بسم الله الرحمن الرحيم

لقد فاز هذا الكتاب

بالمرتبة الأولى

في المباراة الفكرية الكتابية عن الامام زين العابدين السجاد 7

التي أقيمت في بيروت عام ١٤١٤ هـ بين ( ٢٤ ) كتابا قدم بالمناسبة.

إقرأ تقريرا عن ذلك في الملحق رقم ( ٣ ) في آخر الكتاب

والحمد لله رب العالمين



دليل الكتاب

المقدمة : لماذا هذا الكتاب ............................................٩ ـ ١٤

التمهيد : وفيه بحثان ...............................................١٥ ـ ٣٥

البحث الأول : الإمامة ومستلزماتها ...........................١٧ ـ ٢٨

البحث الثاني : إمامة زين العابدين 7 ..........................٢٩ ـ ٣٨

الفصل الأول : أدوار النضال في سيرة الإمام 7 .......................٣٩ ـ ٧٦

الفصل الثاني : النضال الفكريّ والعلميّ .............................٧٧ ـ ١١٦

الفصل الثالث : النضال الاجتماعيّ والعلميّ .......................١١٧ ـ ١٥٤

الفصل الرابع : التزامات فذّة في حياة الإمام 7 .....................١٥٥ ـ ٢٠١

الفصل الخامس : مواقف حاسمة للامام 7 ..........................٢٠٣ ـ ٢٤١

الخاتمة : نتائج البحث ............................................٢٤٣ ـ ٢٥٢

الملاحق .........................................................٢٥٣ ـ ٣٠٤

الفهارس ........................................................٣٠٧ ـ ٣٥٧



المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمد الرسول الصادق الأمين ، وعلى الأئمة الأطهار المعصومين من آله الأكرمين وعلى التابعين لهم بإحسان الى يوم الدين.

لماذا هذا الكتاب؟

كثيرة تلك الكتب والمؤلفات التي كتبت حول الإمام السجّاد ، عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، زين العابدين 7 المولود عام (٣٨) والمتوفى عام (٩٥) من الهجرة.

وقد عني مؤلّفوها بجوانب من حياته الكريمة لتزويد الأمة بثرواتها من مكارم الأخلاق والآداب ، والمعارف والعلوم والآثار ، وما في تاريخه من عظات وعبر وجهاد وجهود ، ليستنير أمامها درب الحياة ، للوصول الى السعادة الدنيوية والأًخروية.

لقد تبارى في هذا الموضوع الرحب مؤلّفون قدماء ، كما شارك في حلبته مؤلفون في عصرنا الحاضر.

وفي المؤلفين الجدد من استهدف تحليل تاريخ الإمام ، ودراسة حوادثه على أساس من المقارنة بين الأسباب والمسبّبات ، ليقتنص حقائق ثابتة ، مدعومة بالادلة ، من بطون المصادر والحوادث التاريخية.

ولقد فوجئت بأنّ عدّة من الدارسين من هذا القبيل ، اتفقوا ـ أو كادوا ـ على مقولة معيّنة في ما يرتبط بواقع الحركة الساسية في حياة الإمام السجّاد 7.

فهم يؤكّدون على إبعاد الإمام عن « الجهاد السياسي » ويفرّعون حياته من كلّ


أشكال العمل السياسي.

بالرغم من اختلاف اتجاهاتهم الفكرية وانتمائاتهم الدينية : ففيهم السنّي ، والعلماني ، والشيعي : الزيدي ، بل الإمامي الاثنا عشري!

وهم يحسبون الإمام قائما بدور المعلم ـ فحسب ـ في تربية الطليعة المثقّفة والواعية ، بعيدا عن الصراع السياسي ، ومنصرفا عن أيّ تحرّك معارض للأنظمة الحاكمة ، ويحّددون واجباته بالإعداد الثقافي للاُمة ، والتحصين لها عقائديا ، وفقط!

وحاول بعضهم إجراء هذا الحكم على الأئمة بعد الإمام السجاد 7 ، وفرضهم سائرين على منهج واحد ، او يؤدّون دورا ، بعينه.

ولنقرأ معا بعض ما كتبوه في هذا الصدد :

تقول كاتبة جامعية : افتقدت الشيعة ـ بمصرع الحسين ـ الزعيم الذي يكون محورا لجماعتهم وتنظيمهم ، والذي يقودهم الى تحقيق تعاليمهم ومبادئهم ، وانصرف الإمام علي زين العابدين عن السياسة الى الدين ، وعبادة الله عز وجل ، وأصبح للشيعة زعيما روحيا ، ولكنّه لم يكن الثائر السياسي الذي يتزعّم جماعة الشيعة ، حتى أنّه آثر البقاء في المدينة طوال حياته.

وحاول المختار بن أبي عبيدة الثقفي أن ينتزع عليا من حياة التعبيد ، والاشتغال بالعلم الى ميادين السياسة ، دون جدوى! (١)

ويقول كاتب شيعي : كانت فاجعة مقتل أبيه التي شاهدها ببصره أقسى من أن تتركه يطلب بعد ذلك شيئا من إمارة الدنيا ، أو يثق في الناس ، أو يشارك في شأن من شؤون السياسة ، اعتكف على العبادة ... (٢).

ويقول كاتب سنيّ : لكن الإقبال على الله واعتزال شؤون العالم ... كان منهجه في حياته الخاصة ، وطابعه الذي طبع به التشيع الأثني عشري ، فاتجه الى الإمامة

__________________

(١) جهاد الشيعة للدكتورة الليثي ( ص ٢٩ ).

(٢) نظرية الإمامة ، لصبحي ( ص ٣٤٩ ) عن كاظم جواد الحسيني : حياة الإمام علي بن الحسين ( ص ٣٢٠ ) ، وانظر ثورة زيد لناجي حسن ( ص ٣٠ ـ ٣١ ) ..


الروحيّة مبتعدا عن طلب إمامة سياسية (١).

ويقول كاتب يمنيّ : وفي تاريخ الشيعة ـ كذلك ـ نشأت نظرات متخاذلة ، تولّدت من شعور بعض العلويين وأنصارهم بالهزيمة الداخلية ، وقلة النصير ، وفجعتهم التضحيات الكبيرة التي قدّموها ، ففضّلوا السلامة.

وقد وطّدت معركة كربلاء من هذا الاتجاه ، إذ كان تأثيرها مباشرا على علي بن الحسين الذي ابتعد ـ من هول الفجيعة ـ عن السياسة ، ونأى بنفسه عن العذاب الذي عانها من سبقه ، وعلى قريب من هذا النهج سار ابنه محمد ، وحفيده جعفر (٢).

وفي أحدث محاولة لتقسيم أدوار الأئمة : ، جُعلت حصّة الإمام السجّاد 7 « الدور الثاني » وهو الذي امتدّ منذ زمانه حتى زمان الإمام الباقر والصادق 8 ، وهو : بناء الجماعة المنطوية تحت لوائهم.

ويشرح واحد من أنصار هذه المحاولة هذا الدور بقوله : والمرحلة الثانية التي بدأها الإمام الرابع ، زين العابدين 7 ، تتركّز مهمّة الأئمة : فيها : على حماية الشريعة ومقاومة الانحراف الذي حدث في جسم الامة على يد العلماء المزيّفين والمنحرفين ، ... ، ولذلك نرى حرص الأئمة في « المرحلة الثانية » على الابتعاد عن الصراع السياسي ، والانصراف الى بثّ العلوم ، وتعليم الناس ، وتربية النخلصين وتخريج العلاماء والفقهاء على أيديهم ، والإشراف على بناء الكتلة الشيعية ... (٣)

ويقول : إنّ الإمام أراد أن تكون زعامته للاُمة ، زعامة دينية ، وأن تصطبغ نشاطاته بصبغة روحية علمية ، فكانت زعامته في الاًمّة تختلف عن زعامة الأئمة قبله ، حيث كانوا يصارعون الدولة ، ويقصدون الإصلاح ، ويقارعون الظالمين.

فكانت الطريقة التي عاش بها الإمام زين العابدين والظواهر التي برزت في حياته لا تسمح بزعامته إلاّ أن تكون دينية وروحية وعلمية ، وأن يكون قدوة صالحة في

__________________

(١) نظرية الإمامة ( ص ٣٤٩ ) وانظر (٣٥١) ـ وانظر : الفكر الشيعي والنزعات الصوفية ، للشيبي ( ص ١٧ ) والصلة بين التصوف والتشيع ، له ( ص ١٠٤ و ١٤٧ ) ..

(٢) معتزلة اليمن ( ص ١٧ ـ ١٨ ).

(٣) الإمام السجاد ، لحسين باقر ( ص ١٣ ـ ١٤ ).


المجال التربوي والمعيشة الربانية ، لا في مجالات التضحية والجهاد!

فكانت حياته بطولات في ميادين الجهاد الأكبر ـ جهاد النفس ـ لا الجهاد الأصغر ـ جهاد الأعداء ـ (١) ..

وزاد في تعميق المفاجأة : عندما وجدتُ هؤلاء ـ جميعا ـ قد أغفلوا أمرا واحدا وهو تحديد « السياسة » التي أدّعوا أنّ الإمام : « ابتعد عنها » أو « انصرف عنها » أو «زهد فيها » أو « لم يشارك فيها» أو « انعزل عن ساحتها » الى غير ذلك من التعابير المختلفة.

واذا كانت هي زعامة العباد ، وتدبير امور البلاد (٢) فهي داخلة في معنى « الإمامة » التي لا بد أن نفرضها للإمام أو ـ على الأقل ـ نفرضها له عندما نتحدّث عنه من حيث كونه إماما.

وإذا كانت الإمامة متضمنّة للسياسة ، فكيف يريد الإمام أن يبتعد عنها؟.

أو يريد الكُتّاب أن يفرضوا فراغ إمامته عنها؟.

أو حصرها بالزعامة الروحية والعلمية ، فقط؟.

وفي خصوص الإمام زين العالدين 7 : كانت المفاجأة أعمق أثرا ، عندما لا حظت أنّ المصادر القديمة والمتكلفة لذكر حياة الإمام 7 تعطي ـ بوضوح ـ نتيجة معاكسة لما شاع عند هؤلاء الكُتّاب ، وهي :

أنّ الإمام 7 قد قام بدور سياسي فعّال ، وكان له تنظيم وتخطيط سياسي دقيق ، يمكن اعتباره من أذكرى الخطط السياسية المتاحة لمثل تلك الظروف العصبية الحالكة.

__________________

(١) الإمام السجاد ، لحسين باقر ( ص ٦٣ ) وانظر خاصة ( ص ٩١ ـ ٩٣ ). ويلاحظ : أن جهاد النفس ليس من شؤون الإمامة ، ولا الإمام فقط ، بل إنمّا هو واجب عام على كل من آمن بالله ، وأراد الجنة!.

(٢) يلاحظ أن التصدي للحكام غير الشرعيين يعتبر داخلا في هذا المعنى للسياسة ، حتى في العرف المعاصر. وسيأتي في ( التمهيد ) تحديدنا للسياسة التي ندّعي أنّ للإمام زين العابدين « جهادا وجهودا » في سبيل تحقيقها.


ووقفت على شواهد عينينة من التأريخ تدل على أن « الجهاد السياسي » الذي قام به الإمام السجاد 7 من أجل تنفيذ خططه يعدّ من أدق أشكال العمل السياسي ، وأنجحها.

فكان ان قصدت الى تأليف هذا الكتاب ليجمع صورا من تلك الشواهد والعيّنات :

فمهّدت بحثين يعتبران منطلقا أساسيا لما يلي من بحوث في الكتاب ، وهما :

١ ـ البحث عن الإمامة ، وتعريفها ، وما تستلزمه من شؤون.

٢ ـ البحث عن إمامة الإمام زين العابدين 7 وإثباتها.

ثم دخلت في الفصول ، وهي :

الفصل الأول : أدوار النضال في حياة الإمام 7 : في كربلاء ، وفي الأسر وفي المدينة.

الفصل الثاني : النضال الفكري والعلمي في مجالات : القرآن والحديث ، والعقيدة والفكر ، والشريعة والأحكام.

الفصل الثالث : النضال الأجتماعي والعملي في مجالات : التربية والأخلاق والإصلاح وشؤون الدولة ، ومناهضة الفساد الأجتماعي في أشكال : العصبية ، والفقر ، والرقّ.

الفصل الرابع : مظاهر فذّة في حياة الإمام : الزهد والعبادة ، والبكاء ، والدعاء.

الفصل الخامس : مواقف حاسمة في حياة الإمام : من الظالمين ، ومن أعوان الظالمين ، ومن الحركات السياسية المعاصرة له.

وختمه بذكر نتائج البحث.

راجيا أن يؤدي دورا في تصحيح الرؤية التي انطلت على أُولئك الكُتاب.

وفي بلورة ما اُريد عرضه على صفحات هذا الكتاب.


وقد يسّر الله جلّ جلاله لي بفضله ومنّه العمل في الكتاب منذ فترة تأليفه سنة (١٤١٣) وحتى صدور هذه الطبعة المزدانة بمزيد من التدقيق ، فراجعت المزيد من المصادر والمراجع ، وأخذت بنظر الاعتبار ما لوحظ على الكتاب فزاد من الثقة به ، برفع الأخطاء المطبعية التي تلازم طبيعة العمل البشري ، ومن الله التوفيق.

حُرّر في الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة ١٤١٧ هـ

والحمد لله أوّلا وآخرا

وكتب

السيد محمد رضا الحسيني

الجلالي


التمهيد

وفيه بحثان

البحـث الأول: ألإمـامة ، ومستلـزمـاتهـا

البحث الثاني : إمامة زين العابدين 7



التمهيد :

البحث الأول : الإمامة ومستلزماتها

الإمامة : هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا (١) والإمام : هو الذي له هذه الرئاسة (٢).

وقال الشيخ المفيد : الإمامة في التحقيق على موضوع الدين واللسان : هي التقدّم في ما يقتضي طاعة صاحبه والاقتداء به في ما تقدّم به (٣).

وقد عرّفها القاضي الآبي ـ من متكلّمي الإمامية ـ بقوله : الإمامة : التقدّم لأمر عن النبي 6 (٥).

فإذا كانت الإمامة بهذه السعة في شمول نفوذها ، وهي كذلك عند المسلمين الشيعة ، الذين يعتقدون بإمامة السجاد 7 ، فلا يمكن أن تفرّغ من « السياسة » فضلا

__________________

(١) شرح المواقف ، للجرجاني ( ٨ : ٣٤٥ ) وانظر أنوار التمام لأحمد زبارة المطبوع مع الاعتصام ( ٥ : ٤٠٤ ).

(٢) التعريفات ، للجرجاني ( ص ١٦ ).

(٣) الإفصاح ، للمفيد (ص ٢٧ ).

(٤) الحدود والحقائق ( ص ١٥ رقم ١٦ ).

(٥) النكت الاعتقادية ( ص ٥٣ ) جواب السؤال (٩١).


عن أن يكون للإمام نفسه التخلّي عنها ، واعتزالها.

خصوصا إذا لاحظنا رأي الشيعة في الإمامة ، فهم يعدّونها من الاصول الاعتقادية ، ويعظّون شأنها ، فيلتزمون بوجوب النص عليها من الله تعالى ، باعتبار أنّ العلم بتحقّق شروطها ، لا يكون إلاّ ممن يعلم الغيب ويطّلع على السرائر وليس هو إلاّ الله تعالى (١).

ولذلك : اختصّت الإمامة عند الشيعة بهالة من القدسية ، وبإطار من العظمة ، وبوفرة من الاهتمام ، تجعلها عندهم بمنزلة النبوّة في المسؤوليات ، إلاّ أن النبوّة تمتاز بالوحي المباشر من الله تعالى ، وقد استوحوا هذه المنزلة من قول الرسول 6 لعلي 7 : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبّي بعدي » (٢) الحديث الذي يعتبر من أدلة إمامة علي 7.

وقد جاء التعريف الجامع للإمامة ـ على رأي الشيعة الإمامية ـ في حديث الإمام الرضا علي بن موسى بن جعفر : ، حيث قال : ...

إن الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء.

إن الإمامة خلافة الله عزّ وجلّ ، وخلافة الرسول ، ومقام أمير المؤمنين ...

إن الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزّ المؤمنين.

إن الإمامة اُسّ الإسلام النامي ، وفرعه السامي ، الى آخر كلامه في ذكر الإمام

__________________

(١) الافصاح للمفيد ( ص ٢٧ ) وانظر الأحكام للهادي إلى الحق ( ٢ : ٤٦٠ ـ ٤٦١ ) وإكمال الدين للصدوق ( ص ٩ ).

(٢) حديث « المنزلة » من المتواترات ، قاله الكتاني في نظم المتناثر ( ص ١٩٥ رقم ٢٣٣ ) وأورده من حديث ثلاث عشرة نفسا ، وقال : قد تتبع ابن عساكر طرقه في جزء ، فبلغ عدد الصحابة فيه نيفا وعشرينا.

وفي ( شرح الرسالة ) للشيخ جسوس : حديث « انت مني بمنزلة هارون من موسى » متواتر جاء عن نيف وعشرين صحابيا.

وقد رواه من أصحاب الكتب : البخاري في صحيحه ( ٤ : ٢٠٨ ) و ( ٥ : ١٢٩ ) ومسلم في صحيحه ( ٢ : ٣٦٠ ) وأحمد في مسنده ( ١ : ١٧٣ ) وانظر الاعتصام ( ٥ : ٣٩٠ ).


وأوصافه ، وواجباته (١).

ومن يُنكر أن تكون السياسة من صميم شؤون النبوّة ، ومسؤوليات النبيّ المهمة؟!

وأنى تُبعد السياسة من اهتمامات نبيّ الإسلام 6؟.

وقد اتفق الزيدية مع الإمامية على مجمل الذي ذكرناه ، إلاّ أنهم عبّروا عن شرط الإمامة ، بالخروج ، وأضافوا : الدعوة الى نفسه (٢).

ومذهبهم : أن كلّ فاطمي ، خرج وهو عالم ، زاهد ، شجاع ، سخيّ ، كان إماما واجب الاتباع (٣).

وأضاف بعضهم : أن يكون قائما ، شاهرا لنفسه ، رافعا لرايته (٤) وهو المراد بشرط الدعوة الى نفسه.

والمراد بالخروج واضح ، وهو إعلان العصيان على الحكومات الجائرة ، الغاصبة للسلطة ، وعدم الانقياد لحكمها.

وقد أدخل متأخّرو الزيدية كلمة « السيف » على هذا الشرط ، فعبّروا عنه بـ « الخروج بالسيف » (٥).

ولعله باعتبار ملازمة الخروج للمقاومة ، التي لا تخلو من مقارعة بالسيف! ولذلك لم تخل حالات الخروج المعروفة في التاريخ من استعمال السيوف ووقوع ضحايا وشهداء!!

أما لو اقتصرنا على مدلول « الخروج » الذي فسّرناه ، فلم يختلف المذهب الزيدي عن الإماميّ ، في الخروج على حكم السلطات وعدم الاعتراف بالحكّام غير

__________________

(١) أورده الصدوق في الأمالي ( ص ٥٣٦ ـ ٥٤٠ ) وهو تمام المجلس (٩٧) وهو آخر مجلس في الكتاب.

(٢) الملل والنحل ، للشهرستاني ( ١ : ١٥٦ ) وانظر ( ص ١٥٤ ).

(٣) الملل والنحل ، للشهرستاني ( ١ : ٢٧ ).

(٤) المجموعة الفاخرة ، ليحيى بن الحسين ( ص ٢١٩ ).

(٥) لاحظ أوائل المقالات للمفيد ( ص ٤٤ ) ومعتزلة اليمن ( ١٧ ـ ١٨ ).


الشرعيين ، ورفض كل أشكال التحكّم الخارج من إطار الإمامة الحقّة.

وأمّا بناءا على الالتزام الخروج بالسيف شرطا في الإمامة فإنّ الإمام علي بن الحسين السجّاد ، وأبناءه الأئمة : لم يقوموا بدور علنيّ في هذا المجال ، حتى نُسِبَ إليهم معارضة كلّ حركة مسلّحة ضدّ الأنظمة الحاكمة!

ولكنّ هذه التهمة بعيدة عن ساحة الأئمة : :

أولا : لأن عمل الأئمة : علي والحسن والحسين : في قياداتهم للحروب واشتراكهم في المعارك ، هو الحجّة عند الشيعة ، ويكفي دليلا على بطلان هذه التهمة ، لأن الإمامة شأنها واحد ، فلو كان للأئمة السابقين أن يقوموا بعمل مسلّح ، فمعناه جواز ذلك للاّحقين ، وأن ذلك لا ينافي الإمامة.

فنسبة معارضة الحركة المسلّحة الى أيّ إمام ثبتت إمامته ، وكان مستجمعا لشرائطها ، نسبة باطلة ، فكيف تجعل دليلا على نفي الإمامة عن أحد؟

وثانيا: إن الإمام السجّاد 7 هو في أوّل القائمة التي وجهّت إليها هذه التهمة ، مع أنّا نجد موقفه من « السيف » ينافي هذه التهمة تماما ويبطلها ، فهو في الحديث التالي يعتبر « إشهار السيف » عملا لمن هو «سابق بالخيرات ».

ففي تفسير قوله تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) [ فاطر : ٣٥ ـ الآية ٣٢». ]

قال 7 : نزلت ـ والله ـ فينا أهل البيت ـ ثلاث مرات ـ.

قال الراوي : أخبرنا : من فيكم الظالم لنفسه؟

قال 7 : الذي استوت حسناته وسيئاته ، وهو في الجنة.

قال الراوي : والمقتصد؟

قال 7 : العابد لله في بيته حتى يأتيه اليقين.

قال الراوي : فقلت : السابق والخيرات؟


قال 7 : من شهر سيفه ، ودعا الى سبيل ربه (١).

فاعتقاد الإمام السجّاد 7 أنّ الفضل والسبق يتحقّق بإشهار السيف ، يقتضي بطلان نسبة معارضة الحركة المسلحة إليه 7.

وثالثا : إنّ هذا الشرط « الخروج بالسيف » ليس شرطا على إطلاقه ، وليس قابلا لأن يكون شرطا للإمامة كذلك.

ومن ثمّ ، فإن التهمة المذكورة مردودة وباطلة.

وقد يكون من قلّل من شدّتها وحدّتها ، فعمد الى تخفيفها ، وعبّر عنها بدعوى « عدم صحة الإمامة لو أرخى الإمام ستره ، وأغلق بابه » (٢) كان ينظر الى هذه الملاحظة.

فإن هذه الصيغة يمكن التأمّل فيها ، والبحث عنها ، من حيث أنّها لا تتجاوز شرط « الخروج » بالمعنى الذي عرفناه ، لانها يمكن أن تكون فرضا للحدّ الأقل من الفروض الممكنة للخروج ، وأن « إشهار السيف » هو الحدّ الأكثر له.

ومع أنّ « إغلاق الباب ، وإرخاء الستر » ليس ذكرا إلاّ لأبعد الاحتمالات الممكنة ، فإنا لم نجد في سيرة الإمام السجّاد 7 ـ وكذلك الأئمة من ولده ـ مثل هذا الإرخاء وهذا الستر!

فهم : ـ وإن لم يشهروا السلاح الحديدي ـ لكنهم لم يغلقوا أبوابهم ، بل نجد سيرتهم مليئة بالنشاط القيادي ، حتى في أصعب الحالات ، وأقسى المواقف والظروف ، وأكثرها حساسية ، كما في حالة الأسر التي مرّ بها الإمام السجاد 7 ، وحالة السجن التي مرّ بها الإمام الكاظم 7 ، فإنهم لم ينقطعوا فيها عن أداء دورهم المتاح لهم.

__________________

(١) تفسير الحِبريّ ( ص ٣٥٤ ) الحديث (٨٨) وانظر الحديث (٨٩) وتخريجاته ، وكذلك الحديث (٩٠) وشواهد التنزيل للحسكاني ( ٢ : ١٠٤ ) رقم (٧٨٢) وفي الحديث (٧٨٣) نحوه عن زيد الشهيد 7.

(٢) كفاية الأثر ، للخزّاز ( ص ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ) ولاحظ معتزلة اليمن ( ص ١٧ ـ ١٨ ).


هذا بغضّ النظر عن عملهم الدؤوب في إرشاد الناس وهدايتهم الى الحق في أصول العقائد ، ومن ذلك إعلان إمامة أنفسهم ، وتعريفهم بالحق الصحيح من فروع الأحكام وعلم الشريعة ، وتربيتهم على الأخلاق الفاضلة ، وتعليمهم سنن الحياة الحرّة الكريمة ، هذا العمل الذي هو الهدف لكل الأنبياء في رسالاتهم ، ولكل المصلحين في نضالهم وهو من أميز وظائف الأئمة ، وأبرز واجبات الإمامة.

والظالمون من الحكّام غير الإلهيين يقفون أمام مثل هذا العمل ، ويعدّونه تحدّيا لسلطانهم ، ومنافيا لمصالحهم ، وبناء على ذلك : فالقائم به يكون معارضا سياسيا خارجا عليهم ولو بغير سيف!

وإصرار الأئمة من أهل البيت : على هذا العمل ، الى جانب من كان يقوم منهم بنشاط مسلّح ، يدل على أن الجهاد في هذا المجال له من الأهمية والأثر في الوصول الى الأهداف المنشودة من الإمامة ، ما يوازي الحاصل من الجهاد المسلّح ، على أقلّ الاحتمالات.

ويمكن التأكّد من ذلك ، من خلال الممارسات العنيفة للحكّام الظالمين تجاه اولئك الأئمة الذين لم يحملوا السلاح ، بنفس الشكل الذي واجهوا به المجاهدين المسلّحين.

فعمليات المراقبة ، والمطاردة ، والجلب الى مراكز القوّة والجند وعواصم الحكم ، بل السجن ، والتهديد ، والضغط على بعض الأئمة الأثني عشر ، من الأُمور التي كانت قائمة ومستمرة ، على الرغم من عدم مدّ أيديهم الى الاسلحة الحديدية.

إنّ ذلك يدلّ بوضوح على أنّ الحكّام عرفوا أن هؤلاء الأئمة يحاربونهم بأسلحة أفتك من السيف.

كما يعرف كلّ المناضلين : أن الحرب الفكرية والاختراق الثقافي من أساليب ما يسمّى بالحرب الباردة ، هي أشدّ ضراوة ، وأعمق أثرا في الخصم ، وأنفذ في كيانه ، من الحرب بالأسلحة.

وهل يجرؤ عارف بالتاريخ الإسلامي على إنكار الأثر البارز للأئمة الإثني عشر : في هذا المجال؟ فضلا عن نسبة « إغلاق الباب وإرخاء الستر » إليهم!؟


لولا الخطأ في الحكم؟! أو التعمّد في تخطّي الحقائق؟!

وعلى كلّ ، فإنّ حالة « إرخاء الستر ، وإغلاق الباب » لا تمثّل إلاّ أبعد الفروض المحتملة ، والممكنة الوقوع في حياة الأئمة :.

كما أن حالة « إشهار السيف » تمثّل أقوى الفروض ، وأشد الحالات ، وأحوجها الى مثل ذلك.

فكلا الفرضين محتمل في الإمامة.

فكما أن من الممكن فرض حالة « إشهار السيف » في ما إذا تحققت الظروف المناسبة للحركة المسلّحة ، وتوافرت الشروط والامكانات اللازمة للخروج بالسيف ، إذ لم نجد نصّا يمنع الحركة ، فضلا عن أن يجوّز للإمام تفويت تلك الفرص ، وتبديد تلك الإماكانات.

فكذلك إذا اجتمعت شروط الإمامة ـ غير السيف ـ فإنّ تحدّي الظالمين عبر وسائل أُخرى ، تعبّر عن الخروج والتصدّي لحكمهم ، هو المتعيّن للكشف عن عدم الرضا باستمرار الأنظمة الجائرة ، ولا يمكن أن يعتبر ذلك نقطة ضعف ، أو يجعل دليلا على التخلّي عن الحركة المسلّحة.

ومن هنا نعلم أن « السيف » ليست له موضوعية ، وهو ليس شرطا بإطلاق الكلمة ، من دون تقييد بوقت ، ولا محدوديّة بإمكانيات.

بل ، لا ريب في أن الخروج بالسيف ، مشروط بما يحقق الأهداف المطلوبة منه ، وهي لا تتحقّق بالخروج العشوائي ، بل ، لا بدّ أن يتأهب الخارج لها ، ويعدّ للامر ما يلزم له من قوّة وعدّة.

وإلاّ ، فإن الانفراد في الساحة ، والاستبداد بالرأي من دون أنصار ، أو بأنصار غير كفوئين ، أو من غير خطة مدّبرة مدروسة ، أو في ظروف غير مؤاتية.

إن الخروج ـ ولو بأقوى سيف ـ في مثل ذلك لا يمكن أن يكون شرطا لشيء متوقّع ، فضلا عن أن يكون شرطا لشيء هامّ مثل « الإمامة ».

هذا إذا صدق على مثل ذلك اسم غير « الانتحار »!

وقد أرشد الإمام السجّاد 7 الى هذه الحقيقة في احتجاجه على من


اعترض عليه بترك الجهاد ، والالتزام بالحجّ ، بقوله : تركت الجهاد وصعوبته ، وأقبلت على الحجّ ولينه ، والله عزّ وجلّ يقول : ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ـ الى قوله تعالى ـ وبشّر المؤمنين ) [ التوبة : ٩ الآية ١١١ ].

فقال الإمام 7 : إذا رأينا هؤلاء الذين هذه صفتهم فالجهاد معهم أفضل من الحج (١).

وهو المستفاد من كلام الإمام أمير المؤمنين 7 في الخطبة الشقشقية : « أما والله لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ، لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت أوّلها بكاس آخرها » (٢)

ولو كان الخروج واجبا على كل حال ، وغير مشروط ، لما قال الإمام هذا الكلام.

وفي الجامع الكافي للشريف العلوي : قال الحسن 7 : ويحق على من أراد الله والانتصار للدين : أن لا يُظهر نفسه ، ولا يعود بسفك دمه ودماء المسلمين ، وإباحة الحريم ، إلاّ ومعه فئة المتديّنين يوثق بطاعتهم ووفائهم (٣).

إن رسول الله 6 أوصى الى علي 7 ، قال : يا أخي ، عليك بالصبر ، إلاّ أن تجد أعوانا وأنصارا ، فاشهر سيفك حينئذ ، فإن لم تجد أعوانا وانصارا ، فاحقن دمك ، فإنّ القوم لم ينسوا قتل ساداتهم في مواقفك التي شرّفك الله تعالى بها في دينه. (٤)

نعم ، قد يضطرّ الواقع إنسانا أبيّا ، إلى الإقدام على الخروج المسلّح ، وإن لم توجد شروطه ، لحاجة الوضع الى إثارة ، فيضحّي بنفسه فداءا من أجل قضيّته.

وهذا وإن كان لا يُسمى في قاموس اللغة « خروجا » ولا في مصطلح الفقه « جهادا » ولا يمكن أن يعتبر في حسابات العقل « واجبا » ولا في موازين

__________________

(١) الاحتجاج ، للطبرسي (ص ٣١٥) وانظر الكافي (٤ : ٢٥٧) ح ٢٤ ، وثواب الأعمال (٧١ : ٧) ووسائل الشيعة (١١ : ٩٥) تسلسل (١٤٣٣٠).

(٢) الإفصاح للمفيد (ص ٤٦) نهج البلاغة (٣١٥).

(٣) الاعتصام (٥ : ٤٠٨).

(٤) المقنع في الإمامة ، للسُدّ آبادي (ص ٩٩) وانظر (ص ١٠٩).


المنطق « شرطا » لشيء ، فضلا عن الإمامة!

إلاّ أنّه يحتوي على فضيلة هذه العناوين كلّها بأعظم شكل ، إذ أنه يُعدّ في قاموس النهضات « بطولة » وفي وجدان الشعوب « تضحية » وفي روح الدين « فداءا » وعلى صفحات التاريخ « خلودا » ويكون قاعدة لإصلاحات كبيرة ، وبارودا لانفجارات مهيبة ، بعيدة أو قريبة ، كما كانت نهضة الإمام الحسين الشهيد 7. (١)

وأخيرا : فإنّ من الممكن نفي اشتراط الإمامة بـ « الخروج بالسيف » خاصّة ، على أساس المفهوم من حديث النبي 6 ـ دالا على إمامة الحسن والحسين 8 ـ بقوله : « ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا ».(٢)

فإن القيام لو كان شرطا للإمامة ، والقعود لو كان منافيا لها ، لما كان ـ حتى للنبي 6 ـ أن يثبتها للحسنين 8 مع فرض القعود!.

ثم إنّ الحسنين 8 ، قد استجمعا هذا الشرط ، فقاما وناضلا ، فما هو المبرّر لفرض القعود في حقّهما؟ وإبراز إمامتهما مع القعود؟ فليس من الحكمة إضهار هذا المعنى ، لو كان حديث الرسول 6 موجّها إليهما بالخصوص.

إلاّ أنّ من الواضح أنّ المراد تعميم الحكم المذكور على الإمامة نفسها ، باعتبارها واقعا واحدا ، وعلى الأئمة جميعهم ، باعتبارهم قائمين بأمر بعينه.

والمفهوم من الحديث : أنّ الإمامة إذا ثبتتْ حسب الموازين المتّفق عليها ، التي أهمّها النصّ ، فإنّ القيام بالأمر والقعود ، متساويان.

__________________

(١) تحدّثنا عن ذلك في رسالة « ذكرى عاشوراء والاستلهام من معطياتها فقهيا وأدبيا ». ولا تزال مخطوطة.

(٢) حديث متفق عليه بين المسلمين : صرّح بذلك الشيخ المفيد في النكت (ص ٤٨) الفقرة (٨٢) ورواه الصدوق في علل الشرائع (١ : ٢١١) عن الحسن 7 ، والخزّاز في كفاية الأثر (ص ١١٧) من حديث أبي أيّوب الأنصاري ، والمفيد في الإرشاد (ص ٢٢٠) وابن شهر آشوب في المناقب (٣ : ٣٩٤) وقال : أجمع عليه أهل القبلة ، ورواه مجدالدين في التحف (ص ٢٢) وأرسله في حاشية شرح الأزهار (٤ : ٥٢٢) نقلا عن كتاب الرياض ، ورواه الناصر في ينابيع النصيحة (ص ٢٣٧) وقال : لا شبهة في كون هذا الخبر مما تلقته الامة بالقبول وبلغ حدّ التواتر فصحّ الاحتجاج به.


إذَن :

فالذي يمكن أن يكون شرطا لابدّ أن يعمّ الحركة المسلّحة المباشرة ، وأن تكون هي وحدة تمثّل تحقّق ذلك الشرط الذي تبتني عليه الإمامة ، بل هي متعيّنة ، عندما تتهيّأ ظروفها وتتكامل إمكاناتها ، أو كما يشخص الإمام نفسه ضرورة القيام بها.

ويتحقّق ذلك الشرط ضمن وحدات اُخرى تمثّله ، وتوصل الى الأهداف المطلوبة لأجلها الإمامة.

وذلك الشرط هو « الإصلاح » في الأمة.

وقد عبّر عنه في مصادر قدماء الزيدية بـ « الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ».

في ما رواه الإمام الهادي الى الحق يحيى بن الحسين ، قال : بُلّغنا عن رسول الله 6 أنه قال : « من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذرّيتي فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة كتابه ، وخليفة رسوله ». (١)

ولم يختلف أحد من الأمة ـ خاصة الشيعة : إمامية وزيدية ـ في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا على الامام فحسب ، بل على الأمة جمعاء. (٢)

لكن هذا الواجب :

أولا : ليس من أصول الدين ، بل من فروع العمل ، ولذا كان وجوبه عامّا على كلّ الأمة ، فلا يمكن أن يؤخذ شرطا خاصا ، لأصل دينّي ، كالإمامة ، ولا على شخص معيّن : كالإمام.

ثانيا : إنّ وجوبه ليس مطلقا ، بل هو مشروط ومقيّد بحالات (٣) ، فلا يعلّق عليه أمر ضروري مطلق ، كالإمامة التي يعدّها الشيعة من أثافي الاسلام وأعمدته (٤).

__________________

(١) درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية (ص ٤٨).

(٢) شرح الأزهار ( ٤ : ٥٨٢ ).

(٣) شرح الأزهار ( ٤ : ٥٨٢ ).

(٤) لاحظ وسائل الشيعة ( ج١ ص ١٣ ـ ٢٩ ) الباب الأول.


فمن القيود ، عدم التقية :

قال الإمام السجّاد 7 : التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كنابذ كتاب الله وراء ظهره ، إلاّ أن يتقي تقاة.

قيل : وما تقاته؟

قال 7 : يخاف جبّارا عنيدا ، أن يفرط عليه أو أن يطغى (١).

ومنها ، ظنّ التاثير :

فإن لم يكن يظنّ لم يجب.

بل جعل منها في الفقه الزيدي شرط : أن لا يؤدي الى مثله أو أنكر ، أو تلفه ، أو عضو منه ، فيقبح غالبا.

واحترز بقيد « الغالب » عمّا لو حصل بتلف القائم إعزاز الدين ، كما كان من الحسين 7 وزيد 7 (٢).

فهو قد جعل حركة الحسين وزيد 8 مثلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا ريب في أنهما كذلك ، وفي المنظار العام ، بل هما من أروع الأمثلة وأعلاها!

وذكره للإمام الحسين 7 مع أنّ إمامته ثابتة بالنصّ ـ عند الشيعة إمامية وزيديّة ـ دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واجبّ آخر ، من دون دخالة له في أمر الإمامة.

والذي نستخلصه من هذا البحث :

أنّ الإمامة إنّما هي منصب إلهي يعتمد على النصّ ـ خاصا كما يقوله الإمامية ، أو عاما كما يقوله الزّيدية ـ وإذا ثبت النصّ على إمام بعينه كان الحجة على الامة ، مهما فعل من قيام أو قعود.

نعم ، إن من المستلزمات الواضحة للإعلان عن الإمامة هو التحرّك في سبيل مصلحة الدين والمسلمين ، والتحرّق من أجل مشاكلهم ومآسيهم ، والسعي في حلّ

__________________

(١) حلية الأولياء ، لأبي نعيم (٣ : ١٤٠).

(٢) شرح الإزهار (٤ ـ ٥٨٥٤) وانظر الاعتصام (٥ ـ ٤٢٥ و ٥٤٣).


أزماتهم بكلّ الطرق والسبل ، ولو بتجريد السيف!

ولعلّ اشتراط الخروج والدعوت الذي يظهر من كلمات الزيدية ، يراد كونه شرطا لتعريف الأمّة بالإمام ، والإعلان عن بدء حركته الجهاديّة ، لا شرطا في الإمامة وثبوتها للإمام ، وبهذا يقترب المذهبان.

ولنختم هذا البحث بكلام واحد من كبار علمائنا الذين عاشوا في القرن الرابع الهجريّ ، وهو الشيخ المحدّث الحافظ ، المتكلّم ، الفقيه ، أبو القاسم ، علي بن محمد بن علي الخزّاز القمي ، الذي قال في كتابه القيّم « كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الاثني عشر » بعدما أورد النصوص المتضافرة على إمامتهم : ما نصّه :

فإن قال قائل : فزيد بن علي ، إذا سمع هذه الأخبار ، وهذه الأحاديث من ثقات المعصومين ، وآمن بها ، واعتقدها ، فلماذا خرج بالسيف؟ وادّعى الإمامة لنفسه؟ وأظهر الخلاف على جعفر بن محمد؟ وهو بالمحلّ الشريف الجليل ، معروف بالستر والصلاح ، مشهور ـ عند الخاص والعام ـ بالعلم والزهد؟ وهذا ما لا يفعله إلاّ معاند أو جاحد ، وحاشا زيدا أن يكون بهذا المحلّ.

فأقول في ذلك ، وبالله التوفيق :

إن زيد بن علي 7 خرج على سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا على سبيل المخالفة لابن أخيه جعفر بن محمد 8.

وإنما وقع الخلاف من جهة الناس ، وذلك أنّ زيد بن علي 7 لمّا خرج ، ولم يخرج جعفر بن محمد 8 توهّم قوم من الشيعة أنّ امتناع جعفر كان للمخالفة!

وإنما كان لضرب من التدبير.

فلمّا رأى الذين صاروا للزيدية سلفا قالوا : ليس الإمام « من جلس في بيته وأغلق بابه وأرخى ستره » وإنّما الإمام « من خرج بسيفه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ».

فهذا كان سبب وقوع الخلاف بين الشيعة ، وأما جعفر وزيد 8 ، فما كان بينهما خلاف (١).

__________________

(١) كفاية الأثر للخزّاز ( ص ٣٠٠ ـ ٣٠٢ ) وانظر ثورة زيد بن علي ( ص ١٤٠ ـ ١٤٧ ).


التمـهيد :

البحث الثاني : إمامة السجّاد زين العابدين 7

اتّفق الشيعة الإمامية على إمامة زين العابدين 7:

قال الشيخ المفيد : واتفقت الإمامية على أن رسول الله 6 نصّ على علي بن الحسين ، وأن أباه وجّده نصّا عليه كما نصّ عليه الرسول 6 ، وأنه كان بذلك إماما للمؤمنين (١).

وقد أقاموا الحجج وجمعوا النصوص الدالة على إمامته 7 في كتبهم (٢).

ثمّ إن خصال الفضل ـ الموجب للتقدّم ـ ووجوهه ، في عصر التابعين ، هي : العلم بالدين ، والإنفاق في سبيل الله ، والزهد في الدنيا (٣).

وقد اجتمعت كلّها في شخص الإمام زين العابدين 7.

ولا أظنّ أنّ القول بإمامة السجاد 7 في عقيدة الشيعة الإمامية بحاجة الى الاستدلال ، بعد وضوح ذلك ، والاتفاق الذي نقله الشيخ المفيد ، وإثبات النصوص في صحاحهم المعتمدة.

__________________

(١) أوائل المقالات في المذاهب المختارات (ص ٤٧).

(٢) الكافي للكليني ( ١ : ١ ـ ٢٤٢ ) والإمامة والتبصرة (ص ١٩٣) الباب (١٠) وكفاية الأثر للخزّاز ( ص ٢٣٠ ـ ٢٣٥ ) والغيبة للطوسي (ص ٥ ـ ١٩٦) وإثبات الهداة للحر العاملي ( ٣ : ١ ـ ٣٢ ).

(٣) راجع الإفصاح للمفيد (ص ٢٣١).


وأمّا الزيديّة :

فالذي يظهر من كلام الهادي الى الحق يحيى بن الحسين ( المتوفى ٢٩٨ ) أنه يلتزم بإمامة السجاد 7 بالنصّ على الوصية إليه حيث ذكره باسمه الصريح ، فقد قال : إن الله عز وجل أوصى بخلقه على لسان النبي الى علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، والى الأخيار من ذريّة الحسن والحسين ، أولهم علي بن الحسين ، وآخرهم المهدي ، ثم الأئمة في ما بينهما (١).

فهذا الكلام صريح الدلالة على أن الوصية كانت الى الإمام السجاد 7 كما كانت لابيه وعمّه وجدّه ، بالتعيين من الله تعالى فهو 7 من الأوصياء الذين اختارهم الله للإمامة وثبتت لهم بالأختيار الإلهي.

لكنّ بعض العلماء المعاصرين ، من فضلاء الزيدية حاول صرف هذا الكلام عن صريح لفظه ، الى أن سيد الساجدين علي بن الحسين صلوات الله عليه من دعاة الأئمة (٢) ولم يذكره في عداد الأئمة.

فبالرغم من عدم قرينة على هذا الحمل ، فإنه يقتضي أن يكون « المهدي » أيضا من دعاة الأئمة ، وهو ما لا يلتزم به أحد من الأُمة!

ونقل السيّد بدرالدين الحوثي عن القاسم 7 ما نصّه :

وجرى الأمر في ولد النبي 6 الصفوة بعد الصفوة ، لا يكون إلاّ في خير أهل زمانه وأكثرهم اجتهادا وأكثرهم تعبّدا وأطوعهم لله وأعرفهم بحلال الله وحرامه وأقومهم بحقّ الله وأزهدهم في الدنيا وأرغبهم في الآخرة وأشوقهم للقاء الله ، فهذه صفة الإمام ، فمن استبان منه هذه الخصال فقد وجبت طاعته على الخلائق ، فتفهّموا وانظروا :

هل بيننا وبينكم اختلاف في علي بن أبي طالب ثم بعده الحسن بن علي؟

__________________

(١) كتاب فيه معرفة الله والعدل والتوحيد ، للهادي ، مطبوع في رسائل العدل والتوحيد (٢ : ٨٢). وأورده بنصه في المجموعة الفاخرة (ص ٢٢١). ونقله السيد بدرالدين الحوثي في رسالة ( الزيدية في اليمن ) (ص ١٧).

(٢) التحف شرح الزلف (ص ٢٥).


أو هل اختلفنا من بعده في الحسين بن علي؟

أو هل اختلفنا في علي بن الحسين؟

أو هل اختلفنا في محمد بن علي؟

أو هل ظهر منهم رغبة في الدنيا؟! أو طلب اموال الناس؟

الى قوله 7 : فلو أردنا أن نجحد الحقّ لجحدناهم من بعد الحسين بن علي ، وصيّرناه في أهل بيت النبي 6 عامّة (١).

وهذا النصّ أصرح في التزام الزيدية بامامة علي بن الحسين السجاد ومحمد بن علي الباقر 8 ، حالهم حال الإمامية بلا خلاف في القول بامامتهم الخاصة.

والذي يظهر من تتبّع أقوال خبراء الملل والنحل أن الزيدية القدماء كانوا يلتزمون بإمامة السجاد 7 ، ولم يختلف الشيعة في إمامته :

فالشهرستاني ـ لما ذكر الاختلاف في الإمامة ، وذكر من قال بالنصّ على الحسن والحسين ـ قال : ثم اختلفوا : فمنهم من أجرى الإمامة في أولاد الحسن 7 ، فقال بعده بإمامة ابنه الحسن [ المثنى ] ثم ابنه عبدالله ...

ومنهم من أجرى الوصية في أولاد الحسين ، وقال بعده بإمامة ابنه علي بن الحسين زين العابدين ، نصّا عليه ، ثم اختلفوا بعده : فقالت الزيدية بإمامة زيد ، وإمّا الإمامية فقالوا بإمامة ابنه محمد بن علي الباقر ، نصّا عليه (٢).

وقال في الجارودية : فساق بعضهم الإمامة من علي الى الحسن ، ثم الى الحسين ، ثم الى علي بن الحسين زين العابدين ، ثم إلى ابنه زيد ... (٣).

وقال القاضي النعمان المصري : الزيدية من الشيعة زعموا أنّ من دعا الى الله عزّوجلّ من آل محمد فهو إمام مفترض الطاعة.

قالوا : وكان علي إماما حين دعا الناس الى نفسه ، ثم الحسن والحسين ، ثم زين

__________________

(١) الزيدية في اليمن (ص ١٧ ـ ١٨) عن كتاب ( الرد على الروافض من الغلاة ـ المخطوط ـ ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥ ).

(٢) الملل والنحل (١ : ٢٧).

(٣) الملل والنحل (١ : ١٥٨).


العابدين ، ثم زيد بن علي ... (١).

ويظهر التزام زيد بإمامة أبيه من الحوار الذي جرى بينه وبين أخيه الإمام الباقر ، والذي نقله الشهرستاني ، فإنّ زيدا كان يرى الخروج شرطا في كون الإمام إماما ، فقال له الباقر يوما : مقتضى مذهبك : والدك ليس بإمام! فإنه لم يخرج قط! ولا تعرّض للخروج (٢).

فلو لم يكن زيد ملتزما بإمامة والده السجاد 7 ، لم يتمّ إلزامه بما في هذا الحوار.

لكنّ الزيدية المتأخرين خالفوا ذلك : ففي المعاصرين من لم يلتزم بإمامة السجاد 7 بل يعدّه من دعاة الأئمة!

وهؤلاء يسوقون الإمامة من الحسين 7 الشهيد في كربلاء ( سنة ٦١ ) الى الحسن المثنى بن الحسن المجتبى 7 ويلقبونه بـ « الرضا » ثم الى زيد (٣).

ويبدوا أن الألتزام بعدم إمامة السجاد 7 أصبح مذهبا للجارودية في الفترة المتأخرة عن عهد الهادي الى الحق ، فإنّ الشيخ المفيد نقل إنكارهم أن يكون علي بن الحسين 7 إماما للاُمة بما توجب به الإمامة لأحد من أئمة المسلمين (٤).

وقال السيد ما نكديم أحمد بن الحسين بن هاشم الحسيني ششديو ، في تعيين الإمام : إعلم أن مذهبنا أن الإمام بعد النبي 6 : علي بن أبي طالب ، ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم زيد بن علي ، ثم من سار بسيرتهم (٥).

والملاحظ عدم ذكره للحسن المثنى.

__________________

(١) شرح الأخبار للقاضي ( ٣ : ٣١٧ ).

(٢) الملل والنحل ( ١ ـ ١٥٦ ).

(٣) التحف شرح الزلف ( ص ٢٢ و ٢٤ ـ ٢٥ ).

(٤) أوائل المقالات (ص ٤٧) ولاحظ أجوبة ابن قبة الرازي على كتاب ( الأشهاد ) لأبي زيد العلوي الزيدي المطبوع في إكمال الدين (ص ١١٣) اذ قال له : وأنت لا تعترف بإمامة مثل علي بن الحسين 7! ، مع محله في العلم والفضل عند المخالف والموافق.

(٥) شرح الأصول الخمسة ، للقاضي (ص ٧٥٧).


ومع أن هذه النصوص تدلّ على الخلاف الكبير بين الزيدية في تعيين الإمام بعد الحسين 7 ، فإنا يمكننا الوصول الى رأي واحد من خلال الملاحظات التالية :

فعلى الرأي الأخير ، فإن منصب الإمامة يبقى شاغرا عمّن يتولاّه من سنة (٦١) مقتل الإمام الحسين 7 ، الى سنة (١٢١) مخرج زيد 7.

وحتى على الرأي الثاني ، فالمنصب يبقى شاغرا من سنة (٦١) الى سنة (٨٣) مخرج ابن الأشعث ودعوته الى الحسن المثنى ، على الفرض (١).

ومن المعروف ـ وحسب الأحاديث الصريحة ـ أنّ الارض لا تخلوا من حجّة (٢).

ودلالة الأحاديث المشهورة : « من مات لا يعرف إمامه » أو « وليس له أمام ، مات ميتة جاهلية » (٣) على أنّه لا بدّ للاُمة ـ في كل زمان ـ من إمام عدل يعرفونه ، ويدينون بإمامته وولايته ، وأن الجاهل بالإمام خارج عن ملّة الإسلام ، واضحة صريحة.

فخلوّ الفترة بين (٦١) الى (٨٣) أمر لا ينطبق على هذه الأصول.

على أنّ القول بإمامة الحسن المثنى ، وإن التزم به بعض المتأخرّين من الزيدية ، استنادا الى ما قيل من أن : عبدالرحمن بن الاشعث قد دعا إليه ، وبايعه ، فلمّا قُتل

__________________

(١) ولا يمكن الالتزام بإمامة الحسن ولا زيد قبل خروجهما ، إذا كان الخروج شرطا للإمامة ، كما يقول هؤلاء ، وحسب تفسيرهم للخروج!.

(٢) الكافي ( ١ص ٦ ـ ١٣٧ ) والإمامة والتبصرة ( ص ١٥٧ ـ ١٦٣ ) ب (٢) واكمال الدين (ص ١٠).

(٣) الكافي ( ١ ص ٣٠٨ ) والإمامة والتبصرة ( ص ٢١٩ ـ ٢٢٠ ) ب (١٨) وح ٥٠ ب ١١ وانظر : بحار الأنوار ( ج ٢٣ ص ٧٦ ـ ٩٥ ) ورواه في ( الجامع الكافي ) كما في الاعتصام ( ٥ : ٤٠٩ ) وقال : رواه الهادي في الاحكام ( ٢ : ٤٦٦ ) ودرر الأحاديث اليحيوية ( ص ١٧٧ ) ورواه المفيد في الأفصاح (ص ٢٨) وعبّر عنه بالمتواتر ، وعبّر عنه الشهيد الثاني بقوله : « من مشاهير الاحاديث بين العامّة والخاصّة وقد أوردها العامّة في كتب اُصولهم وفروعهم » جاء ذلك في كتاب : حقايق الإيمان ( ص ١٥١ ). ورواه من العامة الحاكم في المستدرك على الصحيحين (١ : ٧٧ و ١١٧ ) والطبراني في المعجم الزوائد ( ١٠ : ٣٥٠ ) رقم (١٠٦٨٧) وبلفظ ( بغير إمام ) في ( ١٩ : ٣٨٨ ) رقم (٩١٠) ومجمع الزوائد ( ٥ : ٢٢٥ ) وقد جمع الحديث بالفاظه المختلفة الشيخ مهدي الفقيه في كتابه ( شناخت امام ) باللغة الفارسية وهو مطبوع.


عبد الرحمن توارى الحسن حتى دسّ اليه من سقاه السمّ ، فمات ، وعمره ثلاث وخمسون سنة (١) ، فهو أمرّ لم يثبت.

لأن الشيخ المفيد قال : ومضى الحسن [ المثنى ] ولم يدّع الإمامة ، ولا أدّعاها له مدّع (٢).

ولو فرضنا صحّة الدعوة منه ، أو اليه ، فهل مجّرد الدعوة ثمّ الأختفاء والموت يكفي لإسناد منصب الإمامة العظيم الى شخص؟!

وهل يقنع العقل بمجرد ذلك لإسناد الإمامة الى شخص غير الإمام السجّاد؟ فيُعرض عن ملاحظة الإنجازات السياسية والدينية الهائلة التي قدّمها الإمام السجّاد 7 طيلة فترة إمامته (٦١ ـ ٩٥ ) والتي سنستعرضها في الفصول القادمة؟!.

وهل تُقاس هذه الجهود بمجرد الدعوة ثم الأختفاء والموت؟!

وهل مثل تلك الدعوة ـ على قصرها ـ تحقّق المطلوب من روح شرط « الخروج »؟!

مع أنّ الإمام السجاد 7 قد أعلن الدعوة صريحة الى إمامة نفسه ، وعلى رؤوس الأشهاد ، وعلى مدى أربع وثلاثين عاما! كما سيأتي.

وأما العامّة :

فقد قال الذهبي في ترجمة الإمام السجاد : السيد الإمام ، زين العابدين ، وكان له جلالة عجيبة ، وحقّ له ذلك ، فقد كان أهلا للإمامة العظمى : لشرفه ، وسؤدده ، وعلمه ، وتالّهه ، وكمال عقله (٣).

وقال المناوي : زين العابدين ، إمام ، سند ، اشتهرت أياديه ومكارمه ، وطارت بالجوّ في الوجود حمائمه ، كان عظيم القدر ، رحب الساحة والصدر ، رأساً لجسد

__________________

(١) عمدة الطالب ( ١٠٠ ـ ١٠١ ) وانظر هامشه.

(٢) الإرشاد الى ائمة العباد للمفيد (ص ١٩٧) وقد فصل الحديث عنه وقال : كان جليلا رئيسا فاضلا ورعا وكان يلي صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب 7 في وقته ، وله مع الحجّاج خبر ( الارشاد ص ١٩٦ ).

(٣) سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٨ ).


الرئاسة ، مؤمّلا للإيالة والسياسة (١).

وقال الجاحظ : أمّا علي بن الحسين بن علي : فلم أر الخارجي في أمره إلاّ كالشيعي ، ولم أر الشيعي إلاّ كالمعتزلي ، ولم أر المعتزلي إلاّ كالعامي ، ولم أر العامي إلاّ كالخاصيّ ، ولم أجد أحدا يتمارى في تفضيله ويشكّ في تقديمه (٢).

وقال الجاحظ أيضا : وأمّا علي بن الحسين 7 فالناس على اختلاف مذاهبهم مجمعون عليه لايمتري أحد في تدبيره ، ولا يشكّ أحد في تقديمه (٣).

وقد ترجم له 7 أعلام العامة فلم يذكروه إلاّ بالسيادة والشرف ، والتقى والعلم ، والعبادة والفضل ، والحلم والكرم ، والتدبير والحكمة ، وكثير منهم وصفه بالإمامة (٤).

وهل يشكّ مسلم مؤمن بالكتاب والسنة ، ومزدان بالعقل والعدل ، في تقدّم هذا الإمام على خلفاء عصره ، وأولويّته بالإمامة والخلافة والحكم؟

الإشارة الى إمامة السجّاد :

ولنختم هذا البحث بحديث اتفقت المذاهب الإسلامية الكبيرة على روايته ونقله :

١ ـ من طرق الإمامية :

روى الشيخ أبو جعفر الصدوق محمّد بن علي ابن بابويه القمي ، مسندا ، عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه : قال : قال رسول الله 6 :إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين زين العابدين؟ فكأني أنظر الى ولدي عليّ بن الحسين بن علي أبي طالب يخطر بين الصفوف (٥).

وروى الصدوق أيضا ، مسندا عن عمران بن سليم ، قال : كان الزهري إذا حدّث عن علي بن الحسين 7 قال : « حدّثني زين العابدين علي بن الحسين » فقال له

__________________

(١) الكواكب الدريّة ( ٢ : ١٣٩ ).

(٢) عمدة الطالب ( ٣ ـ ١٩٤ ) عن ( رسالة ) الجاحظ في فضل بني هاشم ، وانظر العلم الشامخ للمقبلي (ص ١٠).

(٣) رسالة الجاحظ ، ونقله عنه في كشف الغمّة ( ١ : ٣١ ).

(٤) انظر : طبقات ابن سعد ( ٥ / ٢١١ ) المعارف لابن قتيبة ( ص ٢١٤ ) حلية الأولياء (٣ : ١٣٣ ) تذكرة الحفاظ ( ١ : ٧٤ ) تهذيب التهذيب ( ٧ : ٣٠٤ ) النجوم الزاهرة ( ١ : ٢٢٩ ) وغيرها.

(٥) أمالي الصدوق ( ص ٢٧٢ ) نهاية المجلس (٥٣) وعنه في بحار الأنوار ( ٤٦ ص ٣ ).


سنيان بن عيينة : ولم تقول له : « زين العابدين »؟

قال : لأني سمعت سعيد بن المسيّب ، يحدّث عن ابن عبّاس أنّ رسول الله 6 قال : إذا كان ... (١) وروى الحديث بلفظه.

ورواه في العلل أيضا مسندا إلى الصادق 7 موقوفا عليه (٢).

٢ ـ من طرق العامة :

روى الحافظ ابن عساكر ، بسنده ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير قال : كنّا عند جابر ، فدخل عليه علي بن الحسين ، فقال له جابر : كنت عند رسول الله 6 ، فدخل الحسين ، فضمّه اليه وقبّله وأقعده الى جنبه ، ثم قال : يولد لابني هذا ابن يقال له « علي بن الحسين » إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : « ليقم سيّد العابدين »فيقوم هو (٣).

وروى ابن المديني عن جابر أنه قال للامام الباقر محمد بن علي ، وهو صغير : « رسول الله 6 يسلّم عليك » فقيل له : وكيف ذاك؟

قال : كنت جالسا عنده ، والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال : يا جابر ، يولد له مولود اسمه عليّ ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : « ليقم سيّد العابدين » فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته ـ يا جابر ـ فأقرئه منّي السلام (٤).

٣ ـ من طرق الزيدية :

روى السيد الموفق بالله قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد : أخبرنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله : اخبرنا الحسن بن علي بن زكريا : حدثّنا العباس بن بكّار : حدثّنا أبو بكر الهذلي ، عن أبي الزبير ، عن جابر قال : سمعت رسول الله 6 يقول :

__________________

(١) علل الشرائع (ص ٨٧) وعنه في بحار الأنوار ( ٤٦ ص ٢ ـ ٣ ) وعوالم العلوم (ص ١٧).

(٢) علل الشرائع ( ١ : ٢٢٩ ) وعنه بحار الأنوار (٤٦ ص ٣).

(٣) تاريخ دمشق ص ٢٦ الحديث ٣٤ ( من ترجمة الإمام زين العابدين ) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٣٤ ).

(٤) الصواعق المحرقة (ص ١٢٠) ولسان الميزان ( ٥ : ١٦٨ ).


يولد للحسين ابن يقال له علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيد العابدين (١).

ورواه الشهيد المحلّي أنّه 6 قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : « ليقم سيّد العابدين » فيقوم عليّ بن الحسين (٢).

الدلالة :

وهذا الحديث مع تعدّد طرقه وشواهده ، التي يؤيّد بعضها بعضا ، فيه الإشارة الى الإمام السجاد ، من نوع النصّ الخفّي ـ الذي يلتزم به كثير من الزيدية ـ على إمامته وإلاّ فدلالته على تشخّصه وفضله وشرفه على أهل عصره ، مما لا يرتاب فيه.

خير أهل الأرض :

وروى الباقر 7 عن الإمام أمير المؤمنين 7 أنه قال لابنه الحسين لّما أخذ شهربانُويه ـ اُم علي بن الحسين ـ : يا أبا عبد الله ، لتلدنّ لك خير أهل الأرض.

فولد عليّ بن الحسين 7 (٣).

ومن المعلوم أن خير أهل الأرض في عصره لابدّ أن يكون هو الإمام ، لأنه الأفضل.

دعوة الإمام الى إمامة نفسه :

ثم إن الإمام السجاد 7 قد دعا الى إمامة نفسه في كثير من أقواله وتصريحاته ومنها قوله : نحن أبواب الله ، ونحن الصراط المستقيم ، ونحن عيبة علمه ، ونحن تراجمة وحيه ، ونحن أركان توحيده ، ونحن مواضع سرّه ... (٤).

وغير ذلك من النصوص التي سنذكر بعضها (٥).

__________________

(١) كتاب الاعتبار وسلوة العارفين (ص ١٨٥).

(٢) الحدائق الوردية (ص ١٣٧).

(٣) الكافي للكليني ( ١ : ٤٦٦ ) وإثبات الوصيّة للمسعودي (ص ١٤٥) وانظر : محاضرات الراغب الاصفهاني ( ١ : ٣٤٧ ) ط بيروت وقد نقله في العوالم (ص ٦) عن بصائر الدرجات للصفار ( ص ٣٣٥ ـ ٣٥٥ ) وانظر البحار ( ٤٦ / ١٩ / ٢ ).

(٤) معاني الأخبار للصدوق (ص ٣١).]

(٥) لاحظ نهاية الفصل الثاني من كتابنا هذا.


ومهما يكن :

فلو التزمنا بإمامة الإمام السجاد 7 ، كما تقول به الشيعة الإمامية ، وقدماء الزيدية.

أو التزمنا بأهليّته للإمامة ، كما نصّ عليه العامة.

أو قلنا إنه من دعاة الأئمة ، كما يقول به المعاصرون من الزيدية!

فإن حياة مثله لا يمكن أن تفرّغ من التحرّك السياسي ، الذي عرفنا أنه من مهمات « الإمامة » بل من صميم معناها!

وبعد :

فلو أعرضنا عن كل ذلك ، فإن ما نستعرضه في الفصول القادمة ، تعطينا الأدلة والبراهين الصادقة ، والشواهد العينية البيّنة ، على أنّ الإمام السجاد 7 ، لا أنّه لم يعتزل السياسة ولم يبتعد عن شؤونها ، فحسب ، بل إنه خطط لعمله السياسي أدقّ الخطط ، ودخل معمعة السياسة من الأبواب الواسعة ، والخطيرة ، بما حقّق أهداف الإمامة بأحسن شكل.

وأهم ميزات هذه الخطط أنها كانت دقيقة حتى أنها خفيت على الكثيرين من المؤرّخين والدارسين ، فراحوا ينكرونها وينفونها.

وأمّا الحكّام والساسة المعاصرون للإمام ، فقد أربكتهم تلك السياسة الدقيقة ، ولم يتمكّنوا من مقاومتها ، ولا الوقوف في وجهها ، فلم يكن منهم إلا مسايرتها ، والتسليم أمامها ، وبالتالي التراجع عن كثير من مواقع السلطة التي بنوا عليها نظام حكمهم ، واسّسوا عليها أساس ظلمهم وغصبهم للخلافة.

وتفصيل هذا الإجمال ، تتكفّله الفصول التالية ، بعون الله.

__________________

ويبدو أنّ البحث عن إثبات إمامة السجّاد 7 قد كان مُثارا منذ القرن الرابع فقد قام واحد من كبار علماء الإمامية وهو العيّاشي السمرقندي محمد بن مسعود السلمي صاحب التفسير المعروف ، بتأليف كتاب باسم « إثبات إمامة علي بن الحسين 7 » ذكره النجاشي في رجاله (ص ٣٥٢) رقم (٩٤٤) وانظر الفهرست للطوسي (ص ١٦٤) رقم (٦٠٥) ولاحظ الفهرست لابن النديم (ص ٣٢٥).


الفصل الأول

أدوار النضال في حياة الإمام 7

أولا : في كربلاء

ثانيا : في الأسر

ثالثا : في المدينة



إنّا نقرأ في سيرة الإمام السجّاد 7 ـ منذ البداية ـ صفحات من النضال الواضح ، بحيث لا يمكن تجاوزها ، والغضّ عنها بسهولة :

فحضوره في كربلاء.

ومواقفه في خطبه في الأسر.

وتخطيطه عند الوصول الى المدينة.

ثلاث محطّات للتأمّل في سيرة الإمام السجّاد 7 ، وفي بدايتها بالضبط ، تستدعي التوقّف عندها لأخذ الشواهد العينيّة لمعرفة أبعاد نضاله المستقبلي.

وإنّي أعدّ هذه البداية مهمّة جدا للبحث ، إذ أنّها توقفنا على اتجاه السهم السياسي الذي أطلقه الإمام السجاد 7 ليصيب به هدفه الأوّل والأخير ، والذي أمتدّ سيره طول حياته الشريفة.

ولو تأمّلنا ما في هذه المحطّات من أعمال ، وبظروفها وحوادثها ، نرى أنها لم تقصر ـ في الأعتبار السياسي ـ عن قعقعة السيوف وصليلها ، ولا عن عدو الخيول وضبحها وصهيلها ، ولا عن وغى العساكر ولجبها!

بل تتجاوز ـ في بعض الاعتبارات ـ أثر خروج محدود يؤدّي الى الشهادة ، في تلك الظروف الحرجة المعقّدة ، التي غطّى فيها التعتيم على الحقائق ، وظلّل الإعلام كلّ الأجواء ، وأصمّ الدجل كلّ الآذان ، وأعمى التزوير كلّ الابصار ، وكدّر الظلم النور المؤدّي الى النظر الصائب.

فلنقف في كلّ نقطة مع أهم ما حفظ لنا من خلال المصادر ، ولنقرأ تلك الصفحات :


أوّلاً : في كربلاء

لقد حضر الإمام السجّاد علي بن الحسين ، في معركة كربلاء ، الى جنب والده الإمام الحسين 7 ، وهذا ما تذكره كلّ المصادر بلا استثناء.

ويرد في مصادر الوقعة ، اسم « علي بن الحسين » في بعض مقاطع رحلة الإمام الحسين 7 في طريقه الى الشهادة ، وفي بعض الحديث بينه وبين ولده « عليّ ».

ولم يحدّد المقصود من « علي » هذا ، هل هو السجّاد 7 أو أخوه « علي » الشهيد 7؟

وقد اشتهر أنّه هو الشهيد ، لكنّ ذلك غير مؤكد ، فلعلّ الذي ورد ذكره ، هو الإمام السجّاد 7 (١).

والدلالات النضالية في هذا الحضور من وجوه :

أولاً : إن هناك نصوصا تاريخية تدل على أن الإمام السجاد 7 قد قاتل يوم عاشوراء وناضل الى أن جرح ، وهي :

النص الأول : ما جاء في أقدم نصّ مأثور عن أهل البيت : في ذكر أسماء من حضر مع الحسين 7 ، وذلك في كتاب « تسمية من قتل (٢) مع الحسين 7 من أهل بيته وإخوته وشيعته » الذي جمعه المحدّث الزيدي الفضيل بن الزبير ، الأسدي ، الرسّان ، الكوفي ، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق 8 (٣).

__________________

(١) لاحظ شرح الأخبار للقاضي ( ٣ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ) والإرشاد للمفيد (٢٥٣) وانظر السرائر لابن إدريس ( ١ : ٦٥٥ ) ، ولاحظ تواريخ النبي والآل للتستري ( ص ٣٠ ـ ٣٢ ).

(٢) كذا في ما نقل عن هذا الكتاب في مصادره ، لكنّي أظنّ أن الكلمة هي ( قاتل ) لأنّ المذكورين لم يقتلوا جميعا ، بل في بعض المذكورين من اسر ، ومن فرّ ، ومن قتل قبل كربلاء ، فلاحظ مقدّمتنا للطبعة الثانية لهذا الكتاب ، الذي نقوم بإعداده بعون الله.

(٣) نشر هذا الكتاب ، بتحقيقنا ، في مجلة ( تراثنا ) الفصلية التي تصدرها مؤسسة آل البيت : لأحياء التراث في قم سنة (١٤٠٦) وقد ذكرنا سنده وترجمة مؤلّفه بتفصيل واف. والكتاب مذكور في الامالي الخميسية للمرشد بالله ( ١ : ١٧٠ ـ ١٧٣ ) والحدائق الوردية للمحلي ج١ ص ١٢٠.


فقد ذكر ما نصّه :

« وكان علي بن الحسين عليلا ، وارتُثّ ، يومئذ ، وقد حضر بعض القتال ، فدفع الله عنه ، وأخِذَ مع النساء » (١).

ومع وضوح النصّ في قتال الإمام السجاد 7 في كربلاء فإن كلمة « ارْتُثّ » تدل على ذلك ، لأنها تقال لمن حمل من المعركة ، بعد أن قاتل ، وأثخن بالجراح ، فأُخرج من أرض القتال وبه رمق ، كما صرّح به اللغويون (٢).

النصّ الثاني : ما جاء في مناقب ابن شهر آشوب ـ بعد ذكره مشهد علي بن الحسين المعروف بالأكبر وأن الإمام الحسين 7 أتى به الى باب الفسطاط ، أورد هذه العبارة « فصارت اُمّة شهربانويه ولهى تنظر إليه ولا تتكلّم (٣).

ومن المعلوم أن اُم علي الشهيد هي ليلى العامرية أو برّة بنت عروة الثقفي ـ كما يراه ابن شهر آشوب ـ والمعروف أنّ « شهر بانويه » هي أمّ علي بن الحسين 7 ، فلابّد أن يكون قد سقط من عبارة مناقب شهر آشوب ذكر مبارزة علي بن الحسين السجاد 7 ، وبهذا يكون شاهدا على مانحن بصدده.

ومن المحتمل أن تكون العبارة مقدّمة على موضعها في مقتل علي الأصغر الذي ذكره ابن شهر آشوب بعد هذا النصّ المنقول ، لأن ابن شهرآشوب ذكر أن أُم علي السجاد هي أُم علي الأصغر شهر بانويه رضي الله عنها (٤).

النصّ الثالث: ما جاء حول مرض الإمام 7 ، إن المصادر تكاد تتفق على أنّ

__________________

(١) تسمية من قتل مع الحسين 7 ، مجلة ( تراثنا ) العدد الثاني (ص ١٥٠).

(٢) لاحظ مادة (رثث) من كتب اللغة ، وقد صرحوا بأن الكلمة بالمجهول ، انظر : المغرب للمطرزي ( ١ : ١٨٤ ) والقاموس ( ١ : ١٦٧ ) ولسان العرب ( ٢ : ٤٥٧ ).

(٣) مناقب آل ابي طالب ـ طبع دار الاضواء ( ٤ / ١١٨ ).

(٤) مناقب آل أبي طالب ( ٤ / ٨٥ ) دار الاضواء.


الإمام السجاد 7 كان يوم كربلاء ، مريضا ، أو موعوكا (١).

إلاّ أنّها لم تحدّد نوعية المرض ولا سببه ، لكنّ ابن شهر آشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله : كان سبب مرض زين العابدين 7 أنّه كان البس درعا ، ففضُل عنه ، فأخذ الفُضلة بيده ومزّقها (٢).

وهذا يشير الى أن الإمام إنّما عُرّض للمرض وهو على أُهبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها ، حيث لا يلبس الدرع إلاّ حينذاك ، عادة.

ولا ينافي ذلك قول ابن شهر آشوب : « ولم يقتل زين العابدين لأن أباه لم يأذن له في الحرب ، كان مريضا » (٣).

لأن مفروض الأدلة السابقة أنّ الإمام زين العابدين قد أصيب بالمرض بعد اشتراكه أول مرة في القتال وبعد أن ارتثّ وجرح ، فلعلّ عدم الإذن له في أن يقاتل كان في المرة الثانية وهو في حال المرض والجراحة.

ولو فرض كونه مريضا منذ البداية فالأدلة التي سردْناها تدلّ بوضوح على مشاركته في بعض القتال.

فمؤشرات الجهاد في سيرة الإمام السجّاد 7 هي :

أولا : حمله السلاح ـ وهو مريضٌ ـ ودخوله المعركة ، الى أن يجرح ، يحتوي على مدلول بطوليّ كبير ، أكبر من مجرّد حمل السلاح!

فلو كان حمل السلاح واجبا على الأصحاء ، فهو في الإسلام موضوع عن المرضى بنصّ القرآن ، لكن ليس حراما عليهم ذلك ، إذا وجدوا همّة تمكّنهم من أداء دور فيه.

ثانيا : إن وجود علي بن الحسين 7 ، مع أبيه الإمام الحسين 7 ، في أرض كربلاء ، حيث ساحة النضال المستميت ، وميدان التضحية والفداء ، وحيث كان الإمام

__________________

(١) الإرشاد للمفيد (ص ٢٣١) شرح الأخبار ( ٣ : ٢٥٠ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ٤٨٦ ).

(٢) نقله ابن شهر آشوب عن كتاب ( المقتل ) في مناقب آل أبي طالب ( ٣ / ٢٨٤ ) وفي ط دار الأضواء ( ٤ / ١٥٥ ) ونقله في العوالم (ص ٣٢).

(٣) مناقب ابن شهر آشوب ( دار الاضواء ) ( ٤ / ١٢٢ ).


الحسين 7 يسمح لكلّ من حوله ـ وحتى أولاده وأهل بيته ـ بالانصراف ، ويجعلهم في حلّ ، لهو الدليل على قصد الإمام للمشاركة في ما قام به أبوه.

قال الإمام السجّاد 7: لما جمع الحسين 7 أصحابه عند قرب المساء ، دنوت لاسمع ما يقول لهم ، وأنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول : ... أما بعد ، فإني لا اعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي خيرا .. ألا ، وإنّي قد أذنت لكم ، فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم منّي ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملا (١).

ففي ذلك الظرف ، لا دور ـ إذن ـ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بالمعنى الفقهي ، لان الأخطار المحدقة كانت ملموسة ، ومتيقّنة ومتفاقمة للغاية ، تفوق حدّ التحمّل.

وقد أدرك ذلك كلّ من اطّلع على أحداث ذلك العصر ، قبل اتّجاه الإمام الحسين عليه الى العراق ، ممّن احتفظ لنا التاريخ بتصريحاتهم ، فكيف بمن رافق الإمام الحسين 7 في مسيره الطويل من المدينة الى مكّة والى كربلاء ، ومن أولاده وأهل بيته خاصة؟ الذين لا تخفى عليهم جزئيّات الحركة وأبعادها وأصداؤها وما قارنها من زعزعة الجيش الكوفّي للإمام ، وسمعوا الإمام 7 يصرّح بالنتائج المهولة والأخطار التي تنتظر حركته ومن معه! حتّى وقت تلك الخطبة مساء يوم التاسع ، أو ليلة عاشوراء؟

فلقد عرف من بقي مع الإمام الحسين 7 في كربلاء ، بأن ما يقوم به الإمام ليس إلاّ فداءا وتضحية ، لحاجة الإسلام الى إثارة ، والثورة إلى فتيل ووقود ، واليقظة الى جرس ورنين ، والنهضة الى عماد وسناد ، والقيام الى قائد ورائد ، والحياة الحرّة الكريمة الى روح ودم.

والإمام الحسين 7 قد تهيّأ ليبذل مهجته في سبيل كلّ هذه الأسباب لتكوين

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ( ص ٢٣١ ).


كلّ تلك المسبّبات.

ولم يكن مثل هذه الحقيقة ليخفى على عليّ بن الحسين السجّاد 7 الذي كان يومذاك في عمر الرجال ، وقد بلغ ثلاثا وعشرين سنة وكان ملازما لأبيه الشهيد منذ البداية ، وحتّى النهاية.

فكان حضوره مع أبيه 7 وحده دليلا كافيا على روح النضال مع بطولة فذّة ، تمتّع بها أولئك الشجعان الذين لم ينصرفوا عن الحسين 7.

ثم هو ـ كما تقول تلك الرواية ـ قد شهر السلاح ، وقاتل بالسيف ، حتى اُثخن بالجراح ، واُخرج من المعركة وقد ارتثّ.

وإذا كانت هذه الرواية ـ بالذات ـ زيدية ، فمعنى ذلك تماميّة الحجّة على من ينسب الإمام زين العابدين 7 الى اعتزال القيام والسيف والنضال.

ثالثا : مضافا الى أنّ حامل هذه الروح ، قبل كربلاء ، لا يمكن أن يركن الى الهدوء بعد ما شاهده في كربلاء من تضحيات أبيه وإخوته وأهله وشيعته ، وما جرى عليهم من مصائب وآلام ، وما اُريق من تلك الدماء الطاهرة.

أو يسكت ، ولا يتصدى للثأر لأبيه ، وهو ثار الله ، مع أنه لم ينسهم لحظة من حياته.

فكيف يستسلم مثله ، ويهدأ ، أو يسالم ويترك دم أبيه وأهله يذهب هدرا؟ إذ لم يبق من يطالب بثأر تلك الدماء شخص غيره.

فاذا كان ـ كما يقول البعض : ـ « مصرع الحسين 7 في كربلاء هو الحدث التاريخي الكبير الذي أدّى الى بلورة جماعة الشيعة ، وظهورها كفرقة متميزّة ذات مبادىء سياسية وصبغة دينية ( أكثر وضوحا وتميّزا مما كانت عليه في زمان أمير المؤمنين 7 وقبله ).

وكان لمأساة كربلاء أثرها في نموّ روح الشيعة وازدياد أنصارها ، وظهرت جماعة الشيعة ، بعد مقتل الإمام الحسين 7 ، كجماعة منظّمة ، تربطها روابط


سياسية متينة » (١).

فكيف لا تؤثّر هذه المأساة في ابن الحسين ، وصاحب ثأره ، والوحيد الباقي من ذريته ، والوريث لزعامته بين الشيعة ، ولا تزيد نموّ الروح السياسية عنده؟

وكيف تجمع هذه المنظمة أفراد الشيعة بروابط سياسية ، ولكن تبعّد علي بن الحسين 7 عن السياسة؟!

وكيف تستبعد هذه المنظمة عن التنظيم ، وارث صاحب الثورة وصاحب الحقّ المهدور؟

أليس في الحكم بذلك تعنّتٌ وجوْر؟

__________________

(١) جهاد الشيعة ، للّيثي ( ص ٢٧ ).


ثانيا : في الأسْر

إنّ البطولة التي أبداها الإمام السجاد 7 بعد كربلاء ، وهو في أسر الإعداء ، وفي الكوفة في مجلس أميرها ، وفي الشام في مجلس ملكها ، لا تقلّ هذه البطولة أهميّة ـ من الناحية السياسية ـ عن بطولة الميدان ، وعلى الأقلّ : لا يقف تلك المواقف البطولية من هالته المصارع الدامية في كربلاء ، أو فجعته التضحيات الجسيمة التي قدّمت أمامه ، ولا يصدر مثل تلك البطولات ممّن فضّل السلامة!

نعم ، لا يمكن أن يصدر مثل ذلك إلاّ من صاحب قلب جسور ، صلب يتحمّل كلّ الآلام ، ويتصدى لتحقيق كلّ الآمال ، التي من أجلها حضر في ميدان كربلاء من حضر ، وناضل من ناضل ، واستشهد من استشهد ، والآن يقف ـ ليؤدّي دورا آخر ـ من بقي حيّا من أصحاب كربلاء ، ولو في الأسر!

إن الدور الذي أدّاه الإمام السجاد 7 ، بلسانه الذي أفصح عن الحق ببلاغة معجزة ، فأتم الحجة على الجميع ، بكل وضوح ، وكشف عن تزوير الحكّام الظالمين ، بكل جلاء ، وأزاح الستار عن فسادهم وجورهم وانحرافهم عن الإسلام ، إن هذا الدور كان أنفذ على نظام الحكم الفاسد ، من أثر السيف واحد ، يجرّده الإمام في وجه الظلمة ، إذ لم يجد معينا في تلك الظروف الصعبة!.

لكنّه كان الشاهد الوحيد ، الذي حضر معركة كربلاء بجميع مشاهدها ، من بدايتها ، بمقدّماتها وأحداثها وملابساتها وما تعقّبها ، وهو المصدّق الأمين في كل ما يرويه ويحكيه عنها.

فكان وجوده استمرارا عينيّا لها ، وناطقا رسميّا عنها.

مع أن وجوده ، وهو أفضل مستودع جامع للعلوم الإلهية بكلّ فروع : العقيدة ، والشريعة ، والأخلاق ، والعرفان ، بل المثال الكامل للإسلام في تصرفاته وسيرته وسنته ، والناطق عن القرآن المفسّر الحيّ لآياته ، إن وجوده ـ حيّا ـ كان أنفع للإسلام وانجع للمسلمين في ذلك الفراغ الهائل ، والجفاف القاتل ، في المجتمع الإسلامي.

كان وجوده أقضّ لمضاجع أعداء الإسلام من ألف سيف وسيف ، لأن الإسلام إنّما


يحافظ عليه ببقاء أفكاره وقيمه ، والأعداء إنّما يستهدفون تلك الأفكار والقيم في محاولاتهم ضدّه ، وإذا كان شخص مثل الإمام موجودا في الساحة ، فإنه ـ لا ريب ـ أعظم سدّ أمام محاولات الأعداء.

وكذلك الأعداء إنما يبادون بضرب أهدافهم ، واجتثاب بدعهم وفضح أحابيلهم ، والكشف عن دجلهم ، ورفع الأغطية عن نيّاتهم الشرّيرة تجاه هذا الدين وأهله ، والإفصاح عن مخالفة سيرتهم للحق والعدل.

وعلى يد الإمام السجاد 7 يمكن أن يتمّ ذلك بأوثق شكل وأتمّ صورة ، وأعمق تأثير.

ثمّ ، أليس الجهاد بالكلمة واحدا من أشكال الجهاد ، وإن كان أضعفها؟ بل ، إذا انحصر الامر به ، فهو الجهاد كلّه ، بل أفضله ، في مثل مواقف الإمام السجاد 7 ، كما ورد في الحديث الشريف ، عن رسول الله 6 : « أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر » (١).

ولنصغ الى الإمام السجاد 7 في بعض تلك المواقف :

فمن كلام له 7 كان يعلنه وهو في أسر بني أمية :

« أيّها الناس!

إنّ كلّ صمت ليس فيه فكر فهو عيّ ، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو هباء.

ألا ، وإنّ الله تعالى أكرم أقواما بآبائهم ، فحفظ الابناء بالآباء ، لقوله تعالى : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) [ سورة الكهف الآية (٨٢) ] فأكرمهما.

ونحن ـ والله ـ عترة رسول الله 6 ، فأكرمونا لأجل رسول الله ، لأن جدي رسول الله 6 كان يقول في منبره : « احفظوني في عترتي وأهل بيتي ، فمن حفظني حفظه الله ، ومن آذاني فعليه لعنة الله ، ألا ، فلعنة الله على من آذاني فيهم » حتى قالها ثلاث مرات.

ونحن ـ والله ـ أهل بيت أذهب الله عنّا الرجس والفواحش ما ظهر منها وما بطن ... » (٢).

__________________

(١) الروض النضير ( ٥ / ١٣ ) وانظر الكنى للدولابي ( ١ / ٧٨ ).

(٢) بلاغة علي بن الحسين 7 ( ص ٩٥ ) عن المنتخب للطريحي.


وبهذه الصراحة ، والقوة ، والبلاغة ، عرّف الإمام السجّاد 7 للمتفرّجين ـ ولمن وراءهم ـ هذا الركب المأسور ، الذي نبزوه بأنه ركب الخوارج!

ففضح الدعايات ، وأعلن بذلك أنه ركب يتألف من أهل بيت الرسول 6.

وافصح بتلاوة الآيات والأحاديث ، أنه ركب يحمل القرآن والسنّة ، ليعرف المخدوعون أن هذا الركب له ارتباط وثيق بالإسلام من خلال مصدريه الكتاب والسنّة.

وهو ـ من لسان هذين المصدرين ـ يصبّ اللعنة والنقمة على من آذى هذا الركب ، من دون أن يمكّن الأعداء من التعرّض له ، لأنه 7 إنّما يروي اللعنة الصادرة من الرسول وعلى لسانه!

كان هذا الموقف ، حين أخذ الناس الوجوم ، من عظم ما جرى في وقعة كربلاء ، وما حلّ بأهل البيت 7 من التقتيل والأسر ، وذهلوا حينما رأوا الحسين سبط الرسول وأهله وأصحابه مجزّرين! ويرون اليوم ابنه ، وعيالاته أسرى ، يساقون في العواصم الإسلامية.

والأسر ـ في قاموس البشر ـ يوحي معاني الذلّ والهوان ، والضعف والأنكسار!

هذا ، والناس يفتخرون بالانتماء الى دين الرسول وسنته.

والأنكى من ذلك أنّ الجرائم وقعت ولمّا يمض على وفاة الرسول ـ جدّ هؤلاء الأسرى ـ نصف قرن من الزمن!!

وموقفه الآخر في مجلس يزيد ، فقد أوضح فيه عن هويّته الشخصية ، فلم يدع لجاهل عذرا في الجلوس المريب ، وذلك في المجلس الذي أقامه يزيد ، للأحتفال بنشوة الانتصار ولابدّ أنه جمع فيه الرؤوس والأعيان ، فانبرى الإمام السجاد 7 ، في خطبته البليغة الرائعة ، التي لم يزل يقول فيها : « أنا ... أنا ... » معرّفا بنفسه ، وذاكرا أمجاد أسلافه « حتى ضجّ المجلس بالبكاء والنحيب » حسب تعبير النص (١) الذي سنثبته كاملا :

__________________

(١) مقتل الحسين 7 ، للخوارزمي ( ٢ / ٧١ ).


خطبة الإمام في مجلس يزيد :

قال الخوارزمي : ( وروي ) أنّ يزيد أمر بمنبر وخطيب ، ليذكر للناس مساويء الحسين وأبيه علي 8.

فصعد الخطيب المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين ، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد.

فصاح به علي بن الحسين : ويلك أيّها الخاطب! اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق؟ فتبوّأ مقعدك من النار.

ثم قال : يا يزيد ، إئذن لي حتى أصعد هذه الأعواد ، فأتكلّم بكلمات فيهنّ لله رضا ، ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب.

فأبى يزيد ، فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد ، فلعّلنا نسمع منه شيئا.

فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا؟

فقال : إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّا.

ولم يزالوا به حتى أذن له بالصعود.

فصعد المنبر : فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون ، وأوجل منها القلوب ، فقال فيها :

« أيّها الناس ، اُعطينا ستّا ، وفضّلنا بسبع :

اُعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين.

وفضّلنا بأنّ منّا النبي المختار محمّدا 6 ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيّار ، ومنّا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الاُمّة ، وسيّدا شباب أهل الجنّة.

فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي :

أنا ابن مكّة ومنى.

أنا ابي زمزم والصفا.


أنا ابن من حمل الزكاة (١) بأطراف الردآ

أنا ابن خير من ائتزر وارتدى.

أنا ابن خير من انتعل واحتفى.

أنا ابن خير من طاف وسعى.

أنا ابن خير من حجّ ولبّى.

أنا ابن من حُمل على البُراق في الهوا.

أنا ابن من اُسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى ، فسبحان من أسرى.

أنا ابن من بلغ به جبرائيل الى سدرة المنتهى.

أنا ابن من دنى فتدلّى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى.

أنا ابن من صلّى بملائكة السما.

أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى.

أنا ابن محمد المصطفى.

أنا ابن عليّ المرتضى.

أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا آله إلاّ الله.

أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين ، وطعن برمحين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين.

أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيّين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين ، وزين العابدين ، وتاج البكّائين ، واصبر الصابرين ، وأفضل القائمين من آل ياسين ، ورسول ربّ العالمين.

أنا ابن المؤيّد بجبرائيل ، المنصور بميكائيل.

أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين

__________________

(١) في نقل ( كامل البهائي ) : « من حمل الركن » وفسّر بالحجر الأسود الذي محلّه الركن ، ولذلك ذكر في سيرة الرسول 6 قبل البعثة.


والمارقين ، والمجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأوّل من أجاب واستجاب لله ، من المؤمنين ، وأقدم السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبير المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، ناصر دين الله ، ووليّ أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علم الله ، سمح سخي ، بهلول زكيّ أبطحي رضي مرضي ، مقدام همام ، صابر صوّام ، مهذّب قوّام شجاع قمقام ، قاطع الأصلاب ، ومفرّق الأحزاب ، أربطهم جنانا ، وأطلقهم عنانا ، وأجرأهم لسانا ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدّهم شكيمة ، أسد باسل ، وغيث هاطل ، يطحنهم في الحروب ـ إذا أزدلفت الأسنة ، وقربت الأعنّة ـ طحن الرحى ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز ، صاحب الإعجاز ، وكبش العراق ، الإمام بالنصّ والاستحقاق مكّيّ مدنيّ ، أبطحي تهاميّ ، خيفي عقبيّ ، بدريّ أحديّ ، شجريّ مهاجريّ ، من العرب سيدها ، ومن الوغى ليثها ، وأرث المشعرين ، وأبو السبطين ، الحسن والحسين ، مظهر العجائب ، ومفرّق الكتائب ، والشهاب الثاقب ، والنور العاقب ، أسد الله الغالب ، مطلوب كلّ طالب غالب كلّ غالب ، ذاك جدّي علي بن أبي طالب.

أنا ابن فاطمة الزهرا.

أنا ابن سيّدة النسا.

أنا ابن الطهر البتول.

أنا ابن بضعة الرسول.

( أنا ابن الحسين القتيل بكربلا.

أنا ابن المرمّل بالدما.

أنا ابن من بكى عليه الجن في الظلما.

أنا ابن من ناحت عليه الطيور في الهوا. ) (١)

قال : ولم يزل يقول : « أنا أنا » حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن

__________________

(١) ما بين القوسين عن « الكامل للبهائي ».


تكون فتنة ، فأمر المؤذّن أن يؤذّن ، فقطع عليه الكلام وسكت.

فلمّا قال المؤذّن «الله أكبر! » قال علي بن الحسين : كبّرت كبيرا لا يقاس ، ولا يدرك بالحواسّ ، لا شيء أكبر من الله.

فلمّا قال : « أشهد أن لا إله إلاّ الله! » قال علي : شهد بها شعري وبشري ، ولحمي ودمي ، ومخّي وعظمي.

