بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة على نبيه محمد وعترته الطيبين الطاهرين.

كتاب الحج

وهو يطلق في اللغة على معان كما يستفاد من القاموس ، وهي : القصد والكف والقدوم والغلبة بالحجة وكثرة الاختلاف والتردد وقصد مكة للنسك ، وقال الخليل : الحج كثرة الاختلاف الى من يعظمه ، وسمي الحج حجا لان الحاج يأتي قبل الوقوف بعرفة الى البيت ثم يعود اليه لطواف الزيارة ثم ينصرف إلى منى ثم يعود اليه لطواف الوداع.

والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد نقلوه عن المعنى اللغوي إلى قصد البيت لأداء المناسك المخصوصة عنده كما عرفه به الشيخ ومن تبعه ، أو انه اسم لمجموع المناسك المؤادة في المشاعر المخصوصة. وقد أورد على كل من التعريقين إيرادات ليس للتعرض لها مزيد فائدة.


إلا أنه ينبغي ان يعلم ان النقل عن المعنى اللغوي ـ كما ذكرنا ـ إنما يتم لو لم يكن ما ذكره في القاموس من انه قصد مكة للنسك معنى لغويا وإلا كان حقيقة لغوية في المعنى المصطلح عليه ، والمشهور في كلام أهل اللغة إنما هو انه بمعنى القصد فيكون النقل متجها ، وانه على تقدير تعريف الشيخ يكون النقل لمناسبة وعلى تقدير التعريف الآخر لغير مناسبة.

وكيف كان فالبحث في هذا الكتاب يقع في أبواب أربعة وخاتمة :

الباب الأول في المقدمات

المقدمة الاولى وفيها فصول :

الفصل الأول

في جملة من الاخبار الدالة على جملة من الفوائد العظام المناسبة للمقام :

منها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن ابي حسان عن ابى جعفر عليه‌السلام (١) ورواه في الفقيه (٢) مرسلا عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : «لما أراد الله ان يخلق الأرض أمر الرياح فضربن متن الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحا الأرض من تحته وهو قول الله عزوجل (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)» (٣) وزاد في الفقيه (٤) «وأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض منها».

وما رواه في الكافي (٥) عن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من مقدمات الطواف.

(٢ و ٤) ج ٢ ص ١٥٦.

(٣) سورة آل عمران الآية ٩٦.

(٥) ج ٤ ص ٢٢٥.


«ان قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلا فقرأه فإذا فيه : انا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض ووضعتها بين هذين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حفا».

وما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن ابي العباس عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «لما ولد إسماعيل حمله إبراهيم عليه‌السلام وامه على حمار واقبل معه جبرئيل عليه‌السلام حتى وضعه في موضع الحجر ومعه شي‌ء من زاد وسقاء فيه شي‌ء من ماء والبيت يومئذ ربوة حمراء من مدر ، فقال إبراهيم عليه‌السلام لجبرئيل ههنا أمرت؟ قال نعم ومكة يومئذ سلم وسمر وحول مكة يومئذ ناس من العماليق».

وما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام (٢) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «ان إبراهيم لما خلف إسماعيل بمكة عطش الصبي وكان في ما بين الصفا والمروة شجر فخرجت امه حتى قامت على الصفا فقالت هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد ثم رجعت الى الصفا فقالت كذلك حتى صنعت ذلك سبعا فأجرى الله ذلك سنة ، فأتاها جبرئيل عليه‌السلام فقال لها من أنت؟ فقالت انا أم ولد إبراهيم عليه‌السلام فقال ابى من وكلكم؟ فقالت اما إذا قلت ذلك فقد قلت له حيث أراد الذهاب يا إبراهيم الى من تكلنا؟ فقال الى الله (عزوجل) فقال جبرئيل عليه‌السلام لقد وكلكم الى كاف. قال وكان الناس يتجنبون المرور بمكة لمكان الماء ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم فرجعت من المروة إلى الصبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة ان يسيح الماء ولو تركته

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٠١.

(٢) ص ٤٣٢ وفي الوسائل الباب ١ من السعي. وفي الكافي ج ٤ ص ٢٠٢.


لكان سيحا ، قال فلما رأت الطير الماء حلقت عليه ، قال فمر ركب من اليمن فلما رأوا الطير حلقت عليه قالوا ما حلقت إلا على ماء فأتوهم فسقوهم من الماء وأطعموهم الركب من الطعام ، واجرى الله (عزوجل) لهم بذلك رزقا فكانت الركب تمر فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الحرم واعلامه فقال ان آدم عليه‌السلام لما هبط على ابي قبيس شكي الى ربه الوحشة وانه لا يسمع ما كان يسمع في الجنة فأنزل الله تعالى عليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت فكان يطوف بها وكان يبلغ ضوؤها موضع الاعلام فعلمت الاعلام على ضوئها فجعله الله حرما».

وما رواه الكليني في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لما اقبل صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة مروا بابل لعبد المطلب فاستاقوها فتوجه عبد المطلب الى صاحبهم يسأله رد ابله عليه فاستأذن عليه فاذن له وقيل له ان هذا الشريف قريش أو عظيم قريش وهو رجل له عقل ومروة فأكرمه وأدناه ثم قال لترجمانه سله ما حاجتك؟ فقال له ان أصحابك مروا بإبل لي فاستاقوها وأردت ان تردها على. قال فتعجب من سؤاله إياه رد الإبل وقال هذا الذي زعمتم انه عظيم قريش وذكرتم عقله يدع أن يسألني ان انصرف عن بيته الذي يعبده اما لو سألني ان انصرف عن هدمه لانصرفت له عنه ، فأخبره الترجمان بمقالة الملك فقال له عبد المطلب ان لذلك البيت ربا يمنعه وانما سألتك رد إبلي لحاجتي إليها فأمر بردها عليه ومضى عبد المطلب حتى لقي الفيل على طرف الحرم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من مقدمات الطواف.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من مقدمات الطواف.


فقال له يا محمود فحرك رأسه فقال له أتدري لما جي‌ء بك؟ فقال برأسه : لا. فقال جاءوا بك لتهدم بيت ربك فتفعل؟ فقال برأسه لا فانصرف عنه عبد المطلب وجاءوا بالفيل ليدخل الحرم فلما انتهى الى طرف الحرم امتنع من الدخول فضربوه فامتنع من الدخول فصرفوه فأسرع فأداروا به نواحي الحرم كلها كل ذلك يمتنع عليهم فلم يدخل ، وبعث الله عليهم الطير كالخطاطيف في مناقيرها حجر كالعدسة ونحوها فكانت تحاذي برأس الرجل ثم ترسلها علي رأسه فتخرج من دبره حتى لم يبق منهم أحد إلا رجل هرب فجعل يحدث الناس بما رأى إذا طلع عليه طائر منها فرفع رأسه فقال هذا الطائر منها وجاء الطير حتى حاذى برأسه ثم ألقاها عليه فخرجت من دبره فمات».

ومنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ان قريشا في الجاهلية هدموا البيت فلما أرادوا بناءه حيل بينهم وبينه والقى في روعهم الرعب حتى قال قائل منهم : ليأت كل رجل منكم بأطيب ماله ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام ففعلوا فخلى بينهم وبين بنائه فبنوه حتى انتهوا الى موضع الحجر الأسود فتشاجروا فيه أيهم يضع الحجر الأسود في موضعه حتى كاد ان يكون بينهم شر فحكموا أول من يدخل من باب المسجد فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ثم تناوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعه في موضعه فخصه الله تعالى به».

أقول : وتفصيل مجمل هذا الخبر ما ذكره الكليني (قدس‌سره) ونقله عن على بن إبراهيم وغيره بأسانيد مختلفة رفعوه (٢) قال : إنما هدمت قريش الكعبة

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من مقدمات الطواف.


