بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

کتاب الحاء

باب ما جاء من كلام العرب فى المضاعف والمطابق أوّلُه حاء ، وتفريعِ مقاييسه

حد الحاء والدال أصلان : الأوّل المنع ، والثانى طَرَف الشىء. فالحدّ : الحاجز بَيْنَ الشَّيئين (١). وفلان محدودٌ ، إذا كان ممنوعاً. و «إنّه لَمُحارَفٌ محدود» ، كأنّه قد مُنِع الرِّزْقَ. ويقال للبوَّاب حَدَّاد ، لمنْعِه النّاسَ من الدخول. قال الأعشى :

فَقُمْنا ولَمَّا يَصِحْ دِيكُنا

إلى جَوْنَةٍ عند حَدّادِها (٢)

وقال النابغة فى الحدّ والمنْع :

إلّا سليمانَ إِذْ قال المَلِيكُ له

قُمْ فى البرِيّة فاحدُدْها عن الفَنَد (٣)

وقال آخر :

__________________

(١) فى الأصل : «من الشيئين».

(٢) ديوان الأعشى ٥١ واللسان (حدد ، جون). والجونة ، بالفتح : الخابية المطلية بالقار.

(٣) ديوان النابغة ٢١ واللسان (حدد). والرواية المشهورة كما فيهما : إذ قال إلاله له.


يا رَبِّ مَن كَتَمنى الصِّعَادا (١)

فهَبْ لَهُ حَليلةً مِغْدادا

كانَ لها ما عَمِرَتْ حَدَّادَا

أى يكون بَوّابَها لئلا تَهْرُب. وسمِّى الحديدُ حديداً لامتناعه وصلابته وشدّته. والاستحداد : استعمال الحديد. ويقال حَدَّت المرأة على بَعْلها وَأَحَدَّت ، وذلك إذا منَعتْ نَفْسَها الزِّينةَ والْخِضابَ. والمحادّة : المخالَفَة ، فكأنّه الممانعةُ. ويجوز أن يكون من الأصل الآخَر.

ويقال : ما لى عن هذا الأمر حَدَدٌ ومُحْتَدٌّ ، أى مَعْدَل وَمُمتَنَع. ويقال حَدَداً ، بمعنى مَعَاذَ الله. وأصله من المَنْع. قال الكميت :

حَدَداً أن يكون سَيْبُك فِينا

زَرِماً أو يَجِيئَنا تَمْصِيرا (٢)

وحَدُّ العاصِى سُمِّى حَدًّا لأنّه يمنعه عن المعاوَدَة. قال الدّريدىّ : «يقال هذا أمر حَدَدٌ ، أى منيع (٣)».

وأمّا الأصل الآخَر فقولهم : حَدُّ السَّيف وهو حَرْفه ، وحدُّ السِّكِّين. وحَدُّ الشَّراب: صلابته. قال الأعشى :

* وكأْسٍ كعَيْنِ الديك باكَرْتُ حَدَّها (٤) *

__________________

(١) البيت وتاليه فى اللسان (غدد) برواية : «من يكتمنى». والصعاد ، هنا : جمع صعدة وهى من النساء المستقيمة القامة ، كأنها صعدة قناة.

(٢) السيب : العطاء. وفى الأصل : «سيبك» ، صوابه فى المجمل واللسان. والزوم ، بتقديم الزاى : القليل. وفى الأصل : «رزما» وفى المجمل واللسان : و؟ أو عجبنا ممصورا ووالتمصير : تقليل العطاء.

(٣) فى الجمهرة (١ : ٥٨): «أى ممتنع» ، وفى اللسان بدون نسبة إلى ابن دريد : «وهذا أمر حدد أى منيع حرام لا يحل ارتكابه».

(٤) عجزه كما فى الديوان ١٣٧ واللسان (حدد) :

بغتبان صدق والنواقيس تضرب


وحَدُّ الرّجل : بأسُه. وهو تشبيه.

ومن المحمول الحِدّةَ التى تعترى الإنسان من النَّزق. تقول : حَدَدت على الرّجل أَحِدُّ حِدَّةً.

حذ الحاء والذال أصلٌ واحدٌ يدل على القَطْع والخِفّة والسُّرعة ، لا يشذُّ منه شىء. فالحذُّ : القَطْعُ. والأَحَذُّ : المقطوع الذّنَب. ويقال للقطاةِ حَذّاءِ ، لقِصَر ذَنَبها. قال :

حَذّاء مدْبِرةً سَكَّاء مُقْبِلةً

للماء فى النَّحر منها نَوْطَةٌ عَجَب (١)

وأمْرٌ أحذّ : لا متعلّق فيه لأحَدٍ ، قد فُرِغ منه وأُحْكِم. قال :

إذا ما قَطعْنا رَمْلَةً وعَدَابَها

فإنَّ لنا أَمْراً أحذَّ غمُوسا (٢)

قال الخليل : الأحذّ : الذى لا يتعلَّق به الشىء. ويسمَّى القلبُ أحَذّ. قال : وقصيدة حَذَّاء : لا يَتعلَّقُ بها من العيب شىء لجوْدتها. والحَذّاء : اليَمين المنكَرَة يُقْتَطَعُ بها الحقُ (٣)

ومن هذا الباب فى المُطابَق : قَرَبٌ حَذْحَاذٌ (٤) ، أى سريعٌ حثيث.

__________________

(١) نسب البيت فى اللسان (حذذ ، نوط) إلى النابغة. وأنشده فى (سكك) بدون نسبة. ونسب فى الأعانى (٨ : ١٤٢) مع أربعة أبيات إلى العباس بن يزيد بن الأسود. قال : «هكذا ذكر ابن الكلبى ، وغيره يرويها لبعض بنى مرة». والنوطة ، بالفتح : الحوصلة.

(٢) البيت ليزيد بن الحذاق الشى العبدى ، من قصيدة فى المفضليات (٢ : ٧٩). والعداب : الحبل من الرمل. والغموس : الغامض.

(٣) شاهده ما أنشده فى اللسان (حذذ) :

تزيدها حفاء يعلم أنه

هو الكاذب الآتى الأمور البجاويا

(٤) يقال حذحاذّ وحذاحذ ، كعلابط. والقرب ، بالتحريك : سير الليل لورد الغد.


وفى حديث عُتْبةَ بنِ غَزْوان (١) : «إِنَّ الدُّنْيا قد آذنَتْ بصُرْمٍ ووَلَّت حَذَّاءَ ، ولم تَبْق منها صُبابةٌ إلّا كصُبابة الإناء».

حر الحاء والراء فى المضاعف له أصلان :

فالأوّل ما خالف العُبودِيّة وبَرِئ من العيب والنَّقص. يقال هو حُرٌّ بيِّنُ الْحُرورِيّة والحُرّيّة. ويقال طِينٌ حُرٌّ : لا رمْل فيه. وباتَتْ فلانةُ بلَيْلَةٍ حُرَّةٍ ، إذا لم يصل إليها بَعْلُها فى أوّلِ ليلَةٍ ؛ فإنْ تمكَّن منها فقد باتَتْ بليلةِ شَيْبَاءَ. قال :

شُمْسٌ مَوانعُ كُلِّ لَيلةٍ حُرَّةٍ

يُخْلِفْنَ ظَنَّ الفاحش المِغْيارِ (٢)

وحُرُّ الدّار : وَسَطها. وحُمِل على هذا شئُ كثيرٌ ، فقيل لولد الحيّة حُرٌّ. قال :

مُنطوٍ فى جَوف ناموسِهِ

كانطواء الحُرِّ بين السِّلامْ (٣)

ويقال لذكَر القَمَارىّ ساقُ حُرٍ. قال حُمَيد :

وما هاج هذا الشَّوقَ إلّا حملمةٌ

دعَتْ ساقَ حُرٍ تَرْحَةً وترنُّما (٤)

وامرأةٌ حُرّةُ الذِّفْرَى ، أى حُرَّةُ مَجَالِ القرْط. قال :

والفُرْطُ فى حُرَّةِ الذِّفْرَى* مُعَلّقُهُ

تباعَدَ الحَبْل منه فهو مضطربُ (٥)

__________________

(١) زاد فى اللسان : «أنه خطب الناس فقال فى خطبته».

(٢) البيت للنابغة فى ديوانه ٣٦ واللسان والجمهرة (حرر).

(٣) البيت للطرماح فى ديوانه ١٠٩ واللسان والمجمل (حرر). وهو فى صفة صائد.

(٤) البيت فى اللسان (٥ : ٢٥٦). وأنشده فى (٥ : ٢٥٧) وذكر أن صواب الرواية : في حمام؟ وبهذه الرواية الأخيرة ورد فى المجمل.

(٥) البيت لذى الرمة فى ديوانه ٥٦٩ واللسان (حبل). و «معلقه» وردت فى الأصل واللسان والديوان «معلقة» تحريف ، إذ «القرط» مذكر. ومعلقه ، أى موضع تطيقه. وفى الديوان واللسان : تباعد الحبل عنها وفى شرح الديوان : «أى تباعد حبل العنق من القرط لأنها طويلة العنق». فالمعنى على رواية الديوان واللسان : تباعد حبلها ؛ كما تقول قرت العين منى ، أى عينى.


وحُرُّ البَقْل : ما يُؤكلُ غيرَ مطبوخٍ. فأمّا قول طَرَفة :

لا يكُنْ حُبُّكِ داءً داخِلاً

ليس هذا مِنكِ ماوِىَ بحُرّ (١)

فهو من الباب ، أى ليس هذا منك بحَسَن ولا جَميل. ويقال حَرَّ الرّجلُ يَحَرُّ ، من الحُرِّيّة.

والثانى : خلاف البَرْد ، يقال هذا يومٌ ذو حَرٍ ، ويومٌ حارٌّ. والحَرُور : الريح الحارّة تكون بالنهار واللَّيل. ومنه الحِرَّة ، وهو العطَش. ويقولون فى مَثَلٍ : «حِرَّةٌ تحْتَ قِرَّةٍ (٢)».

ومن هذا الباب : الحَرِير ، وهو المحرور الذى تداخَلَهُ غيظٌ من أمرٍ نزل به. وامرأةٌ حريرة. قال :

خرجْنَ حَريراتٍ وأبديْنَ مِجْلداً

وجالَتْ عليهنَّ المكتَّبَةُ الصُّفْرُ (٣)

يريد بالمكتّبة الصُّفْر القِداحَ

والحَرَّة : أرض ذات حجارةٍ سوداء (٤). وهو عندى من الباب لأنَّها كأنّها محترقة. قال الكسائىّ : نهشل بن حَرِّىّ (٥) ، بتشديد الراء ، كأنّه منسوب إلى

__________________

(١) ديوان طرفة ٦٣ واللسان (حرر).

(٢) هو دعاء ، أى رماه الله بالعطش والبرد ، أو بالعطش فى يوم بارد.

(٣) البيت للفرزدق فى ديوانه ٢١٧ واللسان (حرر). وقد سبق فى مادة (جلد). وأنشده فى اللسان (قرم) بدون نسبة وبرواية : «المقرمة الصفر».

(٤) كذا جاء وصف الحجارة بسوداء. وانظر تحقيقى لهذه المسألة فى مجلة الثقافة ٢١٥١ ومجلة المقتطف عدد نوفمبر سنة ١٩٤٤. وفى المحمل واللسان : «سود».

(٥) نهشل بن حرى : شاعر مخضرم ، أدرك معاوية ، وكان مع على فى حروبه. الإصابة ٨٨٧٨ والخزانة (١ : ١٥١).


الحَرَّ. قال الكسائى : حَرِرتَ يا يومُ (١) تَحَرّ وَحَرَرْتَ تَحِرّ ، إذا اشتدَّ حَرُّ النَّهار.

حز الحاء والزّاء أصلٌ واحد ، وهو الفَرْضُ فى الشّىءِ بحديدةٍ أو غيرها ، ثم يشتقُّ منه. تقول من ذلك : حزَزْت فى الخشبَة حَزًّا. وإذا أصاب مِرفَقُ البعير كِركِرتَه فأثَّر فيها ، قيل به حازٌّ (٢). والحُزَّازُ : ما فى النَّفس من غيظٍ ؛ فإنّه يحزُّ القلبَ وغيرَه حزًّا. قال الشمّاخ :

فلما شَرَاها فاضَت العَينُ عَبْرَةً

وفى الصدر حُزّازٌ من اللّوْمِ حامِزُ (٣)

والحَزَازَة من ذلك. وكلُّ شىءِ حَكَّ فى صدرك فقد حَزَّ. ومنه حديث عبد الله : «الإثْم حَزَّازُ القُلُوب (٤)». [و] من الباب الحَزيز ، وهو مكانٌ غليظٌ مُنْقاد ، والجمع أحِزَّة. قال :

* بأَحِزَّةِ الثَّلَبُوتِ (٥) *

ومنه الحَزاز ، وهو هِبْرِيَةٌ فى الرأس. ويقال جئت على حَزَّةٍ مُنكَرة ، أى حالٍ وساعةِ. وما أُراه (٦) يقال فى حالٍ صالحة. قال :

* وبأىِ حَزِّ مُلاوَةٍ تَتَقَطَّعُ (٧) *

__________________

(١) فى الأصل : «يا قوم» صوابه فى المجمل واللسان. وضبط الفعل فى القاموس : كمللت وفررت ومررت.

(٢) الكر كرة : صدر كل ذى خف. وقد ضبطت العبارة فى اللسان خطأ ، وهى فى القاموس على الصواب. وقد أضاف كل منهما كلمة «طرف» إلى «كركرته».

(٣) ديوان الشماخ ٤٩ واللسان (حزز ، حمز). ورواية الديوان : «من الوجد» ، واللسان : من الهم.

(٤) ويروى أيضا : «حواز القلوب» أى يحوزها ويتملكها ويغلب عليها.

(٥) للسيد فى معلقته. والبيت بتمامه :

بأحزة لثلبوت يربا؟

قفر المواقب؟ آرامها

(٦) فى الأصل : «أرى».

(٧) لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ٥ والمفضليات (٢ : ٣٢٣) واللسان (حزز ، رزن) وصدره :

حتى إذا جزرت مباه وزونه


حس الحاء والسين أصلان : فالأول غلبة الشىء بقتل أو غيره ، والثانى حكايةُ صوت عند توجُّعٍ وشبهه.

فالأول الحَسُ : القَتْل ، قال الله تعالى : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ). ومن ذلك الحديث: «حُسُّوهم بالسيف حَسّا». وفى الحديث فى الجراد : «إذا حَسَّهُ البَرْدُ». ـ والحَسيس : القَتِيل (١). قال الأفوه :

* وقد تَرَدَّى كلُّ قِرْنٍ حَسيسْ (٢) *

ويقال إن البَرْدَ محَسَّة للنَّبَاتِ. ومن هذا حَسْحَسْت الشىء من اللحم ، إذا جعلْتَه على الجِمرة ؛ وحَشْحشْت أيضاً. ويقول العرب : افعل ذلك قبل حُسَاس الأيسار ، أى قبل أن يُحسحِسوا من جَزُورهم ، أى يَجْعَلُوا اللحم على النار.

ومن هذا الباب قولهم أحْسَسْتُ ، أى عَلِمْتُ بالشىء. قال الله تعالى : (هَلْ تُحِسُ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ). وهذا محمولٌ على قولهم قتلتُ الشىءَ عِلْما. فقد عاد إلى الأصل الذى ذكرناه. ويقال للمَشَاعر الْخمْسِ الحواسُ ، وهى : اللَّمس ، والذَّوق ، والشمّ ، والسمع ، والبصر.

ومن هذا الباب قولهم : من أين حَسِسْتَ هذا الخبر ، أى تخبّرتَه.

ومن هذا الباب قولهم للذى يطرُد الجوعَ بسخائه : حسحاس. قال :

واذكرْ حسيناً فى النَّفير وقبله

حَسَنا وعُتبة ذا الندى الحسْحَاسا

__________________

(١) فى الأصل والمحمل : «القتل» ، صوابه فى اللسان.

(٢) صدره كما فى ديوان الأفوه : واللسان (حسس) :

؟ لهم عند انكار القا


والأصل الثانى : قولهم حَسّ (١) ، وهى كلمةٌ تقال عند التوجُّع. ويقال حَسِسْت له فأنا أحَسُ ، إذا رقَقْت له ، كأنَّ قلبَك ألِمَ شفقةً عليه. ومن [الباب] الحِسُ ، وهو وجعٌ يأخذ المرأة عند وِلادِها. ويقال انحسَّت أسنانه : انقلعَتْ. وقال :

فى مَعْدِنِ المُلْكِ القديم الكِرْسِ

ليس بمَقْلُوعٍ ولا مُنْحَسِ (٢)

ومن هذا الباب وليس بعيداً منه الحُساس ، وهو سوءُ الخُلُق. قال :

رُبَّ شَرِيبٍ لك ذِى حُساسِ

شِرابُه كالحَزِّ بالمَوَاسِى (٣)

ويقال الحُساس الشُّؤم. فهذا يصلح أن يكون من هذا ، ويصلح أن يكون من الأول لأنه يذهب بالْخيْر.

حش الحاء والشين أصلٌ واحد ، وهو نباتٌ أو غيرُه يَجفُّ ، ثم يستعارُ هذا فى غيره والمعنى واحد. فالحشيش : النبات اليابس. والحِشَاش والمِحَشُ : وعاؤه. قال :

* بين حِشاشَىْ بازِلٍ جِوَرِّ (٤) *

وحِشَاشَا الإنسانِ وغيرِه : جنباه ، عن أبى مالك ، كأنَّهما شُبِّهَا بحِشَاشَىِ الحشيش. والحُشَّةُ : القُنَّةُ تُنْبِتُ ويَبْيَضُّ فوقَها الحشيش (٥). قال :

__________________

(١) يقال بفتح الحاء ، وكسر السين المشددة مع التنوين وعدمه ، ويقال حسا ، بفتح الحاء مع النصب. وكذلك حس ، بكسر الحاء وكسر السين المشددة المنونة.

(٢) للعجاج فى اللسان (حسس ، كرس) وليس فى ديوانه. والكرس ، بالكسر : الأصل. ويروى : الكريم الكرس.

(٣) الرجز فى اللسان (حسس) ، ونوادر أبى زيد ١٧٥. والمواسى : جمع موسى الحلاق.

(٤) الرجز فى اللسان (حشش ، جرر). وانظر أيضاً (جرر ، مرر) وقد سبق إنشاده فى (جر).

(٥) فى القاموس «والحشة بالضم : القبة العظيمة». قال الزبيدى : «هكذا فى سائر النسخ القبة حدة. والصواب القنة بالنون ، كما ضبطه الصاغانى عن ابن عباد».


فالحشَّة السَّوداء من ظهر العَلَم

* والمُحَشُ من الناس : الصغير ، كأنه قد يَبِس فصغُر. قال :

* قُبِّحْتَ مِن بَعْلٍ مُحَشٍ مُودَنِ*

ويقال استحشَّتِ الإبلُ : دَقَّت أو ظِفَتُها من عِظَمِها أو شَحْمها. ويقولون : اسْتَحَشَ ساعِدُها كَفَّها ، وذلك إذا عَظُم الساعد فاستُصْغِرت الكفَّ. قال :

إذا اصْمَأَلَّ أَخْدَعاه ابتَدَّا

إذا هما مَالا استَحَشَّا الخدَّا

ويقال حشَشْتُ النار ، إذا أثقَبتَها ، وهو من الأصل الذى ذكرناه ، كأنّك جعلت ثَقُوبَها كالحشِيش لها تأكُله. قال :

فما جبُنوا أنَّا نشُدُّ عليهمُ

ولكنْ رأوْا ناراً تُحَشُ وتُسْفَعُ (١)

وحَشَ الرجل سهمَه ، إذا أَلزَقَ به قُذَذَه من نواحيه.

ومن الباب فرسٌ محشوش الظهر بجنْبَيه ، إذا كان مُجْفَر الجنْبَين. قال :

من الحارِكِ محشوشٍ

بجَنْبٍ مُجْفَرٍ رَحْبِ (٢)

وقول الهذلىّ (٣) :

فى المزنىّ الذى حَشَشْتُ له

مالَ ضَريكٍ تِلادُهُ نَكِدُ (٤)

فإنه يريد كثّرت به مالَ هذا الفقير. وذلك أنه أُسِرَ ففُدِى بماله.

__________________

(١) البيت لأوس بن حجر فى ديوانه ١١ واللسان (حسس).

(٢) لأبى دواد الإيادى ، كما فى اللسان (حشش). ورواه أبو عبيدة فى كتاب الحيل ٨٦ لعقبة بن سابق.

(٣) هو صخر الغى ، وقصيدته فى نسخة الشقيطى من الهذليين ٥٥ وشرح الكرى الهذليين ١٢. والبيت فى اللسان (حشش).

(٤) الذى حششت ، ساقطتان من الأصل ، وإثباتهما من اللسان وديوان الهذليين.


ويقال حَشَّت اليد (١) ، إذا يَبِست ، كأنها شُبِّهت بالحشيش اليابس. وأحشّت الحامِلُ ، إذا جاوَزَتْ وقت الوِلادِ ويَبِس الولدُ فى بطنها.

ومما شذ عن الباب الحُشَاشَة : بقية النّفْس. قال :

أبَى اللهُ أن يُبقِى لنفسى حُشاشةً

فصبراً لما قد شاء الله لى صبرا (٢)

حص الحاء والصاد فى المضاعف أصول ثلاثة : أحدها النَّصيب ، والآخر وضوحُ الشىء وتمكنُّه ، والثالث ذَهاب الشىء وقلّته.

فالأول الحِصّة ، وهى النَّصيب ، يقال أحصَصْتُ الرّجلَ إذا أعطيتَه حِصَّته. والثانى قولهم حَصْحَصَ الشىء : وضَحَ. قال الله تعالى : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ).

ومن هذا الحصحصةُ : تحريكُ الشىءِ حتى يستمكن ويستقرّ.

والثالث الحَصُ والحُصَاص ، وهو العَدْوُ. وانحَصَ الشعْر عن الرأس : ذهَب. ورجلٌ أحَصُ قليلُ الشعْر. وحَصَّتِ البيْضةُ شعرَ رأسه. قال أبو قيس بن الأسلت :

قد حَصّتِ البَيضَةُ رأسى فما

أطعَمُ نوماً غيرَ تَهجاعِ (٣)

والحصحصة : الذَّهاب فى الأرض. ورجل أحَصُ وامرأةٌ حَصّاء ، أى مشْؤُومة. وهو من الباب ، كأنَّ الخير قد ذهب عَنْها. ومن هذا الباب فلانٌ يَحُصّ ، إذا كان لا يُجيِر أحداً. قال :

__________________

(١) يقال : حشت وأحشت ، بالبناء للفاعل والمفعول فى كل منهما.

(٢) كذا ورد هذا العجز ويصح بقطع همزة لفظ الجلالة «الله».

(٣) قصيدة أبى قيس الأقيس فى المفضليات (٢ : ٨٣ ـ ٨٦). والبيت فى اللسان (حصص) ، برواية : فما أذوق نوما.


أَحُصُ ولا أُجِيرُ ومَن أُجِرْهُ

فليس كمن يُدَلَّى بالغُرُورِ (١)

والأَحَصَّانِ : العَبد والعَير ؛ لأنهما يُماشِيان أنْمانَهما حتى يَهرَما فيُنْتَقصَ أثمانُها ويمُوتا.

ويقال سَنَةٌ حَصَّاءِ : جرداءِ لا خَير فيها.

ومن الذى شذَّ عن الباب قولهم للوَرْس حُصّ. قال :

مُشَعْشَعَةَ كأنَ الحُصَ فيها

إذا ما الماءِ خالَطَها سَخِينا (٢)

حض الحاء والضاد أصلان : أحدهما البَعْث على الشىء ، والثانى القَرارُ المسْتَفِلُ.

فالأول حضَضْته على كذا ، إذا حَضّضْتَه عليه وحَرّضْتَه. قال الخليل : الفرق بين الحضّ والحثّ أنّ الحثّ يكون فى السير والسَّوقِ وكلِّ شىء ، والحضّ لا يكون فى سير ولا سَوْق.

والثانى الحضيض ، وهو قَرار الأرض. قال :

* نزَلْتُ إليه قائماً بالحَضِيضِ (٣) *

حط الحاء والطاء أصلٌ واحد ، وهو إنزال الشىء من عُلوّ. يقال حطَطْت الشىءَ أحُطّه حَطًّا. وقوله تعالى : حِطَّةٌ قالوا : تفسيرها اللهم حُطّ عنا أوزارَنا

__________________

(١) البيت لأبى جندب الهذلى ، كما فى اللسان (دلا). وقصيدته فى شرح السكرى للهذليين ٨٧ ومخطوطة الشنقيطى ١١٩.

(٢) لعمرو بن كلثوم فى معلقته المشهورة.

(٣) لامرئ القيس فى ديوانه ١١٠. وصدره :

فلم أجن الشمس على غبارها


ومن هذا الباب قولهم جاريةٌ مَحْطوطة الْمتنين ، كأنما حُطّ مَتْنَاها بالمِحَطِّ. قال :

بيضاءِ مَحْطوطَةُ الْمتنَين بَهْكَنَةٌ

رَيَّا الرّوادفِ لم تُمْغِل بأولادِ (١)

ومن هذا الباب قولهم رجل حُطَائِطٌ ، أى صغير قصير ، كأنّه حُطَّ حَطَّا.

ومن هذا الباب قولُهم للنّجيبة السريعة* حَطوطٌ ؛ كأنها لا تزال تحطُّ رَحْلاً بأرض (٢).

ومما شذّ عن هذا القياس الحَطَاط : بَثْرَةٌ تكون بالوجْه. قال الهذلىّ (٣) :

ووحهٍ قد طرقْتُ أمَيْمَ صَافٍ

أَسيلٍ غيرِ جَهْمٍ ذِى حَطاطِ

ويروى :

* كقَرنِ الشّمسِ ليس بذى حَطاطِ*

حظ الحاء والظاء أصل واحد ، وهو النَّصيب والْجَدّ. يقال فلان. أحظُّ من فلانٍ ، وهو محظُوظٌ. وجمع الحظِّ أحَاظٍ على غير قياس. قال أبو زيد : رجلٌ حَظِيظ جديد ، إذا كان ذا حظّ من الرزق. ويقال حَظِظْتُ فى الأمر أَحَظُّ. قال : وجمع الحَظّ أحُظٌّ (٤).

حف الحاء والفاء ثلاثة أصول : الأول ضربٌ من الصّوت ، والثانى أن يُطيفَ الشىءُ بالشىء ، والثالث شِدَّةٌ فى العيش.

__________________

(١) البيت للقطامى فى ديوانه ٧ واللسان (حطط ، مغل).

(٢) شاهده قول النابغة فى اللسان (حطط) :

فما وخدت يمتلك ذات غرب

حطوط في الزمام ولا لجسون

(٣) هو المتنخل الهذلى ، وقصيدته فى نسخة الشنقيطى من الهذليين ٤٨ والقسم الثانى من مجموع أشعار الهذليين. ورواية البيت فى اللسان (حطط) :

ووجه قد جلوت أميم صاف

كقرن الشمس ليس بذى حطاطا

(٤) هذا فى جمع القلة ، ويقال فى الكثرة حظوظ وحظاظ كرجال.


تفسير ذلك : الأول الحفيف * حفيفُ الشجرِ ونحوِه ، وكذلك حفيفُ جَناح الطائر.

والثانى : قولهم حفّ القوم بفلانٍ إذا أطافُوا به. قال الله تعالى : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ). ومن ذلك حِفافَا كلِّ شىءِ : جانباه. قال طَرَفة :

كَأَنّ جَناحَىْ مَضْرَحِىِّ تَكنَّفا

حِفَافَيْهِ شُكَّا فى العَسيبِ بِمْسرَدِ (١)

ومن هذا الباب : هو على حَفَفِ أمْرٍ أى ناحيةٍ منه ، وكلُّ ناحيةِ شىءِ فإنها تُطِيف به. ومن هذا الباب قولهم : «فلان يَحُفُّنا ويَرُفُّنا» كأنّه يشتمل علينا فيُعْطينا ويَمِيرُنا.

والثالث : الحُفُوف والحَفَف ، وهو شدّة العيش ويُبْسُه. قال أبو زيد : حَفَّتْ أرضُنا وقَفَّتْ ، إذا يبِسَ بَقْلُها. وهو كالشَّظَف. ويقال : هم فى حَفَفٍ من العَيش ، أى ضيق ومحْلٍ ، ثم يُجْرَى هذا حتى يقال رأسُ فلانٍ محفوفٌ وحافٌ ، إذا بَعدُ عهدُه بالدُّهن ، ثم يقال حَفَّت المرأةُ وجْهها من الشّعر. واحتفَفْتُ النبتَ إذا جَزَزْتَه.

حق الحاء والقاف أصلٌ واحد ، وهو يدل على إحكام الشىء. وصحّته. فالحقُ نقيضُ الباطل ، ثم يرجع كلُّ فرعٍ إليه بجَودة الاستخراج وحُسْن التّلفيق ويقال حَقَ الشيءُ وجَبَ. قال الكسائىّ : يقول العرب : «إنك لتعرف الحِقَّةَ عليك ، وتُعْفى بما لدَيْكَ (٢)». ويقولون : «لَمَّا عَرَف الحِقَّةَ منّى انْكَسَرَ».

__________________

(١) البيت من معلقته المشهورة. والمضرحى : النسر.

(٢) فى اللسان : «المعفى الذى يصحبك ولا يتعرض لمعروفك». وأنشد :

فإنك لا تبلو أمرا دون صحبه

وحق؟؟؟؟


ويقال حاقَ فلانٌ فلاناً ، إذا ادَّعى كلُّ واحدٍ منهما ، فإذا غَلَبَه على الحقِّ قيل حَقَّه وأحَقَّه. واحتَقَ الناس فى الدَّيْنِ ، إذا ادَّعى كلُّ واحدٍ الحقَّ.

وفى حديث علىّ عليه السلام : «إذا بلغَ النِّساء نَصَ الْحقَاقِ فالعَصَبَةُ أوْلى».

قال أبو عبيدٍ : يريدُ الإدراكَ وبُلوغَ العقل. والحِقاقُ أن تقول هذه أنا أحقُّ ، ويقولَ أولئك نحنُ أحقّ. حاقَقْتُه حقاقاً. ومن قال «نَصَ الحقائق» أراد جمع الحقيقة.

ويقال للرجُل إذا خاصَمَ فى صغار الأشياء : «إنَّه لَنَزِقُ الحِقاق» ويقال طَعْنَةٌ مُحْتَقَّةٌ، إذا وصلَتْ إلى الجوف لشدَّتها ، ويقال هى التى تُطعَن فى حُقِ الورِك.

قال الهذلى (١) :

وَهَلاً وقد شرع الأسِنّةَ نحوَها

مِن بين مُحْتَقٌ بها ومُشَرِّمِ

وقال قومٌ : المحتقُ الذى يُقتَل مكانَه. ويقال ثوبٌ مُحَقَّقٌ ، إذا كان محكم النّسج (٢). قال :

تَسَرْبَلْ جِلْدَ وَجهِ أبيك إنّا

كفَيناك المحققَة الرّقاقا (٣)

والحِقَّةُ من أولاد الإبل : ما استحقَّ أن يُحمَل عليه ، والجمع الحِقاق. قال الأعشى:

__________________

(١) هو أبو كبير الهذلى كما فى اللسان (حقق) ، وقصيدة البيت فى نسخة الشنقيطى ٧٦ الوهل : الفزع. وفى اللسان : «هلا وقد» تحريف. وقبل البيت :

فاهنجن من نزع وطارجهاشها

من بين قارمها وما لم؟

(٢) وقيل : ثوب محقق : عليه وشى كصورة الحقق.

(٣) كلمة «جلد» ساقطة من الأصْل ، وإثباتها من المجمل واللسان.


وهُم ما هُم إذا عزَّت الخَم

رُ وقامت زِقاقُهم والحِقاقُ (١)

يقول : يباع زقّ منها بحِقّ (٢). وفلان حامِى الحقيقة ، إذا حَمَى ما يَحقُّ عليه أن يحمِيه ؛ ويقال الحقيقة : الراية. قال الهذلىّ (٣) :

حامِى الحقيقة نَسَّالُ الموَديقة مِعْ

تاقَ الوَسيقة لا نِكسٌ ولا وانِ (٤)

والأحقّ من الخيل : الذى لا يعْرَق ؛ وهو من الباب ؛ لأن ذلك يكون لصلابته وقوّته وإحكامه. قال رجلٌ من الأنصار (٥) :

وأَقْدَرُ مُشرفُ الصَّهَواتِ ساطٍ

كُمَيتٌ لا أحَقُ ولا شَئيتُ (٦)

ومصدره الحَقَق. وقال قوم : الأقدر أن يسبقَ موضعُ* رِجليه موقعَ يديه. والأحقّ : أنْ يطبِّق هذا ذاك. والشئِيت : أن يقصر موقع حافر رجلَيه عن موقع حافر يديه.

والْحَاقَّةُ : القيامة ؛ لأنها تحقّ بكل شىء. قال الله تعالى : (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ). والحَقْحَقَة أرفَعُ السَّير وأتْعَبُه للظَّهرْ. وفى حديث

__________________

(١) البيت فى ديوان الأعشى ١٤٢.

(٢) فى الأصل : «يقال يباع زق منها حق».

(٣) هو أبو المثلم الهذلى. وقصيدته فى نسخة الشقبطى من الهذليين ٩٤ والسكرى ٣٤.

(٤) السكرى : «معتاق الوسيقة ، وهى الطريدة ، إذا طرد طريدة أنجاها من أن تدرك».

والبيت ملفق من بيتين. وفى ديوان الهذليين :

؟ الهضيمة ناب بالعظيمة منـ

لاف الكريمة لاسقط ولاوان

حامى الحقيقة لسال الوديقة

؟ االوسيقة جلد نمير ثنيان

(٥) البيت يروى أيضاً لعدى بن خرشة الخطمى كما فى اللسان (حقق ، شأت).

(٦) سيأتى فى (شأت). وهذه رواية أبى عبيد. ورواية الجمهرة (١ : ٦٣) :

بأجرد من عتاف الخيل بها

جواد لا أحصى رولا؟


مطرّف بن عبد الله لابنِه (١) : «خَير الأُمور أوساطُها ، وشرُّ السَّير الحَقْحَقَة». والحُقُ : مُلتقَى كلِّ عَظْمَين إلا الظهرَ ؛ ولا يكون ذلك إلا صُلباً قويا.

ومن هذا الحقّ من الخشب ، كأنه ملتقى الشىء وطَبَقُه ـ وهى مؤنثّة ، والجمع حُقق. وهو فى شعر رؤبة :

* تَقْطِيطَ الحُقَقْ (٢) *

ويقال فلانٌ حقيقٌ بكذا ومحقوقٌ به ـ وقال الأعشى :

لَمَحْقوقةٌ أن تستجِيى لِصَوتِهِ

وأنْ تعلمى أنّ الُمعانَ مُوَفَّقُ (٣)

قال بعضُ أهل العلم فى قوله تعالى فى قصة موسى عليه السلام : حقيق علىّ قال : واجِبٌ علىّ. ومن قرأها (حَقِيقٌ عَلى) فمعناها حريصٌ عَلَى (٤).

قال الكسائىّ حُقّ لك أن تفعل هذا وحُقِقْتَ. وتقول : حَقَّا لا أفعل ذلك ، فى اليمين.

قال أبو عبيدة : ويُدخلون فيه اللام فيقولون : «[لَحَقَ] لا أفعل ذاك (٥)» ،

__________________

(١) فى الأصل : «لأبيه» تحريف. وفى اللسان : «وتعبد عبد الله بن مطرف بن الشخير فلم يقتصد ، فقال له أبوه : يا عبد الله ، العلم أفضل من العمل ، والحسنة بين السيئتين» الخ. ومطرف بن الشخير ، هو مطرف بن عبد الله بن الشخير من كبار التابعين ، توفى سنة ٩٥. انظر تهذيب التهذيب ، وصفة الصفوة.

(٢) قطعة من بيت له. وهو بتمامه كما فى الديوان واللسان :

سوى مساحبهن تقطبط الحقق

أى إن الحجارة سوت حوافر الحمر مثل تقطيط الحقق وتسويتها.

(٣) قبله كما فى ديوان الأعشى ١٤٩ :

وإن امرأ أسرى إليك ودونه

فياف تتوفات وبيداء خيفق

(٤) هذه قراءة الجمهور. وأما القراءة الأولى (على) بتشديد الياء ، فهى قراءة الحسن ونافع ، وانظر إتحاف فضلاء البشر ٢٢٧.

(٥) التكملة من الصحاح واللسان. وفى اللسان : «قال الجوهرى : وقولهم لحق لا آتيك ، هو يمين العرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد اللام. وإذا أزالوا عنها اللام قالوا : حقاً لا آتيك. قال ابن برى : يريد لحق الله فنزله منزلة لعمر الله. ولقد أوجب رفعه لدخول اللام كما وجب فى قولك لعمر الله ، إذا كان باللام».


يرفعونه بغير تنوين. ويقال حَقَقْتُ الأمرَ وأحقَقْتُه ، أى كنتُ على يقينٍ منه. قال الكسائىّ: حَقَقْتُ حذَرَ الرحُل وأحقَقْتُه : [فعلتُ (١)] ما كان يحذر. ويقال أحَقَّت الناقة من الرّبيع ، أى سَمِنَت.

وقال رجلٌ لتميمىٍّ : ما حِقَّةٌ حَقَّت عَلَى ثلاث حِقاقٍ؟ قال : هى بَكْرَةٌ معها بَكْرتان ، فى ربيع واحد ، سمِنت قبل أن تسمنا ثم ضَبِعَتْ ولم تَضْبَعا (٢) ، ثم لَقِحت ولم تَلقَحا.

قال أبو عمرو : استحقّ لَقَحُها (٣) ، إذا وجب. وأحقَّت : دخلَتْ فى ثلاث سنين.

وقد بلغت حِقَّتها ، إذا صارت حِقَّة. قال الأعْشَى :

بحِقّتها رُبِطَتْ فى اللَّجِي

نِ حتى السَّديسُ لها قد أَسَنْ (٤)

يقال أسَنَّ السِّنُّ نَبَتَ.

حك الحاء والكاف أصلٌ واحد ، وهو أن يلتقىَ شيئانِ يتمرّس كلُّ واحدٍ منهما بصاحبه. الحكُ : حَكُّكَ شيئاً على شىء. يقال ما بقِيتْ فى فيه حَاكَّة ، أى سنّ. وأحكَّنِى رأسى فحكَكْته. ويقال حكَ فى صدرى كذا : إذا لم ينشرح صدْرك له ، كأنه شىء شكَّ صدرَك فتمرّس [به]. والحُكاكة : ما يسقط من الشيئين تحكُّهما. والحَكِيك : الحافر النَّحِيت (٥). ويقولون وهو أصل الباب : فلانٌ يتحكَّك بى ، أى يتمرَّس

قال الفرّاء : إنه لحِكُّ شَرٍّ ، وحِكُ ضِغْنٍ (٦).

__________________

(١) التكملة من المجمل واللسان (حقق ٣٣٣).

(٢) ضبعت الناقة ضبعا ، من باب فرح : اشتهت الفحل. وفى الأصل : «صنعت ولم تصنعا» ، صوابه فى اللسان (حقق ٣٤١) حيث ساق الخبر فى تفصيل.

(٣) اللقح بالفتح والتحريك : اللقاح. ويقال أيضاً استحقت الناقة اللقاح.

(٤) رواية الديوان ١٦ واللسان (حقق): «حبست فى اللجين».

(٥) أى المنحوت. وفى الأصل : «النجيب» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٦) لم يذكر فى اللسان : وفى القاموس : «وحك شر وحكاكه ، بكسرهما : يحاكه كثيرا».


حل الحاء واللام له فروع كثيرة ومسائلُ ، وأصلها كلُّها عندى فَتْح الشىءِ ، لا يشذُّ عنه شىء.

يقال حلَلْتُ العُقدةَ أحُلُّها حَلًّا. ويقول العرب : «يا عاقِدُ اذكُرْ حَلَّا». والحلال: ضِدُّ الحرام ، وهو من الأصل الذى ذكرناهُ ، كأنه من حَلَلْتُ الشىء ، إذا أبحْتَه وأوسعته لأمرٍ فيه (١).

وحَلَ : نزل. وهو من هذا الباب لأن المسافر يشُدّ ويَعقِد ، فإذا نزلَ حَلّ ؛ يقال حَلَلْتُ بالقوم. وحليل المرأة : بعلها ؛ وحليلة المرء : زوجُه. وسُمِّيا بذلك لأن كلّ واحدٍ منهما يَحُلُ عند صاحبه.

قال أبو عبيد : كل من نازَلَكَ وجاوَرَك فهو حَليل. قال :

ولستُ بأطْلَسِ الثَّوبينِ يُصْبِى

حليلتَه إذا هدأ النِّيامُ (٢)

أراد جارتَه. ويقال سمَّيت الزوجةُ حليلةً لأن كلَّ واحدٍ منهما يحلُ إزارَ الآخر. والحُلّة معروفة ، وهى لا تكون إلا ثوبَين. وممكن أن يحمل على الباب فيقال لمَّا كانا اثنَينِ كانت فيهما فُرْجة.

ومن الباب الإحليل ، وهو مَخرج البَول ، ومَخرج اللَّبن من الضَّرْع.

ومن الباب تَحَلْحَلَ عن مكانه ، إذا زال. قال :

* ثَهْلانُ ذو الهَضَبَاتِ لا يَتَحَلْحَلُ (٣) *

__________________

(١) فى الأصل : «الأمر فيه».

(٢) البيت فى المجمل واللسان (طلس ، حلل). وأطلس الثوبين كناية عن أنه مرمى بالقبيح.

(٣) عجز بيت للفرزدق فى ديوانه ٧١٧ واللسان (حلل). وصدره :

فأرفع بكفك إن أردت بناءنا

وفى الديوان : ثهلان ذا الهضبات وقال ابن برى : «هذه هى الرواية الصحيحة». وأقول : الرفع على الاستئناف صحيح أيضاً ، جعله مثلا.


والحلاحِل : السيِّد ، وهو من الباب ليس بمنْغَلق محرَّم كالبخيل المُحكم اليابس. والحِلَّة : الحىُّ النزول مِن العرب قال الأعشى :

لقد كانَ فى شيبانَ لو كنت عالما

قِبابٌ وحَىٌ حِلّةٌ وقبائلُ (١)

و* المَحَلَّة : المكانُ ينزِل به القومُ. وحىٌ حِلَالٌ نازلون. وحلَ الدَّيْنُ وجب. والحِلُ ما جاوزَ الحرم. ورجلٌ مُحِلٌ من الإحلال ، ومُحرِم من الإحرام. وحِلٌ وحَلالٌ بمعنى ؛ وكذلك فى مقابلته حِرْم وحَرَام. وفى الحديث : «تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ميمونةَ وهما حَلَالان». ورجلٌ مُحِلٌ لا عَهْدَ له ، ومُحْرِم ذُو عَهْد. قال :

جَعَلْن القَنَان عن يمينٍ وحَزْنَه

وكم بالقَنَانِ مِن مُحِلٍ ومُحْرِم (٢)

وقال قوم : مِنْ محلٍ يرى دمى حلالاً ، ومحرِمٍ يراه حَرَاما.

والحُلّان : الجدى يُشقُّ له عن بطن أمّه. قال :

يُهدِى إليه ذِرَاعَ الجَفْر تَكْرِمَةً

إمّا ذبيحاً وإمّا كانَ حُلَّانَا (٣)

وهو من الباب. وحَلَّلْتُ اليمينَ أحَلِّلُها تَحْلِيلا (٤). وفعلتُ هذا تَحِلَّةَ القسَم ، أى لم أفعل إلا بقدْرِ ما حَلَّلْتُ به قَسَمى أنْ أفعله ولم أبالِغْ. ومنه : «لا يموت لمؤمنٍ ثلاثةُ أولادٍ فتمسَّه النّارُ إلا تَحِلّةَ القَسَم». يقول : بقدر ما يبَرُّ الله تعالى قسمَه فيه ، من قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) أى لا يرِدُها إلا بقدر ما يحلِّلُ القَسَم (٥) ،

__________________

(١) البيت فى اللسان (حلل). وقصيدته فى الديوان ١٢٨.

(٢) البيت لزهير فى معلقته. وفى الأصل : «ومن بالقنا فى محل» ، تحريف.

(٣) البيت لابن أحمر ، كما فى اللسان (حلن) والحيوان (٥ : ٤٩٩ / ٦ : ١٤٢). وفاعل «يهدى» فى بيت بعده ، وهو :

هبط عطابيل لئن الرى وابتذلت

معاطفا صابرات وكتانا

(٤) فى الأصل : «أحلها حلا» ، والسياق يقتضى المشدد.

(٥) فى الأصل : «يحل القسم» ، والسياق يأباه.


ثم كثُر هذا فى الكلام حتى قِيل لكلِّ شىءِ لم يبالَغْ فيه تحليلٌ ؛ يقال ضربتُه تحليلاً ، ووقعَتْ مَنَاسِمُ هذه الناقةِ تحليلاً ، إذا لم تُبالغْ فى الوقع بالأرض. وهو فى قول كعب بن زهير :

* وقْعُهنَّ الأرضَ تحليلُ (١) *

فأمّا قولَ امرئ القيس :

كبِكْرِ المقاناةِ البَياضَ بصُفرَةٍ

غذاها نميرُ الماءِ غيرَ مُحَلَّلِ

ففيه قولان : أحدهما أن يكون أراد الشىء القليل ، وهو نحوُ ما ذكرناه من التَّحِلَّة. والقول الآخر : أن يكون غير مَنزولٍ عليه فيَفْسُد وبُكدَّر.

ويقال أحَلَّت الشاةُ ، إذا نزل اللَّبن فى ضَرْعِها من غير نَتَاج. والحِلالُ : مَتاع الرَّحْل. قال الأعشى :

وكأنَّها لم تَلْقَ ستّةَ أشهر

ضُرًّا إذا وضَعَتْ إليك حِلَالَها (٢)

كذا رواه القاسم بن مَعْن ، ورواه غيره بالجيم.

والحِلال : مركَبٌ من مراكب النساء. قال :

* بَعِيرَ حِلالٍ غادَرَتْهُ مُجَعْفَلِ (٣) *

ورأيت فى بعض الكتب عن سِيبويه : هو حِلّةَ الغَوْر ، أى قَصْدَه. وأنشد :

__________________

(١) البيت بتمامه :

تخدى على يسرات ومى لاحقه

بأريع مسهن الأرض تحليل

(٢) الديوان ص ٢٤ برواية : «جلالها». وأنشده فى اللسان (حلل).

(٣) لطفيل بن عوف الغنوى. وصدره كما فى ديوانه ٣٨ واللسان (حلل ، جعفل) وأمالى القالى (١ : ١٠٤): والمخصص (٧ : ١٤٧) :

وراكضة ما تستجن بجهنة


سَرَى بعد ما غار النُّجومُ وبَعْدَما

كأنّ الثرَيّا حِلّةَ الغَور مُنْخُل (١)

أى قصْدَه.

حم الحاء والميم فيه تفاوتٌ ؛ لأنّه ستشعب الأبواب جدًّا. فأحد أُصوله اسوداد ، والآخَر الحرارة ، والثالث الدنوّ والحُضور ، والرابع جنسٌ من الصوت ، والخامس القَصْد.

فأمّا السواد فالحُمَمُ الفحم ـ قال طرفة :

أشَجَاكَ الرَّبْعُ أم قِدَمُهْ

أمْ رمادٌ دارسٌ حُمَمُه (٢)

ومنه اليَحْموم ، وهو الدُّخان ـ والحِمْحِمُ : نبتٌ أسود ، وكلُّ أسوَدَ حِمْحِم.

ويقال حَمَّمْته إذا سَخَّمت وجهه بالسُّخام ، وهو الفَحْم.

ومن هذا الباب : حَمَّمَ الفرْخُ ، إذا طلع رِيشُه ـ قال :

* حَمَّم فَرخٌ كالشَّكير الجَعْدِ*

وأمّا الحرارة فالحَميم الماء الحارّ ـ والاستحمام : الاغتسال به ـ ومنه الحَمّ ، وهى الأَليه تُذاب ، فالذى يبقى منها بعد الذَّوْب حَمٌ ، واحدته حَمَّةٌ. ومنه الحَميم ، وهو العَرَق. قال أبو ذؤيب :

تَأْبَى بدِرَّتِها إذا ما استُغْضِبَتْ

إلَّا الحميمَ فإِنّه يَتَبَصَّعُ (٣)

__________________

(١) النص والشاهد فى كتاب سيبويه (١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢). وفى الاصل : «حلة القوم» صوابه من المجمل وسيبويه. وفى سيبويه : «بعد ما غار الثريا». قال الشنتمرى : «شبه الثريا فى اجتماعها واستدارة نجومها بالمخل».

(٢) ديوان طرفة ١٦ واللسان (حمم).

(٣) ديوان أبى ذؤيب ١٧ والمفضليات (٢ : ٢٢٨) والمحمل واللسان (حمم). وفى الأصل : استفيضت «استقضيت» صوابه من المجمل والديوان والمفضليات. وفى اللسان واحدى روايتى الديوان :


ومنه الحُمَام ، وهو حُمَّى الإبل. ويقال أحمَّت الأرض [إذا صارت (١)] ذات حُمَّى. وأنشد الخليل فى الحَمِ :

ضُمَّا عليها جانِبَيْهَا ضَمًّا

ضَمَّ عَجوزٍ فى إناءِ حُمَّا

وأمّا الدنُوّ والحضور فيقولون : أَحَمَّتِ الحاجةُ : حَضَرت ، وأحَمَ الأمرُ : دنا. وأنشد:

حَيِّيا ذلك الغَزَال الأَجَمَّا

إن يكنْ ذلك الفراقُ أحَمَّا (٢)

وأمّا الصَّوت فالحَمْحَمة حَمحَمةُ الفَرَس عند العَلْف.

وأمّا القَصْد فقولهم حَمَمْتُ حَمَّهُ ، أى قَصَدْت قَصْدَه. قال طرَفة :

جَعَلتْهُ حَمَ كَلْكَلِها

بالعَشِىِّ دِيمَةٌ تَثِمُه (٣)

ومما شذَّ عن هذه الأبواب قولهم : طلَّق الرّجُل امرأتَه وَحَمَّمَها ، إذا متَّعهد بثَوْبٍ أو نحوه. قال :

أنتَ الذى وَهبتَ زيداً بعد ما

همَمْتُ بالعَجُوز* أَنْ تُحَمَّما (٤)

وأمّا قولهم احتَمَ الرَّجلُ ، فالحاء مبدلةٌ من هاء ، وإنّما هو من اهتَمَّ.

حن الحاء والنون أصلٌ واحد ، وهو الإشفاق والرّقّة. وقد يكون ذلك مع صوتٍ بتوجُّع. فحنين النّاقةِ : نِزاعُها إلى وطنها. وقال قوم : قد يكون ذلك من غير صوتٍ أيضاً. فأمَّا الصوت فكالحديث الذى جاء فى حَنِين الجِذْع الذى

__________________

(١) التكملة من المحمل واللسان.

(٢) الأجم : الذى لا قرن له. وفى الأصل واللسان : «الأحما» ، صوابه فى المجمل.

(٣) فى الديوان ١٦ : «لربيع ديمة» ، وفى اللسان : «من ربيع».

(٤) البيتان فى اللسان (حمم ، وثم).


كان يَستَنِد إليه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّمَ ، لمَّا عُمِل له المِنبرُ فتَرَك الاستنادَ إليه. والحنان : الرحمة. قال الله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا). وتقول حَنَانَك أى رحمَتَك. قال :

مُجاوَرَةً بَنِى شَمَجَى ابنِ جَرْمٍ

حَنَانَك رَبَّنَا ياذَا الحَنانِ (١)

وحنانَيْكَ ، أى حناناً بعْدَ حنان ، ورحمةً بعدَ رحمة. قال طرفة :

أبا مُنْذِرٍ أفنَيْتَ فاستَبْقِ بعضَنا

حنانيكَ بعضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِن بعضِ (٢)

والحَنَّةُ : امرأة الرجُل ، واشتقاقها من الحَنين لأنّ كلًّا منهما يَحِنُ إلى صاحبه. والحَنُون : ريحٌ إذا هَبَّت كان لها كحنين الإبل. قال :

* تُذَعْذِعُها مُذَعْذِعَةٌ حَنُونَ * (٣)

وقَوْسٌ حَنَّانَةٌ ، لأنّها تَحِنُ عند الإنْباض. قال :

وفى مَنْكِبى حَنّانَةٌ عُودُ نبْعةٍ

تَخَيّرها لى سُوقَ مَكّةَ بائِعُ (٤)

ومما شذّ عن الباب طريقٌ حَنَّانٌ ، أى واضح.

__________________

(١) البيت ملفق من بيتين فى ديوان امرئ القيس ١٦٩ ـ ١٧٠ وهما :

مجاورة بن ى شمجى بن جرم

هوانا ما أتيح من الهوان

ومنعها بنو شمجى بن جرم

مميزهم حنانك ذا الحنان

وهذا البيت الأخير بهذه الرواية فى اللسان (حنن ٢٨٦).

(٢) ديوان طرفه ٤٨ والمجمل واللسان (حنن). وأبو منذر كنية عمرو بن هند.

(٣) سبعيده فى (زع). وهو عجز بيت للنابغة لم يرو فى ديوانه. وصدره كما فى اللسان (حنن ، ذعم)

فشيت لها منازل؟

(٤) كلمة «لى» ليست فى الأصل ؛ وإثباتها من اللسان ، وقال : «أى فى سوق مكة».


حا الحاء والهمزة قبيلة. قال :

* طلبتُ الثأْرَ فى حَكَمٍ وحاء (١) *

حب الحاء والباء أصول ثلاثة ، أحدها اللزوم والثَّبات ، والآخر الحَبّة من الشىء ذى الحَبّ ، والثالث وصف القِصَر.

فالأوَّل الحَبَ (٢) ، معروفٌ من الحنطة والشعير. فأما الحِبُ بالكسر فبُزور الرّياحين ، الواحدُ حِبَّة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قومٍ : «يخرُجون من النَّار فيَنْبتُون كما تنبت الحِبَّةُ فى حَميلِ السَّيل».

قال بعض أهل العلم : كلُّ شىء له حَبٌ فاسم الحَبّ منه الحِبَّة. فأمَّا الحِنطة والشعير فَحبٌ لا غير.

ومن هذا الباب حَبّة القلب : سُوَيداؤه ، ويقال ثمرته.

ومنه الحَبَب وهو تَنَضُّد الأسنان. قال طرفة :

وإذا تَضْحك تُبدِى حَبَباً

كرُضَابِ المِسْكِ بالماء الخَصِرْ (٣)

وأمّا اللزوم فالحبّ والمحَبّة ، اشتقاقه من أحَبَّه إذا لزمه. والمُحبّ : البعير الذى يَحْسِرَ فيلزمُ مكانَه. قال :

جَبَّتْ نِساءَ العالَمِينَ بالسّبَبْ

فهُنَّ بعدُ كلُّهُنَ كالمُحِبّ (٤)

__________________

(١) كذا ورد ضبطه فى اللسان (٢٠ : ٣٣٤) على أنه عجز بيت. ولم أجد تتمته. وفى الجمهرة (١ : ١٧٢): «وبنو حاء ممدود بطن من العرب ، وهم بنو حاء بن جشم بن معد : وهم حلفاء لبنى الحكم بن سعد العشيرة».

(٢) قد جرى فى الكلام على أن يجعل هذا أول أبواب معانى المادة ، مع أنه ذكره هنا ثانيها.

(٣) ديوان طرفة ٦٥ والمجمل واللسان (حبب). ورضاب المسك : قطعه.

(٤) البيتان فى اللسان (حبب) وأمالى القالى (٢ : ١٩).


ويقال للحَبُ بالفتح أيضاً. ويقال أحبَ البَعير إذا قام (١) قالوا : الإحباب فى الإبل مثل الحِران فى الدوابّ. قال :

* ضَرْبَ بَعيرِ السَّوْء إذْ أحَبّا (٢) *

أى وقَف. وأنشد ثعلبٌ لأعرابيَّةٍ تقول لأبيها :

يا أَبَتا وَيْهاً أَبَهْ حَسَّنْتَ إلّا الرَّقَبَهْ (٣)

فزِّينَنْها يا أَبَهْ (٤) حَتَّى يجِىءَ الْخَطَبَهْ

بإِبلٍ مُحَبْحَبَهْ (٥)

معناه أنّها من سمنها تَقِف. وقد روى بالخاء «مُخَبخَبه» ، وله معنى آخر ، وقد ذكر فى بابه. وأنشد أيضاً :

مُحِبٌ كإِحباب السَّقيم وإنَّما

به أسَفٌ أن لا يَرَى مَن يُساوِرُه (٦)

وأَمّا نعت القِصَر فالحَبْحاب : الرجُل القصير. ومنه قول الهُذلى (٧) :

دَلَجِى إذا ما اللَّيلُ جَ

نَّ على المُقَرَّنَةِ[الحَباحبْ

فالمقرّنة : الجبالُ (٨)] يدنو بعضُها من بعضٍ ، كأنّها قُرِنت. والحَباحِب :

__________________

(١) قام ، بدون همزة كما فى الأصل والمجمل. ومعناه وقف كما سيأتى.

(٢) لأبى محمد الفقعسى ، كما فى اللسان (حبب). وانظر الجمهرة (١ : ٢٥) والأصمعيات ٧.

(٣) هذا البيت والثلاثة بعده فى اللسان (جبب). كأنها تستوهب أباها ما تزين به عنقها.

(٤) فى اللسان : «فحسننها».

(٥) هذا البيت والبيت الذى قبله رويا أيضاً فى اللسان (خبخب) برواية : «مخمخبة» ، وهى العظيمة الأجواف ، أو هى مقلوبة من «المخبخة» التى يقال لها بخ بخ ، إعجاباً بها. وروى فى اللسان (جبب): «مجبجبة» أى ضخمة الجنوب.

(٦) البيت فى أمالى ثعلب ٣٦٩ برواية : «ما يساوره». وهو لأبى الفضل الكنانى كما فى الأصمعيات ٧٦ طبع دار المعارف. برواية : «من يثاور».

(٧) هو الأعلم الهذلى. وقصيدة البيت فى شرح السكرى ٥٥ ومخطوطة الشنقيطى ٥٩. والبيت فى المجمل واللسان (حبحب).

(٨) هذه التكملة التى تبدأ من نهاية البيت السابق ، من المجمل.


الصِّغار ، وهو جمع حَبْحاب. وأظنُّ أَنَ حَبَاب الماءِ من هذا. ويجوز أن يكون من الباب الأوَّل كأنّها حَبَّاتٌ. وقد قالوا : حَباب الماء : مُعْظَمه فى قوله :

يشقُ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بها

كما قَسَم التُّربَ المفَايِلُ باليَدِ (١)

والحُباحب : اسمُ رجلٍ ، مشتقٌّ من بعض ما تقدَّم ذكره. ويقال إنّه كان لا يُنْتَفَع بناره ، فنُسِبت إليه كلُّ نار لا يُنتَفع بها. قال النابغة :

تَقُدُّ السَّلوقىَّ المضاعَفَ نَسجُه

ويُوقِدْن بالصُّفَّاحِ نَار الحُباحبِ (٢)

ومما شذَّ عن الباب الحُباب ، وهو الحيَّة. قالوا : وإنما قيل الحُباب اسمُ شيطان لأن الحية شيطان. وأنشد :

تُلاعبُ مَثْنَى حَضْرمىً* كأنّه

تمعُّجُ شيطان بذى خِرْوَعٍ قَفْرِ (٣)

حت الحاء والتاء أصلٌ واحد ، وهو تساقُطُ الشىء ، كالورق ونحوِه ويُحمل عليه ما يقارِبُه. فالحتُ حتُ الوَرَقِ من الغصن. وتحاتَّت الشجرة. ويقال حَتّهُ مائةَ سوْطٍ ، أى عجَّلَها له ، كأن ذلك من حَتِ الورق ، وهو قريبٌ. ويقال فَرَسٌ حَتٌ ، أى ذَريعٌ يَحُتُ العَدْوَ حَتًّا ، والجمع أحْتَاتٌ. قال :

على حتِ البُرَايةِ زَمْخَرِىِّ ال

سَّواعِدِ ظَلَّ فى شَرْىٍ طُوالِ (٤)

وحُتَاتُ : اسمُ رجلٍ من هذا.

__________________

(١) البيت من معلقة طرفة بن العبد.

(٢) ديوان النابغة ٧ واللسان (حبحب).

(٣) نسبه فى الحيوان (٤ : ١٣٣) إلى طرفة ، وليس فى ديوانه. وانظر الحيوان (١ : ١٥٣ / ٦ : ١٩٢) والمخصص (٨ : ١٠٩) واللسان (٣ : ١٥٣ / ١٧ : ١٠٥). والرواية فى المراجع : «تعمج» بتقديم العين ، وهما بمعنى.

(٤) البيت للأعلم الهذلى ، وقد سبق الكلام عليه فى مادة (بروى ١ : ٢٣٣).


حث الحاء والثاء أصلان : أحدهما الحضُّ على الشىء ، والآخر يَبيسٌ مِن يبيس الشىء.

فالأوَّل قولهم : حَثَثْتُه على [الشىء] أحُثّه. ومنه الحَثِيث ؛ يقال ولَّى حَثِيثاً ، أى مسرِعا. قال سَلامة :

ولَّى حثيثاً وهذا الشيبُ يطلُبه

لو كان يدركه ركضُ اليعاقِيبِ (١)

ومنه الحَثْحثَة ، وهو اضطرابُ البرق فى السَّحاب.

وأمّا الآخر فالحُثُّ وهو الحطام اليَبِيس ، ويقال الحُثّ الرّمل اليابس الخشِن. قال :

* حتى يُرى فى يابِس الثّرْياء حُثّ (٢)

حج الحاء والجيم أصولٌ أربعة. فالأوّل القصد ، وكل قَصْدٍ حجُ. قال :

وأشهَدُ مِن عَوْفٍ حُلولا كثيرةً

يَحُجُّون سِبّ الزِّبرِقانِ المزَعْفَرا (٣)

ثم اختُصَّ بهذا الاسمِ القصدُ إلى البيت الحرام للنُّسُك. والحَجِيج : الحاجّ. قال :

ذكرتُكِ والحجيجُ لهم ضجيجٌ

بمكّةَ والقلوبُ لها وجيب

__________________

(١) فى الأصل : «وهذا الشىء» ، صوابه فى ديوان سلامة بن جندل ٧ والمفضليات (١ : ١١٧).

(٢) الثرباء : الثرى. والبيت فى اللسان (حثث).

(٣) البيت للمخبل السعدى ، كما فى اللسان (حجج ، سبب) ويرى ابن برى أن صواب. إنشاده : «وأشهد» بالنصب ، لأن قبله :

ألم تعلمي يا أم عمره ألمي

تخاصماني؟ الزمان لاكبرا


ويقال لهم الحِجُ أيضاً. قال :

* حُجٌ بأسفَلِ ذى المجاز نزولُ (١) *

وفى أمثالهم : «لَجَ فَحَجَ». ومن أمثالهم : «الحاجَ أسْمَعتَ» ، وذلك إذا أفشَى السرّ. أى إِنَّك إذا أسْمَعْت الحُجّاج فقد أسمعتَ الخلق.

ومن الباب المحَجَّة ، وهى جَادَّة الطريق. قال :

ألَّا بَلِّغا عَنِّى حُرَيثاً رِسالةً

فإنك عن قَصد المَحَجَّة أنكَبُ

وممكن أن يكون الحُجَّة مشتقّةً من هذا ؛ لأنها تُقْصَد ، أو بها يُقْصَد الحقُّ المطلوب. يقال حاججت فلانا فحجَجْته أى غلبتُه بالحجّة ، وذلك الظّفرُ يكون عند الحصومة ، والجمع حُجَج. والمصدر الحِجَاج.

ومن الباب حَجَجْت الشَّجَّة ، وذلك إذا سَبَرْتَها بالمِيل ، لأنك قصدت معرفةَ قَدْرِها. قال :

* يَحُجُ مأمُومَةً فى قعرها لَجَفُ (٢) *

ويقال بل هو أن يصبّ على دَم الشَّجَّة السَّمن ، فيظهرَ فيُؤخَذَ بقُطْنةٍ. قال أبو ذؤيب :

وصُبَّ عليها المِسْكُ حتى كأنَّها

أسِىٌّ على أمِّ الدِّماغ حَجِيجُ (٣)

__________________

(١) لجرير فى ديوانه ٤٧٦ واللسان (حجج). وصدره :

وكأن هافيه النسور عليهم

وحج بضم الحاء ، مثل بازل وبزل. وحج ، بكسرها : اسم جمع للحاج.

(٢) لعذار بن درة الطائى ، كما فى اللسان (حجج ، لجف ، غرد). وعجزه :

فاست الطبيب لذاها كالمغاويد

(٣) ديوان أبى ذؤيب ٥٨ واللسان (حجج ، أسا). وفى الأصل : «عليه المسك حتى كأنه». وإنما البيت فى صفة امرأة.


والأصل الآخر : الحِجَّة وهى السّنَة. وقد يمكن أن يُجمع هذا إلى الأصل الأوّل ؛ لأن الحجّ فى السنة لا يكون إلا مرَّةً واحدة ، فكأنَّ العام سُمِّى بما فيه من الحَجّ حِجّة. قال :

يَرْضُن صِعابَ الدُّرِّ فى كل حِجَّةٍ

ولو لم تكن أعناقُهن عَواطلا (١)

قال قوم : أراد السّنَة ؛ وقال قوم : الحِجَّة هاهنا : شَحْمة الأذن. ويقال بل الحِجَّة الخَرزَة أو اللؤلؤة تعلَّق فى الأذن. وفى القولين نظرٌ.

والأصل الثالث : الحِجَاجُ ، وهو العظْم المستدير حَولَ العَين. يقال للعظيمِ الحِجَاجِ أحَجُ ، وجمع الحِجَاج أحِجَّة.

وزعم أبو عمرٍو أنّه يقال للمكان المتكاهف (٢) من الصَّخرة حجاج.

والأصل الرابع : الحَجْحَجة النُّكوص. يقال : حَمَلوا علينا تمَ حَجْحَجُوا. والمُحَجْحِج: العاجز. قال :

* ضَرْباً طَلَخْفاً ليس بالمحَجْحِج (٣) *

ويقال أنا لا أُحَجْحِجُ فى كذا ، أى لا أشكّ. يقولون : لا تذهبَنَّ بك حَجْحجةٌ ولا لَجلجة. ورَجُلٌ حَجْحجٌ (٤) : فَسْلٌ.

__________________

(١) البيت للبيد فى ديوانه ٢٢ طبع ١٨٨١ واللسان (حجج). وفى اللسان : «يرضن صعاب. الدر ، أى يثقبنه». فى الأصل : «يرضعن» تحريف ، صوابه من المراجع ومن (عطل).

(٢) كذا. وفى اللسان والقاموس : تكهف صار فيه كهوف.

(٣) أنشده فى اللسان (حجحج). وطلحفا ، يقال بالحاء ، بفتح الطاء واللام ، وبكسر الطاء وفتح اللام. وفى الأصل : «طلفخا» ، تحريف.

(٤) فى الأصل : «حجج» ، صوابه من القاموس.


(باب الحاء والدال وما يثلثهما)

حدر الحاء والدال والراء أصلان : الهبوط ، والامتلاء.

فالأوّل حَدَرْتُ الشّىءَ إِذا أَنزَلْتَه (١). والحُدور فعل الحادر. والحَدُور ، بفتح الحاء : [المكان (٢)] تَنْحدِر منه.

والأصل الثانى قولُهم للشَّىء الممتلئ حادر : يقال عَينٌ حَدْرَة بَدْرَة : ممتلِئة. وقد مضى شاهدُه (٣). وناقةٌ حادرةُ العينين ، إذا امتلأَتَا. وسُمِّيت حَدْراءَ لذلك. ويقال الحيدرة الأسد* ويمكن أن يكون اشتقاقُه من هذا. ومنه حَدَر جلْدُه تورّم يَحدُر حُدورا (٤). وأحدرتُه ، إذا ضربتَه حتَّى تؤثر فيه. والحَدْرة ، بسكون الدال : قُرْحَةٌ تخرج بباطن جَفْن العين. ويقال [حَىٌ (٥)] ذو حُدورة ، أى ذُو اجتماعٍ وكَثْرة. قال :

وإنِّى لَمِنْ قومٍ تصيدُ رِماحُهمْ

غَداةَ الصَّباحِ ذَا الحُدورة والحَرْدِ (٦)

والحُدْرَة : الصِّرمة (٧) ؛ سُمِّيت بذلك لتجمُّعها.

ومما شذَّ عن الباب الحادُور : القُرْط. ويُنشد :

* بائِنةُ المَنْكِبِ مِنْ حادُورِها (٨) *

__________________

(١) فى الأصل : «حدرت بالشئ إذا نزلته» ، صوابه من المحمل.

(٢) هذه التكملة من المجمل واللسان.

(٣) مضى فى الجزء الأول (مادة بدر).

(٤) ويقال أيضاً حدر يحدر حدراً ، من باب ضرب.

(٥) التكملة من المحمل واللسان.

(٦) فى الأصل والمجمل : «ذو الحدورة» تحريف. والحرد : الغضب. وفى الأصل : «الحدر» صوابه فى المجمل.

(٧) فى اللسان : «والحدرة من الإبل ، بالضم : نحو لصرمة».

(٨) لأبى النجم العجلى ، كما فى اللسان (حدر).


حدس الحاء والدال والسين أصلٌ واحدٌ يُشْبه الرّمى والسُّرعة وما أشبه ذلك. فالحَدْس الظنّ وقياسُهُ من الباب ، لأنّا (١) نقول : رَجَم بالظّنّ ، كأنّه رَمَى به. والحَدْس : سُرعة السَّير. قال :

* كأنّها مِنْ بَعْدِ سَيرِ حَدْسِ (٢) *

ويقال حَدَس به الأرضَ حَدْساً ، إِذا صَرَعَهُ. قال :

 ........................... ترى به

من القوم مَحدُوساً وآخَرَ حادسا (٣)

ومنه أيضاً حَدَسْتُ فى لَبَّةِ البعير ، إِذا وجَأْتَ فى لَبَّتِه. وحدَسْتُ الشَّىءَ برِجْلى : وطئتُه. وحَدَسْت النّاقَة ، إِذا أنَخْتَها. وحَدَسْتُ بسهمى : رمَيت.

حدق الحاء والدال والقاف أصلٌ واحدٌ ، [وهو الشىء] يحيط بشىء. يقال حَدَقَ القومُ بالرّجُل وأحدقوا به. قال :

المطعِمون بَنُو حَرْبٍ وقَدْ حَدَقَتْ

بى المنيّةُ واستبطأتُ أنصارِى (٤)

وحَدَقَة العين مِن هذا ، وهى السَّواد ، لأنها تحيط بالصَّبِىّ (٥) ؛ والجمع حِداق. قال:

__________________

(١) فى الأصل : «أنا».

(٢) الرجز فى المجمل واللسان (حدس).

(٣) جزء بيت لمعديكرب كما فى اللسان (حدس). وقد استشهد بهذا الجزء فى المجمل. وأنشده ياقوت فى (الحبيا) بدون نسبة محرفاً. وهو بتمامه :

بمعترك شط الحبيا ترى به

من القوم محدوسا وآخر حادسا

ومعديكرب هذا هو غلفاء بن الحارت بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندى. انظر الأغانى (١١ : ٦٠ ، ٦٢).

(٤) للأخطل فى ديوانه ١١٩ واللسان (حدق) برواية «المنعمون» فيهما.

(٥) فى اللسان : «الصبى : ناظر العين. وعزاه كراع إلى العامة».


فالعينُ بَعْدَهُم كأنَ حِداقَها

سُمِلَتْ بشَوْكٍ فَهْىَ عُورٌ تَدْمَعُ (١)

والتّحديق : شِدّة النّظر. والحديقة : الأرضُ ذاتُ الشجَر. والحِنْدِيقة : الحَدَقَة(٢).

حدل الحاء والدال واللام أصلٌ واحدٌ ، وهو المَيَل ، يقال رجلٌ أحدَلُ ، إِذا كان فى شِقِّه مَيَل ، وهو الحَدَل. قال أبو عمرو : الأحدَل : الذى فى مَنْكِبَيه ورقَبَته انكبابٌ على صدره. ويقال قَوْسٌ مُحْدَلة وحَدْلاء ، وذلك إذا تطامنَتْ سِيَتُها. والحَدْل : ضِدُّ العَدْل. قال أبو زيد : حَدَلَ عن الأمر يحدِل حدْلا. وإِنه لَحَدْلٌ غير عَدْل. ومما شدَّ عن الباب وما أدرى أصحيحٌ هو أم لا ، قولهم : الحَوْدل الذَّكر من القِرَدة (٣).

حدم الحاء والدال والميم أصلٌ واحد ، وهو اشتداد الحرّ. يقال احتدم النهار : اشتدّ حَرُّه. واحتدم الحرّ. واحْتَدَمَتِ النار. والنار حَدَمةٌ ، وهو شدّتها ، ويقال صوت التهابِها. قال الخليل : أَحْدَمَتِ الشمسُ [الشىءَ (٤)] فاحتدم ، واحتَدَم صدْرُه غيظاً. فأمّا احتِدام الدّم فقال قوم : اشتدت حُمْرَتُه حتى يسودَّ ؛ والصحيح أن يشتدّ حرُّه (٥). قال الفرّاء : قِدْرٌ حُدَمَةٌ ، إذا كانت سريعةَ الغَلْى ؛ وهى ضدّ الصَّلُود.

__________________

(١) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ٣ واللسان (حدق).

(٢) فى الجمهرة (٢ : ١٢٣): «الحندوقة والحنديقة : الحدقة. ولا أدرى ما صحته» ـ.

(٣) فى الأصل : «القردان» ، صوابه فى المجمل واللسان والقاموس.

(٤) التكملة من المجمل.

(٥) اقتصر فى المجمل على القول الأول.


حدا الحاء والدال والحرف المتعل أصلٌ واحد ، وهو السَّوق. يقال حَدَا بإبله : زجَر بها وغَنَّى لها. ويقال للحمار إِذا قَدَم أُتُنَه : هو يَحْدُوها. قال :

* حادِى ثلاثٍ من الحُقبِ السّماحيج (١) *

ويقال للسهم إذا مرَّ حَداه رِيشُه ، وهَدَاه نَصْلُه. ويقال حَدَوْتُه على كذا ، أى سُقْتُه وبعثتُه عليه. ويقال للشَّمال حَدْواءِ ، لأنها تحدُو السحابَ ، أى تسُوقُه.

قال العجاج :

* حَدُواءِ جاءَتْ مِنْ أعالى الطّورِ (٢) *

وقولهم : [فلان (٣)] يتحدَّى فلانا ، إِذا كانَ يُبارِيه ويُنازِعُه الغَلَبة. وهو من هذا الأصل ؛ لأنه إِذا فعل ذلك فكأنه يحدوه على الأمر. يقال أنا حُدَيَّاكَ لهذا الأمر ، أى ابرُزْ لى فيه. قال عمرو بن كلثوم :

* حُدَيَّا النَّاسِ كلِّهمُ جميعاً (٤) *

حدأ الحاء والدال والهمزة أصلٌ واحد : طائرٌ أو مشبَّه به ، فالحِدَأَة الطائر المعروف ، والجمع الحِدَأ. قال :

* كما تَدَانَى الحِدَأ الأُوِىُ (٥) *

__________________

(١) لذى الرمة فى ديوانه ٧٣ والمجمل واللسان (حدا). وصدره :

كأنه حين يرى خلفهن به

(٢) ديوان العجاج والمجمل واللسان (حدا).

(٣) التكملة من المجمل.

(٤) من معلقته. وعجزه :

مقاومة بليهم عن بلينا

(٥) للعجاج فى ديوانه ٦٧ والمحمل واللسان (حدأ).


ومما يشبَّه به وغُيِّرتْ بعضُ حركاته الحَدَأَةُ ، شِبْهُ فأسٍ تُنقر به الحجارة. قال :

* ... كالحَدَأ الوَقيعِ (١) *

ومما شذَّ عن الباب حَدِئ * بالمكان : لَزِق

حدب الحاء والدال والباء أصلٌ واحد ، وهو ارتفاع الشىء. فالحَدَب ما ارتفع من الأرض. قال الله تعالى : (وَهُمْ مِنْ كُلِ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ). والحَدَب فى الظَّهر ؛ يقال حَدِبٌ واحدَوْدَب. وناقة حَدْباء ، إِذا بدت حراقفُها ؛ وكذلك الحِدْبار (٢). يقال هُنّ حُدْبٌ حَدَابيرُ. فأمّا قولهم حَدِبَ عليه إِذا عطَف وأشفق ، فهو من هذا ، لأنّه كأنّه جَنَأَ عليه من الإشفاق ، وذلك شبيهٌ بالحَدَب :

حدث الحاء والدال والثاء أصلٌ واحد ، وهو كونُ الشىء لم يكُنْ. يقال حدثَ أمرٌ بَعْد أن لم يكُن. والرجُل الحَدَثُ : الطرىُّ السّن. والحديثُ مِنْ هذا ؛ لأنّه كلامٌ يحْدُثُ منه الشىءُ بعدَ الشىء. ورجلٌ حدثٌ (٣) : حَسَن الحديث. ورجل حِدْثُ نساءٍ ، إِذا كانَ يتحدَّث إِليهنّ. ويقال هذه حِدِّيثَى حَسَنَةٌ ، كخِطِّيبَى ، يراد به الحديثُ.

حدج الحاء والدال والجيم أصلٌ واحد يقرُب من حَدَق بالشىء إِذا أحاط به. فالتَّحديج فى النظر مثل التَّحديق. ومن الباب الحِدْج : مركبٌ من مَراكب النِّساء. يقال حَدَجْتُ البعيرَ ، إِذا شددْتَ عليه الحِدج. قال الأعشى :

__________________

(١) جزء من بيت للشماخ فى ديوانه ٥٦ واللسان (حدأ). وهو بتمامه :

يبادرون العضاد؟

نواجذهن كاغدا الوقيم

(٢) فى الأصل : «الحدباء» ، صوابه من المجمل وسياق القول.

(٣) يقال حدث ، كفرح وندس ، وحدث بالكسر.


ألا قُلْ لَميْثاءَ ما بالُهَا

أبِالليل تُحْدَجُ أجْمالُها (١)

ومن الباب الحَدَجُ ، وهو الحنظل إِذا اشتدَّ وصَلُب ، وإِنما قُلْنا ذلك لأنّه مستدير.

باب الحاء والذال وما يثلثهما

حذر الحاء والذال والراء أصلٌ واحد ، وهو من التحرُّز والتيقُّظ. يقال حَذِر يَحْذَر حَذَراً. ورَجُلٌ حَذِرٌ وحَذُورٌ وحِذْرِيانٌ : متيقِّظٌ متحرّز. وحَذَارِ ، بمعنى احذَرْ. قال :

* حَذَارِ من أرْماحِنا حَذَارِ (٢) *

وقرئت : (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٣) قالوا : متأهِّبون. و (حَذِرُونَ) : خائفون. والمحْذُورة : الفزَع. فأمّا الحِذْرِيَةُ فالمكانُ الغليظ : ويمكن أنْ يكون سُمِّى بذلك لأنه يُحذَر المشْىُ عليه (٤)

حذق الحاء والذال والقاف أصلٌ واحد ، وهو القَطْع. يقال حَذَقَ السّكّين الشىءَ ، إِذا قطَعه. [قال] :

* فذلك سِكِّينٌ على الحَلْقِ حاذِق (٥) *

__________________

(١) ديوان الأعشى ١١٦ والمجمل واللسان (حدج).

(٢) لأبى النجم العجلى ، كما فى اللسان (حذر). وأنشده ثعلب فى أماليه ٦٥١.

(٣) هذه قراءة ابن ذكوان ، وهشام من طريق الداجوانى ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائى وحلف. ووافقهم الأعمش. والباقون بحذف الألف. ومما يجدر ذكره أن كتابتهما فى رسم المصحف (حذرون) بطرح الألف. انظر إتحاف فضلاء البشر ٣٣٢.

(٤) فى الأصل : «بالمشى عليه».

(٥) لأبى ذؤيب فى ديوانه ١٥١ واللسان (حذق). وصدره :

برى ناصحا فيما بدا فإذا خلا


ومن هذا القياس الرّجُل الحاذِق فى صِناعته ، وهو الماهر ، وذلك أنّه يَحْذِق الأمرَ يَقْطَعُه لا يدع فيه مُتَعلَّقا. ومنه حِذْق القرآن. ومن قياسِه الحُذَاقىُ ، وهو الفَصيحُ اللِّسان ؛ وذلك أنّه يَفْصِل الأمورَ يَقطعها. ولذلك يسمَّى اللِّسان مِفْصَلاً. والباب كلُّه واحد.

ومن الباب حَذَقَ فاهُ الخلُّ إِذا حَمَزَه ، وذلك كالتَّقطيع يقَعُ فيه.

باب الحاء والراء وما يثلثهما

حرز الحاء والراء والزاء أصلٌ واحد ، وهو من الحِفْظ والتَّحفظ يقال حَرَزْتُه (١) واحترزَ هو ، أى تحفَّظَ. وناسٌ يذهبون إلى أنّ هذه الزّاءَ مبدلةٌ مِن سين ، وأنَّ الأصل الحَرْس وهو وجهٌ. وفى الكتاب الذى للخليل أنّ الحَرَزَ جَوْز محكوكٌ يُلعَب به ، والجمع أحْراز. قلنا : وهذا شىء لا يعرَّج عليه ولا مَعْنَى له.

حرس الحاء والراء والسين أصلان : أحدهما الحِفْظ والآخر زمانٌ. فالأوّل حَرَسَه يَحْرُسُه حَرْساً. والحَرَس : الحُرَّاس. وأمَّا حَرِيسَة الجَبَل ، التى جاءت فى الحديث ، فيقال هى الشاة يُدركها اللَّيل قَبْلَ أُوِيِّها إِلى مأواها ، فكأنها حُرِسَتْ هناك. وقال أبو عبيدة فى حريسة الجبل : يجعلها بعضهم السَّرِقَة نفسَها ؛ يقال حَرَس يَحْرِسُ حَرْساً ، إِذا سَرَق. وهذا إِنْ صحَّ فهو قريبٌ من الباب ؛ لأنَّ السارق يرقُب الشىء كأنّه يحرُسه حتَّى يتمكَّن منه. والأوّلُ أصحّ.

__________________

(١) فى القاموس : «وحرزه حفظه ، أو هو إبدال والأصل حرسه».


وذلك قول أهل اللُّغة إِنّ الحَريسَةَ هى المحروسة. فيقول : «[ليس] فيما يحرس بالجبل قَطْع» لأنّه ليس بموضع* حِرْز.

حرش الحاء والراء والشين أصلٌ واحدٌ يرجع إِليه فروعُ الباب. وهو الأثَر والتحزيز. فالحَرْش الأَثَر ، ومنه سمِّى الرجل حراشاً (١). ولذلك يسمُّون الدِّينارَ أحْرَش لأنّ فيه خشونة ـ ويسمُّون الضبَ أحْرَشَ ؛ لأنَّ فى جلده خشونةً وتحزيزاً.

ومن هذا الباب حَرَشْتُ [الضبّ (٢)] ، وذلك أنْ تمسح جُحْرَهُ وتحرّكَ يدَكَ حتَّى يَظن أنّها حيّة فيُخرِج ذنَبَه فتأخذَه. وذلك المَسح له أثَرٌ. فهو من القياس الذى ذكرناه. والْحَرِيش : نوعٌ من الحيات أرقَطُ. وربَّما قالوا حيّة حَرْشَاء ، كما يقولون رَقْطاء. قال :

بِحَرْشاءَ مِطْحَانٍ كأنّ فحيحَها

إِذا فَزِعَتْ ماء هُرِيقَ على جمْرِ (٣)

والحَرْشاء : حَبَّة تنبُت شبيهةٌ بالخَرْدَلِ. قال أبو النجم :

* وانْحَتَّ مِن حَرشاءِ فَلْجٍ خَرْدَلهْ (٤) *

فأمَّا قولُهم حَرَّشْت بينَهم ، إِذا أغرَيْتَ وألقيتَ العداوة ، فهو من الباب ؛ الأنّ ذلك كتحزيزٍ يقع فى الصُّدور والقلوب.

ومن ذلك تسميتهم النُّقْبة ، وهى أوَّل الجَرَب يَبْدُو ، حَرْشاء. يقال نُقْبةٌ حَرْشاء ، وهى الباثِرَة (٥) التى لم تُطْلَ. وأنشد :

__________________

(١) فى أسمائهم حراش ، ككتاب ، وحراش ، كشداد.

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) البيت فى المجمل واللسان (حرش ، طحن). والمطحان : المترحية المستديرة.

(٤) اللسان (حرش) والحيوان (٤ : ١١) والجمهرة (٢ : ١٣٣).

(٥) فى الأصل : «الناشرة» ، صوابه فى المجمل واللسان.


وحَتَّى كأنِّى يتقى بى مُعَبَّدٌ

به نُقْبة حَرْشَاءِ لم تَلْقَ طاليا (١)

فأمّا قوله :

* كما تطايَرَ مَنْدُوفُ الحراشِين (٢) *

فيقال إنّه شىء فى القطن لا تدَيِّثُهُ المطارق (٣) ، ولا يكون ذلك إلّا لخشونةٍ فيه ـ

حرص الحاء والراء والصاد أصلان : أحدهما الشّقّ ، والآخر الجَشَع.

فالأول الحَرْصُ الشَّقُّ ؛ يقال حَرَص القَصَّار الثوبَ إذا شقَّه. والحارِصَة من الشِّجاج: التى تشقُّ الجلد. ومنه الحرِيصة والحارِصَةُ ، وهى السحابة التى تَقْشِر وجْهَ الأرض مِن شِدّة وَقْع مطرِها. قال :

* انهلالُ حريصَة (٤) *

وأمّا الجَشَع والإفراط فى الرَّغْبة فيقال حَرَصَ إذا جَشَع يَحْرِصُ حِرْصا ، فهو حريصٌ. قال الله تعالى : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ). ويقال حُرِصَ المَرْعَى (٥) ، إذا لم يُتْرك منه شىء ؛ وذلك من الباب ، كأنّه قُشِر عن وجْه الأرض.

__________________

(١) فى الأصل : «حتى كأنى شقى» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) أنشده فى المجمل (حرش) ، وذكر أن مفرده «حرشون». لكن ابن منظور أنشده فى (حرشن).

(٣) ديثت المطارق الشىء : لينته. وفى الأصل : «لا تدشه المطارف». وفى المجمل : «لا يدبثه المطارق» ، صوابهما ما أثبت من اللسان (ديث).

(٤) جزء من بيت للصادرة الذبيانى فى ديوانه ٣ نسخة الشقيطى ، والمفضليان (١ : ٢٤) ، واللسان (حرص). وهو بتمامه :

ظلم البطاح له انهلال حريصة

فصفا النطاف له بعيد؟

(٥) فى الأصل : «المعى» ، صوابه من المجمل.


حرض الحاء والراء والضاد أصلان : أحدهما نبت ، والآخَر دليلُ الذَّهاب والتّلَف والهلاك والضَّعف وشِبهِ ذلك.

فأمَّا الأوّل فالحُرْض الأشنان ، ومُعالِجُه الحَرّاض. والإحْرِيض : العُصْفُر. قال :

* مُلْتَهِبٌ كلَهَبِ الإحْرِيضِ (١) *

والأصل الثانى : الحَرَض ، وهو المُشْرِف على الهلاك. قال الله تعالى : (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً). ويقال حَرَّضْتُ فلاناً على كذا. زعم ناسٌ أنّ هذا من الباب. قال أبو إسحاق البصرىُ (٢) الزَّجّاج : وذلك أنّه إذا خالف فقَدْ أفْسَد. وقوله تعالى : (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) ، لأنهم إذا خالَفُوه فقد أُهلِكوا. وسائر البابِ مقاربٌ هذا ؛ لأنَّهم يقولون هو حُرْضَة ، وهو الذى يُنَاوَلُ قِدَاحَ الميسر ليضرب بها.

ويقال إنّه لا يأكل اللحمَ أبداً بثَمن ، إِنّما يأكل ما يُعْطَى ، فيُسَّمى حُرْضةً ، لأنه لا خَيرَ عنده.

ومن الباب قولُهم للذى لا يُقاتِل ولا غَنَاء عِنْدَه ولا سِلاح معَه حَرَض. قال الطرِمّاح:

* حُمَاةً للعُزَّلِ الأحراضِ (٣) *

ويقال حَرَض الشّىءُ وأحرضَهُ غيره ، إذا فَسَد وأفسَدهُ غيرُه. وأحْرَضَ

__________________

(١) البيت من أبيات أربعة فى نوادر أبى زيد ٢٢٢ واللسان (حرص).

(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن السرى بن سهل الزجاج ، تلميذ المرد ، المتوفى سنة ٣١١.

(٣) جزء من بيت له فى ديوانه ٨٦ واللسان (حرص). وهو بتمامه :

من يرم عنهم بجهدهم مراج

يح حماة لمعزل الأحراص


الرّجُل ، إذا وُلِد له [ولَدُ] سَوْء. وربما قالوا حَرَضَ الحالبان النّاقةَ ، إذا احتلبا لبنَها كلَّه.

حرف الحاء والراء والفاء ثلاثة أصول : حدُّ الشىء ، والعُدول ، وتقدير الشَّىء.

فأمّا الحدّ فحرْفُ كلِّ شىءِ حدُّه ، كالسيف وغيره ومنه الحَرْف ، وهو الوجْه. تقول : هو مِن أمرِه على حَرْفٍ واحدٍ ، أى طريقة واحدة. قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلىحَرْفٍ). أى على وجه واحد. وذلك أنّ العبد يجبُ عليه طاعةُ ربِّه تعالى عند السّرّاء والضرّاء ، فإذا أطاعَه عند السّرّاء وعَصاه عند الضّرّاء فقد عَبَدَه على حرفٍ. ألا تراه قال تعالى : (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ). ويقال للناقةِ حَرْفٌ. قال قوم : هى الضامر ، شبِّهت بحرف السَّيف. وقال آخرون : بل هى الضَّخْمة ، شبِّهت بحرف الجَبل ، وهو جانبُه. قال أوس :

حَرْفٌ أخُوها أبوها مِن مُهَجَّنَةٍ

وعَمُّها خالُها قوداءِ مِئشيرُ (١)

وقال كعب بن زهير :

حرفٌ أخُوها أبوها مِن مهجَّنةٍ

وعمُّها خالهُا جرداءِ شِمْلِيلُ (٢)

والأصل الثانى : الانحراف عن الشَّىء. يقال انحرَفَ عنه يَنحرِف انحرافاً. وحرّفتُه أنا عنه ، أى عَدلْتُ به عنه. ولذلك يقال مُحارَفٌ ، وذلك إذا حُورِف كَسْبهُ

__________________

(١) سبق إنشاد البيت والكلام عليه فى مادة (أشر).

(٢) سبق الكلام على هذا البيت فى حواشى مادة (أشر).


فمِيلَ به عنه ، وذلك كتحريف الكلام ، وهو عَدْلُه عن جِهته. قال الله تعالى : يُحَرِّفُونَ (الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)(١).

والأصل الثالث : المِحراف ، حديدة يقَدَّر بها الجِراحات عند العِلاج. قال :

إذا الطَّبيب بمِحْرافَيْهِ عالَجَها

زادَتْ على النَّقْرِ أو تحرِيكِها ضَجَما (٢)

وزعم ناسٌ أنّ المُحارَفَ من هذا ، كأنّه قُدِّر عليه رزقُه كما تقدَّر الجِراحةُ بالمحْراف.

ومن هذا الباب فلان يَحْرُف لعِياله ، أى يكسِب. وأجْوَدُ مِن هذا أن يقال فيه إنّ الفاءَ مبدلةٌ من ثاء. وهو من حَرَث أى كَسَبَ وجَمَعَ. وربما قالوا أحْرَفَ فلانٌ إحرافاً ، إذا نَمَا مالُه وصَلَحُ. وفلان حَرِيفُ فلانٍ أى مُعامِلُه. وكل ذلك من حَرَفَ واحترف أى كسَب. والأصلُ ما ذكرناه.

حرق الحاء ولراء والقاف أصلان : أحدهما حكُّ الشَّىء بالشىء مع حرارة والتهاب ، وإليه يرجع فروعٌ كثيرة. والآخَر شىء من البَدَن.

فالأول قولهم حَرَقْتُ الشىءَ إذا بردْتَ وحككْتَ بعضَه ببعض. والعرب تقول : «هو يَحْرُقُ عليك الأُرَّم غَيظاً» ، وذلك إذا حكَّ أسنانَه بعضَها ببعض. والأُرَّم هى الأسنان. قال:

نُبِّئْتُ أحْماءَ سُليمَى إنَّمَا

باتُوا غِضاباً يَحْرُقُون الارَّمَا (٣)

__________________

(١) من الآية ٤٦ فى النساء ، والآية ١٣ فى المائدة. وفى الآية ٤١ من المائدة : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ).

(٢) للقطامى فى ديوانه ٧١ واللسان (حرف ، ضجم). ويروى : «على الفر» بالفاء ، وهو الورم أو خروج الدم. وفى الديوان : «حاولها» بدل : «عالجها».

(٣) الرجز فى اللسان (حرق ، أرم). وفى (أرم) توجيه كسر همزة «إنما» وفتحها.


وقرأ ناسٌ : لَنَحْرُقَنّه ثمّ لننسفنّه (١) قالوا : معناه لنبرُدنَّه بالبارد. والحَرَق : النّار. والحَرَقُ فى الثَّوب (٢). والحَرُوقاء هذا الذى يقال له الحُرَّاق. وكلُّ ذلك قياسُه واحد.

ومن الباب قولهم للذى ينقطع شَعْرَه وينسل حَرَقٌ. قال :

* حَرِقَ المَفَارِق كالبُراءِ الأَعْفَرِ (٣) *

والحُرْقَانُ : المَذَح فى الفخِذين ، وهو من احتكاك إحداهما بالأخرى. ويقال فَرَسٌ حُرَاقٌ (٤) إذا كان يتحرَّق فى عَدْوِه. وسَحابٌ حَرِقٌ ، إِذا كان شديدَ البَرْق. وأحْرَقَنى النّاسُ بلَوْمهم : آدَوْنى. ويقال إِنّ المُحَارقَةَ جِنسٌ من المباضَعة وماء حُرَاقٌ : مِلحٌ شديد المُلوخة.

وأمّا الأصل الآخر فالحارقة ، وهى العَصب الذى يكون فى الورِك. يقال رجلٌ محروقٌ ، إذا انقطعت حارِقَتُه. قال :

* يَشُولُ بالمِحْجَنِ كالمحروقِ (٥) *

__________________

(١) هذه قراءة أبى جعفر من رواية ابن وردان ، ووافقه الأعمش. وقرئ : (لنحرقنه) من الإحراق ، وهى قراءة أبى جعفر من رواية ابن جماز ، ووافقة الحسن. وباقى القراء : (لَنُحَرِّقَنَّهُ) من التحريق. انظر إتحاف فضلاء البشر ٣٠٧.

(٢) فى اللسان : «والحرق : أن يصيب الثوب احتراق من النار ... ابن الأعرابى : الحرق : النقب فى الثوب من دق القصار». وفى المجمل : «والحرق فى الثوب من الدق».

(٣) لأبى كثير الهذلى ، كما سبق فى حواشى (بروى ٢٣٤) من الجزء الأول ، وصدره :

ذهبت بشاشته فأصح واضعا

(٤) يقال : حراق ، كزعاق ، وحراق ، كرمان.

(٥) لأبى محمد الحنلى ، كما فى اللسان (فتق ، صفق). وأنشده أيضاً فى اللسان (حرق) بدون نسبة. وانظر أمالى ثعلب ٢٣٢.


حرك الحاء والراء والكاف أصلٌ واحد ، فالحركة ضدُّ السكون. ومن الباب الحارِكانِ ، وهما ملتقى الكتِفَين ، لأنَّهما لا يزالان يتحرَّكان. وكذلك الحراكيك ، وهى الحراقِفُ ، واحدتها حَرْكَكَة

حرم الحاء والراء والميم أصلٌ واحد ، وهو المنْع والتشديد. فالحرام : ضِدّ الحلال. قال الله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها). وقرئت : وحرم (١). وسَوْطٌ مُحرَّم ، إذا لم يُلَيَّن بعدُ. قال الأعشى :

* تُحاذِر كَفِّى والقَطيعَ المُحَرَّمَا (٢) *

والقطيع : السوط ، والمحرَّم الذى لم يمرَّن ولم يليَّنْ بعْدُ. والحريم : حريم البئر ، وهو ما حَولَها ، يحرَّم على غبر صاحبها أن يحفِر فيه. والْحَرمانِ : مكة والمدينة ، سمّيا بذلك لحرمتهما ، وأنّه حُرِّم أن يُحدَث فيهما أو يُؤْوَى مُحْدِثٌ. وأحْرَم الرّجُل بالحجّ ، لأنه يحرُم عليه ما كان حلالاً له من الصَّيد والنساءِ وغير ذلك. وأحرم الرّجُل : دخل فى الشهر الحرام. قال :

قَتَلُوا ابنَ عفّانَ الخليفةَ مُحْرِماً

فمضى ولم أَرَ مثلَه مقتولا (٣)

ويقال المُحْرِم الذى* له ذِمَّة. ويقال أحْرَمْتُ الرّجُلَ قَمرْتُه ، كأنَّك حرمْتَه ما طمِعَ فيه منك. وكذلك حَرِم هو يَحْرَم حَرَماً ، إذا لم يَقْمُر. والقياس واحدٌ ،

__________________

(١) هى قراءة حمزة والكسائى وأبى بكر وطلحة والأعمش وأبى عمرو. وانظر سائر القراءات فى تفسير أبى حيان (٦ : ٣٣٨).

(٢) فى (قطع): «تراقب كفى». وصدره كما فى ديوان الأعشى ٢٠١ واللسان (حرم) :

ترى عينها صفواه في جنب مؤنها

(٣) للراعى كما فى خزانة الأدب (١ : ٥٠٣) واللسان (حرم) وجمهرة أشعار العرب ١٧٦. وهذا الإنشاد يوافق ما فى المجمل. ورواية سائر المصادر : «ودعا فلم أر مثله».


كأنه مُنِع ما طَمِع فيه. وحَرَمْتُ الرّجلَ العَطيةَ حِرماناً ، وأحرمْتُه ، وهى لغة رديّة. قال :

ونُبِّئْتُها أحْرَمْت قَومَها

لتَنْكِحَ فى مَعْشرٍ آخَرِينا (١)

ومَحارِم اللَّيل : مخاوفه التى يحرُم على الجبان أن يسلُكَها. وأنشد ثعلب :

واللهِ لَلنَّومُ وبِيضٌ دُمَّجُ

أَهْوَنُ مِن لَيْلِ قِلاصٍ تَمْعَحُ

مَحَارِمُ اللَّيلِ لَهُنّ بَهْرَجُ (٢)

حِين يَنام الوَرَعُ المَزلَّجْ (٣)

ويقال من الإحرام بالحجِّ قوم حُرُمٌ وحَرَامٌ ، ورجلٌ حَرَامٌ. ورجُلٌ حِرْمِىٌ منسوب إلى الحَرَم. قال النابغة :

لِصَوْتِ حِرْمِيَّةٍ قالت وقد رحلوا

هل فى مُخِفِّيكُم من يَبتغى أَدَما (٤)

والحَرِيم : الذى حُرِّم مَسُّهُ فلا يُدْنَى منه. وكانت العرب إذا حجُّوا ألقَوا ما عليهم من ثِيابهم فلم يلبَسوها فى الحرَم ، ويسمَّى الثوب إذا حرّم لُبسه الحَريم. قال :

كَفى حَزَناً مَرِّى عليه كأنّهُ

لَقَى بين أيدى الطائِفِين حريمُ (٥)

ويقال بين القوم حُرْمةٌ ومَحْرَمة ، وذلك مشتقٌّ من أنه حرامٌ إضاعتُه وترْكُ حِفظِه. ويقال إنّ الحَرِيمةَ اسمُ ما فات من كل همٍّ مطموعٍ فيه.

ومما شذَّ الحيْرَمَة : البقرة.

__________________

(١) البيت من أبيات لشقيق بن السليك ، أو ابن أخى زر بن حبيش ، فى اللسان (حرم).

(٢) يروى أيضاً «مخارم الليل» أى أوائله. وهى رواية اللسان (خرم).

(٣) الأبيات فى المجمل ، والأول والثانى منهما فى اللسان (دمج) ، والأخيران فيه (حرم ، زلج). البهرج : المباح. والورع بالفتح : الجبان. والمزلج : الدون الذى ليس بتام الحزم.

(٤) ديوان النابغة ٦٧ والمجمل واللسان (حرم). المخف : الخفيف المتاع. والأدم : الجلد.

(٥) المجمل واللسان (حرم). وفى الأخير : «كرى عليه» وانظر السيرة ١٢٩.


حرن الحاء والراء والنون أصلٌ واحد ، وهو لزوم الشىء للشىء لا يكادُ يفارقه. فالْحِرَان فى الدّابة معروف ، يقال حَرَنَ وحَرُن. والمَحَارن من النَّحْل : اللواتى يلصَقْن بالشُّهد فلا يبرحْن أو يُنْزَعْنَ. قال :

* صَوْتُ المحابِضِ يَنْزِعْن المَحَارِينا (١) *

وكذلك قول الشماخ :

فما أرْوَى ولو كَرُمَتْ علينا

بأدْنَى مِنْ موقَّفَةٍ حَرُونِ (٢)

هى التى لا تبرح أعلَى الجبل. ويقال حَرَنَ فى البيع فلا يزيد ولا ينقُص.

حروى الحاء والراء وما بعدها معتل. أصول ثلاثة : فالأوّل جنس من الحرارة ، والثاني القرب والقصد ، والثالث الرُّجوع.

فالأوّل الحَرْوُ. من قولك وجَدْتُ فى فمى حَرْوَة وحَرَاوةً ، وهى حرارةٌ مِن شىءِ يُؤْكل كالْخردَل ونحوِه. ومن هذا القياس حَرَاةُ النار ، وهو التهابها. ومنه الحَرَة الصَّوت والجَلَبةُ.

وأمّا القُرب والقَصْد فقولهم أنت حَرًى أنْ تفعل كذا. ولا يثنَّى على هذا اللفظ ولا يُجمَع. فإذا قلت حَرِىٌّ قلت حرِيّان وحريُّون وأحرياء للجماعة (٣). وتقول هذا الأمر مَحْراةٌ لكذا. ومنه قولهم : هو يتحرَّى الأمر ، أى يقصِدُه. ويقال إنَ

__________________

(١) لابن مقبل فى اللسان (حبض ، حرن). وصدره :

كأن أصواتها من حيث تسمعها

(٢) ديوان الشماخ ٩١ واللسان (وقف ، حرن).

(٣) وكذلك إذا قلت حر ، كشج ؛ ثنيته أو جمعته.


الحَرا مقصور : موضع البَيْض ، وهو الأفحوص. ومنه تحرَّى بالمكان : تلبَّثَ. ومنه قولهم نزلتُ بِحَرَاهُ وَبِعَراه ، أى بِعَقْوَته.

والثالث : قولهم حَرَى الشّىءُ يَحرِي حَرْياً ، إذا رجع ونَقَص. وأحراه الزّمانُ. ويقال للأفعى التى كَبِرت ونقص جسمُها حارَيةٌ. وفى الدعاء عليه يقولون : «رماهُ الله بأفعَى حاريةٍ» ، لأنّها تنقُص من مرور الزمان عليها وتَحْرِى ، فذلك أخبثُ. وفى الحديث : «لما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل جسمُ أبى بكر يَحْرِى حتى لَحق به».

حرب الحاء والراء والباء أصولٌ ثلاثة : أحدها السّلْب ، والآخَر دويْبّة ، والثالث بعضُ المجالس.

فالأوَّل : الحَرْب ، واشتقاقها من الحَرَب وهو السَّلْب. يقال حَرَبْتُه مالَه ، وقد حُرِب مالَه ، أى سُلِبَه ، حَرَباً. والحريب : المحروب ورجل مِحْرَابٌ : شجاعٌ قَؤُومٌ بأمر الحرب مباشرٌ لها. وحَريبة الرَّجُل : مالُه الذى يعيش به ، فإذا سُلِبَه لم يَقُمْ بعده. ويقال أسَدٌ حَرِبٌ ، أى من شدّة غضبِه كأنّه حُرِب شيئاً أى سُلِبه. وكذلك الرجل الحَرِب.

وأمّا الدوْيبَّة [ف] الحِرباء. يقال أرض مُحَرْبئة ، إذا كثُر حِرباؤُها. وبها شبّه الحِرْباء ، وهى مسامير الدّروع. وكذلك حَرَابىّ المَتن ، وهى لَحَماتُهُ.

والثالث : * المحراب ، وهو صدر المجلِس ، والجمع محاريب. ويقولون : المحراب الغرفةُ فى قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ). وقال :


رَبَّهُ مِحرابٍ إذا جئتُها

لم ألْقَها أَوْ أرتَقِى سُلَّمَا (١)

ومما شذّ عن هذه الأصول الحُرْبة. ذكر ابنُ دريد أنَّها الغِرارَة السَّوداء. وأنشد :

وصَاحبٍ صاحبتُ غيرِ أَبْعَدا

تراهُ بين الحُرْبَتَينِ مَسْنَدَا (٢)

حرت الحاء والراء والتاء أصلٌ واحد ، وهو الدَّلْك ، يقال حَرَته حَرْتاً ، إذا دلكه دَلْكاً شديدا.

حرث الحاء والراء والثاء أصلانِ متفاوتان : أحدهما الجمع والكَسْب ، والآخر أنْ يُهْزَل الشىء.

فالأوّل الحَرْث ، وهو الكَسْب والجمع ، وبه سمِّى الرجل حارثاً. وفى الحديث : «احْرُثْ لدُنْياكَ كأنَّك تعيش أبداً ، واعمَلْ لآخرتِك كأنك تموت غداً».

ومن هذا الباب حرث الزَّرع. والمرأة حرث الزَّوج ؛ فهذا تشبيه ، وذلك أنها مُزْدَرَع ولده. قال الله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ). والأحرِثة : مَجارِى الأوتار فى الأفواق (٣) ؛ لأنّها تجمعها.

وأمّا الأصل الآخر فيقال حَرَثَ ناقتَه : هَزَلها ؛ وأحرثها أيضا. ومن ذلك قول الأنصار لمّا قال لهم معاوية : ما فعلَتْ نواضحُكم؟ قالوا : أحْرثْنَاها يَوْمَ بَدْرٍ.

__________________

(١) لوضاح اليمين فى اللسان (حرب والأغانى (٦ : ٤٣) والجمهرة (١ : ٢١٩).

(٢) البيتان فى اللسان (حرب).

(٣) الأفواق : جمع فوق ، بالضم ؛ وهو من السهم موضع الوتر. وفى الأصل : «الأفراق» تحريف.


حرج الحاء والراء والجيم أصلٌ واحد ، وهو معظم الباب وإليه مرجع فروعه ، وذلك تجمُّع الشىء وضِيقُه. فمنه الحَرَج جمع حَرَجة ، وهى مجتمع شجرٍ. ويقال فى الجمع حَرَجات. قال :

أَيا حَرَجاتِ الحىِّ حِينَ تحمَّلوا

بذى سَلَمٍ لا جادكُنَّ ربيعُ (١)

ويقال حِراجٌ أيضاً. قال :

* عايَنَ حيًّا كالحراج نَعَمُهْ (٢) *

ومن ذلك الحَرَج الإثم ، والحَرَج الضِّيق. قال الله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً). ويقال حَرِجَتِ العينُ تَحَرج ، أى تحَارُ. وتقول : حَرِج عَلَىَّ ظُلمك ، أى حرُم. ويقال أحْرَجَها بتطليقَةٍ ، أى حرّمَها. ويقولون : أَكسَعَها بالمُحْرِجات ، يريدون بثلاث تطليقات. والحَرَج : السَّرير الذى تُحمَل عليه الموتى. والمِحَفَّةُ حَرَجٌ. قال :

فامّا تَرَيْنِى فى رِحالةِ جابرٍ

على حَرَجٍ كالقَرّ تَخْفِق أكفانى (٣)

وناقة حَرَجٌ وحُرْجُوجٌ : ضامرة ، وذلك تداخُلُ عظلمِها ولحمها. ومنه الحَرِجُ الرّجل الذى لا يكاد يبرحُ القتال.

ومما شذّ عن هذا الباب قولهم إنّ الْحِرْجَ الوَدَعة ، والجمع أحراج. ويقال هو نَصيب الكلْب من لحم الصَّيْد. قال جحدر :

__________________

(١) البيت لمجنون كما فى الحيوان (٥ : ١٧٣) والأغانى (١ : ١٧).

(٢) للعجاج فى ديوانه ٦٤ واللسان (حرج).

(٣) لامرئ القيس فى ديوانه ١٢٦ واللسان (حرج ، قرر) ، وسيعيده فى (قر).


وتقدُّمى للّيْثِ أرْسُفُ مُوثَقاً

حتى أُكابرَه على الأحْراجِ (١)

ويقال الحِرْج الحِبالُ تُنْصَب. قال :

* كأنّها حرج حابلِ (٢) *

حرد الحاء والراء والدال أصولٌ ثلاثة : القصد ، والغضَب ، والتنحَّى.

فالأوَّل : الفصد. يقال حَرَدَ حَرْدَهُ ، أى قصد قصده. قال الله تعالى : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ). [و] قال :

أقبل سيل جاء من عند الله

يحرد حرد الجنّة المغلّه (٣)

ومن هذا الباب الحرود : مباعر الإبل ، واحدها حرد.

والثانى : الغضب ؛ يقال حرد الرّحل غضب حردا ، بسكون الراء (٤) قال الطرمّاح :

* وابن سلمى على حرد (٥) *

ويقال أسد حارد. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (حرج).

(٢) جزء من بيت فى اللسان (حرج) وهو بتمامه :

وشر الندامى من تبيت ثعابه

مجففة كأنها حرج؟

وفى الأصل : كأنها حرج نابل وحابل صوابه فى المجمل واللسان.

(٣) الشطران فى اللسان (حرد). ونسبهما التبريزى فى التهذيب لحسان.

(٤) وبتحريكها أيضا ، والتسكين أكثر.

(٥) فى المجمل :وابن أبي صلمى على حره.

ولم أعثر على هذا الشعر فى ديوان الطرماح.


لعَلكِ يوما أن تَرَيْنِى كأنّما

بَنِىَّ حوالَىَّ الليُوثُ الحوارِدُ (١)

والثالث : التنحِّى والعُدول. يقال نزلَ فلانٌ حريداً ، أى متنحِّياً. وكوكب حَريد. قال جرير :

نَبْنِى على سَنَنِ العَدُوِّ بُيُوتَنَا

لا نستجير ولا نحلُ حَرِيدا (٢)

قال أبو زيد : الحريد هاهنا : المتحوِّل عن قومه. وقد حَرَدَ حُرُوداً. يقول إنَّا لا نَنْزِل فى غير قومنا من ضعف وذِلّة ؛ لقوّتنا وكثْرتنا. والمحرَّد من كل شىء : المعوَّج. وحارَدَتِ الناقة ، إذ قلَّ لبنُها ، وذلك أنَّها عَدَلَتْ عمَّا كانت عليه من الدّرّ. وكذلك حارَدَت السنة إذا قَلّ مطرها. وحَبْلٌ مُحَرَّدٌ ، إذا ضفُر فصارت له حِرفةٌ لاعوِجاجه.

حرذ الحاء والراء والذال ليس أصلا ، وليست فيه عربيةٌ صحيحة. وقد قالوا إنّ الحِرذَون دويْبَّة.

باب الحاء والزاء وما يثلثهما

حزق الحاء والزاء والقاف أصلٌ واحد ، وهو تجمُّع الشىء ومن ذلك [الحِزقُ] : الجماعات. قال عنترة :

__________________

(١) للفرزدق فى ديوانه ١٧٢ والحيوان (٣ : ٩٧) وعيون الأخبار (٤ : ١٢٢). ومعاهد التنصيص (١ : ١٠٢).

(٢) ديوان جرير ١٧٣ واللسان (حرد).


* حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لأعجمَ طِمْطِمِ (١) *

والحَزِيقة من النَّخل : الجماعة. ومن ذلك الحُزُقَّة : الرجُل القصير ، وسمِّى بذلك لتجمَّع خَلْقه. والحَزْق : شدُّ القوس بالوَتَر. والرجل المتحزِّقٍ : المتشدِّد على [ما] فى يديه بُخْلا. ويقولون : الحازق الذى ضاق عليه خُفُّه. والقياس فى الباب كله واحد.

حزك الحاء والزاء والكاف كلمةٌ واحدة أُراها من باب الإبدال وأنها ليست أصلاً. وهو الاحتزاك ، وذلك الاحتزام بالثَّوب. فإمّا أن يكون الكاف بدلَ ميمٍ ، وإمّا أن يكون الزاء بدلاً من باء وأنَّه الاحتباك. وقد ذكر الاحتباك فى بابه.

حزل الحاء والزاء واللام أصلٌ واحد ، وهو ارتفاع الشىء. يقال احْزَأَلَ ، إذا ارتفع. واحزألَّتِ الإبلُ على متن الأرض فى السَّير : ارتفعت. واحزألَ الجبلُ : ارتفع فى السَّراب.

حزم الحاء والزاء والميم أصلٌ واحد ، وهو شدُّ الشىءِ وجمعُه ، قياسٌ مطرد. فالحزم : جَودة الرأى ، وكذلك الحَزَامة ، وذلك اجتماعُه وألّا يكون مضطرِباً منتِشراً. والحزام للسَّرج من هذا. والمتحزِّم : المُتلبّب. والحُزْمَة من الحطب وغيره معروفة (٢). والحَيزُوم والحَزِيم : الصّدر ؛ لأنّه مجتَمَع عِظامه ومَشَدُّها.

__________________

(١) صدره كما فى المعلقات :

تأوى له الص النعام كما ارث

(٢) فى الأصل : «معرفة».


يقول العرب : شددتُ لهذا الأمر (١) حَزِيمى. قال أبو خِراشِ يصفُ عُقابا :

رَأت قَنَصاً على فَوْتٍ فَضَمّت

إلى حيزومها ريشاً رطيبَا (٢)

أى كاد الصَّيد يفوتها. والرطيب : الناعم. أى كسرت جناحَها حين رأت الصيد لتنقضَّ. وأمّا قول القائل :

* أعددْتُ حَزْمَةَ وهى مُقْرَبَةٌ (٣) *

فهى فرسٌ ، واسمُها مشتقٌّ مما ذكرناه. والحَزَم كالغَصَص فى الصّدر ، يقال حَزِمَ يَحْزَم حَزَماً ؛ ولا يكون ذلك إلّا من تجمُّع شىءِ هناك. فأمَّا الحَزْمُ من الأرض فقد يكون من هذا، ويكون من أن يقلب النون ميما والأصل حَزْن ، وإنما قلبوها ميما لأنّ الحَزْم ، فيما يقولون ، أرفع من الحزن

حزن الحاء والزاء والنون أصلٌ واحد ، وهو خشونة الشىء وشِدّةٌ قيه. فمن ذلك الحَزْن ، وهو ما غلُظ من الأرض. والحُزْن معروف ، يقال حَزَنَنِى الشىءُ يحزُنُنى ؛ وقد قالوا أحزَننى. وحُزَانتك : أهلُك ومن تتحزَّن له.

حزوى الحاء والزاء والحرف المعتل أصلٌ قليل الكَلِم ، وهو الارتفاع. يقال حَزَا السّرابُ الشىءَ يحزُوهُ ، إذا رفعَه. ومنه حَزَوْتُ الشىءَ وحَزَيته

__________________

(١) فى الأصل : «هذا الأمر» ، صوابه فى المجمل.

(٢) البيت من قصيدة له فى ديوان الهذليين نسخة الشنقيطى ٧٠ والقسم الثانى من مجموع أشعار الهذليين ٥٧.

(٣) صدر بيت لحنظلة بن فاتك الأسدى ، فى اللسان (حزم). وعجزه :

؟ بقوت عيالنا وتصان

وحزمة ، بضم الحاء كما فى الأصل والقاموس والمخصص (٦ : ١٩٨) ، وضبطت فى اللسان ونسب الخيل لابن الكلى بفتحها.


إذا خَرَصْته (١). وهو من الباب ؛ لأنّك تفعل ذلك ثم ترفُعه ليُعلم كم هو.

وقد جعلوا فى هذا من المهموز كلمةً فقالوا : حَزَأْتُ الإبلَ أحزَؤُها حَزْءا ، إذا جمعتَها وسقْتها ؛ وذلك أيضاً رفْعٌ فى السَّير. فأمّا الحَزاء فنَبْتٌ.

حزب الحاء والزاء والباء أصلٌ واحد ، وهو تجمُّع الشىء. فمن ذلك الحِزب الجماعة من النّاس. قال الله تعالى : (كُلُ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ). والطائفة من كلِّ شىءِ حِزْبٌ. يقال قرأَ حِزبَهُ من القرآن. والحِزْباء : الأرض الغليظة(٢). والحَزَابِيَةُ : الحِمار المجموع الخَلْق.

ومن هذا الباب الحيزبُون : العجوز ، وزادوا فيه الياء والواو والنون ، كما يفعلونه فى مثل هذا ، ليكون أبلغ فى الوصف الذى يريدونه.

حزر الحاء والزاء والراء أصلان : أحدهما اشتداد الشىء ، والثانى جنسٌ من إعْمال الرّأْى.

فالاصل الأول : الحَزَاوِرُ ، وهى الرّوابى ، واحدتها حَزْوَرَة. ومنه الغلام الحَزْوَر (٣) وذلك إذا اشتدّ وقوِى ، والجمع حزاورة ومن* ذلك حزَرَ اللَّبنُ والنّبيذُ ، إذا اشتدّت حُموضته. وهو حازر. قال :

* بَعْدَ الذى عَدَا القُروصَ فَحَزَرْ (٤) *

وأمّا الثالث فقولهم : حزَرتُ الشىء ، إذا خرصْتَه ، وأنا حازر. ويجوز أن

__________________

(١) الخرس : تقدير الشىء بالظن. وفى الأصل : «حرضته» ، تحريف.

(٢) يقال حزباء فى الجمع ، ولمفردة حزباءة.

(٣) يقال فى وصف الغلام حزور كجعفر ، وحزور كعملس.

(٤) أنشده أيضاً والمجمل ، والقروس ، مصدر لم يرد فى المعاجم المتداولة.


يحمل على هذا قولُهم لخيار المال حَزَرَات. وفى الحديث : «أنّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم بَعَثَ مُصَدِّقاً فقال : لا تأخُذْ مِن حَزَرات أموال الناس شيئاً. خُذِ الشّارِفَ والبَكْرَ وذا العيب». فالحَزرات : الخيار ، كأنّ المصدِّق يَحْزِرُ فيُعمِل وأيَه فيأخذُ الخِيارَ (١).

باب الحاء والسين وما يثلثهما

حسف الحاء والسين والفاء أصلٌ واحد ، وهو شىء يتقشَّر عن شىء ويسقط. فمن ذلك الحُسَافة ، وهو ما سَقَط من التّمْر والثَّمَر. ويقال انحسف الشّىء ، إذا تفتَّت فى يدك. وأمَّا الحَسيفَة ، وهى العداوة ، فجائزٌ أن يكون من هذا الباب. والذى عندى أنها من باب الإبدال ، وأنّ الأصل الحسيكة ؛ فأُبدلت الكاف فاءَ. وقد ذكرت الحسيكة وقيلُها بعد هذا الباب. ويقال الحَسَفُ الشّوك ، وهو من الباب.

حسك الحاء والسين والكاف من خشونة الشىء ، لا يخرج مسائله عنه. فمن ذلك الحَسَكُ ، وهو حَسَك السَّعدانِ (٢) ، وسِّمى بذلك لخشونته وما عليه مِن شَوك. ومن ذلك الحَسِيكة ، وهى العداوة وما يُضَمّ فى القلب من خشونة. ومن ذلك الحِسْككِ (٣) وهو القُنفُذ. والقياس فى جميعه واحد.

__________________

(١) فى اللسان وجه آخر للاشتقاق ، قال : «سميت حزرة لأن صاحبها لم يزل يحزرها فى نفسه كما رآها».

(٢) حسك السعدان ، ثمره ، وهو خشن يعلق بأصواف الغنم.

(٣) فى الأصل : «الحيسك» ، تحريف. ويقال للقنفذ حسكك كزبرج ، وحسيكة كسفينة.


حسل الحاء والسين واللام أصلٌ واحد قليلُ الكلِم ، وهو ولد الضبّ ، يقال له الحِسْلُ والجمع حُسُول. ويقولون فى المثل : «لا آتِيك [سِنَ الحِسْل» ، أى لا آتيك (١)] أبدا. وذلك أنّ الضب لا يسقط له سِنُّ. ويكنى الضّبُّ أبا الحِسل. والحسِيل : ولد البقر ، لا واحِدَ له من لفظه. قال :

* وهنّ كأذنابِ الحَسِيلِ صوادرٌ (٢) *

حسم الحاء والسين والميم أصلٌ واحد ، وهو قَطْع الشّىء عن آخره. قالحَسْم : القطع. وسُمِّى السيفُ حُساماً. ويقال حسامُه حَدّهُ ، أىُّ ذلك كان فهو من القَطْع. فأمّا قوله تعالى: (وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) ، فيقال هى المتتابعة. ويقال الحُسْوم الشّؤم. ويقال سمِّيت حُسوماً لأنها حسمت الخيرَ عن أهلها. وهذا القولُ أفْيَس لما ذكرناه. ويقال للصبىّ السيّى الغذاء (٣) محسومٌ ، كأنه قُطِع نماؤُه لَمَّا حُسِم غذاؤه. والحَسْم : أن تقطَعَ عِرقاً وتكوِيَه بالنّار كى لا تسيل دمُه. ولذلك يقال : احْسِم عنك هذا الأمر ، أى اقطعه واكفِهِ نفسَك.

حسن الحاء والسين والنون أصلٌ واحد. فالْحُسن ضِدُّ القبح يقال رجلٌ حسن وامْرَأة حسناءُ وحُسّانَةٌ. قال :

دارَ الفَتاةِ التى كُنّا نقولُ لها

يا ظبيةً عُطُلاً حُسّانَة الجِيدِ (٤)

__________________

(١) التكملة من المجمل. ونحوها فى اللسان.

(٢) للشنفرى فى المفضليات (١ : ١٠٩) واللسان (حسل). وعجزه :

ولد تهلت من؟ وعلت

(٣) فى الأصل : «الانداء» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) للشماخ فى ديوانه ٢١ واللسان (حسن).


وليس فى الباب إلّا هذا. ويقولون : الحسَن : جَبَل ، وحَبْلٌ من حبال الرمل. قال :

لأمِّ الأرضِ وَيْلٌ ما أجَنَّتْ

غداةَ أضَرَّ بالحَسَنِ السبيلُ (١)

والمحاسنُ من الإنسان وغيره : ضدُّ المساوى. والحسن من الذراع : النصف الذى يلى الكُوع ، وأحسِبَه سمّى بذلك مقابلةً بالنِّصف الآخر ؛ لأنّهم يسمُّون النصف الذى يلى المِرفَق القبيح ، وهو الذى يقال له كَسْرُ قبيحٍ. قال :

لو كنتَ عيْراً كنتَ عَيْرَ مذَلَّةٍ

ولو كنت كِسْراً كنت كَسِرَ قبيحِ (٢)

حسوى الحاء والسين والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ ، ثم يشتقً منه. وهو حَسْو الشىء المائع ، كالماء واللبن وغيرهما ؛ يقال منه حَسَوْت الّلبن وغيره حَسْواً. ويقال فى المثل :

* لمثل ذا كنتُ أحَسِّيك الحُسَى *

* والأصل الفارسُ يغذو فرسَه بالألبان يحسّيها إيّاه ، ثمّ يحتاج إليه فى طلبٍ أو هرب ، فيقول : لهذا كنتُ أفعلُ بك ما أفعل. ثم يقال ذلك لكلِّ من رُشِّح لأمر. والعرب تقول فى أمثالها : «هو يُسِرُّ حَسْواً فى ارتغاءِ» ، أى إنّه يُوهِم أنّه يتناول رِغوة الّلبن ، وإنَّما الذى يريده شُربُ اللّبنِ نَفْسِه. يضرب ذلك لمن يَمكُر ، يُظهِر أمراً وهو يريد غيره. ويقولون : «نَومٌ كحَسْو الطائر» أى قليل. ويقولون :

__________________

(١) لعبد الله بن عنمة الضبى فى اللسان (حسن) ومعجم البلدان (الحسنان) والحماسة.

(٢) قال ابن برى : «البيت من الطويل» ودخله الحزم فى أوله. ومنهم من يرويه : أو كنت كسراً ، والبيت على هذا من الكامل». انظر اللسان (قبح) والمقاييس (قبح).


شَرِبْتُ حَسْواً وحَساءً. وكان يقال لابن جُدْعانَ حاسى الذَّهَب ، لأنَّه كان له إناءُ من ذهب يحسُو منه. والحِسْىُ : مكانٌ إذا نُحِّىَ عنه رملُه نَبَع ماؤُه. قال :

تجُمُّ جُمُومَ الحِسْى جاشت غُرُوبُه

وبَرَّدَهُ من تحتُ غِيلٌ وأبْطَحُ (١)

فهذا أيضاً من الأوّل كأنَّ ماءَه يُحسَى.

ومما هو محمولٌ عليه احتسيت الخَبَر وتحسَّيت مثل تحسَّسْت ، وحَسِيت بالشىء مثل حَسِسْتُ. وقال :

سوى أنّ العِتاقَ من المطايا

حَسِينَ به فهنّ إليه شُوسُ (٢)

وهذا ممكنٌ أن يكون أيضاً من الباب الذى يقلبونه عند التضعيف ياء ، مثل قصَّيْتُ أظفارى ، وتقضَّى البازِى ، وهو قريبٌ من الأمرين وحِسْىُ الغَمِيم : مكانٌ.

حسب الحاء والسين والباء أصول أربعة :

فالأول : العدّ. تقول : حَسَبْتُ الشىءَ أحْسُبُه حَسْباً وحُسْباناً. قال الله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ). ومن قياس الباب الحسْبانُ الظنّ ، وذلك أنَّه فرق بينه وبين العدّ بتغيير الحركة والتّصريف ، والمعنى واحد ، لأنّه إذا قال حسِبته فكذا فكأنّه قال : هو فى الذى أعُدُّه من الأمور الكائنة.

ومن الباب الحَسَبُ الذى يُعَدُّ من الإنسان. قال أهل اللغة : معناه أن يعد آباءً أشرافاً.

__________________

(١) للمرقش الأصغر ، من قصيدة فى المفضليات (٢ : ٤١). وكذا جاءت الرواية فى المجمل وفى المفضليات : «وجرده من تحت» ، أى كشفه وعراه من الشجر.

(٢) لأبى زبيد الطائى ، كما فى اللسان (حسا ، حسس) ، وأمالى القالى (١ : ١٧٦).


ومن هذا الباب قولهم : احتسب فلانٌ ابنَه ، إذا مات كبيراً (١). وذلك أنْ يَعُدّه فى الأشياء المذخورة له عند الله تعالى. والحِسْبة : احتسابك الأجرَ. وفلان حَسَنُ الحِسْبة بالأمر ، إذا كان حسَنَ التدبير ؛ وليس من احتساب الأجر وهذا أيضاً من الباب ؛ لأنّه إذا كان حسنَ التدبير للأمر كان عالماً بِعِدَادِ كل شىءِ وموضِعِه من الرأْى والصّواب. والقياسُ كله واحد (٢).

والأصل الثانى : الكِفاية. تقول شىء حِسَابٌ ، آى كافٍ (٣). ويقال. أحسَبْتُ فلاناً ، إذا أعطيتَه ما يرضيه ؛ وكذلك حَسَّبْته. قالت امرأة (٤) :

ونُقْفِى ولِيدَ الحىِّ إن كان جائعاً

ونُحْسِبه إن كان ليسَ بجائِع

والأصل الثالث : الحُسْبَانُ ، وهى جمع حُسبانَةٍ ، وهى الوِسادة الصغيرة. وقد حسَّبت الرّجلَ أُحَسِّبه ، إذا أجلستَه عليها ووسَّدْتَه إياها. ومنه قول القائل :

* غداة ثَوَى فى الرّمْلِ غيرَ مُحَسَّبِ (٥) *

وقال آخر (٦) :

يا عامِ لو قدَرَتْ عليكَ رِماحُنا

والرّاقصاتِ إلى مِنًى فالغَبْغَبِ

لَلَمَسْتَ بالوكْعاء طعنةَ ثائرٍ

حَرّانَ أو لثوَيْتَ غيرَ مُحَسَّبِ (٧)

__________________

(١) وإذا فقده صغيراً لم يبلغ الحلم قيل : افترطه افتراطا.

(٢) فى الأصل : «كلمة واحدة».

(٣) وبه فسر قوله تعالى : (عَطاءً حِساباً).

(٤) من بنى قشير ، كما فى اللسان (حسب). وأنشده أيضاً فى (قفا).

(٥) أنشد هذا العجز فى المجمل واللسان (حسب).

(٦) هو نهيك الفزارى ، يحاطب عامر بن الطفيل ، كما فى اللسان (حسب). وفى معجم البلدان (رسم العبغب) أنه «نهيكة الفزارى».

(٧) الوكعاء : الوجعاء ، وهى الدبر. وفى اللسان «بالوجعاء» وفى المعجم «بالرصعاء».


ومن هذا الأصل الحُسْبان : سهامٌ صغار يُرْمى بها عن القسىِّ الفارسية ، الواحدة حُسبانة. وإنما فرق بينهما لصِغَر هذه و [كبر] تلك.

ومنه قولهم أصاب الأرض حُسبان ، أى جراد. وفُسِّرَ قوله تعالى : (وَيُرْسِلَ عَلَيْهاحُسْباناً مِنَ السَّماءِ) بالبَرَد.

والأصل الرابع : الأحسب الذى ابيضَّت جِلدتُه من داءِ ففسدت شَعرته ، كأنَّه أبرص. قال :

يا هِنْدُ لا تَنْكحى بُوهَةً

عليه عقيقتُه أحْسَبا (١)

وقد يتّفق فى أصول الأبواب هذا التفاوتُ الذى تراه فى هذه الأصول الأربعة.

حسد الحاء والسين والدال أصلٌ واحد ، وهو الحَسَد.

حسر الحاء والسين والراء أصلٌ واحد ، وهو من كَشْف الشىء. [يقال حَسَرت عن الذراع (٢)] ، أى كشفته. والحاسر : الذى لا دِرْع عليه ولا* مِغْفَر. ويقال حَسَرْتُ البيتَ : كنستُه. ويقال : إن المِحْسَرَة المِكْنَسَة. وفلان كريم المَحْسَر ، أى كريم المخبر ، أى إذا كشفْتَ عن أخلاقه وجدتَ ثَمَّ كريماً. قال :

أرِقَتْ فما أدرِى أَسُقْمٌ طِبُّها

أَم من فراق أخٍ كريم المَحْسَر (٣)

__________________

(١) لامرىء القيس فى ديوانه ١٥٤ واللسان (بوه ، عقق ، حسب). وقد سبق فى (بوه).

(٢) التكمله من المجمل.

(٣) فى الأصل : «الكريم» ، صوابه فى المجمل ، حيث أنشد العجز. والطب ، بالكسر الشأن والعادة.


ومن الباب الحسرةُ : التلهُّف على الشىء البائت. ويقال حَسِرْتُ عليه حَسَرًا وحَسْرَةً ، وذلك انكشافُ أمرِه فى جزعه وقلَّة صبره. ومنه ناقةٌ حَسْرَى إذا ظلَعَتْ. وحسَرَ البصر إذا كَلَّ ، وهو حسير ، وذلك انكشافُ حاله فى قلّة بَصَره وضَعْفه. والمُحَسَّرُ ، المُحَقَّر ، كأنَّه حُسْر ، أى جُعِل ذا حَسْرَة. وقد فسَّرناها.

باب الحاء والشين وما يثلثهما

حشف الحاء والشين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رَخَاوة وضعف وخلوقة.

فأوّل ذلك الحَشَف ، وهو أرادأ التَّمر. ويقولون فى أمثالهم : «أَحَشَفاً وسُوءَ كِيلَة» ، للرَّجُل يجمع أمرين ردِيَّين. قال امرؤ القيس :

كأنّ قلوبَ الطيرِ رَطباً ويابساً

لدى وَكرها العُنَّابُ والحَشَفُ البالى (١)

وإنما ذكر قلوبَها لأنها أطيبُ ما فى الطير ، وهى تأتى فراخها بها. ويقال حَشِفَ (٢) خِلْفُ الناقة ، إذا ارتفع منه اللَّبن. والحشيف : الثَّوب الخَلَق. وقد تَحَشَّف الرَّجلُ : لَبِسَ الحشيف. قال :

يُدنى الحَشيفَ عليها كى يواريَها

ونَفْسَهَا وهو للأطمار لَبَّاسُ (٣)

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٧٠.

(٢) وكذا ضبط بكسر الشين فى المجمل ، وفى اللسان بالفتح.

(٣) فى المجمل : «ونفسه».


والحَشَفة : العجوز الكبيرة ، والحميرة اليابسة (١) ، والصخرة الرِّخْوَة حَوْلها السهلُ من الأرض.

حشك الحاء والسين والكاف أصلٌ واحد ، وهو تجمُّع الشىء. يقال حَشَكْت النَّاقةَ ، إذا تركتَها لا تحلبُها فتجمَّع لبنُها ، وهى محشوكة. قال :

* غَدَت وهى مَحْشوكَةٌ حافلٌ (٢) *

وحَشَكَ القومُ ، إذا حَشَدُوا. وحَشَكَت (٣) السّحابة : كثُر ماؤُها. ومنه قولهم للنَّخلة الكثيرة الحَمْل حاشك. وحَشَكت السّماء : أتَتْ بمطرها. وربَّما حملوا عليه فقالوا : قوسٌ حاشكة ، وهى الطَّرُوحُ البعيدةُ المَرمى. وحَشّاك : نَهْر.

حشم الحاء والشين والميم أصلٌ مشترك ، وهو الغَضَب أو قريبٌ منه. قال أهل اللغة. الحِشْمَة : الانقباضُ والاستحياء. وقال قومٌ : هو الغضب. قال ابن قُتيبة : رُوِى عن بعض فصحاء العرب : إن ذلك مما يُحْشِمُ بنى فلانٍ ، أى يغضبهم. وذكر آخر أن العرب لا تعرِفُ الحشمةَ إلَّا الغضب ، وأنَّ قولهم لحَشمِ الرجل خدمه ، إنما معناه أنَّهم الذين يَغْضب لهم ويغضَبون له.

قال أبو عبيدٍ : قال أبو زيد : حَشَمْتُ الرجل أحْشِمه وأحْشَمْتُه ، وهو أن يجلس إليك فتُؤذيَهُ وتُسمعه ما يكره. وابن الأعرابى يقول : حَشَمْتُه فحَشَم ، أى أخجلته. وأحشمته : أغضبته. وأنشد :

__________________

(١) ذكر هذين المعنييَن فى المجمل ، وذكرا فى القاموس ، وفاتا صاحب اللسان.

(٢) عجزه كما فى اللسان (حشك) :

فراح الدثار عليها صحيحا

(٣) فى الأصل : «حشدت» ، تحريف.


مَعَمْرُكُ إنّ قُرْصَ أبى خُبَيبٍ

بطىءُ النُّضْجِ مَحشومُ الأكيلِ (١)

حشن الحاء والشين والنون أصلٌ واحد ، وهو تغيُّر الشىء مما يتعلّق به مِن درن. ثمّ يشتق منه :

فأمّا الأوَّل فقولهم فيما رواه الخليل : حَشِنَ السِّقاء ، إِذا حُقِنَ لبناً ولم يُتَعهَّدْ بغسلٍ فتغيَّرَ ظاهرُه وأنتَنَ. وأمَّا القياس فقال أبو عبيد : الحِشنة ، بتقديم الحاء على الشين : الحقد. وأنشد :

أَلَا لا أرَى ذا حِشْنَةٍ فى فؤاده

يُجَمِجمُها إلّا سَيَبْدُو دفينُها (٢)

قال غيره : ومن ذلك قولهم : قال (٣) فلانٌ لفلان حتَّى حشَّن صدرَه.

حشوى الحاء والشين وما بعدها معتلٌ أصلٌ واحد ، وربما هُمِزَ فيكون المعنيان متقاربين أيضاً. وهو أن يُودَع الشىء وعاءً باستقصاء. يقال حشوتُه أحشوه حَشْوا. وحُشِوْةَ الإنسان والدابة : أمعاؤه. ويقال [فلانٌ] من حِشْوة بنى فلانٍ ، أى من رُذَالهم. وإنما قيل ذلك لأن الذى تحشى به الأشياء لا يكون من أفخر المَتاع بل أدْونِه. والمِحْشَى : ما تحتَشى (٤) به المرأة ، تعظِّمْ به عَجِيزتها ، والجمع المحاشِى. قال :

* جُمًّا غَنيّاتٍ عن المَحاشِى (٥) *

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (حشم).

(٢) البيت فى المجمل واللسان (حشن).

(٣) كذا وردت هذه الكلمة.

(٤) فى الأصل : «ما تحشى» ، صوابه ما أثبت.

(٥) الجم : جمع جماء ، وهى الكثيرة اللحم. وفى الأصل : «جمعا» ، صوابه من المجمل.


والحشا : حشا الإنسان ، والجمع أحشاء. والحشا : الناحية ، وهو من قياس الباب، لأنّ لكلّ ناحيةٍ أهلاً فكأنّهم حشَوها. يقال : ما أدرِى بأىّ حشاً هو. قال :

* بأىِ الحَشَا أمسى الخليطُ المبايِنُ (١) *

ومن المهموز وهو من قياسِ الباب غيرُ بعيدٍ منه ، قولهم : حشأتُه بالسَّهم أحشَوه ، إذا أصبتَ به جَنْبَه. قال :

فَلأَحْشأَنّكَ مِشْقَصاً

أوْساً أُوَيْسُ من الَهَبالهْ (٢)

ومنه حَشَأْتُ المرأةَ ، كناية عن الجِماع.

والحَشَا ، غير مهموز : الرَّبْو ، يقال حَشِى يَحْشَى حشاً ، فهو حَش كما ترى. فأمّا قول النابغة :

جَمْعُ مِحاشَكَ يا يزيدُ فإِنَّنِى

أعددتُ يربوعاً لكم وتميما (٣)

فله وجهان : أحدهما أن يكون ميمُه أصليَّة ، وقد ذكر فى بابه. والوجه بالآخر أن يكون الميم زائدةً ويكون مِفْعَلاً من الحَشو ، كأنه أراد اللفيف والأُشابة ، وكان ينبغى أن يكون مِحْشَى ، فَقَلب.

حشب الحاء والشين والباء قريبُ المعنى مما قبله. فيقال الحَوْشَب العظيم البطن. قال :

__________________

(١) المعطل الهذلى من قصيدة فى مخطوطة الشقيطى آمن الهذليين ١٠٨. وأنشده فى اللسان : (حشا) وصدره :

يقول الذي أمسى الى اخزر أهله

(٢) البيت لأسماء بن خارجة كما فى اللسان (حشا ، أوس ، هبل).

(٣) ديوان النابغة ٧٠ واللسان (حشا).


وتجرُّ مُجْرِيَةٌ لها

لحمى إلى أجْرٍ حواشِبْ (١)

والحوشب : حَشْو الحافر ، ويقال بل هو عظمٌ فى باطن الحافر بين العصَب والوظيف. قال رؤبة :

* فى رُسُغ لا يَتَشكَّى الحوشَبا (٢) *

حشد الحاء والشين والدال قريبٌ المعنى من الذى قبلَه. يقال حَشَد القوم إذا اجتمعوا وخفُّوا فى التعاوُن. وناقة حشُودٌ : يسرعُ اجتماعُ اللَبن فى ضرعها. والحَشْد : المحتشدون. وهذا وإن كان فى معنى ما قبلَه ففيه معنًى آخر ، وهو التّعاوُن. ويقال عِذقٌ حاشِدٌ وحاشك: مجتمِعُ الحَمْل كثيرُهُ.

حشر الحاء والشين والراء قريبُ المعنى من الذى قبله ، وفيه زيادةٌ. معنًى ، وهو السّوق والبَعث والانبعاث.