فلمّا قال : « أشهد أن محمدا رسول الله! » التفت علي من أعلى المنبر الى يزيد وقال : يا يزيد ، محمد هذا جدّي ام جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت. وإن قلت إنّه جدي ، فلم قتلت عترته؟ (١)

فأدّى كلام الإمام 7 الى أن تتبخّر كل الدعايات المظلّلة التي روّجتها السياسة الأموية ، والتي تركّزت على : أنّ الاسرى هم من الخوارج! فبدّل نشوة الانتصار الى حشرجة الموتى في حلوق المحتفلين!

وفي التزام الإمام السجّاد 7 بذكر هويّته الشخصية فقط في هذه الخطبة ، حكمة وتدبير سياسيّ واع ، إذا لم يكن له في مثل هذا المكان والزمان ، أن يتطرّق الى شيء من القضايا الهامّة ، وإلاّ كان يمنع من الكلام والنطق ، وأمّا الإعلان عن اسمه فهي قضية شخصية ، وهو من أبسط الحقوق التي تمنح للفرد وإن كان في حالة الأسر!

لكنّ كلام الإمام لم يكن في الحقيقة إلاّ مليئا بالتذكير والإيماء ، بل الكناية التي هي أبلغ من التصريح ، بنسبه الشريف ، واتصاله بالإسلام ، وبرسوله الكريم 6.

وقد ذكّر الإمام 7 بكل المواقع الجغرافية ، والمواقف الحاسمة والذكريات العظيمة في الإسلام ، وربط نفسه بكلّ ذلك ، فسرد ـ وبلغة شخصية ـ حوادث تاريخ الإسلام ، معبرا بذلك عن أنّه يحمل هموم ذلك التاريخ كلّه على عاتقه ، وأنّه حامل هذا العبء ، بكلّ ما فيه من قدسيّة ، ومع هذا فهو يقف « أسيرا » أمام أهل المجلس!

وقد فهم الناس مغزى هذا الكلام العميق ، فلذلك ضجّوا بالبكاء! فإنّ الحكّام

__________________

(١) مقتل الحسين ( ٢ / ٦٩ ـ ٧١ ) ونقل عن كتاب ( كامل البهائيّ ) بنص متقارب نقله الحائري في بلاغة علي بن الحسين 7 ( ص ١٠٦ ـ ١٠٩ ) ونقل بعده نصّا آخر للخطبة عن أبي مخنف فليلاحظ.


الأمويّين إنّما حصلوا على مواقع السلطة من خلال ربط أنفسهم بالإسلام ، فكسبوا لأنفسهم قدسيّة الخلافة!

وكان لجهل الناس الأثر الكبير في وصول الأمر الى هذه الحالة ، أن يروا ابن الأسلام أسيرا أمامهم!

ثمّ إنّ جهل أهل الشام بأهل البيت ، مضافا الى حقد الحكّام على أهل البيت عامّة ، وعلى الذين كانوا مع الحسين 7 في كربلاء خاصة ، كان يدعوا الى الاحتياط ، والحذر من أن ينقضّ يزيد على الأسرى! في ما لو أحسّ بخطرهم ، فيبيدهم!

فكان ما قام به الإمام من تأطير خطبته بالإطار الشخصي مانعا من إثارة غضبه وحقده ، لكن لم يفت الإمام اقتناص الفرصة السانحة لكي يبثّ من خلال التعريف ، بشخصه وهويته ، التنويه بشخصيته وبقضيته وبهمومه ، ولو بالكناية التي كانت ـ حقا ـ أبلغ من التصريح.

فلذلك لم يتعرّض الإمام 7 لذكر مساويء الاُمويّين ، ولم يذكر شيئا من فضائحهم ، بالرغم من « توقّع يزيد » نفسه لذلك.

وبذلك نجا من شرّ يزيد ، وبقي ليداوم اتّباع الهدف الذي من أجله قتل الشهداء بالأمس ، وأصبح ـ هو ـ يقود مسيرة الأحياء ، اليوم ، وغدا ...

وموقف آخر: في وسط ذلك الجوّ الخانق ، وفي عاصمة الحاكم المنتصر ، وفي حالة الأسر ، يرفع الإمام صوته ، ليسمع الآذان التي أصمّها الضوضاء والصخب ، في ما رواه المنهال بن عمرو ، قال : دخلت على علي بن الحسين ، فقلت : كيف اصبحت ، أصلحك الله؟!

فقال : ما كنت أرى شيخا من أهل المصر ـ مثلك ـ لا يدري : كيف أصبحنا!؟

قال : فأمّا إذا لم تدر ـ أو تعلم ـ فأنا أخبرك :

أصبحنا ـ في قومنا ـ بمنزلة بني أسرائيل في آل فرعون ، إذ كانوا ( يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ ).

وأصبحنا : شيخنا وسيّدنا يتقرّب الى عدوّنا بشتمه ، وبسبّه ، على المنابر


وأصبحت قريش تعد : (١) أن لها الفضل على العرب ، لأن محمدا منها ، لا يعدّ لها فضل إلاّ به ، وأصبحت العرب مقرّة (٢) لهم بذلك.

وأصبحت العرب تعدّ (٣) أن لها الفضل على العجم ، لأن محمدا منها ، لا يعدّ لها فضل إلاّ به ، وأصبحت العجم مقرّة (٤)

فإن كانت العرب صدقت أنّ لها الفضل على العجم ، وصدقت قريش أنّ لها الفضل على العرب لأنّ محمّدا منها : إن لنا ـ أهل البيت ـ الفضل على قريش ، لأن محمدا منّا.

فأضحوا يأخذون بحقّنا ، ولا يعرفون لنا حقّا.

فهكذا أصبحنا ، إن لم يعلم : كيف أصبحنا؟!

قال المنهال : فظننت أنّه أراد أن يسمع من في البيت! (٥)

ويصرّح في موقف مماثل يسأل فيه عن الركب الذي هو فيه ، فيقول :

« إنا من أهل البيت ، الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيّه 6 : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) [ سورة الشورى ٤٢ الآية «٢٣» ] فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت » (٦).

الى غير ذلك من المواقف التي كان لها أثر حاسم في تغيير سياسة يزيد تجاه هذا الركب المأسور ، حتى أرجعه الى المدينة!

إنّ هذه المواقف لم تكن تصدر من قلب ملىء رعبا ، أو شخص يفضّل السلامة ، أو يميل الى الهدوء والراحة ، بله المسالمة مع العدو أو الركون الى الظالمين!

__________________

(١) كذا الصواب وكان في المختصر : ( بعد ).

(٢) كذا الصواب وكان في المختصر : ( معيرة ).

(٣) كذا الصواب وكان في المختصر : ( بعد ).

(٤) كذا الصواب وكان في المختصر : ( معيرة ).

(٥) تاريخ دمشق ( الحديث ١٢٠ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٤٥ ) ورواه الحافظ محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين 7 ( ج ٢ ص ١٠٨ ) رقم (٥٩٨) ولاحظ طبقات ابن سعد ( ٥ / ٢١٩ ). ورواه السيد الموفق بالله في الاعتبار وسلوة العارفين (ص ١٨٦).

(٦) المستدرك على الصحيحين ، للحاكم ( ٣ : ١٧٢ ).


إنّما صاحب هذه المواقف ذو روح متطلّعة وثابة هادفة ، إذا لم يتح له ـ بعد كربلاء ـ أن يأخذ بقائمة السيف ، فسنان المنطق لا يزال في قدرته ، يهتك به ظلام التعتيم الإعلامي المضلّل!

وقد اتّبع الإمام السجّاد 7 هذه الخطّة بحكمة وتدبير عن علم بالأمر ، وعمد له ، وكشف عن أنه انتهجه سياسة مدبرة مدروسة.

فلمّا سئل عن : « الكلام ، والسكوت » أيّهما أفضل؟ لم يدل بما يعتبره الحكماء من : أن الكلام إذا كان من فضة فالسكوت من ذهب ، وإنمّا قال :

« لكل واحد منهما آفات ، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت ».

ولمّا سئل عن سبب ذلك مع مخالفته لاعتبار الحكماء المستقر في أذهان الناس من فضل السكوت؟ قال :

« لأن الله ـ عزوجل ـ ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت ، وإنّما بعثهم بالكلام.

ولا استحقت الجنة بالسكوت.

ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت.

ولا توقّيت النار بالسكوت.

ولا يجنّب سخط الله بالسكوت.

إنما كلّه بالكلام! وما كنت لأعدل القمر بالشمس!

إنك تصف فضل السكوت بالكلام ، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت! (١)

وهكذا طبق الإمام 7 هذه الحكمة البالغة ، وأدّى رسالته الإلهية من خلال خطبه وكلماته ومواعظه وأحاديثه ، في جميع المواقف العظيمة التي وقفها ، وهو في الأسر.

وإذا كان الظالمون يعتدون على المصلحين والأحرار بالقتل والسجن ، فإنّما ذلك ليخنقوا كل صوت في الحناجر ، ولئلا يسمع الناس حديثهم وكلامهم (٢).

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسي ( ص ٣١٥ ).

(٢) لاحظ أن الحجّاج ختم على مجموعة من الصحابة كي لا يسمعهم الناس ، في اسد الغابة ( ٢ : ٤٧١ ) ترجمة سهل الساعدي.


وإذا ذبح الحسين 7 وقتل في كربلاء ، فإنّ نداءاته ظلّت تدوّي من حنجرة الإمام السجّاد 7 في مسيرة الأسرى ، وفي قلب مجالس الحكّام.

وليس من الإنصاف ، في القاموس السياسي ، أن يوصف من يؤدي هذا الدور ، بالانعزال عن السياسة ، أو الابتعاد عن الحركة والنضال!

بل ، أذا كانت حركة الإمام الحسين 7 سياسية ، كما هي كذلك بلا ريب فكما قال القرشي : إن الإمام زين العابدين 7 من أقوى العوامل في تخليد الثورة الحسينية ، وتفاعلها مع عواطف المجتمع وأحاسيسه ، وذلك بمواقفه الرائعة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا في دنيا الشجاعة والبطولات! أمّا خطابه في بلاط يزيد فإنه من أروع الوثائق السياسية في الإسلام (١).

وبرز الإمام زين العابدين 7 على مسرح الحياة الإسلامية كألمع سياسي إسلامي عرفه التاريخ ، فقد استطاع بمهارة فائقة ـ وهو في قيد المرض والأسر ـ أن ينشر أهداف الثورة العظمى التي فجّرها أبوه الإمام الحسين القائد الملهم للمسيرة الإسلامية الظافرة ، فأبرز قيمها الأصلية بأسلوب مشرق كان في منتهى التقنين ، والأصالة ، والإبداع (٢).

__________________

(١) حياة الإمام زين العابدين ، للقرشي ( ١ : ٨ ).

(٢) حياة الإمام زين العابدين ، للقرشي ( ١ : ٧ ).


ثالثا : في المدينة

رجع الإمام السجّاد الى المدينة :

ليرى المدينة واجمة ، موحشة من أهله وذويه ، رجالات أهل البيت : ، والناس كذلك واجمون ، بعد أن رأوا ركب أهل البيت يرجع ليس فيهم إلاّ علي بن الحسين 7 ، وليس معه ألاّ أطفال ونساء!! أما الرجال فقد ذبحوا على يد العصبة الاموية!؟

وإذا لم يتورّع آل اُمية من إراقة دم الحسين سبط رسول الله 6 ، هكذا ، وفي وضح النهار ، وهو من هو! فمن سوف يأمن بغيهم وسطوتهم!؟

إنّ الإمام السجاد 7 ، وهو الوارث الشرعي لدماء كلّ المقتولين ، الشهداء الذين ذبحوا في كربلاء ، وهو الشاهد الوحيد على كلّ ما جرى في تلك الواقعة الرهيبة ، لابدّ أن عين الرقابة تلاحقه ، وتتربّص به ، وتنظر الى تصرفاته بريبة واتهام.

والناس ـ على عادتهم في الابتعاد والتخوّف من مواضع التهمة ، ومواقع الخطر ـ قد تركوا علي بن الحسين ، وابتعدوا عنه ، حتى من كان يعلن الحبّ لأهل البيت : قبل كربلاء ، لم يكد يفصح عن ودّه بعد كربلاء.

وقد عبّر الإمام السجّاد 7 عن ذلك بقوله : « ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبّنا » (١).

وإذا كان عدد الملتزمين بالولاء الصادق لأهل البيت ، في عاصمة الإسلام قليلا الى هذا الحدّ ، فكيف بالبلدان القاصية عن مركز وجود أهل البيت :؟!

وقد رجع الإمام السجّاد 7 حاملا معه أعباءا ثقالا :

فأعباء كربلاء ، بمآسيها ، وذكرياتها ، وأتعابها ، وجروحها ، والأثقل من كلّ ذلك ( أهدفها ) ونتائجها ، فقد هبط المدينة وهو الوحيد الباقي من رجال تلك المعركة ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ( ٤ : ١٤٠ ). ولاحظ الغارات للثقفي (ص ٥٧٣) وبحار الأنوار ( ٤٦ / ١٤٣ ).


فعليه أداء رسالتها العظيمة.

وأعباء العائلة المهضومة ، المكثورة ، ما بين ثكالى وأرامل وأيتام ، ودموع لابدّ أن يكفكفها ، وعواطف مخدوشة ، وقلوب صغيرة مروّعة ، وعيون موحشة ، وجروح وأمراض وآلام ، تحتاج الى مداراة ومداواة والتيام!

ولابدّ أن يسترجع القوى!

وأعباء الإمامة ، تلك المسؤولية الإلهية ، والتاريخية الملقاة على عاتقه ، والتي لابدّ أن ينهض بها ، فيلملم كوادرها ويردم الصدمات العنيفة التي هزّ كيانها ، ويرأب الصدع الذي أصاب بناء نظام الإمامة الشامخ ، الذي يمثّل الخط الصحيح للإسلام.

وقد حمل الإمام السجّاد 7 ، في وحدته ، كلّ هذه الأعباء ، وبفضل حكمته وتدبيره خرج من عهدتها بأفضل الأشكال. ففي السنين الأولى :

وقبل كل هذه المهمات الهائلة الثقال ، وبعدها : كانت ملاحقة الدولة ، أهمّ ما كان على الإمام السجّاد 7 أن يوقفها عند حدّ ، حتى يتمكّن من أداء واجب تلك الإعباء الصعبة بشكل صحيح ومطلوب.

ولابدّ أن أصابع الاتّهام كانت موجهة إليه ما دام موجودا في المدينة ، أو أي بلد إسلامي آخر ، تلاحق حركاته وسكناته ، وتحصي أنفاسه وكلماته.

الإجراء الفريد :

فلذلك اتّخذ إجراءا فريدا في حياة الأئمة ، وبأسلوب غريب جدّا ، لمواجهة الموقف ، ولإبعاد نفسه عن وجهة تلك الأتهامات والملاحقات التي لا يمكن صرفها هي ولا تغيير وجهتها.

فأبعد بذلك الإجراء الأخطار الموجهة إليه من الملاحقات ، وبدأ بعيدا عنها بالاستعداد لما يتوجّبه حمل تلك الأعباء ، ويتأهب للقيام بدوره ، كوارث لكربلاء ، وكمعيل كفيل لعوائل الشهداء ، وكإمام يقود الأمة ويحافظ على تعاليم السماء.

كان ذلك الإجراء الفريد أنه أتخذ بيتا من « شعر » في البادية ، خارج المدينة!


قال ابن أبي قرّة في ( مزاره ) بسنده عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين 7 ، قال : كان أبي علي بن الحسين 7 ، قد اتّخذ منزله ـ من بعد مقتل أبيه الحسين بن علي 7 ـ بيتا من شعر ، وأقام بالبادية ، فلبث بها عدّة سنين ، كراهية لمخالطة الناس (١) وملاقاتهم.

وكان يصير من البادية بمقامه الى العراق زائرا لأبيه وجدّه 8 ، ولا يشعر بذلك من فعله (٢).

إنه تصرّف غريب في طول تاريخ الإمامة ، لم نجد له مثيلا ، لكنه ـ كما تكشف عنه الأحداث المتتالية ـ عمل عظيم ينمّ عن حنكة سياسية ، وتدبير دقيق للإمام 7.

فإذا كان الإمام 7 يعيش خارج المدينة ، وكان ينزل البادية :

فإن الدولة لا تتمكّن من اتهامه بشيء يحدث في المدينة ، ويكون من العبث ملاحقته وملاحظته ، في محل مكشوف مثل البادية!

وأمّا هو 7 : فخير له أن يتخذ منتجعا مؤقتا بعيدا عن الناس ، حتى تهدأ الأوضاع وتستقرّ ، وتعود المياه الى مجاريها.

وبعيدا عن الناس ، للاستجمام ، ولاستجماع قواه ، كي ينتعش مما أبلاه في سفره ذلك من النصب والتعب ، ليتمكّن من مداومة مسيره ـ بعد ذلك ـ بقوة وجدّ.

وهو 7 بحاجة بعد ذلك العناء والضنى الى راحة جسدية ، وهدوء بال وخاطر ، حتى يبلّ من مرضه أو يداوي جراحاته.

ثم ، إن المدينة التي دخلها الإمام السجّاد 7 وهو غلام ابن (٢٣) سنة ـ أو نحو ذلك ـ لم تكن لتعرف للإمام مكانته كإمام ، وهو ـ بعد ـ لم يعاشرهم ، ولم يداخلهم ، وما تداولوا حديثه ، ولم تظهر لهم خصائصه ، كي ينطلقوا معه كقائم بالإمامة!

ولعدم وجود العدد اللازم من الإعوان والأنصار ، بالقدر الكافي لإعداد حركة

__________________

(١) يلاحظ أن كلمة ( الناس ) في حديث أهل البيت : ـ خاصة ـ يطلق على غير المعتقدين بالإمامة ، في أغلب الأحيان.

(٢) فرحة الغري ، لابن طاوس (ص ٤٣) الإمام زين العبادين ، للمقرّم (ص ٤٢) ولاحظ الكافي للكليني ، قسم الروضة (ص ٢٥٥) حيث جاء فيها حديث زيارة الإمام السجّاد 7 لقبر أمير المؤمنين 7 ولقاء أبي حمزة الثمالي له ، فليلاحظ.


مستقلة يعلنها الإمام ، وحفاظا على العدد الضئيل الباقي على ولائه للإمام.

فقد بنى الإمام زين العابدين 7 سياسته ، في ابتداء إمامته على أساس الابتعاد عن الناس ، ودعوتهم الى الابتعاد عنه 7.

وقد أعلن الإمام عن هذه السياسة ، في أول لقاء له مع مجموعة من شيعته ومواليه في الكوفة ، عندما عرضوا عليه ولاءهم ، وقالوا له بأجمعهم : نحن كلنا يابن رسول الله ، سامعون ، مطيعون ، حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك ، رحمك الله ، فإنّا حرب لحربك ، وسلم لسلمك ، لنأخذنّ تِرَتك وتِرَتنا ممن ظلمك وظلمنا.

فقال 7 : هيهات .. ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا (١).

إن الإمام 7 أخذ عليهم ، سائلا ، أن يأخذوا في تلك الفترة ، جانب الحياد تجاه أهل البيت : ، لا لهم ، ولا عليهم.

إذ ، لو رأت السلطة أدنى تجمّع حول الإمام 7 ، لاتّخذت ذلك مبررا لها أن تستأصل وجوده ومن معه ، فإنّ من الهيّن عليها قتل علي بن الحسين وهو ضعيف ، بعد أن قتلت الحسين 7 وهو اقوى موقعا في الأمة!

كان مغزى هذا التدبير السياسي المؤقت : أن لا يبقى الإمام 7 داخل المدينة ، حتى لا تلاحقه أوهام الدولة وتخمينات رجالها وحتى يبتعد عن طنونهم السيئة ، بل خرج الى فضاء البادية المفتوح ، وخارج البلد ، يسكن في بيت من ( شَعر ) ليرفع عن نفسه سهام الريب ، ويدفع عن ساحته اهتمام رجال الدولة ، كوارث للشهداء.

ولقد طالت هذه الحالة « عدّة سنين » حسب النصّ ، ولعلّها بدأت من سنة (٦١) عندما رجع أهل البيت الى المدينة ، وحتى نهاية سنة (٦٣) عندما انتهت مجزرة الحرّة الرهيبة.

__________________

(١) الأحتجاج للطبرسي (ص ٣٠٦) وانظر اللهوف لابن طاوس (ص ٦ ـ ٦٧) ويبدو أن هذا الاجتماع كان بعد عودة الإمام 7 من الشام الى الكوفة أو في بعض أسفاره السرية الى العراق!.

وانظر فضل الكوفة من مزار ابن المشهدي (ص ٧٨).


وأما بعد هذه الفترة ، فلم يعرف عن هذا البيت من الشَعر خبر في تاريخ الإمام 7 ، ولا أثر!

وأبرز ما أثمرته هذه الظاهرة الغريبة ، أنّ القائد الاموي السفّاك مسلم بن عقبة ، في هجومه الوحشي الكاسح على المدينة وأهلها ، لم يمسّ الإمام بسوء ، وعدّه « خيرا لا شرّ فيه ».

وواضح ، أن المراد من « خير وشر » في منطق هذا الأموي السفاح ، ماهو؟! مع أنّ الإمام كان مستهدفا بالذات في ذلك الهجوم ، كما سنوضحه في ما بعد!

ولقد استنفد الإمام السجاد 7 جلّ أغراضه وأهدافه من هذا الإجراء الفريد ، فرجع الى المدينة ، وقد انقلبت ظنون رجال الحكم السيئة ، الى حالة مألوفة ، وأصبح الإمام في نظرهم مواطنا ، يمكنه أن يسكن المدينة ، من دون أن تنصب له الدوائر ، ولا أن تجعل عليه العيون.

بل ، انقلب البغض الدفين ، الذي كان يكنّه الأمويون تجاه بني هاشم ، وركّزه معاوية في أهل بيت الرسول ، وصبّه على أمير المؤمنين علي وأولاده ، وجسّده يزيد في الفاجعة المروّعة بقتل شيخ العترة وسيّدها الحسين بن علي 7 ، وقتل خيرة رجالات أهل بيته ، وأصحابه ، في مجزرة كربلاء.

انقلب كل ذلك ـ في نهاية المطاف ـ بفضل سياسة الإمام زين العابدين 7 ، الى أن يكون علي بن الحسين أحبّ الناس الى حكّام بني أمية (١).

وبهذا يمكن أن نفسّر النصّ الوارد في إعلام إمامة علي بن الحسين 7 المعروف بحديث اللوح الذي رواه جابر بن عبدالله الأنصاري حيث جاء فيه :

« أطرق ، واصمت ، والزم منزلك ، واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين » (٢).

فلابد أن تحدّد فترة ذلك بأول عهد إمامة الإمام السجاد 7 حين كان يواجه

__________________

(١) كان علي بن الحسين أحبّ الناس الى مروان وابنه عبدالملك. طبقات ابن سعد ( ٥ : ١٥٩ ) تاريخ دمشق ( الاحاديث ٣٨ ـ ٤٠ ) وابن كثير في البداية والنهاية ( ٩ : ١٠٦ ) وتذكرة الحفاظ ( ١ : ٧٥ ).

(٢) الإمامة والتبصرة من الحيرة ، لابن بابويه (ص ١٦٧) الحديث (٢٠) ، وانظر مصادر تخريجه. ولاحظ أمالي الطوسي ( ١ / ٢٩٧ ).


تلك الأخطار والتهديدات.

و « الإطراق » و «الصمت » معبّران عن التزام السكون ، والهدوء ، والتخطيط للمستقبل ، والابتعاد عن لقاء الناس.

وهذا هو الذي عبّر عنه إسماعيل بن علي أبو سهل النوبختي بقوله :

وقتل الحسين 7 وخلّف علي بن الحسين 7 متقارب السنّ ـ كانت سنّة أقل من عشرين سنة! ـ ثم انقبض عن الناس ، فلم يلق أحدا ، ولا كان يلقاه إلاّ خواصّ أصحابه ، وكان في نهاية العبادة ، ولم يخرج عنه من العلم إلاّ يسير ، لصعوبة الزمان وجور بني أمية (١).

فهو شرح عيني لحالة هذه الفترة بالذات.

وإلاّ ، فإنّ الفترة التالية من حياة الإمام السجّاد 7 نراها مليئة بكلّ أغراض الكلام والخطب والأدعية والمواعظ.

فأين الصمت!؟

ونجد في حياته الأسفار المكرّرة الى الحجّ ، والنشاط العملي الجادّ في الإنفاق ، والإعتاق ، والحضور في المسجد النبوي ، والخطبة كلّ جمعة ، والمراسلات والمساجلات والاحتجاجات.

فأين الإطراق!؟

ولا يمكن لأحد أن يعبّر عن العلم الذي خرج عن الإمام 7 بأنّه « يسير » وهو يجد أمامه : الصحيفة السجّادية ، ورسالة الحقوق ، ومناسك الحج ، مضافا الى الخطب والكلمات والرسائل التي احتوتها « بلاغة علي بن الحسين 7 » وجمعتها كتب تراثيّة عديدة (٢).

__________________

(١) نقله الصدوق في إكمال الدين (ص ٩١) عن كتاب ( التنبيه ) للنوبختي.

(٢) لاحظ تدوين السنة الشريفة ( ص ١٥٠ ـ ١٥٢ ) وراجع معجم ما كتب .. للرفاعي بالأرقام : ٢٠٣٩٧ باسم ( التذكرة ) و ٢٠٤١٥ باسم التعقيبات ، و ٢٠٤٨٢ باسم الديوان ، و ٢٠٦٨٨ باسم المخمسّات. و ٢٠٧٣٣ ـ ٢٠٧٣٦ باسم ( الندبة ) و ٢٠٧٣٧ و ٢٠٧٣٨ باسم نسخة.


وجمع أسماء من روى عنه في كتب أخرى (١) ومجموع من ذكرهم الشيخ الطوسي ـ فقط ـ من الرواة عن الإمام 7 بلغوا (١٧٠) راويا (٢).

ولا ريب أنّ مجموع هذا العلم ليس يسيرا ، فلابدّ أن يكون ذلك قد حصل بعد تلك الفترة القصيرة فقط.

إنّ كلّ تلك الفعاليات الكلامية ـ والعملية ـ لممّا يتيقّن معها بأن الإمام السجاد 7 ـ بعد تلك الفترة ـ لم يسكن مطرقا ، ولم يسكت صامتا ، ولم ينعزل عن الناس ، بل زاول نشاطا واسعا في الحياة العامة ، بل ـ كما ذكره النسّابة ـ قد روى الحديث ، وروي عنه ، وأفاد علما جمّا (٣).

وستتكفل الفصول القادمة في هذا الكتاب ذكر الشواهد على كل هذا النشاط بعون الله.

ومع وقعة الحرة :

ورجع الإمام السجاد 7 الى المدينة :

ليستقبله أهلها ، بالبكاء والتعزية ، ويستفيد الإمام من هذه العواطف لينشر أنباء حوادث كربلاء ، ويركّزها في الأذهان من طريق القلوب ، كي لا يطالها التشويش والإنكار ، بمرور الأعصار ، كما طال كثيرا من الوقائع والحوادث ، فأصبحت مغمورة أو مبتورة!

فأرسل بشر بن حذيم (٤) الى المدينة وأهلها ناعيا الحسين 7 ومعرفا إيّاهم بمكان الإمام السجاد 7.

قال بشر : فما بقيت في المدينة مخدّرة ولا محجّبة إلاّ برزن من خدورهن ، ... ، فلم

__________________

(١) لاحظ معجم ما كتب بالأرقام : ٢٠٤٨٣ باسم ذكر من روى عن الإمام 7 للصدوق ، و ٢٠٧١٤ كتاب من روى عنه 7 لابن عقدة.

(٢) رجال الطوسي ( ص ١٠٧ ـ ١٢٠ ) الارقام ( ١٠٥٨ ـ ١٢٢٨ ) وهم مائة وسبعون راويا ، لعلم الإمام 7.

(٣) المجدي في أنساب الطالبيّين (ص ٩٢).

(٤) كذا في بعض نسخ المصدر ، ويظهر من هذه الرواية أن أباه كان شاعرا وقد ترحّم عليه الإمام 7 ، وفي أصحابه : حذيم بن شريك الأسدي ، وجاء في نسخ أخرى : بشير بن حذلم.


أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوما أمرّ على المسلمين منه.

قال : فخرج علي بن الحسين ، ومعه خرقة يمسح بها دموعه ، وخلفه خادم معه كرسيّ ، فوضعه له وجلس عليه ، وهو لا يتمالك عن العَبرة ، وارتفعت أصوات الناس بالبكاء ، وحنين النسوان والجواري ، والناس يعزّونه من كل ناحية ، فضجّت تلك البقعة ضجّة واحدة ، فأومأ بيده : أن اسكنوا ، فسكنت فورتهم ، فقال :

« الحمد لله ربّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين ، بارىء الخلق أجمعين ، الذي بعد فارتفع في السماوات العلا ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاظعة ، الكاظّة ، الفادحة الجائحة.

أيّها القوم! إن الله تعالى ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبدالله ، الحسين ، وعترته ، وسبيت نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس! فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحزن من أجله؟ أم اية عين منكم تحبس دمعها ، وتضنّ عن انهمالها؟

فلقد بكت السبع الشداد لقتله! وبكت البحار بأمواجها! والسماوات بأركانها! والأرض بارجائها! والاشجار بأغصانها! والحيتان في لجج البحار! والملائكة المقرّبون! وأهل السماوات أجمعون!

أيّها الناس! أصبحنا مشرّدين ، مطرودين ، مذودين ، شاسعين عن الأمصار ، كأنّنا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، إن هذا إلاّ اختلاق.

والله! لو أنّ النبيّ تقدّم إليهم في قتالنا ، كما تقدّم إليهم في الوصية بنا ، لما زادوا على ما فعلوا بنا.

فإنا لله وإنا إليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها ، وافجعها ، وأكظها ، وأفظعها ، وأمرّها ، وأفدحها!


فعنده نحتسب ما اصابنا ، فإنّه عزيز ذو انتقام (١)

ولم تذكر المصادر شيئا عن رجالات المدينة المعروفين ، إلاّ أن صوحان بن صعصعة بن صوحان قام فاعتذر إليه ، فترحّم الإمام على أبيه!

والظاهر أنّ رجال المدينة اكتفوا في مواجهة الإمام السجّاد 7 بالعواطف الحارّة فقط ، وأنهم لم يتجاوزا ذلك ، إذ لم يجدوا مبرّرا في التورّط مع الحكومة ، ولو بعد قتل الحسين 7 بهذه الصورة التي شرحها لهم الإمام السجاد 7.

ويظهر من البيان الذي أصدره أهل المدينة عند تحرّكهم ضدّ يزيد وحكومته أنهم قبل ذلك لم يعرفوا من يزيد ما ينكر من فعل أو ترك ، حتى وفدوا عليه ، وحضروا بلاطه ، ورأوا بأمّ أعينهم ما رأوا ، فرجعوا ، وثاروا عليه.

وقد جاء في إعلانهم الأول ما نصّه : « إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين ، يشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، ويعزف بالطنابير ، وتضرب عنده القيان ، ويلعب بالكلاب ، ويسامر الخرّاب ، والفتيان ، وإنّا نشهدكم أنا قد خلعناه ».

وأتوا عبدالله بن الغسيل ، فبايعوه وولّوه عليهم (٢).

فليس في بيانهم ذكر الحسين 7 ، ولا الظلم الذي جرى على أهل البيت : وأما الذي ذكروه من يزيد وإلحاده وفسقه وفجوره ، فقد أعلنه الإمام الحسين 7 قبل سنين في كتابه الى معاوية (٣).

فأين كان أهل المدينة يومذاك؟!

ولماذا لم يتحرّكوا من أجله حينذاك؟

ثم إن من يحرّكه شرب الخمر ، والفسق ، والفجور ، لماذا لا يتحرّك من أجل قتل الحسين 7 والفجائع التي صبّت على أهل البيت : ، والتي أدّى علي بن الحسين : حق بلاغها في خطبته تلك؟

__________________

(١) اللهوف لابن طاوس ( ص ٤ ـ ٨٥ ) وانظر كامل الزيارات ( ص ١٠٠ ).

(٢) أيام العرب في الإسلام ( ص ٤٢٠ ) وانظر تاريخ الطبري ( ٤ : ٣٦٨ ) ولاحظ طبقات ابن سعد ( ٥ : ٤٧ ).

(٣) الاحتجاج للطبرسي ( ٧ ـ ٢٩٨ ).


بل ، إن المسعودي يذكر : ان حركة أهل المدينة وإخراجهم بني أمية وعامل يزيد ، من المدينة ، كان عن إذن ابن الزبير (١).

فلم يكن لأهل البيت ، ولا للإمام السجاد 7 ، دور ولا موقع في أهداف أهل المدينة ، وأصحاب الحرّة ، لماّ تحرّكوا ضد حكم يزيد!

بينما كان دخول الإمام 7 معهم ـ في التحرك ـ توقيعا على شرعيّة حركتهم.

والحقّ أن أهل المدينة جفوا الإمام السجاد 7 بعد كربلاء ، وهذه الحقيقة كانت واضحة ، حتى أعلنها الإمام في قوله : « ما بمكّة والمدينة عشرون رجلا يحبّنا » (٢)

ولعل علم الإمام 7 بما كان عليه أهل المدينة من ضعف وقلّة ، في مواجهة ما كان عليه أهل الشام من كثرة وبطش وقسوة ، من دواعي حياده 7.

مضافا الى أن اتّخاذه القرار السابق ، بالابتعاد عن المدينة ، للأسباب والمبرّرات التي ذكرناها سابقا ، كان كافيا لعدم تورّطه في هذه الحركة.

ويظهر أن الدولة التي واجهت هذه المرّة حركة أهل المدينة ، كانت على علم بجفاء أهل المدينة لأهل البيت : ، وبما أنها قد أسرفت من قبل في إراقة دماء أهل البيت : ، أرادت أن تستفيد من الوضع ، بالتزلّف الى علي بن الحسين والتودّد إليه ، لامتصاص النقمة ، فلم تتحرّش به ، بل حاولت أن يتمثّل الناس به ، حسب نظر رجال الدولة!

ثم إن اختيار أهل الحرّة للمدينة بالذات مركزا للتحرّك ، كان من أخطر الأخطاء التي ارتكبوها ، كما أخطأ ابن الزبير في اتخاذه مكّة ، والمسجد الحرام بالخصوص ، مركزا لتحركه ، حتى عرّضوا هذين المكانين الحرمين المقدّسين لهجمات أهل الشام اللئام وانتهاك الأمويين الحاقدين على الإسلام ومقدّساته.

بينما أهل البيت عامة ، بدءا بالإمام علي أمير المؤمنين 7 ، ومرورا بالإمام

__________________

(١) مروج الذهب ( ٣ : ٧٨ ).

(٢) شرح نهج البلاغة ( ٤ : ١٠٤ ).


الحسين 7 ، وكذلك كل العلويين الذين ثاروا على الحكّام ، إنما خرجوا في حركاتهم عن الحرمين ، حفاظا على كرامتهما من أن يهدر فيهما دم ، وتهتك لهما حرمة ، وإبعادا لأهالي الحرمين من ويلات الحروب ومآسيها ، ونقمة الجيوش وبطشها (١).

وهذه مأثرة لأهل البيت : لابد أن يذكرها لهم التاريخ! لكنّ أهل الحرّة ، لم يصلوا الى المستوى اللائق كي يدركوا هذه الحقائق ، لبعدهم عن الإمام السجاد 7 الذي كان في عمر (٢٦) سنة.

ولقد هيأ هذا البعد بين أهل المدينة والإمام السجاد 7 أمرين كانا في صالح الإمام 7 ، ولهما الأثر في مجاري عمله وتخطيطه للمستقبل :

أحدهما : النجاة من اتّهام السلطات له بالتورّط في الحركة ، ولذلك لم تضعه في القائمة السوداء ، فإن الحكومة ـ وحسب بعض المصادر ـ كانت تعرف ابتعاده عنها.

الثاني : تمكّن الإمام 7 من تخليص كثير من الرؤوس أن تقطع ، وكثير من الحرمات أن تهتك.

ومن يدري؟ فلعلّ اشتراك الإمام السجاد 7 في تلك الحركة كان يؤدي الى إبادة أهل البيت النبوي والعلوي ، إبادة شاملة ، تلك التي كانت من أماني آل أمية؟!

فتمكّن الإمام السجاد 7 بحياده ذلك من الوقوف في وجه هذا العمل.

ولقد كان الإمام 7 ملجأ للكثير من العوائل الأخرى ، حتى من عوائل بني أمية نفسها.

ففي الخبر أنه 7 ضمّ الى نفسه أربعماءة منافيّة يعولهن الى أن تفرّق الجيش (٢).

وكان في من آواهن عائلة مروان بن الحكم ، وزوجته هي عائشة بنت عثمان بن عفّان الأموي ، فكان مروان شاكرا لعلي بن الحسين ذلك (٣).

__________________

(١) علّق سماحة السيد بدرالدين الحوثي دام علاه هنا : « ولعلّ ما صدر من الإمام النفس الزكية كان اضطراريا ، لان قيامه أيضا كان اضطراريا » تمت.

(٢) كشف الغمة للاربلي ( ٢ / ٧ ) وانظر ربيع الأبرار للزمخشري ( ١ : ٤٢٧ ).

(٣) أيام العرب في الإسلام (ص ٤٢٤) هامش (١).


ويحاول بعض الكتّاب أن يجعل من حياد الإمام 7 ، وتصرّفاته مع مروان ، وعدم تعرّضه من قبل الجيش بسوء ، دليلا على عدم تحرّكه 7 ضدّ الحكم الأموي؟!

لكنّها محاولة مخالفة للحقيقة :

فإن الإمام 7 إنّما ينطلق في تصرّفاته ، من منطلق الحكمة والتدبير ، وما ذكرناه من الشواهد كاف لأن نبرّر موقفه الحيادي من حركة الحرّة ، فكل من يدرك تلك الحقائق ويقف عليها يتبيّن له أن التحرّز من عمل تكون عواقبه مرئية وواضحة ومكشوفة ، هو الواجب والمتعيّن ، فلو دخل في الحركة ، فإما أن ينسحق تحت وطأة الجيش الظالم ، أو تنجح الحركة التي لم تبتن على الحق في دعواها ، وإنما تبنّاها من لا يعرف لأهل البيت حرمة ولا كرامة ولا حقا في الإمامة!

مع أن من النصوص ما يدلّ على أن الإمام كان مستهدفا :

قال الشيخ المفيد : قدم مسرف (١) بن عقبة المدينة ، وكان يقال : « إنه لايريد غير علي بن الحسين 7 » (٢).

ولا ريب أن الحكم الأموي الذي استأصل أهل البيت : في كربلاء ، لم يكن يخاف الإمام السجاد 7 ، لما هو معلوم من وحدته وغربته ، ومع ذلك فقد كانت الدولة تراقبه ، لأنه الوارث الوحيد لأهل البيت بما لهم من ثارات ودماء ، وبما لهم من مكانة مرموقة في أعين محبّيهم ، الذين يترقّبون فيهم من الإمامة!

فلا ريب أن الإمام السجاد 7 كان مستهدفا!

وهذا النصّ قبل كل شيء يدل على أن الإمام السجاد 7 كان في نظر الناس عنصرا معارضا للحكم والدولة ، ولم يكن مستسلما قط ، حتى كان الناس يرون أن

__________________

(١) هو المتسّمي باسم ( مسلم ) معدود من الصحابة ، وهذا واحد من المحسوبين على الصحابة من الفسقة والمجرمين ، سمّي لعنه الله بمجرم ومسرف ، لما كان من إجرامه بأهل المدينة وإسرافه في قتلهم وإباحتها ثلاثة أيام بأمر يزيد لعنهما الله وقد سمّى المدينة ( نتنة ) خلافا لرسول الله 6 الذي سماها طيّبة ، مروج الذهب ( ٣ : ٧٨ ) وقد انفضّ فيها ألف عذراء ، دلائل البيهقي ( ٦ : ٤٧٥ ).

(٢) الإرشاد للمفيد (ص ٢٩٢).


الجيش الجرار إنما توجّه بقصده الى ( علي بن الحسين ) لا ليحترمه طبعا!

فعلي بن الحسين ، في نظر الناس ، لا يزال عدوّا للدولة ، رغم انعزاله ، وابتعاده ، وعدم تورّطه في الحركة!

كما يدلّ قول البلاذري أن علي بن الحسين 7 استجار بمروان وابنه عبدالملك ، فأتيا به ليطلبا له الأمان (١) على أن الإمام 7 كان يخشى من فتك مسرف بن عقبة.

لكن الدولة ، التي لم تغفل عن الإمام السجاد 7 كانت على علم بتصرفاته ، ولم يقع لها ما يبرّر اتهامه وصبّ جام الغضب عليه والفتك به.

ومن أجل امتصاص النقمة ، وخاصة بعد تحرّك أهل المدينة ، صار رجال الدولة الى النفاق ، لتغطية جرائمهم تجاه أهل البيت وتجاه المدينة وأهلها ، فأخذوا يعلنون التزلّف الى الإمام 7 بإظهار التودّد إليه ، ويكرمونه ، ويقرّبونه ، ويعبّرون عنه بـ « الخير الذي لا شرّ فيه ، مع موضعه من رسول الله 6 ومكانه منه » (٢).

وقال المسعودي : ونظر الناس الى علي بن الحسين السجاد ، وقد لاذ بالقبر وهو يدعو ، فأتي به الى مسرف ، وهو مغتاظ عليه ، فتبرّأ منه ومن آبائه ، فلمّا رآه وقد أشرف عليه ارتعد ، وقام له ، وأقعده الى جانبه ، وقال له : سلني حوائجك ، فلم يسأله في أحد ممن قدّم الى السيف ألاّ شفّعه فيه ، ثم انصرف عنه.

فقيل لعلي : رأيناك تحرّك شفتيك ، فما الذي قلت؟

قال : قلت : اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ، والأرضين وما أقللن ، رب العرش العظيم ، رب محمد وآله الطاهرين ، أعوذ بك من شرّه ، وأدرأ بك في نحره ، أسألك أن تؤتيني خيره ، وتكفيني شرّه.

وقيل لمسلم : رأيناك تسبّ هذا الغلام وسلفه ، فلّما اُتي به إليك رفعت منزلته

فقال : ما كان ذلك لرأي منّي ، لقد مليء قلبي منه رعبا (٣).

وهكذا يفرض عنصر ( الغيب ) نفسه في البحث ، ولا يمكن إبعاده لكونه واردا في المصادر المعتمدة.

__________________

(١) أنساب الأشراف ( ٤ : ٣٢٣ ) وانظر الأخبار الطوال للدينوري (ص ٢٦٦).

(٢) الارشاد للمفيد (ص ٢٦٠).

(٣) مروج الذهب ( ٣ : ٨ ).


ونحن وأن كنّا ابعدنا هذا العنصر عن ما نستشهد به ، إلاّ أن الذين يريدون أن يضفوا على حياة الإمام السجاد 7 أشكال العبادة والزهد والحياة الروحية ، عليهم أن لا يستبعدوا هذا العنصر!

مع أن خوف الإمام 7 وفزعه ، من الجيش السفّاك ، ولجوءه وعوذه بالحرم الشريف ، وسبّ القائد الاموي له وتبرّءه منه ، أدلة كافية في إثبات أن الإمام 7 كان مستهدفا ، الاّ أن سياسته الحكيمة التي اتخذها منذ دخوله المدينة كانت من أسباب نجاته وخلاصه من المصير الذي سحق كبار أهل المدينة وأشرافها!

ومع أعباء القيادة :

ورجع الإمام 7 الى المدينة :

ليواجه الخطر المحدق بالإسلام ، والذي انتشر في نفوس الامة وهو اليأس والقنوط من الدين وأهدافه ، بعدما تعرّض الحسين ابن بنت رسول الله 6 لمثل هذا القتل ، وماتعرّض له أهله من التشريد والسبي ، في بلاد المسلمين.

فهذا الوزير عبيد الله بن سليمان كان يرى : أن قتل الحسين أشدّ ما كان في الإسلام على المسلمين ، لأن المسلمين يئسوا بعد قتله من كل فرج يرتجونه ، وعدل ينتظرونه (١).

هذا بالنسبة الى أصل الإسلام.

وأما بالنسبة الى الإمامة ، والى أهل البيت ، والى الإمام 7 ، فقد تفرّق الناس عنهم ، وأعرضوا ، بحيث عبّر الإمام الصادق 7 عن ذلك : بالارتداد.

قال 7 : أرتدّ الناس بعد قتل الحسين 7 إلاّ (٢).

وكان منشأ اليأس والردّة : أنهم وجدوا الآمال قد تبدّدت بقتل القائد ، وسبي أهله ، وظهور ضعف الحقّ وقلة أنصاره ، هذا من جهة.

__________________

(١) نقله الثعالبي في آخر كتاب ( ثمار القلوب ) بواسطة : علي جلال في ( الحسين 7 ) ( ٢ : ١٩٥ ).

(٢) اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) ( ص ١٢٣ ) رقم (١٩٤).


ومن جهة أخرى ملأ الرعب قلوبهم لمّا وجدوا الدولة على هذه القوّة والجرأة والقسوة ، فكيف يمكن التصدي لها ، والإمام في مثل هذا الموقع من الضعف ، فليس التقرّب منه إلاّ مؤدّيا الى الاتهام والمحاسبة ، فلذلك ابتعد الناس عن الإمام 7.

لكن الإمام زين العابدين 7 بخطته الحكيمة استفاد من هذا الابتعاد ، وقلبه الى عنصر مطلوب ، ومفيد لنفسه ، وللجماعة الباقية من حوله على ولائه.

حتى اصبح ، بما ذكرنا من التصرفات ، في نظر رجال الحكم « خيرا لا شرّ فيه ».

وبذلك التخطيط الموفّق حافظ الإمام 7 ، لا على نفسه وأهل بيته من الإبادة الشاملة ، فقط ، بل تمكّن من استعادة قواه ، واسترجاع موقعه الاجتماعي بين الناس ، لكونه مواطنا صالحا لا يخاف من الاتصال به والارتباط به ، لانه أصبح « علي الخير » (١).

وطبيعي أن يعود الناس ، وتعتدل سيرتهم مع الإمام حينئذ ، ولذلك قال الإمام الصادق 7 في ذيل كلامه السابق : « ... ثم إن النا لحقوا وكثروا » (٢).

أن انفراط أمر الشيعة بعد مقتل الحسين 7 وتشتت قواهم ، كان من أعظم الأخطار التي واجهها الإمام السجاد 7 بعد رجوعه الى المدينة ، وكان عليه ـ لأنه الإمام ، وقائد المسيرة ـ أن يخطط لاستجماع القوى ، وتكميل الإعداد من جديد ، وهذا كان بحاجة الى إعداد نفسي وعقيدي وإحياء الأمل في القلوب ، وبثّ العزم في النفوس.

وقد تمكّن الإمام السجاد 7 بعمله الهادىء الوادع من الإشراف على تكميل هذه الاستعادة ، وعلى هذا الإعداد ، والتمهيد ، بكل قوة ، وبحكمة وبسلامة وجدّ.

وكما قد يكون تأسيس بناء جديد ، اسهل وأمتن من ترميم بناء متهرّىء ، فكذلك ، إن بناء فكرة في الأذهان الخالية من الشبهات ، والمليئة بالأمل بهذه الفكرة ، والجادّة في الالتفاف حولها ، والعزم على إحيائها ، هو أسهل ، وأوفر جهدا من محاولة ترميم فكرة أصاب الناس يأس منها ، وتصوّر إخفاق تجربتها ، وهم يشاهدون إبادة

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ( ١٥ : ٢٧٣ ).

(٢) اختيار معرفة الرجال ( الكشي ) (ص ١٢٣) رقم (١٩٤).


كبار حامليها ، وضعف أنصارها ، واستيلاء المعارضين عليها ، فحرّفوا معالمها ، وشوّهوا سمعتها ، وزيّفوا أهدافها.

فإن عامة الناس يقفون موضع الحيرة والشكّ من كل ما قيل وطرح وعرض ، ويحاولون الانسحاب والارتداد ، والوقوف على الحواشي ، ليروا ما يؤول إليه أمر القيادات المتنازعة!

فقد مني المسلمون بإخفاق ويأس ممّا في الإسلام من خطط تحرّرية ، ومخلّصة من العبودية والفساد ، وذلك لمّا رأوا الأمويين ـ أعداء هذا الدين قديما ، ومناوئيه حديثا ـ قد استولوا على الخلافة ، وبدأوا يقتلون أصحاب هذا الدين من أهل بيت النبي 6 ، والأنصار القدماء له ، ويعثون فسادا في أرض الإسلام بالقتل والفجور ، وكل منكر حرّمه الإسلام.

وإذا كان صاحب الحقّ ، منحصرا في الإمام علي بن الحسين السجاد 7 ، الذي قام النصّ على إمامته ، وهو وارث العترة ، وزعيم أهل البيت في عصره ، فهو الإمام الحامل لنقل الرسالة على عاتقه ، فلا بدّ أن يدبّر الخطّة الإصلاحية ، ليجمع القوى ، ويلملم الكوادر المتفرّقة ، ويعيد الأمل الى النفوس اليائسة ، والرجاء الى العيون الخائبة ، والحياة الى القلوب الميّتة.

الى جانب مقاومته للأعداء ، وتفنيد مزاعمهم واتّهاماتهم ، والكشف عن مؤامراتهم ودسائسهم ، وتبديد خططهم وأحابيلهم!

إنّ أئمة أهل البيت : ـ مع ما لهم من مآثر العلم والمجد والإمامة ، التي أقرّ بها لهم جميع الأمة ـ هم يهتمّون بغرز معاني النضال والجهاد في نفوس أبنائهم منذ نعومة أظفارهم ، ليرسّخوا في نفوسهم أمجاد الإسلام.

والإمام 7 قد استلهم الإسلام بكلّ ما له من معارف ومآثر علمية وعملية ، فأخذها من مصادرها الأمينة الموثوقة.

وهم آباؤه الطاهرون.

وكان في طليعة ما أخذ من المعارف هو مغازي رسول الله 6 وسراياه ، كما في الحديث عن عبدالله بن محمّد بن علي ، عن أبيه. قال : سمعت علي بن الحسين يقول :


كنّا نعلّم مغازي النبي 6 وسراياه كما نعلّم السورة من القرآن (١).

فتلقّن الإمام السجاد 7 أمثل صور الجهاد والنضال في سبيل الله ومن أجل الإسلام ، فرسمها في قرارة نفسه منذ الطفولة.

وبعد أن رأى باُم عينيه ـ في كربلاء ـ بطولات أبيه الإمام الحسين 7 وجهاد أصحابه الأوفياء ، في سبيل إعلاء كلمة الله ، لم يكن ليرفع اليد عن محاولة تطبيق تلك الصورة الفريدة ، والتخطيط للوصول الى نتائجها الغالية.

ولقد بدأ الإمام السجّاد 7 في الفصول التالية ، من جهاده وجهوده ، لتحقيق هذه الأهداف السامية.

وحاولنا ـ نحن ـ بقدر وسعنا ، لجمع ما انتشر من أنباء ذلك الجهاد ، وتلك الجهود ، في المجالات العملية والعلمية ، بعون الله وتوفيقه.

__________________

(١) الجامع لأخلاق الراوي والسامع للخطيب البغدادي ( ٢ / ٢٨٨ ) رقم (١٦٤٩).



الفصل الثاني

النضال الفكري والعلمي

أولا : في مجـال القرآن والحديث

ثانيا : في مجال الفكـر والعقيدة

ثالثا : في مجال الشريعة والأحكام

وأخيرا : في إعمار الكعبة المعظّمة



يكاد المؤرّخون لحياة الإمام السجاد 7 ، لا سيما الدارسون الأجتماعيّون ، الذين يريدون إبعاد الإمام عن الحياة السياسية ، يتّفقون على أن الإمام 7 : « انكبّ على الشؤون الدينية ، ورواية الحديث ، والتعليم » (١) وأنّ مهمّته كانت : « الانصراف الى بثّ العلوم ، وتعليم الناس ، وتربية المخلصين ، وتخريج العلماء والفقهاء ، والإشراف على بناء الكتلة الشيعية » (٢).

ولا ريب في أن الإمام السجاد 7 قام بدور بليغ في هذه المجالات كلّها ، ولكن لم تكن ـ قطّ ـ هذه الأمور خارجة عن العمل السياسي ، أو بديلا عن العمل السياسي!

بل ، إن هذه الواجبات هي من أهم وظائف الانبياء والأئمة بل المصلحين السياسيين من البشر ، بأن يقوموا بها ، ويبلغوا بالامم والشعوب الى مستويات راقية فيها ، خاصة التعاليم الإلهية التي من أجلها بعثوا ، ولها عيّنوا ، وبتبليغها وبثّها كلّفوا ، وهم طريق معرفة الناس بها ، والأمناء الوحيدون عليها.

والتعليم الصحيح هو واحد من طرق النضال ، فكل مناضل يعلم ـ بوضوح ـ أن من مقوّمات كل حركة سياسية ، هو تثقيف الجماهير ، وتوعيتها ، بالتعليم والتلقين ، لتكون على علم بما يجري حولها وما يجب لها من حقوق وما عليها من واجبات.

وقد سعى الحكّام الفاسدون ـ على طول التاريخ ـ الى إبعاد الناس عن الحقّ ، والتعاليم الأصيلة ، بطرق شتى :

__________________

(١) معتزلة اليمن ( ص ١٧ ـ ١٨ ).

(٢) الإمام السجاد 7 لحسين باقر ( ص ١٣ ـ ١٤ ).


منها : التصدّي للذين يبلّغون رسالات الله ، بالضغط ، والأسر ، والتشريد والحبس ، وحتى القتل.

ومنها : تزييف الأديان وتحريفها بالبدع والخرافات ، وبثّ التعاليم الباطلة ، والعمل من أجل ترويجها.

ومنها : منع تثقيف الناس ، حذرا من تنبّههم الى ما هم عليه من خلل ونقص في الحياة المادّية ، وما هم فيه من ذلّ ومهانة في الحياة المعنوية.

ومنها : محاولة استيعاب أجهزة التعليم ، بوضع المناهج التعليمية المشبوهة والمحرّفة.

وهكذا تضييع جهود القائمين على التعاليم ، بشراء الضمائر ، وغسل الأدمغة والعقول ، وتفريغها من الرؤى الصائبة ، وملئها بالأفكار الفاسدة والمنحرفة.

وقد استعمل معاوية هذا الأسلوب بكل جرأة لما استولى على أريكة الخلافة ، فعمّم كتابا على أقطار نفوذه ، يأمر فيه الولاة بوضع الأحاديث والروايات واختلاقها ، وبثّها بين الناس في المدارس والمساجد والكتاتيب والبيوت ، ليربّي جيلا ناشئا مشبّعا بتلك التعاليم المزوّرة في صالح الأمويين ، والتي تعارض التعاليم الإسلامية الأصيلة (١).

فوجود المعلّمين المناهضين لتلك الخطط الهدّامة ، وتلك المناهج التعليمية الفاسدة ، يكون صدّا سياسيا للأنظمة الحاكمة ، ويكون عملهم جهادا ونضالا سياسيا ، بلا ريب.

وإنّ الحكومات الفاسدة ، من أجل تنفيذ خططها في تحريف الدين وإغواء الناس وإبعادهم عن العلماء المصلحين ، اصطنعت من علماء السوء رجالا مقنّعين بالعلم ، ملجمين بلباس الدين ، من العملاء بائعي الضمائر ، ليكونوا وسائل لإقناع العامة بما تمليه الدولة عليهم من أحكام باطلة ، وقضايا منافية للحقّ ، وليصحّحوا للدول الظالمة تصرّفاتها الجائرة.

__________________

(١) لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( ١١ : ٤٤ ـ ٤٦ ) والاحتجاج للطبرسي (ص ٢٩٥) ولاحظ كتابنا « تدوين السنة الشريفة » (ص ٤٧٥).


فكان التصدّي لهؤلاء ، وفضح دسائسهم ، وإبطال استدلالاتهم ، والكشف عن سوء نيّاتهم ، من واجب الأئمة والمصلحين الإلهيين.

وقد قام الإمام السجاد 7 في عصره بأداء دور مهمّ في هذا الميدان الشائك بعد أن استلهم العلوم من مصادرها الأمينة الموثوقة وصار الدور إليه في قيادة الأمة ودلالتها الى الحق والخير.

فكان معلّما للحقّ ، يبثّ الفضيلة ، ويدعوا الى الإسلام المحمّدي الاصيل ، الذي توارثه عن آبائه ، والموصول بالرسول 6 بأوثق السبل ، وأقرب الطرق.

وأصبح ـ لكونه حاملا أمينا للتعاليم الإسلامية الرصينة ، وقائما مخلصا بالشؤون الدينية الحقّة ـ سدّا منيعا في مواجهة كلّ انحراف وتزوير كان يبديه علماء السوء من وعّاظ السلاطين.

ولا ريب في أنّ مواجهة الإمام السجاد 7 للدولة في هذا النضال ، لابدّ أنّ تعدّ في قمّة أعماله السياسية ، ومن أخطر أوجه النضال السياسي في حياته الكريمة.

وقد اخترنا مجالات ثلاثة عمل فيها الإمام 7 ، لنقف على أوجه نشاطه فيه ، وهي :


أوّلا : مجال القرآن والحديث

عاش الإمام السجاد 7 ، فترة نشاطه إماما للشيعة ، من سنة ( ٦١ ـ ٩٥ ) مدّة الثلث الأخير من القرن الأول.

والقرن الأول بالذات هو فترة المنع الحكومي من رواية الحديث ونقله وكتابته وتدوينه ، قبل أن يرفع هذا المنع بقرار من قبل الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.

وكانت عملية منع الحديث ـ تدوينا ورواية ـ بدأت بعد وفاة الرسول 6 مباشرة ، واستمرّ عليها الحكّام الذين تسنّموا أرائك الخلافة بدءا بأبي بكر ، ثم عمر الذي كان أكثر تشديدا ونكيرا على من كتب شيئا من الحديث أو نقله ورواه ، بحيث استعمل كل أساليب القمع من أجل الوقوف دون تسرّب شيء منه ، فحبس جمعا من الصحابة من أجل روايتهم الحديث ، وهدّد آخرين بالضرب والنفي ، وأحرق مجموعة من الكتب التي جمعت حديث رسول الله 6.

والتزم الحكّام من بعد عمر ، سنّة عمر وسياسته في منع تدوين الحديث وروايته ، وقد أعلن عثمان ومعاوية عن اتّباعهما لعمر في منع الحديث النبوي « إلاّ حديثا كان على عهد عمر » (١).

وقد ظلّت سياسة عمر بمنع الحديث سارية المفعول ، حتى بلغ الأمر الى أن الحجّاج الثقفي ـ سفّاك العراق ـ قام بالاعتداء على كبار صحابة الرسول 6 ، فختم على أيديهم وأعناقهم ، حذرا من أن يحدّثوا الناس ، أو يسمع الناس حديثهم (٢).

فلم يكن القيام بأمر رواية الحديث في مثل هذه الفترة بالذات ، وفي مثل هذه الاجواء أمرا سهلا ، ولا هيّنا.

ولقد قاوم أئمة أهل البيت : وأتباعهم هذه السياسة المخرّبة ضدّ أهمّ مصادر الفكر الإسلامي ، فكانوا الى جانب كتابتهم للحديث ، وإيداعه المؤلّفات يبادرون

__________________

(١) لقد تحدثنا عن منع الخلفاء من كتابة الحديث وتدوينه ، ومن نقله وروايته ، بتفصيل في كتابنا ( تدوين السنة الشريفة ) المطبوع في قم سنة ١٤١٣ هـ.

(٢) اُسد الغاية ، لابن الأثير ( ٢ : ٤٧٢ ) ترجمة سهل الساعدي.


بحزم الى رواية الحديث ونشره وبثّه ، على طول تلك الفترة!

وقد عرفنا أنّ الإمام السجاد ـ كما قال ابن سعد ـ : كان « ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ورعا » (١) وقد أكثر من نقل الحديث وروايته حتى أفاد علما جمّا ، كما قال النسّابة العمري (٢).

ولا ريب في أن تصدي الإمام السجاد 7 للوقوف في وجه المنع السلطوي ، وقيامه بأمر رواية الحديث ونقله ، ليس إلاّ تحديا صارخا لأوامر الدولة وسياستها!

ثم إنه 7 كان يطبّق السنة ويدعو الى تطبيقها والعمل بها فقد روي عنه أنه قال : إن أفضل الإعمال ما عمل بالسنّة وإن قلّ (٣).

وكان يندّد بمن يستهزيء بحديث رسول الله 6 ، ويدعو عليه ويقول : ما ندري ، كيف نصنع بالناس؟! إن حدّثناهم بما سمعنا من رسول الله 6 ضحكوا ، وإن سكتنا لم يسعنا ، ثم ندّد بمن هزأ من حديث رسول الله 6 (٤).

وقد رويت عن الإمام السجاد 7 مجموعة كبيرة من الأحاديث المسندة المرفوعة ، وأخرى موقوفة على آبائه :.

وأمّا ما صدر منه من الحديث الذي يعتبر من عيون الحديث الذي يعتزّ به التراث الشيعي فكثير جدا ، ولذلك عدّ الحافظ الذهبي ، الإمام السجاد 7 من الحفاظ الكبار وترجم له في طبقات الحفّاظ الكبار (٥).

ومع كل هذا ، فأين موقع كلمة قالها بعض النواصب أن الإمام 7 كان « قليل الحديث »!؟

__________________

(١) تهذيب التهذيب ( ٧ / ٣٠٥ ).

(٢) المجدي في الأنساب (ص ٩٢) وتدوين السنة الشريفة ( ص ١٤٩ ـ ١٥٢ ).

(٣) المحاسن ، للبرقي (ص ٢٢١) ح (١٣٣).

(٤) الكافي ( ٣ / ٢٣٤ ) الحديث ٤ ، وبحار الأنوار ( ٤٦ / ١٤٢ ) وعوالم العلوم ( ص ٨٥ وص ٢٩٠ ).

(٥) تذكرة الحفاظ ( ١ / ٧٤ ـ ٧٥ ).

(٦) قال ذلك الزهري ، كما في تهذيب التهذيب ( ٧ / ٣٠٥ ) وقد كذّب الزهريّ قومه ، كما أنه متهم


ثم إن محتوى الأحاديث المرويّة عن طريق الإمام السجاد 7 ، وتلك المنقولة عنه تشكّل مجموعة من النصوص الموثوقة ، التي يطمئنّ بها المسلم ، فقد تمّ نقلها من مصدر أمين ، متصل بينابيع الوحي والرسالة ، وفيها ما يسترشد به المسلم ، ويعرف من خلاله مصالحه ، ويحدّد واجباته ، ويدفع عنه اليأس (١) ، مثل روايته المرفوعة عن رسول الله 6 : « انتظار الفرج عبادة » (٢).

فقد يكون الإنسان في مثل تلك الظروف الحرجة المأساوية معرضا للقنوط ولكن بانتظار الفرج وتوقع كشف الغّم ، المستتبع للعمل من أجل ذلك والكون على استعداد له ، والإعداد لحصوله ، هو افضل وسيلة للنجاة من مأزق الياس ، وموت الخمول.

ومع القرآن :

إن القرآن الكريم ، باعتباره الوحي الإلهي المباشر ، والمصدر الأساسي المقدّس بنصّه وفصّه ، والذي اتفقت كلمة المسلمين على حجيته وتعظيمه وتقديسه ، فهو الحجّة عند الجميع ، والفيصل الذي لا يردّ حكمه أحد ممن يلتزم بالإسلام دينا وبمحمد 6 نبيّا.

ولذلك كانت دعوة أهل البيت : إلى الالتزام به ، والاسترشاد به وقراءته والحفاظ عليه ، دعوة صريحة مؤكدة.

وفي الظروف التي عاشها الإمام زين العابدين 7 ، كان الحكّام بصدد اجتثاث الحقّ من جذوره وأصوله ومنها القرآن ، بقتل أعمدته وحفظته ومفسّريه (٣).

__________________

في ما يقوله في أهل البيت ، لما سيأتي من عمالته للأمويين ، لكنّ أمثال هذا المخذول قد حرموا أنفسهم من الاستمتاع بعلم أهل البيت : حيث تركوهم وصاروا الى أصحاب الرأي والاجتهاد في مقابل النصّ ، فخسروا خسرانا مبينا.

(١) إن كتابنا هذا يحتوي على مجموعة كبيرة من الأحاديث التي رويت عن الإمام السجّاد 7 والتي استشهدنا بها ، تجدها مجموعة في فهرس الأحاديث في آخر الكتاب.

(٢) كشف الغمة ( ٢ : ١٠١ ) ولاحظ الجامع الصغير ( ١ : ١٠٨ ).

(٣) مثل سعيد بن جبير ، ويحيى بن أم الطويل ، وميثم التمار ، وغيرهم من شهداء الفضيلة ، فلاحظ كتب التاريخ لتلك الفترة.


فكانت الدعوة الى القرآن من أوجب الواجبات على الأئمة : مضافا الى ما ذكرنا من قدسيّة القرآن عند الجميع ، فلم يتمكّن الحكّام من منع تعظيمه وقرائته والدعوة إليه.

فقام الإمام زين العابدين 7 بجهد وافر في هذا المجال :

ففي الحديث أنه قال : عليك القرآن ، فإن الله خلق الجنة بيده ، لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، وجعل ملاطها المسك ، وترابها الزعفران ، وحصاها اللؤلؤ ، وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن ، فمن قرأ منها قال له : « إقرأ وارق » ومن دخل الجنة لم يكن في الجنة أعلى درجة منه ، ما خلا النبيين والصديقين (١).

واسند عن الزهري قال : سمعت علي بن الحسين 7 يقول : آيات القرآن خزائن العلم. فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها (٢).

وقال 7 : من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول الله 6 ويرى منزله في الجنة (٣).

وكان يعبّر عن كفاية القرآن ، بتعاليمه الروحانية القيّمة ، بكونه مؤنسا للانسان المسلم ، يعني : أنّ الوحشة إنّما هي بالابتعاد عن هذه التعاليم حتى لو عاش الإنسان بين الناس ، فكان يقول : لو مات مَنْ ما بين المشرق والمغرب ما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي(٤).

وهكذا يجدّ الإمام 7 في تعظيم القرآن ، وتخليده في أعماق نفوس الأمة ، كما يسعى في التمجيد له عمليا وبأشكال من التصرفات :

فمّما يؤثر عنه 7 : أنه كان أحسن الناس صوتا بالقرآن ، حتى : أن السقّائين كانوا يمرّون ببابه ، فيقفون لاستماع صوته ، يقرأ ... (٥).

وقال سعيد بن المسيب : إن قرّاء القرآن لم يذهبوا الى الحج إلاّ إذا ذهب علي بن

__________________

(١) تفسير البرهان ( ٣ : ١٥٦ ).

(٢) اصول الكافي ( ٢ : ٦٠٩ ) المحجة البيضاء ( ٢ : ٢١٥ ).

(٣) المحجة البيضاء ( ٢ : ٢١٥ ).

(٤) الكافي ـ الأصول ـ ( ٢ : ٦٠٢ ) وانظر المحجة البيضاء ( ٢ : ٢١٥ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ١٠٧ ).

(٥) الكافي ( ٢ / ٦١٦ ) بحار الأنوار ( ٤٦ : ٧٠ ) ب ٥ ح ٤٥. ولاحظ عوالم العلوم (ص ١٣٥).


الحسين 7 ، ولم يخرج الناس من مكة حتى يخرج علي بن الحسين 7 (١).

وفي بعض الاسفار بلغ عدد القراء حسب بعض المصادر : ألف راكب (٢).

وقد كان الامام السجاد 7 مرجعا في علوم القرآن ومعارفه ، يسأله كبار العلماء عن القرآن :

قال الزهري : سألت علي بن الحسين : عن القرآن؟

فقال : كتاب الله ، وكلامه (٣).

وقد كان الإمام زين العابدين 7 يستفيد من تفسير القرآن في إرشاد الامة الى ما يحييهم ، ويطبق مفاهيمه على حياتهم ، ويحاول تنبيههم الى ما يدور حولهم من قضايا ، وإليك بعض النصوص :

روي أنه 7 قال في تفسير قوله تعالى : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) : [ سورة البقرة « ٢ » الآية « ١٧٩ » ] ( وَلَكُمْ ) يا أمة محمد ( فِي الْقِصَاصِ حَيَاة ٌ) لأن من هم بالقتل ، فعرف أنه يقتصّ منه ، فكفّ لذلك من القتل ، كان حياة للذي همّ بقتله ، وحياة لهذا الجافي الذي أراد أن يقتل ، وحياة لغيرهما من الناس : إذا علموا أن القصاص واجب ، ولا يجسرون على القتل مخافة القصاص ( يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ ) أول العقول ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).

ثم قال 7 : عباد الله ، هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا ، وتفنون روحه!

أفلا أنبئكم بأعظم من هذا القتل؟ وما يوجبه الله على قاتله ممّا هو أعظم من هذا القصاص؟

قالوا : بلى ، يابن رسول الله.

قال : أعظم من هذا القتل أن يقتله قتلا لا يجبر ، ولا يحيى بعده أبدا!

قالوا : ما هو؟

قال : أن يضلّه عن نبوّة محمد 6 وعن ولاية علي بن أبي طالب 7 ، ويسلك به غير سبيل الله ، ويغيّر باتباع طريق أعداء عليّ والقول بإمامتهم ، ودفع عليّ عن حقّه ، وجحد

__________________

(١) رجال الكشي ( ص ١١٧ ) رقم ١٨٧.

(٢) عوالم العلوم ( ص ٣٠٣ ).

(٣) تاريخ دمشق ، ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٤٠ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٦ ).


فضله ، وأن لا يبالي بإعطائه واجب تعظيمه ، فهذا هو القتل الذي هو تخليد المقتول في نار جهنم ، مخلدا أبدا ، فجزاء هذا القتل مثل ذلك : الخلود في نار جهنم (١).

وكان الإمام زين العابدين 7 كثيرا ما يستشهد بآيات من القرآن ويستدل بها ، وعندما يجد مناسبة يعرّج على تطبيق ذلك على الحالة الاجتماعية المتردّية التي كان يعيشها المسلمون.

ففي الخبر : إنه 7 كان يذكر حال من مسخهم الله قردة من بني إسرائيل ، ويحكي قصتهم ( المذكورة في القرآن ) فلما بلغ آخرها ، قال : إن الله تعالى مسخ أولئك القوم ، لاصطيادهم السمك!

فكيف ترى ـ عند الله عز وجل ـ يكون حال من قتل أولاد رسول الله 6 وهتك حريمه؟

إن الله تعالى ، وإن لم يمسخهم في الدنيا ، فإن المعدّ لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ (٢).

إن تصدّي الإمام زين العابدين 7 لهذه القضايا ، لاشك أنه أكثر من مجرد تعليم وتفسير للقرآن ، بل هو تطبيق له على الحياة المعاصرة ، وتحريك للأفكار ضدّ الوضع الفاسد الذي تعيشه الأمة ، ولا ريب أن ذلك يعتبره الحكام تحديا سياسيا يحاسبون عليه.

ومن فلتات التاريخ أنه خلّد لنا من التراث صفحة من القرآن الكريم ، منسوبة كتابتها الى خط الإمام زين العابدين 7.

والعجيب أن هذه الصفحة تبدأ بقوله تعالى : ( الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) ، وتنتهي بآيات الجهاد : قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ ) (٣) [ سورة الأنفال (٨) الآيات ٤١ ـ ٤٥ ].

__________________

(١) الاحتجاج ( ص ٣١٩ ).

(٢) الاحتجاج ( ص ٣١٢ ).

(٣) دائرة المعارف الشيعية ( ج ٢ ص ٦٦ ).


ثانياً : في مجال الفكر والعقيدة

جاء الإسلام ليرسخ الحق بين الناس ، ومن أهمّ ما هدف الى تثبيت قواعده وتشييد أركانه هو « التوحيد الإلهي» فإلى جانب الاستدلال على ذلك بما يوافق الفطرة والعقل السليمين ، سعى لمحو آثار الوثنية ، وكسر أصنام الجاهلية ، لما استتبعت من تحميق الناس ، وتعميق الجهل والذل في نفوسهم على حساب تضخم الثروة عند الطغاة ، وتوغّل الفساد في المجتمع الإنساني.

ولمّا كانت الوثنية والصنمية فكرة ناشئة من عقيدة تجسم الإله وتشبيهه بالخلق ، سعى الإسلام لنفي التجسيم والتشبيه ، ودعا الى التوحيد في الذات والصفات ، والتنزيه عن كل ما يمتّ الى المخلوقات ، كل ذلك بالدلائل والبراهين والآيات البينات.

لكن الاتجاه الرجعي تسلّط على المسلمين في فترة مظلمة من تاريخ الإسلام ، بدأت بتسنّم الحزب الأموي أريكة الخلافة ، وسيطرته من خلالها على ربوع البلاد ورقاب العباد ، أولئك الذين كانوا آخر الناس إسلاما ، وهم مسلمة الفتح ، ولم تنمح من أذهانهم صور الأصنام ، ولم يزل من قلوبهم حبّ الجاهلية وعباداتها ، فكما كانوا في الجاهلية من أشدّ الناس تمسّكا بالصنمية ورسوم الجاهلية الجهلاء ودعاة الشرك والفجور ، ورعاة الدعارة والعهارة والخمور ، فكذلك وبتلك الشدّة أمسوا في الإسلام أعداء التوحيد والتنزيه ومحاربي العفاف والإنصاف.

وعندما بلي المسلمون بولاة من هؤلاء ، بدأوا تشويه الصبغة الإسلامية بانتهاك الإعراض والحرمات ، وامتهان الشخصيات والكرامات ، وتشويش الأفكار والمعتقدات ، وتزييف الوجدان وإثارة الأضغان ، وتعميق العداء والبغضاء ، وتعميم الجور والعدوان.

عقيدة الجبر :

وكان من أخطر ما روّجوه بين الاُمة وأكّدوا على إشاعته هو فكرة « الجبر الإلهي » بهدف التمكّن من السلطة التامة على مصير الناس ، والهيمنة على الأفكار بعد الأجسام.


فإن الأمة إذا اعتقدت بالجبر ، فذلك يعني : أن كل ما يجري عليها فهو من الله وبإذنه ، فما يقوم به الخليفة من فساد وظلم وجور وقتل ونهب وغصب ، فهو من الله ـ تعالى عن ذلك ـ استكانت الأمة للظالم ولتعدياته ، ولم تحاول أن تتخلص من سيطرته ، ولا دفع عدوانه ، بل لم تفكّر في الخلاص منه ، لأن ذلك يكون مخالفة لإرادة الله ومشيئته ، فالخليفة والأمير والحاكم والوالي إنّما ينفذون إرادة الله ، وهم يد الله على عباده!

فكيف يرجى من أمة كهذه أن تقوم بوجه سلطة الظالم واعتداءاته وتجاوزاته (١).

لقد أظهر الأمويون عنادهم للإسلام حتى في مسائل الدين ، ومن عندهم ظهرت الفتاوي في الشام بخلاف ما في العراق ، كما ظهر القول بالجبر في اصول الدين.

وأول ما انتحله معاوية من التفرقة ـ بين المسلمين ـ هو القول بالجبر ، فقد كان هو أوّل من أظهره.

قال القاضي عبدالجبار في ( المغني في أبواب العدل والتوحيد ) : أظهر معاوية ان ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه ، ليجعله عذرا في ما يأتيه ويوهم أنه مصيب فيه ، وأن الله جعله إماما وولاّه الأمر ، وفشا ذلك في ملوك بني أمية (٢).

وكان الأمويّون يقولون بالجبر (٣).

ولقد قاوم أئمة أهل البيت : فكرة الجبر بكل قوّة ووضوح منذ زمان أمير المؤمنين 7 (٤).

ولكن لمّا استفحل أمر بني أمية ، وملكوا أنفاس الناس ، وتمكّنوا من عقولهم وأفكارهم ، انفرد معاوية في الساحة ، وغسل الأدمغة بفعل علماء الزور ووعّاظ السلاطين.

فكان معاوية يقول في خطبه : « لو لم يرني الله أهلا لهذا الأمر ما تركني وإيّاه ولو

__________________

(١) لاحظ رسائل العدل والتوحيد ( ص ٨٥ ـ ٨٦ ).

(٢) لاحظ رسائل العدل والتوحيد ( ٢ ـ ٤٦ ).

(٣) تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام ، لابي ريّان ( ص ١٤٨ ـ ١٥٠ ).

(٤) لاحظ الاحتجاج ( ص ٢٠٨ ) في احتجاج أمير المؤمنين 7.


كره الله تعالى ما نحن فيه لغيّره ».

وقال معاوية في بعض خطبه : « أنا عامل من عمّال الله اُعطي من أعطاه الله وأمنع من منعه الله ولو كره الله أمرا لغيّره ».

فأنكر عليه عُبادة بن الصامت وغيره من الصحابة. نقله ابن المرتضى وقال : هذا صريح الجبر (١).

وهذا هو الذي شدّد قبضة الامويين على البلاد والعباد ، ومكّنهم من قتل ابي عبدالله الحسين سبط رسول الله 6 بكل جرأة ، ومن دون نكير!

وقد أظهر يزيد ، أن الحسين 7 إنما قتله الله! فأعلن ذلك في مجلسه وأمام الناس.

لكن الإمام السجاد 7 لم يترك ذلك يمرّ بلا ردّ ، فانبرى له وقال ليزيد : قتل أبي الناس (٢).

وقبل ذلك في الكوفة قال عبيدالله : أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟

فقال الإمام 7 ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ). [ سورة الزمر (٣٩) الآية (٤٢) ]

فغضب عبيدالله وقال : وبك جرأة لجوابي ، وفيك بقية للردّ عليّ ، اذهبوا به فاضربوا عنقه.

ثم صعد المنبر ، وقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وحِزبه (٣).

إن الموقف كان خطرا جدا ، فالطاغية في عتوّه ، ونشوة الانتصار تغمره ، فالردّ عليه في مثل هذه الحالة يعني منازعته سلطانه.

ولكن الإمام السجاد 7 وهو أسير ، يعاني آلام الجرح والمرض ، لم يتركه يلحد في دين الله ، ويمرّر فكرة الجبر أمامه ، على الناس البسطاء ، الفارغين من المعارف ، التي نصّ عليها القرآن بوضوح.

وليس غرضنا من سرد هذه الأخبار إلاّ نقل ردّ الإمام 7 على مزاعم الحكّام

__________________

(١) المنية والأمل (ص ٨٦).

(٢) الاحتجاج (٣١١).

(٣) الارشاد للمفيد (ص ٢٤٤) ولاحظ صدره في تاريخ دمشق ( الحديث ٢٥ ).


بنسبة القتل الى الله ، بينما هو من فعل الناس ، والتذكير بالفرق بين الوفاة للأنفس واسترجاعها الذي نسب في القرآن الى الله حين حلول الأجل والموت حتف الأنف ، وبين القتل الذي هو إزهاق الروح من قِبَل القاتل قبل حلول الموت المذكور.

إن تحدّي الحكام وفي مجالسهم ، وبهذه الصراحة ينبىء عن شجاعة وبطولة ، وهو تحدّ للسلطة أكثر من أن يكون ردا على انحراف في العقيدة فقط.

وفي حديث رواه الزهري ـ من كبار علماء البلاط الأموي ـ أجاب الإمام زين العابدين 7 عن هذا السؤال : أبِقَدَرٍ يصيب الناس ما اصابهم ، أم بعمل؟

أجاب 7 بقوله : إنّ القدَرَ والعمل بمنزلة الروح والجسد ... ولله فيه العون لعباده الصالحين.

ثم قال 7 : ألا ، من أجور الناس مَنْ رأى جوره عدلا ، وعدل المهتدي جورا (١).

وعقيدة التشبيه والتجسيم :

وقد تجرأ أعداء الأسلام ـ بعد سيطرتهم على الحكم ـ على المساس بأساس العقيدة الإسلامية ، وهو التوحيد الإلهي ، وذلك بإدخال شبه التجسيم والتشبيه في أذهان العامة ، لإبعادهم عن الحق ، وجرّهم الى صنمية الجاهلية.

ولقد استغلّ الإعداء جهل الناس ، وبعدهم عن المعارف ، حتى اللغة العربية! فموّهوا عليهم النصوص المحتوية على ألفاظ الأعضاء ، كاليد والعين ، مضافة في ظاهرها الى الله تعالى ، وتفسيرها بمعانيها المعروفة عند البشر ، بينما هي مجازات مألوفة عند فصحاء العرب في شعرهم ونثرهم ، يعبّرون باليد عن القوة والقدرة ، وبالعين عن البصيرة والتدبير ، وهكذا ...

وقد قاوم الإسلام منذ البداية هذه الأفكار المنافية للتوحيد والتنزيه ، وقام الرسول 6 والأئمة الأطهار بمقاومتها وإبطال شبهها ، وفضح أغراض ناشريها ودعاتها.

وفي عهد الإمام السجاد 7 ، وبعد أن استشرى الوباء الاموي بالسيطرة التامة ،

__________________

(١) التوحيد للصدوق (ص ٣٦٦).


كان أمر هؤلاء الملحدين قد استفحل ، وتجاسروا على الإعلان عن هذه الأفكار بكلّ وقاحة ، في المجالس العامة ، حتى في مسجد رسول الله 6 ، فكانت مهمة الإمام السجاد 7 حسّاسة جدا ، لكونه ممثّلا لأهل البيت : ، بل الرجل الوحيد ذا الارتباط الوثيق بمصادر المعرفة الإسلامية بأقرب الطرق وأوثقها ، وبأصحّ الأسانيد ، مصحوبا بالإخلاص لهذا الدين وأهله ، وعمق التفكير وقوته ، وبالشكل الذي ليس لأحد إنكار ذلك أو معارضته.

ومع ما كان عليه الإمام السجاد 7 من قلة الناصر ، فقد وقف أمام هذا التيار الإلحادي الهدّام ، وأقام بأدلته وبياناته سدا منيعا في وجه إحياء الوثنية من جديد!

فقام الإمام بعرض النصوص الواضحة التعبير عن الحق ، والناصعة الدلالة على التوحيد والتنزيه ، مدعومة بقوة الاستدلال العقلي ، وكشف عن التصوّر الإسلامي الصحيح ، وشهر سيف الحق والعلم والعقل على تلك الشبه الباطلة :

ولنقرأ أمثلة من تلك النصوص :

جاء في الحديث أن الإمام زين العابدين 7 كان في مسجد الرسول 6 ذات يوم ، إذ سمع قوما يشبّهون الله بخلقه ، ففزع لذلك ، وارتاع له ، ونهض حتى أتى قبر رسول الله 6 ، فوقف عنده ، ورفع صوته يدعو ربّه ، فقال في دعائه :

« إلهي بدت قدرتك ، ولم تبد هيبة جلالك ، فجهولك ، وقدّروك بالتقدير على غير ما أنت به مشبّهوك.

وأنا بريء ـ يا الهي ـ من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شيء ـ يا إلهي ـ ولن يدركوك.

فظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك ، لو عرفوك. وفي خلقك ـ يا إلهي ـ مندوحة عن أن يتأوّلوك. بل ساووك بخلقك ، فمن ثمّ لم يعرفوك.

واتخذوا بعض آياتك ربّا ، فبذلك وصفوك. فتعاليت ـ يا إلهي ـ عمّا به المشبّهون نعتوك » (١).

__________________

(١) كشف الغمة ( ٢ : ٨٩ ) وانظر بلاغة الإمام علي بن الحسين 7 (ص ١٧) وقد رواه الصدوق في أماليه ( ص ٤٨٧ ) المجلس (٨٩) موقوفا على الرضا 7 ، فلاحظ.


فوجود الإمام 7 في المسجد النبوي ، وإظهاره الفزع من ذلك التشبيه ، وارتياعه لذلك الكفر المعلن ، ونهوضه ، والتجاؤه الى القبر الشريف ، ورفعه صوته بالدعاء ...

كل ذلك ، الذي جلب انتباه الراوي ، ولابدّ أنه كان واضحا للجميع ، إعلان منه 7 للاستنكار على ذلك القول ، وأولئك القوم الذين تعمّدوا الحضور في المسجد والتجرؤ على إعلان ذلك الإلحاد والكفر.

وهو تحدّ صارخ من الإمام 7 للسياسة التي انتهجتها الدولة وكانت وراءها بلا ريب ، وإلاّ ، فمن يجرؤ على إعلان هذه الفكرة المنافية للتوحيد لولا دعم الحكومة ، ولو بالسكوت!

إن قيام الإمام السجاد 7 بهذه المعارضة الصريحة وبهذا الوضوح يعطي للمواجهة بعدا آخر ، أكثر من مجرد البحث العلمي ، والنقاش العقيدي والفكري.

إنّه بعد التحدّي للدولة التي كانت تروّج لفكرة التجسيم والتشبيه ، وتفسح المجال للإعلان بها في مكان مقدّس مثل الحرم النبوي الشريف ، في قاعدة الإسلام وعاصمته العلمية ، المدينة المنورة!!

ومهزلة الإرجاء :

الإرجاء ، بمعنى عدم الحكم باسم « الكفر » على من آمن بالله ، في ما لو أذنب ما يوجب ذلك ، وأن حكما مثل هذا موكول الى الله تعالى ، ومرجأ الى يوم القيامة ، وأن الذنوب ـ مهما كانت ـ والمباديء السياسية مهما كانت ، لا تخرج المسلم عن اسم الإيمان ، ولا تمنع من دخوله الجنة.

وكان الملتزمون بالإرجاء ، يتغاضون عمّا يقوم به الحكّام والسلاطين مهما كانت أفعالهم مخالفة لأحكام الإسلام في آيات قرآنه ونصوص كتابه وسنّة رسوله.

بل كان منهم من يقول : إن الإيمان هو مجرد القول باللسان ، وإن عُلِمَ من القائل الاعتقاد بقلبه بالكفر ، فلا يسمّى كافرا.

ومنهم من يقول : إن الإيمان هو عقد القلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه فلا يسمّى كافرا (١).

__________________

(١) لاحظ الفصل لابن حزم ( ٤ : ٢٠٤ ).


وهذه المباديء ـ مهما كان منشؤها ـ كانت ولا زالت تخدم الحكّام الجائرين المبتعدين عن الإسلام في كل أعمالهم وتصرّفاتهم ، لأن أصحاب هذه المباديء كانوا ـ ولا يزالون ـ يرون أن مهادنه هؤلاء الحكّام صحيحة وغير منافية للشرع والتديّن بالإسلام.

فكانت ـ كما يقول أحمد أمين ـ هذه المباديء تخدم بني امية ـ ولو بطريق غير مباشر ـ وأصحابها كانوا يرون أن مهادنة بني امية صحيحة ، وأن خلفاءهم مؤمنون ، لا يصحّ الخروج عليهم.

فكان أن الأمويين لم يتعرّضوا لهم بسوء ، كما تعرّضوا للمعتزلة والخوراج والشيعة (١).

بل أصبح الإرجاء ـ كما نقل الجاحظ عن المأمون : ـ دين الملوك (٢).

وهذه المزعومة ـ الإرجاء ـ باطلة أساسا ، لدلالة النصوص الواضحة على أنّ العمل ـ فعلا وتركا ـ له أثر مباشر في صدق أسماء « الإيمان والكفر » ولذلك أعلن أئمة المسلمين بصراحة : أن الإيمان قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان.

فمن خالف ما ثبت أنه من الدين ضرورة فهو محكوم باسم الكفر ، وتجري عليه أحكام هذا الاسم ، سواء أنكره بلسانه ، أو بقلبه ، أو بعمله ، كقاتل النفس المحترمة وتارك الصلاة ، مثلا.

وفي قبال مخالافات الحكّام الظالمين ، المعلنة والمخفية ، قاوم المسلمون بكل شدّة ، وحاسبوهم بكل صرامة ، حتى قتل عثمان ـ وهو خليفة ـ من أجل بعض مخالفاته الواضحة.

لكن ، لمّا تربّع بنو أمية على الحكم ، بدأوا يحرّفون عقيدة الناس بترويج كفرهم ، وقتل المؤمنين العارفين بالحقائق ، وإجراء سياسة التطميع والتجويع ، وغسل الأدمغة والتحميق ، مستمدّين بوعّاظ السلاطين من أمثال الزهري :

فقد ورد في الأثر أن هشام بن عبدالملك سأل الزهري قال : حدثنا بحديث

__________________

(١) ضحى الإسلام ( ٣ : ٣٢٤ ).

(٢) الاعتبار وسلوة العارفين (ص ١٤١).


النبي 6 أنه قال : من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنّة ، وإن زنا وإن سرق (١).

فهشام حافظ للحديث ، لكنه يريد من الزهري تقريرا عليه وتصديقا به ، وكأنّه يقول له : إنّ مثل هذا الحديث يعجبنا ويفيدنا فاروه لنا.

ولم يكذّب الزهري هذا الحديث المجعول من قبل المرجئة ، وإنما قال لهشام : أين يذهب بك ، يا أمير المؤمنين! كان هذا قبل الأمر والنهي.

لكن إذا كان قبل الأمر والنهي فلماذا يذكر الزنا والسرقة ، أو هما كانتا محرّمتين!؟

فعاد أمر الأمة الى أن لم ير المضحّون والمخلصون ، وفي طليعتهم أهل البيت : إلا أن ينهضوا في طلب الإصلاح.

وقام الإمام الحسين 7 بالتضحية الكبرى في كربلاء ، لإنقاذ الإسلام مما ابتلي به من تدابير خطرة ، ومؤمرات لئيمة دبّرها بنو امية.

وقد أدّت تلك التضحية العظيمة ، الى فضح حكّام بني امية ، حيث إن عملهم الظالم ذلك ، الذي لم يجدوا في الامة منكرا له ولا نكيرا عليه ، هوّن عليهم الإقدام على أعمال فظيعة اخرى بعلانية ووقاحة ، بشكل لم يبق مبرّر لإطلاق اسم الإسلام والإيمان عليهم ، ولذلك نجد أن الذين أعلنوا عن ثورة المدينة قبيل وقعة الحرّة ، كانت دعواهم : « أن يزيد لرجل ليس له دين » (٢).

والأمويون تأكيدا على كفرهم وخروجهم على كل المقدّسات ، استباحوا مدينة الرسول 6 وحرمه ، وقتلوا آلاف الناس ، وفيهم جمع من أبناء صحابة الرسول 6 ، وهتكوا الأعراض وانتهبوا الأموال (٣).

وعقّبوا ذلك بالهجوم على الكعبة والمسجد الحرام وحرم الله الآمن ، فأحرقوها وهتكوا حرمتها ، وسفكوا الدماء فيها ، ولم يرقبوا في شيء عملوه أيام حكمهم الدموي كرامة لأحد ، ولا حرمة لشيء مقدّس.

__________________

(١) الاعتبار وسلوة العارفين ( ص ١٤١ ).

(٢) أيام العرب في الإسلام ( ص ٤٢٠ ).

(٣) انظر كتب التاريخ في حوادث سنة ( ٦٣ هـ ) وتاريخ المدينة المنورة وترجمة مسلم بن عقبة وعبدالله بن الغسيل.


