخطيب يومئذ قد ملك زمام أرفع الأساليب شعرا ونثرا ، بفضل أستاذه الراحل ، وظهر أثر هذه التلمذة على رسائله السلطانية ، التى حررها بقلمه على لسان ملوك الأندلس والمغرب ، والتى نعتها المؤرخ ابن خلدون بالغرائب ، وقد جمع ابن الخطيب نفسه منها الكثير فى كتابه «ريحانة الكتاب ، ونجعة المنتاب» ، كما أورد المقرى عددا منها فى مؤلفه «نفح الطيب» (٤) ، ويعتبر كتاب ابن الخطيب «كناسة الدكان بعد انتقال السكان» مجموعة من الرسائل السلطانية التى تمثل العلاقات السياسية بين غرناطة والمغرب ، فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى ، على لسان سلطانه يوسف الأول ابن الأحمر ، الى معاصره فى فاس أبى عنان فارس المرينى.

__________________

(٢) العبر لابن خلدون ج ٧ ص ٣٣٢.

(٣) توفى ابن الجياب بوباء الطاعون الجارف ، فى شوال ٧٤٩ ه‍ (يناير ١٣٤٩ م).

(٤) ج ٣ ص ٥٧٠ ، وما بعدها ، ج ٤ فى عدة مواضع منه.


ولقد كسب ابن الخطيب ثقة هذا السلطان الغرناطى ، حيث قربه من مجلسه ، وخلع عليه الجم من النعم ، كما أنه أصبح أثيرا لديه ، مودعا اياه أمانة سره وكتابته ، وذلك لروعة هذه المكاتبات السلطانية التى دبجها له من جهة ، ولنجاح سفاراته مع ملوك النصارى والمغرب من جهة أخرى ، فقد بعثه عاهل غرناطة سفيرا الى أبى الحسن المرينى ملك المغرب عام ٧٤٩ ه‍ (١٣٤٨ م).

ولما توفى السلطان أبو الحجاج يوسف قتيلا  ـ  فى يوم عيد الفطر ٧٥٥ ه‍ (١٩ أكتوبر ١٣٥٤ م)  ـ  خلفه فى الملك ولده السلطان محمد الخامس الغنى بالله ، واستمر ابن الخطيب فى معاونة الوزير أبى النعيم رضوان على خدمة السلطان الجديد ، كما تولى الوصاية على الأبناء القصر للسلطان المتوفى ، ثم قام بسفارة الى السلطان «أبى عنان فارس المرينى» عام ٧٥٥ ه‍ ١٣٥٤ م ، ولقد نجح ابن الخطيب فى مهمته هذه نجاحا عظيما ، ذلك أن ملك المغرب استجاب للمطالب التى حملها ابن الخطيب لصالح ملك غرناطة ، وفى مقدمتها العون الحربى لمقاومة أطماع ملك قشتالة.

ولقد ظفر ابن الخطيب بمكانة ممتازة لدى الغنى بالله ، اذ منحه ثقته كأبيه من قبل ، وخلع عليه لقب (ذو الوزارتين) ، لجمعه بين وزارة القلم ووزارة السيف.

ولكن حدث أن اندلعت الثورة بغرناطة ، فى رمضان ٧٦٠ ه‍ ١٣٥٩ م ، ونتج عنها فقدان السلطان الغنى بالله لملكه ، واستيلاء أخيه الأمير اسماعيل على العرش ، كما تمخضت هذه الثورة عن مقتل الحاجب أبى النعيم رضوان ، ثم فرار الغنى بالله الى وادى آش (٥) ، وعليه فأصبح ابن الخطيب لا يملك من الأمر شيئا ، غير أنه حاول أن يستميل السلطان الجديد ، فقبله فى منصب الوزارة مؤقتا ، ثم تشكك بعد قليل فى نواياه ، وذلك بتحريض منافسيه وحساده ، فقبض عليه ، وصادر أملاكه ، وبذلك فقد ابن الخطيب جاهه ونفوذه ، بل ومتاعه بين عشية وضحاها.

__________________

(٥) راجع ما كتبناه عن هذه المدينة فى وصف ابن الخطيب للمدن الأندلسية من هذا الكتاب.


لم تطل هذه النكبة بابن الخطيب ، فقد بعث ملك المغرب السلطان أبو سالم سفيره (الشريف أبا القاسم التلمسانى) الى ملك غرناطة الجديد ، يطلب اليه أن يسمح للملك المخلوع (الغنى بالله) ووزيره ابن الخطيب بمغادرة الأندلس الى المغرب ضيفين عزيزين ، فرضخ سلطان غرناطة لهذا الطلب ، سياسة منه فى الابقاء على أواصر الوداد مع بنى مرين ، واحتفاظا بهم سندا لمستقبل الدولة الاسلامية بالأندلس. ولهذا أطلق سراح ابن الخطيب ، ولحق بسلطانه ، حيث لجأ إلى وادى آش ، ومن ثم الى المغرب ، ومعهما نفر كبير من الحاشية ، فوصل الركب فاس فى محرم ٧٦٠ ه‍ (ديسمبر ١٣٥٨ م) حيث استقبلهما السلطان أبو سالم استقبالا حارا ، واحتفل بقدومهم احتفالا عظيما ، وألقى ابن الخطيب فى هذه المناسبة  ـ  بين يدى المضيف  ـ  قصيدته الشهيرة (٦) ، يستنصره ويستصرخه ؛ ليعين سلطانه على أمره.

ويشهد ابن خلدون المؤرخ ذلك الحفل  ـ  بصفته من كبار رجال البلاط المرينى  ـ  فيصفه لنا ويقول : «إن ابن الخطيب استولى على سامعيه ، فأبكاهم تأثرا».

هذا وقد طاب العيش لابن الخطيب بالمغرب فى رعاية السلطان «أبى سالم» ، الذي أقطعه الأراضى ، ورتب له الرواتب ، حيث استقر فى مدينة «سلا» (٧) حوالى ثلاثة أعوام منفيا ٧٦٠  ـ  ٧٦٣ ه‍ (١٣٥٨  ـ  ١٣٦١ م) ، اقتنى خلالها الضياع والأموال ، ولكن لم ينس  ـ  فى الوقت نفسه  ـ  نزعته الثقافية والتأليفية ، فجاس خلال مدن المغرب دارسا باحثا ، ملتقيا بالعلماء فى تجواله ، وفى نهاية المطاف يرجع الى سلا ، حيث يرابط بضاحية «شالة» ، قرب أضرحة ملوك بنى مرين.

__________________

(٦) نفح الطيب للمقرى ج ٣ ص ٤٦  ـ  ٤٨ ، أزهار الرياض لنفس المؤلف ج ١ ص ١٩٧  ـ  ٢٠٠ وهى ثمانون بيتا.

(٧) سنعرف أيضا بهذه المدينة من بعد فى مناسبة وصفها.


ولقد أصيب ابن الخطيب  ـ  ابان هذه الفترة  ـ  فى زوجته أم أولاده ، وبالرغم من كل ما أصابه من نكبات متوالية فانه لم يقعد عن التأليف ، ولم يخلد الى الراحة والسكينة ، ويكفى دليلا على هذا تلك المؤلفات التى حررها وقتئذ ، ومن أهمها :

١) معيار الاختيار ، فى ذكر المعاهد والديار (هذا الكتاب).

٢) نفاضة الجراب ، وعلالة الاغتراب.

٣) اللمحة البدرية ، فى تاريخ الدولة النصرية.

٤) الحلل المرقوقة ، فى اللمع المنظومة (٨).

٥) رقم الحلل ، فى نظم الدول.

٦) كناسة الدكان ، بعد انتقال السكان.

٧) رسائل فى فنون مختلفة ، معظمها نظمه شعرا.

وفى هذه الأثناء تم انقلاب فى فاس ، ترتب عليه مصرع السلطان أبى سالم ، فى ذى القعدة ٧٦٢ ه‍ (١٣٦٠ م) ، وتقلد السلطان صاحب الانقلاب الوزير عمر بن عبد الله ، الذي أعان ابن الأحمر المخلوع على أمره ، ووقف الى جانبه فى استرجاع عرشه ، حتى سنحت الفرصة ، وواتت الظروف ، باندلاع ثورة جديدة فى غرناطة ، صرع فيها السلطان اسماعيل بن الأحمر على يد الرئيس أبى سعيد ، الذي فر الى (قشتالة) عقب عودة الغنى بالله الى الأندلس ، واستيلائه على ولاية مالقة ، ثم دخوله غرناطة ، وتربعه على العرش من جديد عام ٧٦٣ ه‍  ـ  ١٣٦١ م.

لقد استدعى سلطان غرناطة الجديد ، محمد الخامس الغنى بالله ، وزيره المنفى ابن الخطيب ، ليقدم الى دار ملكه ، برسالة مؤرخة : ١٤ جمادى الآخرة ٧٦٣ ه‍ (١٥ أبريل ١٣٦١ م) وليتقلد منصبه السابق ، فاستجاب ابن

__________________

(٨) هذا الكتاب يتحدث فيه ابن الخطيب عن تاريخ الدولة الاسلامية ، وقد أهداه الى السلطان أبى سالم المرينى ملك المغرب ، فكافأه عليه بمضاعفة رواتبه ، كما كتب  ـ  فى شأن المؤلف  ـ  الى سلطان غرناطة ، يطلب منه الافراج عن ممتلكات ابن الخطيب المصادرة.


الخطيب ، وجاز البحر صحبة أسرة السلطان وأسرته ، ثم وصل العاصمة ، وهناك وجد من يزاحمه منصبه ، وينافسه السلطة ، وهو شيخ الغزاة (عثمان بن أبى يحيى) ، صاحب اليد على السلطان فى استرجاع العرش ، فنشب خلاف بين الرجلين ، وحقد كلاهما على الآخر ، ولكن ابن الخطيب كان أشد مراسا بأساليب الكيد والدس ، فتغلب على خصمه ؛ اذ زين للسلطان خطورة نفوذ عثمان هذا ، وبدأ يخيفه من غدره وغدر أشياعه ، فاستجاب ابن الأحمر لنصح ابن الخطيب ، وقضى على عثمان وآله فى شهر رمضان ٧٦٤ ه‍  ـ  ١٣٦٣ م ، وبذلك استرد ابن الخطيب كامل سلطته ، دون مناوئ أو منافس ، ولكن الى حين ، فقد شعر مرة أخرى بما يحاك حوله من دسائس ومكائد ، ورأى سلطانه يتأثر بسعاية الخصوم ، وقد تزعم هذه الحملة الجديدة ضد ابن الخطيب رجلان وثيقا الصلة بالسلطان بحكم وضعيتهما فى الخدمة السلطانية ، ولمكانتهما السياسية فى الدولة ، وهما :

١) الشاعر محمد بن يوسف المعروف ب «ابن زمرك» تلميذ ابن الخطيب ، ومعاونه فى الوزارة.

٢) قاضى الجماعة أبو الحسن على بن عبد الله النباهى ، ولى نعمة ابن الخطيب.

وحينئذ شعر ابن الخطيب بخطورة موقفه عند السلطان ، بين هذين الرجلين الداهيتين ، فدبر أمره على مغادرة الأندلس نهائيا ، دون أن يشعر السلطان مطلقا بذلك ، وفعلا طلب منه أن يأذن له فى تفقد بعض الثغور والموانئ الأندلسية ، فأجابه السلطان ، وكان وزيرنا  ـ  من جانبه  ـ  قد أعد العدة للابحار الى المغرب ، حيث يحل ضيفا لاجئا على السلطان أبى عنان فارس بن أبى الحسن المرينى ، وقد تم له ذلك بوصوله الى جبل طارق ، الذي كان يومئذ ضمن أملاك المرينيين ، ونجحت الخطة ، اذ استقبله قائد الميناء بحفاوة ، وسهل له مهمته ، بأمر من سلطان المغرب ، وأجازه الى سبتة هو ومن معه من ولده ، وقبل أن يودع هذه البقاع بعث برسالة مؤثرة الى السلطان الغنى بالله


يعلل فيها مسلكه هذا ، ويبرر تصرفه الاضطرارى ، وأخيرا يطلب غفرانه ، راجيا عونه لأسرته التى خلفها وراءه فى غرناطة.

وصل ابن الخطيب الى سبتة ومنها التحق بتلمسان ، مقر السلطان عبد العزيز الذي احتفى به وأكرمه ، ثم بعث بسفرائه الى غرناطة ، يلتمس من سلطانها ان يجيز أسرة ابن الخطيب ، فأجابه ابن الأحمر الى طلبه ، وكان ذلك عام ٧٧٣ ه‍  ـ  ١٣٧١ م.

وكان من المتوقع أن يهنأ ابن الخطيب بهذا المقام بالمغرب ، فالسلطان قد أحله مكانته اللائقة به ، وأبدله مما فقد الشيء الكثير ، ولكن  ـ  للأسف  ـ  اتخذ منافسوه بغرناطة من هربه  ـ  على هذه الصورة  ـ  مادة دسمة للكيد ، وأكدوا للسلطان محمد الخامس ابن الأحمر ادانته ، وعدم وفائه لولى نعمته ، وزاد الاتهام تأكيدا أن ابن الخطيب كان حريصا على أن يحمل معه أمواله وذخائره الى المغرب ، وفى هذا يخاطب القاضى النباهى غريمه  ـ  فى الرسالة المعروفة التى بعث بها اليه : «فهمزتم ولمزتم ، وجمعتم من المال ما جمعتم ، ... ، ثم هربتم بأثقالكم» (٩).

كان القاضى النباهى فيما سبق من أنصار الوزير ابن الخطيب ، بل إن تعيينه قاضيا للجماعة واستصدار ظهير هذا المنصب قد تم على يدى ابن الخطيب نفسه ، كما نجد فى كتاب الاحاطة ترجمة للنباهى تنبئ عن تقدير ابن الخطيب لهذا الرجل ؛ اذ ينعته بأنه «قريع بيت مجادة وجلالة ، وبقية تعين وأصالة ، عف النشأة ، طاهر الثوب ، مؤثر للوقار والحشمة ، بعيد الغور ، مرهف الجوانب ، ناظم ، ناثر ، نثره يشف عن نظمه ، ذاكر للكثير ، بعيد المدى فى باب النزاهة ، ماضي غير هيوب ... الخ» ، ولكن ذلك «النباهى» تنكر تماما لابن الخطيب ، ولم يحفظ له هذا الجميل ؛ فقد آزر الوزير «ابن زمرك» ضده ، وسعى سعيا حثيثا فى سبيل القضاء عليه ، وتتجلى هذه الروح الشريرة ، وما يمليه الحقد الشخصى ، والضغائن الدفينة ، فى تلك

__________________

(٩) المقرى فى «نفح الطيب» ج ٧ ص ٥٦.


الرسالة التى بعث بها القاضى النباهى الى ابن الخطيب بالمغرب ، وفيها يعيب عليه الانصراف الى اقتناء الضياع والديار ، كما أنه نسب اليه  ـ  فى بعض مؤلفاته  ـ  بعض محدثات فى الدين ، مما يمس الشريعة الاسلامية ، كما تناول فى بعض هذه المؤلفات الأموات من الناس ، وذلك بالطعن أو العيب فيهم ، الأمر الذي يستنكره الدين .... ، الى آخر ما جاء فى تلك الرسالة من هذه المثالب ، وحتى مغادرة ابن الخطيب للأندلس مؤخرا  ـ  على تلك الصورة  ـ  رأى فيها النباهى غدرا بالسلطان ولى نعمته ، كما كذبه فى ادعائه الانقطاع للعبادة فى المغرب ، وأنه لو أرادها حقيقة لقصد الديار المقدسة ، أو أبقى على نفسه بغرناطة بجوار الكفاح والجهاد ، لنصرة المملكة الاسلامية التى يتهددها خطر الأسبان كل حين.

وفى الأخير ينهى النباهى رسالته بالنيل من أسرة ابن الخطيب ، بأنها حديثة النعمة ، وأن ثروتها هذه لم تأت الا عن طريق المنصب والسلطة ..

وقد كان لهذه الرسالة أثر كبير فيما بعد ؛ حيث كانت صك الاتهام ، وأدين ابن الخطيب على أساس ما ورد فيها ، وذلك عندما حلت نكبته ، ودنت ساعة نحسه (١٠).

هذا ، ويرجع تاريخ الرسالة هذه الى أواخر جمادى الأولى ٧٧٣ ه‍  ـ  ١٣٧١ م ، وقد تسلمها ابن الخطيب بتلمسان ، وأجاب على ما جاء بها مفصلا ، فى كتابه «الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة» ، وشدد النكير على القاضى النباهى ، عندما وصقه بأنه «الجعسوس» أى : القزم الدميم ، وزاد ابن الخطيب فوضع رسالة خاصة للنيل من خصمه اللدود ، وسماها «خلع الرسن ، فى وصف القاضى أبى الحسن».

ظل القاضى النباهى وابن زمرك على عزمهما بسحق غريمهما ابن الخطيب ، فبعد احراق كتبه العقائدية ، عهد النباهى الى قضاة غرناطة باستصدار حكم الشرع فى جريمة الالحاد ، وهو الاعدام ، وحصل من السلطان على مصادقة بهذا

__________________

(١٠) المقرى فى «أزهار الرياض» ج ١ ص ٢١٢  ـ  ٢٢٤ ، حيث أورد المؤلف الرسالة كاملة.


الحكم ، وبعث القاضى أبو الحسن بنوابه الى السلطان عبد العزيز وبأيديهم هذا الحكم ، فقابل السلطان رسل غرناطة بالاستنكار ، وخاطبهم قائلا : «هلا أنفذتم فيه حكم الشرع وهو عندكم ، وأنتم عالمون بما كان عليه!!!» وبالغ فى اكرام ابن الخطيب ، وأضفى عليه مزيدا من عنايته.

وتجدر الاشارة هنا الى أن ابن الخطيب قد لاحظ وقتئذ قوة المغرب فى عهد صديقه السلطان عبد العزيز ، ومبلغ العداء بين فاس وغرناطة وقد بلغ أوجه ، فحرض السلطان على ضم غرناطة لمملكته ، وقد رمى من وراء ذلك الى سحق أعدائه هناك ، وتأمين مقامه بالمغرب ، وما يتبع ذلك من حماية مصالحه.

ويظهر أن هذه السياسة قد لاقت قبولا عند السلطان عبد العزيز ، فصمم على تنفيذها ، وفى ذلك يقول ابن خلدون : «ثم تأكدت العداوة بينه (ابن الخطيب) وبين ابن الأحمر ، فرغب السلطان عبد العزيز فى ملك الأندلس وحمله عليه ، وتواعدوا لذلك عند رجوعه من تلمسان الى المغرب (١١)» ، وبلغت ابن الأحمر رغبة ملك المغرب هذه ، فتخوف لذلك كثيرا ، وأسرع الى ايفاد رسله بالهدايا والتحف الثمينة الى بلاط فاس ، آملا فى نيل رضا السلطان عبد العزيز ، واتقاء شره. ثم تفاجئ الظروف الموقف ، فيموت السلطان عبد العزيز بعدئذ بقليل ، ويجلس على عرش المغرب ابنه «أبو زيان محمد السعيد» طفلا فى الرابعة من عمره ، فى ربيع الآخر ٧٧٤  ـ  ١٣٧٢ م ، وقبض على زمام السلطة الفعلية وزيره «أبو بكر بن غازى» ، فتغيرت الأوضاع السياسية بالمغرب تماما ، واضطر ابن الخطيب حينئذ أن يتزلف الى الملك الطفل ووزيره ، فألف كتابه المعروف باسم «أعمال الأعلام ، فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام» ، وفيه يبرر هذا الوضع الجديد شرعا ، وعرفا وتاريخا ، وأورد لذلك الأشباه والنظائر ، ردا على المناهضين بالمغرب ، وخاصة بنى الأحمر وعملائهم.

__________________

(١١) ابن خلدون فى «العبر» ج ٧ ص ٣٣٨  ـ  ٣٤١.


وفى هذه الأثناء قام السلطان ابن الأحمر بمحاولة أخرى للايقاع بابن الخطيب ، وذلك بأن أوعز الى الوزير «ابن غازى» أن يبعث اليه بابن الخطيب ، فامتنع ابن غازى ، وتوترت العلاقات مرة أخرى ، بين غرناطة وفاس ، الأمر الذي جعل ابن الأحمر يوغر صدور هؤلاء الأمراء المرينيين ضد النظام القائم فى فاس ، وبذل فى سبيل القضاء على هذا النظام مساعدات ضخمة ، كما أقنع من اتصل بهم من حكام الأقاليم  ـ  وخاصة حاكم سبتة أبا محمد بن عثمان  ـ  بأن من الأفضل للمغرب أن يكون الملك رجلا راشدا ، لا طفلا صغيرا ، لا يدرك شيئا ، واتفق معه على تنصيب الأمير المرينى أبى العباس أحمد بن أبى سالم ملكا على المغرب ، وأنه  ـ  أى محمد بن عثمان  ـ  سيكون الوزير مستقبلا ، وأعطاه المزيد من المساعدات الهائلة لتنفيذ هذا الاتفاق ، على أن يحقق هذا الوزير لابن الأحمر ثلاثة مطالب ، بعد نجاح الخطة ، وهى :

١) تسليم ابن الخطيب.

٢) تسليم الأمراء المناهضين لابن الأحمر.

٣) تسليم جبل طارق.

ووقعت بعض الحوادث بالمغرب ، وتمخضت عنها ثورة قاضية ، أدت الى حدوث الانقلاب المنشود لابن الأحمر ، ونودى حينئذ بالأمير أحمد بن السلطان أبى سالم واليا على المغرب (٧٧٦ ه‍  ـ  ١٣٧٤ م).

وهنا أسرع السلطان الجديد بالقبض على ابن الخطيب ، وسجنه ، وبذلك تهيأت الفرصة لوضع نهاية الوزير المنكود ؛ فقد كان الوزير الجديد ببلاط فاس سليمان بن داود من ألد خصوم ابن الخطيب ، ومن جهة أخرى فقد أرسل سلطان غرناطة سفيره ووزيره عبد الله بن زمرك الى فاس ليشهد آخر فصل فى هذه الرواية ، وليدق آخر مسمار فى نعش ابن الخطيب ، وبوصول ابن زمرك عقد السلطان أحمد مجلسا من مستشاريه وكبار رجال الدولة ، ونوقش ابن الخطيب أمام هذا المجلس ، حول كافة الادعاءات المقامة ضده ، وبالأخص دعوى الالحاد ، تلك الدعوى التى صاغها القاضى النباهى من قبل ، وكان مجلسا


صوريا بطبيعة الحال ؛ فان نتيجة المحاكمة كانت مقررة ، ومتفقا عليها من قبل ، فى كل من غرناطة وفاس.

لقد أوذى ابن الخطيب أمام شهود هذه المؤامرة ، وأفتى الفقهاء المتعصبون باعدامه شرعا ، فأعيد الى سجنه حيث دبر الوزير سليمان بن داود أمر قتله فى السجن ، وفعلا بعث اليه ببعض الأشرار الذين قتلوه خنقا أواخر عام ٧٧٦ ه‍  ـ  ١٣٧٥ م ، وفى الصباح سحبت جثته الى الفضاء ، حيث تم حرقها ، ودفن بضاحية فاس (١٢).

ويروى المقرى أنه تمكن مؤخرا من معرفة قبر ابن الخطيب ، وذلك خلال اقامته بفاس ، أوائل القرن الحادى عشر الهجرى (القرن السابع عشر الميلادى) ، فزاره مرارا حيث يرقد ، وفى هذا يقول : «وقد زرته مرارا  ـ  رحمه الله تعالى  ـ  بفاس المحروسة ، فوق باب المدينة الذي يقال له : باب الشريعة ، وهو يسمى الآن «باب المحروق» ، وشاهدت موضع دفنه غير مستو مع الأرض ، بل ينزل اليه بانحدار كثير (١٣)».

رحم الله ابن الخطيب كفاء ما زود التاريخ من ذخائر ، وأهدى العلوم والمعارف من نفائس.

__________________

(١٢) ابن خلدون «العبر» ، ج ٧ ص ٣٤١  ـ  ٣٤٢.

(١٣) المقرى «نفح الطيب» ، ج ٧ ص ٨٣.


ابن الخطيب

في نظر بعض المؤرخين والمستشرقين

قضى الوزير الفذ ، والمفكر العظيم ، والمؤرخ الكبير ، والموسوعة العلمية ، على هذا النحو ، ضحية الأحقاد والأضغان ، وبالرغم مما أثير حول الرجل إبان محنته من موجة عارمة بالسخط ، فان هذه الموجة لم يطل أمدها ، إذ كانت مغرضة عارية من ثوب الحقيقة ، يدل على هذا ما رأيناه من المؤرخين القدامى ، الذين انبرت أقلامهم لانصافه ، واحلاله المكانة اللائقة به بين رجال التاريخ ، ونخص من المؤرخين أولئك الذين قربوا من عهده ؛ فابن خلدون صديقه القديم يسجل أولا أنه «هو الهالك لهذا العهد ، شهيدا بسعاية أعدائه (١٤) ،» ثم يورد  ـ  فى مقام آخر  ـ  أنه «شاعر الأندلس والمغرب فى عصره» ، كما يشهد له فى ميدان الشعر والنثر بقوله : «وامتلأ حوض السلطان من نظمه ونثره ، مع انتقاء الجيد منه ، وبلغ فى الشعر والترسل ، حيث لا يجارى فيهما ، وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بنى الأحمر ، وملأ الدولة بمدايحه ، وانتشرت فى الآفاق قدماه» ، ويتحدث ابن خلدون كذلك عن رسائل ابن الخطيب السلطانية بقوله : «وصدرت عنه غرائب من الترسل فى مكاتبة جيرانهم (ملوك بنى الأحمر) من ملوك العدوة».

وحقا لقد خلف ابن الخطيب من هذه الرسائل روائع ، تعد نموذجا رفيعا ، لما بلغه قلم الرجل من شأو فى فن النثر الوزارى السياسى خاصة ،

__________________

(١٤) المقرى «أزهار الرياض» ج ١ ص ١٩١.


سواء  ـ  من هذه الرسائل  ـ  ما بعث به على لسان سلطانه الى ملوك المغرب أو ملوك النصارى ، أو سلاطين مصر ؛ فبين أيدينا الكثير الجمّ ، ويعتبر كتابه «ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب» مجلدا ضخما لألوان نثر ابن الخطيب المختلفة ، ما بين أغراض سلطانية ، الى رسائل اخوانية ، الى أوصاف حربية لمعارك دارت رحاها على أيامه.

أما المقرى فقد جمع فى مؤلفه «نفح الطيب» معظم آثار ابن الخطيب. وما كان له من أخبار فى الفترة التى عاشها بالأندلس والمغرب ، ويكاد يكون معظم هذا السفر الضخم وقفا على ابن الخطيب ، حتى أنه قرن اسم الكتاب به.

وقد أشاد المقرى فى أكثر من موضع  ـ  من كتابه هذا  ـ  بوزيرنا ، فيقول عنه مثلا : «اذ هو فارس النظم والنثر فى ذلك العصر ، والمنفرد بالسبق فى تلك الميادين بأداة الحصر (١٥)».

وفى مجال العلوم والآداب بألوانها هو «امام هذه الفنون ، المحقق لذوى الآمال والظنون ، المستخرج من بحار البلاغة درها المكنون ، وله اليد الطولى فى العلوم على اختلاف أجناسها ، والألفاظ الرائعة التى تزيح وحشة الأنفس بايناسها (١٦)».

وبالجملة ، فالمقرى يرى أن ابن الخطيب «قد قصرت ألسن البلغاء عن علاه ، وزانت صدور الدواوين حلاه ، وجمع خلالا حسانا ، وكان للدين لسانا (١٧)».

أما الأمير «أبو الوليد اسماعيل ابن الأحمر» ، معاصر ابن الخطيب ، فيسجل فى كتابه «نثير فرائد الجمان ، فيمن ضمنى واياهم الزمان» مواهب

__________________

(١٥) المصدر السابق ج ١ ص ٧٧.

(١٦) المقرى «نفح الطيب» ج ١ ص ١١٠.

(١٧) المقرى «نفح الطيب» ج ١ ص ١١١.


هذا الوزير وعبقرياته ، فيقول : «هو شاعر الدنيا ، وعلم الفرد والثنيا ، وكاتب العرض الى يوم العرض ، لا يدافع مدحه فى الكتب ، ولا يجنح فيه الى العتب ، آخر من تقدم فى الماضى ، وسيف مقولة ليس بالكهام ؛ اذ هو الماضى ، والا فانظر كلام الكتاب الأول من العصبة ، كيف كان فيهم بالافادة صاحب القصبة ، للبراعة ، باليراعة ، وبه أسكت صائلهم ، وما حمدت بكرهم وأصائلهم ، المشربة بالحلاوة ، الممكنة من مفاصل الطلاوة ، وهو نفيس العدوتين ، ورئيس الدولتين ، بالاطلاع على العلوم العقلية ، والامتاع بالفهوم العقلية (١٨)».

كذلك يبدى النقاد الأجانب اعجابهم وتقديرهم لابن الخطيب ، وينوّهون فى كثير من المناسبات بمنزلة الرجل العلمية والأدبية ، وما زالت آثاره محل دراستهم المستفيضة ، معينا لا يغيض ، ومنهلا بالمعارف يفيض.

وفى طليعة هؤلاء النقاد الأجانب المستشرق الأسبانى (سيمونيت Simonet) حيث يقول : «ان ابن الخطيب قد خلّف لنا آثارا كثيرة ، فى النثر والشعر ، والتاريخ ، والجغرافيا ، والرحلات ، والبلاغة ، والشريعة ، والعلوم ، والأخلاق ، والدين ، والنبات ، والطب والبيطرة ، والموسيقى ، والفن الحربى ، والسياسة ، وكلها غنية فى الابتكار والتعمق والرشاقة (١٩)».

وبهذه المناسبة نذكر أن المستشرق «سيمونيت» تناول بالتحقيق والترجمة المدن الأندلسية التى وصفها ابن الخطيب فى كتابه «معيار الاختيار ، فى ذكر المعاهد والديار» موضوع هذا الكتاب  ـ  كما أسلفنا فى المقدمة  ـ  على نحو ما سنفصل القول عنه فى الباب الثالث ، عند حديثنا عن قيمة مؤلفه هذا من الناحيتين التاريخية والأدبية.

__________________

(١٨) المقرى «أزهار الرياض ، فى أخبار القاضى عياض» ج ١ ص ١٩١.

(١٩)F. J. Simonet. Discripcion Del Rieno de Granada, Sacada Del Los Autores Arabigos.


هذا ، ويكفينا فى هذا العرض الموجز للتعريف بابن الخطيب أن نقتصر على آراء هؤلاء المؤرخين وبعض المستشرقين كشهادة صادقة للرجل الذي دخل دخل التاريخ من أوسع أبوابه ، وإن هذه الشهادة من أمثال هؤلاء لفى غنى منا عن التعليق ، فقد استقاها أصحابها من واقع مؤلفاته العديدة ، أبلغ حجة ، وأوضح بيان ، وأقوى برهان ، على مدى ما بلغه ابن الخطيب من شهرة سمت الى الأوج ، لما تمتع به من عقلية فذة ذات آراء نافذة.


الفصل الثاني

تراثه الفكري



آثار ابن الخطيب

مؤلفات الوزير العبقرى الغرناطى ابن الخطيب متعددة الفنون ، ما بين شعر ونثر ، وتاريخ ، وطب ، وموسيقى ، وسياسة ، وغيرها ، وهى  ـ  على وجه التقريب  ـ  تربو على الخمسين مؤلفا ، ففى الترجمة التى عقدها ابن الخطيب لنفسه فى آخر كتابه «الاحاطة فى أخبار غرناطة» أورد أسماء مؤلفاته ، بيد أن قدرا هاما من هذه المؤلفات قد أعدم قبله ، على يد الوزير ابن زمرك والقاضى النباهي بغرناطة ، عام ٧٧٣ ه‍ (١٣٧١ م) ، ومعظم هذه الكتب تتعلق بعلوم الأخلاق والعقائد ، أما مؤلفاته التى بين أيدينا الآن فهي القسم الأدبى والتاريخى فى الغالب ، وقد حاول كثير من المؤرخين والمستشرقين حصر هذه المؤلفات فى فهارسهم ، ولكن حياة ابن الخطيب السياسية ، والتقلبات التى تعرض لها جعلت هؤلاء المستشرقين أو المؤرخين لا يفرقون بين ما ألّفه الرجل فى المغرب ، وبين ما ألفه فى الأندلس. ويرى «ليفي بروفنسال» أن مؤلفات لسان الدين قد بلغت حوالي ستين كتابا ، ولكن لم يبق منها الا الثلث تقريبا.

هذا ، وإن كتب ابن الخطيب  ـ  سواء منها ما هو مخطوط لم يحقق بعد ، أم ما حقق ونشر  ـ  لتحتل مركزا ممتازا بين المصادر التاريخية المعتمدة ، لا سيما منها ما يتناول هذا الجزء من الغرب الاسلامى فى المغرب والأندلس ، فقد أنارت السبيل أمام المؤرخين والعلماء ، ويسرت لهم بحوثهم عن هذه البقاع ، لقلة المصادر الأخرى المعاصرة ، ولأن ابن الخطيب قد عاش هذه الحقبة من القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى).


ونزيد فنقول : إن هذه المؤلفات العديدة  ـ  بصفة عامة  ـ  ما تزال تحظى بالتقدير والبحث منذ عصر وزيرنا حتى الآن ، لا عند العرب فقط ، بل وعند غيرهم أيضا ، فذخائر ابن الخطيب تراث مشاع ، يدرسه المستشرقون على اختلاف أجناسهم ، ويجلون كنوزه ، ويبرزونها الى الفكر الانسانى فى العالم ، ليشهد طلاب الأدب والمعرفة ما تمخضت عنه عقلية الرجل الواسعة ، مما تحتويه المكتبات العربية والأجنبية منها.

ويجدر بنا أن نعرض هنا موجزا لأهم آثار ابن الخطيب مما ينسب إليه تأليفه ، سواء أكان موجودا أم مفقودا ، وسواء أكان مخطوطا أم تم تحقيقه ونشره ، والذي لا أعتقد أنه بيان شامل لكل مؤلفاته ، فقد يتسنى لباحث آخر أن يعثر على مؤلفات أخرى له زيادة عما أعرض منها مما فاتنى تحصيله (١) :

١  ـ  «الاحاطة فى أخبار غرناطة».

(تاريخ وتراجم)

من أشهر مؤلفات ابن الخطيب ، توجد له نسخ فى كل من القاهرة (٢٠) (الأزهر ودار الكتب) وتونس ، والرباط ، ومدريد ، والاسكوريال ، وعنوان الكتاب ينبئ عن موضوعه ، فقد تناول فيه أخبار هذه المدينة الشهيرة ، تاريخيا وجغرافيا وسياسيا واجتماعيا وأدبيا ، منذ الفتح العربى لاسبانيا حتى عصر المؤلف (دولة بنى الأحمر) ، منتهيا منه إلى عهد السلطان الغني بالله محمد

__________________

(٢٠) هذا القدر من مؤلفات ابن الخطيب اعتمدنا فى ايراده على المصادر التالية :

أ ـ  نفح الطيب ، للمقرى ، ج ٤ ص ٦٥٣  ـ  ٦٥٧.

ب  ـ  أزهار الرياض ، للمقرى ، ج ١ ص ١٨٩  ـ  ١٩٠.

ج  ـ  فهرس بروكلمان

C. BROCKELMAN : Geschichte der Arabischen Li teratur : (٨٤٩١) ٣١. ١١. p. ٩٣٣.

د  ـ  فهرس العزيزى

CASIRI : Bibllotheca Arabi eo  ـ  Hispana ESCUrialensis

ه  ـ  فهرس ديرنبور

H. DIRENBOURG : Les Manuscrite Arabes de I, Escurlal F. PONS BIOGYES : Ensayobio  ـ  Bibliogr afico sobre los Historiodores y, V. I. V. III. Geografas Arabigo  ـ  Espanales (Madrid ١٨٩٨) P. ٤٣٣  ـ  ٧٤٣.

و ـ  ابن الخطيب من خلال كتبه  ـ  للأستاذ التطوانى (جزءان) المغرب ١٩٤٨.


الخامس ثامن ملوك بنى نصر ، حيث وزر له مرتين ، ويتألف هذا الكتاب من خمسة عشر سفرا ، وهي فى مجموعها قسمان ، كما جاء بنهاية المقدمة :

١) «القسم الأول فى حلي المعاهد والأماكن والمنازل والمساكن» ، وهو الخاص بالعاصمة «غرناطة» ، ويشغل هذا القسم عشرين لوحة (أربعين صفحة).

٢) «القسم الثانى فى حلي الزائر والقاطن ، والمتحرك والساكن» ، وهو لب الكتاب ، ففيه تراجم الملوك والوزراء والقواد والعلماء والأدباء ، ومن إلى هؤلاء ، ملتزما فى هذا الترتيب الأبجدى لا التاريخى. ويرجع تأليف ابن الخطيب للاحاطة إلى ما قبيل عام ٧٦٠ ه‍ ، ولكنه لم يفرغ منه إلا فى أواسط عام ٧٦٥ ه‍ ، ففى نهاية ترجمته لنفسه يحدثنا عن فراغه من «الاحاطة» بقوله : «والحال إلى هذا العهد ، وهو منتصف عام خمسة وستين وسبعمائة ، على ما ذكرته». هذا ، وتوجد من الاحاطة نسخة مطبوعة فى جزأين (القاهرة ١٣١٩ ه‍) ، ثم حقق الأستاذ عبد الله عنان الجزء الأول منها ، بتحقيق جديد ، ضمن مجموعة (ذخائر العرب ١٧) نشر دار المعارف بالقاهرة عام ١٩٥٥ م.