وأهل اللغة يقولون : الحشر الجمع مع سَوْقٍ ، وكلُّ جمعٍ حَشْر والعرب تقول : حَشرَتْ مالَ بنى فلانٍ السنةُ كأنّها جمعته ، ذهبت به وأتَتْ عليه. قال رؤبة :

وما نجا من حَشْرِها المحشوشِ

وحْشٌ ولا طمشٌ من الطُّموشِ (٣)

ويقال أُذُنٌ حَشْرَةٌ ، إذا كانت مجتمِعة الخَلْق. قال :

لها أذُنٌ حَشْرَةٌ مَشْرَةٌ

كإِعْلِيط مَرْخٍ إذا ما صَفرْ (٤)

__________________

(١) لحبيب بن عبد الله ، المعروف بالأعلم الهذلى. انظر ما سبق فى حواشى (١ : ٤٤٧).

(٢) ديوان العجاج ٧٤ واللسان والمجمل (حشب).

(٣) ديوان رؤبة ٧٨ واللسان (حشر ، طمش) والمقاييس (طمش).

(٤) للنمر بن تولب كما فى اللسان (حشر) ، ونبه على صحة هذه النسبة فى (علط) بعد أن ذكر نسبته إلى امرئ القيس ، وسييده فى المقاييس (علط).


ومن أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «الحاشر». معناه أنّه يحشر النّاس على قدمَيه ، كأنّه يقدُمُهم يوم القِيامة وهم خلْفه. ومحتملٌ أن يكون لَمَّا كان آخِرَ الأنبياء حُشِر النّاس فى زمانه.

وحشرات الأرض : دوابُّها الصغار ، كاليرابيع والضِّياب وما أشبهها ، فسمِّيت بذلك لكثرتها وانسياقها وانبعاثها. والحَشْوَرُ من الرّجال : العظيم الخَلْق أو البطنِ.

وممّا شذّ عن الأصل قولهم للرجل الخفيف حَشْرٌ. والحَشْر من القُذَذ : ما لَطُف. وسِنانٌ حَشْرٌ ، أى دقيق ؛ وقد حَشَرْته.

باب الحاء والصاد وما يثلثهما

حصف الحاء والصاد والفاء أصلٌ واحد ، وهو تشدُّدٌ يكون فى الشىءِ وصلابةٌ وقوَّة. فيقال لرَكانة العقْل حصافة ، وللعَدْوِ الشديد إحصاف. يقال فرسٌ مِحْصَفٌ وناقة مِحْصافٌ. ويقال كتيبة محصوفةٌ ، إذا تَجمَّع أصحابُها وقلَّ الخَلَل فيهم. قال الأعشى :

تأوِى طوائِفُها إلى مَحْصُوفة

مكروهةٍ يخشى الكماةُ نِزالَها (١)

ويقال «مخصوفة» ، وهذا له قياسٌ آخر وقد ذكر فى بابه. ويقال استحصَفَ على بنى فلانٍ الزّمانُ ، إذا اشتدّ. وفَرْجٌ مستحصِفٌ. وقال :

وإذا طعنتَ فى مستَحْصِفٍ

رابى المَجَسَّةِ بالعبير مُقَرْمَدِ (٢)

__________________

(١) ديوان الأعشى ٢٧ واللسان (حصف). وفى الديوان : «إلى مخضرة».

(٢) للنابغة الذبيانى فى ديوانه ٣٢ ، والبيت ملفق من بيتين وهما :

وإذا طعنت في مستهدف

رابي الجسة بالعبير قرمد

وإذا نزعنت نزعت من منحصف

نزع الحزور بالرشاء المحمد


والحَصَف : بَثْر صِغارٌ يَستحصِف لها الجِلْد.

حصل الحاء والصاد واللام أصلٌ واحد منقاس ، وهو جمع الشىء ، ولذلك سمِّيت حَوصلةُ الطائر ؛ لأنّه يجمع فيها. ويقال حَصَّلت الشىءَ تحصيلا.

وزعم ناسٌ من أهل اللغة أنّ أصل التحصيل استخراجُ الذّهب أو الفضّة من الحجر أو من تراب المَعِدن ؛ ويقال لفاعله المحصِّل. قال :

ألا رجلٌ جزاهُ الله خيراً

يدلُّ على محصِّلة تُبِيتُ (١)

فإن كان كذا فهو القياسُ ، والباب كلُّه محمول عليه.

والحَصَل : البلح قبل أن يشتدّ ويظهر ثَفارِيقُه (٢) ، الواحدةُ حَصَلة. قال :

* ينحَتُّ منهُنّ السَّدَى والحَصْلُ (٣) *

السَّدَى : البَلَح الذاوِى ، الواحدة سَداة. وهذا أيضاً من الباب ، أعنى الحصَل ، لأنه حُصِّل من النخلة.

ومما شذّ عن الباب وما أدرى ممّ اشتقاقه ، قولهم : حَصِلَ الفرسُ ، إذا اشتكى بَطْنَهُ عن أكل التُّراب.

حصم الحاء والصاد والميم أصلٌ قليل الكَلِم ، إلّا أنه تكسُّر فى الشىء ، يقال : انحصم العود ، إذا انكسر. قال ابن مُقْبل :

__________________

(١) البيت لعمرو بن قعاس المرادى ، كما فى الحزانة (١ : ٤٥٩) وكتاب سيبويه (١ : ٣٥٩). وأنشده فى اللسان (حصل) بدون نسبة. وفى «رجل» أوجه الإعراب الثلاثة.

(٢) الثفاريق : جمع ثفروق ، بضم الثاء المثلثة ، وهو قمع البسرة والتمرة. وفى الأصل واللسان : «تفاريقه» ، تحريف. وفى المخصص (١١ : ١٢١): «إذا استبان البسر ونبتت أقماعه وتدحرج قيل حصل الخل ، وهو الحصل».

(٣) استشهد به فى اللسان والمخصص على تسكين الصاد للضرورة وأنشد ، كذلك فى اللسان (سدا).


وبَياضاً أحدثَتْه لِمَّتِى

مثلَ عِيدانِ الحَصاد المنحَصِمْ (١)

وممّا اشتقّ منه حُصام (٢) الدّابة ، وهو رُدَامه. والقياس قريب.

حصن الحاء والصاد والنون أصلٌ واحد منقاس ، وهو الحفظ والحِياطة والحِرز. فالحِصن معروف ، والجمع حصون. والحاصِن والحَصَان : المرأة لمتعفِّفة الحاصنةُ فرْجَها. قال :

فَمَا ولدَتْنِى حاصِنٌ رَبَعِيّةٌ

لئن أنا ما لَأْتُ الهوى لا* تِّباعها (٣)

وقال حسّان فى الحَصَان :

حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنَّ برِيبَةٍ

وتُضبح غَرْثَى من لحوم الغَوافِل (٤)

والفعل من هذا حَصُن. قال أحمد بن يحيى ثعلب : كلّ امرأةٍ عفيفة فهى مُحْصَنة ومُحْصِنة ، وكل امرأة متزوِّجةٍ فهى محصَنة لا غير. قال : ويقال لكلِّ ممنوعٍ مُحْصَن ، وذكر ناسٌ أنّ القُفْل يسمَّى مُحْصَناً. ويقال أحْصَنَ الرّجُل فهوُ مُحْصَنٌ. وهذا أحدُ ما جاء على أفعل فهو مُفْعَل.

حصوى الحاء والصاد والحرف المعتل ثلاثة أصول : الأول المنع ، والثانى العَدُّ والإطاقة، والثالث شىء من أجزاء الأرض.

فالأوَّل الحصو. قال الشيبانىّ : هو المنع ؛ يقال حصوته أى منعته. قال :

ألا تخافُ الله إذْ حَصَوْتنى

حقِّى بلا ذنبٍ وإذْ عَنَّنْتَنى (٥)

__________________

(١) البيت فى اللسان (حصم).

(٢) هذا اللفظ مما لم يرد فى المعاجم المتداولة. والدابة ، يذكر ويؤنث.

(٣) نسب فى الحماسة بشرح* المرزوقى ٢٠٨ إلى إياس بن قبيصة الطائى.

(٤) ديوان حسان ٣٢٤ واللسان (حصن ، رزن). يقوله فى شأن أم المؤمنين عائشة.

(٥) لبشير الفريرى ، كما فى اللسان (حصى).


والأصل الثانى : أحصيت الشىءَ ، إذا عَدَدْته وأطقْته. قال الله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ). وقال تعالى : (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ).

والأصل الثالث : الحصى ، وهو معروف. يقال أرضٌ مَحْصاةٌ ، إذا كانت ذاتَ حصَى. وقد قيل حَصِيتْ تَحْصَى.

ومما اشتقّ منه الحَصَاة ؛ يقال ما له حصاةٌ ، أى ما له عقل. وهو من هذا ؛ لأن فى الحصى قوةً وشدّة. والحَصَاة : العقل ، لأنّ به تماسُكُ الرّجل وقوّة نفسه. قال :

وإِنّ لسانَ المرءِ مالم تكن له

حَصَاةٌ على عَوْراته لدَلِيلُ (١)

ويقال لكلِّ قطعةٍ من المسك حَصَاة ؛ فهذا تشبيهٌ لا قياس.

وإذا هُمِز فأصْله تجمُّع الشىء ؛ يقال أحصأتُ الرّجلَ ، إذا أرويته من الماء ، وحَصِئَ هو. ويقال حَصأ الصبىُّ من اللبن ، إذا ارتضَعَ حتى تمتلئَ مَعِدته ، وكذلك الجَدْى.

حصب الحاء والصاد والباء أصلٌ واحد ، وهو جنسٌ من أجزاء الأرض ، ثم يشتقّ منه، وهو الحصباء ، وذلك جنسٌ من الحَصَى. ويقال حَصَبْتُ الرّجلَ بالحَصباءَ. وريحٌ حاصب ، إذا أتَتْ بالغُبار. فأمّا الحَصْبَةُ فبَثْرةٌ تخرج بالجَسدِ ، وهو مشبَّه بالحَصْباء. فأمَّا المُحَصَّب بمِنًى فهو موضع الجِمار. قال ذو الرمة :

أَرى ناقتى عند المحصَّب شاقَها

رَواحُ اليَمانِى والهديلُ المُرجَّعُ (٢)

__________________

(١) لكعب بن سعد الغنوى ، كما فى اللسان (حصى). ونسبه الأزهرى إلى طرفة ، وهو فى ديوانه ص ٥٢.

(٢) ديوان ذى الرمة ٣٤٥ واللسان (هدل).


يريد نَفر اليمانِينَ حين ينْصرفون. والهدِيل هاهنا : أصوات الحمام. أراد أنّها ذَكَرت الطير فى أهلها فحنّت إليها.

ومن الباب الإحصاب : أن يُثير الإِنسانُ الحصَى فى عَدْوِه. ويقال أرض مَحْصَبَةٌ ، ذاتُ حَصْباء. فأمّا قولُهم حَصَّب القوم عن صاحبهم* يُحَصِّبون ، فذلك تَوَلِّيهِمْ عنه مسرِعين كالحاصب ، وهى الريح الشديدة. فهذا محمولٌ على الباب ويقال إنّ الحصِبَ من الألبان الذى لا يُخرِج زُبدَه ، فذلك من الباب أيضاً ؛ لأنّه كأنّه من بَرْده يشتدّ حتى يصير كالحصباء فلا يُخرج زُبْدا (١).

حصد الحاء والصاد والدال أصلان : [أحدهما] قطْع الشىء ، والآخر إحكامه. وهما متفاوتان.

فالأول حصدتُ الزّرعَ وغيرَه حَصْدا. وهذا زمَنُ الحَصاد والحِصاد. وفى الحديث : «وهَلْ يكُبُّ الناسَ على مَناخِرِهم فى النار إلا حصائدُ ألسنتهم». فإن الحصائد جمع حَصِيدة ، وهو كلُّ شىءٍ قيل فى الناس باللِّسان وقُطِع به عليهم. ويقال حَصَدْتُ واحتصَدْت ، والرجل محتصِد. قال :

إنما نحنُ مِثلُ خامةِ زَرْعٍ

فمتى بَأْنِ يَأْتِ محتصِدْ (٢)

والأصل الآخَر قولهم حَبْلٌ مُحْصَدٌ ، أى مُمَرٌّ مفتول.

ومن الباب شجرةٌ حَصْداء ، أى كثيرة الورق ؛ ودِرْع حصداء : مُحْكمَة ؛ واستحصدَ القومُ ، إذا اجتَمَعوا.

__________________

(١) لم يذكر «الحصب» فى اللسان. وفى القاموس : «وككتف : اللبن لا يخرج زبده من برده».

(٢) للطرماح فى ديوانه ١١٣ واللسان (خوم). وكلمة «مثل» ساقطة من الأصل. وإثباتها : مما سيأتى فى (خام ٢٣٧) واللسان. وفى الديوان :

إنما الناس مثل نابتة الزر

ع متى يأنى؟؟


حصرالحاء والصاد والراء أصلٌ واحد ، وهو الجمع والحَبْس والمنع قال أبو عمرو : الحَصِير الجَنْبُ. قال الأصمعىّ : الحصير ما بين العِرْق الذى يظهر فى جنب البعير والفَرَس معترضاً ، فما فوقه إلى منقطع الجنب فهو الحصير. وأىَّ ذلك [كان] فهو من الذى ذكرناه من الجَمْع ، لأنّه مجمع الأضلاع.

والحَصِر : العَىُّ ، كأنَّ الكلام حُبِس عنه ومُنِع منه. والحَصَر : ضِيقُ الصَّدرْ. ومن الباب (١) الحُصْر ، وهو اعتقال البَطْن ؛ يقال منه حُصِر وأُحْصِر. والناقة الحَصُور ، وهى الضيِّقة الإحليل ؛ والقياس واحد. فأمَّا الإحصار فأن يُحْصَرَ الحاجُّ عن البيت بمرضٍ (٢) أو نحوه. وناسٌ يقولون : حَصَرَه المرض وأحصره العدُوّ. وروى أبو عبيدٍ عن أبى عمرو : حَصَرَنى الشىء وأحصرنى ، إذا حبَسنِى ، وذكر قول ابنِ ميّادة :

وما هَجْرُ ليلَى أن تكون تباعدَتْ

عَليكَ ولا أَنْ أَحْصَرتْكَ شُغُولُ (٣)

والكلام فى حَصَره وأحصره ، مشتبهٌ عندى غايةَ الاشتباه ؛ لأنّ ناساً يجمعون بينهما وآخرون يَفْرِقون ، وليس فَرْقُ مَنْ فَرَقَ بينَ ذلك ولا جَمْعُ مَنْ جمَع ناقضاً القياسَ الذى ذكرناه، بل الأمرُ كلُّه دالٌّ على الحبْس

ومن الباب الحَصُور الذى لا يأتى النِّساء ؛ فقال قوم : هو فَعول بمعنى مفعول ، كأنّه حَصِر أى حُبِس. وقال آخرون : هو الذى يأبَى النساء (٤) كأنّه أحجَمَ هو

__________________

(١) فى الأصل : «وهو من الباب».

(٢) فى الأصل : «عرص» ، صوابه من المحمل.

(٣) البيت فى المجمل واللسان (شغل).

(٤) فى الأصل : «يأتى النساء».


عنهنَّ ، كما يقال رجل حَصُورٌ ، إذا حَبَس رِفدَه ولم يُحْرِجْ ما يخرجه النّدامَى. قال الأخطل :

وشاربٍ مُرْبِحٍ بالكأسِ نادَمَنى

لا بالحَصُور ولا فيها بِسَوّارِ (١)

ومن الباب الحَصِر بالسِّرّ ، وهو الكتوم له. قال جرير :

ولقد تَسقَّطَنِى الوُشاةُ فصادَفُوا

حَصِراً بِسِرِّكِ يا أمَيْمَ ضَنِينا (٢)

والحصير فى قوله عز وجل : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً)هو المحْبِس. والحصير فى قول لبيد :

* لَدَى بابِ الحَصيرِ قيامُ (٣) *

هو الملك. والحصَار : وِسادةٌ تحشَى وتجعل لقادمة الرَّحْل ؛ يقال احتَصَرْت البعير احتصارا (٤)

باب الحاء والضاد وما يثلثهما

حضل الحاء والضاد واللام كلمةٌ واحدة ليست أصلاً ولا يقاس عليها ؛ يقال حَضِلَت النخلةُ ، إذا فسد أصولُ سَعَفِها.

حضن الحاء والضاد والنون أصلٌ واحد يقاس ، وهو حِفْظ الشىء وصِيانته. فالحِضْن ما دون الإبط إلى الكَشْحِ ؛ يقال احتضَنْت الشىءَ جعلُته فى حِضْنى فأمَّا قول الكميت :

__________________

(١) ديوان الأخطل ١١٦ واللسان (٦ : ٢ ، ٥١).

(٢) ديوان جرير ٥٧٨ واللسان (حصر) ، وورد محرفا فى اللسان.

(٣) البيت بتمامه كما فى ديوان لبيد ٢٩ :

ومقامه غلب؟ كأنهم

؟ لدى طر الحصير قيام

(٤) وكذلك يقال حصره وأحصره.


ودَوِّيَّةٍ أنفذْتُ حِضْنَىْ ظَلَامِها

هُدْوًّا إذا ما طائر الليل أبصر

فإِنَّه يريد قَطْعَهُ إيَّاها. وطائر [الليل] : الخفّاش. ونَواحِى كلِّ شىء أحضانُه ومن الباب* حَضَنَتِ المرأة ولدَها ، وكذلك حضنَت الحمامةُ بيضَها والمُحْتَضَن : [الحِضْن(١)]. قال :

عَريضةِ بَوْصٍ إذا أدَرَتْ

هَضيمِ الحشا عَبْلَةِ المحتضَنْ (٢)

فأمَّا حَضَنٌ فجبلٌ بنجْد ، وهو أوّل نجد. والعرب تقول : «أنْجَدَ مَنْ رأى حَضَناً». ويقال امرأةٌ حَضُون بيِّنة الحِضان (٣). فأمّا قولهم حضَنْت الرَّجُلَ عن الرّجل ، إذا نحَّيته عنه ، فكلمةٌ مشكوك فيها ، ووجدتُ كثيراً من أهل العلم يُنْكرونها. فإنْ كانت صحيحةً فالقياس فيها مطَّرد ، كأنَّ الشىء حُضِن عنه وحُفِظَ ولم يمكّن منه. ومصدره الحَضْنُ والحَضَانة. ويقال الحَضَن العاجُ فى قول القائل :

تبَسَّمتْ عن وَميضِ البرق كاشرةً

وأبرزَتْ عن هجان اللَّونِ كالحَضَنِ (٤)

ويقال إنّ الحَضَن أصلُ الجبل. فإن كان ما ذكرناه من العاج صحيحاً فهو شاذٌّ عن الأصل.

حضى الحاء والضاد والحرف المعتل أصل واحد ، وهو هَيْج الشىءِ ، ويكون فى النار خاصّة. يقال حَضَوْتُ النارَ ، إذا أوقدتَها. والعود الذى تُحرّك به النارِ محضاء ممدود. ويقال حضأتها أيضاً بالهمز ، والعود مِحْضَأ على مِفْعَل ، وربما مدُّوه ؛ والأول أجود.

__________________

(١) هذه التكملة من المجمل واللسان.

(٢) للأعشى فى ديوانه ١٥ واللسان (بوص ، حضن). وقد سبق فى (بوص).

(٣) الحضون من الإبل والغنم والنساء : ما كان أحد خلفيه أو ثدييه أكبر من الآخر.

(٤) البيت فى اللسان (حضن) ، وعجزه فى المجمل.


حضب الحاء والضاد والباء أصلان : الأول ما تُسْعَرُ به النار ، والثانى جنسٌ من الصَّوْت.

فالأوَّل قوله جلَّ ثناؤُه : حضب جهنّم (١) ، قالوا : هو الوَقُود بفتح الواو ويقال لما تُسعر النّار به مِحْضَب. وينشد بيت الأعشى :

فلا تَكُ فى حَرْبِنا مِحْضَباً

لتجعَلَ قومَكَ شَتَّى شُعُوبا (٢)

والصوت كقولهم لصوت القَوسِ حُضْبٌ ، والجمع أحضاب. فأمّا قولهم إنَ الحِضْب الحيّة ففيه كلامٌ ، وإن صحّ فإنّه شاذٌّ عن الأصل.

حضج الحاء والضاد والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على دناءة الشىء وسُقوطه وذَهابه عن طريقة الاختيار. يقول العرب : انحضج الرّجلُ وغيره إذا وقع بجَنْبه ، وحضَجْت أنا به الأرضَ. ويقال : هذه إحدى حضَجَاتِ فلانٍ ، أى إحدى سَقَطَاتِه. وذلك فى القول والفِعل (٣). والحِضْج : ما يَبقى فى حِياض الإبل من الماء ، والجمع أحضاج. ويقال لِلدَّنِىِّ من الرجال حِضْج. وحَضَجْتُ النَّوْبَ ، إذا ضربته بالمِحْضاج عند غَسلك إيَّاه ، وهى تلك الخشبة.

وأمَّا قولهم للزِّقِّ الضخم حِضاج فهو قريبٌ من الباب ؛ لأنه يتساقط. فأمّا قولهم حضَجْت النّار أوقدتُها ، فيجوز أن يكون من الباب ، ويمكن أن يكون من باب الإبدال.

حضر الحاء والضاد والراء إيراد الشىء ، ووروده ومشاهدته وقد يجىء ما يبعد عن هذا وإن كان الأصل واحداً.

__________________

(١) قرأ الجمهور بالصاد المهملة ، محركة وساكنة وقرأ ابن عباس بالضاد المعجمة المفتوحة. وروى عنه إسكانها. انظر تفسير أبى حيان (٦ : ٣٤٠).

(٢) ملحقات ديوان الأعشى ٢٣٦ واللسان (حضب) وفى تفسير أبى حيان : «فتجعل».

(٣) فى الأصل : «والفضل».


فالحَضَرُ خلاف البَدْو. وسكون الحَضَر الحِضارة (١). قال :

فمن تكن الحِضَارةُ أعجبَتْهُ

فأيَّ رجالِ باديةٍ ترانَا (٢)

قالها أبو زيدٍ بالكسر ، وقال الأصمعى هى الحَضارة بالفتح. فأمّا الحُضْر الذى هو العَدْوُ فمن الباب أيضاً ، لأن الفرسَ وغيرَه يُحْضِرَان ما عندهما من ذلك ، يقال أحْضَرَ الفرس ، وهو فرس مِحْضِيرٌ سريع الحُضْرِ ، ومِحْضار. ويقال حاضَرْتُ الرّجلَ ، إذا عدوتَ معه. وقول العرب : «اللبنُ مَحضُور» فمعناه كثير الآفة ، ويقولون إنَّ الجانَ تحضُره. ويقولون : «الكُنُف محضورة». وتأوَّلَ ناسٌ قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ) يَحْضُرُونِ أى أن يُصيبونى بسُوء. والبابُ كله واحد ، وذلك أنّهم يَحضُرُونه بسوء. ويقال للحاضر وهى (٣) الحىّ العظيم. قال حسان.

لنا حاضِرٌ فَعْم وباد كأنَّه

قطينُ الإِلهِ عزّةً وتكرُّما (٤)

ويروى ناسٌ :

 ...... كأنَّه

شماريخ رَضوى عِزَّةً وتكرُّما

وأنكرت قريشٌ ذلك وقالوا : * أىُّ عزَّةٍ وتكرمٍ لشماريخ رَضْوَى والحضيرة : الجماعة ليست بالكثيرة. قال :

يَرِدُ المياهَ حَضيرةً ونفيضةً

وِرْدَ القطاةِ إذا اسمأَلّ التّبَّعُ (٥)

ويقال المحاضَرة المغالبة ، وحاضرتُ الرجل : جاثيتُه عند سلطان أو حاكم

__________________

(١) يقال سكن بالمكان يسكن سكى وسكونا : أقام.

(٢) هو القطامى ، كما سبق فى حواشى (بدو).

(٣) كذا ورد فى الأصل ولعله «ويقال الحاضر هو».

(٤) ديوان حسان ٣٧٠ واللسان (حضر).

(٥) للحادرة الذبيانى من قصيدة فى ديوانه والمفضليات (١ : ٤١) ونسب فى اللسان. (حضر؟؟؟ نفض ، سمأل ، تبع) إلى سلمى الجهنية.


ويقال ألقت الشاةُ حضِيرتَها ، وهى ما تُلْقِيه بَعد الولَد من المَشيمة وغيرها. وهذا قياسٌ صحيح ، وذلك أنّ تلك الأشياء تُسَمَّى الشُّهُود ، وقد ذكرت فى بابها.

وحَضْرَةُ الرّجُل : فِناؤه. والحَضيرة : ما اجتمع من المِدّة فى الجُرح. ويقال : حَضَرت الصلاة ، ولغة أهل المدِينةَ حضِرت. وكلهم ، يقول تحضُر. وهذا من نادر ما يجىء من الكلام على فَعِل يفعُل. وقد جاءت فيه من الصحيح غير المعتل كلمةٌ واحدة وقد ذكرت فى بابها (١). ويقال رجل حَضِرٌ إذا كان لا يصلحُ للسّفَر. وهذا كقولهم رجلٌ نَهِرٌ ، إذا كان يصلحُ لأعمال النّهار دونَ الليل. قال :

* لست بليلىًّ ولكنى نَهِرْ (٢) *

ويقولون : إنّ الحَضْرَ شحمةٌ فى المَأْنة (٣) وفوقَها. وممّا شذّ عن الباب الحَضْر ، وهو حصنٌ ، فى قول عدىّ :

وأحْو الحَضْر إذْ بَنَاهُ وإذ دِجْ

لةْ تُجَبى إليه والخابورُ (٤)

ومن الشاذّ ، ويجوز أن يحمل على ما قبلَه حَضَارِ (٥) ، وهو كوكب. والعرب تقول : «حَضَارِ والوزنُ مُحْلِفان» ؛ وذلك أنَّ الناس يحلفون عليهما أنهما سُهَيْل (٦) لأنهما يشهانه. والمُحْلِف : الشىء الذى يُحْوِج إلى الحَلْفِ. قال :

__________________

(١) كذا. ولم يعين موضع ذكرها. وقد ذكر ابن خالويه خمسة أحرف جاءت على فعل يفعل وعى : دمت أدوم ، ومت أموت ، وفضل بفضل ، ونعم ينعم ، وقنط يقنط انظر (ليس فى كلام العرب) ص ١٣.

(٢) أنشده فى اللسان (نهر) وكتاب سيبويه (٢ : ٩١) والمخصص (٩ : ٥١).

(٣)؟؟؟ المأنة : طفطفة ، وهى الحاصرة. وقيل لمأنة السرة وما حولها ، وقيل لجمة تحت السرة إلى؟؟؟ العانة. وجاء فى اللسان : «والحضر شحمة فى العانة وفوقها».

(٤) معجم البلدان فى رسم (الحضر).

(٥) فى الأصل : «الحضار» ؛ تحريف ، صوابه فى اللسان والمحمل.

(٦) فى الأصل : «بهما سهين» ، صوابه فى المحمل.


كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفةٍ ولكن

كلون الوَرْسِ عُلّ به الأديم (١)

وحِضارُ الإبل : بِيضُها. قال الهذلىّ :

* ... شُومُها وحِضارُها (٢) *

باب الحاء والطاء وما يثلثهما

حطم الحاء والطاء والميم أصلٌ واحدٌ ، وهو كَسْر الشىء. يقال : حطمت الشىءَ حَطْماً كسرتُه. ويقال المتكسَّر فى نفسه حَطِم. ويقال للفرس إذا تهدَّم لطول عمره حَطِمٌ. ويقال بل الحَطَمُ داءٌ يصيب الدابَّة فى قوائمها أو ضَعْفٌ. وهو فرسٌ حَطِم. والحُطمة : السنة الشديدة ؛ لأنها تَحْطم كلّ شىء. والحُطَم : السَّواق يَعنف ، يحطِم بعضَ الإبل ببعض. قال الراجز :

* قد لفَّها الليلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ *

وسمِّيت النارُ الحُطَمةَ لحَطْمِها ما تَلْقَى. ويقال للعَكَرة من الإبل حُطَمَة لأنها تحطِم كلَّ شىء تلقاه. وحُطْمة السَّيل : دُفَّاعُ مُعظَمِهِ. وهذا ليس أصلا ؛ لأنه مقلوب من الطُّحْمة. فأما الحطيم فممكنٌ أن يكون من هذا ، وهو الحِجْر ، لكثرة من ينْتابُه ، كأنه يُحْطَم.

حطأ الحاء والطاء والهمزة أصلٌ منقاس ، وهو تطامُن الشَّىءِ وسقُوطُه.

__________________

(١) البيت للكلحبة العرنى من قصيدة فى التفضليات (١ : ٣١) ولسلمة بن الخوشب فيها أيضا (١ : ٣٨). وأنشده فى اللسان (٢ : ٣٨٦ / ٤ : ٢٨٠ / ١٠ : ٤٠١ / ١١ : ٩٤).

(٢) قطعة من بيت لأبى ذؤيب ، وهو بتمامه كما فى الديوان ٢٥ واللسان (حضر) :

فلا تشتري إلا بريح ساؤها

بنات؟؟ وحضارها


يقال حَطَأْتُ الرجلَ بالأرض : ضربته. والحُطيئة : الرجل القصير. قال ثعلب : سمِّي الحُطيئة لدَمامَته.

قال أبو زيد : الحَطِىء من الرّجال مثال فَعيل : الرُّذَال. قال ابن عباس : «أَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقَفائى فحطأنى خَطْأةً وقال : اذهبْ فادعُ لى فلاناً». يقول : دَفَعَنى دَفْعة. ويقال حَطَأَتِ القِدْرُ بزَبَدِها : رمَت. ويقال حطأ الرجُل المرأةَ : جامَعَها.

حطب الحاء والطاء والباء أصلٌ واحد ، وهو الوَقود ، ثمّ يحمل عليه ما يشبَّه به. فالحطب معروف. يقال حطبت أحْطِب حَطبا. قال امرؤ القيس.

إذا ما ركبنا قال وِلْدانُ أهلنا

تعالَوا إلى أن يأتى الصيدُ تَحْطِبِ

ويقال للمخلِّط فى كلامِهِ «حاطب لَيْل». ويقال حَطَبَنِى عَبْدى ، إذا أتاك بالحَطَب. قال :

خَبٌّ جَرُوزٌ وإذا جاعَ بَكَى

لا حَطَبَ القَوْمَ ولا القَوْمَ سَقَى (١)

ويقال مكان حَطِيبٌ : كثير الحَطَب. ويقال ناقة مُحَاطِبَةٌ ، تأكل الشَّوكَ اليابسَ. وقالوا فى قوله تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) هى كنايةٌ عن النميمة. يقال حَطَبَ فلانٌ بفلانٍ : سَعَى به. ويقال إنَ الأحطبَ الشديدُ الهُزال وكذلك الحَطِب ، كأنَّه شبِّه بالحطب اليابس. وقوله فى النميمة يشهد له قولُ القائل :

من البِيض لم تُصْطَد على حَبْلِ لأمة

ولم تَمْشِ بين النَّاسِ بالحطب الرطْبِ (٢)

__________________

(١) للجليح الراجز ، انظر ديوان الشماخ ١٠٧. وقد نسب فى اللسان (حطب) إلى الشماخ.

(٢) فى اللسان «على ظهر لأمة». وأنشد عجزه فى (حظر) برواية : «بالحظر الرطب».


باب الحاء والظاء وما يثلثهما

حظوى الحاء والظاء وما بعده [من] حرف معتلّ أصلان : أحدهما القرب من الشىء والمنزلة ، والثانى جنس من السلاح.

فالأوَّل قولهم رَجُلٌ حَظِىٌ إذا كان له منزلةٌ وحُظوةٌ. وامرأةٌ حَظِيَّةٌ. والعرب تقول : «إلا حَظِيَّةً فلا أَلِيّةً». يقول : إن لم يكنْ لكِ حُظْوَةٌ فلا تُقَصِّرِى أن تتقرَّبى. يقال ما ألوت، أى ما قصَّرْت.

وأما الأصل الآخر فالحِظاء : جمعِ حَظْوةٍ ، وهو سهمٌ صغير لا نَصْلَ له يُرمَى به قال بعضُ أهلِ اللغة : يقال لكلِّ قضيبٍ نابتٍ فى أصلِ شجرةٍ (١) حَظْوَة ، والجمع حَظَوات. قال أوس :

تَعَلَّمَهَا فى غِيلِها وهى حَظْوَةٌ

بوادٍ به نَبْعٌ طِوَالٌ وحِثْيَلُ (٢)

وإذا عُيِّر الرّجلُ بالضّعف قيل له : «إنما نَبْلُك حِظاءٌ». ويقال لِسهام الصّبيان حِظاء. ومنه المثل : «إحدى حُظَيَّاتِ لُقْمان» ، قال أبو عبيد : الحُظَيّات المرامى ، وهى السّهام التى لا نِصال لها.

حظر الحاء والظاء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المنْع. يقال حظرت الشىء أحْظُرُه حَظْراً ، فأنا حاظِرٌ والشىء محظور. قال الله تعالى : (وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً). والحِظَارُ : ما حُظِر على غنمٍ أو غيرها بأغصانٍ أو شىءِ من رَطْبٍ

__________________

(١) فى الأصل : «فى أصل أو شجرة» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) ديوان أوس بن حجر ١٩ واللسان (حثل).


شجر أو يابس ، ولا يكاد يفعل ذلك إلّا بالرَّطْب منه ثم ييْبس وفاعل ذلك المحتَظِرُ. قال الله تعالى : (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) ، أى الذى يعمل الحظيرةَ للغنم ، ثم ييبَس ذلك فيتهشَّم. ويقال جاء فلان بالحَظِر الرَّطْب ، إذا جاء بالكَذِبِ المستشنَع. ويقال هو بوقد فى الحَظر ، إذا كان يَنِمُّ. وقد مضى شاهده (١)

حظل الحاء والظاء واللام أصلٌ واجد ، وهو قريب من الذى قبله فالحَظْل : الغَيْرة ومَنْع المرأة من التصرّف والحركة [قال (٢)] :

* فيحظِلُ أو يَغارُ (٣) *

قال أبو عبيد : حظلت عليه مثل حَظَرْتُ ويقال فى قوله «فيحظِلُ أو يَغَار» إنّه التّقْتير. وأحْرِ أن يكون هذا أصحّ ، لأنّه قال «أو يغار». والتقتير يرجع إلى الذى ذكرناه من المنْع. والدَّليل على ذلك قولهم حَظَلان وحظْلان. قال :

تُعَيّرُنى الحِظْلانَ أمُّ مُخلِّسٍ

فقلت لها لم تَقذفينِى بِدائيا (٤)

باب الحاء والفاء وما يثلثهما

حفل الحاء والفاء واللام أصلٌ واحد ، وهو الجمع. يقال حَفَل النّاسُ واحتفَلوا ، إذا اجتمعوا فى مجلسهم. والمجلِس مَحْفِل. والمحفَّلة : الشاة

__________________

(١) يشير إلى الشاهد الذى ورد فى نهاية مادة (حطب).

(٢) هذه التكملة من المجمل.

(٣) من بيت للبخترى الجعدى يصف رجلا غيورا. وهو بتمامه فى اللسان (حظل) :

مما يخصمك لابحصئك؟

طبانبة فيحظل أو يغار

(٤) لمنظور الدبيرى ، كما فى اللسان (حظل) من أبيات رواها القالى أيضا فى الأمالى (٢ : ٢١٢) وفى الأمالى : «أم محلم».


قد حفَّلت ؛ أَى جُمع اللّبنُ فى ضَرعها. ونُهِى عن التَّصريةِ والنَّحفيل. ويقال لا تَحْفِل به ، أى لا تُبالِهِ ؛ وهو من الأصل ، أى لا تتجمَّع. وذلك أنّ مَن عَراه أمرٌ تجمَّع له.

فأمَّا قولهم لحُطام التِّبن حُفالة فليس من الباب ، إنّما هو من باب الإبدال ؛ لأنّ الأصلَ حُثالة ، فأبدلت الثاء فاءَ.

ومن الباب رجلٌ ذو حَفْلَةٍ ، إذا كان مبالِغاً فيما أخذ فيه ، وذلك أنّه يتجمّع له رأياً وفِعلا. وقد احتَفَل لهم ، إذا أحسن القيام بأمرهم. ويقال احتَفَل الوادِى. بالسّيل. فأمّا قولهم تحفّل ، إذا تزيّنَ ، فهو من ذلك أيضاً لأنه يجمُع لنفسه المحاسِن.

فأمّا قولهم حَفَلْتُ الشئَ ، إذا جلوتَه ، فمن الباب ، والقياسُ صحيح ؛ وذلك أنّه.

يجمع ضَوءَه ونُورَه بما يَنفيه من صَدئه. قال بشر :

رأى درة بيضاء يَحفِل لونُها

سُخامٌ كغِربان البريرِ مَقَصَّبُ (١)

والمُقصَّبْ المجمَّد. وأراد بالدّرّة امرأةً. يحفل لونَها [سخام (٢)] ، يعنى الشَعَر يريدها بسوادِه بياضا ، وهذا كأنّه جلاها ، وهو من الكلام الحسن جدًّا.

حفن الحاء والفاء والنون كلمةٌ واحدة ، منقاسٌ ، وهو جمعُ الشىء فى كفٍّ أو غير ذلك. فالحَفْنَة : مِلءُ كفّيك من الطَّعام. يقال حَفَنْتُ الشىءَ حَفْناً بيدىَّ. ومنه حديث أبى بكر : «إنّما نحن حَفْنَةٌ من حَفنات الله تعالى». معناه أنَّ الله تعالى إذا شاء أدخل خلْقه الجنّةَ ، وأنَّ ذلك يسيرٌ عنده كالحَفْنَةِ. ويقال احتَفْنتُ الشىءَ لنفسى ، إذا أخذتَه ويقال الحُفْنة إنّها الحُفْرة ؛ فإن صحَّ فمحتملٌ

__________________

(١) سبق البيت والكلام عليه فى (مادة بر).

(٢) التكملة من المجمل.


الوجهين : أحدهما أن يكون من باب الإبدال ، فتجعل النون بدلَ الراء. ويجوز أن يكون من الباب الذى ذكرناه ، لأنَّها تَجمَع الشىءَ (١) من ماءِ أو غيرِه. والحَفّانُ ليس من هذا الباب ، وقد مضى ذِكره (٢) لأنَّ النون فيه زائدة.

حفى الحاء والفاء وما بعدهما معتلٌّ ثلاثةُ أصول : المنع ، واستقصاء السُّؤال ، والحَفَاءِ خِلافُ الانتِعال.

فالأوّل : قولُهم حفَوت الرّجُلَ من كل شىءِ ، إذا منعتَه.

وأمّا الأصل الثانى : فقولهم حَفِيتُ إليه فى الوصيّة بالغْت. وتحفّيت به : بالغت فى إكرامه ، وأحفَيْت. والحفىّ : المستقصِى فى السّؤَال. قال الأعشى :

فإِنْ تسألى عنِّى فيا رُبَّ سائلٍ

حَفِى عن الأعشى به حيث أصْعَدا (٣)

وقال قوم ، وهو من الباب حَفِيتُ بفلان وتحفّيت ، إذا عُنِيتَ به. والحَفّى : العالم بالشىء.

والأصل الثالث : الحفا مقصور ، مصدر الحافى. ويقال حَفِى الفرسُ : انسحجَ حافرُه. وأحْفَى الرَّجُل : حِفيَتْ دابّتُه. قال الكسائىّ : خَافٍ بيِّن الحِفْية والحِفَاية. وقد حَفِى يحفَى ، وهو الذى لا خُفّ فى رجليه ولا نَعل.

فأمّا الذى حَفِىَ مِن كثرة المشى فإنّه حَفٍ بيِّن الحَفاء ، مقصور.

فأمّا المهموز فالحفأ مقصور ، وهو أصل البَردىّ الأبيض الرّطب ؛ وهو يؤكل. وفُسِّر على ذلك قولُه صلى الله عليه وآله وسلم : «ما لم تحتفِئُوا بها فشأنكم بها (٤)». ويقال احتفأته ، إذا اقتلعتَه.

__________________

(١) والأصل : «تجمع بالشىء».

(٢) سهو منه أو سقط من النسخة ، فإن لم يذكر «الحفان» فى مادة (حف).

(٣) ديوان الأعشى ١٠٢ واللسان (حفا).

(٤) الذى فى المجمل : «ما لم تحتفئوا بها بغلا».


حفت الحاء والفاء والتاء ليس أصلاً ، والكلام فيه يقِلُ فالحَفَيْتَأْ : الرّجل القصير.

حفث الحاء والفاء والثاء شىء يدلُّ على رخاوةٍ ولين. يقال حَفِثُ الكرِشِ لِفَحِثِها(١). والحُفَّاث : حية لا تضرّ ولا تُخَاف. قال :

أيُفايِشُونَ وقد رأوا حُفّاثَهم

قد عَضَّهُ فقَصَى عليه الأشجعُ (٢)

ويقال للرجُل إذا غضب : «قد احرنْفَش حُفَّاثُه».

حفد الحاء والفاء والدال أصلٌ يدلُّ على الخِفة فى العمل ، والتجمُّع. فالحفَدة : الأعوان ؛ لأنّه يجتمع فيهم التجمّع والتخفُّف ، واحدُهم حافد. والسُّرْعة إلى الطاعة حَفْد ، ولذلك يقال فى دعاء القنوت : «إليك نسعى ونَحْفِدُ». قال :

* يا ابنَ التى على قَعُودٍ حَفَّادْ (٣) *

ويقال فى قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) إنّهم الأعوان ـ وهو الصَّحيح ـ ويقال الأَختَانُ ، ويقال الحَفدةُ ولدُ الوَلَد. والمِحْفَد : مكيالٌ يكال به. ويقال فى باب السرعة والخفة سيفٌ محتفِد ، أى سريع القطع. الحفَدانُ : تدارُك السَّير.

حفر الحاء والفاء والراء أصلان : أحدُهما حَفْر الشّىء ، وهو قلعُه سُفْلا ؛ والآحَر أوَّل الأمر.

__________________

(١) لفحث : لقمة ذات الأطباق من الكرش.

(٢) البيت لحرير فى ديوانه ٢٤٤ واللسان (حفث ،؟؟؟). وـ ميده فى (فيش).

(٣) البيت فى المجمل (حفد).


فالأوَّل حفَرتُ الأرض حَفْرا. وحافِر الفَرسِ من ذلك ، كأنّه يحفر به الأرض ، ومن الباب الحَفْر فى الفَم ، وهو تآكل الأسنان. يقال حَفرفُوه يَحْفر حَفْراً (١). والحَفَر : التَّراب المستخرَج من الْحفْرَة ، كالهَدَم ؛ ويقال هو اسمُ المكان الذى حُفِر. قال :

* قالوا انتَهْينا وهذا الخندَقُ الحَفرُ (٢) *

ويقال أحفَرَ المُهْرُ للإِثْناء والإرباع ، إذا سقَطَ بعضُ أسنانه لنَباتِ ما بَعدَه. ويقال : ما مِن حاملٍ إلّا والحمل يَحْفِرها ، إلّا* الناقة فإِنَّها تسمَن عليه. فمعنى يحفِرها يُهْزِلها.

والأصل الثانى الحافرة ، فى قوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) ، يقال : إنه الأمر الأوَّل ، أى أمحْيا بعد ما نموت. ويقال الحافرةُ من قولهم : رجع فلانٌ على حافرته ، إذا رجع على الطريق الذى أخَذَ فيه ، ورجع الشَّيْخُ (٣) على حافرته إذا هَرِم وخَرِف. وقولهم : «النَّقْد عند الحافِرِ» أى لا يزُول حافرُ الفرس حتَّى تَنْقُدنى ثمنَه. وكانت لكرامتها عندَهم لا تُباع نَسَاءً. ثم كثُر ذلك حتَّى قيل فى غير الخيل أيضاً.

حفز الحاء والفاء والزاء كلمةٌ واحدةٌ تدلّ على الحثّ وما قرب منه. فالحفزُ : حثُّك الشىءَ مِن خلفه. [والرّجُل (٤)] يحتفز فى جلوسه إذا أراد القيام ، كأنَّ حَاثَّه حَثَهُ ودافعاً دفعهُ. يقال : اللّيل يسوقُ النهارَ ويحفِزه. ويقال حَفَزْت

__________________

(١) حفر ، من باب ضرب ، ويقال أيضا من باب تعب ، وهو أردأ اللغتين.

(٢) أنشد هذا العجز فى المجمل (حفر).

(٣) فى الأصل : «الشى» ، صوابه فى المجمل.

(٤) التكملة من المجمل.


الرجُلَ بالرُّمح. وسُمِّى الحَوفزانُ من ذلك بقلة (١). قال :

ونحنُ حَفَزْنا الحوفزانَ بطعنةٍ

سقتْه نَجيعاً من دمِ الجوف أَشْكلا (٢)

حفس الحاء والفاء والسين ليس أصلا. يقال للرجل القصير حيفس (٣).

حفش الحاء والفاء والشين أصلٌ واحد يدلُّ على الجمع. يقال هم يَحْفِشون عليك ، أى يُجْلِبون. وحَفَشَ السَّيلُ الماء من كلِّ جانب إِلى مستنقع واحد. قال :

عشِيَّةَ رُحْنا وراحْوا لَنَا

كما ملَأَ الحافشاتُ المَسِيلا (٤)

ويقال جاء الفرس يَحفِشُ ، أى يأتى بجريٍ بعد جرى. والحفش (٥) : بيت صغير : وسمِّى بذلك لاجتماعِ جوانبه ؛ ويقال لأنه يُحمع فيه الشىء. وتحفشّت المرأةُ للرَّجُل ، إذا أظهرت له وُدَّا ؛ وذلك أنها تتحفَّل له ، أى تتجمَّع.

حفص الحاء والفاء والصاد ليس أصلا ، ولا فيه لغة تنقاس. يقال للزَّبِيل من جُلودٍ حَفْص. ويقال للدَّجاجة أمَ حَفْصة. ويقال إنَّ ولدَ الأسد حَفْصٌ. وفى كلِّ ذلك نظرٌ.

حفض الحاء والفاء والضاد أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على سقوط الشىء وخُفُوفِه (٦). فالحَفض مَتاع البيت ؛ ولذلك سمِّى البعير الذى يحمله حَفَضًا.

__________________

(١) كذا. ولعل فى الكلام نقصا. وفى المجمل. «لأن بساط بن قيس حفزه بالرمح».

(٢) البيت لسوار بن حبان المنقرى ، كما فى اللسان. ويخطئ من ينسبه لجرير.

(٣) يقال بوزن صيقل وهزمر.

(٤) البيت فى المجمل واللسان برواية : «فراحوا إلينا».

(٥) يقال بالكسر والفتح والتحريك ، وجمعه أحفاش وحفاش.

(٦) فى الأصل : «وخفوضه». والحفوف : القلة. وفى اللسان :» وإنه لخفض علم ، أى قليله رثه ، شبه علمه فى قلته بالحفص».


والقياسُ ما ذكرناه ؛ لأنّ الأحفاض تسمَّى الأسقاط. ويقال حفَضْت العُود ، إذا حنيتَه. قال الراجز :

* إمَّا تَرَىْ دَهراً حَنانِى حَفْضَا (١) *

قال الأصمعىُّ : حفضتُ [الشىء (٢)] وحَفَّضْتُه ، بالتخفيف والتشديد ، إذا فألقيتَه. وأنشد :

* إمَّا تَرَىْ دَهْراً حنانى حَفْضا*

فمعناه ألْقانى. والأحفاض فى قول عمرو بن كلثوم :

ونحن إذا عِمَادُ الحَىِّ خَرَّت

على الأحفاضِ نَمنَعُ مَنْ يَلِينا (٣)

هى الإبل أَوَّلَ ما تُركَب. ويقال بل الأحفاص عُمُد الأخبية.

حفظ الحاء والفاء والظاء أصلٌ واحد يدلُّ على مراعاةِ الشىء. يقال حَفِظْتُ الشىءَ حِفْظا. والغَضَبُ : الحفيظة ؛ وذلك أنّ تلك الحالَ تدعو إلى مراعاة الشىء. يقال للغَضَب الإحفاظ ؛ يقال أحفَظَنِى أى أغضَبَنى. والتحفظ : قلّة الغَفلة. والحِفاظ : المحافَظة على الأمور.

باب الحاء والقاف وما يثلثهما

حقل الحاء والقاف واللام أصلٌ واحد ، وهو الأرض وما قاربه. فالحَقْل : القَرَاح الطيِّب ويقال : «لا يُنبت البَقْلةَ إلا الحَقلة». وحَقِيلٌ : موضع قال :

__________________

(١) لرؤبة فى ديوانه ٨٠ واللسان (حفض). وسيأتى فى (عرش).

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) البيت من مطقته المشهورة.


* مِن ذِى الأبارق إذْ رعَيْنَ حَقِيلَا (١) *

والمُحاقلة التى نُهِى عنها (٢) : بيعُ الزّرع فى سنبُله بحنطةٍ أو شعير.

ومن الباب قولهم : حَقِل الفرسُ ، فى قول بعضهم ، إذا أصابَه وجَعٌ فى بطْنه من أكل التّراب. والأصل الأرض.

ويقال حَوْقَل الشَّيْخ ، إذا اعتمد بيديه على خَصره إذا مشى ؛ وهى الحوقلة. وكأنَّ ذلك مأخوذٌ مِن قُربِهِ من الأرض. وأمّا قولهم للقارورة حَوقَلَة ، فالأصل الحَوْجَلَة. ولعل الجيم أبدِلت قافا.

حقم الحاء والقاف والميم لا أصلٌ ولا فرع. يقولون : الحَقْم طائر (٣).

حقن الحاء والقاف والنون أصلٌ واحد ، وهو جَمْع الشىء. يقال لكلّ شىءِ [جُمِعَ (٤)] وشُدَّ حقين. ولذلك سُمِّى حابسُ اللبن حاقنا. ويقال اللبن الحَقِين الذى صُبَّ حليبُه على رائبِه. والحواقن : ما سفَل عن البطن. وقال قوم : الحاقنتان ما تحت التّرقُوَتَين.

حقو الحاء والقاف والحرف المعتل أصلٌ واحد ، وهو بعضُ أعضاء البدن. فالحِقْو الخَصْر ومَشَدّ الإزار. ولذلك سمِّى ما استدقّ من السهم مما يلى الرّيشَ حَقواً. فأمّا الحديث «أن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطى النِّساء اللواتىّ غَسَّلْنَ ابنَتَه حَقْوَةً». فجاء فى التفسير أنّه الإزار ، وجمعه حِقِىّ ، فهذا إنما

__________________

(١) سبق الكلام على البيت فى (برق). وصدره :

وأفضن بعد كطومهن مجرة

(٢) فى الأصل : «عن».

(٣) فى اللسان : «ضرب من الطير يشبه الحمام. وقيل هو الحمام. يمانية».

(٤) التكملة من المجمل.


سمِّى حِقواً لأنه يشدّ به الحِقْو. وأما الحَقْوة فوجعٌ يصيب الإنسانَ فى بطنه ؛ يُقال منه حُقِىَ الرّجلُ فهو مَحْقوٌّ.

حقب الحاء والقاف والباء أصلٌ واحد ، وهو يدلّ على الحبْس. يقال حَقِب العام ، إذا احتبس مطرُه. وحَقِب البعيرُ ، إذا احتبسَ بولُه.

ومن الباب الحَقَبُ : حبلٌ يُشَدّ به الرحْلُ إلى بطْن البعير ، كى لا يجتذبه التَّصدير. فأمّا الأحقبُ ، وهو حِمار الوحش ، فاختُلِف فى معناه ، فقال قوم : سمِّى بذلك لبياض حَقْويه. وقال آخرون : لدقّة حَقِوَيه. والأنثى حَقْباء. فإنْ كان هذا من الباب فلأنّه مكانٌ يشد بحِقاب ، وهو حبلٌ. ويقال للأنثى حَقباء. قال :

* كأنّها حَقْباء بلقاءُ الزّلَقْ (١) *

ومن الباب الحقيبة ، وهى معروفة. ومنه احتقب فلانٌ الإثم ، كأنه جمَعه فى حقيبةٍ. واحتقَبَه من خَلفه : ارتدفَه. والمُحْقَبِ : المُرْدَفِ. فأمّا الزمان فهو حِقْبة ، والجمع حِقَب. والحُقْبُ ثمانون عاما ، والجمع أحقاب ، وذلك لما يجتمع فيه من السّنينَ والشَّهورِ ويقال إنَ الحِقابَ جبلٌ. ويقال للقارَةِ الطويلة فى السماء حقباء. قال :

* قد ضَمَّها والبَدَن الحِقابا (٢) *

حقد الحاء والقاف والدال أصلان : أحدهما الضَغن ، والآخر ألَّا يُوجَد ما يطلب.

فالأوّل الحِقْد ، ويجمع على الأحقاد. والآخَر قولُهم أحقَدَ القومُ ، إذا طلبوا الذَّهبةَ فى المعدِن فلم يجدُوها.

__________________

(١) البيت لرؤبة فى ديوانه ١٠٤ واللسان (حقب ، زلق).

(٢) من رجز فى اللسان (حقب) ، وصواب روايته : «وضمها» ؛ لأن قبله :

قد قلت؟ جدت لعقاب

وجاء إثاده على الصواب فى النجمل.


حقر الحاء والقاف والراء أصلٌ واحد ، استصغارُ الشىء. يقال شىء حقير ، أى صغير. وأنا أحتقرهُ : أى أستصغره. فأمّا قولهم لاسم السماء «حاقورة (١)» فما أراه صحيحا. وإن كان فلعلّه اسم مأخوذٌ كذا من غير اشتقاق.

حقط الحاء والقاف والطاء ليس أصلا ، ولا أحسب الحَيْقُطانَ ، وهو ذكر الدُّرَّاج ، صحيحاً.

حقف الحاء والقاف والفاء أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على مَيَل الشىء وعِوَجه : يقال احقوقَف الشىء ، إذا مال ، فهو مُحْقَوْقِفٌ وحَاقِفٌ. ومن ذلك الحديث : «أنّه مرَّ بظبىٍ حاقِفٍ فى ظلِّ شجرة». فهو الذى قد انحنى وتثنَّى فى نَوْمِه ولهذا قيل للرَّمل المنحنى حقِفْ، والجمع أحقاف. قال :

فلما أجزْنَا ساحةَ الحىِّ وانتحى

بنا بَطْنُ خبتٍ ذى حِقافٍ عَقَنْقَل (٢)

ويروى : «ذى قِفاف». وقال آخر :

* سَمَاوةَ الهِلالِ حَتى احقوقَفا (٣) *

باب الحاء والكاف وما يثلثهما

حكل الحاء والكاف واللام أصلٌ صحيح منقاس ، وهو الشىءُ لا يُبينُ. يقال إنّ الحكْل الشىءُ الذى لا نُطْقَ له من الحيوان ، كالنمل وغيره.

قال :

__________________

(١) لم تذكر فى اللسان وفى القاموس أنها السماء الرابعة.

(٢) لامرئ القيس ، فى معلقته.

(٣) للعجاج ديوانه ٨٤ والمجمل واللسان (حقف).


لو كنتُ قد أُوتِيتُ عِلْمَ الْحكْل

علَم سليمانٍ كلامَ النّمل (١)

ويقال فى لسانه حُكْلَةٌ ، أى عُجمة. ويقال أحْكَلَ علىَّ الأمرُ ، إذا امتنَعَ وأشْكَل.

وممّا شذّ عن الباب قولهم للرجل القصير حَنْكَل (٢).

حكم الحاء والكاف والميم أصلٌ واحد ، وهو المنْع. وأوّل ذلك الحُكم ، وهو المَنْع من الظُّلْم. وسمّيَتْ حَكَمة الدابّة لأنها تمنعُها يقال حَكَمْت الدّابةَ وأحْكَمتها. ويقال : حكَمت السَّفيهَ وأحكمتُه ، إذا أخذتَ على يديه. قال جرير :

* أبَنِى حَنيفة أحْكِمُوا سُفهاءَكم

إنّى أخاف عليكم أن أغْضَبَا (٣)

والحِكمة هذا قياسُها ، لأنّها تمنع من الجهل. وتقول : حكَّمت فلاناً تحكيماً منعتُه عمّا يريد. وحُكِّم فلانٌ فى كذا ، إذا جُعل أمرُه إليه. والمحكمَ : المجرِّب المنسوب إلى الحكمة. قال طرفة :

ليت المحكَّمَ والموعوظَ صَوْتَكُما

تحتَ التُّرَاب إذا ما الباطلُ انكشَفَا (٤)

أراد بالمحكَّم الشيخَ المنسوبَ إلى الحكمة. وفى الحديث : «إنّ الجنة»

__________________

(١) لرؤبة فى ديوانه ١٢٨. ونسب فى اللسان (حكل) للعجاج. وانظر الحيوان (٤ : ٨).

(٢) فى اللسان والمجمل : «الحوكل» ، وهما صحيحان.

(٣) لجرير فى ديوانه ٥٠ واللسان (حكم).

(٤) ليس البيت فى ديوان طرفة ، وهو فى المجمل واللسان (حكم). وذكروا أن المحكم ؛ بكسر الكاف الذى حكم الحوادث وجر بها ، وبفتحها الذى حكمته وجربته : والمعنى واحد. وصوتكما ، نصب لأنه أراد عاذلى كفا صوتكما.


للمحكَّمين (١). وهم قومٌ حُكِّمُوا مخيَّرين بين القَتل والثّبات على الإسلام وبين الكفر ، فاختارُوا الثّباتَ على الإسلام مع القتل ، فسْمُّوا المحكمين.

حكى الحاء والكاف وما بعدها معتلٌّ أصلٌ واحد ، وفيه جنس من المهموز يقاربُ معنى المعتلّ والمهموز منه ، هو إحكام الشىء بعَقْدٍ أو تقرير. يقال حَكَيْتُ الشىءَ أحْكيه ، وذلك أن تفعلَ مثلَ فعل الأوّل. يقال فى المهموز : أحْكَأْت العُقدة ، إذا أحكمتَها. ويقال: أحكأتُ ظَهْرِى بإزارى ، إذا شددتَه.

قال عدىّ :

أجْلِ أنّ الله قد فضّلكم

فوق مَن أحْكأ صُلْباً بإزارِ (٢)

وقال آخر :

وأحْكَأَ فى كَفَّىَّ حَبْلى بِحبْلِهِ

وأَحْكَأَ فى نعلى للرجلٍ قِبَالَهَا (٣)

حكر الحاء والكاف والراء أصلٌ واحد ، وهو الحَبْس. والحُكْرة : حَبْسُ الطعام مَنتظراً لعَلائه ، وهو الحُكْره وأصله فى كلام العرب الحَكَر ، وهو الماءُ المجتمع ، كأنّه احْتُكِر لقلَّته.

حكد الحاء والكاف والدال حرفٌ من باب الإبدال. يقال للمَحْتِد المَحْكِد. وقد فسِّر فى بابه.

__________________

(١) ويروى أيضا بكسر الكاف ، أى الذين أنصفوا من أنفسهم.

(٢) يصف جارية ، كما فى اللسان (١ : ٥١ / ٢ : ١٨ / ٥ : ٧٤ ـ ٧٥ / ١٣ : ١٢ / ١٨ : ٢٠٨) وانظر أمالى ثعلب ٢٤٠.

(٣) عجزه فى المجمل.


باب الحاء واللام وما يثلثهما

حلم الحاء واللام والميم ، أصولٌ ثلاثة : الأول ترك العَجَلة ، والثانى تثقُّب الشىء ، والثالث رُؤية الشىء فى المنام. وهى متباينةٌ جدًّا ، تدلُّ على أنَّ بعضَ اللغةِ ليس قياساً ، وإن كان أكثره منقاساً.

فالأوّل : الْحِلم خلاف الطَّيش. يقال حَلمْتُ عنه أحلُم ، فأنا حليمٌ.

والأصل الثانى : قولهم حَلِمَ الأَديمُ إذا تثَقَّبَ وفسَدَ ؛ وذلك أنْ يقع فيه دوابُّ تفسدُه. قال :

فإنَّكَ والكتابَ إلى عَلِىّ

كدابِغَةٍ وقد حَلِمَ الأديمُ (١)

والثالث قد حَلَمَ فى نومه حلْماً وحلُماً. والحَلَم : صغار القِرْدَان. والحَلَمَةُ : دويْبَّة.

والمحمول على هذا حَمَتَا الثَّدْى. فأمّا قولهم تحلم إذا سَمِن ، فإِنّما هو امتلأ ، كأنّه قرادٌ ممتلئ. قال :

* إلى سَنَةٍ قرْدَانْها لم تَحَلَّمِ (٢) *

ويقال بعيرٌ حليم ، أى سمين. قال :

* من النَّىِّ فى أصلابِ كلِ حليمِ (٣) *

__________________

(١) للوليد بن عقبة ، حص معاوية على قول على. اللسان (حلم).

(٢) صدره كما فى ديوان أوس بن حجر ٢٨ واللسان (حلم) :

؟ لحر العصا؟

(٣) الى ، بالفتح : الشحم ، أراد به شحم العصام ونفيها. وكذا ورد فى المجمل. وفى اللسان :

فإن؟؟ أهون صبغة

من؟ في أنفاء كل حليم


والحالُوم : شيء شبيه بالأَقِط. وما أُراه عربيًّا صحيحاً.

حلن الحاء واللام والنون إن جعلتَ النُّون زائدة فقد ذكرناه. فيما مضى ، وإن جعلت النونَ أصلية فهو فُعَّال ، وهو الْجَدْى (١) ، وليست الكلمة أصلاً يُقاس. وقد مضى فى بابه.

حلو الحاء واللام وما بعدها معتلٌّ ، ثلاثة أصول : فالأوّل طِيب الشىء فى مَيْل من النّفس إليه ، والثانى تحسين الشىء ، والثالث ـ وهو مهموز ـ تَنْحِيَة الشىء.

فالأوّل الحُلو ، وهو خلاف المرّ. يقال استحليت الشىءَ ، وقد حَلا فى فمى يحلو ، والحَلْوَاء الذى يؤكل يمدّ وبقصر. ويقال حَلِىَ بعينى يَحْلَى. وتحالت المرأة إذا أظهرت حلاوةً، كما يقال تباكى وتعالى ، وهو إبداؤه للشَّىء لا يخفَى مثلُه.

قال أبو ذؤيب :

فشأنَكَها إنّى أمينٌ وإنَّنى

إذا ما تَحَالَى مِثْلُها لا أَطُورُها (٢)

ومن الباب حَلَوْتُ الرجلَ حُلْوَاناً ، إذا أعطيتَه ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حُلوان الكاهن ، وما يُجعل له على كِهانته. قال أوس :

كَأَنِّى حَلَوْتُ الشِّعْرَ يومَ مدحتُه

صَفَا صخْرةٍ صَمَّاء يَبْسٍ بِلالُها (٣)

__________________

(١) فى الأصل : «الجرى» ، تحريف.

(٢) البيت من قصيدة فى ديوان أبى ذؤيب ١٥٤. وأنشده فى اللسان (حلا) بلفظ «فشأنكما» تحريف ، صوابه هنا وفى الديوان. وفى الأصل : «إنى لعين» ، صوابه من اللسان والديوان. وقبل البيت :

خليلي الذي ولي خليلي

فكلا أراه قد أصاب هرورها

(٣) فى الأصل : «يبسا بلالها» ، صوابه من ديوان أوس ٢٤ واللسان.


والحُلوان أيضا* أن يأخذ الرجلُ من مَهر ابنتِه لنفْسه. وذلك عارٌ عند العرب. قالت امرأةٌ تمدح زوجها :

* لا يأخذُ الحُلوانَ من بناتِيا (١) *

والأصل الثانى : الحُلِيّ حُلِىُ المرأة ، وهو جمع حَلْيٍ ، كما يقال ثَدْىٌ وَثُدِىٌّ ، وظَبْىٌ وظَبْىٌّ. وحلَّيت المرأة. وهذه حِلية الشىءِ أى صفتُه. ويقال حِلْية السيف ، ولا يقال حُلِىّ السيف.

والأصل الثالث : وهو تنحية الشىء ، يقال حَلّأْتُ الإبل عن الماء ؛ إذا طردتَها عنه قال :

* مُحَلّأٍ عَنْ سَبيل الماءِ مَطرودِ (٢) *

ويقال لما قُشِر عن الجلد الحُلَاءة مثل فُعالة ؛ يقال منه حَلَأْتُ الأديم قشرتُه. والحَلُوء على فَعول : أن تَحُكّ حجراً [على حجرٍ (٣)] يَكتحِل بحُكاكتهما الأرْمد (٤). ويقال منه أحلَأْت الرّجُل. ويقال حلأت الأرض ، إذا ضربتَها.

ومما شد عن الباب حَلَأَه مائةَ دِرهم ، إذا نَقَده إيّاها ؛ وحلأَه مائةَ سَوط.

حلب الحاء واللام والباء أصلٌ واحد ، وهو استمداد الشىء يقال الحلَب حَلَب الشَّاءِ وهو اسمٌ ومصدر ، والمِحْلب : الإناء يُحلَب فيه. والإحلابة : أن تحلُب لأهلك وأنت فى المرعى ، تبعثُ به إليهم. تقول أَحلبهُم إحْلاباً. وناقة حلوبٌ : ذات لبن ؛ فإذا جعلتَ ذلك اسماً قلت هذه الحلوبةُ لفلان. وناقةٌ حَلْبَانة

__________________

(١) فى اللسان : «من بناتنا».

(٢) لإسحاق بن إبراهيم الموصلى. وصدره كما فى اللسان (حلأ) :

لحاتم؟ حتى لاحوام به

(٣) التكملة من المجمل.

(٤) فى الأصل : «يتحكك بحكاكتها الأرمد» ، تحريف.


مثل الحَلوب. ويقال أحلبْتُك : أعنتك على حَلب الناقة. وأحلب الرجلُ ، إذا نُتِجَت إبلُه إناثا ، وأَجْلَبَ إذا نُتجت ذُكوراً ؛ لأنها تُجْلَب أولادُها فتباع. ومن الباب وهو محمولٌ عليه المُحْلِب ، وهو الناصر. قال :

أشارَ بِهمْ لمعَ الأصمِّ فأقبلوا

عرانين لا يأتيه للنصر مُحْلِبُ (١)

وذلك أنْ يجيئَك ناصراً من غير قومك ؛ وهو من الباب لأنِّى قد ذكرت أنه من الإمداد والاستمداد.

والحَلْبة : خيلٌ تجمع للسِّباق من كل أوب ، كما يقال للقوم إذا جاءُوا من كل أوب للنُّصرة : قد أَحْلَبُوا.

حلت الحاء واللام والتاء ليس عندى بأصلٍ صحيح. وقد جاءت فيه كليمات ؛ فالحلتيت صمغ. يقال حَلَتَ دَيْنَه : قضاه ؛ وحَلتَ فلاناً ، إذا أعطاه ؛ وحَلَتَ الصوفَ: مَرَقَهُ

حلج الحاء واللام والجيم ليس عندى أصلا. يقال حَلَجَ القطنَ. وحَلجَ الخبزةَ : دَوَّرَها. وحَلَجَ القوم يَحْلجون ليلتهم ، إذا سارُوها. وكلُّ هذا مما يُنظر فيه.

حلز الحاء واللام والزاء أصلٌ صحيح. يقال للرَّجُل القصير حِلِّزٌ ، ويقال هو السيئ الخُلُق. ويقال الحَلْز ؛ القَشْر ؛ حلزت الأديمَ قشرتُه. قال ابن الأعرابىّ : ومنه الحارث بن حِلِّزة.

__________________

(١) لبشر بن أبى حازم فى اللسان (حلب).


حلس الحاء واللام والسين أصلٌ واحد ، وهو الشىء يلزمُ الشىءَ. فالحِلْس حِلْس البعير ، وهو ما يكون تحت البِرْذَعة. أحْلَسْتُ فلاناً يَميناً ، وذلك إذا أمررتَها عليه ؛ ويقال بل ألزمتُه إيّاها. واستَحْلَسَ النَّبت إذا غَطَّى الأرض ، وذلك أن يكون لها كالحِلْس. وقد فسّرناه. وبنُو فلانٍ أحلاسُ الخيل ، وهم الذين يَقْتنونها ويلزَمون ظهورَها. ولذلك يقول الناس: لَسْتَ مِن أحلاسها. قال عبد الله بن مسلم (١) : أصله من الحِلس. قال : والحِلْس أيضاً : بساطٌ يبسط فى البيت. ويقولون : كن حِلْسَ بيتك ، أى الزمْه لُزوم البِساط. والحَلِس : الرجل الشجاع [والحريص (٢)] ، وذلك أنّه من رغابته يلزم ما يؤكل.

حلط الحاء واللام والطاء أصلٌ واحد : وهو الاجتهاد فى الشىء بحلفٍ أو ضجَر (٣). ويقال أحلط ، إذا اجتَهد وحَلَف. قال ابنُ أحمر :

فكُنَّا وهم كابنَىْ سُباتٍ تفرَّقا

سِوًى ثم كانا مُنْجِداً وتَهامِيَا

فألقى التِّهامِى منهما بلَطَاتِه

وأحلَطَ هذا : لا أَريمُ مَكانيا

و «لا أعود ورائيا (٤)».

ومن الباب قولهم : «أوّل العِىّ الاختلاط ، وأسوأ القول الإفراط (٥)». فالاختلاط: الغضَب.

حلف الحاء واللام والفاء أصلٌ واحد ، وهو الملازمة. يقال حالف

__________________

(١) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة. وكثيراً ما يذكره باسم «القتبى».

(٢) التكملة من القاموس ، وهو ما يقتضيه لتعليل التالى.

(٣) فى الأصل : «بعلق أو صخر».

(٤) وبهذه الرواية ورد فى المجمل واللسان (حلط).

(٥) هذا من كلام علقمة بن علائة ، كما فى اللسان.


فلانٌ فلانا ، إذا لازَمَه. ومن الباب الحَلِفُ ؛ يقال حَلَف يحلِفْ حَلِفا ؛ وذلك أنّ الإنسان يلزمه الثبات عليها. ومصدره الحَلِف والمحلُوف أيضا. ويقال هذا شىء مُحْلِفٌ إذا كان يُشَكُّ فيه فيْتَحالف عليه. قال :

كميتٌ غير مُحْلِفةٍ ولكن

كلون الصِّرف عُلّ به الأديمْ (١)

ومما شذّ عن الباب قولهم : هو حليف اللِّسان ، إذا كانَ حَديدَه. ومن الشاذّ الحلفاء، نبت ، الواحدة حَلْفاءَة.

حلق الحاء واللام والقاف أصول ثلاثة : فالأوّل تنحية الشّعْرَ عن الرأس ، ثم يحمل عليه غيره. والثانى يدلُّ على شىءِ من الآلات مستدير. والثالث يدلُّ على العلوّ.

فالأوّل حَلقْتُ رأسِى أحلِقُه حَلْقا. ويقال للأكسية الخَشِنَة التى تحلِق. الشّعر من خُشونتها مَحالق. قال :

* نَفْضَكَ بالمحَاشِئِ المَحَالِقِ (٢) *

ويقولون : احتلقَت السنَةُ المال ، إذا ذهبَتْ به.

ومن المحمول عليه حَلِق قضيبْ الحمار ، إذا احمرّ وتقشّر. و [قيل] إنما : قيل حَلِق لتقشُّره لا لا احمراره.

والأصل الثانى الحَلْقة حلْقة الحديد. فأمّا السّلاحُ كلُّه فإنّما يسمى الحَلَقة (٣).

__________________

(١) للكلحبة ليربوعى ، من أبيات فى المفضليات (١ : ٣١).

(٢) لعمارة بن صارف يصف إبلا ، كما فى اللسان. وقبله :

ينفعن بالشافر؟

(٣) فى المحمل : «والسلاح كله يسمى الحلفة بفتح اللام».


والحِلْق (١) : خاتَم المُلْك ، وهو لأنّه مستدير. وإبلٌ مُحَلَّقَةَ : وسْمُها (٢) الحَلَقُ. قال :

* وذو حَلَقٍ تَقْضِى العواذيرُ بينَهُ (٣) *

العواذير : السِّمات.

والأصل الثالث حالِقٌ : مكانٌ مُشْرِف. يقال حَلَّق ، إذا صار فى حالق. قال الهذلى:

فلو أنّ أمِّى لم تلدْنى لحلّقتْ

بِىَ المُغْرِبُ العنقاء عند أخِى كلْبِ

كانت أمّه كلبيّة ، وأسَرَه رجلٌ من كلب وأراد قتلَه ، فلما انتسب له حىّ سبيلَه. يقول : لو لا أنّ أمي كانت كلبيةٌ لهلكْتُ. يقال حلّقَت به المُغْرب (٤) ، كما يقال شالَت نعامتُه. وقال النابغة :

إذا ما غزَا بالجَيْش حَلّق فوقَه

عصائبُ طيرٍ تهتدى بعصائبِ (٥)

وذلك أنّ النُّسور والعِقبانَ والرّخَم تتْبَع العساكر تنتظر القتلى لتقع عليهم. ثم قال :

جوانحُ قد أيقنَّ أنَّ قبيلَه

إذا ما التقى الجمعانِ أوّلُ غالِبِ

__________________

(١) هذا بكسر الحاء. وأنشد فى المجمل واللسان :

وأعطى منا الحلق أبض بماجد

رديف ملوك ما نقب نوافله

(٢) فى الأصل «واسمها» ، تحريف.

(٣) صدر بيت لأبى وجزة السعدى فى اللسان (عذر ، حلق). وهذه الرواية تطابق رواية اللسان (عذر). وفى المجمل واللسان (حلق): «نقضى العواذير بينها». فالتذكير على ظاهر اللفظ. والتأنيث على تأويل ذى الحلق بالإبل. وعجز البيت :

يلوح فطار عضا اللقائح

(٤) فى الأصل : «بى المغرب».

(٥) فى ديوان النابغة ٤ :

إذ فزوا بالمهش حلق فوقهم


حلك الحاء واللام والكاف حرفٌ يدلّ على السّواد. يقال «هو أشدُّ سواداً من حَلَك الغراب» يقال : هو سواده ويقال هو أسودُ حُلكُوك.

باب الحاء والميم وما يثلثهما

حمد الحاء والميم والدال كلمةٌ واحدة وأصلٌ واحد يدلّ على خلاف الذمّ. يقال حَمِدْتُ فلاناً أحْمَدُه. ورجل محمود ومحمّد ، إذا كثُرت خصاله المحمودة غيرُ المذمومة. قال الأعشى يمدح النعمان بن المنذر ، ويقال إنه فضّله بكلمته هذه على سائر مَن مدحه يومئذ:

إليك أبيتَ اللّعنَ كانَ كَلَالُها

إلى الماجد الفَرْعِ الجَوادِ المُحَمَّدِ (١)

ولهذا [الذى] ذكرناه سمِّى نبيُّنا مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم. ويقول العرب : حمَاداك أن تفعلَ كذا ، أى غايتُك وفعلُك المحمود منك غيرُ المذموم. ويقال أحَمدْتُ فلاناً ، إذا وجدتَه محموداً ، كما يقال أبخلْتُه إذا وجدتَه بخيلا ، وأعجزته [إذا وجدتَه] عاجزا. وهذا قياسٌ مطّردٌ فى سائر الصفات. وأهْيَجْت المكانَ ، إذا وجدتَه هائجا قد يبِس نباتُه. قال :

* وأهْيَج الخَلْصاءَ من ذات الْبَرقْ (٢) *

فإنْ سأل سائلٌ عن قولهم فى صوت التهاب النار الحَمدَة ؛ قيل له : هذا ليس من الباب ؛ لأنه من المقلوب وأصله حَدَمة. وقد ذكرت فى موضعها.

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٣٢ واللسان (حمد).

(٢) البيت لرؤبة فى ديوانه ١٠٥.


حمر الحاء والميم والراء أصلٌ واحدٌ عندى ، وهو من الذى يعرف بالحمْرة. وقد يجوز أن يُجعَل أصلين : أحدهما هذا ، والآخر جنسٌ من الدوابّ.

فالأوّل الحُمرة فى الألوان ، وهى معروفة. والعرب* تقول : «الحسن أحمر» يقال ذلك لأنّ النفوسَ كلَّها لا تكاد تكره الحمرة. وتقول رجل أحمر ، وأحامر (١) فإن أردت اللونَ قلت حمر. وحجّة الأحامرة قول الأعشى :

إنّ الأحامرةَ الثلاثة أهلكَتْ

مالى وكنت بهنّ قِدّما مُولَعا (٢)

ذهب بالأحامرة مذهب الأسماء ، ولم يَذهب بها مذهبَ الصفات. ولو ذهب بها مذهب الصفات لقلل حُمْرٌ. والحمراء : العَجَم ، سُمُّوا بذلك لأنّ الشّقْرة أغلبُ الألوان عليهم. ومن ذلك قولهم لعلىّ رضى الله عنه : «غلبَتْنا عليك هذه الحمراء». ويقال موتٌ أحمرْ ، وذلك إذا وُصِف بالشدّة. وقال علىّ : «كُنّا إذا احمرّ البأسُ اتقّينا بِرسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلم يكن أحَدٌ منا أقربَ إلى العَدُوّ منه».

ومن الباب قولهم : وَطْأةٌ حمراء ؛ وذلك إذا كانتْ جديدة ؛ ووَطْأة دهماء ، إذا كانت قديمةً دارسة. ويقال سنةٌ حمراء شديدة ، ولذلك يقال لشدة القيْظ حَمَارَّة. وإنّما قيل هذا لأنَّ أعجبَ الألوان إليهم الحمرة. إذا كان كذا وبالغُوا (٣) فى وصفِ شىء ذكَرُوه بالحُمْرة ، أو بلفظةٍ تشبه الحمرة.

فأمَا قولُهم الذى لا سلاحَ معه أحمر ، فممكن [أن يكون] ذلك شبيهاً له

__________________

(١) أى فى جمع أحمر بهذا المعنى.

(٢) ملحقات ديوان الأعشى ٢٤٧ ، واللسان (حمر).

(٣) كذا. ولعل وجه الكلام : «وكان العرب إذا بالغوا». وفى اللسان : «والعرب إذا ذكرت شيئا بالمشقة والشدة وصفته بالحمرة».


بالعجم ، وليست فيهم شجاعة مذكورة كشجاعة العرب. وقال :

* وتَشْقَى الرّماحْ بالضَّياطرةِ الحُمْرِ (١) *

الضياطرة : جمع ضَيْطار ، وهو الجبان العظيم الخَلْق الذى لا يُحسن حملَ السّلاح. قال :

تعرَّضَ ضَيطارُ وفُعالةَ دونَنا

وما خَيْرُ ضَيطارٍ يقلِّب مِسطَحا (٢)

وقولهم غيث حِمِرٌّ ، إذا كان شديداً بقشر الأرض. وهو من هذا الذى ذكرناه من باب المبالغة.

وأمّا الأصل الثانى فالحِمار معروف ، يقال حمار وحَمير وحُمُر وحُمْرات ، كما يقال صعيد وصُعُد وصُعُدات. قال :

إذا غَرّد المُكَّاء فى غير روضةٍ

فويلٌ لأهل الشَّاء والحُمُراتِ (٣)

يقول : إذا أجدبَ الزّمانُ ولم تكن روضة فغرَّد (٤) فى غير روضةٍ ، فويلٌ لأهل الشاء والحمرات.

وممّا يحمل على هذا الباب قولُهم لدويْبّة : حِمارُ قَبَّانَ. قال :

يا عجبَا لقد رأيتُ عجَبَا

حمارَ قَبَّانٍ يسوقُ أرنبا (٥)

ومنه الحِمار ، وهو شىء يُجعَل حول الحوض لئلا يسيل ماؤُه ، والجمع حمائر.

قال الشاعر :

__________________

(١) لخداش بن زهير ، كما فى اللسان (ضطر). وصدره

وتركب خيلا لا هوادة بينها

(٢) البيت لمالك بن عوف البصرى ، كما فى اللسان (ضطر). وفعالة : كناية عن خزاعة.

(٣) البيت فى اللسان (مكا) وأمالى القالى (٢ : ٣٢) ، وسيعيده فى (مكو).

(٤) فى الأصل : «يفرد فعرد».

(٥) الرجز فى اللسان (حمر ، قبب ، قبن).


ومُبْلِد بين مَوْمَاةٍ بمَهْلِكَةٍ

جاوزتَه بِعَلاةِ الخَلق عِلْيَانِ (١)

كأَنَّما الشَّحْطُ فى أعلى حمائرِه

سَبائبُ الرَّيْط مِن قزًّ وكَتَّانِ (٢)

وأما قولهم للفرَس الهجينِ مِحْمَرٌ فهو من الباب. [ومن الباب] الحِماران ، وهما حجَران يجفَّف عليهما الأفِط ، يسمَّيان مع الذى فوقهما العلاة (٣). قال :

لا تنفع الشاوِىّ فيهما شاتُه

ولا حِمارَاه ولا عَلَاتُه (٤)

والحمارة : حجارة تنصب حولَ البيت ؛ والجمع حمائِر. قال :

* بَيْتَ حُتوفٍ أُرْدِحَتْ حمائرُه (٥) *

وأما قولهم : «أخلَى من حوف حِمارٍ» فقد ذُكر حديثه فى كتاب حرف العين.

حمز الحاء والميم والزاء أصلٌ واحد ، وهو حدَّة فى الشىء كالحَرافة وما أشبهها. فالحَمْزَة حَرافة فى الشىء. يقال شرابٌ يحمِزُ اللسانَ. ومنه الحَمزة ، وهى بقلةٌ تَحْمِز اللسان ، وقال أنس بن مالك : كنّانى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببقلةٍ كنت اجتنيتُها». ؛وكان يكنّى با حمزة. وقال الشماخ يصف رجلاً باع [قوساً] وأسِفَ عليها :

__________________

(١) سبق إنشاد البيت والكلام عليه فى (بلد).

(٢) فى اللسان (حمر) :

صبائت القز من ربط وكتان

(٣) فى المحمل : «والعلاة فوقهما» ، وفى اللسان : «حجران ينصبان يطرح عليهما حجر رقيق يسمى العلاوة».

(٤) الرجز لمبشر بن هذيل بن فزارة الشمخى ، كما فى اللسان.

(٥) من رجز لحميد الأرقط ، كما فى اللسان (حمر). وأنشد هذا البيت أيضا فى اللسان (ردح).

وقبله :

أعد البيت الذي بسامره


فلما شَرَاها فاضَتِ العَين عَبْرَةً

وفى القلب حُزَّازٌ من الّلوم حامِزُ (١)

فأما قولهم للذكىّ القلبِ اللوذعىِ حَمِيز ، وهو حَميز الفؤاد ، فهو من الباب ؛ لأن ذلك من الذكاء والحدّة ، والقياس فيه واحد

حمس الحاء والميم والسين أصلٌ واحد يدلّ على الشدَّة. فالأحمس :الشّجاع. والحَمَس والحماسة : الشجاعة والشِّدَّة. ورجلٌ حَمِسٌ. قال :

* ومِثْلى لُزَّ بالحَمِسِ الرَّئيسِ (٢) *

ويقال : «بالحَمِس البئيس». ويقال تحمَّس الرجُل : تعاصَى. والحُمْس قريش ؛ لأنهم كانوا يتحمَّسون فى دينهم ، أى يتشدَّدون. وقال بعضهم : الحُمْسة الحُرْمة ، وإنما سُموا حُمْساً لنزولهم بالحرَم. ويقال عام أحْمَسُ ، إذا كان شديدا. وأَرَضُونَ أحامس : شديدةٌ. وزعم ناسٌ أنّ الحَميس التَّنُّور. وقال آخرون : هو بالشين معجمة. وأىَّ ذلك كانَ فهو صحيحٌ ؛ لأنه إن كان من السين فهو من الذى ذكرناه ويكون من شدة التهاب نارِه ؛ وإن كان بالشين فهو من أحمشتُ النارَ والحربَ.

حمش الحاء والميم والشين أصلان : أحدهما التهاب الشىء وهَيْجه ، والثانى الدَقّة.

فالأول قولهم : أحمشتُ الرَّجُل : أغضبتُه. واستحمش الرجلُ ، إذا اتَّقَدَ غضباً (٣). قال :

* إنى إذا حَمَّشَني تحميشي (٤) *

__________________

(١) سبق البيت والكلام عليه فى (حزز).

(٢) فى اللسان (ربس ، وقى): «الربيس» بالباء. وصدره :

ولا اتى؟؟؟

(٣) فى الأصل : «إذا اتقدوا واتقد».

(٤) لرؤبة فى ديوانه ٧٧. وأنشده فى اللسان (حمش) بدون نسبة.


ومن الباب حَمَشْت الشىء : جمعتُه.

والأصل الثانى قولهم للدقيق القوائمَ حَمْش ، وقد حَمَشَتْ قوائمُه. ومن الباب قولهم : لِثَةٌ حَمْشةٌ : قليلة اللّحم.

حمص الحاء والميم والصاد ليس أصلاً يقاس عليه ، وما فيه قياسٌ ويجوز أن يكون مِن جفافٍ فى الشىء. ويقولون : انْحَمَص الوَرَم ، إذا سَكَنَ. هذا أصحَّ ما فيه. والحَمَصِيصُ : بقلةٌ.

حمض الحاء والميم والضاد أصل واحدٌ صحيح ، وهو شىء من الطعوم. يقال شىء حامض وفيه حُموضة. والحَمْض من النَّبْت ما كانت فيه ملوحة والخُلّة ما سوى ذلك. والعرب تقول : الخُلّة خبز الإبل والحَمْض فاكهتُها وإنما تَحَوَّل إلى الحَمْض إذا مَلّت الخُلّة. وكلُّ هذا من النّبت. وليس شىء من الشجر العظام بحَمْضٍ ولا خلّة.

حمط الحاء والميم والطاء ليس أصلاً ولا فرعا ، ولا فيه لغةٌ صحيحة ، إلا شىء من النّبت أو الشجر. يقال لجنسٍ من الحيَّات شيطان الحَمَاطِ. من المحمول عليه قولهم : أصبْتُ حَماطةَ قلبِه ، أى سواد قلبه ، كما يقولون حبَّة قلبه. والحماطة ، فيما يقال : وجَعٌ فى الحلْق. وليس بذلك الصحيح. فإنْ صحَّ فهو محمولٌ على نبت لعلَّ له طعماً حامزاً.

فأما قولهم الحِمَطيط والحِمْطاط ، فالأوَّل نبت ، والثانى دودٌ يكون فى العُشب منقوشٌ بألوان ، فمما لا معنى لذكرِه.

حمق الحاء والميم والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على كَساد الشىء


والضّعفِ والنُّقضان. فالحُمْق : نقصان العقل. والعرب تقول : انحمق الثوبُ. إذا بَلِى. وانحمقت السُّوق : كسدت.

حمل الحاء والميم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إقلال الشىء. يقال حَمَلْتُ الشىء أحمِلُه حَمْلاً. والحَمْل : ما كان فى بطنٍ أو على رأس شجرٍ. يقال امرأةٌ حامل وحاملة. فمن قال حامل قال هذا نعت لا يكون إلا للإناث. ومن قال حاملة بناه على حَمَلَتْ فهى حاملة. قال :

تَمَخْضَتِ المَنونُ له بيومٍ

أنَّى ولكلِ حامِلةٍ تِمام (١)

والحِمْل : ما كان على ظهرٍ أو رأسٍ. والحَملة : أن يحمل الرجل ديةً ثم يسعى عليها ، والضَّمانُ حَمَالة ، والمعنى واحد ، وهو قياسُ الباب.

ومما هو مضافٌ إلى هذا المعنى المرأة المُحْمِل ، وهى التى تنزِل لبنَها من غير حَبَل. يقال أحْمَلَت تحْمِل إحْمالا. ويقال ذلك للناقة أيضاً. والحُمُول : الهوادج ، كان فيها نساءُ أو لم يكن. وتحامَلْتُ ، إذا تكلَّفْتَ الشىءَ على مشقَةٍ.

وقال ابن السكيت فى قول الأعشى :

لا أعرفنّك إنْ جدَّت عداوتُنا

والتمِس النصرُ منكم عِوضَ تَحْتَمَلْ (٢)

إنَّ الاحتمال الغضب. قال : ويقال احْتُمِل ، إذا غَضِب. وهذا قياسٌ صحيح ، لأنهم يقولون : احتملَه الغضب ، وأقلّه الغضب ، وذلك إذا أزعجه. والحِمالة والمِحْمل عِلاقَة السَّيف. ومنه قول امرئ القيس :

__________________

(١) البيت لعمرو بن حسان ، كما فى اللسان (منن ، حمل).

(٢) ديوان الأعشى ٤٦ ومعلقات التبريزى ٢٨٥.


* حتى بلّ دمعِىَ مِحْملى (١) *

والحَمُولة : الإبل تُحمَل عليها الأثقال ، كان عليها ثِقْل أو لم يكن. والحَمولة : الإبل بأثقالها ، والأثقالُ أنفُسها حَمُولة. ويقال أحمَلْتُ فلاناً ، إذا أعنْتَه على الحمل. وحَمِيل السَّيل : ما يَحمله من غُثائه. وفى الحديث : «يخرج من النار قومٌ فيَنْبتون كما تنبت الحِبَّة فى حميل السّيل (٢)». فالحَميل : ما حمله السّيلُ من غُثاءِ. ولذلك يقال للدّعِىّ حَميل. قال الكميت يعاتب قُضاعة فى تحوُّلهم إلى اليمن :

عَلامَ نَزلتمُ من غير فَقرٍ

ولا ضَرَّاءَ منزلة الحَمِيلِ (٣)

فأمّا قولهم الأحمال ـ وهم من بنى يَربوع ، وهم ثعلبة وعمرو والحارث أبو سَلِيط وصُبَيْر ـ فيقال إنّ أمَّهم حملتهم على ظهرٍ فى بعض أيّام الفَزَع ، فسُمُّوا الأحمال. وإيّاهم أرادَ جريرٌ بقوله :

أبَنِى قُفَيرةَ مَن يُوَرِّع وِرْدَنَا

أم مَن يقومْ لشِدّةِ الأحمالِ (٤)

ويقال أدَلّ علىَ فحمَلتُ إدلاله واحتَملتُ إدلالَه ، بمعَنى. وقال :

أدلّت فلم أحمِلْ وقالت فلم أُجِبْ

لعَمْرُ أبيها إنّنى لظَلُومُ (٥)

والقياس مطّردٌ فى جميع ما ذكرناه. فأمّا البَرَقُ فيقال له حَمَلٌ ، وهو مشتقٌّ من الحَمْل ، كأنّه يقال حَمَلَتِ الشاةُ حَمْلاً ، والمحمول حَمْل وحَمَلٌ كما يقال نفَضتُ الشىء نَفْضاً والمنفوض نَفَض ، وحسَبت الشىء حَسْباً. والمحسُوبُ حَسَبٌ ، وهو

__________________

(١) جزء من بيت لامرئ القيس فى معلقته. وهو بتمامه :

ففاضت دموع العين؟ صبابة

على؟ حى بل دمعى عملى

(٢) سبق الحديث ولكلام عليه فى (حب).

(٣) البيت فى اللسان (حمل).

(٤) ديوان جرير ٤٦٨ واللسان والمجمل (حمل).

(٥) كلمة «إننى» ساقطة من الأصل ، وإثباتها من المجمل واللسان.


باب مستقيم. ثم يشبه بهذا فيقال لبرج من بروج السماء حَمَل. قال الهذلىّ (١) :

كالسَّحْل البِيض جلا لونَها

سَحُّ نِجَاءِ الحَمَل الأَسْوَلِ

باب الحاء والنون وما يثلثهما

حنو الحاء والنون والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلّ على تعطّف وتعوُّج. يقال حنَوْتُ الشىءَ حَنْواً وحنَيْتُه ، إذا عطفتَه حَنْياً. وحِنْوُ السّرجِ سمّى بذلك أيضاً ، وجمعه أحناء. ومنه حنَتِ المرأة على ولدها تحنُو ، وذلك إذا لم تتزوّجْ مِن بعد أبيهم ، وهو من تعطّفها عليهم. وناقةٌ حنْواء : فى ظهرها احديدابٌ. وانحنَى الشىءُ ينحنى انحناء. والمَحْنِية : منعرَج الوادى. وأمّا الحَنْوَة والحِنّاء (٢) فنبْتَان معروفان ، ويجوز أن يكون ذلك شاذًّا عن الأصل.

حنب الحاء والنون والباء أصلٌ واحدٌ يدلّ على الذى دلّ عليه ما قبله ، وهو الاعوجاج فى الشىء. فالْمحَنَّبُ : الفرسُ البعيدُ ما بين الرّجلين من غير فَحَجٍ ؛ وذلك مدحٌ. ويقال إنّ الحنَب اعوجاجٌ فى السّاقين. قال الخليل فى تحنيب الخيل إنه إنما يوصف بالشدّة ، وليس فى ذلك اعوجاجٌ. وهذا خلافُ ما قاله أهلُ اللغة.

حنث الحاء والنون والثاء أصلٌ واحد ، وهو الإثْم والحَرَج. يقال حَنِثَ فلانٌ فى كذا ، أى أثِمَ. ومن ذلك قولهم : بلغ الغلام الحِنْثَ ، أى بلغ مبلغاً جرَى عليه القلم بالطّاعة والمعصية ، وأثبتت عليه ذنوبُه. ومن ذلك الحِنْث

__________________

(١) هو المتخل الهذلى ، كما فى ديوان الهذليين ص ٤٥ من مخطوطة الشنقيطى واللسان (حمل).

(٢) حق الحناء أن تكون فى مادة (حنن). ويقال فيها «حنان» أيضا.


فى اليمين ، وهو الخُلْف فيه. فهذا وجه الإثم. وأمّا قولهم فلان يتحنّث من كذا ، فمعناه يتأثّم. والفرق بين أَثِمَ وتَأَثَّم ، أن التأثُّم التنحِّى عن الإثم ، كما يقال حَرج وتحرّج ؛ فحَرِجَ وقع فى الحَرَج ، وتَحَرَّج تنحّى عن الحَرج. وهذا فى كلماتٍ معلومةٍ قياسُها واحد.

ومن ذلك التحنّث وهو التعبّد. ومنه الحديث : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتِى غار حراء فيتحنَّث فيه الليالىَ ذوَاتِ العدد».

حنج الحاء والنون والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على الميل والاعوجاج. يقال حنَجْت الحبلَ ، إذا فتلْتَه ؛ وهو محنوجٌ. وحنَجت الرجلَ عن الشىءِ : أملتُه عنه. وأَحْنَجَ فلانٌ عن الشىء : عدَل.* فأمّا قولهم للأصل حِنْجٌ فلعلّه من باب الإبدال. وإن كان صحيحاً فقياسُه قياسٌ واحد ؛ لأن كلَّ فرعٍ يميل إلى أصله ويرجع إليه.

حنذ الحاء والنون والذال أصلٌ واحد ، وهو إنضاج الشىء. يقال شِواء حَنِيذ ، أى مُنْضَج ، وذلك أن تحمى الحِجارة وتُوضَعَ عليه حتى ينضَج. ويقال حَنذْت الفرسَ ، إذا استحضرته شوطاً أو شوطين (١) ، ثم ظاهَرْتَ عليه الْجِلالَ حتى يعرَق. وهذا فرسٌ محنود وحنيذ. وأما قولهم حَنَذٌ ، فهو بلد. قال :

تأبَّرِى يا حيْرَةَ النخيل

تأبَّرى من حَنَذٍ فَشُولى (٢)

ويقولون : «إذا سقيتَ فاحْنِذْ (٣)» أى أقِلَّ الماءَ وأكثِرِ النبيذَ. وهو من

__________________

(١) استحضر الفرس : أعداه. واحتضر الفرس ، إذا عدها.

(٢) الرجز فى المجمل واللسان (حنذ). وهو لأحجة بن الجلاح ، كما فى معجم البلدان.

(٣) يقال : يوصل الألف وقطعها.


الباب أيضاً ؛ لأنَّها تبقى بحرارتها إذا لم تُكْسَر بالماء.

حنر الحاء والنون والراء كلمةٌ واحدة ، لولا أنها جاءت فى الحديث لما كان لِذِكرها وجه. وذلك أنَّ النون فى كلام العرب لا تكاد تجىء بعدها راء. والذى جاء فى الحديث : «لَوْ صلَّيتُم حتى تَصبروا كالحنائر (١)». فيقال إنَّها القسىّ ، الواحد حَنِيرة. وممكن أن يكون الراء كالمصقة بالكلمة ، ويرجع إلى ما ذكرناه من حنيت الشىءَ وحنوْنه.

حنش الحاء والنون والشين أصلٌ واحد صحيحٌ وهو من باب الصَّيد إذا صدتَه. وقال أبو عمرو : الحَنَش كلُّ شىءِ يُصاد من الطَير والهوام. وقال آخرون : الحنَش الحيّة وهو ذلك القياس. فأمّا قولهم حَنَشْت الشىء ، إذ عطفْتَه ، فإن كان صحيحاً فهو من باب الإبدال ولعله من عَنشْت أو عنَجْت.

حنط الحاء والنون والطاء ليس بذلك الأصل الذى يقاس منه أو عليه ، وفيه أنَّه حَبٌّ أو شبيهٌ به. فالحنطة معروفة. ويقال للرّمْث إذا ابيصّ وأدرَكَ قد حَنِط. وذكر بعضُهم أنه يقال أحمر حانط ، كما يقال أسود حالكٌ وهذا محمولٌ على أن الحنطة يقال [لها] الحمراء. وقد ذُكِر.

حنف الحاء والنون والفاء أصل مستقيم ، وهو اميَل. يقال للذى يمشى على ظهُور قدَميه أحْنَفْ. وقال قومٌ ـ وأراه الأصحَّ ـ إنَ الحَنَفَ اعوجاجٌ فى الرجل إلى داخل. ورجل أحنف ، أى مائل الرِّجْلين ، وذلك يكون بأَن تتدانَى صدور قدمَيه ويتباعد عقباه. والحنيف : المائل إلى الدين المستقيم. قال الله تعالى :

__________________

(١) تمامه فى اللسان : «ما نفعكم ذلك حتى تحبوا آل رسول الله». وهو من حديث أبى ذر.


(وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) والأصل هذا ، تم يتَّسع فى تفسيره فيقال الحنيف النّاسك ، ويقال هو المختون ، ويقال هو المستقيم الطريقة. ويقال هو يتحنَّف : أى يتحرَّى أقومَ الطرِيق (١).

حنق الحاء والنون والقاف أصلٌ واحد ، وهو تضابُق الشىء. يقال الضُّمَّر مَحَانيق. وإلى هذا يرجع الحَنَق فى الغيظ ، لأنه تضايقٌ فى الخُلْق من غير نَدُحة ولا انبساط. قال الشاعر فى قولهم مُحْنَق :

ما كان ضَرَّك لو مَننْتَ وربما

مَنَّ الفتى وهو لغيظ المُحْنَق (٢)

حنك الحاء والنون والكاف أصل واحد ، وهو عضوٌ من الأعضاء ثم يحمل عليه ما يقاربُه من طريقة الاشتقاق. فأصل الحَنَك حَنَكُ الإنسان ، أقصى فمه. يقال حَنَّكْت الصبىّ ، إذا مضَغت التمر ثم دلكتَه بحنكه ، فهو مُحَنّك ؛ وحَنَكْته فهو محنوك. ويقال : «هو أشدُّ سواداً من حَنَك الغراب» وهو منقاره ، وأمّا حَلَكه فهو سواده. ويقال احتنك الجرادُ الأرضَ ، إذا أتى على نبْتها ؛ وذلك قياس صحيح ، لأنه يأكله فيبلغ حنكَه.

ومن المحمول عليه استئصال الشىء ، وهو احتناكه ، ومنه فى كتاب الله تعالى :

__________________

(١) فى المجمل : «أقوم الطرق».

(٢) البيت من مرثية لقتيلة بنت الحارث بن كلدة ، نرثى بها أخذها النضر بن الحارث. انظر حماسة أبى تمام (١ : ٤٠٠) والسيرة ٥٣٩ جوتجن. قال السهيلى فى الروض الأنف (٢ : ١١٩) : «والصحيح أنها بنت النضر لا أخته». وبهذه النسبة وردت فى حماسة البحترى ٤٤٣ واللسان (حنق) والإصابة ٨٨٤ من قسم النساء. وجعل الجاحظ فى البيان (٣ : ٢٣٦) هذا الشعر للبلى بنت النضر بن الحارث.


(لَأَحْتَنِكَنَ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً)(١). أى أُغوِيهم كلَّهم ، كما يُستأصَل الشىءُ ، إلّا قليلا.

فإن قال قائل : فنحن نقول : حنّكته التّجارِب ، واحتَنَكتْه السِّنُّ* احتناكاً ، ورجلٌ محتَنَك ، فمن أىِّ قياسٍ هو؟ قيل له : هو من الباب ؛ لأنّه التناهِى فى الأمر والبلوغُ إلى غايته ، كما قلنا : احتنَكَ الجرادُ النّبت ، إذا استأصله ، وذلك بلوغُ نهايته. فأما القِدُّ الذى يجمعُ عَرَاصِيف الرّحل ؛ فهو حُنْكة. وهذا على التشبه بالحنك ، لأنه منضمٌّ متجمع. ويقال حَنَكْتُ الشىءَ إذا فهمتَه. وهو من الباب ، لأنك إذا فهِمتَه فقد بلغتَ أقصاه. والله أعلم.

باب الحاء والواو وما معهما من الحروف فى الثلاثى

حوى الحاء والواو وما بعده معتلٌّ أصل واحد ، وهو الجمع. يقال حوَيْتُ الشىءَ أحويه حَيًّا (٢) ، إذا جمعتَه. والحَوِيَّة : الواحدةُ من الحوايا ، وهى الأمعاء ، وهى من الجمع. ويقولون للواحدة حاوياء قال :

كأنَّ نقيض (نقيقَ) الحَبّ فى حاويائِه

فَحِيحُ الأفاعي أو نقيض (نقيقُ) العقارِبِ (٣)

والحَوِيَّة : كساء يحوَّى حولَ سَنام البعير ثم يُركَب. والحىُ من أحياء العرب. والحِواء: البيت الواحد ، وكلّه من قياس الباب.

__________________

(١) من الآية ٦٢ فى سورة الإسراء. وفى الأصل : «إلا قليلا منهم» ، تحريف.

(٢) يقال حواه حيا ، وحواية كسحابة.

(٣) لجرير فى ديوانه ٨٣ واللسان (جوى). وانظر ما سيأتى فى (فح).


حوب الحاء والواو والباء أصلٌ واحد يتشعّب إلى إِثم ، أو حاجة أو مَسكَنة ، وكلها متقاربة. فالحوب والحَوْب : الإثم. قال الله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) وحَوْباً كبيرا(١). والحَوْبة : ما يَأْثم الإنسانُ فى عقوقه ، كالأمِّ ونحوها. وفلان يتحوّب من كذا ، أى يتأثم. وفى الحديث : «ربِّ تقبّلْ توبَتى ، واغفِرْ حَوبتى». ويقال التحوُّب التَّوجُّع. قال طُفَيل :

فذُوقُوا كما ذُقْنا غَداةَ مُحَجَّرٍ

من الغيظ فى أكبادنا والتحوُّبِ (٢)

ويقال : ألْحَقَ [الله (٣)] به الحَوْبة ، وهى الحاجةُ والمَسْكنة.

فإنْ قيل : فما قياس الحَوْباء ، وهى النَّفس؟ قيل له : هى الأصلْ بعينه ؛ لأنّ إشْفاق (٤) الإنسان على نفسه أغلبُ وأكثر.

فأما قولهم فى زجر الإبل حَوْبِ ، فقد قُلْنا إِنّ هذه الأصواتَ والحكاياتِ ليست مأخوذةً من أصلٍ. وكلُّ ذى لسانٍ عربىٍّ فقد يمكنه اختراع مثل ذلك ، ثم يكثُرُ على ألسنة الناس.

فأمّا الحَوأب فهو مذكور فى بابه (٥).

__________________

(١) قرأ الجمهور بضم الحاء ، والحنن بفتحها.

(٢) ديوان طفيل ١٤ والمجمل واللسان (حوب).

(٣) التكملة من المجمل واللسان.

(٤) فى الأصل : «اشتقاق» تحريف.

(٥) سيذكره فى باب ما حاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف.


حوت الحاء والواو والتاء أصلٌ صحيح منقاس ، وهو من الاضطراب والرَّوغان ، فالحُوت العظيم من السّمَك ، وهو مضطربٌ أبداً غير مستقرّ. والعرب تقول : حَاوَتَنِى فلانٌ ، إذا راوغَنى. ويُنشَد هذا البيت :

ظَلّت تُحاوِتُنى رَمْدَاء داهِيَةٌ

يوم الثويَّةِ عن أهلى وعن مالى (١)

حوث الحاء والواو والثاء قِيلٌ غيرُ مطّردٍ ولا متفرّع. يقولون : إنّ الحَوْثَاءَ الكبدُ وما يليها. وينشدون :

* الكِرْشَ والحَوْثاء والمَرِيّا (٢) *

وجاريةٌ حَوْثاء : سمينة. قال :

* وهىَ بِكْرٌ غريرةٌ حَوْثاء*

وتركهم حَوْثاً بَوْثاً. إذا فرَّقَهم. وكل هذا متقاربٌ فى الضّعف والقِلّة. ويقولون اسْتبَثْتُ الشىءَ واستحَثَّته ، إذا ضاع فى تراب فطلبتَه.

حوج الحاء والواو والجيم أصلٌ واحد ، وهو الاضطرار إلى الشىء. فالحاجة واحدة الحاجات. والحَوْجاء : الحاجة. ويقال أحْوَجَ الرّجُلُ : احتاجَ. ويقال أيضا : حاجَ يَحُوج(٣) ، بمعنى احتاجَ. قال :

غَنِيتْ فَلم أرْدُدْكُم عند بِغْيَة

وحُجْت فلم أكدُدْكُم بالأصابعِ (٤)

فأمّا الحاجُ فضربٌ من الشَّوك ، وهو شاذٌّ عن الأصل.

__________________

(١) أنشده فى المحمل واللسان (حوت). ولثوية ، بفتح فكسر ، ويقال أيضا بالتصغير :

موضع قريب من الكوفة.

(٢) قبله كما فى اللسان (حوت) :

؟وحصنا خمها طربا

(٣) يقال حج يحوج ويحيج.

(٤) للكميت بن معروف الأسدى ، كما فى اللسان. ويروى : «وحجت» بالكسر.


حوذ الحاء والواو والذال أصلٌ واحد ، وهو من الخفّة والسُّرعة وانكماش (١) فى الأمر. فالإحْواذ السَّير السريع. ويقال حاذَ الحمارُ أُتُنَه يحُوذها ، إذا ساقَها بعُنْف. قال العجاج :

* يحُوذُهُنَ وله حُوذِىُ (٢) *

والأحوذىُ : الخفيف فى الأمور ، الذى حَذِقَ الأشياءَ وأتقْنَها. وقالت عائشة فى عمر : «كان واللهِ أحوَذِيًّا نسيجَ وَحْدِه». والأحوذِيّان : جناحا القطاة. قال :

* على أحوذِيَّينِ استقلّت (٣) *

ومن الباب. استحوَذَ عليه الشيطان ، وذلك إذا غَلَبَه وساقَه إلى ما يريد من غَيِّه.

ومن الشاذّ عن الباب أيضاً أنهم يقولون : هو خفيفُ الحاذِ. ويُنشِدون :

خفيف الحاذِ نَسّال القيافى

وعَبْدٌ للصَّحابة غَير عَبْدِ (٤)

ومن الشاذّ عن الباب : الحاذُ ، وهو شجرٌ.

حور الحاء والواو والراء ثلاثة أصول : أحدها لون ، والآخَر الرُّجوع ، والثالث أن يدور الشىء دَوْراً.

فأما الأول فالحَوَر : شدّةُ بياض العينِ فى شدّةِ سوادِها. قال أبو عمرو :

__________________

(١) فى الأصل : «والكماش».

(٢) ديوان العجاج ٧١. وأنشده فى اللسان (حوذ) بدون نسبة.

(٣) البيت بتمامه كما فى اللسان :

على أحوذيين استقلت عابهما

فما هي إلإ؟؟

(٤) هو كما قيل : «سيد القوم خادمهم». والبيت فى اللسان (حوذ).


الحَوَر أن تسودَّ العينُ كلُّها مثلُ الظباء والبقر. وليس فى بنى آدمَ حَوَرٌ. قال وإنما قيل للنساء حُورُ العُيون ، لأنهن شُبِّهن بالظِّباء والبقر قال الأصمعى : ما أدرى ما الحَوَر فى العين. ويقال حوّرت الثيابَ ، أى بيّضْتُها. ويقال لأسحاب عيسى عليه السلامُ الحواريُّون ؛ لأنهم كانوا يحوِّرون الثِّياب. أى يبيّضونها. هذا هو الأصل ، ثم قيل لكلِّ ناصر حَوَارىٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «الزّبير ابنُ عمَّتى وحَوارِىَ من أمّتى». والحَوَاريّات : النِّساء البيض. قال :

فقُلْ للحَوَاريّاتِ يبكين غيرَنا

ولا يَبْكِنا إلا الكلابُ النوابحُ (١)

والحُوَّارَى من الطَّعام : ما حُوِّر ، أى بُيِّض. واحورَّ الشىءُ : ابيضّ ، احوراراً. قال:

يا وَرْدُ إنى سأموتُ مَرَّهْ

فمَنْ حَليفُ الجَفْنَةِ المُحوَرَّه (٢)

أى المبيَّضَة بالسَّنام. وبعضُ العرب يسمِّى النَّجم الذى يقال له المشترِى «الأحورَ».

ويمكن أن يحمل على هذا الأصل الحَوَرْ ، وهو ما دُبِغ من الجلود بغير القَرَظ ويكون ليّنا ، ولعل ثَمَّ أيضاً لونا. قال العجّاج :

بحجِنَاتٍ يَتَثقّبْنَ البهَرْ

كأنما يَمْزِقْنَ بالنجم الحَوَرْ (٣)

__________________

(١) لأبى جلدة اليشكرى ، كما فى اللسان والمؤتلف والمختلف للآمدى ٧٩. وهو فى الأخير برواية : «فقل لنساء المصر».

(٢) الرجز لأبى مهوش الأسدى ، كما فى اللسان. وترجمة أبى المهوش فى الخزانة (٣ : ٨٦). وورد : ترجم وردة ، وهى امرأنه.

(٣) ديوان العجاج ١٧ واللسان (مزق ، حور).


يقول : هذا البازى يمزّق أوساطَ الطير ، كأنه يَمْزِق بها حَوَراً ، أى يُسرع فى تمزيقها.

وأمّا الرجوع ، فيقال حارَ ، إذا رجَع. قال الله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلى). والعرب تقول : «الباطلُ فى حُورٍ» أىْ رَجْعٍ ونَقْصٍ. وكلُّ نقص ورُجوع حُورٌ. قال :

* والذّمُّ يبقَي وزادُ القَومِ فى حُورِ (١) *

والحَوْر : مصدر حار حَوْراً رَجَع. ويقال : «[نعوذ بالله (٢)] من الحَوْر بعد الكَوْر». وهو النّقصان بعد الزيادة.

ويقال : «حارَ بعد ما كارَ (٣)». وتقول : كلَّمتُه فما رجَعَ إلىّ حَوَاراً وحِوَاراً ومَحْورَةً وحَوِيراً.

والأصل الثالث المِحْور : الخشبةُ التى تدور فيها المَحَالة. ويقال حَوّرْتُ الخُبْزَةَ تحويراً ، إذا هيّأتها وأدَرْتَها لتضعَها فى المَلَّة.

ومما شذَّ عن الباب حُوار الناقة ، وهو ولدُها

حوز الحاء والواو والزاء أصلٌ واحد ، وهو الجمع والتجمّع. يقال لكلّ مَجْمَع وناحيةٍ حَوْزٌ وحَوْزَة. وحَمَى فلانٌ الحَوْزَة ، أى المَجْمع والناحية. وجعلته المرأةُ مثلاً لما ينبغى أن تحمِيَه وتمنعَه ، فقالت :

__________________

(١) لسبيع بن الخطيم. وصدره كما فى اللسان :

واستعجلوا عن خفيف المضع فازدراء

(٢) التكملة من المحمل واللسان.

(٣) فى الأصل : «كان» تحريف ، وإنّما هى كار ، بمعنى زاد.


فَظَلْتُ أَحْشِى التُّرْبَ فى وجهه

عنِّى وأحمِى حَوْزةَ الغائِبِ (١)

ويقال تَحوّزَت الحيةُ ، إذا تلوّتْ. قال القُطامى :

تَحَيَّزُ مِنِّى خشيةً أن أَضِيفَها

كما انحازت الأفعى مخافةَ ضاربِ (٢)

وكلُّ مَن ضمَّ شيئاً إلى نفسه فقد حازَهُ خَوْزاً. ويقال لطبيعة الرجُل حَوْزٌ. والحُوزِىُ من الناس : الذى يَنْحازُ عنهم ويعتزلهم. ويروى بيت العجّاج :

* يحوزُهنّ ولَهُ حُوزىّ (٣) *

وهو الحِمار يجمع أُتُنَهُ ويسوقُها. والأحْوَزِىُ من الرجال مثل الأحوذىّ والقياس واحد.

حوس الحاء والواو والسين أصلٌ واحد : مخالطة الشىء ووطؤُه. يقال حُسْتُ الشىءَ حَوْساً. والتحوُّس ، كالتردّد فى الشىء ، وهو أنْ يُقِيم مع إرادة السفَر ، وذلك إذا عارضَه ما يشغُله. قال :

* سِرْ قَدْ أَنَى لك أيُّها المُتحوِّسُ (٤) *

ويقال الأحْوسُ الدائم الركْض (٥) ، والجرىء الذى لا يهوله شىء. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (حوز ، أيا).

(٢) يصف عجوزا استضاقها فجعلت تروغ عنه. ضفت الرجل : نزلت به ضيفا. والبيت فى الديوان ٥٢ واللسان (حوز ، ضيف). ورواية الديوان :

فردت سلاما كارها ثم أعرضت

كما انهاشت الأفعى مخافة ضارب

 (٣) ديوان العجاج ٧١ واللسان (حوز). وقد سبق فى مادة (حوذ).

(٤) صدر بيت للمتلمس (حوس). وعجزه.

فالدار قد كانت لعهدك تدرس

(٥) فى الأصل : «الدائم الركض والجرى الركض». والكلمتان الأخيرتان مقحمتان.


* أحْوَسُ فى الظلماء بالرُّمْحِ الخَطِلْ (١) *

وهو حوّاس بالليل.

حوش الحاء والواو والشين كلمة واحدةٌ. الحُوش الوَحْش. يقال للوحشىِ حُوشِىٌ. وقال عمرُ فى زهيرٍ : «كان لا يعاظِل بين القوافى ، ولا يتبع حُوشىَ الكلام ، ولا يمدَحُ الرّجلَ إلا بما فيه». قال القتبىّ : الإبل الحُوشية منسوبةٌ إلى الحُوش ، وإنها فُحولٌ نَعَم الجِنِّ ، ضَرَبتْ فى بعض الإبل فنُسِبتْ إليها. قال رؤبة :

* جَرَّت رحانا مِن بلاد الحُوشِ (٢) *

وأظنُّ أنّ هذا من المقلوب ، مثل جَذَبَ وجَبَذَ. وأصل الكلمة إن صَحّت فمن التجمُّع والجَمع ، يقال حُشْتُ الصّيدَ وأَحَشْتُه ، إذا أخذْتَه من حَوَالِه (٣) وجمعتَه لتَصْرفه إلى الحِبالة. واحتَوَشَ القومُ فلاناً : جعَلُوه وَسْطهم. ويقال تَحَوَّشَ عنِّى القوم : تنحَّوا. وما ينحاشُ فلانٌ مِن شىء ، إذا لم يتجمَّعْ له ؛ لقلّة اكتراثِه به. قال :

وبَيْضاءَ لا تَنحاشُ مِنّا وأمُّها

إذا ما رأتْنَا زِيل مِنّا زَوِيلْها (٤)

ويقال إنّ الحُوَاشَةَ الأمْر يكون فيه الإِثمُ ؛ وهو من الباب ، لأن الإنسان يتجمَّع منه ويَنْحاش. وأنشد :

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (حوس).

(٢) ديوان رؤية ٧٨ والحيوان (١ : ١٥٥ / ٦ : ٢١٨) واللسان (حوش).

(٣) يقال من حواله وحواليه ، وحوله وحوليه.

(٤) لذى الرمة فى ديوانه ٤٥٤ واللسان (٨ : ١٨٠ / ١٣ : ٣٣٧ / ٢٠ : ١٦٥) والحيوان (٥ : ٥٧٤).


أردْتَ حُواشةً وجهِلْتَ حَقَّا

وآثَرْتَ الدُّعابَةَ غير راضِ (١)

ويقال الحواشَة الاستحياء ؛ وهو من الأصل ، لأن المستحيى يتجمَّع من الشىء. والحَوْشُ : أن يأكل الإنسانُ من جوانب الطعام حتى يَنْهَكه (٢). والحائِش : جماعة النَّخْل ، ولا واحدَ له.

حوص الحاء والواو والصاد كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على ضِيق الشىء. فالحَوْص الخِياطة ؛ حُصْت الثّوبَ حَوْصاً ، وذلك أن يُجمَع بين طرَفَىْ ما يُخاط. والحَوَصُ : ضِيقُ مُؤْخِر العينين فى غَوْرها ـ ورجلٌ أحوص ـ ويقال بل الأحوص الضيّق إحدى العَينَيْن.

حوض الحاء والواو والضاد كلمةٌ واحدةٌ ، وهو الهَزْم فى الأرض. فَالحَوض حَوْض الماء. واستَحْوَضَ الماءَ : اتَّخَذ لنفسه حَوْضا ـ والمُحَوَّض ، كالحوض يُجعل للنخلة تشربُ منه. ويقال فلانٌ يُحوِّض حَوَالىْ فُلانة ، إذا كان يهواها. ويقال للرّجل المهزوم الصَّدْرِ : حوض الحِمار ؛ وهو سَبٌّ.

حوط الحاء والواو والطاء كلمةٌ واحدة ، وهو الشىء يُطِيفُ بالشىء. فالحَوْط مِن حَاطَه حَوْطاً. والحِمار يَحُوط عانَتَه : يحمعُها. وحَوَّطت حائطاً ويقال إنَ الحُوَاطَةَ (٣) حَظِيرة تتَّخذ للطعام. والحَوْطُ : شىءٌ مستدير تعلّقُه (٤) المرأةُ على جَبِينها ، مِن فِضَّة.

__________________

(١) روايته فى اللسان (حوش) :

فديت خواشة وسهلت حقا

وآثرت العوائ قبر رأس

(٢) فى الأصل : «حتى ينكهه» ، صوابه من المجمل.

(٣) فى الأصل : «الحوطة» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) فى الأصل : «تعلقها».


حوق الحاء والواو والقاف أصلٌ واحد يقْرُب من الذى قبلَه. فالحُوق : ما استدارَ بالكَمَرة. والحَوْق : كَنْس البَيت. والمِحْوَقة : المِكْنَسة. والحُواقَة : الكُنَاسَة.

حوك الحاء والواو والكاف ، ضمُّ الشىء إلى الشىء. ومن ذلك حَوْك الثَّوبِ والشَعر.

حول الحاء والواو واللام أصلٌ واحد ، وهو تحرُّكٌ فى دَوْرٍ. فالحَوْل العام ، وذلك أنه يَحُول ، أى يدور. ويقال حالتِ الدّارُ وأحالَتْ وأحْوَلت : أتى عليها الحول. وأحْوَلْتُ أنا بالمكان وأحَلْتُ ، أى أقمتُ به حَوْلاً. يقال حال الرجل فى متنِ فرسه يَحُول حَوْلاً وحُوُّولاً ، إذا وثَبَ عليه ، وأحال أيضاً. وحال الشخصُ يَحُول ، إذا تحرَّك ، وكذلك كلُ متحوِّل عن حالة. ومنه قولهم استَحَلْتُ الشخصَ ، أى نظرتُ هَلْ يتحرَّك. والحِيلَة والحَويلُ والمُحاوَلَة مِنْ طريقٍ واحد ، وهو القياسُ الذى ذكرناه ؛ لأنه يدور حوالَىِ الشىء ليُدْرِكَه. قال الكميت :

وذاتِ اسْمَين والألوانُ شَتَّى

تُحَمَّق وهى بَيِّنَةُ الحَوِيلِ (١)

ذات اسمَين : رَحَمة ؛ لأنها رحمةٌ وأَنُوق. تحمَّق وهى ذاتُ حِيلةٍ ؛ لأنها تكون بأعالى الجبال ، وتَقْطَع فى أول القواطِع وترجعُ فى أوَّلِ الرَّواجع وتحبُّ ولدها وتَحضُن بيضَها ، ولا تمكِّن إلا زوجَها (٢). والحُوَلاء : ما يخرج من الولد ؛ وهو مُطيفٌ.

__________________

(١) فى الحيوان (٧ : ١٨) واللسان (حول): «كيسة الحويل».

(٢) انظر الحيوان (٧ : ١٩).


حوم الحاء والواو والميم* كلمةٌ واحدة تقرُب من الذى قبلها ، وهو الدَّوْر بالشىء يقال حام الطائرُ حَوْلَ الشىءِ يحوم. والحَوْمَةُ : مُعظَم القتال ، وذلك أنهم يُطِيف بَعضُهم بِبَعض. والحَوْم : القطيع الضَّخم من الإبل. والحَوْمانة : الأرض المستديرة ، ويقال يُطيفُ بها رمل.

باب الحاء والياء وما يثلثهما

حي الحاء والياء والحرف المعتل أصلان : أحدهما خِلاف المَوْت ، والآخر الاستحياء الذى [هو] ضِدُّ الوقاحة.

فأمّا الأوّل فالحياة والحَيَوان ، وهو ضِدُّ الموت والمَوَتَان. ويسمَّى المطرُ حياً لأنّ به حياةَ الأرض. ويقال ناقةٌ مُحْى ومُحْيِيَةٌ : لا يكادُ يموت لها ولد. وتقول : أتيتُ الأرضَ فأحييْتُها ، إذا وجَدْتَها حَيَّةَ النّباتِ غَضَّة.

والأصل الآخَر : قولهم استحييت منه استِحياءً. وقال أبو زيد : حَيِيتُ مِنه أحيا ، إذا استحيَيْتَ. فأمَّا حَياء النّاقة ، وهو فَرْجُها ، فيمكن أن يكون من هذا ، كأنَّه محمولٌ على أنَّه لو كان ممن يستحيى (١) لكان يستحيى من ظهوره وتكشفُّه.

حيث الحاء والياء والثاء ليست أصلا ؛ لأنَّها كلمةٌ موضوعة لكلِّ مكانٍ ، وهى مبهمة ، تقول اقعد حيثُ شئت ، وتكون مضمومة. وحكى الكسائى فيها الفتحَ أيضاً.

__________________

(١) فى الأصل : «يستحق».


حيد الحاء والياء والدال أصلٌ واحد ، وهو المَيْل والعُدول عن طريق الاستواء. يقال حادَ عن الشىء يَحِيدُ حَيْدَةً وحُيوداً. والحَيُودُ : الذى يَحِيد كثيراً ، ومثله الحَيَدى على فَعَلى. قال الهذلى (١) :

أو أصْحَمَ حامٍ جَرامِيزَهُ

حَزَابِيةٍ حَيَدى بالدِّحالِ

الحَيْد : النادر من الجَبَل ، والجمع حُيُودٌ وأحياد. والحُيُود : حيود قَرْن الظَّبى ، وهى العُقد فيه ، وكلُّ ذلك راجعٌ إلى أصل واحد.

حير الحاء والياء والراء أصلٌ واحد ، وهو التردُّد فى الشىء. من ذلك الحَيْرة ، وقد حار فى الأمر يَحِير ، وتحيَّر يتحير. والحَيْرُ والحائِر : الموضع يتحيّر فيه الماء. قال قيس(٢):

تَخْطُو على بَرْدِيّتين غذاهُما

غَدِق بساحَةِ حَائر يَعْبوبِ

ويقال لكلِّ ممتلىءٍ مستَحِيرٌ ، وهو قياسٌ صحيح ، لأنه إذا امتلأ تردّد بعضُه على بعض ، كالحائر الذى يتردّد فيه [الماء] إذا امتلأ. قال أبو ذؤيب :

* واستحارَ شَبابُها (٣) *

حيز الحاء والياء والزاء ليس أصلا ؛ لأن ياءه فى الحقيقة واوٌ. من ذلك الحيِّز الناحية. وانحاز القوم ، وقد ذكر فى بابه.

__________________

(١) هو أمية بن أبى عائذ الهذلى ، كما فى اللسان (صحم ، جرمز ، حزب ، حيد). وقصيدته فى شرح السكرى للهذليين ١٨٠ ومخطوطة الشنقيطى ٧٩.

(٢) يعنى قيس بن الخطيم. والبيت فى ديوانه ٦. وعجزه فى اللسان والتاج (عبب).

(٣) قطعة من بيت له فى ديوانه ٧١ واللسان (حير). وتمامه :

ثلاثة أعوام فلما تجرست

تقضى شبابي واستصار شبابها


حيس الحاء والياء والسين أصلٌ واحد ، وهو الخليط. قال أبو بكر : حسْتُ الحبْلَ إذا فتَلْتَه ، أَحِيسُه حَيْسا. وهذا أصلٌ لما ذكرناه ، لأنه إذا فتلَه تداخلَتْ قواه وتخالَطت. والحَيْس معروفٌ ، وهو من الباب ، لأنه أشياءِ تُخْلَط. قال أبو عُبيدٍ فيما رواه ، للذى أحدَقَتْ به الإماء من كل وجهٍ ، محيوس. قال : شُبّه بالحَيْس.

حيص الحاء والياء والصاد أصلٌ واحد ، وهو المَيْل فى جَوْرٍ وتلدُّد. يقال حَاصَ عن الحقِ يَحِيص حَيْصاً ، إذا جارَ. قال :

* وإنْ حاصَتْ عن المَوْتِ عامرُ (١) *

ويَرْوُون :

* بميزانِ صِدْقٍ ما يَحِيص شعيرةً (٢)

ومن الباب قولهم : وقَعُوا فى حَيْص بَيْص ، أى شدّة. قال الهُذلى :

قد كُنْتُ خَرّاجاً ولوجاً صَيْرفاً

لم تَلْتَحِصْنِى حَيْصَ بَيْصَ لَحَاصِ (٣)

حيض الحاء والياء والضاد كلمة واحدة. يقال حاضَتْ السَّمُرَةُ إذا خرج منها ماء أحمر. ولذلك سمّيت النَّفَساء حائضاً ، تشبيهاً لدمها بذلك الماء.

__________________

(١) لشطر فى المجمل (حبص).

(٢) صدر بيت لأبى طالب بن عبد المطلب. وقد أنشد هذا الصدر فى اللسان (حصص) : «ما يحس شعيرة». وفى السيرة ١٧٥ : «لا يخيس». وفى الروض الأنف (١ : ١٧٧) : «لا يحس». وتمامه فى الأخيرين :

له شاهد من؟ غير هائل

(٣) سبق إنشاد عجزه فى (بيص). والبيت لأمية بن أبى عائذ الهذلى. انظر ما مضى فى حواشى (بيص). وسيأتى فى (لحص).


حيط الحاء والياء والطاء ليس أصلا ، وذلك أن أصله فى الحِياطة والحِيطة والحائطِ كلَّه الواوُ. وقد ذُكر فى بابه.

حيف الحاء والياء والفاء أصل* واحد ، وهو المَيْل. يقال [حاف] عليه يَحِيفُ ، إذا مالَ. ومنه تحيفْتُ الشىءَ ، إذا أخذْتَه من جوانِبِه ، وهو قياسُ الباب لأنه مال عَنْ عُرْضِه إلى جوانبه.

حيق الحاء والياء والقاف كلمةٌ واحدة ، وهو نُزولُ الشىء بالشىء ، يقال حاق به السّوء يَحِيق. قال الله تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)

حيك الحاء والياء والكاف أصلٌ واحد ، وهو جِنسٌ من المَشْى. يقال حاك هو يَحِيك فى مَشْيه حَيَكاناً ، إذا حرّك مَنْكِبَيه وجسدَه. ومنه الحَيْك ، وهو أخْذُ القول فى القَلْب. يقال ما يَحِيك كلامُك فى فلانٍ. وإنما قلت إنه منه ، لأنَّ المشْىَ أخْذٌ فى الطريق الذى يُمشَى فيه.

ومن هذا الباب : ضرَبَه فما أحاك فيه السَّيف ، إِذا لم يأخُذْ فيه.

حين الحاء والياء والنون أصلٌ واحد ، ثم يحمل عليه ، والأصل الزمان. فالحِينُ الزَّمان قليلَه وكثيرُه. ويقال عامَلْتُ فلاناً [مُحايَنَةً (١)] ، من الحِين. وأحيَنْتُ بالمكان (٢) : أقمتُ به حيناً. وحاز حِينُ كذا ، أى قرُب. قال :

وإنَّ؟؟؟ عن جميلٍ لَساعة

من الدّهر ما حانت ولا حان حِينُها (٣)

__________________

(١) التكملة من المحمل.

(٢) فى الأصل : «وأحنت المكان» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) البيت لبثينة صاحبة جميل. اللسان (حين). قال ابن برى : «لم يحفظ لبثينة غير هذا البيت».


ويقال حَيَّنتُ الشاة ، إذا حَلَبْتَها مرة بعد مرة. ويقال حَيَّنْتُها جعلت لها حيناً. والتأفين : أن لا تجعل لها وقتاً تحلبُها فيه. قال المُخَبّل :

إذا أُفِنَتْ أُرْوَى عِيالَكَ أَفْنُها

وإن حُيِّنَت أربَى على الوَطْبِ حِينُها (١)

وقال الفراء : الحِين حِينانِ ، حينٌ لا يُوقَف على حدِّه ، وهو الأكثر ، وحينٌ ذكره الله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَ حِينٍ). وهذا محدودٌ لأنه ستّة أشهر.

وأما المحمول على هذا فقولهم للهلاك حَيْن ، وهو من القياس ، لأنه إذا أَتَى فلا بد له من حينٍ ، فكأنه مسمَّى باسم المصدر.

باب الحاء والألف وما يثلثهما فى الثلاثى

اعلم أنّ الألِف فى هذا الباب لا يخلو أن يكون من واوٍ أو ياء. والكلمات التى تتفرع فى هذا الباب فهى مكتوبةٌ فى أبوابها ، وأكثرها فى الواو ، فلذلك تركنا ذِكرَها فى هذا الموضع. والله تعالى أعلم.

باب الحاء والباء وما يثلثهما

حبج الحاء والباء والجيم ليس عندى أصلا يعوّل عليه ولا يُفَرّع منه ، وما أدرى ما صحّة قولهم : حَبَجَ العَلَمُ بَدَا ، وحَبَجَت النارُ : بدَتْ بَغْتَةً. وحَبِجَت الإبل ، إذا أكلت العَرفَج فاشتكت بطونَها ، كلُّ ذلك قريبٌ فى الضَّعف بعضُه مِن بعض. وأما حَبَجَ بها ، فالجيم مبدلةٌ من قاف.

__________________

(١) البيت فى اللسان (١٦ : ١٥٨ ، ٢٩٢) ، وقد سبق بدون نسبة فى (أفن).


حبر الحاء والباء والراء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد ، وهو الأثَرُ فى حُسْنِ وبَهاء فالحَبَار : الأثَر. قال الشاعر (١) يصف فرساً :

ولم يقلِّبْ أرضَها البَيْطارُ

ولا لِحَبْليه بها حَبَارُ

ثم يتشعَّب هذا فيُقال للذى يُكتَب به حِبرٌ ، وللذى يَكتُب بالحبر حِبرٌ وحَبرٌ ، وهو العالِم ، وجمعه أحبار. والحِبْرُ : الجمال والبهاء. ويقال ذو حَبْرٍ وسَبْرٍ. وفى الحديث : «يخرج من النار رجلٌ قد ذَهب حَبْرُه وسَبْرُه». وقال ابن أحمر :

لبِسْنا حِبْرَه حتى اقتُضِينا

لأعمال وآجالٍ قُضِينا (٢)

والمُحَبَّر : الشىء المزَيَّن. وكان يقال لطُفيلٍ الغنوىِ محبِّر ؛ لأنه كان يحبّر الشعر ويزيِّنه.

وقد يجىء فى غير الحُسْنِ أيضاً قياساً. فيقولون حَبِر الرجلُ ، إذا كان بجلده قروحٌ فبرِئتْ وبقيت لها آثار. والحِبْر (٣) : صُفرة تعلُو الأسنان. وثوبٌ حَبِيرٌ من الباب الأول : جديدٌ حَسَن. والحَبْرَةُ : الفرح. قال الله تعالى : (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) ويقال قِدْحٌ مُحبَّر، أجيد بَرْيُه. وأرضٌ محبارٌ : سريعة النبات. والحَبِير من السحاب : الكثير الماء.

ومما شذَّ عن الباب قولهم : ما فيه حَبَرْ بَرٌ ، أى شىء. والحُبَارَى : طائر ويقولون :«مات فلانٌ كَمَدَ الحُبارَى» وذلك أنها تُلِقى ريشَها مع إلقاء سائر* الطيرِ ريشَه ، ويُبطىء نباتُ ريشها فإذا طار الطير ولم تَقْدِر هى على الطَّيران ماتت كَمَداً. قال :

__________________

(١) الأولى أن يقول «الراحز» ، وهو حميد الأرقط ، كما فى اللسان (حبر). وانظر ما سيأتى فى «قلب».

(٢) البيت فى المجمل واللسان (حبر).

(٣) يقال بالفتح والكسر وبكسرتين.


وزَيدٌ ميِّتٌ كَمَد الحُبارَى

إذا ظعنت هُنَيْدةُ أو مُلِمُ (١)

أى مقاربٌ. وقال الراعى فى الحُبارى :

حلفتُ لهم لا يحسبون شَتِيمَتِى

بعَيْنَىْ حُبارَى فى حِبالةِ مُعْزِبِ (٢)

رأتْ رجلاً يسعى إليها فحملقَتْ

إليه بمَأْقِى عينِها المتقلِّبِ

تنوشُ برجليها وقد بَلّ ريشَها

رَشاشٌ كغِسْلِ الوفرة (٣) ..

المُعْزِب (٤) : الصائد ؛ لأنه لا يأوى إلى أهله. وحَمْلَقتْ : قَلَبت حملاقَ عينِها. والمعنى أنّ شتمكم إيّاى لا يذهب باطلاً ، فأكون بمنزلةِ الحبارى التى لا حيلة عندها إذا وقعت فى الحِبالة إلا تقليبُ عينها. وهى من أذَلّ الطير. وتنوشُ برجليها : تضربْ بهما. والغِسْل : الخِطمى. يريد سلحَتْ على ريشها. ومثله قول الكُميت :

وَعِيدَ الحُبارَى من بعيدٍ تنفَّشت

لأزرقَ مَعْلولِ الأظافير بالخَضْبِ (٥)

حبس الحاء والباء والسين. يقال حَبَسْتُه حَبْساً. والحَبْس : ما وُقِف. يقال أحْبَسْتُ فرساً فى سبيل الله (٦). والحِبْسُ : مَصنعةٌ للماء ، والجمع أحباس.

__________________

(١) لأبى الأسود الدئلى كما فى الحيوان (٥ : ٤٤٥). وانظر الأغانى (١١ : ١١٧) واللسان (٥ : ٢٣٢).

(٢) فى الأصل : «المعرب» ، والسياق يقتضى ما أثبت.

(٣) كما ورد البيت منقوصا.

(٤) فى الأصل : «العرب» ، تحريف.

(٥) البيت فى الحيوان (٥ : ٤٥٢).

(٦) يقال حبسه وأحبسه وحبسه بالتشديد ، اللسان والقاموس.


حبش الحاء والباء والشين كلمةٌ واحدة تدلُّ على التجمُّع. فالأحابيشُ : جماعات يتجمَّعون من قبائلَ شتَّى. قال ابن رَوَاحةَ :

وجئنا إلى موجٍ من البحر زاخرٍ

أحابِيشَ منهم حاسرٌ ومُقَنَّعُ (١)

حبص الحاء والباء والصاد ليس أصلاً. ويزعمون أنّ فيه كلمةً واحدة.

ذكر ابن دريد (٢) : حَبَصَ الفَرَسُ ، إذا عدا عدْواً شديدا.

حبض الحاء والباء والضاد أصلان : أحدهما التحرّك ، والآخَرَ النقص.

فالحَبَضُ : التحرُّك ، ومنه الحابض ، وهو السَّهم الذى يقع بين يدى رامِيهِ ، وذلك نقصانه على الغرض (٣). ويقال حَبَضَ ماءُ الرّكِيَّة : نَقَص.

ويقال من الثانى : أحْبَض فلانٌ بِحقّى إحباضاً ، أى أبطله. وأمَّا المحابض ، وهى المَشاوِر : عيدانٌ تُشْتار بها العَسَل (٤) ، فممكن أن يكون من الأول. قال ابن مُقبِل :

كأنَّ أصواتَها من حيثُ تسمعُها

صَوْتُ المحابض ينزِ عن المَحارينا (٥)

حبط الحاء والباء والطاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بطلانٍ أو أَلَمٍ. يقال : أحبط اللهُ عملَ الكافر ، أى أبطله.

__________________

(١) البيت فى المجمل (حبش).

(٢) الجمهرة (١ : ٢٢٣).

(٣) كذا. ولها وجه.

(٤) فى اللسان : «والعرب تذكر العسل وتؤثه. وتذكيره لغة معروفة والتأنيث أكثر».

(٥) البيت فى اللسان (حبض ، حرن) ، وسبق عجزه فى (حرن).


وأمّا الألَم فالحَبَط : أن تأكل الدَّابةٌ حَتَّى تُنْفَخ لذلك بطنُها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ مما يُنبِت الرَّبيعُ ما يقتُل حَبَطاً أو يُلِمّ».

وسُمِّى الحارثُ الحَبِطَ (١) لأنّه كان فى سفرٍ ؛ فأصابه مثلُ هذا. وهم هؤلاء الذين يُسَمَّوْن الحَبِطَاتِ من تميم.

ومما يقرب من هذا الباب حَبِطَ الجِلدُ ، إذا كانت به جراحٌ فَبَرَأت وبقيتْ بها آثارٌ.

حبق الحاء والباء والقاف ليس عندى بأصلٍ يُؤخَذُ به ولا معنَى له. لكنهم يقولون حبَّق متاعَه ، إذا جمعه. ولا أدرى كيف صحَّتُه.

حبك الحاء والباء والكاف أصل منقاسٌ مطّرِد ؛ وهو إحكام الشَّىء فى امتدادٍ واطّراد يقال بعيرٌ مَحْبُوكُ القَرَى ، أى قويُّه. ومن الاحتباك الاحتباء ، وهو شد الإزار ؛ وهو قياس الباب.

وحُبُك السماء فى قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) فقال قومٌ : ذاتِ الخَلْق الحَسن المُحْكَم. وقال آخرون : الحُبك الطرائق ، الواحدة حَبِيكة. ويراد بالطّرائِق طرائِق النُّجوم.

ويقال كساء مُحَبَّكٌ ، أى مخطَّط.

حبل الحاء والباء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على امتداد الشىء. ثمّ يحمل عليه ، ومَرْجِع الفروع مرجعٌ واحد. فالحبل الرَّسَن ، معروف ، والجمع حِبال. والحبل : حبل العاتق. والحَبل : القطعة من الرّمل يستطيل.

__________________

(١) هو الحارث بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. انظر اللسان (٩ : ١٤١) حيث تجد مع هذا قولا آخر فى الحبطات.


والمحمول عليه الحَبْل ، وهو العهد. قال الأعشى :

وإذا تُجَوِّزها حبالُ قبيلةٍ

* أخذت من الأخرى إليك حبالَها (١)

ويريد الأمانَ وعُهودَ الخُفَارة. يريد أنّه يُخفَر من قبيلةٍ حتّى يصل إِلى قبيلةٍ أخرى ، فتخفر هذه حتّى تبلغ. والحِبالة : حِبالة الصائد. ويقال احتَبَلَ الصّيدَ ، إذا صادَهُ بالحبالة. قال الكميت :

ولا تجعلونى فى رجائِىَ وُدَّكُمْ

كَراجٍ على بيض الأنوق احتبالَها (٢)

لا تجعلونى كَمنْ رجا مَن لا يكون ؛ لأنّ الرخَمَة لا يُوصَل إليها ، فمَنْ رجا أن يَصِيدَها على بيضها فقد رجا ما لا يكون.

وأمّا قول لبيد :

ولقد أغْدُو وما يُعْدِمُنى

صاحبٌ غَيْرُ طويلِ المحْتَبَلْ (٣)

فإنّه يريد بمحتَبَلِهِ أرساغَه ، لأنّ الحبلَ يكون فيها إذا شُكِلَ.