والمرجئة ـ مع ذلك ـ يقولون في الأمويين إنهم الحكّام الذين تجب طاعتهم ، وإنهم مؤمنون لا يجوز الحكم عليهم بالكفر ، ولا لعنهم ، ولا التعرّض لهم ولا الخروج عليهم!

إن هذا الانحراف الذي عرض لامة الإسلام ، كان ردّة خفيّة تمرّر باسم الإسلام وعلى يد الخليفة والمجرمين الممالئين له.

فكانت جهود الإمام السجاد 7 هي التي اعقبت إحياء الروح الإسلامية واستتبعت الصحوة للمسلمين ، فرصّ الصفوف ، فتمكّن ابنه المجاهد العظيم زيد بن علي 7 من إطلاق الثورة ضدهم.

وتلك التعاليم السجادية هي التي جعلت أمر كفر الأمويّين وبطلان حكمهم ، أوضح من الشمس ، وألجأت أبا حنيفة المتّهم بالإرجاء (١) أن يرى ولاة بني امية مخالفين لتعاليم الدين وأعلن وأظهر البغض والكراهية لدولتهم ، وساهم في حركة زيد الشهيد ، وناصر أهل البيت بالمال والعدّة ، وكان يفتي ـ سرّا ـ بوجوب نصرة زيد وحمل المال إليه والخروج معه على اللصّ المتغلّب المتسمّي بـ « الإمام والخليفة » (٢).

وفي الإمامة والولاية :

كانت الإمامة في نظام الدولة الإسلامية ، أعلى المناصب الحكومية ، ولذا كان الحكّام يسمّون أنفسهم أئمة للناس ، واُمراء للمؤمنين ، بلا منازع.

ولا يدّعي أحد غير الحاكم ، لنفسه منصب الإمامة إلاّ إذا لم يعترف بالحاكم ولا حكومته : ومعنى هذا الادّعاء معارضته للنظام ولمقام الخليفة نفسه.

والإمام السجاد 7 قد أعلن عن إمامة نفسه بكل وضوح وصراحة ومن دون أيّة تقيّة وخفاء.

ولعلّ لجوءه 7 الى هذا الاسلوب المكشوف كان من أجل أنّ بني أمية بلغ أمر فسادهم وخروجهم عن الإسلام ، وعدم صلاحيتهم للحكم على المسلمين وإدارة

__________________

(١) لاحظ تاريخ بغداد (ج ١٣) وانظر الكنى والألقاب ( ١ / ٥٢ ).

(٢) لاحظ ضحى الإسلام ، لأحمد أمين ( ٣ ـ ٢٧٤ ).


البلاد ، فضلا عن الإمامة ، حدّا من الوضوح لم يمكن ستره على أحد.

فكان من اللازم الإعلان عن إمامة السجاد 7 كي لا يبقى هذا المنصب شاغرا ، وأن لم تكن الإمامة الحقّة حاكمة ظاهرا.

ومهما يكن ، فإنّ خطورة إعلان الإمام السجاد 7 عن إمامة نفسه وأهل بيته ، لا تخفى على أحد ممن عرف جور بني أمية وطغيانهم وقسوتهم في مواجهة المعارضين.

وقد تعدّدت الأحاديث الناقلة لهذا الإعلان ، حسب تعدّد المناسبات ، والظروف :

١ ـ ففي الحديث الذي أورده ابن عساكر : قال أبو المنهال نصر بن أوس الطائي : رأيت علي بن الحسين ، وله شعرٌ طويل ، فقال : إلى من يذهب الناس؟

قال : قلت : يذهبون ههنا وههنا!

قال : قل لهم : يجيئون إليّ (١).

٢ ـ قال له أبو خالد الكابلي : يا مولاي! أخبرني كم يكون الأئمة بعدك؟

فقال : ثمانية ، لأن الأئمة بعد رسول الله 6 اثنا عشر إماما ، عدد الأسباط ، ثلاثة من الماضين ، وأنا الرابع ، وثمانية من ولدي ، أئمة أبرار ، من أحبّنا وعمل بأمرنا كان في السنام الأعلى ، ومن أبغضنا أو ردّ واحدا منّا فهو كافر بالله وبآياته(٢).

٣ ـ وقال 7 : نحن أئمة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وسادة المؤمنين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، وموالي المؤمنين ، ونحن أمان أهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمانٌ لأهل السماء ... ولو ما في الأرض منّا لساخت بأهلها ، ولم تخلُ الأرض ـ منذ خلق الله آدم ـ من حجّة لله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو ، الى أن تقوم الساعة ، من حجّة لله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد الله (٣).

٤ـ وقال 7 : نحن أفراط الأنبياء ، وأبناء الأوصياء ، ونحن خلفاء

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ٢١ ) ومختصره لابن منظور ( ١٧ / ٥٣١ ).

(٢) كفاية الأثر للخزّاز ( ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ).

(٣) أمالي الصدوق (ص ١١٢) الاحتجاج (ص ٣١٧).


الأرض ، ونحن أولى الناس بالله ، ونحن أولى الناس بدين الله (١).

٥ ـ وكان يقول في دعائه يوم عرفة :

اللهمّ!

إنّك ايّدت دينك في كلّ أوان بإمام اقمته علما لعبادك ومنارا في بلادك بعد أن وصلت حبله بحبلك ، وجعلته الذريعة الى رضوانك ، وافترضت طاعته ، وحذّرت معصيته ، وامرت بامتثال أوامره ، والانتهاء عند نهيه ، وألا يتقدمه متقدّم ، ولا يتأخّر عنه متأخّر ، فهو عمصة اللائذين ، وكهف المؤمنين ، وعرْوة المتمسّكين ، وبهاء العالمين.

اللهم

فأوْزع لوليّك شكر ما أنعمت به عليه ، وأوزعنا مثله فيه ، وآته من لدنك سلطانا نصيرا ، وافتح له فتحا يسيرا ، وأعنه بركنك الأعزّ ... واقم به كتابك وحدودك وشرائعك وسنن رسولك صلواتك ـ اللهمّ ـ عليه وآله.

وأحي به ما أماته الظالمون من معالم دينك ، وأجل به صدأ الجور عن طريقتك ، وأبن به الضرّاء من سبيلك ، وأزل به الناكبين عن صراطك ، وامحق به بغاة قصدك عوجا ، وألن جانبه لأوليائك ، وابسط يده على أعدائك (٢).

ففي يوم عرفة ، وفي موقف عرفات ، حيث تتّجه القلوب الى الله بلهفة ، وحيث الأنظار شاخصة الى ابن رسول الله 6 ، والآذان صاغية الى بقية العترة ، لتسمع دعاءه في ذلك اليوم الشريف ، وذلك الموقف المنيف ، يدعو بهذه الكلمات ليعرّف المسلمين بما يجب أن يكون عليه الإمام الحقّ من صفات ، وما عليه وله من حقوق وواجبات.

ولا يرتاب المتأمل : أن في عرض مثل هذه الأوصاف والواجبات ـ التي يبتعد عنها الحكّام المدّعون للإمامة أشواطا ومسافات طويلة ـ يعدّ تعريضا بهم ، وتحدّيا لوجودهم.

وأن الإمام السجاد 7 لمّا كان يعرّف الإمامة بهذا الشكل ، فهو ـ بلا ريب ـ

__________________

(١) بلاغة علي بن الحسين 7 (ص ٦٠).

(٢) الصحيفة السجادية ، الدعاء رقم (٤٧).


يستبعد عنها كلّ أدعياء الإمامة من غير ما لياقة ، فضلا عن الاستحقاق.

فأين أولئك المغمورون في الرذيلة والظلم والجهل بالدين ، بل المعارضون له عقائديا وعمليا ، أين هم من هذه الإمامة المقدّسة!؟

٦ ـ وكان يقول في دعائه ليوم الجمعة ، والأضحى:

اللهمّ :

إنّ هذا المقام لخلفائك ، وأصفيائك ، ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها ، قد ابتزّوها ، وانت المقدّر لذلك لا يغالب أمرك.

حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين ، مقهورين ، مبتزّين ، يرون حكمك مبدّلا ، وكتابك منبوذا ، وفرائضك محرّفة عن جهة إشراعك ، وسنن نبيّك متروكة.

اللهمّ : العن أعداءهم من الأوّلين والآخرين ، ومن رضي بفعالهم واشياعهم ، وأتباعهم (١).

ويوصي الإمام الى ولده محمّد الباقر فيقول :

بُنيّ :

إنّي جعلتك خليفتي من بعدي ، لا يدّعيها في ما بيني وبينك أحدٌ إلاّ قلّده الله يوم القيامة طوقا من النار (٢).

بل ، أعلن خلافة ولده الباقر وإمامته ، للزهري ، وهو من علماء البلاط الأموي ، في ما روي عنه ، قال : دخلت على علي بن الحسين : في مرضه الذي توفي فيه : فقلت : يابن رسول الله ، إن كان أمر الله ، ما لابدّ لنا منه ، فإلى من نختلف بعدك؟

فقال 7 : يا أبا عبدالله ، الى ابني هذا ـ وأشار الى محمّد الباقر 7 ـ فإنه وصيّي ، ووارثي ، وعيبة علمي وهو معدن العلم وباقره.

قال الزهري : قلت : هلاّ أوصيت الى أكبر ولدك؟

قال 7 : يا أبا عبدالله ، ليست الإمامة بالكبر والصغر ، هكذا عهد إلينا رسول الله 6 وهكذا وجدناه مكتوبا في اللوح والصحيفة.

__________________

(١) الصحيفة السجادية الدعاء رقم (٤٨).

(٢) كفاية الأثر للخزّاز ( ص ٢٤٠ ـ ٢٤١ ).


قال الزهريّ : قلت : يابن رسول الله ، كم عهد إليكم نبيّكم أن يكون الأوصياء بعده؟

قال 7 : وجدناه في الصحيفة واللوح « اثنا عشر اسما » مكتوبة إمامتهم.

ثم قال 7 : يخرج من صلب محمّد ابني سبعة من الأوصياء فيهم « المهديّ » (١).

الى غير ذلك من الآثار الواردة في هذا الباب.

والمهمّ في الأمر أنّ الإمام السجّاد 7 بصراحته هذه ، وإعلانه عن أهمّ ما يرتبط باستمرار العقيدة ودوامها ، تمكّن من تثبيت الإمامة بعد أن تعرّض التشيّع لأوحش الحملات في ذلك التأريخ ، فأدّت بالعقيدة الى تضعضع لم يسبق له مثيل! كما أدّت الى يأس في النفوس ، وتمزّق بين صفوف الشيعة بما لا يتصوّر!

فكانت مواقف الإمام السجاد 7 هذه ، الواضحة ، والجريئة ، والمكرّرة ، سببا للملمة الكوادر من جديد ، ورصّ الصفوف ثانية ، وتكريس الجهود المكثّفة ، واستعادة القوى المهدورة ، والتركيز على ترسيخ القواعد الأصلية من أن تحرّف أو يشوبها التشويه لتكوين الأرضيّة الصالحة لبذر علوم آل محمد على أيدي الأئمة لاسيما الباقر والصادق 8.

إثارة خلافة الشيخين :

إنّ بني أمية ، الذين أحدثوا مذبحة كربلاء ، ومجزرة الحرّة ، ومأساة عين الوردة ، لم يقنعوا بتصفية التشيّع جسديا ، بقتل الإعداد الكبيرة من أنصار أهل البيت : ، ومعهم الأعيان والرؤساء ، بمن فيهم الإمام الحسين 7 ، وإنّما حاولوا ـ أيضا ـ القضاء على التشيع فكريا وحضاريا ، وأتّبعوا سبل الدعاية المغرضة ، وإثارة الناس الغوغاء على كلّ ما يمتّ الى أهل البيت : من فكر وتراث وشعار ، حتى حاربوا أسماءهم ، فكان من يتسمى بها مهدّدا.

ومن أخبث أساليبهم بثّ بذور الفرقة والشقاق بين المسلمين ، ليتمكّنوا من القضاء على الإسلام كلّه ، ومن خلال ضرب المذاهب بعضها ببعض ، وممّا ركّزوا عليه في هذه

__________________

(١) كفاية الأثر للخزّاز (ص ٢٤٣).


السبيل هو إثارة موضوع « خلافة الشيخين : أبي بكر وعمر » اللذين حكما الأمة باسم الخلافة فترة غير قصيرة ، وأصبحت خلافتهما مثارا للبحث بين كلّ من الشيعة وأهل السنّة.

فالخلافة والإمامة ، يراها الشيعة حقّا لأئمة أهل البيت : بالنصّ من النبي 6 الذي لا ينطق إلاّ عن الوحي الإلهي ، وقد التزموا بهذا على أنه واحد من أصول مذهبهم ومعتقدهم ، وهو المميّز لهم عن أهل السنّة ، الملتزمين بخلافة من استولى على أريكة الحكم ، كما حدث بعد وفاة النبي 6 ، إذ حكم ابو بكر ، ثم عمر بدعوى وأنّ ذلك تمّ برضا من الناس الحاضرين ، وأنّ ذلك كاف في تحقّق الحقّ لهما في الخلافة ، وهو الدليل على فضلهما ومنزلتهما عند المسلمين الذين سكتوا على ذلك.

ومن الواضح ـ تاريخّيا ـ أنّ الجميع لم يحضروا مجلس البيعة للشيخين في سقيفة بني ساعدة.

ومجرّد السكوت في مثل هذا الموقف لا يدّل على الرضا ، لاحتمال الخوف ، والمداراة ، والغفلة ، أو الطمع في الحكم والمنصب.

مع حصول الاعتراض العلنّي قولا وفعلا من بعض كبار الصحابة.

وتعيين بعض الناس ورضاهم وسكوتهم ، أمور إن دلّت على الفضل والمنزلة عندهم ، فهي لا تدلّ على الرضا عند الله ورسوله وجميع المؤمنين!

ومع وجود هذه المفارقات ، فإن في المسلمين من لم تثبت عندهم خلافة الشيخين بطريق من الشرع الكريم ، فلذا رفضوا هذا الموقف ، وإن وقع ، والتزموا بما هو الحقّ ، وإن لم يقع!

ولقد جوبه هذا الالتزام بالاستنكار العنيف من قبل أهل السنّة فاعتبروه « كفرا » وأحلّوا دماء « الرافضة » بزعمهم مع اعترافهم بأنّ التأويل يمنع من التكفير ، وأن الحدود تدْرَءُ بالشبهات!!

وكان الأمويّون يثيرون هذا الخلاف لاصطياد أغراضهم من تعكير الماء ، بين فئات المسلمين.


فكان موقف الإمام السجاد 7 مقاومة ذلك بحكمة وحنكة ، حتى صيّر أمره الى الإحباط.

فلابدّ أن يعرف : أنّ قضيّة الإمامة وثبوتها لأئمة أهل البيت : ، وخلافة الخلفاء وحقّهم في الحكم ، قضيّة أدق من أن يبتّ فيها بمجرد الرفض واللعن والتكفير والطرد ، والقذف والسبّ ، أو إثارة الضجيج والعجيج ، وكيل التهم والتقبيح ، والتنفير والتهجير ، والاستهزاء والتهجين.

بل هي عند العقلاء قضيّة قناعة واعتقاد وأرقام ونصوص وحقوق وصفات وفضائل.

وهي عند أهل البيت : قضيّة هداية وإيمان ، محورها « الحق » الذي أمرنا الله بالتواصي به ، والصبر عليه.

واذا تصدّى لها أئمة أهل البيت : ، وتعرّضوا لها ، وطالبوا بها فليس لحاجة في أنفسهم إليها أو الى مآربها ، بل إنما من أجل أولئك الناس أنفسهم ، وهدايتهم الى « الحق » المنشود من كلّ الرسالات الإلهية.

فقد كان الإمام السجاد 7 يقول : ما ندري ، كيف نصنع بالناس؟! إن حدثناهم بما سمعنا من رسول الله 6 ضحكوا ، وإن سكتنا ، لم يسعنا ... (١).

وكان الإمام الباقر 7 يقول : بليّة الناس ـ علينا ـ عظيمة ، إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ، وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا (٢).

وبهذا المنطق ، الواقعي ، المتين ، الحنون ، الواضح ، دخل أهل البيت : في موضوع الخلافة والإمامة ، وحكموا عليها ولها.

وإذا كان هذا هو المنطلق ، فلا بدّ أن يكون المسير على طريق مصلحة الناس ، وهم المسلمون في كلّ عصر ومصر ، ومن أجل الحفاظ على دينهم الحقّ وهو الإسلام المحمّدي الخالص.

وعلى هذا الأساس ، لم يسمح الأئمة : للغوغاء ، أن يتدخّلوا في هذه القضيّة ـ الخلافة ـ كي لا يغرقوا في غمارها ، ولا يصبحوا ألعوبة في أيدي الدهاة

__________________

(١) الكافي ( ٣ / ٢٣٤ ) وقد مرّ تخريجه.

(٢) الإرشاد للمفيد (ص ٢٦٦).


الماكرين من حكّام الجور والضلالة ، بإثارة الشغب والفتنة بين طوائف الشعب ، على حساب قضيّة « الخلافة ».

فإن الغوغاء لا يدخلون في أيّة قضية على أساس المنطق السليم ، ولا من منطلق قويم ، ولا يمشون على الصراط المستقيم ، بل على طبيعتهم في الجدل العقيم ، وعلى طريقتهم في القذف واللعن والطرد ، وهي بالنسبة إليهم البداية المحسوبة ، والنهاية المطلوبة.

وليس الهدف عند الإئمة من أهل البيت : إلاّ « الحقّ » وأن يتبّين الرشد من الغيّ.

وقد كان الأمويّون يثيرون القضية على مستوى العوام الطغام ، والغوغاء الهوجاء ، ويهدفون من ذلك القضاء على وحدة المسلمين ، باتّهام أهل البيت وأتباعهم ، وهم يمثّلون أقوى الخطوط المعارضة لحكمهم.

ولقد كان موقف الإمام السجاد 7 في إحباط هذه الخطط الأمويّة الجهنميّة ، شجاعا ، وصريحا ، ومدروسا :

فهو 7 لمّا سئل عن منزلة الشيخين عند رسول الله 6 ، أشار ـ بيده ـ الى القبر ـ قبر النبي 6 ـ ثمّ قال : بمنزلتهما منه الساعة (١) وفي نصّ آخر : كمنزلتهما منه اليوم ، وهما ضجيعاه (٢).

فمثير السؤال ، إنّما أراد أن يعلن الإمام عن رأيه في الشيخين من حيث الفضل والمقام والرتبة عند رسول الله 6؟

ولكنّ الإمام السجاد 7 لم يفسح له المجال في إثارته المريبة ، فأجابه عن موضعهما من حيث المكان والمنزل والمدفن ، من دون أن يتعدى في الإجابة الحقيقية الظاهرة ، أو يتجاوز الحقّ المفروض ، فهما ـ الشيخان ـ كانا قريبين ـ جسدّيا ـ كما هما في قبريهما ـ الآن ـ بالنسبة الى قبر النبي 6 ، لكن هل هذا كرامة لهما ، وقد دفنا في مالم يملكا حقّ الدفن فيه؟!

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٤ ـ ٣٩٥ ).

(٢) تاريخ دمشق ( حديث ٩٢ ) ومختصر ابن منظور له ( ١٤٧ : ٢٤٠ ).


ويقول لمثير آخر : إذهب ، فأحِبَّ أبا بكر وعمر ، وتولّهما ، فما كان من إثم ففي عنقي (١).

وبمثل هذه القوة ، يبعد الإمام عوام الناس عن التوجّه الى هذه القضيّة الحسّاسة ، في ميدان الصراع ذلك اليوم ، فقد كانت أصول الدين ، وقواعده ، وفروعه ، وأحكامه الاساسيّة ، مهدّدة ، يتهدّدها الطغيان الأمويّ ، وكبار الصحابة ، وعلماء الأمة ، يذبّحون كل صباح ومساء ، فكان الإعراض عن القضايا الاساسيّة العاجلة ، والبحث عن قضية الشيخين البائدة ، تحريفا لمسير النضال ، وتشتيتا لقوى المناضلين ، مع أنه خداع ومكر يطرحه الحكّام الظالمون للتفريق بين الأمة ، لصرفها عن القضايا المصيرية ، المعاصرة ، التي هي محلّ ابتلاء المسلمين فعلا الى قضايا تاريخيّة غير حيويّة!

فإثارة مشكلة الخلافة ـ آنذاك ـ لم يزد أهل البيت : وأتباعهم إلاّ انزواءاً وانعزالا عن المجتمع العام ، وذلك هو المطلوب لرجال الدولة ، لأنّه ييسّر لهم اجتثات أصول المعارضة ، والقضاء على جذورها.

بينما التعبير عن تولّي الشيخين ، وعامة الناس هم على ذلك بمن فيهم المثيرون ، لا يغّير الآن شيئا ، وليس له مفعول مثل ما لتولّي بني امية اليوم ، وهم حكّام مستحوذون مستخلفون كما استُخلِفَ أبو بكر وعمر ، لكنّ هؤلاء مالكو الساحة اليوم ، مع مالهم من مخالفات حتى لسنّة الشيخين ، تلك السنّة التي التزموا بها ودعوا إليها ، وباسمها استولوا على الأمور.

وليست ولاية الشيخين بمجرّدها هي المشكلة الفعليّة العائقة ، بل المشكلة ـ الآن ـ هي ولاية بني أمية! الذين يستخدمون فكرة ولاية الشيخين ، ويريدون بذلك فقط أن يستمرّوا على الحكم والخلافة ، ويضربوا من لا يوافقهم على ولايتهم التي هي استمرار لولاية الشيخين.

والمفروض أنّ ولاية الشيخين ، أصبحت وسيلة بأيدي الأمويين ليثبّتوا عرشهم من جهة ، ويضربوا أهل البيت : من جهة أخرى.

فلذا أعلن الإمام زين العابدين 7 للسائل ، بأنّ ولاية الشيخين ليست موضعا

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ٩٧ ) ومختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٤١ ).


للنقاش ، في هذا الوقت ، إذ لا يترتّب عليها نفع للإسلام والمسلمين ، لمضيّ زمانها ، وإنّما المضرّ ـ الآن ـ هو ولاية بني أمية ، التي لا بدّ أن تميّز عن ولاية الشيخين! مهما كانت استمرارا لها!

ولقد كشف الإمام السجّاد 7 عن أقنعة مثيري هذه الفتنة ، وفضحهم ، حيث قال لهم : قوموا عنّي ، لا قرّب الله دوركم ، فإنكم متستّرون بالإسلام ، ولستم من أهله ).

فقد أعلن أن مثيري القضيّة بشكلها الغوغائي ليسوا إلاّ من المبعوثين من قبل بني أمية وعيونهم ، ممن لا ينتمون الى الإسلام إلاّ ظاهريا ، وبالإسم فقط ، وإنّما يريدون بإثارة هذه القضية ، وحملها على أهل البيت ، هدم الإسلام ، المتمثّل ـ يومذاك ـ بشخص الإمام السجّاد 7 وشيعته.

والإمام السجاد 7 إنّما يهدف الى تجديد بناء الإسلام الذي هزْهزَ بنو أمية قواعده وأركانه.

وتربية الكوادر الذين أشرفوا على الانقراض على يد جلاوزة بني امية حكّام الشام.

وإرساء قواعد التشيّع التي أشرفت على الانهيار ، بعد فجيعة كربلاء.

وإحياء الأمل في النفوس التي صدمتها الحوادث المتعاقبة وزرعت فيها اليأس والخوف.

فما كان من المصلحة ـ أصلا ـ الإجابة على مثل تلك الأسئلة المثارة وقد كان مثيروها لا يمتّون الى الإسلام بصلة ، وإنما هم متقنّعون باسمه ـ لتمرير أهدافهم ـ بتقديم هذه الاسئلة ، وإثارة قضايا الخلاف في الخلافة ، التي يريد العدوّ أن يستغلّها بايّة صورة.

فالإجابة الصحيحة ، إذا كانت مخالفة لرأي العامة الغوغاء ، فإنّها تثيرهم ، فينثالون على البقّية الباقية من المؤمنين بخطّ أهل البيت : فيبيدونهم عن بكرة ابيهم ، فلا يبقى منهم نافخ نار ، ولا طالب ثار.

وكلّ ذلك من أجل قضيّة لا أثر لإثارتها هذا اليوم ، ولا دخل لها في القضايا

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ٩٨ ) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( ١٧ : ٢٤١ ).


المصيرية الراهنة ، في عهد الإمام 7 ، فلا تسمن ، ولا تغني الأمة من جوع ، ولا تكسوهم من عرْيٍ ، أو تنجدهم من ظلم أو جور.

والمستفيد من تلك الإثارة ، هم الحكّام المسيطرون ، وهم ذلك اليوم بنو أمية ، الذين يحاولون وبشتّى الاسلايب إبادة الحضارة الإسلامية ، في فكرها ، وتراثها ، ورجالها ، ومقدساتها.

وهم الذين يسعون في إحياء الجاهلية ، في وثنّيتها وصنميّتها ، وعنصريتها ، وعصبيتّها ، وجهلها ، وفسقها ، وفجورها ، وظلمها ، وبذخها ، وكفرها ، وعتوّها.

فأيّة القضيّتين أولى بالبحث عنها عند الإمام السجّاد 7 ، وأحقّ أن يركّز عليها ويعارضها؟

هل هي ولاية بني أمية؟

أو ولاية الشيخين؟

لقد كان ـ حقا ـ موقف الإمام السجّاد 7 : شجاعا ، وصريحاً ، ومدروسا :

كان 7 شجاعا :

أن يواجه ، ويجابه الذين كان يعلم نيّاتهم الخبيثة ، وأهدافهم الدنيئة ، من جواسيس بني امية ، وعيونهم ، ألبرءآء من الإسلام ، وكذلك في الإعلان عن خططهم وتدابيرهم الإجرامية.

فالذين لم يؤمنوا بأصل الإسلام ، كيف يهتمّون بقضيّة الخلافة والخلفاء السابقين؟

وما هو هدفهم من هذه الإثارة؟

ولو صدقوا في أسئلتهم : فلماذا لا يهتمّون بما يجري على المسلمين في ولاية بني امية؟

وما لهم لا يتساءلون عن حقّ بني أمية في الحكم الظالم؟

وهذا مثل ما تثيره الأجهزة الأستعمارية ، وأذنابهم النهضويّون والرجعيّون ـ في عصرنا الحاضر ـ من النزاعات المذهبيّة بين الطوائف الإسلامية الواعية ، فإن كل مسلم عاقل يفطن الى أنّ إثارتهم هذه ليست لمصلحة الأمة الإسلامية ، وإنما هم يهدفون من وراءها الى ضرب القدرة الإسلامية العظيمة والصحوة الإسلامية


المتنامية ، وتحطيم كيان الدين الإسلامي ، المركّز في قلوب الأمة.

وكان الإمام السجّاد 7 صريحا :

في إعراضه عن تفصيل القضيّة ، حيث يجرّ الى ما يريده الإعداء ، بل صرف الأنظار الى ماهم مبتلون به من مشاكل ومآس ، بالولاية الباطلة التي تخيّم عليهم بضلمها وجرائمها وحكّامها الجائرين!

وكان موقفه مدروسا :

إذ لم يدل بتصريح يخالف الحقّ أو ينافي الحقيقة ، بل حافظ عليهما بقدر ما يخلّص الموقف من الحرج ، ويخرج الإنسان المسؤول من المأزق.

وموقف مماثل مع أحد العلماء :

لكن الحديث يأخذ شكلا آخر إذا كانت المواجهة مع أحد الذين ينتمون الى العلم ، لأنّ التنبيه على الحقائق ـ حينئذ ـ يكون أوضح وأصرح وألزم! لكن مع الأخذ بنظر الأعتبار كلّ الملاحظات الحسّاسة التي يتحرّج الموقف بها ، فاقرأ معي هذا الحديث :

عن حكيم بن جبير ، قال : قلت لعلي بن الحسين : أنتم تذكرون ـ أو تقولون ـ : إن عليا قال : « خير هذه الأمّة بعد نبيّها : أبو بكر ، والثاني عمر ، وإن شئت أن اُسمّي الثالث سمّيته »

فقال علي بن الحسين : فكيف أصنع بحديث حدّثنيه سعيد بن المسيّب عن سعد بن مالك [ ابن أبي وقاص ] أنّ رسول الله 6 خرج في غزوة تبوك فخلّف عليا ، فقال له : أتخلّفني؟

فقال : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلاّ أنّه لا نبي بعدي »

قال : ثم ضرب علي بن الحسين على فخذي ضربة أوجعنيها ، ثم قال : فمن هذا هو من رسول الله 6 بمنزلة هارون من موسى؟ (١).

__________________

(١) مناقب أمير المؤمنين 7 للكوفي ج ١ ص ٥٢١ ح ٤٥١ و ح ٤٦١ ص ٥٢٨.


وفي نصّ آخر : فهل كان في بني إسرائيل بعد موسى مثل هارون؟ فأين يذهب بك يا حكيم؟ (١)

ففي الوقت الذي لا يواجه الإمام حكيم بن جبير بتكذيب ما نسب الى الإمام علي أمير المؤمنين 7 من إعلانه أمام الأمّة من أنّ خيرهم أبو بكر ثم عمر ثم الثالث؟

فإن هذا المنسوب الى أمير المؤمنين 7 ـ وإن لم يصح ـ فهو مشهور بين الناس ، بقطع النظر عن أن الإمام إنمّا أعلن عمّا عند الناس من التفضيل للشيوخ ، بعد أن صار أمرا مفروضا لايمكن مخالفته ، فما فائدة إنكاره.

فإن أعاد أهل البيت : نفس الصيغة وتناقلوها فلا يدل على التزام ، لأنه تعبير عن مظلومية علي 7 حيث لم يستطيع أن يصرّح بخلاف ما عند العامّة الغوغاء ، بل كان من أهدافه في الحفاظ على وحدة كلمة المجتمع الإسلامي وسلامته في حدوده الداخلية ، بينما معاوية يهدّد أمن الدولة ويثير الخلاف والشقاق.

لكن الإمام السجّاد 7 في حديثه مع حكيم بن جبير اتّخذ اسلوبا علميّا فذكّره بمناقضة هذا المنقول ـ رغم شهرته ـ مع الحديث المتواتر المعلوم المتيقّن بصدوره ، ومعناه ، وأهدافه ومرماه ، وهو حديث المنزلة أي قول النبي 6 لعلي 7 : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي » (٢).

الذي لا يمكن إنكار صدوره ، ولا الاختلاف في معناه.

فإذا كان عليّ بهذه المنزلة من رسول الله 6 في عصره وبحضور كبار الصحابة فهل يبقى للحديث المنقول عن علي في تفضيل الشيوخ معنى ، غير الذي نقلناه؟

وإذا كان الفضل بعد رسول الله 6 بالترتيب المذكور عند الناس ، فهل يكون لحديث المنزلة معنى؟

مع أن التاريخ والقرآن لم يذكر في بني إسرائيل شخصا أفضل من هارون بعد موسى؟

__________________

(١) مناقب الكوفي ( ج ١ ص ٥٢٢ ) ح (٤٥٣).

(٢) نقلنا أقوال العلماء بتواتر هذا الحديث الشريف ، وذكرنا بعض مصادره في البحث الأوّل من التمهيد ، فراجع (ص ١٨).


ثم ينبّه الإمام السجّاد 7 حكيما بضربة على فخذه ، وينبّهه بالعتاب فيقول : فأين يذهب بك يا حكيم؟

وهكذا كان السجّاد ـ رغم حصافة المواقف التي يتخذها ، والالتزام بالأهداف السامية في حفظ وحدة الكلمة ـ لايترك الحقيقة مهملة عندما كان يخاطب من يفهم ، ويدرك ، وينتبه!

وإن كان له مع الغوغاء غير المتفهمين ، لأهداف الأئمة والإمامة ، تعاملا آخر يناسب حالهم ، ويخاطبهم على قدر عقولهم.

والصلاة مع المخالفين :

وللإمام السجّاد 7 موقف حازم مماثل من الدعايات المغرضة ، التي كان يبثها دعاة الضلال ضدّ شيعة أهل البيت : ، وهو ما جاء في الحديث التالي :

قال محمّد بن الفرات : صلّيت الى جنب علي بن الحسين يوم الجمعة ، فسمعت ناسا يتكلّمون في الصلاة!

فقال 7 : ما هذا؟

فقلت : شيعتكم! لا يرون الصلاة خلف بني أُمية!

قال 7 : هذا ـ والذي لا إله إلاّ هو ـ بدع ، فمن قرأ القرآن ، واستقبل القبلة فصلّوا خلفه ، فإن يكن محسنا فله حسنته ، وإن يكن مسيئا فعليه (١).

فالمسلم الشيعيّ يقتدي بإمامه ، فإذا كان أولئك شيعة لأهل البيت : حقيقة ، وكانوا يرون الإمام السجاد 7 وهو زعيم أهل البيت : في عصره ، ها هو واقف في الصفّ يؤدّي الصلاة مع جماعة الناس ، فما بالهم يلغطون ، ليعرّفوا أنفسهم أنّهم لا يصلّون مع الجماعة!؟

ولماذا يعرّفون أنفسهم بأنّهم شيعة لأهل البيت ، وهم يقومون بمثل هذا التحدّي السافر!؟

وإلاّ ، كيف عرفهم الناس بأنّهم شيعة؟!

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ١١٠ ) ومختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( ١٧ : ٢٤٣ ).


إنّ القرائن واضحة ، تعطي أنّ أولئك لم يكونوا من الشيعة ، بل من المندسّين لتشويه سمعة أهل البيت : وشيعتهم ، لاتّهام أئمة أهل البيت والشيعة المؤمنين ، بمخالفة الجماعة.

ولذلك ، تدارك الإمام 7 الموقف ، وأفتاهم أوّلا بما يلتزم به العامّة من الصلاة خلف كلّ برّ وفاجر.

ولم يدل بتفصيل حكم المسألة الفقهيّة في مذهب أهل البيت : ، وهو أنّ المؤمن إذا حضر صلاة الجماعة ، ولابدّ أن يحضر ، لأنّه لايمكنه الانعزال بل هو أولى بالمسجد من غيره (١) ، فعليه أن يقتدي بإمام الصلاة ، ويصلّي بصلاته ، وفي بعض النصوص : إنها أفضل الركعات (٢) بل في بعضها : « أن الصلاة معهم كالصلاة مع رسول الله 6 » (٣) حيث تعطي روعة الوحدة التي كان عليها المسلمون في عهده الأزهر.

وإذا لم يحضر المؤمن صلاة الجماعة ، فليصلّ منفردا في بيته (٤).

وأمّا أن يحضر الصلاة ، ولا يصلّي مع الجماعة ، أو يلغط ويتكلّم فيشوّش على الآخرين أيضا ، فهذا حرام قطعا ، فكيف يقوم بذلك من يدّعي الانتماء الى التشيّع ويلتزم بإمامة الإمام زين العابدين 7؟! وهو يقوم بهذا العمل المخالف لفقه الأئمة.

فهذا في نفس الوقت تشهير بهم ، وتحريض للعامة ضدّهم ، بجرح عواطفهم!

إنّ مثل هذا العمل الاستفزازي لا يصدر من عاقل يريد مصلحة نفسه ، أو مصلحة إمامه ، أو مصلحة مذهبه.

مع مخالفته للإمام 7 الذي هو واقف في صفّ الجماعة ، ويصرّح بذلك التصريح ، ومخالفته لفقه أهل البيت وتعليماتهم ومواقفهم العملية في الحضور في الجماعات وأداء الصلوات معها!!

__________________

(١) كما في نصّ الحديث لاحظ وسائل الشيعة ( ٨ / ٣٠٠ ) الباب (٥) من أبواب صلاة الجماعة كتاب الصلاة تسلسل (١٠٧٢٢).

(٢) وسائل الشيعة ، كتاب الصلاة ، أبواب الجماعة ، الباب (٣٤) تسلسل (١٠٩٢٥).

(٣) المصدر السابق ( ٨ / ٢٩٩ ) تسلسل (١٠٧١٧) و (١٠٧٢٠) و (١٠٧٢٣).

(٤) المصدر نفسه ، تسلسل (١٠٧٣٣).


ثالثا : في الشريعة والأحكام

يتميّز الإمام في نظر الشيعة ، بأنّه ليس وليّا للأمر ، وحاكما على البلاد والعباد فحسب ، بل هو مصدر لتشريع الأحكام أيضا ، باعتبار معرفته التامّة بالشريعة وارتباطه الوثيق بمصادرها.

والانحراف الذي حصل عن أئمة أهل البيت : لم يكن في جانب حكمهم وولايتهم فقط ، بل الأضرّ من ذلك هو الانحراف عن أحكام الشريعة التي كانوا يحملونها!

والحكّام الذين استولوا على أريكة الخلافة بأشكال من التدابير السياسيّة حتّى بلغ أمرها أن صارت « ملكا عضوضا » كانوا يدركون أنّ أئمّة أهل البيت : هم أولى منهم في كلا جانبي الحكم والولاية ، وكذلك في جانب الفقه والعلم بالشريعة.

وكما أزْوَوا أئّمة أهل البيت عن الحكم والولاية على الناس ، حاولوا أيضا ـ إزواءهم عن الفقه وإبعاد الناس عنهم ، وذلك باختلاق مذاهب فقهيّة روّجوها بين الناس ، وعارضوا الأحكام التي صدرت من أئمة أهل البيت : ، وحاربوا فقهاءهم بشتّى الأساليب ، فكان من أعظم اهتمامات الأئمة وأتباعهم هو إرشاد الناس الى هذا المعين الصافي للشريعة الإسلاميّة كي ينتهلوا منه.

وقد كان اهتمام الإمام السجّاد 7 بليغا بهذا الأمر ، حيث كان يعيش بدايات الانحراف!

ولقد دعا الإمام 7 الى فقه أهل البيت : لكونه أصفى المناهل وأعذبها ، وأقربها من معين القرآن الكريم ، وسنّة الرسول 6 « فأهل البيت أدرى بما في البيت ».

ففي كلام له يشرح اختلاف الاُمّة ، يقول :

وكيف بهم؟

وقد خالفوا الآمرين ، وسبقهم زمان الهادين ، ووُكّلوا إلى أنفسهم ، يتنسّكون في الضلالات في دياجير الظلمات


وقد انتحلت طوائف من هذه الأمة مفارقة أئمة الدين والشجرة النبويّة أخلاص الديانة ، وأخذوا أنفسهم في مخاتل الرهبانيّة ، وتغالوا في العلوم ، ووصفوا الإسلام بأحسن صفاته ، وتحلّوا بأحسن السنّة ، حتى إذا طال عليهم الأمد ، وبعدت عليهم الشقّة ، وامتحنوا بمحن الصادقين : رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى ، وعلم النجاة.

وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا ، واحتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوه بآرائهم ، واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ، يقتحمون أغمار الشبهات ، ودياجير الظلمات ، بغير قبس نور من الكتاب ، ولا أثرة علم من مظانّ العلم ، زعموا أنهم على الرشد من غيّهم.

والى من يفزع خلف هذه الامة؟!

وقد درست أعلام الملّة والدين بالفرقة والاختلاف ، يكفّر بعضهم بعضا ، والله تعالى يقول : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ ) [ ( سورة البقرة (٢) الآية (٢١٣) ].

فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة؟ وتأويل الحكمة؟ إلاّ الى أهل الكتاب ، وأبناء أئمة الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من غير حجّة.

هل تعرفونهم؟

أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيرا ، وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم في الكتاب (١).

وقال 7 لرجل شاجره في مسألة شرعيّة فقهيّة :

يا هذا!

لو صرت الى منازلنا ، لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، أيكون أحد أعلم بالسنّة منّا؟ (٢).

وقال لرجل من أهل العراق :

__________________

(١) كشف الغمة للاربلي ( ٢ : ٩٨ ـ ٩٩ ) وانظر جامع أحاديث الشيعة للبروجردي ( ١ : ٤٠ ) الإمام زين العابدين للمقرّم (ص ٢٤٢).

(٢) نزهة الناظر ، للحلواني (ص ٤٥).


أما لو كنت عندنا بالمدينة لأريناك مواطن جبرئيل من دورنا ، استقانا الناس العلم ، فتراهم علموا وجهلنا؟ (١).

ولنفس الهدف السامي ، قاوم الإمام السجّاد 7 الانحراف الفقهي الذي منيت به الاُمّة ، بالتزام الشريعة وأخذها من أناس تعلّموا الفقه من طرق لا تتصل بمنابع الوحي الثرّة الصافية المأمونة.

فيقول 7 : إن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة ، والآراء الباطلة ، والمقاييس الفاسدة ، لا يصاب إلاّ بالتسليم.

فمن سلّم لنا سَلِمَ ، ومن اقتدى بنا هُدِيَ ، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هَلَك ، ومن وَجَدَ في نفسه ـ مما نقوله ، أو نقضي به ـ حرجا ، كَفَرَ بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم ، وهو لا يعلم (٢).

وهكذا كان شديد النكير على تلك البوادر المظلّلة ، وحارب بدعة تقليد غير أهل البيت : من المذاهب المنسوبة الى البعداء عن ينابيعه نسبيّا وحتى سببيّا ، أولئك الذين روّجت الحكومات والدول الظالمة فقههم ، لأنهم كانوا مسالمين لهم ، ومنضوين تحت ظلالهم ، من المتّكئين على آرائك الخلافة المزعومة.

وهذا الذي حذّر الرسول الأكرم منه في أحاديث مستفيضة ، أوردنا نصوصها في كتاب « تدوين السنة الشريفة » وتحدّثنا عن دلالتها (٣).

وقد تمكّن الإمام زين العابدين 7 من توضيح معالم فقه أهل البيت : وإرساء قواعده ، وإغناء معارفه ، وتزويد طلاّبه وتربيتهم ، حتى أقرّ كبار العلماء بأنّه « الأفقه » من الجميع ، وفيهم عدّة من فقهاء البلاط ووعّاظ السلاطين :

قال أبو حازم : ما رأيت هاشميّا أفضل من علي بن الحسين ، وما رأيت أحد كان أفقه منه (٤).

__________________

(١) بصائر الدرجات ، للصفار (ص ٣٢).

(٢) إكمال الدين ( ص ٣٢٤ ب ٣١ ح ٩ ).

(٣) لاحظ الصفحات ( ٣٥٢ ـ ٣٥٩ ) و (٤٢٥) من : تدوين السنة الشريفة.

(٤) تاريخ دمشق الحديث (٤٥) مختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٤٠ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٤ )


ومثله قال الزهري محمد بن مسلم بن شهاب (١).

وقال الشافعي ـ إمام المذهب ـ : إن علي بن الحسين أفقه أهل البيت (٢).

وإذا لم يكن للحكّام المسيطرين ، باسم الخلافة الإسلامية ، نصيب من علم الشريعة وفقه الدين ، بل كانت أعمالهم مخالفة لأحكام الله وسنّة الرسول 6!

وإذا كان فقهاء البلاط ، وأصحاب المذاهب ، يفخرون بالتلمّذ عند علماء أهل البيت : (٣).

فإن إعلان الإمام السجاد 7 عن حقيقة مذهب أهل البيت الفقهي وتبيين موقعيّته المتقدّمة على جميع المذاهب الفقهيّة ، والدعوة الى الالتزام به ، هو نسفّ عملي لقواعد الخلافة المزعومة التي كان المتّكيء على أريكتها من أجهل الناس بالفقه ، وكل الناس أفقه منه حتى المخّدرات في الحجال!

وكذلك هو تقويض لأعمدة التزوير التي رفعت فساطيط المذاهب الرسميّة المدعومة من قبل دار الخلافة ، والتي تبعها الهمج الرعاع من العوام أتباع كلّ ناعق!

__________________

وكشف الغمة ( ٢ : ٨٠ ).

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ٣٧ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٨٩ ) وصفوة الصفوة ( ٢ : ٩٩ ).

(٢) رسائل الجاحظ (ص ١٠٦) وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( ١٥ : ٢٧٤ ) عن الرسالة للشافعي ـ في خبر الواحد ـ.

(٣) كان أبو حنيفة ـ إمام المذهب ـ يقول : « لولا العامان لهلك النعمان » يشير الى العامين اللذين حضر فيهما عند الإمام الصادق 7 ، وكان قبل ذلك قد أخذ من الإمام الباقر 7 وأخيه زيد الشهيد. انظر الإمام جعفر الصادق ، للجندي (ص ١٦٢) والنظم الإسلامية ، لصبحي الصالح (ص ٢٠٩) وموقف الخلفاء العباسيين لعبد الحسين علي أحمد (ص ٣٧) ـ ولاحظ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ( ١٥ : ٢٧٤ ) وموقف الخلفاء (ص ٣١) عن الشكعة في الأئمة الأربعة (ص ٥٢) وعن أبي زهرة في : أبو حنيفة (٧٢).


وأخيرا : في إعمار الكعبة المعظّمة

وللإمام موقف عظيم يدلّ على المراقبة التامّة لما يجري ، مع التصدّي لاعتداءات الحكام الظلمة على الرموز الأساسية للدين ، وهو : موقفه من إعادة تعمير الكعبة ، في ما رواه الكليني والصدوق ، بسندهما عن أبان بن تغلب ، قال : لما هدم الحجّاج الكعبة ، فرّق الناس ترابها ، فلمّا جاءوا الى بنائها وأرادوا أن يبنوها ، خرجت عليهم حيّة ، فمنعت الناس البناء حتى انهزموا ، فأتوا الحجّاج ، فأخبروه ، فخاف أن يكون قد منع بناءها ، فصعد المنبر ، وقال : أُنشد الله عبدا عنده خبر ما ابتُلينا به ، لما أخبرنا به.

قال : فقام شيخ فقال : إن يكن عند أحد علم ، فعند رجل رأيته جاء الى الكعبة ، وأخذ مقدراها ، ثم مضى.

فقال الحجّاج : من هو؟

قال : علي بن الحسين.

قال : مَعْدِنُ ذلك ، فبعث الى علي بن الحسين ، فأخبره بما كان من منع الله إيّاه البناء.

فقال له علي بن الحسين :

يا حجّاج! عمدت الى بناء إبراهيم ، وإسماعيل 8 وألقيته في الطريق وانتهبه الناس كأنك ترى أنه تراث لك.

إصعد المنبر ، فأنشد الناس أن لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلاّ ردّه.

قال : ففعل ، فردّوه ، فلمّا رأى جيمع التراب ، أتى علي بن الحسين فوضع الأساس ، وأمرهم أن يحفروا.

قال : فتغيّبت عنهم الحيّة ، وحفروا حتى انتهى الى موضع القواعد.

فقال لهم علي بن الحسين : تنحّوا ، فتنحّوا ، فدنا منها فغطّاها بثوبه ، ثم بكى ، ثم غطّاها بالتراب ، ثم دعا الفعلة ، فقال : ضعوا بناءكم.

فوضعوا البناء ، فلمّا ارتفعت حيطانه ، أمر بالتراب فأُلقي في جوفه.


فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج (١).

فالمراقبة واضحة في أخذ الإمام « مقادير الكعبة » لئلاّ تضيع المعالم الأثرية لأكبر محور لرحى الدين ، وهي الكعبة الشريفة.

وإذا كانت تلك المراقبة تتمّ في ظرف ولاية مثل الحجّاج الملحد السفّاح الناصب لآل محمد العداء المعلن ، فلن تخفى أهميّتها ، ودلالتها القاطعة على التحدّي.

ومواجهة الحجّاج بمثل ذلك الكلام « كأنك ترى أنه تراث لك! » تصّد لانتهاكه لحرمة الكعبة المعظّمة ، والتلاعب بها حسب رغباته الخاصة.

وأهم ما في الأمر جرّ الحجّاج الى التصريح بأن الإمام « هو مَعْدِن ذلك » وهي شهادة لها وقعها في الإلزام والإبكات للخصم اللدود.

وأخيرا : نزول الإمام 7 الى القواعد ـ وحده ـ وربطه لنفسه بها بذلك الشكل أمام أعين الناظرين ، إثبات لحقّه في إقامتها دون غيره.

وهل كلّ ذلك يتهيّأ إلاّ من التدبير العميق ، والتخطيط الدقيق ، ممّن يحمل هدفا ساميا في قلب شجاع ، لا يملكه في تلك الظروف الحرجة ، شخص غير الإمام السجّاد زين العابدين 7.

__________________

(١) نقله ابن شهر آشوب في المناقب ( ٤ / ١٥٢ ) ط الأضواء ، عن الكافي وعلل الشرائع للصدوق.


الفصل الثالث

النضال الاجتماعيّ والعَمَلِيّ

أولاً : فـي مـجـال الأخـلاق والتربية

ثانيا : في مجال الإصلاح وشؤون الدولة

ثالثا : فـي مجال مقاومـة الفسـاد

وأخيراً : مع كتاب « رسالة الحقوق »



إن من أهمّ أهداف الرجال الإلهيين إصلاح المجتمع البشريّ ، بتربيته على التعاليم الإلهية ، ولابدّ للمصلح أن يمرّ بمراحل من العمل الجادّ والمضني في هذا الطريق الشائك :

١ ـ أن يربّي جيلا من المؤمنين على التعاليم الحقّة التي جاء بها ، والأخلاق القيّمة التي تخلّق بها ، لكي يكونوا له أعوانا على الخير.

٢ ـ أن يدخل المجتمع بكلّ ثقله ، ويحضر بين الناس ، ويواجه الظالمين والطغاة بتعاليمه ، ويبلّغهم رسالات الله.

٣ ـ أن يقاوم الفساد ، الذي يبثّه الظالمون في المجتمع ، بهدف تفكيكه وشلّ قواه ، وتفريغه من المعنويات ، وإبعاده عن فطرته السليمة المعتمدة على الحقّ والخير والجمال ، لئلاّ يصنعو منه آلة طيّعة تستخدم حسب رغباتهم وطوع إرادتهم.

وقد كان للإمام زين العابدين نشاط واسع في كلّ هذه المجالات ، حتى عدّ ـ بحقّ وجدارة ـ في صدر المصلحين الإلهيّين ، بالرغم من تميّز عصره بتحكّم طغاة بني اُمية على الأمة ، وعلى مقدّراتها وباسم الخلافة الإسلامية ، التي تقتل من يعارضها وتهدر دمه بعنوان الخروج على الإسلام.

إنّ مقاومة الإمام زين العابدين 7 في مثل هذا الظرف ، بل وتمرير خططه ، وإنجاح مهمّاته وأهدافه ، مع قلّة الأعوان والأنصار ، يعدّ معجزة سياسية تحقّقت على يد هذا الإمام العظيم ، الذي سار على خطى جدّه الرسول الأعظم ، في خلقه العظيم.

وقد عقدنا هذا الفصل الثالث للوقوف على أوجه نشاطه العملي في تلك المجالات الاجتماعية :


أوّلاً : في مجال الأخلاق والتربية

ضرب الإمام زين العابدين أروع الأمثلة في تجسيد الخلق المحمدي العظيم في التزاماته الخاصة ، وفي سيرته مع الناس ، بل مع كلّ ما حوله من الموجودات.

فكانت تتبلور فيه شخصيّة القائد الإسلامي المحنّك الذي جمع بين القابليّة العلميّة الراقية ، والفضل والشرف السامق ، والقدرة على جذب القلوب وامتلاكها ، ومواجهة المشاكل والوقوف لصدّها بكلّ صبر وتوءدّة وهدوء.

فالصبر الذي تحلّى به ، بتحمّله ما جرى عليه في كربلاء ، وفي الأسر ، ممّا لا يحتاج الى برهان وذكر.

ومثابرته ومداومته على العمل الإسلامي ، بارزة للعيان ، وهذا الفصل يمثّل جزءا من نشاطه السياسيّ والاجتماعيّ الجادّ.

وحديث مواساته للإخوان ، والفقراء والمساكين والأرامل والأيتام ، بالبذل والعطاء والإنفاق ، مما اشتهر عند الخاص والعام ، وسيأتي الكلام حول ذلك كله.

وحنوّه وحنانه على الرقيق ، وعلى الأقارب والأباعد ، بل على أعدائه وخصومه ، مما سارت به الركبان.

وأخبار عبادته وخوفه من الله وإعلانه ذلك في كلّ مناسبة ، ملأت الصحف ، حتى خصّ بلقب « زين العابدين ، وسيّد الساجدين ».

ومن أمثلة خلقه الرائع : العفو :

وقد تناقل المؤلّفون حديث هشام بن إسماعيل الذي كان أميرا على مدينة الرسول 6 ، للامويّين ، فعزلوه ، وقد كان منه أو بعض أهله شيء يكره ، تجاه الإمام زين العابدين 7 ، أيام كان أميرا ، فلمّا عزل اُوقف للناس ، فكان لا يخاف إلاّ من الإمام أن يؤاخذه على ما كان منه.

فمرّ به الإمام ، وأرسل إليه : « استعن بنا على ما شئت ».


فقال هشام : ( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [ سورة الانعام (٦) الآية (١٢٤) ] (١).

وبهذا ، تمكّن الإمام من جذب قلوب الناس ، حتى الدّ الأعداء ، فكان سببا لانفتاح الجميع على أهل البيت : ومذهبهم ، بعد ان انغلقوا عنهم ، واعتزلوهم بعد وقعة كربلاء.

ولقد ظهرت ثمرة تلك الأخلاق والجهود ، في يوم وفاة الإمام 7 ، فقد خرج الناس كلّهم ، فلم يبق رجل ولا امرأة إلاّ خرج لجنازته بالبكاء والعويل ، وكان كيوم مات فيه رسول الله (٢).

وكان من أطيب ثمرات هذه الجهود أن مهّدت الأرضيّة للإمام محمد بن علي ، الباقر 7 كي يتسنّم مقام الإمامة بعد أبيه زين العابدين ، ويقوم بتعليم الناس معالم دينهم ، وتتكوّن المدرسة الفقهيّة الشيعيّة على أوسع مدى وأكمل شكل وأتقنه.

ومن أبرز الجهود التي بذلها الإمام زين العابدين 7 في تحرّكه القياديّ هو ما قام به من جمع صفوف المؤمنين ، والتركيز على تربيتهم روحيّا ، وتعليمهم الإسلام ، وإطلاعهم على أنقى المصادر الموثوقة للفكر الإسلامي ، ومن خلال روافده الثرّة الغنيّة ، بهدف وصل الحلقات ، كي لا تنقطع سلسلة عقد الإيمان ، ولا تنفرط اُسس العقيدة.

وبهدف تحصين العقول والنفوس من الانحرافات التي يثيرها علماء السوء الذين كانوا يبعدون الناس عن الإسلام الحقّ ، ويكدّرون ينابيعه وروافده بالشبه والأباطيل.

وتعدّ هذه البادرة من أهم معالم الحركة عند الإمام زين العابدين ، وأعمقها أثرا وخلودا في مقاومة الدولة الحاكمة ، التي استهدفت كل معالم الإسلام ، بغرض القضاء عليه ، وإبادته ، والعودة بالأمة الى الجاهلية الأولى بوثنيّتها ، وفسادها ، وجهلها.

__________________

(١) تاريخ دمشق الحديث (١١١) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٤٣ ) وانظر صورا أخرى للقصة في بحار الأنوار ( ٤٦ : ٩٤ و ١٦٧ ) وشرح الأخبار ، للقاضي ( ٣ : ٢٦٠ ) وكشف الغمة ( ٢ : ١٠٠ ) وتاريخ الطبري ( ٥ : ٢١٦ ) وتاريخ اليعقوبي ( ٢ : ٢٨٠ و ٢٨٣ ).

(٢) الإمام زين العابدين ، للمقرم (ص ٤١٢).


فراح الإمام يدعو الأمة الى التفكير والتدّبر :

فمن أقواله 7 : الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته (١).

ويدعو الى العلم والفضل والحكمة :

فقال 7 : سادة الناس في الدنيا : الأسخياء ، وفي الآخرة : أهل الدين ، وأهل الفضل ، والعلم ، لأنّ العلماء ورثة الأنبياء (٢).

وقال 7 : لو يعلم الناس ما في طلب اللم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج.

إن الله أوحى الى دانيال : إنّ أمقت عبيدي إليّ الجاهل ، المستخفّ بحقّ أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم ، وإنّ أحبّ عبيدي إليّ التقيّ ، الطالب للثواب الجزيل ، الملازم للعلماء ، التابع للحكماء (٣).

وكان 7 يحثّ الأمة ـ والشباب منهم خاصة ـ على طلب العلم ، فكان إذا نظر الى الشباب الذين يطلبون العلام أدناهم اليه ، فقال : مرحبا بكم ، أنتم ودائع العلم ، أنتم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين (٤).

وكان إذا جاءه طالب علم قال : مرحبا بوصيّة رسول الله 6 (٥).

ويدعو الأمة الى المراقبة الذاتيّة لنفسها ، لتتحصّن من اجتياح وسائل التزوير والخداع ، ونفوذ نفثات الشياطين.

فيقول 7 : ليس لك أن تقعد مع من شئت ، لأنّ الله تعالى يقول في الأنعام [ الآية : ٦٨ ] : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ).

وليس لك أن تتكلّم بما شئت ، لأنّ الله يقول في الإسراء [ الآية : ٣٦ ] : ( وَلاَ تَقْفُ مَا

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ١٣٨ ) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٥٤ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ٨٥ ) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٣٩ ).

(٣) الوافي ، للفيض الكاشاني ( ١ : ٤٢ ).

(٤) بلاغة علي بن الحسين 7 (ص ١٧١). عن الأنوار البهية ، للقمي.

(٥) الخصال ، للصدوق (ص ٥١٧).


لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وقال رسول الله 6 : « رحم الله عبدا قال خيرا فغنم ، أو صمَتَ فسلم ».

وليس لك أن تسمع ما شئت ، لانّ الله يقول : [ الإسراء : ٣٦ ] : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (١).

وبهذا يحذّر الإمام 7 الأمة من الجلوس مع المزوّرين والظالمين ، ومن التحدّث والكلام معهم ، أو صرف العمر معهم في حديث الجهالات والخرافات ، وما لا يزيد الإنسان معرفة بحياته أو قوّة وتركيزا في عقيدته وإيمانه ، أو تعديلا في سلوكه وأخلاقه ، بل لا تعدو لغو السمر ، والشعر الساقط ، وأحاديث الفكاهة والمجون ، التي كان يروّجها السلاطين وأمراء السوء.

وهو 7 في الوقت نفسه يحيي بهذا الاسلوب سنن الاستدلال بآيات القرآن الكريم ، والاعتماد عليه وعلى سنة رسول الله 6 اللذين دأب الظالمون على إبعاد الأمة عنهما ، وإماتتهما ، وإبادتهما بالإحراق بالنار ، والإماثة في الماء ، والدفن تحت الأرض ، ومنع التدوين.

كما حذّر الأمة من الارتباط بمن لا يدعو الى الله والحقّ ، ومن الاستماع إليهم ، وهم دعاة السوء ، وأدعياء العلم ، من علماء البلاط ، الذين ركنوا الى الظالمين وآزروهم.

وقد كان 7 يدأب على تربية الأمة وتهذيبها ، وتقديم الإرشادات إليها ، وتجلّى ذلك في وصاياه المأثورة التي جمعت بين معالم الهداية والحكمة ، ووسائل الحذر والوقاية ، وبثّ الأمل والقوة ، وبعث النشاط والهمّة في نفوس أصحابه :

ففي رسالته إليهم يقول 7 :

بسم الله الرحمن الرحيم

كفانا الله وإيّاكم كيد الظالمين ، وبغي الحاسدين ، وبطش الجبّارين.

أيّها المؤمنون ، لا يفتنكم الطواغيت وأتباعهم من أهل الرغبة في هذه الدنيا ، المائلون إليها ، المفتنون بها ، المقبلون عليها ، وعلى حطامها الهامد ، وهشيمها البائد غدا.

__________________

(١) علل الشرائع ، للصدوق ( ص ٥ ـ ٦٠٦ ) الحديث (٨٠) وانظر بحار الأنوار ( ١ : ١٠١ ) طبع الحجر.


فاحذروا ما حذّركم الله منها ، وازهدوا في ما زهّدكم الله فيه منها.

ولا تركنوا الى ما في هذه الأمور ركون من اتخذها دار قرار ومنزل استيطان.

والله! إنّ لكم مما فيها لدليلا ، وتنبيها ، من تصرّف أيّامها ، وتغيّر انقلابها ومثلاتها ، وتلاعبها بأهلها ، إنّها لترفع الخميل ، وتضع الشريف ، وتورد أقواما الى النار غدا ، ففي هذا معتبر ومختبر وزاجر لمنتبه.

إنّ الأمور الواردة عليكم في كل يوم وليلة من مضلاّت الفتن ، وحوادث البدع ، وسنن الجور ، وبوائق الزمان ، وهيبة السلطان ، ووسوسة الشيطان ، لتثبّط القلوب عن تنبّهها ، وتذهلها عن موجود الهدى ، ومعرفة أهل الحقّ إلاّ قليلا ممن عصم الله ، فليس يعرف تصرّف أيّامها وتقلّب حالاتها ، وعاقبة ضرر فتنتها إلاّ من عصم الله ، ونهج سبيل الرشد ، وسلك طريق القصد ، ثم استعان على ذلك بالزهد ، فكرّر الفكر ، واتّعظ بالعبر فازدجر ، وزهد في عاجل بهجة الدنيا ، وتجافى عن لذّاتها ، ورغب في دائم نعيم الآخرة ، وسعى لها سعيها ، وراقب الموت ، وشنأ الحياة مع القوم الظالمين ، ونظر الى ما في الدنيا بعين نيّرة حديدة النظر ، وأبصر حوادث الفتن ، وضلال البدع ، وجور الملوك الظلمة.

فقد ـ لعمري ـ استدبرتم الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة ، والانهماك فيها ، ما تستدلّون به على تخيّب الغواة وأهل البدع ، والبغي ، والفساد في الأرض ، بغير الحقّ.

فاستعينوا بالله ، وارجعوا الى طاعة الله ، وطاعة من هو أولى بالطاعة ممّن اتبع فاطيع.

فالحذر ، الحذر ، من قبل الندامة والحسرة والقدوم على الله ، والوقوف بين يديه.

وتالله! ما صدر قوم قطّ عن معصية الله إلاّ الى عذابه ، وما آثر قوم ـ قطّ ـ الدنيا على الآخرة ، إلاّ ساء منقلبهم ، وساء مصيرهم.

وما العلم بالله والعمل بطاعته إلاّ إلفان مؤتلفان ، فمن عرف الله خافه ، وحثّه الخوف على العمل بطاعة الله.

وإنّ أرباب العلم وأتباعهم الذين عرفوا الله فعملوا له ، ورغبوا إليه ، فقد قال الله : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ) [ فاطر «٣٥» الآية : ٤ ].

فلا تلتمسوا شيئا مما في هذه الدنيا بمعصية الله ، واشتغلوا في هذا الدنيا بطاعة الله ،


واغتنموا أيّامها ، واسعوا لما فيه نجاتكم من عذاب الله ، فإن ذلك أقلّ للتبعة ، وأدنى من العذر ، وأرجى للنجاة.

فقدّموا أمر الله ، وطاعة من أوجب الله طاعته ، بين يدي الأمور كلها ، ولا تقدّموا الأمور الواردة عليكم من الطواغيت ، من زهرة الدنيا ، بين يدي أمر الله وطاعته وطاعة اُولي الأمر منكم.

واعلموا انكم عبيد الله ، ونحن معكم ، يحكم علينا وعليكم سيّد غدا ، وهو موقفكم ، ومسائلكم ، فأعدّوا الجواب قبل الوقوف والمسألة والعرض على ربّ العالمين.

واعلموا أن الله لا يصدّق كاذبا ، ولا يكذّب صادقا ، ولا يردّ عذر مستحق ، ولا بعذر غير معذور ، له الحجّة على خلقه بالرسل والأوصياء.

فاتقوا الله ـ عباد الله ـ واستقبلوا في إصلاح أنفسكم طاعة الله ، وطاعة من تولّونه فيها ، لعلّ نادما قد ندم في ما فرّط بالأمس في جنب الله ، وضيّع من حقوق الله.

فاستغفروا الله ، وتوبوا إليه ، فإنه يقبل التوبة ، ويعفو عن السيّئة ، ويعلم ما تفعلون.

وإيّاكم ، وصحبة العاصين ، ومعونة الظالمين ، ومجاورة الفاسقين ، احذروا فتنتهم ، وتباعدوا من ساحتهم.

واعلموا أنّه من خالف أولياء الله ، ودان بغير دين الله ، واستبدّ بأمره دون وليّ الله كان في نار تلهب ، تأكل أبدانا قد غاب عنها أرواحها ، وغلبت عليها شقوتها ، فهم موتى لا يجدون حرّ النار ، ولو كانوا أحياءا لوجدوا مضض حرّ النار.

فاعتبروا يا أولي الأبصار واحمدوا الله على ما هداكم ، واعلموا أنكم لا تخرجون من قدرة الله الى غير قدرته ، وسيرى الله عملكم ورسوله ، ثمّ إليه تحشرون.

وانتفعوا بالعظة.

وتأدّبوا بآداب الصالحين (١).

__________________

(١) الكافي ( ٨ : ١٤ ـ ١٧ ) الأمالي للمفيد ( ص ٢٠٠ ـ ٢٠٤ ) وفيه : قال أبو حمزة الثمالي ـ راوي هذا الكتاب : « قرأت صحيفة فيها كلام زهد من كلام علي بن الحسين 7 ، فكتبت ما فيها ، وأتيته به ، فعرضته عليه فعرفه وصحّحه » وأمالي الطوسي ( ١ : ٤ ـ ١٢٧ ) ورواه في تحف العقول ( ٢٥٢ ـ ٢٥٥ ).


بهذا يحصّن الإمام 7 أصحابه خاصّة والمسلمين عامة بالطاعة ، والزهد ، والورع عن المعاصي ، والبعد عن بهجة الدنيا وعن مفاتن الحياة المادّية ، التي يستخدمها الطواغيت ، كمغريات لتحريف الأمة عن سنن الهدى.

ويحاول الإمام 7 أن يهوّن عليهم المصائب والأتعاب التي تواجههم على هذا الطريق الوعر.

ويؤكّد 7 على إلتزامهم بالحقّ ، واعتقادهم بولاية الأئمة الاطهار : الذين فرض الله ولايتهم وأوجب طاعتهم.

ويبثّ في نفوسهم روح المقاومة والصبر والصمود والمثابرة والجدّ ، ويثير فيهم روح العمل والتحرّك والنشاط!

ويملؤهم بالأمل ، والبشرى بالنجاح والفلاح ، ويصلّي عليهم لتكون صلاته سكنا لهم.

فيقول في دعائه ليوم عرفة بعد الصلاة على الإئمة :

أللهمّ!

وصلّ على أوليائهم ، المعترفين بمقامهم ، المتّبعين منهجهم ، المقتفين آثارهم ، المستمسكين بعروتهم ، المتمسكين بولايتهم ، المؤتمّين بإمامتهم ، المسلّمين لأمرهم ، المجتهدين في طاعتهم ، المنتظرين أيّامهم ، المادّين إليهم أعينهم (١).

وبهذه القوة ، ليصنع منهم جيلا ، متكتّلا ، متوثّبا ، طموحا ، ثابت الجأش ، قويّ العزيمة ، متماسك الصفّ ، متّحد الهدف.

وفي نصّ آخر ، يحثّهم الإمام 7 على المواساة والإحسان ، والمنافسة فيقول :

شيعتنا!

إما الجنّة فلن تفوتكم ، سريعا كان أو بطيئا ، ولكن تنافسوا في الدرجات!

واعلموا أنّ أرفعكم درجات ، وأحسنكم قصورا ، ودورا ، وأبنية : أحسنكم إيجابا بإيجاب المؤمنين ، وأكثركم مواساة لفقرائهم.

__________________

(١) الصحيفة السجادية ، الدعاء (٤٧) ليوم عرفة.


إنّ الله ليقرّب الواحد منكم الى الجنّة بكلمة طيّبة يكلّم أخاه المؤمن الفقير ، بأكثر من مسيرة ماءة عام بقدمه ، وإن كان من المعذّبين بالنار.

فلا تحتقروا الإحسان الى إخوانكم ، فسوف ينفعكم حيث لا يقوم مقام غيره (١).

وهو 7 في الوقت الذي يجد من أنصار الحق تذمّرا ، أو وهنا ، أو تألما من مجاري الأحداث حولهم ، يهبّ لنجدتهم ، وتقويتهم روحيا ومعنويا ، فيقول :

فما تمدّون أعينكم؟

لقد كان من قبلكم ، ممّن هو على ما أنتم عليه ، يؤخذ فتقطع يده ورجله ويصلب!

ثم يتلو 7 : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء ... ) [ البقرة (٢) : ٢١٤ ] (٢).

وبكل هذه الجهود والتحصينات والتعاليم المركّزة ، ترّبى جيل صامد من المؤمنين ، المتسلّحين بالإسلام ، بعلومه وعقيدته وتقواه وإخلاصه ، فأصبحوا أمثلة للشيعة وقدوة صالحة للتعريف لمن يستحق هذا الاسم من المنتمين الى التشيّع ، من أمثال :

يحيى بن اُمّ الطويل :

الذي عدّ من القلائل الذين بقوا ـ بعد كربلاء ـ على ولائهم واتصالهم بالإمام زين العابدين 7 (٣) ، بل هو من حوارييه (٤) ، ومن أبوابه (٥).

وكان من المجاهرين بالحق ، كان يقف بالكناسة في الكوفة ، وينادي بأعلى صوته :

معاشر أولياء الله!

إنا بُرءآء مما تسمعون.

من سب عليّا 7 فعليه لعنة الله.

ونحن برءآء من آل مروان وما يعبدون من دون الله.

ثم يخفض صوته فيقول : من سبّ أولياء الله فلا تقاعدوه ، ومن شكّ في ما نحن

__________________

(١) بلاغة علي بن الحسين 7 (ص ٥٠).

(٢) بحار الأنوار ( ٦٧ ـ ١٩٧ ).

(٣) اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) ( ص ١٢٣) رقم (١٩٤).

(٤) معجم رجال الحديث ( ٢٠ : ٤٢ ).

(٥) تاريخ أهل البيت : (ص ٤٨).


عليه فلا تفاتحوه ، ومن احتاج الى مسألتكم من إخوانكم .. فقد خنتموه (١).

وكان يدخل مسجد الرسول 6 ـ حيث يجتمع المشبّهة الملحدون ـ ويقول : كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء (٢).

وقد طلبه الحجّاج ، وأمر بقطع يديه ورجليه ، وقتله (٣).

وسعيد بن جُبَير : الذي مثّل به الحجّاج وقتله (٤) وكان قد خرج مع عبدالرحمن بن الأشعث ، يحارب دولة بني اُمية وكان يومئذ يقول : قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم ، بنيّة ويقين ، على آثامهم قاتلوهم ، وعلى جورهم في الحكم ، وتجبّرهم في الدين ، واستذلالهم الضعفاء ، وإماتتهم الصلاة (٥).

والذين اختفوا من جور بني اُمية مثل سالم بن أبي حفصة ، وسليم بن قيس الهلالي ، وعامر بن واثلة الكناني ، ومحمد بن جبير بن مطعم.

والذين هربوا فنجّاهم الله مثل أبي خالد الكابلي ، وأبي حمزة الثمالي ، وشعيب مولى الإمام (٦).

وآل أعين الذين قال الحجّاج فيهم : « لا يستقيم لنا الملك ومن آل أعين رجل تحت حجر » ، فاختفوا وتواروا (٧).

وفي طليعة من ربّاهم الإمام زين العابدين أبناؤه :

الإمام أبو جعفر محمد الباقر 7 ، الذي تحمّل الإمامة من بعده ، وقاد الاُمة الى

__________________

(١) الكافي ، الأصول ( ٢ : ٢٨١ ) باب مجالسة أهل المعاصي (ح ١٦).

(٢) الاختصاص (ص ٦٤) ورواه الخصيبي في ( الأبواب ) بزيادة قوله : « حتى تؤمنوا بالله وحده » فلاحظ الباب (٥) ص ( ١٢٤ : ألف ).

(٣) رجال الكشي (ص ١٢٣) رقم (١٩٤).

(٤) انظر رجال الكشي (ص ١١٩) رقم (١٩٠) بحار الأنوار ( ٤٦ : ١٣٦ ) ومروج الذهب ( ٣ : ١٧٣ ) والامامة والسياسة ( ٢ : ٥١ ) والاختصاص (ص ٢٠٥).

(٥) أيام العرب في الإسلام (ص ٤٧٨).

(٦) لاحظ تراجم هؤلاء في كتب رجال الحديث عند الشيعة الإمامية وغيرهم وانظر عوالم العلوم (ص ٢٧٩).

(٧) رسالة أبي غالب الزراري (ص ١٩٠) الفقرة (٤).


الهدى والرشاد ، وأسّس المدرسة الفقهيّة على قواعد الإسلام المتينة ، ومصادره واُصوله الرصينة ، عندما بدأ الحكّام بترويج فقه وعّاظ السلاطين ، فحفظ بذلك الشريعة المقدّسة من الزوال.

وابنه الحسين الأصغر ، الذي روى عن أبيه العلم ، وكان مشارا إليه في العبادة والصلاح (١).

وأخذ الحديث عن عمّته فاطمة بنت الحسين ، وأخيه الإمام الباقر 7 (٢).

وقال فيه الإمام الباقر 7 : أمّا الحسين فحليم ، يمشي على الأرض هونا (٣).

وابنه العظيم المجاهد في سبيل الله زيد الشهيد 7 الذي ضرب أروع الامثلة في الإباء والحميّة ، والفداء والتضحية.

وكان عين اخوته ـ بعد أبي جعفر 7 ـ وأفضلهم ، وكان عابدا ورعا ، فقيها ، سخيّا ، شجاعا ، وظهر بالسيف ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويطلب بثارات الحسين 7 (٤).

إن ثورة زيد بن علي 7 كانت عظيمة من حيث توقيتها ، وآثارها التي خلّفتها ، لخدمة حقّ أهل البيت : ، ونستعرض في ما يلي بعض ذلك :

١ ـ إنّ هذه الحركة الشجاعة دلّت على أنّ البيت الذي يلد مثل زيد من الرجال ، في البطولة والشهامة ، والجرأة والإقدام ، فضلا عن العلم والعبادة والتقى ، لا يبنى على التخاذل والمهادنة مع الظالمين ، أو الابتعاد عن السياسة والتوجّس من العذاب ، والهول من المصائب.

ولو كان لأحد أثر في تربية زيد الشهيد على كلّ تلك الصفات ، فليس إلاّ لأبيه الإمام الطاهر زين العابدين ، وإلاّ لأخيه الإمام الباقر 8 ، اللّذين علّماه الإسلام بما فيه من تعاليم الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ودرّساه التاريخ بما فيه

__________________

(١) الإرشاد للمفيد (ص ٢٦٩).

(٢) الإرشاد للمفيد (ص ٢٦٩).

(٣) حياة الإمام محمد الباقر ( ١ : ).

(٤) الإرشاد للمفيد (٢٦٨).


بطولات جدّه عليّ أمير المؤمنين 7 وذكّراه بثارات جدّه الحسين 7 ، وزقّاه المجد والكرامة ، ولقّناه الإباء والحريّة (١).

واستلهم ـ هو ـ من حياة أبيه وأخيه ، وسيرتهم الحميدة والأصيلة ، ونضالهم الصامت والناطق سنن التضحية والفداء ، حتى جعل في مقدمة أهداف ثورته العظيمة : الطلب بثارات الحسين 7 في كربلاء (٢).

٢ ـ إنّ ثورة زيد بن علي 7 هي الثمرة اليانعة للجهود السياسية التي بذلها الإمام زين العابدين ، طول فترة إمامته ، فهو الذي تمكّن بتخطيطه الدقيق من استعادة القوى ، وتهيئة النفوس ، لمثل حركة ابنه الشهيد ، وإن صحّ التعبير فهو الذي جيّش لابنه زيد ذلك الجيش المسلّح ، الذي فاجأ الظالمين ، وزعزع ثقتهم بالحكم الظالم.

فلم يكن الجيش الذي كان مع زيد وليد ساعته ، أو يومه ، أو شهره ، أو سنته ، مع تلك المقاومة الباسلة التي أبداها أصحابه وأنصاره (٣).

٣ ـ ويكفي زيد بن علي 7 عظمة أنه ضحّى بنفسه في سبيل تعزيز مواقع الأئمة الطاهرين من أهل البيت : ، فقد كشف للأمويين الطغاة ، في فترة حساسة من تاريخ حكمهم ، أنّ أهل البيت : لا يزالون موجودين في الساحة ، ولديهم القدرة الكافية على التحرّك في أيّ موقع زمني ، وأي موضع من البلاد ، وهذا ما جعل الأمويين يهابون الأئمة : ويعدّونهم المعارضين الأقوياء ، المدافعين عن هذا الدين ، برغم جسامة التضحيات التي كانوا يقدّمونها ، وأبان الشهيد زيد لكلّ الظالمين أنّ أهل اليت : لا يسكتون عمّن يعتدي على كرامة الإسلام ، مهما كلّف الثمن.

وبهذا يفسّر قوله لابن أخيه الصادق جعفر بن محمد ـ لما أراد الخروج الى الكوفة ـ : أو ما علمت يابن أخي أن قائمنا لقاعدنا ، وقاعدنا لقائمنا ، فإذا خرجت أنا وأنت ، فمن يخلفنا في حرمنا؟ (٤)

__________________

(١) تعلم زيد على ابيه وعلى أخيه الباقر 8 انظر : طبقات ابن سعد ( ٥ : ٢٤٠ ) وتاريخ ابن عساكر ( تهذيب بدران ) ( ٦ : ١٩ ) وانظر : ثورة الحسين لناجى حسن ( ص ٢٨ و ٣٢ ).

(٢) الإرشاد للمفيد (٢٦٨) وانظر الفرق بين الفرق ، للبغدادي (ص ٣٥).

(٣) لاحظ ثورة زيد لناجي حسن ( ص ٩٨ ).

(٤) نقله الإمام الهادي في المجموعة الفاخرة (ص ٢٢٠).


٤ ـ إن قيام الشهيد زيد بن علي 7 ، بحركته خارج حدود المدينة صرف أنظار الحكّام عن قطب رحى الدين ، ومحور فلك الإمامة والقيادة ، وهم الأئمة القائمون في المدينة المنوّرة ، بحيث تمكّن الإمام الصادق جعفر بن محمد 7 من أداء دوره القياديّ ، مستفيدا من كلّ الأجواء الإيجابيّة التي خلقتها ثورة عمّه الشهيد زيد بن علي 7 ، لينشر علوم آل محمد الحقّة ، ويربّي الجيل الإسلامي المؤمن.

وكفى ذلك عظمة ومجدا وهدفا ساميا.

٥ ـ وكان من ثمرات ثورة زيد بن علي 7 أنه أثبت للأمة صدق الدعوى التي يرفع رايتها أئمة أهل البيت ، في الدفاع عن هذا الدين والنضال من أجله ، فهذه التضحيات الكبرى أوضح شاهد على ذلك.

وكان ذلك تعزيزا علميا لمواقع أهل البيت : في أوساط الأمّة الإسلامية (١).

__________________

(١) إقرأ مفصلا عن زيد الشهيد وأخباره في عوالم العلوم (ص ٢١٩) وما بعدها من الجزء الخاص بترجمة الإمام السجاد 7.


ثانيا : في مجال الإصلاح وشؤون الدولة

إن كان الإصلاح من أبرز ما يقصده الأنبياء والأئمة : ، لأنّ مهمتهم إنّما جعلت في الأرض لدفع الفساد عنها بهداية الخلق الى ما هو صالح لهم ، وقطع دابر المفسدين.

فإن كان هذا هو الحق : فإن الإمام زين العابدين 7 لم يتخلّ عن موقعه الإلهي ، كقائد للأمة الإسلامية ، ومصلح للمجتمع الإسلاميّ ، وقد تبلور في ساحة العمل الأجتماعي ، في كل زواياها وأطرافها ، وأبرزها المطالبة بإصلاح جهاز الحكم.

أنّ أقصى ما يريد أن يبعده المؤرخون المحدثون عن حياة الإمام زين العابدين هو العمل السياسي ، والتعرّض للجهاز الحاكم ، والتطلّع الى إصلاح الدولة ، فيحاولون الإيحاء ـ بعبارات شتّى ـ أنّ الإمام 7 لم يكن سياسيّا ، وكان بعيدا عن التورّط في ما يمسّ قضايا السياسة من قريب أو بعيد ، وأنه انزوى متعبّدا بالصلاة والدعاء والاعتكاف!

ومع اعتقادنا أنّ مزاولات الإمام الدينيّة ـ كلّها من صميم العمل السياسي ، وخصوصا في عصره ، إذ لم يسمع نغم الفصل بين السياسة والدين ، بعد!

فمع ذلك : نجد في طيّات حياة الإمام زين العابدين 7 عيّنات واضحة ، من التدخّلات السياسيّة الصريحة.

فهو في ما يلي من النصوص المنقولة عنه ، يبدو رجلا مشرفا على الساحة السياسية ، فهو يدخل في محاورات حادّة ، ويتابع مجريات الأحداث ، ويدلي بتصريحات خطرة بشأن الأوضاع الفاسدة التي تعيشها الأمّة ، وهو ينميها ـ بكل صراحة ـ الى فساد الدولة.

١ ـ قال عبد الله بن حسن بن حسين :

كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يجلس كلّ ليلة ، هو ، وعروة بن الزبير ، في مؤخّر مسجد النبي 6! بعد العشاء الآخرة ، فكنتُ أجلس معهما ، فتحدّثا ليلة ، فذكرا جور من جار من بني اٌمية ، والمقام معهم ، وهما لا يستطيعان تغيير ذلك!

ثمّ ذكرا ما يخافان من عقوبة الله لهم!


فقال عروة لعلي : يا علي ، إنّ من اعتزل اهل الجور ، والله يعلم منه سخطه لإعمالهم ، فكان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رجي له أن يسلم مما أصابهم.

قال : فخرج عروة ، فسكن العقيق.

قال عبدالله بن حسن : وخرجت أنا فنزلت سويقة (١).

إمّا الإمام زين العابدين فلم يخرج ، بل : آثر البقاء في المدينة طوال حياته (٢) لأنه يعدّ مثل هذا الخروج فرارا من الزحف السياسي ، وإخلاءا للساحة الاجتماعية للظالمين ، يجولون فيها ويصولون.

وما أعجب ما في النصّ من قوله : « يجلسون كلّ ليلة ... في مسجد الرسول » وكأنّه اجتماع منظّم ، ولا ريب أن فيه تحدّيا صارخا للنظام يقوم به الإمام زين العابدين 7.

ولعلّ اقتراح عروة بن الزبير ـ وهو من أعداء أهل البيت : ـ (٣) كان تدبيرا سياسيّا منه ، أو من قبل الحكاّم ، ومحاولة لإبعاد الإمام 7 عن الحضور في الساحة الاجتماعية ، لكنه 7 لم يخرج ، وظل يداوم مسيرته النظاليّة.

٢ ـ وفي حديث آخر : قال الإمام زين العابدين 7 : إنّ للحمق دولة على العقل وللمنكر دولة على المعروف ، وللشرّ دولة على الخير ، وللجهل دولة على الحلم ، وللجزع دولة على الصبر ، وللخُرْق دولة على الرفق ، وللبؤس دولة على الخصب ، وللشدّة دولة على الرخاء ، وللرغبة دولة على الزهد ، وللبيوت الخبيثة دولة على بيوتات الشرف ، وللأرض السبخة دولة على الأرض العذبة.

فنعوذ بالله من تلك الدول ، ومن الحياة في النقمات (٤).

وإذا كانت « الدولة » ـ في اللسان العربّي ـ هي : الغلبة والاستيلاء ، وهي من أبرز مقوّمات « السلطة الحاكمة » فإنّ الإمام 7 يكون قد أدرج قضيّة السلطة السياسيّة

__________________

(١) تاريخ دمشق ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢١ ).

(٢) جهاد الشيعة ، لليثي (ص ٢٩).

(٣) لاحظ تنقيح المقال ( ٢ : ٢٥١ ).

(٤) تاريخ دمشق ( الحديث ١٤٢ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٥٥ ).


في سائر القضايا الحيويّة ، والطبيعية ، التي يهتّم بها ، ويفكّر في إصلاحها ، ويحاول رفع مشكلاتها التي تستولي على الإنسان ، من اقتصاديّة ، وثقافيّة ، ونفسيّة ، ودينيّة.

فمن ـ يا ترى ـ يعني الإمام 7 بالبيوتات الخبيثة التي لها السلطان على الأشراف ، في عصر الإمام 7؟!

ومن هي البيوتات الشريفة المغلوبة في عصره 7؟!

وهل التعوّذ بالله من دولة السلطان ، يعني أمرا غير رفض وجوده ، واستنكار سلطته؟!

وهل لسياسيّ آخر حضور أقوى من هذا ، في مثل ظروف الإمام 7 وموقعه ، وضمن تخطيطه الشامل لحلّ المشاكل؟!

وأخيرا هل يصدر مثل هذا من رجل ادُّعيَ : أنّه ابتعد عن السياسة ، أو اعتزلها؟!


ثالثا : في مجال مقاومة الفساد

وإذا كان من أهم واجبات المصلح ، وخاصّة الإلهي ، مقاومة الفساد ، ومحاربة المفسدين في الأرض ، فإنّ الإمام زين العابدين 7 قام بدور بارز في أداء هذا المهمّ.

وقد تميّز عصر الإمام 7 ، بمشاكل اجتماعيّة من نوع خاصّ ، وقد تكون موجودة في كثير من الأوقات ، إلاّ أنّ بروزها في عصره كان واضحا ، ومكثّفا ، كما أنّ الإمام زين العابدين قام بمعالجتها بأسلوبه الخاصّ ، مما أعطاها صبغة فريدة ، تميّزت في نضال الإمام 7 ، أهمها :

١ ـ مشكلة العصبيّة ، والعنصريّة.

٢ ـ مشلكة الفقر العام.

٣ ـ مشكلة الرقّ والعبيد.

ولنبحث عن كل واحدة ، وموقف الإمام 7 في معالجتها :

١ـ مقاومة العصبيّة والعنصريّة :

إن الأمويين ـ بعد إحكام قبضتهم على الحكم ـ اعتمدوا سياسة التفرقة العنصرية بين طوائف الأمة ، والعصبية القبليّة بين مختلف طبقاتها ، محاولين بذلك تفتيت المجتمع الإسلامي ، وتقطيع أواصر الوحدة بين أفراد الأمة الإسلامية ، تلك الوحدة التي شرّعها الله بقوله تعالى : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً * وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [ سورة الأنبياء : «٢١» الآية : ٩٢ ].

ودفعا لها على التفرّق الذي نهى عنه الله بقوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) [ سورة آل عمران : «٣» الآية : ١٠٣ ].

حتى وصل الأمر الى : أنّه تتابع فخر النزاريّة على اليمنيّة ، وفخر اليمنيّة على النزاريّة ، حتى تخرّبت البلاد ، وثارت العصبيّة في البدو والحضر ـ كما يقول المسعودي ـ (١).

__________________

(١) مروج الذهب ( ٢ : ١٩٧ )


وقال ابن خلدون : إن عصبيّة الجاهلية نسيت في أول الإسلام ، ثم عادت كما كانت ، في زمن خروج الحسين 7 عصبية مضر لبني اُمية كما كانت لهم قبل الإسلام (١).

فقاموا بأعمال تسير على هذه السياسة الخارجة عن حدود الدين والشرع ، مثل تأمير العراب ، وتقديم العربي ولو كان خاملا على الكفوئين من غير العرب ، والسعي في تعريب كل شرائح وأجهزة الدولة ، بتنصيب العرب في مناصب الديوان ، والقضاء ، وحتى الفقه.

وتجاوزوا كلّ الأحكام الشرعية في التزامهم باساليب الحياة العربية الجاهلية ، فتوغّلوا في اللهو والاستهتار بالمحرّمات ، والظلم ، والقتل ، حتى تجاوزوا أعرافا عربية سائدة بين العرب قبل الإسلام ، فخانوا العهد ، وأخفروا الذمّة ، وهتكوا العرض (٢).

ولقد بلغت تعدّياتهم أن كان معاوية : يعتبر الناس العرب ، ويعبر الموالي شبه الناس (٣).

وقد استغّل الجاهلون هذا الوضع ، فكان العرب لا يزوّجون الموالي (٤).

وجاء في بعض المصادر أن حاكم البصرة ـ بلال بن أبي بردة ـ ضرب شخصا من الموالي ، لأنه تزوج امرأة عربيّة (٥).

ووصلت عدوى هذا المرض الى علماء البلاط أيضا فاتبعوا سياسة الاسياد ، فقد وجّهت الى الزهريّ تهمة أنه لا يروي الحديث عن الموالي ، فسئل عن ذلك؟ فاعترف به (٦).

__________________

(١) نقله علي جلال في كتاب : الحسين 7 ( ٢ : ١٨٨ ).

(٢) لاحظ : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، لأبي الحسن الندوي. وأقرأ ثورة زيد ( ص ٧٧ وما بعدها ).

(٣) تاريخ دمشق ، مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٨٤ ).

(٤) وسائل الشيعة ، كتاب النكاح ، الباب (٢٦) الحديث (٤) تسلسل (٢٥٠٦٠) ولاحظ العقد الفريد ، للأندلسي ( ٣ : ٣٦٠ ـ ٣٦٤ ).

(٥) لاحظ : طبقات ابن سعد ( ٧ : ٢٦ ق ٢ ). وانظر تهذيب الكمال ، للمِزي ( ٤ / ٢٧٢ ).

(٦) المحدث الفاصل ، للرامهرمزي ( ص ٤٠٩ ) رقم (٤٣١) والجامع لأخلاق الراوي ،


قال أحمد أمين المصريّ : لم يكن الحكم الأموي حكما إسلاميا يسّوى فيه بين الناس ، ويكافأ فيه المحسن عربيا كان أو مولى ، ويعاقب من أجرم عربيا كان أم مولى ، ولم تكن الخدمة للرعيّة على السواء ، وإنّما كان الحكم عربيّا ، والحكّام فيه خدمة للعرب على حساب غيرهم ، وكانت تسود العرب فيه النزعة الجاهلية ، لا النزعة الإسلاميّة (١).

ولقد قاوم الإمام زين العابدين 7 هذه الردّة الاجتماعية عن الإسلام بكل قوّة ، وتمكن ـ بحكم موقعه الاجتماعي ، واصالته النسبية ـ أن يقتحم على بني اُميّة ، بلا رادع أو حرج.

قال الدكتور صبحي : في ما كان الأمويون يقيمون ملكهم على العصبيّة العربيّة عامة ، كان زين العابدين 7 يشيع نوعا من الديمقراطيّة الاجتماعية (٢) بالرغم مما يجري في عروقه من دم أصيل ، أباً وأمّاً ، وقد أقدم على ما زعزع التركيب الاجتماعي للمجتمع الإسلامي الذي أراد له الأمويّون أن يقوم على العصبيّة (٣).

وقد قاوم الإمام زين العابدين 7 ذلك ، نظريا بما قدّمه من تصريحات ، وعمليّا بما أقدم عليه من مواقف :

فكان يقول : لا يفخر أحدٌ على أحدٍ ، فإنّكم عبيد ، والمولى واحدٌ (٤).