لان السيل كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها فانصدعت وسرق من الكعبة غزال من ذهب رجلاه من جوهر وكان حائطها قصيرا وكان ذلك قبل مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بثلاثين سنة ، فأرادت قريش ان يهدموا الكعبة ويبنوها ويزيدوا في عرضها ثم أشفقوا من ذلك وخافوا ان وضعوا فيها المعادل ان تنزل عليهم عقوبة ، فقال الوليد بن المغيرة دعوني ابدأ فان كان لله رضى لم يصبني شي‌ء وان كان غير ذلك كففت فصعد على الكعبة وحرك منها حجرا فخرجت عليه حية وانكسفت الشمس فلما رأوا ذلك بكوا وتضرعوا وقالوا : اللهم انا لا نريد إلا الصلاح فغابت عنهم الحية فهدموه ونحوا حجارته حوله حتى بلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليه‌السلام فلما أرادوا أن يزيدوا في عرضه وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليه‌السلام أصابتهم زلزلة شديدة وظلمة فكفوا عنه. وكان بنيان إبراهيم عليه‌السلام الطول ثلاثون ذراعا والعرض اثنان وعشرون ذراعا والسمك تسعة أذرع فقالت قريش نزيد في سمكها فبنوها فلما بلغ البنيان الى موضع الحجر الأسود تشاجرت قريش في وضعه فقال كل قبيلة : نحن اولى به ونحن نضعه ، فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة فطلع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا هذا الأمين قد جاء فحكموه فبسط رداءه ـ وقال بعضهم كساء طاروني كان له ـ ووضع الحجر فيه ثم قال : يأتي من كل ربع من قريش رجل فكانوا عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم وقيس بن عدي من بني سهم فرفعوه ووضعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في موضعه ، وقد كان بعث ملك الروم بسفينة فيها سقوف وآلات وخشب وقوم من الفعلة إلى الحبشة ليبنى له هناك بيعة فطرحتها الريح الى ساحل الشريعة فنطحت فبلغ قريشا خبرها فخرجوا الى الساحل فوجدوا ما يصلح للكعبة من خشب وزينة وغير ذلك فابتاعوه وصاروا به الى مكة فوافق ذرع ذلك الخشب البناء ما خلا


الحجر فلما بنوها كسوها الوصائد وهي الأردية.

وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن البزنطي عن داود بن سرحان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساهم قريشا في بناء البيت فصار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود» (٢). قالا : وفي رواية اخرى «كان لبني هاشم من الحجر الأسود إلى الركن الشامي».

وما رواه في الكافي عن ابان بن تغلب (٣) قال : «لما هدم الحجاج الكعبة فرق الناس ترابها فلما صاروا إلى بنائها فأرادوا أن يبنوها خرجت عليهم حية فمنعت الناس البناء حتى هربوا فاتوا الحجاج فأخبروه فخاف ان يكون قد منع بناءها فصعد المنبر ثم نشد الناس وقال : رحم الله عبدا عنده من ما ابتلينا به علم لما أخبرنا به. قال فقام اليه شيخ فقال ان يكون عند أحد علم فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة فأخذ مقدارها ثم مضى. فقال الحجاج من هو؟ قال علي بن الحسين عليه‌السلام فقال : معدن ذلك. فبعث الى علي بن الحسين عليه‌السلام فأتاه فأخبره بما كان من منع الله إياه من البناء فقال له علي بن الحسين عليه‌السلام يا حجاج عمدت الى بناء إبراهيم وإسماعيل فألقيته في الطريق وانتهبته كأنك ترى انه تراث لك اصعد المنبر فأنشد الناس ان لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلا رده. قال ففعل فنشد الناس ان لا يبقى منهم أحد عنده شي‌ء إلا رده قال فردوه فلما رأى جمع التراب اتى علي بن الحسين عليه‌السلام فوضع الأساس فأمرهم أن يحفروا ، قال فتغيبت عنهم الحية وحفروا حتى انتهوا الى موضع القواعد قال لهم علي بن الحسين (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من مقدمات الطواف.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من مقدمات الطواف.


تنحوا فتنحوا فدنا منها فغطاها بثوبه ثم بكى ثم غطاها بالتراب بيد نفسه ثم دعا الفعلة فقال ضعوا بناءكم ، قال فوضعوا البناء فلما ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فألقي في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد اليه بالدرج».

قال في الفقيه (١) «روي ان الحجاج لما فرغ من بناء الكعبة سأل علي ابن الحسين (عليه‌السلام) ان يضع الحجر في موضعه فأخذه ووضعه في موضعه».

وقال في الفقيه (٢) بعد ذكر أصحاب الفيل : وانما لم يجر على الحجاج ما جرى على تبع وأصحاب الفيل لان قصد الحجاج لم يكن الى هدم الكعبة إنما كان قصده الى ابن الزبير وكان ضدا للحق ـ وفي بعض النسخ ضدا لصاحب الحق يعني الإمام (عليه‌السلام) وهو أظهر ـ فلما استجار بالكعبة أراد الله ان يبين للناس انه لم يجره فأمهل من هدمها عليه. انتهى.

وما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «كانت الكعبة على عهد إبراهيم (عليه‌السلام) تسعة أذرع وكان لها بابان فبناها عبد الله بن الزبير فرفعها ثمانية عشر ذراعا فهدمها الحجاج وبناها سبعة وعشرين ذراعا».

وما رواه في الفقيه (٤) مرسلا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان طول الكعبة تسعة أذرع ولم يكن لها سقف فسقفها قريش ثمانية عشر ذراعا ثم كسرها الحجاج على ابن الزبير فبناها وجعلها سبعة وعشرين ذراعا».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١١ من مقدمات الطواف.

(٢) ج ٢ ص ١٦٢.

(٤) ج ٢ ص ١٦٠ وفي الوسائل الباب ١١ من مقدمات الطواف.


وما رواه في الكافي (١) والفقيه (٢) ـ في الصحيح في الثاني والموثق في الأول ـ عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) قد أدركت الحسين (عليه‌السلام)؟ قال : نعم اذكر وانا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج فيقول قد ذهب به السيل ويخرج منه الخارج ويقول هو مكانه. قال فقال لي يا فلان ما صنع هؤلاء؟ فقلت أصلحك الله تعالى يخافون ان يكون السيل قد ذهب بالمقام فقال ناد ان الله تعالى قد جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقروا. وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (عليه‌السلام) عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مكة رده الى الموضع الذي وضعه إبراهيم (عليه‌السلام) فلم يزل هناك الى ان ولي عمر بن الخطاب فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال رجل انا قد كنت أخذت مقداره بنسع (٣) فهو عندي ، فقال ائتني به فأتاه به فقاسه ثم رده الى ذلك المكان».

وقال في الفقيه (٤) : روي انه قتل الحسين بن علي (عليهما‌السلام) ولأبي جعفر الباقر (عليه‌السلام) اربع سنين.

ومنها ـ ما رواه في الكافي (٥) بسنده عن بكير قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) لأي علة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره؟ ولأي علة يقبل؟ ولأي علة اخرج من الجنة؟ ولأي علة وضع ميثاق

__________________

(١) ج ٤ ص ٢٢٣.

(٢) ج ٢ ص ١٥٨.

(٣) في المنجد : انه سير أو حبل عريض طويل تشد به الرحال.

(٤) ج ٢ ص ١٥٨.

(٥) ج ٤ ص ١٨٤ وفي الوسائل الباب ١٣ من الطواف والباب ٤ من السعي.


