بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الزّاى

باب ما جاءَ من كلام العرب أوله زاءٌ فى المضاعف والمطابق

زط الزاء والطاء ليس بشىء. وزُطّ (١) : كلمةٌ مولَّدة.

زع الزاء والعين أصلٌ يدلُّ على اهتزازٍ وحركة. يقال : زَعْزَعْتُ الشيء وتزَعْزَعَ هو ، إذا اهتزّ واضطرب. وسيرٌ زعزعٌ : شديد تهتز له الرِّكاب.

قال الهُذَلىّ (٢) :

وتَرْمَدُّ هَمْلَجَةً زَعْزَعًا

كما انخَرَط الحَبْلُ فوق المَخَالِ

زغ الزاء والغين ليس بشىء. ويقولون : الزغزغة : السُّخْرِيَة.

__________________

(١) الزط ، بالضم : جيل من الهند ، معرب «جت» بالفتح. قال صاحب القاموس : «والقياس يقتضى فتح معربه». وقال الخوارزمى الكلام على طبقات الهند : «الزط هم حفاظ الطرق ، وهم جنس من السند يقال لهم: جتان». انظر مفاتيح العلوم ص ٧٤. وفى معجم استينجاس ٣٥٦ أن «جت» اسم لجنس هندى حقير.

(٢) هو أمية بن أبى عائذ الهذلى. اللسان (زعع). وقصيدته فى شرح السكرى للهذليين ١٨٠ ومخطوطة الشنقيطى ٧٩.


زف الزاء والفاء أصلٌ يدلُّ على خِفَّةٍ فى كل شىء. يقال زَفَ الظَّليم زفيفاً ، إذا أسرع. ومنه زُفَّتِ العَروسُ إلى زوجها. وزفَ القومُ فى سَيرهم : أسْرعُوا. قال جلّ ثناؤه : (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ). والزَّفْزافة : الرِّيح الشديدة لها زفزفةٌ ، أى خِفَّة. وكذلك الزَّفزف (١). ويقولون لمن طاشَ حِلْمُه : ٣٠٥ قد زَفَ رَأْلُه. وزِفُ الطائر : صِغار ريشه ؛ لأنه خفيف.

زق الزاء والقاف أصلٌ يدل على تضايُقٍ. من ذلك الزُّقاق ، سمِّى بذلك لضيقه عن الشوارع

ومن ذلك : زَقَ الطائرُ فرخَه. ومنه الزِّقّ. والتزقيق فى الجلد : أن يسلخ من قِبَل [العُنُق (٢)].

زل الزاء واللام أصل مطّرد منقاسٌ فى المضاعَف ، وكذلك فى كل زاءٍ بعدها لامٌ فى الثلاثى. وهذا من عجيب هذا الأصل. تقول : زلَ عن مكانه زَليلاً وزَلَّا. والماء الزُّلال : العَذْب ؛ لأنه يَزِلّ عن ظَهر اللِّسان لِرقَّته. والزَّلَّة : الخطأ ؛ لأن المخطئ زلَ عن نَهْج الصَّواب ، وتزلزَلت الأرضُ : اضطرَبت ، وزُلْزِلَتْ زِلْزَالاً. والمِزَلَّة (٣) : المكان الدَّحْضُ. فأما الذِّئْبُ الأزَلُ ، وهو الأرْسَح ، فقال ابنُ الأعرابىّ : سمِّى بذلك مِن قولهم زَلَ إِذا عدا. وهو القياس الصَّحيح ثم شُبِّهَتْ به المرأة الرَّصْعاء فقيل زَلَّاء. وإِن كان الأَرْسَح كما قيل فهو قياسُ

__________________

(١) ويقال أيضا ريح زفزفة وزفزاف.

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) بكسر الزاى وفتحها.


ما ذكرناه أيضاً ، لأن الّلحم قد زلَ عن مؤخَّره ، وكذلك عن مؤخَّر المرأة الرَّسْحاء.

ومن الباب الزُّلْزُل (١) كالقَلِق ؛ لأنه لا يستقرُّ فى مكانه.

ومما شذّ عن الباب الزَّلَزِلُ : الأثاث والمتاع ، على فَعَلِلٍ.

زم الزاء والميم أصلٌ واحدٌ ، وهو يدلُّ على تقدُّم فى استقامةٍ وقَصْد ، من ذلك الزِّمام لأنه يتقدّم إذا مُدَّ به ، قاصداً فى استقامة. تقول زَمَمْتُ البعير أزُمُّه. ويقال أمْرُ بنى فلانٍ زَمَمٌ ، كما يقال أَمَمٌ ، أى قصدٌ. ويحلفون فيقولون : «لا والذى وجْهِى زَمَمَ بَيْتِه (٢)» ، يريدون تلقاءَه وقَصْدَه. والزَّمُ : التقدُّم فى السَّير.

ومما شذّ عن هذا الأصل الزِّمْزِمة : الجماعة من الناس. وقال الشيبانى : لزِّمزيم : الجِلّة من الإبل (٣).

زن الزاء والنون كلمةٌ واحدة لا يُتفرَّع ولا يُقاس عليها. يقال أزنَنْتُ فلاناً بكذا ، إذا اتَّهمتَه به. وهو يُزَنُ به. قال :

إن كنتَ أزنَنْتَنِى بها كَذِباً

جَزْءِ فلاقَيْتَ مِثلَها عَجِلَا (٤)

زب الزاء والباء أصلان : أحدهما يدل على وُفُورٍ فى شَعَرٍ ، ثم يحمل عليه. فالزَّبَب : طُول الشَّعَرْ وكثرتُه. ويقال بعيرٌ أَزَبُ. قال الشاعر :

__________________

(١) الزلزل بضم الزاءين : الغلام الخفيف. وفى المجمل : «الزلز» ، وليس هذا بابه.

(٢) انظر هذا اليمين فى أيمان العرب للنجيرمى ١٥ والأمالى (٣ : ٥١) واللسان (زمم ١٦٥) والمخصص (١٣ : ١١٨) والمزهر (٢ : ٢٦٢).

(٣) شاهده قول نصيب :

عل بنها المحض من بکراتها

ولم حتلب زمزمنها المجرقم

(٤) لحضرمى بن عامر ، كما فى اللسان (زنن).


أثَرت الغَىَّ ثم نزَعْت عَنْهُ

كما حادَ الأزب عن الطِّعانِ

ومن ذلك عامٌ أزَبُ ، أى خصيب.

والأصل الآخر : الزَّبيب ، وهو معروف ، ثم يشبَّه به ، فيقال للنُّكتَتَيْنِ السّوداوينِ فوق عينَى الحيّة زبيبتان ؛ وهو أخبثُ ما يكون من الحيّات. وفى الحديث : «يجىء كَنْزُ أحدِهم يومَ القيامة شجاعاً أقرعَ له زَبيبتان». وربّما سمَّوا الزَّبَدَتَيْنِ زَبيبتين ، يقال أنشَدَ فلانٌ حتَّى زَبَّبَ شِدْقاه ، أى أزبدا.

قال الشّاعر :

إنِّى إذا ما زَبَّبَ الأشداقُ

وكَثُر الضِّجاجُ والَّلقْلاقُ

ثَبْتُ الْجَنانِ مِرْجَمٌ وَدّاقُ (١)

ومما شذَّ عن الباب الزَّبَاب : الفارُ ، الواحدُ زبابة. وقد يحتمل ، وهو بعيدٌ ، أن يكون من الزَّبيب ، وقد ذكرناه :

ومما هو شاذٌّ لا قياس له : زَبَّتِ الشمس وأزَبّت : دنت للغروب.

زت الزاء والتاء كلمةٌ لا قياس لها. يقال زَتَتُ العروسَ ، إذا زيَّنتَها. قال :

بَنِى تَميمٍ زَهْنِعُوا فتاتَكُمْ

إنَّ فتاةَ الحىِ بالتّزَتُّتِ (٢)

وقد تزتَّتَتْ ، أى تزيَّنت.

__________________

(١) الرجز فى اللسان (زبب ، لقق) ، وقائله هو أبو الحجناء نصيب الأصغر. انظر البيان والتبيين (١ : ١٢٥).

(٢) البيت من تام الرجز. أنشده فى اللسان (زهنع ، زتت) والمخصص (٤ : ٥٤).


زج الزاء والجيم أصلٌ يدلُّ على رِقّةٍ فى شىء ، من ذلك زُجُ الرُّمْح والسّهمِ ، وجمعه زِجاج بكسر الزاء. يقال زجَّجْتُه : جعلت له زُجًّا. فإذا نزَعْت زُجَّهُ قلت : أزجَجْتُه (١). والزَّجَج دِقَّةُ الحاجبينِ وحُسْنُهما. ويقال أن الأزَجَ من النعام : الذى فوق عينه ريشٌ أبيض.

زح الزاء والحاء يدلّ على البعد. يقال زُحْزِحَ عن كذا ، أى بُوعِد قال الله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) ، أى بُوعِد.

زخ الزاء والخاء أُصَيلٌ يدلُّ على الدَّفع والمبايَنَة. يقال رخَخْتُ الشّىءَ ، إذا دفعتَه. وفى الحديث : «مَن نَبذَ القُرآنَ وراء ظَهرِه زُخَ فى قَفاه».

وزَخَّها : جامَعَها. و* المِزَخَّة : المرأة. ومن الباب الزَّخَّة : الحِقد والغَيظ. قال : ٣٠٦

فلا تَقْعُدَنّ على زَخَّةٍ

وتُضمِرَ فى القلب وَجداً وَخِيفَا (٢)

زر الزاء والراء أُصَيلٌ يدلُّ على شِدّة. وشذَّ مِن ذلك الزِّرّ : زِرُّ القميص. ثم يشتقّ منه الزِّرُّ ، يقال إنّه عظمٌ تحت القَلْب. قال ابن السكيّت : يقال للرّجل الحسن الرّعْية للإِبل : إنّه لَزِرٌّ من أزرارها. ومن الباب : زَرَّتْ عينُه ، إذا توقَّدَت. يقال عَيْناه تَزِرَّانِ فى رأسه ، إذا تَوقَّدَتا. ومن الباب الزَّرُّ : الشَّلُّ والطَّرد. يقال هو يزُرُّ الكتائبَ بسيفه زَرَّا. ومنه الزَّرُّ وهو العضُّ. يقال حِمارٌ مِزَرٌّ. ويقال الزّرّة الحَرْبَة (٣). ومن الباب الزَّرِير ، وهو الحَصيف السَّديد الرأْى. والله أعلمُ بالصواب.

__________________

(١) ويقال زججه وأزجه بمعنى. ولا يقال أزجه إذا نزع زجه.

(٢) البيت لصخر الغى الهذلى. انظر ما سبق فى حواشى (خيف ٢٣٥).

(٣) لم ترد الكلمة بهذا المعنى فى المعاجم المتداولة.


باب الزاء العين وو ما يثلثهما

زعف الزاء والعين والفاء أصيلٌ. يقال سُمٌ زُعافٌ : قاتل. وموتٌ زُعافٌ : عاجل. ويشبه أنْ يكون هذا من الإبدال ، وتكون الزاء مبدلة من ذال. ويقال أزْعفته وزَعَفْتُه ، إذا قتلته. وحُكى : زَعَفَ فى حديثه ، أى كذَب.

زعق الزاء والعين والقاف أصلٌ يدلُّ على شِدّةٍ فى صياحٍ أو مرارةٍ أو مُلوحة. يقال طعام مزعوقٌ ، إذا كُثِّرَ مِلْحُه. والماء الزُّعاق : المِلْح. فهذا فى باب الطُّعوم.

وأمّا الآخُر فيقال زَعَقْتُ به ، أى صِحْت به. وانْزَعَقَ ، إذا فَزِع والزَّعِق : النشيط الذى يَفزَع معَ نشاطه. وفلان يَزْعَق دابّتَه ، إذا طردهُ طرداً شديداً. ورجلٌ زَاعِق. وأزْعقه الخوفُ حتَّى زعق. قال :

من غائلاتِ اللَّيلِ والهَوْلِ الزَّعِقْ (١)

ويقال الزُّعاق النِّفار. يقال منه وَعِل زَعّاق. ومُهْرٌ مزعوق : نشيط يفزَع مَعَ نشاطه. قال (٢) :

يا رُبَّ مُهْرٍ مَزْعُوق

مُقَيَّلٍ أو مَغبوقْ

من لَبَن الدُّهْمِ الرُّوقْ

__________________

(١) البيت فى اللسان (زعق). وهو لرؤبة فى ديوانه ١٠٥. وقبله :

تحمد من أظلالها من الفوق

(٢) الرجز فى اللسان (زعق ، روق ، ذعلق) ، والمخصص (٣ : ١١٥).


حتَّى شتا كالذُّعْلُوقْ

أسْرَعَ مِن طَرْفِ المُوقْ

وطائرٍ وذى فُوقْ (١)

وكلِّ شىءٍ مخلوقْ

زعك الزاء والعين والكاف أُصَيلٌ إن صحّ يدلُّ على تلبُّثٍ وحَقارةٍ ولُؤم. يقولون إنّ الأزْعَكِىَ : الرّجلُ القصير اللئيم وكذلك الزُّعْكُوك. قال الكِسائىّ : يقال للقوم زَعْكة ، إذا لَبِثُوا ساعةً (٢). والزَّعا كيك من الإبل. المتردِّدَة الخَلْق (٣) ، الواحدة زُعْكُوك. قال :

تستنُّ أولادٌ لها زَعا كِيكْ (٤)

زعل الزاء والعين واللام أُصَيلٌ يدلُّ على مَرَحٍ وقلة استقرارٍ ، لنشاطٍ يكون. فالزَّعَل : النّشاط. والزَّعل : النشيط. ويقال أَزْعَلَهُ السِّمَنُ والرَّعْى. قال الهُذلىّ (٥) :

أكَلَ الجميمَ وطاوعتْه سَمحجٌ

مثلُ القَنَاةِ وأزعَلَتْهُ الأَمْرُعُ

وقال طرفة :

ومَكانٌ زَعِلٍ ظِلْمانُهُ

كالمَخَاض الْجرُبِ فى اليَوْمِ الخَصرْ (٦)

__________________

(١) فى الأصل : «وطائر ذى» ، صوابه من المجمل. وذو الفوق : السهم ، والفوق : موضع الوتر منه. يقول : قد غدا ذلك المهر أسرع من كل هذه الأشياء.

(٢) فى المجمل : «تلبثوا ساعة». وهذا المعنى لم يرد فى اللسان. وفى القاموس : «ولهم زعكة لبثة».

(٣) المترددة : المجتمعة الخلق.

(٤) وكذا جاءت روايته فى المجمل. لكن فى اللسان : «زعا كك» ؛ وعليه استشهاده.

(٥) هو أبو ذؤيب الهذلى من قصدته العينية فى أول ديوانه ، وفى المفضليات. وأنشد البيت فى اللسان (زعل ، سعل ، مرع). والمخصص (٣ : ١١٤ / ١٣ : ٢٩٨).

(٦) ديوان طرفة ٦٦ واللسان (خدر).


ورُبَّما حُمِل على هذا فسُمِّى المتضوِّر من الجُوع زَعِلاً.

زعم الزاء والعين والميم أصلان : أحدهما القولُ من غير صِحَّةٍ ولا يقين ، والآخر التكفُّل بالشىء.

فالأوّل الزَّعْم والزُّعْم (١). وهذا القولُ على غير صحّة. قال الله جلّ ثناؤُه : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا). وقال الشَّاعر (٢) :

زَعمتْ غُدانَةُ أنَّ فيها سيّدا

ضَخْماً يُوَارِيهِ جَناحُ الجُنْدَبِ

ومن الباب : زَعَم فى غير مَزْعَم ، أى طمِع فى غير مَطْمَع. قال :

زَعْمًا لعَمْرُ أبيكِ ليس بمَزْعَمِ (٣)

ومن الباب الزَّعُوم ، وهى الجَزُور التى يُشَكُّ فى سِمنها فتُغْبَطُ بالأيدى (٤). والتَّزَعُّم : الكذب.

والأصل الآخر : زَعَم بالشّىء ، إذا كَفَلَ به. قال :

تعاتِبُنى فى الرِّزْق عِرسى وإنّما

على الله أرزاقُ العبادِ كما زَعَمْ (٥)

أى كما كَفل. ومن الباب الزَّعَامة ، وهى السيِّادة ؛ لأنّ السيِّد يَزْعُمُ بالأمور ،

__________________

(١) والزعم أيضا ، بالكسر ، هو مثلث الزاى.

(٢) هو الأبيرد الرياحى يهجو حارثة بن بدر الغدانى. انظر الأغانى (١٢ : ١٠) والحيوان (٣ : ٣٩٨ / ٦ : ٣٥١) وثمار القلوب ٣٢٥. وقيل هو زياد الأعجم. انظر الكنايات للجرجانى ١٢٩.

(٣) لعنترة بن شداد فى معلقته. وصدره :

علقتها عرضا وأقتل قومها

(٤) غبط الشاة والناقة يغبطهما غبطا ، إذا جسمها لينظر سمنهما من هزالهما.

(٥) لعمرو بن شاس ، كما فى اللسان. (زعم). ورواية صدره فيه :

تقول هلكنا إن هلكت وإنما


أى يتكفَّل بها. وأصدَقُ مِن ذلك قولُ الله جلَّ ثناؤُه : (قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ). ويقال الزَّعامة حَظّ السيِّد من ٣٠٧ المَغْنَم ، ويقال بل هى أفضل المال. قال لبيد :

تَطيِر عَدائِدُ الإشراكِ وَتْرًا

وشَفْعًا والزَّعامةُ للغُلامِ (١)

زعب الزاء والعين والباء أصلٌ واحد يدلُّ على الدَّفْع والتّدافع. يقال من ذلك الزّعْب الدَّفْع. يقال زعَبْتُ له زَعْبَةً من المال. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «وأَزْعَبُ لك زَعْبَةً من المال». ويقال جاء سيلٌ يَرْعَبُ الوادِىَ ـ هذا غير معجم ـ إذا ملَأَه. وجاء سيلٌ يَزْعَبُ ، بالزَّاء ، إِذا تدافَعَ. ويقال إنّ الزّاعب السَّيَّاح فى الأرض. قال ابن هَرْمَة :

يكادُ يَهْلِكُ فيها الزّاعبُ الهادِى (٢)

والزَّاعِبِيَّة : الرّماح. قال الخليل : هى منسوبة إلى زاعب. ولم يَظْهَرْ (٣) عِلْمُ زاعبِ : أرَجُلٌ أم بلد ، إلّا أنْ يولِّده مولّد. وقال غيره : الزَّاعِبىُ هو الذى إذا هُزَّ تدافَعَ من أوّله إلى آخِره ، كأنّ ذلك مَقِيسٌ على تزاعُب الماء فى الوادى ، وهو تدافُعُه. وهذا هو الصحيح. ويقال زَعَب الرّجُلُ المرأةَ ، إذا جامعها. وهذا هو بالراء أحسَنُ. وقد مضى.

وبقى فى الباب كلمةٌ واحدة إنْ صحّتْ فهى من باب الإبدال. يقولون : الزُّعْبُوب القَصِير من الرِّجال ، ولعلَّه أن يكون الذُّعبوب.

__________________

(١) ديوان لبيد ١٢٩ طبع ١٨٨٠ واللسان (عدد ، شرك ، زعم).

(٢) فى الأصل : «يهلك فيه» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) فى المجمل : «ولا أدرى».


زعج الزاء والعين والجيم أصلٌ واحد ، يدلُّ على الإقلاق وقلّة الاستقرار. يقال أَزْعَجْتُه أزْعِجُه إزعاجًا. ويقال أَزْعَجْتُه فشَخَص. قال الخليل : لو قيل انْزَعَجَ لكان صوابًا

زعر الزاء والعين والراء أُصَيلٌ يدلُّ على سُوء خُلُق وقلَّة خَير. فالزّعارة (١) : شَراسَة الخُلُق ، وهو على وزن فَعالة. ومن الباب الأزعر : المكان القليل النَّبات. ويقال إنّ الزعارة لا يُبنَى منها تصريفُ فعلٍ. ومن الباب الأزعر : القليل الشَّعر. والمرأة زَعْراء ؛ وقد زَعِرَ يَزْعَر. والله أعلم.

باب الزاء والغين وما يثلثهما

زغف الزاء والغين والفاء أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على سَعةٍ وفَضْل. من ذلك الزَّغْفة : الدرع ؛ والجمع الزَّغْف ، وهى الواسعة. وربما قالوا زَغَفة وزَغَف. قال :

أيمنَعُنا القومُ ماءَ الفُراتِ

وَفينا السُّيوفُ وفينا الزَّغَفْ (٢)

ويقال رجل مِزْغَفٌ : نَهِمٌ رَغِيبٌ. قال الأصمعىّ : زغَفَ فى حديثه : زاد.

زغل الزاء والغين واللام أصلٌ يدلُّ على رَضاع وزَقٍ

__________________

(١) يقال زعارة بتشديد الراء وتخفيفها.

(٢) سبق البيت برواية أخرى فى مادة (حجف). وهو هنا ملفق من بيتين. وفى وقعة صفين ١٨٤ :

أيمنعنا القوم ماء الفرات

وفينا الرماح وفينا المجف

وفينا الشوازب مثل الوشيج

وفينا السيوف وفينا الزغف


وما أشبهه. يقال أزْغَلَ الطّائرُ فَرخَه ، إذا زَقّه. قال ابن أحمر :

فأزْغَلَتْ فى حَلْقِهِ زُغْلَةً

لم تُخْطِئ الجِيدَ ولم تَشْفَتِرّ (١)

قال : وهو من قولهم : أَزْغِلى له زُغْلةً من سِقائك ، أى صُبِّى له شيئًا مِن لَبَن. ويقال أزْغَلَت المرأةُ من عَزْلائِها ، أى صَبَّت.

ومما شذّ عن الباب : الزُّغلول من الرِّجال : الخفيف.

زغم الزاء والغين والميم أُصَيْلٌ يدلُّ على ترديد صوتٍ خفىّ. قالوا : تزغَّمَ الجملُ ، إِذا ردَّدَ رُغاءَه فى خَفاءٍ ليس شديدا. ومنه التزَغم ، وهو التَّغَضُّب ، كأنه فى غَضبِه يردِّد صوتًا فى نفسه. وذكَر ناسٌ : تزغَّمَ الفصيلُ لأمِّه ، إذا حنَّ حنينًا خفيًّا.

زغب الزاء والغين والباء أُصَيْلٌ صحيحٌ ، وهو الزّغَب ، أوّلُ ما ينبت من الرِّيش. وقد يُزْغِبُ الكَرْمُ ، بعد جَرْىِ الماءِ فيه.

زغد الزاء والغين والدال أُصَيْلٌ يدل على تعصُّر فى صوتٍ. من ذلك الزَّغْد ، وهو الهدير يتعصَّر فيه الهادرُ. وأصله زغد عُكَّتَه ، إذا عَصَرها ليُخرِج سَمْنها.

زغر الزاء والغين والراء أُصَيْلٌ. يقال زَغَر الماءِ وَزَخَر. وليس هذا عندى من جهة الإبدال ؛ لأن قياس زَغَر قياسٌ صحيح ، وسيجىء فى

__________________

(١) الاشفترار : التفرق. وفى الأصل : «لم تشتفر» ، صوابه من المجمل ، واللسان (زغل ، شفتر). وفى المجمل: «لم تظلم الجيد».


الرباعىّ ما يصحِّحه. وذكر ابن دُريد (١) أن الزّغر الاغتصاب ؛ يقال زَغَرْت الشىءَ زَغْرًا. قال: والزغْر فعلٌ مُماتٌ. وزُغَرُ : اسمُ امرأةٍ ، يقال أن عيْن زُغَر إليها تُنسَب (٢).

باب الزاء والفاء وما يثلثهما

زفن الزاء والفاء والنون ليس عندى أصلاً ، ولا فيه ما يُحتاج إليه. يقولون : الزَّفْن : الرَّقْص. ويقولون : الزيفن (٣) : الشّديد. وليس هذا بشىء.

زفى الزاء والفاء والحرف المعتل يدلّ على خفةٍ وسُرعة. من ذلك زَفَتِ الرِّيح التُّرابَ ، إذا طردَتْهُ عن وجه الأرض. والزَّفيانُ : شِدّة هُبوب الريح. ويقال ناقةٌ زَفَيانٌ : سريعة. وقوسٌ زَفيانٌ : سريعة الإرسال للسَّهم. ويقال زَفَى الظَّليمُ زَفْيًا ، إذا نشر جناحَه.

زفر الزاء والفاء والراء أصلان : أحدُهما يدلُّ على حِمْل ، والآخر على صَوْتٍ من الأصوات.

فالأول الزِّفْر : الحِمْل ، والجمع أزفار. وازْدَفَرَه (٤) ، إذا حمله ، وبذلك سمِّى

__________________

(١) الجمهرة (٢ : ٣٢٢).

(٢) ذكر ابن دريد أن عين زعم : موضع بالشام. وقال ياقوت : «بمشارف الشام».

(٣) زيفن ، بكسر الزاء وفتح الفاء وتشديد النون ، وبكسر الزاء وفتح الياء وسكون الفاء.

(٤) فى الأصل : «وازفره» ، صوابه من المجمل.


الرجل زُفَر ، لأنه يزدَفِر (١) بالأموالِ مطيقاً لها (٢). ومن الباب الزَّافرة : عشيرة الرّجُل ؛ لأنهم قد يتحمَّلون بعضَ ما ينُوبُه. وزُفْرَة الفَرس : وسَطُه. والزِّفْرُ (٣) : القِرْبة ، ومنه قيل للإماء التى تحمل القِرَب زوافر. ويقولون : الزُّفَر : الرجل السيِّد. قال :

يأبى الظُّلامةَ منه النَّوْفلُ الزُّفَر (٤)

والقياس فيه كلِّه واحد. وزِفْر المسافر : جِهازه. ويقال الزُّفَر : النَّهر الكبير ، ويكون سمِّى بذلك لأنَّه كثير الحملِ للماء.

زفل الزاء والفاء واللام هى الأَزْفَلة ، وهى الجماعة. يقال جاءوا بأزْفَلَتهم ، أى جماعتهم.

زفت الزاء والفاء والتاء ليس بشىء ، إلّا الزِّفْت ، ولا أدرى أعربىٌّ أم غيره. إلّا [أنّه] قد جاء فى الحديث : «المُزَفَّت (٥)». وهو المطلىُ بالزِّفت. والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) فى الأصل : «يزفر» ، صوابه من المجمل.

(٢) فى المجمل واللسان : «مطيقا له» ، أى لذلك.

(٣) فى الأصل : «الزفرة» ، صوابه بطرح التاء ، كما فى المجمل واللسان والقاموس.

(٤) البيت لأعشى باهلة ، فى اللسان (زفر) من قصيدة يرثى بها المنتشر بن وهب الباهلى. انظر الأصمعيات ٨٩ طبع المعارف ، وجمهرة أشعار العرب ١٣٥ ، ومختارات ابن الشجرى ١٠ وأمالى المرتضى (٣ : ١٠٥ ـ ١١٣) والخزانة (١ : ٨٩ ـ ٩٧). وسيعيده فى (نفل).

وصدره

أخو رغائب يعطيها ويسألها

(٥) فى اللسان : «فى الحديث أنه نهى عن المزفت من الأوعية».


باب الزاء والقاف وما يثلثهما

زقم الزاء والقاف ولليم أُصَيْلٌ يدلُّ على جِنْسٍ من الأكَلْ. قال الخليل : الزَّقْمُ : الفِعْل ، من أكل الزِّقُّوم. والازْدِقَام : الابتلاع. وذكر ابن دريد (١) أنّ بعضَ العرب يقول : تزقّم فلانٌ اللّبن ، إذا أفرطَ فى شُرْبِه.

زقل الزاء والقاف واللام ليس بشىءٍ. على أنّه حكِىَ عن بعض العرب : زَوْقَلَ فلانٌ عِمامتَه ، إِذا أرخى طرَفَيْهَا من ناحيتَىْ رأسِه.

زقو الزاء والقاف والحرف المعتل أُصَيْلٌ يدلُّ على صوتٍ من الأصوات. فالزَّقْو : مصدرُ زَقَا الدِّيك يَزْقُو ، ويقال إن كلَّ صائحٍ زَاقٍ. وكانت العرب تقول : «هو أثْقَلُ من الزّواقى» وهى الدِّيَكة ؛ لأنهم كانوا يَسْمُرون فإِذا صاحت الدِّيكة تفرَّقُوا. والزُّقَاء : زُقَاء الدِّيك.

زقب الزاء والقاف والباء كلمة. يقال طريقٌ زَقَبٌ (٢) ، أى ضيِّق.

زقن الزاء والقاف والنون ليس بشىءٍ. على أنَّهم ربَّما قالوا : زَقَنْتُ الحِمْلَ أزقُنُه ، إذا حملتَه. وأزقَنْتُ فلانًا : أعنتُه على الحِمْل. والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) الجمهرة (٣ : ١٤).

(٢) وقيل الزقب. الطرق الضيقة ، واحدتها زقبة. وقيل الواحد والجمع سواء.


باب الزاء والكاف وما يثلثهما

زكل الزاء والكاف واللام ليس بأصلٍ. وقد جاءت فيه كلمة : الزَّوَنْكَل من الرجال : القصير.

زكم الزاء والكاف والميم ليس فيه إلا الزُّكْمَة والزُّكام (١) ، ويستعيرون ذلك فيقولون : فُلان زُكْمَة أبويه ، وهو آخر أولادهما.

زكن الزاء والكاف والنون أصلٌ يُختلَف فى معناه. يقولون هو الظّنُّ ، ويقولون هو اليقين. وأهل التحقيق من اللغويِّين يقولون : زكِنْتُ منك كذا ، أى علِمْته. قال :

ولن يُراجِعَ قلبى حبَّهم أبداً

زَكِنْتُ منهم على مثل للذى زَكِنوا (٢)

قالوا : ولا يقال أَزْكَنْت. على أن الخليل قد ذكر الإِزكان. ويقال إن الزّكَن الظَّنّ.

زكى الزاء والكاف والحرف المعتلّ أصلٌ يدل على نَمَاءٍ وزيادة. ويقال الطَّهارة زكاة المال. قال* بعضهم : سُميِّت بذلك لأنَّها مما يُرجَى به زَكاءُ المال ، وهو زيادته ونماؤه. وقال بعضُهم : سمِّيت زكاةً لأنها طهارة. قالوا : وحُجّة ذلك قولُه جلّ ثناؤُه : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها). والأصل فى ذلك كلِّهِ راجع إلى هذين المعنيين ، وهما النَّماء والطهارة. ومن النَّماء :

__________________

(١) الزكمة والزكام ، هو ذاك الداء المعروف فى الأنف. ويقال له الأرض.

(٢) البيت لقعنب بن أم صاحب. اللسان (زكن). عدى الفعل بعلى لتضمينه معنى اطلعت.

(٢ ـ مقاييس ـ ٣).


زرع زاكٍ ، بيِّن الزكاء. ويقال هو أمْرٌ لا يَزْكُو بفلانٍ ، أى لا يليق به. والزَّكا : الزَّوْج ، وهو الشّفع.

فأمّا المهموز فقريبٌ من الذى قبله. قال الفراء : رجل زُكَأَةٌ (١) : حاضِر النَّقد كثيرُهُ. قال الأصمعىّ : الزُّكَأَةُ : الموسِر.

وممّا شذّ عن الباب جميعاً قولهم : زَكَأَتِ الناقة بولدها تزْكَأُ به زَكْأ ، إذا رمَتْ به عند رجليها.

زكر الزاء والكاف والراء أُصَيلٌ إن كان صحيحًا يدلُّ على وِعاء يسمى الزُّكْرة. ويقال زَكَّرَ الصبىُّ وتزكَّر : امتلأ بطنُه.

زكت الزاء والكاف والتاء أصلٌ إن صحّ. يقال زَكَتُ الإناء : ملأته. والله أعلم.

باب الزاء واللام وما يثلثهما

زلم الزاء واللام والميم أصلٌ يدل على نَحافةٍ ودِقّة فى ملاسة. وقد يشذّ عنه الشىء. فالأصل الزَّلَم والزُّلَم : قِدْح يُسْتَقْسَم به. وكانوا يفعلون ذلك فى الجاهليّة ، وَحُرِّم ذلك فى الإسلام ، بقوله جلّ ثناؤه : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ). فأمَّا قول لبيد :

تَزِلُّ عن الثَّرَى أزلامُها (٢)

__________________

(١) ضبطه فى القاموس كصرد ، وهمزة ، وزكاء ـ كغراب.

(٢) قطعة من بيت له فى معلقته. وهو بتمامه :

حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت

بكرت تزل عن الثرى أزلامها


فيقال إنّه أراد أظلاف البقرة ؛ وهذا على التشبيه.

ويقولون : رجل مُزَلَّمٌ : نَحيف. والزَّلَمة : الهَنَة المتدلِّية من عُنُق الماعزة ، ولها زَلمتان. والزَّلَمُ أيضًا : الزَّمَع التى تكون خَلْفَ الظِّلْف. ومن الباب المُزَلَّم : السيِّئ الغِذاء ، وإنّما قيل له ذلك لأنه يَنْحَفُ ويَدِقُّ. فأمّا قولهم : «هو العبد زُلْمَةً (١)» فقال قومٌ : معناه خالصٌ فى العُبوديّة ، وكان الأصل أنّه شُبِّه بِما خَلْف الأظلاف من الزَّمَع. وأمَّا الأزْلَم الجَذَع ، فيقال إنّه الدهر ، ويقال إنّ الأسَد يسمَّى الأزلم الجَذَع (٢).

زلج الزاء واللام والجيم أُصَيْلٌ يدلُّ على الاندفاع والدَّفْع. من ذلك المُزَلَّج من العيش ، وهو المُدَافعُ بالبُلْغَة. والمُزَلَّج : الذى يُدفَع عن كلِّ خيرٍ من كِفاية وغَنَاء. قال :

دعَوتُ إلى ما نابنى فأجابَنِى

كريمٌ من الفِتْيان غيرُ مُزَلَّجِ

والزَّلْج : السُّرْعة فى المشْىِ وغيرِه. وكلُّ سريعٍ زالجٌ. وسَهْمٌ (٣) زالجٌ : يتزَلّج من القَوس. والمُزَلَّج : المدفوع عن حَسَبه. فأمّا المِزْلاج فالمرأة الرّسْحَاء ، وكأنّها شُبِّهت فى دِقّتها بالسَّهم الزّالج.

زلح الزاء واللام والحاء ليس بأصلٍ فى اللغة منقاسٍ ، وقد جاءت فيه كلماتٌ اللهُ أعلَمُ بصحَّتها. يقولون : قَصعة زَلَحْلَحَةٌ ، وهى التى لاقَعْرَ لها.

__________________

(١) هو كغرفة وتمرة وشجرة ولمزة.

(٢) كذا فى الأصل : ، ولم أجده لغيره.

(٣) فى الأصل : «ومنهم» صوابه فى المجمل واللسان.


وقال ابن السِّكيت : الزَّلَحْلَحُ من الرِّجال : الخفيف (١). وقالوا : الزَّلَحْلحُ الوادى الذى ليس بعميقٍ. فإِن كان هذا صحيحاً فالكلمةُ تدلُّ على تبسُّط الشّىءِ من غير قعر يكون له.

زلخ الزاء واللام والخاء أصلٌ إنْ صح يدلُّ على تزلُّق الشّىء. فالزَّلْخ : المَزِلَّة. ويقال بئرٌ زَلُوخٌ ، إذا كان أعلاها مَزِلّة يُزْلِق مَن قام عليه : ويقال إن الزَّلْخ : رفْعُك يدَك فى رَمْى السّهم إلى أقصى ما تقدِرُ عليه ، تريد به الغَلْوة (٢). قال :

مِن مائةٍ زَلْخٍ بمِرِّيخٍ غالْ (٣)

وقال بعضهم الزَّلْخُ : أقصى غايةِ المغَالِى. ويقولون : إن الزُّلَّخَة عِلّة (٤). وهو كلامٌ يُنظَر فيه.

زلع الزاء واللام والعين أصلٌ يدلُّ على تَفَطُّرٍ وزَوَال شىءٍ عن مكانه. فالزَّلَع : تفطُّر الجِلْد. تَزَلَّعَت يدُه : تشقَّقَت. ويقال زَلِعَتْ جراحته : فسدَتْ. قال الخليل : الزَّلَع : شُقاقُ ظاهِرِ الكفّ. فإن كانَ فى الباطن فهو كَلَع. والزَّلْع : استلابُ شىءٍ فى خَتْل.

__________________

(١) ذكر فى القاموس ولم يذكر فى اللسان.

(٢) الغلوة : قدر رمية بسهم. وفى اللسان والتاج : «تريد به بعد الغلوة». لكن ورد هكذا فى الأصل والمجمل.

(٣) البيت فى المجمل واللسان (مرخ ، غلا).

(٤) قال ابن سيده : هو داء يأخذ فى الظهر والجنب وأنشد :

كأن ظهري أخذته؟

لما تعطى بالغرى المفضخة


زلف الزاء واللام والفاء يدلُّ* على اندفاعٍ وتقدُّمٍ فى قرب إلى شىء. يقال من ذلك ازدَلَف الرجلُ : تقدَّم. وسمِّيَت مُزْدَلِفَة بمكة ، لاقترابِ الناس إلى مِنًى بعد الإِفاضة من عَرَفات. ويقال لفُلانٍ عند فلانٍ زُلْفَى ، أى قرْبى. قال الله جلّ وعزّ : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا) لَزُلْفى). والزَّلَف والزُّلْفَة : الدَّرجة والمنزلة. وأزْلَفت الرجلَ إلى كذا : أدنَيْته. فأما قولُ القائل :

حتى إذا ماءُ الصَّهاريج نَشَفْ

من بَعدِ ما كانت مِلَاءً كالزَّلَفْ (١)

فقال قومٌ : الزَّلَف : الأجاجِينُ الخُضْر. فإن كان كذا فإِنما سُمِّيَت بذلك لأن الماء لا يثبُت فيها عند امتلائها ، بل يندفع. وقال قومٌ : المزالف هى بلادٌ بين البرِّ والرِّيف. وإنما سُمِّيت بذلك لقُرْبها من الرِّيف. وأما الزُّلَف من الليل ، فهى طوائفُ منه ؛ لأنَّ كلَّ طائفةٍ منها تقرُب من الأخرى.

زلق الزاء واللام والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تزلُّج الشىء عن مَقامه. من ذلك الزَّلَق. ويقال أزْلَقَتِ الحامل ، إذا أزْلَقَتْ ولدَها. ويقال ـ وهو الأصحُّ ـ إذا ألقَتِ الماء ولم تقبلْه رَحِمُها. والمَزْلَقَة والمَزْلَق : الموضع لا يُثْبَت عليه. فأمَّا قولُه جلَّ ثناؤُه : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) فحقيقة معناه أنَّه مِن حِدّة نظرِهما حَسَداً يكادون يُنحُّونَك عن مكانِك. قال :

نظراً يُزيل مواطئ الأقدامِ (٢)

__________________

(١) الرجز للعمانى ، كما فى اللسان (زلف).

(٢) البيت فى البيان والتبيين (١ : ١١) من مكتبة الجاحظ. وأنشده فى اللسان (قرض زلق). وصدره :

يتقارضون إذا التقوا في موطن


ويقال إنّ الزَّلِق : الذى إذا دنا من المرأة رَمَى بمائِه قبل أن يَغْشاها. قال :

إنَّ الزُّبير زَلِقٌ وَزُمَّلِق (١)

وقال ابنُ الأعرابىّ : زَلَقَ الرّجُل رأسه : حَلَقه. فأما قولُ رُؤبة :

كَأنها حَقْبَاءُ بَلْقَاءُ الزَّلَقْ (٢)

فيقال إنّ الزَّلَق العَجُز منها ومِن كلِّ دابة. وسُمِّيت بذلك لأن اليدَ تَزْلَقُ عنها ، وكذلك ما يصيبُها من مَطرٍ وندًى. والله أعلم.

باب الزاءِ والميم وما يثلثهما

زمن الزاء والميم والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على وَقتٍ من الوقت. من ذلك الزَّمان ، وهو الحِين ، قليلُه وكثيرُه. يقال زمانٌ وزَمَن ، والجمع أزمانٌ وأزمنَة. قال الشَّاعر فى الزّمن :

وكنتُ امرأً زَمَنًا بالعرَاقِ

عَفِيف المُناخِ طويلَ التَّغَنّ (٣)

وقال فى الأزمان :

أزمانَ لَيْلَى عامَ لَيْلَى وَحَمِى (٤)

__________________

(١) هو للقلاخ بن حزن المنقرى. وكذا أنشده فى اللسان (زملق) والمخصص (٥ : ١١٥) : «إن الحصين». على أنه ذكر أن صواب روايته : «إن الجليد» وهو الجليد الكلابى. وذلك لأن فى الرجز :

يدهى الجليد وهو فينا الزملق

(٢) سبق إنشاد البيت فى (حقب) ، وسيعيده فى (غنى). وهو فى ديوانه ١٠٤ واللسان (حقب ، زلق) والمخصص (٦ : ١٤٣).

(٣) التغنى : الاستغناء. والبيت للأعشى فى ديوانه ٢٢ واللسان (غنا) والمخصص (١٢ : ٢٧٦).

(٤) أنشده فى اللسان (وحم). وقال : «والوحم : اسم الشىء المشتهى». وكذا أنشده فى المخصص (١ : ١٩) قال : «يقول : ليلى هى التى تشتهيها نفسى». وهو العجاج فى ديوانه ٥٨.


ويقولون : «لقيتُه ذات الزُّمَيْن» يُراد بذلك تَراخِى المُدّة. فأما الزّمانة التى تصِيب الإنسانَ فتُقْعده ، فالأصلُ فيها الضّاد ، وهى الضَّمَانة. وقد كُتِبَتْ بقياسها فى الضّاد.

زمت الزاء والميم والتاء ليس أصلاً ؛ لأنَّ فيه كلمةً وهى من باب الإبدال. يقولون رجلٌ زَمِيت وزِمِّيت ، أى سِكّيت. والزاء فى هذا مبدلة من صاد ، والأصل الصَّمْت.

زمج الزاء والميم والجيم ليس بشىءٍ. ويقولون : الزُّمَّج : الطائر (١). والزِّمِجَّى : أصل ذَنَب الطّائر. والأصل فى هذا الكاف : زِمِكَّى. ويقال زَمَجْت السِّقاء : ملأتُه. وهذا مقلوبٌ ، إنما هو جَزَمْتُه. وقد مضى ذِكرُه.

زمح (٢) الزاء والميم والحاء كلمةٌ واحدة. يقولون للرّجُل القَصير : زُمَّح.

زمخ الزاء والميم والخاء ليس بأصل. قال الخليل : الزامخ الشّامخ بأنفه. والأنُوف الزُّمّخ: الطوال. وهذا إن كان صحيحًا فالأصل فيه الشين «شمخ».

زمر الزاء والميم والراء أصلان : أحدهما يدلُّ على قِلّة الشىء ، والآخر جنسٌ من الأصوات.

فالأوّل الزَّمَر : قلّة الشّعَرْ. والزَّمِر : قليل الشَّعر. ويقال رجلٌ زَمِرُ المروءة ، أى قليلها.

__________________

(١) أى الطائر المعهود ، وهو طائر دون العقاب يصاد به. وفى المحمل : «طائر».

(٢) وردت هذه المادة فى الأصل بعد (زمت) ، ورددتها إلى هذا الترتيب وفقا لنظام ابن فارس ولما ورد فى المجمل.


والأصل الآخر الزَّمْر والزِّمار : صوت النعامة يقال زَمَرت تَزْمُر وتَزمِر زِماراً. وأمَّا الزُّمْرة فالجماعة. وهى مشتقّة من هذا ؛ لأنّها إذا اجتمعت كانت لها جَلَبة وزِمَار.

وأما الزَّمَّارة التى جاءت فى الحديث : «أنّه نَهَى عن كسْب الزَّمَّارة». فقالوا : هى الزّانية. فإنْ صحَّ هذا فلعل نَغْمتها شُبّهت بالزَّمْر. على أنّهم قد قالوا إنّما هى الرَّمّازة : التى ترمِز بحاجبَيها للرجال. وهذا أقرب.

زمع الزاء والميم والعين أصلٌ واحد يدلّ على الدُّون والقِلّة والذِّلّة.

من ذلك الزَّمَع ، وهى التى تكون خَلف أظلاف الشّاء. وشبه بذلك رُذَال الناس. فأمّا قول الشمّاخ :

... عكرِشَةٍ زَمُوعِ (١)

فالعِكرشة الأُنْثى من الأرانب. والزَّمُوع : ذات الزَّمَعات. فهذا هذا الباب.

وأمّا قولهم فى الزَّماع ، وأزَمَع كذا ، فهذا له وجهان : أحدهما أن يكون مقلوبًا من عزم ، والوجه الآخَر أن تكون الزاء [مبدلةً] من الجيم ، كأنّه مِن إجماع القوم وإجماع الرأْى.

ومن الباب قولهم للسّريع (٢) : زميع. وينشدون :

__________________

(١) جزء من بيت له فى ديوانه ٦١ واللسان (زمع) ، وهو :

فما تنفک بن هورضات

تجر برأس عكرشة زموع

(٢) فى الأصل : «للسرمع» ، صوابه من المجمل واللسان.


داعٍ بعاجلةِ الفِراق زَميعُ (١)

قالوا : والزّميع الشجاع الذى يُزمِع ثم لا ينثنى ، والجمِيع الزُّمَعاء. والمصدر الزَّمَاع. قال الكسائىّ : رجلٌ زَمِيع الرّأى ، أى جيِّده. والأصلُ فيه ما ذكرتُه من القلب أو الإبدال.

وأمَّا الزَّمَع الذى يأخذ الإنسانَ كالرِّعدة ، فهو كلامٌ مسموع ، ولا أدرى ما صحّتُه ، ولعلَّه أن يكون من الشاذّ عن الأصل الذى أصَّلْتُه.

زمق الزاء والميم والقاف ليس بشىء ، وإن كانوا يقولون : زَمَقَ شَعرَه ، إذا نَتَفه. فإنْ صحَّ فالأصل زبق. وقد ذكر.

زمك الزاء والميم والكاف. ذكر ابنُ دريد وغيره أنّ الزاء والميم والكاف تدلُّ على تداخُل الشىء بعضِه فى بعض. قال : ومنه اشتقاق الزّمِكّى ، وهى مَنْبِت ذنَب الطائر.

زمل الزاء والميم واللام أصلان : أحدهما يدلُّ على حَمل ثِقْل من الأثقال ، والآخر صوتٌ.

فالأول الزَّامِلة ، وهو بعيرٌ يَستظهِرُ به الرّجل ، يحملُ عليه متاعَه. يقال ازدمَلْت (٢) الشّىءَ ، إذا حملتَه. ويقال عِيالاتٌ أَزْمَلَةٌ ، أى كثيرة. وهذا من الباب ، كأنَّهُم كَلُّ أحمالٍ ، لا يضطلعون ولا يطيقون أنفسَهم.

__________________

(١) البيت بتمامه كما فى اللسان (زمع) :

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

(٢) فى الأصل : «أزملت» ، صوابه من اللسان (١٣ : ٣٣١).


ومن الباب الزُّمَّيل ، وهو الرجُل الضّعيف ، الذى إذا حَزَبه أمرٌ تَزَمَّلَ ، أى ضاعَفَ عليه الثّياب حتَّى يصير كأنّه حِمْل. قال أُحيحة :

لا وأبيك ما يُغنِى غَنائِى

من الفِتيان زُمَّيل كَسُولُ (١)

والمُزَامَلة : المعادلة (٢) على البعير

فأمّا الأصل الآخَر فالأزْمَلُ ، وهو الصّوت فى قول الشاعر :

لها بعد قِرَّاتِ العَشِيّاتِ أزْمَلُ

ومما شذّ عن هذين الأصلين الإِزْمِيل : الشَّفْرَة (٣). ومنه : أخذت الشىءَ بأزْمَلِه.

باب الزاءِ والنون والحرف المعتل

زنى الزاء والنون والحرف المعتل لا تتضايف ، ولا قياس فيها لوحدةٍ على أخرى. فالأوَّل الزِّنَى ، معروف. ويقال إنّه يمدّ ويقصر. وينشد للفرزدق :

أبَا حاضرٍ مَن يَزْنِ يُعرَف زنَاؤُه

ومن يَشْرَبِ الخمر لا بدّ يَسْكرُ (٤)

__________________

(١) أنشده فى المجمل (زمل).

(٢) المعادلة : أن يكون عديلا له. وفى الأصل : «المعاملة» ، صوابها من المجمل واللسان.

(٣) قيده فى اللسان بشفرة الحذاء. وأنشد لعبدة بن الطبيب :

عيرانا ينتحى في الأرض منسمها

كما انتحى في أديم الصرف ازميل

(٤) كذا ورد إنشاده فى الأصل محرفا. والذى فى الديوان ٣٨٣ واللسان (زنا ، سكر) :

ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا

وقبله :

أبا حاضر مابال برديك أصبحا

على ابنة فروج رداء ومئررا


ويقال فى النسبة إِلى زِنًى زِنَوىّ ، وهو لزِنْيَةٍ وزَنْيَةٍ ، والفتح أفصح.

والكلمة الأخرى مهموز. يقال زَنَأت فى الجبل أزنأ زُنُوءًا وزَنْأً. والثالثة : الزَّنَاء ، وهو القصير من كلِّ شىء. قال :

وتُولجُ فى الظّلِ الزَّنَاءِ رءُوسَها

وتحسِبَهُا هِيمًا وهنَّ صحائحُ (١)

وقال آخر (٢) :

وإذَا قُذِفْتُ إلى زَنَاءٍ قعْرُها

غبراءَ مُظْلمةٍ من الأحفار (٣)

والرابعة : الزَّنَاء (٤) : الحاقن بولَه. ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنْ يصلى الرجل وهو زَنَاء.

زنج الزاء والنون والجيم ليس بشىءٍ. على أنّهم يقولون الزَّنَجَ : العطش ، ولا قياس لذلك.

زنح الزاء والنون والحاء كالذى قبله. وذكر بعضهم أن التزنُّح التفتُّح فى الكلام.

زند الزاء والنون* والدال أصلان : أحدهما عضو من الأعضاء ، ثم يشبه به. والآخَر دليلُ ضيقٍ فى شىء.

__________________

(١) البيت لابن مقبل ، كما فى اللسان (زنأ).

(٢) هو الأخطل. ديوانه ٨١ واللسان (زنأ).

(٣) الأحفار : جمع حفر ، بالتحريك ، وهو المكان المحفور. وقبل البيت فى ديوانه :

بأبى سليمان الذي لولا يد

منه علقت بظهر أحدب عارى

(٤) الزناء كسحاب ، بتخفيف النون.


فالأوَّل الزَّنْد ، وهو طَرَف عظم الساعد ، وهما زَنْدان ، ثم يشبه به الزند الذى يُقدَح به النار ، وهو الأعلى ، والأسفل الزَّنْدَة.

والأصل الآخر : المُزَنَّد ؛ يقال ثوبٌ مُزَنَّد ، إِذا كان ضيّقًا ؛ وحوضٌ مُزَنّدٌ مِثله. ورجلٌ مزنَّد : ضيِّق الخُلقُ. قال ابن الأعرابى : يقال (١) تزنَّد فلانٌ ، إذا ضاقَ بالجواب وغضِب. قال عدىّ :

فقُلْ مثلَ ما قالوا ولا تتزَنَّدِ

ومن الباب المُزَنَّد ، وهو الحَمِيل (٢) ، يقال زنَّدْت الناقة ، إِذا خَلَّلت أشاعرها بأخِلّة صغار ، ثُمَّ شددتَها بشَعر ، وذلك إذا انْدحفت رحِمُها بعد الولادة.

زنر الزاء والنون والراءِ ليس بأصلٍ ؛ لأنّ النون لا يكون بعدها راء. على أنّ فى الباب كلمة. يقولون إن الزَّنانِير الحصى الصِّغار إِذا هبّت عليها الريحُ سمعتَ لها صَوتا. [والزّنانير: أرضٌ بقرب جُرَشَ (٣)]. وقال ابن مقْبل :

زَنَانِيرُ أرواحَ المصيفِ لها (٤)

زنق الزاء والنون والقاف أصل يدلُّ على ضيقٍ أو تضْيِيق. يقولون زَنَقْت الفرسَ ، إذا شَكَلْته فى قوائمه الأربع. والزَّنَقة كالمدخل فى السِّكّة (٥)

__________________

(١) فى الأصل : «مقابل».

(٢) الحميل ، بالحاء المهملة ، وهو الدعى فى النسب. فى الأصل : «الجميل» ، صوابه فى المجمل.

(٣) التكملة من المجمل ، ويقتضيها الاستشاد بالبيت التالى.

(٤) قطعة من بيت له ، وهو بتمامه كما فى اللسان ومعجم البلدان (٤ : ٤٠٦) :

تهدى زنانير أرواح المصيف لها

ومن ثنايا فروج الغور تهدينا

(٥) فى الأصل : «التكة» ، صوابه من المجمل واللسان.


وغيرها فى ضيق وفيها مَيل. ويقال لضربٍ من الحُلىّ زِنَاقٌ.

زنك الزاء والنون والكاف ليس أصلاً ولا قياسَ له. وقد حُكِىَ الزَّوَنَّك : القصير الدَّميم.

زنم الزاء والنون والميم أصلٌ يدلُّ على تعليق شىء بشىء. من ذلك الزَّنِيم ، وهو الدَّعِىُّ. وكذلك المُزَنَّمُ ؛ وشُبّه بزنَمَتِى العنز ، وهما الّلتان تتعلَّقان من أذُنها. والزَّنَمة : اللَّحمة المتدلِّية فى الحلْق. وقال الشَّاعر فى الزَّنيم :

زَنيمٌ تَداعاهُ الرِّجالُ زيادةً

كما زِيدَ فى عَرضِ الأديم الأكارعُ (١)

باب الزاءِ والهاءِ والحرف المعتل

زهو الزاء والهاء والحرف المعتل أصلان : أحدهما يدلُّ على كِبْر وفَخر ، والآخر على حُسْن.

فالأوَّل الزَّهو ، وهو الفخر. قال الشاعر (٢) :

مَتى ما أشأ غير زَهْوِ الملوكِ

أجعلْكَ رَهطا على حُيَّضِ

ومن الباب : زُهِىَ الرجلَ فهو مزْهوٌّ ، إذا تفخَّر وتعظّم.

ومن الباب : زَهَتِ الريح النباتَ ، إِذا هَزَّتْه ، تَزْهاه. والقياس فيه أن المعْجَب (٣) ذَهَب بنفسه متمايلاً (٤).

__________________

(١) للخطيم التميمى. وهو شاعر جاهلى ، كما فى اللسان (زنم).

(٢) هو أبو المثلم الهذلى ، كما فى اللسان (رهط ، زهو). وقد سبق البيت فى (٢ : ٤٥٠).

(٣) فى الأصل : «المعجب».

(٤) فى الأصل : «زهت بنفسه متماثلا».


والأصل الآخر : الزَّهو ، وهو المنظر الحسَن. من ذلك الزَّهْو ، وهو احمرار ثمر النخل واصفرارُه. وحكى بعضهم زَهَى وأَزْهَى. وكان الأصمعىُّ : يقول : ليس إلّا زَهَا. فأمّا قول ابن مُقْبِل :

ولا تقولَنَ زَهْواً ما تُخَبِّرُنى

لم يترك الشيبُ لِى زَهْوًا ولا الكِبَرُ (١)

فقال قوم : الزَّهو : الباطل والكَذِب. والمعنى فيه أنَّه من الباب الأول» وهو من الفخر والخُيَلاء.

وأما الزُّهَاء فهو القَدْر فى العَدد ، وهو ممّا شذ عن الأصلين جميعاً.

زهد الزاء والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على قِلّةِ الشىء. والزَّهِيد : الشىء القليل. وهو مُزْهِدٌ : قليل المال (٢). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أفضلُ النّاسِ مؤْمنٌ مُزْهِدٌ». هو المُقِلُّ ، يقال منه : أزْهَد إزهاداً.

قال الأعشى :

فلَنْ يَطْلبُوا سِرَّها للغِنى

ولن يسلِموها لإزهادها (٣)

قال الخليل : الزَّهادة فى الدُّنيا ، والزُّهْد فى الدِّين خاصة. قال الِّلحيانى : يقال رجل زهيدٌ : قليل المَطعَم ، وهو ضيِّق الخُلقُ أيضاً. وقال بعضهم الزّهِيد : الوادى القليل الأخْذ للماء. والزَّهَاد : الأرض التى تَسيلُ من أدنى مطر.

وممّا يقرُب من الباب قولهم : «خُذْ زَهْدَ ما يكفيك» ، أى قَدْرَ ما يكفيك.

__________________

(١) روايته فى اللسان : «ولا العور». ورواية الصحاح تطابق رواية فارس.

(٢) فى الأصل : «الماء» صوابه من المجمل واللسان.

(٣) ديوان الأعشى ٥٦ واللسان (زهد). وفى شرح الديوان : «قرأت على أبى عبيدة : لإزهادها ، فلما قرأت عليه الغريب قال : لأزهادها ، بالفتح».


ويُحكى عن الشيبانىّ ـ إن صحّ فهو شاذٌّ عن الأصل الذى أصّلناه ـ قال : زَهَدْت النّخْلَ ، وذلك إذا خرَصْتَه.

زهر الزاء والهاء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حُسنٍ وضِياء وصفاء. من ذلك الزُّهَرة : النجم ، ومنه الزَّهْر ، وهو* نَور كلِّ نبات ؛ يقال أزهر النّبات. وكان بعضهم (١) يقول : النّور الأبيضُ ، والزّهر الأصفر ، وزَهرة الْدُّنيا : حُسْنها. والأزهر : القمر. ويقال زَهَرَت النّارُ : أضاءت ، ويقولون : زَهَرَت بك نارى.

ومما شذّ عن هذا الأصل قولُهم : ازدهرتُ بالشى ، إذا احتفظتَ به. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبى قَتادة فى الإناء الذى أعطاه : «ازْدَهِرْ بِهِ فإنَّ له شأنًا». يريد احتفظ به. وممكنٌ أن يُحمَل هذا على الأصل أيضاً ؛ لأنه إِذا احتفط به فكأنه من حيثُ استحسنه. وقال :

كما ازْدَهرَت. (٢).

ولعل المِزْهَر الذى هو العُود محمولٌ على ما ذكرناه من الأصل ؛ لأنّه قريب منه.

زهم الزاء والهاء والميم أصلٌ واحد يدلُّ على سَمِن وشحمٍ وما أشبه ذلك. من ذلك الزَّهَم ، وهو أن تَزْهَم اليدُ من اللّحم. وذكر ناسٌ أنَ الزُّهْم شَحم الوحش ، وأنَّه اسمٌ لذلك خاصَّة ، ويقولون للسَّمين زَهِمٌ. فأمّا قولُهم فى الحكاية

__________________

(١) هو ابن الأعرابى ، كما فى اللسان (زهر).

(٢) قطعة من بيت فى اللسان (زهر). وهو بتمامه :

كما ازدهرت قينة بالشراع

لأسوارا هل منها اصطباحا


عن أبى زيد أن المزَاهَمة القُرب ، ويقال زَاهَمَ فلانٌ الأربعينَ ، أى داناها ، فممكنٌ أن يُحمَل على الأصل الذى ذكرناه ، لأنّه كانّه أراد التلطُّخ بها ومُماسَّتها. ويمكن أنْ يكون من الإبدال ، وتكون الميم بدلاً من القاف ، لأن الزاهق عَيْنُ السمين (١). وقد ذكرناه

زهق الزاء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تقدَّم ومضىّ وتجاوز. من ذلك : زَهَقَتْ نفسه. ومن ذلك : [زهَق] الباطل ، أى مضى. ويقال زَهَق الفرسُ أمامَ الخليل ، وذلك إِذا سَبَقَها وتقدَّمَها. ويقال زَهق السّهم ، إذا جَاوَزَ الهدَف. ويقالُ فرسٌ ذات أزَاهيقَ ، أى ذاتُ جَرْىٍ وسَبْقٍ وتقدم.

ومن الباب الزَّهْق ، وهو قَعْرُ الشىء ؛ لأن الشىء يزهق فيه إِذا سقط. قال رؤبة :

كأنَّ أيديَهنَّ تَهْوِى بالزَّهَق (٢)

فأما قولهم : أزْهَقَ إناءَه ، إذا ملأه ، فإن كان صحيحاً فهو من الباب ؛ لأنه إذا امتلأ سَبَقَ وفاض ومَرَّ. ومن الباب الزَّاهق ، وهو السَّمِين ، لأنَّه جاوز حدّ الاقتصاد إلى أن اكتَنز من اللحم (٣). ويقولون : زَهَقَ مخُّه : اكتنز. قال زُهير فى الزَّاهق :

القائدُ الخيلَ منكوبًا دوابِرُها

منها الشَّنُونُ ومنها الزَّاهقُ الزَّهِمُ (٤)

ومن الباب الزَّهُوق ، وهو البئر البعيدة القعر.

__________________

(١) فى الأصل : «عند السمين» ، وانظر س ١٣ من هذه الصفحة.

(٢) ديوان رؤبة ١٠٦ واللسان (زهق).

(٣) فى الأصل : «إلى أكثر من اللحم».

(٤) ديوان زهير ١٥٣ واللسان (زهق).


فأمَّا قولهم : النَّاسُ زُهاقُ مائة ، فممكن إن كان صحيحاً أنْ يكون من الأصل الذى ذكرنا ، كأنَّ عددَهم تقدَّمَ حتَّى بلغ ذلك. وممكن أن يكون من الإِبدال ، كأنَّ الهمزةَ أُبْدِلَت قافًا. ويمكن أن يكون شاذّا.

زهف الزاء والهاء والفاء أصلٌ يدلُّ على ذهاب الشىء. يقال ازدهَفَ الشىءَ ، وذلك إذا ذهب به. قالت امرأةٌ من العرب :

يا من أحسَّ بُنَيَّىَّ اللذين هما

سَمعِى ومُخّى فمُخِّى اليوم مزدَهَفُ (١)

ويقال منه أَزْهَفَه الموتُ. ومن الباب ازدهَفه ، إذا استعجَلَه. قال :

قولك أقوالاً مع التَّحلافِ

فيه ازدهافٌ أيُّما ازدهافِ (٢)

وقال قوم : الازدهاف التزيُّد فى الكلام. فإن كان صحيحاً فلأنّه ذَهابٌ عن الحقّ ومجاوزةٌ له.

زهل الزاء والهاء واللام كلمةٌ تدلُّ على ملاسةِ الشَّىء. يقال فرس زُهْلول ، أى أماس.

زهك الزاء والهاء والكاف ليس فيه شىء إلا أنَّ ابنَ دريد ذكر أنَّهم يقولون : زَهَكت الرِّيح التّرابَ ، مثل سَهَكَتْ.

__________________

(١) فى اللسان (زهف) :

بل من أحس بريمى الذين هما

قلبي وعقلي فعقلي اليوم مزدهف

(٢) الرجز لرؤبة فى ديوانه ص ١٠٠.


باب الزاء والواو وما يثلثهما

زوى الزاء والواو والياء أصلٌ يدلُّ على انضمامٍ وتجمُّع. يقال زوَيت الشَّىءَ : جمعته.

قال رسول الله* صلى الله عليه وآله : «زُوِيتِ الأرضُ فأُرِيتُ مَشارِقَها ومغارِبَها ، وسيبلغُ مُلْكُ أمّتى ما زُوِىَ لى منها». يقول : جُمِعت إِليّ الأرضُ. ويقال زَوَى الرجلُ ما بين عينيه ، إِذا قبضَه.

قال الأعشى :

يزيدُ يُغضُّ الطَّرْف دونى كأنَّما

زَوَى بين عينيه علىَّ المحاجمُ (١)

فلا ينبسِطْ مِن بين عينَيكَ ما انزَوَى

ولا تَلقَنى إلّا وأنفُكَ راغمُ

ويقال انْزَوتِ الجِلدةُ فى النار ، إذا تَقَبَّضت. وزَاوية البيت لاجتماع الحائِطَين (٢). ومن الباب الزِّىّ : حُسْن الهيئة. ويقال زوى الإِرثَ عن وارثِه يَزوِيه زَيًّا.

ومما شذَّ عن هذا الأصل ولا يُعلم له قياسٌ ولا اشتقاق : الزّوْزَاة : حُسن الطرد (٣) ، يقال زَوْزَيْتُ به.

__________________

(١) ديوان الأعشى ٥٨ واللسان (زوى).

(٢) فى المجمل : «وزاوية البيت سميت للاجتماع».

(٣) فى المجمل واللسان : «شبه الطرد».


ويقال الزِّيزَاء : أطراف الرِّيش. والزِّيزاةُ : الأكَمة ، والجمع الزِّيزاء ، والزَّيازِى ، فى شعر الهذليّ (١) :

ويوفِى زَيازِىَ حُدْبَ التّلالِ

ومن هذا قدرٌ زُوَزِيَةٌ ، أى ضخمة (٢).

وممَّا لا اشتقاقَ له الزَّوْء ، وهى المَنِيّة (٣).

زوج الزاء والواو والجيم أصلٌ يدلُّ على مقارنَة شىءٍ لشىءٍ. من ذلك [الزّوج زوج المرأة. والمرأةُ (٤)] زوج بعلِها ، وهو الفصيح. قال الله جل ثناؤه : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ). ويقال لفلانٍ زوجانِ من الحمام ، يعنى ذكراً وأنثى. فأمّا قولُه جلّ وعزّ فى ذِكْر النبات : (مِنْ كُلِ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ، فيقال أراد به اللَّون ، كأنَّه قال : من كل لونٍ بهيج. وهذا لا يبعد أن يكون مِن الذى ذكرناه ؛ لأنه يزوَّج غَيْرَه ممّا يقاربه. وكذلك قولهم للنَّمَط الذى يُطرَح على الهودج زَوج ؛ لأنَّه زوجٌ لما يُلْقَى عليه. قال لبيد :

مِن كل محفوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ

زَوْجٌ عليه كِلّةٌ وقرامُها (٥)

زوح الزاء والواو والحاء أصلٌ يدلُّ على تنَحٍّ وزوال. يقول زاح عن مكانه يزُوح ، إذا تنحَّى ، وأزحتُه أنا. وربَّما قالوا : أزاح يُزيِح.

__________________

(١) هو أسامة بن الحارث الهذلى من قصيدته فى شرح السكرى الهذليين ١٨٠ ونسخة الشنقيطى ٧٩. وصدر البيت :

وظل يسوف أبو؟

(٢) حق هذه الكلمة وما قبلها من أول هذه الفقرة أن يكون فى مادة (زبز).

(٣) فى الأصل : «المسنة» ، تحريف.

(٤) التكملة من المجمل.

(٥) من معلقة لبيد.


زود الزاء والواو والدال أصلٌ يدلُّ على انتقالٍ بخيرٍ ، من عملٍ أو كسب. هذا تحديدٌ حَدَّه الخليل. قال كلُّ مَن انتقل معه بخيرٍ مِن عملٍ أو كسب فقد تزوَّد. قال غيره : الزَّود : تأسيس الزاد ، وهو الطعام يُتَّخَذ للسَّفر. والمِزْوَد : الوعاء يُجعَل للزاد. وتلقَّب العَجمُ برِقاب المَزاوِدِ

زور الزاء والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على المَيْل والعدول. من ذلك الزُّور : الكذب ؛ لأنه مائلٌ عن طريقَةِ الحقّ. ويقال زوَّرَ فلانٌ الشَّىء تزويراً. حتَّى يقولون زوَّر الشىءَ فى نفْسه : هيّأه ؛ لأنه يَعدِل به عن طريقةٍ تكون أقربَ إِلى قَبول السامع. فأمَّا قولهم للصَّنم زُور فهو القياس الصحيح. قال :

جاءُوا بزُورَيْهِمْ وجئنا بالأَصّمْ (١)

والزَّوَر : الميل. يقال ازورَّ عن كذا ، أى مال عنه.

ومن الباب : الزائر ، لأنّه إذ زارَك فقد عدَل عن غيرك.

ثم يُحمل على هذا فيقال لرئيس القوم وصاحِب أمرهم : الزُّوَيْر ، وذلك أنَّهم يعدِلون عن كلّ أحدٍ إليه. قال :

بأيدِى رجالٍ لاهَوَادة بينهمْ

يَسُوقون للموت الزُّوَيْر اليَلَنْدَدا (٢)

ويقولون : هذا رجلٌ ليس له زَوْرٌ ، أى ليس له صَيُّورٌ يرجِع إليه. والتزوير : كرامة الزَّائر. والزَّوْرُ : القوم الزُّوَّار ، يقال ذلك فى الواحد والاثنين والجماعة والنّساء. قال الشاعر:

__________________

(١) الرجز للأغلب ، أو ليحيى بن منصور. انظر اللسان (زور).

(٢) أنشده فى اللسان (٥ : ٤٢٧).


ومشيُهنَّ بالخُبَيْبِ المَوْرُ (١)

كما تَهَادى الفَتَياتُ الزَّوْرُ

فأمّا قولهم إن الزِّوَرَّ القوىّ الشديد ، فإنما هو من الزَّوْر ، وهو أعلى الصَّدر شاذٌّ عن الأصل الذى أصّلناه.

زوع الزاء والواو والعين كلمةٌ واحدة. يقال زَاعَ الناقة بزمامها زَوْعًا ، إذا جذبها. قال ذو الرمّة :

زُعْ بالزّمام وجَوْزُ الليل مركومُ (٢)

زوف الزاء والواو والفاء ليس بشىءٍ ، إلّا أنهم يقولون موتٌ* زُوَاف : وحِىٌّ.

زوق الزاء والواو والقاف ليس بشىء. وقولهم زَوَّقْتُ الشىءَ إذا زيّنته وموّهتَه ، ليس بأصل ، يقولون إنّه من الزَّاوُوق ، وهو الزِّئبق. وكلُّ هذا كلام.

زوك الزء والواو والكاف كلمةٌ إن صحت. يقولون إنَ الزَّوْكَ مِشية الغُراب. وينشدون:

فى فُحْشِ زانيةٍ وزَوْكِ غُرَابِ (٣)

__________________

(١) الخبيب : مصغر الخب بالضم ، وهو الغامض من الأرض. وفى اللسان : ومشيهن بالكثيب هور.

(٢) صدره كما فى ديوانه ٥٧٩ واللسان (زوع) :

وخافق الرأس فوق الرحل قلت له

لكن فى اللسان : مثل السيف قلت له.

(٣) البيت لحسان فى ديوانه ٥٩ والحيوان (٣ : ٤٢٤). وهو فى اللسان (زوك) بدون نسبة.


ويقولون من هذا زَوْزَكَت المرأة ، إِذا أسرعت فى المشى. وهذا باب قريبٌ من الذى قبلَه.

زول الزاء والواو واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تنحى الشىءٍ عن مكانه. يقولون : زال الشىءٍ زَوَالاً ، وزالت الشمس عن كبد السماء تَزُول. ويقال أزَلْتُهُ عن المكان وزوّلته عنه. قال ذو الرمة :

بيضاءَ لا تَنحاشُ مِنّا وأُمُّها

إذا ما رأتْنا زِيل منا زَوِيلُها (١)

ويقال إنّ الزّائلة كلُّ شىء يتحرك. وأنشد :

وكنت امرأً أرمى الزّوائِلَ مَرَّةً

فأصبحْتُ قد ودَّعْت رَمْىَ الزّوائِل (٢)

ومما شذّ عن الباب قولُهم : شىءٌ زوْل ، أى عَجَب. وامرأةٌ زَولة ، أى خفيفة.

وقال الطرِمّاح :

وألقَتْ إلىَّ القولَ منهنَ زَوْلةٌ

تُخَاضِنُ أو ترنُو لقول المُخاضِنِ (٣)

زون الزاء والواو والنون ليس هو عندى أصلاً على أنّهم يقولون : الزَّون : الصّنَم. ومرّة يقولون : الزَّوْن بيت الأصنام. وربما قالوا (٤) زانَه يَزُونه بمعنى يَزِينه (٥).

__________________

(١) البيت فى ديوانه ٥٥٤ واللسان (٨ : ١٨٠ / ١٣ : ٣٣٧ / ٢٠ : ١٦٥) والحيوان (٥ : ٥٧٤). وقد سبق فى (٢ : ١١٩).

(٢) أنشده فى اللسان (زول).

(٣) ديوان الطرماح ١٦٤ واللسان (خضن ، لحن) والمقابيس (٢ : ١٩٣).

(٤) فى الأصل : «قاله».

(٥) فى اللسان : «محمد بن حبيب : قالت أعرابية لابن الأعرابى : إنك تزوننا إذا طلعت».


ومن الباب الزِّوَنَّة : القصيرة من النِّساء. والرجل زِوَنّ. وربما قالوا : الزَّوَنْزَى : القصير. وكله كلام.

باب الزاى والياء وما يثلثهما

زيب الزاى والياء والباء أصلٌ يدلُّ على خفّةٍ ونشاط وما يشبه ذلك. والأصلُ الخِفّة. يقولون : الأَزْيَبُ النشاط. ويقولون : مَرّ فلانٌ وله أزْيَب إذا مَرَّ مَرٍّا سريعًا. ومن ذلك قولهم للأمر المنكَر : أَزْيَبٌ. وهو القياس ، وذلك أنّه يُستخفّ لمن رآه أو سمعه. قال :

تُكلّفُ الجارةَ ذَنْبَ الغُيّبِ

وهى تُبيتُ زوجَها فى أزيَبِ (١)

ومن الباب قولهم للرجل الذّليل والدّعِىِ أَزْيَب (٢). ويقولون لمن قارَبَ خَطْوَه : أَزْيَب. وقد أعلمْتُكَ أنَّ مرجع البابِ كلِّه إلى الخِفّة وما قاربها.

وممّا يصلُح أن يقال إنّه شذّ عن الباب ، قولهم للجَنُوب من الرِّياح : أَزْيَب.

زيت الزاء والياء والتاء كلمةٌ واحدة ، وهى الزّيت ، معروف. ويقال زِتُّه ، إذا دهنْتَه بالزّيت. وهو مَزْيوت.

زيح الزاء والياء والحاء أصلٌ واحد ، وهو زَوال الشىء وتنحِّيه. يقال زاح الشىءُ يَزيحُ، إذا ذهَب ؛ وقد أزَحْتُ عِلَّته فزاحت ، وهى تَزِيح.

__________________

(١) البيت الأخير فى المجمل.

(٢) ذكر فى المعرب ١٦٩ أنه فارسى ، عربيته «المطمر».!!!.


زيج الزاء والياء والجيم ليس بشىء. على أنهم يسمُّون خيطَ البنّاء زِيجًا. فما أدرى أعربىٌّ هو أم لا.

زيد الزاء والياء والدال أصلٌ يدلُّ على الفَضْل. يقولون زاد الشىء يزيد ، فهو زائد. وهؤلاء قومٌ زَيْد على كذا ، أى يزيدون. قال :

وأنتمُ مَعْشرٌ زَيدٌ على مائةٍ

فأجمِعُوا أمرَكُمْ كيداً فكيدونى (١)

ويقال شىءٌ كثير الزَّيايد ، أى الزّيادات ، وربما قالوا زوائد. ويقولون للأسد : ذو زوائد. قالوا : وهو الذى يتزيد فى زَئِيرِه وصَولته. والناقة تَتَزيَّد فى مِشيتها ، إذا تكلفَتْ فوقَ طاقتِها. ويروون :

فقل [مثل] ما قالُوا ولا تتزَيَّد (٢)

بالياء ، كأنّه أراد التزيّد فى الكلام.

زير الزاء والياء والراء ليس بأصلٍ. يقولون : رجل زِيرٌ : يحبُّ مجالَسة النّساء ومحادثَتهن. وهذا عندى أصلُه الواو ، من زَارَ يزور ، فقلبت الواو ياءً للكسرة التى قبلها ، كما يقال هو حِدْثُ نِساء. قال فى الزِّير :

من يَكُنْ فى السِّوادِ والدَّدِ والإغْ

رامِ زِيراً فإنّنى غيرُ زيرِ (٣)

زيغ الزاء والياء والغين أصلٌ يدل على مَيَل الشىء. يقال زاغ

__________________

(١) البيت لذى الإصبع العدوانى من قصيدة له فى المفضليات (١ : ١٥٨).

(٢) التكملة من المجمل واللسان. وصدره فى اللسان :

إذا أنت فاكهت الرجل فلا تنع

(٣) أنشده فى اللسان (سود). والسواد ، بالكسر : المسارة.


يَزيغُ زَيْغا. والتَّزَيُّغ : التَّمايُل (١) ، وقوم زاغَةٌ ، أى زائغون. وزاغَت الشمس ، وذلك إذا مالت وفاء الفىء (٢). وقال الله جلّ ثناؤه : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ). فأمّا قولهم : تزيّغت المرأةُ ، فهذا من باب الإبدال ، وهى نونٌ أبدلت غَينا.

زيم الزاء والياء والميم أصلٌ يدلُّ على تجمّعٍ. يقال لحم زِيَمٌ ، أى مُكتنِز. ويقال اجتمع الناسُ فصارُوا زِيَما. قال الخليل :

«والخيل تعدُو زِيَمًا حولنا»

زيل الزاء والياء واللام ليس أصلاً ، لكنّ الياء فيه مبدلةٌ من واو ، وقد مضى ذِكره ، وذُكرتْ هنالك كلماتُ اللَّفظ. فالتَّزايل : التباين. يقال زَيَّلْتُ بينه ، أى فرّقْت ، قال الله تعالى : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ). ويقال إن الزَّيَل تباعُد ما بين الفَخِذين ، كالفَحَج. وذُكر عن الشيبانىّ إن كان صحيحاً تزايلَ فلانٌ عن فلانٍ ، إذا احتشَمَه. وهو ذاك القياسُ إن صحّ.

زين الزاء والياء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على حُسن الشىء وتحسينه. فالزَّيْن نَقيضُ الشَّيْن. يقال زيَّنتْ الشىء تزيينًا. وأزْيَنتِ الأرضُ وازَّيَّنتْ وازدانت (٣) إذا حَسَّنَها عُشْبُها. ويقال إن كان صحيحًا ـ إنّ الزَّين : عُرف الدِّيك. ويُنشدون :

__________________

(١) فى الأصل : «والتماثل» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) فى الأصل : «وذلك إذا فاءت الفىء» صوابه ، من المجمل واللسان.

(٣) ويقال أيضا : «ازبنت» كاحمرت ، و «ازيأنت».


وجئتَ على بغلٍ تَزُفُّكَ تِسعةٌ

كأنّكَ دِيكٌ مائلُ الزَّين أعْوَر (١)

زيف الزاء والياء والفاء فيه كلام ، وما أظنُّ شيئاً منه صحيحاً. يقولون درهم زائِف وزَيْف. ومن الباب زَافَ الجملُ فى مَشيه يزيف ، وذلك إذا أسرع. والمرأة تَزِيف فى مَشيها ، كأنها تستدير. والحمامة تَزِيف عند الحَمَام. فأمّا الذى يُروَى فى قول عدىّ :

تَرَكونِى لدَى قُصورٍ وأعرا

ضِ قصورٍ لزَيْفهنّ مَرَاقِ (٢)

فيقولون إِنّ الزَّيف الطُّنُف الذى يقى الحائط : ويقال «لزيْفهن (٣)». وكلُّ هذا كلام. والله أعلم.

باب الزاء والهمزة وما يثلثهما

زأر الزاء والهمزة والراء أصلٌ واحد. زأر الأسد زأرأ وزئِيرا قال النابغة :

نُبِّئتُ أنّ أبا قابوسَ أوعَدَنِى

ولا قَرَارَ على زأر من الأسَدِ (٤)

ومنه قوله :

حَلّتْ بأرضِ الزَّائِرِينَ فأصْبَحتْ

عَسِراً علىَّ طِلابُكِ ابنةَ مَخْرَم (٥)

__________________

(١) البيت للحكم بن عبدل ، كما فى الحيوان (٢ : ٣٠٥) واللسان (زين).

(٢) الكلمتان الأخيرتان من البيت فى المجمل. وأنشده فى اللسان (زيف).

(٣) كذا فى الأصل.

(٤) ديوان النابغة ٢٦.

(٥) البيت لعنترة بن شداد فى معلقته المعروفة ، واللسان (زأر).


ومن الباب الزَّأرَة : الأجَمة ، وهو كالاستعارة ؛ لأنّ الأُسْدَ تأوى إليها فتزأَر.

زأب الزاء والهمزة والباء كلمتان. يقال زَأَبَ الشىءَ ، إذا حَمله. والازدئاب : الاحتمال. والكلمة الأخرى زَأَبَ ، إذا شرِب شُربًا شديداً. ولا قياسَ لهما.

زأد الزاء والهمزة والدال كلمة واحدة ، تدلُّ على الفزع. يقال زُئِد الرّجُل ، إِذا فَزِع ، زُؤدًا. قال :

حَملَتْ يه فى ليلةٍ مَزءُودةٍ

كَرْها وعَقدُ نِطاقِها لم يُحْلَلِ (١)

زأم الزاء والهمزة والميم أصلٌ يدلُّ على صوتٍ وكلام. فالزَّأْمة : الصَّوت الشديد. ويقال زأم لى فلانٌ زأْمةً ، إذا طَرَح لى كلمةً لا أدرى أحقٌّ هى أم باطل.

ومما يُحمَل عليه الزَّأَم : الذُّعر. ويقال أزأَمْتُه على كذا ، أى أكرهْتُه.

ومما شذّ عن الباب الزّأْم : شِدّة الأكل. والله أعلم.

باب الزاء والباء وما يثلثهما

زبد الزاء والباء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تولُّد شىءٍ عن شىء. من ذلك زَبَدُ الماءِ وغيرِه. يقال أزْبَدَ إزْياداً. والزُّبد من ذلك أيضاً. يقال زَبَدْتُ الصبى أزبُده ، إذا أطعمتَه الزُّبد.

__________________

(١) البيت لأبى كبير الهذلى ، من قصيدة له فى نسخة الشنقيطى من الهذليين ٦١. وهو فى حماسة أبى تمام (١ : ٢٠).


وربَّما حملوا على هذا واشتقّوا منه. فحكى الفرّاءُ عن العرب : أزْبَدَ السِّدرُ ، إذا نَوَّر. ويقال زَبَدَتْ فلانةُ سِقاءَها ، إذا مَخَضَتْه حتَّى يُخرِج زُبدَه.

ومن* الباب الزَّبْد ، وهو العطيّة. يقال زَبَدْتُ الرّجلَ زَبْدا : أعطيتُه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّا لا نَقبل زَبْد المُشْركين». يريد هداياهم.

زبر الزاء والباء والراء أصلان : أحدهما يدلُّ على إِحكام الشىء وتوثيقه ، والآخَر يدلُّ على قراءةٍ وكتابةٍ وما أشبه ذلك.

فالأوّل قولهم زَبَرْت البِئر ، إذا طويتَها بالحجارة. ومنه زُبْرة الحديد ، وهى القِطعة منه ، والجمع زُبَر. ومن الباب الزُّبْرة : الصّدر. وسُمّى بذلك لأنّه كالبئر المزبورة ، أى المطويّة بالحجارة. ويقال إنّ الزُّبْرة من الأسد مُجتمع وَبَرِه فى مِرفقيْه وصدره. وأسد مَزْبَرانىٌ ، أى ضخم الزُّبْرة.

ومن الباب الزَّبِير ، وهى الدّاهية. ومن الباب : أخَذَ الشّىءَ بزَوْبَرِه ، أى كُلِّه. ومنه قول ابن أحمَر (١) فى قصيدته :

عُدَّتْ علىَ بِزَوْبَرَا (٢)

__________________

(١) فى الأصل : «ابن الحمر» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) البيت بتمامه كما فى اللسان :

وإن قال عاو من معد قصيدة

بها جرب عدت على بزوبرا

وفى الصحاح : «إذا قال غاو من تنوخ». وكلمة «زوبر» إحدى الكلمات التى لم تسمع إلا فى شعر ابن أحمر ، ومثلها «ماموسة» علم للنار ، جاءت فى قوله يصف بقرة :

تطايح الطل عن أعطافها صعدا

كما تطابح من ماموسة الشرو

وكذلك سمى حوار الناقة «بابوسها» ولم يسمع فى شعر غيره. وهو قوله :

جنت فلوصي إلى يابوسها جزعا

فما حنينك أم مأ أنت والذكر

وسمى ما يلف على الرأس «أرنة» ولم توجد لغيره ، وهو قوله :

وتلقع الحرباء أرنته

متاوسا لوويده نمر


فيقال إنّ معناه نُسِبتْ إلىَّ بكمالها. ومن الباب : ما لِفلَانٍ زَبْرٌ ، أى ما له عقلٌ ولا تماسُك. ومنه ازبأَرَّ الشّعر ، إذا انتفَش تقوى (١).

والأصل الآخر : زَبَرْتُ الكتابَ ، إذا كتبتَه. ومنه الزَّبور. وربَّما قالوا : زبَرتَه ، إذا قرأتَه. ويقولون فى الكلمة : «أنا أعرف تَزْبِرَتِى (٢)» أى كتابتى.

زبق الزاء والباء والقاف ليس من الأصول التى يُعوّل على صحّتها ، وما أدرى أَلِما قِيل فيه حقيقةٌ أم لا؟ لكنّهم يقولون : زَبَقَ شَعره ، إذا نَتَفَه. ويقولون : انْزَبق فى البيت : دخل. وزبَقْت الرّجلَ : حبستُه.

زبل الزاء والباء واللام كلمةٌ واحدة. يقولون : ما أصبت مِن فلان زُبالاً (٣) ، قالوا : هو الذى تحمله النّملة بفيها. وليس لها اشتقاق. وذكر ناسٌ إن كان صحيحاً ـ : ما فى الإناء زُبَالة ، إذا لم يكن فيه شىءٌ. وأما قولهم زبَلْتَ الزّرعَ ، إذا سَمَّدته بالزِّبل ، فإن كان صحيحاً فهو من الباب أيضاً ؛ لأن الزِّبْل من الساقط الذى لا يُعتَدّ به.

وحكى أنّ الزَّأْبَل : الرّجلُ القصير. وينشدون :

حَزَنْبَلُ الْخُصْيَيْنِ فَدْمٌ زَأْبَلُ (٤)

وهذا وشِبهه مما لا يُعرَّج عليه.

__________________

(١) كذا وردت هذه الكلمة فى الأصل ، وليست فى المجمل.

(٢) فى اللسان : «إنى لا أعرف تزبرتى».

(٣) الزبال ، بالكسر وبالضم.

(٤) الرجز فى المجمل واللسان (زبل).


زبن الزاء والباء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الدّفع. يقال ناقة زَبُون ، إذا زَبَنَتْ حالبَها. والحرب تزبِنُ النّاسَ ، إذا صَدَمتهم. وحربٌ زَبُون. ورجلٌ ذو زَبُّونةٍ ، إذا كان مانعاً لجانبِه دَفُوعاً عن نفسه. قال :

بذَبِّى الذَّمَّ عن حَسبِى بمالِى

وزَبُّوناتِ أشْوسَ تَيَّحانِ (١)

ويقال فيه زَبُّونَةٌ ، أى كِبر ، ولا يكونُ كذا إلّا وهو دافعٌ عن نفسه. والزَّبانِيَةُ سُمُّوا بذلك ، لأنّهم يدفعون أهلَ النار إلى النار. فأمَّا المُزابَنَة فبيع الثمر فى رءوس النّخل ، وهو الذى جاء الحديث بالنَّهى عنه. وقال أهل العلم : إنّه مما يكون بعد ذلك من النِّزاع والمدافَعة. ويقولون إن الزَّبْن البُعْد. وأما زُبَانَى العقرب فيجوز أن يكون من هذا أيضاً ، كأَنّها تدفَع عن نفسها به ، ويجوز أن يكون شاذًّا.

زبى الزاء والباء والياء يدلُّ على شرٍّ لاخير. يقال : لقيت منه الأَزابِىَ ، إذا لقى منه شرّا. ومن الباب : الزُّبْية : حفيرة يُزَبِّى فيها الرجلُ للصيد ، وتفر للذّئب والأسد فيصادان فيها. ومن الباب : زَبَيْت أَزْبِى ، إذا سقت إليه ما يكرهه. [قال] :

تلك استقِدْها وأَعطِ الحُكْم وَاليَها

فإنّها بعضُ ما تَزْنِى لك الرَّقِمُ (٢)

زبع الزاء والباء والعين قريبٌ من الذى قبله ، وهو يدلُّ على

__________________

(١) لسوار بن المضرب ، كما فى اللسان (زبن). وروايته : «عن أحساب قومى».

(٢) فى اللسان : «تلك استفدها» بالفاء.


تغيُّظٍ وعزيمةِ شرّ. يقال تزبّع فلانٌ ، إذا تهيَّأ للشر. وتزبّع : تغيَّر. وهو فى شعر متمّم :

وإنْ تَلقَه فى الشَّرْب لا تَلقَ فاحشاً

من القوم ذا قاذُورة متزبِّعاً (١)

قال الشيبانىّ : الأزْبَع (٢) الدّاهية ، والجمع الأزابعْ. وأنشد :

وعَدْتَ ولم تُنْجِزْ وقِدْماً وعدتَنى

فأخلفْتَنى وتلك إحدى الأزابعِ

وهذا إنْ صح فهو من الإبدال ، وهو من الباب قبله.

باب الزاءِ والجيم وما يثلثهما

زجر الزاء والجيم والراء كلمة تدل على الانتهار. يقال زَجَرت البعيرَ حتَّى مضَى ، أزجُره. وزجَرْت فلانًا عن الشىء فانْزَجر. والزَّجور من الإبل : التى تعرف بعينها وتُنكر بأنْفها.

زجل الزاء والجيم واللام أصلٌ يدلُّ على الرمى بالشىءِ والدفعِ له. يقال قَبَحَ اللهُ أمًّا زَجَلَتْ به. والزَّجْل : إرسال الحمام الهادِى. والمِزْجل : المِزْرَاق. وزَجَلَ الفَحْل ، إذا ألْقى ماءَه فى الرَّحِم. ويقال أن الزَّاجَلُ (٣) : ماءُ الظليم ؛ لأنه يزْجُل به. قال ابنُ أحمر :

__________________

(١) أنشده فى اللسان (زمع ، قذر). وهو من قصيدة فى المفضليات (٢ : ٦٥ ـ ٧٠) وجمهرة أشعار العرب ١٤١ ـ ١٤٣.

(٢) لم أجدها فى المعاجم المتداولة. لكن فى اللسان : «الزوابع : الدواعى».

(٣) الزاجل ، بفتح الجيم ، يهمز ولا يهمز.


وما بيضاتُ ذِى لِبَدٍ هِجَفّ

سُقِينَ بِزَاجَلٍ حَتى رَوِينا (١)

ويقال بل الزَّاجَل مُخُّ البيض ، والأوّل أقيس.

ومما شذّ عن الباب الزُّجلة : القِطعة من كل شىء ، وجمعها زُجَل والزِّئْجِيل (٢) : الرجل الضَّعيف.

ومن هذا ، إن كان صحيحاً ، الزَّاجَل : حَلقة تكون فى طرف حبل الثقَل (٣).

زجم (٤) الزاء والجيم والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على صوتٍ ضعيف. يقال. ما تكلم بِزَجْمَةٍ ، أى بِنَبْسة والزَّجوم : القوس ليست بشديدة الإرنان. والله أعلم بالصواب.

زجى الزاء والجيم والحرف المعتلّ يدلُّ على الرّمى بالشىء وتسييره من غير حبس (٥). يقال أزجتِ البقرةُ ولدَها ، إذا ساقته. والرِّيح تُزْجِى السَّحابَ : تسوقُه سَوْقاً رفِيقاً. فأمّا المُزْجَى فالشىء القليل ، وهو من قياس الباب ، أى يُدفع به الوقت. وهذه بضاعةٌ مُزْجَاة ، أى يسيرة الاندفاع.

ومن الباب زجا الخراجُ يزجُو ، أى تيسَّرت جِبايته.

__________________

(١) البيت فى الحيوان (٤ : ٣٢٨ ، ٣٤١) واللسان (هجف ، زجل) والمخصص (٨ : ٥٥). وفى الأصل : «بعجف» بدل «هجف» ، تحريف.

(٢) والزتجيل أيضا ، يقال بالهمز وبالنون كما فى اللسان.

(٣) الثقل ، بالتحريك. متاع المسافر. وفى المجمل : «فى طرف الحبل حبل الثقل».

(٤) وردت هذه المادة فى الأصل مؤخرة عن (زجى) ورددتها إلى موضعها المطابق لموضعها من المجمل.

(٥) حبس ، أى إمساك. وفى الأصل : «جنس».


باب الزاءِ والحاءِ وما يثلثهما فى الثلاثى

زحر الزاء والحاء والراء تنفُّسٌ بشدّة ليس إلّا هذا. يقال زَحَرَ يَزْحَرُ زحيراً ، وهو صوتُ نَفَسِه إذا تنفّس بشدة. وزَحَرَت المرأة بولدها عند الولادة.

زحل الزاء والحاء واللام أصلٌ يدلُّ على التنحِّى. يقال زحَل عن مكانه ، إذا تنحّى. وزَحَلت النّاقةُ فى سَيرها. والمَزْحَل : الموضع الذى تَزْحَل إليه.

زحم الزاء والحاء والميم أصلٌ يدل على انضمامٍ فى شدّة. يقال زَحَمَه يَزْحَمُه ، وازْدَحم الناس.

زحن الزاء والحاء والنون أصلٌ يدل على الإبطاء. تقول : زَحَنَ يَزْحَن زَحْنًا ، وكذلك التَّزحُّن. يقال تزَحَّن على الشىء ، إذا تكارَهَ عليه وهو لا يشتهيه.

زحف الزاء والحاء والفاء أصلٌ واحد يدلّ على الاندفاع والمضىّ قُدُمًا. فالزَّحف : الجماعة يزحَفون إِلى العدوّ. والصبىّ يزحَف على الأرض قبل المشى. والبعير إذا أعيا فجرَّ فِرْسِنَه فهو يزحَف. وهى إبلٌ زواحفُ ، الواحدة زاحفة. قال :

على زوَاحف نُزْجِيَهَا مَحَاسِيرِ (١)

__________________

(١) للفرزدق فى ديوانه ٢٦٣ واللسان (زحف) وصدره :

على عمائمنا تلقى وأرحلنا


ويقال زحَفَ الدَّبَا ، إذا مضى قُدُمًا. والزاحف : السهم الذى يقع دون الغَرَض ثم يزحَف. والله أعلم بالصواب.

باب الزاء والخاءِ وما يثلثهما

زخر الزاء والخاء والراء أصلُ صحيح ، يدلُّ علي ارتفاع. يقال زَخَر البحر ، إذا طما ؛ وهو زاخرٌ. وزخَر النّبات ، إذا طال. ويقال أخذ المكان زُخَارِيَّه ، وذلك إذا نَمَا النبات وأخرجَ زَهره. قال ابن مقبل :

زُخارِىَ النّبات كأنَّ فيه

جيادَ العبقريّة والقُطوعِ (١)

باب الزاء والدال وما يثلثهما

هذا بابٌ لا تكاد تكون الزاءُ فيه أصليَّة ؛ لأنهم يقولون : جاء فلانٌ يضرب أزْدَرَيْه ، إذا جاء فارغًا. وهذا إنما هو أصْدَرَيْه. ويقولون : الزَّدْو فى اللعب ، وإنما هو السَّدْو. ويقولون: مِزْدَغَة* ، وإنما هى مِصْدَغة. والله أعلم.

باب الزاء والراء وما يثلثهما

زرع الزاء والراء والعين أصلٌ يدلُّ على تنمية الشىء. فالزّرع معروف ، ومكانه المُزْدَرَع. وقال الخليل : أصل الزّرع التنمية. وكان بعضهم يقول :

__________________

(١) قله فى اللسان (زخر) :

ويرتعيان ليتهما قرارا

سفته كل مدجنة هموع


الزَّرع طرح البَذْر فى الأرض. والزَّرْع اسمٌ لِمَا نبت. والأصل فى ذلك كلِّه واحد. وزارِع : كلبٌ.

زرف الزاء والراء والفاء أصلٌ يدل على سعىٍ وحركة. فالزَّرُوف : النَّاقة الواسعة الخَطو الطويلةُ الرِّجْلين. ويقال : زَرَف ، إِذا قَفَزَ. ويقال زَرَفْت الرّجلَ عن نفسى إذا نحّيتَه. ومن الباب : الزَّرافات : الجماعات وهى لا تكون كذا إلا إِذا تجمّعت لسعىٍ فى أمر. ويقال زَرَافَّة ، مثقّلة الفاء. وكان الحجّاج يقول : «إِيَّاىَ وهذه الزّرَافات». يريد المتجمّعين المضطربين لفتنةٍ وما أشبهها. ومن الباب زَرِف الجُرح ، إذا انتقض بعد البُرْء.

زرم الزاء والراء والميم أصلٌ يدلُّ على انقطاع وقلّة. يقال زَرِم الدمعُ ، إذا انقطَع ؛ وكذلك كلُّ شىءٍ. ومن ذلك حديث النبى صلى الله عليه وآله وسلم حين بال عليه الحسَنُ عليه السلام فقال : «لا تُزْرِمُوا ابنى». يقول : لا تقطَعوا بولَه. زَرِمَ البولُ نفسُه ، إِذا انقطع. قال :

أو كماء المثمودِ بعد جِمامٍ

زَرِمَ الدّمعِ لا يئوبُ نَزُورا (١)

ويقال إِن الزَّرِم البخيل. وهو من ذاك. [و] يقال زَرِمَ الكلب ، إذا يبس جَعْرُه فى دُبُرِه.

زرب الزاء والراء والباء أصلٌ يدلّ على بعض المأوَى. فالزَّرْب زَرب الغنم ، وهى حظيرتها. ويقال الزَّرِيبة الزُّبْية. والزَّريبة : قُتْرَة الصائد.

__________________

(١) البيت لعدى بن زبد كما فى اللسان (زرم). وقد سبق فى (ثمد ، جم).


زرد الزاء والراء والدال حرف واحد ، وهو يدلُّ على الابتلاع ، والزاء فيه مبدلةٌ من سين. يقال ازدَرَد اللقمة يَزْدَرِدها (١). وممكنٌ أن يكون الزَّرَد من هذا ، على أن أصله السين ، ومعنى الزّرَّاد السَّرَّاد.

زرح الزاء والراء والحاء كلمة واحدة. فالزراوِح : الرَّوابى الصِّغار (٢).

زرى الزاء والراء والحرف المعتل يدلُّ على احتقارِ الشىء والتّهاون به. يقال زرَيْت عليه ، إذا عِبْتَ عليه. وأَزْريْتَ به : قصَّرت به.

باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله زاء

وسبيلُ هذا البابِ سبيلُ ما مضى. فمنه المشتقُّ البيِّنُ الاشتقاق ، ومنه ما وُضع وضعْاً.

فمن المشتق الظاهرِ اشتقاقُه قولهم (الزُّرْقُم) ، أجمع أهلُ اللغة أنّ أصله من الزَّرَق ، وأن الميم فيه زائدة.

ومن ذلك (الزُّمَّلِق) و (الزُّمَالِق) ، وهو الذى إذا باشر أراق ماءَه قبل أن يجامِع. وهذا أيضاً مما زيدت فيه الميم ؛ لأنه من الزَّلَق. وهو من باب أزْلَقَتِ الأنثى ، وذلك إذا لم تقبل رحمُها ماءَ الفحل ورَمت به.

ومن ذلك (الزَّهْمَقَة) وهى الزَّهَم ، أو رائحة الزُّهُومة. فالقاف فيه زائدة.

__________________

(١) بعدها فى الأصل : «وزرد يزدردها» وهو كلام مقحم.

(٢) واحدها «زروح» بفتح الزاى وسكون الراء.


ومن ذلك قولهم (ازْمَهَرَّت) الكواكبُ ، إذا لَمَعَت. وهذا مما زيدت فيه الميم ؛ لأنّه من زَهَرَ الشىء ، إذا أضاء.

فأما (الزَّرَجُون) ففارسيّة معرّبة (١) ، واشتقاقه من لون الذّهَب.

ومن ذلك سيل (مُزْلَعِبٌ) ، وهو المُتدافع الكثير القَمْش. وهذا ممّا زِيدت فيه اللام. وهو من السَّيل الزّاعب ، وهو الذى يتدافع.

ومن ذلك (الزُّلقوم) ، وهو الحلقوم فيما ذكره ابن دريد (٢). فإن كان صحيحاً فهو منحوت من زَلِق وزقم ، كأنّ اللقمة تزلَق فيه.

ومن ذلك (الزُّهلُوق (٣)) ، وهو الخفيف ، وهو منحوت من زلق وزهق (٤) ، وذلك إِذا تهاوى سِفْلاه.

ومن ذلك (الزُّعْرور) السَّيِّئُ الخُلُق. وهذا ممّا اشتقاقُه ظاهر ؛ لأنه من الزَّعارَة ، والراء* فيه مكرَّرة.

ومن ذلك (الزَّمْجَرة) : الصَّوت. والميم فيه زائدة ، وأصله من الزّجر.

ومن ذلك قول الخليل : (ازلَغَبّ (٥)) الشعر ، وذلك إذا نَبَت بعد الحلْق. وازلغَبَ الطائر ، إذا شوَّك (٦). وهذا مما نُحِت من كلمتين ، من زَغَب ولَغَب.

__________________

(١) هى بالمارسة «زرگون». و «زر» بمعنى الذهب. و «گون» لون ، فمعناه لون الذهب. انظر اللسان والمعرب ١٦٥ ومعجم استينجاس ٦١٥. والزرجون فى العربية : الخمر ، وقضبان الكرم فى لغة أهل الطائف وأهل الغور. وقال ابن شميل : الزرجون شجر العنب ، كل شجرة زرجونة.

(٢) الجمهرة (٣ : ٣٧٩).

(٣) هذه الكلمة مما فات صاحب اللسان. وقد وردت فى المجمل والقاموس والجمهرة (٣ : ٣٨١).

(٤) فى الأصل : «زعق» ، تحريف.

(٥) وردت فى الأصل بالعين المهملة فى هذا الموضع وتاليه. والصواب ما أثبت.

(٦) فى اللسان : «ازلغب الطائر : شوك ريشه قبل أن يسود».


والزَّغب معروف ، واللَّغْب : أضعف الريش.

ومن ذلك (الزَّغْدَب) ، وهو الهدير الشديد ، حكاه الخليل. وأمرُ هذا ظاهر. لأن الباء فيه زائدة. والزَّغْد : أشدّ الهدير.

ومن ذلك (الزَّغْبَد (١)).

ومن ذلك (الزَّرْدَمَة (٢)) : موضع الازدرام ، وهو الابتلاع. فهذا مما زيدت فيه الميم. لأنّه من زرِدت الشىء.

ومن ذلك (ازرَأَمَ) الرجلُ فهو (مزرئمّ) ، إذا غضب. وهذا مما زيدت فيه الهمزة ، وهو من زَرِم ، إذا انقطع ، كذلك إذا غضب تغيَّر خَلُقه وانقطع عمّا عُهد منه.

ومن ذلك (الزَّغْرَب) وهو الماء الكثير. فهذا مما زِيدت فيه الزّاء ، والأصل راجع إلى الغَرَب ، وهو من باب كثرة الماء.

ومما وُضع فيه وضعا (الزَّنْتَرَة) : ضِيق الشىء. (والزَّعْفقة (٣)) : سوء الخُلق. و (الزِّعْنِف) : الرجل اللئيم. و (زعانف) الأديم : أطرافه.

ومما وُضع وضعا وبعضُه مشكوك فى صحته (الزِّبرج) ، و (الزَّعْبَج). فالزِّبرِج : الزينة. والزَّعْبَج : سحاب رقيق.

حدثنا علىّ بن إبراهيم قال : حدثنا علىّ بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو عبيد

__________________

(١) لم يفسره. وفى اللسان : «الزغبد : الزبد» ، وأنشد :

صبحونا بزغبد وحتى

بعد طرم وتامك وثمال

(٢) الزردمة : الغلصمة ، وقيل هى فارسية.

(٣) الزعفقة ، بالعين المهملة. ووردت فى الأصل بالمعجمة محرفة.


قال : قال الفراء : الزَّعبج السحاب الرقيق. قال أبو عبيد : وأنَا أنكر أن يكون الزَّعبَج من كلام العرب. والفرّاء عندى ثِقة.

وأمّا (الزَّمْهَرِير) فالبرد ، ممكنٌ أن يكون وضع وضعا ، وممكنٌ أن يكون مما مضى ذكره ، من قولهم : ازمهرَّت الكواكب ؛ وذلك أنّه إذا اشتدّ البرد زهرَت إذاً [و] أضاءت.

ومن ذلك (الزَّرْنَب) : ضرب من الطِّيب (١). و (الزَّبَنْتَر (٢)) القصير. و (الزِّخْرِط): مُخاط النعجة. و (الزُّخْرُف) : الزينة. ويقال الزُّخْرُف الذهب. وزخارف الماء : طرائقُ تكونُ فيه.

و (زمْخَرَ) الصوت : اشتد. والزَّمْخَرة : الزَّمَّارة. و (الزَّمْخَر (٣)) : القصب الأجوف الناعم من الرّىّ. والزَّمْخر : نُشَّاب العَجَم. والزَّمْخَر : الكثير الملتفّ من الشجر. وممكن أن يكون الميم فيه زائدة ، ويكون من زَخَر النبات. وقد مضى ذكره. والله أعلم.

تم كتاب الزاء

__________________

(١) هو الزعفران. وقيل الزرنب : ضرب من النبات طيب الرائحة.

(٢) فى الأصل : «الزبتر» تحريف ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) وردت هذه الكلمة والكلمتان قبلها بالجيم ، صوابهما بالخاء المعجمة كما أثبت.



كتاب السِّيْن

باب ما جاء من كلام العرب وأوله سين فى المضاعف والمطابق

سع السين والعين فى المضاعف والمطابق يدلُّ على أصل واحد ، وهو ذَهاب الشىء. قال الخليل : يقال تَسَعْسَعَ الشَّهر ، إذا ذهب أكثره ، ويقال تَسَعْسَعَ الرجل من الكِبَر ، إذا اضطرب جسمه. قال :

يا هندُ ما أسرعَ ما تَسعسَعا (١)

سغ السين والغين أصلٌ يدلّ على دَرْج الشىء فى الشىء باضطرابٍ وحركة. من ذلك سَغْسَغْتُ رأسى بالدُّهْن ، إذا روَّيته. قال الخليل وغيره : سغسغت الشَّىء فى التراب ، إذا دحدحتَه فيه. وأما قولهم : تَسَغْسَغَت ثَنِيّته ، فممكنٌ أن يكون من الإبدال ، ومن الباب الذى قبل هذا.

سف السين والفاء أصلٌ واحد ، وهو انضمام الشىء إلى الشىء ودنوُّه منه ، ثم يُشتقّ منه ما يقاربه.

من ذلك أسفَ الطائرُ ، إذا دنا من الأرض فى طيرانه. وأسفَ الرجل للأمر ، إذا قارَبَه. ويقال أسفَّت السحابةُ ، إِذا دنت من الأرض. قال أوسٌ يصف السّحاب :

__________________

(١) لرؤبة فى ديوانه ٨٨ واللسان (سعع) وقبله.

وبعده :

قلت ولم تال به أن يسمعا

من بعد ما كان فتى سرعرعا


دانٍ مِسفٌ فويق الأرض هَيْدَبُه

يكاد يدفعُه مَن قام بالرّاحِ (١)

ومن الباب : أسَفَ الرجل النَّظرَ ، إِذا أدامَه. ومنه السَّفْساف : الأمر الحقير. وسمِّى يذلك لأنّه مِن أسَفَ الرجل للأمر الدنىّ. ومن ذلك المُسَفْسِفَةُ ، وهى الريح التى تجرى فوَيق الأرض. والسِّفّ (٢) : الحَيَّة التى تسمَّى الأرقم ، وذلك أنّه يلصق بالأرض لُصوقا فى مَرِّهِ. فالقياس فى هذا كلِّه واحد. وأمّا* سفَفت الخُوص والسَّفيف : بِطانٌ يشدُّ به الرَّحْل ، فمن هذا ؛ لأنَّه إذا نُسِج فقد أدْنِيَتْ كلُّ طاقةٍ منه إلى سائرها.

ومما يجوز أن يُحمَل على الباب ويجوزُ أن يكون شاذًّا ، قولك : سفِفْتُ للدواء أسَفّه. ويقال أَسَفَ وجهَه ، إذا ذرَّ عليه الشىء (٣). قال ضابيء (٤) يذكر ثورا :

شديد بريقِ الحاجبَين كأنّما

أُسِفَ صَلَى نارٍ فأصبَحَ أكحلا

سك السين والكاف أصلٌ مطّرد ، يدلُّ على ضِيق وانضمام وصِغَر. من ذلك السَّكَك ، وهو صِغَر الأذُن. وهذه أذنٌ سَكاَّء. ويقال استكَّت مَسامعه ؛ إذا صَمَّت. قال النابغة :

__________________

(١) سبق البيت وتخريجه فى (٢ : ٤٥٧).

(٢) السف ، بكسر السين وضمها.

(٣) فى المجمل : «إذا ذر عليه شىء» ، وفى اللسان : «وأسف وجهه النؤور ، أى ذر عليه».

(٤) ضابئ بن الحارث البرجمى. وفى الأصل : «الصابى» ، صوابه من المجمل واللسان حيث أنشد البيت.


وخُبِّرْتُ ، خَيْرَ الناس ، أنّك لمتَنى

وتلك التى تسْتَكّ مِنها المسامعُ (١)

والسّكّة : الطريقة المصطفّة من النخل. وسمِّيت بذلك لتضايقها فى استواء. ومن هذا اشتقاق سكّة الدراهم ، وهى الحديدة ؛ لتضايُق رَسم كتابتها. والسَّكُ : أن تَضُبَّ البابَ بالحديد. والسَّكّىّ : النّجّار (٢). ويقال إن السُّكَ من الرّكايا المستوية الجِرَاب (٣). ويقال السُّكُ : جُحر العقرب. ويقال للدِّرع الضّيقة أو الضيقة الحَلَق : سُكُ. ويقال للنبت إِذا انسدَّ خَصَاصُه (٤) : قد استَكَ. والقياس مطّردٌ فى جميع ما ذكرناه.

ومما حُمل عليه ما حكاه ابنُ دريد (٥) : سَكَّه يَسُكُّه سَكًّا ، إذا اصْطَلم أذنَيه.

ومما شذّ عن الباب : السُّكاك : الُّلوح بين السّماء والأرض. والسُّكُ : الذى يُتطيَّبُ به. ويقال إنّه عربىٌّ صحيح.

سل السين واللام أصلٌ واحد ، وهو مدُّ الشىء فى رِفق وخَفاء ، ثم يُحمَل عليه. فمن ذلك سَلَلْتُ الشىء أسُلُّه سَلًّا. والسَّلَّة والإسلال : السَّرِقة. وفى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين كتب : «لا إِغْلَالَ ولا إِسْلَال (٦)». فالإغلال : الخيانة. والإسلال : السرقة.

__________________

(١) ديوان النابغة ٥٢ والمجمل واللسان (سكك) ، برواية : أتاني أبيت اللعن.

(٢) السكى ، بالفتح والكسر ، وقيل هو المسمار وقيل الدينار ، وقيل البريد ، وقيل الحداد ، وقيل البواب ، وقيل الملك.

(٣) فى الأصل : «الخراب» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) فى الأصل : «للبيت إذا اشتد خصاصه» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٥) الجمهرة (١ : ٩٤).

(٦) من كتاب الحدييية حين وادع أهل مكة.


ومن الباب : السَّليل : الولد ؛ كأنه سُلَ من أمّه سَلًّا. قالت امرأةٌ من العرب فى ابنها:

سُلَ مِن قلبى ومن كبدى

قمراً مِن دونه القَمرُ

ومما حُمل عليه : السِّلْسِلَة ، سمّيت بذلك لأنّها ممتدة فى اتّصال. ومن ذلك تَسَلْسَلَ الماء فى الحلْق ، إِذا جرى. وماءٌ سَلْسَلٌ وسَلْسَالٌ وسُلاسِل. قال الأخطل :

إذا خاف مِن نجمٍ عليها ظَمَاءةً

أمَالَ إليها جدوَلاً يَتَسَلْسَلُ (١)

قال بعضُ أهل اللغة : السَّلْسَلَة اتّصال الشىء بالشىء ، وبذلك سُمّيت سِلسلة الحديد ، وسِلسِلة البرق المستطيلة فى عَرض السحاب. والسَّالُ : مَسِيل فى مَضيق الوادى، وجمعه سُلّانٌ ، كأنَّ الماء ينسَلُ منه أو فيه انْسِلالا. ويقال : فرس شديد السَّلَّة ، وهى دَفعته فى سِباقه (٢). ويقال : خرَجَت سَلَّته على جميع الخيل. والمِسَلَّة معروفة ؛ لأنّها تسلّ الخيط سَلًّا. والسُّلَّاءَة من الشوك مِن هذا أيضاً ، لأن فيها امتداداً. ومنه السُّلَال من المرض، كأن لحمه قد سُلَ سَلًّا منه ، أسَلَّه الله.

سن (٣) السين والنون أصلٌ واحد مطرد ، وهو جريَان الشىء وإطرادُه فى سهولة ، والأصل قولهم سَنَنْتُ الماءَ على وجهى أَسُنُّه سَنًّا ، إِذا أرسلتَه إرسالا. ثمّ اشتُقّ منه رجل مسنون الوجه ، كأنَّ اللحم قد سُنَ على وجهه. والحَمَأُ المسنون من ذلك ، كأنّه قد صُبَّ صَبًّا.

__________________

(١) ديوان الأخطل. والمجمل (سلل).

(٢) فى الأصل : «ساقته» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) كذا وردت هذه المادة سابقة لتاليتها ، وهى فى المجمل على الترتيب المطرد.


ومما اشتقّ منه السُّنَّة ، وهى السِّيرة. وسُنَّة رسول الله عليه السلام : سِيرته. قال الهذلىّ (١) :

فلا تَجْزَعَنْ من سُنَّةٍ أنت سرْتَها

فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَن يسيرُها

وإنما سمِّيَت بذلك لأنها تجرى جريًا. ومن ذلك قولهم : امضِ على سَنَنِك وسُنَنِك(٢)، أى وجهك. وجاءت الريح سَنائنَ ، إذا جاءتْ على طريقة واحدة. ثمَّ يحمل على هذا : سنَنْتُ الحديدة أسُنُّهَا سَنًّا ، إذا أمْرَرْتَهَا على السِّنَان. والسِّنَان هو المِسَنّ. قال الشاعر :

سِنَانٌ كحدِّ الصُّلَّبىِّ النَّحِيضِ (٣)

والسِّنان للرُّمح من هذا ؛ لأنّه مسنون ، أى ممطول محدّد. وكذلك السَّناسِنُ ، وهى أطراف فَقار الظهر ، كأنّها سُنّت سَنًّا.

ومن الباب : سِنُ الإنسانِ وغيره مشبّه بسنان الرّمح. والسَّنون : ما يُسْتاك به ؛ لأنَّه يُسَنُ به الأسنان سَنًّا. فأمّا الثّور (٤). فأمّا قولهم : سَنَ إبلَه ، إذا رعاها ، فإِنّ معنى ذلك أنّه رعاها حتّى حسُنَت بَشَرتُها ، فكأنها قد صُقِلَتْ صَقْلاً ، كما تُسنّ الحديدة. هذا معنى الكلام ، ويَرجِعُ إلى الأصل الذى أصّلناه :

__________________

(١) هو خالد بن زهير الهذلى. انظر ديوان أبى ذؤبب ١٥٧ ، ونسخة الشنقيطى من الهذليين ٣٠. وفى اللسان : «خالد بن عتبة الهذلى».

(٢) ويقال أيضا بفتح فكسر ، وبضمتين.

(٣) لامرئ القيس فى ديوانه ١١٠ واللسان (نحض ، صلب). وصدره :

يبارى شباة الرمح خد مذلق

(٤) كذا فى الأصل.


سم (١) السين والميم الأصل المطّرد فيه يدلُّ على مدخلٍ فى الشىء ، كالثَّقب وغيره ، ثم يشتقّ منه. فمن ذلك السَّم والسُّم : الثّقب فى الشّىء. قال الله عز ذكره : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِ الْخِياطِ). والسَّمُ القاتل ، يقال فتحاً وضمّا. وسمِّى بذلك لأنّه يرسُب فى الجسم ويداخلُه ، خِلافَ غيرِه ممّا يذاق.

والسَّامّة : الخاصّة ، وإنّما سُمّيت بذلك لأنّها تَدَاخَلُ بأُنْسٍ لا يكون لِغيرها والعرب تقول : كيفَ السَّامّة والعامَّة؟ فالسَّامَّة : الخاصّة.

والسِّموم : الريح الحارّة ، لأنَّها أيضاً تُداخِل الأجسامَ مداخَلةً بقوّة. والسّمّ : الإصلاح بين الناس ، وذلك أنّهم يتباينون ولا يتداخلون ، فإذا أُصلح بينهم تداخَلُوا.

وممّا شذّ عن الباب : السَّمّ : شىءٌ كالودَعِ يخرج من البحر. والسَّمْسام : طائر. والسَّمْسَم : الثّعلب. والسُّمْسُمَانِىّ : الرجل الخفيف. والسَّماسم : النّمل الْحُمْر. الواحدة سُمِسِمَة. والسِّمْسِمُ : حبّ.

ويمكن أن يَحمِل هذا الذى ذكرناه فى الشذوذ أصلاً آخر يدلُّ على خفّة الشىء. ومما شذّ عن الأصلين جميعًا قولهم : «مالَهُ سَمٌ ولا حَمٌّ غيرك» ، أى مالَه همٌّ سواك.

__________________

(١) كذا وردت هذه المادة ، وحقها النقدم على سابقتها ، وآثرت إبقاءها فى الترتيب كما هى محافظة على أرقام الأصل.


سب السين والباء حَدّهُ بعضُ أهل اللغة ـ وأظنُّه ابنَ دريد (١) ـ أنّ أصل هذا الباب القَطع ، ثم اشتقّ منه الشَّتم. وهذا الذى قاله صحيح. وأكثر الباب موضوعٌ عليه. من ذلك السِّبّ : الخِمار ، لأنّه مقطوع من مِنْسَجه.

فأمّا الأصل فالسَّبّ العَقْر ؛ يقال سبَبْت الناقة ، إِذا عقرتَها. قال الشاعر (٢) :

فما كان ذنبُ بنى مالكٍ

بأنْ سُبّ منهم غلامٌ فَسبّ

يريد معافرة غالب بن صعصعة وسُحيم (٣). وقوله سُبَ أى شُتِمَ. وقوله سَبّ أى عَقَر. والسَّبّ : الشتم ، ولا قطيعة أقطع من الشَّتِم. ويقال للذى يُسابّ سِبّ.

قال الشاعر (٤) :

لا تَسُبَّنَّنِى فلستَ بِسبّى

إِنّ سَبِّى من الرجال الكريمُ (٥)

ويقال : «لا تسبُّوا الإبلَ ، فإِنَّ فيها رَقوءَ الدّم (٦)». فهذا نهىٌ عن سبّها ، أى شتمها. وأما قولهم للإبل : مُسَبَّبَة فذلك لما يقال عند المدح : قاتَلَها الله فما أكرمها مالاً! كما يقال عند التعجُّب من الإنسان : قاتله الله! وهذا دعاءٌ لا يراد به الوقوع. ويقال رجل سُبَبَة ، إذا كان يسُبُ الناسَ كثيراً. ورجل سُبَّة ، إذا كان يُسَبُ كثيراً. ويقال بين القوم أُسْبُوبة يتسابُّون بها. ويقال مضت سَبَّة من الدهر ، يريد مضت قطعة منه. (٧).