وكان يجالس مولى لآل عمر بن الخطاب ، فقال له رجل من قريش ـ هو نافع بن جبير ـ : أنت سيّد الناس ، وأفضلهم ، تذهب الى هذا العبد وتجلس معه؟!

__________________

للخطيب ( ١ / ١٩٢ ).

(١) ضحى الإسلام ( ١ : ١٨٧ ).

(٢) يلاحظ أن هذا الكاتب نفسه يقول عن الإمام : « لكن الإقبال على الله ، واعتزال شؤون العالم ... كان منهجه في حياته الخاصة » وقد سبق كلامه في المقدمة ( ص ١٠ ـ ١١ ).

(٣) نظرية الإمامة ، للدكتور صبحي ( ص ٦ ـ ٢٥٧ ).

(٤) بلاغة علي بن الحسين 7 ( ص ٢١٧ ).


فقال 7 :أءتي من أنتفع بمجالسته في ديني (١) أو قال : إنما يجلس الرجل حيث ينتفع (٢).

ومن المعلوم أن ما ينتفع به الإمام 7 من هذا المولى ليس إلاّ بنفس المجالسة ، فإنّ هذه المجالسة تحقّق للإمام غرضه السياسي من إعلان معارضته لسياسة بني اُميّة المبتنية على طرد الموالي وعدم احترامهم ، فإذا جالسه الإمام زين العابدين 7 ـ وهو من لا ينكر شرفه نسبا وحسبا ـ فإنّ ذلك نسف لتلك السياسة التي تبنتها الدولة ورجالها!

وقال له طاوس اليماني ـ وقد رآه يجزع ويناجي ربّه بلهفة ـ : يابن رسول الله ، ما هذا الجزع والفزع ، ... ، وأبوك الحسين بن علي ، واُمّك فاطمة الزهراء ، وجدّك رسول الله 6؟!

فالتفت الإمام 7 إليه وقال : هيهات ، هيهات ، يا طاوس ، دع عنّى حديث أبي ، وأُمّي ، وجدّي ، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن ، ولو كان عبدا حبشيا ، وخلق النار لمن عصاه ، ولو كان ولدا قرشيّا ، أما سمعت قوله تعالى : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ ) [ سورة المؤمنون (٢٣) الآية : ١٠١ ].

والله ، لا ينفعك ـ غدا ـ إلاّ تقدمة تقدّمها من عمل صالح (٣).

واعتق الإمام زين العابدين 7 مولاة له ، ثم تزوّجها ، فبلغ ذلك عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي ، فعدّها تحدّيا لعرف السلطة الحاكمة ، فكتب الى الإمام يحاسبه ويعاتبه على ذلك ، ومما جاء في كتابه : « إنّك علمت أنّ في أكفائك من قريش من تتمجّد به في الصهر ، وتستنجبه في الولد ، فلا لنفسك نظرت ، ولا على ولدك أبقيت ... ».

وهذا كلام ـ مع أنه ينمّ عن التعزّي بعزاء الجاهلية في عنصريتها وغرورها ـ فهو تعريض بالإمام 7 أنه ليس بحكيم ، وأنه بحاجة الى أن يتمجّد بمصاهرة واحد من

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٨٨ ) وانظر حلية الأولياء ( ٣ : ١٣٧ ) وصفوة الصفوة ( ٢ : ٩٨ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ٣٠ ) ومختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٣ ) وطبقات ابن سعد ( ٥ : ٢١٦ ).

(٣) مناقب ابن شهر آشوب ( ٣ : ٢٩١ ) كشف الغمة ( ٤ : ١٥١ ) بحار الأنوار ( ٤٦ : ٨٢ ) ونقل عن مجالس ثعلب ( ٢ : ٤٦٢ ).


قريش ، وأن ولده لا ينجب إلاّ بمثل ذلك ، متغافلا عن أن الإمام 7 بنفسه هو مصدر الحكمة والمجد والنجابة.

فأجابه الإمام زين العابدين 7 بكتاب ، جاء فيه :

« أمّا بعد : فقد بلغني كتابك ، تعنّفني فيه بتزويجي مولاتي ، وتزعم : « أنه كان في قريش من أتمجّد به في الصهر ، واستنجبه في الولد ».

وإنه ليس فوق رسول الله مرتقى في مجد ، ولا مستزاد في كرم.

وكانت هذه الجارية ملك يميني ، خرجت منّي إرادة لله عزوجل بأمر ألتمس فيه ثوابه ، ثم ارتجعتها على سنّة رسول الله 6.

ومن كان زكيّا في دين الله تعالى فليس يخلّ به شيء من أمره.

وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة ، وتمّم به النقيصة ، وأذهب به اللؤم ، فلا لؤم على امرىء مسلم ، وإنّما اللؤم لؤم الجاهلية.

والسلام » (١).

وقد عرّض الإمام 7 في هذا الكتاب بأن ما يقوم به حكّام بني اُمية من تبنّي العصبية هو مخالف للإسلام ولسنة الرسول ، بل قلب عليه كل الموازين التي اعتمدها في كتابه الى الإمام ، وجعل العتاب مردودا عليه ، والنقص والعار واردا على الجاهلية التي يتبجّح بها من خلال العصبية.

وقال 7 : لا حسب لقرشي ، ولا عربي إلاّ بالتواضع ، ولا كرم إلاّ بالتقوى ، ولا عمل إلاّ بالنيّة ، ولا عبادة إلاّ بالتفقّه ، ألا وإن أبغض الناس الى الله من يقتدي بسنّة إمام ، ولا يقتدي بإعماله (٢).

وقال 7 : العصبية التي يأثم صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين ، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه ، ولكن من العصبيّة أن يعين قومه

__________________

(١) الكافي ، الفروع ( ٥ : ٣٤٤ ).

(٢) تحف العقول ( ص ٢٨ ).


على الظلم (١).

وهذا حسم قيّم في هذا المجال ، حيث أن الميل الى العصبة والقبيلة أمر طبيعيّ ، جرت عليه العادة ، فإذا كان على أساس الحب والولاء فهو أمر جيّد ، لكن إذا كان على أساس المحاباة ، وظلم الآخرين وعلى حساب حقوق الأباعد ، أو كان من باب اعانة الظالم ، فهذا هو المردود في الإسلام.

والذي يدّعيه أصحاب النعرات العنصريّة ، وأهل الغرور والجهل ، الفارغين من القيم ، كبني اُميّة ، هو النوع الثاني.

إنّ هذه التصريحات ، وتلك المواقف ، بقدر ما كانت مثيرة للسلطة المتبيّنة لسياسة العصبية والعنصرية ، حتّى أثارت أحاسيس الملك نفسه ، فهي في الوقت ذاته كانت منيرة للدرب أمام الاُمة الإسلامية بكلّ طوائفها وأجناسها وألوانها وشعوبها وقبائلها ، تلك المغلوبة على أمرها ، تفتح أمامها أبواب الأمل بالإسلام ورجاله المخلصين ، الذين يقود مسيرتهم في ذلك العصر الإمام زين العابدين 7.

٢ ـ ضد الفقر :

من المشاكل الاجتماعيه الخطيرة ، التي يستغلها الحكام لاٍحكام سيطرتهم على الأمة هي مشكلة الفقر والعوز والحاجة الى المال ، فإن السلطات تحاول اتّباع سياسة التجويع من جهة ، لإخضاع الناس وترغيبهم في العمل مع السلطات ، وثم سياسة التطميع والتمويل من جهة أخرى ، لتعويد الناس على الترف وزجّهم في الجرائم والآثام.

وهم بهذه السياسة يسيطرون على عصب الحياة في البلاد ، وهو المال ، يستفيدون منه في القضاء على من لا يرضى بهم ، وفي جذب من يرضون به من ضعفاء النفوس أمام هذه المادّة المغرية.

وقد ركن معاوية الى هذه السياسة في بداية سيطرته على البلاد ، فأوعز الى ولاته في جميع الأمصار : انظروا من قامت عليه البينّة أنه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من

__________________

(١) بلاغة علي بن الحسين 7 ( ص ٢٠٣ ).


الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه (١).

ولا ريب في أن رفع المستوى المعيشي لدى أفراد الأمة هو واحد من أهمّ الأهداف المرسومة لأيّة محاولة ثورية ، أو عمل إصلاحي ، حتى لو لم تكن دينية ، فكيف بها إذا كانت إلاهيّة ، يقودها شخص الإمام العادل؟!

إنّ التحرّك للإصلاح ، والناس في بؤس وتخلّف اقتصادي ، سوف يكلّفهم الكثير الذي قد يعجزون عنه ، ولو تمكّن قائد ما أن يرفع من المستوى الأقتصادي للأمة ، فهم يكونون في حالة أفضل لتقبّل اُطروحة الإصلاح ، ويكون أوكد على صمودهم أمام الضغوط التي تفرض عليهم من قبل الظالمين والمعتدين.

ثم إنّ السعي في هذا المجال ، والمال حاجة يوميّة لكل أحد ، أوكد في تعميق الصلة بين القيادة والقاعدة ، من حيث تحسّس القيادة لأمسّ الحاجات ، وأكثرها ضرورة وأسرعها نفعا ، فتكون دليلا على حقّانيّة سائر الأهداف التي تعلن للخطة الإصلاحية.

ولقد كان الإمام زين العابدين 7 يزاول عمليّة تموين الناس بدقة فائقة ، خاصّة عوائل الشهداء والمنكوبين في معارك ضد الدولة ، يقوم بذلك في سرّية تامّة ، حتى خفيت ـ في بعض الحالات ـ على أقرب الناس إليه 7.

والأهم من ذلك : أن الفقراء انفسهم لم يطلّعوا على أن الشخص المموّن لهم هو الإمام زين العابدين 7 إلاّ بعد وفاته ، وانقطاع اُعطياته!

فعن أبي حمزة الثمالي : إن علي بن الحسين 7 كان يحمل الخبز بالليل ، على ظهره يتبع به المساكين في طلمة الليل ، ويقول : « إنّ الصدقة في سواد الليل تطفىء غضب الرّب » (٢).

وعن محمد بن إسحاق ، قال : كان ناس من أهل المدينة يعيشون ، لا يدرون من أين كان معاشهم ، فلمّا مات علي بن الحسين 7 فقدوا ما كان يؤتَوْو به بالليل (٣).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( ١١ : ٤٥ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ٧٦ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٨ ).

(٣) تاريخ دمشق ( الحديث ٧٧ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٨ ).


وعن عمرو بن ثابت ، قال : لمّا مات علي بن الحسين 7 وجدوا بظهره أثراً ، فسألوا عنه؟ فقالوا : هذا ممّا كان ينقل الجراب على ظهره الى منازل الأرامل (١).

وهذه الدقة في السّرّية كانت من أجل إلهاء عيون الدولة عن مواقفه.

مع أن الهدف الأساسي من هذا العمل ـ وهو تمويل الناس وتموينهم ـ كان يتحقّق بتلك الطريقة الهادئة.

ومع أن معرفة الناس للأمر ـ ولو بعد حين ـ كان أوقع في النفوس وأكثر تأثيرا في حبّ الناس لأهل البيت :.

ومع ما في ذلك من البعد عن الرياء ، والسمعة ، والمباهاة.

وقد وصلت سرية عمله 7 الى حدّ أنه كان يتّهم بالبخل :

قال شيبة بن نعامة: كان علي بن الحسين يبخّل ، فلمّا مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة (٢).

وقال ابن عائشة ، عن أبيه ، عن عمّه : قال أهل المدينة : ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات علي بن الحسين (٣).

وهذا واحد من أساليب عمله في رفع هذه المشكلة ، وقد اتّبع أساليب اُخرى ، نقرأ عنها الأحاديث التالية :

إنه 7 كان يعتبر المشكلة الاقتصادية محنة كبيرة أن يجد الفقر متفشيا في الدولة الإسلامية ، وهي السعة بحيث لا يمكن معالجتها بسهولة :

ففي الحديث : شكا إليه 7 بعض أصحابه دينا ، فبكى الإمام 7 فلمّا سئل عن سبب بكائه؟ قال 7 : وهل البكاء إلاّ للمحن الكبار!؟ وأي محنة أكبر من أن يرى الإنسان أخاه المؤمن في حاجة لا يتمكّن من قضائها ، وفي فاقة لا يطيق دفعها (٤).

وأسلوب آخر في التركيز على مقاومة المشكلة :

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ٧٩ ) مختصر أبن منظور ( ١٧ : ٢٣٨ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ٨٠ ) مختصر أبن منظور ( ١٧ : ٢٣٩ ).

(٣) حلية الاولياء ( ٣ : ٣٦١ ) ، تاريخ دمشق ( الحديث ٨١ ) مختصر أبن منظور ( ١٧ : ٢٣٩ ) ، وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٣ ).

(٤) أمالي الصدوق ( ص ٣٦٧ ) ونقله في عوالم العلوم ( ص ٢٩ ) في حديث طويل.


عن الرضا عن أبيه ، عن جده : ، قال : قال علي بن الحسين : إنّي لأستحيي من الله عزوجل أن أرى الأخ من إخواني ، فاسأل الله له الجنة ، وأبخل عليه بالدنيا ، فإذا كان يوم القيامة قيل لي : « لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل وأبخل » (١).

إنه رفع لمستوى مقاومة المشكلة الى مستوى مثاليّ رائع ، وخطاب موجّه الى كل من يعمل في الدنيا على حساب نعيم الآخرة ، لا على معطياتها الدنيوية فقط ، إنّه معنى عرفاني دقيق ، ورفيع ، وبديع.

وأسلوب آخر ، يدلّ على إصرار الإمام 7 لتجاوز المشكلة :

قال عمرو بن دينار : دخل علي بن الحسين على محمّد بن اُسامة بن زيد ، في مرضه ، فجعل محمّد يبكي ، فقال : ما شأنك؟

قال محمد : عليّ دين.

قال : كم هو؟ قال : خمسة عشر ألف دينار ـ أو بضعة عشر ألف دينار ـ.

قال الإمام : فهي عليّ (٢).

وقد جاء في الحديث أن الإمام 7 قاسم الله تعالى ماله مرتين (٣).

هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى : نجد الإمام 7 يؤكّد على تداول الثروة ويحثّ على تنميتها ، واستثمار الأموال ، وعدم تجميدها ، لأن تجميدها هو التكنيز المذموم ، للخسارة الواضحة فيها ، ولاحتمال سقوط القيمة الشرائية لها ، وتسبيبها لعدم ازدهار السوق الإسلامية ، بينما تداولها يؤدّي الى نقيض كلّ ذلك.

فقد قال الإمام 7 : استنماء المال تمام المروءة (٤) وفي نصّ آخر : استثمار المال (٥).

وأذا قارنّا هذه المواقف من الإمام 7 بما كان يجري على أيدي بني أميّة من

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ٨٤ ) مختصر أبن منظور ( ١٧ : ٢٣٩ ) وتهذيب التهذيب ( ٧ : ٣٠٦ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ٨٣ ) مختصر أبن منظور ( ١٧ : ٢٣٩ ).

(٣) تاريخ دمشق ( الحديث ٧٥ ).

(٤) تحف العقول ( ص ٢٨٣ ).

(٥) فيي هامش المصدر السابق.


البذخ والترف والإسراف والإهدار لأموال بيت المال ، ومن منع الموالين لعلي 7 من الرزق والعطاء ، ومن حاجة الشخصيات مثل محمد بن اُسامة بن زيد ، فضلا عن عوائل الشهداء المغضوب عليهم من قبل الدولة.

لو قارنّا بين الأمرين : لعلمنا ـ بكل وضوح ـ أن لأعمال الإمام 7 بعدا سياسيّا ، وهو الوقوف أمام استغلال السلطة للأزمة الأقتصادية عند الناس ، ومنع استدراج الظالمين لذوي الحاجة والمحنة وخاصة المنكوبين الى مهاوي الانتماء إليها أو حتى الفساد والجريمة ، بالمال الذي استحوذت الدولة عليه ، وأن لا تطبّق به سياسة التطميع بعد التجويع.

٣ ـ ضدّ الرقّ :

إن تحرير الرقيق يشكل ظاهرة بارزة في حياة الإمام زين العابدين 7 بشكل ليس له مثيل في تاريخ الإمامة ، فهو أمر يسترعي الانتباه والملاحظة.

وإذا دقّقنا في الظروف والملابسات التي عايشها الإمام ، وقمنا ببعض المقارنات بين أعمال الإمام ، والأحداث التي كانت تجري من حوله ، والظروف التي تكتنف عملية الإعتناق الواسعة التي تبنّاها الإمام زين العابدين 7 ، تتضح الصورة الحقيقيّة لأهداف الإمام 7 من ذلك.

فيلاحظ أولا :

١ ـ أنّ أعداد الرقيق ، والعبيد ، كانت تتواتر على البلاد الإسلامية ، فكان الموالي في ازدياد بالغ مذهل ، على أثر توالي الفتوحات (١).

٢ ـ أن الأمويين كانوا ينتهجون سياسة التفرقة العنصرية ، فيعتبرون الموالي شبه الناس (٢).

٣ ـ أن الجهاز الحاكم على الدولة الإسلامية ، أخذا من نفس الخليفة ، الى جميع الأمراء وموظفي الدولة ، لا يمثّل الإسلام ، بل كان كل واحد يعارض معنوياته

__________________

(١) لاحظ فجر الإسلام لأحمد أمين ( ص ٩٠ ).

(٢) تاريخ دمشق ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٨٤ ).


وأخلاقه ، وإن تنادى بشهاداته واسمه.

٤ ـ إن انتشار العبيد والموالي ، وبالكثرة الكثيرة ، ومن دون أي تحصين أخلاقي ، أو تربية إسلامية ، لأمر يؤدّي ـ لا محالة ـ الى شيوع البطالة ، والفساد ، وهو ما تركز عليه الدولة الظالمة التي تعمل في هذا الاتجاه بالذات.

ويلاحظ ثانيا :

١ ـ أن الإمام زين العابدين 7 كان يشتري العبيد والإماء ، ولكن لا يبقي أحدهم عنده أكثر من مدّة سنة واحدة فقط ، وأنه كان مستغنيا عن خدمتهم (١).

فكان يعتقهم بحجج متعدّدة ، وبالمناسبات المختلفة؟

إذن ، فلماذا كان يشتريهم؟ ولماذا كان يعتقهم؟

٢ ـ إنه 7 كان يعامل الموالي ، لا كعبيد أو إماء ، بل يعاملهم معاملة إنسانية مثالية ، ممّا يغرز في نفوسهم الأخلاق الكريمة ، ويحبّب إليهم الإسلام ، وأهل البيت الذين ينتمي إليهم الإمام 7.

٣ ـ إنّة 7 كان يعلّم الرقيق أحكام الدين ويملؤهم بالمعارف الإسلاميّة ، بحيث يخرج الواحد من عنده محصّنا بالعلوم التي يفيد منها في حياته ، ويدفع بها الشبهات ، ولا ينحرف عن الإسلام الصحيح.

٤ ـ إنه 7 كان يزوّد كلّ من يعتقه بما يغنيه ، فيدخل المجتمع الجديد ليزاول الأعمال الحرة ، كأي فرد من الاُمّة ، ولا يكون عالة على أحد.

إن المقارنة بين هذه الملاحظات ، وتلك ، تعطينا بوضوح القناعة بأنّ الإمام كان بصدد إسقاط السياسة التي كان يزاولها الأمويون في معاملتهم مع الرقيق.

إنّ عمل الإمام زين العابدين 7 أنتج نتائج عظيمة ، هي :

١ ـ حرّر مجموعة كبيرة من عباد الله ، وإمائه الذين وقعوا في الأسر ، وتلك حالة استثنائية غير طبيعيّة ، ومع أن الإسلام كان قد أقرّها لأمور يعرف بعضها من خلال قراءة التاريخ ، إلاّ أن الشريعة قد وضعت طرق عديدة لتخليص الرقيق وإعطائهم

__________________

(١) لاحظ الإقبال للسيد ابن طاوس ( ص ٤٧٧ ).


الحرية ، وقد استغل الإمام 7 كلّ الظروف والمناسبات لتطبيق تلك الطرق ، وتحرير العبيد والإماء.

وفي عمله تطبيق للشريعة وسننها ، كما يدلّ عليه الحديث التالي :

فعن سعيد بن مرجانة ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : كان رسول الله 6 يقول : « من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إربا منه من النار ، حتى أنه يعتق باليد اليد ، وبالرجل الرجل ، وبالفرج الفرج».

فقال علي بن الحسين : أنت سمعت هذا من أبي هريرة!

قال سعيد : نعم.

فقال الإمام : ادع لي مطرفا ـ لغلام له أفره غلمانه ـ فلمّا قام بين يديه ، قال : إذهب فانت حرّ لوجه الله (١).

إن الإمام زين العابدين 7 لا يخفى عليه ثواب عتق الرقبة ، وإنما أراد أن يؤكّد على سنة العتق من خلال تقرير الراوي على سماع الحديث! وليكون عمله قدوة للآخرين كي يقوموا بعتق ما يملكون من الرقاب.

٢ ـ إن الرقيق المعتقين يشكّلون جيلا من التلامذة الذين تربّوا في بيت الإمام 7 وعلى يده ، بأفضل شكل ، وعاشوا معه حياة مفعمة بالحقّ والمعرفة ، والصدق والإخلاص ، وبتعاليم الإسلام من عقائد وشرائع وأخلاق كريمة.

فقد كانت جماعة الرقيق تحتفظ بكل ذلك في قرارات النفوس ، في شعورهم أو لا شعورهم ، وينقلونه الى الإجيال المتعاقبة ، وفي ذلك حفظ الإسلام.

ولا ريب أن الإمام زين العابدين 7 لو أراد أن يفتح مدرسة لتعليم مجموعة من الناس ، فلا بدّ أنه كان يواجه منعا من الجهاز الحاكم ، أو عرقلة لعمله ، أو رقابة شديدة على أقل تقدير.

٣ ـ إن الإمام 7 استقطب ولاء الأعداد الكبيرة من هؤلاء الموالي المحرّرين ، إذ

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه ( ٣ : ١٨٨ ) كتاب العتق والكفارات ، ومسلم في صحيحة ( ١٠ : ١٥٢ ) في العتق ، والترمذي في صحيحه ( ٤ : ١١٤ ) في النذور رقم (١٥٤١) وانظر حلية الأولياء ( ٣ : ١٣٦ ).


لايزال ولاء العتق يربطهم بالإمام 7 ، ولا ريب أنهم أصبحوا جيشا ، فإن عددهم بلغ ـ في ماقيل ـ خمسين ألفا ، وقيل : مائة ألف! (١).

فعن عبدالغفّار بن القاسم أبي مريم الأنصاريّ ، قال : كان علي بن الحسين خارجا من المسجد فلقيه رجل فسبّه! فثارت إليه العبيد والموالي ، فقال علي بن الحسين : مهلا عن الرجل ، ثمّ أقبل على الرجل ، فقال له : ما سُتر عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها؟ ـ فاستحيى الرجل ـ فألقى عليه خميصة كانت عليه ، وأمر له بألف درهم.

فكان الرجل بعد ذلك يقول : أشهد أنّك من أولاد الرسول (٢).

وقد كان لهؤلاء العبيد موقف دفاعيّ آخر ، عن أهل البيت ، لمّا سمعوا أنباء ضغط ابن الزبير على آل أبي طالب في مكّة ، وشيخهم محمد بن الحنفيّة عمّ الإمام زين العابدين 7 ، في مارواه البلاذري بسنده عن المشايخ يتحدّثون : أنّه لما كان من أمر ابن الحنفيّة ما كان ، تجّمع بالمدينة (!) قوم من السودان ، غضبا له ، ومراغمة لابن الزبير.

فرأى ابن عمر غلاما له فيهم ، وهو شاهر سيفه! فقال له : رباح!

قال رباح : والله ، إنّا خرجنا لنردّكم عن باطلكم الى حقّنا.

فبكى ابن عمر ، وقال : اللهم إن هذا لذنوبنا (٣).

وقال عبدالعزيز سيد الأهل : وجعل الدولاب يسير ، والزمن يمرّ وزين العابدين يَهَبُ الحرية في كلّ عام ، وكلّ شهر ، وكلّ يوم ، وعند كلّ هفوة ، وكلّ خطأ ، حتى صار في المدينة جيش من الموالي الأحرار ، والجواري الحرائر ، وكلّهم في ولاء زين العابدين (٤).

__________________

(١) لاحظ بحار الأنوار ( ٤٦ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ).

(٢) صفوة الصفوة لابن الجوزي ( ٢ : ١٠٠ ) ، تاريخ دمشق ( الحديث ١١٢ ) وكشف الغمة ( ٢ / ٨١ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ / ٩٩ ) وعوالم العلوم ( ص ١١٥ ).

(٣) أنساب الأشراف ( الجزء الثالث ) ( ص ٢٩٥ ).

(٤) زين العابدين ، لسيد الأهل ( ص ٤٧ ).


حقا لقد تحيّن الإمام 7 الفرص ، وأهتبل حتى الزلّة الصغيرة تصدر من أحد الموالي ليهب له الحريّة ، فكان يكافيء الإساءة بالإحسان ليكون أعذب عند الذي يعتق ، وأركز في خلده ، فلا ينساه.

إنّ الإمام زين العابدين 7 استنفد كلّ وسيلة للتحرير.

وإليك بعض الأحاديث عن ذلك :

١ ـ نادى علي بن الحسين 7 مملوكه مرتين ، فلم يجبه ، ثم أجابة في الثالثة ، فقال له الإمام : يا بنيّ! أما سمعت صوتي؟

قال المملوك : بلى!

قال الإمام : فما بالك لم تجبني؟

قال المملوك : أمنتُكَ.

قال الإمام : الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني (١).

٢ ـ عن عبدالرزاق ، قال : جعلت جارية لعلي بن الحسين تسكب عليه الماء يتهيّا للصلاة ، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه ، فشقة ، فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله عزوجل يقول : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ).

فقال لها : قد كظمت غيظي.

قالت : ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ).

فقال لها : قد عفا الله عنك.

قالت : ( وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [ آل عمران «٢» الآية ١٢٤ ].

قال : اذهبي ، فأنت حرّة (٢).

فكأنّ هذا الحوار كان امتحانا واختبارا ، نجحت فيه هذه الجارية ، بحفظها هذه الآية ، واستشاهدها بها ، فكانت جائزتها من الإمام 7 أن تعتق!

٣ ـ قال عبدالله بن عطاء : أذنب غلام لعلي بن الحسين ذنبا استحق منه العقوبة ، فأخذ له السوط ، فقال : ( قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ )

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ٩٠ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٤٠ ) وشرح الأخبار ( ٣ : ٢٦٠ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ٩٠ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٤٠ ).


[ الجاثية (٤٥) الآية ١٤ ].

فقال الغلام : وأما أنا كذلك ، إني لأرجوا رحمة الله وأخاف عقابه.

فألقى السوط ، وقال : أنت عتيق (١).

فلقد لقّنه الإمام 7 بقراءة الآية ، وهو يختبر معرفته بمعناها وذكاءه ، فأعتقه مكافأة لذلك.

٤ ـ وكان عند الإمام 7 قوم ، فاستعجل خادم له شواءاً كان في التنّور ، فأقبل به الخادم مسرعا ، وسقط السفود من يده على بنيّ للإمام 7 أسفل الدرجة ، فأصاب رأسه ، فقتله ، فوثب الإمام 7 ، فلمّا رآه ، قال للغلام : إنك حرّ ، إنك لم تتعمّده وأخذ في جهاز ابنه (٢).

ولعملية الإعتاق على يد الإمام 7 صور مثيرة أحيانا ، تتجاوز الحسابات المتداولة :

ففي الحديث المتقدّم عن سعيد بن مرجانة ، وجدنا أن الإمام 7 قد أعتق غلاما اسمه « مطرف » وجاء في ذيل الحديث ، أن عبدالله بن جعفر الطيّار كان قد أعطى الإمام زين العابدين 7 بهذا الغلام « ألف دينار » أو « عشرة آلاف درهم» (٣).

ففي إمكان الإمام 7 أن يبيع الغلام بهذا الثمن الغالي ، ويعتق بالثمن مجموعة من الرقيق أكثر من واحد ، ولكن الإصرار على إعتاق هذا الغلام بالخصوص ـ مع غلاء ثمنه ـ يحتوي على معنى أكبر من العتق :

فهو تطبيق لقوله تعالى : ( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ) [ سورة آل عمران (٣) الآية : ٩٢ ].

وهو إيماء إلى أن الإنسان لا يعادل بالأثمان ، مهما غلت وعلت أرقامها!

ولعلّ السبب الاساسي هو : أن غلاء ثمن الغلام لا يكون إلاّ من أجل أدبه ، وذكائه ، وحنكته ، وقوّته ، وغير ذلك مما يجعله فردا نافعا ، فإذا صار حرّا ، وهو

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ١١٣ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٤٤ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ١١٨ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٤٤ ).

(٣) تاريخ دمشق ( الحديث ٨٢ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٩ ).


متصف بهذه الصفات ، يفيد المجتمع ككلّ ، فهو أفضل ـ عند الإمام 7 ـ من أن يكون عبدا يستخدمه شخص واحد لأغراضه الخاصّة ، مهما كانت شريفة!

وبهذا واجه الإمام زين العابدين 7 مشكلة الرقّ ، واستفاد منها ، في صالح المجتمع والدين (١).

وبما أنه 7 كان يحتلّ موقعا رفيعا بين الاُمّة الإسلامية جمعاء :

إمّا لأنّه إمام مفترض الطاعة ، عند المعتقدين بإمامته 7.

أو لأنه من أفضل فقهاء عصره ، والمعترف بورعه وتقواه وعلمه ، عند الكافّة.

أو لأنه من سادات أهل البيت الذين يمتازون بين الناس بالطهارة والكرامة والشرف والمجد.

فقد كان عمله حجّة معتبرة ، وقدوة صالحة ، للمسلمين كافة ، يقتدون به في تحرير الرقيق ، ومحو العنصريّة المقيتة.

وبعد هذه الصور الرائعة :

فهل يصح أن يقال : « إن زين العابدين 7 كان منعزلا عن السياسة ، أو مبتعدا عنها » وهو يقوم بهذا النشاط الاجتماعي الواسع.

__________________

(١) وأقرأ صورا مثيرة من تعامله مع عبيده وإمائه في عوالم العلوم ( ص ١٥١ ـ ١٥٥ )


وأخيرا : مع كتاب « رسالة الحقوق »

إن رسالة الحقوق التي نظّمها الإمام زين العابدين 7 تدل على اهتمام الإمام بكل ما يدور حوله في المجتمع الإسلامي ، وعنايته الفائقة بسلامته النفسية والصحيّة ، ورعايته لأمنه واستقراره ، وحفاظه على تكوينته الإسلامية.

وإذا نظرنا الى ظروف الإمام 7 من جهة ، والى ما يقتضيه تأليف هذه الحقوق ، من سعة الافق وشموليته من جهة أخرى ، وقفنا على عظمة هذا العمل الجبّار الذي صنعه الإمام قبل أربعة عشر قرنا.

إن صنع مثل هذا القانون في جامعيته ودقّته وواقعيته ، لا يصدر إلاّ من شخص جامع للعلم والعمل ، مهتّم بشؤون الأُمة ، ومتصد لإصلاحها فكريا وثقافيا ، واقتصاديا ، واجتماعيا ، وإداريا ، وصحيّا ، ونفسيّا ، ولا يصدر ـ قطعا ـ من شخص منعزل عن العالم ، وعن الحياة الاجتماعية ، ولا مبتعد عن السياسة واُمور الحكم والدولة!

ولذلك فإنا نجد الرسالة تحتوي على حقوق مثل : حقّ السلطان ، وحق الرعيّة ، وحق أهل الملّة عامّة ، وحقّ أهل الذمّة ، وغيرها ممّا يرتبط باُمور الدولة والحكم وتنظيم الحياة الاجتماعية ، الى جانب الشؤون الخاصة العقيديّة والعبادية والماليّة ، وكل ما يرتبط بحياة حرّة كريمة للفرد ، وللمجتمع الذي يعيش معه ، ومثل هذا لا يصدر ممّن يعتزل الحياة الاجتماعية.

ورسالة الحقوق عمل علمي عظيم يستدعي دراسة موضوعية عميقة شاملة ، تقف من خلالها على أبعاد دلالتها على حركة الإمام زين العابدين 7 الاجتماعية ، وخاصّة من المنظار السياسي ، وما استهدفه من بيانها ونشرها.

ونقدّم هنا مقطعين هامّين ، يرتبطان مباشرة باُمور الإدارة والحياة الاجتماعية ، وهما حقّ السلطان على الرعيّة ، وحقّ الرعيّة على السلطان:

قال 7 ـ في حقوق الأئمّة ـ : وأما حق سائسك بالسلطان :


فان تعلم أنّك جعلت له فتنة ، وأنّه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان.

وأن تخلص له في النصيحة ، وأن لاتماحكه ، وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه.

وتذلّل وتلطّف لإعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ، ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله.

ولا تعازّه ولا تعانده ، فإنّك إن فعلت ذلك عققْته وعققت نفسك ، فعرّضتها لمكروهه ، وعرّضته للهلكة فيك ، وكنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك ، وشريكا له في ما أتى إليك من سوء.

ولا قوّة إلاّ بالله (١).

وقال 7 ـ في حقوق الرعية ـ : وأمّا حقّ رعيتك بالسلطان :

فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوّتك عليهم ، فإنّه إنّما أحلّهم محلّ الرعيّة لك ضعفهم وذلّهم.

فما أولى من كفاكه ضعفه وذلّه ـ حتى صيّره لك رعيّة وصيّر حكمك عليه نافذا ، لا يمتنع عنك بعزّة ولا قوة ، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلاّ بالله ـ بالرحمة والحياطة والأناة.

وما أولاك ـ إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي قهرت بها ـ أن تكون لله شاكرا ، ومن شكر الله أعطاه في ما أنعم عليه.

ولا قوّة إلاّ بالله (٢).

إن الإمام 7 في هاتين الفقرتين إنّما يخاطب من هم من عامّة الناس ـ سلطانا ورعيّة ـ ممّن لابدّ أن تربط بينهم السياسة ، إذ لا بدّ للناس من أمير ، على ما هو سنّة الحياة وطبيعة التكوينة الاجتماعية ، فلا بدّ أن تكون لهم حقوق ، وتثبت عليهم واجبات ، ترتب بذلك حياتهم ترتيبا طيّبا كي يعيشوا في صفاء ووُدّ وخير وسعادة.

والإمام 7 هنا ـ يقطع النظر عن الولاية الإلهية التكوينية ، ومنصب الإمامة المفروضة تشريعيا على الناس.

__________________

(١) رسالة الحقوق ، الحق رقم [ ١٥ ].

(٢) رسالة الحقوق ، الحق رقم [ ١٨ ].


ولذلك عبّر بـ « السلطان » و « الرعيّة » ولم يفرض في السلطان ولاية إلهيّة ، وإنّما فرضها سلطة حاصلة بالقوّة والقهر ، وهذا ما يتمكّن من تحصيلة حتى غير الأئمة الإلهيين ، وإن كان السلاطين يحاولون الإيحاء بأنّهم ينوبون عن الله في الولاية والسلطة ، وأنّهم ظلّ الله على الأرض ، ولذلك يلقّنون الناس فكرة « الجبر » حتى يربطوا وجودهم بإرادة الله (١).

لكنّ الإمام السجّاد 7 فرّغ الحديث عن السلطان من كلّ هذه المعاني ، وإنّما تحدّث عن حقّه كمتسلط بالقوة على الرعيّة ، فهو في هذه الحالة لابدّ أن يعرف واجباته ويؤدّيها ويعرف حقوقه فلا يطلب أكثر منها.

كما أن الرعيّة المواجهة لمثل هذا السلطان لابدّ أن تعرف حدود المعاملة الواجبة عليها تجاهه ، وما يحرم عليها فلا تقتحمه ، رعاية للمصالح الاجتماعيّة العامة بشريا.

وبما أنّ السلاطين في هذا المقام لم تفرض لهم العصمة ، اللازمة في الولاة الإلهيّين ، فلابدّ أن يحذروا من المخالفات الشرعيّة ، كما لابدّ للرعيّة أن يحذروا من التعرّض لبطشهم وسطوتهم ، فهناك حقوق مرسومة لكلّ منهما ـ السلطان والرعيّة ـ لابدّ من مراعاتها ، حدّدها الإمام 7.

فعلى السلطان أن لا يغترّ بقدرته الموقوتة المحدودة :

١ ـ أن يكون رؤوفا رحيما بالبشر الذين استولى عليهم.

٢ ـ أن يعرف قدر نعمة السلطة ، حتى يوفّق للمزيد ، حسب الموعود بالمزيد لمن شكر.

ويتنعّم بما هو فيه من فضل وسلطة.

وأما الرعيّة ، فعليها :

١ ـ أن تخلص في النصيحة للسلطان ، وتبذل الولاء في سبيل إنجاح المهمّة الاجتماعية والحكمة والتدبير من « لابدّية الأمير » في سبيل الخير.

٢ ـ وأن لا تلجأ الى العداء والبغضاء حتى لا يلجأ السلطان الى العدوان والفتك ، فيحصل العقوق بين الراعي والرعيّة فيشتركان في إثم الفساد في الأرض.

__________________

(١) كما شرحنا جانبا من ذلك في بحث سابق ، لاحظ ( ص ٨٨ ـ ٩١ ) في الفصل الثاني.


ومن المعلوم ـ في المقامين ـ أنّ مخاطب الإمام 7 إنّما هم المؤمنون بالله تعالى ، ولذا جعل كلاّ منهما « فتنة إلهية » للآخر ، ليعتبر بهذا الموقع الخطر الذي يتبوّأه كلّ منهما.

فالحديث مع الذين لا يخالفون أمر الله ولا يعادونه ، وإنّما يسيرون موافقين للإسلام ، ويعتمدون على ما سنّه من أحكام ، ولا يضرّون بالدين ، وإلاّ فالأمر يختلف ، والحديث يتفاوت ، والحقوق تكون غيرها ، والواجبات سواها.

والحاصل : أنّ ما حدّده الإمام 7 إنّما هو عن السلطان والرعية ، إذا لم يتهدّد كيان الإسلام وأحكامه وشعائره خطر من قبل السلطة ، بدليل التذكير فيه بنعم الله وحوله وقوّته وأنّه لا حول ولا قوّة إلاّ به.

وإلاّ ، لم يكن الخطاب بمثل هذا الكلام المعتمد على الإيمان بالله والاعتقاد بالواجب والإحساس بالخدمة للناس والإصلاح في المجتمع ، والاعتماد على قوة الله وحوله ، كما هوالحال في كلّ الحقوق الأخرى التي ذكرها في ( رسالة الحقوق ) فانه وجّه الخطاب الى الأمة الإسلامية في داخل الوطن الإسلامي ، وفي الحدود التي يلتزم رعاياها بشريعة الإسلام وقواعده.

وسنثبت نصّا موثوقا لرسالة الحقوق في الملحق الأوّل من ملاحق الكتاب بعون الله (١).

__________________

(١) لاحظ الصفحات ( ٢٥٤ ـ ٢٩٦ ) من كتابنا هذا.


الفصل الرابع

التزامات فَذَّة في حياة الإمام 7

أوّلا : التزام الزهد والعبادة.

ثانيا : التزام البكاء على سيّد الشهداء 7.

ثالثا : التزام الدعاء.

واخيرا : مع الصحيفة السجّاديّة هدفا ومضمونا.



تميزّت سيرة الإمام زين العابدين 7 بمظاهر فذّة ، وهي وإن كانت متوفرّة في حياة آبائه وأبنائه الأئمة : ، إلاّ أنها برزت في سيرة الإمام 7 بشكل آخر ، أكثر وضوحا ، وأوسع دورا ، مما تسترعي الانتباه ، وهي :

١ ـ ظاهرة الزهد والعبادة.

٢ ـ ظاهرة البكاء.

٣ ـ ظاهرة الدعاء.

فإذا سبرنا حياة الائمة : ، وجدناهم ـ كلّهم ـ يتميزّون في هذه المظاهر على أهل زمناهم ، إلاّ أنّها في حياة الإمام زين العابدين 7 تجاوزت الحدّ المألوف ، حتى كان 7 فريدا في الالتزام بكل منها :

العبادة والزهد ، فقد عدّ فيهما : زين العابدين وسيد الزاهدين ، حتى ضرب به المثل فيهما.

والبكاء ، فقد عدّ فيه : من البكّائين الخمسة.

وأما الدعاء : فالصحيفة التي خلّفها تكفي شاهدا على ما نقول.

وسنحاول في هذا الفصل أن نشاهد أثر الالتزام بهذه المظاهر في ملامح سيرة الإمام 7 ، ونقرأ ما خلّده لنا التاريخ من آثارها في الحياة الاجتماعية للإمام 7 ، وما استهدفه الإمام 7 من اللجوء إليها بهذا الشكل المركّز.


أوّلا : التزام الزهد والعبادة

لقد أخذت هذه الظاهرة ساعات طويلة من وقت الإمام 7 ، وملأت مساحات واسعة من صفحات سيرته الشريفة ، حتى أصبح من أشهر ألقابه « زين العابدين » (١) و « سيّد الساجدين » (٢).

والزهد ، من الفضائل الشريفة التي يتزيّى بها الرجال الطيّبون ، المخلصون لله ، الراغبون في جزيل ثوابه ، العارفون بحقيقة الدنيا وأنها فانية زائلة ، فلا يميلون الى الاستمتاع بلذّاتها ومغرياتها ، بل يقتصرون على الضروريّ الأقلّ ، من المشرب والملبس والمسكن والمأكل.

وقد اللتزم أئمّة أهل البيت بهذه الفضيلة بأقوى شكل ، وفي التزامهم بها معنى أكبر من مجرّد الفضل والخلق الجيّد ، فكونهم أئمة يقتدى بهم واُمثولة لمن يعتقد بهم ، واُسوة لمن سواهم ، وقدوة للمؤمنين ، يتبعون خطاهم ، فهم لو تخلّقوا بهذا الخلق الكريم ، قام جمع من الناس بذلك معهم ، سائرين على طرق مأمونة من الانحراف.

فللإمام السجّاد 7 في العبادة مشاهد عظيمة ، وأعمال جليلة ، وسجدات طويلة ، وصلوات متتالية ، حتى أنه كان يصلّي في اليوم والليلة « ألف ركعة » (٣) وهذا يشبه ما نقل عن جدّه الإمام علي أمير المومنين 7.

وإذا نظرنا الى عصر الإمام زين العابدين 7 ، والى ما حوله من حوادث واقعة واُمور جارية : أمكننا أن نقول : إن التزام الإمام بهذه العبادة ، وبهذا الشكل من السعة ، والإصرار ، والإعلان ، لم يكن عفويّا ، ولا عن غير قصد وهدف ، ولا لمجرد

__________________

(١) تاريخ أهل البيت : ( ص ١٣٠ ـ ١٣١ ) مختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٣٧ ) عن مالك بن أنس و ( ص ٢٣٥ ) عن الزهري.

(٢) قد مضى أن هذه الألقاب وردت في الحديث المرفوع ، فلاحظ ( ص ٣٥ ـ ٣٧ ) من كتابنا هذا.

(٣) سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٢ ) وشرح الأخبار ( ٣ : ٢٥٤ و ٢٧٢ ) والخصال للصدوق ٥١٧ وعلل الشرائع له ( ص ٢٣٢ ) والإرشاد للمفيد (٢٥٦) وكشف الغمة ( ١ : ٣٣ ) نقلا عن رسالة الجاحظ في فضل بني هاشم و ( ٢ : ٨٦ ) وفلاح السائل ( ص ٢٤٤ ) وتذكرة الحفاظ ( ١ : ٧٥ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ / ٦٧ ).


حاجة شخصيّة ، وتقرّب خاص ، بل كان وراءها تدبير اجتماعي مهمّ جدّا ، إذ أنّ الامويين ـ في تلك الفترة بالخصوص ، وبعد سيطرتهم على مقدّرات العباد والبلاد ـ جدّوا في إشاعة الفساد ، وتمييع المجتمع ، وترويج الترف واللهو ، بين الناس ، بهدف تبرير أعمالهم المخالفة للشرع المقدس ، المنافية للعرف الذي يبتنى على العفة والشرف ، وسعيا لتخدير الناس ، وإبعاد الأمة عن الروح الإسلامية الواثبة المقتدرة التي تمكّن المسلمون بها من السيطرة على مساحات شاسعة من العالم وحضارات لامبراطوريات مجاورة لها بعد أن كانوا من الشعوب المتخلّفة تتخطفهم الأمم من حولهم ، لا يملكون لعدوّهم دفعا ، ولا عن ذمارهم منعا.

وقد خاطبتهم الزهراء فاطمة ابنة رسول الله 6 واصفة حالتهم بقولها : ... وكنتم على شفا حفرة من النار ، مذقة الشارب ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطأ الأقدام ، تشربون الطرق وتقتاتون الورق ، أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بأبي (١).

فأرشدهم الرسول الى المجد والعلا والكرامة والعلم.

لكنّ الأمويين ـ ولأجل إخماد ثورة الإسلام في نفوس الناس ـ أخذوا في ترويج الفحشاء والمنكر ، والفجور والخمور ، والظلم والخيانة ، حتى ضرب بهم المثل في خرق العهود والمواثيق ، وتجاوز الأعراف والموازين المقبولة بين الناس ، وتلاعبوا بكلّ المقدّرات والمقرّرات ، وانغمسوا ـ وجرّوا الناس معهم ـ في الرذيلة واللعب ، ومعهم الجيل الناشىء من الأمة ، الذي نما على هذه الروح الطاغية اللاهية.

حتى جعلوا من مدينة الرسول الطيبّة ، مركزا للفساد.

قال أبو الفرج الأصبهاني : إن الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم ، ولا يدفعه عابدهم (٢) وحتى : كانت يثرب تعجّ بالمغنيّات ، .....

__________________

(١) بلاغات النساء ( ص ١٣ ) وانظر : فدك للقزويني ( ص ١٥٣ ) وخطبتها 3 في مسجد أبيها 6 لما منعها ابو بكر فدكا مروية في الاحتجاج للطبرسي ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( ٤ / ٧٨ ) ، وطرقها عديدة متضافرة.

(٢) الأغاني ـ طبع دار الكتب ـ ( ٨ : ٢٢٤ ) ولاحظ ( ٤ : ٢٢٢ ) ففيه موقف مالك فقيه المدينة ، وانظر العقد الفريد ( ٣ : ٢٣٣ و ٢٤٥ ).


ومن المؤسف ـ حقا ـ أن مدينة النبي 6 صارت ـ في العصر الأموي ـ مركزا للحياة العابثة ، وكان من المؤمّل أن تصبح معهدا للثقافة الدينية ، ومصدرا للإشعاع الفكري والحضاري في العالم الإسلامي ، إلاّ أن الأمويين سلبوها هذه القابلية ، وأفقدوها مركزيّتها الدينية والسياسية (١).

ولمّا خرج عروة بن الزبير من المدينة واتخذ قصرا بالعقيق ، وقال له الناس : قد أجفرت مسجد رسول الله 6! قال : إنّي رأيت مساجدهم لاهية ، وأسواقهم لاغية ، والفاحشة في فجاجهم عالية (٢).

وأضاف القرطبي : وكان في ما هناك عمّا أنتم فيه عافية (٣).

إنه ـ في مثل هذه الأجواء والظروف ـ ليس عفويا ، ولا عن غير هدف :

أن يظلّ الإمام زين العابدين 7 في المدينة ، يعظ الناس ويرشدهم ، ويدعوهم الى نبذ المتع ، ويحذّرهم من اللغو واللهو ومن الزينة والتفاخر.

فكان 7 يقول : لا قدّست اُمّة فيها البَربط (٤).

لقد كان له مجلس في مسجد الرسول 6 يعظ الناس فيه :

قال سعيد بن المسيب : كان علي بن الحسين 7 يعظ الناس ويزهّدهم في الدنيا ، ويرغّبهم في أعمال الآخرة ، بهذا الكلام ، في كل جمعة ، في مسجد رسول الله 6 ، وحفظ عنه ، وكتب ، كان يقول :

أيّها الناس! اتقوا الله واعلموا أنكم إليه ترجعون ، فتجد كلّ نفس ما عملت ـ في هذه الدنيا ـ من خير محضرا وما عملت من سوء ، تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا ، ويحذّركم الله نفسه [ مقتبس من القرآن الكريم. سورة آل عمران «٣» الآية «٣٠» ].

ويحك! يابن آدم الغافل ، وليس بمغفول عنه!

__________________

(١) لاحظ حياة الإمام زين العابدين للقرشي (ص ٦٧٠) واقرأ في الصفحات ( ٦٦٥ ـ ٦٧١ ) أخبارا من ترف الأمويين ، وحياة اللهو والغناء وحفلات الرقص في المدن المقدسة ـ المدينة ومكة ـ.

(٢) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ( ١٧ : ٢٣ ).

(٣) جامع بيان العلم ( ٢ / ).

(٤) لسان العرب مادّة ( بربط ).


يابن آدم! إن أجلك أسرع شيء إليك قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ، ويوشك أن يدركك ، وكأن قد أوفيت أجلك ، وقبض الملك روحك وصرت الى قبرك وحيدا ، فردّ إليك فيه روحك ، واقتحم عليك فيه ملكان : ناكر ونكير لمساءلتك وشديد امتحانك.

ألا ، وإن أوّل ما يسألانك : عن ربك الذي كنت تعبده؟ وعن نبيك الذي اُرسل إليك؟ وعن دينك الذي كنت تدين به؟ وعن كتابك الذي كنت تتلوه؟ وعن إمامك الذي كنت تتولاّه؟

ثمّ ، عن عمرك في ما كنت أفنيته؟ ومالك من أين اكتسبته؟ وفي ما أنت أنفقته؟

فخذ حذرك ، وانظر لنفسك ، وأعدّ الجواب قبل الامتحان والمسألة والاختبار.

فإن تك مؤمنا عارفا بدينك ، متّبعا للصادقين ، مواليا لأولياء الله ، لقّاك الله حجّتك وانطلق لسانك بالصواب وأحسنت الجواب ، وبشّرت بالرضوان والجنة من الله عز وجل ، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان.

وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك ودحضت حجّتك وعييت عن الجواب ، وبشّرت بالنار ، واستقبلتك ملائكة العذاب بنزل من حميم وتصلية جحيم.

واعلم يابن آدم : أن من وراء هذا أعظم ، وأفضع ، وأوجع للقلوب يوم القيامة ، وذلك يوم مجموع له الناس ، وذلك يوم مشهود ، يجمع الله عز وجل فيه الأولين والآخرين.

ذلك يوم ينفخ في الصور ، وتبعثر فيه القبور.

وذلك يوم الأزفة ، إذ القلوب لدى الحناجر ، كاظمين.

وذلك يوم لا تقال فيه عثرة ، ولا يؤخذ من أحد فدية ، ولا تقبل عن أحد معذرة ، ولا لأحد فيه مستقبل توبة ، ليس إلاّ الجزاء بالحسنات والجزاء بالسيئات.

فمن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ، ومن كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من شر وجده.

فأحذروا ، أيها الناس من الذنوب والمعاصي ما قد نهاكم الله عنها ، وحذّركموها في كتابه الصادق ، والبيان الناطق.

ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده ، عندما يدعوكم الشيطان اللّعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا ، فإن الله عز وجل يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ


طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) [ الأعراف «٧» الآية : ٢٠١ ].

وأشعروا قلوبكم خوف الله ، وتذكّروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه ، كما قد خوّفكم من شديد العقاب ، فإنه من خاف شيئا حذره ، ومن حذر شيئا تركه.

ولا تكونوا من الغافلين ، المائلين الى زهرة الدنيا ، الذين مكروا السيئات ، فإن الله يقول في محكم كتابه : ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ) [ النحل (١٦) الآيات ٤٥ ـ ٤٧ ].

فاحذروا ما حذّركم الله ، بما فعل بالظلمة ، في كتابه ، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظاملين في الكتاب.

والله ، لقد وعظكم الله في كتابه بغيركم ، فإن السعيد من وُعِظَ بغيره.

ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظامين من أهل القرى قبلكم ، حيث يقول : ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً ) وإنّما عنى بالقرية أهلها ، حيث يقول : ( وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) فقال عز وجل : ( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ) يعني يهربون ، قال : ( لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) فلما أتاهم العذاب ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ) [ الانبياء «٢١» الآيات « ١١ ـ ١٥» ].

وايمّ الله ، إن هذه عظة لكم وتخويف ، إن اتّعظتم وخفتم.

ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب ، فقال الله عز وجل : ( وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ) [ الأنبياء «٢١» الآية «٤٦» ].

فإن قلتم ـ أيها الناس ـ : إن الله عز وجل إنّما عنى بهذا أهل الشرك؟

فكيف ذاك؟ وهو يقول : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) [ الأنبياء «٢١» الآية «٤٧» ]؟!

إعملوا ـ عباد الله ـ إن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ولا تنشر لهم الدواوين ،


وإنما يحشرون الى جهنم زمرا ، وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام.

فاتقوا الله عباد الله.

وأعلموا أن الله عز وجل لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها ، وإنما خلق الدنيا وأهلها ليبلوهم فيها : أيّهم أحسن عملا لآخرته؟.

وإيمُ الله ، لقد ضرب لكم فيه الأمثال ، وعرّف الآيات لقوم يعقلون ، ولا قوّة إلاّ بالله.

فازهدوا في ما زهّدكم الله عزوجل فيه من عاجل الحياة الدنيا.

فإن الله عزوجل يقول ـ وقوله الحق ـ : ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [ يونس «١٠» الآية «٢٤» ].

فكونوا عباد الله ـ من القوم الذين يتفكّرون ، ولا تركنوا الى الدنيا فإن الله عزوجل قال لمحمد 6 : ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) [ هود «١١» الآية «١١٣» ].

ولا تركنوا الى زهرة الدنيا وما فيها ركون من اتّخذها دار قرار ومنزل استيطان ، فإنها دار بُلغة ، ومنزل قلعة ، ودار عمل ، فتزوّدوا الأعمال الصالحة فيها قبل تفرّق أيامها ، وقبل الإذن من الله في خرابها ، فكان قد أخربها الذي عمرّها أول مرة وابتدأها وهو وليّ ميراثها فأسأل الله العون لنا ولكم على تزوّد التقوى ، والزهد فيها.

جعلنا الله وإياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا ، الراغبين لآجل ثواب الآخرة ، فإنما نحن به وله.

وصلّى الله على محمد وآله وسلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (١).

__________________

(١) الكافي ، للكليني ( ٨ : ٧٢ ـ ٧٦ ) وتحف العقول ( ص ٢٤٩ ـ ٢٥٢ ) وأمالي الصدوق ( المجلس (٧٦) ص ( ٤٠٧ ـ ٤٠٩ ).


وكان 7 يعظ أصحابه (١) ويعظ الخليفة وأعوانه (٢).

ويجسّد في نفسه كل المواعظ والنصائح ، حتى يكون اُمثولة للسامعين والمشاهدين.

وقد نقلت آثار في هذا الباب عنه 7 ، نذكر منها :

١ ـ كان علي بن الحسين 7 إذا مشى لا يجاوز يديه فخذيه ، ولا يخطر بيده (٣).

٢ ـ وكان إذا قام الى الصلاة أخذته رعدة ، فقيل له : ما لك؟

فقال : ما تدرون بين يدي من أقوم؟ ومن أناجي؟ (٤).

٣ ـ وقيل : إنه كان إذا توضّأ أصفرّ لونه ، فيقول له أهله : ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟

فيقول : تدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ (٥).

٤ ـ قال سفيان بن عيينة : حجّ علي بن الحسين 7 فلمّا أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه ، وانتفض ... ولم يستطع أن يلبي ، فقيل له : ما لك؟

فقال : أخشى أن أقول : « لبّيك » فيقول لي : « لا لبيك » ).

٥ ـ وقال مالك بن أنس : أحرم علي بن الحسين 7 ، فلمّا أراد أن يقول : « لبّيك اللّهمّ لبيّك » قالها فأغميَ عليه ، حتى سقط من راحلته (٧).

__________________

(١) كما رأينا صحيفته في الزهد الى أصحابه ( راجع ص ١٢٣ ـ ١٢٥ ) من الفصل الثالث.

(٢) سيأتي ذكر مواعظ لهم في الفصل الخامس ( ص ٢٢١ ـ ٢٣٠ ).

(٣) تاريخ دمشق الأحاديث ( ٦ ـ ٦٣ ) مختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٣٦ ) وانظر سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٢ ).

(٤) تاريخ دمشق الأحاديث ( ٦ ـ ٦٣ ) مختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٣٦ ) وانظر سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٢ ).

(٥) تاريخ دمشق الأحاديث ( ٦ ـ ٦٣ ) مختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٣٦ ) وانظر سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٢ ) وروي الحديث الثالث في العقد الفريد ( ٣ : ١٦٩ ).

(٦) تاريخ دمشق الأحاديث ( ٦ ـ ٦٣ ) مختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٣٦ ) وانظر سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٢ ).

(٧) تاريخ دمشق ( الحديث ٦٤ ) ومختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٧ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٢ ).


قال : وبلغني أنه كان يصلّي في كل يوم وليلة ألف ركعة الى أن مات (١).

٦ ـ وقع حريق في بيت فيه الإمام زين العابدين 7 فجعلوا يقولون له : يابن رسول الله! النار! يابن رسول الله! النار!

فما رفع راسه حتى أطفئت ، فقيل له : ما الذي ألهاك عنها؟

قال : ألهتني النار الأخرى! (٢).

٧ ـ قالوا : وكان علي بن الحسين 7 يخرج على راحلته الى مكة ويرجع ، لا يقرعها (٣).

٨ ـ وروى ابن طاوس عن الصادق 7 قال : كان علي بن الحسين 7 إذا حضر الصلاة اقشعّر جلده ، واصفرّ لونه ، وارتعد كالسعفة (٤).

ولنقرأ معا كلاما له 7 في الزهد ، لنقف على معالم رفيعة وآفاق وسيعة مما عند الإمام في هذا المقام :

إنّ علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة تركهم كل خليط وخليل ورفضهم كلّ صاحب لا يريد ما يريدون.

إلا وإن العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا ، الآخذ للموت أهبته ، الحاثّ على العمل قبل فناء الاجل ونزول ما لابدّ من لقائه. وتقديم الحذر قبل الحين ، فإنّ الله عزوجل يقول : ( حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (٥) ) فلينزلنّ أحدكم اليوم نفسه في هذه الدنيا كمنزلة المكرور الى الدنيا ، النّادم على ما فرّط فيها من العمل الصالح ليوم فاقته.

واعلموا عباد الله : أنّه من خاف البيات تجافى عن الوساد. وامتنع من الرّقاد ،

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ٦٤ ) ومختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٧ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩٢ ) وانظر ( ص ١٥٨ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ١٠ ) ومختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٦ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ١ ـ ٣٩٢ ).

(٣) تاريخ دمشق ( الحديث ١٠٠ ) ومختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٣ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٨٨ ).

(٤) فلاح السائل ( ص ٩٦ ) عن كتاب ( زهرة المهج وتواريخ الحجج ).

(٥) المؤمنون آية ١٠٠.


وأمسك عن بعض الطعام والشراب من خوف سلطان أهل الدنيا ، فكيف ، ويحك يا ابن آدم ، من خوف بيات سلطان رب العزّة وأخذه الأليم وبياته لأهل المعاصي والذنوب مع طوارق المنايا باللّيل والنّهار؟ فذلك البيات الّذي ليس منه منجى ، ولا دونه ملتجا ، ولا منه مهرب.

فخافوا الله أيّها المؤمنون من البيات خوف أهل التقوى ، فإن الله يقول : ( ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١) ).

فاحذروا زهرة الحياة الدنيا وغرورها وشرورها وتذكّروا ضرر عاقبة الميل إليها ، فإن زينتها فتنة وحبّها خطيئة.

واعلم ويحك يابن آدم أن قسوة البطنة وكظة الملأة وسكر الشبع وغرة الملك مما يثبّط ويبطّىء عن العمل وينسي الذّكر ويلهي عن اقتراب الأجل ، حتى كأنّ المبتلى بحبّ الدّنيا به خبل من سكر الشّراب.

وأنّ العاقل عن الله ، الخائف منه ، العامل له ليمرّن نفسه ويعوّدها الجوع حتى ما تشتاق الى الشبع ، وكذلك تضمّر الخيل لسبق الرّهان.

فاتقوا الله عباد الله تقوى مؤمّل ثوابه وخائف عقابه فقد ـ لله أنتم ـ أعذر وأنذر وشوّق وخوّف ، فلا أنتم الى ما شوّقكم إليه من كريم ثوابه تشتاقون فتعملون ، ولا أنتم مما خوّفكم به من شديد عقابه وأليم عذابه ترهبون فتنكلون.

وقد نبّأكم الله في كتابه أنّه : ( فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٢) ).

ثم ضرب لكم الأمثال في كتابه وصرّف الآيات لتحذروا عاجل زهرة الحياة الدنيا فقال : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) ).

فاتّقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا ، فاتقوا الله واتّعظوا بمواعظ الله ، وما أعلم إلاّ كثيرا منكم قد نهكته عواقب المعاصي فما حذرها وأضرّت بدينه فما مقتها ، أما

__________________

(١) سورة ابراهيم آية ١٤.

(٢) سورة الأنبياء آية ٩٤.

(٣) سورة التغابن آية ١٥.


تسمعون النداء من الله بعيبها وتصغيرها حيث قال : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ

) (١).

وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (٢).

فاتّقوا الله عباد الله ، وتفكروا واعملوا لما خلقتم له ، فإن الله لم يخلقكم عبثا ولم يترككم سدى ، قد عرّفكم نفسه وبعث إليكم رسوله وأنزل عليكم كتابه ، فيه حلاله وحرامه وحججه وأمثاله.

فاتّقوا الله فقد احتج عليكم ربّكم فقال : ( أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (٣) فهذه حجّة عليكم فاتّقوا الله ما استطعتم فإنّه لا قوّة إلاّ بالله ولا تكلان إلاّ عليه ، وصلّى الله على محمد [ نبيه ] وآله (٤).

إن الأبعاد الأخرى التي أنتجتها سيرة الإمام زين العابدين 7 في الزهد والعبادة ، هي :

١ ـ اعتراف علماء البلاط بفضل أهل البيت :.

على الرغم من أن الحكّام يحاولون التغطية على فضائل المعارضين لهم ولا سيما آل اُمية الذين ضربوا الأرقام القياسية في هذه الخصلة الذميمة ، بإعلان السبّ لأهل البيت على المنابر ، وإيعازهم الى وعّاظ السلاطين بوضع الحديث في قدحهم وذمّهم ،

__________________

(١) سورة الحديد آية ٢٠ ـ ٢١.

(٢) سورة الحشر آية ١٨ ـ ١٩.

(٣) سورة البلد آية ٨ ـ ١٠.

(٤) تحف العقول ( ص ٢٧٢ ـ ٢٧٤ ).


فإن علماء البلاط الاموي في عصر الإمام زين العابدين 7 ، لم يمكنهم إخفاء فضل الإمام السجّاد 7 فضلا عن الغضّ منه ، لأن سيرته لم تكن تخفى على أحد من الناس ، فقد اضطروا الى إضهار تصريحات واضحة تعلن فضل الإمام 7 ، بالرغم من ارتباطهم بالحكم الأموي الجائر ، أو موالاتهم له ، وكذلك من تلاهم من فقهاء العامة ورجالهم :

قال يحيى بن سعيد : سمعت علي بن الحسين ، وكان أفضل هاشمي أدركته (١).

وقال الزهري : ما رأيت قرشيّا ـ أو هاشميا ـ أفضل من علي بن الحسين (٢).

وقال سعيد بن المسيب : ما رأيت أورع منه (٣).

وقال حماد بن زيد : كان علي بن الحسين أفضل هاشمي أدركته (٤).

لقد فرض الإمام زين العابدين 7 نفسه على كل المناوئين لأهل البيت : حتى لم يشذ أحد منهم عن تعظيمه وتجليله.

٢ ـ إبراز فضل أهل البيت :.

ولقد كان الموقع الذي احتلّه الإمام زين العابدين 7 بفضله وعبادته وزهده ، بين الأمة ، أحسن فرصة كي يعلن فضل أهل البيت : ، الذي جهد الأعداء الظالمون في إخفائه :

ففي الحديث أن جابرا قال له : ما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك؟ ... يابن رسول الله! البقيا على نفسك ، فإنك من اُسرة بهم يستدفع البلاء ، وبهم تستكشف اللأواء ، وبهم تستمسك السماء؟

__________________

(١) طبقات ابن سعد ( ١ : ٢١٤ ) وتاريخ دمشق ( الحديث ٤٧ ) ومختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٥ ).

(٢) سير أعلام النبلاء ( ٤ : ٣٨٧ ) ولاحظ تاريخ دمشق ( الأحاديث ٣٧ و ٤١ و ٥٠ ) ومختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣١ و ٢٣٥ ).

(٣) سير اعلام النبلاء ( ٤ : ٣٩١ ) ومختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٣٦ ) وحلية الاولياء ( ٣ : ١٤١ ).

(٤) تهذيب الأسماء واللغات ( ١ : ٣٤٣ ).


فقال الإمام : يا جابر ، لا أزال على منهاج أبويّ مؤتسيا بهما حتى ألقاهما.

فاقبل جابر على من حضر فقال : ما رؤي في أولاد الانبياء مثل علي بن الحسين ، إلاّ يوسف بن يعقوب ، والله لذريّة علي بن الحسين أفضل من ذرية يوسف (١).

فإن قوله : « منهاج أبويّ ـ يعني : عليا والحسين 8 ـ مؤتسيا بهما » يعني : أن ما يتمتع به الإمام زين العابدين 7 هو ما كان يتمتع به أبوه الحسين وجدّه علي 8 ، وأن ما قام به أبواه من الجهاد يقوم به الإمام السجاد ، لأنه مثلهما في الامامة ، ووارثهما في الكرامة.

وفي حديث عن الصادق 7 في ذكر أمير المؤمنين 7 وإطرائه ومدحه بما هو أهله ، وزهده في المأكل ، قال : وما أطاق عمل رسول الله 6 من هذه الأمة غيره ، ثم قال : وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين 7.

قال : ولقد دخل أبو جعفر ـ ابنه ـ عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، فرآه ، وقد اصفرّ لونه من السهر ، ورمصت عيناه من البكاء ...

قال أبو جعفر 7 : فلم أملك ـ حين رايته بتلك الحال ـ البكاء ، فبكيت رحمة له ، فإذا هو يفكّر ، فالتفت إليّ ـ بعد هنيئة من دخولي ـ فقال : يابني ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب 7 ، فأعطيته ، فقرأ فيها شيئا يسيرا ، ثم تركها من يده تضجّرا ، وقال : من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب 7؟ (٢).

وعن الصادق 7 قال : كان علي بن الحسين 7 إذا أخذ كتاب علي 7 فنظر فيه قال : من يطيق هذا؟ من يطيق هذا؟ (٣).

وهكذا يعلن الإمام زين العابدين 7 ـ وهو في أعلى قمم العبادة والاجتهاد في الطاعة ـ أنه لا يقوى على عبادة جدّه علي 7!

فإلى أيّ سماء ترتفع فضيلة أمير المؤمنين علي 7 في العبادة ، بعد هذه الشهادة!؟

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب ( ٣ : ٢٨٩ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٧٩ ) ولاحظ : أمالي الطوسي ( ٢ : ٢٥٠ ).

(٢) شرح الأخبار للقاضي ( ٣ : ٢٧٢ ) والإرشاد للمفيد ( ص ٢٥٦ ) والمناقب لابن شهر آشوب ( ٤ : ١٤٩ ) وكشف الغمة ( ٢ : ٨٥ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٧٥ ).

(٣) الكافي للكليني ، الروضة ( ٨ : ١٦٣ ).


إن الإمام زين العابدين 7 بهذا الجهاد الظريف يحرق ما كدّسه بنو اُمية طوال السنين المظلمة لحكمهم من أطنان الكذب والافتراء ضدّ علي 7 ، وينسف كل الاُسس التي بنوا عليها ظلمهم وجورهم لسيد العترة وزعيم أهل البيت الطاهر أمير المؤمنين علي 7.

٣ ـ إنارة السبيل للعُبّاد والصالحين :

إن الإمام زين العابدين 7 وهو يمثّل الإسلام في تصرفاته وأقواله ، كان المثل الأفضل للعبّاد والصالحين ، ومن أراد أن يدخل هذا المسلك الشريف فله من الإمام 7 خير دليل ومرشد ، ومن أقواله خير منهج وطريقة.

وقد رسم خطوطا عريضة للسير والسلوك ، تمثّل أفضل ما قرّره علماء هذا الفنّ ، وإليك أمثلة من تلك :

فقال 7 : إنّ قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ، وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجّار ، وقوما عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار (١).

فربط بين الحرية ، وبين عبادة الله ، وبين الروح غير الخانعة ولا الطامعة بل المتطلّعة الى الله ، والمتقرّبة الى رضوانه ، بالتزام العبادة له ، والطالبة للمزيد بالشكر ، حيث وعد وقال : ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ ) [ سورة إبراهيم (١٤) الآية ٧ ].

وسئل 7 : عن صفة الزاهد في الدنيا؟

فقال : يتبلّغ بدون قوته ، ويستعد ليوم موته ، ويتبرّم في حياته (٢).

وقال له رجل : ما الزهد؟

فقال 7 : الزهد عشرة أجزاء :

فأعلى درجات الزهد ، أدنى درجات الورع ، وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين ، وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضا ، وإن الزهد في آية من كتاب الله ( لِكَيْلَا

__________________

(١) تاريخ دمشق ( الحديث ١٤١ ) وهذا من كلام الإمام علي أمير المؤمنين 7 رواه الرضي في نهج البلاغة بالارقام ( ٦٥ و ٢٣٧ و ٢٧٦ ) من الباب الثالث : قصار الحكم.

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ١٣٤ ).


تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ) [ الحديد «٥٧» الآية : ٢٣ ] (١).

ومن أظرف أمثلة مواعظه ، ما روي عنه من الخطاب الموجّه الى « النفس » يقول : « يا نفس ، حتام الى الدنيا سكونك ، والى عمارتها ركونك ، أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك؟ ومن وارته الأرض من ألاّفك؟ ومن فجعت به من إخوانك؟ ونقل الى الثرى من أقرانك؟

فهم في بُطونهم الأرض بعد ظهورها

محاسنهم فيها بَوالٍ دوائرُ

خلت دورهم منهم وأقوت عِراصُهم

وساقتْهم نحو المنايا المقادر

وخلّوا عن الدنيا وما جمعوا لها

وضمَّهم تحت التراب الحفائرُ (٢)

وهكذا يسترسل الإمام 7 مع النفس في خطاب رقيق ، وحساب دقيق ، ويناجيها ، يعرض عليها العبر ، ويذكّرها بما فيه مزدجر ، ويبعّدها عن الدنيا وزينتها والغرور بها ، ويقرّبها الى الآخرة ونعيمها وما فيها من جوار الله ورحمته ، في مقاطع نثريّة رائعة ، تتلوها معان منظومة ، في ثلاثة أبيات بعد كل مقطع ، بلغت (١٨) مقطعا (٣).

وهكذا ، لم يترك الإمام 7 طريقا إلاّ سلكه ولا جهدا إلا استنفده ، ليدرك الامة كيلا تقع في هوّة الانحراف ، وحياة الترف التي صنعتها لها آل اُمية!

__________________

(١) تحف العقول ( ص ٢٧٨ ـ ٢٧٩ ).

(٢) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( الحديث ١٣٥ ) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٤٩ ـ ٢٥٤ ) ونقله ابن كثير في تاريخ البداية والنهاية ( ٩ : ١٠٩ ـ ١١٣ ).

وانظر عوالم العلوم ( ص ١٢٤ ) عن المناقب لابن شهر آشوب ( ٣ / ٢٩٢ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ / ٨٣ ).

(٣) وقد نسب كتاب منظوم الى الإمام السجاد 7 باسم « المخمسات » في نسخة محفوظة في خزانة مخطوطات مكتبة آية الله المرعشي 1 ، ذكرها السيد أحمد الحسيني في التراث العربي في تلك الخزانة ( ٥ / ٢٨ ) أوله :

تـبارك ذو العـلى والكـبرياء

تـفرد بـالـجلال وبـالبقاء

وسوّى الموت بين الخلق طُـرّا

وكلهم رهائن للفناء

رقم النسخة (٥٥٥٧) وتاريخها (٩٠٣).


١ ـ تزييف دعاوي المبطلين من دعاة التصوّف والرهبنة :

ومع أنّ الإمام زين العابدين 7 كان المثل الأعلى للزهد والعبادة في عصره ، حتى غلبت عليه هذه الصفة أكثر من غيرها ، إلاّ أنّه 7 وقف من المتظاهرين ـ كذبا ـ بالزهد ، والمائلين الى الانعزال عن المشاكل ، والتاركين للحكّام وللناس ، يظلم اُولئك هؤلاء ، ويتبع هؤلاء اُولئك ، والذين قبعوا ـ حسب نظرتهم ـ على إصلاح أنفسهم وأعمالهم ، تلك الحالة التي سمّيت من بعد بالتصوّف ، وسمّي أهلها بالصوفيّة.

وقف الإمام 7 من هذه الحالة ومن دعاتها ورعاتها ، موقف الردّ والإنكار وإعلان الخطأ في طرقهم ، وحاول إرشادهم الى طرق السلوك الصائبة ، بما قدّمه إليهم والى الأمة من مواعظ وأدعية وخطب ورسائل وأجوبة تحدّد لهم معالم الطرق القويمة والسبل المستقيمة ، والموصلة الى الهدى والرشاد.

وبما كان الإمام يتمتّع به من مكانة مرموقة معترف بها ، في الإيمان والشرف ، حسبا ونسبا ، وخاصة في الزهد والعبادة ، فإن كلامه في هذا المجال كان هو المقبول ، ومواقفه التي كان يتخذها من المتظاهرين بالزهد ، كانت هي الناجحة والغالبة.

وقد تركّز انحرافهم في نقطتين هامّتين :

١ ـ محاولتهم الانعزال عن الحياة الاجتماعية ، بعدم تدخلهم في ما يمسّ وجودهم بسوء أو ضرر ، مثل التعرّض للظلم والفساد الذي يجري حواليهم ، وخاصة من قبل الخلفاء والولاة وكل من يمتّ الى السلطان والحكومة بصلة! خوفا على أنفسهم من الموت والهلكة.

وقد كان يجرّهم هذا التفكير الى مداراة الظلمة ، والخضوع لهم ، والحضور في مجالسهم ، بل الانخراط في مظالمهم ، وتصويب أعمالهم ، بالرغم من معرفة ظلمهم وعدم استحقاقهم للمقامات التي احتلّوها.

٢ ـ وعلى أثر النقطة الاولى ، فإنهم ابتعدوا عن أهل البيت : ، لأنهم كانوا هم المعارضين السياسيّين ، فكان الاتصال بهم يعني المحسوبيّة عليهم وعلى خطّهم ،


فابتعدوا عنهم ، وأقلّ آثار ذلك هو الحرمان من تعاليمهم القيمة ، والتردّي في ظلمات الجهل والانحراف.

وبما أن اولئك المتظاهرين كانوا يمثلون في أنظار الناس بمنزلة علماء زهّاد ، فأن استمرارهم على تلك الحالة الانحرافية كان يغري الناس البسطاء بصحة سلوكهم المنحرف ، وتفكيرهم الخاطيء فكان على الإمام زين العابدين 7 أن يصدّهم ، إرشادا لهم ، وإيقافا للاُمّة على حقيقة أمرهم ، وكشفا لانحرافهم وخطئهم في السلوك والمنهج :

فموقفه من عبّاد البصرة ، الذين دخلوا مكّة للحجّ ، وقد اشتدّ بالناس العطش لقلة الغيث ، قال أحدهم : « ففزع إلينا أهلُ مكة والحجّاج يسألوننا أن نستسقي لهم »؟!

والكلام الى هنا يدل على مدى اهتمام الناس بهؤلاء العبّاد!

قال : فأتينا الكعبة وطفنا بها ، ثم سألنا الله خاضعين متضرّعين بها ، فمنعنا الإجابة ، فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل ، وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطا ، ثم أقبل علينا ، فقال :

يا مالك بن دينار ، ويا ... ويا ...

وذكر الإمام 7 أسماءهم كلّهم ، بحيث يبدو أنه يريد أن يعرفهم للناس بأعيانهم!

قال الراوي : فقلنا : لبيك وسعديك ، يا فتى!

فقال : أما فيكم أحد يحبّه الرحمن؟

فقلنا : يا فتى ، علينا الدعاء وعليه الإجابة!

فقال : أبعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه!

ثم أتى الكعبة ، فخرّ ساجدا ، فسمعته يقول في سجوده : « سيّدي بحبّك لي إلاّ سقيتهم الغيث ».

قال : فما استتمّ الكلام حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب!

قال الراوي : فقلت : يا أهل مكة ، من هذا الفتى؟

قالوا : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : (١).

__________________

(١) الاحتجاج ( ٣١٦ ـ ٣١٧ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٥٠ ـ ٥١ ).


إن ابتعاد أهل البصرة عن أهل البيت : الى حدّ الجهل بهم ليس بتلك الغرابة ، لأنّ انحرافهم عن أهل البيت قد تجذّر فيهم منذ حرب الجمل ووقعته الرهيبة ، وقد بقيت آثارها فيهم حتى دهر سحيق ، فلما خرج حفص بن غياث القاضي الى عبادان ـ وهو موضع رباط ـ فاجتمع إليه البصريّون فقالوا له : لا تحدّثنا عن ثلاثة : اشعث بن عبدالملك ، وعمرو بن عبيد ، وجعفر بن محمد ... (١).

فتلك شنشنة أعرفها من أخزم!

لكن كلّ الغرابة من أهل مكّة المجاورين للمدينة؟ والذين يعرفون الإمام كاملا ، كيف اغترّوا بأولئك الزهّاد ، القادمين من بعيد ، ولجأوا إليهم يطلبون الغيث منهم ، وهذا الإمام زين العابدين ، وحجّة الزاهدين بينهم يتركونه ، بل لا يعرف إلاّ بالسؤال عنه!؟

لم يتصور ظلم على أهل البيت : أكثر من هذا! في مركز الدين والإسلام ، مكة ، وعند أشرف البقاع وأعظمها « الكعبة الشريفة »!!

وما الذي جعل أهل مكّة يتركون الإمام علي بن الحسين 7 وهم يعرفونه حسبا ونسبا ، فيلجأون الى أناس جاءوا من البصرة؟

إنّه ليس إلاّ الانحراف عن أهل البيت : والجهل بحقّهم وفضلهم ، إن لم يكن العداء لهم!!

وهكذا تصدّى الإمام لهذا الانحراف وأسقط ما في أيدي أولئك العبّاد المتظاهرين بالزهد ، الذين لا يعرف واحدهم زين العابدين ، إمام زمانه ، وسيّد أهل البيت.

فكشف عن زيف دعواهم ، وسوء نيّاتهم ، وضلال سبلهم حيث عندوا عن حقّ أهل البيت ، ولم يعترفوا لهم بالفضل.

وللإمام 7 مواقف اُخرى مع آحاد من هؤلاء العباد ، مثل موقفه من الحسن البصري ، ومن طاوس ، وغيرهما (٢).

إن الزهد الذي قام الإمام زين العابدين 7 بإحيائه كان مثل زهد النبي 6

__________________

(١) تهذيب الكمال للمزّي ( ٥ / ٧ ـ ٧٨ ).

(٢) لاحظها في حلية الأولياء ، وصفوة الصفوة ، وكشف الغمة.


وعليّ والأئمة : ، الذي يطابق ما قرّره الإسلام ، وينبذ كل أشكال الانحراف والزيف والتزوير ، والرهبانية المبتدعة.

ولقد اُثِرَتْ عن الإمام زين العابدين 7 نصوص جاء فيها شرح العبادات من وجهات نظر روحيّة بما عجز عن إدراكه كبار المتصدّين لمثل هذه المعارف ، فمن ذلك ما روي عنه في تفسير معاني أفعال الحج (١) وأقسام الصوم (٢).

أضف الى أن عمل الإمام كان تعديلا لسلوك الامة في اغترارها بمناهج أولئك المتظاهرين المزيّفين ، المنحرفين عن ولاء أهل البيت : وأئمة الحق والصدق ، الذين مثّلهم الإمام زين العابدين 7 يومذاك.

إن الإمام 7 حذر الأمة من الإغترار بالذين يتظاهرون بالزهد ، ممن يحبّ الترؤّس على الناس ، يجتمعون حوله ، ويلتذّ بالفخفخة والتمجيد ، ولو على حساب المعرفة بالدين والفقه!

ففي الحديث أنه قال 7 : إذا رأيتم الرجل قد حسّن سمته وهديه ، وتماوت في منطقه ، وتخاضع في حركاته ، فرويدا لا يغرّنكم!

فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها ، لضعف نيّته ، ومهانته ، وجبن قلبه ، فنصب الدين فخّا لها ، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره ، فإن تمكّن من حرام اقتحمه.

وإذا وجدتموه ، يعفّ عن المال الحرام ، فرويدا ، لا يغرّنكم!

فإن شهوات الخلق مختلفة! فما أكثر من ينبو عن المال الحرام ، وإن كثر! ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرّما.

فإذا وجدتموه يعفّ عن ذلك ، فرويدا لا يغرّنكم!

__________________

(١) مستدرك الوسائل ( ٢ : ١٨٦ ) أبواب العود الى منى ، الباب (١٧) الحديث (٥) وطبعة مؤسسة آل البيت : ( ١٠ / ١٦٦ ) رقم (١١٧٧٠). ويلاحظ أن الراوي عن الإمام مسمّى بـ « شبلي » وليس في الرواة عنه ، ولا من عاصره من هو بهذا الاسم ، ولعله مصحّف « شيبة » وهو ابن نعامة ، المذكور في أصحابه 7.

(٢) حلية الأولياء ( ٣ : ١٤١ ) وفرائد السمطين للحمويني ( ٢ : ٢٣٣ ) وكشف الغمة ( ٢ : ١٠٣ ـ ١٠٥ ) ولاحظ : المقنعة للشيخ المفيد ( ص ٣٦٣ ) الباب (٣٢ ) ووسائل الشيعة ، كتاب الصوم ، أبواب بقية الصوم الواجب ، الباب (١٠) الحديث (١).


حتى تنظروا ماعقدة عقله؟ فما أكثر من ترك ذلك أجمع ، ثم لا يرجع الى عقل متين ، فيكون ما يفسد بجهله أكثر مما يصلحه بعقله.

فإذا وجدتم عقله متينا ، فرويداً لا يغرّنكم!

حتى تنظروا ، أمع هواه يكون على عقله ، أم يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبّته للرئاسات الباطلة؟ وزهده فيها؟

فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة ، بترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة ، حتى إذا قيل له : « اتّق الله » أخذته العزّة بالإثم ، فحسبه جهنم ولبئس المهاد (١).

فهو يخبط خبط عشواء ، يوفده أول باطل الى أبعد غايات الخسارة ، ويمدّ به ـ بعد طلبه لما لا يقدر عليه ـ في طغيانه ، فهو يحلّ ما حرّم الله ، ويحرّم ما أحلّ الله ، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرئاسة التي قد شقي من أجلها.

فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذابا مهينا (٢).

ولكن الرجل ، كلّ الرجل ، نعم الرجل :

هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضا الله ، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب الى عزّ الابد ، من العزّ في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤدّيه الى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وأن كثير ما يلحقه من سرّائها ـ إن أتّبع هواه ـ يؤدّيه الى عذاب لا انقطاع له ولا يزول.

فذلكم الرجل ، نعم الرجل :

فبه فتمسّكوا ، وبسنّته فاقتدوا ، والى ربكم فتوسّلوا ، فإنه لا ترّد له دعوة ، ولا يخيب له طلبة (٣).

ولحن هذا الكلام ، يعطي أنّه خطاب عام وجّهه الإمام الى مستمعيه ، أو من طلب منه الإجابة عن سؤال حول من يجب الالتفات حوله والأخذ منه؟

__________________

(١) اقتباس من القرآن الكريم ، سورة البقرة (٢) الآية : ٢٠٦.

(٢) اقتباس من القرآن الكريم ، سورة الاحزاب (٣٣) الآية (٥٧).

(٣) الاحتجاج ( ص ٣٢٠ ـ ٣٢١ ).


ومهما يكن ، فإنّ كلام الإمام 7 يبدو واضحا قاطعا للعذر ، وهو غير متّهم في موقفه من الزهد والتواضع ، وما الى ذلك مما يراد استغلاله من قبل المشعوذين ، لإغراء العوام ، وإغواء الجهّال.

إنّ فيه تحذيرا من علماء السوء ، المتزيّين بزيّ أهل الصلاح ، والمتظاهرين بالورع والتقى ، ولكنهم يبطنون الخبث والمكر ، والدليل على ذلك ارتباطهم الوثيق بأهل الدنيا والرئاسات الباطلة ، من الحكّام والولاة وأصحاب الأموال.

وسيأتي الحديث عن موقفه من أعوان الظلمة في الفصل الخامس.

٥ ـ إرعاب الظالمين :

إن الواقعيّة التي التزمها الإمام زين العابدين 7 في حياة الزهد والعبادة ، كما اتفتحت له بها قلوب الناس الطيّبين ، فكذلك اقتحم بها على الظالمين أبراجهم ، وقصورهم ، فملأ أثوابهم خيفة ورهبة ، كما غشّى عيونهم وأفكارهم بما رأوه عليه من المظهر الزاهد ، والاشتغال بالعبادة.

ولقد قرأنا في حديث مسلم بن عقبة ـ سفّاح الحرّة ـ لمّا طلب الإمام ، فأكرمه ، وقد كان مغتاظا عليه ، يبرأ منه ومن آبائه ، فلمّا رآه ـ وقد اشرف عليه ـ اُرعب مسلم بن عقبة ، وقام له ، وأقعده الى جانبه!

فقيل لمسلم : رايناك تسبّ هذا الغلام وسلفه ، فلما اُتي به إليك رفعت منزلته؟

فقال : ما كان ذلك لرأي منّي ، لقد مليء قلبي منه رعبا (١).

وسنقرأ في حديث عبدالملك بن مروان ، لمّا جلب الإمام مقيّدا مغلولا من المدينة الى الشام ، فلمّا دخل عليه الإمام 7 بصورة مفاجئة قال لعبد الملك : ما أنا وأنت؟

قال عبد الملك : قلت : أقم عندي.

فقال الإمام : لا اُحبّ ، ثم خرج.

قال عبدالملك : فوالله ، لقد امتلأ ثوبي منه خيفة (٢).

__________________

(١) مروج الذهب ( ٣ : ٨٠ ) وانظر ما مضى ص (٧١) الفصل الأول.

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ٤٢ ) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٤ ـ ٢٣٥ ).


ومهما يكن من تدخل أمر « الغيب » في هذه القضايا ، وفرضه لنفسه على البحث ، الاّ أن من المعلوم كون تصرف الإمام 7 نفسه ، وحياته العملية وتوجّهاته المعنوية ، وتصرّفاته المعلنة في الإدعية ، والمواعظ ، والخطب والمواقف ، وما تميّزت به من واقعية ، كل هذا ـ المجهول لاُولئك العمي البصائر ـ قد أصبح أمرا يهزّ كيانهم ، ويزعزع هدوءهم ، ويملؤهم بالرعب والخفية.

ولقد استغلّ الإمام ذلك لصالح أهدافه الدينيّة وأغراضه الاجتماعية.

ومع كلّ هذا التعرض والتحدّي ، وكل هذه الأبعاد المدركة والآثار المحسوسة ، مع دقتها وعمقها ، فإنّ التحفظ على ما في ظواهرها ، وجعلها « روحيّة » فقط وعدم الاعتقاد بكونها نتائج طبيعيّة من صنع الإمام وإرادته ، يدلّ على سذاجة في قراءة التاريخ ، وظاهريّة في التعامل مع الكلمات والأحداث ، وقصور في النظر والحكم.

وكذلك الاستناد الى كلّ تلك المظاهر ، ومحاولة إدراج الإمام مع كبار الصوفيّة وجعله واحداً منهم (١) ، فهو بخلاف الإنصاف والعدل؟!

ولماذا يقع اختيار عبد الملك الخليفة على الإمام 7 ، من بين مجموعة الزهّاد والعبّاد ، ليوجّه اليه الإهانة ، ويلقي القبض عليه ، ويكبّله بالقيود والأغلال ، ويرفعه الى دمشق؟! دون جميع المتزهدين والعباد الآخرين؟!

بينما كل اولئك المتظاهرين بالزهد ، متروكون ، بل محترمون من قبل السلطان وأجهزة النظام!؟

لو لم يكن في عمل الإمام ما يثير الخليفة الى ذلك الحدّ!

__________________

(١) لاحظ الفكر الشيعي ( ص ٣١ و ٦٨ ) والصلة بين التصوف والتشيع ( ص ١٤٨ ) و ( ص ١٥١ و ١٥٧ ) وانظر خاصة ( ص ١٦١ ).


ثانيا : التزام البكاء على سيد الشهداء 7

لقد صاحبت هذه الظاهرة الإمام زين العابدين 7 مدّة إمامته ونضاله ، بحيث لا يمكن المرور على أيّ مرفق من مرافق عمره الشريف ، أو أيّ موقف من مواقفه الكريمة : إلاّ بالعبور من مجرى دموعه وفيض عيونه.

ولا ريب أنّ البكاء ، كما أنه لا يتهيّأ للإنسان إلاّ عند التأثّر بالأمور الأكثر حساسية ، وإثارة وحرقة ، ليكون سببا للهدوء والترويح عن النفس.

فكذلك هو وسيلة لإثارة القضية ، أمام الآخرين ، وتهييج من يرى دموع الباكي تنهمر ، ليتعاطف معه طبيعيا ، وعلى الأقل يخطر على باله التساءل عن سبب البكاء؟

وإذا كان الباكي شخصية مرموقة ، وذا خطر اجتماعي كبير ، مثل الإمام زين العابدين 7 ، فإن ظاهرة البكاء منه ، مدعاة للإثارة الاكثر ، وجلب الاهتمام الأكبر ، بلا ريب.

والحكّام الظالمون ، فهم دائما يهابون الثوّار في ظلّ حياتهم ، فيحاولون إسكاتهم بالقتل والخنق ، مهما أمكن ، ويتصّورون ذلك أفضل السبل للتخلّص منهم ، أو تطويقهم بالسجن والحبس.

وكذلك هم يحاولون بكل جدّية ، في إبادة آثار الثورة ومحوها عن الأنظار ، والأفكار حتى لا يبقى منها ولا بصيص جذوة.

ولكنهم ـ رغم كل قدراتهم ـ لم يتمكّنوا من اقتلاع العواطف التي تستنزف الدموع من عيون الباكين على أهليهم وقضيّتهم ، فالبكاء من أبسط الحقوق الطبيعية للباكين.

والإمام زين العابدين 7 قد استغل هذا الحقّ الطبيعي في صالح القضية التي من أجلها راح الشهداء صرعى على أرض معركة كربلاء.