العباد والعهد فيه ولم يوضع في غيره وكيف السبب في ذلك؟ تخبرني جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب. قال فقال سألت وأعضلت في المسألة واستقصيت فافهم الجواب وفرغ قلبك وأصغ بسمعك أخبرك ان شاء الله تعالى ، ان الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدم (عليه‌السلام) فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق ، وذلك انه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم حين أخذ الله تعالى عليهم الميثاق في ذلك المكان (١) وفي ذلك المكان تراءى لهم ، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم (عليه‌السلام) فأول من يبايعه ذلك الطير وهو والله جبرئيل (عليه‌السلام) والى ذلك المقام يسند القائم (عليه‌السلام) ظهره وهو الحجة والدليل على القائم (عليه‌السلام) وهو الشاهد لمن وافى ذلك المكان والشاهد على من ادى اليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله (عزوجل) على العباد. واما القبلة والالتماس فلعلة العهد تجديدا لذلك العهد والميثاق وتجديدا للبيعة وليؤدوا إليه العهد الذي أخذ الله تعالى عليهم في الميثاق فيأتوه في كل سنة وو يؤدوا إليه ذلك العهد والامانة اللذين أخذا عليهم ، ألا ترى انك تقول أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، وو الله ما يؤدي ذلك أحد غير شيعتنا ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا ، وانهم ليأتوه فيعرفهم ويصدقهم ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذبهم ، وذلك انه لم يحفظ ذلك غيركم فلكم والله يشهد وعليهم والله يشهد بالخفر والجحود والكفر وهو الحجة البالغة من الله عليهم يوم القيامة ، يجي‌ء وله لسان ناطق وعينان في صورته الاولى يعرفه الخلق ولا ينكره ، يشهد لمن وافاه وجدد العهد والميثاق عنده بحفظ العهد والميثاق وأداء الامانة ، ويشهد على كل من أنكر وجحد ونسي

__________________

(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الآية ١٧٢ : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ... الآية».


الميثاق بالكفر والإنكار. فاما علة ما أخرجه الله تعالى من الجنة فهل تدري ما كان الحجر؟ قلت لا. قال كان ملكا عظيما من عظماء الملائكة عند الله تعالى فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك فاتخذه الله تعالى أمينا على جميع خلقه وألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق ان يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله تعالى عليهم ، ثم جعله الله مع آدم (عليه‌السلام) في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الإقرار في كل سنة ، فلما عصى آدم (عليه‌السلام) واخرج من الجنة أنساه الله العهد والميثاق الذي أخذ الله عليه وعلى ولده لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولوصيه وجعله تائها حيران ، فلما تاب على آدم عليه‌السلام حول ذلك الملك في صورة درة بيضاء فرماه من الجنة إلى آدم عليه‌السلام وهو بأرض الهند ، فلما نظر إليه انس اليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنه جوهرة ، فانطقه الله تعالى فقال له يا آدم أتعرفني؟ قال لا. قال أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربك. ثم تحول الى صورته التي كان مع آدم (عليه‌السلام) في الجنة فقال لآدم اين العهد والميثاق؟ فوثب اليه آدم (عليه‌السلام) وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبله وجدد الإقرار بالعهد والميثاق ، ثم حوله الله (عزوجل) إلى جوهرة الحجر درة بيضاء صافية تضي‌ء فحمله آدم (عليه‌السلام) على عاتقه إجلالا له وتعظيما فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيل حتى وافى به مكة فما زال يأنس به بمكة ويجدد الإقرار له كل يوم وليلة. ثم ان الله تبارك وتعالى لما بني الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان لانه تبارك وتعالى حين أخذ الميثاق من ولد آدم أخذه في ذلك المكان وفي ذلك المكان ألقم الملك الميثاق ولذلك وضع في ذلك الركن ، ونحى آدم عليه‌السلام من مكان البيت الى الصفا وحواء إلى المروة ووضع الحجر في ذلك الركن ، فلما نظر آدم (عليه‌السلام) من الصفا وقد وضع الحجر في ذلك الركن كبر الله (عزوجل) وهلله ومجده ولذلك جرت السنة بالتكبير


واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا ، فان الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة ، لأن الله (عزوجل) لما أخذ الميثاق له بالربوبية ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة والنبوة ولعلي عليه‌السلام بالوصية اصطكت فرائص الملائكة فأول من أسرع إلى الإقرار ذلك الملك ، ولم يكن فيهم أشد حبا لمحمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله منه فلذلك اختاره الله تعالى من بينهم وألقمه الميثاق ، وهو يجي‌ء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكل من وافاه الى ذلك المكان وحفظ الميثاق».

ومنها ـ ما رواه ابن بابويه (١) في الصحيح عن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «انما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق وأعتق الحرم معه وكف عنه الماء».

وما رواه أيضا (٢) في الصحيح عن الفضيل عن ابى جعفر (عليه‌السلام) قال : «انما سميت مكة بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ، ولا بأس بذلك وإنما يكره في سائر البلدان».

وما رواه (٣) في الصحيح عن حريز بن عبد الله عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «كان الحجر الأسود أشد بياضا من اللبن فلو لا ما مسه من أرجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا وبري‌ء بإذن الله تعالى».

وما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٤) قال : «لما أفاض آدم (عليه‌السلام) من منى تلقته الملائكة فقالوا

__________________

(١) العلل ص ٣٩٩ الطبع الحديث في النجف الأشرف.

(٢) العلل ص ٣٩٧ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.

(٣) العلل ص ٤٢٧ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ١٣ من الطواف عن الفقيه.

(٤) الوسائل الباب ١ و ٣٨ من وجوب الحج وشرائطه.


يا آدم بر حجك اما انا قد حججنا هذا البيت قبل ان تحجه بألفي عام».

وما رواه ابن بابويه (١) في الصحيح عن عبد الله بن سنان «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٢) قال : من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله (عزوجل) وما دخل في الحرم من الطير والوحش كان آمنا من ان يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم».

وما رواه الكليني في الحسن عن ابن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) (٤) ما هذه الآيات البينات؟ قال مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه والحجر الأسود ومنزل إسماعيل».

وما رواه في الفقيه عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «ان آدم (عليه‌السلام) هو الذي بنى البيت ووضع أساسه وأول من كساه الشعر وأول من حج اليه ثم كساه تبع بعد آدم عليه‌السلام الأنطاع ثم كساه إبراهيم (عليه‌السلام) الخصف ، وأول من كساه الثياب سليمان بن داود (عليه‌السلام) كساه القباطي».

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٣ وفي الوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام.

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من مقدمات الطواف.

(٤) سورة آل عمران الآية ٩٦ و ٩٧.

(٥) الوسائل الباب ١٠ من مقدمات الطواف.


الفصل الثاني

في جملة من الأخبار الدالة على فضل الحج وما فيه من الثواب :

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن سعد الإسكاف ـ ورواه في التهذيب ايضا بسنده عنه (١) ـ قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول ان الحاج إذا أخذ في جهازه لم يخط خطوة في شي‌ء من جهازه إلا كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات حتى يفرغ من جهازه متى ما فرغ ، فإذا استقلت به راحلته لم تضع خفا ولم ترفعه إلا كتب الله (عزوجل) له مثل ذلك حتى يقضي نسكه فإذا قضى نسكه غفر الله له ذنوبه ، وكان ذا الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول أربعة أشهر يكتب الله له الحسنات ولا يكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبة فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس».

وفي رواية التهذيب (٢) هكذا : «غفر الله له ذنوبه بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول فإذا مضت. الى آخره».