ويقال للواقف مكانَه لا يفرّ. «حَبِيلُ بَرَاحٍ» ، كأنّه محبولٌ ، أى قد شُدّ بالحِبال. وزعم ناسٌ أنّ الأسدَ يقال له حَبِيلُ بَرَاحٍ.

ومن المشتق من هذا الأصلِ الحِبْل ، بكسر الحاء ، وهى الداهية. قال :

فلا تَعْجَلِى يا عَزَّ أنْ تتفهَّمِى

بنُصْحٍ أتَى الواشونَ أم بِحُبولِ (٤)

ووجْهُهُ عندى أنّ الإنسان إذا دُهِى فكأنّه قد حُبِل ، أى وقع فى الحِبالة كالصَّيد الذى يُحبَل. وليس هذا ببعيدٍ.

__________________

(١) ديوان الأعشى ٢٤ والمجمل واللسان (جعل).

(٢) فى الأصل : «ولا تحبكونى» ، صوابه فى الحيون (٧ : ٢٠) ونهاية الأرب (١٠ : ٢٠٨).

(٣) ديوان لبيد ١٤ طع ١٨٨١ واللسان (حبل). وأعدمنى الشىء : لم أجده.

(٤) البيت لكثير ، كما فى المجمل واللسان (حبل).


ومن الباب الحَبَل ، وهو الحَمْلء وذلك أن الأيَّام تَمْتَدُّ به. وأمّا الكَرْم فيقال له حَبْلة وحَبَلَة ، وهو من الباب ، لأنه فى نباتِهِ كالأرشية. وأما الحُبْلَة فثمر العِضاه. وقال سعد بن أبى وقّاص : «كنا نَغزُو مع النبىِّ صلى الله عليه وآله وسلم وما لنا طعامٌ إلّا الحُبْلَة وورق السَّمرُ». وفيما أحسب أنّ الحُبْلَة ، وهى حَلْى يُجعَل فى القلائد ، من هذا ، ولعلَّه مشبَّه بثمرِهِ. قال :

ويَزِينها فى النَّحر حَلْىٌ واضِحٌ

وقلائدٌ من حُبْلَةٍ وسُلوسِ (١)

حبن الحاء والباء والنون أصلٌ واحدٌ ، فيه كلمتان محمولةٌ إحداهما على الأخرى. فالحِبْن كالدُّمَّل فى الجَسد ، ويقال بل الرّجُل الأحْبَن الذى به السِّقَىْ (٢). والكلمة الأُخْرى أمُ حُبَيْن ، وهى دابّة قدرُ كفِّ الإنسان.

حبو الحاء والباء والحرف المعتل أصلٌ واحد ، وهو القُرْب والدنُوّ ؛ وكل دانٍ حابٍ ، وبه سُمِّى حَبِىُ السَّحاب ، لدنُوِّه من الأفق. ومن الباب حبَوْتُ الرّجلَ ، إذا أعطيتَه حُبْوة وحِبْوة ، والاسمِ الحِباء. وهذا لا يكون إِلّا للتألُّف والتقريب. ومنه احتَىَ الرّجُل ، إِذا جَمَع ظَهْرَه وساقَيه بثوبٍ ، وهى الحِبوة والحُبْوة أيضاً ، لغتانِ. والحابى : السهم الذى يزحَفُ إلى الهَدَف. والعرب تقول : حبَوْت للخَمْسِينَ ، إذا دنوتَ لها وذكر الأصمعىُّ كلمةً لعلها تبعد فى الظاهر من هذا الأصل قليلاً ، وليست فى التحقيق بعيدة قال : فلان يَحْبُو ما حَوْلَه ، أى يحميه ويَمنعُه. قال ابنُ أحمر :

__________________

(١) البيت لعبد الله بن سليم الغامدى ، كما فى اللسان (سلس ، حبل) ، وانظر المفصليات (١ : ١١٤). وفى الأصل : «ويزينه» ، صوابه من المجمل واللسان. وعجزه فى (سلس).

(٢) السقى ، بالفتح والكسر : ماء أصفر يقع فى البطن.


وراحَتِ الشَّوْلُ ولم يَحْسبُها

فَحْلٌ ولم يَعْتَسَّ فيها مُدِرّ (١)

ويقال ، وهو القياس المطَّرِد ، إنّ الحِبَى مقصور مكسور الحاء : خاصّةُ المَلِك ، وجمعه أحْبَاء. وقال بعضهم : بل الواحد حَبَأٌ مهموز مقصور. وسمى بذلك لقُربه ودُنُوِّه. فلم يُخْلِفْ من الباب شىء. والله أعلم.

باب الحاء والتاء وما يثلثهما (٢)

حتر الحاء والتاء والراء أصلانِ : أحدهما إطافةُ الشىء بالشىء واستدارةٌ مِنه حَوْلَه ، والثانى تقليلُ شىءِ وتزهيدُه.

فالأوّل الحَتَارُ : ما استدار بالعَين من باطن الجَفْن ، وجمعه حُتُرٌ. وحَتَار الظُّفْر : ما أحاط به. ومن الباب الحَتَار ، وهو هُدْب الشِّقّة وكِفَّتها ، والجمع حُتُر. قال أبو زيدٍ الكلابىُّ : الحُتُر ما يُوصَل بأسفل الخِباء إذا ارتفع عن الأرض وقَلَصَ ليكونَ سِتْرا. ويقال حَتَرْتُ البيتَ. وقال بعض أهل اللغة : الحتر تحديق العين عند النظر إلى الشّىء (٣). وقال حَتِرَ يحتِر حَتْراً ؛ وهو قياس الباب. ومن الباب أحْتَرْتُ العُقْدةَ ، إذا أحكمتَ عقْدَها* وهو من الأوّل ؛ لأنّ العَقْد لا يكون إلّا وقد دار شىءٌ على شىءٍ.

والأصل الثانى : أحترتُ القَومَ ولِلقومِ ، إذا فَوَّتَّ عليهم طعامَهم. قال الشنفرى :

__________________

(١) لم يمتس فيها مدر : أى لم يطف فيها حالب يحلها. وفى الأصل : «ولم يغلس» ، صوابه فى المجمل واللسان (حبا).

(٢) وردت مواد هذا الباب غير منسوفة على النسق الذى جرى عليه.

(٣) لم يرد هذا المعنى فى المعاجم المتداولة ، إلا فى الجمهرة (٢ : ٣). وذكر فى فعله يحتر ويحتر بكسر التاء وضمها.


وأُمَّ عِيالٍ قد شهدْتُ تقُوتَهم

إذا أطعَمَتْهم أحْتَرَتْ وأقلّتِ (١)

ويقال الحُتْرَة الوَكِيرة (٢) يقال حَتِّرْ لنا. وليس ببعيد ؛ لأنَّ الوَكيرة أقلُّ الولائم والدّعوات. ويقولون : إنّ الحَتْرَة رضْعَة (٣). ويقولون : ما حَتَرْتُ اليومَ شيئاً أى ما ذُقْت قال الشاعر :

أنتمُ السّادة الغُيوث إذا البا

زِلُ لم يُمْسِ سَقْبُها محتُورا (٤)

يقول : لم يكن لها لبنٌ كثير ، ولا لها لبنٌ قليل ترضعُه سَقْبَها.

حتا الحاء والتاء والهمزة كلمةٌ واحدة ليست أصلاً ، وأظنُّها من باب الإبدال وأنها مبدلة من كافٍ. يقولون أَحْتَأْتُ الثَّوبَ إحتاءً ، إذا فَتَلْتَه (٥). ظنا أنه من الإبدال (٦) فمن أحكَأْت العُقدة. وقد مضى تفسير ذلك. ويقول ...

حتم الحاء والتاء والميم ، ليس عندى أصلاً ، وأكثر ظنِّى أنه أيضاً من باب إبدال التاء من الكاف ، إلّا أنّ الذى فيه من إحكام الشىء. يقال : حتم عليه ، وأصله على ما ذكرناه حَكَم ، وقد مضى تفسيره.

والحاتم : الذى يقضى الشَّىء. فأمّا تسميتُهم الغُرَابَ حاتِماً فمن هذا ، لأنّهم يزعمون أنه يَحتِم بالفراق. وهو كالحُكْم منه. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (حتر) ، وذكره بدون نسبة فى المجمل. وقصيدة الشنقرى فى المفضليات (١ : ١٠٦ ـ ١١٠).

(٢) هى طعام يصنع عند بناء البيت.

(٣) فى اللسان : «الرضعة الواحدة». وفى المجمل : ويقال إن الحترة رضعة كافية».

(٤) البيت فى المجمل (حتر).

(٥) فى المجمل : «إذا فتلته فتل الأكسية».

(٦) كذا وردت هذه العبارة.


ولقد غَدَوْتُ وكنتُ لا

أغْدُو على وَاقٍ وحاتِمْ (١)

وفى الباب كلمةٌ أخرى ويقرب أيضاً من باب الإبدال. ويقولون الحُتَامة : حابقى من الطَّعام على المائدة ـ وهذا عندى من باب الطاء ـ لأنّه شىء يتحَتَّم (٢) أى يتفتَّت ويتكسَّر. وقد مرَّ تفسيرُه.

حتد الحاء والتاء والدال أصلٌ واحد ، وهو استِقرار الشَّىءِ وثباتُهُ. فالحَتْد : المُقَام بالمَكَان. حَتَد يَحْتِد. ومنه المَحْتِدُ ، وهو الأصل ؛ يقال : هو فى مَحتِدِ صِدق. والحُتُد : العين لا ينقطع ماؤُها ، وهو قياس الباب.

حتن الحاء والتاء والنون أصل واحد يدلُّ على تساوى الأشياء. فالحَتِن : القِرْن ؛ يقال هما حِتَنْان أى سِيَّان. وتَحَاتَنُوا ، إذا تساوَوْا. ويقال وقعت النَّبْلُ فى الهدَف حَتْنَى. على فَعْلَى ، إذا تقاربَتْ مواقِعُها. وكل شىء لا يخالف بعضُه بعضاً فهو محتَتِنٌ.

حتف الحاء والتاء والفاء كلمةٌ واحدة لا يُقاس عليها ؛ وذلك أنّه لا يُبنى منها فِعل ، وهو الحَتْف ، وجمعه حُتوف ، وهو الهلاك.

حتل الحاء والتاء واللام ليس هو عندى أصلاً ، وما أحُقُّ أيضاً ما حكَوْه فيه ، وهو يدلُّ على القِلَّة والصِّغر. يقولون : الحَوْتَل الغلام حين يُرَاهِق (٣). ويقولون : لفِراخ القطا حَوْتَل. وهذا عندى تصحيفٌ ، إنما هو حَوْتك بالكاف ، وقد ذُكِر. ويقال حَتَلَ له : أعطاه. وليس بشىء

__________________

(١) البيت للمرقش. وانظر تحقيق نسبته فى حواشى الحيوان (٣ : ٤٣٦) واللسان (حتم).

(٢) فى الأصل : «عظيم» ، والوجه ما أثبت. انظر اللسان (حتم ٤).

(٣) لم يذكر فى اللسان. وذكر فى القاموس.


حتك الحاء والتاء والكاف يدلُّ على مقاربةٍ وصِغَر. فالحَتْك : أن يقارب الخَطْو ويُسرِع رَفْع الرِّجل ووضْعَها. وهو صحيح من الكلام معروفٌ. ويُبْنَى منه الحَتَكان ، وهو غير الحَيَكان. والحواتِك : صغار النّعام. والحوتك : القصير.

حتو الحاء والتاء والحرف المعتل بعده أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على شدَّةٍ. فالحَتْو : العَدْوُ الشديد ، يقال حتا يحتو حَتْواً. والحَتْو : كَفُّكَ هُدْبَ الكِساء ، تقول حَتَوْتُه. فأمّا الحَتِىُ فيقال : إنّه سَويق المُقْلِ ، وهو شاذ. وقد يجوز أن يُقْتَاسَ (١) له بابٌ فيه بعض الخُشونة. قال الهذلى (٢) :

لا دَرَّ درِّىَ إنْ أطعمْتُ نازلَكُم

قِرْفَ الحَتِىِ وعندى البرُّ مكنُوزُ

باب الحاء والثاء وما يثلثهما

حثر الحاء والثاء والراء أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على تَحَبُّبٍ فى الشىءِ وغِلَظ. ويقال حَثِرَتْ عَيْنُ الرجل حَثَراً ، إذا غَلُظَتْ أَجفانُها مِن بكاء (٣) أو رَمد. وحَثِرَ العَسل ، إذا تحبَّبَ. والحَوْثَرَة : بعضُ أعضاءِ* الرَّجُل (٤). وليس من قياس الباب. والحواثر : قومٌ من عبد القيس. وحُثارة التِّبْنِ : حُطامه.

حثوى الحاء والثاء والحرف المعتل يدل على ذَرْو الشَّىءِ

__________________

(١) فى الأصل : «يقتلس».

(٢) البيت للمتخل الهذلى ، كما فى القسم الثانى من أشعار الهذليين ٨٧ ونسخة الشنقيطى من الهذليين ٤٦. وانظر باقى الكلام على نسبته فى حواشى الحيوان (٥ : ٢٨٥).

(٣) فى الأصل : «من كل بكاء».

(٤) هى الحشفة ، رأس الذكر.


الخَفيف السبيح (١). من ذلك الحَثَا ، وهو دُقاق التِّبْن. قال :

وأغبَرَ مَسْحولِ التُّرابِ تَرَى له

حَثاً طردَتْه الرِّيح من كل مَطْرَد

وقال الراجز :

* كأنّه غِرارَةٌ مَلْأَى حَثَا (٢) *

ويقال حَثَا التُّرابَ يَحْثُوه. قال :

الحُصْنُ أدْنَى لو تريدِينَه

من حَثْوِكِ التُّربَ على الراكبِ (٣)

ويقال حَثَى يَحْثِي حَثْياً. وهو أفصح. قال :

* أحْثِي على دَيْسَمَ مِن جَعْدِ الثّرى (٤) *

ويقال أرضٌ حَثْواء : كثيرة التُّراب.

حثل الحاء والثاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على سُوء وحَقَارة. فحُثلة البُرِّ : ردِيُّه. وحُثالة الدُّهن وما أشبهه : ثُفْلُهُ. والمُحْثَل : السيِّىء الغِذاء.

قال متمم :

وأرْمَلةٍ تمشِى بأشْعَثَ مُحْثَلٍ

كفَرخ الحُبارَى رأسُه قد تَصَوَّعا (٥)

شبَّهه بفرخ الحُبارَى لأنّه قبيحُ المنظر منَتَّفُ الرِّيش.

حثم الحاء والثاء والميم يدلُّ على شدّةٍ. فالحَثْمَة : الأكَمَة ، وبها

__________________

(١) كذا ورد فى الأصل.

(٢) البيت من أبيات أربعة فى اللسان (حثا) بدون نسبة. ونسب فى ديوان الشماخ ١٠٧ إلى الجليج ابن شميذ.

(٣) المعروف فى روايته ، كما فى المحمل واللسان (حثا ، حصن): «لو تآييته». نآييته : قصدته.

(٤) أشده فى المحمل. وكذا أنشده ابن دريد فى الجمهرة (٢ : ٢٦٥) ، وقال عنها فى اللسان محرماً. وديسم : اسم من الأسماء ، ترك صرفه للشعر.

(٥) البيت فى اللسان (حثل) والمفضليات (٢ : ٦٦).


سمِّيت المرأة «حَثْمة». وقال بعضُ أهل اللُّغة : حثَمتُ الشَّيءَ حثْماً : دلكتُه (١)

باب الحاء والجيم وما يثلثهما

حجر الحاء والجيم والراء أصلٌ واحد مطَّرد ، وهو المنْع والإحاطة على الشىء. فالحَجْر حَجْر الإِنسان ، وقد تكسر حاؤه. ويقال حَجَر الحاكمُ على السَّفيه حَجْراً ؛ وذلك منْعُه إيَّاه من التصرُّف فى ماله. والعَقْل يسمَّى حِجْراً لأنّه يمنع من إتيانِ ما لا ينبغى ، كما سُمِّى عَقْلاً تشبيها بالعِقال. قال الله تعالى : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ). وحَجْرٌ : قصبَة اليمامة.

والحَجَر معروف ، وأحِسَب أنَّ البابَ كلَّه محمولٌ عليه ومأخوذ منه ، لشدَّته وصلابته. وقياسُ الجمْع فى أدنى العدد أحجار ، والحجارة أيضاً له قياس ، كما يقال : جمل وجِمالة ، وهو قليل. والحِجْر : الفرس الأنثى ؛ وهى تصانُ ويُضَنُّ بها. والحَاجِرُ : ما يُمْسك الماءَ من مكانٍ منْهَبِط ، وجمعه حُجْرانٌ (٢). وحَجْرة القوم : ناحية دارهم وهى حِماهُم. والحُجْرة من الأبنية معروفة. وحَجَّر القَمَرُ ، إذا صارت حولَه دارةٌ.

ومما يشتقُّ من هذا قولهم : حَجَّرْتُ عينَ البعير ، إذا وسمْتَ حولَها بمِيسمٍ مستدير. ومَحْجِر العَين : ما يدور بها ، وهو الذى يظهر من النِّقاب. والحِجْر : حطِيم

__________________

(١) قاله ابن دريد فى الجمهرة (٢ : ٣٥) ، وقال : «وليس يثبت».

(٢) فى الأصل : «حجرات».


مَكَّة ، هو المُدَار بالبيت. والحِجْر : القرابة. والقياس فيها قياس الباب ؛ لأنها ذِمامٌ وذِمارٌ يُحمَى ويُحفَظ. قال :

يُرِيدُونَ أن يُقْصُوهُ عَنِّى وإنّه

لَذُو حَسَبٍ دانٍ إلىّ وذو حِجْرِ (١)

والحِجْر : الحرام. وكان الرجل يَلقَى الرجلَ يخافُه فى الأشهرُ الحُرُم ، فيقول : حِجْراً ؛ أى حراما ؛ ومعناه حرامٌ عليك أن تنالَنى بمكروه ، فإذا كان يومُ القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب فيقولون : حِجْراً مَحْجُوراً فظنُّوا أنّ ذلك ينفعهم فى الآخرة كما كان ينفعُهم فى الدُّنيا. ومن ذلك قول القائل :

حَتى دَعَوْنا بأرحامٍ لهم سَلَفَتْ

وقال قائلُهم إنِّى بحاجُورِ (٢)

والمحاجر : الحدائق : واحدها مَحْجِر. قال لبيد :

* تُرْوِى المَحَاجِرَ بازلٌ عُلْكومٌ (٣) *

حجز الحاء والجيم والزاء أصلٌ واحدٌ مطَّرد القياس ، وهو الحَوْلُ بين الشيئين. وذلك قولهم : حَجَزْتُ بين الرجلين وذلك أن يُمنَع كلُّ واحدٍ منهما مِن صاحبه. والعرب تقول «حَجَازَيْك» على وزن حَنانَيْك ، أى احْجُزْ بينَ القوم وإنما سمِّيت الحجازُ حجازاً لأنها حَجَزَت بين نجدٍ والسَّراة وحُجْزَة الإزار : مَعْقِده. وحُجْزة السراويل : موضع التِّكَّة وهذا على التَّشبيه والتمثيل ، كأنه حجز بين الأعلى والأسفل. ويقال : «كانت بينَ القوم رِمِّيَّا ثم صارت إلى

__________________

(١) البيت لذى الرمة فى ديوانه ٢٦٠ واللسان والمحمل (حجر). لكن رواية الديوان : فأخبت شوق من رفيقي وفى الديوان واللسان : «لذو نسب».

(٢) البيت فى المجمل واللسان (حجر).

(٣) سيعيده فى ص ٣٦٢. وصدره كما فى ديوانه ٩٤ واللسان (حجر) :

بكرت به جرشية مقطورة

وفى الأصل : «بلوى المحاجر» ، صوابه فى المجمل واللسان والديوان.


حِجِّيزَى» ، أى ترامَوْا ثم تحاجَزُوا. فأما قول القائل :

رِقاقُ النِّعال طيِّبٌ حُجُزَاتُهُمْ

يُحَيَّوْنَ بالرّيحانِ يومَ السباسبِ (١)

وهى جمع حُجْزة ، كنايةٌ عن الفُروج ، أى إنهم أَعِفّاء

حجف الحاء والجيم والفاء كلمةٌ واحدة لا قياس ، وهى الحَجَفَة ، وهى الترس الصَّغير يُطارَق بين جِلْدين وتُجعَل منهما حَجَفة. والجَمْع حَجَفٌ. قال :

أيمنَعُنا القومُ ماءَ الفرات

وفينا السُّيوفُ وفينا الحَجَفْ (٢)

حجل الحاء والجيم واللام ليس يتقارَبُ الكلامُ فيه إلا من جهةٍ واحدة فيها ضعف ، يقال على طريقة الاحتمال والإمكان إنه شىء يطيف بشىء. فالحِجْل الخلْخال ، وهو مُطِيفٌ بالسّاق والحَجَلة : حَجَلة العَرُوس. ومرّ فلانٌ يَحْجُلُ فى مِشْيته ، أى يَتبختر. وهو قياسُ ما ذكرناه ، كأنه يدُور على نفْسه. وتحجيل الفَرَس : بياضٌ يُطيف بأرساغه. والحَوْجَلة : القارورة. قال الراجز (٣) :

كأنَّ عينَيْهِ من الغُؤُورِ

قَلْتَانِ فى صَفْحِ صَفاً منْقُورِ

أذك أم حَوْجَلَتَا قَارُورِ

وقال علقمة :

* كأَنَّ أعيُنَها فيها الحواجيلُ (٤) *

__________________

(١) للنابغة فى ديوانه ٩ واللسان (حجز ، سبسب). والسباسب : يوم عيد عند النصارى. وفى الأصل : «السائب» ، تحريف.

(٢) البيت من أبيات رواها نصر بن مزاحم فى وقعة صفين ١٨٤.

(٣) هو العجاج. ديوانه ٢٧ واللسان (حجل).

(٤) لم يرد فى ديوان علقمة. وأنشده فى اللسان (حجل) بدون نسبة.


ومما شذّ عن الباب الحَجَلْ ، هذا الطائر. ومن الباب قول الأصمعىّ : حجَّلت العينُ: غارت.

حجم الحاء والجيم والميم أصلٌ واحد ، وهو ضربٌ من المنْع والصَّدْف (١). يقال أحجَمْتُ عن الشىء ، إذا نكَصْتَ عنه. وحُجِمَ البعيرُ ، إذا شُدَّ فمُه بأدَمٍ ولِيف.

ومما شذَّ عن الباب الحَوْجَمَة : الوردة الحمراء ، والجمع حَوْجَم. والحَجْم : فِعل الحاجم.

حجن الحاء والجيمِ والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مَيَل. فالحَجَن اعوجاجُ الخشبةِ وغيرها. والمِحْجَن : خشبة أو عصاً معَقَّفة الرأس. واحتجَنْتُ بها الشىءَ : أخَذْتُه. ويقال للمخاليب المقفة حَجِنات. قال العجّاج :

* بحَجِناتٍ يتثَقَّبْن البُهَرْ (٢) *

وهى الأوساط. وأَحْجَنَ الثُّمام : خرجت خُوصَتُه ؛ ولعلَّها تكونُ حَجْناء. واحتجَنْتُ الشىءَ لنفسى ، وذلك إمالتك إيّاه إلى نَفْسك. ويقولون : احتجن عليه حَجْنة ، كما يقال حَجَرَ عليه.

ومن الباب قولهم غَزْوةٌ حَجُونٌ ، وذلك إذا أظهرْتَ غَيْرَها ثم مِلْتَ إليها (٣). ويقال غزاهم غَزْواً حَجُوناً.

حجا الحاء والجيم والحرف المعتل أصلان متقاربان ، أحدهما إطافةُ الشىء بالشىء وملازمتُه ، والآخر القصد والتعمَّد.

__________________

(١) يقال صدف عن الشئ يصدف صدفا وصدوفا.

(٢) ديوان العجاج ١٧.

(٣) فى اللسان : «الغزوة الحجون : التى تظهر غيرها ثم تحالف إلى غير ذلك الموضع وتقصد إليها».


فأما الأول فالحَجْوَةُ وهى الحَدَقة ، لأنها مِن أَحْدَقَ بالشىء. ويقال لنواحى البلاد وأطرافِها المحيطةِ بها أَحْجاءٌ قال ابنُ مُقْبِل :

لا يحْرِز المرءَ أَحْجاءُ البلادِ ولا

يُبنَى له فى السَّمواتِ السّلاليمُ (١)

ومحتملٌ أن يكون من هذا الباب الحَجَاة ، وهى النُّفَّاخة تكون على الماء من قَطْر المطر ، لأنها مستديرة.

والأصل الثانى قولهم : تحجَّيت الشىءَ ، إِذا تحرَّيْتَه وتعمّدتَه. قال ذو الرمة :

* فجاءَتْ بأغْباشٍ تَحَجَّى شَرِيعةً (٢) *

ويقولون حَجِيتُ بالمكان وتحجَّيت به. قال :

* حيث تَحَجّى مُطرِقٌ بالفالِقِ (٣) *

والحَجْوَ بالشىء : الضَّنُّ به ؛ يقال حَجِئتُ به أى ضَنِنْت. وبه سمِّى الرجل حَجْوة. وحَجَأت به : فرحت. وقد قلنا إنّ البابين متقاربان ، والقياس فيهما لمن نَظَرَ قياسٌ واحد.

فأمّا الأُحجِيَّة والحُجَيَّا ، وهى الأُغلُوطة يتعاطاها الناس بينهم ، يقول أحدهم : أُحاجيك ما كذا ؛ فقد يجوز أن يكون شاذًّا عن هذين الأصلين ، ويمكن أن يُحمَل عليهما ، فيقال أحاجيك ، أى اقصُدْ وانظُرْ وتعمَّد لِعِلم ما أسألك عنه.

ومنه أنتَ حَجٍ أن تفعل كذا ، كما تقول حرِىٌّ.

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (حجا).

(٢) فى الديوان ٥٣٦ : «تحرى شريعة». وعجزه كما فى الديوان واللسان (حجا) :

تلادا عليها رديها واحتبالها

(٣) الفالق : اسم موضع. والبيت لعمارة بن أيمن الربانى ، كما فى اللسان (حجا ١٨١). وقد أنشده فى نهاية مادة (فلق) بدون نسبة.


حجب الحاء والجيم والباء أصل واحد ، وهو المنع. يقال حجبته عن كذا ، أى منَعتُه. وحِجابُ الجَوْف : ما يَحْجُبُ بين الفُؤَاد وسائر الجَوْف. والحاجبان العظمان فوق العينين بالشّعَرْ والّلحم. وهذا على التشبيه ، كأنّهما تحجبان شيئاً يصل إلى العينين. وكذلك حاجبُ الشّمس ، إنما هو مشبَّهُ بحاجب الإنسان. وكذلك الحَجَبة : رأس الوَرِك ، تشبيهٌ أيضاً لإشرافِهِ.

باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف

وقد مضى فيما تقدم من هذا الكتاب أنّ الرباعىَّ وما زاد يكون منحوتاً ، [و] موضوعاً كذا وضعاً من غير تحت.

فمن المنحوت من هذا الباب (الحُرْقُوف) : الدابة المهزول ، فهذا من حرف وحقف. أمّا الحَرْف فالضَّامر مِن كلِّ شىء ، وقد مرَّ تفسيره. وأما حقف فمنه المُحْقَوْقِف ، وهو المنحنِى ، وذلك أنَّه إذا هُزِلَ احدَوْدَب ، كما يقال فى الناقة إذا كانت تلك حالَها حَدْباءُ حِدْبار.

ومنه (الحُلْقُوم) وليس ذلك منحوتاً ولكنّه مما زيدت فيه الميم ، والأصْل الحلْق ، وقد مرَّ. والحَلْقَمة : قطع الحُلْقُوم.

ومنه (المُحَلْقِنُ) من البُسْر ، وذلك أنْ يبلُغ الإرطاب ثلُثَيْه. وهذا ممّا زِيدت فيه النون، وإنما هو من الحَلْق ، كأنّ الإِرْطاب إذا بلغ ذلك الموضعَ منه فقد بَلَغَ إلى حَلْقِه. ويقال له الحُلْقَان ، الواحدة حُلْقَانة.

ومنه (حَرْزَقْتُ) (١) الرّجلَ : حبستُه ، وهذا منحوتٌ من حَزَقَ وحَرَزَ ، من

__________________

(١) يقال حرزق ، بتقديم الراء ، وحزرق بتقديم الزاى ، وهما بمعنى.


قولهم أحرزت الشىء فهو حريز. والحَزْقُ فيه ضربٌ من التشديد ، كما يقال حَزَقْت الوَتَرَ وغيرَه. قال الأعشي :

* بِساباطَ حتَّى ماتَ وهو مُحَرْزَقُ (١) *

ومنه (الحبجر (٢)) ، وهو الوتر الغليظ ، ويقال فى غير الوتر أيضاً ، والحاء فيه زائدة، وإنما الأصل الباء والجيم والراء. وكلُّ شديد عظيمٍ بَجْرٌ وبُجْر. وقد مَرَّ.

ومنه (الحِسْكل) : الصّغار مِن كلِّ شىء. وهذا ممّا زِيدت فيه الكاف ، وإنما الأصل الحِسل. يقال لولد الضبِّ حسْل

ومنه (الحَقَلّد (٣)) ، وهو البخيلى الشديد ، واللام فيه زائدة. وهو من أحقد القومُ ، إذا لم يصِيبوا من المَعْدِن شيئاً. ويقال الحَقَلّدُ الآثِم (٤). فإن كان كذا فاللام أيضاً زائدة ، وفيه قياسٌ من الحِقْد ، والله أعلم.

ومنه (الحَذْلَقة) ، وأظنُّها ليست عربيَّةً أصلية ، وإنما هى مولَّدة واللام فيها زائدة. وإنما أصله الحِذْق. والحَذْلقة : ادّعاء الإنسان أكثَرَ مما عنده ، يريد إظهار حِذْق بالشّىء.

ومن ذلك (احرَنْجَمَت) الإبل ، إذا ارتدَّ بعضُها على بعض. واحرنجم القومُ ، إذا اجتمعوا. وهذه فيها نون وميم ، وإنما الأصل الحَرَجْ ، وهو الشجر المجتمع الملتف ، وقد مرّ اشتقاقُهُ وقياسُه.

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٤٧ واللسان (حزرق) ، وقد نص فيه على رواية «محرزق». وصدره :

فذاك وما؟ من؟ ربه

(٢) يقال على وزان قمطر ودرهم.

(٣) الحقلد ، كعملس وفى الأصل : «الحلقد» وليس مرادا ، إذ الحلقد كزبرج : السئ الخلق الثقيل الروح ، ومثله الحقلد بوزن زبرج.

(٤) فى الأصل : «الحلقد» ، وانظر التنبيه السابق. وفى قول زهير :

تقى تقى لم يكتر ضيمة

بكهة ذى قربى ولا يحقلد


ومن ذلك رجل (مُحَصْرَمٌ) : قليلُ الخَيْر. والأصل أنّ الميم زائدة ، وإنما هو من الحَصُور والحِصر.

ومن هذا الباب (الحِصْرِم). ومنه (الحِثْرِمَة) وهى الدائرة التى تحت الأنْف وَسَطَ الشفةِ العلْيا. وهذه منحوتةٌ من حَثَم وثرم. فحثم من الجمع ؛ وثَرَم من أن ينثرم الشىء.

ومن ذلك (الحِنْزَقْرَة) ، وهو القَصير. وهذا من الحزق والحَقْر ، مع زيادة النون. فالحَقْر من الحَقارة والصِّغر ، والحزق كأن خَلْقَه حُزِق بعضُه إلى بعض.

ومن ذلك (الحَلْبَس) ، وهو الشُّجاع. وهذا منحوتٌ من حَلَسَ وحَبَسَ. فالحِلْس : اللازم للشىء لا يفارقه ، والحَبْس معروف ، فكأنه حَبَس نَفْسه على قِرْنه وحَلِسَ به لا يفارقُه. ومثله : (الحُلابِس). قال الكميت :

فلما دنَتْ للكاذَتَيْن وأحْرَجَت

به حَلْبَساً عند اللِّقاء حُلابِسا (١)

ومن ذلك (تَحْتَرَشَ) القومُ : حَشَدُوا ، والتاء فيه زائدة ، وإنما الأصل الحرش والتحريش ، وقد مرَّ. وفيه أيضاً أن يكون من حَتَر ، وأصله حَتَار الخَيمة وما أطاف بها من أذيالها ، فكذلك هؤلاء تجمَّعُوا وأطافَ بعضُهم ببعض ، فقد صارت الكلمة إذاً من باب النحت.

ومن ذلك (الحوْأَبُ) : الوادى الواسع العُرض ، والحاء فيه زائدة ، وإنما الأصل الوأْب ، والوأْبُ الواسع المقعَّر من كلَّ شىء.

__________________

(١) البيت فى اللسان (كوز ، حلبس). ولكاذتان : ما نتأ من اللحم أعالى لفخذ. وأخرجت بالحاء المهملة ، وفى الأصل : «أخرجت» ، تحريف.


ومن ذلك (الحُمَارِس) ، وهو الرّجُل الشّديد. وهذه منحوتةٌ من كلمتين ، من حَمَس ومَرَس. فالمَرِسُ المتمرِّس بالشىء ، والحِمَسُ الشديد. وقد مضى شرْحُه.

ومن ذلك (المُحدْرَج) ، وهو المفتول حتَّى يتداخَلَ بعضُه فى بعض فَيَمْلَاسَّ. وهى منحوتةٌ من كلمتين ، من حدر ودرج. فحدر فَتَل ، ودَرَج من أدرجت

ومن ذلك (حَضْرَمَ) فى كلامه حَضْرَمَةً ، فقد قيل كذا بالصّاد. فإنْ كانت صحيحةً فالميم زائدة ، كأنه تَشَبَّهَ بالحاضرة الذين لا يُقيمونَ إعرابَ الكلام. والحَضْرَمة : مخالفة الإعراب واللَّحنُ.

ومن ذلك (المُحَمْلَج) ، وهو الحَبْلُ الشَّديد الفتْل. وهذا عندِى من حمج ، فاللام زائدة. فحمج جنسٌ من التشَّديد ، نحو حَمّج الرّجلُ عينَيه إذا حَدَّق وأحَدَّ (١) النّظَر. وقد مضى ذكره. وعلى هذا يحمل (الحِمْلاج) ، وهو مِنْفاخُ الصَّائغ. والحملاج : قَرْنُ الثَّور. قال رؤبة فى المحَمْلَج :

* مُحَمْلَجٌ أُدْرِجَ إدراجَ الطَّلَقْ (٢) *

وهذا ما أمكَنَ استخراجُ قياسِه من هذا الباب. أمّا الذى هو عندنا موضوعٌ وضعاً فقد يجوز أن يكون له قياسٌ خَفِىَ علينا موضعُه. والله أعلم بذلك.

فمن ذلك (الحِنْدِيرَة ، والحُنْدُورة) : الحَدَقة ، والحَنْدِيرة أجود ؛ كذا قال أبو عبيد.

والحَرْقَفَةُ : عَظْم الْحَجَبَة ، وهو رأس الورِك.

__________________

(١) فى الأصل : «وأشد».

(٢) ديوان رؤبة ١٠٤ واللسان (حملح).


ومنه (الحِمْلاق) وهو ما غطّتْه الجفونُ من بياض المُقْلة. ويقال حَمْلَقَ ، إذَا فَتَح عينَه ونَظَر نَظَرًا شديداً.

و (الحُرْقُوص) دويْبَّة. و (الحَبَلَّقُ) : جماعة الغنَم. و (الحَبَرْكَى) : الطويل الظَّهر القصير الرِّجْلين. و (الحُرْجُل) : الطويل. و (الحَرْجَفُ) : الرِّيح الباردة. و (الحَشْرَجَة) : تردُّد صوت النَّفَس. و (الحَشْرَجَة) : حُفَيْرة تحُفَر كالحِسْىِ. و (الحَشْرَجُ) : كوزٌ صغير. و (حَرْشَفُ) السِّلاحِ : ما زُيِّن به.

و (الحَفَلَّج) : الرَّجُل الأفْحَج. و (الحيفس (١)) : القصير. وكذلك (الحَفَيْسَاء).

و (الحَزَوَّر) : الغلام اليافع. و (الحَزْوَرَةُ) : تلٌّ صغير.

و (الحَنَاتِم) : سحائب سُودٌ. وكلُّ أسودَ حَنْتمٌ. وكذلك الخُضْرُ عِند العرب سُودٌ ، ومنها سمّيت الجِرَار حَناتِمَ ، وكانت الجِرارُ فى الجاهليَّة خُضْراً ، فسمَّتْها العربُ حَنَاتم.

و (حَبَوْكَرْ (٢)) : الدَّاهية.

ويقال (احْبَنْطَى) ، إذا افتفَخَ كالمُتَغضِّب. وهذه الكلمة قد مرَّ قياسُها فى الحَبَط.

__________________

(١) فى الأصل : «الحفيس». وصوابه الحيفس ، بفتح الحاء والفاء ، وكهزبر.

(٢) يقال للداهية حبوكر ، وأم حبوكر ، وحبوكرى ، وأم حبوكرى ، وأم حبوكران ، والحبوكرى.


ويقال ما لِى من هذا الأمر (حُنْتَالٌ (١)) ، أى بُدٌّ.

و (الحنْظَب) : الذَّكر من الجَرَاد. و (الحُرْبُث (٢)) : نبتٌ. و (حَضاجِرُ) : الضَّبع. و (الْحَزَنْبَلُ) و (الحَبْرَكَل) : القصير.

والأصل فى هذه الأبواب أنَّ كلَّ ما لم يصحَّ وجهُه من الاشتقاق الذى نذكره فمنظورٌ فيه ، إلّا [ما] رواه الأكابر الثقات. والله أعلم.

تم كتاب الحاء

__________________

(١) يقال حنتآل وحنتال ، بالهمز وبدونه.

(٢) فى الأصل : «الحرتب» ، وفى المجمل : «الحربت» ، والوجه ما أثبت.


كتاب الخَاء

باب ما جاء من كلام العرب أوله خاء فى المضاعف والمطابق والاصم (١)

خد الخاء والدال أصلٌ واحدٌ ، وهو تأسُّلُ الشَّىءِ وامتدادُه إلى السُّفل. فمن ذلك الخَدّ خدّ الإنسان ، وبه سُمِّيت المِخَدّة. والخَدُّ : الشّقّ. والأخاديد : الشَّقوق فى الأرض. والتخدُّد : تخدُّد اللَّحم من الهُزال. وامرأة متخدِّدة : مهزولة. والخِدَادُ : مِيسمٌ من المياسِم ، ولعلَّه يكون فى الخدّ ؛ يقال منه بعيرٌ مخدود.

خر الخاء والراء أصلٌ واحدٌ ، وهو اضطرابٌ وسُقوطٌ مع صوتٍ. فالخَريرُ : صوتُ الماء. وعينٌ خَرّارة. وقد خَرَّتْ تُخِرّ. ويقال للرّجُل إذا اضطرَبَ بطنُه قد تخَرْخَر. وخَرَّ ، إذا سقَطَ. قال أبو خراش ، يصفُ سيفا :

بِهِ أدَعُ الكَمِىَّ على يدَيْهِ

يُخِرُّ تخالُه نَسْراً قَشِيبا (٢)

قشيبٌ : قد خَلِط له السّمُّ بِطُعْم ؛ يقال قَشَب له ، إذا خَلَطَ له السّمّ. وإنَّما يُفْعَل ذلك ليُصادَ به ، ومثله لطفيل :

__________________

(١) فى الأصل : «والمطابق أولا». وانظر ما سبق فى كتاب الثاء.

(٢) من قصيدة فى القسم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ٥٧ ، ونسخة الشنقيطى ٧٠. والبيت فى اللسان (قشب). ويروى : «به ندع».


كساهَا رَطيبَ الرِّيشٍ مِن كَلِّ ناهضٍ

إلى وَكْرِه وكلِّ جَوْنٍ مُقَشَّبِ (١)

المَقَشَّب : نَسْرٌ قد جُعِل له القِشْبُ فى الجِيَف ليُصادَ. ناهِضٌ : حديثُ السّنّ. والنَّسر إذا كَبِرَ اسوَدّ. وتقول : خرّ الماء الأرضَ : شَقّها. والأخِرَّةُ ، واحدها ، خَرير ، وهى أماكنُ مطمئنَّةٌ بين الرَّبْوَين تنقاد. وقال الأحمر : سمِعت [بعض] العرب ينشد بيتَ لبيدٍ :

* بأخِرَّة الثَّلَبُوتِ (٢) *

والخُرُّ من الرَّحى : الموضع الذى تُلقَى فيه الحنطة. وهو قياس الباب ؛ لأنَّ الحبَ يَخِرُّ فيه. وخُرُّ الأذُن : ثَقْبُها ، مشبَّهٌ بذلك.

خز الخاء والزاء أصلان : أحدهما أنْ يُرَزَّ شىء فى آخر ، والآخر جنسٌ من الحيوان

فالأوّل الخزُّ خَزُّ الحائط ، وهو أن يشوَّك. ويقال حَزَّهُ بسهمٍ ، إذا رماه به وأثبَتَه فيه. وطعَنَهُ بالرُّمح فاختَزَّهُ (٣). قال ابن أحمر :

* حتَّى اخْتزَزْتُ فؤادَه بالمِطْرَدِ (٤) *

فأمّا قولُهم بعيرٌ خُزَخِزٌ ، أى شديد ، فهو من الباب ؛ لأنّ أعضاءه كأنّها خُزَّت خَزًّا ، أى أثبِتَتْ إثباتاً.

__________________

(١) ديوان طفيل ١٣ برواية : «كسين ظهار الريش».

(٢) من بيت فى معلقة لبيد. ويروى : «بأحزة». والبيت بتمامه :

بأخرة الثلبوت يريا فوقها

قفر المرائب خوفها آرامها

(٣) فى الأصل : «فاخنز» ، تحريف ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) فى المجمل واللسان : «لما اختززت». وصدره فى الاشتقاق ٣١٨ :

نبذ الجوار وضل هدية روقه


والأصل الثانى : الخُزَز : الذّكَر من الأرانب ، والجمع خِزّانٌ. قال :

وبنو نُويجِيَةَ اللَّذُونَ كأنهم

مُعْطٌ مُخَدَّمَةٌ من الخِزَّانِ (١)

خس الخاء والسين أصلان : أحدهما حقارة الشىء ، والآخر تداوُلُ الشىء.

فالأوّل : الخسيس : الحقير ؛ يقال خَسَ الرجُل نفسُه وأخَسَ ، إذا أتَى بفعلٍ خسيس. ومن هذا الباب جاوَزَتِ النّاقةُ خَسِيسَتَها ، إذا جاوَزَتْ سِنّ الحِقّة والجَذَعةِ والثَّنِيَّةِ ولحِقَت بالبُزُول. وهو القياس ؛ لأنّ كلَّ هذه الأسنانِ دونَ البُزُول.

والأصل الثانى قول العرب : تَخَاسَ القَوْمُ الأمرَ ، إذا تداوَلُوه وتسابَقُوه ، أيُّهم يأخذُه(٢). ويقال : هذه الأمورُ خِساس بينهم ، أى دُوَل. قال ابن الزّبعرى :

والعطيّات خِساسٌ بينهم

وبناتُ الدّهرِ يلعَبْنَ بكُلّ (٣)

خش الخاء والشين أصلٌ واحد ، وهو الوُلوج والدُّخول. يقال : خَشَ الرّجُلُ فى الشّرّ: دخل. ورجل [مِخَشٌ : ماضٍ (٤)] جَرِىءٌ على اللَّيل. والخَشَّاء : موضِعُ الدَّبْرِ ؛ لأنّه ينخشُّ فيه. قال ذو الإصبع :

__________________

(١) المخدمة : التى فى ساقها عند موضع الرسغ بياض. والبيت فى المجمل.

(٢) فى الأصل : «إياهم يأخذوه». والكلمة ذكرت فى القاموس ولم ترد فى اللسان.

(٣) الحق أن البيت ملفق من بيتين ، وهما كما فى السيرة ٦١٦ حوتنجن :

والعطبات خساس بينهم

وسواء قب متر ومقل

كل عيش وميم زائل

وبنات الدهر يلعبن بكل

(٤) التكملة من اللسان.


إمَّا تَرَى نَبْلَهُ فخَشْرَمُ خَشَّ

اءَ إذا مُسّ دَبْرُه لَكَعا (١)

ومن الباب الخَشْخاش : الجماعة ؛ لأنَّهم قومٌ يجتمعون ويتداخَلون. قال الكميت :

* وهَيْضَلُها الخشخاشُ إذْ نزلوا (٢) *

والخشُ : أن بجعل الخِشاش فى أنْف البعير. يقال خَشَشْتُه فهو مخشوشٌ ، ويكون مِن خَشَب. وخَشاش الأرض (٣) : دوابُّها. فأمّا الرجُل الخَشاشُ الصغيرُ الرأسِ فيقال بالفتح والكسر. وهو القياس ، لأنّه ينْخَشُّ فى الأمر بحقه.

قال طرفة :

أنا الرَّجُلُ الضّربُ الذى تعرفوننى

خِشَاش كرأسِ الحَيّة المُتَوَقّدِ (٤)

ومن الباب ، وهو فى الظاهر يبعُد من القياس ، الخُشَشَاوانِ : عظمانِ نانيان خلْفَ الأذُنين. ويقال للواحد خُشَّاء (٥) أيضاً. ولم يجىءُ فى كلام العرب فُعْلاء مضمومه الفاء ساكنة العين إلّا هذه وقُوباء ، والأصل فيها التحريك.

خص الخاء والصاد أصلٌ مطّرد منقاس ، وهو يدلُّ على الفُرْجة والثّلمة. فالخَصَاص الفُرَج بين الأثافىّ. ويقال للقمر : بدا من خَصَاصة السّحاب.

قال ذو الرُّمّة :

__________________

(١) البيت فى المحمل واللسان (خشش ، لكم) ، وسيصيده فى (لكع).

(٢) قطعة من بيت فى اللسان (خشش ، فلق). وهو بتمامه :

في حومة مبلغ أجأوا إدركت

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

وقد استشهد بهذه القطعة بدون نسبة فى اللسان (هضل).

(٣) ظاهر قوله أنه يعنى ضبط هذا الخشاش ، بالفتح. وفى المجمل : «وخشاش الأرض بالفتح : دوابها».

(٤) البيت من معلقة طرفة.

(٥) يقال خشاء ، وخششاء.


أصَابَ خَصَاصَهُ فبَدَا كليلاً

كَلَا وانغلَّ سائِرُه انغِلالا (١)

والخَصَاصة : الإملاق. والثُّلْمة فى الحال.

ومن الباب خَصَصْت فلاناً بشىءٍ خَصُوصِيَّةً ، بفتح الخاء (٢) ، وهو القياس لأنّه* إذا أُفرِد واحدٌ فقد أوقَع فُرْجَةً بينه وبين غيره ، والعموم بخلاف ذلك والخِصِّيصى : الخَصوصية.

خض الخاء والضاد أصلان : أحدهما قِلَّة الشىء وسَخافته ، والآخر الاضطراب فى الشَّىءِ مع رطوبةٍ.

فالأول الخَضَض : [الخرز (٣)] الأبيض يَلْبَسُه الإِماء. والرّجُل الأحمق خَضَاض. ويقال للسَّقَط من الكلام خَضَصٌ. ويقال : ما على الجارية خَضَاضٌ ، أى ليس عليها شىءٌ من حَلْىٍ. والمعنى أنّه ليس عليها شىءٌ حَتَّى الخَضَض الذى بدأنا بذكره.

قال الشاعر :

ولو بَرَزَتْ من كُفَّةِ السّتْرِ عاطلاً

لقُلتَ غَزالٌ ما عليه خَضَاضَ (٤)

وأمّا الأصل الآخَر فتَخَضْخض الماء. والخَضْخاض : ضربٌ من القَطِران. ويقال نبت خُضَخِضٌ ، أى كثير الماء. تقول : كأنّه يتخضخضُ من رِيِّه.

وقد شذّ عن الباب حرفٌ واحدٌ إن كان صحيحاً ، قالوا : خاضَضْتُ فلاناً إذا بايعتَه مُعارَضة (٥). وهو بعيدٌ من القياس الذى ذكرناه

__________________

(١) ديوان ذى الرمة ٤٣٤. كلا ، أى كسرعة قولك : «لا».

(٢) وقال بضمها أيضا ، كما فى اللسان والقاموس.

(٣) التكملة من المجمل واللسان.

(٤) أنشده أيضاً فى المجمل. وجاء فى اللسان برواية : «ولو أشرفت».

(٥) وكذا فى تصحيحات القاموس. وفى بعض نسخه : «معاوضة». واللفظ وتفسيره لم يرد وفى اللسان.


خط الخاء والطاء أصلٌ واحد ؛ وهو أثَرٌ يمتدُّ امتداداً. فمن ذلك الخطُّ الذى يخطُّه الكاتب. ومنه الخطّ الذى يخطُّه الزَّاجر. قال الله تعالى : (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) قالوا : هو الخَطُّ. ويُروَى : «إنّ نبيًّا من الأنبياء كان يَخُطّ فمن خَطَّ مِثلَ خَطِّه عَلِمَ مثلَ عِلْمه». ومن الباب الخِطَّة الأرض يختطُّها المرءُ لنفسه ؛ لأنّه يكون هناك أثرٌ ممدود. ومنه خَطُّ اليمامة ، وإليه تُنسَب الرِّماحُ الخَطِّيَّة. ومن الباب الخُطَّة ، وهى الحال ؛ ويقال هو بخُطَّةٍ سَوْء ، وذلك أنّه أمْرٌ قد خُطَّ له وعليه. فأمّا الأرضُ الخطيطة ، وهى التى لم تُمْطَر بينَ أرضينِ ممطورَتَين ، فليس من الباب ، والطاء الثانية زائدة ، لأنَّها مِن أخطأ ، كأنَّ المطر أخْطَأَها. والدّليل على ذلك قولُ ابن عبّاس : «خَطَّأَ اللهُ نَوْءَها». أى إذا مُطِر غيرُها أخْطَأَ هذه المطرُ فلا يُصيبُها.

وأمّا قولهم : «فى رأس فلانٍ خُطْيَةٌ (١)» فقال قوم : إنَّما هو خُطَّة. فإِن كان كذا فكأنّه أمرٌ يُخَطّ ويؤَثَّر ، على ما ذكرناه.

خف الخاء والفاء أصلٌ واحد ، وهو شىءٌ يخالف الثِّقَل والرَّزانة. يقال خَفَ الشّىءُ يَخِفُ خِفَّةً ، وهو خفيف وخُفَافٌ. ويقال أَخَفَ الرّجَل ، إذا خَفّت حالُه. وأخَفَ ، إذا كانت دابّتُه خفيفةً. وخَفَ القومُ : ارتحلوا. فأمّا الخُفُ فمن الباب لأنّ الماشىَ يَخِفُ وهو لابِسُه. وخُفُ البَعير منه أيضاً. وأمّا الخُفُ فى الأرض وهو أطول من النَّعل (٢) فإنّه تشبيه. [وَ] الخِفُ : الخَفِيف. قال :

__________________

(١) روى فى اللسان (خطط): «خطبة» بالباء ، ثم قال : «والعامة تقول : فى رأسه خطبة. وكلام العرب هو الأول».

(٢) فى اللسان : «والخف فى الأرض أغلظ من النعل».


يزِلُّ الغُلامُ الخِف عنْ صَهَواتِهِ

ويُلْوِى بأثواب العَنيفِ لمُثقَّلِ (١)

فأمّا أصوات الكلاب (٢) فيقال لها الخَفْخفة ، فهو قريبٌ من الباب.

خق الخاء والقاف أصلٌ واحد ، وهو الهَزْم فى الشَّىء والخَرْق. فمن ذلك الأُخْقُوق ، ويقال الإِخْقِيق ، وهو هَزْم فى الأرض ، والجمع الأخاقيق. وجاء فى الحديث : «فى أخاقِيقِ جُرْذانٍ». والإخْقاق : اتِّساع خَرْق البَكَرة. ومن هذا قولُهم : أتانٌ خَقُوقٌ ، إذا صوَّت حياؤُها. ويقال للغَديرِ إذا نَضَبَ وجَفَّ ماؤُه وتَقَلَفَعَ (٣) : خُقٌ (٤). قال :

* كأَنَّما يَمْشِين فى خَقُ يَبَسْ (٥) *

خل الخاء واللام أصلٌ واحد يتقاربْ فروعُه ، ومرجعُ ذلك إمَّا إلى دِقَّةٍ أو فُرْجة. والبابُ فى جميعِها متقاربٌ. فالخِلال واحد الأخِلَّة. ويقال فلانٌ يأكل خِلَلَه وخُلالته ، أى ما يُخْرِجُه الخِلالُ من أسنانه. والخَلُ خَلُّكَ الكِساءَ على نفسك بالخِلال. فأمّا الخليلُ الذى يُخَالُّك ، فمِن هذا أيضاً ، كأنَّكما قد تخالَلتُما ، كالكِساء الذى يُخَلُ.

ومن الباب الرجل الخَلُ ، وهو النَّحيفْ الجِسم. قال :

__________________

(١) لامرئ القيس فى معلقته المشهورة.

(٢) فى المجمل : «وخفخفة الكلاب أصواتها عند الأكل».

(٣) ذكروا أن «القلفع» ، كزبرجَ ودرهم : ما يتفلق من الطين ويتشقق. ولم يذكر هذا الفعل فى اللسان والقاموس فى مادة (قلفع) وذكر فى اللسان فى مادة (خقق) عند تفسيره «الخق».

(٤) ضبط فى اللسان والقاموس بالفتح. وضبط فى الأصل والمجمل بالضم. وزاد فى المجمل : «ويقال خق أيضا» ، يعنى بفتح الخاء.

(٥) البيت فى المجمل واللسان (خقق).


* إمّا تَرَىْ جسْمِىَ خَلَّا قد رَهَنْ (١) *

وقال الآخر :

فاسقنِيها يا سوادَ بن عمرٍو

إنَّ جِسمى بَعْدَ خالى لَخَلُ (٢)

ويقال لابن المَخَاض خَلٌ ، لأنه دقيق الجسم. والخَلُ : الطَّريق فى الرَّمل لأنّه يكون مُستَدِقًّا. ومنه الخَلَال ، وهو البَلَح.

فأمَّا الفُرجة فالخَلَل بينَ الشّيئين. ويقال خَلَّل الشىءَ ، إذا لم يَعُمّ. ومنه الخَلَّة الفَقْر ؛ لأنه فُرْجة فى حالِه. والخليل : الفقير ، فى قوله :

وإنْ أتاهُ خليلٌ يومَ مَسْغَبَةٍ

يقولُ لا غائبٌ مالى ولا حَرِمُ (٣)

والخِلّة : جَفن السَّيف ، والجمعُ خِلَلٌ. فأما الخِلَل وهى السُّيور التى تُلْبَسُ ظُهورَ السِّيَتَيْنِ (٤) فذلك لدِقَّتها ، كأنَّ كلّ واحدةٍ منها خِلّة (٥). والخَلّ : عِرْقٌ فى العُنُق مُتَّصلٌ بالرأس. والخَلْخَال من الباب أيضاً ، لدقّتِه.

خم الخاء والميم أصلان : أحدهما تغيُّر رائحةٍ ، والآخر تنقية شىءِ. فالأول : قولُهم خَمَ اللّحمُ ، إذا تغيَّرَتْ رائحتُه. والثانى : قولُهم خُمّ البيتُ إِذا كُنِسَ. وخُمَامة البئرِ : ما يُخَمُ من تُرابها إِذا نُقِّيت. وبيتٌ مخمومٌ : مكنوس. ويقال هو مخموم القلبِ ، إذا كان نقىَّ القَلْب من كل غِشّ ودَخَلْ.

__________________

(١) البيت فى اللسان (رهن). والراهن ، بالراء : المهزول.

(٢) البيت ينسب إلى تأبط شراً ، أو ابن أخته الشنفرى ، أو خلف الأحمر. انظر حماسة أبى تمام (١ : ٣٤٢) واللسان (خلل).

(٣) البيت لزهير فى ديوانه (١٥٣) واللسان (خلل ، حرم).

(٤) السيتان : مشى سية ، وهى ما عطف من طرف القوس. وفى الأصل : «الستين».

(٥) فى الأصل : «خلالة».


خن الخاء والنون أصلٌ واحد ، وهو حكايةُ شىءِ من الأصوات بضعف. وأصله خَنَ، إذا بكى ، خنينا. والخَنْخَنَةُ : أن لا يُبِين الكلامَ. ويقال الخنان فى الإبل كالزُّكام فى الناس. والخُنّة كالغُنّة. ويقال الخنين : الضَّحك الخفىّ. ويقولون إنّ المَخَنّة الأنف. فإنْ كان كذا فلأنه موضع الخُنّة ، وهى الغُنّة. ويقال وطئ مَخَنَّتَه ، أى أذلَّه (١) ، كأنه وضع رجلَيه على أنفه.

خأ الخاء والهمزة الممدودة ليست أصلاً ينقاس ، بل ذُكِر فيه حرفٌ واحد لا يُعرَف صحته. قالوا : خاء بك علينا ، أى اعجَل. وأنشدُوا للكميت :

* بِخاء بك الحَقْ يَهْتِفُون وحَىَّ هَلْ (٢) *

خب الخاء والباء أصلان : الأول [أن] يمتدّ [الشىء] طولاً ، والثانى جنسٌ من الخِداع.

فالأول الخَبِيبة والخبّةُ : الطريقة تمتدُّ فى الرَّمل. ثم يشبّه بها الخِرْقَة التى تُخْرَقُ طُولاً. ويُحمَل على ذلك الخَبِيبة من اللَّحم ، وهى الشَّرِيحة منه.

وأما الآخَر فالخِبُّ الخداع ، والخِبُ الخَدَّاع. وهذا مشتقٌّ من خَبَ البَحْرُ اضطَرَبَ. وقد أصابهم الخِبُ.

ومن هذا الخَبَبُ : ضربٌ من العَدْو. ويقال جاء مُخِبًّا. ومنه خَبَ النّبتُ ،

__________________

(١) فى اللسان : «ووطئ مخنتهم مخنتهم أى حريمهم».

(٢) صدره كما فى اللسان (٢٠ : ٣٣٤) :

إذا كا شخص؟؟

وانظر أمالى ثعلب ٥٥٤.


إذا يَبِس وتقلَّع (١) ، كأنه يَخُبّ ، توهَّم أنه يمشى. قال رؤبة :

* وخَبَ أطرافُ السَّفَا على القِيَقْ (٢) *

والخَبخَبة : رخاوةُ الشىءِ واضطرابُه. وكل ذلك راجعٌ إلى ما ذكرناه ؛ لأنَّ الخَدَّاع مضطربٌ غيرُ ثابت العَقْدِ على شىء صحيح. فأما ما حكاه الفرّاء : [لى (٣)] من فلانٍ خَوَابُ ، وهى القَرابات ، واحدها خابٌ ، فهو عندى من الباب الأول ؛ لأنه سَبَبٌ يمتدُّ ويتّصل. فأما قولهم «خبْخِبوا عنكم من الظهيرة» أى أَبرِدُوا فليس من هذا ، وهو من المقلوب ، وقد مرَّ.

خت الخاء والتاء ليس أصلاً ؛ لأنّ تاءه مبدلةٌ من سين. يقال خَتِيتٌ : أى خسيس. وأَخَتّ الله حَظَّه ، أى أخَسَّه. وهذا فى لغة مَنْ يقول : مررت بالنَّات ، يريد بالناس. وذكروا أنَّهم يقولون : أخَتَ فلانٌ : استَحْيا. فإن كان صحيحاً فمعناه أنه أتَى بشىء ختيتٍ يستحيِى منه. وأنشدوا :

فمَنْ يكُ مِنْ أوائلِهِ مُخِتًّا

فإنّكَ يا وليدُ بهم فخورُ (٤)

أى لا تأتى أنت من أوائِلك بخَتيت.

خث الخاء والثاء ليس أصلَا ولا فرعاً صحيحاً يُعَرَّج عليه ، ولكنّا نذكُر ما يذكرونه. يقولون : الخُثّ ما أُوخِفَ من أخْثاء البقر وطلِى به شىء ، وليس هذا بشىء ، ويقال الخُثَ : غُثَاء السَّيل إذا تركَه السيلُ فيبِس واسوَدَّ.

__________________

(١) فى المجمل واللسان والقاموس : خب النبت ، إذا طال وارتفع.

(٢) ديوان رؤبة ١٠٥ والمجمل. وفى الديوان : واسأعراف؟.

(٣) التكملة من المجمل واللسان.

(٤) البيت للأخطل فى ديوانه ٢٠٦ واللسان (ختت).


خج الخاء والجيم أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وخقّةٍ فى غير استواء. فيقال ريحٌ* خَجُوجٌ ، وهى التى تلتَوِى فى هُبوبها. وكان الأصمعىُّ يقول : الخَجُوج الشديدة المَرِّ. ويقال إنّ الخجخجة الإنقِباض والاستحياء. وقالوا : خَجْخَجَ الرّجُل ، إذا لم يُبدِ ما فى نفسه. ويقال اختَجَ الجملُ فى سَيره ، إذا لم يستقِمْ. ورجل خَجَّاجَة (١) : أحمق. والبابُ كلُّه واحد.

باب الخاء والدال وما يثلثهما

خدرالخاء والدال والراء أصلان : الظُّلْمة والسَّتر ، والبطء والإقامة.

فالأولُ الخُدَارِىّ الليلُ المُظلِم. والخُدَاريَّة : العُقابُ ، لِلونها. قال :

خُدَارِيَّةٍ فَتْخاءَ ألْثَقَ ريشَها

سَحابةُ يومٍ ذى أهاضيبَ مَاطِرِ (٢)

ويقال اليومُ خَدِرٌ. والليلة الخَدِرة : المظلِمة الماطرة وقد أخْدَرْنا ، إذا أظَلَّنا المطر. قال :

فيهِنَّ بَهْكَنَةٌ كأنّ جَبِينَها

شَمْسُ النَّهار ألاحَها الإخْدارُ (٣)

وقال :

* ويَسْتُرُونَ النَّار من غير خَدَرْ (٤) *

__________________

(١) يقال للأحمق خجاجة وخجخاحة أيضاً.

(٢) البيت لسلمة بن الخرشب الأنمارى ، من قصيدة فى المفضليات (١ : ٣٥ ـ ٣٦).

(٣) البيت لعمارة ، كما فى اللسان (خدر ٣١٤). وفيه «أكلها الإخدار» ، أى أبرزها. وقد روى عجزه فى اللسان (خدر ٣١٣) برواية «ألاحها الإخدار» كما هنا.

(٤) فى الأصل : «ويشترون» ، صوابه فى المجمل واللسان (خدر).


ومثله أو قريبٌ منه قول طرفة :

* كالمَخَاض الجُرْبِ فى اليَومِ الخَدِرْ (١) *

ومن الباب الخِدْرُ خِدر المرأة. وأسَدٌ خادر ، لأنَّ الأجمةَ له خِدْرٌ.

والأصل الثانى : أخْدَرَ فلانٌ فى أهلِه : أقام فيهم. قال :

كأنَّ تحتِى بازِياً رَكَّاضا

أَخْدَرَ خَمْسَا لم يَذُقْ عَضَاضا (٢)

ومن الباب خَدَرَ الظَّبْىُ : تخلَّف عن السِّرب (٣). ويقال الخادر المتحِّير.

ومن الباب خَدِرت رِجْلُه. وخَدِر الرّجُل ، وذلك مِن أمْذِلالٍ يعتريه (٤).

قال طرفة :

جازَتِ اللَّيلَ إلى أرحُلِنا

آخِرَ اللَّيل بيَعْفُورٍ خَدِرْ (٥)

يقول : كأنَّه ناعِسٌ. ويقال للحُمُر بَنَاتُ أخدَرَ ، وهى منسوبةٌ إليه ، ولهذا تسمَّى الأخدريّة.

خدش الخاء والدال والشين أصلٌ واحد ، وهو خَدْشُ الشىءِ للشىء. يقال خَدَشْتُ الشىءَ خدشاً ؛ وجمع الخَدْش خُدُوش. ويقال لأطراف السَّفَا الخادشَة ؛ لأنّها تَخْدِش. ويقال لكاهل البعير [مِخْدَش (٦)] ؛ لقلّة لحمِه ، وتخديشِه فَمَ مُتَعرَقِه.

__________________

(١) البيت فى ديوانه ٦٦ واللسان (خدر ، عضض).

(٢) الرجز فى المجمل واللسان (خدر).

(٣) فى الأصل : «الترب».

(٤) الامذلال : الفترة والحدر.

(٥) ديوان طرفة ٦٣ واللسان (خدر). وسيعيده فى ص ٣٧٢.

(٦) التكملة من اللسان.


خدع الخاء والدال والعين أصلٌ واحد ، ذكر الخليلُ قياسَه. قال الخليل. الإخداع إخفاء الشَّىء. قال : وبذلك سُمِّيت الخِزانة الْمِخْدَع. وعلى هذا الذى ذكر الخليلُ يجرى البابُ. فمنه خَدَعْتُ الرَّجُلَ خَتَلْتُه. ومنه : «الحرب خُدَعَةٌ» و «خُدْعَةٌ» (١). ويقال خَدَع الرِّيقُ فى الفم ، وذلك أنَّه يَخْفَى فى الحَلْق ويَغِيب. قال :

* طيِّبَ الرِّيق إذا الرِّيقُ خَدَعْ (٢) *

ويقال : «ما خَدَعَتْ بِعَيْنَىْ نَعْسَةٌ» ، أى لم يدخل المنامُ فى عينى. قال :

أرِقْتُ فلم تَخْدَع بعينَىَّ نعْسةٌ

ومن يَلْق مالاقيتُ لا بدَّ يأرَقِ (٣)

والأخدع : عِرْقٌ فى سالفة العُنُق. وهو خفىّ. ورجل مخدوعٌ : قُطع أخدَعُه. ولفلان خُلُقٌ خادِعٌ ، إذا تخلَّق بغير خُلُقه. وهو من الباب ؛ لأنه يُخفِى خلاف ما يظهره. ويقال : إنَ الخُدَعَة الدّهرُ ، فى قوله :

* يا قوم مَنْ عاذِرِى مِن الخُدعَهْ (٤) *

وهذا على معنى التَّمثيل ، كأنّه يغَر ويَخدَع. ويقال : : غُولٌ خَيْدَعٌ ، كأنها

__________________

(١) ويقال أيضاً «خدعة» بالفتح.

(٢) لسويد بن أبى كاهل فى المفضليات (١ : ١٨٩) واللسان (خدع). وصدره :

أبيض اللون لذيذا طعمه

(٣) هو أول قصيدة للممزق العبدى فى الأصمعيات ٤٧ ، وهو فى اللسان (خدع).

(٤) صدر بيت للأضبط بن قريع ، فى المعمرين ٨. وعجزه فيه :

وامسي والصبح لا فلاح معه

وجعله فى الخزانة (٤ : ٥٧٩) نقلا عن أمالى القالى (١ : ١٠٨) ، وكذا أمالى ثعلب ٤٨٠ واللسان (خدع) ، عجزاً لبيت للأضبط. وصدره فى هذه المصادر :

أذود عن حوضه ويدفعني


تَغتال وتَخدع. وزعم ناسٌ أنّهم يقولون : دينارٌ خادع ، أى ناقص الوزْن. فإنه كان كذا فكأنَّه أرَى التَّمامَ وأخفى النُّقصانَ حتَّى أظهره الوزنُ. ومن الباب الخَيْدَعُ ، وهو السَّراب (١) ، والقياس واحد.

خدف الخاء والدال والفاء أصلٌ واحد. قال ابن دريد (٢) : «الخَدْف السُّرْعة فى المشْى ، ومنه اشتقاق خِنْدِفَ».

خدل الخاء والدال واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الدِّفَّة واللِّين يقال امرأة خَدْلَةٌ ، أى دقيقةُ العِظام وفى لحمها امتلاء ، وهى بَيِّنَة الخَدَل والخَدَالة. وذُكر عن السِّجستانى عِنَبَة خَدْلةٌ ، أى ضَئِيلة (٣).

خدم الخاء والدال والميم أصلٌ واحدٌ منقاس ، وهو إطافة الشَّى بالشىء. فالخَدَمْ الخلاخيل ، الواحد خَدَمة. قال :

* يَبْحَثْنَ بَحْثاً كمُضِلَّاتِ الخَدَمْ (٤) *

والخَدْماء : الشَّاةُ تبيضُّ أوظِفْتُها والمُخَدَّم : موضع الخِدام من السَّاق. وفرسٌ مخدَّم ، إذا كان تحجيلُه مستديراً فوق أَشاعِرِهِ. قال الخليل : الخَدَمةُ سيْرٌ محْكَم مثل الحَلْقة ، تُشَدُّ فى رُسْغ البعير ثم تشدُّ إليه سَرِيحة النّعْل. قال : وسمِّى الخلخال خَدَمَةً بذلك. والوَعِل الأرَحُ المخَدَّم : الواسع الأظلاف الذى أحاط البياضُ بأوظِفته. قال :

* تُعْيى الأرَحَ المخدَّما (٥) *

__________________

(١) فى الأصل : «التراب» تحريف.

(٢) فى الجمهرة (٢ : ٢٠١).

(٣) ذكر فى القاموس ولم يرد فى اللسان.

(٤) أضللن الخدم أى فقدتها. وقد سبق إنشاد البيت فى (بحث).

(٥) قطعة من بيت للأعشى فى ديوانه ٢٠٣ وللسان (خدم). وهو بتمامه :

ولو أن عز الناس في رأس صغرة

؟ تعنى الأوح الخدمة


ومن هذا الباب الخِدْمة. ومنه استقاق [الخادم] ؛ لأنَ الخادمَ يُطيف بمخدومه.

خدن الخاء والدال والنون أصلٌ واحد ، وهو المصاحَبَة. فالخِدْن : الصّاحب. يقال : خادنْتُ الرّجُلَ مخادنَةً. وخِدْنُ الجارية محدِّثُها.

قال أبو زيد : خادنت الرّجلَ صادقته. ورجل خُدَنةٌ : كثير الأخْدان.

خدب الخاء والدال والباء أصلان : أحدهما اضطرابٌ فى الشىءَ ولِينٌ ، والآخَر شقٌّ فى الشىء.

فالأوّل الخَدَب وهو الهَوَج ، وفى أخبار العرب : «كان بنَعلمَةَ خَدَب (١)» أى هَوَج؛ ولعلَّ ذلك فى حروبه ، ويدلُّ على ما ذكرناه ومنه بَعِيرٌ خِدَبٌ ، يكون ذلك فى كثرةِ لَحمٍ وإذا كثُر اللَّحْمُ لان واضطرَبَ.

ويقال من الأوّل رجلٌ أَخْدَبُ وامرأةٌ خَدْباء. وقال الأصمعىّ : دِرْعٌ خَدْباء : ليِّنة. قال :

* خدباء يحْفِزُها نِجَادُ مُهنَّدٍ (٢) *

ويقال خَدَبَ ، إذا كَذَب ؛ وذلك أنَّ فى الكذِبَ اضطراباً ، إذْ كانَ غيرَ مستقيم. وشيخ خِدَبٌ ، وُصِفَ بما وُصِفَ به البعير. قال بعضُهم : إِنَّ فى لسانه خَدَباً ، أى طَولا.

__________________

(١) نعامة : لقب بيهس الفزارى ، أحد محمقى العرب. انظر الحيوان (٤ : ٤١٣) والأغانى (٢١ : ١٢٢) والخزانة (٣ : ٢٧٢) والميدانى فى : «تكل أرأمها ولدا».

(٢) لكعب بن مالك الأنصارى. وعجزه كما فى اللسان (خدب) :

صافي الحديدة صارم ذى رونق


وأمّا الأصل الآخر فالخَدْبُ بالنّاب : شقُّ الجِلْد مع اللحم. ويقال ضربة خَدْباء ، إذا هَجَمَت على الجوف. والخَدْب : الحَلْب الشَّديد ، كأنَّه يريد شقَّ الضَّرع بشدّة حَلْبه.

ومما شذّ عن هذا الباب قولهم : «أَقْبِلْ على خَيْدَبتِك» أى طريقك الأوّل. قال الشيبانىّ : الخَيدب الطَّريق الواضح. وإن صحّ هذا فقد عاد إلى القياس ؛ لأنّ الطريق يشق الأرض.

خدج الخاء والدال والجيم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على النُّقصان. يقال خَدَجَت الناقة ، إذا ألقَتْ ولدَها قبل النِّتاج. فإنْ ألقَتْه ناقصَ الْخَلْق ولِتمام الحَمْل فقد أخْدَجَت. قال ابنُ الأعرابىّ : أخْدَجَت الصَّيْفَةُ : قَلَّ مطرُها. وفى الحديث : «كلُّ صلاة لم يُقْرَأُ فيها بفاتحة الكتاب فهى خِدَاجٌ».

باب الخاء والذال وما يثلثهما

خذع الخاء والذال والعين يدلُّ على قَطْع الشىء ؛ يقال خَذَّعَهُ بالسَّيف ، إذا ضربَه. ورُوِى بيتُ أبى ذؤيب :

* وكِلاهُما بَطَلُ اللِّقاءِ مُخَذَّع (١) *

أى كأنه قد ضُرِب بالسَّيْف مِراراً. ويقال نبات مخذَّعٌ ، إذا أُكِل أعلاه. وصَحَّفهُ ناس فقالوا مُجدَّع. وليس بشىءِ.

__________________

(١) ديوان أبى ذؤيب ١٨ والمفضليات (٢ : ٢٢٨). وصدره فيهما وفى اللسان :

فتناديا وتوافقت خيلاهما

وقد سبق إنشاد هذا العجز فى (١ : ٣٣٠).


خذف الخاء والذال والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الرْمى. يقال خَذَفْت بالحصاة ، إذا رميتَها من بين سَبَّابَتَيْك. قال :

كأنَّ الحَصَى مِن خَلْفِها وأمامِها

إذا نَجَلَتْهُ رجلُها خَذْفُ أَعْسَرَا (١)

والمِخْذَفة ، هى التى يُقال لها المِقْلاع. ويقال أنانٌ خَذُوفٌ ، أى سمينة. قال أبو حاتم : قال الأصمعىّ : يُراد بذلك أنّها لو خُذِفَتْ بحَصاة لدخَلَتْ فى بطنها من كثرة الشّحم. وهذا الذى يحكيه عن هؤلاء الأئمّة وإن قلّ فهو يدلُّ على صحّة ما نَذهب إليه من هذه المقايَسات ، كالذى ذكرناه آنفاً عن الخليل فى باب الإِخدَاع ، وكما قاله الأصمعىُّ فى الأتانِ الخَذوف.

والخَذَفَانُ : ضربٌ من [سير] الإيل (٢) وهو بِتَرَامٍ قليل.

خذق الخاء والذال والقاف ليس أصلاً ، وإِنّما فيه كلمةٌ من باب الإبدال. يقال خَذَق الطّائر ، إذا ذَرَق. وأراه* خَزَق ، فأُبدِلت الزاء ذالاً.

خذل الخاء والذال واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تَرْك الشَّىء والقُعود عنه. فالخِذْلان : تَرك المَعُونة. ويقال خَذَلَتِ الوحْشيَّةُ : أقامَتْ على وَلَدِها ؛ وهى خَذُول. قال :

خَذُولٌ تُراعِى رَبْرَباً بخَميلةٍ

تَنَاولُ أطرافَ البَريرِ وترتَدِى (٣)

ومن الباب تخاذَلَتْ رِجلاه : ضَعُفَتَا. من قوله :

__________________

(١) لامرئ القيس فى ديوانه ٩٨ واللسان (خذف ، نجل).

(٢) فى المجمل : «والحذفان : صرب من السير».

(٣) لطرفة فى معلقته.


* وخَذُولِ الرِّجْل من غير كَسَحْ (١) *

وقال آخر (٢) :

* صَرْعى نوؤُها متخاذِلُ *

ورجلٌ خُذَلة ، للَّذى لا يزال يَخذُلُ :

خذم الخاء والذال والميم يدلُّ على القَطْع. يقال خَذَمْتُ الشَّىء : قطعتُه. [و] سيفٌ مِخْذَمٌ. والخَذْماء : العنْز تنشقُّ أُذُنُها عَرْضاً من غير بيْنُونة والخَذَم : السُّرْعة فى السَّير ؛ وهو من الباب.

خذا الخاء والذال والحرف المعتل والمهموز يدلُّ على الضَّعف واللِّين. يقال خَذَا الشىءُ يَخْذُو خذْواً : استرخى. وخذِى يخْذَى. ويَنَمَةٌ خَذْواءُ : ليِّنة ، وهى بَقْلة. وأُذُنٌ خَذْواءُ : مسترخيَة. ويُكْرَهُ من الفَرَس الْخذَا فى الأذُن. ومن الباب خَذِئْت وخَذَأْت أخْذَأ ، إذا خضَعْت له خُذُوءاً وخَذْأً. ويقال استخذَيْت واستخذَأْت ، لغتان ، وهم إلى ترك الهمز فيها أمْيَل. وقد قال كثيّر :

فما زِلتُمُ بالناس حتَّى كأنَّهم

مِن الخَوف طَيْرٌ أخَذْأَتْها الأجادلُ

فهمز. يقال أخذَيْتُ فلاناً ، أى أذلَلْتُه.

باب الخاء والراء وما يثلثهما

خرز الخاء والراء والزاء يدلُّ على جَمْع الشَّىء إلى الشىء وضَمِّه إليه.

فمنه خَرْزُ الجِلْدِ. ومنه الخَرَزُ ، وهو معروف ، لأنه يُنْظم ويُنْضَدُ بعضُه إلى

__________________

(١) للأعشى فى ديوانه ١٦٣ واللسان (خذل). وصدره :

كل وضاح كريم جده

(٢) هو جعفر بن علبة. انظر الحماسية رقم ٤ وما سيأتى فى (نوى).


بعض. وفَقَار الظَّهر خَرَزٌ لانتظامه ، وخَرَزاتُ الملك ، كان الملِك منهم كلَّما مَلَكَ عاماً زِيدت فى تاجه خَرَزة ؛ ليْعلَم بذلك عددْ سِنِى مُلْكِه. قال :

رَعَى خَرَزاتِ المُلْكِ عِشرين حِجَّة

وعشرين حَتى فادَ والشيب شاملُ (١)

خرس الخاء والراء والسين أصولٌ ثلاثة : الأول جِنْس من الآنية ، والثانى عدم النُّطق، والثالث نوعٌ من الطعام.

فالأوّل : الخَرْسُ بسكون الراء ، وهو الدَّنّ ، ويقال لصانِعِه الخَرّاس.

والثانى : الخَرَسُ فى الِّلسان ، وهو ذَهاب النُّطق. ويُحمَل على ذلك فيقال كتيبةٌ خَرْساء ، إذا صَمَتَتْ من كثرة الدُّروع ، فليس لها قعْقعةُ سِلاح. ويقال البنٌ أخْرَسٌ : خاثرٌ لا صوتَ له فى الإناء عند الحَلْب. وسحابةٌ خَرْساءُ : ليس فيها رعد.

والثالث : الخُرْس والخُرْسة ، وهو طعامٌ يتَّخَذ للوالِدِ من النِّساء (٢) ، وتلكَ خُرسَتُها. قال :

إذا النُّفْساءُ لم تُخَرَّسْ بِبِكْرِها

طَعاماً ولم يُسْكَتْ بِحِتْرٍ فَطِيمُها (٣)

وزعم ناسٌ أنَّ البِكْرَ تُدْعى فى أوَّل حَمْلها خَرُوساً. وأنشدوا :

شرُّكمْ حَاضرٌ ودَرُّكُمُ دَ

رُّ خَرُوسٍ من الأرانب بِكْرِ (٤)

__________________

(١) للبيد يذكر الحارث بن أبى شمر النسائى. انظر ديوانه ٣٢ طبع ١٨٨١ واللسان (خرز). والكلمتان الأوليان من عجز البيت ساقطتان من الأصل.

(٢) يقال للمرأة والدة على الفعل ، ووالد على النسب ، كما يقال لابن وتامر. وفى الأصل : «للولد من النساء».

(٣) البيت للأعلم الهذلى كما فى اللسان (خرس ، حتر). والرواية فيه : «غلاما» بدل «طعاما».

(٤) البيت لعمرو بن قمينة ، كما فى الحيوان (٥ : ٧٣). وأنشده فى اللسان (خرس) بدون نسبة.


ويقال الخَروس القليلةُ الدَّرِّ.

خرش الخاء والراء والشين أصلٌ واحدٌ ، يدل على انتفاخٍ فى الشىء وخُرُوق.

الأصلُ الخِرْشاءُ ، وهو سَلْخُ الحيّة ، ثم يشبَّه به كلُّ شىءِ يكون فيه تلك الصِّفة ، فيقال للرُّغوة. الخِرشاء. قال مزرِّد :

إذا مَسَ خِرشَاءَ الثُّمَالةِ أنفُه

ثَنَى مِشْفَريه للصَّريح فأقْنَعَا (١)

ويقال طلعت الشَّمسُ فى خِرْشَاءَ ، أى فى غَبَرَة. وألقَى الرّجُل خَراشِىَ. صدرِه ، أى بُصاقاً خاثِراً. فهذا هو الأصل.

فأمّا قولهم كلبُ خِرَاشٍ ، فهو عندنا من باب الإبدال ، قال الراجز :

كأنّ طُبْيَيْهَا إذا ما دَرَّا

كَلْبَا خِرَاشٍ خُورِشا فَهَرَّا

ويجوز أن يكون من خَرَشْتُ الشىءَ ، إذا خدشْتَه ؛ وهو من الأوّل ، كأنّه إذا خُرِش نَفَر ورَبَا وتخرّق. فأمّا قولهم اخترشت الشىءَ ، إذا كسَبْته ، فهو عندنا أيضاً من باب الإبدا ، إنّما هو افترش. وقد ذُكِر فى بابه. وكان ابنُ الأعرابىّ يقول : اختَرَش كَسَبَ. وكان يروى كلاماً تلك (٢) : «رُبَّ ثَدْىٍ افترش ، ونهِب اخْتَرَش ، وضبٍّ احتَرَش». وغيره يَروِى : «ونهبٍ اقترش». والخِراش : سِمَةٌ خفيفة. والخَرَشة : ضربٌ من الذُّباب ، ولعلّه مِن بعض ما مضى ذكرُه.

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (خرش).

(٢) كذا وردت هذه الكلمة. وفى المجمل : «وفى كلام بعضهم : رب ثدى افترشته ، ونهب اخترشته ، وضب احترشته».


خرص الخاء والراء والصاد أصولٌ متباينة جدًّا.

فالأوّل الخَرْص ، وهو حَزْرُ الشىء ، يقال خَرَصْتُ النَّخْلَ ، إذا حَزَرْتَ ثمرَه. والخرَّاصُ : الكذاب ، وهو من هذا ، لأنّه يقول ما لا يعلم ولا يَحُقُّ.

وأصلٌ آخر ، يقال للحَلْقة من الذَّهب خُرْصٌ.

وأصلٌ آخر ، وهو كل ذى شُعْبَةٍ من الشَّىء ذى الشُّعَب. فالخَريص من البحر : الخليج منه. والخِرْص : كل قضيبٍ من شجرة ، وجمعُه خِرصان. قال :

تَرى قِصَد المُرَّانِ تُلْقَى كأنّه

تذرُّعُ خِرصانٍ بأيدى الشَّواطِبِ (١)

ومن هذا الأصل تسميتُهم الرُّمحَ الخِرْص. قال :

* عَضَّ الثِّقافِ الخُرُصَ الخطَيَّا (٢) *

ومنه الأخراصُ ، وهى عيدانٌ تكون مع مُشْتار العَسَل.

وأصلٌ آخر ، وهو الخَرَصُ ، وهو صفة الجائع المقرور ، يقال خَرِصَ خَرصاً

خرض الخاء والراء والضاد. زعم ناسٌ أنّ الخريضَ الجاريةُ الحديثة السنِّ الحسنة. وهذا ممّا لا يعوَّل على مثله ، ولا قياسَ له.

خرط الخاء والراء والطاء أصلٌ واحدٌ منقاسٌ مطَّرد ، وهو مُضىَ الشَّىء ، وانسلاله. وإليه يرجعُ فروع الباب ، فيقال اخترطْتُ السيفَ مِن غِمْده ، وخَرَطت عن الشَّجرةِ ورقَها ، وذلك أنّك إذا فعلْتَ ذلك فكأنَّ الشجرةَ

__________________

(١) البيت لقيس بن الحطيم فى ديوانه ١٢ والمجمل واللسان (خرص).

(٢) لحميد بن ثور. وقبله كما فى اللسان (خرص).

يعض منها الظلف الدنيا


قد انسلَّت منه. وقال قومٌ : الخَرْط قشْر العُود ؛ وهو من ذلك. والخرُوط من الدوابّ : الذى يَجْتَذِبُ رَسَنَه من يد مُمْسِكه ويَمضِى. ويقال اخروَّط بهم السَّير ، إذا امتدَّ. والمخروط : الرجل الطَّويل الوجْه (١). واستخْرَطَ الرجل [فى (٢)] البكاء وذلك إذا ألحَّ ولجَّ فيه مستمرًّا. والخَرَط : داءٌ يصيب ضَرَع الشاة فيخرُج لبنُها متعقِّداً كأنّه قِطَع الأوتار. وهى شاةٌ مُخْرِطٌ (٣) ، فإنْ كان ذلك عادتَها فهى مِخْراط. ويقال المخاريط الحيّاتُ إذا انسلخَلتْ جلودُها. قال :

إنِّى كسانِى أبو قابُوسَ مُرْفَلَةً

كأنّها سَلْخُ أبْكارِ المخاريطِ (٤)

[و] رجلٌ خَرُوطٌ : مُتَهَوِّرٌ يركبُ رأسَه ، وهو القياس. ويقال انخَرَط علينا ، إذا انْدرَأَ بالقول السَّيِّئ. وانخَرَط جسمُ فلانٍ ، إذا دَق ، وذلك كأنّه انسلَّ من لحمه انسلالاً. ويقال خرَطْتُ الفحلَ فى الشَّول ، إذا أرسلتَه فيها.

خرع الخاء والراء والعين أصلٌ واحدٌ ، وهو يدل على الرَّخاوة ، ثم يُحْمل عليه. فالْخِرْوَع نباتٌ ليِّنٌ ؛ ومنه اشتقاق المرأة الخَرِيع ، وهى الليِّنة. وكان الأصمعى يُنكِر أن يكون الخَريعُ الفاجرةَ ، وكان يقول : هى التى تَثَنَّى من الَّلين. ويقال لمِشْفَر البعير إذا تدلَّى خَريع. قال :

خَريعَ النَّعو مضطربَ النَّواحِى

كأخلاق الغَرِيفة ذا غُضُونِ (٥)

وأخذه من عتيبة بن مرداس فى قوله :

__________________

(١) فى الأصل : «الواحد» ، صوابه من المحمل واللسان.

(٢) التكملة من اللسان والقاموس ، وهى ساقطة من الأصل والمجمل أيضا.

(٣) فى الأصل : «مخرطة» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) البيت فى اللسان (رفل) ، وعجزه فى المجمل.

(٥) البيت للطرماح فى ديوانه ١٧٩ واللسان (خرع ، غرف ، نعا). وقبله :

تمر على الوراك اذا المطايا

تقابت النجاد من الوجين


تكفُّ شَبَا الأنْيابِ عنها بمشفرٍ

خَريعٍ كسِبْت الأحوَرِىِّ المُخَصَّرِ (١)

والخَرَع : لينٌ فى المفاصل. ويقال الخُرَاع جُنون النّاقة ؛ وهو من الباب. وممَّا حمل على الخَرْع الشَّقُّ ، تقول خَرعته فانخَرَع. واختَرَع الرجُل كدِبا ، أى اشتقّه. وانخرَعَتْ أعضاءُ البعير ، إذا زَالتْ مِن مواضعها. ويقال المُخَرَّع المختلف الأخلاق. وفيه نظرٌ ، فإنْ صحَّ فهو من خُرَاعِ النُّوق (٢). ويقال خَرِعَتِ النّخلُة ، إذا ذَهَبَ كَرَبُها ، تَخْرَعُ.

خرف الخاء والراء والفاء أصلان : أحدهما أن يُجْتَنَى الشىءُ ، والآخَرُ الطَّريق.

فالأوّل قولهم اخترفْتُ الثَّمرة ، إذا اجتَنَيْتهَا. والخريف : الزّمان الذى مُخْترَفْ فيه الثّمار. وأرضٌ مخروفة : أصابها مطرُ الخريف. والمِخْرَف : الذى يُجْتَنَى فيه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «عائِد المريض على مَخارف الجنّة حتى يرجع (٣)». والعرب تقول : اخْرُفْ لنا ، أى اجْنِ. والمَخْرَف بفتح الميم : الجماعة من النَّخْل وقال بعضُ أهلِ اللغة : إن الخَروفَ يسمَّى خَروفاً لأنّه يَخْرُف مِن هاهنا وهاهنا.

والأصل الآخر : المَخْرَفَة : الطريق. وفى الحديث : «تُرِكتَم على مثل مَخْرَفَةِ النَّعَمِ». أى على الطَّريق الواضح المستقيم. وقال :

__________________

(١) أنشده فى اللسان (خرع ، حور).

(٢) فى الأصل : «وهو من الذى من خراع النوق».

(٣) ليس شاهدا للمخرف الذى يجتبى فيه ، بل هو شاهد لما سيأتى أن المخرف جماعة الخل.


فضربْتَهُ بأفَلَّ تحسَبُ إثْرَهُ

نَهْجاً أبان بذِى فَرِيغٍ مَخْرَفِ (١)

ومن هذا الباب الإخْرَافُ ، وهو أنْ تُنْتَج الناقةُ فى مثل الوقت الذى حَمَلتْ فيه. وهو القياس ؛ لأنها كأنّها لزمت ذلك القَصْدَ فلم تعوّج عنه.

وبقيت فى الباب كلمةٌ هى عندنا شاذّة من الأصل ، وهو الْخَرَف ، والخَرَف : فسادُ العَقْل من الكبر.

خرق الخاء والراء والقاف أصلٌ واحد ، وهو مَزق الشَّىء. وجَوْبُه ، إلى ذلك يرجع فروعه. فيقال : خَرَقْتُ الأرضَ ، أى جُبْتُها. واخترَقَتِ الرِّيح الأرضَ ، إذا جابَتْها. والمخْتَرَق : الموضع الذى يخترقه الرِّياح. قال رؤبة :

* وقاتِمِ الأعماق خاوِى المخْتَرَقْ (٢) *

والخرْق : المَفَازة ، لأنّ الرّياح تخترقُها. والخِرْق : الرجُل السخِىّ ، كأنَّه يتخرَّق بالمعروف. والخرْق : نقيض الرِّفق ، كأنَّ الذى يفعلُه مُتَخَرِّق. والتَّخَرُّق : خَلْقُ الكذب. وريحٌ خرفاءُ : لا تدوم فى الهبوب على جهةٍ. والخَرْفاء : المرأة لا تُحسِن عملا. قال :

خَرْقاء بالخير لا تَهْدِى لوِجْهتِهِ

وهى صَناعُ الأذى فى الأهل والجارِ

والخَرقاء من الشَّاء وغيرها : المثقوبة الأذُن. وبعيرٌ أخرق : يقع مَنْسِمُه بالأرض قبلَ خُفَّه والخِرْقة معروفةٌ ، والجمع خرَق. وذو الخِرَقِ الطُّهوىُّ سمِّى.

بذلك لقوله :

__________________

(١) لأبى كبير الهذلى من قصيدة فى نسخة الشنقيطى من الهذليين ٦١. وأنشده فى اللسان (خرف ، فرغ). وسيعيده فى (فرغ) برواية : «فأجزته».

(٢) ديوان رؤبة ١٠٤.


* عليها الرِّيش والخِرَقُ (١) *

والخِرْقَة من الجراد. القطعة. قال :

قد نَزَلَتْ بساحةِ ابنِ واصلِ

خِرْقةُ رِجْلٍ من جرادٍ نازلِ (٢)

قال الفرَّاء : يقال «مررتُ بِخَرِيقٍ من الأرض بين مَسْحَاوين» ، وهي التى تَّسعت واتَّسع نباتها. والجمع خُرُق. قال :

* فى خُرقٍ تَشْبَعُ مِنْ رَمْرَامِها (٣) *

ومن الباب الخَرَق ، وهو التحيُّر والدَّهَش. ويقال خَرِق الغزالُ ، إذا طافَ به الصَّائد فدَهِش ولَصِق بالأرض. ويقال مثل ذلك تشبيهاً : خَرِق الرَّجُل فى بيته ؛ إذا لم يَبرَح. والخُرَّقُ : طائرٌ يلصَق بالأرض. ثم يُتَّسعُ فى ذلك فيقال الخَرَقُ الحَياء. وحُكِى عن بعض العرب : «ليس بها طُولٌ يَذِيمُها ، ولا قِصرٌ يُخرقُها» ، أى لا تستحْيِى منه فتَخْرَق. والمخاريق : [ما تلعب به الصِّبيان من الخِرق المفتولة (٤)]. قال :

* مخاريقٌ بأيدِى لاعبينا (٥) *

خرم الخاء والراء والميم أصلٌ واحد ، وهو ضرب من الاقتطاع.

__________________

(١) البيت بتمامه كما فى اللسان :

لما رأت إبل هزل خولتها

حاءت مجافا عليها الريش و؟

(٢) الرجز فى اللسان (خرق) والمخصص (٨ : ١٧٤) والجمهرة (٢ : ٢١٣). وكلمة «خرقة» ساقطة من الأصل.

(٣) من رجز لأبى محمد الفقعسى. اللسان (خرق : ٣٦).

(٤) هذه التكملة من اللسان.

(٥) عجز بيت لعمرو بن كلثوم فى معلقته. وصدره :

كأن سيوفنا منا ومنهم


مال خَرَمْتُ الشَّىءَ. واختَرَمَهُم الدَّهر. وخُرِم الرجُل ، إذا قُطِعَتْ وتَرَةُ أنفِه ، لا يبلُغ الجدْعَ. والنَّعت أخرمُ. وكلُّ مُنْقَطَعِ طَرَفِ شىءِ مَخْرِم. يقال لمنقطَعِ أنف الجبل مَخْرِم.

والخوْرَمة : أرنبة الإنسان ؛ لأنَّها منقطَع الأنف وآخره وأَخْرَمُ الكتف : طرف عَيْرِه (١). ويمينٌ ذاتُ مخارِمَ ، أى ذاتُ مخارج ، واحدها مَخْرِم ؛ وذلك أنّ اليمين التى لا يمكن تأوُّلها بوجهٍ ولا كفّارةٍ فلا مخرج لعينها ، ولا انقطاع لحكمها ، فإذا كانت نخلاف ذلك فقد صارت لها مخارِم ، أى مخارجُ ومنافذ ، فصارت كالشَّىءِ فيه خروق. قال :

لا خير فى مالٍ عليه ألِيَّةٌ

ولا فى يمينٍ غيرِ ذاتِ مخَارِمِ

يريد التى لا كَفَّارة لها ، فهى محرْجة مضيّقة. والخَوْرم. صخرةُ فيها خُروق ومما يجرى كالمثل والتشبيه ، قولهم : «تَخرَّم زَنْد فلان» ، إذا سكنَ غضبُه.

خرب الخاء والراء والباء أصلٌ يدل على التثلُّم والتثقُّب. فالخُرْبةُ : الثُّقْبة. والعبد الأخرَب : لثقوب الأذن. والخُرْبُ : ثَقْب الورِك. والخُرْبة : عُروة المزاده.

ومن الباب ، وهو الأصل ، الخَراب : ضدّ العمارة. والخُرْب : منقَطَع الجُمهور من الرَّمل. فأمّا الخارب فسارقُ الإبل خاصَّةً ؛ وهو القياس ، لأن السَّرِق. إيقاع ثُلْمةٍ فى المال

ومما شذّ عن الباب الخَرَب : وهو ذكر أخبارى ، والجمع خِرْبان. وأَخْرُب : موضعٌ. [قال] :

__________________

(١) العير بالفتح : النظم المأتئ. وفى الأصل : «غيره» ، تحريف.


خَرجنا نُغالى الوحش بينَ ثُعَالةٍ

وبين رُحَيَّاتٍ إلى فَجِ أَخْرُبِ (١)

خرت الخاء والراء والتاء أصلٌ يدلُّ على تثقُّبٍ وشِبْهه. فالخَرْت : ثَقْب الإبرة والأخرات : الحَلَقَ فى رءوس النُّسُوع. والخِرِّيتُ : الرجلُ الدّليلُ الماهر بالدَّلالة. وسُمِّى بذلك لشقِّه المَفازةَ ، كأنّه يدخُل فى أخْرَاتِها (٢). ويقال خَرَتْنا الأرض ، إذا عَرَفْناها فلم تَخْفَ علينا طرقُها.

خرث الخاء والراء والثاء كلمةٌ واحدة ، وهو أَسقاط الشَّىء. يقال لأسقاط أَثاث البيت خُرْثِيٌ. قال :

* وعَادَ كلُّ أثاثِ البيت خُرْثِيّا*

خرج الخاء والراء والجيم أصلان ، وقد يمكن الجمعُ بينهما ، إلّا أنّا سلكْنا الطّريقَ الواضح. فالأول : النّفاذُ عن الشَّىء. والثانى : اختلافُ لوَنين.

فأمّا الأول فقولنا خَرَج يخرُج خُروجاً. والخُرَاج بالجسد. والخَراج والخَرْج : الإتاوة ؛ لأنّه مالٌ يخرجه المعطِى. والخَارجىُ : الرَّجل المسوَّد بنفْسه ، من غير أن يكون له قديم ، كأنّه خَرَج بنفسه ، وهو كالذى يقال :

* نفْس عصامٍ سوّدَتْ عِصاما (٣) *

والخُروج : خُروج السحابة ؛ يقال ما أحسن خُروجَها وفلان خِرِّيجُ فلانٍ ،

__________________

(١) البيت لامرئ القيس ، كما فى معجم البلدان (أخرب).

(٢) الأخرات : جمع خرت ، بضم الخاء وفتحها ، وفى الأصل : «أخرتها» ، تحريف.

(٣) عصام هذا ، هو عصام بن شهير الجرمى ، حاجب النعمان بن المنذر. انظر اللسان (عصم) ، والاشتقاق ٣١٧. وبعده فى اللسان :

وعفته الكر والإقداما

وصيرته ملكا؟


إذا كان يتعلَّم منه ، كأنّه هو الذى أخرجَه من حدِّ الجهل. ويقال ناقة مُخْتَرِجَةٌ ، إذا خرجْت على خِلْقة الجَمل. والخَرُوج : الناقةُ تخرُج من الإبل ، تبرُك ناحية ؛ وهو من الخُروج. والخَرِيج فيما يقال : لُعبةٌ لِفتيان العرب ، يقال فيها : خَرَاجِ خَرَاجِ. قال الهذلى (١) :

أرِقْتُ له ذاتَ العِشاءِ كأنّه

مخاريقُ يُدعَى بينهن خَرِيجُ

وبنو الخارجِيَّة : قبيلة ، والنِّسبة إليه خارجىٌ.

وأمّا الأصل الآخر : فالخَرَجُ لونانِ بين سوادٍ وبياض ؛ يقال نعامةٌ خَرْجاءُ وظليمٌ أخرج. ويقال إِنّ الخَرْجاءَ الشّاة تبيضّ رِجْلاها إلى خاصرتها.

ومن الباب أرض مخَرَّجة ، إذا كان نبْتُها فى مكانٍ دونَ مكان. وخَرّجت الراعيةُ المَرْتَعَ، إذا أكلَتْ بعضاً وتركَتْ بعضاً. وذلك ما ذكرناه من اختلاف اللّونين.

خرد الخاء والراء والدال أصلٌ واحدٌ ، وهو صَوْن الشَّىْءِ عن المَسِيس. فالجارية الخَريدة هى التى لم تُمَسَّ قطُّ. وحكى ابنُ الأعرابىّ : لؤلؤةٌ خريدة : لم تُثْقَب. قال وكلُّ عذْراءَ فهى خريدةٌ. وجاريةٌ خَرُودٌ : خَفِرَةٌ ؛ وهى من الباب. قال ابن الأعرابىِّ : أحردَ الرّجُلُ : إِذا أقلَّ كلامَه. يقال : مالك مُخْرِداً. وهو قياسُ ما ذكرناه ؛ لأنّ فى ذلك صَوْنَ الكلام واللسان.

__________________

(١) هو أبو ذؤيب الهذلى. ديوانه ٥٣.


باب الخاء والزاء وما يثلثهما

خزع الخاء والزاء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على القَطْع والانقِطاع. يقال تَخَزّعَ فلانٌ عن أصحابه ، إذا تخلّف عنهم فى السَّير ؛ ولذلك سمِّيت خُزاعةُ ؛ لأنهم تخزّعوا عن أصحابهم وأقاموا بمكَّة (١). وهو قول القائل :

فلما هبَطْنا بطْنَ مَرّ تخزّعت

خُزاعَةُ عَنَّا بالحلول الكَراكِر (٢)

ويقال تخزّعْنا الشَّىءَ بيننا ، أى اقتسمناه قِطَعا. والخَوْزعة : رَمْلة تنقطع من مُعْظم الرّمال.

خزف الخاء والزاء والفاء ليس بشىءِ. فالخَزَفُ هذا المعروفُ ، ولسنا ندرى أعربىٌّ هو أمْ لا. قال ابنُ دريد (٣) : الخَزْف الخَطْر باليَد عند المشْى. وهذا من أعاجيب أبى بَكر.

خزقَ الخاء والزاء والقاف أصلٌ ، وهو يدلُّ على نَفاذِ الشَّىء المرمِىّ به أو اتزازِه. فالخازِق من السّهام المُقَرْطِس ، وهو الذى يرتَزّ فى قِرطاسه وخَزَق الطّائر : دَرَق. والخَزْق : الطَّعْن. والقياس واحد.

خزل الخاء والزاء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الانقطاع والضَّعف. يقال خَزَلْتُ الشىءَ : قطعتُه. وانخَزَل فُلانٌ : ضعُف.

__________________

(١) فى السيرة ٥٩ جوتنجن ومعجم البلدان (مر) أنهم أقاموا بمر الظهران. وهو موضع على مرحلة من مكة.

(٢) البيت لعوف بن أيوب الأنصارى ، كما فى السيرة ومعجم البلدان (مر). وقد نسب فى اللسان (خزع) إلى حسان بن ثابت. وانظر ديوان حسان ٢٠٨.

(٣) الجمهرة (٣ : ٢١٦).


خزم الخاء والزاء والميم أصلٌ يدلُّ على انثقاب الشَّىء. فكلُّ مثقوبٍ مخزومٌ. والطَّير كلُّها مخزُومة ؛ لأنَّ وَتَرَاتِ أنفها مخزُومة. ولذلك يقال نَعام مُخَزَّمٌ. قال :

* وأرفَعُ صوتى للنَّعام المُخَزّمِ (١) *

وخَزَمْت الجَرادَ فى العُود : نَظَمْته. وخَزمْتُ البعيرَ ، إذا جعلْتَ فى وَتَرَةِ أنْفه خِزَامةً من شَعْر. وعلى هذا القياسِ يسمَّى شجرةٌ من الشَّجر خَزَمة ؛ وذلك أنّ لها لِحاءَ يُفتَل منه الحِبال ، والحبال خزِامات.

وقد شذَّ عن الباب الخَزُومة : البقرة (٢). وَكلمةٌ أخرى ، يقال خازَمْتُ الرّجُلَ الطّريقَ ، وهو أن يأخُذَ فى طريقٍ ويأخُذَ (٣) هو فى غيرِه حتَّى يلتقِيا فى مكانٍ واحد. وأخْزَمُ : رجلٌ. فأمَّا قولهم إنّ الأخْزَم الحيَّة الذكرُ ، فكلامٌ فيه نظَر.

خزن الخاء والزاء والنون أصلٌ يدلُّ على صيانة الشَّىءِ. يقال خزَنْتُ الدِّرهَم وغيرَه خَزْناً ؛ وخزَنتُ السِّرَّ. قال :

إذا المرءُ لم يخْزُنْ عليه لِسَانَهُ

فليس على شىءِ سِواهُ بخَزَّانِ (٤)

فأمّا خَزِنَ الّلحمُ : تغيَّرَتْ رائحتُه ، فليس من هذا ، إنما هذا من المقلوب

__________________

(١) البيت لأوس بن حجر ، كما فى الحيوان (٤ : ٣٩٥) وليس فى ديوانه. وصدره :

وينهى ذوى الأحلام عنى حلومهم

(٢) هى بلغة هذيل. ومنه قول أبى ذرة الهذلى :

إن ينتسب ينسب إلى عرق ورب

أهل خزومات وشحاج صغب

(٣) فى الأصل : «واحد».

(٤) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ١٢٥. وفى اللسان بدون نسبة : فلس على شي سواء بخازن.


والأصل خنِزَ. وقد ذُكِر فى موضعه. قال طرَفة فى خزِن :

ثم لا يَخْزَنُ فينا لحمُها

إنَّما يَخْزَنُ لحمُ المُدَّخِرْ (١)

خزو الخاء والزاء والحرف المعتل أصلان : أحدهما السياسة ، والآخر الإبعاد.

فأمَّا الأول فقولهم خَزَوتُهُ ، إذا سُسْتَه. قال لبيد :

* واخْزُهَا بالبِرِّ لله الأجَلّ (٢) *

وقال ذو الأصبع :

لاهِ ابنُ عَمِّكَ لا أفْضَلْتَ فى حسبٍ

عَنِّى ولا أنتَ دَيّانِى فتخزونِى (٣)

وأمَّا الآخَر فقولُهم : أخزَاهُ الله ، أى أبعَدَه ومَقَتَه. والاسم الخِزْى. ومن هذا الباب قولهم خَزِى الرّجُل : استحيا مِن قُبْح فِعله خَزَايةً ، فهو خَزيان ؛ وذلك أنّه إذا فعل ذلك واستحيا تباعَدَ ونأى. قال جرير :

وإنّ حِمًى لم يَحْمِهِ غيرُ فَرْتَنَى

وغيرُ ابنِ ذِى الكِيرَيْنِ خَزْيانُ ضائعُ (٤)

خزب الخاء والزاء والباء يدلُّ على وَرَم ونتُوّ فى الّلحم. يقال خَزِبَت الناقةُ خَزَباً ، وذلك إذا وَرِم ضَرْعُها. والأصل قولهم لحمٌ خزِبٌ : رَخْصٌ. وكلُّ لحمةٍ رَخْصَةٍ خَزِبَة.

__________________

(١) ديوان طرفة ٦٦ واللسان (خزن).

(٢) ديوان لبيد ١٢ طبع ١٨٨١ والمجمل واللسان (خزا). وصدره :

غير أن لا تكذبنها في التقى

(٣) المفضليات (١ : ١٥٨ ، ١٦٠) والمجمل واللسان (خزا). وسيأتى فى (لاه).

(٤) ديوان جرير ٣٧٠ والمجمل واللسان (خزا).


خزر الخاء والزاء والراء أصلان. أحدهما جِتْسٌ [من] الطَّبيخ (١) ، والآخر ضِيقٌ فى الشَّيء.

فالأوّل الخَزِيرُ ، وهو دقيقٌ يُلْبَكُ بشَحْم. وكانت العربُ تَعَيِّر آكِلَه (٢).

والثانى الخَزَر ، وهو ضيق العَيْنِ وصِغَرُها. يقال رجلٌ أخْزَرُ وامرأةٌ خَزْراءُ. وتخازَرَ الرّجُل ، إذا قبَض جفنَيه ليحدِّد النّظَر. قال :

* إذا تخازَرْتُ وما بى مِن خَزَرْ (٣) *

باب الخاء والسين وما يثلثهما

خسف الخاء والسين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على غموض وغُؤُور ، وإليه يرجعُ فُروع الباب. فالخَسْف والخَسَف (٤) غموضُ ظاهرِ الأرض. قال الله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ).

ومن الباب خُسوفُ القَمَر. وكان بعضُ أهل اللُّغة يقول : الخُسوف للقمر ، والكُسوف للشمس. ويقال بئرٌ خَسِيفٌ (٥) ، إذا كُسِرَ جِيلُها (٦) فانهارَ

__________________

(١) فى الأصل : «البطيخ» ، تحريف.

(٢) منه قول جرير :

وضع المزبر فقيل أين مجاشع

مشعا؟ جراف هبا

(٣) الرجز لعمرو بن العاص ، فى وقعة صفين ٤٢١ وكذا فى اللسان (مرر) قال : «وهو المشهور. ويقال إنه لأرطاة بن سهية تمثل به عمرو». وانظر اللسان (خزر) والمخصص (١٤ ١٨٠) وأمالى القالى (١ : ٦).

(٤) كذا فى الأصل مع الضبط. والذى فى المعاجم المتداولة : الخسف والخسوف.

(٥) فى الأصل : «هو خسيف» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٦) جيل البئر ، بالكسر ، وكذا جالها وجولها : جدارها وحانبها. وفى الأصل والمجمل والجمهرة واللسان : «جبلها» تحريف ، صوابه ما أثبت.


ولم ينتَزَحْ ماؤُها. قال :

* قَليذَمٌ من العَياليم الخُسُفْ (١) *

وانخسفَت العينُ : عمِيَتْ. والمهزول يسمَّى خاسفاً ؛ كأنّ لحمَه غارَ ودخَل. ومنه : بات على الخَسْفِ ، إذا باتَ جائعاً ، كأنّه غاب عنه ما أرادَه مِن طعام. وَرضِىَ بالخَسْفِ ، أى الدنِيّة. ويقال : وقَع النّاسُ فى أخاسِيفَ من الأرض ، وهى الليّنة تكاد تَغْمِضْ لِلِينها.

وممّا حُمِل على الباب قولُهم للسحاب الذى [يأتى (٢)] بالماء الكثير خَسِيفٌ ، كأنَّه شُبِّه بالبئر التى ذكرناها. وكذلك قولهم ناقة خَسِيفة (٣) ، أى غزيرة فأمّا قولهم إنّ الخَسْفَ الجَوزُ المأكولْ فما أدرى ما هُو.

خسق الخاء والسين والقاف ليس أصلاً ؛ لأنَّ السِّين فيه مُبدلةٌ من الزاء ، وإنّما يُغَيَّر الّلفظُ ليغيَّر بعضُ المعنى. فالخازق من السِّهام : الذى يرتزُّ إذا أصابَ الهدف. والخاسق : الذى يتعلَّق ولا يرتَزُّ. ويقولون ـ والله أعلم بصحته ـ إنَّ الناقة الخَسُوقَ السيّئةُ الخُلُق.

خسل الخاء والسين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ضَعْفٍ وقِلّةِ خَطَر. فالمَخْسُول : المرذول. ورجالٌ خُسَّلٌ مثل سُخَّل ، وهم الضُّعَفاء. والكواكب المخسولة : المجهولة التى لا أسماءَ لها. قال :

__________________

(١) لأبى واس فى مرثية خلف الأحمر. انظر ديوانه ١٣٢ والحيوان (٣ : ٤٩٣) ومحاضرات الراغب (١ : ٤٩ / ٢ : ٢٣٦).

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) وكذا فى المجمل. لكن فى اللسان والقاموس «خسيف» بطرح الفاء.


ونحنُ الثُّرَيّا وجوزاؤُها

ونحنُ السّما كانِ والمِرْزَمُ

وأنتُم كواكبُ مَخْسُولةٌ

تُرَى فى السّماء ولا تُعْلَمُ (١)

خسأ الخاء والسين والهمزة يدلُّ على الإبعاد. يقال خَسَأْتُ الكلبَ. وفى القرآن : (قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) ، كما يقال ابعُدوا.

خسر الخاء والسين والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على النَّقْص. فمن ذلك الخُسْر والخُسْران ، كالكُفْر والكُفْران ، والفُرْق والفُرقان. ويقال خَسَرْتُ المِيزانَ وأخْسَرْتُه ، إذا نقَصْتَه. والله أعلم.

باب الخاء والشين وما يثلثهما

خشع الخاء والشين والعين أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على التَّطامُن. يقال خَشْع ، إذا تطامَنَ وطَأْطأَ رأسَه ، يخشَع خُشوعاً. وهو قريبُ المعنى من الخضوع ، إلّا أنّ الخُضوع فى البدَن والإقرارُ بالاستخذاء ، والخشوعَ فى الصَّوتِ والبصر. قال الله تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ). قال ابنُ دريد : الخاشِع المستكينُ والرَّاكع. يقال اختشعَ فلانٌ ، ولا يقال اختَشَع بَصرُه. ويقال : خَشَع خَراشِىَّ صدْرِه ، إذا ألْقىُ بزاقاً لزِجاً. والخُشْعَة : قِطعةٌ من الأرض قُفٌّ قد غلبَتْ عليه السُّهولة. يقال قُفٌ خاشع : لاطِئٌ بالأرض. قال ابنُ الأعرابىّ : بلدةٌ خاشعة : مُغْبَرَّة. قال جريرٌ :

__________________

(١) البيتان فى المجمل واللسان (خسل ، سخل) ، إذ يروى فِيه «مسخولة». وأنشد البيت الثانى فى الأزمة والأمكنة (٢ : ٣٧٣).


لَمّا أتى خبرُ الزُّبَيْرِ تواضعت

سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ (١)

قال الخليل. خَشَعَ سَنامُ البَعير ، إذا ذهَبَ إلّا أقلُه

خشف الخاء والشين والفاء يدلُّ على الغُموض والسَّتْر وما قارب ذلك. فالخُشَّاف : طائرُ الليل ، معروف (٢). والمِخْشَف : الرّجل الجَرىءُ على اللّيل. ويقال خَشَفَ يَخْشِفُ خُشُوفاً ، إذا ذهَبَ فى الأرض وهو قياس الباب. والأخْشَف : البعير الذى غطَّى جلدَه الجربُ ؛ لأنّه إذا غطَّاه فقد سَتَره. وسيف خَشِيفٌ : ماضٍ ، فى ضريبَتِه غُموضٌ (٣). والخشْفَة : الصَّوت ليس بالشديد. ومما شذَّ عن الأصل الخَشُف : وهُوَ الغزَال. وهو صحيح. ويقولون ـ والله أعلم ـ إنَ الخشيف الثّلج ويبيس الزَّعفَران (٤). وخشَفْت رأسَه بالحجر ، إذا فضخْته. فإنْ كان هؤلاء الكلماتُ الثّلاثُ صحيحةً فقياسُها قياسٌ آخر ، وهو من الهَشْمِ والكَسْر.

خشل الخاء والشين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حَقارة وصِغَر. قالوا : الخَشْل الردىُّ مِن كلِّ شىء. قالوا : وأصلُه الصِّغار من المُقْل ، وهو الخَشْل. الواحدة [خَشْلة]. قال الشمَّاخ يصف عُقَاباً ووكْرَه :

تَرَى قِطعاً من الأحناش فيه

جماجِمُهنَ كالخَشَلِ النَّزِيعِ (٥)

يقول : إنّ فى وكره رءوسَ الحيّات. ويقال لِرُءُوس الحَلى ، من الخلاخيل

__________________

(١) انظر خزانة الأدب (٢ : ١٦٦).

(٢) وهو الذى يقال له الخفاش.

(٣) فى الأصل : «فى ضريبته غموض فيها».

(٤) ذكر فى القاموس ولم يذكر فى اللسان.

(٥) ديوان الشماخ ٦١ واللسان (خشل).


والأسورة خَشْل. وهذا على معنى التشبيه ، أو لأنَّ ذلك أصغرُ ما فى الحَلْى. وكان الأصمعىُّ يفسِّر بيت الشماخ على هذا. قال : وشبّه رءوس [الأحناش] بذلك ، وهو أشْبَه. ويقال إنّ الخَشْل البَيْض إذا أخرج ما فى جَوْفه. فإن كان هذا صحيحاً فلا شىءَ أحقَرُ من ذلك. وهو قياس الباب.

خشم الخاء والشين والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ارتفاعٍ. فالخَيْشوم : الأنف. والخَشَم: داءٌ يعتَرِيه. والرجل الغليظُ الأنْفِ خُشَام. والمُخَشَّم : الذى ثار (١) الشَّرابُ فى خَيشومه فسَكِر. وخياشيم الجِبال : أنوفُها.

وشذَّت عن الباب كلمةٌ إن كانت صحيحة. قالوا : خَشِم اللّحمُ تغيّر.

خشن الخاء والشين و* النون أصلٌ واحد ، وهو خلافُ اللِّين. يقال شىءٌ خَشِنٌ. ولا يكادُون يقولون فى الحجَر إلَّا الأخْشَن. قال :

* [و] الحجرُ الأخْشَنُ والثِّنَايَهْ (٢) *

واخشَوْشَنَ الرَّجُل ، إذا تماتَنَ وترك التُّرْفَةَ. وكتيبة خشناءُ ، أى كثيرة السِّلاح.

خشى الخاء والشين والحرف المعتل يدلُّ على خَوف وذُعْر ، ثمّ يحمل عليه المجاز. فالخَشَية الخَوْف. ورجلٌ خَشْيَانُ. وخاشَانِى فلانٌ فخشَيْتُه ، أى كنتُ أشدَّ خَشْيةً منه.

والمجاز قولهم خَشِيت بمعنى عَلِمت. قال :

ولقد خَشِيت بأن مَن تَبِعَ الهُدى

سكَنَ الجِنَانَ مع النبىَّ محمدٍ (٣)

__________________

(١) فى الأصل والمجمل : «ـ و» ، صوابه فى اللسان.

(٢) انظر ما سبق فى مادة ثنى (١ : ٣٩١) ، وكما اللسان (خشن).

(٣) البيت فى المجمل واللسان (خشى).


أى علِمتُ. ويقال هذا المكانُ أخْشَى من ذلك ، أى أشدُّ خوفاً.

ومما شذَّ عن الباب ، وقد يمكن الجمعُ بينهما على بُعدٍ ، الخَشْوُ : التمر الحَشَف. وقد خَشَتِ النَّخلةُ تَخْشُو خَشْواً. والخَشِىُ من اللّحم (١) : اليابسُ

خشب الخاء والشين والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خشونةٍ وغِلَظ. فالأخْشَب : الجَبَلُ الغليظ. ومن ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم ، فى مكّة : «لا تَزُول حَتَّى يَزُولَ أخْشَبَاها». يريد جبلَيْها. وقول القائل يصف بعيراً :

* تَحْسبَ فَوقَ الشَّوْلِ مِنْه أخْشَبَا (٢) *

فإنّه شبَّهَ ارتفاعَه فوق النُّوق بالجَبَل. والخَشِيب السيف الذى بُدِيءَ طَبعُه ؛ ولا يكون فى هذه الحال إلّا خَشِناً. وسهمٌ مَخْشوبٌ وخشيبٌ ، وهو حين يُنْحَتُ. وجَمَلٌ خشيب : غليظ. وكلُّ هذا عندى مشتقٌّ من الخشَب وتخشَّبت الإبل ، إذا أكَلَتِ اليبيسَ من المرعَى. ويقال جَبْهةٌ خَشْبَاء : كريهة يابسة ليست بمستوية. وظَليمٌ خشيبٌ : غليظ. قال أبو عُبيد : الخشيبُ السَّيفُ الذى بُدِئَ طبعُه ، ثمّ كثُر حتَّى صار عندهم الخشيبُ الصقيلَ.

خشر الخاء والشين والراء يدلُّ على رداءةٍ ودُونٍ. فالْخشَارة : ما بقى [على] المائدةِ ، ممّا لا خيرَ فيه. يقال خَشَرْتُ أَخْشِر خَشْراً ، إذا بَقَيْت الرَّدِىّ (٣). ويقال الخُشَارة من الشَّعير : ما لا لُبَّ له ، فهو كالنُّخَالة. وإنّ فُلاناً لِمَنْ خُشارة النّاس ، أى رُذَالِهم.

__________________

(١) فى اللسان والمجمل : «من الشجر».

(٢) وكذا فى اللسان والمخصص (١٠ : ٧٧) ، فالضمير فى «منه» للبعير ، لكن فى المجمل «منها» ، وضمير هذه للنوق.

(٣) فى المجمل : «خشرت ذاك إذا أبقيته» ، والمعنيان مذكوران فى اللسان.


باب الخاء والصاد وما يثلثهما

خصف الخاء والصاد والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على اجتماعِ شىءُ إلى شىء. وهو مطّرِدٌ مستقيم. فالخَصْف خَصْفُ النَّعْل ، وهو أن يُطَبَّق عليها مثلُها. والمِخْصَف : الإشْفَى والمِخْرزُ. قال الهذلى (١) :

حَتَّى انتهَيْتُ إلى فِراشِ عَزِيزةٍ

سَوداءَ رَوْثَةُ أَنفِها كالمِخْصفِ (٢)

يعنى بِفراش العَزيزة عُشَّ العُقَاب.

ومن الباب الاختصاف ، وهو أن يأخذ العُرْيانُ على عَوْرته ورقاً عريضاً أو شيئا نحْوَ ذلك يَسْتَترُ به. والخصِيفة : اللَّبنُ الرائبُ يُصَبُّ عليه الحليب.

ومن الباب ، وإن كانا يخْتلفانِ فى أنّ الأوّل جَمْعُ شىءِ إلى شىء مطابقةً ، والثانى جَمْعه إليه من غير مطابقة ، قولُهم حَبْلٌ خَصِيفٌ : فيه سوادٌ وبياض. قال بعضُ أهلِ اللُّغة : كل ذى لونينِ مجتمعين فهو خَصِيفٌ. قال : وأكثر ذلك السَّوادُ والبياضُ. وفرس أَخْصَفُ ، إذا ارتفَعَ البلَق من بطنه إلى جنْبَيه.

ومن الباب الخَصَفةُ ، وهى الجُلَّةُ من التَّمْرِ ؛ وتكون مخصوفةً. قال :

* تَبِيعُ بَنِيهَا بالخِصافِ وبالتَّمْرِ (٣) *

ومن الذى شذَّ عن هذه الجملة قولُهم للنّاقة إذا وضعت حَمْلَها بعد تسعة أشهر : خَصَفَتْ تخْصِف خِصافاً ؛ وهى خَصُوفٌ.

__________________

(١) هو أبو كبير الهذلى ، من قصيدة له فى ديوان الهذليين ٦٤ نسخة الشنقيطى. والبيت منسوب إليه فى اللسان (روث ، عزز ، خصف).

(٢) الروثة : المنقار. وفى الأصل : «لوثة» ، صوابه من المصادر المتقدمة.

(٣) عجز بيت للأخطل فى ديوانه ١٣١ واللسان (خصف). وصدره :

فطاروا شقالا لاثنين فعامر


خصل الخاء والصاد واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على القَطْعِ والقِطعةِ من الشَّىء ، ثم يُحمَل عليها تشبيهاً ومجازاً. فالخَصْل القَطْع. وسيف مِخْصَل : قطَّاع (١). والخُصْلة من الشّعْرَ معروفة. والخَصِيلة : كلُّ لحمةٍ فيها عَصَبٌ. هذا هو الأصل.

وممّا حُمِل عليه الخُصَل * أطراف الشّجرِ المتدلّيةُ. ومن هذا الباب الخَصْل فى الرِّهان ، وذلك أن تُحْرِزَه. والذى يحرزُه طائفةٌ من الشىء. ثمَّ قيل : فى فلانٍ خَصْلةٌ حَسنَةٌ وسيِّئة. والأصل ما ذكرناه.

خصم الخاء والصاد والميم أصلان : أحدهما المنازعة ، والثانى جانبُ وِعاءِ.

فالأوّل الخَصْمُ الذى يُخاصِم. والذّكرُ والأنثى فيه سواء. والخِصام : مصدرُ خاصمتُه مخاصَمةً وخِصاماً. وقد يجمع الجمعُ على خُصومٍ. قال :

* وقد جَنَفَتْ عَلَىَ خُصُومِي (٢) *

والأصل الثانى : الخُصْم جانب العِدْل الذى فيه العُرْوة. ويقال إنّ جانبى كلِّ شىءِ خُصْمٌ. وأخْصامُ العين : ما ضُمَّتْ عليه الأشفار. ويمكن أنْ يُجمَع بين الأصلين فيردَّ إلى معنًى واحد. وذلك أنّ جانِبَ العِدل مائلٌ إلى أحد الشقْينِ ، والخَصْم المنازِعُ فى جانبٍ ؛ فالأصل واحدٌ.

خصن الخاء والصاد والنون ليس أصلاً. وفيه كلمةٌ واحدة إن صَحَّت. قالوا : الخَصِين: الفأس الصَّغيرة.

__________________

(١) فى اللسان أنه لغة فى «المفصل». فهو من باب الإبدال.

(٢) قطعة من بيت للبيد فى اللسان (جنف). وهو بتمامه :

إلى امرؤ منعت أرومة عامر

ضيمي وقد جتفت على خصومى


خصى الخاء والصاد والحرف المعتل كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاسُ عليها إلّا مجازاً ، وهى قولُهم خَصَيتُ الفَحْل خَصْياً. و «برِئْتُ إليك من الخِصاء». ومعنى خَصَيْت فعلٌ مشتقٌّ من الخُصْى ؛ وهو إيقاعٌ به ، كما يقال ظَهَرْتُه وبطنته ، إذا ضربتَ ظهْرَه وبطنَه. فكذلك خَصَيته : نزعت خُصْيَيْه.

خصب الخاء والصاد والباء أصلٌ واحد، وهو ضدُّ الجَدْب. مكانٌ مخْصِبٌ : خَصِيبٌ. ومن الباب الخِصَاب : نَخْل الدَّقَل (١).

خصر الخاء والصاد والراء أصلان : أحدهما البَرْد ، والآخر وسَط الشَّىء.

فالأوّل قولُهم خَصِر الإنسانُ يَخْصَر خَصَراً ، إذا آلَمهُ البَرد فى أطرافه. وخَصِر يومنا خَصراً ، أى اشتدَّ برْدُه. ويومٌ خَصِرٌ. قال حسان :

رُبَّ خالٍ لِىَ لو أبْصَرْتِهِ

سَبِطِ المِشْيةِ فى اليومِ الخَصِرْ (٢)

وأمَّا الآخَر فالخَصْر خَصْر الإنسانِ وغيره ، وهو وَسَطُه المستدِقُّ فوق الورِكين. والمُخَصَّر : الدقيق الخَصْر. ومنه النَّعلُ المُخَصَّرَة. وأما المِخْصَرَةُ فقضيبٌ أو عصاً يكون مع الخاطب إذا تكلَّم ؛ والجمعُ مَخاصر. قال :

* إذا وصَلُوا أيمانَهُمْ بالمخاصر (٣) *

__________________

(١) الخصاب : جمع خصبة ، بالفتح. والدقل ؛ بالتحريك : ضرب من التمر ردئ.

(٢) ديوان حسان ٢٠٥ واللسان (خصر). وقبله :

سألت حسان من أخوانه

إنما يسأل به لشيء الغمر

قلت أخواني بنو كب إذ

أسلم الأبطال هورات الدبر

(٣) صدره كما فى اللسان (حصر) :

يكاد بزيل الأرض وقع خطابهم

وجاء فى شعر صفوان الأنصارى فى البيان والتبيين (١ : ٣٨) :

ولا الناطق التخار والشيخ دغل

إذا وصلوا أيمانهم بالمخاسر


وإنّما سُمّيت بذلك لأنّها تُوازِى خَصْر الإنسان. والمَخاصَرة : أن يأخذ الرجل [بيَدِ آخَر (١)] ويتماشَيانِ ويَدُ كلِّ واحدٍ منهما عندَ خَصْرِ صاحبِه. قال :

ثُمَ خاصَرْتُها إلى القبَّة الخَضْرَاءِ تمشِي فى مَرْمَرٍ مَسْنُونِ (٢) وخَصْر الرّمْل : وسَطَه. قال:

أخَذْنَ خُصُورَ الرّمْلِ ثمَّ جَزَعْنَه

على كُلِّ قَيْنِىٍّ قَشيبٍ وَمُفْأَمِ (٣)

والاختصار فى الكلام : تَرْكُ فُضولهِ واستيجاز معانيه. وكان بعضُ أهل اللغة يقول الاختصار أخْذُ أوساط الكلامِ وتَرْكُ شُعَبِه. ويقال إنّ المخاصرةَ فى الطَّريق كالمحازَمَة (٤). وقد ذُكِر. والله أعلم

باب الخاء والضاد وما يثلثهما

خضع الخاء والضاد والعين أصلان : أحدُهما تطامُنٌ فى الشَّىء ، والآخرُ جنسٌ من الصّوت.

فالأوّل الخُضُوع. قال الخَليل. خضع خُضوعاً ، وهو الذلُّ والاستخذاء. واختَضَع فلانٌ ، أى تذلّل وتقاصر. ورجلٌ أخْضَعُ وامرأة خَضْعاء ، وهما الرّاضِيانِ

__________________

(١) التكملة من المجمل واللسان.

(٢) لأبى ذهيل الجمحى ، كما فى اللسان (خصر) والأغانى (٦ : ١٥٧). ويروى لعبد الرحمن ابن حسان.

(٣) أنشد صدره فى المجمل واللسان. ولعله رواية فى بيت معلقة زهير :

طهرن من السوبان ثم جزء

هل كل فشبب ومفام

(٤) المحارمة ، بالخاء المعجمة والزاى. وفى الأصل : «كالمخارمة» وفى المحمل : «كالمخادمة» ، صوابهما فى اللسان (خزم).


بالذُّلِّ. قال العجاج :

وصرتُ عبداً للبَعوضِ أخْضَعَا

يَمَصُّنِى مَصَّ الصَّبِىِّ المُرْضِعا (١)

وقال غيره : خَصَعَ الرّجلُ ، وأخْضَعَهُ الفقرُ. ورجلٌ خُضَعةٌ : يَخْضَعُ لكلِّ أحَد. قال الشَّيبانىّ : الخَضَع انكبابٌ فى العُنُق إلى الصَّدْر ؛ يقال رجُلٌ أخْضَع وعُنُقٌ خَضْعاء. قال زهير:

وَرْكاء مُدْبِرةً كَبْدَاءِ مُقْبِلَةً

قوْداء فيها إذا استعرضْتَها خَضَعُ (٢)

قال بعض الأعراب : الخَضَعُ فى الظِّلمانِ : انثناء فى أعناقها. قال أبو عمرو : المُختضِع من اللواحم المتطامِنُ رأسُه إلى أسفلِ خُرطومِه. قال النابغة (٣) :

أهْوَى لها أمْغَرُ السَّاقين مختضِعٌ

خُرطومُه من دِماء الصَّيدِ مختضبُ

قال ابنُ الأعرابىّ : الأخضع المتطامِن. ومنه حديث الزبير : «أَنّه كان أخْضَعَ أشعَر». قال أبو حاتم : الخُضْعانُ (٤) أنْ تخضَع الإبلُ بأعناقِها فى السَّير ، وهو أشدُّ الوَضْع. قال : ويقال أَخْضَعَه الشَّيبُ وخَضَعَه. قال : ويقال اختضَع الفحلُ النّاقَة ، وهو أنْ يُسَانَّها (٥) ثم يَخْتَضِعها إلى الأرض بكلكَلِه. ويقال خضَع النَّجمُ ، إذا مالَ للمغيب. قال امرؤ القيس :

بَعَثْتُ إليها والنجومُ خواضعٌ

بِلَيْلٍ حِذاراً أنْ تَهُبَّ وتُسْمَعَا

__________________

(١) ديوان العجاج ٨٢ واللسان (خضع).

(٢) قبله فى ديوان زهير ٢٣٧ :

لقد طقت بأولى القوم تحملني

لما تذاءب للمشبوبة النزع

(٣) ليس فى ديوانه.

(٤) بالضم ، كالغفران والكفران ، وبالكسر ، كالوجدان.

(٥) يقال سان البعير الناقة يسانها مسانة وسنانا : عارضها للتنوخ ليفدها.


قال ابن دريد : خَضَع الرّجلُ وأخْضَع ، إذا لانَ كلامُه. وفى الحديث : «نهى أنْ يُخضِع الرّجلْ لغير امرأته». أى يليِّن كلامه.

وأمّا الآخر فقال الخليل : الخَيْضعَةُ : التفافُ الصَّوت فى الحربِ وغيرِها. ويقال هو غُبَار المعركة.

وهذا الذى قِيل فى الغُبار فليس بشىء ؛ لأنّه لا قِياسَ له ، إلا أن يكون على سبيلِ مجاوَرَةٍ. قال لبيدٌ فى الخَيْضعة :

* الضاربُونَ الهامَ تحتَ الخَيْضَعَهْ (١) *

قال قومٌ : الخُيضعة مَعركةُ القِتال ؛ لأنّ الأقران يَخضعُ فيها بعضٌ لبعضٍ وقد عادت الكلمةُ على هذا القول إلى الباب الأول.

قال ابنُ الأعرابىّ : وقع القومُ فى خَيْضَعةٍ ، أى صَخَب واختلاطٍ. قال ابنُ الأعرابىّ : والخَضِيعة الصَّوتُ الذى يُسمَع مِن بطن الدابّة إذا عدَتْ ، ولا يُدرَى ما هُوَ ، ولا فِعْلَ من الخضيعة. قال الخليل : الخَضِيعة ارتفاعُ الصَّوت فى الحرب وغيرِها ، ثمَّ قِيل لما يُسمَع من بطن الفرس خَضِيعة. وأنشد :

كأنّ خَضِيعةَ بطنِ الجوَا

دِ وعْوَعةُ الذِّئبِ فى فَدْفَدِ (٢)

قال أبو عمرو : ويقال خَضَع بطنُه خَضِيعةً ، أىْ صوّتَ.

__________________

(١) البيت من أرجوزة للبيد فى ديوانه ٧ ـ ٨ وأمالى ثعلب ٤٤٩ والخزانة (٤ : ١١٧) وانظرها مع قصتها فى الخزانة وأمالى المرتضى (١ : ١٣٤ ـ ١٤٧) والحيوان (٥ : ١٧٣) والأغانى (١٤ : ٩١ ـ ٩٢) ولعمدة (١ : ٢٧).

(٢) نسب فى اللسان (خضع) لامرئ القيس.


قال بعضهم : الخَضُوع من النساء : التى تسمَع لخواصرهَا صَلصلةً كصوتِ خَضِيعة الفرَس. قال جندل (١) :

ليست بسَوداءَ خَضُوعِ الأعْفاجْ

سِرْداحةٍ ذاتِ إهابٍ مَوَّاجْ

قال أبو عبيدة : الخَضِيعتانِ لحمتانِ مجوَّفتان فى خاصِرَتَى الفرس ، يدخُل فيهما الرّيح فيسمع لهما صوتٌ إذا تَزَيَّد فى مَشْيه. قال الأصمعىّ : يقال : «للسِّياط خَضْعَةٌ ، وللسُّيوف بَضْعة». فالخَضْعة : صوتُ وقْعِها ، والبَضْعَةُ : قَطْعُها اللّحم.

خضف الخاء والضاد والفاء ليس أصلاً ولا شغل به (٢). ويقولون خَضِف إذا خَضَم(٣). والخَضَفُ : البِطيِّخ ، فيما يقولون.

خضل الخاء والضاد واللام أصلٌ واحد يدلُّ على نَعْمةٍ وندْى يقال أخْضَلَ المطرُ [الأرض] فهو مُحْضِلٌ ، والأرض مُخْضَلَةٌ. واخضلّ الشَىءُ : ابتلّ. والخَضِلُ : النَّبات الناعم. ويقال إنّ الخضيلةَ الرَّوضة. ويقال لامرأة الرّجُل خُضُلَّتُه (٤) ، وهو من هذا وذلك ، كما سُمّيَت طَلَّة ، لأنّها كالطّلَ فى عَينِه. وكل نِعمة خُضُلّة. قال :

إذا قلتُ إنّ اليومَ يومْ خَضُلّةٍ

ولا شرْزَ لاقيتُ الأمورَ البَجَارِيا (٥)

__________________

(١) هو جندل بن المثنى الطهوى ، أحد رجازهم.

(٢) كذا فى الأصل.

(٣) خضم ، بالحاء والضاد المعجمتين ، أى ضرط. ومثله «حصم» بالمهملتين. وفى الأصل : «خصم» ، تحريف. وفى المحمل : «حق».

(٤) قال بعض سجعة فنيان العرب : «تمنيت خضلة ، ونعلين وحلة».

(٥) لمرداس الدبيرى ، كما فى اللسان (خضل ، شرز). وفى الأصل : «ولا شر» ، صوابه فى المجمل واللسان* والشرر : الشديدة من شدائد الدهر.


خضم الخاء والضاد والميم أصلان : جنسٌ من الأكل ، والآخَر يدلُّ على كثرةٍ وامتلاء.

فالأوّل الخَضْم ، وهو المصغ بأقصى الأضراس. وفى الحديث : «تَخْضِمون ونَقْضَمُ ، والموعد الله».

والأصل الآخَر : الخِضَمُ : الرجُل الكثير العطيَّة. والخِضَمُ : الجَمْع الكثير. قال :

* فاجتَمَع الخِضَمُ والخِضَمُ (١) *

وأما المِسَنّ (٢) فيقال له الخِضَمُ تشبيهاً ، وإنّما ذاك من قياس الباب ؛ لأنّه يُسقى ماءً كثيراً. وحُجَّتُه قول أبى وجْزة :

* على خِضَمٍ يُسَقَّى الماءَ عَجّاجِ (٣) *

ومن الباب الخُضُمَّة ، وهى عَظْمة الذّراع ، وهو مُسْتَغْلَظُها. ويقال إنّ مُعظم كلِّ شىء خُضُمَّةٌ.

خضن الخاء والضاد والنون أصلٌ واحد صحيح. فالمُخَاضَنة : المُغازلة. قال الطرمّاح :

وألقتْ إلىَّ القولَ منهنَّ زَوْلةٌ

تُخَاضِنُ أوْ ترنُو لِقولِ المُخَاضِنِ (٤)

__________________

(١) للعجاج فى ديوانه ٦٣ واللسان (خضم). وبعده :

فخضموا أمرهم وزموا

(٢) المسن : الذى يسن عليه الحديد ونحوه. وأخطأ بعض اللغويين فجعله المسن من الإبل.

(٣) صدره كما فى اللسان (خضم) :

حرى موقعة ماج البنان بها

(٤) ديوان الطرماح ١٦٤ واللسان (خضن). وفى صلب الديوان :

وألفت إلى القول عنهن زو؟

تلاحن أو ترنو لقول أشلاحن

وهذه الرواية أيضا فى اللسان (لحن).


خضب الخاء والضاد والباء أصلٌ واحدٌ ، وهو خَضْبُ الشَّىء يقال خضبت اليدَ وغيرَها أخْضِبُ. ويقال للظليم خاضِبٌ ، وذلك إذا أكَلَ الرَّبيعَ فاحمرَّ ظُنْبوباه أَو اصفَرَّا. قال أبو دُوَاد :

له ساقا ظليم خا

ضبٍ فُوجِئَ بالرُّعْبِ (١)

ولا يقال إلّا للظَّليم ، دُونَ النعامة. يقال : امرأةٌ خُضَبَةٌ : كثيرة الاختضاب ويقال [خَضَبَ] النّخلُ ، إذا اخضرَّ طَلْعُه. وقال بعضهم : خضب الشجر يَخْضب (٢) إذا اخْضَرَّ ؛ واخضَوْضَب. والكَفُ الخَضيبُ : نجم ؛ وهذا على التَّشبيه. وأَمّا الإجَّانة وتسميتُهم إيّاها المِخْضَب فهو فى هذا ؛ لأنّ الذى يُخْضَب به يكون فيها (٣)

خضد الخاء والضاد والدال أصلٌ واحدٌ مطّرِدٌ ، وهو يدلُّ على تَثَنَّ فى شىءِ ليِّن. يقال انخضد العُود انخِضاداً ، إذا تَثَنَّى من غير كَسْر. وخَضَدتُه : ثَنَيْتُه. وربَّما زادُوا فى المعنى فقالوا : خضَدْتُ الشجرةَ ، إذا كَسَرت شوكتَها. ونباتٌ خَضيدٌ. والأصلُ هو الأوَّل ؛ لأنّ الخضيد هو الرّيَّان الناعم الذى يتثنَّى لِلِينه. فأما قولُ النَّابغة :

يَمُدُّهُ كلُّ وادٍ مُتْرَعٍ لجِبٍ

فيه رُكامٌ من اليَنْبُوتِ والخَضَدِ (٤)

__________________

(١) البيت يروى من قصيدة لعقبة بن سابق فى كتاب الخيل لأبى عبيدة ١٥٧ ـ ١٦٠ ونسب إلى أبى دؤاد فى اللسان (خضب) وكلمة «خاضب» ساقطة من الأصل.