٢  ـ  «الاماطة عن وجه الاحاطة ، فيما أمكن من تاريخ غرناطة».

(تاريخ) ورد ذكر هذا المؤلف فى كتاب ابن الخطيب (اللمحة البدرية) ، فربما كان مختصرا لكتابة (الاحاطة) ، على أنه لم يرد اسمه ضمن كتبه التى ذكرها فى هذه الاحاطة.

٣  ـ  «مركز الاحاطة ، فى أدباء غرناطة».

مؤلف أورده المستشرقون فى فهارسهم ، ويعتقد أنه تكملة لتراجم الاحاطة.

٤  ـ  «ريحانة الكتّاب ، ونجعة المنتاب».

(ألوان أدبية وسياسية)

عبارة عن مقتبسات من مؤلفاته الأخرى ، مثل بستان الدول ، ورقم


الحلل ، وغيرهما ، وتوجد لهذا المؤلف الضخم أكثر من مخطوطة ، فى كل من الرباط والقاهرة ومدريد والفاتيكان ، بيد أن نسخا كاملة منه موجودة فى الخزانة العامة بالرباط ، بالاضافة الى أخرى بمكتبة مدريد الوطنية.

٥  ـ  «أعمال الأعلام ، فى من بويع قبل الاحتلام ، من ملوك الاسلام ، وما يجر ذلك من الكلام».

(تاريخ)

وهو مؤلف فى التاريخ الاسلامى ، يقع فى جزأين ، أولهما خاص بالشرق الاسلامى ، وثانيهما خاص بتاريخ الأندلس ، ولاسيما ملوك الطوائف ، وبنى نصر ، وملوك النصارى ، وذلك على سبيل الايجاز ... ، وقد أشار المؤلف فى مقدمته الى أن هذا الكتاب هو آخر مؤلّف له ، فقد وضعه فى الفترة الأخيرة من حياته وقبيل مقتله بالمغرب ، استجابة للظروف التى كان يجتازها حينئذ ، ثم انقلب الوضع بعدها ، وكانت نهايته على نحو ما سبق تبيانه.

توجد للكتاب نسخة فى مدريد ، نقلا عن نسخة الجزائر ، وقد حقق الجزء الأول منه والخاص بتاريخ الأندلس  ـ  الأستاذ ليفى؟؟؟ برو؟؟؟ فنسال سنة ١٩٣٤ م وحقق الجزء الثانى منه الدكتور العبادى والأستاذ محمد ابراهيم الكتانى  ـ  وهو الخاص بتاريخ المغرب ، العصر الوسيط  ـ  (دار الكتاب بالمغرب عام ١٩٦٧ م).

٦  ـ  «الكتيبة الكامنة ، فى من لقيناه بالأندلس من شعراء المئة الثامنة»

(تراجم)

هذا الكتاب عبارة عن تراجم لطائفة من الأدباء والعلماء والكتاب المعاصرين للمؤلف ، متضمنا نماذج من آثارهم شعرا ونثرا ، ويقع المؤلف فى ست وثمانين لوحة بمكتبة مدريد الوطنية ، وهى نسخة من مخطوطة الجزائر ، وقد حقق هذا الكتاب الدكتور إحسان عباس سنة ١٩٦٣ م ، (دار الثقافة ببيروت  ـ  المكتبة الأندلسية ٨) ، وأثبت لنا أن ابن الخطيب كان يحرر الكتيبة فى جمادى الآخرة ٧٧٤ ه‍ ، معتمدا فى ذلك على قول المؤلف نفسه فى (الورقة ٨٥ ب) : «.. وكل من ذكر الى هذا الحد من المشايخ والأتراب ، فقد تسابقوا تسابق الغراب الى التراب .. ، ومن يجرى ذكره بعد هذا فهم بقيد الحياة لتمام جمادى الآخرة عام أربعة وسبعين وسبعمئة» ، كذلك استنتج المحقق


من دراسته الدقيقة لمقدمة هذا الكتاب أن ابن الخطيب ألفه فى سن عالية بعد أن نفض عن كاهله غبار السياسة ، مستدلا بقول ابن الخطيب فى المقدمة «... واستوعبت من صحبة المغرب حصتى ، وختمت بالدعاء قصتى ، ونزلت عن منصتى ، وابتلعت غصتى (٢١)».

٧  ـ  «اللمحة البدرية ، فى الدولة النصرية»

. (تاريخ) مؤلف تاريخى موجز ، يدور حول أخبار ملوك بنى الأحمر ، منذ قيام دولتهم حتى عام ٧٦٥ ه‍ .. ، والكتاب مطبوع فى القاهرة عام ١٩٤٧ م.

٨  ـ  «رقم الحلل ، فى نظم الدول»

. (شعر) نظم شعرى فى ألف بيت ، يتناول فيه المؤلف تاريخ الدولة الاسلامية بالمشرق والأندلس ، مذيلا كل قصيدة بشرح لها ، ويقع المؤلف فى مجلد واحد ، طبع بتونس عام ١٣١٦ ه‍.

وتجدر الاشارة الى أن هذا الكتاب هو نفسه «الحلل المرقومة» ، تبعا لما جاء فى نسخة مكتبة مدريد الوطنية ، والتى نسخت عن مخطوطة الاسكوريال (رقم ١٧٧٦).

٩  ـ  «مفاخرة بين مالقة وسلا»

(اجتماعيات)

١٠  ـ  «خطرة الطيف ، فى رحلة الشتاء والصيف»

(تاريخ لرحلة ملكية)

__________________

(٢١) راجع : (الكتيبة الكامنة) لابن الخطيب ، تحقيق الدكتور احسان عباس ص ١٣  ـ  ١٥ وهذا يخالف ما ارتاه الأستاذ محمد عبد الله عنان فى مقدمة «الاحاطة» من أن «الكتيبة» قد ألفها ابن الخطيب فى باكورة حياته ، ونحن نميل الى الأول.


١١  ـ  «نفاضة الجراب ، فى علالة الاغتراب»

(تاريخ مغربى)

يقع هذا الكتاب فى ثلاثة أجزاء ، أولها ما زال مفقودا ، وقد نشر الدكتور العبادى الجزء الثانى منه بمعرفة دار الكاتب العربى بالقاهرة ١٩٦٨ م. أما الجزء الثالث فقد عثر عليه الأستاذ عبد الوهاب ابن منصور مؤخرا.

١٢  ـ  «معيار الاختيار ، فى ذكر المعاهد والديار»

(الذي هو بين أيدينا الآن).

١٣  ـ  «مقنعة السائل ، عن المرض الهائل»

(طب)

عبارة عن رسالة وصف فيها ابن الخطيب الوباء الكبير ، الذي اجتاح الأندلس وحوض البحر الأبيض المتوسط ، عام ٧٤٩ ه‍ (١٣٤٨ م) ، وسقط فيه جمهرة من أعيان الأندلس والمغرب وعلمائهما ، وقد نشرت هذه الرسالة مع ترجمتها للألمانية بمعرفة مجلة أكاديمية العلوم الباقارية (١٨٦٣ م).

١٤  ـ  «الاشارة الى أدب الوزارة»

(سياسة)

مؤلف تحدث فيه لسان الدين عن واجبات الوزير ، وما ينبغي توافره من الشروط فيمن يتقلد هذا المنصب ، وبالكتاب مقامة «السياسة» ، والكل ما زال مخطوطا بالإسكوريال ، وذلك ضمن المخطوطة (٥٥٤) ، وقد فرغت من تحقيقه ، مردفا به «مقامة السياسة» لنفس المؤلف. وسيظهر ذلك قريبا.

١٥  ـ  «عمل من طب لمن حب»

(طب)

مؤلف طبي كبير ، تكلم فيه المؤلف عن الأمراض المختلفة ، وشخّص الاصابات ، كما شرح وسائل الوقاية ، وسبل العلاج ، والكتاب مهدى من ابن


الخطيب الى السلطان أبى سالم المرينى ، فقد ألّفه من أجله عام ٧٦١ ه‍ ، وهو مخطوط توجد منه نسخة بمدريد ، ويقع فى ١٥١ لوحة من الحجم الكبير.

١٦  ـ  «المسائل الطبية»

١٧  ـ  «اليوسفى فى الطب»

١٨  ـ  «رجز الأغذية»

١٩  ـ  «رسالة تكوين الجنين»

٢٠  ـ  «الرجز فى عمل الترياق»

٢١  ـ  «الوصول لحفظ الصحة فى الفصول»

٢٢  ـ  «رجز فى الطب»

٢٣  ـ  «البيطرة والبيزرة»

. وكلها رسائل طبية (١٦  ـ  ٢٣) ، ألفها ابن الخطيب فى مناسبات شتى ، وأورد ذكرها فى كتابه الاحاطة ، كما أشار الى معظمها المقرى فى مؤلفيه نفح الطيب ، وأزهار الرياض.

٢٤  ـ  «عائد الصلة»

(تراجم)

يحتوى على تراجم لطائفة من الأعلام ، ممن لم يرد لهم ذكر فى كتاب «الصلة» لابن الزبير.

٢٥  ـ  «خلع الرسن ، فى وصف القاضي أبي الحسن»

(رسالة شخصية)

فى وصف القاضى أبى الحسن ، هذه رسالة كتبها ابن الخطيب ، جوابا عن الرسالة التى وجهها إليه هذا القاضى النباهى ، إثر مغادرة الأول للأندلس نهائيا ، والتجائه الى المغرب دون علم سلطان غرناطة يومئذ (الغني بالله محمد الخامس).


٢٦  ـ  «التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى»

(تراجم وتاريخ)

وهو عبارة عن تراجم لأعيان الأندلس فى القرن الهجرى ، وتنويه بمملكة بنى الأحمر منذ نشأتها حتى عصر المؤلف ، وقد اعتمد المقرى على هذا الكتاب فى كثير من التراجم التى أوردها فى كتابه «نفح الطيب» ، ويوجد للتاج المحلى نسخة مخطوطة ضمن مخطوط كبير بالاسكوريال (٥٥٤ الغزيرى).

٢٧  ـ  «بستان الدول»

(تاريخ سياسى)

كتاب سياسى شامل ، تحدث فيه المؤلف عن القضاء ، والحرب ، والصناعة وأهلها ، وطبقات الشعب ، وأفرد لكل شجرة ، بحيث ألف من المجموع هذا «البستان» ، ويبدو أن الظروف لم توات ابن الخطيب حتى يكمله.

٢٨  ـ  «السحر والشعر»

(أدب)

مجموعة مختارة من شعر المشارقة والمغاربة ، فيما يتعلق منها بالوصايا والمواعظ ، اختارها ابن الخطيب لولده عبد الله حيث أهداه اليه يافعا ، والكتاب ما زال مخطوطا فى كل من مدريد والرباط (المكتبة الكتانية) ، وهو لدىّ الآن تحت التحقيق والدراسة.

٢٩  ـ  «كناسة الدكان ، بعد انتقال السكان»

(وثائق تاريخية)

مؤلف تاريخى ، يضم مجموعة من الرسائل السياسية ، بعث بها ابن الخطيب على لسان السلطان أبى الحجاج يوسف الأول ، الى معاصره السلطان أبى عنان فارس المرينى ، فيما عدا وثيقة عقد زواج نصرى ، صدّر بها كتابه هذا تلو المقدمة ، وقد قمت بتحقيق هذا المؤلف ، من نسخة يتيمة بالاسكوريال برقم (١٧١٢ الغزيرى) وتقع فى ستين لوحة ، ونشرته دار الكتاب العربى بالقاهرة سنة ١٩٦٨ م.


٣٠  ـ  «اوصاف الناس فى التواريخ والصلات»

(تراجم)

كتاب يشتمل على تراجم أدبية تاريخية ، توجد له مخطوطة جيدة للغاية بمكتبة الاسكوريال بمدريد ، قمت بتصويرها ، وقد فرغت الآن من تحقيقه ، وسيظهر قريبا.

٣١  ـ  «تافه من جمّ ، ونقطة من يمّ»

(شعر)

مصنف من أشعار أستاذ ابن الخطيب الرئيس أبى الحسن علي ابن الجيّاب.

٣٢  ـ  «الدرر الفاخرة ، واللجج الزاخرة»

(شعر)

مختارات من شعر صديقه وأستاذه أبى جعفر بن صفوان.

٣٣  ـ  «جيش التوشيح»

(موشحات)

مجموعة من الموشحات الأندلسية ، جمعها ابن الخطيب فى كتاب أسماه بهذا الاسم ، ونسبها لأصحابها من أئمة التوشيح فى الأندلس ، وقد نشر فى تونس ١٩٦٧ م.

٣٤  ـ  «روضة التعريف بالحب الشريف»

(تصوف)

مؤلف فى التصوف ، يعزو المؤرخون الى هذا الكتاب أنه كان وثيقة الاتهام بالالحاد والزندقة ضد ابن الخطيب ، حسبما أملت الأهواء على من صاغوا صك الاتهام للرجل ، حتى سيق الى الموت من أجله ، وتوجد من الكتاب نسخة مخطوطة بالرباط ، بيد أنها ناقصة ومشوهة (٢٢).

__________________

(٢٢) لقد عثر الأستاذ عبد القادر أحمد عطا على نسخة مخطوطة لهذا الكتاب بالمدينة.

المنورة ، بمكتبة الشيخ عارف حكمت ، ولما كانت النسخة فى درجة جيدة فقد اتخذها أساسا لتحقيق الكتاب ، مسترشدا معها بنسخة أخرى عثر عليها بمكتبة الظاهرية بدمشق ، الى جانب نسخة أسعد أفندى تركيا المصورة بمعهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية ، وقد نشر المحقق «روضة التعريف» بمعرفة دار الفكر العربى بالقاهرة عام ١٩٦٨ م.


٣٥  ـ  «استنزال اللطف الموجود ، فى سير الوجود»

(تصوف).

٣٦  ـ  «فتات الخوان وسقط الصوان»

(رسالة شعرية).

٣٧  ـ  «المختصر فى الطريقة الفقهية»

(دين).

٣٨  ـ  «مثلى الطريقة ، فى ذم الوثيقة»

(رسالة شخصية)

٣٩  ـ  «الألفية فى أصول الفقه»

(رسالة دينية شعرية فى ألف بيت).

٤٠  ـ  «النفاية بعد الكفاية»

(رسالة أدبية).

٤١  ـ  «كتاب المحبة»

(اجتماع).

٤٢  ـ  «المنح الغريب ، فى الفتح القريب»

(أدب).

٤٣  ـ  «تلخيص الذهب ، فى اختيار عيون الكتب»

(أدب).

٤٤  ـ  «مساجلة البيان»

(تراجم أدبية).

٤٥  ـ  «المباخر الطيبية ، فى المفاخر الخطيبية»

(أدب).

هذه المؤلفات (٣٥  ـ  ٤٥) وردت فى فهارس المستشرقين ، كما أشار إليها بعض المؤرخين القدامى.

٤٦  ـ  «رسائل فى الموسيقى»


٤٧  ـ  «رسائل فى الفلسفة»

٤٨  ـ  «رسائل فى الفقه»

وهذه رسائل أخرى متفرقة ، ذكرتها الفهارس أيضا ، ولم يصل إلينا منها شىء.

٤٩  ـ  «الصّيّب والجهام ، والماضى والكهام»

(شعر)

وهو عبارة عن «الديوان» الذي نسبه إليه حاجى خليفة ، فى كتابه «كشف الظنون» ، وتوجد للكتاب  ـ  بهذا العنوان  ـ  نسخة مخطوطة فى مكتبة القرويين بفاس. وقد حقق أخيرا بالجزائر ، وتم طبعه.

٥٠  ـ  «طلّ الغمام ، المقتضب من الصيّب والجهام»

(شعر)

وهو مختصر لديوانه السابق ، لم يعثر عليه بعد ، ولكن ورد ذكره ضمن مؤلفاته فى الاحاطة.

٥١  ـ  «طرفة العصر ، فى أخبار دولة بنى نصر»

(تاريخ)



الفصل الثالث

عرض وتحليل لمعيار الاختيار



موضوع الكتاب

ذكر الوزير ابن الخطيب فى آخر كتابه «الاحاطة» أسماء مؤلفاته اجمالا ، وأورد من بينها مؤلفه «معيار الاختيار ، فى ذكر المعاهد والديار» على أنه مؤلف قائم بنفسه ، ثم أورده فى باب «المقامات» من مؤلفه الضخم «ريحانة الكتاب ، وتحفة المنتاب» والذي يشتمل على أكثر من غرض ولون أدبى تاريخى.

والمعيار الذي نتعرض لدراسته عبارة عن وصف شامل لأهم مدن مملكة غرناطة ، وأهم مدن المغرب ، تناول فيه ابن الخطيب النواحى الجغرافية والتاريخية والاجتماعية لمعظم المدن التى أوردها.

لقد بدأ أول ما بدأ بجبل الفتح (جبل طارق) ، وهو يومئذ ضمن مملكة بنى مرين المغربية ، وكان طبيعيا أن يبدأ الوصف بالجبل ، فهو كما يقول المؤلف : «فاتحة الكتاب من مصحف ذلك الاقليم ، ولطيفة السميع العليم ، وقصص المهارق ، وأفق البارق ، ومتحف هذا الوطن المباين للارض المفارق» ، والجبل بالنسبة للبلاد الاندلسية «محط طارقها بالفتح طارق» وله دوره الهام فى حماية البلاد الاندلسية حيث أنه «مسلحة من وراءه من العباد ، وشقة القلوب والاكباد».

أما المدن الاندلسية التى أعقبها الجبل فى الوصف ، فهى  ـ  حسب الترتيب الذي أوردها به  ـ  كما يلى :


١  ـ  اسطبونة

Estepona

٢ ـ  مربلة

Marabilla

٣ ـ  سهيل

Fuenjerola

٤ ـ  مالقة

Malaga

٥  ـ  بليش مالقة

Velez Malaga

٦  ـ  قمارش

Comares

٧  ـ  المنكب

Almuncar

٨  ـ   شلوبانية

Salobrana

٩  ـ  برجة

Berja

١٠ ـ  دلاية

Dalias

١١  ـ  المرية

Almaria

١٢ ـ  طبرنش

Tabernas

١٣ ـ  بيرة

Vera

١٤ ـ  مجاقر

Mujacar

١٥  ـ  قنتورية

Cantoria

١٦ ـ  برشانة

Purchena

١٧  ـ  أورية

Oria

١٨ ـ  بليش الشقراء

Velez Robia

١٩ ـ  بسطة

Baza

٢٠ ـ  أشكر

Huescar

٢١ ـ  أندرش

Andarax

٢٢ ـ  شبالش

Jubles

٢٣ ـ  وادى آش

Juadix

٢٤ ـ  فنيانة

Finana

٢٥ ـ  غرناطة

Granada

٢٦ ـ  الحمة

Alhama

٢٧ ـ  صالحة

Zalia


٢٨  ـ  أليرة ومنتفريد

IlIora e Mouteferio

٢٩  ـ  لوشة

Loja

٣٠  ـ  أرجذونة

Archidona

٣١  ـ  أنتقيرة

Antequera

٣٢  ـ  ذكوان

Coin

٣٣  ـ  قرطمة

Cartama

٣٤  ـ  رندة

Ronda

وأما المدن المغربية فهى حسب ترتيب المؤلف أيضا :

١  ـ  بادس ، ٢  ـ  سبتة ، ٣  ـ  طنجة ، ٤  ـ  قصر كتامة ، ٥  ـ  أصيلا ، ٦  ـ  سلا ، ٧  ـ  أنفا ، ٨  ـ  أزمور ، ٩  ـ  تيط ، ١٠  ـ  رباط أسفى ، ١١  ـ  مراكش ، ١٢  ـ  أغمات ، ١٣  ـ  مكناسة ، ١٤  ـ  فاس ، ١٥  ـ  مدينة الملك ، ١٦  ـ  آقرسلوين ، ١٧  ـ  سجلماسة ، ١٨  ـ  تازة ، ١٩  ـ  غساسة.

وعلى هذا فقد تناول ابن الخطيب أول ما تناول من مدن الاندلس مدينة «اسطبونة» ، وانتهى بمدينة «رندة» ، وهو فى تناوله هذا للمدن لم يراع ترتيبا جغرافيا ولا تاريخيا ، بل ولا أولويا ، فقد كانت مدينة غرناطة مثلا فى المرتبة السادسة بعد العشرين من وصفه ، رغم أنها حاضرة المملكة ، ولها من المبررات ما يجعلها أهلا للمرتبة الاولى من وصفه ، ولكن المؤلف حرر نفسه من كل قيد لتقديم مدينة على أخرى ، أيا كانت دواعى التفضيل ، وكيفما بلغت أهميته.

لقد كان المؤلف يتعرض للمدينة فى وصفه ، فيتناولها من معظم ما يتعلق بها ، اذ يتحدث عن موقعها الجغرافى ومكانتها التاريخية ، وحالة سكانها الاجتماعية ، فيعطينا صورة واضحة  ـ  الى حد بعيد  ـ  عن كل مدينة تناولها قلمه.

ففى وصفه لموقع مدينة «قمارش» مثلا ، وما للموقع من أهمية ، يقول : انها «مودع الوفر ، ومحط السفر ، ومزاحم الفرقد والغفر ،


حيث الماء المعين ، والقوت المعين». وأما منتجات البلد من محاصيله ، فقد أشار الى أن «به الاعناب التى راق بها الجناب ، والزياتين واللوز والتين ، والحرث الذي له التمكين». وفى معرض الوصف الاجتماعى يستدرك ابن الخطيب ، ذاما أهل البلد حين يقول : «الا أنه عدم سهله ، وعظم جهله ، فلا يصلح فيه الا أهله».

أما اذا ارتأى مدينة حقيقة بمدح أحوالها الاجتماعية فهو لا يقصر فى حقها ، فمثلا مدينة «المرية»  ـ  على حد قوله «محط التجار ، وكرم النجار ، ورعى الجار. ما شئت من أخلاق معسولة ، وسيوف من الجفون السود مسلولة ، وتكك محلولة ، وحضارة تعبق طيبا ، ووجوه لا تعرف تقطيبا» وهى  ـ  الى جانب تلك الرفاهية وذلك النعيم ، واللذة والسرور المقيم  ـ  «لم تزل  ـ  مع الظرف  ـ  دار نساك ، وخلوة اعتكاف وامساك» ، فهو حريص فى الوصف ، دقيق فى الاحاطة ، شأن الخبير بالاماكن والبقاع.

نأخذ أيضا مثالا لنهج المؤلف فى الاشادة بالاجتماعيات عند الناس ، وطريقته فى العرض للحقائق ، وتقصيه لها ، حين يذكر عن مدينة برشانة أن «أهلها أولو عداوة لاخلاق البداوة ، وعلى جوههم نضرة وفى أيديهم نداوة. يداوون بالسلافة علل الجلافة ، ويؤثرون علل التخلف على لذة الخلافة ، فأصبح ربعهم ظرفا قد ملئ ظرفا ، فللمجون به سوق ، وللمجون ألف سوق ، تشمر به الاذيال عن سوق ، وهى تبين بعض بيان عن عن أعيان» ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر لهذه المثالب ، يذكر أن «وغدها (المدينة) يتكلم بملء فيه ، وحليمها يشقى بالسفيه ، ومحياها تكمن حية الجور فيه».

هذا ، وقد ظفرت بعض المدن الاندلسية بعناية خاصة من قلم ابن الخطيب ، كغرناطة ومالقة ، ولا عجب فلكل منهما مركزها الادارى والسياسى ، فالاولى حاضرة ملك بنى الاحمر ، وزهرة المدن الاندلسية ،


ولها على ابن الخطيب أياد لا تنسى ، فكان عليه أن يوفيها حقها ، وأن يعطيها مستحقها ، فيحلها  ـ  من وصفه  ـ  مكانتها اللائقة ، ولكن هذا لا يمنعه  ـ  كمؤرخ صادق  ـ  من أن يبرز لنا بعض عيوبها ، سواء فى طقسها الشتوى ، وبردها الذي «يمنع الشفاه من رد التحيات» ، أو الاسعار التى «معيارها يشعر بالترهات» ، وجفاف طباع بعض أهلها ، الذي يصل الى درجة «سوء الجوار ، وجفاء الزوار ، ونذالة الديار» ، فهذا المسلك من ابن الخطيب نحو المدن فى وصفها يعطينا فكرة عن صدق قلمه ، وتحرره من أى قيد ، فغرناطة  ـ  وان كانت مقامه بجوار مخدوميه بنى الاحمر ، ومحل سلطانه وجاهه  ـ  الا أن ذلك كله لا يمنعه من اعطاء كل ذى حق حقه ، وأنه فى هذا لا تأخذه لومة لائم.

لنستمع اليه فى شأن العاصمة النصرية ، حين يستهل وصف حمرائها : «كرسيها ظاهر الاشراف ، مطل على الاطراف ، وديوانها مكتوب بآيات الانفال والاعراف» ، وفى معرض موقع المدينة ، يذكر لنا أن «هواءها صاف ، وللانفاس مصاف. حجبت  ـ  الجنوب عنها  ـ  الجبال ، فأمن الوبا والوبال ، وأصبح ساكنها غير مبال ، وفى جنة من النبال ، وانفسحت للشمال ، واستوفت الشروط على الكمال» ، كما يتحدث مشيدا بنهر شنيل ، وفضله على جنات غرناطة ومروجها ، فيقول «وانحدر منها (جبل سييرا نيفادا) مجاج الجليد على الرمال ، وانبسط  ـ  بين يديها  ـ  المرج (فحص غرناطة) الذي نضرة النعيم لا تفارقه ، ومدارى النسيم تفلى بها مفارقه. ريع من وادية بثعبان مبين ، ان لدغ تلول شطه تلها للجبين ، وولدت حيات المذانب عن الشمال واليمين ، وقلد منها اللبات سلوكا تأتى من الحصباء بكل در ثمين ، وترك الارض مخضرة ، تغير من خضراء السماء ضرة ، والازهار مفترة ، والحياة الدنيا بزخرفها مغترة» ، ان هذه الروعة البيانية ، ودقة التعابير البلاغية ، جعلت الصورة تتجسم أمامنا ، حتى لنكاد نلمس منها كل جانب.


ثم يعود المؤلف بنا من مطافه الى الحمراء مرة أخرى ، فيكشف لنا عن منشآتها الرائعة ، وجناتها الساحرة ، وكيف أنها مدرج سلالة بنى نصر ، فيقول : «وتبرجت بحمرائها القصور مبتسمة عن بيض الشرفات ، سافرة عن صفحات القباب المزخرفات ، تقذف بالانهار  ـ  من بعد المرتقى  ـ  فيوض بحورها الزرق ، وتناغى أذكار المآذن بأسمارها نغمات الورق. وكم أطلعت من أقمار وأهله ، وربت من ملوك جلة ..»

أما مالقة  ـ  عاصمة الحموديين الادراسة  ـ  فيتحدث المؤلف  ـ  بادئ ذى بدء  ـ  عن تاريخها كعاصمة لهؤلاء فيقول : «كرسى ملك عتيق ، ومدرج مسك فتيق ، وايوان أكاسرة ، ومرقب عقاب كاسرة ، ومجلى فاتنة حاسرة ، وصفقة غير خاسرة» ، ثم يشيد بشهرتها الصناعية فى الفخار والحرير «.. ومذهب فخارها له على الاماكن تبريز ، الى مدينة تبريز ، وحلل ديباجها بالبدائع ذات تطريز». وبعد أن يصور محاصيلها وفواكهها ، وما اشتهر به قومها من الاسهام بالبر بأوفر نصيب ، فى تخليص أسرى المسلمين من أيدى النصارى ، ووفرة أعيانها وعلمائها  ـ  يتناول بعدئذ مساوئ المدينة ، فيقول : «وعلى ذلك ، فطينها يشقى به قطينها ، وأزبالها تحيى بها سبالها ، وسروبها يستمد منها مشروبها ، فسحنها متغيرة ، وكواكب أذهانها النيرة متحيرة .. وطعاما لا يقبل الاختزان ، ولا يحفظ الوزان ، وفقيرها لا يفارق الاحزان ..» الى آخر هذه المساوئ التى أوردها عن مدينة مالقة.

وهكذا نرى أن موضوع الكتاب فى وصفه للبلاد الاندلسية أو المغربية قد اختط فيه ابن الخطيب موضوعية لا تبارى ، وشمولا فى الوصف لمختلف النواحى ، التاريخية ، والجغرافية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، فى صورة ناطقة نابضة.


منهج ابن الخطيب فى الكتاب

عندما كتب ابن الخطيب مؤلفه «معيار الاختيار» اختط فى التحرير طريقة خاصة ، تختلف عن معظم كتاباته فى مؤلفاته الاخرى ، ذلك أنه بدأ بمقدمة معتادة أعقبها بمحاورة ، ثم انتهى الى صميم الموضوع ، فقسمه الى مجموعتين مستقلتين ، وأدرج كل مجموعة تحت مجلس خاص ، وقصر المجلس الاول على المدن الاندلسية ، ثم أعقبه بالمجلس الثانى فقصره على المدن المغربية. وهكذا بدأ المؤلف كتابه فى المجلس الاول ، بما جرت به عادة المؤرخين والمؤلفين المسلمين ، وذلك بحمد الله تعالى ، والثناء عليه بما هو أهله ، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم ، كل هذا فى قالب يتناسب والموضوع الذي يتعرض له ، وهو وصف البلدان.

ثم ثنى بأن الانسان مدنى اجتماعى بطبيعته ، لا يستقيم حاله بدون مجتمع ، وبالتالى لا يقوم المجتمع بدونه ، وأنه  ـ  أى الانسان  ـ  أحيانا يتخذ سكناه حسبما اتفق ، وأحيانا يكون له ظرف الاختيار ، مرجحا من الامكنة ما غلبت حسناته على سيئاته ، وهذه الامكنة «كثيرا ما تنافر الى حكمها النفر ، وأعمل السفر» ، وأيا كان ، فانه لا توجد مدينة قد كملت من كافة النواحى كما يقول.

وبعدئذ يتحدث المؤلف عن خبر فى قالب قصة ، فهناك راو استهواه مكان ما ، فنزل به حتى حل المساء ، وحينئذ أبصر شيخا معه تلميذه وحماره ، وما استقر المقام بذلك الشيخ حتى حن الى صباه ، وضاق بمرارة المشيب ، وقسوة الغربة ، وشعوره بأن نفسه لم تتب بعد ، وأخيرا يسأل الله العفو والغفران ، والقربى من رحمته يوم الحساب ، معتمدا فى اجابة سؤله على شفاعة شيبه ، ثم تدور مناقشة بين الشيخ وفتاه ، وعندها ينبرى الشيخ ، فيحدثنا عن مدى خبراته فى أمور شتى


نتيجة علمه وبحثه ، وجوبه بلاد العالم ، ووقوفه بأقطار كثيرة للدرس والبحث. وتكون النتيجة أن يتقرب الراوى الى الشيخ ، مطمئنا اياه الى حسن طويته ، وما عليه من خلق يؤهله لان يتشرف بالاستماع الى فيض علمه ، ويسأل الراوى الشيخ ان يصف له بلاد الاندلس ثم بلاد المغرب ، فى دقة وأمانة واخلاص ، فأجابه الشيخ الى طلبه ، وبدأ الراوى بالسؤال عن جبل الفتح (جبل طارق) وهكذا .. حتى انتهى من المدن الاندلسية بمدينة «رندة». ثم أخبر الشيخ سائله بأن الصبح قد قارب الوجود ، وأنه قد وفاه  ـ  فى الوصف  ـ  حسابه ، ولم يبق الا أن يكافئه على هذه الذخائر حتى يكون له أليفا ورفيقا ، فينثر الراوى المال بين يدى محدثه فيأخذ منه شاكرا ، وأخيرا يتفقد الراوى الشيخ على ضوء مصباح ، فلا يجد له أثرا ، «فكأن الفلك لفه فى مداره ، أو خسفت الارض به وبداره» ، فيتأسى الراوى عن هذا الفراق بأن «لكل اجتماع من خليلين فرقة».

هكذا ينتهى نهج المؤلف فى «المجلس الاول» من كتابه.

أما فى «المجلس الثانى» فان الراوى يلج أحد الاسواق ، وفى السوق «أمم تنسل من كل حدب ، وتنتدب من كل منتدى ومنتدب» ، فى بيع وشراء ، وتحايل للتعايش والكسب ، بمختلف الوسائل والاعمال ، فهناك «رقاة جنون ، بضروب من القول وفنون ، وفيهم كهل قد استظل بقيطون» ، قد ادعى العلم بالمغيبات ، والتفسير للمشكلات والاحاطة بأسرار الطبيعة ، وشفاء العضال من الامراض ، وفى مجال العلوم قد برع ، ما بين طب ورياضة وتاريخ وجغرافية ، وحديث وتفسير ، ومنثور ومنظور ، ومنطق وبرهان ، فهو قد جاب الاقطار فى الدرس والبحث والمعرفة. وهنا يجد الراوى بغيته ، فقد ذكره ذلك الرجل بالشيخ الاول ، فأراد أن يستكمل


معلوماته عن البلدان ، فاخترق اليه جموعا بشرية من قصاده ، وخاطبه بقوله : «بى الى تعرف البلدان جنوح وجنون ، والجنون فنون» فأجابه الشيخ موافقا ، متحفظا بأنه «لا تجود يد الا بما تجد ، والله المرشد».

وهنا يسأله الراوى عن البلاد المغربية ، بادئا منها ب «بادس» ، والشيخ يجيبه بمعلوماته عنها ، واحدة تلو الاخرى ، حتى ينتهى منها بمدينة «غساسة» ، وعندئذ «وجب اعتناء بالرحيل واهتمام ، وكل شىء الى تمام» كما قال الشيخ ، فقد انفض عن السوق أهله ، ولم يبق الا أن ينثر الراوى دنانيره ، مكافأة طيبة لمحدثه ، فيتناول منها ما تستغنى به النفس ، وقبل أن يتهيأ للسير لم ينس  ـ  وهو الحكيم المجرب  ـ  أن يزود الراوى بنصح منظوم ، فيه مزايا التحلى بالقناعة ، والايمان بالقضاء والقدر ، والتحفظ على السر وكتمانه ، وتحاشى التعثر بالناس ، وتقوى الله تعالى ، فالقرب منه رهن بها ، وليست هناك خسارة أفدح من معصية الخالق. وأخيرا نرى الشيخ قد «ضرب جنب الحمار ، واختلط فى الغمار» وبقى الراوى يتتبع أثر الشيخ ، ولكنه تعزى عن فراقه بأن «كل نظم الى انتثار»

بهذا ينهى ابن الخطيب «المجلس الثانى» ، وبانتهاء «المجلس الثانى» ينتهى الكتاب نفسه.

هذا هو المنهج الذي سلكه ابن الخطيب المؤلف فى كتابه «معيار الاختيار» ، وهو منهج  ـ  كما رأينا  ـ  قصصى ، دار فى فلك نوع خاص من القصة ، وهذا النوع هو الذي عرف من بين فنون النثر العربى باسم «المقامة» ، متخذا من المحاورة وسيلة لتشويق القارئ والمستمع ، وبخاصة فى صلب الموضوع ، عند وصفه للبلاد.


قيمة الكتاب الادبية ومدى صلته بفن

المقامات فى الأدب العربى

ذكرنا أن «معيار الاختيار» قد جاء فى صورة قصة محدودة ، والقصة من أدق الفنون الادبية وأصعبها تركيبا ، وهى تتمتع من بين سائر فنون الادب بالذيوع والانتشار ، لما تشتمل عليه من استمالة القلوب ، وامتناع النفوس ، فالآداب العالمية قد زخرت بهذا اللون الغنى منذ أقدم العصور ، ولقد ورثنا عن العرب منذ جاهليتهم ذخيرة نفيسة من القصص ، تناولها المشتغلون بالبحث والنقد درسا وتحليلا ، وانقسموا حيالها الى فريقين متباينين ، ولكل وجهة ، فبعض المستشرقين فى دراستهم للقصة العربية يرون مع «كارادى فو» أنه «لم يسبق الادب العربى أى أدب آخر فى نوع الاقاصيص ، بينما البعض الآخر يرى أن العرب  ـ  ابان حضارتهم  ـ  زودوا لغتهم بفلسفة الشعوب وعلومهم ، وتجاهلوا أدب القصة تجاهلا يكاد يكون مطلقا ، ومن ثم جهلوا أصول الفن القصصى ، فكانت قصصهم تفقد قيمتها الفنية تبعا لذلك.

وانصافا للحق نقول : ان القصص العربى ذو ألوان مختلفة ، وقد حظيت بعض هذه الالوان بعناية العرب ، فراعوا فى صوغها مقومات القصة ، وأسس بنائها ، فجاء هذا اللون منها تحفة فنية ، لها قيمتها وروعتها ، والبعض الآخر من ألوان القصة العربية فقد معظم هذه الاسس ، فكان مثارا للنقد ، ومحلا للملاحظة.

والقصص العربى أنواع : أشهرها القصص الدينى ، ومصادره التوراة والانجيل والقرآن ، ثم ما جاء على ألسنة الرواة والمحدثين من أخبار الاولين وقصصهم ، مزج فيها القصاص الحقيقة بالخيال ، والتاريخ بالاسطورة. وكان الهدف من هذا النوع من القصص الوعظ والارشاد فى معظمه ، ترغيبا فى الجنة وترهيبا من النار.