ولعل المراد ب «موجبة» على رواية الكافي يعني بما يوجب النار من الكبائر ، وعلى هذا فتكون السيئات التي لا تكتب مخصوصة بالصغائر ، وعلى ما ذكرنا يدل الخبر الآتي صريحا :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام (٣) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقيه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٨ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) ج ٥ ص ١٩.

(٣) الوسائل الباب ٤٢ من وجوب الحج وشرائطه.


أعرابي فقال له يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انى خرجت أريد الحج ففاتني وانا رجل مميل فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج. قال فالتفت اليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له انظر الى ابى قبيس فلو ان أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت به ما يبلغ الحاج. ثم قال ان الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلا كتب الله (عزوجل) له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه ، قال فعدد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه. ثم قال انى لك ان تبلغ ما يبلغ الحاج. قال أبو عبد الله عليه‌السلام ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له الحسنات إلا ان يأتي بكبيرة».

قال في الوافي بعد نقل الخبر : للذنوب أنواع مختلفة في التأثير والتكدير ومراتب متفاوتة في الصغر والكبر فلعله بكل فعل وموقف يخرج من نوع أو مرتبة منها الى ان يطهر منها جميعا ، وفي الحديث : ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة. انتهى.

أقول : ومن المحتمل قريبا ـ بل لعله أقرب مما ذكره (قدس‌سره) ـ ان الغرض من ذلك هو بيان فضل هذه المواقف وان كل موقف منها مكفر للذنوب كملا بمعنى انه لو كان ذا ذنوب لكفرت به لا حصول التكفير بالفعل لتحصل المنافاة بينها ويحتاج الى الجمع بما ذكره ، وهذا مبني على الموازنة في الأعمال والتكفير وحينئذ فإذا كان ثواب الموقف الأول كفر جميع ذنوبه وأسقطها بقي له ثواب المواقف التي بعده سالمة من المقابلة بالذنوب فتكتب له كملا. والله العالم.


ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه في الصحيح عن محمد بن قيس (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام وهو يحدث الناس بمكة فقال ان رجلا من الأنصار جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان شئت فاسأل وان شئت أخبرتك عن ما جئت تسألني عنه. فقال أخبرني يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال جئت تسألني مالك في حجتك وعمرتك؟ فان لك إذا توجهت الى سبيل الحج ثم ركبت راحلتك ثم قلت بسم الله والحمد لله ثم مضت راحلتك لم تضع خفا ولم ترفع خفا إلا كتب الله لك حسنة ومحا عنك سيئة ، فإذا أحرمت ولبيت كان لك بكل تلبية لبيتها عشر حسنات ومحي عنك عشر سيئات ، فإذا طفت بالبيت الحرام أسبوعا كان لك بذلك عند الله (عزوجل) عهد وذخر يستحي أن يعذبك بعده أبدا ، فإذا صليت الركعتين خلف المقام كان لك بهما ألفا حجة متقبلة ، فإذا سعيت بين الصفا والمروة كل لك مثل أجر من حج ماشيا من بلده ومثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة ، فإذا وقفت بعرفات الى غروب الشمس فان كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج أو بعدد نجوم السماء أو قطر المطر يغفرها الله تعالى لك ، فإذا رميت الجمار كان لك بكل حصاة عشر حسنات تكتب لك فيما يستقبل من عمرك ، فإذا حلقت رأسك كان لك بكل شعرة حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك ، فإذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك كان لك بكل قطرة من دمها حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك ، فإذا زرت البيت وطفت به أسبوعا وصليت الركعتين خلف المقام ضرب ملك على كتفيك ثم قال لك : قد غفر الله لك ما مضى وفيما يستقبل ما بينك وبين مائة وعشرين يوما».

وما رواه في الكافي عن خالد القلانسي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ١ ـ من وجوب الحج وشرائطه.


«قال علي بن الحسين عليه‌السلام حجوا واعتمروا تصح أبدانكم وتتسع أرزاقكم وتكفون مؤنات عيالاتكم. وقال : الحاج مغفور له وموجوب له الجنة ومستأنف له العمل ومحفوظ في أهله وماله».

وما رواه في الكافي والفقيه عن إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام اني قد وطنت نفسي على لزوم الحج كل عام بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي. فقال : وقد عزمت على ذلك؟ قال قلت نعم. قال ان فعلت فأيقن بكثرة المال والبنين أو أبشر بكثرة المال».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام الحجاج يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته امه ، وصنف يحفظ في اهله وماله فذلك ادنى ما يرجع به الحاج».

وما رواه في الكافي عن جابر عن ابي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحاج ثلاثة : فأفضلهم نصيبا رجل غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر ووقاه الله عذاب القبر ، واما الذي يليه فرجل غفر له ذنبه ما تقدم منه ويستأنف العمل في ما بقي من عمره ، واما الذي يليه فرجل حفظ في اهله وماله».

وما رواه في الكتاب المذكور في الصحيح عن العلاء عن رجل عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «ان ادنى ما يرجع به الحاج الذي لا يقبل منه ان يحفظ في اهله وماله. قال قلت بأي شي‌ء يحفظ فيهم؟ قال : لا يحدث فيهم إلا ما كان يحدث فيهم وهو مقيم معهم».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٨ من وجوب الحج وشرائطه.


وما رواه في الفقيه مرسلا (١) قال : «قال الصادق عليه‌السلام لما حج موسى عليه‌السلام نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال له موسى يا جبرئيل ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة؟ قال لا ادري حتى ارجع الى ربي (عزوجل) فلما رجع قال الله (عزوجل) يا جبرئيل ما قال لك موسى عليه‌السلام؟ ـ وهو اعلم بما قال ـ قال يا رب قال لي ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة؟ قال الله (عزوجل) ارجع اليه وقل له أهب له حقي وارضي عنه خلقي. فقال يا جبرئيل ما لمن حج هذا البيت بنية صادقة ونفقة طيبة؟ قال فرجع الى الله (عزوجل) فأوحى الله تعالى اليه قل له اجعله في الرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا».

الى غير ذلك من الاخبار التي يضيق عن نقلها المقام.

الفصل الثالث

في ما يدل على فرض الحج والعمرة وعقاب تاركهما :

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن ابن أذينة (٢) قال : «كتبت الى ابى عبد الله عليه‌السلام بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع ابى العباس فجاء الجواب بإملائه : سألت عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٣) يعني به الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان. وسألته عن قول الله (عزوجل) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (٤) قال : يعني بتمامهما أداءهما واتقاء ما يتقي

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٢ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ١ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٤) سورة البقرة الآية ١٩٥.


المحرم فيهما. وسألته عن قول الله (عزوجل) (الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) (١) ما يعني بالحج الأكبر؟ فقال : الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار ، والحج الأصغر العمرة».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الحج على الغني والفقير؟ فقال : الحج على الناس جميعا كبارهم وصغارهم فمن كان له عذر عذره الله».

وما رواه في الكافي والتهذيب عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٣) قال : «ان الله (عزوجل) فرض الحج على أهل الجدة في كل عام وذلك قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٤) قال قلت : فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال : لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر».

أقول : الظاهر ان المعنى في قوله : «ولكن. الى آخره» ان التارك له لا عن اعتقاد حل تركه ليس بكافر وانما الكافر من لم يعتقد وجوبه ، فمعنى «وَمَنْ كَفَرَ» من لم يعتقد فرضه أو لم يبال بتركه فان عدم المبالاة يرجع الى عدم اعتقاد فرضه ، وكان السؤال والجواب مبنيان على الكفر بالمعنى الحقيقي والمشهور ان الكفر في أمثال هذا المقام ليس المراد به الكفر الحقيقي وانما المراد به كفر الترك ، فان تارك الواجبات التي هي من كبائر الطاعات كالصلاة والزكاة والحج ينسب الى الكفر وان لم يكن معتقدا حل الترك الذي به يصير كافرا كفرا حقيقيا بل يطلق على الترك بقول مطلق كما في قوله (عزوجل) : (إِنّا هَدَيْناهُ

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من وجوب الحج وشرائطه.