(٢) يقال ، من بابى ضرب وتعب ، وكذا خضب ، بالبناء للمفعول.

(٣) فى الأصل : «فيكون فيها».

(٤) ديوان النابغة ٢٦ واللسان (خضد ، نبت).


فإنّه يقال : الخَضَد ما قُطِع من كلِّ عُودٍ رَطْب. ويقال خَضَدَ البعيرُ عُنقَ البعير ، إذا تقاتَلا فَثنَى أحدُهما عُنُقَ الآخَر

خضر الخاء والضاد والراء أصلٌ واحد مستقيم ، ومحمولٌ عليه. فالخُضْرَة من الألوان معروفة. والخَضْراء : السَّماء ، لِلَونها ، كما سُمِّيت الأرضُ الغَبراء. وكتيبةٌ خضراءُ ، إذا كانت عِلْيَتُها (١) سواد الحديد ، وذلك أنّ كلَّ ما خالَفَ البياضَ فهو فى حَيِّز السَّواد ؛ فلذلك تداخلت هذه الصفاتُ ، فيسَّمى الأسودُ أخَضر. قال الله تعالى فى صفة الجنَّتين : مُدْهامَّتانِ أى سَوداوان. وهذا من الخضرة ؛ وذلك أن النّبات الناعم الريَّانَ يُرَى لشدّة خُضرته من بُعدٍ أسود. ولذلك سُمِّى سَوادُ العِراق لكثرة شجرِه. والخُضْر : قومٌ سُمُّوا بذلك لسواد ألوانهم. والخُضرة فى شِيات الخَيل : الغُبرة تخالطها دُهْمة. فأمَّا قوله :

وأنا الأخضرُ مَن يعرفنى

أخْضَرُ الجلدة فى بيتِ العربْ (٢)

فإنّه يقول : أنا خالصٌ ؛ لأنّ ألوان العرب سُمْرَةٌ (٣). فأمّا الحديثُ : «إيّاكم وخَضْرَاءَ الدِّمَن». فإنّ تلك المرأةُ الحسناء فى منبِت سَوْء ، كأنّها شجرةٌ ناضرة فى دِمْنة بَعر. والمُخَاضَرَة : بيع الثِّمار قبل بدُوِّ صلاحِها ؛ وهو منهىٌّ عنه. وأمَّا قولهم : «خُضْر المَزَاد» فيقال إنّها التى بقيت فيها بقايا ماءِ فاخضرّت من القِدم ، ويقال بل خُضْرُ المزاد الكُروش.

__________________

(١) فى المجمل : «إذا غلب عليها لبس الحديد».

(٢) البيت للفضل بن العباس اللهبى كما فى رسائل الجاحظ ٧١ والكامل ١٤٣ ليبسك ومعجم المرزبانى ٣٠٩ وكنايات الجرجانى ٥١ والأضداد ٣٣٥. ونسب فى اللسان (خضر) إلى عتبة بن أبى لهب ، وفى رسائل الجاحظ أيضا إلى عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى.

(٣) فى المجمل : «السمرة».


ويقال إن الخَضَارَ البقلُ الأوّل.

فأمّا قوله : «ذهب دمُه خِضْراً» ، إذا طُلّ. فأَحسِبَه من الباب. يقول : ذهب دمُه طرِيَّا كالنَّبات الأخضر ، الذى إذا قُطِع لم يُنتفَع به بعدَ ذلك وبَطَلَ وذَبُل. فأمّا قولهم إنَ الخَضار اللَّبنُ الذى أُكثِر ماؤه ، فصحيحٌ ، وهو من الباب ؛ لأنّه إذا كان كذا غَلَبَ الماءُ ، والماء يسمَّى الأسمر. وقد قلنا إنّهم يسمُّون الأسْوَدَ أخضرَ ، ولذلك يسمَّى البحرُ خُضارة.

باب الخاء والطاء وما يثلثهما

خطف الخاء والطاء والفاء أصلٌ واحدٌ مطّرِد منقاس ، وهو استلابٌ فى خفّة. فالخَطْف الاستلاب. تقول. خَطِفْتُه أخطَفُه ، وخَطَفْتُه أخطِفُه. وبَرْقٌ خاطفٌ لنور الأبْصار. قال الله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ)(١). والشيطان يخِطَف السَّمع ، إذا استرق. قال الله تعالى : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَة َ). ويقال للشيطان : «الخَطّاف» ، وقد جاء هذا الاسم فى الحديث : (٢). وجمل خَيْطَفٌ : سريع المَرّ. وتلك السُّرعة الخَيْطَفى. قال :

* وعَنَقاً باقِى الرَّسيم خَيْطفا (٣) *

وبه سُمِّى الخَطَفى ، والأصل فيه واحد ؛ لأنّ المسرعَ يقلُّ لُبْث قوائمه على الأرض ، فكأنّه قد خَطِفَ الشَّىء. ويقال هو مُخْطَفُ الحَشَا ، إذا كان منطوِىَ

__________________

(١) قراءة فتح الطاء أعلى ، ونسب فى اللسان قراءة الكسر إلى يونس. وانظر تفسير أبى حيان (١ : ٨٩ ـ ٩٠).

(٢) هو حديث على : «نفقتك رياء وسمعة للخطاف».

(٣) البيت لعوف ، جد جرير بن عطية بن عوف ، وبهذا لقب «الحطفى».


الحشا. وذلك صحيحٌ ؛ لأنّه كأنّ لحمَه خُطِف منه فرقَّ ودَقَّ. فأما قولهم : رمَى الرمِيَة فأَخطَفَها ؛ إذا أخطأها ، فمْمكنٌ أن يكون من الباب ، [وممكنٌ أن يكون] الفاءُ بدلاً من الهمزة. قال :

* إذا أصابَ صَيْدَه أو أخْطَفَا (١) *

والخطّاف : طائر ، والقياس صحيح ، لأنّه يخطَف الشىءَ بمِخلبه. يقال لمخاليب السّباع خطاطيفها. قال :

إذا عَلِقَتْ قِرْناً خَطَاطيفْ كَفِّهِ

رأى الموتَ بالعينَين أسودَ أحْمَرا (٢)

والخطّاف : حديدةٌ حَجْنَاء ؛ لأنه يُخْتَطف بها الشىء ، والجمع خطاطيف.

قال النابغة :

خطاطيفُ حُجْنٌ فى حبالٍ مَتينةٍ

تُمَدُّ بها أيدٍ إليكَ نوازعُ (٣)

خطل الخاء والطاء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استرخاءِ واضطراب ، قياسٌ مطرد. فالخَطَل : استرخاءِ الأذُن. يقال أذُنٌ خَطْلاء ، وثَلَّةٌ خُطْلٌ ، وهى الغنم المسترخِيةُ الآذان. قال :

إذا الهَدَفُ المِعْزالُ صوَّب رأسَه

وأعجبَهُ ضَفْوٌ من الثَّلةِ الخُطْلِ (٤)

ورُمْحٌ خَطِلٌ : مصطرِب. ويقال للأحمق خَطِلٌ. والخَطَل : المنطقُ الفاسد.

__________________

(١) للعمانى الراجز ، كما فى اللسان (خطف) وقبله :

نقص قددت لعيون؟

(٢) لأبى زبيد الطائى ، كما فى اللسان (خطف).

(٣) ديوان النابغة ٥٥ واللسان (خطف).

(٤) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ٤٣ واللسان (هدف ، عزل ، صفا). وسيعيده فى (ضفو) ويروى : «المعزاب» بالباء بدل اللام ، وهما بمعنى.


وزعم ناسٌ أنّ الجوادَ يسمَّى خَطِلاً ، وذلك لسُرعته إلى العطاء. ويقال امرأةٌ خَطَّالةٌ : ذاتُ رِيبة ، وذلك لخَطَلها. والأصل واحدٌ.

خطم الخاء والطاء والميم يدلُّ على تقدُّمِ شىءِ فى نُتُوّ يكون فيه. فالمَخَاطِم الأنوف ، واحدها مَخْطِم. ورجلٌ أخطمُ : طويلُ الأف. والخِطَام للبعير سُمِّى بذلك لأنّه يقع على خَطْمه. ويقال إنّ الخُطْمة (١) رَعْنُ الجَبَل فهذا هو الباب.

وقد شذت كلمةٌ واحدة ، قالوا : بُسْرٌ مُخَطَّمٌ ، إذا صارت فيه خُطوط.

خطوأ الخاء والطاء والحرف المعتلّ والمهموز ، يدلُّ على تعدِّى الشىء ، والذَّهاب عنه. يقال خَطوتُ أخطو خُطوة. والخُطْوة : ما بين الرِّجْلين. والخَطْوة : المرَّة الواحدة

والخَطَاء من هذا ؛ لأنّه مجاوزة حدِّ الصواب. يقال أخطأ إِذا تعدّى الصَّواب. وخَطِئ يخطأُ ، إذا أذْنب ، وهو قياسُ الباب ؛ لأنه يترك الوجه الخَيْرَ.

خطب الخاء والطاء والباء أصلان : أحدهما الكلامُ بين اثنين ، يقال خاطبهُ يُخاطِبه خِطاباً ، والخُطبْة من ذلك. وفى النِّكاح الطّلَب أن يزوّج ، قال الله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ). والخُطْبة : الكلام المخطوب به. ويقال اختطب القومُ فلاناً ، إذا دَعوْه إلى تزوج صاحبتهم. والخطب : الأمرُ يقع ؛ وإنما سُمِّى بذلك لِمَا يقع فيه من التَّخاطب والمراجعة.

__________________

(١) لم ترد هذه الكلمة فى اللسان والقاموس. ووردت فى الأصل والمجمل بهذا الضبط.


وأمّا الأصل الآخَر فاختلافُ لونَين. قال الفرَّاء : الخَطْبَاء : الأتان التى لها خَطٌّ أسودُ على مَتْنِها. والحمار الذكر أخْطَبُ. والأخطَب : طائر ؛ ولعله يختلِف عليه لونان. قال :

* إذا الأخْطَبُ الدَّاعِى على الدَّوْح صَرْصَرَا (١) *

والخُطْبان : الحنْطَلُ إذا اختلف ألوانُه. والأخطَبُ : الحمار تعلُوه خُضْرة. وكلُّ لونٍ يشبه دلك فهو أخْطَبُ

خطر الخاء والطاء والراء أصلان : أحدهما القَدْر والمكانة ، والثانى اضطرابٌ وحركة.

فالأوّل قولهم لنظير الشىء خَطِيرُهُ (٢). ولِفلانٍ خَطَرٌ ، أى منزلةٌ ومكانة تناظرُه وتصلُح لمِثْله.

والأصل الآخر قولهم : خَطر البعير بذنبه خَطَراناً. وخَطَرَ ببالى كذا خَطْراً ، وذلك أن يمرَّ بقلبه بسرعةٍ لا لُبْثَ فيها ولا بُطْء. ويقال خَطَر فى مِشْيَته. ورجلٌ خَطَّارٌ بالرُّمح ، أى مَشّاءُ بِهِ (٣) طعّان. قال :

* مَصاليتُ خَطّارون بالرُّمح فى الوغَى (٤) *

ورمح خَطّارٌ : ذُو اهتِزازٍ.* وخَطَر الدّهر خَطرَانهُ ، كما يقال ضَرَب ضَرَبانَه. والخَطْرة : الذِّكرة. قال :

__________________

(١) صدره كما اللسان (خطب ، مرر) :

ولا أنثنى من طيرة عن مريرة

(٢) يقال هو خطير له وخطر أيضا.

(٣) كتب فى الأصل «مشابه».

(٤) ورد هذا الصدر فى المجمل واللسان.


بينما نحنُ بالبَلاكِثِ فالقا

عِ سِراعاً والعِيسُ تهوِى هُوِيَّا (١)

خَطَرَتْ خَطْرَةٌ على القلب مِن ذِكراكِ وَهْناً فما استطعتُ مُضِيّا

باب الخاء والظاء وما يثلثهما

خظى الخاء والظاء والياء ليس فى الباب غيره ، وهو يدلُّ على اكتنازِ الشَّىء. ولا يكادُ يقال هذا إلّا فى اللَّحم ؛ يقال خَظِى لحُمه ، إذا اكتنَزَ (٢) ولحمه خَظَا بَظَا. ورحلٌ خَظَوَانٌ : ركِب لحمُه بعضه بعضاً.

باب الخاء والعين وما يثلثهما

اعلم أنّ الخاء لا يكاد يأتلف مع العين إلّا بدخيل ، وليس ذلك فى شىءِ أصلاً. فالخَيْعَل : قميصٌ لا كُمَّى له (٣). قال :

* عَجوزٌ عليها هِدْمِلٌ ذاتُ خَيْعَلِ (٤) *

والخَيْعل : الذَّئب ، والغُول. ويقال الخَيْعامَة نَعْتُ سَوْء للرَّجُل. ولا مُعوَّل على شىءِ من هذا الجِنْسِ ، لا ينقاس.

__________________

(١) نسب فى الحماسة (٢ : ٧٣) واللسان (بلكث) إلى بعض القرشيين. وفى حواشى اللسان : وأبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخزمة. وسبه ياقوت فى معجم البلدان إلى كثير.

(٢) فى اللسان : «قال ابن فارس : خطى وخطى بالفتح أكْثر».

(٣) فى الأصل : «لا كم له» ، والوجه ما أثبت من اللسان. وفى المجمل : «لا كمين له». والمألوف فى عبارة اللغويين لتعبير الذى تحذف فيه النون ، ينظر فيه إلى أن اللام كالقحمة ، لا يعتد بها فى هذا الموضع. واضر ما سيأتى فى ص ٢٥٣ س ٨.

(٤) التأبط ، كما فى اللسان (هدمل). وصدره :

نهضت إليها من جئوم كأنها


باب الخاء والفاء وما يثلثهما

خفق الخاء والفاء والقاف أصلٌ واحد يرجع إليه فروعُه ، وهو الاضطراب فى الشَّىء. يقال خفَق العلم يَخفِقُ. وخفق النّجم ، وخفق القلبُ يخفِقُ خفقاناً. قال :

كأنّ قطاةً عُلِّقت بجنَاحِها

على كبِدى مِن شِدّةِ الخفقانِ (١)

ويقال أخْفَقَ الرّجلُ بثوبه ، إذا لَمَعَ به. ومن هذا الباب الخَفْق ، وهو كلُّ ضربٍ بشىء عريض. يقال خَفَقَ الأرضَ بنَعله. ورجل خَفَاق القَدَمَ ، إذا كان صدرُ قدمه عريضاً. والمِخْفَقُ : السَّيف العريض. ويقال إنّ الخَفْقَة المفازةُ (٢) ، وسمِّيت بذلك لأنّ الرياح تخنفِق فيها.

ومن الباب نافة خفيقٌ : سريعة (٣). وخَفَقَ السّرابُ ؛ اضطربَ. وخفَق الرّجُل خَفْقةً ، إذا نَعَس. والخافقانِ : جانِبا الجَوِّ. وامرأةٌ خَفّاقة الحشا ، أى خمِيصة البَطْن ، كأنَّ ذلك يضطرب. وأمّا قولهم أَخفق الرجل ، إذا غَزَا ولم يُصِب* شيئاً ، فيمكن أن يكون شاذًّا عن الباب ، ويمكن أن يقال : إذا لم يُصِبْ فهو مضطرب الحال ؛ وهو بعيد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أيُّما سَرِيَّةٍ غَزَتْ فأخفقَتْ كان لها أجرها مَرَّتَين». وقال عنترة:

__________________

(١) البيت لعروة بن حزام من قصيدة فى ديوانه نسخة الشنقيطى بدار الكتب المصرية ، ورواها القالى فى النوادر ١٥٨ ـ ١٦٢. وعدتها تسعة أبيات ومائة.

(٢) شاهده قول العجاج :

وغفلة ايس بها؟

(٣) فى الأصل : «ناقة خفيق سريع» ، محرف.


فيُخفِق مَرَّةً ويُفِيد أُخْرى

ويَفجَع ذا الضغائن بالأرِيبِ (١)

خفى الخاء والفاء والياء أصلان متباينان متضادّان. فالأوّل السَّتْر ، والثانى الإظهار.

فالأوّل خَفِىَ الشَّىءُ يخفَى ؛ وأخفيته ، وهو فى خِفْيَةٍ وخَفاءِ ، إذا ستَرْتَه. ويقولون: بَرِحَ الخَفَاء ، أى وَضَحَ السِّرُّ وبدا. ويقال لما دُونَ رِيشات الطائر العشر ، اللواتى فى مقدم جناحه : الخوافى. والخوافى : سَعَفاتٌ يَلِين قُلْب النَّخلة والخافى : الجنّ. ويقال للرّجُل المستترِ مستخْفٍ.

والأصل الآخر خفا البرقُ خَفْواً ، إذا لمع ، ويكون ذلك فى أدنى ضعف. ويقال خَفَيْتُ [الشَّىءَ] بغَيْر ألِفٍ ، إذا أظهرتَه. وخَفَا المطَرُ الفَأر من جِحْرَتهنّ : أخْرجَهن. قال امرؤ القيس :

خَفاهُنّ من أَنْفَاقِهنّ كأنَّما

خَفاهُنَّ وَدْقٌ من سَحابٍ مُركب (٢)

ويقرأ على هذا التأويل : إنّ السّاعة آتية أكاد أَخفيها (٣) أى أُظهِرُها.

خفت الخاء والفاء والتاء أصلٌ واحدٌ ، وهو إسرارٌ وكتمان. فالخَفْتُ : إسرار النَّطْق. وتخافَتَ الرّجُلانِ. قال الله تعالى : (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ). ثم قال الشاعر :

__________________

(١) البيت فى اللسان (خفق) برواية : «ويصيد أخرى».

(٢) ديوان امرئ القيس ٨٦ واللسان (خفى) ونوادر أبى زيد ٩ والقالى (١ : ٢١١) والمخصص (١٠ : ٤٦).

(٣) هذه قراءة أبى الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد ، ورويت عن ابن كثير وعاصم وسائر القراء بضم الهمزة. تفسير أبى حيان (٦ : ٢٣٢).


أُخاطِبُ جَهْراً إذْ لهنّ تَخافُتٌ

وشَتَّانَ بينَ الْجَهْرِ وَالمَنْطِق الجَفْتِ (١)

خفج الخاء والفاء والجيم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الاستقامة. فالأخفج : الأعوج الرِّجْل ؛ والمصدر الخَفَج ، ويقال إنَ الخَفَج * الرِّعدة. وهو ذاك القياس.

خفد الخاء والفاء والدال أصلٌ واحد ، وهو من الإسراع. يقال خَفَدَ الظّليم : أسرع فى مَرِّه. ولذلك سُمِّى خَفيْدَداً.

خفر الخاء والفاءِ والراءِ أصلان : أحدهما الحياء ، والآخَر المحافظة أو ضِدُّها.

فالأوّل الخَفَرُ. يقال خَفِرَت المراة : استحيت ، تَخفَر خَفراً ، وهى خفِرَةٌ. قال :

* زَانَهنّ الدَّلُّ والخَفَرُ*

وأمّا الأصل الآخر فيقال خَفَرْتُ الرّجُل خُفْرةً ، إِذا أَجَرْتَه وكنتَ له خفيراً. وتَخَفَّرْتُ بفلانٍ ، إذا استَجَرْتَ به. ويقال أخفَرْتُه ، إذا بَعَثْتَ معه خفيراً.

وأمّا خِلافُ ذلك فأخفَرتُ الرّجُلَ ، وذلك إذا نقضْتَ عَهده. وهذا كالباب الذى ذكرناه فى خَفيت وأخفيت.

خفع الخاء والفاءِ والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على التزاق شىء بشىء لِضُرٍّ يكون. يقال انخَفَعَ الرَّجْل على فراشه ، إذا لَزِق به مِن مرض.

__________________

(١) البيت فى اللسان (خفت) ، وقد سبق فى (جهر ١ : ٤٨٧). وفى الأصل ة «اخافت» تحريف.


ويقال خَفعَ الرَّجُل ، إذا التزق بطنُه بظهْره. ومنه قول جرير :

* رَغداً وضَيْفُ بنى عِقالٍ يُخْفَعُ (١) *

وذكر ناسٌ : انخفعت كَبدُه من الجوع ، إذا انقطعت. وأنشدوا هذا البيتَ ؛ وهو قريبٌ من الأوّل. وقال بعضهم : الأخفع الرجل الذى كأنَّ به ظَلْعاً إذا مشَى. ويقال : الخَوْفَع الواجم المكتئِب. ويقال خفَعتُه بالسَّيف ، إذا ضربتَه به والقياس واحد.

باب الخاء واللام وما يثلثهما

خلم الخاء واللام والميم أصلٌ واحد يدل على الإلْفِ والمُلازَمة. فالخِلْم : كِناس الظّبى ، ثمّ اشتقَّ منه الخِلْم ، وهو الخِدْن. والأصل واحد.

خلو الخاء واللام والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على تعرِّى الشَّىء من الشىء. يقال هو خِلْوٌ من كذا ، إذا كان عِرْواً منه. وخَلَتِ الدار وغيرُها تخلُو. والخَلِىّ : الخالى من الغَمّ. وامرأةٌ خَلِيَّة : كنايةٌ عن الطَّلاق ، لأنّها إذا طُلِّقت فقد خَلَتْ عن بعلها. ويقال خلا لِىَ الشّىءُ وأخلى. قال :

أعاذلَ هل يأتِى القَبَائلَ حظُّها

مِن الموتِ أم أخْلَى لنا الموتُ وَحْدَنا (٢)

والخَلِيّة : الناقة تُعطَف على غير ولدِها ، لأنّها كأنّها خَلَتْ من ولدها الأول. والقرون الخالية : الموَاضى. والمكان الخَلاء : الذى لا شىءَ به. ويقال

__________________

(١) ديوان جرير ٤٤٩ واللسان (خفع). وصدره :

يمشون قد؟ المزير بطونهم

(٢) لمعن بن أوس المزنى ، كما فى اللسان (خلا).


ما فى الدار أحدٌ خلا زَيْدٍ وزيداً ، أى دَع ذِكرَ زيدٍ ، إخْلُ من ذكر زيد. ويقال : افعَلْ ذاكَ وخَلَاك ذَمٌّ ، أى عَدَاك وخلَوْت منه وخلا منك.

ومما شذَّ عن الباب الخَلِيَّة : السفينة ، وبيت النَّحل. والخلا : الحشيش. وربَّما عبَّروا عن الشىء الذى بخُلو من حافِظِه بالخَلاة ، فيقولون : هو خَلَاةٌ لكذا (١) ، أى هو مِمَّن يُطْمَع فيه ولا حافِظَ له. وهو من الباب الأوّل.

وقال قوم : الخَلْىُ القَطْع ، والسيف يَخْتَلِى ، أى يقتَطع. فكأنّ الخلا سُمِّى بذلك لأنّه يُخْتَلى ، أى يُقْطَع.

ومن الشاذّ عن الباب : خلا به ، إذا سَخِر به.

خلب الخاء واللام والباء أصولٌ ثلاثة : أحدها إمالة الشىء إلى نفسك ، والآخر شىء يشمل شيئاً ، والثالث فسادٌ فى الشىء.

فالأوّل : مِخْلب الطائَر ؛ لأنه يَخْتلِب به الشىءَ إلى نَفْسه. والمِخْلب : المِنْجل لا أسنانَ له. ومن الباب الخِلَابَة : الخِداع ، يقال خَلَبَه بمنطقِه. ثمَّ يحمل على هذا ويُشتقُّ منه البَرْق الخُلَّب : الذى لا ماءَ معه ، وكأنّه يَخْدَع ، كما يقال للسَّراب خادعٌ.

وأما الثانى : فالخُلْبُ اللِّيف ، لأنّه يشمل الشّجرة. والخِلْب ، بكسر الخاءِ : حِجاب القَلْب ، ومنه قيل للرجل : «هو خِلْبُ نِساءِ» ، أى يحبُّه النساء.

__________________

(١) لم يرد هذا التعبير فى المعاجم المتداولة صريحا. وأصل الحلاة الطائفة من الحلا. وفى اللسان : «وقول الأعشى:

وحول بكر وأششباعها

ولست خلاة لمن أوعدن

أى لست بمنزلة الخلاة يأخذها الآخذ كيف شاء ، بل أنا فى عز ومنعة».


والثالث : الخُلْب ، وهو الطّين والحَمْأَة ، وذلك ترابٌ يفسده. ثم يشتقّ منه امرأةٌ خَلْبَنٌ ، وهى* الحَمْقَاء. وليست من الخِلابة. ويقال للمهزولة خَلْبَنٌ أيضاً.

فأمَّا الثوب المخلَّب فيقولون : إنَّه الكثيرُ الألوان ، وليس كذلك ، إنَّما المُخَلَّبُ الذى نُقِش نقوشاً على صورِ مَخَالِيبَ ، كما يقال مُرَجَّلٌ للذى عليه صُوَرُ الرِّجال (١).

خلج الخاء واللام والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على لَىٍّ وفَتْلٍ وقِلّةِ استقامة. فمن ذلك الخليجُ ، وهو ماءَ يَمِيل مَيْلةً عن مُعْظَم الماءِ فيستقرُّ. وخليجا النَّهر أو البحر : جناحاه (٢). وفلان يتخلَّج فى مِشيته ، إذا كان يتمايَلُ. ومن ذلك قولهم : خَلَجنِى عن الأمر ، أى شَغَلنى، لأنّه إذا شغله عنه فقد مال به عنه. والمخلوجة : الطَّعنة التى ليست بمستوِية ، فى قول امرئ القيس :

نَطْعُنُهُم سُلْكَى ومخلوجةً

كَرَّكَ لَأْمَيْنِ على نابِل (٣)

فالسُّلْكَى : المستوية. والمخلوجة : المنحرفة المائلة.

ومنه قولهم : خَلَجْتُ الشّىءَ من يده ، أى نزعتُه. وخالَجْتُ فلاناً : نازعتهُ. وفى الحديثِ فى قراءة القرآن : «لَعَلَّ بَعضَكُم خالجَنِيها (٤)». والخليج : الرَّسَن ، سُمّى بذلك لأنّه يُلوَى لَيًّا ويُفْتَل فَتْلاً. قال :

__________________

(١) ويقال أيضا «ممرجل» للذى عليه صور المراحل. و «مرحل» بالحاء المهملة ، للذى عليه صور الرحال.

(٢) فى المجمل : «وجناحا النهر : خليجاه».

(٣) من قصيدة فى ديوانه ١٤٨ ـ ١٥٠.

(٤) فى الحديث «أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة جهر فيها بالقراءة ، وقرأ قارئ خلفه فجهر ، فلما سلم قال : لقد طننت أن بعضكم خالجنيها» ، أى نازعنى القراءة. اللسان.


وباتَ يُغَنِّى فى الخليجِ كأنَّه

كُمَيْتٌ مُدَمًّى ناصعُ اللَّونِ أَقْرَحُ (١)

ويقال خلجَتْه الخوالجُ ، كما يقال عَدَتْه العَوادِى. وأما قولُ الحطيئة :

* بمخلُوجةٍ فيها عن العَجْزِ مَصْرَفُ (٢) *

فإنّه يصِفُ الرَّأى ، وشبَّهَه بالحبل المحكمَ المفتول. فهذا إذاً تشبيهٌ. ويجوز أن يكون لمَّا قيل : فيها عن العَجز مصرفٌ ، جعلَها مخلوجة ، لأنّه قد عُدِل بها عن العَجز.

فأمّا قولهم : خُلِجَتِ النَّاقَةُ ؛ وذلك إذا فطَمتْ ولدها فقَلَّ لبنُها ، فهو من الباب ، لأنّه عُدِلَ بها عن ولدها وعدَل ولَدُها عنها. ويقال سحابٌ مخلوجٌ : متفرِّق. فإن كان صحيحا فهو من الباب ، لأنّ قِطعةً منه تميل عن الأُخرى والخَلَجُ: فسادٌ وداءُ (٣). وهو من الباب.

خلد الخاء واللام والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الثبات والملازَمة فيقال : خَلَدَ : أقام ، وأخلَدَ أيضاً. ومنه جَنَّةُ الخُلْدِ. قال ابن أحمر :

خَلَدَ الحبيبُ وبادَ حاضِرُهُ

إلَّا مَنازِلَ كلُّها قَفْرُ

ويقولون رجلٌ مُخْلَدٌ ومُخْلِد (٤) ، إذا أبطأ عنه المشِيب. وهو من الباب ، لأنَّ الشَّباب قد لازمَه ولازَمَ هو الشباب. ويقال أخْلَدَ إلى الأرض إذا لَصِق بها.

__________________

(١) لتميم بن مقبل كما فى اللسان (خلج). وأنشده فى المجمل.

(٢) صدره كما فى الديوان ١١٠ واللسان (خلج) :

وكنت إذا داوت رحى الأمر رعته

(٣) الخلج : فساد فى ناحية البيت. والخلج أيضا أن يشتكى الرجل لحمه وعظامه من عمل يعمله أو طول مشى وتعب. اللسان.

(٤) لم تذكر المعاجم الضبط الأول. وتعليله فيما بعد دليل على صحتها عنده.


قال الله تعالى : (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) : فأمَّا قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) مُخَلَّدُونَ ، [فهو] من الخُلْد ، وهو البقاء ، أى لا يموتون. وقال آخرون : من الخِلَد ، والخِلَدُ : جمع خِلَدة وهي القُرْط. فقوله : مُخَلَّدُونَ أى مقرَّطون مشنَّفون. قال :

ومخَلّدَاتٌ باللَّجَينِ كأنَّما

أعجازُهُنَّ أَقاوِزُ الكُثْبَان (١)

وهذا قياسٌ صحيح ، لأنّ الخِلَدةَ ملازمةٌ للأذُن.

والخَلَد : البال ، وسمِّى بذلك لأنّه مستقرٌّ [فى] القلب ثابتٌ.

خلس الخاء واللام والسنين أصلٌ واحد ، وهو الاختطاف والالتماع. يقال اختلَسْتُ الشَّىءَ. وفى الحديث : «لا قَطْعَ فى الخُلْسَة». وقولهم : أَخْلَسَ رأسُه ، إذا خالَطَ سوادَه البياضُ ، كأنَّ السوادَ اخْتُلِس منه فصارَ لَمُعاً. وكذلك أخْلَسَ النّبتُ ، إذا اختلط يابسُه برطْبِه.

خلص الخاء واللام والصاد أصلٌ واحد مطَّرِد ، وهو تنقيةُ الشَّىء وتهذيبُه. يقولون : خلَّصتُه من كذا وخَلَصَ هو. وخُلاصة السَّمْنِ : ما أُلْقِىَ فيه من تَمْرِ أو سَويق ليخلُصَ به.

خلط الخاء واللام والطاء أصلٌ واحد مخالفٌ للباب الذى قَبلَه ، بل هو مُضَادٌّ له. تقول : خلَطْت الشَّيءَ بغيره فاختلط. ورجل مِخْلَطٌ ، أى حَسَن المداخَلة للأمورِ. وخِلافُه المِزْيل. قال أوس :

__________________

(١) البيت فى اللسان (خلد ، قوز). وقد ضبطت «مخلدات» فى الأصل بكسرتين وضمتين.


وإن قالَ لى ماذا تَرَى يستشيرُنى

يَجدُنى ابنُ عَمِّى مِخْلَطَ الأمر مِزْيَلَا (١)

والخليط : المجاور. ويقال : الخِلْط السّهمُ ينبُتُ عودُه على عِوَجٍ ، فلا يزالُ يتعوّجُ وإن قُوّم. وهذا من الباب ؛ لأنّه ليس يُخَالَط فى الاستقامة. ويقال استَخْلَطْ* البعيرُ ، وذلك أن يَعْيا بالقَعْو على النّاقة (٢) ولا يَهتدِى لذلك ، فيُخْلَطَ له وبُلْطَف له.

خلع الخاء واللام والعين أصلٌ واحد مطّرد ، وهو مُزايَلة الشَّىءِ الذى كان يُشتَمَل به أو عليه. تقول : خلعتُ الثّوبَ أخْلَعُهُ خَلْعاً ، وخُلِع الوالى يُخْلَعُ خَلْعاً. وهذا لا يكاد يُقال إلّا فى الدُّون يُنْزِل مَن هو أعلى منه ، وإلّا فليس يُقال خَلَع الأميرُ واليَه على بلدِ كذا. ألَا ترى أنّه إنما يقال عزلَه. ويقال طلَّقَ الرَّجُل امرأته. فإن كان ذلك من قبَل المرأة يقال خالعَتْه وقد اختَلَعَتْ (٣) ؛ لأنّا تَفتدِى نفسَها منه بشىء تبذلُه له. وفى الحديث : «المختلِعات هنَّ المنافقات». يعنى (٤) اللواتى يخالِعْن أزواجهنَّ من غير أنْ يضارَّهُنّ الأزواج. والخالِع : البُسر النَّضِيج (٥) ، لأنَّه يَخْلَع قِشرَهُ من رُطوبته. كما يقال فَسَقَتِ الرُّطَبَة ، إذا خرجَتْ مِن قشرها.

__________________

(١) فى ديوان أوس ٢٠ : «يجدر ابن عم» ، والرواية هنا مستقيمة. وقبله :

ألا أعتب ابن العم إن كان؟

وأغفر عنه أجهل إن كان أجهلا

(٢) فى الأصل : «بالقَعو على الناقة» صوابه بالعين ، وهو أن يرسل نفسه عليها.

(٣) فى الأصل : «اختلعها». ولدى فى المعاجم المتداولة «خلعها» و «اختلعت هى».

(٤) فى الأصل : «فمن» ، وأثبت ما فى اللسان.

(٥) فى الأصل : «النصح».


ومن الباب خَلَعَ السُّنْبُلُ ، إذا صار له سَفاً ، كأنّه خلعَه فأخرجَه. والخليع : الذى خَلعه أهلُه ، فإِنْ جَنَى لم يُطْلَبُوا بجِنايته ، وإنْ جنِىَ عليه لم يَطْلُبوا به.

وهو قوله :

ووادٍ كجوف العَيْرِ قفرٍ قطعتُه

به الذّئبُ يعوِى كالخليع المُعيَّلِ (١)

والخليع : الذِّئبُ ، وقد خُلِع أىّ خَلْعٍ! ويقال الخليع الصائد. ويقال : فلانٌ يتخلَّعُ فى مِشيتِه ، أى يهتزُّ ، كأنَّ أعضاءَه تريد أن تتخلَّع (٢). والخالع داءٌ يُصِيب البعير. يقال به خالعٌ ، وهو الذى إذا بَرَك لم يقدِرْ على أن يثُور. وذلك أنَّه كأنَّه تخلَّعت أعضاؤُه حتَّى سقطت بالأرض. والخَوْلَع : فَزَعٌ يعترِى الفُؤادَ كالمسِّ ؛ وهو قياسُ الباب ، كأنَّ الفؤادَ قد خُلِع. ويقال قد تخالَعَ القومُ ، إذا نَقَضُوا ما كان بَينهم من حِلْف.

خلف الخاء واللام والفاء أصولٌ ثلاثة : أحدُها أن يجئَ شىءٌ شىءِ يقومُ مقامَه ، والثانى خِلاف قُدَّام ، والثالث التغيُّر

فالأوّل الخَلَف. والخَلَف : ما جاء بعدُ. ويقولون : هو خَلَفُ صِدْقٍ من أَبيه. وخَلَف سَوْءٍ من أبيه. فإذا لم يذكُروا صِدقاً ولا سَوْءًا قالوا للجيِّد خَلَف وللردىِ خَلْف. قال الله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ). والخِلِّيفَى : الخلافة ، وإنَّما سُمِّيت خلافةً لأنَّ الثَّانى يَجىءُ بَعد الأوّلِ قائماً مقامَه. وتقول : قعدتُ خِلافَ فُلانٍ ، أى بَعْده. والخوالفُ فى قوله تعالى : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا

__________________

(١) لامرئ القيس فى معلقته.

(٢) فى الأصل : «كأنه أعضاءه يريد أن يتخلع».


مَعَ الْخَوالِفِ) هنَّ النِّساء ، لأنَّ الرِّجال يغِيبُون فى حُروبهم ومغاوراتِهِمْ وتجاراتِهم وهنّ يخلُفْنهم فى البيوت والمنازل. ولذلك يقال : الحىُ خُلُوفٌ ، إذا كان الرِّجال غُيَّباً والنِّساء مُقيماتٍ. ويقولون فى الدعاء : «خَلَف اللهُ عليك» أى كانَ الله تعالى الخليفة عليك لمن فَقَدْتَ مِن أبٍ أو حميم. و «أَخْلَف الله لك» أى عوَّضك من الشىء الذاهب ما يكُونُ يقومُ بَعده ويخلُفه. والخِلْفة : نبتٌ ينبت بعد الهشيم. وخِلْفَةُ الشجرِ : ثمرٌ يخرُج بَعد الثَّمر. قال :

ولها بالماطِرُونَ إذا

أكَلَ النّملُ الذى جَمَعَا (١)

خِلْفَةٌ حتَّى إذا ارتَبَعَتْ

سَكَنَتْ من جِلَّق بِيَعا (٢)

وقال زهيرٌ فيما يصحّح (٣) جميعَ ما ذكرناه :

بها العِينُ والآرامُ يَمشين خِلْفَةً

وأطلاؤُها يَنْهَضْنَ من كلِّ مَجْثَم (٤)

يقول : إذا مرَّتْ هذه خَلفَتْها هذه.

ومن الباب الخَلْف (٥) ، وهو الاستِقاء ، لأنَّ المستقِيَينِ يتخالفانِ ، هذا بَعْدَ ذا (٦) ، وذاك بعد هذا. قال فى الخَلْف :

__________________

(١) البيت لأبى دهبل الجمحى ، كما فى الحيوان (٤ : ١٠) والخزانة (٣ : ٢٧٩). وبعضهم ينسبه إلى الأحوص ، كما فى الكامل ٢١٨. وفى حواشيه «أبو الحسن : الصحيح أنه ليزيد يصف جارية». وهذه النسبة الأخيرة هى التى ذكرها ياقوت فى رسم «الماطرون».

(٢) فى جميع المصادر المتقدمة : «خرفة» بالراء ، وهو اسم لكل ما يجتنى. ولم يرد البيت فى اللسان (خلف ، خرف ، ربع ، جلق). ورواية «خلفة» وردت فى المخصص (١١ : ٩).

(٣) فى الأصل : «يصح».

(٤) البيت من معلقته المشهورة.

(٥) الخلف ، بالفتح ، ومثله «الخلفة» بالكسر.

(٦) فى الأصل : «بعدها».


لِزُغْبٍ كأولاد القَطا راثَ خَلْفُها

على عاجِزَاتِ النَّهض حُمْرٍ حواصلُه (١)

يقال : أخْلَفَ ، إذا استَقَي

والأصل الآخر خَلْفٌ (٢) ، وهو غير قَدّام : يقال : هذا خلفى ، وهذا قدّامى. وهذا مشهورٌ. وقال لبيد :

فَغَدَتْ كِلَا الفَرْجَينِ تَحْسَبُ أنّه

مَولَي المخالفةِ خلْفُها وأَمامُها

ومن الباب الخِلْف ، الواحد من أخلاف الضَّرع. وسمِّى بذلك لأنّه يكون خَلْفَ ما بعده.

وأمّا الثالث* فقولهم خَلَف فُوه ، إِذا تغيَّرَ ، وأخْلَفَ. وهو قولُه صلى الله عليه وآله وسلم : «لَخَلُوف فم الصائم أطيَبُ عند الله من ريح المِسْك». ومنه قول ابن أحمر :

بانَ الشَّبابُ وأخْلَفَ العُمْرُ

وتنكَّرَ الإخوانُ والدَّهرُ

ومنه الخِلاف فى الوَعْد. وخَلَفَ الرَّجُلُ عن خُلق أبيه : تغيَّر. ويقال الخليف : الثَّوب يَبلَى وسطُه فيْخرَج البالى منه ثم يُلْفَق ، فيقال خَلَفْتُ الثَّوبَ أخْلُفُه. وهذا قياسٌ فى هذا وفى البابِ الأوّل.

ويقال وعَدَنى فأخلْفتُه ، أى وجدته قد أخلَفنى. قال الأعشى :

__________________

(١) للحطيئة فى ديوانه ٣٩ واللسان (خلف ٤٣٥). راث. أبطأ. وفى الأصل : «القطارات» تحريف. وفى الديوان : «راث خلقها» بالقاف ، وفسره الكرى بقوله : «أى أبطأ شبابها» ثم نبه على رواية الفاء ، ونسبها إلى أبى عمرو.

(٢) فى اللسان : «وهى تكون اسما وظرفا. فإذا كانت اسما جرت بوجوه الإعراب ، وإذا كانت طرفا لم تزل نصبا على حالها».


أثْوَى وقَصَّرَ لَيْلَةُ ليُزَوّدا

فَمضَى وأخلَفَ منْ قُتَيْلَةَ موعِدا (١)

فأمّا قولُه :

* دَلْواىَ خِلْفانِ وساقياهما (٢) *

فمِنْ أنّ هذِى تخلُف هَذِى. وأمّا قولهم : اختلفَ النَّاسُ فى كذا ، والناس خلْفَةٌ أى مختلِفون ، فمن الباب الأوَّل ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يُنَحِّى قولَ صاحبه ، ويُقيم نفسَه مُقام الذى نَحّاه. وأمّا قولهم للناقة الحامل خَلِفَةٌ فيجوز أن يكون شاذًّا عن الأصل ، ويجوز أن يُلْطَف له فيقالَ إنّها تأتى بولدٍ ، والولد خَلَفٌ. وهو بعيد. وجمع الخَلِفة المخَاض ، وهُنَّ الحوامل.

ومن الشاذِّ عن الأصول الثلاثة : الخَلِيفُ ، وهو الطّريقُ بين الجبلَين. فأمّا الخالفة من عَمُدَ البيت ، فلعلَّه أن يكون فى مؤخّر البيت ، فهو من باب الخَلْف والقُدّام. ولذلك يقولون: فلانٌ خالِفَةُ أهلِ بيته ، إذا كان غير مقدَّم فيهم.

ومن باب التغيُّر والفساد البَعيرُ الأخلَفُ ، وهو الذى يمشِى فى شِقِّ ، من داءٍ يعتريه.

خلق الخاء واللام والقاف أصلان : أحدهما تقدير الشىء ، والآخر مَلاسَة الشىء.

فأمّا الأوّل فقولهم : خَلَقْت الأديم للسِّقاء ، إذا قَدَّرْتَه. قال :

لم يَحْشِمِ الخالقاتِ فَرْيَتُها

ولم يَغِضْ من نِطافِها السَّرَبُ (٣)

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٥٠ واللسان (ثوى ، خلف) وقد سبق فى ثوى (١ : ٣٩٣).

(٢) البيت فى نوادر أبى زيد ٩٥.

(٣) البيت للكميت كما فى المجمل ، وليس فى قصيدته التى على هذا الوزن من الهاشميات.


وقال زهير :

ولَأَنْت تَفْرِى ما خلَقْت وبَعضُ

القَوم يخلُق ثمَّ لا يَفْرِى

ومن ذلك الخُلُق ، وهى السجيَّة ، لأنّ صاحبَه قد قُدِّر عليه. وفلانٌ خَليق بكذا ، وأَخْلِقْ به ، أى ما أخْلَقَهُ ، أى هو ممَّن يقدَّر فيه ذلك. والخَلاقُ : النَّصيب ؛ لأنّه قد قُدِّرَ لكلِّ أحدٍ نصيبُه.

ومن الباب رجلٌ مُخْتَلَقٌ : تامُ الخَلْق. والخَلْق : خَلْق الكذِب ، وهو اختلاقُه واختراعُه وتقديرُه فى النَّفس. قال الله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً).

وأمّا الأصل الثانى فصخرة خَلْقَاءِ ، أى مَلْساء. وقال :

قد يَتْرُكُ الدَّهرُ فى خَلْقَاءَ راسِيَةٍ

وَهْياً ويُنزِل منها الأعْصَمَ الصَّدعا (١)

ويقال اخلَوْلَقَ السَّحابُ : استَوَى. ورسمٌ مخْلَولِقٌ ، إذا استوى بالأرض والمُخلَّق : السّهم المُصْلَح.

ومن هذا الباب أخْلَقَ الشَّىءُ وخَلِقُ ، إذا بَلِىَ. وأخلقْتُهُ أنا : أبليتُه. وذلك أنَّه إذا أخْلَقَ امْلاسَّ وذهب زِئْبِرُه. ويقال المُخْتَلَق من كلِّ شىء : ما اعتدَلَ. قال رُؤبة :

* فى غِيل قَصْبَاءَ وخِيسٍ مُخْتَلَقْ (٢) *

والخَلُوق معروفٌ ، وهو الخِلَاق أيضاً. وذلك أنّ الشىء إذا خُلِّق مَلُسَ. ويقال ثوبٌ خَلَق ومِلحَفَةٌ خَلَق ، يستوى فيه المذكَّر والمؤنث. وإنما قيل للسَّهم المُصلَح مَخَلَّقٌ لأنّه يصير أملس. وأمّا الخُلَيْقاءِ فى الفَرَس فكالعِرنين من الإنسان.

__________________

(١) للأعشى فى ديوانه ٧٣ واللسان (خلق).

(٢) ديوان رؤبة ١٠٦. وأنشده فى المخصص (١١ : ٥٦).


باب الخاء والميم وما يثلثهما فى الثلاثى

خمج الخاء والميم والجيم يدلُّ على فتورٍ وتغيُّر. فالخَمَج فى الإنسان : الفتور. يقال أصبَحَ فلانٌ خَمِجاً ، أى فَاترا. وهو فى شعر الهُذَلىّ (١) :

* أخْشَى دُونَه الخَمَجَا (٢) *

ويقولون خَمِجَ اللّحمُ ، إذا تغيَّر وأرْوَحَ.

خمد الخاء والميم والدال أصلٌ واحد ، يدلُّ على سكونِ الحركة والسُّقوط. خَمَدَتِ النارُ خُموداً ، إذا سكَنَ لهَبُها. وخَمَدَت الحُمَّى إذا سكَنَ وهَجُها. ويقال للمُغْمَى عليه : خَمَدَ(٣).

خمر الخاء والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على التغطية ، والمخالطةِ فى سَتْر. فالخَمْرُ : الشَّراب المعروف. قال* الخليل : الخمر معروفةٌ ؛ واختمارُها : إدراكُها وغَليانُها. ومخمِّرها : متَّخِذها. وُخمْرتها : ما غَشِىَ المخمورَ من الخُمار والسُّكْر فى قَلْبه. قال :

لَذٌّ أصابَتْ حُمَيَّاها مَقَاتِلَهُ

فلم تكَدْ تَنْجَلِى عن قَلْبِه الخُمَرُ (٤)

__________________

(١) هو ساعدة بن جؤية الهذلى انظر نسخة الشنقيطى من الهذليين ٨٧ والجزء الثانى من مجموع أشعار الهذليين ٣٧ ليبسك ، واللسان (خمج).

(٢) البيت بتمامه :

ولا أقيم بدار الهون إن ولا

أتى إلى الحدو أخشى دونه؟

(٣) فى المجمل : «وخمد الرجل : مات أو أغمى عليه».

(٤) البيت فى اللسان (خمر ٣٤٠).


ويقال به خُمارٌ شَديد. ويقولون : دخَلَ فى خَمْار النّاسِ وخَمَرِهم ، أى زحْمتهم. و «فلانٌ يَدِبُّ لفُلانٍ الخَمَر» ، وذلك كناية عن الاغتيال. وأصلُه ما وارَى الإنسان من شجرٍ. قال أبو ذؤيب :

فليتَهُمُ حَذِرُوا جَيشَهُم

عَشِيَّةَ همْ مثلُ طَيْرِ الخَمَرْ (١)

أَى يُختلون ويُستَتَر لهم. والخِمار : خِمار المرأةٌ. وامرأةٌ حسنَة الخِمْرَة ، أى لُبْس الخِمار. وفى المثل : «العَوَانُ لا تُعَلَّم الخِمْرة». والتخمير : التغطية. ويقال فى القوم إِذا توارَوْا فى خَمَرِ الشَّجر : قد أخْمَرُوا. فأمّا قولهم : «ما عِندَ فُلانٍ خَلٌّ ولا خَمْرٌ» فهو يجرى مَجرى المثل ، كأنّهم أرادوا : ليس عِنده خيرٌ ولا شَرّ. قال أبو زيد : خامَرَ الرّجُل المكانَ ، إذا لزِمه فلم يَبْرح. فأمَّا المخّمرة من الشاءِ فهى التى يبيضُّ رأسها مِن بينِ جسدِها. وهو قياسُ الباب ؛ لأنَّ ذلك البياضَ الذى برأسها مشبّهٌ بخِمار المرأة. ويقال خمَّرتُ العجينَ ، وهو أنْ تتركَه فلا تستعملَه حتَّى يَجُود. ويقال خَامَرَهُ الدّاءِ ، إذا خالط جوفَه. وقال كثَيرٌ :

هَنيئاً مَريئاً غَيْرَ داءِ مُخَامِرٍ

لِعَزَّةَ من أعراضِنا ما اسْتَحَلّتِ (٢)

قال الخليل : والمستَخْمَر (٣) بلغة حِمْيَر : الشَّرِيك. ويقال دخَلَ فى الخَمر ، وهى وَهْدَةٌ يختِفى فيها الذِّئبُ ونحوُه. قال :

ألا يا زَيدُ والضَّحاكُ سَيْراً

فقد جاوزْتما خَمَرَ الطّريقِ (٤)

__________________

(١) ديوان أبى ذؤيب ١٥٠.

(٢) قصيدة البيت فى أمالى القالى (٢ : ١٠٧ ـ ١١٠) ، والأغانى (٨ : ٣٧ ـ ٣٨) ، وتزيين الأسواق ٤١ ، ٤٢.

(٣) الذى فى اللسان والقاموس أن المستخمر : المستعبد. وذكر فى اللسان أنها لغة أهل اليمن. وانظر آخر هذه المادة.

(٤) كذا ضبطت «سيرا» فى الأصل. ويصح أن يقرأ «سيرا» بأمر الاثنين.


ويقال اختَمَرَ الطِّيبُ ، واخْتَمَرَ العَجين (١). ووجدت منه خُمْرَةً طيِّبة وخمَرَةً ، وهو الرّائحة : والمخامَرة : المقارَبة (٢). وفى المثل : «خامِرِى أُمَّ عامِرِ» ، وهى الضَّبع. وقال الشَّنْفرَى :

فلا تدفِنُونى إنَّ دفْنِى مُحَرَّمٌ

عليكُمْ ولكن خَامِرِى أمَّ عامرِ (٣)

أى اترُكُونى لِلّتِى (٤) يقال لها : «خامِرِى أُمَّ عامر». والخُمْرَة : شئٌ من الطِّيب تَطّلِى به (٥) المرأة على وجهها ليحسُن به لونُها. والخُمْرة : السّجَّادة الصَّغيرة. وفى الحديث: «أنّه كان يسجُد على الخُمْرة».

ومما شذَّ عن هذا الأصل الاستخمار ، وهو الاستعباد ؛ يقال استخمرت فلاناً ، إذا استعبدتَه. وهو فى حديث مُعاذ : «من استَخْمَر قوماً». أى استعبَدَهم.

خمس الخاء والميم والسين أصلٌ واحد ، وهو فى العدد. فالخمسة معروفة والخمس(٦): واحدٌ من خَمْسةٍ. يقال خَمَسْتُ القومَ : أخذْتُ خمس أموالهِم ، أخْمُسُهم. وخَمَسْتُهم : كنتُ لهم خامساً ، أخْمِسُهُم. والخِمْس : ظِمْء من أظلماء الإبل. قال الخليل : هو شُرْب الإبلِ اليومَ الرابعَ من يَومَ صَدَرَتْ ؛

__________________

(١) فى الأصل : «والخمير العجين» ، محرف. وفى اللسان : «قد اختمر الطيب والعجين».

(٢) فى الأصل : «المقابرة» ، صوابه من المحمل واللسان.

(٣) للشعر قصة فى الأغانى (٢١ : ٨٩) ومقدمة الشعر والشعراء لابن قتيبة. وانظر حماسة أبى تمام (١ : ١٨٨) والحيوان (٦ : ٤٥٠) والمخصص (١٣ : ٢٥٨) والأزمنه والأمكنة (١ : ٢٩٣).

(٤) فى الأصل : «للمتى» ، تحريف.

(٥) فى الأصل : «تطليه».

(٦) اخمس ، بالضم ، وبضمتين ، وبالكسر أيضا.


لأنَّهم يَحسبُون يومَ الصَّدَر. والخميس : اليوم الخامسُ من الأسبوع ، وجمعُه أخَمِساء وأخمِسَةٌ ، كقولك نصيبٌ وأنصِباءِ [وأنصِبة (١)]. والخُماسِىُ والخُماسيّة : الوَصيف والوصيفةُ طولُه خمسةُ أشبار. ولا يقال سُدَاسِىٌّ ولا سُباعىٌّ إذا بلغ ستّةَ أشبارٍ أو سبعةً. وفى غير ذلك الخُماسىُ ما بغل خَمسةً ، وكذلك السداسىُّ والعُشارىّ. والخَميس والمخمُوس من الثِّياب : الذى طولُه خَمسُ أذرُع. وقال عَبِيد :

هاتيك تحمِلُنى وأبْيضَ صارماً

ومُذَرَّباً فى مارِنٍ مَخْموسِ (٢)

يريد رُمْحاً طولُه خمسُ أذرع.

وقال مُعاذٌ لأهل اليمن : «ايتونى بخَميسٍ أو لَبِيسٍ آخُذُه منكم فى الصَّدَقة (٣)». وقد قيل إنّ الثوبَ الخَميسَ سمِّى بذلك لأنّ أوّلَ من عملِه مَلِكٌ باليمن كان يقال له الخِمْس. قال الأَعشى.

يَوْماً تَراها كمثل أردية ال

خِمْسِ ويَوْماً أديمَها نَغِلا (٤)

ومما شذَّ عن الباب الخَمِيس ، وهو الجَيْش الكثير. ومن ذلك الحديثُ : «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما أشْرَفَ على خَيْبر قالوا : محمدٌ والخَمِيس». يريدون الجَيْش.

خمش الخاء والميم والشين أصلٌ* واحد ، وهو الخَدْشُ وما قارَبَه

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) ديوان عبيد بن الأبرص ٤٣ واللسان (خمس ٣٧١). وفى الديوان : «ومجربا فى مارن».

(٣) فى اللسان : «الخميس الثوب الذى طوله خمس أذرع ، كأنه يعنى الصغير من الثياب».

(٤) ديوان الأعشى ١٥٥ واللسان (خمس ، نفل). ويروى : «كأردية العصب».


يقال خَمَشْتُ خَمْشاً. والخُمُوش : جمع خَمْشٍ. قال :

هاشمٌ جَدُّنا فإِن كَنْتِ غَضْبى

فامْلَئِى وجهَكِ الجميلَ خُمُوشا (١)

وَالخَموش : البعوض. قال :

كأنَّ وَغَى الخَمُوش بجانبيهِ

وَغَى رَكْبٍ أُمَيْمَ ذَوِى زِياطِ (٢)

والخُمَاشَة من الجِراحة والجمع خُماشاتٌ : ما كان منها ليس له أرْشٌ معلوم وهو قياس الباب ، كأنَّ ذلك يكونُ كالخَدْشِ.

خمص الخاء والميم والصاد أصلٌ واحد يدلُّ على الضُّمْر والتّطامُن. فالخميص : الضّامر البَطْن ؛ والمصدر الخَمْصَ. وامرأةٌ خُمْصانةٌ : دقيقة الخَصْرِ. ويقال لباطن القَدَم الأخْمَص. وهو قياسُ الباب ، لأنّه قد تداخَل. ومن الباب المَخْمَصة ، وهى المجاعة ؛ لأنَّ الجائِع ضامرُ البطْن. ويقال للجائع الخميص ، وامرأةٌ خميصة قال الأعشى :

تَبِيتون فى المَشْتَى مِلاءً بطونُكُمْ

وجاراتُكم غَرْثى يَبِتْن خمائصا (٣)

فأمّا الخَمِيصة فالكِساء الأسودُ. وبها شَبَّه الأعشى شَعْرَ المرأة :

إذا جُرِّدَتْ يوماً حَسِبْتَ خَميصةً

عليها وجرْيالَ النَّضيرِ الدُّلامِصا (٤)

فإنْ قيل : فأينُ قِياسُ هذا من الباب؟ فالجواب أنّا نقول على حَدِّ الإمكان

__________________

(١) للفضل بن عباس بن عتبة بن أبى لهب ، يخاطب امرأته. اللسان (خدش) والعمدة (١ : ١١١).

(٢) البيت للمتخل الهذلى ، كما فى القسم الثانى من أشعار الهذلين ٩٣ واللسان (٨ : ١٨٨ / ٢٠ : ٢٧٧). وانظر شرح الحيوان (٥ : ٤٠٣).

(٣) فى ديوان الأعشى ١٠٩ :؟؟

(٤) ديوان الأعشى ١٠٨ واللسان (خمص). وفى الديوان : وجر؟ يضى لامضا.


والاحتمال : إنّه يجوز أن يسمَّى خميصةً لأنّ الإنسانَ يشتمِل بها فيكون عند أخْمَصِهِ ، يريد به وسطَه. فإن كان ذلك صحيحاً وإلَّا عُدَّ فيما شذَّ عن الأصل.

خمط الخاء والميم والطاء أصلان : أحدهما الانجراد والمَلاسَة ، والآخَر التسلّط والصِّيَال.

فأمّا الأوّل فقولهم : خَمَطْتُ الشّاةَ ، وذلك [إذا] نزعْتَ جلدَها وشويتَها. فإِن نُزِع الشّعر فذلك السَّمْط. وأصل ذلك من الخَمْط ، وهو كلُّ شىءٍ لا شَوكَ له. والأصل الثانى : قولُهم تخمَّطَ الفَحلُ ، إذا هاج وهَدَرَ. وأصلُه مِن تخمّط البحرْ ، وذلك خِبُّه والتطامُ أمواجِه.

خمع الخاء والميم والعين أصلٌ واحد يدلُّ على قلّة الاستقامة ، [و] على الاعوجاج. فمن ذلك خَمَعَ الأعرجُ. ويقال للضِّباع الخوامع ؛ لأنّهنّ عرْجٌ. والخِمعْ : اللّص. والخِمع : الذِّئب. والقياسُ واحدٌ.

خمل الخاء والميم واللام أصلٌ واحد يدل على انخفاضٍ واسترسالٍ وسُقوط. يقال خَمَلَ ذكرُه يخمُل خمولا. والخامل : الخفىّ ؛ يُقال : هو خامِل الذّكر ؛ والأمرُ الذى لا يعرِف ولا يُذكَر. والقول الخامل : الخَفِيض. وفى حديث : «اذكُروا الله ذِكراً خاملا». والخَميلة : مَفْرَجٌ من الرَّمْل فى هَبْطةٍ ، مَكرَمَةٌ للنّبات. قال زُهير :

* شَقائِقَ رمْلِ بينهنَ خمائلُ (١) *

__________________

(١) صدره كما فى ديوانه ٢٩٥ :

اشزن من الدهاء يقصن وسطها


وقال لبيد :

باتَتْ وأسْبَلَ واكِفٌ من دِيمَةٍ

يُروِى الخَمائِلَ دائماً تَسجامُها (١)

والخَمْل ، مجزوم : خَمْل القطيفة والطِّنْفِسة. ويقال لريش النَّعام خَمْل. وذلك قياسُ الباب ؛ لأنّه يكون مسترسِلا ساقطاً فى لينٍ.

فأمّا الخُمال فقال قوم : هو ظَلْعٌ يكون فى قوائم البعير. فإن كان كذا فقياسُه قياسُ الباب ؛ لأنّه لعَلَّه عن استرخاءِ. وقال الأعشى فى الخُمال :

لم تُعَطَّفْ على حِوارٍ ولم يَقْ

طَعْ عُبيدٌ عروقَها مِن خُمالِ (٢)

باب الخاء والنون وما يثلثهما

خنب الخاء والنون والباء أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على لِين ورَخاوةٍ. ويقال جاريةٌ خَنِبةٌ : رخِيمَةٌ غَنِجة. ورجل خِنّاب ، أى ضَخْمٌ فى عَبَالَةٍ. وحكى بعضُهم عن الخليل أنّه قال : هو خِنَّأَبٌ ، مكسور الخاء شديدةُ النّون مهموزة. وهذا إنْ صحَّ عن الخليل فالخليلُ ثقةٌ ، وإِلا فهو على ما ذكرناه من غير همز. ويقال الخِنَّاب من الرجال : الأحمق المتصرِّف ، يختاج هكذا مرَّةً وهكذا مَرَّةً. وقال الخليل : الخنَّاب الضَّخم المَنْخَر. والخِنَّابَة : الأرنبةُ الضخمة. وقال.

أكوِى ذَوِى* الأضغانِ كَيًّا مُنْضِجا

منهمْ وذَا الخِنَّابَة العَفَنْجَجَا (٣)

__________________

(١) البيت من معلقة لبيد.

(٢) ديوان الأعشى ٩ واللسان (حمل).

(٣) البيتان فى اللسان (خنب ، عفح).


ومما لم يذكره الخليلُ ، وهو قياسُ صحيح ، قولهم خَنَبَتْ رِجْلُه ، أى وَهَنَتْ ، وأَخْنَبْتُها أنا : أوهنْتُها. قال :

أبِى الذى أخْنَبَ رِجْلَ ابن الصَّعِقْ

إذْ صارت الخيلُ كعِلْبَاءِ العُنُقْ (١)

خنا الخاء والنون وما بعدها معتلٌّ ، يدلُّ على فَسادٍ وهَلاك. يقال لآفات الدهر خَنَى. قال لبيد :

* وقَدَرْنا إنْ خَنَى الدَّهْرِ غَفَلْ (٢) *

وأخنَى عليه الدّهر : أهلكَه. قال :

* أخنَى عليها الذى أخْنَى على لُبَدِ (٣) *

والخَنَا من الكلام : أفحشُه. يقال خنا يخنو خَناً ، مقصور. ويقال أخْنَى فلان فى كلامِه.

خنث الخاء والنون والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على تكسُّرٍ وتئَنٍّ فالخَنِث : المسترخِى المتكسِّر. ويقال خَنَثْتُ السِّقاءَ ، إذا كسَرْتَ فمه إلى خارج فشرِبْتَ منه. فإن كسَرْتها إلى داخل فقد قَبَعْتَه. وامرأةٌ خُنُثٌ : مُتَثَنِّيةٌ.

خنز الخاء والنون والزاء كلمةٌ واحدةٌ من باب المقلوب ، ليست أصلاً. يقال خَنِزَ اللحم خَنَزاً ، إذا تغيَّرَتْ رائحتُه وخَزِن. وقد مَضَي.

__________________

(١) الرجز لتميم بن العمرد بن عامر بن عبد شمس ، وكان العمرد طعن يزيد بن الصعق فأعرجه. قال ابن برى : وقد وجدته أيضا فى شعر ابن أحمر الباهلى. اللسان (خنب).

(٢) صدره كما فى ديوانه ١٣ طمع ١٨٨١ واللسان (خنا) :

قال هجدا فقد طال السرى

(٣) البيت للنابغة فى ديوانه ١٧ واللسان (خنا). وصدره :

أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا


خنس الخاء والنون والسين أصلٌ واحد يدلُّ على استخفاء وتستُّر. قالوا : الخَنْس الذهاب فى خِفْية. يقال خَنَسْتُ عنه. وأخْنَسْتُ عنه حقَّه. والخُنَّس : النُّجوم تَخْنِس فى المَغِيب. وقال قوم : سُمِّيت بذلك لأنّها تَخفِى نهاراً وتطلُع ليلا. والخنّاس فى صِفة الشَّيطان ؛ لأنّه يَخْنِسُ إذا ذُكر الله تعالى. ومن هذا الباب الخَنَسُ فى الأنف. انحِطاط القصَبة. والبقرُ كلُّها خُنْسٌ.

خنط الخاء والنون والطاء كلمةٌ ليست أصلا ، وهى من باب الإِبدال. يقال خَنَطَهُ : إذا كَرَبَه ، مثلُ غَنَطه ، وليس بشىء.

خنع الخاء والنون والعين أصلٌ واحد يدلُّ على ذُلٍّ وخضوع وضَعَةٍ ، فيقال : خضع له وخَنَع. وفى الحديث : «إنّ أخْنَعَ الأسماء (١)». أى أذَلَّها. ويقال أخنَعْتنى إليه الحاجة، إذا ألجأتْه إِليه وأذلّتْه له. ومن الباب الخانع : الفاجر. يقال : اطَّلَعْتُ منه على خَنْعَةٍ، أى فَجْرة. وهو قوله.

* ولا يُرَوْنَ إلى جاراتِهمْ خُنُعا (٢) *

ومنه قول الآخر :

لَعَلَّكَ يوماً أن تُلاقَى بخَنْعةٍ

فَتَنْعَبَ مِن وادٍ عليك أشائمُه (٣)

وخُنَاعة : قبيلة.

خنف الخاء والنون والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على مَيَلٍ ولِين.

__________________

(١) فى اللسان «إن أخنع الأسماء إلى الله تبارك وتعالى من تسمى باسم ملك الأملاك».

(٢) صدره كما فى ديوان الأعشى ٨٥ واللسان (خنع) :

هم المضارم إن فابوا وإن شهدوا

(٣) أنشده فى المجمل.


فالخَنُوفُ : النّاقةُ الليِّنة اليدينِ فى السَّير. والمصدْر الخِناف. قال الأعشى :

وأذْرَتْ برِجْلَيْها النَّعىَّ وراجَعَتْ

يداها خِنافاً ليِّناً غيرَ أجَرَدَا (١)

قالوا : والخِناف أيضا فى العنُق : أن تُمِيلَه إذا مُدّ بزِمامها. والخَنيف : جنس من الكَتّان أرادأ ما يكونُ منه. وفى الحديث : «تَخَرَّقَتْ عَنَّا الخُنُف ، وأحرَقَ بطونَنا التَّمر». وقال :

عَلَى كالخَنِيفِ السَّحْقِ يَدعُو به الصَّدَى

له قُلُبٌ عُفَّى الحِياضِ أُجُونُ (٢)

خنق الخاء والنون والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على ضيقٍ. فالخانق : الشِّعْب الضيق. وقال بعضُ أهل العلم : إنّ أهل اليَمن يسمُّون الزُّقاق خانقاً. والخَنِق مصدر خَنَقَه يخنِقُه خَنِقاً (٣). قال بعض أهل العلم : لا يقال خَنْقاً. والمِخْنَقَةُ : القِلادة.

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٠٢ واللسان (خنف) برواية «أجدت برجليها نجاء» فى الديوان ، و «النجاء» فى اللسان.

(٢) عفى : جمع عاف ، كغار وغزى. والأجون ، بالضم : جمع أجين. وفى اللسان (خنف) : له لك عادية وصحون.

(٣) كذا ضبط فى الأصل بكسر النون من «الخنق» و «خنقا» على اللغة الصحيحة ، وهى التى ذكرها صاحب القاموس ، قال «خنقه خنقا ككتف». وأما صاحب اللسان فذكر اللغتين ، قال : «الخنق ، بكسر لنون مصدر قولك : خنقه يخنقه خنقا وخنقا».


باب الخاء والواو وما يثلثهما

خوى الخاء والواو والياء أصلٌ واحد يدلُّ على الخُلوِّ والسُّقوط. يقال خَوَتِ الدّارُ تخوِى. وخَوَى النّجم ، إذا سقَط ولم يكنْ عند سقوطه مَطر ؛ وأخْوَى أيضاً. قال :

وأَخْوَتْ نُجُومُ الأخْذِ إلّا أنِضَّةً

أنِضَّةَ مَحْلٍ ليس قاطِرُها يُثْرِى (١)

وخَوَّتِ النّجومُ تخوِيةً ، إذا مالت للمَغِيب. وخَوَّتِ الإبلُ تخويةً ، إذا خمِصَتْ بُطونُها. وخَويت المرأةُ خَوًى ، إِذا لم* تأكلْ عند الولادة. ويقال خَوَّى الرّجلُ ، إذا تحافى فى سجوده ، وكذا البعيرُ إذا تجافى فى برُوكه. وهو قياس الباب ؛ لأنّه إذا خوَّى فى سجودِه فقد أخلَى ما بين عضُده وجَنْبِه. وخَوَّتِ المرأةُ عند جلوسها على المِجْمر. وخوَّى الطائر ، إِذا أرسل جناحَيه. فأمَّا الخَوَاةُ فالصَّوت. وقد قلنا إنّ أكثر ذلك لا ينقاس ، وليس بأصل.

خوب الخاء والواو والباء أُصَيْلٌ يدلُّ على خُلوٍّ وشِبهه. يُقال أصابتهم خَوْبةٌ ، إذا ذهب ما عندهم ولم يبق شىء. والخَوْبَةُ : الأرض لا تُمطَرُ بين أرضَينِ قد مُطرَتا ؛ وهى كالخَطِيطة.

خوت الخاء والواو والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على نفاذٍ ومرور بإِقدامٍ. يقال رجُلٌ خَوّاتٌ، إذا كان لا يبالِى ما رَكِبَ من الأمور. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (خوى ، أخذ ، نضض) والأزمنة والأمكنة (١ : ١٨٥). وقد سبق إنشاده فى (أخذ ١ : ٧٠).


لا يَهْتَدِى فيه إلا كلُّ منصِلتٍ

من الرِّجال زَمِيعِ الرَّأْىِ خَوّاتِ (١)

هذا هو الأصل. ثمّ يقال خَاتَت العُقَاب ، إذا انقضَّت ؛ وهى خائتة. قال أبو ذؤيب:

فألقَى غِمْدَهُ وهَوَى إليهم

كما تَنْقَضُّ خائتةٌ طَلُوبُ (٢)

ويقال : ما زالَ الذِّئبُ يَخْتاتُ الشّاةَ بعد الشّاة ، أى يَخْتِلُها ويَعدُو عليها. فأمَّا ما حكاه ابن الأعرابى من قولهم خاتَ يَخُوتُ إذا نَقَض عهدَه ، فيجوز أن يكون من الباب ، كأنّه نَقَض ومرَّ فى نَهْجِ غَدْره. ويجوز أن يكون التّاءُ مبدلة من سين ، كأنَّه خاس ، فلما قُلبت السين تاءً غُيِّر البناء (٣) من يَخِيس إلى يَخُوت.

ومن ذلك خاتَ الرّجلُ وأنْفَضَ ، إذا ذَهَبَتْ مِيرتُه. وهو من السين.

وكذلك خات الرّجُل إذا أسنَّ. فأمّا قولهم إنّ التَّخوُّتَ التنقُّص فهو عندنا من باب الإبدال ، إمَّا أن يكون من التخوُّن أو التخوّف (٤) ، وقد ذُكِرا فى بابهما. ويقال فلانٌ يتخوَّتُ حديثَ القومِ ويختاتُ ، إذا أَخَذَ منه وتَحَفّظ.

ومن الباب الأول هم يَخْتَاتونَ اللَّيل ، أى يسِيرون ويَقطَعون.

خوث الخاء والواو والثاء أُصَيلٌ ليس بمطّرد ولا يقاسُ عليه. يقولون خَوِثتِ المرأةُ ، إذا عظُم بَطْنُها. ويقال بل الخَوْثاء النَّاعمة. قال :

عَلِقَ القَلْبَ حبُّها وهَواها

وهى بِكْرٌ غَرِيرةٌ خَوْثاءِ (٥)

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (خوت).

(٢) ديوان أبى ذؤيب ٩٥.

(٣) فى الأصل : «النساء».

(٤) فى الأصل : «والتخوف».

(٥) لأمية بن حرثان بن الأسكر ، كما فى اللسان (خوث). وأنشده فى المجمل.


خوخ الخاء والواو والخاء ليس بشىء. وفيه الخَوْخُ ، وما أُراه عربيًّا.

خود الخاء والواو والدال أُصَيلٌ فيه كلمةٌ واحدة. يقال خَوَّدُوا فى السَّير. وأصله قولهم خَوَّدْتُ الفَحلَ تخويداً ، إذا أرسلتَه فى الإناث وأنشد :

وخُوِّدَ فَحْلُها من غَيرِ شَلٍ

بِدَارِ الرِّيف تخويدَ الظَّليمِ (١)

كذا أنشده الخليل. ورواه غيرُه : «وخَوَّد فَحْلُها».

خوذ الخاء والواو والذال ليس أصلاً يطّرد ، ولا يُقاس عليه ، وإنّما فيه كلمة واحدة مُختلَفٌ فى تأويلها. قالوا : خاوَذْتُه ، إذا خالفْتَه. وقال بعضهم : خاوذتُه وافَقْتُه. ويقولون : إنّ خِواذَ الحمَّى أن تأتِىَ فى وقتٍ غير معلوم.

خور الخاء والواو والراء أصلان : أحدهما يدلُّ على صوت ، والآخَر على ضَعْف.

فالأوّل قولُهم خار الثَّور يخور ، وذلك صوتُه. قال الله تعالى : (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ).

وأمّا الآخر فالخَوَّار : الضعيفُ مِن كلِّ شىء. يقال رُمْحٌ خوّارٌ ، وأرضٌ خَوّارةٌ ، وجمعه خُورٌ. قال الطِّرِمّاح :

__________________

(١) البيت للبيد فى ديوانه ٨ طبع ١٨٨٠ واللسان (خور). وفى الديوان واللسان : «بدار الريح» ، أى مبادرة ومسابقة للريح الباردة.


أنا ابنُ حماةِ المَجْد من آلِ مالك

إذا جعلَتْ خُور الرِّجال تَهِيعُ (١)

وأمَّا قولهم للناقة العزِيزة خَوّارةٌ والجمع خُورٌ ، فهو من الباب ؛ لأنّها إذا لم تكن عَزُوزاً ـ والعَزُوز : الضيِّقة الإحليل ، مشتقّة من الأرض العَزَاز ـ فهى حينئذ خَوّارةٌ ، إذْ كانت الشّدَّة قد زايلَتْها.

خوس الخاء والواو والسين أصلٌ واحد يدلُّ على فسادٍ. يقال خاسَت الجِيفَةُ فى أوّلِ ما تُرْوِحُ ؛ فكأنَّ ذلك كَسَدَ حتَّى فَسَد. ثمّ حُمِل على هذا فقيل : خاسَ بعَهْده ، إذا أخْلَف وخان. قالوا : و* الخَوْسُ الخِيانة. وكلُّ ذلك قريبٌ بعضُه من بعض. وهذه كلمةٌ يشترك فيها الواو والياء ، وهما متقاربان ، وحَظّ الياء فيها أكثر ، وقد ذكرت فى الياء أيضاً.

خوش الخاء والواو والشين أصلٌ يدلُّ على ضمْر وشِبهه. فالمتخوِّش : الظامر ، ولذلك تسمَّى الخاصِرتان الخَوْشَينِ.

خوص الخاء والواو والصاد أصلٌ واحد يدلُّ على قِلّةٍ ودِقّة وضِيق. من ذلك الخَوَصُ فى العين ، وهو ضِيقُها وغُؤُورها. والخُلوص : خُوص النَّخلةِ دقيقٌ ضامر. ومن المشتقّ من ذلك التخوُّص ، وهو أخْذُ ما أعطيتَه الإنْسانَ وإن قَلَّ. يقال : تخوَّصْ منه ما أعطاك وإنْ قَلَّ. قال :

يا صَاحِبَىَ خَوِّصا بسَلِ

مِنْ كُلِّ ذاتِ لَبَنٍ رِفَلِ (٢)

__________________

(١) ديوان الطرماح ١٥٤ واللسان (خور ، هيع). وفى الأصل : «من آل هاشم» تحريف ، صوابه من المراجع وما سيأتى فى (هيع). والطرماح ضائى ، ومالك من أجداده ، وهو مالك بن أبان ابن عمرو بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ.

(٢) الرجز فى اللسان (خوص) برواية : من كل ذات ذنب.


يقول : قرّبا إبلَكمُا شيئاً بَعد شَىء ، ولا تَدَعَاهَا تَدَاكُّ على الحَوْض (١). قال :

يا ذائِدَيْها خَوِّصا بإرسالْ

ولا تَذُوداها ذِيادَ الضُّلَّالْ (٢)

وقال آخَر (٣) :

أقول للذَّائِدِ خوِّصْ برَسَلْ

إنِّى أخاف النائِباتِ بالأُوَلْ

وأمّا قولهُم : أخْوَصَ العَرَفْج ، فهو مشتق مِن أخْوَصَ النَّخْل ، لأنّ العَرَفَج إذا تَفَطَّرَ صار له خُوصٌ.

خوض الخاء والواو والضاد أصلٌ واحد يدلُّ على توسُّطِ شىء ودُخولٍ. يقال خُضْتُ الماءَ وغيرَه. وتخاوَضوا فى الحديثِ والأمرِ ، أى تفاوَضُوا وتداخَل كلامُهم.

خوط الخاء والواو والطاء أُصَيلٌ يدلُّ على تَشعُّبِ أَغصان فالخُوط الغُصْن ، وجمعه خِيطان. قال :

* على قِلاص مِثْلِ خِيطانِ السَّلَمْ (٤) *

خوع الخاء والواو والعين أصلٌ يدلُّ على نَقْص ومَيَل. يقال خوّع الشَّىءَ ، إذا نَقَصه. قال طرَفة :

__________________

(١) تداك على الحوض : لردحم عليه.

(٢) الرجز لأبى النجم ، كما فى اللسان (خوص).

(٣) هو زياد العنبرى ، كما فى اللسان (خوص).

(٤) من رجز لجرير فى ديوانه ٥٢. وفى الأصل : «على قلائص» ، والمجمل : «على فلان» تحريف.


وجاملٍ خَوَّعَ من نِيبِه

زَجْرُ المعلَّى أُصُلاً والسَّفِيحْ (١)

خَوَّع : نَقَص. يعنى بذلك ما يُنْحَر منها فى المَيْسِر.

والخَوْع : مَنعَرج الوادِى. والخُوَاع : النَّخِير. وهذا أقْيَس من قولهم إنّ الخَوْع : جبلٌ أبْيَض.

خوف الخاء والواو والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على الذُّعْرِ والفزَع. يقال خِفْتُ الشّىءَ خوفاً وخِيفةً والياء مبدَلةٌ من واو لمكان الكسرة. ويقال خاوَفَنى فلانٌ فخُفْتُه ، أى كنتُ أشدَّ خوفاً منه. فأمّا قولهم تخوَّفْتُ الشَّىءَ ، أى تنقّصتُه ، فهو الصحيح الفصيح ، إلا أنّه من الإبدال ، والأصلُ النّون من التنقُّص ، وقد ذُكِر فى موضعه

خوق الخاء والواو والقاف أُصَيلٌ يدلُّ على خلوِّ الشّىء. يقال مفازةٌ خَوْقاء ، إذا كانت خاليةً لا ماءَ بها ولا شىء. والخَوْق : الحَلْقة من الذَّهب ، وهو القياسُ ؛ لأنَّ وسَطه خالٍ.

خول الخاء والواو واللام أصلٌ واحد يدلُّ على تعهُّد الشَّىء. مِن ذلك : «إنَّه كان يَتَخَوَّلُهم بالموعظة (٢)» ، أى كان يتعهَّدُهم بها. وفلان خَوْلِىُ مالٍ ، إذا كان يُصِلحه. ومنه : خَوَّلك اللهُ مالاً ، أى أعطاكَه ؛ لأنّ المال يُتَخوَّل ، أى يُتَعَهَّد. ومنه خَوَلُ الرّجُل ، وهم حَشَمُه. أصله أنَّ الواحدَ خائل ،

__________________

(١) فى الأصل : وحامل خوع من يلته ، صوابه فى اللسان (خوع). ورواية الديوان : من؟ أي؟ وقد أشار إلى

هذه فى اللسان.

(٢) فى اللسان : «وفى الحديث : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة. أى يتعهدنا بها مخافة السأم علينا».


وهو الرَّاعى. يقال فُلانٌ يَخُولُ على أهله ، أى يَرعَى عليهم. ومن فصيح كلامهم : تَخَوَّلَت الرِّيح الأرضَ ، إِذا تصرَّفَتْ فيها مرّةً بعد مرّة.

خون الخاء والواو والنون أصلٌ واحد ، وهو التنقص. يقال خانَه يخُونه خَوْناً. وذلك نُقصانُ الوَفاء. ويقال تخوَّنَنى فلانٌ حَقِّى ، أى تنقَّصَنى.

قال ذو الرُّمَّة :

لا بَلْ هُو الشَّوقُ من دارٍ تَخَوَّنَها

مَرًّا سحابٌ ومَرًّا بارِحٌ تَرِبُ (١)

ويقال الخَوَّانُ : الأسَد. والقياسُ واحد. فأمّا الذى يقال إنّهم كانوا يسمُّون فى العربيَّة الأولى الرّبيع الأوَّل [خَوَّاناً (٢)] ، فلا معنى له ولا وجهَ للشُّغْل به.

وأمّا قول ذى الرُّمَّة :

لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إلَّا ما تَخَوَّنَهُ

داعٍ يُنادِيهِ باسمِ الماءِ مَبْغومُ (٣)

فإنْ كان أراد بالتخوّن التعهُّدَ كما قاله بعضُ أهل العلم ، فهو من باب الإبدال ، والأصل اللام : تخوَّلَه ، وقد مضى ذِكرُه. ومِنْ أهل العلم من يقول : يريد إلّا ما تَنَقَّصَ نومَه دُعاءُ أمِّه له.

وأمَّا الذى يؤكل عليه ، فقال قومٌ : هو أعجمىٌّ. وسمعت علىُّ بنَ إبراهيمَ لقَطَّان يقول : سُئِل ثعلبٌ وأنا أسمع ، فقِيل يجُوز أنْ يُقال إن الخِوَان يسمَّى خِوَانا لأنّه يُتخوَّن ما عليه ، أى يُنْتَقَص. فقال : ما يَبْعُد ذلك. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) ديوان ذى الرمة ٢ واللسان (خون).

(٢) هذه التكملة من المجمل. وفى الجمهرة (٤ : ٤٨٩): «وشهر ربيع الأول وهو خوان ، وقالوا خوان» ، الأخير بوزن رمان. وفى الجمهرة (٣ : ٢٤٤): «وخوان : اسم من أسماء لأيام فى الجاهلية». وانظر الأزمنة ولأمكنة (١ : ٢٨٠).

(٣) ديوان ذى الرمة ٥٧١ واللسان (نعش ، خون ، بغم).


باب الخاء والياء وما يثلثهما

خيب الخاء والياء والباء أصلٌ واحد يدلُّ على عدم فائدةٍ وحِرمانٍ. والأصل قولهم للقِدْحِ الذى لا يُورِى : هو خَيّاب. ثمّ قالوا : سَعَى فى أمر فخابَ ، وذلك إذا حُرِم (١) فلم يُفِدْ خيْراً.

خير الخاء والياء والراء أصله العَطْف والميْل ، ثمَّ يحمل عليه. فالخَير : خِلافُ الشّرّ ؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ يَمِيلُ إِليه ويَعطِف على صاحبه. والخِيرَةُ : الخِيار. والخِيرُ : الكَرمُ. والاستخارة: أن تَسْألَ خيرَ الأمرين لك. وكل هذا من الاستخارة ، وهى الاستعطاف. ويقال استخرتُه. قالوا : وهو من استِخارة الضّبُع ، وهو أن تَجْعلَ خشبةً فى ثُقْبَةِ بيتها حتى تَخرُج من مكانٍ إِلى آخَر.

وقال الهذلىّ (٢) :

لعَلَّكَ إِمَّا أُمُّ عمرٍو تبدَّلَتْ

سواكَ خليلاً شاتِمِى تَستخِيرُها

ثم يُصَرّف الكلامُ فيقال رجلٌ خَيِّرٌ وامرأةٌ خَيِّرة : فاضلة. وقومٌ خِيارٌ وأخيار ... فى صلاحها (٣) ، وامرأةٌ خَيْرةٌ فى جَمالها وميسَمِها. وفى القرآن : (فِيهِنَ خَيْراتٌ حِسانٌ). ويقال خايَرْتُ فلاناً فَخِرْتُه. وتقول : اخْتَرْ بَنى فُلَانٍ

__________________

(١) فى الأصل : «جرم» بالجيم.

(٢) هو خالد بن زهير الهذلى. انظر ديوان الهذليين (١ : ١٥٧) واللسان (خير).

(٣) فى الكلام نقص ، يدل عليه ما فى اللسان : «قال الليث : رجل خير وامرأة خيرة : فاضلة فى صلاحها. وامرأة خيرة فى حمالها وميسمها».


رَجُلا. قال الله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً). تقول هو الخِيرَة حفيفة ، مصدر اختار خِيرَةً ، مثل ارتاب ريبَة.

خيس الخاء والياء والسين أُصَيلٌ يدلُّ على تذليلٍ وتليين. يقال خيَّستُه ، إذا لَيَّنْتَهُ وذلَّلته. والمُخيَّس : السِّجن. قال :

تَجلّلْتُ العَصَا وعلمتُ أنِّى

رَهِينُ مُخَيَّسٍ إِن يَثْقَفُونِى

وأمّا قولُهم خاسَ بالعَهْد فقد ذكرناه فى الواو. والكلمة مشتركة. ومن الغريب فى هذا الباب ، قولُهم : قَلَ خَيْسُه ، أى غَمُّه. والخِيسُ : الشجر الملتَفُّ.

خيص الخاء والياء والصاد كلمةٌ. مشترَكة أيضاً ؛ لأنَّ للواوِ فيها حَظًّا (١) ، وقد ذكرت فى الخوص. فأمّا الياء فالخَيْصُ : النَّوالُ القَليل. قال الأعشى :

لَعَمرِى لئن أمْسى من الحىِّ شاخِصا

لقد نالَ خَيْصاً من عُفَيرَةَ خائصا (٢)

والباب كلُّه فى الواو والياء واحدٌ

ومن الشاذّ ـ والله أعلم بصحّته ـ قولُهم وَعِلٌ أخْيَصُ ، إذا انتصَبَ أحدُ قَرنَيه وأقْبلَ الآخَر على وجهه.

خيط الخاء والياء والطاء أصلٌ واحد يدلُّ على امتدادِ الشَّىء فى دِقّةٍ ، ثم يحمل عليه فيقال فى بعض ما يكون منتصِباً. فالخَيْط معروفٌ. والخَيط الأبيض : بياضُ النّهار. والخيط الأسود : سوادُ الليل. قال الله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ). ويقال لما يَسِيلُ من لُعاب الشَّمس : خَيْطُ باطلٍ. قال :

__________________

(١) فى الأصل : «لأن الواو فيها خطأ» ، تحريف.

(٢) ديوان الأعشى ١٠٨ واللسان (خيص) ، وهو مطلع قصيدة له.


غَدَرتُم بعَمرٍو يا بَنِى خَيْطِ باطِلٍ

ومثلُكُم بَنى البُيوتَ على غَدْرِ

فأمّا قولُهم للّذى بدَا الشَّيبُ فى رأسه خُيِّطَ ، فهو من الباب ، كأنَّ البادِىَ من ذلك مشبَّهٌ بالْخُيُوط. قال الهذلى (١) :

* حَتَّى تخَيَّطَ بالبَيَاضِ قُرُونِى (٢) *

ويقال نعامة خَيْطاءُ ؛ وخَيَطُها طُول عُنُقِها. والْخِياطة معروفةٌ ، فأمَّا الْخِيط بالكسر، فالجماعةُ من النَّعام ؛ وهو قياس الباب ؛ لأنّ المجتمِع يكون كالذى خِيطَ بعضُه إلى بعض. وأمَّا قولُ الهذلىّ (٣) :

تَدَلّى عليها بين سِبٍّ وَخَيْطَةٍ

* بجَرْدَاء مثلِ الوَكْفَ يَكبُو غُرابُها

فقد قيل إنّ الخَيْطة الحَبْل. فإن كان كذا فهو القياس المطَّرِد. وقد قيل الخَيْطة الوتد. وقد ذكرنا أنّ هذا ممَّا حمل على الباب ؛ لأنّ فيه امتداداً فى انتصاب.

خيف الخاء والياء والفاء أصلٌ واحد يدل على اختلافٍ. فالخَيَف : أن تكون إحدى العينَين من الفَرَس زرقاءَ والأُخْرى كَحْلاء. ويقال : النَّاس أخْيافٌ ، أى مختلِفون. والخَيْفَان: جرادٌ تصير فيه خطوطٌ مختلِفة. والْخَيْف : ما ارتَفَع عن مَسِيل الوادى ولم يبلُغْ أن يكون جبلاً ، فقد خالَفَ السّهلَ والجبَل. ومن هذا الخَيْف : جِلْدُ الضَّرع ، مشبّهٌ بخَيْف الأرض. وناقَةٌ خَيْفَاء : واسعةُ جِلْد الضَّرع. وبعيرٌ أخيَفُ : واسع جلد الثِّيل. فأمّا الخِيفُ فجمع خِيفَةٍ

__________________

(١) هو بدر بن عامر الهذلى. انظر شرح السكرى للهذليين ١٢٨ ونسخة الشنقيطى ٩٨ واللسان (خيط ١٧٠).

(٢) صدره كما فى المراجع المتقدمة :

تالله لا أنسى مشيحة واحد

(٣) هو أبو ذؤيب الهذلى. ديوانه ٧٩ واللسان (خيط ، سبب ، وكف).


وليس من هذا الباب ، وقد ذكر فى باب الواو بعد الخاء ، وإنّما صارت الواو ياءً لكسرةِ ما قبلها. وقال :

فلا تَقْعُدَنّ على زَخَّةٍ

وتُضْمِرَ فى القَلْبِ وجْداً وخِيفا (١)

خيل الخاء والياء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على حركةٍ فى تلوُّن. فمن ذلك الخَيَال ، وهو الشَّخص. وأصله ما يَتَخَيَّلُه الإنسان فى مَنامه ؛ لأنّه يتشبّه ويتلوّن. ويقال خَيَّلْتُ للنّاقة ، إذا وضَعْتَ لولدِها خيالاً يفزَّع منه الذَّئب فلا يقرُبه. والخَيْل معروفة. وسمعت مَن يَحْكِى عن بِشر الأسدىّ عن الأصمعى قال : كنتُ عند أبى عمرو بن العَلاء ، وعنده غلامٌ أعرابىٌّ فسُئل أبو عمرو : لم سمِّيت الخَيْلُ خيلاً؟ فقال : لا أدرِى. فقال الأعرابىُّ : لاخْتيالِها. فقال أبو عمرو : اكتبُوا. وهذا صحيحٌ ؛ لأنّ المُخْتَالَ فى مِشيتِه يتلوَّن فى حركته ألواناً. والأخْيَلُ : طائرٌ ، وأظنُّه ذا ألوانٍ ، يقال هو الشِّقِرَّاق. والعرب تتشاءم به. يقال بعير مَخْيُولٌ (٢) ، إذا وقع الأخيلُ على عجُزِه فقَطَّعه. وقال الفرزدق :

إذا قَطَناً بَلَّغْتِنِيهِ ابنَ مُدْرِكٍ

فَلاقَيتِ مِن طَير الأشائم أخْيَلَا (٣)

يقول : إذا بلّغْتِنى هذا الممدوحَ لم أُبَلْ بهلَكتك ؛ كما قال ذو الرُّمّة :

إذا ابنَ أبى مُوسى بِلالاً بَلْغِتِه

فقامَ بفأسٍ بين وُصْلَيْكِ جازِرُ (٤)

__________________

(١) البيت لصخر الغى الهذلى ديوان الهذليين ٢ : ٧٤ واللسان (خوف ٤٤٨ ، زخخ ٤٩٨). وسيأتى فى زخ).

(٢) هذا اللفظ مما لم يرد فى المعاجم المتداولة.

(٣) ديوان الفرزدق ٧٠١ واللسان (خيل).

(٤) ديوان ذى الرمة ٢٥٣ وخزانة الأدب (١ : ٤٥٥).


وقال الشمّاخ :

إذا بلّغْتِنِى وحَمَلْتِ رَحْلى

عَرَابَة فاشرَقِى بدَمِ الوَتينِ (١)

ويقال تَخَيَّلَت السَّماءُ ، إذا تهيّأَتْ للمطَر ، ولا بدّ أنْ يكون عند ذلك تغيُّرُ لونٍ. والمَخيلة : السَّحابة (٢). والمخيلة (٣) : التى تَعِد بمَطَرٍ. فأمّا قولهم خَيَّلْتُ على الرّجُل تَخْيِيلاً ، إذا وجَّهتَ التُّهمَة إِليه ، فهو من ذلك ؛ لأنّه يقال : يشبه أن يكون كذا يُخَيَّلُ (٤) إلىّ أنّه كذا ، ومنه تخيَّلْت عليه تَخَيُّلاً ، إذا تفَرَّسْتَ فيه (٥)

خيم الخاء والياء والميم أصلٌ واحد يدلُّ على الإقامة والثَّبات فالخَيْمة معروفة ؛ والخَيْم: عيدانٌ تُبنَى عليها الخَيْمة. قال :

* فلم يَبْقَ إلّا آلُ خيْمٍ مُنَضَّدٍ (٦) *

ويقال خَيَّمَ بالمكان : أقامَ به. ولذلك سمَّيت الخَيْمة. والخِيم : السجِيَّة ، بكسر الخاء، لأنّ الإنسانَ يُبنَى عليها ويكون مرجعُه أبداً إليها.

ومن الباب قولُهم للجبان خَائِم ، لأنَّه من جُبْنِه لا حَرَاك به. ويقال قد خَامَ يَخِيمُ. فأمّا قولُه :

__________________

(١) ديوان الشماخ ٩٢.

(٢) فى الأصل : «السحاب». وفى اللسان : «المخيلة بفتح الميم : السحابة ، وجمعها مخايل».

(٣) المخيلة هذه بضم الميم وكسر الخاء ، وبضمها وفتح الخاء وكسر الياء المشددة.

(٤) فى الأصل : «الخيل».

(٥) فى المجمل : «إذا تفرست فيه الخير». وانظر للكلام على بقية هذه المادة ، نهاية المادة. التى تليها.

(٦) صدر بيت للنابغة ، فى اللسان (خيم ، عثلب). وعجزه :

؟ على آس ونؤى معثاب


رَأَوْا فَتْرَةً بالسَّاقِ مِنِّى فحاوَلُوا

جُبُورِىَ لما أنْ رأَوْنِى أَخِيمُهَا (١)

فإنّه أرادَ رَفْعها ، فكأنّه شبّهها بالخَيْم ، وهى عِيدانُ الخَيْمة.

فأمّا الألف التى تجىء بعد الخاء فى هذا الباب ، فإنّها لا تخلو من أن تكون من ذوات الواو [أو] من [ذوات] الياء. فالخَال الذى بالوجه هو من التلوُّن الذى ذكرناه. يقال منه رجل مَخِيلٌ ومخُول. وتصغير الخَالُ خُيَيْلٌ فيمن قال مَخِيل ، وخُوَيْلٌ فيمن قال مَخُول. وأمّا خَالُ الرَّجُل أخو أُمِّه فهو من قولك خَائل مالٍ ، إذا كان يتعهَّدُه. وخالُ الجيش : لواؤه ، وهو إمّا من تغيُّرِ الألوان ، وإمّا أن الجيشَ يُراعونَه وينظُرون إليه كالذى يتعهَّد الشىء. والخال : الجبل الأسود فيما يقال ، فهو من باب الإِبدال.

خام وأما الخاء والألف والميم فمن المنقلب عن الياء. الخامَةُ : الرّطْبة من النّبات والزّرْع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَثَلُ المؤمِنِ مَثَلُ الخامَة من الزّرع» (٢). وقال الطرمّاح :

إنّما نحن مثل خامةَ زَرْعٍ

فمتى يَأنِ يَأْتِ مُحْتَصِدُهْ (٣)

فهذا من الخائم ، وهو الجبان الذى لا حَرَاك به.

وأمّا الخاءِ والألف والفاء فحرف واحدٌ ، وهو الخَافَةُ ، وهى الخَريطة من الأدَم يُشتار فيها العسَل. فهذه محمولةٌ على خَيْف الضَّرع ، وهى جِلدتُه. والقياس واحد.

__________________

(١) فى اللسان (خيم): «رأوا وقرة».

(٢) تمامه كما فى اللسان : «تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا».

(٣) ديوان الطرماح ١١٣ واللسان (خوم). وقد سبق فى (حصد) ص ٧١ من هذا الجزء.


باب الخاء والباء وما يثلثهما

خبت الخاء والباء والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على خُشوع : يقال أَخْبَتَ يخبِتُ إخباتا ، إذا خشَع. وأخْبَتَ لله تعالى. قال عزّ ذكره : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ). وأصلُه من الخَبْت ، وهو المفازة لا نباتَ بها.

ومن ذلك الحديث : «ولو بِخَبْتِ الجَمِيش (١)». ألا تراه سمَّاها جَميشاً ، كأنّ النَّباتَ قد جُمِشَ منها ، أى حُلِق.

خبث الخاء والباء والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على خلاف الطّيّب. يقال خبيثٌ ، أى ليس بطيِّب. وأخْبَثَ ، إذا كانَ أصحابُه خُبثاء. ومن ذلك التعوُّذ مِن الخبيث المُخْبِث. فالخبيث فى نفسه ، والمُخْبِث الذى أصحابُه وأعوانُه خُبَثاء.

خبج الخاء والباء والجيم ليس أصلا يُقاس عليه ، وما أحِسَب فيه كلاماً صحيحا. يقال خَبَجَ ، إذا حَصَمَ (٢). وربما قالوا : خَبَجَه بالعصا ، أى ضربه. ويقولون إنّ الخَبَاجاءَ من الفُحول : الكثير الضَّرَاب ، وهذا كما ذكرناه ، إلّا أنْ يصحّ الحديث عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : «إذا أُقيمت الصلاة

__________________

(١) الحديث بتمامه كما فى الإصابة ٥٩٧٨ «عن عمار وبن يثربى قال : شهدت خطبة النبى صلى الله عليه وسلم بمنى ، وكان فيما خطب به أن قال : لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه. فقلت : يا رسول الله ، أرأيت لو لقيت غنم ابن عمى فاجتزرت منها شاة هل على فى ذلك شىء قال : إن لقيتها تحمل شفرة وزنادا فلا تهجها». وبدو أنه سقط من نسخة الإصابة ما ورد فى اللسان ، وهو «إن لقيتها تحمل شفرة وزنادا بخبت الجميش فلا تهجها».

(٢) حصم ، بالمهملتين ، أى ضرط.


ولّى الشيطان وله خَبَجٌ كَخَبَج الحِمار». فإن صحّ هذا فالصحيح ما قاله عليه الصلاة والسلام ، بآبائنا وأُمُّهاتنا هُو!

خبر الخاء والباء والراء أصلان : فالأول العِلم ، والثانى يدل على لينٍ ورَخاوة وغُزْرٍ.

فالأول الخُبْر : العِلْم بالشَّىءِ. تقول : لى بفلان خِبْرَةٌ وخُبْرٌ. والله تعالى الخَبير ، أى العالِم بكلِّ شىء. وقال اللهُ تعالى : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُخَبِيرٍ).

والأصل الثانى : الخَبْراء ، وهى الأرض الليِّنة. قال عَبيدٌ يصف فرساً :

* سَدِكاً بالطَّعْنِ ثَبْتاً فى الخَبارِ*

والْخَبِير : الأكّار ، وهو مِن هذا ، لأنّه يُصْلِح الأرضَ ويُدَمِّثُها وبلَيِّنها. وعلى هذا يجرى هذا البابُ كلُّه ؛ فإنهم يقولون : الخبير الأكّار ، لأنّه يخابر الأرض ، أى يؤاكِرُها. فأمّا الْمُخَابَرَة التى نُهِى عنها فهى المزارعة بالنِّصف لها [أو] الثّلث أو الأقلِ (١) من ذلك أو الأكثر. ويقال له : الخِبْرُ ، أيضاً. وقال قوم : المخابَرة مشتقٌّ من اسم خَيْبر.

ومن الذى ذكرناه من الغُزْر قولُهم للناقة الغزيرة : خَبْرٌ. وكذلك المَزَادة العظيمة خَبْرٌ ؛ والجمع خُبور.

و [من] الذى ذكرناه من اللِّين تسميتُهم الزَّبَدَ (٢) خبِيراً. والخَبير : النّبات الليِّن. وفى الحديث : «ونَسْتَخلِبُ الخَبير (٣)».

__________________

(١) فى الأصل : «أو أقل».

(٢) الزبد ، هنا ، بالتحريك. وبعضهم يخص الخبير بزبد أفواه الإبل.

(٣) نستخلب ، بالخاء المعجمة ، أى نقطع ، كما فى اللسان (خلب ، خبر). وفى الأصل : «نستحلب» بالحاء المهملة ، تحريف. قال فى اللسان (خبر): «شبه بخبير الإبل ، وهو وبرها ؛ لأنه ينبت كما ينبت الوبر.


والخَبِير : الوَبَر. قال الراجز :

* حتَّى إذا ما طار من خَبِيرِها (١) *

ويقال مكانٌ خَبِرٌ ، إذا كان دفيئاً كثيرَ الشَّجَر والماء (٢). وقد خَبِرَت الأرضُ. وهو قياسُ الباب.

ومما شذَّ عن الأصل الخُبْرَةُ ، وهى الشّاة يَشتريها القومُ يذبحونها ويقتسِمون لحمها. قال:

إذا ما جعلْتَ الشّاةَ للقوم خُبْرةً

فشَأْنَكَ إنِّى ذاهبٌ لشُؤُونى

خبز الخاء والباء والزاء أصلٌ واحد يدلُّ على خَبْط الشىء باليد. تَخَبَّزَت الإبلُ السَّعْدَانَ ، إذا خَبطَتْه بأيدِيها. ومن ذلك خَبَزَ الخَبَّازُ الخُبْز. قال :

لا تَخْبِزَا خَبْزاً وبُسَّا بَسًّا

ولا تُطِيلا بِمُناخٍ حَبْسا (٣)

ويقال : الخَبْزُ ضَرْب البعير بيديه الأرضَ.

خبس الخاء* والباء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على أخْذ الشىء قهراً وغَلَبة. يقال تَخَبَّسْتُ الشَّىءَ : أخذْتُه. وذلك الشىءُ خُبَاسَة. والخُباسة : المَغْنَم ؛ يقال اختبَس الشَّىءَ : أخذَه مُغالَبة. وأسدٌ خَبُوس. قال :

ولكِنِّى ضُبَارِمَةٌ جَموحٌ

على الأقرانِ مُجْتَرِئُ خَبُوسُ (٤)

__________________

(١) لأبى النجم العجلى ، كما فى اللسان (خبر ، غرر).

(٢) هذا التفسير لم يرد فى غير المجمل من المعاجم المتداولة. وفى اللسان بعد ذكر «الخبراء» : «يقال خبر الموضع بالكسر فهو خبر».

(٣) الرجز للهفوان العقيلى. انظر شرح الحيوان (٤ : ٤٩٠).

(٤) لأبى زبيد الطائى ، كما فى اللسان (خبس). والضبارمة : الجرئ ، وفى الأصل : «ضبارة» محرف ، صوابه من اللسان والمجمل.


خبش الخاء والباء والشين ليس أصلا. وربَّما قالوا : خَبَشَ الشّىءَ : جَمَعه. وليس هذا بشىء.

خبص الخاء والباء والصاد قريبٌ من الذى قبله. يقولون خَبَص الشَّىءَ : خَلَطه.

خبط الخاء والباء والطاء أصلٌ واحد يدلُّ على وطْءٍ وضَرب. يقال خَبَط البعير الأرضَ بيده : ضربَها. ويقال خَبَطَ الورَقَ من الشَّجَر ، وذلك إذا ضربَه ليسقُط. وقد يُحمَل على ذلك ، فيقال لداءِ يُشبه الجنونَ : الخُبَاط ، كأنَّ الإنسان يتخبَّط. قال الله تعالى : (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ). ويقال لما بَقِىَ مِن طعامٍ أو غيرِه : خِبْطة. والخِبْطة : الماء القليل ؛ لأنّه يتخبَّط فلا يمتنع. فأمَّا قولهم اختبط فلانٌ [فلاناً] إذا أتاهُ طالباً عُرْفُه ، فالأصل فيه أنَّ السارىَ إليه أو السائر لا بدّ من أن يختبط الأرضَ ، ثم اختُصِر الكلامُ فقيل للآتى طالباً جَدْوَى : مُخْتَبِط. ويقال إنّ الخِبْطة : المَطْرةُ الواسعةُ فى الأرض. وسمِّيت عندنا بذلك لأنّها تَخْبِط الأرضَ تَضرِبُها وقد روى ناسٌ عن الشَّيبانى ، أنَ الخابط النائم ، وأنشدوا عنه :

* يَشْدَخْنَ بالّليل الشُّجاع الخابِطا (١) *

فإنْ كان هذا صحيحاً فلأنَّ النائم يخبِط الأرضَ بجِسمه ، كأنَّه يضربُها به.

__________________

(١) البيت لأباق الدبيرى كما فى اللسان (خبط) وقد صحف «أباق» فى اللسان «بدباق» ، صوابه ما أثبت من اللسان (مرط). وفى القاموس (أبق): «وكشداد : شاعر دبيرى».


ويجوز أن يكون الشُّجاع الخابطُ إنَّما سُمِّى به لأنَّه يُخْبَط ، تَخبِطه المارّةُ ، كما قال القائل :

تُقطِّعُ أعناقَ التُّنَوِّطِ بالضُّحى

وتَفْرِسُ بالظَّلْمَاءِ أَفعى الأجارِعِ (١)

فأمَّا الخِباط فسِمَةُ فى الفَخِذ (٢). وسمِّى بذلك لأنَّ الفخذ تُخبَطُ به.

خبع الخاء والباء والعين ليس أصلاً ؛ وذلك أنَّ العين فيه مبدلة من همزة. يقال خَبَأْتُ الشىءَ وخبَعْتُه. ويقال خَبَع الرَّجُل بالمكان : أقام به. وَربَّما قالوا : خَبَعَ الصبىُ خُبوعاً ، وذلك إذا فُحِم من البُكاء. فإن كان صحيحاً فهو من الباب ، كأنّ بكاءه خُبِئَ.

خبق الخاء والباء والقاف أُصَيلٌ يدلُّ على الترفُّع. فالخِبِقَّى : جنْسٌ من مرفوع السَّير. قال :

* يَعْدُو الخِبِقّى والدِّفِقَّى مِنْعَبُ (٣) *

ومن الباب الخَبَقُ والخِبِقُ : الرجل الطَّويل ، وكذلك الفَرَس.

خبل الخاء والباء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على فساد الأعضاء فالخَبَل الجُنون. يقال اختبله الجنّ. والجَنىُ خابل ، والجمع خُبَّل. والخَبَل فساد الأعضاء. ويقال خُبِلت يده ، إذا قُطِعت وأُفْسِدَت. قال أوس :

__________________

(١) البيت فى اللسان (نوط).

(٢) زاد فى اللسان : طويلة عرضا ، وهى لبنى سعد ، أى من سمات إبلهم.

(٣) البيت فى اللسان (خبق).


أبَنِى لُبَيْنَى لستُم بيدٍ

إلا يداً مَخبولةَ العَضُدِ (١)

أى مُفْسَدة العضُد. ويقال فُلانٌ خَبَالٌ على أهله ، أى عَنَاء عليهم لا يغْنِى عنهم شيئا. وطِينة الخَبَال الذى جاء فى الحديث (٢) ، يقال إنّه صَدِيد أهل النّار.

ومما شذّ عن الباب الإخبال ، ويقال هو أن يجعل الرّجُل إبلَه نِصفين ، يُنتِج كلَّ عام نصفاً ، كما يُفعل بالأرض فى الزّراعة. ويقال الإخبال أن يُخْبِل الرّجلَ ، وذلك أن يُعِيرَه ناقةً يركبُها ، أو فرساً يغزُو عليه. ويُنشد فى ذلك قولُ زهير :

هُنالك إن يُستَخْبَلُوا المالَ يُخْبِلُوا

وإن يُسألوا يُعْطُوا وإن بَيْسِرُوا يُغْلُوا (٣)

خبن الخاء والباء والنون أُصَيْلٌ واحد يدلُّ على قَبْض ونقص يقال خَبَنْت الشَّىءَ ، إذا قبَضْته. وخَبَنْت الثوبَ ، إذا رفعتَ ذَلاذِلَه حتّى يتقلَّص بعد أن تَخِيطه وتكُفَّه. والخُبْنَةُ : ثِبَان الرّجُل (٤) ؛ وسمِّى بذلك لأنَّه يُخبَن فيه الشّىء. تقول : رفَعَه فى خُبْنَتِه. وفى الحديث : «فليأكُلْ منها ولا يَتَّخِذْ

__________________

(١) فى الأصل : «أبنى أبينا» ، صوابه من المجمل وديوان أوس بن حجر واللسان (خبل). على أن رواية عجز البيت فى الأصل والمجمل واللسان غير مستقيمة ، والبيت من قصيدة مضمومة الروى ، وهو فى الديوان :

أبنى ليبنى؟ بيد

إلا بد ليست لها عضد

 (٢) هو حديث : «من أكل الربا أطعمه الله من طينة الخبال يوم القيامة».

(٣) ديوان زهير ١١٢ والمجمل واللسان (خبل).

(٤) الثبان ، ككتاب : الموضع الذى يحمل فيه من الثوب. نحو أن يعطف ذيل قميصه فيجعل فيه شيئا. وفى الأصل : «ثبات» ، وفى المجمل : «التبان» ، وفى اللسان : «ثبات الرجل» ، صواب كل أولئك ما أثبت.


خُبْنَةً (١)». ويقال إنّ الخُبْنَ من المَزَادة ما كان دون المِسْمَع. فأمّا قولهم خَبَنْت الرّجل ، مثلُ غبَنْته ، فيجوز أن يكون من الإبدال ، ويجوز أن يكون من أنّه إذا غَبنَه فقد اختبَنَ عنه من حَقِّه.

خبأ الخاء والباء والحرف المعتل والهمزة يدلُّ على سَتْرِ الشَّىء. فمن ذلك خبأْت الشىء أخَبَؤه خَبْأ. والخُبَأَةُ : الجارية تُخْبَأُ. ومن الباب الخِباء ؛ تقول أخبَيْتُ إخباءً ، وخَبَّيْتُ ، وتخبَّيْت ، كلُّ ذلك إذا اتخذْتَ خِباءَ.

باب الخاء والتاء وما يثلثهما

ختر الخاء والتاء والراء أصلٌ يدلُّ على تَوانٍ وفُتُورٍ. يقال تَخَتّرَ الرجلُ فى مِشيته ، وذلك أن يَمشى مِشْية الكَسْلان. ومن الباب الخَتْر ، وهو الغَدْر ، وذلك أنّه إذا خَتَر فقد قعَد عن الوفاء. والخَتَّار : الغَدَّار. قال الله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُ خَتَّارٍكَفُورٍ).

ختع الخاء والتاء والعين أصلٌ واحد يدلُّ على الهجوم والدُّخولِ فيما يَغِيب الداخلُ فيه. فيقولون خَتَعَ الرجل خُتُوعاً ، إذا ركب الظُّلْمة.

ومن الباب الخَيْتَعَة : قطعةٌ مِن أدَمٍ يلُفُّها الرَّامِى على يده عند الرَّمى.

ويُحمَل على ذلك ، فيقال للنَّمِرة الأنثى الخَتْعَة ؛ وذلك لجُرأتها وإقدامها. وقال العجّاجُ (٢) فى الدليل الذى ذكرناه :

__________________

(١) سبق فى مادة (ثبن) برواية : «ولا يتخذ ثبانا».

(٢) كذا. والصواب أنه «رؤبة». وقصيدة البيت فى ديوانه ٨٧ ـ ٩٣.


* أَعْيَتْ أَدِلَّاءَ الفلاة الخُتَّعَا (١) *

ختل الخاء والتاء واللام أُصَيل فيه كلمةٌ واحدة ، وهى الخَتْل ، قال قومٌ : هو الخَدْع. وكان الخليل يقول : تخاتَلَ عن غَفْلةٍ.

ختن الخاء والتاء والنون كلمتان : إحداهما خَتْن الغُلام الذى يُعْذَر. والخِتان : موضع القَطْع من الذَّكَر (٢).

والكلمة الأُخرى الخَتَن ، وهو الصِّهر ، وهو الذى يتزوَّج فى القوم.

ختم الخاء والتاء والميم أصلٌ واحد ، وهو بُلوغ آخِرِ الشّىء. يقال خَتَمْتُ العَمَل ، وخَتم القارئ السُّورة. فأمَّا الخَتْم ، وهو الطَّبع على الشَّىء ، فذلك من الباب أيضاً ؛ لأنّ الطَّبْع على الشىءِ لا يكون إلّا بعد بلوغ آخِرِه ، فى الأحراز. والخاتَم مشتقٌّ منه ؛ لأنّ به يُختَم. ويقال الخاتِمُ ، والخاتام ، والخَيْتام. قال :

* أخذْتِ خاتامِى بغيرِ حَقِ (٣) *

والنبى صلى الله عليه وسلم خاتَمُ الأنبياء ؛ لأنّه آخِرُهم. وخِتام كلِّ مشروبٍ : آخِرُه. قال الله تعالى : (خِتامُهُ مِسْكٌ) ، أى إنّ آخرَ ما يجِدونه منه عند شُربهم إياه رائِحةُ المسك.

__________________

(١) ديوان رؤبة ٨٩ واللسان (ختع) حيث نسب البيت إلى رؤبة.

(٢) هذا مذهب من يخصص الحتان للذكور ، والحفض للإناث. ومن جعل الحتان لهما زاد : «وموضع القطع من نواة الجارية».

(٣) ويروى : «خيتامى» كما فى اللسان. وقبله :

ياهند ذات الجورب؟


ختا الخاء والتاء والحرف المعتل والمهموز ليس أصلا ، وربّما قالوا : اختَتَأْتُ له اختِتاءَ ، إذا ختلْتَه (١).

باب الخاء والثاء وما يثلثهما

خثر الخاء والثاء والراء أصلٌ يدلُّ على غِلَظٍ فى الشّيءِ مع استِرخاء. يقال خَثُرَ اللّبنُ، وهو خَاثِر. وحكى بعضهم : خَثِرَ فلانٌ فى الحىِّ ، إذا أَقام فلم يكَدْ يبرح. وليس هذا بشىء.

خثل الخاء والثاء واللام كلمةٌ واحدةٌ لا يقاس عليها. قال الكِسائىّ : خَثَلة البَطْن : ما بين السُّرّة والعانة ؛ ويقال خَثْلَة ، والتخفيف أكثر (٢)

خثم الخاء والثاء والميم ليس أصلاً. وربَّما قالوا لِغلَظ الأنف الخَثَم ، والرّجلُ أخثَم.

خثا الخاء والثاء والحرف المعتل ليس أصلا. وربَّما قالوا امرأةٌ خَثْوَاء : مستَرخِية البطن. وواحدُ الأخثاء خِثْىٌ. وليس بشىء. والله أعلم.

__________________

(١) فى الأصل : «إذا أختلت» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) فى المجمل : «ويقال حثله بالتخفيف ، وهو أكثر». يراد بالتخفيف سكون الثاء.


باب الخاء والجيم وما يثلثهما فى الثلاثى

خجل الخاء والجيم واللام أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وتردُّد. حكَى بعضُهم : عليه ثوبٌ خَجِلٌ ، إذا لم يكن [تقطيعُه] تقطيعاً* مستوِياً ، بل كان مضطرباً عليه عند لُبْسه. ومنه الخَجَل الذى يعترى الإنسانَ ، وهو أن يَبقى باهتاً لا يتحدَّث. يقال منه : خَجِل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنِّساء : «إنّكُنّ إذا جُعْتُنّ دَقِعْتُنّ ، وإذا شَبِعْتُنّ خَجِلْتُنّ». قال الكميت :

ولَمْ يَدْقَعُوا عند ما نابَهُم

لِوَقْعِ الحروب ولم يَخْجَلُوا (١)

يقال فى خَجِلتُنّ : بَطِرْتُنّ وأَشِرْتُنّ ؛ وهو قياس الباب. ويقال منه خَجِلَ الوادِى ، إذا كثُر صوتُ ذُبابه. ويقال أخْجَلَ الحَمْضُ : طالَ ؛ وهو القياس ؛ لأنّه إذا طالَ اضطرب.

خجا الخاء والجيم والحرف المعتل أو المهموز ليس أصلا. يقولون رجل خُجَأَةٌ ، أى أحمق. وخَجَأَ الفحلُ أُنْثَاه ، إذا جامَعَها. وفحلٌ خُجَأَةٌ : كثير الضِّراب.

__________________

(١) البيت فى اللسان (خجل). وسيأتى فى (دقع).


باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله خاء

من ذلك (الخَلْجم) ، وهو الطَّويل ، والميم زائدة ، أصله خلج. وذلك أنّ الطويل بتمايَلُ ، والتَّخَلُّج : الاضطراب والتّمايُل ، كما يقال تَخَلَّجَ المجنون.

ومنه (الخُشَارِم) ، وهى الأصوات ، والميم والراء زائدتان ، وإنَّما هو من خَشَ (١). وكذلك (الخَشْرَم) : الجماعة من النَّحْل ، إنَّما سمِّى بذلك لحكاية أصواتِه.

ومن ذلك (الخِضْرِم) ، وهو الرجُل الكثير العطيَّة. وكلُّ كثيرٍ خِضْرِمٌ. والراء فيه زائدة، والأصل الخاء [والضاد] والميم. ومنه الرجل الخِضَمّ ، وقد فسرناه. ومن ذلك (الخُبَعْثِنَة) ، وهو الأسد الشديد ، وبه شُبِّه الرجُل ، والعين والنون فيه زائدتان ، وأصله الخاء والباء والثاء.

ومنه (الخَدَلَجَّة) ، وهي الممتلئة الساقَين والذراعين ، والجيم زائدة ، وإنَّما هو من الخَدَالة. وقد مضى ذِكره.

ومنه (الخِرْنِق) وهو ولد الأرنب. والنون [زائدة] ، وإنَّما سمِّى بذلك لضَعفه ولُزوقِهِ بالأرض (٢). من الخَرَق ، وقد مَرَّ. ويقال أرضٌ مُخَرْنِقةٌ. وعلى هذا قولهم : خَرنَقَتِ النَّاقةُ ، إذا كثُر فى جانِبئ سَنامها الشّحم حتَّى تراه كالخَرانِقِ. ومنه رجل (خَلَبُوتٌ (٣)) أى خَدَّاع. والواو والتاء زائدتان ، إنما هو من خَلَب.

__________________

(١) الخشخشة : صوت السلاح. وقد أهمل ابن فارس هذا الأصل فى مادة (خش) وجعله هنا أصلا.

(٢) فى الأصل : «ولزوم بالأرض». وانظر مادة (خرق).

(٣) ويقال أيضا «خلبوب» بالتاء الموحدة فى آخره.


ومنه (الخَنْثَر (١)) : الشَّىء الخسيس يبقَى من متاعِ القوم فى الدار إذا تحمَّلوا. وهذا منحوتٌ من خَنَثَ وخثر. وقد مرَّ تفسيرهما.

ومنه (المُخْرَنْطِم) : الغضبان. وهذه منحوتةٌ من خطم وخرط ؛ لأنَّ الغَضُوب خَرُوطٌ راكبٌ رأسَه. والخَطْم : الأنف ؛ وهو شَمَخ بأنفِه. قال الراجز فى المخْرنْطِم :

يا هَىْءَ ما لى قَلِقَتْ مَحَاوِرِى (٢)

وصار أمثالَ الفَغَا ضرائرِى (٣)

مُخْرَنْطِماتٍ عُسُراً عَوَاسِرِى

قوله قَلِقَتْ محاوِرى ، يقول : اضطربَتْ حالى ومصايِر أمرى. والفَغَا : البُسر الأخضر الأغبر. يقول : انتفخن من غضبهن. ومخرنطِمات : متغضِّبات. وعواسِرِى : يطالبْنَنى بالشىء عند العُسْر. و (المخرَنْشِم) مثل المخرنطم ، ويكون الشين بدلاً من الطاء.

ومن ذلك (خَرْدَلْتُ) اللحم : قَطْعته وفرّقته. والذى عندى فى هذا أنّه مشبَّه بالحبّ الذى يسمّى الخَرْدَل ، وهو اسمٌ وقع فيه الاتّفاق بين العرب والعجَم ، وهو موضوعٌ من غير اشتقاق. ومن قال (خَرْذَل) جعل الذال بدلاً من الدال.

و (الخُثَارِمُ) : الذى يتطيَّر ، والميم زائدةٌ لأنّه إِذا تطيّر خَثِرَ وأقام. قال :

ولستُ بهيَّابٍ إذا شَدَّ رحلَه

يقول عَدانِى اليومَ واقٍ وحاتمُ

__________________

(١) فيه خمس لغات ، يقال بفتح الحاء والنون مع كسر الثاء وفتحها ، وكجعفر ، وزبرج ، وقنفذ.

(٢) يا هىء ما لى : كلمة أسف وتلهف. قال الجميح :

يامى؟ من يعمر يعنه

مر الزمان عليه والتقليب

(٣) هذا البيت فى اللسان (فغا).


ولكنّنى أَمضِى على ذاك مُقْدِماً

إذا صَدَّ عن تلك الهَناتِ الخُثارِمُ (١)

ومنه (الخُلابِس) : الحديثُ الرّقيق. ويقال خَلْبَسَ قلبَه : فَتَنَه. وهذه منحوتةٌ من كلمتين : خلَب وخَلس ، وقد مضى.

ومن ذلك (الخنْثَعْبَة (٢)) الناقة الغزيرة. وهى منحوتةٌ من كلمتين من خَنَثَ وثَعَبَ ، فكأنّها ليّنة انخِلْف يَثْعَبُ باللبن ثَعْباً.

ومنه (الخُضَارِع (٣)) قالوا : هو البخيل (٤). فإن كان صحيحاً فهو من خضع وضرع ، والبخيل كذا وصفُه.

ومنه (الخَيْتَعُور) ، ويقال هى الدُّنيا. وكلُّ شىءِ يتلوَّنُ ولا يدوم على حالٍ خيتعورٌ. والخَيتعور : المرأة السِّيئة الخُلُق. والخَيتعور : الشّيطان. والأصل فى ذلك أنَّها منحوتةٌ من كلمتين : من خَتَرَ وخَتَعَ ، وقد مضى تفسيرهما.

ومنه (الخَرْعَبَة) و (الخُرْعُوبة) ، وهى الشابَّة الرَّخْصَة الحَسنة القَوام. وهى منحوتةٌ من كلمتين : من الخَرَع وهو اللِّين ، ومن الرُّعْبوبة (٥) ، وهى النّاعمة. وقد فُسّر فى موضعه. ثم يُحمَل على هذا فيقال جَمَلٌ خُرْعُوبٌ : طويلٌ فى حُسْن خَلْق. وغُصْنٌ خُرْعُوبٌ : مُتَثَنٍّ. [قال] :

__________________

(١) الشعر لخثيم بن عدى ، المعروف بالرقاص الكلبى. انظر الحيوان وحواشيه (٣ : ٤٣٧).

(٢) الخشعبة ، بتثليث الخاء مع سكون النون والعين وفتح الثاء. وفى الأصل : «الخثعبة» تحريف.

(٣) فى الأصل : «الخثارع» ، صوابه بالضاد المعجمة ، كما فى الجمهرة (٣ : ٣٩٤) واللسان والقاموس.

(٤) الأدق فى تفسيره ما ورد فى اللسان : «البخيل المتسمح وتأبى شيمته السماحة». وفى الجمهرة والقاموس : البخيل المتسمح». وأنشد فى الجمهرة واللسان :

خضارع رد إلى أخلاقه

لما نهته النفس من إقافه

(٥) فى الأصل : «الرعوبة» ، تحريف.


* كخُرْعُوبَة البانَةِ المُنْفَطِرْ (١) *

ومنه (خَرْبَقَ) عملَه : أفسَده. وهى منحوتةٌ من كلمتين من خَرَب وخَرِق. وذلك أنّ الأخرقَ : الذى لا يُحسن عمله. وخَرَبَه : إذا ثَقَبه. وقد مضى.

وأمَّا قولهم لذكَر العَناكب (خَدَرْنَق) فهذا من الكلام الذى لا يُعوَّل على مثله ، ولا وجه للشُّغْل به.

و [أمّا] قولهم للقُرطِ (خَرْبَصِيص) فالباء زائدة ، لأنّ الخُرص الحَلْقة. وقد مرَّ. قال فى الخربصيص :

جَعَلَتْ فى أَخْراتِها خَرْبصيصاً

مِنْ جُمَانٍ قد زان وجهاً جميلا (٢)

ويقولون (خَلْبَصَ) الرّجُلُ ، إذا فرّ. والباء فيه زائدة ، وهو من خَلَصَ. وقال :

لمّا رآنِى بالبَرَاز حَصْحَصا

فى الأرض منِّى هرَباً وخَلْبَصَا (٣)

ويقولون (الخَنْبَصَة) : اختلاط الأمر. فإن كان صحيحاً فالنون زائدة ، وإنّما هو من خبص ، وبه سُمِّى الخَبيص.

و (الخُرطُوم) معروف ، والراء زائدة ، والأصل فيه الخطم ، وقد سرّ. فأمّا الخمر فقد تُسمَّى بذلك. ويقولون : هو أوّلُ ما يَسِيل عند العَصْر. فإن كان كذا فهو قياسُ الباب ؛ لأنّ الأوّلَ متقدِّم.

ومن ذلك اشتقاقُ الخَطْم والخِطام. ومن الباب تسميتُهم سادةَ القوم الخراطيمَ.

__________________

(١) لامرئ القيس فى ديوانه ٨ واللسان (خرعب ، بره). وصدره :

برهة رودة رخصة

(٢) الأخرات : جمع خرت ، بالضم والفتح ، وهو الثقب فى الأذن. وفى الأصل : «أخراصها» محرف.

(٣) الرجز لعبيد المرى ، كما فى اللسان (خلبص).


ومن ذلك (الخُنْطُولة) : الطائِفة من الإبل والدَّوابّ وغيرِها. والجمع خَنَاطِيل قال ذو الرُّمَّة :

دَعَتْ مَيّةَ الأعْدَادُ واستبدَلَتْ بها

خَناطِيلَ آجالٍ من العِينِ خُذَّلِ (١)

والنون فى ذلك زائدة ؛ لأنّ فى الجماعات إذا اجتمعتْ الاضطرابَ وتردُّدَ بعضٍ على بعض.

ومن ذلك (تَخَطْرَفَ) الشَّىءَ ، إذا جاوزَه. وهى منحوتةٌ من كلمتين : خطر وخطف ؛ لأنّه يَثِبُ كأنّه يختطِف شيئاً. قال الهُذَلىّ (٢) :

فماذا تَخَطْرَف من حالقٍ

ومن حَدَبٍ وحِجابٍ وَجالِ (٣)

ومن ذلك (الخُذْروف) ، وهو السَّريع فى جَرْيِه ، والرّاء فيه زائدة ، وإنَّما هو من خَذَف ، كأنّه فى جريه يتخاذف ، كما يقال يتقاذَفُ إذا ترامَى. والخُذْروف : عُوَيْدٌ أو قصبةٌ يُفْرض فى وسطه (٤) ويشدُّ بخيطٍ إذا مُدّ دارَ (٥) وسمعتَ له حفيفا. ومن ذلك تركت اللّحمَ خَذَاريفَ ، إذا قطّعته ، كأنَّك شبَّهتَ كلَّ قطعةٍ منه بحصاةِ خَذْف.

وأمَّا (الخَنْدَريس) وهى الخمر ، فيقال إنّها بالرومية ، ولذلك لم نَعْرِض لاشتقاقها. ويقولون : هى القديمة ؛ ومنه حنطةٌ خندريسٌ : قديمة.

__________________

(١) ديوان ذى الرمة ٥٠٣ واللسان (خنطل ، عدد). دعتها الأعداد ، أى ارتحلت إلى حيث الأعداد ، وهى المياه التى لا تنقطع ، واحدها عد. استبدلت بها ؛ أى استبدلت الدار بمية تلك الوحوش. وسيعيد إنشاده فى (دعو).

(٢) هو أمية بن أبى عائذ الهذلى. وقصيدة البيت فى شرح السكرى ١٨٠ ونسخة الشنقيطى ٩٧.

(٣) الحدب ، بالمهملة : المكان المشرف. والحجاب : ما حجبك وارتفع. وفى الأصل : «جدب وحجال» ، صوابه من أشعار الهذليين.

(٤) يفرض ، أى يحز. وفى الأصل : «يعرص» صوابه بالفاء كما فى المجمل واللسان.

(٥) وكذا فى المجمل واللسان فى موضع. وفى موضع آخر : «فإذا أمر دار».


و (المُخْرَنْيِق) : الساكت ، والنون والباء زائدتان ، وإنما هو من الخَرَق وهو خَرَق الغزال [ولُزوقُه (١)] بالأرض خوفاً. فكأنَّ الساكت خَرِقٌ خائفٌ.

ويقولون : ناقةٌ بها (خَزْعال (٢)) ، أى ظَلْعٌ. وهذه منحوتةٌ من كلمتين : من خَزَل أى قطع ، وخَزعَ أى قطع. وقد مرّا.

ومما وُضِع وضعاً وقد يجوز أن يكون عند غيرنا مشتقّا. رجلٌ (مُخَضْرم الحسبِ ، وهو الدعِىُّ. ولحمٌ مخضْرَم : لا يُدرَى أمن ذكرٍ هو أو من أنثى.

ومنه المرأة (الخَبَنْداةُ (٣)) ، وهى التامَّة القَصَب.

و (الخَيْعل) : قميصٌ لا كُمَّىْ له. قال تَأَبّط (٤) :

* عَجوزٌ عليها هِدْمِلٌ ذاتُ خَيْعَلِ (٥) *

و (الخناذيذ) الشّماريخ من الجِبال الطِّوال. والخنذيذ : الفَحْل.

والخنذيذ : الخَصِيُّ.

و (الخَنْشَلِيل) : الماضى.

و (الخَنْفَقِيق) : الداهية. و (الخُوَيْخِيَة) : الداهية. قال :

وكلُّ أُناسٍ سوف تَدخُل بينَهم

خُوَيْخِيَةٌ تصفرُّ منها الأناملُ (٦)

__________________

(١) التكملة مما سبق فى (خرق) وكذا (الحرنق) ص ٢٤٨.

(٢) هو أحد ما جاء على فعلان مفتوح الفاء من غير ذوات التضعيف. والآخر «القهقار» حكاء ثعلب. انظر اللسان (خزعل) والمزهر (٢ : ٥٢).

(٣) يقال خنداة وبخنداة أيضا بمعناه.

(٤) يريد تأبط شرا. انظر ما سبق فى حواشى ص ٢٠٠ من هذا الجزء.

(٥) صدره كما سبق فى الحواشى

نهضت إليها من جئوم كأنها

(٦) للبيد فى ديوانه ٢٨ طبع ١٨٨١ واللسان (خوخ).


و (الخُنْزُوانة) : الكِبْر. و (الخَيزُرانة) : سُكّانُ السّفينة.

و (الخازِبازِ) : الذُّبابُ ، أو صوتْه. والخَازِبازِ : نَبْتٌ. والخازباز : وجعٌ يأخُذ الحلق. قال :

* يا خَازِبازِ أَرْسِلِ الَّلهازِمَا (١) *

و (الخَبَرْنَجُ) : الحَسَن الغِذاء.

ومما اشتُقَّ اشتقاقاً قولُهم للثَّقيل (٢) الوخِم القبيح الفَحَج (خَفَنْجَلٌ). وهذا إِنَّما هو من الخفج وقد مضى ، لأنّهم [إِذا] أرادوا تشنيعاً وتقبيحاً زادوا فى الاسم.

وممّا وضِع وضْعاً (الخَرْفَجَة) : حُسْنُ الغِذاء. وسَرَاويلُ مُخَرْفَجَةٌ ، أى واسعة.

وأمّا (الخَيْسَفُوجة) : سُكَّان السَّفينة ، فمن الكلام الذى لا يُعَرَّج على مِثله.

وأمّا قولُهم للقديم (خُنَابِسٌ) فموضوعٌ (٣) أيضاً لا يُعرف اشتقاقُه. قال :

* أتَى اللهُ أنْ أَخْزَى وعِزٌّ خُنابِسُ (٤) *

والله أعلمُ بالصَّواب

تم كتاب الخاء

__________________

(١) البيت فى اللسان (خوز).

(٢) فى الأصل : «الثقل».

(٣) فى الأصل : «فموضع» ، تحريف.

(٤) للقطامى فى ديوانه ٢٨ واللسان (خنبس). وصدره :

وقالو عليك ابن الزبير؟ به


كتاب الدّال

باب الدال وما بعدها فى المضاعف والمطابق

در الدال والراء فى المضاعف يدلُّ على أصلين : أحدهما تولُّد شىء عن شىء ، والثانى اضطرابٌ فى شىء

فالأوّل الدَّرُّ دَرُّ اللَّبَن. والدِّرّة دِرّة السّحاب : صَبُّه. ويقال سَحابٌ مِدْرارٌ ومن ذلك قولهم : «لله دَرُّه» ، أى عمله ، وكأنّه شُبِّه بالدَّر الذى يكونُ من ذوات الدّرّ. ويقولون فى الشَّتْم : «لا دَرّ دَرُّه» أى لا كَثْر خَيره. ومن الباب : دَرّت حَلُوبةُ المسلمين ، أى فَيْئُهم وخَراجهم. ولهذه السُّوق دِرَّة ، أى نَفَاق ، كأنّها قد دَرَّت. وهو خلاف الغِرار. قال :

ألا يا لَقومى لا نَوَارُ نَوارُ

ولِلسُّوق منها دِرَّةٌ وغِرارُ

ومن هذا قولهم : استدرَّت المِعْزَى استدراراً ، إذا أرادت الفحلَ ، كأنّها أرادت أنْ يَدرَّ لها ماءُ فَحْلِها.

وأمّا الأصل الآخرُ فالدّرِيرُ من الدوابّ : الشديدُ العَدْو السريعُهُ. قال :

دَرِيرٌ كَخُذْرُوف الوَلِيد أَدَرَّهُ

تَتَابُعُ كَفَّيْه بخَيطٍ مُوَصَّلِ (١)

والدُّرْدُرُ : مَنابت أسنانِ الصبِىّ. وهو من تَدَرْدَرَتِ اللحمةُ تَدَرْدُرّا ، إذا اضطربَتْ ، ودَرْدَر الصبىُّ الشَّىءَ ، إذا لاكَهُ ، يُدَرْدِرُه.

__________________

(١) لامرئ القيس فى معلقته. والرواية المشهورة : «أمره» بدل : «أدره».


وَدَرَرُ الرِّيح : مَهَبُّبا. ودَرَرُ الطَّريق : قَصْدُهُ ؛ لأنّه لا يخلو مِن جاء وذاهب.

والدُّرُّ : كبار اللّؤلؤ ، سمِّى بذلك لاضطرابٍ يُرَى فيه لصفائه ، كأنّه ماء يضطرب. ولذلك قال الهذليّ (١) :

فجاء بها ما شِئْتَ مِن لَطَمِيَّةٍ

يَدُوم الفُراتُ فوقَها ويموجُ (٢)

يقول : كأنَّ فيها ماءً يموج فيها ، لصفائها وحسنها.

والكوكب الدُّرّىّ : الثاقب المُضِىء. شُبِّه بالدُّر ونُسب إليه لبياضه.

دس الدال والسين فى المضاعف والمطابق أصلٌ واحد يدلُّ على دُخول الشىء تحت خفاءِ وسِرّ. يقال دَسَسْتُ الشَّىءَ فى التُّراب أدُسُّه دَسًّا. قال الله تعالى : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ). والدّسّاسة : حيَّة صَمّاء تكون تحت التراب.

فأمّا قولهم دُسَ البَعيرُ ففيه قولان ، كلُّ واحدٍ منهما من قياس الباب. فأحدُهما أن يكون به قليل من جَرَب. فإن كان كذا فلأنّ ذلك الجربَ كالشَّىء الخفيف المُنْدَسَ. والقول الآخَر ، وهو أن يُجعل الهِنَاءُ على مَسَاعِرِ البعير. ومن البابْ الدَّسيس(٣). وقولهم : «العِرْق دَسَّاس» ؛ لأنَّه يَنزِع فى خَفَاءِ ولُطْف.

__________________

(١) هو أبو ذؤيب الهذلى. انظر ديوانه ٥٠ ـ ٦٢ (واللسان ، دوم).

(٢) وكذا رواية الديوان ٥٧. وفى اللسان : «تدور البحار فوقها وتموج».

(٣) لم يفسره. والدسيس : إخفاء المكر. والدسيس أيضا : من تدسه ليأتيك بالأخبار كالمتجسس. والدسيس : الصنان الذى لا يقلعه الدواء. والدسيس : المشوى. والدسيس : المرائى بعمله ، يدخل مع القراء وليس قارئا.


دظ الدَّال والظاء ليس أصلاً يعوَّل عليه ولا يَنْقَاس منه. ذكروا من الخليل أنَ الدَّظَّ الشَّلُ (١) ؛ يقال دَظظْناهم ، إذا شَلَلْناهم. وليس ذا بشىءِ.

دع الدال والعين أصلٌ واحد مُنقاسٌ مطّرد ، وهو يدلُّ على حركةٍ ودَفْع واضطراب. فالدَّعُّ : الدفع ؛ يقال دَعَعْتُه أَدُعُّه دَعًّا. قال الله تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا). والدَّعْدَعَةُ : تحريك المِكيال ليستوعب الشَّىءَ. والدَّعْدَعةُ : عَدْوٌ فى التِواء. ويقال جَفْنةٌ مدَعدَعة. وأصلُه ذاك ، أى أنَّها دُعدِعَتْ حتّى امتلأتْ.

فأمّا قولُهم الدَّعْدَعَةُ زَجْر الغنم ، والدَّعدعةُ قولُك للعاثر : دَعْ دَعْ ، كما يقال لَعاً ، فقد قلنا : إنَّ الأصواتَ وحكاياتِها لا تكاد تنقاس ، وليست هى على ذلك أصولاً.

وأمّا قولهم للرجل القصير دَعْدَاعٌ ، فإِن صحّ فهو من الإبدال من حاءٍ (٢) : دَحْدَاح.

دف الدال والفاء أصلان : أحدهما [يدُلّ] على عِرَضٍ فى الشَّىء ، والآخَر على سُرعة.

فالأوَّل الدَّفُ ، وهو الجَنْب. ودَفَّا البعيرِ : جنباه. قال :

له عُنُقٌ تُلْوِى بما وُصِلَتْ به

ودَفّانِ يَشْتَفَّانِ كلَّ ظِعانِ (٣)

ويقال سَنامٌ مُدَفِّفٌ ، إذا سقَط على دفَىِ البعير. والدَّفّ والدُّفّ : ما يُتلهَّى به.

والثانى دَفّ الطّائرُ دفيفاً ، وذلك أن يَدُفَ على وجه الأرض ، يحرِّك

__________________

(١) جعله فى اللسان لغة أهل اليمن.

(٢) كلمة «من» ليست فى الأصل. وفى الأصل : «جاء».

(٣) البيت لكعب بن زهير كما فى اللسان (شفف). وهو فى اللسان (ظعن) بدون نسبة وسيعيده فى (شف).


جناحَيْه ورجلاه فى الأرض ومنه دفَّتْ علينا من بَنِى فلان دَافَّةٌ ، تدِفّ دفيفا. ودَفِيفُهم : سَيْرهم (١). وتقول : داففْتُ الرّجُلَ ، إذا أجْهزْتَ عليه دِفَافاً ومُدَافَّة. ومن ذلك حديثُ خالدِ بن الوليد : «من كان معه أسيرٌ فليُدَافَّه». أى ليُجْهِزْ عليه. وهو من الباب ؛ لأنَّه يعجِل الموتَ عليه.

دق الدال والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على صِغَر وحَقارة. فالدَّقيق : خِلافُ الجَليل. يقال : ما أدَقَّنِى فُلانٌ ولا أَجَلَّنى ، أى ما أعطانى دقيقةً ولا جَليلة. وأدقَ فُلانٌ وأجلّ ، إذا جاء بالقليل والكثير. قال :

سَحوحٍ إذا سَحَّتْ هُمُوع إذا هَمَتْ

بكَتْ فأَدَقَّتْ فى البُكا وأجَلَّتِ (٢)

والدّقيق : الرجل القليل الخَير. والدَّقيق : الأمر الغامض. والدقيق : الطَّحين. وتقول : دققتُ الشَّىْءَ أدُقُّه دَقًّا.

وأمَّا الدَّقْدَقة فأصواتُ حوافر الدوابّ فى تردُّدها. كذا يقولون. والأصل عندنا هو الأصل ، لأنَّها تدقّ الأرضَ بحوافرها دَقًّا.