ومن أنواع القصص أيضا عند العرب القصص التاريخى البطولى ، كقصة عنترة بن شداد فى حروبه ، وسيف بنى يزن فى كفاحه ، وحرب البسوس فى طولها وشناعتها ، ومنها القصص العاطفى ، كقصة «قيس المجنون بليلاه» ، وعنترة العاشق لعبلة ، وكثير الواله بعزة ، الى آخر هذه الالوان القصصية ، التى تزخر بها كتب الادب العربى ، وبعض التراجم الاجنبية. على أنه من الملحوظ أن القصة العربية تطورت مع الزمن ، واتخذت فى كل عصر طابعا خاصا ، رقيا عما قبل ، مع متانة فى البناء ، منذ الجاهلية حتى عصرنا الحاضر ، وقد تولد عن التصرف فى تركيبها نوع خاص منها ، وهو ما سمى  ـ  بين فنون النثر العربى  ـ  باسم «المقامة» ، والتى ترتكز على العناية بالاسلوب ، وتغليب الشكل على الجوهر ، فمن مقوماتها البلاغية السجع والجناس والكناية والتلاعب بالالفاظ ، ومن مقوماتها اللغوية طائفة ضخمة من شوارد اللغة ، وشواذ القواعد النحوية ، ومن مقومات أسلوبها  ـ  كذلك  ـ  تضمينها بعض آيات القرآن الكريم ، أو الحديث النبوى ، أو الحكم والامثال ، أو المنثور أو المنظوم ، كما تشتمل المقامة على المعلومات الفقهية والطبية والعروضية والتاريخية ، الى غير ذلك مما عرف فى عصر المولعين بصناعتها.

فالمقامة  ـ  اذن  ـ  نوع من الترف الادبى ، وميدان للتدليل على مبلغ معرفة المؤلف بالعلوم والفنون على اختلاف أنواعها ، وقد ابتدعها «بديع الزمان الهمذانى» من أشهر أدباء العصر العباسى ، ويقال : انه أنشأ حوالى أربعمائة مقامة ، ولكن لم يظفر الناس منها اليوم بأكثر من نيف وخمسين مقامة ، ومن مقاماته الشهيرة المقامة القريضية ، نسبة الى القريض ، وهو الشعر ، لانه موضوعها ، والمقامة الخمرية ، والمقامة الجاحظية ، والمقامة الدينارية ، والمقامة البصرية ، والمقامة الكوفية ، ثم قلده فى نفس العصر كثيرون ، ولكن الحريرى كان بارعا فيها أيضا ، ومن مقاماته المعروفة مثلا «المقامة الصنعائية» نسبة الى صنعاء ، احدى مدن اليمن المشهورة.


أما ما ذا يقصد بالمقامة عموما فهو تصوير بؤس الادباء ، واحتيالهم أحيانا لكسب عيشهم ، ولها راوية ينقل الخبر ، وبطل تدور حوله حوادثها.

على أن هذه المقامة قد اختفت من الادب العربى بعد ناصف اليازجى اللبنانى فى كتابه : «مجمع البحرين» ، ومحمد المويلحى المصرى فى كتابه ذى الشبه الكبير بالمقامة «حديث عيسى بن هشام» ، اذ لم يعد أحد بعدئذ يلتفت الى هذا اللون الادبى من أدباء عصرنا الحاضر.

هذا ، وقد كان من الطبيعى أن ينتقل فن المقامة من المشرق  ـ  منذ ظهوره  ـ  الى الاندلس ، وذلك عن طريق الرحلات التى قام بها كثير من الاندلسيين الى الشرق يطلبون العلم ، والذين عادوا الى موطنهم بعد أن درسوا  ـ  ضمن ما درسوا  ـ  هذا الفن ، فنشروه بين مواطنيهم ، وقد لوحظ أن مقامات بديع الزمان الهمذانى ورسائله  ـ  التى أشرنا اليها  ـ  قد ذاعت خصوصا فى عهد ملوك الطوائف بالاندلس ، فقد قام بعض الادباء الاندلسيين يومئذ بمعارضة هذه الرسائل والسير على نمطها ، ومن هؤلاء الاديب عبد الله محمد بن شرف القيروانى ، الذي عارض مقامات البديع ، حسبما يروى ابن بسام عن هذا الاديب المعاصر للمعتضد بن عباد بأشبيلية ٤٣٤  ـ  ٤٦١ ه‍ (١٠٤٢  ـ  ١٠٦٨ م). كذلك روى ابن بسام عن الشاعر أبى المغيرة عبد الوهاب بن حزم المتوفى حوالى سنة ٤٢٠ ه‍ (١٠٢٩ م) أن هذا الاخير عارض رسالة للهمذانى فى وصف غلام ، وفى موضع آخر من كتاب الذخيرة يورد ابن بسام أجزاء من مقامتين ، إحداهما لابى حفص عمر الشهيد ، والاخرى لابى محمد بن مالك القرطبى ، وهذان الأديبان عاشا فى عهد المعتصم بن صمادح بمدينة المرية الاندلسية ٤٤٣  ـ  ٤٨٤ ه‍ (١٠٥١  ـ  ١٠٩١ م).

ونزيد تعريفا بصلة المغرب بالمشرق حول فن المقامة ، فنذكر أيضا أنه فى أوائل عهد المرابطين بالاندلس انتشرت مقامات الحريرى بالمغرب على مدى واسع ، فى الوقت الذي انتشرت فيه بالشرق ، واهتم علماء


الاندلس بحياة مؤلف هذه المقامات ، فقد روى ابن الابار «أن كثيرا من الاندلسيين سمعوا من الحريرى مقاماته الخمسين ببستانه ببغداد ، ثم عادوا الى بلادهم ، حيث حدثوا بها عنه» ، ومن هؤلاء الحسن بن على البطليوسى المتوفى عام ٥٦٦ ه‍ (١١٦٩ م) وأبو الحجاج يوسف القضاعى البلنسى المتوفى عام ٥٤٢ ه‍ (١١٤٧ م).

وقد تابع الاندلسيون الاشتغال بفن المقامة حتى نهاية عهدهم الاندلسى ، أيام بنى الاحمر فى غرناطة ، ومن أشهر أدباء هذا العصر الذين زاولوا هذا الفن الادبى الوزير لسان الدين بن الخطيب ، بمقاماته العديدة التى أنشأها ، والتى منها : الكتاب الذي نتعرض لدراسته هنا ، وهو «معيار الاختيار» ، ومقامته «خطرة الطيف ، فى رحلة الشتاء والصيف» و «مقامة السياسة» وغيرها.

ـ  *  ـ  وعلى ضوء ما أوجزنا بيانه عن «المقامة» ومقوماتها ، ومدى صلتها بفن القصة العربية ، وعن دور الاندلسيين فيها بالنسبة للمشارقة ، نستطيع أن نزن كتاب «معيار الاختيار» فى هذا الميدان ، فنقول : انه عبارة عن وصف قصصى ، جاء فى صورة مقامة تقليدية ، حاول بها ابن الخطيب  ـ  كما حاول فى غيرها  ـ  أن يجارى بها من سبقوه فى هذا الميدان ، وفى سبيل ذلك حشد لها المزيد من فنون القول والبيان ، وبخاصة مقدمة كل من المجلسين ، ونهايتهما ، حيث انصرف فيهما الى حد ما عن المعنى الى اللفظ مما أفقد المقدمة  ـ  خاصة  ـ  قيمتها الادبية ، من أديب مثل ابن الخطيب.

ولكن عندما تناول صلب الموضوع ، فانه  ـ  وان كان قد عنى بالاسلوب أيضا  ـ  الا أن الوصف للمدن عموما قد جاء تحفة فنية رائعة ،


فقد تناولها تاريخيا واجتماعيا وثقافيا ، وتمكن  ـ  رغم قيود السجع والجناس والكناية وغيرها  ـ  من ابراز هذه المعالم فى صورة مشوقة.

ومع ذلك ، نرى أن ابن الخطيب لو أطلق لنفسه العنان فى هذا المؤلف التاريخى ، وحرر نفسه من هذه القيود اللفظية التى كبل بها قلمه  ـ  لجاء وصفه للبلدان أبدع فنا ، وأشمل موضوعا ، فلا شك أنه حصر نفسه فى نطاق ضيق ، كانت نتيجته الحتمية أن فوت علينا المؤلف انطلاقاته المعروفة عنه ، فى تقصى المعانى ، والاحاطة بشتات الموضوع الذي يتعرض له.

قيمة الكتاب كوثيقة تاريخية

توجد لكتاب «معيار الاختيار ، فى ذكر المعاهد والديار» أكثر من مخطوطة ، فى الاسكوريال والرباط ، وفاس ، وقد ورد هذا الكتاب ضمن مؤلف آخر من مؤلفات ابن الخطيب ، وهو «التاج المحلى فى مساجلة القدح المعلى» (٥٥٤ الاسكوريال) ، كما ورد ضمن مؤلفه «ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب» حيث أورده المؤلف فى باب «المقامات».

وقد ألف ابن الخطيب «معيار الاختيار» هذا عندما نفى الى المغرب مع سلطانه الغنى بالله ابن الاحمر المعروف بمحمد الخامس ، حيث حلا ضيفين على السلطان أبى سالم ملك المغرب (محرم ٧٦١ ه‍  ـ  ١٣٥٩ م) ولكن ابن الخطيب لم يذكر فى الكتاب تاريخ تأليفه بالضبط ، وانما عرفنا الفترة التى ألفه خلالها من مؤلف آخر له ، حيث ذكر به أنه دون بعض كتبه خلال سنوات المنفى الثلاث التى قضاها بمدينة سلا بالمغرب (١). (٧٦٠  ـ  ٧٦٣ ه‍)  ـ  (١٣٥٨  ـ  ١٣٦١ م) ، ومن بين تلك الكتب «معيار الاختيار» ، وقد أدرج الغزيرى هذا المؤلف تحت رقم ١٧٧٧ بفهرس المخطوطات العربية بمكتبة الاسكوريال بأسبانيا.

__________________

(١) ابن الخطيب فى «نفاضة الجراب فى علالة الاغتراب» ، مكتبة الاسكوريال بمدريد لوحة (٦٧).


ولما كنت قد قارنت  ـ  أثناء البحث والدراسة  ـ  بين نسخ مخطوطة هذا الكتاب ، والتى وجدتها فى كل من مدريد والرباط وفاس والقاهرة والفاتيكان ، فقد بان لى أن أكملها وأوفاها  ـ  كما ذكرت  ـ  مخطوطة الأسكوريال بأسبانيا (رقم ٥٥٤) ، وقد ذكر ناسخ هذه المخطوطة أنه كتبها عام ١٧٣ ه‍ (١٤٦٨ م) ، أى بعد تدوين ابن الخطيب للكتاب نفسه بحوالى ١١٢ عاما تقريبا ، وبعد وفاة المؤلف بنحو ٩٧ عاما.

وقد نشر المستشرق الاسبانى «سيمونيت» القسم الاول من «معيار الاختيار» ، بعد أن فصل عنه المقدمة التى أشرنا الى مضمونها ، وهذا القسم هو الخاص بمدن مملكة غرناطة ، وعددها أربع وثمانون مدينة ، تحت عنوان «وصف مملكة غرناطة ، فى عهد بنى نصر» (١).

ثم نشر باقى الكتاب  ـ  وهو الجزء الخاص بمدن المغرب  ـ  المستشرق الالمانى «موللر» ، متضمنا وصفا لجبل الفتح ، وسبتة ، ومراكش ، وأغمات ، فى مجموعة خاصة (٢). ولم يفت هذا المستشرق أن ينوه ببعض الاخطاء التى وقع فيها زميله الاسبانى «سيمونيت» عند تحقيقه للجزء الخاص بمدن الاندلس ، وان كان هو بدوره قد وقع فى عدة أخطاء أثناء التحقيق ، وذلك نتيجة عدم التمرس بالاساليب العربية ، ولا سيما عبارة ابن الخطيب كطابع عام لما كانت عليه اللغة فى العصور الاسلامية الوسطى.

وتجدر الاشارة الى أن قيمة «المعيار» تمكن فى التعريف بالوضعية التى كانت عليها كل من مملكتى بنى نصر وبنى مرين فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى ، وأن ابن الخطيب قد حدثنا  ـ  بحق أيضا

__________________

(١) راجع :Descripcion del Reino de Granada bajo la, Dominacion de las Naza  ـ  ritas) Madrid, ١٦٨١).

(٢) راجع :Beitaage zur Geschichte des Westlichen, Araber) Munchen, ٦٦٨١).


خصوصا  ـ  عن عاصمتى كل من الاندلس والمغرب فى عصره (غرناطة وفاس) ، سالكا نفس الموضوعية تجاه كليهما ، دون أن يخفى لوما فيما لاحظه من مثالب بالنسبة لهاتين العاصمتين.

ونحن نعتقد من جانبنا أن المؤلف  ـ  عند تدوينه لهذا الكتاب  ـ  قد اعتمد على مصادر ثلاثة :

١  ـ  زيارته للمدن التى تناولها قلمه :

فمن المعلوم أن ابن الخطيب كان قد وزر للسلطان يوسف الاول النصرى ٧٣٣  ـ  ٧٥٥ ه‍ (١٣٣٣  ـ  ١٣٥٤ م) ثم لابنه من بعده الغنى بالله محمد الخامس ٧٥٥  ـ  ٧٦٠ ه‍ (١٣٠٤  ـ  ١٣٥٩ م) ثم  ـ  للمرة الثانية  ـ  عام ٧٦٢  ـ  ٧٩٣ ه‍ (١٣٦١  ـ  ١٣٩٢ م) ، وطبيعة المنصب تقتضى تفقد الوزير هناك للبلاد والثغور الاندلسية ، للوقوف على أحوالها ، وحركة دولاب العمل فيها ، ثم توجيه العمال وارشادهم ، ومن ثم تحرير التقارير عن زياراته. كما أنه رافق سلطانه أبا الحجاج يوسف الاول فى زيارته التاريخية ، والتى بدأها من غرناطة فى ١٧ محرم ٧٤٨ ه‍  ـ  ١٣٤٧ م ، صحبة الحاشية ، وقد أفرد ابن الخطيب رسالة خاصة بهذه الرحلة ، سماها : «خطرة الطيف ، فى رحلة الشتاء والصيف» جاء فيها أن الركب الملكى  ـ  بعد أن غادر العاصمة  ـ  وصل الى مدينة وادى آش ، وهناك استقبلهم الاهالى استقبالا رائعا ، ثم اتجهت القافلة شرقا مارة ببعض المدن والحصون الهامة ، مثل : بسطة ، وبرشانة ، وهنا صور ابن الخطيب الحالة التى كان يعانيها سكان هذه المدن ، نتيجة كل من الغارات النصرانية والسيول الموسمية ، ثم زار الركب مدينة «بيرة» ، أقصى الثغور على الحدود الشرقية ، وقد ذكر لنا ابن الخطيب ما كان يشعر به سكان هذا الثغر من القلق والخوف ، من جراء هجوم الاسبان المفاجئ بين حين وآخر ، كما صور لنا وعورة موقع المدينة ،


وصعوبة مسالكها ، حيث اضطروا للاسترشاد بدليل ماهر ، يكشف لهم طريقهم فى الجبال بين الروابى والوهاد.

وأخيرا يعود الموكب الى قاعدته «غرناطة» ، راجعا من طريق آخر ، مارا بثغر المرية ، حيث استعرض السلطان قطع الاسطول الحربى ، واستقبل رجاله فى زيهم الرائع الانيق.

كما زار الموكب بعد المرية بعض المدن العامة ، مثل : بجانة ، وبرشلونة وفنيانة ، وينتهى المطاف بمدينة وادى آش مرة أخرى ، ومنها الى العاصمة «غرناطة» (١).

وبذلك أتيحت فرصة رسمية هامة للوزير ابن الخطيب ، حيث وقف على أحوال هذه المدن الاندلسية خلال هذه الرحلة ، وكون لنفسه ودون فى مذكراته فكرة عميقة موضوعية عن كل مدينة زارها الركب السلطانى التاريخى.

أما بالنسبة للمدن المغربية فقد زار ابن الخطيب المغرب أكثر من مرة ، وفى كل مرة كان يتجول فى البلاد ويتعرف عليها ، ويختلط بأهلها ، ولا سيما رجال الادارة والعلماء والخاصة ، ولابد أنه شافه الكثير منهم برغبته فى الوقوف على معالم مدنهم وآثارهم واجتماعياتهم ، وكانت المعاينة لديه وسيلة هامة فى وزن الحقائق ، وكشف الظنون ، وجلاء الشكوك.

لقد زار ابن الخطيب المغرب لاول مرة سفيرا من لدن السلطان الغنى بالله ابن الأحمر ، الى سلطان المغرب عام ٧٥٥ ه‍  ـ  ١٣٥٤ م.

__________________

(١) راجع التحقيق الحديث لهذه الرحلة فى كتاب «مشاهدات ابن الخطيب فى بلاد الاندلس والمغرب» للدكتور أحمد مختار العبادى ، طبعة جامعة الاسكندرية ١٩٥٨ ، حيث تقع هذه الرحلة بين هذه المشاهدات ص : ٢٥  ـ  ٣٥.


ثم رجع الى المغرب مرة أخرى ، ولكن منفيا مع سلطانه المخلوع المغنى بالله ابن الاحمر ، وذلك فى محرم ٧٦١  ـ  ١٣٥٩ م ، وفى هذه المرة مكث بالمغرب ثلاث سنوات تقريبا ، كما أشرنا الى ذلك فى موضعه ، وفى تلك الاثناء زار بعض المدن المغربية ، ودون بعض رحلاته يومئذ فى كتابه المعروف باسم «نفاضة الجراب وعلالة الاغتراب» ، الذي وضعه بالمغرب مع بعض الكتب الاخرى ، التى منها كتابنا «معيار الاختيار».

وأخيرا استقر ابن الخطيب بالمغرب حينما فر من الاندلس ، حيث شعر بما يدسه له خصومه عند السلطان الغنى بالله ، على نحو ما هو معروف من تاريخ مأساة هذا الوزير ، فوصل المغرب عام ٧٧٣ ه‍  ـ  ١٣٧١ م ، وبقى به حتى نكب وقتل عام ٧٧٦ ه‍  ـ  ١٣٧٥ م.

فهذه ثلاث زيارات قام بها المؤلف للمغرب ، سفيرا ، فمنفيا ، ففارا ناجيا بحياته أخيرا ، وتعتبر فترة النفى  ـ  من بين هذه الزيارات الثلاث  ـ  فترة البحث والدرس والتأليف عند ابن الخطيب ، فقد منح الرواتب وأقطع الاراضى ، واستقرت نفسيته الى حد سمح له بمواصلة تآليفه.

أما المرة الاولى فكان وقتها أضيق من أن يتسع للتجوال عبر المدن المغربية ، فهو حينئذ سفير منوط به أمر رسمى ، وذو قيود وحدود مرسومة.

وأما فى المرة الاخيرة حيث استقر نهائيا بالمغرب ، فنرجح أن ابن الخطيب لم يتجه كثيرا للبحث والتدوين ، فقد كانت الهزات السياسية بالمغرب تتناوشه ذات اليمين وذات الشمال ، بفضل مواصلة خصومه  ـ  بغرناطة  ـ  السعى فى القضاء عليه ، وعلى رأسهم سلطانه القديم «الغنى بالله» والذي تأثر الى أبعد حد بسعاية هؤلاء الخصوم ، ومع هذا فقد ألف ابن الخطيب ابان هذه الفترة كتابه «أعمال الاعلام ، فيمن بويع قبل الاحتلام ، من ملوك الاسلام» ، استجابة للظروف الجديدة التى أملت عليه اصدار هذا المؤلف.


٢  ـ  الاطلاع والسماع :

وهو المصدر الثانى من المصادر التى اعتمد عليها ابن الخطيب فى تدوين كتابه «معيار الاختيار» ونعنى به قراءته لكتب من سبقوه من المؤرخين والكتاب فى أوصاف المدن الاندلسية والمغربية على الخصوص ، وفى تاريخها الحافل بالاحداث ، وكذلك سماعه من شيوخه الذين تتلمذ عليهم ، فى أحوال المغرب منذ القدم ، وأحداث المملكة الاسلامية بالأندلس ، لا سيما وأنه تربى فى أحضانها ، ودرج بين ربوعها ، وجاس خلال ديارها ، فحديثه عنها حديث الخبير العالم ، ووصفه لها وصف المحيط بأسرارها. هذا بالاضافة الى مجالس ابن الخطيب العلمية ، وندواته الثقافية ، والتى كانت كثيرا ما تجمع رواة الاخبار ، وحفظة التاريخ.

٣  ـ  التقارير الادارية الرسمية :

وابن الخطيب كوزير ، وأمين سر السلطان ، لابد وأن يطلع على كافة التقارير الرسمية ، والرسائل الادارية ، التى كانت ترد عادة الى الديوان من عمال وحكام الاقاليم ، فهذه التقارير وتلك الرسائل وثائق تاريخية لها أهميتها البالغة ، اذ على أساسها  ـ  فى العادة  ـ  تدار سياسة الدولة ، وتوجه الامور الوجهة الصالحة ، لذلك نرى أن ابن الخطيب قد استفاد الى حد كبير من هذه الوثائق ، بالاضافة الى المصدرين السابقين ، وبذلك أمكنه أن يعطينا هذه الاوصاف لتلك المدن فى مؤلفه «معيار الاختيار».

هذا ، وينبغى أن نشير اخيرا الى أن شخصية المؤلف وعلاقاتها بالآخرين لابد وأن تنعكس على كتاباته ، وهذا ما وضح من خلال أوصاف ابن الخطيب لبعض البلاد وأهلها ، فانه وان كان قد تعمق فى البحث على نحو دقيق ، وحلل الاسباب والمسببات حتى جاء الموضوع


وثيقة تاريخية يعتمد عليها الى حد بعيد  ـ  وبخاصة اذا اعتبرنا قلة المراجع التاريخية التى تناولت العصر الذي عاشه ابن الخطيب ، وذلك فى أخبار كل من الاندلس والمغرب  ـ  الا أنه لا ينبغى أن نغفل الدوافع الشخصية ، والنزعات النفسية للمؤلف أيا كان ، فهذه وتلك لابد وأن يحسب حسابهما ، ويقام وزنهما ، فى تقييم مثل هذه الوثيقة التاريخية ، لرجل وزير كابن الخطيب ، قضى حياته بين تيارات السياسة ، تتنازعه الاهواء والدوافع ، يعطف على مسلكة البعض ، وينقم على خطته البعض الآخر ، وبالتالى يكون اتجاهه متباينا نحو كليهما ، وما يصدق على الافراد يصدق على مجموعة منها تؤلف بلدا أو مدينة.

وللتدليل على هذا التأثر النفسى عند الكاتب ، وانعكاسه على ما يحرره ، نذكر أن ابن الخطيب نفسه قد صب جام غضبه على مدينة سلا المغربية ، فى رسالته المسماة «مفاخرات بين مالقة وسلا» ، رغم أنه أقام بها طيلة فترة النفى الاولى ، قرابة ثلاث سنوات ، واحتوته عزيزا مكرما ، ولكن كان قد حدث احتكاك بينه وبين بعض الفقهاء من أهل هذه المدينة ، الامر الذي ساقه الى تأليف رسالة خاصة ، فى النيل من هؤلاء الفقهاء ، وهى المسماة «مثلى الطريقة ، فى ذم الوثيقة» ، فى أسلوب يفيض اقذاعا ونيلا غير كريم من الخصوم ، وعليه  ـ  بالتالى  ـ  فلم يكن من المنتظر أن يرتفع ابن الخطيب بمدينة سلا فى المفاخرات مع مالقة.

فنخلص من هذا الى أن ابن الخطيب لم يسلم  ـ  الى حد ما  ـ  من تحامل فى وصفه لبعض المدن الاندلسية والمغربية فى كتابه «معيار الاختيار» ، وبخاصة عندما كان يتناول أحوال سكانها الاجتماعية. بيد أن هذا التحامل الضئيل المفترض لن يطغى بحال على ما للكتاب من قيمة تاريخية كبرى ، ولا يمنع الدارسين لتاريخ المغرب والاندلس  ـ  فى الفترة التى عاصرها ابن الخطيب  ـ  من الاستفادة من «معياره»


هذا الى حد بعيد .. ، اذا ما عن لهم الكشف عن الحالة الاجتماعية بهذين القطرين فى ذلك العصر ، وعن الاقتصاد ، والمحصولات الزراعية ، وأهمية الاسواق ، والصناعة الاندلسية ودورها ، وما الى ذلك مما تناوله المؤلف ، تجاه البلاد الاندلسية والمغربية ، فى منتصف القرن الرابع عشر الميلادى.



الفصل الرابع

كتاب

معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار

المجلس الأول







معيار الاختيار ، فى ذكر المعاهد والديار

المجلس الاول :

(٩٧ : أ) بسم الله الرحمن الرحيم. صلى الله على سيدنا محمد.

الحمد لله الذي انفردت صفاته بالاشتمال على أشتات الكمال ، والاستقلال بأعباء الجلال ، المنزه عن احتلال الحلال ، المتصفة الخلال بالاختلال ، المعتمد بالسؤال لصلة النوال ، جاعل الارض كسكانها متغايرة الاحوال ، باختلاف العروض والاطوال ، متصفة بالمحاسن والمقابح عند اعتبار الهيئات والاوضاع والصنائع والاعمال ، على التفصيل والاجمال. فمن قام خيره بشره دخل تحت خطة الاعتدال ، ومن قصر خيره عن شره ، كان أهلا للاستعاضة والاستبدال ، ومن أربى خيره على شره وجب اليه شد الرحال ، والتمس بقصده صلاح الحال. وكثيرا ما اغتبط الناس بأوطانهم فحصلوا فى الجبال على دعة البال ، وفازوا فى الرمال بالآمال ، (٩٧ : ب) حكمة (منه) فى اعتمار ربع الشمال ، وتفيىء أكنافه عن اليمين والشمال ، الى أن يدعو أهل الارض لموقف العرض والسؤال ، ويذهل  ـ  عن الاهل  ـ  عظيم الاهوال. والصلاة على سيدنا (ومولانا) (١) محمد المصطفى الذي أنقذ بدعوته الوارفة الظلال من ظلمات الضلال ، وجاء برفع الاغلال ، وتمييز الحرام من الحلال. والرضا عمن له من الصحب والآل ، (موارد الصدق عند كذب الآل) (٢).

__________________

(١) زيادة فى «س ، ط».

(٢) زيادة فى «س».


أما بعد ، ساعدك السعد ، ولان لك الجعد (٣) ، فان الانسان  ـ  وان انصف بالاحسان ، وابانة اللسان ، لما كان بعضه لبعض فقيرا ، نبيها كان أو حقيرا. اذ مؤنه (٤) التى تصلح بها حاله. لا يسعها انتحاله  ـ  لزم اجتماعه وائتلافه على سياسة يؤمن معها اختلافه ، واتخاذ مدينة يقر بها قراره ، ويتوجه اليها ركونه وفراره ، اذا رابه أضراره ، ويختزن بها أقواته التى بها حياته ، ويحاول منها معاشه الذي به انتعاشه ، فان كان اتخاذها جزافا واتفاقا ، واجتزاء ببعض المآرب وارتفاقا ، تجاول (٥) شرها وخيرها ، وتعارض نفعها وضيرها ، وفضلها  ـ  (٩٨ : أ) فى الغالب  ـ  غيرها ، وان كان عن اختيار ، وتحكيم معيار ، وتأسيس حكيم ، وتفويض للعقل وتحكيم ، تنافر الى حكمها النفر ، وأعمل السفر ، وكانت مساوئها  ـ  بالنسبة الى محاسنها  ـ  تغتفر ، اذ وجود الكمال فاضح للآمال ، ولله در القائل :

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها

كفى المرء فخرا أن تعد معايبه

وبحسب ذلك :

حدث من يعنى بالاخبار ينقلها ، والحكم يصقلها ، والاسمار ينتقيها ، والآثار يخلدها ويبقيها ، والمجالس يأخذ صدورها والآفاق يشيم (٦) شموسها وبدورها ، والحلل يعرف دورها ، ويأكل قدورها ، والطرف يهديها ، والخفيات يبديها. وقد جرى ذكر تفضيل البلدان ، وذكر القاصى والدان ، ومزايا الاماكن ، وخصائص المنازل والمساكن ، والمقابح والمحاسن ، والطيب والآسن (٧).

__________________

(٣) الجعد : فى الاصل هو الشعر غير المنسق ، والسياق ينصرف الى اللئيم البخيل.

(٤) فى نسخة (س) «مؤنتة» بدل «مؤنه».

(٥) تجاول : يقال ، تجاول القوم فى الحرب ، أى جال بعضهم على بعض.

(٦) يشيم : يعلم ، يقصد أنه ذو دراية بمطالع الشمس والقمر فى هذه البلاد.

(٧) الآسن : من الماء المتغير الطعم واللون والرائحة.


قال : ضمنى الليل وقد سدل المسح راهبه ، وانتهب قرص الشمس من يد الامس ناهبه ، ودلفت جيوشه الحبشية (٩٨ : ب) وكتائبه ، وفتحت الازهار بشط المجرة كواكبه ، وجنحت الطيور الى وكونها ، وانتشرت الطوافات بعد سكونها ، وعوت الذئاب فوق هضابها ، ولوحت البروق ببيض عضابها ، وباهت الكف الخضيب بخضابها ، وتسللت اللصوص لانتهاز فرصها ، وخرجت الليوث الى قسمها وحصصها ، فى مناخ رحب المنطق ، وثيق الغلق ، سامى السور ، كفيل بحفظ الميسور ، يأمن  ـ  به الذعر  ـ  خائفه ، وتدفع  ـ  معرة السماء  ـ  سقائفه ، يشتمل على مأوى الطريد ، ومحراب المريد ، ومرابط خيل البريد (٨) ، ومكاسع الشيطان المريد. ذى قيم كثير البشاشة ، لطيف الحشاشة ، قانع بالمشاشة.

يروح ويشى ، ويقف على ريب الاعيان وأعيان الريب فلا يشى. بر فأكثر ، ومهد ووثر ، وأدفأ ودثر ، (ورقى بسور استنزاله فأثر) (٩).

فلما أزحت الكلفة ، وأقضمت جوادى العلفة ، وأعجبتنى  ـ  من رفقاء الرفق  ـ  الالفة ، رمقت فى بعض السقائف آمنا فى زى خائف ، وشيخا طاف منه بالارض طائف ، وسكن حتى اليمامة والطائف. جنيب (٩٩ : أ) عكاز ، ومثير شيب أثيث الوفرة ، وقسى ضلوع توتر بالزفرة ، حكم له بياض الشيب بالهيبة ، وقد دار بذراعه للسبحة الرقطاء حنش ، كما اختلط روم وحبش. والى يمينه دلو فاهق (١٠) ، وعن يساره تلميذ مراهق ، وأمامه حمار ناهق ، وهو يقول :

هم أسكنونا فى ظلال بيوتهم

ظلال بيوت أدفأت وأكنت

أبوا أن يملونا ، ولو أن أمنا

تلاقى الذي يلقون منا لملت

__________________

(٨) مكاسع : مطارد ، مكان الطرد.

(٩) زيادة فى نسخة «س».

(١٠) فاهق : ممتلئ.


حتى اذا اطمأن حلوله ، وأصحب ذلوله (١١) ، وتردد الى قيم الخان  ـ  زغلوله (١٢) ، واستكبر لما جاءه  ـ  بما يهواه  ـ  رسوله ، استجمع قوته واحتشد ، ورفع عقيرته وأنشد :

أشكو الى الله ذهاب الشباب

كم حسرة أورثنى واكتئاب

سد عن اللذات باب الصبا

فزارت الاشجان من كل باب

وغربة طالت فما تنتهى

موصولة اليوم بيوم الحساب

وشر نفس كلما هملجت (١٣)

فى الغى لم تقبل خطام المتاب

يا رب شفع فى شيبى ولا

تحرمنى الزلفى وحسن المآب

ثم أن ، والليل قد جن ، فلم يبق  ـ  فى القوم  ـ  الا من أشفق وحن ، وقال  ـ  وقد هزته أريحية  ـ  (٩٩ : ب) : على الدنيا سلام وتحية ، فقد نلنا الاوطار ، وركبنا الاخطار ، وأبعدنا المطار ، واخترقنا الاقطار (١٤) ، وحلبنا الاشطار (١٥). فقال فتاه  ـ  وقد افترت عن الدر شفتاه ، مستثيرا لشجونه ، ومطلعا لنجوم همه من دجونه ، ومدلا عليه بمجونه  ـ  : وما ذا بلغ الشيخ من أمدها ، ورفع من عمدها ، حتى يقضى منه عجب ، أو يجلى منه محتجب؟ فأخذته حمية الحفاظ لهذه الالفاظ ، وقال : أى بنى ، مثلى من الاقطاب ، يخاطب بهذا الخطاب!! وأيم الله لقد عقدت الحلق (ولبست من الدهر الجديد والخلق) (١٦) ، وفككت الغلق ، وأبعدت فى الصبوة الطلق ، وخضت المنون ، وصدت الضب والنون ، وحذقت الفنون ،

__________________

(١١) ذلوله : دابته السهلة القياد.

(١٢) زغلوله : غلامه الخفيف السريع.

(١٣) هملجت : الهملجة ، المشى فى سرعة.

(١٤) فى نسخة «س» وافترقنا ، ولعلها فى نسختا أصوب.

(١٥) حلبنا الاشطار : يقصد جربنا خير الدهر وشره ، فعرفناهما.

(١٦) زيادة فى «ط ، س».


وقهرت  ـ  بعد سليمان  ـ  الجنون ، وقضيت الديون ، ومرضت لمرض العيون. وركبت الهمالج (١٧) ، وتوسدت الوذائل (١٨) والدمالج ، وركضت الفاره ، واقتحمت المهالك والمكاره ، وجبت البلاد ، وحضرت الجلاد ، وأقمت الفصح والميلاد. فعدت من بلاد الهند والصين ، بالعقل الرصين ، وحذقت بدار قسطنطين (١٩) كتاب اللطين (٢٠) ، ودست مدارس أصحاب الرواق (٢١) ، ورأيت غار الارواح وشجر الوقواق ،

__________________

(١٧) الهمالج : الابل تمشى فى سرعة.

(١٨) الوذائل : ج وذيلة ، وهى الرشيقة من النساء.

(١٩) قسطنطين : ملك من ملوك الروم ، سميت حاضرة ملكه باسمه (القسطنطينية) وهى مدينة قديمة كانت مسورة بأسوار حصينة تبلغ المائة ، أحدها (باب الذهب) ، أنظر ياقوت الحموى فى معجم البلدان ج ١٥ ص ٣٤٧.

(٢٠) كتاب اللطين : يعنى به «اللاتينية».

(٢١) أصحاب الرواق : يقصد الرواقيين ، وهم فرقة من الفلاسفة القدماء ، ينسبون الى الرواق ، الذي كان يعلم زينون  ـ  Zenon الرواقيين Stoiciens تحته ، وقد نشأت هذه الفرقة فى القرن الرابع قبل الميلاد ببلاد الاغريق ، تنقسم عندهم الفلسفة الى المنطق والطبيعة وعلم الاخلاق ، ولا يفصلون العناية الالهية عن القضاء ، كما أنهم لا يميزون بين المادى والروحى ، وأن الكون يسوده النظام ، ويسوسه المنطق ، وأن على الانسان أن ينظم نفسه ، فيحتل مكانه فيه.

وبهذا تحققت عندهم فكرة الوحدة الكونية ، فى وقت لم يكن العلم الطبيعى عند الاغريق كثيرا ، ولكن كان حدسهم شديدا ، ونظراتهم الثاقبة كثيرا ما كانت تصيب.

أما عن زينون الرواقى فهو مؤلف هذا المذهب (نحو ٣٤٠  ـ  ٢٦٥ ق م) فقد ولد فى بلدة كتيوم Cition بجزيرة قبرص ، وجاء بعد الى أثينا ، وهو من أصل فينيقى ، وأكثر من وسعوا المذهب كانوا أسيويين أكثر منهم أفارقة ، ويعد المذهب آخر مجهود فلسفى فى اليونان الوثنية.

هذا ، وممن آمن بوحدة الكون فى العصور الوسطى كتاب الاديان الثلاثة ، فمن المسلمين ابن رشد (١١٢٦  ـ  ١١٩٨ م) ، ومن المسيحيين كثيرون ، ومن اليهود القباليون Kabbalists ، ثم جاء عصر النهضة بأوربا فأحيا مبدأ الوحدة الكونية بين أهلها ، وانبرى عدة فلاسفة ينادون بها ، متأثرين بالفلسفة الافلاطونية ، وبما رسمه المذهب من آداب ، ومنهم شكسبير ، وشلر ، وكنط.

راجع : د. أحمد زكى (مجلة العربى) عدد ١٣٤ يناير ١٩٧٠ م.


وشريت حلل اليمن (١٠٠ : أ) ببخس الثمن (٢٢) ، وحللت من عدن (٢٣) حلول الروح من البدن ، ونظرت الى قرن الغزالة لما شدن (٢٤) ، وأزمعت عن العراقين (٢٥) ، سرى القين ، وشربت من ماء الرافدين باليدين ، وصليت بمحراب الدمنى ركعتين ، وتركت الاثر للعين ، ووقفت حيث وقف الحكمان (٢٦) ، وتقابل التركمان (٢٧) وأخذت بالقدس ، عن الحبر الندس ، وركبت الولايا ، الى بلاد العلايا (٢٨) ، بعد أن طفت بالبيت الشريف ، وحصلت بطيبة على الخصب والريف ، فى فصل الخريف ، وقرأت بأخميم (٢٩) علم التصريف ، وأسرعت فى الانحطاط الى الفسطاط (٣٠) ،

__________________

(٢٢) فى نسخة س «بأبخس ثمن» وكلاهما بمعنى.