(٤) سورة آل عمران الآية ٩٧.


السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً) (١).

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن حذيفة بن منصور عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ان الله تعالى فرض الحج والعمرة على أهل الجدة في كل عام».

وما رواه فيه ايضا عن ابى جرير القمي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «الحج فرض على أهل الجدة في كل عام».

وما رواه الصدوق في كتاب العلل عن عبد الله بن الحسين الميثمي رفعه الى ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «ان في كتاب الله (عزوجل) في ما انزل الله : (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) في كل عام (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)» (٥).

وحمل هذه الاخبار الشيخ في كتابيه على ان المراد بكل عام يعني على البدل وزاد في الاستبصار الحمل على الاستحباب ، والأظهر الحمل على تأكيد الاستحباب كما صرح به جملة من الأصحاب.

إلا ان ظاهر الصدوق في كتاب العلل العمل بها على ظاهرها حيث انه روى فيه (٦) في علل الفضل بن شاذان المروية عن الرضا عليه‌السلام وكذا في علل محمد بن سنان المروية عنه عليه‌السلام في علة فرض الحج مرة واحدة : لأن الله تعالى وضع الفرائض على ادنى القوم قوة ، فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحد ثم رغب أهل القوة على قدر طاقتهم.

قال الصدوق بعد نقل ذلك (٧) : جاء هذا الحديث هكذا والذي اعتمده

__________________

(١) سورة الإنسان الآية ٣.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢ من وجوب الحج وشرائطه.

(٥) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٦) ص ٢٧٣ و ٤٠٥ وفي الوسائل الباب ٣ من وجوب الحج وشرائطه.

(٧) الوسائل الباب ٣ من وجوب الحج وشرائطه.


وافتى به ان الحج على أهل الجدة في كل عام فريضة. ثم استدل بالأحاديث المذكورة

واحتمل بعض الأصحاب ان يكون المراد بالوجوب في هذه الاخبار الوجوب الكفائي على أهل الجدة من المسلمين في كل عام ، وتؤيده الأخبار الدالة على انه لو اجتمع الناس على ترك الحج لوجوب على الامام ان يجبرهم ولاستحقوا العذاب (١) وسيأتي بعضها في المقام.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن ذريح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا».

وما رواه الشيخ في التهذيب (٣) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال الله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٤) قال هذه لمن كان عنده مال وصحة ، وان كان سوفه للتجارة فلا يسعه فان مات على ذلك فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام إذا هو يجد ما يحج به ، وان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحيا فلم يفعله فإنه لا يسعه إلا الخروج ولو على حمار أجدع أبتر. وعن قول الله (عزوجل) (وَمَنْ كَفَرَ) (٥) قال يعني من ترك».

أقول : تفسيره هنا الكفر بالترك مؤيد لما قلناه آنفا.

وما رواه في الكافي عن ابى بصير (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله (عزوجل): (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ و ٥ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ٧ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) ج ٥ ص ١٨ وفي الوسائل الباب ٦ و ٧ و ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٤ و ٥) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٦) الوسائل الباب ٦ من وجوب الحج وشرائطه.


وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (١) فقال : ذلك الذي يسوف نفسه الحج يعني حجة الإسلام حتى يأتيه الموت».

وما رواه ايضا عن ابى بصير (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من مات وهو صحيح موسر لم يحج فهو ممن قال الله (عزوجل) (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٣) قال قلت سبحان الله أعمى؟ قال : نعم ان الله (عزوجل) أعماه عن طريق الحق».

وفي صحيحة معاوية بن عمار (٤) مثله إلا انه قال : «أعماه الله عن طريق الجنة» (٥).

وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٦) قال : «لو عطل الناس الحج لوجب على الامام ان يجبرهم على الحج ان شاءوا وان أبوا فإن هذا البيت إنما وضع للحج».

وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري وهشام ابن سالم ومعاوية بن عمار وغيرهم عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٧) قال : «لو ان الناس تركوا الحج لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده ، ولو تركوا زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكان على الوالي ان يجبرهم على ذلك

__________________

(١) سورة بني إسرائيل الآية ٧٢.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) سورة طه الآية ١٢٤.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ١٨ وفي الوافي باب فرض الحج والعمرة. وقد نقله في الوسائل الباب ٦ من وجوب الحج وشرائطه عن تفسير القمي.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ٥ من وجوب الحج وشرائطه.


وعلى المقام عنده ، فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين».

وما رواه ثقة الإسلام والشيخ (قدس‌سرهما) عن ذريح عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من مضت له خمس سنين فلم يفد الى ربه وهو موسر انه لمحروم». وبهذا المضمون روايات ثلاث (٢).

وما رواه في الكافي عن حسين الأحمسي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لو ترك الناس الحج لما نوظروا العذاب. أو قال : انزل عليهم العذاب». والمراد لما أهملوا من العذاب من النظرة بمعنى الإهمال.

وما رواه فيه عن سدير (٤) قال : «ذكرت لأبي جعفر (عليه‌السلام) البيت فقال لو عطلوه سنة واحدة لم يناظروا». ورواه في الفقيه مثله (٥) وقال : في خبر آخر (٦) «لينزل عليهم العذاب».

وما رواه في الكافي في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٧) : «في قول الله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٨) ما السبيل؟ قال ان يكون له ما يحج به. قال قلت من عرض عليه ما يحج به فاستحيا من ذلك أهو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال نعم ما شأنه يستحي ولو يحج على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يطيق ان يمشى بعضا ويركب بعضا فليحج».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤٩ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٤ من وجوب الحج وشرائطه.

(٧) الوسائل الباب ٨ و ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٨) سورة آل عمران الآية ٩٧.


المقدمة الثانية

في السفر وآدابه وما يستحب فيه وفيه فصول :

فصل

روى الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه عن عمرو بن ابى المقدام عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال «في حكمة آل داود (ع) ان على العاقل ان لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم».

وروى في الفقيه في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلى عليه‌السلام بإسناده عن حماد بن عمرو وانس بن محمد عن أبيه جميعا عن الصادق عن آبائه (عليهم‌السلام) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) قال : «يا علي لا ينبغي للعاقل ان يكون ظاعنا إلا في ثلاث : مرمة لمعاش أو تزود لمعاد أو لذة في غير محرم. الى ان قال : يا علي سر سنتين بر والديك ، سر سنة صل رحمك ، سر ميلا عد مريضا ، سر ميلين شيع جنازة ، سر ثلاثة أميال أجب دعوة ، سر أربعة أميال زر أخا في الله ، سر خمسة أميال أجب الملهوف ، سر ستة أميال انصر المظلوم ، وعليك بالاستغفار».

وروى فيه أيضا بإسناده إلى السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سافروا تصحوا وجاهدوا تغنموا وحجوا تستغنوا».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من آداب السفر.

(٣) الوسائل الباب ٢ من آداب السفر.


فصل

في ما يستحب لاختيار السفر من أيام الأسبوع

ومنها ـ السبت لما رواه الصدوق (عطر الله مرقده) في كتاب الخصال بسنده عن حفص بن غياث عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من كان مسافرا فليسافر يوم السبت فلو ان حجرا زال عن جبل يوم السبت لرده الله تعالى الى مكانه ،. ومن تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه‌السلام».

وما رواه في كتاب العيون بأسانيد ثلاثة عن الرضا عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها وخميسها».