__________________

(١) هو ابن دريد كما ظن. انظر الجمهرة (١ : ٣١).

(٢) هو ذو الخرق الطهوى ، كما فى اللسان (سبب).

(٣) سحيم بن وثيل الرياحى ، انظر الخزانة (١ : ١٢٩ ، ٤٦٢).

(٤) هو عبد الرحمن بن حسان ، يهجو مسكينا الدارمى.

(٥) فى الأصل : «الكرام» ، صوابه من المجمل واللسان والمخصص (١٢ : ١٧٥).

(٦) تمام الحديث فى اللسان (رفأ): «مهر الكريمة» أى إنها تعطى فى الديات بدلا من القود ، فتحقن بها الدماء ويسكن بها الدم.

(٧) فى الكلام سقط ، تقديره : «والسبة : العار. وأنشد».


وذكرك سَبَّاتٍ إلىَّ عجيبُ (١)

وأما الحبل فالسّبب ، فممكن أن يكون شاذًّا عن الأصل الذى ذكرناه ، ويمكن أن يقال إنَّه أصلٌ آخَر يدلُّ على طول وامتداد.

ومن ذلك السَّبَب. ومن ذلك السِّبُ ، وهو الخِمار الذى ذكرناه. ويقال للعمامة أيضاً سِبّ. والسِّبّ : الحبل أيضاً فى قول الهذلىّ (٢) :

تدلَّى عليها يين سِبٍ وخَيْطة (٣)

ومن هذا الباب السَّبسب ، وهى المفازة الواسعة ، فى قول أبى دُؤاد :

وخَرْقٍ سَبْسَبٍ يجرى

عليه مَوْرُهُ سَهْبِ (٤)

فأمّا السَّباسِب فيومُ عيدٍ لهم. ولا أدرى مِمَّ اشتقاقه. قال :

يُحَيَّوْن بالرَّيحان يومَ السَّباسبٍ (٥)

ست السين والتاء ليس فيه إلا ستّة* وأصل التاء دال. وقد ذكر فى بابه.

سج السين والجيم أصلٌ يدلُّ على اعتدالٍ فى الشىء واستواء. فالسَّجْسج : الهواء المعتدل الذى لا حرَّ فيه ولا بردَ يُؤذى.

ومن ذلك الحديث : «إنَّ ظِلَّ الجنة سَجْسَجٌ». ويقال أرض سجسج ، وهى السَّهلة التى ليست بالصُّلْبة. قال :

__________________

(١) لحميد بن ثور فى ديوانه ٥١. وانظر ما سبق فى (تلع).

(٢) هو أبو ذؤيب الهذلى ديوانه ٧٩ واللسان (سبب ، خيط ، وكف). وقد سبق فى (١ : ٢٣٤).

(٣) عجزه :

بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها

(٤) البيت مطلع قصيدة له فى الأصمعيات ٨ ليبسك.

(٥) للنابغة الذبيانى كما سبق (١ : ١٤٠). وصدره :

رفاق النعال طيب حجزاتهم


والقومُ قد قطعوا مِتَانَ السَّجسجِ (١)

ويقال ـ وهو من الباب ـ سَجَ الحائطَ بالطِّين ، إذا طلاه به وسوَّاه. وتلك الخشبة المِسَجَّة. والسَّجَاج : اللّبَن الرقيق الصافى (٢).

ومما يقرب من هذا الباب الكبشُ السّاجِسِىُّ ، وهو الكثير الصُّوف.

ومما شذّ عن الأصل قولُهم : لا أفعل ذلك سَجِيسَ اللّيالى ، وسَجيسَ الأوْجَسِ ، أى أبدًا. وماءٌ سَجِسَ (٣) ، أى متغيّر. والسَّجَّة : صنمٌ كان يُعبَد فى الجاهلية. وفى الحديث : «أخرِجُوا صدقاتِكم ؛ فإنَّ الله عزّ ذكرُه قد أراحكم من الجَبْهَة والسَّجَّة والبَجَّة (٤)». وتفسيره فى الحديث أنّها أسماءُ آلهة كانوا يعبدونها فى الجاهليَّة.

سح السين والحاء أصلٌ واحد يدلُّ على الصّبّ ، يقال سححت [الماءَ] أسُحُ سَحًّا. وسَحَابَةٌ سحوح ، أى صَبّابة. وشاةٌ ساحٌ ، أى سمينة ، كأنّها تَسُحّ الودكَ سَحًّا. وفرس مِسَحٌ ، أى سريعةٌ يشبه عدوُها انصبابَ المطر. ويقال سَحسح الشىءُ ، إذا سال. ويقال إن السحسحة هى السَّاحة (٥).

__________________

(١) للحارث بن حلزة اليشكرى ، كما فى اللسان (رجل ، متن ، سجج). وصدره :

أنى اهتديت وكنت غير رجيله

والبيت من قصيدة له فى المفضليات (٢ : ٥٥).

(٢) وقيل الذى ثلثه لبن وثلثاه ماء. وأنشد :

يربه محضا ويسقى عياله

سجاجا كأقراب الثعالب أورقا

(٣) بالتحريك وبفتح فكسر ، ويقال سجيس ، أيضا. على أن حق هذه الكلمات أن تكون فى مادة (سجس) ، لكن هكذا وردت فى الأصل والمجمل.

(٤) ورد الحديث فى مادة (بجج ، سجج ، جبه). وروى فى الموضع الأول : «من الشجة والبجة» وقد فسر بتفاسير أخر.

(٥) فى الأصل : «سمى الساحة». وفى المجمل : «ويقال إن السحسحة الساحة».


سخ السين والخاء أصلٌ فيه كلمة واحدة. يقان إِن السَّخَاخ الأرض الليِّنة الحُرَّة. وذكروا ـ إِن كان صحيحاً ـ سَخَّت الجرادة ، إذا غرزت بذنبها فى الأرض.

سد السين والدال أصل واحد ، وهو يدلُّ على ردم شىء ومُلاءمَته من ذلك سددت الثُّلمة سدًّا. وكلُّ حاجزٍ بين الشيئين سَدٌّ. ومن ذلك السَّديد ، ذُو السَّداد ، أى الاستقامة (١) ؛ كأنه لا ثُلْمة فيه والصَّواب أيضاً سَداد. يقال قُلتَ سَدَاداً. وسَدَّدَه الله عزَّ وجل ويقال أسَدَّ الرجلُ ، إذا قال السَّداد. ومن الباب : «فيه سِدادٌ من عَوَز» بالكسرة. وكذلك سِداد الثُّلمة والثَّغر قال :

أضاعُونى وأىَّ فتًى أضاعُوا

ليوم كريهةٍ وسِدَادِ ثغرِ (٢)

والسُّدَّة كالفِناء حول البيت. واستدَّ الشىء ، إذا كان ذا سَداد. ويقال السُّدَّة الباب. وقال الشاعر :

تَرَى الوفودَ قياماً عند سُدَّتِه

يَغْشَوْنَ باب مَزُورٍ غيرِ زَوَّارِ (٣)

والسُّدَاد : داءٌ يأخذ فى الأنف يمنع النَّسيم. والسَّدّ والسُّدُّ : الجراد يملأ الأفق. وقولهم السُّدة : الباب ، لأنه يُسَدّ. وفى الحديث فى ذكر الصَّعاليك : «الشعث رءوساً الذين لا يُفْتَحُ لهم السُّدَد».

__________________

(١) فى الأصل : «والسداد إلى الاستقامة».

(٢) للعرجى ، كما فى اللسان (سدد).

(٣) أنشد البيت فى المجمل أيضا.


سر السين والراء يجمع فروعَه إخفاءُ الشىء ، وما كان من خالصه ومستقرِّه. لا يخرج شىءٌ منه عن هذا. فالسِّرّ : خلاف الإعلان. يقال أسْرَرت الشىءَ إسراراً ، خلاف أعلنته. ومن الباب السِّرّ ، وهو النِّكاح ، وسمِّى بذلك لأنَّه أمرٌ لا يُعلَن به. ومن ذلك السِّرَار والسَّرَار ، وهو ليلةَ يستسرّ الهلال ، فربما كان ليلة ، وربما كان ليلتين إذا تمّ الشهر. ومن ذلك

الحديث : «أنّه سأل رجلاً هل صُمْتَ مِنْ سِرَارِ الشَّهر شيئاً؟» ، فقال : لا. فقال: «إذا أفطرتَ رمضانَ فصُمْ يومين». قال فى السِّرار :

نحنُ صبَحْنا عامراً فى دارِها

جُردا تَعَادَى طَرَفى نهارِها

عَشِيَّةَ الهِلال أو سِرَارها (١)

وحدّثنى محمد بن هارون الثّقفى ، عن علىّ بن عبد العزيز ، عن أبى الحسن الأثرم ، عن أبى عبيدة قال : أسرِرت الشىء : أخفيته. وأسررته : أعلنته. وقرأ (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ). قال : أظهروها. وأَنشد قول امرئ القيس :

... لو يُسِرُّون مَقْتَلى (٢)

أَى لو يُظهرون. ثم حدثنى بعضُ أَهل العلم ، عن أَبى الحسن عبد الله بن سفيان النحوىّ قال : قال الفرَّاء : أَخطأ أَبو عبيدة التفسيرَ ، وصحّف فى الاستشهاد. أَمّا* التفسير فقال : (أَسَرُّوا النَّدامَةَ) أَى كتموها خوف الشَّماتة. وأمّا التصحيف فإنما قال امرؤ القيس:

__________________

(١) الرجز فى اللسان (سرر).

(٢) من معلفته. والبيت بتمامه :

تجاوزت أحراسا إليها معمرا

على حراسا لويسرون مقتلى


لو يُشِرُّون مَقتلى

أى لو يظهرون. يقال أشْرَرت الشىءَ ، إذا أبرزتَه ، ومن ذلك قولهم أشْرَرت اللحمَ للشّمس. وقد ذُكر هذا فى بابه.

وأمّا الذى ذكرناه من مَحض الشىء وخالِصِه ومستقرّه ، فالسِّر : خالص الشىء. ومنه السُّرور ؛ لأنه أمرٌ خالٍ من الحزْن. والسُّرَّة : سُرَّة الإنسان ، وهو خالص جسمه وليّنه. ويقال قطع عن الصبى سِرَرُه (١) ، وهو [السُّرُّ](٢) ، وجمعه أسِرَّة. قال أبو زيد : والسِّرَر : الخطّ من خطوط بطن الراحة. وسَرَارَة الوادى وسِرُّه : أجوده. وقال الشاعر :

هَلَّا فوارسَ رحرحانَ هجوتَهم

عُشَراً تناوَحَ فى سرَارَة وادِ

يقول : لهم منظر وليس لهم مخبر. والسَّرَرُ : داءٌ يأخذ البعير فى سُرَّته. يقال بعيرٌ أسَرّ. والسَّرُّ : مصدر سررت الزَّنْدَ ، وذلك أن يبقى أسَرَّ ، أى أجوف ، فيُصلَح. يقال سُرَّ زَنْدُك فإنّه أسرُّ. ويقال قَنَاة سَرَّاءُ ، أى جوفاء. وكل هذا من السُّرَّة والسَّرَر ، وقد ذكرناه.

فأمَّا الأسارير ، وهى الكسور التى فى الجبهة ، فمحمولةٌ على أسارير السُّرَّة ، وذلك تكسُّرها. وفى الحديث : «أنّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم دخل على عائشة تبرقُ أساريرُ وجهه». ومنه أيضاً مما هو محمولٌ على ما ذكرناه : الأسرار : خطوط باطن الراحة ، واحدها سِرّ. والأصل فى ذلك كلّه واحد. قال الأعشى :

__________________

(١) يقال بالتحريك ، وبكسر ففتح.

(٢) التكملة من المجمل.


فانظرْ إلى كفٍّ وأسرارِها

هل أنتَ إن أوعدتَنى ضائرى (١)

فأمّا أطرافُ الرّيحان فيجوز أن تسمّى سُروراً لأنّها أرطَبُ شىء فيه وأغَضّه. وذلك قوله(٢) :

كبَردِيَّة الغِيل وَسْطَ الغَرِيفِ

إذا خالط الماء منها السرورا (٣)

وأمّا الذى ذكرناه من الاستقرار ، فالسَّرير ، وجمعه سُرُر وأسِرَّة. والسرير : خفض العيش ؛ لأنّ الإِنسان يستقرّ عنده وعندَ دَعَتهء وسرير الرأس : مستقَرُّه. قال :

ضرباً يُزيل الهامَ عن سريرِهْ (٤)

وناسٌ يروُون بيت الأعشى :

إذا خالط الماءُ منها السريرا

بالياء (٥) ، فيكون حينئذ تأويله أصلَها الذى استقرّت عليه ، وأنشدوا قول القائل :

وفارقَ منها عِيشةً دَغْفَلِيّةً

ولم تَخْش يوماً أن يزول سريرُها (٦)

والسِّرر من الصبى والسَّرر : ما يقطع. والسُّرة : ما يبقى. ومن الباب السَّرير :ما على الأكمَة من الرَّمل.

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٠٧ واللسان (سرر ٢٤).

(٢) الأعشى. ديوانه ٦٧ واللسان (سرر).

(٣) ويروى : «السريرا» ، أى شحمة البردى.

(٤) بعده فى اللسان (سرر) :

أزالة السنبل عن شبعيرة

(٥) ويروى أيضا : «السرورا» بالواو ، كما سبق.

(٦) فى اللسان (٦ : ٢٦) : ولم تخش يوما.


ومن الباب الأوّل سِرّ النسب ، وهو محضُه وأفضلُه. قال ذو الأصبع :

وهم مَن وَلَدُوا أشبَوْا

بسِرّ النّسب المحضِ (١)

ويقال : السُّرسُور : العالم الفِطن ، وأصله من السِّر ، كأنّه اطّلع على أسرار الأمور. فأما السُّرِّيّة فقال الخليل : هى فُعليّة. ويقال يتسرَّر ، ويقال يتسرَّى. قال الخليل : ومن قال يتسرَّى فقد أخطأ. لم يزد الخليلُ على هذا. وقال الأصمعى السُّرِّية من السِّرّ ، وهو النّكاح ؛ لأنّ صاحبها اصطفاها للنكاح لا للتجارة فيها. وهذا الذى قاله الأصمعىّ ، وذكر ابن السكيت فى كتابه. فأمّا ضمّ السين فى السُّرّية فكثيرٌ من الأبنية يغيَّر عند النسبة ، فيقال فى النسبة إلى الأرض السَّهلة سُهْلىّ ، وينْسب إلى طول العمر وامتدادِ الدَّهر فيقال دُهرىّ. ومثل ذلك كثير. والله أعلم.

باب السين والطاء وما يثلثهما

سطع السين والطاء والعين أصلٌ يدلُّ على طول الشىء وارتفاعِه فى الهواء. فمن ذلك السَّطَع ، وهو طول العنق. ويقال ظليم أسطَعُ ونَعامة سَطْعاء. ومن الباب السِّطاع ، وهو عمود من عُمُد البيت. قال القطامىّ :

أليُسوا بالأُولى قَسَطوا جميعاً

على النُّعمان وابتدروا السِّطاعا (٢)

__________________

(١) وكذا فى المجمل (سر). وأشبوه : رفعوه. وفى اللسان (شبا) : ان؟ أشبوا يقال أشبى الرجل ، إذا أنجب ولدا مثل شبا الحديد. وبعض هذه القصيدة فى الأصمعيات ٣٧ ليبسك.

(٢) ديوان القطامى ٤١ واللسان (سطع). وفى شرح الديوان : «أراد قتل عمرو بن كلثوم عمرو بن هند».


ويقال سطَع الغبارُ* وسطعت الرائحة ، إذا ارتفعت. والسَّطَعْ : ارتفاع صوت الشىء إذا ضربتَ عليه شيئاً. يقال سطعَه. ويقال إنّ السَّطيع الصبح. وهذا إنْ صحَّ فهو من قياس الباب ؛ لأنه شىء يعلو ويرتفع. فأما السِّطاع فى شعر هذيل فهو جَبَل بِعينه (١)

سطل السين والطاء واللام ليس بشىء. على أنَّهم يسمُّون إناء من الآنية سَطلا وسَيْطلا.

سطم السين والطاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على أصل شىء ومجتمَعِه. يقولون الأسطمّ : مجتمع البحر. ويقال هذه أُسْطُمَّةُ الحَسَب ، وهى واسطته. والناس فى أُسطُمّة الأمر. ويقال إنّ الأسطمّ والسِّطام : نَصل السيف. وفى الحديث : «سِطام الناس». أى حَدُّهم.

سطن السين والطاء والنون ، هو على مذهب الخليل أصلٌ ، لأنه يجعل النون فيه أصلية. قال الخليل : أسْطُوانة أفْعُوَالة ، تقول هذه أساطينُ مُسَطَّنة. قال : ويقال جملٌ أُسطوانٌ ، إذا كان مرتفعا. قال :

جَرَّبْنَ منِّى أُسطوانًا أعْنَقَا (٢)

سطا السين والطاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على القهر والعلوّ. يقال سطا عليه يسطو ، وذلك إذا قهره ببطش. ويقال فرسٌ ساطٍ ، إذا سطا على

__________________

(١) يعنى قول صخر الغى الهذلى. اللسان (سطع) :

فذاك السطاع خلاف النجا

تحسبه ذا طلاء نثيفا

وقصيدته فى شرح السكرى الهذليين ٤٢ ونسخة الشنقيطى ٥٧.

(٢) لرؤبة فى اللسان (سطن).


سائر الخيل. والفحلُ يسطو على طَرُوقته. ويقال سطا الرَّاعى على الشاة ، إذا مات ولدُها فى بطنها فسطا عليها فأخرجَه. ويقال سطا الماءِ ، إذا كثُر. وقال بعض أهل اللغة فى الفرس السَّاطى : هو الذى يرفع ذنبه فى الحُضْر. قال الشيبانىّ : السَّاطى : البعير إذا اغتلم خرج من إبلٍ إلى إبل. قال :

هامته مثل الفَنيقِ السَّاطِى (١)

سطح السين والطاء والحاء اصلٌ يدلّ على بسط الشىء ومَدّه من ذلك السَّطْح معروف. وَسطح كلِّ شىء : أعلاه الممتدُّ معه. ويقال انْسَطَح الرجلُ ، إذا امتدَّ على قفاه فلم يتحرَّك. ولذلك سمّى المنبسط على قفاه من الزَّمانة سَطيحا. وسطيحٌ الكاهن سُمّى سطيحاً لأنه كذلك خُلِق بلا عَظْم. والمَسْطَح ، بفتح الميم : الموضع الذى يبسط فيه التَّمر. والمِسطح ، بكسر الميم : الخِباء ، والجمع مساطح. قال الشاعر :

تَعرَّضَ ضَيْطَارو خُزاعةَ دوننا

وما خير ضَيطلرٍ يقلِّب مِسطَحا (٢)

وإنّما سمِّى بذلك لأنه تمدُّ الخيمةُ به مَدّا. والسَّطيحة : المزادة ، وإنّما سميِّت بذلك لأنّه إذا سقط انسطح ، أى امتَدَّ. والسُّطَّاح : نبت من نبات الأرض ، وذلك أنّه ينبسط على الأرض.

سطر السين والطاء والراء أصلٌ مطّرد يدلّ على اصطفافِ الشىء ، كالكتاب والشجر ، وكلِّ شىء اصطَفَّ. فأمّا الأساطير فكأنها أشياء.

__________________

(١) لزياد الطماحى ، كما فى اللسان (سطا).

(٢) البيت لمالك بن عوف النصرى ، كما فى اللسان (سطح ، ضطر). وقد سبق فى (٢ : ١٠٢).


كُتبت من الباطل فصار ذلك اسماً لها ، مخصوصاً بها. يقال سَطَّر فلانٌ علينا تسطيراً ، إذا جاء بالأباطيل. وواحد الأساطير إسطار وأُسطورة.

ومما شذ عن الباب المُسَيطِر (١) ، وهو المتعهّد للشىء المتسلّط عليه.

باب السين والعين وما يثلثهما

سعف السين والعين والفاء أصلان متباينان ، يدلُّ أحدُهما على يُبْس شىءٍ وتشعُّثه ، والآخر على موَاتاة الشىء.

فالأوّل السّعف جمع سَعَفَة ، وهى أغصان النخلة إذا يبست. فأما الرَّطْب فالشَّطْب. وأمّا قول امرئ القيس فى الفرس :

كَسَا وجهَهَا سَعَفٌ منتشر (٢)

فإنّه إنَّما شبّه ناصيتها به. ومن الباب : السَّعْفَة : قروح تخرج برأس الصبىّ. ومنه قول الكسائىّ : سَعُفِت يدُه ، وذلك هو التشعّث حول الأظفار ، والشُّقاق. ويقال ناقةٌ سَعْفاء ، وقد سُعِفَتْ سعَفا ، وهو داءٌ يتمعّط منه خُرطومها. وذلك فى النُّوق خاصّة.

والأصل الثانى : أسْعَفْت الرجل بحاجته ، وذلك إذا قضيتَها له. ويقال أسعفته على أمره ، إذا أعنتَه.

سعل السين والعين واللام أصل يدل على صخب وعلوِّ صوت.

__________________

(١) فى الأصل : «المسطير» ، صوابه من المجمل.

(٢) صدره كما فى اللسان (سعف) والديوان ١٢ :

وأركب في الروع خيفانه


يقال للمرأة الصّخّابة قد استسعَلَت ، وذلك مشبّه بالسِّعلاة. والسَّعالى : أخبثُ الغِيلان. والسُّعال ، مشتقّ من ذلك أيضاً ؛ لأنه شىءٌ عالٍ. فأما قول الهذلىّ (١) فى وصف الحمار :

وأسعلته الأمرُعُ (٢)

فإِنه يريد نَشّطته الأمرُعُ حتّى صار كالسِّعلاة ، فى حركته ونشاطه.

سعم السين والعين والميم كلمةٌ واحدة. فالسَّعْم : السَّير. يقال سَعَم البعيرُ ، إذا سار .. وناقةٌ سَعُوم.

سعن السين والعين والنون كلمة واحدة. يقولون ما له سَعْنة ولا مَعْنَة ، أى ما له قليلٌ ولا كثير. ويقال إن كان صحيحا إنّ السُّعْن شىء كالدَّلو.

سعوالسين والعين والحرف المعتل وهو الواو ، كلمتان إن صحّتا. فذكر عن الكسائى: مضى سَعْوٌ من الليل ، أى قِطْع منه. وذكر ابن دريد (٣) أن السَّعْوَ الشَّمَع ، وفيه نظر. [والمَسْعاة (٤)] فى الكرم والجُود. والسِّعاية فى أخذ الصدقات. وسِعاية العَبد ، إذا كُوتبَ : أن يسعى فيما يفُكُّ رقبتَه.

ومن الباب ساعَى الرّجلُ الأمَةَ ، إذا فجَرَ بها ، كأنَّه سعى فى ذلك وسَعَت فيه. قالوا : لا تكون المساعاة إلّا فى الإماء خاصّة.

__________________

(١) هو أبو ذؤيب الهذلى. ديوانه ص ٤ والمفضليات (٢ : ٢٢٣) ، واللسان (سعل ، مرع).

(٢) البيت بتمامه :

أكل الجيم وطاوعته سمحج

مثل القناة وأسطته الأمرع

(٣) الجمهرة (٣ : ٣٤).

(٤) التكملة من المجمل.


سعد السين والعين والدال أصلٌ يدل على خير وسرور ، خلاف النَّحْس. فالسَّعْد : اليُمْن فى الأمر. والسَّعْدان : نبات من أفضل المرعى. يقولون فى أمثالهم : «مرعى ولا كالسَّعدان». وسعود النجم عشرة (١) : مثل سعد بُلَعَ ، وسعد الذابح. وسمِّيت سُعوداً ليُمنها. هذا هو الأصل ، ثم قالوا لساعد الإنسان ساعد ، لأنه يتقوّى به على أموره. ولهذا يقال ساعده على أمره ، إذا عاونَه ، كأنه ضم ساعده إلى ساعِده. وقال بعضهم : المساعدة المعاونة فى كل شىء ، والإسعاد لا يكون إلّا فى البكاء. فأما السَّعْدانة ، الّتى هى كِركِرة البعير ، فإنما سمِّيت بذلك تشبيهاً لها فى انبساطها على الأرض بالسَّعْدان الذى ينبسط على الأرض فى منبِته (٢). والسَّعْدانة عقدة الشِّسْع (٣) التى تلى الأرض. والسَّعْدانات : العقَد التى تكون فى كِفّة الميزان. وسُعْد : موضع. قال جرير :

ألَا حَىِّ الدِّيار بسُعْد إنِّى

أحبُّ لحبِّ فاطمةَ الدِّيارا (٤)

ويقال إنَ السَّعدانة : الحمامة الأنْثي ، وهو مشتقٌّ من السَّعْد.

سعر السين والعين والراء أصل واحدٌ يدل على اشتعال [الشىء] واتّقاده وارتفاعه. من ذلك السعير سعير النار. واستعارها : توقُّدها والمِسْعر :

__________________

(١) فى اللسان : «وهى عشرة أنجم ، كل واحد منها سعد. أربعة منها منازل ينزل بها القمر ، وهى سعد الذابح ، وسعد بلع ، وسعد السعود ، وسعد الأخبية ، وهى فى برجى الجدى والدلو. وستة لا ينزل بها القمر وهى سعد ناشرة ، وسعد الملك ، وسعد البهام ، وسعد الهمام ، وسعد البارع ، وسعد مطر. وكل سعد منها كوكبان ، بين كل كوكبين فى رأى العين قدر ذراع».

(٢) فى الأصل : «الذى يبسط على الأرض فى تنبته» ، تحريف.

(٣) الشسع ، بالكسر : قبال النعل الذى يشد إلى زمامها. وفى الأصل : «السبع» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) ديوان جرير ٢٨٠ ومعجم البلدان (سعد). وهو بضم السين.


الخشب الذى يُسْعر به (١). والسُّعار : حَرّ النار. ويقال سُعِر الرّجُل ، إِذا ضربته السَّموم. ويقال إِنّ السِّعْرارة هى التى تراها فى الشّمس كالهباء. وسَعَرتُ النّارَ وأسْعَرْتُها ، فهى مُسْعَرَة ومسعورة. ويقال استَعَر الُّلصوص كأنهم اشتعلوا واستعر الجَرَب فى البعير. وسمِّى الأسعر الجُعفىّ (٢) لقوله :

فلا يَدْعُنى الأقوامُ مِن آل مالك

لئن أنا لم أسْعَر عليهم وأُثْقِبِ (٣)

قال ابن السّكيت : ويقال سَعَرَهم شَرًّا ، ولا يقال أسْعَرَهُمْ.

ومن هذا الباب : السُّعْر (٤) ، وهو الجنون ، وسمِّى بذلك لأنّه يَستَعِر فى الإنسان. ويقولون نَاقة مسعورة ، وذلك لحِدّتها كأنّها مجنونة. فأمّا سِعْر الطعام فهو من هذا أيضا ؛ لأنَّه يرتفع ويعلو. فأمّا مساعِر البعير فإنَّها مشاعِرُه (٥). ويقال هى آباطه وأَرفاغه وأصل ذنبِه حيث رَقَّ وبَرُه ، وإنما سُمّيت بذلك لأنّ الجرب يستَعِر فيها أولاً ويستعر فيها أشدّ. وأما قول عروة بن* الورد :

فطارُوا فى بلاد اليَستَعور (٦)

فقالوا : أراد السعير. ويقال إِنه مكان ، ويقال إِنَّه شجرٌ يقال له اليَستعور يُستاك [به].

__________________

(١) فى اللسان : «ويقال لما تحرك به النار من حديد أو خشب مسعر ومسعار».

(٢) اسمه مرثد بن أبى حمران بن معاوية. المؤتلف ٤٧.

(٣) البيت فى المجمل واللسان (سعر) والمؤتلف ٤٧.

(٤) السعر ، بضم وبضمتين. وفى الكتاب : «إنا إذاً لفى ضلال وسعر».

(٥) فى الأصل : «مشافره» تحريف. وفى المجمل : «ومساعر البعير مشاعره ، وهى آباطه وأرفاغه وأصل ذنبه حيث رق وبره ، ويقال بل تلك المشاعر لأن عليها شعرا وسائر جسده وبر».

(٦) البيت من أبيات تروى أيضا للنمر بن تولب ، كما فى ديوان عروة ٨٩. وصدره :

أطعت الآمرن بصرم سلعى

ورواية الديوان : في عضاء اليستمور.


سعط السين والعين والطاء أصل ، وهو أن يُوجَر الإنسانُ الدواءَ. ثم يحمل عليه. فمن ذلك أسعطته الدواءَ فاسْتَعطَه (١). والمُسْعُط (٢) : الذى يجعل فيه السَّعوط. والسَّعوط هو الدواء ، وأصل بنائه سَعَط. ومما يحمل عليه قولهم طعفته فأسعَطْتُه (٣) الرُّمح. والله أعلم.

باب السين والغين وما يثلثهما

سغل السين والغين واللام أصلٌ يدل علي إساءة الغِذاء وسوء الحال فيه. من ذلك السَّغِل : الولد السيِّئ الغذاء. وكلُّ ما أسىء غذاؤه فهو سَغِل. قال سلامة بن جندل يصف فَرساً :

ليس بأسْفَى ولا أقْنى ولا سَغِلٍ

يُسقَى دواء قَفِىّ السَّكْنِ مربُوبِ (٤)

ويقال : بل السَّغِل : الدقيق القوائم الصغير وقال ابن دريد : السغِل : المتخدِّد لحمه ، المهزول المضطرب الخَلْق.

سغم السين والغين والميم ليس بشىء. على أنّهم يقولون للسغِل سَغِم.

سغب السين والغين والباء أصلٌ واحد يدلُّ على الجوع. فالمَسْغَبَة : المجاعة ، يقال سَغِبَ يَسْغَبُ سُغُوبا ، وهو ساغب وسغبان. قال

__________________

(١) فى الأصل : «فأسعطه».

(٢) كمنبر ، وبضم الميم والعين.

(٣) فى الأصل : «فأسعته» ، صوابه فى المجمل.

(٤) كلمة «ولا أقنى» ساقطة من الأصل ، وإثباتها من المجمل واللسان (سغل) وديوان سلامة ٨ والمفضليات (١ : ١١٩).


ابن دريد (١) : قال بعض أهل اللغة : لا يكون السَّغَب إلا الجوعَ مع التعب. قال وربَّما سمى العطش سَغَباً ؛ وليس بمستعمل.

باب السين والفاء وما يثلثهما

سفق السين والفاء والقاف أصَيلٌ يدلُّ على خلاف السخافة. فالسَّفيق لغة فى الصفيق ، وهو خلاف السخيف. ومنه سَفَقْت الباب فانْسَفَقَ ، إذا أغلقته. وهو يرجع إلى ذاك القياس. ومنه رجل سَفيق الوجه ، إذا كان قليل الحياء. ومن الباب : سفَقْت وجهَه ، لطمتَه.

سفك السين والفاء والكاف كلمة واحدة. يقال سَفَك دمَه يسفِكه سفْكاً ، إذا أساله ، وكذلك الدّمع.

سفل السين والفاء واللام أصلٌ واحد ، وهو ما كان خلافَ العلوّ. فالسُّفل (٢) سِفُل الدارِ وغيرها. والسُّفُول : ضدّ العُلُوّ. والسَّفِلة : الدُّون من الناس ، يقال هو من سَفِلة الناس ولا يقال سَفِلة (٣). والسَّفَال : نقيض العَلاء. وإنّ أمرهم لفى سَفَال. ويقال قَعَد بسُفالة الرّيح وعُلاوتها. والعُلاوة من حيث تهُبُّ ، والسُّفالة ما كان بإزاء ذلك.

سفن السين والفاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على تنحية الشىء

__________________

(١) الجمهرة (١ : ٢٨٦).

(٢) يقال بالضم والكسر.

(٣) فى اللسان : «يقال هو من السفلة ولا يقال هو سفلة ، لأنها جمع».


عن وجه الشىء ، كالقَشْر ، قال ابن دريد (١) : السفينة فعيلة بمعنى فاعلة ، لأنَّها تسفِن الماء ، كأنّها تقشِره. والسَّفّان : ملّاح السفينة. وأصل الباب السَّفْن ، وهو القشر ، يقال سَفَنْتُ العودَ أسفِنُه سَفْناً. قال امرؤ القيس :

فجاء خفِيًّا يسفِنُ الأرضَ بطنُه

تَرَى التُّربَ منه لا صقاً غير مَلْصَقِ (٢)

والسَّفَن : الحديدة التى يُنحَت بها. قال الأعشى :

وفى كلِّ عامٍ له غزوة

تَحُكّ الدّوابِرَ حَكَ السَّفَنْ (٣)

وسفنتِ الريح التراب عن وجه الأرض.

سفه السين والفاء والهاء أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على خفّة وسخافة. وهو قياس مطَّرد. فالسَّفَه : ضدّ الْحِلم. يقال ثوب سفيه ، أى ردىء النسج. ويقال تَسفَّهَت الريحُ ، إذا مالت. قال ذو الرمة :

مَشَيْن كما اهتَزَّت رياحٌ تسفَّهت

أعالِيَهّا مَرُّ الرِّياح الرواسِمِ (٤)

وفى شعره أيضاً :

سَفيهٍ جَديلُها (٥)

__________________

(١) الجمهرة (٣ : ٣٩).

(٢) فى الأصل : «خفيفا» ، صوابه من المجمل واللسان. وفى اللسان : «وإنما جاء متلبدا على الأرض لئلا يراه الصيد فينفر منه». ورواية اللسان فى عجزه الذى لم ينشد فى المجمل : لاصقا كل ملصق.

(٣) ديوان الأعشى ١٩ والمجمل واللسان (سفن).

(٤) وكذا رواية المجمل. وفى الديوان ٦١٦ واللسان : الرياح التواسم.

(٥) البيت بتمامه كما فى الديوان ٥٥٣ واللسان (سفه) :

وأبيض موشى القميس نصبته

على ظهر مقلات سفية جديلها

وفى شرح الديوان : «أبيض ، يعنى السيف. وقميصه ، يعنى جفنه. موشى : منقوش».


يذكر الزّمامَ واضطرابه. ويقال تسفّهتُ فلاناً عن ماله ، إذا خدعْتَه ، كأنك مِلت به عنه واسْتَخْفَفْتَه. قال (١) :

تَسَفَّهْتَهُ عن ماله إِذْ رأيته

غلاماً كغُصن اثبانةِ المتغايِدٍ (٢)

وذكر ناسٌ* أنّ السّفَه أن يُكثِر الإنسانُ من شُرب الماء فلا يَروَى. وهذا إِن صحَّ فهو قريبٌ من ذاك القياس.

وكان أبو زيد يقول : سافَهْت الوَطْبَ أو الدّنَّ ، إذا قاعَدته فشربتَ منه ساعةً بعد ساعة. وأنشد :

أبِنْ لى يا عُمَيرُ أذُو كعوبٍ

أصَمُّ ، قناتُه فيها ذُبولُ

أحَبُّ إليكَ أم وَطْبٌ مُدَوّ

تُسافِهُه إذا جَنَح الأَصِيلُ (٣)

سفو السين والفاء والحرف المعتلّ أصلٌ واحد يدلُّ على خِفّة فى الشىء. فالسَّفْو : مصدر سَفَا يَسْفو سَفْواً (٤) ، إِذا مشى بسُرعة ، وكذلك الطَّائر إذا أسرَعَ فى طيرانه. والسَّفَا : خِفّة النّاصية ، وهو يُكرَه فى الخيل ويُحمَد فى البِغال ، فيقال بغلةٌ سفواء. وسَفت الريحُ التّراب تَسفيه سَفْياً. والسَّفَا : ما تَطَايَرُ به الرِّيحُ من التُّراب. والسَّفا : شوك البُهْمَى ، وذلك [أنه] إِذا يبس خَفّ وتطايرت به الرّيح. قال رؤبة :

__________________

(١) البيت من قصيدة لمزرد بن ضرار فى المفضليات (١ : ٧٦).

(٢) المتغايد : المتثنى ، من قولهم رجل أغيد وامرأة غيداء ، إذا كانت أعناقهما تتثنى للنعمة. وفى الأصل : «المتفائد» ، تحريف.

(٣) دوى اللبن والمرق تدوية : صار عليه دواية ، أى قشرة.

(٤) كذا ضبط فى الأصل والجمهرة (٣ : ٤٠) ، لكن فى المجمل واللسان (١٩ : ١١١ س ٢٤): «سفوا» بضم السين والفاء وتشديد الواو.


واسْتَنَّ أعراف السَّفَا على القِيَقْ (١)

ومن الباب : السَّفا ، وهو تُراب القَبر. قال :

وحالَ السّفا بينى وبينك والعِدَا

ورَهْنُ السّفا غَمْرُ الطّبيعة ماجدُ (٢)

والسَّفاءُ ، مهموز : السّفَه والطَّيش. قال :

كم أزلّتْ أرماحُنا من سفيهٍ

سافَهونا بغِرّة وسَفَاءِ

سفح السين والفاء والحاء أصلٌ واحد يدلُّ على إراقة شىء. يقال سفح الدّمَ ، إذا صبَّه. وسفح الدّم : هَرَاقه. والسِّفاح : صبُّ الماء بلا عَقد نكاح ، فهو كالشىء يُسفَح ضَياعا. والسَّفّاح : رجلٌ من رؤساء العرب (٣) ، سَفح الماءَ فى غزوةٍ غزاها فسُمّى سفَّاحا. وأمّا سَفْح الجبل فهو من باب الإِبدال ، والأصل فيه صَفح ، وقد ذُكر فى بابه. والسَّفيح : أحد السِّهام الثلاثة التى لا أنصباءَ لها ، وهو شاذٌّ عن الأصل الذى ذكرناه.

سفد السين والفاء والدال ليس أصلاً يتفرّع منه. وإنّما فيه كلمتان متباينتان فى الظاهر ، وقد يمكن الجمع بينهما من طريق الاشتقاق. من ذلك

__________________

(١) فى الأصل : «الفتق» ، صوابه من الديوان ١٠٥ واللسان (قيق).

(٢) البيت لكثير عزة كما فى اللسان (سفا). وأنشده فى المجمل مقدم العجز على الصدر. وفى اللسان : «غمر النقيبة».

(٣) هو السفاح بن خالد ، واسمه سلمة. وكان جرارا للجيوش. وإنما سمى السفاح لأنه سفح المزاد ، أى صبها يوم كاظمة ، وقال لأصحابه : قاتلوا ، فإنكم إن هزمتم متم عطشا. ذكره ابن دريد فى الاشتقاق ٢٠٣ ، وأنشد :

وأخوها السفاح ظمأ خيله

حتى وردن جيا الكلاب نهالا


سِفاد الطَّائر ، يقال سَفِد يَسْفَد ، وكذلك التَّيس. والكلمة الأخرى السّفُّود ، وهو معروف. قال النابغة :

كأنَّه خارجاً من جَنب صَفحته

سَفُّود شَرْبٍ نَسُوه عند مفتأدِ (١)

سفر السين والفاء والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الانكشاف والجَلاء. من ذلك السَّفَر ، سمِّى بذلك لأنَّ الناس ينكشفون عن أماكنهم. والسَّفْر : المسافرون. قال ابن دريد (٢) رجل سَفْرٌ وقوم سَفْرٌ.

ومن الباب ، وهو الأصل : سَفَرتُ البَيت كنستُه. ومنه الحديث : «لو أمَرْتَ بهذا البيت فسُفِر (٣)». ولذلك يسمَّى ما يسقُط من ورق الشّجر السَّفِير. قال :

وحائل مِن سَفير الحول جائلهُ

حولَ الجراثيمِ فى ألوانه شَهَبُ (٤)

وإنما سمى سفيراً لأنّ الرّيح تسفره. وأما قولهم : سفَر بَيْن القوم سِفارة ، إذا أصلح ، فهو من الباب ؛ لأنّه أزال ما كان هناك من عَداوة وخِلاف. وسفَرتِ المرأةُ عن وجهها ، إذا كشفَتْه. وأسفر الصبح ، وذلك انكشاف الظّلام. ووجه مُسفِر ، إذا كان مُشرِفاً سروراً. ويقال استفَرَت الإبل : تصرفت وذهَبتْ فى

__________________

(١) ديوان النابغة ٢٠ واللسان (فأد).

(٢) الجمهرة (٢ : ٣٣٣).

(٣) فى اللسان : «وفى الحديث أن عمر رضى الله عنه دخل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال : لو أمرت بهذا البيت فسفر».

(٤) البيت لذى الرمة فى ديوانه ١٩ واللسان (سفر). والشهب ، بالتحريك ، والشهبة بالضم : لون بياض يصدعه سواد فى خلاله.


الأرض. ويقال للطعام الذى يُتّخذ للمسافر سُفْرة. وسمِّيت الجِلدة سُفْرة (١). ويقال بعير مِسفَر ، أى قوىٌّ على السَّفر.

ومما شذّ عن الباب السِّفار : حديدةٌ تُجعَل فى أنف الناقة. وهو قوله :

ما كان أجمالى وما القِطارُ

وما السِّفار ، قُبِحَ السِّفارُ

وفيه قول آخر ؛ أنه خيطٌ يشد طرَفُه على خِطام البعير فبدارُ عليه ، وبُجعَل بفيه زِماما. والسَّفْر : الكتابة. والسفَرَة : الكَتبة ، وسمّى بذلك لأنّ الكتابة تُسفِر عما يُحتاج إليه من الشىء المكتوب.

سفط السين والفاء والطاء ليس بشىء ، وما فى بابه ما يعوّل عليه ، إلّا أنّهم سمّوا هذا السّفَط. ويقولون : السفيط السّخىّ من* الرجال. وأنشدوا :

ليس بذى حزم ولا سَفيطِ (٢)

وهذا ليس بشىء.

سفع السين والفاء والعين أصلان : أحدهما لونٌ من الألوان ، والآخر تناوُل شىءٍ باليد.

فالأوّل السُّفْعَة ، وهى السَّوَاد. ولذلك قيل للأثافىّ سُفْعٌ. ومنه قولهم : أرى به سُفْعَةً من غضب ، وذلك إذا تَمَعَّرَ لونُه. والسَّفعاء : المرأة الشاحبة ؛ وكلُّ صَقْرٍ أسْفَعُ. والسَّفْعَاء : الحمامة ، وسُفعتُها فى عنقِها ، دُوَينَ الرّأس وفُوَيْقَ الطّوق.

__________________

(١) فى اللسان : «السفرة طعام يتخذه المسافر ، وأكثر ما يحمل فى جلد مستدير». وفى المجمل «والسفرة طعام يتخذ للمسافر ؛ وبه سميت الجلدة سفرة». فى الأصل : «مسفرة» ، تحريف.

(٢) لحميد الأرقط كما فى اللسان (سفط). وأنشده فى المجمل بدون نسبة. فى الأصل : «ليس بينى» ، صوابه فى المجمل واللسان.


والسُّفعة فى آثار الدار : ما خالَفَ من رَمادها سائرَ لونِ الأرض. وكان الخليل يقول : لا تكون السُّفْعَةُ فى اللَّوْن إلّا سواداً مشْرَباً حُمْرَة.

وأمّا الأصل الآخر فقولهم : سَفَعْتُ الفرسَ ، إذا أخذْتَ بمقدّم رأسه ، وهى ناصيته. قال الله جلّ ثناؤه : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ). وقال الشاعر :

من بين مُلجِمِ مُهرِهِ أو سافِعِ (١)

ويقال سَفَع الطائرُ ضريبتَه ، أى لَطَمَه. وسَفَعْت رأس فلان بالعصا ، هذا محمولٌ على الأخْذ باليد. وفى كتاب الخليل : كان عُبَيد الله بن الحسن قاضى البصرة مولعاً بأن يقول : «اسفَعا بيده فأقيماهُ» ، أى خُذا بيده.

باب السين والقاف وما يثلثهما

سقل سقل السين والقاف واللام ليس بأصل ، لأنّ السين فيه مبدلة عن صاد.

سقم السين والقاف والميم أصلٌ واحد ، وهو المرض : يقال سُقْمٌ وسَقَمٌ وسَقامٌ ، ثلاث لغات.

سقى السين والقاف والحرف المعتل أصل واحد ، وهو إشراب الشىء الماء وما أشبهَه. تقول : سقيته بيدى أَسقيه سَقيا ، وأسْقيته ، إذا جعلتَ له سِقياً. والسَّقْى : المصدر. وكم سِقى أرضك ، أى حظُّها من الشرب. ويقال

__________________

(١) البيت لعمرو بن معديكرب ، كما فى تفسير أبى حيان (٨ : ٤٩١) وصدره :

قوم إذا كتر الصياح رأيتهم


أسقيتُك هذا الجِلدَ ، أى وهبتُه لك تتّخذه سِقاء. وسَقَيْت على فلان ، أى قلتَ : سقاه الله. حكاه الأخفش. والسقاية : الموضع الذى يُتَّخذ فيه الشراب فى الموسِم والسِّقاية : الصُّواع ، فى قوله جل وعزّ : (جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ) ، وهو الذى كان يَشرَب فيه الملِك. وسَقَى بَطْنُ فلان ، وذلك ماءٌ أصفر يَقَع فيه. وسَقَى فلانٌ على فلانٍ بما يكره ، إذا كرّره عليه. والسَّقِىُ : البَردىّ فى قول امرئ القيس :

وساقٍ كأنبوبِ السَّقِىِ المذَلَّلِ (١)

والسَّقِىّ ، على فعيل أيضاً : السَّحابة العظيمة القَطْر. والسِّقاء معروف ، ويشتق من هذا أسقيت الرَّجل ، إذا اغتبْتَه. قال ابن أحمر :

ولا أىّ من عاديت أسقى سقائيا (٢)

سقب السين والقاف والباء أصلان : أحدهما القرب ، والآخر يدلُّ على شىءٍ مُنْتَصِب. فالأوّل السقَب ، وهو القُرْب. ومنه الحديث : «الجار أحقُ بسَقَبِه». يقال منه سقبتِ الدّارُ وأسْقبت. والساقب : القريب. وقال قوم : السّاقب القريب والبعيد. فأمّا القريب فمشهور ، وأما البعيد قاحتجُّوا فيه بقول القائل :

تَرَكْتَ أباك بأرض الحجاز

ورُحتَ إلى بَلدٍ ساقبِ

وأما الأصل الآخر فالسقْب والصَّقْب ، وهو عمود الخِباء ، وشُبّه به السقب ولدُ الناقة. ويقال ناقة مِسقاب ، إذا كان أكثر وضْعِها الذّكور ، وهو قوله :

__________________

(١) صدره كما فى معلقته :

وكشح لطيف كالجديل مخصر

(٢) صدره كما فى اللسان :

ولا علم ل ما نوطة مستكنة


غَرّاءَ مِسقاباً لفحلٍ أسْقبًا (١)

هذا فعلٌ لا نعت.

سقر السين والقاف والراء أصلٌ يدل على إحراق أو تلويح بنار. يقال سقَرتْه الشّمسُ ، إذا لوّحتْه. ولذلك سمِّيت سَقَر. وسقَرات الشمس : حَرُورها. وقد يقال بالصّاد ، وقد ذكر فى بابه.

سقط السين والقاف والطاء أصلٌ واحد يدلُّ على الوقوع ، وهو مطّرد. من ذلك سقَط الشّىءُ يسقُط سقوطا. والسَّقَط : ردىء المتاع. والسِّقاط والسَّقَط : الخطأ من القول والفعل. قال سويد :

كيف يرجُون سِقاطى بعد ما

جَلَّل الرأسَ مَشيبٌ وصَلَعْ (٢)

قال بعضهم : السقاط فى القول : جمع سَقْطة ، يقال سِقاط كما يقال رَملة ورمال والسّقط : الولد يسقُط قبل تمامه ، وهو بالضم والفتح والكسر. وسِقُطْ النار : ما يسقط منها من الزَّند. والسَّقّاط : السيف يسقُط من وراء الضريبة ، يقطعها حتى يجوزَ إلى الأرض. والسّاقطة : الرجل اللئيم فى حَسبه. والمرأة السّقِيطة : الدَّنيئة. وحُدِّثنا عن الخليل بالإسناد الذى ذكرناه فى أول الكتاب ، قال : يقال سقطَ الولدُ من بطن أمه ، ولا يقال وقَع. وسُقط الرمل وسِقطه وسَقطه : حيث ينتهى إليه طَرَفه ، وهو مُنقَطَعه. وكذلك مَسقِط رأسِه ، حيث وُلد. وهذا مَسقط السوَّط حيث سقط. وأتانا فى مَسقِط النَّجم ، حيث سقط. وهذا الفعل مَسقَطة للرّجُل من

__________________

(١) البيت لرؤبة فى ديوانه ١٧٠ واللسان (سقب). يمدح أبوى رجل ممدوح وقبله :

وكانت العرس التي تنخبا

(٢) البيت فى اللسان (سقط) وهو من قصيدة طويلة له فى المفضليات (١ : ١٨٨ ـ ٢٠٠).


عيون الناس. وهو أن يأتى ما لا ينبغى. والسِّقاط فى الفَرَس : استرخاء العَدْو. ويقال أصبحت الأرض مُبْيضّة من السقيط ، وهو الثّلج والجليد. ويقال إن سِقْط السحاب حيث يُرى طرَفُه كأنّه ساقط على الأرض فى ناحيةِ الأفق ، وكذلك سِقْط الخِباء. وسِقْطا جناحَىِ الظليم : ما يُجَرُّ منهما على الأرض فى قوله :

سِقطانِ مِن كَنَفَىْ ظليمٍ نافِرِ (١)

قال بعض أهل العلم فى قول القائل :

حتَّى إذا ما أضاء الصُّبح وانبعثَتْ

عنه نَعامةُ ذى سِقْطين مُعْتِكِرِ (٢)

يقال إنّ نعامة الليل سوادهُ وسِقْطاه : أوَّلُه وآخره يعنى أنّ الليل ذا السقطينِ مضى وصَدَقَ الصُّبحُ.

سقع السين والقاف والعين ليس بأصل ؛ لأنّ السين فيه مبدلة من صاد. يقال صُقْع وسُقْع. وصَقَعْته وسَقَعته. وما أدرى أين سَقَعَ أى ذهب.

سقف السين والقاف والفاء أصل يدلُّ على ارتفاعٍ فى إطلال وانحناء. من ذلك السقف سقف البيت ، لأنه عالٍ مُطلٌّ. والسقيفة : الصُّفّة. والسقيفة : كلُّ لوحٍ عريض فى بناء إذا ظهر من حائط. والسَّماء سقفٌ ، قال الله تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً). ومن الباب الأسْقَفُ من الرِّجال ، وهو الطويل المنحنى ؛ يقال أسقَفُ بيِّنُ السقَف. والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) البيت لثعلبة بن صعير المازنى فى المفضليات (١ : ١٢٧). وصدره :

وكأن عيبتها وفض فتانها

(٢) البيت للراعى كما فى اللسان (٩ : ١٩٢).


باب السين والكاف وما يثلثهما

سكم السين والكاف والميم ليس بشىء. على أنّ بعضهم ذكر أن السكم مقارَبة الخطو.

سكن السين والكاف والنون أصلٌ واحد مطّرد ، يدلُّ على خلاف الاضطراب والحركة. يقال سكَنَ الشّىءُ يسكُن سكوناً فهو ساكن. والسَّكْن : الأهل الذين يسكُنون الدّار. وفى الحديث : «حتَّى إنَّ الرُّمّانَة لَتُشْبِعُ السَّكْن». والسَّكَن : النار ، فى قول القائل :

قَدْ قُوِّمَتْ بسَكَنٍ وأَدْهانْ (١)

وإِنَّما سمّيت سَكَنا للمعنى الأوّل ، وهو أنَّ النّاظر إليها يَسْكُن ويَسْكن إِليها وإلى أهلها. ولذلك قالوا : «آنَسُ من نار». ويقولون : «هو أحسن من النّار فى عين المقرور». والسَّكَن : كلُّ ما سكنتَ إليه من محبوب. والسِّكِّين معروف ، قال بعضُ أهل اللغة : هو فِعِّيل لأنّه يسكّن حركةَ المذبوح به. ومن الباب السَّكينة ، وهو الوقار. وسُكان السفينة سمِّى لأنَّه يُسكّنها عن الاضطراب ، وهو عربىٌّ.

سكب السين والكاف والباء أصلٌ يدلُّ على صبّ الشىء. تقول : سكب الماء يسكبه. وفرسٌ سَكْبٌ ، أى ذرِيعٌ ، كأنه يسكُبُ عدْوَه سكبا ، وذلك كتسميتهم إيّاه بحراً.

__________________

(١) البيت فى وصف قناة ثقفها بالنار والذهن. اللسان (١٧ : ٧٥).


سكت السين والكاف والتاء يدلُّ على خِلاف الكلام. تقول : سكت يَسْكُت سكوتاً ، ورجلٌ سِكِّيت. ورماه بسُكاتَةٍ ، أى بما أسكته. وسَكَت الغضبُ ، بمعنى سكن. والسُّكْتَةُ : ما أسكتَ به* الصبىّ. فأما السُّكيت (١) فإنه من الخيل العاشر عند جريها فى السّباق. ويمكن أن يكون سمِّى سُكَيتاً لأنَّ صاحبَه يسكت عن الافتخار ، كما يقال أجَرَّه كذا ، إذا منعه من الافتخار ، وكأنه جَرَّ لسانَه.

سكر السين والكاف والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حَيرة. من ذلك السُّكْر من الشراب. يقال سَكِر سُكْراً ، ورجلٌ سِكِّير ، أى كثير السُّكْر. والتَّسْكير : التَّحيير فى قوله عزّ وجل : (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) وناس يقرءُونها سكرت مخفّفة (٢). قالوا : ومعناه سُحِرت. والسِّكْر : ما يُسكَر فيه الماء من الأرض. والسَّكْر : حَبْس الماء ، والماءُ إذا سُكِر تحيَّر وأمّا قولهم ليلة ساكرة ، فهى السَّاكنة التى [هى] طلقةٌ ، التى ليس فيها ما يؤذِى. قال أوس :

تُزادُ ليالِىَّ فى طُولِها

فليست بطَلْقٍ ولا ساكِرهْ (٣)

ويقال سَكَرت الرّيح ، أى سكَنت : والسَّكَر : الشَّراب. وحكى ناسٌ سكَره إذا خَنَقَه. فإنْ كان صحيحاً فهو من الباب. والبعير يُسَكِّر الآخر بذراعه حتى يكاد يقتلُه. قال:

__________________

(١) بضم السين وفتح الكاف مشددة ومخففة.

(٢) هى قراءة ابن كثير. انظر إتحاف فضلاء البشر ٢٧٤.

(٣) ديوان أوس بن حجر ١٠ والمجمل واللسان (سكر).


غَثَّ الرِّباعِ جَذَعًا يُسَكَّرُ

سكف السين والكاف والفاء ليس أصلا ، وفيه كلمتان : أحدهما أُسْكُفّة الباب : العتَبة التى يُوطأ عليها. وأُسْكُفّ العين ، مشبّه بأُسْكُفّة الباب. وأمّا الإسكاف فيقال إن كلَّ صانعٍ إسكافٌ عند العرب. وينشد قول الشمّاخ :

وشُعْبَتَا مَيْسٍ بَرَاها إِسكافْ (١)

قالوا : أراد القَوَّاس.

باب السين واللام وما يثلثهما

سلم السين واللام والميم معظم بابه من الصحّة والعافية ؛ ويكون فيه ما يشذُّ ، والشاذُّ عنه قليل. فالسّلامة : أن يسلم الإنسان من العاهة والأذَى. قال أهلُ العلم : الله جلَّ ثناؤُه هو السلام ؛ لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء. قال الله جلَّ جلاله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) فالسلام الله جلَّ ثناؤه ، ودارُه الجنّة. ومن الباب أيضاً الإسلام ، وهو الانقياد ؛ لأنَّه يَسْلم من الإِباء والامتناع. والسِّلام : المسالمة. وفِعالٌ تجىء فى المفاعلة كثيراً نحو القتال والمقاتلة. ومن باب الإِصحاب والانقياد : السَّلَم الذى يسمَّى السَّلف ، كأنه مالٌ أسلم ولم يمتنع من إعطائه. وممكن أن تكون الحجارة سمِّيت سِلامًا لأنّها أبعَدُ

__________________

(١) ديوان الشماخ ١٠٣. وهو فى اللسان (سكف ٥٨) بدون نسبة.


شىء فى الأرض من الفَناء والذَّهاب ؛ لشدّتها وصلابتها. فأمّا السَّليم وهو اللّديغ ففى تسميته قولان : أحدهما أنَّه أُسلم لمابه. والقول الآخر أنَّهم تفاءَلوا بالسّلامة. وقد يسمُّون الشىءَ بأسماء فى التفاؤُل والتطيُّر. والسُّلَّم معروف ، وهو من السلامة أيضاً ؛ لأنّ النازل عليه يُرْجَى له السَّلامة. والسَّلامة : شجر ، وجمعها سَلَام.

والذى شذَّ عن الباب السَّلْم : الدلو التى لها عروة واحدة. والسَّلَم : شجر ، واحدته سلَمة. والسَّلامانُ : شجرٌ (١)

ومن الباب الأول السَّلْم وهو الصُّلح ، وقد بؤنَّث ويذكَّر. قال الله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها). والسَّلمَة : الحجر ، فيه يقول الشاعر :

ذاكَ خليلى وذو يعاتِبُنى

يَرمِى ورائىَ بالسهم والسَّلِمَهْ (٢)

وبنو سلِمَة : بطنٌ من الأنصار ليس فى العرب غيرهم. ومن الأسماء سَلْمى : امرأةٌ. وسلمى : جبلٌ. وأبو سُلمى أبو زُهَير ، بضم السين ، ليس فى العرب غيره.

سلوى السين واللام والحرف المعتلّ وأصلٌ واحد يدلّ على خفض وطيب عيش. من ذلك قولهم فلان فى سَلْوةٍ من العيش ، أى فى رغَد يسلِّيه الهم. ويقول : سَلَا المحب يَسلو سلُوًّا ، وذلك إذا فارقه ما كان به من همٍّ وعشق.

__________________

(١) فى الأصل : «شجرة» ، صوابه فى المجمل واللسان. وواحده «سلامانة».

(٢) البيت لبجير بن عنمة الطائى ، كما فى اللسان (١٥ : ١٨٩). والمشهور فى روايته : «بامسهم وامسلمة» على لغة حمير فى إبدال لام «أل» ميما.


والسُّلْوانة : الخَرزة ، وكانوا يقولون إنَّ من شرب عليها سَلَا ممّا كان به ، وعَمَّن كان يحبه. قال الشاعر :

شربت* على سُلْوانة ماءَ مُزنةٍ

فلا وَجديدِ العيش يامَىَّ ما أسلُو (١)

قال الأصمعىّ : يقول الرجل لصاحبه : سقيتَنى منك سَلْوةً وسُلوانا ، أى طيَّبت نفسى وأذهلتَها عنك. وسَلِيت بمعنى سلوت. قال الراجز :

لو أشربُ السُّلوانَ ما سَليتُ (٢)

ومن الباب السَّلا ، الذى يكون فيه الولد ، سمى بذلك لنَعْمته ورقّته ولينه.

وأما السين واللام والهمزة فكلمة واحدة لا يقاس عليها. يقال سلَأَ السّمن يَسْلؤه سلأ ، إذا أذابه وصفّاه من اللَّبن. قال :

ونحن منعناكُم تميماً وأنتم

موالِىَ إلَّا تُحْسِنوا السَّلْءَ تُضرَبوا

سلب السين واللام والباء أصلٌ واحد ، وهو أخْذ الشىء بخفّة واختطاف. يقال سلبتُه ثوبَه سلْبا. والسَّلَب : المسلوب. وفى الحديث : «مَن قَتَل قتيلاً فله سَلَبُه». والسَّليب : المسلوب. والسَّلوب من النوق : التى يُسلَبُ ولدها والجمع سُلُب. وأسلبت الناقةُ ، إذا كانت تلك حالَها. وأمّا السَّلَب وهو لِحاء الشجر فمن الباب أيضاً ؛ لأنّه تَقشَّرَ عن الشجر ، فكأنما قد سُلِبَته. وقول ابن مَحْكانَ :

فنشنش الجلدَ عنها وهى باركةٌ

كما تُنَشْنِشُ كَفَّا قاتلٍ سَلَبا (٣)

ففيه روايتان : رواه ابن الأعرابى «قاتل» بالقاف. ورواه الأصمعى بالفاء.

__________________

(١) البيت فى اللسان (سلا) بدون نسبة.

(٢) ديوان رؤبة ٢٥ واللسان (سلا).

(٣) ديوان الحماسة (٢ : ٢٥٥) واللسان (سلب).


وكان يقول : السَّلَب لحاء الشّجَر ، وبالمدينة سوقُ السَّلابين ، فذهب إلى أنّ الفاتل هو الذى يَفتِل السَّلَب. فسمعتُ علىّ بن إبراهيم القطان يقول : سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلباً يقول : أخطأ ابنُ الأعرابىّ ، والصحيح ما قاله الأصمعىّ.

ومن الباب تسلّبَت المرأة ، مثل أحَدَّتْ. قال قوم : هذا من السُّلُب ، وهى الثياب السُّود. والذى يقرب هذا من الباب الأوّل [أنّ] ثيابَها مشبّهة بالسَّلَب ، الذى هو لِحاء الشجر. قال لبيد :

فى السُّلُب السُّود وفى الأمساحِ (١)

وقال بعضهم : الفرق بين الإحداد والتَّسلُّب ، أنّ الإحداد على الزّوج والتَّسلُّب قد يكون على غير الزّوج.

فأمّا قولهم فرس سَلِيبٌ ، فيقال إنَّه الطويل القوائم. وقال آخرون : هو الخفيف نَقل القوائم ؛ يقال رجل سليب اليدين بالطَّعن ، وثورٌ سليب القرن بالطَّعن. وهذا أجود القولَين وأقيسُهما ؛ لأنَّه يسلب الطّعنَ استلابا.

سلت السين واللام والتاء أصل واحد ، وهو جَلْفُ الشىء عن الشىء وقَشره. يقال سلتت المرأةُ خضابَها عن يدها. ومنه سَلَتَ فلانٌ أنفَ فلانٍ بالسيف سَلْتاً ، وذلك إذا أخذه كلَّه. والرّجُل أسْلَتُ. ويقال إنّ المرأة التى لا تتعهَّد الخضاب يقال لها السَّلْتَاء. ومن الباب السُّلْت : ضربٌ من الشعير لا يكاد [يكون] له قشر ، والعرب تسميّه العُرْيان.

سلج السين واللام والجيم أصلٌ يدل على الابتلاع. يقال سلج

__________________

(١) ديوان لبيد ٥٠ طبع ١٨٨١ ، واللسان (سلب).


الشىء يسلَجُه ، إذا ابتلعه سَلْجا وسَلَجاناً. وفى كلامهم : «الأخْذ سَلَجَانٌ والقَضَاءَ لِيَّانٌ». ومن الباب : فلان يتسلَّج الشراب ، أى يُلِحُّ فى شُرْبه.

سلح السين واللام والحاء السلاح ، وهو ما يُقاتَل به. وكان أبو عبيدة يفرِق بين السّلاح والجُنة ، فيقول : السلاح ما قُوتل به ، والجُنّة ما اتُّقى به ، ويحتج بقوله :

حيثُ تَرى الخيلَ بالأبطال عابسة

يَنْهَضْن بالهندوانيّاتِ والجُنَنِ (١)

فجعل الجُنَن غيْرَ السُّيوف (٢). والإسليح : شجرةٌ تغزُرُ عليها الإبل وقالت الأعرابية: «الإسليح (٣) ، رُغوَةٌ وسَريح ، وسَنامٌ وإطريح».

سلخ السين واللام والخاء أصلٌ واحد ، وهو إخراج الشىء عن جلده. ثم يُحْمَل عليه. والأصل سلختُ جلدةَ الشاةِ سلخاً. والسِّلخ : جلد الحية تنسلخ. ويقال أسود سالخ لأنَّه يسلخ جلده كلَّ عام فيما يقال. وحكى بعضُهم سلختِ المرأة دِرْعَها : نزعَتْه. ومن قياس الباب : سلخت الشَّهرَ ، إذا صرتَ فى آخر يومه. وهذا مجاز. انسلخ الشهرُ ، وانسلخ النَّهارُ من الليل المقْبِل. ومن الباب نخلة مِسلاخٌ ، وهى التى تنثُر بُسرَها أخضر.

سلس السين واللام والسين يدلُّ على سهولة فى الشىء. يقال هو سَهلٌ سَلِسٌ والسَّلْس : جنس من الخَرز ، ولعلَّه سمِّى بذلك لسلاسته فى نَظْمه.

قال :

__________________

(١) سبق البيت فى (١ : ٤٢٢).

(٢) فى الأصل : «عن السيوف».

(٣) فى اللسان : «قالت أعرابية ، وقيل لها : ما شجرة أبيك؟ فقالت : شجرة أبى الإسليح».


وقلائدٌ مِن حُبْلَةٍ وسُلوسِ (١)

سلط السين واللام والطاء أصلٌ واحد ، وهو القوّة والقهر. من ذلك السَّلاطة ، من التسلط وهو القَهْر ، ولذلك سمِّى السُّلْطان سلطاناً. والسلطان : الحُجَّة. والسَّليط من الرجال : الفصيح اللسان الذَّرِب. والسَّليطة : المرأة الصَّخَّابة.

ومما شذ عن الباب السَّلِيط : الزّيت بلغة أهل اليَمَن ، وبلغة غيرهم دهن السِّمسِم.

سلع السين واللام والعين أصلٌ يدل على انصداع الشىء وانفتاحه. من ذلك السَّلْع ؛ وهو شقٌّ فى الجبل كهيئة الصَّدْع ، والجمع سُلَوع. ويقال تَسَلَّع عَقِبُه ، إذا تشقّقَ وتزَلَّع. ويقال سَلَعَ رأسه ، إذا فَلَقَه. والسِّلعة : الشىء المبِيع ، وذلك أنَّها ليست بِقُنْيَةٍ تُمْسك ، فالأمر فيها واسعٌ. والسَّلَع : شجر.

سلغ السين واللام والغين ليس بأصلٍ ، لكنّه من باب الإبدال فسينُه مبْدَلة من صاد. يقال سَلغَت البقرةُ ، إذا خرج نابُها ، فهى سالغ. ويقولون لحمٌ أسلَغُ ، إذا لم ينضج. ورجل أسلَغُ : شديد الحمرة.

سلف السين واللام والفاء أصلٌ يدلُّ على تقدُّم وسبْق. من ذلك السلَف : الذين مضَوا. والقومُ السُّلّاف : المتقدِّمون. والسُّلَاف : السائل من عصير العنب قبل أن يُعصَر. والسُّلْفة : المعجَّل من الطَّعام قبل الغَدَاء.

__________________

(١) سبق البيت وتخريجه فى (٢ : ١٣٢). وصدره :

ويزينها في النحر حلى واضح


والسّلوف : الناقة تكون فى أوائل الإبل إذا وَرَدَت. ومن الباب السَّلَف فى البيع ، وهو مالٌ يقدّم لما يُشترى نَساءً (١). وناس يسمُّون القَرض السّلَف ، وهو ذاك القياسُ لأنَّه شىء يُقدَّم بعوض يتأخّر.

ومن غير هذا القياس السِّلْف سِلْف الرّجال ، وهما اللذان يتزوّج هذا أُخْتاً وهذا أُخْتاً. وهذا قياس السَّالفتين ، وهما صفحتا العُنق ، هذه بحذاء هذه.

ومما شذَّ عن البابين السَّلْف وهو الجراب. ويقال إنّ القلفة تسمَّى سَلْفا (٢).

ومنه أسْلفتُ الأرضَ للزَّرْع (٣) ، إِذا سوَّيتها. وممكن أن يكون هذا من قياس الباب الأوّل ؛ لأنه أمرٌ قد تقدّم فى إصلاحه.

سلق السين واللام والقاف فيه كلماتٌ متباينة لا تكاد تُجْمع منها كلمتانِ فى قياسٍ واحد ؛ وربُّك جلّ ثناؤُه يفعل ما يشاء ، ويُنْطِق خَلْقه كيف أراد.

فالسَّلَق : المطمئنّ من الأرض. والسِّلْقَة : الذِّئبة. وسَلَقَ : صاح. والسَّلِيقة : الطبيعة. والسَّليقة : أثَر النِّسع فى جنب البعير. وسَلُوقُ : بلدٌ. والتَّسلُّق على الحائط : التَّوَرُّد عليه إلى الدار. والسّلِيق : ما تَحَاتَّ من الشجر. قال الراجز :

تَسمَعُ منها فى السَّليقِ الأشهبِ

مَعمعةً مثل الضِّرَام المُلْهَبِ (٤)

والسُّلَاق : تقشُّر جِلد اللِّسان. وسَلَقْت المزَادةَ ، إذا دهنْتَها. قال امرؤ القيس :

__________________

(١) النساء ، بالفتح : اسم من نسأت الشىء : أخرته.

(٢) القلفة ، بالضم والتحريك : غرلة الصبى. والسلف ، كذا وردت فى الأصل والمجمل. وفى اللسان (١١ : ٦١) أنها «السلفة» بالضم.

(٣) فى الأصل : «للذراع» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) الرجز بدون نسبة فى اللسان (سلق).


كأنّهما مزادتا متعجِّلٍ

فَرِيّانِ لَمَّا يُسلَقَا بدِهانِ (١)

والسَّلق : أن تُدخِل إحدى عُروتى الجُوالِق فى الأخرى ، ثم تثنيَها مرّةً أخرى.

سلك السين واللام والكاف أصلٌ يدل على نفوذ شىءٍ فى شىء. يقال سلكت الطّريقَ أسلُكه. وسَلكت الشىء فى الشىء : أنفذْته. والطَّعْنَة السُّلْكَى ، إذا طعنَه تِلقاءَ وجهِه. والمسلَكَة : طُرَّةٌ تُشَقُّ من ناحية الثوب (٢). وإنَّما سمّيت بذلك لامتدادها. وهى كالسِّكَك.

ومما شذَّ عن الباب السُّلَكَة : الأنثى من ولد الحَجَل ، والذكر سُلَك ، * وجمعه سِلْكانٌ. والله أعلم.

باب السين والميم وما يثلثهما

سمن السين والميم والنون أصلٌ يدل على خلاف الضُّمْر والهزال من ذلك السِّمَن ، يقال هو سمين. والسَّمْن من هذا.

ومما شذّ عن هذا الأصل كلامٌ يقال إن أهل اليمن يقولونه دونَ العرب ، يقولونَ : سَمّنْتُ الشّىءَ ، إذا بَرّدْتَه. والتَّسْمين : التَّبْريد. ويقال إنّ الحجّاج قُدِّمت إليه سمكة فقال للذى عمِلها : «سَمِّنْها». يريد بَرِّدْها (٣).

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ١٢٤ واللسان (سلق).

(٢) فى المجمل : «من ناحيتى الثوب». ونص المقاييس يطابق نص القاموس. وهذه الكلمة «المسلكة» مما فات صاحب اللسان.

(٣) فى اللسان : «والتسمين : التبريد ، طائفية. وفى حديث الحجاج أنه أتى بسمكة مشويه فقال للذى حملها : سمنها. فلم يدر ما يريد ، فقال عنبسة بن سعيد : إنه يقول لك : بردها قليلا».


سمه السين والميم والهاء أصلٌ يدل على حَيْرة وباطل. يقال سَمَه إذا دُهِش ، وهو سَامِهٌ وقوم سمّهٌ. ويقولون : سَمَه البعيرُ ، إذا لم يعرف الإِعياء (١). وذهبت إبُلهم السُّمَّهَى ، إذا تفرَّقت. والسُّمَّهَى (٢) : الباطل والكذب. فأما قولُ رؤبة :

... جَرْىَ السُّمَّهِ (٣)

سمو السين والميم والواو أصلٌ يدل على العُلُوِّ. يقال سَمَوْت ، إذا علوت. وسَمَا بصرُه: عَلا. وسَمَا لى شخصٌ : ارتفع حتّى استثبتُّه (٤). وسما الفحلُ : سطا على شَوله سَماوَةً. وسَماوَةُ الهلال وكلِّ شىءٍ : شخصُه ، والجمع سَماوٌ (٥). والعرب تُسَمِّى السّحاب سماء ، والمطرَ سماءَ ، فإذا أريد به المطرُ جُمع على سُمِىّ. والسَّماءة : الشَّخص. والسماء : سقف البيت. وكلُّ عالٍ مطلٍ سماء ، حتَّى يقال لظهر الفرس سَماء. ويتَّسِعون حتَّى يسمُّوا النَّبات سماء. قال :

إذا نَزَل السّماءُ بأرضِ قومٍ

رعَيناهُ وإن كانوا غِضابا (٦)

ويقولون : «ما زِلْنا نطأُ السَّماءَ حتَّى أتيناكم» ، يريدون الكلأ والمطر

__________________

(١) الإعياء : التعب. وفى الأصل : «الأحياء» صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) فى الأصل : «السهمى» فى هذا الموضع وسابقه ، صوابها من المجمل. ويقال أيضا «السميهى» كخليطى.

(٣) فى الكلام نقص. والبيت بتمامه ، كما فى ديوانه ١٦٥ واللسان :

ياليتنا والدهر جرى السمه

(٤) وكذا فى اللسان. لكن فى المجمل «استبنته».

(٥) فى الأصل : «سمو» ، تحريف. وفى اللسان : «والجمع من كل ذلك سماء وسماو».

(٦) البيت لمعود الحكماء معاوية بن مالك ، كما فى اللسان.


ويقال إن أصل «اسمٍ» سِمْو ، وهو من العلوّ ، لأنَّه تنويهٌ ودَلالةٌ على المعنى.

سمت السين والميم والتاء أصلٌ يدل على نَهجٍ وقصدٍ وطريقةٍ. يقال سَمَتَ ، إذا أخذ النَّهْج. وكان بعضُهم يقول : السَّمْت : السّير بالظنّ والحَدْس. وهو قول القائل :

ليس بها ربعٌ لِسَمْتِ السَّامِت

ويقال إن فلاناً لَحَسنُ السَّمْتِ ، إذا كان مستقيمَ الطريقة متحرِّياً لفعل الخَير. والفعل منه سَمَت. ويقال سَمَت سَمْتَه ، إذا قصد قصده.

سمج السين والميم والجيم أصلٌ يدل على خلاف الحُسن. يقال هو سَمِجٌ وسَمْجٌ (١) ، والجمع سِمَاجٌ وسَمَاجَى. ومن الباب السَّمْج من الألبان ، وهو الخبيث الطَّعْم.

سمح السين والميم والحاء أصلٌ يدل على سَلاسةٍ وسُهولة. يقال سَمَح له بالشىء. ورجل سَمْحٌ ، أى جواد ، وقومٌ سُمَحاء ومَسامِيح. ويقال سَمَّح فى سيره ، إذا أسرع. قال :

سَمَّحَ واجتابَ فلاةً قِيَّا (٢)

ومن الباب : المُسامَحة فى الطِّعان والضَّرب ، إِذا كان على مُساهَلة. ويقال رُمْحٌ مسَمَّحٌ : قد ثُقِّف حتَّى لانَ.

__________________

(١) وسميج أيضا.

(٢) فى اللسان (٣ : ٣٢٠): «بلادا قيا».


سمخ السين والميم والخاء ليس أصلاً ؛ لأنّه من باب الإبدال. والسين فيه مبدلة من صاد. والسِّمَاخ فى الأذن : مَدْخَله. ويقال سَمَخْت فلاناً : ضربت سِمَاخَه. وقد سَمَخنِى بشدَّة صوتِه.

سمد السين والميم والدال أصلٌ يدل على مضىٍّ قُدُما من غير تعريج. يقال سمَدت الإِبلُ فى سيرها ، إذا جَدّتْ (١) ومَضت على رءوسها. وقال الراجز :

سَوَامِدُ الليل خفافُ الأزوادْ (٢)

قول : ليس فى بطونها عَلَف. ومن الباب السُّمود الذى هو اللهو. والسّامد هو اللاهى. ومنه قوله جلّ وعلا : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) أى لاهون : وهو قياس الباب ؛ لأنّ اللاهى يمضى فى أمْره غير معرِّج ولا متمكِّث. وينشدون :

قيل قُمْ فانظر إليهم

ثمّ دَعْ عنك السُّمودا (٣)

فأمَّا قولهم سَمَّد رأسه ، إذا استأصل شَعره ، فذلك من باب الإبدال ؛ لأن أصله الباء، وقد ذكر.

سمر السين والميم والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف البياض فى اللون. من ذلك السُّمْرة من الألوان ، وأصله قولهم «لا آتيك السَّمَر والقَمَر» ، فالقَمر : القمر. والسَّمَر : سواد الليل ، ومن ذلك سمِّيت السُّمْرَة. فأمّا السَّامر

__________________

(١) فى الأصل : «أخذت» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) البيت فى المجمل مضبوطا بهذا الضبط.

(٣) البيت فى اللسان بدون نسبة.


فالقوم* يَسْمُرُون. والسامر : المكان الذى يجتمعون فيه للسَّمَر. قال :

وسامِرٍ طال لهم فيه السَّمَرْ (١)

والسَّمراء : الحِنطة ، للَونها. والأسمر : الرُّمح. والأسمر : الماء. فأما السَّمَار فالّلبَن الرقيق ، وسمِّى بذلك لأنّه إذا كان [كذلك كان] متغيِّر اللون. والسَّمُر : ضربٌ من شجر الطَّلْح ، واحدته سَمُرة ، ويمكن أن يكون سمِّى بذلك للونه. والسَّمار : مكان فى قوله :

لَئنْ وَردَ السَّمَارَ لنَقْتُلَنْه

فلا وأبكِ ما وَرَدَ السَّمَارا (٢)

سمط السين والميم والطاء أصلٌ يدلُّ على ضمّ شىء إلى شىء وشدِّه به. فالسَّميط : الآجُرُّ القائم بعضُه فوقَ بعض. والسِّمْط : القِلادة ، لأنَّها منظومةٌ مجموعٌ بعضُها إلى بعض. ويقال سَمَّط الشىء على مَعَاليق السَّرْج. ويقال خُذْ حقَّك مُسَمَّطاً ، أى خُذْه وعلِّقْه على مَعاليق رَحْلك. فأما الشِّعْر المُسَمَّط ، فالذى يكون فى سطر البيت (٣) أبياتٌ مسموطة تجمعها قافيةٌ مخالفة مُسمَّطة ملازمة للقصيدة. وأما اللبن السَّامط ، وهو الحامض ، فليس من الباب ؛ لأنَّه من باب الإِبدال ، والسين مبدلة من خاء.

__________________

(١) وكذا وردت روايته فى المجمل. وفى اللسان (٦ : ٤٣) :

وسامر طال فيه اللهو وانسمر

(٢) لعمرو بن أحمر الباهلى ، كما فى اللسان (٦ : ٤٦).

(٣) وكذا فى المجمل. وفى اللسان : «صدر البيت».


سمع السين والميم والعين أصلٌ واحد ، وهو إيناسُ الشىء بالأُذُن ، من النّاس وكلِّ ذى أُذُن. تقول : سَمِعْت الشىء سَمْعاً. والسَّمع : الذُكْر الجميل. يقال قد ذَهَب سَمِعْهُ فى الناس ، أى صِيته. ويقال سَمَاعِ بمعنى استمِعْ. ويقال سَمَّعْتُ بالشىء ، إذا أشعتَه ليُتَكلَّم به. والمُسْمِعَة : المُغَنِّيَة. والمِسْمَع : كالأذن للغَرْب ، وهى عُروةٌ تكون فى وسط الغَرْبِ يُجعَل فيها حبلٌ ليعدل الدّلو : قال الشاعر :

ونَعدِل ذا المَيْل إن رامَنا

كما عُدِل الغَربُ بالمِسمعِ (١)

ومما شذّ عن الباب السِّمْع : ولد الذّئب من الضّبُع.

سمق السين والميم والقاف فيه كلمة. ولعلَّ القاف أن تكون مبدلة من الكاف. سَمَق ، إذا عَلَا.

سمك السين والميم والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على العُلُوِّ. يقال سَمَك ، إذا ارتفع. والمسموكات : السماوات. ويقال سَمَك فى الدَّرَج. واسمُكْ ، أى اعْلُ. وسَنامٌ سامك ، أى عالٍ. والمِسْماك : ما سَمَكْتَ به البيتَ. قال ذو الرمة :

كأنَّ رجلَيْهِ مِسما كانِ مِن عشَرٍ

سَقْبَانِ لم يتقشَّرْ عنهما النَّجَبُ (٢)

والسِّماك : نجم. ومما شذّ عن الباب وباين الأصل : السَّمَك.

سمل السين والميم واللام أصلٌ يدلُّ على ضعفٍ وقلّة. من ذلك السَّمَل ، وهو الثَّوْب الخَلَق. ومنه السَّمَل : الماء القليل يَبقى فى الحوض ، وجمعه

__________________

(١) البيت لعبد الله بن أوفى ، كما فى اللسان (سمع).

(٢) ديوان ذى الرمة ٢٨ واللسان (سقب ، سمك).


أسمال. وسَمَّلت (١) البئر : نقَّيتها. وأما الإسمال ، وهو الإصلاح بين النَّاس ، فمن هذه الكلمة الأخيرة ، كأنه نَقَّى ما بينهم من العَداوة. والله تعالى أعلم.

باب السين والنون وما يثلثهما

سنه السين والنون والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على زمانٍ. فالسَّنَة معروفة ، وقد سقطت منها هاء. ألا ترى أنّك تقول سُنيْهَة. ويقال سَنَهَتِ النخلةُ ، إذا أتت عليها الأعوام (٢). وقوله جل ذكره : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ)، أى لم يصر كالشىء الذى تأتى عليه السنُون فتغيِّره. والنَّخْلة السَّنْهاء (٣).

سنى السين والنون والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على سقْى ، وفيه ما يدل على العلوّ والارتفاع. يقال سَنَتِ النَّاقةُ ، إذا سقت الأرض ، تسنُو ، وهى السّانِيَة. والسّحابةُ تسنُو الأرضَ. والقوم يَسْتَنُون (٤) لأنفسهم إذا استَقَوا.

ومن الباب سانيت الرَّجُلَ ، إذا راضيتَه ، أُسانيه ؛ كأن الوُدَّ قد كان ذَوَى ويَبِس ، كما جاء فى الحديث : «بُلُّوا أرحامَكم ولو بالسَّلام».

وأمّا الذى يدلُّ على الرِّفعة فالسَّناء ممدود ، وكذلك إِذا قصرته دلَّ على الرفعة ،

__________________

(١) يقال بالتخفيف والتشديد.

(٢) وكذلك تسنهت.

(٣) لم يصرح بتفسيرها. والسنهاء : التى أصابتها السنة المجدبة :

(٤) فى المجمل : «يسنون». وفى اللسان : «والقوم يسنون لأنفسهم ، إذا استقوا. ويستنون ، إذا سنوا لأنفسهم».


إلّا أنّه لشىءٍ مخصوص ، * وهو الضَّوْء. قال الله جلّ ثناؤُه : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ).

سنب السين والنون والباء كلمتان متباينتان. فالسَّنْبَةُ : الطائفة من الدَّهر. والكلمة الأخرى السَّنِب ، وهو الفرس الواسع الجَرى.

سنت السين والنون والتاء ليس أصلاً يتفرّع منه ، لكنّهم يقولون السَّنُوت (١) ، فقال قوم : هو العسل ، وقال آخرون : هو الكَمُّون.

قال الشاعر :

هم السَّمْن والسَّنُّوتُ لا أَلْسَ فيهمُ

وهُمْ يمنَعون جارهُمْ أن يُقَرَّدا (٢)

سنج السين والنون والجيم فيه كلمة. ويقولون : إن السِّناج أثرُ دُخَان السِّرَاج فى الحائط.

سنح السين والنون والحاء أصلٌ واحد يُحمَل على ظهور الشىء من مكانٍ بعينه ، وإن كان مختلَفاً فيه. فالسّانح : ما أتاك عن يمينك من طائرٍ أو غيره ، يقال سَنَحَ سُنُوحاً. والسانح والسَّنيح واحد. قال ذو الرمة :

ذكَرْتُكِ أنْ مرت بنا أمُّ شادن

أمام المطايا تشرئبُّ وتسنَحُ (٣)

ثم استُعير هذا فقيل : سنح لى رأىٌ فى كذا ، أى عَرَض.

__________________

(١) وفيه لعة أخرى : «سنوت» كسنور.

(٢) البيت للحصين بن القعقاع ، كما فى اللسان (سنت ، قرد) ، وروايته فى (سنت ، قرد ، ألس): «هم السمن بالسنوت».

(٣) ديوان ذى الرمة ٧٩ برواية : «إذ مرت».


سنخ السين والنون والخاء أصلٌ واحد يدلُّ على أصل الشىء. فالسِّنْخ : الأصل وأسنَاخُ (١) الثنايا : أصولُها. ويقال سَنَخ الرجل فى العِلم سُنوخاً أى علِمَ أصولَه. فأمّا قولهم سَنِخَ الدُّهن ، إذا تغيَّر ، فليس بشىء.

سند السين والنون والدال أصلٌ واحد يدلُّ على انضمام الشىء إلى الشىء. يقال سَنَدتُ إلى الشىء أسْنُدُ سنوداً ، واستندت استناداً. وأسندتُ غيرى إسناداً. والسِّناد : النّاقة القويّة ، كأنّها أُسنِدت من ظهرها إلى شىءٍ قوىّ. والمُسْنَدُ : الدهر ؛ لأن بعضَه متضامّ. وفلان سَنَدٌ ، أى معتمَدٌ. والسَّنَد : ما أقبل عليك من الجبل ، وذلك إذا علا عن السَّفْح. والإِسناد فى الحديث : أن يُسْنَد إِلى قائله ، وهو ذلك القياس. فأمّا السِّناد الذى فى الشعر فيقال إِنّهُ اختلافُ حركتى الرِّدفين. قال أبو عبيدة : وذلك كقوله :

كأنّ عيونَهن عيونُ عِينِ (٢)

ثم قال :

وأصبح رأسُه مثل اللُّجَيْنِ (٣)

وهذا مشتق من قولهم : خرج القوم متسانِدين ، إذا كانوا على راياتٍ شتى. وهذا من الباب ؛ لأنّ كلَّ واحدةٍ من الجماعة قد ساندت رايةً.

__________________

(١) فى الأصل والمجمل. «سناخ» صوابه ، من اللسان والجمهرة.

(٢) البيت لعبيد بن الأبرص فى ديوانه ٤٥ واللسان (سند). وصدره :

فقد ألخ الخباء على جوار

(٣) صواب إنشاد البيت بتمامه :

فإن يك فأتنى أسفا عبابي

وأضحى الرأس منى كاللجين

لكن كذا ورد إنشاده فى المجمل والمقاييس والصحاح. ويروى : «كاللجين» بفتح اللام ، وهو ورق الشجر يخبط ، فهو لونان : رطب ويابس.


سنط السين والنون والطاء ليس بشىء إلّا السِّناط ، وهو الذى لا لِحْيَة له.

سنع السين والنون والعين إن كان صحيحاً فهو يدلُّ على جَمَالٍ وخيرٍ ورِفعة. يقال شرفٌ أسنعُ ، أى عالٍ مرتفع. وامرأة سنيعة : أى جميلة.

سنف السين والنون والفاء أصلٌ بدلُّ على شدّ شىءٍ ، أو تعليق شىءٍ على شىء. فالسِّنَاف : خيط يُشدّ من حَقِو البعير إلى تصديره ثم يشدُّ فى عنقه. قال الخليل : السِّنَاف للبعير مثل اللّبَبِ للدابّة. بعيرٌ مِسْناف ، وذلك إذا أُخّر الرجل فجعل له سناف. يقال أسنفت [البعير (١)] ، إذا شددتَه بالسِّناف. ويقال أسنَفوا أمرَهم ، أى أحكَموه. ويقال فى المثل لمن يتحيّر فى أمره : «قد عَىَ بالأسناف». قال :

إذا مَا عَىَ بالأسناف قومٌ

من الأمر المشبَّه أن يكوُنا (٢)

وحكى بعضهم : سَنَفْتُ البعير ، مثل أسنفْت. وأبى الأصمعىُّ إلّا أسنفت. وأما السِّنْف فهو وِعاء ثَمَر المَرْخِ يشبه آذانَ الخيل. وهو من الباب ؛ لأنه مُعلَّق على شجرة. وقال أبو عمرو : السِّنْف : الورقة. قال ابن مُقبل :

تَقَلْقُلَ سِنْفِ المَرْخِ فى جَعبةٍ صِفْرِ (٣)

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) لعمرو بن كلثوم فى معلقته واللسان.

(٣) صدره كما فى اللسان (سنف) :

تقلقل من ضغم اللجام لهاتها


سنق السين والنون والقاف فيه كلمةٌ واحدة ، وهى السَّنَق ، وهو كالبَشَم. يقال شرِب الفَصيل حتى سَنِق. وكذلك الفرس ، من العلَف. وهو كالتُّخَم فى الناس.

سنم السين والنون والميم أصلٌ واحد ، يدلُّ على العلوّ والارتفاع. فالسَّنَام معروف. وتسنَّمت : علَوت. وناقة سَنِمَةٌ : عظيمة السَّنام. وأسنمتُ النارَ : أعلَيْتُ لهبَها. وأَسْنُمَةُ: موضع.

باب السين والهاء وما يثلثهما

سهو السين والهاء والواو معظم الباب [يدلّ] على الغفلة والسُّكون فالسَّهْو : الغفلة ، يقال سَهَوْت فى الصلاة أسهو سَهْواً. ومن الباب المساهاة : حُسْن المخالَقَة ، كأن الإنسانَ يسهو عن زَلَّةٍ إن كانت من غيره. والسَّهْو : السُّكون. يقال جاء سَهْواً رَهْواً.

ومما شذّ عن هذا الباب [السَّهْوَة (١)] ، وهى كالصُّفّة تكون أمامَ البيت. وممّا يبعُد عن هذا وعن قياس الباب : قولهم حملت المرأةُ ولدَها سَهْواً ، أى على حَيْضٍ. فأمَّا السُّهَا فمحتمل أن يكون من الباب الأول ؛ لأنَّه خفىٌّ جدًّا فيُسهَى عن رؤيته.

سهب السين والهاء والباء أصلٌ يدل على الاتّساع فى الشىء. والأصل السَّهْب ، وهى الفَلاة الواسعة. ثم يسمَّى الفرس الواسعُ الجرىِ سَهْباً.

__________________

(١) التكملة من المجمل.


ويقال بئر سَهْبةٌ ، أى بعيدة القعر. ويقال حفر القوم فأسهبوا ، أى بلغوا الرَّمْل. وإذا كان كذا كان أكثر للماء وأوسعَ له. ويقال للرّجُل الكثيرِ الكلام مُسْهَب ، بفتح الهاء. كذا جاء عن العرب أسْهَبَ فهو مُسْهَبٌ ، وهو نادر (١).

سهج السين والهاء والجيم أصلٌ يدلُّ على دوامٍ فى شىء. يقال سَهَجَ القوم لَيْلتَهم ، أى ساروا سيراً دائماً. ثمَّ يقال سَهَجَت الرِّيحُ ، إذا دامت. وهى سَيْهَجٌ وسَيْهُوجٌ. ومَسْهَجُها : مَمرُّها.

سهد السين والهاء والدال كلمتانِ متباينتان تدلُّ إحداهما على خلاف النّوم ، والأخرى على السكون.

فالأولى السُّهاد ، وهو قِلَّة النّوم. ورجل سُهُدٌ ، إذا كان قليلَ النّوم. قال :

فأتَتْ به حُوشَ الفُؤادِ مبطَّناً

سُهُداً إذا ما نامَ ليلُ الهَوْجَلِ (٢)

وسَهَّدْتُ فلاناً ، إِذا أطرتَ نومَه.

والكلمة الأخرى قولُهم شىءٌ سَهْدٌ مَهْد ، أى ساكن (٣) لا يُعَنِّى. ويقال ما رأيت من فلان سَهْدَةً ، أى أمراً أعتمد عليه من خبر أو كلام ، أو أسكُن إليه.

سهر السين والهاء والراء معظم بابه الأرَق ، وهو ذَهاب النوم. يقال سَهَرَ يَسْهَرُ سَهَراً. ويقال للأرض : السّاهرة ، سمِّيت بذلك لأن عملها

__________________

(١) يقال أيضا «مسهب» بكسر الهاء. وقيل بفتحها للإكثار من الخطأ ، وبكسرها للإكثار من الصواب.

(٢) البيت لأبى كبير الهذلى ، كما فى اللسان (سهد) ، وسيعيده فى (هجل). وقصيدته فى نسخة الشنقيطى من الهذليين ٦١.

(٣) فى الأصل : «ساكت» ، تحريف. وفى المجمل واللسان : «أى حسن».


فى النَّبت دائماً ليلاً ونهاراً. ولذلك يقال : «خَير المالِ عينٌ خَرّارة ، فى أرض خوَّارة ، تَسْهَرُ إذا نِمتَ ، وتشهَد إِذا غِبْتَ». وقال أميّة بن أبى الصلت :

وفيها لَحْمُ ساهرةٍ وبحرٍ

وما فاهُوا بِهِ لهمُ مقيم (١)

وقال آخَر ، وذكر حَميرَ وحْش :

يرتَدْنَ ساهرةً كأنَّ عميمَها

وجَمِيمَها أسدافُ ليلٍ مظلمِ (٢)

ثم صارت السّاهرةُ اسماً لكلِّ أرض. قال الله جلّ جلالُه : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ. فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ). والأسهران : عِرقان فى الأنف من باطن ، إِذا اغتلم الحِمارُ سالا ماءً. قال الشمّاخ :

تُوائِلُ من مِصَكٍ أنْصَبَتْهُ

حوالبُ أسهريهِ بالذَّنِينِ (٣)

وكأنّما سمِّيتا بذلك لأنّهما يسيلان ليلاً كما يسيلان نهاراً. ويروى «أسهرته». ويقال رجلٌ سُهَرَةٌ : قليل النّوم. وأمّا السَّاهور فقال قوم : هو غلاف القمر ؛ ويقال هو القمر. وأىَّ ذلك كان فهو من الباب ؛ لأنّه يسبح فى الفَلَك دائباً ، ليلاً ونهارا.

سهف السين والهاء والفاء تقلّ فروعه. ويقولون إنّ السَّهَف (٤) : تشحُّط القتيلِ فى دمِه واضطرابُه. ويقال إِن السُّهَاف : العطش.

__________________

(١) البيت فى اللسان (سهر) بدون نسبة.

(٢) البيت لأبى كبير الهذلى ، كما فى اللسان (سهر) ، وقصيدته فى نسخة الشنقيطى من الهذليين.

(٣) ديوان الشماخ ٩٣. وقد سبق فى (٢ : ٣٤٨).

(٤) ضبط فى الأصل والمجمل بفتح الهاء ، وفى اللسان والقاموس بسكونها.


سهق السين والهاء والقاف أصلٌ يدلُّ على طول وامتداد. وهو صحيح. فالسَّهْوَق : الرَّجُل الطويل. والسَّهْوق الكذَّابُ ، وسُمِّى بذلك لأنه يغلو فى الأمر ويزيدُ فى الحديث. والسهوق من الرياح : التى تَنسِج العَجَاج. * والسَّهْوق : الرّيّان من سُوق الشَّجر ؛ لأنّه إِذا رَوِىَ طال.

سهك السين والهاء والكاف أصلان : أحدهما يدلُّ على قَشْر ودقّ ، والآخر على الرّائحة الكريهة.

فالأوّل قولُهم : سَهَكَت الرِّيحُ التّرابَ ، وذلك إذا قشَرتْه عن الأرض. والمَسْهَكَة : الذى يشتدّ مرُّ الرّيح عليه : ويقال سهَكْتُ الشّىءَ ، إِذا قشرتَه ، وهو دونَ السَّحق. وسَهَكت الدّوابُّ ، إذا جرت جرياً خفيفاً. وفَرَسٌ مِسْهَكٌ ، أى سريع. وإِنما قيل لأنّه يسهَك الأرضَ بقوائمه.

والأصل الثانى السَّهَك ، قال قوم : هو رائحة السمك من اليَد. ويقال بل السَّهَك : ريحٌ كريهة يجدُها الإنسان إذا عَرِق. ومن هذا الباب السَّهَك : صدأ الحديد. ومنه أيضاً قولهم : بعينِه ساهكٌ ، أى عائرٌ من الرّمَد. قال الشاعر فى السَّهَك :

سَهكِينَ مِن صدأ الحديدِ كأنّهم

تحت السَّنَوَّرِ جِنّةُ البَقَّارِ (١)

سهل السين والهاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على لينٍ وخلافِ

__________________

(١) البيت للنابغة فى ديوانه ٣٥ واللسان (سهك) ، وسبق تخريجه فى مادة (بقر).


حُزونة. والسَّهْل : خلاف الحَزْن. ويقال النّسبةُ إلى الأرض السَّهلة سُهْلىٌ. ويقال أسْهَلَ القومُ ، إذا ركبوا السّهل. ونهرٌ سَهِلٌ : فيه سِهْلَةٌ ، وهو رملٌ ليس بالدُّفَاق. وسُهَيْلٌ : نجم.

سهم السين والهاء والميم أصلان : أحدهما يدلُّ على تغيُّرٍ فى لون ، والآخرُ على حظٍّ ونصيبٍ وشىءٍ من أشياء.

فالسُّهْمَة : النَّصيب. ويقال أَسهَم الرّجُلانِ ، إذا اقْترعا ، وذلك من السُّهْمَة والنّصيبِ ، أن يفُوز (١) كلُّ واحد منهما بما يصيبه. قال الله تعالى : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ). ثمّ حمل على ذلك فسُمِّى السّهمُ الواحد من السِّهام ، كأنّه نصيبٌ من أنصباءَ وحظٌّ من حظوظ. والسُّهْمَة : القرابة ؛ وهو من ذاك ؛ لأنّها حَظٌّ من اتّصال الرحم. وقولهم بُرْدٌ مسهَّم ، أى مخطّط ، وإنّما سمِّى بذلك لأنّ كلَّ خَطٍّ منه يشبّه بسهم.

وأمّا الأصلُ الآخَر فقولهم : سَهَمُ وجْهُ الرّجلِ (٢) ، إِذا تغيَّر يَسْهَمُ ، وذلك مشتقٌّ من السُّهَام ، وهو ما يصيب الإنسانَ من وَهَج الصّيف حتى يتغيَّرَ لونُه. يقال سهمَ الرَّجُل ، إذا أصابَه السُّهَام. والسُّهَام أيضاً : داءٌ يصيب الإِبل كالعُطَاش. ويقال إبلٌ سواهِمُ ، إذا غيَّرها السّفَر (٣). والله أعلم.

__________________

(١) فى الأصل : «يقول».

(٢) يقال سهم من بابى فتح وظرف ، وسهم بهيئة المبنى للمفعول.

(٣) فى الأصل : «غمرها» ، صوابه من المجمل.


باب السين والواو وما يثلثهما

سوى السين والواو والياء أصلٌ يدلُّ على استقامةٍ واعتدالٍ بين شيئين. يقال هذا لا يساوى كذا ، أى لا يعادله. وفلانٌ وفلانٌ على سَوِيّةٍ من هذا الأمر ، أى سواءٍ. ومكان سُوًى ، أى مَعْلَمٌ قد عَلِم القومُ الدّخولَ فيه والخروج منه. ويقال أسْوَى الرّجلُ ، إذا كان خَلَفُه وولدُه سَويًّا.

وحدثنا على بن إبراهيم القَطّان ، عن على بن عبد العزيز ، عن أبى عُبيد ، عن الكسائىّ قال : يقال كيف أمسيتم؟ فيقال : مستَوُون صالحون. يريدون أولادُنا وماشيتُنا سَوِيّةٌ صالحة.

ومن الباب السِّىُ : الفضاء من الأرض ، فى قول القائل (١) :

كأنَّ نَعَامَ السِّىِ باضَ عليهمُ (٢)

والسِّىّ : المِثْل. وقولهم سِيّانِ ، أى مِثلان.

ومن ذلك قولهم : لا سيّما ، أى لا مثلَ ما. هُو من السِّين والواو والياء ، كما يقال ولا سَواء. والدّليل على أن السّىَ المِثل قولُ الحطيئة :

فإيّاكم وحَيَّةَ بطنِ وادٍ

هَمُوزَ النّابِ لكم بسِىِ (٣)

ومن الباب السَّواء : وسَط الدَّارِ وغيرِها ، وسمِّى بذلك لاستوائه. قال الله جل ثناؤه : (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ).

__________________

(١) هو زيد الخيل كما فى الحيوان (٤ : ٣٣٩) والشعر والشعراء فى أثناء ترجمة الأعشى ، ونقد الشعر ٣٩. وروى أيضا من قصيدة لمعقر البارقى فى الأغانى (١٠ : ٤٤).

(٢) عجزه : فأحداقهم تحت الحديد خوازر.

(٣) ديوان الحطيئة ٦٩ واللسان (سوا).


وأمّا قولُهم : هذا سِوى ذلك ، أى غيرُه ، فهو من الباب ؛ لأنّه إذا كان سِواه فهما كلُّ واحدٍ منهما فى حَيِّزِه على سواء. والدّليل على ذلك مدُّهم السِّواء بمعنى سِوى * قال الأعشى :

وما عدلَتْ من أهلِها لِسوائكا (١)

ويقال قصدتُ سِوَى فلانٍ : كما يقال قصدت قصده. وأنشد الفراء :

فلَأصْرٍفَنّ سِوَى حُذيفة مِدْحتى

لِفَتى العَشىِّ وفارسِ الأجرافِ (٢)

سوء فأمّا السين والواو والهمزة فليست من ذلك ، إنما هى من باب القُبح. تقول رجلٌ أسوَأُ ، أى قبيحٌ ، وامرأةٌ سَوآء ، أى قبيحة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «سوْآءُ (٣) وَلودٌ خيرٌ مِن حسناءَ عقيم». ولذلك سمّيت السَّيِّئة سيّئة. وسمِّيت النار سُوأى ، لقُبْح منظرها. قال الله تعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى). وقال أبو زُبَيْد :

لم يَهَبْ حُرْمةَ النَّدِيم وحُقَّتْ

يا لَقومِى للسَّوأة السَّوآءِ (٤)

سوح السين والواو والحاء كلمةٌ واحدة. يقال ساحة الدار ، وجمعها ساحات وسُوح.

__________________

(١) ديوان الأعشى ٦٦. وقد سبق تخريجه فى (جنف). وصدره :

تجائف عن جل اليمامة ناقتي

(٢) فى اللسان (١٩ : ١٤٣): «فارس الأحزاب» ، تحريف. والبيت من أبيات فائية فى الأغانى (١٤ : ١٢٧) منسوبة إلى رجل من بنى الحارث بن الخزرج ، أو إلى حسان بن ثابت.

وانظر تنبيه البكرى على الأمالى ٦٧.

(٣) ويروى أيضا : «سوداء».

(٤) البيت فى اللسان (سوأ).


سوخ السين والواو والخاء كلمةٌ واحدة. يقال ساخت قوائمة فى الأرض تسوخ. ويقال مُطِرْنا حتى صارت الأرض سُوَّاخَى ، على فُعَّالَى ، وذلك إذا كثرت رٍزاغُ المطر. وإِذا كانت كذا ساخت قوائمُ المارّة فيها.

سود السين والواو والدال أصلٌ واحد ، وهو خلاف البياضِ فى اللون ، ثم يحمل عليه ويشتقّ منه. فالسَّواد فى اللَّون معروف. وعند قومٍ أن كلَّ شىءٍ خالف البياضَ ، أىَّ لونٍ كان ، فهو فى حيّز السواد. يقال : اسودّ الشىء واسوادَّ. وسوادُ كلِّ شىءٍ : شخصه. والسِّواد : السِّرار ؛ يقال ساوده مساودةً وسِواداً ، إذا سارّه. قال أبو عبيد : وهو من إدناء سَوادِك من سَواده ، وهو الشَّخص.

قال :

مَن يكنْ فى السِّواد والدادِ والإعْرامِ

زِيراً فإِنّنى غيرُ زيرِ (١)

والأساود : جمع الأسود ، وهى الحيّات. فأما قول أبى ذَرّ رحمة الله عليه : «وهذه الأساودُ حولى». فإنما أراد شخص آلاتٍ كانت عنده ؛ [وما حولَه (٢)] إلا مِطهرةٌ وإِجّانةٌ وجَفْنة. والسَّواد : العدد الكثير ، وسمِّى بذلك لأن الأرض تسوادُّ له.

فأمّا السِّيادة فقال قوم : السيِّد : الحليم. وأنكر ناسٌ أن يكون هذا من الحِلم ، وقالوا: إِنّما سمِّى سيّداً لأنّ الناس يلتجِئون إِلى سَواده. وهذا أقيس من الأوَّل وأصحّ. ويقال فلانٌ أسوَد من فلانٍ ، أى أَعْلَى سيادةً منه. والأسودان : التَّمر

__________________

(١) سبق البيت فى مادة (زير).

(٢) التكملة من اللسان. وفى المجمل «من» بدل «إلا».


والماء. وقالوا : سَوَاد القَلب وسُوَيداؤُه ، وهى حَبّته. ويقال ساوَدَنى فلانٌ فسُدْته ، من سَوَاد اللون والسّؤدُد جميعا. والقياسُ فى الباب كلِّه واحد.

سور السين والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على علوٍّ وارتفاع. من ذلك سَار يَسُور ، إِذا غضب وثار. وإِنّ لغضبِهِ لَسَورةً. والسُّور : جمع سُورة ، وهى كلُّ منزلةٍ من البناء. قال :

ورُبَّ ذِى سُرادقٍ محجورِ

سُرْتُ إليه فى أعالى السُّورِ (١)

فأمَّا قولُ الآخر (٢) :

وشاربٍ مُرْبحٍ فى الكأسِ نادَمَنى

لا بالحَصُور ولا فيها بسَوَّارِ

فإِنّه يريد أنّه ليس بمتغضّب. وكان بعضهم يقول : هو الذى يَسُور الشَّرابُ فى رأسِه سريعا. وأما سِوار المرأة ، والأُسوار (٣) من أساورة الفُرس وهم القادة ، فأُراهما غيرَ عربييَّن. وسَورة الخمر : حِدّتُها وغلَيانها.

سوط السين والواو والطاء أصلٌ يدلُّ على مخالطة الشّىءِ الشىءَ. يقال سُطت الشّىءَ: خلطتُ بعضَه ببعض. وسَوَّط فلانٌ أمرَه تسويطا ، إذا خلَطَه. قال الشّاعر :

فَسُطْها ذَميمَ الرّأىِ غيرَ موفَّقٍ

فلستَ على تسويطها بمُعان (٤)

__________________

(١) البيت فى اللسان (٦ : ٥٥).

(٢) هو الأخطل. دينوله ١١٦. وقد سبق فى (٢ : ٧٣).

(٣) ضبط فى الأصل والمجمل بكسر الهمزة ، ويقال أيضا بضمِها.

(٤) البيت فى المجمل واللسان (سوط).


ومن الباب السَّوط ، لأنّه يُخالِط الجِلدة ؛ يقال سُطْتُه بالسَّوط : ضربتُه. وأمَّا قولهم فى تسمية النَّصيب سوَطاً فهو من هذا. قال الله جل ثناؤه : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ (عَذابٍ) ، أى نَصيباً من العذاب

سوع السين والواو والعين يدلُّ على استمرار الشّىء ومُضيِّه. من ذلك السّاعة سمِّيت بذلك. يقال جاءنا بعد سَوْعٍ من الليل وسُوَاعٍ ، أى بعد هَدْءِ منه. وذلك أنَّه شىءٌ يمضى ويستمرّ. ومن ذلك قولهم عاملته مُساوعةً ، كما يقال مياوَمة ، وذلك من السّاعة. ويقال أسَعْتُ الإبلَ إساعةً ، وذلك إذا أهملتَها حتَّى تمرَّ على وجهها. وساعت فهى تَسُوع. ومنه يقال هو ضائع سائِع. وناقة مِسياعٌ ، وهى التى تذهب فى المرعى. والسِّياع : الطِّين فيه التِّبن.

سوغ السين والواو والغين أصلٌ يدلُّ على سهولة الشىء واستمراره فى الحلق خاصّة ، ثم يحمل على ذلك. يقال ساغ الشّرابُ فى الحَلْق سَوغاً وأساغَ اللهُ جلّ جلالُه. ومن المشتقّ منه قولُهم : أصاب فلانٌ كذا فسوَّغْتُه إياه. وأمَّا قولهم هذا سَوْغُ هذا ، أى مثله ، فيجوز أن يكون من هذا ، أى إنَّه يَجرى مجراه ويستمرُّ استمراره. ويجوز أن يكون السّبن مُبدَلة من صادٍ ، كأنه صِيغَ صياغتَه. وقد ذُكر فى بابه.

سوف السين والواو والفاء ثلاثة أصول : أحدها الشمُّ. يقال سُفْت الشَّىءَ أسُوفُه سَوْفاً ، وأَسَفْتُه. وذهب بعضُ أهل العلم إلى أنّ قولهم : بيننا وبينهم مَسافةٌ ، مِن هذا. قال وكان الدَّليل يَسُوف التُّرَابَ ليعلمَ على قصدٍ هو أم على جَور. وأنشدوا :


إذا الدّليلُ استافَ أخلاقَ الطرُقْ (١)

أى شَمّها.

والأصل الثّانى : السُّوَاف : ذَهاب المال ومَرَضُه. يقال أساف الرّجُلُ ، إذا وقع فى مالِه السُّواف. قال حُميد بن ثور :

أسافَا من المال التِّلادِ وأَعْدَما (٢)

وأمّا التّأخير فالتسويف. يقال سوَّفتُه ، إذا أخّرتَه ، إذا قلتَ سوف أفعلُ كذا.

سوق السين والواو والقاف أصل واحد ، وهو حَدْوُ الشَّىء يقال سَاقَه يَسُوقُه سَوْقا. والسَّيِّقَة : ما اسْتِيق من الدوابّ. ويقال سُقْتُ إلى امرأتى صَدَاقها ، وأسَقْتُه. والسُّوق مشتقّةٌ من هذا ، لما يُساق إليها من كلَّ شىء ، والجمع أسواق. والسَّاق للإِنسان وغيره ، والجمع سُوق ، إنّما سمّيت بذلك لأنَّ الماشى ينْساق عليها. ويقال امرأة سَوْقَاء ، ورجلٌ أسْوَق ، إذا كان عظيمَ السّاق. والمصدر السَّوَق. قال رؤبة :

قُبٌّ من التَّعْداء حُقْبٌ فى سَوَق (٣)

وسُوق الحرب : حَومة القِتال ، وهى مشتقّة من الباب الأول.

سوك السين والواو والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على حركةٍ

__________________

(١) البيت لرؤبة فى ديوانه ١٠٤ واللسان (سوف).

(٢) صدره كما فى اللسان (سوف) :

فيالهما من مرسلين لحاجة

(٣) ديوان رؤبة ١٠٦.


واضطراب. يقال تَسَاوَقَت الإبل : اضطربَتْ أعناقُها من الهُزال وسوء الحال. ويقال أيضاً : جاءت الإِبل ما تَسَاوَكُ هُزالاً ، أى ما تحرِّك رءوسَها. ومن هذا اشتق اسم السِّواك ، وهو العُود نفسُه. والسِّواك استعماله أيضا. قال ابن دريد : سُكْتُ الشىءَ سَوْكاً ، إذا دَلكتَه. ومنه اشتقاق السِّوَاك ، يقال سَاكَ فاهُ ، فإذا قلت اسْتَاكَ لم تُذكر الفمُ (١).

سول السين والواو واللام أصلٌ يدلُّ على استرخاءٍ فى شىء يقال سَوِلَ يَسْوَلُ سَوَلا. قال الهذلىّ (٢) :

كالسُّحْلِ البيض جلا لونَها

سَحُّ نِجَاءِ الحَمَل الأسْوَلِ

فأمّا قولهم سَوَّلْتُ له الشىءَ ، إذا زيّنتَه له ، فممكن أن تكون أعطيته سُؤلَه ، على أن تكون الهمزةُ مُلَيَّنَةً من السُّؤل.

سوم السين والواو والميم أصلٌ يدل على طلب الشىء. يقال سُمْتُ الشىءَ أسُومُه سَوْماً. ومنه السَّوم فى الشِّراء والبيع. ومن الباب سَامَت الرّاعيةُ تَسُومُ ، وأسَمْتُهَا أنا. قال الله تعالى : (فِيهِ تُسِيمُونَ) ، أى تُرعُون. ويقال سَوَّمْت فلاناً فى مالى تسويماً ، إِذا حكمَّتَه فى مالك. وسَوَّمْت غُلامى : خَلّيته وما يُريد. والخيل المُسَوَّمة : المرسلة وعليها رُكبانُها. وأصل ذلك كلِّه واحد.

ومما شذّ عن الباب السُّومَةُ ، وهى العلامة تُجعَل فى الشىء. والسِّيما مقصور

__________________

(١) الجمهرة (٣ : ٤٨).

(٢) هو المتنخل الهذلى ، كما فى اللسان (سول) من قصيدة فى القسم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ٨١ ونسخة الشنقيطى ٤٤.


من ذلك* قال الله سبحانه : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ). فإذا مدُّوه قالوا السيماء.

سوس السين والواو والسين أصلان : أحدهما فسادٌ فى شىء ، والآخر جِبلّة وخليقة. فالأوّل ساس الطّعامُ يَسَاسُ ، وأَسَاسَ يُسِيسُ ، إذا فسَدَ بشىء يقال له سُوس. وسَاسَت الشّاة تَسَاسُ ، إذا كثر قَمْلها. ويقال إنّ السَّوَسَ داءٌ يصيب الخيل فى أعجازها.

وأمّا الكلمة الأخرى فالسُّوس وهو الطّبع. ويقال : هذا من سُوس فلان ، أى طبعه.

وأمّا قولهم سُسْتُه أسُوسُه فهو محتملٌ أن يكون من هذا ، كأنه يدلُّه على الطبع الكريم ويَحمِله عليه.

والسِّيساء (١) : مُنتَظَم فَقَار الظهر. وماء مَسُوسٌ وكلأٌ مَسُوسٌ (٢) ، إذا كان نافعاً فى المال (٣) ، وهى الإبل والغنم. والله أعلم بالصواب.

باب السين والياء وما يثلثهما

سيب السين والياء والباء أصلٌ يدلُّ على استمرارِ شىءٍ وذهابِه. من ذلك سَيْبُ الماء: مجراه. وانْسَابت الحَيَّة انسياباً. ويقال سيَّبت الدّابّة : تركتُه حيث شاء. والسائبة : العبد يُسَيَّب من غير وَلاءٍ ، يَضَعُ مالَه حيث شاء.

__________________

(١) حقه أن يكون فى مادة (سيس).

(٢) وصواب هاتين أن يكونا فى مدة (مسس).

(٣) النافع. الذى يشفى غلة العطش. وفى الأصل : «نافعا» ، تحريف.


ومن الباب [السَّيْب (١)] ، وهو العَطاء ، كأنَّه شىءٌ أُجرِىَ له. والسُّيُوب : الرِّكاز ، كأنه عطاءٌ أجراه الله تعالى لمن وَجَده.

ومما شذّ عن هذا الأصل السَّيَابُ ، وهو البلح ، الواحدة سَيَابةٌ

سيح السين والياءُ والحاء أصلٌ صحيح ، وقياسه قياسُ ما قبلَه يقال ساح فى الأرض. قال الله جلّ ثناؤه : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) والسَّيْح : الماء الجارى. والمَسَايِيح

فى حديث على كرَّم الله وجهه فى قوله : «أولئك مصابيح الدُّجَى ، ليسوا بالمَذَاييع ولا المَسَايِيح البُذُر (٢)». فإنّ المَذَايِيع جمع مِذْيَاع ، وهو الذى يُذيع السرّ لا يكتُمه. والمَسَايِيح ، هم الذين يَسِيحُونَ فى الأرض بالنَّميمة والشّرّ والإفساد بين الناس.

ومما يدلُّ على صحَّة هذا القياس قولُهم سَاحَ الظّلُّ ، إذا فاء. والسَّيْح : العَباءة المخطَّطة. وسمِّى بذلك تشبيهاً لخطوطها الشَّىء الجارى

سيد السين والياء والدال كلمةٌ واحدة ، وهى السِّيد. قال قومٌ : السِّيد الذئب. وقال آخَرون : وقد يسمَّى الأسَد سِيداً. وينشدون :

كالسِّيد ذى الِّلبْدة المستأسِدِ الضّارى (٣)

سير السين والياء والراء أصلٌ يدلُّ على مضىٍّ وجَرَيان يقال سار يسير سيراً ، وذلك يكونُ ليلاً ونهاراً. والسِّيرة : الطَّريقة

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) البذر : جمع بذور ، كصبر وصبور ، وهو الذى يذبع الأسرار.

(٣) الشطر فى المجمل واللسان (سيد).


فى الشىء والسُّنّة ، لأنَّها تسير وتجرى. يقال سارت ، وسِرْتُها أنا. قال :

فلا تجزَعَنْ مِن سُنّة أنْتَ سِرتَها

فأوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَن يسيرُها (١)

والسَّيْر : الجِلْد ، معروف. وهو من هذا ، سمِّى بذلك لامتداده ؛ كأنَّه يجرِى. وسَيَّرتُ الجُلَّ عن الدّابَّة ، إِذا ألقيتَه عنه. والمُسَيَّر منَ الثِّياب : الذى فيه خطوطٌ كأنَّه سيور

سيع السين والياء والعين أصلٌ يدلُّ على جريانِ الشىء. فالسَّيْع : الماء الجارى على وجْه الأرض ، يقال سَاعَ وانْسَاعَ. وانْسَاعَ الجَمَد : ذاب. والسَّيَاع : ما يُطيَّن به الحائط. ويقال إنَ السَّياع الشحمة تُطلَى بها المزادة. وقد سَيَّعَت المرأةُ مَزادتَها.

سيف السين والياء والفاء أصلٌ يدلُّ على امتدادٍ فى شىءٍ وطول. من ذلك السَّيف ، سمِّى بذلك لامتداده. ويقال منه امرأةٌ سَيفانةٌ ، إذا كانت شَطْبة وكأنَّها نَصْلُ سَيف. قال الخليل بن أحمد : لا يُوصَف به الرّجُل.

وحدَّثنى علىُّ بن إبراهيم* عن علىّ بن عبد العزيز ، عن أبى عبيد ، عن الكسائىّ : رجلٌ سيفانٌ وامرأةٌ سيفانة.

ومما يدلُّ على صحَّة هذا الاشتقاق ، قولُهم سِيف البحر ، وهو ما امتدَّ معه من ساحله. ومنه السِّيف ، ما كان ملتصقاً بأصول السَّعَف من الَليف ، وهو أردؤُه. قال :

__________________

(١) هو خالد بن زهير ، أو خالد بن أخت أبى ذؤيب. انظر قصة الشعر فى اللسان (سير).