دك الدال والكاف أصلان : أحدهما يدلُّ على تطامُن وانسطاحٍ. من ذلك الدكان ، وهو معروف. قال العَبْدِىّ (٣) :

* كدُ كّان الدّرابِنَة المَطِينِ (٤) *

__________________

(١) فى الأصل : «سيرتهم» ، تحريف. وفى المجمل : «ودفيفهم : سير فى لين».

(٢) فى الأصل : «هموع إذا حرات همت وادقت» ، وأصلحته مستضيئا بما سبق فى مادة (جل) من الجزء الأول ٤١٨.

(٣) هو المثقب العبدى. وقصيدة البيت فى المفضليات (٢ : ٨٨ ـ ٩٢).

(٤) صدره كما فى المفضليات واللسان (دكك ، دربن ، طين) :

فأبقى باطل؟ منها


ومنه الأرضُ الدَّكَّاءِ ، وهى الأرض العريضة المستوية. قال الله تعالى : (جَعَلَهُ) دَكَّاءَ. ومنه النّاقة الدّكّاء ، وهى التى لا سَنامَ لها.

قال الكسائىّ : الدُّكُ من الجبال : العِراضُ ، واحدها أدَكُ. وفرس أدَكُ الظّهر ، أى عريضُهُ.

والأصل الآخر يقرب من باب الإبدال ، فكأنَّ الكاف فيه قائمةٌ مَقام القاف. يقال دكَكْت الشىء ، مثل دَقَقته ، وكذلك دكَّكته. ومنه دُكَ الرَّجُل فهو مدكوكٌ ، إذا مَرِض. ويجوز أن يكون هذا من الأوَّل ، كأنَّ المرض مَدَّه وبَسَطَه ؛ فهو محتملٌ للأمرين جميعاً.

والدَّكْدَاك من الرّمل كأنه قد دُكَ دَكًّا ، أى دُق دَقًّا. قال أهلُ اللغة : الدَّكداك من الرّمل : ما التَبَد بالأرض فلم يرتفِع. ومن ذلك حديثُ جرير ابن عبد الله حين سأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن منزلِهِ ببِيشة ، فقال : «سَهْلٌ* ودَكْداكٌ ، وسَلَمٌ وأرَاكٌ».

ومن هذا الباب : دَكَكت التُّرابَ على الميّت أدُكّه دَكًّا ، إذا هِلْتَهُ عليه. وكذلك الرّكِيَّة تدفِنها. وقيل ذلك لأنَّ الترابَ كالمدقوق.

ومما شذّ عن هذين الأصلين قولهم ، إن كان صحيحا : أُمَةٌ مِدَكَّةٌ : قويّةٌ على العمل. ومن الشاذّ قولهم : أقمت عنده حولاً دَكيكا ، أى تامًّا.

دل الدال واللام أصلان : أحدهما إبانة الشىء بأمارةٍ تتعلّمها ، ولآخَر اضطرابٌ فى الشىء.

فالأوَّل قولهم : دلَلْتُ فلاناً على الطريق. والدليل : الأمارة فى الشىء. وهو بيِّن الدَّلالة والدِّلالة.


والأصل الآخَر قولهم : تَدَلْدَل الشَّىءُ ، إذا اضطرَبَ. قال أوس :

أمْ مَن لَحىً أضاعوا بعضَ أمرِهِمُ

بَيْنَ القُسوط وبين الدِّينِ دَلْدَالِ (١)

والقُسوط : الجَوْر. والدِّين : الطّاعة.

ومن الباب دَلال المرأة ، وهو جُرْأتها فى تَغَنُّجٍ وشِكْلٍ ، كأَنَّها مخالِفَةٌ وليس بها خِلاف. وذلك لا يكون إلّا بتمايُلٍ واضطراب. ومن هذه الكلمة : فلانٌ يُدِلُ على أقرانِهِ (٢) فى الحرب ، كالبازى يُدِلُ على صيده.

ومن الباب الأوّل قولُ الفرّاء عن العرب : أدَلّ يُدِلّ ، إذا ضَرَبَ بقَرابَةٍ (٣).

دم الدال والميم أصلٌ واحد يدلُّ على غِشْيان الشَّىء ، مِن ناحيةِ أنْ يُطْلَى به. تقول دَمْمتُ (٤) الثَّوبَ ، إذا طليتَه أىَّ صِبْغ ، وكلُّ شىءِ طُلِى على شىءِ فهو دِمام (٥). فأمَّا الدّمدمة فالإهلاك. قال الله تعالى : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ). وذلك لِمَا غَشّاهم به من العذاب والإهلاك. وقِدْرٌ دميمٌ : مطلِيَّة بالطِّحال. والدَّامَّاء : جُحْر اليربوع ، لأنّه يَدُمُّه دمًّا ، أى يُسَوِّيه تَسويةً.

فأمَّا قولهم رجلٌ دميمُ الوجه فهو من الباب ، كأنّ وجهَه قد طلِيَ بسوادٍ أو قُبْحٍ. يقال دَمَ وجهُه يَدِمُ دَمامةً ، فهو دميم.

وأمَّا الدَّيْمُومَة ، وهى المَفَازة لا ماء بها ، فمن الباب ؛ لأنّها كأنَّها فى استوائها

__________________

(١) ديوان أوس بن حجر ٢٣ واللسان (دلل). قال : «وقوم دلدال ، إذا تدلدلوا بين أمرين فلم يستقيموا».

(٢) الأقران : جمع قرن ، بالكسر. وفى الأصل : «على امرأته» ، وهو من عجيب التحريف.

(٣) فى الأصل : «بقرانه» ، صوابه من المجمل.

(٤) فى الأصل : «دمدمت» ، تحريف.

(٥) ويقال «دم» أيضا بتشديد الميم ، للطلاء.


قد دُمَّت ، أى سُوِّيت تسويةً ، كالشَّىء الذى يُطلى بالشىء. والدَّمادِم من الأرض : رَوَاب سَهْلَةٌ.

دن الدال والنون أصلٌ واحد يدلّ على تطامُنٍ وانخفاض. فالأدَنُّ : الرجل المنحنِى الظَّهر. يقال منه قد دَنِنْتَ دَنَناً. ويقال بيتٌ أدنٌ ، أى متطامِنٌ. وفرسٌ أدَنّ ، أى قصير اليدين. وإذا كان كذلك كان منْسجُهُ منْخفضاً (١). ومن ذلك الدَّنْدَنَة ، وهو أنْ تُسمَع من الرَّجل نَغْيَةٌ لا تُفْهَم ، وذلك لأنّه يخفِض صوتَه بما يقوله ويُخفيه. ومنه الحديث : «فأمَّا دَنْدَنَتُكَ ودندنةُ مُعاذٍ فلا نُحْسِنُهُمَا (٢)».

ومما يقارب هذا القياسَ وليس هو بعينه قولهم للسيف الكَليل : دَدَانٌ (٣).

ومما شذَّ عن الباب الدَّيْدَن ، وهى العادة.

ومما يقاس على الأصل الأول الدّنْدِنُ ، وهو ما اسودَّ من النّبات لِقدَمه.

ده الدال والهاء ليس أصلاً يُقاس عليه ولا يُفرَّع منه ، وإنّما يجىء فى قولهم تَدَهْدَهَ الشىءُ ، إذا تدحرَج ؛ فكأنَ الدَّهْدَهَةُ الصَّوتُ التى يكون منه هناك. وقد قلنا إنَّ الأصواتَ لا يُقاس عليها.

ويقولون. ما أدرِى أىُ الدَّهْدَاءِ (٤) هو ، أيْ أىُّ الناس هو؟ والدَّهْدَاه : الصّغار من الإبل. ويقال الدَّهْدَهانُ : الكثيرُ من الإبل.

__________________

(١) منسج الفرس ، كمنبر ومجلس : ما بين العرف وموضع اللبد.

(٢) هو كلام أعرابى ، سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما تقول فى التشهد؟» قال : «أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ، فأما دندنتك ودندنة معاذ فلا تحسنهما».

(٣) الحق أن هذه الكلمة فى مادة (ددن) لا (دن).

(٤) يقال أى الدهداء ، وأى الدهدا ، بالمد والقصر.


وممّا يدلُّ على ما قُلناه أنّ هذا ليس أصلاً ، قول الخليل فى كتابه : وأمّا قول رؤبة :

* وقُوَّلٌ إلّادَهٍ فَلَادَهِ (١) *

فإنّه يقال إنّها فارسية ، حَكَى قولَ دايَتِه (٢). والذى قاله الخليل فعلى ما تراه ، بعد قوله فى أول الباب : دَهٍ كلمةٌ كانت العرب تتكلّم بها ، إذا رأى أحدُهم ثَأرَه يقول له «يا فلانُ إلّادَهٍ فلا* دَهٍ» ، أى إنّك إنْ لم تَثْأَرْ به الآن لم تثأَرْ به أبداً وفى نحو ذلك من الأمر. وهذا كله مما يدلُّ على ما قلناه.

دو الدال والحرف المعتل بعدها أو المهموز ، قريبٌ من الباب الذي قبله. فالدَّوُّ والدَّوِّيّة المفازة. وبعضهم يقول : إنّما سمِّيت بذلك لأنّ الخالى فيها يسمع كالدّوِىّ ، فقد عاد الأمرُ إلى ما قلناه من أنّ الأصواتَ لا تُقاس.

قال الشاعر فى الدَّوِّية :

وَدوِّيّةٍ قفرٍ تَمَشَّى نَعَامُها

كَمَشْىِ النَّصارى فى خِفاف اليَرَنْدَجِ (٣)

ومن الباب الدّأْدَأَةُ : السَّير السريع. والدأداة : صوتُ وَقْع الحجارة فى المَسِيل. فأمّا الدآدئ فهى ثلاثُ ليالٍ من آخرِ الشهر ، قبل ليالى المُحَاق. فله قياسٌ صحيح ؛ لأن كلّ إناءِ قارَبَ أن يمتلئَ فقد تدأدأ. وكذلك هذه الليالى تكُونُ إذ

__________________

(١) قبله كما فى الديوان ١٦٦ واللسان (دهده) :

فاليوم قد؟؟

(٢) الداية : الظئر ، كلاهما عربى فصيح. وفى الأصل : «دابته» تحريف. وفى اللسان : «يقال إنها فارسية ، حكى قول ظئره». والظئر : المرضعة لغير ولدها.

(٣) البيت للشماخ فى ديوانه ١١ برواية : «وداوية». وهى لغة ثالثة صحيحة. والبيت أيضا فى اللسان (دوا ، ردج).


قاربَ الشّهرُ أن يكمُل. فأمّا قولُ مَن قال سُمِّيت دآدِئَ لظَلمتها ، فليس بشىءَ ولا قياسَ له.

وأمّا الدَّوادِى فهى أراجيح الصِّبيان ، وليس بشىء.

دب الدال والباء أصلٌ واحد صحيح مُنقاس ، وهو حركةٌ على الأرض أخفُّ من المشْى. تقول : دَبَ دبيباً. وكلُّ ما مَشى على الأرض فهو دابة. وفى الحديث : «لا يَدخُل الجنَّةَ دَيْبُوبٌ ولا قَلّاع». يُراد بالدَّيبوب النَّمام الذى يدِب بين النّاس بالنمائم. والقَلَّاع : الذى يَشِى بالإنسان إلى سُلطانه ليَقلَعه عن مرتبةٍ له عندَه. ويقال ناقة دَبُوبٌ ، إذا كانت لا تَمْشى من كثرة اللّحم إلّا دَبيبا. ويقال ما بالدار دِبىٌ ودُبِّيٌ ، أى أحدٌ يدِبّ. ويقال طَعنةٌ دبُوب (١) ، إذا كانت تَدِبُ بالدّم. قال الهذَلىّ (٢) :

* بصَفْحتهِ دَبُوبٌ تَقْلِسُ (٣) *

ويقال ركب فلانٌ دُبَّة فُلانٍ ، وأخَذَ بدُبّته ، إذا فعل مِثل فِعلِه ، كأنّه حَشى مِثل مشيه. والدُّبَّاء (٤) : القَرْع. ويجوز أن يكون شاذًّا ، ومحتملٌ أن يكون سمِّى بذلك لملاسَته ، كأنّه يَخِفُّ إذا دُحْرِجَ. قال امرؤ القيس :

__________________

(١) فى الأصل : «ناقة ربوب» ، صوابه فى المجمل.

(٢) هو أبو قلابة الهذلى. وقصيده البيت فى بقية أشعار الهذليين ١٥ وديوان الهذليين نسخة الشنقيطى ١٠٦.

(٣) البيت بتمامه كما فى المرجعين السابقين :

واستجمعوا نفرا وزاد جنابهم

رجل بصفحته دبوب تقلس

(٤) اختلف اللغويون فى «الدباء» فجعله الزمخشرى فى (دبأ) وصاحب القاموس فى (دبب) وصاحب اللسان فى (دبى).


إذا أقْبلَتْ قلتَ دُبَّاءَةً

من الخُضْرِ مَغْمُوسَةٌ فى الغُدُرْ (١)

وأمَّا الدَّبَبُ فى الشّعَرِ فمن باب الإبدال ؛ لأنَّ الدال فيه مبدلةٌ من زاءٍ. والأدْبَبُ من الإبل : الأزبُّ. وفى الحديث ـ إنْ صحَ ـ : «أيَّتُكُنَّ صاحبة الجمَل الأدْبَب (٢)». وأمَّا الدَّبُوب ، فيقال إنّه الغار البعيد القَعْر (٣) وليس هذا بشىء.

دث الدال والثاء كلمةٌ واحدة ، وهو المَطَر الضَّعيف (٤)

دج الدال والجيم أصلان : أحدهما كشِبه الدَّبيب ، والثانى شىء يُغَشِّى ويغطِّى.

فالأوّل قولهم : دَجَ دَجيجاً (٥) إذا دبّ وسَعَى. وكذلك الداجُ الذين يسعَون مع الحاجِّ فى تجاراتهم. وفى [الحديث (٦)] : «هؤلاء الدّاجُ ولَيُسوا بالحاجّ». فأمَّا حديث أنس : «ما تركت من حاجَةٍ ولا داجَة». فليس من هذا الباب ، لأنَ الدَّاجَة مخفّفة ، وهى إتْباعٌ للحاجَة. وأما الدَّجاجَة فمعروفةٌ ؛ لأنَّها تُدَجْدِجُ ، أى تَجِىء وتذهَب. والدَّجَاجة : كُبَّةُ المِغْزَل. فإِن كان صحيحاً فهو على معنى

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ١٦ واللسان (دبى).

(٢) قيل أطهر التضعيف لموازنة الكلام. والحديث بتمامه أن رسول الله قال : «ليت شعرى أيتكن صاحبة الجمل الأدب ، تخرج فتنبحها كلاب الحوأب».

(٣) ورد فى المجمل والقاموس : «الدبوب : الغار القعر». وأغفله صاحب اللسان.

(٤) هذا تفسير للدث بالفتح.

(٥) فى الأصل : «دجيجا وكذلك» ، والكلمة الأخيرة مقحمة.

(٦) التكملة من المجمل.


التشبيه. وكذلك قولهم : لفلانٍ دَجاجة ، أَى عيالٌ. وهو قياسٌ ؛ لأنَّهم إليه يدِجُّون.

وأمّا الآخَر فقولهم تَدَجْدَج اللَيل : إِذا أظْلَم. وليلٌ دَجُوجىّ. ودَجَّجت السماءُ تدجيجاً : تغيَّمت. وتدَجْدَجَ الفارسُ بشِكَّته ، كأنَّه تغطَّى بها. وهو مدجّج ومدَجَّجٍ. وقولهم للقُنْفذ مُدَجَّجِ (١) من هذا. قال :

ومُدَجَّجٍ يَعدُو بشِكّته

محمَرَّةٍ عيناهُ كالكَلْبِ (٢)

وأمّا قولهم للنّاقة المبسطة على الأرض دَجَوْجَاةٌ ، فهو من الباب ، لأنّها كأنها تُغَشّى الأرض.

دح الدال والحاء أصلٌ واحد يدلُّ على اتساع وتبسُّط. تقول العرب : دحَحْتُ البيت وغيرَه ، إذا وسَّعته*. واندَحَ بطنُه ، إذا اتَّسع. قال أعرابىّ : «مُطِرْنا لليلتين بقيتا من الشّهر ، فاندحَّتِ الأرضُ كَلَأً». ويقال دَحَ الصَائدُ بيتَه ، إذا جعَلَه فى الأرض. قال أبو النَّجم :

* بيْتاً خَفِيًّا فى الثَّرَى مَدْحُوحَا (٣) *

ومن الباب الدَّحْدَاح : القصير ، سمّى لتطامُنِه وجُفُورِه (٤). وكذلك الدُّحَيْدِحَةُ. قال:

__________________

(١) فى المخصص (٨ : ٩٥): «المدجج والمدجج : الدلدل من القنافذ». وأنشد البيت.

(٢) البيت لعامر بن الطفيل كما فى الحيوان (١ : ٣١٣). وأنشده المبرد فى الكامل ٦٠٩ : «ومدججا».

(٣) البيت فى المجمل واللسان (دحح).

(٤) الجفور : مصدر جفر ، ولم يصرح اللغويون بهذا المصدر إلا فى قولهم : جفر الفحل جفورا إذا عجز عن الضراب. وفى الأصل : «جفون». وأراه محرفا عن «الجفور». والجفر : الصبى إذا انتفخ لحمه وأكل وصارت له كرش.


أغَرَّكِ أَنَّنى رجلٌ دميم

دُحَيْدِحَة وأنَّكِ عَيْطَمُوسُ (١)

دخ الدال والخاء ليس أصلاً يُفَرّع منه ، لكنّهم يقولون : دخدَخْنا القومَ : أذْلَلْناهم ، دَخدَخةً. وذكر الشَّيبانىّ أنَ الدخدخة الإعياء. فأما الدُّخُ فقد ذُكِر فى بابه ، وهو الدُّخان. قال :

* عند سُعَارِ النّارِ يَغْشَى الدَّخَّا (٢) *

دد الدال والدال كلمةٌ واحدة. الدَّدُ : اللهو واللَّعِب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما أنَا مِن دَدٍ ولا الدَّدُ مِنِّى (٣)».

ويقال : دَدٌ ، وَدَداً ، ودَدَن. قال :

أيُّها القلبُ تَعَلَّلْ بدَدَنْ

إنَّ همِّى فى سَمَاعٍ وَأَذَنْ (٤)

ودَد (٥) ـ فيما يقال ـ اسمُ امرأةٍ. والله أعلم.

__________________

(١) أنشده فى اللسان (دحح) برواية :

أغرك أننى رجل جليه

دجيدحة وأنك علطميس

والعيطموس من النساء : التامة الحلق. والططميس : الضخمة الشديدة.

(٢) فى الأصل : «يخشى الدخا» صوابه من اللسان والتاج (دخخ) وأمالى ثعلب ٤٥١ وأمالى الزجاجى ٧٨ والخزانة (٣ : ١٠٤) وقد نقل البغدادى نسبة الرجز إلى العجاج ، وليس فى ديوانه المطبوع. وسيعيده ابن فارس فى (درن).

(٣) فى الأصل : «ولا دد منى» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٤) البيت لعدى بن زيد ، كما فى اللسان (أذن ، ددن).

(٥) فى كل ثنائى من أعلام الإناث لغتان : الصرف ، وعدمه.


باب الدال والراء وما يثلثهما

درز الدال والراء والزاء ليس بشىءِ ، ولا أحسب العربَ قالت فيه. إلّا أَنَّ ابنَ الأعرابىّ حُكِى أنه قال : يقول العرب للسِّفْلة : هم أولادُ دَرْزَة ، كما تقول للُّصوص وأشباهِهم : بنو غَبْرَاء. وأنشد :

* أولادُ دَرْزَةَ أسلموكَ وطارُوا (١) *

درس الدال والراء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على خَفاء وخفضٍ وعَفَاءِ. فالدَّرْس : الطَّريق الخفىّ. يقال دَرَسَ المنزلُ : عفا. ومن الباب الدَّرِيس : الثّوب الخَلَق. ومنه دَرَسَتِ المرأةُ : حاضَت. ويقال إنَّ فرجَها يكنّى أبا أَدْرَاس (٢) وهو من الحَيْض. ودَرَسْتُ الحَنْطةَ وغيرَها فى سُنْبُلها. إذا دُسْتَها. فهذا محمولٌ على أنّها جُعِلت تحتَ الأقدام ، كالطَّريق الذى يُدْرس ويُمشَى فيه. قال :

* سَمْرَاءَ مما دَرَسَ ابنُ مِخْرَاقْ (٣) *

والدَّرْس : الجَرَب القليل يكون بالبَعير.

__________________

(١) البيت لبعض الشراة ، وهو حبيب بن خدرة الهلالى ، يخاطب زيد بن على ، وكان خرج معه خياطون من أهل الكوفة فتركوه وانهزموا. انظر ثمار القلوب ٢١٥ والكامل ٧٠٩ ـ ٧١٠. قال :

يابا حسين لو شعراة عصابة

صبحوك كان لوردهم إصدار

باباحسن والجديد إلى بلى

أولاد جرزة؟؟؟

(٢) يقال أبو أدراس ، وأبو دراس أيضا ، بالدال المكسورة.

(٣) الرجز لابن ميادة ؛ كما فى اللسان (درس). وقبل البيت :

هلا اشتريت حنطة بالرستاق


ومن الباب دَرَسْتُ القُرآنَ وغيرَه. وذلك أَنّ الدّارِسَ يتبَّع ما كان قرأ ، كالسَّالك للطريق يتَتبَّعُه.

ومما شذَّ عن الباب الدِّرْوَاس : الغليظ العُنق من النّاسِ والدّوابّ.

درص الدال والراء والصاد ليس أصلاً يُقاس عليه ولا يفرَّع منه ، لكنّهم يقولون الدِّرص ولدُ الفأرة ، وجمعُه دِرَصَة. ويقولون : وقع القوم فى أُمِ أدْرَاصٍ ، إذا وقعوا فى مَهْلِكَة. وهو ذاك الأوّل ؛ لأنّ الأرض الفارغةَ يكون فيها أدراص. قال :

وما أمُ أدراصٍ بأرضٍ مَضَلَّةٍ

بأغْدَرَ مِن قيسٍ إِذا اللَّيلُ أظلما (١)

ويقولون للرّجُل إذا عَىَّ بأمرِه : «ضَلَّ دُرَبْصٌ نَفَقَهُ».

درع الدال والراء والعين أصلٌ واحد ، وهو شئ [من اللّباس (٢)] ثم يُحمَل عليه تشبيهاً. فالدِّرع دِرْعُ الحديد مؤنثة ، والجمع دُروع وأدراع. ودِرْع المرأة : قميصُها ، مذكّر.

وهذا هو الأصل. ثمَّ يقال : شاةٌ دَرْعاء ، وهى التى اسوَدَّ رأسُها وابيضَّ سائرُها. وهو القياس ؛ لأنَّ بياضَ سائِر بدنِها كدرعٍ لها قد لبِسَتْهُ. ومنه اللَّيالى الدُّرْعَ ، وهى ثلاثٌ تسودّ أوائلها ويبيضُ سائرُها ، شُبِّهت بالشَّاة الدَّرْعاء. فهذا مشبَّهٌ بمشبَّهٍ بغيره.

ومما شذَّ عن الباب الاندراعُ : التقدُّمُ فى السير. قال :

__________________

(١) ينسب البيت إلى طفيل العنوى ، ولقيس بن زهير ، ولشريح بن الأحوص. انظر اللسان (درس) وملحقات ديوان طفيل ص ٦٤.


* أَمامَ الخَيْل تَنْدَرِعُ اندرَاعا (١) *

درق الدال والراء والقاف ليس هو عندى أصلاً يُقاس عليه. لكن الدَّرَقَة معروفة ، والجمع دَرَق وأدْراق. قال رؤبة :

* لو صَفَّ أدْرَاقاً مَضَى من الدّرَقْ (٢) *

والدَّرْدَق : صِغار الإبل ، وأطفالُ الوِلْدان.

درك الدال والراء والكاف أصلٌ واحد ، وهو لُحوق الشّىء بالشىء ووُصوله إليه. يقال أدْرَكْتُ * الشّىءَ أُدْرِكُه إدراكاً. ويقال فرس دَرَكُ الطريدةِ ، إذا كانت لا تَفوتُه طريدة. ويقال أدرك الغلامُ والجارية ، إذا بلَغَا. وتدارَكَ القومُ : لَحِق آخرُهم أوّلَهم. وتدارَكَ الثَّرَيَانِ ، إذا أدرك الثَّرَى الثانى المَطَرَ الأوّل. فأمَّا قوله تعالى : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) فهو من هذا ؛ لأنَّ عِلْمَهم أدركَهم فى الآخرة حين لم ينفَعْهم.

والدّرَك : القطعة من الحَبْل تُشَدُّ فى طَرَف الرّشاء إلى عَرْقُوَة الدَّلو ؛ لئلَّا يأكلَ الماءُ الرِّشاء. وهو وإن كان لهذا فبِهِ تُدرَك الدَّلْو (٣).

ومن ذلك الدَّرَك ، وهى منازِل أهل النار. وذلك أن الجنة [درجاتٌ ، والنَّار (٤)] دركات. قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ، وهى منازلُهم التى يُدْرِكونها ويَلْحَقُون بها. نعوذُ بالله منها!

__________________

(١) للقطامى فى ديوانه ٤٢ برواية : «أمام الركب». وصدره :

؟ بذات ألواع تراها

(٢) ديوان رؤبة ١٠٨.

(٣) فى الأصل : «فيه تدرك الدلو».

(٤) تكملة ضرورية. وفى المحمل : «والنار دركات والجنة درجات».


درم الدال والراء والميم أصلٌ يدلُّ على مقاربةٍ ولِين. يقال دِرْعٌ درِمَةٌ ، أى ليِّنة مُتَّسقة. والدَّرَمان : تقارُبُ الخَطْو. وبذلك سمِّى الرَّجُل دارماً.

ومن الباب الدَّرَم ، وهو استواءُ فى الكَعْب تحت اللَّحم حتَّى لا يكونُ له حَجْم. يقال له كَعْبٌ أدْرَمُ. قال :

قامتْ تُرِيكَ خَشْيةً أن تَصْرِما

سَاقاً بخَنْدَاةً وكَعْباً أدْرَما (١)

ويقال دَرِمَتْ أسنانُه ؛ وذلك إذا انسحَجَتْ ولانت غُرُوبُها.

ومن هذا قولُهم أدْرَمَ الفَرَسُ ، إذا سقَطَتْ سِنُّه فخرَجَ من الإثْناء إلى الإرباع. والدَّرَّامة : المرأة القصيرة. وهو عندنا من مُقارَبَة الخطْو ؛ لأنَّ القصيرة كذا تكون. قال :

مِن البِيض لا دَرَّامةٌ فَمَلِيَّةٌ

تُبذُّ نِساءَ الحىِّ دَلًّا وَمِيسَمَا (٢)

ثم يشتقّ من هذا الذى ذكرناه ما بَعدَه. فبَنُو الأدرَم : قَبيلة. قال :

* إنَّ بَنِى الأَدْرَمِ لَيْسُوا مِنْ أحَدْ*

ودَرِمٌ : اسمُ رجلٍ فى قول الأعشى :

* كما قِيل فى الحىِّ أوْدَى دَرِمْ (٣) *

وهو رجلٌ من شيبان قُتِل ولم يُدرَكْ بثأرِه

درن الدال والراء والنون أصلٌ صحيح ، وهو ثقادُمٌ فى الشَّيء

__________________

(١) للعجاج فى ديوانه ٥٧ واللسان (درم ، بخند) وفى الديوان : رهبة أن تصرما.

(٢) فى الأصل والمجمل : «ومبسما» ، صوابه من اللسان (درم ، قملى).

(٣) صدره كما فى ديوان الأعشى ٣١ واللسان (درم) :

ولم يود من كنت تصحى له


مع تغيُّرِ لَون. فالدَّرِين : اليَبِيسُ الحَوْلىّ. ويقال للأرض المجْدبة : أمُ دَرِينٍ. قال :

تَعَالَىْ نُسَمِّطْ حُبَّ دعْدٍ ونَغْتَدِى

سواءَيْنِ والمرعَى بأُمِ دَرِينِ (١)

يقول : تعالَىْ نلزَمْ حُبَّنَا وأرضَنا وعَيْشَنَا.

ومن الباب الدَّرَن ، وهو الوسَخ. ومنه دُرَيْنَةُ ، وهو نعتٌ للأحمق (٢). فأمّا قولُهم إنَ الإدْرَوْنَ الأصلُ فكلامٌ قد قِيل ، وما ندرى ما هُو (٣).

دره الدال والراء والهاء وليس أصلاً ؛ لأن الهاء مبدلة من همزة. يقال : دَرَأ أى طلع ، ثم يقلب هاءً ؛ فيقال دَرَهَ. والمِدْرَه : لسان القوم والمتكلِّم عنهم

درى الدال والراء والحرف المعتلّ والمهموز. أمّا الذى ليس بمهموزٍ فأصلان : أحدهما قَصْد الشىء واعتمادُهُ طلَباً ، والآخَر حِدَّةٌ تكون فى الشَّىء. وأمّا المهموز فأصلٌ واحد ، وهو دَفْع الشَّىء.

فالأول قولُهم : ادّرَى بنُو فلانٍ مكانَ كذا ، أى اعتمدوه بغَزْوٍ أو غارة قال :

أتتنا عامرٌ من أرض رَامٍ

مُعَلَّقةَ الكنائنِ تَدَّرِينا (٤)

والدّرِيَّة : الدّابّة التى يَستَتِرُ بها الذى يَرمِى الصَّيدَ ليصيده. يقال منه دَرَبت وادَّرَبْت. قال الأخطل :

__________________

(١) البيت فى اللسان (درن ، سمط).

(٢) ذكر فى اللسان أنه لغة أهل الكوفة.

(٣) أورد له صاحب اللسان قول القلاخ :

ومثل عتاب رددناه إلى

‘درونه ولؤم أصه على

(٤) لسحيم بن وثبل الرياحى ، كما فى اللسان (درى) ، فى الأصل : «يدرينا» ، تحريف.


وإنْ كُنْتِ قد أقصَدْتِنِى إِذ رميتِنِى

بسَهمِكِ والرَّامى يَصِيدُ ولا يَدْرِى (١)

قال ابنُ الأعرابىّ : تدرَّيتُ الصّيدَ ، إذا نظرْتَ أين هُوَ ولم تَرَهُ بَعدُ (٢). ودريتُه : ختَلْتُه

فأمّا قوله تدرَّيت ، أى تعلَّمت لدريته (٣) أين هو ، والقياسُ واحد. يقال دَرَيتُ الشَّىءَ ، والله تعالى أدرانيهِ. قال الله تعالى : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) ، وفلانٌ حَسَنُ الدِّرْيَة ، كقولك حسن الفِطْنة.

والأصل الآخَر قولهم للذى يُسَرَّحُ به الشَّعَرُ ويُدْرَى : مِدرًى ؛ لأنّه محدَّد. ويقال شاةٌ مُدْرَاةٌ (٤) : حديدة القَرْنَين. ويقال تَدَرَّت المرأةُ ، إذا سرَّحَتْ شعرَها. ويقال إنّ المِدْرَيَيْنِ طُبِيا الشَّاةِ (٥). و* قد يُستعمل فى أخلاف النّاقة.

قال حُميدٌ :

* تجودُ بِمدْرَيَيْنِ (٦) *

وإنّما صارا مدْرَيَيْنِ لأنّهما إذا امتَلَئَا تحدّدَ طَرَفاهما.

وأما المهموز قولهم دَرَأْتُ الشَّىءَ : دفعتُه. قال الله تعالى : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ). قال :

__________________

(١) ديوان الأخطل ١٢٨ واللسان (درى). وقبله ، وهو مطلع القصيدة :

ألا يا اسلمى؟ بي بدر

وإن كان حياما عدى آخر الدهر

(٢) فى الأصل : «ولم يره بعده».

(٣) كذا. ولعله : «دريت الشىء أى علمت بدريته».

(٤) هذا اللفظ ومعناه لم يرد فى المعاجم المتداولة سوى المجمل.

(٥) وهذا اللفظ بمعناه لم يرد أيضا فى المعاجم المتداولة سوى المجمل.

(٦) لم أجد هذه القطعة فى ديوان حميد بن ثور الذى أعده العلامة الميمى للنشر ، وهو محفوظ بالقسم الأدبى بدار الكتب المصرية ، ولعله من شعر حميد الأرقط.


تقولُ إذا دَرَأتَ لها وَضِينِى

أهذا دينُهُ أبداً ودِينِى (١)

ومن الباب الدَّرِيثة : الحلقة التى يُتعلّم عليها الطَّعْن. قال عمرو (٢) :

ظلِلْتُ كَأنِّى للرِّماحِ دَرِيئَةٌ

أُقاتِلُ عن أبناء جَرْمٍ وفَرَّتِ

يقال : جاءَ السَّيل دَرْءا ، إذا جاءَ من بلدٍ بعيد. وفلان ذُو تُدْرَأٍ ، أى قوىٌّ على دفع أعدائه عن نفْسه. قال :

وقد كنتُ فى الحربِ ذا تُدْرَأٍ

فلم أُعْطَ شيئاً ولم أُمْنَعِ (٣)

ودَرَأَ فلانٌ ، إذا طَلَع مفاجَأةً ، وهو من الباب ، كأنّه اندرَأ بنفسه أى اندفع (٤). ومنه دارأْتُ فلاناً ، إذا دافَعْتَه. وإذا ليّنْت الهمزة كان بمعنى الخَتْل والخِداع ، ويرجعُ إلى الأصل الأوَّل الذى ذكرناه فى دَرَيت وادَّريت. قال :

فما ذا تَدّرِى الشُّعَراءُ منِّى

وقد جاوزتُ حَدَّ الأربعينِ (٥)

فأما الدّرْءُ ، الذى هو الاعوجاج ؛ فمن قياسِ الدّفْع ؛ لأنّه إذا اعوجَّ اندفَعَ

__________________

(١) البيت للمثقب العبدى ، كما فى اللسان (دأر ، وضمن). وقصيدته فى المفضليات (٢ : ٨٧ ـ ٩٣).

(٢) عمرو بن معديكرب. وقصيدة البيت الآتى فى الأصمعيات ١٧ ـ ١٨ منسوبة إلى دريد بن الصمة. ونسبتها إلى عمرو بن معديكرب فى الحماسة (١ : ٤٤ ـ ٤٥). وانظر الا ان (درأ).

(٣) البيت للعباس بن مرداس كما فى اللسان (درأ) والخزانة (١ : ٧٣) حيث أنشد فى الأخيرة قصيدة البيت.

(٤) فى الأصل : «إذا اندفع».

(٥) لسحيم بن وثيل الرياحى ، من أبيات فى الأسحيات ٧٣. والبيت فى اللسان (درى).


من حدّ الاستواء إلى الاعوجاج. وطريق ذو دَرْءِ ، أى كُسور وجِرَفَةٍ (١) وهو من ذلك. ويقال: أقَمْت من دَرْئهِ ، إذا قوَّمْتَه. قال :

وكنّا إِذا الجَبَّار صعَّرَ خدَّه

أَقَمنا له مِن دَرْئهِ فتقوَّما (٢)

ويقولون : دَرَأَ البَعيرُ ، إذا وَرِم ظَهْره. فإن كان صحيحاً فهو من الباب ؛ لأنّه يندفعُ إِذا وَرِم. ومن الباب : أدرأَتِ النّاقةُ فهى مُدْرِئٌ ، وذلك إذا أرخَتْ ضَرْعَها عند النِّتاج.

درب الدال والراء والباء الصّحيح منه أصلٌ واحد ، وهو أن يُغْرَى بالشّىءِ ويلزمه. يقال دَرِبَ بالشّيء ، إذا لزِمَه ولصق به. ومن هذا الباب تسميتُهم العادةَ والتّجرِبة دُرْبَة. ويقال طَيْرٌ دَوَارِبُ بالدِّماء ، إذا أُغْرِيَت.

قال الشاعر (٣) :

يصاحِبْنَهم حتَّى يُغِرْنَ مُغارَهم

مِن الضّاريات بالدّماءِ الدّوارِب

وَدَرْبُ المدينة معروف ، فإنْ كان صحيحاً عربيًّا فهو قياسُ الباب ؛ لأنّ النّاسَ يَدْرَبُون به قصداً له. فأما تَدَرْبَى الشّىءُ ، إذا تَدَهْدَى ، فقد قيل (٤). والدّرْبانِيّة : جنسٌ من البقر. والدّردابُ : صوت الطبَّل. فكلُّ هذا كلامٌ ما يُدْرَى ما هو.

__________________

(١) الجرفة ، كعنبة : جمع جرف ، بالضم وبضمتين ، وهو ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض. وفى الأصل : «حرفة» ، تحريف.

(٢) البيت للمتلمس فى ديوانه ص ١ مخطوطة الشقيطى واللسان (درأ).

(٣) هو النابغة الذبيانى ، والبيت التالى من القصيدة الأولى فى ديوانه ص ٤.

(٤) لم يذكر فى اللسان والجمهرة ، وذكر فى القاموس مع المهموز «تدربأ».


درج الدال والراء والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على مُضِىِّ الشّىءِ والمُضىِّ فى الشّىء. من ذلك قولُهم دَرَجَ الشّىءُ ، إذا مَضَى لسبيله. ورجَع فُلانٌ أدراجَه ، إذا رجَع فى الطّريق الذى جاء منه. ودَرَجَ الصَّبىُّ ، إذا مَشَى مِشْيته. قال الأصمعىّ : دَرَجَ الرجُلُ ، إذا مَضَى ولم يُخْلِفْ نَسْلاً. ومَدَارج الأكمَة : الطُّرق المعترِضة فيها. قال :

تَعَرّضِى مَدَارِجاً وسُومِى

تعرُّضَ الجَوْزاءِ للنُّجوم (١)

فأمّا الدُّرج لبعض الأصوِنة والآلات ، فإِن كان صحيحاً فهو أصلٌ آخَرٌ يدلُّ على سَترٍ وتَغْطية. من ذلك أدْرَجْتُ الكتابَ ، وأدْرَجْتُ الحَبْل. قال :

* مُحَمْلَجٌ أُدْرِجَ إدْراجَ الطّلَقْ (٢) *

ومن هذا الباب الثانى الدُّرْجة ، وهى خِرَقٌ تُجعَل فى حياء النّاقة ثم تُسَلُّ ، فإِذا شمّتْها الناقةُ حسِبتْها ولدَها فعطفَتْ عليه. قال :

* ولم تُجعَلْ لها دُرَجُ الظِّئارِ (٣) *

درد الدال والراء والدال أُصَيْلٌ فيه كلامٌ يسير. قالدَّرَدُ من الأسنان : لصوقُها بالأسناخ وتأكُلُ ما فَضَل منها. وقد دَرِدَتْ وهى دُرْدٌ. ورجلٌ أَدْرَدُ وامرأةٌ درداء.

__________________

(١) الرجز لعبد الله ذى البجادين ، دليل النبى صلى الله عليه وسلم كما فى اللسان (درج).

(٢) لرؤبة بن العجاج فى ديوانه ١٠٤ واللسان (حملج) ، وقد سبق فى ص ١٤٦.

(٣) لعمران بن حطان. وصدره :

جهاد لايراد الرسل منها


درح الدال والراء والحاء أُصَيلٌ أيضاً. يقولون للرجل القصير : دِرْحايَة ، ويكون مع ذلك ضَخْماً. قال :

* عَكَوَّكاً إذا مَشَى دِرحايَهْ (١) *

والله أعلم.

* باب الدال والسين وما يثلثهما فى الثلاثى

دسم الدال والسين والميم أصلان : أحدهما يدلُّ على سَدّ الشّىء ، والآخر يدلُّ على تلطخ الشّىء بالشىء.

فالأوّل الدِّسام ، وهو سِدَادُ كلِّ شَىء. وقال قومٌ : دَسَم البابَ : أغلَقَه والثانى الدَّسَم معروف ، وسمِّى بذلك لأنّه يلطَّخ بالشّىء. والدُّسْمة : الدّنى ، من الرِّجال الردىّ. وسمِّى بذلك لأنّه كالملطَّخ بالقبيح. ويقال للغادِرِ : هو دَسِم الثياب ، كانّه قد لُطِّخ بقبيح. قال :

يا ربِّ إنّ الحارثَ بن الجَهْمِ (٢)

أَوْذَمَ حَجًّا فى ثِيابٍ دُسْمِ

ومن التّشبيه قولهم : دَسَمَ المطرُ الأرضَ ، إذا قلَّ ولم يبلُغْ أن يُبلَّ الثَّرى.

ومما شذّ عن الباب : الدّيْسَم ، وهو ولد الذِّئب من الكلبة. والدّيسم أيضاً :

__________________

(١) الرجز لدلم أبى زعيب العيشمى ، كما فى اللسان (عكك). وقبله فى اللسان (درج ، دعك) :

إما ترى رجلا؟

(٢) فى اللسان (وذم ، دسم) :

؟ إن عامر بن جهم


النبات الذى يقال له : «بُستَانْ أفْرُوز (١)». ويقال إن الدّيسمة الذَّرّة (٢)

دسوا الدال والسين والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على خَفاءِ وسَتْر. يقال دَسَوْتُ الشّىءَ أدْسُوه ، ودسَا يدسُو ، وهو نقيض زَكَا. فأمّا قوله تعالى : (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)، فإنّ أهل العلم قالوا : الأصل دَسَّسَها ، كأنَّه أخفاها. وذلك أنّ السَّمْحَ ذا الضِّيافةِ يَنزِل بكلِّ بَراز ، وبكل يَفَاع ؛ ليَنْتابَه الضِّيفَانُ ، والبَخيلَ لا ينزِلُ إلَّا فى هَبْطَةٍ أو غامض ، فيقول الله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) أى أخفاها ، أو أغْمَضها. وهذا هو المعوَّل عليه. غير أنّ بعضَ أهلِ العِلم قال : دَسّاها ، أى أغواها وأغراها بالقَبيح. وأنشد :

وأنتَ الذى دَسّيْتَ عَمْراً فأصبحتْ

حلائلُه منه أَرامِلَ ضُيَّعَا (٣)

دست الدال والسين والتاء ليس أصلاً ، لأنّ الدّست الصَّحراء هو فارسىٌّ معرَّب(٤). قال الأعشى :

__________________

(١) بالفارسية. ويقال أيضا «بستان أبروز» بالباء المفخمة. معجم استينجاس ١٨٥. ولم يذكر هذا الاسم فى اللسان والقاموس ، مع حرص الأخير على إيراد نظائره.

(٢) الذرة : واحدة الذر ، وهو صرب من صغار النمل. وقد ضبط فى اللسان والقاموس بضم الذال وفتح الراء المخففة ، وهو ضبط غير صحيح. انظر الحيوان (٦ : ٣٨٠).

(٣) هو لرجل من طيئ. وقد جعل فى اللسان «عمرا» قبيلة من القبائل. وأنشده :

وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت

نساؤهم منهم أراءل ضيع

(٤) لم يذكر صاحب اللسان «الدست» بالمهملة ، وذكرها بالشين المعجمة فحسب ، وكان أجدر به أن يذكر التى بالسين المهملة. أما صاحب القاموس فذكر المادتين. وأصلها الفارسيه بالشين المعجمة. وانظر معجم استينجاس.


قد علمَتْ فَارِسٌ وحِمْيرُ والْ

أَعْرابُ بالدّسْتِ أيُّكُمْ نَزَلا (١)

دسر الدال والسين والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الدّفْع. يقال دَسَرْتُ الشّيءَ دَسْرَا ، إذا دَفَعتَه دَفْعاً شديدا وفى الحديث (٢) : «ليس فى العَنْبَر زَكاةٌ ، إنما هو شئُ دسرَه البَحرُ». أى رماهُ ودفع به. وفى حديث عُمَر : «إنّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم أن يُؤخَذ الرّجلُ (٣) فيُدْسَر كما تُدسَر الجَزور». أى يُدفَع.

ومن الباب : دَسَره بالرُّمْح. ورُمْحٌ مِدْسَرٌ (٤). قال :

عَنْ ذى قَدَامِيسَ لُهَامٍ لو دَسَرْ (٥)

برُكْنِهِ أرْكَان دَمْخٍ لَانْقَعَرْ (٦)

أى لو دَفَعَهَا. ويقال للجمل الضّخْم القوىّ : دَوْسَرىٌ (٧). ودَوْسَر : كتيبةٌ (٨) ؛ لأنّها تدفع الأعداء.

ومما شذَّ عن الباب وهو صحيحٌ : الدِّسارُ : خَيْطٌ من ليفٍ تُشَدّ به ألواحُ السَّفينة ، والجمع دُسُرٌ. قال الله تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ). ويقال الدُّسُر : المَسامير.

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٥٧ واللسان (دشت) والمعرب للجواليقى ١٣٨.

(٢) هو حديث ابن عباس وقد سئل عن زكاة العنبر.

(٣) فى اللسان : «الرجل المسلم البرئ عند الله».

(٤) لم يذكر فى اللسان والقاموس. وفى المجمل : «ورجل مدسر».

(٥) فى المجمل واللسان (دسر): «كهام» ، تحريف. وفى (قدمس): «بذى قاميس».

(٦) فى اللسان (دمخ): «تركته» ، تحريف. وفى معجم البلدان : «لا نقر» ، محرف كذلك.

(٧) ويقال أيضا دوسر ، ودوسرانى ، ودواسرى.

(٨) اسم كتيبة كانت للنعمان بن المنذر. اللسان.


دسع الدال والسين والعين أصلٌ يدلُّ على الدَّفْع. يقال دسَعَ البعيرُ بِجِرَّتِه ، إذا دَفَع بها. والدَّسْع : خُروج الجِرَّة. والدَّسِيعة : كَرَمُ فِعْلِ الرّجل فى أموره. وفلانٌ ضَخْم الدَّسيعة ، يقال هى الجَفْنة ، ويقال المائدة. وأىَّ ذلك كانَ فهو من الدَّفْع والإعطاء.

ومنه حديثُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فى كتابه بينَ قريشٍ والأنصار : «إنّ المؤمنين أيديهم على من بَغَى عليهم (١) أو ابتغَى دَسيعةَ ظُلْم». فإنّه أراد الدّفْعَ أيضاً. يقول : ابتغى دفْعاً بظُلْم. وفى حديثٍ آخر : «يقول الله تعالى : يا ابنَ آدمَ ألَمْ أجعلْك تَرْبَعُ وَتَدْسَع». فقوله تَرْبَعُ ، أى تأخذ المِرباع ؛ وقوله تدسع ، أى تدفع وتُعِطى العطاءَ الجزيل.

دسق الدال والسين والقاف أُصَيلٌ يدلُّ على الامتلاء. يقال ملأت الحوضَ حَتَّى دَسِقَ ، أى امتلأَ حتى ساح ماؤُهْ. والدَّيْسق : الحوض الملآنُ. ويقال الدَّيْسَق : تَرَقْرُق السَّراب على الأرض.

باب الدال والعين وما يثلثهما

دعو الدال والعين والحرف المعتل أصلٌ واحد ، وهو أن تميل الشَّىءَ إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك. تقول : دعوت أدعُو دعاءَ. وَالدَّعوة إلى الطَّعام بالفتح ، والدِّعوة فى النَّسب بالكسر. قال أبو عبيدة : يقال فى النَّسب دِعوة ، وفى الطعام دَعوة. هذا أكثرُ كلام العرب إلا عَدِىَّ الرِّباب ، فإنّهم

__________________

(١) فى الأصل : «اتقى عليهم» ، صوابه من اللسان.


ينصبون الدّالَ فى النّسب ويكسرونها فى الطَّعام. قال الخليل : الادِّعاء أن تدَّعِىَ حقَّا لك أو لغيرك. تقول ادَّعَى حقًّا أو باطلا. قال امرؤ القيس :

لا وأبيكِ ابنةَ العامِرِ

ىِّ لا يَدَّعِى القومُ أنِّى أَفِرّ (١)

والادِّعاء فى الحرب : الاعتِزَاء ، وهو أنْ تقول : أنا ابنُ فُلَانٍ قال :

* ونجِرُّ فى الهَيْجَا الرّماحَ ونَدَّعِى (٢) *

وداعِية اللَّبن : ما يُترَك فى الضَّرع ليدعُوَ ما بعدَه. وهذا تمثيلٌ وتشبيه. فى الحديث أنّه قال للحالِب : «دَعْ داعِيَةَ اللَّبن». ثمّ يحمل على الباب ما يُضاهِيه فى القياس الذى ذكرناه ، فيقولون : دَعَا الله فلاناً بما يَكرَهُ ؛ أى أنزل به ذلك. قال :

* دَعَاكِ الله من ضَبُعٍ بأفْعَى (٣) *

لأنَّه إذا فَعَل ذلك بها فقد أماله إليها.

وتداعَت الحِيطان ، وذلك إذا سقط واحدٌ وآخَرُ بَعده ، فكأنَّ الأوَّل دعا الثانى. وربَّما قالوا : داعَيْناها عليهم ، إذا هدمْناها ، واحداً بعد آخَر. ودَوَاعِى الدَّهر : صُروفه ، كأنّها تُميل الحوادث. ولبنى فُلانٍ أُدْعِيَّةٌ يتداعَوْن بها ، وهى مثل الأغلوطة ، كأنّه يدعو المسؤول إلى إخراج ما يعمِّيه عليه. وأنشد أبو عبيد عن الأصمعىّ :

__________________

(١) ديوان امرئ القيس ٤. وفيه : «فلا وأبيك» بدون الخرم.

(٢) للحادرة الذبيانى. انظر المفضليات (١ : ٤٣). وصدره كما فيها :

وتقى آمن لنا أحسابنا

وقد سبق فى (جر ١ : ٢١٤). وأنشده فى اللسان (جرر).

(٣) نظيره فى اللسان (قيس ، دعا) :

دعاك الله من ليس بأفعى

إذا نام العيون سرت مليكا

والقيس : الذكر. وأنشد الجاحظ فى الحيوان (١ : ١٧٦ / ٤ : ٢٥٨) :

؟ من الله أير بأفعى

ولا عاءك من جهد البلاء


أُداعِيك ما مُسْتَصْحَبَاتٌ مع السُّرَى

حِسانٌ وما آثارُها بحِسانِ (١)

ومن الباب : ما بالدَّار دُعْوِىٌ ، أى ما بها أَحَدٌ ، كأنّه ليس بها صائحٌ يدعُو بصِياحه.

ويُحمَل على الباب مجازاً أنْ يقال : دعا فُلاناً مَكَانُ كذا ، إذا قَصَد ذلك المكان ، كأنَّ المكانَ دعاه. وهذا من فصيح كلامهم. قال ذو الرّمّة :

دَعَتْ مَيَّةَ الأعدادُ واستبدلَتْ بها

خَناطِيلَ آجالٍ من العِين خُذَّلِ (٢)

دعق الدال والعين والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على التأثير فى الشَّىءِ والإذلال له. يقال للمكان الذى تَطَوُّه الدوابُّ وتؤثِّر فيه بحوافرها : دَعَقٌ.

قال رُؤبة :

* فى رَسْمِ آثارٍ ومِدْعاسٍ دَعَقْ (٣) *

ومن الباب : شَلَّ إبلَهُ شَلًّا دَعْقاً ، إذا طرَدَهَا. وأعارَ عارةً دعقا. وخيلٌ مَدَاعِيق. قال :

* لا يَهُمُّون بإِدْعاقِ الشَّلَلْ (٤) *

دعك الدال والعين والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على تمريس الشىء. يقال دَعَكَ الجِلْد وغيرَه ، إذا دَلَكَه. وتداعَكَ الرَّجُلانِ فى الحرب ،

__________________

(١) فى المجمل واللسان (دعا): «ما مستحقبات».

(٢) سبق البيت فى ص ٢٥٢.

(٣) ديوان رؤبة ١٠٦ واللسان (دعق ، دعس).

(٤) البيت للبيد ، وليس فى ديوانه ، وسيعيده فى (شل ، عور). وهو فى اللسان (دعق). وفى البيت كلام. وصدره :

في؟؟ عوارتهم


إذا تحرَّش كلُّ واحدٍ منهما بصاحبه. ويقولون : الدُّعَكُ ، على فُعَلٍ : الرجلُ الضَّعيف. وأنشدوا الحسان (١) :

* وأنت إذا حارَبُوا دُعَكْ (٢) *

دعم الدال والعين والميم أصلٌ واحد ، وهو شىء يكون قياماً لشىءِ ومِساكاً. تقول : دَعَمْتُ الشّىءَ أدعِمُهُ دَعْماً ، وهو مدعومٌ. والدِّعامتانِ : خشبَتَا البَكَرة. ودِعامةُ القوم : سيِّدهم. ويقال لا دَعْم بِفلانٍ ، أى لا قُوَّةَ له ولا سِمَنَ. قال الراحز :

لا دَعْمَ بى لكن بِلَيْلَى الدَّعْمُ

جاريةٌ فى وَرِكَيْها شَحْمُ (٣)

ودُعْمىٌ : اسمٌ مشتقٌّ مِن هذا.

دعب الدال والعين والباء أَصلٌ يدلُّ على امتدادٍ فى الشىء وتَبَسُّط. فالدُّعْبُوب : الطريق السهل. وربَّما قالوا : فرسٌ دُعْبُوبٌ ، إذا كان مديداً. وقياس الدُّعابة من هذا ؛ لأنّ ثَمَّ تسُّطاً وتندُّحاً.

دعث الدال والعين والثاء كلمةٌ واحدة (٤) وهى الدِّعْثُ * وهو الحقد.

__________________

(١) البيت التالى ليس فى ديوان حسان. ونسبه فى اللسان (دعك) إلى عبد الرحمن بن حسان يقوله فى ولد لعمرو بن الأهّم كان مليح الصورة وفيه تأنيث.

(٢) جزء من بيت. وهو وسابقه :

قل للذى كاد لولا خط لهيته

يكون انثى عليه الدر والمسك

هل أنت إلا قتاة الهى إن أدنها

يوما وأنت إذا ما حاربوا عك

(٣) البيتان فى اللسان (دعم).

(٤) الحق أن فى المادة كلمات ومعانى كثيرة. منها الوطء الشديد ، وأول المرض. وهذان بالفتح. والدعث ، بالكسر : بقية الماء فى الحوض.


دعج الدال والعين والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على لونٍ أسودَ. فمنه الأدعَج ، وهو الأسْوَد. والدَّعَج فى العين : شِدَّة سوادها فى شدَّة البياض.

دعد الدال والعين والدال ليس بشىء. وربَّما سَمَّوا المرأة «دَعْدَ».

دعر الدال والعين والراء أَصلٌ واحد يدلُّ على كراهةٍ وأذًى ، وأصله الدُّخَان ؛ يقال عُودٌ دَعِرٌ ، إذا كان كثيرَ الدُّخان. قال ابنُ مُقبِل :

باتَتْ حواطِبُ لَيلَى يلتمسْن لها

جَزْل الجذَى غَيْرَ خَوَّارِ ولا دَعِرِ (١)

ومن ذلك اشتقاق الدَّعارة فى الخُلقُ. والدَّعَر : الفَساد. والزَنْد الأدْعُر : الذى قُدِح به مِراراً فاحتَرَقَ طَرَفُه فصار لا يُورِى. وداعِرٌ : فحل تنسب إليه الداعِرِيّة

دعز الدال والعين والزاء ليس بشىءِ ، ولا مُعَوَّلَ على قول من يقول : إنّه الدَّفْعُ والنِّكاح.

دعس الدال والعين والسين أُصَيلٌ وهو يدلُّ على دفْع وتأثيرٍ فالمداعَسَة : المطاعَنَة ؛ لأنّ الطّاعن يدفَع المطعونَ. ورُمْحٌ مِدْعَسٌ ورِماحٌ مداعِسُ. والدَّعْس : النِّكاح ؛ وهذا تشبيهٌ. والدَّعْس : الأثر ، وهو ذاك ؛ لأنَ المؤثِّر يدفع ذلك الشىءَ حين يؤثَّر فيه.

دعص الدال والعين والصاد أصلٌ يدلُّ على دِقّة ولين.

__________________

(١) البيت فى اللسان (دعر ، جذا).


فالدِّعْصُ : ما قلَّ ودقَّ من الرمل. والدّعصاء : الأرضُ السَّهْلة. ومن الباب : تَدَعَّصَ اللَّحمُ ، إذا بالغ فى النُّضْجِ. ويقولون أدْعَصَه الحَرُّ ، إذا قتلَه ، كأنَّه أنضجَه فقتَله.

دعض الدال والعين والضاد ليس بشىء (١).

دعظ الدال والعين والظاءِ ليس بشىء. ويقولون : الدَّعظ : النِّكاح (٢).

باب الدال والغين وما يثلثهما

دغل الدال والغين واللام أصلٌ يدلُّ على التباسٍ والتواءِ مِن شيئين يتدَاخلان. من ذلك الدَّغَلُ ، وهو الشَّجَر الملتفّ. ومنه الدَّغَل فى الشَّىء ، وهو الفساد. ويقولون أَدْغَلَ فى الأمر ، إذا أدْخَلَ فيه ما يخالِفُه.

دغم الدال والغين والميم أصلان : أحدُهما من باب الألوان ، والآخر دخولُ شىءِ فى مَدْخَلٍ ما.

فالأوَّل الدُّغمة فى الخيل : أن يخالِف لونُ الوجه لونَ سائر الجسَد. ولا يكون إلا سَواداً. ومن أمثال العرب : «الذِّئْبُ أدْغَمُ». تفسير ذلك أنَّه أدغَمُ ولَغَ أو لم يَلَغْ. فالدُّغْمة لازمةٌ له ، فربَّما قيل قد وَلَغَ وهو جائع. يضرب هذا مثلاً

__________________

(١) هى مادة أهملت ، ولم ترد فى المعاجم المتداولة ، ومثلها كثير ، ولست أدرى لم رسم لها ، مخالفا بذلك عادته.

(٢) فى الأصل : «ويقولون لولد النكاح عظ» ، وهذا تحريف ناشئ من اضطراب عين الناسخ حيث زاد الواو ، وأخر «عظ» عن موضعها بعد الدال.


لَمنْ يُغْبَط بما لم ينَلْه. ومن هذا الباب دَغمَهم الحرُّ ، إذا غشِيَهم ؛ لأنّه يغيِّر الألوان.

والأصل الأخر : قولُهم أدغَمْتُ اللِّجام فى فم الفرس ، إذا أدخَلْتَه فيه. ومنه الإدغام فى الحُروف. والدَّغْم : كَسْرُ الأنف [إلى (١)] باطنِه هَشْماً.

دغر الدال والغين والراء أصلٌ واحد ، وهو الدَّفْع والتَّقَحُّمُ فى الشَّىء ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنِّساء : «لا تُعذَّبْنَ أولادَكُنَ بالدَّغْرِ». فالدَّغْر : غَمْزُ الحَلْق من العُذْرة (٢) ، والعُذْرة : داءٌ يَهِيج فى الحَلْق من الدَّم ، ويقال هُوَ مَعْذُور. قال جرير :

غَمَزَ ابنُ مُرَّة يا فَرزْدَقُ كَيْنَها

غَمْزَ الطّبيبِ نغَانِغَ المَعذُورِ (٣)

ودَغَرْت القومَ ، إذا دخَلْتَ عليهم. وكلامٌ لهم ، يقولون : «دَغْراً لا صَفًّا (٤)» ، يقول : ادْغُروا عليهم ، لا تُصَافُّوهُم. والدَّغرة : الخَلْسَة ؛ لأنَّ المختِلس يدفع نفْسَه على الشّىء. وفى الحديث : «لا قَطْعَ فى الدَّغْرة».

دغص الدال والغين والصاد ، كلمةٌ تقال للَّحْمة التى تموج فوق رُكبة البَعير : الدّاغصة.

دغش الدال والغين والشين ليس بشىء. وهم يَحْكُون : دَغَشَ عليهم (٥).

__________________

(١) التكملة من المجمل واللسان.

(٢) فسر الحديث فى اللسان بهذا التفسير وبتفسير آخر فانظره.

(٣) ديوان جرير ١٩٤ واللسان (عذر ، كين) ، وسيعيده فى (عذر ، كين ، نغ).

(٤) يقال أيضا «دغرى لا صفى» ، كلاهما بوزن دعوى.

(٥) ذكر فى اللسان أنها لغة يمانية. وقد خالف ابن فارس نهجه فى إيراد هذه الماده بعد سابقتها وقد جرى على هذه المخالفة فى المجمل أيضا.


دغف الدال والغين والفاء ليس بشىء ، إلّا أنّ ابنَ دُريد (١) زعم أنّ الدَّغْف الإكثارُ من أخْذ الشّىء.

باب* الدال والفاء وما يثلثهما

دفق الدال والفاء والقاف أصلٌ واحد مطَّردٌ قياسُه ، وهو دفْع الشَّىء قُدُما. من ذلك : دَفَقَ الماء ، وهو ماءٌ دافق. وهذه دُفْقَةٌ مِن ماء.

ويُحمَل قولُهم : جاءوا دُفْقَةً واحدة ، أى مرَّةً واحدة. وبعيرٌ أدفَقُ ، إذا بانَ مِرْفَقاه عن جَنبَيه. وذلك أنَّهما إذا بانا عنه فقد اندفعا عنه واندفَقا والدِّفَقُ ، على فِعَلٍّ ، من الإبل : السريع. ومشى فلان الدّفِقّى ، وذلك إذا أسرَعَ. قال أبو عبيدة : الدِّفِقَّى أقْصَى العَنَق. ومنه

حديث الزّبرقان : «تمشى الدّفِقَّى ، وتجلسُ الهَبَنْقَعَة». ويقال سيلٌ دُفَاقٌ : يملأ الوَادِى. ودَفَقَ اللهُ رُوحَه ، إذا دُعِى عليه بالموت.

دفل الدال والفاء واللام ليس أصلاً ، وإن كان قد جاء فيه الدِّفْلَى ، وهو شَجَرٌ.

دفن الدال والفاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على استخفاءِ وغموض (٢). يقال دُفنَ الميّتُ ، وهذه بئرٌ دَفْنٌ : ادَّفَنَتْ. فأما الأدِّفانُ فاستِخفاء العَبْد لا يريد الإباق الباتَّ. وقال قومٌ : الادّفان : إِبَاقُ العَبد وذَهابه

__________________

(١) فى الجمهرة (٢ : ٢٨٦).

(٢) فى الأصل : «استحقاق غموض» ، تحريف.


على وَجهِه. والأوَّل أجْوَد ؛ لما ذكرناه من الحديث. والداء الدَّفين : الغامض الذى لا يُهْتدَى لوَجهِه. والدَّفُون : الناقة تَبرُكُ مع الإبل فتكونُ وَسْطَهنّ. والدَّفَنِىُ : ضَربٌ من الثِّياب. وسمعتُ بعضَ أهلِ العلم يقولون : إنَّه صِبغُ يُدْفن فى صِبغٍ يكون أشبَعَ منه.

دفأ الدال والفاء والهمزة أصلٌ واحد يدلُّ على خلاف البَرْد فالدِّفء : خِلاف البرد. يقال دَفُؤَ يومنا ، وهو دفىء. قال الكلابىّ : دَفِىء. والأوَّل أعرف فى الأوقات ، فأمّا الإنسان فيقال دَفِئَ فهو دفَآنُ وامرأةٌ دَفْأَى. وثوبٌ ذودِفْءٍ ودَفاء. وما عَلَى فلان دِفْءٌ* ، أى ما يدفئه. وقد أدفأَنى كذا. واقعُدْ فى دِفءِ هذا الحائط ، أى كِنِّه.

ومن الباب الدَّفَئىّ من الأمطار ، وهو الذى يجىء صيفاً. والإبل المُدْفَأَة : الكثيرة ؛ لأنَّ بعضَها تُدفئَ بعضاً بأنفاسها. قال الأموىّ : الدِّفْء عند العرب : نِتاج الإبل وألبانُها والانتفاعُ بها. وهو قوله جلَّ ثناؤه : (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ). ومن ذلك حديثُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لنا مِن دِفْئهم [وصِرَامِهِمْ (١)] ما سلّموا بالميثاق». ومن الباب الدَّفَأُ : الانحناء. وفى صفة الدّجّال : «أنّ فيه دَفَأً». أى انحناء. فإنْ كان هذا صحيحاً فهو من القياس ؛ لأنَّ كلَّ ما أدفَأَ شيئاً فلا بدّ من أن يَغْشاه ويجْنَأَ عليه (٢).

دفا الدال والفاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على طولٍ فى انحناء قليل فالدَّفَا : طُول جناح الطّائر. يقال طائرٌ أَدْفَى. وهو من الوُعول : ما طال

__________________

(١) التكملة من المجمل واللسان.

(٢) جنأ عليه يجنأ : أكب. وفى الأصل : «بجنأ عليه».


قَرْناه. ويقال للنَّجيبة الطَّويلة العُنق : دَفْواء. والدَّفوْاء : الشَّجَرة العظيمة الطّويلة ومنه الحديث : «أنّه أبصَرَ شجرةً دَفْواءَ تُسمَّى ذاتَ أنْواط». ويقال للعُقَاب دَفْواء ، وذلك لِطُول مِنقارها وعَوَجه. ويقال تَدَافَى البعيرُ تَدَافِياً ، إذا سار سيراً متجافِيا.

دفر الدال والفاء والراء أصلٌ واحد ، وهو تغيُّر رائحةٍ. والدَّفَر : النَّتْن. يقولون للأَمَة: يَادَفَارِ. والدُّنيا تسمَّى أمَ دَفْرٍ. وكتيبةٌ دَفْرَاءِ ، يُراد بذلك روائحُ حديدِها.

وقد شذت عن الباب كلمةٌ واحدة إن كانت صحيحة ، يقولون : دفَرْتُ الرّجلَ عنِّ، إذا دفعْتَه (١).

دفع الدال والفاء والعين أصلٌ واحد مشهور ، يدلُّ على تنحيَة الشىء. يقال دفعْتُ الشّىءَ أدفعُه دفْعا. ودافع الله عنه السُّوءَ دِفاعا. والمدفَّع : الفقير ؛ لأن هذا يدافِعُه عند سؤالِهِ (٢) إلى ذلك. وهو قوله :

والنّاس أعداءٌ لكُلِّ مدقَّعٍ

صِفْرِ اليدَينِ وإخوةٌ للمُكْثِرِ

وإيّاه أراد الشَّاعرُ بقوله :

ومَضروب يئنُّ بغير ضربٍ

يُطاوِحُه الطرافُ إلى الطِّرافِ (٣)

والدُّفْعة من المطر والدّم وغيرِه. وأما الدُّفَّاع فالسَّيل العظيم. وَكل ذلك

__________________

(١) ذكر فى اللسان أنها لغة يمانية.

(٢) فى الأصل : «عنه سواله».

(٣) فى الأصل : «تطاوحه إلى الطراب الطراب» ، وفيه تحريف وتشويه. والطراف : بيت من أدم.


مشتقٌّ من أنَّ بعضَه يدفَعُ بعضاً. والمدفَّع : البعير الكريم ، وهو الذى كلما جِىءَ به ليُحمَل عليه أُخِّر وجِىء بغيره إكراماً له. وهو فى قول حُميد :

* وقرّبن للتَّرْحالِ كُلَ مُدَفَّعٍ (١) *

باب الدال والقاف وما يثلثهما

دقل الدال والقاف واللام ليس بأصلٍ يُقاس عليه ، ولا له فروعٌ. وإنَّما يقال دَقَلُ السّفينة. والدَّقَل : أردأ التَّمْر. وذُكِر عن الخليل ، ولا أَدرى أصحيحٌ عنْهُ ذلك أمْ لا : دَوْقَلَ الرّجْل لنَفْسه ، إذا اختَصَّها بشىءِ من المأكول.

دقس الدال والقاف والسين قريب (٢) ، إلا أنَّهم يقولون : الدُّفْسَة : دوَيْبَّة. ويقولون : دَنْقَسَ الرجُلُ دَنْقسةً ، وربَّما قالوا بالشين ، إذا نظَر بمُؤْخِرِ عينَيه ، وليس هذا من أصيلِ كلام العرب. وكذلك الدال والقاف والشين. وذكروا أنّ أبا الدُّقَيش (٣) سُئِل عن معنى كُنْيته فقال: لا أدرى ، هى أسماءٌ نسمعها فنتسمَّى بها. وما أقرَبَ هذا الكلامَ من الصِّدْق. وذكر السَّجِستانىّ أنَّ الدُّقْشَة دُوَيْبَّة رَقْطاء ، وأنَّ الدَّقْش النَّقْش. وكل ذلك تعلُّلٌ ، وليس بشىءُ.

__________________

(١) فى الأصل : «للرحال» ، ولا يستقيم به الوزن. وفى اللسان : «وقرين للأطعان» مع نسبة هذا الجزء إلى ذى الرمة. ووحدت فى ديوان ذى الرمة ٤٥٧ :

وقرن للاحداج كل ابن تسعة

تضيق به علا الهوية والرحل

(٢) كذا فى الأصل.

(٣) أبو الدقيش : أحد الأعراب الفصحاء الذين أخذت عنهم اللغة. انظر فهرست ابن النديم ٧٠. قال : «أبو الدقيش القنانى الغنوى». وفى الأصل : «أبو الدهس» ، تحريف. انظر اللسان (دقش).


دقم الدال والقاف والميم أُصَيل فيه كلمة. يقال : دَقَم أسنانَه : كَسرها.

دقى الدال والقاف والياء كلمةٌ واحدة. دَقِىَ الفَصيل دَقًى ، إذا بَشِمَ عن اللَّبن. والذّكرُ دَقٍ والأنثى دَقِيَةٌ.

دقر الدال والقاف والراء أصل يدل على ضعفٍ ونقصان. فالدَّقارير : الأباطيل. والدواقير ـ فيما يقال ـ جمع دَوْقَرَةٍ ، وهى غائطٌ من الأرض لا يُنْبِت. والدِّقْرَارة : الرجُل النَّمَّام. والدِّقرار : التُّبَّان. وقياسُه قياسُ الباب ، لنُقْصانه.

دقع الدال والقاف والعين أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على الذّلّ. وأصله الدَّقْعاء ، وهو التراب. يقال دَقَعَ الرَّجل : لَصِقَ بالتراب ذُلَّا. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، للنِّساء : «إنّكُنَّ إذا جُعتُنّ دَقِعْتُنّ ، وإذا شبِعتن خجِلْتُنَّ». فالدّقَع هذا. قال الكميت :

ولَم يَدْقَعُوا عند ما نابهُمْ

لوَقْعِ الحُروبِ ولم يَخْجَلُوا (١)

والمَدَاقيع من الإبل : التى تأكل النَّبْتَ حتّى تلصِقَهُ بالأرض ، من الدَّقعاء (٢). والدّاقع مِن الرّجال : الذى يطلُب مَدَاقَّ الكَسْب. وفى بعض اللغات : «رماهُ اللهُ بالدَّرْقَعَة»، وهى فوعلة من الدَّقَع.

__________________

(١) سبق البيت فى مادة (خجل) ص ٢٤٧. والخجل فى البيت والحديث بمعنى الأشر والبطر.

(٢) فى الأصل : «حتى تلصق الدقعاء» ، صوابه من المجمل. وفى اللسان : «حتى تلصقه بالدقعاء». لقلته».


باب الدال والكاف وما يثلثهما

دكل (١) الدال والكاف واللام أُصَيلٌ يدلُّ على تعظُّم. يقال تدكَّل الرّجل ، إذا تعظّم فى نفسه ، ومنه الدَّكَلة : القوم لا يُجِيبون السُّلطان مِن عِزِّهم.

دكن الدال والكاف والنون أصَيلٌ يدلُّ على تنضِيد شىءِ إلى شىء. يقال دَكَنْتُ المَتَاعَ ، إذا نَضّدْتَ بعضَه فوق بعض. ومنه اشتقاق الدُّكَّان ، وهو عربىٌّ. قال العبدىّ (٢) :

فأبْقَى باطِلِى والجِدُّ منها

كدُكّانِ الدَّرابِنَةِ المَطِينِ (٣)

دكع الدال والكاف والعين كلمة واحدة ، وهى قولُهم لداءِ يأخُذُ الخيلَ والإبلَ فى صُدورها : دُكَاعٌ. قال القطامىّ :

ترى مِنهُ صُدورَ الخَيلِ زُوراً

كأنَّ بها نُحَازاً أو دُكاعَا (٤)

ويقولون : هو السُّعال.

__________________

(١) فى الأصل : «دكم» ، والكلام فى مادة «دكل» كما ترى. وإليك مادة (دكم) من المجمل : «الدكم : كسر الشئ بعضه على بعض».

(٢) هو المثقب العبدى ، وقصيدة البيت فى المفضليات (٢ : ٨٧ ـ ٩٢) ومنتهى الطلب (١ : ٢٩٩ ـ ٣٠١).

(٣) انظر المرجعين السابقين واللسان (دكك ، دربن ، طين). وقد سبق إنشاده فى (دك). وبين اللغويين خلاف فى أصل مادة (الدكان).

(٤) ديوان القطامى ص ٣٨ والمجمل واللسان (دكع).


دكأ الدال والكاف والهمزة كلمةٌ [واحدة] تَدَاكَأَ القومُ ، إذا ازْدَحَمُوا.

دكس الدال والكاف والسين أُصَيلٌ يدلُّ على غِشْيان الشّىء بالشىء. قال ابنُ الأعرابىّ. الدُّكاس : ما يَغْشى الإنسانَ من النُّعاس. قال :

كأنَّه من الكَرَى الدُّكَاسِ

باتَ بِكأسَىْ قَهوةٍ يُحاسِى (١)

ويقال : الدَّوْكس : العدد الكثير. وقال : الدَّكَس : تراكُبُ الشىءِ بعضه على بعض. وذُكر عن الخليل أنّ الدَّوْكس الأسد ، فإِنْ كان صحيحاً فهو من الباب ؛ لجرأته وغِشْيانِهِ* الأهوال.

باب الدال واللام وما يثلثهما

دلم الدال واللام أصلٌ يدلُّ على طولٍ وتَهدُّل فى سواد. فالأدلم من الرِّجال : الطويل الأسود ؛ وكذلك هو من الجِمال والجِبال. وزعم ناسٌ أن الدَّيلم : سوادُ اللَّيل وظُلْمته. فأمّا قول عنترة :

* زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ (٢) *

فيقال إنّهم الأعداء. فإن كان كذا فالأعداء يُوصَفون بهذا. قال الأعشى :

* هم الأعداءُ فالأكبادُ سُودُ (٣) *

__________________

(١) الرجز فى المجمل واللسان (دكس).

(٢) من معلقة عنترة. وصدره :

شربت بماء الدحرضين فأصبحت

(٣) ديوان الأعشى ٢١٥ واللسان (سود). وصدره :

فما أجثمت من إتيان قوم


وقال قومٌ : الديلم مكانٌ أو قبيلٌ. ويقال : جاء بالدَّيْلَم ، أى بالدَّاهية. وهذا تشبيهٌ. والدَّلَمُ : الهَدَلُ فى الشَّفَة.

دله الدال واللام والهاء أُصَيلٌ يدلُّ على ذَهاب الشّىء. يقال ذهب دَمْ فُلانٍ دَلْهاً ، أى بُطْلاً. وَدَلَّهَ عقلَه الحُبُّ وغيرُه ، أى أذهب.

دلى الدال واللام والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على مقارَبة الشَّىء ومداناتِه بسُهولةٍ ورِفْق. يقال : أدلَيْتُ الدّلوَ ، إذا أرسلْتَها فى البئر ، فإذا نَزَعْتَ فقد دَلوْت والدَّلْو : ضَربٌ من السَّير سهلٌ. قال :

* لا تَعْجَلا بالسَّيْرِ وادلُوَاها (١) *

والدَّلَاة : الدَّلوُ أيضاً ، ويُجْمع على الدِّلاء. فأمَّا قوله :

آليت لا أُعطى غلاماً أدَا

دَلاتَه إنِّى أُحِبُّ الأسودا (٢)

فإنّه أراد بِدَلاتِه سَجْلَه ونَصِيبَه من الوُدّ. والأسودُ ابنْهُ.

ويقال أدلى فلانٌ بحُجَّته ، إذا أتى بها. وأدلى بمالِهِ إلى الحاكم : إذا دفَعَه إليه. قال جلَّ ثناؤه : (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ).

ويقال دلَوْتُ إليه بفلانٍ : استشفعت به إليه. ومن ذلك حديث عمر فى استسقائه بالعباس : «اللهمَّ إنّا نتقرَّبُ إليك بعَمّ نبيِّك ، وقَفِيَّةِ آبائه ، وكُبْرِ رِجاله. ودلَوْنا به إليك مستَشْفِعِين».

ويحمل على هذا قولهم : جاء فلانٌ بالدَّلْو ، أى الدَّاهية. وأنشد :

__________________

(١) الرجز فى اللسان (دلا).

(٢) الرجز فى اللسان (دلا).


يحمِلْن عَنْقَاءَ وعَنْقَفِيرا (١)

والدَّلْو والدَّيْلَمَ والزَّفيرا (٢)

ويقال : دَالَيتُ الرّجلَ ، إذا داريتَه (٣). ويقال هو دَلَّاءُ مالٍ ، إذا كان سائِس مالٍ وخائِلَه.

دلب الدال واللام والباء ليس بشىء. والدُّلْبُ فيما يقال : شَجَرٌ (٤).

دلث الدال واللام والثاء أصلٌ يدلُّ على الاندفاع. يقال لمدَافع السَّيل : المدالث ؛ الواحد مَدْلَثٌ. والناقة الدِّلاث : السريعة. يقال اندلَثَتِ النّاقةُ تنَدِلثُ اندلاثاً. وحكى بعضُهم : دلَثَ الشَّيخُ ، مثل دَلَف. ويقال اندلَثَ فُلانٌ على فُلانٍ ، إذا اندرَأَ عليه وانصبَّ.

دلج الدال واللام والجيم أصلٌ يدلُّ على سَيرٍ ومَجىءِ وذَهاب. ولعلَّ ذلك أكثرَ ما كان فى خِفْيَةٍ. فالدَّلَج : سَيْر اللَّيل. ويقال أَدْلَجَ القومُ ، إذا قطعوا الليلَ كلَّه سيراً ؛ فإِنْ خرَجُوا مِن آخِر الليل فقد ادَّلجوا ، بتشديد الدال. ويقال إنَّ أبا المُدْلِج (٥) القُنْفذ ، ويزعُمون أنَّ أكثرَ حركِته باللَّيل. والدَّوْلج :

__________________

(١) فى الأصل : «وعقنقيرا» ، صوابه فى اللسان (عنق ، خشب ، دلا ، دلم ، زفر) ، وأمالى ثعلب ٥٨٩.

(٢) فى الأصل : «والزقرا» ، صوابه من المواضع السابقة.

(٣) فى الأصل : «دارأته» ، صوابه من اللسان.

(٤) فى الأصل : «الشجر» ، صوابه من المجمل.

(٥) يقال للقنفذ «مدلج» و «أبو مدلج» ذكرهما فى القاموس ، ولم يذكر فى المجمل واللسان إلا الأول.


السَّرب. والدَّوْلَج : كِناس الوحشىّ. وهو قياسُ الباب ؛ لأنّهما يُستخفَى فيهما.

ثم يُحمَل على الباب ، فيقال للذى يأخذ الدَّلومن رأس البئر إلى الحوض : الدَّالج ، وذلك المكان المَدْلَج. والفِعل دَلَج يَدْلُجُ دُلُوجا (١). قال :

كأنَّ رِماحَهُم أَشْطَانُ بِئْرٍ

لها فى كلِ مَدْلَجةٍ خُدودٌ (٢)

وأمَّا قولُ السَّمَّاخ :

وتشكو بعَينٍ ما أكلَّ ركابَها

وقيلَ المَنادِى أصبَحَ القومُ أدْلِجِى (٣)

فإِنّه حكَى صوتَ المنادِى ، أنّه كان مرّةً ينادى : أصبَحَ القَومُ ، ومرة ينادى : أدلجى(٤) ، يَأمُرُ بذلك.

دلح الدال واللام والحاء أُصَيلٌ يدلُّ على مَشْى وثِقَل المحمول. يقول العرب : دَلَحَ البعيرُ بحِمْلِهِ ، إذا مشى به بِثقَل. وسَحابةٌ دَلوحٌ : كأنَّها تجرِى بمائها ، ومن ذلك حديث سَلْمان : «أنّه اشترى هو وأبو الدَّرداءِ لحماً ، فتدالَحَاهُ بينهما على عُودٍ». أى حَمَلاه ونَهَضَا به. ويقال سحابةٌ دَلوحٌ ، وسَحائب دُلَّح. قال :

بينما نَحْنُ مُرْتِعُون بفَلْجٍ

قالت الدُّلَّحُ الرِّواءُ إنِيهِ (٥)

__________________

(١) ويقال أيضا دلج يدلج ، بكسر اللام فى المضارع ، دلجا ، بالفتح.

(٢) ديوان عنترة ٦٣ واللسان (دلج).

(٣) لم يرد البيت فى ديوان الشماخ. وكذا ورد ضبطه فى اللسان (دلج ، صبح).

(٤) فى الأصل هنا وفى متن البيت : «ادلج» ، صوابه من اللسان.

(٥) البيت فى المجمل. و «إنيه» بكسر الهمزة والنون : كلمة تقال عند الانكار. انظر اللسان (أنى ٥٣).


دلس الدال واللام والسين أصلٌ* يدلُ (١) على سَتْرٍ وظُلمة. فالدَّلَس : دَلَسُ الظَّلام. ومنه قولهم : لا يُدالِسُ ، أى لا يُخادع. ومنه التَّدْليس فى البيع ، وهو أن يبِيعَه من غير إبانةٍ عن عيبه ، فكأنّه خادَعَه وأتاهُ به فى ظلامٍ.

وأصلٌ آخَرُ يدل على القِلَّة. يقول العرب : تدلَّسْتُ الطَّعامَ ، إذا أخذْتَ منه قليلاً قليلاً. وأصل ذلك من الأَدْلاس ، وهى من النبات رِبَبٌ (٢) تُورِقُ فى آخِر الصيف. يقولون : تَدَلَّسَ المالُ ، إذا وقع بالأَدلاس (٣).

دلص الدال واللام والصاد تدلُّ على لِينٍ ونَعْمة. فالدِّلاص : الدِّرع الليّنة. ويقولون : دَلَصت السُّيول الصّخرةَ ، كأنها ليَّنَتْها. قال :

* صَفاً دَلَصَتْهُ طَحْمَةُ السَّيلِ أخْلَقُ (٤) *

والدَّليص : البَرَّاق. ويقال اندَلَصَ الشَّىءُ مِن يَدى ، إذا سَقَط. وكأنَّ هذا مشتقُّ ، أو تكونُ الدّالُ بدلَا من الميم ، وهو من انْمَلَصَ وأَمْلصت المرأة ، إذا أَسْقَطَت

دلظ الدال واللام والظاء أَصَيلٌ يدلُّ على الدَّفْع. يقال دَلَظْته دَلْظاً ، إذا دفَعْتَه. وَحكى بعضُهم : أقبل الجيش يَتَدَلْظَى (٥) ، إذا دَفَعَ بعضُه بعضاً

__________________

(١) فى الأصل : «يقال».

(٢) الريب : جمع ربة بكسر الراء وتشديد الباء ، وهى نبتة صيفية.

(٣) الأدلاس : جمع دلس ، بالتحريك. وفى الأصل : «بالأدلال» محرف.

(٤) لذى الرمة فى ديوانه ٣٩٦ واللسان (دلص). وصدره :

إلى صهبة تحدو؟

(٥) فى الأصل : «شد لطى» ، صوابه من المحمل. والذى واللسان والقاموس. «ادلنظى».


دلع الدال واللام والعين أَصَيلٌ يدلُّ على خروجٍ. تقول : دَلَعَ لسانُه : خرجَ. ودَلَمَهُ هو ، إذا أخرجَه. والدَّلِيع : الطريق السَّهل ويقال اندلَعَ بطنُه ، إذا أخرج أمامَه.

دلف الدال واللام والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على تقدُّمٍ فى رِفق. فالدّليف : المشْئ الرُّوَيد. يقال دَلَفَ دَلِيفاً ؛ وهو فَوْقَ الدَّبِيب. ودلَفَت الكتيبة فى الحرب. قال أبو عُبيد : الدَّلْف : التقدُّم ؛ دَلَفْناهم ، أى تقدَّمناهم (١). والدَّالف : السّهم الذى يقَع دون الغَرَض ثم ينبُو عن موضِعِه.

دلق الدال واللام والقاف أصلٌ واحد مطّرد ، يدلُّ على خروج الشىء وتقدُّمه. فالنّاقة الدَّلوق هى التى تَكَسَّرَ أسنانُها فالماء يخرُج من فمها. ويقال اندلَقَ السَّيفُ مِنْ غِمده ، إذا خرج من غير أن يُسَلّ. واندلقت أقتابُ بَطْنه ، إذا خرجَتْ أمعاؤُه. واندلَقَ السَّيلُ على القَوم ، واندلَقَ الجيش. قال طرفة :

دُلُقٌ فى غارَةٍ مَسْفُوحَةٍ

كرِعَال الطَّيرِ أسراباً تَمُرّ (٢)

وناقة دُلُقٌ : شديدة الدُّفعة. والاندلاق : التقدُّم. وكان يقال لعُمارةَ بن زيادٍ العبسى أخِى الرّبيع : «دالق» (٣).

دلك الدال واللام والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على زَوالِ شىءِ عن شىء ، ولا يكون إلَّا برِفْق يقال دَلَكَت الشَّمسُ : زالت. ويقال دَلَكَتْ غابت. والدّلَكُ : وقتُ دُلوك الشَّمس. ومن الباب دَلَكْتُ الشَّىء ، وذلك

__________________

(١) فى الأصل : «التقديم ، ولفناهم ، أى تقدمنا» صوابه من المحمل واللسان.

(٢) ديوان طرفة ٧٢ واللسان والمحمل (دلق).

(٣) فى القاموس وشرحه أنه سمى بذلك لكثرة غاراته.


أنّك إذا فعلْتَ ذلك لم تكَدْ يدُك تستقرُّ على مكانٍ دُونَ مكان. والدَّلُوك : ما يتدلَّكُ به الإنسان مِن طِيبٍ وغَيره. والدَّلِيكُ : طعامٌ يُتَّخَذ من زُبدٍ وتَمْرٍ شبه الثّرِيد ، والمدلوك : البعير الذى قد دلَكَتْه الأسفار وكَدَّتْه. ويقال بل هو الذى فى رُكْبتيه (١) دَلَكٌ ، أى رخاوة ؛ وذلك أخَفُّ من الطَّرَق. وفرسٌ مَدلُوك الحَجَبَةِ ، أى ليس بحَجَبَتِه إشرافٌ. وأرضٌ مدلوكة ، أى مأكولة ؛ وذلك إذا كانت كأنّها دُلِكَتْ دَلْكاً. ويقال الدُّلاكة آخِرُ ما يكون فى الضَّرع من اللّبن ، كأنّه سُمِّى بذلك لأنَّ اليد تَدْلُك الضَّرع.

قال أحمد بن فارس : إنّ لله تعالى فى كلِّ شىء سِرًّا ولطيفةً. وقد تأمّلْتَ فى هذا الباب من أوّله إلى آخرِه فلا ترَى الدّالَ مؤتلفةً مع اللام بحرفٍ ثالث إلا وهى تدلُّ على حركةٍ ومجىء ، وذَهابٍ وزَوَالٍ من مكانٍ إلى مكان ، والله أعلم (٢).

باب الدال والميم وما يثلثهما

دمن الدال والميم والنون أصلٌ واحد يدلُّ على ثباتٍ ولزوم فالدِّمْنُ : ما تَلبَّد من السِّرجين والبَعْر فى مَبَاءات النَّعَم ؛ وموضع ذلك الدِّمْنةُ ، والجمع دِمَن. ويقال دَمَنْتُ الأرض بذلك ، مثلُ دَمَلْتُها. والدِّمنة : ما اندفَن من الحِقْد فى الصدر*. وذلك تشبيه بما تدمَّن من الأبعار فى الدِّمَن. ويقال : دمَّن فلانٌ

__________________

(١) فى الأصل : «بكيت» ، تحريف.

(٢) بنهاية هذه المادة ينتهى الجزء المطبوع من المجمل. وسأستمر فى مقابلته بعد ذلك بالنسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية برقم ٣٨٢ لغة.


فِناءَ فُلانٍ ، إذا غَشِيَه ولَزِمه. وفلانٌ دِمْنُ مالٍ ، مثل قولهم إزاءُ مالٍ. وإنما سُمِّى بذلك لأنّه يلازم المال. ودَمُّونُ : مكانٌ. وكل هذا قياسٌ واحد.

وأمّا الدّمَانُ ، فهو عَفَنٌ يُصِيب النَّخْل ، فإن كان صحيحاً فهو مشتقٌّ ممّا ذكرْناه من الدِّمْن ؛ لأنّ ذلك يَعْفَنُ لا محالة.

دمث الدال والميم والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على لينٍ وسُهولة. فالدَّمَث : اللِّين ؛ يقال دَمِث المكانُ يَدْمَثُ دَمَثاً ؛ وهو دَمْثٌ وَدَمِثٌ. ويكون ذا رَمْلٍ ، ومن ذلك الحديث : «أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم مال إلى دَمَثٍ ، وقال : إذا بال أحَدُكُمْ فليرتَدْ لبَوْله(١)». والدّماثة : سُهولة الخُلُق. ويقال دَمِّثْ لى الحديثَ ، أى سهِّلْه ووَطِّئْه.

دمج الدال والميم والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على الانطواء والسَّتر. يقال أدمَجْت الحَبلَ ، إذا أدرَجْتَه وأحكَمْتَ فَتْلَه. وقال الأصمعىّ فى قول أوس :

بَكَيْتمْ على الصُّلح الدُّماجِ ومِنْكُمُ

بذِى الرِّمْثِ من وادى هُبَالة مِقْنَبُ (٢)

قال : هو من دامَجَه دِماجاً ، إذا وافَقَه على الصُّلح. يقال تدامَجُوا. ويقال فلان على دَمَجِ فُلانٍ ، أى على طريقتِه. وكلّ هذا الذى قاله فليس يَبْعُد عمّا ذكَرْناه من الخَفاء والسَّتْر.

دمخ الدال والميم والخاء ليس أصلاً. إنما هو دَمْخٌ : جبلٌ ، فى قول القائل :

__________________

(١) فى اللسان : «وإنما فعل لئلا يرتد إليه رشاس البول».

(٢) الدماج ككتاب وغراب. والبيت فى ديوان أوس بن حجر ص ٢. ويوم هبالة من أيامهم. وفى الديوان : ولم يكن بذى رمت من وادي تباله.


كَفَى حَزَناً أنِّى تطالَلْتُ كَىْ أَرَى

ذُرَى عَلَمَىْ دَمْخ فما يُريَانِ (١)

دمر الدال والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الدُّخول فى البيت وغيرِه. يقال دَمَرَ الرّجُل بيتَه ، إذا دخَلَه. وفرَقَ ناسٌ بين أن يكون دخولُه بإذْنٍ أو غير إذْن ، فقال أبو عُبيدٍ فى حديث النبى عليه الصلاة والسلام : «مَن اطَّلَعَ فى بيتِ قومٍ بغير إذْنٍ فقد دمر». أى دخل. قال أبو عبيد : هذا إذا كان بغير إِذْن ، فإن كان بإذنٍ فليس بدُمُور. وهذا تفسيرٌ شرعىّ ، وأمّا قِياس الكلمة فما ذكرناه أوَّلاً. ومنه قول أوس :

فلاقَي عليه من صُبَاحَ مُدَمِّراً

لناموسه من الصَّفيحِ سقَائفُ (٢)

قال الشّيبانىُّ والأصمعىُّ : المدمِّر الداخل فى القُتْرة. ويقال دَمَر القُنفذُ إِذا دخَلَ جُحْره. وقال ناسٌ : المدَمّر الصّائد يدخِّن بأوبار الإبلِ وغيرِها حتّى لا يَجد الصَّيدُ رِيحَه. والذى عندنا أنّ المدمّر هو الدّاخلُ قُتْرتَه ، فإِذا دخَلَها دَخّن. وليس المدمِّر من نعت المُدَخِّن، والقياس لا يقتضيه. وقال الله (٣) : (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها). والدَّمار: الهلاك. ويقال إن التّدْمُرِىَ : ضَربٌ من اليَرابيع. فإن كان صحيحاً فهو القياس ، لأنه يدمِّر فى جِحَرَتِه.

دمس الدال والميم والسين أصلٌ واحد يدلُّ على خَفاء الشّى. ومن ذلك قولُهم : دَمَّسْتُ الشىء ، إذا أخفَيْتَه. وأتانا بأُمورٍ دُمْس مثل دُبْس ،

__________________

(١) البيت لطهمان بن عمرو الكلابى ، كما فى اللسان (دمخ) ، وقصيدته فى معجم البلدان (دمخ).

(٢) صباح بالضم : اسم لعدة قبائل. عليه ، أى على «المنهل» فى بيت قبله ، وهو :

ذوردها التقريب والشد منهلا

قطاء معيد كرة الورد عاطف

انظر الديوان ١٦. وفى اللسان : «عليها» تحريف ، كما أن «صباح» ضبطت فيه بفتح الصادخطأ.

(٣) بدلها فى الأصل : «ويقال» فقط.


وهى الأمور التى لا يُهْتَدَى لوَجْهها. ويقولون : دَمَس الظّلامُ : اشتدَّ. ومنه الدِّيماس ، يقال إنّه السَّرَب. وهو ذلك التماس (١). وفى حديث عيسى عليه السلام : «كأنّمَا خَرَجِ مِن دِيماسٍ».

دمص الدال والميم والصاد ليس عندى أصلاً. وقد ذُكِرَتْ على ذك فيه كلماتٌ إنْ صحَّتْ فهى تتقارَبُ فى القياس. يقولون الدَّوْمَصُ : بَيضة الحديد ، فهذا يدلّ على مَلاسَةٍ فى الشّىء. ثم يقولون لَمنْ رَقّ حاجبُه أدْمَصُ ، وهو قريبٌ من ذلك. ويقال إنّ كل عِرْق من حائطٍ دِمْصٌ. وفى كلِّ ذلك نَظَرٌ.

دمع لدال والميم والعين أصلٌ واحد يدلُّ على ماءِ أو عَبْرةٍ (٢). فمن ذلك الدَّمْع ماءُ العَين ، والقَطرةُ دَمْعةٌ. والفِعْل دَمَعَتِ العينُ دَمْعاً ودَمِعَتْ دَمَعاً* ودَمَعَتْ دُمُوعاً أيضاً. وعينٌ دامعةٌ. وجمعُ الدَّمْع دُموع. قال الخليل : المَدْمَع مجتَمَع الدّمع فى نَوَاحى العَين ، والجميع المَدامع. ويقال امرأة دَمِعَةٌ : سريعةُ البكاء كثيرةُ الدَّمْع. ويقال شَجَّةٌ دامعةٌ : تسيل دَماً. كذا هو فى كتاب الخليل. والأصحُّ مِن هذا أنّ التى تسيلُ دماً هى الدّامِية ، فأمّا الدّامعة ، فأمْرُها دون ذلك ، لأنّها التى كأنّها يَخْرُج منهما ماءٌ أحمرُ رقيق ، وذكر اليزيدىُّ أنّ الدُّمَاع أثَرُ الدَّمْع على الخَدّ. وأنشد :

يا مَنْ لِعَينٍ لا تَنِى تَهْماعَا

قد تَرَك الدّمْعُ بها دِمَاعا (٣)

__________________

(١) كذا فى الأصل.

(٢) فى الأصل : «أو غيره» ، وهو كلام لا يصح.

(٣) البيتان فى اللسان (دمع). واقتصر فى اللسان على ضبط هذه الكلمة بالضم. وضبط متن البيت وتذيبله هو من الأصل. ولم ترد الكلمة فى القاموس.


ويقال دُماعاً. والدُّماع مخفَّف ومثقّل : ما يَسِيل من الكَرْم أيَّامَ الرَّبيع.

دمغ الدال والميم والغين كلمةٌ واحدة لا تتفرّع ولا يقاس عليها فالدِّماغ معروف. ودَمَغْتُه : ضربْتُه على رأسه حتّى وصلْتُ إلى الدماغ. وهى الدّامِغة (١).

دمق الدال والميم والقاف ليس أصلاً ، وإن كانوا قد قالوا دَمَقَ فى البيت واندمَقَ ، إذا دخَل ، وإنَّما القاف فيما يُرَى مبدلةٌ مِن جيم ، والأصل دَمَج ، وقد مضى ذِكْرُه.

دمك الدال والميم والكاف يدلُّ على معنيين. أحدهما الشِّدَّة ، والآخر السُّرعة ؛ وربَّما اجتمع المعنيانِ.

فأمَّا الشِّدّة فالدَّ مَكْمَكُ : الشديد. والدّامِكَة : الدّاهية والأمرُ العظيم والمِدماك : الخشبة تكون تحت قدَمىِ السّاقى.

وأمّا الآخر فيقال إنّهم يقولون دَمَكَتِ الأرنب ، إذا أسرعَتْ فى عَدْوِها. والدَّموك : البَكَرْة العظيمة. فقد اجتمع فيها المعنيانِ : الشدّة ، والسُّرعة. والدَّموك : الرَّحَى. وهى فى المعنى والبَكَرْة سواءٌ.

دمل الدال والميم واللام أُصَيلٌ يدلُّ على تجمَّع شىء فى لِينٍ وسُهولة. من ذلك اندمَلَ الجُرْح ؛ وذاكَ اجتماعُه فى بُرْءٍ وصَلاح. ودُمِلت الأرض بالدَّمَال ، وهو السِّرجين. ودامَلْتُ الرَّجُل ، إذا داجَيْته. وهو ذلك القياسُ ؛ لأنّه

__________________

(١) أى الضربة. وفى الأصل : «وهى الدماغ» ، صوابه من اللسان.


مقارَبةٌ فى سهولةٍ. والدُّمّل عربىٌّ ، وهو قياسُ ما ذكرناه من التجمُّع فى لِينٍ. ألا ترى أنّ أبا النجم يقول :

* وامْتَهَدَ الغارِبُ فِعْلِ الدُّمَّلِ (١) *

والله أعلم.

باب الدال والنون وما يثلثهما فى الثلاثى

دنى الدال والنون والحرف المعتل أصلٌ واحد يُقاس بعضُه على بعض ، وهو المقارَبَة. ومن ذلك الدّنِىُ ، وهو القَريب ، مِن دنا يدنُو. وسُمِّيت الدُّنْيا لدنوّها ، والنِّسبة إليها دُنْياوِيّ. والدَّنِىُ من الرجال : الضعيف الدُّونُ ، وهو مِن ذاكَ لأنّه قريب المأخذ والمنزلة. ودانَيت بين الأمرَين : قاربْتُ بينهما. وهو ابن عَمِّهِ دُنْيَا (٢) ودِنْيَةً. والدّنِيُ : الدُّون ، مهموز. يقال رجلٌ دنىء ، وقد دَنُؤَ يَدْنُؤُ دَناءةً (٣). وهو من الباب أيضاً ، لأنّه قريبُ المنزِلة. والأدْنَأُ من الرّجال : الذى فيه انكبابٌ على صدرِهِ. وهو من الباب ، لأنّ أعلاه دانٍ من وسَطه. وأدْنَتِ الفَرَسُ وغيرُها ، إذا دنا نِتاجُها. والدَّنِيّة : النقيصة. وجاء فى الحديث : «إذا أكلْتُم فَدَنُّوا». أى كلُوا ممّا يلِيكُم مما يدنُو منكم. ويقال لقيتُه أدنَى دَنِىّ ، أى أوّلَ كلِّ شىء.

دنب الدال والنون والباء لا أصل له. على أنّهم قد قالوا : رجلٌ دِنَّبَةُ ودِنَّابَةٌ ، وهو القَصير. وهذا إن صحّ فهو من الإبدال لأن الأصل الميم دِنَّمَةٌ.

__________________

(١) البيت اللسان (مهد ، دمل). وسيعيده فى (مهد) وكذا فى (٣ : ١٥٩).

(٢) بكسر الدال وسكون النون منون وغير منون ، وكذلك دنيا ، بالضم مقصور.

(٣) ويقال أيضا من بان «منع».


دنخ الدال والنون والخاء ليس أصلاً يُعوَّل عليه. وقد قالوا دنّخ الرجل ، إذا ذَلّ ونكَّسَ رأسه. وأنشدوا :

* إذا رآنِى الشُّعراءِ دنَّخُوا (١) *

ويقولون : إِنّ التّدبيخ فى البِطّيخة أن تنْهزِمَ إِلى داخِلِها. ويقولون : التَّدنيخ : ضَعْف البَصَر. ويقال* دَنَّخَ فى بيته ، إذا أقامَ ولم يبرَحْ. فإِن كان ما ذُكر من هذا صحيحاً فكله قياسٌ يدلُّ على الضَّعف والانكسار.

دنس الدال والنون والسين كلمةٌ واحدة ، وهى الدَّنَس ، وهو اللَّطْخ بقبيحٍ.

دنع الدال والنون والعين أصلٌ يدلُّ على ضَعْف وقِلَّةٍ ودناءة. فالرجل الدَّنِع : الفَسْل الذى لا خَيرَ فيه والدَّنَعُ : الذلّ. ويزعمون أنّ الدَّنَعَ ما يطرَحُه الجازرُ من البعير إذا جُزِر.

دنف الدال والنون والفاء أصلٌ يدلُّ على مشارَفَةِ ذَهاب الشىء. يقال دَنِفَ الأمرُ ، إذا أشرَفَ على الذَّهاب والفَراغ منه. والدَّنَف : المرضُ الملازم ؛ والمريض دَنَفٌ ، كأنّه قد قارب الذَّهاب ؛ لا يثنَّى ولا يجمع. فإنْ قلتَ دَنِفٌ ثنّيتَ وجَمعت. فأمّا قولُ العجّاج :

* والشّمس قد كادَت تكونُ دَنَفَا (٢) *

فهو من الباب ؛ لأنّه يريد اصفرارَهَا ودنُوِّها للمَغيب. وقد يقال منه أَدْنَفَتْ.

__________________

(١) للعجاج فى ديوانه ١٤ واللسان (دنخ). وفى اللسان : «وإن رآنى».

(٢) ديوان العجاج ٨٢ واللسان (دنف).


دنق الدال والنون والقاف قريبٌ مِن الذى قبْلَه. يقال دَنَّقَ وجْهُ الرجُل ، إذا اصفرَّ من المرض. ودنَّقَت الشّمس ، إذا دانَت الغُروبَ.

دنم الدال والنون والميم أصلٌ يدلُّ على ضعْفٍ وقِلّة. فالتَّدنيم : الإسفاف للأمور الدنيّة (١). والدِّنَّامة : الرجلُ القصير ؛ ذكره الفَرّاء. ويقولون : الدِّنَّامة : النَّملة الصَّغيرة(٢).

دنرالدال والنون والراء كلمةٌ واحدة ، وهى الدينار ، ويقولون : دَنَّرَ وَجْهُ فُلانٍ ، إذا تلأْلَأَ وأشْرَق. والله أعلم.

باب الدال والهاء وما يثلثهما

دهى الدال والهاء والحرف المعتلّ يدلُّ على إِصابة الشّىء بالشىء بما لا يَسُرُّ. يقال ما دَهَاه : أىْ ما أصابه. لا يقال ذلك إلّا فيما يسوء. ودواهِى الدَّهر : ما أصابَ الإنسانَ من عظائم نُوَبِه. والدَّهْى : النَّكْر وجَودةُ الرّأى ؛ وهو من الباب ؛ لأنَّه يُصِيب برأيه ما يريدُه.

دهرالدال والهاء والراء أصلٌ واحد ، وهو الغَلَبة والقَهْر وسُمِّى الدّهرُ دَهْراً لأنَّه يأتى على كلِّ شىءٍ ويَغلِبُه. فأمّا قولُ النبىّ صلى الله عليه

__________________

(١) فى الأصل : «والتنديم الاسعاف للأمور» تحريف. والكلمة لم ترد فى اللسان. وفى القاموس «والتدنيم : النذلة». وأثبت ما فى المجمل.

(٢) ذكرت فى القاموس ، ولم تذكر فى اللسان.


وآله وسلم : «لا تسبُّوا الدَّهْرَ فإنَّ اللهَ هُوَ الدّهر». فقال أبو عبيد : معناه أنّ العربَ كانوا إِذا أصابتْهم المصائبُ قالوا : أبادَنَا الدّهرُ ، وأتَى علينا الدّهر. وقد ذكروا ذلك فى أشعارهم. قال عمرو الضُّبَعِىّ (١) :

رَمَتْنِى بناتُ الدَّهرِ من حيثُ لا أَرَى

فكيفَ بمن يُرمَى وليس بِرَامِ

فلو أنَّنِى أُرَمى بنَبْلٍ تَقَيْتُها

ولكنَّنى أُرَمى بغير سِهامِ

وقال آخر (٢) :

فاستأثرَ الدّهرُ الغَدَاةَ بهمْ

والدّهرُ يرمِينِى وما أَرْمِى

يا دهرُ قد أكثَرْتَ فَجْعَتَنَا

بسَرَاتنا ووقَرْتَ فى العَظْمِ (٣)

وسلَبْتَنَا ما لستَ تُعْقِبُنا

يا دَهرُ ما أنصفْتَ فى الحُكْمِ

فأعلَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أن الذى يفعل ذلك بهم هو الله جلّ ثناؤُه ، وأنّ الدّهرَ لا فِعلَ له ، وأنّ مَن سَبَّ فاعِلَ ذلك فكأنّه قد سَبَّ ربّه ، تبارك وتعالى عمّا يقول الظالمون عُلُوًّا كبيراً.

وقد يحتمل قياساً أن يكون الدَّهرُ اسماً مأخوذاً من الفِعْل ، وهو الغَلَبة ، كما يقال رجل صَوْمٌ وفِطرٌ ، فمعنى لا تسبُّوا الدَّهْرَ ، أى الغالبَ الذى يقهركم ويغلِبُكم على أموركم.

ويقال دَهْرٌ دَهِيرٌ ، كما يقال أبدٌ أبِيدٌ. وفى كتاب العين : دَهَرَهُم أمْرٌ ،

__________________

(١) فى الأصل : «الضائع» ، وإنما هو عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة. انظر المعمرين ٦٢ ، ٨٩ ومعجم المرزبانى ٢٠٠ والخزانة (١ : ٣٣٨) حيث أنشد الشعر له.

(٢) هو الأعشى. انظر ملحقات ديوانه ٢٥٨ واللسان (وقر).

(٣) فى الأصل : «وقد قرت» ، تحريف.


أى نزَل بهم. ويقولون ما دَهْرِى كذا ، أى ما همّتِى (١). وهذا توسُّعٌ فى التفسير ، ومعناه ما أشغَلُ دهرِى به. فأمَّا الهمَّة فما تُسمَّى دهراً. والدَّهْوَرَة : جَمْع الشىء وقَذْفُه فى مَهواةٍ ؛ وهو قياس الباب.

دهس الدال والهاء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على لِين فى مكان. فالدَّهْسُ : المكان اللِّين ؛ وكذلك الدَّهَاس. والدُّهْسَة : لونٌ كلون الرَّمْل.

دهش الدال والهاء* والشين كلمة واحدة لا يُقاس عليها. يقال دُهِشَ ، إذا بُهِت ، ودَهِشَ دَهَشاً.

دهق الدال والهاء والقاف يدلُّ على امتلاءِ فى مجىءِ وذَهاب واضطراب. يقال أدْهَقْتُ الكأسَ : ملأتُها. قال الله تعالى : (وَكَأْساً دِهاقاً). والدَّهْدَقَةُ : دَوَرَان البَضْعة الكبيرة فى القِدْر ، تعلو مَرَّةً وتسفُل أخْرى.

دهك الدال والهاء والكاف ليس بشىءِ. وذكر ابن دُريد دَهَكْتُ الشّىءَ أدْهَكُه ، إذا سحقْتَه (٢).

دهل الدال والهاء واللام ليس بشىء. ويقولون : مَرَّ دَهْلٌ من اللَّيل ، أى طائفة. ويقولون لا دَهْلَ ، أى لا بأس. وهذه نَبَطِيَّةٌ لا معنَى لها (٣).

دهم الدال والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على غِشيانِ الشّىء فى ظلامٍ ثم يتفرّع فيستوى الظَّلامُ وعيرُه يقال مَرَّ دَهْمٌ من اللَّيل ، أى طائفةٌ. والدُّهمة : السَّواد. والدُّهَيْماءُ : تصغير الدَّهماء ، وهى الدّاهية ، سُمِّيت بذلك لإظلامها.

__________________

(١) فى المجمل وغيره : «ما همى» ، ولكن هكذا ورد هنا وفيما يتلوه من التعقيب.

(٢) الجمهرة (٢ : ٢٩٨).

(٣) كذا. وفى المجمل : ولا دهل بالنبطية ، أى لا تخف.


ومن الباب الدَّهْم : العدد الكثير. وادْهامَ الزّرعُ ، إذا عَلَاه السَّوادُ رِيَّا. قال الله جلّ ثناؤُه فى صِفة الجنَّتين : مُدْهامَّتانِ ، أى سَوداوانِ فى رأى العَين ، وذلك للرّىّ والخُضْرة. ودَهَمتْهم الخيلُ تدهَمُهم ، إِذا غَشِيَتْهُم. والدَّهماء : القِدْر.

دهن الدال والهاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على لِينٍ وسُهولةٍ وقِلَّة. من ذلك الدُّهْن. ويقال دَهَنْتُه أَدْهُنُه دَهْنا. والدِّهان : ما يدْهَن به. قال الله عزّ وجلّ : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ). قالوا : هو دُرْدِىُّ الزَّيت. ويقال دَهَنَه بالعصا دَهْناً ، إِذا ضربَه بها ضرْباً خفيفاً.

ومن الباب الإدهان ، من المُداهَنَة ، وهى المصانَعة. داهَنْتُ الرجُلَ ، إذا واربْتهَ وأظهرْت له خلاف ما تُضْمِرُ له (١) ، وهو من الباب ، كأنّه إذا فعل ذلك فهو يدهُنُه ويسكِّن منه. وأدْهَنْتُ إدهاناً : غَشَشْتُ ، ومنه قولُه جلَّ ثناؤُه : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) فَيُدْهِنُونَ. والمُدْهُنُ : ما يُجْعَل فيه الدُّهن ، وهو أحد ما جاء على مُفْعُلٍ مما يُعْتَمَلُ وأَوَّلُه ميم. ومن التشبيه به المُدْهُنُ : نُقْرَةٌ فى الجبَل يَستَنْقِعُ فيها الماء ، ومن ذلك حديث النَّهدىّ (٢) : «نَشِفَ المُدْهُنُ ، ويَبِسَ الجِعْثِنُ». والدَّهِينُ : الناقة القليلةُ الدَّرّ ودهَنَ المطرُ الأرضَ : بَلَّها بَلًّا يَسيراً. وبنو دُهْنٍ : حىٌّ من العرب ، وإِليهم ينسب عَمَّارٌ الدُّهْنىّ. والدَّهْناء : موضعٌ ، وهو رملٌ ليِّن ، والنسبة إليها دَهناوِىٌ. والله أعلم.

__________________

(١) فى الأصل : «خلاف ما يضمرونه».

(٢) هو طهفة بن أبى زهير النهدى. انظر النهاية لابن الأثير ، وما سيأتى فى ماة (رسل).


باب الدال والواو وما يثلثهما

دوى الدال والواو والحرف المعتل. هذا بابٌ يتقارب أصولُه ، ولا يكاد شىء [منه] ينقاس ، فلذلك كتبْنا كلماتِه على وُجوهها. فالدَّوِىُ دَوِىُ النَّحل ، وهو ما يُسمع منه إذا تجمَّع. والدَّواء معروف ، تقول داوَيتُه أُداوِيه مُداواة ودِواءً. والدَّواة : التى يُكتَب منها ، يقال فى الجمع دُوىٌ ودِوِىٌ (١) قال الهذَلىّ (٢) :

عَرَفْتُ الدّيارَ كرَقْم الدُّوِ

ىِّ خبَّرَهُ الكاتبُ الحِميرىُ (٣)

والدَّاء من المرض ، يقال دَوِىَ يَدْوَى ، ورجلٌ دَوٍ وامرأةٌ دوِيةٌ. يقال داءت الأرضُ ، وأداءَتْ ، ودوِيَت دَوًى ، من الدّاء. ويقال : تركتُ فلاناً دَوًى ما أرى به حياةً. ويشبّه الرّجُل الضَّعيفُ الأحمق به ، فيقال دوًى. قال :

وقد أفُودُ بالدَّوَى المُزَمَّلِ

أخْرَسَ فى الرّكب بَقَاقَ المنْزِلِ (٤)

ودَوَّى الطّائرُ ، إذا دار فى الهواء ولم يحرِّك جَناحَيه. والدُّواية : الجُلَيْدَة التى تعلو اللّبَنَ الرائب. يقال ادَّوَى يَدّوِى ادِّوَاءً. قال الشاعر :

__________________

(١) ويقال أيضا دوى ، كصفاة وصفا.

(٢) هو أبو ذؤيب الهذلى. والبيت مطلع قصيدة له فى ديوانه ٦٤.

(٣) فى الديوان : ذكرتم الدواة بزبرها فالضمير فيه للرقم بتأويله بمعنى الصحيفة. وفى اللسان (دوا) : كخط الدوى حبره.

(٤) البيتان نسبا إلى أبى النجم العجلى فى الجمهرة (١ : ٣٦). وأنشدهما فى اللسان (بقق ، دوا). وقد سبقا فى (بق ١ : ١٨٦).


بدا مِنْكَ غِشٌّ طالَمَا قد كتَمْتَه

كما كتمَتْ داءَ ابنِها أمُّ مُدَّوِى (١)

دوح الدال والواو والحاء كلمة واحدة ، وهى الدَّوْحة : [الشجرة (٢)] العظيمة ، والجمع الدَّوْحُ. قال :

* يكُبُّ عَلَى الأذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ (٣) *

دوخ الدال والواو والخاء أصل واحد يدلُّ على التَّذْليل. يقال دوّخناهم ؛ أى أذللناهم وقَهْرناهم. وداخُوا ، أى ذَلُّوا.

دود الدال والواو والدال ليس أصلا يفرّع منه. فالدُّود معروف. يقال دَادَ الشىءُ يَدَادُ ، وأَدادَ يُدِيدُ. والدّوَادِى : آثار أراجِيح الصبيان ، واحدتُها دَوْدَاةٌ.

دور الدال والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على إحداق الشىء بالشىء من حوالَيه. يقال دارَ يدُور دَوَراناً. والدّوّارِىُ : الدَّهر ؛ لأنَّه يَدُور بالنَّاس أحوالاً. قال :

* والدَّهْرُ بالإنْسان دَوَّارِىُ (٤) *

__________________

(١) البيت ليزيد بن الحكم الثقفى ، من قصيدة له فى أمالى التالى (١ : ٦٨) وأمالى ابن الشجرى (١ : ١٧٦) والأغانى (١١ : ٩٦) والخزانة (١ : ٤٩٦). وأنشده فى اللسان (دوا) وعقب عليه بقوله : «وذلك أن خاطبة من الأعراب خطبت على ابنها جارية ، فجاءت أمها إلى أم الغلام تنظر إليه ، فدخل الغلام فقال : أأدوى يا أمى؟ فقالت : اللجام معلق بصود البيت! أرادت بذلك كتمان زلة الابن وسوء عادته».

(٢) التكملة من المجمل واللسان.

(٣) لامرئ القيس فى معلقته. وصدره :

فأضحى بسح الماء حول كتيفة

(٤) للعجاج فى ديوانه ٦٦ واللسان (دور).


والدُّوَار ، مثقَّل ومخفّف : حَجَرٌ كان يُؤخذ من الحرم إلى ناحيةٍ ويُطافُ به ، ويقولون: هو من جِوار الكعبة التى يُطافُ بها. وهو قوله :

* كما دَارَ النِّساء على الدُّوَار*

وقال :

تركتُ بنى الهُجَيمِ لهم دُوَارٌ

إذا تمضى جماعتُهمْ تَدُورُ

والدُّوَار فى للرأس هو من الباب ، يقال دِير به وأُدِير به ، فهو مَدُورٌ به ومُدَار به.

والدَّائرة فى حَلْق الفرس : شُعَيرات تدور ؛ وهى معروفة. ويقال دارت بهم الدوائر ، أى الحالات المكروهة أحدقت بهم. والدار أصلها الواو. والدار : القبيلة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ألَا أُنَبِّئكم بخَير دُورِ الأنصار؟». أراد بذلك القبائلَ. ومن ذلك الحديث الآخَر : «فلم تَبقَ دارٌ إلّا بُنِى فيها مَسجد». أى لم تَبق قبيلةٌ. والدّارِىُ : العطّار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ كمثل الدّارِىّ إِنْ لم يُحْذِك مِن عِطره عَلِقَكَ مِن ريحه». أراد العَطَّار. وقال الشاعر :

إذا التّاجرُ الدارىُ حاءَ بفارةٍ

مِن المِسك راحَتْ فى مفارقها تَجْرِى (١)

وإنَّما سُمِّى داريَّا من الدّار ، أى هو يسكن الدّار (٢). والدّارِىّ : الرجُل المقيم فى داره لا يَكاد يَبْرَح. قال :

لَبِّثْ قليلاً يلْحَقِ الدَّارِيُّونْ

ذَوُو الجيلدِ البُدَّنِ المَكْفِيُّونْ (٣)

والدَّارة : أرضٌ سَهلةٌ تدور بها جِبال ، وفى بِلاد العرب منها داراتٌ كثيرة. وأصل الدار دَارةٌ. قال :

__________________

(١) البيت فى اللسان (دور).

(٢) الحق أنه منسوب إلى «دارين ، وهى فرضة بالبحرين يجلب إليها المنك.

(٣) الرجز فى اللسان (دور).


له داعٍ بمكّةَ مُشْمَعِلٌ

وآخَرُ فوق دارته ينادِى (١)

إلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلَاءِ

لُبابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشِّهاد

وقال فى جمع دارةٍ داراتٍ :

رَبَّصْ فإن تُقْوِ المَرَوْرَاةُ منهمُ

وداراتُها لا تُقْوِ مِنْهُمْ إذاً نَخْلُ (٢)

ودارات العرب المشهورة (٣) : دارة جُلْجُل ، ودارة السَّلَم ، ودارة وُشْحَى (٤) ، ودارة صُلْصُل ، ودارة مَأْسَلٍ ، ودارة خَنْزَرٍ (٥) ، ودارة الدُّور ، ودارة الجَأْب ، ودارة يَمْعُون (٦) ، ودارة مَسكُمِنَ (٧) ، ودارة رَهْبَى (٨) ، ودارة جَوْدَاتٍ (٩) ، ودارة الأرْآم ، ودارة الرُّهَا ، ودارة تَيِل (١٠) ، ودارة الصَّفائح ، ودارة هَضْبِ القَليب ،

__________________

(١) من قصيدة لأمية بن أبى الصلت يمدح بها عبد الله بن جدعان. ديوانه ٢٧ واللسان (دور شمعل ، رجح ، ردحَ ، شير ، لبك ، شهد). وانظر ما سيأتى فى (شهد ، لبك).

(٢) لبيت لزهير فى ديوانه ١٠٠.

(٣) ذكر ياقوت من دارات العرب سبعين دارة ، وأورد صاحب اللسان عشرين دارة فى مادة (دور). وقد بلغ صاحب القاموس الغاية فى جمعها ؛ إذ ساق منها مائة دارة وعشرا مرتبة على الحروف.

(٤) بضم الواو وقد تفتح. وهو بالحاء المهملة فى آخره كما فى اللسان (وشح ، دور). وفى معجم البلدان «وشجى» تحريف. وفى اللسان «وشحاء» أيضا بالمد ، عن كراع.

(٥) بفتح الحاء وكسرها ، كما فى معجم البلدان.

(٦) فى معجم البلدان : «دارة يمعون ، بالنون وقد يروى بالزاى وهو جيد. قال :

يداره يمعون إلى جنب خشره

(٧) ضبطت فى الأصل ومعجم البلدان ، بكسر الميم الأخيرة ، ضبط فلم. وفى القاموس واللسان بفتحها.

(٨) فى الأصل : «وهى» صوابه بالراء ، كما فى اللسان والقاموس والمعجم.

(٩) ذكرت فى القاموس والمعجم. وأنشد للجميح :

إذا حللت يجودات وداوتها

وحل دون من حوار مرتين

(١٠) فى الأصل : «تين ، تحريف ، صوابه من القاموس ومعجم البلدان فى رسم (دارة) وفى (تبل). والتاء فيه تفتح وتكسر.


ودارة صارة ، ودارة دَمُّون ، ودارة رُمْح ، ودارة المَلِكَة (١) ، ودارة مَلْحُوب ، ودارة مِحْصَرٍ (٢) ، ودارة أهْوَى ، ودارة الجُمْد ، ودارة رِمْرِم ، ودارة قُرْح ، ودارة اليَعْضيد (٣) ودارة الخَرْج ، ودارة رَدْم (٤) ، ودارة جُدَّى (٥) ، ودارة النِّصَاب.

دوس الدال والواو والسين أُصَيْلٌ ، وهو دَوْس الشَّىء. تقول دُسْتُه ؛ والذى يُداسُ به مِدْوَسٌ. وحُمِل عليه قولُهم لما يَسُنُّ به الصَّيْقَلُ السّيفَ مِدوَسٌ ، كأنَّه عند اتِّكائه عليه كالذى يَدُوس الشَّىء. قال :

وأبيضَ كالغَدير ثَوَى عليه

فُلانٌ بالمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرٍ (٦)

دوش الدال والواو والشين كلمةٌ واحدةٌ لا يفرَّع منها. يقال دَوِشَتْ عينه تَدْوَش دَوَشاً، إِذا فَسَدَت مِن داءٍ. ورجل أَدْوَشُ بَيّنُ الدَّوَش.

دوف الدال والواو والفاء كلمةٌ واحدة. يقال دُفْتُ الدّواءَ دَوْفاً.

دوق الدال والواو والقاف ليس أصلاً ولا فيه ما يُعَدُّ لغةً ، لكنهم يقولون : مائقٌ دائق.

__________________

(١) لم أجد لها ذكرا فى اللسان ومعجم البلدان ، وذكرها فى القاموس (دور).

(٢) ذكرها فى المعجم ، قال : «ويقال محصن» ، وبهذا الرسم الأخير وردت فى اللسان والقاموس ، وضبطت فى اللسان فقط بضم الميم وفتح الصاد.

(٣) فى الأصل : «اليعضد» مع ضبط الضاد بالضم ، تحريف ، صوابه من القاموس ومعجم البلدان. وأنشد ياقوت :

أو ترى؟ شرورة

بين المخول قدرة البععضيد

(٤) فى المعجم والقاموس : «الردم».

(٥) فى الأصل : «حدى» ، صوابه فى المعجم وقاموس. وأنشد ياقوت :

بدارات جدى أو صارات جنبل

إني حيث حلت من كثيب وعزعل

 (٦) وكذا ورد إلشاده فى المجمل مع ضبط «فلان». وجاء فى اللسان (فلن) أنه اسم رجل ، واسم قبيلة يقال لهم بنو فلان. وفى اللسان (دوس): «ثوى عليه قيون».


دوك الدال والواو والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على ضَغْطٍ وتزاحُم. فيقولون : دُكْتُ الشّىءَ دَوْكاً. والمَدَاك : صَلايَة الطِّيب ، يَدُوك عليها الإنسان الطِّيبَ دَوْكاً. قال :

* مَدَاكَ عَرُوسٍ أو صَلَايَةَ حَنْظَلِ (١) *

ويقال باتَ القوم يَدُوكُون دَوْكاً ، إذا باتُوا فى اختلاط. ومن ذلك الحديث : أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] فى خيبر : «لأُعْطِيَنّ الرَّايةَ غداً رجُلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه يَفْتَحُ اللهَ على يَدِه» ، فباتَ النَّاسُ يَدُوكون (٢). ويقال تداوَكَ القومُ ، إذا تضايَقُوا فى حَرْبٍ أو شَرّ.

دول الدال والواو واللام أصلان : أحدُهما يدلُّ على تحوُّل شىءِ من مكان إلى مكان ، والآخَر يدلُّ على ضَعْفٍ واستِرخاء.

فأمَّا الأوَّل فقال أهل اللغة : انْدَالَ القومُ ، إذا تحوَّلوا من مكان إلى مكان. ومن هذا الباب تداوَلَ القومُ الشّىءَ بينَهم : إذا صار من بعضهم إلى بعض ، والدَّولة والدُّولة لغتان. ويقال بل الدَّولة فى المال والدَّولة فى الحرب ، وإنّما سُمِّيا بذلك من قياس الباب ؛ لأنّه أمرٌ يتداوَلُونه ، فيتحوَّل من هذا إلى ذاك ومن ذاك إلى هذا

وأمَّا الأصل الآخَر فالدَّوِيلُ من النَّبْت : ما يَبِس لعامِهِ. قال أبو زيد : دال

__________________

(١) لامرئ القيس فى معلقته. وصدره :

كأن على المئتين منه اذا اشحى

(٢) فى اللسان : «يدوكون تلك الليلة فيمن يدفعها إليه».


الثَّوبُ يَدُول ، إذا بَلِىَ وقد جعل [وُدُّهُ (١)] يَدُول ، أى يبلى. ومن هذا الباب انْدَالَ بَطْنُه ، أى استَرخَى.

دوم الدال والواو والميم أصلٌ واحد يدلُّ على السُّكون واللُّزوم. يقال دامَ الشّىءُ يَدُومُ، إِذا سكَنَ. والماء الدّائم : السَّاكن. ونَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُبَالَ فى الماء الدائم ثم يُتَوَضَّأَ منه. والدليل على صحّة هذا التأويل أنّه روى بلَفْظَةٍ أُخرى ، وهو أنّه نَهَى أن يُبَالَ فى الماء القائم. ويقال أَدمْتُ القِدْرَ إدامةً ، إذا سكَّنْتَ غليانَها بالماء. قال الجعدىُّ :

تفورُ علينا قِدْرُهم فَنُدِيمُها

ونَفْثَؤُها عَنَّا إِذَا حَمْيُها غَلَا (٢)

ومن المحمول على هذا وقياسُه قياسُه ، تدويم الطّائرِ فى الهواء ؛ وذلك إذا حلَّق وكانت له عندها كالوقفة. ومن ذلك قولهم : دَوَّمت الشَّمْسُ فى كبد السماء ، وذلك إذا بلغت ذلك الموضع. ويقول أهلُ العلم بها : إنّ لها ثَمَّ كالوَقْفة ، ثم تَدْلُك. قال ذو الرُّمَّة :

* والشمسُ حَيْرَى لها فى الجَوِّ تَدْوِيمُ (٣) *

أى كأنَّها لا تمِضى. وأما قولُه يصف الكِلاب :

حتَّى إذا دوَّمَت فى الأرضِ راجَعَهُ

كِبْرٌ ولو شاءَ نَجَّى نَفْسَه الهَرَبُ (٤)

فيقال إنّه أخطأ ، وإنَّما أراد دَوَّتْ فقال دَوَّمَتْ ، وقد ذُكر هذا فى بابه. ويقال

__________________

(١) التكملة من المجمل واللسان.

(٢) البيت فى اللسان (فثأ) مع نسبته للجعدى ، وفى (دوم) بدون نسبة. وسيعيده فى (فور).

(٣) صدره كما فى ديوانه ٧٨ واللسان (دوم) :

معروريا ومض الرضراس يركضه

(٤) ديوان ذى الرمة ٢٤ واللسان (دوم).


دَوَّمْتُ الزّعفرانَ : دُفْتُه ؛ وهو القياسْ لأنّه يسكُن فيما يُداف فِيه. واستَدَمْتُ الأمْرَ إذا رفَقْتَ به (١). وكذا يقولون. والمعنى أنّه إذا رَفَقَ به ولم يعْنُف ولم يَعْجَل دامَ له. قال :

فلا تَعْجَلْ بأمْرِكَ واستدمْهُ

فمَا صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيم (٢)

وأما قولُه :

* وقد يُدَوِّمُ رِيقَ الطَّامِعِ الأمَلُ (٣) *

فيقولون : يُدوِّم يَبُلُّ ، وليس هذا بشىء ، إنَّما يدوِّم يُبْقِى ؛ وذلك أنّ اليائِسَ يحفُّ ريقُه. والدِّيمة : مطرٌ يدُومُ يوماً وليلةً أو أكثر.

ومن الباب أنّ عائشة سُئلت عن عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالت: «كان عملُهُ دِيمَة». أى دائماً. والمعنى أنّه كان يَدُوم عليه ، سواء قلَّلَ أو كثَّر ، ولكنه كان لا يُخِلّ تعنى بذلك فى عبادته صلى الله عليه وسلم. فأمّا قوهم دوَّمَتْه الخمر ، فهو من ذاك ؛ لأنَّها تُخَثّره حتَّى تسكُن حركاته. والدَّأْمَاءِ : البَحْر ، ولعلّه أن يكون من الباب ؛ لأنّه ماءٌ مقيمٌ لا يُنْزَح ولا يَبْرَح. قال :

واللَّيْلُ كالدَّاماءِ مستشعِرٌ

مِن دُونِهِ لوناً كلَوْن السَّدُوسْ (٤)

__________________

(١) فى المجمل واللسان : «إذا تأيت فيه».

(٢) لقيس بن زهير فى اللسان (دوم ، صلا). وأنشد صدره فى المجمل. وفى اللسان : ونصلية العصا : دارتها على النار التقم. واستدامتها : التأنى فيها أى ما أحكم أمرها كالتأنى».

(٣) البيت لابن أحمر كما فى الحيوان (١ : ٢٣١ / ٣ : ٤٧) والبيان (١ : ١٣٣) واللسان (دوم). وصدره :

هنا الثاء و؟ أن أصاحبه

(٤) للأفوه الأودى فى ديوانه ٣ نسخة شنقيطى واللسان (دأم ، سدس). وحق كلمة «الدأماء» أن يفرد لها مادة (دأم).


دون الدال والواو والنون أصل واحِد يدلُّ على المداناةِ والمقاربة. يقال هذا دُون ذاك ، أى هو أقرَبُ منه. وإذا أردْت تحقيرَه قلتَ دُوَيْنَ. ولا يُشتق منه فِعْلٌ. ويقال فى الإِغراء : دُونَكَه! أى خُذْه ، أقرُبْ منه وقرِّبْه منك. ويقولون أمرُ دُونٌ. وثوب دُونٌ ، أى قريبُ القِيمَة. قال القُتيْبىّ : دانَ يَدُونُ دَوْناً ، إذا ضَعُف ، وأُدِين إدانةً. وأنشدوا :

* وعَلَا الرَّبْرَبَ أَزْمٌ لم يُدَنْ (١) *

أى لم يُضْعَف. وهو عنده من الشّىء الدُّون ، أى الهيِّن. فإِن كان صحيحاً فقياسُه ما ذكرناه.

دوه الدال والواو والهاء ليس بشَىء. يقولون : الدَّوْه : التحيُّر.

باب الدال والياء وما يثلثهما

ديث الدال والياء والثاء يدل على التَّذليل ، يقال ديَّثْتُه ، إذا أذلَلتَه ، مَن قولهم طريقٌ مديَّثٌ : مُذَلّل.

ديص الدال والياء والصاد أصلٌ واحد يدلّ على رَوَغانٍ وتفَلّت. يقال داصَ يديص دَيْصاً (٢) ، إذا راغَ. والاندياص : انسلال الشَّىء

__________________

(١) لعدى بن زيد ، كما فى المحمل واللسان (دون). وصدره :

أنسل الذرعان غرب جذم

ويروى : «لم يدن» يتشديد النون على ما لم يسم فاعله ، من دنى يدنى ، أى ضعف. أشير إليها فى المجمل واللسان.

(٢) ويقال «ديصانا» أيضا ، وقد اقتصر على الأخيرة فى المجمل.


من اليَد. ويقال انداصَ علينا فلانٌ بشرِّه ، وذلك إذا تفلّتَ علينا ؛ وإِنّه لمُنْدَاصٌ بالشّرّ. ويقال الدّيَّاص : السَّمين ؛ والدَّيَّاصة : السمينة. فإن كان صحيحاً فلأنه إذا قُبِض عليه اندلَصَ من اليد ؛ لكثرة لحمه

دير الدال والياء والراء أظُنه منقلباً عن الواو ، من الدَّار والدوْر. ومن الباب الدَّيْر. وما بها دَيُّورٌ ودَيَّارٌ ، أى أحدٌ. ومن الباب الذى ذكرْناه قال ابنُ الأعرابىّ : يقال للرجل إذا كان رأسَ أصحابه : هو رأس الدَّيْر.

ديف الدال والياء والفاء ليس بشىء. يقولون : الدِّيَافِىُ منسوبٌ إلى أرضٍ بالجزيرة قال:

* إذا سَافَهُ العَوْدُ الدِّيَافِىُ جَرْجَرَا (١) *

ديل الدال والياء واللام ليس ينقاس. يقولون : الدِّيلُ قبيلةٌ ، والنسبة دِيلى. فأمّا الدُّئِل ، على فُعِلٍ ، فهى دُويْبَّة. ويضعُف الأمرُ فيها من جهة الوزْن ، فأمّا الاشتقاق فليس ببعيد ، وقد ذكرناه فى الدال والهمزة مع الذى يَجىء بعدهما.

ديك الدال والياء والكاف ليس أصلاً يتفرّغ منه ، إِنَّما هو الدِّيك. ويقولون : هو عُظَيمٌ ناتىء فى جَبْهة الفرس (٢). وليس هذا بشىء.

__________________

(١) لامرئ لقيس فى ديوانه ١٠١ واللسان (سوف). وصدره

على لاحب لا يهتدي يمناره

(٢) الذى فى المعاجم المتداولة أنه العظم الشاخص خلف أذنه. وفى المجمل نص غريب ، وهو أنه العظم الناتئ فى طرف لسان الفرس.


دين الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه يرجع فروعُه كلُّها. وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين : الطاعة ، يقال دان له يَدِين دِيناً ، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ ، اى مُطِيعون منقادون. قال الشاعر :

* وكانَ النّاس إلّا نحنُ دِينا (١) *

والمَدِينة كأنّها مَفْعِلة ، سمّيت بذلك لأنّها تقام فيها طاعةُ ذَوِى الأمر. والمَدينة : الأمَة. والعَبْدُ مَدِينٌ ، كأنّهما أذلّهما العمل. وقال :

رَبَتْ وَرَبَا فى حِجْرِها ابنُ مدينةٍ

يظل على مِسحاتِهِ يَترَكْلُ (٢)

فأمَّا قول القائل :

* يا دِينَ قَلْبُكَ مِن سَلْمَى وقد دِينا (٣) *

فمعناه : يا هذا دِينَ قلبُك ، أى أُذِلَّ. فأمّا قولهم إنّ العادة يقال لها دينٌ ، فإن كان صحيحاً فلأنَّ النفسَ إذا اعتادت شيئاً مرَّتْ معه وانقادت له. وينشدون فى هذا :

كدِينِكَ مِن أمِّ الحُويرِثِ قَبْلَهَا

وجارتِها أُمِّ الرَّباب بمَأْسَلِ (٤)

والرواية «كَدَأبك» ، والمعنى قريبٌ.

فأمَّا قوله جلّ ثناؤُه : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) ، فيقال : فى طاعته ، ويقال فى حكمه. ومنه : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أى يوم الحكم. وقال

__________________

(١) أنشد هذا الجزء فى اللسان (دين ٧٨ س ٤).

(٢) البيت للأخطل فى ديوانه ٥ واللسان (دين ، مدن ، ركل). وسبق إنشاده فى (١ ٣٣٤).

(٣) أنشد هذا الصدر فى اللسان (دين ٢٨ ، ٢٩).

(٤) لامرئ القيس فى معلقته.


قومٌ : الحساب والجزاء. وأىَّ ذلك كان فهو أمرٌ يُنقاد له. وقال أبو زَيد : دِينَ الرّجُل يُدان ، إذا حُمِل عليه ما يَكره.

ومن هذا الباب الدَّيْن. يقال دايَنْتُ فلاناً ، إذا عاملتَه دَيْناً ، إمّا أخْذاً وإمّا إعطاء*. قال :

دايَنت أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضى

فمطَلَتْ بعضاً وأدَّتْ بعضَا (١)

ويقال : دِنْتُ وادَّنْتُ ، إذا أَخَذْتَ بدَينٍ. وأَدَنْتُ أقْرَضْت وأعطيت دَيْناً. قال :

أدَانَ وَأنْبَأَهُ الأوَّلُون

بأنَ المُدانَ مَلِىٌّ وَفِىُ (٢)

والدَّيْن من قياس الباب المطّرد ، لأنّ فيه كلَّ الذُّلّ والذِّل (٣). ولذلك يقولون «الدَّين ذُلٌّ بالنّهار ، وغَمٌّ بالليل». فأمّا قول القائل :

يا دارَ سَلْمَى خَلاءً لا أُكَلِّفُهَا

إلّا المَرَانة حَتَّى تعرِفُ الدِّينا (٤)

فإِنّ الأصمعىّ قال : المَرَانة اسمُ ناقَتِه ، وكانت تَعرِفَ ذلك الطّريقَ ، فلذلك قال : لا أكلِّفُها إلّا المَرانة. حَتَّى تعرف الدِّين : أى الحالَ والأمر الذى تَعهده. فأراد لا أكلف بلوغَ هذه الدار إِلّا ناقتى.

والله أعلم.

__________________

(١) لرؤبة بن العجاج فى ديوانه ٧٩ واللسان (دين). وهو مطلع أرجوزة له.

(٢) البيت لأبى دؤيب الهذلى فى ديوانه ٦٥ واللسان (دين).

(٣) كذا وردت الكلمتان فى الأصل بهذا الضبط. والذل ، بالكسر : ضد الصعوبة.

(٤) البيت لابن مقبل ، كما فى اللسان (مرن). وأنشد له ياقوت فى رسم (مرانة) برواية : «يا دار ليلى». وانظر ما سيأتى فى (مرن).


باب الدال والألف وما يثلثهما

وقد يقع فيه المهموز والألف المنقلبة. وقد ذكرنا المهموزَ لأنَّ سائرَ ذلك من المعتلّ مذكورٌ فى أبوابه.

دأب الدال والهمزة والباء أصلٌ واحد يدلُّ على ملازمةٍ ودوام. فالدأبُ : العادةُ والشّأن. قال الفرّاء : الدأْب ، أصله من دَأبْتُ ، إلّا أنّ العربَ حوّلت معناه إلى الشّأن. ودأَبَ الرّجُل فى عمله ، إذا جَدَّ. وأدْأبتْهُ أنا إدآباً. والدائِبان : اللّيلُ والنَّهار.

دأث الدال والهمزة والثاء ليس أصلاً ؛ لأن الدَّأْثاءَ ـ وهى الأَمَةُ ـ مقلوبةٌ من الثأْداء. على أنَّهم يقولون : دَأَثْتُ الطّعام : أكلتُه.

دأل الدال والهمزة واللام يدل على خِفّة ونَشْطَةٍ (١). فالدَّأَلَانُ : المشْىُ بنَشاط. يقال منه دَألْتُ أدْأَل. والدَّأْل : الخَتْل. ويقولون : الدُّؤُلُول الدّاهية ؛ وهو قريب من الباب والدؤَل قَبِيلةٌ.

دأم الدال والهمزة والميم يدل على تَوَالٍ وتَنَضّدٍ. قال الخليل : دَأَمْتُ الحائطَ ، أى رفَعْتُه ، ويكون هذا ممّا ذكرناه ؛ لأنّه شىءٌ فوق شىء. ويقال تداءَمَتْ عليه الرِّياح ، إذا توالت ؛ وتَدَأَّمَت الأمواجُ (٢). وقال.

__________________

(١) المعروف فى ضد الكل النشاط. وأما هذه فلعلها مرة من نشطت الإبل : مضت.

(٢) فى اللسان : «وتداءمت عليه الأمور والأهوال والهموم والأمواج ، بوزن تفاعلت ، وتدأمته ، الأخيرة معداة بغير حرف : تراكمت عليه وتزاحمت وتكسر بعضها على بعض» ، ثم قال : «الأصمعى تداءمه الأمير مثل تداعمه ، إذا تراكم عليه».


* تحت ظِلال المَوْج إِذْ تَدَأَّمَا (١) *

والبحر نَفسُه الدَّأْماء. ولعل هذا القياسَ أولى به ، وتَدَاءمْتُ الرّجلَ ، إذا وثبتَ عليه. وتداءمَ الفحلُ النّاقَة ، إذا تجلّلهَا. وتداءمَت السّماء : توالت أمطارُها (٢).