وإذا أمعنّا النظر في تحليل التاريخ وتابعنا مجريات الأحداث ، التي قارنت كربلاء ، وجدنا أن المعركة لم تنته بعد ، وإنما الدماء الحمر ، أصبحت تجري اليوم دموعا حارة بيضا ، تحرق جذور العدوان ، وتجرف معها مخلفّات الانحراف وتروّي بالتالي اُصول الحق والعدالة.


وبينما يعدّ الطغاة ظاهرة البكاء دليلا على العجز والضعف والانكسار والمغلوبيّة ، فهم يكفّون اليد عن الباكي ، لكون بكائه علامة لاندحاره أمام القوّة ، وعلامة الاستسلام للواقع ، نجد عامة الناس ، يبدون اهتماما بليغا لهذه الظاهرة ، تستتبع عطفهم ، وتستدرّ تجاوبهم الى حدّ ما ، وأقلّ ما يبدونه هو نشدانهم عن أسباب البكاء؟

وتزداد كلّ هذه الأمور شدّة إذا كان الباكي رجلا شريفا معروفا! وبالأخص إذا كان يفيض الدمعة بغزارة فائقة ، وباستمرار لا ينقطع! كما كان من الإمام زين العابدين 7 ، حتى عدّ في البكّائين ، وكان خامسهم بعد آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وجدّته فاطمة الزهراء (١).

إن البكاء على شهداء كربلاء ، وثورتها ، لم يكن في وقت من الأوقات أمر حزن ناتج من إحساس بالضعف والانكسار ، ولا عبرة يأس وقنوط ، لأن تلك الأحداث ، بظروفها ومآسيها قد مضت ، وتغيّرت ، وذهب أهلوها ، وعرف حقّها من باطلها ، وأصبحت للمقتولين كرامة وخلودا ، وللقاتلين لعنة ونقمة ، لكنّ البكاء عليهم وعلى قضيّتهم ، كان أمر عبرة وإثارة واستمداد من مفجّرها ، وصانع معجزتها ، وحزنا على عرقلة أهدافها المستلهمة من ثورة الإسلام التي قام بها النبي 6.

والدليل على كل ذلك أن لكلّ حزن أمدا ، يبدأ من حين المصيبة الى فترة طالت أو قصرت ، وينتهي ولو بعد جيل من الناس.

أما قبل حدوث المصيبة ، فلم يؤثر في المعتاد ، أو المعقول للناس ، أن يبكوا لشيء.

لكن قضيّة الحسين أبي عبدالله 7 ، قد أقيمت الأحزان عليها قبل وقوعها بأكثر من نصف قرن ، واستمرّ الحزن عليه الى الأبد ، فهي الى القيامة باقية.

والذين أثاروا هذا الحزن ، قبل كربلاء ، وأقاموا المآتم بعد كربلاء : هم الأئمة من أهل البيت :.

فمنذ ولد الحسين 7 أقام النبي 6 مآتم على سبطه الوليد ذلك اليوم ، الشهيد بعد غد.

__________________

(١) الخصال للصدوق ( ص ٢٧٢ ) وأمالي الصدوق ( المجلس ٢٩ ) ص (١٢١).


فكيف يقيم النبي 6 مجلس الحزن على قرّة عينه ، يوم ولادته ، أهكذا يستقبل العظماء مواليدهم؟ أولا يجب أن يستبشروا بالولادات الجديدة ، ويتهادوا التهاني والأفراح والمسرّات؟!

وتتكرّر المجالس التي يعقدها الرسول العظيم ، ليبكي فيها على وليده ، ويبكي لأجله كلّ من حوله ، وفيهم فاطمة الزهراء 7 أم الوليد ، وبعض أمّهات المؤمنين وأشراف الصحابة (١).

وحقا عدّ ذلك من دلائل النبوّة ومعجزاتها (٢).

وهكذا أقام الإمام علي 7 ، مجلس العزاء على ولده الحسين 7 ، لمّا مرّ على أرض كربلاء ، وهو في طريقه الى صفّين ، فوقف بها ، فقيل : هذه كربلاء ، قال : ذات كرب وبلاء ، ثم أومأ بيده الى مكان ، فقال : هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم ، وأومأ بعده الى موضع آخر ، فقال : هاهنا مهراق دمائهم (٣).

ونزل الى شجرة ، فصلّى إليها ، فأخذ تربة من الأرض فشمّها ، ثم قال : واها لك من تربة ، ليقتلنّ بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب (٤).

ورثاه أخوه الحسن 7 وقال له : لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ... ويبكي عليك كلّ شيء ... (٥).

وحتى الحسين 7 نفسه ، نعى نفسه ودعا الى البكاء على مصيبته ، وحثّ المؤمنين عليه ، حيث قال : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى (٦).

وهكذا الأئمة : بعد الحسين ، أكّدوا على البكاء على الحسين بشتّى الأشكال.

__________________

(١) إقرأ عن المجالس التي أقامها الرسول 6 كتاب : سيرتنا وسنتنا للاميني ، ولاحظ تاريخ دمشق لابن عساكر ، ترجمة الإمام الحسين 7 ( ص ١٦٥ ـ ١٨٥ ).

(٢) دلائل النبوة للبيهقي ( ٦ : ٤٦٨ ) ومسند أحمد ( ٣ : ٢٤٢ و ٢٦٥ ) وأنظر أمالي الصدوق ( ص ١٢٦) ودلائل النبوة ، لابي نعيم ( ص ٧٠٩ ) رقم (٤٩٢).

(٣) وقعة صفين ( ص ١٤١ ) والمصنف لابن أبي شيبة ( ١٥ : ٩٨ ) رقم (١٩١٢١٤) وكنز العمال ( ٧ : ١٠٥ و ١١٠ ) وأمالي الصدوق المجلس (٧٨) ( ص ٤٧٨ و ٤٧٩ ).

(٤) تاريخ دمشق لابن عساكر ( ترجمة الامام الحسين 7 ) ( ص ٢٣٥ ) رقم ٢٨٠ وانظر الارقام ( ٢٣٦ ـ ٢٣٩ ).

(٥) أمالي الصدوق ( المجلس ٢٤ ) ص (١٠١).

(٦) فضل زيارة الحسين للعلوي ( ص ٤١ ) الحديث (١٣).


لكنّ الإمام زين العابدين 7 :

قد تحمّل أكبر الإعباء ، في هذه المحنة ، إذ عايش اسبابها ، وعاصر أحداثها ، بل باشر جارحها وآلامها ، فكان عليه ان يؤدّي رسالتها ، لأنّه شاهد صدق من أهلها ، بل الوحيد الذي ملك أزمّة أسرارها ، ولابدّ أن يمثل أفضل الأدوار التي لم يبق لها ممثّل غيره ، ولم تبق لها صورة في أي منظار ، غير ما عنده!

وإذا عرفنا بأن الإمام زين العابدين 7 هو أوثق من يروي حديث كربلاء ، فهو أصدق الناقلين له ، وخير المعبّرين عنه بصدق.

وأما أهداف شهداء كربلاء التي من أجلها صنعت ، فلا بدّ لها أن تستمرّ ، ولا تنقطع عن الحيوية ، في ضمير الناس ووجدانهم ، حتى تستنفد أغراضها.

وبينما الحكّام التائهون لا يعبأون ببكاء الناس ، فإن الإمام زين العابدين 7 اتّخذ من البكاء عادة ، بل اعتمدها عبادة ، فقد كانت ـ وفي تلك الفترة بالذات ـ وسيلة هامّة لأداء المهمّة الإلهية التي حمل الإمام 7 أعباءها.

والناس ، لمّا رأوا الإمام زين العابدين 7 يذرف الدموع ليل نهار ، لا يفتأ يذكر الحسين الشهيد ومصائبه ، فهم :

بين من يدرك : لماذا ذلك البكاء والحزن ، والدمع الذارف المنهمر ، والحزن الدائب المستمر؟ وعلى من يبكي الإمام 7؟

فكان ذلك سببا لاستمرار الذكرى في الأذهان ، وحياتها على الخواطر ، وبقاء الأهداف حيّة نابضة ، في الضمائر ووجدان التاريخ ، وتكدّس النقمة والنفرة من القتلة الظلمة.

وبين من يعرف الإمام زين العابدين بأنه الرجل الفقيه ، الزاهد في الدنيا ، الصبور على مكارهها ، فإنه لم يبك بهذا الشكل ، من أجل أذى يلحقه ، أو قتل أحد ، أو موت آخر ، فإن هذه الامور هي مما تعوّد عليها البشر ـ على طول تاريخ البشرية ـ بل هي سنّة الحياة.

كما قال القائل :

لـه ملـك ينـادي كـلّ يوم

لدُوا للمـوت وابنـوا للخراب


وخصوصا النبلاء والنابهين ، والأبطال الذين يقتحمون الأهوال ويستصغرونها من أجل أهداف عظام ومقاصد عالية رفيعة.

فبكاء مثله ، ليس إلاّ لأجل قضيّة أكبر وأعظم ، خاصة البكاء بهذا الشكل الذي لا مثيل له في عصره (١).

لقد ركزّ الإمام زين العابدين 7 على قدسية بكائه لمّا سئل عن سببه؟

فقال : لا تلوموني.

فإنّ يعقوب 7 فقد سبطا من ولده ، فبكى ، حتى ابيضت عيناه من الحزن ، ولم يعلم أنه مات ..

وقد نظرت الى أربعة عشر (٢) رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة!

فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا؟! (٣).

إنه 7 في الحين الذي يربط عمله بما في القرآن من قصة يعقوب وبكائه ، وهو نبي متّصل بالوحي والغيب ، إذ لا ينبع فعله عن العواطف الخالية من أهداف الرسالات الإلهية.

وفي الحين الذي يمثّل لفاجعة الطفّ في اشجى مناظرها الدامية ، وبأقصر عبارة وافية.

فهو يؤكّد على تبرير بكائه ، بحيث يعذره كل سامع.

وفي حديث آخر : جعل الإمام 7 من قضيّة كربلاء مدعاة لكل الناس الى إحيائها ، وتزويدها بوقود الدموع ، وإروائها بمياه العيون ، ولا يعتبرونها قضية خاصة بعائلة النبي 6 وحسب ، بل هي مصاب كل الناس ، وكل الرجالات الذين لهم

__________________

(١) أمالي الصدوق ( ص ١٢١ ) ولاحظ بحار الأنوار ( ٤٦ : ١٠٨ ) الباب (٦) الحديث (١).

(٢) يلاحظ أن المعروف في عدد المقتولين من أولاد علي وفاطمة 8 في كربلاء هم « ستة عشر » رجلا ، ـ الوسائل ـ المزار ـ الباب (٦٥) تسلسل (١٩٦٩٤) عن عيون أخبار الرضا 7 ( ١ : ٢٩٩ ) ولاحظ نزهة الناظر (ص ٤٥).

(٣) كامل الزيارات ( ص ١٠٧ ) أمالي الصدوق ( المجلس ٩ و ٩١ ) تيسير المطالب لابي طالب ( ص ١١٨ ) وتاريخ دمشق الحديث (٧٨) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٣٩ ) وحلية الأولياء ( ٣ : ١٣٨ ).


كرامة في الحياة ، أو يحسّون بشيء اسمه الكرامة ، أو شخص يحسّ بالعاطفة ، فهو يقول :

وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة.

أيّها الناس ، فأيّ رجالات منكم يسرّون بعد قتله؟

أم أيّ فؤاد لا يحزن من أجله؟

أم أيّ عين منكم تحبس دمعها؟ (١).

وكان 7 يحثّ المؤمنين على البكاء ويقول :

أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين 7 حتى تسيل على خدّه ، بوّأه الله تعالى بها في الجنّة غرفا يسكنها أحقابا.

وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خدّيه مما مسّنا من الأذى من عدوّنا في الدنيا ، بوّأه الله منزل صدق (٢).

وكان البكاء واحدا من الأساليب لتي جعلها وسلية لإحياء ذكرى كربلاء ، وقد استعمل أساليب أخرى.

منها : زيارة الحسين 7 :

قال أبو حمزة الثمالي : سألت علي بن الحسين ، عن زيارة الحسين 7؟

فقال : زرهُ كلّ يوم ، فإن لم تقدر فكلّ جمعة ، فإن لم تقدر فكلّ شهر ، فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول الله 6 (٣).

ومنها : الاحتفاظ بتراب قبر الحسين 7 :

فكانت له خريطة ديباج صفراء ، فيها تربة قبر أبي عبدالله 7 ، فإذا حضرت الصلاة سجد عليها (٤).

__________________

(١) كامل الزيارات ( ص ١٠٠ ) مقتل الحسين 7 للأمين ( ص ٢١٣ ) ولاحظ كتابنا هذا ( ص ٦٦ ).

(٢) ثواب الأعمال ( ص ٨٣ ).

(٣) فضل زيارة الحسين 7 للعلويّ ( ص ٤٣ ) ح ١٧.

(٤) بحار الأنوار ( ٤٦ : ٧٩ ) باب ٥ ، الحديث ٧٥ وعوالم العلوم ( ص ١٢٩ ) وباختصار في مناقب أبن


ومنها : خاتم الحسين 7 :

فقد كان الإمام زين العابدين 7 يتختّم بخاتم أبيه الحسين 7 (١).

كما كان ينقش على خاتمه : « خزيَ وشقي قاتل الحسين بن علي 7 » (٢).

ومن المؤكد أن الإمام 7 لم يتبع هذه الأساليب لمجرد الانعطاف مع العواطف والسير وراءها ، ولا لضعف في نفسه ، أو لاستيلاء هول الفجيعة على روحه ، ولم يتّخذ مواقفه من بني أمية نتيجة للحقد أو الأنتقام الشخصي ، ممن له يد في مذبحة كربلاء.

وإنما كان 7 يلتزم بتلك الخطط ويتبع تلك الأساليب لإحياء الفكرة التي من أجلها قتل الحسين 7 واستشهد هو وأصحابه على أرض كربلاء فضرّجوا تربتها بدمائهم الزكية.

ولقد أثبت ذلك بصراحة في حياته العملية :

فقد كانت له علاقات طبيعية مع عوائل بعض الأمويين مثل مروان بن الحكم ، الذي التجأ بأهله وزوجته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفان الى بيت الإمام زين العابدين 7 ، فأصبحوا تحت حمايته ، مع أربعمائة عائلة من بني عبد مناف ، مدّة وجود الجيش الأموي في المدينة ، فأمنوا من استباحتهم لها وهتكهم الأعراض فيها في واقعة الحرّة الرهيبة (٣).

وبالإضافة الى أن الأئمة : بعيدون عن روح الانتقام الشخصي وإنما يغضبون لله لا لأنفسهم ، فإنهم يشملون باللطف والرحمة للنساء والأطفال في مثل تلك الظروف ، وبذلك يكسبون ودّ الجميع حتّى الأعداء ، ويثبتون جدارتهم ، ولياقتهم

__________________

شهر آشوب ( ٤ / ١٦٢ ) عن مصباح المتهجد للشيخ الطوسي.

(١) نقش الخواتيم ، للسيد جعفر مرتضى ( ص ١١ ).

(٢) نقش الخواتيم ، للسيد جعفر مرتضى ( ص ٢٥ ) عن الكافي ( ٦ : ٤٧٣ ) ومسند الرضا 7 ( ٢ : ٣٦٥ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٥ ).

(٣) أنساب الأشراف ( ٤ : ٣٢٣ ) تاريخ الطبري ( ٥ : ٤٩٣ ) ومروج الذهب ( ٢ : ١٤ ) وكشف الغمة ( ٢ : ١٠٧ ).


لمنصب الإمامة والزعامة.

فكسب الإمام زين العابدين 7 بمواقفه اعتقاد الجهاز الحاكم فيه أنه « خيرّ لا شرّ فيه » (١) وأنه « مشغول بنفسه » (٢).

ذلك الاعتقاد الذي افاد الإمام 7 نوعا من الحرّية في العمل في مستقبل تخطيطه ضدّ الحكم الأموي الغاشم ، وعزّز موقعه الأجتماعي حتى تمكّن من اتخاذ المواقف الحاسمة من الظالمين وأعوانهم.

كما رسمت في سيرته الشريفة صور من صبره على المصائب والبلايا ، ممّا يدل على صلابته تجاه حوادث الدنيا ومكارهها ، وهي أمثلة رائعة للمقاومة والجلد.

فعن إبراهيم بن سعد ، قال : سمع علي بن الحسين واعية في بيته ، وعنده جماعة ، فنهض الى منزله ، ثم رجع الى مجلسه ، فقيل له : أمن حدث كانت الواعية؟

قال : نعم.

فعزّوه ، وتعجّبوا من صبره.

فقال : إنّا أهل بيت نطيع الله في ما نحبّ ، ونحمده في ما نكره (٣).

ونتمكن من استخلاص الهدف الأساسي من كلّ هذه الإثارات لقضيّة كربلاء وشهدائها خصوصا ذكر أبيه الإمام الشهيد 7 من خلال الحديث التالي :

قال 7 لشيعته : عليكم بأداء الأمانة ، فوالذي بعث محمّدا بالحقّ نبيّا ، لو أن قاتل أبي الحسين بن علي بن أبي طالب 7 ائتمنني على السيف الذي قتله به ، لأديته إليه (٤).

ففي الوقت الذي يشير فيه الى مأساة قتل الحسين 7 ، ويذكّر بقتله ، ليحيي معالمها في الأذهان ، فهو يؤكّد بأغلظ الأيمان على أنّ أمرا « مثل أداء الأمانة » يوجبه الإسلام ، هو فوق العواطف والأحاسيس الشخصية.

وهو يُوحي بأنّ الإمام الحسين 7 إنما قتل من أجل تطبيق كلّ المبادىء التي

__________________

(١) قاله مسرف بن عقبة لما استباح المدينة ، انظر في ما مضي من كتابنا هذا ( ص ٧١ ).

(٢) قاله الزهري لعبد الملك ، انظر ( ص ٢١٢ ) في ما يأتي.

(٣) تاريخ دمشق ومختصره لابن منظور ( ١ : ٢٤٠ ).

(٤) أمالي الصدوق ( ص ١٢٨ ) المجلس (٤٣).


جاء بها الإسلام ، والتي بعث بها جدّه النبيّ محمد 6 ، وأن الإمام زين العابدين يريد الاستمرار على تلك المبادىء والخطط التي أنار الحسين الشهيد 7 معالمها بوقود من دمه الطاهر.

وهو في الوقت ذاته ، يرفع من قيمة البكاء أن يكون من أجل أمور مادّية ولو كانت الدنيا كلها :

ففي الخبر أنّه 7 نظر الى سائل يبكي!

فقال 7 : لو أنّ الدنيا كانت في كفّ هذا ثمّ سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي (١).

__________________

(١) كشف الغمة ( ٢ : ١٠٦ ) عن كتاب نثر الدرر للآبي.


ثالثا : التزام الدعاء

ومن أبرز المظاهر الفذّة في سيرة الإمام زين العابدين 7 الادعية المأثورة عنه ، فقد تميّز ما نقل عنه بالكثرة ، والنفس الطويل ، والشهرة والتداول ، لما تحتويه من أساليب جذّابة ومستهوية للقلوب ، تتجاوب معها الأرواح والنفوس ، وما تضمنته من معان راقية تتفاعل مع العقول والأفكار.

وقد كان للأدعية التي أصدرها أبعاد فكرية واسعة المدى ، بالنصوص الحاسمة لقضايا عقائدية إسلامية ، كانت بحاجة الى البت فيها بنصّ قاطع ، بعد أن عصفت بالعقيدة ، تيّارات الإلحاد ، كالتشبيه والجبر والإرجاء ، وغيرها مما كان الأمويون وراء بعثها وإثارتها وترويجها ، بهدف تحريف مسيرة التوحيد والعدل ، تمهيدا للردّة عن الإسلام ، والرجوع الى الجاهلية الاولى.

وفي حالة القمع والإبادة ، ومطاردة كل المناضلين الأحرار ، وتتبّع آثارهم وخنق أصواتهم ، كان قرار الإمام زين العابدين 7 باتّباع سياسة الدعاء ، أنجح وسيلة لبثّ الحقائق وتخليدها ، وأءمن طريقة ، وأبعدها من إثارة السلطة الغاشمة ، وأقوى أداة اتصال سريّة مكتومة ، هادئة ، موثوقة.

كما كانت لنصوص الأدعية أصداء قويّة في ميادين الأدب ، الذي له وقع كبير في نفوس الشعوب ، وخاصة الشعب العربي ، وله تركيز كثير في قرارات أذهان الناس وذاكرتهم.

ولقد استخدم الأئمة : تأثير الأدب في الناس ، فكانوا يهتمّون بذلك ، سواء في تطعيم ما يصدرونه ، بألوان زاهية من الأدب العربي الراقي ، نثرا وشعرا ، كما كانوا يبعثون الشعراء على نظم القضايا الفكرية ، والحقّة ، في أشعارهم ، ويروّجونها بين الناس.

ولقد استثار الأئمة : ـ على طول خط الإمامة ـ شعراء فطاحل من المتشيّعين ، للنظم في قضايا عقيدية تؤدي الى تثبيت الحق والدعوة الى الإسلام من خلال مذهب أهل البيت : ، حتى اشتهر عنهم الحديث « من قال فينا بيتا من


الشعر ، بنى الله له بيتا في الجنّة ».

ولقد كان لهذا التوجيه أثر آخر ، وهو أنتشال الأدب ـ وخاصة الشعر ـ من مهاوي الرذيلة والمجون والاستهتار الذي سقط فيه الأدباء وخاصة الشعراء في تلك العصور المظلمة ، التي كادت تؤدّي الى ضياع جهود جباّرة من ذوق الشعراء وفنّهم في متاهات الأغراض الفاسدة ، وكذلك جهود الأمة في سماع ذلك الأدب الماجن ، ونقله وضبطه وتداوله!

وقد أثّرت جهود الأئمة : بتعديل ذلك المجرى ، للسير في السبل الآمنة ، والأغراض الشرعية ، والتزام الأدب الهادف المؤدّي الى رفع المستوى الخلقّي والفكريّ والثقافي.

ولقد أثرى الإمام زين العابدين 7 الأدب العربي : بمادّة غزيرة من النصوص الموثوقة ، بشكل الأدعية التي تعدّ من أروع أمثلة الأدب العربي في النثر (١).

وامتازت بين مجموع ما روي عن الإمام زين العابدين من الأدعية ، تلك التي ضمّنها « الصحيفة السجادية » التي تتلألأ بين أدعيته ، لأنها من تأليف الإمام نفسه ، وإملائه ، فلذلك فتح العلماء لها مجالا خاصا في التراث الإسلامي ، وأغدق عليها المبدعون بأجمل من عندهم من مهارات في الخطّ والزخرفة ، وأولاها الداعون عناية فائقة في الالتزام والأداء ، والعلماء في الشرح والرواية ، فلنتحدث عنها في الصفحات الأخيرة من هذا الفصل.

__________________

(١) لاحظ مقال : من أدب الدعاء في الإسلام ، مجلة تراثنا ، العدد (١٤) السنة الرابعة (١٤٠٩) (ص ٣٠).


وأخيرا : من الصحيفة السجّادية هدفا ومضمونا

أوّلا : مع الصحيفة هدفا

إنّ التشيّع ، وفي عصر الإمام زين العابدين 7 خاصة ـ كان يواجه صعوبات بالغة الشدّة ، حيث كان الظلم مستوليا على كل المرافق والمقدّرات ، ولم يكن بالإمكان القيام بأية مقاومة إيجابية ، أو محاولة.

فآخر ثورة تلك التي أعلنها الإمام الحسين 7 في صدّ التعدّي الغاشم ، كان قد قضي عليها ، وعلى جميع عناصرها بشكل دموي ، وبقي منهم « غلام » فقط. وهو « الإمام زين العابدين 7 ».

وكانت الأوضاع الاجتماعية تسير باتجاه خطر ، خطورة الإجهاز على أساس النهضة ، وإخماد روح الوثبة الإسلامية ، بل القضاء على كل تفكير من هذا القبيل ، وتناسيه الى الابد.

وأبرز نموذج لهذه المشكلة ، أنّ الإمامة ـ وهي الجهاز الوحيد الباقي من كل مرافق الحكومة الإسلامية العادلة ـ أصبحت على شرف التناسي عن الأذهان ، لأن نظام الحكم الأموي استولى على كل أجهزة الإعلام من المنبر ، والمحراب ، والمسجد ، واشترى ذمم كل ذوي النفوذ في الرأي العام من قاض وحاكم ووالي ، وأصبحت كل الإمكانات في قبضة « الخلافة! » وفي خدمة « الخليفة »!

أما الإمام زين العابدين ، فقد بقي وحيدا في مواجهة المشكلات ، مع أن الإرهاب والذعر كان يتحكم في الرقاب ، ويستولي على النفوس.

في مثل هذه الظروف أصبح « الدعاء » ملجأ للإمام وللإمامة ، لا ، بل موقعا اتّخذه الإمام زين العابدين 7 للصمود والهجوم :

صمود ماذا؟

ـ صمود ذلك الفكر ، وذلك الهتاف ، وذلك الإيمان ، الذي جنّدت الدولة الأموية كل الإمكانات في العالم الإسلامي ضدّه.

والهجوم على من؟


ـ للهجوم على سلطة تمكنّت من كل قواعد القدرة ، وسلبت من الأمة كل إمكانات المقاومة!

فكان الدعاء هو سلاح النضال.

ومعنى ذلك : أنّه إذا طوّقت مقاومة ، أو فكرة ، أو نضال ، وأدّت بها الظروف الى مثل ما حصل في « كربلاء » إذ تعرض كلّ رجالها للإبادة الدامية ، ولم يبق سوى رجل « واحد » ووقع كلّ النساء والصغار في الأسر ، وتحت القيود ، وإذا لم تبق أيّة إمكانية للعمل المسلّح ، والدفاع عن الحق بالقوة ، فإنّ هذا الرجل الوحيد لا تسقط عنه المسؤولية.

إنه مسؤول أن يدرّب الأمة على القناعة بأن على عاتقه إحياء الفكرة ، وتحريك الأحاسيس ، والدفاع عن ذلك الحق ، ولو بلسان الدعاء ، وجعل الرسالة مستمرّة ولو بالأمل والرجاء ، ونقلها كذلك الى الاجيال.

إنّ الإمام زين العابدين 7 :

وإن كان قد فقد إمكانات التضحية والنضال المستميت الى حدّ الشهادة ، كما فعل أبوه الإمام الحسين 7 في كربلاء.

وفقد إمكانات العمل الاجتماعي الحرّ ، كما قام به ابنه الإمام الباقر وحفيده الإمام الصادق 8.

لكنه لم يفقد فرصة المقاومة من طريق هذه الحربة النافذة في أعماق أشلاء النظام الحاكم ، والقابلة للتغلغل في أوساط المجتمع الفاسد ، والسارية مع كلّ نسيم ، والممكنة في كلّ الظروف ، والتي اسمها « الدعاء ».

وإن قيل : إن هذا هو من أضعف فروض النضال والجهاد؟

قلنا : نعم ، لكن الدعاء أمر ضروري حتى لو كان الإنسان في غير هذه الحال ، فلو كان بإمكانه النضال والمقاومة ، بأشكال أخر ، أقوى وأقدر ، فإن من المستحيل استغناؤه عن الدعاء ، وليس بالإمكان أن يمنع من هذا النضال ، ولو كان أضعف ، فلابّد له أن يكون قادرا على عملية الدعاء ، وأن يضمر في نفسه الارتباط بربّه ، وأن يعلن عن أفكاره وعقائده بأسلوب المناجاة والدعاء ، ويعبّر عن آماله وآلامه ، ومكنون نفسه ، وأن يُبرز هتافاته ، وأن يطالب برغباته المهضومة ، والمغصوبة.


على أن من الضروري لكل مناضل أن يركّز معتقداته ، ويحدد مواقعه الفكرية ويحصّن أصول دينه ، حتى يكون على بصيرة من أمره ، فيوحي الى ذاته بالحق ، ويوصي نفسه بالصبر عليه ، بالدعاء.

وليس في المقدور لأية سلطة حاكمة أن تسلبه هذه القدرة ، أو أن تحاسبه على هذه الإرادة.

وفي مثل هذا التركيز والتحديد يكمن سرّ خلود الإنسان ، عندما يكون مهدّدا بالإبادة.

والنطق بالدعاء. وسيلة للإعلان عن المعتقدات وتبليغ الرسالات وتنمية الشعور بالمسؤليات ، في أحلك الظروف وأحرجها ، وبثّ روح النضال والمقاومة ، وتوثيق الرابطة الفكرية ، وتأكيد التعهّدات الاجتماعية ، وتثبيت العواطف الصالحة ، حبّا بالتولي والإعلان عنه ، وبغضا بالتبري وإبدائه ، وتعميق الوعي العقائدي بين الأمة ، وتهيئة الأجواء ـ روحيا وفكريا وجسميّا ـ للإعداد للمسؤوليات الكبرى ، كلّ ذلك في ظروف جنّدت فيه القوى المضادّة ، للقضاء على الأهداف كلّها.

إن الإمام في مثل ذلك عليه أن يخطط للعمل ، عندما لا يستطيع المؤمن من القيام بأي عمل ، حتى الموت الشريف ، بعزّة وكرامة ، حيث لا طرق الى أختيار الشهادة كسلاح أخير ، لأن الشهادة ـ أيضا ـ تحتاج الى أرضيّة وظروف مؤاتية ، ومعركة ، كي يتسنّى للشهيد أن يفجّر بدمه الوضع ، ويكسر الصمت ، وإلاّ فهو الموت الصامت غير المؤثر ، المهمل الذي لا يستفيد منه إلاّ العدوّ.

والإمام زين العابدين 7 أصبح قدوت للنضال في مثل هذه الظروف بكل سيرته ، ووجوده ، ومصيره ، وسكوته ، ونطقه ، وخلقه ، ورسم بذلك منهاجا للعمل في مثل هذه الأزمات.

إنّه رسم الإجابة عن كلّ الاسئلة التي تطرح :

عن العمل ضدّ امبراطورية ضارية ، مستحوذة على كل المرافق والقدرات؟!

وعن الصمت الثقيل القاتل ، المطبق ، الذي يستحيل فيه التفوّه بكلمة الحقّ ، كيف يمكن أن يُكْسَرَ؟

وعن اسلوب شخصي لعرض جميع الطلبات والقيم والعواطف؟


إن الصحيف السجادية هي :

كتاب الجهاد عند الوحدة!

وكتاب التعبير عند الصمت!

وكتاب التعبئة عند النكسة!

وكتاب الهتاف عند الوجوم!

وكتاب التعليم بالشفاه المختومة!

وكتاب التسلّح عند نزع كلّ سلاح!

وهو قبل هذا وبعده ، كتاب « الدعاء ».

إن الدعاء ـ كما يقول الدكتور الفرنسي الكسيس كارل ـ : « تجلّ للعشق والفاقة » وقد أضاف الإسلام الى هذين : « التوعية ».

وفي مدرسة الإمام زين العابدين 7 يأخذ الدعاء بعدا رائعا هو تأثيره الأجتماعي الخاص.

وبكلمة جامعة : إن الدعاء في مدرسة الإمام زين العابدين ـ في الوقت الذي يعدّ كنزا لأعمق التوجّهات ، وأحرّ الأشواق ، وأرفع الطلبات ـ منهاج يتعلمّ فيه المؤمن تخطيطا متكاملا للوجود والتفكير والعمل ، على منهج الإمامة وبقيادة حكيمة تستلهم التعاليم من مصادر الوحي.

ثانيا : مع الصحيفة السجّادية مضمونا :

إن الحديث عن هذا الكتاب العظيم وأثره العلميّ والديني عقيديا وحضاريا وأثره الاجتماعي يحتاج الى تفرّغ وتخصص ، والى وقت ومجال أوسع من هذا الفصل ، ولا ريب أن النظر فيه سيوقف القارىء على مقاطع رائعة تدلّ على مفردات ما نقول بوضوح وصراحة.

وأذا أخذ الإنسان بنظر الاعتبار ظروف الإمام زين العابدين 7 وموقعه الاجتماعي وقرأ عن طغيان الحكام وعبثهم ، وقارن بين مدلول الصحيفة ومؤشرات التصرّفات التي قام بها أولئك الحكام ، اتضح له أن الإمام قد قام من خلالها بتحدّ صارخ للدولة ومخططاتها التي استهدفت كيان المجتمع الإسلامي لتزعزعه.


وإذ لا يسعنا الدخول في غمار هذا البحر الزخّار لاقتناص درره فإنا نقتصر على إيراد مقطعين من أدعية الصحيفة ، يمثّلان صورة عمّا جاء فيها ، ممّا تبرز فيه معالم التصدّي السياسي الذي التزمه الإمام 7 بمنطق الدعاء.

المقطع الأول : دعاؤه لأهل الثغور :

إن الإمام ، لكونه الراعي الإلهي ، المسؤول عن رعيته وهي الأمة ، يكون الحفاظ على وجود الإسلام ، من أهمّ واجباته التي يلتزمها ، فلا بد من رعاية شعائره ، وأستمرار مظاهره ، ومتابعة مصالحه العامة ، وتقديمها على غيرها من المصالح الخاصّة بالأفراد ، أو الأعمال الجزئية الفرعية ، فالحفاظ على سمعة الإسلام وحدوده ، أهمّ من الالتزام بفروع الدين وواجباته ومحرّماته ، إذا دار الأمر بينه وبينها.

ففي سبيل ذلك الهدف العام السامي ، لابدّ من تجاوز الاهتمامات الصغيرة ، والمحدودة ، بالرغم من كونها في أنفسها ضرورات ، لابدّ من القيام بها في الظروف العاديّة ، لكنها لا تعرقل طريق الأهداف العامة الكبرى.

فالاسلام : كدين ، ليس قائما بالأشخاص ، ولا يتأثر بتصرفاتهم الخاصّة ، في مقابل ما يهدّده من الأخطار الكبيرة ، فكرية أو اجتماعية أوعسكرية ، فإذا واجه الإسلام خطر يهدّد التوحيد الممثل بكلمة « لا إله إلا الله » أو الرسالة المتجليّة في « محمد رسول الله » فإن الإمام يتجاوز كل الاعتبارات ويهب للدفاع عن هذين الركنين الأهمّ ، وحتى كان على حساب وجود الإمام نفسه ، أو عنوان إمامته ، فضلا عن مصالحه الخاصة ، وشؤونه وصلاحياته.

ومن هذا المنطلق ، يمكن تحديد المواقف الهامّة للأئمة من أهل البيت : :

فسكوت الإمام أمير المؤمنين علي 7 عن مطالبته بحقّه ، ولجوء الإمام الحسن المجتبى 7 الى توقيع كتاب الصلح مع معاوية ، وتضحية الإمام الحسين الشهيد 7 بنفسه في كربلاء.

كل ذلك نحدّده على أساس متّحد ، وهو رعاية المصلحة الاسلامية العامة ، والحفاظ على كيان الإسلام لئلا يمسّه سوء.

وبهذا ـ أيضا ـ نميز وقوف الإمام زين العابدين 7 للدعاء لأهل الثغور.

ومن هم أهل الثغور في عصره؟


ليس للدعاء تاريخ محدد ، حتى نعرف الفترة التي انشئ فيها الدعاء بعينها ، إلا أنها لا تخرج من مجمل الفترة التي عايشها الامام زين العابدين 7 من سنة (٦١) إلى سنة (٩٤) ولم تخرج عن حكم واحد من الخلفاء الأمويين.

وحتّى لو فرضنا إنشاءه في فتره حكم « معاوية بن يزيد بن معاوية » الذي عرف بولائه لأهل البيت : ، على قصرها ، فلا ريب أنّ نظام الحكم وأجهزة الدولة كافَّة ، وعناصر الإدارة ورموز السلطة لم تتغير , وخاصة أهل الثغور الذين هم حرس الحدود , لم يطرأ عليهم التغيير المبدئي , في تلك الفترة القصيرة بتبدّل الخليفة.

ومن المعلوم : أن الذين يتجهون إلى حدود الدولة الإسلامية ، وهي أبعد النقاط عن أماكن الرفاه والراحة ، ليسوا إلا من سواد الناس ، ويمكن أن يكون اختيارهم لتلك الجهات البعيدة دليلا على ابتعادهم عن التورطات التي انغمس فيها أهل المدن في داخل البلاد.

ومع ذلك ، يبقى التساؤل : عن دعاء الإمام 7 بتلك القوة ، وذلك الشمول ، وبهذه اللهجة ، وهذا الحنان ، لحرس الحدود ، وهم جزء من جيش الحكومة الفاسدة ، ووحدة من وحدات كيان الدولة الظالمة؟

إن الحقيقة التي عرضناها سابقا ، هي الجواب عن هذا التساؤل ، لأن مصلحة الإسلام ، ككل ، مقدمة على كل ما سواه من امور الاسلام سواء فروع الدين ، أو عناوين الأشخاص ، أو مصالح الآخرين حتى الجماعات المعينة.

ثم إن هذا الدعاء بنفسه دليل مقنع على ان الإمام زين العابدين 7 لم يكن ـ كما شاء أن يصوره الكتّاب الجدد ـ متخليا عن مركزه القيادي والسياسي ، كإمام يرعى مصلحة الاسلام ، والأمة الإسلامية.

فمن خلال أوسع جبهاتها ، وهي الحدود الاسلامية ، المهددة دائما ، بلا شك ، من قبل الدول المجاورة الحاقدة على الإسلام الذي قهرها ، واستولى على مساحات من أراضيها ، فرض الإمام 7 رعايته واهتمامه ، وبشكل الدعاء الذي لا يثير الحكام.

وحرس الحدود أنفسهم ، مهما كانت هوياتهم ، لايعدون أنصار للحكومة ، بقدر ما هم محافظون على الأرض الاسلامية ، وكرامة الإسلام ، فإنهم مدافعون عن ثغوره ، ومراقبون لحماية خطوط المواجهة الأمامية : وهو أمر واجب على كل مسلم ان يبذل


جهداً في إسناده ودعمه وتسديد القائمين به ، بكل شكل ممكن.

وهذا هو الذي استهدفه الإمام زين العابدين 7 في دعائه لأهل الثغور ، فهو ينبه الناس إلى خطورة هذا الواجب ويهيج الأحاسيس تجاه الثغور وحمايتها.

ومهما كان الحكام في الداخل ، يعيثون فساداً ، فإنهم لا محالة زائلون ، ومهما جدوا في التقتيل والظلم والاجرام ، والتخريب فإنهم لن يتمكنوا من القضاء على كل معالم هذا الدين ، الذي يعد المسلمون الحفاظ عليه من واجباتهم.

والإمام 7 وإن كان معارضاً للنظام الأموي ، ويجد في فضحه وتزييف عمله والكشف عن سوء إدارته ، ويحكم على القائمين به بالخروج عن الحق والعدل ، وهو لا يزال ينظر إلى مصارع شهداء كربلاء بعيون تملؤها العبرة ، لكنه يدعو بصوت تخنقه العبرة كذلك لأهل الثغور الإسلامية ، وباللهجة القوية القاطعة لكل عذر.

وبالنبرة الحادة ذاتها التي يدعو بها لزوال حكم الظالمين ، يدعو لأستتباب الأمن والعدل والصلاح على أرض الاسلام.

فلنقرأ معاً هذا الدعاء العظيم :

اللهمّ :

صلّ على محمّد وآله ، وحصّن ثغور المسلمين بعزّتك ، وأيد حماتها بقوّتك ، وأسبغ عطاياهم من جدتك.

اللهم :

صلّ على محمَد وآله ، وكثر عدتهم ، واشحذ أسلحتهم ، واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، وألف جمعهم ، ودبر أمرهم ، وواتر بين ميرهم ، وتوحد بكفاية مؤنهم ، واعضدهم بالنصر ، وأعنهم بالصبر ، والطف لهم في المكر.

اللهم :

صلّ على محمَد وآله ، وعرَفهم مايجهلون ، وعلمهم ما لايعلمون ، وبصَرهم ما لايبصرون.

اللهم :

صلّ على محمَد وآله ، وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور ، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون ، واجعل الجنَة نصب أعينهم ، ولوَح منها لأبصارهم ما أعددت


فيها من مساكن الخلد ، ومنازل الكرامة ، والحور الحسان ، والأنهار المطردة بأنواع الأشربة ، والأشجار المتدلية بصنوف الثمر ، حتَى لا يهمَ أحد منهم بالإدبار ، ولا يحدَث نفسه عن قرنه بفرار.

اللهمَ :

افلل بذلك عدوَهم ، واقلم عنهم أظفارهم ، وفرَق بينهم وبين أسلحتهم ، واخلع وثائق أفئدتهم ، وباعد بينهم وبين أزودتهم ، وحيرهم في سبلهم ، وضلَلهم عن وجههم ، واقطع عنهم المدد ، وانقص منهم العدد ، واملأ أفئدتهم الرعب ، واقبض أيديهم عن البسط ، واخزم ألسنتهم عن النطق ، وشرَد بهم من خلفهم ، ونكَل بهم من ورائهم ، واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم.

اللهمَ :

عقَم أرحام نسائهم ، ويبس أصلاب رجالهم ، واقطع نسل دوابهم وأنعامهم ، لا تأذن لسمائهم في قطر ، ولا لأرضهم في نبات.

اللهمَ :

وفق بذلك محالَ أهل الإسلام ، وحصن به ديارهم ، وثمَر به أموالهم ، وفرغَهم عن محاربتهم لعبادتك ، وعن منابذتهم للخلوة بك ، حتَى لايعبد في بقاع الأرض غيرك ، ولا تعفَر لأحد منهم جبهة دونك.

اللهمَ :

اغز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين ، وأمددهم بملائكة من عندك مردفين ، حتى يكشفوهم إلى منقطع التراب قتلا في أرضك وأسرا ، أو يقرَوا بأنك أنت الله الذي لا إله إلاَ أنت ، وحدك لا شريك لك.

اللهمَ :

واعمم بذلك أعداءك في أقطار البلاد ، من الهند ، والروم ، والترك ، والخزر ، والحبش ، والنوبة ، والزنج ، والسقالبة ، والديالمة ، وسائر أمم الشرك الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم ، وقد أحصيتهم ، بمعرفتك ، وأشرفت عليهم بقدرتك.

اللهمَ :

أشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين ، وخذهم بالنقص عن


تنقيصهم ، وثبَطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم.

اللهم :

أخل قلوبهم من الأمنة ، وأبدانهم من القوة ، وأذهل قلوبهم عن الاحتيال ، وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال ، وجنبهم عن مقارعة الأبطال ، وابعث عليهم جندا من ملائكتك ببأس من بأسك ، كفعلك يوم بدر ، تقطع به دابرهم ، وتحصد به شوكتهم ، وتفرق به عددهم.

اللهمَ :

وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم بالأدواء ، وارم بلادهم بالخسوف ، وألحَ عليها بالقذف ، وأفرعها بالمحول ، واجعل ميرهم في أحصَ أرضك ، وأبعدها عنهم ، وامنع حصونها منهم ، أصبهم بالجوع المقيم والسقيم الأليم.

اللهمَ :

وأيما غاز غزاهم من أهل ملَتك ، أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ، ليكون دينك الأعلى ، وحزبك الأقوى ، وحظّك الأوفى ، فلقّه اليسر ، وهيئ له الأمر ، وتولّه بالنجح ، وتخيّر له الأصحاب ، واستقو له الظهر ، وأسبغ عليه في النفقة ، ومتعه بالنشاط ، وأطفئ عنه حرارة الشوق ، وأجره من غم الوحشة ، وأنسه ذكر الأهل والولد ، وأثر له حسن النية ، وتولّه بالعافية ، وأصحبه السلامة ، وأعفه من الجبن ، وألهمه الجرأة ، وارزقه الشدّة ، وأيده بالنصرة ، وعلمه السير والسنن ، وسدده في الحكم ، واعزل عنه الرياء ، وخلصه من السمعة ، واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك ، فإذا صافّ عدوك وعدوه فقللهم في عينه ، وصغر شأنهم في قلبه ، وأدل له منهم ، ولا تدلهم منه.

فإن ختمت له بالسعادة ، وقضيت له بالشهادة ، فبعد أن يجتاح عدوك بالقتل ، وبعد أن يجهد بهم الأسر ، وبعد أن تأمن أطراف المسلمين ، وبعد أن يولي عدوك مدبرين.

اللهمّ :

وأيما مسلم خلف غازيا ، أو مرابطا ، في داره ، أو تعهد خالفيه في غيبته ، أو أعانه بطائفة من ماله أو أمده بعتاد ، أو شحذه على جهاد ، أو أتبعه في وجهه دعوة ، أو رعى له من ورائه حرمة ، فأجر له مثل أجره ، وزنا بوزن ، ومثلا بمثل ، وعوّضه من فعله عوضا حاضراً يتعجل به نفع ما قدم ، وسرور ما أتى به ، إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من


فضلك ، وأعددت له من كرامتك.

اللهمّ :

وأيما مسلم أهمه أمر الإسلام ، وأحزنه تحزّب أهل الشرك عليهم ، فنوى غزوة ، أو همّ بجهاد ، فقعد به ضعف ، أو أبطأت به فاقة ، أو أخّره عنه حادث ، أو عرض له دون إرادته مانع ، فاكتب اسمه في العابدين ، وأوجب له ثواب المجاهدين ، واجعله في نظام الشهداء والصالحين.

اللهمّ :

صل على محمّد عبدك ورسولك ، وآل محمّد ، صلاة عالية على الصلوات ، مشرفة فوق التحيات ، صلاة لا ينتهي أمدها ، ولا ينقطع عددها ، كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك.

إنك المنان ، الحميد ، المبديء ، المعيد ، الفعال لما تريد (١).

هذا على مستوى كيان عسكري مرتبط بالدولة ، وأمّا على مستوى الشعب فلنقرأ معا :

المقطع الثاني : دعاء الاستسقاء بعد الجدب :

حيث تتجلى فيه رعاية الإمام 7 لحالة الأمة ، ومراقبته لأحوالها ، وبخصوص اقتصادها الذي هو عصب حياتها ، فإذا رآه يتعرّض للأنهيار على أثر الجفاف ، ينبري 7 لإنجاده بطريقته الخاصّة ، التي لا تثير أحقاد الحكام ضدّه ، ولا تمكّنهم من أخذ نقاط سياسيّة عليه ، ومع ذلك فهو يجلب أنظار الشعب المسلم المقهور ، المغلوب على أمره ، الى أنّ هناك من يعطف عليه الى هذا الحد ، ومن يراقب أوضاعه ، ويهتّم بشؤونه ومشاكله.

والإمام زين العابدين 7 بهذا الشكل ، يفرض نفسه على الساحة السياسيّة ، وهو تدخل صريح في شؤون الأمة ، وظهور واضح على أرض العمل ، فإن الملجأ في مثل هذه المشاكل هم كبار القوم ، ومن لهم قدسيّة ، وفضل ، وتقدّم على الآخرين ، ولا

__________________

(١) الصحيفة السجادية ، الدعاء السابع والعشرون.


تشخص الأبصار في مثل ذلك إلاّ الى الخليفة! أن كانت له قابليّة ما يدّعي من مقام رسول الله 6 وهو يتسنّم أريكة الحكم!

والإمام زين العابدين 7 بهذا الدعاء ، يثبت أنّه الأحقّ بالتصدي لذلك المقام ، وأنّه الملجأ الذي لابدّ أن يوسّط بين الأرض والسماء.

هذا كله ، مع أنّ الامة لم تقف الى جانب الإمام 7 ، ولم تراع حرمته في النسب ، ولاحقّه في الإمامة ، بل خذلته ، حتى راح يقول : « ما بمكّة والمدينة عشرون رجلا يحبّنا ».

وليس المراد بذلك الحبّ مجرّد العواطف والدموع والمجاملات ، فهؤلاء أهل الكوفة كانوا من أحذق الناس في ذرف دموع التماسيح على أهل البيت : بعنوان « الحب » حتى كان الإمام 7 يستغيث من حبّهم له ، ذلك الحب المعلن ، المبطّن بالنفاق ، والذي انقلب على أبيه الإمام الحسين 7 سيفا أودى به!

فليس الحبّ المطلوب لآل الرسول ، والذي دلّت على لزومه آية المودّة في القربى وأحاديث الرسول المصطفى ، هو الفارغ عن كلّ حق لهم في الحكم والإدارة ، أو الفقه والتشريع وعن كلّ معاني الولاء العمليّ ، والاقتداء والاتّباع وإن ادّعاه المحرّفون ، أو حرفوه الى مثل ذلك ، مكتفين لأهل البيت باسم « الحب » (١).

لكن قضيّة الأمة الإسلامية ، واقتصاد البلاد الإسلامية ، من القضايا المصيرية الكبرى ، التي لا توازيها الأضرار الصغيرة ولا الأخطاء الخاصّة ، بل لابدّ من تجاوز كل الاعتبارات في سبيل إحياء تلك القضايا الكبار.

وبعد ، فلنعش في رحاب دعاء الاستسقاء :

اللهم :

أسقنا الغيث ، وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق ، من السحاب المنساق لنبات أرضك ، المونق في جميع الآفاق ، وامنن على عبادك بإيناع الثمرة ، وأحيِ بلادك ببلوغ الزهرة ، وأشهد ملائكتك الكرام السفرة بسقي منك نافع ، دائم غزره ، واسع درره ، وابل ، سريع ، عاجل ،

__________________

(١) لقد تحدّثنا عن هذا التحريف لمؤدّى الحب لأهل البيت : والذي تعمّده الأعداء ظلما ، والتزمه العامة جهلا ، في كتابنا الحسين 7 سماته وسيرته ، الفقرة (١٣).


تحيي به ما قد مات ، وتردّ به ما قد فات ، وتخرج به ما هو آت ، وتوسع به في الأقوات ، سحابا متراكما ، هنيئا مريئا ، طبقا مجلجلا ، غير ملثّ ودقه ، ولا خلّب برقه.

اللهمّ :

اسقنا غيثا مغيثا ، مريعا ممرعا ، عريضا واسعا ، غزيرا ، تردّ به النهيض ، وتجبر به المهيض.

اللهمّ :

اسقنا سقيا تسيل منه الظراب ، وتملأ منه الجباب ، وتفجّر به الأنهار ، وتنبت به الأشجار ، وترخص به الأسعار في جميع الأمصار ، وتنعش به البهائم ، والخلق ، وتكمل لنا به طيّبات الرزق ، وتنبت لنا به الزرع ، وتدرّ به الضرع ، وتزيدنا به قوّة الى قوّتنا.

اللهمّ :

لا تجعل ظلّه علينا سموما ، ولا تجعل برده علينا حسوما ، ولا تجعل صوبه علينا رجوما ، ولا تجعل ماءه علينا أجاجا.

اللهمّ :

صلّ على محمد وآل محمد ، وارزقنا من بركات السماوات والأرض إنّك على كلّ شيء قدير (١).

وهكذا فإن الإمام زين العابدين 7 في دعاء الاستسقاء ، لا يحصر اهتمامه بما حوله من الأفراد والشؤون الخاصة ، بل يعمّم اهتمامه على كل العباد وكل البلاد ، وينظر برقة ولطف الى كل قضاياها الطبيعيّة والنفسية والمعاشية ، وحتى الجويّة والزراعية وحتى طلب « القوّة ».

إن التأمل في مضامين هذا الدعاء يفتح آفاقا من سياسة الإمام السجاد 7.

وهكذا ننتهي من هذا الفصل ، وقد وقفنا فيه على أبرز ما امتاز به الإمام زين العابدين 7 من التزام العبادة ، والبكاء ، والدعاء ، ووجدنا كيف أنّ الإمام 7 قد استخدم كلّ ذلك في تمرير خطّته الحكيمة التي اتخذها لتثبيت قاعدة الإمامة الحقّة ، وما في عمله من تعرّض للحاكمين ، وتعريض بهم وبفساد تصرّفاتهم ومخالفتهم

__________________

(١) الصحيفة السجادية ( الدعاء التاسع عشر ).


للشريعة والدين.

ومع أنّ الامام كان يقوم بما يخصّه ، ويعدّ من حقّه الشخصي أن يتعبّد ، ويبكي ، ويدعو ، فإننا نرى في أعماله نضالا سياسيّا ، وتدبيرا حكيما ضدّ الحكومات.

وسنقرأ في الفصل الآتي ، مواقف في مواجهة الحكّام وأعوانهم الظلمة ، من دون غطاء أو تقيّة ، وهي المواقف الحاسمة التي وقفها الإمام زين العابدين 7 منهم.


الفصل الخامس

مواقف حاسمة للإمام 7

أولا ـ موقفه من الظالمين.

ثانيا ـ موقفه من أعوان الظلمة.

ثالثا ـ موقفه من الحركات المسلحة.



وبعد سنين من النضال المرير ، الذي قام به الإمام زين العابدين 7 ، بالأساليب التي شرحنا صورا منها في الفصول السابقة ، والتي كان تطبيقها والاستفادة منها في تلك الظروف الحرجة لا يقل صعوبة عن إشهار السيف ، وفائدتها لا تقل عن دخول المعارك الضارية.

فلقد أنتجت نتائجها الهائلة :

فعزّزت موقع الإمام 7 لكونه القائد الإلهي المسؤول عن هذا الدين ، وهذه الأمة ، والهادي لها.

وتمكّن ـ بالتزامه بالخطط الدقيقة المذكورة ـ من أداء وظائف الإمامة ، وتجميع القوى المتبدّدة حول مركز الحق ، وتأسيس القاعدة لانطلاق الأئّمة من بعده على أسس رصينة محكمة.

وعزّزت تلك المواقف الاجتماعية العظيمة ، مكانة الإمام 7 في أنظار الأمة ، باعتباره سيّدا من أهل البيت : يتمتّع بمكارم الاخلاق وفضائلها ، وعالما بالإسلام من أصفى ينابيعه وروافده ، ومحاميا عن الأمة.

وكانت لهذه المواقع ، وهذه المكانة ، آثارها في تغيير أسلوب العمل السياسي ، عند الإمام زين العابدين 7 في الفترة التالية ، حيث نجد أن تعامله مع الحكّام والأحداث يختلف عمّا سبق ، ويكاد الإمام 7 يعلن عن المعارضة ، ويبدي التعرّض للحكام.

وكان من أبرز مظاهر هذا التعامل هو ما اتّخذه من مواقف حاسمة تجاه الحكام الظالمين ، وتجاه أعوانهم ، وتجاه الحركات السياسية التي عاصرته.


أولا : موقفه من الظالمين

موقفه من يزيد :

فقد اتّخذ الإمام 7 موقفا حكيما من يزيد ـ وهو من أعتى طغاه بني أميّة وأخبثهم ، وأبعدهم عن كل معاني الدين والإنسانية والمروءة وحتّى السياسة ـ فكان موقف الإمام 7 منه فذا ، فلم يدع له مبرّرا للقضاء عليه ، مع أنه واجهه بكل الحقيقة التي لا يتحمّلها الطغاة ، بل أجبره على إطلاق سراح الأسرى من آل محمد ، وذلك بما صنعه الإمام 7 من أجواء لمثل هذا الإجراء.

فرجع الإمام 7 الى المدينة ليبدأ عمله طبق التخطيط الرائع الذي شرحنا صورا منه في هذه البحوث.

وبعد أن قضى الإمام السجاد 7 عمرا في تطبيق خططه القويمة في معارضة الدسائس التي كان يضعها الحكّام من بني أمية ضد الدين وأهله ، وفضحها ، وحاول أن يبني ما كانوا يهدمونه ، ويهدم ما كانوا يبنونه ، وصد ما يحاولونه.

وبعد تعزيز المواقع والمكانة لوجوده الشريف بين الأمة ، سواء من كان من أتباعه أو من عامة الناس ، لم يكن للحكام أن يتعرّضوا للإمام 7 من دون أن يكشفوا عن وجوههم أغطية التزوير ، وأقنعة الدجل والكفر والنفاق.

فالإمام الذي ذاع صيته في الآفاق بالكرامة ، والإمامة ، والسيادة والشرف ، والتقى والعلم والحلم والعبادة والزهد ، أضف الى ذلك حنانه وعطفه على الأمة ورعايته لشؤونها ، قد دخل أعماق القلوب ، وأصبح له من الأحترام والتقدير ما لا يكون من مصلحة الحكّام التعرّض له بأذى.

كما يبدو أن الإمام 7 بعد أن استنفذ أغراضه من خططه ، وعلم بأن الدولة الأموية وحكّامها الحاقدين على الإسلام ورجاله وخاصة من أهل البيت : ، سوف يقضون على حياته إن عاجلا أو آجلا ، إن خفية أو علنا ، بدأ العمل الهجومي عليهم.

فكان يفرغ ما بقي في كنانته من السهام على هيكل الحكم الأموي الفاسد ، والذي


بدأ التنازل من كثير من المواقع الاستراتيجية التي كان يحتلها ، فقام الإمام 7 بالإشهار بهم ، من خلال أعمال أصدق ما يقال فيها أنها الأستفزاز والتحرّش السياسيّ.

ومواقفه من عبدالملك بن مروان :

قد رأينا أن الأمويين بكل مرافق أجهزتهم ، كانوا يرون من الإمام علي بن الحسين زين العابدين 7 خيرا لا شرّ فيه.

وقد كانت علاقة مروان بن الحكم الأموي ، بالخصوص ، طيّبة مع الإمام 7 لما أبداه الإمام تجاهه من رعاية ، أيام وقعة الحرّة ، وكان مروان شاكرا للإمام 7 هذه المكرمة.

وطبيعي أن يعرف عبدالملك بن مروان ، للإمام زين العابدين 7 هذه اليد والمكرمة.

ولذلك نراه ، لمّا ولي الخلافة ، يكتب الى واليه على المدينة الحجّاج الثقفي السفاك يقول : أما بعد :

فانظر دماء بني عبدالمطلب فاحتقنها واجتنبها ، فإني رأيت آل أبي سفيان بن حرب ( لما قتلوا الحسين ) لمّا ولغوا فيها ( نزع الله ملكهم ) لم يلبثوا إلاّ قليلا.

والسلام (١).

لكن الإمام 7 لم يمرّ بهذه الرسالة بشكل طبيعيّ ، بل بادر الى إرسال كتاب الى عبدالملك، يقول فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم

... أما بعد :

فإنك كتبت يوم كذا وكذا ، من ساعة كذا وكذا ، من شهر كذا وكذا ، بكذا وكذا.

وإن رسول الله 6 أنبأني وأخبرني ، وأن الله قد شكر لك ذلك وثبّت ملكك ، وزاد فيه برهة ».

__________________

(١) المحاسن والمساوي للبيهقي ( ص ٧٨ ) وفي طبعة (٥٥) كشف الغمة للأربلي ( ٢ : ١١٢ ) مروج الذهب ( ٣ : ١٧٩ ) والاختصاص ( ص ٣١٤ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٢٨ و ١١٩ ).


وطوى الكتاب ، وختمه ، وأرسل به مع غلام له على بعيره ، وأمره أن يوصله الى عبدالملك ساعة يقدم عليه! (١).

إن أسلوب هذا الكتاب ، ومحتواه ، كلاهما مثار للاستفزاز :

فأولا : يحاول الإمام 7 أن يعرّف الحاكم باطّلاعه الكامل على تاريخ كتابته للرسالة ، بدقة ، حتى اليوم والساعة.

فهو يوحي إليه علم الإمام بما يجري داخل القصر الملكي.

وهذا أمر لا يمرّ به الطواغيت بسهولة.

وثانيا : يصرّح الإمام 7 باتصاله المباشر بالرسول 6 ، وانّه الذي أخبره وأنبأه بالرسالة ومحتواها.

وهذا أيضا يوحي أن الإمام 7 مع أنّه مرتبط بالرسول نسبيّا ، فهو مرتبط به روحيا ، ويأخذ علمه ومعارفه منه مباشرة!

ومثل هذا الإدّعاء لا يتحلمه الخليفة ، بل يثقل عليه ، لأن أدّعاء ذلك يعني كون الإمام 7 أوثق صلة بالرسول 6 ، من هذا الذي يدّعي خلافته!

والمقطع الأخير من الكتاب ، حيث يخبر الإمام 7 عن أن فعل عبدالملك وتوصيته بآل عبد المطلب « مشكور عند الله » وأنّه ثبّت بذلك ملكه ، وزيد فيه برهة ، ليس قطعا أسلوب دعاء وثناء وتملّق ، وإنّما هو تعبير عن قبول الصنيع ، وردّ الجميل ، والعطف عليه بزيادة برهة ـ فقط ـ في الملك! لا الخلافة.

مع أن صدور مثل هذا الخبر من الإمام 7 الى عبدالملك الخليفة! فيه نوع من التعالي والفوقيّة الملموسة ، التي لا يصبر عليها من هو في موقع القدرة ، فضلا عن الطغاة أمثال عبدالملك.

والحاصل أن هذا الكتاب الصادر من الإمام 7 لم يكن يصدر ، إذا أراد الإمام 7 أن يجتنب التعرض بالحاكم ، وخاصة بهذا الأسلوب المثير ، ومع أن الرسالة التي كتبها عبدالملك لم تكن مرسلة الى الإمام 7.

__________________

(١) كشف الغمة ( ٢ : ١١٢ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٢٩ ) ورواه في عوالم العلوم ( ص ٤٢ ) عن الخرائج للقطب الراوندي.


وكان عبدالملك واقفا على بعض ما للإمام 7 من موقعيّة ومكانة ، لوجوده فترة كبيرة في المدينة الى جوار الإمام 7 وعلمه بأوضاعه.

مضافا الى أن الإمام 7 قد تحدّث معه بلغة الأرقام مما لا يمكنه دفعه أو إنكاره ، فلذلك كلّه تظاهر عبدالملك بفرحه بهذا الكتاب.

فقد جاء في ذيل ذلك الحديث أن عبدالملك لما نظر في تاريخ الكتاب وجده موافقا لتلك الساعة التي كتب فيها الرسالة الى الحُجّاج ، فلم يشك في صدق على بن الحسين ، وفرح فرحا شديدا! وبعث الى علي بن الحسين وفر راحلته دراهم وثيابا ، لما سرّه من الكتاب (١).

ثم الذي يشير إليه الحديث التالي أن الإمام 7 قاطع النظام ، مقاطعة سلبيّة ، توحي بعدم الاعتراف والاعتناء برأس الحكومة ، وهو شخص الخليفة :

فقد روي أن عبدالملك بن مروان كان يطوف بالبيت ، وعلي بن الحسين 7 يطوف أمامه ، ولا يلتفت إليه.

فقال عبدالملك : من الذي يطوف بين أيدينا؟ ولا يلتفت إلينا؟

فقيل له : هذا علي بن الحسين!

فجلس مكانه ، وقال : ردّوه إليّ ، فردّوه ، فقال له : يا علي بن الحسين إنّي لست قاتل أبيك ، فما يمنعك من المسير إليّ.

فقال 7 : إن قاتل أبي أفسد ـ بما فعله ـ دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه آخرته ، فإن أحببت أن تكون هو ، فكن (٢).

إن تحدي الإمام 7 الاستفزازي ، يتبلور في نقاط :

فأولا ، يمشي بين يدي الخليفة متنكرا لوجوده ، لا يأبه به ، وفي مرأىً ومسمع من الحجيج الطائفين ، ولابدّ أنه كان في الموسم ، بحيث أثار الخليفة ، وبعثه على السؤال عنه : من هذا الذي يجرؤ على تحدّي احترام الخليفة هكذا!

__________________

(١) كشف الغمة ( ٢ : ١١٢ ).

(٢) بحار الأنوار ( ٤٦ : ١٢٠ ) وإثبات الهداة ، للحر العاملي ( ٣ : ١٥ ).


ولمّا سمع أنّه الإمام « علي بن الحسين » أجلسه « الاسم » في مكانه ، وهذا يعني أنّه قطع طوافه ، لعظم وقع النبأ عليه ، وقطع الطواف على الإمام بردّه إليه.

وثانيا ، عتاب عبدالملك للإمام 7 لعدم السير إليه ، يكشف عن أن مقاطعة الإمام للخليفة والمسير إليه ولقائه ، أتخذ شكلا أكبر من مجرّد العزلة ، بل دلّ على عدم الرغبة ، أو الإعراض ، حتى اصبح الخليفة يحاسب عليه!

وثالثا ، إن قول عبدالملك : « إني لست قاتل أبيك » كما يحتوي على التبرُؤ من الدماء المراقة على أرض المعركة المحتدمة بين أهل البيت : والأمويين ، فإنه في نفس الوقت تهديد ، بهزّ العصا في وجه الإمام زين العابدين 7 ، وتلويح له بإمكانيّة كلّ شيء : حتى القتل!

ورابعا ، ولذلك كان جواب الإمام حاسما ، وقويا ، وشجاعا ، إذ حدّد النتيجة في تلك المعارك السابقة ، وأثبت فيها انتصار أهل البيت الذين ربحوا النتيجة ، وخسران قتلتهم الأمويين!

ومع ذلك أبدى استعداده ، لأن يقف نفس الموقف المشرّف الذي وقفه أبوه ، إذا كان عبدالملك بصدد الوقوف على نفس الموقع الظالم الذي وقف عليه قاتل أبيه.

إنّه استعداد ، وطلب المبارزة والقتال ، وتحدّ سافر لسلطة خليفة لايمنعه شيء من الإقدام على الفتك والقتل والظلم والإبادة.

وهذا الموقف ، وحده ، كاف للدلالة على أن الإمام 7 لم يكن ـ طول عمره ـ ذلك المسالم ، الموادع ، المنعزل عن الدنيا وسلطانها ، والمشغول بالعبادة ، والصلاة والدعاء والبكاء ، فقط!

ويبدو أن عبدالملك رأى أن الإمام 7 بمواقفه الاستفزازية تلك ، يبرز في مقام أبيه وجدّه ، ويتزعّم الحركة الشيعية ، وقد ركّز موقعيته كإمام ، بعد تلك الجهود المضنية ، واستعاد جمع القوى المؤمنة حوله ، فأصبح له من القوة والقدرة ، أن يقف في وجه الخليفة ، فلذلك تصدّى للأمام 7 وحاول أن يفرّغ يد الإمام 7 من بعض


إثباتات الإمامة ، كوجود مخلّفات النبوّة عند الإمام (١) ، ومنها سيف رسول الله 6 :

فلمّا بلغ عبدالملك أن ذلك السيف موجود عند الإمام زين العابدين 7 بعث إليه يستوهبه منه.

فأبى الإمام 7 :

فكتب إليه عبدالملك ، يهدّده أن يقطع رزقه من بيت المال.

فأجابه الإمام 7.

أما بعد :

فإن الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جل ذكره : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) [ سورة الحج «٢٢» الآية «٣٨» ].

فانظر أيّنا أولى بهذه الآية (٢).

إن طلب عبدالملك ، للسيف من الإمام 7 بهذه الشدّة الى حدّ التهديد ، ليس ناشئا من مجرّد الرغبة ، وإلاّ فعبدالملك هو ذا معرض عن الاحتفاء بأقدس الاشياء المنسوبة الى الرسول 6 وأعزّ من سيف الرسول ، وها هم أهله يعرّضون من قبله بالتهديد بقطع الرزق.

فإن موقف الإمام 7 بإباء إعطائه السيف ، إذا كانت الأمور في حالتها الطبيعيّة ، لا يبرره شيء.

إلاّ أن الوضع ليس طبيعيا قطعا.

وتشير بعض الأحاديث الى بلوغ حدّة التوتّر بين الإمام وبين النظام إلى حدّ أن الحجّاج الثقفي ، وهو من أعتى ولاة الأمويين ، يكتب الى عبدالملك بما نصه : « إن

__________________

(١) إقرأ عن سلاح رسول الله 6 الموجود عند الإمام 7 حديث ابي خالد الكابلي في المناقب لابن شهر آشوب ( ٤ / ١٤٨ ) ط الأضواء.

(٢) عوالم العلوم ( ص ١١٧ ) عن المحاسن للبرقي ، والمناقب لابن شهر آشوب ( ٤ : ٣٠٢ ) وانظر بحار الانوار ( ٤٦ : ٩٥ ).


أردت أن يثبت ملكك فاقتل عليّ بن الحسين » (١).

فلو كان الإمام زين العابدين 7 كما هو المعروف زاهدا في السياسة ، فما معنى ربط الحجّاج ـ الذي لا يرتاب في دهائه ـ بين الإمام وبين الملك.

فكلام الحجّاج واضح الدلالة على أن وجود الإمام 7 أصبح يشكّل خطرا عظيما على الملك ، يزعزعه ويزيله ، فهو لا يثبت إلاّ بقتل الإمام.

وأما عبدالملك ، فقد حاول أن يحدّد الإمام 7 ، كما يقوله الحديث التالي :

قال الزهري : شهدت علي بن الحسين ، يوم حمله عبدالملك بن مروان من المدينة الى الشام ، فأثقله حديدا ، ووكّل به حفاظا عدّة.

فاستأذنتهم في التسليم عليه ، والتوديع له ، فأذنوا لي ، فدخلت عليه ، وهو في قبّة ، والأقياد في رجليه ، والغلّ في يديه ، فبكيت ، وقلت : وددت أني مكانك ، وأنت سالم.

فقال : يا زهريّ ، أو تظنّ هذا ـ مما ترى عليّ وفي عنقي ـ يكرثني ، أما لو شئت ما كان ، فإنه ـ وإن بلغ فيك وفي أمثالك ـ ليذكرني عذاب الله.

ثم أخرج يديه من الغلّ ورجليه من القيد ، وقال : لأجزت معهم على ذا منزلتين من المدينة.

قال الزهري : فما لبثت إلاّ أربع ليالٍ ، حتى قدم الموكّلون به ، يظنّون أنّه بالمدينة ، فما وجدوه.

فكنت فيمن سألهم عنه؟

فقال لي بعضهم : إنّا نراه متبوعا ، إنه لنازل ، ونحن حوله لا ننام ، نرصده ، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلاّ حديده.

قال الزهري : فقدمت ـ بعد ذلك ـ على عبدالملك بن مروان ، فسالني عن علي بن الحسين؟ فأخبرته ، فقال لي : إنه قد جاءني في يوم فقدوه الأعوان ، فدخل عليّ فقال : ما أنا وأنت؟

فقلت : أقم عندي.

فقال : لا أحبّ.

__________________

(١) بحار الأنوار ( ج ٤٦ ص ٢٨ ح ١٩ ).


ثم خرج ، فوالله ، لقد امتلأ ثوبي منه خيفة.

قال الزهري : فقلت : يا أمير المؤمنين! ليس علي بن الحسين حيث تظنّ ، إنه مشغول بنفسه.

فقال : حبّذا شغل مثله ، فنعم ما شغل به (١).

إن هذا الحديث ـ على طوله ـ فيه من الدلالات على أن وضع الإمام 7 السياسي أصبح بمستوى يلجىء الدولة الى اعتقال الإمام وتقييده وتكبيله الغلّ ، وتطويقه بالحرس.

فهل يعامل المنعزل عن السياسة والزاهد فيها ، بهذا الشكل حتى لو فرضنا أن الضرورة اقتضت جلبه الى العاصمة؟!

إن أسلوب الجلب هذا فيه الدلالة القويّة على أن تحرّك الإمام 7 كان على مستوى بالغ الخطورة على الدولة.

ثم ماذا كان يظنّ الخليفة في الإمام حتى التجأ الى فعل كلّ هذا ضدّه ، لو لم يتوجّس منه خيفة التحرّك السياسي.

ويبدو الإمام 7 مصمّما على التزامه ، فقد أجاب الخليفة بما أحب هو ، لا ما أراد الخليفة.

وفي التجاء الإمام 7 الى إعمال قدراته الملهمة من الله كإمام للأمة ، ووليّ من أولياء الله المخلصين ، فأظهر للملك وللزهري إعجازه الخارق ، تأكيد على ما نريد إثباته وهو أن الإمام زين العابدين 7 صرّح بأنه يقوم بمهمّة الإمامة الإلهية ، ويثبت للملك وأعوانه ولكل من اطّلع على مجاري الأحداث ، أنّه الإمام الحق ، والأولى بمقام الحكم الذي يدّعيه عبدالملك.

وهذا هو أظهر أشكال النضال السياسي.

__________________

(١) حلية الاولياء ( ٣ : ١٣٥ ) تاريخ دمشق ( الحديث ٤٢ ) مختصر ابن منظور ( ١٧ : ٢٣٤ ) ورواه ابن شهر آشوب في المناقب ( ٤ / ١٤٥ ) ط الأضواء.


وموقفه من هشام بن عبدالملك.

وموقف الإمام زين العابدين 7 من هشام ، من أشهر المواقف بين المسلمين ، وقد تناقله الأعلام في صحفهم وكتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلمات ، وفيه من الدلالات الواضحة على قيام الإمام 7 بالاستفزاز السياسي ، ما لا يخفى على أحد.

والحديث : أن هشام بن عبدالملك حجّ في خلافة أبيه ، فطاف بالبيت ، وأراد أن يستلم الحجر الأسود ، فلم يقدر عليه من الزحام ، فنصب له منبر فجلس عليه.

فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين 7 ، عليه إزار ورداء ، أحسن الناس وجها ، وأطيبهم رائحة ، وبين عينيه سجّادة ، كأنّها ركبة بعير.

فجعل يطوف بالبيت ، فإذا هو بلغ الى موضع الحجر تنحّى الناس له عنه ، حتى يستلمه ، هيبة له وإجلالا.

فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة ، فأفرجوا له عن الحجر؟!

فقال هشام : لا أعرفه! ـ لئلا يرغب فيه أهل الشام ـ!

فقال الفرزدق ـ وكان حاضرا ـ : أنا أعرفه :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم

هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

هذا ابن فاطمة ان كنت جاهله

بجدّه أنبياء الله قد ختموا

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت

والاُسدُ اُسدُ الشرى واليأس محتدم (١)

__________________

(١) هذه الأبيات هي التي اختارها الاستاذ الفاضل المحقق الدكتور السيد جعفر الشهيدي ، من مجموع ما نسب الى الفرزدق في مدح الإمام السجاد 7 بعنوان « الميميّة » بعد أن أشبعها بحثا وتحقيقا في كتابه القيّم « زندگاني علي بن الحسين 7 » ( الصفحات ١١٢ ـ ١٣٣ ) وقد فصّل فيه


إن الموقف لم يكن بحيث يخفى شيء من أبعاده على الإمام 7 ، ولم يكن هو 7 بحيث يقوم بما قام متجاهلا عواقبه وآثاره ، فلا بد لمن يحضر المطاف أن ينتبه لحضور مثل هشام ـ وليّ العهد ـ على المنبر ، وحوله الجلاوزة من أهل الشام.

لكنّ الإمام زين العابدين 7 تجاهل وجود هشام ، قاصدا الى عواقب إقدامه الجرىء ذلك :

فهو يسير في إكمال أشواط الطواف ، متزيّيا بزيّ الأنبياء ، والناس يتنسّمون منه ريح النبّوة وعبق الرسالة ، وهذا واحد من آثار نضال السنوات الطويلة العجاف الشداد ، التي كابد فيها الإمام أنواع الصعاب ، ليفتح أمام الناس طريق معرفة الإمام والوصول الى الإمامة ، بينما كانت الخلافة في غفلة عن هذا كلّه ، ومنهمكة في عتوّها

__________________

الحديث عمّا وقع من الاختلاف في ما ورد من أبيات على وزن الميميّة في التراث العربي ، من حيث قائلها ، والممدوح الذي قيلت في حقه ، وفي عدد أبيات ما قيل في كلّ مناسبة ، وفي خصوص ما نسب الى الفرزدق في مدح الإمام 7 في مقام الحجر الأسود ، من حيث عدد الأبيات ، ودقق في مضمون الأبيات المنسوبة ، فتوصّل الى أن الانسب بالمقام ـ زمانا ومكانا ووضعا ـ هو هذه الأبيات السبعة التي اختارها ، وأنّها الأنسب بالشاعر وبالمناسبة لفظا وبلاغة ، ومعنى ودلالة.

وأبان الوجوه التي استبعد بها الأبيات الاخر ، بتفصيل واف ، ومما يحسن ترجمته من كلامه ، بعد إيراده البحث المذكور ، قوله :

إن كان الفرزدق قد أنشأ هذه الأبيات في حق الإمام علي بن الحسين ، فقد أدى جزءا ضئيلا من دينه ، وخفف شيئا من أثقال جرائمه التي يحملها على عاتقه ، حيث يعجّ ديوان هذا الشاعر بمدائح معاوية ، وعبدالملك بن مروان ، وابنه الوليد ، ويزيد بن عبدالملك ، وعمّالهم مثل : الحجاج بن يوسف ، ويعثر في ديوانه على أكثر من عشرة قصائد في مديح هشام وابنه ، بالخصوص.

أن ما كتبه اليافعي ـ في حق الفرزدق ـ يبدو وافيا جدا ، حيث قال : « وينسب الى الفرزدق مكرمة يرتجى له بها الرحمة في دار الآخرة » وأورد حديث الميميّة ، في مرآة الجنان ( ج ١ ص ٢٣٩ ) طبع موسسة الأعلمي بيروت ـ عن طبعة حيدرآباد الهند ١٣٣٧.

وأليك بعض مصادر هذه القصيدة :

تاريخ دمشق ( الحديث ١٣٣ ) مختصره ( ١٧ : ٦ ـ ٢٤٧ ) ديوان الفرزدق ( ٢ : ١٧٨ ) الأغاني ( ١٥ : ٣٢٧ ) و ( ١٥ : ٢٦١ ثقافة ) وصفوة الصفوة ( ٢ : ٨ ـ ٩٩ ) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ( ١ : ١٥٣ ) وأمالي المرتضى ( ١ / ٦٢ ) وانظر الإمام زين العابدين عليه السلام.


وظلمها ولهوها وبذخها وترفها وطغيانها ، بعيدا عن الناس.

والناس ، أولئك الذين تجاهلوا ابن الخليفة ، ولم يأبهوا به ، ولم يفتحوا له طريقا الى لمس الحجر الأسود ، هاهم يقفون سماطين ، هيبة للإمام زين العابدين 7 ، يفرجون له عن الحجر ، ليستلمه!

ومثل هذا العمل يخدش غرور هشام الذي يمثل الخلافة ، ويغيض المنتمين الى الدولة ، ولذلك تجاهل هشام شخص الإمام 7.

ومما يدل على حدّة تأثير الموقف فيهم رواية المدائني عن كيسان عن الهيثم أن عبدالملك قال للفرزدق ، أوَ رافضيّ أنت يا فرزدق؟

فقال : إن كان حبّ أهل البيت رفضا ، فنعم (١).

والشاعر الشعبيّ ـ الفرزدق ـ الذي يعيش بين العامة ، استصعب ذلك التجاهل ، وانبرى بإنشاد الميمية العصماء ، التي طار صيتها مع الحجّاج عندما عادوا الى مختلف البقاع.

إن أيّ حكم سياسي لا يتحمّل مثل هذه المواقف التي تحطّ من كرامة رجال الدولة ، وخاصّة رجال البلاط ، وبهذه الصورة.

ولذلك ، فإن الأمويين سجنوا الفرزدق على هذا الشعر الذي اعتبروه إهانة للنظام.

فكيف لا يكون عمل الإمام زين العابدين 7 استفزازا سياسيا؟!

وممّا يؤكّد على استهداف الإمام 7 للنظام في هذا التصرّف هو أن الإمام زين العابدين 7 سارع الى الاتصال بالفرزدق في السجن ، ووصله بشيء رمزي من المال ، مكافأة لموقفه السياسي ذلك.

ولا ريب أن في هذا ـ أيضا ـ إعلانا لدعم المعارضة المعلنة من قبل الفرزدق ، لا يمكن إغفاله عن سجلّ الأعمال السياسية التي قام بها الإمام 7.

وموقفه من عمر بن عبدالعزيز :

كان عمر بن عبدالعزيز ، قبل تولّيه الخلافة ، يسكن المدينة ، يرفل أثواب الترف ،

__________________

(١) المحاسن والمساوي للبيهقي ( ص ٢١٢ ـ ٢١٣ ).


باعتباره من العائلة المالكة.

وكان من ترفه أنه يلبس الثوب بأربعمائة دينار ، ويقول : « ما أخشنه! » (١).

وقال بعضهم : كنّا نعطي الغسّال الدراهم الكثيرة حتى يغسل ثيابنا في إثر ثياب عمر بن عبد العزيز ، من كثرة الطيب الذي فيها (٢).

قال عبدالله بن عطاء التميمي : كنت مع علي بن الحسين في المسجد فمرّ عمر بن عبدالعزيز ، وعليه نعلان شراكهما فضّة ، وكان من أمجن الناس ، وهو شاب ... (٣).

ولما كان يتمتع به من ذكاء وتدبير ، كان يراقب أعمال الإمام زين العابدين 7 عن كثب ، فيجد أنه 7 قد هيّأ بجهاده وصبره الأرضيّة الصالحة لانقلاب اجتماعي جذري على الحكم الأموي المرواني.

وكان الإمام يتوسّم في عمر التطلّع الى الخلافة ، فقد قال 7 لعبد الله بن عطاء ـ ذيل حديثه السابق ـ : أترى هذا المترف ـ مشيرا الى عمر ـ إنه لن يموت حتى يلي الناس ، فلا يلبث إلاّ يسيرا حتى يموت ، فإذا مات لعنه أهل السماء ، واستغفر له أهل الأرض (٤).

ففي هذا الحديث :

١ ـ يشاهد توسّم الإمام 7 في عمر أنه يتطلّع الى الحكم والولاية ، رغم بعده عنها ، واشتغاله في المدينة بما لا يمتّ الى ذلك.

وإعلانه عن هذا التوسّم يدل بوضوح على أن الإمام كان يفكّر في شؤون الحكومة لا حاضرها بل ومستقبلها ، وأنه كان مفتوحا أمامه بوضوح.

٢ ـ إن الإمام 7 كان يعرف من ذكاء عمر ودهائه أنه سوف ينافق في ولايته ،

__________________

(١) طبقات ابن سعد ( ٥ : ٢٤٦ ).

(٢) الإغاني ( ٩ ـ ٢٦٢ ).

(٣) مناقب ابن شهر آشوب ( ٤ / ١٥٥ ) ط الأضواء.

(٤) بصائر الدرجات ( ص ٤٥ ) ودلائل الإمامة للطبري ( ص ٨٨ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٢٣ و ٣٢٧ ) وإثبات الهداة ( ٣ : ١٢ ) وقد روى عاصم بن حميد الحنّاط في أصله ( ص ٢٣ ) قريبا من هذا النص عن عبدالله بن عطاء قال : كنت آخذا بيد أبي جعفر 7 وعمر بن عبدالعزيز عليه ثوبان معصفران ، قال : فقال أبو جعفر : أما أنه سيلي ثم يموت ، فيبكي عليه أهل الأرض ويلعنه أهل السماء ، ودلالته على المعاني التي ذكرناها أوضح.


بما ينطلي على الناس أنه صالح و « عادل » في الحكم ، بينما هو ، قد احتال في ضرب الحق وتثبيت الباطل مدّة أطول ، وقد كان من شأن الدولة الأموية أن تزول قبل ذلك ، لولا تصرّفاته المريبة!

حيث أن آثار جهود الإمام زين العابدين 7 ونضاله ضدّ الطاغوت الأموي ، كانت قد بدت ظاهرة ، فكان الجوّ السياسي ـ على أثر أنتشار الوعي ـ مشرفا على الأنفتاح ، بحيث لم يطق التعنّت الأموي على الاستمرار في عتوّه ، وإعلان فساده ، وانتهاكه للحرمات كسب الإمام علي أمير المؤمنين 7 على المنابر ، على رؤوس الأشهاد ، وصدّ الإمة عن المعارف والثقافة الإسلامية الصحيحة بمنع الحديث والسنّة ، والأدهى من كلّ ذلك استمرار الضغط على كبار المسلمين وسادتهم كعلماء أهل البيت : بالتقتيل والتشريد والسجن ، وكعلماء الصحابة ومؤمنيهم بالإهانة والمطاردة والقتل.

فكان عمر بن عبدالعزيز ، وهو الذي راقب الأوضاع عن كثب يعرف كلّ هذه المفارقات في حكم آبائه وسلفه ، فلمّا استولى على كرسيّ الخلافة بدأ بتبديل تلك السياسة الخاطئة.

فعمد الى رفع ذلك السبّ عن الإمام أمير المؤمنين 7 ، الذي كان وصمة عار على جبين الحكم الأموي ، ولطخة سوداء في صفحات تاريخ المسلمين لا تمحى مدى الدهر ، إذ يسبّ أحد الخلفاء ، ابن عم رسول الله وصهره ، وأحد كبار الصحابة ، على منابرهم مدّة مديدة ، بكلّ صلافة وجرأة!! (١).

وقد كان عمر نفسه ممن يلعن عليّا قبل تولّيه السلطة ، حينما كان يتعلّم في المدينة (٢).

ثم أن سب الإمام أمير المؤمنين 7 لم يؤد إلاّ الى النتائج المضادّة لأهداف بني أمية ، مهما تطاول ، وقد تنبّه العقلاء الى ذلك ، وجاء نموذج من هذا في ما روي عن عامر بن عبدالله بن الزبير ـ وكان من عقلاء قريش ـ سمع ابنا له ينتقص علي بن

__________________

(١) لاحظ الكشكول في ما جرى على آل الرسول 6 ( ص ١٥٦ ).

(٢) الكامل في التاريخ لابن الأثير ( ٥ / ٤٢ ).


أبي طالب 7 ، فقال له : لا تنتقص عليا ، فإن الدين لم يبن شيئا فاستطاعت الدنيا أن تهدمه ، وإن الدنيا لم تبن شيئا إلاّ هدمه الدين!

يابني ، إن بني أمية لهجوا بسبّ علي بن أبي طالب 7 في مجالسهم ولعنوه على منابرهم ، فإنما يأخذون ـ والله ـ بضًبْعًيْه الى السماء مدّا ، وإنهم لهجوا بتقريظ ذويهم وأوائلهم من قومهم فكأنما يكشفون منهم عن أنتن من بطون الجيف ، فأنهاك عن سبّه (١).

ثم رفع عمر بن عبدالعزيز المنع عن نشر الحديث والسنّة ، فعمّم أمرا بكتابة الحديث وتدوين العلم ، وسجّل باسمه هذه المأثرة التي لا يزال كثير من المصنفين يمدحونه بها!

إن عمر بادر الى هذه الأعمال وأمثالها ، لتلافي أمر أنهدام الدولة الأموية ، وقبل أن ينسحب البساط من تحته وتحت قبيلته.

وأخطر ما في عمله أنه أخّر نتائج الجهود الجبّارة التي قام بها الإمام زين العابدين 7 الى فترة أبعد ، لما فتحه أمام الناس من نوافذ للأمل بالإصلاح ، فتقاعسوا عن متابعة الأهداف التي خطّط لها الإمام 7 ، لأنهم علّقوا آمالا طوالا عراضا على عمر ، وتظاهره بالصلاح ، بل عدّوه مجدّدا للإسلام! في بداية القرن الثاني ، وكالوا له المدح والثناء ، وكسب ودّ كثير من الناس ، حتّى أتبعوه بالاستغفار بعد هلاكه.

بينما هو ، لو كان يريد الخير للأمّة لردّ الى أهله ، والحقّ الى نصابه ، ولأصلح أهمّ ما أفسده بنو أمية والخلفاء من قبله ، وهو إرجاع الأمر الى أهل البيت : الذين هم أولى بالأمر منه.

قال السيد المقرّم : ولو كان ابن عبدالعزيز صادقا ... لردّ الخلافة الى اهلها ، وهل ظلامة أحد أكبر من ظلامة أهل البيت : في عدم إرجاع الحقّ إليهم؟ وتعريف الأمة أنهم الأولى ممّن تسنّم منبر النبوّة بغير رضا من الله ولا من رسوله؟ (٢)

__________________

(١) الأمالي للطوسي ـ ط ـ البعثة ـ ص ٥٨٨ رقم ١٢١٧ المجلس (٢٥).

(٢) الإمام زين العابدين 7 ( ص ٦٥ ).


ولكنه لم يفعل أيّ شيء في هذا المجال.

ولو كان محبّا للعلم ، وحفظه من الدروس ، لما اكتفى برفع المنع من تدوينه ، بل لتصدّى لتلك المجموعة التي دأب الخلفاء ـ وخاصة معاوية ـ على اختلافها ووضعها ونشرها وتشويه الحق بها ، وكان من السهل وقوف عمر عليها! فجمعها وأبادها ، أو كشفها وأعلن عن زيفها!

ولأمكنه ـ كذلك ـ السعي لفسح المجال أمام تلك المجموعة الممنوع نقلها وتداولها من الحديث والعلم ، والتي كانت تحتوي على فضائل علي وآله : ، فنشرها وأفصح عنها وأذاعها.

ولكن تلك الأحاديث لو نشرت لما بقي لدولة بني أمية ذكر.

فهو لم يفعل شيئا من هذا ، وإنما اكتفى بتصرّفات تغرّ الناس وتقنعهم بأنّه عادل ، يحبّ العلم ، ويحافظ على الإسلام ، كي لا تتعمّق نقمة الناس عليه وعلى الخلافة الأموية ، فتنقلب عليه الأمة.

ومهما يكن ، فإن تعرّض الإمام زين العابدين 7 لعمر بن عبدالعزيز ، في ذلك الوقت ، وهو من العائلة المالكة ، ويتطلّع الى الخلافة ، وهو على ما كان عليه من الترف والبذخ اللذين يدلان على روح الطاغوت في وجوده.

إن تعرّض الإمام له يدل على نوع من الاقتحام السياسي ، وهو موقف خطر يقفه الإمام ، بلا ريب ، يستتبع المؤاخذة من الحكّام الظلمة.

ولكن الإمام 7 كان يقتطف ثمال خطّته السياسيّة ، فلا يبالي بما سيقع عليه جراء هذا الإعلان.

ولقد أعلن ، فعلا تصدّيه لمثل ذلك في ما رواه حفيده جعفر الصادق 7 في قوله تعالى : ( هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) [ سورة مريم : ٩٨ ] قال : هم بنو أمية ، ويوشك أن لا يحس منهم أحد ولا يخشى ... ما اسرعه! سمعت علي بن الحسين 7 يقول : إنه قد رأى أسبابه (١).

نعم ، رأى الإمام السجّاد 7 تلك الأسباب التي كانت من صنع سياسته الحكيمة.

__________________

(١) مناقب شهر آشوب ( ٣ / ٢٧٦ ).


ثانيا : موقفه من أعوان الظلمة

لقد شدّد الإسلام النكير على إعانة الظالمين ، واعتبره ظلما وتعديّا وتجاوزا للحدود ، حتى عدّ في بعض النصوص من الكبائر التي توعّد عليها بالنار.

ففي رواية معايش العباد التي ذكر فيها وجوه الاكتساب وأحكامها ، قال الصادق 7 :

وأما وجه الحرام من الولاية : فولاية الوالي الجائر ، وولاية ولاته ، الرئيس منهم ، وأتباع الوالي ، فمن دونه من ولاة الولاة الى أدناهم ، ....

لأن كل شيء من جهة المعونة لهم معصية ، كبيرة من الكبائر ، وذلك : أن في ولاية الوالي الجائر درس الحق كلّه ، وإحياء الباطل كلّه ، وإظهار الظلم والجور والفساد ، وإبطال الكتب ، وقتل الأنبياء والمؤمنين ، وهدم المساجد ، وتبديل سنّة الله وشرائعه.