والسِّيفُ والِّليف على هُدَّابِها (١)

فأمَّا السَّائِفَة من الأرض فمن هذه أيضاً ، لأنَّه الرَّمل الذى يميل فى الجَلَد ويمتدُّ معها. قالوا : وهو الذى يقال له العَدَاب (٢). قال أبو زِياد : السَّائِفَة (٣) من الرّمل ألينُ ما يكون منه. والأوَّل أصحّ. وهو قول النّضر ؛ لأنّه أقيس وأشْبَه بالأصل الذى ذكرناه. وكلُّ ما كان من اللُّغة أقيَسَ فهو أصحُّ. وجمع السائفة سَوَائِف. قال ذو الرمة :

تَبَسَّمُ عن ألْمَى اللِّثاتِ كأنَّه

ذُرَى أُقْحُوانٍ من أقاحِى السَّوَائِفِ (٤)

وقال أيضاً :

 .................... كأنَّها

بسائفةٍ قفرٍ ظهورُ الأراقمِ (٥)

فأمّا قولهم أسَفْتُ الخَرْزَ ، إذا خرمْتَه ، فقد يجوزُ أن يكون شاذا عن هذا الأصل ، ويجوز أن يكونَ من ذوات الواو وتكون من السُّواف ، وقد مضى ذِكره. يقال هو مُسيفٌ ، إذا خَرَم الخرْز. قال الرّاعى :

مَزَائدُ خَرقاءِ اليدينِ مُسيفةٍ

أخَبَّ بهنَّ المَخْلِفان وأحفَدَا (٦)

سيل السين والياء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على جريانٍ وامتدادٍ.

__________________

(١) البيت من أبيات فى اللسان (سيف).

(٢) العداب ، بالدال المهملة. وفى الأصل : «العذاب» ، تحريف.

(٣) أوردها اللسان فى مادة (سوف).

(٤) ديوان ذى الرمة ٢٧٩ واللسان (سوف) برواية : «تبسم عن».

(٥) البيت بتمامه كما فى ديوان ذى الرمة ٦١٣ :

وهل يرجع التسليم ربع كأنه

بائعة قفر ظهور الأراقم

(٦) البيت فى اللسان (سوف ٦٧).


يقال سال الماء وغيرُه يسيل سَيْلا وسَيَلاناً. ومَسِيل الماء إذا جعلت الميم زائدة فمن هذا ، وإذا جعلت الميم أصليّةً فمن بابٍ آخر ، وقد ذكر.

فأمَّا السِّيلان من السَّيف والسِّكِّين ، فهى الحديدةُ التى تُدخَل فى النصاب.

وسمعت علىّ بن إبراهيم القطّان يقول : سمعت علىَّ بن عبدِ العزيز يقول : سمعت أبا عُبيدٍ يقول : السِّيلان قد سمعتُه ، ولم أسمَعْه من عالم.

وأمّا سِيَةُ القَوس (١) ، وهى طرفها ، فيقال إنّ النسبة إِليها سِيَوىٌ. والله أعلم.

باب السين والهمزة وما يثلثهما

سأب السين والهمزة والباء ليس أصلاً يتفرّع ، لكنّهم يقولون سأبَهُ سأْبا ، إذا خَنَقَه. والسأْب : السِّقاء ، وكذلك المِسْأَبُ.

فأمّا التاء (٢) فيقولون أيضاً سأتَهُ إذا خنَقه. وفى جميع ذلك نظر.

سأد السين والهمزة والدال كلمتان لا تنقاسان. فالإسْآد : دأَب السَّير بالليل.

والكلمة الأخرى السَّأَد : انتقاض الجُرح. وأنشد :

فبتُّ مِن ذاك ساهراً أرِقاً

ألقى لِقاءَ اللاقى من السَّأَدِ (٣)

وربما قالوا : سَأَدتِ الإبلُ الماءَ : عافَتْه.

__________________

(١) لم يعقد لهذه الكلمة مادة ، ومادتها (سيو). وعقد لها فى المجمل مادة (سيه) وزاد على ماهنا : «وكان رؤبة ربما همزها».

(٢) ولم يعقد لهذه الكلمة مادة ، وهى (سأت).

(٣) البيت فى المجمل واللسان (سأد).


سأل السين والهمزة واللام كلمةٌ واحدة. يقال سَأَلَ يَسْأَلُ سُؤالا ومَسْأَلَةً. ورجل سُؤَلةٌ : كثير السؤال.

سأو السين والهمزة والواو كلمةٌ مختلَفٌ فى معناها. قال قوم : السَّأو : الوطن. وقال قوم : السَّأو : الهمّة : قال :

كأننى من هَوَى خَرقاءَ مُطَّرَفٌ

دامِى الأظَلِّ بعيدُ السَّأوِ مَهيُومُ (١)

والله أعلم بالصواب.

باب السين والباء وما يثلثهما

سبت السين والباء والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على راحةٍ وسكون. يقال للسَّير السهل الليّن. سَبْتٌ. قال :

ومطوِيّة الأقرابِ أمّا نَهارُها

فسَبْتٌ وأما ليلُها فذَمِيل (٢)

ثمّ حُمل على ذلك السَّبْت : حلق الرّأس. ويُنشَد فى ذلك ما يصحح هذا القياسَ ، وهو قولُه :

يُصبح سكرانَ ويُمسِى سَبْتَا (٣)

لأنّه يكون فى آخر النهار مُخْثِراً (٤) قليلَ الحركة ، فلذلك يقال للمتحيِّر مَسْبُوت.

__________________

(١) المهيوم : الذى أصابه الهيام ، وهو داء يصيب الإبل من ماء تشربه. وفى الأصل : «مهموم» ، صوابه من ديوان ذى الرمة ٥٦٩ واللسان (سأى).

(٢) كلمة «ليلها» ساقطة من الأصل ، وإثباتها من اللسان (سبت) ، حيث نسب البيت إلى حميد بن ثور.

(٣) فى اللسان : «يصبح مخمورا».

(٤) المخثر : الذى يجد الشىء القليل من الوجع والفترة.


وأمّا السَّبْت بعد الجمعة ، فيقال إنّه سمِّىَ بذلك لأنّ الخلْق فُرغ منه يومَ الجمعة وأكمل ، فلم يكن اليومُ الذى بعد الجمعة يوماً خُلِق فيه شىءٌ. والله أعلم بذلك. هذا بالفتح. فأمّا السِّبْت فالجلودُ* المدبوغة بالقَرَظِ ، وكأنّ ذلك سمِّى سِبْتاً لأنّه قد تناهى إصلاحُه ، كما يقال للرُّطَبَة إذا جرى الإرطابُ فيها : مُنْسَبِتة.

سبج السين والباء والجيم ليس بشىءٍ ولا له فى اللغة العربيَّة أصلٌ. يقولون السُّبْجة : قميصٌ له جَيب. قالوا : وهو بالفارسية «شَبِى (١)». والسَّبج : أيضاً ليس بشىء. وكذلك قولهم إنَ السَّبَج حجارةُ الفضّة. وفى كل ذلك نظر.

سبح السين والباء والحاء أصلان : أحدهما جنسٌ من العبادة ، والآخر جنسٌ من السَّعى. فالأوّل السُّبْحة ، وهى الصَّلاة ، ويختصّ بذلك ما كان نفْلاً غير فَرض. يقول الفقهاء : يجمع المسافرُ بينَ الصَّلاتين ولا يُسبِّح بينهما ، أى لا يتنفَّل بينهما بصلاةٍ. ومن الباب التَّسبيح ، وهو تنزيهُ الله جلّ ثناؤه من كلِّ سُوء. والتَّنزيه : التبعيد. والعرب تقول : سبحان مِن كذا ، أى ما أبعدَه. قال الأعشى :

أقولُ لمّا جاءنى فخرُه

سُبحانَ مِن علقمةَ الفاخِر (٢)

وقال قوم : تأويلهُ عجباً له إِذَا يَفْخَر. وهذا قريبٌ من ذاك لأنّه تبعيدٌ له من الفَخْر. وفى صفات الله جلّ وعز : سُبُّوح. واشتقاقه من الذى ذكرناه أنّه تنزَّه من كل شىءٍ لا ينبغى له. والسُّبُحات الذى جاء فى الحديث (٣) : جلال الله جلّ ثناؤه وعظمتُه.

__________________

(١) فسرت هذه الكلمة فى معجم استينجاس ٧٣٢ بأنها قميص يلبس فى المساء.

(٢) ديوان الأعشى ١٠٦ واللسان (سبح).

(٣) هو حديث : «إن لله دون العرش سبعين حجابا لودنونا من أحدها لأحرقتنا سبحات وجه ربنا».


والأصل الآخر السَّبْح والسِّباحة : العَوم فى الماء. والسّابح من الخيل : الحَسنُ مدِّ اليدين فى الجَرْى. قال :

فولَّيْتَ عنه يرتَمِى بِكَ سابحٌ

وقد قابَلتْ أذْنَيه منك الأخادعُ (١)

يقول : إنّك كنتَ تلتفتُ تخافُ الطَّعنَ ، فصار أخْدَعُك بحذاء أذُن فرسِك.

سبخ السين والباء والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خفّة فى الشّىء. يقال للذى يسقط مِن ريش الطائر السَّبِيخ. ومنه الحديث : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمِع عائشة تدعو على سارقٍ سَرَقها ، فقال : «لا تُسبِّخى عنه بدعائك عليه». أى لا تخفِّفى. ويقال فى الدّعاء : «اللهمَ سَبِّخْ عنه الحُمَّى» ، أى سُلَّها وخَفِّفْها. ويقال لما يتطاير من القُطن عند النَّدْف : السَّبِيخ. قال الشاعر يصف كِلابا :

فأرسلوهُنَّ يُذْرِينَ التُّرَابَ كما

يُذْرِى سَبائخَ قُطنٍ نَدْفُ أوتَارِ (٢)

وقد رُوِى عن بعضهم (٣) أنَّه قرأ : إنّ لك فى النّهار سبخا طويلا ، قال : وهو معنى السَّبْخ ، وهو الفَراغ ؛ لأنّ الفارغ خفيف الأمر.

سبد السين والباء والدال عُظْمُ بابِه نبات شعرٍ أو ما أشبهه. وقد يشذُّ الشىء اليسير. فالأصلُ قولُهم : «ما له سَبَدٌ ولا لَبَدٌ». فالسَّبَد : الشعر. واللَّبَد : الصوف. ويقولون : سَبَّدَ الفَرْخُ ، إذا بدا رِيشُه وشَوَّكَ. ويقال إنّ السُّبدَة العانة. والسُّبَد : طائر ، وسمِّى بذلك لكثرة ريشه. فأمَّا التَّسبيد فيقال إنَّه استئصال

__________________

(١) أنشده فى المجمل أيضا.

(٢) البيت للأخطل فى ديوانه ١١٥ واللسان والتاج (سبخ).

(٣) هى قراءة يحيى بن يعمر ، كما فى اللسان.


شَعَر الرأس ، وهو من الباب لأنّه كأنّه جاء إلى سَبَدِه فحلَقه واستأصَله. ويقال إنَ التسبيد كثرةُ غَسْل الرأس والتدهُّن.

والذى شذّ عن هذا قولُهم : هو سِبْدُ أسبادٍ ، أى داه مُنْكَر. وقال :

يعارض سِبْدا فى العِنان عَمَرَّدا (١)

سبر السين والباء والراء ، فيه ثلاث كلماتٍ متباينةُ القياس ، لا يشبهُ بعضُها بعضاً.

فالأوّل السَّبْر ، وهو رَوْزُ الأمْرِ وتعرُّف قدْره. يقال خَبَرْتُ ما عند فلان وسَبَرتُه. ويقال للحديدة التى يُعرَف بها قدرُ الجِراحة مِسْبار.

والكلمة الثانية : السِّبْر ، وهو الجمال والبهاء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يخرج من النار رجلٌ قد ذهَبَ حِبره وسِبْرُه». أى ذهب جمالُه وبهاؤه. وقال أبو عمرو : أتيت حيًّا من العرب فلمَّا تكلّمتُ قال بعضُ مَن حضر : «أما اللسانُ فبدوىٌّ ، وأما السِّبْر فحضَرىّ». وقال ابنُ أحمر :

لبِسنا حِبْرهُ حتى اقتُضِينا

لأعمال وآجالٍ قُضِينا (٢)

وأما الكلمة الثالثة فالسَّبْرَة ، وهى الغَدَاة الباردة. وذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضْلَ إسباغ الوُضوء فى السَّبَرَات (٣).

__________________

(١) للمعذل بن عبد الله. وصدره كما فى اللسان (سبد) :

من السح جوالا كأن غلامه

(٢) فى الأصل : «وآل قضينا».

(٣) فى الأصل : «فضل له سباع الوضوء فى السبرات» ، تحريف. وفى اللسان : «وفى الحديث : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد؟ فسكت. ثم وضع الرب تعالى يده بين كتفيه فألهمه. إلى أن قال : فى المضى إلى الجمعات ، وإسباغ الوضوء فى السبرات».


سبط السين والباء والطاء أصلٌ يدلُّ على امتدادِ شىء ، وكأنه مقاربٌ لباب الباء والسين والطاء ، يقال شعر سَبْط وسَبِطٌ ، إذا لم يكن جَعداً. ويقال أسْبَطَ الرّجلُ إسباطا ، إذا امتدّ وانبسط بعد ما يُضرَب. والسُّباطة : الكُناسة ، وسمِّيت بذلك لأنَّها لا يُحتَفَظ بها ولا تحْتَجن. ومنه الحديث : «أتى سُباطَةَ قومٍ فبال قائما ؛ لوجعٍ كان بمأبِضه (١)». والسَّبَط : نباتٌ فى الرمل ، ويقال إنه رَطب الحَلِىِّ ؛ ولعلّ فيه امتداداً

سبع السين والباء والعين أصلان مطردان صحيحان : أحدهما فى العدَد ، والآخر شىءٌ من الوحوش

فالأوّل السَّبْعة. والسُّبْع : جزءٌ من سبعة. ويقال سَبَعْت القومَ أسبْعَهُم إذا أخذت سُبْع أموالهم أو كنتَ لهم سابعاً. ومن ذلك قولهم : هو سُباعىُ البدَن ، إذا كان تامَّ البدن. والسبِّع : ظمءٌ من أظماء الإِبل ، وهو لعددٍ معلوم عندهم وأما الآخر فالسَّبُع واحدٌ من السّباع. وأرض مَسْبَعَةٌ ، إذا كثُر سِباعُها.

ومن الباب سبعْتُه ، إذا وقَعتَ فيه ، كأنه شبّه نفسه بسُبع فى ضرره وعَضّه. وأسبعته: أطعمته السَّبع. وسبَعتِ الذّئابُ الغنَم ، إذا فرستْها وأكلَتْها.

فأمّا قولُ أبى ذؤيب :

صَخِبُ الشَّواربِ لا يزالُ كأنّهُ

عبدٌ لآلِ أَبى ربيعةَ مُسْبَعُ (٢)

ففيه أقاويل : أحدها المُتْرَف ، كأنَّه عبد مترف ، له ما يتمتّع به ، فهو دائم

__________________

(١) المأبض ، بكسر الباء : باطن الركبة والمرفق.

(٢) ديوان أبى ذؤيب ٤ واللسان (سبع).


النَّشاط. ويقال إنّه الرّاعى ، ويقال هو الذى تموت أمُّه فيتولى إرضاعَه غيرُها. ويقال المُسبَع مَن لم يكن لِرشْدة. ويقال هو الراعى الذى أغارت السباع على غنمه فهو يصيحُ بالكِلاب والسِّباع. ويقال هو الذى هو عبدٌ إلى سبعة آباء. ويقال هو الذى وُلد لسبعة أشهر ويقال للُسبَع : المُهمَل. وتقول العرب : لأفعلنّ به فِعْل سَبْعة ؛ يريدون به المبالغة فى الشر. ويقال أراد بالسَّبعة اللَّبُؤة ، أراد سَبعةٍ فخّفف.

سبغ السين والباء والغين أصلٌ واحد يدلُّ على تمامِ الشىء وكماله. يقال أسْبَغْتُ الأمر ، وأسْبَغَ فلان وضوءَه. ويقال أسبغ الله عليه نِعَمَه. ورجل مُسْبِغ ، أى عليه درعٌ سابغة. وفحل سابغٌ : طويل الجُرْدَان (١) ، وضدُّه الكَمْش. ويقال سَبَّغَت الناقةُ ، إِذا ألقت ولدَها وقد أشْعَرَ.

سبق السين والباء والقاف أصل واحد صحيح يدل على التقديم. يقال سَبَقَ يَسْبِق سَبْقاً. فأما السَّبَق فهو الخَطَر الذى يأخذه السَّابق.

سبك السين والباء والكاف أُصَيل يدل على التناهى فى إمهاء الشىء (٢). من ذلك: سَبَكْتُ الفضة وغيرَها أسْبِكُها سَبْكا. وهذا يستعار فى غير الإذابة أيضاً. [والسُّنبُك : طرف الحافر (٣)]. فأما السُّنْبُك من الأرض فاستعارةٌ ، طَرفٌ غليظٌ قليل الخير.

سبل السين والباء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على إرسال شىءٍ من من عُلو إلى سُفل ، وعلى امتداد شىء.

__________________

(١) الجردان بضم الحيم وبعد الراء دال مهملة : قضيبه. فى الأصل : «الجرذان» ، تحريف.

(٢) الإمهاء : الإسالة. وفى الأصل : «إنهاء الشىء».

(٣) التكملة من المجمل.


فالأول من قِيلِك : أسبلتُ السِّتْرَ ، وأسبلَتِ السّحابةُ ماءَها وبمائها. والسَّبَل : المطر الجَوْد. وسِبال الإنسان من هذا ، لأنّه شعر منسدل. وقولهم لأعالى الدَّلو أسبْال ، من هذا ، كأنَّها شُبِّهت بالذى ذكرناه من الإنسان. قال :

إِذْ أرسَلونى ماتحاً بدلائهمْ

فملأْتُها عَلَقاً إلى أسبالِها (١)

والممتدُّ طولاً : السّبيل ، وهو الطَّريق ، سمِّى بذلك لامتداده. والسَّابلة : المختلِفَةُ فى السُّبُل جائيةً وذاهبة. وسمِّى السُّنْبُل سُنْبُلا لامتداده. يقال أسبَلَ الزّرعُ ، إذا خَرج سُنبله. قال أبو عبيد : سَبَلُ الزَّرعِ وسُنْبُله سواء. وقد سَبَلَ (٢) وأسْبَلَ.

سبه السين والباء والهاءَ كلمةٌ ، وهى تدلُّ على ضعف العقل أو ذَهابه ـ فالسبَه : ذهاب العقل من هَرَم ، يقال رجل مَسْبُوهٌ ومُسَبَّه ، وهو قريب من المسبوت ، والقياس* فيهما واحد.

سبى السين والباء والياء أصلٌ واحد يدلُّ على أخذِ شىء من بلد إِلى بلد آخر كرْهاً(٣). من ذلك السَّبْىُ ، يقال سَبَى الجاريةَ يَسبيها سبْياً فهو سابٍ ، والمأخوذة سَبِيَّة. وكذلك الخمر تُحَمل من أرضٍ إلى أرض. يَفْرِقُونَ بين سَبَاها وسَبَأها. فأما سِباؤُها فاشتراؤُها. يقال سَبأتها ، ولا يقال ذلك إلَّا فى الخمر ويسمون الخَمَّار السَّبَّاء. والقياس فى ذلك واحد.

__________________

(١) البيت لباعث بن صريم اليشكرى ، كما فى اللسان (سبل).

(٢) وكذا فى المجمل. والمعروف بدلها «سنبل».

(٣) بعدها فى الأصل : «من المأخوذة» مقحمتان.


ومما شذّ عن هذا الأصل السَّابياء ، وهى الجِلدة التى يكون فيها الولد. والسَّابِيَاء : النِّتَاج (١). يقال : إنَّ بنى فلانٍ ترُوح عليهم من مالهم سابِياء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «تسعة أعشارِ الرِّزق فى التجارة. والجزء الباقى فى السَّابياء».

ومما يقرب من الباب الأوّل الأسابىّ ، وهى الطرائق. ويقال أسابىُ الدِّماء ، وهى طرائقها. قال سلامة :

والعادِياتُ أسابىُ الدِّماء بها

كأنَّ أعناقها أنصابُ ترجيبِ (٢)

وإذا كان ما بعدَ الباء من هذه الكلمة مهموزاً خالف المعنى الأوَّل ، وكان على أربعةِ معانٍ مختلفة : فالأول سبأت الجِلد ، إذا محَشْته حتى أُحرِق شيئاً من أعاليه.

والثانى سبأت جلده : سلختُه. [والثالث سَبَأ فلانٌ (٣)] على يمين كاذبةٍ ، إذا مرَّ عليها غير مكترث.

ومما يشتق من هذا قولهم : انْسبَأ اللّبن ، إذا خرج من الضَّرع. والمَسْبأ : الطَّريق فى الجبل.

والمعنى الرابع قولهم : ذهبوا أيادى سبأ ، أى متفرِّقين. وهذا من تفرُّقِ أهل اليمن. وسبأ : رجل يجمع (٤) عامّة قبائل اليمن ، ويسمَّى أيضاً بلدُهم بهذا الاسم. والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) فى الأصل : «السباج» ، صوابه ما أثبت من اللسان.

(٢) ديوان سلامة ٨ واللسان (سبى).

(٣) تكملة استضأت بالمجمل فى إثباتها.

(٤) فى الأصل : «بجميع» ، صوابه فى المجمل.


باب السين والتاء وما يثلثهما

ستر السين والتاء والراء كلمةٌ تدلُّ على الغِطاءُ. تقول : سترت الشىء ستراً. والسُّتْرَة: ما استترت به ، كائناً ما كان. وكذلك السِّتار (١). فأمّا الإِستار ، وقولهم إستار الكعبة ، فالأغلبُ أنه من السِّتر ، وكأنّه أراد به ما تُستَر به الكعبة من لباسٍ. إلَّا أنّ قوماً زعموا أنْ ليس ذلك من الِّلباس ، وإنما هو من العَدَد. قالوا : والعرب تسمِّى الأربعة الإستار(٢) ويحتجُّون بقول الأخطل :

لعمرك إنَّنى وابنَىْ جُعَيْلٍ

وأُمَّهُما لَإسْتارٌ لئيمُ (٣)

وبِقول جرير :

قُرِنَ الفرزدقُ والبَعيثُ وأمُّه

وأبُو الفرزدق قُبِّحَ الإستارُ (٤)

قالوا : فأستار الكعبة : جْدرانها وجوانبها ، وهى أربعة وهذا شىءٌ قد قيل ، والله أعلم بصحته.

ستن السين والتاء والنون ليس بأصل يتفرَّع ، لأنّه نبت ، ويقال له الأسْتنُ. وفيه يقول النابغة :

__________________

(١) والستارة ، بالهاء أيضا.

(٢) ذكر فى اللسان والمعرب ٤٢ أنه معرب «چهار» الفارسية ، بمعنى أربعة. على أن اللفظ «استار» فى الفارسية يظن أنه مأخوذ من اليونانية. انظر استينجاس ٤٩.

(٣) ديوان الأخطل ٢٩٧ واللسان (ستر). وابنا جعيل ، هما كعب وعمير.

(٤) كذا وردت الرواية فى الأصل والمجمل والديوان ٢٠٨. ورواية اللسان :

إن الفرزدق والبعيث وأمه

وأيا البعيث لشر ما إستار


تَنِفرُ مِن أَسْتَنٍ سُودٍ أسافلُهُ

مثل الإِماءِ اللَّواتى تَحمِل الحُزَما (١)

سجح السين والجيم والحاء أصل منقاس ، يدلُّ على استقامةٍ وحسن. والسُّجُح : الشّىء المستقيم. ويقال «ملَكْتَ فأسْجِحْ» ، أى أحْسِن العَفْو. ووجهٌ أسجَحُ ، أى مستقيم الصُّورة. قال ذو الرمَّة :

ووجهٌ كمرآةٍ الغريبة أسجحُ (٢)

وهذا كلُّه من قولهم : تنَحَّ عن سُجْحُ الطَّريق (٣) ، أى عن جادّته ومستقيمه.

سجد السين والجيم والدال أصلٌ واحدٌ مطّرد يدلّ على تطامُن وذلّ. يقال سجد ، إِذا تطامَنَ. وكلُّ ما ذلَّ فقد سجد. قال أبو عمرو : أسْجَدَ الرَّجُل ، إذا طأطأ رأسَه وانحنى. قال حُميد :

فُضُولَ أزِمّتِها أسْجَدَتْ

سُجودَ النَّصارى لأربابها (٤)

وقال أبو عبيدةَ مثلَه ، وقال : أنشدنى أعرابىٌّ أسدىّ :

وقُلن له أسْجِدْ لليلَى فأسْجَدَا (٥)

يعنى البعيرَ إذا طأطأ رأسه. وأما قولهم : أسجَدَا إسجاداً ، إذا أدام النّظر ،

__________________

(١) ديوان النابغة ٦٨ واللسان (ستن).

(٢) صدره كما فى الديوان ٨٨ واللسان (حشر) :

لها أذن حشر وذفرى أسيلة

(٣) سجح الطريق ، بالضم وبضمتين.

(٤) ذكر ابن برى أن صواب إنشاده : «لأحبارها». وقبله :

فلما لوين على معصم

وكف خضيب وأسوارها

(٥) الشطر فى المجمل واللسان (سجد).


فهذا صحيحٌ ، إلّا أنّ القياس يقتضى ذلك فى خَفض ، ولا يكون* النّظرَ الشّاخصَ ولا الشزْر. يدلُّ على ذلك قولُه :

أغَرَّكِ مِنِّى أنَّ دَلَّكِ عندنا

وإسجادَ عينيك الصَّيُودَين رابحُ (١)

ودراهم الإسجاد : درَاهمُ كانت عليها صورٌ ، فيها صورُ ملوكهم ، وكانوا إذا رأوها سجَدُوا لها. وهذا فى الفُرس. وهو الذى يقول فيه الأسود :

مِن خَمرِ ذِى نُطَفٍ أغَنَّ مُنَطَقٍ

وافَى بها لِدراهم الإسجادِ (٢)

سجر السين والجيم والراء أصولٌ ثلاثة : المَلء ، والمخالطة ، والإيقاد.

فأمّا الملء ، فمنه البحر المسجور ، أى المملوء. ويقال للموضع الذى يأتى عليه السّيلُ فيملؤه : ساجر. قال الشّمّاخ :

كُلَّ حِسْىٍ وسَاجِرِ (٣)

ومن هذا الباب. الشَّعر المنْسجِرُ ، وهو الذى يَفِرُ (٤) حتّى يسترسلَ من كثرته. قال :

__________________

(١) البيت لكثير عزة كما فى اللسان (سجد).

(٢) البيت فى اللسان (سجد). وقصيدة الأسود بن يعفر فى المفضليات (٢ : ١٦ ـ ٢٠).

(٣) البيت لم يرد فى الديوان. وهو بتمامه كما فى اللسان (سجر) :

وأحمى عليها ابنا يزيد بن مسهر

ببطن المراض كل حمى وساجر

(٤) وفر يفر ، كوعد يعد ، ويقال أيضا وفر يوفر من باب كرم ، أى كثر.


إذا ما انثَنَى شَعْرُها المنسِجرْ (١)

وأمَّا المخالَطة فالسّجير : الصاحب والخليط ، وهو خلاف الشًّجير. ومنه عينُ سَجْراءُ ، إِذا خالط بياضَها حمرة.

وأمَّا الإيقاد فقولهم : سجرت التّنُّور ، إِذا أوقدتَه. والسَّجُور : ما يُسجَرُ به التّنُّور. قال :

ويوم كتَنُّور الإماءِ سَجَرْنَهُ

وألقَيْنَ فيه الجَزْلَ حَتَّى تأجَّما (٢)

ويقال للسَّجُور السجار (٣)

ومما يقارب هذا استَجَرَت (٤) الإبل على نَجَائِها ، إذا جدّت ، كأنَّها تتَّقد فى سيرها اتّقاداً. ومنه سَجَرت النّاقةُ ، إذا حَنَّت حنيناً شديداً.

سجع السين والجيم والعين أصلٌ يدلُّ على صوت متوازن. من ذلك السَّجع فى الكلام ، وهو أن يُؤتَى به وله فواصلُ كقوافِى الشِّعر ، كقولهم : «مَن قَلّ ذَلّ ، ومن أَمِرَ فَلّ» ، وكقولهم : «لا ماءَكِ أبقَيْتِ ، ولا دَرَنَكِ أنْقَيْت». ويقال سجَعت الحمامةُ ، إذا هدرَتْ.

__________________

(١) وكذا روايته فى المجمل. وفى اللسان (٦ : ٩): «شعره المنسجر». لكن فى اللسان (٦ : ١٠) :

إذا ثنى فرعها المسجر

بعد أن ذكر قبله : «المسجر : الشعر المسترسل». على أنه يقال المسحر ، بتشديد الجيم ، والمنسجر ، والمسوجر أيضا.

(٢) البيت لعبيد بن أيوب العنبرى «كما فى اللسان (أجم)». وتأجم ، مثل تأجج ، وزنا ومعنى. وبعده :

؟ بنفسي في أجيج سمومه

وبالعنس حتى جاش منسمها؟

(٣) لم أجد هذه الكلمة فى غير المقاييس. ولا أدرى ضبطها.

(٤) فى اللسان والمجمل : «انسجرت».


سجف لسين والجيم والفاء أصلٌ واحد ، وهو إسبال شىءٍ ساتر. يقال أسجفت السِّتر : أرسلتُه. والسَّجْف والسِّجف (١) : سِتر الحَجَلة. ويقال أسجَفَ اللّيلُ ، مثل أسدَفَ.

سجل السين والجيم واللام أصلٌ واحد يدلُّ على انصبابِ شىءٍ بعد امتلائه. من ذلك السَّجْل ، وهو الدَّلو العظيمة. ويقال سَجَلت الماءَ فانسجَلَ ، وذلك إذا صبَبْتَه. ويقال للضَّرْع الممتلئ سَجْل (٢). والمساجلة : المفاخرة ، والأصل فى الدِّلاء ، إذا تساجَلَ الرجلان ، وذلك تنازعُهما ، يريد كلُّ واحدٍ منهما غلبةَ صاحبه. ومن ذلك الشّىء المُسْجَل ، وهو المبذول لكلِّ أحد ، كأنّه قد صُبّ صبًّا. قال محمّد بن على فى قوله تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ). هى مُسْجَلة للبَرِّ والفاجر. وقال الشاعر فى المُسْجَل :

وأصبَحَ معروفى لقومِىَ مُسْجَلا

فأما السِّجِلّ فمن السَّجْل والمساجلة ، وذلك أنّه كتابٌ يجمَع كتباً ومعانىَ. وفيه أيضاً كالمساجلة ، لأنّه عن منازعةٍ ومُداعاة. ومن ذلك قولهم : الحرب سِجالٌ ، أى مباراةٌ مرَّة كذا ومرةً كذا. وفى كتاب الخليل : السَّجْل : ملء الدلو. وَأما السِّجِّيل فمن السِّجِلّ ، وقد يحتمل أن يكون مشتقّا من بعض ما ذكرناه. وقالوا : السِّجِّيل : الشديد.

سجم السين والجيم والميم أصلٌ واحد ، وهو صبُّ الشّىء من الماء

__________________

(١) فى الأصل : «السجيف» ، محرف.

(٢) وكذا فى المجمل ، وفى اللسان : «السجيل» و «الأسجل».


والدَّمعِ. يقال سَجَمت العينُ دَمعَها. وعينٌ سَجوم ، ودمعٌ مسجوم. ويقال أرض مسجومة: ممطورة.

سجن السين والجيم والنون أصلٌ واحد ، وهو الحَبْس. يقال سجنته سَجناً. والسِّجن: المكان يُسجَن فيه الإنسان. قال الله جلّ ثناؤه فى قصّة يوسف عليه السلام : (قالَ رَبِ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ). فيقرأ فتحاً على المصدر ، وكسراً على الموضع (١) ، وأما قولُ ابنِ مُقْبل :

ضرباً تَوَاصَى به الأبطالُ سِجِّينا (٢)

فقيل إنّه أراد سِجِّيلا. أى شديدا. وقد مضى ذِكرُه. وإنَّما أبدل اللام نونا. والوجه فى هذا أنَّه قياس الأوَّل من السَّجن ، وهو الحبس ؛ لأنَّه إذا كان ضرباً شديداً ثبت المضروب ، كأنَّه قد حبسه

سجو السين والجيم والواو أصلٌ يدلُّ على سكونٍ وإطباق. يقال* سَجَا اللّيلُ ، إذا ادلهمَّ وسكَن. وقال :

يا حبَّذَا القَمراءُ واللَّيْلُ السّاجْ

وطُرقٌ مثلُ مُلاءِ النُّسَّاجْ (٣)

وطرف ساجٍ ، أى ساكن.

__________________

(١) قرأ بالفتح عثمان ومولاه طارق ، وزيد بن على ، والزهرى ، وابن أبى إسحاق ، وابن هرمز ، ويعقوب. تفسير ابن حيان (٥ : ٣٠٦).

(٢) فى اللسان «تواصت به». وصدره :

ورجلة يضربون الهام عن عرض

(٣) الرجز لأحد الحارثيين ، كما فى اللسان (سجا).


باب السين والحاء وما يثلثهما

سحر السين والحاء والراء أصول ثلاثة متباينة : أحدها عضْوٌ من الأعضاء ، والآخر خَدْعٌ وشِبههُ ، والثالث وقتٌ من الأوقات.

فالعُضو السَّحْر ، وهو ما لَصِق بالحُلقوم والمَرِىء من أعلى البطن. ويقال بل هى الرِّئة. ويقال منه للجبان : انتفَخَ سَحْرُه. ويقال له السُّحْر والسَّحْر والسَّحَر.

وأمّا الثّانى فالسِّحْر ، قال قوم : هو إخراج الباطل فى صورة الحقِّ ، ويقال هو الخديعة. واحتحُّوا بقول القائل :

فإنْ تسألِينا فيم نحنُ فإننا

عصافيرُ من هذا الأنام المسحَّرِ (١)

كأنّه أراد المخدوع ، الذى خدعَتْه الدُّنيا وغرَّتْه. ويقال المُسَحَّر الذى جُعِل له سَحْر ، ومن كان ذا سَحْر لم يجد بُدًّا من مَطعَم ومشرب.

وأمّا الوقت فالسَّحَر والسُّحْرة ، وهو قَبْل الصُّبح (٢). وجمع السَّحَر أسحار. ويقولون : أتيتُك سَحَرَ ، إذا كان ليومٍ بعينه. فإن أراد بكرةً وسَحَراً من الأسحار قال : أتيتك سَحَراً

سحط السين والحاء والطاء كلمة. يقولون : السَّحط : الذَّبْح الوَحِىّ (٣).

__________________

(١) البيت للبيد بن رببعة كما فى ديوانه ٨١ طبع ١٨٨٠ والبيان (١ : ١٧٩ مكتبة الجاحظ) والحيوان (٥ : ٢٢٩ / ٧ : ٦٣) واللسان (سحر).

(٢) فى المجمل : «والسحر قبيل الصبح».

(٣) الوحى : العاجل السريع.


سحف السين والحاء والفاء أصلٌ واحدٌ صحيح ، وهو تنحِيَة الشّىء عن الشىء ، وكشفُه. من ذلك سَحفْت الشّعرَ عن الجلد ، إذا كشطتَه حتّى لا يبقى منه شىء. وهو فى شعر زهير :

وما سُحِفَتْ فيه المقاديمُ والقَمْلُ (١)

والسَّيْحَفُ : نصالٌ عِراض ، فى قول الشّنفَرَى :

لها وفْضَةٌ فيها ثلاثونَ سَيْحَفاً

إذا آنَسَتْ أُولَى العدىِّ اقشعرَّتِ (٢)

والسَّحيفة (٣) : واحدة السحائف ، وهى طرائق الشّحم الملتزقة بالجلد ، وناقةٌ سَحوفٌ من ذلك. وسمِّيت بذلك لأنّها تُسحَفُ أى يمكن كشطْها. والسَّحِيفة : المَطْرة تجرُف ما مَرَّت به.

سحق السين والحاء والقاف أصلان : أحدهما البعد ، والآخر إنهاك الشىءِ حتى يُبلغ به إلى حال البِلى.

فالأوّل السُّحْق ، وهو البُعد. قال الله جلّ ثناؤه : (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ). والسَّحُوق : النَّخلة الطويلة ، وسمِّيت بذلك لبعد أعلاها عن الأرض. والأصل الثانى : سَحَقت الشىء أسحَقُه سَحقاً. والسَّحْق : الثوب البالِىَ. ويقال سَحقه البِلى فانسحق. ويستعار هذا حتَّى يقال إنّ العين تسحق الدّمع سحقا. وأسحق الشّىءُ ، إذا انضمر وانضمّ. وأسحَقَ الضَّرعُ ، إذا ذهب لبنُه وبلِىَ.

__________________

(١) فى الأصل : «المقالم» ، تحريف ، صوابه من الديوان ٩٩ واللسان (سحف). وصدره :

فأقسمت جهدا بالمنازل من منى

(٢) البيت فى اللسان (سحف). وقصيدته فى المفضليات (١ : ١٠٦).

(٣) فى الأصل : «والسحف» ، صوابه من المجمل.


سحل السين والحاء واللام ثلاثة أصول : أحدها كَشْط شىءٍ ، عن شىء ، والآخَر من الصَّوت ، والآخر تسهيلُ شىءٍ وتعجيلُه.

فالأوّل قولهم : سَحَلت الرِّياحُ الأرضَ ، إِذا كشطت عنها أَدَمَتَها. قال ابن دريدٍ وغيره : ساحل البحر مقلوب فى اللفظ ، وهو فى المعنى مَسحُولٌ ، لأنّ الماء سَحله. وأصل ذلك قولهم سَحلت الحديدةَ أسحَلُها. وذلك إذا بَرَدْتَها. ويقال للبُرادة السُّحالة. والسحْل : الثّوب الأبيض ، كأنه قد سُحِل من وسَخِه ودَرَنِه سَحْلا. وجمعه السُّحُل. قال :

كالسُّحُلِ البِيضِ جَلا لونَها

سَحُّ نِجاءِ الحَمَل الأسْوَلِ (١)

والأصل الثانى : السَّحيل : نُهاق الحمار ، وكذلك السُّحال. ولذلك يسمَّى الحِمارُ مِسْحَلاً.

ومن الباب المِسحَل لِلسانِ الخطيب ، والرّجُل الخطيب.

والأصل الثالث : قولهم سَحَلَهُ مائةً ، إذا عَجّل له نَقْدَها. ويستعار هذا فيقال سحله مائةً ، إذا ضربه مائةً عاجلا (٢).

ومن الباب السَّحِيل : الخيط الذى فتِلَ فَتْلاً رِخْوا. وخِلافُه المبرَم والبَريم ، وهو فى شعر زهير :

مِن سَحِيلٍ ومُبْرَمِ (٣)

__________________

(١) البيت للمتنخل الهذلى ، وقد سبق إنشاده فى (سول).

(٢) جعله فى اللسان من القشر ، قال : «سحله مائة سوط سحلا : ضربه فقشر جلده».

(٣) من بيت فى معلقته. وهو بتمامه :

يمينا لنعم السيدان وجدتما

على كل خال من صحبل ومبرم


ومما شَذّ عن هذه الأصول المِسْحلان ، وهما حَلْقتان على طرفَىْ شَكِيم اللِّجام. والإسْحِلُ : شجر.

سحم السين والحاء والميم* أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سواد. فالأسحم : [ذو] السواد ، وسوادُه السُّحْمَة. ويقال للَّيل أسحم. قال الشاعر :

رضيعَىْ لِبَانٍ ثَدْى أمٍّ تقاسما

بأسحَمَ داجٍ عَوضُ لا نتفرّق (١)

والأسحم : السحاب الأسود. قال النابغة :

بأسحَمَ دانٍ مُزْنُهُ متصوّبُ (٢)

والأسحم : القرن الأسود ، فى قول زهير :

وتَذْبيبُها عنها بأسحَمَ مِذْوَدِ (٣)

سحن السين والحاء والنون ثلاثة أصول : أحدها الكسر ، والآخَر اللَّون والهيئة ، والثالث المخالطة.

فالأوّل قولهم : سحنَتْ الحجر ، إذا كسرتَه. والمِسْحنة ، هى التى تُكسَر بها الحجارة ، والجمع مَساحن. قال الهذلىّ (٤) :

كما صَرفَتْ فوق الجُذَاذ المساحنُ (٥)

__________________

(١) للأعشى فى ديوانه ١٥٠ واللسان (سحم) وسيأتى منسوبا فى (عوض).

(٢) ليس فى ديوانه. وصدره كما فى اللسان (سحم) :

عنا آيه صوب الجنوب مع الصبا

(٣) فى الأصل : «وتذيبها» ، صوابه فى الديوان ٢٢٩ واللسان (سحم). وصدره :

نجاء مجد ليس فيه وتيرة

عنها ، أى عن نفسها. وفى اللسان : «عنه» ، تحريف.

(٤) هو المعطل الهذلى. وقد سبق إشاد البيت فى (جذ).

(٥) صدره :

وفهم بن عمرو بعلكون ضريعهم


والأصل الثانى : السَّحنة : لِينُ البَشَرة. والسَّحناء : الهيئة. وفرسٌ مُسْحَنَة (١) أى حسنة المنظر. وناسٌ يقولون : السَّحَناء على فَعَلاء بفتح العين ، كما يقولون فى ثأْداء ثَأَداء(٢). وهذا ليس بشىء ، ولا له قياس ، إنّما هو ثأْدَاء وسَحْناء على فعلاء.

وأما الأصل الثالث فقولهم : ساحَنتُك مساحنةً ، أى خالطتُك وفاوضتُك.

سحو السين والحاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على قشر شىء عن شىء ، أو أخذِ شىءٍ يسير. من ذلك سَحَوت القِرطاسَ أسحوه. وتلك السِّحاءَة (٣). وفى السماء سِحاءة من سحاب. فإذا شددته بالسِّحاءَة قلتَ سَحَيتُه ، ولو قلت سحوتُه ما كان به بأس. ويقال سَحَوت الطِّين عن وجه الأرض بالمسْحاة أسحوه سَحواً وسَحياً ، وأسحاه أيضا ، وأَسحيه : ثلاث لغات. ورجلٌ أُسْحُوانٌ : كثير الأكل كأنّه يسحو الطّعامَ عن وجه المائدة أكلاً ، حتَّى تبدُوَ المائدة. ومَطْرةٌ ساحية : تقشِر وجه الأرض.

سحب السين والحاء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على جرِّ شىء مبسوطٍ ومَدِّه. تقول : سحبتُ ذبلِى بالأرض سحبا. وسمِّى السّحابُ سحاباً تشبيهاً له بذلك ، كأنه ينسحب فى الهواء انسحاباً. ويستعيرون هذا فيقولون : تسحّب فلانٌ على فلانٍ ، إذا اجتَرَأ عليه ، كأنه متدّ عليه امتداداً. هذا هو

__________________

(١) ضبطت بفتح الحاء فى الأصل والمجمل. وفى اللسان بالكسر ضبط قلم ، وقيد فى القاموس «كمحسن». ثم قال : «وهى بهاء».

(٢) نسب القول إلى الفراء فى اللسان. وقال : «قال أبو عبيد : ولم أسمع أحدا يقولهما بالتحريك غيره».

(٣) السحاءة والسحاية : ما انقشر من الشىء.


القياس الصحيح. وناسٌ يقولون : السَّحْب : شدّة الأكل. وأظنُّه تصحيفاً ؛ لأنّه لا قياس له ، وإنّما هو السَّحْت.

سحت السين والحاء والتاء أصل صحيح منقاس. يقال سُحِت الشىء ، إذا استُؤصل ، وأُسْحِت. يقال سحت الله الكافر بعذابٍ ، إذا استأصله. ومال مسحوتٌ ومُسْحَت فى قول الفرزدق :

وعَضُّ زمانٍ يا ابنَ مروان لم يَدَعْ

من المال إلّا مُسْحَتاً أو مُجَلَّفُ (١)

ومن الباب : رجلٌ مسحوت الجوف ، إذا كان لا يشبَع ، كأنَّ الذى يبلعه يُستأصل من جوفه ، فلا يبقى. المال السُّحْت : كلُّ حرامٍ يلزمُ آكلَه المارُ ؛ وسمِّى سُحتاً لأنّه لا بقاء له. ويقال أَسْحَت فى تجارته ، إذا كَسَبَ السُّحت. وأسْحَت مالَه : أفسده.

سحج السين والحاء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على قشر الشىء. يقال انْسَحج القِشر عن الشىء. وحمار مُسَحَّج ، أى مُكدَّم ، كأنهُ يكدّم حتى يُسحجَ جلدُه. ويقال بعيرٌ سَحَّاج ، إذا كان يَسحَج الأرضَ بخفّه ، كأنّه يريد قشر وجهها بخفّه ، وإذا فعل ذلك لم يلبث أن يَحْفَى. وناقة مِسحاجٌ ، إذا كانت تفعل ذلك.

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٥٥٦ واللسان (سحت ، جلف) والخزانة (٢ : ٣٤٧) وقبله :

إليك مير المؤمنين رمت بنا

هموم للمنى والهوجل المتصف


باب السين والخاء وما يثلثهما

سخد السين والخاء والدال أصلٌ. فيه السَّخْد ، وهو الماء الذى يخرج مع الولد. ولذلك يقال : أصبح فلان مُسْخَداً ، إذا أصبح خاثِر النفس ثقيلا. وربَّما قالوا للذى يخرج من بطن المولود قبل أن يأكل : السُّخْد. وهذا مُختلَف فيه ، فمنهم من يقول سُخْد ، ومنهم من يقول بالتاء سُخْت. وكذلك حُدّثنا به عن ثَعْلب فى آخر كتابه الذى أسماه الفصيح (١). وقال بعض أهل اللُّغة : إن السُّخْد الورَم ، وهو ذلك القياس.

سخر السين* والخاء والراء أصلٌ مطّرد مستقيم يدلُّ على احتقار واستذلال. من ذلك قولنا سَخَّر الله عزّ وجلّ الشىء ، وذلك إذا ذلَّلَه لأمره وإرادته. قال الله جلّ ثناؤه : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). ويقال رجل سُخْرةُ : يُسَخَّر فى العمل ، وسُخْرةٌ أيضا ، إذا كان يُسْخَر منه. فإن كان هو يفعل ذلك قلت سُخَرة ، بفتح الخاء والراء. ويقال سُفُنٌ سواخِرُ مَوَاخِرُ. فالسَّواخر : المُطِيعة الطيِّبة الرِّيح. والمواخر : التى تمخَر الماء تشُقّه. ومن الباب : سَخِرت منه ، إذا هزئت به. ولا يزالون يقولون : سخِرت به ، وفى كتاب الله تعالى : (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ).

سخف السين والخاء والفاء أصلٌ مطَّرد يدلُّ على خفّة. قالوا : السُّخْفُ : الخفّة فى كلِّ شىء ، حتّى فى السَّحاب. قال الخليل : السُّخْف فى العَقل خاصة ، والسَّخافة عامّةٌ فى كلِّ شىء. ويقال وجدت سَخْفَة من جوع ، وهى خِفّةٌ تعترى الإنسانَ إِذا جاع.

__________________

(١) نص ثعلب فى آخر كتاب الفصيح ٩٨ : «ويقال له من ذوات الخف السخت والسخد».


سخل السين والخاء واللام أصلٌ مطرد صحيح ينقاس ، يدلُّ على حَقارة وضَعف. من ذلك السَّخْل من ولد الضّأن ، وهو الصّغير الضَّعيف ، والأنثى سَخلة. ومنه سَخّلتِ النَّخلة (١) ، إذا كانت ذاتَ شِيص ، وهو التَّمر الذى لا يشتدُّ نواه. والسُّخَّل : الرّجال الأراذل ، لا واحد له من لفظه. ويقال كواكبُ مَسخُولة ، إذا كانت مجهولة. وهو قول القائل :

ونحنُ الثُّرَيَّا وجَوزاؤُها

ونحنُ الذّراعانِ والمِرْزمُ

وأنتم كواكبُ مسْخُولةٌ

تُرَى فى السماءِ ولا تعلمُ (٢)

وذكر بعضُهم أنَّ هذيلاً تقول : سخَلْت الرجلَ ، إذا عبتَه.

سخم السين والخاء والميم أصلٌ مطرَّد مستقيم ، يدلُّ على اللِّين والسواد. يقال شَعرٌ سُخامىّ : أسود لَيِّن. كذا حُدِّثنا به عن الخليل. وحدّثنى علىّ بن إبراهيم القطَّان ، عن على بن عبد العزيز ، عن أبى عُبيد قال : قال الأصمعى : وأما الشَّعر السُّخام ، فهو الليِّن الحَسن ، وليس هو من السَّواد. ويقال للخمر سُخامِيَّة إذا كانت ليِّنة سَلِسَة. قال ابن السكِّيت : ثوب سُخامٌ : ليِّن. وقطنٌ سُخامٌ (٣).

قال :

قطنٌ سُخامِىٌّ بأيْدِى غُزَّلِ (٤)

__________________

(١) فى الأصل : «الناقة» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) فى الأصل : «الراكب» ، صوابه من المجمل واللسان وما يقتضيه السياق.

(٣) البيتان سبق إنشادهما فى (٢ : ١٨٢) فى مادة (خسل) على أنه يقال «كواكب مخسولة».

(٤) كذا ورد إنشاده. وفى اللسان (سخم) مع نسبته إلى جندل بن المثنى الطهوى :

قطن سخام بأيادي غزل


ومما شذّ عن هذا الأصل السَّخيمة ، وهى الموجدة فى النَّفس. ويقال سَخَّم الله وجهه ، وهو من السُّخام ، وهو سواد القِدْر.

سخن السين والخاء والنون أصل صحيح مطَّرد منقاس ، يدل على حرارةٍ فى الشىء. من ذلك سخنّت الماءَ. وماءٌ سُخْن وسَخِينٌ. وتقول يوم سُخْنٌ وساخن وسُخْنانٌ ، وليلة سُخْنة وسُخْنانة. وقد سَخُن يومُنا. وسخِنَتْ عينُه بالكسر تَسخَن. وأسخن الله عينَه. ويقولون إنَّ دَمعة الغَمِّ تكون حارّة. واحتُجَّ بقولهم : أقرّ الله عينَه. وهذا كلامٌ لا بأس به. والمِسْخَنة : قُدَيرةٌ كأنَّها تَوْر. والسَّخينة : حَساءٌ يُتّخَذُ من دقيق. وقال : قريشٌ (١) يعيَّرُون بأكل السَّخينة ، ويُسَمَّون بذلك ، وهو قولهم :

يا شَدَّةً ما شدَدْنا غيرَ كاذبةٍ

على سَخِينةَ لو لا اللَّيْلُ والحَرَمُ (٢)

والتَّساخين : الخِفَاف (٣). وممكنٌ أن تكون سمِّيَت بذلك لأنها تُسَخِّن على لُبسها القَدَمَ. وليس ببعيد.

سخى السين والخاء والحرف المعتلّ أصلٌ واحد ، يدلُّ على اتّساعٍ فى شىءٍ وانفراج. الأصل فيه قولهم : سَخَيْتُ القِدر وسَخَوتُها ، إذا جعلتَ لِلنارِ تحتها مَذْهباً.

__________________

(١) فى الأصل : «قوم».

(٢) البيت لخدلش بن زهير العامرى كما فى العمدة (١ : ٤٦) وحماسة ابن الشجرى ٣١. وهو أول من لقب قريشا «سخينة».

(٣) ذكر فى اللسان أن مفردها «التسخان» بالفتح ، وأنه معرب من «تَشْكَنْ» الفارسية وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء والموابذة يأخذونه على رءوسهم خاصة دون غيرهم ، وأن اللغويين من العرب أخطئوا فى تفسيره بالخف.


ومن الباب : سَخَاوِىُّ الأرض ، قال قوم : السَّخاوىّ : سعة المفازة. وقول بعضهم «سَخاوِى الفلا (١)» ، قال ابن الأعرابىّ : واحدةُ السخاوَىِ سَخْواةٌ. وقال أيضاً : السّخْواءُ (٢) الأرض السَّهلة. قال أهل اللغة : ومن هذا القياس : السّخاء : الجُود ؛ يقال سخا يسخُو سَخَاوةً وسَخَاء ، يمدّ ويقصر.* والسّخِىّ : الجواد.

ومما شذَّ عن الباب : السَّخا ، مقصورٌ : ظَلْع يكون من أن يثِبَ البعيرُ بالحِمْل فتعترض ريحٌ بين جِلْدِه وكَتِفه ، فيقال بعيرٌ سَخٍ.

سخب السين والخاء والباء كلمةٌ لا يقاس عليها. يقولون : السِّخاب : قِلادَةٌ من قَرنفُلٍ أو غيره ، وليس فيها من الجواهر شىء ، والجمع سُخُب.

سخت السين والخاء والتاء ليس أصلاً ، وما أحِسَب الكلام الذى فيه من محض اللغة. يقولون للشىء الصُّلب سَخْتٌ وسِخْتيتٌ. ثم يقولون أمرٌ مِسخاتٌ (٣) إذا ضعُف وذهب. وهذان مختلفانِ ، ولذلك قلْنا إنَّ البابَ فى نفسه ليس بأصل. على أنهم حكوا عن أبى زيد : اسْخَاتّ الجُرح : ذهب ورَمُه. فأما السُّخْت الذى ذكرناه عن ثعلب فى آخر كتابه ، فقد قيل إِنَّه السُّخْد (٤) وهو على ذلك من المشكوك فيه.

__________________

(١) فى المجمل «الفلاة».

(٢) فى الآصل : «السخوة» ، صوابه من المجمل.

(٣) هذه الكلمة لم أجدها فى غير المقاييس.

(٤) السخت ، بالضم ، والسخد كذلك : الماء الذى يكون على رأس الولد.


باب السين والدال وما يثلثهما

سدر السين والدال والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شِبه الحَيْرة واضطراب الرأى. يقولون : السادر المتحيِّر. ويقولون سَدِرَ بصرهُ يَسْدَر ، وذلك إذا اسمدَّ وتحيَّر. ويقولون : السَّادر هو الذى لا يبالى ما صنَع ، ولا يهتمُّ بشىء. قال طرفة :

سادراً أحْسِب غَيِّى رَشَداً

فتناهَيتُ وقد صَابَتْ بُقرّ (١)

فأَمّا قولُهم : سَدَرت المرأة شَعرها ، فهو من باب الإبدال ، مثل سدلتُ ، وذلك إذا أرسلَتْه. وكذلك قولهم : «جاء يضربُ أسدرَيْه» ، وهو من الإِبدال ، والأصل فيه الصاد ، وقد ذُكر

سدع السين والدال والعين ليس بأصلٍ يُعوَّل عليه ولا يقاس عليه ، لكنّ الخليل ذكر الرجل المِسْدَع ، قال : وهو الماضى لوجهه. فإن كان كذا فهو من الإبدال ؛ لأنَّه من صَدَعت ، كأنَّه يصدع الفلاةَ صدعاً. وحكى أنَّ قائلا قال : «سلَامةً لك من كلِّ نكبة وسَدْعَةٍ (٢)» ، وقال : هى شبه النَّكبة. هذا شىء لا أصل [له].

سدف السين والدال والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على إرسال شىءٍ على شىء غِطاءً له. يقال أَسْدَفَت القناعَ : أرسلتْه. والسُّدْفة : اختلاط الظَّلام والسَّديف : شحمُ السَّنام ، كأنه مُغَطٍ لما تحته ؛ وجمع السُّدْفة سُدَف. قال :

نحن بغَرس الوَدِىِّ أعلمُنا

مِنَّا بركض الجياد فى السُّدَفِ (٣)

__________________

(١) البيت فى اللسان (سدر) بدون نسبة. وهو فى ديوان طرفة ٧٥.

(٢) فى اللسان : «نقذا لك من كل سدعة» أى سلامة لك من كل نكبة.

(٣) لسعد القرقرة ، كما فى اللسان (سدف). وهو من شواهد النحو فى الجمع بين إضافة أفعل وبين من. انظر العينى (٤ : ٥٥).


وحكى ناسٌ : أسْدَف الفجر : أضاء ، فى لغةِ هَوَازنَ ، دونَ العرب. وهذا ليس بشىء ، وهو مخالفٌ القياس.

سدك السين والدال والكاف كلمةٌ واحدة لا يقاس عليها. تقول : سَدِك به ، إذَا لزِمَه.

سدس السين والدال والسين أصلٌ فى العدد ، وهو قولهم السُّدُس : جزءٌ من ستَّة أجزاء. وإزارٌ سَدِيس ، أى سُداسىّ. والسِّدْس من الوِرد فى أظماء الإبل : أن تنقطع الإبل عن الوِرد خمسةَ أيام وتَرِدَ السّادسَ. وأسدَسَ البعير ، إذا ألقَى السّنّ بعد الرُّباعِيَة ، وذلك فى السنة الثامنة. فأمّا الستة فمن هذا أيضاً غير أنَّها مُدْغمة ، كأنَّها سِدْسَة.

ومما شذَّ عن هذا السُّدُوس : الطَّيلَسان. واسم الرّجل سَدُوس. قال ابن الكلبىّ : سَدوس فى شيبان بالفتح ، والذى فى طىٍ بالضمّ.

سدل السين والدال واللام أصلٌ واحد يدلُّ على نزول الشىء من علوٍ إلى سُفلٍ ساتراً له. يقال منه (١) أرخى اللَّيل سُدُولَه. وهى سُتُرُه. والسَّدْل : إرخاؤك الثّوب فى الأرض. وشَعْر مُلْسدلٌ على الظَّهر. والسُّدْل : السِّتْر. والسِّدْل : السِّمط من الجواهر ، والجمع سُدول. والقياس فى ذلك كلِّه واحد.

سدم السين والدال والميم أصلٌ فى شىءٍ لا يُهتَدى لوجهه. يقال رَكِيَّةٌ سُدُم ، إذا ادَّفَنَتْ. ومن ذلك البعير الهائج يسمَّى سَدِماً ، أَنَّه إذا هاج لم يَدرِ من حاله* شيئاً ، كالسَّكران الذى لا يَهتدى لوجهٍ. ومن ذلك قول القائل :

__________________

(١) فى الأصل : «له».


يأيُّها السَّدِم المَلوِّى رأسَه

ليقودَ مِن أهل الحجاز بَرِيما (١)

سدن السين والدال والنون أصلٌ واحد لشىء مخصوص. يقال إنَ السَّدانة الحِجابة. وسَدَنة البيت : حَجَبَتُه. ويقولون : السَّدَن (٢) السِّتر. فإنْ كان صحيحاً فهو من باب الإبدال ، والأصل السُّدْل.

سدو السين والدال والواو أصلٌ واحد يدلُّ على إهمال وذَهابٍ على وجه. من ذلك السَّدْو ، وهو ركوبُ الرأس فى السَّير. ومنه قولُه جلّ ثناؤه : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) ، أى مُهْمَلا لا يؤمر ولا يُنهَى. قال الخليل : زَدْوُ الصِّبيان بالجوز إنَّما هو السَّدو. فإن كان هذا صحيحاً فهو من الباب ؛ لأنه يخلّيه من يده. ومن الباب : أسْدَى النّخلُ ، إذا استرخت ثَفاريقُه (٣) ، وذلك يكون كالشَّىء المخلّى من اليَدِ ، والواحدة من ذلك السَّدِية. وكان أبو عمرو يقول : هو السَّداء ممدود ، الواحدة سَداءة. قال أبو عبيد : لا أحفظ الممدود. والسَّدَى : النَّدَى ؛ يقال سَدِيَتْ ليلتُنا ، إذا كثُر نَداها. وهو من ذاك ، لأن السحاب يُهمِله ويُهمَل به.

ومن الباب السَّدَى ، وهو ما يُصطنع من عُرْف ؛ يقال أسدى فلانٌ إلى فلان معروفا. ومن الباب : تسدَّى فلانٌ أَمَتَه ، إذا أخذها من فَوقها ، كأنَّه رمى بنفسه عليها. قال :

__________________

(١) البيت لليلى الأخيلية ، كما سبق فى (١ : ٢٣٢). وانظر التحقيق هناك.

(٢) ضبط فى المجمل بسكون الدال ، وفى اللسان والقاموس بفتحها.

(٣) الثفاريق : جمع ثفروق ، كعصفور ، وهو قمع البسرة. فى الأصل : «تفاريقه» ، صوابه بالثاء المثلثة.


فَلَمَّا دنَوْتُ تسدَّيتُها

فثوباً نسيتُ وثوباً أجُرّ (١)

وقال آخر (٢) :

تَسَدَّى مع النَّوم تِمثالُها

دُنُوَّ الضَّبَاب بطلٍ زُلالِ (٣)

سدج السين والدال والجيم ، يقولون إنَّ المستعمَل منه حرفٌ واحد ، وهو التسدُّج ، يقال [رجلٌ] سدّاجٌ ، إذا قال الأباطيل وألّفها.

سدح السين والدال والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بسطٍ على الأرض ، وذلك كسَدْح القِربة المملوءة ، إذا طرَحَها بالأرض. وبها يشبَّه القتيل.

قال أبو النَّجم يصف قتيلا :

مُشَدّخَ الهامةِ أو مسدُوحا (٤)

فأما رواية المفضَّل :

بينَ الأراكِ وبين النّخل تَشدخُهم

زُرق الأسنّة فى أطرافها شَبَمُ (٥)

فيقال إنَّه تصحيف ، وإِنَّما هو «تسدحُهم». والسَّدحُ : الصَّرْع بَطْحاً على الوجه وعلى الظهر ، لا يقع قاعداً ولا متكوِّراً.

__________________

(١) البيت فى اللسان (سدا) بدون نسبة أيضا. وهو لامرئ القيس فى ديوانه ٩. ويروى : فثوب نسيب وثوب وللنحاة فى الرواية الأخيرة كلام.

(٢) لم يرو فى اللسان. وهو لأمية بن أبى عائذ الهذلى ، من قصيدة له فى شرح السكرى للهذليين ١٨٠ ونسخة الشنقيطى ٧٩.

(٣) الزلال : البارد الصافى. والرواية فى المصدرين السابقين : «مع الليل».

(٤) قبله ، كما فى اللسان (سدح) :

ثم يبيت عنده مذبوحا

(٥) البيت لخداش بن زهير ، كما فى اللسان (سدح).


وأمّا قولُهم فلانٌ سادحٌ ، أى مُخصِب ، فهو من هذا أيضاً ؛ لأنَّه إذا أخصب انسدحَ مستلقياً. وهو مَثَلٌ.

سدخ السين والدال والخاء لا أصلَ له فى كلام العرب. ولا معنَى لقول من قال : انسدخ مثل انسدح ، إذا استلقى عند الضرب أو انبطح. والله أعلم.

باب السين والراء وما يثلثهما

سرط السين والراء والطاء أصلٌ صحيح واحد ، يدلُّ على غَيبة فى مَرّ وذَهاب. من ذلك : سَرَطْت الطّعام ، إذا بَلِعْته ؛ لأنَّه إِذا سُرِطَ غاب. وبعضُ أهل العلم يقول : السِّراط مشتقٌّ من ذلك ، لأنَّ الذاهبَ فيه يغيب غيبةَ الطعام المُستَرَط. والسِّرِطْراط على فِعلّال(١) : الفالوذُ ؛ لأنَّه يُستَرط. والسُّراطُ : السّيف القاطع الماضِى فى الضَّريبة. قال الهذلىّ (٢) يصف سيفاً :

كلون المِلح ضربتُه هَبِيرٌ

يُتِرُّ اللَّحمَ سَقّاطٌ سُراطِى (٣)

سرع السين والراء والعين أصل صحيح يدلُّ على خلاف البطء. فالسَّريع : خلاف البطىء. وسَرْعَان (٤) النَّاس : أوائلهم الذين يتقدمون

__________________

(١) كذا. وصواب وزنه «فعلعال».

(٢) هو المتنخل الهذلى ، كما فى اللسان (سرط). وقصيدته فى القسم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ٨٩ ونسخة الشنقيطى ٤٧.

(٣) جاء «سراطى» على لفظ النسب وليس بنسب ، يقال سيف سراط وسراطى ، كما يقال أحمر وأحمرى.

(٤) يقال بفتح السين ، وبالتحريك أيضا.


سِراعا. وتقول العرب : لَسَرْعان (١) ما صنعتَ كذا ، أي ما أسرع ما صَنَعتَه. وأما السَّرْع من قُضبان الكرْم ، [فهو] أسرعُ ما يطلُع منه. ومثله السَّرَعْرَع ، ثم يشبَّه به الإنسان الرَّطيب الناعم.

سرف السين والراء والفاء* أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تعدِّى الحدّ والإغفالِ أيضاً للشىء. تقول : فى الأمر سرَفٌ ، أى مجاوزَةُ القدر. وجاء فى الحديث : «الثالثة فى الوضوء شَرف ، والرَّابعة سَرف». وأمّا الإغفال فقول القائل : «مررتُ بكم فَسرِفتكم» ، أى أغفلتكم. وقال جرير :

أعطَوْا هُنيدةَ يحدُوها ثمانيةٌ

ما فى عطائِهم مَنٌّ ولا سرَفُ (٢)

ويقولون إنّ السّرَف : الجهل. والسَّرِف : الجاهل. ويحتجُّون بقول طرفة :

إنّ امرأ سرِف الفؤادِ يَرَى

عسلاً بماء سحابةٍ شَتْمِى (٣)

وهذا يرجع إلى بعض ما تقدَّم. والقياس واحد. ويقولون إنّ السَّرف أيضاً الضَّرَاوة. وفى الحديث : «إنّ للحم سَرَفاً كسَرف الخَمْر». أى ضَرَاوة. وليس هذا بالبعيد من الكلمة الأولى.

ومما شذّ عن الباب : السُّرْفة : دويْبَّة تأكل الخشَب. ويقال سَرَفت السُّرفةُ الشّجرةَ سَرْفاً ، إذا أكلَتْ ورقها ، والشجرةُ مسروفة. يقال إنّها تبنى لنفسها بيتاً

__________________

(١) يقال هذا بالفتح ، وبفتح فضم ، وبالكسر.

(٢) ديوان جرير ٣٨٩ واللسان (سرف).

(٣) ديوان طرفة ٦١ واللسان (سرف).


حسناً. ويقولون فى المثل : «أصنَعُ من سُرْفة (١)».

سرق السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخْذ شىء فى خفاء وسِتر. يقال سَرَق يَسْرق سَرِقةً. والمسروق سَرَقٌ. واستَرَق السّمع ، إذا تسمَّع مختفياً. ومما شذّ عن هذا الباب السَّرَق : جمع سَرَقة ، وهى القطعة من الحرير.

سرو السين والراء والحرف المعتل بابٌ متفاوت جدًّا ، لا تكاد كلمتان منه تجتمعان فى قياسٍ واحد. فالسَّرو : سخاءٌ فى مروءة ؛ يقال سَرِى وقد سَرُو. والسَّرْو : محلّة حمير. قال ابن مقبل :

بِسَرْوِ حِميرَ أبوالُ البِغال به

أنّي تسدّيتِ وهناً ذلك البِينا (٢)

والسَّرْو : كشْف الشّىءِ عن الشىء. سرَوت عنّى الثوبَ أى كشفتُه. وفى الحديث فى الحَسَاء (٣) : «يَسْرُو عن فؤاد السَّقيم (٤)». أى يكشف. وقال ابن هَرْمة :

سَرَى ثَوبَه عنك الصِّبا المتخايلُ

وقَرَّبَ للبَينِ الحبيبُ المزايلُ (٥)

ولذلك يقال سُرِّى عنه. والسِّروة : دويْبَّة (٦) ، يقال أرض مسرُوّة ، من السِّروة إذا كثُرت بالأرض. والسّاريَة : الأسطُوانة. والسُّرَى : سير اللَّيل ، يقال سَرَيْت وأسريت. قال :

أسْرَتْ إليك ولم تكن تَسْرِى (٧)

__________________

(١) انظر الحيوان (١ : ٢٢٠ / ٢ : ١٤٧ / ٦ : ٣٨٥ / ٧ : ١٠).

(٢) سبق البيت فى مادة (بول ، بين).

(٣) فى الأصل : «الحياء» ، صوابه من اللسان (١٩ : ١٠٥).

(٤) فى اللسان : «إنه يرتو فؤاد الحزين ، ويسرو عن فؤاد السقيم».

(٥) البيت فى اللسان (سرا). قرب ، أى قرب الرواحل. اللسان : «وودع».

(٦) هى الجرادة أول ما تكون وهى دودة.

(٧) لحسان بن ثابت فى ديوانه ١٦٨ واللسان (١٩ : ١٠٣). وصدره :

حي النضيرة ربة الخدر


والسَّراء : شجرٌ. وسَرَاة الشىء : ظَهْره. وسَرَاة النّهار : ارتفاعُه. وهذا الذى ذكرناه بعيدٌ بعضُه من بعض ، فلذلك لم نحمله على القياس.

وإذا همز كان أبعد ، يقال سرأت الجرادة : ألقَتْ بيضَها. فإذا حان ذلك منها قيل : أسرأتْ.

سرب السين والراء والباء أصلٌ مطرد ، وهو يدلُّ على الاتّساع والذهاب فى الأرض. من ذلك السِّرْب والسُّرْبة ، وهى القطيع من الظّباء والشاء. لأنّه ينسرب فى الأرض راعياً. ثمَّ حُمل عليه السِّرب من النّساء. قالوا : والسرْب بفتح السين ، أصله فى الإبل. ومنه تقول العرب للمطلَّقة : «اذهبى فلا أَنْدَهُ سَرْبَك» ، أى لا أردُّ إبلَك ، لتذهب حيث شاءت. فالسِّرب فى هذا الموضع : المال الرّاعى. وقال أبو زيد : يقال خلِ سرْبه ، أى طريقه يذهب حيث شاء. وقالوا : يقال أيضاً سِرْب بكسر السين. ويُنشَد بيت ذى الرّمّة :

خَلَّى لها سرْبَ أُولَاها (١)

وقال : يعنى الطريق. ويقال انسرَبَ (٢) الوحشىُّ فى سربه. ومن هذا الباب : السَّرَب والسَّرِب ، وهو الماءُ السائل من المزادة ، وقد سَرِبَ سَرَباً. قال ذو الرمّة :

ما بال عَينِكَ منها الماءُ ينسكبُ

كأنّه من كُلَى مَفْرِيّةٍ سَرَبُ (٣)

__________________

(١) البيت بتمامه كما فى الديوان ٥٨٦ واللسان (سرب ، همم) :

خلى لها سرب أولاها وهيجها

من خلفها لاحق الآطال هميم

(٢) فى الأصل : «السرب» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) ديوان ذى الرمة ص ١ ـ وهو أول بيت فى ديوانه ـ واللسان (سرب). وفى الأصل : «عينيك».


بفتح الراء وكسرها. ويقال : سَرَّبت القربةَ ، إذا جعلتَ فيها ماءً حتى ينسدّ الخَرْز. والسَّرْب : الخَرْز ؛ لأن الماء ينسرب منه ، أى يخرج. والسارب. الذّاهب فى الأرض. وقد سَرَب سروباً. قال الله جلّ ثناؤه : (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) قال الشاعر :

أنّى سَرَبْتِ وكنتِ غيرَ سروبِ

و* تُقَرِّبُ الأحلامُ غيرَ قريبِ (١)

والمَسرَبة : الشّعر النابت وسط الصدر ، وإنما سمِّى بذلك لأنَّه كأنه سائل على الصدر جارٍ فيه. فأمّا قولهم : آمِنٌ فى سِرْبه ، فهو بالكسر ، قالوا : معناه آمنٌ فى نفسه. وهذا صحيح ولكن فى الكلام إضماراً ، كأنّه يقول : آمِنَة نفسه حيث سَرِب ، أى سعى. وكذلك هو واسع السِّرب ، أى الصدر. وهذا أيضاً بالكسر. قالوا : ويراد به أنّه بطئ الغضب. وهذا يرجع إلى الأصل الذي ذكرناه. يقولون : إنّ الغضب لا يأخذ فيَقْلَق ، وينسدّ عليه المذاهب.

سرج السين والراء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على الحسن والزِّينة والجمال. من ذلك السِّراج ، سمِّى لضيائه وحُسْنه. ومنه السرج للدّابّة ، هو زينته. ويقال سَرَّج وجهَه ، أى حَسَّنه ، كأنه جعله له كالسِّراج. قال :

وفَاحِماً ومِرْسَنِاً مُسَرَّجا (٢)

ومما يشذُّ عن هذا قولُهم للطَّريقة : سُرْجُوجَة.

__________________

(١) البيت لقيس بن الخطيم فى ديوانه ٥ واللسان (سرب).

(٢) للعجاج فى ديوانه ٨ واللسان (رسن ، سرج). والمرسن ، كمجلس ومنبر ، أصله موضع الرسن من أنف الفرس ، ثم كثر حتى قيل مرسن الإنسان ، أى أنفه.


سرح السين والراء والحاء أصلٌ مطّرد واحد ، وهو يدلُّ على الانطلاق. يقال منه أمر سريح ، إذا لم يكن فيه تعويق ولا مَطْل. ثمَّ يحمل على هذا السَّراح وهو الطَّلاق ؛ يقال سَرَّحت المرأةَ. وفى كتاب الله تعالى : (أَوْ سَرِّحُوهُنَ بِمَعْرُوفٍ). والسُّرُح : النّاقة السريعة. ومن الباب المنْسرِح ، وهو العريانُ الخارج مِن ثيابه. والسَّرْح : المال السَّائم. والسارح : الرَّاعى. ويقال السّارح : الرجل الذى له السَّرْح. وأمّا الشجرة العظيمة فهى السَّرْحة ، ولعلّه أن يكون شاذًّا عن هذا الأصل. ويمكن أن تسمَّى سَرْحة لا نسراح أغصانها وذَهابها في الجهات. قال عنترة :

بَطَلٍ كأنّ ثيابَه فى سرحَةٍ

يُحذَى نِعالَ السِّبتِ ليس بتَوأمِ (١)

ومن الباب السِّرحانُ : الذِّئب ، سمِّى به لأنّه ينسرح فى مَطالبه. وكذلك الأسدُ إذا سُمِّى سِرحانا.

وأمّا السَّريحة فقطعةٌ من الثِّياب.

سرد السين والراء والدال أصل مطرّد منقاس ، وهو بدلُّ على تَوالِى أشياءَ كثيرةٍ يتّصل بعضُها ببعض. من ذلك السَّرْد : اسمٌ جامعٌ للدروع وما أشبهها من عمل الحَلَق. قال الله جلّ جلالُه ، فى شأن داود عليه السلام : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) ، قالوا : معناه ليكنْ ذلك مقدَّراً ، لا يكونُ الثَّقْب ضيّقاً والمِسمارُ غليظاً ، ولا يكون المسمار دقيقاً والثقب واسعاً ، بل يكون على تقدير.

__________________

(١) البيت من معلقته المشهورة.


قالوا : والزّرَّاد ، إِنّما هو السّرّاد. وقيل ذلك لقرب الراء من السين. والمِسْرَد : المِخْرز : قياسُه صحيح.

باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله سين

من ذلك (المُسْمَقِرُّ (١)) : اليوم الشديد الحرّ ، فهذا من باب السَّقَرات سَقراتِ الشّمس ، وقد مضى ذكره ، فالميم الأخيرة فيه زائدة.

ومن ذلك (السَّحْبل) : الوادى الواسع ، وكذلك القِرْبة الواسعة : سَحْبلة. فهذا منحوت من سحل إذا صبّ ، ومن سَبَل ، ومن سَحَب إذا جرى وامتدّ. وهى منحوتةٌ من ثلاث كلمات ، تكون الحاء زائدة مرَّة ، وتكون الباء زائدة ، وتكون اللام زائدة.

ومن ذلك (السَّمادِيرُ) : ضَعف البَصَر ، وقد اسمدَرَّ. ويقال هو الشَّىء يتراءَى للإِنسان من ضَعف بصره عند السُّكر من الشراب وغيرِه. وهذا ممّا زِيدت فيه الميم ، وهو من السَّدَر وهو تحيُّر البَصر ، وقد مضى ذِكره بقياسه.

ومن ذلك فرسٌ (سُرْحُوب) ، وهى الجَوادُ ، وهى منحوتةٌ من كلمتين : من سرح وسرب ، وقد مضى ذكرُهما.

__________________

(١) لم يعقد له صاحب اللسان مادة خاصة ، بل ذكره فى مادة (سقر). وأما صاحب القاموس فقد عقد له ، والوجه ما صنع صاحب اللسان فإن الميم فيه زائدة.


ومن ذلك ناقة (سِرْداحٌ) : سريعة كريمة ، فالدّال زائدة ، وإنَّما هى من سَرَحَت.

ومن ذلك (اسْلَنْطح) الشَّىء ، إذا انبسط وعَرُض (١) ، وإنّما أصلُه سطح ، وزيدت فيه* اللام والنون تعظيماً ومبالغَة.

ومن ذلك (اسَمَهدَّ) السَّنام ، إذا حسُن وامتلأ. وهذا منحوتٌ من مهد ، ومن مهدت الشّىءَ إذا وثَّرْته (٢). وقال أبو النَّجم :

وامتَهَدَ الغاربُ فِعْلَ الدُّمْلِ (٣)

ومن قولهم هو سَهْد مَهْد. وقد فسَّرناه.

ومن ذلك (السَّمْهريَّة) : الرِّماح الصِّلاب ، والهاء فيه زائدة ، وإنّما هى من السُّمْرة(٤).

ومن ذلك (المُسْلَهِبُ) : الطويل ، والهاء فيه زائدة ، والأصل السَّلِب ، وقد مضى.

ومن ذلك قولهم (اسْلهَمَ) ، إذا تغيَّر لونُه. فاللام فيه زائدة ، وإنّما هو سَهُمَ وجهه يسْهُم ، إذا تغيَّر. والأصل السُّهام.

__________________

(١) عرض يعرض عرضا ، مثل صغر يصغر صغرا.

(٢) وثرت الشىء : وطأته وسهلته. وفى الأصل : «وترته» ، تحريف.

(٣) سبق إنشاد البيت فى (دمل) وسيأتى فى (مهد).

(٤) تذكر المعاجم أن السمهرية من الرماح منسوبة إلى «سمهر» : رجل كان يصنع الرماح بالخط ، وامرأته «ردينة» التى تنسب إليها الرماح الردينية.


ومن ذلك العجوز (السَّمْلَق) : السَّيئة الخُلُق ، والميم فيه زائدةٌ ، وإنّما هى من السِّلْقة.

ومن ذلك (السَّرطَمِ) : الواسع الحَلْقِ ، والميم فيه زائدة ، وإنَّما هو من سَرِطَ ، إذا بَلِع.

ومن ذلك (السَّرمَد) : الدائم ، والميم فيه زائدة ، وهو من سَردَ ، إذا وَصل ، فكأنّه زمان متّصل بعضُه ببعض.

ومن ذلك (اسْبَغَلّ) الشّىءُ اسبِغْلالاً ، إذا ابتلَّ بالماء. واللام فيه زائدة ، وإنما ذلك من السُّبوغ ، وذلك أنّ الماءَ كثُر عليه حتّى ابتلّ

ومما وُضِع وضعاً وليس قياسُه ظاهراً : (السِّنَّوْرُ) ، معروف. و (السَّنَوَّر) : السِّلاح الذى يُلبَس. و (السَّلْقَع) بالقاف (١) : المكان الحزْن. و (السَّلْفَع) بالفاء (٢) : المرأة الصَّخَّابة. و (السَّلفَع) من الرِّجال : الشجاع الجَسور.

قال الشاعر :

بَينا يُعانِقُه الكماةُ ورَوْغِهِ

يوماً أتيِحَ له جرِىءٌ سَلْفَعُ (٣)

وقال فى المرأة :

فما خَلَفٌ عن أُمِّ عِمران سلفعٌ

من السُّود وَرهاء العِنان عَروبُ (٤)

__________________

(١) فى المجمل : «بنقطتين».

(٢) فى المجمل : «بنقطة».

(٣) رواية الديوان ١٨ والمفضليات (٢ : ٢٢٨): «بينا تعنقه» مصدر تعنقه تعنقا. وفى رواية المقاييس عطف الاسم على الفعل ، وهو مسموع. انظر همع الهوامع (٢ : ١٤٠).

(٤) فى اللسان (سلفع): «وما بدل من أم عثمان».


السِّمْحاق) : جلدةٌ رقيقةٌ فى الرأس ، إِذا اتهت الشَّجَّةُ إليها سمِّيت سِمْحاقا. وكذلك سَمَاحيق السَّلَى ، وسماحيق السَّحاب : القطع الرّقاق منه.

ومن ذلك (اسْحَنكَك) الظّلام. و (اسحَنْفَرَ) الشّىء : طال وعَرُض. وسَنامٌ (مُسَرْهَدٌ) : مقطوع قِطعاً. و (اسمهَرَّ) الشوك : يَبِس. ويقال للظلام إِذا اشتدَّ : اسمَهَرَّ. و (السَّرْهَفَة) و (السَّرعَفة) : حسن الغِذاء.

و (السَّخْبَر (١)) : شجر. و (السَّماليخ) : أماسيخ النَّصِىّ (٢) ، الواحدة سُملوخ. و (السَّمْسَق) : الياسَمِين. و (السَّفَنَّجُ) : الظّليم. و (السَّلْجَم) : الطويل. و (السَّرَوْمط) : الطويل. و (السِّلْتِم) : الغُول. و (السِّلْتِم) : السّنة الصَّعبة. قال الشاعر :

وجاءت سِلتمٌ لا رَجْعَ فيها

ولا صَدْعٌ فينجر الرِّعَاءُ (٣)

و (السِّلتِم) : الداهية. و (السَّبَنْتَى) : النَّمِر ، وكذلك (السَّبَنْداةُ). قال فى السَّبَنْتَى :

__________________

(١) فى الأصل : «السنجر» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) فى اللسان : «وسماليخ النصى : أما صيخه ، وهو ما تنزعه منه مثل القضيب». والأماسيخ وردت بالسين فى كل من المقاييس والمجمل ، فلعلها مما جاء بالإبدال من الصاد.

(٣) سبق البيت فى مادة (رجع) ، ولست أحق كلمة «فينجر» ، ورواية اللسان (فيحتلب). ولعلها هنا «فيتجر الرعاء» ، من الوجور ، وهو .....


وما كنتُ أخشَي أن تكون وفاتُه

بكفَّىْ سبَنْتَى أزرقِ العين مُطرِقِ (١)

و (السِّربال) : القَميص. و (اسْرَنْدَانِي) الشَّىءُ : غلبنى. و (السِّفْسِير). الفَيْج والتابع. و (السَّوُذَق) و (السَّوْذَنِيق (٢)) و (السُّوذَانِق) : الصّقر.

و (السَّبَاريت) : الأرض القَفر. و (السُّبْروت) : الرَّجل القصير. و (السَّرْبَخُ) : الأرض الواسعة. و (السِّنْدَأْوة) الرّجل الخفيف. و (السَّجَنْجل) : المرآة. وغلام (سَمَهْدَرٌ): كثير اللَّحم. و (المُسْمَهِرُّ) : المعتدل. و (المُسْجَهِرُّ) : الأبيض. و (المُسْمغِدّ) : الوارم. و (المُسْلَحِبّ) : المستقيم. و (السُّرادِق) : الغبار. و (السَّمْحَج) : الأتَان الطَّويلة الظهر. و (السِّجِلَّاط) : نَمَط الهَوْدج ، ويقال إنّه ليس بعربىّ (٣). و (السَّمَهْدَر) : البعيد ، فى قول الراجز :

ودُونَ ليلَى بَلَدٌ سَمَهْدَرُ (٤)

__________________

(١) البيت للشماخ من مقطوعة فى الحماسة (١ : ٤٥٤). وأنشده فى اللسان (سبت) والمخصص (١ : ١٢٤ / ١٦ : ٨). ولم يرو فى ديوان الشماخ.

(٢) ويقال أيضا «سيذنوق». واللفظ معرب من الفارسية. انظر المعرب للجواليقى ١٨٦ ـ ١٨٧ واللسان (سذق) ، وأدى شير.

(٣) فى اللسان أنه معرب عن الرومية : «سجلاطس».

(٤) البيت لأبى الزحف الكليبى الراجز ، ابن عم جزير. انظر اللسان (سمهدر). وفى اللسان «الكلينى» وهو تحريف أوقع مصحح اللسان فى خطأ.


ويقال (سَرْدَجْته) فهو مُسردَج (١) ، أى أهملتُه ، فهو مُهمل. قال أبو النجم :

قد قَتَلَتْ هِنْدُ ولَم تَحَرَّجِ

وتركَتْكَ اليومَ كالمُسَرْدَجِ

و (اسْبَكَرّ) الشَّىء : امتدّ. والله أعلم.

تم كتاب السين

__________________

(١) لم تذكر مادة (سردج) بالجيم فى اللسان ، وذكرها صاحب القاموس.



كتاب الشينْ

باب ما جاء من كلام العرب أوله شين فى المضاعف والمطابق

شص الشين والصاد أصلٌ واحد مطّرد ، يدلُّ على شدّة ورَهَق. من ذلك قولهم : شَصَّتْ مَعِيشتُهم* وإِنَّهم لفى شَصَاصَاء ، أى فى شِدّة. وأصله من قولهم شَصَ الإنسان ، إِذا عَضّ بنواجذه على الشىء عَضًّا. ويقال فى الدعاء : نَفَى الله عنك الشَّصائص ، وهى الشّدائد.

ومن الباب الشِّصّ : شىءٌ يُصاد به السّمك. ويقال لِّلصِّ الذى لا يَرَى شيئاً إِلّا أتى عليه : شِصّ. قال الكسائىّ : يقال إنّ فلاناً على شَصَاصاء ، أى على عَجَلة. قال :

نحنُ نَتَجْنا ناقةَ الحَجّاجِ

على شَصَاصاء من النِّتاجِ (١)

شط الشين والطاء أصلانِ صحيحان : أحدهما البُعد ، والآخر يدلُّ على المَيل.

فأمّا البُعد فقولهم : شطّت الدارُ ، إذا بعُدت تَشُطّ شُطوطا. والشَّطاط : البُعد. والشَّطاط : الطُّول ؛ وهو قياسُ البُعد ؛ لأنّ أعلاه يبعُد عن الأرض.

__________________

(١) الرجز فى اللسان (شصص).


ويقال أشَطَّ فلانٌ فى السّوْم ، إذا أَبعَدَ وأتَى الشَّطَطَ ، وهو مجاوزة القَدْر. قال جلّ ثناؤه : (وَلا تُشْطِطْ). ويقال أشطَّ القومُ فى طلبِ فلانٍ ، إذا أمعَنُوا وأَبعَدوا.

وأمَّا الميل فالميل فى الحُكم. ويجوز أن يُنقل إلى هذا الباب الاحتجاجُ بقوله تعالى : (وَلا تُشْطِطْ). أى لا تَمِلْ. يقال [شَطّ ، و (١)] أشَطّ ، وهو الجور والميل فى الحكم. وفى حديث تميمٍ الدارىّ : «إنّك لشاطِّى حتَّى أحملَ قوّتَك على ضعفى (٢)». شاطِّى ، أى جائر فى الحكم علىَّ. والشَّطُّ : شَطّ السَّنام ، وهو شِقُّه ، ولكلِّ سَنامٍ شَطَّانِ. وإنّما سمِّى شطًّا لأنَّه مائل فى أحد الجانبين.

قال الشاعر (٣) :

كأنّ تحتَ دِرعِها المُنْعَطِّ

شَطًّا رميتَ فوقَه بشَطِّ

وناقة شَطَوْطَى من هذا. وشَطُّ النَّهر يسمى شَطًّا لذلك ، لأنَّه فى الجانبين.

شظ الشين والظاء أصلٌ يدل على امتدادٍ فى شىء. من ذلك الشِّظَاظانِ : العُودان اللذان يُجعَلان فى عُرَى الجُوالِق. قال :

__________________

(١) التكملة يقتضيها الاستشهاد التالى ، وكذا جاء فى المجمل : «قال أبو عبيد : شططت فلان وأشططت ، وهو الجور فى الحكم». ثم استشهد بحديث تميم الدارى.

(٢) فى اللسان : «وفى حديث تميم الدارى أن رجلا كلمه فى كثرة العبادة فقال : أرأيت أن كنت أنا مؤمنا ضعيفا وأنت مؤمن قوى إنك لشاطى حتى أحمل قوتك على ضعفى فلا أستطيع فأنبت» يقول : إذا كانتنى مثل عملك وأنت قوى وأنا ضعيف فهو جور منك.

(٣) هو الراجز أبو النجم العجلى. اللسان (شطط ، عطط) :


أين الشِّظاظان وأين المِرْبَعهْ

وأين وَسَقُ الناقةِ المُطَبَعة (١)

ويقولون : أشَظَّ الرجُل ، إذا تحرَّك ما عنده. ويقولون : أشَظَّ البعيرُ ، إذا مدّ بذنَبه.

شع الشين والعين فى المضاعف أصلٌ واحد يدلُّ على التفرُّق والانتشار. من ذلك الشعاع شُعاع الشّمس ، سمِّى بذلك لا نبثاثه (٢) وانتشاره ، يقال أشَعّت الشّمسُ تُشِعُّ ، إذا طرحَتْ شُعاعَها. والشَّعَاع بالفتح : الدّم المتفرِّق. قال قيس بن الخطيم :

طعنتُ ابنَ عبدِ القَيس طعنةَ ثائرٍ

لها نَفَذٌ لو لا الشُّعَاعُ أضاءَها (٣)

وشعاع (٤) السُّنبُل : سفاه إذا يبِس. قال أبو النَّجم :

لِمَّةَ فَقْرٍ كشعاع السُّنبلِ (٥)

ويقال نَفْسٌ شَعاعٌ ، إذا تفرَّق هِمَمُها ، قال :

فقَدتُكِ من نَفسٍ شَعاعٍ ألم أكنْ

نهيتُكِ عن هذا وأنتِ جميعُ (٦)

__________________

(١) سبق البيتان فى مادة (ربع).

(٢) فى الأصل : «لا بتشائه» ، تحريف.

(٣) ديوان قيس بن الخطيم ٣ واللسان (شعع).

(٤) شعاع السنبل بتثليث حركات الشين. وفى الأصل : «شعا» ، تحريف.

(٥) البيت فى أرجوزته المنشورة بمجلة المجمع العلمى العربى ، السنة الثامنة ص ٤٧٥. وقبله :

تفرى له الريح ولما يقمل

(٦) البيت فى المجمل ، وهو لقيس بن ذريح ، كما فى اللسان (شمع).


والشَّعُ : رمى النّاقة بولَها على فخذِها. يقال شَعّتْ تَشُعُ شَعًّا. ويقال ظلٌ شَعشَعٌ ، إذا لم يكن كثيفاً. وقال الراجز فى التفرُّق :

صَدْقُ اللِّقاءِ غيرُ شَعْشَاع الغَدَرْ (١)

يقول : هو جميع الهِمَّة غيرُ متفرِّقِها.

ومن هذا الباب الشّعشاع والشَّعشَعانُ من النّاس والدوابّ : الطويل يقال بعيرٌ شعشاعٌ وناقةٌ شَعشاعةٌ وشَعشَعانةٌ. قال ذو الرّمّة :

هيهاتَ خَرقاءُ إلَّا أنْ يقرِّبَها

ذُو العرش والشّعشعاناتُ العَياهيمُ (٢)

ومن الباب : شَعشعْتُ الشّرابَ ، إذا مزجتَه ؛ وذلك أن المِزًاج ينبثُّ وينتشر فيه. قال:

مشعشعةً كأنَّ الحُصَّ فيها

إذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينا (٣)

شغ الشين والغين أصلٌ يدل على القلّة. قال أهل اللُّغة : الشّغشغة فى الشرب : التّصريد ، وهو التقليل. قال رؤبة :

لو كنتُ أسْطِيعُك لم يُشغَشَغِ

شُرْبى وما المشغولُ مِثْلُ الأفْرغِ (٤)

هذا هو الأصل. وفيه كلمةٌ طريقتُها طريق الحكاية ، وذلك ربَّما حُمل

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (شعع).

(٢) ديوان ذى الرمة ٥٧٩ واللسان (شعع). وسيعيده فى (عهم).

(٣) البيت لعمرو بن كلثوم فى معلقته.

(٤) ديوان رؤبة ٩٧ واللسان (شغغ).


على القياس وربما لا يُحمَل. يقولون إنَ الشغشغة صَوت الطّعْن ، فى قول الهذلىّ (١) :

فالطعن شَغشغةٌ والضَّرب هَيْقعةٌ

ضربَ المُعَوِّل تحت الدِّيمِة* العَضَدا

والشغشغة : ضربٌ من هدير الإبل.

شف الشين والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على رقّة وقلّة ، لا يشّذ منه شىءٌ عن هذا الباب. من ذلك الشَّفّ : السِّتْر الرّقيق. يقولون : سُمِّى بذلك لأنَّه يُستَشُّف ما وراءه. والأصل أن السِّتر فى نفسه يشفُ (٢) لرقّته إذْ كان كذا. وإن كان ما قاله القومُ صحيحاً فهو قياسٌ أيضاً ؛ لأنَّ الذى يُرى من ورائه هو القليل المتفرِّق فى رأى العين والبصر. ومن ذلك الشَّفّ الزيادة ؛ يقال لهذا على هذا شَفٌ ، أى فضْل. ويقال : أَشففتَ بعضَ ولدِك على بعضٍ ، أى فضّلت. وإنما قيل ذلك لأن تلك الزيادة لا تكاد تكثُر ، فإنْ أَعطَى أحدَهما مائةً والآخرَ مائتين لم يُقَل أَشففتَ ، لكن يقال أفْضَلْت وأَضْعفت وضعَّفت ، وما أشبهَ ذلك.

وقولُ مَن قال : الشَّف : النُّقصان أيضاً محتمل ، كأنَّه ينقُص الشىءَ حتى يصيِّرَه شُفَافَة (٣). والشُّفُوف : نُحول الجِسم ، يقال شفَّه المرضُ يشُفُّه شَفًّا. فأما الشّفيف فلا يكون إلا بَرْدَ ريح فى نُدُؤة قليلة ، فسمِّى شفيفاً لتلك النُّدُوّة وإن قَلَّتْ. ويقال لذلك الشَّفَّانُ أيضاً ، قال :

__________________

(١) هو عبد بن مناف بن ربع الهذلى ، كما فى اللسان (شغغ). وقصيدته فى بقية أشعار الهذليين ٣ ونسخة الشنقيطى ٥١. وانظر ما سيأتى فى (عضد).

(٢) فى الأصل : «شف».

(٣) الشفافة ، بالضم : البقية من الشىء.


ألجَاهُ شَفَّانٌ لها شَفِيفُ (١)

والاستشفاف فى الشَّراب : أن يستقصِىَ ما فى الإناء لا يُسْئِرُ (٢) فيه شيئاً ، كأنَّ تلك البقيَّة شُفافة ، فإِذا شرِبَها الإنسان قيل اشتفَّها وتَشَافَّها. وفى حديث أمّ زرع : «إنْ أكلَ لَفَّ ، وإنْ شرِبَ اشتَفَ». وكلُّ شىءٍ استوعَبَ شيئاً فقد اشتفَّه. قال الشَّاعر (٣) :

له عنق تُلْوِى بما وُصِلَتْ به

ودَفَّانِ يشتَفّان كلَّ ظِعانِ

الظِّعَان : الحبل. يقول : جَنْباه عريضانِ ، فما يأخُذان الظّعانَ كلَّه. وأما قول الفرزدق:

ويُخْلِفْن ما ظَنَّ الغَيورُ المشَفْشَفُ (٤)

فيقال : الرّجل الشديد الغَيرة. وهذا صحيح ، إلّا أنّه الذى شفّتْه الغَيرة حتّى نَحَل جسمُه.

شق الشين والقاف أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على انصداعٍ فى الشىء ، ثم يحمل عليه ويشتقُ منه على معنى الاستعارة. تقول شقَقت الشىء أشقُه شقًّا ، إذا صدعته. وبيده شُقوق ، وبالدابّة شُقَاق. والأصل واحد. والشِّقَّة : شَظِيَّةٌ تُشَظّى من لوحٍ أو خشبة.

__________________

(١) البيت فى المجمل (شف).

(٢) فى الأصل : «لا تسار» ، صوابه من المجمل.

(٣) هو كعب بن زهير. والبيت سبق إنشاده فى (دف).

(٤) أنشد هذا الصدر فى اللسان (شفف). وصدره فى الديوان ٥٥٢ :

موانع للأسرار إلا لأهلها


ومن الباب : الشِّقَاق ، وهو الخِلاف ، وذلك إذا انصدعت الجماعةُ وتفرَّقتْ يقال : شَقُّوا عصا المسلمين ، وقد انشقّت عصا القومِ بعد التئامها ، إِذا تفرَّق أمرُهم. ويقال لنِصف الشىء الشِّقّ. ويقال أصابَ فلاناً شِقٌ ومَشقّة ، وذلك الأمر الشديد كَأنّه من شدّته يشقُ الإنسان شقًّا. قال الله جل ثناؤه (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِ (الْأَنْفُسِ). والشِّقّ أيضاً : الناحية من الجبل. وفى الحديث : «وجَدَنى فى أهل غُنَيْمَةٍ بِشَقٍ». والشِّقّ : الشقيق ، يقال هذا أخى وشقيقى وشِقُ نفسى. والمعنى أنه مشبَّه بخشبةٍ جعلت شِقّيْنِ. ويقولون فى الغضبان : احتدَّ فطارت منه شِقَّةٌ ، كَأنه انشقّ من شدة الغضب. وكلُّ هذه أمثال.

والشُّقَّة : مسيرٌ بعيدٌ إلى أرض نطيَّة. تقول : هذه شُقّةٌ شاقّة. قال الله سبحانه (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ). والشّقة من الثياب ، معروفة. ويقال اشتقَ فى الكلام فى الخصومات يمينا وشِمالاً مع ترك القَصْد ، كأنَّه يكون مرةً فى هذا الشِّق ، ومرَّة فى هذا. وفرسٌ أَشَقُ ، إذا مال فى أحد شقَّيه عند عَدْوِه. والقياس فى ذلك كلِّه واحد.

والشّقِيقة : فُرْجَةٌ بين الرمال تُنْبِتُ. قال أبو خَيْرَة : الشَّقيقة : لَيِّن من غلظ الأرض ، يطول ما طال الحَبْل. وقال الأصمعىّ : هى أرضٌ غليظةٌ بين حَبْلَين من الرّمل. وقال أبو هشامٍ الأعرابىّ : هى ما بين* الأمِيلَين. والأمِيل والحَبْل سواء. وقال لبيد :


خَنْسَاءُ ضيَّعتِ الفريرَ فلم يَرِمْ

عُرْضَ الشقائقِ طَوْفُها وبُغامُها (١)

وقال الأصمعىُّ : قِطعٌ غِلاظٌ بين كلّ حَبْلَىْ رمْل. وفى رواية النَّضْر : الشقيقة الأرض بين الجبلَين على طَوَارهما ، تنقاد ما انقاد الأرض ، صلبة يَسْتَنْقِع الماءُ فيها ، سَعَتُها الغَلْوَةُ والغَلوتان. قلنا : ولو لا تطويلُ أهل اللُّغَةِ فى ذكر هذه الشَّقائق ، وسلوكُنا طريقَهم فى ذلك ، لكان الشّغل بغيره مما هو أنفع منه أولى ، وأىُّ منفعةٍ فى علمِ ما هى حتى تكون المنفعة فى علم اختلاف الناس فيها. وكثيرٌ مما ذكرناه فى كتابنا هذا جارٍ هذا المجرى ، ولا سيما فيما زاد على الثلاثىّ ، ولكنَّه (٢) نَهج القوم وطريقَتُهم.

ومن الباب الشِّقْشِقَة : لَهَاة البعير ، وهى تسمَّى بذلك لأنها كَأنَّها منشقَّة. ولذا قالوا للخطيب هو شقشقة ، فإنما يشبّهونه بالفحل. قال الأعشى :

فاقْنَ فإنى طَبِنٌ عالمٌ

أَقطعُ من شِقشقة الهادرِ (٣)

وفى الحديث : «إنَّ كثيراً من الخطب شقاشقُ الشَّيْطان (٤)».

ومما شذَّ عن هذا الباب : الشَّقيق ، قالوا : هو الفَحْلُ إذا استَحْكَم وقوِىَ.

قال الشاعر :

أبوكَ شَقيقٌ ذو صَياصِ مذَرَّبُ

__________________

(١) البيت من معلقة لبيد.

(٢) فى الأصل : «ولكن».

(٣) ديوان الأعشى : ١٠٧ واللسان (شقق). وفى الديوان : واسمع فأتى.

(٤) فى اللسان : «من شقاشق الشيطان».


شك الشين والكاف أصل واحدٌ مشتقٌّ بعضُه من بعض ، وهو يدلُّ على التَّداخُل. من ذلك قولهم شكَكْتُه بالرُّمح ، وذلك إذا طعنتَه فداخَل السنانُ جسمَه. قال :

فشككت بالرُّمح الأصَمِّ ثيابَه

ليس الكريمُ على القنا بمحرَّمِ (١)

ويكون هذا من النَّظْم بين الشيئين إذا شُكّا.

ومن هذا الباب الشكُ ، الذى هو خلافُ اليقين ، إنما سمِّى بذلك لأنَ الشَّاكَ كأنه شُكَ له الأمرانِ فى مَشَكٍّ واحد ، وهو لا يتيقن واحداً منهما ، فمن ذلك اشتقاق الشك. تقول : شككت بين ورقتين ، إِذا أنت غرَزْت العُود فيهما فجمعتَهما.

ومن الباب الشِّكَّةُ ، وهو ما يلبسه الإِنسان من السّلاح ، يقال هو شاكٌ فى السّلاح. وإنما سمِّى السّلاحُ شِكَّة لأنه يُشَكُ به ، أوْ لأنه كأنه شُكَ بعضُه فى بعض. فأمّا قول ذى الرُّمَّة :

وَثْبَ المَسحَّج مِن عاناتِ مَعْقُلةٍ

كأنّه مُستَبانُ الشَّكِ أو جَنِبُ (٢)

فالشك يقال إنّه ظلْع خفيف ؛ يقال بعيرٌ شاكٌ ، وقد شَكّ شَكًّا. وهذا قياس صحيح ؛ لأنّ ذلك وَجَع (٣) يداخِلهء ويقال بل الشَّكّ : لُصوق العَضد بالجنْب. فإِن صحَّ هذا فهو أظهر فى القياس. والشكائك : الفِرَق من الناس ،

__________________

(١) البيت من معلقة عنترة العبسى.

(٢) البيت فى ديوان ذى الرمة ١٠ واللسان (جنب ، شكك). وقد سبق فى (جنب).

(٣) فى الأصل : «رجع».


الواحدة شَكِسكة ، وإنما سمِّيت بذلك لأنها إذا افترقت فكلُّ فِرقةٍ منها يداخل بعضُهم بعضا.

شل الشين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تباعُد ، ثم يكون ذلك فى المسافة ، وفى نسج الثَّوب وخياطته وما قارب ذلك. فالشلُّ : الطرْد ، يقال شَلَّهم شَلًّا ، إذا طردَهم. ويقال أصبح القوم شِلَالاً ، أى متفرِّقين.

قال الشاعر :

أما والذى حَجَّت قريشٌ قَطينةً

شِلالاً ومولَى كلِّ باقٍ وهالك (١)

والشَّلل : الذى قد شُلّ ، أى طُرِد. ومنه قوله :

لا يَهُمُّون بإدْعاق الشَّلَلْ (٢)

ويقال شَللت الثوب أشُلُّه ، إذا خِطته خياطةً خفيفة متباعدة.

ومن الباب الشلل : فساد اليد ، يقال : لا تشْلل ولا تَكْللْ. ورجلٌ أشَلُ وقد شَلَ يَشَلّ. والشلل : لَطْخ يُصيب الثوبَ فيبقى فيه أثر. والشلشَلة : قَطَرَانُ (٣) الماء متقطعا. والشُّلة (٤) : النّوَى نوى الفِراق. وهو من الباب ، وذلك حيثُ ينتوى القومُ. قال أبو ذؤيب:

وقلتُ تجنَّبَنْ سُخْطَ ابنِ عمٍ

ومَطلبَ شُلَّةٍ وهى الطرُوح (٥)

__________________

(١) البيت لابن الدمينة فى اللسان (شلل).

(٢) عجز بيت للبيد ، سبق إنشاده فى (دعق). وسيأتى فى (دعق) وصدره :

في جميع حافظي عوراتهم

(٣) القطران ، بفتح الطاء : مصدر قطر. وفى الأصل : «قطرات» ، تحريف.

(٤) ويقال أيضاً «الشُّلَّى» بالقصر.

(٥) ديوان أبى ذؤيب ٦٩ واللسان (شلل).


فأما الشليل فقال قوم : هو الحِلْس ، وهو لا يكون محقق النَّسْج. وأمَّا الجُنَنُ (١) ففيها الشَّليل ، فقال قوم : هو ثوبٌ يُلبَس تحت الدِّرع* ولا يكون ضعيفاً ، وقال آخرون : هى الدِّرع القصيرة ، وتُجمع أشِلّة. قال أوس :

وجاءُوا بها شهباءَ ذاتَ أشِلَّةٍ

لها عارضٌ فيه المنيَّةُ تلمعُ (٢)

وأىّ ذلك كان فإِنما هو تشبيهٌ واستعارة.

شم الشين والميم أصلٌ واحد يدلُّ على المقارَبة والمداناة. تقول شَممت الشىءَ فأنا أشُّمه(٣). والمشامَّة : المفاعلة من شاممته ، إذا قاربتَه ودنوتَ منه. وأشمَمْتُ فلاناً الطيبَ. قال الخليل : تقول للوالى : أشمِمنى يدَكَ ، وهو أحسنُ من قولك : ناوِلْنى يدَك. وأمَّا الشمم فارتفاعٌ فى الأنف ، والنعت منه الأشمُ ؛ فى الظاهر كأنه بعيدٌ من الأصل الذى أصَّلناه ، وهو فى المعنى قريبٌ ، وذلك أنه إذا كان مرتفعَ قصبة الأنف كان أدنى إلى ما يريد شَمَّهُ. ألا تراهم يقولون : [آنفُهمْ (٤)] تنال الماء قبل شفاههم. وإذا كان هذا كذا كان منه أيضاً ما حُكى عن أبى عمرو : أَشمَ فلانٌ ، إذا مرّ رافعاً رأسه. وعرضت عليه كذا فإذا هو مُشِمٌ (٥). وبينا هُمْ فى وجهٍ أشَمُّوا ، أى عدَلوا ؛ لأنه إذا باعدَ شيئاً قاربَ غيره ، وإذا أشمَ عن شىء قاربَ غيره ، فالقياسُ فيه غير بعيد.

__________________

(١) الجنن : جمع جنة ، وهو ما استترت به من السلاح. وفى الأصل : «الحسن» ، تحريف ، صوابه من المجمل.

(٢) ديوان أوس بن حجر ١١ واللسان (شلل).

(٣) يقال من بابى علم ونصر.

(٤) تكملة يفتقر إليها الكلام.

(٥) فى الأصل : «متشم» ، صوابه فى المجمل واللسان.


شن الشين والنون أَصلٌ واحد يدلُّ على إخلاقٍ ويُبْس. من ذلك الشَّنُ ، وهو الجِلد اليابس الخَلَق البالى ، والجمع شِنانٌ. وفى الحديث فى ذكر القرآن : «لا يَتفه ولا يتشانُ(١)». أى لا يَقِلُّ ولا يُخْلِق. والشنين : قَطَرانُ الماء من الشّنّة. قال الشاعر :

يا مَن لدمعٍ دائم الشَّنِينِ (٢)

ومن الباب : الشِّنْشِنَة ، وهى غَريزة الرَّجُل. وفى أمثالهم : «شِنْشِنة أعرفُها من أَخزم» : وهى مشتقة مما ذكرناه ، أى هى طبيعتُه التى وُلِدَت معه وقَدُمَت ، فهى كأنها شَنّة. والشَّنُون ، مختلف فيه ، فقال قوم : هو المهزول ، واحتجُّوا يقول الطرِمَّاح فى وصف الذئب الجائع :

... كالذّئب الشّنونِ (٣)

وقال آخرون : هو السَّمين. ويقال إنّه الذى ليس بسمينٍ ولا مهزُول. وإذا اختلفت الأقاويل نُظِرَ إلى أقربها من قياس الباب فأُخِذَ به. وقد قال الخليل : إن الشَّنُون الذى ذهب بعضُ سِمَنه ، [شُبِّهَ (٤)] بالشَّنّ. وقال : يقال للرّجُل إذا هُزِلَ : قد استَشَنّ. وأمّا إشْنانُ (٥) الغارةِ فإِنما هو مشتقٌّ من الشَّنين ، وهو قَطَران الماء من الشَّنَّة ، كأنهم تفرَّقوا عليهم فأتَوْهم من كلِّ وجه. يقال شننت الماءَ ، إذا صَببته متفرِّقاً. وهو خلافُ سنَنْت.

__________________

(١) سبق الاستشهاد بالحديث فى (تفه) برواية أخرى حيث فسر التافه بالقليل.

(٢) البيت فى اللسان (شنن ١٠٨).

(٣) وكذا ورد إنشاد هذه القطعة فى المجمل. والبيت بتمامه فى الديوان ١٧٨ واللسان (شنن) :

يظل غرابها ضرما شذاه

شج بخصومة الذئب الشنون

(٤) التكملة من المجمل.

(٥) فى الأصل : «شنان» ، تحريف ، وإنما هو «إشنان» مصدر «أشن».


شب الشين والباء أصلٌ واحد يدلُّ على نَمَاء الشىء وقوّته فى حرارةٍ تعتريه. من ذلك شَبَبْتُ النّارَ أشُبُّها شَبًّا وشُبُوباً. وهو مصدر شُبَّت. وكذلك شَبَبْتُ الحرب ، إذا أوقدتَها. فالأصل هذا. ثم اشتق منه الشَّباب ، الذى هو خلاف الشَّيْب. يقال : شَبَ الغلامُ شَبِيباً وشَباباً (١) ، وأشَبَ الله قَرْنَه (٢) والشَّبَاب أيضاً : جمع شابّ ، وذلك هو النَّماء والزيادةُ بقوّة جسمِه وحرارته. ثم يقال فَرقاً : شَبَ الفرسُ شِبابا ، بكسر الشين ، وذلك إذا نَشط ورفَع يديه جميعا. ويقولون : بَرِئْت إليك من شِبابه وعِضاضِه (٣). والشَّبيبة : الشَّباب (٤). ومن الباب : الشَّبَبُ : الفتىُّ من بقر الوحش. قال ذو الرّمة :

... ناشِطٌ شَبَبْ (٥)

ومن هذا القياس : أُشِبّ له الشىءُ ، إذا قُدِّر وأُتيح ؛ وكأنّه رُفع وأُسْمِىَ له (٦).

شت الشين والتاء أصلٌ يدلُّ على تفرُّق وتزيُّل ، من ذلك تشتيت الشىء المتفرّق. تقول : شَتّ شَعْبُهم شَتَاتا وشَتًّا ، أى تفرَّق جَمْعهم. قال الطرِمّاح :

__________________

(١) وشبوبا أيضا.

(٢) فى اللسان : «وأشبه الله وأشب الله قرنه. والقرن زيادة فى الكلام».

(٣) ويقال أيضا : من شبيبه وعضيضه.

(٤) فى الأصل : «الشاب» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٥) البيت بتمامه كما فى الديوان ١٧ واللسان (نمش ، نشط) وما سيأتى فى (نشط) :

أذك أم تمش بالوشى أكرمه

مسفح الخد هاد ناشط؟

(٦) أسماه له : رفعه. وفى الأصل : «سمى به له».


شَتَ شَعْبُ الحىِّ بعد التِئامْ

وشَجَاك الرّبعُ ربع المُقامْ (١)

ويقال : جاء القوم أشتاتاً. وثَغْر شَتِيتٌ : مفلَّجٌ حَسَن. وهو من هذا ، كأَنّه يقال إنّ الأسنانَ ليست بمتراكِبة. وشتّانَ ماهما ، يقولون إنّه الأفصح ، وينشدون :

شَتّانَ ما يومِى على كُورِها

ويومُ حَيَّانَ أخِى جابرِ (٢)

وربما قالوا : شَتَّانَ ما بينهما ، والأوّل أفصح.

شث الشين والثاء ليس بأصل ، إنما هو الشّثُ : شَجر.

شج الشين والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على صَدع الشىء. يقال شجَجْتُ رأسَه أشُجُّه شَجًّا. وكان بين القوم شِجاجٌ ومشاجّة ، إذا شجَ بعضُهم بعضا. والشَّجَجُ : أثر للشَّجّة فى الجبين ؛ والنّعت منه أشَجّ. وشجَجت المفازةَ شَجًّا ، إذا صدَعْتَهَا بالسَّير. وشَجَجْتُ الشَّراب بالمِزَاج (٣). وشَجَّت السفينةُ البحر. والشَّجِيج : المشجوج. والوَتِد شجيج.

شح الشين والحاء ، الأصل فيه المنع ، ثم يكون منعاً مَعَ حِرص. من ذلك الشُّحُ ، وهوَ البُخل مع حِرص. ويقال تَشَاحَ الرّجلانِ على الأمر ، إذا أراد كلُّ واحدٍ منهما الفوزَ به ومنْعَه من صاحبه. قال الله جلّ ثناؤه : (وَمَنْ

__________________

(١) ديوان الطرماح ٩٥ واللسان (شتت).

(٢) للأعشى فى ديوانه ١٠٨ واللسان (شتت).

(٣) فى الأصل : «بالمزج» مع ضبط الميم بالكسر ، صوابه من المجمل.


يُوقَ شُحَ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). والزّنْد الشَّحَاحُ : الذى لا يُورِى. قال ابن هَرْمَة :

وإنِّى وتركى نَدى الأكرمبنَ

وَقَدْحِى بكفَّىَّ زَنْداً شَحاحَا (١)

هذا هو الأصل فى المضاعف.

فأمَّا المطابَقُ فقريبٌ من هذا. يقولون للمواظِب على الشىء : شَحْشَحٌ. ولا يكون مواظبتُه عليه إلّا شُحًّا به. ويقولون للغَيور : شَحْشَح ، وهو ذاك القياس ؛ لأنّه إذا غار مَنَع. وكذلك الشُّجَاع ، وهو المانع ما وراءَ ظهرِه. وأمَّا الماضى فى خطبته فيقال له شَحشح ؛ كأنّه محمولٌ على الشُّجاع مشبَّه به.

شخ الشين والخاء ليس بأصل ، إنما يقولون شَخَ الصبىُّ ببوله ، إذا بال وكان له صوت. وشَخَّتْ رجلُه دماً ، أى سالت.

شد الشين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على قوةٍ فى الشىءِ ، وفروعُه ترجِع إليه. من ذلك شَدَدْتُ العقد شَدًّا أشُدُّه. والشَّدّة : المرّة الواحدة. وهذا القياسُ فى الحرْب أيضاً ، يَشُدُّ شَدًّا. قال :

يا شَدَّةً ما شددنا غيرَ كاذبةٍ

على سَخِينَةَ لو لا اللّيلُ والحرَمُ (٢)

ومن الباب : الشّديد والمتشدّد : [البَخِيل (٣)]. قال الله سبحانه : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ). [و] قال طرَفة فى المتشدّد :

أرَى الموتَ يعتامُ الكِرامَ ويَصْطَفى

عَقيلةَ مالِ البَاخِلِ المتشدِّدِ (٤)

__________________

(١) اللسان (شحح) والحيوان (١ : ١٩٩) والموشح : ٢٣٧ وثمار القلوب ٣٥٣.

(٢) لخداش بن زهير ، كما سبق فى حواشى مادة (سخن).

(٣) التكملة من المجمل واللسان.

(٤) البيت من معلقته المعروفة.


وحُكى عن أبى زيد : أصابتنى شُدَّى ، أى شِدَّة. ويقال : أشَدَّ القومُ ، إذا كانت دوابُّهم شِداداً (١). وشَدُّ النّهارِ : ارتفاعه (٢). والأشُدُّ : العشرون ، ويقال أربعون سنة. وبعضهم يقولون لا واحدَ لها ، ويقال بل واحدها شدٌّ.

شذ الشين والذال يدلُّ على الانفراد والمفارَقة. شَذّ الشىء يَشِذُّ شذوذاً. وشُدَّاذُ الناس: الذين يكونون فى القوم وليسوا من قبائلهم ولا مَنَازِلهم (٣) وَشَذَّانِ الحصى (٤) : المتفرِّق منه. قال امرؤ القيس :

تُطَايِرُ شُذّانَ الحصى بمَناسمٍ

صلابِ العُجى ملثومُها غَيرُ أَمْعَرا (٥)

شر الشين والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الانتشار والتّطايُر. مِن ذلك الشرّ خلاف الخير. ورجلٌ شِرِّير ، وهو الأصل ؛ لانتشاره وكثرته. والشَّرُّ : بسْطُك الشىءَ فى الشمس. والشّرارة ، والجمع الشّرَارُ. والشّرَر : ما تطاير من النّار ، الواحدة شَرَرَة. قال الله جلّ وعلا : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ). ويقال : شر شَر الشىءَ ، إذا قطّعه. والإِشرارة : ما يُبْسَط عليه الشىء. والشِّواء الشّرْشار (٦) : الذى يتقاطر دَسَمُه. والشّرشرة : أن تنفُض الشّىءَ من فيك بعد عِضّك إيَّاه. وشراشر الأذناب : ذَباذِبُهَا. وأنشد :

__________________

(١) منه الحديث : «يرد مشدهم على مضعفهم».

(٢) منه قول عنترة فى معلقته :

عهدى به شد النهار كأنما

خضب البنان ورأسه بالعظلم

(٣) فى الأصل : «مساولهم» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) شذان ، بالضم : جمع شاذ ، كشاب وشبان. وبالفتح : صفة على فعلان.

(٥) ديوان امرئ القيس ٩٨ واللسان (شذذ).

(٦) وكذا فى المجمل. وفى اللسان والقاموس : «الشرشر».


فعوين يَستعجِلْنه ولَقِينَه

يَضْرِبْنَه بشراشر الأذْنابِ (١)

فإن قال قائل : فعلى أىِّ قياسٍ من هذا الباب يُحمل الشَّراشر ، وهى النَّفْس ، يقال ألقى عليه شراشِرَه ، إذا ألقى عليه نفسه حرصاً ومحبّة. وهو قوله :

ومِن غَيَّةٍ تُلقَى عليها الشَّراشرُ (٢)

فالجوابُ أنّ القياس فى ذلك صحيح ، وليس يُعنَى بالشّراشر الجسمُ والبدَن ، إنّما يراد به النَّفْس. وذلك عبارةٌ عن الهِمم والمَطَالب* التى فى النَّفْس. يقال ألقى عليه شراشِرَه ، أى جَمَع ما انتشر من هِمَمه لهذا الشىء ، وشَغَلَ همومَه كلَّها به. فهذا قياس.

ويقال أشررتُ فلاناً ، إذا نسبتَه إلى الشرّ. قال طرفة :

وما زال شُربِى الرّاحَ حتّى أشَرّنِى

صديقى وحَتَّى ساءنى بعضُ ذلِكِ (٣)

ويقال أشررت الشّىءَ ، إذا أبرزْتَه وأظهرتَه. قال :

وحَتَّى أُشِرّتْ بالأكفِّ المصاحفُ (٤)

وقال :

__________________

(١) فى المجمل : «يعوين».