(٢٣) عدن : عاصمة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ، تقع على ساحل البحر الاحمر جنوب غربى الجزيرة العربية ، لها شهرة تجارية واسعة بفضل موقعها.

أنظر : معجم البلدان ، للحموى ، ج ١٣ ص ٨٩.

(٢٤) فى نسخة (س) «إذا» بدل «لما» ، ولعلها فى نسختنا أصوب.

(٢٥) العراقين : البصرة والكوفة بالعراق ، مدينتان لهما أصالتهما العلمية ولا سيما فى عصر الامويين والعباسيين.

(٢٦) الحكمان : هما أبو موسى الاشعرى ، وعمرو بن العاص ، لما احتكم اليهما على ابن أبى طالب ، ومعاوية بن أبى سفيان ، عقب وقعة صفين (٣٧ ه‍  ـ  ٦٥٧ م) فى أمر الخلافة ، وانتهت بتولى معاوية.

أنظر «وقعة صفين فى :

أ) المسعودى فى «مروج الذهب» ج ٢ ص ٢٠  ـ  ٢٢.

ب) الطبرى  ـ  فى «تاريخ الامم والملوك» ج ٦ ص ٣٣  ـ  ٤٣.

(٢٧) التركمان : قبيلة أخضعها التتار ، تعرف منذ القرن الثانى عشر الميلادى ، وتعيش الآن فى تركستان الغربى ، وايران ، وما وراء القفقاس.

(٢٨) العلايا : مدينة ساحلية بآسيا الصغرى ، أسسها علاء الدين كيقوباذ عام ١٢٢٠ م.

(٢٩) أخميم : مدينة أثرية على شاطئ النيل الشرقى بمصر ، محافظتها «سوهاج» أنظر : معجم البلدان ج ١ ص ١٢٣.

(٣٠) الفسطاط  ـ  مدينة أنشأها الفاتح لمصر عمرو بن العاص علم (٢٠ ه‍  ـ  ٦٤٠ م) مكانها «مصر القديمة» حاليا إحدى ضواحى القاهرة.


والمصر الرحب الاختطاط ، وسكنت مدينة الاسكندرية (٣١) ثغر الرباط ، وعجلت بالمرور الى التكرور (٣٢) ، فبعث الظل بالحرور ووقفت بأشبانية الى الهيكل المزور ، وحصلت بافريقية على الرفد غير المنزور ، وانحدرت الى المغرب ، انحدار الشمس الى المغرب ، وصممت تصميم الحسام الماضى المضرب ، ورابطت بالاندلس ثغر الاسلام ، وأعلمت بها تحت ظل (٣٣) الاعلام.

فآها  ـ  والله  ـ  على عمر مضى ، وخلف مضضا (١٠٠ : ب) وزمن انقضى ، وشمل قضى الله من تفرقه ما قضى ، ثم أجهش ببكائه ، وأعلن باشتكائه ، وأنشد :

لبسنا فلم نبل الزمان وأبلانا

يتابع أخرانا  ـ  على الغى  ـ  أولانا

ونغتر بالآمال ، والعمر ينقضى

فما كان  ـ  بالرجعى الى الله  ـ  أولانا

وما ذا عسى أن ينظر الدهر ما عسى

فما انقاد للزجر الحثيث ولا لانا

جزينا صنيع الله شر جزائه

فلم نرع ما  ـ  من سابق الفضل  ـ  أولانا

فيا رب عاملنا بما أنت أهله

من العفو ، واجبر صدعنا ، أنت مولانا

ثم قال :

لقد مات اخوانى الصالحون

فمالى صديق ولا لى عماد

اذا أقبل الصبح ولى السرور

وان أقبل الليل ولى الرقاد

__________________

(٣١) الاسكندرية : العاصمة التجارية لجمهورية مصر العربية ، وتقع على ساحل البحر المتوسط ، بناها الاسكندر المقدونى.

انظر ياقوت الحموى فى «معجم البلدان» ج ٢ ص ١٨٢.

(٣٢) تكرور : شعب من الزنج يسكن الجزء الاكبر من وهاد «فوتة» السنغالية ، ويعرف باسم Foucouleur وفى نسخة (س) «تكرور» بدل «التكرور».

(٣٣) فى نسخة أخرى «ظلال» بدل «ظل» ، وكلاهما بمعنى.


فتملكتنى له رقة ، وهزة للتماسك مسترقة ، فهجمت على مضجعه هجوما أنكره ، وراع شاءه وعكره (٣٤) ، وغطى بفضل ردنه سكره ، فقلت له : على رسلك أيها الشيخ ، ناب (٣٥) حنت الى حوار (٣٦) ، وغريب أنس بجوار ، وحائر اهتدى بمنار ، ومقرور قصد الى ضوء نار ، وطارق لا يفضح عيبا ، (ولا يثلم غيبا) ولا يهمل (٣٧) شيبا ، ولا يمنع (١٠١ : أ) سيبا ، ومنتاب يكسو الحلة ، ويحسن الخلة ، ويفرغ الغلة ، ويملأ القلة.

أجارتنا : انا غريبان ها هنا

وكل غريب  ـ  للغريب  ـ  نسيب

فلما وقم الهواجس وكبتها ، وتأمل المخيلة واستثبتها ، تبسم لما توسم ، وسمح بعد ما جمح ، فهاج عقيما فتر ، ووصل ما بتر ، وأظهر ما خبأ تحت ثوبه وستر ، وماج منه البحر الزاخر ، وأتى بما لا تستطيعه الاوائل ولا الاواخر. وقال  ـ  وقد ركض الفنون وأجالها ، وعدد الحكم ورجالها ، وفجر للاحاديث أنهارها ، وذكر البلدان وأخبارها  ـ  :

ولقد سئمت مآربى

فكأن أطيبها (٣٨) خبيث

الا الحديث فانه

مثل اسمه  ـ  ابدا  ـ  حديث

فلما ذهب الخجل والوجل ، وطال المروى والمرتجل ، وتوسط الواقع ، وتشوفت للنجوم المواقع ، وتوردت الخدود الفواقع ، قلت : أيها الحبر ، واللج الذي لا يناله السبر ، لا حجبك  ـ  قبل عمر النهاية  ـ  القبر ،  ـ  وأعقب كسر أعداد عمرك  ـ  المقابلة بالقبول والجبر ، كأنا بالليل قد أظهر  ـ  لوشك الرحيل  ـ  (١٠١ : ب) الهلع ، والغرب الجشع لنجومه

__________________

(٣٤) عكره : ابله.

(٣٥) ناب : الناب هى الناقة المسنة.

(٣٦) حوار : بفتح الحاء وضمها ، ولد الناقة.

(٣٧) يقصد : أنه لا يعيب أحدا فى غيبته ، وقد وردت هذه الجملة فى نسخة (س).

(٣٨) فى نسخة (س) «فكان» بدل «فكأن» وهو ما لا يستقيم وزنا.


قد ابتلع ، ومفرق الاحباب  ـ  وهو الصبح  ـ  قد طلع ، فأولنى عارفة من معارفك أقتنيها ، وأهززلى أفنان حكمك أجتنيها ، فقال : أمل ميسر ، ومجمل يحتاج أن يفسر ، فأوضح الملغز ، وابن لى الطلا (٣٩) من البرغز (٤٠). وسل عما بدا لك ، فهو أجدى لك ، فأقسم لا تسألنى عن غامض ، وحلو وحامض ، الا أوسعته علما وبيانا ، وأريتك الحق عيانا.

قلت : صف لى البلاد وصفا لا يظلم مثقالا ، ولا يعمل  ـ  فى غير الصدق  ـ  وخدا ولا ارقالا (٤١) ، واذا قلتم فاعدلوا (٤٢) ، ومن أصدق من الله مقالا (٤٣) فقال : سل ، ولا تسل ، ولو راعك الاسل. قلت : انفض لى البلاد الاندلسية من أطرافها ، وميز  ـ  بميزان الحق  ـ  بين اعتدالها وانحرافها ، ثم اتلها بالبلاد المرينية (٤٤) نسقا ، واجل  ـ  بنور بيانك  ـ  غسقا :

__________________

(٣٩) الطلا : ولد الظبى ساعة ولادته ، والجمع «أطلاء».

(٤٠) البرغز : ولد البقرة ، ويقصد بالعبارة : أوضح غرضك وفصله.

(٤١) الوخد والارقال : نوعان من السير السريع للابل.

(٤٢) اقتباسا من قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ، لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى ، وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة الانعام ، آية : ١٥٢.

(٤٣) اقتباسا من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً ، وَعْدَ اللهِ حَقًّا ، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) سورة النساء ، آية : ١٢٢.

(٤٤) البلاد المرينية : البلاد المغربية ، نسبة الى بنى مرين الذين حكموا هذه البلاد فى الفترة من ٦٦٨  ـ  ٨٦٩ ه‍ (١٢٦٩  ـ  ١٢٦٥ م) وكانت عاصمتهم فاس.




وهات ما تقول فى «جبل الفتح» (٤٦) :

١  ـ  «جبل الفتح»

قال : فاتحة الكتاب من مصحف ذلك الاقليم ، ولطيفة السميع العليم ، وقصص المهارق (٤٧) ، وأفق البارق ، ومتحف هذا الوطن المباين للارض المفارق ، مأهل العقيق (٤٨) وبارق (٤٩) ، ومحط طارقها ، (١٠٢ : أ) بالفتح طارق. ارم البلاد (٥٠) التى لم يخلق مثله فيها ، وذو المناقب التى لا تحصرها الالسنة ولا توفيها.

حجزه البحر ، حتى لم يبق الا خصر ، فلا يناله  ـ  من غير تلك الفرصة  ـ  ضيق ولا حصر ، وأطل بأعلاه قصر ، وأظله فتح  ـ  من الله  ـ  ونصر. ساوق (٥١) سوره البحر فأعياه ، قد تهلل بالكلس محياه ، واستقبل الثغر الغريب فحياه. اطرد صنع الله فيه ، من عدو يكفيه ، ولطف يخفيه ، وداء عضال يشفيه. فهو خلوة العباد ، ومقام العاكف والباد ، ومسلحة من وراءه من العباد ، وشقة القلوب المسلمة والاكباد. هواؤه صحيح ، وثراه  ـ  بالخزين  ـ  شحيح ، وتجر الرباط فيه ربيح ، وحماه  ـ  للمال

__________________

(٤٦) جبل الفتح : هو جبل طارق «Gibraltar» نسبة الى فاتح اسبانيا (طارق بن زياد) ، وكان يسمى قبل الفتح «Calpe» بمعنى «تجويف» يتبع بريطانيا حاليا ، وتنازعها أسبانيا فى الاحقية ، وهذا خلاف قديم.

راجع : Jose Carlos de luna  ـ  Historia de Gibra ltar.

(٤٧) المهارق : جمع مهرق ، وهى الصحيفة.

(٤٨) العقيق : العتيق تقوله العرب لكل مسيل ماء شقه السيل فى الارض فأنهره ووسعه ، وفى بلاد العرب أربعة أعقة.

راجع : ياقوت الحموى  ـ  معجم البلدان  ـ  ج ١٤ ص ١٣٨ ، ص ١٣٩.

(٤٩) بارق ، ركن من أركان اليمامة ، وهو جبل ، كما يطلق أيضا على ماء بالعراق ، وهو الفاصل بين القادسية والبصرة من أعمال الكوفة ، وقد عناه المتنبى بقوله :

تذكرت ما بين العذيب وبارق

مجر عوالينا ومجر السوابق

راجع : ياقوت الحموى  ـ  معجم البلدان  ـ  ج ٢ ص ٣١٩  ـ  ٣٢٠.

(٥٠) ارم : الارم ، ما يهتدى به من حجارة تنصب فى المفازة ، وجمعه آرام وأرؤم ، والمعنى : علم البلاد.

(٥١) ساوق : فاخر.


والحريم  ـ  غير مبيح ، ووصفه الحسن لا يشان بتقبيح. الا أنه  ـ  والله يقيه مما يتقيه  ـ  بعيد الاقطار ، ممار بالقطار (٥٢) ، كثير الرياح والامطار. مكتنف بالرمل المخلف ، والجوار المتلف. قليل المرافق ، (٥٣) معدوم المشاكل والمرافق. هزل الكراع (لعدم الازدراع ، حاسر الذراع ، للقراع) (٥٤) ، مرتزق من ظل الشراع. كورة دبر ، (٥٥) ومعتكف أزل وصبر ، وساكنه حى فى قبر (١٠٢ : ب).

هو الباب ان كان التزاور واللقيا

وغوث وغيث للصريخ وللسقيا

فان تطرق الايام فيه بحادث

وأعزز به  ـ  قلنا : السلام على الدنيا

٢  ـ  «أسطبونة» (٥٦)

قلت : فاسطبونة؟

قال : ذهب رسمها ، وبقى اسمها ، وكانت مظنة النعم الغزيرة ، قبل حادث الجزيرة (٥٧).

__________________

(٥٢) القطار : السحاب الغزير القطر.

(٥٣) المرافق : أراد بالمرافق الاولى المنافع ، وبالثانية الآبار.

(٥٤) لعدم الازدراع : لعدم المرعى ، وما بين القوسين زيادة وجدناها فى نسختى (س ، ر).

(٥٥) كورة دبر : منزل النحل والزنانير ، وقد وردت فى نسختى (ر ، د) «حبر».

(٥٦) اسطبونة : بلدة تقع غرب مالقة ، على شاطئ البحر المتوسط ، وتعرف فى الاسبانية باسم «Estepana»

(٥٧) يقصد بحادث الجزيرة موقعه طريف ، وهى بالاسبانية (Batalla del Salado) حدثت بين النصارى من جهة وبين المغاربة والاندلسيين من جهة أخرى ، وتمخضت عن هزيمة المسلمين ، وسقوط كل من طريف والجزيرة الخضراء (٣٠ / ١٠ / ١٣٤٠ م جمادى الاولى ٧٤١ ه‍).

راجع : ابن خلدون فى «العبر» ج ٧ ص ٢٦١ ، ٢٦٢ ، والمقرى فى «نفح الطيب» ج ص ٣١٧ ، ٣١٨ ، وابن الخطيب فى اللمحة البدرية ص ٩٢ ، ٩٣ ، والسلاوى فى «الاستقصاء» ج ٢ ص ٦٥ ، ٦٦ ، ودكتور لويس سيكودى لوثينا» فى مجلة الاندلس  ـ  ملحق ١٩٤٩ م.



٣  ـ  «مربلة» (٥٨)

قلت : فمربلة؟

قال : بلد التأذين على السردين ، ومحل الدعاء والتأمين ، لمطعم الحوت السمين ، وحدقاتها مغرس العنب العديم القرين ، الى قبة أرين (٥٩). الا أن مرساها غير أمين ، وعقارها غير ثمين ، ومعقلها تركبه الارض عن شمال ويمين (٦٠).

٤  ـ  «سهيل» (٦١)

قلت : فسهيل؟

قال : حصن حصين ، يضيق عن مثله هند وصين ، ويقضى  ـ  بفضله  ـ  كل ذى عقل رصين ، سبب عزه متين ، ومادة قوته شعير وتين. قد علم أهله مشربهم ، وأمنوا مهربهم. وأسهلت بين يديه قراه ، وجاد بالسمك واديه وبالحب ثراه ، وعرف شأنه بأرض النوب (٦٢) ، ومنه يظهر سهيل من كواكب الجنوب. الا أن سواحله فل (٦٣) الغارة البحرية ، ومهبط

__________________

(٥٨) مربلة : مدينة متوسطة ، تقع غرب مالقة ، على مسافة ٦٠ كم منها ، تعرف فى الاسبانية باسم «Marbella»

(٥٩) فى نسخة (ر ، س ، ط) «قلت أن مرساها غير أمين» ، وقد أوردها كذلك المستشرق «سيمونيت» ، ولكن الصواب فى نسختنا.

(٦٠) فى نسخة (س ، ر) «عن شمال ويمين» بدل «من شمال ويمين».

(٦١) سهيل : ميناء على ساحل البحر المتوسط ، يعرف اليوم فى الاسبانية باسم Fuenjerola على مسافة ٢٨ كم شرقى مربلة.

(٦٢) ربما يقصد «بلاد النوبة» أقصى الجنوب بجمهورية مصر العربية ، وشمال السودان ، والتعبير كناية عن بعد صيت المدينة.

(٦٣) فى نسخة (ر ، س) «بل» بدل «فل».



السرية غير السرية ، الخليقة بالحذر الحرية ، مسرح السائمة الاميرية ، وخدامها (١٠٣ : أ)  ـ  كما علمت  ـ  (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ)(٦٤).

٥  ـ  مالقة (٦٥)

قلت : فمدينة مالقة؟

قال : وما القول (٦٦) فى الدرة الوسيطة ، وفردوس هذه البسيطة؟ أشهد لو كانت سورة لقرنت بها حذقة الاطعام (٦٧) ، أو يوما لكانت عيدا فى العام (٦٨) ، تبعث لها بالسلام مدينة السلام (٦٩) ، وتلقى لها يد الاستسلام محاسن بلاد الاسلام. أى دار ، وقطب مدار ، وهالة ابدار ، وكنز تحت جدار. قصبتها مضاعفة الاسوار ، مصاحبة للسنين مخالفة للادوار (٧٠) ، قد برزت فى أكمل الاوضاع وأجمل الاطوار. كرسى ملك عتيق ، ومدرج مسك فتيق ، وايوان أكاسرة ، ومرقب عقاب كاسرة ، ومجلى فاتنة حاسرة ، وصفقة غير خاسرة. فحماها منيع حريز ،

__________________

(٦٤) اقتباسا من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ، أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) سورة البينة ، آية : ٦.

(٦٥) مالقة : Malaga مدينة على ساحل البحر الابيض المتوسط ، جنوب شرق الاندلس ، يرجع تأسيسها الى الفنيقيين عام ١٢٠٠ ق. م ، حيث كانت تعرف باسم «Malaca» بمعنى : المملح ، نسبة الى الاسماك المملحة التى اشتهرت بها ، وتتوفر المدينة أيضا على أجود أنواع الفواكه ، ولها شهرة فى صناعة الفخارCeramica ، كانت عاصمة الحموديين الا دارسة أيام ملوك الطوائف ، كما كان بنو الاحمر يعتبرونها العاصمة الثانية بعد غرناطة.

راجع : المقرى فى «نفح الطيب» ج ١ ص ١٨٦ ، وياقوت الحموى فى «معجم البلدان» ج ١٧ ص ٣٦٧.

(٦٦) فى نسخة (ر ، س) «وما أقول» بدل «وما القول» وكلاهما بمعنى.

(٦٧) حذقة الطعام : الحفل الخاص بانتهاء الصبى من حفظ القرآن.

(٦٨) فى نسخة (ط ، س) «فى الايام» بدل «فى الطعام» فالتعبير فى نسختنا أعم.

(٦٩) مدينة السلام : بغداد.

(٧٠) فى نسخة (س ، ر) «مصاحبة السنين ، محالفة الادوار» ، فلعلها فى نسختنا أولى.



اضطبنت دار الاسطول ، وساوقت البحر بالطول ، وأسندت الى جبل الرحمة ظهرها ، واستقبلت ملعبها ونهرها ، ونشقت وردها الارج (١٠٣ : ب) وزهرها ، وعرفت قدرها ، فأغلت مهرها. وفتحت جفنها على الجفن غير الغضيض (٧٢) ، والعالم الثانى ما بين الاوج الى الحضيض.

دار العجائب المصنوعة ، والفواكه غير المقطوعة ولا الممنوعة ، حيث الاوانى تلقى لها يد الغلب صنائع حلب ، والحلل التى تلح صنعاء فيها بالطلب ، وتدعو الى الجلب ، الى الدست الرهيف ، ذى الورق الهيف. وكفى برمانها حقاق ياقوت ، وأمير قوت ، وزائر غير ممقوت. الى المواساة ، وتعدد الاساة ، واطعام الجائع والمساهمة فى الفجائع ، وأى خلق أسرى من استخلاص الاسرى ، تبرز منهم المخدرة حسرى ، سامحة بسواريها ولو كانا سوارى كسرى. الى المقبرة التى تسرح بها العين ، وتستهان  ـ  فى ترويض روضاتها  ـ  العين ، الى غللها المحكمة البنيان ، الماثلة كنجوم السماء للعيان ، وافتراض سكناها  ـ  أوان العصير  ـ  على الاعيان ، ووفور أولى المعارف والاديان.

(١٠٤ : أ) وأحسن ٧٣ الشعرفيماأنت قائله

بيت يقال  ـ  اذا أنشدته  ـ  صدقا

وعلى ذلك ، فطينها يشقى به قطينها ، وأزبالها تحيى بها سبالها ، وسروبها يستمد (٧٤) منها مشروبها ، فسحنها (٧٥) متغيرة ، وكواكب

__________________

(٧٢) اضطبنت : وافقت.

(٧٣) فى نسختى (س ، ط) «مما» بدل «فيما».

(٧٤) فى نسختى (ط ، د) «يستعمل» بدل «يستمد».

(٧٥) فى نسختى (ر ، س) «فسخهما ، فساحاتها» بدل «فسحنها» فلعلها فى نسختنا أولى.



أذهانها النيرة متحيرة ، وأقطارها جد شاسعة ، وأزقتها لزجة (٧٦) غير واسعة ، وآبارها تفسدها أزفارها ، وطعامها لا يقبل الاختزان ، ولا يحفظ الوزان ، وفقيرها لا يفارق الاحزان ، وجوعها ينفى به هجوعها ، تحث (٧٧) على الامواج أقواتها ، وتعلو على الموازين غير القسط أصواتها ، وأرحيتها تطرقها النوائب ، وتصيب أهدافها السهام الصوائب ، وتعد بها الجنائب ، وتستخدم فيها الصبا والجنائب ، وديارها الآهلة بالسكان قد صم بالنزائل صداها ، وأضحت بلاقع بما كسبت يداها ، وعين أعيانها أثر ، ورسم مجادتها قد دثر ، والدهر لا يقول لعا لمن عثر (٧٨) ، ولا ينظم شملا اذا انتثر. وكيف لا يتعلق الذام ، ببلد يكثر به الجذام! محلة بلواه آهلة ، والنفوس  ـ  بمعرة عدواه  ـ  جاهلة.

ثم تبسم عند انشراح صدر ، وتذكر (٧٩) قصة (١٠٤ : ب) الزبرقان بن بدر (٨٠).

تقول هذا مجاج النحل تمدحه

وان ذممت تقل (٨١) قىء الزنابير

مدح وذم ، وعين الشيء واحدة

ان البيان يرى الظلماء كالنور (٨٢)

__________________

(٧٦) فى نسخة (س) «حرجة».

(٧٧) فى نسخة (ط) «تحط» بدل «تحث».

(٧٨) مثل يضرب عند العرب ، ومعناه : أن الدهر لا يدعو لك بالانتعاش اذا عثرت.

(٧٩) فى نسخة (س) «وذكر» بدل «وتذكر».

(٨٠) تتلخص قصة الزبرقان بن بدر فى : أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عمرو ابن الاهتم عن الزبرقان بن بدر ، فقال : «مانع لحوزته ، مطاع فى أدنيه» فقال الزبرقان : أما أنه قد علم أكثر مما قال ، ولكنه حسدنى شرفى ، فقال عمرو : «أما لئن قال ما قال : فو الله ما علمته الا ضيق الصدر ، زمر المروءة ، لئيم الخال ، حديث الغنى» ، فلما رأى عمرو أنه قد خالف قوله الاول ، ورأى الانكار فى عينى الرسول ، قال : «يا رسول الله ، رضيت ، فقلت أحسن ما علمت ، وغضبت فقلت أقبح ما علمت ، وما كذبت فى الاولى ، ولقد صدقت فى الاخرى» فقال الرسول عند ذلك : «ان من البيان لسحرا».

أنظر : الجاحظ فى «البيان والتبيين». ج ١ ص ٥٢.

(٨١) فى نسخة (ط) «فقل».

(٨٢) فى نسخة (ط ، س) «فى النور» بدل «كالنور».


٦  ـ  «بليش مالقة» (٨٣)

قلت : فبليش؟

قال : جادها المطر الصيب ، فنعم البلد الطيب ، حلى ونحر ، (وبر) ولوز وتين ، وسبب من الامن متين ، وبلد أمين ، وعقار ثمين ، وفواكه عن شمال ويمين ، وفلاحة مدعى انجابها لا يمين. الا أن التشاجر بها أنمى من الشجر ، والقلوب أقسى من الحجر ، ونفوس أهلها بينة الحسد والضجر ، وشأنها غيبة ونميمة ، وخبث (٨٤) مائها  ـ  على ما سوغ الله من آلائها  ـ  تميمة (٨٥).

٧  ـ  «قمارش» (٨٦)

قلت فقمارش؟

قال : مودع الوفر ، ومحط السفر ، ومزاحم الفرقد (٨٧) والغفر (٨٨) ، حيث الماء المعين ، والقوت المعين. لا يخامر قلب

__________________

(٨٣) هى بالاسبانية «Velez Malaga» موقعها غرب مدينة مالقة على مسافة ٣٤ كم. وقد تحدث ابن بطوطة عنها فى «الرحلة» بما يؤيد وصف ابن الخطيب هنا (رحلة ابن بطوطة ج ٢ ص ١٨٧).

(٨٤) فى نسخة (ر ، س) «وخبيث».

(٨٥) التميمة : تجمع على تمائم ، وهى للاطفال مثلا ما يوضع على صدورهم أو جباههم من تعاويذ ، يعتقد أهلوهم أنها تقيهم شر الجوائح وعين الحسود ، قال الشاعر :

واذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

والقصد فى موضوعنا : أن المؤلف يعلل لخبث ماء بليش ، بأنه تعويذة من حسد الحساد ، لما أنعم الله به عليها من النعم التى عددها.

(٨٦) قمارش : هى «Comares» احدى الحصون الهامة أيام مملكة غرناطة ، وتقع قربها.

(٨٧) الفرقد : البقر الوحشى.

(٨٨) الغفر : ولد الوعل.



الثائر به خطرة وجله ، الا من أجله. طالما فزعت اليه نفوس الملوك الاخائر بالذخائر ، وشقت عليه أكياس المرائر فى الضرائر. وبه الاعناب التى راق بها الجناب ، والزياتين ، واللوز والتين ، والحرث الذي له التمكين ، والمكان المكين. الا أنه عدم سهله (٨٩) ، وعظم جهله ، فلا يصلح فيه الا أهله.

٨  ـ  «المنكب» (٩٠)

قلت : (١٠٥ : أ) فالمنكب؟

قال : مرفأ السفن ومحطها ، ومنزل عباد المسيح ومختطها. بلدة معقلها منيع ، وبردها صنيع ، ومحاسنها غير ذات تقنيع. والقصر المفتح الطيقان ، المحكم الاتقان ، والمسجد المشرف المكان ، والاثر المنبئ عن كان وكان ، كأنه مبرد واقف ، أو عمود فى يد مثاقف. قد أخذ من الدهر الامان ، وتشبه بصرح هامان (٩١) ، وأرهفت جوانبه بالصخر المنحوت ، وكاد أن يصل (ما) بين الحوت والحوت (٩٢). غصت

__________________

(٨٩) يرمى بهذه الكناية الى سوء خلق أهل البلد.

(٩٠) المنكب : مرفأ ساحلى مرتفع ، يقع جنوب شرق الاندلس بمقاطعة غرناطة ، يدعى الآن «Almunecar وقد نزل الامير الاموى عبد الرحمن بن معاوية بهذا الميناء عند دخوله الاندلس فى ربيع الاول ١٣٨ ه‍  ـ  سبتمبر ٧٥٥ م ، وهذا الامير هو الذي عرف بعدئذ بلقب «الداخل».

راجع : الادريسى فى «نزهة المشتاق»  ـ  ص ١٩٩  ـ  نشر دوزى ١٨٦٦ م ، وكذا «الروض المعطار للحميرى ص ١٨٦.

(٩١) يرمى الى الصرح الذي أمر فرعون وزيره هامان بتشييده له ، فى قوله تعالى : «وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من اله غيرى ، فأوقد لى يا هامان على الطين ، فاجعل لى صرحا لعلى أطلع الى اله موسى ، وانى لأظنه من الكاذبين» القصص : ٣٨.

(٩٢) يعنى بالحوت الاول : السمك ، وبالآخر : نجم ، كناية عن عظم ارتفاع القصر.



ـ  بقصب السكر  ـ  أرضها ، واستوعب بها (٩٣) طولها وعرضها ، زبيبها فائق ، وجنابها رائق.

وقد مت  ـ  اليها  ـ  جبل الشوار (٩٤) بنسب الجوار. منشأ الاسطول ، بعدته (٩٥) غير ممطول ، وأمده لا يحتاج الى الطول. الا أن اسمها مظنة طيرة تشتنف (٩٦) ، فالتنكيب  ـ  عنها  ـ  يؤتنف (٩٧). وطرقها (٩٨) يمنع شر سلوكها من تردد ملوكها ، وهواؤها فاسد ، ووباؤها مستأسد ، وجارها حاسد. فاذا التهبت السماء ، وتغيرت بالسمائم (٩٩) المسميات والاسماء ، فأهلها  ـ  من أجداث بيوتهم  ـ  يخرجون (١٠٠) ، والى جبالها يعرجون. والودك اليها مجلوب ، والقمح بين أهلها مقلوب ، (١٠٥ : ب) والصبر  ـ  ان لم يبعثه البحر  ـ  مطلوب (١٠١) ، والحرباء  ـ  بعرائها  ـ  مصلوب (١٠٢) ، والحر  ـ  بدم الغريب  ـ  مطلوب (١٠٣).

__________________

(٩٣) فى نسخة (ر) «فيها» بدل «بها».

(٩٤) يقصد به جبل «Sierra del Cazulas»

راجع فى هذا كلا من الحميرى فى «الروض المعطار» ص ١١٢ ، وكذا :

«سيمونيت» فى تحقيقه ص ٤٧.

(٩٥) فى نسخة (ط) «فوعدها».

(٩٦) فى نسخة (س) «تستنف».

(٩٧) يؤتنف : يبتدئ.

(٩٨) فى نسختى (س ، ط) «وطريقها».

(٩٩) السمائم : الريح الحارة.

(١٠٠) اقتباسا من قوله تعالى : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً ، كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) سورة المعارج ، آية : ٤٣.

(١٠١) لعله يقصد أن القمح هو الآخر يجلب من الخارج ، ثم يصرف بين أهل المدينة ، فان لم تأت به السفن فالصبر نافذ.

(١٠٢) لعل السبب لهذا شدة الحرارة ، كما أسلف ، ويبقى الاعتراض على تذكير «مصلوب» والحرباء مؤنثة ، وعلى هذا المرجع أنه يقصد بالحرباء قاطع الطريق العاتى ، بدليل ما بعده ، ويميل «سيمونيت» الى ذلك.

راجع : سيمونيت فى تحقيقه ص : ٤٧.

(١٠٣) ربما يرمى بذلك الى أن أهلها شرار يعترضون طريق الغريب ، بغية السلب ، ولو أدى بهم ذلك الى قتل الغريب ، ومن ثم يكون القصاص منهم.


٩  ـ  «شلوبانية» (١٠٤)

قلت : فشلوبانية؟

قال : أختها الصغرى ، ولدتها التى يشغل بها المسافر ويغرى ، حصانة معقل ، ومرقب متوقل ، وغاية طائر ، وممتنع ثائر ، ومتنزه زائر ، تركب  ـ  بدنها  ـ  الجداول المرفوعة ، وتخترق  ـ  جهاتها  ـ  المذانب المفردة والمشفوعة ، ففى المصيف تلعب بالعقل الحصيف ، وفى الخريف تسفر عن الخصب والريف. وحوت هذه السواحل أغزر من رمله ، تغرى (١٠٥) القوافل الى البلاد بحمله (١٠٦) ، الى الخضر الباكرة ، والنعم الحامدة للرب الشاكرة. وكفى بمترايل (١٠٧) من بسيطها محلة مشهورة ، وعقيلة ممهورة ، ووداعة فى السهل غير مبهورة (١٠٨). جامعها حافل ، وفى حلة الحسن رافل. الا أن أرضها مستخلص السلطان بين الاوطان ، ورعيتها عديمة الاعيان ، مروعة على الاحيان. وتختص

__________________

(١٠٤) شلوبانية : بلدة على ساحل البحر الابيض المتوسط ، تبعد بمسافة ١٦ كلم شرق المنكب ، وتعرف فى الاسبانية باسم «Salobrena» تحيط بها الجبال من الشمال والغرب ، وبها حصن أندلسى من أهم الآثار الاندلسية ، وهو يشرف على المدينة من ناحية الشرق من ارتفاع شاهق ، وقد سقطت شلوبانية فى يد الاسبان فى نفس العام الذي سقطت فيه المنكب ، أى عام ١٤٨٩ م ، والى شلوبانية ينتسب امام النحو الاندلسى «أبو على الشلوبين» المتوفى باشبليلية عام ٦٤٥ ه‍ (١٢٤٧ م).

(١٠٥) فى نسخة (س) «تغدو».

(١٠٦) فى نسخة (س) «تحمله».

(١٠٧) مدينة تسمى الآن «Motril» ، يبلغ تعداد سكانها حاليا ٠٠٠. ٥٠ نسمة تقريبا ، تبعد عن مالقة بنحو ١٠٧ كم ، كما تبعد عن مدينة غرناطة شرقا بنحو ٧٤ كم تجاه ساحل البحر الابيض المتوسط ، تشتهر بزراعة قصب السكر ، ولها أهمية اقتصادية بين مدن غرناطة ، حيث أنها مركز هام للمواصلات.

(١٠٨) غير مبهورة : غير مفضولة.


شلوبانية بمزية البنيان ، ولكنها غاب الحميات ، غير أمينة على الاقتيات ، ولا وسيمة الفتيان ولا الفتيات (١٠٩).

١٠  ـ  «برجة» (١١٠)

قلت : فبرجة؟

قال : تصحيف وتحريف ، وتغيير فى تعريف (١١١). ما هى الا بهجة ناظر ، وشرك خاطر ، ونسيجة (١٠٦ : أ) عارض ماطر ، ودارين (١١٢) نفس عاطر. عقارها ثمين ، وحرمها أمين ، وحسنها باد وكمين ، عقود أعنابها قد قرطت آذان الميس (١١٣) والحور (١١٤) ، وعقائل أدواحها مبتسمة عن ثغور النور. وسيطها متواضع عن النجد ، مرتفع عن الغور ، وعينها سلسالة ، وسبائك (١١٥) المذانب منها مسالة ، تحمل الى كل جهة رسالة ، ودورها فى العراء مبثوثة (وركائب النواسم بينها محثوثة) ، لا تشكو بضيق الجوار ، واستكشاف العوار ، وتزاحم الزوار.

مياه وظلال ، وسحر حلال ، وخلق دمث كثراها ، ومحاسن متعددة كقراها ، ولطافة كنواسمها عند مسراها ، وأعيان ووجوه ، نجل العيون ،

__________________

(١٠٩) فى نسختى (ط ، س) «والفتيات» بدون «لا».

(١١٠) برجه : هى «Berja» تقع شرق الاندلس ، وتتبع اقليم المرية.

(١١١) يصح أن يكون اسم المدينة مصحف عن «بهجة» ومحرف عن «برج» ، وتقرأ معرفة «البرج» ، وهذا مقصد ابن الخطيب من تعبيره عنها.

(١١٢) دارين : مكان بالبحرين يجلب اليه المسك من الهند ، وينسب اليها. وقد ورد هذا المكان كثيرا فى الاشعار العربية ، قال بعضهم :

يمرون بالدهنا خفافا عيابهم

ويرجعون من دارين بجر الحقائب

(١١٣) الميس : نوع من الشجر. يوصف بضخامة الادواح والغصون.

(١١٤) الحور : نوع من الكروم ينهض على ساق.

(١١٥) فى نسخة (ط) «وسنابك».


بيض الوجوه ، غلتهم الحرير ، ومجادتهم غنية عن التقرير. الا أن متبوأها بسيط مطروق ، وقاعدتها فروق (١١٦) ، ووتدها مفروق (١١٧) ، ومعقلها خرب ، كأنه أحدب جرب ، ان لم ينقل اليه الماء ، برح به الظماء ، ولله در صاحبنا اذ يقول :

يا بسيطا بمعانى برجه

أصبح الحسن به مشتهرا

لا تحرك بفخار مقولا

فلقد ألقمت منها حجرا

والبر بها نزر الوجود ، واللحم تلوه وهما طيبتا الوجود ، والحرف (١٠٦ : ب) بها ذاوية العود ، والمسلك اليها بعيد الصعود.

١١  ـ  «دلاية» (١١٨)

قلت : فدلاية؟

قال خير رعاية وولاية ، حرير ترفع عن الثمن ، وملح يستفد على الزمن ، ومسرح معروف ، وأرض ينبت بها جبن وخروف. الا أنها لسرايا العدو البحرى مجر العوالى ، ومحل الفتكات على التوالى ، فطريقها صوى (١١٩) ومشاهد ، والعارف  ـ  فى مثلها  ـ  زاهد.

__________________

(١١٦) قاعدتها فروق : أى أن أرضها عرضة للغارات ، التى تجعلها جزعة يتملكها الخوف.

(١١٧) وتدها مفروق : كناية عن أن مبانيها يفرقها نهر أو واد مثلا ، والتعبير اصطلاح عروضى ، والتورية واضحة.

(١١٨) دلاية : هى «Dalias» احدى القرى التابعة لولاية المرية ، تبعد بنحو ٩ كم جنوب شرق برجة.

(١١٩) صوى : ما يوضع فى الطرق من أحجار كعلامات ، وفى نسخ (س ، ط ، ر) «هوى». وقد أوردها «سيمونيت» هكذا ، ولعل الصواب فى نسختنا.