دأظ الدال والهمزة والظاء كلمةٌ واحدةٌ. يقولون الدّأْظ : المَلْء (٣) ويقال دأظتُ المَتاعَ فى الوِعاء. قال :

* والدّأظُ حَتَّى لا يَكونُ غَرْضُ (٤) *

الدأْظ : الامتلاء. والغَرْض : أن يبقى موضعٌ لا يبلُغه الماء (٥).

دأى الدال والهمزة والياء أصلان : أحدهما يدل على خَتْلِ ، والآخر عَظْمٌ متَّصل بمِثْله، ويشبّه به غيره ، ويكون من خَشَب.

فالأوَّل الدّأْى ، وهو الختْل ؛ يقال دَأبْتُ أدأَى دَأْياً ؛ وهو الخَتْل والذِّئب يَدأَى ، إِذا خَتَل.

وأمَّا الآخَر فالدّأْيات : الفَقَار ، الواحدةُ دَأْية ؛ وابنُ دأيةَ : الغُرابُ ؛

__________________

(١) فى الأصل : «تداءما». وهو تحريف ؛ فإن البيت من أرجوزة للعجاج فى ملحقات ديوانه ١٨٤. وقبله :

كما هوى فرعون إذ تغمقما

وليس فى الأرجوزة تأسيس. وهو على الصواب فى اللسان (دأم).

(٢) فى المحمل : «وتداءلت السماء هطلت».

(٣) فى الأصل : «الملاء».

(٤) قبله كما فى اللسان (دأض ، دأط ، غرض) :

لقد فدى؟؟

يقول : فدت ألبانها أعناقها من أن تنحر. وفى اللسان : «حتى ما؟؟؟».

(٥) عبر عنه فى اللسان بقوله : «النقصان عن الملء».


لأنَّه يقع على دأْية البعير الدّبِر فينقُرها ؛ والدَّأية من البعير : الموضعُ تقع عليه ظَلِفَة (١) الرَّحْل فتعقِرُه.

باب الدال والباء وما يثلثهما

دبج الدال والباء والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على شىءٍ ذى صفحةٍ حَسَنَةٍ. الدّيباجُ معروفٌ. والدِّيباجَتانِ : الخَدّان. وقال ابن مقبل :

«يَجرِى بديباجَتَيهِ الرَّشْحُ مُرْتَدِعُ (٢) *

ويقال هما اللِّيتان (٣). وأمّا قولهم : «ما بالدّار دِبِّيجٌ» فيقال هو بالحاء ، وقد ذُكر فى بابه ، وإن كان بالجيم كما قيل فليس من هذا ، ولعله أنْ يكون من دِبِّىّ ، من الدَّبيب ، ثم حُوِّلت ياء النِّسبة جيماً على لغة من يفعل (٤)

دبح الدال والباء والحاء أُصَيلٌ ، وهو الإقبال على الشَّىء بالجِسْم حتَّى تَحْنُوَ عليه كل الحُنّو. يقال دبَّحَ الرجُل رأسَه ، وذلك إذا نكسَه وطأطأه.

و* نُهِىَ أن يُدَبِّحَ الرّجُل فى الصَّلاة كما يدبِّح الحِمار. والذى يقولون ما بالدَّار

__________________

(١) فى الأصل : «خلفة» ، صوابه فى المجمل.

(٢) لابن مقبل كما فى اللسان ديوانه ١٧٠ و (دبح ، رشح ، ردع) ، وقد أنشد هذا العجز فى المجمل. وصدره :

بجدي بها بازل مرافقه

ويروى : «يسعى بها» : ويروى :

يخدى بها كل مواد مناكبه

(٣) الليتان ، بالكسر : صفحتا العنق ، وفى الأصل : «اللتان» صوابه فى المجمل.

(٤) أى يفعل ذلك ، وهم ناس من بنى سعد ، نص عليه سيبويه فى كتابه (٢ : ٢٨٨) وانظر شرح الشافية (٣ : ٢٢٩).


مِنْ دِبِّيحٍ ، فهو من هذا ، أى مقيمٍ فى الدَّار مقبلٍ عليها ، والحاء فى هذه الكلمة أقيس من الجيم ، لما ذَكرناه.

دبر الدال والباء والراء. أصل هذا الباب أنَّ جُلّه فى قياسٍ واحد ، وهو آخِر الشَّىء وخَلْفُه خلافُ قَبُلِه. وتشذّ عنه كلماتٌ يسيرة نذكرُها.

فمعظم الباب أنَ الدُّبُرَ خلافُ القُبُل. والدَّبِير : ما أدْبَرَتْ به المرأةُ من غزْلِها حين تفتِلُه. قال ابن السكِّيت : القَبِيل من الفَتْل : ما أقبَلْتَ به إِلى صدرك ، والدَّبير : ما أدبَرْتَ به عن صدرك. ودابرةُ الطّائر : الإِصبع التى فى مُؤخَّر رِجْله. وتقول : جعلتُ قولَه دَبْر أُذُنى، أى أغضَيْت عنه وَتصامَمْت ، ودَبَر النَّهارُ وأدبَرَ (١) ، وذلك إذا جاء آخِرُه ، وهو دُبُره. ودبَّرْتُ الحديثَ عن فُلانٍ ، إذا حدَّثتَ به عنه ، وهو من الباب ؛ لأنَّ الآخِر المحدِّثَ يَدْبُر الأوّلَ يجىءُ خَلْفَه. ودابرة الحافر : ما حاذَى مؤخَّر الرُّسْغ. وقطَعَ اللهُ دابِرَهم ، أى آخِرَ مَن بِقيَ منهم. والدّابر من السِّهام : الذى يخرُج من الهَدَف ، كأنَّه وَلّى الرّامَى دُبُرَه ، وقد دَبَرَ يَدْبُرُ دُبُوراً ، والدَّبَرانُ : نجمٌ ، سمِّى بذلك لأنَّه يَدْبُر الثّريّا. ودابَرْتُ فُلاناً : عاديتُه. وفى الحديث : «لا تَدَابَرُوا». وهو من الباب ، وذلك أنْ يترُكَ كلُّ واحدٍ منهما الإقبالَ على صاحبه بوجْهه. والتدبير : أنْ يُدبِّر الإنسانُ أمرَه ، وذلك أنَّه يَنظُر إلى ما تصير عاقبتُه وآخرُه ، وهو دُبُره. والتَّدبير عِتْق الرّجُل عبدَه أو أمَتَه عن دُبُر ، وهو أن يَعْتِقَ بعد موت صاحبِه ، كأنَّه يقول :

__________________

(١) وفى بعض القراءات : (والليل إذا دبر) ، فى قوله تعالى (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) وكذا (والليل إذا أدبر). انظر تفسير أبى حيان (٨ : ٣٧٨).


هو حُرٌّ بعدَ موتى. ورجل مقابَلٌ مُدابَرٌ ، إذا كان كريمَ النَّسَب من قِبَل أبوَيه ؛ ومعنى هذا أنَّ من أقبَلَ منهم فهو كريمٌ ، ومن أدبَرَ منهم فكذلك. والمُدَابَرَة : الشاة تُشَقُّ أُذُنُها من قِبَل قَفاها. والدّابر [من (١)] القِداح : الذي لم يَخْرُج ؛ وهو خلاف الفائز ، وهو من الباب ؛ لأنَّه ولّى صاحبَه دُبُرَه. والدَّابر : التابع ؛ يقال : دَبَرَ دُبُوراً. وعلى ذلك يفسَّر قوله جلَّ ثناؤُه : والّليل إذا دبر (٢) ، يقول : تَبِع النَّهارَ. وَدَبَرَ بالقِمار ، إذا ذَهَب به. ويقال : ليس لهذا الأمِر قِبْلةٌ ولا دِبْرَةٌ ، أى ليس له ما يُقبِل به فيُعْرَفَ ولا يُدْبِر به فيُعرَف. ورجلٌ أُدابرٌ : يقطَع رَحِمَه ؛ وذلك أنَّه يُدبِرُ عنها ولا يُقْبِل عليها. والدَّبُور : ريحٌ تُقبِل مِن دُبُر الكعبة. والدَّابرة : ضربٌ مِن أُخَذِ الصَّرْعِ (٣). قال أبو زيد : يقال «هو لا يُصَلِّي (٤) الصّلاةَ إلّا دَبَرِيًّا» ، والمُحدِّثونَ يقولون : دُبُريًّا. وذلك إذا صلّاها فى آخرِ وقتها ، يريد وقد أدبَرَ الوقتُ.

وأما الكلمات الأُخَرُ فأراها شاذّةً عن الأصل الذى ذكرناه ، وبعضُها صحيح. فأمّا المشكوك فيه فقولهم : إنَ دُبَاراً اسمُ يوم الأربعاء ، وإنَّ الجاهليَّة كذا كانوا يسمُّونه. وفى مثل هذا نَظَرٌ. وأمَّا الصَّحيح فالدِّبار ، وهى المَشَارات من الزَّرْع. قال بِشرٌ :

__________________

(١) هذه التكملة فى المحمل.

(٢) هى قراءة ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وابن يعمر وأبى جعفر وشيبة وأنى الزناد وقتادة والحسن وطلحة والنحويين والابنين وأبى بكر. انظر الحاشية التى قبل السابقة.

(٣) فى المجمل : «أخذة من أخذ المتصارعين». وفى اللسان : «ضرب من الشغزبية فى الصراع». والأخذ بضم ففتح : جمع أخذة بالضم ، أى طريقة أخذ.

(٤) فى الأصل : «لو لا نصلى» ، وفى اللسان : «فلان لا يصلى» ، وفى المجمل : «أبو زيد : لا يصلى».


* عَلَى جِرْبَةٍ تَعلُو الدِّبارَ غُروبُها* (١)

ومن ذلك الدَّبْر ، وهو المال الكثير ؛ يقال مالٌ دَبْرٌ ، ومالان دَبرٌ ، وأموالٌ دَبْرٌ.

دبس الدال والباء والسين أصلٌ يدلُّ على عُصارةٍ فى لونٍ ليس بناصع. من ذلك الدِّبس ، وهو الصَّقْر. والدُّبْسىُ : طائرٌ ؛ لأنّه بذلك اللّون. وجِئتَ بأُمورٍ دُبْسٍ ، إذا جاء بها غيرَ واضحة. قال بعضُ أهل العلم : أَدْبَسَتِ الأرضُ فهى مُدْبِسَةٌ ، إذا رُئِىَ (٢) فيها أوّلُ سواد النَّبت. فأمّا الكْثرة فهى الدِّبْسُ ، وهو استعارةٌ ، كما يقال لها الدَّهْماء والسوَّاد ، فقد عاد إلى ذلك القياس. ويقولون الدَّباساء ، على فَعِالاء ، للإناث من الجراد.

دبش الدال والباء والشين ليس بشىء. على أنّهم يقولون أرضٌ مَدبُوشَة* : أَكَلَ الجراد نَبْتها. قال :

* فى مُهْوَأَنٍّ بالدَّبَا مَدْبُوشِ (٣) *

دبغ الدال والباء والغين كلمةٌ. دَبغْتُ الأديمَ أدْبَغُه وأدبُغه (٤) دَبغا.

__________________

(١) قصيدة بشر بن أبى خازم فى المفضليات (٢ : ١٢٩ ـ ١٣٣) وقد سبق إنشاد هذا العجز فى (جرب ١ : ٤٥٠). وصدره كما فى المفضليات واللسان (جرب ، دبر) :

تحدر ماء الغرب عن جرشية

(٢) فى الأصل والمجمل : «رعن» ، صوابه من اللسان. وفى القاموس : «أظهرت النبات».

(٣) لرؤبة فى ديوانه ٧٨ واللسان (دبش ، هأن). ورواية الديوان واللسان : «من» بدل «فى». ويروى «مهوئن» ، وهما لغتان ، يقال بفتح الهمزة وكسرها. وقبل البيت :

جاءوا بأخراهم على خلشوش

(٤) كذا ضبط الفعلان فى المجمل. ويقال أيضا أدبغه ، بكسر الباء.


دبق الدال والباء والقاف ليس بشىء. يقولون لِذِى البَطْن الدَّبُوقاء.

دبل الدال والباء واللام أصلٌ يدلُّ على جَمْعٍ وتجمُّعٍ وإصلاح لَمَرَمَّةٍ (١). تقول دَبَلْتُ الشىءَ جمَعتُه ، كَدَبْلك اللُّقمةَ بأصابعك. والدُّبُول : الجداول. وسمِّيت بذلك لأنها تُدْبَل ، أى تُنَقَّى وتُصلَح. قال الكِسائِىّ : أرضٌ مدبولة ، إذا أُصلِحَتْ بِسِرْجينٍ وغيره. قال : وكلُّ شىءِ أصلحتَه فقد دبلْتَه ودملْتَه. ويقال الدَّوْبَل : الحِمار الصَّغير. وسمِّى بذلك لتجمُّع خَلْقِه.

ويقال دَبِلَ البعيرُ وغيرُه يَدْبَلُ ، إذا امتلأَ لحماً.

ومما شذّ عن هذا الأصل الدِّبْل : الدّاهية. ودبَلَهم الأمرُ من الشرّ : نزلَ بهم. يقال دِبْلاً دَبيلا ، كما يقولون : ثُكْلاً ثاكلا. قال الشاعر (٢) :

طِعانَ الكُماةِ ورَكْضَ الجِيادِ

وقَوْلَ الحَواضِنِ دِبلاً دَبيلا (٣)

دبى الدال والباء والياء ليس أصلاً ، وإنَّما [هو] كلمةٌ واحدة ، ثم يُحمَل عليها تشبيهاً. فالدّبا : الجراد إذا تحرَّك (٤). والتّشبيهُ قولهم : أدْبَى الرِّمْثُ ، أوَّلَ ما يتفَطَّر ؛ وذلك لأنّه يشبَّه بالدَّبا. وذكر بعضُهم : جاء فلانٌ بدَبَادَبَا (٥) ،

__________________

(١) المرمة : متاع البيت.

(٢) هو بشامة بن الغدير. وقصيدته فى المفضليات (١ : ٥٣ ـ ٥٨).

(٣) البيت لم يروه المفضل ، لكن ذكر فى اللسان أنه من قصيدة بشامة. وفى المجمل واللسان : «وضرب الجياد». وفى الأصل أيضا : «الحواصن» صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) زاد فى المجمل : «قبل أن تنبت أحنحنه».

(٥) فى الأصل : «دبى» صوابه من المجمل واللسان. ويقال أيضا «بدَبَا دُبَىّ» و «دَبَا دُبيَّيْنِ». والدبا يكتب بالألف وبالياء.


إذا جاء بمالٍ كالدّبا (١). ويقال أرضٌ مَدْبَاةٌ : كثيرة الدبا. ومَدْبِيَّةٌ : أَكَلَ الدّبَا نباتَها.

باب الدال والثاء وما يثلثهما

دثر الدال والثاء والراء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد. وهو تضاعُفٌ شىءِ وتناضُدُه بعضِه على بعض. فالدَّثْر : المال الكثير. والدِّثار : ما تدثَّر به الإنسانُ ، وهو فوق الشِّعار. فأمّا قول القائل (٢) :

* والعَكِرِ الدَّثِرْ (٣) *

فإنَّه أراد الدَّثْر فحرك الثاء ، وهو الكثير :

ومن الباب تَدَثَّر الفَحْلُ الناقَة ، إِذا تَسَنَّمَها ، كأنَّه صار دِثاراً لها. وتدثَّر الرجُلُ فرسَه، إذا وثب عليه فركِبَه. والدَّثُور : الرّجل النَّؤُوم (٤). وسمِّى لأنَّه يتدثَّر وينام. فأمّا قولهم رسْمٌ داثِرٌ ، فهو من هذا ، وذلك أنَّه يكون ظاهراً حتى تهبّ عليه الرِّياحُ وتأتِيَه الرَّوامسُ ، فتصيرَ له كالدِّثار فتغطِّيه.

دثأ الدال والثاء والهمزة ليس أصلاً ؛ لأنَّه من باب الإبدال. يقولون مطر دَثَئِىٌ ، وهو الذى بين الحَمِيم والصَّيف (٥). وإنَّما الأصل دَفَئِىٌّ ، وهو من الدِّفء.

__________________

(١) فى الأصل : «بما لكالدبا» ، وهو تحريف رسم.

(٢) هو امرؤ القيس ، كما فى اللسان (دثر). وقصيدته فى ديوانه ١٣٥ ـ ١٣٩.

(٣) أنشد هذا الجزء فى المجمل. ولبيت بتمامه كما فى الديوان واللسان :

لعمري تقوم قد ترى في ديارهم

مرابط للأمهار وافكر الدثر

(٤) فى المجمل : «الرجل الحامل النؤوم».

(٥) الحميم : القيظ.


دثن الدال والثاء والنون كلامٌ لعلّه أن يكون صحيحاً. فأمّا أنْ يكون له قياسٌ فلا. يقولون : دثَّن الطَّائرُ : أسرع فى طَيَرانه. ودثَّن اتَّخَذَ عُشَّه. والكلمتان متشابهتان ، والأمر فيهما ضعيف.

باب الدال والجيم وما يثلثهما

دجر الدال والجيم والراء أصلٌ يدلُّ على لُبْسٍ. فالدَّيجور : الظَّلام ؛ والجمع دَياجِر ودياجِير. والدَّجَرُ : شِبْهُ الحَيْرة ، وهو ذلك القياس ، قال رجلٌ دَحْرانُ ودَجَارَى ، كما يقال حَيرانُ وحَيارَى.

وهاهنا كلمةٌ إنْ صحّت فهى شاذّة عن الأصل الذى ذكرناه. يقولون إنَ الدَّجْر : الخشبة التى يُشدّ عليها حديدةُ الفَدَّان. وما أُرَى هذا من كلام العرب.

دجل الدال والجيم واللام أصلٌ واحد منقاسٌ ، يدلُّ على التغطية والسَّتْر. قال أهلُ اللّغة : الدَّجْل : تموِيهُ الشَّىء ، وسُمّى الكذّابُ دجّالا. وسمِعت علىَّ بن إبراهيمَ القَطَّان يقول: سمِعت ثعلباً يقول : الدَّجّال المموِّه. يقال سيفٌ مُدَجّل ، إذا كان قد طُلِىَ بذهبٍ. قال : فقِيل له : فيجوز أن يكون الذّهب يسمَّى دَجَّالا؟ فقال : لا أعرِفُه (١). ومن الباب الدّجّالة : الجماعة العظيمة تحمل المتاع للتجارة. ويقال دَجّلْتُ البعير ، إذا طلَيته بالقَطِران ؛ والبعير مدجَّلٌ.

قال ابنُ دريد : كلُّ شىءٍ غطّيته فقد دجَّلتَه. وسُمِّيت دِجلةُ لأنَّها تغطِّى

__________________

(١) فى اللسان : «ولدجال الذهب ، وقيل ماء الذهب. حكاه كراع».


الأرض* بالجمع الكثير (١). ويقال رِفْقَةٌ دَجَّالة ، إِذا غَطَّت الأرض بزَحْمَتها قال :

* دَجّالة من أعظَم الرِّفاقِ (٢) *

وفى كتاب الخليل : الدّجال : الكذَّاب ، وإِنَّما دَجَلُه كِذْبه ؛ لأنّه يدجِّل الحقَّ بالباطل.

دجم الدال والجيم والميم كلمةٌ واحدة. يقال دَجِمَ ، إذا حَزنَ. ويقولون : ما سمعتُ لفُلانٍ دَجْمَةً ، أى كلمة. وهذه كأنّها من باب الإبدال ، والأصل زُجْمَة (٣).

دجن الدال والجيم والنون قياسُه قياسُ الدال والجيم واللام. فالدَّجْن : ظلُّ الغيم فى اليوم المَطِر (٤). وأدْجَنَ المطرُّ : دامَ أيّاماً. والمُداجَنةُ : حُسن المخالَطة. والدُّجُنَّة : الظلماء. وفى كتاب الخليل قال : لو خفّفه الشاعر لجازَ له. قال حُمَيدٌ (٥) :

* حتَّى إِذا انجلَتْ دُجَى الدُّجُونِ *

ومن الباب دَجَن دُجُونا : أقام والشَّاةُ الدّاجِن : التى تَأْلف البيوت. والله أعلم.

__________________

(١) كذا. وفى المجمل : «لأنها تغطى الأرض بمائها».

(٢) البيت فى اللسان (دجل) والجمهرة (٢ : ٦٨).

(٣) فى الأصل : «رحمة» تحريف. والزجمة ، بفتح الراى وضمها.

(٤) فى المجمل : «المطير» ، وهما سيان.

(٥) فى المجمل : «كقول حميد الأرقط». والبيت التالى فى اللسان (دجن) بدون نسبة.


باب الدال والحاء وما يثلثهما

دحر الدال والحاء والراء أصلٌ واحد ، وهو الطَّرد والإبعاد. قال الله تعالى : (اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) (١).

دحز الدال والحاء والزاء ليس بشىء. وقال ابن دريد : الدَّحْز : الجِماع (٢). وقد يُولَع هذا الرجلُ بباب الجماع والدَّفْع ، وباب القَمْش والجمع.

دحس الدال والحاء والسين أصلٌ مطَّرِد مُنْقاس ، وهو تخلُّل الشَّىءِ بالشَّىءِ فى خَفاءٍ ورِفق. فالدَّحْس : طلَب الشَّىءِ فى خفاء. ومن ذلك دَحَسْتُ بينَ القوم ، إِذا أفسدْتَ ؛ ولا يكون هذا إلّا برفْق ووَسواس لطيفٍ خفّى. ويقال الدّحْسُ : إدخالك يَدَك بين جِلْدة الشَّاة وصِفَاقها تسلخُها. والدَّحَّاس : دويْبَّة تغيب فى التراب ، والجمع دَحاحيس. وداحِسٌ : اسم فرسٍ ؛ وسمِّى بذلك لأنَّ حَوْطاً (٣) سطا على أُمِّه ـ أُمّ داحسٍ (٤) ـ بماءٍ وطِينٍ ، ويريد أن يخرج ماءَ فرسه من الرَّحِم. وله حديث (٥).

__________________

(١) من الآية ١٨ سورة الأعراف. وفى الأصل : «مذموما» تحريف. وفى الآية ١٩ من الإسراء : (يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً). وهذا وجه اللبس.

(٢) لم أجده فى الجمهرة ولا فى فهارسها. انظر الجمهرة (١ : ١٢١) حيث مظن الكلمة. فلعلها مما سقط من الجمهرة.

(٣) هو حوط بن أبى جابر بن أوس بن حميرى ، صاحب «ذى العقال» والد «داحس». انظر الأغانى (١٦ : ٢٣).

(٤) اسمها «جلوى» ، وكانت لقرواش بن عوف بن عاصم.

(٥) انظر حرب داحس والغبراء فى الأغانى والعقد (٣ : ٣١٣) وكامل ابن الأثير (١ : ٣٤٣) وأمثال الميدانى (١ : ٣٥٩ / ٢ : ٥١).


دحص الدال والحاء والصاد كلمةٌ واحدة. يقال دَحَصَ المذبوحُ برجْله يدحَصُ دَحْصاً ، إذا ارتكَضَ. قال علقمة :

رغا فوقَهم سَقْبُ السّماءِ فداحِصٌ

بشِكَّتِهِ لم يُسْتَلَب وسليبُ (١)

دحض الدال والحاء والضاد أصلٌ يدلُّ على زوالٍ وزَلَق. يقال دَحْضَتْ رجلُه : زَلِقَتْ. ومنه دحَضَت الشّمس : زالت. ودَحَضَتْ حُجّةُ فلانٍ ، إذا لم تَثْبُت. قال الله جلّ ثناؤه : (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ).

دحق الدال والحاء والقاف قياسٌ يقرُب من الذى قبْلَه. يقال دَحَقَ الشَّىءُ : زَالَ ولم يثبُتْ. والدَّحيق : البعيد. ويقال فعلَ فلانٌ كذا فدحَقْتُ عنه يدَه ، أى قبضتُها. ويقال أدْحَقَه الله ، أى أبْعَدَه. وَدَحَقت الرّحِمُ : رمَتْ بالماء فلم تقبْله. والدِّحاق : أن تخرُجَ رحِمُ الأُنثَى بعد الولادة ، فلا تنجُو حتى تموت. وهى دَحُوقٌ. قال :

وأُمُّكُمْ خَيْرَةُ النِّساء عَلَى

ما خانَ منها الدِّحاقُ والأَتَمُ

دحل الدال والحاء واللام يدلُّ على تلجُّفٍ فى الشَّىء وتطامُن. فالدَّحْل : المطمئِنُّ من الأرض ، والجمع الدُّحُول. ويقال بئرٌ دَحُولٌ : ذاتُ تلجُّف (٢) ، وذلك إذا أكمَلَ الماءُ جِرابَها. فأمَّا الدَّحِلُ فى خَلْق الإنسان ، فيقال هو العظيم البَطْن ؛ وهذا قياسُ الباب ، لأنَّه يدلُّ على سَعةٍ وتلجُّف.

__________________

(١) قصيدة لبيت فى ديوانه ١٣١ والمفضليات (٢ : ١٩٠ ـ ١٩٦). وأنشده فى المجمل واللسان (دحص).

(٢) التلجف ، بالجيم : التحفر. وفى الأصل والمجمل بالحاء المهملة ، تحريف.


دحم الدال والحاء والميم ليس بشىءِ. على أنّهم يقولون : دَحَمَه ، إذا دَفَعه دفعاً شديداً. وبه سُمِّى الرَّجُل دَحْمانَ ودُحَيْماً.

دحن الدال والحاء والنون ليس بأصلٍ ، لأنّه من باب الإبدال. يقال رجل دَحِنٌ ، وهو مثل الدَّحِلِ (١). وقد فسَّرناه

دحو الدال والحاء والواو أصلٌ واحد يدلُّ على بَسْطٍ وتمهيد. يقال دحا الله الأرضَ يدحُوها دَحْواً ، إذا بَسَطَها. ويقال دحا المطرُ الحَصَى عن وجْه* الأرض. وهذا لأنّه إذا كان كذا فقد مهدّ الأرض. ويقال للفرَس إذا رمَى بيديه رمْياً ، لا يرفع سُنْبُكَه عن الأرض كثيراً : مرّ يدحُو دَحْواً. ومن الباب أُدْحِىُ النَّعام : الموضع الذى يُفَرِّخ فيه ، أُفْعولٌ مِن دحوت ؛ لأنّه يَدْحُوه برِجْله ثم يبيض فيه. وليس للنّعامة عُشٌّ.

باب الدال والخاء وما يثلثهما

دخر الدال والخاء والراء أصلٌ يدلُّ على الذُّل. يقال دَخَر الرّجُلُ ، وهو داخِر ، إذا ذَلَّ. وأَدْخَرَه غيرُه : أَذَلَّه. فأما الدَّخْدَار فالثَّوب الكريمُ يُصانُ. قال :

* ويَجْلُو صَفْحَ دَخْدارٍ قَشِيبِ (٢) *

__________________

(١) فى الأصل : «الدخل» ، صوابه ما أثبت.

(٢) نسب فى المجمل إلى أبى دواد ، والصواب نسبته إلى عدى بن زيد ، من قصيدة له فى الأغانى (٢ : ٢٣ ـ ٣٤). وصدره كما فى الأغانى والعرب للجواليقى ١٤١ :

تلوح مشرفيه في ذراء


وليس هذا من الكلمة الأولى فى شىءِ ؛ لأنَّ هذه مُعرّبة ، قالوا : أصلها تَخْت دار ، أى مَصُونٌ فى تَخْت (١).

دخس الدال والخاء والسين أصلٌ واحد ، يدلُّ على اكتنازٍ واندساسٍ فى ترابٍ أو غيره. فالدَّخْسُ أن يندسَّ الشَّىءُ فى التراب. ولذلك سَمَّى الرّاجزُ (٢) الأثافىَ دُخسَّاً. فهذا هو الأصل ، ثم سُمِّى كلُّ شىء تجمَّعَ إلى شىءِ وداخَلَه ، بذلك. والدَّخيس : الحَوْشَب ، وهو ما بين الوَظيف والعصَب. والدَّخِيس من الناس : العددُ الجَمُّ. والدَّخَس (٣) : داءُ فى قوائم الدّابة. والدَّخِيس : اللحم المكَتَنِز. وكلُّ ذى سِمَنٍ دَخيسٌ. ويقال الدَّخيس : لحمُ باطن الكفّ. والدَّخيس من أَنْقَاء الرّملِ : الكثير. وكَلَأٌ دَيْخَسٌ (٤) ، أى كثير. وأنشد :

* يَرْعَى حَلِيًّا ونَصِيًّا دَيْخَسَا (٥) *

دخش الدال والخاء والشين ليس بشىءِ. وزعم ابنُ دريد (٦). أنّ الدَّخش فِعْلٌ مُماتٌ، يقال دَخِشَ دَخَشاً ، إذا امتلأ لحماً. ومنه اشتقاق دَخْسَم.

دخص الدال والخاء والصاد كالذى قبله. وذكر ابنُ دُريد (٧) أنّ الدَّخُوص : الجاريةُ السَّمينة.

__________________

(١) فى المجمل : «أى ثوب مصون فى تخت». ولأدق ما فى المعرب واللسان : «أى يمسكه التخت».

(٢) هو العجاج. وفى ديوانه ٣١ :

فاخرات إلا ثلاثا؟

(٣) فى الأصل : «الدخساء» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) فى الأصل : «دخيس» صوابه فى المجمل واللسان.

(٥) أنشده فى اللسان (دخس). وفى المجمل : «ترعى».

(٦) الجمهرة (٢ : ٢٠٠).

(٧) ليس فى الجمهرة فى مظنه ، وليس فى فهارسها.


دخل الدال والخاء واللام أصل مطّرد منقاس ، وهو الوْلوج. يقال دخل يدخُل دخولاً. والدِّخْلَةُ : باطنُ أمرِ الرّجُل. تقول : أنا عالمٌ بدخْلَته. والدَّخَل : العَيب فى الحَسب ، وكأنَّه قد دخل عليه شىء عابَه. والدَّخَل كالدَّغَل ، وهو من الباب ؛ لأنَّ الدّغَل هذا قياسُه أيضاً. ويقال إنَ المدخُول : المهزُول ؛ وهو الصَّحيح ، لأنّ لحمُه كأنّه قد دُخِلَ. ودَخِيلُك : الذى يُداخِلُك فى أُمورك. والدِّخال فى الوِرد : أنْ تشربَ الإبل ثم تردّ إلى الحوض ليشرب منها ما عساه لم يكن شَرِبَ. قال الهُذَلىّ (١) :

* وتُوفِى الدُّفوفَ بشُربٍ دِخَالِ (٢) *

ويقال إنّ كلَّ لحمةٍ مجتمعة دُخَّلةٌ ، وبذلك سُمِّى هذا الطائر دُخلاً. ويقال دُخِل فلانٌ ، وهو مدخولٌ ، إذا كان فى عقله دَخَلٌ. وبنو فلانٍ فى بنى فلان دَخِيلٌ (٣) ، إذا انتسبوا معهم. ونَخْلَة مدخولةٌ : عَفِنة الجوف. والدُّخْلَلُ : الذى يُداخِلُك فى أمورك. والدُّخَّل من ريش الطائر : ما بين الظُّهْرَانِ والبُطْنان ، وهو أجْوَدُ الرِّيش. وداخِلَة الإِزار : طَرَفه الذى بلى الجسَد. والدُّخَّل من الكلأ : ما دخَل منه فى أُصول الشجر. قال :

* تَبَاشِير أَحْوَى دُخَّلٍ وجميمِ (٤) *

__________________

(١) هو أمية بن أبى عائذ الهذلى. وقصيدة البيت فى شرح السكرى ١٨٠ ونسخة الشنقيطى من الهذليين ٨٩.

(٢) صدره كما فى المراجع المتقدمة واللسان (دخل) :

وتلقى البلاهيم في برده


دخن الدال والخاء والنون أصلٌ واحد ، وهو الذى يكون عن الوَقُود ، ثمَّ يشبَّه به كلُّ شىء يُشْبِهُه مِن عداوةٍ ونظيرِها. فالدُّخَانُ معروفٌ ، وجمعه دوَاخن على غير قياس. ويقال دَخَنَتِ النّارِ تدخُن ، إذا ارتفع دُخانها ، ودخِنَتْ تَدْخَنُ ، إذا ألقيْتَ عليها حطباً فأفسَدتْها حتى يهيجَ لذلك دُخانٌ وكذلك دَخِن الطَّعامُ يَدْخَن (١). ويقال : دَخَن الغُبار : ارتَفَعَ. فأمّا

الحديث : «هُدْنَةٌ على دَخَنٍ». فهو استقرارٌ على أمورٍ مكروهة. والدُّخْنَةُ من الألوان : كُدرةٌ فى سوادٍ. شاةٌ دَخْناءُ ، وكبشٌ أدْخَنُ ، وليلةٌ دَخْنانةٌ. ورجلٌ دَخِنُ الخُلُق. وأبناء دُخانٍ : غنىٌّ وباهلةُ. والدُّخْنَة : بَخُورٌ يدخَّن به البيت.

باب الدال والدال وما يثلثهما

ددن الدال والدال والنون كلمتان : إحداهما اللهو واللَّعب ، يقال دَدَنٌ ودَدٌ (٢). قال:

أيُّها القلب تعلَّلْ بدَدَنْ

إنّ هَمِّى فى سَماعٍ وأَذَنْ (٣)

ومن هذا اشتُقَّ السَّيف الدَّدَانُ ؛ لأنّه ضعيفٌ ، كأنه ليس بِحادٍّ فى مَضائه. والكلمة الأخرى : الدَّيْدَنُ : العادَة.

والله أعلم.

__________________

(١) فى الأصل : «حتى يدخن» ، صوابه من المجمل.

(٢) ودداً أيضا كما سبق فى مادة (دد) ص ٢٦٦.

(٣) البيت لعدى بن زيد ، كما سبق فى حواشى (دد) ص ٢٦٦.


باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله دال

وسبيلُ هذا سبيلُ ما مضى ذِكره ، فبعضُه مشتقٌّ ظاهر الاشتقاق ، وبعضُه منحوتُ بادى النَّحْت ، وبعضه موضوعٌ وضعاً على عادة العربِ فى مِثْله.

فمن المشتق المنحوت (الدُّلَمِصُ) و (الدُّمَلِصُ (١)) : البَرّاق. فالميم زائدة ، وهو من الشَّىء الدَّلِيص ، وهو البرّاق ، وقد مَضى.

ومن ذلك (الدِّفْنِسُ (٢)) ، وهو الرجل الدنىُّ الأحمق ، وكذلك المرأة الدَّفْنِس ، والفاء فيه زائدة ، وإنَّما الأصل الدال والنون والسين.

ومن ذلك (الدَّرْقَعة) ، وهو الفِرار. فالزائِدة فيه القاف ، وإنَّما هو من الدال والراء والعين.

ومنه (الاندِراعُ) فى السَّيْر ، وقد ذكرناه.

ومن هذا الباب (ادْرَعَفَّتِ) الإبلُ ، إِذا مضَتْ على وُجوهها. ويقال (اذرعَفَّتْ) بالذال. والكلمتان صحيحتان ؛ فأمّا الدال فمن الاندراع ، وأمّا الذال فمن الذريع. والفاء فيهما جميعاً زائدة.

ومن ذلك (الدَّهْكَم) ، وهو الشّيخ الفانى ، والهاء فيه زائدة ، وهو من دَكَمْتُ الشىء وتدكَّم ، إذا كسرتَه وتكسَّر بعضُه فوقَ بعض. وقال قوم : (التَّدَهْكم) : الانقحام فى الشىء ، وهو ذاك القياسُ الذى ذكرناه.

__________________

(١) ويقال أيضا «دلامص» «ودمالص». وفى المجمل : «الدملص والدمالص».

(٢) ويقال أيضا «دفناس» وهو ما ورد فى المجمل.


ومن ذلك (الدَّلَهْمَسُ (١)) ، وهو الأسَد. قال أبو عُبيد : سمِّى بذاك لقوَّته وجُرْأته. وهى عندنا منحوتةٌ من كلمتين : من دَالَسَ وهَمَسَ. فدالَس (٢) : أتى فى الظَّلام ، وقد ذكرناه ، وهمس كأنّه غمس نَفْسَه فيه وفى كلِّ ما يريد. يقال : أسدٌ هموس. قال :

فباتُوا يُدْلِجون وبات يَسْرِى

بَصِيرٌ بالدّجَى هادٍ هَمُوسُ (٣)

ومن ذلك (دَغْمَرْتُ) الحديثَ ، إذا خلَطْتَه. قال الأصمعىّ فى قوله :

* ولم يكُنْ مُؤْتَشَباً دِغْمَارا (٤) *

قال : المُدَغْمَر : الخفىّ. وهذه منحوتةٌ من كلمتين : من دغم ، يقال أدغمت الحرف فى الحرف إذا أخفيته فيه ، وقد فسَّرناه ، ومن دَغَر ، إذا دخَلَ على الشّىء. وقد مضى.

ومن ذلك (دَرْبَخَ (٥)) إذا تذلَّل. والدال فيه زائدة ، وهو من دبخ ، يقال : مشى حَتَّى تدبَّخَ ، أى استرخَى.

ومن ذلك (دَمْشَقَ) عملَه ، إذا أسرَعَ فيه. والدال فيه زائدة ، وإِنَّمَا هو مَشَق ، وهو الطَّعْن السّريع ، وقد فُسِّر فى كتاب الميم.

ومن ذلك (الدُّمَّرِغُ) وهو الأحمق ، والدال فيه زائدة ، وهو من المرْغ وهو ما يسيل من اللعاب ، كأنّه لا يُمْسِك مَرْغَه.

__________________

(١) فى الأصل : «الدلهس» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) فى الأصل : «دلس» فى هذا الموضع وسابقه ، تحريف. انظر اللسان (دلس).

(٣) أنشد عجزه فى اللسان (همس ١٣٨) ، ونسبه إلى أبى زبيد الطائى.

(٤) لم ترد كلمة «دغمار» فى المعاجم المتداولة ، ولم أعثر على هذا الشاهد فى مرجع آخر.

(٥) وردت هذه الكلمة وما بعدها بالحاء المهملة ، فى المجمل. وتستقيم اللغة والكلام بكل منهما.


ومن ذلك (الدِّعْبِل) ، وهو الجملُ العظيم (١). وهو منحوتٌ من كلمتين مِن دَبَلْتُ الشَّىءَ ، إذا جمَعْتَه ، وقد مضى ، وهذا شىءٌ عَبْلٌ. ويجىء تفسيره.

ومن ذلك (الدُّمْلَج) و (الدَّمْلَجة) ، واللام فيه زائدة. وهو من أدمجت ، وقد فسرناه. والدُّمْلَج : المِعْضَد من الحَلْى (٢)

ومن ذلك (الدَّعْلَجةُ) ، وهو الذّهاب والرُّجوع والتردُّد ، وبه يسمُّون الفَرَس «دَعْلَجاً (٣)» ، والعين فيه زائدةٌ ، وإنما هو من الدَّلَج والإدلاج.

ومن ذلك (دَخْرَصَ) فلانٌ الأمرَ ، إذا بيَّنَه. وإنه لَ (دِخْرِصٌ) ، أى عالمٌ (٤). والوجه أن يكون الدال فيه زائدة ، وهو من خَرَصَ الشىءَ ، إذا قدَّره بفِطْنته وذكائه.

ومن ذلك (الدَّخْمَسَةَ) ، وهو كالخِبّ والخِدَاع ، وهى منحوتةٌ من كلمتين : من دَخس ودَمَس ، وقد ذكرناهما.

ومن ذلك (الدَّنْخَس (٥)) وهو الشديد* اللحم الجَسيم. والنون فيه زائدة ، وهو من اللّحم الدَّخيس ، وقد مضَى.

ومن ذلك (تَدَرْبَسَ) الرّجُل ، إذا تقدَّم. وأنشد :

__________________

(١) الذى فى المعاجم المتداولة أن الدعبل الناقة القوية أو الشارف ، كما أنها فسرت فى المجمل بانها «الناقة الشارف».

(٢) وأما الدملجة ، بفتح الدال واللام ، فهى تسوية صنعة الشئ.

(٣) ومنه «دعلج» فرس عامر بن الطفيل. والدعلج يقال أيضا للذئب والحمار والناقة التى لا تنساق إذا سبقت ، كما فى القاموس.

(٤) هذا المعنى والذى سبقه مما فات صاحب اللسان ، أما صاحب القاموس فقد ذكرهما.

(٥) ويقال أيضا «دخنس» بتقديم الخاء.


إذا القوم قالُوا مَنْ فَتًى لمُهِمَّةٍ

تَدَرْبَسَ باقِى الرِّيقِ فَخْمُ المناكبِ (١)

والدال زائدة ، وإنَّما هو من الراء والباء والسين. يقال اربَسَ اربِساساً ، إذا ذَهَب فى الأرض.

ومن ذلك (الدلمسُ (٢)) ، وهى الدَّاهية ، وهى منحوتة من كلمتين. من دَلَس الظلمة ، ومن دَمَسَ ، إذا أتَى فى الظَّلام.

ومن ذلك (الدَّغاوِل (٣)) وهى الغَوائل ، والواو فيها زائدة ، وهو من دغل ومن ذلك (الادْرِنْفَاقُ) ، وهو السَّير السَّريع. وهذا ممّا زِيدت فيه الراء والنون ؛ وإنَّما هو من دَفَقَ ، وأصله الاندفاع. والدُّفْقَة من الماء : الدُّفعة. وقد مضى.

ومن ذلك (الدُّعْثُور) ، وهو الحوض الذى لم يُتَنَوَّقْ فى صنعته. قال : العَدَبَّسُ : «الدُّعْثُور : [الحوض (٤)] المتَثَلِّم» ، وهذا ممّا زِيدت فيه العين. وهو من دَثَرَ. ويجوز أن يكون من دَعَثَ ، وقد مضى.

ويقال (ادْرَمَّجَ) ، إذا دخل فى الشَّىء واستَتَر. والراء فيه زائدة ، وإنَّما هو من دَمَج.

ومن ذلك (الدُّمْلوك) والحجر (المُدَمْلَك) ، والميم زائدة ، وإِنَّما هو من دلكت.

ومن ذلك (دَغْفَقْت) الماء : صبَبْتُه ، والغين زائدة ، وإنَّما هو من دفقت.

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (دربس).

(٢) الدلس ، كعلبط وكزبرج. والكلمة وردت فى القاموس ولم ترد فى اللسان.

(٣) فى الأصل : «الدعلول» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) التكملة من المجمل.


ومن ذلك (الدُّحْمُسَانُ (١)) : الأسود ، والحاء زائدة ، وهو من الدَّسَم ، وهو عندنا موضوعٌ وضعاً. وقد يكون عند سِوانا مشتقًّا. والله أعلم.

(دَنْقَشَ) الرَّجُل دَنْقَشَةً ، إذا نَظَر وكسر عينَه.

و (الدَّهْثَمُ) من الرجال : السَّهل الليِّن.

و (الدّرَفْسُ) و (الدِّرْفاس) : الضخم من الرِّجال.

و (الدَّرْمَك) : الدَّقيق الحُوَّارَى.

و (الدُّرْنُوك) : ضَرْبٌ من الثِّياب ذو خَمْلٍ ، وبه تُشبَّه فَروةُ البعير. قال :

* عَن ذِى دَرانِيكَ وهُلْبٍ أَهْدَبا (٢) *

و (الادْعِنْكارُ) : إقبال السَّيل. ومحتملٌ أن يكون هذه من باب دَعَكَ.

و (دمْخَقَ (٣)) الرّجُل فى مِشْيته : تثاقَلَ.

و (الدَّغْفَل) : ولَدُ الفيل. و (الدَّغْفَلىُ) : الزّمان الخِصْب. قال العجّاج :

* وإذْ زَمانُ النّاسِ دَغْفَلىُ (٤) *

ومحتملٌ أن تكون هذه من الذى زيد فيه الدال ، كأنّه من غفل ؛ وهم يصِفُون الزّمانَ الطيّبَ النّاعمَ بالغَفْلة. قال :

قُدَيْدِيمَةَ التَّجريبِ والحِلمِ إنَّنى

لَدَى غَفَلاتِ العَيش قبلَ التَّجاربِ (٥)

__________________

(١) ويقال أيضا «الدحسمان».

(٢) أنشده فى اللسان (هدب) برواية : «ولبد أهدبا» ، وفى (درنك): «ولبداً».

(٣) فى الأصل والمجمل : «دمحق» بالحاء المهملة ، صوابه بالخاء المعجمة.

(٤) ديوان العجاج ٦٧ واللسان (دغفل).

(٥) ديوان القطامى ٥٠. وفى الديوان واللسان : «أرى غفلات».


و (الدِّمَقْس) : القَزَّ : و (الدَّرْدَبِيس) : الدّاهِيَة ، والشيخ الهِمّ. و (دنْقَسْتُ) بين القوم : أفسدت. و (الدَّهاريس) : الدّواهى.

و (الدِّلْقِم) : النّاقة التى أَكِلَتْ أسنانُها من الكِبَر. ومحتمل أن تكون هذه منحوتةٌ من دَقَمْتُ فاه ، إذا كسرْتَه ، ومن دَلَق إذا خرج ، كأنّ لسانَها يندلِق.

و (الدَّلْعَكُ) و (الدَّلْعَس) : الضَّخمة. و (دَرْبَحَ) عَدَا (١). و (الدَّرْبَلَةُ) : ضربٌ من المشى. و (الدِّرَقْل) : ضربٌ من النِّياب. و (الدُّرْدَاقِسُ) : عظم يفصِلُ بين الرّأس والعُنق. وما أبعد هذه من الصحّة.

ويقال إنَّ (الدُّلَمِزُ) : القوىُّ الماضى. وكذلك (الدُّلامِزُ) ، والجمع دَلامِزُ.

قال الشاعر :

* يَغْبَى عَلَى الدَّلَامِز البَرَارِتِ (٢) *

والله أعْلَمُ بالصَّواب.

__________________

(١) هذا المعنى لم يذكر فى اللسان. وفى القاموس : «عدا من فزع».

(٢) البرارت : جمع بريت ، وهو الدليل الحاذق. وروى فى اللسان (خرت ، دلمز) «الخرارت» جمع خربت. وكلاهما بمعنى واحد.


كتاب الذّال

باب الذال وما معهما فى الثنائى والمطابق

ذر الذال والراء المشددة أصلٌ واحد يدلُّ على لطافة وانتشار. ومن ذلك الذَّرُّ : صِغار النَّمل ، الواحدة ذَرّةٌ. وذَرَرْتُ المِلْحَ والدّواءَ. والذرِيرة معروفة ، وكلُّ ذلك قياسٌ واحد.

ومن الباب : ذرّت الشّمْسُ ذُروراً ، إذا طَلَعَتْ ، وهو ضوءٌ لطيفٌ منتشر. وذلك قولُهم : «لا أفعله ما ذَرَّ شارقٌ» ، وما ذَرّ قرنُ الشّمْس.* وحكى عن أبى زيد : ذَرّ البَقْلُ ، إذا طلَعَ من الأرض. وهو من الباب ؛ لأنّه يكون حينئذٍ صُغَاراً (١) منتشِرًا. فأمَّا قولُهم : ذَارَّتِ النّاقةُ وهى مُذَارٌّ ، إذا ساء خُلُقها ، فقد قيل إنَّه كذا مثّقل. فإن كان صحيحاً فهو شاذٌّ عن الأصل الذى أصَّلناه. إلا أن الحطيئة قال :

* ذَارَتْ بأَنْفها (٢) *

مخفَّفاً. وأراه الصحيح ، ويكون حينئذٍ من ذئِرت ، إذا تغضَّبت ، فيكون على تخفيف الهمزة. [إلّا] أنّ أبا زيدٍ قال : فى نفسِ فُلانٍ ذِرارٌ ، أى إعراضٌ

__________________

(١) الصغار ، بالضم : الصغير ، كقولك طوال بالضم ، بمعنى طويل ، وأراه أقوى فى القراءة هنا.

والصغار ، بالكسر : جمع صغير.

(٢) قطعة من بيت فى ديوان الحطيئة ١٠ واللسان (درر). وهو بتمامه :

وكنت كذات البعل ذارث يأنفها

فمن ذاك تبقى غيره أو تهاجره


غَضَباً ، كذِرار النّاقة. وهذا يدلُّ على القول الأول. والله أعلم.

ذع الذال والعين فى المطابق أَصلٌ واحد يدلُّ على تفريق الشىء. يقال ذعْذعت الرِّيحُ [الشىءَ] إذا فرّقَتْه ، فتذعْذع ، أى تفرّق. قال النابغة :

* تُذَعْذِعُها مُذَعْذِعَةٌ حَنُونُ (١) *

ويقال إِنّ الذُّعَاع الفُرْجة بين النَّخْلة والنَّخلةِ ، فى شعر طَرَفَة ، على اختلافٍ فيه ؛ فقد قال بعضُهم إِنّه بالدّال ، وقد مضى ذِكْرُه (٢).

وحكى ابنُ دريدٍ (٣) : ذَعْذَع السِّرَّ : أذاعَه. والذعاع : الفِرَقُ من الناس ، الواحدةُ ذَعاعة.

ذف الذال والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على خِفّةٍ وسُرعة. فالذَّفِيف إتباعٌ للخفيف. ويقال الذَّفيف السَّريع. ومنه يقال ذفَّفْتُ على الجريح ، إذا أسرعتَ قَتْلَه. واشتقاق «ذُفافَة» منه. ويقال للماء القليل ذُفافٌ ، ومياهٌ أذِفَّةٌ

وحُكى عن الأعرابىّ : الذَّفُ : القتل. واستَذَفَ الأمر : استقامَ وتهيَّأَ. ويقال الذَّفَاف : الشّىء اليسير من كلِّ شىء. يقولون ما ذُقْتُ ذَفِافاً ، أى أدْنَى ما يؤكل. قال أبو ذُؤيب :

__________________

(١) عجز بيت له لم يرو فى ديوانه ، وقد سبق فى (حن ص ٢٥). وصدره كما فى اللسان (حنن ، ذعع) :

فشيت لها منازل مقفرات

(٢) لم يسبق فى مادة (دع) ذكر للدعاع ، ولم يستشهد بشعر طرفة. والذى يعنيه من شعر طرفة هو قوله :

وعذاربكم

في جعاع النخل تصطرمه

(٣) الجمهرة (١ : ١٤٣).


يقولون لما حُشَّت البِئْرُ أُوْرِدُوا

وليسَ بها أدنَى ذَفِافٍ لواردِ (١)

يقول : ليس بها شىء.

ذل الذال واللام فى التضعيف والمطابقة أصلٌ واحد يدلُّ على الخُضوع ، والاستكانة ، واللِّين. فالذُّل : ضِدّ العِزّ. وهذه مقابلةٌ فى التضادِّ صحيحة ، تدلُّ على الحكمة التى خُصَّتْ بها العرب دون سائر الأمم ؛ لأنّ العزّ من العَزَازِ ، وهى الأرض الصُّلْبة الشديدة. والذِّلُ خلاف الصُّعوبة. وحُكى عن بعضهم (٢) أنَّه قال : «بعضُ الذِّلِ ـ بكسر الذال ـ أبْقَى للأهْلِ والمال».

يقال من هذا : دابّةٌ ذلولٌ ، بيِّن الذُّلِ. ومن الأوّل : رجلٌ ذليل بين الذُّلّ والمَذَلّة والذِّلّةِ. ويقال لما وُطِئَ من الطَّريق ذِلٌ. وذُلِّل القِطْفُ تذليلاً ، إذا لانَ وتَدَلّى. ويقال : أجْرِ الأمورَ على أذلالها ، أى استقامتها ، أى على الأمر الذى تَطُوع فيه وتَنْقاد.

ومن الباب ذَلاذِل القميص ، وهو ما يلى الأرض من أسافلِهِ ، الواحدة ذِلذِلٌ. ويقولون : اذْلَوْلَى الرّجُل إذلِيلَاءَ ، إذا أسرَعَ. وهو من الباب.

ذم الذال والميم فى المضاعف أصلٌ واحد يدلُّ كلُّه على خلافِ الحمد. يقال ذَمَمْتُ فلاناً أذُمُّه ، فهو ذميمٌ ومذموم ، إذا كان غير حميد. ومن هذا الباب الذّمَّة ، وهى البئر القليلةُ الماء. وفى الحديث : «أنّه أتى على بئرٍ ذَمَّةٍ». وجمع الذَّمَّة ذِمام. قال ذو الرُّمّة :

__________________

(١) ديوان أبى ذؤيب ١٢٣ ، واللسان (جشش ، ذفف) ، وقد سبق إنشاده فى (١ : ٤١٥) والكلمة الأولى من البيت ساقطة من الأصل.

(٢) هو حديث ابن الزبير ، كما فى اللسان (ذلل).


على حِمَيرِيّاتٍ كأنَّ عيونَها

ذِمامُ الرَّكايا أنكَزَتْها المواتِحُ (١)

انكزَتْها : أذهبَتْ ماءَها. والمواتِح : المستَقِيَة.

فأمّا العَهْد فإنَّه يسمَّى ذِماماً لأن الإِنسان يُذَمُ على إضاعته منه. وهذه طريقة للعرب مستعملةٌ ، وذلك كقولهم : فلانٌ حامى الذِّمار ، أى يَحْمى الشَّىءَ الذى يُغضِب. وحامى الحقيقة ، أى يَحْمِى ما يحقّ عليه أن يمنَعَه.

وأهل الذِّمّة : أهلُ العَقْد. قال أبو عُبيد : الذمَّة الأمان ، فى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «ويَسعَى بذمَّتهم». ويقال أهل الذّمّة لأنهم أدَّوا الجِزْية فأمِنُوا على دمائهم وأموالهم. ويقال فى الذِّمامْ مَذَمَّة وَمَذِمَّة ، بالفتح والكسر ، وفى الذَّمِ مَذَمّة بالفتْح. وجاء فى الحديث : «أنّ رجلاً سأل النبى صلى الله عليه وآله وسلم : ما يُذْهِب عنى مَذَمَّة الرَّضاع؟ فقال : غُرَّةٌ : عبدٌ أو أمَةٌ». يعنى بمذَمَّة الرَّضاع ذِمامَ المُرضِعة. وكان النّخَعىّ (٢) يقول فى تفسير هذا الحديث : إنّهم كانوا يستحبُّون أن يَرْضَخُوا عند فِصال الصبىّ للظّئْر بشىءٍ سِوى الأَجْر. فكأنّه سأله : ما يُسقط عنِّى حقَّ التى أرضعَتْنى حتّى أكونَ قد أدّيّتُ حقَّها كاملا (٣). حدّثنا بذلك القطَّان عن المفسِّر عن القُتَيبىّ والعرب تقول : أذْهِبْ مَذَمَّتَهم بشىءِ ؛ أى أعطِهِم شيئاً ؛ فإِنّ لهم عليك ذماماً. ويقال افْعلْ كذا وخَلَاك ذَمٌ ، أى ولا ذمَ عليك. ويقال أذَمَ فلانٌ بفلانٍ ، إذا تهاوَنَ به. وأذَمَ به بعيرُه ، إذا

__________________

(١) ديوان ذى الرمة ١٠٣ والمجمل واللسان (ذمم).

(٢) هو إبراهيم بن يزيد النخعى ، كما صرح به ابن فارس فى المجمل. وهو فقيه كوفى ، توفى سنة ١٩٦. انظر تهذيب التهذيب.

(٣) فى المجمل : «قد أديته كاملا».


أخَّرَ (١) وانقطَعَ عن سائر الإبل. وشىء مُذِمٌ ، أى مَعيب. ورجلٌ مُذِمٌ : لا حَرّاك به. وحكى ابنُ الأعرابىِّ. بئرٌ ذميمٌ ، وهى مِثْلُ الذَّمَّة. أنشدَنا أبو الحسن القَطَّان عن ثَعْلبٍ عن ابن الأعرابىّ (٢)

مُواشِكَةٌ تستعجِلُ الرَّكْضَ تبتَغِى

نَضَائِض طَرْقٍ ماؤُهنَ ذميم

يصف قطاةً. يقول (٣)

وبقى فى الباب ما يقربُ من قياسه إن كان صحيحاً. إنَ الذَّميم بَثْرٌ يخرُج على الأنف.

وحكى ابنُ قتيبة أنَ الذَّميم البَولُ الذى يَذِمُ ويَذِنُّ من قضيب التيس. قال أبو زُبيْدٍ(٤):

تَرَى لأَخْلافِها مِن خَلْفِها نَسَلاً

مثلَ الذَّميمِ على قُزْمِ اليَعَاميرِ

النَّسَلُ من اللَّبن : ما يخرُج منه. والقُزْم : الصِّغار. قال الشَّيبانىّ : لا أعرِف اليعامير. وسألتُ فلم أجِدْ عند أحدٍ بها علماً ، ويقال هى صِغار الضّأن.

ذن الذال والنون فى المضاعف أصلٌ يدلُّ على سَيَلان. فالذَّنين ما يَسِيل من المنخرَيْنِ. وقد ذَنّ ذَنَّا (٥) ، وهو أذَنُ. قال الشمّاخ :

__________________

(١) يقال أخر يؤخر تأخرا ، وأخرته أنا ، لازم متعد.

(٢) زاد فى المجمل : «للمرار» والبيت التالى للمرار ، كما فى اللسان (ذمم).

(٣) كذا وردت هذه الكلمة. وقد تكون مقحمة.

(٤) فى الأصل : «أبو دبر» ، صوابه فى المجمل واللسان (ذمم).

(٥) يقال ذن ، كفرح ذننا ، وكذلك ذن يذن بكسر الذال ، ذنينا.


توائِلُ من مِصَكٍ أنْصَبَتْهُ

حوالِبُ أسْهَرَتْه بالذَّنينِ (١)

ويقال له الذُّنَان أيضاً. ويقال إنّ المرأةَ الذّنّاءِ التى يسيل حَيضُها ولا ينقطع ويقال الذَّنانة بَقيّةُ الشّىء الهالكِ الضعيف.

ومما يشذّ عن الباب ـ وقد قلتُ إنّ أكثر أمْرِ النَّبات على غير قياس ـ الذَّؤْنُون : نبتٌ. يقال خرَجَ النّاسُ يَتذأْنَنُون ، إذا أخَذُوا الذُّؤْنُون.

ذب الذال والباء فى المضاعف أصولٌ ثلاثة : أحدها طُوَيئرٌ ، ثم يُحمَل عليه ويشبَّه به غيرُه ، والآخَر الحَدُّ والحِدّة ، والثالث الاضطرابُ والحرَكة.

فالأوّل الذُّباب ، معروف ، وواحدته ذُبابة ، وجمع الجمع أذِبّة. وممّا يشبّه به ويُحمَل عليه ذُباب العَين : إِنسانُها. ويقال ذَبَبْتُ عنه ، إذا دفَعْتَ عنه ، كأنّك طردت عنه الذُّباب التى يتأذّى به. وقول النابغة :

* ضَرَّابَةٍ بالمِشْفَر الأَذِبَّهْ (٢) *

فهو جمع ذُبابٍ. والمذبوبُ من الإبل : الذى يدخل الذباب منحره. والمذبوب : الأحمق ، كأنّه شُبِّه بالجمل المذبوب.

وأمّا الحَدُّ فذُبَاب أسنانِ البعير : حَدُّها. قال الشاعر (٣) :

__________________

(١) ديوان الشماخ ٩٣. ورواية «أسهرته» هذه رواية أبى عبيد ، كما نص فى اللسان. ويروى : «أسهريه». والأسهران : عرقان يندران من الذكر عند الإنعاظ. وأنكر الأصمعى الأسهرين ، وقال : «وإنّما الرواية أسهرته ، أى لم تدعه ينام». انظر اللسان (سهر).

(٢) من رجز يقوله النابغة للنعمان بن المنذر ، كما فى الأغائى (٩ : ١٦٩). وقبله :

أصم أم يسمع رب القببه

يا أوهب الناس لعنس صلبه

(٣) هو المثقب العبدى. وقصيدته فى المفضليات (٢ : ٨٨ ـ ٩٢).


وتَسْمَعُ للذُّباب إذا تَغَنَّى

كتَغريد الحمامِ على الغُصُونِ (١)

وذُباب السَّيف : حَدُّه.

والأصل الثالث : الذَّبذَبة : نَوْس الشَّىءِ المعلَّق فى الهواء. والرجل المذَبْذَب : المتردِّد بين أمرين. والذَّبْذَبُ : الذَّكَر ؛ لأنه يتذَبْذَب أى يتردَّد. والذَّباذِبُ : أشياءٌ تُعلَّق فى هَودَجٍ(٢) أو رأس بعيرٍ. والذَّبُ : الثَّور الوحشىّ ، ويسمَّى ذَبّ الرِّياد. قال ابنُ مقبل :

يُمشِّى بها ذَبُ الرِّيادِ كأنَّه

فَتًى فارسىٌّ ذُو سِوَارَيْنِ رَامحُ (٣)

وقالوا : سُمِّىَ ذبَ الرِّياد لأنَّه يجىء ، ويذهب ، لا يثبُت فى موضعٍ واحد.

ومن هذا الأصل الثالث قولهُم ذَبَّت شفَتُه ، إذا ذَبُلَتْ من العطَش. وأنشد :

هُمُ سَقَوْنِى عَلَلاً بَعْدَ نَهَلْ

مِنْ بَعْدِ ما ذَبَ * اللِّسانُ وذَبُلْ (٤)

ويقال : ذَبَ النَّبْت ، إذا ذَوَى. وذَبّ جِسمُه ، أى هَزُل.

ومن الاضطراب والحركة قولهم : ذبَّبْنا ليلتَنا ، أى أتعبْنا فى السَّير. ولا ينالون الماءَ إلَّا بقَرَبٍ مذبِّبٍ ، أى مُسْرِع. قال :

مُذَبِّبَةً أضَرَّ بها بُكُورِى

وتَهْجيرِى إذا اليَعفورُ قالا (٥)

__________________

(١) أنشده فى المجمل واللسان (ذبب).

(٢) فى الأصل : «من هودج».

(٣) أنشد صدره فى المجمل. والبيت فى اللسان (رمح ، رود ، سرل) والخزانة (١ : ١١١) برواية : «فى سراويل رامح». وصدره فى اللسان (سرل) والخزانة :

أتى دونها ذب الرياد كأنه

(٤) البيتان فى المجمل واللسان (ذبب).

(٥) لذى الرمة فى ديوانه ٤٣٨ واللسان (ذبب).


وقال :

يُذَبِّبُ وَرْدٌ على إثْرِه

وأَمْكَنَه وَقْعُ مِرْدًى خَشِبْ (١)

والله أعلم بالصّواب.

ذرع الذال والراء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على امتدادٍ وتحرُّك إلى قُدُم ، ثم ترجع الفروعُ إلى هذا الأصل. فالذِّراع ذِراع الإنسان ، معروفة. والذَّرع : مصدر ذَرَعْتُ الثَّوبَ والحائطَ وغيرَه. ثمّ يقال : ضاق بهذا الأمر ذَرْعاً ، إذا تكلَّفَ أكثَرَ ممّا يطيق فَعَجَز. ويقال ذَرَعَهُ القَىء : سبقَه. ومَذَارِعُ الدَّابة : قوائمها ، والواحد مِذْراع. وتَذَرّعَتِ الإِبلُ الماءَ : خاضت بأذْرُعها (٢). ومَذَارع الأرض : نواحيها ، كأنَّ كلَّ ناحيةٍ منها كالذِّراع. ويقال ذَرَعْتُ البعير : وَطِئْتُ على ذِراعه ليركَبَ صاحبى. وتذَرَّعَتِ المرأةُ الخُوصَ ، إذا تنقَّتْه ، وذلك أنّها تُمِرّه مع ذراعها. قال :

* تذرُّعُ خِرصانٍ بأيدِى الشَّواطبِ (٣) *

والذَّريعة : ناقةٌ يتَسَيَّر بها الرّامِى يرمى الصَّيد. وذلك أنَّه يتذرّع معها ماشياً.

ومن الباب : تذرَّعَ الرّجُل فى كلامه. والإذْراع : كثرةُ الكلام. وفرس ذَريعٌ : واسع الخَطْو بَيِّن الذَّرَاعَة. وقوائِمُ ذَرِعاتٌ : خفيفات. والذِّراعان : بحمان ، يقال هما ذِراعا الأسد. ويقال للمرأة الخفيفة اليدِ بالغَزْل : ذِرَاع. قاله

__________________

(١) البيت لعنترة فى ديوانه ٢١ واللسان (ذبب) ، يقوله فى ورد بن حابس الأسدى.

(٢) فى المجمل : «خاضته بأذرعها».

(٣) صدر بيت لقيس بن الخطيم فى ديوانه ١٢ واللسان (ذرع ، خرص ، شطب). وصدره.

ترى قصد المران تهوى كأنها


الكِسائىّ. ويقال ثورٌ مذرَّع ، إذا كان فى أذرَعِهِ لُمَعٌ سُودٌ. ومطرٌ مذرِّع ، وهو الذى إذا حُفِرَ عنه بلغ من الأرض قد ذِراع. والمذرَّع من الرّجال : الذى يكون أمُّه عربيّة وأبوه خسيساً غيرَ عربىّ. وإِنَّما سُمِّى مذرَّعاً بالرَّقْمتينِ فِى ذِراع البغل ، لأنّهما أتَتَا من قِبَل الحِمار. ويقال للرجل تَعِدهُ أمراً حاضراً : هو لَكَ مِنِّى على حَبْل الذِّراع. ويقال لصَدْر القناة : ذِراع العامل. والذِّراعان : [هَضَبَتَانِ (١)]. قال :

* إلى مَشْرَبٍ بينَ الذِّراعَين بارِدِ (٢) *

والمَذَارع : ما قرُب من الأمصار ، مثل القادسيّة من الكوفة. والمَذارع من النَّخل : القريبة من البيوت. وزقٌ مِذْرَاعٌ (٣) ، أى طويل ضَخْم. ويقال ذَرَّعَ لى فلانٌ شيئاً من خَبَرٍ ، أى خَبَّرَنى. ويقال ذرّع الرجل فى سَعْيِهِ ، إذا عدا فاستعانَ بيديه وحرَّكهما. ويقال للبَشير إذا أومَأَ بيده : قد ذَرّع البَشيرُ. وهو علامةُ البِشارة.

ذرف الذال والراء والفاء ثلاثُ كلماتٍ ، لا ينقاس. فالأولى ذَرَفَت العينُ دمْعَها. وذَرَفَ الدّمعُ يَذْرِف ذَرْفاً. وَمَذَارف العَينِ : مدامعها. والثانية ذَرَفَ يَذْرِفُ ذَرفانا ، وذلك إذا مشَى مَشْياً ضعيفاً. والثالثة ذرّف على المائة ، أى زادَ عليها.

ذرق الذال والراء والقاف ليس بشىء. أما الذى لِلطائر فأصله الزاء ، وقد ذكر فى بابه. والذَّرَق : نبْت ؛ يقال أذرقَتَ الأرضُ ، إِذا أنبَتَتَهُ.

__________________

(١) التكملة من المجمل ومعجم البلدان (٤ : ١٩٢) واللسان (ذرع ٤٥٣).

(٢) أنشد هذا الشطر فى اللسان (ذرع).

(٣) بدله فى اللسان «مذرع» على مفعل. ويقال أيضا «ذراع» وهو ما جاء فى المجمل.


ذرو الذال والراء والحرف المعتل أصلان : أحدهما الشَّىءُ يُشرِف على الشَّىء ويُظِلّه ، والآخر الشَّىء يتساقط متفرّقاً.

فالذِّروة : أعْلَى السَّنامِ وغيره ، والجمع ذُرًى. والذَّرَا : كلُّ شىءِ استترْتَ به. تقول : أنا فى ظِلِّ فُلانٍ ، أى ذَرَاه. والمِذْرَوَانِ : أطراف الأَلْيتَينِ ؛ لأنّهما يُشرفان على [ما] بينَهما.

وأما الآخر فيقول : ذَرَا نابُ الجَمَل ، إذا انكسَرَ حدُّه. قال أوسٌ :

إذا مُقْرَمٌ منَّا ذَرا حَدُّ نابِهِ

تخمَّطَ فينا نابُ آخَرَ مُقْرَمِ (١)

ومن الباب ذَرَت الرِّيحُ الشَّئَ تَذْرُوه. والذَّرَا : اسمٌ لما ذَرَتْهُ الرِّيح. ويقال* أذْرَت العينُ دمْعَها تُذْريه. وأَذْرَيْتُ الرّجُلَ عن فرَسه : رميتُه. ويقال إنَ الذَّرَى اسمٌ لما صُبّ من الدّمع.

ومن الباب قولُهم : بلغَنِى عنه ذَرْوٌ مِن قولٍ ، وذلك ما يُساقِطُه من أطراف كلامه غيرَ متكامِل.

ذرأ الذال والراء والهمزة أصلان : أحدهما لونٌ إلى البياض ، والآخر كالشَّىء يُبذَرُ ويُزْرَع.

فالأوّل الذُّرْأة ، وهو البياضُ من شَيبٍ وغيرِه. ومنه ملح ذَرَآنِىٌ وذَرْآنىّ. والذُّرْأة : البياض. ورجل أذرَأُ : أشيب ، والمرأة ذَرْآء. وقال الشيبانىّ : شَعْرَةٌ ذَرْآءُ ، على وزن ذرعاء ، أى بيضاء. والفِعل منه ذَرِئَ يَذْرَأُ. ويقال إِنَ الذَّرْآءَ من الغنم : البَيضاء الأذُن.

__________________

(١) ديوان أوس ٢٧ واللسان (قرم ، ذرا ، خمط). وصدره فى المجمل.


والأصل الآخر : قولهم ذَرَأْنا الأرضَ ، أى بذَرْناها. وزرعٌ ذرِئُ ، [على] فعيلٍ. وأنشد :

شقَقْت القلبَ ثم ذرَأْتِ فِيهِ

هَواكِ فِليمَ فالتَامَ الفُطُورُ (١)

ومن هذا الباب : ذرَأَ اللهُ الخَلْق يذرؤُهُم. قال الله تعالى : (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ).

وممّا شذّ عن الباب قولهم أذْرَأْتُ فلاناً بكذا : أوْلَعْتُه به. وحُكِىَ عن ابن الأعرابىّ : ما بينى وبينه ذَرْءُ أى حائلٌ.

ذرب الذال والراء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الصَّلاح فى تصرَّفه ، مِن إقدامٍ وجرأةٍ على ما لا ينبغى. فالذَّرَبُ : فسادُ المَعدة. قال أبو زيد : فى لِسانِ فلان ذَرَبٌ (٢) ، وهو الفُحْش. وأنشد :

أرِحْنى واستَرِحْ مِنِّى فإنِّى

ثَقِيلٌ مَحْمِلى ذَرِبٌ لِسانِى (٣)

وحكى ابنُ الأعرابىّ : الذّرَبُ : الصدأ الذى يكون فى السَّيف. ويقال ذَرِبَ الجُرح ، إذا كان يزدادُ اتِّساعاً ولا يَقبل دواءً. قال :

أنت الطبيبُ لأدْواء القلوب إِذا

خِيفَ المُطَاوِلُ من أدوائِها الذّرِبُ

وبقيت فى الباب كلمةٌ ليس ببعيد قياسُها عن سائر ما ذكرناه ؛ لأَنَّها لا تدلُّ على صلاحٍ ، وهى الذَّرَبَيَّا ، وهى الدَّاهية. يقال : رماه بالذَّرَبَيَّا. قال الكميت :

__________________

(١) البيت لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، كما فى اللسان (ذرأ) وأملى ثعلب ٢٨٤.

(٢) فى الأصل : «فى إيمان فلان ذرب» تحريف. وفى المجمل : «فى لسانه ذرب».

(٣) أنشده فى اللسان (ذرب).


رمانِىَ بالآفات من كلِّ جانبٍ

وبالذَّرَبَيَّا مُرْدَ فِهْرٍ وشِيبُها (١)

ذرح الذال والراء والحاء معظَمُ بابِهِ أصلٌ واحد ، وهو تفريق الشَّىء على الشىء يكسُوه صِبْغاً (٢). يقال ذَرَّحْتُ الزّعفرانَ فى الماء ، إذا جعلت فيه شيئاً منه يسيراً. ثم يقال أحْمَرُ ذَرِيحىٌ ، كأنَّ الحُمرَة ذُرِّحتْ عليه. والذَّرِيح : فحل ينسب إليه الإبل. وممكنٌ أن يكون ذلك للونه ، كما يقال أحمر (٣). قال :

* من الذَّرِيحيّاتِ ضَخْماً آرِكا (٤) *

والذرائح : الهِضاب ، واحدتها ذَريحة. وقد يمكن أن تُسمَّى بذلك للَوْنها. قال الله عزّ وجلَ (وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ).

ومن الباب أيضاً : الذَّرَارِيح ، واحدتها ذُرُّوحَةٌ وذُرَّاحَةٌ وذُرَحْرَحة (٥). يقال ذَرّحَ طعامَه ، إذا جعل فيه ذلك. وحكى ناسٌ عَسَلٌ مُذَرَّحٌ ، أُكثِر عليه الماء.

والله أعلم بالصّواب.

__________________

(١) البيت فى المحمل واللسان (ذرب) ، وقصيدته فى الهاشميات ٨٥.

(٢) فى الأصل : «صنيعا».

(٣) فى الأصل : «حمر». وفى اللسان : «وبعير أحمر لونه مثل لون الزعفران إذا أجسد به الثوب».

(٤) لبشر بن هذيل بن زافر الفزارى أحد بنى شمخ ، كما فى أمالى ثعلب ٤٥٢. وأنشده فى اللسان (ذرح ، لكك) بدون نسبة.

(٥) فيه اثنتا عشرة لغة ذكرها صاحب القاموس. وهى دويبة حمراء منقطة بسواد ، تطير ، أو هى من السموم.


باب الذال والعين وما يثلثهما

ذعف الذال والعين والفاء كلمةٌ واحدة : الذُّعَاف : السمُّ القاتل. طعام مذعوف. وذُعِف الرَّجُل : سُقِي ذلك.

ذعق الذال والعين والقاف ، ليس أصلاً ولا فيه لغة ، لكنّ الخليلَ زعم أنَّ الذُّعاف لغة فى الذُّعاق ، ثم قال : ما أَدرِى أَلغة هى (١) أم لُثْغَةٌ. وكان ابنُ دريدٍ يقول : الذُّعاق كالزُّعاق ، وهو الصِّياح. يقال ذَعَق وزعَق ، إذا صاحَ ، بمعنًى.

ذعر الذال والعين والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على فَزَع ، وهو الذُّعر. يقال ذُعِر الرّجُل فهو مذعور. والذَّعور من الإبل : التى إذا مُسَّت غارَّتْ (٢). وامرأةٌ ذَعورٌ : تُذْعَر من الرِّيبَة. قال :

تَنُولُ بمعروف الحَديث وإنْ تُرِدْ

سِوى ذَاكَ تُذْعَرْ منك وهى ذَعورُ (٣)

ذعن الذال والعين* والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الإصحاب والانقياد. يقال أذعَنَ الرّحلُ ، إذا انقاد ، يُذْعِن إذعاناً. وبناؤه ذَعَنَ ، إلا أنَّ استعماله أَذْعَنَ. ويقال ناقةٌ مِذعانٌ: سَلِسَة الرأس منقادة.

__________________

(١) فى الأصل : «بين».

(٢) فى المجمل : «إذا مس ضرعها غارت» وبتشديد راء «غارت» وهو أن يذهب لبنها لحدث أو علة.

(٣) تنول : تعطى نوالا. وفى الأصل : «تنور» ، صوابه إنشاده من اللسان (نول ، ذهر).


ذعط الذال والعين والطاء كلمةٌ واحدة. يقال ذعطه ، إذا ذَبَحه. وذَعطَتْه المنِيّة : قتلَتْه. قال الشاعر (١) :

إذا بلغُوا مِصْرهم عُوجِلوا

من الموت بالهِمْيَعِ الذَّاعطِ

وقريب من هذا الذال والعين والتّاء ؛ فإنّهم يقولون ذَعَته يذَعَتُه ، إذا خنقَه.

باب الذال والفاء وما يثلثهما

ذفر الذال والفاء والراء كلمةٌ تدلُّ على رائحةٍ. يقولون : الذفَر : حِدَّة الرائحة الطيبة. ويقولون مِسْكٌ أذْفَرُ. ويقولون : روضةٌ ذَفِرةٌ : لها رائحةٌ طيِّبة. والذَّفْراء : بقلة. فأمّا الذِّفْرَى فهو الموضع الذى يَعرقُ من قَفَا البعير. ولا بدّ أن تكون لذلك المكانِ رائحةٌ. والذِّفرُّ : البعير القوىّ ذلك الموضعُ منه ، ثمَّ استُعِير ذلك فقيل له فى الإنسان أيضاً ذِفْرى. قال :

والقُرط فى حُرَّة الذِّفْرى مُعَلَّقُهُ

تباعَدَ الحبْلُ عنه فهو مضطربُ (٢)

ذفل الذال والفاء واللام ليس أصلاً. على أنهم يقولون إن الذِّفْل : القَطِرانُ. ويُنشِدون لابن مقبل :

تَمَشَّى به الظِّلْمانُ كالدُّهم قارَفَتْ

بزَيْت الرَّهاءِ الجَوْنِ والذَّفْلِ طاليَا (٣)

والله أعلم.

__________________

(١) هو أسامة بن حبيب الهذلى ، كما فى اللسان (همع ، ذعط). وقصيدة البيت فى الجزء الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ١٠٣ ونسخة الشنقيطى من الهذليين ٨٤.

(٢) البيت لذى الرمة كما سبق فى حواشى (حر). وفى الأصل : «معلقة». وانظر تحقيق ذلك فيما مضى.

(٣) الرهاء : مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام. وقد أنشد فى المجمل الكلمتين الأخيرتين من البيت فقط.


باب الذال والقاف وما يثلثهما

ذقن الذال والقاف والنون كلمةٌ واحدة إليها يرجع سائرُ ما يشتقّ من الباب. فالذَّقَنُ ذَقَن الإنسان وغيرِه (١) : مَجمَع لَحْيَيه. ويقال ناقةٌ ذَقُونٌ : تحرَّك رأسَها إِذا سارت. والذّاقنة : طرَف الحلقومِ الناتئُ. وهو فى حديث عائشة : «تُوفِّى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سَحْرِى ونَحْرى وحاقِنَتِى وذاقِنَتِى». وتقول : ذَقَنْتُ الرّجل أَذْقُنُه ، إذا دفَعْتَ بجُمْع كفِّك فى لِهْزمَتِه. ودَلْوٌ ذَقونٌ ، إذا لم تكُنْ مستويةً ، بل تكون ضخمةً مائلة.

باب الذال والكاف وما يثلثهما

ذكا الذال والكاف والحرف المعتلّ أصلٌ واحد مطّردٌ منقاس يدلُّ على حِدَّةٍ [فى] الشَّىء ونفاذٍ. يقال للشَّمس «ذُكَاءُ» لأنَّها تذكو كما تذكو النّار. والصُّبح : ابنُ ذُكاءَ ، لأنه من ضوئها.

ومن الباب ذكَّيتُ الذَّبيحة أُذكّيها ، وذكّيت النّار أذكّيها ، وذَكَوْتُها أذْكُوها. والفَرَس المُذكِّى : الذى يأتى عليه بعد القُروح سنة ؛ يقال ذكىّ بُذَكىِ. والعرب تقول : «جَرْىُ المذَكِّياتِ غِلابٌ» ، وغِلاءُ أيضاً. والذَّكاء : ذكاء القلب (٢). قال الشاعر (٣) :

__________________

(١) الذقن ، بالتحريك ، ويقال ذقن أيضا بالكسر.

(٢) فى المجمل : «والذكاء حدة لقلب».

(٣) هو زهير بن أبى سلمى ، كما فى اللسان (ذكا). وانظر ديوانه ٦٩ بتفسير ثعلب و ٧٠ بتفسير الشنتمرى.


يفضْله إذا اجْتَهَدَا عَلَيْهِ

تمامُ السِّنِّ منه والذّكاءُ (١)

والذّكاء : سُرعة الفطنة ، والفعل منه ذَكِيَ يَذْكَى (٢). ويقال فى الحرب والنّار : أذكَيت أيضاً. والشَّىء الذى تُذْكَى به ذُكْوةٌ.

ذكر الذال والكاف والراء أصلان ، عنهما يتفرَّع كلِم الباب. فالمُذْكِر : التى وَلَدَتْ ذكراً. والمِذْكار : التى تَلِد الذُّكْرانَ عادةً. قال عدىّ :

لَقد عَدَّيْتُ دَوسَرَةً

كعَلَاةِ القَين مِذْكارَا (٣)

والمِذْكار : الأرض تُنْبِت ذُكور العُشْب. والمُذَكَّرة من النُّوق : التى خَلْقها وخُلُقها كخَلْق البعير أو خُلُقه. قال الفرّاء : يقال كَمِ الذِّكَرَةُ مِن ولدك؟ أى الذُّكور. وسيف مذكَّر : ذو ماءٍ. وذُو ذُكْرٍ (٤) ، أى صارم.

وذُكور البَقْل : ما غلُظ منه ، كالخُزامَى والأُقْحُوانِ. وأحرار البُقول (٥) : ما رَقَّ وكرُم. وكان الشَّيبانىّ يقول : الذُّكور إلى المرارَةِ ما هِىَ.

والأصل الآخر : دَكَرْتُ الشىء ، خلافُ نسِيتُه. ثم حمل عليه الذِّكْر باللِّسان. ويقولون : اجعلْه منك على ذُكْرٍ ، بضم الذال ، أى لا تَنْسَه. والذّكر :

__________________

(١) أى يفضل هذا الحمار على الأتان إذا اجتهد هو والأتان. والضمير فى «عليه» عائد إلى «الوعث» فى قوله من قبل :

وإن مالا لوعت خاذمته

بألواح مفاصلها ظاء

وفى اللسان : «إذا اجتهدوا» تحريف. ويروى : «إذا اجتهدت» بعود الضمير إلى الأتان.

(٢) ويقال أيضا ذكا يذكو ذكاء ، وذكو يذكو.

(٣) أنشده فى المجمل (ذكر) وفى اللسان (دسر).

(٤) كذا فى الأصل والمحمل مع هذا الضبط. وفى اللسان والقاموس : «ذكرة» بالتاء فى آخره.

(٥) بدله فى المجمل : «والعرارة» تحريف.


العَلاء والشَّرَف. وهو قياس الأصل. ويقال رجلٌ ذَكُرٌ وذكيرٌ (١) ، أى جيِّد الذِّكْر شَهْمٌ.

باب الذال واللام وما يثلثهما

ذلف الذال واللام والفاء كلمةٌ واحدة لا يُقاس عليها ، وهى الذَّلَف : استواءٌ فى طرف الأنف ليس بِحَدّ غليظٍ ، وهو أحسن الأُنوف.

ذلق الذال واللام والقاف أصلٌ واحدة يدلُّ على حِدّة. فالذَّلْق : طرَف اللِّسان. والذَّلاقة : حِدَّة اللِّسان ، وكلُّ محدَّدٍ مذلَّق. وقرن الثور مذلَّق. ويُشتقُّ من ذلك أَذْلَقْتُ الضَّبَّ ، إذا صَببتَ الماء فى جُحره ليخرج. والإذْلاق : سرعة الرَّمْى.

باب الذال والميم وما يثلثهما

ذمى الذال والميم والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على حركةٍ. فالذَّماء : الحركة ؛ يقال ذَمى يَذْمِى ، إذا تحرَّك. والذَّمَيان : الإسراع. ويقال لِبَقيّة النَّفْس الذَّماء ، وذلك أنّها بقيَّة حركتِه. ومن الباب : خُذْ ما ذَمَى لك ، أى ما ارتفع ، وهو من الباب لأنه يَسْنَح. ويقال ذَمَتْنى رِيحُ كذا ، أى آذَتْنى.

ذمر الذال والميم والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شِدّةٍ فى خَلْق

__________________

(١) كفطن ، وندس ، وكريم ، وسكير ، أربع لغات بمعنى.


وخُلُق ، من غَضَب وما أشبهه. فالذِّمْرُ (١) : الرّجُل الشجاع. وكذلك الذَّمْر الحَضُّ. وإذا قيل فلانٌ يتذمَّر ، فكأنَّه يلوم نفسه (٢) ويتغضَّب. والذِّمار : كلُّ شىءِ لَزِمَك حِفْظُه والغضبُ له.

وأمّا الذى قُلْناه فى شِدَّة الخَلْق فالمُذَمَّر ، هو الكاهل والعُنُق وما حولَه إلى الذِّفْرَى ، وهو أصل العُنق. يقولون : ذَمَّرْتُ السّليلَ ، إذا مَسِسْتَ قفاه لتنظر أذكرٌ أم أنثى. قال أحيحة (٣) :

وما تَدْرِى إِذا ذَمّرْتَ سَقْباً

لِغيْرِكَ أو [يكون] لك الفصيلُ (٤)

ويقولون : إذا اشتدّ الأمر : بلغ المُذَمَّر. ويقولون رجلٌ ذَمِيرٌ وذَمِرٌ : مُنكَر. وتذامَرَ القومُ ، إذا حَثَّ بعضُهم بعضاً. ومن الباب : ذَمَرَ الأسد : إذا زأر ، يذَمُر ذَمِرَة (٥).

ذمل الذال والميم والهاء واللام كلمةٌ واحدةٌ فى ضربٍ من السَّير. وذلك الذَّميلُ ، كالعَدْوِ من الإِبل ؛ يقال ذَمَّلْتُ الجملَ ، إذا حَمَلْتَه على الذَّميل.

ذمه الذال والميم والهاء ليس أصلاً ، ولا منه ما يصحّ (٦) ؛ إلا أنَّهم يقولون ذَمِهَ ، إذا تحيَّرَ ؛ ويقال ذَمَهتْه الشَّمس : آلمت دِماغَه.

والله أعلم.

__________________

(١) يقال أيضا ذمر ، بفتح فكسر وذمر بكسرتين مع تشديد الراء ، وذمير ككريم.

(٢) فى المجمل : «يلوم نفسه على فائت».

(٣) فى المجمل : «وأنشدنى لأحيحة بن الجلاح».

(٤) التكملة من المجمل. وفيه «أم يكون لك». وانظر بعض أقران هذا البيت فى حماسة البحترى ١٨٦ ، ٣٦٢.

(٥) فى القاموس : «والذمرة ، كزنخة : الصوت».

(٦) فى الأصل : «والأميهة ما يصبح».


باب الذال والنون وما يثلثهما

ذنب الذال والنون والباء أصول ثلاثة : أحدها الجُرم ، والآخر مؤخَّر الشىء ، والثالث كالحظِّ والنّصيب.

فالأوّل الذّنب والجُرم. يقال أذْنَبَ يُذْنِبُ. والاسم الذّنْب ، وهو مُذْنِبٌ. والأصل الآخر الذّنَب ، وهو مؤخر الدوابّ (١) ، ولذلك سُمِّى الأتباعُ الذُّنَابَي. والمَذَانب : مَذانب التِّلاع ، وهى مَسَايل الماء فيها. والمذنِّب من الرُّطَب : ما أرْطَبَ بَعضُه. ويقال للفرس الطويل الذّنب : ذَنُوب. والذِّناب : عَقِبُ كلِّ شىء. والذّانب : التابع ؛ وكذلك المستَذْنِبُ : الذى يكون عند أذناب الإبل. قال الشاعر (٢) :

* مثل الأَجيرِ استَذْنَبَ الرّواحلَا (٣) *

فأمّا الذّنائب فمكانٌ ، وفيه يقول القائل (٤) :

فإِنْ يَكُ بالذَّنائِبِ طالَ ليلِى

فقد أبْكِى من اللّيل القصيرِ (٥)

والله أعلم.

__________________

(١) فى الأصل : «وهو من الدواب».

(٢) هو رؤبة ، انظر ديوانه ١٢٦. وأنشده فى اللسان (ذنب ٣٧٥).

(٣) وكذا ورد فى المجمل. وفى حواشى اللسان عن تكملة الصاغانى ، أن هذه الرواية تصحيف. وصوابها «شل الأجير» ويروى : «شد». ولدى فى الديوان : «شل».

(٤) هو مهلهل ، كما فى اللسان (ذنب).

(٥) رواه فى اللسان : «على الليل» وفسره بقوله : «يريد فقد أبكى على ليالى السرور لأنها قصيرة».


باب الذال والهاء وما يثلثهما

ذهب الذال والهاء والباء أصَيْلٌ يدلُّ على حُسْنٍ ونَضارة. من ذلك الذَّهبُ معروف ، وقد يؤنَّث فيقال. ذَهَبة ، ويجمع على الأذْهَاب (١).

والمَذَاهب : سُيُورٌ تُمَوَّهُ بالذّهَب ، أو خِلَلٌ من سُيوف. وكلُّ شىءِ مموَّهٍ بذَهَبٍ فهو مُذْهَبٌ. قال قيس :

أتعرِف رسماً كاطّرادِ المَذَاهِبِ

لعَمْرَة وَحْشاً غيرَ مَوْقِف راكبِ (٢)

ويقال رجلٌ ذَهِبٌ ، إذا رأى مَعْدِنَ الذّهب فَدُهِش. وكميتٌ مُذْهَبٌ ، إذا علتْهُ (٣) حُمْرةٌ إلى اصفرار. فأمّا الذِّهْبة فمطرٌ جَوْدُ. وهى قياس الباب ؛ لأنَّ بها تَنْضُر الأرضُ والنّبات. والجمع ذِهابٌ. قال ذو الرُّمّة :

* فيها الذِّهابُ وحَفَّتْها البَراعيمُ (٤) *

فهذا معظمُ الباب. وبقى أصلٌ آخر ، وهو ذَهاب الشىء : مُضِيُّه. يقال ذَهَب يَذْهَب ذَهَاباً وذُهوباً. وقد ذَهَبَ مَذهباً حَسنا.

ذهر الذال والهاء والراء ليس بأصلٍ. وربَّما قالوا ذَهِرَ فُوهُ ، إذا اسودّت أسنانُه.

__________________

(١) وكذلك ذهوب ، بالضم ، وذهبان ، بضم الذال وكسرها.

(٢) ديوان قيس بن الحطيم ١٠ واللسان (ذهب ٣٨٠).

(٣) فى الأصل : «علت».

(٤) صدره كما فى الديوان ٥٣ واللسان (ذهب ٣٨١) :

حواء فرحاء أشراطية وكفت


ذهل الذال والهاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على شغْلٍ عن شىءِ بذُعْرٍ أو غيره. ذَهِلْتُ عن الشّى أَذْهَل ، إذا نسيتَه أو شُغِلْت. وأذْهَلَنِى عنه كذا. هذا هو الأصل. وحُكى عن اللحيانى : [جاء بَعْدَ (١)] ذُهْلٍ من الليل وذَهْل ، كما تقول : مرَّ هُدْءُ من اللّيل. ويجوز أن يكون ذلك لإظلامه وأنّه يُذْهَل فيه عن الأشياء.

ومما شذّ عن الباب قولهم للفرَس الجواد ذُهْلُولٌ.

ذهن الذال والهاء والنون أصلٌ يدلُّ على قُوّة. يقال ما به ذِهنٌ ، أى قوّة. قال أوس :

أنُوء برجلٍ بها ذِهْنُها

وأعيَتْ بها أُختُها الغَايِرهْ (٢)

والذِّهن : الفِطنة (٣) للشَّىء والحِفْظ له. وكذلك الذَّهَنُ.

والله أعلم بالصواب.

باب الذال والواو وما يثلثهما

ذوى الذال والواو والياء كلمةٌ واحدة تدلُّ على يُبْسٍ وجُفوف. تقول ذَوَى العُود يَذْوِى ، إذا جَفّ ، وهو ذاوٍ (٤) ، وربَّما قالوا ذأَى يَذأَى ، والأوّل الأجود.

__________________

(١) التكملة من المجمل.

(٢) ديوان أوس بن حجر ١٠ والمجمل واللسان (ذهن). قال فى اللسان : «والغابرة هنا الباقية». لكن رواية الديون :

أنوه برجل بها وهبها

وأعيت بها أختها العاثره

 (٣) فى الأصل : «الفطرة» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٤) مصدره ذَى وذُوىّ. ويقال أيضا ذوى بذوى ذوى ، من باب تصب ، وهى لغة رديئة.


ذوب الذال والواو والباء أصلٌ واحد ، وهو الذَّوْب ، ثمَّ يحمل عليه ما قاربه فى المعنى مجازاً. يقال ذَابَ الشّىءُ يَذُوبُ ذَوْباً ، وهو ذائب. ثم يقولون مجازاً : ذاب لى عليه من المال كذا ، أى وجَب ؛ كأنّه لمّا وجب فقد ذاب عليه ، كما يذوب الشَّىء على الشىء. والإذوابة : الزُّبْد حين يُوضَع فى البرْمة ليُذاب. والذَّوْب : العَسَل الخالص. ثمَّ يقولون للشَّمس إذا اشتدّ حرُّها : ذابت ؛ كأنّها لما بلغت إلى الأجساد بحَرِّها فقد ذابت عليهم. قال :

إذا ذابَتِ الشَّمْسُ اتَّقَى صَقَرَاتِها

بأفنانِ مَربُوعِ الصَّريمةِ مُعْبِلِ (١)

ويقولون : أذاب فلانٌ أمرَه ، أى أصلَحَه. وهو من الباب ؛ لأنّه كأنّه فَعَلَ به ما يفعله مُذِيب السَّمْن وغيرِه حتَّى يخلُص ويصلُح. ومنه قول بِشر :

وكنتم كَذاتِ القِدْر لَم تَدْر إذْ غَلت

أتُنْزِلُها مذمومةٌ أو تذيبُها (٢)

وقال قومٌ : تُذِبيها تُنْهِبُها ؛ والإذابة : النُّهْبة ؛ أذَبْتُه أنْهَبتُه. وهو الباب ، كأنّه أذابَهُ عليهم.

ذوق الذال والواو والقاف أصلٌ واحد ، وهو اختبار الشىء من جِهَةِ تَطَعُّمٍ ، ثم يشتق منه مجازاً فيقال : ذُقْت المأكولَ أذُوقه ذَوْقاً. وذُقْت ما عند فلانٍ : اختبرتُه. وفى كتاب الخليل : كلُّ ما نزَلَ بإنسانٍ مِن مكروه فقد ذَاقَه (٣). ويقال ذاقَ القوسَ ، إذا نظَرَ ما مقدارُ إعطائها وكيف قُوّتُها. قال :

__________________

(١) لذى الرمة فى ديوانه ٥٠٤ واللسان (ذوب ، صقر ، ربع ، عبل).

(٢) البيت فى اللسان (ذوب) وهو فى قصيدته من المفضليات (٢ : ١٣٠ ـ ١٣٣).

(٣) فى الأصل : «أذاقه» ، صوابه فى المحمل.


فذَاق فأعطَتْهُ من اللَّينِ جانبا

كَفَى ، ولَهَا أن يُغْرِق السَّهْمُ حاجزُ (١)

ذود الذال والواو والدال أصلان : أحدهما تنْحِية الشّىء عن الشىء ، والآخَر جماعةُ الإبل. ومحتملٌ أن يكون البابان راجعَينِ إلى أصل واحد.

فالأوّل قولهم : ذُدْت فلاناً عن الشىء أذُودُه ذَوْداً ، وذُدْت إبِلى أذودُها ذَوداً وذِيادا. ويقال أذَدْتُ فلاناً : أعنتُه على ذِياد إبِله.

والأصل الآخر الذَّوْد من النَّعَم قال أبو زيد : الذَّود من الثلاثة إلى العشرة.

باب الذال والياء وما يثلثهما

ذيخ الذال والياء والخاء كلمةٌ واحدة لا قياس لها. قولهم للذّكر من الضباع ذيخٌ ، والجمع ذِيَخَة. وربَّما قالوا : ذيّخْت الرّجلَ تذييخاً ، إذا أذلَلْتَه.

ذير الذال والياء والراء ليس أصلاً. إنّما يقولون : ذَيَّرْتُ أطْباءَ النّاقةِ ، إذا طليتَها بسِرْجِينٍ لئلا يرتضِع الفَصيل. وهو الذِّيار.

ذيع الذال والياء والعين أصلٌ يدلُّ على إظهار الشَّىء وظُهوره وانتشارِه. يقال ذاعَ الخبرُ وغيرُه يَذِيع ذُيوعاً. ورجلٌ مِذياعٌ : لا يكتُم سِرًّا ؛ والجمع المذابيع. وفى حديث علىٍّ عليه السلام : «ليسوا بالمَسَابِيح ولا المَذايِيع البُذْر». وهاهنا كلمةٌ من هذا فى المعنى من طريقة الانتشار ، يقولون : أذاع النّاس [ما (٢)] فى الحَوض ، إذا شربوه كُلَّه.

__________________

(١) للشماخ فى ديوانه ٤٨ واللسان (ذوق).

(٢) التكملة من المجمل واللسان.


ذيف الذال والياء والفاء كلمةٌ واحدة لا قياس لها ، وهى الذَّيِفان (١) وهو السمُّ القاتل.

ذيل الذال والياء واللام أصَيلٌ واحد مطّرد منقاس ، وهو شىء يسفُل فى إطافة. من ذلك الذَّيل ذَيل القميص وغيرِه. وذَيل الرِّيح : ما انسحَبَ منها على الأرض. وفرسٌ ذيّالٌ: طويل الذَنَب. قال النابغة :

بكلِّ مجرَّبٍ كاللّيث يسمُو

إلى أوصالِ ذيّالٍ رِفَنِ (٢)

وإن كان الفرسُ قصيراً وذنَبُه طويلا فهو ذائلٌ. وقولهم للشَّىء المُهان مُذالٌ ، من هذا ، كأنّه لم يُجعَل فى الأعالى. ويقولون : جاء أذيالٌ من الناس ، أى أواخِرُ منهم قليلٌ. والذَّائلة من الدُّروع : الطَّويلة الذَّيل. وكذلك الذّائلُ. قال :

* ونَسْجُ سُلَيْمٍ كُلُّ قَضَّاءَ ذائِلِ (٣) *

وذالت المرأةُ : جَرَّتْ أذيالها. وهو فى شعر طَرَفة (٤). فأمّا قولُ الأغلب :

* يسعى بيدٍ وذَيْلْ (٥) *

فإِنما أراد الرِّجْل ، فجعل الذّيلَ مكانَه للقافية ؛ فإِنه يقول :

* فالويلُ لو يُنْجِيه قولُ الوَيْلْ*

__________________

(١) بالفتح وبالكسر ، وبالتحريك.

(٢) ديوان النابغة الذبيانى ٧٩. وقد نسب فى اللسان (رفن) إلى النابغة الجعدى.

(٣) للنابغة الذبيانى فى ديوانه ٦٤ واللسان (قضض ، ذيل). وصدره :

وكل صموت؟ تبعبة

(٤) يشير إلى قوله فى معلقته :

فذلت كما ذلت ولبدة مجلس

ترى ربها أذيال سحل ممدد

(٥) فى الأصل : «وذحيل» ، صوابه من المجمل.


ويقولون : «من يَطُلْ ذيلُه يَنْتَطِقْ به (١)». يراد أنّ مَن كان فى سعةٍ أنفق مالَه حيث شاء.

ذيم الذال والياء والميم كلمةٌ واحدة ، لا يُقاس ولا يتفرّع. يقال ذِمْتُه أذِيمُه ذيْما.

ذيأ الذال والياء والهمزة كلمة واحدة. تذيّأَ اللّحمُ ، وذيّأْتُه ، إذا فصلتَه عن العَظْم.

باب الذال والهمزة وما يثلثهما

ذأر الذال والهمزة والراء أصلٌ واحد يدلُّ على تحنُّب وتَقَالٍ (٢). يقولون ذَئِرْتُ الشّىءَ ، أى كرهتُه وانصرفتُ عنه. وفى الحديث. «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [لمَّا(٣)] نَهَى عن ضَرْب النساء ذَئِر النِّساءُ على أَزْواجِهنّ».

يعنى نَفَرْن ونَشَزْنَ واجترَأْنَ. وقال الشّاعر (٤) :

ولقد أتانَا عن تميم أنَّهمُ

ذَئِرُوا لِقَتْلَى عامرٍ وتغَضَّبُوا

ويقال ناقةٌ مُذائِرٌ ، وهى التى ترْأم بأنْفِها ولا يصدُق حُبَّها. ويقال بل هى التى تَنفِر عن الولد ساعَةَ تضعُه. وقوله : «ذئروا لقَتْلَى» يعنى نفروا وأنكروا (٥) ، ويقال أنِفُوا.

__________________

(١) المثل المشهور : «من يطل أير أبيه ينتطق به».

(٢) التقالى : التباغض. وفى الأصل «ويقال» تحريف.

(٣) التكملة من اللسان.

(٤) هو عبيد بن الأبرص. انظر ديوانه ١٦ واللسان (ذأر).

(٥) فى الأصل : «يعنى يقروا منكروا» ، صوابه فى المجمل.


ذأب (١) الذال والهمزة والباء أصلٌ واحد يدلُّ على قِلّةِ استقرارٍ ، وألّا يكونَ للشّىء فى حركته جهةٌ واحدة. من ذلك الذِّئب ، سمِّى بذلك لتذَؤُّبِه من غير جهةٍ واحدة. ويقال ذُئِبَ الرّجُل ، إذا وقَع فى غنَمه [الذئب]. ويقال تذأَّبت الرِّيح : أتت من كل جانب. وأرض مَذْأَبَةٌ : كثيرة الذئاب. وذَؤُب الرّجُل ، إذا صار ذئباً خبيثاً. وجمع الذِّئب أذؤبٌ وذِئاب وذُؤبَانٌ (٢). ويقال تذاءبْتُ النّاقَة تذاؤْباً ، على تفاعلْتُ ، إذا ظأرتَها على ولدها فتَشَبَّهْتَ لها بالذئب ، ليكون أرْأَمَ لها عليه. وقال [قومٌ (٣)] : الإِذْآب : الفِرار. وأُنشِد :

إنّى إذا ما ليثُ قومٍ أذْأبا

وسقَطَتْ نَخْوتُهُ وهَرَبا (٤)

هذا أصل الباب ، ثمّ يشبَّه الشَّىءُ بالذِّئب. فالذِّئبة من القَتَب : ما تحت مُلْتَقى الحِنْوَين ، وهو يقع على المِنْسَج.

ذأم الذال والهمزة والميم أصلٌ يدلُّ على كراهَةٍ وعَيب. يقال أذْأمْتَنِى على كذا ، أى أكرَهْتَنى عليه. ويقولون ذأمْتُه ، أى حَقَرْتُه. والذّأم العَيب ، وهو مذءومٌ. فاما الذَّانُ بالنون ، فليس أصلاً ، لأنَّ النونَ فيه مبدلة من ميم. قال :

__________________

(١) كما ورد ترتيب هذه المادة فى نسخة الأصل ، وصواب وضعها فى آخر الباب بعد مادة (ذأى) كما ورد فى المجمل ، ولكى آثرت بقاء ترتيبها حفاظا على أرقام صفحات الأصل أن يحدث فيها اضطراب.

(٢) فى الأصل : «ذئبان» ، صوابه فى المجمل واللسان والقاموس والجمهرة.

(٣) التكملة من المجمل.

(٤) نسب الرجز فى اللسان إلى الدبيرى.


ردَدْنا الكتيبةَ مَلمومةً

بها أَفْنُها وبها ذانُها (١)

ذأل الذال والهمزة واللام أصلٌ يقِلُّ كَلِمُهُ ، ولكنّه منقاسٌ يدلُّ على سُرعةٍ. يقال ذَأَلَ يذْأَلُ ، إذا مَشَى بسُرعةٍ ومَيْسٍ. فإنْ كان فى انخزالٍ قيل يَذؤُل. ومن ذلك سمِّى الذِّئْب ذُؤالة.

ذأى الذال والهمزة والحرف المعتل يدلُّ على ضربٍ من السَّير. يقال ذأى يذْأَى ذأْياً. ويقال الذَّأْوُ. السَّوق الشَّديد. (٢)

باب الذال والباء وما يثلثهما

ذبح الذال والباء والحاء أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على الشّقّ. فالذَّبح : مصدِ ذبَحْت الشّاةَ ذبحاً. والذِّبح : المذبوح. والذُّبَّاح : شُقوقٌ فى أصول الأصابع. ويقال ذُبِحَ الدَّنُّ ، إذا بُزِلَ. والمذابح : سيولٌ صغار تشقُّ الأرض شقًّا. وسعدٌ الذّابحُ : أَحد السُّعود (٣). والذِّبَح : نبتٌ ، ولعله أن يكون شاذًّا من الأصل.

ذبل الذال والباء واللام أصلٌ واحد يدل على ضُمْرٍ فى الشىء.

__________________

(١) رواية ديوان قيس بن الخطيم ٩ واللسان (ذين): «مفلولة». لكن رواية الاصل توافق رواية المجمل. والمعنى أنهم هزموهم مجتمعين.

(٢) هنا الموضع الحقيقى لمادة (دأب) التى مضت فى ص ٣٦٨.

(٣) السعود : كواكب كثيرة ، سعد البارع ، وسيعد بلع ، وسعد البهام ، وسعد الذابح ، وسعد السعود ، وسعد مطر، وسعد الملك ، وسعد ناشرة. انظر الأزمنة والأمكنة (١ : ١٩٥ ، ٣١٣ ـ ٣١٤ / ٢ : ٣٨٢ ـ ٣٨٣).


باب الذال والحاء وما يثلثهما

ذحق الذال والحاء والقاف ليس أصلاً. وربَّما قالوا : ذَحقَ اللسان ، إذا انقشر من داءٍ يُصِيبُه.

ذحل الذال والحاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على مقابلةٍ بِمِثْل الجِناية ، يقال طَلَبَ بذَحْلِه.

والله أعلم.

باب الذال والخاء وما يثلثهما

ذخر الذال والخاء والراء يدلُّ على إحرازِ شىءِ يحفظه. يقال ذخَرْتُ الشّىءَ أذْخَرُه ذَخْراً. فإذا قلت افتعلت من ذلك قلت ادّخرتُ. ومن الباب المذاخِر ، وهو اسمٌ يجمع جَوفَ الإنسان وعُروقَه. قال منظور (١) :

فلمَّا سقيناها العَكِيس تملَّأَتْ

مَذاخِرُها وازداد رَشْحاً وريدُها (٢)

ويقولون : ملأ البَعيرُ مَذاخِرَه ، أى جوفَه. والإذْخِرُ ، ليس من الباب : نبتٌ.

__________________

(١) منظور بن مرثد بن فروة الأسدى ، وهو المعروف بمنظور بن حبة ، نسبة إلى أمه. انظر المؤتلف ١٠٤ والمرزبانى ٣٧٤. وفى اللسان (عكس): «أبو منصور الأسدى» ، تحريف. ونسب البيت فى اللسان (مذح ، ذخر) إلى الراعى.

(٢) وكذا فى (عكس). ورواية المجمل واللسان : «تمذحت مذاخرها».


باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله ذال (١)

فأمّا ما زاد على ثلاثة أحرُفٍ فكلماتٌ يسيرةٌ تدل على انطلاقٍ وذَهاب ، وأمرها فى الاشتقاقِ خفىٌّ جدًّا ، فلذلك لم نعرِضْ لذِكْره. فالذَّعْلِبَة : النّاقةُ السريعة. يقال تذَعْلَبَتْ تذعلُباً ، واذلَولَت (٢) اذْلِيلاءً ، وهو انطلاقٌ فى استِخفاء. ويقال إنّ الذُعْلِبَة النّعامة ، وبها شبَّهت النّاقة. والذَّعالب : قِطَع الخِرق ، وهى قولُه :

* مُنْسَرِحاً إلَّا ذَعالِيبَ الخِرَقْ (٣) *

واذْلَعَبَ الجَملُ فى سيره اذْلِعْباباً ، وهو قريبٌ من الذى قبلَه.

والله أعلم بالصَّواب.

(تم كتاب الذال)

__________________

(١) هذا العنوان ساقط من الأصل.

(٢) فى الأصل : «واذلوليت».

(٣) ديوان رؤبة ١٠٥ واللسان (ذعلب).


كتاب الرّاء

باب الراء وما معها فى الثنائى والمطابق

رز الراء والزاء أصلان : أحدهما جنسٌ من الاضطراب ، والآخَر إثباتُ شىءٍ. فالأوّل الإِرْزِيزُ ، وهى الرِّعْدة. قال الشّاعر :

قَطعْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وصُحَبَتِى

سُعارٌ وإرزِيزٌ وَوجْرٌ وَأَفْكَلُ (١)

ويقال الإرْزيز البَرْد ، وهو قياسُ ما ذكرناه. والرِّزُّ : صَوتٌ. وفى الحديث : «مَن وَجَدَ فى جوفه رِزّا فلينصَرِفْ وليتوضّأْ».

وأمّا الآخَر فيقال رَزَّ الجرادُ ، إذا غرزَ بذنَبه فى الأرض ليَبِيض. ومن الباب الإرزِيزُ ، وهو الطّعْن ؛ وقياسه ذاك. والرَّزُّ : الطَّعن أيضاً. يقال رزَّهُ ، أى طعَنه. ورزَزْتُ السّهْمَ فى الحائط والقرطاس ، إذا ثبَّتَّه فيه. ومن القياس ارتَزَّ البحِيل عند المسألة ، إذا بقى [وبخل (٢)] ؛ وذلك أنّه يقلُّ اهتزازُه. والكلمات كلُّها من القياس الذى ذكرناه.

رس الراء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على ثباتٍ. يقال رَسَ الشَّىءُ : ثبَتَ. والرَّسيس : الثابت. ومن الباب رَسْرَسَ البعيرُ ، إذا نضنَصَ

__________________

(١) البيت للشنفرى الأزدى من قصيدته المعروفة بلامية العرب. انظرها ص ٦٠ طبع الجوائب ١٣٠٠.

(٢) التكملة من المجمل واللسان.


برُكبته فى الأرض يريد أنْ ينهض. ومن الباب فلان يرُسُ الحديثَ فى نَفْسه. وسمِعتُ رَسًّا من خَبَر ، وهو ابتداؤه ؛ لأنّه يثبت فى الأسْماع (١). ويقال رُسَ الميّت : قُبر. فهذا معظم الباب. والرَّسُ : وادٍ معروفٌ فى شعر زهير :

* فهُنَّ ووادِى الرَّسِ كاليدِ فى الفَمِ (٢) *

والرُّسيس : وَادٍ معروف. قال زُهير :

لَمِنْ طَلَلٌ كالوحْىِ عافٍ منازلُه

عَفَا الرَّسُ منه فالرُّسَيسُ فعاقِلُهْ (٣)

فأمّا الرَّسُ فيقال إنّه من الإضداد ، وهو الإصلاح بين الناس والإِفْسَادُ بينهم. وأىُّ ذلك [كان] فإنّه إثباتُ عداوةٍ أو مودّة ، وهو قياس الباب.

رش الراء والشين أصلٌ واحد يدلُّ على تفريق الشىء ذى النَّدَى. وقد يستعار فى غير الندى ، فتقول : رششت الماءَ والدّمْع والدّمَ. وطَعْنَةٌ مُرِشّةٌ. ورَشَاشُها : دمُها. قال :

فطعَنْتُ فى حَمَّائِهِ بِمُرِشَّةٍ

تنفِى التُّرَابَ من الطَّريق المَهْيَعِ

ويقال شِواءٌ رَشراشٌ : ينْصَبُّ ماؤُه. ويقال رَشَّت السّماءُ وأرَشَّت. ويقال أرشَ فلانٌ فرسَه إِرشاشاً ، أى عرَّقه بالرَّكْض ، وهو فى شعر أبى دُوَاد (٤) ومن الباب عظمٌ رَشْرَشٌ ، أى رخْو.

__________________

(١) فى الأصل : «الاستماع».

(٢) تطابق رواية التبريزى فى المعلقات. ويروى : «فهن لوادى الرس كاليد للفم». وصدره :

بكرن بكورا واستحرن بسحرة

(٣) ديوان زهير ١٢٦ والمجمل واللسان (رسس).

(٤) هو قوله :

طواه؟ وتعداؤه

وارشاش عطفية حتى شب


رص الراء والصاد أصلٌ واحد يدلُّ على انضمامِ الشَّىء إِلى الشىء بقوَّةٍ وتداخُل. تقول : رصَصْتُ البُنيانَ بعصَه إِلَى بَعْضٍ. قال الله تعالى : (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ). وهذا كأنّه مشتقٌّ من الرَّصاصِ ، والرَّصاص أصل الباب. ويقال تراصَ القومُ فى الصّفّ. وحُكى عن الخليل : الرَّصراص : الحجارةُ تكون مرصوصةً حول عَين الماء. ومن الباب التَّرصِيص : أن تنتقب المرأةُ فلا يُرَى إلَّا عَيناها. وهو التَّوصِيص أيضا. ويقولون : الرَّصراصة: الأرض الصُّلبة. والبابُ كلُّه منقاسٌ مطَّرد.

رض الراء والضاد أصلٌ واحد يدلُّ على دَقّ شَىء. يقال رضَضْتُ الشّىءَ أرُضُّه رضًّا. والرَّضْرَاضُ : حِجارةٌ تُرَضْرَض على وجه الأرض. والمرأة الرَّضْرَاضةُ : الكثيرة اللّحْم ، كأنَّها رَضّتِ اللّحمَ رَضًّا ؛ وكذلك الرّجُل الرَّضراض. قال الشاعر (١) :

فعرَفْنا هِزَّةً تأخُذُهُ

فَقَرَنَّاهُ برَضْراضٍ رِفَلْ

والرَّضُ : التَّمر الذى يُدَقُّ وينقع فى المَخْض. وهذا معظمُ الباب. ومن الذى يقرب من الباب الإرضاض : شِدَّة العَدْو. وقيل ذلك لأنّه يَرُضّ ما تحت قدَمِه. ويقال إبلٌ رَضارِضُ : راتعَة ، كأنّها ترُضّ العُشْب رضا. وأمَّا المُرِضَّةُ وهى الرَّثيئة الخاثرة ، فقريبٌ قياسُها ممّا ذكرناه ، كأنَّ زُبْدَها قد رُضَ فيها رضَّا. [قال] :

__________________

(١) هو النابغة الجعدى ، كما فى اللسان (رضض).


إِذا شَرِب المُرِضَّةَ قال أَوْكِى

على ما فى سِقائِكِ قد رَوِينا (١)

رط الراء والطاء ليس هو بأصلٍ عندنا يقولون : الرَّطيط : الجَلَبة والصِّياح. وأَرَطَّ ، إذا جَلَّب (٢). ويقال الرَّطيط : الأحمق. ويقال الإرْطاط : اللُّزوم (٣). وفى كلِّ ذلك نَظرٌ.

رع الراء والعين أصلٌ مطّرِدٌ يدلُّ على حركةٍ واضطراب. يقال تَرَعْرَعَ الصَّبِىُّ : تحرّك. وهذا شابٌ (٤) رَعْرَعٌ ورَعْراع ، والجمع رَعارعُ. قال :

* ألَا إنّ أخْدانَ الشَّبابِ الرّعارِعُ (٥) *

وقصبٌ رعرعٌ : طويلٌ. وإذا كان كذا فهو مضطربٌ. ومن الباب الرَّعَاع ، وهم سِفْلة النّاس. ويقولون : الرَّعْرَعة : تَرَقْرُقُ الماءِ على وجْه الأرض.

فإِن كان صحيحاً فهو القياس.

رغ الراء والغين أصلٌ يدلُّ على رَفاهة ورفاغَةٍ ونَعْمة. قال ابن الأعرابىِّ : الرَّغْرغة من رَفاغة العَيش. وأصلُ ذلك الرَّغْرَغة ، وهو أنْ تَرِدَ الإبلُ على الماء فى اليوم مراراً. ومن الباب الرَّغيغة : طعامٌ يُتَّخَذُ للنُّفَساء. يقال هو لبَنٌ يُغْلَى ويُذَرُّ عليه دقيق.

__________________

(١) البيت لابن أحمر ، كما فى اللسان (رضض).

(٢) فى الأصل : «وأرطانى جلب».

(٣) فى المجمل : «اللزوم للمكان».

(٤) فى الأصل : «ثبات» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٥) للبيد فى ديوانه ٢٥ طبع ١٨٨٠. وفى اللسان : «وقيل هو للبعيث». وصدره :

تبكى على أثر الشباب الذى مضى


رف الراء والفاء أصلان : أحدهما المَصُّ وما أشبهه ، والثانى الحركة والرِّيق.

فالأوّل الرَّفّ وهو المَصّ. يقال رفّ يرُفّ ، إذا تَرَشَّف. وفى حديث أبى هريرة : «إنِّى لأَرُفُ شَفَتَيْهَا».

وأمّا الثانى فقولُهم : رفَ الشّىءُ يَرِفُ ، إذا بَرَق.

وأمَّا ما كان من جهة الاضطراب فالرّفرَفَة ، وهى تحريك الطّائرِ جناحَيه. ويقال إِنّ الرَّفْرافَ : الظَّلِيمُ يرفرِف بجناحَيه ثم يعدو.

ومن الباب الرَّفيف : رفيف الشجرة ، إذا تندَّتْ. ومنه الرَّفْرَف (١) وهو كِسْر الخباءِ ونحوِه. وسمِّى بذلك لما ذكرناه ؛ لأنه يتحرَّك عند هُبوب الرِّيح ويقال ثوبٌ رفيفٌ بيِّنُ الرَّفَف ، وذلك رقّته واضطرابُه. فأمّا قوله تعالى فى الرّفْرَف (٢) ، فيقال هى الرِّياض ، ويقال هى البُسُط ، ويقال الرَّفرف ثِيابٌ خُضْر.

ومما شذَّ عن مُعظَم الباب الرَّفّ. قال اللِّحيانىّ : هو القطيع من البقر ، ويقال هو الشّاء الكثير. وأمّا قولهم «يحُفّ ويرُفّ» فقال قوم : هو إتباعٌ ، وقال آخرون : يرُفّ : يُطعِم.

رق الراء والقاف أصلان : أحدهما صفةٌ تكون مخالفةً للجفاء ، والثانى اضطرابُ شىءِ ماتع.

فالأوّل الرّقّة ؛ يقال رقّ يرِقّ رِقَّة فهو رقيق. ومنه الرَّقَاقُ ، وهى الأرض

__________________

(١) فى الأصل : «الرفراف» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) قوله تعالى فى سورة الرحمن : (مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ).


الليِّنة. وهى أيضاً الرَّق والرِّق. والرَّقَق : ضعفٌ فى العِظام. قال :

* لم تلق فى عظمها وَهْناً ولا رَقَقا (١) *

قال الفرّاء : فى ماله رَقَق ، أى قِلَّة. والرِّقَّة : الموضع ينضُب عنه الماء. والرِّقّ : الذى يُكتب فيه ، معروف. والرُّقاق : الخبز الرقيق.

والأصل الثانى : قولهم ترقْرَقَ الشَّىءُ ، إذا لَمَع. وترقرق الدمعُ : دار فى الحَملاق. وترقرق السَّراب ، وترقرقت الشَّمس ، إذا رأيتَها كأنها تدور.

والرَّقْراقة : المرأة التى كأنَّ الماء يجرى فى وجهها. ومنه رقرقْتُ الثَّوبَ بالطيب ، ورَقْرقت الثّريدة بالدَّسَم. قال الأعشى :

وتبرُدُ بَرْدَ رِداءِ العَرُو

س بالصَّيف رَقْرَقَت فيه العبيرَا (٢)

ومما شذَّ عن البابين [الرَّقّ] : ذكَر السَّلاحف ، إن كان صحيحاً.

رك الراء والكاف أصلان : أحدهما وهو معظم البابِ رِقّةُ الشّىء وضعفُه ، والثانى تراكُمُ بعضِ الشَّىء على بعض.

فالأوَّل الرِّاكُ ، وهو المطر الضعيف. يقال أرَكَّتِ السّماء إركاكاً ، إذا أتَتْ بِرَكٍ. وقد أركّت الأرض (٣). ورَكَ الشَّىءُ ، إذا رَقّ. ومن ذلك قول الناس «اقطَعْها مِن حيث ركَّت» بالكاف. فحدّثَنى القطّانُ عن المفسِّر عن القتيبى قال تقول العرب : «اقطَعْهُ من حيث رَكّ» أى من حيث ضعُف ، والعامة تقول : من

__________________

(١) صدره كما فى اللسان (رقق) :

خصارة بعد غب الجهد ناجية

(٢) ديوان الأعشى ٦٩ واللسان (رقق).

(٣) يقال بالبناء للفاعل وللمفعول ، فى الفعل ولوصف منه.


حيث رقّ. فأمّا الحديث : «أنَّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم لَعَنَ الرُّكاكَة». فيقال إنّه من الرِّجال الذى لا يغَار. قال : وهو من الرَّكاكة ، وهو الضَّعْف. وقد قُلناه. والرَّكيك : الضَّعيف الرأْى.

والأصل الثانى قولهم : رَكّ الشَّىءَ بعضَه على بعضٍ ، إذا طَرَحَه ، يرُكُّه ركًّا. قال :

* فنَجِّنا مِنْ حَبْس حاجات ورَكْ (١) *

ومن الباب قولهم : رَكَكْتُ الشَّىءَ فى عُنقه ، ألزَمْتُه إيّاه. وسَكرانُ مُرْتكٌ أى مختلِطٌ لا يُبين كلامه. وسقاءٌ مرْكُوكٌ ، إذا عُولج (٢) بالرُّبِّ وأُصلِحَ به. ومن الباب الرّكْراكة من النِّساء : العظيمة العجُز والفَخِذين. ومنه شَحْمَةُ الرُّكَّى. قال أهلُ اللغة : هى الشَّحْمة تركَب اللَّحم: وهى التى لا تُعَنِّى ، إنّما تذُوب يقال* «وقَعَ على شَحْمة الرُّكَّى» ، إذا وقع على ما لا يعنّيه.

رم الراء والميم أربعة أصول ، أصلان متضادّان : أحدهما [لَمُ] الشّىء وإصْلاحه (٣) ، والآخر بَلاؤُه. وأصلان متضادّان : أحدهما السكوت ، والآخر خِلافُه.

فأمّا الأوّل من الأصلين الأوَّلَين ، فالرَّمُ : إصلاح الشّىء. تقول : رمَمْتُه أرُمُّه. ومن الباب : أرَمَ البعيرُ وغيرُه ، إذا سَمِنَ ، يُرِمُ إرماماً. وهو قوله :

هَجَاهُنَّ لما أنْ أرَمَّتْ عظامُه

ولو عاشَ فى الأعرابِ ماتَ هُزالا (٤)

__________________

(١) الشطر لرؤبة فى ديوانه ١١٨ واللسان (ركك).

(٢) فى الأصل : «عولى» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٣) فى الأصل : «وصلاحه».

(٤) فى اللسان : «ولو كان».


وكان أبو زيد يقول : المُرِمُ : النَّاقة التى بها شىء من نِقْى ، وهو الرِّم. ومن الباب الرِّمُ ، وهو الثَّرى ؛ وذلك أنّ بعضَه ينضمُّ إلى بعض ، يقولون : «له الطِّمُّ والرِّمّ». فالطِّمُ البحر ، والرِّمُ : الثَّرَى

والأصل الآخر من الأصلين الأوّلَين قولُهم : رمَ الشَّىءُ ، إذا بَلِىَ. والرَّميم : العِظام الباليَة. قال الله تعالى : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ). وكذا الرِّمَّة. ونَهَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الاستنجاء بالرَّوث والرِّمّة.

والرُّمّة : الحَبْلُ البالِى. قال ذو الرُّمّة :

* أشْعَثَ باقِى رُمَّةِ التَّقلِيدِ (١) *

ومن ذلك قولهم : ادفَعْهُ إليه برُمّته. ويقال أصلُه أنَّ رجلاً باعَ آخَرَ بعيراً بحبلٍ فى عنُقه ، فقيل له : ادفَعْه إليه برُمّته. وكثُر ذلك فى الكلام فقيل لكلِّ من دفع إلى آخَرَ شيئاً بكمَالِه : دفَعَه إليه برُمّته ، أى كُلّه. قالوا : وهذا المعنى أراد الأعشى بقوله للخَمَّار :

فقلتُ له هَذِهِ هَاتِهَا

بِأَدْماءَ فى حَبْل مُقْتادِها (٢)

يقول : بعْنى هذه الخمرَ بناقةٍ برُمَّتها. ومن الباب قولهم : الشاةُ ترُمُ الحشيش من الأرضِ بِمَرَمّتها. وفى الحديث ذكر البقر «أنّها تَرُمُ من كلِّ شَجَر».

وأمّا الأصلان الآخَرانِ فالأوّل منهما من الإرمام ، وهو السُّكوت ، يقال : أرَمَ إرماماً. والآخَر قولهم : ما تَرَمْرَمَ ، أى ما حَرَّك فاه بالكلام. وهو قولُ أوسٍ :

__________________

(١) ديوان ذى الرمة ١٥٥ واللسان (رمم).

(٢) ديوان الأعشى ٥١ برواية : «فقلنا» ، واللسان (رمم).


ومُستعجب مِمَّا يَرَى من أَناتِنا

ولو زَبَنَتهُ الحربُ لم يَتَرَمْرَمِ (١)

فأمّا قولُهم : «ما عَنْ ذلك الأمرِ حُمٌّ ولا رُمٌ» فإِنَّ معناه : ليس يحول دونَه شىء. وليس الرُّمُ أصلاً فى هذا ، لأنه كالإتباع. ويقولون ـ إن كان صحيحاً ـ نعجة رَمّاءُ ، أى بيضاء ؛ وهو شادٌّ عن الأصول التى ذكرناها.

رن الراء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على صوتٍ. فالإرنان : الصوت والرّنّة والرَّنِين : صَيحةُ ذِى الحُزْن. ويقال أرنَّت القَوسُ عند إنباض الرَّامى عنها. قال :

* تُرِنُ إرناناً إذا ما أَنْضَبَا (٢) *

أى أَنْبَضَ. والمِرْنانُ : القوس ؛ لأنَّ لها رَنيناً. ويقال إنَ الرَّنَنَ دويْبتةٌ تكون فى الماء تصحيح أيّامَ الصيف. قال :

* ولا اليَمَامُ ولم يَصْدَح له الرَّنَنُ (٣) *

فهذا مُعظم الباب ، وهو قياسٌ مطّرد. وحُكِيت كلمةٌ ما أدرى ما هى ، وهى شاذّةٌ إن صحَّت ، ولم أسَمعْها سماعاً. قالوا : كان يقال لجمادى الأولى رُنَّى ، بوزن حُبلى. وهذا مما لا ينبغى أن يعوَّل عليه.

ره الراء والهاء إن كان صحيحاً فى الكلام فهو يدلُّ على بصيص. يقال ترَهْرَه الشّىءُ، إذا وَبَصَ. فأمّا الحديثُ : «أنّ رسول الله صلى الله عليه

__________________

(١) ديوان أوس بن حجر ٢٧ واللسان) (رمم) ، وسيأتى فى (عجب).

(٢) للعجاج فى اللسان (نضب ، رنن). وبعده :

أر؟ إذا تحوبا

(٣) روى فى المجمل واللسان بدون كلمة «ولا اليمام».


وآله وسلم لمّا شُقَّ عن قَلْبه جِىء بطَسْتٍ رَهْرَهَةٍ». فحّدثَنا القطان عن المفسّر عن القُتَيبىّ عن أبى حاتم قال : سألتُ الأصمعىَّ عنه فلم يعرفه. قال : ولستُ أعرفُه أنا أيضاً ، وقد التمستُ له مَخرجاً فلم أجِدْه إلّا من موضعٍ واحد ، وهو أن تكونَ الهاء فيه مبدلةً من الحاء ، كأنه أراد : جِىءَ بطَسْتٍ رَحْرحةٍ ، وهى الواسعة. يقال إناءٌ رَحْرَحٌ ورَحْرَاحٌ. قال :

* إلى إزاءٍ كالمِجَنِّ الرَّحْرَحِ*

والذى عندى فى ذلك أنّ الحديثَ إنْ صحَّ فهو من الكلمة الأولى ، وذلك أنَّ لِلطَّسْت بصيصاً.

ومما شذَّ عن الباب الرَّهْرهتان (١) : عَظْمانِ شاخصانِ فى بواطن الكَعْبَيْن ، يقبل أحدُهُما على الآخر.

رأ الراء والهمزة أصلٌ يدلُّ على اضطرابْ ، يقال رأْرَأَت العينُ : إذا تحرَّكتْ من ضَعْفها. ورأْرأَت المرأةُ بعينها ، إِذا بَرَّقَت. ورأْرأَ السّرابُ : جاء وذَهَب ولمح. وقالوا : رأْرَأْتُ بالغَنَم ، إذا دَعَوْتَها. فأمّا الرّاءة فشجرَة ، والجمع راءٌ.

رب الراء والباء يدلُّ على أُصولٍ. فالأول إصلاح الشىءِ والقيامُ عليه (٢). فالرّبُ : المالكُ ، والخالقُ. والصَّاحب. والرّبُ : المُصْلِح للشّىء. يقال رَبَ فلانٌ ضَيعتَه ، إذا قام على إصلاحها. وهذا سقاء مربُوبٌ بالرُّبِ. والرُّبّ

__________________

(١) لم ترد هذه الكلمة فى المعاجم المتداولة.

(٢) بعده فى الأصل : «والمصلح الرب والرب» ، وهو إقحام وتكرار لما سيأتى.


للعِنَب وغيرِه ؛ لأنّه يُرَبُ به الشىء. وفَرَسٌ مربوب. قال سلامة (١) :

ليسَ بأسْفَى ولا أقْنَى ولا سَغِلٍ

يُسْقى دَواءَ قَفِىِّ السَّكْنِ مَرْبوبِ

والرّبُ : المُصْلِح للشّىء. والله جلّ ثناؤُه الرَّبُ ؛ لأنه مصلحُ أحوالِ خَلْقه. والرِّبِّىُ : العارف بالرَّبّ. وربَبْتُ الصَّبىَ أرُبُّه ، وربَّبْتُه أربِّبُه. والرَّبيبة الحاضِنة. ورَبيبُ الرَّجُل : ابنُ امرأَتِه. والرَّابُ : الذى يقوم على أمر الرَّبيب. وفى الحديث : «يكرهُ أنْ يتزوَّج الرّجلُ امرأةَ رابَّهِ».

والأصل الآخرُ لُزوم الشىءِ والإقامةُ عليه ، وهو مناسبٌ للأصل الأوّل. يقال أربَّت السّحابةُ بهذه البلدةِ ، إذا دامَتْ. وأرْضٌ مَرَبٌ : لا يزال بها مَطَرٌ ؛ ولذلك سُمِّى السَّحاب رَباباً. ويقال الرَّباب السحاب المتعلِّق دون السَّحاب ، يكون أبيضَ ويكون أسود ، الواحدة رَبابة.

ومن الباب الشّاةُ الرُّبَّى : التى تُحتَبسَ فى البيت لِلَّبَنِ ، فقد أربَّتْ ، إذا لازمت البيتَ. ويقال هى التى وَضَعَتْ حديثاً. فإن كان كذا فهى التى تربَّى ولدها. وهو من الباب الأوّل. ويقال الإرباب : الدّنُوّ من الشَّىء. ويقال أربَّت الناقة ، إذا لزِمت الفحلَ وأحبّتْه ، وهى مُرِبٌ.

والأصل الثالث : ضمُّ الشىء للشَّىء ، وهو أيضاً مناسبٌ لما قبله ، ومتى أُنْعِمَ النَّظرُ كان الباب كلّه قياساً واحداً. يقال للخِرْقة التى يُجعل فيها القِدَاحُ رِبابَةٌ. قال الهذلىّ (٢) :

__________________

(١) هو سلامة بن جندل. والبيت التالى من قصيدة فى ديوانه ٧ ـ ١٢ والمفضليات (١ : ١١٧ ـ ١٢٢). وفى الأصل : «الأعشى» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) هو أبو ذؤيب الهذلى. ديوانه ص ٦ والمجمل واللسان (ربب). وسيأتى فى (فيض).


وكأنّهُنَ رِبَابةٌ وكأنه

يَسَرٌ يُفِيضُ على القِداح ويَصْدَعُ

ومن هذا الباب الرِّبابة (١) ، وهو العَهْد. يقال : للمعَاهدِين أَرِبَّةٌ. قال :

كانت أرِبَّتَهُم بَهْزٌ وغَرَّهُم

عَقْدُ الجِوارِ وكانوا معشراً غُدُرَا (٢)

وسُمِّى العهدُ رِبابةً لأنَّه يَجْمَعُ ويؤلِّف. فأمَّا قولُ علقمة :

وكنتُ امرأً أفَضَتْ إليكَ رِبابَتِى

وقَبْلَكَ رَبَّتْنِى فضِعتُ رُبُوبٌ (٣)

فإنَ الرِّبابة ، العهد الذى ذكرناه. وأمَّا الرُّبُوب فجمع رَبّ ، وهو الباب الأول.

وحدَّثنا أبو الحسن علىّ بن إبراهيم (٤) عن علىِّ بن عبد العزيز ، عن أبى عبيد قال : الرِّباب : العُشور. قال أبو ذُؤيب :

تَوَصَّلُ بالرُّكْبانِ حِيناً وتُؤْلفُ ال

جِوارَ وتُغْشِيها الأمانَ رِبابُها (٥)

وممكنٌ أن يكون هذا إِنّما سُمِّى رباباً لأنّه إذا أُخِذ فهو يصير كالعَهْد ومما يشذّ عن هذه الأصول : الرّبْرَب : القطيع من بقر الوحْش. وقد يجوز أن يضمَّ إلى الباب الثالث فيقال إنَّما سُمِّى ربرباً لتجمُّعه ، كما قلنا فى اشتقاق الرِّبابة.

ومن الباب الثالث الرَّبَب ، وهو الماء الكثير ، سمِّى بذلك لاجتماعه. قال :

والبُرَّة السَّمْرَاء والماء الرَّبَبْ *

__________________

(١) والرباب أيضا بطرح التاء.

(٢) لأبى ذؤيب الهذلى من قصيدة فى ديوانه ٤٤. والبيت فى اللسان (ربب).

(٣) ديوان علقمة ١٣٢ والمفضليات (٢ : ١٩٤) واللسان (ربب). والرواية فى الأخيرين : «وأنت امرؤ».

(٤) هو القطان ، كما فى المجمل.

(٥) وكذا فى الديوان ٧٣. وفى اللسان (ربب): «ويعطيها الأمان».


فأمّا رُبَ فكلمة تستعمَل فى الكلام لتقليل الشّىء ، تقول : رُبّ رجلٍ جاءنى. ولا يُعْرف لها اشتقاق

رت الراء والتاء ليس أصلاً ، لكنَّهم يقولون : الرُّتَّة : العَجَلة فى الكلام. ويقال هى الحُكْلَة فيه. ويقولون : الرُّتُوت : الخنازير. وقال ابنُ الأعرابىّ : الرَّتُ : الرئيس ؛ والجمع رُتوتٌ. وكل هذا فممَّا ينبغى أن يُنظَر فيه.

رث الراء والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على إخلاقٍ وسقوط. فالرَّثُّ : الخَلَق البالى. يقال حَبْلٌ (١) رثٌ ، وثوبٌ رثٌ ، ورجلٌ رثّ الهَيئة. وقد رَثّ يَرِثُ رَثاثَةً ورُثوثةً. والرِّثَّة : أسقاط البيت* من الخُلقْانِ ، والجمع رِثَثٌ وأمَّا قولهم ارتُثَ فى المعركة ، فهو من هذا ، وذلك أنَّ الجريح يسقُط كما تسقط الرِّثَّة ثم يُحمَل وهو رِثيثٌ.

ومن الباب [الرِّثَّةُ (٢)] ، وهم الضعفاء من الناس. ويقال الرِّثَّة : المرأةُ الحمقاء. فإِن صحّ ذلك فهو من الباب.

رج الراء والجيم أصلٌ يدلُّ على الاضطراب ، وهو مطَّردٌ منْقاس ويقال كتيبةٌ رَجْراجة : تَمَخَّضُ لا تكاد تسير. وجاريةٌ رَجراجة : يَتَرجْرج كَفَلُها. والرِّجرِجَة : بقيَّة الماء فى الحوض. ويقال للضُّعَفاء من الرجال الرَّجَاج (٣). قال :

__________________

(١) فى الأصل : «رجل» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) فى الأصل : «الرجراج» ، تحريف.


أقبَلْنَ من نِيرٍ ومن سُواجِ (١)

بالقوم قد مَلَّوا من الإدْلاجِ

فَهُمْ رَجَاجٌ وعَلَى رَجَاجِ (٢)

والرَّجُ : تحريك الشىء ؛ تقول : رجَجْتُ الحائطَ رَجًّا ، وارْتَجَ البحر. والرَّجْرَج نعتٌ للشىء الذى يترجْرَج. قال :

* وكَسَت المِرْطَ قَطاةً رَجْرَجَا (٣) *

وارتجَ الكلامُ : التَبَسَ ؛ وإنما قيل له ذلك لأنّه إذا تَعَكَّرَ كان كالبحر المرتَجّ. والرِّجرِجَة (٤) : الثَّرِيدة الليِّنة. ويقال : الرَّجَاجة النّعجة المهزولة ؛ فإِنْ كان صحيحاً فالمهزول مضطربٌ. وناقةٌ رَجَّاءُ : عظيمة السَّنام ؛ وذلك أنّه إذا عظُمَ ارتجّ واضطرب. فأمّا قولُه :

* ورِجْرِجٌ بَيْنَ لَحْيَيْهَا خَنَاطِيلُ (٥) *

فيقال هو اللُّعاب (٦)

رح الراء والحاء أصلٌ يدلُّ على السّعَة والانبساط. فالرَّحَحُ : انبساطُ الحافرِ وصَدْرِ القَدَم. ويقال للوَعل المنبسط الأظلاف أرحُ. قال.

__________________

(١) فى الأصل : «بئر» ، صوابه فى اللسان (نير ، رجج ، سوج) ومعجم البلدان (سواج).

وانظر الحيوان (٢ : ٣٠١).

(٢) الكلمتان الأخيرتان ساقطتان من الأصل ، وإثباتهما من المراجع السابقة.

(٣) البيت فى اللسان (رجج).

(٤) فى اللسان : «وثريدة رجراجة». ثم قال : «والرجرج ما ارتج من شىء».

(٥) لابن مقيل ، كما فى اللسان (لمع ، سحط ، رجج ، خنطل). وصدره :

كاد؟ من الهوذان بسحطها

(٦) زاد فى المجمل : «ويقال نت».


ولو أنَّ عِزَّ النّاسِ فى رأسِ صَخرةٍ

مُلَمْلَمَةٍ تُصْيِى الأرَحّ المخدَّما (١)

ويقال تَرحْرَحَت الفرسُ : فَحَّجَتْ قوائمها لتبُول. ويقال هم فى عيشٍ رَحْرَاحٍ ، أى واسع. ورَحْرَحَانُ : مكانٌ.

رخ الراء والخاء قليلٌ ، إلّا أنّه يدلُّ على لِينٍ. يقال إنّ الرَّخَاخَ لِينُ العَيْش. وأرضٌ رَخَّاءُ : رِخوة. ويقال ـ وهو ممّا يُنظَر فيه ـ إنّ الرَّخَ مَزْجُ الشَّرابِ (٢).

رد الراء والدال أصلٌ واحدٌ مطّردٌ منقاس ، وهو رَجْع الشَّىء. تقول : ردَدْتُ الشَّيءَ أرُدُّه ردًّا. وسمِّى المرتدُّ لأنّه ردَّ نفسَه إلى كُفْره. والرِّدُّ : عِماد الشَّىء الذى يردُّه ، أى يَرْجِعُه عن السُّقوط والضَّعْف. والمردودة : المرأة المطلَّقة. ومنه الحديث : أنَّه قال لسُراقةَ بنِ مالكٍ (٣) : «ألَا أدُلك على أفضَل الصّدَقة ، ابنَتُكَ مردُودةً عليك ، ليس لها كاسبٌ غيرُكَ». ويقال شاة مُرِدٌّ وناقةٌ مُرِدّةٌ ، وذلك إذا أضْرَعَتْ ، كأنَّها لم تكن ذاتَ لبن فرُدَّ عليها ، أو رَدَّت هى لبنَها. قال :

* تَمْشِى من الرِّدَّةِ مَشْىَ الحُفَّلِ (٤) *

ويقال هذا أمرٌ لا رادَّةَ له ، أى لا مرجُوع له ولا فائدةَ فيه. والرَّدَّة : تقاعُسٌ

__________________

(١) البيت للأعشى ، كما فى ديوانه ٢٩٣ واللسان (رحح ، خدم) ، وقد سبق فى (خدم).

(٢) لم يرد فى اللسان ، وورد فى القاموس.