(٢) لذى الرمة. وصدره فى ديوانه ٢٥١ واللسان (شرر) :

وكأئن ترى من رشدة في كريهة

(٣) ديوان طرفة ٥٥ واللسان (شرر). وفى الأصل : «شرب الراح» ، وصوابه فى الديوان واللسان. وفى اللسان : «بعض ذلكا» ، تحريف. ومطلع القصيدة :

قفى قبل وشك البين يا ابنة مالك

وعوجى علينا من صدور جمالك

(٤) لكعب بن جعيل كما فى وقعة صفين ٣٣٦ واللسان (شرر). ونسب فى وقعة صفين ٤١١ إلى أبى جهمة الأسدى. وذكر فى اللسان نسبته إلى الحصين بن الحمام المرى.


إذا قِيلَ أىُّ النّاسِ شرٌّ قبيلةً

أشَرَّت كليباً بالأكفّ الأصابعُ (١)

وقال امرؤ القيس :

تجاوزتُ أحراساً عليها ومَعشراً

علىَّ حِراصاً لو يُشِرُّون مَقتَلى (٢)

شز الشين والزاء أصلٌ واحد ضعيف. يقولون : إنّ الشَّزازة : اليُبْس الشَّديد.

شس الشين والسين قريب من الذى قبله. فالشَّسُّ : الأرض الصُّلبة ، والجمع شِساس وشُسوس.

باب الشين والصاد وما يثلثهما

شصب الشين والصاد والباء أصلٌ يدلُّ على شِدّة فى عيشٍ وغيره. يقال : الشَّصائب: الشّدائد. ويقال عيشٌ شاصبٌ ، أى شديد. وقد شصَب شُصوباً. ويقال أشْصَب اللهُ عيشَه.

ومن هذا الباب ، إن كان صحيحاً : شَصَبت النّاقةُ على الفَحل (٢) ، وذلك إذا أكثَرَ ضرابَها فلم تَلْقَح له.

__________________

(١) للفرزدق فى ديوانه ٥٢٠ والخزانة (٣ : ٦٦٩). ويروى : «أشارت كليب» بنزع «إلى» وإبقاء عملها. و «أشارت كليبا» بالنصب بعد نزع الخافض.

(٢) هذه الكلمة مما فات صاحب اللسان ، وذكرت فى المجمل والقاموس.


وما بعد ذلك من قولهم ، أنَ الشِّصْبَ (١) : النَّصِيب ، وأنّ المَشْصوبَةَ (٢) المسلُوخة ، فكلُّ ذلك مشكوكٌ فيه ، غيرُ معوَّل عليه.

شصر الشين والصاد والراء أصلٌ إن صحَّ يدلُّ على وصلِ شىءٍ بشىء. من ذلك الشِّصار : خشبة تشدُّ مِن مَنْخِرَى الناقة. تقول : شَصَّرتها أشصِّرها تشصيراً. وقريبٌ من هذا : الشَّصْر : الخياطة ويكون فيها بعض التّباعُد وأمّا قولهم شَصَرَ بصرُ فلان ، فهو من باب الإبدال ، وإنّما الصاد [مبدلة] من الطاء ، وقد ذَكر فى بابه.

ومما شذّ عن ذلك : الشَّصَر ، يقال إنَّه الظَّبْى الشّادن. وربما سمَّوه الشَّاصِر. وقد ذكره جرير (٣).

باب الشين والطاء وما يثلثهما

شطن الشين والطاء والنون أصلٌ مطّرد صحيح يدلُّ على البُعد. يقال شَطَنت الدار تَشْطُن شطوناً إذا غَرَبت. ونوًى شَطونٌ ، أى بعيدة. قال النابغة :

__________________

(١) وهذه أيضا مما فات صاحب اللسان ، وذكرت فى القاموس وقال : «كالشصيب».

(٢) ذكرت فى اللسان عن ثعلب. وقد ذكر فى المجمل بدلها «الشصب» بضمتين. وفى القاموس : «وكعنق : الشاة المسلوخة».

(٣) فى المجمل : «وهو فى شعر جرير». وقد عثرت على الشاهد الذى أشار إليه فى ديوان جرير ٣٠٦. وهو :

عرقت وجوه مجاشع وكأنها

عقل تدلع دون مدرى الشاصر


نأتْ بسعادَ عنك نوًى شَطونُ

فبانتْ والفؤادُ بها رهينُ (١)

ويقال بئرٌ شَطون ، أى بعيدة القَعر. والشَّطَن : الحَبْل. وهو القياس ، لأنّه بعيدُ ما بينَ الطَّرَفين. ووصَفَ أعرابىٌّ فرساً فقال : «كأنّه شيطانٌ فى أشطان». قال الخليل : الشَّطَن : الحبل الطويل. ويقال للفرس إذا استعصى على صاحبه : إنه لَينزُو (٢) بين شَطَنين. وذلك أنّه يشده موثقا بين حَبْلين (٣)

وأمَّا الشَّيطان فقال قوم : هو من هذا الباب ، والنون فيه أصليّة ، فسُمِّى بذلك لبُعده عن الحقّ وتمرُّده. وذلك أنّ كلَّ عاتٍ متمرّدٍ من الجنّ والإِنس والدوابّ شيطان. قال جرير :

أيّامَ يدْعُونَنى الشيّطانَ مِن غَزَلى

وهنّ يَهوَيْنَنى إذْ كُنتُ شيطانا (٤)

وعلى ذلك فُسِّرَ قولُه تعالى : (طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ). وقيل إنّه أراد الحيّات: وذلك أنّ الحيّةَ تسمَّى شيطانا. قال :

تُلاعِبُ مَثْنَى حَضْرمىٍّ كأنّه

تَعَمُّجُ شيطانٍ بذى خِرْوعٍ قَفْرِ (٥)

__________________

(١) البيت بهذه النسبة فى اللسان (شطن) ، وليس فى ديوان النابغة.

(٢) ينزو : يثب. وفى الأصل : «ينز» ، صوابه من اللسان (شطن ١٠٣).

(٣) فى اللسان : «يقال للفرس العزيز النفس : إنه لينزو بين شطنين. يضرب مثلا للإنسان الأشر القوى».

(٤) ديوان جرير ٥٩٧ واللسان (شطن).

(٥) لطرفة بن العبد ، كما فى الحيوان (٤ : ١٣٣). وأنشده فى الحيوان (١ : ١٥٣ / ٦ : ١٩٢) بدون نسبة ، وكذا فى اللسان (٣ : ١٥٣ / ١٧ : ١٠٥). وليس فى ديوانه وسيعيده فى (عمج) بدون نسبة.


ويشبه أن يكون مِن حُجّة من قال بهذا القول ، وأنَّ النون فى الشيطان أصليةٌ قولُ أميَّة :

أَيُّما شاطنٍ عَصاهُ عَكاهُ

ورماهُ فى القَيد والأغلالِ (١)

أفلا تراه بناه على فاعلٍ وجعل النّونَ فيه أصلية؟! فيكون الشيطان على هذا القول بوزن فَيْعال. ويقال إنّ النون* فيه زائدة ، [على (٢)] فعلان ، وأنَّه من شاط ، وقد ذكر فى بابه.

شطأ الشين والطاء والهمزة فيه كلمتان : إحداهما الشَّطْء شَطءُ النًّبات ، وهو ما خرج مِن حول الأصل ، والجمع أشطاء. وقد شَطَأَت الشَّجرة. قال الله جلّ ثناؤه : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ). والأصل شاطئ الوادى : جانبه. وشاطأتُ (٣) الرّجُل : مشيت على شاطئٍ ومشى هو على الشاطئ الآخر. وهما متبايِنَتَان.

شطب الشين والطاء والباء أصلٌ مطَّرد واحد ، يدلُّ على امتدادٍ فى شىءٍ رَخص ، ثم يقال فى غير ذلك. فالشَّطْبة : سَعَفة النَّخل الخضراء ، والجمع شَطْبٌ (٤). وفى حديث أمِّ زرع : «كمَسَلّ شَطْبة (٥)». ويقال للجارية

__________________

(١) أنشده فى اللسان (شطن ، عكا) وذكر أنه فى صفة سليمان.

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) فى الأصل : «وشطأت» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) فى الأصل : «أشطب» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٥) المسل : مصدر ميمى أربد به اسم المفعول ، أى المسلول. وفى الأصل : «كمثل» ، صوابه فى المجمل واللسان. وانظر حديث أم زرع فى المزهر (٢ : ٥٣٢ ـ ٥٣٦).


الغَضَّة شَطْبة. وفرسٌ أيضاً شَطْبة. وعلى ذلك الذى ذكرناه من سَعَف النّخْل يُحمَل الشّطبة من شُطب السّيف ؛ والشّطبة (١) : طريقة فى متنه ، والجمع شُطُب. ويقال سيف مُشَطَّب. ويقال إنّ الشُّطبة أو الشِّطبة القطعة من السَّنام تُقطَع طولا ، يقال شَطبت السَّنام. والشَّواطب من النساء : اللواتى يَقْدُدن الأديمَ طويلا. والشواطب : اللاتى يشقّقن السَّعَف للحُصْر ، فى قوله :

نَشْطَ الشَّواطِبِ بينهنَّ حَصيرَا (٢)

وقال آخر :

تَرَى قِصَدَ المُرَّان تُلقَى كأنَّها

تذَرُّع خرصانٍ بأيدى الشَّواطِب (٣)

والواحدة شاطبة. ويقال للفرس السَّمين الذى انبتر مَتْناه وتباينَتْ غُرورُه (٤) : هو مشطوب المَتْن والكفَل ، وذلك أنَّه يكون على ظهوره كالطَّرائق ، فكلُّ طريقةٍ منها كأنها شَطْبة. ويقال أرضٌ مشطّبة ، إذا خَطّ فيها السّيلُ خطًّا (٥).

شطر الشين والطاء والراء أصلان ، يدلُّ أحدهما على نِصف الشىء ، والآخر على البُعد والمواجهة.

فالأوَّل قولُهم شَطْر الشىء ، لنِصفه. وشاطرت فلاناً الشىء ، إِذا أخذتَ

__________________

(١) الشطبة ، بالضم ، وبالكسر وبضم ففتح. وجمعها شطب بضم ففتح وبضمتين.

(٢) فى المجمل : «بسط الشواطب».

(٣) لقيس بن الخطيم كما سبق فى حواشى (ذرع) ، حيث أنشد عجز البيت. وفى الأصل : «كأنه» ، تحريف.

(٤) الغرور : جمع غر ، بالفتح ، وهو الكسر فى الجلد من السمن. وفى الأصل : «عروقه» صوابه من اللسان (شطب).

(٥) فى المجمل : «خطاء ليس ...» مع تأكل الكلمة الأخيرة. والكلمة وردت فى القاموس وفسرها بقوله : «مشطبة كمعظمة : خط فيها السيل قليلا». ولم تذكر فى اللسان.


منه نصفه وأخذ هو النِّصف. ويقال شاةٌ شَطور ، وهى التى أحَدُ طبْييها أطولُ من الآخر.

ومن هذا الباب قولهم : شَطَر بصرُه شُطورا وشَطْراً ، وهو الذى ينظُر إليك وإلى آخَر. وإنّما جُعِل هذا من الباب لأنّه إذا كان كذا فقد جَعل لكلِّ واحدٍ منهما شَطرَ نظرِه. وفى قول العرب : «حلَب فلانٌ الدّهرَ أشطُرَه» ، فمعناه أنّه مرّت عليه ضروبٌ من خيرِه وشرِّه. وأصله فى أخلاف الناقة : خِلْفان قادمان ، وخِلفان آخِران ، وكلُّ خِلفَين شَطر ؛ لأنّه إِذا كانت الأخلاف أربعة فالاثنان شطر الأربعة ، وهو النصف. وإذا يبس أحدُ خِلفَى الشّاة فهى شَطور ، وهى من الإبل التى يَبِس خِلْفان من أخلافها ؛ وذلك أنّ لها أربعةَ أخلافٍ ، على ما ذكرناه. وأما الأصل الآخر : فالشَّطير : البعيد. ويقولون : شَطَرت الدّارُ. ويقول الرّاجز :

لا تتركَنِّى فيهمُ شطيرا (١)

ومنه قولهم : شَطَرَ فلانٌ على أهله (٢) ، إذا تركهم مُراغما مخالِفا. والشَّاطر : الذى أعيا أهلَه خُبْثا. وهذا هو القياس ؛ لأنّه إذا فَعل ذلك بعُد عن جَماعتِهم ومُعظَم أمرِهم.

ومن هذا الباب الشَّطْر الذى يقال فى قَصْد الشّىءَ وجِهَتِه. قال الله تعالى فى شأن القِبْلة : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) أى قَصْدَه.

قال الشّاعر :

__________________

(١) أنشده فى اللسان (شطر). وذكره العينى فى شرح شواهد شروح الألفية (٣ : ٣٨٣) ولم يعرف نسبته.

(٢) وكذا فى المجمل. وفى اللسان والقاموس : «عن أهله».


أقولُ لأمِّ زِنباعٍ أقيمى

صُدورِ العِيسِ شَطْرَ بنى تميم (١)

وقال آخر (٢) :

وقد أظلّكُم من شَطْرِ ثَغْرِكُم

هَولٌ له ظُلَمٌ تغشاكُم قِطَعا

ولا يكون شطر ثغركم (٣) تلقاءه ، إلّا وهو بعيدٌ عنه ، مبايِنٌ له. والله أعلم بالصواب.

باب الشين والظاء وما يثلثهما

شظف الشين والظاء والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على الشّدّة فى العيشِ وغيرِه. والأصل من ذلك الشَّظيف * من الشَّجر : الذى لم يجِدْ رِيَّهُ فيبِس وصلُب ، فيقال من هذا : فلانٌ هو فى شَظَف من العَيش ، أى ضِيق وشِدّة. وجاء فى الحديث : «لم يشبَعْ من خُبزٍ ولحم إلَّا على شظف». وقال ابن الرِّقَاع :

ولقد أَصبتُ من المعيشةِ لَذَّةً

ولقيتُ من شَظَفِ الأمور شدادَها (٤)

ويقال فى هذا الباب من الشدة : بعيرٌ شَظف الخِلاط ، أى يُخالِط الإبلَ مخالَطة شديدة. وشَظِف السّهمُ ، إذا دخل بين الجلد واللّحم.

شظم الشين والظاء والميم كلمة واحدة. يقال للفرس الطويل : شَيْظَم ، ثم يستعار للرّجُل.

__________________

(١) البيت لأبى زنباع الجذامى ، كما فى اللسان (شطر).

(٢) هو لقيط بن يعمر الإيادى ، وقصيدة البيت هى أولى مختارات ابن الشجرى.

(٣) فى الأصل : «شطركم».

(٤) البيت فى اللسان (شطف).


شظى الشين والظاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على تصدُّع الشىء من مواضع كثيرة ، حتى يصيرَ صُدُوعاً متفرّقة ، من ذلك الشَّظِيّة من الشىء : الفِلْقة. يقال تَشَظَّت العصا ، إذا كانت فِلَقا (١). قالت فَروةُ بنتُ [أبانَ بن (٢)] عبدِ المَدَان.

يا مَن أحسَّ بُنَيَّىَّ اللّذِين هما

كالدُّرَّتين تَشظّى عنهما الصَّدفُ (٣)

باب الشين والعين وما يثلثهما

شعف الشين والعين والفاء يدلُّ على أعالى الشىء ورأسه. فالشّعَفة : رأس الجبل ، والجمع شَعَفات وشَعَفٌ. وضُرب فلانٌ على شَعفات رأسه ، أى أعالى رأسِه. وشَعَفةُ القلب : رأسُه عند مُعَلَّق النِّياط. ولذلك يقال شَعَفه الحُبَّ ، كأنَّه غَشّى قلبَه من فَوقه. وقرأها ناس (٤) : قد شعفها حبّا ، وهو من هذا. وجاء فى الحديث : «خيرُ النّاس رجُلٌ فى شَعَفَةٍ فى غُنَيْمةٍ». يريد : أعلى جَبَل.

شعل الشين والعين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على انتشارٍ وتفرُّق فى الشىء الواحد من جوانبه. يقال أشعلْتُ النّار فى الحطب ، واشتعلت النّارُ. واشتعل الشَّيب. قال الله تبارك وتعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً). والشَّعِيلة :

__________________

(١) كانت ، هنا بمعنى صارت. وفى المجمل : «صارت».

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) البيت فى اللسان (شظى) بدون نسبة.

(٤) هى قراءة الحسن وابن محيصن. إتحاف فضلاء البشر ٢٦٤.


النار المشْتعَلة فى الذُّبال. وأشعلْنا الخيلَ فى الإغارة : بثَثْناها. والشُّعْلة من النّار ، معروفة. والشَّعَل : بياضٌ فى ناصية الفَرَس وذنَبه ؛ يقال فرس أشعل ، والأنثى شَعْلاء.

ومن الباب : تفرَّقَ القومُ شعاليلَ ، أى فِرقاً كأنَّهم اشتعلوا. وشَعْل : لقب ، ويقال اسم امرأة (١)

ومما شذَّ عن الباب المِشْعَل ، وهو شىءٌ من جلود ، له أربعُ قوائم يُنْتَبذ فيه. قال ذو الرُّمّة :

أضَعْنَ مَوَاقِتَ الصَّلَواتِ عَمْداً

وحالَفْنَ المشاعِلَ والجِرارا (٢)

شعى الشين والعين والحرف المعتل ، أصلٌ يَدُلُّ على مِثل ما دل عليه الذى قَبْله. يقال أشعَى القومُ الغارةَ إشعاء ، إذا أشْعَلوها. وغارةٌ شَعْواء : فاشية. قال ابنُ قيس الرّقيّات:

كيفَ نَومِى على الفِراشِ ولمَّا

تَشْمَل الشّامَ غارةٌ شعواءُ (٣)

شعن الشين والعين والنون كلمة. يقولون : هو مُشْعَانُ الرأس ، إذا كان ثائر الرأس.

شعب الشين والعين والباء أصلان مختلفان ، أحدهما يدلُّ على الافتراق ، والآخر على الاجتماع. ثمَّ اختلف أهلُ اللغة فى ذلك ، فقال قومٌ : هو

__________________

(١) فى المجمل : «وشمل رجل. وأم شعل : اسم امرأة».

(٢) ديوان ذى الرمة ٢٠٠ واللسان (شعل).

(٣) ديوان ابن قيس الرقيات ١٨٣ واللسان (شعا).


من باب الأضداد. وقد نصَّ الخليلُ على ذلك. وقال آخرون : ليس ذلك من الأضداد ، إنّما هى لغات. قال الخليل : من عجائب الكلام ووُسْع العربيَّة ، أنَ الشَّعْب يكون تفرُّقاً ، ويكون اجتماعا. وقال ابن دريد (١) : الشَّعب : الافتراق ، والشَّعْب : الاجتماع. وليس ذلك من الأضداد ، وإنّما هى لغةٌ لقوم. فالذى ذكرناه من الافتراق. وقولهم للصَّدْعِ فى الشىء شَعْب. ومنه الشًّعْب : ما تشعّبَ من قبائل العرب والعجم ، والجمع شُعوب. قال جلّ ثناؤه : (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ). ويقال الشَّعب : الحَىُ (٢) العظيم. قالوا : ومَشعب الحقّ : طريقُه.

قال الكميت :

فما لِىَ إلّا* آلَ أحمدَ شيعةٌ

وما لى إلّا مَشعَب الحقِ مَشْعَبُ (٣)

ويقال : انشعبت بهم الطُّرق ، إذا تفرَّقَتْ ، وانشعبت أغصانُ الشًّجرة. فأمّا شُعَب الفَرَس ، فيقال إِنَّه أقطارُه التى تعلُو منه ، كالعنق والمَنْسِج ، وما أشرف منه. قال :

أشمُّ خِنذيذٌ منيفٌ شُعَبُهْ (٤)

ويقال ظبىٌ أشعبُ ، إِذا تفرَّق قرناه فتبايَنَا بينونةً شديدة. قال أبو دُؤاد :

وقُصْرَى شَنِجِ الأنسا

ءِ نَبّاحٍ من الشُّعْبِ (٥)

__________________

(١) الجمهرة (١ : ٢٩١ ـ ٢٩٢).

(٢) فى الأصل : «الحق» ، صوابه من المجمل.

(٣) الهاشميات ٣٩ واللسان (شعب).

(٤) لدكين بن رجاء الراجز ، كما فى اللسان (شعب).

(٥) اللسان (شعب ، قصر ، شنج) والحيوان (١ : ٣٤٩ / ٥ : ٢١٤).


والشِّعب : ما انفرَجَ بين الجبلَين. وشَعوبُ : المنِيّة ؛ لأنًّها تَشعَب ، أى تفرِّق. ويقال شعبَتْهم المنيّة فانشعبوا ، أى فرّقتْهم فافترقوا. والشَّعِيب : السِّقاء البالى ، وإِنًّما سمِّى شَعِيباً لأنًّه يَشْعَب الماءِ الذى فيه ، أى لا يحفظُه بل يُسيله. قال :

ما بالُ عَيْنِى كالشَّعيب العَيَّن (١)

قال ابن دريد (٢) : «وسمِّى شعبانُ لتشعُّبِهم فيه ، وهو تفرُّقُهم فى طلب المياه». وفى الحديث : «ما هذه الفُتْيا التى شعَّبت الناس؟». أى فرّقتهم.

وأما الباب الآخر فقولهم شَعَبَ الصّدْعَ ، إذا لاءمَه. وشَعَبَ العُسَّ وما أشبهه. ويقال للمِثْقب المِشْعب. وقد يجوز أَن يكون الشَّعْب الذى فى باب القبائل سمِّى للاجتماع والائتلاف. ويقولون : تفرَّق شَعْب بنى فلان. وهذا يدلُّ على الاجتماع. قال الطّرِمَّاح :

شَتَ شعبُ الحَىِّ بعدَ التئامْ (٣)

ومن هذا الباب وإن لم يكن مشتقا شَعَبْعَب ، وهو موضعٌ. قال :

هل أَجْعلنَّ يدِى للخَدّ مِرْفَقةً

على شَعَبْعَبَ بين الحوض والعَطَنِ (٤)

وشُعَبَى (٥) : موضع أيضا.

شعث الشين والعين والثاء أَصل يدل على انتشارٍ فى الشَّىء. يقولون : لم الله شَعَثَكم، وجَمَع شَعَثَكم ، أى ما تفرَّق من أمركم. والشَّعَث شَعَثُ رأس السِّواكِ والوتِد. ويسمُّون الوتِدَ أشعثَ لذلك.

__________________

(١) العين ، بفتح الياء المشددة. والرجز لرؤبة فى ديوانه ١٦٠ واللسان (عين).

(٢) الجمهرة (١ : ٢٩٢).

(٣) ديوان الطرماح ٩٥ واللسان (شعب). وقد سبق إنشاد البيت فى (شت).

(٤) البيت للصمة بن عبد الله القشيرى ، كما فى اللسان (شعب).

(٥) فى الأصل : «شعباء» ، صوابه فى المجمل.


شعذ الشين والعين والذال ليس بشىء قال الخليل : الشَّعْوَذة ليست من كلام أهل البادية ، وهى خِفّة فى اليدين ، وأُخْذةٌ كالسِّحر.

شعر الشين والعين والراء أصلان معروفان ، يدلُّ أحدهما على ثَباتٍ. والآخَرُ على عِلْمٍ وعَلَم.

فالأوّل الشَّعْرَ ، معروف ، والجمع أشعار ، وهو جمع جمعٍ ، والواحدة شَعْرَة. ورجلٌ أشعَرُ : طويل شَعْرَ الرّأس والجسد. والشَّعار : الشَّجر ، يقال أرض كثيرة الشَّعار. ويقال لِمَا استدار بالحافر من مُنتهى الجلد حيثُ ينبت الشَّعر حوالَىِ الحافر : أشْعَرٌ ، والجمع الأشاعر. والشَّعراء من الفاكهة : جنسٌ من الخَوْخِ ، وسمى بذلك لشىءٍ يعلوها كالزَّغَب. والدليل على ذلك أنّ ثَمَّ جنساً ليس عليه زغَب يسمُّونه : القَرْعاء. والشَّعْراء : ذبابةٌ كأنَّ على يديها زَغَبا.

ومن الباب : داهيةٌ شَعْراء ، وداهيةٌ وَبْرَاء. قال ابن دريد : ومن كلامهم إذا تكلّمَ الإنسانُ بما استُعْظِم (١) : «جئت بها شَعراءَ ذاتَ وبَر». وروضةٌ شَعْراء : كثيرة النَّبْت. ورملةٌ شَعْرَاء : تُنبِت النَّصِىَّ وما أشبهه. والشَّعراء : الشَّجَر الكثير.

ومما يقرب من هذا الشَّعير ، وهو معروف. فأمَّا الشَّعيرة : الحديدة التى تُجعَل مِساكاً لنصل السّكِّين إذا رُكّب ، فإِنّما هو مشبَّه بحبّة الشّعير. والشَّعارير : صِغار القِثَّاء. والشِّعار: ما وَلِىَ الجسدَ من الثِّياب ؛ لأنّه يَمُسُ الشِّعر الذى على البشَرة.

__________________

(١) فى الجمهرة (٢ : ٣٤٢): «ومن كلامهم للرجل إذا تكلم بما ينكر عليه».


والباب الآخر : الشِّعار : الذى يتنادَى به القومُ فى الحرب ليَعرِف بعضُهم بعضاً. والأصلُ قولهم شَعَرتُ بالشّىء ، إذا علمتَه وفطِنْتَ له. ولَيْتَ شِعْرِى ، أى ليتنى علِمْتُ. قال قومٌ : أصله من الشّعْرة (١) كالدُّرْبة والفِطنة ، يقال شَعَرَت شَعْرة. قالوا : وسمِّى الشّاعر لأنه يفطِن لما لا يفطن له غيرُه. قالوا : والدليل على ذلك قولُ عنترة :

هل غَادَرَ الشّعراء من مُتَرَدَّمِ

أم هل عَرَفْتَ الدَّارَ بَعد توهُّم (٢)

يقول : إنّ الشّعراءَ لم يغادِرُوا شيئاً إلّا فطِنُوا له. ومَشاعِرُ الحجّ : مواضع المَناسك ، سمِّيت بذلك لأنّها مَعالم الحجّ. والشعيِرة : واحدة الشّعائر ، وهى أعلامُ الحجّ وأعمالُه. قال الله جلّ جلالُه : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ). ويقال الشعيرة أيضاً : البَدَنَة تُهدَى. ويقال إشعارها أنْ يُجَزَّ أصل سَنامها حتَّى يسيلَ الدّمُ فيُعلَم أنّها هَدْى. ولذلك يقولون للخليفة إن قُتِل : قد أُشعِر ، يُختَصّ بهذا من دون كلِّ قتيل. والشِّعْرى : كوكبٌ ، وهى مُشتهِرة. ويقال أشْعَرَ فلانٌ فلاناً شرًّا ، إذا غَشِيه به.

وأشعَرَه الحبُّ مرَضاً ، فهذا يصلُح أن يكون من هذا الباب إذا جعل ذلك عليه كالعَلَم ، ويصلح أن يكون من الأوّل ، كأنّه جُعِل له شِعاراً.

فأمّا قولهم : تفرّق القومُ شعاريرَ ، فهو عندنا من باب الإبدال ، والأصل شَعاليل ، وقد مضى.

__________________

(١) نص فى القاموس على أنها مثلثة ، بالكسر والفتح والضم.

(٢) مطلع معلقه عنترة. وفى الأصل : «من مترنم» ، تحريف.


باب الشين والغين وما يثلثهما

شغف الشين والغين والفاء كلمةٌ واحدة ، وهى الشَّغَاف ، وهو غِلاف القلب. قال الله تعالى : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) ، أى أوصَلَ الحبَّ إِلى شَغاف قلبها.

شغل الشين والغين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الفَراغ. تقول : شَغَلتُ فلاناً فأنا شاغِلُه ، وهو مشغول. وشُغِلْت عنك بكذا ، على لفظّ ما لم يسمَّ فاعلُه. قالوا : ولا يقال أُشغِلْت. ويقال شُغْل شاغلٌ. وجمع الشُّغْل أشغال. وقد جاء عنهم : اشتُغِلَ فلانٌ بالشىء (١) ، وهو مشتَغَل. وأنشد :

حَيَّتك ثُمَّت قالت إنّ نَفْرَتَنا

اليومَ كلَّهم يا عُرْوَ مشتَغَلُ (٢)

وحكى ناسٌ : أشْغَلَنى بالألف.

شغم الشين والغين والميم أصلٌ قليلُ الفروع صحيح ، يدلُّ على حُسن. يقال الشُّغْموم: الحَسن. والشُّغموم : المرأة الحَسْناء. والشُّغموم من الإبل :الحسن المنظرِ التامُّ.

شغن الشين والغين والنون ليس بشىء ، وليس لما ذكره ابنُ دريدٍ : أنّ الشغْنة الكارَةُ(٣) ، أصلٌ ولا معنًى.

__________________

(١) فى الأصل : «الشىء» ، تحريف.

(٢) أنشده فى المجمل. وفى المجمل : «يا زيد».

(٣) نص الجمهرة (٣ : ٦٤): «الشغنة : الحال ، وهى التى تسميها العامة كارة. ويمكن أن تكون الكارة عربية من قولهم كورت الشىء ، إذا لففته وجمعته ، فكأن أصلها كورة». والحال : الشىء يحمله الرجل على ظهره ، يقال : تحول كساءه : جعل فيه شيئاً ثم حمله على ظهره.


شغو الشين والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على عَيب فى الخِلْقة لبعض الأعضاء. قالوا : الشغُوُّ ، من قولك رجلٌ أشغى وامرأة شَغْواء ، وذلك إذا كانت أسنانه العُليا تتقدم السُّفْلَى. وقال الخليل : الشَّغا : اختلاف الأسنان ، ومنه يقال للعُقاب شَغْواء ، وذلك لفَضْل منقارها الأعلى على الأسفل. وزعم ناسٌ أنّ الشَّغا الزيادةُ على عدد الأسنان.

شغب الشين والغين والباء أصلٌ صحيح يدل على تهييج الشر ، لا يكون فى خير. قال الخليل : الشَّغْبَ : تهييج الشرّ ، يقال للأتان إذا وَحِمَتْ (١) واستعصَتْ على الجَأْب : إنّها لذات شَغْب وضِغْن. قال أبو عبيد : يقال شَغَبْت على القوم وشغَبْتُهم وشغَبْتُ بهم.

شغر الشين والغين والراء أصلٌ واحد يدلُّ عَلَى انتشارٍ وخلوٍّ من ضبط ، ثم يُحمَل عليه ما يقاربُه. تقول العرب : اشتَغَرت (٢) الإبلُ ، إذا كثرت حتى لا تكاد تُضبَط. ويقولون: تفرَّقوا شَغَرَ بَغَر ، إذا تفرَّقوا فى كلِّ وجه. وكان أبو زيد يقول : لا يقال ذلك إلّا فى الإقبال.

ومن الباب : شَغَرَ الكلبُ ، إذا رفَعَ إحدى رجليه ليبول. وهذه بلدةٌ شاغرةٌ برجلها ، إذا لم تمتَنِعْ من أحدٍ أن يُغِير عليها.

والشِّغَار الذى جاء فى الحديث ، المنهىُّ عنه : أنْ يقول الرجل للرجل زوِّجنى أختَك على أن أزوِّجك أُختى ، لا مهر بينهما إلا ذلك. وهذا من الباب لأنّه أمرٌ

__________________

(١) فى الأصل : «أوجمت» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) فى الأصل : «أشغرت» ، صوابه فى المجمل واللسان.


لم يُضْبَط بمهرٍ ولا شرطٍ صحيح. وهو من شَغَر الكلبُ ، إذا صار فى ناحيةٍ من المَحَجَّة بعيداً عنها.

واشتغَرَ على فلانٍ حسابُه ، إذا لم يهتد له. واشتغَرَ فلان فى الفلاة ، إذا دوّم فيها وأبْعَد. وحكى الشيبانىّ : شَغَرْتُ بنى فلانٍ من موضع كذا ، أى أخرجتُهم.

قال :

ونحن شَغَرْنا ابنى نزار كليهما

وكلباً بوَقْعٍ مُرهبٍ متقاربِ (١)

والله أعلم.

باب الشين والفاء وما يثلثهما

شفق الشين والفاء والقاف أصلٌ واحد ، يدلُّ على رِقَّةٍ فى الشىء ، ثم يشتقُّ منه. فمن ذلك قولهم : أشفقت من الأمر ، إذا رَقَقْت وحاذَرت. وربَّما قالوا : شَفِقت : وقال أكثر أهل اللغة : لا يقال إلا أشفقت وأنا مُشْفِق. فأمَّا قول القائل :

كما شَفِقَتْ على الزّادِ العِيالُ (٢)

فمعناه بَخِلَت به.

ومن الباب الشَّفَق من الثياب ، قال الخليل : الشَّفَق : الردىء من الأشياء.

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (شغر).

(٢) أنشده أيضا فى المجمل. وصدره فى اللسان :

فأني ذو محافظة لقوى


ومنه الشَّفَق : النُّدأة (١) : التى تُرَى فى السَّماء عند غُيُوب الشَّمس ، وهى الحمرة. وسمِّيت بذلك للونها ورقّتها.

وحدّثنا علىُّ بن إبراهيمَ القَطَّان ، عن المَعْدانى ، عن أبيه ، عن أبى مُعاذ ، عن اللَّيث عن الخليل قال : الشَّفق : الحمرة التى بين غروب الشمس إلى وقت صلاةِ العشاءِ الآخرة.

وروى ابن بَحيح ، عن مجاهدٍ قال : هو النَّهار فى قوله جلّ ثناؤه : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ). وروى العَوّامُ بن حوشبٍ ، عن مجاهد قال : هى الحمرة.

وفى تفسير مقاتل ، قال : الشَّفَق : الحمرة. قال الزَّجّاج : الشَّفَق هى الحمرة التى تُرَى فى المغرِب بعد سُقوط الشمس.

وأخبرنا علىُّ بن إبراهيم ، عن محمَّد بن فرَج قال : حدّثنا سَلَمة ، عن الفَرَّاء قال : الشَّفَق الحمرة.

قال : وحدثنى ابن [أبى (٢)] يحيى ، عن حُسَين (٣) بن عبد الله بن ضُمَيْرة عن أبيه عن جده يرفعه ، قال : الشّفَق الحمْرة.

قال الفرّاء : وقد سمعت بعضَ العرب يقول : عليه ثوب مصبوغ كأنّه الشفق ، وكانَ أحْمَر. قال : فهذا شاهدٌ لمن قال إنّه الحمرة.

شفن الشين والفاء والنون أصلٌ يدلُّ على مداومة النّظَر ،

__________________

(١) الندأة ، بضم النون وفتحها : الحمرة تكون فى الغيم. وقد بيض لهذه الكلمة فى اللسان (١٢ : ٤٧).

(٢) التكملة من المجمل. وهو محمد بن أبى يحيى ، وابناه إبراهيم ، وعبد الله.

(٣) كذا ورد مضبوطا فى المجمل. وفى الأصل : «حسن».


والأصل فيه قولهم للغَيُور الذى لا يَفْتُر عن النَّظَر (١) : شَفُون. ومن الناس من يقول شَفَن يَشْفِنُ ، إذا نظر بمُؤْخر عينه ، وشَفِن أيضاً يشفَن شَفْنا ، وهو شَفونٌ وشافن. وأنشد الخليل :

حِذَار مرتقبٍ شَفُونِ (٢)

قال الأموىّ : الشَّفِن : الكيِّس العاقل. وكلُّ ذلك يقرُب بعضُه من بعض.

شفى الشين والفاء والحرف المعتل يدل على الإشراف على الشىء ؛ يقال أشفى على الشىء إذا أشرفَ عليه. وسمِّى الشِّفاء شفاءً لغلَبته للمرض وإشفائه عليه. ويقال استشفَى فلانٌ ، إذا طَلَبَ الشِّفاء. وشَفَى كلِّ شىء : حَرْفه. وهذا ممكنٌ أن يكون من هذا الباب ، وممكنٌ أن يكون من الإبدال وتكون الفاءُ مبدلةً من ياء.

ويقال أعطيتك الشّىءَ تستشفى به ، ثم يقال أشْفَيْتك الشىءَ ، وهو الصحيح. ويقال أشْفَى المريضُ على الموت ، وما بَقى منه إلا شَفًى أى قليل. فأمَّا قول العجاج :

أوفَيْتُه قَبْلَ شَفًى أو بِشَفَى (٣)

__________________

(١) فى الأصل : «الذى يغير عن النظر» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) قطعة من بيت للقطامى فى ديوانه واللسان (شفن). وهو بتمامه :

يسارقن الكلام إلى لما

حسن حذار مرتقب شفون

(٣) ديوان العجاج ٨٣ واللسان (شفى).


قالوا : يريد إذا أشفت الشّمس على الغروب.

وأما الشّفَة فقد قيل فيها إن الناقص منها واوٌ ، يقال ثلاث شَفَوات. ويقال رجلٌ أشْفَى ، إذا كان لا ينضمّ شفتاه ، كالأرْوَق. وقال قوم : الشَّفَة حذفت منها الهاء ، وتصغيرها شُفَيْهة. والمشافهة بالكلام : مواجهةٌ من فيك إلى فيه. ورجل شُفاهِىٌّ : عظيم الشّفتين. والقولان محتملان ، إلا أَنَّ الأول أجود لمقاربة القياس الذى ذكرناه ، لأنَّ الشَّفَتينِ تُشفيانِ على الفم.

ومما شذَّ عن الباب قولهم : شَفَهنى فلانٌ عن كذا ، أى شَغَلنى.

شفر الشين والفاء والراء أصلٌ واحد يدلُّ على حدِّ الشىء وحَرْفه. من ذلك شَفْرَة السَّيف : حَدُّه. وشَفير البئر وشَفيرُ النَّهر : الحدّ. والشُّفْر : مَنْبِت الهُدْب من العين ، والجمع أشفار. وشُفْر الفَرْج : حروفُ أَشاعِرِه. ومِشْفَر البعير كالجَحْفلة (١) من الفَرَس. والشَّفْرَة معروفة (٢). هذا كلُّه قياس واحد. وأمّا قولُهم : ما بالدار* شُفْر (٣) ، وقولُ من قال : معناه ليس بها أحدٌ فليس الأمر كذلك ، إنما يراد بالشُّفْر شُفر العين ، والمعنى ما بها ذو شُفْر ، كما يقال ما بها عينٌ تطرف ، يراد ما بها ذُو عين. والذى حُكى عن أبى زيد أنَ شفْرَة القوم أصغَرهم ، مثل الخادم ، فهذا تشبيهٌ ، شُبِّه بالشّفْرَة التى تُسْتَعْمَل.

__________________

(١) فى الأصل : «الجحفلة» ، صوابه فى المجمل.

(٢) الشفرة ، بالفتح : السكين العريضة.

(٣) مقتضى تفسيره هنا أن يضبط بالضم. وقد رواها ابن سيده بالضم والفتح. وقال الأزهرى بفتح الشين. قال شمس : ولا يجوز شفر بضمها.


شفع الشين والفاء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على مقارنَة الشيئين. من ذلك الشَّفْع خلاف الوَتْر. تقول : كان فرداً فشفَعْتُه. قال الله جل ثناؤه : (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) ، قال أهل التفسير : الوَتْر الله تعالى ، والشَّفْع الخَلْق. والشُّفْعَة فى الدار من هذا. قال ابن دريدٍ (١) : سُمِّيَتْ شُفعةً لأنَّه يَشفَع بها مالَه. والشاة الشَّافع : التى معها ولدُها. وشفَعَ فلانٌ لفلانٍ إِذا جاء ثانِيهُ ملتمساً مطلبه ومُعِيناً له.

ومن الباب ناقةٌ شَفُوع ، وهى التى تجمع بين مِحْلَبَيْن (٢) فى حَلْبَةٍ واحدة. وحُكِى : إنَّ فلاناً يشفع [لى (٣)] بالعداوة ، أى يعين علىّ. وهذا قياس الباب ، كأنَّه يصيِّر مَن يعاديه [شَفْعاً]. ومما شدَّ عن هذا الباب ولا نعلم كيف صحّتُه : امرأةٌ مشفوعة ، وهى التى أصابتها شُفْعَة ، وهى العَين. وهذا قد قيل ، ولعلّهُ أن يكون بالسِّين غير معجمة. والله أعلم.

وبنو شافع ، من بنى المطّلِب بن عبد مناف ، منهم محمد بن إدريسَ الشَّافعىّ. والله أعلم.

باب الشين والقاف وما يثلثهما

شقل شقل الشين والقاف واللام ليس بشىء ، وقد حُكى فيه ما لا يعرَّج عليه.

__________________

(١) الجمهرة (٣ : ٦٠).

(٢) فى الأصل : «مجلسين» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) التكملة من المجمل.


شقن الشين والقاف والنون. يقولون إِنَ الشِقَّنْ (١) : القليل من العطاء ؛ تقول : شَقَنْتُ العَطِيَّة (٢) ، إِذا قلّلتَها.

شقو الشين والقاف والحرف المعتلّ أصلٌ يدلُّ على المعاناة وخلاف السُّهولة والسّعادة.

والشِّقوة : خلاف السعادة. ورجلٌ شقىٌ بين الشَّقاء والشِّقوة والشَّقاوة. ويقال إِنَ المشاقاة : المعاناة والممارسة. والأصل فى ذلك أنَّه يتكلّف العَناء ويَشقَي به ، فإذا هُمِزَ تغيَّر المعنى. تقول : شقأ نابُ البعير يَشْقَأ ، إِذا بدا. قال : الشّاقئ : النَّاب الذى لم يَعْصَل (٣).

شقب الشين والقاف والباء كلمةٌ تدل على الطُّول. منها الرّجُل الشّوقب. ويقولون : إِن الشَّقْب كالغار فى الجبَل.

شقح الشين والقاف والحاء أُصَيْل يدل على لونٍ غيرِ حسَن. يقال : شَقَّحَ النَّخْل ، وذلك حين زُهُوِّه. ونُهِى عن بيعه قبل أَنْ يشقِّح. والشَّقيح إِتباع القبيح ، يقال قبيحٌ شقيح.

شقذ الشين والقاف والذال أُصَيل يدلُّ على قلة النَّوم. يقولون : إِنّ الشّقْذ العينِ ، هو الذى لا يكاد ينام. قالوا : وهو الذى يُصيب النَّاسَ بالعين. فأما قولهم : أشقَذْتُ فلاناً إِذا طردتَه ، واحتجاجُهم بقول القائل :

__________________

(١) يقال بالفتح ، وبفتح فكسر ، وشقين أيضا.

(٢) زاد فى المجمل : «وأشقنتها».

(٣) عصل يعصل عصلا : التوى. وبابه تعب. وفى الأصل : «يعضل» بالضاد المعجمة ، صوابه فى المجمل.


إِذَا غَضِبُوا علىَّ وأشقَذُونى

فصرتُ كأنّنى فَرَأٌ مُتارُ (١)

فإنّ هذا أيضاً وإن كان معناه صحيحاً فإنه يريد رَمَزونى بعيونهم بِغضَةً ، كما ينظر العدوُّ إِلى من لا يحبُّه.

ومن الباب الشَّقْذاء : العُقاب الشديدة الجُوع ، سمّيت بذلك لأنّها إِذا كانت كذا [كان ذلك] أشدَّ لنظرها. وقد قال الشُّعراء فى هذا المعنى ما هو مشهور. وذكر بعضهم : فلانٌ يُشاقِذُ فلاناً ، أى يُعادِيه. فأمَّا قولُهم : ما به شَقَذ ولا نَقَذٌ ، فمعناه عندهم : ما به انطلاق. وهذا يبعد عن القياس الذى ذكرناه. فإنْ صحّ فهو من الشاذّ.

شقرالشين والقاف والراء أصلٌ يدلُّ على لون. فالشقرة من الألوان فى الناس : حُمرة تعلو البياض. والشُّقرة فى الخَيل حُمرةٌ صافية يَحمَرُّ معها السَّبيب والناصية والمَعْرَفة. ويمكن أن يحمل على هذا الشَّقِر ، وهو شقائق النُّعمان.

قال طرفة :

وعَلَا الخَيْلَ دماءٌ كالشَّقِرْ (٢)

ومما ينفرد عن هذا الأصل كلماتٌ ثلاث : قولهم : أخبرتُ فلاناً بشقُورى ، أى بحالى* وأمرى. قال رؤبة :

__________________

(١) البيت لعامر بن كثير المحاربى ، كما فى اللسان (شقذ ، تور).

(٢) رسمت «علا» فى الأصل رسما مزدوجا يجمع بين الألف والياء بعد اللام ، إشارة إلى الروايتين فيها. ورواية الديوان ٦٧ : «وعلى». أما اللسان (شقر) فقد أشار إلى الروايتين.

وصدره :

وتساقى القوم كأسا مرة


جارِىَ لا تَستنكرى عَذيرِى

سَيرِى وإِشفاقى على بعيرى

وكثرة الحديث عن شُقورى (١)

والكلمة الثانية : قولهم : جاء بالشُّقَر والبُقَر ، إِذا جاء بالكذب.

والثالثة : المِشْقَر ، وهو رملٌ متصوِّبٌ فى الأرض ، وجمعه مَشَاقِر (٢).

شقص الشين والقاف والصاد ليس بأصلٍ يتفرّع منه أو يُقاس عليه. وفيه كلمات. فالشِّقْصُ طائفةٌ من شىء. والمِشْقَص : سهمٌ فيه نصلٌ عريض. ويقولون إن كان صحيحاً إِنَ الشَّقِيص فى نعت الفرس : الفارِهُ الجَواد.

شقع الشين والقاف والعين كلمةٌ واحدة. يقولون شقَع الرَّجُل فى الإناء ، إِذا شرِب. وهو مثل كرَع.

باب الشين والكاف وما يثلثهما

شكل الشين والكاف واللام مُعظمُ بابِه المماثَلة. تقول : هذا شِكل هذا ، أى مِثله. ومن ذلك يقال أمرٌ مُشْكِل ، كما يقال أمر مُشتبِه ، أى هذا شابَهَ هذا ، وهذا دخل فى شِكل هذا ، ثم يُحمل على ذلك ، فيقال : شَكَلتُ الدّابةَ بِشكالِه ، وذلك أنّه يجمع بين إحدى قوائمه وشِكْلٍ لها. وكذلك دابّة بها شِكال ، إِذا كان إِحدى يديه وإِحدى رجليه مُحَجَّلا. وهو ذاك القياس ؛ لأنَّ البياض أخذَ واحدةً وشِكْلَها.

__________________

(١) الصواب نسبته إلى العجاج. انظر اللسان (شقر) حيث نسب إلى العجاج ، وديوان العجاج ٢٦.

(٢) لم يذكر واحده فى القاموس ، وذكر فى اللسان وضبط بالقلم «مشقر» بفتح الميم. وقد اعتمدت ضبط المجمل لها بكسر الميم.


ومن الباب : الشُّكلة ، وهى حُمرةٌ يخالطها بياض. وعينٌ شَكْلاء ، إِذا كَان فى بياضها حُمرة يسيرة. قال ابن دريد (١) : ويسمَّى الدّمُ أشكلَ ، للحمرة والبياض المختلطين منه. وهذا صحيح ، وهو من الباب الذى ذكرناه فى إِشكال هذا الأمر ، وهو التباسه ؛ لأنَّها حُمرةٌ لابَسَها بياض. قال الكسائىّ : أشكلَ النَّخْل ، إِذا طاب رُطَبُه وأَدرَك. وهذا أيضاً من الباب ؛ لأنَّه قد شاكل التَّمر فى حلاوَته ورُطوبَته وحُمرته.

فأمَّا قولُهم : شَكَلت الكتاب أشْكُله شَكْلا ، إِذا قيَّدْتَه بعلامات الإِعراب فلستُ أحْسِبه من كلام العرب العاربة ، وإِنما هو شىءٌ ذكره أهلُ العربيَّة ، وهو من الألقاب المولَّدة. ويجوز أن يكون قد قاسوه على ما ذكرناه ؛ لأن ذلك وإِن لم يكن خطّا مستويا فهو مُشاكلٌ له (٢).

وممّا شذ عن هذا الأصل : شاكِل الدّابَّة وشاكلتُه ، وهو ما عَلَا الطِّفْطِفَةَ منه. وقال قُطرب : الشَّاكِل : ما بين العِذار والأذُن من البياض.

ومما شذّ أيضاً : الشّكلاء ، وهى الحاجة ، وكذلك الأشْكَلَة. وبنو شَكَل : بطنٌ من العرب.

ومن هذا الباب : الأشْكل ، وهو السِّدْر الجبَلىّ. قال الراجز.

عُوجاً كما اعوَجَّت قِياسُ الأشْكَلِ (٣)

__________________

(١) الجمهرة (٣ : ٦٨).

(٢) فى الأصل : «مشكل له».

(٣) للعجاج فى ديوانه ٥١ واللسان (شكل). والقياس : جمع قوس. ورواية الديوان :

؟ الراي عن قياس الأِشكل


شكم الشين والكاف والميم أصلان صحيحان : أحدهما يدلُّ على عطاء ، والآخر يدلُّ على شِدَّةٍ فى شىءٍ وقوّة.

فالأوّل : الشَّكْمُ وهو العطاء والثَّواب. يقال شَكَمنى شَكْماً ، والاسم الشُّكْم. وجاء

فى الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [احتَجَمَ (١)] ثم قال : «اشْكمُوُه». أى أعطوه أجْره. وقال الشاعر :

أم هل كبيرٌ بكَى لم يَقْضِ عَبْرتَه

إِثْرَ الأحِبّة يومَ البينِ مشكومُ (٢)

وقال آخر :

أبلِغْ قتادةَ غيرَ سائِلهِ

منه العطاءَ وعاجلَ الشُّكْمِ (٣)

والأصل الآخر : الشّكيمة : أى شِدة النفس (٤). والشّكيمة شكيمة الِّلجام ، وهى الحديدة المعترضة التى فيها الفأس ، والجمع شكائم. وحكى ناس : شَكَمه ، أى عضّه. والشَّكيم : العَضّ فى قول جرير :

أصابَ ابن حمراءِ العجانِ شكيمُها (٥)

وشكيم القدر : عُراها.

__________________

(١) التكملة من المجمل. وفى اللسان : «أن أبا طيبة حجم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشكموه».

(٢) البيت لعلقمة بن عبدة الفحل فى ديوانه ١٢٩ من خمسة دواوين العرب ، والمفضليات (٢ : ١٩٧).

(٣) البيت فى المجمل واللسان (شكم) بدون نسبة. وروايتهما : «جزل العطاء».

(٤) فى الأصل : «شديد النفس» ، تحريف.

(٥) صدره فى الديوان ٤٥٠ ، واللسان (شكم) :

فأبقوا عليكم وأتقوا ناب حية


شكه الشين والكاف والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مشابَهةٍ ومقارَبة. يقال : شاكَه الشىءُ [الشىءَ (١)] مشاكهةً وشِكاهاً ، إذا شابَهه وقاربَه. وفى المثل : «شاكِهْ ، أبا يسارٍ(٢)» أى قارِبْ. وحُكى عن أبى عمرو ابن العلاء : أشْكَه الأمر ، إذا اشْتَبه الأمر.

شكو الشين والكاف والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على توجُّع من شىء. فالشّكو المصدر ؛ شكوته [شكْوًا (٣) ، و] شَكاةً وشِكايةً. وشكوتُ فلاناً فأشكانى ، أى أعتبنى من شَكواى (٤). وأشكانى ، إذا فعل بك ما يُحوِجُك إلى شكايته. والشَّكاة والشِّكاية بمعنى. والشكِىّ : الذى يشتكى وجعاً. والشكِىُ المشكوِّ أيضاً ؛ شكَوتُه فهو شَكِىٌ ومشكوٌّ.

شكد الشين والكاف والدال أصلٌ. يقولون : إنّ الشُّكْد : الشُّكر. وسمعت على بن إبراهيم القطّان يقول : سمعت علىّ بن عبد العزيز يقول : سمعت أبا عبيد يقول : سمعت الأموىّ يقول : الشُّكد : العَطاء ، والشُّكم : الجَزاء ، والمصدر : الشَّكْد. وقال الكسائىّ : الشُّكم : العِوَض. والأصمعىُّ يقول الشُّكم والشُّكْد : العطاء.

شكر الشين والكاف والراء أصولٌ أربعة متباينةٌ بعيدة القياس. فالأول : الشُّكر : الثَّناء على الإنسان بمعروف يُولِيكَهُ. ويقال إنّ حقيقة

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) أبا يسار ، نصب على النداء. انظر أمثال المبدانى.

(٣) التكملة من المجمل.

(٤) الإعتاب : الإرضاء. وفى الأصل : «اعتنى» ، صوابه فى المجمل.


الشُّكر الرِّضا باليسير. يقولون : فرسٌ شَكور ، إذا كفاه لسِمَنِه العلفُ القليل. وينشدون قول الأعشى :

ولا بُدَّ مِنْ غَزوةٍ فى المَصِي

ف رَهْبٍ تُكِلُّ الوَقَاحَ الشَّكُورا (١)

ويقال فى المثل : «أشْكَرُ مِن بَرْوَقَة» ، وذلك أنّها تخضرّ من الغيم من غير مطَر.

والأصل الثانى : الامتلاء والغُزْر فى الشىء. يقال حَلُوبة (٢) شَكِرَةٌ إذا أصابت حَظًّا من مرعًى فغَزُرت. ويقال : أشكر القومُ ، وإنهم ليحتلبون شَكِرَةً ، وقد شَكِرت الحَلُوبة. ومن هذا الباب : شَكِرَت الشّجرةُ ، إذا كثُر فيئُها.

والأصل الثالث : الشَّكير من النبات ، وهو الذى ينبُت من ساق الشَّجرة ، وهى قُضبان غضّة. ويكون ذلك فى النَّبات أوّلَ ما ينبُت. قال :

حَمَّم فرخٌ كالشَّكير الجَعْدِ

والأصل الرابع : الشَّكْر ، وهو النِّكاح. ويقال بل شَكْر المرأةِ : فَرْجها. وقال يحيى بن يعمر ، لرجلٍ خاصمته امرأتُه : «إن سألَتْكَ ثَمن شَكْرها وشَبْرِك أنشأْتَ تطُلُّها وتَضْهَلها».

شكع الشين والكاف والعين أصلٌ يدل على غضَب وضجرٍ وما أشبه ذلك. يقال شَكِعَ الرّجُل ، إذا كثُر أنينُه. وكذلك الغضبان إذا اشتدَّ غضبُه ، يَشْكَع شَكَعاً.

__________________

(١) ديوان الأعشى ٧٢ واللسان (شكر) برواية : «فى الربيع حجون». وأنشده فى (رهب) بروايتنا هذه بدون نسبة. وفى الأصل : «فى الصيف» ، تحريف.

(٢) فى الأصل : «خلفة» ، صوابها من اللسان. وفى المجمل : «ناقة».


وقد حكَوْا كلمتين ما أدرى ما صحتهما؟ قالوا : شكَعَ رأسَ بعيرِه بزمامه ، إذا رفَعَه. ويقولون : شَكِعَ الزَّرعُ (١) ، إذا كثُر حَبُّه.

باب الشين واللام وما يثلثهما

شلو الشين واللام والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على عضوٍ من الأعضاء ، وقد يقال الجسدُ نفسه. فيقول أهلُ اللُّغة : إنَ الشِّلو العُضو. وفى الحديث عن علىّ عليه السلام : «ايتِنِى بشِلوها الأيمن». ويقال إنَّ بنى فلانٍ أشلاءٌ فى بنى فلان ، أى بقايا فيهم. وكان ابن دريد يقول (٢) : «الشِّلو شِلو الإنسان ، وهو جسَدُه بعد بِلاهُ». والذى ذكرناه من حديث علىّ «ايتنى بشِلْوها الأيمن». يدلُّ على خلاف هذا القول. فأمَّا إشلاء الكلب ، فيقولون : إشلاؤه : دعاؤه. وحُجّته قولُ القائل :

أَشليتُ عَنزِى ومسحتُ قَعْسبى (٣)

وهذا قياسٌ صحيح ، كأنّك لمّا دعوتَه أشليته كما يُشتَلَى الشِّلو من الفِدر ، أى يرفع. وناسٌ يقولون : أشليتُه بالصَّيد : أغريتُه ، ويحتجُّون بقول زيادٍ الأعجم :

__________________

(١) هذه الكلمة والتى قبلها مما فات صاحب اللسان. وقد ذكرهما فى القاموس.

(٢) الجمهرة (٣ : ٧١).

(٣) لأبى النجم العجلى ، كما فى اللسان (قأب). وأنشده فى (شلا) بدون نسبة. وبعده :

ثم تهيأت لشربت تأب


أتينا أبا عمرٍ وفأشْلَى كلابَه

علينا فكِدْنا بين بَيْتَيْهِ نُؤْكَلُ (١)

وحدّثَنا علىُّ بن إبراهيمَ القطان ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابىّ قال : يقال : أشليتُه ، إذَا أغريْتَه.

شلح الشين واللام والحاء ليس بشىء. يقولون : إنَ الشَّلْحاء : السَّيف (٢)

باب الشين والميم وما يثلثهما

شمت الشين والميم والتاء أصلٌ صحيح ، ويشذْ عنه بعضُ ما فيه إشكالٌ وغموض. فالأصل فرَحُ عدوٍّ ببليّةٍ تصيبُ مَن يعاديه. يقال شَمِتَ به يَشْمَت شَماتةً ، وأشمَتَه الله عزّ وجلّ بعدوِّه. وفى كتاب الله تعالى : (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ). ويقال بات فلانٌ بليلةِ الشَّوامت ، أى بليلة سَوءٍ تُشمت به الشَّوامت. قال :

فارتاعَ مِن صوتِ كَلَّابٍ فبات له

طَوعُ الشّوامتِ مِن خوفٍ ومن صَرَدِ (٣)

__________________

(١) كلمة «علينا» ساقطة من الأصل ، وإثباتها من المجمل واللسان. وأشار صاحب اللسان. إلى رواية : «فأغرى كلابه».

(٢) زاد فى اللسان : «بلغة أهل الشحر».

(٣) للنابغة ، فى ديوانه ١٩ واللسان (شمت).


ويقال : رجع القوم شَمَاتَى أو شِمَاتاً من متوجَّههم ، إِذا رجَعُوا خائبين. قال ساعدة فى شعره (١).

والذى ذكرتُ أنّ فيه غموضاً واشتباهاً فقولهم فى تشميت العاطس ، وهو أنْ يقالَ عند عُطاسه : يرحمُك الله. وفى الحديث : «أنّ رجُلين عَطَسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فشمَّتَ أحدَهما ولم يشمِّت الآخر ، فقيل له فى ذلك ، فقال : «إنّ هذا حمِدَ الله عزّ وجلّ وإنّ الآخَر لم يَحمَد الله عزّ وجلّ. قال الخليل : تشميت العاطسِ دعاءٌ له ، وكلُّ داعٍ لأحدٍ بخير فهو مشمِّتٌ له. هذا أكثرُ ما بلَغَنا فى هذه الكلمة ، وهو عِندى من الشّىء الذى خفىَ عِلْمُه ، ولعلّه كان يُعلَم قديماً ثمّ ذهَبَ بذهاب أهله.

وكلمة أخرى ، وهو تسْمِيَتهم قوائم الدّابّة : شوامت. قال الخليل : هو اسمٌ لها. قال أبو عمرو : يقال : لا ترك الله له شامِتة : أى قائمة. وهذا أيضاً من المشكِل ؛ لأنّه لا قياس يقتضى أن تسمَّى قائمةُ ذى القوائمِ شامتة. والله أعلم

شمج الشين والميم والجيم أصلٌ يدل على الخلْط وقلّة ائتلافِ الشىء. يقال شَمَجه يَشْمُجُه شَمْجا ، إذا خلطه. وما ذاقَ شَمَاجاً ، أى شيئاً من طعام. ويقولون : شَمَجوا ، إِذا اختبزوا خبزاً غِلاظاً ، ويستعار هذا حتَّى يقال

__________________

(١) فى المجمل وصحاح الجوهرى : «وهو فى شعر ساعدة». قال ابن برى : ليس هو فى شعر ساعدة كما ذكر الجوهرى ، وإنما هو فى شعر المعطل الهذلى ، وهو :

فأينا لنا بجد العلاء وذكره

وآبوا علنا قلها وشماتها

قلت : وقصيدته هذه فى شرح السكرى للهذليين ٢٧٧ ونسخة الشنقيطى ١٠٩. لكن هذا البيت روى أيضا منسوبا لساعدة بن جؤية فى ملحق القسم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ٤٥.


للخياطة المتباعدة شَمْج. يقال شمج الثوبَ شَمْجاً يَشمْج. وقياس ذلك كله واحد.

شمخ الشين والميم والخاء أصلٌ صحيح يدل على تعظُّم وارتفاع. يقال جبَلٌ شامخٌ ، أى عالٍ. وشَمَخ فلانٌ بأنفه ، وذلك إِذا تعظَّمَ فى نفسه. وشَمْخٌ : اسم رجل.

شمر الشين والميم والراء أصلان متضادّان ، يدلُّ أحدُهما على تقلّص وارتفاع ، ويدلُّ الآخر على سَحْبٍ وإرسال.

فالأول قولهم : شمَّر للأمر أذياله. ورجل شَمّرِىٌ : خفيف فى أمره جادٌّ قد تشمَّرَ له. ويقال شاةٌ شامرٌ (١) : انضمَّ ضَرعُها إِلى بطنها. وناقة شِمِّير : مشمِّرة سريعة ، فى شعر حُميد(٢).

والأصل الآخر : يقال شَمَرَ يَشْمُر ، إذا مشى بخُيَلاء. ومَرّ يَشْمُر. ويقال منه : شَمَّر الرّجُل السّهمَ ، إذا أرسَلَه.

شمس الشين والميم والسين أصلٌ يدلّ على تلؤُنٍ وقلّةِ استقرار. فالشَّمس معروفة ، وسمِّيت بذلك لأنَّها غير مستقرّة ، هى أبداً متحرّكة. وقُرئ : والشّمس تجرى لا مستقرّ لها (٣). ويقال شَمَس يومُنا ، وأشمس ، إِذا

__________________

(١) يقال شامر وشامرة أيضا ، كما فى القاموس ، واقتصر فى اللسان على «شامرة».

(٢) زاد فى المجمل : «والشماخ».

(٣) هى قراءة ابن مسعود ، وابن عباس ، عكرمة ، وعطاء ، وزين العابدين ، والباقر ، وابنه الصادق ، وابن أبى عبلة. قرءوا جميعا بالنفى وبناء «مستقر» على الفتح ، ما عدا ابن أبى عبلة فقرأها بالرفع على إعمال «لا» عمل ليس ، كقوله :

تعز فلا شي على الأرض باقيا

ولا وزر مما قضى الله واقيا

انظر تفسير أبى حبان (٧ : ٣٣٦).


اشتدّت شمسُه. والشَّموس من الدوابّ : الذى لا يكاد يستقرّ. يقال شَمَسَ شِماساً. وامرأةٌ شَموسٌ ، إِذا كانت تنفر من الرِّيبَة (١) ولا تستقرُّ عندها ؛ والجمع شُمُس. قال :

شمُسٌ مَوَانِعُ كلِّ ليلةِ حُرَّةٍ

يُخْلِفْن ظنَّ الفاحش المِغيارِ (٢)

ورجلٌ شموسٌ ، إذا كان لا يستقرُّ على خُلُق ، وهو إلى العُسْر ما هو. ويقال شمِسَ لى فلانٌ ، إذا أبدَى لك عداوتَهُ. وهذا محمولٌ على ما ذكرناه من تغيُّر الأخلاق. فهذا قياسُ هذا الاسم ، وأمَّا ما سمَّت العرب به فقال ابن دريد : «وقد سمَّت العرب عَبد شمسٍ». قال : «وقال ابنُ الكلبىّ : الشّمس صَنَمٌ قديم. ولم يذكرْه غيره». قال : «وقال قوم : شَمْسُ : عين* ماءٍ معروفة. وقد سمت العرب عَبْشَمس ، وهم بنو تميم ، وإليهم يُنسَب عبشمِىّ» (٣).

شمص الشين والميم والصاد كلمةٌ واحدة. يقال شَمَصْتُ الفَرس ، إذا نَزَّقْتَه (٤) ليتحرَّك. ويقال شمَّص إبلَه ، إذا طردها طرداً عنيفاً.

__________________

(١) فى الأصل : «الزينة» تحريف.

(٢) للنابغة فى ديوانه ٣٦ ، وقد سبق فى (٢ : ٦).

(٣) هذه النصوص الثلاثة من الجمهرة (٣ : ٢٣).

(٤) وكذا فى المجمل. وعبارة اللسان : «وشمص الفرس : نخسه أو نزقه ليتحرك» ، مع ضبط «شمص» بالتشديد. والفعل يقال بالتخفيف وبالتشديد ، كما فى القاموس : ويقال نزق الفرس بالتشديد ، وأنزقه أيضا ، إذا ضربه حتى ينزو وينزق.


شمط [وأما] الشين والميم والطاء فقياس صحيحٌ يدلُّ على الخُلْطَة. من ذلك الشَّمَط ، وهو اختلاطُ الشَّيب بسَواد الشّباب.

ويقال لكل خليطين خلطتهما : قد شَمَطتُهما ، وهما شَمِيط (١). قال : وبِهِ (٢) سُمّى الصّباح شَمِيطاً لاختلاطه بباقى ظُلمة اللَّيل. وقالوا : قال أبو عمرو : يقال أشمَطُوا حديثاً مرّة وشِعراً مَرّة.

ومن الباب : الشَّماطيط : الفِرق ؛ يقال جاء (٣) الخَيْل شَماطِيطَ. ويقولون : هذه القدر تَسَعُ شاةً بشَمْطِها وبِشِمْطِها (٤) ، أى بما خُلِط معها من تَوابلها.

شمع الشين والميم والعين أصلٌ واحد وقياسٌ مطّرد فى المِزاح وطِيب الحديث والفَكاهة وما قاربَ ذلك ، وأصلُه قولهم : جاريةٌ شَموع ، إذا كانت حسنةَ الحديث طيِّبَة النّفْس مَزَّاحة. وفى الحديث : «مَن تَتَبَّع المَشمَعة يُشَمِّع الله به». وقال بعض أهل العلم : المَشْمَعَة : المِزاحُ والضّحك ، ومعنى ذلك أنَّ من كانت هذه حالَه وشأنَه ؛ لا أنَّه كرِه المِزاح والضَّحك جملةً إذا كانا فى غير باطلٍ وتهزُّؤ. قال الهذلىُّ وذكر ضَيفَهُ :

سَأبْدَؤُهُمْ بمَشْمَعَةٍ وآتِى

بجُهدى مِن طعام أوْ بِساطٍ (٥)

__________________

(١) فى الأصل : «شمط» مع ضبط الميم بالكسر ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) فى الأصل : «رؤية» ، صوابه فى المجمل.

(٣) فى المجمل : «جاءت».

(٤) فى اللسان : «الناس كلهم على فتح الشين من شمطها إلا العكلى فإنه يكسر الشين».

(٥) للمتناخل الهذلى ، كما فى اللسان (شمع). وقصيدته فى القسم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ٨٩ ونسخة الشنقيطى ٤٧.


يريد أنّه يبدأ ضِيفانَه عند نزولهم بالمزاح والمضاحكة ؛ ليُؤنسَهم بذلك.

ومن الباب : أشْمَعَ السِّرَاجُ ، إذا سطَعَ نورُه. قال :

كلمعِ بَرقٍ أو سِرَاجٍ أَشْمَعَا (١)

وأَمَّا الشَّمْعُ فيقال بسكون الميم وفتحها ، وهو معروف ، وهو شاذٌّ عن الأصل الذى ذكرته.

شمق الشين والميم والقاف يقولون إِنّه أصلٌ صحيح ، ويذكرون فيه الشَّمَق ، وهو إما النّشَاط ، وإمّا الوَلوع بالشىء.

شمل الشين والميم واللام أصلان منقاسان مطّردان ، كل واحدٍ منهما فى معناه وبابه.

فالأوّل يدلُّ على دَوَرَان الشىء بالشىء وأخْذِه إيّاه من جوانبه. من ذلك قولهم : شَمِلَهم الأمرُ (٢) ، إذا عمَّهم. وهذا أمرٌ شامل. ومنه الشَّمْلَة ، وهى كساءٌ يُؤْتَزَرُ به ويُشْتَمَل. وجمع الله شَمْله ، إذا دَعا له بتألُّف أموره ، وإذا تألّفَتْ اشتمل كلُّ واحدٍ منها بالآخَر (٣).

ومن الباب : شملت الشاة ، إذا جعلتَ لها شِمالاً ، وسو وعاء كالكيس يُدخَل فيه ضرعُها فيشتمل عليه. وكذلك شَمَلْتُ النَّخلَة ، إِذا كانت تنفضُ حَمْلَها فشُدَّت أعذاقُها بقِطَع الأكسية.

ومن الباب : المِشْمل : سيفٌ صغير يَشْتَمِل الرّجُل عليه بثوبه.

__________________

(١) فى اللسان : «كلمح برق». وفى المخصص (١١ : ٣٩): «كمثل برق».

(٢) يقال من بابى نصر وفرح.

(٣) فى الأصل : «إذا تألف اشتمل كل واحد منهما بالآخر» ، تحريف.


والأصل الثانى يدلُّ على الجانب الذى يخالف اليمين. من ذلك : البد الشِّمال ، ومنه الرِّيح الشِّمال لأنّها تأتى عن شمال القِبلة إذا استند المستنِد إليها من ناحية قِبلة العراق. وفى الشمول ، وهى الخمر ، قولان : أحدهما أنَّ لها عَصْفَةً كعَصْفة الرّيح الشمال. والقول الثّانى أنها تَشمَل العقل. وجمع شِمال أشْمُل. قال أبو النجم :

يأتى لها من أيْمُنٍ وأشْمُلِ (١)

ويقال غديرٌ مشمول : تضرِبُه ريحُ الشَّمال حتى يبرُد. ولذلك تسمَّى الخمر مشمولة ، أى إنها باردة الطَّعم. فأمّا قول ذى الرُّمَّة :

وبالشَّمائل من جَلّانَ مُقتنِصٌ

رَذْل الثِّياب خفىُّ الشّخصِ مُنْزَربُ (٢)

فيقال إنّه أراد القُتَر (٣) ، واحدتها شمالة. فإن كان أراد هذا فكَأَنّه شبَّه القُتْرَة بالشِّمالة (٤) التى تُجعَل للضَّرع. وقد ذكرناها. ويقال : إنّه أراد بناحية الشِّمال.

وممّا شذَّ عن هذين البابين. الشَّمَلَة : ما بقى فى النَّخلة من رُطَبها. يقال : ما بقى فيها إلّا شماليل. ويقال : إن الشَّماليل ما تشعَّب من الأغصان. و* الشَّمْلَلَة : السرعة ، ومنه الناقة الشِّملال والشِّمْليل. قال :

حرفٌ أخُوها أبوها من مُهجَّنةٍ

وعمُّها خَالُها قَوْداءُ شِمليلُ (٥)

__________________

(١) البيت فى اللسان (١٣ : ٣٨٧) وأمالى ابن الشجرى (١ : ٣٠٦).

(٢) ديوان ذى الرمة ١٤ واللسان (زرب ، شمل). و «جلان» ضبط فى اللسان والقاموس بفتح الجيم ، وفى الديوان والاشتقاق ١٩٦ والمجمل بالكسر.

(٣) القتر : جمع قترة ، كغرف وغرفة ، وهى حفرة يمكن فيها الصائد.

(٤) لم يذكر فى المعاجم المتداولة إلا «الشمال» بدون هاء.

(٥) لكعب بن زهير كما سبق فى (أشر ، حرف).


باب الشين والنون وما يثلثهما

شنا الشين والنون والهمزة أصلٌ يدلُّ على البِغضة والتجنُّب للشىء. من ذلك الشَّنُوءَة ، وهى التقزُّز ؛ ومنه اشتقاق أزْدِشَنوءة. ويقال : شَنِئَ فلانٌ فلاناً إذا أبغَضَه. وهو الشَّنَآن ، وربما خفَّفوا فقالوا : الشَّنَان. وأنشدوا :

فما العيشُ إلَّا ما تَلَذُّ وتَشْتَهِى

وإن لَامَ فيه ذو الشَّنَانِ وأفْنَدَا (١)

والشنْءُ : الشَّنَآن أيضاً. ورجلٌ مِشناءٌ على مِفعال ، إذا كان يُبْغِضُه النّاس (٢). وأمّا قولهم شَنِئْت للأمر وبه ، إذا أقرَرْت ، وإنشادُهم :

فلو كان هذا الأمرُ فى جاهليَّةٍ

شَنِئْتَ به أو غَصَّ بالماء شاربُه (٣)

 ...............(٤)

شنب الشين والنون والباء أصلٌ يدلُّ على بردٍ فى شىء. يقولون شَنِب يومُنا ، فهو شَنِب وشانب ، إذا برد.

ومن ذلك الثّغر الأشنب ، هو البارد العذب قال :

يا بِأبِى أنتِ وفُوكِ الأشْنَبُ (٥)

__________________

(١) البيت للأحوص ، كما فى اللسان (شنأ). وروايته : «وفندا». يقال فنده وأفنده : لامه وضعف رأيه.

(٢) فى هذا التفسير كلام. انظر اللسان (١ : ٩٦).

(٣) البيت ملفق من بيتين للفرزدق فى ديوانه ٥٦. وهما :

فلو كان هذا الحكم في جاهلية

عرفت من المولى القليل حلائبه

ولو كان هذا الأمر في غير ملككم

لأديته أو غص بالماء شاويه

ورواه فى اللسان (شنأ) :

ولو كان في دين سوى ذا شلئم

لنا حقنا أو غص بالماء شاربه

(٤) هنا سقط لم يبيض له. وتقديره «فكلام فيه نظر».

(٥) البيت من شواهد ابن هشام فى أوضح المسالك وقطر الندى فى (باب اسم الفعل) ، ورواه : «وا بأبى» ، ونسب إلى راجز من بنى تميم. وانظر العينى (٤ : ٣١٠).


شنث الشين والنون والثاء ليس بأصل ، وفيه كلمة. يقولون : شَنِثَت مَشافِر البعير ، إذا غُلظت من أكل الشَّوْك.

شنج الشين والنون والجيم كلمةٌ واحدة ، وهو الشَّنَجُ ، وهو التقبُّض فى جلدٍ وغيره.

شنح الشين والنون والحاء كلمةٌ واحدة ، وهى الشَّناحِىُ ، وهو الطويلُ ، يقال هو شَنَاحٌ كما ترى.

شنص الشين والنون والصاد كلمة إن صحت. يقولون : فَرَس شَنَاصِىٌ ، أى طويل. قال :

وشَنَاصىٌ إذا هِيجَ طَمَرْ (١)

ويقال : إنما هو نَشَاصىٌّ وحكى : شَنِصَ به ، مثل سَدِك.

شنع الشين والنون والعين أصلٌ واحد يدلُّ على رفْع الذِّكر بالقبيح. من ذلك الشّناعة. يقال شَنُع الشىءُ فهو شنيع. وشَنَعتُه ، إذا قهرتَه بما يكرهه. وذكر ناسٌ شَنَعَ فلانٌ فلاناً ، إذا سَبَّه. وأنشدوا لكُثَيِّر :

وأسماءُ لا مَشنوعةٌ بمَلالةٍ

لَدَيْنَا ..(٢)

__________________

(١) للمرار بن منقذ فى المفضليات (١ : ٨٢) واللسان (شنص). وفى المفضليات : فإذا طؤطى طيار طمر وصدره :

شتدف أشدف ما روعته

(٢) وكذا ورد إنشاده منقوصا فى المجمل. وتمامه ، كما فى اللسان :

فدينا ولا عقليه باعتلاها


ويحملون على هذا فيقولون : تشنَّعت الإبل فى السير ، إذا جدّت. وإنما يكون ذلك فى أرفعِ السَّير ، فيعود القياسُ إلى ما ذكرناه من الارتفاع وإن لم يكن فى ذلك قبح.

شنف الشين والنون والفاء كلمتان متباينتان : أحدهما الشَّنْف ، وهو من حَلْى الأذُن. والكلمة الأخرى : الشَّنَف : البُغض. يقال شَنِف له يَشْنَف شنَفاً.

شنق الشين والنون والقاف أصلٌ صحيح منقاس ، وهو يدلُّ على امتدادٍ فى تعلَّقٍ بشىء من ذلك الشِّناق ، وهو الخيط الذى يُشَدُّ به فمُ القربة. وشَنَقَ الرّجل بزمام ناقته ، إذا فعل بها كما يفعل الفارسُ بفرسه ، إذا كَبَحَه بلجامه. ويقال إنّ الشَّنَق : طولُ الرأس ، كأنما يمتدُّ صُعُداً. وفرسٌ مشنوق : طويل.

ومن الباب وهو قياسٌ صحيح : الشَّنَق نِزَاع القلب إلى الشىءِ ، وذلك أنه لا يكون إلّا عن عَلَقٍ ، فقد يصحُّ القياس الذى ذكرناه.

فأمَّا الأشناق فواحدها شَنَق ، وهو ما دون الدِّية الكاملة ، وذلك أن يسوق ذُو الحمالة ديةً كاملةً ، فإِذا كانت معها دياتُ جراحاتٍ دون التمام فتلك الأشناق ، وكأنها متعلِّقة بالدِّية العُظمى. والذى أراده الشاعر هذا بقوله :

قَرْمٌ تُعَلَّقُ أشناقُ الدِّيات به

إذا المئُون أُمِرَّتْ فَوقَه حَمَلَا (١)

والشَّنَق ، فى الحديث : ما دون الفريضتين ، وذلك فى الإبل والغنم والبقر. وهو

__________________

(١) للأخطل فى ديوانه ١٤٣ واللسان (شنق).


قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا شِناق». أى لا يُؤخذ فى الشّنَق فَريضة حتى تتمّ.

ومن الباب اللحم المشَنَّق ، وهو المشَرَّح المقطَّع طُولا. قال الأموىّ : يقال للعجين الذى يُقطَّع ويعمل بالزيت* : مشَنّق. ولا يكون ذلك إلا وفيه طول.

باب الشين والهاء وما يثلثهما

شهو الشين والهاء والحرف المعتلّ كلمة واحدة ، وهى الشّهوة يقال رجلٌ شَهْوانُ ، وشىءٌ شَهِىّ.

شهب الشين والهاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بياض فى شىءٍ من سواد ، لا تكون الشُّهبةُ خالصةً بياضاً. من ذلك الشُّهبة فى الفرَس ، هو بياضٌ يخالطُه سَواد. ويقال كَتيبةٌ شَهباء ، إذا كانت عِليتُها بياضَ الحديد ، ويقال لليوم ذى البرد والصُّرَّاد (١) : أشهبُ ، والليلة الشّهباءُ. يقال : اشهابَ الزّرْع ، إذا هاج وبقَى فى خِلاله شىءٌ أخضر. ومن الباب : الشِّهاب ، وهو شُعلة نارٍ ساطعة. وإنّ فُلاناً لَشِهابُ حربٍ ، وذلك إذا كان معروفاً فيها مشهوراً كشُهرة الكواكب اللّوامع. ويقال إنّ النّصل الأشهبَ الذى قد بُرِد بَرْداً خفيفاً حتى ذهب سوادُه. ويقال إنّ الشّهاب اللّبَن الضَّيَاح ، وإنما سمِّى بذلك لأنَّ ماءَه (٢) قد كثر فصار كالبياض الذى يحالطه لونٌ آخر.

__________________

(١) الصراد : ريح باردة مع ندى.

(٢) فى الأصل : «لأنه ما».


شهد الشين والهاء والدال أصلٌ يدلُّ على حضور وعلم ، وإعلام ، لا يخرُج شىءٌ من فروعه عن الذى ذكرناه. من ذلك الشّهادة ، يجمع الأصولَ التى ذكرناها من الحضور ، والعلم ، والإِعلام. يقال شَهد يشهد شهادةً. والمَشهد : محضر النّاس.

ومن الباب : الشُّهود : جمع الشاهد ، وهو الماء الذى يخرج على رأس الصبىّ إذا وُلد ، ويقال بل هو الغِرْس (١). قال الشاعر :

فجاءَت بمثل السّابرِى تَعجَّبُوا

لهُ والثّرَى ما جفَّ عنه شُهودها (٢)

وقال قوم : شهود النّاقة : آثار موضع مَنتَجِها من دمٍ أو سَلًى. والشَّهيد : القتيل فى سبيل الله ، قال قومٌ : سمِّى بذلك لأنّ ملائكة الرحمة تشهده ، أى تحضُره. وقال آخرون : سمِّى بذلك لسقوطه بالأرض ، والأرض تسمَّى الشاهدة. والشاهد : اللِّسان ، والشّاهد : المَلَك. وقد جمعهما الأعشى فى بيت :

فلا تحسَبَنّى كافراً لك نعمةً

عَلَى شاهِدِى يا شاهِدَ اللهِ فاشْهَدِ (٣)

فشاهده : اللسان ، وشاهد الله جلّ ثناؤه ، هو المَلَك. فأمّا قوله جلّ وعزّ : شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، فقال أهلُ العلم : معناه أعلَمَ الله عزّ وجلّ ، بيَّن الله ، كما يقال : شهِد فلانٌ عند القاضى ، إذا بيَّن وأعلَم لمن الحقُّ وعلى مَن هو.

__________________

(١) فى الأصل : «الفرس» ، صوابه فى المجمل واللسان. والغرس ، بكسر الغين : جلدة رقيقة تخرج مع الولد عند خروجه.

(٢) لحميد بن ثور الهلالى ، كما فى اللسان (شهد).

(٣) ديوان الأعشى ١٣٣ ، واللسان (شهد).


وامرأة مُشْهِد ، إذا حضر زوجُها ، كما يقال للغائب زوجُها : مُغِيب. فأمّا قولهم أشْهَدَ الرّجُل ، إِذا مَدَى ، فكأنّه محمولٌ على الذى ذكرناه من الماء الذى يخرج على رأس المولود.

ومما شذّ عن هذا الأصل : الشُّهد : العسلُ فى شَمَعِها ؛ ويجمع على الشِّهاد. قال :

إلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلَاءٍ

لُبابَ البُرِّ يُلبَكُ بالشِّهادِ (١)

شهر الشين والهاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على وضوحٍ فى الأمر وإضاءة. من ذلك الشَّهر ، وهو فى كلام العرب الهِلال ، ثمَّ سمِّى كلُّ ثلاثين يوماً باسم الهلال ، فقيل شهر. قد اتَّفق فيه العربُ والعجم ؛ فإنّ العجم يسمُّون ثلاثين يوماً باسم الهلال فى لغتهم. والدليل على هذا قولُ ذى الرّمّة :

فأصْبَحَ أَجْلَى الطرفِ ما يستزيدُه

يَرَى الشَّهرَ قبل الناسِ وهو نحيلُ (٢)

والشُّهرة : وضوح الأمر. وشَهَر سيفَه ، إذا انتضاه. وقد شُهِر فلانٌ فى الناس بكذا، فهو مشهور ، وقد شَهَروه. ويقال أشْهَرْنا بالمكان ، إذا أقَمنا به شهراً. وشَهْرانُ : قبيلة.

شهق الشين والهاء والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على علوّ. من ذلك جبلٌ شاهِق ، أى عال. ثمّ اشتُقَّ من ذلك الشَّهيق : ضدّ الزَّفير ؛ لأنّ

__________________

(١) لأمية بن أبى الصلت ، وقد سبق إنشاده وتخريجه فى (٢ : ٣١٢).

(٢) ديوان ذى الرمة ٦٧١. وأنشد عجزه فى اللسان (شهر).


الشَّهيق ردُّ النّفَس ، والزّفير إخراج النّفَس. والأصل فى ذلك ما ذكرناه. وقال بعضهم : فلان ذو شاهقٍ ، إذا اشتدَّ غضبُه. ولعلَّه أن* يكون مع ذلك صوت.

شهل الشين والهاء واللام أصلٌ فى بعض الألوان ، وهى الشُّهْلة فى العين ، وذلك أن يُشوبَ سوادَها زُرْقة.

ومما ليس من هذا الباب : امرأةٌ شهلة ، قالوا : هى النَّصَف العاقلة. قالوا : وذلك اسمٌ لها خاصّةً ، لا يوصَف به الرجل. كذا قال أهل اللُّغة. فأمَّا العرب فقد سمَّت بشَهْل ، وهو الفِند الزِّمَّانىّ ، يقال إنّ اسمَه شَهْل بن شيبان.

ومما شذَّ أيضا : المشاهَلة : المُشارَّة ، وأظنُّ الشين مبدلةً من جيم. وكذلك قولهم للحاجَةِ : شهلاء ، وهو من باب الإبدال ، والأصل الكاف : الشَّكْلاء.

شهم الشين والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على ذَكاء. يقال من ذلك : رجل شَهْم. وربَّما قالوا للمذعور : مَشهوم ، وهو قياسٌ صحيح لأنَّه إذا تفزَّعَ بَدَا ذكاء قلبِه (١). ويقولون : إِنَ الشَّهامَ السِّعلاة. فإنْ صحَّ هذا فهو أيضاً من الذكاء. والشَّيهم : القنفذ ؛ وليس ببعيدٍ أن يكون من قياس الباب. وفيه يقول الأعشى :

لَئِنْ جَدّ أسبابُ العداوةِ بيننا

لترتَحِلَنْ منِّى على ظهر شَبهمِ (٢)

والله أعلم.

__________________

(١) فى الأصل : «إذا تفرع ذكاء قلبه».

(٢) ديوان الأعشى ٩٥ واللسان (شهم).


باب الشين والواو وما يثلثهما

شوى الشين والواو والياء يدلُّ على الأمر الهيِّن. من ذلك الشوَّى وهو رُذَال المال. قال :

أكَلْنا الشَّوَى حَتَّى [إِذا لم تَجِدْ شَوًى (١)]

أشَرْنا إِلى خيراتها بالأصابع

ومن ذلك الشَّوَى : جمع شَواةٍ ، وهى جِلْدة الرأس. والشَّوَى : الأطراف ، وكلُّ ما ليس بمَقْتل. وكلُّ أمرٍ هيّنٍ شَوًى. ويقولون فى الإتباع : عَيِىٌ شَوِىٌ. قال ابن دريد (٢) : هو من الشَّوى ، وهو الرُّذَال. ويقال رميتُ الصَّيدَ فأشوَيْتُه ، إِذا أصَبْتَ شَواهُ ، وهى أطرافه. والشَّوايا : بقيَّة قومٍ هَلَكوا ، الواحِد شَوِيَّة ؛ وإِنَّما سمِّيت بذلك لقلَّتها وهُونِها. قالوا : والشّواية (٣) الشىء الصغير من الكبير ، كالقِطعة من الشّاة. ويقال : ما بَقِىَ من المال إِلا شِوُايَة ، أى شىءٌ يسير. والذى لا نشكُّ فيه أنّ الشِّواء مشتقٌّ من هذا ؛ لأنّه إِذا شُوِى فكأنَّه قد أهين. فإن قال قائل : فينبغى أن يكون إذا قُدِر وكبِّب (٤) : شِواءٌ لأنَّه قد أهين. قيل له : نحن نعلِّل ما يقوله العربُ حتَّى نردَّه إِلى أصلٍ مطَّرد متّفَقٍ عليه ، فأمّا ما سوى ذلك فليس لنا أن نفعلَه. وتقول : شَوَيت اللَّحمَ شَيًّا واشتويتُه ، فأنا مشتوٍ.

قال الشاعر :

__________________

(١) التكملة من اللسان (شوا) والمخصص (١٤ : ٢٩ / ١٥ : ١٦٦) والبيان (٣ : ٣٤٢).

(٢) الجمهرة (٣ : ٤٣٠).

(٣) الشواية ، بتثليث حركات الشين.

(٤) قدر : طبخ فى القدر. كبب عمل كبابا ، وهو ضرب من اللحم المقلى يعرف بالطباهجة. وفى الأصل : «كتب» ، تحريف.


فاشتوَى ليلةَ ريحٍ واجْتَمَلْ (١)

ويقال انْشَوَى اللَّحم. قال :

قَد انْشوى شِواؤنا المرَعْبل (٢)

فاقترِبوا إِلى الغَدَاء فكلُوا

قال الخليل الإشواء : الإبقاء أو فى معناه (٣) ، حتى يقول بعضهم : تعشَّى فلانٌ فأشْوَى من عَشَائه ، أى أبقى. قال :

فإنَّ مِن القول التى لا شَوى لها

إِذا زلَّ عن ظهر اللِّسان انفلاتها (٤)

أى لا بقيَّةَ لها. والأصلُ يَرجع إلى ما أصَّلناه.

شوب الشين والواو والباء أصلٌ واحد ، وهو الخَلْط. يقال : شُبْتُ الشىءَ أشوبُه شَوباً. قال أهلُ اللُّغة : وسمِّى العَسَل شَوباً ، لأنَّه كان عندهم مِزاجاً لغيره من الأشربة. والشِّياب : اسمٌ لما يُمزَج به. ويقولون : ما عنده شوبٌ ولا رَوْب. فالشَّوب : العسَل. والرّوب: اللبن الرائب.

شوذ الشين والواو والذال ليس فيه إلا المِشْوَذ ، وهى العمامة. قال الوليد بن عقبة :

__________________

(١) البيت للبيد. فى ديوانه ١٢ طبع ١٨٨١ واللسان (شرا). وصدره :

أو نهته فأتاه رزقه

(٢) فى الأصل : «فلما انشوى» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) فى المجمل : «وفى معناها».

(٤) لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ١٦٣. وأنشده فى اللسان (شوا) بدون نسبة. وفى الأصل : الذى لا شوى» ، صوابه من المجمل واللسان والديوان.


إِذا ما شددتُ الرأس مِنّى بمِشوذٍ

فَغَيَّكِ مِنِّى تغلبَ ابنةَ وائلِ (١)

شور الشين والواو والراء أصلان مطَّردان ، الأوّل منهما إِبداء. شىءٍ وإِظهارُه وعَرْضه ، والآخَر أخْذ شىء.

فالأوّل قولهم : شُرت [الدّابّة (٢)] شَوْرا ، إِذا عرضْتَها. والمكان الذى يُعْرض فيه الدّوابّ هو المِشوار. يقولون : «إيَّاك والخُطَبَ* فإنَّها مِشْوارٌ ، كثير العِثار».

قال بعض أهل اللغة فى قولهم شوّرَبِهِ ، إِذا أخجله : إِنما هو من الشُّوار ، والشُّوار : فَرْج الرّجُل. ومن ذلك قولهم : أبْدَى الله شُواره. قال : فكأنَّ قولَه شَوّر به ، أراد أبْدَى شواره حتَّى خجِل. قال : والشَّوار (٣) : مَتاع البيت أيضاً. فإنْ كان صحيحاً فلأنَّه مِن الذى يُصان كما يصُون الرّجلُ ما عنده.

والباب الآخر : قولهم : شُرْت العسلَ أَشُوره. وقد أجاز ناسٌ : أشَرْت العسَل ، واحتجُّوا بقوله :

وسَماعٍ يأذَنُ الشّيخُ لهُ

وحديثٍ مثلِ ماذِىّ مُشارِ (٤)

__________________

(١) أنشده فى اللسان (شوذ) قال : «وكان قد ولى صدقات تغلب». وعقب عليه بقوله : «يريد غيا لك ما أطوله منى». فى الأصل : «غيك عنى».

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) الشوار هذا بتثليث الشين.

(٤) لعدى بن زيد ، كما فى اللسان (شور ، أذن) برواية : «فى سماع».


[وقال الأصمعىّ : إنما هو «ماذىِ مَشار» (١)] على الإضافة. قال : والمَشار : الخليَّة يُشتار منها العَسَل.

قال بعض أهل اللُّغة : من هذا الباب شاورتُ فلاناً فى أمرى. قال : وهو مشتقٌّ من شَوْر العسل (٢) فكأنَ المستشير يأخذ الرأىَ من غيره.

قالوا : ومما اشتُقّ من هذا قولهم فى البعير : هو مُستشِير ، وهو البعير الذى يعرف الحائلَ من غير الحائل. وأنشد :

أَفَزَّ عنها كلّ مستشيرِ

وكلَّ بَكْرٍ داعِرٍ مِئْشِيرِ (٣)

ويقال : بل هو السَّمين.

شوس الشين والواو والسين أصلٌ واحد يدلُّ على نَظَرٍ بتغيُّظ. من ذلك الشَّوَس : النَّظَر بأحد شِقَّى العين تغيُّظا. ورجلٌ أشوسُ من قومٍ شُوس. ويقال هو [الذى (٤)] يصغِّر عينيه ويضمُّ أجفانه.

شوص الشين والواو والصاد أصلٌ يدل على زعزعةِ شىءٍ ودَلْكه من ذلك الشَّوْص ، وهو التسوُّك بالسِّواك. وفى الحديث : «أنَّه كان يَشُوص فاه بالسِّواك». وقال امرؤ القيس:

بأسوَدَ ملتفِّ الغدائر واردٍ

وذى أُشُرٍ تَشُوصه وتمُوصُ (٥)

__________________

(١) التكملة من المجمل. ونحوها فى اللسان.

(٢) فى الأصل : «شوار العسل» ، تحريف.

(٣) الرجز فى اللسان (شور).

(٤) التكملة من المجمل.

(٥) ماص الشئ يموصه : غسله.


والشّوْص : الدلْك ، وقد يقال فى الثَّوْب أيضاً. ويقال شاص الشىء : إذا زعزَعَه. وأما الشَّوْصة فداءٌ يقال إنَّه يتعقَّد فى الأضلاع.

شوط الشين والواو والطاء أصلٌ يدل على مضىٍّ فى غير تثبُّت ولا فى حَقّ. من ذلك قولُهم جَرى شَوطاً أى طَلَقا. ويقولون للضَّوء الذى يدخل البيوت من الكُوّة : شَوط باطلٍ. وكان بعض الفقهاء يكره أن يقال : طاف بالبيت أشواطاً ، وكان يقول : الشَّوط باطل ، والطّوافُ بالبيت من الباقيات الصالحات.

شوظ الشين والواو والظاء كلمة واحدة صحيحة ، فالشُّوَاظ : شُواظ اللهب من النار لا دخانَ معه. قال تعالى : (شُواظٌ مِنْ نارٍ).

شوع الشين والواو والعين أصلٌ يدل على انتشارٍ وتفرُّق. من ذلك : الشَّوَع ، وهو انتشار الشَّعْر وتفرُّقه. والشُّوع : شَجَر (١) ولَعله متفرِّق النبت.

شوف الشين والواو والفاء أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على ظهور وبُروز. من ذلك قول العرب : تَشوَّفَت الأوعالُ ، إذا علَتْ مَعاقل الجبال. ثم حُمِل على ذلك واشتُقَّ منه : تشوَّفَ فلانٌ للشَّىء ، إذا طَمَح به ، ثمَّ قيل لجَلْو الشىء شَوف. تقول : شُفْتُه أشوفُه شَوفاً. والمَشُوف : المجلَوّ. والدِّينار المَشُوف من ذلك. وفيه يقول عنترة :

__________________

(١) فى المجمل : «الشوع : شجر البان». وفى اللسان : «والشوع بالضم : شجر البان ، وهو جبلى».


رَكَدَ الهواجرُ بالمَشُوفِ المُعْلَمِ (١)

وإنَّما سمِّى ذلك شَوفاً لأنّه يبرز به عن وجهِه ولونه. ويقال من ذلك : تشوّفَت المرأةُ ، إذا تزيَّنَت. ويقال إنّ الجمَل المَشُوف : الهائج. قال :

مِثْلِ المَشُوفِ هَنَأْتَه بعَصِيمِ (٢)

وقال قوم فى البيت : إنَّما هو «المَسُوف» بالسين ، وهو الفَحل الذى تَسوفُه الإبل ، أى تشمّه (٣). ويقال اشتافَ فلانٌ ، إذا تطاوَلَ ونظَر. وأشافَ على الشىء ، إذا أوفَى عليه وأَشْرَف. ومن ذلك سُمِّى الطَّليعةُ الشَّيِّفَة.

شوق الشين والواو والقاف يدلُّ على تعلُّق الشّىء بالشىء ، يقال شُقتُ الطُّنُب ، أى الوتِد ، واسم ذلك الخيط الشِّيَاق. والشَّوْق مثل النَّوط ، ثم اشتقّ من ذلك الشّوق ، وهو نزاعُ النَّفْس إلى الشىء. ويقال شاقَنِى بَشُوقُنى ، وذلك لا يكون إِلّا* عن عَلَق حُبّ.

شوك الشين والواو والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على خشونةٍ وحدّةِ طرَفٍ فى الشّىء. من ذلك الشَّوك ، وهو معروف. يقال شجرةٌ شَوِكَة وشائكة ومُشِيكة (٤). ويقال شاكَنى الشّوكُ. وأشَكْت فلاناً ، إذا آذَيتَه

__________________

(١) لعنترة فى معلقته. وصدره :

ولقد شربت من المداسة بعدما

(٢) البيت للبيد فى ديوانه ٨٨ طبع ١٨٨٠ واللسان (شوف). وصدره :

بخطيرة توفى الجديل سريحة

(٣) فى الأصل : «تسوقه الإبل أى تشبه» ، تحريف.

(٤) وشاكة أيضا.


بالشَّوك. وشوَّكَ الفرخ ، إذا أنْبَت (١). ويشتقُّ من ذلك الشَّوْكة ، وهى شدة البَأس. ويقال جاء بالشَّوك والشَّجر (٢) ، أى فى العدد الجَمّ. ويقال بُردةٌ شَوكاء ، وهى الخَشِنة المَسِّ من جِدّتها ، وقبل هى الخشنة النَّسْج. ويقال : شَوَّكَ ثَدىُ المرأةِ ، إذا انتصب وتَحدَّد طَرَفه. ويقال شوّك البعير ، إذا طالت أنيابُه.

شول الشين والواو واللام أصلٌ واحد يدلُّ على الارتفاع. من ذلك شالَ المِيزان ، إذا ارتفعت إحدى كِفّتَيه. وأشَلْتِ الشّىءَ : رفعتُه. والشَّول من الإبل : التى ارتفت ألبانُها ، الواحدة شائلة. والشوَّل : اللواتى تَشُول بأذنابها عند اللِّقاح ، الواحدة شائل. وزعم قومُ أنّ شَوّالاً سمِّى بذلك لأنَّه وافق وقتَ أن تشولَ الإبل. والشَّوْلة : نجم ، وهى شَوْلة العقرب ، وهى ذَنَبها. وتسمَّى العقربُ شَوّالة (٣). ويقال تشاوَلَ القومُ بالسِّلاح عند القتال ، وذلك أنْ يُشيل كلٌّ السِّلاح لصاحبِه. فأمّا الماء القليل فيسمى شَولا ، لأنه إذاً قد خف وسَرُع ارتفاعه وذهابه. قال :

وصَبَّ رُواتُها أشوالَها (٤)

__________________

(١) وكذا فى المجمل. وفى اللسان : «وشوك الفرخ تشويكا : خرجت رءوس ريشه».

(٢) هذه العبارة بعينها فى المجمل ، ولم تذكر فى اللسان والقاموس. وذكرها الزمخشرى فى أساس البلاغة.

(٣) فى اللسان : «وشولة وشوالة : العقرب : اسم علم لها».

(٤) للأعشى فى ديوانه ٢٦ واللسان (شول). وهو بتمامه :

حتى إذا لمع الدليل بثوبه

سقيت وصب رواتها أشوالها


ويسمَّى الخادم الخفيف فى الخِدمة : شَوِلاً ؛ لسرعة ارتفاعه فيما ينهض فيه.

شوه الشين والوو والهاء أصلان : أحدهما يدلُّ على قُبح الخِلقة ، والثانى نوعٌ من النَّظَر بالعين.

فالأوّل الشَّوَه : قُبح الخلقة ؛ يقال شاهَت الوجوه أى قَبُحت. وشوَّهه الله فهو مشوَّه. وفى الحديث أنَّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم رَمَى المشركين بالتُّراب وقال : «شاهت الوُجوه». وأمّا الفرس الشَّوهاء فالتى فى رأسها طُول.

وأمّا الأصل الآخر فقالوا : رجل شائِهُ البصر ، إذا كان حديد البصَر. ويقال شاهِى البَصَر أيضاً ، وكأنَّه من المقلوب. ويقال الأشْوَه الذى يُصيب النَّاسَ بالعين. ويقولون : لا تَشَوَّه عَلَىَ (١) ، إذا قال ما أحسَنَك ، أى لا تُصِبْنى بعينك.

ومما شذّ عن الباب : الشَّاة. قالوا : أصل بنائها من هذا ، يقال تشوَّهْت نشاةً ، أى أخذتها.

باب الشين والياء وما يثلثهما

شيأ الشين والياء والهمزة كلمةٌ واحدة. يقال شَيَّأ الله وجْهَه ؛ إذا دعا عليه بالقُبح. ووجهٌ مُشَيَّأٌ. وأنشد :

__________________

(١) تشوه أى تتشوه ، بحذف إحدى التاءين ، كذا ضبطت فى الأصل والمجمل. ويقال أيضا : لا نشوه ، من التشويه. كما فى اللسان.


إنَّ بَنِى فزارةَ بنِ ذُبيانْ

قد طَرَّقَتْ ناقتُهم بإنسانْ

مُشَيَّأٍ أعجِبْ بخَلْقِ الرَّحمن (١)

شيب الشين والياء والباء. هذا يقرب من باب الشين والواو والباء ، وهما يتقاربان جميعاً فى اختلاط الشّىء بالشىء. من ذلك الشَّبب : شَيب الرأس ؛ يقال شاب يَشيب. قال الكسائىّ : شيّب الحُزنُ رأسَه وبرأسه ، وأشاب الحُزْن رأسَه وبرأسه. والرجل إذا شاب فهو أشْيَب. والشِّيب : الجبال يسقُط عليها الثلج ، وهو من الشَّيْب. وقال الشاعر.

شيوخٌ تَشِيب إذا ماشتَت

وليس المشيبُ عليها معيبا

يريد الجبال إذا ابيضَّت من الثلج. ووجدت فى تفسير شعر عبيد فى قوله :

والشَّيبُ شَينٌ لمن يشِيبُ (٢)

أنَ الشَّيب والمَشِيب واحد. قال : وقال الأصمعىّ : الشَّيب : بياض الشّعر ، والمشيبُ : دخولُ الرّجُل فى حدِّ الشِّيبِ من الرِّجال ذوى الكِبَر والشَّيب وقال أيضاً فى هذا الموضع : قال ابن السكّيت فى قول عدىٍّ :

والرأسُ قد شابَهُ المَشِيبُ (٣)

__________________

(١) الرجز لسالم بن دارة ، كما فى الخزانة (١ : ٢٩٣).

(٢) ديوان عبيد بن الأبرس ٦ والفصائد العشر ٣٠٤ وصدره :

إما قتيل وإما هالك

(٣) صدره فى اللسان (شيب) :

تصبر وأنى لك التصابي

على أن الصواب نسبته إلى عبيد بن الأبرص. انظر المرجعين السابقين.


أراد بَيّضه المَشيب ، وليس معناه خالَطَه. وأنشد :

قد رابَه ولِمِثْلِ ذلك رابَهُ

وَقَعَ المَشيبُ على المشيب فشابَهُ (١)

أى بَيَّضَ مسوَدَّه. وشِيبان ومِلْحان : شهرا* قِماح ، وهما أشدُّ الشتاءِ برداً ؛ سمِّيا بذلك لبياض الأرض بما عليها من الصَّقيع.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولُهم : باتت فلانةُ بليلةِ شيْباءَ ، إذا افْتُضَّت. وباتَتْ بليلةِ حُرّةٍ ، إذا لم تُفْتَضّ.

شيح الشين والياء والحاء أصلان متباينان ، يدلُّ أحدهما على جِدٍّ وحَذَر ، والآخر على إعراض.

فأمَّا الأوّل فقول العرب : أشاحَ علَى الشىءِ ، إذا واظَبَ عليه وجَدَّ فيه.

قال الراجز :

قَبًّا أطاعَت راعياً مُشِيحا (٢)

وقال آخر :

وشايَحْتَ قبل اليَومِ إِنَّكَ شِيحُ (٣)

وأمَّا الشِّياح فالحِذَار. ورجل شائحٌ. وهو قوله :

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (شيب).

(٢) لأبى النجم العجلى ، كما فى اللسان (شيح).

(٣) لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ١١٦ واللسان (شيح) وصدره :

بدرت إلى أولاهم فميقتهم


شايَحْن منه أيَّما شِيَاحِ (١)

والمَشْيُوحاء : أنْ يكون القومُ فى أمرٍ يَبْتَدِرونه ؛ يقال هم فى مَشْيُوحاءَ.

وأما الآخر فيقال : أشاحَ بوجهه ، أى أعرض. ويقال إنّ اشتقاقَه من قولهم أشاحَ الفرسُ بذنَبه ، إذا أرخاه.

ومما شذَّ عن البابين جميعا : الشِّيح ، وهو نبتٌ.

شيخ الشين والياء والخاء كلمة واحدة ، وهى الشَّيخ. تقول : هو شيخٌ ، وهو معروف ، بيِّن الشَّيخوخة (٢) والشَّيَخ والتّشييخ. وقد قالوا أيضاً كلمةً ، قالوا : شَيَّخت عليه (٣).

شيد الشين والياء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رفعِ الشّىء. يقال شِدْت القَصر أشِيدُه شَيْداً. وهو قصر مَشِيدٌ ، أى معمولٌ بالشِّيد. وسمِّى شِيداً لأنَّ به يُرفَع البناء. يقال قَصرٌ مَشِيدٌ أى مُطَوَّل. والإشادة : رفْع الصَّوت والتنويه.

شيص الشين والياء والصاد. يقال إنّ الشِّيص أردأ التَّمْر.

شيط الشين والياء والطاء أصلٌ يدلُّ على ذَهاب الشىء ، إمّا احتراقاً وإما غَيْرَ ذلك. فالشَّيْط مِن شاط الشّىءُ ، إذا احترق. يقال شيَّطت اللَّحم. ويقولون : شيَّطَه ، إذا دَخَّنه ولم يُنْضِجْه. والأوّلُ أصحُّ وأقيَس.

__________________

(١) لأبى السوداء العجلى ، كما فى اللسان (شيح). وقبله :

إذا سمعن الرز من رياح

(٢) فى المجمل : «الشيخ معروف ، وهو بين الشيخوخة».

(٣) فى المجمل : «وذكر أبو عبيد : شيخت عليه ، أى عبت وشنعت».


ومن المشتققّ من هذا : استشاط الرَّجلَ ، إذا احتدَّ غضَباً. ويقولون : ناقةُ مِشياط ، وهى التى يطير فيها السِّمَن.

ومن الباب الشَّيطان ، يقارب الياء فيه الواو ، يقال شاط يَشِيط ، إِذا بَطَل. وأشاطَ السُّلطانُ دمَ فلانٍ ، إذا أبطَلَه. وقد مضى الكلامُ فى اشتقاقِ اسم الشَّيطان.

شيع الشين والياء والعين أصلان ، يدلُّ أحدُهما على معاضدة ومساعفة ، والآخر على بَثٍّ وإشادة.

فالأوّل : قولُهم شَيَّعَ فلانٌ فلاناً عند شُخوصه. ويقال آتِيكَ غداً أو شيْعَه ، أى اليوم الذى بعده ، كأنَّ الثّانى مُشيِّع للأوّل فى المضىّ. وقال الشّاعر (١) :

قال الخليطُ غداً تَصَدُّعُنا

أو شَيْعَه أفلا تُوَدِّعُنا

ويقال للشجاع : المشيَّع ؛ كأنَّه لقُوَّته قد قَوِى وشُيِّع بغيره ، أو شُيِّع بقُوّة.

وزعم ناسٌ أنَ الشَّيْعَ شِبل الأسد ، ولم أسمعْه من عالمٍ سَماعاً. ويقول ناس : إنَ الشَيْع المِقدار ، فى قولهم : أقام شهراً أو شَيْعَه. والصَّحيح ما قلته ، فى أنّ المشيِّع هو الذى يُساعِد الآخَر ويقارنه. والشِّيعة : الأعوان والأنصار.

وأما الآخَر [فقولهم]. شاع الحديث ، إذا ذاع وانتشر. ويقال شَيَّع الراعى إبلَه ، إذا صاح فيها. والاسم الشِّيَاع : القصبة التى ينفُخ فيها الراعى. قال :

حنينَ النِّيبِ تَطربُ للشِّياع

ومن الباب قولهم فى ذلك : له سهم شاثع ، إذا كان غير مقسومٍ. وكأنّ من له (٢)

__________________

(١) هو عمر بن أبى رببعة. ديوانه ١٠٦ واللسان (شيع).

(٢) فى الأصل : «وكأنه من الأول».


سهمٌ ونَصِيب انتشر فى السَّهم حتَّى أخذه ، كما يَشِيع الحديثُ فى الناس فيأخذ سَمع كلِّ أحد.

ومن هذا الباب : شيَّعت النّارَ فى الحطب ، إِذا ألْهَبْتَها.

شيق الشين والياء والقاف كلمة. يقال إنَ الشِّيق الشّق الضّيق فى رأس الجَبل. قال :

شغْواء تُوطنُ بين الشِّيقِ والنِّيقِ (١)

شيم الشين والياء والميم أصلانِ متباينان ، وكأنّهما من باب الأضداد إذْ أحدُهما يدلُّ على الإظهار ، والآخَر يدلُّ على خلافه.

فالأول قولهم : شِمْت السّيفَ ، إذا سللتَه. ويقال للتُّراب الذى يُحفَر فيستخرج من الأرض الشِّيمة ، والجمع الشِّيَم.* ومن الباب : شِمْت البرقَ أشيِمُه شَيماً ، إذا رقَبْتَه تنظر أينَ يَصُوب. وهذا محمول على الذى ذكرناه من شَيْم السَّيف.

وقال الأعشى :

فقلتُ للشَّرْبِ فى دُرْنا وقد ثَمِلوا

شيموا وكيف يَشيم الشَّاربُ الثَّمِلْ (٢)

كأنَّه لما رقَبَ السَّحاب شام بَرقَهَ كايُشام السَّيف.

والأصل الآخَر : قولُهم شِمت السيفَ ، إِذا قَرَبْتَه (٣). ومن الباب الشِّيمة : خَلِيقة الإنسان ، سمِّيت شيمةً لأنّها كأنها مُنْشامة فيه داخلةٌ مستكِنّة. والانشيام : الدُّخول فى الشىء ؛ يقال انشام فى الأمر ، إذا دخل فيه. والمَشِيمَة : غِشاءُ ولَدِ

__________________

(١) أنشده فى اللسان (شيق).

(٢) البيت من معلقته المشهورة.

(٣) قرب السيف : جعله فى قرابه ، وهو الغمد.


الإِنسان ، وهو الذى يقال له مِن غيرِه السَّلَى. وسمِّيت بذلك كأن الولد قد انشام فيها.

فأما الشّامَة فيمكن أن يكون من الباب الأول ؛ لأنّها شىء بارزٌ ، يقال منها رجلٌ أشيم ، وهو الذى به شامة.

شين الشين والياء والنون كلمةٌ تدلُّ على خلاف الزينة. يقال شانَه خلافُ زانه. والله أعلم بالصواب.

باب الشين والهمزة وما يثلثهما

شأت الشين والهمزة والتاء. إنَ الشئيِت من الأفراس : العَثُور.

كميتٌ لا أحَقُّ ولا شئيتُ (١)

شأز الشين والهمزة والزاء أُصَيْلٌ يدل على قلق وتَعَادٍ (٢) فى مكان. من ذلك المكان الشّأْز ، وهو الخشِن المتعادِى. قال رؤبة :

شأزٍ بمَنْ عَوَّه جدْبِ المنطَلَق (٣)

ويقال أشْأَزهُ (٤) الشىءُ ، إذا أقْلَقَه.

شأس الشين والهمزة والسين ، هو كالباب الذى قبلَه ، وليس يبعُد أن يكونَ من باب الإبدال. فشَأسٌ : اسم رجل. والشَّأْس : المكان الغليظ.

__________________

(١) لرجل من الأنصار ، أو عدى بن خرشة الخطمى. وقد سبق فى (حق).

(٢) التعادى : التفاوت وعدم الاستواء. فى الأصل : «ويقاد» ، تحريف.

(٣) ديوان رؤبة ١٠٤. وأنشده فى اللسان (شأز) بلفظ «شاز» بترك الهمز.

(٤) فى الأصل : «الشأز» ، تحريف. وفى المجمل : «أشأزنى».


شأف الشين والهمزة والفاء كلمةٌ تدل على البِغْضة. من ذلك الشّآفة (١) وهى البِغْضة ؛ يقال شأفْتُه شَأَفاً. قال : ومن الباب الشَّأْفة ، وهى قَرْحة تخرج بالأَسنان فتُكوَى وتذهب ، يقولون : استأصَلَ اللهُ شأفتَه ، يقال شُئِفت رجلُه ، فمعناه أذْهَبَه الله كاأذهب ذاك. وإنّما سمِّيت شأفةً لِمَا ذكرناه من الكراهة والبِغضة.

شأن الشين والهمزة والنون أصلٌ واحد يدلُّ على ابتغاءٍ وطلب. من ذلك قولُ العرب : شَأنْت شأنَه ، أى قصدت قصده. وأنشدوا :

يا طالِب الجُود إنّ الجُود مكرُمةٌ

لا البخلُ منك ولا من شأنك الجُودَا (٢)

قالوا : معناه ولا من طلبك الجودَ.

ومن ذلك قولُهم : ما هذا من شأنى ، أى ما هذا مِن مَطلَبى والذى أبتغيه (٣). وأمّا الشئون فَمَا بينَ قبائل الرأس ، الواحد شأن. وإنّما سمِّيتْ بذلك لأنّهَا مَجارِى الدَّمع ، كأنّ الدّمع يطلبُها ويجعلُها لنفسه مَسِيلاً.

شأو الشين والهمزة والواو كلمتان متباعدتان جدًّا.

فالأول السَّبْق ، يقال شأوته أى سبَقْتُه.

والكلمة الأخرى الشَّأْوُ : ما يخرج من البئر إذا نُظِّفت. ويقال للزَّبيل الذى يُخرَج به ذلك المِشْآة (٤).

__________________

(١) شاهده قوله :

وما لشافة في غير شيء

إذا ولى صديقك من طبيت

(٢) كتب تحت البيت فى حاشية المجمل : «مفعول به ، أعنى الجودا».

(٣) فى الأصل : «والذى أبتغيه الجودا». وكلمة «الجود» مقحمة.

(٤) فى الأصل : «الشاة» ، صوابه من المجمل واللسان.


شأى الشين والهمزة والياء كلمةٌ من باب الإبدال ، على اختلافٍ فيها. قال قوم : شأيت مثل شأوت فى السَّبْق ؛ يقال منه شأى واشتأى [قاله المفضّل (١)] ، وأنشد :

فأيِّهْ بكِنْدِيرٍ حِمار أبنِ واقِع

رآك بِكِيرٍ فاشْتَأَى من عُتَائِدِ (٢)

وقال قوم : اشتأى : أشرفَ. والذى قاله المفضَّل أصوب وأقيَس.

شأم الشين والهمزة والميم أصلٌ واحد يدلُّ على الجانب اليَسار. من ذلك المشأمة ، وهى خلاف الميمنة. والشْأم : أرضٌ عن مَشْأمة القِبلة. يقال الشَّأمُ والشَّآم. ويقال رجل شآمٍ وامرأةٌ شآمِيَة. قال :

أُمِّى شآمِيَةً إِذْ لا عرَاقَ لنا

قوماً نودُّهُمُ إِذْ قومُنا شُوسُ (٣)

ورجل مشئومٌ من الشُّؤم.

باب الشين والباء وما يثلثهما

شبث الشين والباء والثاء أُصَيلٌ يدل على تعلق الشىءِ بالشىء. من ذلك قولُهم تشبّثْت ، أى تعلّقت. ومن ذلك الشَّبَثُ ، وهى دوْيَّبة من أحْناش الأرض ، كأنها تشبَّثت بما مرَّت. والجمع شِبْثَانٌ. قال :

__________________

(١) التكملة من المجمل. والكلام بعد يتطلبها.

(٢) كير : جبل فى أرض غطفان. وعتائد : ماء بالحجاز.

(٣) البيت للمتلمس فى ديوانه ٥ مخطوطة الشنقيطى. أمى ، أى اقصدى تلك الجهة الشآمية ، يخاطب بذلك ناقته. وقد يكون فهم ابن فارس أن المتلمس عنى أن أمه شآمية ، ولكنى أجل قدره عن ذلك.


مدارجُ شِبْثانٍ لهنَّ هميمُ (١)

أى دبيب.

شبح الشين والباء والحاء أصلٌ صحيح يدلُّ على امتداد الشىء فى عِرَض. من ذلك الشَّبَح ، وهو الشَّخْص ، سمِّى بذلك لأنَّ فيه امتداداً وعِرَضاً. والمشبوح : الرجل العُظام. قال أبو ذُؤَيبٍ الهذلىّ :

وذلك مشبوحُ الذِّراعينِ خلجمٌ (٢)

وشبَحْتُ الشىءَ : مددتُه. و [من] ذلك شَبْحُه ذراعَيه فى الدُّعاء وغيرِه. ويقال للحرباء إذا امتدَّ على العود : قد شَبَح.

شبر الشين والباء والراء أصلان : أحدهما بعض الأعضاء ، والآخر الفَضْل والعطاء.

فالأول الشِّبر شِبر الإنسان ، وهو مذكر ، يقال : شَبَرت الثّوب شَبراً. والشِّبر : الذى يُشبَر به. ويقال للرّجُل القصير المتقارِب الخلْق : هو قصير الشَّبر. والمَشابِر : أنهارٌ تنخفض فيتأدَّى إليها الماء. وكأنّها إنما سمِّيت مشابِرَ لأنّ عَرْضها قليل.

والأصل الثانى الشَّبَرُ : الخير والفضل والعطاء. قال عدىّ :

لم أخُنْه والذى أَعطَى الشَّبَرْ (٣)

__________________

(١) لساعدة بن جؤية فى اللسان (شبث) وديوانه ٢٣٠ وسيأتى فى (هم وصدره :

ترى أثره في صنحتيه كأنه

(٢) صدر بيت لأبى ذؤيب فى ديوانه ٣٠. وعجزه

خشوف إذا ما الحرب؟ مرارها

(٣) قبله فى اللسان (شبر) :

إذا أتاني نبأ من منعمر


ويقال : أشْبَرتُه بكذا ، أى خَصَصْتُه. ورُوى عن بعضهم أنّه قال : الشَّبَر : شىءٌ يعطيه النّصارى بعضُهم بعضاً على معنى القُربان (١). وليس هذا بشىء. وقياس الشَّبَر ما ذكرناه.

ومن الباب قولُهم : أعطاها شَبْرَها ، وذلك فى حقّ النِّكاح إذا أعطاها حقَّها. وجاء

فى الحديث أنّه نهى عن شَبْر الجَمَل. وذلك كِراؤه والذى يُؤخَذ على ضرابه ، وذلك كعَسْب الفحل. ويقال من الباب : شُبِّرَ ، إذا عُظِّم.