وما رواه في كتاب المكارم (٣) عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) قال : «لا تخرج يوم الجمعة في حاجة فإذا كان يوم السبت وطلعت الشمس فاخرج في حاجتك».

وما رواه في الخصال في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز (٤) قال : «سألت

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ و ٤ من آداب السفر عن الفقيه والخصال وغيرهما.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ٣ من آداب السفر ، وفي الوسائل الباب ٧ من آداب السفر عن الخصال ، ونقله عن العيون بلفظ «بورك لأمتي ...» وفي الباب ٣ منه عن الفقيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مرسلا.

(٣) ص ٢٧٦ ونقله في الوسائل الباب ٣ من آداب السفر عن الفقيه.

(٤) الوسائل الباب ٣ من آداب السفر عن الفقيه والخصال.


أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن قول الله (عزوجل) (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (١) قال : الصلاة يوم الجمعة والانتشار يوم السبت».

ومثله في كتاب المحاسن عنه عليه‌السلام (٢) وزاد فيه : «السبت لنا والأحد لبني أمية».

ومنها ـ يوم الثلاثاء لما تقدم في حديث حفص بن غياث.

ومثله ـ ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره (٣) قال : «قال الصادق عليه‌السلام اطلبوا الحوائج يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه‌السلام».

وما رواه الصدوق في كتاب الخصال في الصحيح عن علي بن جعفر (٤) قال : «جاء رجل الى أخي موسى بن جعفر عليه‌السلام فقال له جعلت فداك اني أريد الخروج فادع لي فقال ومتى تخرج؟ قال يوم الاثنين. فقال له ولم تخرج يوم الاثنين؟ قال اطلب فيه البركة لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولد يوم الاثنين (٥) فقال كذبوا ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الجمعة ، وما من يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين يوم مات فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانقطع فيه وحي السماء وظلمنا فيه حقنا ، ألا أدلك على يوم سهل ألان الله لداود (عليه‌السلام) فيه الحديد؟ فقال الرجل بلى جعلت فداك. فقال اخرج يوم الثلاثاء».

__________________

(١) سورة الجمعة الآية ١٠.

(٢) الوسائل الباب ٣ من آداب السفر.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٤ من آداب السفر.

(٥) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٢٠٣ الطبع الأول والإمتاع للمقريزي ج ١ ص ٣ وأسد الغابة ج ١ ص ١٤ والبداية لابن كثير ج ١ ص ٢٦٠ وسائر كتب التاريخ ، وصحيح مسلم وسنن البيهقي باب صوم الاثنين.


وما رواه البرقي في كتاب المحاسن عن عثمان بن عيسى عن أبي أيوب الخزاز (١) قال : «أردنا أن نخرج فجئنا نسلم على ابي عبد الله (عليه‌السلام) فقال كأنكم طلبتم بركة يوم الاثنين ، فقلنا نعم قال واي يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين يوم فقدنا فيه نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله وارتفع فيه الوحي عنا لا تخرجوا واخرجوا يوم الثلاثاء».

ورواه في الفقيه بإسناده عن الخزاز مثله (٢) وفي الكافي مثله (٣).

ومنها ـ يوم الخميس لما تقدم في حديث العيون عن الرضا (عليه‌السلام)

وما رواه البرقي في كتاب المحاسن عن محمد بن ابى الكرام (٤) قال : «تهيأت للخروج الى العراق فأتيت أبا عبد الله (عليه‌السلام) لا سلم عليه وأودعه فقال اين تريد؟ قلت أريد الخروج الى العراق فقال لي في هذا اليوم؟ ـ وكان يوم الاثنين ـ فقلت ان هذا اليوم يقول الناس انه يوم مبارك فيه ولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥) فقال والله ما يعلمون اي يوم ولد فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انه ليوم مشوم فيه قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وانقطع الوحي ولكن أحب لك ان تخرج يوم الخميس وهو اليوم الذي كان يخرج فيه إذا غزا».

وما رواه في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٦) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسافر يوم الاثنين والخميس ويعقد فيهما الألوية».

ومنه أيضا بالإسناد المذكور (٧) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الخميس يوم يحبه الله ورسوله ، وفيه ألان الله الحديد لداود عليه‌السلام».

وقال (٨) : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم بارك لأمتي في بكورها واجعله يوم الخميس».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٤ من آداب السفر.

(٤ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٧ من آداب السفر.

(٥) التعليقة ٥ ص ٢٧.


أقول : قد تقدم ان اليوم الذي لأن الله فيه الحديد إنما هو يوم الثلاثاء ويمكن حمل هذا الخبر على التقية (١) لأن رواته من العامة ، أو يقال انه وقع فيهما. والأول أقرب.

وما رواه في كتاب العيون بأسانيد ثلاثة عن الرضا عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسافر يوم الخميس ويقول فيه ترفع الأعمال الى الله (عزوجل) وتعقد فيه الألوية».

وما في صحيفة الرضا عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسافر يوم الاثنين والخميس ويقول فيهما ترفع الأعمال الى الله (عزوجل) وتعقد فيهما الألوية».

وإذا عرفت ذلك فاعلم ان الاخبار قد اختلفت في يوم الاثنين وأكثرها من ما ذكرناه وما لم نذكره يدل على المنع من السفر فيه ، والظاهر حمل ما دل على الأمر بالسفر فيه على التقية (٤) ويفهم من بعض الاخبار جواز السفر فيه لمن قرأ في صبحه سورة «هل اتى» كما رواه الشيخ أبو على الحسن ابن الشيخ الطوسي في كتاب المجالس بسنده عن علي بن عمر العطار (٥) قال : «دخلت على ابى الحسن

__________________

(١) لم أقف على هذا المضمون في ما حضرني من كتبهم في كتاب الصوم ، والذي يروونه في صوم الاثنين والخميس انه تعرض الأعمال فيهما أو انه يغفر الله فيهما لكل مسلم كما في الترغيب والترهيب للمنذري ج ٢ ص ٣٦.

(٢) الوسائل الباب ٧ من آداب السفر.

(٣) الوسائل الباب ٧ من آداب السفر رقم ١٠ وراجع التعليقة رقم ١٠ هناك.

(٤) راجع الحديث (٤) ص ٢٧ والتعليقة (٥) هناك والحديث (٤) ص ٢٨.

(٥) الوسائل الباب ٤ من آداب السفر.


العسكري (عليه‌السلام) يوم الثلاثاء فقال لم أرك أمس؟ قلت كرهت الخروج في يوم الاثنين. قال يا علي من أحب ان يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة الغداة «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ...» (١) ثم قرأ أبو الحسن (عليه‌السلام) (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)» (٢).

واما يوم الجمعة فقد ورد النهي عن السفر فيه ووردت الرخصة بعد الصلاة وفي ليلته.

ومن ما يدل على النهي عن الخروج فيه حديث المكارم المتقدم وقريب منه صحيحة أبي أيوب الخزاز (٣).

واما ما دل على الرخصة بعد الصلاة فهو ما رواه الصدوق في كتاب الخصال في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (٤) قال : «يكره السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة يكره من أجل الصلاة ، فاما بعد الصلاة فجائز يتبرك به».

واما ما يدل على الخروج ليلة الجمعة فهو ما رواه في كتاب المحاسن عن إبراهيم بن يحيى المدائني عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «لا بأس بالخروج في السفر ليلة الجمعة».

واما الأربعاء فقد وردت الاخبار (٦) بشؤمه ولا سيما أربعاء آخر الشهر.

__________________

(١) وهي سورة الإنسان.

(٢) سورة الإنسان الآية ١١.

(٣) ص ٢٦.

(٤) الوسائل الباب ٧ من آداب السفر والباب ٤٣ من صلاة الجمعة.