(٣) هو سراقة بن مالك بن جشم ، الذى حاول إدراك النبى صلى الله عليه وسلم فى هجرته إلى المدينة ، وقد أسلم عام الفتح. مات فى خلافة عثمان سنة ٢٤. انظر الإصابة ٣١٠٩. وفى اللسان : «سراقة بن جعشم» نسبه إلى جده.

(٤) لأبى النجم العجلى كما فى اللسان (ردد). وانظر المخصص (٧ : ١٤).


فى الذَّقَن ، كأنه رُدّ إلى ما وراءه. والرَّدَّة : قبحٌ فى الوجه مع شىءِ من جَمال ، يقال فى وجهها رَدّةٌ ، أى إنَّ ثَمَّ ما يرُدُّ الطَّرْف ، أى يَرْجِعُه عنها. والمتَرَدِّد : الإنسان المجتمع الخَلْق ، كأنَّ بعضَه رُدَّ على بعض. ويقال ـ وفيه نظر ـ إن المردُودة المُوسَى ، وذلك أنّها تُرَدُّ فى نِصَابِها. ويقال نهرٌ مُرِدٌّ : كثير الماء. وهذا مشتقٌّ من رِدَّة الشَّاةِ والنّاقة. ومن الباب رجُلٌ مُرِدٌّ، إذا طالت عُزْبَتُه ؛ وهو من الذى ذكرناه من رِدَّة الشَّاة ، كأنَّ ماءَه قد اجتمع فى فِقَرته ، كما قال :

رأت غلاماً قد صَرَى فى فِقْرَتِه

ماءَ الشَّبابِ عُنْفُوَانُ شِرَّتِهْ (١)

رذ الراء والذال كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على مطرٍ ضعيف. فالرَّذَاذ : المطر الضعيف. يقال يومٌ مُرِذٌّ ، أى ذو رَذَاذٍ. ويقال أرضٌ مُرَذٌّ عليها. قال الأصمعىّ : لا يقال مُرَذٌّ ولا مَرذُوذة ، ولكن يقال مُرَذٌّ عليها. وكان الكسائىُّ يقول : هى أرض مُرَذَّةٌ. والله أعلم

باب الراء والزاء وما يثلثهما

رزغ الراء والزاء والغين أُصَيْلٌ يدلُّ على لَثَقٍ وطِين. يقال أرزَغَ المطرُ ، إذا بلَّ الأرض ، فهو مُرْزِغٌ. وكان* الخليل يقول : الرَّزَغَة أشدُّ من الرَّدَغة. وقال قومٌ بخلاف ذلك. ويقال أرزَغَت الزِّيح : أتَتْ بالنَّدَى.

قال طَرَفة :

__________________

(١) للأغلب العجلى ، كما فى اللسان (صرى). وفيه (صرى ، عنف ، سنب): «عنفوان سنبته». وما سيأتى فى (صرى) مطابق لما هنا.


وأنتَ على الأدنى صَباً غيرُ قَرَّةٍ

تَذَاءَبَ منها مُرْذِغٌ ومُسِيلُ (١)

وقولهم : أرزَغَ فلانٌ فلاناً ، إذا عابَه ، فهو من هذا ؛ لأنَّه إذا عابَه فقد لَطَخه. ويقال للمُرْتَطِمِ : رَزِغٌ. ويقال احتَفَر القومُ حتى أَرزَغُوا ، أى بَلَغُوا الرَّزَغَ ، وهو الطين (٢).

رزف الراء والزاء والفاء كلمتان تدلُّ إحداهُما على الإسراع ، والأخرى على الهُزَال.

فأمّا الأولى فالإرزاف الإسراع ، كذا حدَّثنا به علىُّ بن إِبراهيم ، عن ابن عبد العزيز ، عن أبى عُبيدٍ عن الشَّيبانىّ. وحدَّثَنا به عن الخليل بالإسناد الذى ذكرناه : أرْزَفَ القومُ : أسرَعُوا ، بتقديم الرّاء على الزّاء ، والله أعلم. قال الأصمعىّ : رَزَفَت النَّاقةُ : أسرعَت ؛ وأرزفْتُها أنا ، إذا أخْبَبْتُها (٣) فى السَّير.

والكلمة الأخرى الرَّزَفُ : الهُزَال ، وذكر فيه شعرٌ ما أدرى كيف صِحّتُه :

يا أبا النَّضْر تَحَمَّلْ عَجَفِى

إنْ لم تَحَمَّلْهُ فقد جَارَزِفى

رزق الراء والزاء والقاف أُصَيْلٌ واحدٌ يدلُّ على عَطاءِ لوَقت ، ثم يُحمَل عليه غير الموقوت. فالرِّزْق : عَطاء الله جلَّ ثناؤُه. ويقال رَزَقه الله رَزْقاً ، والاسم الرِّزْق.الرِّزْق] بلغة أزْدِ شُنوءَة : الشُّكر ، من قوله جلّ ثناؤه : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ). وفعلتُ ذلك لمَّا رزَقْتَنى ، أى لمَّا شكَرْتَنى.

__________________

(١) كذا. والذى فى شعر طرفة ٥٢ واللسان (رزغ) :

وأنت على الادنى شمال عربه

شامية تزوى الوجوه بليل

وأنت على الأقصى صبا غير قرة

تذاءب منها مرزغ مين

(٢) فى الأصل : «وهو الطين الرزع». والكلمة الأخيرة مقحمة.

(٣) أخبها : جطها تسير الخبب. وفى الأصل : «خببتها» ، تحريف. وفى اللسان : «احثثتها» وفى مادة (زرف) من اللسان : «أخببتها» كما أثبت.


رزم الراء والزاء والميم أصلانِ متقاربان : أحدهما جَمْعُ الشىء وضمٌّ بعضِه إلى بعضٍ تِباعاً ، والآخر صوتٌ يُتَابَع ؛ فلذلك قلنا إنهما متقاربانِ.

يقول العرب : رزَمْتُ الشىءَ : جمعتُه. ومن ذلك اشتقاق رِزْمَة الثِّياب. والمرازَمة فى الطّعام : المُوالاةُ بين حَمْدِ الله عزّ وجلّ عند الأكل. ومنه الحديث : «إذا أكَلْتمْ فرَازِمُوا».

ورازمت الشىءَ ، إذا لازَمْتَه. ويقال رازمَتِ الإبل المرعى ، إذا خَلَطَتْ بينَ مَرعَيَيْنِ. ورازمَ فلانٌ بين الجَراد والتَّمر ، إذا خَلَطَهما. ويقال رجلٌ رُزَمٌ ، إذا برَكَ على قِرْنِه. وهو فى شعر الهُذَلِىّ (١) :

* مثل الخَادِرِ الزُّزَمِ (٢) *

ورزَمت النَّاقةُ ، إذا قامت من الإعياء ، وبها رُزَامّ. وذلك القياس ؛ لأنها تتجمَّع من الإعياء ولا تنبعِث.

والأصل الآخر : الإرزام : صوتُ الرَّعْد ، وحَنِينُ النَّاقةِ فى رُغائها. ولا يكون ذلك إلا بمتابعةٍ ، فلذلك قُلْنا البابَين متقاربان. ويقولون : «لا أفْعَلُ ذلك ما أرزَمَتْ أمُّ حائل». الحائل : الأنثى من ولد النَّاقة. ورَزَمة السِّباع : أصواتُها. والرَّزِيم : زئير الأُسْد. قال :

* لِأُسُودِهِنَّ على الطَّرِيقِ رَزِيمُ (٣) *

__________________

(١) هو ساعدة بن جؤية ، كما فى اللسان (نبخ ، رزم). وانظر ديوان الهذليين (١ : ٢٠٢).

(٢) البيت بتمامه كما فى المراجع السابقة :

يخشى عليها من الأملاك نابخة

من النوابخ مثل الحادر الرزم

والحادر : الأسد فى خدره. ويروى «الحادر» ، أراد به الفيل الغليظ.

(٣) هذه القطعة فى اللسان (رزم).


فأما قولهم «لا خَيْرَ فى رَزَمةٍ لَا دِرَّةَ معها» فإِنهم يريدون حنينَ الناقة. يُضرَب مثلاً لمن يَعِد ولا يَفِى. والرَّزَمة : صوتُ الضَّبُعِ أيضاً. وممّا شَذَّ عن الباب المِرْزَمان : نَجْمان. قال ابنُ الأعرابىّ : أمُ مِرْزَمٍ : الشَّمال الباردة. قال :

إذا هُوَ أَمْسَى بالحِلَاءَةِ شاتِيّا

تُقَشِّرُ أعْلَى أنْفِهِ أُمُ مِرْزَمِ (١)

رزن الراء والزاء والنون أصلٌ يدلُّ على تجمُّعٍ وثَبات. يقولون رَزُنَ الشىءِ : ثَقُل. ورجلٌ رزينٌ وامرأةٌ رَزانٌ. والرِزْنُ : نُقرةٌ فى صخرةٍ يجتمع فيها الماء. قال :

* أحْقَبَ مِيفَاءِ على الرُّزُونِ (٢) *

ويقال الرَّزْنُ : الأَكمَة ، والجمع رزُونٌ.

رزأ الراء والزاء [والهمزة] أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إصابة الشىء والذَّهاب به. ما رزَأتُه شيئاً ، أى لم أُصِبْ منه خيراً. والرُّزْء : المصيبة ، والجمع الأرزاء. قال :

وأرى أرْبَدَ قد فارَقنِى

ومِنَ الأرزاءِ رُزْءٌ ذُو جَلَلْ (٣)

وكريمٌ مُرَزَّا (٤) : تصيب الناسُ مِن خَيْره.

رزب الراء والزاء والباء ، إن كان صحيحاً فهو يدلُّ على قِصَر

__________________

(١) البيت لصخر الغى الهذلى ، يعير أبا المثلم. انظر شرح السكرى للهذليين ٢١ ونسخة الشنقيطى ٩١ ومعجم البلدان (الحلاءة) واللسان (رزم ١٣٢). وقد سبق فى (أم ٢٣).

(٢) لحميد الأرقط ، كما فى اللسان (رزن).

(٣) البيت للبيد فى ديوانه ١٧ طبع ١٨٨١.

(٤) فى الأصل : «مبرز» ، تحريف.


وضِخَمٍ فالإِرْزَبُّ : الرّجُل القَصِير الضَّخْم. والمِرْزَبَةُ معروفةٌ.* ورَكَبٌ إرْزَبٌ : عظيم. قال :

* إنّ لَهَا لرَكَباً إرْزَبَّا (١) *

رزح الراء والزاء والحاء أصلٌ يدلُّ على ضعْفٍ وفُتور. فيقولون رَزَح ، إذا أعيا ؛ وهى إِبلٌ مَرازيحُ ، ورَزْحَى ، ورَزَاحَى (٢). ويقولون إن أصله المِرْزَح ، وهو ما تواضَعَ من الأرض واطمأَنَّ.

وذُكر فى الباب كلامٌ آخرُ ليس من القياس المذكور ، قال الشَّيبانىّ : المِرْزِيح : الصّوت. قال :

ذَرْذا ولكن تبصَّر هَلْ تَرى ظُعُناً

تُحْدَى ، لِسَاقَتِها بالدَّوِّ مِرْزيحُ (٣)

باب الراء والسين وما يثلثهما

رسع الراء والسين والعين أصلٌ يدلُّ على فَسادٍ. يقولون الرَّسَعُ : فَساد العَين. يقال رسَّعَ الرّجلُ فهو مُرَسِّع. ويقال رسَّعَتْ أعضاؤُه ، إذا فَسَدَتْ.

رسغ الراء والسين والغين كلمةٌ واحدة ، [الرُّسْغُ] : وهو مَوْصِل الكَفِّ فى الذِّراع ، والقدم فى الساق. والرِّساغ : حبلٌ يُشَدُّ فى رسغ الحمار تم يشدُّ إلى وتد. ويقال أصاب المطر الأرضَ فرسَّغ ، وذلك إذا بلغ الماء الرسغ.

__________________

(١) البيت فى اللسان (رزب). وبعده :

كأنه جبهة ذوى حبا

(٢) ويقال أيضا رزح ، كركع ، وروازح.

(٣) البيت لزياد الملقطى ، كما فى اللسان (رزح).


رسف الراء والسين والفاء أُصَيلٌ يدلُّ على مقارَبَة المَشْى ، فالرّسْفُ : مَشْى المقيَّد ، ولا يكون ذلك إلّا بمقارَبَةٍ. رَسَفَ يَرْسُف ويَرْسِف رَسْفاً ورَسِيفاً ورَسَفاناً. قال أبو زيد : أرسفْتُ الإِبلَ ، إذا طردْتَها بأَقْيَادِها.

رسل الراء والسين واللام أصلٌ واحدٌ مطّردٌ مُنْقاس ، يدلُّ على الانبعاث والامتداد. فالرَّسْل : السَّير السَّهل. وناقةٌ رَسْلَةٌ : لا تكلِّفك سِياقاً. وناقة رَسْلَةٌ أيضاً : ليِّنة المفاصل. وشَعْرٌ رَسْلٌ ، إذا كان مُسترسِلا. والرَّسَل : ما أُرسِل من الغَنَم إلى الرَّعى. والرِّسْل : اللَّبَن ؛ وقياسَه ما ذكرناه ، لأنَّه يترسَّل من الضَّرْع. ومن ذلك حديث طَهْفَةَ بن أبى زُهيرٍ النَّهدِىّ (١) حين قال : «ولنا وَقِيرٌ كثير الرَّسَلِ ، قليل الرِّسْل». يريد بالوَقير الغَنَم ، يقول : إنها كثيرة العدد ، قليلة اللَّبَنُ. والرَّسَل : القَطيع هاهنا.

ويقال أَرسَلَ القومُ ، إذا كان لهم رِسْلٌ ، وهو اللّبَن. ورَسِيلُ الرّجُل : الذى يقف معه فى نِضالٍ أو غيرِه ، كأنَّه سُمِّى بذلك لأنّ إرساله سهمَه يكون مع إرسال الآخرِ. وتقول جاءَ القومُ أَرْسالاً : يتبَعُ بعضُهم بعضاً ؛ مأخوذٌ من هذا ؛ الواحدُ رَسَل. والرَّسول معروفٌ. وإبلٌ مَراسِيلُ ، أى سِرَاعٌ. والمرأة المُرَاسِل التى مات بصلُها فالخطَّاب يُراسِلُونها. وتقول : على رِسْلِك ، أى على هِينَتِك ؛ وهو من الباب لأنَّه يَمْضى مُرْسَلاً من غير تجشَّم. وأمّا : «إلّا مَن أعطى فى نَجْدَتِها ورِسْلِها» فإِنَّ النَّجْدة الشّدّة. يقال فيه نَجْدةٌ ، أى شِدَّةٌ. قال طَرَفة :

__________________

(١) طهفة هذا ، بفتح الطاء : صحابى جليل ، وفد على الرسول فى وفد بنى نهبد ، وتكلم كلاما فيه غريب كثير. انظر الإصابة ٤٢٩٢.


تَحْسِبُ الطّرْفَ عليها نَجْدةً

يا لقَومِى للشَّبَاب المُسْبَكِرّ (١)

والرِّسْل : الرَّخاء. يقول : يُنِيلُ منها فى رَخائه وشِدّته. واسترسلتُ إلى الشَّىء ، إذا انبعثَتْ نفْسُك إليه وأَنِسْتَ. والمرسَلات : الرِّياح. والراسِلان (٢) : عِرْقانِ.

رسم الراء والسين والميم أصلان : أحدهما الأثَر ، والآخر ضربٌ من السير.

فالأوّل الرّسْم : أثَرُ الشَّىء. ويقال ترسَّمْتُ الدّار ، أى نظرتُ إلى رسومها. قال غيلان:

أأنْ ترسَّمْتَ مِن خَرقاءَ منزِلَةً

ماءُ الصَّبابةِ من عينَيْكَ مسجومُ (٣)

وناقةَ رَسوم : تؤثِّر فى الأرض من شِدّة الوطْء. والثَّوب المرسَّم : المخطَّط. ويقال إنَّ الترسُّم : أنْ تنظُرَ أين تحفِر. ، وهو كالتفرُّس. قال :

* ترسُّم الشَّيخ وضَرْبَ المِنْقارْ (٤) *

ويقال إنَ الرَّوْسَم : شىء تُجْلَى به الدَّنانير. قال :

* دنانِيرُ شِيفَتْ من هِرَقْلَ برَوْسَم (٥) *

__________________

(١) ديوان طرفة ٦٤ واللسان (نجد).

(٢) فى اللسان : «والراسلان : الكتفان ، وقيل عرقان فيهما».

(٣) ديوان ذى الرمة ٥٦٧ واللسان (رسم).

(٤) البيت فى اللسان (رسم).

(٥) لكثير عزة. وصدره كما فى اللسان (رسم) :

من؟ البيض؟ وجوهم


والرَّوْسم : خشَبةٌ يُحتَم بها الطَّعام. وكلُّ ذلك بابُه واحدٌ : وهو من الأثَر. ويقال إنَ الرَّواسيمَ كتبٌ كانت فى الجاهليّة. وعلى ذلك فُسِّرَ قولُه :

* كأنَّها بالهِدَمْلَاتِ الرَّوَاسِيمُ (١) *

وقيل الراسم : الماء الجارِى.* فإنْ كان صحيحاً فلأنَّه إِذا جَرَى أثَّر وأبْقَى الرَّسْمَ.

وأمّا الأصل الآخَر فالرَّسِيم : ضَرب مِن سَير الإِبل. يقال رسَم يرْسِمُ. فأمّا أرْسَم فلا يقال (٢). وقول ابن ثَوْرٍ :

* غُلامَىَ الرَّسيمَ فأَرْسما (٣) *

فإنَّه يريد : فأرسم الغلامانِ بَعيريْهِما ، إذا حَمَلاهما على الرَّسيم ؛ ولا يريد أنَّ البعير أرسَمَ.

رسن الراء والسين والنون أصلٌ واحدٌ اشترك فيه العرب والعجم ، وهو الرَّسَنُ ، والجمع أرسانٌ. والمَرْسِنُ : الذى يقع عليه الرَّسَن من أنف الناقة ، ثم كثُر حتَّى قيل مَرسِنُ الإنسان. ورسَنْت الرَّجُلَ (٤) وأرسنْتُه : شددتُه بالرَّسَن.

رسى الراء والسين والحرف المعتلّ أصلٌ يدلُّ على ثباتٍ. تقول رَسَا الشَّىءُ يرسُو ، إذا ثَبَتَ. والله جلّ ثناؤُه أرسَى الجِبالَ ، أى أثْبَتَها. وجبلٌ راسٍ : ثابتٌ. ورَسَتْ أَقدامُهم فى الحرب. ويقال ألْقَت السّحابةُ مَرَاسِيَها ،

__________________

(١) البيت لذى الرمة فى ديوانه ٥٧٨ واللسان (رسم).

(٢) فى الأصل : «ولا يقال».

(٣) بيت حميد بن ثور بتمامه ، كما فى اللسان (رسم) :

أجدت برجليها النجاء وكانت

بعيري غلاي الرسيم فأوسما

(٤) كذا فى الأصل والمجمل ، ولم أجده فى غيرهما.


إذا دامَتْ. والفحل إذا تفرّقَتْ عنه شَوْلُه فصاح بها استقرَّت ، فيُقال عند ذلك رسابها (١). ومن البابْ رَسَوْت بين القوم رَسْواً ، إذا أصلَحْتَ. وبقيتْ فى الباب كلمةٌ إنْ صحّتْ فقياسُها صحيحٌ. يقال رَسَوْتُ عنه حديثاً أَرْسُوه ، إذا حدَّثْتَ به عنه. وفى ذلك إثباتُ شىءِ أيضاً.

رسب الراء والسين والباء أصلٌ واحد ، هو ذهابُ الشىء سُفْلاً مِن ثِقَلٍ. تقول : رسَبَ الحجَر فى الماء يرسُب. وحكى بعضهم رسَبَتْ عيناه : غارَتَا. فإن كان صحيحاً فهو محمولٌ على ما ذكرناهُ ، مشبَّهٌ به. والسَّيف الرَّسوب : الذى يمضى فى الضَّريبة (٢) ، فكأنّه قد رَسَب فيها. وراسِبٌ : حَىٌّ من العَرب.

رسح الراء والسين والحاء أُصيلٌ فيه كلمةٌ واحدة. الرَّسْحاء : المرأة اللاصقة العَجُز ، الصغيرةُ الأَلْيَتَين. ورجلٌ أرسحُ ، والذِّئب أرْسَح.

رسخ الراء والسين والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الثَّبات. ويقال رسَخَ : ثَبَتَ ، وكلُ راسخٍ ثابتٌ.

باب الراء والشين وما يثلثهما

رشف الراء والشين والفاء أصلٌ واحد ، وهو تَقَصِّى شُرب الشئ. والرَّشُف : استِقْصاء الشُّرب حتَّى لا يَدَع فى الإِناء شيئاً. رشف يرشُف ويَرْشِف. وفى كتاب الخليل : الرَّشَف : بقية الماء فى الحَوض والرَّشْف : أخْذُ الماء بالشَّفَتَين ،

__________________

(١) فى الأصل : «ترسابها» ، صوابه فى المجمل واللسان والقاموس.

(٢) فى الأصل : «ضرب».


وهو فوق المصّ. والرَّشُوف : المرأة الطيِّبة الفَم. ومعنى هذا أنَّ رِيقَتَها مِن طيبها تُترَشّف.

رشق الراء والشين والقاف أصلٌ واحد ، وهو رَمْى الشَّىء بسهم وما أشبَهَه فى خِفَّة. فالرَّشْق مصدر رشَقَه بسهمٍ رَشْقا. والرِّشْق : الوَجْه من الرمْىِ ، إذا رَمى القومُ جَميعهم قالوا: رمينا رِشْقاً. قال أبو زبَيد :

كل يوم رَميهِ منها برِشْق

فمُصِيبٌ أوصَافَ غيرَ بَعِيدِ (١)

ومن الباب قولهم : أرشَقْتُ ، إذا حدّدتَ النَّظَ. قال القُطَامىّ :

* وتَرُوعُنِى مُقَل الصَّوار المرْشِقِ (٢) *

ويقال رَشْقه بالكَلام. ومن الباب الرَّشيق : الخفيفُ الجِسْم ، كأنّه شُبِّه بالسَّهم الذى يرشَق به. ومنه أرشَقَتِ الظّبية : مدَّت عُنُقها لتنظُر.

رشم الراء والشين والميم كلمة واحدة لا يقاس عليها ، وليس فى الباب غيرها. وذلك الأرشَم : لذى يتشمّم الطّعامَ ويَحرِص عليه. قال :

بقى حملَتُهُ أُمُّه وهى ضَيْفَةٌ

فجاءَت بنَزّ لِلنَّزَالَةِ أرَشما (٣)

رشن الراء والشين والنون ليس أصلاً ولا فيه ما يُؤْخَذُ به. لكنَّهم يقولون. رشَنَ الكلبُ فى الإناء : أدخَلَ رأسه. والرَّاشن : الذى يتحيَّن وقتَ الطعام فيأتى ولم يدع : وفى كلُّ ذلك نظر.

__________________

(١) البيت فى اللسان (صف ، رشق) ، وسعيده فى (صيف ، ضيف).

(٢) دون القطانى ٣٤ واللسان (رشق). وصدره :

ولقد؟ دلو بهن؟

(٣) البيت لتبعت يهجو جريراً. انظر اللسان (بقا ، صف ، نزز ، نزل ، رشم ، يتن).


رشى الراء والشين والحرف المعتل أصل يدلُّ على سَببٍ أو تسبُّبٍ لشىءٍ بِرفْق وملايَنَة. فالرِّشاء : الحبل الممدود ، والجمع* أرشِيَة. ويقال للحنْظَل إذا امتدَّت أغصانُه : قد أَرْشَى. يعْنَى أنّه صار كالأرشية ، وهى الحبال. ومن الباب : رشَاه يرشُوهُ رَشْواً. والرِّشْوة الاسمُ. وتقول ترشَّيْت الرّجلَ : لايَنْتُه. ومنه قول امرئ القيس :

* تُرَاشِى الفؤادَ (١) *

ومن الباب استرشى الفصيلُ ، إذا طلب الرَّضاع ، وقد أرشَيْتُه إرشاء. وراشَيْتُ الرّجُل ، إذا عاونتَه فظاهَرْتَه. والأصل فى ذلك كلّه واحد.

رشا الراء والشين والهمزة كلمةٌ واحدة وهى الرّشأ ، مهموز ، وهو ولد الظَّبْية.

رشح الراء والشين والحاء أصلٌ واحد ؛ وهو النّدَى يبدو من الشّىء. فالرَّشْح : العَرَق. يقال رشَح بدَنُه بعَرقِه. فأمّا قولهم يُرْشح لكذا ، فهو من هذا ، وأصله الوحشيّةٌ إذا بَلَغ ولدُها أن يمشَى معَها مشَتْ به حتَّى يَرشَحَ عرقا فيقوى ؛ ثم استُعير ذلك لكلِّ من رُبّى ، فقيل يُرشّح للخِلافة ؛ كأنَّه يُرَبى لها. والرّاشِح : الجَبَلُ يندَى أصلُه. ورَشّحَ النَّدى النَّبْتَ ، إذا ربّاه. وأرشَحَت النّاقةُ ، إذا دنا فِطامُ ولَدِها ، وذلك هو عند ما تفعل (٢). وقال :

__________________

(١) قطعة من بيت له. وهو بتمامه كما فى الديوان ٩٥ :

نزيف إذا قامت لوجه تمايلت

تراشى الفؤاد الرخص ألا؟

(٢) كذا فى الأصل.


كأنَّ فيه عِشاراً جِلّةً شُرُفاً

مِن آخِرِ الصَّيف قد همَّتْ بإرشاحِ (١)

رشد الراء والشين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استقامةِ الطريق. فالمَراشِد : مقاصد الطُّرُقِ. والرُّشْد والرَّشد : خِلافُ الغَىّ. وأصاب فلان من أمره رُشْداً ورَشَداً ورِشْدة. وهو لِرِشْدةٍ خلاف لِغَيّة.

باب الراء والصاد وما يثلثهما

رصع الراء والصاد والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على عَقْد شىء بشىء كالتَّزْيِين له به. يقال لحِلْية السَّيف رَصِيعةٌ ، والجمع رصائع ، وذلك ما كان منها مستديراً. وكلُّ حَلْقَةِ حِلْيَةٍ مستديرةٍ : رصيعةٌ. قال الهذلىّ (٢) :

ضربنَاهُمُ حتى إذا ارْبَثَّ جمعُهُمْ

وعادَ الرَّصيعُ نُهْبَةً للحمائلِ (٣)

ومن الباب المراصِعُ ، وهى التمائِم ، سمِّيت بذلك لأنها تعلَّق. ويقال رُصِعَ الشىء ، إذا عُقِد. ويقال رَصَع به ، إذا عَبِقَ.

ويجوز أن يكون الباقى من الكَلِم فى هذا أصلاً آخرَ يدلُّ على خِفَّةٍ وصِغَر حجْم ، فيقال لفراخ النَّخْل الرَّصَع ، الواحدة رصَعةٌ. ويقال للمرأة الرَّسْحاءِ رَصْعاء. والرَّصْع : الضَّرب باليد ضرباً خفيفا. والترضع : النَّشاط والخِفّة.

__________________

(١) لأوس بن حجر فى ديوانه ٤. وقصيدة البيت تروى أيضا لعبيد بن الأبرص فى مختارات ابن الشجرى ١٠٠.

(٢) هو أبو ذؤيب الهذلى. انظر ديوانه ٨٥ واللسان (رسع رصع ، نهى) ومعجم البلدان (الرسيع).

(٣) فى الأصل : «اربت» ، تحريف ، صوابه بالثاء المثلثة كما فى المجمل والديوان.


رصغ الراء والصاد والغين ليس أصلاً. لكنّ الخليل قال : الرُّصْغ لغةٌ فى الرُّسغ.

رصف الراء والصاد والفاء أصلٌ واحدٌ منقاسٌ مطّرد ، وهو ضمُّ الشىءِ بعضِه إلى بعض. فالرَّصْف : ضَمُّ الحِجارة بعضِها إلى بعض. والحجارة نَفْسُها رَصَفٌ ومن ذلك رَصْف الصَّخْر فى البِناء. والرِّصَاف : العَقَبُ يُشَدّ على فُوقِ السَّهم. وحكى الخليل الرُّصَافَةَ والرَّصَفَةَ أيضاً. والرَّصوف : المرأة الصَّغيرة الفَرْج ؛ وكأنّ ذلك من تَراصُفِ الشىء ويقال هذا أمرٌ لا يَرْصُفُ بك ، أى لا يَليق. وعملٌ رصِيفٌ : مُحْكَم. وفلانٌ رصيفُ فلانٍ ، أى يعارِضُه فى عمَله.

رصن الراء والصاد والنون أصلٌ واحد يدلُّ على ثَبَاتٍ وكمال وإحكام. تقول : شىء رصينٌ ، أى شديد ثابت. وقد رَصُن رَصانةً ، وأرصنتُه أنا. وحكى ناسٌ : فلانٌ رصينٌ بحاجَتِك ، أى حَفِىٌّ. ويقال رَصَنْتُ الشىءَ (١) : أكملتُه. وقال أبو زيد : رصَنْت الشىءَ معرفةً (٢). والرَّصِيتانِ فى رُكْبة الفرس : أطرافُ القَصَب المركَّب فى رَضَفَة الفَرَس.

ومما شذَّ عن الباب قولهم : هو رصينُ الجَوف ، أى مُوجّع الجوف. قال :

* تقول إنَّى رَصِينُ الجَوْفِ فاسقُونِى (٣) *

ويقولون : رصَنَه بلسانه رصْناً ، أى شَتَمه. وفيه نظرٌ.

__________________

(١) فى الأصل : «أرصفت» ، صوابه فى المجمل وسائر المعاجم المتداولة.

(٢) زاد فى اللسان : «أى علمته». وفى المجمل : «أى غلبته» ، محرفة.

(٣) فى اللسان : «يقول إنى».


رصد الراء والصاد والدال أصلٌ واحد ، وهو التهيُّؤُ لِرِقْبةِ شىءِ على مَسْلكِه ، ثم يُحمَل عليه ما يشاكلُه. يقال أرصدتُ له كذا ، أى هيّأْتُه* له ، كأنّك جعلتَه على مَرصَده. وفى الحديث : «إلّا أنْ أُرْصِدَه لدَيْنٍ عَلَىَّ». وقال الكسائىّ : رصدتُه أرصُدُه ، أى ترقَّبتُه؛ وأرصَدْت له ، أى أعدَدْت. والمَرْصَد : موقع الرَّصْد. والرَّصَد : القوم يَرصُدون. والرَّصْد الفِعل. والرَّصود من الإبل : التى ترصُد شُربَ الإبل ثم تَشرَب هى. ويقال إنَ الرُّصْدة(١) الزُّبْية ، كأنها للسُبع ليقَعَ فيها. ويقال الرَّصيد : السبُع الذى يَرْصُد ليَثِب.

وشذّتْ عن الباب كلمةٌ واحدة ، يقال الرَّصْدَ : أوّل المطر. والله أعلمُ بالصواب.

باب الراء والضاد وما يثلثهما

رضع الراء والضاد والعين أصلٌ واحد ، وهو شُرْب الَّلبَن من الضّرْع أو الثّدى. تقول رَضِع المولودُ يرضَع. [ويقال : لئيمٌ راضعٌ ؛ وكانّه من لؤمه يرضَع إبلَه لِئلَّا (٢)] يُسْمَع صوتُ حَلْبه. ويقال امرأةٌ مُرضِع ، إذا كان لها ولدٌ ترضِعُه. فإنْ وصفْتَها بإرضاعها الولدَ قلت مُرْضعةٌ. قال الله جل ثناؤه : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ). والرَّاضعتان: الثَّنِيَّتَانِ اللّتان يُشْرَب عليهما (٣). وذكر بعضُهم أنّ أهلَ نَجْدٍ يقولون : رَضَعَ يَرْضِع على وزن فعَل بفْعِل. وأنشد :

__________________

(١) ذكرت فى القاموس. ولم تذكر فى اللسان.

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) فى اللسان : «يشرب عليهما اللين».


وذَمُّوا لنا الدُّنيا وهم يَرْضِعُونَها

أفاوِيقَ حتَّى ما يُدِرُّ لها الثُّعْلُ (١)

وهو أخُوه من الرَّضاعة ، بفتح الراء. والرِّضاع : مصدرُ راضعتُه. وهو رَضِيعى ؛ كالرَّسِيل ، والأكيل. والرَّضُوعة : الشّاة التى تُرضِعُ.

رضف الراء والضاد والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على إطباق شىءِ على شىء. فالرَّضْفَة : عظمٌ منطبقٌ على الرُّكبة. فأمّا الرَّضْف فحجارةٌ تُحمَى ، يُوغَر بها اللَّبنُ ، ولا يكون ذلك بحجرٍ واحد. وفى الحديث : «كان يُعجِّل القيامَ كأنَّه على الرَّضْف (٢)». والرَّضيف : الَّلبن يُحلب على الرَّضْف يؤكل. ويقال شِواءٌ مرضوف : يُشوَى على الرَّضْف. فأما قولُ الكميت :

ومَرْضُوفةٍ لمْ تُؤْنِ فى الطَّبْخ طاهياً

عجِلْتُ عَلَى مُحْوَرَّها حِين غَرْغَرَا (٣)

فإِنَّه يريد القِدْر التى أنضِجَت بالرَّضْف ، وهى الحجارة التى مضى ذِكرها. ذكر ابنُ دريدٍ (٤) : رضَفْتُ الوِسادةَ : ثنيتُها ؛ فى لغة اليمن.

رضم الراء والضاد والميم قريبٌ من الباب الذى [قبله] ، كأنّه رمىُ الحجارة بعضِها على بعض. فالرَّضِيم : البِناء بالصَّخر. والرِّضام : الصخور ، واحدتُها رَضْمَةٌ. ورضَمَ فلانٌ بيتَه بالحِجارة. وبِرذَونٌ مَرضُوم العَصَب ، إذا تشنَّجَ عصَبُه فصار بعضُه على بعض. ورَضَم البعيرُ بنَفْسِه إِذا رمَى بنفسه.

__________________

(١) البيت لعبد الله بن همام السلولى ، يهجو به العلماء ، كما فى اللسان (٩ : ٤٨٤ / ١٢ : ١٩٣ / ١٣ : ٨٨). وانظر أمالى ثعلب ٥١٥. والرواية فى جميعها : «ثعل» ، وفى الأصل هنا : «المثقل» ، تحريف.

(٢) فى اللسان : «كان فى التشهد الأول كأنه على الرضف».

(٣) البيت فى اللسان (رضف ، أبى ، حور ، غرر).

(٤) الجمهرة (٢ : ٣٦٤).


رضن الراء والضاد والنون تشبه الباب (١) الذى قبلها. فالرضون من الحجارة : المَنْضود.

رضى الراء والضاد والحرف المعتلّ أصلٌ واحد يدلُّ على خلاف السُّخْط. تقول رضِى يرضَى رِضًى. وهو راضٍ ، ومفعوله مرضِىٌ عنه. ويقال إنّ أصله الواو ؛ لأنَّه يقال منه رِضوَان. قال أبو عبيد : راضانِى فلانٌ فرَضَوْتُه ورَضْوَى : جبلٌ ، وإذا نُسِب إليه رَضَوِىّ.

رضب الراء والضاد والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على ندى قليل. فالرَّاضب من المطر : سَحٌّ منه. قال :

خُنَاعَةُ ضَبْعٌ دَمَّجَتْ فى مَغارةٍ

وأدركها فيها قِطارٌ ورَاضِبُ (٢)

ومنه الرُّضَاب ، وهو ما يرضبُه الإنسان مِن ريقه ، كأنّه يمتصَّه.

رضح الراء والضاد والحاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على كَسْر الشىء والرّضْح : كَسْر الشّىء ، كدَقِّ النَّوَى وما أشبَهَه. وذلك الشّىءُ رَضِيحٌ.

قال الأعشى :

بناها السَّوادِىُ الرَّضِيحُ مع الخَلَا

وسَقْيى وإطْعامِى الشّعيرَ بمحفِدِ (٣)

رضخ الراء والضاد والخاء كلمةٌ تدلُّ على كَسْرٍ. ويكون يسيراً ثم يشتقّ منه. فالرضْخ : الكسر ؛ وهو الأصل ، ثم يقال رَضَخَ له ، إذا أعطاه

__________________

(١) فى الأصل : «الباء».

(٢) البيت لحذيفة بن أنس ، كما فى اللسان (رضب) وشرح الكرى للهذليين ٢٢٥ وروى فى المخصص (٩ : ١١٦): «رواضب» على أنها صفة للقطار. والقطار : جمع قطر ، وهو المطر. وأنشد صدره فى اللسان (دمح) محرفا.

(٣) ديوان الأعشى ١٣١ واللسان (حفد).


شيئاً ليس بالكثير ، كأنّه كَسَرَ له من ماله كِسرةً. ومنه حديث مالك بن أوس ، حين قال له عمر : «إنّه قد دَفَّتْ علينا دَافَّةٌ من قومِك ، وإنِّى أمرت لهم بِرَضْخ (١)». ويقال تراضَخَ القَومُ : ترامَوْا ، كأنّ كلَّ واحدٍ منهم يريد رَضْخ صاحبِه. والرَّضْخ من الخَبَر : الذى تسمعه ولا تستيقِنُ منه (٢). ويقال فلانٌ يَرْتَضِخُ لُكْنةً ، إذا شابَ كلامَه بشىءٍ من كلام العجَمِ يسيرٍ.

باب الراء والطاء وما يثلثهما

رطع الراء والطاء والعين ليس بشىءٍ ، إلّا أنّ ابنَ دُريدٍ (٣) ذكر أنَّهم يقولون : رَطَعها ، إذا نكحها. وليس ذلك بشىءٍ.

رطل الراء والطاء واللام كالذى قبله ، إلّا أنَّهم يقولون للشىء يُكال به رِطْلٌ. ويقولون : غُلامٌ رِطلٌ : شابٌّ. ورطَّلَ شَعْرَه : كَسَّره وثَنَّاه. وليس [هذا] وما أَشبهه من مَحْض اللغة.

رطم الراء والطاء والميم كلمةٌ تدلُّ على ارتباكٍ واحتباسٍ. يقولون : ارتطَمَ على الرّجُل أمْرُه ، إذا سُدَّتْ عليه مذاهبُه. ويقولون : ارتطَمَ فى الوحل. ومن الباب تسميتُهم اللازِمَ للشّىء راطماً. والرَّطُوم : الأحمق ؛ وسمِّى بذلك لأنّه يرتَطِم فى أمورِه. ومن الباب الرُّطام ، وهو احتباس نَجْو البعير. ويقولون رَطَمها إذا نَكَحها. وقد قُلْنا إنّ هذا وشِهْهَ ممّا لا يكونُ من مَحْض اللُّغة.

__________________

(١) فى الأصل : «ان ضخ» ، صوابه من المجمل.

(٢) فى الأصل : «عه».

(٣) الجمهرة (٢ : ٣٦٨).


رطن الراء والطاء والنون بناءٌ ليس بالمُحْكَم ولا له قياسٌ فى كلامهم ، إلّا أنّهم يقولون: تراطَنُوا ، إذا أتَوْا بكلامٍ لا يُفهَم ؛ ويُخَصُّ بذلك العَجم. قال.

فأثارَ فارِطُهُمْ غَطَاطاً جُثَّماً

أصواتُهُ كَتَراطُنِ الفُرسِ (١)

ويقال الرّطَّانة : الإبل معها أهلُها. قال :

* رَطَّانة مَنْ يَلْقَها يُخَيَّبِ (٢) *

رطو الراء والطاء والواو ليس بشىء. وربما قالوا : رطاها ورطأها ، إذا جامَعَها. وممّا يقرب [من] هذا فى الضّعف قولُهم للأحمق : رطِىٌّ.

رطب الراء والطاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف اليُبْس. من ذلك الرَّطْب والرَّطِيب. والرُّطْب : المرعى ، بضم الراء. والرُّطَب معروف. ويقال أرْطَبَ النَخْل إرطاباً. ورطَّبْتُ القومَ تَرطيباً ، إذا أطعمتَهم رُطَباً. والرِّطاب (٣) من النَّبت. تقول : رطَبْتُ الفرسَ أرطُبه رطْباً ورُطوباً. والرَّطْبَة : اسمٌ للقَضْب خاصّةً ما دام رَطْبا. ورِيشٌ رَطِيبٌ ، أى ناعم. وحكى ناسٌ عن أبى زيد : رَطِبَ الرجُل بما عنده يَرْطَبُ (٤) ، إذا تكلَّم بما كان عنده مِن خطإٍ أو صواب. والله أعلم.

__________________

(١) البيت لطرفة فى اللسان (رطن ، غطط) ، وليس فى ديوانه ، وسيعيده فى (غط).

(٢) إثبات الكلمة الأخيرة من اللسان. وبدلها فى المجمل : «يخيب».

(٣) الرطاب : جمع رطبة بالفتح ، وهى القضب.

(٤) ذكرت فى القاموس ، وجعلها من باب فرح ، ولم ترد فى اللسان.


باب الراء والعين وما يثلثهما

رعف الراء والعين والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على سَبْق وتقدُّم. يقال فَرَسٌ راعفٌ : سابقٌ متقدِّم. ورَعَف فلانٌ بفرسِهِ الخيلَ ، إذا تقدَّمها.

قال الأعشى :

به تَرْعُفُ الألْفَ إِذْ أُرْسِلَتْ

غَداةَ الصّباح إذا النَّقْعُ ثارا (١)

ومن الباب رَعَفْت ورَعُفت (٢). والرُّعاف فيما يقال : الدّمُ بعينه. والأصل أنّ الرُّعاف ما يُصيب الإنسانَ من ذلك ، على فُعال ، كما يقال فى الأدواء. ويقولون للرِّماح رواعفُ ، قِيل ذلك من أجل أنها تقدَّم للطَّعْنِ. ويقال بل سُمِّيت لِمَا يقطُر منها الدّمُ. والأصل فيه كلِّه واحدٌ (٣). وراعُوفَةُ البِئر : حجرٌ يتقدم من طَيِّها (٤) نادراً ، يقوم عليه السَّاقى. وأَرْعَفَ فلانٌ فلاناً ، إذا أعجَلَه. وجاء فى الرَّاعوفة «أنّه سُحِرَ وجُعِل سِحرُه فى جُفِّ طَلْعةٍ ودُفِنَ تحت راعُوفة البِئر (٥)». والرَّاعف : أنْف الجَبَل ، ويجمع رواعِفَ. وطرَفُ الأرنبة راعفٌ. ويقال أرعَفَ فلانٌ قرْبتَه إرعافا ، إذا ملأَها حتى تَرْعُف. قال :

* يَرْغُفُ أعلاها مِنِ امتلائها (٦) *

__________________

(١) ديوان الأعشى ٤٠ واللسان (رعف). ويروى : «ترعف» بالبناء للمفعول أيضا.

(٢) كذا ضبطا فى الأصل. ولغاته فى القاموس : كنصر ومنع وكرم وعمى وسمع.

(٣) فى الأصل : «كلمة واحدة».

(٤) فى الأصل : «طينها» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٥) ويروى : «راعوتة» بالثاء. وهو من حديث عائشة. اللسان (رعث ، رعف).

(٦) لعمر بن لجأ ، فى اللسان (رعف). وأنشده فى المحمل.


رعق الراء والعين والقاف ليس أصلاً ، بل هو صوتٌ من الأصوات. فالرُّعَاق : صوتٌ يخرج من قُنْب الدّابّة الذكرِ ، كما يُسمَع الرَّعيق من ثفْر الانثى. تقول : رَعَق رَعْقاً ورُعاقا.

رعك (١) الراء والعين والكاف كلمةٌ واحدة. يقولون : الرّاعك من الرجال : الأحمَق.

رعل الراء والعين واللام معظمُ بابِه أصلان : أحدهما جماعةٌ ، والآخَر شىءٌ يَنُوس ويضطرب. فالأول الرَّعْلَة : القِطعة من الخيل. والرَّعِيل مثل الرَّعلة. وقال طرَفةُ فى الرِّعال وجعَلَها للطّير :

ذُلُقٌ فى غارةٍ مسفوحةٍ

كرِعال الطَّيرِ أسراباً تمُرّ (٢)

وأراعيل الرِّياح : أوائلها. وحكى ابنُ الأعرابىّ : تركت عيالاً رَعْلَةً ، أى كثيرة. فأما قولُه :

أبَأْنا بِقَتْلانا وسُقْنا بسَبْينا

نساءً وجِئْنا بالهِجان المرعَّلِ (٣)

فالمعنى المجمَّع ، من القياس الذى ذكرناه. ويقال المرعَّل : السمين المختار (٤) ، وليس ببعيدٍ ، إلّا أنَّ القولَ الأولَ أقْيَس

والأصل الثانى الرَّعْلة : ما يُقطَع من أذُن الشاة ويُترك معلَّقا ينوسُ ، كأنّه زَنَمة. وناقةٌ رَعلاءُ ، إذا فُعِل بها ذلك. قال الفِنْد الزِّمَّانىّ :

__________________

(١) لم أجد لهذه المادة ذكرا فى المعاجم المتداولة. وانظر ما سبق فى مادة (دعك).

(٢) ديوان طرفة ٧٠ واللسان (ذلق).

(٣) البيت فى المجمل واللسان (رعل).

(٤) فى المجمل : «المختار».


رأيت الفِتْيَةَ الأعْزا

لَ مِثْلَ الأينُق الرُّعْلِ (١)

قال ابن الأعرابى : مَرّ فلان يَحُرّ رَعْلَه ، وأراعيلَه ، أى ثيابه (٢). وشاةٌ رَعْلاءُ : طويلة الأذُن. ويقال للذى تَهَدَّلَ أطرافُه من الثِّياب : أرْعَلُ.

وممّا شذ عن البابين ـ وقد يمكن من أحدهما ـ الرَّعْلَةُ ، وهى النَّعامة (٣). ويقال إنّ الرّاعل فُحَّالٌ بالمدينة.

رعم الراء والعين والميم كلمتان متباينتانِ ، بعيدٌ ما بينهما. فالأولى الرُّعام : شىءٌ يَسيل من أنْفِ الشاةِ لداءٍ يصيبها ؛ يقال منه : شاةٌ رَعُومٌ.

والكلمة الثانية شىءٌ ذكره الخليل. قال : رَعَمَ الشمسَ يَرْعَمُها ، إذا رَقَب غيبوبَتَها. وذكر أنه فى شعر الطرِمّاح (٤).

رعن الراء والعين والنون أصلان : أحدهما يدلُّ على تقدّم فى شىءٍ ، والآخر يدلُّ على هَوَج واضطراب. فالأول الرَّعْن : الأنْف النادر من الجبَل. قال ابنُ دُريد : وسمِّيت البَصرة رعناءَ لأنَّها تشبّه برَعْن الجبل. وهو قولُ الفرزدق :

لو لا ابنُ عُتبةَ عمرْو والرّجاءُ له

ما كانت البَصرة الرَّعناءُ لى وطَنا (٥)

ويقال جَيْشٌ أرْعَنُ ، إذا كانت له فُضولٌ كرُعُون الجِبال.

__________________

(١) فى المجمل واللسان (رعل). ويروى : «الأغرال». وانظر المخصص (٧ : ١٥٦).

(٢) فى الأصل : «شابه» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٣) فى اللسان : «سميت بذلك لأنها تقدم فلا تكاد ترى إلا سابقة للظليم».

(٤) هو قوله ، فى الديوان ١٠٨ واللسان (رعم) :

ومشبع متاقى هدوه

يرهم الإيجاب قبل الظلام

(٥) رواية ياقوت (البصرة) واللسان (رعن) :

لولا أبو ملك للرجونائله

والبيت لم يرو فى ديوان الفرزدق.


والأصل الآخَر قولهم أرعَنُ : مسترْخٍ. قالوا : هو من رَعَنَتْه؟؟؟ ، إذا آلَمتْ دِماغه. يقال مِن ذلك رجلٌ مَرعُون. ويقال : رَعُنَ الرَّجُل يَرْعُن رعَناً ، فهو أرْعَن ، أى أهْوَج ، والمرأة الرّعناءِ. فأمّا قولُه جل ثناؤه (لا تَقُولُوا راعِنا) فهى كلمةٌ كانت اليهود تَتَسابُّ بها، وهو من الأرْعَن. ومن قرأها راعناً ، منونة فتأويلُها لا تقولوا حُمْقاً من القَول. وهو من الأوَّل؛ لأنّه يكونُ كلاماً أرْعَنَ ، أى مضطرباً أهوج. ويقال : رحَلُوا رِحْلَةً رَعْناءَ ، أى مضطرِبة. قال:

* ورحلوها رِحْلَةً فيها رَعَنْ (١) *

وذلك إذا لم تكن على الاستقامة.

رعى الراء والعين والحرف المعتل أصلان : أحدهما المراقَبة والحِفظ ، والآخَر الرجوع.

فالأوَّل رعَيْتُ الشَّىءَ : رقَبتُه ؛ ورَعَيْته ، إذا لا حَظْتَه. والراعِى : الوالى.

قال أبو قيس :

ليس قطاً مِثْلَ قُطّىٍ ولا الْ

مَرْعِىُ فى الأقوام كالرّاعِى (٢)

والجميع الرِّعاء ، وهو جمعٌ على فِعالٍ نادرٌ ، ورُعاةٌ أيضاً. وراعيت [الأمر (٣)] : نظرت إلامَ يصيرُ. ورعَيْتُ النُّجُومَ : رقَبْتُها. قالت الخنساء :

أرعَى النُّجومَ وما كُلِّفْتُ رِعْيَتَها

وتارةَ أتغَشَّى فَضْلَ أَطْمَارِى (٤)

__________________

(١) البيت من رجز يروى لخطام المجاشعى ، وللأغلب العجلى. اللسان (رعن).

(٢) البيت فى اللسان (رعى ، قطا). وقصيدته فى المفضليات (٢ : ٨٤ ـ ٨٦).

(٣) التكملة من المجمل.

(٤) ديوان الخنساء ٥٥ واللسان (رعى).


والإِرعاء : الإبقاء ، وهو من ذاك الأصلِ ؛ لأنّه يَحَافِظْ على ما يحافَظُ عليه. قال ذو الإصبع :

عَذِيرَ الحَىِّ مِنْ عَدْوَا

نَ كانوا حَيَّةَ الأرض (١)

بغَى بعضٌ على بعضٍ

فلمْ يُرْعُوا على بَعْضِ

رجل تَرْعِية (٢) * وتِرْعايةٌ : حسن الرِّعْية بالإبل. ومن الباب أرعَيْتُه سَمْعى : أصغَيْتُ إليه. وأرْعِنِى سَمْعَك ، بكسر العين ، أى ليرقُبْ سمعَك ما أقولُه.

والأصل الآخَر : ارْعَوى عن القبيح ، إذا رجَع. وحكى بعضهم : فلانٌ حسنُ الرَّعْو والرّعو (٣) والرَّعْوَى.

ومن الشَاذّ عن الأصلين : الرَّعاوَى والرُّعَاوَى ، وهى الإِبل التى يُعتمَل عليها. قالت امرأةٌ تخاطِب بَعلَها :

تَمَشّشْتَنِى حتَّى إذا ما تركْتَنِى

كنِضْوِ الرُّعاوَى قلتَ إِنىَ ذاهبُ (٤)

وممكنٌ أن يكون هذا من الأصل ، لأنّها تَهْرَم فتُرَدُّ إلى حالٍ سيِّئه ، كما قال جلَّ ثناؤه : ثم (يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ).

رعب الراء والعين والباء أصولٌ ثلاثة : أحدها الخوف ، والثانى المَلْء ، والآخر القَطْع.

__________________

(١) البيتان من أبيات فى الأصمعيات ٣٧. وانظر اللسان (رعى).

(٢) ترعية ، بتثليث التاء وتشديد الياء ، وقد تخفف.

(٣) والرعو أيضا بالضم. ويقال «الرعوة» كذلك بالتثليث.

(٤) البيت فى اللسان (رعى).


فالأول الرَّعْب وهو الخَوف ، رَعَبْتُه رَعْباً ، والاسم الرُّعْب. ويقال إنّ الرَّعْبَ رقْيةٌ ، يزعمون أنهم يرْعَبون ذا السِّحْر بكلامٍ (١) ، أى يُفْزِعونه. وفاعله راعبٌ ورَعَّاب.

والأصل الآخر قولهم : سيلٌ راعبٌ ، إذا ملَأَ الوادىَ. ورعَبْتُ الحوضَ إذا ملأتَه.

والثالث قولهم للشَّى المقَطَّع : مُرَعَّب. ويقال للقِطعة من السَّنام رُعْبوبة. وتسمَّى الشَّطْبَة من النِّساء رُعبوبةً ؛ تشبيهاً لها بقِطعة السنام. ويقال سَنامٌ مرعوبٌ إذا كان يقطُر دَسما.

رعث الراء والعَين والثاء أصلٌ واحد ، وهو تزيُّنُ شىءِ بشىء. فالرَّعَث : العِهْن من الصَّوف ، وهو يزيَّن به (٢). والرِّعاث : القِرَطة ، واحدتها رعثة (٣). وفى كتاب الخليل : الرِّعاث : ضَربٌ من الخرَز والْحَلى. قال :

* وما حُلِّيَتْ إلَّا الرِّعاثَ المُعَقَّدا*

ومما شُبِّه بهذا وحُمل عليه : رَعْثة الدِّيك ، وهى عُثْنُونُه ، كأنّها شُبِّهت برَعَث العهن. قال :

* مِنْ صَوتِ ذِى رَعَثُاثٍ ساكنِ الدَّارِ (٤) *

__________________

(١) فى الأصل : «أنه يرعبون السحر بكلام».

(٢) يزين به الهودج ونحوه.

(٣) رعثة بالضم ، ورعثة بالتحريك.

(٤) للأخطل فى اللسان (رعث ، حمض) والحيوان (٢ : ٣٤٦). وصدره :

ماذا يؤرلني والنوم؟


رعج الراء والعين والجيم أَصلٌ يدلُّ على نَضارة وحُسْن وخِصْب وامتلاء. ويقال أرضٌ مِرْعاجٌ ورَعِجَة (١) ؛ إذا كانت خِصْبةً. ومن النَّضارة والحُسن : إرعاج البَرْق (٢) ، وهو تلألؤُه.

رعد الراء والعين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حركةٍ واضطرابٍ. وكلُّ شىءِ اضطربَ فقد ارتعدَ. ومنه الرِّعديدَة (٣) والرِّعْديد : الجبان. وأرْعِدَت فرائصُ الرَّجُل عند الفَزَع. والرِّعديدة : المرأة الرَّخْصَة ، والجمع رَعاديد. ومن الباب الرَّعْد ، وهو مَصْع مَلَكٍ يسوقُ السَّحَاب. والمَصْع : الحركة والذَّهاب والمَجِىء. ويقال مَصَعَت [الدَّابَّة] بذنَبها ، إذا حرّكَتْه. ثم يُتصرَّف فى الرَّعْد ، فيقال رَعَدَت السماء وبَرَقَتْ. ورَعَدَ الرَّجُل وبَرَق ، إذا أَوْعَدَ وتهَدَّد. وأجازُوا : أرعَدَ وأَبرَقَ. وأنشد :

أرْعِدْ وأبْرِقْ يايزي

دُ فما وَعيدُك لى بضائرْ (٤)

وفى أمثالهم : «صَلَفٌ تَحْتَ الرَّاعِدة (٥)» ، للذى يُكْثِرُ الكلام ولا خيرَ عنده. والصَّلَف : قِلَّةُ النَّزَل. ويقال أرَعَدْنا وأبرقْنا ، إذا سمِعْنا الرَّعدَ ورأينا البرق. ومن أمثالهم : «جاءَ بِذاتِ الرَّعْد والصَّليل» إذا جاءَ بشَرٍّ وغَزْو (٦) ويقال إنّ ذاتَ الرَّعدِ والصّليلِ الحربُ. وذاتُ الرَّواعِد : الدّاهية.

__________________

(١) هاتان الصفتان لم تردا فى المعاجم المتداولة.

(٢) ويقال رعج ورعج ، بالفتح والتحريك ، ويقال ارتعج ارتعاجا أيضا.

(٣) فى الأصل : «الرعددة» تحريف. وأنشد فى اللسان لأبى العيال :

ولا زميلة رعد

دة رهش إذا ركبوا

(٤) البيت للكميت كما سبق فى حواشى (برق ٢٢٢).

(٥) كذا ورد نصه مضبوطا فى الأصل والمجمل. والمعروف : «رب صلف» ، كما فى اللسان.

(٦) فى الأصل : «وعز».


رعز الراء والعين والزاء ليس بشىء. على انّهم يقولون : المُرَاعِزُ : المُعاتِبُ (١).

رعس الراء والعين والسين أُصَيْلٌ يدلُّ على ضَعف. قال الفرّاء : رَعَسْتُ فى المشْى ، إذا مشَيْتَ مشياً ضعيفاً ، من إعياءِ أو غيرِه. وقال بعضُهم : الارتعاس كالارتعاش والانتفاض. قال

يَبْرِى بإِرْعاسِ يَمِينِ المُؤْتَلِى

خُضُمَّةَ الذِّرَاعِ هَذَّ المُخْتَلِى (٢)

رعش الراء والعين والشين فى معنى الباب قبله من الاضطراب والارتعاد. ورجلٌ جبانٌ رَعِشٌ. وجَملٌ رَعْشَنٌ ، وذلك اهتزازُه فى سَيره. والنون زائدة.

والرَّعْشاءُ من النَّعام : السريعة.

رعص الراء والعين والصاد* فى معنى البابِ الذى قبلَه. فالرَّعْص الاضطراب. ويقال ارتعصت الحيّةُ : تلوَّت. قال :

أنَى لا أسعَى إلى داعِيَّهْ

إلّا ارتعاصاً كارتعاصِ الحيَّهْ (٣)

ويقال ارتعص الجَدْيُ ، إذا طَفَرَ من النَّشاط.

رعظ الراء والعين والظاء كلمةٌ واحدة لا يُقاس ولا يَتفرَّع. فالرُّعْظُ : مَدْخَل النَّصْل فى السَّهم. وحكى الخليل : «إنّ فلاناً لَيَكسِر عليك أرعاظَ النَّبْل» ، إذا كان يتغضّب. ويقال سهمٌ رَعِظٌ ، إذا غاب فى رُعْظِه.

__________________

(١) زاد فى القاموس : «وراعز : القبض». والكلمتان لم تردا فى اللسان.

(٢) الرجز للعجاج فى ديوانه ٥٢ ـ ٥٣ واللسان (رعس). وفى اللسان : «الدارع» ، أى لابس الدرع.

(٣) للعجاج فى ديوانه ٧٢ واللسان (رعص ، دعو) والمخصص (٨ : ١١٢).


باب الراء والغين وما يثلثهما

رغف الراء والغين والفاء كلمةٌ واحدة. فالرَّغيف معروف ، ويجمع على الرُّغْفان والأرغِفة والرُّغُف. قال :

* إنّ الشِّواء والنَّشِيلَ والرُّغُفْ (١) *

وهاهنا كلمةٌ أخرى إن صحَّت. زعموا أنّ الإزغاف : تحديد النَّظَر.

رغل الراء والغين واللام أصلٌ واحد ، وهو اغتفال شىءٍ وأخذه ثم يشتقّ منه ويُحمل. فالرَّغْل : اختلاسٌ فى غَفْلة. والرَّغْلَة : رَضاعةٌ فى غَفْلة. قال أبو زيد : يقال رَمٌ رَغُول ، * إذا اغتنَمَ كلَّ شىءٍ وأكله. قال أبو وجزة :

رَمٌ رَغُولٌ إذا اغبَرَّتْ مَواردُهُ

ولا يَنامُ له جارٌ إذا اختَرَفا (٢)

يقول : إذا أجدب لم يَحقِرْ شيئاً وشَرِهَ إليه ، وإن اختَرَفَ وأخْصَبَ لم يَنَمْ جارُه ؛ خوفاً من غائِلته. والرَّغُول : الشَّاة تَرضَع الغَنَم (٣). فأما الأرْغَل ، وهو الأقْلَف ، فليس من الباب ؛ لأنه مقلوبٌ عن الأغْرل ، وقد ذُكِر فى بابه. ويقال عَيشٌ أرْغَلُ ، أى واسعٌ رافِهٌ. وهذا لعلّه مِن أرغَلَت الأرضُ ، إذا أنبتَت الرُّغْل ، وهو من أحرار البقول.

رغم الراء والغين والميم أصلان : أحدهما التُّراب ، والآخر المَذْهَب. فالاول الرَّغام ، وهو التُّراب. ومنه «أرغَمَ الله أنفَه» أى ألصقه بالرَّغام. ومنه

__________________

(١) الرجز للقيط بن زرارة ، كما فى اللسان (رعف ، نشل). وانظر المخصص (٥ : ٦ / ١٧ : ٨٥).

(٢) البيت فى المجمل واللسان (رغل).

(٣) ذكر هذا المعنى فى القاموس ولم يذكر فى اللسان.


حديثُ عائشة فى الخِضاب : «أُسْلِتِيهِ ثمَ أرغِمِيه» تقول : ألقيه فى الرَّغام. هذا هو الأصل، ثم حُمل عليه فقال الخليل : الرَّغْم أنْ يفعل ما يكرهُ الإنسانُ. ورَغَمَ فلانٌ ، إذا لم يقدر على الانتصاف. قال : والرَّغَام : اسم رملةٍ بعينها (١). ويقال راغم فلانٌ قومَه : نابَذَهم وخرجَ عنهم.

والأصل الآخَر المُراغَمُ ، وهو المذهَبُ والمَهْرَب ، فى قوله جلَّ ثناؤه : (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً). وقال الجعدىّ :

* عَزيزِ المُرَاغَمِ والمَهْرَبِ (٢) *

ويقال : ما لِى عن ذاك الأمرِ مُراغَمٌ ، أى مهرَبِ.

ومما شذَّ عن الأصلين الرُّغامَى ، قال قومٌ : هى الأنْف ؛ وقال آخرون : زيادة الكبِد. قال الشمّاخ :

* لها بالرُّغامَى والخياشيمِ جارِزُ (٣) *

رغن الراء والغين والنون فيه كلامٌ إن صحّ. يقولون الإرغانُ : الإصغاء إلى الإنسان والقَبولُ له والرِّضا به. والرَّغْن كذلك أيضاً. وحكَوْا عن

__________________

(١) زاد ياقوت : «من نواحى اليمامة بالوشم». وأنشد للفرزدق :

تبكى المرافة بالرغام على ابنها

ولناهقات يصحن بالإهوال

(٢) صدره كما فى اللسان (رغم) :

كطود بلاذ بأركانه

(٣) صدره كما فى ديوانه ٥١ واللسان (رغم ، جرز) :

يحشرجها طورا وطورا كأنها

وفى الأصل : «له بالرعامى» صوابها من هذه المراجع ومما سبق فى (جرز ٤٤١).


الفراء : «لا تُرْغِنَنَ له فى ذاك» أى لا تُطِعْه (١) فيه. ورَغَن إلى الصُّلح مثل رَكَن. روالله أعلم ، كيف هذا (٢).

رغورالراء والغين والحرف المعتلّ أصلان : أحدهما شىء يعلو الشىء ، والآخر صوتٌ.

فالأول الرَّغْوة والرُّغْوَة (٣) [لِلَّبَن (٤)] : زَبَدُه ؛ والجمع رُغّى. وارتغى الرَّجُل : شَرِبَ الرّغوة. يقولون : «يُسرُّ حَسْواً فى ارتغاء». يُضْرَب مثلاً لمن يُظهِر أمراً ويريد خلافَه. ورغَّى (٥) اللّبنُ من الرّغْوة. والمِرْغاةُ : الشَّىءُ من الخُبْز أو التَّمْر يُؤْكل به الرّغْوة (٦). وكلامٌ مُرغٍ : لم يفسَّرْ ، كأنّ عليه رغْوة.

والأصل الآخَر الرُّغاء : رُغاء النّاقةِ والضَّبُع (٧) ، وهو صوتُهما. ويقال :ر«ما له ثاغِيةٌ ولا راغِيَة» ، أى شاةٌ ولا ناقة. وأتيتُ فلاناً فما أثغَى ولا أرْغَى ، أى لم يُعطِنى شاةً ولا ناقة.

رغب الراء والغين والباء أصلان : أحدهما طلبٌ لشىء (٨) والآخر سَعَةٌ فى شىء.

فالأوّل الرَّغْبة فى الشىء : الإرادةُ له : رغِبْتُ فى الشىء. فإِذا لم تُرِدْه قلتَ

__________________

(١) فى الأصل والمجمل : «لا تطعمه» ، صوابه فى اللسان.

(٢) قد تكون هذه من زيادة النساخ.

(٣) ويقال : رغوة ، بالكسر. هو مثلث الراء.

(٤) التكملة من المجمل.

(٥) يقال أيضا رغا وأرغى.

(٦) فسرت فى اللسان والقاموس بأنها «شىء يؤخذ به الرغوة». ولا تناقض بينهما.

(٧) والرغاء للنعامة أيضا.

(٨) فى الأصل : «طلب لشىء فيه».


رغِبتُ عنه. ويقال من الرّغبة : رَغِب يرغَبُ رَغْباً ورُغبا ورَغْبَةً ورَغْبَى مثل شكوى.

والآخر الشَّىْءُ الرَّغيب : الواسع الجَوف. يقال حوضٌ رغيب ، وسقاءُ رغيب. رويقال فرسٌ رغيب الشَّحْوة (١). والرَّغِيبة : العَطاء الكثير ، والجمع رغائب. قال :

* وإلى الذى يُعْطِى الرّغائبَ فارْغَبِ (٢) *

والرَّغاب (٣) : الأرضُ الواسعة. وقد رغُبَتْ رُغْباً.

رغث الراء والغين والثاء أصلٌ يدلُّ على الرَّضاع. يقال رَغثَ الجدىُ أمَّه : رَضِعَهَا. فأمّا قولُهم : بِرْذَوْنَةٌ رَغُوث ، فقد اختُلِف فيه. فكان الخليل يقول : الرَّغُوث : كلُّ مرضعِة ؛ وذكر قولَ طرفة :

ليت لنا مَكانَ المَلْكِ عَمْرِو

رَغُوثاً حولَ قُبّتِنا تخُورُ (٤)

وكان ابنُ دريدٍ يقول : فعيل فى معنى مفعولة ، لأنّها مرغُوثة. يريد أنه يرتضع لبنَها. ولعلَّ هذا أصح القولَين. وقال الأحمر : يقال لِلرَّجُل إذا كَثُرَ عليه السُّؤالُ حتى ينفَدَ ما عنده: مَرغوثٌ. والرُّغَثَاءُ : أصْلُ الضَّرْع ، وهو القياس ؛ لأنّ المرتضِع يَعْمِدُ له. ثم شبّه بذلكْ غيرُه ، قيل لمُضَيْغَتَيْنِ بين الثَّنْدُوَة والمَنْكِب بجانبَى الصَّدر : رُغَثَاوَان.

__________________

(١) الشحوة : الحطوة. وفى الأصل : «الشجوة» ، صوابه فى المجمل واللسان.

(٢) للنمر بن تولب. وصدره كما فى اللسان (رغب) :

ومتى تصبك خصاصة درج؟

(٣) يقال رغاب ، كسحاب ، ورغب بضمتين أيضاً.

(٤) فى ديوانه ٦ واللسان (رغث): «فليت». وفى اللسان (خور): «ليت» بالخرم كما هنا.


رغد الراء والغين والدال أصلان : أحدهما أطْيَب العيش ، والآخر خِلافُه.

فالأوَّل عيشٌ رَغْدِ ورغِيد. أى طيِّبٌ واسع. وقد أَرغَدَ القومُ ، إذا أَخصَبُوا. ويقال إنَ الرَّغيدةَ فى بعض اللغات الزُّبدة (١). وأرغَدَ الرّجلُ ماشِيتَه ، إذا تركَها وسَوْمَها.

والأصل الآخر المُرْغَادُّ : الذى تَغَيَّرَ حالُه فى جِسمه ضعفاً. ومن ذلك المَرْغَادُّ : الشّاكُّ فى رأيه لا يَدرِى كيف يُصْدِرُه.

رغس الراء والغين والسين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بَرَكةٍ ونَماء. يقولون : الرغْس النَّماء والبَرَكة والخَير. قال العجاج (٢) :

* حَتَّى رأيْنَا وَجْهَكَ المَرْغُوسا*

ويقال الرَّغْس : النّعمة ، فى قوله :

* تراه منصوراً عليه الأرْغُسُ (٣) *

وفى الحديث : «أنَّ رجلاً أرغَسَه اللهُ مالا». أى خوّلَه إيّاه وبارَكَ له فيه.

__________________

(١) هذا يطابق قول ابن دريد فى الجمهرة (٢ : ٢٥١). والذى فى اللسان والقاموس أن الرغيدة لبن يغلى ثم يذر عليه الدقيق حتى يختلط فيساط فيلعق لعقا. أقول : إن هذه الكلمة سائرة فى استعمال بعض المصريين بهذا المعنى.

(٢) الصواب أنه رؤبة كما فى اللسان (رغس) من قصيدة فى ديوانه ٦٨ يمدح بها إياد بن الوليد.

(٣) ديوان رؤبة ٦٨ والتاج (رغس) برواية «الأرغاس». وفى القاموس أن جمع الرغس أرغاس. فهذا جمع آخر.


باب الراء والفاء وما يثلثهما

رفق الراء والفاء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على موافَقةٍ ومقاربةٍ بلا عَنْف. فالرِّفق : خلاف العُنْف ؛ يقال رفَقْتُ أرْفُق. وفى الحديث : «إنّ الله جلّ ثناؤه يحبُ الرِّفْق فى الأمر كله».

هذا هو الأصل ثم يشتقّ منه كلَّ شىءِ يدعو إلى راحةٍ وموافَقة. والمرفق (١) مِرَفق الإنسان ؛ لأنه يستريح فى الاتِّكاء عليه. يقال ارتَفَق الرّجلُ : إذا اتَّكأ على مَرفقه فى جلوسه. ومن ذلك الحديثُ لمّا سأل الأعرابىُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل له : «هو ذاكَ الأمغَرُ المرتَفِقُ». أى المتَّكئ على مِرَفقه. ويقال فيه مَرْفِق ومِرْفَق ، حكاهما ثعلب. والرُّفْقَة : الجماعة ترافِقُهم فى سفرك ؛ واشتقاقه من الباب ، للموافَقة ، ولأنَّهم إذا تَمَاشَوْا تحاذَوْا بمرافِقهم. قال الخليل : الرُّفْقة فى السفر : الجماعة الذين يرافِقونك ، فإذا تفرَّقْتم ذهب اسمُ الرُّفقة. قال : والرّفيق : الذى يرافقك ، وهو أن يجمعَك وإياه رفْقة ؛ وليس يذهب اسمُه إذا تفرَّقْتُما. والمُرْفِق : الأمر الرَّافِقُ بك. والرِّفاقُ : حبلٌ يشدُّ به مِرَفق البعير إلى وَظيفِهِ. وهو قوله :

* كذاتِ الضِّغْنِ تَمْشِى فى الرِّفاقِ (٢) *

والمِرْفق : المِرْحاض ، والجمع مَرَافِق. ويقال ارتفَقَ الرّجلُ ساهراً ، إذا بات

__________________

(١) المرفق كمنبر ومجلس.

(٢) البيت لبشر بن أبى خازم ، كما فى اللسان (رفق) والمخصص (٧ : ١٥٣ / ١٣ : ١٢٩).


على مِرفقِهِ لا ينام. وشاةٌ مُرَفَّقَةٌ (١) : يداها بَيضاوانِ إلى المرفقين. والرَّفَق : انفتالٌ عن الجنب ؛ ناقةٌ رَفْقاءُ ، وجملٌ أرفَقُ. ويقال ماءٌ رَفَقٌ ومَرتعٌ رفَقٌ ، أى سهلُ المطْلَب.

رفل الراء والفاء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سَعةٍ ووُفُورٍ. من ذلك رَفَل فى ثيابه يَرْفُل ، وذلك إذا طالَتْ عليه فجَرَّها. والرِّفَلُ : الفَرَس الطويل الذّنَب.

رفن [الراء والفاء والنون ليس أصلاً (٢)] ، وإنّما النُّون [فى رِفَنّ] مبدلةٌ من لام ؛ لأنّه فى الأصل رِفَلٌّ. فأما قولهم ارفأَنَ ، إِذا سكَنَ ، فإنّ النون فيه زائدة.

رفه الراء والفاء والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نَعمةٍ وسَعة مَطْلَبٍ. من ذلك الرِّفْهُ ، وهو أن تَرِدَ الإبلُ كلَّ يومٍ متى شاءت. قال الشاعر (٣) :

يَشْرَبْنَ رِفْهاً عِراكاً غيرَ صادرةٍ

وكلُّها كارعٌ فى الماء مُغْتَمِرُ

ومن ذلك الرَّفاهَةُ فى العَيش والرّفَاهِيَة. ويقال : بينَنَا وبين فلانٍ ليلةٌ رافهة ، أى ليِّنة السّير لا تُعيِى. ومن ذلك الإرفاه : كثرة [التدَهُّن (٤)] ، وهو من الرِّفْه الذى ذكرناه. ورُفِّه عنه : إذا نُفِّس عنه الكَربُ.

__________________

(١) ذكرت هذه الكلمة فى القاموس ، ولم ترد فى اللسان.

(٢) أثبت هذه التكملة مطاوعة لطريقة ابن فارس ، وللحاجة إليها.

(٣) هو لبيد. ديوانه ٥٢ طبع ١٨٨٠ واللسان (رفه ، غمر). وفى الموضع الأول من اللسان «غير صادية» ، وقد أشير إليها فى شرح الديوان. وفى جميع المواضع : «فكلها كارع».

(٤) التكملة من المحمل واللسان. وفى الحديث «أنه نهى عن الإرفاء».


رفوأ الراء والفاء والحرف المعتل أو الهمزة أصلٌ واحد يدلُّ على موافقةٍ وسكون وملاءَمة. من ذلك رفَوْتُ الثَّوْبَ أرفُوه ، ورفَأته أرفَؤه. ورفَوْت الرّجلَ ، إذا سكَّنْته من رُعْب. قال :

رَفَوْنِى وقالُوا يا خُوَيلِدْ لا تُرَعْ

فقلتُ وأنكرتُ الوجوهَ هُمُ هُمُ (١)

والمرافاة (٢) : الاتِّفاق. قال :

ولمَّا أنْ رأيتُ أبَا رُوَيمٍ

يُرَافِينِى ويَكرَهُ أن يُلاما (٣)

والرِّفاء : الاتِّفاق والالتحام. ومن ذلك الحديث «أنّه نَهَى أن يقال بالرِّفاء والبنين». يقال ذلك لِلْمُمْلِك. ومن الباب أرفَأْتُ إليه ، إذا لَجَأْتَ إِليه. وأرفأتُ فلاناً فى البيع ، إذا زِدْتَه محاباة. ومنه أرفأْتُ السّفينةَ ، إذا قرّبْتَها للشَّطّ. وذلك المكان مَرْفَأٌ.

ومما شذَّ عن الباب : اليَرْفَئِىُ ، قال قوم : هو راعى الغَنَم ؛ وقال قومٌ : هو الظليم. ويقال : بلْ كل نافرٍ يَرْفَئِىٌ.

رفت الراء والفاء والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على فَتٍ ولَىّ. يقال رفَتُ الشّىءَ بيدى ، إذا فتَتَّه حتّى صارَ رُفاتا. وارْفَتَّ الحَبْلُ ، إذا انقطع. واشتُقّ منه رفَتَ عُنقَه ، إذا دقَّها ولَفَتَها [و] لوَاها.

__________________

(١) البيت لأبى خراش الهذلى ، كما فى اللسان (رفأ ، رفا) ، وهو مطلع قصيدة له فى شرح الكرى ٧١ والقسم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ٦٢. وانظر الخزانة (١ : ٢١١).

(٢) فى الأصل : «والرافات» ، صوابه فى المجمل.

(٣) البيت فى المجمل واللسان (رفا) والخزانة (١ : ٢١١). وفى الأصل : «أبا ذريم» صوابه من المراجع السابقة.


رفث الراء والفاء والثاء أصلٌ واحدٌ ، وهو كلُّ كلام يُستَحْيا من إظهاره. وأصلُه الرَّفَثُ، وهو النِّكاح. قال الله جلّ ثناؤه : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ). والرّفَث : [الفُحْش] فى الكلام. يقال أَرْفَثَ وَرَفَثَ.

رفد الراء والفاء والدال أصلٌ واحدٌ مطّرد منقاس ، وهو المعاوَنة والمظاهَرة بالعَطاء وغيره. فالرَّفْد مصدر رفَدَهُ يَرْفِدُه ، إذا أعطاه. والاسم الرِّفْد. وجاء فى الحديث : «ويكون الفَىء رِفْداً». أى يكون صِلاتٍ لا يوضَع مواضِعَه. ويقال ارتفَدْتَ من فلانٍ : أصبْتُ من كَسبه. وأُرفِدت المال : اكتسبته. والرافد : المُعين ، والمُرْفِدُ أيضاً. ورفَدَ بنو فلانٍ فلاناً ، إذا سَوَّدُوه عليهم وعظَّموه ، وهو مرفَّد. والرّافِدانِ : دِجْلةُ والفرات. قال الفرزدق :

بَعثْتَ على العِراق ورافديْهِ

فَزَارِيًّا أحَذَّ يَدِ القَميصِ (١)

وترافدوا ، إذا تعاوَنُوا عليه ، والرِّفادة : شىء كانت قريش تُرَافِدُ به فى الجاهلية ، يُخرِج كلُّ إنسانٍ شيئاً ، ثم يشترون به للحاجِّ طعاماً وزَبيبا وشراباً. والرَّوافِد : خشب السَّقف ؛ وهو من الباب ؛ لأنه يُرفدَ بها السَّقْف. قال :

روافِدُه أكرمُ الرّافداتِ

بَخٍ لك بَخٍّ لبَحْرٍ خِضَمّ (٢)

والمرفد : العُظَّامَة التى تعظِّم بها الرّسْحاء عَجِيزتَها. ومن الباب الرِّفْد ، وهو القَدَح الضَّخم ؛ وهو الرَّفْد والمِرْفَد أيضا.

__________________

(١) ديوان الفرزدق ٨٧ ؛ واللسان (رفد ، حذذ) والكامل ٤٧٩ [لبيك والمعارف ١٧٩ والشعراء (ترجمة الفرزدق) وزهر الآداب (١ : ٢١) والأغانى (١٩ : ١٧) وكنايات الجرجانى ٧٤ والحيوان (٥ : ١٩٧ / ٦ : ٥١٠). وفى المجمل : «أأطعمت».

(٢) البيت فى اللسان (بخخ ، رفد) وقد سبق فى (بخ).


ويقال المِرْفَد : الإناء الذى يُقْرَى فيه. والرَّفُوذ : الناقة تملأ الرِّفْد ، وهو القدح الضخم ، فى حَلْبةٍ واحدة. والرُّفَيْدات : قومٌ من العرَب.

رفز الراء والفاء والزاء ليس هو عندنا أصلاً ، لكنَّهم قالوا : إنّ الرّفْز الضَّرْب ؛ يقال ما يَرْفِزُ منه عِرْقٌ : أى ما يضرِب. قال :

وبلدةٍ للداء فيها غامِزُ

مَيْتٍ بها العِرقُ الصَّحيح الرَّافِزْ (١)

رفس الراء والفاء والسين قريبٌ من الباب الذى قبله ، إلا أن فى كتاب الخليل : الرَّفْس : الصَّدْمة فى الصَّدر بالرِّجْل.

رفش الراء والفاء والشين ليس* شيئا. ويقولون : الرَّفْش الأكل.

رفص الراء والفاء والصاد فيه كلمةٌ واحدة. يقولون : ارتَفَصَ السِّعْر : غَلَا. فأمّا الرُّفْصَة فالماءُ يكون بين القوم نَوْبةً. ويقال إنه مقلوب من الفُرْصة. يقال : هم يتفارصُون الماءَ بينهم ويترافصون ، إذا تناوبوا. وقد كتب البابُ فى موضعه.

رفض الراء والفاء والضاد أصلٌ واحد ، وهو التَّرك ، ثم يشتقّ منه. يقال رَفَضْتُ الشىءَ : تركته. هذا هو الأصل ، ثم يشتقّ منه ارفَضَ الدّمْعُ من العين : سال ، كأنه تَرَكَ موضِعَه. وكلُّ متفرّقٍ مرفَضّ. ويقال للطَّريق المتفرِّفة أخادِيده : رِفَاض. قال :

__________________

(١) البيتان فى اللسان (رفز ، رفز) حيث أنشد فى الموضع الأخير رواية «الرافز» ، وكلاهما بمعنى. وفى الأصل : «رافز» ، صوابه «الرافز» ، أى إن العرق الصحيح يموت بها من الفزع.


* كالعِيسِ فَوقَ الشَّرَكِ الرِّفاضِ (١) *

والرَّفَض : الفِرَق ، فى قول ذى الرُّمّة :

* بها رَفَضٌ مِنْ كلِّ خَرْجاًء صَعْلةٍ (٢) *

أى فِرَق. وفى القِربة رفَضٌ من ماءٍ : مثلُ الجُرْعة ، كأنها رُفِضَت فيه. يقال فيه رفَّضْتُ. ورُفُوض الأرض. مواضعُ لا تُمْلكَ ، كأنها رمِست. والرَّاوفض : جنودٌ تَركوا أميرَهم وانصَرفوا. ويقال : رجلٌ رُفَضَةٌ ، للذى يُمسِك الشىءَ ثم لا يلبثُ أن يدَعَه ، ويقال رَفَضَ النّخلُ ، وذلك إِذا انتشر عِذْقه وسقط قِيقاؤُه. ويقال فى أرضِ بنى فلانٍ رُفوض من كلأ ، إِذا كان متفرِّقا بعيداً بعضُه من بعض ، وقال بعضهم : مَرافِضُ الوادى : مَفاجرُه ، وذلك حيث يرفضُ إليه السَّيل. قال ابن السّكَيت : راعٍ رُفضَةٌ قُبَضَة ، للذى يقبض الإبلَ ويجمعها ، فإذا صار إِلى الموضع الذى [تحبُّه و] تهواه [رفَضَها (٣)] فتركها ترعَى حيث شاءت تذهب وتجىء.

رفع الراء والفاء والعين أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على خلاف الوضع. تقول : رفعتُ الشىءَ رفعاً ؛ وهو خلاف الخَفْض. ومَرفُوع الناقةِ فى سيرها : خلاف المَوْضوع. قال طرَفة :

__________________

(١) البيت لرؤبة فى ديوانه ٨٢ واللسان (رفض). ورواية ابن فارس تطابق رواية الجوهرى.

قال ابن برى : «صوابه : بالعيس ، لأن قبله :

يقطع أجواز الفلا انقضاضي

(٢) عجزه كما فى الديوان ٥١٦ واللسان (رفض) :

وأخرج يمشى مثل مشى؟

(٣) هذه التكملة والتى قبلها من المجمل.


مَوضُوعُها زَوْلٌ ومرفوعها

كمَرِّصَوْبٍ لجِبٍ وَسْطَ ريحْ (١)

يقال رَفَع البعيرُ ورَفَّعته أنا.

ومن الباب الرَّفْع : تقريب الشىء. قال الله جلّ ثناؤُه : (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) ، أى مقرَّبة لهم. ومن ذلك قوله رَفَعْتُه للسُّلطان ، ومصدر ذلك الرُّفْعانُ ويقال للناقة إذا رفَعت اللِّبَأَ فى ضَرعها : هى رافعٌ. والرفع : إذاعة الشىء وإظهارُه. ومنه الحديث ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «كلُ رافِعَة رفعَتْ علينا من البَلاغ (٢) فقد حرَّمتُها». أى كلُّ جماعةٍ مبلِّغة تبلّغ عنا فلتبلّغ أنِّى حرَّمْتُ المدينةَ. وذلك كقولهم رَفَع فلانٌ على العامل ، وذلك إذا أذاعَ خَبرَه ورَفْع الزَّرعِ : أن يُحمل بعد الحَصاد إلى البَيْدر ؛ يقال هذه أيّام الرَّفاع.

رفغ الراء والفاء والغين كلمةٌ تدل على ضَعةٍ ودناءة. فالرَّفْغ ألْأَمُ الوادِى وشرُّه تُراباً. والرُّفْغ : أصل الفخِذ ، وكلُّ موضع اجتمع فيه الوَسَخ. وفى الحديث : «كيف لا أُوهِمُ ورُفْغُ أحدِكم بين ظُفْره وأنملته (٣)». والأَرفاغ من الناس : السِّفْلة. فأما قولهم عيشٌ رافغ ورفيغ : طيّب واسع ، فهذا له وجهان : إمّا أن يكونَ الغَينُ منقلبةً عن الهاء فيكون من الرَّفْه ، وإمَّا أن يكون شُبِّه مالُه فى كثرته برَفْغ التُّراب ، يراد به الكثرة.

__________________

(١) فى ديوان طرفة ١٣ : مرفوعها زول وموضوعها ، وبهذه الرواية صحح ابن برى رواية البيت. انظر اللسان. وسيعيده فى (وضع).

(٢) ويروى أيضا «من البلاغ» بضم الباء وتشديد اللام ، أى المبلغين.

(٣) الأنملة : رأس الإصبع ، وفيها تسع لغات تثليث الهمزة مع تثليث الميم.


باب الراء والقاف وما يثلثهما

رقل الراء والقاف واللام أصلان : أحدهما طولٌ فى شىءِ والآخر ضرب من المشى.

فأمّا الأوَّل فالرَّقْلُ : النَّخْل الطُّوال ، واحدتها رَقْلة ؛ وتجمع فى القِلّة رَقلات. والرّاقُول: حَبْلٌ تُصَعد به النّخلة.

والأصل الثانى : أرْقَلَت النَّاقةُ ، وهو ضربٌ من المشْى ، وهى مُرْقِلٌ ، ولا يكون إلَّا بسرعة. وهاشم بن عُتْبَة المِرْقالُ (١) ، لإرقاله كان فى الحروب. قال الرَّاجز ، فى أرْقَلَت النَّاقة :

* والمُرْقِلَاتِ كُلَّ سَهْبٍ سَمْلقٍ (٢) *

رقم الراء والقاف والميم* أصلٌ واحد يدلُّ على خَطٍّ وكتابةٍ وما أشبَهَ ذلك. فالرَّقْم : الخَطّ. والرَّقيم : الكتاب. ويقال للحاذق فى صِناعته.

هو يرقُم فى الماء. قال :

سَأرْقُم فى الماءِ القَراحِ إليكم

على نَأْيِكُمْ إن كان فى الماءِ راقمُ (٣)

وكلُّ ثوبٍ وُشِىَ فهو رَقْمٌ. والأرقَم من الحيات : ما على ظهره كالنَّقْش. قال الخليل بن أحمد : الرَّقْم تعجيم الكتاب. يقال (كِتابٌ مَرْقُومٌ) ، إذا بُيِّنَت

__________________

(١) هو هاشم بن عتبة بن أبى وقاص ، كان معه لواء على فى حرب صفين ، وقتل فى آخر أيامها.

انظر الإصابة ٨٩١٤ والاشتقاق ٩٦.

(٢) قبله ، كما فى ديوان العجاج ٤٠ واللسان (رقل) :

يا رب البيت؟

(٣) فى اللسان (رقم): «على بعدكم».


حروفُه بعلاماتها من التَّنقيط. ورَقْمَتا الفَرَسِ والحِمار : الأثران بباطن أعضادهما. ويقال للرَّوضَة رَقْمَة ، وإِنَّمَا سُمِّيت بذلك لأنَّها كالرَّقْم على الأرض. ويقال لأرض بها نباتٌ قليل : مرقُومة.

ومما شذَّ عن الباب قولُهم للدّاهية : الرَّقِم. وليس ببعيدٍ أن يكون من قياس الباب ؛ لأنَّها إذا نزلت أثَّرَتْ.

رقن الراء والقاف والنون بابٌ يقرب من الباب الذى قبله. يقال رَقّنْت الكتاب : قاربتُ بينَ سُطوره. وترقَّنت المرأةُ : تلطَّخت بالزَّعفران. والرَّقون والرِّقان : الزَّعفران. والمرقون : المنقوش. ويقال للمرأة الحسنة اللَّون الناعمة : راقنة.

رقى الراء والقاف والحرف المعتلّ أصولٌ ثلاثة متباينة : أحدهما الصُّعود ، والآخر عُوذَةٌ يُتعوَّذ بها ، والثالث بقعةٌ من الأرض.

فالأول : قولك رَقِيتُ فى السُّلَّم أَرْقَى رُقِيَّا. قال الله جلّ ثناؤه : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ). والعرب تقول : «ارْقَ على ظَلْعِك» أى اصعَدْ بقدر ما تُطيق.

والثانى : رقَيْت الإنسانَ ، من الرُّقية.

والثالث : الرَّقْوَةُ : فُوَيْقَ الدِّعص من الرمل. [و] يقال رَقْوٌ بِلاهاء. وأكثرُ ما يكونُ إلى جانب وادٍ.

رقأ الراء والقاف والهمزة كلمة واحدة. يقال : رقأ الدّمُ والدّمع ،


إذا انقَطَعا. وفى كلامهم (١) : «لا تسُبُّوا الإبلَ فإنَّ فيها رَقُوءَ الدَّم» أى إنّها تُدفَع فى الدّية فيَرْقَأ دمُ مَن يُراد منه القَوَد.

رقب الراء والقاف والباء أصلٌ واحدٌ مطّرد ، يدلّ على انتصابٍ لمراعاةِ شىءِ. من ذلك الرَّقِيب ، وهو الحافِظ. يقال منه رَقَبْتُ أرْقُب رِقْبة ورِقْباناً. والمَرْقَب : المكان العالى يقِفُ عليه النَّاظِر. والرَّقِيب : الموكَّل فى الميْسِر بالضَّريب. ومن ذلك اشتقاق الرَّقَبةِ ، لأنَّها منتَصِبة ، ولأنّ النّاظرَ لا بد ينتصبُ عند نظره. والمرقَّب : الجلد يُسلَخ من قِبَل رأسِه ورَقَبَتِه. ورقَّابة الرَّحْل : الوغْدُ الذى يرقُب للقوم رَحْلَهم إذا غابوا. ويقال للمرأة التى ترقُب موتَ زوجها لِثَرِثَه : الرَّقوب.الرَّقوب (٢)] : الناقة الخبيثة النَّفْس ، التى لا تكاد تَشرب مع سائر الإبل ، ترقُب متى تنْصرف الإبل عن الماء (٣). ويقال أرقَبْتُ فلاناً هذه الدّارَ ، وذلك أن تُعطيَه إيَّاها يسكنُها كالعُمْرَى ، ثمَّ يقول له إنْ مُتّ قبلى رجعَتْ إلىَّ ، وإن متُّ قبلك فهى لك. وهى من المراقَبة ، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يرقُب موتَ صاحبه. ورِقابُ المَزَاوِد: لقبٌ للعجم ، لأنَّهم حُمْرٌ. والرَّقيب : السهم الثالث من السَّبعة التى لها أنصباءُ ، كأنَّه يُرقَب متى يَخرج : والرَّقوب : المرأة التى لا يعيش لها ولدٌ [كأنَّها تَرقبُه (٤)] لعَلَّهُ يبقى لها.

رقح الراء والقاف والحاء أصلٌ واحد ، يدلُّ على الاكتساب والإصلاحِ للمال. ويقال رقَّحْتُ المالَ : أصلحتُه وقُمت عليه ، ترقيحاً. وفلان

__________________

(١) فى اللسان : «وفى الحديث : لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم ومهر الكريمة».

(٢) التكملة من المجمل.

(٣) فى اللسان : «التى لا تدلوا إلى الحوض من الزحام ، وذلك لكرمها».

(٤) بمثلها يلتمَّ الكلام.


رَقاحِىُ مالٍ. وهو يترقَّح لعياله ، أى يتكسَّب. وكانوا يقولون فى تلبيتهِمْ : «لم نَأت للرَّقاحَةِ(١)» ، يريدون التِّجارة.

رقد الراء والقاف والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على النَّوم ؛ ويُشتقّ منه. فالرُّقاد : النَّوم. يقال رقَد رُقوداً. ومن الذى اشتُقَّ منه : أَرْقَدَ الرَّجُل بالأرض ، إذا أقام بها.

ومما شذَّ عن الأصل : * أرْقَدَ الظّليمُ وغيرُه ، إِذا أسرع فى مُضِيِّه.

رقش الراء والقاف والشين أصلٌ يدلُّ على خُطوطٍ مختلفة. فالرَّقْش كالنَّقْش. يقال : حَيَةٌ رَقْشاءُ : منقَّطة. ورَقَّشَه كلامَه : زَوَّرَه. والرَّقْشاء : شِقشِقة البَعير. او الرقْشاء : دويْبَّة. وقال :

الدَّار قَفْرٌ والرُّسومُ كما

رَقَّش فى ظَهْرِ الأديمِ قَلَمْ (٢)

ويقال للنّمَّام إذا نَمَّ : رقَّش. قال :

* عاذِلُ قد أُولعتِ بالتَّرْقِيشِ (٣) *

رقص الراء والقاف والصاد أصلٌ يدلُّ على النَّقَزَان (٤). يقال رقَصَ يرقُصُ رَقْصاً. ويقال أرقَصَ البعيرَ : حَمَلَهُ على الخَبَب. قال جرير :

* بِزَرُودَ أرقصت البعيرَ (٥) *

__________________

(١) هى من تلبية أهل الجاهلية ، كانوا يقولون : «جئناك للنصاحة ، لم نأت للرقاحة.

(٢) البيت لمرقش الأكبر من قصيدة فى المفضليات (٢ : ٣٧ ـ ٤١). وبذلك البيت سمى «المرقش». انظر اللسان (رقش) والمزهر (٢ : ٤٣٥).

(٣) لرؤبة بن العجاج فى ديوانه ٨٦ واللسان (رقش). وبعده :

إلى معرا فاطرق وميشى

(٤) النقزان ، بالقاف وبالفاء أيضا ، هو الوثب ، ومثلهما الوثبان.

(٥) جزء من بيت له فى ديوانه ٤٤٨ عثرت عليه بعد لأى ، وهو بتمامه :

بزرود أرقصت؟ فراشها

؟ علهيا الغدقل الأرمل


ويقال رقَص السَّراب فى لمعانه ؛ ورَقَص الشَّرَاب : جاش (١). والرّقَّاصة : لُعْبة (٢).

رقط الراء والقاف والطاء يدل على اختلاطِ لونٍ بلون. فالرُّقْطة : سوادٌ يشوبه نُقَط بَياض. يقال دَجاجةٌ رَقْطاء. والأرقَط : النَّمِر. ويقال : ارقَاطَّ العَرْفَجُ ، إذا خالط سوادَه نُقَطٌ.

رقع الراء والقاف والعين أصلٌ يدلُّ على سَدِّ خَلَلٍ بشىء. يقال رقَعْتُ الثَّوبَ رَقْعاً. والخِرْقة رُقْعة. فأمّا قولُهم لواهى العقلِ : رقيعٌ ، فكأنّه قد رُقِع ؛ لأنه لا يُرْقَع إلّا الواهى الخَلَق. ويقال رَقَعَه ، إذا هجاه وقال فيه قبيحاً ، كأنّ ذلك صار كالرُّقْعَة فى جَسَدِه. يقال لأرقعنَّه رَقْعاً رصيناً. وأَرى فى فلان مُتَرَقّعاً ، أى موضعاً للشَّتْمِ. قال :

وما تَرَكَ الهاجُونَ لى فى أَدِيكُمُ

مُصِحًّا ولكنِّى أرى مُتَرَقّعَا (٣)

والرَّقيع : السَّماء. وفى الحديث أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال لسَعْدٍ (٤) «لقد حكَمْتَ فيهم بحُكم اللهِ مِن فوقِ سبعة أَرْقِعةٍ (٥)». قال بعض أهل العلم إنما قيل لها أرقعة ؛ لأنّ كلَّ واحدٍ كالرُّقعة للأُخْرى.

ومما شذ عن هذا الأصل قولهم : ما أَرْتَقِعُ بهذا ، أى ما أَكْتَرِثُ له. وجُوعٌ يَرْقُوعٌ : شديد.

__________________

(١) بدلها فى المحمل : «ورقس لشراب فى غلبانه».

(٢) لم تذكر فى اللسان. وفى القاموس : «والرقاصة مشددة : لعبة لهم».

(٣) البيت فى الحيوان (٣ : ١٣٨) واللسان (رقع).

(٤) هو سعد بن معاذ ، حين حكم فى بنى قريظة. انظر الإصابة ٣١٩٧ واللسان (رقع).

(٥) الرقيع مؤنثة ، وجاء بها على التذكير كأنه ذهب إلى معنى السقف.


باب الراء والكاف وما يثلثهما

ركل الراء والكاف واللام أصلٌ يدلُّ على جنسٍ من الضرب بالرِّجْل. يقال رَكَلَه ورَفَسه برِجله. ومَرْكَلَا الفَرَس من جنبيه ، حيث يركُل الفارسُ برجليه. وتركَّل على الشىء برجله. وتركَّل الحافرُ بمِسْحَاتِه ، إذا ضربَها برِجْله لتدخُل فى الأرض. قال الأخطل :

رَبَت ورَبا فى حِجْرِها ابنُ مَدينةٍ

يَظَلُّ على مِسحاتِه يتركَّل (١)

والكديد : المُرَكَّل (٢).

ركم الراء والكاف والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على [تجمُّع] الشىء. تقول اركَمت الشىء: ألقَيت بعضَه على بعض. وسحاب مُرْتكمٌ ورُكام. والرُّكمة : الطِّين المجمُوع. ومُرْتَكَم الطريق : سَنَنُه ؛ لأنّ المارة تَرْتَكِمُ فيه.

ركن الراء والكاف والنون أصلٌ واحد يدلُّ على قُوَّة.

فرُكن الشَّىء : جانبه الأقوى. وهو يأوى إلى رُكْنٍ شديد ، أى عِزًّ ومَنْعَة. ومن الباب رَكَنْتُ إليه أرْكَن. وهى كلمةٌ نادرة على فَعَلْتُ أفْعَلُ من غير حرفٍ حلق. وفلانٌ ركينٌ ، أى وقور ثابت. والمرْكن : الإجَّانة. ويقال : جبلٌ رَكِينٌ (٣) ، أى له أركان عالية. وركَنْت إليه أى مِلْتُ ؛ وهو من الباب ، لأنه

__________________

(١) سبق البيت فى (١ : ٣٣٤ / ٢ : ٣١٩) مع تخريجه.

(٢) فى اللسان : «والكديد : التراب الدقاق المكدود المركل بالقوائم. قال امرؤ القيس :

مسح إذا مال السابحات على الونى

أثرن الغبار بالكديد المركل

(٣) فى الأصل : «ركن» ، صوابه من اللسان والقاموس.


سكن إليه وثبت عنده. قال الخليل : رَكَنَ يَرْكَنُ رَكْناً. ولغة سُفْلَى مضَر : ركِن يرْكَن. ويقال ركِنَ يَرْكُنُ ، وفيه نظَر. وحكى أبو زيد : رَكِنَ يَرْكَنُ. وناقة مُرَكَّنَة الضَّرْع ، أى مُنْتَفِخَتُه ، أى كَأنَّه رُكْن.

ركو الراء والكاف والحرف المعتل أصول ثلاثة : أحدُها حملُ الشىء على شىءٍ وضمُّه إليه ، والآخَر إصلاحُ شىءٍ ، والثالث وِعاء الشىء.

فالأوّلُ قولُهم : رَكَوْتُ على البعير الحِملَ : ضاعفْتُه. ومن الباب ركَوْتُ عليه الأمْرَ والذَّنب ، أى حملتُه عليه. وقال بعضُهم : أنَا مُرْتَكٍ على كذا ، أى معوِّلٌ عليه. وما لى مُرْتكىً إلّا عليك. وحكى الفرّاء : أرْكَيْتَ علىَّ ذنْباً لم أُذْنِبْه. ومن الباب أركَيتُ إلى فلانٍ : لجأتُ إليه. ومنه أرْكِنِى إلى كذا ، أَى أخِّرْنى ، للدَّين يكون عليه*. وركَوتُ عنهم بقيّةَ يومى ، أى أقمت.

أمّا إصلاحُ الشىء فالمركوُّ الحَوض المستطيل ، ويقال المُصْلَح ، قال :

* قامَ على المَرْكُوِّ ساقٍ يَفْعَمُهْ*

وركَوْتُ الشىءَ ، إذا سدَّدْتَه وأصلحَتَه. قال سُويد بن كُراع :

فدَعْ عنك قوماً قد كَفَوْكَ شُؤونَهم

وشأنُك إلا تَرْكُهُ متفاقِمْ (١)

أى إن لم تُصلِحْه. ويقال أركَيْتُ لفلانٍ شيئاً ، إذا هيّأْتَه له.

وأما الأصل الآخَر فالرَّكْوة معروفة ؛ ومنه الرَّكِىّ ؛ لأنه كأنه وعاءُ ما يكونُ فيه.

__________________

(١) البيت فى المجمل واللسان (ركا).


ركب الراء والكاف والباء أصلٌ واحد مطّرد منقاس ، وهو علُوُّ شىءٍ شيئاً. يقال رَكِب رُكوباً يَرْكَب. والرِّكاب : المَطِىّ ، واحدتَها راحلة. وزَيْتٌ رِكابىٌ ؛ لأنه يُحمَل من الشام على الرِّكاب. وماله رَكُوبة ولا حَمُولة ، أى ما يركبه ويَحمِل عليه. والرَّكب : القَوم الرُّكْبان ؛ وكذلك الأُركُوب. وناقةٌ رَكْبانةٌ : تصلُح للرُّكوب. وأرْكَبَ المُهْر : حان أن يُرْكَبَ. ورجل مُرَكَّبٌ : استعارَ فرساً يقاتِل عليه ، ويكون له نِصفُ الغَنيمة ولصاحب الفرس النِّصف.

ومن الباب رَوَاكِبُ الشّحم ، وهى طرائقُ بعضَها فوقَ بعض فى مُقدَّم السَّنام. فأمَّا التى فى المؤخَّر فهى الرَّوادف ، الواحدة راكبةٌ ورادفة. والرَّكَّابة : شِبه فسيلةٍ من أعلى النخلة عند قِمّتها ، ربَّما حملَتْ مع أمِّها. وزعم الخليلُ أنَ الرَّكْب والأُركوبَ راكبُو الدّوابّ ، وأن الرُّكَّاب رُكَّاب السفينة. والمُرَكَّب : الأصل والمنْبِتُ. يقال هو كريم المركَّب.

ومن الباب رُكْبة الإنسان ، وهى عاليةٌ على ما هى فوقَه. والأركَبُ : العظيم الرُّكْبة. ويقال : رَكَبْتُ الرّجلَ أركُبُه ، إذا ضربْتَ رُكْبتَه أو ضربتَه برُكبتِك. والرَّكيب : ما بين نَهْرَى الكَرْم ؛ وهو الظَّهر الذى بين النَّهْرين ، ويكون عالياً على دونه. والرَّاكب : داءُ يأخذ الغنمَ فى ظهورها.

ومن الباب الرَّكَب ركَب المرأة. قال الخليل : ولا يقال للرّجل ، إنَّما هو للمرأة خاصّة. وقال الفرّاء : الرَّكَب : العانةُ للرَّجُل والمرأة. قال :

لا ينْفعُ الجاريةَ الخِضابُ (١)

ولا الوِشاحان ولا الجلبابُ

* مِن دُون أن تلتقِىَ الأركابُ *

__________________

(١) وكذا فى اللسان (٣ : ٢٠٧). وفى اللسان : «لا يقنع».


ركح الراء والكاف والحاء أصلٌ واحد ، وهو يدل على إنابةٍ إلى شىءٍ ورُجوعٍ إليه. قال الخليل : الرُّكوح : الإنابة إلى الأمر. وأنشد :

رَكَحْتُ إليها بعد ما كنتُ مُجْمِعاً

على هَجْرِها وانسبْتُ باللَّيل ثائرَا (١)

فهذا هو الأصل. ثمَّ يقال لرُكْن الجبلِ المُنيفِ الصّعبِ رُكْح. والرُّكْح والرُّكْحة : سَاحة الدّار. والرُّكْحة البقيّة من الثَّريد تبقى فى الجَفْنة ، كأنّه شىء أوى إلى أسفل الجَفْنة. ويقال جَفْنةٌ مرتكِحةٌ ، إذا كانت مكتنِزةً بالثَّريد ومن الباب : سَرْجٌ مِركاحٌ ، إذا كان يتأخَّر عن ظَهْر الفَرس.

ركد الراء والكاف والدال أصلٌ يدلُّ على سُكون. يقال ركَدَ الماءُ : سكَنَ. وركَدتِ الرِّيحُ. وركَد الميزان : استَوَى. وركد القومُ رُكوداً : سكنُوا وهدَءُوا. وجَفْنَةٌ رَكود : مملوءة. فأمّا قولُهم تراكَدَ الجوارِى ، إذا قعدَتْ إحداهُنّ على قدميها ثم نَزَتْ قاعدةً إلى صاحبتها ، فهذا إن صحَّ فهو شاذٌّ عن الأصل.

ركز الراء والكاف والزاء أصلان : أحدهما إثبات شىءٍ فى شىء يذهب سُفْلاً ، والآخر صَوت.

فالأول : رَكَزْتُ الرُّمحَ رَكْزاً. ومَرْكَز الجند : الموضع الذى أُلزِمُوه. ويقال ارتكَزَ الرّجُل على قوسه ، إذا وضَعَ سِيَتَها بالأرض ثمّ اعتمَدَ عليها. ومن الباب : الرِّكاز ، وهو المال المدفون فى الجاهليّة ، وهو من قياسهِ ؛ لأنّ صاحبَه

__________________

(١) البيت فى اللسان (ركح) مبتور محرف.


رَكَزَه. وقال قوم : الرِّكاز المعْدِن. وأركَزَ الرّجُلُ : وجَدَ الرِّكاز. فإن كان هذا صحيحاً فهو مُستعار. والمرتَكِز : يابس الحشيش الذى تكسَّرَ ورَقُه وتطايَرَ. ومعناه أنَّه ذَهَب منه ما ذهبَ وارتكز هذا ، أى ثَبَت.

ركس الراء والكاف والسين أصلٌ واحد ، وهو قلْبُ الشّىء على رأسِه وردُّ أوّلِه على آخِره. قال الله جلّ ثناؤه : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا) أى ردّهم إلى كفرهم. ويقال ارتكس فلانٌ فى أمرٍ قد كان نجا منه. والرَّكوسيَّة : قومٌ لهم دينٌ بين النَّصارى والصابئين. وأتِىَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين طَلب أحجاراً للاستنجاء ، برَوْثَةٍ ، فرمَى بها وقال : «إنّها رِكْس». ومعنى ذلك أنَّها ارتكَسَت عن أن تكون طعاماً إلى غيره.

ركض الراء والكاف والضاد أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حركةٍ إلى قُدُمٍ أو تحريكٍ. يقال ركَض الرّجُل دابّتَه ، وذلك ضَرْبُه إيَّاها برجلَيْه لتتقدَّم ، وكثُر حتَّى قيل ركَضَ الفرَسُ ، وليس بالأصل. وارتكاض الصبىّ : اضطرابُه فى بَطْن أمِّه. قال الخليل : وجُعِل الرَّكْض للطَّير فى طيَرانها ، ويقال أرْكَضَتِ الناقة ، إذا تحرَّكَ ولدُها فى بطن أمِّها. وفى بعض الحديث فى ذكر دم الاستحاضة : «هو رَكْضَةٌ من الشَّيطان». يريد الدَّفْعة.

ركع الراء والكاف والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انحناءٍ فى الإنسان وغيرِه. يقال ركَعَ الرّجلُ ، إذا انحنى. وكلُّ منحنٍ راكع. قال لَبيد :


أُخبِّر أخبارَ القُرونِ التى مضَتْ

أدِبُّ كأنِّى كلَّما قُمتُ راكعُ (١)

وفى الحديث ذِكْر المشايخ الرُّكَّع (٢) ، يريد به الذين انحنَوْا. والرُّكوع فى الصلاة من هذا. ثمّ تصرّف الكلامُ فقيل للمصلِّى راكع ، وقيل للسَّاجد شكراً : راكع. قال الله تعالى فى شأن داودَ عليه السلام : (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ). وقال فى موضع آخر : (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) ، قال قومٌ : تأويلها (اسْجُدِي) ، أى صلِّى ؛ (وَارْكَعِيمَعَ الرَّاكِعِينَ) ، أى اشكرى لِلَّه جلّ ثناؤُه مع الشاكرين. قال ابن دُريد : الرُّكْعة (٣) : الهُوَّة فى الأرض ؛ لغة يمانِيَة.

باب الراء والميم وما يثلثهما

رمن الراء والميم والنون كلمة واحدة ، وهى الرُّمَّان. والرُّمَّانتان : هَضْبتان فى بلادِ عَبْسٍ. قال :

* على الدّار بالرُّمَّانتَين تعوجُ*

رمى الراء والميم والحرف المعتل أصلٌ واحد ، وهو نَبْذ الشَّىء. ثم يحمل عليه اشتقاقاً واستعارة. تقول رَمَيْتُ الشىء أرمِيه. وكانت بينهم رِمِّيَّا ، على فِعِّيلَى. وأرمَيْتُ على المائة : زِدْتُ عليها. فإن قيلَ فهذه الكلمة ما وجهها؟

__________________

(١) ديوان لبيد ٢٣ طبع ١٨٨٠ واللسان (ركع).

(٢) هو حديث : «لو لا مشايخ ركع ، وصبية وضع ، وبهائم رتع ، لصب عليكم العذاب صبا ، ثم رص رصا».

(٣) الجمهرة (٢ : ٣٨٥). وضبطت فى اللسان بفتح الراء ضبط قلم ، وقد نص فى القاموس على أنها بالضم.


قيل له : إذا زاد على الشَّىء فقد ترامَى إلى الموضع الذى بلغَه. ورَمَيْت بمعنى أرْمَيْتُ والمِرْماة : نَصْلُ السهم المدوَّرُ ؛ وسمِّى بذلك لأنه يُرمَى به. والمِرْماة : ظِلف الشَّاة. وفى الحديث : «لو أنّ أحدَهم دُعِىَ إلى مِرْماتَين». والرَّمِيَّةُ : الصَّيد الذى يُرمَى. والرَّمِىُ : السحابة العظيمة القَطْر. ويقال سُمِّيت رَمِيًّا لأنّها تنشأ ثم تُرْمَى بقطَعٍ من السحاب من هنا وهُنا حتَّى تجتمع.

وقال الخليل : رمى يرمى رِمايةً ورَمْياً ورِماءً. قال ابن السكّيت : خرجتُ أتَرَمَّى ، إذا خرجتَ [ترمى] فى الأغْراض (١). ويقال أرْمَيْتُ الحَجّر من يدى إرْماءً. وقال أبو عُبيدة: يقال أرمَى اللهُ لك ، أى نَصَرك وصنَعَ لك. والرَّماء : الزِّيادة. وقد قلنا إنّ اشتقاق ذلك من الباب لأنه أمْرٌ يترامى إلى فَوق.

رمأ [أمّا] الراء والميم والهمزة فأصلٌ برأسه غير الأول ، وهو قليل. يقال رمَأَت الإبل تَرْمأُ رمُوءً ورَمْأً : أقامت فى الكلأ والعُشْب. ورمأ فلانٌ فى بنى فلانٍ : أقام. ويقال أرمأت الأخبارُ : أشكَلَتْ. ومُرَمَّآت الأخبار ، أى أباطيلُها.

رمث الراء والميم والثاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إصلاح شىءِ وضمِّ بعضٍ إلى بعض. يقال رمَثْتُ الشَّىءَ : أصلحتُه. قال أبو دُواد :

وأخٍ رَمَثْتُ دَرِيسَهُ

ونصحتُه فى الحرب نُصْحَا (٢)

والرَّمَث : خشبٌ يضمّ بعضُه إلى بعض ويُركَب. وفى الحديث : «إنّا نركب أرماثاً لنا فى البحر». وهو جمع رَمَثٍ. قال :

__________________

(١) فى الأصل : «الأرض» ، وتصحيح هذه الكملة والتكملة التى قبلها من المجمل.

(٢) البيت فى اللسان (رمث) بدون نسبة.


تمنَّيْتُ مِن حُيِّى بُثَينةَ أننا

على رمَثٍ فى البحر ليس لنا وَفْرُ (١)

والرَّمْث : مَرعًى من مراعى الإبل ، وذلك لانضمام بعضِه إلى بعض. يقال إبلٌ رَمِثة ورَمَائَى ، إذا أكلت الرِّمْث فمرِضَتْ عنه. والرَّمَثُ أيضاً : بقيّة اللبن فى الضَّرع ، لأن ذلك متجمِّع.

رمج الراء والميم والجيم ليس أصلاً ، وفيه ما يُقبَل ويُعتَمد عليه (٢) ، لكنَّهم يقولون : رَمَّجَ الأثَر بالتُّراب (٣) ؛ ورمَّج السُّطور : أفسَدَها.

رمح الراء والميم والحاء كلمةٌ واحدة ، ثم يُصرَّف منها. فالكلمة الرُّمْح ، وهو معروفٌ ، والجمع رِماح وأرْماح. والسِّماك الرّامح : نَجمٌ ، وسُمِّى بكوكبٍ يقْدُمه كأنَّه رُمْحه. فأمَّا قولهم : رَمَحَتْه الدَّابَّةُ ، فمن هذا أيضاً لأنّ ضَرْبها إيّاهُ برِجلها كرمح الرَّامحِ برُمْحه. ومنه رَمَحَ الجُندبُ ، إذا ضَرب الحصَى بيده. والرَّمّاح : الذى يتَّخذ الرِّماح ، وحِرفته الرِّماحة. والرَّامح: الطاعن بالرُّمْح. والرامح : الحامل له. ويقال للبُهْمَى إذا امتنَعتْ على الرّاعية : قد أخذَتْ رماحَها. كما قال :

أيَّامَ لم تأخُذْ إلىَّ سِلاحَها

إبِلى لجِلّتها ولا أبكارها

رمخ الراء والميم والخاء ليس بشىء. ويقال : إنَ الرِّمْخ شجر (٤).

__________________

(١) البيت لأبى صخر الهذلى ، من قصيدة فى بقية أشعار الهذليين ٩٣ وأمالى القالى (١ : ١٤٨). وبعض أبياتها فى اللسان (رمث).

(٢) فى الأصل : «وبعمل عليه».

(٣) لم يرد هذا المعنى فى اللسان والقاموس. ولم يأت شىء من المادة فى الجمهرة.

(٤) الذى فى اللسان والقاموس أن «الرمخ» ، الشجر المجتمع.


رمد الراء والميم والدال ثلاثة أصول : أحدُها مرضٌ من الأمراض ، والآخَر لونٌ من الألوان ، والثالث جنسٌ من السَّعْى.

فالأول : الرَّمَد رَمَدُ العين ، يقال رَمِدَ يَرْمَدُ رَمَداً ، وهو رَمِد وأَرْمَدُ. ومنه الرَّمْد ، وهو الهلاك ، بسكون الميم. كما قال :

* كأصْرَامِ عادٍ حينَ جَلَّلَها الرَّمْدُ (١) *

ويقال رمَدْنا القومَ نرمُدِهم ، إذا أتينا عليهم.

والثانى : الرَّماد ، وهو معروف ، فإذا كان أرقَّ ما يكون فهو رِمْدِدٌ : وهو يسمَّى للونه. يقال رَمَّدَتِ الناقةُ ترميداً ، إذا تَركَتْ عند النِّتاج لبناً قليلا. وإنّما يقال ذلك للونٍ يعترى ضرعَها. والأرمد : كلُّ شىءِ أغْبَرَ فيه كُدْرَة ، وهو من الرَّماد ، ومنه قيل لضَربٍ من البعوض رُمْدٌ. وقال أبو وجزة وذكَرَ صائداً :

يبيت جارتُهُ الأفعى وسامِرُه

رُمْدٌ به عاذرٌ منهن كالجَرَب (٢)

والأرمِداء ، على وزن أفعلاء : الرَّماد. والمرمَّد من الشواء : الذى يُمَلُّ فى الجمر. وفى المثل : «شَوَى أخُوك حتَّى إذا أنضَج رَمَّد (٣)». فأمَّا قولهم : عام الرَّمادةِ ، فقال قومٌ : كان مَحْلاً نزَل بالنّاس له رَمْد ، وهو الهلاك. وقال آخرون : سمِّى بذلك لأنَّ الأرضَ صارت من المَحْل كالرَّماد (٤). وقال أبو حاتم : ماءٌ رَمِدٌ ، إذا كان آجناً متغيِّرا.

__________________

(١) البيت لأبى وجزة السعدى ، كما فى اللسان (رمد ١٦٨). وصدره :

صبهت عليكم حاصبي فتر؟

(٢) انظر اللسان (رمد) والحيوان (٤ : ٢١٦ / ٥ : ٤٠٥).

(٣) يضرب مثلا للرجل يعود بالفساد على ما كان أصلحه.

(٤) وقيل سمى به لأنهم لما أجدبوا صارت ألوانهم كلون الرماد.


والأصل الثالث : الارْمِدَادُ : شِدّة العَدْو. ويقال ارْمَدَّ الظَّليمُ : أسرَعَ.

رمز الراء والميم والزاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حركةٍ واضطراب. يقال كتيبة رَمَّازة : تموج من نواحِيها. ويقال ضربه فما ارمَأَزَّ ، أى ما تحرَّك. وارتَمَز أيضاً : تحرَّك.

ويقولون : إنّ الرَّاموز : البحر. وأراه فى شعر هذَيل.

رمس الراء والميم والسين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تغطيةِ وسَتْر. فالرَّمْس : التراب.

والرِّياح الروامسُ : التى تُثير الترابَ فتدفِن الآثار. ويقال رَمَسْتُ على فلانٍ الخبرَ ؛ إذا كتَمْتَه إيَّاه. ورَمَست الرَّجُل وأرمستُه : دفنتُه.

رمش الراء والميم والشين ليس من مَحض اللُّغة ، ولا ممّا جاء فى صحيح أشعارِهم. على أنَّهم يقولون : الرَّمَش تَفَتُّلٌ فى الأشفار ، وحُمْرةٌ فى الجفون. وربّما قالوا رَمَشَهُ بالحجرَ : رماه. وذُكر عن الشيبانى : رَمَشَتِ الغنم تَرْمُشِ ، إذا رعَتْ يسيراً. ويقال : الرَّمَش : بياضٌ يكون فى أظفار الأحداث. وحكى اللِّحيانى : أرضٌ رَمْشاء : جدبة (١).

رمص الراء والميم والصاد أُصَيل يدلُّ* على إلقاءِ قَذَى. يقولون رَمَصَتِ العين ، إذا أخرجت ما يخرُج منها عند الرّمَد. وقال ابن السَّكِّيت : يقال قَبَحَ اللهُ أُمًّا رَمَصَت به ، أى ولدَتْه. وهذا إذا صحَّ فهو على ما ذكرناه من أنَّه مشبّه بقذًى يُرمَى به. ويقال رَمَصَتِ الدّجاجةُ : ذَرَقت.

__________________

(١) فى القاموس : «وأرض رمشاء : ربشاء ، أو جدبة ، كأنه ضد». وذلك لأن الربشاء بالباء : الكثيرة العشب. وقد اقتصر فى اللسان على أنها الكثيرة العشب ، قال : «وسنة ربشاء ورمشاء. وبرشاء : كثيرة العشب».


وفى الباب كلامٌ آخَرُ يدلُّ على صلاحٍ وخير. يقولون : رَمَصْت بينهم ، أى أصلَحْت. وربما قالوا : رَمَص الله مُصِيبتَه يَرْمُصها رَمْصاً ، إذا جَبَرها.

رمض الراء والميم والضاد أصلٌ مطَّرِدٌ يدلُّ على حِدّةٍ فى شىء مِن حرّ وغيره. فالرَّمَض: حَرُّ الحجارةِ من شِدّة حَرّ الشمس. وأرضٌ رَمِضَةٌ : حارّة الحجارة. وذكر قومٌ أن رمَضانَ اشتقاقُه من شِدّة الحر ؛ لأنَّهم لمَّا نقلوا اسمَ الشُّهور عن اللغة القديمة سَمَّوْها بالأزمنة ، فوافق رمضانُ أيّامَ رَمَضِ الحرّ. ويجمع على رَمضانات وأرِمضاءَ. ومن الباب أرمضَهُ الأمرُ ورَمِضَ للأمْرِ. ورَمِض أيضاً ، إذا أحرقَتْه الرَّمْضاء. ويقال رَمَضْتُ اللّحمَ على الرَّضْفِ ، إذا أنضجْتَه. ومن الباب سِكِّين رَمِيض. وكلُّ حادٍ رَمِيضٌ. وقد رَمَضْتُه أنا. ورَمِضَتِ الغنمُ ، إذا رعَتْ فى شدّة الحَرّ فقرِحت أكبادُها. ويقال : فلانٌ يترمَّضُ الظِّباءَ ، إذا تبعها وساقَها حَتَّى تَفَسَّخَ قوائمُها من الرَّمْضاء ثمَّ يأخُذُها. ويقال ارتمَضَ بَطْنُه : فسَدَ ، كأنَّ ثَمَّ داءً يُحْرِقُه. فأمّا قولُ القائل : أتيتُ فلاناً فلم أُصِبْه (١) فرمَّضْتُ ترميضاً ، وذلك أن ينتظرَه. وممكنٌ أن يكون شاذًّا عن الأصل. ويمكن أن يكون الميم مبدلةً من باء ، كأنّه ربّضت ، من رَبَص.

رمط الراء والميم والطاء ليس أصلاً ، لكنَّهم يسمُّون ما اجتمع من العُرْفُطِ وغيرهِ من شجر العِضاهِ رَمْطاً. وربّما قالوا رَمَطت الرّجلَ ، إذا عِبْته رَمْطاً. وفيه نظر.

__________________

(١) فى الأصل : «فلم تصبه».


رمع الراء والميم والعين أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وحركةٍ. فالرَّمَّاعةُ من الإنسان : الذى يضطرب من الصبىِّ على يافُوخِه. والرَّمَعَانُ : الاضطِراب. ويقال رَمَعَ أَنْفُ الرّجُل يَرمَع رمَعاناً ، إذا تحرَّك من غضبٍ. ومن الباب قَبَحَ الله أمَّا رَمَعَتْ به ، أى ولدَتْه. ومن ذلك اليَرْمَع : حجارةٌ بِيضٌ رِقاقٌ تلمَع فى الشمس. ومن الباب إن صحّ ، الرامِع ، وهو الذى يطأطِئُّ رأسَه ثم يرفعه. ويقال الرُّماع تغيُّر الوَجْه (١) والباب كلُّه واحد. ويقولون : المُرَمِّعَة المَهْلكة (٢).

رمغ الراء والميم والغين لا أصلَ له ، إلا بعض ما يأتى به ابنُ دريدٍ ، من رَمَغْتُ الشىءَ ، إذا عَركتَه بيدك ، كالأديمِ وغيرِه.

رمق الراء والميم والقاف أصلٌ يدلُّ على ضَعفٍ وقِلّة. ويقال ترمَّقَ الرَّجلُ الماء وغيرَه ، إذا حَسَا حُسْوةً [بَعد أُخرى (٣)]. وهو مُرَمَّق العَيش ، أى ضيِّقه. وما عَيْشُه إلا رَماقٌ ، يُراد به ما يُمْسِك الرَّمَق. والرَّمَق : باقى النَّفْسِ أو النّفَس. قال :

وما الناسُ إلا فى رِمَاقٍ وصالح

وما العيشُ إلا خِلفَةٌ ودُرُورُ

ويقولون : «أضرعَتِ المِعْزَى فرمَّقْ رمِّقْ» ، أى اشربْ لبنَها قليلاً قليلاً ؛ لأنّ

__________________

(١) فى اللسان : والرماع : داء فى البطن يصفر منه الوجه». وفى القاموس : «وجع يعترض فى ظهر الساقى حتى يمنعه من السقى ... واصفرار وتغير فى وجه المرأة من داء يصيب بظرها».

(٢) المهلكة ، بتثليث اللام : المفارة. والمرمعة ، لم ترد فى اللسان. وفى القاموس : «والمرمعة كمحدثة : المفازة».

(٣) التكملة من اللسان.


المِعزَى تُنْزِلُ قبل نِتاجها بأيّام. والتَّرميق (١) : عملٌ يفعلُه الرجل لا يُحسِنُه. ويقال حبلٌ أرماقٌ ، إذا كان ضعيفاً. وقد ارمَاقَ ارمِيقاقاً.

رمك الراء والميم والكاف أصلان : أحدهما لونٌ من الألوان ، والثانى لُبْثٌ بمكان. فالأول الرُّمْكة من ألوان الإبل ، وهو أشدُّ كدْرةً من الوُرْقة. ويقال جملٌ أرمَكُ. ومنه اشتقاق الرَّامِك. والرَّمَكة : الأُنثى من البراذين. والأصل الآخر : رَمَكَ بالمكان ، وهو رامك.

رمل الراء والميم واللام أصلٌ يدلُّ على رِقّةٍ فى شىءِ يتضامُّ بعضُه إلى بعض. يقال رَمَلت الحصير ، وأرملتُ ، إذا سَخَّفْتَ نَسْجَه. قال :

* كأنَّ نَسْجَ العنكبوتِ المُرْمَلِ (٢) *

ثم يشبَّه بذلك ، [فالرَّمَل] : القليل الضَّعيف من المطر ، وجمعه أرمال. ومن الذى يقرب من هذا الباب الرَّمْل ، وهو رَقيق. ومنه ترمَّل القَتيلُ بدمِهِ ، إذا تلطخ ؛ وهو قياسُ ما ذكَرْناه. ومن الباب الرَّمَل : الهَرْوَلة ، وذلك أنه كالعَدْو أو المشْى الذى لا حصافةَ فيه. فأمّا المُرْمِلَ فهو الذى لازادَ معه ، سمِّى بذلك لأحدِ شيئين ، إمارِقَةِ حاله ، وإمّا للُصوقِه بالرّمل من فَقْره. والأرمَلُ مثلُ المُرمِل. قال جرير :

هَذِى الأراملُ قد قضّيْتَ حاجتَها

فمَنْ لحاجةِ هذا الأرمَلِ الذّكَرِ (٣)

__________________

(١) فى الأصل : «والرميق» ، صوابه من اللسان والقاموس.

(٢) البيت فى اللسان (رمل ، غزل). مع نسبته فى (غزل) إلى العجاج. انظر ديوانه ٤٧. وأنشده فى المخصص (١٧ : ١٧) وذكر أنه إنما جر «المرمل» على الجوار. وذلك لأن المرمل من صفة النسج ، فكان حقه النصب ، لكن كذا روى بفتح الميم.

(٣) ليس فى ديوان جرير. وروايته فى اللسان (رمل): «كل الأرامل».


باب الراء والنون وما يثلثهما

رنى الراء والنون والحرف المعتلّ أصلٌ واحد ، يدلُّ على النّظَر. يقال رنا يرنُو ، إذا نظَرَ، رُنُوًّا. والرَّنَا : الشىء الذى تَرْنُو إليه ، مقصور. وظلَّ فلانٌ رانياً ، إذا مدّ بصرَه إلى الشىء. ويقال أرْنانِى حُسْنُ ما رأيت ، أى أعجبَنى. وفُسِّر قولُ ابنِ أحمرَ على هذا :

مَدَّت عليه المُلْكَ أطنانَها

كأسَ رَنَوْناةٌ وطِرفٌ طِمِرّ (١)

ويقال إنه لم يسمعْ إلا منه ، وكأنه الكأس التى يرنُو لها مَن رآها إعجاباً منه بها. ويقال فلان رَنُوُّ فلانةَ ، إذا كان يُديم النظرَ إليها ، واليُرَنَّا : الحِنّاء ، يجوز أن يكون من الباب ، ويجوز أن يقال هو شاذّ. ومما شذّ عن الباب الرُّنَاء : الصَّوت.

رنب الراء والنون والباء كلمةٌ واحدةٌ لا يشتقّ منها ولا يقاس عليها ، لكن يشبَّه بها. فالأرنب معروف ، ثم شبهت به أرنَبَة الأنْف ، وأرنبة الرَّمل ، وهى حِقْفٌ منه منحنٍ. يقولون كِساءٌ مؤرنَب ، للذى (٢) خُلِط غَزْله بوبَر الأرانب. وأرض مُؤَرنِبةٌ : كثيرة الأرانب. والأرنَب : ضربٌ من النَّبات.

رنح الراء والنون والحاء أصلٌ يدلُّ على تمايلٍ. يقال ترنَّحَ ، إذا

__________________

(١) فى الأصل : «مدت عليك» ، صوابه من اللسان (طمر ، رنا). وفى اللسان تفصيل فى إعرابه. ومن الأبيات التى قبله :

إن أمرأ؟ على عهد

وفي ارث ما كان أبوه

(٢) فى الأصل : «يقول كساء مؤرنب الذى».


تمايَل كما يترنَّحَ السكران. ويقال رُنَّحَ فلانٌ ، إذا اعتراه وَهْن فى عظامِه ، فهو مرنَّح قال الطرِمَّاح :

وناصِرُكَ الأدنَى عليه ظَعينةٌ

تَميدُ إذا استعبَرْتَ مَيْدَ المرنَّحِ (١)

رنخ الراء والنون والخاء ليس أصلاً ، إلا أَن يكون شىء من باب الإبدال يُحمل على الباب الذى قَبْلَه ، فيدلُّ على فتور وضعف. يقولون : الرانخ : الفاتر الضَّعيف. يقال رَنَخَ ، إذا ضَعُف. وربما قالوا رنَّخْتُ الرجلَ ترنيخاً ، إذا ذَلَّلْتَه ، فهو مرنَّخ.

رند الراء والنون والدال أُصَيلٌ يدلُّ على جنسٍ من النَّبت. يقولون : الرَّنْد : شجرٌ طيِّب من شجر البادية.

وحدَّثَنا علىُّ بن إبراهيم ، عن على بن عبد العزيز ، عن أبى عُبيدٍ عن الأصمعىّ قال : ربما سمَّوْا عُود الطِّيب رَنْداً. يعنى الذى يُتبخَّر به. قال : وأنْكَر أن يكون الرّنْد الآس. وقال الخليل : الرَّنْد ضرب من الشجر ، يقال هو الآس. وأنشد :

* على فَنَنٍ غَضِّ النَّباتِ من الرَّنْدِ (٢) *

فأما قول الجعدىّ :

أَرِجَاتٍ يَقْضَمْنَ مِن قُضُبِ الرَّنْ

دِ بثَغْرٍ عَذْبٍ كشَوْك السَّيَالِ (٣)

فإنه يدلُّ على أنَ الرَّنْد [ليس (٤)] بالآسِ.

__________________

(١) ديوان الطرماح ٧١ واللسان (رمح).

(٢) البيت لعبد الله بن الدمينة فى ديوانه ٢٩ والحماسة (٢ : ١٠١). وصدره :

أن هتفت ورفاء في رونق الضحى

(٣) السيال ، كسحاب : شجر ضبط الأغصان عليه شوك أبيض أصوله أمثال ثنايا العذارى.

(٤) التكملة من المجمل.


رنف الراء والنون والفاء أُصَيلٌ واحدٌ يدلُّ على ناحيةٍ من شىءٍ. فالرَّانِفة : ناحية الألْية. وقال الخليل : الرَّانفة جُلَيدةُ طرَفِ الرَّوْثة. وهى أيضا طرَفُ غُضروف الأذُن. والرانفة : ألْيَة اليَد (١). وقال أبو حاتم : رانفة الكَبد : ما رقَّ منها. وذُكر عن اللِّحيانى أنّ روانفَ الآكام رُءوسها. فأما الرَّنْفُ فيقال هو بَهْرامَج البَرّ. وليس بشىء.

رنق الراء والنون والقاف أَصلٌ واحدٌ يدلُّ على اضطرابِ شىءٍ متغيّر له صفْوُهُ إن كان صافياً. من ذلك الرَّنْقُ ، وهو الماء الكدِر ؛ يقال رَنِقَ الماء يَرْنَقُ رَنَقاً. ورَنَّق النومُ فى عينه ، إذا خالطها. والتَّرْنُوق (٢) : الطِّين الباقى فى مَسِيل الماء. والذى قلناه من الاضطراب فأصله قولهم رَنَّق الطائر : خفَق بجناحه ولم يطِرْ.

رنع الراء والنون والعين كلمةٌ واحدة صحيحة ، وهى المَرْنَعة لِأَصْواتٍ تكون لَعِباً ولَهْوا. قاله الفرّاء وقال أبو حاتم : رنَعَ الحَرْث ، إذا احتبَس الماءُ عنه فضَمَر. وفيه نظر.

رنم الراء والنون والميم أصَيلٌ صحيح فى الأصوات. يقال ترنَّمَ ، إذا رجَّع صوتَه. وترنمَ الطائر فى هديره. وترتمتِ القوسُ ، شُبّه صوتُها عند الإنباض عنها بالترنُّم. قال الشماخ :

إذا أنْبَضَ الرَّامُونَ عنها ترنَّمَت

ترنَّم ثَكْلَى أوجعَتْها الجنائزُ (٣)

__________________

(١) ألية اليد ، هى اللحمة التى فى أصل الإب هام.

(٢) الترنوق ، بفتح التاء وتضم ، وكذينك النرنوقاء بالضم.

(٣) البيت فى ديوان الشماخ ٤٩ واللسان (جنز).


باب الراءِ والهاءِ وما يثلثهما

رهو الراء والهاء والحرف المعتل أصلان ، يدلُّ أحدُهما على دَعَةٍ وخَفْضٍ وسكون ، والآخرُ على مكانٍ قد ينخفض ويرتفع.

فالأوّل الرَّهْو : البحر الساكن. ويقولون : عيشٌ راهٍ ، أى ساكن. ويقولون : أَرْهِ على نفسك ، أى ارفُقْ بها. قال ابن الأعرابىِّ : رَها فى السَّير يرهُو ، إذا رفَق. ومن الباب الفرس المِرْهاءُ (١) فى السَّير ، وهو مِثلِ المِرْخاء. ويكون ذلك سرعةً فى سكونٍ من غير قلق.

وأما المكان الذى ذكرناه فالرَّهْو : المنخفِض من الأرض ، ويقال المرتفِع. واحتج قائل القول الثانى بهذا البيت :

* يظلُّ النِّساء المرضِعاتُ برهْوَةٍ (٢) *

قال : وذلك أنَّهنّ خوائفُ فيطُبْن المواضعَ المرتفِعة. وبِقول الآخَر :

فجلّى كما جلَّى على رأْسِ رهوةٍ

من الطَّير أقْنَى ينفُضُ الطَّلَّ أزرقُ (٣)

وحكى الخَليل : الرَّهْوة : مستنقَعُ الماءِ ، فأمّا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حين سُئل عن غَطَفان فقال : «رَهْوَةٌ تَنْسَعُ ماءً». فإنه أراد

__________________

(١) بدلها فى القاموس : «المرهاة». واقتصر فى اللسان على «مره» من أرهى.

(٢) البيت فى اللسان (رهو) بدون نسبة. وهو لبشر بن أبى خازم ، من قصيدة فى المفضليات (٢ : ١٢٩ ـ ١٣٣). وعجزه :

تفزع من خوف الجاني قلوبها

(٣) البيت لذى الرمة فى ديوانه ٤٠٠ واللسان (رها ، قنا). ورواية الديوان واللسان : «نظرت كما جلى».


الجبلَ العالى. ضرب ذلك لهم مثلاً (١). وقد جاءَ عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : «أكَمَةٌ خَشْناء تنفِى النَّاسَ عنها». قال القُتَيبىّ : الرَّهوة تكون المرتفِعَ من الأرض ، وتكون المنخفضَ. قال : وهو حرفٌ من الأضداد. فأمّا الرَّهاء فهى المَفازة المستوية قَلَّما تخلو من سَراب.

ومما شذّ عن البابين الرَّهْو : ضربٌ من الطّير. والرَّهو : نعت سَوءِ للمرأة. وجاءت الخيل رهْواً ، أى متتابعة.

رهأ الراء والهاء والهمزة لا تكون إلَّا بدَخيل (٢) ، وهى الرَّهْيأَة ، وذلك يدلُّ على قلَّة اعتدالٍ فى الشىء. فالرَّهْيأة : أن يكون أحد عِدْلى الحِمل أثْقَل من الآخَر. رَهْيَأْتَ حِمْلك ؛ ورهيَأْتَ أمرك ، إذا لم تقوِّمْه. والرَّهيأة : العجْز والتّوانىِ. ويقال ترهْيأَ فى أمرِه ، إذا همَّ به ثُمَّ أمسَكَ عنه. ومنه الرَّهيأة : أنْ تَغرورِقَ العينانِ. وتَرَهْيَأت السّحابةُ ، إذا تمخَّضَتْ للمطر

رهب الراء والهاء والباء أصلان : أحدهما يدلُّ على خوفٍ ، والآخَر على دِقّة وخِفَّة.

فالأوَّل الرَّهْبة : تقول رهِبْت الشىءَ رُهْباً ورَهَباً ورَهْبَة. والترهُّب : التعبُّد. ومن الباب الإرهاب ، وهو قَدْع الإبل من الحوض وذِيادُها.

والأصل الآخر : الرَّهْب : الناقة المهزولة. والرَّهاب : الرِّقاق من النِّصال ؛ واحدها رَهْبٌ. والرَّهاب : عظمٌ فى الصَّدر مشرفٌ على البَطن مثلُ اللِّسان.

__________________

(١) وفسر «رهوة» فى الحديث أيضا بأنه جبل معين.

(٢) كذا. ولعل فى الكلام بعده سقطا.


رهج الراء والهاء والجيم أُصَيلٌ يدلُّ على إِثارة غبارٍ وشبهِه. فالرَّهْج : الغُبار.

رهد الراء والهاء والدال أُصَيلٌ يدل على نَعْمةٍ ، وهى الرَّهادة. ويقال هى رَهيدة (١) ، أى رَخْصة. فأمَّا ابن دريد فقد ذكر ما يقارب هذا القياس ، قال : يقال* رَهَدْتُ الشّىءَ رَهْداً ، إذا سحَقْتَه سَحْقاً شديداً (٢). قال : والرَّهيدة : بُرٌّ يُدقُّ ويصَبُّ عليه اللَّبَن.

رهز الراء والهاء والزاء كلمة تدلُّ على الرّهْز ، وهو التحرُّك.

رهس الراء والهاء والسين أصلان : أحدهما الامتلاء والكثرة ، والآخَر الوطء.

فالأول قولهم : ارتهَسَ الوادى : امتلأ. وارتهَسَ الجرادُ : ركِب بعضُه بعضا.

والأصل الآخر : الرَّهْس : الوطء. ومنه الرجُل الرَّهْوَس (٣) : الأكول.

رهش الراء والهاء والشين أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وتحرُّك. فالارتهاش : أن تصطدم يدُ الدابة فى مَشْيِه فتعقِر رواهِشَه ، وهى عصَب باطن الذّراع. قال الخليل : والارتهاش ضربٌ من الطَّعْن فى عَرْض. قال :

أبا خالدٍ لولا انتظارِىَ نصرَكُمْ

أخذْتُ سِنانى فارتهشْتُ به عَرْضا (٤)

__________________

(١) فى الأصل : «رهدة» ، صوابه فى المجمل واللسان والقاموس.

(٢) بعده فى الجمهرة (٢ : ٢٥٩): «زعموا مثل الرهك سواء».

(٣) الرهوس ، كجرول. ذكر فى القاموس ولم يذكر فى اللسان.

(٤) البيت فى المخصص (٦ : ٦٧) واللسان (رهش).


قال : وارتهاشُه : تحريك يدَيه. ومن الباب رجل رُهْشُوشٌ : حَيىٌ (١) كريم كأَنه يهتزّ ويرتاح للكرم والخِير. ومن الباب المرتَهِشة ، وهى القوس التى إذا رُمِىَ عنها اهتزَّتْ فضرب وترُها أبْهَرَها. والرَّهيس : التى يُصيب وترُها طائفها. ومن الباب ناقةٌ رُهشوشٌ : غزيرة.