شبص الشين والباء والصاد ليس بشىء. وحكى ابنُ دريدٍ (٢) : الشَّبَص الخُشونة. وليس هو بشىء. قال : ويقال : تشَبَّص الشجر : دخل بعضُه فى بعض (٣).

شبع الشين والباء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على امتلاءٍ فى أكل وغيره. من ذلك شَبِع الرجل شِبَعا وشِبْعاً ، ورجلٌ شبعانُ. ثم اشتُقَّ من ذلك أشبعت الثّوبَ صِبْغاً. ويقال امرأة شَبْعَى الخَلخال ، أى ممتلئة ، وذلك مِنْ كَثْرة لحمِ ساقها. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «المتشبِّع بما ليس عنده كلابسِ ثوبَىْ زُورٍ». يريد المتكَثِّر بما ليس عنده ، وهذا مَثَلٌ ، كأنّه أراد : يُظهر شِبَعا وهو جائع ، وذلك كما تقول العرب : «تَجَشَّأَ لُقْمانُ من غير شِبَع». ومن الباب قولُهم : [ثوبٌ (٤)] شَبِيع الغَزْلِ ، أى كثيرُه.

__________________

(١) ذكر هذا المعنى فى القاموس ، ولم يذكر فى اللسان.

(٢) الجمهرة (١ : ٢٩١).

(٣) زاد بعده فى الجمهرة : «لغة يمانية» ، وكذا فى اللسان.

(٤) التكملة من المجمل واللسان.


ومما يجرى مَجرى التَّشبيه من هذا الباب : قولهم : شبِعت من هذا الأمر ورَوِيت ، وذلك [إِذا] كرهتَه.

شبق الشين والباء والقاف كلمةٌ واحدة : الشَّبَق ، وهو شهوة النِّكاح.

شبك الشين والباء والكاف أصلٌ صحيح يدلُّ على تداخُل الشىء يقال شبَّكَ أصابعَه تشبيكاً. ويقال : بين القوم شُبْكةُ نَسَبٍ ، أى مُداخَلة ومن ذلك الشَّبَكة.

شبل الشين والباء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على عطفٍ ووُدٍّ. يقال لكل عاطفٍ على شىء وادّ له : مُشْبِل. ومنه اشتقاق الشِّبْل ، وهو ولد الأسَد ، لعطف أبوَيْه علمه. ويقال لبؤةٌ مُشْبِلٌ ، إذا كان معها أولادُها. وأشبلتِ المرأةُ ، إذا صَبَرت على أولادها فلم تتزوَّجْ. وقال الكميت :

المُلَبْلِبٌ والمُشْبِلُ (١)

وحكى عن الكسائىّ : شَبَلْت فى بنى فلانٍ ، إذا نَشأتَ فيهم. وقد شَبَل الغلامُ أحْسَنَ الشُّبول ، إذا أدْرَكَ. وهذا على السَّعة والمجاز ، لأنه يُشبَل عليه أى يُعطَف.

شبم الشين والباء والميم كلمتان متباينتان جدًّا ، إحداهما الشَّبَم البَرْد ، والشّبِم : البارد. والأخرى الشِّبَام : خشبة تُعَرَّض فى* فم الجدْى لئَلا

__________________

(١) جزء من بيت له فى اللسان (لبب ، شبل). وسيأتى فى (لب). وهو بتمامه :

ومنا إذا حزبتك الأمور

عليك الباب و؟


يرضَع ، ثمّ يشبَّه بذلك فيقال الشِّبامان : خيطانِ فى البرقع ، تشدُّهما المرأةُ فى قفاها.

شبه الشين والباء والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تشابُه الشّىء وتشاكُلِه لوناً ووَصْفا. يقال شِبْه وشَبَه وشَبيه. والشّبَهُ (١) من الجواهر : الذى يشبه الذّهَب. والمُشَبِّهَات (٢) من الأمور : المشكلات. واشتبه الأمرانِ ، إذا أشْكَلَا.

ومما شذ عن ذلِكَ الشّبَهَانُ (٣).

شبو الشين والباء والحرف المعتل أصلان ، أحدهما يدل على حَدٍّ وحِدّة ، والآخر يدل على نَمَاءٍ (٤) وفضلٍ وكرامة.

فالشّبَاةُ حدُّ كلِّ شىء شَبَاتُه ، والجمع الشّبَا والشَّبَوَات. والشَّبْوَةُ (٥) : اسم للعقرب ، وإنّما سمِّيت بذلك لِشَبَاةِ إبرتها. قال :

قد جعلَتْ شَبْوَةُ تزبَئِرُّ (٦)

__________________

(١) ويقال أيضا الشبه بالكسر. وتحقيقه أنه ضرب من النحاس يلقى عليه مادة أخرى فبصفر ويشبه الذهب.

(٢) وكذا فى المحمل مع هذا الضبط. وفى اللسان «المشتبهات». وفى القاموس : «وأمور مشتبهة ومشبهة ، كمعظمة : مشكلة». فهن ثلاث لغات.

(٣) الشبهان : ضرب من العضاه أو من الرياحين.

(٤) فى الأصل : «ماء» ، تحريف.

(٥) فى اللسان «والنحويون يقولون : شبوة العقرب ، معرفة لا تنصرف ، ولا تدخلها الألف واللام».

(٦) بعده فى اللسان (شبا) :

تكسواستها لحما وتقشعر


وذكر اللِّحيانى أنّ الجاريةَ الفحّاشة يقال لها شَبْوة. وإنّما سمِّيت بذلك تشبيهاً لها بالعقرب.

والأصل الآخر الإشباء : الإكرام : يقال أتى فلانٌ فلاناً فأشْبَاهُ ، أى أكرمَه. ويقال أشبَيْتُ الرّجُلَ ، إذا رفعتَه للمجد والشّرف. قال ذو الإصبع :

وهم مَن ولدوا أشبَوْا

بسِرِّ النّسبِ المَحضِ (١)

والمُشْبِى : الذى يُولَد له ولدٌ ذكىٌّ. وقد أشْبَى. وأشْبَت الشّجرةُ : طالت. ويقال أشبَى فلاناً ولدُه ، إذا أشْبهوه. وأنشدوا :

أنا ابنُ الذى لم يُخْزِنِى فى حياته

قديماً ومن أشبَى أباه فما ظَلَمْ (٢)

والله أعلم.

باب الشين والتاء وما يثلثهما

شتر الشين والتاء والراء يدلُّ على خرقٍ فى شىء. من ذلك الشتَر فى العين : انقلابٌ فى جفنها الأسفل مع خرقٍ يكون. ويشتقّ من ذلك قولهم : شتَّر به ، إِذا انتقصَه وعابَه ومزّقه.

شتم الشين والتاء والميم يدلُّ على كراهةٍ وبِغضة. من ذلك الأسد الشتيم ، وهو الكريه الوَجه. وكذلك الحِمار الشتيم. واشتقاقُ الشتم منه ، لأنّه كلامٌ كريه.

__________________

(١) سبق الكلام على هذا البيت فى مادة (سر) ص ٧٠.

(٢) فى الأصل : «فقد ظلم» ، وليس يقولها العرب.


شتو الشين والتاء والحرف المعتلّ أصلٌ واحد لزمانٍ من الأزمنة ، وهو الشِّتاء : خلافُ الصَّيف. وهى الشَّتْوة ، بفتح الشين. والموضع المَشْتاة والمَشْتَى. قال طَرَفة :

نَحْنُ فى المشتاةِ ندعُو الجَفَلَى

لا تَرَى الآدِبَ فينا ينتقِرْ

وقال الخليل : الشِّتاء معروف ، والواحد الشَّتوة. وهذا قياسٌ جيِّد ، وهو مثل شَكوة وشِكاء. ويقال أشتى القوم ، إذا دخَلوا فى الشتاء ؛ وشَتَوا ، إذا أصابهم الشِّتاء.

باب الشين والثاء وما يثلثهما

شثن الشين والثاء والنون. الشَّثْن : الغليظ الأصابع. وكلُّ ما غلُظ من عُضو فهو شَثْن. قد شَثُن وَشَثِن. والله أعلم.

باب الشين والجيم وما يثلثهما

شجذ الشين والجيم والذال كلمةٌ واحدة. يقال أشْجَذَت السماء ، إذا سَكَن مطرُها. قال امرؤُ القيس :

تُظهِر الوَدَّ إذا ما أَشجَذَتْ

وتُواريهِ إذا ما تَشتكِرْ (١)

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ١٤٣ واللسان (شجذ ، شكر).


قال ابن دريد (١) : «الوَدّ : جبلٌ معروف. وتشتكر : يشتدُّ مطرُها ، من قولهم اشتكر الضَّرعُ ، إذا امتلأ لَبَناً». وأمَّا نُسختى مِن كتاب العين للخليل ، ففيها أنّ الشّين والجيم والذال مهمل ، فلا أدرِى أهى سَقَطٌ فى السَّماع ، أم خفيت الكلمةُ على مؤلِّف الكتاب (٢). والكلمة صحيحة (٣).

شجر الشين والجيم والراء أصلان متداخلان ، يقرُب بعضُهما من بعض ، ولا يخلو معناهما من تداخُل الشّىء بعضِه فى بعض ، ومن عُلُوٍّ فى شىءٍ وارتفاع. وقد جمعنا بين فروع هذين البابين ، لما ذكرناه من تداخُلِهما.

فالشَّجَر* معروفٌ ، الواحدةُ شَجرة ، وهى لا تخلو من ارتفاعٍ وتداخُلِ أغصان. ووادٍ شَجِر (٤) : كثير الشجر. ويقال : هذه الأرضُ أشجَرُ من غيرها ، أى أكثر شجَراً. والشّجَر: كلُّ نبتٍ له ساقٌ. قال الله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ). وشَجَر بين القوم الأمرُ ، إذا اختلف أو اختَلَفوا وتشاجَرُوا فيه ، وسمِّيت مشاجرةً (٥) لتداخُلِ كلامِهم بعضِه فى بعض. واشتجروا : تنازَعوا. قال الله سبحانه وتعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ).

__________________

(١) الجمهرة (٢ : ٧٢).

(٢) فى الأصل : «أعنى سقط» الخ ، والصواب ما أثبت. وفى المجمل : «فلا أدرى أسقط من كتابى أم خفى على مؤلفه».

(٣) زاد فى المجمل : «لا شك فيها».

(٤) المجمل : «شجير» ، وكلاهما صحيح. اللسان (شجر ٦٢).

(٥) فى الأصل : «مشاجرتهم».


وأمّا شَجْرُ الإنسان ، فقال قوم : هو مَفْرَج الفم. وكان الأصمعىُّ يقول : الشَّجْر الذَّقَنُ بعينه. والقولان عندنا متقاربان ؛ لأنَّ اللَّحيين إذا اجتمعا ، فقد اشتجرا ، كما ذكرناهُ من قياس الكلمة : ويقال اشتَجَر الرّجُل ، إذا وضع يده على شَجْرِهِ (١). قال :

إنِّى أرِقْتُ فيِتُّ اللّيلَ مشتِجراً

كأَنْ عَينِىَ فيها الصَّابُ مذبوح (٢)

ويقال : شجرتُ الشّىءَ ، إذا تدلّى فرفعتَه. والشِجَّار : خشب الهَوْدَج. والمعنيان جميعاً فيه موجودان ، لأنّ ثمَّ ارتفاعا وتداخُلا. والمِشْجَر سمِّى مِشجَراً لتداخُل بعضِه فى بعض. وتشاجَرَ القومُ بالرّماح : تطاعَنُوا بها. والأرض الشجْراء والشَّجِرةُ : الكثيرة الشجَر. قال ابْنُ دريد : ولا يقال وادٍ شجراء.

شجع الشين والجيم والعين أصلٌ واحد يدلُّ على جُرأةٍ وإقدام ، وربَّما كان هناك ببعض الطُّول ، وهو بابٌ واحدٌ. من ذلك الرَّجُل الشجاع ، وهو المِقدام ، وجمعه شجْعةٌ (٣) وشُجَعاء. قال أبن دريد (٤) : «ولا تلتفت إلى قولهم شُجْعانٌ ، فإنّه خطأ. قال أبو زيد : سمعت الكِلابيِّين يقولون : رجلٌ شُجاع ، ولا يوصف به المرأة. هذا قول أبى زيد».

__________________

(١) فى الأصل : «شجرة» ، تحريف.

(٢) البيت لأبى ذؤيب الهذلى ، فى ديوانه ١٠٤ واللسان (شجر).

(٣) الشجعة ، هذه بتثليث حركات الشين.

(٤) الجمهرة (٢ : ٩٦).


وحُدِّثْنا عن الخليل بإسنادِ الكتاب : رجلٌ شجاعٌ وامرأة شُجاعة ونسوةٌ شُجاعات. وقد ذَكر أيضاً الشجعانَ فى جمع شجاع. والشجاع : الحيَّة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يجىءُ كَنْزُ أحدهم يومَ القيامة شُجاعاً أَقْرَعَ». فأمّا الشَّجَع فى الإبل فقال قوم : هو سرعةُ نَقْلِ القوائم ، ثم يقال جمل شَجِع وناقةٌ شجِعة. ويقال هو الطُّول ، وأنشد :

فرَكِبْناها على مَجهولها

بِصِلاب الأرض فيهنَ شَجَع (١)

ويقال إنّ الشَّجَع الجُنون. وقال أهلُ اللغة : وهذا خطأ ، ولو كان الشَّجع جُنوناً [ما (٢)] وصف قوائمها. والشَّجِعة من النِّساء : الجريتة. والّلبُؤة الشجْعاء هى الجريئة ، وكذلك الأسد أشْجَع. فيقال إنّ الأشجَعَ من الرِّجال : الذى كأَنَّ به جنوناً. والأشجع : العصب الممدود فى الرِّجل فوق السُّلامَى.

شجن الشين والجيم والنون أصلٌ واحد يدلُّ على اتّصال الشىءِ والتفافِه. من ذلك الشِّجْنة ، وهى الشجَر الملتفّ. ويقال بينى وبينه شِجْنةُ رَحمٍ ، يريد اتّصالَها والتفافَها. ويقال للحاجة الشجَن ، وإنّما سمِّيت بذلك لا لتباسها وتعلُّق القلبِ بها ؛ والجمع شجون. قال :

والنّفس شتَّى شجونُها (٣)

والأشجان : جمع شجَن. قال :

__________________

(١) البيت لسويد بن أبى كاهل اليشكرى ، فى المفضليات (١ : ١٨٨) واللسان (شجع).

(٢) التكمله من المجمل.

(٣) البيت بتمامه ، كما فى اللسان رواية عن ابن برى :

ذكرت حيث استأمن الوحش والتقت

رفاق به والنفس شتى؟


لى شَجَنانِ شجَنٌ بنجدِ

وشجَنٌ لى ببلاد الهِنْدِ (١)

والشواجن : أوديةٌ غامضة كثيرةُ الشجَر ، وسمِّيت به لتشاجُنِ الشجَر.

قال الطرمَّاح :

كظَهْرِ اللّأَى لو تُبتَغَى رَيَّةٌ بها

نهاراً لعَيَّتْ فى بطون الشَّواجِنِ (٢)

شجوى الشين والجيم والحرف المعتل يدلُّ على شدّةٍ وصُعوبة ، وأن يَنْشَب الشَّىءُ فى ضيقٍ. من ذلك الشَّجْو : الحُزْن والهَمّ ، يقال شجاه يشجوه. وشجانى الشىءُ ، إذا حَزَنَك(٣). والشَّجَى : ما نَشِبَ فى الحَلق من غُصَّةِ هَمٍّ. ومفازةٌ شجْواء : ضيّقة المسلك.

شجب الشين والجيم والباء كلمتان ، تدلُّ إحداهما على تداخل ، والأخرى تدلُّ على ذَهابٍ وبُطلان.

الأولى : قول العرب تشاجَبَ الأمر ، إذا اختلطَ ودخل بعضُه فى بعض. قالوا : ومنه اشتقاق المِشجَب ، وهى خشباتٌ متداخِلة موثَّقة تُنصَب وتُنشَر عليها الثِّياب. والشُجوب : أعمدةٌ من عُمُد البيت. قال :

وهُنَّ معاً قِيَامٌ كالشُّجوبِ (٤)

__________________

(١) وكذا فى اللسان (شجن). وفى الصحاح : «ببلاد السند».

(٢) ديوان الطرماح ١٦٥ واللسان (شجن) برواية : «رية به». وسيأتى فى (لأى).

(٣) فى الأصل : «حزنه».

(٤) البيت لأبى رعاس الهذلى ، أو أسامة بن الحارث الهذلى. انظر اللسان (شجب ، هدن) وملحق القسم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ١١٠. وصدره :

فسامونا الهدانة من قريب


ويقال ـ * وهو ذلك المعنى ـ إن الشجاب السِّداد ، يقال شجبه بشجابٍ ، أى سدَّه.

وأمّا الأصل الآخر فالشجِب ، وهو الهالك. يقال قد شجِب. وقال :

فمن يَكُ فى قتلِهِ يمترى

فإنّ أبا نوفل قد شجِبْ (١)

وربَّما سمَّوُا المحزون شَجِباً. ويقولون شجَبه ، إذا حَزَنه. وشجبه الله ، أى أهلكه الله. قال ابن السّكِّيت : شجَبَهُ يَشْجُبُه شجْباً ، إذا شغله ، وأصل الشجْب ما ذكرناه ، وكلُّ ما بعدَه فمحمولٌ عليه.

باب الشين والحاء وما يثلثهما

شحذ الشين والحاء والذال أصلٌ واحد يدلُّ على خِفّة وحِدّة. من ذلك شَحَذْت الحديدَ ، إذا حدَّدتَه. ويقال إن المشاحيذ رءوس الجبال ، وإنّما سمِّيت بذلك للحِدَّة التى ذكرنَاها. ومن الخِفّة قولهم للجائع : شَحْذان. ويقال إنَ الشحْذان الخفيف فى سَعِيه.

شحر شحر الشين والحاء والراء ليس بشىء ، وهو لعلّه اسم بلد (٢).

شحص الشين والحاء والصاد كلمةٌ واحدة ، يقال إنّ الشحَص الشاةُ لا لبَنَ لها ، ويقال هى التى لم يُنْزَ عليها قط. وفى كتاب الخليل : الشّحْصاء.

__________________

(١) نسب لعنترة فى شرح الحماسة للمرزوفى ٤٢٠.

(٢) يعنى «الشحر» بالكسر ، وهو بلاد بين عدن وعمان.


شحط الشين والحاء والطاء أصلان : أحدهما البُعد ، والآخر اختلاطٌ فى شىءٍ واضطراب.

فالأوّل : قولهم شَحَطَتِ الدار تَشْحَطُ شحْطَا وشحوطا ، وهى شاحطة.

وأمّا الأصل الآخر فالشحْط ، وهو الاضْطرابُ فى الدَّمِ. ويُقال للولد إذا اضْطربَ فى السَّلى : هو يتشحط فى دمه. ومنه اللّبن المشحوط ، وهو الذى يُصَبُّ عليه الماء. ومن الباب : الشحْطَة : داءٌ يأخذ الإبلَ لا تكاد أن تنحوَ منه. ومن الباب المِشحط : عُوَيدٌ يُوضَع عند قضيب الكرم يَقِيِه الأرضَ (١). وقال قوم : إنّ الشَّحْط ذَرْق الطّير. وأنشدوا :

ومُلْبِدٍ بين مَوْماةٍ بمَهْلَكَةٍ

جاوزتُه بِعَلاةِ الخَلْقِ عِلْيانِ (٢)

كأَنَّما الشحْط فى أعلى حَمائره

سبائِب الرَّيْط من قَزٍّ وكَتّانِ

فإِن صح هذا فهو أيضا من الاختلاط.

شحم الشين والحاء والميم أصلٌ يدلُّ على جِنسٍ من اللّحم. من ذلك الشّحم ، وهو معروف. وشَحْمة الأُذُن : مُعَلّق القُرْط. ورجلٌ مُشْحِمٌ كثير الشَّحْم ، وإن كان يحبُّه قيل شَحِم ، وإن كان يطعمه أصحابَه قيل شاحم ، فإِن كان يبيعه قيل شَحَّام.

شحن الشين والحاء والنون أصلانِ متباينان ، أحدُهما يدلُّ على المَلء ، والآخر على البُعْد.

__________________

(١) فى الأصل : «يقيد الأرض» ، تحريف. وفى المجمل : «بقيه من الأرض».

(٢) البيتان فى اللسان (بلد ، علا ، حمر) ، وسبق إنشادهما فى (بلد ، حمر).


فالأوّل قولهم : شَحَنْتُ السّفينةَ ، إذا ملأتَها. ومن الباب أشحن فلان للبكاء ، إذا تهيّأ له كأنّه اجتمع له (١).

وأما الآخَر فالشَّحْن الطّرْد ، يقال شحنَهم إذا طردَهم. ويقال للشّىءِ الشديد الحموضة : إنّه ليَشْحَن الذِّبّانَ ، أى يطردُها. ومن الباب الشّحْناء ، وهى العداوة. وعدُوٌّ مشاحِنٌ ، أى مُباعِد. والعداوةُ تَبَاعُدٌ.

شحوى الشين والحاء والحرف المعتلّ يدلُّ على أصلٍ ، وهو فَتْح الشّىء. فالشّحْوَة : ما بينَ الرِّجلين إذا خَطا الانسان. ويقال للفَرَس الواسع الخَطْو : هو بعيدُ الشَّحْوة. وشَحَا الرّجلُ فاه. وشَحا الفمُ نفسُه. ويصلح فى مصدره الشَّحْىُ والشَّحْو. ويقال شَحَى اللِّجامُ فمَ الفرسِ شَحْياً. ويقال جاءت الخيل شواحِىَ ، أى فاتحاتٍ أفواهَها. قال :

شاحِىَ لَحْيَىْ قعْقُعانىِّ الصَّلَقْ (٢)

شحب الشين والحاء والباء أصلٌ واحد يدلُّ على تغيُّر اللَّون ، والمصدر منه الشُّحوب. يقال شَحَب وشَحُب يَشْحُب. ولونٌ شاحب. قال :

تقولُ ابنتى لمَّا رأتنىَ شاحباً

كأنّك فينا يا أَباتَ غَرِيبُ (٣)

ويقال ، حكاه الدريدى : شَجَتُ الأرضَ : قشرتُها. فإذا كانت الرواية صحيحةً فهو القياس.

__________________

(١) فى الأصل : «أجمع له».

(٢) لرؤبة بن العجاج فى ديوانه ١٠٦ واللسان (قعع).

(٣) البيت فى اللسان (أبى ٨ ، ١٠).


شحج الشين والحاء والجيم أصلٌ يدلُّ على صوتٍ. من ذلك شَحَجَ الغراب يَشْحَج ، وكذلك البغل. [والبغال] بَناتُ شاحج (١). ويقولون للحمار الوحشىّ مِشحج وشَحَّاج. والله أعلم بالصواب.

باب الشين والخاء وما يثلثهما

شخر الشين والخاء والراء. الأصل الصحيح يدلُّ على صوت. وقد حُكِيت فيه كلمةٌ أخرى إنْ صحّتْ.

فالأصل الشّخير : تردُّدُ الصَّوت فى الحَلْق. ويقال : الشّخير : رفْع الصوت بالنّخْر. وهذا مشهورٌ.

والكلمة الأخرى قولهم إنّ الشّخير ما تحاتَّ من الجَبَل ، إذا وطئَتْه الأقدام.

قال الشاعر :

بنُطفةِ بارقٍ فى رأس نِيقٍ

مُنيفٍ دونَها منه شَخير (٢)

شخز الشين والخاء والزاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على عَناءٍ وأذًى. قالوا : الشّخْز : المشقّة والعَناء. قال الراجز (٣) :

__________________

(١) التكملة قبله من المجمل. وفى المجمل : «بنات شحاج». وفى القاموس أيضا : «والبغال بنات شحاج ككتان» ، ولم تذكر فى اللسان (شحج) ، وذكرت فى (بنى ١٠٠) قال : «وبنات شحاج : البغال». أما ابن سيده فقد ذكر فى باب البنات من المخصص (١٣ : ٢١٢) «ابن السكيت : بنات شحاج البغال ، وبنات صهال الخيل». وكذا فى المزهر (١ : ٥٢٥).

(٢) البيت فى اللسان (شخر).

(٣) هو رؤبة بن العجاج. ديوانه ٦٤ واللسان (شخر).


إذا الأمور أُولِعَتْ بالشّخْزِ

ويقال إنّ الشّخْز الطّعْن.

شخس الشين والخاء والسين أصلٌ صحيح يدلُّ على اعوجاج وزوالِ عن نهج الاستقامة. من ذلك الأسنان المتشاخسة ، وذلك أن يَميل بعضُها ويسقُطَ بعضُها ، ويكون ذلك من الهَرَم. قال الطرِمّاح :

وشَاخَسَ فاه الدّهرُ حتَّى كأنّه (١)

ويقال ضربَه فتشاخَسَ ، أى تمايل. وكلُّ متمايلٍ متشاخِس.

شخص الشين والخاء والصاد أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ارتفاع فى شىء. من ذلك الشّخص ، وهو سوادُ الإنسان إذا سما لَكَ مِن بُعد. ثم يحمل على ذلك فيقال شَخَص من بلدٍ إلى بلد. وذلك قياسُه. ومنه أيضا شُخُوص البَصَر. ويقال رجلٌ شَخِيصٌ وامرأةٌ شَخيصة ، أى جَسيمة. ومن الباب : أشْخَصَ الرّامى ، إذا جاز سَهْمُه الغرضَ من أعلاه ، وهو سهمٌ شَاخص. ويقال ، إذا ورد عليه أمر أقلقه : شُخِص به (٢) ، وذلك أنّه إذا قَلِق نَبَا به مكانُه فارتفع.

شخل الشين والخاء واللام ليس بشىء ، وحكيت فيه كلمة ما أراها من كلام العرب ، على أنّها فى كلام الخلْيل ، قال : الشّخْل : الغلام يصادق الرّجُل.

__________________

(١) عجزه فى الديوان ٣٧٠ واللسان (شخس ، نمس ، كرص) :

منمس تيران الكريص الضوائن

(٢) فى الأصل : «أشخص به» ، صوابه من المجمل واللسان والقاموس.


شخم الشين والخاء والميم كلمةٌ تدلُّ عَلَى تغيّرٍ فى شىء من ذلك : أشخم اللّبن ، إذا تغيّرت رائحتُه. وشَخُمَ الطَّعامُ : فَسَد (١).

شخب الشين والخاء والباء أصيلٌ يدلُّ على امتدادٍ فى شىء يجرى ويسيل. من ذلك الشُّخْب ، وهو ما امتدَّ من الّلبَن حين يُحلَب وشخَبتْ أوداجُ القَتْلَى دماً.

شخت الشين والخاء والتاء كلمةٌ واحدة ، وهو الشىء الشّخْت ، وهو الدقيقُ من حشبٍ وغيره. وقال :

وهل تَسْتوِى المُرّانُ تَخْطِرُ فى الوَغَى

وسَبعةُ عِيدانٍ من العوسج الشَّخْتِ

باب الشين والدال وما يثلثهما

شدف الشين والدال والفاء يدلُّ على ارتفاعٍ فى شىء. من ذلك الشَّدَف وهو الشَّخص ، وقد قلنا إن الشَّخْصَ يدلُّ على سُمُوٍّ وارتفاع. وجمع الشَّدَف شُدوف. ومنه فرسٌ أشدفُ وشُنْدُفٌ. وناسٌ يقولون : الشَّدَف كالميَل فى أحد الشِّقَّيْن والصواب هو الأوّل ، وهو أقْيَس. ويقال للقوس : الشّدْفاءُ ؛ لاعوجاجها.

شدق الشين والدال والقاف أصلٌ يدلُّ على انفراج فى شىء. من ذلك الشِّدق للإنسان وغيره. والشَّدَق : سَعة الشِّدق. ورجلٌ أشدقُ ، وخطيبٌ أشدَقُ. والأصل فى ذلك شِدْقُ الوادى : عُرْضُه. ويقال نزلنا شِدْقَ العراق ، أى ناحيتَه ، وهو الشِّدْقُ (٢).

__________________

(١) فى الأصل : «فيه» ، صوابه من المجمل واللسان والقاموس.

(٢) أى يقال بفتح الشين أيضا. وذكر فى القاموس لغة ثالثة ، وهى «الشديق».


شدن الشين والدال والنون أُصيل يدلُّ على صلاحٍ فى جسم. يقال شَدَن الظبىُ يشدُن شدوناً ، إذا صَلَحَ جسمه. ويقال للمُهْر أيضاً شَدَنَ. فإذا أفردْتَ الشادنَ فهو ولد الظّبْى. وظبيةٌ مُشْدِنٌ. فأمّا الشّدَنية فيقال إنّها المنسوبة إلى موضعٍ باليمن ، قال عنترة :

هل تُبَلَغَنِّى دارَها شَدَنِيَّة

لُعِنَتْ بمحروم الشَّرَابِ مُصَرَّمِ (١)

شده الشين والدال والهاء كلمةٌ من الإبدال. يقال شُدِهَ الرجل مثل دَهِش.

شدو الشين* والدال والحرف المعتلّ أصيلٌ يدلُّ على أخْذٍ بطَرَف من عِلم. من ذلك الشَّدْو ، أنْ يحسِن الإِنسانُ من العلم أو غيره شيئاً. يقال يَشْدُو شيئاً من عِلْم. وقال بعضهم: كلُّ مَن عَلِم شيئاً واستدلَّ ببعضه على بعض فذلك الشَّدْو.

شدح الشين والدال والحاء ليس بشىء. وحُكى أنّ الشَّوْدَح : الطّوِيل من النُّوق. ويقال بل هى السَّريعة. وانشَدَحَ الرجل ، إذا استلقَى على ظهره. وهذا ليس بشىءٍ ، ولعلّه أن يكون انسَدح. وقد ذكرناه (٢).

شدخ الشين والدال والخاء كلمةٌ تدلُّ على كسرِ شىءٍ أجوفَ. من ذلك شدخت الشىءَ شَدْخاً. والمُشَدَّخ : البُسر يُغمَز حتى ينشدخ. ومن ذلك الغُرّة الشَّادِخة : التى تَغْشَى الوجهَ من أصل النّاصية إلى الأنف.

__________________

(١) البيت فى معلقته المشهورة.

(٢) انظر ما سبق فى (سدح).


باب الشين والذال وما يثلثهما

شذر الشين والذال والراء أصلان : أحدهما يدلُّ على تفرُّقِ شىءٍ وتميَّزِه. والآخَر على الوعيد والتسرُّع. من ذلك قولُ العرب : تفرّق القومُ شَذَر مذَر ، إذا تبدَّدُوا فى البلاد. ومنه الشَّذْرة : قطعة من ذَهَب.

وأمّا الأصل الآخَر فالتشذُّر ، وهو كالنَّشاط والتسرُّع للأمر. وتشذَّرَ القومُ فى الحرب : تطاوَلوا. وتشَذّرت النّاقة : حَرّكَتْ رأسَها فَرَحا. والتشذُّر : الوعيد ؛ ومنه حديث سليمان بن صُرَد ، أنَّه بلغه عن علىّ عليه السلام قولٌ «تَشَذَّرَ فيه (١)». فأما قولهم إٍنّ التشذّر الاستثفار بالثَّوب ، فذلك من قياس الباب الذى ذكرناه ، وكأنَّه وُصِف بالجِدّ فى أمره فقيل تشذَّر. ومنه : أتَى فلان فرسَه فتشذَّره ، أى ركِبه من ورائه.

شذم الشين والذال والميم ليس بشىء ، وذكروا فيه كلمةً يقال إنّها من المقلوب. قالوا: الشَّيذمان الذى فى قول الطرماح :

فَرَاها الشَّيذُمانُ عن الجَنِينِ (٢)

يقال إنّما هو الشَّيْمُذان.

__________________

(١) فى اللسان : «بلغنى عن أمير المؤمنين ذرء من قول ، تشذر لى فيه بشتم وإيعاد ، فسرت إليه جوادا. أى مسرعا».

(٢) صدره فى الديوان ١٧٩ واللسان (شذم) :

على حولاء يطفو السخد منها


شذى الشين والذال والحرف المعتل أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على الحَدّ والحِدّة. يقال إنّ فيه شَذَاةً ، أى حِدّةً وجُرأة. وقال الخليل : يقال للجائع إذا اشتد جُوعه : ضَرِم شَذاهُ (١). والشَّذَى : الأذى والشّرّ. ويقال إنّ الشَّذَا ذُباب الكَلْب. والشَّذَا : كِسَرُ العُود ، وأحسِبَه سمِّى بذلك لحِدّة رائحته.

قال الشّاعر :

إذا ما مشَت نَادَى بما فى ثيابِها

رياحُ الشَّذا والمَنْدَلىُّ المطَيَّرُ (٢)

فأمّا الذى من السُّفُن يُعرف بالشَّذَا فما أُراه عربيًّا.

شذب الشين والذال والباء أصلٌ يدلُّ على تجريدِ شىءٍ من قِشره ، ثم يُحمَل عليه. فالشَّذْب : قَشْر اللَّحم. وكلُّ شىءٍ نحَّيتَه عن شىءٍ فقد شَذَبته. ومن الباب : التَّشذيب : التقطيع. فأَمَّا الشوْذَب فمن هذا الباب أيضاً ، وهو الطَّوِيلُ من كلِّ شىء ، كأنّه فى طوله مشذّب ، أى مجرَّد ؛ وإذا جُرِّد الشّىءُ من قِشرِه كانَ أظهَرَ لطُوله. وفرسٌ مشذّب : طويل ، بمنزلة الجذْع المشذّب.

__________________

(١) فى الأصل : «ضرم شذواه» ، صوابه من اللسان.

(٢) هو العجير السلولى ، أو عمرو بن الإطنابة. اللسان (شذا ، طير).


باب الشين والراء وما يثلثهما

شرز الشين والراء والزّاء أصلٌ يدلُّ على خلافِ الخَير ، فى جميع فروعه : من هلاك ، ومنازَعة وغيرِ ذلك. ومن ذلك قول العرب للعدوّ : أشْرزَه الله ، أى أهلكَه. ورماه بشَرْزةٍ ، أى مَهلكة. ويقال إنّ المشارَزة كالمصاحبة والمنازعة. والمشارِز : الرجل السّيىء الخلُق ، الشَّديد الخَلْق.

ومن الباب : أشْرزت [الشىء (١)] ، إذا قطعتَه فلم تصلْه.

شرس الشين والراء والسين أصلٌ قريب من الذى قبله. من ذلك الشَّرْس : شدّة الدّعْك للشّىء. يقال شرَسْتُه شَرساً. والشّرِيس : الشَّكِس الكثير الخِلاف (٢). ويقال تشارَسَ القومُ ، إِذا تعادَوا (٣). ويقال إنّ الشَّرْس نبتٌ بَشِع الطّعم. والأشرس : الرّجُل الجرىء على القتال. ويقال إن الشِّراس الرِّباق (٤).

شرص الشين والراء والصاد ما أحسب فيه شيئاً* صحيحاً ، لأنِّى لا أرى قياسَه مطّرِداً. على أنًّهم يقولون إن الشِّرْصَتَيْن (٥) : ناحيتا النّاصية

__________________

(١) التكملة من المجمل. وقبلها فى الأصل : «شرزت» ، صوابه من المجمل.

(٢) ويقال «شرس» و «أشرس» أيضا.

(٣) فى الأصل : «تهادوا» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) كذا وردت الكلمة بضبطها فى الأصل. فإن صحت كانت جمع ربق ، بالكسر ، وهو الخبل والحلقة يشد بها الغنم الصغار.

(٥) فى الأصل : «الصرشصتين» ، صوابه فى المجمل واللسان.


مما رقّ فيه الشَّعَر. ويقال لكلِّ ضخمٍ رِخْو : شِرْواص (١). ويقال إنّ الشّرَص الغَلْظ من الأرض.

شرط الشين والراء والطاء أصلٌ يدلُّ على عَلَمٍ وعلامة ، وما قارب ذلك من عَلَم. من ذلك الشّرَط العَلَامة. وأشراط الساعة : علاماتُها. ومن ذلك الحديث حين ذكر أشراط الساعة ، وهى علاماتها. وسمِّى الشُّرَط لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامةً يُعرَفون بها. ويقولون : أشرَطَ فلَانٌ نفسهَ للهَلكة ، إذا جعلَها علَمَا للهلاك. ويقال أشْرَطَ من إبله وغنمه ، إذا أعدَّ منها شيئاً للبيع.

قال الشاعر (٢) :

فأشْرَطَ فيها نفسَه وهو مُعْصِمٌ

وألقى بأسبابٍ له وتوكُّلا

ومن الباب شَرْط الحاجم ، وهو معلومٌ ، لأنّ ذلك علامةٌ وأثَر. ويقال إنّ أشراطَ السّاعة أوائلُها. ومن الباب الشّريط ، وهو خَيط يُرْبَق به البَهْم. وإنّما سمِّى بذلك لأنّها إذا رُبِطت به صار لذلك أثَر. ومن الباب الشّرَط ، وهو المَسِيل الصَّغير يجىء من قدر عشر أذرع ، وسمِّى بذلك لأنّه أَثّر فى الأرض كشَرْط الحاجم.

ومن الباب الشّرَطانِ : نجمانِ يقال إنّهما قرنا الحَمَل ، وهما مَعْلَمانِ مُشْتَهِران. ويقال جملٌ شِرواطٌ ، أى ضَخْم. وإنّما سمِّى شِرواطاً لأنّه إذا كان مع إبل تبيَّن كأنّه عَلَم. قال حسّانٌ:

__________________

(١) ذكرت فى القاموس ، ولم تذكر فى اللسان :

(٢) هو أوس بن حجر. ديوانه ٢١ واللسان (شرط ، عصم).


فى نَدًامَى بيضِ الوجوهِ كرامٍ

نُبِّهُوا بعد هَجْعة الأشراطِ (١)

ففيه أقوال : قال قوم : أراد به الشّرَطينٍ والثالثَ بين يديهما ، ويكون على هذا قول من سمّى الثلاثة أشراطا (٢) قال العجاج :

من باكِرِ الأشراط أَشْرَاطىُ (٣)

وقال قوم : أراد بالأشراط الحَرَس. ويقال : الأشراط سِفْلة القوم قال الشّاعر :

أشاريط من أشْرَاطِ أشراطِ طَيِّئٍ

وكان أبوهُم أشْرَطاً وابنَ أشرطا (٤)

ومن ذلك شَرَط المِعْزَى ، وهى رُذَالُها ، فى قول جرير :

ترى شَرَطَ المِعزَى مُهورَ نسائهمْ

وفى شَرَط المِعزَى لهُنَّ مُهورُ (٥)

وقال قوم : اشتقاق الشُّرَط من هذا لأنّهم رُذَال. وقال آخرون : إنّما سُمُّوا شرَطاً لأنّهم جَعَلوا لأنفسهم علامةً يُعرَفون بها ، فأمّا الشَّرَط التى هى الرُّذَال فإنّ وجهَ القياس فيها أنّها تُشْرَط ، أى تقدّم أبداً للنّوائب قبل الجُبَار ، فهى كالذى قُلْناه فى قوله : «فأشرط فيها نَفْسَه» ، أى جعلها عَلَماً للهلاك.

__________________

(١) ديوان حسان ٢٣٥ واللسان (شرط). وفى الديوان : «خفقة الأشراط».

(٢) فى المجمل : «وعلى ذلك تأويل من يسمى تلك الثلاثة أشراطا».

(٣) ديوان العجاج ٦٩ واللسان (شرط).

(٤) أنشده فى اللسان (شرط).

(٥) ديوان جرير ٢٦٦ واللسان (شرط).


شرع الشين والراء والعين أصلٌ واحد ، وهو شىءٌ يُفتَح فى امتدادٍ يكون فيه. من ذلك الشَّريعة ، وهى مورد الشَّارِبة الماء. واشتُقّ من ذلك الشِّرْعة فى الدِّين ، والشَّريعة. قال الله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) ، وقال سبحانه : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ). وقال الشّاعر فى شريعة الماء.

ولمَّا رأتْ أنّ الشّرِيعة همُّها

وأنَّ البياضَ من فرائصها دامِى (١)

ومن الباب : أشرعت الرُّمَح نحوه إشراعاً. وربَّما قالوا فى هذا شَرَعْت. والإبل الشُّرُوع : التى شَرَعت ورَوِيَت. ويقال أشرعْتُ طريقاً ، إذا أنفذتَه وفتحتَه ، وشرعت أيضاً. وحِيتانٌ شُرَّع : تَخفِض رءوسَها تشرب (٢). وشَرَعْت الإبلَ ، إذا أمكنتَها من الشّريعة. هذا هو الأصل ثم حُمِل عليه كلُّ شىء يُمدُّ فى رفعةٍ وغير رفعة. من ذلك الشِّرَع ، وهى الأوتار ، واحدتها شِرْعة ، والشراع جمع الجمع. قال الشاعر :

كما ازدهرت قَينةٌ بالشِّراع (٣)

ومن ذلك شِراع السَّفينة ، هو ممدودٌ فى علوٍّ. وشبّه بذلك عنقُ البعير فقيل

__________________

(١) البيت لامرئ القيس ، وليس فى ديوانه ، هو فى معجم البلدان ، فى رسم (ضارج) مع قصة تتعلق به.

(٢) فى المجمل : «والحيتان الشرع : الرافعة رءوسها ، ويقال بل الخافضة».

(٣) سبقت قطعة منه فى (زهر). وتمام إنشاده فى الحواشى.


شَرَع البعيرُ عنقَه. وقد مَدَّ شِراعَه إذا رفَع عُنقَه. وقيل فى التَّفسير فى قوله تعالى : (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً) : إنّها الرافعةُ رءوسَها ومنه قولهم : رُمْحٌ شُرَاعىٌ ، أى طويل ، فى قول الهُذَلىّ (١). ومن الفتح الذى ذكرناه أوّلاً روايةُ ابنِ السِّكّيت : شرعت الإهاب ، إذا شقَقتَ ما بين رِجلَيه.

شرف الشين والراء والفاء أصلٌ يدل على علوٍّ وارتفاع. فالشَّرَف : * العُلُوّ. والشريف (٢) : الرجل العالى. ورجلٌ شريفٌ من قوم أشراف ، يقال إنّه جمعٌ نادر ، كحبيب وأحباب ، ويتيم وأيتام. ويقال للذى غَلَبه غيرُه بالشَّرَف مشروف. ويقال استشرفتُ الشّىءَ ، إذا رفعتَ بصرك تنظرُ إليه. ويقال للأنوف الأشراف ، الواحدُ شرف. والمَشْرَف (٣) : المكان تُشرِف عليه وتعلوه. ومشارف الأرض : أعاليها. والمشرفيّة : منسوبة إلى مَشَارف الشام. ويقال إنّ الشُّرْفَة : خِيار المال ، واشتقاقه من الشُّرْفة التى تُشَرَّفُ بها القصور ، والجمع شُرَف. والمُستشرِف من الخيل : العظيم الطَّويل. قال الخليل : سهمٌ شارف : دقيق طويل ، وأذُنٌ شَرْفاءُ : طويلةُ القُوف (٤). ومَنْكِبٌ أشرفٌ : عالٍ. فأمَّا النّاقة الشّارفُ فهى المُسِنّة الهَرِمة من الإبل ، وهذا ممكنٌ أن يكون من العلوّ فى

__________________

(١) هو قول ساعدة بن جؤية :

انحى عليها شراعيها فنادرها

لدى المزاحف تلى في نضوخ دم

(٢) فى الأصل : «والشرف» ، صوابه فى المجمل.

(٣) ضبطت فى اللسان بضم الميم ، من أشرف. وضبطت فى المجمل بفتحها.

(٤) قوف الأذن ، بضم القاف : أعلاها ، أو مستدار سمها. وفى الأصل : «الفوق» ، تحريف. وفى المجمل : «طويلة» فقط.


السّنّ. وذُكِر عن الخليل أنّ السَّهْم الشارف من هذا ، وهو الذى طال [عهدُهُ] بالصِّيان(١) فانتكث عَقَبُه وريشُه. قال أوس :

يُقلِّبُ سَهماً راشَهُ بمناكبٍ

ظُهارٍ لُؤام فهو أعجفُ شارفُ (٢)

ويزعمون أن شُرَيْفاً أطولُ جبَلٍ فى الأرض.

شرق الشين والراء والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على إضاءةٍ وفتحٍ. من ذلك شَرَقَت الشّمسُ ، إذا طلَعت. وأشرقت ، إذا أضاءت. والشُّرُوق : طُلوعها. ويقولون : لا أفعل ذلك ما ذرَّ شارقٌ ، أى طَلَعَ ، يُرَاد بذلك طُلُوع الشمس. وأيّام التَّشْريق سمِّيت بذلك لأنَّ لحوم الأضاحِى تُشرَّق فيها للشّمس. وناسٌ يقولون : سمِّيت بذلك لقولهم : «أشرِقْ ثَبِير ، لكيما نُغير». والمَشْرِقانِ : مَشْرِقا الصَّيف والشِّتاء. والشَّرْق : المَشْرِق : وقال قوم : إنَّ اللحمَ الأحمرَ يسمَّى شَرْقاً ، فإِنْ كان صحيحاً فلأنّه من حُمرته كأنه مُشْرِق.

ومن قياس هذا الباب : الشّاةُ الشّرقاء : المشقوقة الأذُن ، وهو من الفَتْح الذى وصفناه.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولهم : شَرِق بالماء ، إذا غَصَّ به شَرَقاً. قال عدىّ :

لو بِغَير الماءِ حَلْقِى شَرِقٌ

كنتُ كالغَصَّانِ بالماء اعتصارِى (٣)

__________________

(١) الصيان والصيانة والصون والحفظ بمعنى. وفى الأصل : «بالصبيان» ، صوابه فى المجمل. وفى اللسان (١١ : ٧٤): «بالصيانة». وكلمة «عهده» من المجمل.

(٢) ديوان أوس بن حجر ١٦ واللسان (شرف).

(٣) اللسان (عصر ، شرق) والحيوان (٥ : ١٣٨ ، ٥٩٣) والأغانى (٢ : ٢٤).


شرك الشين والراء والكاف أصلانِ ، أحدهما يدلُّ على مقارنَة وخِلَافِ انفراد ، والآخر يدلُّ على امتدادٍ واستقامة.

فالأول الشِّرْكة ، وهو أن يكون الشىءُ بين اثنين لا ينفردُ به أحدهما. ويقال شاركتُ فلاناً فى الشىء ، إذا صِرْتَ شريكه. وأشركْتُ فلاناً ، إذا جعلتَه شريكاً لك. قال الله جلّ ثناؤُه فى قِصَّة موسى : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي). ويقال فى الدُّعاء : اللهم أشرِكْنا فى دعاء المؤمنين ، أى اجعلنا لهم شركاءَ فى ذلك. وشَرِكتُ الرَّجُلَ فى الأمرِ أشْرَكُه.

وأمّا الأصل الآخر فالشرَك : لَقَم الطّريق ، وهو شِرَاكُه أيضاً. وشِرَاك النَّعْل مشبَّه بهذا. ومنه شَرَكُ الصّائدِ ، سمِّى بذلك لامتداده.

شرم الشين والراء والميم أصلٌ واحد لا يُخْلف ، وهو يدلُّ على خرْقٍ فى الشىء ومَزْق. من ذلك قولُهم : تشرّم الشىء ، إذا تمزّق. ومنه الحديث «أَنَّهُ أُتِىَ بِمُصْحَفٍ قد تَشَرَّمتْ حواشيه». ومن الباب الشّرِيم ، وهى المرأة المُفْضاة. والشَّرْم : قَطْعٌ من الأرنبة ، وقَطْعٌ من ثَفْر النّاقة (١). والشَّارم : السهم الذى يَشرِمُ جانبَ الغَرَض. ويقال شَرَم له من ماله ، إٍذا قطع له من ماله قطعةً قليلة. والشَّرْم يقال إٍنّه لُجَّة فى البحر. وسَمِعت مَن يقول إن الشَّرْمَ كالخَرْق فى جانب البحر ، كالمدخَل إلى البحر. وهذا أقيَسُ من القول الأوّل. قال :

تمنّيتُ مِن حُبِّى بُثينةَ أنّنا

على رَمَثٍ فى الشَّرْمِ ليس لنا وَفْرُ (٢)

__________________

(١) فى الأصل : «من فقر الناقة» ، تحريف. وفى المجمل : «قطع الأرنبة وثفر الناقة».

(٢) البيت لأبى صخر الهذلى من قصيدة فى بقية أشعار الهذليين ٩٣ وأمالى القالى (١ : ١٤٨) ويروى : «على رمث فى البحر».


ويقال عُشْب شَرْمٌ ، إذا شُرِم أعلاه ، أى أكِل.

شرى الشين والراء والحرف المعتل أصول ثلاثة : أحدها يدلُّ على تعارضٍ من الاثنين فى أمرين أخذاً وإعطاءً مُمَاثَلةً ، والآخر نبتٌ ، و* الثالث هَيْجٌ فى الشىء وعلُوّ.

فالأوّل قولهم : شَرَيت الشىء واشتريتُه ، إذا أخذتَه من صاحبه بثَمنه. وربما قالوا : شريتُ : إذا بعتَ. قال الله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ). ومما يدلُّ على المماثلة قولهم : هذا شَرْوَى هذا ، أى مِثْلُه. وفُلَانٌ شَروَى فلانٍ. ومنه حديث شريحٍ فى قوسٍ كَسرَها رجلٌ لرجُل فقال شُريح : «شَرواها». أى مثلُها. وأشراء الشىء : نواحيه ، الواحد شَرًى ، وسمِّى بذلك لأنّه كالنّاحية الأخرى. والشِّرَى مقصور ، يقال شَرَى الشىءَ شِرًى. وأمَّا النَّبْت فالشّرْىُ ، يقال إنّه الحنظل. ويقولون الشَّرْية : النَّخْلة التى تنبُت من النَّوَاة. قال رُؤبة :

وشرية فى قرية

والشَّرَى : موضعٌ كثير الدّغَل والأُسْدِ. قال :

أسودُ شَرى لاقت أُسودَ خفِيَّةٍ

تَسَاقَوْا على حَرْدٍ دِماءَ الأَساوِدِ (١)

والشِّريان من شجر القِسِىّ.

والأصل الثالث : قولهم شَرِى الرّجُل شَرًى ، إذا استُطِير غَضَبا ، ويقال شَرِىَ البعيرُ فى سيره شَرًى ، إذا أسرع. وشَرِىَ البرقُ ، إِذا استطار. قال الشاعر :

__________________

(١) هو الأشهب بن رميلة ، كما فى البيان (٢ : ٢٤٢) والكامل ٣٣ ، ٣٤٨ والعقد (١ : ٥٣) واللسان (حرد). وانظر الحيوان (٤ : ٢٤٥).


أَصاحِ تَرَى البرقَ لم يغتمضْ

يموتُ فُواقاً وبَشْرَى فُواقا (١)

ويقال استشرى الرجُل ، إذا لجَّ فى الأمر. ويقال شَرِى زِمامُ النّاقة يَشْرى شَرًى ، إذا كثُر اضطرابُه. ويقولون : «كلُّ مُجْرٍ فى الخَلاءِ يَشْرَى (٢)».

شرب الشين والراء والباء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد ، وهو الشُّرب المعروف ، ثمّ يُحمل عليه ما يقاربُه مجازاً وتشبيها. تقول : شرِبت الماءَ أشرَبُه شَرْبا ، وهو المصدر. والشُّرب الاسم. والشَّرب : القوم الذين يَشْرَبون. والشِّرب : الحظُّ من الماء. قال الشاعر (٣) فى الشَّرْب :

فقلتُ للشَّرب فِى درنا وقد ثَمِلُوا

شِيمُوا وكيف يَشيم الشارب الثملُ

والشَّرَبَة : ماءٌ يجمع حول النَّخلة يكون منها شُربها ، والجمع شَرَبٌ. والمَشْرَبة : الموضع الذى يَشرب منه النّاس ، وفى الحديث : «ملعونٌ مَن أحاط على مَشْربةٍ». والمَشْرَب : الوجه الذى يُشْرب منه ، ويكون موضعاً ويكون مصدرا. والشَّريب : الذى يُشَارِبُكَ. ويقال أشْرَبتَنِى ما لم أَشْرَبْ ، أى ادَّعيتَ علىَ شُربَه ، وهذا مَثَلٌ ، وذلك إذا ادَّعَى عليه ما لم يفعَلْه. وماء شَروبٌ وشَريبٌ ، إذا صلَح أن يُشْرَبَ وفيه بعضُ الكراهة. والإشراب : لونٌ قد أُشْرِبَ من لَون ، يقال : [فيه (٤)] شُرْبُة حُمْرةٍ. ويقال أُشْرِبَ فلانٌ حبَّ فلانٍ ، إذا خالطَ قلبه. قال

__________________

(١) البيت فى اللسان (شرى).

(٢) المعروف : «كل مجر فى الخلاء يسر». انظر الحيوان (١ : ٨٨ / ٤ : ٢٠٧).

(٣) هو الأعشى ، ديوانه ٤٣ وشرح القصائد العشر للتبريزى ٢٨٣. وقد سبق فى (شيم).

(٤) التكملة من المجمل. وفى اللسان (١ : ٤٧٣): «وفيه شربة من حمرة ، أى إشراب».


الله جلّ ثناؤه : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) ، قال المفسرون حُبَّ العِجْل. قال الشَّيبانى : الشَّرْب الفَهْم ، يقال شَربَ يَشْرُب شَرْباً ، إٍذا فَهِم. ويقال اسْمَع ثم اشْرُبْ (١). والشاربة القوم يكونون على ضَفّة نهرٍ ، ولهم ماؤُه. وشارب الإنسان معروف ، ويجمع على شواربَ. والشَّوارب أيضاً : عروقٌ مُحدقةٌ بالحُلْقوم. وحمارٌ صَخِب الشَّوارب من هذا ، إذا كان شديدَ النَّهيق. والشارب فى السيف (٢).

وأمّا اشرأبَ فليس ببعيدٍ أن يكون من هذا القياس كأنّه كالمتهيِّئ للشُّرب ، فيمدُّ عنقَه له. ثم يقاس على ذلك فيقال اشرأبّ لينظر شُرَأْبِيبَةً. وإنّما زيدت الهمزةُ فرقاً بين المعنيين. وشَرَبَّةُ : مكان.

شرث الشين والراء والثاء أصلٌ واحد ، وهو الشَّرَث ، وهو غِلظ الأصابع والكفّيْن.

شرج الشين والراء والجيم أصلٌ منقاس يدُلُّ على اختلاطٍ ومُداخَلة. من ذلك الشَّرَجُ وهى العُرَى ، سُمِّيت بذلك لأنّها تتداخل. ويقال شَرَجْت اللّبِنَ ، إذا نضَدْته. ويقال شَرَّجْتُ الشرَاب ، إذا مزجتَه. ويقال إنّ الشَّريجة القوسُ يكون عودُها لونَين. ويقال تشَرَّج الّلحمُ بالّلحم ، إذا تداخَلَا. هذا هو الأصل. قولهم : أصبَح الناسُ فى هذا الأمر شَرْجَيْنِ ، فيُظَنُّ أنّهم أصبحوا فِرْقَين. وهذا كذا يقال ، وهو يرجع إلى المعنى الذى ذكرناه ؛ لأنهم إذا اختلفوا اختلَطَ* الرّأْىُ والكلامُ وصارت مراجعاتٌ ، كما قال زُهير :

__________________

(١) فى اللسان : «ويقال للبليد : احلب ثم اشرب» أى ابرك ثم افهم. وحلب ، إذا برك».

(٢) فى اللسان : «الشاربان فى السيف أسفل القائم ، أنفان طويلان ، أحدهما من هذا الجانب والآخر من هذا الجانب».


رَدَّ القِيانُ جِمَالَ الحىِّ فاحتملوا

إلى الظهيرة أمرٌ بينهمْ لَبِكُ (١)

وأمّا شَرَج الوادى فمنفَسَحُه ، والجمع أشراج.

شرح الشين والراء والحاء أُصَيْلٌ يدلُّ على الفتح والبيان. من ذلك شرحت الكلام وغيرَه شَرْحاً ، إذا بيَّنتَه. واشتقاقُه من تشريح اللحم.

شرخ الشين والراء والخاء أصلان : أحدهما رَيْعان الشىء ، وذلك يكون فى النّتاج فى غالب الأمر. والآخَر يدلُّ على تساوٍ فى شيئين متقابلين.

فالأوَّل شَرخ الشّباب : أوّلُه ورَيْعانه. وشَرخُ كلِّ سنةٍ : نِتاجها من أولاد الأنعام. وقد شَرخَ نابُ البعير ، إٍذا شقَّ البَضْعة وخرج. وقال الشاعر (٢) :

إنَ شَرخَ الشّبابِ والشَّعَرَ الأس

ودَ ما لم يُعَاصَ كان جُنونا

والأصل الآخر : الشَّرْخان ، يقال لآخِرةِ الرَّحْل وواسطتِه شَرخانِ. وشَرْخَتَا السَّهمِ : زَنَمَتَا فُوقِه (٣) ، [وهو (٤)] موضِعُ الوتر بينهما.

شرد الشين والراء والدال أصلٌ واحدٌ ، وهو يدلُّ على تنفيرٍ وإِبعاد ، وعلى نِفَارٍ وبُعد، فى انتشار. وقد يقال للواحد (٥). من ذلك شَرَد البعير شُرودا. وشرّدْتُ الإبلَ تشريداً أُشرِّدُهَا. ومنه قوله جلّ ثنَاؤه : (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) يريد نكِّل بهم وسَمِّع. وهو ذلك المعنى ، أنَّ المُذْنِب

__________________

(١) ديوان زهير ١٦٤ واللسان (لبك). واللبك : المختلط.

(٢) هو حسان بن ثابت. ديوانه ٤١٣ واللسان (شرخ) والحيوان (٣ : ١٠٨ / ٦ : ٢٤٤).

(٣) فى الأصل : «وشرختا السهم زينا فوقه» ، صوابه من المجمل ، ونحوه فى اللسان.

(٤) التكملة من المجمل.

(٥) كذا وردت هذه الجملة ، وأراها مقحمة.


إذا أذنَبَ وعوُقب عليه ، فقد شُرِّد بتلك العقوبة غيرُه ، لأنّه يحذرُ مثلَ ما وقع بالمذْنِبِ فَيَشْرُد عن الذَّنْب ويَنْكُلُ. والله أعلم.

باب الشين والزاء وما يثلثهما

شزغ الشين والزاء والغين ليس بشىء. ويقولون إنّ الشِّزْغ الضِّفدَع. وهذا ممّا لا معنَى له.

شزن الشين والزاء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على امتدادٍ فى شىء. من ذلك قولهم للأرض الغليظة شَزَنٌ (١). ويقولون : تَشَزَّنَ الشَّىء ، إذ امتدَّ. فأمَّا قولهم نَزَل شُزَناً من الدار، أى ناحيةً ، فهو قريبٌ من الذى ذكرناه. قال ابن أحمر :

فلا يَرمين عَنْ شُزُنٍ حَزِينا (٢)

ويقولون إن الشَّزَنَ الإعياء من الحَفَا (٣) ، وذلك ممّا يشتدُّ على الإنسان.

شزب الشين والزاء والباء ليس بأصلٍ ، لأنّه من باب الإِبدال. ويقال للشىء إذا يَبِس: شَزَب ، والزاء مبدلةٌ من السين ، وقد ذُكر فى موضعه. وربّما قالوا : مكان شازِبٌ ، أى جافٍ (٤) صُلب.

__________________

(١) فى الأصل : «شزن وشزن» بضم الشين فى الأولى وفتحها فى الثانية مع إسكان الزاى فيهما ـ ولم أجد لذلك سندا. وأثبت ما فى المجمل واللسان والقاموس وسائر المعاجم المتداولة.

(٢) صدره فى اللسان (شزن) ومجالس ثعلب ٢٦٢ :

ألا ليت المنزل قد بلينا

وفى الأصل : «من شزن» ، صوابه فى المجمل والمرجعين السالفين.

(٣) فى الأصل «من الجفاء» ، صوابه من المجمل واللسان. وفى اللسان : «شزنت الإبل شزنا : عيت من الحفاء» :

(٤) كذا ورد ضبطه فى الأصل. والجفوة من لوازم اليس أيضا. ويصح أن تقرأ من الجفوف.


شزر الشين والزاء والراء أصلٌ صحيح مُنْقاس ، يدلُّ على انفتالٍ (١) فى الشىء عن الطريقة المستقيمة. من ذلك قولُهم : نظر إليه شَزْراً ، إذا نظر بمُؤْخِر عينِه متبغِّضاً. والطَّعنُ الشَّزْر : الذى ليس بسَحِيج الطّريقة. والحبل المَشْزُور : المفتول مما بلى اليَسار. فأمّا أبو عبيد فقال : طَحَنَ بالرَّحَى شَزْرا ، إذا ذهَبَ بيدِه عن يمينه ؛ وبَتّا (٢) ؛ إذا ذهب عن شِماله.

باب الشين والسين وما يثلثهما

شسع الشين والسين والعين يدلُّ على أمرين : الأوَّل قلّةٌ والآخَر بُعد.

فالأوّل : قولُ العرب : له شسْعٌ من المال ، أى قليل. ولعل شِسْعَ النَّعل من ذلك ، لقلَّته. يقال شَسَّعْتُ النّعلَ.

والآخَر : الشاسع : البعيد. وقد شَسَعت الدّارُ. وذكر ابن دريد كلمةً إن صحَّتْ فهو من القياس. قال : يقال شَسِع [الفرس (٣)] ، إذا كان بين ثناياه انفراج.

شسف الشين والسين والفاء يدلُّ على قَحَل ويُبْس يقال للشىء القاحل شاسف ، وقد شَسَف يشْسِف. ولحمٌ شسيفٌ : قد كاد يَيْبَس.

__________________

(١) الانفتال : الانصراف. وفى الأصل : «القتال» ، تحريف.

(٢) فى الأصل : «تبا» ، صوابه بتقديم الباء كما فى المجمل واللسان (بتت).

(٣) التكملة من المجمل وجمهرة ابن دريد (٣ : ٢٣).


شسب الشين والسين والباء هو من الذى قبله. يقال شَسِبَتِ القَوس ، إذا قُطِعت حتَّى يذبُل قضيبها.

باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف وأوله شين

فأوَّلُ ذلك : (الشَّرْجَب) ، وهو الطّويل. فالراء فيه زائدةٌ ، وقد قلنا إِنَ الشُّجوب أعمِدة البُيوت ، فالطويل* مشبَّه بذلك العمودِ الطويل.

ومنه (الشَّوْقَب) والواو زائدة ، وقد مضى ذكره.

ومن ذلك قولهم : (شَبْرَقْتُ) اللّحمَ ، إذا قطّعته ، فالقاف منه زائدة ، كأنّك قطّعتَه شِبراً شِبرا. وشَبْرَقْتُ الثّوبَ ، إِذا مزّقتَه.

ومن ذلك (الشّفَلّحُ) : العظيم الشّفتَين. وهذا ممّا يزيدون فيه للتقبيح والتّهويل. وإلّا فالأصل الشّفَة ، كما يقولون : الطِّرِمَّاح ، وإنّما هو من طرح ، وقد ذكرنا مِثْله.

ومن ذلك (الشُّمْرُج) : الرَّقيق من الثِّياب وغيره فى قول القائل (١) :

غَداةَ الشّمالِ الشُّمرُجُ المتنصَّحُ (٢)

فهذا مما زِيدت فيه الرّاء. وقد قلنا إنّهم يقولون : شَمَجَ الثّوبَ ، إذا خاط خياطةً متباعدة. فهذا إذَا رقَّ فكأنّ سِلكَه يتباعد بعضُه عن بعض.

__________________

(١) هو ابن مقبل ، كما فى ديوانه ٣٦ واللسان والصحاح (شمرج) ، واللسان والتاج (نصح).

(٢) صدره :

ويرعد ارعاد الهجين أضاعه


ومن ذلك (الشَّرَنْبث) : الغليظ الكفَّين. والأصل الشَّرَثُ ، وهو غِلظ الأصابعِ والكَفّين ، وزيدت فيه الزِّيادات للتقبيح :

ومن ذلك (الشَّماريخ) : رءوس الجِبال ، فالراء فيه زائدة ، وإنّما هو من شَمَخ ، إذا علَا.

ومن ذلك (الشَّناعِيف) ، الواحد شِنعاف ، وهى رءوسٌ تخرُج من الجبل. وهذا منحوتٌ من كلمتين ، من شعَف ونعَف. فأمَّا الشَّعَفة فرأسُ الجبل ، والنَّعْف : ما ينسدُّ بين الجبلين ، وقد ذكر فى النون.

ومن ذلك (الشُّرْسُوف) ، والجمع الشَّراسِيف ، وهى مَقَاطُّ الأضلاع حيث يكون الغُضروفُ الدَّقيق. فالرَّاء فى ذلك زائدة ، وإنّما هو شسف ، وقد مرّ.

ومن ذلك (الشِّرْذِمة) ، وهى القليل من الناس ، فالذّال زائدة ، وإنّما هى من شَرَمْتُ الشَّىءَ ، إذا مزَّقْتَه ، فكأنَّها طائفةٌ انمزَقَت وانمارت عن الجماعة الكثيرة. ويقال ثوب (شَرَاذِمُ) أى قِطَعٌ.

ومن ذلك (الشَّمَيْذَر) ، وهو الخفيف السَّريع. وهذا منحوتٌ من كلمتين من شمذ وشمر ، وقد مر تفسيرهما.

ومن ذلك (الشِّنذارة) : الرَّجل المتعرِّض لأعراض النّاس بالوقيعة (١) ، والنون فيه زائدة ، والأصل التشذر الوَعيد ، وقد مضى ، ثمَّ أُبدلت الذّالُ ظاءً فقيل (شِنْظِيرة) ، وقد (شَنْظر شَنْظَرةً).

__________________

(١) فسر فى اللسان بأنه الغبور ؛ ويقابله فى المجمل «الشنظير : الفاحش». وفى القاموس : «رجل شنذارة : غيور أو فاحش ، كشنذيرة».


ومن ذلك (الشُّبْرُمُ) ، وهو القَصير من الرجال ، والميم فيه زائدة كأنّه فى قدر الشِّبْر.

ومن ذلك (الشَّمَرْدَل) ، وهو الرّجُل الخفيف فى أمره ، ويقال [الفتىُّ القويُّ من الإبل (١)]. وأىَّ ذلك كان ، فهو من شَمر.

فأمَّا ما يقال ، أن (الشَّناتر) الأصابعُ بلغة اليمانييِّن فلعل قياسَهم غيرُ قياس سائر العرب ، ولا معنى للشُّغْل بذلك.

ومما وُضِع وضعاً (شَمَنصير) ، وهو موضع ، قال :

مستأرضاً بين بَطِن اللَّيث أيمَنُه

إلى شَمَنْصِيرَ غيَثاً مرسَلاً مَعِجا (٢)

والله أعلم بصحّتها.

تم كتاب الشين

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) البيت لساعدة بن جؤية الهذلى. اللسان (معج ، شمصر). وقصيدته فى القسم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ٣٧ وشرح السكرى للهذليين ٨٧. وسيأتى فى (ليث).


كتاب الصَّاد

باب الصاد وما معها فى الذى يقال فى المضاعف والمطابق

صع الصاد والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على تفرُّق وحرَكة. يقال تصعصع القومُ ، إذا تفرَّقوا. قال الخليل : يقال ذهبت الإبل صَعاصِعَ ، أى فِرَقاً. ويقولون : صَعْصَعْتُ الشّىء فَتَصَعْصَع ، وذلك إذا حرّكتَه فتحرّك.

صف الصاء والفاء يدلُّ على أصلٍ واحد ، وهو استواءٌ فى الشىء وتساوٍ بين شَيئين فى المَقَرّ. من ذلك الصَّفُ ، يقال وقفَا صفًّا ، إِذا وقَفَ كلُّ واحدٍ إلى جنْب صاحبه. واصطفَ القومُ وتصافُّوا. والأصل فى ذلك الصَّفْصَف ، وهو المستوِى من الأرض ، فيقال للمَوقِف فى الحرب إذا اصطفَ القومُ : مَصَفٌ ، والجمع المصافّ. والصَّفوف : النّاقة التى تَصُفُ ، أى تجمع بين مِحْلَبَين فى حَلْبة. والصَّفُوف أيضاً : التى تصفُ يدَيْها عند الحَلَب.

وممّا شذَّ عن الباب ، وقد يمكن أن يُتطَلَّب له فى القياس وجهٌ ، غيرَ أنَّا نكره القياسَ المتمَحَّل المستَكْرَه ، وهذا الذى ذكرناه ، فهو الصفيف ، قال* قومٌ : هو القَديد وقال آخرون : هو اللَّحم يُحمَل فى الأسفار طبيخاً أو شِواءً فلا يُنْضَج. قال :


فظَلَّ طُهَاةُ اللَّحمِ مِن بين مُنضجٍ

صَفِيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلِ (١)

صك الصاد والكاف أصلٌ يدلُّ على تلاقِى شيئينِ بقوَّة وشِدّة ، حتَّى كأنّ أحدَهما يضرِب الآخر. من ذلك قولهم : صَكَكْتُ الشىءَ صكاًّ. والصَّكَك : أن تَصطَكَ رُكبتا [الرّجُل (٢)]. [وصَكَّ البابَ (٣)] : أغلقه بعنفٍ وشِدَّة. ويقال بعير مُصَكَّكٌ (٤) ، إذا كان اللَّحمُ قد صُك فيه صَكاًّ. ورجلٌ مِصكٌ : شديد. ويقال ذلك فى الخَيل والحُمُر وغيرِها.

وأمَّا قولُهم : «جئتُه صَكَّةَ عُمَىٍ (٥)» فإنَّما يُراد أنَّ الأعمَى يلقى مثلَه فيصطكاّنِ ، أى يصكُ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه. وذلك كلامٌ وضَعوه فى الهاجرة وعند اشتداد الحرِّ خاصَّة.

صل الصاد واللام أصلان : أحدهما يدلُّ على ندًى وماءٍ قليل ، والآخر على صوت.

فأمَّا الأول فالصَّلّة ، وهى الأرضُ تسمَّى الثَّرَى لِنداها. على أنَ

__________________

(١) لامرىء القيس فى معلقته.

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) التكملة من المجمل. وبين هاتين التكملتين فى المجمل : «يقال منه صكك. والصكة : أشد الهاجرة».

(٤) فى المجمل «مِصَكّ» ، وكلاهما صحيح ، يقال : مصك ومصكوك ومصكك.

(٥) عمى ، هنا : تصغير ترخيم للأعمى.


من العرب من يسمِّى الصَّلّة التُّرابَ الندِىّ. ولذلك تُسمَّى بقيَّةُ الماء فى الغدير صُلْصُلة.

ومن الباب : صِلال المَطَر : ما وقع منه شىءٌ بعد شىء. ويقال للعُشْب المتفرِّق صِلالٌ ، لأنّه يسمَّى باسم المطرِ المتفرِّق. قال :

كَجنْدَلِ لُبْنَ تَطَّرِدُ الصِّلالا (١)

ومن الباب صَلّ اللحمُ ، إذا تغيَّرَتْ رائحتُه وهو شواءٌ أو طبيخ. وإنّما هو من الصَّلّة ، كأنَّه دُفِن فى الصَّلّة فتغيَّر. ومصدر ذلك الصُّلول. قال :

ذاك فتًى يبذُلُ ذا قِدْرِهِ

لا يُفسِدُ اللَّحمَ لديه الصُّلولْ (٢)

وأمّا الصَّوت فيقال صَلّ اللِّجام وغيرُه ، إذا صَوَّت. فإذا كثُر ذلك منه ، قيل صَلْصَل. وسمِّى الخَزَفُ صَلْصالاً لذلك ، لأنّه يصوّت ويصلصِل.

وممَّا شذَّ من هذين البابين الصِّلّ : الدَّاهية ؛ والجمع أصلال. ويقال صَلَّتْهم الصَّالَّة ، إذا دَهَتْهم الدّاهية.

صم الصاد والميم أصلٌ يدل على تضامِّ الشَّىءِ وزوالِ الخرْق والسَّمّ. من ذلك الصَّمَم فى الأُذن. يقال صَمِمْت ، وأنت تَصَمُ صَمَما. وربَّما قالوا صُمَ بمعنى صَمّ. ويقال : أصممتُ الرّجُلَ ، إذا وجدته أصمَ. قال ابنُ أحمر :

__________________

(١) البيت للراعى ، كما فى معجم البلدان (لبن). وصدره فى اللسان (صلل) :

سيكفيك الإله؟

(٢) للحطيئة فى ديوانه ٨٤ واللسان (صلل).


أصَمَ دُعاءُ عاذِلَتى تَحَجَّى

بآخِرِنا وتَنْسَى أوَّلينا (١)

والصّمّاء : الدَّاهية ، كأنَّه من الصَّمَم ، أى هو أمرٌ لا فُرجةَ له فيه. ومن ذلك اشتمالُ الصَّمّاء : أنْ تلتحفَ بثوبك ثم تُلقىَ الجانبَ الأيسر على الأيمن. والعرب تقول فى تعظيم الأمر : «صَمِّى صَمَامِ». والأصل فى ذلك قولهم : «صَمّت حصاةٌ بدَمٍ» ، وذلك أنّ الدِّماء تكثُر فى الأرض عند الوغَى ، حتَّى لو أُلْقِيَتْ حصاةٌ لم يُسمَع لها وَقْع ، وهو فى قول امرئ القيس :

بُدِّلتُ مِن وائلٍ وكِندةَ عَدوا

نَ وفَهْماً صَمِّى ابنةَ الجبَلِ (٢)

يريد تعظيمَ ما وقع فيه وأُدِّىَ إليه. وصِمام القارورة سمِّى بذلك لأنّه يسُدُّ الفُرْجة. وقولهم : صَمَّم فى الأمر ، إذا مضى فيه راكباً رأسَه ، فهو من القياس الذى ذكرناه ، كأنَّه لما أراد ذلك لم يسمع عَذْلَ عاذلٍ ولا نَهْىَ ناهٍ ، فكأنّه أصمُ. واشتُقَّ منه السَّيف الصَّمصام والصَّمصامة. ومنه صَمَّم ، إذا عَضّ فى الشىء فأثبت أسنانه فيه. والصَّمَّانُ : أرضٌ. وقال بعضهم : كلُّ أرضٍ إلى جنبِ رَمْلة فهى صَمَّانةٌ. وهذا صحيح ؛ لأنَّ الرّمل فيه خَلَل ، والصَّمَّانةُ ليست كذلك.

ومن الباب : الصِّمْصِم (٣) : الرّجُل الغليظ ، وسمِّى بذلك لما ذكرناه ، كأنَّه ليست فى لحمه فُرجة ولا خَرْق. وكذلك الأسد صِمَّةٌ ، كأنّه لا وصول إليه من وجه.

__________________

(١) البيت فى اللسان (صمم ؛ حجا).

(٢) البيت فى اللسان (صمم) ، وليس فى ديوانه.

(٣) ويقال أيضا «صمصم» كعلبط.


ومن الباب الصِّمصِمة : الجماعة ، سمِّيت بذلك ، كأَنَّها اجتمعت حتَّى لا خلل فيها ولا خَرْق.

صن الصاد والنون أصلان : أحدهما يدلُّ على إباء وصَعَرٍ من كِبر. من ذلك الرّجُل المُصِنُ ، قالوا : هو الرَّافعُ رأسَه لا يلتفت إلى أحد. وقالوا : هو السَّاكت. وقالوا : هو الممتلىء غيظاً. قال الراجز (١) :

أَإبلِى تأخذُها مُصِنَّا

أى أتأخُذ إبلى لا يمنعُك زَجْرُ زاجر ولا تلتفت إلى أحد.

والأصل الآخر يدلُّ على خُبْث رائحة. من ذلك الصِّنُ ، و* هو بول الوَبْرِ ، فى قول جرير :

تَطَلى وهى سيِّئةُ المعَرَّى

بِصِنِ الوَبْرِ تحسِبُه مَلَابا (٢)

ثم اشتق منه [الصُّنَان] : ذَفَر الإبط. فأمّا قولُهم إنَّ أحدَ أيّام العَجُوز يقال له الصِّنُ فهذا شىءٌ ما رأيت أحداً يَضبِطه ولا يعلم حقيقتَه ، فلذلك لم أذكره.

صه الصاد والهاء كلمة تقال عند الإسكات ، وهى صه (٣) ، ولا قياسَ لها.

صى الصاد والياء كلمة واحدة مُطابَقة ، وهى كلُّ شىءٍ يُتَحَصَّن به. من ذلك تسميتُهم الحصونَ صياصِىَ ، ثمّ شُبِّه بذلك ما يُحارِب ويتَحصَّن به الدِّيك [وسُمِّى] صيصِيَة ، وكذلك قَرن الثور يسمَّى بذلك ؛ لأنه يَتحصَّن ويُحارِب به.

__________________

(١) هو مدرك بن حصن. اللسان (صنن ، شنن) ونوادر أبى زيد ٥٠.

(٢) ديوان جرير ٧٣ واللسان (صنن).

(٣) تقال بالسكون ، وبالكسر مع التنوين.


صأ الصاد والهمزة كلمة واحدة. يقال صأصأ الجَرْوُ ، إذا حرَّك عينَيه ليفتحَهما. وفى حديث بعض التابعين (١) : «فقَّحْنا وصأصأتم». : ويقال صأصأت النَّخْلة ، إذا لم تقبل اللَّقاح.

صب الصاد والباء أصلٌ واحدٌ ، وهو إِراقة الشىء ، وإليه ترجع فروعُ البابِ كلِّه.

من ذلك صَببت الماءَ أصبُّه صَبًّا. ويُحمَل على ذلك فيقال لِمَا انحدَرَ من الأرض صَبَبٌ ، وجمعه أصبابٌ ، كأنّه شىءٌ منصبٌ فى انحداره. وفى الحديث : «أنَّه كان صلى الله عليه وآله وسلم إذا مشى فكأنَّما يمشى فى صَبَب». وقال الراجز (٢) :

بل بَلَدٍ ذى صُعُدٍ وأصبابْ

والصُّبَّة : القِطعةُ من الخيل ، كأنَّها تنصبُ فى الإغارَةِ انصباباً ، والقِطعةُ من الغَنَم أيضاً صُبَّة ، لذلك المعنى. ويقال للحيَّات الأساودِ : الصُّبُ ، وذلك أنَّها إذا أرادت النكْنَ انصبَّتْ على الملدوغ انصباباً. فأما الصَّبيب فيقال إنّه ماءٌ ورق السِّمسِم ، ويقال بل هو عُصارة الحِنّاء. وقال الشَّاعر (٣) ، وهو يدلُّ على صحّة القول الأوّل :

فأوردتُها ماءً كأنَّ جِمامَه

من الأَجْنِ حِنّاءٌ مَعاً وصَبيبُ

__________________

(١) هو عبيد الله بن جحش ، كان أسلم وهاجر إلى الحبشة ، ثم ارتد وتنصر بالحبشة ، فكان يمر بالمهاجرين فيقول ذاك اللسان (صأصأ).

(٢) هو رؤبة. ديوانه ٦ واللسان (صبب).

(٣) هو علقمة بن عبدة الفحل. ديوانه ١٣٢ والمفضليات (٢ : ١٩٣) واللسان (صبب).


وقال قومٌ : الصَّبيب : الدَّم الخالص ، والعُصفُر المُخْلَص. والصُّبَابة : البقيَّة من الماء فى الإناء. والصَّبَابة مِن صَبّ إليه. ورجلٌ صَبٌّ ، إذا غَلبَه الهوى ، وهو من انصباب القَلْب. ويقال تصبَّبَ الحرُّ : اشتدَّ ، كأَنّه شىء صُبَّ على الأرض صبًّا. وتصبصب (١) الشَّىء : ذَهَب ومُحِقَ ، كأنّه صُبَّ صبًّا. ويقال تصابَبْتُ الإناء ، إذا شربتَ صُبَابَتَه. وكذلك تصابَبتُ الشّىء ، إذا نِلتَه قليلاً. قال الشًّماخ :

لَقَومٌ تَصَابَبْتُ المعيشة بعدَهم

أحبُّ إلىَّ من عِفاءٍ تَغَيَّرَا (٢)

صت الصاد والتاء أصلٌ يدلُّ على نِزاعٍ وخصومةٍ وافتراق ، يقال للجَلَبَة الصَّتيت. وما زلتُ أُصَاتُّ فلاناً ، أى أخاصمِهُ. والصَّتُ ، فيما يقال : الصَّدْم. والصَّتِيت : الفِرْقَة. ويقولون إنَ الصَّت الصَّدُّ.

صح الصاد والحاء أصل يدلُّ على البَراءة من المرض والعَيب ، وعلى الاستواء. من ذلك الصِّحَّة : ذَهاب السُّقْم ، والبراءةُ من كلِّ عَيب. والصَّحِيح والصَّحَاح بمعنًى. والمُصِحُ : الذى أهلُه وإبلُه صِحَاحٌ وأصِحَّاء. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يُورِدَنَّ ذو عاهةٍ على مُصِحّ». أى الذى إبلُه صِحاحٌ. والصَّحْصح والصَّحصَحانُ والصَّحصَاحُ : المكان المستوِى.

صخ الصاد والخاء أصلٌ يدلُّ على صوتٍ من الأصوات. من ذلك الصَّاخَّة يقال إنَّها الصَّيحةُ تُصِمُّ الآاذن. ويقال ضَرَبْت الصخرةَ بحجرٍ فسمعتُ لها

__________________

(١) فى الأصل : «تصبب» ، صوابه فى المجمل والقاموس واللسان. وأنشد للعجاج :

حتى إذا مايومها تصبثيا

(٢) ديوان الشماخ ٢٧ واللسان (صبب). وروى فى اللسان أنه ينسب للأخطل.


صَخًّا (١). ويقال صَخَ الغُرَابُ بمنقارِهِ فى دَبَرة البَعير ، إذا طَعَن.

صد الصاد والدال معظمُ بابِه يَؤُول إلى إعراضٍ وعُدول. ويجىء بعد ذلك كلماتٌ تَشِذّ. فالصَّدُّ : الإعراض : يقال صَدَّ يصُدُّ ، وهو مَيلٌ إلى أحد الجانبين. ثم تقول : صدَدْتُ فلاناً عن الأمر ، إذا عَدَلْتَه عنه. والصُّدَّانِ : جانِبا الوادى ، الواحد صَدٌّ ، وهو القياس ، لأنَّ الجانبَ مائلٌ لا محالة. ويقولون : إنّ الصَّدَدَ ما استَقْبَلَ (٢). يقال : هذه الدّارُ على صَدَدِ هذه. ويقولون : الصَّدد : القُرب. والصُّدَّاد (٣) : الطَّريق إلى الماء. والصُّدُّ : الجبَل. وهذه الكلماتُ التى ذكرتُها فليست عندى أصلاً ؛ لبُعدها عن القياس ، وإنْ صحَّتْ فهى محمولةٌ* على الأصل.

ومما هو صحيحٌ وليس من هذا الباب ، قولهم : صَدَّ يَصِدُّ ، وذلك إذا ضَجَّ. وقرأ قومٌ(٤) : (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) ، قالوا : يَضِجُّون. والصَّديد : الدّمُ المختلِط بالقَيح ، يقال منه أصَدَّ الجُرْح.

صر الصاد والراء أصولٌ : الأول قولهم صَرَّ الدَّرَاهمَ يصُرُّها صَرًّا ، وتلك الخِرقة صُرَّة. والذى تعرفه العربُ الصِّرَار ، وهى خِرقةٌ تُشدُّ على أَطْباء النّاقة لئلا يَرضَعَها فَصِيلُها. يقال صَرَّها صَرًّا. ومن الباب : الإصرار : العَزْم على الشىء.

__________________

(١) فى المجمل واللسان : «صخة» ، وكلاهما صحيح ؛ فإن «الصخ» كذلك والصخيخ بمعنى الصوت.

(٢) فى اللسان : «ما استقبلك».

(٣) ضبط فى الأصل والمجمل بضم الصاد ، وضبط فى القاموس كرمان وكتاب.

(٤) قرأ بضم الصاد نافع وابن عامر والكسائى وأبو جعفر وخلف ، وقرأ الباقون بكسرها. إتحاف فضلاء البشر ٣٨٦ فى سورة الزخرف.


وإنما جعلْناه من قياسِه لأن العَزْم على الشىء والإجماعَ عليه واحد وكذلك الإصرار : فالثَّبَات على الشىء.

ومن الباب : هذه يمين صِرِّى (١) أى جدّ ، إنا ثابتٌ عليها مُجمِع.

ومن الباب : الصَّرَّة ، يقال للجماعة صَرَّةٌ. قال امرؤُ القَيس :

فأَلحَقَنا بالهادياتِ ودونه

جَوَاحِرُها فى صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ (٢)

ومن الباب : حافرٌ مصرورٌ ، أى منقبضٌ. ومنه الصُّرْصُور ، وهو القَطيع الضَّخْم من الإبل.

وأما الثانى ، وهو من السُّمُو والارتفاع ، فقولهم : صَرَّ الحمارُ أُذُنَه ، إذا أقامها. وأَصَرَّ إذا لم تذكر الأُذُن ، وإن ذكرتَ الأُذُن قلت أصَرَّ بأذنه. وأظنُّه نادراً. والأصل فى هذا الصِّرَار ، وهى أماكنُ مرتفعةٌ لا يكاد الماء يعلوها. فأما صِرَارٌ فهو اسمُ علَمٍ ، وهو جَبَلٌ. قال:

إنَّ الفرزدقَ لن يُزايل لؤمَه

حتى يَزُول عن الطريق صِرَارُ (٣)

وأما الثالث : فالبرد والحَرُّ ، وهو الصِّرُّ. يقال أصاب النَّبتَ صِرٌّ ، إذا أصابَه بردٌ يُضرُّ به. والصِّرُّ : صِرُّ الرّيح الباردة. وربما جعلوا فى هذا الموضع الحَرَّ. قال قوم : الصَّارَّةُ شدة الحرِّ حرِّ الشمس. يقال قطع الحِمار صارَّتَه ، إِذا شرِب شُرْباً

__________________

(١) فى المجمل «صِرِّى وأصِرِّى». ويقال أيضاً «صِرَّى» و «أصِرَّى» و «صُرِّى» و «صُرَّى».

(٢) البيت من معلقته المشهورة.

(٣) البيت لجرير فى ديوانه ٢٠٦ واللسان (صرر).


كَسَر عطشَه. والصَّارَّة : العَطَش ، وجمعها صَوَارُّ. والصَّرِيرة : العطش ، والجمع صرائر. قال :

وانصاعت الحُقْبُ لم يُقْصَعْ صَرائرُها (١)

وذكر أبو عبيدٍ : الصارّة العطش ، والجمع صرائر. وهو غلط ، والوجه ما ذكرنا.

وأما الرَّابع ، فالصَّوت. من ذلك الصَّرَّة : شِدَّة الصِّياح. صَرَّ الجُنْدَب صرِيراً ، وصَرْصَرَ الأخْطبُ صَرصرة. والصَّرَارِىُ : الملَّاح ، ويمكن أن يكون لرفعِهِ صوتَه.

ومما شذَّ عن هذه الأصول كلمتان ، ولعلَّ لهما قياساً قد خَفِىَ علينا مكانُه فالأولى : الصّارَّة ، وهى الحاجة. يقال لى قِبَلَ فلانٍ صَارَّةٌ ، وجمعها صوَارُّ ، أى حاجة. والكلمة الأخرى الصَّرورة ، وهو الذى لم يحجُجْ ، والذى لم يتزوَّج. ويقال : الصَّرُورة : الذى يَدَعُ النكاح متبتِّلا. وجاء فى الحديث : «لا صَرُورة فى الإسلام».

قال أبو بكر محمّد بن الحسن بن دُريد (٢) : «الأصل فى الصَّرورة أنَّ الرجلَ فى الجاهلية كان إٍذا أحدَثَ حدَثاً فلجأ إلى الكعبة لم يُهَجْ ، فكان إذا لقِيَه ولىُّ الدَّمِ بالحرَم قيل له : هو صرورة فلا تَهِجْه. فكثُر ذلك فى كلامهم حتَّى جعلوا المتعبِّد الذى يجتِنب النِّساءَ وطِيبَ الطعام صَرورةً ، وصروريًّا. وذلك عَنَى النابغةُ بقوله :

__________________

(١) لذى الرمة فى ديوانه ٥٨٨ واللسان (صرر قصع ، نشح) ، وسيأتى فى (قصع). وعجزه :

وقد نشحن فلا رى ولاهيم

(٢) فى الجمهرة (٣ : ٤٢٨).


لو أنَّها عَرَضَتْ لأشمَط راهبٍ

عَبَد الإِله صرورةٍ متعبِّدِ (١)

أى مُنْقبضٍ عن النِّساء والطِّيب (٢) فلما جاء الله تعالى بالإسلام وأوجَبَ إقامةَ الحدود بمكّة وغيرِها سُمِّى الذى لم يحجَ صَرورةً وصَرُوريًّا ، خلافاً لأمر الجاهليَّة. كأنَّهم جعَلُوا أنَّ تَرْكَه الحجَّ فى الإسلام ، كترك المَتأَلِّهِ إتيانَ النِّساء والتَّنّعمَ فى الجاهليَّة».

وهذا الذى ذكرناه فى معنى الصَّرورة يحتمل أنّه من الصِّرار ، وهو الخِرقة التى تُشَدُّ على أَطْباء النّاقة لئلا يرضَعَها فصيلها. والله أعلم بالصَّواب.

باب الصاد والعين وما يثلثهما

صعف الصاد والعين والفاء ليس بشىء. على أنهم يقولون الصَّعْفَ : شرابٌ (٣).

صعق الصاد والعين والقاف أصلٌ واحدٌ* يدلُّ على صَلْقةٍ وشِدَّة صوت. من ذلك الصَّعْق ، وهو الصَّوت الشَّديد. يقال حمارٌ صَعِقُ الصّوتِ ، إذا كان شديدَه. ومنه الصَّاعقة ، وهى الوقع الشّديدُ من الرّعْد. ويقال إن الصُّعاق الصَّوت الشديد. ومنه قولهم : صَعِق ، إذا ماتَ ، كأنَّه أصابته صاعقةٌ.

__________________

(١) ديوان النابغة ٣١ وشرح المعلقات للزوزنى ١٩٨ واللسان (صرر).

(٢) فى نسخة الجمهرة : «والتنعم».

(٣) فى اللسان : «الصعف والصعف : شراب لأهل اليمن. وصناعته أن يشدخ العنب ثم يلقى فى الأوعية حتى يغلى».


قال الله تعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ).

صعل الصاد والعين واللام أُصَيلٌ يدلُّ على صِغرٍ وانجراد. من ذلك الصّعْل ، وهو الصّغير الرَّأْس من الرِّجال والنَّعام. وقال :

صَعْلِ الرَّأْسِ قُلتُ له (١)

ويقال حمار صَعْل : ذاهب الوبر. ويقال رجلٌ أصعَلُ وامرأةٌ صعلاءُ. والصَّعْلة من النَّخْل : العَوجاء الجرداءُ أصول السَّعَف.

صعن الصاد والعين والنون أُصيْلٌ يدلُّ على لُطْف فى الشَّىء يقال : فلانٌ صِعْوَنُّ الرأس : دقِيقُه. ويقال أذُنٌ مُصْعَنَّة. وقال :

والأذْن مُصْعَنَّةٌ كالقَلَمْ (٢)

صعو الصاد والعين والحرف المعتل كلمةٌ واحدة ، وهى الصَّعْوَة ، وهى عصفورة ، والجمع صِعاء.

صعب الصاد والعين والباء أصلٌ صحيح مطَّرد ، يدلُّ على خِلاف السهولة. من ذلك الأمر الصَّعْب : خلاف الذَّلول. يقال صُعبَ يصعُب صُعوبةً. ويقال أصعَبْتُ الأمر : ألفَيتُه صعباً.

__________________

(١) لم أجد تتمته. ولعله التبس عنده ببيت ذى الرمة :

وخافق الرأس فوق الرحل ثلث له

زع بالزمام وجوز اقبل مركوم

(٢) لعدى بن زيد فى اللسان (صعن). ويروى : «مُصَعَّنة». والبيت بتمامه :

له عنق مثل جذع السحوق

وأذن مصعنة كلقلم


ومن الباب المُصعَب ، وهو الفَحل ؛ وسمِّى بذلك لقُوَّته وشدّته. ويقال أصْعَبنا الجمل، إذا تركناه فلم نركبْه. وذُكر أنَّهم يقولون : أصعبْتُ النّاقة ، إذا تركتَها فلم تَحمِل عليها. وهذه استعارة. وفى الرَّمْل مَصاعِبُ.

صعد الصاد والعين والدال أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ارتفاعٍ ومشقّة. من ذلك الصَّعُود خلاف الحَدُور. ويقال صَعِد يَصْعَد. والإصعاد : مقابلة الحَدُور من مكانٍ أرفع. والصَّعود : العقَبة الكَؤُود ، والمشقّة من الأمر. قال الله تعالى : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً). قال :

نَهَى التَّيْمِىَّ عُتْبةُ والمعلَّى

وقالا : سوف يَنهرك الصَّعُودُ

وأما الصُّعُدات فهى الطُّرُق ، الواحد صَعيد. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إيّاكم والقعودَ بالصُّعُدات إلّا مَن أدّى حَقَّها». ويقال صعيد وصُعُد وصُعُدات ، وهو جمع الجمع ، كما يقال طريق وطُرُقٌ وطرُقات. فأمَّا الصعيد فقال قومٌ : وجه الأرض. وكان أبو إسحاقَ الزَّجّاجُ يقول : هو وجه الأرض ، والمكانُ عليه ترابٌ أو لم يكن. قال الزّجّاج : ولا يختلف أهلُ اللُّغة أنَ الصَّعيد ليس بالتُّراب. وهذا مذهبٌ يذهب إليه أصحابُ مالكِ بن أنَس. وقولهم إنّ الصَّعيد وجهُ الأرض سواءٌ كان ذا ترابٍ أو لم يكُن ، هُو مذهبنا ، إلّا أنَّ الحقَّ أحقُّ أن يُتَّبع ، والأمر بخلاف ما قاله الزّجّاج. وذلك أنّ أبا عبيدٍ حَكى عن الأصمعىّ أنّ الصَّعيدَ التراب. وفى الكتاب المعروف بالخليل ، قولهم تيمَّمْ بالصَّعيد ، أى خُذْ من غُبارِه. فهذا خلافُ ما قاله الزّجّاج.


ومن الباب الصُّعَداء ، وهو تنفُّسٌ بتوجُّع ، فهو نفَسٌ يعلو ، فهو من قياس الباب. وأما الصَّعود من النُّوق فهى التى يموت حُوارها فتُرفَع إلى ولدها الأوّل فتدرُّ عليه. وذلك فيما يقال أطيَبُ للبنها. ويقال : بل هى التى تُلقى ولدها. وهو تفسير قوله :

لها لبَنُ الخِليةِ والصَّعودِ (١)

ويقال : تَصَعَّدَنى الأمرُ ، إذا شقَّ عليك. قال عمر : «ما تصعَّدتْنى خطبةُ النكاح(٢)». وقال بعضهم : «الخطبة صُعُد ، وهى على ذى اللُّبِّ أرْبَى». ومما يقارب هذا قولُ أبى عمرٍو : أصعَدَ فى البلاد : ذهب أينما توجَّه. ومنه قولُ الأعشى :

فإن تسألى عنِّى فيارُبّ سائلٍ

حَفِىٍّ عن الأعشى به حيث أصعَدَا (٣)

ومما لا يبعد قياسه الصّعْدة من النِّساء : المستقيمةُ القامةِ ، فكأنها صَعْدَةٌ ، وهى القناةُ المستوِيةُ تنبت كذلك ، لا تحتاج إلى تثقيف.

صعر الصاد والعين والراء أصل مطرد يدل على مَيَل فى* الشىء. من ذلك الصَّعَر ، وهو الَمَيل فى العُنُق. والتصعير : إمالة الخدِّ عن النّظَر عُجْبا. وربَّما كان الإنسان والظَّليمُ أصعَرَ خِلقة. قال الله تعالى : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) وهو من الصَّيعِريّة ، وهو اعتراضُ البَعِير فى سيره. والصَّيْعِريّةُ : سِمَةٌ من سِمات النُّوق فى أعناقها ، ولعلَّ فيها اعتراضاً. قال المسيّب :

__________________

(١) لخالد بن جعفر الكلابى. وصدره كما فى اللسان (صعد) :

أمرت لها الرعاء ليكرموها

(٢) القول بتمامه : «ما تصعدنى شىء ما تصعدتنى خطبة النكاح».

(٣) ديوان الأعشى ١٠٢ واللسان (صعد).


بِنَاجٍ عليه الصَّيْعريّةُ مُكْدَمِ (١)

فأما الحديث : «ليس فيهم إلّا أصعَرُ أو أبتر». فمعناه ليس إلّا معجبٌ ذاهب أو ذَليل. ويقال سَنامٌ صَيْعَرِىٌ ، أى عظيم. وإنّما قيل له ذلك لأنّه إٍذا عظم مالَ.

ومما شذَّ عن الباب قولهم : قَرَبٌ مُصْعَرٌّ ، أى شديد. قال :

وقد قَرَبْنَ قَرَباً مُصْعَرَّا (٢)

والله أعلم بالصَّواب.

باب الصاد والغين وما يثلثهما

صغوى الصاد والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على المَيْل ، من ذلك قولُهم : صِغْو فلانٍ معك ، أى ميلُه. وصَغتِ النجوم : مالت للغُيوب. وأصغى إليه ، إذا مال بسمعِه نحوَه. وأصْغيت الإِناءَ أمَلتُه. ومنه قولهم للذين يَمِيلون مع الرّجُل من أصحابه وذوى قُرْباه : صاغِيةٌ. وحُكى : صَغَوْتُ إليه أصْنَى صَغْواً وصَغًى ، مقصور.

__________________

(١) صدره كما فى اللسان (صعر) :

وقد اتانسى الهم عند احتضاره

(٢) بعده فى اللسان :

إذا الهدان؟ واسبكرا


صغر الصاد والغين والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على قِلّةٍ وحقارة من ذلك الصِّغَر : ضدّ الكِبَر. والصَّغير : خلاف الكبير. والصاغِر : الرّاضى بالضَّيم صُغْراً وصَغارا. ويقال أصغرت النّاقةُ وأكبَرَتْ. والإِصغار : حنينُها [الخفيض. والإِكبار (١) :] العالى. قالت الخنساء :

لها حنينان إِصغارٌ وإكبارُ (٢)

صغل الصاد والغين واللام ليس بشىءٍ ، إنَّما الصَّغِل السَّيِّئ الغِذاء والأصل فيه السين: سَغِلٌ. والله أعلم بالصواب.

صفق الصاد والفاء والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على ملاقاةِ شىءٍ ذى صَفْحةٍ لشىءٍ مثلِه بقُوَّة. من ذلك صَفقت الشّىءَ بيدى ، إذا ضربتَه بباطن يدِك بقُوّة. والصَّفْقَة : ضربُ اليدِ على اليد فى البيْع والبَيْعةِ ، وتلك عادةٌ جاريةٌ للمتبايِعين. وإذا قيل أصفَق القومُ على الأمر ، إذا اجتمعوا عليه ، فهو من ذلك ، وإِنَّما شُبِّهوا بالمتصافِقِين على البيع.

وممّا حُمِل على ذلك الصَّفَقُ ، وهو الماء يُصَبُّ على الأديم الجديد فيخرج مُصفرًّا.

ومن الباب أيضاً : الشَّراب المصفَّق ، وهو أن يُحوَّل من إناءٍ إلى إناء ، كأنَّه صَفَق الإناءَ إذا لاقاه ، وصُفِقَ به الإناء. ومنه صَفَق الإبلَ ، إذا حوَّها مِن مرعًى إلى مرعًى.

__________________

(١) هذه التكملة من المجمل.

(٢) صدره كما فى الديوان ٤٢ واللسان (صغر) :

فما عجول على بوتطيف به


ثم حُمِل على ذلك فقيل لكلِّ منبسطٍ صَفقٌ وإن لم يُضربْ به على شىء. فيقال لجانِبَى العُنُق صفقانِ ، ولكلِّ ناحيةٍ صَفْق وصُفْق (١). ويقال للجِلد الذى بلى سوادَ البطن صُفْق.

ومما شذَّ عن الباب ، وقد يمكن أن يُخرّج له وجه ، قولهم : قَوسٌ صَفوقٌ ، إذا كانت ليّنة راجعة.

صفن الصاد والفاء والنون أصلانِ صحيحان ، أحدهما جنسٌ من القيام ، والآخر وِعاءٌ من الأوعية.

فالأوّل : الصُّفون ، وهو أن يقوم الفرسَ على ثلاثِ قوائمَ ويرفعَ الرّابعة ، إلّا أنّه ينالُ بطرَف سُنْبُكِها الأرض. والصَّافن : الذى يصفُّ قدمَيه. وفى حديث البَرَاء : «قمنا خَلْفَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صُفُوناً». ومنه تَصافَنَ القومُ [الماء (٢)] ، وذلك إذا اقتسموه بالصُّفْن ، والصُّفْن : جلدةٌ يُستَقَى بها. قال :

فلما تصافَنَّا الإِداوةَ أَجهشَتْ

إلىَّ غُصونُ العنبرىِّ الجُرَاضِمِ (٣)

ويقال إنّ ذلك إِنَّما يكون على المَقْلَة ، يُسقى أحدُهم قَدْر ما يغمُرها.

ومما شذَّ عن الأصلين : الصَّافن ، وهو عِرْقٌ (٤)

__________________

(١) وصفق أيضا ، بالتحريك ، كما فى المجمل.

(٢) التكملة من المجمل واللسان.

(٣) البيت للفرزدق فى اللسان (صفن ، جرضم).

(٤) فى اللسان : «عرق فى باطن الصلب طولا ، متصل به نياط القلب ، ويسمى الأكحل».


صفو الصاد والفاء والحرف المعتلّ أصلٌ واحد يدلُّ على خلوصٍ من كلِّ شَوب. من ذلك الصَّفاءُ ، وهو ضدُّ الكَدَر ؛ يقال صفا يصفو ، إذا خَلَص. يقال لك صَفْوُ هذا الأمر وصِفْوته. ومحمَّد صِفوة الله تعالى وخِيرَتُه من خَلْقه ، ومُصطفاهُ صلَّى الله عليه* وآله وسلّم. والصَّفِىُ : ما اصطفاه الإمام من المَغْنم (١) لنفسه ، وقد يسمَّى بالهاء الصَّفِيَّة ، والجمع الصَّفَايا. قال :

لك المِرْبَاعُ منها والصَّفَايا

وحُكْمُكَ والنَّشيطةُ والفُضُولُ (٢)

والصَّفِيَّة والصَّفِىّ ، وهو بغير الهاء أشهر : النّاقةُ الكثيرة اللّبَن ، والنَّخْلة الكثيرةُ الحَمْل ، والجمع الصَّفايا. وإٍنَّما سُمِّيت صفيًّا لأنّ صاحبَها يصطفيها.

ومن الباب قولهم : أصْفت الدَّجاجةُ ، إذا انقطع بيضُها ، إصفاءً. وذلك كأنَّها صَفَت أى خَلَصت من البَيْض ، ثم جُعِل ذلك على أفْعَلَتْ فرقاً بينها وبين سائر ما فى بابها ، وشبّه بذلك الشَّاعِرُ إذا انقطع شِعْرُه.

ومن الباب الصَّفَا ، وهو الحجر الأمْلَس ، وهو الصَّفْوانُ ، الواحدة صَفوانةٌ. وسمِّيت صفوانَةً لذلك ، لأنَّها تَصفُو من الطِّين والرَّمْل. قال الأصمعىُّ : الصَّفْوان والصَّفْواءُ والصَّفَا ، كله واحد. وأنشد :

كما زَلَّتِ الصَّفْواء بالمتنزِّلِ (٣)

ويقال يومٌ صفوانُ ، إذا كان صافِىَ الشمس شديدَ البَرْدِ.

__________________

(١) فى الأصل : «من الغنم» ، وأثبت ما فى المجمل.

(٢) البيت لعبد الله بن عنمة الضبى ، كما سبق فى (ربع). وهو من أبيات تمانية رواها أبو تمام فى الحماسة (١ : ٤٢٠). وأنشده فى اللسان (ربع ، صفا ، نشط ، فضل). وسيأتى فى (نشط).

(٣) لامرئ القيس فى معلقته. وصدره :

كميت يزل اللبد عن حال متنه


صفح الصاد والفاء والحاء أصلٌ صحيحٌ مطَّرد يدلُّ على عَرْض وعِرَض. من ذلك صَفْح الشَّىء : عُرْضُه. ويقال رأس مُصْفَحٌ : عريض. والصفيحة : كلُّ سيفٍ عريض. وصَفحتا السَّيف : وَجْهاه. وكلُّ حجرٍ عريضٍ صفيحةٌ ، والجمع صفائِح. والصُّفَّاح : كلُّ حجرٍ عريض. قال النَّابغة :

تقدُّ السَّلوقىَّ المضاعفَ تسجُه

ويُوقِدْن بالصُّفّاح نارَ الحُباحبِ (١)

ومن الباب : المصافحةُ باليد ، كأنَّه ألصق يدَه بصَفحةِ يدِ ذاك. والصَّفْح : الجنْب. وصَفحا كلِّ شىء : جانِباه. فأمّا قولهم : صفَحَ عنه ، وذلك إعراضاً عن ذنْبه ، فهو من الباب ؛ لأنَّه إذا أعرض عنه فكأنه قد ولَّاه صَفحتَه وصُفحه ، أى عُرضه وجانِبَه ، وهو مَثَلٌ.

ومن الباب : صفَحت الرّجلَ وأصفحتُه ، إذا سألك فمنعتَه (٢). وهو من أنّك أريتَه صَفحتَك مُعْرِضاً عنه. ويقال : صفحتُ الإِبلَ على الحوض ، إذا أمررتَها عليه ، وكأَنَّك أريتَ الحوضَ صَفَحاتِها ، وهى جُنوبُها.

ومما شذّ عن الباب قولُهم : صفحت الرجل صفحاً ، إذا سقيتَه أىَّ شرابٍ كان ومتى كان.

صفد الصاد والفاء والدال أصلان صحيحان : أحدُهما عَطاءٌ ، والآخَر شَدُّ بشىء.

__________________

(١) ديوان النابغة ٧ برواية : «وتوقد».

(٢) فرق بينهما ابن الأثير فقال : «يقال صفحته ، إذا أعطيته ، وأصفحته إذا حرمته».


فالأوّل الصَّفَد ؛ يقال أصفدتُه ، إذا أعطيتَه. قال :

هذا الثناءُ فإِنْ تَسمعْ لقائلِهِ

فما عَرَضتُ أبيتَ اللَّعنَ بالصَّفَدِ (١)

وأما الصَّفْد فالغُلّ ، ويقال الصَّفْد التقييد (٢). والأصفاد : الأقيْاد. والصِّفاد : القَيد أيضاً. قال :

هَلَّا مننتَ على أخيكَ مَعْبَدٍ

والعامرىُّ يقودُه بصِفادِ (٣)

وفى الحديث : «إذا دخل شهرُ رمضانَ صُفِّدت الشياطين».

صفر الصاد والفاء والراء ستّة أوجه :

فالأصل الأوَّل لونٌ من الألوان. والثانى الشَّىء الخالى. والثالث جوهر من جواهر الأرضِ. والرّابع صَوت. والخامس زَمان. والسادس نَبْت.

فالأوَّل : الصُّفرة فى الألوان. وبنو الأصفر : مُلوك الرُّوم ؛ لصُفرةٍ اعتَرَت أبَاهم. والأصفر : الأسود فى قوله :

تلك خَيْلِى منه وتلك ركابى

هنَ صُفرٌ أولادُها كالزَّبيبِ (٤)

__________________

(١) للنابغة فى ديوانه ٢٧ واللسان (صفد). والرواية فيهما : «فلم أعرض».

(٢) كذا ضبطت العبارة فى المجمل. وفى اللسان بفتح فاء الصفد. والظاهر أن التقييد بسكون الفاء ، والغل بفتحها. يؤيده عبارة اللسان : «والاسم من العطية الصفد ـ أى بالتحريك ـ وكذلك من الوثاق».

(٣) البيت لعوف بن عطية التيمى ، يعير لقيط بن زرارة بموت أخيه معبد فى الأسر. اللسان (بدد). وروايته فى (بدد): «ألا كررت على ابن أمك معبد». وروايته فى (صفد) كروايته هنا ، مع تحريف فى عجز البيت.

(٤) البيت للأعشى فى ديوانه ٢١٩ واللسان (صفر).


والأصل الثانى : الشىء الخالى ، يقال هو صِفر. ويقولون فى الشتم : ماله صَفِر إناؤه ، أى هلكت ماشيتُه. ومن الباب قولُهم للذى به جنونٌ : إنه لفى صُفْرة وصِفْرة ، بالضم والكسر ، إذا كان فى أيامٍ يزول فيها عقلُه. والقياس صحيح ؛ لأنّه كأنه خالٍ بين عقله.

والأصل الثالث : الصُّفْر من جواهر الأرض ، يقال إنّه النُّحاس. وقد يقال الصِّفْر. وقد أخبرنى علىُّ بن إبراهيمَ القطَّانُ ، عن علىّ بن عبد العزيز ، عن أبى عُبيد قال : قال الأصمعى : النُّحاس الطَّبيعة والأصل ، والنُّحاس هو الصُّفر الذى تعمل منه الآنية ، فقال «الصُّفر» بضم الصاد. قال أبو عبيدٍ مثلَه ، إلّا أنّه قال الصِّفْر ، بكسر الصاد.

وأمَّا الرّابع فالصَّفير للطّائر. وقولهم : ما بها صافرٌ ، من هذا ، أى كأنَّه يصوِّت.

وأمَّا الزمان فصَفَر : اسم هذا الشهر. قال ابنُ دريد (١) : الصَّفَرَانِ * شهرانِ فى السَّنة ، سمِّى أحدُهما فى الإِسلام المحرَّم. والصَّفَرىّ ، نباتٌ يكون فى أوّل الخريف. والصَّفَرىّ فى النَّتاج بعد اليقظىّ.

وأمّا النّبات فالصَّفَار ، وهو نبتٌ ، يقال إنّه يبيس البُهْمَى. قال :

فبتنا عُرَاةً لدى مُهرِنا

ننزِّعُ من شَفَتيه الصَّفَارا (٢)

صفع صفع الصاد والفاء والعين كلمةٌ واحدة معروفة.

__________________

(١) الجمهرة (٢ : ٣٥٥).

(٢) البيت لأبى دواد الإيادى ، كما فى حواشى الجمهرة. وسيأتى منسوبا فى (عرى).


باب الصاد والقاف وما يثلثهما

صقل الصاد والقاف واللام أُصَيلٌ يدلُّ على تمليسِ شىء ، ثم يقاس على ذلك. يقال صَقَلْتُ السَّيْفَ أصقُله. وصائغ ذلك الصَّيقل. والصَّقِيل : السَّيف. ويقال : الفرسُ فى صِقاله ، أى صِوانِه ، وذلك إذا أُحسن القيامُ عليه ، كأَنّه يُصقَل صقلاً ويُصنَع.

ومن الباب الصُّقل من الإنسان والفرس ، وهو الجنْب ، والجنب أشدُّ الأعضاء ملاسةً ، فلذلك سمِّى صُقلا ، كأنَّه قد صُقِل. ويقال منه فرس صَقِلٌ ، أى طويل الصُّقْلين.

صقب الصاد والقاف والباء لا يكاد يكون أصلاً ؛ لأن الصَّاد يكون مرّةً فيه السين ، والبابان متداخلان ، مرّةً يقال بالسين ومرّةً بالصاد ، إلّا أنَّه يدلُّ على القرب ومع الامتداد مع الدّقَّة.

فأمّا القُرب فالصَّقَب. وجاء فى الحديث : «الجار أحقُ بصَقَبه». يراد فى الشُّفعة. والصَّاقب : القريب. والرّجُلان يتصاقبان فى المحلّة ، إذا تقارَبا.

وأما الآخر فالصَّقْب : العمود يُعمَد به البيت ، وجمعه صقوب. قال ذو الرُّمَّة :

صَقْبانِ لم يتقشَّرْ عنهما النَّجَبُ (١)

وأما قولهم : صقبت الشىء ، إذا ضربته فلا يكون إلّا على شىءٍ مُصْمَت

__________________

(١) صدره كما فى ديوان ذى الرمة ٢٨ والحيوان (٤ : ٣١٢) :

كأن رجليه؟ كان من عشر


يابس. فممكنٌ أن يكون من الإبدال ، كأنه من صقعته ، فيكون الباء بدلا من العين.

صقر الصاد والقاف والرَّاء أُصَيل يدلُّ على وقع شىء بشدّة. من ذلك الصَّقْر ، وهو ضربُك الصَّخرةَ بمعولٍ ، ويقال لِلمعْول الصَّاقُور. ويجوز أن يدخل فيه الهاء فيقال الصاقُورة.

والصَّقر هذا الطائرُ ، وسمِّى بذلك لأنه يَصقُر الصّيد صقراً بقُوّة. وصَقَرات الشَّمس: شدّة وقْعها على الأرض. قال :

إذا ذابت الشَّمسُ اتَّقى صَقَرانِها

بأفنانِ مَربوع الصَّريمة مُعْبِلِ (١)

وحكى عن العرب (٢) : جاء فلان بالصُّقَر والبُقَر ، إذا جاء بالكذِب.

فهذا شاذٌّ عن الأصل الذى ذكرناه. وكذلك الصَّاقورة فى شعر أميَّة بن أبى الصَّلْت (٣) من الشاذّ. ويقال إنّها السَّماء الثالثة. وما أحسب ذلك من صحيح كلام العرب. وفى شعر أميَّةَ أشياءُ. فأما الدِّبْس وتسميتُهم إيَّاه صَقْرًا فهو من كلام أهل المدَر ، وليس بذلك الخالِص من لغة العرب.

صقع الصاد والقاف والعين أصول ثلاثة : أحدها وقْع شىءٍ على شىء كالضَّرب ونحوه ، والآخر صَوت ، والثالث غِشْيانُ شىءٍ لشىء.

فالأوّل : الصَّقْع وهو الضَّرب ببُسْط الكفِّ. يقال صقعه صقْعاً.

__________________

(١) البيت لذى الرمة. وقد سبق بتخريجه فى (ذوب).

(٢) بدله فى المجمل : «قال ابن دريد». انظر الجمهرة (٢ : ٣٥٧).

(٣) هى فى قول أمية فى ديوانه ٢٤ :

لمصفدين عليهم صاقورة

صماء ثالثة؟؟


وأمّا الصَّوت (١) فقولهم صقَع الدِّيك يصقَع. ومن الباب خطيب مِصقعٌ ، إذا كان بليغاً ، وكأنّه سمِّى بذلك لجهارة صوته.

وأمَّا الأصل الثالث ، فى غِشيان الشَّىءِ الشىءَ ، فالصِّقَاع ، وهى الخرْقة التى تتغشَّاها المرأةُ فى رأسها ، تقى بها خِمَارَها الدُّهنَ. والصقيع : البَرْد المحرِق للنَّبات فهذا يصلح فى هذا ، كأنَّه شىءٌ غَشَّى النَّبات فأحرَقه ، ويصلح فى باب الضَّرب.

ومن الباب العُقاب الصَّقْعاء : البيضاء الرّأس : كأنَّ البياضَ غشَّى رأسَها. ويقال الصِّقَاع البُرْقُع. والصِّقَاع : شىءٌ يشدُّ به أنفُ الناقة. قال القُطامىّ :

إذا رأسٌ رأيتُ به طِماحاً

شددتُ له الغمائمَ والصِّقاعا (٢)

ومنه الصَّقَع ، مثل الغَشْى يأخذ الإِنسانَ من الحرّ ، فى قول سويد :

يأخُذ* السَّائرَ فيها كالصَّقَعْ (٣)

ومن الباب الصاقِعة ، فممكن أن تُسمَّى بذلك لأنها تَغْشى. وممكن أن يكون من الضَّرْب. فأما قولُ أوس :

يابَا دُلَيْجةَ من لَحىٍ مفرَدٍ

صقِع من الأعداءِ فى شَوَّالِ (٤)

فقال قوم : هذا الذى أصابه من الأعداء كالصاقعة. والصَّوقَعة : العِمامة ؛ لأنَّها تُغَشِّى الرأس.

__________________

(١) فى الأصل : «الصقع» ، تحريف.

(٢) ديوان القطامى ٤٥ واللسان (صقع).

(٣) صدره كما فى المفضليات (١ : ١٩١) واللسان (صقع) :

في حرور ينضج اللحم بها

(٤) فى ديوان أوس بن حجر ٢٣ واللسان (صقع): «أأبا دليجة» ورواية المقاييس هذه بحذف همزة الأب ، كما جاء فى قوله :

يابا المغيرة والدليا مغيرة

وإن من غرت الدنيا لمغرور


وما بقى من الباب فهو من الإبدال ؛ لأنّ الصُّقْع النَّاحية. والأصل ، فيما ذكر الخليل ، السِّين كأنه فى الأصل سقع. ويكون من هذا الباب قولهم : ما أدرى أين صقَع ، أى ذهب ، والمعنى إلى أىِ صقْعٍ ذهبَ. وقال فى قول أوسٍ «صقع من الأعداء» هو المُتَنَحِّى الصُّقع.

باب الصاد والكاف وما يثلثهما

صكم الصاد والكاف والميم أصلٌ واحد يدلُّ على ضربِ الشَّىْء بشدة. فالصَّكْمَة : الصَّدْمة الشديدة. والعرب تقول : صكمتهم صواكم الدَّهر. والفرس يصْكُم ، إذا عَضَّ على لجامه مادًّا رأسه. وقال الفرّاء : صكمه ، إذا صَرَبه ودفَعه.

باب الصاد واللام وما يثلثهما

صلم الصاد واللام والميم أصلٌ واحد يدل على قطع واستئصال. يقال صَلَم أُذُنَه ، إذا استأصلها. واصْطُلِمَت الأُذُن. أنشد الفرّاء :

مثل النَّعامة كانت وهى سالمةٌ

أذْناءَ حتَّى زهاهَا الحَيْنُ والجُبُنُ (١)

جاءت لتشرِىَ قَرناً أو تعوِّضَه

والدّهر فيه رَبَاحُ البيع والغَبَنُ

فقيل أُذْناكِ ظُلْمٌ ثُمّت اصطُلِمَتْ

إلى الصِّماخ فلا قَرْنٌ ولا أُذُنُ

والصَّيْلم : الدَّاهية ، والأمر العظيم ، وكأنّه سمِّى بذلك لأنّه يَصْطَلِم. فأمّا

__________________

(١) كذا جاء على الصواب فى الأصل واللسان (جنن). والجنن بضمتين : الجنون. وفى المجمل : «والجبن» تحريف. وفى أمثال الميدانى عند قولهم : (كطالب القرن جدعت أذنه): «حتى زهاها الحين والحبن» ، تحريف أيضا.


الصَّلَامة ، ويقال بالكسر الصِّلَامة ، فهى الفِرقة من النّاس ، وسمّيت بذلك لانقطاعِها عن الجماعة الكثيرة. قال :

لأمِّكم الويلاتُ أنّى أتيتمُ

وأنتم صِلَاماتٌ كثيرٌ عديدُها (١)

صلى الصاد واللام والحرف المعتل أصلان : أحدهما النار وما أشبهها من الحُمَّى ، والآخر جنسٌ من العبادة.