(٥) الوسائل الباب ٧ من آداب السفر عن المحاسن والفقيه.

(٦) الوسائل الباب ٥ من آداب السفر.


قال الصدوق (قدس‌سره) (١) من اضطر الى الخروج في سفر يوم الأربعاء أو تبيغ به الدم في يوم الأربعاء فجائز له ان يسافر أو يحتجم فيه ولا يكون شؤما عليه لا سيما إذا فعل خلافا على أهل الطيرة ، ومن استغنى عن الخروج فيه أو عن إخراج الدم فالأولى ان يتوقى ولا يسافر فيه ولا يحتجم.

فصل

وينبغي ان يتقى السفر في الأيام المنحوسة من الشهر :

روى في كتاب المكارم (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : «اتق الخروج الى السفر في اليوم الثالث من الشهر والرابع منه والحادي والعشرين منه والخامس والعشرين منه فإنها أيام منحوسة» «وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يكره ان يسافر الرجل أو يتزوج والقمر في المحاق» (٣).

ومنها ـ السبعة المشهورة وهي اليوم الثالث والخامس والثالث عشر والسادس عشر والحادي والعشرون والرابع والعشرون والخامس والعشرون.

وقد نظمها بعضهم فقال :

توق من الأيام سبعا كواملا

فلا تتخذ فيهن عرسا ولا سفر

ولبسك للثوب الجديد فضمه

ونكحك للنسوان فالحذر الحذر(٤)

__________________

(١) الخصال ج ٢ ص ٣٠.

(٢) ص ٢٧٦.

(٣) المكارم ص ٢٧٧.

(٤) هذا البيت ليس في البحار ج ١٤ ص ١٩٨ وفي ما وقفنا عليه من النسخة الخطية بعد البيت الأول هكذا :

ولا تحفرن بئرا ولا دار تشترى

ولا تقرب السلطان فالحذر الحذر

ولبسك للثوب الجديد فخله

ونكحك للنسوان والغرس للشجر


ثلاثا وخمسا ثم ثالث عشرها

وسادس عشر هكذا جاء في الخبر

وواحد والعشرون قد شاع ذكره

ورابع والعشرون والخمس في الأثر

فتوقها مهما استطعت فإنها

كأيام عاد لا تبقى ولا تذر

رويناه عن بحر العلوم بهمة

علي ابن عم المصطفى سيد البشر

أقول : وقد نظمها بعضهم بما هو أخصر من ذلك فقال :

محبك يرعى هوان فهل

تعود ليال بضد الأمل

فمنقوطها نحس كله

ومهملها فعليه العمل

أقول : لا بأس بالإشارة إلى الأخبار الواردة في الأيام النحسة من الشهر إجمالا على ما نقله شيخنا المجلسي (عطر الله تعالى مرقده) في كتاب البحار (١) والكتب التي نقلها منها هي كتاب الدروع الواقية للسيد رضي الدين ابن طاوس (٢) وكتاب مكارم الأخلاق (٣) للشيخ ابي نصر الحسن بن الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي وربما نسب الى الشيخ ابي على ابن الشيخ الطوسي وهو غلط كما نبه عليه شيخنا المجلسي في مقدمة البحار ، وكتاب زوائد الفوائد (٤)

__________________

ثلاثا وخمسا ثم ثالث عشرها

ومن بعدها يا صاح فالسادس العشر

وحادي والعشرين حاذر شرها

ورابع والعشرين والخمس في الأثر

وكل أربعاء لا تعود فإنها

كأيام عاد لا تبقى ولا تذر

رويناه عن بحر العلوم بهمة

علي ابن عم المصطفى سيد البشر

(١) ذكر كل ما أورده هنا في المجلد الرابع عشر من ص ١٩٨ الى ص ٢٠٦.

(٢) أورد في الوسائل الباب ٢٧ من آداب السفر كل ما نقل منه في هذا الكتاب من ما يتعلق بالمقام.

(٣) أورد في الوسائل الباب ٢٧ من آداب السفر كل ما نقل منه في هذا الكتاب من ما يتعلق بالمقام.

(٤) أورد في مستدرك الوسائل الباب ٢١ من آداب السفر كل ما نقل منه في هذا الكتاب من ما يتعلق بالمقام.


ونسبه في كتاب البحار الى ابن السيد رضي الدين علي بن طاوس وقال انه لم يعرف اسمه ، ونحن نقتصر هنا من النقل من هذه الكتب على ما يختص بما نحن فيه وما يناسب من ذلك ومن أراد الزيادة فليرجع الى كتاب البحار :

اليوم الأول ـ الدروع الواقية : اليوم الأول من الشهر عن الصادق عليه‌السلام يوم مبارك لطلب الحوائج وطلب العلم والتزويج والسفر والبيع والشراء.

المكارم : عن الصادق (عليه‌السلام) سعد يصلح لطلب الحوائج والبيع والشراء والبيع والزراعة والسفر.

زوائد الفوائد : عن الصادق (عليه‌السلام) هو يوم مبارك محمود سعيد يصلح لطلب الحوائج والبيع والشراء.

اليوم الثاني ـ الدروع : عن الصادق (عليه‌السلام) يصلح للتزويج والسفر وطلب الحوائج.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) يصلح للسفر وطلب الحوائج.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم محمود يصلح للتزويج والتحويل والشراء والبيع وطلب الحوائج.

اليوم الثالث ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم نحس مستمر فاتق فيه البيع والشراء وطلب الحوائج والمعاملة.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) ردي‌ء لا يصلح لشي‌ء جملة.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم نحس فيه قتل قابيل هابيل لا تسافر فيه ولا تعمل عملا ولا تلق فيه أحدا.

اليوم الرابع ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح للزرع والصيد والبناء ويكره فيه السفر فمن سافر فيه خيف عليه القتل والسلب أو بلاء يصيبه.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح للتزويج ويكره السفر فيه.


الزوائد : عنه (عليه‌السلام) هو يوم متوسط صالح لقضاء الحوائج ، ولا تسافر فيه فإنه مكروه.

اليوم الخامس ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم نحس مستمر فلا تعمل فيه عملا ولا تخرج من منزلك.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) ردي‌ء نحس.

الزوائد : هو يوم نحس وهو يوم نكد عسير لا خير فيه فاستعذ بالله من شره.

اليوم السادس ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح للتزويج ، ومن سافر فيه في بر أو بحر رجع الى أهله بما يحبه.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) مبارك يصلح للتزويج وطلب الحوائج.

الزوائد : عنه عليه‌السلام يوم صالح يصلح للحوائج والسفر والبيع والشراء.

اليوم السابع ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح لجميع الأمور.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) مبارك مختار يصلح لكل ما يراد ويسعى فيه.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم سعيد مبارك فيه ركب نوح (عليه‌السلام) السفينة فاركب البحر وسافر في البر ، واعمل ما شئت فإنه يوم عظيم البركة محمود لطلب الحوائج والسعي فيها.

اليوم الثامن ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم صالح لكل حاجة من بيع أو شراء ، ويكره فيه ركوب البحر والسفر في البر.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح لكل حاجة سوى السفر فإنه يكره فيه

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح للشراء والبيع ، ولا تعرض للسفر فإنه يكره فيه سفر البر والبحر.

اليوم التاسع ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) يوم خفيف صالح لكل أمر تريده فابدأ فيه بالعمل ، ومن سافر فيه رزق مالا ورأى خيرا.

المكارم : عنه عليه‌السلام مبارك يصلح لكل ما يريده الإنسان ، ومن سافر فيه


رزق مالا ويرى في سفره كل خير.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح محمود مبارك يصلح للحوائج وجميع الأعمال. وفي رواية أخرى : من سافر فيه رزق ولقي خيرا.