فلذلك حرم العمل معهم ، ومعونتهم ، والكسب معهم (١).

ومما لا يخفى على أحد : أن الجائرين لم يصلوا الى مآربهم ، لو لم يجدوا أعوانا على ما يقومون به من مظالم ومآثم.

وقد عبّر الإمام 7 عن ذلك لمن راح يذرف الدموع على ما يجري على أهل البيت من المصائب والظلم ، ما معناه : أن المسؤول عن ذلك ليسوا هم الظالمين فقط ، بل من توسّط في إيصال الظلم وتمكين الظلمة ، وتمهيد الأمر لهم ، كلهم مشاركون في الجريمة.

ولذلك ـ أيضا ـ ورد اللعن على « من لاق لهم دواة ، أو قطّ لهم قلما ، أو خاط لهم ثوبا ، أو ناولهم عصا ».

مع أن هذه الأدوات لا تباشر الظلم ، وإنما هي جوامد لا تعقل ، إلاّ بوسائط وبعد مراحل ، وقد يستفاد منها للخير والصلاح ، ولكن القيام بخدمة الظالم ، ولو بهذه الأمور ، يكون من المعونة له.

__________________

(١) تحف العقول ( ص ٣٣٢ ).


وقد اعتمد الإمام زين العابدين 7 على هذه القاعدة الإسلامية ، وجعلها ركيزة في مقاومة النظام الفاسد ، وحاول تجريده من سلاح الوعّاظ المحيطين به ، المتزلّفين ، الذين تمرّر السلطة على وجودهم ما تقوم به من إجراء ، ويحسّنون بذلك أفعالها أمام العوامّ ، ويوقع علماء الزور على آثامها.

ففي الحديث أن الإمام السجاد 7 كان يقول : العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به : شركاء ثلاثة (١).

وكان يحذّر الناس من التورّط في أعمال الظلمة ، ولو بتكثير سوادهم والحضور في مجالسهم ، والانخراط في صحبتهم ، لان الظالم لا يريد الصالح لكي يستفيد من صلاحه ، وإنما يريده : إما لتوريطه في مظالمه وآثامه ، أو أن يجعله جسرا يعبر عليه للوصول الى مآربه وأهدافه الفاسدة.

فكان الإمام 7 يقول :

لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم ، إلاّ أوشك أن يقول فيه من الشرّ ما لا يعلم ، ولا اصطحب اثنان على غير طاعة الله ، إلاّ أوشك أن يتفرّقا على غير طاعة الله (٢).

فبعض ظاهري الصلاح يتصوّر أن اصطحاب الظالمين لا يضرّه شيئا ، وإنما يفيد من خلاله خدمة ، أو على الأقل يكفيه شرا ويدفع عنه ضررا!

ولكنّه تصوّر خاطىء ، مرتكز على الغفلة عن الذي قلناه من استغلال الظالم لصحبة الصالحين لتوريطهم ، أو تمرير أغراضه عبر سمعتهم ، وهو لا يصحبهم على أساس الطاعة قطعا ، فلابدّ أن يتفرّقا على غير طاعة الله أيضا ، وهذا أقلّ الأضرار الحاصلة من هذه المصاحبة الخطرة.

كما أن الذي يعيش مع الظالم ، ولو لفترة قصيرة ، فإن اصطحابه لا يخلو من كلمات التزلّف والمجاملة ، والملاطفة بما لا واقع لكثير منه ، ولو بعمل مثل الأحترام والتبجيل ، وهذا كلّه ممّا يزيد من غرور الظالم وهو تصديق لما يقول ، وتوقيع على ما يفعل.

كما أن فيه تغريرا للناس البسطاء الذين يرون الصالحين في صحبة الظالم ،

__________________

(١) بلاغة علي بن الحسين (٢٢٤) عن الأثني عشرية ، للعاملي.

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ١٢٨ ) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٤ ).


فيعتبرون ذلك تصويبا لتصرفاته ، وإسباغا للشرعية عليها.

بل ، إن مجرد سكوت من يصحب الظالم ، على ما يرى من فعله ، هو جريمة يحاسب عليها.

وقد كان الإمام زين العابدين 7 يسعى بكلّ الوسائل من النصح والموعظة والإرشاد ، الى التخويف والتهديد ، الى الفضح والتشهير ، في سبيل إقناع المتصلين بالأمويين من علماء السوء ، ليرتدعوا ، ويتركوا الارتباط بالبلاط ، هادفا من وراء ذلك فضح الحكّام ، وتجريدهم عن كلّ أشكال الشرعية.

ومن أعلام البلاط الذين ركّز الإمام 7 جهوده في سبيل قطع ارتباطه بالحكام هو : الزهري.

الذي أكسبه الأمويون ـ زورا وبهتانا ـ شهرة عظيمة ، وروّجوا له ، ونفخوا في جلده ، حتى جعلوه من أوثق الرواة في نظر الناس.

بينما كان من المنحرفين عن الإمام علي 7 (١).

وقال محمد بن شيبة : شهدت مسجد المدينة ، فإذا الزهري ، وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليا 7 فنالا منه! (٢).

واشتهر أنه كان يعمل لبني أمية (٣) وكان صاحب شرطتهم (٤) ولا يختلف الناس أنه كان يأخذ جوائزهم (٥).

ولم يزل مع عبدالملك وأولاده هشام وسليمان ويزيد ، وقد استقضاه الأخير (٦).

وجميع أهل البيت : يجرحونه ، وتكلّم أناس فيه من غيرهم :

قال عبدالحق الدهلوي : إنّه قد ابتلي بصحبة الأمراء ، وبقلّة الديانة ، وكان أقرانه من العلماء والزهّاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ( ٤ ـ ١٠٢ ).

(٢) شرح نهج البلاغة ( ٤ ـ ١٠٢ ) والاعتصام بحبل الله المتين ( ٢ : ٢٥٨ ).

(٣) تهذيب التهذيب ( ٤ : ٢٢٥ ).

(٤) الجامع لأخلاق الراوي ( ٢ / ٢٠٣ ).

(٥) الاعتصام ( ١ : ٢٨٥ ).

(٦) لاحظ وفيات الإعيان ، لابن خلكان ( ٣ : ٣٧١ ).


وكان يقول : أنا شريك في خيرهم دون شرّهم!

فيقولون له : ألا ترى ما هم فيه ، وتسكت؟! (١)

ولذلك ـ أيضا ـ كانوا يعلنون : « من كان يأتي السلطان ، فلا يحضر مجلسنا » (٢).

وفي علوم الحديث للحاكم : قيل ليحيى بن معين : الإعمش خير أم الزهري؟

فقال : برئت منه إن كان مثل الزهري ، إنه كان يعمل لبني أمية ، والإعمش مجانب للسلطان ، ورع (٣).

وفي ميزان الذهبي في ترجمة خارجة بن مصعب أنه قال : قدمت على الزهري ـ وهو صاحب شرطة بني أمية ـ فرأيته يركب وفي يده حربة ، وبين يديه الناس ، وفي أيديهم الكافركوبات!

فقلت : قبّح الله ذا من عالم ، فلم أسمع منه (٤).

وقد عدّه ابن حجر في من أكثر من التدليس وقال : وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بالتدليس (٥).

وقال القاسم بن محمد ـ من أئمة الزيدية ـ : أمّا الزهري فلا يختلف المحدثون وأهل التاريخ في أنه كان مدلسا (٦) ، وأنه كان من أعوان الظلمة بني أمية ، وقد أقرّوه على شرطتهم (٧).

وقال الشيخ محمد محمد أبو شهبة : اعتبروا من الجرح الذهاب الى بيوت الحكّام ، وقبول جوائزهم ، ونحو ذلك مما راعوا فيه إن الدوافع النفسيّة قد تحمل صاحبها

__________________

(١) رجال المشكاة ، للدهولي.

(٢) رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي ( ١ / ٥٣٠ ) ضمن كلام الفزاري ، ونقل ابن حجر الكلام في ترجمته في تهذيب التهذيب ( ١ / ١٥٢ ) إلاّ أنه حذف هذه الجملة!

(٣) الاعتصام ( ٢ : ٢٥٧ ) ومعرفة علوم الحديث للحاكم ( ص ٥٤ ).

(٤) الاعتصام ( ٢ : ٢٥٧ ) وميزان الاعتدال ( ١ : ٦٢٥ ) والكامل لابن عديّ ( ٣ / ٩٢٢ ).

(٥) تعريف أهل التقديس ( ص ١٠٩ ) رقم (١٠٢).

(٦) لاحظ طبقات المدلسين لابن حجر ( ص ١٥ ) وانظر الجامع لاخلاق الراوي ( ١ / ١٩١ ) الحديث ١٣١.

(٧) الاعتصام ( ٢ : ٢٥٧ ).


على الأنحراف (١).

وقد جرح أبو حازم سلمة بن دينار ، الزهري لما أرسل اليه سليمان بن هشام بن عبدالملك ، ومعه ابن شهاب الزهري ، فدخل ابو حازم فإذا سليمان متكىء ، وابن شهاب عند رجليه ، فقال أبو حازم كلمات لاذعة لابن شهاب ، منها قوله : « إنّك نسيت الله ، ما كلّ من يرسل إليّ آتيه ، فلولا الفرق من شرّكم ما جئتكم ... » (٢).

ولقد تكلّم فيه شيخ أهل الجرح والتعديل يحيى بن معين بكلام خشن ـ حول قتل الزهري لغلامه ـ وقال : إنه ولي الخراج لبعض بني أمية (٣).

وقال يحيى بن معين في معرفة رجاله : هجا عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ـ وكان أعمى ـ : الزهري وصالح بن كيسان ، ومعاوية بن عبدالله بن جعفر ، في بيت واحد فقال :

ليس بإخوان الثقات ابـن مسلم

ولا صالح ولا الطويل معاوية (٤)

فنفى ابن معين الوثاقة عن الزهري على لسان الشاعر ، وهو لو لم يوافق عليه ولم يعتقده لم ينقله أو لردّ عليه ، لكنه لم يفعل.

وقال القاسم بن محمد : أليس كان بنو أمية وأتباعهم يلعنون عليا 7 على المنابر ، وابن شهاب يسمع ويرى ، فماله ما يغضب ويظهر علمه؟! (٥).

وقال السيّد مجدالدين المؤيّدي : أما كون الزهري من أعوان الظلمة فمما لا خلاف فيه ، وقد قدح فيه نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم.

وابن شهاب ممن لا يعدّلون ، بطاعة بني أمية ، وتلبيسه وتحريفه ـ لمكان كثرة

__________________

(١) دفاع عن السنة ( ص ٣١ ) وانظر قصة حماد بن سلمة مع أمير البصرة ، في الجامع لأخلاق الراوي ( ١ / ٧ ـ ٥٦٨ ) وحلية الأولياء ( ٦ / ٢٤٩ ).

(٢) الاعتصام ( ٢ : ٢٥٨ ) والكلام بطوله في الإمامة والسياسة ( ٢ : ١٠٥ ـ ١١٠ ).

(٣) انظر جامع بيان العلم للقرطبي ( ٢ / ١٦٠ ) وصرح بانه ترك الكلام الخشن لانه لا يليق بمثله ، ولكن لم نجد ذكرا لمثل ذلك في رجال أبن معين ، ولعلّ الطابعين أيضا تركوا ذلك رعاية لما يليق بالزهري ، وان كان فيه إساءة الى ابن معين والى التراث بالخيانة فيه.

(٤) معرفة الرجال ( ٢ / ٥٠ ) رقم (٨٠).

(٥) الاعتصام ( ٢ : ٢٦٠ ).


وفادته اليهم ـ معروف ، وهو لسان بني أمية (١).

وقال المؤيد بالله في شرح التجريد : الزهري عندنا في غاية السقوط (٢).

واستعمل الإمام زين العابدين 7 أساليب عديدة لإتمام الحجّة على الزهري ، ليعتبر به هو وأمثاله ، وكان التركيز عليه لكونه أكبر علماء البلاط ، وأعرفهم عند العوام :

فمن أساليبه : اسماعه المواعظ في المناجاة.

قال الزهري : سمعت علي بن الحسين سيّد العابدين يحاسب نفسه ويناجي ربّه ، ويقول :

حتّام الى الدنيا غرورك : والى عمارتها ركونك ...؟ (٣).

ولما سأله الزهري : أيّ الأعمال أفضل عند الله تعالى؟

فقال 7 : ما من عمل بعد معرفة الله تعالى ومعرفة رسول الله 6 أفضل من بغض الدنيا ، وإن لذلك لشعباً كثيرة ، وللمعاصي شعبا : فأول ما عصي الله به : الكبر ... ثم الحسد. فتشعّب من ذلك حبّ النساء ، وحبّ الدنيا ، وحبّ الرئاسة ، وحبّ الراحة ، وحبّ الكلام ، وحبّ العلوّ والثروة ، فصرن سبع خصال.

فاجتمعن كلهنّ في حبّ الدنيا ، فقال الانبياء والعلماء : « حبّ الدنيا رأس كل خطيئة » والدنيا دنياوان : دنيا بلاغ : ودنيا ملعونة (٤).

ومنها : التنبيه الخاص :

قال المدائني : قارف الزهري ذنبا استوحش منه ، وهام على وجهه ، فقال له علي ابن الحسين : يا زهري ، قنوطك من رحمة الله التي وسعت كلّ شيء أعظم عليك من ذنبك.

__________________

(١) لوامع الانوار ( ص ٧٩ ).

(٢) لوامع الانوار ( ص ١١٠ ) وقد ألّف سماحة السيد بدرالدين الحوثي حول ( الزهري ) كتابا حافلا في فصلين ، فليراجع.

(٣) الى آخر ما ذكره 7.

(٤) الكافي ( ٢ : ١٣٠ ) المحجة البيضاء ( ٥ : ٣٦٥ ).


فقال الزهري : ( اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [ الأنعام «٦» الآية «١٢٤» ] فرجع الى ماله وأهله (١).

وكان يقول ـ بعد ذلك ـ : علي بن الحسين أعظم الناس عليّ منّة (٢).

ومنها : التصغير والتهوين :

فحيثما كان الزهري وعروة بن الزبير ينالان من الإمام علي 7 ، بلغ ذلك علي بن الحسين 7 فجاء حتى وقف عليهما ، وقال :

أمّا أنت يا عروة ، فإنّ أبي حاكم أباك الى الله فحكم لأبي على أبيك.

وأمّا أنت يا زهري ، فلو كنت بمكة لأريتك كيرَ أبيك (٣).

ومنها : التكذيب لتزلّفاته :

ففي الحديث أن الزهري قال لعلي بن الحسين 7 : كان معاوية يسكته الحلم ، وينطقه العلم!

فقال الإمام 7 : كذبت يا زهري ، كان يسكته الحصَر ، وينطقه البَطَر (٤).

ومنها : الرسالة التي وجّهها الإمام 7 إليه :

ويبدو أن الزهري لم يأبه بكلّ النصائح والتوجيهات السابقة ، فتوغّل في دوّامة الحكم الغاشم ، والتحق بالبلاط الشاميّ ، فلم يتركه الإمام 7 ، بل أرسل إليه رسالة دامغة ، يصرّح فيها بكل أغراضه ، ويكشف له ، ولأمثاله ، أخطار الاتصال بالأجهزة الظالمة.

وقد رواها العامة والخاصة ، ونصّ الغزّالي على أنها كتبت الى الزهري « لما خالط السلطان » (٥).

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ( ١٧ : ٢٤٥ ) وكشف الغمة ( ٢ : ٣٠٢ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٧ ).

(٢) تاريخ دمشق ( الحديث ١٢٥ ) ومختصره لابن منظور ( ١٧ : ٢٤٦ ).

(٣) شرح نهج البلاغة ( ٤ : ١٠٢ ).

(٤) الاعتصام ( ٢ : ٢٥٧ ) وانظر نزهة الناظر ( ص ٤٣ ).

(٥) إحياء علوم الدين ( ٢ : ١٤٣ ) وانظر المحجة البيضاء في إحياء الاحياء ( ٣ : ٢٦٠ ).


ورواها من أعلامنا ابن شعبة ، ونعتمد نسخته هنا (١) قال :

كتابه 7 إلى محمد بن مسلم الزهري ، يعظه :

كفانا الله ، وإياك ، من الفتن ، ورحمك من النار ، فقد اصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم الله بما أصحّ من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حجج الله بما حمّلك من كتابه ، وفقّهك من دينه ، وعرّفك من سنّة نبيّه محمد 6 فرضي لك ـ في كل نعمة أنعم بها عليك ، وفي كلّ حجة احتجّ بها عليك ـ الفرض بما قضى ، فما قضى إلاّ ابتلى شكرك في ذلك ، وأبدى فيه فضله عليك ، فقال : ( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) [ إبراهيم «١٤» الآية «٧» ].

فانظر : أيّ رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي الله! فسألك عن نعمه عليك : كيف رعيتها؟ وعن حججه عليك : كيف قضيتها؟

ولا تحسبنّ الله قابلا منك بالتعذير ، ولا راضيا منك بالتقصير!

هيهات! هيهات! ليس كذلك أخذ على العلماء في كتابه إذ قال : ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) [ آل عمران «٣» الآية «١٨٧» ].

واعلم أن أدنى ما كتمت ، وأخف ما احتملت أن آنست وحشة الظالم ، وسهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دعيت!

فما أخوفني أن تبوء بإثمك غدا ، مع الخونة ، وأن تسأل عمّا أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة ، إنك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك ، ودنوت ممّن لم يردّ على أحد حقّا ، ولم تردّ باطلا حين أدناك ، وأحببت من حادّ الله!

أو ليس بدعائهم إيّاك حين دعوك جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك الى بلاياهم ، وسلّما الى ضلالتهم.

داعيا الى غيّهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم.

فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ،

__________________

(١) تحف العقول ( ص ٢٧٤ ) والمحجة البيضاء ( ٣ : ٢٦٠ ).


واختلاف الخاصّة والعامة إليهم.

فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمّروا لك في كنف ما خربّوا عليك؟

فانظر لنفسك ، فإنه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول.

وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا؟

فما أخوفني أن تكون كما قال الله في كتابه : ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ) [ الأعراف «٧» الآية «١٦٩» ].

إنّك لست في دار مقام ، أنت في دار قد آذنت برحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه؟

طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يابؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده.

إحذر فقد نبّئت ، وبادر فقد أجّلت.

إنّك تعامل من لا يجهل ، وإنّ الذي يحفظ عليك لا يغفل.

تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداو دينك فقد دخله سقم شديد.

ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكنّي أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك ، ويردّ إليك ما عزب من دينك ، وذكرت قول الله تعالى في كتابه : ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) [ الذاريات «٥١» الآية «٥٥» ].

أغفلت ذكر من مضى من أسنانك وأقرانك ، وبقيت بعدهم كقرن أعضب.

انظر : هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به؟ أم هل وقعوا في مثل ما وقعت فيه؟ أم هل تراهم ذكرت خيرا أهملوه؟ وعلمت شيئا جهلوه؟

بل : حظيت بما حلّ من حالك في صدور العامة ، وكلفهم بك ، إذ صاروا يقتدون برأيك ، ويعملون بأمرك ، إن أحللت أحلّوا ، وإن حرّمت حرّموا ، وليس ذلك عندك ، ولكن أظهرهم عليك رغبتهم في ما لديك ذهاب علمائهم ، وغلبة الجهل عليك وعليهم ، وحب الرئاسة ، وطلب الدنيا منك ومنهم.

أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة؟ وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟

قد ابتليتهم ، وفتنتهم بالشغل عن مكاسبهم ممّا رأوا ، فتاقت نفوسهم الى أن يبلغوا من العلم ما بلغت ، أو يدركوا به مثل الذي أدركت ، فوقعوا منك في بحر لا يدرك عمقه ، وفي


بلاء لا يقدّر قدره.

فالله لنا ولك ، وهو المستعان.

أمّا بعد :

فأعرض عن كلّ ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم ، لاصقة بطونهم بظهورهم ، ليس بينهم وبين الله حجاب ، ولا تفتنهم الدنيا ، ولا يفتنون بها.

رغبوا ، فطلبوا ، فما لبثوا أن لحقوا.

فإن كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ ، مع كبر سنّك ، ورسوخ علمك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنّه؟ الجاهل في علمه؟ المأفون في رأيه؟ المدخول في عقله؟

إنا لله وإنا إليه راجعون.

على من المعوّل؟ وعند من المستعتب؟

نشكوا الى الله بثّنا ، وما نرى فيك ، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك!

فانظر :

كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرا وكبيرا؟

وكيف إعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا؟

وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيرا؟

وكيف قربك أو بعدك ممّن أمرك أن تكون منه قريبا ذليلا؟

مالك لا تنتبه من نعستك؟ وتستقيل من عثرتك؟ فتقول : والله ما قمت لله مقاما واحدا أحييت به له دينا! أو أمتّ له فيه باطلا؟

فهذا شكرك من استحملك؟!

ما أخوفني أن تكون كما قال الله تعالى في كتابه : ( أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) [ مريم «١٩» الآية «٥٩» ].

استحملك كتابه ، واستودعك علمه ، فأضعتهما!

فنحمد الله الذي عافانا ممّا ابتلاك به!

والسلام (١).

__________________

(١) روى الرسالة في تحف العقول ( ٢٧٤ ـ ٢٧٧ ) ورواها الحائري في : بلاغة علي بن


إن هذه الرسالة تدل على سياسة الإمام 7 من جهتين :

فأولا : محتواها يدل على أن الإمام كان يراقب الأوضاع بدقة فائقة ، فهو يضع النقاط على مواضعها من الحروف ، ولا تشذ عنه صغار الأمور فضلاً عن كبارها؟ ومثل هذا لا يصدر إلاّ ممّن لم ينعزل عن الحياة الاجتماعية ، ولم يزهد في السياسة.

وثانيا : إن إرسال مثل هذه الرسالة الى الزهري ، وهو من أعيان علماء البلاط ، لابدّ أن لا تخفى عن أعين الحكّام ، أو على الأقل يحتمل أن يرفعها الزهري الى أسياده من الحكّام! وفي هذا من الخطورة على الإمام الذي أرسل الرسالة ما هو واضح وبيّن ، وقد وصفهم فيها بالظلم والفساد ، ونهى ، وحذّر ، وحاول صرف الزهري عن اصطحابهم.

فالسياسة تطفح من جمل هذه الرسالة.

لكنّ الإمام 7 ـ في هذه المرحلة ـ لا يأبه بكل الاحتمالات ، والأخطار المتوقعة ، بل يصارح أعوان الظلمة بكلّ ما يجب إعلانه من الحق ، كما صارح الظالمين أنفسهم بالمواجهة ، والاستفزاز.

وقد وقفنا على شيء من مواجهة الإمام 7 للمتظاهرين بالزهد والصلاح ممن كان يميل باطنا الى الدنيا ، ويحبّ الرئاسة والوجاهة ، وأوضح مصاديق ذلك : هم علماء البلاط ووعّاظ السلاطين الذين ارتبطوا بالولاة والحكّام ، ليستمتعوا باللذات من خلال الحضور معهم ، والتطفّل على موائدهم.

__________________

الحسين 7 ( ص ١٢٢ ـ ١٢٦ ) ورواها المقرم في : الإمام زين العابدين ( ص ٤ ـ ١٥٩ ) ولاحظ إحياء علوم الدين للغزالي ( ٢ : ١٤٣ ).


ثالثا : موقفه من الحركات المسلّحة

كان الإمام زين العابدين 7 يخطو نحو أهدافه بحذر تام ، ووعي كامل ، لا يثير انتباه الحكّام والولاة المغرورين ، كي لا يقضوا على حركته وهي في المهد.

فهم ، بانهماكهم في ترفهم واغترارهم بقدراتهم ، كانوا بعيدين عن الأجواء التي يصنعها الإمام 7 ، فكانوا يعدّون مواقفه شخصيّة خاصة وفرديّة ، بل يستوحون منها الانصراف عن التصدّي لأي نشاط سياسيّ.

فلذلك لم يظهر الإمام انتماءا الى أية حركة معارضة للدولة ، ولم يسمح لها أن تتصل بالإمام ، سواء الحركات المتحبّبة إليه ، كحركة التوّابين وحركة المختار ، أو الحركات المحايدة كحركة أهل الحرّة ، أم المعادية له كحركة ابن الزبير في مكة والعراق!

لكن الآثار تشير إلى أن الإمام 7 لم يكن في معزل عن تلك الحركات ، سلبا أو إيجابا ، حسب قربها أو بعدها عن الأهداف الأساسية التي كان الإمام وراء تحقيقها وتثبيتها.

فهو من جهة كان يركّز على خططه العميقة والواسعة ، بالشكل الذي يغرّر بالحكّام الأمويين بصحّة تصورّاتهم عن شغله وشخصه ، حتى أعلنوا عنه أنه « الخير ».

ولعلّ رجال الدولة كانوا في رغبة شديدة في الاحتفاظ بهذا التصوّر ، حتى لا يتورّطوا مع آل أبي طالب بأكثر ممّا سبق ، وليتفرّغوا لغير الإمام زين العابدين 7 ممّن اعلن الثورة والمعارضة لهم كابن الزبير ، فلذا نشروا هذا المعنى في علمية تحريف ، ليدفعوا مجموعة من الناس للمشي بسيرة الإمام 7.

وقد وقف كتاب من مؤرخي عصرنا الحاضر على هذه الأثار ، فأعلنوا : « أنّ الإمام 7 تبنّى مسلكا ، يرفض فيه كلّ تحرك مناهض للسلطة ، ويبتعد عن كلّ نشاط معاد لها » (١).

مع أن الإمام زين العابدين 7 كان يهدف من خلال مواقفه ـ حتى العبادية

__________________

(١) الإمام السجاد 7 لحسين باقر ( ص ٩٨ ).


والعلمية والشخصية منها ـ الى تثبيت مخططاته السياسية كما عرفنا في الفصول السابقة.

وكان مع ذلك يتعامل مع الحركات السياسية الأخرى بشكل مدروس ومدبّر ، حسب المواقع والظروف :

فبالنسبة الى حركة الحرّة :

وجدنا الإمام 7 قد أحرز أنها حركة لم تنبع عن مبدأ يتّفق وضرورات الموقف الإسلامي الصحيح ، فلا القائمون بها كانوا من العارفين بحقّ الإمام 7 ، ولا خططهم المعلنة كانت أساسية ، ولا أهدافهم كانت واضحة أو مدروسة ، واهم ما كانت عليه خطورة الموقع الذي اختاروه للتحرّك ، وهو « المدينة » فقد عرّضوها للجيش الشامي الملحد ، ليدنّس كرامتها ويستهين بمقدّساتها.

وقد عرفنا أن الإمام 7 اتخذ موقف المنجي للمدينة المنكوبة ولأهلها الذين استباح حرماتهم الجيش الأموي.

ولم تكن حركة الحرّة تنبع أمر الإمام 7 ولا قيادته بل ولا إشرافه ، بل كان الإمام 7 يومها في فترة لملمة قواه وتهيئة وضعه ، والتأهّب لخطته المستقبلية.

كما سبق حديث عن ذلك كلّه في الفصل الأول (١).

وأما فتنة ابن الزبير :

فمع أن ابن الزبير لم يكن بأولى من ابن مروان ، في الحكم والسيطرة ، وأن طموحاته المشبوهة كانت مرفوضة لدى أهل الحق ، وخاصة للعلويين وعلى رأسهم الإمام زين العابدين 7.

ومع ما كان عليه من الحقد والعداء لآل علي 7 (٢) ذلك الذي بدأه في حياته بدفع أبيه في أتون حرب الجمل ، وقد حمّله الإمام الصادق 7 ذلك الوزر في كلمته

__________________

(١) لاحظ ( ص ٦٥ ـ ٧٢ ) من هذا الكتاب.

(٢) فقد قال لابن عباس : إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة. مروج الذهب ( ٣ : ٨٤ و ٨٩ ) وانظر تاريخ اليعقوبي ( ٢ : ٢٦١ ).


الشهيرة : « ما زال الزبير منا أهل البيت حتى أدرك فرخه فنهاه عن رأيه » (١).

وبدأ في عهد سطوته العداء لآل محمد : بصورة مكشوفة لمّا هدّد مجموعة منهم بالإحراق عليهم في شعب أبي طالب بمكة (٢).

وبلغ به حقده أن منع الصلاة على النبي 6 قائلا : « إن له « أهيل سوء » يشمخون بانوفهم » حسب تعبيره الوقح (٣).

وكان ـ بحكم معرفته بموقعيّة الإمام السجاد 7 ـ يضع العيون على الإمام يراقبون تصرّفاته (٤).

وقد قتل أخوه مصعب الشيعة بالعراق ، حتى النساء (٥).

فلذلك كان الإمام يظهر التخوّف من فتنته (٦).

ولعلّ من أوضح مبرّرات الإمام في تخوّفه من فتنة ابن الزبير أنّه اتخذ مكة موقعا لحركته ، مما يؤدي عند اندحاره الى أن يعتدي الأمويون على هذه البلدة المقدّسة الآمنة ، وعلى حرمة البيت الحرام والكعبة الشريفة؟

وقد حصل ذلك فعلا.

مع أن علم الإمام 7 بفشل حركته لضعفه وقلّة أنصاره بالنسبه الى جيوش الدولة الجرّارة ، كان من أسباب امتناع الإمام ومعه كل العلويين من الإعتراف بحركة ابن الزبير.

وهو كان يؤكّد على أخذ البيعة منهم لكسب الشرعية أولا ، ولجرّهم معه الى هاوية الفناء والدمار في ما لو أندحر ، وقد كان متوقعا ذلك ، فيقضي على آل

__________________

(١) أرسله الصدوق في الخصال ( ص ١٥٧ ) باب الثلاثة ح ١٩٩.

(٢) تاريخ اليعقوبي ( ٢ : ٢٦١ ) وسير أعلام النبلاء ( ٤ : ١١٨ ) وطبقات ابن سعد ( ٥ : ١٠٠ ) ومروج الذهب ( ٣ : ٨٥ ).

(٣) تاريخ اليعقوبي ( ٢ : ٢٦١ ) مروج الذهب ( ٣ : ٨٨ ).

(٤) شرح رسالة الحقوق ، لعبد الهادي المختار ( ص ١٠٢ ).

(٥) مروج الذهب ( ٣ : ١٠٧ ) وتاريخ اليعقوبي ( ٢ / ٢٦٤ ).

(٦) الكافي ( ) التوحيد للصدوق ( ص ٣٧٤ ) وشرح الأخبار ( ٣ : ٢٦١ ) وبحار الأنوار ( ٤٦ : ٣٧ و ١٤٥ ). وحلية الأولياء ( ٣ / ١٣٤ ).


محمد : فيكون قد وصل الى أمنيته القديمة.

إن الإمام 7 بإظهاره التخوّف من فتنة ابن الزبير ، كان قد أحبط كلّ أهداف ابن الزبير وأمانيه الخبيثة تلك.

كما أن في هذا التصرف تهدئة لِوَغَرِ صدور الأمويين ضدّ آل محمد : وشيعتهم ، تمهيدا لتثبيت العقيدة وترسيخ قواعدها.

وبهذا حدّد الإمام 7 موقفه من الحركات البعيدة عن خطّ الإمامة ، والتي لم تنتهج اتّباع الإسلام المحمدي الخالص الذي يحمله أئمة أهل البيت :.

فهو لم يظهر تجاهها ما يستفيده الأمويون ، كما لم يؤيدّها بحيث تكون ذريعة للأمويين على محاسبة الإمام 7.

ولا قام بما يعتبر وسيلة يتشبّث بها أولئك المتحرّكون غير الأصيلين في الفكر والعقيدة ، والمشبوهون في الأهداف والمنطلقات.

فاتخذ الإمام من هذه الحركات موقف الحزم والحيطة ، فهي وإن لم تكن على المعلوم من الحق إلاّ أنها كانت معرضة للمعلوم من الباطل الحاكم ، ومؤديّة الى تضعيفه وزعزعته ، وتحديد سطوته.

والإمام 7 لا يهدف الى مجرّد إحداث البلبلة ، وتعويض فاسد بفاسد ، أو نقل السلطة من ابن مروان ، الى ابن الزبير ، أو ابن الأشعث ، أو غيرهم من المتصدّين للحكم بالباطل ، فتركهم الإمام 7 يشتغل بعضهم ببعض حتى ينكشف للامة زيف دعواهم الإمامة والخلافة ، ويظهر للأمة أنهم ـ جميعا ـ لا يطلبون إلاّ الحكم والسلطة ، دون صلاح الإسلام وإصلاح ما فسد من أمور المسلمين.

وأما موقفه من الحركات الأخرى :

فهي بفرض أنها قامت بشعارات حقّة.

كحركة التوّابين في عين الوردة ، وشعارهم « يالثارات الحسين » (١) وهم الذين تحالفوا على بذل نفوسهم وأموالهم في الطلب بثأر الحسين 7 ومقاتلة قتلته وإقرار

__________________

(١) أيام العرب في الإسلام ( ص ٤٣٦ ).


الحق مقرّه في رجل من آل بيت نبيّهم صلوات الله عليه وسلامه (١).

وكحركة المختار الذي كتب الى الإمام علي بن الحسين السجاد 7 يريده على أن يبايع له ، ويقول بإمامته ، ويظهر دعوته ، وأنفذ إليه مالا كثيرا (٢) وتتّبع قتلة الحسين 7 فقتلهم (٣).

ولكنّ الإمام 7 كان حكيما في تعاملة من المتحرّكين أولئك ، فلم يعلن عن ارتباطه المباشر بهم ، وكذلك لم يعلن عن رفض حركتهم كما واجه ابن الزبير ، بل أصدر بيانا عاما ، يصلح لتبرير الحركات الصالحة ، من دون أن يترك آثارا سيئة على الإمام 7 : فقال لعمه محمد بن الحنفية : « يا عمّ ، لو أنّ عبدا تعصّب لنا أهل البيت ، لوجب على الناس مؤازرته ، وقد ولّيتك هذا الأمر ، فاصنع ما شئت » (٤).

إن تولية الإمام 7 لعمّه في القيام بأمور الحركات الثورية تلك كان هو الطريق الأصلح ، حيث أن محمد بن الحنفيّة لم يكن متّهما من قبل الدولة بالمعارضة ، ولم يعرف منه ما يشير الى التصدي للإمامة لنفسه ، بينما الإمام 7 كانت الدولة تتوجسّ منه خيفة باعتباره صاحب الدم في كربلاء ، والمؤهل للإمامة ، لعلمه وتقواه وشرفه ، ولم يخف على عيون الدولة أن جمعا من الشيعة يعتقدون الإمامة له.

وبذلك كان الإمام 7 قد حافظ على وجوده من أذى الأمويين واستمر على رسم خططه والتأكيد على منهجه لإحياء الدين وتهيئة الأرضية للحكم العادل.

وهو مع ذلك لم يقطع الدعم عن تلك الحركات التي انتهجت الثأر لأهل البيت :.

فلّما أرسل المختار برؤوس قتلة الإمام الحسين 7 الى الإمام السجّاد 7 ، خرّ الإمام ساجدا ، ودعا له ، وجزّاه خيرا (٥).

__________________

(١) الفخري في الآداب السلطانية ( ص ١٠٤ ).

(٢) مروج الذهب ( ٣ : ٨٣ ).

(٣) مروج الذهب ( ٣ : ٨٤ ).

(٤) بحار الانوار ( ٤٥ / ٣٦٥ ) وانظر اصدق الاخبار للسيد الأمين ص ٣٩ والمختار الثقفي ، لأحمد الدجيلي ( ص ٥٩ ).

(٥) رجال الكشي ( ص ١٢٥ و ١٢٧ ) وشرح الأخبار ( ٣ : ٢٧٠ ) وتاريخ اليعقوبي ( ٢ : ٢٥٩ ).


وقام أهل البيت كافة بإظهار الفرح ، وترك الحداد والحزن ، ممّا يدلّ على تعاطفهم ـ عمليا ، وعلنيّا ـ مع المختار وحركته.

ولو نظرنا الى هذا العمل ، نجده لا يثير من الأمويين كثيرا من الشكوك تجاه الإمام ، إذ من الطبيعي أن يفرح الموتور بقتل ظالمه ، ويدعو لمن قتله وانتقم منه وثأر لدماء الشهداء!

خصوصا ، أذا اقترن مع رفض الإمام 7 لقبول هدايا المختار المادّية (١).

فإنّ ذلك يدلّ بوضوح على أن الإمام 7 لا يريد التورّط سياسيّا مع حركة بعيدة عنه جغرافيا ، ولم تلتق مع أهدافه البعيدة المدى حضاريا وتاريخيا.

ولا تعدو أن تكون فوزا أو بروزا مقطعيّا فقط.

وأمّا ما ورد عن الإمام زين العابدين 7 من أحاديث في ذمّ المختار أو لعنه :

فالذي يوجّهه أن الحكّام الظلمة ـ عامّة ـ وبني أمية ـ خاصّة ـ استعملوا أساليب التزوير والاتهامات الباطلة ضدّ معارضيهم بغرض إسقاط المعارضة في نظر العامة.

وقد استهدفوا شخص المختار وأصحابه باشكال من الاتهامات التي تعبر على أذهان العوام ، مثل السحر والشعوذة ، كما اتّهموه بدعوى النبوّة ، والالوهية ، وما اشبه ذلك من الخرافات ، سعيا في إبطال مفعول حركته ، وإبعاد الناس عنه ، والتشويش على نداءاته وشعاراته بالطلب بثارات الحسين 7 وتأسفه على قتله ، وإعلانه عن هويّة القاتلين ، وحمايته لبني هاشم من الأذى.

ولقد تواترت أخبار البلاطيّين ، واتّهمامهم إيّاه على طريقة « إكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس » وقد ملئت الصحف والكتب والأخبار بتلك الأكاذيب ، حتى صدّقها الناس فعلا!!

وأذا كان المختار بتلك المنزلة التي أبداها الحكّام والنقلة والرواة والمؤرّخون ، وكان من أخبارهم الموحشة عنه ماملأ مسامع الناس وأفكارهم : أنّه ساحر ، كذّاب على الله ورسوله ، مدّع للنبوّة ، وما الى ذلك من الترّهات والأكاذيب.

إذا كان المختار عند العامة بهذه المنزلة ، فهل يجوز للإمام 7 أن يدافع ـ علنا ـ عن

__________________

(١) مروج الذهب ( ٣ : ٨٣ ) ورجال الكشي ( ص ١٢٦ ) رقم (٢٠٠).


حركته؟! أو أنْ يسكت إذا سئل عنه؟!

إن إظهار التعاطف معه ، ولو بأدنى شكل ، كانت الدولة تستغله لضرب الإمام 7 وتشويه سمعته عند العامة العمياء.

فلا نستبعد أن يكون الإمام 7 قد أصدر ضدّ ما يعرفه الناس عن المختار ، ما يبرّىء ساحة الإمام 7 من الموافقة عليه ، أو السكوت عنه ، ففي الخبر : قام الإمام 7 على باب الكعبة! يلعن المختار!

فقال له رجل : يا أبا الحسين ، لم تسبّه؟ وإنّما ذُبح فيكم؟!

قال الإمام 7 : إنّه كان كذّابا ، يكذب على الله ورسوله (١).

فلو صح هذا الخبر ، فإن وقوف الإمام 7 على باب الكعبة ، وإعلانه بهذا الشكل عن ذمّ المختار ولعنه ، لا يخلو من قصد ـ أكثر من مجرّد اللعن ـ حيث أنّ في ذلك دلالة واضحة على إرادة مجرّد الإعلان بذلك وتبيينه للناس.

وفي قول المعترض : « ذُبح فيكم » الهدف السياسيّ تلطيخ سمعة أهل البيت : وتوريطهم بما لطّخوا به سمعة المختار.

إذ لا يصدر مثل هذا الاعتراض ، وهذا الإعلان ، عن شخص غير مغرض في مثل ذلك الموقف.

ثم إن ما ورد من أمثال هذه الأحاديث ، المشتملة على ذمّ المختار من قبل أهل البيت : ورواتهم ، إنما رواها رجال الدولة وكتّابهم ومؤرّخو البلاط ، مما يدّل على أن المستفيد الوحيد من ترويجها هم أولئك الذين يرتزقون من الارتباط بالدولة.

هذا لو صحّت تلك الأحاديث والنقول.

وإلاّ ، فهل يشك أحد من دارسي التاريخ في أن المختار تحرّك بشعار الأخذ بثارات الحسين 7 وقد وصفه زوجتاه ـ بعد قتله ـ بأنه « رجل يقول ربّي الله ، كان صائم نهاره ، قائم ليله ، قد بذل دمه لله ولرسوله في طلب قتلة ابن بنت رسول الله 6 وأهله وشيعته ، فأمكنه الله منهم حتى شفى النفوس » (٢).

__________________

(١) مختصر تاريخ دمشق ، لابن منظور ( ١٧ : ٢٤٣ ).

(٢) مروج الذهب ( ٣ : ١٠٧ ) وانظر تاريخ اليعقوبي ( ٢ : ٢٦٤ ).


وقتل معه سبعة آلاف رجل كلهم طالبون بدم الحسين (١).

أليس ما قام به المختار من أخذ الثار ، مكرمة تدعو الى السكوت عنه ، على الأقلّ؟!

ولقد ذكّر الإمام الباقر 7 بمثل هذا في حديثه عن المختار لمّا دخل عليه أبو الحكم ابن المختار ، فتناول يد الإمام ليقبّلها فمنعه ، ثم قال له : اصلحك الله ، إن الناس قد أكثروا في أبي وقالوا ، والقول ـ والله ـ قولك! ... ولا تأمرني بشيء إلاّ قبلته.

فقال الإمام : سبحان الله! أخبرني أبي ـ والله ـ أن مهر أمي كان مما بعث به المختار.

أوَلم يبن دورنا ، وقتل قتلتنا ، وطلب بدمائنا ، فرحمه الله.

وأخبرني ـ والله ـ أبي : أنّه كان ليسمر عند فاطمة بنت عليّ يمهّدها الفراش ويثني لها الوسائد ، ومنها أصاب الحديث.

رحم الله أباك ، رحم الله أباك ، ما أصاب لنا حقّا عند أحد إلاّ طلبه ... (٢)

وعلى حدّ قول ابن عباس ـ لما طُلِبَ منه سبّ المختار ـ : ذاك رجل قَتَلَ قتلتنا ، وطلب ثأرنا وشفى غليل صدورنا ، وليس جزاؤه منّا الشتم والشماتة (٣).

إن خروج الإمام زين العابدين 7 من أزمة الحركات المعارضة للدولة ، على أختلاف مواقفها تجاه الإمام ، من موالية ، ومحايدة ، ومعادية ، وبالشكل الذي لا يترك أثرا سلبيّا عليه ، ولا يحمّله مسؤولية ، ولا تستفيد الأطراف المتنازعة من موقعه كإمام ، وككبير أهل البيت 7 ، ولا تتضرّر أهدافه وخططه التي رسمها لإحياء الدين.

إن الخروج من مثل هذا المأزق ، وبهذه الصورة ، عمل جبّار لابدّ أن يعدّ من أخطر مواقف الإمام السياسيّة ، ويستحق دراسة معمّقة لمعرفة أسسه ، وأبعاده.

وبعد :

إنّ ما بذله الإمام السجّاد 7 من جهود وجهاد في سبيل الله ، وما قام به من

__________________

(١) مروج الذهب ( ٣ : ١٠٧ ).

(٢) رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) ( ص ١٢٦ ) رقم (١٩٩).

(٣) الكامل في التاريخ لابن الأثير ( ٤ : ٢٧٨ ).


فرض الإمامة وواجب الولاية تجاه الدين والأمة ، مع اقتران المهمّة بظروف صعبة وحرجة للغاية ، حيث ملئت الأجواء بالرعب والردّة والانحراف عن القيم والموازين والأعراف ، سواء الدينيّة ، أم الأخلاقية ، بل حتى الإنسانية!

إن ما بذله الإمام 7 في سبيل القيام بالمهمة تمّ بأفضل ما يتصوّر ، فقد رسم لمخططاته خطّة عمل ناجحة بحيث مهّد الأرضية لتجديد معالم التشيع ، ممثلا لكلّ ما للأسلام من مجد وعدل وعلم وحكمة ، لهو عمل عظيم ، يدعو الى الإعجاب والفخر والتمجيد ، ويجعل من الإمام 7 في طليعة القوّاد السياسيّين الخالدين.

ولقد حقّ له 7 أن يكلّل تلك الحياة العظيمة بالطمأنينة التي ملأت وجوده الشريف عندما حضر ، فأغمض عينيه حين الوفاة ، وفتحهما ليقول كلمته الأخيرة ، فيقرأ ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) [ سورة الزمر «٣٩» الآية «٧٤» ] ثم قبض من ساعته (١).

فسلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّا.

وكما كانت نتائج الثورة الحسينية في كربلاء تتبلور في انتصار الإسلام باستمرار شعائره ، وعدم تمكّن الأعداء من القضاء عليها ، بالرغم من استشهاد الصفوة من خيرة المسلمين وعلى رأسهم الإمام أبو عبدالله الحسين السبط الشهيد 7 وأهل بيته وشعيته ، فإن الظلمة لم يتمكنّوا من محو الإسلام ، بل بقي مستمرا ، ممثّلا في أذانه وصلاته وكعبته وسائر أصوله وضروريّاته.

وقد أعلن الإمام السجّاد 7 عن هذه الحقيقة ، وأبرز هذه النتيجة في ما أجاب به إبراهيم بن طلحة بن عبيدالله ، حين قدم علي بن الحسين 7 وقد قتل الحسين صلوات الله عليه استقبله إبراهيم وقال : يا علي بن الحسين ، من غَلَبَ؟ وهو مغط رأسه وهو في المحمل ـ فقال له علي بن الحسين : إذا أردت ان تعلم من غَلَبَ ، ودخل وقت الصلاة ، فأذّن ثمّ أقم (٢).

فإن الإمام 7 جعل استمرار الشعائر التي تذكر فيها شهادة التوحيد والرسالة

__________________

(١) الكافي ( ١ / ٤٦٨ ) و ( ٣ / ١٦٥ ) وانظر عوالم العلوم ( ص ٢٩٩ ).

(٢) أمالي الطوسي ( ص ٦٧٧ ) المجلس (٣٧) الحديث ١٤٣٢ / ١١.


عَلَنا وعلى رؤوس الأشهاد دليلا على انتصار الحسين 7 وغلبته ، وهذا من أعظم العِبَر لمن اعتبر!

فكذلك تبلورت نتائج مخططات الإمام السجّاد 7 في إحياء التشيع من جديد ، والتمهيد لقيام أولاده الأئمة : بالحركات التجديدية المتتالية.



الخاتمة

نتائج البحث



وبعد هذا التجوال الذي قمنا به خلال مصادر حياة الإمام زين العابدين 7 ، وأعماله وأفكاره ، وأدعيته وأحاديثه ، تمكّنا من جمع شتات المؤشّرات الى الأبعاد السياسيّة في حياة الإمام 7.

وبعد فرزنا لها في فصول الكتاب علمنا :

أن الإمام زين العابدين 7 قد قام بأعمال سياسية كبيرة في سبيل الأهداف الكبيرة التي من أجلها شرّع الدين.

وإذا لاحظنا صعوبة المهمة التي قام بها في الظروف الحرجة والخطيرة التي عايشها ، وعلى طول المدّة حتى وفاته 7 ، عرفنا عظمة تلك الجهود التي بذلها في خصوص هذا المجال وحده.

وهو 7 ـ وإن لم يمدّ يدا الى السلاح الحديدي ـ إلاّ أنّه التزم النضال بكل الأسلحة الأخرى التي لا تقلّ أهميّة وخطورة عن السلاح الحديدي.

فشهر سلاح اللسان بالخطب والمواعظ ، وسلاح العلم بالتثقيف والإرشاد ، وسلاح الأخلاق بالتربية والتوجيه ، وسلاح الاقتصاد بالإعانات والإنفاق ، وسلاح العدالة بالإعتناق ، وسلاح الحضارة بالعرفان.

حتى وقف سدّا منيعا في وجه أخطر عمليّة تحريف تهدف إبادة الإسلام من جذوره ، في الحكم الأموي الجاهليّ.

وبقيت الخطوط الاخرى لسياسة الإمام 7 غير معلنة ولا واضحة ، أو غير مشروحة ، حتى عصرنا الحاضر ، فلذلك وقع كثير من كتّاب العصر في وهم فظيع ،


تجاه الموقف السياسي للإمام 7 حتى نسبت إليه تهمة الانعزال عن السياسة ، بل ممالأة الظالمين ، مما لا يقبله أيّ شريف فضلا عمّن يعتقد في زين العابدين 7 أنه إمام منصوب من قبل الله تعالى ، ليلي أمور المؤمنين!

إن الإمام 7 كان مسؤولا ـ ومن خلال منصبه الإلهي ـ عن كل ما يجري في العالم الإسلامي ، وقد أنجز الإمام 7 بتدابير دقيقة ما يلزم من دور قيادي ، وبكل سريّة وذكاء ، فشنّ على الطغاة الحاكمين ، وأمثالهم من الطامعين ، حربا شعواء ، لكنها باردة صامتة بيضاء في البداية ، أصبحت معلنة صبغتها دماء طاهرة من شيعته في النهاية.

ولم ينقض القرن الأوّل ، إلاّ أخذت آثار سياسية الإمام زين العابدين 7 تبدو على الساحة ، بشكل أشعة تنتشر من أفق مظلم مائة عام من الانحراف والظلم والتعديّ على الإسلام بمصادره :

القرآن الذي منع تفسيره وتأويله من المصادر الموثوقة.

والحديث الذي منع تدوينه ونشره ، وأحرق كثير منه.

ورجاله الذين نفوا ، وأخرجوا من ديارهم ، أو قتّلوا تقتيلا.

ومكارمه وأخلاقه وفقهه وتراثه الذي طالته أيدي التزوير والدسّ والتحريف فشوّهت سمعته ، وسوّد وجه تاريخه.

لكن الإمام السجاد بمواقفه العظيمة ضمن خطط حكيمة ، تمكّن من الوقوف أمام كل هذه التحدّيات الرهيبة ، تلك المواقف التي قدم لها حياته الكريمة.

ولم تنقض فترة على وفاة الإمام 7 حتى بدأ العدّ التنازلي للحكم الجاهلي ، وبدأ الحكّام الأمويون بالتراجع عن كثير من ملتزماتهم ، وتعنّتهم ، ولم تطل دولتهم بعيدا ، إلاّ انمحت آثارها حتى من عاصمتهم دمشق الشام.

وأما أهداف الإمام السجاد 7 فقد تولاّها بعده ابنه الإمام الباقر محمّد بن عليّ ابن الحسين 7 ، ثم من بعده الإمام الصادق جعفر بن محمد 7 ، فاستفادا من وهن الأمويين في تلك الفترة ، وتمكّنا من تثبيت دعائم الإسلام والفكر الإمامي بأفضل ما بإمكانهما.


فكوّنا أكبر جامعة علمية إسلامية ، تربى فيها آلاف من العلماء المبلّغين للإسلام بعد استيعاب معارفه ، على أيدي الإمامين العظيمين.

وقد تمكّن الإمامان من رفع الغشاوة عن كثير من الحقائق المطموسة تحت أكداس من غبار التهم والتشويه والتحريف في شؤون الإسلام ، وفي ما يرتبط بحقّ أهل بيت النبي 6 في الإمامة والحكم ، خاصة.

وعندما نرى تصدّي الحكّام ـ من أمويين وعباسيين ـ للإمامين الباقر والصادق 8 ومن كان على خطّهما ، نجد أن ما قاما به يعد فتحا عظيما في المعيار السياسي ، وإنجازا في قاموس الحركات الاجتماعية ، خاصة في تلك العصور المظلمة.

لقد قام الإمام الباقر والصادق 8 بتهيئة الكوادر الكفوءة ، وتعميق الثقافة الإسلامية في المجتمع الإسلامي ، وتسليح الأمة بالعلم ، وتثبيت قواعد العقيدة والإيمان ، لتكوين جيش عقائدي منيع ، لصدّ التيّارات الإلحادية المبثوثة بين الأمة ، والقضاء على الطلائع الملحدة المبعوثة من قبل الحكّام مثل علماء البلاط ووعّاظ السلاطين.

وبكل ذلك تميزت الآيديولوجية الإسلامية المتكاملة ، وعلى مذهب الشيعة ، المأخوذة من ينابيع الحقّ والصدق ، أئمة أهل البيت : ، والمعتمدة على أصفى المصادر الحقّة : القرآن الكريم ، والسنة الصحيحة الموثوقة ، والمتّخذة من العقل الراجح منارا لتمييز الحق ، على أساس من التقوى والورع والاجتهاد ، والإيمان.

فكان هذا العمل تحدّيا معلنا ضدّ الحكومات الفاسدة التي كانت تروّج للتيارات العقائدية الملحدة ، والخارجة عن إطار العقائد الإسلامية ، وتدعو الى حياة التفسّخ ، والترف ، واللهو ، والفساد (١)

كما استفاد ابنه العظيم زيد الشهيد 7 من الأرضية التي مهّدها الإمام زين العابدين 7 للثورة ، فكان عمله دعما لموقف الإمامين 8 في تنفيذ خطط الإمام

__________________

(١) إقرأ كتاب ( الأغاني ) للوقوف على جانب منقول من هذه الحياة العابثة التي عاشها الخلفاء! ولاحظ : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندويّ.


زين العابدين 7 واستثمار جهوده ، والاستمرار بأهدافه (١).

إن تلك التدابير ، التي اتّبعها الإمام السجاد وابناه الإمام الباقر وزيد الشهيد ، وحفيده الإمام الصادق 8 ، وشيعتهم المجاهدون على خطّهم ، وتلك المواقف الجريئة التي اتخذوها من الحكّام الظالمين والحكومات الفاسدة ، من أجل العقيدة ، لا ولن تصدر ممن يركن الى الدعة والراحة ، أو أذهلته المصائب والفجائع.

بل ، إن ما قاموا به يعدّ في العرف السياسي ، أهمّ من حمل السلاح في مثل تلك المرحلة بالذات.

وأما مجموع ما انتجته تلك الجهود والتدابير ، فهو أكبر مما تؤثره البسالة والبطولة في ميادين الحروب.

وهو عمل لا يقوم به إلاّ أصحاب الرسالات من العلماء بالله الذين يفوق مدادهم فضلا وأثرا من دماء الشهداء.

وإن مَنْ يعرف أوليات النضال السياسيّ ، وبديهيات التحرك الاجتماعي ، وخصوصا عند المعارضة ، ليدرك أن سيرة الإمام زين العابدين 7 السياسيّة التي عرضناها في فصول هذا الكتاب ، هي مشاعل تنير الدرب للسائرين على طريق الجهاد الشائك ، ممن يلتقي مع الإمام 7 في تخليد الأهداف الإلهية السامية.

وأيّ مناضل يعرض عن كلّ هذه الجهود ، ولا يعدّها « جهادا سياسيا »؟!

والغريب ، أن أصحاب دعوى النضال والحركة ، في هذا العصر ـ وفيهم من اتّهم الإمام بالانعزال السياسي ـ يتبجّحون باسم النضال والمعارضة السياسية ، لمجرد إصدار بيان ، أو إعلان رفض ، ولو من بعد أميال عن مواقع الخطر ، ومواقف المواجهة!

ثمّ هم لا يعتبرون تلك التصريحات الخطيرة ، وتلك المواجهات والمواقف الحاسمة ، التي قام بها الإمام 7 ، نضالا سياسيا؟!

وهم ، يقيمون الدنيا ، لو وقعت خدشة في إصبع لهم ، ويعتزّون بقطرة دم

__________________

(١) إقرأ عن زيد الشهيد 7 بحار الأنوار ( ٤٦ : ١٦٨ ـ ٢٠٩ ) وعوالم العلوم الجزء (١٨).


تراق منهم!

بينما لا يحسبون لذلك الجرح الذي اُثخن به الإمام 7 في كربلاء ، وذلك النزيف من الدم والدمع الذي أريق منه على أثر وجوده في الساحة ، قيمة وأثرا؟!

مع أن الآلام التي تحمّلها الإمام 7 في جهاده ، ومن خلال جهوده العظيمة ، والأخطار التي اقتحمها في سبيل إنجاح مخططه ، أكثر ألما ، وأعمق أثرا ، من جرح ظاهر يلتئم ، وقرح يندمل!

لكن الإمام السجّاد زين العابدين 7 ظهر على الساحة ببطولة وشجاعة تختصّ به كإمام للأمّة ، فتحمّل آلام الجهاد وجروحه ، وصبر على آلام الجهود المضنية التي بذلها.

وانفرد في الساحة في تلك الفترة الحالكة ، كألمع قائد إلهيّ في مواجهة أحلك الظروف وأصعبها ، وأكثر الهجمات ضراوة ، وأكثر الحكومات حقدا وبعدا عن الإسلام ، وباسم الخلافة الإسلامية.

وخرج من ساحة النضال بأعمق الخطط وأدقّها ، وبأبهر النتائج وأخلدها.

وأما نحن ـ الشيعة في الوقت الحاضر ـ :

فإنا نواجه ـ اليوم ـ حملة شرسة من أعداء المذهب ، مدعومة بحملة ضارية من أعداء الإسلام.

ويشبه وضع التشيّع في هذا العصر ـ في كثير من الجهات ـ ما كان عليه في القرن الأول ، إذ يعايش أجواء سياسية ونفسية متماثلة.

فاليأس والقنوط يعمّان الجميع ، حتى العاملين في حقل الحركات الإسلامية ، والمنضوين تحت ألوية الأحزاب والمنظمات والمجالس والمكاتب.

والارتداد ، المتمّثل بابتعاد عامة الناس عن خطّ الإمامة والولاية ، وفي ظروف غيبة الإمام 7 ، التي معها تزداد الحيرة وتتأكّد الشبهة.

وتعدّد الاتجهات والآراء والأهواء ، التي اقتطعت أشلاء الأمّة ، وفرّقتها أيدي سبأ.


والحكومات الجائرة ، بما تمتلك من أجهزة القمع ، وأساليب الفتك والهتك ، والسجن والقتل ، وبأحدث أساليب التعذيب ، خصوصا تلك الحاملة لسيوف التكفير ومشانق الاتهام بالرّدة ، وبدعوى شعارات إسلامية مزيّفة.

والاختراق الثقافّي الهدّام ، لصفوف الأمة الإسلامية وعقولها ، وبوسائل الإعلام الحديثة ، المقروءة والمسموعة والمرئية ، وباستخدام الاثير والأشعة والأقمار الصناعية!

والغزو الفكري المخلخل للوجود الدينيّ من الداخل ، بالأفكار والشبهات المضلّلة ، والحملات الكاذبة ، الطائشة ضدّ المقدّسات الإسلامية ، التي تروّجها الدول الاستعمارية الحاقدة ، ويرمّز لها الحكّام العملاء في البلدان الإسلامية.

والتصرّفات العشوائية المشبوهة التي يقوم بها الضالّون من رجال الدين ، والبلاطيّون من وعّاظ السلاطين ، والمتزلّفون الى المناصب والأموال والفخفخة والعيش الرغيد في القصور ، والمتطفّلون على الموائد وفي السهرات ، والمتّكؤون على أرائك الحكم وأسرّة الإدارة ، والراكنون الى الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي ، وحكموا الناس بالجور.

وأصحاب الدعاوى الزائفة بالاجتهاد والمرجعيّة ، مع فقدان أوليات المعارف اللازمة ، والفراغ من الالتزام الصحيح باُصول العقيدة ، والانتماء المذهبي ، وإنما بالركون الى الحزبيّة الضيّقة ، وبدعوى الانطلاق لمسايرة الجيل المتطلّع وادّعاء مصادمة الواقع بالفتاوي التي لا أساس لها في الفقه ومصادره ، وبالأفكار المخالفة لضرورات الدين والمذهب ، باسم التجديد ، والتوعية ، والتوحيد ، والتأليف! وغير ذلك من العناوين العصريّة الغارّة لأفكار الشباب! وبالأموال التي توزّع بأرقام كبيرة ، من مصادر مجهولة! أو معلومة!!

إنّ كلّ هذه الحقائق الجارية في عصرنا ، تمثّل ـ بالضبط ـ الفصول التي عاصرها الإمام زين العابدين 7 لكن بشكلها العصري.

لكنّ الحق الناصع وهو « الإسلام » المتأصّل في قلوب المؤمنين ، يتجلّى أكثر ممّا مضى بفضل الثقافة الواسعة حول المعارف الإسلامية ، وظهور حقائق القرآن والسنّة ،


وفضل أهل البيت : ، ذلك الذي لم يعد اليوم مكتوما ولا ممنوعا.

وأساليب عمل الإمام السجّاد 7 ، وجهاده وتعاليمه السياسيّة والاجتماعية ماثلة أمام من يطلب الحقّ!

فعلى كلّ من يريد النضال والحركة في سبيل الله ، أنّ يقتدي بإمامه ، ويجعل عمله مشعلا يهتدي بنور إرشاده ، ويسير على منهجه في النضال والتحرّك السياسيّ والاجتماعيّ ، فيكون على بصيرة من أمر دينه ، ويصل الى أفضل النتائج المتوخّاة في أمر دنياه.

والله المستعان

والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على رسوله المصطفى الأمين وآله الطاهرين



الملاحق

الملحق الأوّل : رسالة الحقوق

الملحق الثاني : من تقاريظ الكتاب نثرا ونظما

المحلق الثالث : تقرير موجز عن المبارات الكتابية عن الإمام السجّاد 7



الملحق (١)

رسالة الحقوق

عن الإمام السجّاد 7

برواية أبي حمزة الثُمالي

بسم الله الرحمن الرحيم

توثيق الرسالة :

اتّفقت المصادر الحديثيّة ـ كافة ـ على نسبة هذا الكتاب الى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب :.

برواية أبي حمزة الثُمالي ثابت بن دينار الشهير بابن أبي صفيّة الأزدي الكوفي ، صاحب الدعاء المشهور باسمه الذي يتلى في اسحار شهر رمضان المبارك ، وقد توفّي عام (١٥٠) ، لقي من الائمة السجّاد والباقر والصادق والكاظم :.

قال النجاشي : كان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث وروى عنه العامّة (١).

وقد نسبه إليه النجاشي باسم « رسالة الحقوق » عن علي بن الحسين 7 ، ثم أسند روايتها اليه (٢).

لكن المنقول عن الكليني أنّه أوردها في ما جمعه باسم « رسائل الأئمة : » مما يدلّ على كون الكتاب « رسالة » بعثها الإمام 7 الى بعض أصحابه (٣) ، وبهذا جاء

__________________

(١) رجال النجاشي ( ص ١١٥ ) رقم ٢٩٦.

لكنهم انهالوا عليه قدحا وجرحا ، وبما انا لم نجد في ماروي عنه ، وبطريقه ما يقتضي ذمّه ، فضلا عن جرحه ، نعرف أنه لا سبب لموقفهم منه إلاّ التعصب المذهبي والطائفية البغيضة ، وإلاّ فالرجل كما وصفه النجاشيّ وغيره من علماء الرجال الإمامية ، وقد حرم العامّة أنفسهم من معارف أهل البيت عليهم السلام بمثل هذه المواقف الظالمة.

(٢) المصدر ( ص ١١٦ ).

(٣) نقله في مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٦٩ ) عن فلاح السائل ابن طاوس ، وسيأتي.


التصريح في بعض أسانيد الرسالة (١).

ولعل المرسل إليه هو أبو حمزة نفسه وبذلك يوجّه اختصاص روايتها به ، وانتهاء الأسانيد كلّها إليه.

مصادر الرسالة :

تعدّدت مصادر هذه الرسالة :

فأوردها من القدماء الشيخ الصدوق في العديد من كتبه : أعظمها كتاب من لا يحضره الفقيه ، الذي هو من الاُصول الحديثية الأربعة ، وأوردها في الخصال ، والأمالي.

والشيخ الصدوق أسند رواية الكتاب الى أبي حمزة الثمالي في الخصال والأمالي ، إلاّ أنه حذف الإسناد في الفقيه ، على دأبه فيه حيث أنه يحذف الأسانيد ويحيل على المشيخة التي أعدّها لذكرها ، فلا يعدّ الحديث ـ في هذا الفرض ـ مرسلا.

وقد أورد أسانيده الى أبي حمزة الثمالي في المشيخة وقال : وطرقي إليه كثيرة ولكنني اقتصرت على طريق واحد منها (٢).

وأما الكليني :

فالمنقول عن ابن طاوس في فلاح السائل من قوله : « روّينا بإسنادنا في كتاب ( الرسائل ) عن محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده الى مولانا زين العابدين 7 » (٣) يدلّ على كون الحديث مسندا عند الكليني.

إلاّ أن كتاب ( الرسائل ) مفقود ، وابن طاوس نقل عنه هكذا بحذف الإسناد.

ومن المحتمل قويّا أن يكون الكليني قد رواه عن شيخه علي بن أبراهيم ، الذي يروي الرسالة كما في سند النجاشي ، كما سيأتي.

وقد أورد ابن شعبة الحرّاني الحسن بن علي بن الحسين أبو محمد هذه ( الرسالة ) في كتابه العظيم ( تحف العقول عن آل الرسول 6 ) وهي مرسلة شأن كلّ ما

__________________

(١) الخصال ( ص ٥٦٤ ) رقم (١).

(٢) شرح مشيخة الفقيه ( ص ٣٦ ) من المطبوع مع الفقيه ، الجزء الرابع.

(٣) لاحظ مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٦٩ ).


في الكتاب.

إلاّ أن من المطمأن به كون رواياته في الأصل مسندة ، لأمرين :

الأول : لقوله في مقدّمة الكتاب : وأسقطت الأسانيد ، تخفيفا وإيجازا ، وإن كان أكثره لي سماعا ، ولأن أكثره آداب وحكم تشهد لأنفسها (١).

فقد حذف الأسانيد تخفيفا ، وهذا أمر متداول عند المؤلّفين ، بعد عصر التدوين ، لثبوت الأسانيد في مواضعها من الأصول المنقول منها ، وإن كانت المحافظة على الأسانيد وإثباتها أحوط ، لما يتعرّض له التراث من الآفات.

وكذلك حَذَفَ الأسانيد ، لأن الحاجة اليها إنما هي ماسّة في باب الأحكام ومسائل الشريعة ، وأمّا الآداب والحكم فلا تكون الأحاديث فيها إلاّ مرشدة الى ما يقتضيه العقل والحكمة والتدبير ، والمضامين تشهد بصحة الأحاديث من دون تأثير الاسانيد في ذلك.

فأحاديث الكتاب وإن كانت على ظاهر الإرسال إلاّ أنّها مسندة واقعا.

الثاني : إنّ أحاديث الكتاب مرويّة بأسانيدها في المصادر المتقدّمة ، ولا يرتاب الناظر الى كتاب ( تحف العقول ) في كون مؤلّفه على جانب كبير من العلم والمعرفة بالحديث وشؤونه ، مما يربأ به من إثبات ما لا سند له في كتابه مع تصريحه بنسبة ما أثبته الى الأئمة : ، ومن المعلوم أن النسبة لا يمكن الجزم بها إلاّ مع ثبوت الأسانيد.

وفي خصوص رواية ( رسالة الحقوق ) فإن ما أثبته من النصّ موافق لما نقله ابن طاوس عن ( رسائل ) الكليني (٢) وقد عرفت كون روايته مسندة.

وقد سماّها ابن شعبة بـ ( رسالة الحقوق ) (٣) وهو الاسم الذي ذكره النجاشي لها ، عندما أسند إليها ، كما مرّ.

__________________

(١) تحف العقول ( ص ٣ ).

(٢) لاحظ مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٦٩ ).

(٣) تحف العقول ( ص ٢٥٥ ).


مجموعة الأسانيد :

١ ـ سند الصدوق في الخصال :

قال الصدوق : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى 2 ، قال : حدّثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، قال : حدّثنا خيران بن داهر ، قال : حدّثني أحمد بن علي بن سليمان الجبلي ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي ، عن محمد بن فضيل ، عن أبي حمزة الثُمالي ، قال : هذه رسالة علي بن الحسين 7 الى بعض أصحابه (١).

٢ ـ سند الصدوق في الأمالي :

قال الصدوق : حدّثنا علي بن أحمد بن موسى ، قال حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبدالله بن أحمد ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : قال : (٢)

٣ ـ سند النجاشي :

قال : أخبرنا أحمد بن علي ، قال : حدّثنا الحسن بن حمزة ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن علي بن الحسين 8 (٣)

أما سند الصدوق في ( الفقيه ) :

فقد ذكر في موضع الحديث ما نصّه : روى إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار ، عن سيّد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : قال (٤)

ممّا يدل على كون سنده إليه هو سند الأمالي المنتهي الى إسماعيل بن الفضل ، لكنه

__________________

(١) الخصال ( ص ٥٦٤ ) رقم (١).

(٢) الأمالي للصدوق ( ص ٣٠٢ ) وهو تمام المجلس (٥٩) في ربيع الآخر سنة (٣٦٨).

(٣) رجال النجاشي ( ص ١١٦ ) رقم (٢٩٦).

(٤) من لا يحضره الفقيه ( ٢ / ٣٧٦ ).


قال في المشيخة : « وما كان فيه : عن أبي حمزة الثُمالي ، فقد رويته عن أبي 2 ، عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة الثًمالي ، ثابت بن دينار الثمالي (١).

وهذا السند يختلف عن أسانيد الصدوق السابقة ، فيظهر الاختلاف بين ما أثبته في الكتاب ، وبين السند المثبت في المشيخة.

ولو كان إرجاع الصدوق في المشيخة على طريقه الى ( إسماعيل بن الفضل ) وهو الهاشمي ، فقد قال : رويته عن جعفر بن محمد بن مسرور 2 عن الحسين بن محمد أبن عامر ، عن عمّه عبدالله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبدالرحمان بن محمد ، عن الفضل بن إسماعيل بن الفضل ، عن أبيه إسماعيل بن الفضل الهاشمي (٢).

وهذا السند لا يجتمع مع أسانيده السابقة في شيء ، فالأمر كما قلنا مرتبك ، إلاّ أن يتدارك بما أفاده بقوله : « وطرقي إليه كثيرة ولكنني اقتصرت على طريق واحد منها » (٣) وجعل ذلك دالا على التزامه بنظرية « التعويض » بين الأسانيد.

وقد صرّح المجلسيّ الأول المولى محمد تقي في قول الصدوق في الفقيه « روى إسماعيل بن الفضل بإسناده » بقوله : « القويّ كالصحيح » (٤).

والظاهر حكمه على سند الصدوق في الأمالي المنتهي الى إسماعيل.

وقال النوري في سند النجاشي : إنّه أعلى وأصح من طريق الصدوق في الخصال الى محمد بن الفضيل (٥).

ويظهر من المشجّرة التي رتّبناها أن سند النجاشي ليس أعلى من سند الصدوق في الأمالي ، لاستواء عدد الرواة من كلّ منهما الى أبي حمزة.

مع أن النجاشي ليس سالما من النقد ، من جهة رواية ( إبراهيم بن هاشم ) مباشرة عن ( محمد بن الفضيل ) فان المعروف مكرّرا روايته عن البزنطي ، ورواية

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( ص ٣٦ ) طبع مع الجزء الرابع من ( من لا يحضره الفقيه ).

(٢) مشيخة الفقيه ( ص ١٠٢ ).

(٣) مشيخة الفقيه ( ص ٣٦ ).

(٤) روضة المتقين ( ٥ / ٥٠٠ ).

(٥) مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٦٩ ).


البزنطي عن ( محمد بن الفضيل ) كما ورد في سند الصدوق في المشيخة الى أبي حمزة.

ومع ذلك فإن السيّد الإمام البروجردي قال في ( طبقات رجال النجاشي ) عند ذكر محمد بن الفضيل : « عن أبي حمزة ، عنه إبراهيم بن هاشم ، كانّه من السادسة » وعلّق : وروايته عن أبي حمزة محلّ ريب (١).

ومهما يكن ، فإن تعدّد الأسانيد والطرق الى أبي حمزة ، لم يدع مجالا للبحث السندي في هذا الكتاب ، خصوصا على المنهج المختار من عدم اللجوء الى المعالجات الرجاليّة إلاّ في مواقع استقرار التعارض بعدم المرجّحات ، والمفروض هنا عدم وجود ما يعارض مضامين هذه الرواية أصلا.

مضافا الى ما عرفت من أن أمثال هذه المضامين ، الدائرة حول الآداب والحكم ليست بحاجة الى الأسانيد ، لشهادة الوجدان بما فيها.

والأهم من كل ذلك تلقّى كبار المحدّثين لها بالقبول بإيرادها في كتبهم ، المؤلّفة للعمل ، خصوصا كتاب الفقيه الذي وضعه المؤلف على أن يكون حجّة بينه وبين الله تقدّس ذكره ، وأن جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع (٢) وهذا كاف في تجويز النسبة المعتبرة في الكتب.

__________________

(١) الموسوعة الرجالية (٦) رجال أسانيد فهرست الشيخ النجاشي ( ص ٦١٣ ) السطر الأول.

(٢) من لا يحضره الفقيه ( ١ / ٣ ).


محتوى المتن :

تحتوي الرسالة على ( خمسين حقا ).

وقد جاء التصريح بهذا العدد ، في خاتمة المتن الذي أورده في تحف العقول ، فقال : « فهذه خمسون حقا محيطا بك » (١).

والصدوق لم يورد هذه الخاتمة في رواياته ، إلاّ أنه التزم بكون عدد الحقوق « خمسين حقا » في كتابه الخصال حيث عنون للباب الذي أورد الرسالة فيه بأبواب الخمسين فما فوقه ، وذكر الرسالة في أول حديث في الباب ، وقال : الحقوق الخمسون التي كتب بها علي بن الحسين سيّد العابدين 7 الى بعض أصحابه (٢).

وقد التزم أكثر المعاصرين الذين أوردوا متن الرسالة في مطبوعاتهم بترقيم الحقوق ، فزاد بعضهم رقما واحدا فكان العدد (٥١).

والسبب في ذلك أن الصدوق ذكر في رواياته « حق الحجّ » وهذا لم يرد في رواية تحف العقول ، فلمّا جمع المؤلّفون بين الروايتين ، اعتقادا بوحدة الرسالة ، زاد عندهم هذا العدد الواحد.

ووجود « حقّ الحجّ » ضروريّ :

١ ـ لأنه من فروع الدين الهامّة ، ومما بُنِيَ عليه الإسلام من العبادات الخمس الواجبة ، كما في روايات كثيرة (٣) فلابدّ من ذكره ، كما ذكرت حقوق بقيّة العبادات.

٢ ـ أن الشيخ الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه ، أورد هذه الرسالة في ملحقات كتاب الحجّ ، ولا ريب في لزوم وجود ارتباط بينها وبين الحجّ ، ولو بهذا المقدار ، فليلاحظ.

ثم إن المؤلّفين المعاصرين ارتبكوا كثيرا في ترقيم سائر الحقوق ، فلم يرقّموا ما هو

__________________

(١) تحف العقول ( ص ٢٧٢ ).

(٢) الخصال ( ص ٥٦٤ ).

(٣) راجع وسائل الشيعة ( ١ / ١٤ ـ ٢٩ ) الباب الأول ( وجوب العبادات الخمس ) من أبواب مقدمة العبادات.


حق من جهة ، ورقموا ما ليس بحق من جهة اُخرى ، وإليك بيان ذلك :

١ ـ عدّ جميع المؤلّفين « حقّ نفسك » بالرقم [ ٢ ] مع أنه ليس حقا مستقلا ، وإنما المراد منه حقّ أعضاء نفس الإنسان ، بقرينة قوله ـ في المقدّمة ـ في جوامع الحقوق : « [ب] ثم ما أوجبه الله عزّوجل لنفسك من قرنك الى قدمك على اختلاف جوارحك ، فجعل للسانك ... » (١).

وهذا واضح في كون المراد بحقّ النفس ، حقّ ما لنفس الإنسان ، أي في جوارحه ، في مقابل قوله بعد ذلك : « ثم تخرج الحقوق منك الى غيرك » (٢)

ثمّ إنه ذكر عند تفصيل حقوق الأعضاء : ما نصّه : « وأما حقّ نفسك عليك أن تستعملها في طاعة الله : فتؤدي الى لسانك حقّه » (٣) ، فوجد الفاء في « فتؤدي » يقتضي كون ما بعدها تفريعا وتفصيلا لما قبلها.

ومن الواضح أنّه لم يذكر للنفس حقا غير استعمال الجوارح ، فيدل على أن المراد بالنفس « شخص الإنسان » لا النفس الناطقة ، فليس المراد وضع حقّ خاص لها ، دون الجوارح حتى يضاف على حقوقها.

والغريب أن طابع « تحف العقول » عدّ هذا الحقّ برقم [ ٢ ] بينما لم يذكر « حق الحجّ » فأخلّ بالحقّين كما سيتضح.

٢ ـ ذكر في مقدّمة الرسالة ، في جوامع الحقوق : « [ ج ] ثم جعل عزّوجل لأفعالك عليك حقوقا » ثم ذكر الواجبات وقال في آخرها : « ولأفعالك عليك حقا » (٤) فتكون الحقوق المذكورة « ستة » آخرها « حق الأفعال ».

وقد ذكر في تحف العقول « حق الافعال » بعد [ ١٣ ] « حق الهدي » بقوله : « واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير ... » إلى آخره (٥).

__________________

(١) لاحظ الرسالة ( ص ٢٧١ ).

(٢) لاحظ الرسالة ، المقدمة ( ص ٢٧١ ).

(٣) لاحظ الرسالة ( ص ٢٧٣ ).

(٤) لاحظ الرسالة ( ص ٢٧١ ).

(٥) تحف العقول ( ص ٢٥٥ ) لاحظ الرسالة الحق رقم [ ١٤ ].


فلا بدّ أن يكون حق الأفعال ، مستقلا ، غير حق الواجبات الخمسة المذكورة أولا ، ويؤيده أن محتواه لا يرتبط بما سبقه بشكل مستقيم ، بل هو أمر عام لها ولغيرها.

والظاهر أن المراد بحق الأفعال هو حدّ العمل الذي يجب على الإنسان القيام به في كلّ مجال ، حتى في غير الواجبات الخمسة المذكورة أولا ، وهذا أصل عظيم له دور كبير في حياة الإنسان.

لكن جميع المؤلّفين أهملوا هذا الحق في الترقيم ، كما أن روايات الصدوق لم تورده إطلاقا ، وهو الحق [ ١٤ ] بترقيمنا.

٣ ـ اعتبر المؤلّفون « حقّ المملوك » برقم مستقل [ ٢١ ] بينما هو داخل في حقّ الرعية بالملك ، وله موردان : ( الزوجة والمملوك ) وهذا هو ثالث حقوق الرعيّة : بالسلطان ، وبالعلم ، وبالملك ، وقد صرّح في المقدّمة ـ في اصول الحقوق ـ بعنوان [ هـ ] بان حقوق الرعيّة ثلاثة.

بينما تصير حسب ترقيمهم ، أربعة!

والظاهر ان الموجب لهذا الارتباك هو ملاحظتهم لكلمة « حقّ » وعدّهم لها ـ حيث وقعت ـ برقم مستقل ، من دون تأمل في المعاني.

وقد وفقنا الله لتلافي كلّ هذا الارتباك فرتّبنا النصّ الى اُصول الحقوق ، وهي السبعة المُعْلَمَة برموز من حروف ( أ ، ب ، ج ، د ، هـ ، و ، ز ).

والى فروع الحقوق ، وهو الخمسون ، مرقمة بالأعداد ، ومطبوعة بالحروف البارزة.

والى بنود الحقوق ، وهي موادّها المذكورة تحت عنوان كلّ حقّ ، ذكرنا كلّ مادة منها في سطر مستقل مبدوءا بشريط في أول السطر : ( ـ : ).

وبما أن النص الذي أثبتناه هو جامع بين كلّ الروايات الواردة وملفّق منها ، وهي رواية تحف العقول التي اتّخذناها أصلا ، وروايات الصدوق.

* فقد وضعنا المعقوفين ليحتويا ما ورد في روايات الصدوق زيادة على ما في تحف العقول.

* ووضعنا بين القوسين ما اختصّت به رواية تحف العقول ، ولم يرد في


روايات الصدوق.

* وما خرج عن المعقوفين والقوسين ، فهو مشترك بين النصين ووارد في جميع الروايات.

* وما أضفناه من العناوين وغيرها ، فقد نبّهنا على وجه إضافته.

اختلاف النسخ :

ثم إن من الملاحظ وجود اختلاف بين ما أورده في تحف العقول وبين روايات الصدوق ، من جهة ، وبين رواية الصدوق في بعض كتبه وبين ما أورده في بعضها الآخر ، في عبارات من متن الحديث زيادة وحذفا تارة ، وإجمالا وتفصيلا اُخرى.

ووقوع مثل هذا الاختلاف في الأحاديث الطوال أمر غير عزيز ، يعود ذلك أساسا الى اعتماد الرواة على النقل بالمعنى ، لأن أمثال هذه الروايات تهدف الى إبلاغ معانيها ، وأداء مضامينها ، ولا يدخل في القصد منها ما يوجب المحافظة على ألفاظها بنصوصها ، وليست كما هو المفروض في الكلمات القصار ، والخطب البلاغية المبتنية على إعمال الصناعات اللفظية والمحسّنات البديعية المؤثرة في نفوس السامعين الى جانب المعاني والمؤدّيات.

ومن المحتمل أيضا أن يلجأ بعض الرواة الى الاختصار لأمثال هذه الأحاديث الطوال ، والاقتصار على الجمل المهمّة فقط.

وقد حمّل بعض المتأخرين الشيخ الصدوق مسؤولية القيام بالاختصار ، قائلا : « إنه يختصر الخبر الطويل ، ويسقط منه ما أدّى نظره الى إسقاطه » (١).

لكن هذا تحامل على الشيخ الصدوق المعترف له بكثرة النقل للأخبار والحفظ والمعرفة بالحديث والرجال والآثار (٢).

ومع احتمال النقل بالمعنى كما ذكرناه ، لم تصل النوبة الى احتمال الاختصار أصلا.

مع أن اصل الاختصار أمر جائز لا مانع منه ، إذ هو عبارة عن تقطيع الحديث ، المعمول به ، والمقبول من دون نزاع ، لتعلّق غرض المحدّث ببعض الحديث

__________________

(١) مستدرك الوسائل ( ١١ / ١٧٠ ).

(٢) لاحظ الخلاصة ، رجال العلامة الحلي ( ص ١٤٧ ) رقم (٤٤).


فيقتصر عليه.

مضافا الى أنه لا دليل على نسبة الاختصار ـ المفروض ـ الى الشيخ الصدوق.

فمن المحتمل ـ قويّا ـ أن يكون بعض الرواة السابقين على الصدوق ، قد اختصر النصّ ، ورووه له مختصرا.

ويشهد لهذا الاحتمال : أن روايات الصدوق في كتبه المختلفة هي في نفسها متفاوتة.

مع أن الأصل هو رواية اللفظ.

إلاّ أن المقارنة بين النصّين تعطي اطمئنانا بأن الرواة مع اختصارهم للنصّ ،عمدوا الى نقل مقاطع بطريق رواية المعنى ، فالنصّان لا يختلفان في المعنى عند اختلافهما في اللفظ ، وعند اتفاقهما في اللفظ فالاختصار ملحوظ.

وأما وحدة النصّ الصادر من الإمام 7 ، فالدليل عليه أمران :

الاول : الاتبعاد الواضح في أن توجّه رسالة بنصّين مختلفين الى شخص معيّن ، ويرويهما راوٍ واحد ، من دون ذكر التفاوت بينهما.

الثاني : تطابق أكثر عبارات النصّين لفظا من دون أدنى تفاوت مما يدّل على وجود أصل مشترك بينهما ، وعلى أخذ المختصر من المفصّل.

النصّ المختار :

ومهما يكن ، فإنا تمكنّا بالمقارنة الدقيقة بين النصّين من انتخاب نصّ جامع ، بالتلفيق بينهما ، بحيث لا يشذّ عنه شيء من عبارتيهما ، ولا كلمة واحدة مؤثّرة في المعنى.

وبما أن نصّ ( تحف العقول ) هو أوفى ، وأجمع ، وأسبك ، وأكثر تفصيلا فقد جعلناه ( الأصل ) وأوعزنا الى ما في روايات الصدوق من الفوائد والزوائد ، بما لا يفوت معه شيء مما له دخل في جميع أبعاد النصّ.

وقد أشرنا الى الرموز المستعملة في عملنا سابقا.

ولم نشر الى الأخطاء الواضحة ، ولا الاختلافات المرجوحة ، تخفيفا للهوامش.

نسخ الرسالة :

لقد تداول الأعلام هذه الرسالة القيّمة بالرعاية والعناية ، وتناقلوها على طولها في


مؤلّفاتهم ، فقد وردت في الكتب التالية مخطوطها ومطبوعها ، كما نشرت مستقلة أيضا ، وإليك ما وقفنا عليه من طبعاتها :

١ ـ كتاب من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين ( ت ٣٨١ ) وقد أوردها في نهاية كتاب الحج ، بعنوان ( باب الحقوق ) فلاحظ ( ج ٢ ص ٣٧١ ـ ٣٨١ ) من طبعة النجف.

٢ ـ روضة المتقين شرح الفقيه ، للمحدث المولى محمد تقي المجلسي الأول ( ت ١٠٧٠ ) في ( ج ٥ ص ٥٠٠ ـ ٥٢٧ ) مشروحة.

٣ ـ الخصال ، للشيخ الصدوق ، في أبواب الخمسين فما فوقه ( ص ٥٦٤ ـ ٥٧٠ ).

٤ ـ الأمالي ، للشيخ الصدوق ، في المجلس (٥٩) ( ص ٣٠١ ـ ٣٠٦ ).

٥ ـ تحف العقول ، لابن شعبة الحراني ( ق ٤ ) ( ص ٢٥٥ ـ ٢٧٢ ).

٦ ـ مكارم الأخلاق ، للطبرسي صاحب مجمع البيان ( ق ٦ ) ( ص ٤٥٥ ).

٧ ـ بحار الأنوار ، للعلامة المجلسي محمد باقر بن محمد تقي ( ت ١١١٠ ) في الجزء (٧٤).

٨ ـ عوالم العلوم والمعارف ، للشيخ عبدالله البحراني ( ق ١٢ ) في الجزء (١٨).

٩ ـ مستدرك الوسائل ، للمحدّث النوري حسين بن محمد تقي ( ت ١٣٢٠ ) في ( ٢ / ٢٧٤ ) من الطبعة الأولى و ( ١١ / ١٥٤ ) من الطبعة الحديثة.

١٠ ـ أعيان الشيعة ، للإمام السيد محسن الأمين العاملي ( ج ٤ ص ٢١٥ ـ ٢٣٠ ).

١١ ـ بلاغة علي بن الحسين 7 ، للشيخ جعفر عباس الحائري ( المعاصر ) ( ص ١٣٠ ـ ١٦٣ ).

١٢ ـ الإمام زين العابدين 7 ، للسيد عبدالرزاق المقرّم الموسوي ( ت ١٣٩١ هـ ) ( ص ١١٨ ـ ١٣٥ ).

١٣ ـ حياة الإمام زين العابدين 7 للشيخ باقر شريف القرشي ( المعاصر ) ( ص ٤٧٧ ـ ٥١١ ).

١٤ ـ شرح رسالة الحقوق ، للخطيب السيد حسن القبانچي الحسيني فقد شرح الرسالة في مجلدين ، طبعا في النجف ، واُعيدا في قم (١٤٠٦) وبيروت.


١٥ ـ وتنسب الى الإمام زيد الشهيد باسم « الرسالة الناصحة والحقوق الواضحة » وتشبه أن تكون مختصرةً من رسالة الحقوق المروية عن والده الإمام زين العابدين 7 ، كما جاء في مؤلفات الزيدية ( ٢ / ٤٤ ) رقم (١٦٠٨) لصديقنا العلامة السيّد أحمد الحسيني.

وذكر صديقنا الكاتب المعجمي الشيخ عبدالجبّار الرفاعي كتاب الحقوق للإمام زيد بن علي ، في كتابه : معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت : ( ج ٨ ص ١٨١ ) برقم (٢٠٤٥٣) وقال : مخطوط في الجامع الكبير في صنعاء برقم ٢٣٦٤.

كما ذكرها في هذا الجزء بعنوان « رسالة الحقوق » برقم (٢٠٤٩١) وأورد طبعاتها ، ومنها : بغداد ١٣٦٩ هـ ( ١٧٩ ص ) تحقيق عبدالهادي المختار ، سلسلة حديث الشهر (٦).

والأعمال المؤلّفة حول ( رسالة الحقوق ) ضمن ما أورده الشيخ الرفاعيّ مما كتب عن الإمام السجاد 7 في هذا المجلّد هي بالارقام :

* ٢٠٣٧٢ : رساله إمام زين العابدين ( بالاردو ).

* ٢٠٣٩٩ : رساله حقوق إخوان ( ترجمة فارسية ).

* ٢٠٤٠٠ : رساله حقوق ( ترجمة فارسية ).

* ٢٠٤٨٩ : رساله الحقوق ( ترجمة فارسية ).

* ٢٠٤٩٠ : رساله الحقوق ( بالاردو ).

* ٢٠٧٤٢ : النَهْجَيْن في شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين 7 ، للشيخ صالح بن مهدي الساعدي ...

سندنا الى رواية الرسالة :

لقد مَنّ الله على الأمة الإسلامية ببذل الجهد والعناية في حفظ التراث الإسلامي ، وخصوص الحديث الشريف ، بالمراقبة التامّة عليه ، وتحمّله بكلّ دقّة وأدائه بكلّ احتياط ، وقد وفّقنا الله تعالى للسلوك في السلسلة الشريفة لِرواة الحديث بطريقة الإجازة المتداولة بين الأعلام والمتعارف عليها بين علماء الإسلام ، وبذلك تتّصل


بطرق مشايخنا الكرام الى رواية هذه الرسالة.

فأروي عن مشايخي الكرام وهم عدّة ممّن لقيتهم من المشايخ ، وأوّلهم وأعلاهم سندا شيخ مشايخ الحديث في القرن الرابع عشر الإمام الشيخ آقا بزرك الطهراني ( ١٢٩٣ ـ ١٣٨٩ ) وآخرهم سيّد مشايخ العصر الحجّة النسّابة السيّد شهاب الدين الحسيني المرعشيّ ( ١٣١٥ ـ ١٤١١ ) بطرقهما المتّصلة بالعنعنة المقدّسة ، الى ابن طاوس ، وابن شعبة ، والنجاشي ، والصدوق ، والكليني ، أئمة الحديث الذين أثبتوا هذه الرسالة في مؤلّفاتهم ، بأسانيدهم التي أثبتناها سابقا.

وقد فصّلنا ذكر الطرق والمشايخ الى المؤلّفات والاُصول والكتب في ثبتنا الكبير « ثبت الاسانيد العوالي من مروّيات الجلالي » والحمد لله على توفيقه.

وبعد :

فإن ما نقدّمه اليوم هو أوثق ما طبع حتى الآن لهذه الرسالة من النصوص ـ سواء ما جاء ضمن المؤلفات أم ما طبع مستقلا؟ ـ بالنسبة الى المقارنة الدقيقة بين جميع النسخ والمروّيات ، والى انتخاب النصّ الموحّد الجامع لكل ما جاء فيها ، والى إخراجه وتنظيمه وترقيمه.