فأمّا الأوّل فقولهم : صَلَيْتُ العُودَ بالنار (٢). والصَّلَى صَلَى النّار. واصطليت بالنّار. والصِّلَاءُ : ما يُصْطَلَى به وما يُذكَى به النَّار ويُوقَد. وقال (٣) :

تَجْعَلُ العودَ واليَلَنْجُوجَ والرَّنْ

دَ صِلَاءً لها على الكانونِ (٤)

وأما الثانى : فالصلَاةُ وهى الدُّعاء. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا دُعِىَ أحدُكم إلى طعامٍ فليُجِبْ ، فإنْ كان مفطراً فليأكلْ ، وإن كَان صائماً فليصلّ». أى فليَدْعُ لهم بالخير والبركة. قال الأعشى :

تقول بِنْتِى وقد قرَّبتُ مُرْتَحَلاً

يا ربِّ جنِّبْ أبى الأوصابَ والوَجَعا (٥)

عليكِ مثلُ الذى صَلَّيتِ فاغتَمِضِى

نوماً فإنَّ لجَنْبِ المرءِ مُضطجَعا

وقال فى صفة الخمر :

وقابَلَها الرِّيحُ فى دَنِّها

وصلّى على دَنِّها وارتَسمْ (٦)

والصلاة هى التى جاء بها الشَّرع من الركوع والسُّجود وسائرِ حدود الصلاة.

__________________

(١) فى الأصل : «أى أتيتم صلامات» ، وتصحيحه وإكماله من المجمل.

(٢) زاد فى المجمل : «إذا لينته».

(٣) هو أبو دهبل الجمحى كما فى شرح القصائد السبع لابن الأنبارى فى البيت السابع من القصيدة السادسة.

(٤) الرند : العود الذى يتنخر به. وفى الأصل : «الزند» ، تحريف.

(٥) ديوان الأعشى ٧٣.

(٦) ديوان الأعشى ٢٩ واللسان (رسم). وروى فى الديوان : «وارتشم».


فأمَّا الصَّلاة من الله تعالى فالرَّحمة ، ومن ذلك الحديث : «اللهمَّ صلِّ على آل أبى أوْفى». يريد بذلك الرَّحمة.

ومما شذَّ عن الباب كلمةٌ جاءت فى الحديث : «إنَّ للشّيطان فُخوخاً ومَصَالِىَ». قال : هى الأشراك ، واحدتها مِصْلَاةٌ.

صلب الصاد واللام والباء أصلان : أحدهما يدلُّ على الشدة والقوّة ، والآخر جنس من الوَدَك.

فالأوَّل الصُّلب ، وهو الشىء الشَّديد. وكذلك سُمِّى الظَّهر صُلْباً لقوّته. ويقال إنّ الصَّلَبَ الصُّلْبُ. ويُنشَد :

فى صَلَبٍ مثلِ العِنان المُؤْدَم (١)

ومن ذلك الصَّالب من الحُمَّى ، وهىَ الشَّديدة. قال :

وماؤ كما العذب الذى لو شربتُه

وبى صالبُ الحمَّى إذاً لشَفَانى (٢)

وحكى الكسائىّ : صَلَبَتْ عليه الحمَّى ، إذا دامت عليه واشتدَّت ، فهو مصلوبٌ عليه.

ومن الباب الصُّلّبيَّة : حجارة المِسَنّ (٣) ، يقال سِنان مصَلَّبٌ ، أى مسنون. ومنه التَّصليب ، وهو* بلوغ الرُّطَب اليُبْس ؛ يقال صَلَّبَ ومن الباب الصَّليب ، وهو العَلَم. قال النابغة :

__________________

(١) البيت للعجاج كما فى إصلاح المنطق ٤٦ ، ٩٨. وليس فى ديوانه.

(٢) لطهمان بن عمرو الكلابى ، كما فى معجم البلدان (دمخ) من أبيات سبق أحدها (دمخ).

(٣) شاهده قول امرئ القيس :

كحد السنان الصلبي النحيض

أراد بالسنان : السن.


ظلَّت أقاطيعُ أنعامٍ مؤبّلةٍ

لدى صَلِيبٍ على الزوراء منصوبِ (١)

وأما الأصل الآخر فالصَّليب ، وهو وَدَك العَظْم. يقال اصطَلَب الرجُل ، إذا جَمَع العظامَ فاستخرج وَدَكها ليأْتدِم به. وأنشد :

وباتَ شَيخ العيال يصطلبُ (٢)

قالوا : وسمِّىَ المصلوبُ بذلك كأنَّ السِّمَن يجرى على وجهه (٣). [والصليب : المصلوب] ، ثمَّ سمِّى الشىء الذى يُصلَب عليه صَليباً على المجاورة وثوب مُصَلَّبٌ ، إذا كان عليه نقشُ صَليب. وفى الحديث فى الثوب المصلَّب ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «كان إذا رآه فى ثوبٍ قَضَبه». أى قَطَعَه. فأمَّا الذى يقال ، إنَ الصَّولبَ البَذْر يُنْثَر على وجه الأرض ثم يُكرَبُ عليه ، فمن الكلام المولّد الذى لا أصلَ له.

صلت الصاد واللام والتاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بروزِ الشىء ووضوحه. من ذلك الصُّلُت ، وهو الجبين الواضح ؛ يقال صَلْت الجبين ، يُمدَح بذلك. قال كُثَيِّر :

صَلْت الجبين إذا تبَّسم ضاحكاً

غلِقَتْ لضَحْكَتِه رقابُ المالِ

وهذا مأخوذٌ من السَّيف الصَّلْت والإصليت ، وهو الصَّقيل. يقال : أصْلَتَ فلانٌ سيفَه ، إذا شامهُ من قِرابِه.

__________________

(١) ديوان النابغة ١١.

(٢) للكميت الأسدى ، فى اللسان (صلب ١٦) وإصلاح المنطق ٤٦. وصدره :

واحتل يرك الشتاء منزلة

(٣) فى المجمل : «لأن ماء السمن يجرى فيه».


ومن الباب الصُّلت (١) وهو السّكّين ، وجمعه أصلات ويقال : ضَرَبه بالسيف صَلْتاً وصُلْتاً. ومن الباب : الحمار الصَّلَتان ، كأنه إذا عدا انصلت ، أى تبرَّز وظَهَر. ومن الباب قولهم : جاء بمرَق يَصْلِت ، إذا كان قليلَ الدَّسَم كثيرَ الماء. وإنّما قيل ذلك لبُروز مائه وظُهوره، من قلَّة الدَّسَم على وجهه.

صلج الصاد واللام والجيم ليس بشىءٍ ، لقلّة ائتلاف الصاد مع الجيم. وحكيت فيه كلماتٌ لا أصل لها فى قديم كلام العرب. من ذلك الصَّولَج ، وهى فيما زعموا الفضَّة الجيدة. يقال هذه فضَّةٌ صوْلج. ومنه الصَّولَجان. ويقال الأصلج : الأملس الشَّديد. وكلُّ ذلك لا معنى له.

صلح الصاد واللام والحاء أصلٌ واحدٌ يدل على خِلاف الفَساد. يقال صلُح الشّىءُ يصلُح صلاحاً. ويقال صَلَح بفتح اللام. وحكى ابنُ السكّيت صلَح وصلُح. ويقال صَلَح صُلوحا. قال :

وكيف بأَطْرافى إذا ما شتمتَنى

وما بعد شَتْم الوالدَينِ صُلوحُ (٢)

وقال بعض أهل العلم : إنّ مكة تسمَّى صَلاحاً (٣)

صلخ الصاد واللام والخاء فيه كلمة واحدة. يقال إنّ الأصلَخَ الأصمّ. قال سَلَمة : قال الفرّاء : «كان الكميتُ أصمَ أصْلَخَ».

صلد الصاد واللام والدال أصلٌ واحدٌ صحيح ، يدلُّ على صلابةٍ ويُبْس. من ذلك الحجر الصَّلْد ، وهو الصُّلْب. ثم يُحمَل [عليه] قولُهم : صَلِدَ

__________________

(١) يقال بفتح الصاد وضمها.

(٢) إصلاح المنطق ١٢٤. وقال : وأطرافه : أبواه وإخوته وأعمامه وكل قريب له محرم». وفى اللسان (صلح): «بإطراقى» ، تحريف. وسيأتى فى (طرف).

(٣) ويقال أيضا : «صلاح» كقطام.


الزّندُ ، إذا لم يُخرِج نارَه. وأصْلَدته أنا. ومنه الرّأْس الصَّلْد الذى لا يُنبِت شعراً ، كالأرض التى لا تنبت شيئاً. قال رؤبة :

برّاقَ أصلادِ الجبينِ الأجلهِ (١)

ويقال للبخيل أصْلَد ، فهو إمّا من المكان الذى لا يُنبت ، أو الزَّنْد الذى لا يُورِى. ويقال ناقةٌ صلودٌ ، أى بكِيئَةٌ قليلة اللّبَن غليظةُ جلدِ الضَّرع. ومنه الفَرسُ الصَّلُود ، وهو الذى لا يَعرَق. فإِذا نُتِجت النّاقةُ ولم يكن لها لبنٌ قيل ناقة مصلادٌ.

صلع الصاد واللام والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على ملاسةٍ. من ذلك الصَّلَع فى الرّأْس ، وأصله مأخوذٌ من الصُّلَّاع ، وهو العريض من الصَّخر الأملس ، الواحد صُلَّاعة. وجبلٌ [صليع (٢)] : أملس لا ينبت شيئاً. قال عمرو ابن معديكرب :

[وزحفُ كتيبةٍ للقاء أخرى

كأنّ زهاءَها رأسٌ صليع (٣)]

ويقال للعُرفُطةِ إذا سقطت رءوسُ أغصانِها : صَلعاء. وتسمَّى الداهية صلعاء ، أى بارزة ظاهرة لا يَخفَى أمرُها. والصَّلْعة (٤) : موضع الصَّلَع من الرّأْس. والصَّلعاء من الرمال : مالا يُنبِتُ شيئاً مِن نَجْم ولا شجر. ويقال* لجنسٍ من الحيات : الأُصَيْلِع ، وهو مثل الذى جاء فى الحديث : «يجىء كنْزُ أحدهم يومَ القيامة

__________________

(١) قبله فى ديوانه ١٦٥ واللسان (جله) :

لما رأتني خلق؟

(٢) التكملة من جمهرة ابن دريد (٣ : ٧٧).

(٣) البيت ساقط من الأصل ، وليس فى المجمل. وإثباته من الجمهرة فى الموضع السالف. وفى الأصمعيات ٤٤ : «وسوق كتيبة دلفت لأخرى».

(٤) تقال بالتحريك ، وبالضم أيضا.


شجاعاً أفْرَع (١)». ويريد بذلك الذى انمارَ (٢) شعَرَ رأسه ، لكثرة سِمَنه.

قال الشاعر :

قَرَى السُّمَّ حتَّى انمارَ فروةُ رأسِهِ

عن العظم صِلٌّ فاتكُ اللَّسْعِ ماردُ (٣)

صلغ الصاد واللام والغين ليس بأصلٍ ؛ لأنّه من باب الإِبدال. يقال للذى تَمَّ سِنُّه من الضّأن فى السّنَة الخامسة : صالغ. وقد صَلَغ صُلُوغاً.

صلف الصاد واللام والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على شِدّةٍ وكَزازة. من ذلك الصَّلَف ، وهو قِلّة نَزَلِ الطَّعام (٤). ويقولون فى الأمثال : «صَلَفٌ تحتَ الرّاعِدة» ، يقال ذلك لمن يُكثِر كلامه ويَمدح نفسَه ولا خير عنده. ومن الباب : قولهم : صَلِفت المرأةُ عند زوجها ، إذا لم تَحْظَ عنده. وهى بيِّنة الصَّلَف. قال :

وآبَ إليها الحزْنُ والصَّلَفُ (٥)

__________________

(١) سبق الحديث فى مادة (شجع) ص ٣٤٨.

(٢) فى الأصل : «انماز» فى هذا الموضع والبيت التالى ، تحريف. وانمار الشعر : انتتف.

(٣) قرى السم : جمعه. وفى الأصل : «ترى» ، تحريف.

(٤) النزل ، بالتحريك وبالضم : البركة. وفى الأصل : «ترك الطعام» تحريف ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٥) من بيت للأعشى ، وهو بتمامه كما فى الديوان ٢١٠ والجمهرة (٣ : ٨١) :

إذا آب جارتها الخسناط فهما

رکضا وآب ؛لها الحزن والصلف

ويروى : «الثكل والتلف».


قال الشيبانىّ : يقال للمرأة : أصلَفَ اللهُ رُفْغَها (١). وذلك أن يبغّضَها إلى زوجها.

والأصل فى هذا الباب قولهم للأرض الصُّلْبة صَلْفاء ، وللمكان الصُّلب أصلف. والصَّلِيف (٢) : عُرْض العُنُق ، وهو صلْبٌ. والصَّلِيفان : عُودانِ يعترضان على الغَبيط ثُشَدُّ بهما المَحامل. قال :

أقبُّ كأنَّ هادِيَه الصَّليفُ (٣)

فأمّا الرّجل الصَّلِف فهو من هذا ، وهو من الكَزازة وقِلّة الخير. وكان الخليل يقول : الصَّلف مجاوزة قدر الظَّرف ، والادِّعاءُ فوق ذلك.

صلق الصاد واللام والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على صيحةٍ بقوّة وصَدمةٍ وما أشبَهَ ذلك. فالصَّلْق : الصوت الشَّديد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليس مِنَّا مَن صَلَق أو حَلَق». يريد شدّة الصِّياح عند المصيبةِ تَنزِل. والصَّلَّاق والمِصلاق : الشديد الصوت. والصَّلْقة : الصَّدْمة والوقعة المُنكَرة. قال لبيد :

فصَلَقْنا فى مُرادٍ صَلْقةً

وصُداءٍ ألحقتهم بالثَّلَلْ (٤)

قال الكسائىّ : الصَّلْقة الصِّياح ، وقد أصلَقُوا إصلاقاً. واحتجّ بهذا البيت.

__________________

(١) الرفغ ، بالضم : واحد الأرفاغ ، وهى المغابن من الآباط وأصول الفخذين. وفى الأصل : «رفعها» تحريف. وفى المجمل واللسان : «رفغك».

(٢) بدلها فى الأصل : «وهو» ، وأثبت ما فى المجمل واللسان.

(٣) صدره فى تاج العروس :

ويحمل بوه في كل هيجا

(٤) سبق البيت وتخريجه فى (١ : ٣٦٩).


وقال أبو زيد : صَلَقَه بالعصا : ضرَبَه. والصَّلْق : صَدم الخَيل فى الغارة. ويقال صَلَق بنو فلانٍ بنى فلان ، إذا أوقعوا بهم فقتلوهم قتلاً ذَريعا. ويقال تصلَّقت الحاملُ ، إذا أخذها الطَّلْق فألقت بنفسها [على] جَنْبَيْها (١) مرَّةً كذا ومرَّة كذا. والفحل يُصْلِق بنا به إصلاقاً ، وذلك صَريفُه. والصَّلَقات : أنياب الإبل التى تَصلِق. قال :

لم تَبكِ حولك نِيبُها وتقاذفَتْ

صَلَقاتُها كَمنابتِ الأشجارِ (٢)

فأمّا القاع المستدير فيقال له الصَّلَق ، وليس هو من هذا ، لأنّه من باب الإِبدال وفيه يقال السَّلَق ، وقد مضى ذِكره. وينشد بيت أبى دؤاد بالسين والصاد :

تَرى فاه إذا أقب

ل مثل الصَّلَقِ الجَدْبِ (٣)

ولا أنكر أن يكون هذا البابُ كلُّه محمولاً على الإبدال. فأمّا الصَّلائق فيقال هو الخبز الرّقيق ، الواحدة صليقة ، فقد يقال بالراء الصريقة ، ويقال بالسين السَّلائق. ولعلَّه من المولّد.

__________________

(١) فى الأصل : «جبينها» ، وتصحيحها والتكملة قبلها من المجمل واللسان.

(٢) فى الأصل : «لمنابت الأشجار» ، صوابه من اللسان (صلق).

(٣) البيت مع قرين له فى اللسان (صلق).


باب الصاد والميم وما يثلثهما

صمى الصاد والميم والحرف المعتلّ أصلٌ واحدٌ يدلُّ على السُّرعة فى الشىء. يقال للرَّجُل المبادِر إلى القتال شَجاعةً : هو صَمَيانٌ. وهو من الصَّمَيان وهو الوثْب والتقلُّب. ويقال انصمى الطائر ، إذا انقضَّ. ويقال أصمى الفَرسُ ، إِذا مضى على وجْهه عاضًّا على لجامه.

ومن الباب : رمى الرَّجُل الصّيدَ فأصمى ، إذا قتله مكانه ، وهو خلاف أنْمَى.

صمت الصاد والميم والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على إبهام وإغلاق. من ذلك صَمَت الرّجُل ، إذا سكَتَ ، وأَصْمَت أيضاً. ومنه قولهم : «لقيتُ فلانا ببلدة إِصْمِتَ» ، وهي القَفر التى لا أحدَ بها ، كأنها صامتةٌ ليس بها ناطق. ويقال : «ما له صامتٌ ولا ناطق». فالصَّامت : الذّهب والفِضّة. والنَّاطق : الإِبل والغنَم والخيل. والصَّمُوت : الدِّرْع* الليِّنة التى إذا صَبَّها (١) الرَّجُل على نفسه لم يُسمَع لها صوت. قال :

وكلِ صموتٍ نثرةٍ تُبّعيَّةٍ

ونسج سْليمٍ كل قَضَّاءَ ذائلِ (٢)

وبابٌ مُصْمَت : قد أُبْهِم إغلاقه. والصامت من اللبن : الخاثر ؛ وسمِّى بذلك لأنه إذا كان كذا فأفرغ فى إناءٍ لم يُسمع له صوت. ويقال : بِتُّ على صِمات ذاكَ ، أى على قَصْده. فيمكن أن يكون شاذًّا ، ويمكن أن يكون من الإِبدال ، كأنّه مأخوذٌ من السَّمْت ، وهى الطَّريقة. قال :

__________________

(١) صبها ، أى لبسها. وفى الأصل : «صلبها» ، تحريف. وفى المجمل : «إذا صبت».

(٢) البيت للنابغة فى ديوانه ٦٤ واللسان (صمت). ورواية الديوان واللسان : «نثلة» وهما سيان.


وحاجةٍ بتُّ على صِمَاتِها (١)

أتيتُها وَحْدِىَ من مَأْتاتها

ويقال : رمَاه بصِماتِهِ ، أى بما أصمته. وأعطى الصَّبىَ صُمْتَةً ، أى ما يسكّنه.

صمج الصاد والميم والجيم ليس بشىء ، على أنَّهم يقولون : الصَّمَج : القناديل ، الواحدة صَمَجة. وينشدون :

والنَّجم مثل الصَّمَج الرُّوميَّاتْ (٢)

صمح الصاد والميم والحاء أُصَيلٌ يدلُّ على قوّةٍ فى الشىء ، أو طُول. يقال الصَّمَحْمَح : الطَّويل. ويقولون إنّ الصُّمَاح الكىّ. والصُّمَاح : النَّتن والصِّمحاءَةُ : المكان الخَشن.

صمخ الصاد والميم والخاء أصلٌ واحد وكلمة واحدة ، وهو الصِّماخ : خَرْق الأُذُن. يقال صَمَخْتُه ، إذا ضربتَ صِماخَه.

صمد الصاد والميم والدال أصلان : أحدهما القَصْد ، والآخَر الصَّلابة فى الشَّىء.

فالأوَّل : الصَّمْد : القصد. يقال صَمَدتُه صَمْداً. وفلان مُصَمَّدٌ ، إذا كان سيِّداً يُقصَد إليه فى الأمور. وصَمَدٌ أيضاً. والله جلّ ثناؤه الصَّمد ؛ لأنه يَصْمِد إليه عبادُه بالدُّعاء والطَّلَب. قال فى الصَّمَد (٣) :

__________________

(١) البيت فى اللسان (صمت ٣٦١).

(٢) البيت للشماخ ، كما فى اللسان (صمج). وفى ديوانه ١٠٣ أرجوزة البيت وليس فيها البيت.

(٣) بدله فى المجمل : «أنشدنى أبى رحمه الله».


علوتُه بحُسامٍ ثم قلتُ له

خذْها حُذَيفُ فأنت السيِّد الصّمَدُ (١)

وقال فى المصَمَّد طرَفَة :

وإنْ يلتقِى الحىُّ الجميعُ تُلاقِنِى

إِلى ذِروة البيت الرَّفيع المصمَّدِ (٢)

والأصل الآخر الصَّمْد ، وهو كلُّ مكان صُلْب. قال أبو النَّجم :

يغادِرُ الصَّمْدَ كظَهْر الأجزَلِ (٣)

صمر الصاد والميم والراء ، قال ابن دريد (٤) : فعلٌ ممات ، وهو أصل بناء الصَّمير. يقال رجل صَمِير : يابس اللَّحم على العِظام.

ويقال الصَّمْر : النَّتْن. ويقال المتصمِّر : المتشمِّس. ويقولون : لقيتُه بالصُّمَير ، أى وقتَ غُروب الشّمس. وفى كلِّ ذلك نظَر.

صمع الصاد والميم والعين أصلٌ واحد ، يدلُّ على لطافةٍ فى الشَّىء وتضامٍّ. قال الخليلُ وغيره : كلُّ منضمٍّ فهو متصمِّع. قال : ومن ذلك اشتقاق الصَّومعة. ومن ذلك الصَّمع فى الأذُنَين. يقال هو أصمعُ ، إذا كان ألصق (٥) الأذنين. ويقال : قلبٌ أصمع ، أى لطيف ذكىّ. ويقال للبُهمَى إِذا ارتفعت ولم تتفَقأ : صَمْعاء. وذلك أنَّها [إذا] كانت كذا كانت منْضَمَّةً لطيفة. وإذا تلطَّخ الشَّىءُ بالشىء فتجمَّعَ كريش السَّهم فهو متصمِّع. قال :

__________________

(١) أنشده فى اللسان (صمد) بدون نسبة.

(٢) البيت من معلقته المشهورة.

(٣) أنشده فى اللسان (صمد ، جزل). وقد سبق فى (جزل) حيث نبهت على أن صواب روايته : «تغادر» بالتاء. ويؤيد هذا الصواب أيضا أنها رويت بالتاء فى «أم الرجز» المنشورة فى مجلة المجمع العلمى العربى بدمشق فى العدد ٨ سنة ١٣٤٧.

(٤) فى الجمهرة (٢ : ٣٥٩).

(٥) كذا وردت هذه التكملة. وفى المجمل : «الأصمع : اللاصق الأذنين».


فرمَى فأنفَذَ من نَحُوصٍ عائطٍ

سبماً فخرّ وريشُه متصمِّعُ (١)

أى متلطّخ بالدّم منْضمّ. والكلاب صُمْعُ الكعوب ، أى صِغارُها ولِطافُها. فقال النابغة.

صُمْعُ الكُعوبِ بريئاتٌ من الحَردِ (٢)

صمغ الصاد والميم والغين كلمةٌ واحدة ، هى الصَّمغ (٣).

صمك الصاد والميم والكاف أُصَيلٌ يدلُّ على قوةٍ وشدة. من ذلك الصمكْمَك ، وهو القوىّ. وكذلك الصَّمكُوك : الشَّىء الشديد. والصَّمكيك : كلُّ شىءٍ لزِج كالُّلبان ونحوِه. ويقال اصْماكَ الرّجلُ ، إذا تغضّبَ (٤). وهو ذاك القياس. واصماكّ اللّبنُ ، إذا خثُر حتَّى يشتدّ فيصير كالجبْن.

صمل الصاد والميم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شِدّة وصلابة. يقال صَمَل الشىء صُمُولاً ، إذا صلُب واشتدَّ. ورجل صُمُلٌ : شديد البَضْعة. وكان الخليل يقول : لا يقال ذلك إلّا للمجتمع السنّ. واصمأَلَ النَّباتُ ، إذا قوِى والتفّ. والصّامل من كلِّ شىءٍ : اليابس وصَمَل الشّجر ، إذا لم يجد رِيًّا فخُشن. ويقال صَمَله بالعصا ، إذا ضَرَبه. والله أعلم بالصَّواب.

__________________

(١) لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ٨ والمفضليات (٢ : ٢٢٥) واللسان (صمع).

(٢) صدره كما فى الديوان ١٩ واللسان (صمع) :

فيهن عليه واستمر به

(٣) الصمغ ، بسكون الميم ، وقد ثفتح.

(٤) فى الأصل : «تغضت» ، صوابه فى المجمل.


باب الصاد والنون وما يثلثهما

صنو الصاد والنون والحرف المعتلّ أصلٌ صحيح يدلُّ على تقارُب بين شيئين ، قرابةً أو مسافة. من ذلك الصِّنو : الشَّقيق. وعمُّ الرّجل صِنوُ أبيه. وقال الخليل ، يقال فلانٌ صِنْوُ فلانٍ ، إذا كان أخاه وشقيقَه لأمِّه وأبيه. والأصل فى ذلك النَّخْلتانِ تخرجان (١) من أصلٍ واحد ، فكلُّ واحدة منهما على حيالها صِنوٌ ، والجمع صِنوانٌ. قال الله تعالى : (وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ). قال أبو زيد : ركِيَّتانِ صِنْوانِ ، وهما المتقاربتان حتى لا يكونَ بينهما من تقارُبهما حَوْض.

ومما شذَّ عن هذا الأصل الصِّنْو : مثل الرّدْهَة تُحفَر فى الأرض ، وتصغيره صُنَىٌ. قالت ليلى :

أنابِغَ لم تَنْبَغْ ولم تكُ أوَّلَا

وكنْتَ صُنَيًّا بين صُدَّيْن مَجْهَلا (٢)

صند الصاد والنون والدال أصلٌ صحيح ، يدلُّ على عظم قدْر وعظم جِسْم. من ذلك الصِّندِيد ، وهو السَّيِّد الشَّريف ، والجمع صناديد. ويقال صناديد البَرْدِ : باباتٌ منه ضِخام. وغيثٌ صِنديدٌ : عظيم القَطْر ويقال للدَّواهِى الكبارِ صناديد. ويروى عن الحسن فى دعائه : «نَعوذُ بك من صناديد القَدَر». أى دواهِيه.

صنر الصاد والنون والراء ليس بأصلٍ ، ولا فيه ما يعوَّل عليه

__________________

(١) فى الأصل : «تخرج».

(٢) أنشده فى اللسان (صنا). تقوله للنابغة الجعدى.


لقلَّة الرّاء مع النون. على أنَّهم يقولون الصِّنَارة بلغة اليمن : الأذُن. والصِّنَارة : حديدةٌ فى المِغْزل مُعَقفَّةَ. وليس بشىء.

صنع الصاد والنون والعين أصلٌ صحيح واحد ، وهو عملُ الشىء صُنْعاً. وامرأة صَنَاعٌ ورجلٌ صَنَعٌ ، إذا كانا حاذقَين فيما يصنعانه. قال :

خَرقاء بالخيرِ لا تَهْدِى لوِجْهَتِه

وهى صَنَاعُ الأذَى فى الأهل والجارِ

والصَّنِيعة : ما اصطنعتَه مِن خير. والتصنُّع : حُسن السَّمْت. وفرسٌ صَنِيعٌ : صَنَعَه أهلُه بحُسْن القِيام عليه. والمَصانع : ما يُصنَع من بئرٍ وغيرِها للسَّقى. ومن الباب : المُصانَعة ، وهى كالرِّشْوة.

وممّا شذّ عن هذا الأصل الصِّنْع ، يقال إِنّه السَّفُّود. وقال المَرّار (١) :

صنف الصاد والنون والفاء أصلٌ صحيح مطّرد فى معنيين ، أحدهما الطّائفة من الشَّىء ، والآخر تمييز الأشياء بعضها عن بعض.

فالأوَّل الصِّنْف ، قال الخليل : الصِّنْف طائفةٌ من كلِّ شىء. وهذا صِنفٌ من الأصناف أىْ نوع. فأمّا صنفة الثَّوب (٢) فقال قوم : هى حاشيتُه. وقال آخرون : بل هى النّاحية ذات الهُدْب.

والأصل الآخَر ، قال الخليل : التَّصنيف : تمييز الأشياءِ بعضها عن بعض.

__________________

(١) كذا ورد الكلام مبتورا. وفى المجمل : «والصنع فى شعر المرار السفود». ولم أجد. شاهدا إلا قول الشاعر فى اللسان (صنع) :

صنع اليدين بحيث يكوى الأصيد

(٢) يقال صنفة ، بفتح فكسر ، وبكسر فسكون.


ولعلَ تصنيف الكتاب من هذا. والنريب المصنَّف من هذا ، كأنّه مُيِّزَت أبوابُه فجُعِل لكلِّ بابٍ حَيِّزُه. فأمَّا أصله فى لغة العرب فمن قولهم صَنّفَت الشّجرةُ ، إذا أخرجت ورقَها. قال ابن قَيسِ الرُّقيّات :

سَقْياً لحُلْوَانَ ذى الكُروم وما

صَنَّفَ من تينه ومن عِنَبِه (١)

صنق الصاد والنون والقاف كلمة إن صحّت. يقولون إنّ الصَّنَق : الذَّفر. وحكى بعضُهم : أصنَقَ الرجلُ فى ما له ، إذا أحسَنَ القيامَ عليه.

صنم الصاد والنون والميم كلمةٌ واحدة لا فرعَ لها ، وهى الصَّنَم. وكان شيئاً يُتَّخَذ من خشبٍ أو فضّة أو نُحاسٍ فيُعبَد.

صنج الصاد والنون والجيم ليس بشىء. والصَّنْج دَخِيل.

باب الصاد والهاء وما يثلثهما

صهو الصاد والهاء والحرف المعتلّ أُصَيْلٌ يدلُّ على علوّ. من ذلك الصَّهْوة ، وهو مَقعد الفارس مِن ظَهْر الفَرَس. والصَّهَوات : أعالى الرَّوَابِى ، ربما اتُّخِذَت فوقها بُرُوج ، الواحدة صَهْوَة. وقال الشيبانى : الصِّهاء : مناقع الماء الواحد صهوة. وهذا وإن كان صحيحاً فإنّ القياسَ أن يكون مناقِعَ فى أماكنَ عالية.

ومن الباب أن يصيب الإنسان جُرْجٌ ثم يَنْدَى دائماً ، فيقال صَهِىَ يَصْهَى ، وهو ذلك القياس ؛ لأنّه ندًى يعلو الجُرح.

__________________

(١) ديوان ابن قيس الرقيات ٨٢ واللسان (صنف).


صهر الصاد* والهاء والراء أصلان : أحدهما يدلُّ على قُربَى ، والآخر على إذابة شىء.

فالأوّل الصِّهْر ، وهو الخَتَن. قال الخليل : لا يقال لأهل بيت الرجل إلّا أَخْتَانٌ ، ولا لأهل بيت المرأة إِلّا أصهار. ومن العرب من يجعلهم أصهاراً كلَّهُم. قال ابن الأعرابىّ : الإصهار : التَّحَرُّم بجِوارٍ أو نَسَب أو تَزَوُّج. وفى كلِّ ذلك يُتأَوَّل قولُ القائل :

قَود الجياد وإِصهارُ الملوك وصَب

رٌ فى مواطنَ لو كانوا بها سئموا (١)

والأصل الآخر : إِذابة الشَّىء. يقال صَهَرْتُ الشَّحمةَ. والصُّهارة : ما ذاب منها. واصطهرتُ الشَّحمة. قال :

وكنتَ إذا الوِلدانُ حَانَ صهيرُهم

صَهَرَت فلم يَصْهَرْ كصهرِكَ صاهرُ (٢)

يقال صَهَرته الشّمسُ ، كأنّها أذابته. يقال ذلك للحِرباء إِذا تلألأ ظَهْرُه من شدّة الحرّ. ويقال إنّهم يقولون : لأصْهَرنَّه بيمينٍ مُرَّة. كأنه قال : لأُذِيبَنَّه.

صهد الصاد والدال والهاء بناءٌ صحيح يدلُّ على ما يقارب البابَ الذى قبله. يقولون: صَهَدَته الشّمس مثل صَهَرته الشَّمس. ثم يقال على الجِوار

__________________

(١) البيت لزهير فى ديوانه ١٦١ واللسان (صهر). وقبله :

فضله فوق أقوام وبجده

مالن ينالوا وإمن جادوا وإن كرموا

(٢) أنشده فى المجمل أيضا.


للسَّراب الجارى صَيْهَد. قال الهذلىُ (١) فى صيهد الحَرِّ :

وذكّرها فَيْحُ نَجْمِ الفُرو

عِ من صَيْهدِ الصَّيْفِ بَرْدَ الشَّمالِ (٢)

صهب الصاد والهاء والباء بناءٌ صحيح ، وهو لونٌ من الألوان. من ذلك الصُّهْبَة : حُمرةٌ فى الشَّعر. يقال رجلٌ أصهب. والصَّهباء : الخمْر ؛ لأنّ لونَها شبيهٌ بهذا. والمُصَهَّب من اللحم : ما اختلطت حُمرتُه ببياض الشَّحم وهو يابس. وأمّا الصُّخور فيقال لها الصَّياهِب ، فممكنٌ أن يكون ذلك اللَّون ، ويمكن أن يكون لشدتها ، أو يكون من الصَّيْخَد ويصير من باب الإبدال. ويقولون لليوم الشَّديد البرد : أصهب ، وذلك لما يعلو الأرض من الألوان.

صهل الصاد والهاء واللام أصلٌ صحيح ، وفروعه قليلة ، ولعلّه ليس فيه إِلّا صَهَل الفرس ، وفرسٌ صَهَّال.

صهم الصاد والهاء والميم أصلٌ صحيح قليل الفروع ، لكنَّهم يقولون : الصِّهْميم : السيّئ الخُلق من الإبل ، ويشبِّهون به الرّجُلَ الذى لا يثبت على رأىٍ واحد. والله أعلم.

__________________

(١) هو أمية بن أبى عائذ الهذلى. وقصيدته فى شرح السكرى للهذليين ١٨٠ ونسخة الشنقيطى ٧٩.

(٢) فى اللسان (صهر): «فأوردها فيج». وأنشده فى (فرع) بروايتنا هذه وقال : «هى فروع الجوزاء بالعين ، هو أشد ما يكون من الحر. فإذا جاءت الفروغ بالغين ، وهى من نجوم الدلو ، كان الزمان حينئذ بارداً ولا فيح يومئذ».


باب الصاد والواو وما يثلثهما

صوى الصاد والواو والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على شدّةٍ وصَلابة ويُبْس. عن ابن دريد (١) : «صَوَى الشىء ، إِذا يَبِس ، فهو صاو. ويقال صوِىَ يَصوَى». والصَّوَّانُ : حجارةٌ فيها صلابة. وربَّما استُعِير من هذا وحُمِل عليه فقيل صَوَّيْت لإبلى فَحْلاً ، إذا اخترتَه لها. ولا يكون الاختيارُ وحدَه تصويَةً ، لكن يُصنَع لذلك حتَّى يقوَى ويصلُب. قال :

صَوَّى لهاذا كِدْنَةٍ جُلْذيَّا (٢)

وهذا مشتقٌّ من التَّصوية فى الشتاء ، وذلك أن يُيَبَّس أخلافُ الشَّاة ليكون أسمَنَ لها. يقال صوّاها أصحابُها.

ومن الباب الصُّوَى ، وهى الأعلام من الحجارة. وقول من قال إنّها مُخْتَلَف الرِّياح فالأعلام لا تكون إلّا كذا. قال :

وهبَّتْ له ريحٌ بمختلَف الصُّوى (٣)

صوب الصاد والواو والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على نزولِ شىءٍ واستقرارِه قَرَارَه. من ذلك الصَّوَابُ فى القول والفعل ، كأنَّه أمرٌ نازلٌ مستقِرٌّ قرارَه. وهو خلاف الخطأ. ومنه الصَّوْب ، وهو نزول المطر. والنازل صَوٌ

__________________

(١) الجمهرة (٣ : ٩١).

(٢) الكدنة ، بضم الكاف وكسرها. والبيت للفقعسى ، كما فى اللسان (صوى). وأنشده فى (جلذ) بدون نسبة.

(٣) لامرئ القيس. وعجزه فى الديوان ٥٤ واللسان (ضوى) :

صبا وشمال في منازل فقال


أيضاً. والدّليلُ على صحّة هذا القياس تسميتُهم للصَّواب صَوْباً. قال الشاعر (١) :

ذَرِينى إنّما خطئى وصَوبِى

علىَّ وإِنما أنفقتُ مالِى (٢)

ويقال الصَّيِّب السّحاب ذو الصَّوْب. قال الله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ). والصّوْب : النُّزول. قال :

فَلَسْتَ لأنسىٍ ولكن لمْلأَكٍ

تَنَزَّلَ من جوِّ السَّماءِ يَصوبُ (٣)

ويقال للأمر إِذا استقرَّ قرارَه على الكلام الجارى مَجرى الأمثال : «قد صابت بِقُرّ». قال طرَفة :

سادراً* أحسَبُ غَيِّى رشَداً

فتناهيتُ وقد صابَت بِقُرّ (٤)

والتَّصويب : حَدَب فى حَدور ، لا يكون إلّا كذا. فأمّا الصُّيَّابة فالخِيار من كلِّ شىء ، كأنه من الصَّوب ، وهو خالصُ ماءِ السَّحاب ، فكأنَّها مشتقّةٌ من ذلك.

صوت الصاد والواو والتاء أصلٌ صحيح ، وهو الصَّوت ، وهو جنسٌ لكلِّ ما وقَرَ فى أذُن السَّامع. يقال هذا صوتُ زَيد. ورجل صيِّت ،

__________________

(١) هو أوس بن غلفاء ، كما فى اللسان (صوب).

(٢) كذا ورد إنشاده. وصوابه : «وإن ما أهلكت مال» ، بالقافية المرفوعة الروى. وقبله كما فى اللسان :

ألا قالت أمامة يوم غول

تقطع بابن غلفاء الحبال

(٣) قال ابن برى : «البيت لرجل من عبد القيس يمدح النعمان. وقيل هو لأبى وجزة يمدح عبد الله بن الزبير ، وقيل هو لعلقمة بن عبدة».

(٤) ديوان طرفة ٧٥.


إذا كان شديدَ الصَّوت ؛ وصائتٌ إذا صاحَ. فأمّا قولهم : [دُعىَ (١)] فانصات (٢) ، فهو من ذلك أيضاً ، كأنه صُوِّتَ به فانفَعل من الصَّوت ، وذلك إذا أجاب. والصِّيت : الذِّكر الحسَن فى النَّاس. يقال ذهب صِيتُه.

صوح الصاد والواو والحاء أُصَيْلٌ يدلُّ على انتشارٍ فى شىء بعد يُبْس. من ذلك تصوَّحَ البقلُ ، وذلك إذا هاج وانتثَرَ بعد هَيجه. وصوَّحتْه الرِّيخ ، إذا أيبسَتْه وشققَّته وبثَرتْه. قال ذو الرّمة :

وصَوّح البَقْلَ نَآجٌ تجىءُ به

هَيْفٌ يمانيةٌ فى مرّها نَكبُ (٣)

ومن الباب أنَّهم يسمُّون عَرَق الخيل الصُّوَاح. فإن كان صحيحاً فلا يكون إلّا إذا يَبِس ، ويسمُّونه اليبيس يبيس الماء. قال الشاعر فى الصُّواح :

جلبْنَا الخيل دامِيَةً كُلَاها

يُسَنُّ على سنابكها الصُّواحُ (٤)

ثم يقال تصوَّح الشعَر ، إذا تشقَّق وتناثر.

ومما يجوز أن يُحمَل على هذا القياس الصُّوح : حائط الوادى ، وله صُوحانِ. وإنّما سُمِّى صُوحاً لأنَّه طينٌ يتناثر حتّى يصير ذلك كالحائط.

صور الصاد والواو والراء كلماتٌ كثيرةٌ متباينة الأصول. وليس هذا الباب ببابِ قياس ولا اشتقاق. وقد مضى فيما كتبناه مثله (٥).

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) فى الأصل : «وانصاتا» ، صوابه من المجمل.

(٣) ديوان ذى الرمة ١١ واللسان (صوح).

(٤) أنشده فى اللسان (صوح) بدون نسبة.

(٥) أى فى تباين أصوله.


ومما ينقاس منه قولُهم صِورَ يَصْوَر ، إذا مال. وصُرْت الشَّىءَ أَصُورُه ، وأصَرْتُه ، إذا أمَلته إليك. ويجىء قياسُه تَصَوَّر ، لِمَا ضُرِب ، كأنَّه مال وسَقط. فهذا هو المنقاس ، وسِوى ذلك فكلُّ كلمةٍ منفردةٌ بنفسها.

من ذلك الصُّورة صُورة كلِّ مخلوق ، والجمع صُوَر ، وهى هيئةُ خِلْقته. والله تعالى (الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ). ويقال : رجل صَيِّرٌ إذا كان جميل الصورة. ومن ذلك الصَّور : جماعةُ النَّخْل ، وهو الحائش. ولا واحدَ للصَّوْر من لفظه. ومن ذلك الصُّوار ، وهو القَطيع من البقر ، والجمع صِيران. قال :

فظَلَّ لصِيران الصَّريم غَماغِم

يُدَاعِسُها بالسَّمْهرىِّ المعلَّبِ (١)

ومن ذلك الصُّوار ، صُوار المِسْك ، وقال قوم : هو ريحُه ، وقال قوم : هو وعاؤه. ويُنشِدون بيتاً وأخلِقْ به أن يكون مصنوعاً ، والكلمتان صحيحتان :

إذا لاح الصُّوار ذكرتُ ليلَى

وأذكرُها إذا نَفَح الصّوارُ (٢)

ومن ذلك قولهم : أجِدُ فى رأسى صَوْرة ، أى حِكَّة. ومن ذلك شىءٌ حكاه الخليل ، قال : عصفور صَوَّار ، وهو الذى إذا دُعى أجابَ. وهذا لا أحسبه عربيًّا ، ويمكن إنْ صحّ أن يكون من الباب الذى ذكرناه أوّلاً ؛ لأنه يميل إلى داعِيه. فأمّا شَعَر النّاصية من الفَرَس فإنه يسمى صَوْرا. وهذا يمكن أن يكون على معنى التشبيه بصَوْر النَّخل ، وقد ذُكِرَ. قال :

كأنَّ عِرقا مائلاً من صَوْره (٣)

ويقال : الصَّارَةُ : أرض ذات شجَر.

__________________

(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ٨٧ واللسان (غلب) بدون نسبة.

(٢) وكذا أنشده فى المجمل واللسان بدون نسبة.

(٣) فى اللسان (صور) :

كأن جذعا خارجا من وصوره

ما بين أذنيه إلى سنوره


صوع الصاد والواو والعين أصلٌ صحيح ، وله بابان : أحدهما يدلُّ على تفرُّقٍ وتصدُّع ، والآخر إناء.

فالأوّل قولُهم : تصوَّعُوا ، إذا تفرَّقوا. قال ذو الرُّمَّة :

تظَلُّ بها الآجال عَنِّى تَصَوَّعُ (١)

ويقال تصوّع شَعَره ، إذا تشقق. كذا قال الخليل. وقال أيضاً : تصوَّعَ النَّبْت : هاج. ويقال انصاع القوم سِراعاً : مَرُّوا.

فأمَّا الإِناء فالصَّاع والصُّوَاع ، وهو إناءٌ يشرب به. وقد يكون مكيالٌ من المكاييل صاعاً ، وهو من ذات الواو ، وسمِّى صاعاً لأنَّه يدور بالمَكِيل.

ويقال إنَّ الكَّمِىَ يَصُوع بأقرانه صَوْعاً ، إذا أتاهم من نَوَاحيهم. والرّجل يَصُوع الإِبل.

ومن الباب : الصَّاع ، وهو بطنٌ من الأرض ، فى قوله :

بِكَفَّىْ ماقِطٍ فى صاعِ (٢)

ومنه صاعُ جؤجُؤِ* النّعامة ، وهو موضعُ صَدْرِها إذا وضعَتْه بالأرض.

صوغ الصاد والواو والغين أصلٌ صحيح ، وهو تهيئة على شىءٍ على مثالٍ مستقيم. من ذلك قولهم : صاغ الْحَلْىَ يصُوغُه صَوغاً. وهما صَوْغان ، إذا كان

__________________

(١) صدره فى الديوان ٣٤٦ : عسفت اعتاف الصدع كل مهيبة

وفى اللسان (صوع) : عسفت اعتسافا دونها كل مجهل

(٢) البيت للمسيب بن علس من قصيدة فى المفضليات (١ : ٦٠). وهو بتمامه :

مرحت يداها للنجاة كأنما

نكرو بكفى لاعب في ساع


كلُّ واحدٍ منهما على هيئة الآخَر. ويقال للكذّاب : صاغ الكذبَ صَوغاً ، إذا اختلقَه. وعلى هذا تفسير الحديث : «كِذْبة كذَبَتْها الصَّوَّاغُون». أراد الذين يَصُوغُون الأحاديثَ ويَختلقونها.

صوف الصاد والواو والفاء أصلٌ واحد صحيح ، وهو الصُّوف المعروف. والباب كله يَرجِع إليه. يقال كبش أَصْوَفُ وصَوِفٌ وصائفٌ وصَافٌ ، كلُّ هذا أن يكونَ كثيرَ الصُّوف. ويقولون : أخذ بصُوفةِ قَفاه ، إذا أَخَذَ بالشَّعَر السائلِ فى نُقْرته. وصُوفةُ : قومٌ كانوا فى الجاهليّة ، كَانوا يَخدُمون الكعبة ، ويُجِيزون الحاجَّ. وحُكى عن أبى عُبيدةَ أنَّهم أفناءُ القبائل تجمَّعُوا فتشبَّكُوا كما يتشبَّك الصُّوف. قال :

وَلا يَرِيمُون فى التَّعريفِ مَوقِفَهم

حتَّى يقالَ أَجِيزُوا آلَ صُوفانا (١)

فأما قولهم : صاف عن الشَّرِّ (٢) ، إذا عَدَل ، فهو من باب الإبدال ، يقال صَابَ (٣) إذا مال. وقد ذُكِر فى بابه.

صول الصاد والواو واللام أصلٌ صحيح ، يدلُّ على قَهْرٍ وعلُوّ. يقال : صال عليه يَصُول صَولةً ، إذا استطال. وصال العَيْر ، إذا حَمَل على العانة يَصُول صَوْلاً وصِيالا. وحُكى عن أبى زيد شىءٌ إن صحَّ فهو شاذٌّ. قال : المِصْول هو الذى يُنقَع فيه الحنظلُ لتَذهب مرارتُه.

__________________

(١) البيث لأوس بن مغراء السعدى ، كما فى اللسان (صوف).

(٢) فى الأصل : «الشعر» ، وفى اللسان : «صاف عنى شر فلان ، وأصاف الله عنى شره».

(٣) فى الأصل : «صاف».


صوك الصاد والواو والكاف كلمةٌ واحدة. يقال : لقيتُه أوَّل صَوْكٍ ، أى أوّلَ وَهْلة.

صوم الصاد والواو والميم أصلٌ يدلُّ على إمساكٍ وركودٍ فى مكان. من ذلك صَوم الصَّائم ، هو إمساكُه عن مَطعَمِه ومَشربه وسائرِ ما مُنِعَهُ. ويكون الإِمساكُ عن الكلام صوماً ، قالوا فى قوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) إنّه الإِمساكُ عن الكلامِ والصّمتُ. وأمَّا الرُّكود فيقال للقائم صائم ، قال النابغة :

خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمةٍ

تحتَ العَجَاج وخيلٌ تَعلُك اللُّجُما (١)

والصَّوم : رُكود الرِّيح. والصَّوم : استواء الشَّمس انتصافَ النَّهار ، كأنَّها ركدت عند تدويمها (٢). وكذلك يقال صامَ النَّهارُ. قال امرؤ القيس :

إذا صامَ النّهارُ وَهَجَّرَا (٣)

ومَصَامُ الفَرَس : موقِفه ، وكذلك مَصَامَتُه. قال الشَّمّاخ :

إذا ما استاف منها مَصَامَةً (٤)

__________________

(١) البيت فى اللسان (صوم) وليس فى قصيدته التى على هذا الروى فى ديوانه ٦٥. وسيأتى فى (علك).

(٢) فى الأصل : «نديمها» ، تحريف. وتدويمها : دورانها.

(٣) قطعة من بيت لامرئ القيس فى ديوانه ٩٧ واللسان (صوم). وهو بتمامه.

فدعها وسل الهم عنك بجسرة

ذمول إذا صام النهار ومجرا

(٤) قطعة من بيت للشماخ فى ديوانه ٦٧. وهو بتمامه :

كروف إذا ما استاف منها مصامة

له من ترى أبو الهن نشول


صون الصاد والواو والنون أصلٌ واحد ، وهن كَنٌّ وحفْظ. من ذلك صُنت الشّىءَ أصونُه صوناً وصِيانة. والصُّوَان : صِوُان الثَّوب ، وهو ما يُصان فيه. فأمَّا قولهم للفرس القائم صائن ، فلَعلَّه أن يكون من الإبدال ، كأنّه أريد به الصَّائم ، ثمّ أبدلت الميم نونا. قال النابغة :

وما حاولتُما بقِيادِ خيلٍ

بَصونُ الوَردُ فيها والكُميتُ (١)

وممَّا شذَّ عن الباب الصَّوَّان ، وهى ضربٌ من الحجارة ، الواحدةُ صَوَّانة.

باب الصاد والياء وما يثلثهما

صيأ الصاد والياء والهمزة. يقال صيَّأت رأسى تصييئاً ، إذا بَلَلْتَه.

صيح الصاد والياء والحاء أصلٌ صحيح ، وهو الصَّوت العالى. منه الصِّياح ، والواحدة منه صَيْحة. يقال : لقيتُ فلاناً قبلَ كلِ صَيْحٍ ونَفْر. فالصَّيْح : الصِّياح. والنَّفْر : التفرُّق. وممّا يُستعار من هذا قولهم : صاحت الشَّجرةُ ، وصاحَ النَّبْت ، إذا طال ، كأنّه لمّا طالَ وارتفع جُعِل طولُه كالصِّياح الذى يدلُّ على الصائح. وأمَّا التصيُّح ، وهو تشقُّق الخشَب ، فالأصل فيه الواو ، وهو التصوُّح ، وقد مضى. ومنه انصاحَ البَرقُ انصياحاً ، إذا تصدَّعَ وانشقّ. قال :

مِن بَينِ مُرتَتِقٍ منها ومُنصاحِ (٢)

__________________

(١) البيت فى اللسان (صون) ، وليس فى ديوان النابغة.

(٢) لعبيد بن الأبرص فى ديوانه ٧٧ واللسان (صيح). وصدره :

وأمست الأرض والقيعان مثرية


صيخ الصاد والياء والخاء كلمةٌ واحدةٌ. يقال أصاخَ يُصيخ ، إذا استمع. قال :

إصاخةَ النَّاشد للمُنْشدِ (١)

صيد الصاد والياء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على معنىً واحد ، وهو ركوبُ الشَّىء رأسَه ومُضِيُّه غيرَ ملتفتٍ ولا مائل. من ذلك الصَّيَدُ ، وهو أن يكون الإنسانُ ناظراً أمامَه. قال أهلُ اللُّغة : الأصْيَد : المَلِك ، وجمعه الصِّيد. قالوا : وسمِّىَ بذلك لقلَّة التفاتِه. ومن الناس مَن يكونُ أصيَدَ خِلقةً. واشتقاق الصَّيْد من هذا ، وذلك أنّه يمرُّ مرًّا لا يعرِّج ، فإذا أُخِذ قيل قد صِيد. فاشتُقَّ ذلك من اسمه. كما يقال رأَسْت الرّجُلَ ، إذا ضربتَ رأسَه ؛ وبطَنْتُه ، إذا ضربتَ بطنَه. كذلك إذا وقَعْتَ بالصَّيد فأخذتَه قلتَ صِدتُه. وممّا يدلُّ على صِحّة هذا القياس قولُ ابن السّكّيت إن الصَّيْدانةَ من النِّساء : السيِّئة الخُلقُ. وسمِّيت بذلك لقلّة التفاتِها. ومن الباب : الصَّيدانة : الغُول.

صير الصاء والياء والراء أصلٌ صحيح ، وهو المآلُ والمرجِع. من ذلك صار يصير صَيْراً وصَيرورة. ويقال : أنا على صِيرِ أمرٍ ، أى إشرافٍ من قضائه ، وذلك هو الذى يُصار إليه. فأمّا قولُ زهير :

وقد كنت من سَلْمَى سنينَ ثمانياً

على صِيرِ أمرٍ ما يُمِرُّ وما يَحلُو (٢)

__________________

(١) للمثقب العبدى ، كما فى البيان والتبيين (٢ : ٢٨٨) وحواشى الجمهرة (٢ : ٢٧٠).

وصدره

يصبخ للنبأة أسماعه

(٢) ديوان زهير ٩٦ واللسان (صير).


فإِنّ صِير الأمر مَصيرُه وعاقبتُه. والصيِّر (١) كالحظائر يُتخذ للبقر ، والواحدة صيرة ، وسمِّيت بذلك لأنّها تَصير إليه. وصَيُّور الأمرِ : آخِره ، وسمِّى بذلك لأنه يُصار إليه. ويقال : لا رأْىَ لفلانٍ ولا صَيُّورَ ، أى لا شىءَ يَصِيرُ إليه من حزمٍ ولا غيرِه. وتصيَّرَ فلانٌ أباه : إذا نَزَع إليه فى الشَّبه. وسمِّى كذا كأنّه صار إلى أبيه.

ومما شذّ عن الباب الصِّير ، وهو الشَّقّ. وفى الحديث : «مَن نَظَرَ فى صِيرِ بابٍ بغير إذْنٍ فعينُه هَدَر». فأمّا الصِّير ، وهو شىءٌ يقال له الصِّحْناة ، فلا أحسبه عربيًّا ، ولا أحسب العربَ عرفَتْه. وقد ذكره أهلُ اللُّغة ، ولا معنى له.

صيف الصاد والياء والفاء أصلان : أحدهما يدلُّ على زمانٍ ، والآخر يدلُّ على مَيْلٍ وعُدول.

فالأوَّل الصَّيف ، وهو الزَّمانُ بعد الرَّبيع الآخِر. ويقال للمطر الذى يأتى فيه : الصَّيِّف. وهذا يومٌ صائف ، وليلةٌ صائفة. وعاملته مُصايفةً ، أى زمانَ الصيَّف ، كما يقال مُشاهَرَة. والصَّيفيُّون : أولاد الرّجُل بعد كِبَره. ووَلَدُ فلانٍ صيفيُّون.

قال :

إنّ بَنِىَّ صِبْيَةٌ صيفيُّونْ

أَفْلَحَ مَن كان له رِبْعِيُّونْ (٢)

وأمَّا الآخَر فصاف عن الشىء ، إذا عَدَلَ عنه. [وصافَ السَّهْمُ عن الهدفِ (٣)] يَصِيف صَيْفا ، إذا مال. قال أبو زُبَيْد :

__________________

(١) يقال صير ، بالكسر وبكسر ففتح.

(٢) الرجز لأكثم بن صيفى ، أو سعد بن مالك بن ضبيعة. اللسان (صيف).

(٣) التكملة من المجمل.


كلَّ يومٍ ترميه منها برِشْقٍ

فمصيبٌ أوصَافَ غيرَ بعيدِ (١)

فأمّا صائف ، فى قول أوس :

تَنَكَّرَ بعدى من أُمَيمةَ صائفُ (٢)

فاسمُ موضع.

صيق الصاد والياء والقاف. يقال فيه إنّ الصَّيْق الغُبار ، وقد فتح رؤبةُ ياءَه فقال : «الصَّيَقْ (٣)». ويقال إنّ الصِّيق الرِّيحُ المنتنة من الدّوابّ.

صيك الصاد والياء والكاف ، يقال صاك يَصِيك ، إذا لزِم ولضِق. قال الأعشى :

ومثلك مُعْجَبَة بالشَّبا

ب صاكَ العبيرُ بأجسادِها (٤)

وقال الخليل : أراد صَئِك فليَّن الهمزة. ويقال صَئِك الدّمُ ، إذا جَمَد.

* * *

واعلم أنّ الألِف فى هذا الباب مُبدَلةٌ ؛ فالصّاب : شحرٌ مُرٌّ ، محتملٌ أن يكون من الواو. قال :

إنِّى أَرِقْتُ فبتُّ اللَّيْلَ مرتفقاً

كَأَنّ عَيْنِىَ فيها الصَّابُ مذبوحُ (٥)

__________________

(١) سبق البيت وتخريجه فى (رشق).

(٢) مطلع قصيدة له فى ديوانه ١٤. وعجزه :

؟ فأعلى تولب فالمخالف

(٣) يعنى قوله فى ديوانه ١٠٦ واللسان (صيق) :

يتركن ترب الأرض مجنون الصيق

(٤) وكذا فى المجمل مادة (صاك). وفى مادة (صيك) «بأجلادها» ، كما جاء فى اللسان (صيك). ورواية الديوان ٥١ تطابق رواية المقاييس.

(٥) لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ١٠٤ واللسان (صوب ، ذبح ، شجر). وقد سبق فى (شجر).


والصَّادُ : قدور النُّحاس ، والألف مُبدَلة. قال حسان :

رأيتَ قُدُورَ الصَّادِ حولَ بُيُوتِنا (١)

باب الصاد والباء وما يثلثهما

صبح الصاد والباء والحاء أصلٌ واحدٌ مطّرد. وهو لونٌ من الألوان قالوا أصله الحُمْرة. قالوا : وسمِّىَ الصُّبْحُ صُبْحاً لحُمْرَته ، كما سمِّىَ المِصْباح مِصباحاً لحُمْرَته. قالوا : ولذلك يقال وجهٌ صَبيحٌ. والصَّباح : نُورُ النَّهار. وهذا هو الأصل ثم يُفَرَّع. فقالوا لِشُرْب الغَداة الصَّبوح ، وقد اصطَبَحَ ، وتلك هى الجاشِرِيَّة.

قال :

إذا ما اصطبحنا الجاشريّة لم نُبَلْ

أميراً وإن كان* الأميرُ من الأزْدِ (٢)

ويقال : «أكذَبُ من الأخيذ الصَّبْحَان» ، يعنون الأسير المصطَبٍح ، وأصله أنّ قوماً أسرُوا رجلاً فسألوه عن حَيِّه فكَذَبَهُمْ وأومَأَ إلى شُقَّةٍ بعيدة ، فطعنوه فسَبقَ اللّبَنُ الذى كان اصطبحه الدّمَ ، فقالوا : «أكذَبُ من الأخيذ الصَّبْحَان». والمِصباح : الناقة تَبْرُك فى معرَّسِها فلا تَنْبَعِثُ حتى تُصْبِح. والتَّصَبُّح : النَّوْم بالغداة. ويوم الصَّباح : يوم الغَارة. قال الأعشى :

به تَرْعُفُ الألفَ إذ أُرْسِلَتْ

غَداةَ الصَّبَاحِ إذا النَّقْعُ ثارا (٣)

__________________

(١) عجزه فى الديوان ٣٧٠ واللسان (صيد) :

قنايل؟ في المحلة صيما

(٢) للفرزدق فى اللسان (جشر). وليس فى ديوانه.

(٣) ديوان الأعشى ٤٠. وقد سبق مع تخريجه فى (رعف).


ويقال أتيته أصبوحةَ كلِّ يوم ، ولقبتُه ذا صَبوح. والمصابيح : الأقداح التى يُصطَبَح بها. ويقال أتانا لصُبْح خامسةٍ وصِبْحِ خامسة.

ومن الكلمة الأولى : الصَّبَح : شدّة حُمرةٍ فى الشعَر ؛ يقال أسدٌ أصبَحُ.

صبر الصاد والباء والراء أصول ثلاثة : الأول الحبْس ، والثانى أعالى الشىء ، والثالث جنسٌ من الحجارة.

فالأول : الصَّبْر ، وهو الحَبْس. يقال صبَرْتُ نفسى على ذلك الأمر ، أى حبَسْتُها. قال :

فصَبَرْتُ عارفةً لذلك حرّةً

ترسُو إذا نَفْسُ الجَبان تَطَلَّعُ (١)

والمصبورة (٢) المحبوسة على الموت. ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل شىءٍ من الدوابّ صَرْاً.

ومن الباب : الصَّبير ، هو الكَفِيل ، وإنَّما سمِّى بذلك لأنّه يُصبَرُ على الغُرم. يقال صَبَرت نفسى به أَصبُر صَبْراً ، إِذا كَفَلْتَ (٣) به ، فأنا به صبير. وصبرتُ الإنسانَ ، إذا حلَّفْته بالله حَهْدَ القَسَم.

وأمّا الثانى فقالوا : صُبْر كلِّ شىءٍ : أعلاه. قالوا : وأصبار الإناء. نواحيه ، والواحد صُبْر. وقال :

فملأتها عَلَقاً إلى أصبارِها

__________________

(١) البيت لعنترة فى ديوانه ١٥٨ واللسان (صبر).

(٢) فى الأصل : «والصبورة» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٣) فى الأصل : «كلفت به» ، صوابه فى المجمل. وأول العبارة فى المجمل : «صبرت بفلان أصبر به صبرا».


وأمَّا الأصل الثالث فالصُّبرة من الحجارة : ما اشتدّ وغلُظ ، والجمع صِبَارٌ. وفى كتاب ابن دريد (١) : «الصُّبَارة : قطعةٌ من حديدٍ أو حجر» فى قول الأعشى (٢) :

من مَبْلغ عَمْراً بأنَّ المرءَ لم يخْلَق صُبارَه

قال ابنُ دريد : وروى البغداديُّون : «صَبارهْ» ، وما أدرى ما أرادوا بهذا. قلنا : والذى أراده البغداديُّون ما رُوِى أنَ الصِّبَار ما اشتدَّ وغلُظ. وهو فى قول الأعشى :

قُبَيلَ الصُّبح أصواتُ الصِّبارِ (٣)

فالذى أراده البغداديون هذا ، وتكون الهاء داخلةً عليه للجمع.

قال أبو عُبيد : الصُّبْرُ : الأرض التى فيها حصباءُ وليست بغليظة ، ومنه قيل للحرّة : أمُ صَبَّار.

ومما حُمِل على هذا قول العرب : وقَعَ القومُ فى أمّ صَبُّور ، إذا وقعوا فى أمر عظيم.

صبع الصاد والباء والعين أصل واحد ، ثمّ يستعار. فالأصل إصبع الإنسان ، واحدةُ أصابعه. قالوا : هى مؤنّثة. وقالوا : قد يذكَّر. وروى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : «هل أنت إلّا إصبعٌ دميتِ ، وفى سبيل الله

__________________

(١) فى الجمهرة (١ : ٢٦٠).

(٢) الذى فى الجمهرة أنه عمرو بن ملقط للطائى. وكذا صحح نسبة الشعر ابن برى ، كما فى اللسان. وانظر ديوان الأعشى ١١١ حيث قصيدة البيت ولم يرو فيها.

(٣) صدره كما فى ديوان الأعشى ٢٤٤ واللسان (صبر) :

كأن ترنم الحاجات فيها


ما لقيتِ (١)». هكذا على التأنيث. ويقال : صَبَع فلان بفلانٍ ، إذا أشار نحوه بإصبعه ، مُغْتاباً له.

والإصبع : الأثر الحسَن ، وهذا مستعارٌ. ومثلٌ يقال : لفلانٍ فى ماله إصبَع ، أى أثَرٌ جميل. ويقال للرَّاعى الحسنِ الرِّعْيَة للإِبل ، الجميلِ الأثر فيها : إن له عليها إصبعاً. قال الرّاعى يَصِفُ راعياً :

ضعيف العَصَا بادِى العُروق ترى له

عليها إذا ما أجدَبَ النَّاسُ إصبعا (٢)

والصَّبْع : إراقتُك ما فى الإناء من بين إصبعَيك.

صبغ الصاد والباء والغين ، أصلٌ واحد ، وهو تلوين الشَّىء بلونٍ ما. تقول : صبغته أصبغه (٣). ويُقال للرُّطَبة : قد صَبَّغَتْ. فأمّا قولُه تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) فقال قوم : هى فِطرتُه لخلْقِه. وقال آخرون : كلُّ ما تُقُرِّب به إلى الله تعالى صِبغة. والأصبغ : الفرس فى طرف ذَنبِه بياض. وذلك دون الأشكل (٤) ، والأوّل مشبَّه بالشىء يُصبَغ طرَفُه.

صبى صبي الصاد والباء والحرف المعتلّ ثلاثة أصولٍ صحيحة : الأول يدلّ على صغر السّنّ ، والثانى ريحٌ من الرياح ، والثالث [الإمالة (٥)].

__________________

(١) هذا من الحديث الذى وافق وزن الشعر ، وليس به.

(٢) أنشده فى اللسان (صبع) وقال : «أى حاذق الرعية لا يضرب ضرباً شديداً».

(٣) فى الأصل : «يقول لصبغه». ومضارعه يقال بفتح الباء وكسرها وضمها.

(٤) الأشعل ، بالعين المهملة. وفى الأصل : «الأشغل» ، تحريف.

(٥) هذه الكلمة مبيض لها فى الأصل. والكلام بعد يقتضيها أو يقتضى شبيهها.


فالأوّل واحد الصِّبْيةَ والصِّبيان. ورأيته فى صباه ، أى صغره. والمصْبى : الكثير الصِّبيان. والصَّباء ، ممدود الصِّبا ، ويمدُّ مع الفتح (١). أنشد أبو عمرو :

أصبحتُ لا يَحمِل بعضى بعضا

كأنما كان صَبَائى قَرْضَا (٢)

ومن الباب : صبا إلى الشّىء يصبُو ، إِذا مال قلبُه إليه. والاشتقاق واحد ، والاسم الصَّبْوة. وقال العجَّاج فى الصِّبا :

وإنما يأتى الصِّبا الصَّبىُ (٣)

والثانى : ريح الصَّبَا ، وهىَ التى تستقبل القبلة. يقال صبَتْ تصبُو.

الثالث : قول العرب : صَابيْتُ الرُّمح (٤).

فأمّا المهموز فهو يدلُّ على خروجٍ وبروز. يقال صبأ من دينٍ إلى دين ، أى خرج. وهو قولهم : صبأ نابُ البعير ، إذا طلع. والخارجُ من دينٍ إلى دين صابئ والجمع صابئون وصُبَّاءٌ.

باب الصاد والتاء وما يثلثهما

صتع الصاد والتاء والعين كلمتان : إحداهما مُختلفٌ فى تأويلها ، والأخرى تردُّدٌ فى الشَّىء.

قال ابن دريد : «الصَّتَع ، أصل بناء الصُّنْتع (٥)». ثم اختلف قولُه وقولُ الخليل : الصَّتَع : الشَّابّ الغليظ. وأنشد :

__________________

(١) أى إذا مد كان مفتوح الصاد.

(٢) أنشده فى المجمل أيضاً وقال : «وهذا لو قصر لم يضر».

(٣) ديوان العجاج ٦٦. وأنشده فى اللسان (١٩ : ١٧٣) بدون نسبة.

(٤) فسره فى المجمل بقوله : «هيأته للطعن». وفى اللسان : «أملته للطعن».

(٥) بعده فى الجمهرة (٢ : ١٨): «النون زائدة. ظليم صنتع : صغير الرأس دقيق العنق».


وما وِصال الصَّتَع القُمدِّ (١)

وقال ابن دريد : الصُّنْتع الظَّليم الصّغير الرأس.

والكلمة الأخرى : التَّصَتُّع : التردّد فى الأمر مجيئاً وذَهاباً.

صتم الصاد والتاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على تمام وقوة. قال ابن دريد (٢) : الصَّيْتَمة (٣) : الصَّخَرة. قال : وأعطيتُه ألفاً صَتْماً. وأمّا الصَّتَم فالشَّاب القوىُّ الخَلْق.

باب الصاد والحاء وما يثلثهما

صحر الصاد والحاء والراء أصلان : أحدهما البَرَاز من الأرض ، والآخر لونٌ من الألوان.

فالأوّل الصحراء : الفضاء من الأرض. ويقال أصحر القَومُ ، إذا بَرَزوا. ومن الباب قولُهم : لقيته صَحْرَةَ بَحْرَةَ (٤) ، إذا لم يكن بينك وبينه سِتْر. والصُّحْرة : الصَّحراء فى قول أبى ذؤيب :

سَبىٌّ مِن يَرَاعَتِهِ نفاه

أتِىٌّ مَدَّهُ صُحَرٌ ولُوبُ (٥)

والأصل الآخر : الصُّحْرة ، وهو لونٌ أبيضُ مُشرَبٌ حمرةً. وأتانٌ صحراءُ :

__________________

(١) قبله فى اللسان (صتع) :

يا ابنه عمرو قد منحت وددى

والحبل مالم تقطعي فمدى

(٢) الجمهرة (٢ : ١٩).

(٣) وكذا فى المجمل. وفى اللسان والجمهرة والقاموس : «الصتيمة».

(٤) صحرة بحرة بالتركيبب ، كما ضبط فى المجمل. وقال فى اللسان : «وهى غير مجراة.

وقيل لم يجريا لأنهما اسمان جعلا اسما واحداً». ويقال أيضاً بالتنوين فيهما ، كما فى اللسان والقاموس. وبضم أولهما أيضا فى لغة.

(٥) ديوان أبى ذؤيب ٩٢ واللسان (صحر).


فى لونها صُحْرة ، وهى كُهبةٌ فى بياضٍ وسواد. ويقال : اصحارَّ النّبتُ ، إِذا هَاج ؛ وذلك أنّ لونَه يتغيَّر ويختلِط.

صحف الصاد والحاء والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على انبساطٍ فى شىء وسَعَةٍ. يقال إِنّ الصَّحِيفَ : وجهُ الأرض. والصَّحِيفة : بشَرَةُ وجهِ الرجل.

قال البَعِيث :

وكلُّ كُلَيْبّىٍ صحيفةُ وجْهِهِ

أذَل لأقدِام الرِّجال مِن النَّعلِ

ومن الباب : الصَّحيفة ، وهى التى يُكتَب فيها ، والجمع صحائفُ ، والصُّحفُ أيضاً ، كأنَّه جمع صحيف. قال :

لما رأَوْا غدوَةً جَبَاهَهُمُ

حنّتْ إِلينا الأرحام والصُّحُفُ

والصَّحْفَة : القَصعة المُسْلنطِحَة. وقال الشَّيبانىّ : الصِّحاف مَناقِعُ صغارٌ تُتَّخَذ للماء ، الجمع صُحُف.

صحل الصاد والحاء واللام كلمة ، وهى بَحَحٌ فى الصَّوت. يقال للأبحِ الأصحل ، والمصدر الصَّحَل ، وهو صَحِلٌ ، قال الأعشى :

صَحِل الصوت أبَحّ (١)

صحم الصاد والحاء والميم أصَيلٌ صحيح يدلُّ على لونٍ. فالأصْحَم : الأغبر إِلى السَّواد. وبلدةٌ صَحْماءُ : مغْبَرَّة. واصحامَّت البَقْلة : اخضارَّت. وإنَّما قيل لها ذاك لأنّها إذا رَوِيت فكأنها سوداء. ولذلك يقال : إدْهامَّتْ.

__________________

(١) البيت من قصيدة للأعشى فى ديوانه ١٥٩. وهو بتمامه :

فتراه زيما من خلفها

ذا رنين صحل الصوت أبح


صحن الصاد والحاء والنون أصَيلٌ يدلُّ على اتّساعٍ فى شىء. من ذلك الصَّحْن : وَسْط الدَّار. ويقولون : جَوْبَة تنجاب فى الحَرَّة. وبذلك شُبِّه العُسُّ العظيم فقيل له صَحْن.

ومما شَذَّ عن الباب قولهم : صَحَنْتُ بينَ القوم ، إذا أصلحتَ بينهم. وربَّما قالوا صحنتُه شيئاً ، إذا أعطيتَه. ويقولون : صَحَنَه صَحَناتٍ ، أى ضَرَبَه ضَرَبات. وناقةٌ صَحُونٌ ، أى رَمُوح.

صحو الصاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على انكشاف شىء. من ذلك الصَّحْو : خِلاف السُّكْر. يقال صحا يصحو السَّكْرانُ فهو صاحٍ. ومن الباب : أصْحَت السَّماءُ فهى مُصْحِيَة. وروى عن أبى حاتم قال : العامّة تظنُّ أنّ الصَّحو لا يكون إلّا ذهابَ الغَيم ؛ وليس كذلك ، إنَّما* الصحو ذَهاب البَرْدِ ، وتفرُّقُ الغَيم.

ومما شذَّ عن هذا الأصل المِصحاةُ ، كالجام يُشرَب فيه.

صحب الصاد والحاء والباء أصلٌ واحد يدلُّ على مقارَنة (١) شىءٍ ومقاربته. من ذلك الصَّاحب والجمع الصَّحْب ، كما يقال راكب ورَكْبٌ. ومن الباب : أصحب فلانٌ : إذا انقاد. وأصْحَبَ الرّجُل ، إذا بلغ ابنُه. وكلُّ شىءٍ لاءم شيئاً فقد استصحبه. ويقال للأديم إذا تُرِك عليه شَعَرُه مُصْحَبٌ. ويقال أصحب الماءُ ، إِذا علاه الطُّحْلَب.

__________________

(١) فى الأصل : «مقاربة» فيكون ما بعده تكرارا.


باب الصاد والخاء وما يثلثهما

صخد الصاد والخاء والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على شدّةٍ فى حَرٍّ وغيره. فالصَّيْخَد : شدّة الحَرّ. ويقال الصَّيخَد : عين الشَّمس. واصطَخَدَ الْحِرْباءُ : تَصَلَّى بحرِّ الشَّمس. ويومٌ صَخَدان ، على فَعَلان (١) : شديد الحَرّ. ويقال : صَخَد النهار يَصْخَد من شدّة الحرّ ، وصَخِد يَصْخَد (٢). والصَّخْرة الصَّيخود : الشّديدة.

ومما يقارِب هذا فى باب الشِّدّة قولهم : صَخَد الصُّرَد ، إذا صاح صِياحاً شديداً. وكذلك صَخَد الرّجُل.

صخر الصاد والخاء والراء كلمةٌ صحيحة ، وهى الصَّخْرة : الحَجَرةُ العظيمة. ويقال صَخْرَةٌ وصَخَرَة.

صخب الصاد والخاء والباء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على صوتٍ عال. من ذلك الصَّخَب: الصَّوْت والجَلَبة. وقال بعضُهم : رجلٌ صَخْبانُ : كثير الصّخْب. وماءٌ صَخِبُ الآذِىِ (٣) ، إِذا كان له صوت.

صخم الصاد والخاء والميم كلمة. يقال للمنتصب مُصْطَخِم.

صخى الصاد والخاء والياء كلمة ، يقال : صَخِيَ الثَّوبُ يَصْخَى ؛ وهو وسَخٌ ودَرَن ، فهو صَخٍ. والاسم الصَّخَى.

__________________

(١) كذا ضبطت الكلمتان فى المجمل. وأجازوا إسكان الخاء عن ثعلب.

(٢) فى الأصل : «وصخد يصخد يصخد» ، بضبط المضارع الأول بكسر الخاء والثانى بفتحها. وأرى فيه تحريفا وتكرارا.

(٣) فى الأصل : «وما صخب الأذى».


باب الصاد والدال وما يثلثهما

صدر الصاد والدال والرّاء أصلان صحيحان ، أحدُهما يدلُّ على خلاف الوِرْد ، والآخَر صَدْر الإنسان وغيره.

فالأوّل قولُهم : صَدَرَ عن الماء ، وصَدَر عن البِلاد ، إذا كان وَرَدَها ثمَّ شَخَص عنها.

وقال الأحْمَر (١) : يقال صَدَرت عن البِلاد صَدَراً ، وهو الاسم ، فإن أردْتَ المصدر جزمت الدّال. وأنشد :

وليلةٍ قد جَعلْتُ الصُّبح موعدَها

صَدْرَ المطيَّة حتَّى تعرِفَ السَّدَفا (٢)

صَدْر المطية مصدر.

وأمَّا الآخر فالصَّدر للإِنسان ، والجمع صُدور ، قال الله تعالى : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ). ثم يشتقُّ منه. فالصِّدَار : ثوبٌ يغطِّى الرَّأس والصَّدْر. والصِّدَار: سَمِةٌ على صدر البعير. والتَّصدير : حبل يُصدَّر به البعير لئلَّا يُرَدَّ حِمْلُه إلى خَلْفه. والمُصَّدر : الأسَد ، سُمِّى بذلك لقوّة صَدْرِه. والمصدور : الذى يشتكى صَدْرَه.

صدع الصاد والدال والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على انفراجٍ فى الشىء. يقال صَدَعْتُه فانصدَعَ وتصدَّع. وصَدَعتُ الفلاةَ : قطعتُها. ودليلٌ هاد

__________________

(١) هو خلف الأحمر. وفى الأصل : «الآخر» ، صوابه فى المجمل.

(٢) البيت لابن مقبل ، كما فى اللسان (صدر).


مِصدَع. والصَّدْع : النّبات ؛ لأنه يَصدَع الأرض ، [فى] قوله تعالى : (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ).

ومن الباب : صَدَع بالحقِّ ، إِذا تكلَّمَ به جهاراً. قال سبحانَه لنبيِّه عليه السلام : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ). ويقال تصدَّع القَوْمُ ، إِذا تفرّقُوا. والصِّدْعَة من الإِبل : قِطعةٌ كالسِّتِّين ونحوِها ، كأنَّها انصدعت عن العَكَر العظيم.

ومما شذَّ عن الباب : الصَّدَع : الفَتِىُّ من الأوعال.

صدغ الصاد والدال والغين أصلان ، أحدهما عضوٌ من الأعضاء ، والآخَر يدلُّ على ضَعْف.

فالأوّل الصُّدْغ ، وهو ما بين خَطِّ العين إلى أصل الادُن. يقال صَدَغْت الرّجل ، إِذا حاذيتَ صُدْغَه بصُدْغِك فى المشى. والصِّداغ : سِمَة فى الصُّدْغ.

والأصل الآخَر الصَّدِيغ : الرجل الضَّعيف. يقال ما يَصْدَغ نملةً من ضَعْف (١) ، أى ما يقتُل. ويقال إنَ الصَّديغ الولدُ إلى أن يستكملَ سبعةَ أيام (٢).

ومما شذَّ عن البابين قولُهم : صدغتُه عن الشىء ، أى كففتُهُ عنه.

صدف الصاد والدال والفاء أصلان : [الأوّل] يدلُّ على المَيْلِ ، والثانى عَرَضٌ من الأعراض.

فالأوّل قولهم : صَدَف عن الشىء ، إذا مال* عنه وولَّى ذاهباً. قال الله تعالى : (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا). والصَّدَف من البعير : أن يميل خُفُّهُ من

__________________

(١) فى المجمل : «من ضعفه».

(٢) فى اللسان : «سمى بذلك لأنه لا يشتد صدغاه إلا إلى سبعة أيام».


اليد أو الرِّجْل إلى الجانب الوَحشىّ (١) ؛ وقد صَدِفَ. ويقال للإٍبل التى تقف عند أعجاز الإبل على الحوض تنتظر انصرافَ الشّاربةِ لتدخُل : هى الصَّوادف. قال :

النّاظراتُ العُقَبَ الصَّوادفُ (٢)

والصَّدَف : جانب الجبَل ، وإنما سُمِّى لميْله إلى إحدى الجِهَتين

وأمّا الآخر فالصَّدَف المَحَارة ، هى معروفة.

صدق الصاد والدال والقاف أصلٌ يدلُّ على قوّةٍ فى الشىء قولاً وغيرَه. من ذلك الصِّدْق : خلاف الكَذِبَ ، سمِّى لقوّته فى نفسه ، ولأنَّ الكذِبَ لا قُوَّة له ، هو باطلٌ. وأصل هذا من قولهم شىءٌ صَدْقٌ ، أى صُلْب. ورُمْح صَدْقٌ. ويقال صَدَقُوهم القِتالَ ، وفى خلاف ذلك كَذَبوهم. والصِّدِّيق : الملازم للصِّدْق. والصَّدَاق : صَدَاق المرأة ، سُمِّى بذلك لقوّته وأنّه حقٌّ يَلزمُ. ويقال صَدَاقٌ وصُدْقة وصَدُقة (٣). قال الله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ نِحْلَةً). وقرئت : صدقاتهنّ (٤). و [من] الباب الصَّدَقة : ما يتصدَّق به المرءُ عن نفسه وماله. وأمّا المُصَدِّق فخَبّرنا أبو الحسن على بن إبراهيم ، عن المفسِّر ، عن القُتَيْبىّ قال : ومما يضَعُه النّاس غير موضعه قولهم : هو يتصدَّق ، إِذا أعطى ، ويتصدّق

__________________

(١) فى الأصل : «من جانب الوحشى» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) أنشده فى المجمل واللسان ، وسيأتى فى (عقب). وقبله فى تاج العروس :

لارى حتى تنهل الروداف

(٣) كذا ضبطت الكلمتان فى الأصل. وزاد فى اللسان والقاموس «صدقة» بالفتح ، وبفتحتين وبضمتين. ويقال أيضا : «صداق» ككتاب.

(٤) لم تضبط أى كلمة منهما فى الأصل. وقد قرأ الجمهور : «صدقاتهن» بفتح الصاد وضم الدال.

وقرأ قتادة بإسكان الدال وضم الصاد ، وقرأ مجاهد وموسى بن الزبير وابن أبى عبلة وفياض ابن غزوان بضمهما. تفسير أبى حيان (٣ : ١٦٦).


إِذا سأل. وذلك غلطٌ ، لأن المتصدِّق المُعطى. قال الله تعالى فى قصّة من قال : (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا). وحدَّثَنا هذا الشيخ عن المَعْدَانىِّ عن أبيه ، عن أبى مُعاذ ، عن اللَّيْث ، عن الخليل قال : المُطْعِم مُتَصَدِّق والسَّائل متصدِّق. وهما سواء. فأمَّا الذى فى القرآن فهو المعطِى. والمُصَدِّق : الذى يأخذ صَدَقات الغنم. ويقال : هو رجلُ صدقٍ (١). والصَّدَاقة مشتقّة من الصِّدق فى المودّة. ويقال صَدِيق للواحد وللاثنين وللجماعة ، وللمرأة. وربما قالوا أصدقاءُ ، وأصادق. قال :

فلا زِلْنَ حَسْرَى ظُلَّعاً لِمْ حَمَلْنَها

إلى بلدِ ناءٍ قليل الأصادقِ (٢)

صدم الصاد والدال والميم كلمةٌ واحدة ، وهى الصَّدْم ، وهو ضَرْب الشَّىءٍ الصُّلْبِ بمثله.

صدن الصاد والدال والنون أصلٌ ضعيف. يقولون الصَّيْدَن : الثَّعْلَب.

صدى الصاد والدال والحرف المعتل فيه كلمٌ متباعدةُ القياس ، لا يكاد يلتقى منها كلمتانِ فى أصل. فالصَّدَى : الذَّكَرُ من البُوم ، والجمع أصداء.

قال :

فليس الناسُ بعدَكَ فى نقيرِ

وما هم غيرَ أصداءٍ وهامِ (٣)

والصَّدَى : الدِّماغُ نفسُه ، ويقال بل هو الموضع الذى جُعِل فيه السَّمْع من

__________________

(١) كذا ضبط فى المجمل بالإضافة. ويقال أيضا «رجل صدق» بالوصف ، مع كسر الصاد وفتحها.

(٢) لم ، أى لماذا. وفى الأصل : لم يحملنها ، صوابه من المخصص (١٧ : ٣٠) ، حيث أنشد البيت. وأوله عنده :

(٣) البيت للبيد فى ديوانه ١٣٥ واللسان (صدى ، نقر). فى نقير ، أى ليسوا بعدك فى شىء. وفى الأصل : من تقر ، صوابه فى الديوان واللسان.


الدِّماغ ، ولذلك يقال : أصَمَّ اللهُ صَدَاه. ويقال بل هذا صَدَى الصَّوْت ، وهو الذى يُجيبك إِذا صِحْت بقُرْبِ جَبَل. وقال يصف داراً :

صَمَ صداها وعفا رسمُها

واستعحمَتْ عن منطقِ السَّائِل (١)

والصَّدَى : الرَّجُل الحسَنُ القِيام على ماله ، يقال هو صَدَى مالٍ. ولا يقال إلّا بالإضافة. والصَّدَى : العَطَش ، يقال رجلٌ صَدٍ وصادٍ ، وامرأة صادية. وتصدَّى فُلانٌ للشَّىء يستشرفه ناظراً إليه. والتَّصدية : التَّصفيق باليدين. قال الله تعالى : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً). فأمَّا الصَّوادى من النَّخْل فهى الطِّوال. ويقال : صاديتُ فلاناً ، إِذا دارَيْتَه. وصاديت [فلاناً مُصاداةً : عاملتُه بمثل صَنيعه (٢)].

وإِذا كان بعد الدَّال همزة تغيَّر المعنى ، فيكون من الصَّدَإ صدأ الحديد. يقولون : صاغِرٌ صَدِئٌ من صدإ العار (٣).

صدح الصاد والدال والحاء أصَيلٌ يدلُّ على صوت. يقال صدح الدِّيك والغُراب. وكان اللِّحيانى يقول : إنّه لَصَيْدَحٌ ، أى مرتفع الصَّوت. ويقولون ـ وليس هو من هذا القياس : إِنَ الصُّدْحَة خَرَزة يُؤَخَّذ بها. ويقال الصَّدَح : الإكام (٤). والله أعلم.

__________________

(١) لامرئ القيس فى الديوان ١٤٨ واللسان (صدى).

(٢) التكملة من المجمل ، وقد بيض لها فى الأصل.

(٣) فى اللسان : «وفلان صاغر صدىء إذا لزمه صدأ العار واللوم».

(٤) وكذا فى المجمل. وفى اللسان : «الأزهرى : الصدحان آكام صغار صلاب الحجارة واحدها صدح».


باب الصاد* والراء وما يثلثهما

صرع الصاد والراء والعين أصلٌ واحد يدلُّ على سقوطِ شىءٍ إِلى الأرض عن مراس اثنين ، ثم يُحمَل على ذلك ويشتقُّ منه. من ذلك صرَعْتُ الرّجلَ صرْعاً ، وصارعتُه مصارَعَة، ورجلٌ صَرِيع. والصَّريع من الأغصان : ما تَهدَّلَ وسقط إلى الأرض ، والجمع صُرُع. وإِذا جُعِلَتْ من ذلك السّاقط قَوْسٌ فهى صَرِيع.

وأمّا المحمول على هذا فقولُهم : هما صِرْعان ، يقال إنّ معنى ذلك أنَّهما يقعان معاً. وهذا مثَلٌ وتشبيه. وكذلك مِصْراعا البابِ مأخوذانِ من هذا ، أى هما متساويان يقعان معاً. والصَّرعانِ : إبلان يختلفان فى المشْى ، فتذهب هذه وتجىء هذه لكثرتها. قال :

فَرَّجْتُ عنه بِصَرْعينا لأرملةٍ

أو بائس جاء معناه كمعناه (١)

ومَصارع النَّاس : مَساقِطُهم. وقال أبو زيد : أتانا صَرْعَىِ النّهار ، غُدْوةً وعَشيّة. وهذا محمولٌ على ما ذكرناه ، من أنّ الصِرَّعَين المِثلان. والقياس فيه كلِّه واحد.

صرف الصاد والراء والفاء معظم بابِه يدلُّ على رَجْع الشىء. من ذلك صَرفْتُ القومَ صَرفاً وانصرفوا ، إِذا رجَعْتَهم فرَجَعوا. والصَّرِيف : اللّبَن ساعةَ يُحلَب ويُنصرَف به. والصَّرْف فى القُرْآن : التَّوبة (٢) ، لأنّه يُرجَع به

__________________

(١) البيت مع قرين له فى اللسان (صرع).

(٢) فى الآية ١٩ من سورة الفرقان : (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً).


عن رتبة المذنبين. والصَّرْفة : نجم. قال أهلُ اللغة سمِّيت صرفةً لانصراف البرد عند طلوعها. والصَّرْفة : خَرَزة يؤخَّذ بها الرِّجال ، وسمِّيت بذلك كأنَّهم يصرفون بها القلبَ عن الذى يريده منها. قال الخليل : الصَّرْف فَضْل الدِّرهم على الدِّرهم فى القِيمة. ومعنى الصَّرف عندنا أنَّه شىءٌ صُرِف إلى شىءٍ ، كأنَّ الدِّينارَ صُرِف إلى الدراهم ، أى رُجِع إليها ، إِذا أخذتَ بدلَه. قال الخليل : ومنه اشتُقَّ اسمُ الصَّيَرفىّ ، لتصريفه أحدَهما إلى الآخَر. قال : وتصريف الدَّراهِم فى البِياعات كلِّها : إنفاقُها. قال أبو عُبيدٍ : صَرْف الكلام : تزيينه والزِّيادةُ فيه ، وإنَّما سمِّى بذلك لأنّه إِذا زيِّن صرف الأسماعَ إلى استماعه. ويقال لحَدَث الدَّهْر صَرفٌ ، والجمع صُروف ، وسمِّى بذلك لأنه يتصرَّف بالناس ، أى يقلِّبهم ويردِّدهم. فأمّا حِرْمةَ الشّاءِ والبقَر والكلاب ، فيقال لها الصِّرَاف ، وهو عندنا من قياس الباب ، لأنها تَصَرَّف أى تَرَدّدَ وتُراجِع فيه. ومن الباب الصَّريف ، وهو صَوت نابِ البعير. وسمِّى بذلك لأنّه يردِّده ويرَجِّعه. فأمّا قولُ القائل :

بَنِى غُدانةَ ما إنْ أنتمُ ذهباً

ولا صريفاً ولكن أنتم الخزَفُ (١)

فقال قومٌ : أراد بالصَّريف الفِضّة. فإن كان صحيحا فسميِّت صريفاً من قولهم : صّرَفت الدِّينارَ دراهمَ ، ليس له وجهٌ غير هذا.

وممّا أحسِبَه شاذًّا عن هذا الأصل : الصَّرَفَانُ ، وهو الرَّصاص. والصَّرَفانُ فى قوله :

أمْ صرفاناً باردا شديدا (٢)

__________________

(١) البيت فى اللسان (صرف) والخزانة (٢ : ١٢٤) بدون نسبة فيهما.

(٢) من الرجز المقول على لسان الزباء. اللسان (صرف).


مختلفٌ فيه ، فقال قوم هو الرَّضاص. وقال آخَرون : الصَّرَفانُ : جنس من التَّمر. وأنشدوا :

أكْلَ الزُّبد بالصَّرَفان (١)

قالوا : ولم يكن يُهدَى للزّبّاء شىءٌ من الطُّرف كان أحبَّ إليها من التَّمر. وأنشدوا :

ولما أتتْها العير قالت أباردٌ

من التَّمْرِ أم هذا حديدٌ وجندلُ (٢)

ومما شذّ أيضاً الصِّرْف : شىء من الصِّبْغ يُصبَغ به الأديم. قال :

كمَيْتٌ غير مُحْلِفةٍ ولكنْ

كلون الصرْفِ عُلَّ به الأديمُ (٣)

وعلى هذا يُحمَل قولهم : شرِب الشّرابَ صِرْفاً ، إِذا لم يمزُجْه ، كأنّه تُرِك على لونِه وحُمْرته.

صرم الصاد والراء والميم أصلٌ واحدٌ صحيح مطَّرد ، وهو القَطْع. من ذلك صُرْم الهِجْران. والصَّريمة : العزيمة على الشىء ، وهو قَطْعُ كلِّ عُلْقةٍ دونَه. والصُّرام : آخر اللّبَن بعد التغزير ، إِذا احتاج الرّجل إليه حلبَه ضرورةً.

قال بشر :

ألَا أبلِغْ بنى سعدٍ* رسولاً

ومولاهُمْ فقد حُلِبَتْ صُرَامُ (٤)

__________________

(١) قطعة من بيت لعمران الكلبى فى اللسان (صرف). وهو بتمامه :

أكتم حسبتم ضربنا وجلادنا

على الحجر أكل الزبد بالصرفان

(٢) البيت فى المجمل واللسان (صرف).

(٣) لسلمة بن الخرشب الأنمارى فى المفضليات (١ : ٣٨). ونسب فى اللسان (صرف) إلى الكلحبة اليربوعى.

(٤) المفضليات (٢ : ١٣٥) واللسان (صرم).


وهذا مَثلٌ ، كأنّه يقول : قد بُلِغ من الشر آخِرُه وآخر الشىء عند انقطاعه. ويقال : أكل فلانٌ الصَّيْرَم ، وهى الوَجْبة ؛ لأنّه إِذا أكلها قطع سائر يومه. ويقال صَرَمْتُه صَرْماً ، بالفتح وهو المصدر ، والصُّرْم الاسم. فأمَّا الصَّريم فيقال إنّه اسمُ الصُّبح واسم اللّيل. وكيف كان فهو من القياس ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَصرِم صاحبَه وبَنصرِم عنه. قال الله تعالى : (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ). يقول : احترقت فاسوادَّت كاللَّيل. فهذا فيمن قاله إنّه اللَّيل. وأمّا الصُّبح فقال بشر :

فباتَ يقول أصبِحْ ليلُ حَتّى

تَجَلّى عن صَريمتِه الظَّلامُ (١)

والصَّريم : الرَّمل ينقطع عن الجدَد والأرض الصُّلبة. والصِّرام : وقت صَرْم الأعذاق. وقد أصرَمَ النّخلُ : حان صِرامُهُ. والصِّرْمة : القطيع من الإبل نحوٌ من الثَّلاثين. والصِّرَم : القِطَع من السَّحاب ، واحدتها صِرمة. قال النابغة :

وهبَّت الريحُ من تِلقاءِ ذِى أُرُلٍ

تُزْجِى من اللَّيل من صُرَّادِها صِرَما (٢)

والصِّرْم : طائفةٌ من القوم ينزلون بإبلهم ناحيةً من الماء ، فهم أهل صَرم. والرَّجُل الصَّارم : الماضى فى الأمور كالسَّيف الصَّارم. وناقة مصرَّمة ، أى يُصَرَّم طبْيُها فيفْسُدُ الإحليل فييْبس ، فذلك أقوى لها ؛ لأنَّ اللبن لا يَخرج. ويقال إنّ التَّصريم يكون بكَىِّ خِلفَينِ. والصَّرماء : الأرض لا ماء بها. ويقال إنّ الصَّريمة الأرض المحصودُ زرعُها (٣). فأمّا قوله :

ومَوماةٍ يحَار الطَّرْفُ فيها

إِذا امتنعَتْ علاها الأصرَمانِ (٤)

__________________

(١) المفضليات (٢ : ١٣٥) واللسان (صرم).

(٢) وكذا فى ديوانه ٦٦ ومعجم البلدان (أول). وفى اللسان : «ذى أرك» ، تحريف.

(٣) فى الأصل : «أرضها» ، وصوابه فى المجمل.

(٤) أنشده المحى فى جنى الجنتين ٢٠.


فإنّ الأصرمَينِ الذِّئب والغراب ، سُمِّيا بذلك لقطعهما الأنيس.

صرى الصاد والراء والحرف المعتلّ أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على الجمع. يُقال : صَرَى الماءَ يصرِيه ، إذا جمعه. وماءٌ صَرًى : مجموع.

قال :

رأت غلاماً قد صَرَى فى فقرتهْ

ماءَ الشَّبابِ عُنفوانُ شِرَّتْه (١)

وكأَنَ الصَّرَاةَ (٢) مشتقَّة مأخوذة من هذا. وسمِّيت المُصَرَّاةُ من الشَّاء وغيرِها لاجتماع اللبن فى أخلافها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنم. ومَن اشترى مصرّاةً فهو بآخر النَّظَرَين (٣) ، إن شاء ردَّها وردَّ معها صاعاً من تمر». ويقال صَرَيْت. ما بينهم : أصلحته ، وذلك هو القياس ؛ لأنه يجمع الكلمةَ المشتَّتةَ. وتقول : صَرَيت الرّجُل ، إذا منعته ما يريدُه. قال :

وليسَ صارِيَهُ عن ذِكرها صارِ (٤)

والقياس ذلك ؛ لأنَّه إذا مُنع الشىءَ فقد حُبِس (٥) دونه وجُمِع عنه ويقولون : صراه الله ، كما يقولون : وقاه ، أى لا نَشرَ أمرَه ، بل جَمَع مالَه. وصَرَى فلانٌ [فى يد فلانٍ ، إذا بقَى (٦)] فى يده رَهْنا محبوساً.

__________________

(١) للأغلب العجلى. وقد يسبق الكلام عليه وعلى تخريجه فى (رد ٣٨٧).

(٢) الصراة : نهران ببغداد ، الصراة الكبرى والصراة الصغرى. ياقوت.

(٣) فى اللسان : «فهو بخير النظرين».

(٤) لابن مقبل فى اللسان (صرى). وصدره :

ليس الفؤاد يراه أرضها أبدا

(٥) فى الأصل : «حين».

(٦) التكملة من المجمل.


وشذَّ عن الباب الصَّرَاية : الحنظل ، فى قوله :

أَو صرَايةُ حَنْظَلِ (١)

صرب الصاد والراء والباء أُصَيْلٌ صحيح يدلُّ على مثل ما دلَّ عليه الباب الذى قبله. وزاد الخليل فيه وصفاً آخر ، قال : الصرِيب : اللَّبن الذى قد حُقِن : والوَطْب مُصرَّب. وقال ابنُ دُريد : كلُّ شىءٍ أملسَ فهو صرَب. وهذا الذى قاله ابنُ دريدٍ أقْيَس ؛ لأنَّهم يسمُّون الصَّمغ الصرَب ، وينشدون :

أرض عن الخير والسُّلطانِ نائيةٌ

والأطيبان بها الطُّرْثُوثُ والصَّربُ (٢)

والصَّمغ فيه مَلاسَة. والذى قاله الخليل فَفرْعُه قولُهم للصبِّى إذا احتبس بَطْنُه : صرَب ليَسْمَن ، وذلك عند عَقْدِه شَحْمه. والصَّرَب : اللَّبَن الحامض.

صرح الصاد والراء والحاء أصلٌ منقاس ، يدلُّ على ظهور الشَّىء وبُروزه. من ذلك الشَّىء الصريح. والصريح : المحض الحسَب ، وجمعه صُرَحاء. قال الخليل : ويجمع الخليلُ على الصرائح. قال : وكلُّ خالصٍ صريح. يقال هو بَيِّنُ الصَّراحة والصُّروحة. وصرَّحَ بما فى نفسه : أظهَرَه. ويقال : كأس صراحٌ ، إذا لم تُشَبْ بمِزاج. وصرَّحت الخمرُ ، إذا ذهب عنها الزَّبد.

قال الأعشى :

كُمَيتٌ تكشَّف عن حُمْرةٍ

إذا صرَّحَتْ بعد إزبادِها (٣)

__________________

(١) لامرئ القيس فى معلقته. والبيت بتمامه :

كأن سراته لدى؟ قائما

مداك عروس أو صراية حتفال

(٢) أنشده فى اللسان (صر) وإصلاح المنطق ٤٥.

(٣) فى ديوان الأعشى ٥٢ واللسان (صرح): «كميتاً».


ويقال : جاء به صُرَاحا ، أى جِهارا. ولقيت فلاناً مُصارَحة وصِراحاً ، أى كِفاحا. ويقال صرَّح الحقُّ عن مَحْضه ، أى انكشف الأمرُ بعد غُيوبه. والصَّرْحة : المكان ، ويقالبل هو المَتْن من الأرض. ويقال يومُ مُصرِّح ، إذا كان لا سحابَ فيه ، وهو فى شعر الطِّرِمّاح (١). والصَّرْح : بيتٌ واحدٌ يُبنى منفرداً ضخماً طويلا فى السَّماء. وكلُّ بناءٍ عالٍ فهو صرْح.

صرخ الصاد والراء والخاء أُصيلٌ يدلُّ على صوتٍ رفيع. من ذلك الصُّراخ ، يقال صرَخ يَصرُخ ، وهو إذا صوّت. ويقال الصَّارخ : المستغيث ، والصارخ : المغيث ، ويقال بل المُغيث مُصرِخ ؛ لقوله تعالى فى قصة من قال : (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ).

صرد الصاد والراء والدال أصولٌ ثلاثة : أحدها البرد ، والآخر الخلوص ، والآخر القِلَّة.

فالأوَّل : الصَّرْد : البَرْد ؛ ويومٌ صرِدٌ ؛ وقد صرِد الرَّجل ورجلٌ مِصرادٌ : جَزُوع من البَرْد. والاسم الصَّرَد. قال الشاعر :

نِعْمَ شِعارُ الفتى إذا برَدَ اللَّيلُ

سُحيراً وقفقَف الصَّرِدُ (٢)

ومن الباب قولهم : صرِد القلبُ عن الشىء ، إذا انتهى عنه. وذلك أنَّه يسلو عنه ويُبرد ويَصرَد. والصُّرَّاد : غَيم رقيق.

__________________

(١) يعنى قوله فى ديوانه ٨٥ واللسان (صرح) :

إذا أسئل بهوى قلت ظل؟

ذرى الريح في أعقاب يوم مصرح

(٢) أنشده الكامل فى المبرد ١٣٧ ليبسك. وبعده :

زينها الله في الفؤاد كما

زين في عين والد ولد


وأمَّا الخلوص فالصَّرْد : البَحْت الخالص. ويقال كذِبٌ صرْد. وأُحِبُّك حُبًّا صَرْداً. وشرابٌ صرْد : خالص. قال :

فإنَّ النَّبيذ الصردَ إن شُرْبَ وحْده

على غير شىءٍ أوجع الكبْدَ جُوعُها (١)

ومن الباب : صرَد السَّهمُ من الرّميَّة ، إذا نفذ حَدُّه. ونَضْلٌ صارد. وأنا أصردته ، وهو الخلوص من الرَّميَّة.

والباب الثالث : التصريد فى السّقْى دون الرِّىّ. وشرابٌ مصرّد ، أى مقلَّل. وصرَّد له العَطاء ، إذا قلَّلهُ

ومما شذَّ عن الباب الصُّرَد : طائر. والصُّرَدَانِ : عِرقانِ تحت اللِّسان.

صرط الصاد والراء والطاء وهو من باب الإبدال ، وقد ذكر فى السين ، وهو الطَّريق. قال :

أكُرُّ على الحرورِيِّينَ مُهْرى

وأحملُهم على وَضَح الصِّراطِ (٢)

باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله صاد

فالذى جاء منه على القياس ، الذى تقدَّم ذكره. [وأمّا المنحوت] فقولهم (الصَّعْنب) الصَّغير الرّأس ، فهذا مما زيدت فيه الباء ، وأصله الصاد والعين والنون ، وقد قلناه فى الصِّعْوَنّ ، ومضى تفسيره (٣).

ومن الباب : (اصْمَقَرَّ) اللّبنُ ، إذا اشتدَّت حُموضته. وهذا منحوتٌ من

__________________

(١) فى الأصل : «الصردان يشرب وحده» ، صوابه فى المجمل واللسان (صرد). وشرب ، هى شرب ، بالبناء للمجهول سكن منه الراء للضرورة كقوله : لو عصر منه البان والمسك انعصر.

(٢) أنشده فى المجمل واللسان (صرط).

(٣) مادة (صعن) ص ٢٨٦.


كلمتين. من صقر ومقر. أمّا مقر فهو الحامض ، ومن ذلك يقال سمكٌ ممقور. وأما صقر فمن الخُثورة ، ولذلك سمِّى الدِّبْس صقراً ، وقد مرّ.

ومن ذلك قولهم : بعير (صلخد (١)) أى صُلْب ، فاللام فيه زائدة ، وإنّما هو من صَخَد والصَّخْرةِ الصَّيْخُود ، وقد فسرناه.

ومن ذلك : (الِصَّلْقَم) ، وهو الشديد العضّ. وهذه منحوتةٌ من كلمتين : من صَلَقَ ولَقَم ، كأنّه يجعل الشّىءَ كاللُّقمة. والصَّلْق من الأنياب الصَّلَقات ، وقد مضى. ومن ذلك : (الصِّرْداح) و (الصَّرْدَح) ، وهى الناقة الصُّلْبة. وهذا مما زيدت فيه الدَّال. وأصله من الصَّرْح ، وهو البناء العالى القوىّ.

ومن ذلك كلمةٌ ذكرها ابن دريد (٢) ، وهى فى القياس جيّدة صحيحة. قال : «ناقة صَيْلَخود : صُلْبة شديدة» ، وقد فسرناها فى الصّلخد.

ومن ذلك (اصمَعَدَّ) الرّجل : ذهب فى الأرض. وهذا ممّا زيدت فيه الميم. وإنّما هو من أَصْعَدَ فى الأرض ، وقد فسَّرناه.

ومن ذلك (صَلْفَع) رأسَه ، إذا حلقه. والفاء فيه زائدة ، وهو من الصَّلَع. وقال قومٌ: صلفَعَه ، إذا ضرب عنقَه. وهو قريبٌ ، إِلّا أنّ الأوّل أقْيَس.

ومن ذلك قول الأحمر : (صَلْمعتُ) الشىء ، إِذا قلعتَه من أصله. وقال الفرّاء : صَلْمَعَ رأسَه ، إِذا حلق شعْره. والميم فى الكلمتين زائدة. ويقال إِن (الصَّلْمعة) و (الصَّلْفعة): الإفلاس. وهو القياس.

__________________

(١) يقال (صَلْخَد) و (صِلَخْد) و (صِلْخَدّ).

(٢) الجمهرة (٣ : ٤٠٣).


ومن ذلك (الصِّمْرِد) : النّاقة القليلة اللَّبن ، والميم فيه زائدة. وهو من صرد. وقد قلنا إِنّ التَّصريد : التَّقليل.

ومن ذلك (الصُّمَّلِك) : الشديد القُوّة ، والكاف فيه زائدة ، والأصل الصُّمُلّ.

ومن الباب (الصَّهْصَلِق) الشَّديد الصَّوت الصّخّاب. يقال امرأة صَهْصَلِق : صخّابة. وهذا منحوتٌ من كلمتين : من صهل وصلق ، وقد ذكرناهما. قال ابنُ أحمر :

صَهْصَلِق الصّوت إذا ماغَدَتْ

لم يَطْمَع الصَّقرُ بها المنكدِرْ (١)

ومن ذلك (المصمئِلّة) : الدَّاهية. والأصل صَمَل ، وقد مضى ذكره ومن ذلك (الصّفاريت) ، وهم الفُقَراء ، الواحد صِفْريت. قال ذو الرّمّة :

ولا خُورٍ صَفَاريتِ (٢)

والتاء فيه زائدة ، وإنّما هو من الصِّفْر ، وهو الخالى.

ومن ذلك (الصَّعْنَبة) ، أى تَصَومُع الثَّريدة. والباء فيه زائدة ، وهو من المُصْعَنّ (٣) والصِّعْوَنّ ، وقد ذكرناه.

ومن ذلك (الصَّمْعَرةُ (٤)) ، وهو ما غلُظ من الأرض. و (الصَّمْعَريّة) من الحيّات. الخبيثة. و (الصَّمعرىُ) : اللئيم. وقياس هؤلاء الكلماتِ واحد ، وهى

__________________

(١) فى الأصل : «إذا ما عذب* لم يطمع الصفو» ، صوابه فى المجمل.

(٢) قطعة من بيت لذى الرمة فى ملحقات ديوانه ٦٦٣ واللسان (صفر). وهو بتمامه :

بفتية كسيوف الهند لا ورع

من الشباب ولا؟ صفاريت

(٣) فى الأصل : «الصعن». تحريف.

(٤) وكذا فى المجمل. ولم تذكر فى اللسان. وذكر فى القاموس : «الصمعر».


منحوتةٌ من صَمَر ومَعَر. أمّا صمر فاشتدّ. وأمَّا معر فقلّ نبته وخَيره. وقد ذُكِر فى بابه.

ومن ذلك (الصِّمْلَاخ) : خَرْق لأُذُن ، واللام فيه زائدة ، وإنّما هو الصِّماخ ، وقد ذكرا. ومن ذلك (الصُّمَالخ) : اللبن الخاثر المتلبِّد (١). فهذا من صلخ وصمل أمّا صمل فاشتدّ ، وأمّا صَلَخ فمن الصَّمَم. فكأنّ اللّبَن إذا خثُر لم يكنْ له عند صبِّه صَوت.

ومن ذلك (الصِّقَعْل) ، وهو التَّمر اليابس (٢). وهذا من الصَّقْل. والعين فيه زائدة ، وذلك أنّه إذا يبس صار كالشَّىء الصَّقيل (٣).

ومن ذلك (الصِّلْدمَة). الفَرَس الشَّديدة. وهذه من صَلَدْ وصَدَمَ. أمَّا الصَّلْد فالشَّديد ، وهو من الصَّخْرة الصَّلْد. والصَّدْم من صَدْم الشّىء ، وقد مرّ ذكره.

فأمَّا (الصِّنْتِيت) : وهو السيِّد ، فمضى ذكرُه ؛ لأنّه من باب الإبدال ، وهو الصِّنْديد.

ومن ذلك (الصَّقْعب) : الطَّويل من الرِّجال. فهذا منحوتٌ من كلمتين من صَقَب وصَعَب. أمّا الصَّقْب فالطَّويل ، والصَّعب من الصُّعوبة.

ومن ذلك (الصَّلْهب) : الرّجُل الطَّويل. فهذا معنيان : الإبدال والزِّيادة. أمّا الإبدال فالصاد بدل السين ، وهو السَّلْهَب. وإذا كانت الهاء زائدة فهو من السَّلِب ، وهو الطَّويل.

__________________

(١) فى الأصل : «المتكبد» ، صوابه فى اللسان.

(٢) زاد فى اللسان : «ينقع فى المخض» ، وأنشد :

ترى لهم حول الصعقل عشيرة

(٣) فى الأصل : «الصفقل».


وأمَّا الذى وُضع وَضْعاً ، وهو غيرُ منقاسٍ عندى ، (فالصُّنْبور) النَّخلة تبقى منفردةً ويَدِقُّ أسفلُها. والصُّنْبور : مَثْعَب الحوض. والصُّنبور : الرَّجل الفَرْد الذى لا ولدَ له ولا أخ. والصُّنبور : القَصَبة التى تكون فى الإداوة من حديد أو رصاصٍ يُشرَب بها. وأمَّا (الصِّنَّبْر) وهو البرد الشديد ، فالنون والباء فيه زائدتان ، وهو من الصِّرّ.

ومما وُضِع وضعاً ، ولعله أن يكون كالنَّبَز : (الصَّعافقة) ، يقال الذين ليست معهم رءوس أموال ، يحضرون الأسواق فإذا اشترى واحدٌ شيئاً دخَلُوا معه فيه.

تم كتاب الصاد



كتاب الضاد

باب الضاد فى المضاعف [والمطابق]

ضع الضاد والعين فى المضاعف أصلٌ واحدٌ صحيح ، يدلُّ على الخضوع والضَّعْفِ. يقال تضعضع ، إذا ذلَّ وخَضَع. قال أبو ذؤيب :

وتجلُّدِى للشّامِتِين أرِيهِمُ

أَنِّى لرَيْبِ الدَّهرِ لا أَتضعضعُ (١)

وكلُّ ضعيفٍ ضعْضاعٌ ، إذا لم يكن ذا رأىٍ ولا قُوَّة.

ضغ الضاد والغين ليس بشىء ، ولا هو أصلاً يفرّع منه أو يقاس عليه ، لكنَّهم يقولون : إنَ الضَّغْضَغة : حكايةُ أكلِ الذئب اللحْم. وقال الخليل : الضَّغْضغة : لوك الدَّرداء. ويقولون : الضَّغَّاغة (٢) : الأحمق. والضغيعة : العجين* الرَّقيق. وأقاموا فى عيشٍ ضغيغٍ ، أى خَصيب. وليس هذا كلُّه بشىءٍ وإنْ ذُكِر.

ضف الضاد والفاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على أمرين : أحدهما الاجتماع ، والآخر القِلة والضَّعف.

[فأما الأوَّل فهو الضَّفف] ، وهو اجتماع النَّاس على الشىءِ. ويقال

__________________

(١) ديوان أبى ذؤيب ٣ والمفضليات (٢ : ٢٢٢) واللسان (ضعع).

(٢) هذا اللفظ مما انفرد به فى المجمل والمقاييس.


ماءٌ مضفوف ، إذا كثُر عليه الناس. وطعامٌ مضفوف. وفى الحديث : «أنه عليه السلام لم يشبَع من خُبزٍ ولحم إلَّا على ضَفَف». يراد بذلك كثرةُ الأيدى على الطَّعام. وقال فى الماء:

لا يَسْتَقِى فى النَّزَحِ المضفوفِ

إلّا مُدَارَاتُ الغروب الجُوفِ (١)

وجانبا النَّهْرِ : ضَفّتاه ؛ لاجتماعهما عليه. قال الخليل : ناقةٌ ضَفوفٌ ، أى كثيرة اللَّبن لا تُحلَبُ إلّا ضَفًّا. والضَّفُ : الحَلَب بالكفِّ كلِّها.

وأمّا الآخر فقولُهم : فى رأىِ فلانٍ ضَفَفٌ ، أى ضَعف. ولقيتُه على ضَفَفٍ ، أى عَجلَةٍ لم أتمكَّنْ منه.

ضك الضاد والكاف أُصَيل صحيح فيه كلمتان : امرأةٌ ضكضاكة ورجل ضكضاكٌ ، يراد به القِصَروا كتنازُ اللَّحم. والكلمة الأخرى : الضَّكْضَكة سُرعة المَشْى.

ضل الضاد واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على معنًى واحد ، وهو ضَياع الشىء وذهابُه فى غير حَقِّه. يقال ضَلّ يَضِلّ ويَضَلّ ، لغتان. وكلُّ جائرٍ عن القصد ضالٌ. والضَّلَال والضَّلَالَة بمعنى. ورجلٌ ضِلِّيل ومُضلَّل ، إِذا كان صاحبَ ضَلَالٍ وباطل. وممّا يدُلُّ على أنّ أصل الضّلَال ما ذكرناه ، قولُهم أُضِلّ الميّتُ ، إذا دُفِن. وذاكَ كأنَّهُ شىءٌ قد ضاع. ويقولون: ضَلَ اللّبَنُ فى الماء ، ثم يقولون استُهْلِك. وقال فى أُضِلَ الميّت :

وآبَ مُضِلُّوه بعينٍ جَلِيَّةٍ

وغودِرَ بالجَوْلان حَزمٌ ونائلُ (٢)

__________________

(١) الرجز فى اللسان (ضفف).

(٢) البيت للنابغة ، كما أسلفت فى حواشى (جول).


قال ابنُ السكِّيت : يقال أضلَلْتُ بعيرى ، إذا ذَهبَ منك ؛ وضللت المسجد والدَّارَ، إذا لم تهتدِ لهما. وكذلك كلُّ شىء مُقِيمٍ لا يُهتَدَى له. ويقال : أرضٌ مَضِلّة ومَضَلّة. ووقعوا فى وادى تُضَلِّلَ ، إذا وَقعوا فى مَضِلَّة.

ضم الضاد والميم أصلٌ واحد يدلُّ على مُلاءَمةٍ بين شيئين. يقال ضَمَمت الشّىء إلى الشىء فأنا أضُمُّه ضمًّا. وهذه إضْمامةٌ من خَيل ، أى جماعة. وفرسٌ سَبّاق الأضاميم ، أى الجماعات. وإضمامةٌ من كُتُب مثل إضْبارة.

ومن الباب : أسد ضَمْضَم وضُماضِمٌ : يضمُ كلَّ شىء.

ضن الضاد والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على بُخْلٍ بالشىء. يقال ضَنِنْتُ بالشّىءِ أضَنُ به ضَنًّا وضَنانةً ، ورجلٌ ضَنين. وهذا عِلْقُ مَضَنَّةٍ ومَضِنّة ، إذا كان نفيساً يُضَنُ به. وفلانٌ ضِنِّى مِن بين إخوانى ، إذا كان النّفِيسَ الذى يُضَنُ به. وربما قالوا ضَنَنْت بفتح النون.

ضأ الضاد والهمزة كلمة صحيحة ، وهى الضِّئْضئُ ، وهو الأصل. وفى الحديث : «يخرج من ضِئْضىءِ هذا قومٌ يمرُقون من الدِّين (١)».

وأمّا الضاد والحرف المعتلّ فهو يدلُّ على صِياحٍ وجَلَبة. من ذلك الضَّوَّة والضَّوضاة(٢): أصوات النّاس وجَلَبتهم. يقال ضَوْضَوْا بلا همز.

ضب الضاد والباء أصلٌ واحد يدلُّ عُظْمُه على الاجتماع. قال

__________________

(١) فى اللسان : «وفى الحديث أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الغنائم فقال له : عدل فإنك لم تعدل. فقال : يخرج من ضئضئ هذا قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية».

(٢) والضوضاء ، بالهمز أيضا.


أبو زيد : أضَبّ القومُ إضباباً ، إذا تكلّموا جميعاً. ثمّ يُحْمَل على هذا الأصلِ أكثرُ الباب. من ذلك ضَبَّة الحديد ، والجمع ضَبَّات. والضَّبّ : الغِلُّ فى القلب. وقد أَضَبَ على غِلٍّ فى صدره ، إذا جَمَعه فى صدره. ومنه الضَّبَاب ، وهو الذى كأنّه غبارٌ يجتمع فيَستُر. وهذا يومٌ مُضِبٌّ. وضَبِب البلدُ : كثُر ضَبابه.

ومن الباب : التَّضَبُّب ، وهو السِّمَن. والضَّبِيبة : سمنٌ ورُبٌ (١) يُجمع بينهما ، يقال ضَبِّبُوا لضبِّيكم. والضبُ من دوابِّ الأرض معروف ، وسمِّى لتجمُّع خَلْقه ولحْمِه ؛ والجمع ضِباب. وربَّما شبِّه الطَّلْع به. قال :

أطَافَ بفُحَّالٍ كأنَ ضِبابَهُ

بُطونُ الموالى يومَ عِيدٍ تَغَدَّتِ

يقول : طَلْعُها ضخمٌ كأنّه ضِبابٌ ممتلئة. ثم شَبَّه تلك الضِّبابَ ببطونِ موالٍ تغدَّوْا فتضَلَّعُوا. ويقال : وقَعْنا فى مَضَابَ مُنْكَرة ، أى قِطَعٍ من الأرض كثيرة الضِّباب. والضُّبَاضِب : الرّجل* القصير السمين. فأمّا قولهم : ضبَ النّاقة ، فهو مِثل ضَفَّها (٢) إذا حَلَبَها بالكفّ جميعاً. قال الكسائىّ : فَطَرت النّاقةَ أفطرُها ، إذا حلبتَها بطرف أصابعك. وضَبَبْتُها أضُبُّها ضبًّا ، إذا حَلَبْتَها بالكفِّ كلِّها. قال الفرَّاء : هذا هو الضَّفُّ. فأمّا الضَّبُ فأنْ تجعل إِبهامك على الخِلْف وأصابعَك على الإبهام والخِلْف معاً.

ومما شذَّ عن هذا الأصل قولُهم : ناقة ضَبّاءُ وبعيرٌ أضبُ ، وهو وجعٌ يأخذهما

__________________

(١) فى الأصل : «وربما» ، تحريف. وفى المجمل : «والضبيبة : السمن والرب يجمع بينهما ويؤكل».