رهص الراء والهاء والصاد أصلٌ يدلُّ على ضَغْط وعصر وثَباتٍ. فالرَّهْص ، فيما رواه الخليل : شِدّة العَصْر. والرَّهَص : أن يُصيب حجرٌ حافراً أو مَنْسِماً فيدوَى باطِنُه. يقال رهَصه الحجر يرهَصُه ، من الرَّهْصَة. ودابَّةٌ رهيص : مرهوصة. والرَّواهص من الحجارة : التى ترهَصُ الدوابَّ إذا وطِئَتْها ، واحدتها راهصة. قال الأعشى :

فعَضَّ حَديد الأرْضِ إن كنتَ ساخطاً

بفيك وأحجارَ الكُلابِ الرَّوَاهصا (٢)

وكان «الأسد الرَّهيص» من فَرْسان العرب (٣). والمَرْهَص : موضع الرَّهْصة. وقال:

* على جبالٍ ترهَص المَرَاهصا (٤) *

والرَّهْص : أَسفلُ عِرْقٍ فى الحائط. ويَرْهَص (٥) الحائط بما يقيمه.

والمَرَاهص : المراتب ، يقال مَرهَصةٌ ومراهِص ، كقولك مرتَبة ومراتب. ويقال : كيف مرهَصَةُ فلانٍ عند الملك ، أى منزلتُه. قال :

__________________

(١) فى الأصل : «حتى» ، صوابه فى اللسان.

(٢) ديوان الأعشى ١١٠ واللسان (رهص).

(٣) اسمه جبار بن عمرو بن عميرة ، شاعر جاهلى. انظر الاشتقاق ٢٣١.

(٤) فى الأصل : «الرواهصا».

(٥) فى المجمل واللسان : «ورهصت».


رمى بِكَ فى أُخراهُم تَركُكَ العُلَى

وفُضِّلَ أقوامٌ عليك مَرَاهِصا (١)

رهط الراء والهاء والطاء أصلٌ يدلُّ على تجمُّعٍ فى النّاسِ وغيرِهم. فالرَّهط : العِصابة من ثلاثةٍ إلى عَشرة. قال الخليل : ما دون السَّبعة إلى الثلاثةِ نفرٌ. وتخفيف الرَّهط أحسن من تثقيله (٢). قال والترهيط : دَهْوَرةُ اللُّقْمَةِ وجَمْعُها (٣). قال :

* يا أيُّها الآكلُ ذو التَّرهِيط (٤) *

والرَّاهطاء : جُحْرٌ من جِحْرة اليَربوع بين النّافقاء والقاصعاء ، يَخْبَأُ فيه أولادَه. وقال: والرِّهاط : أديمٌ يُقطَع كقَدْر ما بين الحُجْزة إلى الرُّكْبة ، ثم يُشقَّق كأمثار الشُّرُك ، تلبَسه الجارية. قال :

بِضربٍ تَسْقُطُ الهاماتُ منه

وطعنٍ مثلِ تعْطيط الرِّهاطٍ (٥)

والواحد رَهْطٌ (٦). وَقال :

متى ما أَشَأْ غَيْرَ زَهْوِ المُلُو

كِ أجْعَلْكَ رَهْطاً على حُيَّضِ (٧)

__________________

(١) البيت للأعشى فى ديوانه ١٠٩ واللسان (رهص).

(٢) أى من أن يقال «رهط» بفتح الهاء.

(٣) الدهورة : التكنير. وفى الأصل : «هورة اللقمة» ، صوابه من اللسان.

(٤) البيت فى اللسان (رهط).

(٥) أنشده فى اللسان (رهط ، عطط). ونسبه فى الموضع الأخير إلى المتنخل الهذلى. وقصيدة المنتخل فى القسّم الثانى من مجموعة أشعار الهذليين ص ٨٩ ونسخة الشنقيطى من الهذليين ٤٨.

وروايته فيهما :

بضرب في الجاجم ذى فروغ

(٦) فى الأصل : «رهطة» ، صوابه من اللسان والقاموس.

(٧) البيت لأبى المثلم الهذلى ، كما فى اللسان (رهط). وقصيدته فى شرح السكرى للهذليين ٥١.


قال الخليل : والرِّهاط واحدٌ ، والجمع أرهطة. قال : ويجوز فى العشيرة أن تقول هؤلاء رَهْطك وأرْهُطُك ، كلُّ ذلك جميعٌ ، وهم رجال عشيرتك. وقال :

يا بُؤْسَ للحربِ التى

وضعَتْ أراهِط فاستراحُوا (١)

أى أراحتْهم من الدُّنيا بالقَتْل. ويقال لِراهِطاء اليَربوع رُهَطَةٌ أيضاً.

رهق الراء والهاء والقاف أصلان متقاربان : فأحدهما غِشيان الشّىءِ الشىءَ ، والآخر العَجلة والتأخير (٢).

فأمَّا الأوَّل فقولُهم : رَهِقَه الأمرُ : غَشِيَه. والرَّهُوق من النُّوق : الجوادُ الوَسَاعُ التى تَرْهَقُك إذا مددتَها ، أى تغشاك لسَعَة خَطْوها. قال الله جلّ ثناؤه : (وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ). والمرَاهِق : الغلام الذى دَانَى الحُلُم. ورجلٌ مُرَهَّق : تنزل به الضِّيفَانُ. وأرهَق القومُ الصّلاةَ : أخَّروها حتى يدنُوَ وقتُ الصلاةِ الأُخرى. والرَّهَق : العَجَلة والظُّلم. قال الله تعالى : (فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) (٣). والرَّهَق : عجلةٌ فى كذب وعَيب. قال:

* سليم جنّب الرّهَقا (٤) *

رهك الراء والهاء والكاف أصل يدل على استرخاء. فالرَّهْوَك (٥) :

__________________

(١) البيت أول أبيات لسعد بن مالك بن ضبيعة. انظر الحماسة (١ : ١٩٢).

(٢) فى الأصل : «فى التأخير».

(٣) من الآية ١٣ فى سورة الجن.

(٤) لم أهتد إلى مرجع لتحقيق هذا.

(٥) ذكرت فى القاموس ولم تذكر فى اللسان.


السَّمين من الجِداء والظبِّاء (١). والتَّرَهْوُك : التحرُّك فى رَخاوة. ويقولون : رهَكْت الشَّىءَ ، إذا سَحَقْتَه.

رهل الراء والهاء واللام كلمةٌ تدلُّ على استرخاء. فالرَّهَل : الاسترخاء من سِمَن. يقال فرسٌ رهِلُ الصَّدْر.

أنشدنا أبو الحسن القَطَّان ، قال أنشدنا على بن عبد العزيز ، عن أبى عبيدٍ ، عن الفرّاء :

فتًى قُدَّ قَدَّ السّيفِ لا متآزِفٌ

ولا رَهِلٌ لَبَّاتُهُ وبَآدِلُه (٢)

رهم الراء والهاء والميم يدلُّ على خِصْبٍ ونَدًى. فالرِّهْمَة : المَطْرة الصَّغيرةُ القَطْر ؛ والجمعُ رِهَمٌ ورِهام وروضة مَرْهُومَةٌ. وأَرْهَمَتِ السّماء : أتت بالرِّهام. ونزلنا بفلانٍ فكُنّا فى أرهَمِ جانِبَيه ، أى أخصبهما

رهن الراء والهاء والنون أصلٌ يدل على ثباتٍ شىءٍ يُمسَك بحقّ أو غيره. من ذلك الرَّهْن : الشىءُ بُرْهَن. تقول رهنَتْ الشىءَ رهْناً ؛ ولا يقال أرهَنْتُ. والشئ الرَّاهن : الثابت الدائم. ورَهَن لك الشىء : أقام وأرهنْتُه لك : أقمتُه. وقال أبو زيد : أرْهَنْتُ فى السَّلعة إرهاناً : غالَيْتُ فيها. وَهو من الغَلاء خاصَّة. قال :

* عِيدِيَّةً أُرْهنَتْ فيها الدَّنانيرُ (٣) *

__________________

(١) بعد هذا الكلمة فى الأصل : «والرهوك السمين» ، وهى عبارة مقحمة أخذت مما بعدها وما قبلها.

(٢) البيت للعجير السلولى ، أو زينب أخت يزيد بن الطترية ، كما فى اللسان (أزف ، أدل ، رهل).

(٣) صدره كما فى اللسان (رهن) :

يطوى ابن سلمة بها من راكب بعجه

أو :

صلت تجوب بها البلداني ناجيه


وعبارة أبى عُبيدٍ فى هذا عبارة شاذّة. لكنّ ابن السكّيت وغيره قالوا : أُرْهِنَتْ أَسْلِفَتْ. وهذا هو الصَّحيح. قالوا كلُّهُم : أرهَنْتُ ولَدى إرهاناً : أخْطَرْتُهُمْ (١). فأمّا تسميتهم المهزُولَ من الناس [و] الإبلِ راهناً ، فهو من الباب ؛ لأنَّهم جعلوه كأنّه من هُزاله يثبُت مكانَه لا يتحرَّك. قال :

إمَّا تَرَىْ جِسْمِىَ خَلَّا قد رَهَنْ

هَزْلاً وما مجدُ الرِّجال فى السِّمَنْ (٢)

يقال منه رَهَنَ رُهوناً.

باب الراء والواو وما يثلثهما

روى الراء والواو والياء أصلٌ واحد ، ثمّ يشتقّ منه. فالأصل ما كان خِلافَ العَطَش ، ثم يصرَّف فى الكلام لحامِلِ ما يُرْوَى منه.

فالأصل رَوِيتُ من الماء رِيًّا. وقال الأصمعى : رَوَيْت على أهلى أَرْوِى رَيًّا. وهو راوٍ من قومٍ رُواةٍ ، وهم الذين يأتونهم بالماء.

فالأصل هذا. ثمّ شبَّه به الذى يأتى القومَ بِعلْمٍ أو خَبَرٍ فيرويه ، كأنَّه أتاهم برِيِّهم من ذلك.

[روب] ............................................. (٣).

__________________

(١) أى جعلت لهم خطراً يتبقون إليه.

(٢) البيان فى اللسان (رهن) ، وقد سبق أولهما فى (حل ١٥٦) من هذا الجزء.

(٣) جاءت هذه المادة مختلطة بما قبلها ، مبتورة الأول. وإليك أول المادة من المجمل إلى أن تتصل بأول هذا الكلام : «راب اللين يروب وهو رائب. وقوم روبى : حثراء الأنفس. وقد رايت نفسه تروب. والرؤبة بالهمز : خشبة يرأب بها القعب أى يشد. والروية غير مهموزة : حميرة تلقى فى العين ليروب. وروبة الليل : طائفة منه. أبو ريد : روبة الفرس : مؤه فى حمامه يقال ...».


أعِرْنى رُوبة فرسِك. ويقال : فلانٌ لا يقوم برُوبة أهله ، أى بما أسنَدُوه إِليه من حاجاتهم ، كأنه شبِّه ذلك باللَّبن. وقال ابنُ الأعرابىّ : رُوبَة الرجل : عَقْله. قال بعضهم وهو يحدِّثنى : وأنا إذْ ذاكَ غلامٌ ليست لى رُوبة. فأمّا الهمزة التى فى رُؤْبة فهى تجىء فى بابِه.

روث الراء والواو والثاء كلمتان متباينتان جِدًّا. فالرَّوْثة : طرف الأرنَبة. والواحدة من رَوْث الدّوَابّ.

روج الراء والواو والجيم ليس أصلاً. على أنّ الخليل ذكر : روَّجْتُ الدّراهِمَ ، وفلانٌ مُروِّج. ورَاجَ الشىءُ يروجُ ، إذا عُجِّل به. وكلٌّ قد قيل ، والله أعلَمُ بصحّته ، إلّا أنى أراه كلَّه دخيلا.

روح الراء والواو والحاء أصلٌ كبير مطّرد ، يدلُّ على سَعَةٍ وفُسْحَةٍ واطّراد. وأصل [ذلك] كلِّه الرِّيح. وأصل الياء فى الريح الواو ، وإنّما قلبت ياءً لكسرة ما قبلها. فالرُّوح رُوح الإِنسان ، وإنّما هو مشتق من الرِّيح ، وكذلك الباب كلّه. والرَّوْح : نسيم الرِّيح. ويقال أراحَ الإنسانُ ، إذا تنفَّسَ. وهو فى شعر امرئ القيس (١). ويقال أرْوَحَ الماءُ وغيرُه : تغيَّرتْ* رائحته.

والرُّوح : جَبْرَئِيل (٢) عليه السلام. قال الله جلَّ ثناؤُه : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ). والرَّواح : العشِىُّ ؛ وسمِّى بذلك لرَوحِ الرِّيح ، فإنَّها

__________________

(١) يعنى قوله ، فى ديوانه ١٥ واللسان (٣ : ٢٨٨) :

لها منخركوجار السباع

فمنه تريح إذا تنجهر

(٢) فيه أربع عشرة لغة ، ذكرها صاحب القاموس.


فى الأغلب تَهُبّ بعد الزّوال. وراحوا فى ذلك الوقتِ ، وذلك من لَدُنْ زوالِ الشّمس إلى الليل. وأرحْنَا إبلَنا : ردَدْناها ذلك الوقْتَ. فأمَّا قولُ الأعشى :

ما تَعِيفُ اليَوْمَ فى الطَّيرِ الرَّوَحْ

من غُرابِ البينِ أو تيسٍ بَرَحْ (١)

فقال قومٌ : هى المتفرِّقة. وقال آخرون : هى الرّائحةُ إلى أوكارها. والمُرَاوَحَةُ فى العمَليْن : أن يَعْمل هذا مرةً و [هذا] مَرَّة. والأرْوَح : الذى فى صُدور قدميه انْبساط. يقال رَوِحَ يَرْوَحُ رَوحاً. وقَصْعةٌ رَوْحاء : قريبة القَعر. ويقال الأرْوَح من النّاس : الذى يتباعد صُدورُ قدمَيه ويتدانى عَقِباه ؛ وهو بَيِّن الرَّوَح. ويقال : فلانٌ يَرَاحُ للمعروف ، إذا أخذَتْه له أرْيَحِيّة. وقد رِيحَ الغَدير : أصابته الرَّيح. وأرَاحَ القومُ : دخلوا فى الرِّيح. ويقال للميِّت إذا قَضى : قد أراحَ. ويقال أرَاحَ الرّجُل ، إذا رجعت إليه نَفْسُه بعد الإعياء. وَأَرْوَحَ الصَّيدُ ، إذا وجَدَ رِيحَ الإنسىّ. ويقال : أتانا وما فى وجهه رائِحةُ دمٍ (٢). ويقال أرَحْتُ على الرّجُل حَقَّهُ ، إذا رَدَدْتَه إليه. وأفعل ذلك فى سَراحٍ ورَواحٍ ، أى فى سهولة. والمَرَاح : حيث تأوِى الماشيةُ باللَّيل. والدُّهْن المروَّح : المطيَّب. وقد تَروَّحَ الشّجر ، ورَاح يَرَاح ، معناهما أن يَتفَطَّر بالورق (٣). قال :

* رَاحَ العِضاهُ بهمْ والعِرقُ مَدخُول (٤) *

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٥٩ واللسان (٣ : ٢٩١) والحيوان (٣ : ٤٤٢).

(٢) فى اللسان : «وما فى وجهه رائحة دم ، من الفرق. وما فى وجهه رائحة دم ، أى شىء».

(٣) التفطر : التشقق والتصدع. فى الأصل : «ينفطر الورق» ، تحريف.

(٤) للراعى كما فى اللسان (٣ : ٢٩٤). وصدره :

وخالف المجد أقوام لهم ورق


أبو زيد : أروَحَنِى الصَّيدُ إرواحاً ، إذا وجَدَ رِيحك. وأرْوَحْتُ من فلانٍ طِيباً. وكان الكسائىّ يقول : «لم يُرِحْ رائحةَ الجنّة» من أَرَحْت. ويجوز أن يقال «لم يَرَح» مِن رَاحَ يَرَاحُ ، إذا وجَدَ الرِّيح (١). ويقال خرجُوا برِيَاح من العشى وبرَوَاحٍ وإرْوَاح (٢). قال أبو زيد : راحَت الإِبل تَرَاح ، وأرحْتُها أنا ، مِن قوله جلَّ جلالُه : (حِينَ تُرِيحُونَ). ورَاحَ الفَرَسُ يَرَاحُ راحةً ، إذا تحصَّنَ. والمَرْوَحة : الموضع تخترق فيه الرِّيح. قيل : إنّه لعمر بن الخطاب وقيل بل تمثّلَ به (٣) :

كأَنَّ راكبَها غُصْنٌ بِمَرْوَحَةٍ

إذا تَدَلَّتْ به أو شاربٌ ثَمِلُ (٤)

والرَّيِّح : ذو الرَّوْحِ ؛ يقال يومٌ رَيِّح : طيّب. ويوم رَاحٌ : ذو رِيح شَديدة قالوا : بُنِىَ على قولهم كَبْشٌ صافٌ كثير الصُّوف. وأمَّا قولُ أبى كبيرٍ (٥) :

وماءِ وردتُ على زَوْرةٍ

كمَشْىِ السَّبَنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا (٦)

فذلك وِجْدانُه الرَّوْح. وسُمِّيت الترويحة فى شهر [رمضان] لاستراحة القومِ بعد كلِّ أربع ركَعات. والرَّاحُ : جماعةُ راحةِ الكفّ. قال عَبيد :

__________________

(١) وفيه لغة ثالثة «لم يرح» بكسر الراء ، من راح يريح.

(٢) كتب فى اللسان والقاموس بهمزة فوق الألف. وفى المجمل بكسرة تحت الألف كما أثبت.

(٣) كذا ، ولعل موضع هذا البيت التالى. وفى المجمل : «ويقال إن عمر رحمه الله ركب ناقة فمشت به مشيا عنيفا «قال».

(٤) البيت فى اللسان (٣ : ٢٨٢).

(٥) الصواب أنه لصخر الغى انظر شرح السكرى للهذليين ٤٧ ومخطوطة الشقيطى ٥٨.

(٦) البيت فى اللسان (روح) بدون نسبة ، وفى (زور) بنسبته إلى صخر الغى ، وكذا عجزه مع هذه النسبة فى (شفف).


دانٍ مسِفٍّ فُويقَ الأرضِ هَيْدَبُه

يكادُ يدفَعُه مَن قام بالرَّاحِ (١)

الرَّاح : الخمر. قال الأعشى :

وقد أشْرَبُ الرَّاح قد تعلمي

نَ يومَ المُقَام ويوم الظَّعَنْ (٢)

وتقول : نَزَلَتْ بفُلانٍ بَلِيَّةٌ فارتاح الله ، جلَّ وعزّ ، له برحمةٍ فأنقَذَه منها.

قال العجّاج :

فارتاحَ ربِّى وأرادَ رحمتى

ونِعمَتِى أتَمَّها فَتَمَّتِ (٣)

قال : وتفسير ارتاح : نَظَر إلىَّ ورَحِمَنِى. وقال الأعشى فى الأريحىّ :

أريحِىُ صَلْتٌ يظَلُّ له القَوْ

مُ رُكوداً قِيامَهُم للهِلالِ (٤)

قال الخليل : يقال لكلِّ شىءِ واسعٍ أَرْيَحُ ، ومَحْمِلٌ أَرْيَحُ. وقال بعضُهم : مَحْمِلٌ أَرْوحُ. ولو كان كذلك لكان ذمَّهُ ؛ لأنَ الرَّوَح الانبطاح ، وهو عيب فى المَحْمِل. قال الخليل: الأريحىُ مأخوذٌ مِن رَاحَ يَرَاح ، كما يقال للصَّلْت أَصْلَتِىٌّ.

رود الراء والواو والدال معظمُ بابِه [يدلُ] على مجىءِ وذَهابٍ من انطلاقٍ فى جهة واحدة. تقول : راودْتُه على أن يَفعل كذا ، إِذا أردْتَه على فِعله. والرَّوْد : فِعْلُ الرَّائد. يقال بعثْنا رائداً يرُودُ الكلأَ ، أى ينظُر* ويَطلُب.

__________________

(١) من قصيدة لعبيد بن الأبرص فى مختارات ابن الشجرى ١٠٠ ـ ١٠١. ولعبيد فى ديوانه قصيدة حائية على هذا الوزن والروى ليس منها هذا البيت. لكنه منسوب أيضا إليه فى اللسان (هدب ، شفف). والحق أنه لأوس بن حجر من قصيدة فى ديوانه ٤. وقبل البيت :

يا من لبرق أبيت الليل أرقبه

؟ هارس كياس الصبح؟

(٢) ديوان الأعشى ١٤.

(٣) ديوان العجاج ٦ ، ونسب فى اللسان (٣ : ٢٨٧) إلى رؤبة.

(٤) البيت من أول قصيدة للأعشى فى ديوانه ص ١٠.


والرِّياد : اختلافُ الإبل فى المَرعَى مُقْبلةً ومدبرة. رادَتْ تَرُودُ رِياداً. والمَرَاد : الموضعُ الذى ترُودُفيه الرَّاعية. ورادَت المرأةُ تَرودُ ، إذا اختلفَتْ إلى بيوت جاراتها. والرَّادَة : السَّهلة من الرِّياح ، لأنها تَرُودُ لا تَهُبُّ بِشدّة ورائِدُ العَين : عُوَّارها الذى يَرُود فيها. وقال بعضهم : الإرادة أصلها الواو ، وحجته أنَّك تقول راوَدْته على كذا. والرَّائد : العُود الذى تُدار به الرَّحَى. فأمّا قول القائل فى صفة فرسٍ :

* جَوَادَ المَحَثَّة والمُرْوَدِ (١) *

فهو من أَروَدْت فى السِّير إرواداً ومُرْوَداً. ويقال مَرْوَداً أيضاً. وذلك من الرِّفْق فى السَّير. ويقال «رَادَ وِسادُه» ، إذا لم يستقرَّ ، كأنّه يجىء ويَذهب (٢). ومن الباب الإرواد فى الفعل : أن يكون رُوَيداً. وراودتُه على أنْ يفعل كذا ، إذا أردْتَه على فعلِه. ومن الباب جاريةٌ رُودٌ (٣) : شابّة. وتكبير رويدٍ رُودٌ. قال :

* كأنَّها مِثْلُ مَنْ يَمشِى على رُودِ (٤) *

والمِرْود : المِيل.

روز الراء والواو والزاء كلمةٌ واحدة ، وهى تدلُّ على اختبار وتجريب. يقال رُزْت الشّىءَ أَرُوزُه ، إذا جرَّبْتَه.

__________________

(١) نسب فى اللسان (رود ٧١) إلى امرى ، القيس. وصدره :

وأعددت للحرب وثابة

(٢) من شواهده قول عبد الله بن عنمة الضبى فى المفضليات (٢ : ١٨١) :

نقول له لما رأت جمع رجله

أهذا رئيس القوم راد وسادها

(٣) أصلها الهمز «رؤد». ويقال أيضا «رؤدة» بالهاء ، ورأد ورأدة ، كلها بمعنى.

(٤) البيت للجموح الظفرى ، وكذا جاءت الرواية فى الأصل والمجمل. والمعروف فى روايته

تكاد؟ الطحاء وطأتها

كأنها ثمل يمشى على رود


روض الراء والواو والضاد أصلانِ متقاربانِ فى القياس ، أحدهما يدلُّ على اتّساعٍ ، والآخَرُ على تَبيِينٍ وتسهيل.

فالأولُ قولهم استراض المكانُ : اتّسَعَ. قال : ومنه قولهم : «افعل كذا مادامَ النَّفَسُ مستَرِيضاً» ، أى متَّسعاً. قال :

أَرَجَزاً تُرِيدُ أم قَرِيضَا

كلاهُما أُجِيدُ مُستَرِيضا (١)

ومن الباب الرَّوضة. ويقال أرَاضَ الوادِى واستراضَ ، إذا استَنْقَعَ فيه الماء. وكذلك أراضَ الحوضُ. ويقال للماء المستنقِع المنبسِط رَوْضَة. قال :

* ورَوْضَةٍ سَقَيْتُ منها نِضْوِى (٢) *

ومن الباب أتانا بإناءٍ يُرِيضُ كذا [وكذا (٣)]. وقد أراضَهم ، إذا أرواهم. وأما الأصل الآخَر : فقولهم رُضْتُ النّاقةَ أرُوضُها رياضةً.

روع الراء والواو والعين أصلٌ واحد يدلُّ على فزَع أو مُستَقَرِّ فزَع. من ذلك الرَّوْع. يقال رَوَّعت فُلانا ورُعْتُه : أفزَعْتُه. والأرْوَع من الرجال :ذو الجِسم والجَهَارَة ، كأنَّه مِن ذلك يَرُوع مَن يراه. والرَّوْعاء (٤) من الإبل :

__________________

(١) لحميد الأرقط كما فى اللسان (روض) والمخصص (١٠ : ١٣٢). وفى الأصل والمجمل والمخصص : «أجد» ، والوجه ما أثبت من اللسان وأمالى ثعلب وأما «كلاهما» فقد جاء فى المخصص فقط «كانهما» على اللغة المشهورة ؛ إذ أنها مفعول مضاف إلى ضمير ، وفى سائر المصادر «كلاهما» وهى لغة لبعضهم. وفى همع الهوامع (١ : ٤١) عند الكلام على كلا وكلتا : «وبعضهم يجريهما معهما ـ أى مع الظاهر والضمير ـ بالألف مطلقا».

(٢) البيت فى المخصص (٩ : ١٣٥). ورواه فى اللسان (٩ : ٢٤): «وروضة سقيت منها نضوتى». والنضوة مؤنثة «لنضو» بالكسر ، وهو البعير المهزول.

(٣) هذه من المجمل.

(٤) فى الأصل : «والرعاء» ، صوابه فى المجمل واللسان والقاموس.


الحديدة الفؤاد ، كأنَّها ترتاعُ من الشىءِ. وهى من النِّساء التى تَرُوع الناسَ ، كالرّجُل الأرْوَع.

وأمّا المعنى الذى أومَأْنا إليه فى مستَتَرِّ الروع فهو الرُّوع. يقال وقَعَ ذلك فى رُوعِى. وفى الحديث : «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ فى رُوعى : إنّ نفساً لن تَموتَ حتَّى تستكمِلَ رِزْقها. فاتَّقُوا الله وأَجْمِلوا فى الطّلَب».

روغ الراء والواو والغين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مَيْل وقلّة استقرار. يقال راغَ الثّعلبُ وغيرُه يَرُوغُ. وطريقٌ رائغٌ : مائل. وراغَ فلانٌ إلى كذا. إذا مالَ سِرَّا إليه. وتقول : هو يُدِيرُنى عن أمرى وأَنا أُريعه. قال :

يدِيرُونَنِى عن سالِمٍ وأُرِيغُهُ

وجلدةُ بَيْنِ العَينِ والأنْفِ سالمُ (١)

ويقال رَوَّغْت اللُّقْمةَ بالسَّمن أروِّغُها ترويغاً ، إذا دَسَمْتَها. وهو إذا فعل ذلك أَدارَها فى السَّمْن إِدارة.

ومن الباب : راوغ فلانٌ فلاناً ، إذا صارعه ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يُرِيغ الآخَر ، أى يُديرُه. ويقال : هذه رِواغة بنى فلان ورِياغتهم : حيث يصطَرِعُون.

روق الراء والواو والقاف أصلان ، يدلُّ أحدُهما على تقدُّمِ شىءٍ ، والآخَرُ على حُسْنٍ وجمال.

فالأوّل الرّوْق والرِّواق : مُقدَّم البَيت. هذا هو الأصل. ثمّ يحمل عليه

__________________

(١) البيت فى اللسان (روغ) والأمالى (١ : ١٥) بدون نسبة. وهو لعبد الله بن عمر بن الخطاب وكان يحب ولده سالم بن عبد الله ، وكان ناس يلومونه فى ذلك فيقول هذا البيت المعارف لابن قتيبة ٨٠ واللسان (١٥ : ١٩١).


كلُّ شىءٍ فيه أدنى تقدُّم. والرَّوْق : قَرن الثَّور. ومَضَى رَوْقٌ من اللَّيل ، أى طائفة منه ، وهى المتقدّمة. ومنه رَوْق الإنسان شبابُه ؛ لأنه متقدِّمُ عُمره. ثم يستعار الرَّوْق للجِسم فيقال: «أَلقَى عليه أوراقَه». والقياس فى ذلك واحدٌ. فأمّا قول الأعشَى :

ذاتِ غَرْبِ تَرمِى المقدَّمَ بالرِّدْ

فِ إذا ما تتابع الأرواقُ (١)

ففيه ثلاثةُ أقوال :

الأوّل أنّه أراد أرواقَ اللَّيل ، لا يمضى رَوْقٌ من الليل إلا يَتبَعُه رَوْق والقول الثانى : أنَ الأَرْواق الأجساد إذا تدافعَت فى السَّير.

والثالث : أنّ الأرواق القُرون ، إنَّما أراد تزاحُمَ البقَرِ والظِّباء من الحَرِّ فى الكِناس. [فمن قال هذا القولَ جَعَلَ تمامَ المعنَى فى البيت الذى بعده ، وهو قوله (٢)] :

[فى مَقيلِ الكِناس (٣)] إذْ وَقَدَ الحَرُّ إذا الظِّلُّ أحرزَتْه السّاقُ كأنّه قال : تتابَعَ الأرواقُ فى مَقِيلها فى الكِناس.

ومن الباب الرّوَق ، وهى أن تَطول الثّنايا العُليا السُّفلَى.

ومنه فيما يُشْبه المثَل : «أكَلَ فلانٌ رَوْقه» ، إذا طال عمره حتى تحاتَّتْ أسنانُه. ويقال فى الجسم : ألقى أرْوقَه على الشَّىء ، إذا حَرَصَ عليه. ويقال رَوّقَ اللَّيلُ ، إِذا مَدّ رِواقَ ظُلْمته. ويقال ألقَى أرْوِقَتَه.

__________________

(١) ديوان الأعشى ١٤٢.

(٢) التكملة من المحمل.

(٣) التكملة من المجمل وديوان الأعشى.


ومن الباب : ألقى فلانٌ أرواقه ، إذا اشتدَّ عَدْوُه ؛ لأنّه يتدافَع ويتقدَّم بجسمه. قال :

* أَلْقَيْتُ ليلَةَ خَبْتِ الرَّهْط أرْوَاقِى (١) *

ويقال : ألْقَت السَّحابة أرواقَها ، وذلك إذا ألحَّتْ بمطرها وثبتت. والرُّوَاقُ : بيتٌ كالفُسطاط ، يُحمَل على سِطاعٍ واحدٍ فى وسَطِه ، والجميع أرْوِقَة. وَرُواق البيت : ما بين يدَيْه.

والأصل الآخرُ : قولهم : راقَنى الشَّىءُ يَرُوقنى ، إذا أعجبَنِى. وهؤلاء شبابٌ رُوقَة (٢). ومن الباب : روَّقت الشّرابَ : صفَيْتُه ، وذلك حُسْنُه. والرَّاوُوق : المِصْفاة.

رول الراء والواو واللام أصلٌ يدلُّ على لَطْخ شىءٍ بشى. يقالَ رَوَّلْتُ الخُبْزَ بالسَّمن ، مثل روَّغْت. والرُّوَال : بُزَاق الدّابّة. يقال رَوّلَ [فى] مِخْلَاتِه (٣). وقريبٌ من هذا الباب رَوَّلَ الفَرسُ : أدْلَى.

روم الراء والواو والميم أصلٌ يدلُّ على طلبِ الشَّىء. ويقال رُمْتُ الشّىءَ أَرُومُه رَوْماً. والمَرَام : المَطْلب. قال ابنُ الأعرابىّ : يقال رَوَّمتُ فلاناً وبفُلانِ ، إذا جعلته يَرومُ [الشّىءَ(٤)] ويطلبه.

__________________

(١) لتأبط شرا ، من القصيدة الأولى فى المفضليات ، وصدره فى المفضليات واللسان :

نجوت منها نجائي من بحلة اذ

(٢) روقة يقال للمذكر والمؤث ، والمفرد والمثنى والمجموع.

(٣) فى المجمل : «ترول فى مخلاته».

(٤) التكملة من المجمل واللسان.


روه (١) الراء والواو والهاء ليس بشىء ، على أن بعضهم يقول الرَّوه مصدر رَاه يروه روها. قال : هى لغة يمانية. يقولون : راهَ الماء على وجه الأرض : اضطرب. وفى ذلك نظرٌ.

رون الراء والواو والنون يدلُّ على شِدّة خَرّ أو صوتٍ. يقولون : يوم أرْوَنانٌ وليلةٌ أرْوَنانة ، أى شديدة الحرِّ والغَمّ. قال القُتَيبىّ : والأرْوَنانُ : الصّوت الشديد. قال الكميت :

بها حاضرٌ من غير جِنٍّ يَرُوعُه

ولا أنسٌ ذُو أرْوَنَانٍ وذُو زَجَلْ (٢)

باب الراء والياء وما يثلثهما

ريب الراء والياء والباء أُصَيلٌ يدلُّ على شكّ ، أو شكّ وخوف ، فالرَّيْب : الشّكّ. قال الله جلّ ثناؤه : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) أَى لا شَكّ. ثم قال الشاعر :

فقالوا تَرَكْنَا القومَ قد حَصِرُوا بهِ

فلا ريْبَ أن قد كان ثَمَّ لَحِيمُ (٣)

والرَّيب : ما رابَكَ مِن أمرٍ. تقول : رابَنِى هذا الأمرُ ، إذا أدخَلَ عليك شَكًّا وخَوفا. وأرابَ الرّجلُ : صارَ ذا رِيبةٍ. وقد رابَنِى أمْرُه. ورَيْب الدّهر : صُروفه ؛ والقياس واحد. قال:

__________________

(١) كذا ورد ترتيب هذه المادة ، وموضعها بعد تاليتها.

(٢) البيت في اللسان (رون) والحيوان (٥ : ٤٠٤).

(٣) لساعدة بن جؤبة فى ديوانه ٢٣٢ واللسان (حصر ، لحم). حصروا به ، بفتح الصاد : أحاضوا به. وروى السكرى : «حصروا به» بكسر الصاد ، أى ضاقوا به.


أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ

والدّهُر ليس بمُعْتِبٍ مَن يجزعُ (١)

فأمّا قولُ القائل :

قضَيْنَا مِن تِهامةَ كلَ ريبٍ

ومَكَّةَ ثُمّ أَجْمَعْنا السُّيوفا (٢)

فيقال إنّ الرَّيب الحاجة. وهذا ليس ببعيدٍ ؛ لأنَّ طالبَ الحاجة شاكٌّ ، على ما به من خوف الفَوْت.

ريث الراء والياء والثاء أصلٌ واحد ، يدلُّ على البُطء ، وهو الرَّيثُ : خِلاف العَجَل. قال لبيد :

إنَّ تَقْوَى ربِّنا خيرُ نَفَلْ

وبإِذْنِ اللهِ رَيْثِى وعَجَلْ (٣)

تقول منه راثَ يَرِيث. واستَرَثْتُ فلاناً* استبطأتُه. وربّما قالوا : استَرْيَث ، وليس بالمستعمَل. ويقال رجلٌ رَيَّثٌ ، أى بطىء.

ريح الراء والياء والحاء. قد مضى مُعظَم الكلام فيها فى الراء والواو والحاء ، لأنَّ الأصل ذاك ، والأصل فيما نذكر آنفا الواو أيضاً ، غير أنّا نكتب كلماتٍ لِلَّفْظ. فالرِّيح معروفة ، وقد مرَّ اشتقاقها. والرَّيحان معروف. والرَّيْحان : الرِّزْق. وفى الحديث : «إِنَّ الولدَ مِنْ رَيْحان الله».

والرِّيح : الغَلَبة والقُوّة ، فى قوله تعالى : (فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ). وقال الشّاعر :

أتَنْظُرَانِ قليلا ريْثَ غفلَتِهمْ

أم تعْدُوان فإنَ الرِّيح لِلْعَادِى (٤)

وأصل ذلك كلِّه الواو ، وقد مَضَى.

__________________

(١) لأبى ذؤيب الهذلى ، وهو مطلع أول قصيدة له فى ديوانه. المفضليات (٢ : ٢٢١).

(٢) لكعب بن مالك الأنصارى ، فى اللسان (ريب) ، وقصيدته فى السيرة ٨٧٠ جوتنجن.

(٣) مفتح قصيدة له فى ديوانه ١١ طبع ١٨٨١.

(٤) يروى لتأَبط شِراً ، وللسليك بن السلكة ، والأعشى فهم. انظر اللسان (٣ : ٢٨٣).


ريخ الراء والياء والخاء كلمةٌ واحدةٌ فيها نظر. يقال رَاخَ يَريخ ريْخاً ، إذا ذلَّ وانكسَر. والترييخ : وَهْىُ الشىء. وضربوا فلانا حتى ريَّخوه. وراخَ الرجلُ يَريخ رَيخا ، إذا حَار. وراخَ البعيرُ ، إذا أَعْيا.

ريد الراء والياء والدال كلمتان : الريد : أنْفِ الجبَل. والرِّيد : التّرب.

رير الراء والياء والراء كلمةٌ واحدةٌ لا يقاس عليها ولا يفرّع منها. فالرِّير : المُخّ الفاسد ، وهو الريْرُ والرَّار. وأرَارَ اللهُ مُخَّ هذه النّاقةِ ، أى تركه رِيراً.

وحدّثنى علىُّ بن إبراهيمَ قال : سألتُ ثعلبا عن قول القائل :

* أرَارَ الله مُخَّك فى السُّلامَى*

فقلت : أكذا هو ، أم : أرانى الله مُخَّك فى السُّلامى؟ وأيُّهما أجود وأَحبُّ إِليك؟ فقال : كلاهما واحد. ومعنى أرَارَ أرَقَّ. والسَّلامَى : عظام الرِّجْل.

ريس الراء والياء والسين كلمتانِ متفاوتٌ ما بينَهما. فالرِّياس : قائم السَّيف (١). [قال] :

إلى بَطَلَينِ يعثران كِلاهما

يُدِير رياس السَّيفِ والسّيفُ نادرُ

__________________

(١) هو مسهل المهموز «رئاس» ، وهو فى سائر المعاجم فى مادة (رأس). وفى اللسان (٧ : ٣٩٧) نص ابن سيده على الشك فى الكلمة ، أهى يائية الأصل ، أم مخففة من المهموز.


وقال آخر :

* ومِرْفَقٍ كرِيَاسِ السَّيْفِ إذ شَسَفَا (١) *

والكلمة الأخرى : الرَّيْسُ والرَّيَسَان : التَّبختُر. قال :

* أتاهُمْ بينَ أرحُلِهمْ يَرِيسُ (٢) *

ريش الراء والياء والشين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حُسْن الحال ، وما يكتسب (٣) الإنسانُ من خَيْر. فالرِّيش : الخير. والرِّياش : المال. ورشْت فلاناً أَرِيشُه رَيشاً ، إذا قُمْتَ بمصلحةِ حالِه. وهو قوله :

فرِشْنى بخيرٍ طالَمَا قد بَريْتنِى

وخَيْرُ المَوَالى مَن يَرِيش ولا يَبْرِى (٤)

وكان بعضهم يذهب إلى أنّ الرائش الذى فى الحديث فى «الرّاشِى والمرتَشِى والرّائش (٥)» ، أنّه الذى يسعى بين الرَّاشى والمرتَشِى. وإنما سُمِّى رائشا للذى ذكَرْناه. يقال رِشْتُ فلاناً : أنلتُه خيرا. وهذا أصحُّ القولين بقوله :

* فرِشْنى بخيرٍ طالَمَا قد بريتَنِى*

__________________

(١) لابن مقبل فى اللسان (رأس ، شسف). وصدره :

ثم اضطغنت سلاحي عند مغرضها

(٢) لأبى زبيد الطائى ، فى اللسان (ريس). وصدره فيه :

فلما أن راهم قد تدانوا

وصدره الجمهرة (٢ : ٣٤٠) :

قصاقصه أبو شبلين ورد

(٣) فى الأصل : «يكتسى».

(٤) نسب فى اللسان (ريش) إلى عمير بن حباب ، وفى تاج العروس إلى سويد الأنصارى ؛ وهو الصواب كما فى البيان ٤ : ٦٦. وفى الأصل : «وشر الموالى» ، تحريف.

(٥) أول الحديث : «لعن الله ..».


وقال آخر :

فرِيشِى منكُم وهواىَ فيكمْ

وإن كانت زيارتُكُمْ لِماما

وقال أيضا :

سأشكُرُ إن ردَدْتَ إلىَ رِيشى

وأثْبَتَّ القوادمَ فى جَناحِى

ومن الباب رِيشُ الطائر : ويقال منه رِشْت السهم أَرِيشه رَيْشاً. وارتاش فلانٌ ، إذا حسُنَتْ حالُه. وذكَرُوا أَنَ الأرْيَشَ الكثيرُ شَعْر الأذُنين خاصّةً.

فهذا أصل الباب. ثم اشتُقّ منه ، فقيل للرُّمح الخَوّار : رَاشٌ. وإنما سمّىَ بذلك لأنه شُبِّه فى ضَعْفِه بالرِّيش. ومنه ناقةٌ راشةُ الظَّهر ، أى ضعيفة.

ريط الراء والياء والطاء كلمةٌ واحدة ، وهى الرَّيطة ، وهى كلُّ مُلاءةٍ لم تَكُ لِفْقين ؛ والجمع رَيْط ورِياط.

وحدثنى أبى عن أبى نصْرِ ابن أخْت اللَّيث بن إدريس ، عن ابن السكّيت قال : يقال لكلِّ ثوب رقيق لبِّنٍ : رَيْطة.

ريع الراء والياء والعين أصلان : أحدهما الارتفاع والعلُوّ ، والآخَر الرُّجوع.

فالأوَّل الرِّيع ، وهو الارتفاع من الأرض. ويقال بل الرِّيع جمعٌ ، والواحدة رِيعة ، والجمع رياعٌ. قال ذو الرمة :

* طراقُ الخوافِى مُشْرِفا فوقَ رِيعة (١) *

__________________

(١) عجزه كما فى ديوانه ٤٠٠ واللسان (ريع ٤٩٩).

ندى ليلة في ريشه يترقرق


ومن الباب الرِّيع : الطريق. قال الله تعالى : (أَتَبْنُونَ بِكُلِ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ). فقالوا: أراد الطريق. وقالوا : المرتفع من الأرض.

ومن الباب الرَّيْع ، وهو النَّماء والزيادة. ويقال إنّ رَيْع الدُّروع : فضول أكمامها وأَراعت الإبلُ : نَمَتْ وكثُر أولادُها ورَاعَت الحِنطةُ : زَكَت. ويقولون إنّ ريع البِئر ما ارتفع من حَواليها. ورَيْعانُ كلِّ شىء : أفضلُه وأوّلُه.

وأما الأصل الآخر فالرَّيع : الرُّجوع إلى الشىء. وفى الحديث : «أن رجلاً سأل الحسنَ عن القَىء للصائم ، فقال : هل راعَ مِنه شىء». أراد : رجع. وقال :

طَمِعْتَ بليلَى أن تَريعَ وإنما

تُقطِّع أعناقَ الرِّجال المطامعُ (١)

ريف الراء والياء والفاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على خِصْب. يقال أرَافَتِ الأرضُ. وأرْيَفْنا، إذا صِرْنا إلى الرِّيف. ويقال أرضٌ ريِّفَةٌ ، من الرِّيف. وراعت الماشيةَ : رعت الرِّيف.

ريق الراء والياء والقاف ، وقد يدخل فيه ما كان من ذوات الواو أيضا ، وهو أصلٌ واحد يدلُّ على تردُّد شىءِ مائعٍ ، كالماء وغيرِه ثم يشتقّ من ذلك. فالتريق : تردد الماء على وجه الأرض. ويقال : راقَ السّرابُ فوقَ الأرض رَيقا.

ومن الباب رِيق الإنسانِ وغيرِه. والاستعارة من هذه الكلمة ، قولون رَيِّقُ كلِّ شىءِ : أوّله وأفضلُه. وهذا ريِّق الشراب ، وريق المطر : أوّله. ومنه قول طرفة :

__________________

(١) البيت للبعيث كما فى اللسان (ريع ٤٩٨). وأنشده فى المحمل.


* وأَعْجَلَ ثَيِّبَهُ رَيِّقِى (١) *

وقد يخفّف ذلك فيقال رَيْق. وينشد بيتُ البعيث كذا :

مدَحْنا لها رَيْقَ الشّباب فعارضَتْ

جَناب الصِّبا فى كاتِمِ السِّرِّ أَعْجَمَا (٢)

وحكى ابنُ دريد (٣) : أكلت خبزاً رَيْقاً : بغير أُدْم وهو من الكلمة ، أى إنه هو الذى خالط ريقى الأوّل. والماء الرائِق : أن يشرب على الرِّيق غداةً بلا ثُفْل. قال : ولا يقال ذلك إلّا للماء. ومن الباب الرائق : الفارغ ؛ وهو منه ، كأنَّه على الرِّيق بَعْدُ. وحكى اللِّحيانىّ : هو يَرِيق بنفسه رُيوقاً ، أى يَجُود بها ، وهذا من الكلمة الأولى ؛ لأنَّ نَفَسه عند ذلك يتردَّد فى صدره.

ريم الراء والياء والميم كلماتٌ متفاوتة الأصول ، حتّى لا يكاد يجتمع منها ثِنتانِ واشتقاقٌ واحد. فالرِّيْم : الدَّرَج (٤). يقال اسْمُكْ فى الرَّيْم ، أى اصْعَد الدَّرَج (٥) : والريْم : العظم الذى يَبقَى بعد قِسمة الجَزُور. والرَّيْم : القَبْر. والرَّيْم : السّاعة من النّهار. ويقال رِيمَ بالرّجُل ، إذا قُطِع به. قال :

* ورِيمَ بالسَّاقى الذى كان مَعِى (٦) *

__________________

(١) ثيبه : ما يثوب منه ويرجع. وفى الأصل : «ثنية» ، صوابه فى الديوان ١٦ ، وصدره :

فساورته؟؟

(٢) ورد البيت بنسبته إلى لبعيث فى (روق ٤٢٥) وحاء فى (ريق ٤٢٩) منسوباً إلى لبيد حصأ ، وليس فى ديوانه.

(٣) فى الجمهرة (٢ : ٤١١).

(٤) فى اللسان والقاموس : «الدرجة». قال ابن منظور : «والريم : لدرجة وقد كان. يمانية».

(٥) فى اللسان (سمك): «ويقال اسمك فى الريم ، أى اصعد فى الدرجة».

(٦) البيت فى المجمل واللسان (ريم).


قال ابن السكّيت : رَيَّمَ بالمكان : أقام به. ورَيَّمَتِ السّحابة وأغْضَنَت ، إذا دامت فلم تُقْلِع. ولا أَرِيمُ أفعل كذا ، أى لا أبْرَح. والرَّيْم : الزِّيادة ؛ يقال : لى عليك رَيْمُ كذا ، أى زيادة.

رين الراء والياء والنون أصلٌ يدلُّ على غِطاء وسَتْر. فالرَّيْن : الغِطاء على الشىء. وقد رِينَ عليه. كأنّه غُشِى عليه. ومن هذا حديث عمر : «أَلَا إن الأُسَيفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنة ، رضِىَ مِن دِينه بأن يقال سَبَقَ الحاجّ ، [فادّانَ مُعْرِضاً (١)] ، فأصبَحَ قد رِينَ به». يريد أنّه مات. وران النُّعاسُ يَرِين. ورانَت الخمْرُ عَلَى قلبه : غَلَبَتْ. ومن الباب : رانَتْ نفسى تَرِين ، أى غَثَتْ. ومنه أرَانَ القومُ فهم مُرِينُونَ ، إذا هَلَكت مواشِيهم. وهو من القياس ؛ لأنَّ مواشيهم ، إذا هلكت فقد رِينَ بها.

ريه الراء والياء والهاء كلمةٌ من باب الإبدال. يقال تَرَيَّه السَّحابُ ، إذا تَرَيَّع. وإنّما الأصل بالواو : تروَّهَ. وقد مضى.

باب الراء والهمزة وما يثلثهما

رأد الراء والهمزة والدال أُصَيلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وحركة. يقال امرأة رَأْدةٌ* ورُؤْد ، وهى السَّريعة الشَّباب لا تَبْقَى قَمِيئَة. وهو الذى ذكرناه فى الحركة. والرَّأْد والرُّؤْد : أصل اللَّحْى. ورأْد الضُّحى : ارتفاعه. يقال تَرَأَدَ (٢)

__________________

(١) أى استدان معرضاً عن الأداء. وهذه التكملة من اللسان.

(٢) فى الأصل : «رداء» ، وفى المجمل : «راد» ، صوابهما ما أثبت.


الضُّحى وتراءَدَ. وترأّدت الحيّة : اهتزّت فى انسيابها. وكان الخليل يقول : الرِّئْد : مهموز : التِّرْب.

رأس الراء والهمزة والسين أصلٌ يدل على تجمُّعٍ وارتفاع. فالرَّأْس رأسُ الإنسانِ وغيرِه. والرأس : الجماعة الضخمة فى قول ابن كُلثوم :

بِرأسٍ من بنى جُشَمِ بنِ بكرٍ

نَدُقُّ به السُّهولَةَ والحُزُونا (١)

والأرْأَسُ : الرَّجُل العظيم الرأْس. ويقال بعيرٌ رَءُوسٌ (٢) ، إذا لم يَبْقَ له مِرْقٌ إلّا فى رأسه. وشاة رأْساءُ ، إذا اسودَّ رأسُها. والرَّئيس : الذى قد ضُرِب [رأسُه]. ويقال سحابةٌ رائِسة ، وهى التى تَقْدُم السَّحابَ. ويقال أنت على رأس أمرك. والعامّة تقول : على رَأْس أمرك.

رأف الراء والهمزة والفاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على رقّة ورحمة ، وهى الرّأفة. يقال رَؤُفَ يَرْؤُف رأْفةً ورآفة ، على فَعْلةٍ وفَعَالة. قال الله جلّ وعلا : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) وقرئت : رآفة (٣) ، ورجل رءوف على فَعُول ، ورَؤُف [على] فَعُل. قال فى رءوف:

* هو الرَّحمنُ كان بنا رءُوفا* (٤)

وقال فى الرؤف :

__________________

(١) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم.

(٢) على وزن صبور ، كما فى القاموس. ويقال أيضاً فى معناه : رأس ومرآس ، كمعظم ومصباح.

(٣) هى قراءة ابن جريج ، ورويت عن عاصم وابن كثير. تفسير أبى حيان (٦ : ٤٢٩).

(٤) لكعب بن مالك الأنصارى ، فى اللسان (رأف). وصدره :

تطيم تهبينا وتطيع ويا


يرى لِلمسلمينَ عليه حقًّا

كفِعل الوالد الرَّؤُفِ الرّحيم (١)

رأل الراء والهمزة واللام كلمةٌ واحدة تدلُّ على فِراخ النعام وهى الرَّأْل ، والجمع رئَال ، والأنثى رألَةٌ. واسْتَرْأل النّبات ، إذا طال وصار كأعناق الرِّئال. وذات الرِّئال : روضة. والرِّئال : كواكب (٢).

رأم الراء والهمزة والميم أصلٌ يدل على مُضامَّةٍ وقُرْب وعَطْفٍ. يقال لكل مَن أحبَّ شيئاً وأَلِفَه : قد رَئِمَه. وأصلُه مِن قولهم : رَأَمَ الجُرْحُ رِئْماناً (٣) ، إذا انضمّ فُوه للبُرْء. وقال الشَّيبانى : رأَمْت شَعْبَ القَدَح ، إذا أصلحتَه. وأنشد :

وقَتْلى بحِقْفٍ من أُوارةَ جُدِّعتْ

صَدَعْنَ قُلوباً لم تُرأَّمْ شُعوبُها (٤)

والرُّؤمة : الغِراء الذى يُلزَق به الشَّىء. والرَّأْم : بَوٌّ أو ولدٌ تعطف عليه غير أمِّه. وقد رئِمت النّاقةُ رِئْمَاناً. وأرأمْناها ، عطفْناها على رَأْمٍ. والناقة رؤومٌ ورائمة (٥).

رأى الراء والهمزة والياء أصلٌ يدلُّ على نظرٍ وإبصارٍ بعينٍ أو بصيرة. فالرّأْى : ما يراه الإنسانُ فى الأمر ، وجمعه لآراء. رأَى فلان الشىءَ

__________________

(١) لجرير فى ديوانه ٥٠٧ واللسان (رأف). وكلمة «عليه» ساقطة من الأصل. وهكذا حاءت الرواية فى اللسان. وصوابه بالخطاب :

ترمى السفين عليك حقا

كفعل الوالد الرؤف الرحيم

(٢) أنظر الأزمنة والأمكنة المرزوقى (٢ : ٣٨٣).

(٣) فى الأصل : «رئما» ، صوابه من المجمل واللسان ، ويقال «رأسا» أيضاً.

(٤) البيت فى اللسان (رأم) وأمالى ثعلب ٥٧٥.

(٥) ورائم أيضا بطرح التاء.


وراءهُ ، وهو مقلوبٌ. والرِّئْىُ : ما رأت العينُ مِن حالٍ حسنة. والعرب تقول : رَيْتُهُ فى معنى رأيْته وتراءَى القوم ، إذا رأى بعضهم بعضا. وراءى فلانٌ يُرائى. وفَعَل ذلك رِئاءَ النّاس ، وهو أن يَفعلَ شيئاً ليراه النّاس. والرُّوَاء : حُسن المنْظَر. والمِرآة معروفة. والتَّرْئيَة ، وإن شئتَ ليَّنتَ الهمزة فقلت التّرِيّة : ما تراه الحائضُ من صُفْرةٍ بعد دمِ حيضٍ ، أو أن ترى شيئاً من أمارات الحيض قبلُ. والرُّؤْيا معروفة ، والجمع رُؤًى.

رأب الراء والهمزة والباء أصلٌ واحد يدلُّ على ضمٍّ وجَمع. تقول : رأيتُ الأمورَ المتفرِّقة؛ إذا أنت جمعتَها برِفْقِك ، كما يرأبَ الشَّعَّابُ صَدْعَ الجَفْنة. وتلك الخشبةُ التى يُشعَب بها رُؤْبة.

باب الراء والباء وما يثلثهما

ربت الراء والباء والتاء ليس أصلاً ، لكنَّه من باب الإبدال يقال ربَّتَه تَرْبيتا ، إذا ربَّبَه. قال :

والقَبرُ صِهْرٌ صالحٌ زِمِّيتُ

ليس لمن ضُمِّنَه تَرْبيتُ (١)

ربث الراء والباء والثاء أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على اختلاطٍ واحتباسٍ. تقول ربّثْتُ فلاناً أرْبَثُه عن الأمر ، إذا حبَستَه عنه. والرَّبِيثة : الأمر يَحبِسك. وفى الحديث : «إذا كان يوم الجمعة بعثَ إبليسُ جنودَهُ إلى النَّاس فأخَذُوا عليهم بالرّبائث». يريد ذكَّروهم الحاجاتِ التى تربِّثهم. ويقال اربَثَ القومُ ، إذا اختلطوا. قال :

__________________

(١) أشدهما فى اللسان (ربت ، رمت) ، وقبله فى (زمت) :

سميتها إذ ولدت تموت


* رَمَيناهُم حتَّى إذا اربَثَ جَمْعهمْ (١) *

ربج الراء والباء والجيم كلمةٌ واحدة ، إن صحَّتْ ؛ تدلُّ على التحيُّر. قال الخليل : التَّربُّج : التَّحيُّر. قال :

* أتَيْتُ أَبَا لَيْلَى وَلَمْ أَتَرَبَّجِ (٢) *

ويقال ، وهو قريبٌ من ذلك ، إن الرَّباجَة الفَدَامة.

ربح الراء والباء والحاء أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على شَفٍّ فى مبايعة (٣). من ذلك رَبِح فلانٌ فى بَيعِه يَرْبَح ، إذا استشَفَّ. وتجارةٌ رابحة : يُرْبَح فيها. يقال رِبْح ورَبَح ، كما يقال مِثْلٌ ومَثَل. فأمَّا قول الأعشى :

* مِثْلَ ما مُدَّ نِصاحاتُ الربَحْ (٤) *

فقال قوم النِّصاحات الخيوط ، وهى الأَرْوِيَةُ (٥). والرَّبَح : الخَيل والإبلُ تُجلَب للبيع والتربُّح. فأمَّا قولُه :

* قَرَوْا أضْيافَهُمْ رَبَحاً بِبُحٍ (٦) *

__________________

(١) البيت لأبى ذؤيب فى ديوانه ٨٥ والمجمل واللسان (ربث ، رصع ، نهى). وعجزه :

وصار ألرضيع نهية الحمائل

(٢) أنشد فى اللسان (ربج) لأبى الأسود العجلى :

وقلت لجارى حنيفة سر بنا

نبادر أبا ليلى ولم أنريج

والبيت بدون نسبة فى المخصص (١٢ : ١٢٨) ، وعجزه فى المجمل كما هنا.

(٣) الشف ، بالكسر وقد يفتح : الفضل والربح والزيادة.

(٤) صدره كما فى ديوان الأعشى ١٦٣ واللسان (نصح ، ربح) :

فترى الشرب؟ كلهم

لكن فى اللسان : «فترى القوم ؛ وهى رواية المخصص (٤ : ١٠١).

(٥) الأروبة : جمع رواء ، ككساء ، وهو حبل يشد به المتاع على البعير.

(٦) لخفاف بن ندبة كما سبق فى حواشى (بح ١ : ١٧٤). وعجزه :

يعيش بفضلهن الهي سمر


فقال ابنُ دريد : ومما شذّ عن الباب الرُّبَّاح ، يقال إنّه القِرْد (١) ،

ربخ الراء والباء والخاء أُصَيْلٌ يدلُّ على فترةٍ واسترخاء. قالوا : مَشَى حَتَّى تربّخ ، أى استرخَى. ويقولون للكثير اللَّحم : الرَّبِيخ. ويقال إن الرَّبُوخ : المرأةُ يُغْشَى عليها عند البِضاع.

ربد الراء والباء والدال أصلان : أحدهما لونٌ من الألوان ، والآخر الإقامة.

فالأوَّل الرُّبْدة ، وهو لونٌ يخالط سوادَه كُدرةٌ غير حَسَنة. والنّعامةُ رَبْداء. ويقال للرَّجُل إذا غَضِب حتى يتغيَّرَ لونُه ويَكْلَفَ : قد تَرَبَّد. وشاةٌ رَبْداء ، وهى سوادءُ منقَّطةٌ بحمرةٍ وبياض والأَرْبَد : ضربٌ من الحيات خبيثٌ ، له رُبْدَةٌ فى لونه ، وربَّدَتِ الشَّاةُ ، وذلك إذا أضرعَتْ ، فترى فى ضَرْعها لُمَعَ سوادٍ وبياض. ومن الباب قولُهم : السّماء متربِّدة ، أى متغيِّمة فأما رُبَدْ السَّيف فهو فِرِنْدُ دِيباحتِه ، وهى هُذَليَّة. قال :

وصَارِمٌ أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُهُ

أبْيَضُ مَهْوٌ فى مَتنِهِ رُبَدُ (٢)

ويمكن ردُّه إلى الأصل الذى ذكرناه. فيقال (٣) :

وأمَّا الأصلُ الآخَر فالمِرْبَد : موقِف الإبل ؛ واشتقاقه مِن رَبَدَ ، أى أقام. قال ابنُ الأعرابى : رَبَدَه ، إذا حبسه والمِرْبَد : البَيْدَر أيضاً. وناسٌ يقولون : إنَ

__________________

(١) الذى فى الجمهرة (١ : ٢٢٠): «والرباح ولد القرد والجمع رباببح».

(٢) لصخر الغى الهذلى كما فى اللسان (مها ، ربد). وسيعيده فى (مها). وقصيدته فى شرح الكرى للهذليين (١٢) ومخطوطة الشنقيطى ٥٥. وقبل البيت :

أنى؟ عنى وعيدهم

ببض رهاب ومجنا أجد

(٣) كذا وردت هذه الكلمة. والظن أنها مقحمة.


المِربَد الخشبة أو العصا تُوضَع فى باب الحَظيرة تعترض صُدورَ الإِبل فتمنعها من الخروج. كذا رُوِيَتْ عن أبى زيد. وأحسِبُ هذا غلطاً ، وإِنّما المِرْبَد مَحبِس النَّعَم. والخشبة هى عصا المِرْبَد. ألا ترى أنَّ الشَّاعرَ أضافَها إلى المِرْبَد ، فقال سُوَيد بن كُرَاع :

عَوَاصِىَ إلّا ما جعَلْتُ وراءَها

عَصَا مِرْبَدٍ تَغْشَى نُحُوراً وأذرُعا (١)

ربذ الراء والباء والذال أصلٌ يدلُّ على خِفّةٍ فى شىءِ. من ذلك الرَّبَذُ ، وهو خِفَّة القَوائم. والخفيفُ القوائِمِ رَبِذٌ. ومن الباب الرِّبْذَة ، وهى صوفةٌ يُهْنَأ بها البعير. ويقال إنّ خِرقة الحائض تسمَّى رِبْذَة. وقال بعضُهم : الرِّبْذة الخِرقة التى يَجلُو بها الصائغ الحَلْى. فأمَّا الرَّبْذُ فالعُهون التى تعلَّق فى أعناق الإبل ، الواحدة رَبَذَة. والقياس فى كُلّه واحد. وهو يرجع إلى ما ذكرناه من الحِفَّة.

ومما يقرُب من هذا قولُهم : إنّ فلاناً لَذُو رَبِذَاتٍ ، أى هو كثير السَّقَط فى الكلام. ولا يكونُ ذلك إلا مِن خفَّةٍ وقلَّة تثبُّت.

ربس الراء والباء والسين أصلٌ واحد ذكره ابن دريد ؛ قال (٢) : أصل الرَّبْس الضَّرْب باليدين. يقال أصل الرَّبْس الضَّرب ؛ يقال ربَسَه بيديه. قال : ويقولون : داهيةٌ رَبْساء. أى شديدة. وهى على الأصل الذى ذكرناه وكأنها تَخْبِط الناسَ بيديها.

__________________

(١) البيت بدون نسبة فى اللسان (ربد). وورد فى أبيات منسوبة إلى سويد بن كراع. البيان (٢ : ١٢) برواية: «جعلت أمعها».

(٢) الجمهرة (١ : ٢٥٥).


وذكر غيرُه ، وهو قريبٌ من الذى أصَّلَه ، أنّ الارتباس الأكتنازُ فى اللحم وغيرِه ؛ يقال كبشٌ ربيسٌ * أى مكتنز.

ومما شذَّ عن ذلك قولُهم : اربسَ اربِساساً ، إذا ذهب فى الأرض.

ربص الراء والباء والصاد أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الانتظار. من ذلك التربُّص. يقال تربَّصْت به. وحكى السجِستانىّ : لى بالبصرة رُبْصة ، ولى فى متاعى رُبْصة ، أى لى فيه تربُّص.

ربض الراء والباء والصاد أصلٌ يدلُّ على سكونٍ واستقرار من ذلك رَبَضَتِ الشاة وغيرها تَرْبِض رَبْضا. والرَّبيض : الجماعةُ من الغَنم الرَّابضة. ورَبَض البطنِ : ما ولِىَ الأرضَ من البعيرِ وغيره حين يَرْبِضُ. والرَّبَض : ما حَولَ المدينة ؛ ومسكن كلِّ قومٍ رَبَض. والرِّبْضة : مَقتل كلِّ قومٍ قُتلوا فى بُقْعَةٍ واحدة. فأمّا قولُهم قِربَةٌ (١) رَبوضٌ ، للواسعة ، فمن الباب ، كأنّها تُمْلَأُ فتَرْبِضُ ، أو تُروِى فتُرْبِض. فأما الرَّبوض فهى الدَّوْحة. والشجرةُ العظيمة ، وسميت بذلك لأنه بُؤوَى إليها ويُرْبَض تحتها. قال ذو الرمة :

* تَجَوَّفَ كُلَّ أرطاةٍ ربوضٍ (٢) *

والأرباض : حِبال الرَّحْل ؛ لأنّها يشد بها فيسكن. ومأوى الغنم : رَبَضها ؛

__________________

(١) قربة ، بالباء ، كما فى الأصل والمجمل. ولتفسير بعدها يؤيدها. وفى اللسان (٩ : ١١) : «وقرية ربوض» عظيمة مجتمعة. وفى الحديث أن قوما من بنى إسرائيل باتوا بقرية ربوض ... وقربه ربوض واسعة». فجعل الوصف للقرية والقربة.

(٢) ديوان ذى الرمة ٤٣٢ واللسان (ربض). وتمامه :

من؟ تعرف الحبالا

وقبله :

وفي الأضعان مثل؟؟

علنه الشمس درع الضلالا


لأنّها تربض [فيه]. وقال قوم : أرْبَضَتِ الشمس ، إذا اشتدَّ حَرُّها ، حتى تُرْبِض الشاةَ والظبى. ورَبْضُ الرّجُل ورُبْضُه (١) : امرأته ؛ والقياس مطّرد ، لأنها سَكَنُه. والدَّليل على صحة هذا القياس أنَّهم يُسَمَّون المسكن كله رَبَضا. وقال الشاعر :

جاء الشِّتاءِ ولَمَّا أتَّخِذْ رَبَضاً

يا ويحَ كَفِّىَ من حَفْرِ القَرامِيصِ (٢)

فأما الرُّوَيْبِضَة ، الذى جاء فى الحديث : «وتنطِق الرُّوَيْبِضَة». فهو الرجُل التافِه الحقير. وسمِّى بذلك لأنه يَربِض بالأرض ؛ لقلّته وحقارته ، لا يُؤبَه له.

ربط الراء والباء والطاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شدٍّ وثَبات من ذلك رَبَطت الشىء أربِطه ربْطاً ؛ والذى يشدُّ به رِباط.

ومن الباب الرِّباط : ملازمة ثَغْرِ العدوّ ، كأنّهم قد رُبِطوا هناك فثَبَتوا به ولازَموه. ورجل رابطُ الجأش ، أى شديد القَلْب والنَّفْس. قال لبيد :

رابطُ الجأشِ عَلَى فَرْجِهِمُ

أعطِفُ الجَوْن بمَرْبُوع مِتلْ (٣)

وقال ابن أحمر :

أربَط جأشاً عن ذرى قومِهِ

إذْ قَلَّصَتْ عما تُوَارِى الأُزُرْ

ويقال ارتبطتُ الفَرسَ للرِّباط. ويقال إنّ الرِّباط من الخَيل الخَمْس من الدوابِّ فما فوقَها. ولآلِ فُلانٍ رِباطٌ من الخيل ، كما يقال تِلاد (٤) ، وهو أصلُ ما يكون عندَه من خَيل. قالت ليلى الأخيليّة :

__________________

(١) يقال بالفتح والتحريك ، وبضم وبضمتين.

(٢) البيت فى اللسان (ربض ، قرمص).

(٣) ديوان لبيد ١٤ طبع ١٨٨١ واللسان (تلل). وقد سبق فى (تل ٣٣٩).

(٤) التلاد : القديم. وفى الأصل : «بلاد» ، صوابه من المجمل واللسان.


قومٌ رِباطُ الخَيْلِ وَسْطَ بُيوتِهمْ

وأسِنَةٌ زُرْقٌ يُخَلْنَ نُجومَا

ويقال : قطع الظَّبْىُ رِباطَه ، أى حِبالَتَه. وذُكر عن الشَّيبانىّ : ماءٌ مترابِط ، أى دائمٌ لا يَبرح. قالوا : والرَّبيط : لقب الغَوْث بن مُرّ (١). فأمّا قولُهم للتّمر رَبِيطٌ ، فيقال إنه الذى يَيْبَس فيصبُّ عليه الماء. ولعل هذا من الدَّخيل ، وقيل إنه بالدال ، الرَّبيد ، وليس هو بأصل.

ربع الراء والباء والعين أصولٌ ثلاثة ، أحدها جزءٌ من أربعة أشياء ، والآخر الإقامة ، والثالث الإشالة والرَّفْع.

فأمَّا الأوَّل فالرُّبْع من الشىء. يقال رَبَعْتُ القومَ أرْبَعُهم ، إذا أخَذْتَ رُبْعَ أموالِهم ورَبَعْتُهم أربِعُهم (٢) ، إِذا كنت لهم رابعاً. والمِرْباع من هذا ، وهو شىء كان يأخذه الرئيس ، وهو رُبع المَغْنَم. قال عبد الله (٣) بن عَنمة الضّبّى :

لك المِرْباع منها والصفايا

وحُكمك والنَّشيطة والفضولُ (٤)

وفى الحديث : «لَمْ أجْعَلْك تَرْبَعُ». أى تأخذ المِرْباع. فأما قول لبيد :

* أعطِفُ الجَوْنَ بمربُوعٍ مِتَلّ (٥) *

قولان : أحدهما أنه أراد الرُّمح وهو الذى ليس بطويل ولا قصير ، كما يقال رجل رَبْعَة من الرِّجال. ومَن قال هذا القولَ ذهب إلى أنّ الباء بمعنى مع ، كأنه

__________________

(١) فى القاموس (ربط): «لقب الغوث بن مر بن طابخة ؛ لأن أمه كانت لا يعيش لها ولد فذرت لئن عاش لنربطن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيط الكعبة».

(٢) يقال فيها بضم باء المضارع ، وفتحها وكسرها.

(٣) فى الأصل : «عبيد الله» ، تحريف. انظر المفضليات (٢ : ١٧٨).

(٤) البيت من أبيات ثمانية رواها أبو تمام فى الحماسة (١ : ٤٢٠).

(٥) صدره كما سبق فى (ربط) :

رابط الجأش على فرجهم


قال : أعطف الجونَ ـ وهو فرسه ـ ومعى مربوعٌ مِتَلٌّ. وقياس الرَّبْعَةْ من الباب الثانى. والقولُ الثانى أنّه أراد عِناناً على أربع قُوًى. وهذا أظهرُ الوجهين.

ومن الباب رَبَاعِيَاتُ الأسنان ما دون الثَّنايا. والرِّبع فى الحَّمى والوِرْدِ ما يكون فى اليوم الرابع ، وهو أن تَرِد يوماً وتَرعى يومَين ثم تردَ اليومَ الرابع. يقال : رَبَعت عليه الحُمّى وأرْبَعت. والأربِعاء على أفعِلاء ؛ من الأيّام. وقد ذُكر الأرْبَعاء بفتح الباء (١). ومن الباب الرَّبيع ، وهو زمانٌ من أربعة أزمنة والمَرْبَعُ : مَنزل القَوم فى ذلك الزمان. والرُّبَع : الفصيل يُنتَج فى الربيع. وناقةٌ مُرْبِع ، إذا نُتِجت فى الربيع ؛ فإن كان ذلك عادتَها فهى مِرباع. ومن الباب أرْبَعَ الرّجُل ، إذا ولد له فى الشباب ، وولده رِبْعيُّون.

والأصل الآخر : الإقامة ، يقال رَبَعَ يَرْبَع. والرَّبْع : مَحَلَّة القوم. ومن الباب : القومُ على رَبِعَاتهم ، أى على أمورهم الأُوَل ، كأنّه الأمرُ الذى أقامُوا عليه قديماً إلى الأبد. ويقولون: «ارْبَع على ظَلْعك» أى تمكَّثْ وانتظِرْ. ويقال : غَيْثٌ مُرْبِعٌ مُرْتِع. فالمُرْبِع : الذى يَحبِسَ مَن أصابَه فى مَرْبَعِه عن الارتيادِ والنُّجْعة. والمُرْتِع : الذى يُنْبِتْ ما تَرتَعُ فيه الإبل.

والأصل الثالث : رَبَعْتُ الحجر ، إِذا أشَلْتَه (٢). ومنه الحديث : «أنَّه مَرّ بقوم يَرْبَعُون حَجَراً». و «يرتبعون». والحجر نفسه رَبِيعةٌ. والمِرْبَعة : العصا التى تُحمَل بها الأحمال حتّى تُوضَعَ على ظُهور الدوابّ. وأنشد :

__________________

(١) وبضمها أيضا ؛ فهن ثلاث لغات.

(٢) يقال أشلت الحجر ، وشلت به ، وشاولته.


أيْنَ الشِّظاظانِ وأيْنَ المِرْبَعة

وأيْنَ وَسْقُ النّاقةِ المطَبَّعَهْ (١)

الشَّظاظان : العودان اللذان يُجعَلان فى عُرَى الجُوالِق. والمطبَّعة : المُثْقَلة. والوَسْق : الحِمْل. ويقال الرَّبيعة : البَيضة من السِّلاح ويقال رابَعَنِى فلانٌ ، إِذا حمل معك الحِمْل بالمِرْبَعة.

ومما شذّ عن الأصول الرَّبْعَة ، وهى المسافة بين أثافِى القدر.

ربغ الراء والباء والغين كلمة واحدة إنْ صحّت. يقولون ربيعٌ رابغ ، أى خَصيب ؛ حُكيَتْ عن أبى زيد. وحُكى عن ابن دُريد (٢) : الرَّبْغ التراب المُدَقَّق (٣).

ربق الراء والباء والقاف أصلٌ واحد ، وهو شىء يدور بشىء. كالقِلادة فى العنق ، ثم يتفرَّع. فالرِّبْقة : الخيط فى العنُق. وفى كلامهم : «ربَّدَتِ (٤) الضَّأْن فربِّق رَبّق» : إِذا أضرَعَ الشاءُ فهيِّىء الرِّبَق لأولادها ، فإنها تُنزِل لبنَها عند الوِلادة (٥). والرَّبيقة : البَهيمة المربوقة فى الرِّبْقة. وجاء فى الحديث : «لكُم الوفاءِ بالعَهد ما لم تأكلوا الرِّباق». وهو جمع رِبق ، وهو الحَبْل ، وأراد العهد. شبّه ما لزِم الأعناقَ بالرِّبْق الذى يجعل فى أعناق البَهْم. ويقال : رَبَقْتُ فلاناً

__________________

(١) رواية اللسان (شطط ، ربع ، جلفع): «الناقة الجلفعه». وفى مادة (طبع): «المطبعه» كماها.

(٢) الجمهرة (١ : ٢٦٧).

(٣) وكذا فى الجمهرة. وفى المجمل : «الدقيق».

(٤) يقال أيضا «رمدت» بالميم ، كما فى اللسان (رمد ، ربق).

(٥) فى المجمل «يقول : إذا أضرعت فهيء الريق لأولادها ؛ فإنها تلد عن قريب».


فى هذا الأمر ، إِذا أوقعتَه فيه (١) حتّى ارتَبَق. وأمُ الرُّبَيْق : الداهية ، كأنّها تدور بالناس حتّى يرتبِقوا فيها.

ربك الراء والباء والكاف كلمةٌ تدلُّ على خَلْطٍ واختلاط. فالرَّبْك : إصلاح الثريد وخلطه. ويقال له حين يُفعل به ذلك الرَّبيكة. ويقال ارتبك فى الأمر ، إذا لم يكد يتخلص منه.

ربل الراء والباء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تجمُّع وكثرةٍ فى انضمام. يقال رَبَل القومُ يَرْبُلون. والرّبيلة : السِّمَن. قال الشاعر (٢) :

ولم يَكُ مثلوجَ الفؤادِ مُهبَّجاً

أضاعَ الشَّبابَ فى الرَّبيلةِ والخَفْضِ

ومن الباب الرَّبْلَة : باطن الفخذ ، والجمع الرَّبَلات. وامرأةٌ مُتَرَبِّلة (٣) : كثيرة اللحم ؛ وقد تربَّلتْ. والاسم الرَّبَالة.

وممّا يقارب هذا البابَ الرَّبْل ، وهو ضروبٌ من الشجر ، إذا بَرَدَ الزّمانُ عليها وأدبَرَ الصيف ، تفَطَّرَتْ بورقٍ أخضرَ مِن غير مطر. يقال تربَّلت الأرض. ومِن الذى يقارب هذا : الرِّئبال ، وهو الأسد ؛ سمِّى بذلك لتجمُّع خلقه.

ربن الراء والباء والنون إن* جُعِلت النونُ فيه أصليّةً فكلمةٌ واحدة ، وهى الرُّبَّان. يقال أخَذْتُ الشّىء برُبَّانِهِ ، أى بجميعه. وقال

__________________

(١) فى الأصل : «أوقفه فيه» ، صوابه من المجمل واللسان.

(٢) هو أبو خراش الهذلى ، كما فى اللسان (ربل) وقصيدته فى نسخة الشنقيطى من الهذليين ٧٥ ، وحماسة أبى تمام (١ : ٣٢٦).

(٣) فى الأصل : «مربلة» ، والسياق يأباها ، وصوابها من المجمل واللسان.


آخَرون : رُبّان كُلِّ شىءِ : حِدْثانُه. وقال ابنُ أحمر :

وإنّما العَيْش برُبّانِهِ

وأنت من أفْنَانِه مُعْتَصِرْ (١)

يريد برُبّانِه بجِدَّتِه وطَراءَته.

ربى أالراء والباء والحرف المعتل وكذلك المهموز منه يدلُّ على أصلٍ واحد ، وهو الزِّيادة والنَّماء والعُلُوّ. تقول مِن ذلك : ربا الشّىءُ يربُو ، إذا زاد. ورَبَا الرّابيةَ يَربُوها ، إذا علاها. ورَبَا : أصابه الرَّبْو ؛ والرَّبْو : علُوُّ النفَسِ. قال :

حَتَّى عَلَا رأسَ يَفاعٍ فَرَبَا (٢)

رفَّهَ عن أنفاسِها وما ربَا

أى رَبَاها وما أصابه الرَّبو.

والرَّبوة والرُّبْوة (٣) : المكانُ المرتفع. ويقال أَرْبَت الحنطة : زَكَتْ ، وهى تُرْبِى. والرِّبْوة بمعنى الرَّبْوة أيضاً. ويقال ربَّيْتُهُ وتربَّيْتُه ، إذا غذَوْته. وهذا مِمّا (٤) يكون على معنيين : أحدهما مِن الذى ذكرناه ، لأنّه إذا رُبِّى نَما وزكا وزاد. والمعنى الآخر مِن ربّيته من التَّربيب. ويجوز [أن يكون أصل] إحدى الباءات ياءً. والوجهان جيِّدان.

__________________

(١) فى اللسان (ربب): «مفتقر» وقال : «ويروى معتصر». وقد ورد بهذه الرواية فى اللسان (عصر). ولم ينشده فى (ربن). وسيعيده ابن فارس فى (عصر).

(٢) كلمة «حتى» ليست فى الأصل ، وإثباتها من المحمل.

(٣) اقتصر فى المحمل على لغة الفتح ، وهنا ضبط فى النسخة فى هذا الموضع بالفتح ثم الضم. ويقال أيضا «ربوة» بالكسر ، كما سيأتى ، فالكلمة مثلثة.

(٤) فى الأصل : «ما».


والرِّبا فى المال والمعاملة معروف ، وتثنيته رِبَوَان ورِبَيَان (١). والأُرْبِيَّة من هذا الباب، يقال هو فى أُرْبِيَّة قَومِه ، إذا كان فى عالى نسبِه من أهل بيته. ولا تكون الأُرْبِيْة فى غيرهم. وأنشد :

وإنى وَسْطَ ثعلبةَ بنِ غَنْمٍ

إلى أُرْبِيَّةٍ نبتَتْ فُروعا (٢)

والأُرْبِيتَّانِ : لَحمتان عند أصول الفخذِ من باطن. وسُمِّيتا بذلك لعُلُوّهما على ما دونهما.

وأما المهموز فالمربَأ والمَرْبَأة من الأرض ، وهو المكان العالى يقف عليه عَينُ القَوم. ومَربأة البازِى : المكانُ يقف عليه. قال امرؤ القيس :

وقد أغتدِى ومعى القَانِصانِ

وكلٌ بمَرْبَأةٍ مُقْتَفِرْ (٣)

وأنا أربأ بك عن هذا الأمر ، أى أرتفِع (٤) بك عنه. وذكر ابن دريد : لفُلانٍ على فُلانٍ رَبَاء ، ممدود ، أى طوْلٌ (٥). قال أبو زيد : رَابَأْتُ الأمرَ مُرابأةً ، أى حَذِرْتُه واتَّقَيْتُه. وهو من الباب ، كأنّه يرقُبه. قال ابن السِّكِّيت : ما ربأتُ رَبْءَ فُلانٍ ، أى ما علِمتُ به. كأنّه يقول : ما رقَبته. ومنه : فعل فِعلاً ما ربأتُ به ، أى ما ظننتُه.

والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) فى اللسان : «وأصله من الواو ، وإنما ثنى بالياء للإمالة السائغة فيه من أجل الكسرة».

(٢) البيت فى المجمل واللسان (ربا).

(٣) ديوان امرئ القيس ١٠. والمقتفر : المتتبع الآثار.

(٤) فى الأصل : «أرفع».

(٥) فى الجمهرة (٣ : ٢٠٣): «اى طول وعنو». والطول ، بالفْتح ، كما ضبط بالأصل : الفصل. وضبط فى المجمل بالضم ، وليس بشئ. وزاد فى المجمل بعده : «وهو مردود».


باب الراء والتاء وما يثلثهما

رتج الراء والتاء والجيم أصلٌ واحد ، وهو يدلُّ على إغلاقٍ وضِيق. من ذلك أُرْتِجَ على فُلانٍ فى منطقه ، وذلك إِذا انغلق عليه الكلامُ. وهو من أرتَجْتُ البابَ ، أى أغلقتُه. يقال رَتِجَ الرّجل فى منطقه رَتَجاً. والرِّتاج : البابُ الغُلُق (١). كذا قال الخليل. وروى فى الحديث : «مَن جَعَل مالَهُ فى رِتَاج الكعبة». قالوا : هو البابُ ، ولم يُرِد البابَ بعينه ، لكنّه أراد أنّه جعل مالَه هَدْياً للكعبة ، يريد النَّذْر. [قال (٢)] :

إذا أحْلَفُونى فى عُليّةَ أُجْنِحَتْ

يَمينى إلى شَطْر الرِّتاجِ المضبَّبِ (٣)

قال الأصمعىّ : أرْتَجَتِ النّاقة ، إذا أَغلقت رحمَها على الماء. وأرْتَجَت الدّجاجة ، إذا امتلأ بطنُها بيضا. ويقال إنّ المَرَاتج الطُّرقُ الضيِّقة. والرَّتائج : الصخور المتراصِفة (٤).

__________________

(١) الغلق بضمتين ، كما فى اللسان : والقاموس : «المغلق ، وباللفظ الأخير وردت فى المجمل. وضبطت فى الأصل بفتحتين خطأ. قال فى اللسان : «وباب غلق : مغلق ، وهو فعل بمعنى مفعول ، مثل فارورة وباب فتح ، أى واسع ضخم ؛ وجذع قطل».

(٢) هذه من المحمل.

(٣) أحنحت : أصلت. وفى الأصل : «أحجنت» صوابه فى المجمل واللسان (رتج).

(٤) زاد فى المجمل : «الواحدة رناجة». وقد أورد فى اللسان «الرتاجة» وفسرها بأنها «كل شعب ضيق كأنما أغلق من ضيقه». وفى القاموس : «والرتائج : الصخور ، مع رتاحة».


رتخ الراء والتاء والخاء ليس بشىء. على أنَّهم يقولون : رَتّخَ العجينُ رَتْخاً ، إذا رَقَّ. وكذلك الطِّين.

رتع الراء والتاء والعين كلمةٌ واحدة ؛ وهى تدلُّ على الاتّساع فى المأكل. تقول : رَتَعَ يَرْتَع ، إذا أكل ما شاء ، ولا يكون ذلك إلّا فى الخِصب. والمراتِع : مواضع الرَّتْعَة ، وهذه المنزلة يستقرُّ فيها الإنسان (١).

رتب ....................................................................(٢)

ومن هذا الباب قولهم : أَمْر تُرْتَبٌ ؛ كأنه تُفْعَل ، من رَتَبَ إذا دامَ. والرَّتَب : الشدّة والنَّصَب. قال ذو الرُّمَّة :

* ما فى عيشه رَتَبُ (٣) *

والرَّتَب : ما أشْرَف من الأرض كالدَّرَج. تقول : رَتَبَةٌ ورَتَبٌ ، كقولك دَرَجة ودَرَج. فأمّا قولهم فى الرَّتَب ، إنّه ما بين السَّبَّابة والوسطى ، فمسموع ، إلّا أنّه وما أشبهه ليس من مَحْض اللغة.

__________________

(١) كذا وردت هذه المادة. وفى الكلام بعدها سقط بلا ريب. وقد أورد فى المجمل مواد كثيرة بين هذه المادة وتاليتها ، وهى (رتق ، رتك ، رتل ، رتم ، رتوأ).

(٢) أول هذه المادة ساقط من الأصل. وأولها فى المجمل : «رتب إذا استقر ودام وأمر ترتب : دائم ثابت».

(٣) البيت بتمامه كما فى الديوان ١٧ واللسان (رتب) :

قيظ الرمل حتى؟

تروح البرد أفى؟ رتب


باب الراء والثاء وما يثلثهما

رثد الراء والثاء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نَضْدٍ وجَمع. يقال منه رَثَدْتُ المتاعَ ، إذا نَضَدْتَ بعضَه على بعض. والمتاعُ المنضود رَثد وبذلك سُمِّى الرجل مَرْثداً. ومتاع رثِيدٌ ومرثود. وهو قوله :

فتَذَكَّرَا ثَقَلاً رثِيداً بَعْدَما

ألقتْ ذُكاءُ يمينَها فى كافِرِ (١)

وحكَى الكسائىُّ : أرثَدَ الرّجُل بالأرض كذا ، أى أقامَ ، ويقال : إنَ المَرْثَدَ الكريمُ من الرِّجال (٢). فأمّا قولُ القائل : إنَ الرّثَد ضَعَفة الناس فذلك بمعنى التَّشبيه ، كأنَّهم شُبِّهوا بالمتاع الذى يُنضَد بعضُه فوق بعض. يقولون : تركْنا على الماء رَثَداً ما يُطِيقون تَحَمُّلاً (٣). والرَّثَد (٤) أيضاً : ما يتلبّد من الثُّرى. يقال : احتفر القومُ حتَّى أرثَدُوا ، أى بلغوا ذلك.

رثع الراء والثاء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على جَشَعَ وطَمَع. كذا قال الخليل : إنّ الرّثَع الطَّمَع والحِرْص. قال الكسائىّ : رجلٌ راثِع ، وهو الذى يرضَى من العطيّة بالطَّنيف ويُخادِنُ أخدانَ السَّوء. يقال رثِع رثَعاً.

__________________

(١) البيت لثعلبة بن صعير المازنى ، من قصيدة فى المفضليات (١ : ١٢٦ ـ ١٢٩). وأنشده فى اللسان (رثد) بهذه الرواية أيضاً. وفى المفضليات : «فتذكرت».

(٢) فى القاموس : «وكمسكن : الرجل الكريم». ولم تذكر فى اللسان.

(٣) وكذا فى اللسان. لكن فى المجمل : «لا يطيقون محملا».

(٤) فى الأصل : «وارثد». ولم أجد هذه الكلمة بهذا المعنى فى غير المقاييس.


رثم الراء والثاء والميم أُصَيْلٌ يدلُّ على لَطْخ شىءِ بشىء. يقال : رثَمَت المرأة أنْفَها بالطِّيب : طَلَتْه. قال :

* شَمّاءَ مارِنُها بالمِسك مَرثُومُ (١) *

ومن هذا الباب : رُثِم أنفُه ، وذلك إذا ضُرِب حتَّى يسيل دمُه. ومن الباب الرّثَم : بياضٌ فى جَحْفلة الفَرَس العُلْيا. وهى الرُّثْمَة. وهو القياس ؛ كأن الجحفلة قد رُثِمَت ببياض.

رثن الراء والثاء والنون ليس بشىءٍ. وربما قالوا : أرضٌ مرثونةٌ. الرّثن ، وهو ممّا زَعَموا : شِبْه الرَّذَاذ.

رثى الراء والثاء والحرف المعتل أُصَيْلٌ على رِقّة وإشفاق. يقال رثَيْتُ لفُلان : رقَقْتُ. ومن الباب قولُهم رَثَى الميِّت بشعرٍ. ومن العرب من يقول : رَثَأْت. وليس بالأصل. ومن الباب الرَّثيَة : وجعٌ فى المَفاصل.

فأمّا المهموز فهو أيضاً أُصَيْلٌ يدلُّ على اختلاطٍ. يقال أَرْثَأَ اللَّبَن : خَثُر. والاسم الرّثِيثة. قالوا فى أمثالهم : «إِنَّ الرَّثِيئة مما يُطفِئُ الغَضَبَ». قال أبو زيد : يقال ارْتَثأَ عليهم أمْرُهُم : اختَلَط. ومنه الرثيئة. ويقال : أَرتَثَأَ فى رأيه ، أى خَلَط. وهم يَرْثَوُّون رَثْأَ. ويقال الرَّثِيثة أن يخلط اللبن الحامض بالحُلْو (٢). والله أعلم بالصواب.

__________________

(١) البيت لذى الرمة فى ديوانه ٥٧٢ واللسان (رثم). وصدره :

تقى النقاب على عرنين أرنبة

(٢) فى الأصل : «الحلة» ، صوابه من المجمل.


باب الراء والجيم وما يثلثهما

رجح الراء والجيم والحاء أصلٌ واحدٌ ، يدلُّ على رَزَانةٍ وزِيادة. يقال : رَجحَ الشىء ، وهو راجح ، إذا رَزَن ، وهو من الرُّجْحان ، فأمّا الأُرْجُوحة فقد ذُكِرَتْ فى مكانها (١). ويقال أرجَحْتُ ، إذا أَعْطَيتَ راجحاً. وفى الحديث : «زنْ وَأرجح». وتقول : ناوَأْنَا قَوْماً فرجَحْناهم ، أى كُنَّا أرزَنَ منهم. وقومٌ مَراجيحُ فى الحِلْم ؛ الواحد مِرجاحٌ. ويقال : إنّ الأراجِيح الإبلُ ؛ لاهتزازها فى رَتَكانِها إذا مَشَتْ. وهو من الباب ؛ لأنها تترجّح وتترجّح أحمالُها. وذكر بعضُهم أنّ الرَّجَاحَ المرأةُ العظيمة العَجُز : وأنشد :

* ومِن هَوَاىَ الرُّجُح الأثَائثُ (٢) *

رجز الراء والجيم والزاء أصلٌ يدلُّ على اصطرابٍ. من ذلك الرَّجَزُ : داءٌ يصيبُ الإبلَ فى أعجازِها ، فإذا ثارت النّاقةُ ارتعشَتْ فَخِذاها. ومن هذا اشتقاق الرَّجَزِ من الشِّعر ؛ لأنه مقطوعٌ مضطرب (٣). والرِّجازة : كِساءٌ يُجْعَل فيه أحجارٌ [تعلُّق (٤)] بأحد جانِبَى الهَودج إذا مالَ ؛ وهوَ يَضطَرِبُ. والرِّجَازة أيضاً : صوفٌ يعلّق على الهَودج يُزَيَّن به. فأما الرِّجْز الذى هو العذاب ،

__________________

(١) كذا فى الأصل. ولعل كلمة «ذكرت» محرفة.

(٢) البيت لرؤبة. ديوانه ٢٩ واللسان (أثث ، وعث ، رجح). وقد سبق إشاده فى (أث).

(٣) فى المجمل. «وذكر ناس أن الخليل كان ينكر أن يكون شعرا». وانظر تحقيق هذا الرأى فى اللسان (رجز).

(٤) التكملة من المجمل.


والذى هو الصَّنَم ، فى قوله جلّ ثناؤه : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) فذاك من باب الإبدال ؛ لأن أصلَه السّينُ ؛ وقد ذُكِر.

رجس الراء والجيم والسين أصلٌ يدلُّ* على اختلاطٍ. يقال هُمْ فى مَرْجُوسَةٍ مِن أمرِهم ، أى اختِلاط. والرَّجْس : صوت الرَّعد ، وذلك أنه يتردَّد. وكذلك هَدِيرُ البعيرِ رَجْسٌ. وسَحابٌ رَجّاسٌ ، وبعيرٌ رَجّاس. وحكى ابنُ الأعرابىِّ : هذا رَاجِسٌ حَسَنٌ ، أى راعِدٌ حسَن. ومن الباب الرِّجْس : القَذَر ؛ لأنّه لَطْخٌ وخَلْط.

رجع الراء والجيم والعين أصلٌ كبيرٌ مطّرد مُنْقاس ، يدلُّ على رَدّ وتَكرار. تقول : رَجَع يرجِع رُجوعاً ، إذا عادَ. ورَاجَعَ الرّجُل امرأتَه ، وهى الرَّجْعَة والرِّجْعَةُ. والرُّجْعَى : الرجوع. والرَّاجعة : الناقة تُباع ويُشتَرى بثمنها مِثلُها ، والثانية هى الراجعة. وقد ارتُجِعَتْ. وفى الحديث : «أنّ النبى صلى الله عليه وآله وسلم رأى في إبلِ الصَّدقةِ ناقةً كَوْماءَ ، فسَأل عنها فقال المُصَدِّق : إنِّى ارتَجعتُها بإِبلٍ». والاسمُ مِن ذلك الرِّجْعة. قال :

جُرْدٌ جِلادٌ مُعَطَّفَات على الْ

أوْرَقِ لا رِجْعَةٌ ولا جَلَبُ (١)

وتقول : أعطيتُه كذا ثمَ ارتجعتُه أيضاً صحيح بمعناه. قال الشاعر (٢) :

نُفِضَتْ بك الأحلاسُ نَفْضَ إقامةٍ

واستَرْجَعَتْ نُزّاعَها الأمصارُ

وامرأةٌ راجع : ماتَ زوجُها فرجَعت إلى أهلها. والترجيع فى الصوت : ترديدُه. والرَّجْع : رَجْع الدّابةِ يدَيْها فى السَّير. والمرجوع : ما يُرجَع إليه من الشىء. والمرجوع ، جواب الرِّسالة. قال حُمَيد :

__________________

(١) البيت للكميت يصف الأثافى. انظر الهاشميات ٥٦ واللسان (رجع ٤٧٦).

(٢) هو مسلم بن الوليد. ديوانه ٢٣٨ والبيان (٣ : ١٤١ ، ٢٦٠).


ولو أنَّ رَبْعاً رَدَّ رَجْعاً لسائلٍ

أشار إِلىَّ الرَّبْعُ أو لَتَكَلما (١)

وأرْجَعَ الرَّجلُ يده فى كِنانته ، ليأخُذ سهماً. وهو قولُ الهُذَلىّ (٢) :

* فَعَيَّثَ فى الكِنانة يُرْجِع (٣) *

والرجاع : رُجوع الطَّير بعد قِطاعِها. والرَّجيع : الجِرَّة ؛ لأنه يُرَدَّد مضْغُها.

قال الأعشى :

وفلاةٍ كأنّها ظَهرُ تُرْسٍ

ليس إلا الرَّجِيعَ فيها عَلَاقُ (٤)

والرَّجِيع من الدوابّ : ما رجَعْتَه من سفرٍ إلى سَفَر. وأَرجَعَتِ الإبلُ ، إذا كانت مَهَازِيلَ فسَمِنَتْ وحَسُنَتْ حالهُا ، وذلك رُجوعُها إلى حالِها الأولَى. فأمّا الرَّجْع [ف] الغيثُ ، وهو المطرُ فى قوله جلّ وعزّ : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) ، وذلك أنها تَغِيت وتصُب ثم تَرجِع فتَغِيث. وقال :

وجاءت سِلْتمٌ لا رَجْعَ فيها

ولا صَدْعٌ فتَحْتلِبَ الرِّعاءُ (٥)

رجف الراء والجيم والفاء أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ. يقال رجَفَتِ الأرْضُ والقَلبُ. والبَحْرُ رَجّافٌ لاضطرابه. وأَرْجَفَ الناسُ فى الشىء ، إِذا خاضوا فيه واضطَرَبُوا.

__________________

(١) فى الأصل : «لت كلما» تحريف. وفى ديوانه المخطوط بتحقيق العلامة الميمى؟؟؟ : «أو لتفهما».

(٢) هو أبو ذؤيب الهذلى. ديوانه ٩ والمفضليات (٢ : ٢٢٥) واللسان (رجع ٤٨٧).

(٣) انظر (عيث). والبيت بتمامه كما فى المراجع المتقدمة :

فبدا له أقراب هذا رائغا

عجلا فعيث في؟ يرجع

(٤) ديوان الأعشى ١٤١ واللسان (رجع ، علق). وسيعيده فى (علق).

(٥) السلتم ، كزبرج : الداهة والسنة الصعبة. وفى الأصل : «سليم» صواب إنشاده من اللساق (رجع ، سلتم). وفى الأصل أيضاً : «فينجر الرعاء» ، وأثبت فى اللسان.


رجل الراء والجيم واللام مُعظم بابِه يدلُّ على العُضو الذى هو رِجْلُ كلِّ ذى رِجْل. ويكون بعد ذاك كلماتٌ تِشذُّ عنه. فمعظم الباب الرِّجل : رِجْلُ الإنسانِ وغيره. والرَّجْل : الرَّجّالة. وإنما سُمُّوا رَجْلاً لأنهم يمشون على أرجْلِهم ، والرُّجَّال والرُّجَالَى : الرِّجَال. والرَّجْلانُ : الراجِل ، والجماعة رَجْلى. قال :

عَلىَّ إذا لاقَيْت لَيْلَى بخَلْوَةٍ

زِيارَةُ بيتِ الله رَجْلَانَ حافيا (١)

رَجَلْتُ الشَّاةَ : عَلَّقْتُها برجلها. ويقال : كان ذاك على رِجْلِ فُلانٍ ، أى فى زمانِه. والأرجَل من الدوابَّ : الذى ابيضَّ أحَدُ رِجْليه مع سوادِ سائرِ قوائمه ؛ وهو يُكْرَه (٢). والأرجَلُ : العظيْم الرِّجْل. ورجلٌ رَجِيلٌ وذُو رُجْلَةٍ ، أى قوىٌّ على المَشْى. ورَجِلْتُ أَرْجَل رَجَلاً. وتَرَجَّلْتُ فى البئر (٣) ، إِذا نزَلْتَ فيها من غير أن تُدَلَّى. وارتَجَلَ الفَرَسُ ارتجالاً ، إذا خَلَط العَنَق بالهَمْلَجةِ (٤). وأرْجَلْتُ الفصيلَ : تركْتُه يمشِى مع أمِّه ، يرضَع متى شاء. ويقال راجِلٌ بَيِّن الرُّجْلَة. وارتَجَلْتُ الرَّجلَ : أَخذْت برِجْله. قال الخليل : رِجْل القَوس : سِيَتُها العُليا ورِجلُ الطائر : ضربٌ من المِيسم. ورِجْلُ الغُرابِ : ضَربٌ من صَرِّ أخْلاف النُّوق. وحَرَّةٌ رَجْلاء : يصعُب المشْىُ فيها. وهذا كلُّه يرجِع إِلى الباب الذى ذكرناه.

__________________

(١) أنشده فى اللسان (رجل ٢٨٤) بدون نسبة أيضاً برواية : «أن ازدار بيت الله».

(٢) فى اللسان : «ويكره إلا أن يكون به وضح غيره».

(٣) يقال أيضاً : «ترجل البئر». انظر القاموس واللسان (رجل ٢٨٨).

(٤) فى الأصل : «بالهمجلة» ، تحريف». والهملجة : السير فى سرعة وبخترة.


ومما شذّ عن ذاك (١) الرّجَل : الواحد من الرِّجال ، وربما قالوا للمرأة الرَّجُلَة (٢). ومما شدّ عن الأصل أيضاً الرِّجْلة ، هى التى يقال لها البَقْلة الحَمْقاء. قالوا : وإنما سُمِّيت الحمقاءَ لأنها لا تنبت إلا فى مَسيلِ ماء. وقال قومٌ : بل الرِّجَل (٣) مَسايِلُ الماء ، واحدتها رِجْلَة.

فأما قولهم : تَرجّل النهار ، إذا ارتفع ، فهو من الباب الأوَّل ، كأنه استعارة ، أى إنه قام على رجْله. وكذلك رَجَّلْت الشَّعْرَ ، هو من هذا ، كأنه قُوِّى. والمِرْجَلُ مشتقٌّ من هذا أيضاً ؛ لأنه إذا نُصِب فكأنه أقيم على رِجْلٍ.

ومما شذ عن هذه الأصول ما رواه الأُمَوىّ ، قال : إذا ولدتِ الغَنَم بعضُها بعد بعض قالوا : ولَّدْتُها الرُّجَيْلَاء (٤).

رجم الراء والجيم والميم أصلٌ واحدٌ يرجِع إلى وجهٍ واحد ، وهى [الرَّمْى ب] الحجارة ، ثم يستعار ذلك. من ذلك الرِّجام ، وهى الحجارة. يقال رُجم فلانٌ ، إذا ضُرِب بالحجارة. وقال أبو عُبيدة وغيرُه : الرِّجام : خجَرٌ يشَدُّ فى طرف الحَبْل ، ثم يدَلَّى فى البئر ، فَتُخَضْخَضُ الحمأةُ حتى تَثُور ثم يُسْتَقَى ذلك الماء فتُسْتَنْقَى البِئر (٥). والرُّجْمَة : القبر ، ويقال هى الحجارة التى تجمع على القَبر ليُسَنم. وفى الحديث : «لا تُرَجِّمُوا قَبْرى». أى لا تجعلوا عليه الحجارةَ ، دَعُوه مستوِياً.

__________________

(١) فى الأصل : «وبعد ذاك».

(٢) من شواهده قوله :

خرفوا جيب فتائهم

لم يبالوا حرمة الرجله

(٣) الرجل ، كعنب ، كما نص فى القاموس. وقيدت بأنها مسايل الماء من الحرة إلى السهل.

(٤) انظر اللسان (رجل ٢٨٧).

(٥) فى الأصل : «فتستقى البئر» ، صوابه فى المجمل واللسان.


وقال بعضُهم : الرّجام حجرٌ يشَدُّ بطَرَف عَرْقُوَةِ الدّلو ، ليكون أسرَعَ لانحدارها.

والذى يستعار من هذا قولُهم : رَجَمْتُ فلاناً بالكلام ، إذا شَتَمْتَه. وذُكِر فى تفسير ما حكاه عزّ وجلّ فى قصة إبراهيم عليه السلام : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) أى لأشتُمنَّك ؛ وكأنه إذا شتَمه فقد رجَمَه بالكلام ، أى ضرَبَه به ، كما يُرجَم الإنسان بالحجارة. وقال قوم : لَأَرْجُمَنَّكَ : لأقتُلنّك. والمعنى قريبٌ من الأول.

رجن الراء والجيم والنون أصلان : أحدهما المُقَام ، والآخر الاختلاط.

فالأول قولهم : رَجَنَ بالمكان رُجُوناً : أقام. والرَّاجِن : الآلِف من الطَّير وغيره.

والثانى قولهم ارْتَجَنَ أمْرُهم : اختلَط. وهو من قولهم ارْتَجَنَتِ الزّبدة ، إذا فسَدتْ فى المَخْض.

رجى الراء والجيم والحرف المعتلّ أصلان متباينان ، يدلُّ أحدُهما على الأمَل ، والآخَر على ناحية الشىء فالأول الرَّجاءِ ، وهو الأمل. يقال رجَوت الأمْرَ أَرجُوه رجاءً. ثم يتَسع فى ذلك ، فربما عُبِّر عن الخوف بالرَّجاء. قال الله تعالى : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) أى لا تخافون له عَظَمَةً. وناسٌ يقولون : ما أرجو ، أى ما أبالى. وفسَّروا الآية على هذا ، وذكروا قول القائل:


إذا لَسَعَته النحلُ لم يَرْجُ لَسْعَها

وخالَفَها فى بيت نَوبٍ عَوَامِلِ (١)

قالوا : معناه لم يكترِثْ. ويقال للفرَس إذا دنا نِتاجها : قد أرْجَتْ تُرْجِى إرجاءً

وأمَّا الآخَر فالرَّجَا ، مقصور : النَّاحية من البئر ؛ وكل ناحيةٍ رَجاً. قال الله جلّ جلاله: (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها). والتثنيةُ الرَّجَوَانِ. قال :

فلا يُرْمَى بىَ الرَّجَوَانِ إنِّى

أقَلُّ الناس مَن يُغنى غَنَائِى (٢)

وأما المهموز فإِنّه يدلُّ على التأخير. يقال أرجأْتُ الشىءَ : أخّرته. قال الله جلّ ثناؤُه: (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) ؛ ومنه سمِّيت المُرْجئة.

قال الشيبانىّ : أَرْجَأَتْ (٣)

رجب الراء والجيم والباء أصلٌ يدلُّ على دَعْم شىءِ بشىءِ وتقويتِه. من ذلك الترجِيب ، وهو أن تُدْعَم الشجرةُ إذا كثُر حملُها ، لئلا تنكسِر أغصانُها. ومن ذلك حديثُ الأنصارىّ (٤) : «أنا جُذَيْلُها المُحَكَّك ، وعُذَيْقُها المرجَّب (٥)». يريد أنه يُعوَّل على رأيه كما تعوِّلُ النَّخلةُ على الرُّجْبة التى عُمِدَتْ بها

ومن هذا الباب : رجَّبْتُ الشىء ، أى عظّمته. كأنك جعلته عُمدةً تعمِده لأمرك ، يقال إنّه لمُرَجِّب. والذى حكاه الشيبانىُ يقرُب من هذا ؛ قال : الرَّجْبُ : الهَيْبَة.

__________________

(١) البيت لأبى ذؤيب الهذلى فى ديوانه ١٤٣ واللسان (عسل). وصواب روايته : «عواسل» كما فى اللسان والديوان. وأنشد فى المجمل صدره فقط. ويروى : «وحالفها» بالحاء المهملة.

(٢) فى اللسان (رجا ٢٤): «من يغنى مكانى».

(٣) كذا وردت هذه العمارة ، وحقها أن توضع بعد قوله «ترجى إرجاء» س ٣ من هذه الصفحة. وفى المجمل : «ويقال للناقة أو الفرس إذا دنا نتاجها قد أرجت إرجاء. قال الشيبانى : «هو أرجأت».

(٤) هو الحباب بن المنذر انظر اللسان والإصابة ١٥٤٧.

(٥) فى الأصل : «المجرب» ، تحريف.


يقال رَجَبْتُ الأمر ، إذا هِبْتَه. وأصل هذا ما ذكرناه من التّعظيم ، والتّعظيم يرجع* إلى ما ذكرناه من السّيد المعظّم ، كأنه المعتمد والمعوَّل. والكلام يتفرَّع بعضُه من بعضٍ كما قد شرحناه. ومن الباب رَجَبٌ ، لأنَّهم كانوا يعظِّمونه ؛ وقد عظَّمَتْه الشّريعة أيضاً. فإذا ضمُّوا إليه شعبانَ قالوا رجَبانِ.

ومن الذى شذَّ عن اللباب الأرْجاب : الأمْعاء. ويقال : إنّه لا واحدّ لها من لفظها. فأما الرّواجب فمفاصل الأضابع ، ويقال : بل الرّاجبة ما بين البُرْجُمتين من السُّلامَى بين المَفْصِلَين.

رجد الراء والجيم والدال ذكرت فيه كلمةٌ. قالوا : الإرجاد : الإرعاد.

باب الراء والحاء وما يثلثهما

رحض الراء والحاء والضاد أصلٌ يدلّ على غَسْل الشىء. يقال رحَضْتُ الثَّوبَ ، إذا غسَلْتَه. قال :

مَهَامِهُ أَشْباهٌ كأنَّ سَرابَها

مُلاءٌ بأيدى الغاسِلات رحيضُ (١)

ويقال للمغْتَسَل (٢) المِرحاض. فأما عَرَقُ الحمَّى فإِنَّه يسمّى الرُّحَضاء ؛ وهو ذاك القياس ، كأنّها رحضَتِ الجسمِ ، أى غَسَلْتَه.

__________________

(١) البيت للعديل بن الفرخ العجلى من أبيات ثلاثة فى حماسة ابن الشجرى ١٩٩ ، والأغانى (٢٠ : ١٨) ، والكامل ٢٨٧ ، والشعراء لابن قتيبة. وقبله :

أخوف بالحجاج حتى كأنما

يحرك عظم في الفؤاد مهيض

ودون يد الحجاج من أن؟

بساط لأيدى الماعحات عريض

وفى الأصل : «بأيدى الغانيات» ، صوابه من المصادر المتقدمة.

(٢) فى الأصل : «للمفتل» ، صوابه فى المجمل.


رحق الراء والحاء والقاف كلمةٌ واحدة. وهى الرَّحيق : اسمٌ من أسماء الخمر ، ويقال هى أفضَلُها.

رحل الراء والحاء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مُضىٍّ فى سفَر. يقال : رَحَل يَرْحَل رِحْلَة. وجملٌ رحِيل : ذو رِحْلة (١) ، إذا كان قويًّا على الرِّحلة. والرِّحلة : الارتحال. فأمّا الرَّحْل فى قولك : هذا رَحْلُ الرّجلِ ، لِمَنزِلهِ ومأواهُ ، فهو من هذا ، لأنّ ذلك إنّما يقال فى السَّفَر لأسبابه التى إذا سافر كانت معه ، يرتحل بها وإليها عند النزول. هذا هو الأصل ، ثمَّ قيل لمأوَى الرّجل فى حَضَرِه هو رحْلُه. فأمّا قولهم لِما ابيضَّ ظَهرُه من الدوابّ : أرحَلُ ، فهو من هذا أيضاً ؛ لأنّه يُشبَّه بالدابة التى على ظهرها رِحالة. والرِّحالة : السَّرج. ويقال فى الاستعارة إن فلاناً يَرْحَلُ فُلاناً بما يكره (٢). والمُرَحَّل : ضَربٌ من بُرود اليمن ؛ وتكون عليه صُوَرُ الرِّحال. ويقال أرْحَلَت الإبلُ : سَمِنت بعد هُزالٍ فأطاقَت الرِّحْلة. والرِّحال : الطّنَافس الحِيرِيّة. قال :

* نَشَرَتْ عليه بُرودَها ورِحالَها (٣) *

والرَّاحلة : المَرْكَب من الإبل ، ذكراً كان أو أنثى. ويقال رَاحَلَ فلانٌ فلاناً إذا عاوَنَه على رِحْلته. ورَحَّله ، إذا أظْعَنَه مِن مكانه. وأرْحَلَه : أعطاه

__________________

(١) الرحلة بالضم والكسر : القوة على السير.

(٢) زاد فى المجمل : «إذا آذاه». وفى اللسان : «أى يركبه».

(٣) البيت للأعشى فى ديوانه ٢٣ واللسان (رحل ٢٩٥). وصدره :

ومصاب فادية كأن تجارها


راحِلة. ورجل مُرْحِل : كثير الرّواحِل. ويقولون فى القَذْف : «يا ابنَ مُلْقَى أرحُلِ الرُّكْبان» ، يشيرون به إلى أمْرٍ قبيح.

رحم الراء والحاء والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الرقّة والعطف والرأفة. يقال من ذلك رَحِمَه يَرْحَمُه ، إذا رَقَّ له وتعطَّفَ عليه. والرُّحْمُ والمَرْحَمَة والرَّحْمَة بمعنًى. والرَّحِم : عَلاقة القرابة ، ثم سمِّيت رَحِمُ الأنثى رَحِماً من هذا ، لأنّ منها ما يكون ما يُرْحَمُ وَيُرَقّ له مِن ولد. ويقال شاةٌ رَحُومٌ (١) ، إذا اشتكَتْ رِحمَها بعد النِّتاج ؛ وقد رَحَمت رَحَامَة ، ورُحِمَت رَحْما(٢). وقال الأصمعىّ : كان أبو عمرو بن العلاء يُنشد بيتَ زُهير :

ومَن ضرِيبته التّقوَى ويَعصِمُه

مِن سيِّئ العَثَرات اللهُ والرُّحُمُ (٣)

قال : ولم أسمَعْ هذا الحرفَ إلّا فى هذا البيت. وكان يقرأ : وأقرب رُحُما (٤) وكأن أبا عمرٍو ذهب إلى أنّ الرُّحُمَ الرَّحْمة. ويقال إنّ مكّة كانت تسمَّى أمَ رُحْم (٥).

رحى الراء والحاء والحرف المعتلُّ أصلٌ واحد ، وهى الرَّحَى الدائرة. ثم يتفرّع منها ما يقاربُها فى المعنى. من ذلك رَحَى الحرب ، وهى حَوْمَتُها. والرَّحى : رَحَى السَّحاب ، وهو مُسْتَدَارُهُ. ورَحَى القوم : سيِّدهم. وسمى بذلك

__________________

(١) ويقال كذلك للمرأة والناقة والعنز.

(٢) وكذينك : رحمت رحما ، كتعبت تعبا.

(٣) ديوان زهير ١٦٢ واللسان (رحم ١٢٣).

(٤) انظر اللسان (رحم ١٣٢).

(٥) نص فى اللسان والقاموس ومعجم البلدان أنها بضم الراء. لكن فى المجمل : «أم رحموأ رحم» بكسر الراء أولا وضمها ثانياً.


لأنَّ مَدارَهم عليه. والرَّحَى : سَعْدانة البعير (١) ؛ لأنّها مستديرة. قال :

* رَحَى حَيزُومِها كرَحَى الطَّحينِ (٢) *

قال الخليل : الرَّحَى والرَّحَيانِ. و* ثلاثُ أَرْحٍ (٣). والأرحاء ، الكثيرة. والأَرْحِيَة كأنه جمع الجمع. والأرحاء : الأضراس. وهذا على التشبيه ، أى كأنها تطحَن الطّعام. ويقال على التشبيه أيضاً للقِطعة من الأرض الناشِزَة على ما حولَها مثل النَّجَفة رَحىً (٤). وناسٌ من أهل اللُّغة يقولون : رَحًى ورحَوَان. قالوا : والعرب تقول رحَتِ الحيَّة تَرْحُو ، إِذا استدارت.

رحب الراء والحاء والباء أصلٌ واحدٌ مطّرد ، يدلُّ على السّعَة. من ذلك الرُّحْب. ومكانٌ رَحْبٌ. وقولهم فى الدعاء : مَرْحَباً : أَتيتَ سَعةً. والرُّحْبَى : أعرض الأضلاع فى الصَّدر. والرَّحِيب : الاكُول ؛ وذلك [لسَعةِ] جوفِه. ويقال رَحُبَت الدّارُ ، وأَرْحَبَت. وفى كتاب الخليل : قال نصر ابنُ سيَّار : «أَرَحُبَكُمُ الدُّخولُ فى طاعة الكِرمانىّ (٥)» ، أى أَوَسِعَكُمْ؟ قال : وهى كلمةٌ شاذّة على فَعُل مجاوِزاً (٦). والرَّحْبة : الأرضُ المِحلالُ المِئْنات(٧). ويقال للخيل : «أَرْحِبِى» أى توسَّعى.

__________________

(١) سعدانة البعير : كركرته.

(٢) للشماخ. وصدره كما فى ديوانه ٩٢ واللسان (رحا) :

فتعم للمعترى ركدت إليه

(٣) الرحى مؤنثة. وفى الأصل والمجمل : «وثلاثة أرح» ، صوابه ما أثبت.

(٤) النجفة ، بالتحريك : أرض مستديرة مشرفة.

(٥) تكلم صاحب اللسان فى تعدية هذا الفعل مع كونه على (فعل) وهو وزن من أوزان اللزوم ، ثم ذكر أن الأزهرى قال إن نصرا ليس بحجة.

(٦) مجاوزاً ، أى متعدياً. وعبارته هنا مطابقة لعبارة المجمل.

(٧) فى الأصل : «المناث» ، صوابه فى المجمل واللسان. وفى اللسان : «وأرض مئناث وأنيثة : سهلة منبتة خليقة بالنبات ليست بغليظة».


باب الراء والخاء وما يثلثهما

رخص الراء والخاء والصاد أصلٌ يدلُّ على لِينٍ وخلافِ شِدة من ذلك اللّحْمُ الرَّخْص ، هو الناعم. ومن ذلك الرُّخْص : خِلاف الغَلاء. والرُّخْصَة فى الأمر : خلافِ التَّشْديد. وفى الحديث : «إنَّ الله جلّ ثناؤه يحبُّ أن يؤخذ برُخَصِهِ كما يحبُّ أن تُؤتَى عزائِمهُ».

رخف الراء والخاء والفاء أُصَيلٌ يدلُّ على رَخاوةٍ ولِين. فيقال : إن الرَّخْفَة : الزُّبدة الرَّقيقة. ويقال أرْخَفْتُ العَجين ، إذا كثَّرْتَ ماءَه حتَّى يَستَرخِىَ. ويقال منه رَخَف يَرْخُف. ويقولون صار الماءِ رُخْفةً ، أى طيناً رقيقاً. والرَّخْفة : حجارةٌ خِفافٌ جُوفٌ.

رخل الراء والخاء واللام كلمةٌ واحدة ، وهى الرّخل (١) : الأُنثى من أولاد الضَّأنِ ، والذّكرُ حَمَلٌ ، ويجمع الرخل رخالا.

رخم الراء والخاء والميم أصلٌ يدلُّ على رقّةٍ وإشْفاق. يقال ألْقَى فلانٌ على فلانٍ رَخْمَتَه، وذلك إذا أظهَرَ إشفاقاً عليه ورقَّة له. ومن ذلك الكلام الرَّخيم ، هو الرقيق. قال امرؤ القيس :

رَخِيمُ الكلامِ قَطِيع القِيا

مِ تفتَرُّ عن ذى غَروبٍ خَصِرْ (٢)

__________________

(١) الرخل ، بالكسر وككتف.

(٢) كلمة «ذى» ليست فى الأصل. وإثباتها من الديوان ٨. وفيه :

فتور القيام قطيم الكلام


والرَّخَمَة : الطائر الذى يقال له الأنوق ، يقال سمِّى بذلك لرَخْمتِه على بَيضَتِه ، يقال إنّه لم يُرَ له بيضٌ قطّ. وهو الذى أراده الكميت بقوله :

وذات اسمَيْنِ والألوانُ شَتَّى

تُحمَّقُ وهى بَيِّنة الحَويلِ (١)

ومن هذا الباب قول أهل العربية : «الترخيم» ، وذلك إسقاط شىءِ من آخر الاسم فى النِّداء ، كقولهم : يا مالك ، يا مالِ ؛ ويا حارث ، يا حارِ. كأنّ الاسمَ لما ألقى منه ذلك رَقّ. قال زُهير :

يا حارِ لا أُرْمَيَنْ منكم بداهيةٍ

لم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قبلى ولا مَلِكُ (٢)

ومما شذّ عن هذا الأصل قولُهم : شاةٌ رَخْماء ، وهى التى ابيضَّ رأسها.

رخو الراء والخاء والحرف المعتلّ أصلٌ يدلُّ على لِينٍ وسخافةِ عقل. من ذلك شىء رِخْوٌ بكسر الراء. قال الخليل : رُخْوٌ أيضاً (٣) ، لغتانِ. يقال منه رَخِىَ يَرْخَى ، ورَخُوَ ، إذا صار رَخْوا. ويقال : أرْخَتِ الناقة ، إذا استَرخَى صَلَاها. وفرسٌ رِخْو ، إذا كانت سهلة مسترسلة ، فى قول أبى ذؤيب :

* فهى رِخْوٌ تمزَعُ (٤) *

ويقال استرخى به الأمرُ واسترخت به حالُه ، إذا وقع فى حالٍ حسنةٍ غير شديدة. وتراخَى عن الأمر ، إذا قعد عنه وأبطأ. ومن الباب الرُّخاء ، وهى الريح

__________________

(١) فى الحيوان (٧ : ١٨ ، ٢٢) واللسان (حول): «وهى كيسة الحيل». وقد سبقت روايته فى (حول) برواية : «ببنة الحويل».

(٢) ديوان زهير ١٨٠. وهو يعنى الحارث بن ورقاء الصيداوى ، وكان قد استاق إبل زهير وراعيه بساراً.

(٣) الضبط بضم الراء عن المحمل. على أن (الكلمة مثلثة ، تقول أيضاً بفتح الراء.

(٤) البيت بتمامه كما فى ديوانه ١٦ والمفضليات (٢ : ٢٢٧) واللسان (رخا) :

تغدو به خوصا تقطع جربها

؟ فهى رخو تمزح


اللِّينة. قال الله تعالى : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ). والإرخاء مِن رَكْضِ الخيل* ليس بالحُضْر المُلْهَب (١). يقال فرسٌ مِرْخاءٌ من خَيل مَرَاخٍ ، وهو عَدْوٌ فوق التَّقْرِيب (٢). قال أبو عبيدٍ : الإِرخاء أن يخلّى الفرسُ وشَهوتَه فى العَدْوِ ، غير متعبٍ له. وهذه أُرْخِيّة ، لمِا أرْخَيْتَ مِن شىءٍ.

رخد الراء والخاء والدال كلمة واحدة ليس لها قياس. ويقال : الرِّخْوَدّ : الليِّن العِظام.

باب الراء والدال وما يثلثهما

ردس الراء والدال والسين أُصَيلٌ يدلُّ على ضربِ شىءِ بشىء. يقال ردَسْتُ الأرض بالصّخرةِ وغيرِها ، إذا ضربْتَها بها. والمِرْدَاس : صَخْرة عظيمة ، مِفْعال من رَدَسْت. قال الأصمعىُّ : ما أدرِى أين رَدَس؟ أى ذهَب. والقياسُ واحدٌ ، لأنَّ الذاهبَ يقال له : ذَهَب فى الأرض ، وضَرَب فى الأرض.

ردك الراء والدال والكاف ليس أصلا ، لكنهم يقولون : خَلْقٌ مُرَوْدَكٌ ؛ أى سمين. قال :

* قامت تُرِيك خَلْقَهَا المُرَوْدَكا*

ردع الراء والدال والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مَنْع وصَرْع يقال ردَعْتُه عن هذا الأمرِ فارتدَع. ويقال للصَّريع : الرَّدِيع. حكاه ابنُ الأعرابىّ (٣)

__________________

(١) فى الأصل : «المهلب» ، صوابه فى المجمل.

(٢) فى الأصل : «القريب». والتقريب : ضرب من العدو.

(٣) زاد فى المجمل : «ويقال هو بالغين».


والمرتدع من السِّهام : الذى [إذا] أصاب الهدف انفضَخَ عُودُه. والمُرّتدع : المَتلَطِّخ بالشىء. قال ابنُ مقبِل :

* يَجْرِى بديباجَتَيْه الرَّشْحُ مُرتَدِعُ (١) *

فالمرتدِع المتلطِّخ ؛ ويقال إنّه من الرَّدْع ، والرَّدْع : الدم. قال بعضُ أهل اللُّغة. ومنه يقال للقتيل : «رَكِبَ رَدْعَه». والأصل فى هذا كلِّه ما ذكرناه أن الرَّدْع الصَّرْع ، وإذا صُرِع ارتَدَع بدمِه إن كان هناك دَم. قال ابنُ الأعرابىّ : ركِبَ رَدْعَه ، إذا خَرَّ لِوَجهِهِ. ومن الباب الرُّدَاع وهو وجع الجسم أجْمَع ، وهذا صحيحٌ لأن السقيم صريع. قال :

فوا حَزَنِى وعاوَدَنى رُدَاعِى

وكان فِراقُ لُبْنَى كالخِدَاع (٢)

ردغ الراء والدال والغين أُصَيلٌ يدلُّ على استرخاءِ واضطراب من ذلك الرَّدْغُ : الماء والطين. ومنه الرَّديغ ، وهو الأحمق ، والأحمق مضطرِب الرأى

ومما شذّ عن ذلك المَرَادِغ : ما بَين العُنق والتَّرقُوة.

ردف الراء والدال والفاء أصلٌ واحدٌ مطّرد ، يدلُّ على اتِّباع الشىء. فالتَّرادف : التتابع. والرَّدِيف : الذى يُرادِفُك. وسُمِّيت العجيزَةُ رِدْفاً من ذلك. ويقال : نَزَلَ بهم أمرٌ فرَدِفَ لهم أعظَمُ منه ، أى تبِع الأوَّلَ ما كان أعظَمَ منه. والرِّدَاف : مَوضع مَرْكَب الرِّدفِ. وهذا بِرَذونٌ لا يُرادِفُ ،

__________________

(١) سبق إنشاده فى (دبج). وصدره كما فى اللسان (دبج ، رشح ، ردع) :

يخدى بها بازل؟ مرافقه

(٢) لقيس بن ذربح ، كما فى اللسان (ردع).


أى لا يَحمِل رَدِيفا. وأردافُ النُّجوم : تَوَالِيها. ويقال أتينا فلاناً فارتدفْناهُ ارْتِدافاً ، أى أخذناه أَخْذاً. والرَّدِيف : النجم الذى يَنُوء مِن المشرق إذا انغمَسَ رقِيبُه فى المغرب : وأرداف الملوك فى الجاهلية : الذين كانوا يَخْلُفُون الملوك. والرِّدْفانِ : الليل والنهار. وفى شعر لبيدٍ «الرِّدْف (١)» ، وهو مَلّاح السَّفينة. وهذا أمرٌ ليس له رِدْف ، أى ليست له تَبِعة. قال الأصمعىّ : تعاونوا عليه وترادَفُوا وتَرَافَدوا ، بمعنًى. ويقال رَادَف الجرادُ ؛ والمُرادفة : ركوب الذكرِ الأُنثى. قال أبو حاتم : الرّديف : الذى يجىء بقِدْحه بعد أن فاز مِن الأيسار واحد أو اثنانِ ، ويسألُهم أن يدخلوا قِدْحَه فى قِدَاحِهم. قال الأصمعىّ : الرُّدَافَى ، هم الحُداة ، لأنَّهم إِذا أعيا أحدُهم خَلَفَه الآخر. قال الرَّاعى :

وَخُودٌ مِن اللائى يُسَمَّعْنَ بالضُّحَى

قريضَ الرُّدَافَى بالغِناءِ المُهَوِّدِ (٢)

والرَّوَافد : رواكِيب النَّخل.

ردم الراء والدال والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سَدّ ثُلْمة. يقال رَدَمْت البابَ والثُّلْمة. والرَّدْم : مصدرٌ ، والرَّدْم اسم (٣). والثوب المُرَدَّم هو الخَلَق المُرَقَّع. فأما قوله :

هل غادَرَ الشُّعراءِ مِن مُتَرَدَّمِ

أم هل عَرَفْتَ الدارَ بعد توهُّمِ (٤)

على رواية من رواه كذا ، فإنّه فيما يقال الكلام يُلْصَق بعضُه ببعض.

__________________

(١) يعنى قول لبيد فى ديوان ٦٦ طع ١٨٨٠ واللسان (ردف ١٦) :

فالتام طائقها القديم فأصبحت

ما أن يقوم؟؟

(٢) البيت فى صفة ناقة. انظر اللسان (وخد ، ردف ، هود).

(٣) الاسم والمصدر سواء ، كما فى اللسان والقاموس.

(٤) البيت مطلع معلقة عنترة.


ومن الباب : أردَمَتْ عليه الحُمَّى : دامت وأَطبَقَتْ. يقال وِرْدٌ مُرْدِمٌ ، وسَحاب مُرْدِم.

ردن الراء والدال والنون هذا بابٌ متفاوتٌ الكَلِم لا تكاد تلتقى منه كلمتانِ فى قياسٍ واحد ، فكتبناه على ما به ، ولم نَعْرِضْ لاشتقاق أصلِه ولا قياسِه. فالرُّدْن : مقدَّم الكُمّ. يقال أرْدَنْتُ القَميصَ جعلْتُ له رُدْناً ، والجمع أَرْدَان. قال :

وعَمْرةُ مِن سَرَوَاتِ النِّسا

ءِ ينفَحُ بالمسك أردانُها (١)

ويقولون إن الرَّدَن الخزُّ ، فى قول الأعشى :

فأفنيتُها وتعَلّلْتُها

على صَحصَحٍ ككِساءِ الرَّدَن (٢)

والرُّمْح الرُّدينىّ ، منسوبٌ إلى امرأة كانت تسمَّى رُدَيْنَةَ. ويقال للبعير إذا خالطَتْ حمرتَه صُفرةٌ : هو أحمرُ رادِنىٌ ، والناقة رادِنِيَّة. ويقولون إنَ المِرْدَن المِغزل الذى يُغزَل به الرَّدَن. وليس هذا ببعيدٍ. ويقال إنّ الرَّادِن الزَّعفران. وينشد :

* وأخذَتْ من رادِنٍ وكُرْكُمِ (٣) *

وحُكى عن الفرّاء : رَدِن جِلدُه رَدَنا ، أى تقبَّض. والاردُنّ : النُّعاس الشديد. قال :

* قَدْ أَخَذَتْنى نَعْسَةٌ أُرْدُنُ (٤) *

__________________

(١) لقيس بن الخطيم الأنصارى فى ديوانه ٨ واللسان (ردن).

(٢) ديوان الأعشى ١٦. ويروى : «تعاللتها» و: «كرداء الردن».

(٣) للأغلب العجلى ، كما فى اللسان (ردن).

(٤) لاباق الدبيرى ، كما فى اللسان (ردن).


ولم يسمع من أُرْدُنّ فِعْل. قال قطرب : الرَّدَن : الغِرس الذى يخرج مع الولد من بطن أمِّه ، وتقول العرب : هذا مِدْرَع الرَّدَن. قال : الرَّدْن : النَّضْد. تقول : رَدَنْتُ المتاع. قال : والرَّدْنْ : صوتُ وَقْعِ السلاحِ بعضِه على بعض.

رده الراء والدال والهاء أُصَيلٌ يدل على هَزْمٍ فى صَخرةٍ أو غيرها. قالوا : الرَّدْهَة : قَلْتٌ فى الصَّفا يجتمع فيه ماءُ السماء ؛ والجمع رِدَاه. فأما الذى حُكِى عن الخليل فمخالفٌ لما ذكَرْناه ؛ قال : الرَّدَه (١) : شِبهُ آكامٍ خشنةٍ كثيرة الحجارة ، الواحدة رَدْهَةٌ. قال وهى تِلال القِفاف. قال رُؤبة :

* مِن بَعْد أَنْضاد التلال الرُّدَّهِ (٢) *

ردى الراء والدال والياء (٣) أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رَمْىٍ أو تَرَامٍ وما أشبه ذلك. يقال ردَيْتُه بالحجارة أَردِيه : رميتُه. والحجر مِرْداةٌ. والرَّدْى ثلاثة مواضع ترجع إلى قياس [ما] قد ذكرناه. فالأول رَدَى الحجَر. والثانى رَدَى الفرسُ : أسرع. وَرَدَتِ الجارية ، إذا رفعَتْ إحدى رجلَيها وقفزت بواحدة ، وهو الثالث. وكلُّ ذلك يرجِع إلى الترامِى. والرَّدَيَان : عدْوُ الحمار بين آرِيِّه ومُتمعَّكِه. ومن الباب الرَّدَى ، وهو الهَلاك ؛ يقال رَدِىَ يَرْدَى ، إذا هلَك. وأرْدَاه الله : أهلَكَه. والتَّردِّى : التَّهَوُّر فى المَهْوَى. يقال رَدِىَ فى البئر كما يقال

__________________

(١) فى اللسان : «بفتح الراء والدال. هذا قول أهل اللغة. قال ابن سيده : والصحيح أنه اسم للجمع».

(٢) ديوان رؤبة ١٦٧ واللسان (رده). والذى فى الديوان :

تعدل أنضاد اللفاف الرده

عنها وأثباج الرسل الورد

وقد أشير فى حواشى اللسان إلى رواية التكملة : «يعدل أنضاد القفاف».

(٣) فى الأصل : «رود. الراء والواو والدال» ، تحريف.


تَرَدَّى. قالها أبو زيد. ويقال : ما أدرى أين رَدَى ، أى أين ذهَب. وهو من الباب ، معناه ما أدرى أين رَمَى بنفسِه. ومن الباب الرَّدَاةُ : الصخرة ، وجمعها الرَّدَى. قال :

* فَحْل مَخَاضٍ كالرَّدَى المنقَضِ (١) *

وإذا قالوا للناقة مِرْداةٌ ، فإنما شبَّهوها بالصَّخرة. ويقال رادَيتُ عن القوم ، إذا رَامَيْتَ عنهم. فأما قول طفَيل :

يُرَادَى على فَأْسِ اللِّجام كأنما

يُرادَى على مِرْقَاةِ جِذْعٍ مشذَّبِ (٢)

فليس هذا من الباب ؛ لأنَّ هذا مقلوبٌ. ومعناه يُراوَد. وقد ذكر فى موضعه. ومما شذّ عن الباب الرِّداء الذى يُلبَس ، ما أدرى مِمّ اشتقاقُه ، وفى أىِّ شىءِ قياسُه. يقال فلانٌ حسَنُ الرَّدْية ، من لُبْس الرداء. ومما شذَّ أيضاً قولُهم : أردَى على الخمسين ، إذا زاد عليها.

فأما المهموز فكلمتانِ متباينتان جِدَّا. يقال أَردأْتُ : أَفسدْتُ. ورَدُؤَ الشىءُ فهو ردِىء. والكلمة الأخرى أردأت ، إذا أَعَنْتَ. وفلانِ رِدْءِ فلانٍ ، أى مُعِينه. قال الله جلّ جلالُه* فى قصة موسى : (فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي).

ردج الراء والدال والجيم ليس بشىء. على أنَّهم يقولون إنّ الرَّدَج ما يُلقيه [المُهْر (٣)] من بطنه ساعةَ يُولَد. وينشدون :

لها رَدَجٌ فى بيتها تستعدُّه

إذا جاءها يوماً من الدّهر خاطبُ (٤)

__________________

(١) البيت فى اللسان (ردى ٣٣).

(٢) ديوان طفيل ١١ واللسان (ردى ٣٤).

(٣) التكملة من المجمل.

(٤) البيت لجرير كما فى اللسان (ردج).


ردح الراء والدال والحاء أصَّل فيه ابنُ دُريدٍ أصلا. قال : أصله تراكُمُ الشىءِ بعضِه على بعض. ثم قال : كتيبة رَدَاحٌ : كثيرة الفُرسان. وقال أيضا : يقال أصل الرَّدَاحِ الشجرة العظيمة الواسعة. ومن الباب فلانٌ رَدَاحٌ أى مخصِب. ومن الباب الرَّدَاحُ : المرأة الثَّقيلة الأوراك. ومعه ردَحْتُ البيت وأَرْدَحْتُه ، من الرُّدْحة ، وهو قطعةٌ تُدخَل فيه ، أو زيادةٌ تزاد فى عَمَده. وأنشد الأصمعى :

* بَيْتَ حُتُوفٍ أُرْدِحَتْ حَمَائرُه (١) *

قال ابن دريد (٢) : رَدَحْتِ البيتَ ، إذا ألقيتَ عليه الطِّين.

ردخ الراء والدال والخاء ليس بشىء. على أنَّهم حكَوْا عن الخليل أن الرَّدْخ : الشَّدْخ.

ردب (٣) الراء والدال والباء ليس بشىء. ويقولون للقِرْمِيدة الإِردَبة. والإردَبُ : مكيال لأهل مِصرَ ضخمٌ

باب الراء والذال وما يثلثهما

رذم الراء والذال والميم أُصَيْلٌ يدلُّ على سَيَلانِ شىء. يقال

__________________

(١) من رجز لحميد الأرقط ، كما فى اللسان (حمر). وقد سبق إنشاده فى (حمر). وأنشده فى اللسان (ردح) أيضاً. وقبله :

أعد البيت الذي يعامره

(٢) الجمهرة (٢ : ١٢١). ونصها : «والردح من قولهم ردحت البيت بالطين أردحه ردحاً وأردحته إرداحاً ، لغتان فصيحتان ، إذا كائفت عليه الطين».

(٣) الترتيب الصحيح لهذه المادة أن تكون بعد مادة (ردى) ، لكن هكذا وضعت فى المجمل والمقاييس. ويبدو أنه قد انساق مع ترتيب المجمل.


جَفْنَة رَذُمٌ ، إذا سالَتْ دَسَماً. وعَظْمٌ رَذُوم ، كأنّه من سِمنه يسيل دَسَماً. قال :

* وفى كفِّها كِسْرٌ أبَحّ رَذُومُ (١) *

رذا الراء والذال والحرف المعتل يدلُّ على ضعفٍ وهزال. فالرّذِيَّة : الناقة المهزولة من السَّير ، والجمع رَذَايا. قال أبو دُواد :

رَذَايا كالبَلَايا أو

كعِيدانٍ من القَضْبِ (٢)

يقال منه : أرذَيْتُها.

رذل الراء والذال واللام قريبٌ من الذى قبله. فالرَّذْل : الدُّون مِن كلِّ شىء ، وكذلك الرُّذَال.

انقضى الثُّلاثى من الراء.

باب الراء وما بعدها مما هو أكثر من ثلاثة أحرف

وهذا شىء يقِلُّ فى كتاب الراء ، والذى جاء منه فمنحوتٌ أو مزيدٌ فيه من ذلك (رَعْبَلْتُ) اللّحمَ رعْبَلةً ؛ إذا قطَّعتَه. قال :

* ترى الملوكَ حولَه مُرَعْبَلَهْ (٣) *

__________________

(١) فى الأصل : «وفى يدها» ، صوابه مما سبق فى مادة (بح) حيث الكلام على البيت.

(٢) القضب ، بالفتح : شجر تتخذ منه القسى ، ويقال إنه جنس من النبع. وقد أنشد البيت فى اللسان (قضب) وفسره.

(٣) ويروى أيضا «مغربله» كما فى اللسان (رعبل ، غربل) والمخصص (٦ : ١١٤). وفى اللسان (غربل) والأغانى (١٣ : ١٤٠ ، ١٤١) :

أحياء أباه هاشم بن حرمله

يوم الهباءات ويم اليعمله

ترى الملوك حوله مغربله

ورمحه للوالدات مشكله

يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له


فهذا ممَّا زِيدت فيه الباء ، وأصله من رَعَل ، وقد مضى. يقال لما يُقْطَع من أُذُن الشَّاة ويترك معلَّقاً ينوسُ كأنه زَنَمَةٌ : [رَعْلَة]. فالرَّعْبَلَة من هذا.

ومن ذلك (الرَّهْبَلة) : مَشْىٌ بثِقَلٍ. وهذا منحوتٌ من رَهَل ورَبَل ، وهو التجمُّع والاسترخاء ، فكأنها مِشْيَةٌ بتثاقُل.

ومن ذلك (المرجَحِنُ) ، وهو المائل ، فالنون فيه زائدة ، لأنّه من رَجَح. وليس أكثَر من هذا فى الباب. والله أعلم بالصواب

تم الجزء الثانى من مقاييس اللغة بتقسيم محققه

ويليه الجزء الثالث وأوله «كتاب الزاء»


مراجع التحقيق والضبط

يضاف إلى المراجع المثبتة فى نهاية الجزء الأول :

أمالى الزجاجى. طبع السعادة ١٣٢٤ القاهرة.

أمالى ابن الشجرى. طبع ١٣٤٩ حيدر أباد.

البيان والتبيين ، تحقيق عبد السلام هارون. طبع لجنة التأليف ١٣٦٩.

ديوان تميم بن مقبل. مديرية إحياء التراث بدمشق ١٣٨١.

ديوان الحادرة. نسخة الشنقيطى رقم ٣٤ أدب ش بدار الكتب المصرية.

ديوان حميد بن ثور. مخطوط بتحقيق العلامة الميمنى معد للطبع بدار الكتب المصرية.

ديوان زهير بشرح الشنتمرى. طبع النعسانى ١٣٤٧ القاهرة.

ديوان طفيل بن عوف. طبع ١٩٢٧ م لندن.

ديوان عبد الله بن الدمينة. طبع المنار ١٣٣٧ القاهرة.

ديوان عروة بن حزام. مخطوط برقم ٧٠ ش بدار الكتب المصرية.

رسائل الجاحظ. طبع الساسى ١٣٢٤ القاهرة.

شرح الشافية للرضى. طبع مطبعة حجازى ١٣٥٨ القاهرة.

الشعر والشعراء لابن قتيبة. طبع دار إحياء الكتب العربية ١٣٦٦.

الفهرست لابن النديم. طبع الرحمانية بالقاهرة.

لامية العرب للشنفرى. طبع الجوائب ١٣٠٠ تركيا.

المجمل لابن فارس. مخطوط برقم ٣٨٢ لغة بدار الكتب المصرية.

محاضرات الأدباء للراغب. طبع الشرفية ١٣٢٦ القاهرة.


مختارات ابن الشجرى. طبع المطبعة العامرة ١٣٠٦ القاهرة.

معاهد التنصيص للعباسى. طبع البهية ١٣١٦ القاهرة.

منتهى الطلب لابن ميمون. مخطوط برقم ٥٣ ش بدار الكتب المصرية.

المؤتلف والمختلف للآمدى. طبع القدسى ١٣٥٤ القاهرة.

نهاية الأرب للنويرى. طبع دار الكتب المصرية ١٣٤٢.

همع الهوامع للسيوطى. طبع السعادة ١٣٢٧ القاهرة.

وقعة صفين لنصر بن مزاحم. طبع دار إحياء الكتب العربية ١٣٦٥.

معجم مقاييس اللغة - ٢

المؤلف:
الصفحات: 512