وأمَلُنا أن نكون بتقديمه ، قد أدّينا بعض ما يجب علينا تجاه التراث الإسلامي العزيز ، من واجبات التحمّل والصيانة ، والضبط والتحقيق ، والأداء والتبليغ.

والحمد لله على نعمه المتواترة ، حمدا كما هو أهله وكما يحبّ أن يُحْمَد ، ونصلّي ونسلّم على سيّدنا رسول الله محمد ، وعلى الأئمة الأطهار من آله الأخيار أولي العدل والفضل والمَجْد.

حُرِّر في السابع عشر من ربيع المولود عام ١٤١٧ هـ.

وكتب

السيد محمّد رضا الحسيني

الجلالي




رسالة الحقوق

بسم الله الرحمن الرحيم

[ المقدمة ]

أعلم ـ رحمك الله ـ أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كلّ حركة تحرّكتها أو سكنة سكنتها [ أو حال حلتها ] أو منزلة نزلتها أو جارحة قلّبتها أو آلة تصرّفت بها ( بعضها أكبر من بعض ) :

[أ] فأكبر حقوق الله عليك : ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من [ ١ ] حقه الذي هو أصل الحقوق ( ومنه تُفرّع ).

[ب] ثمّ ما أوجبه الله عزّوجل لنفسك ، من قرنك الى قدمك ، على اختلاف جوارحك :

فجعل [ ٢ ] للسانك عليك حقا (١) و [ ٣ ] لسمعك عليك حقا ، و [ ٤ ] لبصرك عليك حقا ، و [ ٥ ] وليدك عليك حقا ، و [ ٦ ] لرجلك عليك حقا ، و [ ٧ ] لبطنك عليك حقا ، و [ ٨ ] لفرجك عليك حقا.

فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال.

[ج] ثمّ جعل عزّوجل لأفعالك عليك حقوقا :

فجعل [ ٩ ] لصلاتك عليك حقا ، و [ ١٠ ] لحجّك عليك حقا (٢) ، و [ ١١ ] لصومك عليك حقا ، و [ ١٢ ] لصدقتك عليك حقا ، و [ ١٣ ] لهديك عليك حقا ، و [ ١٤ ] لأفعالك عليك حقا.

ثمّ تخرج الحقوق منك الى غيرك ، من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها

__________________

(١) في التحف ، أخر ذكر اللسان عن السمع والبصر ، هنا ، لكنه قدمه عليهما في ذكر تفصيل الحقوق ، فكان ما أثبتناه هنا أنسب.

(٢) الحق رقم [ ١٠ ] لم يذكر في رواية التحف ، لا هنا ولا في تفصيل الحقوق ، وإنما ورد في روايات الصدوق ، فقط ، فلاحظ ما ذكرناه عند التفصيل عن الحق [ ١٠ ].


عليك : [ د ] حقوق أئمتك ، ثم [ هـ ] حقوق رعيّتك ، ثمّ [ و ] حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعّب منها حقوق.

[د] فحقوق أئمتك ثلاثة :

أوجبها عليك [ ١٥ ] حق سائسك بالسلطان ، ثمّ [ ١٦ ] حق سائسك بالعلم ، ثم [ ١٧ ] حق سائسك بالمِلك.

وكلّ سائس إمام.

[هـ] وحقوق رعيّتك ثلاثة :

أوجبها عليك [ ١٨ ] حق رعيّتك بالسلطان ، ثمّ [ ١٩ ] حق رعيتك بالعلم ، فإن الجاهل رعيّة العالم ، ثمّ [ ٢٠ ] حق رعيّتك بالمِلك : من الأزواج وما ملكت الأيمان.

[و] وحقوق رَحِمك كثيرة ، متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة.

فأوجبها عليك [ ٢١ ] حق أمّك ، ثمّ [ ٢٢ ] حق أبيك ، ثمّ [ ٢٣ ] حق ولدك ، ثمّ [ ٢٤ ] حق أخيك ، ثمّ الأقرب فالأقرب ، والأول فالأول (١).

[ز] ثم [ حقوق الآخرين ] (٢) :

[ ٢٥ ] حق مولاك المنعم عليك ، ثمّ [ ٢٦ ] حق مولاك الجارية نعمتك عليه ، ثمّ [ ٢٧ ] حق ذي المعروف لديك ، ثم [ ٢٨ ] حق مؤذنك لصلاتك ، ثمّ [ ٢٩ ] حق إمامك في صلاتك ، ثمّ [ ٣٠ ] حق جليسك ، ثمّ [ ٣١ ] حق جارك ، ثمّ [ ٣٢ ] حق صاحبك ، ثم [ ٣٣ ] حق شريكك ، ثمّ [ ٣٤ ] حق مالِك ، ثمّ [ ٣٥ ] حق غريمك الذي يطالبك (٣) ، ثمّ [ ٣٦ ] حق خليطك ، ثمّ [ ٣٧ ] حق خصمك المدّعي عليك ، ثمّ [ ٣٨ ] حق خصمك الذي تدّعي عليه ، ثمّ [ ٣٩ ] حق مستشيرك ، ثمّ [٤٠ ] حق المشير عليك ، ثمّ [ ٤١ ] حق مستنصحك ، ثمّ [ ٤٢ ] حق الناصح لك ، ثمّ [ ٤٣ ] حق من هو أكبر منك ، ثمّ [ ٤٤ ] حق من هو أصغر منك ، ثمّ [ ٤٥ ] حق سائلك ، ثمّ [ ٤٦ ] حق من سألته ، ثمّ [ ٤٧ ] حق

__________________

(١) في غير التحف : الأولى فالأولى.

(٢) ما بين المعقوفين هنا زيادة منا ، لتحديد عناوين أصول الحقوق السبعة ، والمعبر عنها بـ « الحقوق الجارية ... » في آخر هذه المقدّمة ، فلاحظ.

(٣) أضاف في النسخ هنا : « ثم حق غريمك الذي تطالبه » وهذا غير مذكور في تفاصيل الحقوق ، لا في الصدوق ولا التحف ، وبدونه تتم الحقوق : خمسين حقا ، فالظاهر كونه زائدا.


من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل ، عن تعمّد منه أو غير تعمّد ، [ ثم [ ٤٨ ] حق من جرى على يديه مسرّة من قول أو فعل ] (١) ثم [ ٤٩ ] حق أهل ملّتك عامّة ، ثمّ [ ٥٠ ] حقّ أهل ذمّتك.

ثم (٢) الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرّف الأسباب.

فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ، ووفقه لذلك وسدّده (٣).

[ أ ـ حق الله ] (٤)

[ ١ ] فأمّا حقّ الله الأكبر عليك :

ـ فأن تعبده لا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ( ويحفظ لك ما تحبّ منها ).

[ ب ـ حقوق الأعضاء ] (٥)

وأما حق نفسك (٦) عليك : أن تستعملها (٧) في طاعة الله : ( فتؤدّي الى لسانك حقه ، والى سمعك حقه ، والى يدك حقّها ، والى رجلك حقها ، والى بطنك حقه ، والى فرجك حقه ، وتستعين بالله على ذلك ) :

__________________

(١) هذا الحق مذكور في المتن في النصين ، لكنه لم يذكر هنا في مقدمة الصدوق في الخصال.

(٢) كذا جاءت كلمة ( ثمّ ) هنا في الروايات والنسخ كلّها وأظنها مصحفة عن ( هي ) إشارة الى جميع الحقوق المذكورة في [ ز ] ويؤيد هذا ، أن الرسالة ـ في كل نسخها ـ تنتهي عند ذكر ( حق أهل الذمة ) ولم يذكر فيها عن حقوق أخرى أيّ شيء ، فليلاحظ.

(٣) هذه المقدمة لم يوردها الصدوق في الفقيه ولا الأمالي ، وإنما أوردها في الخصال كما في التحف.

(٤ ـ ٥) ما بين المعقوفين أضفنا لتوحيد النسق مع العناوين التالية المثبتة في اصل التحف.

(٦) اعتبر كثير من الذين طبعوا رسالة الحقوق في عصرنا « حق النفس » حقا منفصلا وأعطوه رقما مستقلا ، فأدّى بهم ذلك الى زيادة عدد الحقوق الى (٥١) بينا هي ( خمسون ) قطعا كماعرفت في المقدّمة ، مع أن هذا هو عنوان جامع لما تحته من ( حقوق الأعضاء ) كما سجّلنا فلاحظ ، وقد عدّها في تحف العقول المطبوع مستقلا بينما لم يورد ( حقّ الحجّ ) الآتي برقم [ ١١ ] وسيأتي أن من الضروري إيراده.

(٧) في نسخة : تستوفيها.


[٢] وأمّا حقّ اللسان :

ـ فإكرامه عن الخَنى.

ـ وتعويده على الخير [ والبرّ بالناس ، وحسن القول فيهم ].

( ـ وحمله على الأدب

ـ وإجمامه إلاّ لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا.

ـ وإعفاؤه عن الفضول الشنيعة ، القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قِلّة فائدتها. (٨)

ـ ويُعَد شاهدَ العقل ، والدليل عليه ، وتزيّن العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه.

ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم ) (٩)

[٣] وأما حقّ السمع :

ـ فتنزيهه عن أن تجعله طريقا الى قلبك إلاّ لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا ، أو تكسب خلقا كريما ، فإنه باب الكلام الى القلب ، يؤدّي اليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر.

ولا قوة إلاّ بالله (١٠)

__________________

(٨) في روايات الصدوق : وترك الفضول التي لا فائدة فيها.

(٩) روى الكليني بسنده عن إبراهيم بن مهزم الاسدي عن أبي حمزة [ الثُمالي ] عن علي بن الحسين 7 قال : إن لسان بني آدم يُشرف على جميع جوارحه ، فيقول : كيف أصبحتم؟

فيقولون : بخير ، إن تركتنا.

ويقولون : الله ، الله فينا.

ويناشدونه ويقولون : إنما نثاب [ بك ] ونعاقب بك.

الكافي ( ٢ / ١١٥ ) كتاب الإيمان والكفر ، باب الصمت وحفظ اللسان ، ورواه في الاختصاص المنسوب الى المفيد ( ص ٢٣٠ ) وما بين المعقوفات منه.

(١٠) في الصدوق : فتنزيهه عن سماع الغِيبَة ، وسماع مالا يحلّ سماعه.


[٤] وأمّا حقّ بصرك :

ـ فغضّه عمّا لا يحلّ لك.

( ـ وترك ابتذاله إلاّ لموضع عبرة تستقبل بها بصرا ، أو تستفيد بها علما ، فإن البصر باب الاعتبار ) (١)

[٥] وأمّا حقّ يدك :

ـ فأن لا تبسطها الى ما لا يحلّ لك ( فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل ، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل.

ـ ولا تقبضها عمّا افترض الله عليها.

ولكن توقّرها : بقبضها عن كثير مما يحل لها ، وبسطها الى كثير ممّا ليس عليها ، فإذا هي قد عُقِلَت وشرّفت في العاجل وَجَبَ له حُسن الثواب من الله في الآجل ) (٢).

[٦] وأما حق رجلك (٣) :

ـ أن لا تمشي بها الى ما لا يحل لك. [ فبها تقف على الصراط ، فانظر أن لا تَزِلّ بك فتردى في النار ]

( ـ ولا تجعلها مطيّتك في الطريق المستخفّة بأهلها فيها ، فإنّها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين ، والسبق لك.

ولا قوة إلاّ بالله ).

[٧] وأمّا حق بطنك :

ـ فإن لا تجعله وعاءا ( لقليل من ) الحرام ( ولا لكثير.

ـ وأن تقتصد له في الحلال ، ولا تخرجه من حدّ التقوية الى حدّ التهوين ،

__________________

(١) في الصدوق ـ بدل ما بين القوسين ـ : وتعتبر بالنظر به.

(٢) ما بين القوسين ليس في روايات الصدوق.

(٣) في أكثر النسخ « رجليك » مع تثنية الضمائر العائدة إليها في الفقرة الاولى. وقد أفردنا الجميع لوروده في نسخ أخرى ، كما أنه الانسب بسائر الفقر.


وذهاب المروءة.

ـ وضبطه إذا همّ ، بالجوع والعطش (١).

ـ [ ولا تزيد على الشبع ] فإن الشبع المنتهي بصاحبه الى التخم مَكْسَلة ومَثبَطة ومَقطَعة عن كل برّ وكرم ، وإن الريّ المنتهي بصاحبه الى السكر مَسْخَفة ومَجهَلة ومَذهَبة للمروءة ).

[٨] وأما حقّ فرجك :

ـ ( فحفظه ممّا لا يحلّ لك [ أن تحصنه عن الزنا ، وتحفظه من أن ينظر إليه ] والاستعانة عليه بغض البَصَر ، فإنّه من أعون الأعوان ، وكثرة ذكر الموت ، والتهدّد لنفسك بالله والتخويف لها به.

وبالله العصمة والتأييد ، ولا حول ولا قوة إلاّ به ).

[ج] ثمّ حقوق الأفعال (٢)

[ ٩ ] فأمّا حقّ الصلاة :

ـ فأن تعلم أنّها وفادة الى الله ، وأنّك قائم بها بين يدي الله ، فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام العبد ، الذليل [ الحقير ] ، الراغب ، الراهب ، الخائف ، الراجي ، المسكين ، المتضرّع ، المعظّم من قام بين يديه بالسكون والإطراف (٣) ( وخشوع الأطراف ، ولين الجناح ، وحسن المناجاة له في نفسه.

والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك ، واستهلكتها ذنوبك ).

ـ [ وتقبل عليه بقلبك.

ـ وتقيمها بحدودها وحقوقها ].

ولا قوة إلاّ بالله.

__________________

(١) في نسخة التحف : والظمأ.

(٢) هذا العنوان لم يرد في الصدوق.

(٣) في الصدوق : والوقار ، بدل ( والإطراف ).


[١٠] وحقّ الحجّ :

ـ أن تعلم أنه وفادة الى ربّك ، وفرار إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك ] (١)

[١١] وأمّا حقّ الصوم :

ـ فأن تعلم أنّه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ، ليسترك به من النار [ فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك ].

( وهكذا جاء في الحديث : « الصوم جُنّة من النار » فإن سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا ، وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب فتطّلع الى ما ليس لها ، بالنظرة الداعية للشهوة ، والقوّة الخارجة عن حدّ التقية لله ، لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه.

ولا قوة إلاّ بالله )

[١٢] وأمّا حقّ الصدقة :

ـ فأن تعلم أنّها ذخرك عند ربك ، ووديعتك التي لا تحتاج الى الإشهاد [ عليها ] ( فإذا علمت ذلك ) كنت بما استودعته سرا أوثق [ منك ] بما استودعته علانية ( وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته ، وكان الأمر بينك وبينه فيها سرا على كلّ حال ، ولم تستظهر عليه في ما استودعته منها بإشهاد الاسماع والأبصار عليه بها كأنّك أوثق في نفسك لا كأنّك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك.

ـ [ وتعلم أنّها تدفع البلايا والاسقام عنك في الدنيا ، وتدفع عنك النار في الآخرة ]

ـ ثمّ لم تمتنّ بها على أحد ، لأنّها لك ، فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها الى من مننت بها عليه ، لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتنّ بها على أحد.

__________________

(١) حق الحجّ هذا لم يرد في تحف العقول ، ووجوده ضروري ، كما شرحنا في المقدمة.


ولا قوّة إلاّ بالله )

[١٣] وأمّا حقّ الهدي :

ـ فإن تخلص بها الإرادة الى ربّك ، والتعرّض لرحمته وقبوله ، ولا تريد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلّفا ولا متصنّعا ، وكنت إنّما تقصد الى الله (١)

[١٤] وأما حقّ عامّة الأفعال : (٢)

ـ واعلم أن الله يراد باليسير ، ولا يراد بالعسير ، كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير.

ـ وكذلك التذلّل أولى بك من التدهقن ، لأنّ الكلفة والمؤونة في المتدهقنين ، فأمّا التذلّل والتمسكن فلا كلفة فيهما ، ولا مؤونة عليهما ، لأنّهما الخلقة ، وهما موجودان في الطبيعة.

ولا قوّة إلاّ بالله.

[د] ( ثمّ حقوق الأئمة ) (٣)

[ ١٥ ] فأمّا حقّ سائسك بالسلطان :

ـ فأن تعلم أنك جعلت له فتنة ، وأنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان.

( ـ وأن تخلص له في النصيحة.

ـ وأن لا تماحكه ، وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه.

__________________

(١) في الصدوق : وحق الهدي : أن تريد به الله عزّوجل ، ولا تريد خلقه ، ولا تريد به إلاّ التعرّض لرحمة الله عزّوجل ونجاة روحك يوم تلقاه.

(٢) هذا العنوان من وضعنا ، وقد أوضحنا أن عدّ هذا الحق ضروري ، لقوله في مقدّمة الرسالة بعد حق الهدي : « ولأفعالك عليك حقاً » وقد شرحنا ذلك في المقدمة ، وذكرنا أن المؤلّفين لم يرقّموا هذا الحق ، وهو ساقط من روايات الصدوق بالكليّة.

(٣) العنوان الأصلي لم يرد في الصدوق ، وكذا جميع العناوين الاصلية التالية.


ـ وتذلل وتلطّف لإعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله.

ـ ولا تعازّه ، ولا تعانده ، فإنّك إن فعلت ذلك عققته ، وعققت نفسك ، فعرّضتها لمكروهه ، وعرّضته للهلكة فيك ، وكنت خليقا أن تكون معينا له عليه نفسك ) (١) وشريكا له في ما أتى إليك [ من سوء ].

ولا قوّة إلاّ بالله.

[١٦] وأمّا حق سائسك بالعلم :

ـ فالتعظيم له.

ـ والتوقير لمجلسه.

ـ وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه.

( ـ والمعونة له على نفسك في ما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرّغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، وتزكي له قلبك ، وتجلي له بصرك : بترك اللّذات ، ونقص الشهوات.

ـ وإن تعلم أنّك ـ في ما ألقى إليك ـ رسوله الى من لقِيَك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ، ولا تخُنْه في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلّدتها ).

[ ـ وأن لا ترفع عليه صوتك.

ـ وأن لا تجيب أحدا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب.

ـ ولا تحدّث في مجلسه أحدا.

ـ ولا تغتاب عنده أحدا.

ـ وأن تدفع عنه إذا ذكر عندك بسوء.

ـ وأن تستر عيوبه.

ـ وتظهر مناقبه.

ـ ولا تجالس له عدوّا.

ـ ولا تعادي له وليّا.

__________________

(١) في الصدوق بدل ما بين القوسين قوله : وأن عليك أن لا تتعرّض لسخطه ، فتلقي بيدك الى التهلكة ، وتكون شريكا له في ما يأتي أليك من سوء.


فإذا فعلت ذلك شهدت ملائكة الله عزّوجل بانك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ وعزّ أسمه ، لا للناس ] (١).

ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

[١٧] وأمّا حقّ سائسك بالمِلْك :

ـ فنحو من سائسك بالسلطان ، إلاّ أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك ، تلزمك طاعته في مادقّ وجلّ منك إلاّ أن تخرجك من وجوب حق الله ، فان حق الله يحول بينك وبين حقّه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت الى حقّه فتشاغلت به.

ولا قوّة إلاّ بالله (٢)

[هـ] ( ثم حقوق الرعيّة )

[ ١٨ ] فأمّا حقّ رعيّتك بالسلطان :

( ـ فإن تعلم أنك إنّما استرعيتهم بفضل قوّتك عليهم ، فإنه إنما أحلّهم محلّ الرعيّة لك ضعفهم ، وذلّهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه وذلّه ـ حتى صيّره لك رعيّة ، وصيّر حكمك عليه نافذا ، لا يمتنع عنك بعزّة ولا قوّة ، ولا يستنصر في ما تعاظمه منك إلاّ بالله ـ بالرحمة والحياطة والأناة! ) (٣)

[ ـ فيجب أن تعدل فيهم ، وتكون لهم كالوالد الرحيم.

ـ وتغفر لهم جهلهم.

ـ ولا تعاجلهم بالعقوبة ]

( وما أولاك ـ إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي قهرت بها ـ أن تكون لله شاكرا! [ وتشكر الله عزّوجل على ما آتاك من القوّة عليهم ] ومن شكر الله أعطاه في ما أنعم عليه.

__________________

(١) ما بين المعقوفين ورد في الصدوق ، واكثر المذكورات من حقوق المعلّم مذكور في حديث مسند الى أمير المؤمنين 7 ، لاحظ آداب المتعلمين ( ص ٧٤ ـ ٧٧ ) الفقرة [ ٢١ ].

(٢) في الصدوق بدل هذا الحقّ : فأن تطيعه ، ولا تعصيه ، إلاّ في ما يسخط الله عزّوجل ، فإنّه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

(٣) في الصدوق : فأن تعلم أنّهم صاروا رعيتّك لضعفهم وقوّتك.


ولا قوّة إلاّ بالله ).

[١٩] وأمّا حقّ رعيّتك بالعلم :

ـ فأن تعلم أن الله قد جعلك قيّما لهم في ما آتاك من العلم ، وولاّك (١) من خزانة الحكمة.

فإن أحسنت في [ تعليم الناس ] ( ما ولاّك الله من ذلك ، [ ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ] وقمت لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه [ زادك الله من فضله ] كنت راشدا ، وكنت لذلك آملا معتقدا.

وإلاّ (٢) كنت له خائنا ، ولخلقه ظالما ، ولسلبه وغرّه متعرّضا )

[ كان حقّا على الله عزّوجل أن يسلبك العلم ، وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك ].

[٢٠ وأمّا حق رعيّتك بالملك ] (٣)

وأمّا حق رعيّتك بملك النكاح (٤)

ـ فأن تعلم أنّ الله جعلها لك سكنا ( ومستراحا ) وأنسا ( وواقية.

ـ وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ) ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه ( ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ).

ـ فتكرمها وترفق بها.

ـ وإن كان حقّك عليها أوجب (٥) ( وطاعتك لها ألزم في ما أحببت وكرهت ، مالم تكن معصية ) فإن لها [ عليك ] حق الرحمة والمؤانسة ) [ أن ترحمها ، لأنّها أسيرك.

ـ وتطعمها ، وتسقيها ، وتكسوها.

ـ فإذا جهلت عفوت عنها ]

__________________

(١) في الصدوق : وفتح لك ، بدلّ ( وولاك ).

(٢) في الصدوق : وإن انت منعت الناس علمك ، أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك.

(٣) هذا العنوان منّا لتوحيد النسق ، ولكن المؤلّفين جعلوا ما تحته حقّين : حق الزوجة ، وحقّ ملك اليمين ، وهو سهو كما شرحنا في المقدّمة.

(٤) في الصدوق : وأما حق الزوجة.

(٥) في تحف العقول : أغلظ ، بدل : أوجب.


( ـ وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لابدّ من قضائها ، وذلك عظيم.

ولا قوّة إلاّ بالله ).

وأما حقّ رعيّتك بِمْلك اليمين (١) :

ـ فأن تعلم أنّه خلق ربّك [ وابن أبيك واُمّك ] ولحمك ودمك ، وأنك تملكه ، لا أنت صنعته دون الله ، ولا خلقت له سمعا ولا بصرا ، ولا أجريت له رزقا (٢) ، ولكن الله كفاك ذلك ، ثمّ سخّره لك ، وائتمنك عليه ، واستودعك إيّاه ( لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتطعمه ممّا تأكل ، وتلبسه ممّا تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يطيق ) (٣)

ـ فإن كرهته ( خرجت الى الله منه و ) استبدلت به ، ولم تعذّب خلق الله عزّوجل.

ولا قوّة إلاّ بالله.

[و] ( وأمّا حقّ الرحم )

[٢١] فحقّ أمّك :

ـ أن تعلم أنّها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا ، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا ، وانها وقتك بـ ( سمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ) و ( جميع جوارحها ) مستبشرة بذلك فرحة ، موابلة محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمّها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، وأخرجتك الى الارض.

ـ فرضيت أن تشبع وتجوع هي (٤) ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظلّك وتضحى ، وتنعمك ببؤسها ، وتلذّذك بالنوم بأرقها ، ( وكان بطنها لك وعاءا ، وحجرها لك حواءا ، وثديها لك سقاءا ، ونفسها لك وقاءا ) تباشر حرّ الدنيا وبردها لك ودونك

__________________

(١) في الصدوق : وأما حقّ مملوكك.

(٢) في بعض نسخ الصدوق : « لم تملكه ، لأنّك صنعته دون الله! ولا خلقت شيئا من جوارحه ولا أخرجت له رزقا ».

(٣) بدل ما بين القوسين في الصدوق : ليحفظ لك ما تأتيه من خير إليه ، فأحسن إليه كما أحسن الله إليك.

(٤) في الصدوق : ولم تبال أن تجوع وتطعمك ... وهكذا الى آخر الفقرة ، باختلاف يسير.


ـ ( فتشكرها على قدر ذلك ) : [ فإنك لا تطيق شكرها ] ( ولا تقدر عليه ) إلاّ بعون الله وتوفيقه.

[٢٢] وأمّا حقّ أبيك :

ـ فتعلم أنّه أصلك ، ( وأنّك فرعه ) وأنّك لولاه لم تكن ، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه.

ـ فأحمد الله واشكره على قدر ذلك.

ولا قوّة إلاّ بالله.

[٢٣] وأمّا حقّ ولدك :

ـ فتعلم أنّه منك ، ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه.

ـ وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب ، والدلالة على ربّه ، والمعونة له على طاعته ( فيك وفي نفسه ، فمثاب على ذلك ومعاقب ).

ـ فاعمل في أمره عمل [ من يعلم أنّه مثاب على الإحسان اليه ، معاقب على الإساءة اليه ] ( المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر الى ربّه في ما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والأخذ له منه.

ولا قوّة إلاّ بالله ).

[٢٤] وأما حقّ أخيك :

ـ فأن تعلم أنّه يدك التي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجيء إليه ، وعزّك الذي تعتمد عليه ، وقوّتك التي تصول بها (١)

ـ فلا تتخذه سلاحا على معصية الله.

ـ ولا عدّة للظلم لخلق الله (٢)

ـ ولا تدع نصرته على ( نفسه ، ومعونته على ) عدوّه ( والحؤول بينه وبين شياطينه ) و ( تأدية ) النصيحة إليه ، ( والإقبال عليه في الله ).

__________________

(١) في الصدوق : فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوّتك.

(٢) في تحف العقول : بحقّ الله.


ـ فإن انقاد لربّه وأحسن الإجابة له ، (١) وإلاّ فليكن الله ( آثر عندك و ) أكرم عليك منه.

ولا قوة إلاّ بالله.

[ ز ـ حقوق الآخرين ]

[ ٢٥ ] وأمّا حقّ المنعم عليك بالولاء :

فأن تعلم أنّه أنفق فيك ماله ، وأخرجك من ذلّ الرقّ ووحشته الى عزّ الحرّية وانسها ، وأطلقك من أسر الملكة ، وفكّ عنك قيد (٢) العبوديّة ( وأوجدك رائحة العزّ ) وأخرجك من سجن القهر (٣) ( ودفع عنك العسر ، وبسط لك لسان الإنصاف ، وأباحك الدنيا كلّها ) فملّكك نفسك ، ( وحلّ أسرك ) وفرّغك لعبادة ربّك ( واحتمل بذلك التقصير في ماله )

ـ فتعلم أنّه أولى الخلق بك ( بعد أولي رحمك ) في حياتك وموتك ، وأحقّ الخلق بنصرك (٤) ( ومعونتك ، ومكانفتك في ذات الله ، فلا تؤثر عليه نفسك ) ما احتاج إليك.

[٢٦] وأما حقّ مولاك الجارية عليه نعمتك :

ـ فأن تعلم أن الله جعلك حامية عليه ، وواقية ، وناصرا ، ومعقلا ، وجعله لك وسيلة وسببا بينك وبينه ، فبالحريّ أن يحجبك عن النار ، فيكون ذلك ثوابك منه في الآجل.

ـ ويحكم لك بميراثه في العاجل ـ إذا لم يكن له رحم ـ مكافأة لما أنفقته من مالك عليه وقمت به من حقّه بعد إنفاق مالك ، فإن لم تقم بحقّه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه.

__________________

(١) في الصدوق : فإن أطاع الله تعالى.

(٢) في التحف :حلق ، بدل قيد.

(٣) في الصدوق :من السجن.

(٤) في الصدوق :وأن نصرته عليك واجبة بنفسك ما احتاج إليه منك.


ولا قوة إلاّ بالله (١)

[٢٧] وأما حقّ ذي المعروف عليك :

ـ فأن تشكره

ـ وتذكر معروفه.

ـ وتنشر له (٢) المقالة الحسنة.

ـ وتخلص له الدعاء في ما بينك وبين الله سبحانه. فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّا وعلانية.

ـ ثمّ إن أمكنك مكافأته بالفعل (٣) كافأته ( وإلاّ كنت مرصدا له موطّنا نفسك عليها ).

[٢٨] وأمّا حقّ المؤذّن :

ـ فأن تعلم أنّه مذكّرك بربّك ، وداعيك الى حظّك ، وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك.

ـ فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.

ـ ( وان كنت في بيتك مهتّما لذلك ، لم تكن لله في أمره متّهما ، وعلمت أنّه نعمة من الله عليك ، لاشك فيها ، فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال.

ولا قوة إلاّ بالله ).

[٢٩] وأمّا حق إمامك في صلاتك :

ـ فأن تعلم أنه قد تقلّد السفارة في ما بينك وبين ( الله ، والوفادة الى ) ربك.

ـ وتكلّم عنك ولم تتكلّم عنه.

ـ ودعا لك ولم تدع له

__________________

(١) في الصدوق :فأن تعلم أنّ الله عزوجل جعل عتقك له وسيلة إليه ، وحجابا لك من النار ، وأن ثوابك في العاجل ميراثه ، إذا لم يكن له رحم ، مكافأة بما أنفقت من مالك وفي الآجل الجنة.

(٢) في الصدوق : وتكسبه ، بدل وتنشر له.

(٣) في الصدوق : يوما ، بدل ( بالفعل ).


ـ ( وطلبَ فيك ولم تطلَب فيه )

ـ وكفاك همّ (١) المقام بين يدي الله ( والمسألة له فيك ، ولم تكفه ذلك ) فإن كان في شيء من ذلك تقصير (٢) كان به دونك [ وإن كان تماما كنت شريكه ] ( وإن كان آثما لم تكن شريكه فيه ).

ـ ولم يكن له عليك فضل ، فوقى نفسك بنفسه ، و ( وقى ) صلاتك بصلاته.

ـ فتشكر له على [ قدر ] ذلك.

( ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله ).

[٣٠] وأمّا حقّ الجليس :

ـ فأن تلين له ( كنفك ، وتطيّب له ) جانبك

ـ وتنصفه في مجاراة اللفظ.

( ـ ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت.

ـ وتقصد في اللفظ الى إفهامه إذا لفظت ).

ـ وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار ، وإن كان الجالس إليك كان بالخيار ، ولا تقوم إلاّ بإذنه (٣)

ـ [ وتنسى زلاّته.

ـ وتحفظ خيراته.

ـ ولا تسمعه إلاّ خيرا ]

( ولا قوّة إلاّ بالله )

[٣١] وأمّا حقّ الجار :

ـ فحفظه غائبا.

ـ وإكرامه شاهدا.

__________________

(١) في الصدوق :هول.

(٢) في الصدوق :نقص.

(٣) في الصدوق ، اختلاف في الفاظ هذه الفقرة ، والمعنى واحد.


ـ ونصرته ( ومعونته في الحالين جميعا ) [ إذا كان مظلوما ].

ـ ولا تتّبع له عورة ( ولا تبحث له عن سوءة لتعرفها ، فإن عرفتها منه ـ من غير إرادة منك ولا تكلّف ـ كنت لما علمت حصنا حصينا وسترا ستيرا ، لو بحثت الاسنّة عنه ضميرا لم تتّصل إليه لانطوائه عليه ) (١)

[ وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته في ما بينك وبينه ].

( ـ لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ).

ـ ولا تسلّمه عند شديدة.

( ـ ولا تحسده عند نعمة ).

ـ وتقيل عثرته ، وتغفر زلّته (٢) ( ولا تدّخر حلمك عنه ) إذا جهل عليك.

ـ ولا تخرج أن تكون سلما له ، تردّ عنه لسان الشتيمة ، وتبطل فيه كيد حامل النصيحة (٣) )

ـ وتعاشره معاشرة كريمة.

( ولا حول ) ولا قوّة إلاّ بالله.

[٣٢] وأما حقّ الصاحب :

ـ فأن تصحبه بالفضل ( ما وجدت إليه سبيلا ) و ( إلاّ فلا أقل من ) الإنصاف (٤)

ـ وأن تكرمه كما يكرمك ( ولا يسبقك في ما بينك وبينه الى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ) (٥)

ـ ( وتحفظه كما يحفظك )

ـ [ وتودّه كما يودّك ] ( ولا تقصّر به عمّا يستحق من المودّة

__________________

(١) في الصدوق ـ بدل ما بين القوسين ـ : فإن علمت عليه سوءا سترته عليه.

(٢) في الصدوق : ذنبه.

(٣) كذا ، ولعلها : « النميمة » لأنّها أنسب بما قبلها وما بعدها سجعا ، ولأن حامل النصيحة لا كيد له ظاهرا ، فلاحظ.

(٤) في الصدوق : فان تصحبه بالتفضّل والإنصاف.

(٥) هذه الجملة مؤخرة في التحف عن الجملة التالية.


ـ تلزم نفسك نصيحته وحياطته.

ـ ومعاضدته على طاعة ربه )

ـ ومعونته على نفسه في ما لا يهم ّ(١) به من معصية ( ربّه ).

ـ ثمّ تكون (٢) عليه رحمة ، ولا تكون (٣) عليه عذابا.

ولا قوّة إلاّ بالله.

[٣٣] وأمّا حقّ الشريك :

ـ فإن غاب كفيته.

ـ وإن حضر ساويته (٤).

ـ ولا تعزم على حكمك دون حكمه.

ـ ولا تعمل برأيك دون مناظرته.

ـ تحفظ عليه ماله.

ـ وتنفي عنه خيانته (٥) في ما عزّ أوهان ، فـ ( إنه بلغنا ) « أنّ يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ».

ولا قوّة إلاّ بالله.

[٣٤] وأمّا حقّ المال :

ـ فأن لا تأخذه إلاّ من حلّه.

ـ ولا تنفقه إلاّ في حلّه (٦) ( ولا تحرّفه عن مواضعه ، ولا تصرفه عن حقائقة ، ولاتجعلة ـ إذا كان من الله ـ إلاّ اليه ، وسببا الى الله ).

__________________

(١) في الصدوق : وتزجره عما يهمّ ، الى آخره.

(٢) في الصدوق : وكن.

(٣) في الصدوق : ولا تكن.

(٤) في الصدوق : رعيته ، بدل ( ساويته ).

(٥) في الصدوق : ولا تخنه.

(٦) في الصدوق : في وجهه.


ـ ولا تؤثر به على نفسك من لا يحمدك ( وبالحريّ أن لا يحسن خلافته (١) في تركَتِكَ ، ولا يعمل فيه بطاعة ربك ، فتكون معينا له على ذلك ، أو بما أحدث في مالك أحسن نظرا ، فيعمل بطاعة ربه فيذهب بالغنيمة ).

[ ـ فاعمل فيه بطاعة ربّك ، ولا تبخل به ] فتبوء بـ ( الإثم و ) بالحسرة والندامة مع التبعة.

ولا قوّة إلاّ بالله.

[٣٥] وأمّا حقّ الغريم الطالب لك :

ـ فإن كنت موسرا أوفيته (٢) ( وكفيته وأغنيته ، ولم تردده وتمطله ، فإن رسول الله 6 قال : « مطل الغنيّ ظلم » )

وإن كنت معسرا أرضيته بحسن القول ( وطلبت إليه طلبا جميلا ) وردَدّتَه عن نفسك ردّا لطيفا.

( ولم تجمع عليه ذهاب ماله ، وسوء معاملته ، فإن ذلك لؤمّ.

ولا قوّة ألاّ بالله ) (٣)

[٣٦] وأمّا حقّ الخليط :

ـ فأن لا تغرّه.

ـ ولا تغشّه.

( ـ ولا تكذّبه.

ـ ولا تغفله )

ـ ولا تخدعه.

( ـ ولا تعمل في انتقاضه عمل العدوّ الذي لا يبقي على صاحبه.

ـ وإن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك ، وعلمت : « أنّ غبن المسترسل ربا ».

__________________

(١) في بعض نسخ التحف ، خلافتك.

(٢) في الصدوق : أعطيته.

(٣) هنا موضع « حق الغريم الذي تطالبه » الذي ذكر في المقدمة مع فروع الحقوق ، لكنّه لم يعنون هنا في أي من النصين لا في تحف العقول ، ولا في كتب الصدوق.


[ ـ وتتّقي الله تبارك وتعالى في أمره ]

ولا قوّة إلاّ بالله ).

[٣٧] وأمّا حقّ الخصم المدّعي عليك :

ـ فإن كان ما يدّعي ـ عليك حقا [ كنت شاهده على نفسك ] ( لم تنفسخ في حجّته ) [ ولم تظلمه ] ( ولم تعمل في إبطال دعوته ) [ وأووفيته حقّه ] ( وكنت خصم نفسك له ، والحاكم عليها ، والشاهد له بحقّه ، دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حقّ الله عليك ).

ـ وإن كان ما يدّعيه باطلا رفقت به ) وردعته (١) وناشدته بدينه ) [ ولم تأت في أمره غير الرفق ، ولم تسخط ربّك في أمره ] ( وكسرت حدّته بذكر الله ، وألغيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يردّ عنك عادية عدوّك ، بل تبوء بإثمه ، وبه يشحذ عليك سيْف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشرّ ، والخير مقمعة للشر.

ولا قوّة إلاّ بالله ).

[٣٨] وأمّا حق الخصم المدّعى عليه :

ـ فإن كان ما تدّعيه حقا (٢) أجملت في مقاولته ( بمخرج الدعوى فإن الدعوى غلظة في سمع المدّعى عليه ) [ ولم تجحد حقه ].

( ـ وقصدت قصد حجّتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، وألطف اللطف.

ـ ولم تتشاغل عن حجّتك بمنازعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجّتك ، ولا يكون لك في ذلك دَرْكَ )

[ وإن كنت مبطلا في دعواك اتقيْتَ الله عزّوجل ، وتبت إليه ، وتركت الدعوى ]

( ولا قوّة إلاّ بالله )

__________________

(١) كذا في بعض النسخ ، والظاهر أنه الصواب وفي أكثرها وروعته والظاهر عدم صحّته ، وفي بعض النسخ : ورّعته ، فمعناه دعوته الى الورع.

(٢) في الصدوق : إن كنت محقا في دعواك ....


[٣٩] وأمّا حق المستشير :

ـ فإن حضرك له وجه رأي ، جهدت له في النصحية و (١) أشرت عليه ( بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به.

ـ وذلك ليكن منك في رحمة ، ولين ، فإنّ اللين يونس الوحشة ، وأنّ الغلظ يوحش موضع الاُنس.

ـ وإن لم يحضرك له رأي ، وعرفت له من تثق برأيه وترضى به لنفسك ، دللته عليه وأرشدته إليه (٢) فكنت لم تأله خيرا ، ولم تدّخره نصحا.

ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله )

[٤٠] وأما حق المشير عليك :

ـ أن لا تتّهمه في مالا يوافقك عليه من رأيه ( إذا أشار عليك ، فإنّما هي الأراء وتصرّف الناس فيها واختلافهم ، فكن عليه في رايه بالخيار ، إذا اتهمت رأيه ، فأمّا تهمته فلا تجوز لك ، إذا كان عندك ممّن يستحق المشاورة.

ـ ولا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه ، وحسن وجه مشورته )

ـ فإذا وافقك حمدت الله ( وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها ، إن فزع إليك.

ولا قوّة إلاّ بالله ).

[٤١] وأمّا حقّ المستنصح :

ـ فإن حقّه أن تؤدّي إليه النصحية ( على الحقّ الذي ترى له أنه يحمل ، وتخرج المخرج الذي يلين على مسامعه ، وتكلّمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنيه ) (٣)

ـ وليكن مذهبك الرحمة [ له والرفق به ]

__________________

(١) في الصدوق : إن علمت له رأيا.

(٢) في الصدوق : وإن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم.

(٣) كذا في بعض النسخ وفي أكثرها : يجتنبه ، فلاحظ.


( ولا قوّة إلاّ بالله ).

[٤٢] وأمّا حقّ الناصح :

ـ فأن تلين له جناحك.

ـ ( ثمّ تُشَرْئب (١) له قلبك ، وتفتح له سمعك ، حتى تفهم عنه نصيحته (٢).

ـ ثمّ تنظر فيها ) : فإن كان وفق فيها للصواب (٣) حمدت الله ( على ذلك ، وقبلت منه وعرفت له نصيحته ).

ـ وإن لم يكن وفق له فيها (٤) رحمته ، ولم تتهمه ، وعلمت أنّه ( لم يألك نصحا ، إلاّ أنه ) أخطأ. [ ولم تؤاخذه بذلك ] إلاّ أن يكون ( عندك ) مستحقا للتهمة ، فلا تعبأ بشيء من أمره على ( كلّ ) حال.

ولا قوّة إلاّ بالله.

[٤٣] وأما حقّ الكبير :

ـ فإن حقّه توقير سنّه.

ـ وإجلال إسلامه ، إذا كان من أهل الفضل في الإسلام ، بتقدّمه فيه (٥)

ـ وترك مقابلته عند الخصام.

ـ ولاتسبقه الى طريق.

ـ ولا تؤمّه في طريق (٦)

ـ ولا تستجهله.

ـ وإن جهل عليك ، تحمّلت ، وأكرمته بحقّ إسلامه [ وحرمته ] ( مع سنّه ، فإنّما حقّ السن بقدر الإسلام.

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعلّ الكلمة « تشرّف ».

(٢) في الصدوق : وتصغي إليه بسمعك ، بدل هذه الفقرة.

(٣) في الصدوق : فإن أتي الصواب.

(٤) في الصدوق : وإن لم يوفق ، وفي بعض النسخ : يوافق.

(٥) في التحف لتقديمه ، وفي الصدوق : إجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك.

(٦) في الصدوق : ولا تتقدمه.


ولا قوّة إلاّ بالله ).

[٤٤] وأمّا حقّ الصغير :

ـ فرحمته (١)

ـ ( وتثقيفه وتعليمه )

ـ والعفو عنه ، والستر عليه.

ـ والرفق به.

ـ والمعونة له.

( والستر على جرائر حداثته ، فإنّه سبب للتوبة.

ـ والمداراة له ، وترك مما حكته ، فإن ذلك أدنى لرشده )

[٤٥] وأمّا حقّ السائل :

ـ فإعطاؤه [ على قدر حاجته ] (٢) إذا تيقّنت صدقه وقدرت على سدّ حاجته.

ـ والدعاء له في ما نزل به.

ـ والمعاونة له على طلبته.

ـ وان شككت في صدقه ، وسبقت إليه التهمة له ، ولم تعزم على ذلك ، لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان ، أراد أن يصدّك عن حظّك ، ويحول بينك وبين التقرّب الى ربّك ، فتركته بستره ، ورددته ردّا جميلا.

ـ وإن غلبت نفسك في أمره ، وأعطيته على ما عرض في نفسك منه ، فإن ذلك من عزم الأمور.

[٤٦] وأمّا حقّ المسؤول :

ـ إن أعطى قبل منه ( ما أعطى ) بالشكر له ، والمعرفة لفضله.

ـ وطلب وجه العذر في منعه (٣)

__________________

(١) أضاف الصدوق : في تعليمه.

(٢) الى هنا ينتهي ما في الصدوق من حقوق السائل.

(٣) في الصدوق : وان منع فاقبل عذره.


( ـ وأحسن به الظنّ.

ـ وأعلم أنّه إن منع فماله منع ، وأن ليس التثريب في ماله ، وإن كان ظالما ، فإن الإنسان لظلوم كفّار )

[٤٧] وأمّا حق من سَرّك ( الله به وعلى يديه ) (١) :

ـ فإن كان تعمّدها لك : حمدت الله أولا ، ثم شكرته (٢) على ذلك بقدره ، في موضع الجزاء.

ـ وكافأته على فضل الابتداء ، وأرصدت له المكافأة.

ـ وإن لم يكن تعمّدها : حمدت الله وشكرته ، وعلمت أنّه منه ، توحّدك بها.

ـ وأحببت هذا (٣) إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك.

ـ وترجوا له بعد ذلك خيرا ، فإن أسباب النعم بركة حيثما كانت ، وإن كان لم يتعمّد.

ولا قوّة إلاّ بالله.

[٤٨] وأمّا حقّ من ساءك ( القضاء على يديه ، بقول أو فعل ) :

ـ فإن كان تعمّدها كان العفو أولى بك (٤) ( لما فيه له من القمع ، وحسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق.

ـ [ وإن علمت أن العفو عنه يضر ، أنتصرت ] فإن الله يقول : ( وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ) ( الى قوله ( مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) (٥)

وقال عزّوجل ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ ) (٦) هذا في العمد.

ـ فإن لم يكن عمدا ، لم تظلمه بتعمّد الانتصار منه ، فتكون قد كافأته في تعمّد

__________________

(١) في الصدوق : بدل ما بين القوسين : لله تعالى.

(٢) في الصدوق في هذا الحق : « إن تحمد الله عزوجل أولا ، ثم تشكره » فقط ، ولم يورد باقي ما هنا.

(٣) هذا إشارة الى الشخص الذي سرّك.

(٤) في الصدوق : أن تعفوا عنه ، فقط ، ثم ذكر قوله : [ وإن علمت ... الخ ].

(٥) سورة الشورى (٤٢) الآية : ٤١ ـ ٤٣.

(٦) سورة النحل (١٦) الآية : ١٢٦.


على خطأ.

ـ ورفقت به ، ورددته بألطف ما تقدر عليه.

ولا قوّة إلاّ بالله )

[٤٩] وأمّا حقّ أهل ملّتك ( عامّة ) :

ـ فإضمار السلامة.

ـ و ( نشر جناح ) الرحمة [ بهم ]

ـ والرفق بمسيئهم.

ـ وتألّفهم.

ـ واستصلاحهم.

ـ وشكر محسنهم ( الى نفسه ، واليك ، فإن إحسانه الى نفسه إحسان إليك ، إذا كفّ عنك أذاه ، وكفاك مؤونته ، وحبس عنك نفسه.

ـ فعمّهم ـ جميعا ـ بدعوتك.

ـ وانصرهم ـ جميعا ـ بنصرتك ).

[ ـ وكفّ الأذى عنهم.

ـ وتحبّ لهم ما تحبّ لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ].

ـ وأنزلهم ـ جميعا منك منازلهم : كبيرهم بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ (١) [ وعجائزهم بمنزلة أمّك ].

( ـ فمن أتاك تعاهَدْته بلطف ورحمة.

ـ وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه ).

[٥٠] وأمّا حقّ أهل الذمّة :

ـ ( فالحكم فيهم ) أن تقبل منهم ما قبل الله.

ـ ( وتفي بما جعل الله لهم من ذمّته وعهده.

__________________

(١) في الصدوق بدل ما هنا : وأن يكون شيوخهم بمنزلة أبيك ، وشبابهم بمنزلة إخوتك ، وعجائزهم بمنزلة أمّك ، والصغار بمنزلة أولادك.


ـ وتكلهم إليه في ما طلبوا من أنفسهم ، واجبروا عليه.

ـ وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك ، في ما جرى بينك وبينهم من معاملة ).

[ ـ ولا تظلمهم ما وفوا لله عزّوجل بعهده ] ( وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمّة الله ، والوفاء بعهده وعهد رسول الله 6 حائل ، فإنه بلغنا أنّه قال : « من ظلم معاهدا كنت خصمه » فاتق الله.

ولا حول ) ولا قوّة إلاّ بالله.

الخاتمة

( فهذه خمسون حقا محيطا بك ، لا تخرج منها في حال من الأحوال ، يجب عليك رعايتها ، والعمل في تأديتها ، والاستعانة بالله جلّ ثناؤه على ذلك.

ولا حول ) ولا قوّة إلاّ بالله.

والحمد لله رب العالمين [ وصلواته على خير خلقه محمّد وآله أجمعين وسلم تسليما [ (١)

__________________

(١) هذا الخاتمة لم ترو في روايات الصدوق.


الملحق (٢)

من تقاريظ الكتاب نثراً ونظماً

نشر في مجلة « الذكر » الشهرية التي يعدّها الطلبة اللبنانيون في معهد الإمام شرف الدين ; في حوزة مدينة قم المقدسة. العدد (٧) جمادى الأولى ، السنة الاُولى ( ١٤١٤ هـ ) ص ( ٤٣ ـ ٤٤ )

بقلم العلامة الخطيب البارع الشاعر المفلّق المرحوم الشيخ محمد رضا آل صادق مقال هذا نصّه :

بسم الله الرحمن الرحيم

جهاد الإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين 7

سفر قيّم جديد

ومما يجدر ذكره أن هذا الكتاب قد حظي بالجائزة الأولى في المباراة التي أقامتها مؤسسة آل البيت : ببيروت ...

وينبغي أن نلقي الضوء على الكتاب بما يرسم الصور المتوخّاة للقارىء اللبيب.

أمّا ( الكتاب ) فيتناول جهاد الإمام السجاد علي بن الحسين 7 السياسي الذي غفلت عنه جلّ أقلام الكتّاب القدامى والمعاصرين بل حاولت أن تجعل منه رجلا منصرفا عن ميادين الجهاد والسياسة الى صوامع العبادة والزهد وما الى ذلك ...

وقد مهدّ المؤلّف لكتابه بمقدمة ضافية وافية بيّن فيها ما دفعه الى تأليف هذا الكتاب أولا.

ثمّ بحث عن الإمامة ومستلزماتها بصورة مفصّلة ، وأعقب ذلك بحثا عن إمامة السجّاد وآراء المذاهب الإسلامية في هذا الشأن.

وجعل الكتاب في خمسة فصول ...


تحدث في الفصل الأول : عن أدوار النضال في حياة الإمام زين العابدين 7 في كربلاء والأسر والمدينة.

وتحدّث في الفصل الثاني : عن النضال الفكري والعلمي في مجالات القرآن والحديث والعقيدة والشريعة والأحكام.

وتحدّث في الفصل الثالث : عن النضال الأجتماعي والعملي في مجالات الأخلاق والتربية ومقاومة الفساد وما الى ذلك.

وتحدّث في الفصل الرابع : عن زهد الإمام وبكائه ودعائه.

كما تحدّث في الفصل الخامس : ـ عن مواقف الإمام السجاد 7 الحاسمة من الظالمين وأعوانهم ومواقفه المبدئية من الحركات المسلّحة.

ثمّ خلص الى خاتمة الكتاب التي أوجز فيها نتائج البحث.

ومما ورد فيها قوله : ـ

« إن الإمام زين العابدين 7 قد قام بأعمال سياسية كثيرة في سبيل الأهداف الكبيرة التي من أجلها شرّع الدين.

وهو 7 ـ وإن لم يمدّ يدا الى السلاح الحديدي ـ إلاّ أنّه التزم النضال بكلّ الأسلحة الاخرى التي لاتقلّ أهمية وخطورة من السلاح الحديدي.

فشهر سلاح اللسان بالخطب والمواعظ ، وسلاح العلم بالتثقيف والإرشاد ، وسلاح الأخلاق بالتربية والتوجيه ، وسلاح المال بالإعانات والإنفاق ، وسلاح العدالة بالإعتاق ، وسلاح الحضارة بالعرفان » ..

كما أكّد المؤلّف في هذه الخاتمة ، : أنّ من يعرف أوليّات النضال السياسي وبديهيات التحرّك الاجتماعي وخاصة عند المعارضة ، ليدرك أنّ سيرة الإمام زين العابدين 7 السياسية التي عرضناها في فصول هذا الكتاب ، هي مشاعل تنير النهج للسائرين على طريق الجهاد الشائك ممن يلتقي مع الإمام 7 في تخليد الأهداف الإلهية السامية ..

وتتجلى قيمة هذا الكتاب ـ كما ترى ـ عندما يعرف القاري أنّ المؤلّف رجع الى ما يقرب من مئة وتسعين مصدرا ، ومرجعا مما كتبه الفريقان من أهل السنة والشيعة حول شخصية الإمام زين العابدين وحياته وسيرته.


كما يتبّين السرّ للقارىء بوضوح في علّة عدول الإمام السجّاد عن الكفاح المسلّح الى الجهاد باللسان والمال والسبل الأخرى حين يطّلع على أن الإمام قد صرّح قائلا : « ما بمكة والمدينة عشرون رجلا يحبّنا ».

وأما الكلام عن ( مؤلّف الكتاب ).

فألحق أنّه أشهر من أن يذكر فقد عرفته الأوساط العلميّة : كاتبا قديرا ، وعالما نحريرا ، له طول باع وسعة اطّلاع في التحقيق والرجال والفقه والاُوصول ، بحيث أحسبه في غنى عن البيان بعد أن أصبح ممّن يشار إليه بالبنان.

وحسبنا أن نذكر ـ على سبيل الاستشهاد ـ أنّه سبق أن فاز كتابه الموسوم برسالة أبي غالب الزراري الى ابن ابنه في آل أعين ، وتكملتها : لابي عبدالله الغضائري بجائزة الكتاب السنويّ في حقل تحقيق التراث بإيران قبل عامين ..

فطوبى له وحسن مآب ، وأخذ الله بيديه وأيدينا جميعا الى ما فيه الخير والصواب ..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد الصادق الوعد الأمين ، وآله الهداة الميامين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين آمين.

كُتِبَ في يوم الجمعة الأول من ربيع الأول سنة ١٤١٤ هجرية بقم

عشّ آل محمد 6.

محمد رضا آل صادق


مقاطع من نظم

العلاّمة الخطيب الشاعر الباهر الشيخ سعيد المنصوري

دام ظله

في تقريض وتاريخ صدور كتاب « جهاد الإمام السجّاد » في عام ( ١٤١٤ ) هـ

المقطوعة الاُولى

جهاد الإمـام كـتاب له

عند أهل الحجا قيمة راجحه

مؤلّفه رجل فـاضل

أدّلته قد أتت واضحـه

فأكرم به من فتى عالـم

مواضيعة كلّها ناجحـه

فقرّي عيونـا بني هاشم

بشبل مواهبـه صالحه

فإن قلت للنجم أرخه « طل

تجارته فيكـم رابحـة »

١٤١٤

المقطوعة الثانية

إنّ الجلالي بتأليـفـه

لدى المباراة : « جهاد الإمام

أوضح أمرا لم يكن واضحا

بخير اُسلـوب وخيـر الكلام

وفي بيان ساحـر جـاذب

قد كسب السبق ونال المرام

أبدع في موضوعه خدمـة

لأهل بيت الوحي خير الأنام

ففيه أنوار الهدى أشرقـت

وعن طريق الحقّ أجلى الظلام

وحين قالوا : علمـه دافق

أرّخته : « دفق كصوب الغمام »

١٤١٤

المقطوعة الثالثة

إقرأ كتابـا بيراع الرضـا

فيه لنا قد خطّت الأسطـر

فقل له فضـل على غيـره

وثمّ أرّخ « فيـد تذْكر »


المقطوعة الرابعة

« محمد الرضا » قد فزت في ما

به وافيتنا فـوزا عظيما

رسمت حقيقة لا ريب فيها

وسفّهت المبطّـن والسقيمـا

فسفركـم « الجهاد » دليل خير

ونـور في البلاد سرى عميما

« لزين العابدين » حوى دروسا

لهـا أطلقتم قلما سـلـيما

سيأتيكـم غدا عونـا ويأتـي

لمن كذبوا عليه غـدا خصيمـا

فدى مجموعة الأبطال روحـي

إمامـا كان مقدامـا حليما

سياسيّـا أبيّا أرْيـحيّـا

وإن نـال الورى عسـر كريما

الى العليا بـه سلكت جدود

وآبـاء صـراطا مستقيما

كتبت بـه صحائف محكمات

فدم في ما تسجله حكيمـا

بذكرك قد أشدت ولا أبالـي

وقلت ـ مسبّحا ربّا عليما

لم قالوا : أتعـرف للجلالي

كتاب هدىً حديثا أو قديمـا؟

ـ يداه لجانب التاريـخ « صدقا

بجدّ قدّمـت دُرّا يتيما »

١٤١٤



الملحق (٣)

تقرير موجز عن المباراة الفكرية عن الإمام زين العابدين

علي بن الحسين السجّاد 7

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) [ الشورى ٢٣ ].

أعلنت مؤسسة آل البيت : لاحياء التراث ـ فرع بيروت ـ مباراة كتابية عن الإمام السجّاد 7 ودعت السادة الكتّاب والمؤلّفين والمحقّقين للمشاركة فيها إحياء لأمرهم : ، وفق بيانات وشروط علمية.

وفي المواعيد المحددة لمباراة الإمام السجّاد 7 وصل الى المؤسسة أربعة وعشرون كتابا من مختلف أنحاء العالم ، وهي كالآتي :

١ ـ جهاد الإمام زين العابدين 7 ـ السيد محمد رضا الحسيني الجلالي.

٢ ـ الصحيفة السجادية خصائصها ومضامينها ـ الدكتور شلتاغ عبود.

٣ ـ الإمام زين العابدين عنقود مرصع ـ الأستاذ سليمان كتّاني.

٤ ـ إمامة علي بن الحسين 7 دراسة وتحليل ـ الأستاذ محمود محمد كلوت.

٥ ـ في رحاب سياسة الإمام زين العابدين 7 ـ الشيخ محمود البغدادي.

٦ ـ الحياة السياسية للإمام السجاد 7 ـ الشيخ نوري حاتم.

٧ ـ ضفة النور ـ الأستاذ عبدالمجيد فرج الله.

٨ ـ الإمام السجاد 7 امتداد النبوة في حركية الرسالة ـ الأستاذ نبيل علي صالح.

٩ ـ الإمام علي بن الحسين من المهد الى اللحد ـ الأستاذ عدي محمد أحمد.

١٠ ـ الإمام السجاد جهاد وأمجاد ـ الدكتور حسين الحاج حسن.

١١ ـ ترجمة الإمام السجاد في كتاب تأريخ دمشق لابن عساكر « تحقيق


مخطوطة » ـ الشيخ محمد باقر المحمودي.

١٢ ـ حياة الإمام زين العابدين 7 ـ الشيخ ياسين محمد عمار.

١٣ ـ قراءة في حياة الإمام السجاد 7 ـ الأخ نوري نعمة البطاط.

١٤ ـ وصي الرسول الرابع الإمام علي بن الحسين السجاد 7 عصره وحياته ـ الشيخ أحمد علي رجب.

١٥ ـ هيبة الحقّ ـ الأستاذ عبدالزهرة الركابي.

١٦ ـ الإمام زين العابدين في شعر القدماء والمعاصرين ـ الأستاذ إسماعيل الخفاف.

١٧ ـ آفاق قرآنية في فكر الإمام زين العابدين 7 ـ الشيخ طالب السنجري.

١٨ ـ ديوان الإمام السجّاد 7 ـ السيد مجيب الرفيعي.

١٩ ـ الإمام السجاد 7 قدوة العبّاد وأرباب السياسة ـ الاخ أبو صلاح المظفر.

٢٠ ـ ومضات من حياة الإمام زين العابدين 7 ـ الأخ محمد الحاجي.

٢١ ـ شرح الصحيفة السجادية للميرزا محمد بن محمد رضا المشهدي ، « تحقيق مخطوطة » ـ الشيخ محمد رضا آل صادق.

٢٢ ـ في رحاب أمير العابدين وزين الساجدين ـ الدكتور عارف ثامر.

٢٣ ـ عبرات المحبين عن الإمام زين العابدين 7 ـ الأخ صاحب الباقر.

٢٤ ـ سيرة ومسيرة الإمام زين العابدين 7 ـ الأخ علي سعيد.

وقد تشكّلت لجنة من الأساتذة للتحكيم والإشراف على المباراة وفرز الفائزين الثلاث الأوائل ، وبعد مطالعة دقيقة للكتب المشاركة استمرت عدة أشهر ، أعلنت اللجنة نتائج المباراة ، في تقرير ، نصه :

« بتأريخ الخميس ١٠ / ٦ / ١٩٩٣ ، اجتمع في مؤسسة آل البيت : ـ بيروت ، أعضاء اللجنة المكلّفة دراسة الأبحاث المقدّمة للمؤسسة حول شخصية الإمام السجاد وتراثه ، والمكونة من السادة :

الدكتور محمد كاظم مكي ، الدكتور يحيى الشامي ، الدكتور سمير سليمان ، الأستاذ حامد الخفاف.


وبعد مراجعة التقارير الخطيّة الموضوعة من قبل أعضاء اللجنة تبيّن أن الباحثين المبينة أسماءهم أدناه قد فازوا بالمراتب التالية :

١ ـ السيد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الفائز بالجائزة الأولى.

٢ ـ الدكتور شلتاغ عبود ، الفائز بالجائزة الثانية.

٣ ـ الأستاذ سليمان كتاني ، الفائز بالجائزة الثالثة.



الفهرس العامّة

دليل الفهرسة.....................................................٣٠٢

أوّلاً : الآيات الكريمة..............................................٣٠٩

ثانياً : الأحاديث الشريفة والآثار....................................٣١٢

ثالثاً : الأعلام.....................................................٣٢٢

رابعاً : المواضع والأيام والقبائل والمصطلحات........................٣٢٦

خامساً : قائمة المصادر والمراجع....................................٣٢٩

سادساً : فهرس المحتوى............................................٣٤٣


بسم الله الرحمن الرحيم

دليل الفهرسة

١ ـ الفهارس مرتبة على أرقام صفحات الكتاب.

٢ ـ فهرس الآيات مرتب على ترتيب السور ، ثم الآيات في كل سورة ، بارقامها بين الأقواس.

٣ ـ فهرس الأحاديث والآثار مرتب على أطراف الجملة المنقولة في الكتاب ، حسب حروف المعجم ، ووضعنا أسماء القائلين بين قوسين في نهاية المنقول.

٤ ـ في فهرس الأعلام ، لم نذكر أسماء المعصومين 7.

٥ ـ الحرف ( هـ ) قبل الرقم يدل على ورود العنوان في هامش الصفحة.

والله الموفق


أوّلاً : فهرس الآيات الكريمة

البقرة ( ٢ )

* الآية ( ٢٠٦ ) اقتباس / ١٧٦.

* ولكم في القصاص حياة ( ١٧٩ ) / ٨٦.

* أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ... ( ٢١٤ ) / ١٢٧.

آل عمران ( ٣ )

* لن تنالو البر حتى تنفقوا مما تحبون ( ٩٢ ) / ١٤٩.

* واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ( ١٠٣ ) / ١٣٥.

* والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ( ١٢٤ ) / ١٤٨.

* لتبيننه للناس ولا تكتمونه ( ١٨٧ ) / ٢٢٨.

الأنعام ( ٦ )

* وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا ( ٦٨ ) / ١٢٢.

* الله أعلم حيث يجعل رسالته ( ١٢٤ ) / ١٢١ ـ ٢٢٦.

الأعراف ( ٧ )

* فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب ... ( ١٦٩ ) / ٢٢٨.

* إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ( ٢٠١ ) / ١ ـ ١٦٢.

الأنفال ( ٨ )

* القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ... يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا ( ٤١ ـ ٤٥ ) / ٨٧.

التوبة ( ٩ )

* إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ... وبشر المؤمنين ( ١١١ ) / ٢٤.

يونس ( ١٠ )

* إنما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه ... لقوم يتفكرون ( ٢٤ ) / ١٦٣.

هود ( ١١ )

* ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ( ١١٣ ) / ١٦٣.


إبراهيم ( ١٤ )

* لئن شكرتم لازيدنكم ( ٧ ) / ١٧٠.

* لئن شكرتم لازيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ( ٧ )

* ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ( ١٤ ) / ١٦٦.

النحل ( ١٦ )

* افأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم ... أو يأخذهم على تخوف ( ٤٥ ـ ٤٧ ) / ١٦٢.

الاسراء ( ١٧ )

* ولا تقف ما ليس لك به علم ( ٣٦ ) / ١٢٢ ـ ١٢٣.

مريم ( ١٩ )

* هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ( ٩٨ ) / ٢٢٠.

* أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً ( ٥٩ ) / ٢٣٠.

الانبياء ( ٢١ )

* وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة ... حتى جعلناهم حصيدا خامدين ( ١١ ـ ١٥ ) / ١٦٢.

* ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ( ٤٦ ) / ١٦٢.

* ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ... وكفى بنا حاسبين ( ٤٧ ) / ١٦٢.

* إن هذه امتكم امة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ( ٩٢ ) / ١٣٥.

* من يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون ( ٩٤ ) / ١٦٦.

الحج ( ٢٢ )

* إن الله لا يحب كل خوان كفور ( ٣٨ ) / ٢١١.

المؤمنون ( ٢٣ )

* حتى إذا جاء أخدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا ( ١٠٠ ) / ١٦٥

* فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ( ١٠١ ) / ١٣٨.

الاحزاب ( ٣٣ )

* الآية ( ٥٧ ) اقتباس / ١٧٦.

فاطر ( ٣٥ )

* ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ، ومنهم سابق الخيرات ( ٣٢ ) / ٢٠.


الزمر ( ٣٩ )

* الله يتوفى الأنفس حين موتها ( ٤٢ ) / ٩٠.

* الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض ... الآية ( ٧٤ ) / ٢٣٨.

الشورى ( ٤٢ )

* قل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ( ٢٣ ) / ٥٦.

* ولمن انتصر بعد ظلمه ... من عزم الامور ( ٤١ ـ ٤٣ ) / ٢٩٤.

الجاثية ( ٤٥ )

* قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ( ١٤ ) / ١٤٨.

الذاريات ( ٥١ )

* وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين ( ٥٥ ) / ٢٢٩.

الحديد ( ٥٧ )

* اعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة ... والله ذو الفضل العظيم ( ٢٠ ـ ٢١ ) / ١٦٧.

* لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم ( ٢٣ ) / ١٧٠ ـ ١٧١.

الحشر ( ٥٩ )

* يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ... اولئك هم الفاسقون ( ١٨ ـ ١٩ ) / ١٦٧.

التغابن ( ٦٤ )

* انما أموالكم واولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم ( ١٥ ) / ١٦٦.

البلد ( ٩٠ )

* ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهذيناه النجدين ( ٨ ـ ١٠ ) / ١٦٧.


ثانياً : فهرس الأحاديث الشريفة والآثار

* آيات القرآن خزائن العلم ، فكلما فتحت خزانة ( السجاد ) / ٨٥.

* أءتي من انتفع بمجالسته في ديني ( السجاد ) / ١٣٨.

* أبعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه ( السجاد ) / ١٧٣.

* ابناي هذان امامان قاما أو قعدا ( النبي للحسنين ) / ٢٥.

* أترى هذا المترف ـ عمر بن عبد العزيز ـ إنه لن يموت حتى يلي الناس ... ( السجاد ) / ٢١٧.

* أحرد علي بن الحسين 7 فلما أراد أن يقول ( لبيك اللهم لبيك ) ... ( مالك ) / ١٦٤.

* احفظوني في عترتي وأهل بيتي فمن حفظني حفظه الله ... ( النبي ) / ٤٩.

* أخشى أن اقول ( لبيك ) فيقول لي ( لا لبيك ) ( السجاد ) / ١٦٤.

* ادع لي مطرفا ( السجاد ) / ١٤٦.

* اذا اردت أن تعلم من غلب فاذن ثم أقم ( السجاد ) / ٢٤٠.

* اذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهدية ... فرويدا لا يغرنكم ... ( السجاد ) / ١٧٥.

* اذا راينا هؤلاء الذين هذه صفتهم ( في الآية ١١١ من التوبة ) فالجهاد معهم أفضل من الحج ( السجاد ) / ٢٤.

* اذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين زين العابدين؟ ... (النبي) / ٣٥ ، ٣٦ ، ٣٧.

* أذنب غلام لعلي بن الحسين ذنبا استحق منه العقوبة ... ١٤٨.

* إذهب ، فأحبّ أبابكر وعمر ، وتولها فما كان من إثم ففي عنقي. ( السجاد ) ١٠٤.

* ارتد الناس بعد قتل الحسين إلا ... ثم ان الناس لحقوا ( الصادق ) / ٧٢ ، ٧٣.

* استعن بنا على ما شئت ( السجاد ) / ١٤٣.

* استنماء المال تمام المروءة ( السجاد ) / ١٤٣.

* اصبحنا في قومنا بمنزلة بني اسرائيل في آل فرعون ... فهكذا اصبحنا ... ( السجاد ) / ٥٥.

* أطرق واصمت والزم منزلك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ( حديث اللوح ) / ٦٣.

* اعلم ـ رحمك الله ـ أن الله عليك حقوقا محيطة بك ... ( رسالة الحقوق للسجاد ) / ٢٧١ ـ ٢٩٦.

* أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ( النبي ) / ٤٩.

* ألا من أجور الناس من رأى جوره عدلا وعدل المهتدي جوراً ( السجاد ) / ٩١.

* إلى من يذهب الناس ... قل لهم يجيئون


إليّ ( السجاد ) / ٩٧.

* الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وحزبه ( عبيدالله بن زياد ) / ٩٠

* الحمد لله الذي جعل مملوكي يا منني ( السجاد ) / ١٤٨.

* الحمد لله رب العالمين ... ايها القوم ان الله تعالى ابتلانا بمصائب( السجاد ) / ٦٦

* اللهم اسقنا الغيث وانشر علينا رحمتك بغيثك المغدق ... ( دعاء الاستسقاء للسجاد ) / ٢٠٠ ـ ٢٠١

* اللهم انك أيدت دينك في كل اوان بامام اقمته علما ... ( السجاد ) / ٩٨

* اللهم ان هذا المقام لخلفائك واصفيائك ( السجاد ) / ٩٩

* اللهم رب السموات السبع وما اظللن ( السجاد ) / ٧١.

* اللهم صل على محمد وآله ، وحصن ثغور المسلمين بعزتك ... ( دعاء الثغور للسجاد ) / ١٩٦ ـ ١٩٩.

* اللهم ، وصل على اوليائهم المعترفين بمقامهم ( السجاد ) / ١٢٦

* الهتني النار الاخرى ( السجاد ) / ١٦٥

* الهي ، بدت قدرتك ولم تبد هيبة جلالك فجهلوك ... ( السجاد ) / ٩٢.

*اما انت يا عروة فان ابي حاكم اباك ... واما انت يا زهري ... ( السجاد ) / ٢٢٧.

*اما انه سيلي ثم يموت فيبكي عليه اهل الارض ويلعنه اهل السماء ( الباقر ) / ٢١٧.

* اما بعد ، فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها واجتنبها ... ( رسالة عبدالملك الى الحجاج ) / ٢٠٧

* اما بعد ، فانك كتبت يوم كذا وكذا من ساعة كذا وكذا ... ( رسالة السجاد الى عبدالملك )

* اما بعد ، فان الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون ... ( السجاد ) / ٢١١

* اما بعد ، فاني لا اعلم اصحابا اوفى ولا خيرا من اصحابي ، ولا اهل بيت ابر من اهل بيتي ( الحسين ) / ٤٥.

*اما بعد فقد بلغني كتابك تعنفني فيه بتزويجي مولاتي وتزعم ... ( السجاد ) / ١٣٩

* اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي ... فمن هذا هو من رسول الله 9 بمنزلة هارون من موسى ( السجاد ) / ١٠٧.

* اما الجنة فلن تفوتكم ولكن تنافسوا في الدرجات ( السجاد ) / ١٢٦.

* اما الحسين ( الاصغر ) فحليم يمشي على الارض هونا ( الباقر ) / ١٢٩.

* اما لو كنت عندنا بالمدينة لاريناك مواطن جبرئيل من دورنا ... ( السجاد ) / ١١٣.

* اما والله لولا حضور الحاضر وقيام الحجة


بوجود الناصر ... ( أمير المؤمنين في الخطبة الشقشقية ) / ٢٤.

* أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، انا ... انا ... ( السجّاد ) / ٥١ ـ ٥٣.

* إنا أهل بيت نطيع الله في ما نحب ونحمده في ما نكره ( السجاد ) / ١٨٦.

* إن أردت أن يثبت ملكك فاقتل علي بن الحسين ( الحجاج لعبد الملك ) / ٢١١.

* انا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلّا بكى ( الحسين ) / ١٨١.

* أنا عامل من عمّال الله اُعطي مَنْ أعطاه الله ... ( معاوية ) / ٩٠.

* إن أفضل الأعمال ما عمل بالسُنّة وإن قلّ ( السجاد ) ٨٣.

* إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويدع الصلاة ( أهل المدينة في ذم يزيد ) / ٦٧.

* إنّا من أهل البيت الذي افترض الله مودّتهم على كل مسلم ... ( السجّاد ) / ٥٦.

* انتظار الفرج عبادة ( النبي ) / ٨٤.

* أنت سيد الناس تذهب إلى هذا العبد وتجالسه؟ ( رجل للسجاد ) / ١٣٧.

* أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ( النبي ) / ١٧ ولاحظ ١٠٧.

* إن الامام 7 قاسم الله تعالى ماله مرتين / ١٤٣.

* أنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث

الأوصياء ... ( الرضا ) / ١٨.

* إنّ دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة ... ( السجاد ) / ١١٣.

* إنّ الصدقة في سواد الليل تطفىء غضب الرب ( السجاد ) / ١٤١.

* انظروا ، مَنْ قامت عليه البيّنة أنّه يحب علياً وأهل بيته ، فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاء ( معاوية ) / ١٤٠.

* إن علامة الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة تركهم كل خليط وخليل ورفضهم ... ( صحيفة الزهد للسجاد ) / ١٦٥ ـ ١٦٧.

* إنّ علي بن الحسين أفقه أهل البيت ( الشافعي ) / ١١٤.

* إن علي بن الحسين 7 كان يحمل الخبر بالليل على ظهرة يتبع به المساكين ( أبوحمزة الثمالي ) / ١٤١.

* إنّ غبن المسترسل ربا / ٢٨٩.

* إن الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم ولا يدفعه عابدهم ( ابو الفرج ) / ١٥٩.

* إن قاتل أبي أفسد بما فعله دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه آخرته فإن أحببت أن تكون هو ، فكن ( السجاد ) / ٢٠٩.

* إن قتل الحسين أشد ما كان في الاسلام على المسلمين ... ( عبيدالله بن سليمان ) / ٧٢.

* إنّ القدر والعمل بمنزلة الروح والجسد ...


ولله فيه العون لعباده الصالحين ( السجاد ) / ٩١.

* إن قرّاء القرآن لم يذهبوا إلى الحجّ إلّا اذا ذهب علي بن الحسين ( سعيد بن المسيب ) / ٨٥ ـ ٨٦.

* إن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد ... ( السجاد ) / ١٧٠.

* إن كان حبَّ أهل البيت رفضاً ، فنَعَمْ ( الفرزدق ) في جواب : أورافضيّْ أنْتَ؟ / ٢١٥.

* إنك عملت أن في أكفائك من قريش من تتمجّد به في الصهر ( عبدالملك للسجاد ) / ١٣٨.

* إن للحمق دولة على العقل ، وللمنكر دولة على المعروف ... فنعوذ بالله من تلك الدول

* ومن الحياة في النقمات. ( السجاد ) / ١٣٣.

* إنّ الله تعالى مسخ اولئك القوم لاصطيادهم السمك ، فكيف ترى ـ عند الله عزّ وجلّ ـ يكون حال من قتل أولاد رسول الله 6 وهتك حريمه ... ( السجاد ) / ٨٧.

* إنّ الله عز وجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن أبي طالب والحسن والحسين وإلى الأخيار من ذريّة الحسن والحسين أوّلهم علي بن الحسين ، وآخرهم المهدي ( الهادي إلى الحق ) / ٣٠.

* إنما يجلس الرجل حيث ينتفع ( السجاد ) / ١٣٨.

* إنه ( السجاد ) كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن ، حتّى ان السقائين ... / ٨٥.

* إنه كان كذاباً يكذب على الله ورسوله ( السجاد ) / ٢٣٦.

* إن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا / ٢٨٨.

* إني رأيت مساجدهم ( أهل المدينة ) لاهية وأسواقهم لاغية والفاحشة في فجاجهم عالية ( عروة ) / ١٦٠.

* إن يزيد لرجل ليس له دين ( اهل المدينة ) / ٩٥.

* إني لاستحيي من الله عز وجل أن أرى الأخ من إخواني فأسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدنيا ( السجاد ) / ١٤٣.

* ايها الناس ، اتقوا الله واعملوا انكم إليه راجعون ، فتجد كل نفس ما عملت ... ( السجاد ) / ١٦٠.

* أيها الناس ، ان كلّ صمت ليس فيه فكر فهو عيّ ... ( السجاد ) / ٤٩.

* أيها الناس ، أعطينا ستّاً وفضلنا بسبع ... ( السجاد ) / ٥١.

* أو ما عملت يابن أخي : إن قائمنا لقاعدنا وقاعدنا لقائمنا ... ( زيد الشهيد ) / ١٣٠.

* بليّة الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا ( الباقر ) / ١٠٢.


* بمنزلتهما منه الساعة ( السجاد ) / ١٠٣.

بٌنّي ، إنّي جعلتك خليفتي من بعدي لا يدّعيها في ما بيني وبينك أحد ... ( السجاد / ٩٩.

* التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره إلّا أن يتقي تقاة ( السجاد ) / ٢٧.

* تجمع بالمدينة قوم من السودان غضبا لابن الحنفية ومراغمة لابن الزبير ( البلاذري ) / ١٤٧.

* تدرون بين يدي مَنْ أريد أن أقوم؟ ( السجاد ) / ٩٧.

* ثمانية ( الأئمة من بعد السجاد ) لأنّ الأئمة بعد رسول الله 6 اثنا عشر اماماً ... ( السجاد ) / ٩٧.

* جرى الأمر في ولد النبي 6 الصفوة بعد الصفوة لايكون إلّا في خير أهل زمانه وأكثرهم اجتهاداً ... ( القاسم ) / ٣٠.

* جعلت جارية لعلي بن الحسين تكب عليه الماء ... فقط الابريق / ١٤٨.

* حتّام إلى الدنيا غرورك وإلى عمارتها ركونك ( السجاد ) / ٢٢٦.

* خزي وشقي قاتل الحسين بن علي 7 ( خاتم السجاد ) / ١٨٥.

* خير هذه الاُمة بعد نبيها ( أميرالمؤمنين ) / ١٠٧.

* دخل علي بن الحسين على محمد بن

اسامة ابن زيد في مرضه ( عمرو بن دينار ) / ١٤٣.

* ذات كرب وبلاء ، هاهنا موضع رحالهم ، ومناخ ركابهم ... ( عليّ ) ١٨١.

* رحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو صمت فسلم ( النبي ) / ١٢٣.

* رسول الله يسلم عليك ( جابر للباقر ) / ٣٦.

* زره كل يوم ، فإذا لم تقدر فكل جمعه ( السجاد ) / ١٢٢.

* سادة الناس في الدنيا الاسخياء ... ( السجاد ) / ١٢٢.

* سبحان الله ، أخبرني ابي والله ان مهر اُمي كان مما بعث به المختار ( الباقر ) / ٢٣٩.

* سمعت علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركته. ( يحيى بن سعيد ) / ١٦٨.

* سيّدي بمحبتك إلّا سقيتهم الغيث ( السجاد ) / ١٧٣.

* الصوم جنّة من النار / ٢٢٢.

* ضمّ الامام السجّاد 7 إلى نفسه أربعماءة منافية يعولهنّ ... / ٦٩.

* العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثة ( السجاد ) / ٢٢٢.

* عباد الله هذا قصاص قتلكم لمن تقتلونه في الدنيا وتفنون روحه ، أفلا ... ( السجاد ) / ٨٦.

* العصبية التي يأثم صاحبها أن يرى


الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين ... ( السجاد ) / ١٣٩.

* علي بن الحسين أعظم الناس عليَّ مِنّةً ( الزهدي ) / ٢٢٦.

* عليك بالقرآن ، فإن الله خلق الجنة بيده ... فمن قرأ منها قال له : إقرأ وراق ... ( السجاد ) / ٨٥.

* عليكم بأداء الامانة ، فوالذي بعث محمداً بالحق نبياً ، لو أنّ قاتل أبي الحسين ائتمنني على السيف ... ( السجاد ) / ١٨٦.

* الفكرة المرآة تري المؤمن حسناته وسيّناته ( السجاد ) / ١٢٢.

* فكيف أصنع بحديث حدثنيه سعيد ... ( السجاد ) / ١٠٧.

* فما تمدّون أعينكم؟ لقد كان مَنْ قبلكم ممن هو على ما أنتم عليه ، يؤخذ وتقطع يده ورجله ويصلب! ( السجاد ) / ١٢٧.

* فوالله ، لقد امتلأ ثوبي منه خيفة ( عبد الملك ابن مروان ) / ١٧٧ ، ٢١٣.

* قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنيّة ويقين ( يحيى بن ام الطويل ) / ١٢٨.

* قتل أبي الناسُ ( السجاد ) / ٩٠.

* قوموا عنّي ، لاقرّب الله دوركم فإنّكم متسترون بالإسلام ولستم من أهله ( السجاد ) / ١٠٥.

* كان ابي علي بن الحسين 7 قد اتخذ منزله ـ من بعد مقتل أبيه الحسين 7 ـ بيتاً

من شعر وأقام بالبادية ... ( الباقر ) / ٦١.

* كان علي بن الحسين 7 إذا حضر الصلاة اقشعر جلده ... ( الصادق ) / ١٦٥.

* كان علي بن الحسين 7 إذا مشى لايجاوز يديه فخذيه ولا يخطر بيده / ١٦٤.

* كان علي بن الحسين أفضل هاشمي أدركته. ( حماد بن زيد ) / ١٦٨.

* كان علي بن الحسين يُبخّل ، فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة ( شيبة ابن نعامة ) / ١٤٢.

* كان علي بن الحسين يجلس كل ليلة هو وعروة في مؤخّر مسجد النبي 7 ( عبدالله ابن حسن ) / ١٣٢.

* كان علي بن الحسين 7 يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها / ١٦٥.

* كان علي بن الحسين 7 يعظ الناس ويزهدهم في الدنيا ... في كل جمعة في مسجد رسول الله 7 ( سعيد بن المسيب ) / ١٦٠.

* كان عند الامام قوم فاستعجل خادم له شواءً كان في التنور ... / ١٤٩.

* كان ناس من أهل المدينة يعيشون لايدرون من أين كان معاشهم ، فلما مات علي بن الحسين 7 فقدوا ما كان يؤتون به بالليل. ( محمد بن إسحاق ) / ١٤١.


* كتاب الله وكلامه ( السجّاد في القرآن ) / ٨٦.

* كذب يا زهري كان يسكته الحصر ، وينطقه البطر ( يعني معاوية ) ( السجاد ) / ٢٢٨.

* كفانا الله وإياك من الفتن ورحمك من النار ... ( رسالة السجاد الى الزهري ) / ٢٢٧ ـ ٢٣٠.

* كفانا الله وإياك كيد الظالمين وبغي الحاسدين و ... ( السجاد ) وهي رسالته الى أصحابه / ١٢٣ ـ ١٢٥.

* كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء. ( يحيى بن ام الطويل ) / ١٢٨.

* كنا نعلَّم مغازي النبي 6 وسراياه كما نعلم السورة من القرآن ( السجاد ) / ٧٥.

* لا تلوموني ، فإن يعقوب 7 فقد سبطاً من ولده فبكى حتّى ابيضت عيناه ... ( السجاد ) / ١٨٣.

* لا تنتقص عليا ، فإن الدين لم يبن شيئا فاستطاعت الدنيا أن تهدمه ... ( عامر بن عبدالله بن الزبير ) / ٢١٩.

* لاحسب لقرشيّ ، ولا عربي ، إلّا بالتواضع ، ولاكرم إلّّا بالتقوى ... ( السجاد ) / ١٣٩.

* لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. / هـ ٢٨٠.

* لا قدست امة فيها البربط ( السجاد ) / ١٦٠.

* لا يفخر أحد على أحد فانكم عبيد والمولى واحد ( السجاد ) / ١٣٧.

* لا يقول رجل في رجل من الخير ما لا يعلم إلّا أوشك أن يقول فيه من الشر ما لا يعلم ... ( السجاد ) / ٢٢٢.

* لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، ويبكي عليك كل شيء ( الحسن ) / ١٨١.

* لكل واحد منها ( الكلام والسكوت ) آفات ، وإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت ( السجّاد ) / ٥٧.

* لما مات علي بن الحسين 7 وجدوا بظهره أثراً ... مما كان ينقل الجراب ... ( عمرو بن ثابت ) / ١٤٢.

* لو أن الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه ما كان ينبغي له ان يبكي ( السجاد ) / ١٨٧.

* لو لا العامان لهلك النعمان ( ابو حنيفة ) / ١١٤.

* لو لم يرني الله أهلاً لهذا الأمر ما تركني وإيّاه ( معاوية ) / ٨٩.

* لو مات ما بين المشرق والمغرب ما استوحشت بعد ان يكون القرآن معي ( السجاد ) / ٨٥.

* لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ...


ولو بسفك المهج وخوض اللجج ( السجاد ) / ١٢٢.

* ليس لك ان تقعد مع من شئت ، لأن الله تعالى يقول في الانعام ... ( السجاد ) / ١٢٢.

* ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا ( السجاد ) / ٥٩ ، ٦٨.

* ما تدرون بين يدي مَنْ أقوم؟ ومَنْ أناجي؟ ( السجاد ) / ١٦٤.

* ما ندري كيف نصنع بالناس إن حدثناهم ... ( السجاد ) / ١٠٢.

* ما رؤى في أولاد الانبياء مثل علي بن الحسين إلّا يوسف بن يعقوب ... ( جابر ) / ١٦٩.

* ما رأيت أورع منه ( سعيد بن المسيب ) / ١٦٨.

* ما رأيت قرشيا أو هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ( الزهري ) / ١٦٨.

* ما رأيت هاشميّاً أفضل من علي بن الحسين وما رأيت أحداً كان أفقه منه. ( ابوحازم ) / ١١٣.

* ما زال الزبير منا أهل البيت حتّى أدرك فرخه فنهاه عن رأية ( الصادق ) / ٢٣٤.

* ما فقدنا صدقة السرّ حتّى مات علي بن الحسين ( أهل المدينة ) / ١٤٢.

* ما كان ذلك لرأي مني لقد مليء قلبي منه رعباً ( مسرف بن عفبة ) / ٧١ ، ١٧٧.

* ما من عمل بعد معرفة الله تعالى ومعرفة

رسول الله 9 أفضل من بغض الدنيا ... ( السجاد ) / ٢٢٦.

* ما ندري كيف نصنع بالناس إن حدثناهم ... ضحكوا إن سكتنا لم يسعنا ( السجّاد ) / ٨٣.

* ما هذا الجهد الذي كلّفته نفسك فانك من اسرة بهم يستدفع البلاء ... ( جابر للسجاد ) / ١٦٨.

* مرحباً بكم ، انتم ودائع العلم ( السجاد ) / ١٢٢.

* مرحباً بوصيّة رسول الله 6 ( السجاد ) / ١٢٢.

* مطل الغنيّ ظلم ( رسول الله ) / ٢٨٩.

* معاشراً أولياء الله ، إنّا بُرءاء مما تسمعون ، من سب علياً 7 فعليه لعنة الله ... ( يحيى ابن ام الطويل ) / ١٢٧.

* مقتضى مذهبك ، والدك ليس بإمام فإنّه لم يخرج قط ولا تعرّض للخروج ( الباقر لزيد ) / ٣٢.

* مَنْ أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه ... ( النبيّ ) / ١٤٦.

* مَنْ أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه وخليفة كتابه وخليفة رسوله ( النبي ) / ٢٦.

* من ختم القرآن بمكة لم يمت حتّى يرى رسول الله 6 ويرى منزله في الجنة ( السجاد ) / ٨٥.


* من ظلم معاهداً كنت خصمه ( رسول الله ) / ٢٩٦.

* من قال فينا بيتاً من الشعر بني الله له بيتا في الجنة ( حديث ) / ١٨٨.

* من لاق لهم دواة أو قطّ لهم قلما أو خاط لهم ثوباً ، أو ناولهم عصا ( حديث ) / ٢٢١.

* مَنْ مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة وإن زنا وإن سرق ( النبي ) / ٩٥.

* من مات لايعرف إمامه ـ أو ـ ليس له إمام ، مات ميتة جاهلية ( النبي ) / ٣٣.

* من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب 7؟ ( السجاد ) / ١٦٩.

مهلاً عن الرجل ... ماستر عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة ( السجاد ) / ١٤٧.

* نادي علي بن الحسين 7 مملوكه مرتين فلم يجبه / ١٤٨.

* نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين ... ( السجاد ) / ٩٧.

* نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم ونحن ... ( السجاد ) / ٣٧.

* نحن أفراط الأنبياء ، وأبناء الاوصياء ... ( السجاد ) / ٩٧.

* نزلت ( آية (٣٢) فاطر ) فينا أهل البيت ( السجاد ) / ٢٠.

* هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ( ميمية الفرزدق ) / ٢١٤.

* هذا ـ بدعٌ ، فمن قرأ القرآن واستقبل القبلة فصلوا خلفة ... ( السجاد ) / ١٠٩.

* هيهات هيهات ومسألتي ان لا تكونوا لنا ولا علينا. ( السجاد ) / ٦٢.

* هيهات هيهات يا طاوس دع عني حديث أبي وأمي وجدّي ، خلق الله الجنة لمن أطاعه ... ( السجاد ) / ١٣٨.

* وأما وجه الحرام من الولاية ، فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته ... ( الصادق ) / ٢٢١.

* واها لك من تربة ، ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب ( عليّ ) / ١٨١.

* والله ، إنا خرجنا لنردكم عن باطلكم إلى حقنا ( رباح غلام ابن عمر ) / ١٤٧.

* وجدناه في الصحيفة واللوح اثنا عشر اسما مكتوبة إمامتهم ( السجاد ) / ١٠٠.

* وكان علي بن الحسين عليلاً ، وارتث يومئذ وقد حضر بعض القتال ( تسمية من قتل ) / ٤٣.

* وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ونهزة الطامع ... من خطبة الزهراء 3 / ١٥٩.

* وكيف بهم؟ وقد خالفوا الآمرين ... ( السجاد ) / ١١١.

* وما أطاق عمل رسول الله 7 من هذه الامة غيرة ( غير علي ) وما أشبهه من ولده ... من علي بن الحسين.


الصادق ) / ١٦٩.

* وهذه الرزية التي لا مثلها رزية ( السجاد ) / ١٨٤.

* وهل البكاء إلّا للمحن الكبار ، وأيّ محنة أكبر من أن يرى الإنسان ... ( السجاد ) / ١٤٢.