(٢) فى الأصل : «ضبها» ، صوابه فى المجمل.


فى الفِرْسِن (١). فأمّا قولُهم : ضَبّت لِثَتُه دماً ، وضبَّت يدُه إذا سالت دماً ، فليس من هذا الباب ، إِنّما هو مقلوب من بَضَ (٢) ، وقد مرّ.

ضج الضاد والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على صِياحٍ بضَجَر من ذلك ضجَ يضِجُ ضجيجا ، وضجَ القوم ضِجاجاً. قال أبو عبيد : أضجَ القوم إِضجاجاً ، إِذا جَلبُوا (٣) وصاحُوا. فإذا جزِعوا من شىءٍ وغُلِبوا قيل ضَجُّوا. وقال : الضِّجَاج : المشاغَبة والمُشارَّة. قال غيره : الضَّجُوج من الإبل ؛ التى تضجُ إِذا حُلِبَت.

ومما شذَّ عن هذا الباب : الضَّجاج (٤) ، وهو خَرَز (٥).

ضح الضاد والحاء أصلٌ صحيح يدلُّ على رقَّةِ شىءٍ بعينه. من ذلك الضَّحضاح : الماء إلى الكَعبَين ، سمِّى بذلك لرقّته. والضَّحضحة : تَرقرُقُ السَّراب. ومنه الضِّحّ ، وهو ضَوء الشّمس إِذا استمكَنَ من الأرض. وكان أبنُ الأعرابىِّ يقول : هو لون الشَّمس. ويقولون: جاء فلانٌ بالضِّحِ والرِّيح ، يُراد به الكَثْرة ، أى ما طلَعت عليه الشَّمس وما جرَت عليه الرِّيح. قال : ولا يقال [الضِّيح (٦)].

__________________

(١) فى الأصل : «الفرس» ، صوابه فى المجمل.

(٢) فى الأصل : «بضن».

(٣) يقال جلب ، وأجلب ، بالتشديد.

(٤) ضبطه فى القاموس كسحاب ، وفى المجمل بتشديد الجيم. وهذا اللفظ لم يرد فى اللسان.

(٥) فى القاموس : «خرزة».

(٦) التكملة من المجمل.


ضخ الضاد والخاء ليس بشىء. على أنَّهم يقولون : الضَّخّ : امتداد البَول. والمِضَخَّة: قَصَبَةٌ يرمَى بها الماء فيمتدّ.

ضد الضاد والدال كلمتان متباينتان فى القياس.

فالأولى : الضِّدّ ضِدّ الشىء. والمتضادّان : الشَّيئان لا يجوز اجتماعهما فى وقتٍ واحد ، كالليل والنَّهار.

والكلمة الأخرى الضَّدُّ ، وهو المَلْء ، بفتح الضاد ، يقال ضَدَّ القِربةَ : ملأها ، ضَدًّا.

ضر الضاد والراء ثلاثة أصول : الأوّل خلاف النَّفع ، والثانى اجتماعُ الشَّىء ، والثالث القوّة.

فالأوَّل الضَّرّ : ضدُّ النَّفْع. ويقال ضَرَّه يضُرُّه ضَرًّا. ثمَّ يحمل على هذا كلُّ ما جانَسَه أو قارَبه. فالضُّرُّ : الهُزال. والضِّرّ : تزوُّج المرأة على ضَرَّة. يقال نكحَتْ فلانةُ على ضِرّ ، أى على امرأةٍ كانت قَبْلَها. وقال الأصمعىّ : تزوّجَت المرأةُ على ضُرٍّ وضِرّ. قال : والإضرار مثلُه ، وهو رجلُ مُضِرٌّ. والضَّرَّة : اسمٌ مشتقٌّ من الضَّرِّ ، كأنَّها تضرُّ الأخرى كما تضرُّها تلك. واضطُرَّ فلانٌ إلى كذا ، من الضرورة. ويقولون فى الشِّعر «الضَّارُورة». قال ابنُ الدُّمينة :

أثيِبى أخا ضارورةٍ أشفَقَ العِدَى

عليه وقَلّت فى الصديق مَعاذرُهْ (١)

والضَّرِير : المُضارّة. وأكثر ما يُستَعمل فى الغَيْرة ؛ يقال ما أشدَّ ضريره عليها.

__________________

(١) فى الأصل : «اتتنى» ، صوابه فى اللسان (ضرر) حيث ورد البيت بدون نسبة. ولم أجد البيت فى ديوان ابن الدمينة.


وشُبِّه الحَجَرانِ للرَّحى بالضَّرَّتينِ فقيل لهما الضَّرَّتان. والضَّرِير : الذى به ضَرَرٌ من ذَهاب عَيْنِه أو ضَنَى جِسْمِه.

وأمّا الأصل الثانى فَضرَّة الضَّرع : لَحْمتُه. قال أبو عُبيد الضَّرَّة : التى لا تخلو من اللَّبن. وسمِّيت بذلك لاجتماعِها. وضَرَّةُ الإبهام : اللحم المجتمع تحتَها. ومن الباب : المُضِرّ : الذى له ضَرَّةٌ من مال ، وهو من صِفَة المال الكثير. قال :

بِحَسْبِكَ فى القوم أن يَعلموا

بأنَّك فيهم غَنٍىٌ مُضِرّ (١)

وأمّا الثالث فالضرير : قُوَّة النّفْس. ويقال : فلانٌ ذو ضرير على الشىء ، إذا كان ذا صبرٍ عليه ومقاساة ، فى قول جرير :

... جُرأةً وضَريرا (٢)

ويقال للفرس : أضرَّ على فأس اللِّجام ، إذا أَزَم عليه.

ضز الضاد والزاء كلمةٌ واحدة ، وهى الضَّزز ، وهو لُصوق الحنَك الأعلى بالأسفل ؛ رجلٌ أضَزُّ.

باب الضاد والطاء وما يثلثهما

ضطر الضاد والطاء والراء كلمة تدلُّ على ضِخَم. ويقولون : ويكون مع ذلك لُؤم. وقال أبو عبيد : الضَّيطر : العظيم ، وجمعه ضَيطارُون وضيَاطِرة. وأنشد :

__________________

(١) البيت للأشعر الرقبان الأسدى ، جاهلى ، يهجو ابن عمه رضوان. اللسان (ضرر).

(٢) قطعة من بيت له فى ديوانه ٢٩٠ واللسان (ضرر). وهو بتمامه :

من كل جرشعة الهواجر زادها

بعد المعاوز جرأة وضريرا


تعرَّضَ ضَيطارُو فُعَالةَ دوننا

وما خَير ضَيطارٍ يقلِّب* مِسْطَحَا (١)

باب الضاد والعين وما يثلثهما

ضعف الضاد والعين والفاء أصلانِ متباينان ، يدل أحدُهما على خلاف القُوَّة ، ويدلُّ الآخَر على أن يزاد الشَّىءُ مِثلَه.

فالأوَّل : الضَّعف والضُّعف ، وهو خلاف القُوَّة. يقال ضَعُفَ يضعُف ، ورجلٌ ضعيف وقوم ضُعفاءُ وضِعافٌ.

وأمَّا الأصل الآخَر فقال الخليل : أضعفت الشّىءَ إضعافاً ، وضعَّفتُه تضعيفاً ، وضاعفْتُه مُضاعَفة ، وهو أن يُزادَ على أصل الشَّىء فيُجعلَ مثلين أو أكثر. قال غيره : المضعوف الشَّىء المضاعَف. قال أبو عمرو : المضعوف مِن أضعفْتُ الشَّىء. وذكر أبو عبيدٍ ذلك فى باب أفعلتُه فهو مفعول. والمضاعَفة : الدِّرع نُسِجَتْ حَلْقَتَين.

ضعو الضاد والعين والواو كلمةٌ واحدة ، وهى الضَّعة : شجرة ، حُذفت واوُها ؛ والجمع ضَعَوات. قال :

متّخِذاً فى ضَعَواتِ تَوْلجا (٢)

__________________

(١) البيت لمالك بن عوف النصرى ، كما سبق فى حواشى (حمر ، سطح). وفعالة بالضم : كناية عن خزاعة.

(٢) البيت لجرير فى ديوانه ٩٢ واللسان (ضعا) من رجز يهجو به البعيث المجاشعى.


ضعس الضاد والعين والسين ليس بشىء. وذكر ابن دريد أنّهم يقولون للحريص النَّهم: ضَعْوَس (١).

باب الضاد والغين وما يثلثهما

ضغت ضغت الضاد والغين والتاء ليس بشىء (٢).

ضغث الضاد والغين والثاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على التباسِ الشَّىءِ بعضِه ببعض. يقال للحالم : أضْغَثْتَ الرُّؤيا. والأضغاث : الأحلام الملتبِسة. والضِّغْث : قُبضة (٣) [من (٤)] قُضْبان أو حشيش ، قال الخليل : أصل واحد. ويقال ناقة ضَغوثٌ ، إذا شَكَكْتَ فى سِمَنها فلمستَ أَبها طِرْقٌ. والضَّغْثُ كالمَرْس.

ضغب الضاد والغين والباء ليس بأصل ، بل هو بعضُ الأصوات. يقولون : إِنّ الضَّغيب تضوُّرُ الأرنب إِذا أُخِذَت ؛ ومثله الضُّغَاب. والضَّاغب : الذى يختبئ فى الخَمَر يفزِّعُ النَّاس.

ضغم الضاد والغين والميم أُصَيْلٌ واحد يدلُّ على العَضّ. يقال

__________________

(١) الجمهرة (٣ : ٢٤) والكلمة لم تذكر فى اللسان ولا فى القاموس. وبدلها فى اللسان : «الضَّعْرَس» وفى القاموس : «الضَّغْرَس».

(٢) فى اللسان : «الضغت : اللوك بالأنياب والنواجذ». وحق هذه المادة واللتين بعدها أن تكون بين مادتى (ضغن) و (ضغط).

(٣) فى الأصل وكذا فى المجمل : «قضية» ، صوابه فى اللسان.

(٤) هذه الكلمة من المجمل واللسان.


ضَغَمَه. ومنه اشتُقَ الضَّيغم ، وهو الأسَد. قال أبو عُبيد : الضَّيْغَم الذى يَعَضُّ. والياء زائدة. وذكر ابنُ دُريد : الضُّغَامة : ما ضَغَمتَه ولفظتَه.

ضغن الضاد والغين والنون أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على تغطية شىءٍ فى ميل واعوِجاج ، ولا يدلُّ على خَير. من ذلك الضِّغْن والضَّغَن : الحِقْد. وفرسٌ ضاغن ، إذا كان لا يُعطِى ما عنده من الجرى إلّا بالضَّرب. ويقال ضَغِن صدرُ فلانٍ ضِغْناً وضَغَنا. وقناةٌ ضَغِنةٌ : عَوجاء. ويقولون : ناقةٌ ذات ضِغْن ، عند نزاعها إِلى وطَنِها.

فأمّا الخليل فقال : يقال للنَّحُوص (١) إذا وَحِمَتْ فاستعصَتْ على الجأْب : إنَّها لَذَاتُ شَغْبٍ وضِغْن. ويقال ضَغَنَ فلانٌ إلى الدُّنيا : ركَن ومالَ. وضِغْنِى إلى فلانٍ ، أى ميلى إليه. والذى دلَّ على ما ذكرناه من تغطية الشىء قولُهم إنَّ الاضطغانَ الاشتمالُ بالثَّوب. قال :

كأنّه مضطغِنٌ صَبِيًّا (٢)

ويقال اضطغَنْتُ الشّىء تحت حِضْنى. قال ابنُ مُقْبِل :

إذا اضطغَنْتُ سِلاحى عند مَغْرِضها

ومِرْفَقٍ كرِيَاسِ السَّيف إذْ شسَفا (٣)

ضغط الضاد والغين والطاء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على مزاحَمَةٍ

__________________

(١) النحوص : الأتان الوحشية. وفى الأصل : «النحوض» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) نسبه فى اللسان (ضغن ١٢٤) إلى «العامرية». وقبله :

لقد رأيت دهريا

يمشى وراء القوم سيتهيا

 (٣) أنشده فى اللسان (ضغن ، رأس ، شسف). وقد سبق فى (ريس).


بشِدّة. يقال ضَغَطَه ، إِذا زحَمَه إلى حائط. والضَّغِيط : بئرٌ تُحفَر إلى جنْبها بئر أخرى فيقل ماؤُها. والمَضَاغِط : أرَضُونَ منخفِضة. وبعيرٌ بِهِ ضاغط ، وهو لُزُوق العضُد بالجَنْب حَكًّا حَتَّى يضغط ذلك بعضُه بعضا ويتدلّى جِلْدُه. قال أبو عبيدٍ : الضِّاغط والضّبّ شىءٌ واحد ، وهو انفتاقٌ من الإبط وكثرةٌ من اللَّحم. ويقال : اللهمَّ ارفَعْ عنّا هذه الضَّغطة ، يريدون الشدَّةَ والمشقّة. ويقال : أرسلْتُه ضاغطاً على فلان ، وهو شِبْه الرّقيب يمنعُه من الظُّلم.

ضغز الضاد والغين والزاء ليس بأصلٍ صحيح ، إلّا أن يأتى به شِعْر. غير أنّ الخليل ذكر أنّ الضِّغْز من السِّباع : السيىء الخُلقُ (١) والله أعلم بالصَّواب.

باب الضاد والفاء وما يثلثهما

ضفن الضاد والفاء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على رمْى الشَّىء يخفاء. والأصل فيه ضَفَنت بالرّجُل الأرضَ ، إذا رميتَه وضربتَ الأرض به : ومنه ضَفَن البعيرُ برِجْله : خبط بها. وضَفَن بغائِطِه : رمى به. وضَفَن الحِمْلَ على ناقته : حَملَه عليها. وضفَنَه برِجْله : ضربه. والقياس فى ذلك كلِّه واحد.

ومن الباب : ضَفَنَ إِلى القوم ، إذا لجَأ إليهم فجلس عندهم. وهذا عندى مما ينبغى أن يزاد فيه وصْف ، فيقال : «وهم لا يريدونه» ، كأنه رمى بنَفسه عليهم. والدَّليل على هذا قولهم للطفيلىّ الذى يجىء مع الضِّيف : ضَيْفن. وهذا فَيْعَل من

__________________

(١) أنشده فى اللسان :

فيها الجريش وضغر ما بنى ضئرا

ياوى إلى رشف منها وتقليس


ضفن. وقد سمعت ولم أسمعه من عالم ، أنّ الذى يجىء مع الضَّيفن الضَّيْفنَانُ (١) ، ولا أدرى كيف صحّتُه. والقياس يجيزه. قال فى الضَّيفَن :

إذا جاء ضيفٌ جاء للضَّيف ضيفنٌ

فأودى بما يُقرَى الضُّيوفُ الضَّيافنُ (٢)

ومن الباب الضِّفَنّ ، وهو الأحمق مع عِظَم خَلْق.

ضفو الضاد والفاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على سبوغ وتمام. يقال : ثوبٌ ضافٍ ، وفرسٌ ضافى السَّبيب ، إذا كان شَعَر ذنَبه وافيَا. وفلانٌ فى ضَفْو وضَفْوةٍ من عَيْشه. قال الأخطل (٣) :

إذا الهَدَفُ المِعزالُ صَوَّبَ رأسَه

وأعجبَه ضَفْوٌ من الثَّلّةِ الخُطْلِ (٤)

الخُطْل : المسترخية الآذان. ورجلٌ ضافى الرأس ، أى كثير شَعَر الرأْس ، قال :

إذا استغَثْتَ بضافى الرَّأس نَعَّاق (٥)

وضَفْوَى : موضعٌ.

ضفر الضاد والفاء والراء أصلٌ صحيح ، وهو ضمُّ الشَّىءِ إلى الشّىء نسجاً أو غيره عريضاً. ومن الباب ضَفائر الشّعَر ، وهى كل شَعَر ضُفِر حتى يصيرَ ذُؤابة. ومن الباب قولُهم : تضافَرُوا عليه ، أى تعاوَنُوا. وأصله عندى من ضفائر الشعر ، وهو أن يتقاربوا حتى كأنَّ كلَّ واحدٍ منهم قد شدَّ ضفيرتَه بضفيرة الآخر.

__________________

(١) لم يذكر هذا اللفظ فى اللسان ولا فى القاموس.

(٢) أنشده فى اللسان (ضيف ، ضفن) بدون نسبة.

(٣) سيأتى فى (هدف).

(٤) كذا فى الأصل. وفى المجمل : «الهذلى» وهو الصواب ؛ إذا البيت التالى لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ٤٣ واللسان (هدف ، عزل ، ضفا) كما سبق فى حواشى (خطل).

(٥) لتأبط شرا من القصيدة الأولى فى المفضليات. ويروى أيضا «نغاق» بالمعجمة. وصدره :

فذاك همي وغزوي أستقيت به


وهذا قياسٌ حسَن فى المساعدة والمظاهَرة وغيرهما. يقال إنّ الضفِر : حِقْفٌ من الرّمل. والذى نحفظه فى كتاب أبى عُبيدٍ العَقِدة والضَّفِرة الرمل المُنْعقد. ويقال كِنانةٌ ضَفِرةٌ ، أى ممتلئة. وأصلها من تَضافُرِ ما فيها من السِّهام ، وهو تجمُّعها. والضَّفيرة ، هى التى يقال لها المُسَنّاة ، وسمِّيت بذلك كأنّها ضُفِرَتْ ضَفْراً ، كالشّىءِ يُضَمُّ بعضُه إلى بعضِ نسجاً وغيرَه.

ضفز الضاد والفاء والزاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على دَفْعِ شىءٍ بشىءٍ تلقمه ، ثمَّ يُحمَل على ذلك. من ذلك [الضَّفز] : لَقْم البعير. ويقال الضَّفَز : أن تُلقِمه إيّاه وإن كرِهَه. والعرب تقول ضفَزْتُه حقَّه فما قَبِلَه ، أى إنِّى أكرهتُه عليه. ومن الباب : ضَفزت الفرسَ لجامَه ، أى أدخلتُه فى فيه. وقد يقال الضَّفْز : الْجِماع ، وهو قريب من الباب.

ضفس الضاد والفاء والسين ليس بشىء ، إلّا أنّ ابنَ دُريد ذكر أنّ الضَّفْس مثل الضَّفْز.

ضفط الضاد والفاء والطاء أُصَيل يقولون إنّه صحيح ، وأصله الحُمق والجَفَاء. يقال للأحمق ضَفِيطٌ بيِّن الضَّفَاطة. ويقال الضَّفَّاط : الذى يُكْرِى الإبل. والضَّفَّاطة فيما يقال : الإبل تحمل المتاع. وأحسب أنّ البابَ كلَّه مما لا يعوَّل عليه.

ضفع الضاد والفاء والعين ليس بشىء. على أنّ الخليل حكى ضَفَع : جَعَس. والسلم(١).

__________________

(١) كذا وردت هذه الكلمة فى الأصل.


باب الضاد والكاف وما يثلثهما

ضكع الضاد والكاف والعين فيه كلمة لا قياسَ لها. يقال رجل ضَوْكَعةٌ ، إذا كان كثيرَ اللَّحم ثقيلاً.

ضكل الضاد والكاف واللام. يقولون إنّ الضَّيْكَل : العُرْيان.

باب الضاد واللام وما يثلثهما

ضلع الضاد واللام والعين أصلٌ واحد صحيح مطّرد ، يدلُّ على ميل واعوجاج. فالضِّلَع : ضلَع الإِنسان وغيرِه ، سمِّيت بذلك للاعوجاج الذى فيها. ويقول القائل فى وصف امرأة :

هى الضِّلع العوجاءُ لستَ تقيمها

أَلا إنّ تقويمَ الضُّلوع انكسارُها (١)

وقولهم : دابّة ضليعٌ مُجْفَر الجَنْبَين ، إِنّما هو عندى من قوّة الأضلاع ، واستعير ذلك فى كلِّ شىء ، حتَّى قيل لكل قوىٍّ : * ضليع. وفى حديث عم ر لما صَارَعَ الجّنّى فقال له: «إِنِّى مِن بينِهم لَضليع (٢)». والرُّمح الضَّلِع (٣) : المائل. قال :

فَليقُه أجردُ كالرُّمح الضَّلِع (٤)

__________________

(١) البيت لحاجب بن دينار ، كما فى اللسان (ضلع).

(٢) فى اللسان : «وفى الحديث أن عمر رضى الله عنه صارع جنيا فصرعه عمر ثم قال له : ما لذراعيك كأنهما ذراعا كلب؟ يستضعفه بذلك. فقال له الجنى : أما إنى منهم لضليع».

(٣) فى الأصل : «الضليع» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) فى الأصل : «فليلقها» ، صوابه من إصلاح المنطق ٣٢١ واللسان (فلق).


ومن الباب : ضَلَعَ فلانٌ عن الحقّ : مال. ومنه قولهم : كلَّمت فلاناً فكان ضَلْعُك علىَّ ، أى مَيْلك.

قال ابن السِّكّيت : ضلَعت تضلع ، إذا مِلْت ، ويقولون فى المثل : «لا تنقُش الشَّوكة بالشَّوكة ؛ فإِنّ ضَلْعَها معها».

وأمَّا قولُهم : تضلَّعَ الرَّجُل : امتلأَ أكلاً ، فهو من هذا ، أى إنّ الشّىء من كثرته ملأَ أضلاعَه. وأمّا قولهم حِمْلٌ مُضْلِع ، أى ثقيل ، فهو من هذا ، أى إنّ ثقله يصل إِلى أضلاعه. وفلان مُضْطَلِعٌ بهذا الأمر ، أى إنّه تَقْوَى أضلاعُه على حمله. فأمّا قولُ سُوَيد :

سَعَةَ الأخلاقِ فينا والضَّلَعْ (١)

فأصله من هذا ، يريد القوّة على الأمور. قال المفضَّل : الضَّلَع الاتِّساع. وقال الأصمعىّ : هو احتمال الثِّقَلِ والقُوّةِ.

ومن الباب ، وهو يقوِّى هذا القياس ، قولهم : [هم عليه (٢)] ضَلْعٌ واحد ، يعنى ميلَهم عليه بالعداوة. والله أعلم بالصَّواب.

__________________

(١) صدره كما فى المفضليات (١ : ١٩٥) واللسان (ضلع) :

كتب الرحمن والحمد له

(٢) التكملة من المجمل.


باب الضاد والميم وما يثلثهما

ضمد الضاد والميم والدال : أصل صحيح يدلُّ على جمعٍ وتجمُّع. من ذلك ضَمَدت الشىء أضْمِده ، إذا جَمعتَه. والضِّمَاد : العِصابة ، يقال ضَمَدت الْجُرْح. ويقولون الضَّمْد ، بسكون الميم : أن تتَّخذ المرأة صديقين.

قال الهذلىّ :

تريدين كَيْما تَضْمِدُينى وخالداً

وهل يُجمَع السّيفانِ وَيْحَكِ فى غِمْدِ (١)

ويقال شبعت الإبل من ضَمْد الأرض ، إذا شبعت من الرَّطيب واليبيس ، والقديم والحديث. قالوا : ويقول الرجل للغريم : أقضيك من ضَمْدِ هذه الغنَم ، أى من خيارها ورُذَالها ، وكبارها وصغارها. ومن الباب : أَضْمَدَ العرفجُ ، إذا تجوّفَتْه الخوصةُ ولم تَنْدُر منه ، أى كانت فى جوفه. وهو من هذا ، كأنَّها جمعته فى جوفها.

ومن الباب الضَّمَد ، بفتح الميم ، وهو الغَيظ يُجمَع فى الصدر ولا يُزاح فيخفّ. قال النابغة :

ومَن عصاك فعاقِبْهُ معاقبةً

تَنهى الظَّلومُ ولا تقعُدْ على ضَمَدِ (٢)

يقال ضَمِدَ يَضْمَدُ ضَمَداً. قال أبو بكر (٣) : وفصَل قومٌ بين الغَيظ والضَّمَد

__________________

(١) لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ١٥٩ واللسان (ضمد).

(٢) البيت فى ديوانه ٢٢ واللسان (ضمد).

(٣) أبو بكر بن دريد فى الجمهرة (٢ : ٢٧٦).


فقالوا : الضَّمد : أن يغتاظ على من لا يقدر عليه ، والغيظ أن يغتاظ على من يقدر عليه ومن لا. واحتجُّوا بقول النابغة. والقياس فى هذه الكلمات واحد. ويقال الضَّمَد ، بفتح الميم : الغابر من الحقّ. يقال لنا عند فلان ضمَدٌ ، أى غابر حقٍّ ، من مَعْقُلةٍ أو دين. وأصله شىءٌ قد تجمَّع عندهم وبقى.

ضمر الضاد والميم والراء أصلان صحيحان : أحدهما يدلُّ على دِقّةٍ فى الشىء ، والآخر يدلُّ على غَيبةٍ وتستُّر.

فالأوّل قولهم : ضَمَرَ الفرس وغيرُه ضَموراً ، وذلك من خِفّة اللَّحم ، وقد يكون من الهُزَال. ويقال للموضع الذى تُضمَّر فيه الخيل : المِضْمار. ورجل ضَمْرٌ : خفيف الجسم. واللؤلؤ المضْطِر : الذى فى وسطه بعضُ الانضمام والانضمار (١).

والآخر الضِّمَار ، وهو المال الغائب الذى لا يُرجَى. وكلُّ شىءٍ غابَ عنك فلا تكونُ منه عَلَى ثقةٍ فهو ضِمارٌ. [قال الشاعر (٢)] :

وأَنْضَاءٍ أُنِخْنَ إلى سعيد

طُروقا ثم عَجَّلْنَ ابتكارَا

حمِدْنَ مَزارَهُ وأصَبْنَ منه

عطاءً لم يكن عِدَةً ضِمارا

ومن هذا الباب : أضْمَرتُ (٣) فى ضميرِى شيئاً ؛ لأنّه يُغيِّبه فى قلبه وصدره.

ضمز الضاد والميم والزاء أصلٌ صحيح يدلُّ على إمساكٍ فى كلام أو إمساكٍ على شىءٍ بفم وما أشبَهَ ذلك. من ذلك ضَمَزَ البَعِيرُ : أَمسك عن الجِرّة. والضَّامز : السّاكت. وقال بشر :

__________________

(١) فى الأصل : «الإضمار».

(٢) التكملة من المجمل. والبيتان للراعى فى اللسان (ضمر).

(٣) فى الأصل : «ضمرت» ، صوابه فى اللسان.


وقد ضَمَزَتْ بجِرّتها سُلَيْمٌ

مخافتَنا كما ضَمَز الحِمارُ (١)

والضَّمْز : ضرب من الأكل ، لأنّه إذا أكل أمسَكَ عليه فى فمه. وضَمَز فلانٌ على مالى ، أى لزمه (٢).

ومما شذَّ عن هذا الأصل : الضَّمْزَة : الأكَمة الخاشعة ، والجمع ضَمْزٌ.

ضمس الضاد والميم والسين ليس بشىء. وذكر ابن دريد كلمةً إن صحَّت فهى من باب الإبدال. قال (٣) : الضّمْس : المَضْغ. فإن كان كذا* فهو من الضَّمْز.

ضمن الضاد والميم والنون أصلٌ صحيح ، وهو جَعْل الشَّىء فى شىءٍ يحويه. من ذلك قولهم : ضمَّنت [الشىء] ، إذا جعلته فى وعائه. والكَفَالة تسمَّى ضَمانا من هذا ؛ لأنّه كأنّه إذا ضمِنَه فقد استوعبَ ذمّته. والمَضَامِين : ما فى بطون الحوامل. ومنه الحديث أنَّه نهى عن المَلاقيح والمَضامين. وذلك أنَّهم كانوا يبيعون الحَبَل (٤) ، فنَهَى عن ذلك. وأما قوله : «لكم الضَّامِنة من النَّخْل» فإنّه يريد ما تضمّنَتْه قُراهم. فهذا الباب مطّرد.

وأمَّا الضَّمَانة ، وهى الزَّمانة والضَّمِن : الزّمِن ، فإِنّه عندى من باب الإبدال كأنَّ الضاد مبدلة من زاى. وفى الحديث : «مَن اكتتب ضَمِناً بعثَهُ اللهُ تعالى ضَمِناً» ، أى من كتب نفسه من الزَّمْنَى.

__________________

(١) البيت منسوب إلى بشر بن أبى خازم فى المفضليات (٢ : ١٤٢) ، لكنه نسب فى اللسان أيضا إلى ابن مقبل ، وهذه النسبة الأخيرة غير صحيحة.

(٢) فى المجمل : «إذا جمد عليه ولزمه».

(٣) فى الجمهرة (٣ : ٢٤).

(٤) الحبل والحمل بمعنى ، وهو اسم لما تحمل المرأة. قال :

فاجراة تسقط الأحبال رهبته

مهما يكن من مسام مكره بسم


ضمج ضمج الضاد والميم والجيم ليس بشىء ، وكذلك ما أشبهه. فأمّا الضَّمْخ بالخاء فصحيح ، يقال تضمَّخ بالطِّيب ، وهو متضمِّخ.

باب الضاد والنون وما يثلثهما

ضنى الضاد والنون والحرف المعتل أصلان صحيحان : أحدهما يدلُّ على مرضٍ ، والآخر يتردَّد بين مهموزٍ وغيره ، ويدلُّ ذلك على شيئين : إمّا أصلٍ وإمّا نِتاج ، والأصل والنِّتاج متقارِبان.

فالأوّل الضّنَى فى المرض ، يقال ضَنِىَ يَضْنَى ضَنًى شديداً ، إذا كان به داءٌ مُخامِر ، كلَّما ظنَّ أنّه قد بَرَأ نُكِس. وأضْناهُ المرضُ يُضْنيه.

وأمَّا الآخر فيقال ضَنَأتِ المرأة ضَنْأً ، وهى ضانئة ، وأضنأت إذا كثُر ولدها. والضِّنء : الأصل والمعدِن. وفلانٌ من ضِنْءِ صِدق. وأضنأ القومُ ، إذا كثُرت ما شيتُهم. وضَنَأ المالُ : كثر.

وأخبرَنا على بن إبراهيمَ ، عن علىّ بن عبد العزيز ، عن أبى عمرو : الضَّنْو الولد ويقال الضِّنو. قال الأموىّ عن أبى المفضّل من بنى سلامة : الضَّنْو الولد بالفتح ، والضِّنْء : الأصل ، مهموز.

ومما شذ عن هذا كله : أضْنَأَ فلانٌ من كذا : استحيا منه.

ضنط الضاد والنون والطاء ، يقولون فيه إنّ الضِّنَاط : الزِّحام الكثير.

ضنك الضاد والنون والكاف أصلان صحيحان وإن قلَّ فروعُهما فالأوّل الضِّيق ، والآخر مرضٌ.


فالأوَّل الضَّنْك : الضِّيق. ومن الباب امرأةٌ ضِناكٌ : مكتنِزة اللحم ، إذا اكتنز تَضَاغَطَ.

والأصل الآخر المضنوك : المزكوم. والضُّنَاك الزُّكام. والله أعلم.

باب الضاد والهاء وما يثلثهما

ضهى الضاد والهاء والياء أصلٌ صحيح يدلُّ على مشابهة شىءٍ لشىء (١). يقال ضاهاه يُضاهِيه ، إِذا شاكَلَهُ ؛ وربما هُمِز فقيل يضاهِئُ. والمرأة الضَّهْيَاء ، هى التى لا تَحيِض ؛ فيجوز على تمحُّلٍ واستكراه ، أن يقال كأنّها قد ضاهَت الرِّجالَ فلم تَحِضْ.

ضهب الضاد والهاء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على شَىٍّ وما أشبه ذلك. فمن ذلك اللحم المضَهَّب : الذى يُشْوَى. وقال قومٌ : هو الذى يُشوى ولا يُنضَج. وقال امرؤ القيس :

نَمُشُّ بأعرافِ الجيادِ أكفَّنا

إذا نحن قُمنا عن شواءٍ مُضَهَّبِ (٢)

وقالوا : الضَّيْهَب : المكان يُحمَى ليُشوَى عليه اللحم. وقال قومٌ : اللحم المضهّب : المقطّع. وليس هذا بشىء إلّا أن يكون مقطعاً مشويًّا ؛ لأن القياس كذا هو. تقول : ضهّبت القَوْسَ [و] الرُّمح بالنار عند التَّثقيف (٣).

ضهر الضاد والهاء والراء ليس بشىء ، ولا فيه شاهدُ شعرٍ ، لكنهم يقولون : إنّ الضَّهْر : خِلْقَةٌ فى الجبل من صخرٍ يخالف جِبِلّته.

__________________

(١) فى الأصل : «بشىء».

(٢) ديوان امرئ القيس ٨٨ واللسان (ضهب).

(٣) فى المجمل : «ضهبت القوس بالنار والرمح ، إذا غرضتهما عليها عند التثقيف».


ضهس الضاد والهاء والسين ليس بشىء. على أنّ ابنَ دُرَيد (١) ذكر أن العضَّ بمقدَّم الفم يسمى ضَهْساً ، يقال منه ضَهَسَ ضَهْساً. قال : وفى الدُّعاء على الإنسان : «لا تأكُلُ [إلّا] ضاهساً ولا تشربُ إِلّا قارساً» ، أى إِنّه لا يأكل ما يتكلَّف مضغَه ، إنما يَأكل النَّزْر من نبات الأرض. والقارس : البارد ، أى لا يشرب إلّا الماء.

ضهل الضاد والهاء واللام* أصلان صحيحان ، أحدُهما يدلُّ على قلّةٍ والآخر على أوبةٍ.

فالأوّل : ضَهَلَت الناقةُ إذا قلّ لبنُها. وهى ناقة ضَهُولٌ. وعينٌ ضاهلة : قليلة الماء. وفى حديث يحيى بن يَعمر : «إن سألَتْكَ ثمنَ شَكْرها وشَبْرك أنشأتَ تَطُلُّها وتَضْهَلُها». ومن الباب ضَهَل الشّرابُ : قلَّ ورقّ.

والأصل الآخر : هل ضَهَل إِليكم خبرٌ ، أى عادَ. قال الأصمعى : ضَهَلْتُ إلى فلان: رجعت على وجه المقاتَلة والمغالبة.

ومما شذ عن البابين : أضْهَلَت النّخلةُ : أرطبَتْ.

ضهد الضاد والهاء والدال كلمةٌ واحدة. صَهَدْتُ فلاناً : قهرتُه ، فهو مضْطَهَدٌ ومضْهُودٌ.

باب الضاد والواو وما يثلثهما

ضوأ الضاد والواو والهمزة أصلٌ صحيح ، يدلُّ على نورِ. من

__________________

(١) فى الجمهرة (٣ : ٢٥).


ذلك الضَّوء والضُّوء بمعنًى ، وهو الضِّياء والنُّور. قال الله تعالى : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ). قال أبو عبيد : أضاءت النّارُ وأضاءت غيرَها. وأنشد :

أضاءت لنا النّار وجهاً أغرَّ

ملتبِساً بالفؤاد التباسا (١)

ضوى الضاد والواو والياء أصلٌ صحيح يدلُّ على هُزَالٍ. يقال غلامٌ ضاوِىٌ : مهزول ؛ ووزنه فاعول. وجاريةٌ ضاوِيّة. وكانت العرب تقول : إذا تقارَبَ نسبُ الأبوين خرج الولدُ ضاويًّا. وجاء فى الحديث : «استغْرِبُوا لا تُضْوُوا (٢)». وقال ذو الرُّمَّة :

أخوها أبوها والضَّوَى لا يضِيرُها

وساقُ أبِيها أمُّها عُقِرَتْ عَقْرَا (٣)

يقال منه ضَوِىَ يَضْوَى ضَوًى.

وممّا حُمل على هذا قولُهم : أضويتُ الأمرَ ، إذا لم تُحْكِمْه. ويقال : أضويْتُه إذا انتقصتَه (٤) واستضعفته. قال :

وكيف أَضوَى وبلالٌ حِزْبِى (٥)

فأمَّا الضَّواة فشىءٌ يقال إنّه يخرج مِن حَياء النّاقة قبل أن يخرُجَ الولَد. ويقال الضَّوَاة : ورمٌ يُصِيب البعيرَ فى رأسه. قال :

فصارت ضَواةً فى لهازِم ضرْزِمِ (٦)

__________________

(١) البيت للنابغة الجعدى فى اللسان (ضوأ) وشروح سقط الزند ٦٤٦.

(٢) وكذا فى المجمل. ويروى : «اغتربوا».

(٣) ديوان ذى الرمة ١٧٥ واللسان (ضوا).

(٤) فى الأصل : «انتضته».

(٥) لرؤبة فى ديوانه ١٦ برواية : «ولست أضوى» ، من أرجوزة يمدح بها بلال بن أبى بردة.

(٦) صدره فى اللسان (ضوا) :

قذيفة شيطان رجيم رمى بها


ومما شذّ عن هذا الباب : ضَوَيت إليه أضوِى ضُوِيًّا وأوَيت بمعنىً. ويجوز أن يكون من الإبدال ، أن يقام الضّاد مقام الهمزة.

ضوج (١) الضاد والواو والجيم حرف واحد ، وهو الضَّوْج : مُنعطَف الوادى ، وجمعه أضواج.

ضوع الضاد والواو والعين كلمةٌ واحدة تتفرّع ، وهى تدلُّ على التحريك والإزعاج. يقال ضاعَنى لك الشىءُ يَضُوعُنى ، إذا حرَّكنى. قال :

ولكنها ريحُ الدِّماء تَضُوع (٢)

وتضوّعَتْ رائحتُه : نفَحَتْ. قال :

تَضَوَّعَ مِسكاً بطنُ نَعْمانَ أنْ مشت

به زينبٌ فى نسوةٍ عَطِرَاتِ (٣)

وضاعَت الرِّيحُ الغُصنَ : ميَّلَتْه. وقال قوم : هذا الأمر لا يَضُوعُنى ، أى لا يُثْقلُنى ، والأقيس أن يقال لا يُحَرِّكُ منِّى ولا أعبأ به. ويقال ضاع يضوع ويَنْضاع ، إذا تضوّر. قال :

فُرَيْخَانِ ينضاعانِ بالفجرِ كلَّما

أحسَّا دَوِىَّ الرّيح أو صوتَ ناعبِ (٤)

قال أبو عبيد عن أبى عمرو : ضاعنى الشّىء : أفزَعَنِى. وهذا صحيحٌ ؛ لأنّ الفزع يُزْعِجُه ويُقْلِقُه.

__________________

(١) وردت هذه المادة وسائر مفرداتها بالحاء ، صوابها الجم.

(٢) البيت لبشار كما فى حماسة ابن الشجرى ١١٣. وصدره كما فى شروح سقط الزند ٧٠٠ ، ٧٠٨ ، ٨٥٧ : وفى الحماسة :

وأسيافكم مسك محل أكفكم

وبيض بها مسك لمس أكفهم

 (٣) البيت لعبد الله بن نمير الثقفى ، كما فى اللسان (ضوع) وإصلاح المطق ٢٨٧ والحماسة بشرح المرزوقى ١٢٨٩.

(٤) لأبى ذؤيب الهذلى فى اللسان (صوع) وإصلاح المنطق ٢٨٧. وليس فى ديوانه.


ضون الضاد والواو والنون ليس بشىء. لكنهم يقولون : إنّ الضَّيْونَ دُوَيْبَّة تشبه السِّنَّوْر.

ضوض الضاد والواو والضاد ، الضَّوضاة قد مضى ذِكرُه (١) ، والأصل مضاعَف.

ضوط الضاد والواو والطاء كلمةٌ واحدة ، وهى الضَّوِيطة : يقال للعجين إذا كثُر ماؤه حتَّى يسترخِىَ : الضَّويطة.

ضور الضاد والواو والراء أُصَيْلٌ صحيح وفيه بعض الإبدال.

فالتضوُّر : الصِّياح والتلوِّى عند الضَّرب. ويقال هو التقلُّب ظهراً لبَطن. ويقال الضَّوْر: الجُوع الشَّديد.

وأمّا الإبدال فقال الكسائى : لا يَضُورنى كذا ، بمنزلة لا يَضِيرنى. ورجل ضُورَة : ذليل ، من هذا.

ضوز الضاد والواو والزاء أصلانِ صحيحان ، أحدهما نوعٌ من الأكل ، والآخر دالٌّ على اعوجاج.

فالأول ضازَ التَّمْر يَضُوزه ضَوزاً ، إذا أكله بِجَفاء وشِدّة. قال :

فظَلَ يضُوز التّمر والتّمرُ ناقعٌ

بوَردٍ كلون الأرجوانِ سَبائبُه (٢)

قال ابنُ دريد : هو* أن يأخذ التَّمرَة فى فمه حتّى تلين. ومعنى البيت هو أن يأخذ الدِّية تَمْراً بدلاً عن الدم الذى لونُه لونُ الأُرجوان.

__________________

(١) فى نهاية مادة (ضأ).

(٢) البيت بدون نسبة أيضا فى اللسان (ضوز) والجمهرة (٣ : ٤).


والأصل الآخر : القِسمةُ الضِّيزَى (١).

ضوب الضاد والواو والباء شىءٌ يقال ما أدرى ما صحّتُه. الضُّوَبانُ : الجمَل القوىّ ، ويقال بل الضوبان كاهل البعير.

باب الضاد والياء وما يثلثهما

ضيل الضاد والياء واللام أصل واحدٌ يدلُّ على نباتٍ معروف من ذلك الضَّالُ : السِّدْر البَرّىّ ، الواحدة ضالة. قال الفرّاء : أضالَت الأرض ، وأضْيَلَت ، إذا صار فيها الضّالُ. ويقال إنَ الضَّالَةَ : بُرَة النّاقة. قال ابنُ ميّادة :

قطعتُ بمِصلال الخِشاشِ يردُّها

الكَرْهِ منها ضالةٌ وجديلُ (٢)

ضيح الضاد والياء والحاء أُصَيلٌ صحيح ، وهو اللَّبن الممزوج ، وهو الضَّيَاح. يقال ضِحت اللّبن ضَيْحا ، وضَيَّحت أكثَر.

ضير الضاد والياء والراء كلمةٌ واحدة ، وهو من الضيَّر والمضَرَّة. ولا يَضِيرنى كذا ، أى لا يضرُّنى. قال الله تعالى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)(٣).

ضيزالضاد والياء والزاء قد مضى ذكره ، وأصله فيما يقال الواو. وقد قيل إنّه من بَنات الياء ، فلذلك ذكرناه هاهنا. فالقِسمة الضَيزى : النّاقصة.

__________________

(١) زاد فى المجمل : «الجائرة».

(٢) أنشده فى اللسان (ضيل).

(٣) من الآية ١٢٠ فى سورة آل عمران. وهذه قراءة نافع وابن كثير وأبى عمرو ويعقوب ، ووافقهم ابن محيصن واليزيدى. وقراءة الباقين : (لا يَضُرُّكُمْ). إتحاف فضلاء البشر ١٧٨.


يقال ضِزْته حقَّه ، إذا منعتَه. وحكى ناس ضَأَزَه ، مهموز. وأنشدوا :

فحقُّك مَضْئُوزٌ وأنفُكَ راغمُ (١)

ليس فى الباب غيرُ هذا.

ضيع الضاد والياء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على فَوت الشّىء وذَهابه وهلاكه. يقال ضاع الشَّىءُ يَضيع ضَياعاً وضَيْعةً ، وأضعته أنا إضاعة. فأمّا تسميتُهم العَقَار ضيعة فما أحسَبُها من اللُّغة الأَصِيلة (٢) ، وأظنّه من مُحْدَث الكلام. وسمعت من يقول : إنّما سمِّيت بذلك لأنّها إذا تُرِك تعهُّدِها ضاعت. فإن كان كذا فهو دليلُ ما قلناه أنّه من الكلام المحْدَث. ويقال أضاعَ فهو مُضِيعٌ ، إذا كثر ضِياعه. فأمّا قول الشَّماخ :

أعائِشُ ما لأهلك لا أُراهم (٣)

وبقيت كلمة ليست من الباب وهى من باب الإبدال ، حكى ابنُ السِّكيت : تضيَّعت الرِّيح ، مثلُ تضوَّعت.

ضيف الضاد والياء والفاء أصلٌ واحدٌ صحيح ، يدلُّ على مَيل الشىء إلى الشىء. يقال أضَفْت الشّىءَ إلى الشّىء : أمَلْته. وضافت الشمس

__________________

(١) صدره كما فى اللسان (ضأز) :

إن تنا عنا تنقضك وإن تقم

(٢) فى الأصل : «الأصلية» ، وليس يقولها.

(٣) كذا ورد الكلام مبتوراً. ويستشهدون بهذين البيتين للشماخ :

أعائش ما لأهلك لا أراهم

يضيعون الوام مع المضيع

وكيف يضيع صاحب مدفات

على أثباجهن من الصقيع

ولعل بقية الكلام بعدهما عند ابن فارس : «فهذا من الإضاعة بمعنى التضييع».


تَضِيف : مالت ؛ وكذلك تضيَّفَتْ ، إذا سالت للغروب. وفى الحديث : «أنّه نهى عن الصَّلاة إذا تضيَّفت الشَّمسُ للغروب». وقال امرؤ القيس :

فلمّا دخَلْناه أضفْنا ظُهورَنا

إلى كلِّ حارىٍّ جديدٍ مشَطَّبِ (١)

أى أسنَدْنا ظهورَنا. ويقال ضافَ السَّهم عن الهدف يَضِيف. قال أبو زُبَيد :

كلَّ يومٍ ترميهِ منها برِشْق

فمصيبٌ أوضافَ غيرَ بعيدِ (٢)

والضَّيف مِن هذا ، يقال ضِفْت الرّجُل : تعرَّضْت له ليَضِيفَنى. وأضفْتُه : أنزلْتُه علىَّ. ويقال ضَيَّفْته مثل أضفتُه ، إذا أنزلتَه بك. وفلانٌ يتضيَّفُ النّاسَ ، إذا كان يتّبعهم ليُضِيفوه. وهو قولُ الفرزدق :

ومَن هو يرجو فَضْلَه المتضيِّفُ (٣)

والضَّيف يكون واحدا وجمعا. ويقال أيضاً أضياف وضِيفانٌ. ويقال لناحية الوادى ضِيفٌ ، وهما ضِيفانِ. وتضايَفنا الوادِىَ : أتيناه من ضِيفيه (٤). وكذلك تَضَايَفَ الكلابُ [الصَّيد (٥)] ، إذا أتوه من جوانبه (٦). قال :

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٨٨ واللسان (ضيف).

(٢) سبق البيت وتخريجه فى (رشق ، ضيف).

(٣) صدره فى ديوانه ٥٦٠ :

وجدت الثرى فينا إذا يبس الثرى

وفى اللسان (ضيف) كذلك. ومرة أخرى :

ومنا خطيب لا يعاب وقائل

(٤) فى الأصل : «ضيفه» ، وأثبت ما فى المجمل.

(٥) التكملة من المجمل.

(٦) جعل للكلاب ضمير العاقل.


رِيمٌ تضايَفَه كلابٌ أخْضَعُ (١)

والمضاف : الذى قد أُحِيط به فى الحرب. قال :

ويحمِى المضافَ إذا ما دعا

إذا فَرَّ ذو اللِّمّة الفَيْلَمُ (٢)

وهو من هذا القياس. ويقال تضيَّفُوه ، إذا اجتمعوا عليه من جوانبه. قال :

إذا تضيَّفْن عليه انسلَّا (٣)

فأمّا قول القائل :

لَقًى حملتْه أمُّه وهى ضَيفةٌ

فجاءت بنَزٍّ للنَّزَالةِ أرشَمَا (٤)

فهى الضَّيفة المعروفة من الضِّيافة. وقال قومٌ : ضافت المرأة : حاضت. وهذ ليس بشىء ، ولا مما هو يدلُّ عليه قياسٌ ، ولا وجهَ للشُّغْل به.

فأمّا قولهم أضاف من الشىء ، إذا أشفقَ منه ، فيجوز أن يكون شادًّا عن الأصل الذى ذكرناه* ، ويمكن أن يتَمحَّل (٥) له بأن يقال أضاف من الشىء ، إذا أشفق منه ، كأنّه صار فى الضِّيف ، وهو الجانب ، أى لم يتوسَّط إشفاقاً. وهو بعيد ، والأولى عندى أن يقال إنّه شاذٌ. والكلمة مشهورة قال :

وكانَ النَّكيرُ أن تُضيف وتجأرا (٦)

__________________

(١) لمتمم بن نويرة فى المفضليات (١ : ٩٤). وصدره :

وكأنه فوت الجوالب جابئا

(٢) للبريق الهذلى فى اللسان (ضيف ، فلم) ، من قصيدة فى بقية أشعار الهذليين ٢٢ وشرح السكرى للهذليين ١١٠ وسيأتى فى (فلم).

(٣) قبله فى اللسان (ضيف) :

يتبعن عودا يشتكى الأظلا

(٤) للبعيث يهجو جريرا ، كما سبق فى (رشم) حيث تخريج البيت فى الحواشى.

(٥) فى الأصل : «يتحمل».

(٦) للنابغة الجعدى ، وصدره كما فى اللسان (ضيف) :

أقامت ثلاثا بين يوم وليلة


وقال الهذلىّ (١) :

إذا يغزو تُضِيف (٢)

أى تشفِق. قال أبو سعيد : ضاف الهمُّ ، إذا نَزَل بصاحبه. والقياس أنّه إذا نزل به فقد مال نحوه.

ضيق الضاد والياء والقاف كلمة واحدةٌ تدلُّ على خلافِ السَّعَة ، وذلك هو الضِّيق والضَّيِقة : الفَقْر. يقال أضاق الرّجلُ : ذهب مالُه. وضاقَ ، إذا بخل. وشىءٌ ضَيْقٌ ، أى ضيِّق. والباب كلُّه قياس واحد. فأمّا قول القائل :

بضِيقَةَ بينَ النَّجْمِ والدّ؟؟؟ انِ (٣)

فيقال إنّ الضِّيقة منزلٌ فى منازل القمرْ. قال أبو عمرو : الضِّيقة ها هنا من الضِّيق.

ضيك الضاد والياء والكاف كلمةٌ لا تتفرَّع. يقولون الضَّيَكانُ : مشْى الرّجُل الكثيرِ لحمِ الفخِذين ، فهو ربما يتفحَّج. ويقال هذه إبلٌ تَضِيك ، أى تفرّج أفخاذها من عِظَم ضُروعها.

ضيم الضاد والياء والميم أصلٌ صحيح ، وهو كالقهر والاضطهاد يقال ضامه يَضِيمه ضَيْما. فهو اسمٌ ومصدر. والرجل المَضِيم : المظلوم. وبقيت فى الباب

__________________

(١) هو أبو ذؤيب الهذلى ، والبيت فى ديوانه ٩٩.

(٢) البيت بتمامه ، كما فى الديوان :

وما إن وجد معولة رقوب

بواحدها إذا يغزو تضيف

(٣) للأخطل فى ديوانه ٢٣٣ واللسان (ضيق). وصدره :

قبلا زجرت الطير ليلة جئتها


كلمةٌ واحدة ، يقال إنَ الضِّيم ، بكسر الضاد : جانب الجبل. قال الهذَلىّ (١) :

باب الضاد والهمزة وما يثلثهما

ضأد الضاد والهمزة والدال أُصيلٌ قليل الفُروع ، يدلُّ على مَرض من الأمراض. قالوا : الضُّؤْد : الزكام ، وكذلك الضُّؤْدَة. رجلٌ مضْئُود ، أى مزكوم. وحُكيت كلمةٌ أخرى عن أبى زيد ، إن صحّت ، قالوا : ضأَدْت الرّجُل ضأدًا ، إذا خَصَمتَه.

ضأل الضاد والهمزة واللام أُصَيْل يدلُّ على ضعف ودِقَّةٍ فى جسم. من ذلك الضَّئيل ، وهو الضَّعيف. والفعل منه ضَؤُل يَضؤُل. ورجل ضُؤَلةٌ : ضعيف. والضَّئيلة : الحيَّة الدَّقيقة.

ضأن الضاد والهمزة والنون أُصَيل صحيح ، وهو بعض الأنعام. من ذلك الضأن. يقال أضْأنَ الرجلُ ، إذا كثُرَ ضأنُه. والضائنة الواحدة من الضأن. وحكى بعضُهم : فلان ضائن البطنِ : مسترخِيهِ.

باب الضاد والباء وما يثلثهما

ضبث الضاد والباء والثاء أصل صحيحٌ يدلُّ على فَبْض. يقال : ضبث إذا قبض على الشَّىء. ويقال ناقةٌ ضَبُوث : يُشَكُّ فى سِمَنها ، فتُضْبَث بالأيدى. ويقولون : ضُبِثَ ، أى ضُرب. وهو قريب مما ذكرناه.

__________________

(١) بدله فى المجمل : «وهو فى شعر الهذلى : فضيمها». والهذلى الذى عناه هو ساعدة ابن جؤية. وبيته ، كما فى اللسان (دبب ، ضيم) وديوان الهذليين ٢٠٧ :

وما ضرب بيضاء يسقى دبوبها

دقاق قعروان الكراث فضيعها


ضبح الضاد والباء والحاء أصلانِ صحيحان : أحدهما صوتٌ ، والآخَرُ تغيُّرُ لون من فعلِ نار.

فالأوَّل قولُهم : ضبَحَ الثّعلبُ يَضْبَح ضَبْحاً. وصَوْتُه الضُّبَاح ، وهو ضابح.

قال :

دعوتُ ربِّى وهو لا يُخَيِّبُ

بأنّ فيها ضابحاً ثعَيلِبْ

فأمّا قولُه تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) فيقال هو صوتُ أنفاسها ، وهذا أقيَسُ ، ويقال : بل هو عدْوٌ فوق التَّقْريب. وهو فى الأصل ضَبَع ، وذلك أن يمُدّ ضَبْعَيْه حتى لا يجدَ مَزِيداً. وإن كان كذا فهو من الإبدال.

وأمّا الأصل الثانى فالضَّبْح : إحراقُ أعالى العُود بالنار. والضِّبْح : الرَّماد. والحجارة المضبوحة هى قَدَّاحة النّار ، التى كأنها محترقة. قال :

والمرْوَذَا القَدَّاحِ مضبوحَ الفِلَق (١)

ويقال الانضباح تغيُّرُ اللون إلى السواد.

ضبد الضاد والباء والدال ليس بشىء. وإن كان ما ذكره ابنُ دريد صحيحا ، من أن الضَّبَد الضَّمَد ، فهو من باب الإبدال. قال : يقال أضْبَدْتُه ، إذا أنت أغضبْتَه (٢).

__________________

(١) لرؤبة بن العجاج. وقبله فى ديوانه ١٠٦ واللسان (ضبح) :

يتركن ترب الأرض مجنون الصبق

(٢) فى الجمهرة (١ : ٢٤٤): «ضبدت الرجل تضبيدا : ذكرته بما يغضبه». ومثله فى القاموس. وفى اللسان : «ضبدته» مخفف الباء.


ضبر الضاد والباء والراء أصلٌ صحيح واحدٌ يدل على جمعٍ وقُوّة. يقال ضَبَر الشّىءَ : جمَعَه ، وضبَر الفرسُ قوائمَه ، إذا جمعَها ليَثِب. وفرسٌ ضِبِرٌّ من ذلك. وإِضبارة الكُتُب (١) من ذلك. واشتقاق ضَبَارةَ منه ، وهو أبو عامر ابن ضَبَارة. وناقة* مضبَّرةٌ ومضبورةُ الخَلْق ، أى شديدة. وقال فى صفة فرس :

مُضَبَّرٌ خَلْقها تضبيراً

ينشقُّ عن وجهها السَّبيبُ (٢)

والضَّبْر : الجماعة. قال الهُذَلىّ :

ضَبْرٌ لباسُهم القَتير مؤلَّبُ (٣)

وأمّا الرُّمّان الجبلىّ فيقال إنّهم يسمونه الضَّبْر. وقد قلنا إنّ النّباتَ والأماكنَ لا تكاد تنقاس.

ضبس الضاد والباء والسين أُصَيل إنْ صحَّ فليس إلا فى شىءٍ مذمومٍ غير محمود. قال الخليل : الضَّبِيس : الحريص ، والضَّبيس : القليل الفِطنة لا يهتدى لشىء. ويقال الضَّبِيس الجَبان.

ضبز الضاد والباء والزاء. يقولون الضَّبْز : شدّة اللَّحظ ولا معنى لهذا.

ضبط الضاد والباء والطاء أصلٌ صحيح. ضَبَط الشَّىءَ ضبْطاً. والأصبط : الذى يَعمل بيديه جميعاً. ويقال ناقةٌ ضبطاء. قال :

__________________

(١) فى الأصل : «لكب» ، صوابه فى اللسان.

(٢) البيت لعبيد بن الأبرص ، من بائيته المشهورة ، انظر ديوانه ٩ وشرح التبريزى للمعلقات ٣١٠.

(٣) لساعدة بن جؤبة الهذلى فى ديوان الهذليين (١ : ١٨٥) واللسان (ضبر) وصدره :

بيناهم يوما كذلك راعهم


عُذافرة ضَبْطاء تَخْدِى كأنّها

فَنِيقٌ غَدَا يَحوى السَّوامَ السَّوارحا (١)

وفى الحديث : «أنّه سُئل عن الأضبط».

ضبع الضاد والباء والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على معانٍ ثلاثة : أحدها جنسٌ من الحيوان ، والآخر عضو من أعضاء الإنسان ، والثالث صِفة من صِفة النُّوق.

فالأوَّل الضَّبُع ، وهى معروفة ، والذكر ضِبْعان ، وفى الحديث : «فإذا هو بضِبْعانٍ أمْدَر (٢)». ثم يستعار ذلك فيُشبَّه السنةُ المجدِبة به ، فيقال لها الضَّبُع. وجاء رجلٌ فقال: «يا رسولَ الله ، أكلَتْنَا الضّبُع». أراد السّنةَ التى تسميها العرب الضَّبُع ؛ كأنَّها تأكلهم كما تأكل الضّبُعُ. قال :

أبا خُراشة أمّا أنت ذا نَفَرٍ

فإنّ قومىَ لم تأكُلْهم الضّبعُ (٣)

وأمّا العُضو فضَبْع اليد ، واشتقاقها من ضَبْع اليد وهو المدّ. والعرب تقول : ضَبَعتِ الناقة وضبَّعت تضبيعا ، كأنّها تمدُّ ضَبْعَيها. قال أبُو عبيد : الضَّابع : التى ترفع ضَبْعها فى سيرها.

ومما يشتقُّ من هذا : الاضطباع بالثَّوب : أن يُدخِل الثّوبَ من تحت* يده اليمنى فيلقيَه على مَنكِبه الأيسر. ومنه الضِّباع ، وهو رفع اليدين فى الدُّعاء.

قال رؤبة :

__________________

(١) لمعن بن أوس المزنى فى اللسان (ضبط). وكلمة «غذا» ساقطة من الأصل.

(٢) الأمدر : الذى فى جسده لمع من سلحه. ويقال لون له.

(٣) لعباس بن مرداس ، كما فى اللسان (ضبع). وهو من شواهد النحويين لحذف «كان» بعد «أن» وتعويض «ما» عنها.


وما تَنِى أيدٍ علَينا تضبَعُ (١)

أى تمد أضباعَها بالدُّعاء. قال ابن السّكّيت : ضَبَعُوا لنا من الطَّريق ، إذا جعلوا لنا قسما ، يَضْبَعون ضَبْعا. كأنّه أراد أنّهم يقدِّرونه فيمدُّون أضباعَهم به. وضَبَعت الخيلُ والإِبلُ ، إِذا مدَّت أضباعَها فى عَدْوِها ، وهى أعضادُها (٢). وقول القائل (٣) :

ولا صُلحَ حتَّى تضبعونا ونَضْبَعا (٤)

أى تمدون أضباعَكُم إلينا بالسّيوف ونمدّ أضباعَنا بها إليكم. قال أبو عمرو : ضَبَع القومُ للصُّلح ، إذا مالوا بأضباعهم نحوه. وحَكى قومٌ : كنَّا فى ضَبْع فلانٍ ، أى كنَفه. وهو ذاك المعنى ؛ لأنّ الكَنَفين جناحا الإنسان ، وجناحاه ضَبْعاه. [وضَبَعت الناقةُ تضبع ضَبْعاً وضَبَعةً (٥)] ، إذا أرادت الفحل.

ضبن الضاد والباء والنون أصلٌ صحيح ، وهو عُضو من الأعضاء. فالضِّبْن : ما بين الإبط والكَشْح. يقال أضطبنتُه : جعلته فى ضِبْنى : والضبْنَة (٦) : أهل الرّجُل ، يضطبِنها. وناسٌ يقولون : المضبون الزَّمِن ، وهو عندى من قلب الميم. ومكان ضَبْنٌ : ضيّق. وهذه الكلمة من الباب الأوّل.

__________________

(١) ديوان رؤبة ١٧٧ واللسان (ضبع).

(٢) فى الأصل : «وفى أعضادها» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٣) هو عمرو بن شأس ، كما فى اللسان (ضبع) والحزانة (٣ : ٥٩٩).

(٤) صدره :

نذود الملوك عنكم وتذودنا

(٥) التكملة من المجمل.

(٦) بتثليث الضاد ، وكفرحة ، كما فى القاموس.


ضبا الضاد والباء والهمزة أصلٌ واحد صحيح ، وهو قريبٌ من الاستخفاء وما شاكلَه ، من سُكوتٍ ومثلِه. قال أبو زيد : أضْبأَ الرجُل على الشَّىء إضباءً ، إذا سكَتَ عليه ، وهو مُضْبِئٌ عليه. وقد أضْبَأ على داهية. وضبَأْت : استخفَيت. ويقال فى هذا إنّما هو أضْبَى غير مهموز ، والأوّل أجود. قال أبو سعيد : ضبأ يضبَأُ ضَبْأً ، إذا لصِق بالأرض. والمَضْبَأ : الذى يُضْبَأ فيه ، أى يختفى. قال الكميت :

إذا علا سِطَةَ المضبَأَيْن (١)

وسمِّى الرّجُل ضابئاً لذلك. ويقال ضَبأْت إليه ، أى لجأت (٢). والضابئ : الرَّماد (٣) ، سمِّى بذلك لأنّه يَضبأ ، كأنّه يَستخفى.

وإذا ليّنت الهمزةَ تغيَّر المعنى ، ويكون من صفات النّار ؛ يقال : ضَبَتْه النّار ، إذا شَوته ، تَضْبُوه ضَبْوا. والمَضْباة : خُبز المَلَّة (٤). والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) استشهد فى المجمل بكلمنى «سطة المضباين» فقط.

(٢) فى الأصل : «الجأت» ، صوابه فى المجمل.

(٣) فى الأصل : «الرماة» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) فى اللسان : «وبعض أهل اليمن يسمون خبزة الملة مضباة من هذا. قال ابن سيده : ولا أدرى كيف ذلك ، إلا أن تسمى باسم الموضع».


باب الضاد والجيم وما يثلثهما

ضجر الضاد والجيم والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على اغثمامٍ بكلام. يقال ضجِر يَضجَر ضجَراً. وضجِرت النَّاقةُ : كثر رغاؤها. ويقولون فى الشعر : ضَجْرَ ، بسكون الجيم. قال :

فإن أهجُه يَضْجَرْ كما ضَجْرَ بازلٌ (١)

ضجع الضاد والجيم والعين أصل واحد يدلُّ على لُصوقٍ بالأرض على جنْب ، ثم يُحمَل على ذلك. يقال ضَجَع ضُجوعا. والمرَّة الواحدة الضَّجْعة. ويقال اضطجع يضطجع اضطجاعاً. وضجيعُك : الذى يُضاجِعك ، وهو حسن الضِّجْعة كالرِّكْبة.

ومن الباب : ضجَّع فى الأمر ، إذا قصَّر ، كأنه لم يقُم به واضطجع عنه. ويقال رجل ضَجُوع ، أى ضعيف الرّأى. ورجل ضُجَعَة : عاجزٌ لا يكاد يبرح. والضَّجوع : النَّاقة التى ترعى ناحية. ويقال تضجَّع السحاب ، إذا أرَبّ بالمكان. وهو فى شعر هذيل. ويقال أكمَة ضَجوع ، إذا كانت لاصقةً بالأرض. والضجوع : أكمة بعينها. والضَّواجع : موضع فى قوله :

راكسٌ فالضَّواجع (٢)

والضَّاجعة والضَّجعاء : الغنم الكثيرة ، وإنما هو من الباب لأنَّها ترعى وتضطجع. والضَّجُوع : ناقة ترعى ناحيةً وتضطجع وحْدَها.

__________________

(١) للأخطل يهجو كعب بن جعيل ، وليس فى ديوانه. وعجزه كما فى اللسان (ضجر) :

من الأدم دبرت صفحتاه وغاربه

(٢) قطعة من بيت للنابغة فى ديوانه ٥١ واللسان (ضجع). وهو بتمامه :

وعيد أبي قابوس في غير كهنه

أتاني ودوني راكس فالضواجع


ضجم الضاد والجيم والميم أصلٌ صحيح يدل على عِوَج فى الشَّىء. فالضَّجَم : العِوَج. يقال تَضَاجَم الأمرُ بالقوم ، إذا اختلف. والضَّجَم : اعوجاجٌ فى الأنف وأن يميل إلى أحد جانِبى الوجه. وضُبَيْعةُ أضجَمَ : قومٌ من العرب ، كأنّ أباهم أضجم. ويقال الضَّجَم أيضاً اعوجاجُ المَنكِبَين.

ضجن الضاد والجيم والنون ، ليس بشىء ، إلّا أنَّهم يقولون : [الضَّجَن] : جبلٌ معروف. وقد قلنا فى هذا. وقال الأعشى :

كخَلْقاءَ مِنْ هَضَبات الضَّجَنْ (١)

وضَجْنانُ : جبلٌ بتهامة.

باب الضاد والحاء وما يثلثهما

ضحل الضاد والحاء واللام أصلٌ صحيح ، وهو الماء القليل وما أشبهه. من ذلك الضَّحْل : الماء القليل ، ومكانه المَضْحَل ، والجمع مَضاحل. ويقال ضَحِل الماء : رقَّ وقلَّ ، وهو من الكلام الفصيح الصحيح. وأَتَان الضَّحْل : صَخرة بعضها فى الماء وبعضُها خارج.

ضحى الضاد والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح واحد يدلُّ على بُروز الشىء. فالضَّحَاء : امتداد النَّهار ، وذلك هو الوقت البارز المنكشف. ثمَّ يقال للطعام الذى يُؤكل فى ذلك الوقت ضَحاء. قال :

__________________

(١) فى الأصل : «بحلقاء» ، صوابه فى المجمل واللسان والديوان ص ١٦. وصدره :

وطال السنام على جبلة


تَرَى الثَّوْرَ يمشى راجعاً مِن ضَحائه (١)

ويقال ضَحِى الرجل يَضْحَى ، إذا تعرَّضَ للشَّمس ، وضَحَى مثلُه. ويقال اضْحَ يا زيد ، أى ابرُزْ للشَّمس. والضَّحِيَّة معروفة ، وهى الأُضْحِيَّة.

قال الأصمعى : فيها أربع لغات : أُضْحِيَّة وإضحيَّة ، والجمع أضاحىّ ؛ وضَحِيَّة ، والجمع ضحايا ؛ وأَضْحاةٌ ، وجمعها أُضْحًى (٢). قال الفرّاء : الأضْحَى مؤنّثة وقد تذكّر ، يُذهَب بها إِلى اليوم. وأنشد :

دنا الأضْحَى وصَلَّلت اللِّحامُ (٣)

وإنما سُمِّيت بذلك لأنّ الذّبيحة فى ذلك اليوم لا تكون إلَّا فى وقت إشراق الشّمس. ويقال ليلَةٌ إضحيَانةٌ وضَحْياءُ ، أى مضيئةٌ لا غيمَ فيها. ويقال : هم يتضحَّوْنَ ، أى يتغدَّوْن. والغَداء : الضَّحَاء. ومن ذلك حديث سلمة بن الأكوع : «بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم نتضَّحَى». يريد نتغدَّى. وضاحية كلِّ بلدةٍ : ناحيتُها البارزة. يقال هم ينزلون الضَّوَاحىَ. ويقال : فعل ذلك ضاحيةً ، إذا فعله ظاهراً بيناً. قال :

عَمِّى الذى منع الدِّينارَ ضاحيةً

دينارَ نَخَّةِ كلبٍ وهو مشهودُ (٤)

وقال :

__________________

(١) لذى الرمة فى ديوانه ٥٠٣ واللسان (١٩ : ٢١٠). وعجزه :

بها مثل مشى؟ السرول

(٢) زاد فى اللسان : «مثل أرطاه وأرطى» ، فألفها للإلحاق.

(٣) لأبى الغول الطهوى فى اللسان (١٩ : ٢١١) ، وإصلاح المنطق ١٩٣ ، ٣٣٠ ، ٣٩٧.

وصدره :

رأيتكم بتي الحذواء لما

(٤) أنشده فى اللسان (نخخ ، ضحا) وسيأتى فى (نخ).


وقد جزتْكُم بنو ذُبيانَ ضاحيةً

بما فعلتم ككيل الصَّاع بالصَّاعِ (١)

فأمّا قولُ جرير :

فما شَجَرات عِيصِكَ فى قريشٍ

بعَشَّات الفُرُوع ولا ضَواحِ (٢)

فإنّه يقول : ليست هى فى النّواحى ، بل هى [فى] الواسطة. ويقال للسَّماوات كلِّها الضَّواحى. وقال تأبّط شرًّا :

وقُلَّةٍ كسِنان الرُّمح بارزةٍ

ضحيانة ........... (٣).

فهى البارزة للشمس.

قال أبو زيد : ضَحَا الطريق يَضحُو ضَحْواً وضُحُوًّا (٤) ، إذا بدا وظَهَر. فقد دَلَّت هذه الفروعُ كلُّها على صحة ما أصّلناه* فى بروز الشَّىءِ ووُضوحه. فأمّا الذى يُروى عن أبى زيد عن العرب : ضحَّيت عن الأمر (٥) إذا رفقت ، فالأغلب عندى أنّه شاذٌّ فى الكلام. قال زَيد الخيل :

لو أنّ نصراً أصلحَتْ ذاتَ بينِها

لضحَّت رُويداً عن مصالحها عمرُو (٦)

ضحك الضاد والحاء والكاف قريبٌ من الباب الذى قبله ، وهو دليل الانكشاف والبروز. من ذلك الضَّحِك ضَحِك الإنسان. ويقال أيضاً

__________________

(١) البيت للنابغة ، كما فى اللسان (ضحا) ، وليس فى ديوانه. وعجزه فى اللسان :

حقا يقينا ولما يأتنا الصدر

(٢) ديوان جرير ٩٩ واللسان (ضحا).

(٣) من القصيدة الأولى فى المفضليات. وتمام البيت : في شهور الصيف عراق.

(٤) ويقال أيضا «ضُحِيًّا».

(٥) فى الأصل : «فى الأمر» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٦) نصر وعمرو ابنا قعين ، بطنان من بنى أسد ، كما فى اللسان ، عند إنشاد البيت.


الضَّحْك (١) ، والأوَّل أفصح. والضَّاحكة : كل سنٍّ تبدو من مُقَدَّم الأسنان والأضراس عند الضَّحِك.

قال ابنُ الأعرابىّ : الضّاحك من السَّحاب مثلُ العارض ، إلّا أنّه إذا بَرَق يقال فيه ضَحِك. والضَّحُوك : الطَّريق الواضح. ويقال أضحَكْتَ حوضَك ، إذا ملأتَه حتى يفيض. قال ابن دريد (٢) : الضَّاحك حجرٌ شديد البَرِيق يبدو فى الجبَل ، أىَّ لونٍ كان. ويقال فى باب الضَّحِك : الأُضحوكة ما يُضحِك منه. ورجل ضُحْكة : يُضْحَك منه. وضُحَكَة : يكثر الضحَك. فأمَّا الضَّحْك فيقال إِنَّه العسَل. ويُنشَد :

فجاء بمزجٍ لم يَرَ الناسُ مثلَه

هو الضَّحْكُ إلّا أنَّه عمل النَّحْلِ (٣)

ويقال هو البَلَح. قال الشَّيبانىُّ : الطَّلْع هو الكافور والضَّحْك جميعاً حين ينفتق.

باب الضاد والخاء وما يثلثهما

ضخم الضاد والخاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على عِظَمٍ فى الشىء. يقال هذا ضخْم وضُخامٌ. ويقال : إنَ الأضخومة شىءٌ تعظِّم به المرأة عجيزتها.

__________________

(١) ويقال أيضا «الضحك» بالكسر ، وبكسرتين.

(٢) فى الجمهرة (٢ : ١٦٧).

(٣) لأبى ذؤيب فى ديوانه ٤٢ واللسان (ضحك). وسيأتى فى (مزج).


باب الضاد والراء وما يثلثهما

ضرز الضاد والراء والزاء كلمةٌ واحدة. يقال إِنَ لضِّرِزّة : المرأة القصيرة اللئيمة.

ضرس الضاد والراء والسين أصلٌ صحيح يدلُّ على قوّةٍ وخشونة وقد يشِذُّ عنه ما يخالفه. فالضِّرْس من الأسنان ، سمِّى بذلك لقوّته على سائر الأسنان. ويقال ضَرَسَه يَضْرُسُه ، إذا تناوله بضِرسه. وقال :

إذا أنت عاديت الرّجالَ فلا تكن

لهم جَزَراً واجرَحْ بنابك واضْرُسِ

والضِّرْس : ما خَشُن من الآكام. ويقال : تضارَسَ البِناء ، إذا لم يستَوِ. وقال بعضُهم : ضَرّستْ فلاناً الخطوبُ. ويقال بئرٌ مضروسة : مطوّية بحجارة وناقة ضَروسٌ : تعَضُّ حالِبَهَا. ورجل ضَرِسٌ : صعب الخُلق. ويقال أضرسَه الأمر ، إذا أقلقه. والمضرَّس : ضربٌ من الرَّيْط ، وكأنّه سمِّى بذلك لأنَّه فيه صوراً كأنّها أضراس. والضَّرَس : خَورٌ فى الضِّرْس.

وممّا شذّ عن الباب وقد يمكن أن يُتمحَّل له قياسٌ : الضِّرْس : المَطْرة القليلة ، والجمع ضُروس.

ضرع الضاد والراء والعين أصل صحيح يدلُّ على لينٍ فى الشَّىء. من ذلك ضَرَع الرجل ضَراعة ، إذا ذلَّ. ورجل ضَرَعٌ : ضعيف. قال ابن وَعْلة :


أناةٌ وحلما وانتظارا بهم غداً

فما أنا بالوانى ولا الضَّرَع الغُمْرِ (١)

ومن الباب ضَرْع الشّاة وغيرِه ، سمى بذلك لما فيه من لِين. ويقال : أضْرَعَت النّاقة ، إذا نَزَل لبنُها عند قرب النَّتاج. فأمّا المضارعة فهى التشابُه بين الشيئين. قال بعض أهلِ العلم: اشتقاق ذلك من الضَّرْع ، كأنهما ارتضعا من ضَرعٍ واحد. وشاةٌ ضَرِيع : كبيرة الضَّرع ، وضريعةٌ أيضاً. ويقال لناحِل الجسم : ضارع. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى ابنى جعفر : «ما لى أراهما ضارعَين؟». ومما شذّ عن هذا الباب : الضَّريع ، وهو نبت. وممكن أن يُحمَل على الباب فيقال ذلك لضعَفْه ، إذا كان (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) وقال :

وتُرِكْن فى هَزْم الضَّريع فكُلُّها

حدباءُ داميةُ اليدينِ حَرودُ (٢)

ضرف الضاد والراء والفاء شىءٌ من النَّبْت. يقال إنّ الضِّرف من شجر الجبال ، الواحدة ضِرفة.

قال الأصمعىّ : يقال فلان فى ضِرفة خيرٍ ، أى كَثْرة.

ضرك الضاد والراء والكاف* كلمة واحدةٌ لا قياسَ لها. يقال الضَّريك : الضَّرير ، والبائس السّيّئ الحال.

ضرم الضاد والراء والميم أصل صحيح يدلُّ على حرارةٍ والتهاب. من ذلك الضِّرَام من الحطب : الذى يلتهب بسرعة. قال :

__________________

(١) البيت من أبيات نسبت فى حماسة البحترى ١٠٤ إلى عامر بن مجنون الجرمى. وفى حماسة ابن الشجرى ٧٠ لكنانة بن عبد ياليل. قال : وتروى للحارث بن وعلة الشيبانى. وسيأتى فى (غمر).

(٢) لقيس بن عيزارة الهذلى فى اللسان (ضرع). وقصيدته فى شرح السكرى للهذليين ١١٥.


ولكن بهذَاكِ اليَفَاعِ فأوقِدِى

بجزل إِذا أوقَدْتِ لا بِضِرامِ (١)

ويقال ضَرِم الشَّىءُ : اشتدّ حرُّه.

ومن الباب فرس ضَرِم : شديد العَدْو. والضَّرِيم والضِّرام : اشتعال النار. ومما شذّ عن الباب فيما يقولون ، أنَ الضَّرِم فَرْخ العُقاب. ولعلّه أن يكون ذلك اسمَه إذا اشتدّ جُوعه ، فكأنَّه يضطرم.

ضرى الضاد والراء والحرف المعتل أصلان : أحدهما شبه الإغراء بالشَّىء واللهَج به ، والآخر شىء يستر.

فالأوّل قولُ العرب : ضَرِىَ بالشَّىء ، إذا أُغْرِى به حتى لا يكاد يصبرِ عنه. ويقال : لهذا الشَّىء ضَرَاوة : أى لا يكاد يُصبَر عنه. والضَّارِى من أولاد الكلاب ، والجمع الضِّراء ، وسمِّى ضاريا لأنّه يَضْرَى بالشَّىء. والضِّرو : الضَّارى. ومن الباب : [الضَّارِى ، و (٢)] هو العِرق السائل. وقد ضَرَا يَضْرُو ضَروًا ، كأنّه لهجَ بالسَّيَلان.

قال الخليل. الضَّرْو : اهتِزازُ الدّمِ عند خروجه من العِرق.

وأمّا الأصل الآخر فالضَّرَاء : مَشْىٌ فيما يُوارِى من شجرٍ أو غيرِه. يقال : هو يمشى له الضَّرَاء ، إذا كان يُخاتِله أو يُخادِعه.

ومن الباب الضِّرْو : شجر ، لأنّه يستُر بورَقِه.

ضرب الضاد والراء والباء أصل واحد ، ثم يستعار ويحمل عليه.

__________________

(١) البيت فى اللسان (ضرم) بدون نسبة ، ونسبه الزمخشرى فى أساس البلاغة إلى حاتم الطائى ، وليس ديوانه.

(٢) استأنست فى هذه التكملة مما ورد فى المجمل من قوله : «والضارى : العرق السائل».


من ذلك ضَربت ضرباً ، إذا أوقعت بغيرك ضرباً. ويستعار منه ويشبَّه به الضَّرب فى الأرض تجارةً وغيرها من السّفر. قال الله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ). ويقولونَّ إن الإسراع إلى السَّير أيضاً ضرب. قال :

فإنَّ الذى كنتمُ تحذرونَ

أتَتْنا عيونٌ به تَضْرِبُ (١)

والطَّير الضَّوارب : الطَّوالب للِرِّزق. ويقال رجل مِضربٌ : شديد الضَّرب. ومن الباب : الضّرْب : الصِّيغة. يقال هذا من ضَرْب فلان ، أى صِيغته ؛ لأنّه إذا صاغ شيئاً فقد ضربه. والضّريب : المِثْل ، كأنَّهما ضُرِبا ضَرباً واحداً وصِيغا صياغة واحدة. والضّريب : الصَّقيع : كأن السماء ضربت به الأرض. ويقال للذى أصابه الضريب مضروب. قال :

ومضروبٍ يَئنُّ بغير ضربٍ

يُطاوِحه الطِّرافُ إلى الطِّراف

والضّريب من اللبن : ما خُلِط مَحْضه بحقينه ، كأنَّ أحدَهما قد ضُرب على الأخر. والضّريب : الشَّهد ، كأنَّ النَّحل ضربه. ويقال للسجِيَّة والطَّبيعة الضريبة ، كأنّ الإنسان قد ضُرِب عليها ضرباً وصيغ صِيغة. ومَضْرَب السَّيف ومَضْرِبه : المكان الذى يُضرَب به منه. ويقال للصِّنْف من الشىء ، الضَّرْب ، كأنه ضُرب على مثالِ ما سواه من ذلك الشىء. والضّرِيبة : ما يُضرَب على الإنسان من جزيةٍ وغيرها. والقياس واحد ، كأنه قد ضُرب به ضَرْباً. ثم يتَّسعون فيقولون : ضَرَبَ فلانٌ على يد فلان ، إذا حَجَرَ عليه ، كأنّه أراد بَسطَ يدَه فضرب الضاربُ على يده فقبض يدَه. ومن الباب ضِراب الفَحل الناقة.

__________________

(١) نسب فى اللسان (ضرب) إلى المسبب وهو المسيب بن علس.


ويقال أضْرَبْت النّاقةَ : أنْزَيت عليها الفحل. وأضرب فلان عن الأمر ، إذا كفَّ ، وهو من الكفّ ، كأنّه أراد التبسُّط فيه ثم أضرب ، أى أوقع بنفسه ضرباً فكفها عما أرادت.

فأمّا الذى يُحكى عن أبى زيد ، أنّ العرب تقول : أضْرَبَ الرّجُل فى بيته : أقامَ ، فقياسُه قياس الكلمة التى قبلها.

ومن الباب الضَّرَب : العسَلُ الغليظة ، كأنّها ضرِبت ضَرْباً ، كما يقال نَفَضَت الشىء نَفْضاً ، والمنفوض نَفَض. ويقال للموكَّل بالقِداح : الضَّرِيب. وسمِّى ضريباً لأنّه مع الذى يضربُها ، فسمِّى ضريباً كالقعيد والجليس.

ومما استُعير فى هذا الباب قولهم للرَّجُل الخفيف الجسم : ضَرْب ، شُبِّه فى خفّته بالضَّربة (١) التى يضربُها الإنسان. قال :

أنا الرّجُل الضَّرْبُ الذى تعرفونه

خَشَاشٌ كرأس الحيّة المتوقدِ (٢)

والضَّارب : المتَّسَع فى الوادى ، كأنّه نَهْجٌ يَضرِبُ فى الوادِى ضرباً.

ضرج الضاد والراء والجيم أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على تفتُّح الشىء. تقول العرب : انضرجت عن البَقْل لفائفُه ، إذا انفتحت. والانشقاق كله انضراج. قال :

وانضرجَتْ عنه الأكاميم (٣)

ويقال تضرَّجَ البَرق : تشقَّق. وعينٌ مضروجة : واسعة الشَّقّ. ويقال إن

__________________

(١) فى الأصل : «بالضريبة».

(٢) البيت لطرفة من معلقته المشهورة.

(٣) لذى الرمة فى ديوانه ٥٨٤ واللسان (ضرج ، كمم). وهو بتمامه :

سما تعالت من البهمى ذوائبها

بالصيف وانفرجت عنه الأكليم


الإضريج من الخيل : الكثير العرق الجواد ، وذلك من الباب لأنّه كأنّه يتفتح بالعرق تفتُّحاً. وعَدْو ضريج : شديد. ومن الباب تضرَّج بالدم.

ومما شذّ عن الباب الإضريج : أكسيةٌ تتخذ من أجود المِرعِزَّى ، ويقال هو الخَزّ.

ضرح الضاد والراء والحاء أصلان : أحدهما رمْى الشّىء ، والآخَر لونٌ من الألوان.

فالأوّل قولهم : ضرَحت الشَّىءَ ، إذا رميتَ به. والشىء المُضْطَرَح : المرمىّ. والفَرس الضَّروح : النَّضوح برجله. وقوسٌ ضروح : شديدةُ الدّفع للسَّهم. والضَّريح : القبر يُحفَر من غير لَحدٍ ، كأنّ الميت قد رُمِى فيه.

وأمّا الآخَر فالأبيض من كلِّ شىء ، يقال له المَضْرَحىّ. والصَّقْر مضرحىٌ ، والسيِّد مضرحىّ.

باب الضاد والزاء وما يثلثهما

ضزن الضاد والزاء والنون أصل صحيح واحدٌ يدلُّ على الضَّغْط والمزاحَمة. يقولون للذى يُزاحم أباه فى امرأته : ضَيْزَن. قال أوس :

فكلكم لأبيهِ ضَيزنٌ سَلِفُ (١)

ويقال الضَّيزَن : العدوّ. وإذا اتَّسع قَبُّ البَكَرة فضُيِّق بخشبةٍ فذلك هو الضَّيزن. والضَّيزن : الذى يُزاحِم عند الاستقاء والإِبراد.

__________________

(١) إنشاد البيت كما فى الديوان ١٧ واللسان (ضزن) :

والفارسية فيهم غير منكرة

فكلهم لأبيه ضين سلف

وانظر أدب الكاتب ٢٨٢ والاقتضاب ٣٨٤ والبيان (٣ : ٢٥٦).


باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله ضاد

من ذلك (الضِّرغام) : الأسد ، فهذا منحوتٌ من كلمتين : من ضغم ، وضرم. كأنّه يلتهب حتَّى يَضغَم. وقد فسَّرنا الكلمتين. ويقال ضَرْغَم الأبطالُ بعضُهم بعضاً فى الحرب.

ومن ذلك (الضُّبَارِك) و (الضِّبْراك) ، وهو الرّجل الضخْم. وهذا مما زِيدت فيه الكاف ، وأصله من الضَّبْر وهو الجمْع ؛ وقد مضى.

ومن ذلك (الضَّرْزَمة) وهو شدّة العضّ. وأفْعَى (ضِرْزِمٌ) : شديدة العضّ. وهذا مما زيدت فيه الميم ، وهو من ضرز ، وهو أنْ يشتدّ على الشىء. وقد فُسِّر.

ومن ذلك (الضفَّندد) ، وهو الضَّخْم ، والدال فيه زائدة. وهو من الضفن.

ومنه (الضِّبَطْر) ، وهو الشديد. وهى منحوتةٌ من كلمتين ، من ضبط وضطر.

ومنه (الضَّيْطَر) ، وقد مضى ذكره (١).

ومنه (الضُّبارِم) : الأسد ، والميم فيه زائدة ، وهو من الضَّبر.

ومنه (الضَّبْثَم) ، وهو الشديد ، وهو ممّا زِيدت فيه الميم. وهو من ضَبَث على الشىء ، إِذا قبَض عليه.

ومن ذلك (الضَّبَغْطَى) : كلمة يفزّع بها ، وهو ممّا زِيدت فيه الباء ، وهو من الضَّغط.

__________________

(١) انظر مادة (ضطر) ص ٣٦١.


ومن ذلك (الضَّبَنْطَى) : القوىّ ، وقد زيدت فيه النون ، وهو من ضبط.

ومن ذلك (المُضْرَغِطُّ) : الضَّخم ، والغضبان. وهو أيضاً ممّا زِيدت فيه الراء.

ومن ذلك (الضِّرْسامة) وهو اللئيم ، والميم فيه زائدة ، وهو من الضّرس.

ومما وُضِع وضعاً ولا أظنُّ له قياساً (الضَّمْعَج) ، وهو الضَّخمة من النوق ، ولا يقال ذلك للبعير. وامرأة ضَمعجٌ : ضخمة.

ومن ذلك (الضُّغْبُوس) ، وهو الرَّجل الضَّعيف. قال جرير :

قد جَرّبت عَرَكِى فى كلِّ مُعترَكٍ

غُلْبُ الليوث فما بالُ الضَّغابيسِ (١)

والضَّغابيس : صِغار القِثّاء ، وفى الحديث : «أنّه أُهدِيت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضَغابيس». والسين فيه زائدة ، والدليل على ذلك قولُهم للذى يأكلها كثيراً ضِغْبٌ.

ومن ذلك (اضمحلَ) الشَّىء : ذهب. واضمحلّ السحاب : تقشع.

ومن ذلك (الضِّفدِع (٢)) ، وهى معروفة.

__________________

(١) ديوان جرير ٣٢٤ واللسان (ضغبس).

(٢) فيه لغات ، كزبرج ، وجعفر ، وجندب ، ودرهم. وهذا الأخير أقل ، أو مردود.


ومن ذلك ما رواه الكسائىّ : (اضبَأكّت) الأرض و (اضمأكّت) ، إذا خَرج نَبْتُها.

ومن ذلك (الضِّئبِل) ، وهى الدَّاهية

* ويقال (اضفَأدَّ) ، إذا انتفخ من الغضب ، اضفئداداً. والله أعلم.

تم كتاب الضاد



كتاب الطاء

باب [الطاء فى المضاعف والمطابق]

طع الطاء والعين ليس بشى. فأمّا ما حكاه الخليل ، من أن الطَّعطعة حكاية صوت اللاطع فليس بشىء.

طف الطاء والفاء يدلُّ على قلّةِ الشىء. يقال : هذا شىءٌ طفيف. ويقال : إناءٌ طَفَّانُ ، أى ملآن. والتَّطفيف : نقص المكيال والميزان. قال بعضُ أهل العلم : إنما سمِّى بذلك لأن الذى ينقصه منه يكون طفيفاً. ويقال لِمَا فوق الإناء الطِفَّاف والطُّفافة. فأمّا قولهم : طففّت بفلانٍ موضعَ كذا ، أى رفعتُه إليه وحاذيته (١) ، وفى الحديث : «طَفَّفَ بى الفرسٌ مسجدَ بنى فلان (٢)». فإنَّه يريد وثَب حتى كاد يساوى المسجد ـ فهذا على معنى التشبيه بطَفاف الإناء وطَفافته. والقياس واحد. ومما شذّ عن الباب قولهم : أطفّ فلانٌ بفلان ، إذا طَبَن له وأراد ختله ومنه استطفَ الأمرُ ، إذا أمكن وأُكْمِلَ (٣) ، وهذا من باب الإبدال ، وقد ذكر فى بابه.

طل الطاء واللام يدل على أصولٍ ثلاثة : أحدها غضاضة الشَّىء وغضارَته ، والآخَر الإشراف ، والثالث إبطال الشَّىء.

__________________

(١) وكذا فى المجمل. وفى اللسان : «دفعته» بالدال.

(٢) فى المجمل واللسان : «بنى زريق».

(٣) فى المجمل : «إذا استقام وأمكن».


فالأوّل الطّلّ ، وهو أضعف المطر ، إنّما سمِّى به لأنّه يحسِّن الأرض. ولذلك تُسمِّى امرأة الرّجل طَلّته.

قال بعضهم : إنّما سمِّيت بذلك لأنّها غضّةٌ فى عينه [كأنّها] طَلّ. ومن الباب فى معنى القلَّة ، وهو محمولٌ على الطّلّ ، قولُهم : ما بالنّاقة طُلّ ، أى ما بها لبن ، يراد ولا قليلٌ منه. وضُمَّت الطاء فرقا بينه وبين المطر.

والباب الآخر : الطَّلَل ، وهو ما شَخَص من آثار الديار. يقال لشَخْصِ الرجل طَلَلُه. ومن ذلك أطَلَ على الشَّىء ، إِذا أشْرَف. وطَلَل السَّفِينة : جِلالها ، والجمع أطلال. ويقال: تطالَلْت ، إذا مددتَ عنقَك تنظرُ إلى الشىءِ يبعُد عنك. قال :

كفَى حَزناً أنِّى تطاللت كى أَرَى

ذُرى عَلَمَىْ دَمْخٍ فما يُريَانِ (١)

وأمّا إبطال الشىء فهو إطلال الدِّماء ، وهو إبطالها ، وذلك إذا لم يطلب لها. يقال طُلُ دمه فهو مطلول ، وأُطِلّ فهو مُطَلّ ، إذا أُهْدِر.

ومما شذ عن هذه الأصول ، وما أدرى كيف صحّته قولهم : إنّ الطِّلَ (٢) : الحيّة. والطَّلَاطِلَة : داءٌ يأخذ فى الصُّلْب.

طم الطاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على تغطيه الشَّيء للشَّىء حتى يسوّيه به ، الأرض أو غيرها. من ذلك قولهم طمَ البئر بالتراب : ملأها وسَوَّاها. ثم يحمل على ذلك فيقال للبحر الطِّمُ ، كأنَّه طَمَ الماءُ ذلك القرار. ويقولون : «له الطِّمّ والرِّم» ، فالطِّمّ : البحر ، والرِّمّ الثّرَى. ومن ذلك قولهم : طَمَ الأمر ، إذا علا وغَلَب. ولذلك سمِّيَت القيامة : الطَّامَّة. فأمّا قولهم : طَمَ شَعَرَه ، إذا أَخَذَ منه ،

__________________

(١) لطهمان بن عمرو الكلابى ، كما سبق فى حواشى (دمخ). وأنشده فى اللسان فى (طلل).

(٢) يقال أيضا بفتح الطاء ، كما فى اللسان (طلل ٤٣٢).


ففيه معنى التَّسويَة وإنْ لم يكن فيه التغطية.

ومن الباب : الطِّمِطم : الرجل الذى لا يُفصح ، كأنّه قد طُمَ كما تُطَمّ البئر.

ومما شذَّ عن هذا الأصل شىءٌ ذكرهُ ابنُ السكّيت ، قال : يقال طَمَ الفرسُ إذا علا. وطمَ الطّائرُ إذا علا الشجرة.

طن لطاء والنون أصلٌ يدلُّ على صوت. يقال : طنَ الذباب طنيناً. ويقولون : ضرب يدَه فأطنّها ، كأنّه يُراد به صوتُ القَطْع.

ومما ليس عندى عربيًّا قولُهم للحُزمة من الحطب وغيرِه : طُنّ. ويقولون : طَنَ ، إذا مات. وليس بشىء.

طه الطاء والهاء كلمةٌ واحدة. يقال للفرس السريع : طَهطاهٌ.

طأ الطاء والهمزة ، وهو يدلُّ على هَبْط شىءٍ. من ذلك قولهم : طأطأ رأسَه. وهو مأخوذٌ* من الطَّأْطاءِ ، وهو منهبِطٌ من الأرض. وهو فى قول الكمُيت (١).

طب الطاء والباء أصلان صحيحان ، أحدهما يدلُّ على عِلْمٍ بالشىء ومهارةٍ فيه. والآخَر على امتدادٍ فى الشىء واستطالة.

فالأول الطِّبّ ، وهو العلْم بالشىء. يقال رجلٌ طَبٌ وطبيب ، أى عالم حاذق. قال:

فإِنْ تسالونى بالنِّساء فإنّنى

بصيرٌ بأدواء النِّساءٍ طبيب (٢)

ويقال فحلٌ طَبٌ ، أى ماهر بالقِرَاع. ويقال للذى يتعهّد موضِعَ خُفِّه أبنَ يَطَأُ به : طَبٌ أيضاً. ولذلك سمِّى السِّحْر طِبًّا ؛ يقال مطبوب ، أى مسحور. قال :

__________________

(١) فى ديوانه (٢ : ٢٢). وأنشده فى اللسان والجمهرة (٣ : ٢٨٥) بدون نسبة :

منها اثنتان لما الطأطاء يحجبه

والأخريان لما يبدوبه اقبل

(٢) البيت لعلقمة الفحل فى ديوانه ١٣١ والمفضليات (٢ : ١٩٢).


فإِن كنت مطبوباً فلا زِلْت هكذا

وإن كُنت مسحوراً فلا برأ السِّحرُ

وأمّا الذى يقال فى قولهم : ما ذاك بِطبِّى ، أى بدهرى ، فليس بشىء ، إنما معناه ما ذاك بالأمر الذى أمْهَرُه ، ما ذاك بالشىء الذى أقتُله علماً (١) ، كما جاء فى الحديث : «فما طهوى إذاً (٢)». وقد ذكرناه فى بابه.

وأمّا الأصل الآخَر فالطِّبَّة : الخِرْقَة المستطيلة من الثَّوب ، والجميع طِبَب. وطِبَب شُعاع الشَّمْس : الطَّرَائق الممتدّة تُرَى فيها حين تطلُع. والطِّبابة : السَّير بين الخُرْزَتين. والطِّبّة : مستطيل من الأرض دقيقٌ كثير النَّبات.

ومن ذلك قولُهم : تلقَى فلاناً عن طَببٍ كثيرة ، أى ألوان كثيرة.

طث الطاء والثاء ليس بشىء. ويزعمون أنّ الطَّثَ لُعبَةٌ بخشبةٍ تدعى المِطَثَّة.

طح الطاء والحاء قريبٌ من الذى قبله على أنهم يقولون : الطَّحُ : أن تسحَج الشىء بعَقِبك (٣). ويقال طَحطَح بهم ، إذا بدّدهم وطَحْطَحَهم : غَلَبهم.

طخ الطاء والخاء ليس [له] عندى أصلٌ مطرد ولا منقاس. وقد ذُكر عن الخليل : طَخْطَخَ السّحابُ : انضمَّ بعضُه إلى بعض. والطَّخْطخة : تسوية

__________________

(١) فى الأصل : «أقله علما».

(٢) انظر ما سيأتى فى (طهى). وفى اللسان (طها): «وقيل لأبى هريرة : أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : وما كان طهوى ـ أى ما كان عملى ـ إن لم أحكم ذلك».

(٣) فى الأصل : «يعقل» ، صوابه فى المجمل واللسان.


الشَّىء. وهذا إنما يُحتاج فى تصحيحه إلى حُجّة ، فأمّا الحكاية فى هذا الباب فيقال إنّ الطّخْطَخَة الضّحك ؛ والحكاياتُ لا تُقاس.

ومما يقرب من هذا فى الضَّعف قولهم إنَ المتطخطخ : الضعيفُ البصر. وقالوا أيضاً : والطُّخوخ : سوء الخُلُق والشَّراسَة.

طر الطاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على حِدّة فى الشىء واستطالةٍ وامتداد من ذلك قولهم : طرَّ السِّنانَ ، إذا حدّده. وهذا سنان مطرور ، أى محدَّد. ومن الباب الرّجل الطَّرير : ذو الهَيْئَة ، كأنّه شىء قد طُرَّ وجُلِى وحُدِّد. قال :

ويُعجِبك الطّريرُ فتبتليه

فيُخلِفُ ظنَّك الرجلُ الطّريرُ (١)

ومن الباب فتًى طارٌّ : طَرَّ شاربُه. والطُّرَّةُ : كُفَّة الثَّوب. ويقال : رمى فأطَرَّ ، إذا أَنفَذ. وكلُّ شىء حُسِّن فقد طُرَّ ، حتى يقال طَرّ حوضَه (٢) ، إذا طيّنه. والطُّرَّة من الغيم : الطريقة المستطيلة. والخُطَّة السّوداء على ظهر الحمار طُرّة. وطُرَّة النهر : شَفيرُه. وطَرّ النّبتُ ، إذا أنبت ؛ وهو مِن طَرّ شاربُه. قال :

منّا الذى هو ما إنْ طَرَّ شاربُهُ

والعانسون ومنّا المُرْدُ والشِّيبُ (٣)

فأمَّا الطَّرّ الذى فى معنى الشَّلّ (٤) والطَّرد ، فهو من هذا أيضاً ؛ لأنّ مَن طرد شيئاً وشَلّه فقد أذْلَقه حتى يحتدّ فى شَدِّه وعَدْوه. فأمّا قول الحطيئة :

غضِبْتَم علينا أَن قتَلْنا بخالدٍ

بنى مالِكٍ ها إنَّ ذا غَضَبٌ مُطِرّ (٥)

__________________

(١) البيت من أبيات رويت فى الحماسة (٢ : ٢٠) منسوبة إلى العباس بن مرداس. وذكر فى اللسان (طرر) أن البيت يروى أيضا للمتلمس.

(٢) فى الأصل : «خوصته» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٣) البيت لأبى قيس بن رفاعة. اللسان (عنس) وشرح شواهد المغنى ٢٤٤. وسيأتى فى (عنس) مر.

(٤) فى الأصل : «الشك» ، تحريف.

(٥) ديوان الحطيئة ٤٩ واللسان (طرر) وإصلاح المنطق ٣٢٠.


فقال أبو زيد : الإِطرار الإغراء. وهذا قريبُ القياسِ من الباب ؛ لأنّه إذا أغراه بالشَّىء فقد أذْلَقه وأحدَّه. وقال آخَرون : المُطِرُّ : المدِلّ. والأوّل أحسن وأقيس. ويقال الغضب المطرّ الذى جاء من أطرار الأرض ، أى هو غضب لا يُدرى من أين جاء. وهو صحيح ؛ لأنّ أطرار الأرض أطرافها وطرف كلِّ شىءٍ : الحادّ منه.

طس الطاء والسين ليس أصلاً. والطَّسُ لغةٌ فى الطَّسْت

طش الطاء والشين أُصَيل يدلُّ على قِلّة فى مطَر ، ويجوز أن يستعار فى غيره أصلاً. من ذلك الطّشّ ، وهو المطر الضَّعيف. وقال رؤبة :

ولا نَدَى وَبْلِكَ بالطَّشيشِ (١)

والله أعلم بالصواب.

باب الطاء والعين وما يثلثهما

طعم الطاء والعين والميم أصل مطَّرد منقاسٌ فى تذوُّقِ الشّىء. يقال طَعِمْت الشىء طَعْما. والطَّعام هو المأكول. وكان بعضُ أهلِ اللُّغة يقول : الطَّعام هو البُرُّ خاصّة ، وذكر

حديث أبى سعيد (٢) : «كُنّا نُخرِج صدقةَ الفِطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، صاعاً مِن طعامٍ أو صاعا من كذا (٣)». ثم يُحمَل على باب الطعام استعارةً ما ليس من باب التذوُّق ، فيقال : استطعَمَنِى فلانٌ

__________________

(١) فى اللسان :

ولا جدا تيلك بالطشيش

وفى الديوان ٧٨ :

وما جدا غيثك بالعشوش

(٢) هو أبو سعيد الخدرى ، سعد بن مالك بن سنان ، الإصابة ٢١٨٩.

(٣) الذى فى المجمل واللسان : «أو صاعا من شعير».


الحديثَ ، إذا أرادكَ على أن تحدِّثه. وفى الحديث : «إذا استطعَمَكم الإمامُ فأطعِمُوه». يقول : إذا أُرْتِجَ عليه واستَفْتَح فافتحُوا عليه. والإطعام يقع فى كلِّ ما يُطعَم ، حتَّى الماء. قال الله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي). وقال عليه السلام فى زمزم : «إنّها طَعامُ طُعْم ، وشِفاء سُقْم». وعِيب خالدُ بن عبد الله القسرىّ بقوله : «أطعِمُونى ماءً» ، وقال [بعضهم] فى عيبه بذلك شعراً (١) ، وذلك عندنا ليس بعيب ؛ لما ذكرناه. ويقال رجلٌ طاعم : حسن الحال فى المَطْعَم. وقال الحُطيئة :

دعِ المَكارمَ لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها

واقعُدْ فإنّك أنت الطاعُم الكاسِى (٢)

ورجلٌ مِطعامٌ : كثير القِرَى. وتقول : هو مُطعَم ، إذا كان مرزوقا. والطُّعْمة : المأكُلة. وجعَلْتُ هذه الضيعةَ لفلانٍ طعمة. فأما قول ذى الرُّمّة :

وفى الشِّمال من الشِّريان مُطعمة

كبداءُ فى عَجْسها عطفٌ وتقويمُ (٣)

فإِنّه يروى بفتح العين «مُطعَمة» : أنّها قوسٌ مرزوقة. ويروى : «مُطعِمة» ، فمن رواها كذا أراد أنّها تُطعِم صاحبَها الصَّيد.

ويقال للإصبع الغليظة المتقدِّمة من الجارحة مُطعِمة ؛ لأنّها تُطعمه إذا صادَ بها. ويقولون إنّ المطَعَّم من الإِبل : الذى يوجد فى مُخّه طَعم الشحم من السِّمَن. ويقال للنّخلة إذا أدرك ثمرُها : قد أطعَمَتْ. والتطعُّم : التذوُّق يقال : «تَطَعَّمْ تَطْعَم» ، أى ذُق الطعام تشتَهِهِ وتأكلْه. ويقال : فلانٌ خبيث الطُّعمة ، إذا كان ردىء الكسب ويقال : ادْن فاطْعَم، فيقول : ما بى طُعْم ، كما يقال من الشَّراب : ما بى شُرْب. ويقال شاةٌ طَعوم ، إِذا كان فيها بعض السِّمن

__________________

(١) انظر الحيوان (٢ : ٢٦٧ ـ ٢٦٨ / ٤ : ٣٢٣ / ٦ : ٣٩٠).

(٢) ديوان الحطيئة ٥٤ واللسان (طعم).

(٣) ديوان ذى الرمة ٥٨٧ والمجمل واللسان (طعم).


طعن الطاء والعين والنون أصلٌ صحيح مطَّرد ، وهو النَّخْس فى الشَّىءِ بما يُنْفِذُه ، ثمّ يُحمل عليه ويستعار. من ذلك الطَّعْن بالرُّمح. ويقال تطاعن القوم واطَّعَنوا ، وهم مطاعينُ فى الحرب. ورجلٌ طَعّان فى أعراض الناس. وفى الحديث : «لا يكون المؤمن طعَّانا». وحكىَ بعضُهم : طعنت فى الرَّجُل طَعَنَاناً لا غير ، كأنّه فَرَق بينه وبين الطَّعَن بالرُّمح. وقال:

وأبَى ظاهرُ الشَّنَاءةِ إلّا

طعَناناً وقولَ مالا يقالُ (١)

وطعن فى المفازة : ذهب. وقال بعضهم : طعن بالرُّمح يطعُن بالضمِّ ، وطعن بالقول يطعَن ، فتحاً (٢).

باب الطاء والغين وما يثلثهما

طغى الطاء والغين والحرف المعتل أصلٌ صحيح منقاس ، وهو مجاوَزَة الحدِّ فى العِصيان. يقال هو طاغٍ. وطَغَى السّيلُ ، إذا جاء بماءٍ كثير. قال الله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) يريد والله أعلم خروجَه عن المقدار. وطَغَى البحر : هاجت أمواجُه. وطغى الدَّمُ : تبيَّغَ. قال الخليل : الطُّغيان والطُّغْوان لغة. والفعل منه طغَيت وطَغَوت.

وممّا شد عن هذا الأصل قولهم إنّ الطَّغْيَة : الصّفاة المَلْساء.

__________________

(١) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى اللسان (طعن) وليس فى ديوانه. ورواية اللسان : أبى المظهر العداوة ، وهى رواية الصحاح والمحكم والمخصص (٦ : ٨٧ / ١٢ : ١٧٠). ورواية التهذيب : وأبى الكاشحون يا هند إلا.

(٢) فى الأصل : «طعن بالرمح يطعن وبطعن بالقول» ، صوابه من المجمل.


طغم الطاء والغين والميم كلمةٌ ما أحسبها من أصل كلام العرب. يقولون لأوغاد النّاس: طَغَام.

باب الطاء والفاء وما يثلثهما

طفق الطاء والفاء والقاف كلمةٌ صحيحة. يقولون : طفِق يفعل كذا كما يقال ظلَّ يفعل. قال الله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) ، (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ).

طفل الطاء والفاء واللام أصل صحيح* مطّرد ، ثم يقاس عليه ، والأصل المولود الصغير ؛ يقال هو طِفلٌ ، والأنثى طِفلة. والمُطْفِل : الظَّبية معها طِفْلُها ، وهى قريبة عهدٍ بالنِّتاج. ويقال طَفَّلْنا إبلَنا تطفيلاً ، إذا كان معها أولادُها فرفَقْنا بها فى السَّير. فهذا هو الأصل. ومما اشتُقّ منه قولهم للمرأة الناعمة : طَفْلة ، كأنّها مشبَّهة فى رُطوبتها ونَعمتها بالطِّفلة ، ثم فرق بينهما بفتح هذه وكسر الأولى.

ومن الباب أو قريب منه : طِفْل الظَّلام ، وهو أوَّلُه ، وإنّما سمِّى طِفلاً لقلَّته ودقته ؛ وذلك قبل مجىء مُعظَم الليل. قال لبيد :

فتدلَّيْتُ عليه قافلاً

وعلى الأرض غَيايات الطَّفَلْ (١)

ويقال : طَفَل اللّيل : أقبل ظلامُه. وأمّا قول القائل :

لوَهْدٍ جادَه طَفَلُ الثُّريّا (٢)

__________________

(١) سبق البيت وتخريجه فى (١ : ١٦٧) مادة (أيى).

(٢) أنشده فى المجمل واللسان (طفل ٤٢٩). والكلام بعد مبتور ، تقديره : «فالطفل هنا المطر». وفى المجمل قبل إنشاد البيت : «والطفل مطر. قال».


طفو الطاء والفاء والحرف المعتل أصل صحيح ، وهو يدلُّ على الشَّىء الخفيف يَعلُو الشَّىء. من ذلك قولهم طَفَا الشَّىءُ فوق الماء يطفو طَفْواً وطُفُوًّا ، إذا علاه ولم يرسُب ، وحتَّى يقولوا : طفا الثَّور فوقَ الرَّمْلة.

ومن الباب : الطُّفْية ، وهى خُوصة المُقْل ، وسمِّيت بذلك لأنّهم تَعظم (١) حتى تغطِّىَ الشجرة. وفى كتاب الخليل : الطُّفْية : حيَّة خبيثة. وهذا عندنا غلطٌ إنما الطُّفية خُوصة المقل ، والجمع طُفْىٌ ، ثم يشبَّه الخطُّ الذى على ظهر الحيَّة بها. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى الحيَّات : «اقتلوا ذا الطُّفْيَتَيْنِ والأبتَر». ألَا تراه جعله ذا طُفيَتَيْنِ ، لأنَّه شبَّهَ الخطَّينِ اللذين على ظهره بذلك. وقال الهُذَلىً فى الطُّفْى :

عفتْ غيرَ نوئِ الدار ما إنْ تُبينُه

وأقطاعِ طُفْىٍ قد عفَتْ فى المعاقلِ (٢)

فأمّا قول القائل :

كما تَذِلُ الطُّفَى مِنْ رُقْيَةِ الرَّاقى (٣)

فإِنه أراد ذوات الطُّفَى. والعرب قد تتوسّع بأكثر من هذا. كما قال :

إذا حملتُ بِزَّتِى على عَدَسْ (٤)

أراد : على التى يقال لها عَدَسٌ ؛ وذلك زجرٌ للبغال.

__________________

(١) فى الأصل : «تعلم».

(٢) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ١٤٠ واللسان (طعا). ورواية الديوان واللسان : هفا غير نؤي الدار ، بعود الضمير إلى «طلل» فى بيت قبله. وفى الديوان أيضا :

(٣) صدره فى اللسان (طفا) :

وعم يذلونها من بعى عزتها

(٤) انظر اللسان (عدس).


فإذا هُمِزَت كان فى معنى آخر ، يقال طَفِئَت النار تَطْفَأُ ، وأنا أطفأتُها. فأمّا الطَّفاء مثل الطَّخاء ، وهو السَّحاب الرَّقيق ، فهو من الباب الأول ، كأنه شىءٌ يطفو.

طفح الطاء والفاء والحاء ، وهو شبيه بالباب الذى قبله. يقال الطُّفَاحة : ما طَفَح فوق الشىءِ يُطْبَخُ من زُبْدٍ أو غيره ، ثمَّ يُحْمل عليه فيسمَّى كلُّ شىءٍ عَلا شيئاً فغطَّاه طافحا. يقال طَفَحَ النهرُ : امتلأ. وطَفحَ السّكرانُ من ذلك ، فهو طافح. وطفَّحت الرِّيح القُطنةَ فى الهواء ، إذا سطعَت بها.

طفر الطاء والفاء والراء كلمةٌ صحيحة ، يقال طفَر : وثب.

طفس الطاء والفاء والسين ، يقولون طفس : مات. والطَّفَس : الدَّرَن.

طفن الطاء والفاء والنون ليس بشىء. على أنهم يقولون : الطُّفَانِيَة نعتُ سَوءٍ فى الرّجل والمرأة. والله أعلم بالصَّواب.

باب الطاء واللام وما يثلثهما

طلم الطاء واللام والميم أصلٌ صحيح ، وهو ضرب الشىء بِبَسْط الشَّىء المبسوط. مثال ذلك الطَّلْم ، وهو ضربُك خُبْزة المَلَّة بيدك تنفُضُ ما عليها من الرّماد. وما أقرَبَ ما بين الطَّلْم واللَّطْم. والدّليل على ذلك قول حسّان :


تُطَلِّمهن بالخُمُر النِّساءُ (١)

فإنَّ ناسا يرونه كذا ، وآخرون يرونه : «تلطِّمُهنَّ». وذلك دليلٌ على أن المعنى واحد. ويقال إنَ الطلْمة الخُبْزة ، وإنّما سمِّيت بذلك لأنَّها تُلْطَم.

طله الطاء واللام والهاء ليس عندى بأصل يفرع منه ، ولا قياسه بذلك الصَّحيح ، لكنهم يقولون : طَلَه فى البلاد ، إذا ذهب ، يَطْلَه طَلْهاً. ويقولون الطُّلْهة : القليل من الكلام. ويقال الطُّلْهة : الأسمال من الثِّياب ؛ يقال : تَطَلَّهْ هذا [الخَلَق (٢)] حتَّى تَسْتَجِدَّ غيرَه

طلى الطاء واللام والحرف المعتل أصلانِ صحيحان ، أحدهما يدلُّ على لطْخ شىءٍ بشىء ، والآخر على شىءٍ صغيرٍ كالولدِ للشَّىء.

فالأوّل طلَيتُ الشَّىءَ بالشَّىء ، * أطليه.اطَّليتْ (٢)] بالشَّىء أَطَّلِى به. والطِّلاء : جنسٌ من الشَّراب ، كأنَّه ثَخُنَ حتَّى صار كالقَطِران الذى يُطلى به. والمِطلاء : أرضٌ مِئْناثٌ ، والجمع المَطَالِى ، وهو من القياس وذلك أنَّها قد طُليتْ بشىء حتَّى لانت.

ومن الباب : كلامٌ لا طَلاوَةَ له ، إذا كان غثًّا (٣) ، كأنه إذا كان خلاف ذلك فقد طُلِىَ بشىءٍ يُحلِّيه. وبأسنانهِ طَلِىٌ وطِلْيَانٌ. وقد طَلِىَ فوه يَطْلَى طَلاً ، وهى الصُّفْرَة ، كأنها طُلِيَت به.

__________________

(١) صدره كما فى ديوانه ٥ واللسان (طلم ، مطر) :

تظل جيادنا دتمطرات

وفى الأصل «تلطمهن» ، صوابه فى المجمل.

(٢) التكملة من المجمل.

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) الطلاوة مثلثة الطاء ، وفى الأصل : «إذا كان غبا» ، صوابه فى المجمل.


والأصل الآخر الطِّلْوَة : ولد الوحشيّة الأنثى ، والذكر طِلاً. ويقولون الطِّلْو : الذِّئب ، ولعله أن يكون ولدَه ؛ لما ذكرناه.

ثم يشتَقّ من هذا فيقال للحبْل الذى يشدُّ به الطِّلَا طِلْوة. كذا قال ابن دريد (١). فأمَّا أحمد بن يحيى ثعلب فأنشدنى عنه القَطْان :

ما زال مذْ قُرِّف عنه جُلَبُه

له من اللّؤم طَلِىٌ يجذبُه (٢)

قال الفرّاء : طَلَيت الطِّلا وطَلَوْته ، إذا ربطتَه برِجْله.

وقد بقى فى الباب ما يبعُد عن هذا القياس ، إلا أنَّه فى بابٍ آخر. قال الشَّيبانىّ : الطلَا : الشَّخص ؛ يقال إنَّه لجميل الطَّلا. وأنشد :

وخدّ كمَتْنِ الصُّلَّبىِّ جَلَوتَه

جميلِ الطَّلَا متشرِبِ الوَرْسِ أكحلِ (٣)

فهذا إن صحَّ فهو عندى من الإبدال ، كأنَّه أراد الطَّلَل ثم أبدل إحدى اللامين حرفاً معتلًّا. وهو من باب : «تقضِّى البَازِى (٤)» وليس ببعيد. ومنه أيضاً الطُّلْيَة والجمع الطُّلَى: الأعناق. وإنَّما سمِّيت كذا لأنَّها شاخصةٌ ، محمولة على الطَّلا الذى هو الشَّخْص.

طلب الطاء واللام والباء أصلٌ واحد يدلُّ على ابتغاء الشَّىء. يقال طلبت الشىء أطلبه طلَباً. وهذا مَطْلَبى ، وهذه طَلِبَتى. وأَطلبتُ فلاناً بما ابتغاه ،

__________________

(١) فى الجمهرة (٣ : ١١٧).

(٢) فى الأصل : «عنه حبله له من الطلى يجذبه» ، وتصحيحه من المجمل.

(٣) عجزه فى المجمل. وهو بتمامه فى اللسان (طلى).

(٤) أى تقضضه. أنشد فى اللسان (قضض) للعجاج :

تقضى البازى إذا البازى كسر


أى أسعفته به. وربما قالوا أطْلَبْتُه ، إذا أحوجتَه إلى الطَّلَب. وأطْلَبَ الكلأ : تباعد عن الماء ، حتّى طلبه القوم ، وهو ماء مُطْلِب. قال ذو الرّمّة :

[أضَلَّه راعيا كَلْبيَّةٍ صَدَرَا

عن مُطْلِبٍ قاربٍ وُرَّادُهُ عُصبُ (١)]

طلح الطاء واللام والحاء أصلانِ صحيحان ، أحدهما جنس من الشجر ، والآخر بابٌ من الهزال وما أشبهه.

فالأوّل الطَّلْح ، وهو شجرٌ معروف ، الواحدةُ طلحة. وذو طُلُوحٍ : مكان ، ولعلَّ به طَلْحاً. ويقال إبلٌ طَلَاحَى وطَلِحة ، إذا شكَتْ عن أكل الطَّلْح.

والثانى : قولهم ناقةٌ طِلْح أسفارٍ ، إذا جهَدها السَّير وهَزَلَها ؛ وقد طَلِحَتْ. والطِّلْح: المهزول من القِرْدان. قال :

إذا نام طِلْحٌ أشعثُ الرّأس خلفَها

هداه لها أنفاسها وزفيرُها (٢)

ومن الباب الطَّلاح : ضدُّ الصَّلاح ، وكأنَّه من سوء الحال والهُزَال.

طلخ الطاء واللام والخاء ليس بشىء ، وذكروا فيه كلمةً كأنَّها مقلوبة. قال الخليل : الطَّلْخ : اللَّطْخ (٣) بالقَذَر. ويقال الغِرْيَن الذى يبقى فى أسفل الحوض.

طلس الطاء واللام والسين أصل صحيح ، كأنَّه يدلُّ على ملاسة. يقال لفخِذ البعير إذا تساقط عنه شعره : طِلْس. ومنه طَلسْت الكتابَ (٤) ، إذا

__________________

(١) البيت ساقط فى الأصل ، وإثباته من الديوان ٣٠ واللسان (طلب).

(٢) للحطيئة فى ديوانه ١٠٠ واللسان (طلح).

(٣) فى الأصل : «واللطخ بالقدر» ، صوابه فى المجمل.

(٤) يقال بتشديد اللام وتخفيفها.