١٢  ـ  «المرية» (١٢٠)

قلت : فمدينة المرية؟

قال : المرية هنية مرية ، بحرية برية ، أصيلة سرية ، معقل الشموخ والاباية ، ومعدن المال وعنصر الجباية ، وحبوة الاسطول (١٢١) ، غير المعلل بالنصر ولا الممطول ، ومحط التجار ، وكرم النجار ، ورعى الجار. ما شئت من أخلاق معسولة ، وسيوف من الجفون السود مسلولة ، وتكك محلولة ، وحضارة تعبق طيبا ، ووجوه لا تعرف تقطيبا ، ولم تزل  ـ  مع الظرف  ـ  دار نساك ؛ وخلوة اعتكاف وامساك.

__________________

(١٢٠) المرية «Almaria» مدينة كبيرة جنوب شرق الاندلس ، ومن أجمل الثغور والمدن الاندلسية ، وهى عاصمة الولاية المسماة ، بهذا الاسم ، يبلغ سكانها اليوم ٠٠٠. ٨٥ نسمة تقريبا ، وأهم صادراتها الحديد والرصاص والفاكهة ، وكانت فى العهد الاسلامى من أهم ثغور الاندلس الجنوبية ، بناها الخليفة الاموى عبد الرحمن الناصر عام ٣٤٤ ه‍  ـ  ٩٥٥ م ، وسقطت فى يد الاسبان فى فبراير ١٤٩٠ م (٨٩٥).

راجع : الروض المعطار للحميرى ص ١٨٣ ، ١٨٤ ، وكذلك ما ذكره المستشرق «زيبولد» بدائرة المعارف الاسلامية ، عن وضعية هذه المدينة فى العهد الاسلامى ص ٣١٩ (Zeybold ,Enc.ISI ,l ,P.٣١٩)

(١٢١) يقصد القاعدة التى هى مرسى الاسطول.

(١٢٢) فى نسختى (س ، ر) «وأنف» وهكذا ورد عند «سيمونيت» ، فلعل الصواب فى نسختنا ، اذ يرمى المؤلف بتعبيره هذا الى أن معظم اسم المدينة يعنى «المرارة» التى ذاقها العدو فانقلب عنها.



أرغم أهلها أنف الصليب ، لما عجم منها بالعود الصليب ، وألف (١٢٢) لامها وألفها حكم التغليب ، فانقلب منها آيسا (١٢٣) عند التغليب :

يسأل عن أهل المرية سائل

وكيف ثبات القوم والروع باسر

(١٠٧ : أ)

قطا دارج فى الرمل فى يوم لذة

ولهو ، ويوم الروع فتخ كواسر (١٢٤)

بحرها مرفأ السفن الكبار ، وكرسيها هو العزيز عند الاعتبار ، وقصبتها سلوة الحزين ، ومودع الخزين ، وفلك المنتزين. وهى محل الغلل (١٢٥) المجدية ، والاندية (١٢٦) المشفوعة الاردية ، ولواديها المزية على الاودية. حجة الناظر المفتون ، المكسو الغصون (١٢٧) والمتون ، بالاعناب والزيتون.

__________________

(١٢٣) ينبغى أن نشير هنا الى هذه المؤامرة السرية الخطيرة التى تمت بين قشتالة وأراجون على غزو مملكة غرناطة فى آن واحد عام ١٣٠٩ م (٧٠٩ ه‍). وتتلخص هذه المؤامرة فى أن تهاجم الجيوش القشتالية مدينة الجزيرة الخضراءAlgociras بالجنوب ، بينما تهاجم الاساطيل الارجونية ثغور المرية من الشرق ، ويتابع الطرفان هجومهما حتى يتقابلا فى غرناطة نفسها ، وقد تعرضت مدن أندلسية كثيرة لشر هذا الاتفاق ، وكانت المرية أكثر المدن ابتلاء بهذا الهجوم ، وقد فشل المشروع الهجومى بصمود هذه المدن.

أنظر : ابن القاضى فى «درة الحجال فى غرة اسماء الرجال» ج ١ ص : ٧١ وما بعدها ، نشر علوش. الرباط ١٩٣٤ م ، وقد ترجم النص الى عدة لغات ، منها ترجمة اسبانية لسانشث البرانث فى : Sachez, Alborenez, La Espana Musulmana, P.

٣٩٢  ـ  ٣٨٦.

(١٢٤) فتخ : الاسد ذوات الكف العريض.

(١٢٥) فى نسختى (س ، ط) «والحلل».

(١٢٦) فى نسخة (ط) «والاردية».

(١٢٧) فى نسخة (ط) «الخصور».


بلد الخام (١٢٨) ، والرخام ، والذمم الضخام ، وحمتها (١٢٩) بديعة الوصف ، محكمة الوصف ، مقصودة للعلاج والقصف. حرها شديد ، ودكرها طويل مديد ، وأثرها على البلى (١٣٠) جديد. الا أن مغارمها ثقيلة ، وصفحة جوها  ـ  فى المحول  ـ  صقيلة ، وسماؤها بخيلة ، وبروقها لا تصدق منها مخيلة ، وبلالة النطية منزورة العطية ، وسعرها من الاسعار غير الوطية. ومعشوق البر بها قليل الوصال ، وحمل البحر صعب الفصال (١٣١) ، وهى متوقعة الا أن يقى الله طلوع النضال ، وعادة المصال (١٣٢).

١٣  ـ  «طبرنش» (١٣٣)

قلت : فطبرنش ، من شرقيها؟

قال : حاضرة البلاد الشرقية (١٣٤) ، وثنية البارقة الافقية. ما شئت من تنجيد بيت ، وعصير زيت (١٣٥) ، (١٠٧ : ب) واحياء أنس

__________________

(١٢٨) فى نسختى (ط ، ر) «الكتان» ففى نسختنا أعم.

(١٢٩) حمتها : لا يقصد بلدة الحامة «Alhama» التى سيفرد ابن الخطيب لها وصفا خاصا بها بعد قليل. وانما يقصد العين الحارة الخاصة بالمرية ، وذلك خلافا لما ذكر د. العبادى فى «المشاهدات».

(١٣٠) فى نسخة (ر ، س) «البلاد» ، وقد أوردها «سيمونيت» كذلك ، ولعلها فى نسختنا أصوب.

(١٣١) فى نسختى (ر ، ط) «العضال» وقد أوردها «سيمونيت» كذلك ، ولعل الصواب فى نسختنا ، فهو يعنى أن حمل السفن من قمح وخلافه صعب الفصال ، وهو كناية عن قلة البر وغلاؤه.

(١٣٢) المصال : الكفاح.

(١٣٣) طبرنش : هى «Tabernas» وتعنى باللاتينية : حوانيت وأكواخ.

أنظر : سيمونيت فى تحقيقه.Simonet.O.P.Cit.P. ١٠٣.

(١٣٤) فى نسخة أخرى «البلاد المشرقية».

(١٣٥) فى نسخة (س) «وعصر الزيت».


ميت ، وحمام طيب ، وشعب تنثر فيه دنانير أبى الطيب (١٣٦). الا أنها محيلة الغيوث ، عادية الليوث ، متحزبة الاحزاب (١٣٧) شرهة الاعزاب. ولو شكر  ـ  الغيث  ـ  شعيرها ، أخصبت  ـ  البلاد  ـ  عيرها.

١٤  ـ  «بيرة» (١٣٨)

قلت : فبيرة؟

قال : بلدة صافية الجو ، رحيبة الدو (١٣٩) ، يسرح بها البعير ، ويجم بها الشعير ، ويقصدها  ـ  من مرسية وأحوازها  ـ  العير ، فساكنها بين تجر وابتغاء أجر ، وواديها نيلى الفيوض والمدود ، مصرى التخوم والحدود ، ان بلغ الى الحد المحدود ، فليس رزقه بالمحصور ولا بالمعدود. الا أنها قليلة المطر ، مقيمة على الخطر ، مثلومة الاعراض والاسوار ، مهطعة لداعى البوار ، حليفة حسن مغلوب ، معللة بالماء المجلوب ، آخذة بأكظام القلوب ، خاملة الدور ، قليلة الوجوه والصدور ، كثيرة المشاجرة والشرور ، برها أنذر من برها فى المعتمر والبور ، وزهد أهلها فى الصلاة

__________________

(١٣٦) يرمى بذلك الى وصف المتنبى (٣٠٣  ـ  ٣٥٤ ه‍ / ٩١٥  ـ  ٩٦٥ م) لشعب بوان ، فى تساقط أشعة الشمس من خلال الاوراق على الارض ، وكأنها الدنانير ، وشعب بوان هو مكان بفارس قرب شيراز ، يوصف بكثرة المياه والاشجار.

قال المتنبى فى وصفه :

فدونا تنفض الاغصان فيه

على أعرافها مثل الجمان

فسرت وقد حجبن الشمس عنى

وجئن من الضياء بما كفانى

وألقى الشرق منها فى ثيابى

دنانير تفر من البنان

راجع : العرف الطيب  ـ  لليازجى ج ٧ ص ٦٠٣  ـ  ٦١٢.

(١٣٧) فى نسختى (ر ، س) «شريفة» فلعل الصواب فى نسختنا.

(١٣٨) بيرة : هى بالاسبانية «Vera» تقع شمال شرق مملكة غرناطة ، وهى بلدة مرتفعة ، على ساحل البحر الابيض المتوسط ، مما أكسبها أهميتها الحربية.

(١٣٩) الدو : الفضاء خارج المدينة.


شائع فى الجمهور ، وسوء ملكة الاسرى من الذائع (بها) (١٤٠) والمشهور.

(ما قام خيرك يا زمان بشره

أولى لنا ما قل منك وما كفى) (١٤١)

١٥  ـ  «مجاقر» (١٤٢)

قلت : فمجاقر؟

قال : حصن جديد ، وخير مديد ، وبحر ما على افادته مزيد ، (وخصب ثابت ويزيد) (١٤٣). ساكنه قد قضى  ـ  الحج  ـ  أكثره ، وظهر (١٠٨ : أ) عين الخير فيه وأثره ، الا أنه لا تلفى  ـ  به للماء  ـ  بلالة ، ولا تستشف للجود علالة.

١٦  ـ  «قنتورية» (١٤٤)

قلت : فقنتورية؟

قال يسار يمينها ، وغبار كمينها ، ومعمول يمينها ، يجود بها الجبن والعسل ، ومن دونها الاسل (١٤٥) ، وأما عن الخبز فلا تسل. وان كانت أحسن شكلا ، فأقل شربا وأكلا ، وأجفا أهلا ، وأشد جهلا ، وأعدم علا

__________________

(١٤٠) زيادة فى «س».

(١٤١) هذا البيت ورد فى النسخ الاخرى ، وأثبته «سيمونيت».

.١١٢ Simonet OP. Cit. P

(١٤٢) مجاقر : هى بالاسبانية «Mojacar» احدى قرى الاندلس الصغيرة ، ما زالت حتى اليوم ، وما زال نساؤها حتى الآن يرتدين الحجاب.

(١٤٣) زيادة فى «س ، ط».

(١٤٤) قنتورية : هى «Cantoria» تقع جنوب «برشانة» على نهر المنصورة.

(١٤٥) كناية عن بخل أهلها ، بدليل ما ذكره بعدئذ.


ونهلا ، وأهلها شرار ، أضلعهم بالظماء (١٤٦) حرار. لا تلفى بها نغبة (١٤٧) ماء ، ولا تعدم (١٤٨) مشقة ظماء ، ولا تتوج أفقها الا فى الندرة قزعة سماء.

١٧  ـ  «برشانة» (١٤٩)

قلت : فبرشانة؟

قال : حصن مانع ، وجناب يانع ، أهلها أولو عداوة لاخلاق البداوة ، وعلى وجوههم نضرة وفى أيديهم نداوة ، يداوون بالسلافة (١٥٠) علل الجلافة ، (ويؤثرون علل التخلف على لذة الخلافة) (١٥١) ، فأصبح ربعهم ظرفا ، قد ملئ ظرفا ، فللمجون به بسوق ، وللفسوق ألف سوق ، تشمر به الاذيال عن سوق. وهى تبين بعض بيان عن أعيان ، وعلى وجوه نسوانها طلاقة ، وفى ألسنتهم ذلاقة ، ولهن بالسفارة (١٥٢) فى الفقراء علاقة. (١٥٣) الا أن جفنها ليس بذى سور يقيه مما يتقيه ، ووغدها يتكلم بملئ فيه ، وحليمها يشقى بالسفيه ، ومحياها تكمن حية الجور فيه.

__________________

(١٤٦) فى نسختى (س ، ر) «بالظمإ» وهكذا أوردها «سيمونيت» ، ولعل الصواب فى نسختنا.

(١٤٧) النغبة : بالتشديد مع الفتح أو الضم ، بمعنى الجرعة من الماء.

(١٤٨) فى نسخة (س) «ولا يعدم».

(١٤٩) هى «Purchena وتقع على نهر المنصورة ، تتبع ولاية «المرية» ، ويوجد مكان آخر بهذا الاسم بولاية «جيان».

انظر «الروض المعطار» للحميرى ص ٥٢ حاشية ١.

(١٥٠) السلافة : أفضل أنواع الخمر ، اذ هى السائل قبل العصير.

(١٥١) هذه العبارة زائدة فى النسخ الاخرى ، والعلل هو الشرب للخمر المرة تلو المرة ، فأهل المدينة يؤثرون ذلك على لذة الملك.

(١٥٢) فى نسختى (س ، ر) «عن» ، وهو أصوب وأنسب.

(١٥٣) كناية عن اشتغال بعض نسائها بالقوادة.


١٨  ـ  «أورية» (١٥٣)

قلت : فأورية؟ (١٠٨ : ب).

قال : بلد الجبن والعسل (١٥٤) ، والهواء الذي يذهب بالكسل ، وأما عن الماء البرود فلا تسل. ادامه الصيد الذي لا يتعذر ، وقوته الشعير الذي يبذر. الا أنه بادى الوحشة والانقطاع ، والاجابة لداعى المخالفة (١٥٥) والاهطاع (١٥٦). وحش الجناب (١٥٧) ، عرى من ثمرات النخيل والاعناب ، حقيق لمعرة العدو والاجتناب.

١٩  ـ  «بليش الشقراء» (١٥٨)

قلت : فبليش؟

قال : ثغر قصى ، وقياد (١٥٩)  ـ  على الامن  ـ  عصى ، ويتيم ليس عليه  ـ  غير العدو  ـ  وصى. ماؤه معين ، وحوره عين ، وخلوته  ـ  على النسك وسواه  ـ  تعين. وبه الحمام ، والنطف الجمام (١٦٠) ، ولاهله بالصيادة اهتمام ، وعسله  ـ  اذا اصطفت العسول  ـ  امام. الا أنها

__________________

(١٥٣) هى المعروفة اليوم باسم «Oria» بولاية المرية.

(١٥٤) فى النسخ الاخرى «بلدة».

(١٥٥) فى نسخة أخرى «المخالفة».

(١٥٦) الاهطاع : الاسراع فى خوف.

(١٥٧) فى نسختى (س ، ر) «وحسن» هكذا أوردها «سيمونيت» ، وهو ما يتناسب مع السياق العام للوصف.

(١٥٨) هى «Velez Rubio» تقع قرب مدينة «لورقة» ، علاوة على «بليش البيضاء» Y en sun proximidales Velez Blancc

كما توجد بليش أخرى تدعى «Velez Malaga» وهى قرب «مالقة».

(١٥٩) فى النسخ الاخرى بحذف «وقياد».

(١٦٠) النطف الجمام : الماء الكثير.



بلدة منقطعة بائنة ، وبأحواز العدو كائنة ، ولحدود لورقة (١٦١)  ـ  فتحها الله  ـ  مشاهدة معاينة. وبرها الزهيد القليل يتحف به العليل ، وسبيل الامن اليها غير سبيل ، ومرعاها  ـ  لسوء الجوار  ـ  وبيل.

٢٠  ـ  «بسطة» (١٦٢)

قلت : فمدينة بسطة؟

قال : وما بسطة! بلد خصيب ، ومدينة لها من اسمها نصيب ، دوحها متهدل ، (١٦٣) وطيب هوائها غير متبدل ، وناهيك من بلد اختص أهله فى معالجة الزعفران ، وامتازوا به عن غيرهم من الجيران. عمت  ـ  أرضها  ـ  السقيا فلا تخلف ، وشملتها البركة يختص الله (١٦٤) ١٠٩ : أ) من يشاء ويزلف ، يتخلل  ـ  مدينتها  ـ  الجدول المتدافع ، والناقع للغلل (١٦٥) النافع. ثياب أهلها بالعبير تتأرج ، وحورها تتجلى وتتبرج وولدانها  ـ  فى شط انهارها المتعددة  ـ  تتفرج. ولها الفحص الذي يسافر فيه الطرف سعيا ، ولا تعدم السائمة به ريا ولا رعيا ، ولله در القائل :

ألجأنى الدهر الى عالم

يؤخذ منه العلم والدين (١٦٦)

فى بلدة عوذت نفسى بها

اذ فى اسمها طه وياسين

__________________

(١٦١) لورقة : مدينة تبعد عن مرسية بنحو ٦٠ كم على مرتفع جبلى ، فهى قلعة مرسية فى الحروب الاسلامية النصرانية ، وقد سقطت لورقة هذه فى يد الاسبان عام ١٢٤٨ م (٦٤٥ ه‍).

راجع : الروض المعطار ص ١٧١.

(١٦٢) بسطة : تعرف الآن فى الاسبانية باسم «Baza» تقع شمال شرق غرناطة بنحو ٢٥ كم.

(١٦٣) فى نسختى (س ، ر) «متدل».

(١٦٤) فى نسختى (ط ، ر) «تختص».

(١٦٥) فى نسخة (ط) «للعلل».

(١٦٦) فى نسخة (ط) يتأخر البيت الاول عن الثانى ، وهو ما لا يتناسب والسياق العام ، وهكذا أوردها سيمونيت دون اشارة الى نسختنا.


الا أن ترتبها تفضح البناء ، وان صحبة الاعتناء ، فأسوارها تسجد عند الاقامة ، وخندقها  ـ  لاكسارها  ـ  تلقامة ، فهى  ـ  لذلك  ـ  غير دار (١٦٧) مقامة ، ورياحها عاصفة ، ورعودها قاصفة ، وحاميتها تنظر الى الهياج ، من خلف سياج ، فالعدو فيها شديد الفتكات ، معمل الحركات ، وساكنها دائم الشكات ، وحدها فليل ، وأعيانها قليل (١٦٨) ، وعزيزها  ـ  لتوقع المكروه  ـ  ذليل.

٢١  ـ  «أشكر» (١٦٩)

قلت : فأشكر؟

قال : نعم البسيط المديد ، والرزق الجديد ، والتقى (١٧٠) العديد ، والصيد والقديد (١٧١) ، تركب الجداول فحصها ، ويأبى الكمال نقصها ، ويلازم ظل الخصب شخصها. مسرح البهائم ، ومعدن الرعى الدائم. الا أن معقلها لا يمنع ، ومكانها يحوم عليه (١٠٩ : ب) الحادث الاشنع ونفوس أهلها مستسلمة لما الله يصنع.

__________________

(١٦٧) فى نسخة (ط) «خير» ، وهو ما لا يتناسب والسياق العام لوصف طبيعة البلد ، وقد أوردها سيمونيت كذلك مخالفة لنسختنا.

(١٦٨) هذه الجملة زائدة فى نسختنا ، دون النسخ الاخرى.

(١٦٩) أشكر : هى «Huescat» تتبع ولاية غرناطة ، موقعها شمال بسطة ، ويشير «سيمونيت» عند ذكر هذه المدينة الى المنازعات التى كانت بين المسلمين والنصارى أيام ابن الخطيب.

راجع : Simonet.OP.Cit.p. ٦٣.

(١٧٠) فى نسخة (ط) «والسعى».

(١٧١) فى نسختى (ر ، س) «القديد» بدون الواو.


٢٢  ـ  «أندرش» (١٧٢)

قلت : فأندرش؟

قال : عنصر جباية ، ووطن بهم (١٧٣) أولو اباية ، حريرها ذهب ، وتربها تبر منتهب (١٧٤) ، وماؤها سلسل ، وهواؤها لا يلفى معه كسل. الا أنها ضيقة الاحواز والجهات ، كثيرة المعابر والفوهات. أعرابها أولو استطالة ، وابناء مترفيها كثير والبطالة ، فلا يعدم ذو الزرع عدوانا ، ولا يفقد عير الشر نزوانا ، وطريقها غير سوى ، وساكنها ضعيف يشكو من قوى.

٢٣  ـ  «شبالش» (١٧٥)

قلت : فشبالش؟

قال : معدن حرير خلصت سبائكه ، وأثرى بزازه وحائكه ، وتهدلت حجاله وتمهدت آرائكه ، وجباية سهل اقتضاؤها ، وجمت بيضاؤها. الا

__________________

(١٧٢) أندرش : هى «Andorax» تتبع المرية ، مدينة صغيرة ، توجد الآن قرب ولايتها ، واسمها يطلق على نهر هناك ينبع من جبل الثلج Sierra Nevada ويصب فى البحر الابيض المتوسط.

(١٧٣) فى نسخة (ر) «به» بدل «بهم» ، والبهم بضم ففتح ج بهمة ، وهو الشجاع ، يقول البوصيرى :

طارت قلوب العدا من بأسهم فرقا

فما تفرق بين البهم والبهم

(١٧٤) فى نسختى (س ، ر) «ملتهب» هكذا أوردها «سيمونيت» ، ولعل الصواب فى نسختنا.

(١٧٥) فى نسخة (ط ، ر) «الفرج» ، هكذا أوردها سيمونيت ، وهو ما لا يتناسب والسياق ، فلعل الصواب فى نسختنا.

(١٧٥) تسمى بالاسبانية «Jubles» موقعها بأطراف جبل الثلج «Sierra Nevada» وكانت عبارة عن حصن فى العصور الاسلامية ، وقد تحدث «سيمونيت» عن هذا الحصن وأهميته فى الحروب الاهلية ، التى كانت تنشب فى غرناطة على مر عصورها الاسلامية المختلفة.

راجع فى هذا : «سيمونيت» ص ١٠٢.


أنه وطن عدم ادامه ، وبيت ظهر اهتدامه ، وفقدت به حيل التعيش وأسبابه ، ومحل لا يقيم به الا أربابه.

٢٤  ـ  «وادى آش» (١٧٦)

قلت : فمدينة وادى آش؟

قال : مدينة الوطن ، ومناخ من عبر أو قطن ، للناس ما بدا (١٧٧) ولله ما بطن. وضع سديد ، وبأس شديد ، ومعدن حديد ، ومحل عدة وعديد ، وبلد لا يعتل فيه الا النسيم ، ومرأى يخجل منه الصباح الوسيم. كثيرة الجداول والمذانب ، مخضرة الجوانب. الى (١١٠ : أ) الفواكه الكثيرة ، والكروم الاثيرة ، والسقى الذي يسد الخلة ، ويضاعف الغلة. وسندها معدن الحديد والحرير ، ومعقلها أهل للتاج والسرير. وهى دار أحساب ، وارث واكتساب ، وأدب وحساب. وماؤها مجاج الجليد ، وهواؤها يذكى طبع البليد. الا أن ضعيفها يضيق عليه المعاش ، وناقهها يتعذر عليه الانتعاش ، وشيخها يسطو على عصبة الارتعاش (١٧٨). فهى ذات برد ، وعكس وطرد ، ما شئت من لحى راعد ، ومقرور على الجمر قاعد ، ونفس صاعد ، وفتنة يعد بها واعد ، وشرور تسل الخناجر ، وفاجر يسطو بفاجر ، وكلف بهاجر (١٧٩) ، واغتمام تبلغ به القلوب الحناجر ، وزمهرير تجمد له المياه فى ناجر شهر (١٨٠). وعلى ذلك فدرتها

__________________

(١٧٦) وادى آش : هى «Guadix» تقع شمال شرق غرناطة ، على نهر «فردس» وتبعد عن غرناطة بنحو ٥٥ كم.

راجع : الحميرى فى : «الروض المعطار» ص ١٩٢  ـ  ١٩٣ نشر ليفى بروفنسال.

(١٧٧) فى نسخة (ط) «ما ظهر».

(١٧٨) فى نسختى (ط ، س) «وشيخها يخطو على قصبة الارتعاش».

(١٧٩) الهاجر : الفحش والبذىء من القول.

(١٨٠) شهر ناجر : كل شهر من شهور الصيف ، لان الابل تنجر فيه أى تعطش.


أسمح (١٨١) للحالب ، ونشيدتها أقرب للطالب ، ومحاسنها أغلب والحكم للغالب.

٢٥  ـ  «فنيانة» (١٨٢)

قلت : ففنيانة؟

قال : مدينة ، وللخير خدينة ، ما شئت من ظبى غرير ، وعضب طرير (١٨٣) ، وغلة وحرير ، وماء نمير ، ودوام للخزين (١٨٤) وتعمير. الا أن بردها كثير ، وودقها نثير ، ووشرارها لهم فى الخيار تأثير.

٢٦  ـ  «مدينة غرناطة» (١٨٥)

قلت : فمدينة غرناطة؟

قال : حضرة سنية ، والشمس (بها) عن مدح المادح غنية ،

__________________

(١٨١) فى نسختى (س ، ر) «اسمع» وهكذا أوردها «سيمونيت» ، ولكنها فى نسختنا أصوب.

(١٨٢) هى «Finana» تقع ضمن مقاطعة المرية على مسافة ٣٠ كم. جنوب شرق وادى آش.

راجع : الحميرى فى «الروض المعطار» ، ص ١٧٢ حاشية ٢.

(١٨٣) عضب طرير : سيف ذى حد مرهف.

(١٨٤) فى نسختى (س ، ر) «للتخزين».

(١٨٥) هى Granada ومعناها «الرمانة» ، وهى شعارها التاريخى ، تقع فى واد عميق ، يمتد من المنحدر الشمالى الغربى لجبال «سيير انيفادا» ويحدها من الجنوب نهر شنيل فرع الوادى الكبير ، ويخترق فرعه «حدره» المدينة من الوسط ، والى يمينه يقع حى البيازين ، ومعظم المدينة الحديثة ، وتقع قصبة الحمراء فى الناحية الاخرى. وقد سقطت غرناطة بالتسليم فى يد الملكين الكاثوليكيين «فرناندو وايزابيلا» فى ٢ يناير ١٤٩٢ م (٢ ربيع الاول ٨٩٧ ه‍).

وهى خاتمة الفتوح التى توجت حروب الاستردادla Reconquista لذلك تحظى



كبرت عن قيل وقال ، وجلت عن (١١٠ : ب) وامق (١٨٦) وقال (١٨٧) ، وقيدت العقل بعقال ، وأمنت حال حسنها من انتقال. لو خيرت فى حسن الوضع لما زادت وصفا ، ولا أحكمت رصفا ، ولا أخرجت

__________________

غرناطة بمنزلة خاصة فى نفوس الاسبان ، وفى التاريخ الاسبانى كذلك ، فهى المرقد الابدى لفاتيحها الكاثوليكيين ، كما حباها ملوك اسبانيا بعنايتهم ، وفى مقدمتهم الامبراطور «شارلكان» الذي أسس جامعتها الشهيرة. وغرناطة اليوم ولاية ومدينة ، فكونها ولاية تشمل مساحة قدرها ٠٠٠. ٥ ميل مربع يحدها البحر من الجنوب ، ومن الشمال ولايات قرطبة وجيان ، ومن المشرق ولايتا المرية ومرسية ، ومن الغرب ولاية مالقة ، وتخترقها وتظللها جبال الثلج «سيير انيفادا» ويرويها كل من نهر الوادى الكبير وفرعه نهر شنيل ، وجوها حار ، ولا سيما فى الوديان المنخفضة ، وباردة فى التلال ، وتربتها خصبة جدا ، ولا سيما فى المغرب والجنوب ، ويبلغ سكان الولاية ٠٠٠. ٥٠٠. ١ نسمة تقريبا ، ويتبعها من المدن : وادى آش ، واشكر ، ومترايل ، والحامة ، وسنتافى ، ولوشه ، وحصن اللوز ، ومونتى فريو ، وأجيجر ، وبسطة ، والمنكب ، وأرجية ، وشلوبانية. وغرناطة العاصمة حاليا ثلاثة أقسام ، هى : أنتكيرويلا ، وغرناطة ، والبيازين. وهى مدينة زراعية صناعية ، ويبلغ عدد سكانها اليوم حوالى ٠٠٠. ١٧٠ نسمة ، وتمتاز بكثرة منشآتها العلمية والفنية ، وقد تأسست جامعتها عام ١٥٣١ م فى عصر الامبراطور شارلكان ، وقد بارك المشروع «البابا كليمنت السابع» وأصدر مرسوما بانشاء الجامعة التى تشتمل على كليات ، هى : الفلسفة والآداب ، والعلوم ، والحقوق ، والطب ، والصيدلة. ويلحق بكلية الآداب  ـ  معهدان هما : معهد تاريخ الملكين الكاثوليكيين ، وقد أنشئ عام ١٩٤٣ م ، والثانى مدرسة الابحاث العربية بغرناطة ، والتى تعمل بالتعاون مع مدرسة «بيجيل آنسن» للدراسات العربية بمدريد ، ويصدران معا «مجلة الاندلس» ، وبغرناطة عدة متاحف ، منها متحف الحمراء ، والمتحف الاثرى ، ومتحف البلدية. أما المعالم والآثار الاندلسية الباقية فهى : الحمراء ، وحى البيازين ، وميدان باب الرملة ، والقيسرية ، والمدرسة ، والخان ، والابواب والاسوار ، وقصر شنيل.

راجع : رحلة ابن بطوطة لهذه المدينة ، ج ٢ ص ١١٨٧ ، ٦٨  ـ  ٢٧ ، وكذا : Simonet, OP. Cit.

(١٨٦) الوامق : المحب.

(١٨٧) القال : الكاره.



أرضها ريحانا ولا عصفا (١٨٨) ، ولا أخذت بأشتات المذاهب ، وأصناف المواهب جدا و (لا) قصفا. كرسيها ظاهر الاشراف ، مطل على الاطراف ، وديوانها مكتوب بآيات الانفال والاعراف ، وهواؤها صاف ، وللانفاس مصاف. حجبت  ـ  الجنوب عنها  ـ  الجبال ، فأمن (١٨٩) الوباء والوبال ، وأصبح ساكنها عير مبال ، وفى جنه من النبال ، وانفسحت للشمال (١٩٠) ، واستوفت الشروط على الكمال ، وانحدر منها مجاج الجليد على الرمال. وانبسط  ـ  بين يديها  ـ  المرج الذي نضرة النعيم لا تفارقه ، ومدارى النسيم تفلى بها مفارقه. ريع من واديه بثعبان مبين ، ان لدغ تلول شطه تلها للجبين ، وولدت حيات المذانب عن الشمال واليمين (١٩١) ، وقلد منها اللبات سلوكا تأتى (١٩٢) من الحصباء بكل در ثمين ، وترك الارض مخضرة ، تغير من خضراء السماء ضرة ، والازهار مفترة ، والحياة الدنيا  ـ  بزخرفها  ـ  مغترة.

أى واد أفاض من عرفات

فوق حمرائها أتم أفاضة

(١١١ : أ) ثم لما استقر بالسهل يجرى

شق منها بحلة فضفاضة

كلما انساب كان عضبا صقلا

واذا ما استدار كان مفاضة (١٩٣)

__________________

(١٨٨) العصف : ورق الزرع.

(١٨٩) فى نسخة (س) «فأمنت».

(١٩٠) الشمال : رياح الشمال.

(١٩١) فى نسخة (س) «وولد حيات المذانب تأتى عن الشمال واليمين».

(١٩٢) فى نسختى (ر ، س) «تأثر» ، وهكذا أوردها سيمونيت ، والصواب فى نسختنا.

(١٩٣) مفاضة : درع.



فتعددت القرى والجنات ، وحفت  ـ  بالامهات منها  ـ  البنات ، ورف النبات ، وتدبجت الجنبات ، وتقلدت اللبات ، وطابت بالنواسم المهبات ، ودارت بالاسوار دور السوار المنى والمستخلصات ، ونصبت  ـ  لعرائس الروض  ـ  المنصات ، وقعد سلطان الربيع لعرض القصات ، وخطب بلبل الدوح فوجب الانصات ، وتموجت الاعناب ، واستبحر  ـ  بكل عذب الجنا  ـ  منها الجناب ، وزينت السماء الدنيا من الابراج العديدة بأبراج ، ذات دقائق وأدراج ، وتنفست الرياح عن أراج ، أذكرت الجنة كل امل ما عند الله وراج.

وتبرجت بحمرائها القصور مبتسمة عن بيض الشرفات ، سافرة عن صفحات القبات المزخرفات. تقذف  ـ  بالانهار من بعد المرتقى  ـ  فيوض بحورها الزرق ، وتناغى  ـ  أذكار المآذن بأسمارها  ـ  نغمات الورق. وكم أطلعت من أقمار وأهلة ، وربت من ملوك جلة ، الى بحر التمدن (١٩٤) المحيط الاستدارة ، الصادر عن الاحكام والادارة ، ذى المحاسن غير المعارة ، المعجزة لسان (١١١ : ب) الكناية والاستعارة ، حيث المساجد العتيقة القديمة ، والميازب الحافظة للرى المديمة ، والجسور العريضة ، والعوائد المقدرة (تقدير الفريضة ، والاسواق المرقومة الاطواق) (١٩٥) بنفائس الاذواق ، والوجوه الزهر ، والبشرات الرقاق ، والزى الذي فاق زى الآفاق ، وملأ قلوب المؤمنين بالاشفاق :

بلد جللها الله حسنا وسنى

وأجر السعد من حل لديها رسنا

__________________

(١٩٤) وردت هذه العبارة فى نسختى (ط ، ر) هكذا : «الى التمدين المحيط الاستدارة» كما أوردها بهذا سيمونيت ، ولعلها فى نسختنا أوفى.

(١٩٥) هذه الزيادة بين القوسين وجدتها فى نسختنا فقط.



قد أجنت سكرا جما ورزقا حسنا

أعجزتعن (١٩٦)منتهى الفخر البعيد السنا (١٩٧)

يروقك فى أطرافها حسن الصور وجمالها ، وظرف (١٩٨) الصنائع وكمالها ، والفعلة وأعمالها ، حتى الاطلال وانهما لها ، والسؤال واسمالها (١٩٩) :

كل عليه من المحاسن لمحة

فى كل طور للوجود تطورا

كالروض يعجب فى ابتداء نباته

واذا استجم به النبات ونورا

واذا الجمال المطلق استشهدته

ألغيت ما انتحل الخيال وزورا

(١١٢ : أ) ثم قال : أى أمن (٢٠٠) عرى من مخافة ، وأى حصافة لا تقابلها سخافة ، ولكل شىء آفة. لكنها  ـ  والله  ـ  بردها يطفئ حر الحياة ، ويمنع الشفاه عن رد التحيات ، وأسعارها يشعر معيارها بالترهات (٢٠١) ، وعدوها يعاطى كئوس الحرب فهاك (٢٠٢) وهات.

الى السكك التى بان خمولها ، ولم يقبل الموضوع محمولها ، والكرب الذي يجده الانسان فيها ، صادف اضافة أو ترفيها ، والمكوس التى تطرد البركة وتنفيها. الى سوء الجوار ، وجفاء الزوار ، ونزالة الديار ، وغلاء الخشب والجيار ، وكساد المعايش عند الاضطرار ، واهانة المقابر وهى دار

__________________

(١٩٦) فى نسخة (ر ، ى) «من».

(١٩٧) فى نسخة (ط) «السعيد لسنا» ، ولكن هذا الشطر الاخير يناسبه ما ورد فى نسختنا ، حيث يستقيم به المعنى.

(١٩٨) فى نسخة أخرى «وطرف».

(١٩٩) السؤال : ج مسائل. والاسمال : البالى من الثياب ، وهى مبالغة تكاد تكون غير معقولة.

(٢٠٠) فى نسخة (س) «آمن».

(٢٠١) الترهات : ج ترهة ، وهى الاباطيل.

(٢٠٢) فى نسخة (ط) «بهاك».



القرار ، وقصر الاعمار ، واستحلال الغيبة فى الاسمار ، واحتقار أولى الفضل والوقار ، والتنافس فى العقار ، والشح فى الدرهم والدينار ، باليم والنار (٢٠٣).

ثم قال : اللهم غفرا ، وان لم نقل كفرا ، (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٢٠٤). ولله در أبى العتاهية (٢٠٥) حين يقول :

أصبحت الدنيا  ـ  لنا فتنة

والحمد لله على ذالكا

اجتمع الناس على ذمها

وما نرى  ـ  منهم لها  ـ  تاركا

__________________

(٢٠٣) فى نسختى (س ، ر) «واليم» وهكذا أوردها «سيمونيت» ، ولعل الصواب فى نسختنا.

(٢٠٤) آية : ٤٨ من سورة النساء.

(٢٠٥) أبو العتاهية : هو اسماعيل بن القاسم ، شاعر الزهد العربى فى القرن الثانى الهجرى (الثامن الميلادى) ، من بلدة عين التمر بالانبار غرب الكوفة. وقد وقد ولد حوالى عام ١٣٠ ه‍ (٧٤٧ م) ، ومات حوالى عام. ٢١٠ ه‍ (٨٢٥ م) درس اللغة العربية والادب ، ثم اتصل بالمهدى والهادى والرشيد والمامون ، اشتهر شعره بالزهد فى أواخر حياته ، وخاصة عندما بلغ الخمسين ، وكان للرشيد جارية تسمى «عتبة» عشقها أبو العتاهية فى شبابه ، وتصبب بها كثيرا ، وخاصة فى بدء قصائده التى مدح بها الرشيد ، وكان حائرا بين مذاهب الشعر التى عاصرها ، ولكنه استقر أخيرا على شعر الزهد فأجاده.