* ويحقّ على مَنْ أراد الله والانتصار للدين أنْ لا يظهر نفسه ولا يعود بسفك دمه ودماء المسلمين وإباحة الحريم إلّا ومعه فئة ... ( الحسن ) / ٢٤.

* ويلك أيها الخاطب اشتريت رضا المخلوق بخط الخالق ( السجاد ) / ٥١.

* يا أبا عبدالله ، إلى ابني هذا ـ وأشار إلى الباقر 7 فإنه وصيّي ... ليست الإمامة بالكِبَر والصِغَر ( السجاد ) / ٩٩.

* يا أبا عبدالله ، لتلدنَّ لك خير أهل الأرض ( أميرالمؤمنين للحسين ) / ٣٧.

* يا أخي عليك بالصبر إلّا أن تجد أعواناً وأنصاراً فاشهر سيفك حينئذٍ ... ( النبي لعلي ) / ٢٤.

* يا بنيّ ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي ... ( السجاد ) / ١٦٩.

* يا جابر ، لا أزال على منهاج أبويّ مؤتسيا بها حتّى ألقاهما ( السجاد ) / ١٦٩.

* يا حابر يولد له ( للحسين ) مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ... ثم يولد له ولد اسمه محمد فإن ادركته يا جابر

فأقرئه مني السلام ... ( النبي ) / ٣٦.

* يا حجّاج ، عمدت إلى بناء إبراهيم واسماعيل 7 وألقيته في الطريق ، كانك ترى انه تراث ابيك ( السجاد ) / ١١٥.

* يا زهري ، أو تظنّ هذا مما ترى عليّ وفي عنقي بكرثني ... ( السجاد ) / ٢١٢.

* يا زهري ، قنوطك من رحمة الله ... اعظم من ذنبك ( السجاد ) / ٢٢٦.

* يا علي ، إن من اعتزل أهل الجور والله يعلم منه سخطه لأعمالهم ... ( عروة للسجاد ) / ١٣٣.

* يا علي بن الحسين ، إني لستُ قاتل ابيك ( عبدالملك ) / ٢٠٩.

* يا عمّ ، لو أن عبداً تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته ، وقد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت ( السجاد ) / ٢٢٥.

* يا نفس حتّامَ إلى الدنيا سكونك وإلى عمارتها ركونك ... ( السجاد ) / ١٧١.

* يا هذا ، لو صرت إلى منازلنا لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، ايكون أحدُ أعلم بالسُنّة مِنا ( السجاد ) / ١١٢.

* يخرج من صلب محمد ابني سبعة من الاوصياء فيهم المهديّ ( السجاد ) / ١٠٠.

* يولد لا بني هذا ( الحسين ) ابن يقال له « علي بن الحسين » إذا كان يوم القيامة نادى ... ( النبيّ ) / ٣٦ ، ٣٧.


ثالثاً : فهرس الأعلام

الآبي القاضي / ١٧

آل أعين / ١٢٨

ابان بن تغلب / ١١٥

ابراهيم بن سعد / ١٨٦

ابراهيم بن طلحة بن عبيدالله / ٢٤٠

احمد امين المصري / ٩٤ ، ١٣٧

احمد بن الحسين بن هاشم الحسيني ششديو ، مانكديم / ٣٢

احمد بن حنبل / ٤٤

اسماعيل بن علي ابو سهل النوبختي / ٦٢

اشعث بن عبدالملك / ١٧٤

الاعمش / ٢٢٤

ابو ايوب الانصاري / ٢٥

بدر الدين الحوثي / ٣٠ ، ٢٢٥

برة بنت عروة الثقفي / ٤٣

بشر ( بشير ) بن حذيم ( حذلم ) ٦٥

ابو بكر / ٨٢ ، ١٠١ ، ١٠٤ ، ١٠٧ ، ١٠٨

ابوبكر الهذلي / ٣٦

بلال بن ابي بردة / ١٣٦

جابر بن عبدالله الانصاري / ٣٦ ، ٦٣ ، ١٦٨ ، ١٦٩

الجاحظ / ٣٥ ، ٩٤

جعفر الشهيدي الدكتور السيد / ٢١٤ ، ٢١٥

الحجاج ( الثقفي سفاك العراق ) / ٢ ، ٣٤ ، ٥٧ ، ٨٢ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١٢٨

٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢١١

حذيم بن شريك الاسدي / ٦٥

الحسن البصري / ١٧٤

الحسن بن عبدالله ابو احمد / ٣٦

الحسن بن علي بن زكريا / ٣٦

الحسن المثنى بن الحسن المجتبى الملقب بالرضا / ٣٢ ، ٣٣ ، ٣٤

الحسين الاصغر ابن الامام السجاد 7 / ١٢٩

حفص بن غياث القاضي / ١٧٤

ابو الحكم ابن المختار / ٢٣٩

حكيم بن جبير / ١٠٧

حماد بن يزيد / ١٦٨

حماد بن سلمة / ٢٢٤

ابو حمزة الثمالي / ٦١ ، ١٢٥ ، ١٢٨ ، ١٨٤ ، ١٤١

ابو حنيفة / ٩٦ ، ١١٤

خارجة بن مصعب / ٢٢٤

ابو خالد الكابلي / ٩٧ ، ١٢٨

ابن خلدون / ١٣٦

الدار قطني / ٢٢٤

الذهبي / ٣٤

رباح غلام ابن عمر / ١٤٧

ابن الزبير / ٦٨ ، ٢٣٣ ، ١٤٧

أبي الزبير ( راوي ) / ٣٦


الزهري / ٣٥،٨٣، ٩١، ٩٤، ٩٥، ٩٩، ١٣٦، ٢١٦،٢٢٣،٢١١، ٢٢٤، ٢٢٥، ٢٢٦،٢٢٧،٢٣٠، ٢٣١

زيد بن علي الشهيد 7 / ٢٧ ، ٢٨ ، ٣٢ ، ١٢٩

سالم بن ابي حفصة / ١٢٨

سليم بن قيس الهلالي / ١٢٨

سعد بن مالك بن ابي وقاص / ١٠٧ ، ١٠٨

سعيد بن جبير / ٨٤ ، ١٢٨

سعيد بن مرجانة / ١٤٦ ، ١٤٩

سعيد بن المسيب / ٣٦ ، ٨٥ ، ١٠٧ ، ١٦٠ ، ١٦٩

سفيان بن عيينة / ٣٦ ، ١٦٤

سلمة بن دينار ابو حازم / ٢٢٥

سليمان بن عبدالملك / ٢٢٣

سليمان بن هشام بن عبدالملك / ٢٢٥

الشافعي امام المذهب / ٢٢٤

شبلي / ١٧٥

ابن شعبة ( الحراني صاحب تحف العقول ) / ٢٢٧

شعيب مولى الامام السجاد / ١٢٨

ابن شهاب ( الزهري ) / ٢٢٥

شهر بانويه ـ ام علي بن الحسين ـ / ٣٧ ، ٤٣

الشهرستاني / ٣١ ، ٣٢

الشهيد المحلي / ٣٧

شيبة بن نعامة / ١٤٢ ، ١٧٥

صالح بن كيسان / ٢٢٥

صوحان بن صعصعة بن صوحان / ٦٧

طاوس / ١٧٤

طاوس يماني / ١٣٨

الطوسي ( الشيخ ) / ٦٥

عائشة بنت عثمان بن عفان الاموي ( زوجة مروان ) / ٦٩

ابن عائشة / ١٤٢

عامر بن عبدالله بن زبير / ٢١٨

عامر بن وائلة الكناني / ١٢٨

عبادة بن الصامت / ٩٠

ابن عباس / ٣٦ ، ٢٣٩

العباس بن بكار / ٣٦

عبدالجبار القاضي / ٨٩

عبدالحق دهلوي / ٢٢٣

عبدالرحمن بن الاشعث / ٣٣،٣٤، ١٢٨

عبدالرزاق / ١٤٨

عبدالعزيز سيد الاهل / ١٤٧

عبدالغفار بن القاسم الانصاري ابو مريم / ١٤٧

عبدالله بن حسن بن حسن / ١٣٣

عبدالله بن عطاء / ١٤٨

عبدالله بن عطاء التميمي / ٢١٦

عبدالله بن الغسيل / ٦٧

عبدالله بن محمد الباقر / ٧٤

عبدالملك بن مروان / ٧١، ١٣٨، ١٧٧،٢٠٧،٢٠٨، ٢٠٩،٢١٠، ٢١١ ، ٢١٢، هـ ٢١٤


عبيدالله بن زياد / ٩٠

عبيد الله بن سليمان الوزير / ٧٢

عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود / ٢٢٥

عثمان ( بن عفان ) / ٨٢

عروة بن الزبير / ١٣٢، ١٣٣، ١٦٠، ٢٢٣،٢٢٦

ابن عساكر / ٣٦

علي بن احمد ابوالحسن / ٣٦

علي الاصغر الشهيد / ٤٣

علي بن الحسين الشهيد في كربلاء / ٤٢ ، ٤٣

علي بن محمد بن علي الخزاز القمي / ٢٨

عمر بن الخطاب / ٨٢،١٠١،١٠٤، ١٠٧،١٠٨

ابن عمر / ١٤٧

عمر بن عبدالعزيز / ٨٢ ، ٢١٦ ، ٢١٧ ، ٢١٨ ، ٢١٩

عمران بن سليم ( راوي ) / ٣٥

عمرو بن ثابت / ١٤٢

عمرو بن دينار / ١٤٣

عمرو بن عبيد / ١٧٤

الغزالي / ٢٢٧

فاطمة بنت الحسين 7 / ١٢٩

فاطمة بنت علي 7 / ٢٣٩

فخر المحققين / ١٧

ابو الفرج الاصفهاني / ١٥٩

الفرزدق / ٢١٤ ، ٢١٥ ، ٢١٦

الفضيل بن الزبير الاسدي الرسان الكوفي / ٤٢

القاسم بن ابراهيم نجم آل الرسول / ٢٢٥

القاسم بن محمد من ائمة الزيدية / ٢٢٤ ،٢٢٥

ابن ابي قرة / ٦١

ليلي العامرية ام علي الاكبر الشهيد 7 / ٤٣

مالك بن انس فقيه المدينة / ١٥٩ ، ١٦٤

المأمون العباسي / ٩٤

المؤيد بالله / ٢٢٦

مجد الدين المؤيدي / ٢٢٥

محمد بن اسامة بن زيد / ١٤٣ ، ١٤٤

محمد بن اسحاق / ١٤١

محمد بن جبير بن مطعم / ١٢٨

محمد بن الحنيفة / ١٤٧

محمد بن شيبة / ٢٢٣

محمد بن علي ابن بابويه القمي الصدوق / ٣٥

محمد بن الفرات / ١٠٩

محمد بن مسلم بن شهاب الزهري / ١١٤ ، ٢٢٧

المختار بن ابي عبيدة / ١٠١ ، ٢٣٢ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ٢٣٨ ، ٢٣٩

المدائني / ٢٢٦

ابن المديني / ٣٦


ابن المرتضى / ٩٠

مروان بن الحكم / ٦٩ ، ٧٠ ، ٧١ ، ٢٠٧

ابن مروان ( عبدالملك ) / ٢٣٣

المسعودي / ٦٨

مسلم ( مسرف ) بن عقبة / ٦٣ ، ٧٠ ، ٧١ ، ١٧٧

مصعب بن الزبير / ٢٣٤

مطرف غلام الامام / ١٤٦ ، ١٤٩

معاوية / ٦٣ ، ٨٠ ، ٨٩ ، ١٣٦ ، ١٤٠ ، ٢١٤

معاوية بن عبدالله بن جعفر / ٢٢٥

معاوية بن يزيد بن معاوية / ١٩٤

المفيد ( الشيخ ) / ١٧ ، ٢٩ ، ٣٢ ، ٣٤

المناوي / ٣٤

المنهال بن عمرو / ٥٥

الموفق بالله السيد / ٣٦

ميثم التمار / ٨٤

نافع بن جبير مولى آل عمر بن

الخطاب / ١٣٧

النسابة ( العمري ) صاحب المجدي / ٦٥

نصر بن أوس الطائي ابو المنهال / ٩٧

النعمان القاضي المصري / ٣١

الهادي إلى الحق ( يحيى بن الحسين ) / ٣٢

ابو هريرة / ١٤٦

هشام بن اسماعيل امير المدينة / ١٢٠

هشام بن عبدالملك / ٩٤ ، ٩٥ ، ٢١٣ ، ٢١٤ ، ٢١٥ ، ٢٢٣

يحيى بن ام الطويل / ٨٤ ، ١٢٧

يحيى بن الحسين الهادي الى الحق ( من ائمة الزيدية ) / ٢٦ ، ٣٠

يحيى بن سعيد / ١٦٨

يحيى بن معين / ٢٢٤ ، ٢٢٥

يزيد / ٦٧ ، ٦٨ ، ٩٠ ، ٩٥

يزيد بن عبدالملك / ٢٢٣


رابعا : فهرس المواضع والأيام

والمصطلحات

آل ابي طالب / ١٤٧

الادب العربي / ١٨٨

الارجاء / ٩٣ ، ٩٤

الاستسقاء ( دعاء ) / ١٩٨

اشهار السيف / ٢٢ ، ٢٣

الاصلاح في الامة / ٢٦ ، ١٣٢ ، ١٤١

اغلاق الباب وارخاء الستر / ٢١ ، ٢٢ ، ٢٣

ألف ركعة في الليلة / ١٥٨ ، ١٦٥

الامام / ١٧ ، ٢٦ ، ٩٨ ، ١١١

الامامة / ١٢ ، ١٧ ، ١٨ ، ١٩ ، ٢٦ ، ٢٧

الامامة الروحية / ١٠

الامامة السياسية / ١١

امامة السجاد 7 / ٢٩ ، ٣٠ ، ٣١ ، ٣٥ ، ٣٨ ، ٩٦ ، ٩٧ ، ٢١٣

الامامية / ٢٩ ، ٣١

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر / ٢٦ ، ٢٧ ، ٤٠

البصرة / ١٧٣ ، ١٧٤

البكاء ( على سيد الشهداء 7 ) / ١٥٧ ، ١٧٩ ، ١٨٠ ، ١٨٤

البكاؤن الخمسة / ١٥٧ ، ١٨٠

البيت الحرام ( الكعبة ) / ٢٣٤

البيوتات الخبيثة / ١٣٣

بيوتات الشرف / ١٣٣ ، ١٣٤

تبوك ( غزوة ) / ١٠٧

التدليس / ٢٢٤

تراب كربلاء / ١٨١ ، ١٨٤

التشبيه والتجسيم / ٩١ ، ٩٣

التشيع الاثنى عشري / ١٠ ، ١٠٥

تعريب أجهزة الدولة / ١٣٦

التوابين ( حركة ) / ٢٣٢

التوحيد الالهي / ٨٨ ، ٩١

الثغور ( دعاء ) / ١٩٢

الجارودية / ٣١ ، ٣٢

الجبر الالهي / ٨٨ ، ٨٩ ، ٩٠

الجمل ( حرب ) / ١٧٤ ، ٢٣٣

الجهاد بالكلمة / ٤٩

الجهاد الاصغر ( جهاد الاعداء ) / ١٢

الجهاد الاكبر ( جهاد النفس ) / ١٢

الجهاد السياسي / ٩ ، ١٣

جيش الموالي والإماء / ١٤٧

الحج وأسراره / ١٧٥

الحجر الأسود / ٢١٤ ، ٢١٦


حديث اللوح / ٦٣

الحرة ( وقعة ) / ٦٢ ، ٦٥ ، ٦٨ ، ٦٩ ، ٧٠، ٩٥، ١٨٥ ، ٢٣٢ ، ٢٣٣

الحزن والمأتم على الحسين 7 / ١٨٠ ، ١٨١

حركة ابن زبير / ٢٣٢ ، ٢٣٣

خاتم الحسين 7 / ١٨٥

الخروج بالسيف / ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٣ ، ٢٥ ، ٢٨

خلافة الشيخين / ١٠٠ ، ١٠١

الخليفة / ٩٦

خير اهل الارض / ٣٧

خير لا شر فيه / ٧١ ، ٧٣ ، ١٨٥

الدعاء / ١٨٧

الدولة / ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٣٤

رسالة الحقوق / ١٥١ ، ٢٥٥ ، ٢٩٦

الرق / ١٤٤ ، ١٥٠

الزهد / ١٥٨ ، ١٧٠

زهد النبي 9 / ١٧٤

زيارة الحسين 7 / ١٨٤

الزيدية / ١٩ ، ٣١ ، ٣٣

الزيدية المتأخرون / ٣٢ ، ٣٣

الزيدية القدماء / ٣٨

زين العابدين ( لقب الامام السجاد ) / ٣٥ ـ ٣٧ ، ١٥٨

السويقة / ١٣٣

سيد الساجدين / ٣٥ ـ ٣٧ ، ١٥٨

السيف / ١٩ ، ٢٠ ، ٢٣

سيف رسول الله 7 / ٢١١

الشام / ٦٢

شعب ابي طالب / ٢٣٤

الشيعة / ١٠٩ ، ١١٠

الصحيفة السجادية / ٩٩ ، ١٠٠ ، ١٨٨ ـ ٢٠١

الصدقة / ١٤١

صفين / ١٨١

الصوم واقسامه / ١٧٥

طيبة ( المدينة ) / ٧٠

عاشوراء ( يوم ) / ٤٢

عاشوراء ( ليلة ) / ٤٥

عبادان / ١٧٤

عباد البصرة / ١٧٣

عبادة علي بن ابي طالب 7 / ١٦٩

العراق / ٦٢ ، ٢٣٢ ، ٢٣٤

العرب / ١٣٦ ، ١٣٧

عرفة ( يوم ) / ٩٨

عرفات ( موقف ) / ٩٨

العصبية والعنصرية / ١٣٨ ، ١٣٥ ، ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٤٠

عصبية مضر لبني امية / ١٣٦

العقيق / ١٣٣ ، ١٦٠

علي الخير / ٧٣

الغناء في المدينة / ١٥٩ ، ١٦٠

الغيب / ٧١ ، ١٧٧ ، ١٧٨

الفقر / ١٤٠


الكافر كوبات / ٢٢٤

كربلاء / ١٠ ، ٤١ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٤٦ ، ٤٨ ، ٥٥ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦٥ ، ٧٠ ، ٧٥ ، ١٨٠ ، ١٨١ ، ١٨٥

الكعبة / ٩٥ ، ١١٥ ، ١١٦ ، ١٧٣ ، ٢٣٤

الكلام والسكوت / ٥٧

الكناسة بالكوفة / ١٢٧

الكوفة / ٦٢

لسان بني أمية ( الزهري ) / ٢٢٥

اللوح / ٩٩ ، ١٠٠

مجزرة كربلاء / ٦٣

المدينة ( المنورة ) / ١٠ ، ٤١ ، ٥٩ ، ٦٠ ، ٦١ ، ٦٢ ، ٦٣ ، ٦٥ ، ٦٨ ، ٧٠ ، ٧٢ ، ٩٥ ، ١٣٠ ، ١٣٣ ، ١٤١ ، ١٤٢

المدينة ( طيبة ) / ١٥٩ ، ١٨٥ ، ٢٠٦ ، ٢١٢ ، ٢١٦

المرجئة ( الارجاء ) / ٩٦

المسجد الحرام / ٦٨ ، ٩٥

المسجد النبوي / ٦٤

مسجد رسول الله 6 / ٩٢ ، ٩٣ ، ١٢٨ ،

١٣٢ ، ١٣٣ ، ٢٢٣

مشغول بنفسه ( السجاد ) / ١٨٦ ، ٢١٢

معركة كربلاء / ١١، ٤٢، ٤٨ ، ١٧٩

مكة / ٥٩، ٦٨، ١٤٧ ، ١٧٣ ، ٢٣٤

الموالي / ١٣٦ ، ١٣٧ ، ١٣٨

ميمية الفرزدق / ٢١٤ ، ٢١٥

الناس ( تطلع على العامة ) / ٦١ ، ٦٢

النزارية / ١٣٥

النص ( على الامامة ) / ٢٧ ، ١٠١

النص على السجاد / ٣٠ ، ٣١ ، ٧٤

النص الخفي / ٣٧

النفس والخطاب معها / ١٧١

وقعة كربلا / ٥٠ ، ١٠٥

يا لثارات الحسين 7 / ١٢٩

يثرب ( المدينة ) / ١٥٩

اليمنية / ١٣٥

يوم كربلاء / ٤٤


خامساً : فهرس المصادر والمراجع

١ ـ الائمة الاربعة : لمصطفى الشكعة.

٢ ـ الابواب : للحسين بن حمدان الخصيبي الجنبلائي ( ت ٣٥٨ ). قسم مخطوط من كتابه ( الهداية ) يوجد في مكتبة المؤلف.

٣ ـ أبو حنيفة : للشيخ أبي زهرة.

٤ ـ إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات : للحر العاملي محمد بن الحسن ( ت ١١٠٤ هـ ) طبعة وأكمله أبوطالب تجليل التبريزي ـ قم.

٥ ـ الاحتجاج على أهل اللجاج : للطبرسي ، أحمد بن علي بن أبي طالب ( ق ٦ ) تعليق السيد محمد باقر الموسوي الخرسان ، منشورات الأعلمي بيروت ١٤٠٣ هـ.

٦ ـ الاحكام في الحلال والحرام : للهادي إلى الحق ، بحيى بن الحسين الزيدي ( ت ٢٩٨ ) الطبعة الأولى ١٤١٠ هـ.

٧ ـ إحياء علوم الدين : لمحمد الغزالي طبع مصر.

٨ ـ الاخبار الطوال : للدينوري أحمد بن داود ( ت ٢٨٢ ). تحقيق عبدالمنعم عامر ، طبع وزارة الإرشاد القومي مصر ١٩٦٠ ، اعادته منشورات الشريف الرضي ـ قم ١٤٠٩ هـ.

٩ ـ الاختصاص : المنسوب إلى الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ( ت ٤١٣ ) صححه علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي لجامعة المدرسين ـ قم ( دون تاريخ ).

١٠ ـ اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) : للشيخ الطوسي محمد بن الحسن ( ت ٤٦٠ ) صححه الشيخ حسن المصطفوي ، دانشگاه مشهد ـ مشهد ١٣٤٨ هـ. ش.

١١ ـ الارشاد الى حجج الخلق على العباد : للشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ) المطبعة الحيدرية ـ النجف.

١٢ ـ اسد الغابة في معرفة الصحابة : لابن الأثير الجزري الطبعة المحققة الحديثة.

١٣ ـ الاشهاد : لابن قبة الرازي ، في رد أبي زيد العلوي الزيدي. نقل عنه الشيخ الصدوق في ( كمال الدين ).

١٤ ـ أصدق الاخبار في الاخذ بالثار : للإمام السيد محسن الأمين العاملي ـ طبع النجف.

١٥ ـ اصل عاصم بن حميد الحناط ـ مع الاصول الستة عشر : بإشراف الشيخ حسن


المصطفوي ـ طهران ١٣٧١ واعيد في قم ١٤٠٥.

١٦ ـ الاعتبار وسلوة العارفين : للسيد الموفق بالله الحسين بن اسماعيل الجرجاني المعروف بالشجري ، مصورة من مخطوطة كتبت سنة ( ١٣١٢ ) في ( ١٩٨ ) صفحة ، يملكها المؤلّف.

١٧ ـ الاعتصام بحبل الله المتين : للقاسم بن محمد بن على الزيدي ( ت ١٠٢٩ ) مطابع الجمعية العلمية الملكية ، الأردن ـ عمان ١٤٠٣ هـ.

١٨ ـ اعيان الشيعة : للإمام السيد محسن الأمين العاملي ( ج ٤ ) مطبعة الانصاف بيروت ١٣٨٠ ـ أعادته دار التعارف ١٤٠٠.

١٩ ـ الاغاني : لأبي الفرج الأصفهاني علي بن الحسين طبع دار الكتب ـ مصر ، وطبعة الثقافة.

٢٠ ـ الافصاح : للشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ) مؤسسة البعثة ـ قم ١٤١٢ هـ.

٢١ ـ اكمال الدين واتمام النعمة في اثبات الغيبة وكشف الحيرة (١) : للشيخ الصدوق ، محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي الرازي ( ت ٣٨١ ). صححه علي أكبر الغفاري ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران ١٣٥٩ هـ.

٢٢ ـ الامامة والتبصرة من الحيرة : للشيخ علي بن الحسين بن بابويه ابي الحسن القمي ( ت ٣٢٩ ) تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث ـ بيروت ١٤٠٧ هـ.

٢٣ ـ الامام زين العابدين 7 : للسيد عبدالرزاق الموسوي المقرم. دار الشبستري للمطبوعات ـ قم ـ عن الطبعة النجفية الأولى.

٢٤ ـ الامام السجاد 7 : لحسين باقر مطبعة الحوادث ، بغداد ١٩٧٩.

٢٥ ـ الامام جعفر الصادق : للمستشار عبد الحليم الجندي. المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية ـ جمهورية مصر ١٣٩٧.

٢٦ ـ امالي الصدوق : للشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ) مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ١٤٠٠ هـ.

٢٧ ـ امالي الطوسي : للشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ ) المطبعة الحيدرية في جزئين النجف الأشرف ، أعادته بالاوفست مكتبة الداوري ـ قم ، وطبعة مؤسسة البعث ـ قم ١٤١٤ هـ ( في مجلد واحد ).

٢٨ ـ الامالي : للشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ). صححه علي أكبر غفاري ، طبعة جامعة المدرسين ـ قم ١٤٠٣ هـ.

__________________

(١) طبع الكتاب باسم ( كمال الدين ) خطأ.


٢٩ ـ الامامة والسياسة : لابن قتيبة ، عبدالله بن مسلم الدينوري ( ت ٢٧٦ ) مؤسسة الحلبي ـ القاهرة ١٣٨٨.

٣٠ ـ أنساب الاشراف : للبلاذري ( الجزء الثالث ترجمة أولاد الإمام علي 7 ) تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي ، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت ط الأول ١٣٩٧ هـ.

( والجزء الرابع )

٣١ ـ انوار التمام : لاحمد بن يوسف زبارة. مطبوع مع ( الاعتصام ) للقاسم ، الاردن ـ عمان ١٤٠٣ هـ.

٣٢ ـ ايام العرب في الاسلام : تأليف محمد أبوالفضل ابرهيم ، وعلي محمد البجاوى الطبعة الرابعة ، عيسى البابي ـ القاهرة ١٣٩٤ هـ.

٣٣ ـ أوائل المقالات في المذاهب المختارات : للشيخ المفيد ( ت ٤١٣ ) علق عليه الشيخ فضل الله الزنجاني ، المطبعة الحيدرية ـ النجف ١٣٩٣ هـ.

٣٤ ـ بحار الانوار : للشيخ المجلسي ، المولى محمد باقر بن محمد تقي الاصفهاني ( ت ١١١٠ ) تحقيق السيد محمد مهدي الخرسان الموسوي. الجزء ( ٤٦ ) المكتبة الإسلامية ـ طهران ( الطبعة الحديثة ) ١٣٩٦ هـ.

٣٥ ـ البداية والنهاية في التاريخ : لابن كثير.

٣٦ ـ البرهان في تفسير القرآن : للسيد هاشم بن سليمان البحراني مؤسسة إسماعيليان ـ قم ( دون تاريخ ).

٣٧ ـ بلاغات النساء : لابن طيفور ، احمد بن ابي طاهر البغدادي ( ت ٣٨٠ ) المطبعة الحيدرية ـ النجف ( ١٣٦١ ) اعادته مكتبة بصيرتي ـ قم.

٣٨ ـ بلاغة علي بن الحسين 7 : للشيخ جعفر عباس الحائري الطبعة الثانية ، مطبعة كربلاء : كربلاء المقدسة ١٣٨٥ هـ.

٣٩ ـ تاريخ اهل البيت : : المنسوب إلى عدة من القدماء تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث ـ قم ١٤٠٩.

٤٠ ـ تاريخ بغداد : للخطيب البغدادي أحمد بن علي بن ثابت ( ت ٤٦٣ ) طبع السعادة ـ القاهرة.

تاريخ دمشق : لابن عساكر :

٤١ ـ ترجمة الامام الحسين : : تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي ، مؤسسة المحمودي


ـ بيروت ١٣٩٨.

٤٢ ـ ترجمة الامام زين العابدين : : تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي ، الطبعة الاولى مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ـ طهران ١٤١٣.

٤٣ ـ تاريخ دمشق : تهذيب بدران.

٤٤ ـ تاريخ الطبري : طبع بيروت.

٤٥ ـ تاريخ الفكر الفلسفي في الاسلام : لأبي ريّان دار النهضة العربية ، بيروت ط الثانية ١٩٧٣ م.

٤٦ ـ تاريخ اليعقوبي : لأحمد بن يعقوب ابن واضح الكتاب دار صادر ـ بيروت.

٤٧ ـ التحف شرح الؤلف : في تاريخ الأئمة الزيدية ، للسيد مجدالدين المؤيدي من علماء اليمن المعاصرين الطبعة الاولى بيروت ١٣٨٩.

٤٨ ـ تحف العقول من آل الرسول 6 : لابن شعبة الحراني ، الحسن بن علي بن الحسين أبي محمد صححه علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي لجامعة المدرسين ـ قم ١٤٠٤.

٤٩ ـ تدوين السنة الشريفة : للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الأولى ـ مكتب الاعلام الاسلامي ـ قم ١٤١٣ هـ.

٥٠ ـ تذكرة الحفاظ : للذهبي مطبعة دائرة المعارف ـ حيدرآباد ـ الهند.

٥١ ـ تراثنا : مجلة فصلية تصدرها مؤسسة آل البيت : لإحياء التراث ـ قم صدر العدد الاول سنة ( ١٤٠٥ ).

٥٢ ـ تسمية من قتل مع الحسين 7 : للفضيل بن الزبير الرسان الأسدي الكوفي ( ق ٢ ) تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، نشر في مجلة ( تراثنا ) السنة الأولى العدد ( ٢ ) ١٤٠٥ هـ.

٥٣ ـ تعريف اهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس : لابن حجر العسقلاني تحقيق د. عبدالغفار وزميله دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٧.

٥٤ ـ التعريفات : للسيد الشريف علي بن محمد الجرجاني ( ت ٨١٢ هـ ) المطبعة الخيرية ، جمالية مصر ١٣٠٦.

٥٥ ـ تفسير الحبري : للحسين بن الحكم بن مسلم الكوفي ( ت ٢٨٦ ) تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، مؤسسة آل البيت : لإحياء تراث بيروت ـ ١٤٠٨ هـ.

٥٦ ـ تنزيه الانبياء والائمة : : للسيد الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي ( ت ٤٣٦ ) طبع المطبعة العلمية النجف ١٣٥٠ ـ أعادته منشورات الشريف


الرضي ـ قم.

٥٧ ـ التنبيه : لابي سهل النوبختي نقل عنه الشيخ الصدوق في ( إكمال الدين ).

٥٨ ـ تنقيح المقال في علم الرجال : للشيخ عبدالله المامقاني ( ت ١٣٥٢ ) المطبعة المرتضوية النجف ١٣٥٠.

٥٩ ـ تهذيب التهذيب : لابن حجر العسقلاني طبع حيدآباد ـ الهند.

٦٠ ـ تهذيب الكمال : للمِزّي جمال الدين يوسف أبي الحجاج تحقيق بشار عوّاد معروف ، دار الرسالة بيروت ١٤٠٥.

٦١ ـ تواريخ النبي 9 : للشيخ محمد تقي التستري تحقيق الشيخ محمود الشريفي والاستاذ علي الشكرچي ـ دار الشرافة قم ١٤١٦ هـ.

٦٢ ـ التوحيد : للشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ) صححه السيد هاشم الحسيني الطهراني ، مكتبة الصدوق طهران ١٣٩٨ هـ.

٦٣ ـ تيسير المطالب : في أمالي السيد أبي طالب ، ترتيب أحمد بن سعد الدين المسوري منشورات مكتبة الحياة ـ بيروت.

٦٤ ـ ثمار القلوب للثعالبي : بواسطة ( الحسين 7 ) لعلي جلال المصري.

٦٥ ـ ثواب الاعمال : للشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ) صححه علي أكبر الغفاري ، مكتبة الصدوق ـ طهران ( دون تاريخ ).

٦٦ ـ ثورة زيد بن علي : لناجي حسن منشورات مكتبة النهضة ـ بغداد ١٣٨٦ هـ.

٦٧ ـ جامع احاديث الشيعه : للسيد الامام آقا حسين البروجردي ( ت ١٣٨٠ ) المطبعة العلمية ـ قم ١٣٩٩ هـ.

٦٨ ـ جامع بيان العلم وفضله : لابن عبدالبرّ يوسف القرطبي ( ت ٤٦٣ ) دار الكتب العلمية ـ بيروت ، افست عن الطبعة الاولى المصرية.

٦٩ ـ الجامع الصغير : لجلال الدين السيوطي ( ت ٩١١ ) الطبعة الاولى ـ القاهرة.

٧٠ ـ الجامع الكافي : للشريف العلوي ابي عبدالله ( ت ٤٤٥ ) مخطوط.

٧١ ـ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع : للخطيب البغدادي ( ت ٤٦٣ ) تحقيق محمد عجاج الخطيب طبع مؤسسة الرسالة بيروت ١٤١٢ هـ.

٧٢ ـ جزء ابن عساكر في طريق حديث المنزلة: مخطوط


٧٣ ـ جهاد الشيعة : للدكتورة سميرة مختار الليثي الطبعة الأولى ، افست انتشارات الشبستري ـ قم.

٧٤ ـ الحدائق الوردية : لحميد الدين أحمد المحلي الشهيد طبع دار اسامة ـ دمشق.

٧٥ ـ الحدود والحقائق في مصطلحات الكلام : للقاضي أشرف الدين صاعد البريدي تحقيق الدكتور حسين علي محفوظ ، مكتبة ديوان الخالصي ـ الكاظمية ، مطبعة المعارف ـ بغداد ١٩٧٠.

٧٦ ـ الحسين 7 : لعلي جلال طبع مصر.

٧٧ ـ الحسين 7 سماته وسيرته : للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي مكتبة الفقيه ـ الكويت ١٤١٦ ، ودار المعروف قم ١٤١٦.

٧٨ ـ حقائق الايمان : للشهيد الثاني زين الدين بن علي ( ت ٩٦٥ ) منشورات مكتبة المرعشي ـ قم ١٤٠٩ هـ.

٧٩ ـ حلية الأولياء : لأبي نعيم الأصفهاني.

٨٠ ـ حياة الإمام زين العابدين 7 : للشيخ باقر شريف القرشي الطبعة الأولى ، افست دار الكتاب الإسلامي ـ قم ١٤٠٩ هـ.

٨١ ـ حياة الإمام علي بن الحسين 7 : كاظم جواد الحسيني طبع العراق.

٨٢ ـ حياة الإمام الباقر 7 : للشيخ باقر شريف القرشي طبع النجف.

٨٣ ـ الخصائص : للسيوطي.

٨٤ ـ الخصال : للشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ) صححه علي أكبر الغفاري ، منشورات جامعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم ١٤٠٠ هـ.

٨٥ ـ دائرة المعارف الشيعية : للسيد حسن الأمين الطبعة الأولى بيروت.

٨٦ ـ درر الأحاديث النبوية بالأسانيد اليحيوية : للهادي إلى الحق بحيى بن الحسين الزيدي ( ت ٢٩٨ ) طبعة بحيى عبدالكريم الفضيل ، مؤسسة الأعلمي بيروت ١٤٠٢ هـ.

٨٧ ـ دفاع عن السنة : لأبي شهبة طبع مصر.

٨٨ ـ دلائل الإمامة : للطبري محمد بن جرير بن رستم الشيعي المطبعة الحيدرية ـ النجف.

٨٩ ـ دلائل النبوة : لأبي نعيم طبع حلب.

٩٠ ـ دلائل النبوة : للبيهقي الطبعة الحديثة.


٩١ ـ ديوان الفرزدق : طبع بيروت.

٩٢ ـ ذكرى عاشوراء والاستلهام من معطياتها فقهياً وأدبياً : للمؤلّف السيد محمد رضا الحسيني الجلالي مخطوط عند المؤلف.

٩٣ ـ ربيع الأبرار : للزمخشري طبع بغداد ، أعادته منشورات الرضي ـ قم.

٩٤ ـ رجال الطوسي : للشيخ الطوسي ، تحقيق جواد الفيومي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٥.

٩٥ ـ رجال الكشي : اختيار معرفة الرجال ، للشيخ الطوسي وصححه الشيخ حسن المصطفوي ـ دانشگاه مشهد ـ ١٣٤٨ ش.

٩٦ ـ رجال المشكاة : للدهلوي طبع الهند.

٩٧ ـ رسائل الجاحظ : طبع مصر.

٩٨ ـ رسائل العدل والتوحيد : دراسة وتحقيق محمد عمارة دار الهلال ـ القاهرة ـ ١٩٧١.

٩٩ ـ رسالة أبي غالب الزُراري : لأحمد بن محمّد بن محمّد بن سليمان ( ت ٣٦٨ ) تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، مركز البحوث والتحقيقات الإسلامية قم ـ ١٤١٢.

١٠٠ ـ رسالة الحقوق : عن الإمام السجّاد 7 برواية أبي حمزة الثمالي ، لنسخ عديدة ذكرناه في مقدمة الرسالة التي أثبتناها بنصها في الصحفات ( ٢٥٤ ـ ٢٩٦ ).

١٠١ ـ رسالة الجاحظ في فضل بني هاشم : مطبوع في كشف الغمة للاربلي.

١٠٢ ـ الروض النضير شرح المجموع الكبير : للحسين بن أحمد السياغي مكتبة المؤيد ـ الطائف ، الطبعة الثانية.

١٠٣ ـ الرياض من كتب الزيدية : نقل عنه في ( شرح الأزهار ) لابن مفتاح.

١٠٤ ـ زندكاني علي بن الحسين 7 : دكتر سيد جعفر شهيدي ، دفتر نشر فرهنگ السلامي تهران ـ چاپ سوم ١٣٧٠ هـ. ق.

١٠٥ ـ زهرة المهج وتواريخ الحجج : نقل عنه ابن طاوس في فلاح السائل.

١٠٦ ـ الزيدية في اليمن : السيد بدر الدين الخوثي الحسني اليماني كراسة مطبوعة في اليمن سنة ١٤١٣ هـ.

١٠٧ ـ زين العابدين : لعبدالعزيز سيد الأهل طبع مصر.

١٠٨ ـ السرائر : لابن ادريس محمد العجلي الحلي ( ت ٥٩٨ ) طبعة جامعة


المدرسين ـ قم ١٤١٠ هـ.

١٠٩ ـ سير أعلام النبلاء : للذهبي ( ت ٧٤٨ ) تحقيق مأمون الصاغرجي ، مؤسسة الرسالة ـ الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٤٠٥ هـ.

١١٠ ـ سيرتنا وسنتنا : للشيخ عبدالحسين أحمد الأميني النجفي صاحب الغدير مطبعة الآداب النجف الأشرف ١٣٨٤ هـ.

١١١ ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار : للقاضي النعمان بن محمد المصري المغربي ( ت ٣٦٣ ) تحقيق السيد محمد الحسيني ، مطابع جامعة المدرسين ـ قم ١٤١٢ هـ.

١١٢ ـ شرح الأزهار : لأبي الحسن ابن مفتاح.

مطبعة حجازي ـ القاهر ١٣٥٧ توزيع مكتبة اليمن الكبرى ـ صنعاء.

١١٣ ـ شرح الأصول الخمسة : للقاضي عبدالجبار المعتزلي.

١١٤ ـ شرح الرسالة : للشيخ جسوس نقل عنه في نظم المتناثر للكتاني.

١١٥ ـ شرح رسالة الحقوق : لعبد الهادي المختار كتاب الشهر ( ٦ ) بغداد ١٣٦٩ هـ.

١١٦ ـ شرح المواقف العضدية : للسيد الشريف الجرجاني ( ت ٨١٢ ) الطبعة الأولى ١٣٢٥ نشر الشريف الرضي ـ قم ١٤١٢ هـ.

١١٧ ـ شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد المعتزلي تحقيق ابوالفضل ابراهيم ، دار إحياء التراث العربي ـ طبعة ثانية بيروت ١٣٨٧.

١١٨ ـ شرح مقامات بديع الزمان الهمداني : لمحمد محي الدين عبدالحميد دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٣٩٩ هـ.

١١٩ ـ شناخت إمام ياره رهائي أزمرك جاهلي ( في حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه ) : للشيخ مهدي فقيه إيماني قم ـ ١٤١٢.

١٢٠ ـ شواهد التنزيل بقواعد التفضيل للحاكم الحسكاني النيسابوري ( ق ٦ ) تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي ، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ١٣٩٥ هـ.

١٢١ ـ صحيح البخاري : طبعة دار إحياء التراث العربي عن اليونينية.

١٢٢ ـ صحيح الترمذي ( السنن ) : لمحمد بن عيسى بن سورة. تحقيق إبراهيم عطوة عوض ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

١٢٣ ـ صحيح مسلم : المطبوع مع شرح النووي دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٤٠٧ هـ.


١٢٤ ـ الصحيفة السجادية : إملاء الإمام زين العابدين 7.

طبعات عديدة أضبطها : طبعة « مكتب قُرآن » في طهران ١٤٠٨ هـ بتقديم المير سيد أحمد الروضاتي الاصفهاني عن نسخة خطيّة قيّمة.

١٢٥ ـ صفوة الصفوة : لابن الجوزي ابي الفرج البغدادي ( ت ٥٦٧ ) حققه محمود فاخوري ـ دار الوعي ـ حلب ١٣٩٠ هـ.

١٢٦ ـ فدك : للسيد محمد حسن القزويني الحائري ( ت ١٣٨٠ ) تحقيق الشيخ باقر المقدسي قدم له الاستاد عبدالفتاح عبدالمقصود إشراف السيد مرتضى الرضوي ـ مطبوعات النجاح بالقاهرة ( ١٦ ) دار المعلم ـ القاهرة ١٣٩٦.

١٢٧ ـ الصلة بين التصوف والتشيع : دكتور كامل مصطفى الشيبي ، دار العارف ـ مصر الطبعة الثانية ١٩٦٩.

١٢٨ ـ الصواعق المحرقة : لابن حجر أحمد الهيتمي المكي ( ت ٩٧٤ ).

المطبعة الميمنية ـ مصر ١٣١٢ هـ.

١٢٩ ـ ضحى الإسلام : لأحمد أمين المصري طبع مصر.

١٣٠ ـ طبقات ابن سعد : لمحمد بن سعد كاتب الواقدي طبع ليدن وبيروت.

١٣١ ـ طبقات الشافعية الكبرى : للسبكي.

١٣٢ ـ طبقات المدلّسين : لابن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ ) المطبعة الحسينية ، القاهرة.

١٣٣ ـ العقد الفريد : لابن عبد ربه الأندلسي تحقيق الترحيني ، دار الكتب العلمية بيروت ـ ١٤٠٤ هـ.

١٣٤ ـ علل الشرائع : للشيخ الصدوق ( ت ٣٨١ ) المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ١٣٨٥ أعادته بالأفست مكتبة الداوري ـ قم.

١٣٥ ـ العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء والمشايخ : لصالح المقبلي طبع مصر ١٣٢٨ هـ.

١٣٦ ـ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : لابن عنبة أحمد بن علي جمال الدين الحسيني ( ت ٨٢٨ ) المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ١٣٨٠ هـ.

١٣٧ ـ عوالم العلوم والمعارف : الجزء ( ١٨ ) ( ترجمة الإمام السجاد 7 ) للشيخ عبدالله البحراني ( ق ١٢ ) تحقيق مؤسسة الإمام المهدي 7 ـ قم ١٤٠٧ هـ.

١٣٨ ـ عيون أخبار الرضا 7 : للشيخ الصدوق طبع جهان ـ قم.


١٣٩ ـ الغيبة : للشيخ الطوسي ( ت ٤٦٠ ) مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم ١٤١١ هـ.

١٤٠ ـ فجر الإسلام : لأحمد أمين المصري.

١٤١ ـ الفخري في الآداب السلطانية : لابن الطقطقي محمد بن علي بن طباطبا ، راجعه ونقحه محمد عوض ابراهيم ، وعلي الجارم ، مطبعة المعارف ـ القاهرة ، طبعة ثانية.

١٤٢ ـ فرحة الغري : لابن طاوس عبدالكريم المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ، الطبعة الاولى.

١٤٣ ـ الفرق بين الفرق : للبغدادي ( ت ٤٣٩ ). تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد ، مكتبة صبيح ـ القاهرة.

١٤٤ ـ الفصل في الأهوار والملل : لابن حزم الأندلسي.

١٤٥ ـ فضل زيارة الحسين 7 : للشريف العلوي. محمد بن علي الكوفي ( ت ٤٤٥ ) اعداد السيد أحمد الحسيني ، مطبعة الخيام ـ قم.

١٤٦ ـ فضل الكوفة ومساجدها : مسند من مزار محمد بن جعفر ابن المشهدي الحائري ( ق ٦ ) تحقيق محمد سعيد الطريحي دار المرتضى ـ بيروت.

١٤٧ ـ الفكر الشيعي والنزعات الصوفية : للدكتور كامل مصطفى الشيبي. مكتبة النهضة ـ بغداد ١٣٨٦ هـ.

١٤٨ ـ فلاح السائل : للسيد علي بن طاوس الحلي ( ت ٦٦٤ ). المطبعة الحيدرية ـ النجف ١٣٨٥ هـ.

١٤٩ ـ الفهرست : للشيخ الطوسي ، تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم ، المطبعة الحيدرية النجف ١٣٨١.

١٥٠ ـ الفهرست لابن النديم محمد بن إسحاق : تحقيق رضا تجدّد ـ جامعة طهران ـ ( دون تاريخ ).

١٥١ ـ القاموس المحيط : للفيروز آبادي محمد بن يعقوب ( ت ٨١٧ ).

مؤسسة الحلبي وشركاه ، القاهرة ـ الطبعة الشنقيطية.

الكافي : للكليني ، أبي جعفر محمد بن يعقوب الرازي ( ت ٣٢٩ ) وهو قسمان :

١٥٢ ـ الاصول : تصحيح نجم الدين الآملي ، المكتبة الإسلامية ، طهران ١٣٨٨.

١٥٣ ـ الفروع : الروضة ، صححه علي أكبر الغفاري ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ١٣٨٨.

١٥٤ ـ كامل الزيارات : لابن قولويه ، جعفر بن محمد القمي ( ت ٣٦٧ ) صححه عبدالحسين الأميني ، المطبعة المرتضوية ـ النجف ١٣٥٦ هـ نشرته بالافست مكتبة وجداني ـ قم.


١٥٥ ـ كتاب في معرفة الله : للهادي إلى الحق الزيدي ( ت ٢٩٨ ). طبع مع ( رسائل العدل والتوحيد ) لمحمد عمارة.

١٥٦ ـ كشف الغمة في معرفة أحوال الأئمة : للاربلي علي بن عيسى مكتبة بني هاشمي ، تبريز ١٣٨١ هـ.

١٥٧ ـ الكشكول في ما جرى على آل الرسول 6 : للسيّد حيدر الآملي ـ المطبعة الحيدرية النجف.

١٥٨ ـ كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر : للخزار علي بن محمد القمي ( ق ٤ ) حققه السيد عبداللطيف الكوهكمره اي الخوئي ، انتشارات بيدار ـ قم ١٤٠١ هـ.

١٥٩ ـ الكنى والألقاب : للشيخ عباس القمي ، مطبعة العرفان ـ صيدا أعادته انتشارات بيدار ـ قم.

١٦٠ ـ كنز العمال : للهندي المتقي.

١٦١ ـ الكواكب الدرية : للمناوي ( ت ١٠٣١ ) مصر ١٩٦٣.

١٦٢ ـ لسان العرب : لابن منظور الأنصاري ، محمد بن مكرم الافريقي ( ت ٧١١ ) طبعة مصورة عن بولاق ، تراثنا ، المؤسسة المصرية العامة.

١٦٣ ـ لسان الميزان : لابن حجر العسقلاني طبع دائرة المعارف ـ حيدرآباد الهند ـ أعادته مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.

١٦٤ ـ اللهوف على قتلى الطفوف : لابن طاوس ، علي بي موسى بن جعفر الحلي ( ت ٦٤٦ ) المطبعة الحيدرية ـ النجف ، أعادته مكتبة الداوري ـ قم.

١٦٥ ـ لوامع الأنوار : للسيد مجد الدين بن محمد المؤيدي ( دام ظله ) مخطوط.

١٦٦ ـ ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين : للسيد أبي الحسن الندوي طبعة سابعة ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٩٦٧.

١٦٧ ـ مؤلّفات الزيدية : للسيّد الشريف النسّابة علي بن مجد الدين العمري ( ق ٥ ) تحقيق الدكتور أحمد المهدوي الدامغاني ـ مكتبة السيّد المرعشي ـ قم ١٤٠٩.

١٧٠ ـ مجمع الزوائد : للهيتمي دار الكتاب العربي ، الطبعة الثالثة ١٤٠٢ هـ.

١٧١ ـ المجموعة الفاخرة ( مجموع كتب الهادي يحيى بن الحسين : مكتبة اليمن الكبرى ـ صنعاء.


١٧٢ ـ المحاسن : للبرقي ، أحمد بن محمد بن خالد القمي صححه السيد جلال الدين المحدث الأرموي ، دار الكتب الإسلامية ـ قم ـ طبعة اولى.

١٧٣ ـ المحاسن والمساوي : للبيهقي طبع بيروت.

١٧٤ ـ محاضرات الادباء : الراغب الأصبهاني طبعة بيروت.

١٧٥ ـ المحجمة البيضاء في تهذيب الأحياء : للمحدّث محمد بن مرتضى المدعو بالمولى محسن الفيض الكاشاني ( ت ١٠٩١ هـ ).

دفتر انتشارات السلامي ـ حوزة علمية ـ قم ـ مطبعة الحيدري.

١٧٦ ـ المحدث الفاصل بين الراوي والواعي : للرامهرمزي تحقيق محمد عجاج الخطبيب ، دار الفكر ـ بيروت : الطبعة الأولى ١٣٩١ هـ.

١٧٧ ـ المختار الثقفي : لأحمد الدجيلي.

١٧٨ ـ مختصر تاريخ دمشق : لابن منظور الأنصاري ( ت ٧١١ ) الطبعة الحديثة.

١٧٩ ـ المخمسات : كتاب منظوم منسوب إلى الإمام السجّاد 7 نسخته المخطوطة في مكتبة السيّد المرعشي في قم ، برقم ( ٥٥٥٧ ) بتاريخ ( ٩٠٣ ).

١٨٠ ـ مروج الذهب ومعادن الجوهر : للمسعودي علي بن الحسين بن الحسن ( ت ٣٤١ ) تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد ، دار المعرفة ـ بيروت.

١٨١ ـ مستدرك الصحيحين : للحاكم النيسابوري ( ت ٤٥٠ ) طبعة حيدرآباد ـ اُفست بيروت دار الفكر.

١٨٢ ـ مستدرك الوسائل : للشيخ النوري حسين بن محمد تقي الرازي ( ت ١٣٢٠ ) طبع اولاً على الحجر ـ المكتبة الإسلامية ـ طهران. والطبعة الحديثة تحقيق مؤسسة آل البيت : ـ قم ١٤٠٥ هـ.

١٨٣ ـ مسند أحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ ). طبعة مصر ( ٦ مجلدات ) أعادته دار الفكر ـ بيروت.

١٨٤ ـ مسند الرضا 7 : الشيخ عزيز الله العطاردي طبع إيران.

١٨٥ ـ المصنف : لابن أبي شيبة ، الطبعة الحديثة الهند.

١٨٦ ـ المعارف : لابن قتيبة الدينوري ( ت ٢٧٦ ) طبع مصر.

١٨٧ ـ معتزلة اليمن ( دولة الهادي وفكره ) : لعلي محمد زيد مركز الدراسات والبحوث اليمني ـ صنعاء ـ دار العودة ـ بيروت ١٩٨١.


١٨٨ ـ معجم رجال الحديث : السيد أبي القاسم الموسوي الخوئي. الطبعة الاولى ـ النجف الأشرف ١٣٩٠ هـ.

١٨٩ ـ المعجم الكبير : للطبراني سليمان بن أحمد ( ت ٣٦٠ ). حققه حمدي السلفي ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

١٩٠ ـ معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت 7 : للشيخ عبدالجبّار الرفاعي ـ طبع مؤسسة وزارة الثقافة والإرشاد الاسلامي ـ طهران ـ ١٤١١ هـ.

١٩١ ـ معرفة علوم الحديث : محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري ( ت ٤٠٥ ) دائرة المعارف ـ حيدرآباد ـ أعادته دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٣٩٧ هـ.

١٩٢ ـ المغرب : للمطرزي ، ناصر بن عبدالسيد بن علي ( ت ٦١٦ ) دار الكتاب العربي ـ بيروت.

١٩٣ ـ مقتل الحسين 7 : للخوارزمي الموفق بن أحمد المكي ( ت ٥٦٨ ) تحقيق الشيخ محمد السماوي ، الطبعة الاولى ـ النجف الأشرف ـ أعادته مكتبة المفيد ـ قم.

١٩٤ ـ مقتل الحسين 7 : للسيد محسن الأمين العاملي.

١٩٥ ـ المقنع في الإمامة : للسدابادي عبيدالله بن عبدالله الرازي. تحقيق شاكر شبع ، مؤسسة النشر الاسلامي ـ قم ١٤١٤ هـ.

١٩٦ ـ الملل والنحل : للشهرستاني محمد بن عبدالكريم بن أحمد. تحقيق عبدالعزيز محمد الوكيل ، مؤسسة الحلبي ـ القاهرة ١٣٨٧ هـ.

١٩٧ ـ من أدب الدعاء في الإسلام : للسيد محمد رضا الحسيني الجلالي مقال نشر في مجلة ( تراثنا ) الفصلية العدد (١) السنة الرابعة ١٤٠٩ هـ.

١٩٨ ـ مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب ، محمد بن علي السروي ( ت ٥٨٨ ) ط طهران في أربعة أجزاء ، وطبعة دار الاضواء ( بيروت ١٩٩١ ) في خمسة أجزاء مع الفهارس.

١٩٩ ـ مناقب أميرالمؤمنين 7 : لمحمد بن سليمان الكوفي الحافظ تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي ، ط وزارة الارشاد الإسلامي ـ طهران ) ١٤١.

٢٠٠ ـ موقف الخلفاء العباسيين من الأئمة الأربعة ومذاهبهم : لعبد الحسين علي أحمد دار قطري ، قطر ١٤٠٥ هـ.

٢٠١ ـ ميزان الاعتدال : للذهبي ( ت ٧٤٨ ). تحقيق علي محمد البجاوي ، دار المعرفة ، بيروت.

٢٠٢ ـ النجوم الزاهرة : للتغري بردي طبعة مصر دار الكتب أعادته سلسله ( تراثنا ) القاهرة.


٢٠٣ ـ نثر الدرر : لأبي سعيد ، منصور بن الحسن الآبي بواسطة ( كشف الغمة ) للاربلي.

٢٠٤ ـ نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : للحلواني الحسين بن محمد بن الحسن ( ق ٥ ) مطبعة سعيد ـ مشهد ١٤٠٤ هـ.

٢٠٥ ـ نظرية الإمامة : لأحمد محمود صبحي دار المعارف ـ مصر ١٩٦٩ م.

٢٠٦ ـ النظم الإسلامية : لصبحي الصالح طبع بيروت.

٢٠٧ ـ نظم المتناثر في الحديث المتواتر : للسيد محمد بن جعفر الكتاني. دار الكتب السلفية ـ مصر ١٩٨٣ م.

٢٠٨ ـ نقش الخواتيم عند الأئمة : للسيد جعفر مرتضى العاملي. طبع مشهد ـ مؤتمر الإمام الرضا 7.

٢٠٩ ـ النكت الاعتقادية : لفخر المحققين محمد ابن العلامة الحلي ( ق ٨ ) نسب خطا إلى الشيخ المفيد ، طبع المجمع العالمي لأهل البيت ـ قم ( ١٤١٣ ).

٢١٠ ـ النكت في مقدمات الاصول : للشيخ المفيد ( ٤١٣ ) تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي ، نشر المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ـ قم ١٤١٣.

٢١١ ـ نهج البلاغة : جمع السيد شريف الرضي من كلام أميرالمؤمنين علي 7 ، طبعة صبحي الصالح ـ بيروت.

٢١٢ ـ الوافي : للفيض الكاشاني ، الملا محمد محسن ( ت ١٠٩١ هـ ). طبع على الحجر ـ ايران.

٢١٣ ـ وسائل الشيعة : للحر العاملي ( ت ١١٠٤ ). مؤسسة آل البيت 7 لإحياء التراث ـ قم ١٤٠٩ هـ.

٢١٤ ـ وفيات الأعيان لابن خلكان : الطبعة الحديثة تحقيق إحسان عباس ـ بيروت.

٢١٥ ـ وقعة صفين : لنصر بن مزاحم المنقري ( ت ٢١٢ ). تحقيق عبدالسلام محمد هارون ، المؤسسة العربية ـ القاهرة ١٣٨٢.

٢١٦ ـ ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة : لشرف الدين الناصر. بخط الشيخ أحمد محمد حجر ، دار مكتبة الخير ـ صنعاء اليمن.


سادساً : فهرس المحتوى

دليل الكتاب..................................................................... ٧

المقدمة : لماذا هذا الكتاب؟................................................ ٩ ـ ١٤

التمهيد وفيه بحثان................................................... ١٥ ـ ٣٨

البحث الأول : الإمامة ومستلزماتها....................................... ١٧ ـ ٢٨

تعريف الإمامة................................................................. ١٧

شروط الإمامة عند الزيدية ...................................................... ١٩

هل عارض الائمة 7 الحركات المسلحة؟........................................ ٢٠

مدى شريطية الخروج بالسيف................................................... ٢١

إغلال الباب وإرخاء الستر................................................ ٢١ ـ ٢٣

موقف الأئمة 7 من الظالمين................................................... ٢٣

بين الحج والجهاد ، في كلام الإمام السجّاد 7.................................... ٢٤

دلالة حديث : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ».............................. ٢٥

الشرط الأساسي لإمامة هو الاصلاح لأمر الدين والدنيا.............................. ٢٦

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وشرائطهما الفقهية....................... ٢٦ ـ ٢٧

خلاصة هذا البحث ..................................................... ٢٧ ـ ٢٨

البحث الثاني : إمامة السجاد زين العابدين 7............................. ٢٩ ـ ٣٨

اتفاق الشيعة الإمامية على إمامته 7............................................ ٢٩

إمامة السجاد 7 عند الزيدية................................................... ٣٠

خلاف الزيدية في تعيين الامام بعد الحسين 7 من خالف من الزيديّة المتأخرين في إمامة السجاد 7 ...................................................................... ٣١

دلالة حديث : أن الارض لاتخلو من حجة......................................... ٣٣

دلالة حديث : من مات وليس عليه إمام.......................................... ٣٣

قول الزيدية بإمامة الحسن المثنى الملقب بـ « الرضا »........................ ٣٣ ـ ٣٤

اعتراف العامة بإمامة السجاد 7................................................ ٣٤


الإرشاد إلى إمامة السجاد في الحديث المرفوع ، في فضل الإمام السجاد7...... ٣٥ ـ ٣٧

١ ـ من طرق الإمامة.......................................................... ٣٥

٢ ـ من طرق العامة........................................................... ٣٦

٣ ـ من طرق الزيدية................................................... ٣٦ ـ ٣٧

خير أهل الأرض ............................................................... ٣٧

دعوة الإمام إلى إمامة نفسه...................................................... ٣٧

الفصل الأول : أدوار النضال في حياة الإمام 7

٣٩ ـ ٧٥

أوّلاً : في كربلاء........................................................ ٤٢ ـ ٤٧

حضور الإمام عليه مع أبيه....................................................... ٤٢

قتاله 7 يوم عاشوراء حتى جرح في المعركة............................... ٤٢ ـ ٤٣

الإمام السجاد 7 كان عليلا وقد كان قاتل مع ذلك............................... ٤٤

الإمام الحسين 7 يسمح لمن معه بالانصراف..................................... ٤٥

ما قام به الحسين 7 وأصحابه كان فداءاً وتضحية......................... ٤٥ ـ ٤٦

أثر معركة كربلاء في روحية النضال عند الإمام السجاد 7 والشيعة........... ٤٦ ـ ٤٧

ثانيا : في الأسْر.......................................................... ٤٨ ـ ٥٨

بطولة الإمام في أسر الأعداء..................................................... ٤٨

وجود الإمام 7 استمرار لكربلاء............................................... ٤٩

الجهاد بالحكمة عند السلطان الجائر............................................... ٥٠

إعلانه 7 عن هوية العترة وهو في أسر بني امية................................... ٥٠

موقفة في مجلس يزيد ، وتعريفه بنفسه ، وإعلانه عن هويته الشخصية.................. ٥٠

خطبة الإمام في مجلس يزيد............................................... ٥١ ـ ٥٣

الحكمة البالغة في كلام الإمام في ذلك المجلس....................................... ٥٤

سياسة الإمام في تأطير خطبة بالإطار الشخصي..................................... ٥٥

جواب الإمام لمن سأله : « كيف أصبحت »...................................... ٥٥

رفعه 7 لصوته ليُسمع الآخرين................................................ ٥٦

المفاضلة بين الكلام والسكوت عند الإمام 7..................................... ٥٧


الإمام السجاد 7 لسان الحسين 7 وصوته.............................. ٥٧ ـ ٥٨

ثالثا : وفي المدينة........................................................ ٥٩ ـ ٧٥

المدينة الواجمة ، والناس الواجمون................................................. ٥٩

الإمام السجاد وحيد ، وغريب في المدينة.......................................... ٥٩

الأعباء الثقال التي تحملها الإمام : أعباء كربلاء ، والعائلة ، والإمامة........... ٥٩ ـ ٦٠

في السنين الأولى في المدينة....................................................... ٦٠

الإجراء الغريب : بيت من « الشَعْر » في البادية............................. ٦٠ ـ ٦١

الهدف من هذا الإجراء : إبعاد اصابع الإتهام وأعين الرقابة عن نفسه................... ٦١

سياسة الابتعاد عن الناس........................................................ ٦٢

ثمرات ذلك الإجراء الفريد................................................ ٦٢ ـ ٦٣

الإمام السجاد 7 كان مأموراً بذلك الإجراء في تلك الفتره الخاصة........... ٦٣ ـ ٦٥

ومع وقعة الحرّة :............................................................... ٦٥

خطبة الإمام 7 عند وروده إلى المدينة.................................... ٦٥ ـ ٦٧

موقف أهل المدينة من الإمام..................................................... ٦٧

أهداف أهل الحرّة.............................................................. ٦٧

موقع الإمام 7 بين ثوار الحرّة.................................................. ٦٨

أخطاء أهل الحرّة وضعفهم....................................................... ٦٨

أهل البيت 7 حافظوا على حرمة الحرمين........................................ ٦٩

ابتعاد أهل المدينة عن الإمام كان في صالح سياسة الإمام.............................. ٦٩

حياد الإمام من حركة الحرة ليس انحيازاً إلى الحكومة الظالمة.......................... ٦٩

الإمام 7 كان مستهدفاً ، ومتهماً في نظر الناس................................... ٧٠

التجاء الإمام إلى القبر الشريف ، والدعاء ، عند ورود الجيش الشامي.................. ٧١

ومع أعباء القيادة............................................................... ٧٢

أخطر ما واجهه الإمام انتشار روح اليأس والقنوط في نفوس الامة..................... ٧٢

تفرق الناس عن أهل البيت وارتدادهم عن الإمامة............................ ٧٢ ـ ٧٣

تخطيط الإمام 7 لاستعادة القوى............................................... ٧٣

الإمام حامل للرسالة على ثقلها................................................... ٧٤


الفصل الثاني : النضال الفكري والعلمي

٧٧ ـ ١١٦

التربية والتعليم من وظائف الانبياء والأئمة 7............................. ٧٩ ـ ٨١

سعي الحكام الظالمين في الصدّ عن الحق بطرق شتى وأساليب ذلك..................... ٨٠

قيام الإمام السجاد 7 بدور التصدي لذلك...................................... ٨١

أوّلا : في مجال القرآن والحديث........................................... ٨٢ ـ ٨٧

القرن الأول فترة المنع الرسمي لنقل الحديث وتدوينه.................................. ٨٢

قيام الامام برواية الحديث تحد لأوامر المنع.......................................... ٨٣

نوعية الحديث المروي عنه 7.................................................. ٨٤

مع القرآن :.................................................................... ٨٤

دعوته إلى القرآن وقراءته والنظر فيه........................................ ٨٤ ـ ٨٥

تعظيمه للقرآن ، وقراءته له بصوت حسن......................................... ٨٥

احتفاف القرآء بالإمام وملازمتهم له.............................................. ٨٦

تفسيرة للقرآن وتطبيقه لآياته على قضايا عصره.............................. ٨٦ ـ ٨٧

ثانياً : مجال الفكر والعقيدة............................................. ٨٨ ـ ١١٠

التوحيد الالهي واهتمام الاسلام به................................................ ٨٨

الرجعة الاموية وتمسكهم بالصنمية................................................ ٨٨

عقيدة الجبر............................................................. ٨٨ ـ ٩١

ترويج الدولة الاموية لهذه العقيدة................................................. ٨٩

معاوية أول من أظهر عقيدة الجبر.......................................... ٨٩ ـ ٩٠

رد الامام السجاد 7 على إعلان يزيد وعبيد الله ، لهذا المعتقد...................... ٩٠

جواب الإمام السجاد 7 عن القدر؟............................................ ٩١

عقيدة التشبيه والتجسيم.................................................. ٩١ ـ ٩٣

انتشار عقيدة التجسيم في العصر الأموي........................................... ٩١

مقاومة الاسلام للافكار المنافية للتوحيد والتنزيه..................................... ٩١

استفحال أمر المجسمة والمشبهة في عصر الإمام السجاد 7................... ٩١ ـ ٩٢

نماذج من محاولات الإمام في رد هذه الأفكار....................................... ٩٢


رده على معلني التجسيم في المسجد النبوي......................................... ٩٢

بُعد التحدي في هذا الرد........................................................ ٩٣

مهزلة الإرجاء.......................................................... ٩٣ ـ ٩٦

معنى الإرجاء وصور من فكرته الخاطئة............................................ ٩٣

مبدأ الإرجاء يخدم بني امية...................................................... ٩٤

بطلان مزعومة الإرجاء.......................................................... ٩٤

الاُمويون يؤكّدون على الإرجاء........................................... ٩٤ ـ ٩٥

قام الإمام الحسين 7 بالتضحية الكبرى لفضح الحكام.............................. ٩٥

وقعة الحرّة ، وهدم الكعبة نماذج من إجرام آل امية.................................. ٩٥

المرجئة يبرّءون الحكّام من الكفر.................................................. ٩٦

التعاليم السجادية فضحت اكذوبة الإرجاء......................................... ٩٦

وفي الإمامة والولاية :........................................................... ٩٦

أهمية الامامة في النظم الاسلامية.................................................. ٩٦

اعلان السجاد 7 عن إمامة نفسه رغم خطورة ذلك............................... ٩٧

الأحاديث التي تضمنت هذا الإعلان........................................ ٩٧ ـ ٩٨

إعلان ذلك في دعائه في يوم عرفة................................................. ٩٨

أهمية تصدي الإمام لهذا الإعلان في هذا الزمان والمكان............................... ٩٨

إعلان ذلك في دعائه ليوم الجمعة والأضحى........................................ ٩٩

وصيته بالامامة إلى ابنه الباقر 7................................................ ٩٩

إعلان إمامة ابنه عند الزهري عالم البلاط........................................... ٩٩

أهداف الإمام السجاد 7 من هذا الإعلان...................................... ١٠٠

إثارة خلافة الشيخين.......................................................... ١٠٠

هدف الأمويين من هذه الإثارة بَثُّ الفرقة........................................ ١٠٠

موقف المسلمين من خلافة الشيخين............................................. ١٠١

تصدي أهل البيت : لمثل هذه الإثارة......................................... ١٠٢

جواب الإمام السجاد 7 للسؤال عن منزلة الشيخين............................. ١٠٢

البحث عن خلافة الشيخين تحريف متعمد للواقع الذي تعيشه الامة................... ١٠٣


الغرض من إثارة خلافة الشيخين إزواء أهل البيت : وشيعتهم ، وتشويه سمعتهم أمام العوام ........................................................................ ١٠٣ ـ ١٠٤

اهداف أهل البيت هي الهداية والإرشاد إلى الحق.................................. ١٠٣

إحباط الإمام الخطط الجهنميّة.......................................... ١٠٣ ـ ١٠٤

محافظة الإمام في اجاباته على الحقائق............................................ ١٠٤

كشف الإمام 7 لأقنعة مثيري الفتنة................................... ١٠٤ ـ ١٠٥

هدف الإمام إرساء قواعد الإيمان................................................ ١٠٥

موقف الإمام في قبال الإثارات كان شجاعاً....................................... ١٠٦

وكان صريحاً ، ومدروساً...................................................... ١٠٧

الموقف مع أحد العلماء اكثر صراحة.................................... ١٠٧ ـ ١٠٨

الصلاة مع المخالفين :......................................................... ١٠٩

حكم الصلاة مع المخالفين في الفقه الشيعي............................... ١٠٩ ـ ١١٠

الذين يخالفون هذا الحكم ليسوا شيعة............................................ ١١٠

ثالثاً : في الشريعة والأحكام........................................... ١١١ ـ ١١٦

سعي الحكام إزواء أئمة أهل البيت : في مجال الشريعة والفقه.................... ١١١

اهتمام الإمام السجاد 7 في الكشف عن موقيعية اهل البيت : في الشريعة١١١ ـ ١١٢

كلام الإمام في بيان اختلاف الأمة............................................... ١١٢

قول الإمام لرجل : « لو صرت إلى منازلنا لأريناك آثار جبرئيل ، أيكون أحد أعلم بالسنة منا » ...................................................................... ١١٢ ـ ١١٣

قوله 7 : إن دين الله لايصاب بالعقول........................................ ١١٣

محاربة الإمام 7 للبوادر المضللة للامة عن فقه أهل البيت.......................... ١١٣

إقرار كبار العلماء بأفقهية الإمام السجاد 7............................ ١١٣ ـ ١١٤

تبيين موقعية فقه أهل البيت نسف لقواعد الخلافة.................................. ١١٤

وأخيراً : في إعمار الكعبة المعظّمة...................................... ١١٥ ـ ١١٦

الفصل الثالث : النضال الاجتماعيّ والعَمَلِيّ

١١٧ ـ ١٥٤

الإصلاح وطرقه وأساليبه....................................................... ١١٩


قيام الإمام السجاد 7 بما يعدّ معجزة في هذا المجال............................... ١١٩

أوّلاً : في مجال الأخلاق والتربية....................................... ١٢٠ ـ ١٣١

حديث عن أخلاق الامام 7................................................. ١٢٠

موقفه من هشام بن إسماعيل الأموي............................................. ١٢٠

ثمرة الأخلاق الفاضلة.......................................................... ١٢١

من أبرز الجهود التي قام بها الإمام هو جمع صفوف المؤمنين وتربيتهم وتحصينهم........ ١٢١

دعوة إلى العلم والفكر......................................................... ١٢٢

والتحصن ضد وسائل التزوير................................................... ١٢٢

رسالته إلى أصحابه في الزهد........................................... ١٢٣ ـ ١٢٥

ويصلي عليهم ، ويحتهم على الاحسان إلى الأخوان................................ ١٢٦

أماثل اصحابه وشيعته الذين تربوا على يده 7.................................. ١٢٧

يحيى بن أم الطويل............................................................ ١٢٧

سعيد بن جبير............................................................... ١٢٨

والذين اختفوا ، والذين هربوا.................................................. ١٢٨

وفي الطليعة أبناؤه العظام :..................................................... ١٢٨

١ ـ الإمام الباقر 7........................................................ ١٢٨

٢ ـ والحسين الأصغر......................................................... ١٢٩

٣ ـ والشهيد زيد........................................................... ١٢٩

آثار ثورة زيد الشهيد......................................................... ١٢٩

الشهيد زيد استلهم الشجاعة من أبيه وأخيه...................................... ١٢٩

الجيش الذي ناصر زيداً لم يكن وليد ساعته...................................... ١٣٠

زيد الشهيد ضحى بنفسه في سبيل تعزيز مواقع الأئمة :........................ ١٣٠

ثورة زيد صرفت أنظار الدولة عن الإئمة وعززت مواقعهم بين الأمة................. ١٣١

ثانياً : في مجال الإصلاح الدولة........................................ ١٣٢ ـ ١٣٤

إصلاح الأوضاع من أهداف الإمام.............................................. ١٣٢

اجتماعه كل ليلة والتحدّث عن الاوضاع........................................ ١٣٢

الإمام السجاد 7 لم يترك المدينة.............................................. ١٣٣


كلام الإمام السجاد 7 عن الدول............................................. ١٣٣

ثالثاً : في مجال مقاومة الفساد.......................................... ١٣٥ ـ ١٥٠

المشاكل الاجتماعية في عصر الإمام 7......................................... ١٣٥

مقاومة الإمام للعصبية والعنصرية................................................ ١٣٥

اعتماد الامويين للعصبية والعنصرية.............................................. ١٣٥

استغلال الجهال لهذه السياسة الأموية............................................ ١٣٦

الحكم الأموي لم يكن إسلامياً بل عنصرياً........................................ ١٣٧

كان الإمام 7 يشيع الديمقراطية............................................... ١٣٨

مقاومة الإمام 7 للعصبية قولا وعملا.......................................... ١٣٨

كتاب عبدالملك إلى الإمام يعترض عليه بتزويج مولاته.............................. ١٣٨

جواب الإمام 7 في رفض العصبية............................................ ١٣٩

إثارة سياسة الإمام 7 للجهاز الحاكم.......................................... ١٤٠

مقاومة الإمام 7 للمشكلة الاقتصادية.......................................... ١٤٠

سياسة التجويع والتطميع التي اتبعها الامويون............................ ١٤٠ ـ ١٤١

رفع المستوى الاقتصادي من أهداف الإصلاح..................................... ١٤١

سرّية عمل الإمام 7 في هذا المجال............................................ ١٤١

أساليب عديدة في عمل الإمام.......................................... ١٤١ ـ ١٤٢

بكاء الإمام 7 واعتباره للمشكلة محنة......................................... ١٤٢

دعوة الإمام إلى تداول الثروة واستمناء المال واستثماره............................. ١٤٣

المقارنة بين سياسة الإمام 7 الاقتصادية ، وسياسة بني أمية............... ١٤٣ ـ ١٤٤

مقاومة الإمام 7 لمشكلة الرقيق .............................................. ١٤٤

الصورة الحقيقة للمشكلة وأبعادها............................................... ١٤٤

معاملة الإمام 7 للعبيد قبل عتقهم ............................................ ١٤٥

سياسة الإمام 7 في عملية العتق.............................................. ١٤٥

المعتقون جيل من التلامذة المؤمنين .............................................. ١٤٧

جيش من الموالي قيد إشارة الإمام 7.......................................... ١٤٧

أساليب الإمام 7 في إعتاق العبيد ............................................. ١٤٨


الإمام يعتق أفره غلمانه........................................................ ١٤٩

الإمام 7 قدوة للمسلمين في هذا العمل ....................................... ١٥٠

وأخيرا : مع كتاب رسالة الحقوق.............................................. ١٥١

دلالتها على العمل السياسي ........................................... ١٥١ ـ ١٥٤

الفصل الرابع : التزامات فَذَّة في حياة الإمام 7

١٥٥ ـ ٢٠١

المظاهر التي تميزت بها سيرة الإمام 7 .......................................... ١٥٧

أوّلا : التزام الزهد والعبادة........................................... ١٥٨ ـ ١٧٨

فضيلة الزهد ، وتميّز أهل البيت : بها ......................................... ١٥٨

آثار الإمام السجاد 7 في الزهد............................................... ١٥٨

سعي الحكام في إشاعة الترف واللهو ............................................ ١٥٩

انتشار الفساد والعبث واللهو في الحرمين الشريفين ، وخاصة المدينة المنورة............ ١٥٩

الإمام السجّاد 7 يظلّ في المدينة ليعظ الناس ................................... ١٦٠

موعظة الإمام 7 في مسجد الرسول 6 في كل جمعة................ ١٦٠ ـ ١٦٣

كلام للإمام 7 في الزهد وعلامة الزاهدين ............................. ١٦٥ ـ ١٦٧

آثار اتباع الإمام 7 لهذه السياسة............................................. ١٦٧

١ ـ اعتراف علماء البلاط بفضل الإمام 7 ................................... ١٦٧

٢ ـ إبراز فضل أهل 7 على الملاء........................................... ١٦٨

قول الإمام السجاد 7 : « مؤتسيا بأبويَّ ».................................... ١٦٩

قول الإمام السجاد 7 : « من يقوى على عبادة علي ».......................... ١٦٩

٣ ـ إنارة السبيل للعباد والصالحين ............................................. ١٧٠

كلامه 7 في صفة الزاهد ، وأجزاءه ودرجاته .......................... ١٧٠ ـ ١٧١

خطابه 7 للنفس بالنثر والشعر ............................................... ١٧١

٤ ـ تزييف دعاوي المبطلين من دعاة التصوف والرهبنة............................ ١٧٢

موقف الإمام 7 من المتظارهين بالزهد والعزلة .................................. ١٧٢

مركز انحراف العباد والزهاد المنحرفين ........................................... ١٧٢

موقف الإمام 7 من عبّاد البصرة عند الكعبة ................................... ١٧٣


انحراف الناس عن أهل البيت :...................................... ١٧٣ ـ ١٧٤

آثار الإمام في شرح العبادة من وجهة روحية ..................................... ١٧٥

عمل الإمام في الزهد والعبادة تعديل للموقف منهما ............................... ١٧٦

كلام الإمام السجاد 7 في تنويع الرجال المتظاهرين بالزهد ....................... ١٧٦

قوله في : الرجل ، كل الرجل ، نعم الرجل....................................... ١٧٦

٥ ـ إرعاب الظالمين.......................................................... ١٧٧

الإمام يملأ الطغاة رعبا وخيفة .................................................. ١٧٧

الإمام 7 يستغل هذه الظاهرة في صالح سياسته ................................. ١٧٨

الإمام 7 بريء من التصوّف والصوفية......................................... ١٧٨

ثانياً : البكاء على سيد الشهداء 7 ................................. ١٧٩ ـ ١٨٦

هذه الظاهرة تصاحب الإمام السجاد 7 طول عمره.............................. ١٧٩

البكاء حق طبيعي للانسان ..................................................... ١٧٩

الطغاة يستهينون بالبكاء ، والإمام يؤكّد عليه .................................... ١٧٩

الإمام السجاد 7 من البكاّئين الخمسة ......................................... ١٧٩

البكاء على سيد الشهداء 7 ليس أمر حزن ويأس بقدر ما هو أمر عبرة وإثارة واستمداد ................................................................................. ١٨٠

الحزن على كربلاء أقيم قبلها ومعها وبعدها ...................................... ١٨٠

الذين أثاروا الحزن على كربلاء هم أهل البيت..................................... ١٨٠

الرسول 6 يقيم المآتم على الحسين 7 ، وذلك من ذلائل النبوة ............... ١٨٠

الأئمة : علي والحسن وحتى الحسين : يقيمون العزاء ويدعون الى البكاء على مصاب سيد الشهداء ......................................................................... ١٨١

الإمام السجاد 7 يمثل كربلاء ببكائه ، ويعقب أهداف أبيه الحسين 7 ........... ١٨٢

موقف الناس من بكاء الإمام 7.............................................. ١٨٢

بكاء الإمام 7 ليس لأجل قضية دنيوية ....................................... ١٨٣

قول السجاد 7 : لا تلوموني ، فإن يعقوب 7 فقد سبطاً ... وقد نظرت الى أهل بيتي يذبحون .......................................................................... ١٨٣

من خطاب الإمام 7 لما ورد المدينة وذكره لرزية كربلاء ......................... ١٨٣


أساليب الإمام السجاد 7 لإحياء كربلاء ...................................... ١٨٤

١ ـ زيارة الحسين 7 ...................................................... ١٨٤

٢ ـ الاحتفاظ بتربة قبر الحسين 7........................................... ١٨٤

٣ ـ حمله خاتم الحسين 7 .................................................. ١٨٥

الإمام السجاد 7 لم يقم بذلك من أجل العاطفة................................. ١٨٥

الأئمة : بعيدون عن روح الانتقام الشخصي.................................. ١٨٥

الإمام 7 اكتسب بتصرّفاته الحكيمة اعتقاد الحكّام فيه : أنه الخير الذي لاشرّ فيه..... ١٨٥

صبر الإمام 7 على مصائب الدنيا............................................. ١٨٦

هدف الإمام 7 استمرار أهداف الإسلام ...................................... ١٨٦

ثالثاً : التزام الدعاء ........................................................... ١٨٧

من المظاهر الفذّة في سيرة الإمام 7 ........................................... ١٨٧

أبعاد أدعيته 7 ............................................................ ١٨٧

الأدب في تراث الأئمة : واهتمامهم به وبتعديله............................... ١٨٨

امتياز الصحيفة السجادية بين أدعية الإمام ....................................... ١٨٨

وأخيراً : مع الصحيفة هدفا ومضمونا .......................................... ١٩٠

مع الصحيفة هدفا ............................................................ ١٩٠

مع الصحيفة مضمونا ......................................................... ١٩٣

المقطع الأول : دعاؤه لأهل الثغور .............................................. ١٩٤

رعاية الإمام للبلاد الاسلامية الإسلام لا يقوم بالأشخاص ولا بالتصرّفات الخاصة ...... ١٩٤

تصرّفات الأئمة 7 على أساس حفظ الكيان الإسلامي ولو على حساب الافراد والعناوين الفرعية ......................................................................... ١٩٤

من هم أهل الثغور في زمان الإمام السجاد 7؟ ................................. ١٩٤

مصلحة الإسلام تقتضي الحماية عن الثغور ....................................... ١٩٥

الإمام يرعى البلاد الإسلامية من أوسع جبهاتها وحدودها وهي الثغور................ ١٩٥

الإمام 7 يدعو لأهل الثغور بنفس اللهجة التي يدعو بها على الحكام الظلمة ......... ١٩٦

نص الدعاء لأهل الثغور .............................................. ١٩٦ ـ ١٩٩

المقطع الثاني : دعاء الاستسقاء بعد الجدب ...................................... ١٩٩


رعاية الإمام 7 للأمة في حالتها الاقتصادية ..................................... ١٩٩

الإمام يفرض نفسه على الساحة السياسية ........................................ ١٩٩

الإمام يرعى الأمة مع خذلانها له ................................................ ٢٠٠

قضية الامة ككل من القضايا الكبرى ........................................... ٢٠٠

نصّ دعاء الاستسقاء ................................................. ٢٠٠ ـ ٢٠٢

الفصل الخامس : مواقف حاسمة

٢٠٣ ـ ٢٤١

نتائج النضال المرير ........................................................... ٢٠٥

تغيير اسلوب العمل السياسي في آخر فترة من حياة الإمام 7 من الاساليب السابقة الى التعرض والأستفزاز .............................................................. ٢٠٥

أولاً : مواقفه 7 من الظالمين ....................................... ٢٠٦ ـ ٢٢٠

استقرار الإمام في موقع الهجوم على الطغاة ....................................... ٢٠٦

مواقفه من عبدالملك الأموي ................................................... ٢٠٧

أيادي الإمام 7 على عبدالملك وأبيه .......................................... ٢٠٧

كتاب عبدالملك الى الحجاج باجتناب دماء بني عبدالمطلب ......................... ٢٠٧

إرسال الإمام 7 كتابا الى عبدالملك حول ذلك ................................. ٢٠٧

الخصوصيات التي احتواها كتاب الإمام ، والتي تثير عبدالملك ....................... ٢٠٨

ردّ فعل عبدالملك على كتاب الإمام 7 ........................................ ٢٠٩

الإمام يطوف أمام عبدالملك ، ولا يعتني به ....................................... ٢٠٩

جواب الإمام 7 لعبدالملك وما فيه من الاستفزاز بحسم وقوة وشجاعة.............. ٢٠٩

سعي عبدالملك في استيهاب سيف الرسول 6 من الإمام 7 ، بالتهديد ........ ٢١٠

رفض الإمام 7 إعطاء السيف ................................................ ٢١١

حدة التوتر بين الإمام 7 والنظام ............................................. ٢١١

الحجّاج الداهية يحثّ عبدالملك على قتل الإمام 7 ............................... ٢١١

حديث جلب الإمام وتقييده بالقيود والإغلال ، وخروجه منها بطريق الإعجاز ، وخوف عبدالملك منه ........................................................... ٢١١ ـ ٢١٢

دلالات هذا الحديث على وضع الإمام السياسي .......................... ٢١٢ ـ ٢١٣


موقفه 7 من هشام بن عبدالملك من أشهر المواقف في التاريخ .................... ٢١٣

أبيات من شعر الفرزدق في الموقف .............................................. ٢١٤

الدلالات الاستفزازية في عمل الإمام 7 ....................................... ٢١٥

استهداف الإمام 7 لتلك الدلالات ........................................... ٢١٥

موقفه 7 من عمر بن عبد العزيز : ............................................ ٢١٦

ترف عمر في ملبسه .......................................................... ٢١٦

الإمام يراقب عمر ، ويتوسّم تطلعاته ............................................ ٢١٦

آثار جهود الإمام الاجتماعية .................................................. ٢١٧

إنجازات عمر تؤدي الى عرقلة جهود الإمام ....................................... ٢١٧

عمر لم يعمل ما هو الحق وبصالح الامة .................................. ٢١٨ ـ ٢١٩

واقتطف الإمام ثمار جهوده .................................................... ٢٢٠

ثانياً : موقفه 7 من أعوان الظلمة .................................. ٢٢١ ـ ٢٣١

تشديد الإسلام النكير على إعانة الظالمين ................................ ٢٢١ ـ ٢٢٢

رواية معايش العباد التي تعدّ إعانة الظالم من كبائر الذنوب ......................... ٢٢١

اعتماد الإمام السجاد 7 لهذه القاعدة الإسلامية ومحاولته تجريد النظام الظالم من سلاح الوعّاظ الفاسدين ................................................................ ٢٢٢

أحاديث للإمام 7 في هذا المجال .............................................. ٢٢٢

مساوىء اصطحاب الظالم ..................................................... ٢٢٢

استعمال الإمام 7 الأساليب في الردع من إعانة الظالمين ......................... ٢٢٣

الزهري من كبار علماء البلاط ووعّاظ السلاطين .................................. ٢٢٣

إجماع أهل البيت ، والعلماء على ترك حديث الزهري والقدح فيه .......... ٢٢٣ ـ ٢٢٥

الإمام السجاد 7 يستعمل أساليب عديدة لردع الزهري عن إعانة الظالمين والانخراط معهم ................................................................................. ٢٢٦

١ ـ بإسماعه المواعظ في المناجاة ................................................ ٢٢٦

٢ ـ بالتنبيه الخاص .......................................................... ٢٢٦

٣ ـ التصغير والتهوين ....................................................... ٢٢٧

٤ ـ بالتكذيب لتزلّفاته ...................................................... ٢٢٧


٥ ـ بالرسالة التي وجهّها اليه ونصّها الكامل ............................ ٢٢٧ ـ ٢٣٠

دلالة الرسالة على سياسة الإمام 7 ........................................... ٢٣٠

عدم اكتراث الإمام 7 بالخطورات في هذه المرحلة من عمله السياسي ............. ٢٣١

ثالثاً : مواقفه 7 من الحركات المسلحة .............................. ٢٣٢ ـ ٢٤١

تصوّر الحكّام عن الإمام 7 الانصراف عن السياسة ............................. ٢٣٢

الإمام 7 يحافظ على بقاء هذا التصوّر ، في تصرفاته السياسية الدقيقة .............. ٢٣٢

الإمام 7 لم يكن في معزل عن الحركات السياسية المعاصرة له .................... ٢٣٢

انطلاء ذلك التصوّر على كٌتّاب في العصر الحاضر ................................. ٢٣٢

تعامل الإمام السجاد 7 مع الحركات بشكل مدروس ........................... ٢٣٣

١ ـ بالنسبة الى حركة الحرّة .................................................. ٢٣٣

٢ ـ فتنة ابن الزبير .......................................................... ٢٣٣

عداء ابن الزبير المعلن لآل الرسول 6 ....................................... ٢٣٣

مبرّرات تخوّف الإمام من فتنة ابن الزبير ......................................... ٢٣٤

موقف الإمام 7 من الحركات الاخرى مثل حركة التوّابين ، وحركة المختار ........ ٢٣٥

المختار يراسل الإمام السجاد 7 .............................................. ٢٣٦

الإمام لم يرفض حركة المختار ولم يعلن عن الارتباط به ، بل يولّي عمّه للأمر ......... ٢٣٦

أهداف الإمام 7 أكبر من حركة المختار المقطعيّة ............................... ٢٣٦

وجه ما ورد من أحاديث في ذمّ المختار ، لو صحّت .............................. ٢٣٧

لعن المختار على باب الكعبة ................................................... ٢٣٨

وجه التشكيك في صحّة هذه الأحاديث ......................................... ٢٣٨

المختار تحرّك بشعار « ثارات الحسين 7 » .................................... ٢٣٨

وصف زوجتي المختار ، له بأنه كان صائم نهاره قائم ليله ...الخ .................... ٢٣٨

الإمام الباقر 7 يترحّم على المختار ............................................ ٢٣٩

خروج الإمام 7 من أزمة الحركات ، دليل على عمق سياسة الإمام ............... ٢٣٩

نتائج جهود الإمام 7 .............................................. ٢٤٠ ـ ٢٤١

الخاتمة : نتائج البحث ................................................ ٢٤٣ ـ ٢٥١


الملاحق ...................................................................... ٢٥٣

الملحق الأول : رسالة الحقوق ......................................... ٢٥٥ ـ ٢٩٦

الملحق الثاني : تقاريظ الكتاب نثراً ونظماً ............................... ٢٩٧ ـ ٣٠١

الملحق الثالث : تقرير موجز عن المباراة ................................. ٢٠٤ ـ ٣٠٢

الفهارس العامة....................................................... ٣٠٧ ـ ٣٥٧

دليل الفهرسة................................................................ ٣٠٨

أوّلاً : فهرس الآيات الكريمة.................................................... ٣٠٩

ثانياً : فهرس الأحاديث الشريفة والآثار.......................................... ٣١٢

ثالثاً : فهرس الأعلام.......................................................... ٣٢٢

رابعاً : فهرس المواضع والأيام والمصطلحات...................................... ٣٢٦

خامساً : فهرس المصادر والمراجع................................................ ٣٢٩

سادساً : فهرس المحتوى........................................................ ٣٤٣

« سبحان ربك رب العزة عما يصفون »

« وسلام على المرسلين »

« والحمد الله رب العالمين »

جهاد الامام السجّاد

المؤلف: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي
الصفحات: 357
ISBN: 964-5985-22-6