محوته ، كأنّك قد مَلّسته (١). فأمَّا الذِّئب الأطلس فيقولون الأغبر ، والقياس يدلُّ على أنَّه الذى قد تمعَّط شعره. فإِنْ كان ما يقولونه صحيحاً فكأنَّه من غُبْرته قد ألبس طيلساناً. والطَّيْلَسان بفتح اللام صحيح (٢) ، وفيه يقول الشاعر :

وليلٍ فيه يُحسَبُ كلّ نجمٍ

بدَالك من خَصَاصة طَيْلسانِ (٣)

طلع الطاء واللام والعين أصلٌ واحد صحيح ، يدلُّ على ظهورٍ وبُروز ، يقال طلعت الشمس طُلوعا ومَطْلَعاً. والمَطْلِع : موضع طلوعها. قال الله تعالى : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ). فمن فتح اللام أراد المصدر ، ومن كسر أراد الموضع الذى تطلعُ منه. ويقال طلَعَ علينا فلانٌ ، إذا هجم. وأطْلَعْتُك على الأمر إطْلاعا. وقد أطلعتُك طِلْعَهُ. والطِّلاع : ما طلَعت عليه الشَّمس من الأرض. وفى الحديث : «لو أنّ لى طِلَاعَ الأرض ذهباً». ونَفْسٌ طُلَعَةٌ : تتطلَّع للشىء. وامرأةٌ طُلَعَةٌ ، إذا كانت تكثر الاطِّلاع. والطَّلْع : طَلْع النَّخلة ، وهو الذى يكون فى جوفه الكافُور. وقد أطلعت النخلة. وقوس طِلَاعُ الكفِّ ، إذا كان عَجْسها* يملأُ الكفّ. قال أوس :

كَتُومٌ طِلَاع الكفِّ لا دونَ مِلْئِها

ولا عَجْسُها عن موضع الكفِّ أفضلا (٤)

ومن الباب : استطلعتُ رأىَ فلانٍ ، إذا نظرتَ ما الذى يَبْرزُ إليك منه. وطَلْعة الإِنسان : رؤيته ؛ لأنّها تطلُع. ورمى فلان فأطْلَعَ وأشْخَص ، إذا مرَّ سهمُه

__________________

(١) فى الأصل : «طلسته».

(٢) الحق أنه فارسى معرب من «تالسان».

(٣) فى الأصل : «يحسب فيه» ولا يستقيم به الوزن.

(٤) ديوان أوس ٢١ واللسان (طلع). وسيأتى فى (عجس).


برأس الغَرَض. وطليعة الجيش : من يطَّلِع طِلْعَ العدوّ. والمُطَّلَع : المأْتَى ؛ يقال أين مُطَّلع هذا الأمر ، أى مأْتاه. فأمَّا قوله عليه السّلام : «لافتدَيْتُ به من هول المُطَّلع (١)». ومن الباب الطلَعاء : القىء ؛ يقال أطْلَع : إذا قاء.

طلف الطاء واللام والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على إهانة الشَّىء وطَرْحه ، ثم يُحمَل عليه. فالطَّلَف : الهَدَر من الدِّماء. وكلُّ شىءٍ لم يُطْلب فهو هَدَر. قال :

حَكَمَ الدّهرُ علينا إِنه

طَلَفٌ ما نال منا وجُبارُ (٢)

والمحمول عليه الطَّنَف : العطاء ، ولا يُعطى الشّىءُ حتّى يكون أمره خفيفاً عند المعطِى. يقال أطْلَفَنى وأسْلَفَنى. فالطَّلَف : العطاء. والسَّلَف : ما يُقتضَى. والطَّلَف : الهَيِّن. قال :

وكلُّ شىءٍ من الدُّنيا نُصَاب به

ما عِشت فينا وإنْ جلَّ الرُّزَى طَلَفُ (٣)

والطَّلِيف والطَّلَف متقاربان. وقولهم إنّ الطَّلَفَ الفَضْل ، ليس بشىء ، إلّا أن يراه أنّه الفاضل عن الشىء ، لما ذكرناه.

طلق الطاء واللام والقاف أصلٌ صحيحٌ مطّرد واحد ، وهو يدلُّ على التَّخلية والإرسال. يقال انطلق الرجل ينطلق انطلاقاً. ثمّ ترجع الفروع إليه ، تقول أطْلَقته إطلاقاً. والطِّلْق : الشىء الحلال ، كأنّه قد خُلِّى عنه فلم يُحظَر.

__________________

(١) الكلام بعده مبتور. وفى اللسان : «يريد به الموقف يوم القيامة أو ما يشرف عليه من مر الآخرة عقيب الموت».

(٢) للأفوه الأودى فى ديوانه ٩ مخطوطة الشنقيطى واللسان (طلف).

(٣) أنشده فى المجمل أيضا بهذا الضبط.


ومن الباب عَدَا الفرس طَلَقاً أو طَلَقين. وامرأة طالقٌ : [طلَّقها زوجُها (١)] ، وطالقةٌ غدا. وأطلَقْت النّاقةَ من عِقالها وطَلّقتها فطلَقت. ورجل طَلْق الوَجه وطليقُه ، كأنَّه منطلق. وهو ضدُّ الباسر ؛ لأنّ الباسر الذى لا يكاد يَهَشّ ولا ينفسِحُ ببشاشة. وأهل اليمن يقولون: أبسر المركب ، إذا وقف (٢). ويقال طَلَقَ يدَه بخير وأطْلَق بمعنى. وأنشد ثعلب :

اطْلُقْ يديك تنفعاكَ يا رجُلْ

بالرَّيث ما أرويتَها لا بالعَجَلْ (٣)

والطَّالق : الناقة تُرسَل ترعى حيث شاءت. ويقال للظَّبْى إذا مرَّ لا يُلوِى على شىء : قد تَطلَّق. ورجل طِلَقْ اللسان وطَلِيقُه. وهذا لسانٌ طلق ذلق (٤) وتقول : هذا أمرٌ ما تَطَلَّقُ نفسى له ، أى لا تنشرح له. ويقال طُلِّق السَّليم ، إذا سكن وجعُه بعد العِداد. قال :

تطلِّقه طَوْراً وطوْراً تُرَاجِعُ (٥)

فأمّا قوله :

كما تعترى الأهوالُ رأسَ المطلَّقِ (٦)

فإنّه يُروى كذا بفتح اللام : المطلَّق ، وهو الذى طُلِّق من وجع السّمّ.

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) كذا وردت هذه العبارة.

(٣) البيت فى اللسان (طلق). قال : «ويروى : أَطْلِقْ».

(٤) هذان يقالان وكل منهما ككتف وصرد ، وبضمتين.

(٥) للنابغة فى ديوانه ٥٢ واللسان (طلق). وصدره :

قبت كأني ساورتني؟

(٦) صدره فى اللسان (طلق) :

تبيت الهموم الطارقات يعدنني


ومن الناس (١) من يرويه «المطلِّق» بكسر اللام ، فمعناه أنَّهم يسمُّون الرّجل الذى يريد أن يُسابِق بفرسه المطلِّق ، فالأهوالُ تعتريه ، لأنَّه لا يدرى أيَسْبِق أم يُسْبَق.

قال الشيبانىّ : الطالق من [الإبل (٢)] التى يتركُها الراعى لنفسه ، لا يحلبُها على الماء. يقال : استطلق الرّاعى لنفسه ناقةً. وليلة الطَّلَق : [ليلةَ (٢)] يخلِّى الراعى إِبلَه إِلى الماء ، وهو يتركها مع ذلك ترعى ليلتَئذ. يقال أطلقْتُها حتَّى طَلَقَت طَلَقاً وطُلوقا ، وهى قبل القَرَب وبعد التحويز.

باب الطاء والميم وما يثلثهما

طمن الطاء والميم والنون أُصَيل بزيادة همزة. يقال اطمأنَ المكان يطمئنّ طُمَأْنِينة. وطامنت مِنه : سَكَّنت.

طمى الطاء والميم والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على علوّ وارتفاع فى شىءٍ خاص. يقال طما البحرُ يطمو ويَطْمِى لغتان ، وهو طامٍ ، وذلك إذا امتلأ وعلا. ويقال طَمَى الفرسُ ، إذا مرّ مُسرِعا. ولا يكون ذلك إلَّا فى ارتفاع.

طمث الطاء والميم والثاء أصلٌ صحيح يدل على مسِّ الشىء. قال الشَّيبانى : الطَّمْث فى كلام العرب المسُّ ، وذلك فى كلِّ شىءٍ. يقال : ما طَمَث

__________________

(١) فى الأصل : «ومن الباب».

(٢) التكملة من المجمل.

(٢) التكملة من المجمل.


ذا المرتعَ قبلنا أحد. قال : وكلُّ شىء يُطمث. ومن ذلك الطَّامث * وهى الحائض ، طَمِثَتْ وطَمَثَتْ. ويقال طَمَثَ الرَّجُل المرأةَ : مسَّها بجِماع. وهذا فى هذا الموضع لا [يكونُ] بجماع وحده (١). قال الله تعالى : (لَمْ يَطْمِثْهُنَ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ). قال الخليل : طمثْتُ البعير طمْثاً ، إذا عقلتهُ (٢). ويقال : ما طمث هذه الناقةَ حَبْلٌ قط ، أى ما مسَّها. وأمَّا قول عدىّ :

أو طَمْثِ العَطَنْ (٣)

فقال قوم : الطَّمْث : الدّنَس.

طمح الطاء والميم والحاء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على علوّ فى شىء. يقال طَمَح ببصره إلى الشىء : علا. وكلُّ مرتفعٍ طامح. وطمَح ببوله ، إِذا رماه فى الهواء. قال :

طويلٍ طامحٍ الطّرف

إلى مَفْزَعَةِ الكَلْبِ (٤)

ومن الباب طَمَحات الدّهر : شدائدُه

طمر الطاء والميم والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على معنيين : أحدهما الوثب ، والآخر وهو قريبٌ من الأوّل : هَوِىّ الشَّىء إلى أسفل.

__________________

(١) فى الأصل : «إلا بجماع وحده». والمفهوم من صنيع اللسان أن الطمث الافتضاض بالتدمية. أى جماع البكر.

(٢) فى الأصل : «علقته» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) قطعة من بيت له فى اللسان (طمث). وهو بتمامه :

طاهر الأثواب يحمى عرضه

من؟ الذمة أطث العطن

(٤) لأبى داود الإيادى ، كما فى الحيوان (٢ : ١٦٨). واللسان (طمع). وحقق البكرى فى التنبيه أنه لعقبة بن سابق الهزانى. انظر شرح الحيوان (٢ : ١٦٨). وسيأتى فى (فزع).


فالأوَّل : طمَر : وثَب ، فهو طامر. ويقال للفرس طِمِرٌّ ، كأنّه الوثّاب. وطامرُ بن طامرٍ : البرغوث.

والأصل الآخر طَمَر ، إذا هوى. والأمر المطمِّر : المهلك. والأمور المُطمِّرات : المهلكات. وطمارِ (١) : مكان يُرْفَع إِليه الإنسان ثم يُرْمَى به. قال :

إلى رجلٍ قد عَقرَ السَّيْفُ وجهَه

وآخرَ يهوى من طَمَارَ قتيلِ (٢)

ومن الباب : طمرت الشَّىء : أخفيتُه. والمطمورة : حفرةٌ تحتَ الأرض يُرمى فيها الشىء ومن الباب : طَمرت الغِرارةَ ، إذا ملأتَها ؛ كأنّ الشىء قد رُمِىَ بها.

ومما شذّ عن الباب الطِّمْر : الثّوب الخَلَق. وقولهم إنّ المِطْمَر زِيجٌ للبنَّاء ، فهو ممّا أعلمتك أنّه لا وجهَ للشُّغل به.

طمس الطاء والميم والسين أصلٌ يدلُّ على محوِ الشىء ومسحِه. يقال طَمَسْتُ الخَطّ، وطمست الأثرَ. والشىءُ طامسٌ أيضاً. وقد طَمَس هو بنفسه.

طمش الطاء والميم والشين لا قياسَ له ، ولو لا أنّه فى الشّعر لكان من المشكوك فيه ؛ لأنّه لا يُشبِه كلامَ العرب. على أنهم يقولون : ما أدرى أىُ الطمْشِ هو؟ أىْ أىُّ الناس والخلْق هو. قال :

__________________

(١) طمار ، بفتح الطاء ، مثل قطام بالبناء على الكسر ، ويقال أيضا بالإعراب مع منعه من الصرف. وضبط هذه الكلمة غامض فى اللسان والقاموس. انظر معهما معجم البلدان فى رسمه.

(٢) لسليم بن سلام الحنفى ، يقوله فى مسلم بن عقيل بن أبى طالب ، وهانئ بن عروة المرادى.

انظر اللسان (ظمر) ، ومعجم البلدان. وقبله فيهما :

فأن كنت لا تدرين ما الموت فانظري

إلى مانى في السوق وابن عقيل


وَحْشٌ ولا طَمْش من الطُّمُوش (١)

طمع الطاء والميم والعين أصلٌ واحدٌ صحيح يدلُّ على رجاءٍ فى القلب قوىٍّ للشّىء. يقال طَمِع فى الشىء طمَعاً وطَمَاعة (٢) وطماعِيَة. ولطَمُعْتَ يا زيد (٣) كما يقولون : لَقَضُو القاضى. هذا عند التعجُّب. ويقال امرأة مِطْماعٌ ، للتى تُطمِع ولا تُمْكِن.

طمل الطاء والميم واللام أُصَيْلٌ يدل على ضَعَةٍ وسَفَالٍ. وأصله الذى يبقى فى أسفل الحوض من الماء القليل والطِّين ، يقال لذلك الطَّمْلَة. يقال : اطُّمِلَ ما فى الحوض ، وقد اطَّمَلَهُ ، إذا لم يترك فيه قَطْرَة (٤). ثم يحملون على هذا فيقولون للمرأة الضَّعيفة : طِمْلَة ، وللرجل اللصّ طِمْل. ويقولون : إنّ الطِّمْل : الفاحش. والله أعلم بالصواب.

باب الطاء والنون وما يثلثهما

طنى الطاء والنون والحرف المعتل كلمة تدلُّ على مرضٍ من أمراض الإبل. يقال طَنِىَ البعير ، إذا التصقت رئتُه بجنْبه فمات ، يَطْنَى طَنَى. ويقال ما طَنِيتُ بهذا الأمر ، أى ما تعرَّضْتُ له ، كأنّه يقول : ما لصق بى ولا تلطَّخت به.

وأمّا المهمور فليس من الباب فى البناء ، لكنه فى المعنى متقارب. يقولون : إنّ الطِّنْءَ: الرِّببة. قال :

__________________

(١) لرؤبة كما سبق فى (حشر ٦٦).

(٢) فى الأصل : «ولا طماعة». وكلمة «لا» مقحمة ، ليست فى المجمل.

(٣) فى الأصل : «وأطمعت يا زيد». وفى المجمل : «وقال بعضهم : لطمع الرجل بضم الميم تعجبا ، وكذلك لقضو القاضى».

(٤) فى الأصل : «وطرة» ، صوابه فى المجمل واللسان.


كأنّ على ذى الطِّنْءِ عَيْناً رقيبة

بمقْعَده أو منظرٍ وهو ناظرُ (١)

وإنما سميت بذلك لأنّ الريبة مما يلطَّخ ويتلطَّخ به.

ومما شذّ عن الباب الطنْء : المنزل ، وقد يهمز (٢) ، وهو يبعد عن الذى ذكرناه بعداً.

ومما شذّ أيضاً قولهم : تركته بِطنْئِه ، أى بحُشاشةِ نفسِه.

طنب الطاء والنون والباء أصلٌ يدلُّ على ثَبات الشىء وتمكنه فى استطالة. من ذلك الطُّنُب : طُنُب الخِيام ، وهى حبالُها التى تشدّ* بها. يقال طَنَّبَ بالمكان : أقام. والإطنابة : المظِلّة ، كأنّها إفعالة من طَنَبَ ؛ لأنها تثبت على ما تُظلِّله (٣). والإطنابة : سيرٌ يشدُّ فى طرَف وترِ القَوْس.

ومن الباب قولهم : أطنب فى الشىء إذا بالَغَ ، كأنّه ثبت عليه إرادةً للمبالغة فيه. ويقولون : طَنِبَ الفَرَسُ ، وذلك طول المَتن وقوَّته ، فهو كالطُّنُب الذى يمدُّ ثم يثبَّتُ به الشىء. وكذلك أطنَبَت الإبل ، إذا تَبِع بعضُها بعضا فى السير. وأطنبت الرِّيح إطنابا ، إذا اشتدّت فى غُبار. ومعنى هذا أن ترتفع الغَبَرَة حتى تصير كالإطنابة ، وهى كالمظلّة.

طنخ الطاء والنون والخاء كلمةٌ إن صحت. يقولون طَنِخ ، إذا بَشِم ، ويقال إذا سَمِن.

طنف الطاء والنون والفاء أصلٌ صحيح يدلُّ على دَوْر شىءٍ على شىء. يقولون الطُّنُف : حَيد فى الجبَل يطنّف به. ويقولون الطُّنُف : إفريز الحائط

__________________

(١) صدره فى اللسان (طنأ) برواية : «عينا بصيرة».

(٢) كذا وردت هذه العبارة.

(٣) فى الأصل : «على ما تظلل به».


والطنف (١) : السُّيور. فأمّا الطَّنَف فى التُّهَمة فهو من المقلوب ، كأنّه من النَّطَف ، وقد ذكرناه فى بابه.

ومما شذّ عن الباب شىءٌ حُكى عن الشيبانى ، أن الطنف الذى يأكل القليل (٢). يقال ما أطْنَفه.

باب الطاء والهاء وما يثلثهما

طهى الطاء والهاء والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على أمرين إمّا على معالجة شىء ، وإمّا على رِقّة.

فالأوّل علاج اللحم فى الطَّبخ. والطَّاهى : فاعل ، وجمعه طُهاة. قال :

فَظَلَ طُهَاةُ اللّحْم من بين مُنْضِجٍ

صَفِيفَ شِواءٍ أو قديرٍ مُعَجَّلِ (٣)

وقال أبو هريرة فى شىء سُئِل عنه : «فما طَهْوِى إذاً ـ أى ما عملى ـ إن لم أحْكِمْ ذلك». وحكى بعضُهم طَهَت الإبل تَطْهَى ، إذا نَفَشَت باللَّيل ورعت ، طَهْياً (٤) ، كأنّها فى ذلك تعالجُ شيئا. قال :

ولسنا لباغى المُهْمَلاتِ بقِرْفةٍ

إذا ما طَهَى بالليل منتشراتُها (٥)

__________________

(١) هذا يقال بفتحتين وبضمتين.

(٢) ذكر هذا المعنى فى القاموس ، ولم يذكر فى اللسان.

(٣) لامرىء القيس فى معلقته.

(٤) وطهوا ، بالفتح ، وطهوا على فعول.

(٥) للأعشى فى ديوانه ٦٢ والمجمل واللسان (طها). وفى الأصل : «ولست» ، تحريف. وفى الحيوان (٥ : ٤٣٤): «إذا ما طما».


والأصل الآخر الطَّهَاء ، وهو غيم رقيق. وطُهَيَّةُ : حىٌّ من العرب ، ومن ذلك اشتُقّ. والنسبة إليهم طُهَوِىّ وطُهْوِىّ (١)

طهر الطاء والهاء والراء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على نقاءٍ وزوالِ. دَنَسٍ. ومن ذلك الطُّهْر : خلاف الدّنَس. والتطهُّر : التنزُّه عن الذمِّ وكلِّ قبيح. وفلانٌ طاهر الثِّياب ، إذا لم يدنَّس. [قال] :

ثيابُ بنى عوفٍ طَهَارَى نقيّةٌ

وأوجُهُمْ عند المسَافر غرّانُ (٢)

والطَّهور : الماء. قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً). وسمعتُ محمّد بن هارونَ الثَّقفى يقول : سمعت أحمد بن يحيى ثعلباً يقول : الطَّهور : الطاهر فى نفسه ، المُطَهِّر لغيره

طهش الطاء والهاء والشين ليس بشىء. وذُكرتْ كلمةٌ فيها نظر ، قالوا : الطَّهْش : فَساد العمل.

طهف الطاء والهاء والفاء كالذى قبله. على أنَّهم يقولون : الطَّهْفَ طعامٌ يتَّخذ من الذُّرة ، ويقال هى أعالى الصِّلِّيان. ويقولون : الطُّهافة : الذُّؤابة. وكلُّ ذلك كلام.

طهل الطاء والهاء واللام كلمةٌ إنْ صحت. يقولون طَهِلَ الماء : أجَنَ. والطهْلِئة (٣) : الطين الذى يَنْحَتُّ من الحوض فى الماء.

__________________

(١) ويقال أيضا طهوى ، بالفتح ، وبالتحريك.

(٢) لامرئ القيس فى ديوانه ١١٥ واللسان (طهر ، غرر).

(٣) فى الأصل : «والطهيلة» ، صوابه فى المجمل واللسان.


طهم الطاء والهاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على شىءٍ فى خَلْقِ الإِنسان وغيرِه. فحكى أبو عبيدة أنَ المُطَهَّم : الجميل التامّ الخَلْق من الناس والأفراس. وقال غيره : المطَهَّم : المَكلْثَم المجتمِع. وهذا عندنا أصحُّ القولين ؛ للحديث الذى رواه علىٌّ عليه السلام فى وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لم يكن بالمطهَّم ولا المكلْثم». وحكيت كلمةٌ إن صحّت ، قالوا : تطهَّمّتُ الطعامَ : كرهته.

باب الطاء والواو وما يثلثهما

طوى الطاء والواو والياء أصلٌ صحيح يدلُّ على إدراج شىء حتَّى يدرَج بعضُه فى بعض ، ثم يحمل عليه تشبيهاً. يقال طويت الثَّوبَ والكِتاب طَيًّا أطويه. ويقال طَوَى الله عُمر الميّت. والطَّوِىّ : البئر المطوية. قال :

فقالت له : هذا الطَّوِىُ وماؤه

ومحترقٌ من يابس الجِلْد قاحِلُ (١)

ومما حمل على هذا الباب قولهم* لمن مضى على وجهه : طوى كَشْحَه. وأنشد :

وصاحبٍ لى طوى كشحاً فقلتُ له

إنّ انطواءَك عنِّى سوف يَطوينى (٢)

وهذا هو القياس ؛ لأنّه إذا مضى وغاب عنه فكأنه أُدرج.

ومن الباب أطواء النّاقة ، وهى طرائقُ شحم جنبَيْها. والطَّيَّانُ : الطّاوِى البطن. ويقال طوِىَ ؛ وذلك أنّه إذا جاع وضَمُر صار كالشَّىء الذى لو ابتُغِىَ طيُّه لأمكن. فإِنْ تعمَّد للجُوع قال : طَوَى يَطْوِى طيًّا ، وذلك فى القياس صحيح ،

__________________

(١) البيت لمزرد بن ضرار ، من مقطوعة فى الحيوان (٢ : ١٨ ـ ١٩).

(٢) فى اللسان (طوى): «هذا عنك يطوينى».


لأنّه أدرج الأوقاتَ فلم يأكلْ فيها. قال الشاعر (١) فى الطَّوَى :

ولقد أبيتُ على الطَّوَى وأظلُّه

حتّى أنالَ به كريمَ المأكلِ

ثم غيَّرُوا هذا البناءَ أدنى تغييرٍ فزال المعنى إلى غيره فقالوا : الطَّاية (٢) ؛ وهى كلمةٌ صحيحة تدلُّ على استواءٍ فى مكان. قال قوم : الطَّاية : السَّطْح. وقال آخرون : هى مِرْبَد التَّمر. وقال قوم : هى صخرةٌ عظيمة فى أرضٍ ذاتِ رمل.

طوب الطاء والواو والباء ليس بأصل ؛ لأنّ الطوب فيما أحسب هذا الذى يسمى الآجُرّ ، وما أظُنُّ العربَ تعرفه. وأمّا طُوبَى فليس من هذا ، وأصله الياء ، كأنها فعلى من الطِّيب ، فقلبت الياء واواً للضمَّة.

طوح الطاء والواو والحاء ليس بأصل ، وكأنّه من باب الإبدال. يقال طاح يَطِيح. ثم يقولون : طاح يَطُوح ، أى هَلَك.

طود الطاء والواو والدال أصلٌ صحيح ، وفيه كلمةٌ واحدة. فالطَّود : الجبَل العظيم. قال الله سبحانه : (فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ). ويقولون : طَوَّدَ فى الجبل ، إذا طوَّف ، كأنّه فعل مشتقٌّ من الطَّود.

طور الطاء والواو والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على معنىً واحد ، وهو الامتداد فى شىء ، من مكانٍ أو زمانٍ. من ذلك طَوَار الدَّار ، وهو الذى يمتدُّ معها من فِنائها. ولذلك [يقال] عدا طَوْره ، أى جاز الحدَّ الذى هو له من دارِه. ثم استعير ذلك فى كل شىء يُتعدَّى. والطُّور : جبلٌ ، فيجوز أن يكون اسماً

__________________

(١) هو عنترة. وفى ديوانه ١٨١ أن النبى صلى الله عليه وسلم أنشد هذا البيت فقال : «ما وصف لى أعرابى قط فأحببت أن أراه إلا عنترة».

(٢) جعلت فى اللسان فى مادة (طي) ، وفى القاموس فى (طوى).


علَما موضوعا ، ويجوز أن يكون سمِّى بذلك لما فيه من امتدادٍ طولاً وعَرضا. ومن الباب قولهم : فعل ذلك طَوْراً بعد طَور. فهذا هو الذى ذكرناه من الزَّمان ، كأنّه فَعَله مدَّةً بعد مدة. وقولهم للوحشىِّ من الطَّير وغيرها طُورِىّ وطُورانىٌ ، فهو من هذا ، كأنَّه توحَّشَ فعدا الطَّورَ ، أى تباعد عن حدِّ الأنيس.

طوس الطاء والواو والسين ليس بأصل ، إنّما فيه الذى يقال له الطَّاوُس. ثم يشتقّ منه فيقال للشَّىء الحسن : مُطوَّس. وحُكى عن الأصمعىّ : تطوَّست المرأةُ : تزيّنَت. وذكر فى الباب أيضاً أنّ الطَّوْس : تغطيةُ الشّيء. يقال طُسْته طَوْساً ، أى غطَّيته. قالوا : وطَوَاس(١) : ليلةٌ من ليالى المِحُاق.

طوع الطاء والواو والعين أصلٌ صحيح واحد يدلّ على الإصحابِ والانقياد. يقال طاعَه يَطُوعه ، إذا انقاد معه ومضى لأمره. وأطاعه بمعنى طاعَ له. ويقال لمن وافَقَ غيرَه : قد طاوعه.

والاستطاعة مشتقّة من الطَّوع ، كأنها كانت فى الأصل الاستطواع ، فلما أسقطت الواو جعلت الهاء بدلاً منها ، مثل قياس الاستعانة والاستعاذة.

والعرب تقول : تطاوَعْ لهذا الأمر حتى تستطيعَه. ثم يقولون : تطوَّعَ ، أى تكلَّف استطاعَته. وأمّا قولهم فى التبرُّع بالشىء : قد تطوَّعَ به ، فهو من الباب ، لكنّه لم يلزمه ، لكنّه انقاد مع خيرٍ أحبَّ أن يفعله. ولا يقال هذا إلّا فى باب الخير والبِرّ. ويقال للمجاهِدَةِ الذين يتطوَّعون بالجِهاد : المُطَّوِّعة ، بتشديد الطاء والواو ،

__________________

(١) كذا ضبط فى المجمل ، ومثله فى القاموس ، إذ ضبطه كسحاب. وفى اللسان ضبط بالضم ضبط قلم.


وأصله المتطوّعة ، ثم أدغمت التاء فى الطاء. قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، أراد ـ والله أعلم ـ المتطوِّعين.

طوف الطاء والواو والفاء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على دَوَران الشىء على الشىء ، وأن يحُفَّ به. ثم يُحمل عليه ، يقال طاف * به وبالبيت يطوف طَوْفاً وطَوَافاً ، واطَّاف به ، واستطاف. ثم يقال لما يدور بالأشياء ويُغَشِّيها من الماء طُوفَان. قال الخليل : وشبَّه العجّاج ظلامَ الليل بذلك ، فقال :

وعمَ طُوفانُ الظَّلَامِ الأثْأَبَا (١)

و «غَمَّ» أيضاً. ومن الباب : الطّائف ، وهو العاسُّ. والطَّيْفُ والطائف : ما أطاف بالإنسان من الجِنَّان. يقال طاف ولطَّاف. قال الله تعالى : إذا مسّهم طيف من الشّيطان (٢) وطائِفٌ أيضاً. قال الأعشى :

وتُصْبِحُ عن غِبِّ السُّرَى وكأنما

ألمَّ بها من طائف الجنِّ أولَقُ (٣)

ويقولون فى الخيال : طافَ وأطافَ. ويُرْوَى :

أنَّى أَلَمَّ بكَ الخيالُ يُطيف

وطوافه بك ذِكرةٌ وشُعوف (٤)

ويروى : «ومطافه لك ذِكرة وشُغوف». فأمَّا الطائفة من النّاس فكأنّها جماعةٌ تُطِيف بالواحد أو بالشىء. ولا تكاد العرب تحدُّها بعددٍ معلوم ، إلَّا أنّ الفقهاء

__________________

(١) للعجاج فى ديوانه ٧٤ واللسان (طوف).

(٢) هى قراءة ابن كثير وأبى عمرو والكسائى ويعقوب. وقراءة الباقين : (طائِفٌ). إتحاف فضلاء البشر ٢٣٤ ، وهى الآية ٢٠١ من سورة الأعراف.

(٣) ديوان الأعشى ١٤٧ واللسان (طوف ، ولق).

(٤) نسب فى اللسان (طيف) إلى كعب بن زهير ، وهو فى ديوانه ١١٣ طبع دار الكتب.


والمفسِّرين يقولون فيها مرّة : إنّها أربعةٌ فما فوقها ، ومرّة إنّ الواحد طائفةٌ (١) ، ويقولون : هى الثَّلاثة ، ولهم فى ذلك كلامٌ كثير ، والعربُ فيه على ما أعلمتك ، أنّ كلَّ جماعةٍ يمكن أن تُحفَّ بشىء فهى عندهم طائفة ، ولا يكاد هذا يكون إلَّا فى اليسير هذا فى اللغة والله أعلم. ثم يتوسَّعون فى ذلك من طريق المجاز فيقولون : أخَذْتُ طائفةً من الثَّوب ، أى قطعة منه. وهذا على معنى المجاز ، لأنَ الطائفة من النّاس كالفِرقة والقطعة منْهم. فأمَّا طائفُ القوس [فهو] ما بلى أبْهَرَها.

طوق الطاء والواو والقاف أصلٌ صحيح يدلُّ على مِثل مادلَّ عليه الباب الذى قبلَه. فكلُّ ما استدار بشىء فهو طَوق. وسمِّى البِناءُ طاقاً لاستدارته إذا عُقِد. والطَّيلَسان طاقٌ ، لأنّه يدور على لابِسِه. فأمّا قولهم أطاق هذا الأمر إطاقةً ، وهو فى طَوقه ، وطوَّقْتُك الشَّىءَ ، إذا كَلَّفْتُكَه (٢) فكلُّه من الباب وقياسِا ؛ لأنَّه إذا أطاقَه فكأنَّه قد أحاط به ودارَ به من جوانبه.

ومما شذَّ عن هذا الأصل قولُهم : طاقةٌ من خيط أو بَقْل ، وهى الواحدة الفَردةُ منه. وقد يمكن أن يتمحَّل فيقاس على الأوّل ، لكنّه يبعُد.

طول الطاء والواو واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على فضْلٍ وامتداد فى الشىء. من ذلك : طالَ الشَّىءُ يطُول طُولا. قال أحمد بن يحيى ثعلبٌ : الطَّول :

__________________

(١) فى الأصل : «طائفة فما فوقها». والكلمتان الأخيرتان مقحمتان.

(٢) فى الأصل : «كلفته» ، صوابه فى المجمل.


خلاف العَرض. ويقال طاوَلْت فلاناً فطُلْتُه ، إذا كنتَ أطوَلَ منه. وطال فلاناً فلانٌ ، أى إنه أطول منه. قال :

إنّ الفرزدقَ صخرةٌ ملمومةٌ

طالت فليس تنالها الأوعالا (١)

وهذا قياسٌ مطَّرد فى كلِّ ما أشبه ذلك ، فيقال للحبل الطِّوَل ؛ لطوله وامتداده. قال طرفة :

لعمرُك إنّ الموتَ ما أخطأ الفتى

لكالطِّوَل المُرخَى وثِنياهُ فى اليدِ (٢)

ويقولون : لا أكلِّمه طَوَالَ الدَّهر. ويقال جملٌ أطوَلُ ، إذا طالت شفتُه العليا. وطاولَنى فلانٌ فطُلْته ، أى كنت أطولَ منه. والطُّوَال : الطَّويل. والطِّوَال : جمع الطَّويل. وحكى بعضهم : قَلانِسُ طِيالٌ (٣) ، بالياء. وأمرٌ غير طائلٍ ، إذا لم يكن فيه غَناء. يقال ذلك فى المذكَّر والمؤنث. قال :

وقد كلَّفُونى خُطَّةً غيرَ طائلِ (٤)

وتطاولتُ فى قِيامى ، إذا مددتَ رِجليكَ لتنظر. وطوِّلْ فرسَك ، أى أرْخِ طويلتَه فى مرعاه (٥). واستطالُوا عليهم ، إذا قتلوا منهم أكثر ممَّا قتلوا.

طوط الطاء والواو والطاء كلمتان إن صحّتا. يقولون : إنّ الطَّوطَ القطْن. والطوط : الرّجل الطَّويل.

__________________

(١) البيت لسنيح بن رياح الزنجى ، كما فى اللسان (طول) وانظر حواشى الحيوان (٧ : ٢٠٥).

(٢) البيت من معلقته المشهورة.

(٣) فى اللسان : «ابن جنى : لم تقلب إلا فى بيت شاذ ، وهو قوله :

تبين لي أن القماءة فله

وأن أعزاء الرجال طيالها

(٤) أنشد هذا العجز فى اللسان (طول). والطائل يقال للذكر والأنثى.

(٥) وهذا أيضا نص الجوهرى فى الصحاح. قال أبو منصور : «ولم أسمع الطويلة بهذا المعنى من العرب ، ورأيتهم يسمونه الطول».


باب الطاء والياء وما يثلثهما

طيب الطاء والياء والباء أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على خلافِ الخبيث. من ذلك الطيِّب : ضدّ الخبيث. يقال سبىٌ طِيبَةٌ ، أى طيِّبٌ. والاستطابة : الاستنجاء ؛ لأنّ الرجل يطيِّب نفسَه مما عليه من الخُبث بالاستنجاء. ونهى رسول الله* صلى الله عليه وآله أن يَستطِيب الرّجُل بيمينه. والأطيبانِ : الأكل والنِّكاح. وطَيْبَة (١) مدينة الرسول صلى الله عليه وآله. ويقال : هذا طعام مَطْيَبةٌ للنَّفس. والطَّيِّب : الحلال. والطاب : الطيِّب. قال:

مُقابَلَ الأعراقِ فى الطَّابِ الطَّابْ

بين أبى العاص وآلِ الخطّابْ (٢)

طيخ الطاء والياء والخاء أصلٌ صحيح يدلُّ على تلطّخٍ بغير جميل. قالوا طاخ يَطيخ وتَطيَّخ ، إذا تلطّخ بالقبيح. وقالوا : الطِّيخ : الخِفّة ، وهو بمعنى الطَّيش. قال الحارث :

[فاتركوا الطَّيْخ والتَّعدّى وإمّا

تتعاشَوا ففى التَّعاشِى الدَّاءُ (٣)]

طير الطاء والياء والراء أصل واحد يدلّ على خِفّة الشّىء فى الهواء.

__________________

(١) يقال أيضا طيبة ، بتشديد الياء ، وطابة ، والمطيبة ، بتشديد الياء المفتوحة.

(٢) الرجز لكثير بن كثير النوفلى ، يمدح به عمر بن عبد العزيز. وقبله :

يا عمر بن الخطاب

وذاك أن أم عمر بن عبد العزيز ، هى أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب ، وأبوه عبد العزيز ابن مروان بن الحكم بن أبى العاص.

(٣) موضع البيت بياض فى الأصل. وأنشد فى المجمل الكلمتين الأوليين من البيت.


ثمّ يستعار ذلك فى غيرِه وفى كلِّ سُرعة. من ذلك الطَّير : جمع طائر ، سمِّى ذلك لما قُلناه. يقال طار يَطير طيَراناً. ثمَّ يقال لكلِّ مَن خفّ : قد طار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «خيرُ النَّاس رجلٌ مُمْسِكٌ بعِنان فرسِه فى سبيل الله ، كلَّما سمِع هَيْعَةً طار إليها». وقال :

فطِرنَا إليهم بالقنابل والقَنَا

ويقال مِن هذا : تطايَرَ الشّىءُ : تفرَّق. واستطار الفجر : انتشر. وكذلك كلُّ منتشِر. قال الله تعالى : (يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً). فأمّا قولهم : تطيَّر من الشىء ، فاشتقاقه من الطَّير كالغراب وما أشبهه. ومن الباب : طائر الإنسان ، وهو عَملُه. وبئر مُطارَةٌ ، إذا كانت واسعة الفم. قال :

هُوِىُّ الرِّيح فى جَفْرٍ مُطارِ (١)

ومن الباب : الطَّيْرة : الغضَب ، وسمِّى كذا لأنَّه يُستَطار له الإنسان. ومن الباب قولهم : خذ ما تطايَرَ من شعر رأسك ، أى طال. قال :

وطارَ جِنّىُّ السَّنَامِ الأطْوَلِ (٢)

طيس الطاء والياء والسين كلمةٌ واحدة. قال :

عددتُ قومِى كعَديدِ الطَّيْسِ (٣)

__________________

(١) صدره فى المجمل واللسان (طير) :

كأن حقيقها إذ بركوها

(٢) لأبى النجم ، كما فى المجمل. وهو من أم الرجز ، مجلة المجمع العلمى بدمشق ١٣٤٧.

والرواية فيها وفى الحيوان (٦ : ١٨٥): «وقام جنى السنام الأميل».

(٣) لرؤبة بن العجاج فى ملحقات ديوانه ١٧٥ واللسان (طيس). وبعده :

إذ ذهب القوم الكرام لبسى


أراد به العدد الكثير.

طيش الطاء والياء والشين كلمةٌ واحدة ، وهى الطَّيش والخِفّة. وطاش السَّهم من هذا ، إذا لم يُصِبْ ، كأنَّه خفّ وطاش وطار.

طين الطاء والياء والنون كلمة واحدة ، وهو الطِّين ، وهو معروف. ويقال طيَّنْت البيتَ ، وطِنْت الكتابَ. ويقال طانَه الله تعالى على الخَير ، أى جَبَله. وكأَنَّ معناه ، والله أعلم ، من طِنت الكتاب ، أى ختمته ؛ كأنَّه طبعه على الخير وختم أمرَه به.

باب الطاء والباء وما يثلثهما

طبخ الطاء والباء والخاء أصلٌ واحد ، وهو الطَّبخ المعروف ، يقال طبَخت الشَّىءَ أطبُخه طبْخاً ، وأنا طابخ ، والشَّىء مطبوخ وطَبِيخ. والطُّبَّخ : جمع الطَّابخ. وقول العجّاج :

والله لو لا أن تَحُشَ الطُّبَّخُ (١)

أراد به الملائكة الموكَّلين بالنَّار. ويقال لسَمائم الحرِّ : طبائخُه. وطابخة : لقبُ رجلٍ من العرب ؛ لأنَّه طبخ طَبْخاً فسمِّى بذلك. ويقال الطُّبَاخَة : ما فار من رُغِوة القِدر إذا طبخت ، وهى الطُّفَاحة والفُوَارَة. ويقال للحُمّى الصَّالبِ : طابخ.

__________________

(١) ديوان العجاج ١٤ واللسان (طبخ). وبعده :

في الجحيم حيث لامستصرخ


ومما يُحمَل على هذا ، ولعلّه أن يكون من الكلام المولَّد ، قولهم : ليس به طَبُاخٌ (١) ، للشَّىء لا قُوَّةَ له ، فكأنهم يريدون ما تناهى بَعدُ ولم ينضَج.

ومما شذَّ عن الباب قولُهم ، وهو من صحيح الكلام ، لفَرخ الضبّ : مُطَبِّخ ، وذلك إذا قوى. يقولون : هو حِسْل ، ثم مطبِّخ ، ثم خُضَرِمٌ ، ثم ضَبّ.

طبس الطاء والباء والسين ليس بشىء. على أنهم يقولون : الطَّبَسانِ : كُورتان. وهذا وشِبهه ممَّا لا معنى لذكره ؛ لأنَّه إذا ذكر ما أشبه كلُّه حُمِل على كلام العرب ما ليس هو منه. وكذلك قول من قال (٢) : إنَ التَّطبيس : التَّطبين (٣).

طبع الطاء والباء والعين أصلٌ صحيح ، وهو مثلٌ على نهايةٍ ينتهى إليها الشىء حتى يختم عندها. يقال طبَعت على الشىء طابَعا. ثم يقال على هذا طَبْعُ الإنسان وسجيَّتُه. ومن ذلك طَبَعَ اللهُ على قَلْب الكافر ، كأنَّه ختم عليه حتى لا يصل إليه هُدًى ولا نُور ، فلا يوفَّق لخير. ومن ذلك أيضاً طبْع السَّيف والدِّرهم ، وذلك إذا ضربه حتى يكمّله. والطَّابع : الخاتم يُختَمُ به*. والطَّابِع : الذى يَختِم.

ومن الباب قولُهم لمْلء المِكيال طَبع. والقياسُ واحد ؛ لأنه قد تكامل وخُتم. وتطبَّع النَّهر ، إذا امتلأ ؛ وهو ذلك المعنى. وكذلك إذا حُمِّلت النّاقة حِمْلَها الوافِىَ الكاملَ ، فهى مطبَّعة. قال :

__________________

(١) فى اللسان : «وجد بخط الأزهرى طباخ بضم الطاء ، ووجد بخط الإيادى طباخ بفتح الطاء». وضبط فى الأصل والمجمل بفتح الطاء.

(٢) هو الخليل كما صرح بذلك فى المجمل.

(٣) التطبين ، بالنون ، كما فى الأصل والمجمل والقاموس. لكن فى اللسان : «التطبيق» بالقاف.


أينَ الشِّظاظانِ وأيْنَ المِرْبَعَهْ

وأيْنَ وَسْقُ النّاقَةِ المطبَّعهْ (١)

قال ابنُ السكِّيت : الطِّبع : النَّهر ، والجمع : الطِّباع. قال :

فتولَّوْا فاتراً مشيُهم

كروايا الطِّبْع همَّتْ بالوَحَلْ (٢)

ولعلَّ الذى قالُوه فى وصف النّهر ، أن يكون ممتلئاً ، حتى يكون أقيس.

ومما شذّ عن هذا الأصل وقد يمكن أن يُقارَب بينهما ، إلا أنَّ ذلك على استكراه ، قولهم للدَّنَس : طَبَع. يقال رجلٌ طَبِعٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «استَعيذوا بالله من طمَعٍ يَهْدِى إلى طَبَعٍ». وقال :

له أكاليلُ بالياقوت فَصَّلَها

صَوَّاغُها لا ترى عَيباً ولا طَبَعا

ومن هذه الكلمة قولهم للرجل إذا لم ينفُذْ فى الأمر : قد طَبِعَ.

طبق الطاء والباء والقاف أصلٌ صحيح واحد ، وهو يدلُّ على وضع شىء مبسوط على مِثله حتى يُغطِّيَه. من ذلك الطَّبَق. تقول : أطبقْت الشىءَ على الشىء ، فالأول طَبَق للثانى ؛ وقد تطابَقَا. ومن هذا قولهم : أطبقَ الناسُ على كذا ، كأنَّ أقوالهم تساوَتْ حتى لو صُيِّر أحدُهما طِبْقاً للآخر لصَلَح. والطَّبَق : الحال ، فى قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ). وقولهم : «إِحدى بناتِ طَبَق» هى الدّاهية ، وسمّيت طبَقا ، لأنها تعمُّ وتشمل. ويقال لما علا الأرضَ حتى غطّاها : هو طبَق الأرض (٣). ومنه قول امرئ القيس يصف الغيث :

ديمةٌ هطلاءُ فيها وَطَفٌ

طبقُ الأرض تَحَرَّى وتَدُرّ (٤)

__________________

(١) سبق البيتان فى (ربع ، شظ).

(٢) البيت للبيد فى ديوانه ١٧ طبع فينا ١٨٨١ وإصلاح المنطق ٩ واللسان (طبع).

(٣) فى الأصل : «طباق الأمر».

(٤) ديوان امرئ القيس ١٤٣ واللسان (طبق).


وقولهم : طَبَّق الحقَّ ، إذا أصابه ، من هذا ، ومعناه وافقه حتى صار ما أراده وَفْقاً للحقّ مطابِقاً له. ثم يُحمَل على هذا حتى يقال طبَّقَ ، إذا أصاب المَفْصِل ولم يخطئْه. ثم يقولون : طَبَّق عُنقَه بالسيف : أبانَها.

فأمَّا المطابقة فمشْى المقيَّد ، وذلك أن رجليه تقعانِ (١) متقاربتين كأنَّهما متطابقتين. ومنه قول الجَعدىّ :

طِباقَ الكِلَابِ يَطَأْنَ الهَرَاسا (٢)

والطبَق : عظمٌ رقيق (٣) يفصل بين الفَقارتَين. ويد طَبِقة ، إذا التزقَتْ بالجنْب. وطابقت بين الشيئين ، إذا جعلتَهما على حَذْوٍ واحد. ولذلك سمَّينا نحن ما تضاعف من الكلام مرَّتين مُطابَقا. وذلك مثل جَرجَر ، وصَلْصَل ، وصَعْصَع. والطَّبَق : الجماعة من الجراد ؛ وإنما شبِّه ذلك بطبَقٍ يغطِّى الأرض. ويقال وَلَدت الغنمُ طبقاً وطبقةً ، إذا ولد بعضُها بعد بعض. والقياس فى ذلك كله واحد.

فأمَّا قولهم للعيىِّ من الرِّجال : الطَّبَاقاء ، وللبعير لا يُحسن الضِّرَابَ طَباقاءُ ، فهو من هذا القياس ، كأنَّه سُتر عنه الشّىءُ حتى أطبق فصار كالمغطَّى. قال جميل :

طَبَاقاءُ لم يشهد خُصوماً ولم يَقُدْ

رِكاباً إلى أكوارها حين تُعْكَفُ (٤)

طبل الطاء والباء واللام ثلاث كلمات ليست لها طَلَاوَةُ كلامِ العرب ، وما أدرى كيف هى؟ من ذلك الطَّبل الذى يُضْرَب. ويقولون إنَ الطّبل :

__________________

(١) فى الأصل : «يقسمان» ، تحريف.

(٢) سيأتى فى (هرس). وصدره فى اللسان (طبق ، هرس) :

وخيل يطابقن بالمارعين

(٣) فى المجمل : «دقيق» بالدال.

(٤) اللسان (طبق) والبيان والتبيين (١ : ١١٠) بشرح محقق المقاييس.


الخَلْق (١). والثالثة الطُّوبالة ، ولو لا أنَّها جاءت فى بعض الشِّعر ما كان لذكرها معنىً ، وما أحسبها فى غير هذا البيت :

نَعَانِى حَنَانةُ ، طُوبالةً

تُسَفُّ يبيساً من العِشْرِقِ (٢)

ويقال هى النَّعْجة.

طبن الطاء والباء والنون أصلٌ صحيح يدلُّ على ثباتٍ. ويقال اطبأنَ ، إذا ثبت وسكَن ، مثل اطمأنّ. ويقولون : طَبنت النار : دفنتُها لئلا تَطفَأ ، وذلك الموضعُ الطَّابون. ويقال طابِنْ هذه الحَفيرةَ : طاطئْها. ويقولون : إنَّ الخير فى بنى فلانٍ كثابت الطَّبْن ، أى هو تليدٌ قديم.

ومن الباب الطَّبَن ، وهو الفِطْنة ؛ وذلك قياس الباب ، لأنَّ فى ذلك كالثَّبات فى العِلْمِ به.

طبى الطاء والباء والحرف المعتل أُصَيْل يدلُّ على استدعاء شىء. من ذلك قولهم اطَّبى * بَنُو فُلانٍ فلاناً إذا خالُّوه وقَبِلوه. وربما قالوا : طَبَاه واطَّباه ، إذا دعاه. فإنْ حُمِل الطّبىُ (٣) من أَطْباء النَّاقة ، وهى أخلافها ، على هذا وعلى أنّه يُطَّبَى منه اللّبن ، لم يبعُد.

__________________

(١) شاهده ما أنشده فى اللسان :

قد علموا أنا خيار الطيبل

وأتنا أهل النداء والفضل

(٢) البيت لطرفة فى ديوانه ٢٦ واللسان (طبل ، حنن) والمجمل (طبن). وذكر فى (حنن).

أن «حنانة» اسم راع. وطوبالة منصوب على الذم ، أى أذم طوبالة ، عنى بذلك حنانة. وبعد البيت :

فنفسك؟ وال تنعنى

وداو الكلوم ولا تبرق

(٣) الطبى ، بكسر الطاء وضمها.


وذُكر أن العرب تقول : هذا خِلْفٌ طِبِىٌ ، أى مُجِيب (١). فإن كان هذا صحيحاً فهو يدلُّ على صحَّة القياس الذى قِسْناه.

باب الطاء والثاء وما يثلثهما

طثر الطاء والثاء والراء أَصَيل صحيح يدلُّ على غَضارةٍ فى الشّىء وكثرةِ ندى. يقولون: فلان فى طَثْرة من العَيش ، أى فى غَضارة. قالوا : واشتقاقه من اللبن الطاثر ، وهو الخاثر. ويشبَّه بذلك فيقال للحَمْأة طَثْرة ، وقياسُه ما ذكرناه (٢). وسمِّى طَثْرة من العَرب.

ومما شذّ عن الباب وما ندرى كيف صحَّةُ هذا ، قولهم : إنّ الطَّيْثار : البعوض. والله أعلم.

__________________

(١) فى اللسان والقاموس : «مجيب» بضم الميم وتشديد الياء المفتوحة ، ولا وجه له ، فإن المجيب بمعنى المقور والأحوف. وقد أثبت الضبط الصحيح من نسخة المجمل ومن تهذيب الصحاح ، وهو من الإجابة كما يدل عليه ما سبق. وفى الصحاح «مجيب».

(٢) فى الأصل : «ويأخذ ما ذكرناء» وقد اقتبست تصحيحه من مألوف عباراته.


باب الطاء والجيم وما يثلثهما

طجن (١) يقولون فى الطاء والجيم والنون : إنَ الطَّاجَن (٢) : الطَّابَق (٣). وهو كلام ، والله اعلم.

باب الطاء والحاء وما يثلثهما

طحر الطاء والحاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على الحَفز والرَّمْى والقذْف. يقولون : طَحَرَتِ العينُ قَذاها ، إذا قذفَتْ به. يقال طَحَرتْ عينُ الماء العِرمِضَ ، إذا رمت به. وقوس مِطحَرٌ ، إذا حَفَزت سَهْمَها فرمت به صُعُداً. وحربٌ مِطحرةٌ : زَبُون. والطَّحِير : النّفَس العالى ، وسمِّى بذلك لأنَّ صاحبه يَطحَر. قال الكميت :

بأهازيجَ من أغانيِّها الجُ

شِّ وإتباعها الزَّفيرَ الطَّحِيرَا (٤)

__________________

(١) الكلام من أول الباب إلى هنا مبيض له فى الأصل. وأثبت ما يقتضيه الكلام وما هو ثابت فى المجمل أيضا.

(٢) ضبطه فى القاموس كصاحب ، وزاد فى تاج العروس : «وكهاجر». وضبط فى الأصل والمجَمل بفتح الجيم لا غير.

(٣) الطاجن والطابق معربان كما فى القاموس. وضبط الطابق فى المجمل بفتح الباء ، وفى القاموس : «كهاجر وصاحب». قلت : أما الطاجن ، فهو معرب من اليونانية «تيكانون» كما فى الألفاظ الفارسية ١١١ نقلا عن فرنكل ٦٧. وفى الجمهرة (٣ : ٣٥٧): «الطيجن. الطابق ، لغة شامية وأحسبها سريانية أو رومية. انظر المعرب ٢٢١. وأما الطابق ، فهو معرب «تا؟؟؟ ه» بالفارسية ، كما فى المصادر السابقة ، ومعجم استينجاس.

(٤) فى الهاشميات ص ٩٣ أبيات من هذا الوزن والروى.


فأما المُطْحَر من النِّصال ، فهو المُطوَّل المسال (١). قال الهذلىّ (٢) :

من مُطْحَراتِ الإلالِ (٣)

طحل الطاء والحاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على لونِ غير صافٍ ولا مُشرق. من ذلك الطُّحْلة ، وهو لون الغُبْرة. ويقال رمادٌ أطحل ، وشرابٌ أطحل ، إذا لم يكن صافياً. والطِّحال معروف ، وممكنٌ أن يكون سمِّى بذلك لكُدْرة لونه. ويقال طَحِلَ الماء : فسد وتغيَّر.

طحم الطاء والحاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على تجمُّع وتكاثف من ذلك الطّحمة (٤) من النّاس ، وهى الجماعة الكثيفة. وطُحْمة اللَّيل وطَحْمَتهُ ، وطُحْمة السَّيل وطَحمته : مُعْظَمه. قال الخليل : طَحْمة الفتنة : جَوْلة النَّاس عندها. ويقال للرّجُل الشّديد العِراك : طُحَمَة. والباب كلُّه واحد.

طحن الطاء والحاء والنون أصلٌ صحيح ، وهو فتُّ الشىء ورَفْتُه (٥) بما يدور عليه من فوقِه. يقال طَحَنَتِ الرَّحَى طحْناً. والطّحْن : الدَّقيق. ويقولون : «أسمعُ جَعجعةً ولا أَرى طِحْناً». والجعجعة : صوت الرَّحَى. ومن الباب : كتيبةٌ طَحُونٌ : تطحَنُ ما لَقِيت. ويقال للأضراس الطَّواحِن.

__________________

(١) كذا وردت الكلمة فى الأصل ، وليست فى المجمل.

(٢) هو أمية بن أبى عائذ الهذلى ؛ وقصيدته فى شرح السكرى للهذليين ١٨٠ ونسخة الشنقيطى ٧٩.

(٣) البيت بتمامه فيهما :

فلما رآهن بالجهلتين

يكبون في معامرات الإلال

(٤) الطحمة مثلثة الطاء ، لكن يفهم من صنيعه بعد أنه يعرف فيها لغتين فقط : الضم والفتح ، وهما ما نص عليه صاحب اللسان. أما صاحب القاموس فيروى اللغات الثلاث.

(٥) الرفت : الدق والكسر. وفى الأصل : «ورقته» ، تحريف.


ومن الباب الطُّحَن (١) : دويْبَّة تغيِّب نفسَها فى ترابٍ قد سَوَّته وأدارته. وطَحَنتِ الأفعى ، إذا تلوَّت (٢) مستديرة.

طحو الطاء والحاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على البسط والمدِّ. من ذلك الطَّحْو وهو كالدَّحْو ، وهو البَسْط. قال الله تعالى : (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) (٣) ، أى بسَطها. وقال تعالى فى موضع آخَر : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)(٤). ويقال طحا بك هَمُّك بطحو ، إذا ذهَب بك فى الأمر ومدَّ بك فيه. قال علقمة :

طحا بك قلبٌ فى الحِسانِ طَروبُ

بُعَيد الشَّبابِ عَصْرَحان مشيبُ (٥)

والمُدوِّمة الطَّواحِى : النُّسور تستدير حول القَتْلَى. وقال الشَّيبانى : طَحَيْت :اضطجَعْت. والطّاحى : الجمع الكثير ، وسمِّى بذلك لأنّه يجرّ على الشىء ، كما يسمَّى جرّارا. قال :

من الأَنَس الطاحِى عليكَ العَرمْرَمِ (٦)

والله أعلم.

__________________

(١) ويقال أيضا : «الطحنة».

(٢) فى الأصل : «تولت».

(٣) الآية ٦ من سورة الشمس.

(٤) الآية ٣٠ من سورة النازعات.

(٥) ديوان علقمة ١٣١ والمفضليات (٢ : ١٩١).

(٦) لصخر الغى الهذلى من قصيدة فى شرح السكرى للهذليين ٢١ ونسخة شنقيطى ٩١. وصدره :

وخفش عليك القول واعلم بأنني


باب الطاء والخاء وما يثلثهما

طخف الطاء والخاء والفاء أُصَيل يدلُّ على الشَّىء الرَّقيق. من ذلك الطَّخَاف ، وهو الغَيم الرقيق. والطَّخْف كالهَمِّ يَغشَى القلب.

طخر الطاء والخاء والراء أصلٌ صحيح يدلُّ على خفّةٍ فى شىء. من ذلك* الطَّخَارير: المتفرِّقون ، يشبَّه بذلك الرّجُل الخفيف الخَطَّاف.

طخى الطاء والخاء والحرف المعتل أصلٌ صحيح يدلُّ على ظُلْمة وغِشاء. من ذلك الطَّخْوة والطَّخية : السَّحابة الرّقيقة. والطَّخْياء : اللَّيلة المُظلْمة. ويقال ظلام طاخٍ. ومن الباب : وجَد على قلبه طَخَاء ، وهو شبه الكَرْب. ويقال : كلَّمَنى كلمةً طَخْياء ، أى أعجميّة.

طخم الطاء والخاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على سوادٍ فى شىء. من ذلك الطُّخمة : سوادٌ فى مقدَّم الأنْف. يقال كبشٌ أطخَم ، وأسد أطخَم. والله أعلم بالصَّواب.

باب الطاء والراء وما يثلثهما

طرز الطاء والراء والزاء كلمةٌ يظنُّ أنّها فارسيّة معرّبة ، وهى فى شعر حَسَّان :

بيضُ الوُجوه كريمةٌ أحسابُهم

شمُّ الأنوف من الطِّرازِ الأوّلِ (١)

__________________

(١) ديوان حسان ٣١٠ واللسان (طرز).


ويقولون : طِرْزُه ، أى هيئَتُه.

طرس الطاء والراء والسين فيه كلامٌ لعلّه أن يكون صحيحاً. يقولون الطِّرْس : الكتاب الممحُوّ. ويقال : كلُّ صحيفة طِرس. ويقولون : التَّطرُّس : أن لا يَطعَم الإنسانُ ولا يشربَ إِلّا طيّباً.

طرش الطاء والراء والشين كلمةٌ معروفة ، وهى الطَّرَش ، معروف (١). وقال أبو عمرو: تطرَّش (٢) النَّاقِهُ من المرض ، إذا قام وقعَد.

طرط الطاء والراء والطاء كلمةٌ. يقولون الأطرط : الدَّقيق الحاجبين ؛ وقد طرِط.

طرف الطاء والراء والفاء أصلان (٣) : فالأوّل يدلُّ على حدِّ الشىء وحَرفه ، والثانى يدلُّ على حركةٍ فى بعض الأعضاء.

فالأوّل طَرَفُ الشىء والثوب والحائط. ويقال ناقة طَرِفَة : ترعى أطرافَ المرعَى ولا تختلط بالنُّوق.

وقولهم : عينٌ مطروفة ، من هذا ؛ وذلك أن يصيبَها طَرَف شىءٍ ثوبٍ أو غيره فتَغْرَوْرِقَ معاً. ويُستعار ذلك حتى يقال : طَرَفَها الحُزْن.

فأمّا قولُهم : هو كريم الطَّرَفين ، فقال قومٌ : يُراد به (٤) نَسَب الأب والأمّ. ولا يُدْرَى أىُ الطّرَفين أطول ، هو من هذا. وجمع الطَّرَف أطراف. قال :

__________________

(١) الطرش : الصمم ، وقيل أهونه. وقيل هو مولد. يقال فى الوصف منه أطرش وأطروش ، بضم الهمزة والراء فيهما ، كما فى اللسان.

(٢) هذه الكلمة فى القاموس ، ولم ترد فى اللسان.

(٣) فى الأصل : «أصول». وليس كذلك.

(٤) فى الأصل : «فقال قوم أراد قوم أراد به».


وكيف بأطرافى إذا ما شَتَمتَنِى

وما بعدَ شَتْمِ الوالدينِ صُلُوح (١)

ويقال إنّ الطِّرَاف : ما يُؤخَذ من أطراف الزَّرع (٢).

ومن الباب : الطَّوَارِف من الخِباء ، وهى ما رفعتَ من جوانبه لتنظُر. فأمَّا قولهم : جاء فلانٌ بطارفةِ عينٍ فهو من الذى ذكرناه فى قولهم : طُرِفت العين ، إذا أصابَها طرَف شىءٍ فاغرورقَتْ. وإذا كان كذا لم تكد تُبْصِر. فكذلك قولهم : بطارفةِ عينٍ ، أى بشىءٍ تَتحيَّر له العينُ من كَثرته.

ومن الباب قولُهم للشىء المستحدَث : طريف ؛ وهو خلافُ التَّليد ، ومعناه أنَّه شىءٌ أُفِيدَ الآنَ فى طرَف زمانٍ قد مضى. يقولون منه اطَّرَفْتُ الشىءَ ، إذا استحدثتَه ، أطَّرِفه اطِّرَافاً.

ومن الباب : الرَّجُل الطَّرِف : الذى لا يثبُت على امرأةٍ ولا صاحب. وذلك القياسُ ؛ لأنّه يطلُب الأطراف فالأطراف. والمرأة المطروفة ، يقولون إنّها التى لا تثبُت على رجلٍ واحد ، بل تَطّرِف الرِّجال. وهو قول الحُطيئة :

بَغَى الودَّ من مطروفة الوُدِّ طامِحِ (٣)

ومن الباب الطِّرف : الفرس الكريم ، كأنَّ صاحبَه قد اطّرَفه. وللمَّطرَف فضلٌ على التَّليد.

__________________

(١) البيت لعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، كما فى اللسان (طرف). وأنشده فى (صلح) بدون نسبة ، وكذا فى إصلاح المنطق ١٢٤. وقد سبق فى (صلح).

(٢) هذا المعنى لم يذكر فى اللسان ، وذكر فى القاموس. وفى المجمل : «مأخوذ» بدل «يؤخذ».

(٣) وكذا إنشاده فى المجمل والصحاح. وفى الديوان ٦٣ واللسان (طمح ، طرف): «مطروفة العين». وصدره

وما كنت مثل الكاهلى وعرسه


وأمَّا الأصل الآخر فالطَّرْف ، وهو تحريك الجفون فى النّظَر. هذا هو الأصل ثم يسمُّون العينَ الطَّرْف مجازاً. ولذلك يسمَّى نجمٌ من النُّجُوم الطَّرْفة (١) ، كأنّه فيما أحسب طرْفُ الأسَد. قال جرير :

إنّ العيون التى فى طَرْفِها مرضٌ

قَتَلْنَنَا ثم لم يُحْيِينَ قتلانا (٢)

فأما الطِّرَاف فإِنه بيتٌ من أَدَم ، وهو شاذٌّ عن الأصلين اللذين ذكرناهما.

طرق الطاء والراء والقاف أربعة أصول : أحدها الإِتيان مَساءً (٣) ، والثانى الضَّرْب ، والثالث جنسٌ من استرخاء الشىء ، والرابع خَصْف شىء على شىء.

فالأوَّل الطُّرُوق. ويقال إنّه إتيان المنزِل ليلاً. قالوا : ورجلٌ طُرَقَةٌ ، إذا كان يَسْرِى حتى يطرُقَ أهلَه ليلاً.* وذُكِرَ أنَّ ذلك يقال بالنهار أيضاً ، والأصل اللَّيل : والدَّليل على أنَّ الأصلَ اللّيل تسميتُهم النّجم طارقاً ؛ لأنّه يَطلُعُ ليلاً. قالوا : وكلُّ مَن أتى ليلاً فقد طَرَق. قالت :

نحنُ بناتُ طارقِ (٤)

__________________

(١) وكذا فى المجمل والقاموس. وفى اللسان (طرف) والأزمنة والأمكنة (١ : ١٩١ ، ٣١٨): «الطرف» بدون هاء. قال المرزوقى : «وأما الطرف فكوكبان يبتدان الجبهة بين يديها ، يقولون : هما عين الأسد».

(٢) ديوان جرير ٥٩٥ ، والعمدة (١ : ١٣٥). ويروى : «فى طرفها حور» كما فى زهر الآداب (٤ : ٢١٥) والأغانى (٧ : ٣٧). والبيت من المائة المختارة فى الأغانى (٧ : ٣٥).

(٣) فى الأصل : «مكانا».

(٤) الرجز لهند بنت بياضة بن رباح بن طارق الإيادى كما فى اللسان (طرق). وبعده :

لا ننثني لوامق

غمشى على النمارق

المسك في المفارق

والدر في المخانق

إن تلبوا نعانق

أو تدبروا نفارق

فراق غير وامق


وهو قول امرأة. تريد : إِنَّ أبانا نجمٌ فى شرفه وعلوّه (١).

ومن الباب ، والله أعلم : الطَّريق ، لأنَّه يُتَوَرَّدُ. ويجوز أن يكون من أصلٍ آخَر ، وهو الذى ذكرناه من خَصْف الشىء فوق الشىء.

ومن الباب الأوّل قولُهم : أتيتُه طَرْقَتين ، أى مَرَّتين (٢). ومنه طارِقةُ الرَّجُل ، وهو فَخِذه التى هو منها ؛ وسمِّيت طارقةً لأنها تطرُقه ويطرُقها. قال :

شكوت ذَهاب طارقتى إليه

وطارِقَتِى بأكناف الدُّرُوب (٣)

والأصل الثّانى : الضرب ، يقال طرَق يَطْرُق طرقاً. والشىء مِطرَق ومِطرَقة. ومنه الطَّرْق ، وهو الضَّرْب بالحَصى تكهُّناً ، وهو الذى جاء فى الحديث النّهْىُ عنه ، وقيل : «الطرْق والعيافة والزَّجر من الجِبت (٤)». وامرأةٌ طارقةٌ : تفعل ذلك ؛ والجمع الطَّوارق. قال:

لعمرك ما تَدْرى الطَّوَارِقُ بالحصى

ولا زاجراتُ الطيرِ ما الله صانعُ (٥)

والطرْق : ضرب الصُّوف بالقضيب ، وذلك القضيبُ مِطرَقة. وقد يفعلُ الكاهن ذلك فيطرُق ، أى يخلط القُطْنَ بالصُّوف إذا تكهَّنَ. ويجعلون هذا مثلاً فيقولون : «طَرَقَ وماشَ». قال :

__________________

(١) وقد يكون أيضا أنها تعتز بأبيها طارق الإيادى.

(٢) فى القاموس : «وأتيته طرقين وطرقتين ، ويضمان».

(٣) لابن أحمر ، كما فى اللسان (طرق) وكذا جاءت رواية البيت فى المجمل. وفى اللسان : «إليها» موضع «إليه».

(٤) فى اللسان : «روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : الطرق والعيافة من الجبت».

(٥) البيت للبيد فى ملحقات ديوانه ٥٥ طبع ١٨٨١ واللسان (طرق). وبعده فى الديوان :

ساوهن إن كذبتموني من الفتى

يذوق المنايا أو منى الغيث واقع


عاذلَ قد أُولِعتِ بالتَّرْفيشِ

إلىَّ سِرًّا فاطرُقى ومِيشِى (١)

ويقال : طرَق الفحلُ الناقةَ طَرقاً ، إذا ضربها. وطَروقة الفَحل : أُنثاه. واستطرقَ فلانٌ فلاناً فَحَلَه ، إذا طلبَه منه ليَضربَ فى إِبله ، فأطْرَقَه إِيّاه. ويقال : هذه النَّبْل طَرْقَةُ رجلٍ واحد ، أى صِيغة رجلٍ واحد (٢).

والأصل الثالث : استِرخاء الشىء. من ذلك الطَّرَق ، وهو لِينٌ فى ريش الطّائر. قال الشاعر :

 ...............................

 ............................(٣)

ومنه أَطْرَق فلانٌ فى نَظَره. والمُطْرِق : المسترخِى العَين. قال :

وما كنتُ أخشَى أن تكون وفاتُه

بكفَّىْ سَبَنْتَى أزرقِ العَين مُطْرِقِ (٤)

وقال فى الإطراق :

فأطرَقَ إطراقَ الشُّجاع ولو يَرَى

مَساغاً لِناباه الشُّجَاعُ لصَمَّما (٥)

__________________

(١) لرؤبة بن العجاج فى ديوانه ٧٧ واللسان (رقش ، طرق ، ميش). وسبق فى (رقش).

(٢) يقال سهام صيغة ، أى صنعة رجل واحد. فى المجمل : «صنعة رجل واحد». وفى القاموس : «وهذا طرقة رجل ، أى صنعته».

(٣) بياض فى الأصل. وشاهده فى اللسان :

سكاء مخطومة وريثها طرق

سود قوادمهها صهب خوافيها

وانظر الحيوان (٥ : ٥٧٩) والأغانى (٧ : ١٥١).

(٤) لمزرد بن ضرار أخى الشماخ ، يرثى عمر بن الخطاب ، كما فى اللسان (طرق ، سبت). وجعله أبو تمام فى الحماسة (١ : ٤٥٤) فى مقطوعة للشماخ ، وليست فى ديوانه. على أنه روى من شعر منسوب للجن. زهر الآداب (٤ : ١٠٧). وقال أبو محمد الأعرابى إنه لجزء أخى الشماخ ، وهو الصحيح. حواشى اللسان (سبت). وقد سبق البيت فى ص ١٦٢ من هذا الجزء.

(٥) البيت للمتلمس فى ديوانه ٢ مخطوطة الشنقيطى والحيوان (٤ : ٢٦٣) وحماسة البحترى ١٥ ولباب الآداب ٣٩٣ وأمثال الميدانى (١ : ٣٩٥). وبالبيت يستشهد النحويون على إلزام المثنى الألف فى أحوال الإعراب الثلاث عند بعض القبائل. انظر الخزانة (٣ : ٣٣٧). وقد أخذء عمرو بن شأس فقال (انظر معجم المرزبانى ٢١٣) :

فأطرق إطراف اشجاع ولو يرى

مساغا لنابيه الشجاع لقد أزم


ومن الباب الطِّرِّيقة ، وهو اللِّين والانقياد. يقولون فى المثل : «إنّ تحت طِرِّيقته لَعِنْدَأْوَةً» ، أى إِنّ فى لِينه بعضَ العُسر أحياناً. فأمَّا الطّرَق فقال قوم : هذا اعوجاجٌ فى الساق من غير فَحَج. وقال قوم : الطّرُق : ضَعف فى الرُّكْبتين. وهذا القول أقْيَسُ وأشبه لسائر ما ذكرناه من اللِّين والاسترخاء.

والأصل الرابع : خَصْف شىءٍ على شىء. يقال : نَعلٌ مُطارَقة ، أى مخصُوفة. وخُفٌ مُطارَق ، إذا كان قد ظُوهِر له نعلان. وكلُّ خَصْفةٍ طِرَاق. وتُرسٌ مطرَّق ، إِذا طورِق بجلدٍ على قَدْره. ومن هذا الباب الطِّرْق ، وهو الشحم والقُوّة ، وسمِّى بذلك لأنّه شىءٌ كأنّه خُصِف به. يقولون : ما به طِرْق ، أى ما به قُوّة. قال أبو محمد عبد الله بن مسلم : أصل الطِّرْق الشّحم ؛ لأنّ القوّة أكثر ما تكون [عنه (١)]. ومن هذا الباب الطّرَق : مَناقع المياه ؛ وإنّما سمِّيت بذلك تشبيهاً بالشىء يتراكبُ بعضُه على بعض. كذلك الماء إذا دام تراكب. قال رؤبة :

للعِدِّ إذْ أخْلَفَه ماءُ الطَّرَقْ (٢)

ومن الباب ، وقد ذكرناه أوّلاً وليس ببعيد أن يكون من هذا القياس : الطَّريق ؛ وذلك أنّه شىءٌ يعلو الأرضَ ، فكأنّها قد طُورِقَتْ به وخُصِفت به. ويقولون : تطارَقَت الإبلُ ، إذا جاءت يتبع بعضُها بعضاً. وكذلك الطَّريق ، وهو النَّخْل الذى على صفٍّ واحد. وهذا تشبيهٌ ، كأنّه شُبِّه بالطَّريق فى تتابُعه وعلوّه الأرض. قال الأعشى :

__________________

(١) التكملة من اللسان (طرق ٩٢).

(٢) وكذا إنشاده فى المجمل واللسان. والوجه : «إذ أخلفها» كما فى الديوان ١٠٤. وقبله :

قواريا من واحف بعد الصبق


ومِن كلِّ أحوَى كجِذْعِ الطَّريق

يزينُ الفِناءَ إذا ما صَفَنْ (١)

ومنه [ريشٌ (٢)] طِراق ، إذا كان تطارق بعضه فوقَ بعض. وخرج القومُ مَطارِيقَ ، إذا جاءُوا مُشاةً لا دوابَّ لهم ، فكأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يَخصِف بأثر قدمَيه أثَر الذى تقدَّم. ويقال : جاءت الإبلُ على طَرْقَةٍ واحدة ، وعلى خُفٍّ واحد ؛ وهو الذى ذكرناه من أنّها* تخصف بآثارها آثارَ غيرها. واختضَبت المرأةُ طَرْقَتين ، إذا أعادت الخِضاب ، كأنّها تَخصِف بالثّانى الأوّل. ثم يشتقّ من الطَّريق فيقولون : طَرَّقت المرأةُ عند الوِلادة ، كأنّها جَعلت للمولود طريقاً. ويقال ـ وهو ذلك الأوّل ـ لا يقال طَرَّقت إلّا إذا خرج من الولد نصفُه ثمّ احتبَس بعضَ الاحتباس ثمّ خرج. تقول (٣) : طرّقت ثم خلَصت.

وممّا يُشْبِه هذا قولهُم طَرَّقت القطاة ، إذا عَسُر عليها بيضُها ففحصت الأرضَ بجُؤجُئِها.

طرم الطاء والراء والميم أُصَيْلٌ صحيح يدلُّ على تراكُمِ شىء. يقولون : الطُّرَامة (٤) : الخُضْرة على الأسنان. ويقولون : الطِّرْم (٥) : العَسَل. والطِّرْيَم : السَّحاب الغليظ.

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٧. ورواية البيت وسابقه فى الديوان :

هو الواهب المائة المصطفا

ة كالنخل زينها بالرجن

وكل ثنيت كجذع الخضاب

يزين الغناء إذا ماصقن

(٢) التكملة من اللسان (طرق ٨٨).

(٣) فى الأصل : «يقول».

(٤) فى الأصل : «الطرامية» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٥) يقال بكسر الطاء وفتحها ، ويقال طويم أيضا كدرهم. وفى الأصل : «الطرام» ، صوابه فى المجمل واللسان.


طرى الطاء والراء والحرف المعتلُّ أُصيل صحيحٌ يدلُّ على غضاضةٍ وجِدّة. فالطَّرِىّ : الشىء الغَضّ ؛ ومصدره الطَّراوة والطَّراءة. ومنه أطرَيْتُ فلاناً ، وذلك إذا مدحتَه بأحسنِ ما فيه.

فإذا هُمِز قيل طرَأ فلانٌ ، إذا طلع. وأحسِب هذا من باب الإبدال ، وإنّما الأصل دَرَأ. وقد ذُكِر.

طرب الطاء والراء والباء أصَيلٌ صحيح. يقولون : إنَ الطَّرَب خِفّة تُصِيب الرَّجلَ من شدةِ سرورٍ أو غيره. ويُنشدون :

وقالوا قد طِربْتَ فقلتُ كلَّا

وهل يبكى من الطَّرَب الجليدُ

وقال نابغة بنى جعدة :

وأُرانى طَرِباً فى إثرهِمْ

طرَبَ الوالهِ أو كالمُخْتَبَلْ (١)

قالوا : وطرَّب فى صوته ، إذا مدَّه. وهو من الأوّل. والكريم طَروبٌ ومما شذَّ عن هذا الباب المَطَارِب ، وهى طرقٌ ضيِّقة متفرِّقة. وأراها (٢) من باب الإبدال ، كأنّها مدارب ، مشتقة من الدَّرْب.

وأمّا قولهم فى الطُّرْطُبّ ، إنَّه الثَّدى المسترخِى ، وكذلك الطَّرْطَبَة : صوت الحالب بالمِعزَى ، فكلُّه وما أشبهه كلام.

__________________

(١) أنشده فى اللسان (خبل) بدون نسبة. وقبله فى (طرب) :

سألتني أمتي هن جارتي

وإذا ماهى ذو الب سأل

سألتني عن أناس هلكوا

شرب الدهر عليهم وأكل

(٢) فى الأصل : «وأرى».


طرث الطاء والراء والثاء كلمةٌ صحيحة ، وهى الطُّرْثُوث (١) ، وهى نبْت.

طرح الطاء والراء والحاء أصلٌ صحيح يدلُّ على نَبْذ الشّىء وإلقائه. يقال طرحَ الشَّىءَ يطرحُه طرحا. ومن ذلك الطَّرَح ، وهو المكان البعيد (٢). وطرَحتِ النَّوَى بفلانٍ كلَ مَطرحٍ ، إذا نأتْ به ورمت به. قال :

أَلِمَّا بمىٍّ قبل أن تطرَح النَّوى

بنا مَطْرَحاً أو قبل بينٍ يُزِيلُها

ويقال فحل مِطْرَحٌ : بعيدُ موقع الماءِ فى الرَّحِم. ومن الباب : نخلةٌ طروحٌ : طويلة العَراجين. وسَنامٌ إطريحٌ : طويل. وقوسٌ طَروح : شديدة الحفْزِ للسّهم. والقياس فى كلِّه واحد.

طرد الطاء والراء والدال أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على إبعاد. يقال طردتُه طرداً. وأَطرَدَه السُّلطان وطَرّدَه ، إذا أخرجه عن بلده. والطَّرْد : معالجة أخْذ الصّيد. والطرِيدة : الصَّيد. ومُطارَدَة الأقرانِ : حملُ بعضِهم على بعض ؛ وقيل ذلك لأنّ هذا يَطرُد ذاك. والمِطْرَد : رمح صغير. ويقال لمَحجّة الطَّريق مَطْرَدَة (٣). ويقال : اطّرد الشّىءُ اطراداً ، إذا تابَعَ بعضُه بعضاً. وإنّما قيل ذلك تشبيهاً ، كأنّ الأوّل يطرُد الثّانى. ومنه قولُه :

__________________

(١) شاهده ما أنشده فى إصلاح المنطق ٤٥ واللسان (طرث) :

أرض عن الخير والسلطان نائيه

والأطيبان بها الطرئوت والصرب

(٢) شاهده قول الأعشى فى ديوانه ١٦١ واللسان (طرح) :

ببتنى المجد ويحتاز انتهى

وترى تارك من تاء طرح

وفى اللسان :

تبتني الحمد وتنمو العلا

وترى تارك من تاء طرح

(٣) ذكرت فى القاموس ، بفتح الميم وكسرها ، ولم تذكر فى اللسان. وقد ضبطت فى المجمل بفتح الميم كما أثبت.


أتعرِف رسماً كاطِّراد المذاهبِ

لعمرةَ وحشاً غيرَ موقفِ راكبِ (١)

ومُطَّرَدُ النَّسيم : الأنْف. أنشدَنا على بن إبراهيم القَطَّان ، عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابىّ :

وكأنّ مُطّرَدَ النَّسيم إذا جرى

بعد [الكلالِ خليَّتا زُنبورِ (٢)

واطرَدَ] الأمر : استقام. وكلُّ شىءٍ امتدّ فهذا قياسُه. يقال طرِّدْ سَوْطَكَ : مدِّدْه. والطًّريد : الذى يُولَد بعد أخيه ، فالثّانى طريدُ الأوّل. وهذا تشبيه ، كأنّه طردَه وتَبِعه (٣) ، وطريدٌ بمعنى طارِد.

باب الطاء والزاء وما يثلثهما

هذا بابٌ يضيق الكلام فيه. على أنهم يقولون الطَّزِع ؛ الرّجُل لا غَيْرة له. والله أعلم.

باب الطاء والسين وما يثلثهما

طست الطاء والسين والتاء ليس بشىء ، إلّا الطَّسْت ، وهى معروفة.

__________________

(١) لقيس بن الخطيم فى ديوانه ١٠ واللسان (طرب). وقصيدة البيت فى جمهرة أشعار العرب ١٢٣ ـ ١٢٥ فى القصائد المذهبات.

(٢) التكملة إلى هنا من المجمل واللسان (طرد). وبقية التكملة من اللسان (طرد ٢٥٧). وقد ضبط «مطرد» فى اللسان بكسر الراء ، وهو خطأ ، وإنما هو مكان اطراد النسيم ، وهو الأتف. والضمير فى «جرى» للفرس.

(٣) فى الأصل : «كأنه طرده ربيعه».


طسا الطاء والسين والهمزة كلمةٌ واحدة. يقولون : طَسِئَتْ نفسى فهى طَسِئة.

طسل الطاء* والسين واللام فيه كلمات ، ولعلّها أن تكون صحيحة غير أنّها لا قِياس لها. يقولون : الطَّسْل : اضطراب السَّراب. والطَّيْسَل : الكثير ، يقال ماءٌ طَيْسَل. ويقولون: الطَّيْسل : الغُبار.

طسم الطاء والسين والميم كلمةٌ واحدة. يقال : طسَمَ ، مثل طمَسَ. وطَسْم : قبيلةٌ من عاد.

باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله طاء

من ذلك (الطَّلَنْفح) ، وهو السَّمين. وهذا إنّما هو تهويلٌ وتقبيح ، والزائد فيه اللام والنون. وهو من طفح ، إذا امتلأ. ومنه السَّكران الطَّافح ، وقد مرّ.

ومن ذلك (الطُّحْلب (١)) ، معروف. والباء فيه زائدة ، وإنّما هو من طَحَل ، وهو من اللَّون. وقد ذكرناه.

ومن ذلك (طَحْمَر) ، إذا وثَب ، والحاء زائدة ، وإنّما هو طمر.

ومن ذلك (طَرْمَحَ) البناء : أطاله. ومنه اسم الطِّرِمّاح. والأصل فيه الطَّرَح ، وهو البعيد والطَّويل ، وقد فسرناه.

ومن ذلك (طَرْفَشَت) عينُه : أظلَمَتْ. والشين زائدة ، وأصله من طُرِفَت : أصابها طَرَفُ شىءٍ فاغرورقَت ، وعند ذلك تُظْلِمُ. وقد مرَّ.

__________________

(١) بضم الطاء مع ضم اللام وفتحها ويقال أيضا ، كزبرج ، وهو الخضرة تعلو الماء المزمن.


ومن ذلك (الطلخف (١)) : الشديد. واللام زائدة ، وهو من الطَّخف ، وهو الشِّدّة(٢).

ومن ذلك (الطُّلْخُوم) ، وهو الماءُ الآجِن (٣). والميم زائدة ، وإنّما هو من الطَّلْخ ، وقد ذكرناه.

ومن ذلك الشَّباب (المُطْرَهِمّ (٤)). وهذا مما زيدت فيه الراء ، وأصله مُطَهَّمٌ ، وقد مضى.

ومن ذلك قولهم : ما فى السماء (طحْربَة (٥)) ، أى سحابة ، والباء زائدة ، كأنّه شىء يَطحَر المطرَ طحْراً ، أى يدفعُه ويرمِى به.

ومن ذلك الرَّغيف (الطَّملَّس) : الجافّ. وهى منحوتة من كلمتين : طَلَس وطَمَس ، وكلاهما يدلُّ على ملاسةٍ فى الشىء.

* * *

ومما وُضع وضعا ولا يكاد يكون له قياس : (الطَّفَنَّش) : الواسع صُدورِ القدمَين.

و (طَرسَم) الرّجُل : أطرق.

و (الطرْفِسانُ) : الرَّملة العظيمة.

__________________

(١) يقال بكسر الطاء مع فتح اللام خفيفة أو مشددة ، ويقال بفتح الطاء واللام أيضا.

(٢) لم يذكر ابن فارس ولا غيره من أصحاب المعجمات هذا المعنى فى مادة (طخف).

(٣) والطلخوم أيضا : العظيم الخلق.

(٤) قال ابن أحمر :

أرجى شبابا مطرهما وصحه

وكيف رجاء المرء ما ليس لاقيا

(٥) يقال بفتح الطاء والراء ، وكسرهما وضمهما.


و (الطثْرَج) فيما يقال : النَّمْل (١). قال :

أَثْرٌ كآثارِ فِراخ الطَّثْرَجِ (٢)

و (طَلْسَم) الرجُلُ : كرَّه وجهَه.

ويقولون : (الطِّلْخام) : الفِيل (٣).

و (اطْرَخَمَ) : تعظَّمَ.

ويقولون : (الطُّمْرُوس) : الكذّاب. و (الطُّرْموس) خُبز المَلَّة ، و (الطِّرْمِساء) : الظلمة. ويجوز أن تكون هذه الكلمة مما زيدت فيه الرّاء ، كأنّها من طَمَس.

ويقولون : (طَرْبَلَ) الرّجُل : إذا مدَّ ذُيولَه.

وكلُّ الذى ذكرناه مما لا قياس له ، وكأنَّ النّفس شاكّة فى صحّته (٤) ، وإن كنّا سمعناه. والله أعلم بالصواب.

تم كتاب الطاء

__________________

(١) فى الأصل : «فيما يقال له الرمل» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) لمنظور بن مرثد الأسدى. وكلمة «فراخ» من المجمل واللسان. وقبله فى اللسان :

والبيض في متونها كالمدوج

(٣) قيده فى اللسان بأنه الفيل الأنثى. وكذا فى القاموس.

(٤) فى الأصل : «وكأن النفس شاكلة فى صحته».



كتاب الظاء

باب الظاء وما معها فى المضاعف والمطابق (١)

ظل الظاء واللام أصلٌ واحد ، يدلُّ على ستر شىءٍ لشىء ، وهو الذى يُسمَّى الظّلّ. و [كلمات] البابِ عائدةٌ إليه. فالظِّلّ : ظِلّ الإنسان وغيرِه ، ويكونُ بالغداة والعَشىّ ، والفىءُ لا يكون إلا بالعشىّ. وتقول : أظَّلْتنى الشّجرة. وظِلٌ ظليل : [دائم (٢)]. واللَّيل ظِلٌ (٣). قال :

قد أَعْسِفُ النّازحَ المجهولَ مَعْسِفُه

فى ظل أخضَرَ يدعو هامَهُ البومُ (٤)

يريد فى سترِ ليل أخضر. وأظَلَّكَ فلانٌ ، كأنّه وقاك بظلِّه ، وهو عزُّه ومَنْعَتُه. والمِظَلّةُ معروفة. وأظَلَ يومُنا : دام ظِلُّه. ويقال إنَ الظُّلَّة : أوّل سحابةٍ تُظِلّ. والظُّلَّة : كهيئة الصُّفَّةِ. قال الله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ).

ومن الباب قولهم : ظلَ يفعل كذا ، وذلك إذا فعله نهاراً. وإنما قلنا إنّه من الباب لأنّ ذلك شىءٌ يخصّ به النهار ، وذلك أن الشى يكون له ظلٌ نهاراً ، ولا يقال ظلَ يفعلُ كذا ليلاً ؛ لأنّ الليلَ نفسه ظِلّ.

ومن الباب ، وقياسُه صحيح : الأَظَلّ ، وهو باطنُ خُفِّ البعير. ويجوز أن يكون كذا لأنّه يستُر ما تحتَه ، أو لأنّه مُغَطَّى بما فوقه. قال :

__________________

(١) بدله فى الأصل : «باب الظاء واللام وما يثلثهما» ، وهى عبارة ناسخ غافل ، أثبت مألوف عبارته فى مثل هذا.

(٢) فى المجمل : «والظل الظليل : الدائم» وبه اسنأنست فى إثبات هذه الكلمة.

(٣) فى الأصل : «والظل ظل» ، صوابه فى المجمل. وفى اللسان : «وسواد الليل كله ظل» وانظر ما سيأتى فى س ١٣.

(٤) لذى الرمة ، كما سبق فى حواشى (يوم).


فى نَكِيبٍ مَعِرٍ دامِى الأظَلّ (١)

فأمّا قول الآخر (٢) :

تشكو الوجَى من أَظْلَلٍ * وَأَظلَلِ

فهو الأظلّ ، لكنه أظهر التَّضعيفَ ضرورة.

ظن الظاء والنون أُصَيْل صحيحٌ يدلُّ على معنيينِ مختلفين : يقين وشكّ.

فأمَّا اليقين فقولُ القائل : ظننت ظنا ، أى أيقنت. قال الله تعالى : (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) أراد ، والله أعلم ، يوقنون. والعربُ تقول (٣) ذلك وتعرفه. قال شاعرهم (٤) :

فقلت لهم ظُنُّوا بألَفْى مُدَجَّجٍ

سراتُهم فى الفارسىِّ المُسَرَّدِ (٥)

أراد : أَيقِنُوا. وهو فى القرآن كثير.

ومن هذا الباب مَظِنَّة الشىء ، وهو مَعْلَمه ومكانُه. ويقولون : هو مَظِنَّةٌ لكذا. قال النابغة :

__________________

(١) للبيد فى ديوانه ١١. وصوابه روايته : «بنكيب» ، كما فى اللسان والديوان. وصدره :

وتصك المرو لما هجرت

(٢) هو العجاج. ديوانه ٤٧ واللسان (ظلل).

(٣) فى الأصل : «يقولون».

(٤) هو دريد بن الصمة. الأصمعيات ٣٢ ليبسك واللسان (ظنن).

(٥) البيت وما قبله ، كما فى الأصمعيات :

وقلت لعارض وأصحاب عا رض

ورهط بنى السوداء والقوم شهدي

علانية : ظنوا بألفى مدجج

سراتهم في االفارسي المسرد

وهما كما فى الحماسة (١ : ٣٣٦) :

نصحت لعارض وأصحاب عارض

ورهط بني السوداء والقوم شهدي

فقلت لهم ظنوا بألفى مدجج

سراتهم في االفارسي المسرد


فإنَ مَظِنَّة الجهلِ الشَّبابُ (١)

والأصل الآخر : الشّكّ ، يقال ظننت الشىءَ ، إذا لم تتيقّنْه. ومن ذلك الظِّنَّة : التُّهْمَةَ. والظَّنِين : المُتّهم. ويقال اظَّنَّنِى (٢) فُلانٌ. قال الشَّاعر :

ولا كُلُّ مَن يَظَّنُّنِى أنا مُعْتِبٌ

ولا كلُّ ما يُرْوَى علىَّ أقُول (٣)

وربَّما جُعلت طاء ، لأنّ الظّاء أُدغمت فى تاء الافتعال. والظَّنُون : السَّيِّئُ الظنّ. والتَّظنِّى : إعمال الظَّنّ. وأصل التظَنِّى التظنُّن. ويقولون : سُؤْت به ظنًّا وأسأْت به الظّنّ ، يدخلون الألف إذا جاءوا بالألف واللام. والظَّنُون : البِئر لا يُدرَى أفيها ماءٌ أمْ لا. قال :

ما جُعِل الجُدُّ الظَّنُونُ الذى

جُنِّب صَوبَ اللّجِبِ الماطرِ (٤)

والدَّيْن الظَّنُون : الذى لا يُدرى أيقضى أم لا. والباب كلُّه واحد.

[ظب الظاء والباء] ما يصحُّ منه إِلّا كلمةٌ واحدة. يقال ما به ظَبْظَابٌ ، أى ما به قَلَبَة. قال ابن السكِّيت : ما به ظبظابٌ (٥) ، أى ما به عيبٌ ولا وجَع. قال الراجز :

بُنَيَّتى ليس بها ظبظابٌ (٦)

__________________

(١) البيت أول بيت فى مقطوعة له بالديوان ١٤. وكذا أنشده فى اللسان (ظنن). وصدره :

فإن يك عامر قد قال جهلا

(٢) اظن ، بوزن افتعل ، أصلها اظتن ، قلبت التاء ظاء معجمة ثم أدغمت فى نظيرتها. ومثله «اظلم» فى قول القائل :

هو الجواد الذي يعطيك نائله

عفوا ويظلم أحيانا فيظلم

(٣) أنشده فى اللسان (ظنن) والمخصص (١٢ : ٣١٩). وفى المجمل : ولا كل من يروى :

(٤) البيت للأعشى ، كما سبق فى (جد ٤٠٧).

(٥) فى إصلاح المنطق ٤٢٦ : «ما به وذية ولا ظبظاب».

(٦) إصلاح المنطق ٤٢٦ واللسان (ظبب).


ويقولون : الظَّباظِب : صليل أجواف الإِبل (١) من العطش ؛ وليس بشىء ، وقيل : هو تصحيف ، وهو بالطّاء. فأمّا الذى فى الكتاب الذى للخليل : أنّ الظَّابَّ السِّلْف (٢) فأراه غلِط على الخليل. لأنَّ الذى سمعناه الظَّأْب ، بالتَّخفيف. وقد ذُكر فى بابه.

ظر الظاء والراء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على حَجَرٍ محدَّد الطَّرَف. يقولون : إِنَ الظُّرَر : حجرٌ محدَّد صُلب ، والجمع ظِرَّانٌ (٣). قال :

بِجَسْرةٍ تَنْجُل الظِّرَّانَ ناجيةٍ

إذا توقَّدَ فى الديمومة الظُرَرُ (٤)

وأظرَّ الرَّجُل : مَشَى على الظرَار. ويقولون : «أَظِرِّى إنِّك ناعلة». يقولون : امْشِى على الظُّرَر ، فإنّ عليك نَعلين. يُضرَب مثلا لمن يُكلَّف عملاً يقوَى عليه. ويقال المَظَرّةُ : الحجر يُقدح به ، ويقال بل هو حجرٌ يُقطع به شىءٌ يكون فى حياء النّاقة كالثؤلول. ويقال أرضٌ مَظَرَّةَ : كثيرة الظُّرَر.

ومما شذَّ عن هذا الباب قولهم : اظْرَوْرَى (٥) ، أى انتفخ. والله أعلم.

__________________

(١) فى المجمل فقط : «أجواف البقر».

(٢) السلف ، بالكسر : واحد السلفين ، وهما زوجا الأختين. وفى الأصل : «السليف» ، محرف.

(٣) نظيره فى الجموع : جرذ وجرذان ، وصرد وصردان.

(٤) البيت للبيد فى ديوانه ٣٨ طبع ١٨٨٠ واللسان (ظرر ، نجل).

(٥) حق هذه الكلمة أن تكون فى (ظرا) المعتل ، كما صنع اللسان والقاموس. ومثله ، اقلولى» فى (قلو) ، و «اعرورى» فى (عرى) ، و «احلولى» فى (حلو).


باب الظاء والعين وما يثلثهما

ظعن الظاء والعين والنون أصل واحد صحيح يدلُّ على الشخوص من مكانٍ إلى مكان. تقول : ظَعَنَ يظعَن ظعْناً وظَعَناً ، إذا شَخَص. قال الله سبحانه : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ)(١). والظَّعينة ، ممّا يقال فيه (٢) فقال قوم : هى المرأة ، وقال آخَرُون : الظَّعائن الهوادج ، كان فيها نساء أو لم يكن. وهذا أصحُّ القولين ؛ لأنّه من أدوات الرَّحيل. والظَّعُون : البعير الذى يُعَدُّ للظَّعْن. ومن الباب الظِّعَان ، وهو الحبل الذى يُشَدُّ به القَتَبُ على البعير. وسمِّى ذلك ظِعاناً (٣) لأنّه أحدُ أدوات السَّير والظّعن. قال :

له عُنقٌ تُلوِي بما وُصِلت به

ودَفَّانِ يشتفّان كلَ ظِعانِ (٤)

باب الظاء والفاء وما يثلثهما

ظفر الظاء والفاء والراء أصلانِ صحيحان ، يدلُّ أحدُهما على القَهر والفَوز والغَلَبَة ، والآخر على قُوَّةٍ فى الشىء. ولعلَّ الأصلينِ يتقاربان فى القياس.

__________________

(١) الآية ٨٠ من سورة النحل. قرأ ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائى ، وخلف ، بإسكان العين ، والباقون بفتحها. إتحاف فضلاء البشر ٢٨٥.

(٢) فى الأصل : «والظعنة امرأة يقال فيه».

(٣) فى الأصل : «وسمى بذلك قاما».

(٤) البيت لكعب بن زهير فى اللسان (شفف) ، وهو بدون نسبة فى (ظعن). وقد سبق فى (دف ، شف).


فالأوّل الظَّفَر ، وهو الفَلْج والفَوْز بالشَّىء. يقال ظَفِر يَظْفَر ظفَراً. والله تعالى أَظفَرَه. وقال تعالى : (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ). ورجل مُظَفَّر.

والأصل الآخَر الظُّفْرُ ظُفْرُ الإنسان (١). ويقال ظَفَّرَ فى الشَّىء ، إذا جعل ظُفْره * فيه. ورجلٌ أظفَرُ ، أى طويل الأظفار ، كما يقال أشْعَر أى طويل الشَّعر.

ويقال للمَهِين : هو كَليل الظُّفر. وهذا مَثلٌ. قال طَرفة :

لا كليلٌ دالفٌ من هَرَمٍ

أرْهَبُ اللّيلَ ولا كَلُ الظُّفُرْ (٢)

ويقال ظَفَّرَ النَّبتُ تظفيراً ، إذا طَلَع. وذاك أن يَطْلُع منه كالأظفار بقوّة وأمّا قولهم فى الجُلَيدة تغشى العَين ظَفَرة ، فذلك على طريق التَّشبيه. ويقال ظُفِرت العينُ ، إذا كان بها ظفَرة. قال أبو عُبيدٍ : وهى التى يقال لها ظُفْر.

ومن الباب ظُفْر القَوس ، وهما الجزءان اللذان يكون فيهما الوتَر فى طرفَىْ سِيَتَى القَوس. وربَّما قالوا الظَّفَرة : ما اطمأنَّ من الأرض وأنبَت (٣). وهذا أيضاً تشبيه. والأظفار : كواكبُ صغار (٤) ، وهى على جهة الاستعارة. فأمَّا ظَفَارِ ، وهى مدينةٌ باليمن ، فممكن [أن تكون] من بعض ما ذكرناه ، والنسبة إليها ظَفَارِىٌ. والله أعلم.

__________________

(١) يقال بضمة وبضمتين ، وبالكسر أيضا ، وقرىء به شاذا.

(٢) ديوان طرفة ٦٦ واللسان (ظفر).

(٣) فى الأصل : «متن من الأرض نبت» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) يقال لها «أظفار الذئب» كما فى الأزمنة والأمكنة (٣ : ٣٧٤). وفى الأصل : «الصغار» صوابه فى المحمل واللسان.


باب الظاء واللام وما يثلثهما

ظلع الظاء واللام والعين أُصَيْلٌ يدلُّ على مَيْل فى مَشْى (١). يقال دابَّةَ بِهِ ظَلْعٌ ، إذا كان يَغمِز فيميل (٢). ويقولون : هو ظالع ، أى مائلٌ عن الطَّريق القويم. قال النابغة :

أتُوعِدُ عبداً لم يخُنْكَ أمانةً

وتَترُكَ عبداً ظالماً وهو ظالعُ (٣)

ظلف الظاء واللام والفاء أصل صحيحٌ يدلُّ على أدنى قوّةٍ وشِدّة. من ذلك ظِلْف البَقرة وغيرِها. ورُبَّما استُعِير لِلفرس. قال :

وخيلٍ تَطَأْكُمْ بأظلافها (٤)

وإذا رميتَ الصَّيدَ فأصبتَ ظِلفه قلت : قد ظَلَفْتُه ، وهو مظلوف. والظّلف (٥) والظَّليف : كلُّ مكانٍ خَشِن. وقال الأموىّ : أرضٌ ظَلِفَةٌ : غليظة لا يُرَى أثرٌ مَن مشَى فيها ، بيِّنة الظَّلَف. ومنه أُخذ الظَّلَف فى المعيشة.

وقول الناس : هو ظَلِفٌ عن كذا ، يراد التشدُّد فى الورع والكَفُّ وهو من هذا القياس.

__________________

(١) فى الأصل : «يدل على شىء».

(٢) فى الأصل : «فميل».

(٣) ديوان النابغة ٥٥ والمجمل واللسان (ظلع).

(٤) أنشد هذا الشطر فى المجمل واللسان (ظلف). وفى كل منهما قبل الإنشاد : «واستعاره عمرو بن معديكرب للأفراس فقال».

(٥) ضبط فى المجمل بالكسر. وفى اللسان والقاموس بفتح الظاء وكسر اللام.


وأمَّا حِنْو القَتَب فسمِّى ظَلِفة لقُوَّته وشدَّته. ويقال أخذ الجزورَ بظَلَفها وظَلِيفتها ، أى كلّها.

ظلم الظاء واللام والميم أصلانِ صحيحان ، أحدهما خلافُ الضِّياء والنور ، والآخر وَضْع الشَّىء غيرَ موضعه تعدِّياً.

فالأوّل الظُّلمة ، والجمع ظلمات. والظَّلام : اسم الظلمة ؛ وقد أظلَمَ المكان إظلاماً.

ومن هذا الباب ما حكاه الخليل من قولهم : لقيته أوَّلَ ذِى ظُلْمة* (١). قال : وهو أوّلُ شىءٍ سَدَّ (٢) بصرَك فى الرُّؤْية ، لا يشتقُّ منه فِعل. ومن هذا قولهم : لَقيته أدنى ظَلَمٍ (٣) ، لِلقريب. ويقولونه بألفاظٍ أُخَرَ مركبةٍ من الظاء واللام والميم ، وأصل ذلك الظَّلمة ، كأنَّهم يجعلون الشَّخص ظُلْمةً فى التشبيه ، وذلك كتسميتهم الشّخصَ سواداً. فعلى هذا يُحمل الباب ، وهو من غريب ما يُحمل عليه كلامُهم.

والأصل الآخَر ظَلَمه يظلِمُه ظُلْماً. والأصل وضعُ الشَّىءِ [فى] غير موضعه ؛ ألا تَراهم يقولون : «مَن أشْبَهَ [أباه] فما ظَلَم» ، أى ما وضع الشَّبَه غيرَ موضعه.

قال كعب :

أنا ابنُ الذى لم يُخْزنِى فى حياته

قديماً ومَن يشبهْ أباه فما ظلمْ (٤)

__________________

(١) ويقال أيضا : «أدنى ذى ظلم» بالتحريك أيضا.

(٢) فى الأصل : «مد» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٣) فى الأصل : «القريب».

(٤) سبق إنشاده فى (شبى). والذى فى ديوان كعب ٦٥ طبع دار الكتب :

أنا ابن الذي لم يخزنى في حياته

ولم أخزه حتى تغيب في الرجم

أقول شبيهات بما قال عالما

بهن ومن يشبه أياء فما ظلم


ويقال : ظَلَّمت فلانا : نسبتُه إلى الظُّلم. وظَلَمْت فلاناً فاظَّلم وانظلم (١) ، إذا احتمل الظُّلْم. وأُنشد بيت زُهَير :

هو الجوادُ الذى يُعطيك نائلَهُ

عَفْواً ويُظلَم أحياناً فَيظَّلِمُ (٢)

بالظاء والطاء. والأرض المظلومة : التى لم تُحفَر قطُّ ثمّ حفرت ؛ وذلك التُّرابُ ظَليم. قال :

فأصبح فى غَبراءَ بعد إِشاحةٍ

على العيش مردودٍ عليها ظليمُها (٣)

وإِذا نُحِر البعيرُ من غير عِلّةٍ فقد ظُلِم. ومنه قوله :

عادَ الأذِلَّةُ فى دارٍ وكان بها

هُرْتُ الشَّقاشقِ ظَلَّامون للجُزُرِ (٤)

والظُّلَامة : ما تطلبه من مَظْلِمتَك عند الظَّالم. ويقال : سقانا ظَلِيمةً طيِّبة. وقد ظَلَم وطْبَه ، إذا سَقَى منه قبل أن يروب ويُخرِج زُبَده. ويقال لذلك اللَّبِن ظليمٌ أيضاً. قال :

وقائلةٍ ظلمتُ لكم سِقائى

وهل يَخْفَى على العَكِدِ الظَّليمُ (٥)

والله أعلم بالصَّواب.

__________________

(١) فى الأصل : «وأظلم» ، صوابه فى اللسان.

(٢) ديوان زهير ١٥٢ واللسان (ظلم).

(٣) يعنى حفرة القبر يرد عليها ترابها بعد الدفن. والبيت فى اللسان (ظلم).

(٤) البيت لابن مقبل فى اللسان (دور ، ظلم). ودار : اسم موضع.


باب الظاء والميم وما يثلثهما

ظما الظاء والميم والحرف المعتل والمهموز أصلٌ واحد يدلُّ على ذبولٍ وقلّة ماءٍ. من ذلك : الظَّمَا ، غير مهموز : قلّة دم اللِّثة. يقال امرأةٌ ظمياء اللَثاث. وعينٌ ظمياء : رقيقة الجَفن. ثم يحمل عليه فيقال ساقٌ ظمياء : قليلة اللحم.

ومن المهموز : الظَّمَأ ، وهو العطش ، تقول : ظمنت أظمأ ظمَا. فأما الظِّمْء فما بين الشَّربتين. والقياس فى ذلك كلِّه واحد. ويقولون : رمحٌ أظْمَى : أسمر رقيق. وإنما صار كذلك لذهاب مائه.

باب الظاء والنون وما يثلثهما

ظنب الظاء والنون والباء كلمة صحيحة ، وهو العظم اليابس من ساقٍ وغيره ، ثم يتمثَّل به فيقال للجادِّ فى الأمر : قد قرع ظنبوبَه. وقولُ سلامةَ بنِ جندل :

كُنّا إذا ما أتانا صارخٌ فزع

كان الصُّراخُ له قَرعَ الظَّنابيبِ (١)

فقال قوم : تقرع ظنابيب الخيل بالسِّياط ركضاً إلى العدوِّ. وقال قوم : الظُّنبوب : مسمار جُبّة السِّنان ، أى إنَّا نركِّب الأسنّة.

__________________

(١) ديوان سلامة بن جندل ١١ ، والمفضليات (١ : ١٢٢) ، واللسان (ظنب ، فزع).


باب الظاء والهاء وما يثلثهما

ظهر الظاء والهاء والراء أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على قوّة وبروز. من ذلك ظَهَر الشىءُ يظهر ظهوراً فهو ظاهر ، إِذا انكشف وبرز. ولذلك سمِّى وقت الظُّهر والظَّهيرة ، وهو أظهر أوقات النّهار وأضوؤُها. والأصل فيه كلّه ظهر الإنسان ، وهو خلافُ بطنه ، وهو يجمع البُروزَ والقوّة. ويقال للرِّكاب الظَّهر ، لأنَّ الذى يَحمِل منها الشىءَ ظهورُها. ويقال رجل مظهَّر ، أى شديد الظَّهْر. ورجلٌ ظَهِر (١) : يشتكى ظهره.

ومن الباب : أظهرْنا ، إذا سرنا فى وقت الظُّهْر. ومنه : ظهرتُ على كذا ، إذا اطَّلعتَ عليه. والظَّهِير : البعير القوىّ. والظَّهير : المُعِين ، كأنه أسندَ ظَهْرَه إلى ظهرك. والظُّهور : الغَلبة. قال الله تعالى : (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ). والظَّاهرة : العين الجاحظة. والظِّهار : قولُ الرَّجل لامرأته : أنتِ عَلَىَ كظهر أُمِّى. وهى كلمةٌ كانوا يقولونها ، يريدون بها الفراق. وإِنّما اختصُّوا الظَّهْر لمكان الرُّكوب ، وإلّا فسائر أعضائها فى التَّحريم كالظَّهر. والظُّهار من الرِّيش : ما يظهر منه فى الجَناح. والظِّهرىُ : كلُّ شىءٍ تجعله بظَهْرٍ ، أى تنساه ، كأنَّك قد جعلتَه خلف ظهرك ، إعراضاً عنه وتركاً له. قال الله سبحانه : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا). وقد جعل فلانٌ حاجتى بظهرٍ ، إذا لم يُقْبِل عليها ، بل جعلها وراءه. وقال الفرزدق :

__________________

(١) فى اللسان والقاموس : «ظهير» ، والصواب ما أثبت من الأصل مطابقاً ما ورد فى مجالس ثعلب ٢١٨ س ٢ وصحاح الجوهرى (ظهر).


تميمَ بنَ بدر لا تكوننَّ حاجتى

بِظهرٍ فلا يَخْفى عليك جوابُها (١)

ومن الباب : هذا أمرٌ ظاهر عنك عارُه ، أى زائل ، كأنَّه إذا زال فقد صار وراء ظهرك. وقال أبو ذؤيب :

وعَيَّرها الواشون أنِّى أحبُّها

وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارُها (٢)

ويقولون : إنَ الظّهَرَة (٣) : متاع البيت. وأحسب هذه مستعارة من الظَّهر أيضاً ؛ لأنّ الإنسان يستظهِر بها ، أى يتقوَّى ويستعين على ما نابَه. والظَّاهرة : أن ترِدَ الإبلُ كلَّ يومٍ نصفَ النَّهار. ويقولون : سلكْنا الظَّهْر : يريدون طريقَ البَرِّ ، وذلك لظهوره وبروزه. ويقولون : جاء فلانٌ فى ظَهْرَته وناهضتِه ، أى قومه. وإنّما سُمُّوا ظَهْرَةً لأنّه يتقوَّى بهم. وقريشُ الظّواهِر سُمُّوا بذلك لأنّهم ينزلون ظاهرَ مكة. قال :

قُريشِ البطاحِ لا قريشِ الظَّواهرِ (٤)

وأقران الظَّهْر : الذين يجيئون من ورائك.

وحكى ابن دريد (٥) : «تظاهر القوم ، إذا تدابروا ، وكأنّه من الأضداد».

__________________

(١) فى اللسان (ظهر) : فلا يعيا على جوابها. وفى الأغانى (١٩ : ٣٦) : فلا يخفى على. وفي ديوان الفرزدق ٩٥ :

تميم بن زيد لاتهونن حاجق

لديك ولا يعيا على جوابها

(٢) ديوان أبى ذؤيب ٣١ واللسان (ظهر).

(٣) الظهر ، بالتحريك. وفى الأصل : «الظهيرة» صوابه فى المجمل والقاموس واللسان.

(٤) لأبى خالد ذكوان ، مولى مالك الدار. انظر معجم البلدان (٢ : ٢١٣) حيث أنشد له :

فلو شهدتني من قريش عصابة

قريش البطاح لاقريش الظواهر

ولكنهم غابوا وأصبحت شاهدا

فلبحث من مولى حفاظ وناصر

وقد سبق إنشاد البيت فى (بطح).

(٥) فى الجمهرة (٢٠ : ٣٧٩).


وهذا المعنى الذى ذكره ابن دريد صحيح ؛ لأنّه أراد أنَّ كلّ واحدٍ منهما أدبَرَ عن صاحبه ، وجعل ظهرَه إليه. والله أعلم.

باب الظاء والهمزة وما يثلثهما

ظأر الظاء والهمزة والراء أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على العطف والدنوُّ. من ذلك الظِّئر. وإنّما* سمِّيت بذلك لعَطْفها على من تُربِّيه. وأظَّأَرت لولدى ظِئْرا ، كما مرَّ فى اظَّلم بالظَّاء. والظَّؤُور من النُّوق : التى تعطف على البَوّ. وظأَرَنى فلانٌ على كذا ، أى عطفَنى. والظُّؤَار تُوصَف به الأثافىّ ، كأنّها متعطِّفة على الرَّماد (١). والظِّئار : أن تُعالَج النَّاقة بالغِمامةِ فى أنفها لكى تَظْأر. وقولهم : «الطَّعْن يَظْأَر (٢)» ، أى يَعطِف على الصُّلح. ويقال ظِئر وظُؤَار ، وهو من الْجمع الذى جاء على فُعال ، وهو نادر.

ظأب الظاء والهمزة والباء كلمتان متباينتان : إحداهما الظَّأب ، وهو سِلْف الرّجُل. والأخرى الكلام والجَلَبة (٣). قال :

يَصُوعُ عُنوقَها أَحوَى زنيمٌ

له ظَأْبٌ كما صَخِبَ الغَريمُ (٤)

ظأم الظاء والهمزة والميم من الكلام والجَلَبة ، وهو إبدال. فالظَّأْم والظأب بمعنىً. والله أعلم.

__________________

(١) من شواهده قوله :

؟؟ حول أورق

؟ الرياح بتربه أحوالا

(٢) ويروى أيضا : «الطعن يظئره». ويقال ظأره وأظأره.

(٣) زاد فى المجمل : «ولا أدرى أمهموز هو أم لا».

(٤) البيت للمعلى بن جمال العبدى ، كما فى اللسان (صوع ، ظأب). ويروى لأوس بن حجر انظر ديوانه ٢٥.


باب الظاء والباء وما يثلثهما

ظبى الظاء والباء والحرف المعتل كلمتان ، إحداهما الظّبْى ، والأخرى ظُبَةُ السيف. وما لواحدةٍ منهما قياس. فالظَّبْى : واحدُ الظِّباء ، معروف ، والأنثى ظَبية ، وقد يُجمع على ظُبِىٍ. وإذا قَلَّتْ فهى أظْبٍ. و [أمّا ما] جاء فى الحديث : «إذا أتيتَهُم فاربِضْ فى دارهم ظَبْياً». فإنّه يقول : كن آمِناً فيهم كأنّك ظَبْىٌ آمن فى كِناسِه لا يرى أنيساً. ويقولون : به داءُ ظبْىٍ. قالوا : معناه أنّه لا داءَ به ، كما لا داءَ بالظبْى. قال :

لا تَجهَمينا أمَّ عمرٍو فإنَّنا

بنا داءُ ظبىٍ لم تَخُنْه قوائمُه (١)

والظَّبْيَة على معنى الاستعارة : جَهَاز المرأة ، وحياءُ النّاقة. والظَّبْية : جِرَاب صغير عليه شَعر. وكلُّ ذلك تشبيه.

وأمّا الأصل الآخَر فالظُّبَة : حَدُّ السّيف ، ولا يُدرى ما قياسُها ، وتجمع على ظُبِين وظُباتٍ. قال قومٌ : هو من ذوات الواو ، وهو من قولنا ظَبَوْت. وهذا شىءٌ لا تدُلُّ عليه حُجّة. وقال فى جمعِ ظبةٍ ظبِين :

يرى الرَّاءُون بالشَّفَرات منها

كَنارِ أبى حُباحِبَ والظُّبينا (٢)

باب الظاءِ والراء وما يثلثهما

ظرف الظاء والراء والفاء كلمةٌ كأنها صحيحة. يقولون : هذا وعاء الشىء وظَرْفُه ، ثمَّ يسمُّون البراعةَ ظَرْفاً ، وذكاءَ القَلْبِ كذلك. ومعنى ذلك أنّه

__________________

(١) لعمرو بن الفضفاض الجهنى ، كما سبق فى حواشى (٣ : ٤٩٠).

(٢) للكميت ، كما فى اللسان (ظبا) برواية : بالشفرات منا* وقود».


وعاءٌ لذلك. وهو ظريفٌ. وقد أظْرَف الرّجُل ، إذا ولَد بنين ظُرَفاء وما أحسب شيئاً من ذلك من كلام العرب

ظرب الظاء والراء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على شىءٍ نابتٍ أو غير نابت مع حِدَّةٍ. من ذلك الظِّراب ، وهو جمع ظَرِب ، وهو النّابت من الحجارة مع حدَّة فى طرَفه. ويقال [إنّ الأظراب : أسناخُ الأسنان. ويقال : بل (١)] هى الأربعة خلف النّواجذ. وأمّا ابن دريد (٢) فزعم أنّ الأظراب فى اللّجام : العُقَد التى فى أطراف الحديدة. وأنشد :

بادٍ نواجذُه على الأظرابِ (٣)

ويقال : إنَ الظُّرُبَ : القصير اللَّحيم ، وهذا على التَّشبيه. قال :

لا تَعْدِلينى بظُرُبٍّ جَعْدِ (٤)

والظَّرِبانُ : دُويْبَّة (٥)

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) فى الجمهرة (١ : ٢٦٣).

(٣) للبيد بن ربيعة فى ديوانه ١٤٥. ونسب أيضا إلى عامر بن الطفيل خطأ فى اللسان (ظرب).

وصدره :

ومقطع حبق الرحالة سابح

(٤) قبله فى اللسان (ظرب) :

يا أم عبدالله أم العبد

يا أحسن الناس مناط عقد

وبعده فى (عدد) :

كز القصيري مقرف المعد

(٥) جاءت هذه العبارة بعد كلمة «شيئا» فى الباب التالى ، وبهذه الصورة : «والظربان دويبة ، من باب الظاء والراء والباء».


باب ما جاءَ من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله ظاء

لم نجد إلى وقتنا شيئا (١).

تم كتاب الظاء ، والله أعلم بالصواب

تم الجزء الثالث من مقاييس اللغة بتقسيم محققه

ويليه الجزء الرابع ، وأوله «كتاب العين»

__________________

(١) أورد من هذا الباب فى المجمل : «الظيان : ياسمين البر».


مراجع التحقيق والضبط

يضاف إلى المراجع المثبتة فى نهاية الجز أين السابقين :

إصلاح المنطق ، لابن السكيت. طبع دار المعارف ١٣٦٨ القاهرة.

الأصمعيات ، للأصمعى. طبع دار المعارف ١٣٦٧ القاهرة.

الألفاظ الفارسية لأدى شير. طبع الكاثوليكية ١٩٠٨ م بيروت.

أوضح المسالك ، لابن هشام. طبع التجارية ١٣٥٤ القاهرة.

أيمان العرب ، للنجيرمى. طبع السلفية ١٣٤٣ القاهرة.

بقية أشعار الهذليين. طبع ١٨٨٤ برلين.

البيان والتبيين ، للجاحظ ، بتحقيق عبد السلام هارون. طبع لجنة التأليف ١٣٦٧.

ديوان عروة بن الورد ، من مجموع خمسة دواوين. طبع الوهبية ١٢٩٣ القاهرة.

«كعب بن زهير ، رواية السكرى. طبع دار الكتب ١٣٦٨.

شرح الحماسة للمرزوقى. طبع لجنة التأليف ١٣٧٢ ه‍.

شرح شواهد الألفية للعينى ، بهامش خزانة الأدب للبغدادى. طبع بولاق ١٢٩٩.

شروح سقط الزند ، بتحقيق لجنة إحياء آثار أبى العلاء. طبع دار الكتب.

الفصيح لثعلب. طبع السعادة ١٣٢٥ القاهرة.

قطر الندى وبل الصدى ، لابن هشام. طبع السعادة ١٣٥٥ القاهرة.

لباب الآداب ، لأسامة بن منقذ. طبع الرحمانية ١٣٥٤ القاهرة.

مجالس ثعلب ، بتحقيق عبد السلام هارون. طبع المعارف ١٣٦٧ القاهرة.


مجلة المجمع العلمى العربى بدمشق سنة ١٣٤٧.

مفاتيح العلوم ، للخوارزمى. طبع محمد منير ١٣٤٢ القاهرة.

الموشح ، للمرزبانى. طبع السلفية ١٣٤٣ القاهرة.

نقد الشعر ، لقدامة. طبع الجوائب ١٣٠٢ القسطنطينية.

الهاشميات ، للكميت. طبع شركة التمدن ١٣٣٠ القاهرة.

معجم مقاييس اللغة - ٣

المؤلف:
الصفحات: 478