راجع : مجلة الرسالة المصرية  ـ  العدد ٣ عام ١٩٥٣ م «شاعرنا العالمى أبو العتاهية»  ـ  لعبد المتعال الصعيدى.

ثم «أبو العتاهية» لمحمد أحمد برانق  ـ  القاهرة ١٩٤٧ م.


٢٧  ـ  «الحمة» (٢٠٦)

قلت : فالحمة؟

قال : أجل ، الصيد (٢٠٧) والحجل ، والصحة (٢٠٨) وان كان المعتبر (١١٢ : ب) الاجل ، وتورد الخدود وان لم يطرقها الخجل. والحصانة عند الهرب من الرهب ، والبر كأنه قطع الذهب. والحمة التى حوضها يفهق (٢٠٩) بالنعيم ، مبذولة للخامل والزعيم ، تمت ثنيتها بالنسب الى ثنية النعيم. قد ملأها الله اعتدالا ، فلا تجد الخلق اعتياضا عنها ولا استبدالا ، وأنبط صخرتها الصماء عذبا زلالا ، قد اعتزل الكدر اعتزالا. لكن مزارعها لا ترويها الجداول ، ولا ينجدها الا الجود المزاول (٢١٠) ، فان أخصب العام أعيا (٢١١) الطعام ، وان أخلف الانعام ، هلكت الناس بها والانعام. والفواكه يطرف بها الجلب ، وتزر عليها العلب ، وعصيرها لا يليق بالأكل ولا يصلح للحلب ، وبردها شديد وان لم يقض به المنقلب.

__________________

(٢٠٦) الحمة : هى Alhama بلدة صغيرة تقع قرب مدينة بجانة من أعمال المرية ، وقد أطلق عليها العرب هذا الاسم نسبة الى العين الحارة الموجودة بها ، والتى هى مقصد كثير من ذوى العلل والاسقام.

كما يقصد السياح اليوم هذه المدينة للاستشفاء بعينها ، وما تزال بها الحمامات العربية والعين حتى الآن.

راجع : الحميرى فى «الروض المعطار» ص ٣٩ ، وابن بطوطة فى رحلته ج ٢ ص ١٨٧.

(٢٠٧) فى نسخة أخرى «الصحة».

(٢٠٨) فى نسخة (س) «والصيد» ، وهو ما لا يتناسب والسياق بعد.

(٢٠٩) يفهق : يعمر.

(٢١٠) الجود المزاول : المطر الغزير المعالج.

(٢١١) يحتمل معنى (أعيا الطعام) أعجز الناس عن حمله لكثرته ومفرته متى أخصب العام.


٢٨  ـ  «صالحة» (٢١٢)

قلت : فصالحة؟

قال : لولا أنها مناخ لم تذكر ، فليس مما يذم ولا مما يشكر ، وان كان ماؤها فضيا ، ووجه جوها وضيا ، وعصيرها مرضيا ، ورزقها أرضيا ، وفضلها ذاتيا لا عرضيا. فهى مهب نسف ، ودار خسف ، وأهلها بهم ، ليس  ـ  لأحد منهم  ـ  فهم.

٢٩  ـ  «اليرة ومنتفريد» (٢١٣)

قلت : فأليرة ومنتفريد؟

قال : بلد ارتفاق (٢١٤) ، باجماع واتفاق ، معدن البر الذكى ، والصيد الزكى ، وهد شاهق ، ومصرخ ناهق ، ومعدن بر فائق ، ان لم يعق  ـ  من عدو القلعة  ـ  (١١٣ : أ) عائق.

٣٠  ـ  «لوشة» (٢١٥)

قلت : فلوشة؟

قال مرأى بهيج ، ومنظر يروق ويهيج ، ونهر سيال ، وغصن مياد ، وجنات وعيون ، ولذات لا تمطل بها ديون ، وجداول تنضح بها الجوانح ،

__________________

(٢١٢) صالحة : مدينة زالت معالمها منذ أواسط القرن السادس عشر الميلادى ، يطلق عليها الكتاب الاسبان اسم Zalea موقعها قديما كان قرب الحمة.

(٢١٣) أليرةlllora ومنتفريدMontefrio تقع المدينتان شمال مدينة لوشة ..Loja.

(٢١٤) ارتفاق : استقرار واعتماد.

(٢١٥) راجع ما كتباه عن هذه المدينة بأول الكتاب ، عند التعريف بالمؤلف ، فهى مسقط رأسه.


ومحاسن يشغل بها عن وكره السائح ، ونعم يذكر  ـ  بها  ـ  المانع المانح. ما شئت من رحا يدور ، ونطف تشفى  ـ  بها  ـ  الصدور ، وصيد ووقود ، وأعناب كما زانت اللبات عقود ، وأرانب تحسبهم أيقاظا وهم رقود (٢١٦). الى معدن الملح ، ومعصر (٢١٧) الزيت ، والخضر المتكفلة بخصب البيت ، والمرافق التى لا تحصر الا بعد الكيت. والخارج الذي عضد مسحة الملاحة ، بجدوى الفلاحة. الا أن داخلها حرج الازقة ، وأحوال أهلها مائلة الى الرقة ، وأزقتها قذرة ، وأسباب التطوف (٢١٨) بها متعذرة ، ومنازلها  ـ  لنزائل الجند  ـ  نازلة ، وعيون العدو  ـ  لثغرها الشنيب (٢١٩)  ـ  مغازلة.

٣١  ـ  «أرجذونة» (٢٢٠)

قلت : فأرجذونة؟

قال : شر دار وطلل لم يبق منه غير جدار ، ومصام يرجع البصر عنه وهو حاسر (٢٢١) ، وعورة ساكنها  ـ  لعدم الماء  ـ  مستأثرة (٢٢٢). وقومها ذو بطر وأشر ، وشيوخها  ـ  تيوس فى مسالخ بشر ، طعام من

__________________

(٢١٦) اقتباسا من قوله تعالى : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ ، وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ ، وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ، لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) الكهف : ١٨.

(٢١٧) فى نسخة (ط ، س) «ومعاصر».

(٢١٨) فى نسخة (ط) «التصرف».

(٢١٩) الثغر الشنيب : ما كان أبيض الاسنان حسنها ، ويقصد صفحة المدينة الجميلة.

(٢٢٠) أرجذونة : هى حالياArchidona بلدة متوسطة تتبع ولاية مالقة التى لا تبعد عنها كثيرا.

(٢٢١) اقتباسا من قوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) الملك : ٤.

(٢٢٢) مستأسر : قابض.


يقوت منهم أو يعول ، التيوس والوعول ، وحرثها مغل ، (١١٣ : ب) وخلقها حسد وغل.

٣٢  ـ  «أنتقيرة» (٢٢٣)

قلت : فأنتقيرة؟

قال : محل الحرث والانعام ، ومبذر الطعام ، والمرآة التى يتجلى بها وجه العام ، الرحب والسهل ، والنبات والطفل ، والهشيم والكهل ، والوطن والاهل. ساحت الجداول فى فحصها الافيح وسالت ، وانسابت حيات المذانب (٢٢٤) فى سقيها الرحب الجوانب وانسالت. لا تشكو من نبو ساحة ، ولا تسفر الا عن ملاحة ، ولا تضاهى فى جدوى فلاحة ، وعظم ملاحة. الا أنها جرداء الخارج ، بل مارد ومارج (٢٢٥). وشدة فرجها فارج. لا تضبطها المسلحة للاتساع ، والدرع الوساع ، قليلة الفواكه ، عديمة الملاطف والمفاكه. أهلها أولو شرور وغرور ، وسلاح مشهور ، وقاهر ومقهور ، لا تقبل غريبا ، ولا تعدم (٢٢٦) من العدو تثريبا.

__________________

(٢٢٣) أنتقيرة : هى حالياAntequera احدى مدن الاندلس القديمة ، تبعد عن مالقة بحوالى ٦٠ كم ، وهى عبارة عن حصون بين مالقة وغرناطة. ينسب اليها : الحكيم أبو بكر يحيى بن محمد بن يحيى الانصارى الانتقيرى.

راجع : معجم البلدان  ـ  للحموى  ـ  ج ٣ ص ٢٥٩.

(٢٢٤) المذانب : ج مذنب بوزن منبر ، وهو جدول الماء ذو المسيل الضيق.

(٢٢٥) المارد : العاتى القاسى ، والمارج : الشعلة ذات اللهب الشديد.

(٢٢٦) فى نسخة (س) «عن» بدل «من».


٣٣  ـ  «ذكوان» (٢٢٧)

قلت : فذكوان؟

قال : روض وغدير ، وفواكه جلت عن التقدير ، وخورنق وسدير (٢٢٨) ، ومائدة لا تفوتها فائدة. دارت على الطحن أحجارها ، والتفت أشجارها ، وطاب هواؤها ، وخفق بالمحاسن لواؤها. الا أنها ضالة ساقطة ، وحبة ترتقب لاقطة ، لا تدفع عن قرطها وسوارها بأسوارها ، ولا تمنع نزع صدارها بجدارها ، وقضت بغلة (١١٤ : أ) أعيانها حداثة بنيانها.

٣٤  ـ  «قرطمة» (٢٢٩)

قلت : فقرطمة؟

قال : الكرك (٢٣٠) ، الذي يؤمن عليه الدرك (٢٣١) ، وان عظم المعترك. جوها صاف ، فى مشتى ومصطاف ، وتربها للبر مصاف ، وعصيرها

__________________

(٢٢٧) ذكوان : عبارة عن حصن يسمى «Coin» موقعه غرب مالقة ، يرجع تأسيسه الى أيام عبد الرحمن الثالث الاموى ، أعظم وأشهر ملوك بنى أمية (٣٠٠  ـ  ٣٥٠ ه‍ ٩١٢  ـ  ٩٦١ م) ، ويروى ابن عذارى أن السبب فى اقامته هو مواجهة حصون عمر بن حفصون وأولاده ، الذين أعلنوا عصيانهم لحكومة قرطبة.

راجع : ابن مذارى فى «البيان المغرب» ج ٢ ص ١٨٩ وكذا :٨١ Simonet Op. cit. p.

(٢٢٨) الخورنق والسدير : قصران ينسبان فى التاريخ للنعمان بن المنذر ملك الحيرة ، وتنسج حولهما طرائف.

راجع : الحموى فى معجم البلدان ج ٣ ص ٥٤ ، والاغانى للاصفهانى ج ٢ ص ١٤٤.

(٢٢٩) قرطمة : هى بالاسبانيةCartama احدى مدن الاندلس الصغيرة.

(٢٣٠) الكرك : نوع من الطير.

(٢٣١) الدرك : الحراسة.



بالكثرة ذو اتصاف. الا أن الماء بمعقلها مخزون ، وعتاد موزون ، وأهلها فى الشدائد لا يجزون ، أيديهم  ـ  بالبخل  ـ  مغلولة ، وسيوف تشاجرهم مسلولة.

٣٥  ـ  «رندة» (٢٣٢)

قلت : فرندة؟

قال : أم جهات وحصون ، وشجرة ذات غصون ، وجناب خصيب ، وحمى مصون. بلد زرع وضرع ، وأصل وفرع ، مخازنها بالبر مالية ،

__________________

(٢٣٢) رندة : هى «Ronda» تقع غرب مالقة ، وقد كانت من أهم القواعد الاندلسية ، كما كانت من أهم مدن غرناطة ، وتعتبر الحصن الذي يحمى مالقة من ناحية الغرب ، ولذلك لما سقطت رندة فى يد الاسبان فى أبريل ١٤٨٥ (جمادى الاولى ٨٩٠ ه‍) ، أضحى الطريق سهلا لاستيلاء القشتاليين على مالقة ، فقد سقطت بعد قليل فى أيديهم فى أغسطس ١٤٨٧ م (شعبان ٨٩٢ ه‍). وهى تشرف على منطقة عالية من الربى ، ويشقها من وسطها وادى ليبين Guadalebin وقد وصف ابن بطوطة مدينة رندة حينما زار الاندلس عام ١٣٥٠ م بقوله :

«وهى من أمنع معاقل المسلمين وأجملها وصفا» ، ويبلغ سكان رندة حاليا أكثر من ٠٠٠. ٣٥ نسمة ، فهى مدينة متوسطة الحجم ، ويغلب عليها طابع القدم والبساطة ، وعليها المسحة الاندلسية. هذا ، وأهم المعالم والآثار الاندلسية الباقية بها أطلال القصبة الشهيرة ، والقنطرة العربية عند مدخل المدينة الغربى ، وهى ذات عقد واحد بالغ الارتفاع ، ثم الحمامات العربية ، وهى أطلال دارسة من حمامات أندلسية قديمة ، على مقربة من الكنيسة العظمى ، وكذلك من الآثار «المنارة» فى نهاية المدينة ، ويبلغ طولها حوالى ١٢ مترا ، والظاهر أنها من أيام الموحدين لشبهها بمآذنهم ، ثم قصر الامير أبى مالك ، ويعرف فى رندة باسم «Casa del Gigante» وهو اسم الاسرة التى تملكه ، ويقع القصر فى طرف المدينة الجنوبى ، وكذلك باب المقابرPuerta de Almocabar ويقع فى حى فرانسسكو. وينسب الى هذه المدينة الفقيه ابن عباد الرندى.

راجع ما كتبه ليفى بروفنسال عن هذه المدينة الاسلامية فى Al  ـ  Andalus (١٩٤٤ (٤٧٢. ومجلة الاندلس Enc.ISI.III ,P. ١٢٥٤.



وأقواتها جديدة وبالية ، ونعمها  ـ  بجوار الجبل  ـ  متوالية. وهى بلد أعيان وصدور (٢٣٣) ، وشموس وبدور ، ودور أى ودور ، وماء واديها يتوصل اليه فى جدور ، محكم مقدور. وفى أهلها فضاضة (٢٣٤) وغضاضة (٢٣٥) ، ما فى الكلف بها غضاضة (٢٣٦) ، يلبس نساؤها الموق (٢٣٧) ، على الاملد المرموق ، ويسفرن عن الخد المعشوق ، وينعشن قلب المشوق ، بالطيب المنشوق. الا أن العدو طوى ذيل بردها ، وغصب بنيانها ، وكيف السبيل الى ردها ، وأضاق خارجها ، وخفض معارجها ، وأعلى طائرها ودارجها (٢٣٨).

فلما بلغ هذا الحد قال : هل اكتفيت؟ فقد شرحت صدرك (١١٤ : ب) وشفيت ، وبما طلبت منى قد وفيت. يا بنى كأنى بالصباح السافر ، وأدهم الظلام النافر ، قد أجفل أمام مقنبه (٢٣٩) الوافر ، وترك من الهلال نعل الحافر. ونفسى مطيتى ، وقد بلغت الليلة طيتى (٢٤٠) ، وأجزلت عطيتى ، فلنجم بالمحض (٢٤١) ، ونلم بالغمض ، وأنا بعد

__________________

(٢٣٣) فى نسخة (ط) «وجدور» ولعل الصواب فى نسختنا.

(٢٣٤) فضاضة : سعة الصدر.

(٢٣٥) غضاضة : حلم.

(٢٣٦) غضاضة : حط من القدر. وفى (س) ما فى الكلف بها «حضاضة» ، أى : ما فى الكلف بها شىء.

(٢٣٧) الموق : خف غليظ تلبسه النساء فوق خف أرق منه.

(٢٣٨) كناية عن أن العدو بغاراته يثير طيورها فتعلو فى الجو ، وفى الوقت نفسه يثير غبار طرقها.

(٢٣٩) المقنب : الوعاء للصائد يجعل فيه ما يصيده.

(٢٤٠) طيتى : حاجتى.

(٢٤١) فلنجم بالحمض : الحمض هو الفاكهة ، والابل لها طعامها ولها حمضها ، ويقصد بالتعبير : المذاكرة.


نزيلك ، ان سرنى جزيلك ، وعديلك ان ضحك الى منديلك ، وسميرك ان روانى نميرك. فبادرت البدرة ففضضتها ، والصرة فافتضضتها ، والعيبة (٢٤٢) فنفضتها ، والمعادن فأفضتها. فقال : بوركت من مواس ، وأنشد قول أبى نواس (٢٤٣) :

ما من يد فى الناس واحدة

كيد أبو العباس (٢٤٤) أولاها

نام الثقات على مضاجعهم

وسرى الى نفسى فأحياها

ثم قال : نم فى أمان ، من خطوب الزمان ، وقم فى ضمان ، من وقاية الرحمن. فلعمرى وما عمرى على بهين ، ولا الحلف على بمتعين ، لو كان الجود ثمرا لكنت لبابه ، أو عمرا لكنت شبابه ، أو منزلا لكنت بابه.

فما هو الا أن كحلت جفنى بميل الرقاد ، وقدت طرفه سلس المقاد ، وقام قيم الخان الى عادة الافتقاد ، وبادر سراجه بالايقاد ، ونظرت

__________________

(٢٤٢) العيبة : الزنبيل.

(٢٤٣) أبو نواس : هو الشاعر أبو الحسن بن هانئ الفارسى الاصل ، المولود عام ١٤٠ ه‍ (٧٤٧ م) عاصر هارون الرشيد الخليفة العباسى ثم ابنه الامين ، فكان شاعرهما. اشتهر بمجونه وتهتكه ، وكثيرا ما حبساه لظهور ذلك فى شعره ، توفى بعد مقتل الامين عام ١٩٩ ه‍ (٨١٣ م) ببغداد. ويعتبر أبو نواس ممثل المدرسة الشعرية الحديثة ، وقد ظهر تجديده فى خمرياته وغزله بالمذكر. فهو فى هذين المجالين خصب الفكرة ، واسع الخبرة ، بحيث يستطيع أن يتغنى بمحاسنهما فى صور متجددة.

راجع : ديوان أبى نواس «المقدمة» ج ١ ص ٢٤٨ ، نشر وتحقيق ايفالد فاغر (القاهرة عام ١٩٥٨ م).

(٢٤٤) يعنى بأبى العباس الوزير «الفضل بن الربيع» المكنى بأبى العباس. وأبو نواس بهذين البيتين يمدح أبا العباس هذا ، بعد أن تم اطلاقه من السجن على يده. وقوله «وسرى الى نفسى ..» يعنى : سرى الممدوح الى نفسه فأحياها ، بعد أن أنقذه من السجن.


(١١٥ : أ) الى مضجع الشيخ ليس فيه الا زئبر أطماره (٢٤٥) ، وروث حماره ، فخرجت لايثاره ، مقتفيا لآثاره ، فكأن الفلك لفه فى مداره ، أو خسفت الارض به وبداره (٢٤٦) ، وسرت وفى قلبى  ـ  لبينه وذهاب أثره وعينه  ـ  حرقة ، وقلت متأسيا : لكل اجتماع من خليلين فرقة.

__________________

(٢٤٥) زئبر أطماره : أثر ثيابه البالية.

(٢٤٦) اقتباسا من قوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ ، فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ ، وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) سورة القصص ، آية : ٨١.


الفصل الخامس

المجلس الثاني



(١١٦ : أ) المجلس الثانى

قال المخبر : فلما اندمل جرح الفراق بعد طول ، وزمان مطول (١) ومحا  ـ  رسم التذكر  ـ  تكرار فصول ، ونصول خضاب (٢) ، وخضاب نصول (٣) ، بينا أنا ذات يوم فى بعض أسواق الغبار ، أسرح طرف الاعتبار ، فى أمم تنسل من كل حدب ، وتنتدب من كل منتدى ومنتدب ، ما بين مشتمل للصماء يلويها ، ولائث للعمامة لا يسويها ، ومتلفظ بالشهادة وهو لا ينويها ، وصاعد من غور ، ومتظلم من جور ، وممسك بذنب عير أو روق (٤) ثور ، يموجون ، ومن الاجداث يخرجون ، كأنهم النمل نشرها وقد برزت للشمس ، من مطر الامس ، يشيرون (١١٦ : ب) بأجنحة الاكسية ، ويتساقطون على ثماد القلب (٥) وأسئار الاحسية (٦) ، وقد اصطف ذابحو الجزور ، وبائعو اللبوب (٧) والبذور (٨) ولصق بالاملياء (٩) حللة العقد وشهدة الزور ، ونظرت فى ذلك المجتمع الهائل المرأى والمسمع.

الى درسة غى ، وطهاة كى ، ورقاة جنون ، بضروب من القول وفنون ، وفيهم كهل قد استظل بقيطون (١٠) ، وسل سيف

__________________

(١) فى نسخة (ط) «ممطول».

(٢) نصول خضاب : ذهاب الحناء.

(٣) خضاب نصول : حناء مزالة.

(٤) روق ثور : قرن ثور.

(٥) ثماد القلب : حفر الآبار.

(٦) أسئار الاحسية : بقايا الماء فى المستنقعات.

(٧) اللبوب : الجوز واللوز.

(٨) البزور والابزار : التوابل.

(٩) الاملياء : ج ملى ، كغنى وزنا ومعنى.

(١٠) قيطون : يطلقها أهل المغرب على الخيمة ، والجمع : قياطين.


لاطون (١١) ، وتحدى برقية لديغ ومداواة مبطون ، قد اشتمل بسمل غفاره وبين يديه غبار فى جلد فاره ، وطحن من اطعام كفارة (١٢). وأمامه تلميذ قد شمر الاكمام ، والتفت الخلف والامام ، وصرف لوحى لحظه  ـ  الاهتمام. وهو يأسو ويجرح ، ويتكلم بلسان القوم ثم يشرح ، ويقيد من حضره بقيد العزيمة فلا يبرح. ويقول :

أيها البهم السارح ، والحزب المسرور بما لديه الفارح ، والسرب الذي تقتاته لولاة البغى الجوارح (١٣). صرفتم غروب اعتنائكم ، لمآرب نسائكم وأبنائكم ، وذهلتم عمن حل بفنائكم ، وجعلتم تطعمون وتجمعون ، (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)(١٤). من وقعت على منكم عينه ، فقد رأى فاتح أقفال الاسرار ، ومثبت (١١٧ : أ) الفرار ، ومصمت أولئك الصرار ، ومغور مياه الآبار بيسير الغبار ، ومخرج الاضمار فى المضمار ، ومذهب المس وطارد العمار (١٥).

أنا قاطع الدماء اذا نزفت ، وكاشف الغماء اذا ما انكشفت ، أهنا (١٦) الابل فلا تجرب ، وأخط حول الحمى فلا تدنو السباع ولا تقرب ، وأدخن بها فلا تتسلل الحية ولا تدب العقرب ، ان نعيت الشمس  ـ  لوقت محدود  ـ  طمس فيها نورها (١٧) ، وان وعدت الارض برى

__________________

(١١) يرجح أستاذنا عبد الله كنون أنها ربما تكون مشتقة من الكلمة الاسبانية لاطون «Laton» بمعنى النحاس ، فقد استعملها المقرى فى كتابه «نفح الطيب» بهذا المعنى.

(١٢) ولاة البغى : يقصد بهم شرطة المكوس.

(١٣) كان العامة يعتقدون نوعا من الشفاء فى مثل هذه الامور.

(١٤) اقتباسا من قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ، وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ، ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) سورة الانعام ، آية : ٣٦.

(١٥) العمار : الجن يسكنون البيوت.

(١٦) أهنأ الابل : أطلى الابل بالقطران.

(١٧) كناية عن تنبؤه بأحوال الطقس.


محمود فار تنورها (١٨) ، وان كتبت لعقد النكاح انحلت ، وان عقلت خطى الضالة وقفت حيث حلت ، وان زجرت الجنون تركت وخلت ، وان استثرت الدفائن ألقت الارض ما فيها وتخلت (١٩). أنا جردت البيضة الشقراء ، وزوجت الفتى الشرقى من الجارية العذراء. أنا صافحت الملك ، ورصدت الفلك ، ومزجت  ـ  بسر الحكمة  ـ  الضياء والحلك ، فاحتقرت الملك وما ملك.

دعوت علم الطباع فأطاع ، وقطعت شكوك الهيئة بالشكل القطاع ، وقلت بالقدر وبالاستطاع ، وسبقت فى صناعة البرهان (٢٠) يوم الرهان. ورضت صعاب الرياضيات حتى ذل قيادها ، وسهل انقيادها ، وعدلت الكواكب (١١٧ : ب) واختبرت القلوب اليابانية والمناكب ، وبشرت عند رجوع خنسها (٢١) بالغيوث السواكب ، ووقفت بالامتحان ، على صناعة الالحان ، وقرأت ما بعد علم الطبيعة ، وناظرت قسيس البيعة (٢٢) ، وأعملت فى الاصول مرهفة النصول ، وأحكمت أمزجة الطباع وطبائع الفصول. وامتزت بالبروع فى علم الفروع ، وقمت فى العهد الحديث بالحديث ، وحزت فى علم اللسان درجة الاحسان. وحققت قسمة الفروض ،

__________________

(١٨) فار تنورها : فاضت مياهها.

(١٩) اقتباسا من قوله تعالى : (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ) سورة الانشقاق ، آية ٣ ، ٤.

(٢٠) يقصد علم المنطق والمناظرة فى البحث العلمى.

(٢١) خنسها : الخنس ، قيل : الكواكب كلها ، وقيل : السيارات منها فقط ، وقيل : الخنس ، هى زحل والمشترى والمريخ والزهرة وعطارد. وقد أقسم الله تعالى بها فى قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ، الْجَوارِ الْكُنَّسِ ... إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) آية ١٥  ـ  ١٩ من سورة التكوير.

(٢٢) قسيس البيعة : يرمى بهذا الى ما كان يحدث أحيانا بين بعض المسيحيين المستعربين من جهة ، وبين الاندلسيين الذين اتقنوا لغة المسيحيين من جهة أخرى ، فهؤلاء وأولئك كثيرا ما التحما فى مجادلات دينية.

راجع ابن الخطيب فى : الاحاطة ، لوحة ١١١ ، ٢٢٢ من مخطوطة جاييجوس بالاسكوريال.


وعدلت الشعر بميزان العروض ، ونظمت ونثرت ، وأكثرت فما عثرت. وعبرت حلم النوم ، ولبست الخرقة بشرط القوم (٢٣) ، ولزمت خلوة الذكر ومعتكف الصوم.

وأما معرفتى بالاخبار ، وزرع الارض بالاشبار ، ما بين جليقية (٢٤) الى الانبار (٢٥) ، وأوصاف المدن الكبار  ـ  فقد ثبت بالاختبار.

قال : فأثار قديمى ، وأذكرنى بنديمى ، فقلت : الله أكبر ، أوضح  ـ  الخبر  ـ  المخبر. فخضت اليه ومن بينى وبينه وهم بحر زاخر ، وأول ليس له آخر ، وبهم يسخر منه الساخر ، ما بين كبش مجتر وعجل ناخر (٢٦). وقلت : أيها الحبر ، ضالتى قريب أمدها ، معروف معتمدها. وعلى ذلك فالشكر (١١٨ : أ) ممنوح ، والرفد طوفان نوح. فألان (٢٧) العريكة ، وسلم النطع والاريكة ، وقال : أجل واعرض ،

__________________

(٢٣) بشرط القوم : يعنى وفق شروط قوم الصوفية فى اللباس المرقع.

(٢٤) جليقية : ادارة اسبانية أنشأها «فرناندو الاول» لابنه «غارسيا» ، ضمت الى قشتالة عام ١٦٦٢ م ١٠٧٣ ه‍ ، وتمتع أمراؤها ببعض الاستقلال الذاتى الى أواخر القرن الخامس عشر ، موقعها شمالى الاندلس فى أقصى الغرب. وقد وصل الى هذا المكان «موسى بن نصير» لما فتح الاندلس ، وينسب الى هذه الناحية «عبد الرحمن بن مروان الجليقى» من الخارجين بالاندلس أيام بنى أمية.

راجع : المعجم للحموى ج ٣ ص ٢٥٧.

(٢٥) الانبار : آثار مدينة قديمة فى العراق على ضفة الفرات ، فتحها خالد بن الوليد القائد الاسلامى على عهد الخليفة أبى بكر الصديق عام ٦٣٤ ه‍ (١٢٣٦ م).

وكانت مقرا للخلافة الاسلامية حتى تأسست بغداد ، فأضحت حاضرة الخلافة حيث جددها أبو العباس السفاح ، أول خليفة عباسى. وينسب لهذه المدينة القاضى أحمد بن نصر بن الحسين الانبارى.

راجع : المعجم للحموى ج ٣ ص ٢٥٧.

(٢٦) عجل ناخر : أى يمد نفسه من خياشيمه.

(٢٧) فى نسخة (س) «فألن» بصيغة الامر ، ولعل سياق المحاورة يتمشى مع نسختنا.


وأنزل السؤال وافرض. فقلت : بى الى تعرف البلدان جنوح وجنون ، والجنون فنون ، وقد ظفرت قبلك بنقاب (٢٨) ، وعود احتقاب ، وسارب أنقاب (٢٩) ، حصل به من طلبى الشطر (٣٠) ، وبك يتم الشكر (٣١) ، ويعظم الخطر. فقال : الناس متهم (٣٢) ومنجد (٣٣) ، (وخانل وممجد) ، ولا تجود يد الا بما تجد.

والله المرشد. وجعل ينشد :

اذا المشكلات تصدين لى

كشفت غوامضها بالنظر

ولست بامعة فى الرجال

أسائل هذا وذا : ما الخبر (٣٤)

ولكننى مذرب الاصغرين

أبين  ـ  مع ما مضى  ـ  ما غبر (٣٥)

ثم قال : هات ، أمن عقدك الشبهات.

__________________

(٢٨) نقاب : رجل علامة.

(٢٩) سارب أنقاب : السارب ، هو الذاهب على وجهه بالانقاب ، وهى الطرق فى الجبل.

(٣٠) فى نسخة (س) «الشكر».

(٣١) فى نسخة «الشطر».

(٣٢) متهم : ساكن تهامة ، وهى أراضى السهل الساحلى الضيق ، الممتد من شبه جزيرة سيناء شمالا الى أطراف اليمن جنوبا ، وفيها مدن نجران وجدة وصنعاء ، وسكانها يميل بعضهم الى الزراعة بينما يميل البعض الى التجارة والملاحة وصيد اللؤلؤ.

(٣٣) منجد : ساكن نجد ، ونجد ، اقليم بالسعودية ، والعاصمة الرياض ، وهى بلاد جبلية ، فى شمال شبه جزيرة العرب ، نقيضها تهامة ، وهى البلاد الساحلية الغربية هناك.

(٣٤) فى نسختى (س ، ر) «وما الخبر» بالواو ، وهو خطأ فى الوزن ، وهكذا أوردها موللر.

(٣٥) فى نسختى (ط ، س) «وما غبر» ، وهو خطأ فى الوزن أيضا ، وقد أوردها موللر هكذا أيضا.



١  ـ  «بادس» (٣٦)

قلت : ما تقول فى بادس؟

قال : بدأت بحمدلة الرقعة ، وبركة البقعة ، ومدفن الولى (٣٧) ، والنحر غير العاطل ولا الخلى من الحلى. بلد السراوة والشجاعة ، والايثار على فرض المجاعة ، والنفوس الاوابة (الى الله) الرجاعة ، حيث البر والحوت ، والخشب الذي ينشأ منه كل منحوت ، والبأس والاقدام ، والفاكهة الطيبة والادام ، (١١٨ : ب) ورب الجبال ، وفضل للمدافعة لصهب السبال. الا أنها موحشة الخارج ، وعرة المعارج ، مجاورة غمارة (٣٨) بالمارد والمارج ، فهم ذوو دبيب ، فى مدارج تلك الغرابيب (٣٩) ، وكيدهم  ـ  ببركة الشيخ  ـ  فى تتبيب (٤٠).

__________________

(٣٦) بادس : مدينة اندثرت فى أواخر القرن السادس عشر الميلادى ، حيث خربها الاسبان ، ويقال لها : «باديس» «وبادس غمارة» ، كما يقال لها «بادس فاس» تمييزا لها عن «بادس الزاب» الواقعة بالجزائر ، أما الاولى فكانت تقع على ساحل البحر الابيض المتوسط ، وتبعد عن «الحسيمة» بنحو ٤٠ كم راجع : صحيفة الميثاق المغربية عدد ٧ من السنة الاولى ١٩٦٢ م ، وكذا ياقوت الحموى فى «معجم البلدان» ج ٢ ص ٢٩.

(٣٧) يقصد بالولى هذا : أبو يعقوب يوسف بن محمد بن عبد الله الزهيلى البادسى ، نسبة الى بادس. (٦٤٠  ـ  ٧٣٤ ه‍ ١٢٤٢  ـ  ١٣٣٣ م) عالم متصوف ذكره ابن خلدون عرضا فى حديثه عن قبائل البربر. عاصر الملك أبا الحسن المرينى ، وقد عثر مؤخرا على مخطوط ألفه «أبو محمد الاوربى» فى مناقب أبى يعقوب البادسى.

راجع : صحيفة الميثاق المغربية عدد ٧ ، ٨ من السنة الاولى ١٩٦٢ م.

(٣٨) غمارة : قبيلة بربرية ، وتسمى الجبال التى تسكنها بهذا الاسم أيضا.

(٣٩) مدارج غرابيب : طرق حالكة السواد.

(٤٠) تتبيب : هلاك.


٢  ـ  «سبتة» (٤١)

قلت : فمدينة سبتة؟

قال : عروس المجلى ، وثنية الصباح الاجلى. تبرجت تبرج العقيلة ، ونظرت وجهها من البحر فى المرآة الصقيلة ، واختص ميزان حسناتها بالاعمال الثقيلة. واذا قامت بيض أسوارها مقام سوارها ، وكان جبل بنيونش (٤٢) شمامة أزهارها ، والمنارة منازه شوارها (٤٣) ، كيف لا ترغب النفوس فى جوارها ، وتخيم الخواطر بين أنجادها وأغوارها!! الى المينا الفلكية ، والمراسى (٤٤) الفلكية ، والركية الزكية (٤٥) ، غير المنزورة ولا البكية (٤٦) ذات الوقود الجزل ، المعد للازل ، والقصور المقصورة على الجد والهزل ، والوجوه الزهر السحن ،

__________________

(٤١) سبتة : هى Ceuta احدى المدن الساحلية على شواطئ البحر الابيض المتوسط شمال المغرب ، ولكنها تتبع حاليا أسبانيا ، لها تاريخها على مر العصور الوسطى الاسلامية ، من حيث كونها قاعدة سياسية هامة ، وقد اتخذها الامويون فى العصر الاسلامى قاعدة يصدون منها تيار الفاطميين.

وفى القرن الثالث عشر استولت عليها أسرة أندلسية اسمها «بنى العزفى» ، وبقيت تحت حكم بنى الاحمر فترة من الوقت ، ثم استولى عليها البرتغال فى القرن الخامس عشر ، وأخيرا استولى عليها الاسبان ، وما تزال تحت حكمهم حتى اليوم. ومنها «مرانة السبتى» من أعلم الناس بالحساب والهندسة والفرائض والتأليف ، ومن تلاميذته ابن مرانة الفرضى «الحاسب» ، يقولون : إنه كان من أهل بلده ، وكان المعتمد بن عباد يقول : «اشتهيت أن يكون عندى من أهل سبتة ثلاثة نفر : «ابن غازى» الخطيب ، «وابن عطاء» الكاتب ، «وابن مرانة» الفرضى.

أنظر : معجم البلدان للحموى ج ١٠ ص ١٨٢  ـ  ١٨٣.

(٤٢) بنيونش : قرية تجاور سبتة من الغرب ، لا زالت آثارها باقية حتى اليوم.

(٤٣) شوارها : حسنها.

(٤٤) فى نسخة «س» والمراقى ، بدل «والمراسى».

(٤٥) الركية الزكية : البئر الطاهرة.

(٤٦) البئر غير البكية : هى التى لا تفيض فيض الدموع حين البكاء ، والتعبير عموما كناية عن أن منسوب المياه فيها معتدل.



المضنون بها عن المحن. دار الناشبة ، والحامية المضرمة للحرب المناشبة ، والاسطول المرهوب ، المحذور الالهوب ، والسلاح المكتوب المحسوب ، والاثر المعروف المنسوب. كرسى الامراء والاشراف ، والوسيطة لخامس أقاليم البسيطة ، فلا (١١٩ : أ) حظ لها فى الانحراف.

بصرة علوم اللسان ، وصنعاء الحلل الحسان ، وثمرة امتثال قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)(٤٧) ، الامينة على الاختزان ، القويمة المكيال والميزان ، محشر أنواع الحيتان ، ومحط قوافل العصير والحرير والكتان ، وكفاها السكنى ببنيونش (٤٨) فى فصول الزمان ، ووجود المساكن النبيهة بأرخص الاثمان. والمدفن المرحوم غير المزحوم ، وخزانة كتب العلوم ، والآثار المنبئة عن أصالة الحلوم (٤٩) الا أنها فاغرة أفواه الجيوب (٥٠) للغيث المصبوب ، عرضة للرياح ذات الهبوب ، عديمة الحرث فقيرة من الحبوب ، ثغر تنبو (٥١) فيه المضاجع بالجنوب. وناهيك (٥٩) بحسنة تعد من الذنوب ، فأحوال أهلها رقيقة (٥٢) ، وتكلفهم ظاهر مهما عرضت وليمة أو عقيقة ، واقتصادهم لا تلتبس منه طريقة ، وأنساب نفقاتهم  ـ  فى تقدير الارزاق  ـ  عريقة ، فهم يمصون البلالة مص المحاجم ، ويجعلون الخبز فى الولائم بعدد الجماجم ، وفتنتهم ببلدهم فتنة الواجم ، بالبشير الهاجم (٥٣) ،

__________________

(٤٧) أقتباسا من قوله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ، وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النحل ، آية : ٩.

(٤٨) هى «Boliones» قرية تجاور سبتة من الغرب ، كانت تشتهر بحماماتها وبساتينها وأنهارها ، ويسمى الجبل هناك باسمها.

(٤٩) الحلوم : العقول ، والمفرد ، حلم.

(٥٠) فى نسخة (ط) «الجنوب» وهى أنسب للسياق.

(٥١) ناهيك : حسبك ، بمعنى يكفيك.

(٥٢) فى نسخة (س) «دقيقة» وكلتاهما مناسبة للمعنى العام.

(٥٣) كناية عن حبهم الشديد لبلدهم ، فهم مفتونون بها ، كفتنة الحزين ببشير مندفع نحوه ، أو كفتنة راعى أرض مجدبة تدفق عليها المطر.


وراعى الجديب بالمطر الساجم (٥٤) ، فلا يفضلون على مدينتهم مدينة ، (١١٩ : ب) الشك  ـ  عندى  ـ  فى مكة والمدينة.

٣  ـ  «طنجة» (٥٥)

قلت : فطنجة؟

قال : المدينة العادية ، والبقعة التى ليست بالخبيثة ولا بالردية ، اليها بالاندلس كانت نسبة المغاربة ، والكتائب المحاربة ، والرفق (٥٦) السائحة فى الارض الضاربة. سورها ليس بمثلوم ، وساكنها غير ملوم ، وفضلها معلوم ، ودارها ليست بدار لوم. ميدان أفراس كبير ، ومعدن هند (٥٧) وذكير (٥٨). مثلت بين المنار والقالة (٥٩) ، وحكماها فى التفضيل ، فأشكل الحكم وتعذرت المقالة ، ولم يصح البيع ولا وجبت الاقالة. هذى سماء بروج ، وهذى أزهار مروج ، وكلاهما مركب سرور

__________________

(٥٤) المطر الساجم : الكثير المنصب.

(٥٥) طنجة : «Tanger» احدى مدن المغرب القديمة ، موقعها على المحيط الاطلسى بينها وبين أوروبا مسافة مضيق جبل طارق. عرفها الفينيقيون مركزا تجاريا هاما ، ثم القرطاجنيون كذلك فى تبادل السلع الهامة ، وتموين السفن التى فى طريقها الى المحيط. ولما ظهرت الدولة الرومانية واكتسحت الدولة القرطاجنية فرضت سيادتها  ـ  ضمن ما فرضت  ـ  على طنجة ، والتى عرفت أزدهارا تجاريا ضخما بين المغرب  ـ  عن طريقها  ـ  وبين روما مركز الدولة الرومانية. وتوالى الزمن على المدينة ، حتى جاء عقبة بن نافع وموسى بن نصير الفاتحان الاسلاميان للمغرب عام ٦٢ ه‍ (٦٨١ م) ، ومن يومها وطنجة العربية الاسلامية محافظة على طابعها ، حتى غدت قطعة من المغرب عام ١٩٥٦ م (١٣٧٦ ه‍).

(٥٦) الرفق : المعونة.

(٥٧) هند : السيف. ويقال أيضا للمائة من الابل فما فوقها.

(٥٨) ذكير : الذكير هو أجود الحديد.

(٥٩) القالة : يعنى بها الميناء ، وهى بالاسبانية : La Cala.



وسروج ، ومتمتع فروج ، ومطعم قديد ومروج. ديارها نبيهة ، وأحوالها  ـ  بأحوال جارتها (الاندلس) شبيهة.

لكن رملها يحشو العين بالذرور عند المرور ، (ويدخل الدور ، ويفسد القدور) ورياحها لا تسكن الا فى الندور ، وظلمة جوها متسببة عما وراءها من مغرب الشموس والبدور. وعين برقانها  ـ  أعذب عيونها  ـ  مشهور بتوليد الهوج ، قران عند الناس غير ذى عوج ، ويذكر أن سليمان اختصها بسجن مردة الجن ، فيعثر بها على (١٢٠ : أ) أو ان ملئت ريحا ، تثير تبريحا (٦٠) ، ويسندون  ـ  لذلك  ـ  افكا صريحا.

٤  ـ  «قصر كتامة» (٦١)

قلت : فقصر كتامة؟

قال : مغرد عندليب (٦٢) ، وعنصر بر وحليب ، ومرعى سائمة ، ومسرح بهيمة فى الجميم هائمة ، ومسقط مزنة عادية وديمة دائمة. وبه التفاح النفاح ، ترتاح الى شميمه الارواح ، والفوائد قد ثقلت بها الادواح ، يقذف به السماء والصباح ، ويتفنن فيه الحرام والمباح ، والسمك كما جردت الصفاح اذا استبحر الكفاح. وطريقه مسلك  ـ  القافلة ، وببابه السوق الحافلة ، ينسل اليها من غمارة قرود وفهود (٦٣)

__________________

(٦٠) تبريحا : شدة وهلاكا.

(٦١) قصر كتامة : أراد به «القصر الكبير» أحد مدن الشمال بالمغرب ، على بعد ٢٥ كم من مدينة العرائش ، كما يبعد عن ساحل المحيط الاطلنطى بنحو ٣٥ كم.

راجع : ياقوت الحموى فى «معجم البلدان» ج ١٥ ص ٣٦٠.

(٦٢) الجميم : يقال أرض جميم أى ملساء.

(٦٣) ألوان مختلفة من أفراد قبيلة غمارة.


وأمة صالح وهود ، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود (٦٤). الا أنه قور (٦٥) قد تهدم ، ودار الندوة لام ملدم (٦٦) ، ومنتزى لهائج المرار وثائر الدم. جثم الهواء الخبيث فى بطيحته وربض ، وانبسط وما انقبض ، وجهز ليله عسكر البعوض الهاجم ، دربة بمص المحاجم. وأما وحله فلا يعبر ولا يسبر ، وان اسهبت العبارة فالامر أكبر.

٥  ـ  «أصيلا» (٦٧)

قلت : فأصيلا؟

قال : كثيرة المرافق ، رافعة فى الخصب اللواء الخافق ، (١٢٠ : ب) العصير الاثير ، والحوت الكثير ، والادام الذي يرمى به من حكم عليه بالتعزيز (٦٨) ، والسفن المترددة فيها الملف (٦٩) والابازير. الا أن حصنها من المنعة برى ، وساكنها بربرى ، وجارها  ـ  من غمارة  ـ  جرى.

__________________

(٦٤) اقتباسا من قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ، ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ ، وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) سورة هود ، آية : ١٠٣.

(٦٥) قور : بئر.

(٦٦) أم ملدم : كنية الحمى.

(٦٧) أصيلا : هى «Arcila» مدينة صغيرة على ساحل المحيط الاطلنطى ، ينسب اليها الاديب المحدث أبو محمد عبد الله بن ابراهيم بن محمد الاصيلى ، ترأس الكتابة بقرطبة على عهد المستنصر.

راجع : ياقوت الحموى «معجم البلدان» ج ١٥ ص ٢١٢.

(٦٨) كناية عن وفرة الزاد بالبلد.

(٦٩) الملف : لفظ شامل للغطاء والكساء.



٦  ـ  «سلا» (٧٠)

قلت : فمدينة سلا؟

قال العقيلة المفضلة ، والبطيحة المخضلة ، والقاعدة المؤصلة ، والسدرة المفصلة. ذات الوسامة والنضارة ، والجامعة بين البداوة والحضارة. معدن القطن والكتان ، والمدرسة والمارستان ، والزاوية كأنها البستان ، والوادى المتعدد الاجفان ، والقطر الآمن عند الرجفان ، والعصير العظيم الشأن ، والاسوق الممتازة حتى برقيق الحبشان. اكتنفها المسرح ، والخصب الذي لا يبرح ، والبحر الذي يأسو ويجرح ، وشقها الوادى يتمم محاسنها ويشرح.

وقابلها الرباط (٧١) ، الذي ظهر به  ـ  من المنصور  ـ  الاغتباط ، حيث القصبة والساباط (٧٢) ، ووقع منه بنظرة الاعتباط ، فاتسع الخرق

__________________

(٧٠) هى Sale مدينة موازية لوادى أبى الرقراق الذي يفصلها عن مدينة الرباط العاصمة ، يعتقد بأنها تأسست فى القرن الحادى عشر الميلادى ، ويرى بعض المؤرخين أنها مدينة رومانية قديمة ، نالت عناية بنى مرين فسوروها ، وأنشأوا بها كثيرا من المرافق العامة ، وتعتبر عمارتها نموذجا للفن المغربى الرائع فى القرنين الثالث عشر والرابع عشر ، ولسلا شهرة صناعية تجارية فى الجلد والاوانى النحاسية والحديدية ونسج الزرابى والطرز وصناعة الحصر ، وهى المدينة التى بقى فيها ابن الخطيب منفيا لمدة ثلاث سنوات تقريبا (٧٦٠  ـ  ٧٦٣ ه‍ / ١٣٥٨  ـ  ١٣٦١ م) حيث ألف بها كتابه هذا ضمن ضمن كتب أخرى ، حينما جاء الى المغرب مع سلطان غرناطة المخلوع «الغنى بالله محمد الخامس ابن الاحمر».

راجع : المعجم للحموى ج ١٠ ص ٢٣١.

(٧١) الرباط : «Rabat» هى عاصمة المغرب الادارية ، وقد أسسها الخليفة المنصور أبو يوسف بن عبد المؤمن ، (٥٥٤ ه‍ ٥٩٥ ه‍) (١١٥٩  ـ  ١١٩٨ م) أشهر ملوك الموحدين ، وسماها «رباط الفتح» ، وهى مدينة الابواب العظيمة ، أقامها الموحدون ، فقد كانت رباطهم العسكرى ، كما أن بها صومعة حسان الشامخة البتراء ، تشرف على المدينة وعلى بقايا أطلال المسجد ، وهذه الصومعة من طراز الكتبية بمراكش والخير الدا بأشبيلية.

راجع : «السلاوى» فى الاستقصاء ج ١ ص ١٦  ـ  ١٨١.

(٧٢) الساباط : سقيفة بين دارين تحتها طريق.




وعظم الاشتطاط ، وبعد الكمال يكون الانحطاط (٧٣). الى شامة (٧٤) مرعى الذمم ، ونتيجة (١٢١ : أ) الهم ، (ومشمخ الانوف ذوات الشمم) (٧٥) وعنوان بر الديم ، حيث الحسنات المكتتبة ، والاوقاف المرتبة ، والقباب كالازهار ، مجودة بذكر الله آناء الليل وأطراف النهار ، وطلل حسان المثل فى الاشتهار.

وهى  ـ  على الجملة من غيرها  ـ  أوفق ، ومغارمها  ـ  لاحترام الملوك الكرام  ـ  أرفق ، ومقبرتها المنضدة عجب فى الانتظام ، معدودة فى المدافن العظام ، وتتأتى بها  ـ  للعبادة  ـ  الخلوة ، وتوجد عندها  ـ  للهموم  ـ  السلوة ، كما قال ابن الخطيب :

وصلت حثيث السير فيمن فلا الفلا

فلا خاطرى لما نأى وانجلى انجلى

ولا نسخت  ـ  كربى بقلبى  ـ  سلوة

فلما سرى فيه نسيم سلا سلا

وكفى بالشابل رزقا طريا ، وسمكا بالتفضيل حريا ، يبرز عدد قطر الديم ، ويباع ببخس القيم ، ويعم حتى المجاشر (٧٦) النائية والخيم الا أن ماءها لا يروى به بارد (٧٧) ، لا كريم ولا بارد ، وأليفها شارد ، والخزين بها فاسد ، وبعوضها مستأسد ، راضع غير مفطوم ، واسم للخد والخرطوم ، بذيالك الخرطوم ، خالع للعذار غير مخطوم ، تصغى

__________________

(٧٣) يرمى بهذا الى ما روى عن المنصور مؤسس الرباط عند ما توفى ، من أنه قال : ندمت على ثلاثة أشياء : بناء مدينة الرباط ، واسكان عرب بنى هلال فى المغرب ، واطلاق أسرى النصارى ، وهم الذين كان قد أسرهم فى موقعة «الارك» الشهيرة (ربيع الاول ٥٩٢ ه‍  ـ  ١١٩٥ م) ، وقد تحققت نبوءة المنصور فى العاقبة السيئة لهذه الامور الثلاثة ، فقد اتخذ الفرنسيون مدينة الرباط قاعدة بعد احتلالهم المغرب فيما بعد ، وأثار عرب بنى هلال القلاقل والفتن فى المغرب ، وأخذ النصارى بثأرهم فى موقعة «العقاب» حيث هزموا المسلمين فيها شر هزيمة (١٥ صفر ٦٠٩ ه‍  ـ  ١٨ يوليو ١٢١٢ م).

(٧٤) فى نسختى (ط ، س) «شالة» وهو الاوفق.

(٧٥) زيادة فى (س ، ط).

(٧٦) المجاشر : يعنى القرى والضياع ، ويقال لها فى المغرب الآن «المداشر».

(٧٧) فى نسخة (س) «وارد» وهو أصوب.


ـ  لرنته  ـ  الآذان ، ويفتك بوكز السنان ، كالقوس تصمى (١٢١ : ب) الرمايا وهى مرنان (٧٨) ، وديارها  ـ  فى الماء  ـ  دار عثمان (٧٩) ، وطواحنها غالية الاثمان ، وكثبانها العفر تلوث بيض الثياب ، طى العياب ، وعابر واديها  ـ  الى مأرب أكيد  ـ  فى تنكيد. الى غلبة الامساك ، وخوض النساك (٨٠) ، وكثرة أرباب الخطط ، (٨١) والاغياء فى الشطط ، تذود  ـ  عن جناته للاسد  ـ  جنان ، (٨٢) فلا يلتذ  ـ  بقطف العنقود منها  ـ  بنان ، وفى أهلها خفة ، وميزانها لا تعتدل منه كفة.

٧  ـ  «أنفا» (٨٣)

قلت : فأنفا؟

قال : جون (٨٤) الحط والاقلاع ، ومجلب السلاع ، تهدى اليها السفن شارعة ، وتبتدرها مسارعة. تصارف برها الذهبى بالذهب الابريز ، وتراوح برها وتغاديه بالتبريز.

__________________

(٧٨) قوس مرنان : صلبة مرنة.

(٧٩) يرمى بذلك الى أنه لا ماء فيها ، اذ دار سيدنا عثمان بن عفان الخليفة لم يكن بها ماء أثناء حصاره.

(٨٠) يغلب على أهل البلد البخل ، وعلى نساكها خوضهم فى أعراض الناس.

(٨١) الخطط : أرباب الوظائف.

(٨٢) جنان : حراس كالجن فى الذب عن البساتين.

(٨٣) أنفا : الدار البيضاء «Casablanca» العاصمة التجارية للمغرب الاقصى على ساحل المحيط الاطلنطى ، تشتهر بالانتاج الزراعى والصناعى. وقد وقع عليها اعتداء من الاساطيل البرتغالية عام ١٤٦٥ م حيث دمر؟؟؟ تها تماما ، بسبب منافستها التجارية لثغر قادس ، ولكن أعيد بناؤها عام ١٥١٥ م ، وقد قست عليها الطبيعة من البحر فاجتاحت معظمها الامواج عام ١٧٥٥ م ، ولم تعد مدينة تتطور وتزدهر الا فى عام ١٩٠٧ م وهى اليوم كبرى مدن المغرب مساحة ، وأعظمها تعدادا للسكان ، ذات مرسى ضخم تبلغ أرصفته مساحة ٦ كيلومترات. والسكان حاليا يتجاوزون المليون والنصف نسمة تقريبا.

(٨٤) الجون : أحد أنواع القطا ، أسود البطن والجناح ، والجونة : الشمس عند مغيبها والسياق يحتمل أحد المعنيين.



يكثر الطير حيث ينتشر الحب

وتغشى منازل الكرماء

وخارجها يفضل كل خارج ، وقانصها يجمع بين طائر ودارج ، وفواكهها طيبة ، وأمطار عصيرها صيبة ، وكيلها وافر ، وسعرها  ـ  عن وجه الرخاء  ـ  سافر ، وميرتها لا ينقطع لها خف ولا حافر. لكن ماءها وهواءها عديما الصحة ، والعرب عليها فى الفتن ملحة ، والامراض بها تعيث وتعبث ، والخزين بها لا يلبث.

٨  ـ  «أزمور» (٨٥)

قلت : فأزمور؟

قال : جار واد وريف (٨٦) ، وعروس ربيع وخريف ، وذو وضع شريف. أطلت على واديه المنازه (١٢٢ : أ) والمراقب ، كأنها النجوم الثواقب ، وجلت من خصبه المناقب (٨٧) ، وضمن المرافق نهره المجاور وبحره المصاقب (٨٨). بلد يخزن الاقوات ، ويملأ اللهوات. باطنه الخير ، وادامه اللحم والطير. وساكنه رفيه ، ولباسه يتحد فيه ، ومسكنه نبيه ، وحوته الشابل ليس له شبيه. لكن أهله  ـ  أنما حرثهم وحصادهم  ـ  اقتصادهم ، فلا يعرفون ارضاخا (٨٩) ، ولا وردا نضاخا ،

__________________

(٨٥) أزمور : هى «Azammur» مدينة ساحلية على المحيط الاطلنطى بالمغرب.

موقعها على الجانب الايسر لمصب وادى أم الربيع ، وعلى مسافة ٨٠ كم من الدار البيضاء جنوبا ، وهى مدينة صغيرة مشيدة بجانب رأس صخرى عال ، كانت عاصمة اقليم دكالة القديمة.

راجع : J.Leon Africano ,Op.Cit.P. ٨٣.

والتعريف بابن خلدون ص ٤٤ حاشية ٤.

(٨٦) وريف : ممتد واسع.

(٨٧) المناقب : الطريق فى الجبل.

(٨٨) المصاقب : المجاور.

(٨٩) ارضاخا : تساهلا.


يترامون على حبة الخردل (٩٠) بالجندل (٩١) ، ويتضاربون على الاثمان الزيوف (٩٢) بالسيوف. بربرى لسانهم ، كثير حسانهم ، قليل احسانهم ، يكثر بينهم  ـ  بالعرض  ـ  (٩٣) الافتخار ، ويعدم  ـ  ببلدهم  ـ  الماء والملح والفخار.

٩  ـ  «تيط» (٩٤)

قلت : فتيط؟

قال : معدن تقصير ، وبلد بين بحرى ماء وعصير ، ورباط للاولياء به (سرور) (٩٥) ، واغتباط ، ومسجدها تضيق عنه المدائن منارا عاليا ، وبقلادة الاحكام حاليا. الا أن خارجها لا يروق عين المقيم والمسافر ، ولا يشوق بحسن سافر ، ومؤمنه يشقى بصداع كافر ،

__________________

(٩٠) الخردل : نبات برى ينبت فى الحقول مع الزرع ، أو على حافة الطرق ، حبه أسود وصغير جدا ، يستعمل فى التوابل ، وله فوائد طيبة ، كما يستخرج منه الزيت.

(٩١) الجندل : الصخر العظيم.

(٩٢) الاثمان الزيوف : النقود الزائفة.

(٩٣) العرض : ضد الجوهر.

(٩٤) تيط : هى «Tit» تقع جنوبى مدينة الجديدة ، وهى ضمن اقليم دكالة ، على ساحل المحيط الاطلنطى.

(٩٥) زيادة فى (س ، ط).


وحماه عدو كل خف وحافر ، فلولا ساكنه لم ينبس يوم فخر ، ولم ينم الا الى صخر (٩٦).

١٠  ـ  «آسفى» (٩٧)

قلت : فرباط آسفى؟

قال : لطف خفى ، وجناب حفى ، ووعد وفى ، ودين ظاهره مالكى ، وباطنه حنفى. الدماثة والجمال ، والصبر (١٢٢ : ب) والاحتمال ، والزهد والمال ، والسذاجة والجمال (٩٨). قليلة الاحزان ، صابرة على الاختزان ، وافية المكيال والميزان ، رافعة اللواء ، بصحة الهواء. بلد

__________________

(٩٦) كناية عن أنها بلدة شبه منقطعة عن سواها ، لوعورة الطرق اليها ، كما أسلف فى وصفها ، وهو يورى بصخر المبكى عليه من أخته الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية ، عاش صخر هذا فيما بين القرنين السادس والسابع الميلادى ، وخرج فى احدى الغزوات ، فقاتل حتى أصابه جرح فمات ، فحزنت عليه أخته أكثر من حزنها على أخيه معاوية ، الذي توفى قبله ، لما للاول من أياد كريمة عليها. ولها ديوان خاص فى رثاء صخر ، فمن قولها فيه ترثيه :

وان صخرا لتأتم الهداة به

كأنه علم على رأسه نار

جلد جميل المحيا كامل ورع

وللحروب غداة الروع مسعار

حمال الوية ، هباط أودية

شهاد أندية ، للجيش جرار

راجع : الموجز فى الادب العربى وتاريخه ، نشر دار المعارف ج ١ ص ٢٠٤ ،

(٩٧) رباط آسفى : هى «Safi» مدينة على ساحل المحيط الاطلنطى بالمغرب ، وهى أصلا مؤسسة برتغالية ، كادت تندثر عندما غادرها مؤسسوها ، ولم يبق من آثارهم فيها غير حصن عظيم ، وثكنة ، وقصر يسمى «دار البحر» ، وترتكز ثروة آسفى على صيد الاسماك ، فهى من أهم مراسى الصيد للسردين فى العالم ، ومن مرسى آسفى يصدر الفوسفات المستخرج من مناجم «كشكاط» ، وتبعد المدينة عن الدار البيضاء بمسافة ٢٥٢ كم.

(٩٨) فى نسخة أخرى «والجلال» وهو أنسب.


موصوف ، برفيع ثياب الصوف ، وبه تربة الشيخ أبى محمد صالح (٩٩). وهو خاتمة المراحل ، لمسورات ذلك الساحل. لكن ماءه قليل ، وعزيزه  ـ  لعادية من يواليه من الاعراب  ـ  ذليل (١٠٠).

١١  ـ  «مراكش» (١٠١)

قلت : فمدينة مراكش؟

قال : فتنفس الصعداء ، وأسمع البعداء ، وقال : درج الحلى ، وبرج النير الجلى ، وتربة الولى ، وحضرة الملك الاولى ، وصرح الناصر الولى. ذات المقاصير (١٠٢) والقصور ، وغابة الاسد الهصور ،

__________________

(٩٩) هو أحد رواد الطرق الصوفية ، عاش فى أوائل القرن السابع الهجرى ، كان يرأس  ـ  بهذه البلاد  ـ  جمعية لتيسير الحج ، لحراسة القوافل الذاهبة الى الاراضى المقدسة.

(١٠٠) كناية عن كثرة السطو على الموسرين بالمدينة من قبل الاعراب المجاورين لها.

(١٠١) هى بالاسبانية «Marraquex» تبعد عن الرباط بمسافة ٣٢٦ كم ، عاصمة الجنوب بالمغرب ، أسسها يوسف بن تاشفين أعظم ملوك المرابطين عام ٤٥٤ ه‍  ـ  ١٠٦٢ م ، كما بنى بها مسجده المعروف باسم «جامع يوسف».

استمرت عاصمة للموحدين كما كانت عاصمة للمرابطين ، ولكن بنى مرين تحولوا عنها الى فاس ، ففقدت مراكش من يومها مركزها السياسى ، وقد شيد بها الموحدون جامع الكتبية بمنارته الشهيرة ، كما أن بها من آثار السعديين مقابرهم العظيمة. وتشتهر المدينة بصناعة الجلد والصباغة والنحاس ، والمنسوجات الوطنية ، والزرابى. وخارجها مزارع الزيتون ، وواحات النخيل الشاسعة ، تحوطها جبال الاطلس التى تكسوها الثلوج شتاء. وللعلويين بها جنان أكدل التى أنشأها عبد الرحمن بن هشام العلوى ، وبها ضريح القاضى عياض ، وأبو العباس السبتى ، وأبو القاسم السهيلى ، ومحمد بن سليمان الجزولى.

راجع : البغدادى فى «مراصد الاطلاع ، على أسماء الامكنة والبقاع» ج ٣ ص ١٢٥١. وكذا : J.Leon.Op.Cit.P. ٦٧  ـ  ٦٨.

(١٠٢) المقاصير : ج مقصورة ، وهى الدار الواسعة المحصنة.



وسدة (١٠٣) الناصر والمنصور. بعدت عن المركز دارتها ، وجرت  ـ  على قطب السياسة  ـ  ادارتها ، وسحرت  ـ  العيون  ـ  شارتها ، وتعبد الاباءة اشارتها ، وخاضت  ـ  البحر الخضم  ـ  نذارتها وبشارتها. اقتعدت البسيط المديد ، واستظهرت بتشييد الاسوار وأبراج الحديد. وبكى الجبل من خشيتها بعيون العيون ، فسألت المذانب كصفاح القيون ، وقيدت طرف الناظر المفتون ، أدواح الشجر بها وغابات الزيتون.

(١٢٣ : أ) فما شئت من انفساح السكك ، وسبوع الشكك (١٠٤) ، وانحلال التكك ، وامتداد الباع فى ميدان الانطباع ، وتجديد فنون المجون بالمد والاشباع. زيتها الزمن يعصر ، وخيرها يمد ولا يقصر ، وفواكهها (لا تحصى) ولا تحصر. فاذا تناصف الحر والبرد ، وتبسم الزهر وخجل الورد ، وكسا  ـ  غدرانها الحائرة  ـ  الحلق السرد (١٠٥) ، قلت : أنجز  ـ  للمتقين من الجنة  ـ  الوعد ، وساعد السعد ، وما قلت الا بالذى علمت سعد (١٠٦). ومنارها العلم فى الفلاة ، ومنزلته  ـ  فى المآذن  ـ  منزلة والى الولاة. الا أن هواءها محكم فى الجباه والجنوب (يحمى عليها بكير الجنوب) (١٠٧) وحمياها كلفة بالجسوم ، طالبة ديونها بالرسوم ، وعقاربها كثيرة الدبيب ، منغصة مضاجعة الحبيب ، وخرابها موحش هائل ، وبعد الاقطار  ـ  عن كثير من الأوطار  ـ  بها  ـ  حائل ، وعدوها ينتهب  ـ  فى الفتن  ـ  أقواتها ، وجرذان

__________________

(١٠٣) سدة : السدة : المنصب الرفيع.

(١٠٤) الشكك : ج شكة ، وهى اللباس يقى لابسه ضربة السلاح.

(١٠٥) السرد : المنتظم المتتابع.

(١٠٦) مثل عربى يضرب فى اسناد الاخبار الى مصادرها ، وهو الشطر الاخير من قول الشاعر :

ويعذلنى أبناء سعد فيهم

وما قلت الا بالذى علمت سعد

(١٠٧) زيادة فى (س).


المقابر تأكل أمواتها. وكانت أولى المنازل بالاغياء ، لو أنها  ـ  اليوم  ـ  معدودة فى الاحياء (١٠٨).

١٢  ـ  «أغمات» (١٠٩)

قلت : فأغمات؟

قال : بلدة  ـ  لحسنها  ـ  الاشتهار ، وجنة تجرى من تحتها الانهار ، وشمامة تتضوع منها الازهار ، متعددة البساتين ، (١٢٣ : ب) طامية بحار الزياتين ، كثيرة الفواكه والعنب والتين. خارجها فسيح ، والمذانب فيه تسيح ، وهواؤها صحيح ، وقبولها للغريب شحيح ، وماؤها نمير ، وماء وردها ممد للبلاد وممير. الا أن أهلها يوصفون بنوك (١١٠). وذهول ، بين شبان وكهول ، وخرابها يهول ، وعدوها تضيق  ـ  لكثرته  ـ

__________________

(١٠٨) يرمى بهذا الى أن مراكش قد فقدت مركزها السياسى فى العصر الذي يعيشه ابن الخطيب ، وهو عصر المرينيين ، الذين اتخذوا فاس عاصمة لهم ، فتحولوا بذلك عن مراكش ، التى ظلت العاصمة فى عهد كل من المرابطين والموحدين. هذا ، والاغياء هو : بلوغ الغاية من الشأن.

(١٠٩) أغمات «Agmat» موقعها قرب مدينة مراكش ، وفى هذه الفترة التى يؤرخ لها ابن الخطيب كانت أغمات عبارة عن مدينتين مواجهتين لبعضهما وهما : أغمات عيلان ، وأغمات وريكة ، وكان بينهما خصام مستحكم ، فرق بينهما حتى فى دور العبادة ، وقد انتهى هذا الخلاف فيما بعد ، واندثرت أغمات وريكة وبقيت الاخرى ، وذلك فى القرن السادس عشر الميلادى ، وتشتهر المدينة بوفرة مياهها وكثرة بساتينها ، وبها قبر المعتمد من عباد ملك اشبيلية زمن الطوائف ، الذي قبض عليه ملك المغرب يوسف بن تاشفين بعد تغلبه عليه عام ٤٨٠ ه‍ (١٠٨٧ م).

راجع : Discripcion de Africa P. ٧٣.J.Leon Affricano وكذا : مراصد الاطلاع على أسماء الامكنة والبقاع ، لصفى الدين البغدادى ج ١ ص ٩٨.

(١١٠) نوك : حمق.


السهول ، وأموالها  ـ  لعدم المنعة  ـ  فى غير ضمان ، ونفوسها لا تعرف طعم أمان.

١٣  ـ  «مكناسة» (١١١)

قلت : فمدينة مكناسة؟

قال : مدينة أصيلة ، وشعب المحاسن وفصيلة ، فضلها الله ورعاها ، وأخرج منها ماءها ومرعاها (١١٢) ، فجانبها مريع (١١٣) وخيرها سريع ، ووضعها له  ـ  فى فقه الفضائل  ـ  تفريع ، عدل فيها الزمان ، وانسدل الامان ، وفاقت  ـ  الفواكه  ـ  فواكهها ، ولاسيما الرمان ، وحفظ  ـ  أقواتها  ـ  الاختزان ، ولطفت فيها الاوانى والكيزان ، واعتدل  ـ  للجسوم  ـ  الوزان. ودنا  ـ  من الحضرة (١١٤)  ـ  جوارها ، فكثر قصادها من الفضلاء وزوارها ، وبها المدارس والفقهاء ، ولقصبتها الابهة

__________________

(١١١) مكناس أو مكناسة : هى بالاسبانيةMequinez اتخذها المولى اسماعيل عاصمة له (١٦٧٣  ـ  ١٧٢٦ م) وطبعها بطابع عبقريته. تقع جنوب غرب فاس على مسافة ٦٠ كم ، وقد سميت باسم قبيلة مكناسة البربرية التى اختطت المدينة أولا ، ويحيط بمكناس نطاق مثلث من أسوار وحصون يبلغ طولها ٤٠ كم. من آثارها العتيقة باب منصور ، والاصطبلات القديمة ، وبركة البساتين التى تبلغ مساحلتها ٤ هكتارات مربعة ، وهى على غرار بركة مراكش. وتعتبر مكناس اليوم خامس مدن المغرب سكانا ، اذ تتقدمها الدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس. ويبلغ تعداد السكان حاليا حوالى ٢٣٠ ألف نسمة ، وارتفاعها عن سطح البحر بنحو ٥٢٢ مترا.

راجع : التعريف بابن خلدون ، ص ٢٢١ حاشية ٣ ، و «الروض الهتون ، فى أخبار مكناسة الزيتون» لابن غازى العثمانى المكناسى (ط. القصر الملكى بالرباط ١٩٦٦ م) بتحقيق عبد الوهاب بن منصور. وكذا مجلة «الثقافة المغربية» ج ٧ عدد ٧ (١٩٧٢) تحت عنوان (التخطيط المعمارى لمدينة مكناس) للاستاذ محمد المنونى ، ص ٢١  ـ  ٥٦.

(١١٢) اشارة الى قوله تعالى : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) النازعات : ٣١.

(١١٣) مريع : خصب.

(١١٤) يقصد بالحضرة المرينية : فاس العاصمة.








والبهاء ، والمقاصير والابهاء (١١٥). الا أن طينها ضحضاح (١١٦) ، لذى الظرف فيه افتضاح ، وأزقتها لا يفارقها القذر ، وأسواقها يكثر بها الهذر ، (وعقاربها لا تبقى ولا تذر) (١١٧) ، ومقبرتها لا يحتج (١٢٤ : أ) عن اهمالها ولا يعتذر.

١٤  ـ  «فاس» (١١٨)

قلت : فمدينة فاس؟

فقال :

رعى الله قطرا ينبت الغنى

وآفاقه ظل على الدين ممدود

نعم العرين ، لاسود بنى مرين ، ودار العبادة التى يشهد بها

__________________

(١١٥) الابهاء ، ج بهو ، وهو : قاعة الاستقبال.

(١١٦) يعنى انتشار الاوحال فى طرقات المدينة.

(١١٧) زيادة فى نسختى س ، ط.

(١١٨) فاس : هى بالاسبانيةFez أسسها المولى ادريس الثانى عام ٨٠٨ م ، فهى أقدم عواصم المغرب التاريخية ، وتبعد عن «الرباط» العاصمة الادارية حاليا بنحو مائتى كم ، وقد عاصر مؤسسها الامير الاموى الحكم بن هشام بالاندلس ، وهو الذي كان قد نفى وشرد معظم سكان ضاحية الربض فى قرطبة ، اثر الموقعة الشهيرة التى تغلب فيها على هؤلاء الثائرين (٢٠٢ ه‍  ـ  ٨١٧ م) فلجأ الربضيون الى فاس ، وفيها أحيوا الصناعات المختلفة ، وطبعوا المدينة بطابع الفن الاندلسى ، ولا سيما فى المعمار ، حتى سميت فاس لذلك «مدينة الاندلسيين». أما «مدينة القرويين» فهى الضاحية التى عمرها سكان المغرب الادنى ، بعد أن وفدوا من القيروان ، وحيث بنى بها «جامع القرويين» ، الذي أسسته السيدة فاطمة الفهرية الادريسية ، وهو الآن يمثل أقدم جامعات العالم ، ويؤمها الطلاب من كل حدب وصوب.

وتجدر الاشارة الى أن مركز فاس السياسى قد تضاءل فى عصر المرابطين ثم الموحدين ، الذين اتخذوا من مراكش عاصمة ، حتى تغلب بنو مرين فأعادوا الى فاس سابق مجدها ، باتخاذهم اياها العاصمة. أما «فاس الجديد» فهى التى بناها الامير أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المرينى عام



مطرح الجنة ومسجد الصابرين. (١١٩) أم القرى ، ومأم السسرى ، وموقد نار الوغى ونار القرى. ومقر العز الذي لا يهضم ، وكرسى الخلافة الاعظم. والجرية (١٢٠) التى شقها ثعبان الوادى فما ارتاعت والابية التى ما أذعنت اذعانها للايالة المرينية ولا أطاعت.

أى كلف وكلف! ومتفق ومختلف! ومحاباة وزلف! وقضيم وعلف! وخلف عن سلف! انما الدنيا أبو دلف (١٢١)!.

__________________

٦٧٤ ه‍  ـ  ١٢٧٥ م ، وقد أطلقت عليها عدة أسماء ، مثل المدينة البيضاء ، والبلد الجديد ، والمدينة الجديدة. وتتصل فاس القديمة بفاس الجديدة عبر حدائق أبى الجنود الغناء ، وتعتبر أبواب فاس غريبة الشكل ، كباب الدكاكين ، وباب الساكمة ، وباب السمارين.

هذا وتعتبر المدينة فى مقدمة مدن المغرب ثقافيا وصناعيا وتجاريا ، وتزدهر فيها السياحة ، نظرا لما تشتمل عليه  ـ  غير ما ذكرنا  ـ  من آثار هامة ، كالمدرسة البوعنانية ذات الساعة الشمسية الغريبة ، ومدرسة العطارين ، ومدرسة المصباحية ، ومسجد الاندلس ، وزاوية المولى ادريس الثانى مؤسس المدينة ، حيث يوجد بها الضريح. كما توجد قبور المرينيين على مرتفع يمكن منه رؤية المدينة فى السفح ، وقد أحاطتها الاسوار الاثرية ، فبدت فتنة الناظرين ..

راجع : ابن خلدون فى «العبر» ج ٧ ص ١٩٤  ـ  ١٩٥ ، والسلاوى فى «الاستقصاء» ج ٢ ص ٢٢ ، ثم : ود. عبد الهادى التازى فى : «جامع القرويين».

وأنظر :(Descripcion de Africa ,P.P. ١٢٢  ـ  ١٤٨) juin Leon Africano).

(١١٩) مسجد الصابرين : أحد المعالم الاسلامية بفاس.

انظر : مجلة البحث العلمى  ـ  ألسنة الثانية عشرة  ـ  العدد ١٤ الصادرة بالمغرب.

(١٢٠) الجرية : حوصلة الطائر.

(١٢١) هذا التعبير اقتباسا من قول الشاعر العكوك على بن جبلة :

إنما الدنيا أبو دلف

بين مغزاة ومختصره

فاذا ولى أبو دلف

ولت الدنيا على أثره

وأبو دلف هذا هو القاسم بن عيسى بن ادريس العجلى ، أمير الكرخ ، وسيد قومه ، وأحد الاجواد من الشعراء ، كما كان من رجال الرشيد ، ثم ابنه المأمون وقد عقد له الكاتب ابن طيفور فصلا خاصا فى كتابه «بغداد فى تاريخ الخلافة العباسية» عند حديثه عن الخليفة المأمون ، توفى أبو دلف عام ٢٢٦ ه‍.

والشهرة بعدئذ واضحة للرجل فى الغنى العريض ، والكرم النادر ...


سألت عن العالم الثانى (١٢٢) ، ومحراب السبع المثانى ، ومعنى المغانى ، ومرقص النادب والغانى ، وارم المبانى (١٢٣) ، ومصلى القاصى والدانى. هى الحشر الاول ، والقطب الذي عليه المعول ، والكتاب الذي لا يتأول. بلد المدارك والمدارس ، والمشايخ والفهارس ، وديوان الراجل والفارس. والباب الجامع من موطأ المرافق ، ولواء الملك الخافق ، وتنور الماء الدافق ، ومحشر المؤمن والمنافق ، وسوق الكاسد والنافق ، حيث البنى النى نظر اليها عطارد (١٢٤) فاستجفاها (١٢٥) وخاف عليها الوجود أن يصيبها بعينه (١٢٤ : ب) الحسود فسترها بالغور وأخفاها (١٢٦). والاسواق التى  ـ  ثمرات كل شىء اليها  ـ  قد جبيت ، والموارد التى اختصت بالخضر وحبيت ، والمنازه المخطوبة ، وصفاح الخلج المشطوبة ، والغدر التى منها أبو طوبة (١٢٧).

بلد أعارته الحمامة طوقها

وكساه رويش جناحه  ـ  الطاووس

فكأنما الانهار فيه مدامة

وكأن ساحات الديار كؤوس

اجتمع بها ما أولده سام وحام ، وعظم الالتئام والالتحام ، فلا يعدم فى مسالكها زحام. فأحجارها طاحنة ، ومخابزها شاحنة ، وألسنتها  ـ  باللغات المختلفة  ـ  لاحنة ، ومكاتبها مائجة ، ورحابها متمائجة ، وأوقافها جارية ، والهمم فيها  ـ  الى الحسنات وأضدادها  ـ  متبارية.

__________________

(١٢٢) ويقصد بالعالم الاول الاندلس.

(١٢٣) ارم المبانى : علم المبانى.

(١٢٤) عطارد : نجم سيار قريب من الشمس.

(١٢٥) استجفاها : طلب منها البعد ، والتعبير كلية كناية عن علو شأن المدينة ومنزلتها السامية.

(١٢٦) يعنى أن موقع المدينة فى السفح المنخفض ، وهو حسن تعليل رائع ، لوقاية المدينة من عين الحسود بموقعها هكذا.

(١٢٧) أبو طوبه : الريح الطيبة.


بلد نكاح وأكل ، وضرب وركل ، وامتياز من النساء بحسن زى وشكل ، ينتبه بها الباه ، وتتل الجباه ، وتوجد للازواج الاشباه. الى وفور النشب (١٢٨) ، وكثرة الخشب ووجود الرقيق ، وطيب الدقيق ، وامكان الادام ، وتعدد الخدام ، وعمران المساجد والجوامع ، وادامة ذكر الله فى المآذن والصوامع.

وأما مدينة الملك (١٢٩) ، فبيضاء كالصباح ، أفق للغرر الصباح ، يحتقر  ـ  لايوانها  ـ  ايوان كسرى ، وترجع العين حسرى ، ومقاعد الحرس ، وملاعب (١٢٥ : أ) الليث المفترس (١٣٠) ، ومنابت الدوح المغترس ، ومدرس من درس أو درس ، ومجالس الحكم الفصل ، وسقائف الترس والنصل ، وأهداف الناشبة أولى الخصل (١٣١). وأواوين الكتاب ، وخزائن محمولات الاقتاب ، وكراسى الحجاب ، وعنصر الامر العجاب.

الى الناعورة التى مثلث من الفلك الدوار مثالا ، وأوحى الماء الى كل سماء منها أمرها فأبدت امتثالا ، ومجت العذب البرود سلسالا ، وألفت أكوابها الترفه والترف ، فاذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى (١٣٢).

__________________

(١٢٨) النشب : نوع من الشجر تستعمل من خشبه القسى.

(١٢٩) مدينة الملك : يقصد بها فاس الجديد.

(١٣٠) كان من عادة ملوك بنى مرين أن يشهدوا فى حلبة خاصة مصارعة بين الثور والاسد ، وكثيرا ما كانت تنتهى بانتصار الثور. ولعل هذا أصل مصارعة الثيران باسبانيا اليوم.

(١٣١) الخصل : عود عليه شوك.

(١٣٢) قوراء : قرص مدور متسع المحيط مخروق الوسط ، والناعورة هكذا ، وعليها الاوانى الفخارية ، وبدورانها تحمل المياه ، ثم تلقيها من عل كالشهب الراصدة.



وقوراء (١٣٣) من قوس الغمام ابتغوا لها

مثالا أداروها عليه بلا شك

فبين الثريا والثرى سد جرمها

وللفلك الدوار قد أصبحت تحكى

تصوغ لجين النهر فى الروض دائما

دراهم نور قد خلصن من السبك

وترسل من شهبانها ذا ذؤابة

فتنفى استراق السمع عن حوزة الملك (١٣٤)

تذكرت العهد الذي اخترعت به

وحنت فما تنفك ساجعة تبكى

ثم قال : الا أن حر هذه المدينة مذيب ، وساكنها ذيب ، ومسالكها وعرة ، وظهائرها مستعرة ، وطينها هائل ، وزحامها حرب وائل (١٣٥). أن نشد الجفاء ناشد ، فهى ضالته المنشودة ، أو حشد أصنافه حاشد

__________________

(١٣٣) يشير بذلك الى قوله تعالى : (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ ، فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) سورة الجن ، آية : ٩ ، وفى هذا  ـ  كما فى البيت التالى  ـ  حسن تعليل لطيف.

(١٣٤) اقتباسا من قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى ، يُراؤُنَ النَّاسَ ، وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) سورة النساء ، آية : ١٤٢.

(١٣٥) وتعرف بحرب البسوس ، حدثت فى الجاهلية قبيل الاسلام ، وقد قامت بسبب ناقة لدار جساس ، قتلها كليب ، فقتل جساس قاتلها كليبا ، ودارت الحرب بين بكر وتغلب اثر ذلك ، واستمرت قرابة أربعين عاما ، وكانت بينهما فى تلك المدة خمس وقعات شهيرة ، تارة يكون الظهور فيها لبكر ، وتارة لتغلب ، وتارة ينتصفان ، حتى تصالحا بعد أن سقط خيرة القبيلتين وزهرة شبابهما ، فضرب المثل بحرب وائل ، كما قيل فى التطير فى الامثلة العربية : أشأم من البسوس.


(١٢٥ : ب) فهى كتيبته المحشودة. الى بعد الاقطار ، وعياث الميازب أوقات الامطار ، والاشتراك فى المساكن والديار ، على الموافقة والاختيار ، وتجهم الوجوه للغريب ، ذى الطرف المريب ، وغفلة الاملس عن الجريب (١٣٦) ، ودبيب العقارب ، أرسالا كالقطا القارب (١٣٧). وأهلها يرون لانفسهم مزية الفضل ، ويدينون فى مكافأة الصنائع البالغة بالعضل (١٣٨). يلقى الرجل أبا مثواه فلا يدعوه الى بينه ، ولا يسمح (١٣٩) له ببقله ولا زيته (١٤٠) ، فلا يطرق الضيف حماهم ، ولا يعرف اسمهم ولا مسماهم ، (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ،) وقليل ما هم (١٤١). ومقبرتهم غير نابهة ، وأجداثها غير متشابهة ، مشربة حيوان ، ومشبعة جرذان ، غير وان (١٤٢).

١٥  ـ  آقر سلوين (١٤٣)

قلت : فما تقول فى آقر سلوين؟

قال : واد عجيب ، وبلد لداعى الايناع مجيب ، مخضر الوهاد ، كثير شجر الجوز والزيتون ، كنفته الجبال الشم ، وحنا عليه الطود كما تحنو

__________________

(١٣٦) كناية عن أن أهل المدينة يتميزون ومعروفون ، والغريب حينئذ ظاهر بينهم مهمل ، لا يلقونه كما يلقون بعضا.

(١٣٧) القطا القارب : القطا الذي يطلب الماء ليلا.

(١٣٨) العضل : بفتح العين وسكون الضاد ، الشدة.

(١٣٩) فى نسختى (ط ، س) «ولا يسمع» ، وهو ما لا يتناسب والسياق.

(١٤٠) فى نسخة (ط) «ولا بزيته» ، وهو أوفق للعطف باعادة الجار.

(١٤١) اقتباسا من قوله تعالى : (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ، وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ ، فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ ، وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) سورة ص ، آية : ٢٤.

(١٤٢) غير وان : غير مقصر.

(١٤٣) آقر سلوين : يحتمل أن يكون المراد بها قصبة سلوان ، حيث تقطن قبائل «بنى يطفتى» ، بالريف شمال المغرب.


على ولدها الام ، فهواؤها ملائم ، والعنب على الفصول دائم. الا أن الشمس لا تطرقه بنوال ، ولا ترمقه الا وقت زوال. قد باء بالحظ الموكوس وانكمش تحت ابط الظل المنكوس ، فجوه عديم الطلاوة (١٢٦ : أ) ، وعنبه  ـ  للبرد  ـ  قليل الحلاوة.

١٦  ـ  «سجلماسة» (١٤٤)

قلت : فسجلماسة؟

قال : تلك كورة (١٤٥) ، وقاعدة مذكورة ، ومدينة محمودة مشكورة ، كانت ذات تقديم ، ودار ملك قديم (١٤٦) ، وبلد تبر وأديم ، ومنمى تجر ومكسب عديم (١٤٧). معدن التمر ، بحكمة صاحب الخلق والامر ، تتعدد أنواعه ، فتعيى الحساب. وتجم بها فوائده فتحسب الاقتناء والاكتساب. قد استدار بها  ـ  لحلق السور  ـ  الامر العجاب ، والقطر الذي تحار فى ساحته النجاب ، فضرب منه على عذارها الحجاب (١٤٨) ، باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قبله العذاب (١٤٩) ، يحيط بها مرحلة راكب ،

__________________

(١٤٤) سجلماسة : يطلق هذا الاسم على مقاطعة فى جنوب المغرب تسمى الآن «تافيلالت».

راجع فى هذا : ياقوت الحموى فى «معجم البلدان» ج ٥ ص ٤١ ، والتعريف بابن خلدون ص ٤٠ حاشية ١.

(١٤٥) كورة ، أى بلد به قرى ومساكن ، يقول الحموى فى معجم البلدان «أن الكورة كل صقع يشتمل على عدة قرى ، ولابد لتلك القرى من قصبة أو مدينة أو نهر» (ج ١ ص ٣٦).

(١٤٦) يقصد دولة «بنى مدرار» التى عاصرت دولة الادارسة ، فقد اتخذت سجلماسة قاعدة لملكها.

(١٤٧) أى عديم النظير.

(١٤٨) كناية عن السور المحيط بالمدينة.

(١٤٩) اقتباسا من قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا : انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ، قِيلَ : ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ، فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ ، باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) سورة الحديد ، آية : ١٣.


ويصيرها سماء مخضرة ذات كواكب. فمنازلها لا تنال بهوان ، وفدنها ودمنها تحت صوان ، ونخلها تطل من خلف الجدار ، وتتبوأ الايمان والدار ، وحللها مبثوثة بين الدمن ، وضياعها تتملك على مر الزمن ، وسوائمها آلفة للسمن ، موجودة بنزر الثمن ، وفواكهها جميمة ، ونعمها عميمة ، وسورها حصين مشيد ، وجسرها يعجز عن مثله معتصم ورشيد (١٥٠). وسقيها يخص دار الملك بحظ معلوم ، ويرجع الى وال يكف كل (١٢٦ : ب) ظلوم.

وهى أم البلدان ، المجاورة لحدود السودان ، فتقصدها  ـ  بالتبر  ـ  القوافل ، وتهدى الى محرابها النوافل ، والرفاهية بها فاشية ، والنشافى (١٥١) الحلية ناشية (١٥٢). لكنها معركة غبار ، وقتيل عقربها جبار (١٥٣) ، ولباسها خامل ، والجفاء بها شامل ، والجو يسفر عن الوجه القطوب ، والمطر معدود من الخطوب ، لبناء جدرانها بالطوب ، والقرع برءوس أهلها عابث ، والعمش (١٥٤) فى جفونهم لابث ، والحصا يصيبهم ، ويتوفر (١٥٥) منه نصيبهم.

__________________

(١٥٠) المعتصم والرشيد ، من أشهر وأعظم خلفاء بنى العباس ، فالمعتصم هو أبو اسحاق محمد بن هارون الرشيد ، ٢١٨  ـ  ٢٢٧ ه‍ (٨٣٣  ـ  ٨٤٢ م) ، وأما هارون الرشيد فقد حكم من عام (١٧٠  ـ  ١٩٣ ه‍ ، ٧٨٦  ـ  ٨٠٩ م) ، ويرمى بهذا الى المبالغة فى عظم شأن الجسر المؤدى الى المدينة.

(١٥١) النشافى الحلية : الاحجار ذات النخاريب ، تستعملها النساء فى الحمامات.

(١٥٢) ناشية : ذات رائحة طيبة.

(١٥٣) جبار : هدر ، وذهب دم القتيل جبارا ، أى لم يؤخذ له بالقصاص ولا بالدية.

(١٥٤) العمش : ضعف بالبصر تصحبه الدموع.

(١٥٥) فى نسختى (س ، ط) «يتوقر» ، والصواب فى نسختنا.


١٧  ـ  «تازة» (١٥٦)

قلت : فتازا؟

قال : بلد امتناع ، وكشف قناع ، ومحل ريع وايناع ، ووطن طاب ماؤه ، (وصح) هواؤه ، وبان شرافه واعتلاؤه ، وجلت فيه مواهب الله وآلاؤه. عصير مثل ، وأمر الخصب به ممتثل ، وفواكه لا تحصى ، يماربها (١٥٧) البلد الاقصى ، وحبوبه تدوم على الخزن ، وفخاره آية فى لطافة الجرم وخفة الوزن. الا أن ريحه عاصف ، وبرده لا يصفه واصف ، وأهله فى وبال ، من معرة أهل الجبال ، وليوثه مفترسة ، وأخلاق أهله شرسة.

١٨  ـ  غساسة (١٥٨)

قلت : فغساسة؟

__________________

(١٥٦) تازة : «Taza» تبعد هذه المدينة المغربية عن فاس بنحو ١١٩ كم ، كما تبعد عن مدينة وجدة بمسافة ٢٣٠ كم. وتتمتع بموقع جغرافى هام ، مما جعلها تتخذ على مر العصور قاعدة حربية ، هكذا فعل إدريس الثانى ، كما اتخذها عبد المؤمن الموحدى حصنا هاما ، وفى عهد بنى مرين جعل منها أبو يعقوب المرينى قاعدة لغزو تلمسان ، وهى قرب نهر «اناون» على آخر الجبال المحاذية للاطلس المتوسط ، والمواجهة لجبال الريف ، وقد تأسست فى القرن الثامن الميلادى. من آثار المرينيين بها المدرسة والجامع الاعظم ، وهما آيتان فى روعة الفن الاندلسى المغربى.

راجع : التعريف بابن خلدون ص ١٣٤ حاشية ٢ ، وتاج العروس ج ٤ ص ١٢

(١٥٧) يمار : يمون.

(١٥٨) غساسة : مدينة ذات موقع يقرب من مصب نهر ملويةMuluia بالبحر المتوسط ، وقد كانت هذه المدينة  ـ  يومئذ  ـ  مقرا لقبائل بطويةButhoia ومن قبل فهى مرسى له أهميته ، يقع غرب مليلية ، أجهز عليه الاستعمار الاسبانى عام ١٤٩٦ م ، ويعتقد أن عبد الرحمن الداخل أبحر من «غساسة» الى الاندلس ، كما نزل بها عبد الله ابن الاحمر آخر ملوك بنى نصر اثر سقوط غرناطة (٢ يناير ١٤٩٢ م) ، كما أن هذه المدينة التى اندثرت «كانت


قال : فريسة وأكيلة ، وحشف وسوء كيلة (١٥٩). الا أنها مرسى مرسى مطروق ، بكل ما يروق ، ومرفأ جارية (١٢٧ : أ) بحرية ، ومحط جباية تجرية.

١٩  ـ  تلمسان (١٦٠)

قلت : فمدينة تلمسان؟

قال : تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف ، ووضعت فى موضع

__________________

المعبر المفضل للمهمات السرية والسريعة» ولذلك يشير ابن الخطيب فى وصفها.

راجع : ابن خلدون فى «العبر» ج ٦ ص ١٠١ وانظر : د. عبد الهادى التازى فى مجلة «البحث العلمى» (عدد ٢٤ من السنة ١٢ ص ١٣) تحت عنوان «الثغور المغربية بين المواجهة المسلحة والتدخل الديبلوماسى».

(١٥٩) هذا التعبير كناية عن سوء الخارج من المحاصيل الزراعية ، بالاضافة الى غش أربابها لها ، وبهذا يشير المؤلف الى المثل العربى (أحشفا وسوء كيلة!!) الذي يضرب للظلم يلحق صاحبه مضاعفا.

(١٦٠) تذكر المعاجم والمؤرخات أن كلمة «تلمسان» مركبة من «تلم» ومعناه :

لها ، «وشان» أى : لها شأن ، ثم صرفت الشين  ـ  بمرور الزمن  ـ  الى السين. وذكر المقرى نقلا عن الكاتب أبى زكريا يحيى ابن خلدون من كتابه «بغية الرواد ، فى أخبار بنى عبد الواد ، وأيام أبى حمو الشامخة الاطواد» ، بعد كلام فى شأن البربر ما صورته : «ودار ملكهم وسط بين الصحراء والتل ، تسمى بلغة البربر «تلمس» كلمة مركبة من «تلم» ومعناه : تجمع «سن» ومعناه : اثنان ، أى الصحراء والتل ، فيما ذكره شيخنا العلامة أبو عبد الله الابلى ، رحمه الله ، وكان حافظا بلسان القوم».

وتقع المدينة غرب الجزائر ، وهى مركز للمحافظة التى تسمى باسمها ، ويبلغ عدد سكانها حوالى ٠٠٠. ٨٥ نسمة ، وتشتهر بينابيعها وكرومها وصناعاتها المحلية ، والتى أهمها السجاد والجلود ومعامل النسيج. وللمدينة شهرة علمية تاريخية ، كما كانت سوقا تجارية هامة ، ولا سيما فى عهد المرابطين الذين أسسوا بها «المسجد الكبير». وقد اتخذها بنو عبد الواد عاصمة المغرب الاوسط ، وقد أخذت شهرتها فى الاضمحلال ، منذ الاحتلال العثمانى.

من مشاهير علمائها أبو اسحاق الانصارى (١٢١٢  ـ  ١٢٩١ م) وغيره من فقهاء العصر الاسلامى الوسيط.

راجع : المقرى فى «نفح الطيب» ج ٩ ص ٣٣١  ـ  ٣٤٢ (تحقيق محى الدين عبد الحميد  ـ  القاهرة ١٣٦٩ ه‍).


شريف. كأنها ملك على رأسه تاجه ، وحواليه من الدوحات حشمه وأعلاجه عبادها يدها ، وكهفها كفها ، وزينتها زيانها ، وعينها أعيانها. هواء المقصور بها فريد ، وهواؤها الممدود صحيح عتيد ، وماؤها برود صريد. حجبتها أيدى القدرة عن الجنوب ، فلا نحول فيها ولا شحوب.

خزانة زرع ، ومسرح ضرع. فواكهها عديدة الانواع ، ومتاجرها فريدة الانتفاع ، وبرانسها رقاق رفاع.

الا أنها بسبب حب الملوك (١٦١) ، مطمعة للملوك ، ومن أجل ، مغلوبة للامرا. أهلها ليس عندهم (١٦٢) جمعها الصيد فى جوف الفرا الراحة ، الا فيما قبضت عليه الراحة ، ولا فلاحة ، الا امن أقام رسم الفلاحة. ليس بها لسع العقارب ، الا فيما بين الاقارب ، ولا شطارة (١٦٣) الا فيمن ارتكب الخطارة (١٦٤)

ثم لما وصل الى هذا الحد ، نظر الى حاج السوق (١٦٥) قد أفاض ، ومزاده قد أعمل فيه الانفاض ، وعلو الاصوات به قد صار الى الانخفاض ، فقال : وجب اعتناء بالرحيل واهتمام ، وكل شىء الى تمام. ومددت يدى الى الوعاء فخرقته ، والى العين فأرقته ، وقلت له : لاحكمنك من كرام بنى الاصفر ، فى العدد الاوفر ، ماثلة فى اللباس المزعفر ، فلما خضب كفيه بحنائها ، وحصلت النفس على استغنائها ، استدنانى ، وشبك بنانه ببنانى ، وقال : لاحبط عملك ، ولا خاب أملك ، ولا عدم  ـ  المرعى الخصيب  ـ

__________________

(١٦١) حب الملوك فاكهة صيفية ، ولا سيما فى مناطق الجزائر والمغرب ، ويقام «مهرجان» خاص فى مدينة صفر والمغربية فى موسم هذه الفاكهة حتى الآن.

(١٦٢) اشارة الى المثل المشهور «كل الصيد فى جوف الغرا».

(١٦٣) الشطارة ، بفتح الشين ، الخبث ، وتقول ، «شطر فلان شطارة  ـ  من باب ضرب  ـ  فهو شاطر» وذلك اذا أعيا أهله خبثا.

(١٦٤) الخطارة : ما يراهن عليه وهو السبق.

(١٦٥) حاج السوق : المشترى بالسوق ، والمحتاج فيه.


هملك ، فنعم مغلى البضائع ، وحافظ الفضل الضائع ، ومقتنى الفوائد ، ومعود العوائد. واستثبت مخيلته ، فاذا الشيخ وتلميذه ، وحماره ونبيذه ، قد تنكر بالخضاب المموه ، والزى المنوه ، وعاث بخد الغلام الشعر المشوه. فقلت : هيه (١٦٦) ، أبت المعارف أن تتنكر ، والصباح أن يجحد أو ينكر ، كيف الحال بعدى؟ وما اعتذارك عن اخلاف وعدى؟ فقال :

خذ من زمانك ما تيسر

واترك بجهدك ما تعسر

ولرب مجمل حالة

ترضى به ما لم يفسر

والدهر ليس بدائم

لابد أن سيسوء ان سر

(١٢٧ : ب) واكتم حديثك جاهدا

شمت المحدث أو تحسر

والناس آنية الزجاج

اذا عثرت به تكسر

لا تعدم التقوى ، فمن

عدم التقى فى الناس أعسر

واذا امرؤ خسر الاله

فليس خلق  ـ  منه  ـ  أخسر

ثم ضرب جنب الحمار ، واختلط فى الغمار (١٦٧) ، وتركنى أتقرى الآثار ، وكل نظيم (١٦٨) فالى انتثار.

تمت والحمد لله (١٦٩)

__________________

(١٦٦) هيه : كلمة تقال لطلب الاستزادة.

(١٦٧) الغمار : زحمة الناس.

(١٦٨) فى نسختى س ، ط «نظم» ، ولعل الصواب فى نسختنا ، اذ فعيل هنا بمعنى مفعول أى : منظوم.

(١٦٩) زيادة  ـ  فيما أعتقد  ـ  من وضع الناسخ.



مصادر التحقيق

والدراسة



أ ـ  المصادر العربية

١) ابن الاحمر : (الامير أبو الوليد اسماعيل بن يوسف النصرى)

(ت. ٨١٠ ه‍  ـ  ١٣٢٥ م)

٢) نثير فرائد الجمان فى نظم فحول الزمان

دراسة وتحقيق : محمد رضوان الداية (بيروت ١٩٦٧ م)

١) نثر الجمان فى شعر من نظمنى واياه الزمان  ـ  مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٨٦٣  ـ  أدب

٢) ابن بطوطة : (أبو عبد الله محمد عبد الله الطنجى).

(ت. ٧٧٩ ه‍  ـ  ١٣٧٧ م)

تحفة النظار فى غرائب الامصار وعجائب الاسفار ج ٢ (القاهرة ١٩٣٨)

٣) ابن الخطيب : (لسان الدين أبو عبد الله محمد)

(ت. ٧٧٦ ه‍  ـ  ١٣٧٤ م)

(١) الاحاطة فى أخبار غرناطة

نسخة خطية بالاسكوريال رقم ١٦٧٣ ونسختان خطيتان بالاكاديمية الملكية التاريخية بمدريد تحت رقمى ٣٤ ، ١٤٢ وتوجد النسخة مطبوعة فى جزأين (القاهرة ١٣١٩ ه‍) كما توجد نسخة خطية أخرى برواق المغاربة بالازهر. وقد نشر الاستاذ عبد الله عنان الجزء الاول من كتاب الاحاطة فى مجموعة ذخائر العرب.

(ب) نفاضة الجراب فى علالة الاغتراب ،

تحقيق الدكتور أحمد مختار العبادى القاهرة  ـ  ١٩٤٨ م)

(ج) ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب ، مخطوط بالاسكوريال رقم ١٨٢٥ وقد نشر جزءا كبيرا منه العالم الاسبانى جاسبار ريميرو تحت عنوان :

Gaspar Remiro. Correspondencia diplomatica entre granada Y Fez en el

siglo XLV

(د) أعمال الاعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الاسلام

نشره ليفى بروفنسال فى طبعتين (رباط ١٩٣٤) ، بيروت ١٩٥٦.

نشر محمد بن تاويت الطنجى ، القاهرة ١٩٥١.

(ه) كناسة الدكان بعد انتقال السكان

نشر وتحقيق د. محمد كمال شبانه  ـ  دار الكتاب العربى بالقاهرة ١٣٤٧ ه‍)

(س) رقم الحلل فى نظم الدول (تونس ١٣١٧)


٤) ابن خلدون : (عبد الرحمن بن محمد)

(ت. ٨٠٨ ه‍  ـ  ١٤٠٥ م)

أ ـ  المقدمة (نشر مصطفى محمد بالقاهرة)

ب  ـ  كتاب العبر وديوان المبدأ والخبر (٧ أجزاء بما فى ذلك المقدمة) ، القاهرة ١٢٨٤.

ج  ـ  التعريف بابن خلدون ورحلته غربا وشرقا

نشر محمد بن تاويت الطنجى ، القاهرة ١٩٥١

٥) الادريسى : (صفة المغرب وأرض السودان ومصر والاندلس) عن (نزهة المشتاق) نشر دوزى ودى خويه (ليدن ١٨٦٦ م)

٦) ابن غازى : (محمد بن أحمد العثمانى المكناسى)

(٨٤١  ـ  ٩١٩ ه‍)

(الروض الهتون فى أخبار مكناسة الزيتون)

تحقيق عبد الوهاب بن منصور (الرباط ١٩٦٤)

٧) ابن القاضى (أحمد بن محمد بن أحمد)

عاش فى القرن السابع عشر الميلادى.

أ ـ  جذوة الاقتباس فيمن حل من العلماء مدينة فاس

(فاس ١٣٠٩).

ب  ـ  درة الحجال فى غرة أسماء الرجال ٢ ج

(نشر علوش ، رباط ١٩٣٤ م)

٨) أبو نواس : (أبو الحسن بن هانئ)

(ت. ٨١٣ م  ـ  ١٩٨ ه‍)

ديوان أبى نواس بتحقيق «ايفالد فاغر»  ـ  (طبعة القاهرة ١٩٥٨)

٩) الجاحظ : (أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى)

(ت. ٢٥٥ ه‍  ـ  ٨٦٨ م)

«البيان والتبيين»

تحقيق عبد السلام هارون طبعة (القاهرة ١٩٤٨ م).

١٠) الجواليقى (منصور بن أحمد الخضر)

«المغرب من الكلام الاعجمى على حروف المعجم».

تحقيق أحمد محمد شاكر (دار الكتب المصرية بالقاهرة ١٣٦١ ه‍)


١١) (جمال : الدين محمد بن سالم بن نصر الله)

(ت. ٦٩٧ ه‍  ـ  ١٣٩٤ م)

تجريدة الاغانى للاصبهانى

١٢) الحميرى : (ابن عبد المنعم)

عاش فى القرن الثامن الهجرى.

الروض المعطار فى خبر الاقطار.

نشره ليفى بروفنسال.

(ليدن ١٩٣٨)

١٣) السباعى : (بيومى)

«تاريخ القصة والنقد فى الادب العربى»

(القاهرة ١٩٥٦).

١٤) السلاوى : (شهاب الدين محمد بن خالد الناصرى)

ت. ١٣١٩ ه‍  ـ  ١٩٠١ م

الاستقصاء لاخبار دول المغرب الاقصى (٤ أجزاء فى مجلدين)

القاهرة ١٨٩٤ م ..

١٥) شبانه : (دكتور محمد كمال أحمد)

يوسف الاول ابن الاحمر ، سلطان غرناطة (القاهرة ١٩٦٩ م)

١٦) الطبرى : (أبو جعفر محمد بن جرير)

(ت ٩٢٢ م  ـ  ٣١٠ ه‍)

«تاريخ الامم والملوك» (١٢ جزءا طبعة القاهرة ١٩٠٨)

١٧) عنان : (محمد عبد الله) معاصر

(لسان الدين ابن الخطيب).

(القاهرة ١٩٦٨ م)

١٨) القلقشندى : (أبو العباس أحمد بن على)

ت ٨٢١ ه‍  ـ  ١٤١٨ م

صبح الاعشى فى صناعة الانشا ١٤ جزءا

(القاهرة ١٢١٢  ـ  ١٢١٩ ه‍)


المصادر الاجنبية


الفهارس الموجودة بالكتاب

الصفحة

١) فهرس عام.................................................................. ١٩٤

٢) فهرس المدن الاندلسية............................................... ١٩٥  ـ  ١٩٦

٣) فهرس المدن المغربية........................................................... ١٩٧

٤) فهرس الخرائط والصور والوثائق........................................ ١٩٨  ـ  ١٩٩


فهرس عام لمحتويات الكتاب

الصفحة

المقدمة.......................................................................... ٣  ـ

الفصل الاول :

ترجمة للمؤلف...................................................................... ٩

ابن الخطيب فى نظر بعض المؤرخين................................................ ٢٣  ـ

الفصل الثانى :

تراث ابن الخطيب الفكرى وآثاره.................................................... ٢٧

الفصل الثالث :

عرض وتحليل للكتاب :............................................................ ٤١

موضوع الكتاب................................................................... ٤٣

منهج ابن الخطيب فى الكتاب....................................................... ٤٩

قيمة الكتاب الادبية ، ومدى صلته بفن

المقامات فى الادب العربى.......................................................... ٥٢

الفصل الرابع :

«معيار الاختيار فى ذكر المعاهد والديار»

ـ  المجلس الاول  ـ

وصف المدن الاندلسية.................................................... ٦٥  ـ  ١٣٤

الفصل الخامس :

ـ  المجلس الثانى  ـ

وصف المدن المغربية..................................................... ١٣٥  ـ  ١٨٦

فهرس المدن الاندلسية........................................................... ١٩٤

فهرس المدن المغربية.............................................................. ١٩٥

فهرس الخرائط والصور والوثائق.................................................... ١٩٦


فهرست المدن التى ورد وصفها فى المعيار

١  ـ  المدن الاندلسية :

١  ـ  جبل طارق.................................................................. ٨٢

٢  ـ  اسطبونة.................................................................... ٨٣

٣  ـ  مربلة....................................................................... ٨٥

٤  ـ  سهيل...................................................................... ٨٥

٥  ـ  مالقة....................................................................... ٨٧

٦  ـ  بليش مالقة................................................................. ٩٢

٧  ـ  قمارش..................................................................... ٩٢

٨  ـ  المنكب..................................................................... ٩٤

٩  ـ  شلوبانية.................................................................... ٩٧

١٠  ـ  برجة..................................................................... ٩٨

١١  ـ  دلاية..................................................................... ٩٩

١٢  ـ  المرية.................................................................... ١٠٠

١٣  ـ  طبرنش.................................................................. ١٠٣

١٤  ـ  بيرة..................................................................... ١٠٤

١٥  ـ  مجاقر................................................................... ١٠٥

١٦  ـ  قنتورية.................................................................. ١٠٥

١٧  ـ  برشانة.................................................................. ١٠٦

١٨  ـ  أوربة.................................................................... ١٠٧

١٩  ـ  بليش الشقراء............................................................ ١٠٧

٢٠  ـ  بسطة................................................................... ١٠٩

٢١  ـ  أشكر................................................................... ١١٠

٢٢  ـ  أندرش.................................................................. ١١١

٢٣  ـ  شبالش.................................................................. ١١١

٢٤  ـ  وادى آش............................................................... ١١٢


٢٥  ـ  فنيانة................................................................... ١١٣

٢٦  ـ  غرناطة.................................................................. ١١٣

٢٧  ـ  الحمة................................................................... ١٢٤

٢٨  ـ  صالحة.................................................................. ١٢٥

٢٩  ـ  أليرة ومنتفريد............................................................ ١٢٥

٣٠  ـ  لوشة................................................................... ١٢٥

٣١  ـ  أرجذونة................................................................. ١٢٦

٣٢  ـ  أنتقيرة................................................................... ١٢٦

٣٣  ـ  ذكوان.................................................................. ١٢٧

٣٤  ـ  قرطمة.................................................................. ١٢٨

٣٥  ـ  رندة.................................................................... ١٣٠

ب  ـ  المدن المغربية :

١  ـ  بادس..................................................................... ١٤٣

٢  ـ  سبتة..................................................................... ١٤٤

٣  ـ  طنجة.................................................................... ١٤٧

٤  ـ  قصر كتامة................................................................ ١٤٩

٥  ـ  أصيلا.................................................................... ١٥٠

٦  ـ  سلا...................................................................... ١٥٢

٧  ـ  أنفا...................................................................... ١٥٦

٨  ـ  أزمور..................................................................... ١٥٨

٩  ـ  تبط...................................................................... ١٥٩

١٠  ـ  رباط أسفى.............................................................. ١٦٠

١١  ـ  مراكش.................................................................. ١٦١

١٢  ـ  أغمات................................................................. ١٦٤

١٣  ـ  مكناسة................................................................. ١٦٥

١٤  ـ  فاس.................................................................... ١٧٢

١٥  ـ  آقرسلوين................................................................ ١٧٩

١٦  ـ  سجلماسة............................................................... ١٨٠

١٧  ـ  تازة..................................................................... ١٨٢

١٨  ـ  غساسة................................................................. ١٨٢

١٩  ـ  تلمسان................................................................. ١٨٣


فهرست الخرائط والصور والوثائق

١) الخرائط

١  ـ  خريطة الاندلس............................................................. ٨٠

٢  ـ  خريطة المغرب.............................................................. ١٤٢

٢) الصور

١  ـ  الاندلس :

١  ـ  منظر جبل طارق............................................................. ٨١

٢  ـ  منظر مربلة.................................................................. ٨٤

٣  ـ  منظر مالقة (المدينة والساحل)................................................. ٨٦

٤  ـ  منظر قصبة مالقة (الابهاء والقلعة).............................................. ٨٦

٥  ـ  منظر المنكب (المدينة)........................................................ ٩٣

٦  ـ  منظر (الحصن) بالمنكب...................................................... ٩٥

٨  ـ  منظر (القصبة) بالمرية....................................................... ١٠١

٩  ـ  منظر بسطة............................................................... ١٠٨

١١  ـ  منظر قصر الحمراء........................................................ ١١٤

١٢  ـ  منظر فناء الاسود بالحمراء................................................. ١١٦

١٣  ـ  منظر جنة العريف (الحمراء)................................................ ١١٨

١٤  ـ  منظر بركة البرطل (الحمراء)................................................ ١٢٠

١٥  ـ  منظر قصر جنة العريف (من الخارج المواجه لحى البيازين)....................... ١٢٢

١٦  ـ  منظر رندة (القنطرة العربية)................................................ ١٢٩

١٧  ـ  منظر باب المقابر (رندة)................................................... ١٣١


ب  ـ  المغرب

١  ـ  منظر سبتة................................................................ ١٤٥

٢  ـ  منظر طنجة............................................................... ١٤٨

٣  ـ  منظر سلا (الاسوار الاثرية).................................................. ١٥١

٤  ـ  منظر الرباط (المدينة)....................................................... ١٥٣

٥  ـ  منظر الرباط (مسجد حسان)................................................ ١٥٤

٦  ـ  منظر الرباط (قصبة الاوداية)................................................ ١٥٤

٧  ـ  منظر الدار البيضاء......................................................... ١٥٧

٩  ـ  منظر صومعة مسجد (مراكش).............................................. ١٦٢

١٠  ـ  منظر عام لمدينة مكناس................................................... ١٦٦

١١  ـ  مدخل ضريح مولاى اسماعيل............................................... ١٦٧

١٢  ـ  باب الريح بمكناس........................................................ ١٦٨

١٣  ـ  باب منصور............................................................. ١٦٩

١٤  ـ  باب مسجد الانوار....................................................... ١٧٠

١٥  ـ  منظر مدينة فاس......................................................... ١٧١

١٦  ـ  الناعورة.................................................................. ١٧٣

١٧  ـ  منظر جانبى من المدرسة البوعنانية بالداخل (فاس)............................. ١٧٧

٣) الوثائق

١  ـ  صورة اللوحة الاولى من مخطوط «المعيار» عن

الاصل المحفوظ بالاسكوريال................................................ (١٧٧٧) ٦٧

٢  ـ  اللوحة الاخيرة من «المجلس الاول»............................................. ٦٨

٣  ـ  اللوحة الاولى «من المجلس الثانى»............................................... ٦٩

٤  ـ  اللوحة الاخيرة من «المجلس الثانى» ، وهى

نهاية المخطوط.................................................................... ٧٠

معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار

المؤلف:
الصفحات: 198