اليوم العاشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه ولد فيه نوح (عليه‌السلام) يصلح للبيع والشراء والسفر.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) صالح لكل حاجة سوى الدخول على السلطان وهو جيد للشراء والبيع.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم محمود رفع الله فيه إدريس (عليه‌السلام) مكانا عليا. وفي رواية أخرى : يصلح للبيع والشراء.

الحادي عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه صالح لابتداء العمل والبيع والشراء والسفر.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) يصلح للشراء والبيع ولجميع الحوائج وللسفر ما خلا الدخول على السلطان.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح للشراء والبيع والمعاملة والقرض.

الثاني عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم صالح للتزويج وفتح الحوانيت وركوب البحر.

المكارم : عنه عليه‌السلام يوم صالح مبارك فاطلبوا فيه حوائجكم واسعوا لها فإنها تقضى.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم مبارك فيه قضى موسى عليه‌السلام الأجل ، وهو يوم التزويج والبيع والشراء.

الثالث عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم نحس فاتق فيه المنازعة والحكومة وكل أمر. وفي رواية أخرى : يوم نحس لا تطلب فيه حاجة.


المكارم : عنه (عليه‌السلام) يوم نحس فاتق فيه جميع الأعمال.

الزوائد : عنه عليه‌السلام يوم نحس مذموم في كل حال فاستعذ بالله من شره.

الرابع عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم صالح لكل شي‌ء ، وهو جيد لطلب العلم والبيع والشراء والسفر وركوب البحر.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) جيد للحوائج ولكل عمل.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح لما تريد من قضاء الحوائج وطلب العلم. وفي رواية أخرى : ويصلح للبيع والشراء وركوب البحر.

الخامس عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم صالح لكل الأمور إلا من أراد ان يستقرض أو يقرض.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح لكل حاجة تريدها فاطلبوا فيه حوائجكم فإنها تقضى.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح لكل عمل وحاجة فاعمل ما بدا لك فإنه يوم سعيد.

السادس عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم نحس لا يصلح لشي‌ء سوى الابنية ، ومن سافر فيه هلك.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) ردي‌ء مذموم لكل شي‌ء.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم نحس ردي‌ء مذموم لا خير فيه فلا تسافر فيه ولا تطلب حاجة ، وتوق ما استطعت وتعوذ بالله من شره.

السابع عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم متوسط ، واحذر فيه المنازعة وهو يوم ثقيل فلا تلتمس فيه حاجة. وفي رواية اخرى : انه يوم صالح.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) صالح مختار فاطلبوا فيه ما شئتم وتزوجوا وبيعوا واشتروا وازرعوا.


الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم صالح مختار محمود لكل عمل وحاجة فاطلب فيه الحوائج واشتر وبع. وفي رواية أخرى : متوسط تحذر فيه المنازعة والقرض

الثامن عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم سعيد صالح لكل شي‌ء من بيع وشراء أو زرع أو سفر.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) مختار صالح للسفر وطلب الحوائج.

الزوائد : عنه عليه‌السلام يوم مختار للسفر والتزويج ولطلب الحوائج.

التاسع عشر ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم سعيد ، وهو صالح للسفر والمعاش والحوائج.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) مختار صالح لكل عمل.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم مختار مبارك صالح لكل عمل تريد. وفي رواية أخرى : يصلح للسفر والمعاش وطلب العلم.

العشرون ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم متوسط صالح للسفر وقضاء الحوائج.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) جيد مختار للحوائج والسفر.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم جيد صالح مسعود مبارك لما يؤتى. وفي رواية أخرى : يوم متوسط يصلح للسفر والحوائج.

الحادي والعشرون ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم نحس ردي‌ء فلا تطلب فيه حاجة ، ومن سافر فيه خيف عليه.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) يوم نحس مستمر.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم نحس مذموم فاحذره ولا تطلب فيه حاجة ولا تعمل عملا واقعد في منزلك واستعذ بالله من شره.

الثاني والعشرون ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم صالح لقضاء الحوائج


والبيع والشراء ، والمريض فيه يبرأ سريعا ، والمسافر فيه يرجع معافى.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) مختار صالح للشراء والبيع والسفر والصدقة الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم سعيد مبارك مختار لكل ما تريد من الأعمال فاعمل ما شئت فإنه مبارك.

الثالث والعشرون ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم صالح لطلب الحوائج والتجارة والتزويج ، ومن سافر فيه غنم وأصاب خيرا.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) مختار جيد خاصة للتزويج والتجارات كلها.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم سعيد مبارك لكل ما تريد : للسفر والتحويل من مكان الى مكان ، وهو جيد للحوائج.

الرابع والعشرون ـ الدروع : عنه عليه‌السلام انه يوم ردي‌ء نحس فيه ولد فرعون فلا تطلب فيه امرا من الأمور.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) يوم مشوم.

الزوائد : عنه عليه‌السلام يوم نحس مستمر مكروه لكل حال وعمل فاحذره ولا تعمل فيه عملا ولا تلق أحدا واقعد في منزلك واستعذ بالله من شره.

الخامس والعشرون ـ الدروع : عنه عليه‌السلام انه يوم نحس ردي‌ء فاحفظ نفسك فيه ولا تطلب فيه حاجة فإنه يوم شديد البلاء.

المكارم : عنه عليه‌السلام ردي‌ء مذموم يحذر فيه من كل شي‌ء.

الزوائد : عنه عليه‌السلام يوم نحس مكروه ثقيل نكد فلا تطلب فيه حاجة ولا تسافر فيه واقعد في منزلك واستعذ بالله من شره.

السادس والعشرون ـ الدروع : عنه عليه‌السلام انه يوم صالح للسفر ولكل أمر يراد إلا التزويج.


المكارم : عنه عليه‌السلام صالح لكل حاجة سوى التزويج والسفر ، وعليكم بالصدقة فيه.

الزوائد : عنه عليه‌السلام يوم صالح متوسط للشراء والبيع والسفر وقضاء الحوائج السابع والعشرون ـ الدروع : عنه عليه‌السلام انه يوم صالح لكل أمر.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) جيد مختار للحوائج وكل ما يراد.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم صاف مبارك من النحوس صالح للحوائج إلى السلطان والى الاخوان والسفر الى البلدان فالق فيه من شئت وسافر الى حيث أردت.

الثامن والعشرون ـ الدروع : عنه عليه‌السلام انه يوم صالح لكل أمر.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) ممزوج.

الزوائد : يوم مبارك سعيد.

التاسع والعشرون ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم صالح لكل أمر ومن سافر فيه أصاب مالا جزيلا.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) مختار جيد لكل حاجة.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم مبارك سعيد قريب الأمر يصلح للحوائج والتصرف فيها. وفي رواية أخرى : المسافر فيه يصيب مالا كثيرا.

اليوم الثلاثون ـ الدروع : عنه (عليه‌السلام) انه يوم جيد للبيع والشراء والتزويج. وفي رواية أخرى : يوم سعيد مبارك يصلح لكل حاجة تلتمس.

المكارم : عنه (عليه‌السلام) مختار جيد لكل شي‌ء ولكل حاجة.

الزوائد : عنه (عليه‌السلام) يوم مبارك ميمون مسعود مفلح منجح مفرح فاعمل فيه ما شئت والق من أردت وخذ وأعط وسافر وانتقل وبع واشتر فإنه صالح لكل ما تريد موافق لكل ما يعمل.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الذي صرح به شيخنا المجلسي (قدس‌سره) في


كتاب البحار هو ان هذه الأيام المعدودة إنما هي من شهور العربية حيث قال : باب سعادة أيام الشهور العربية ونحوستها. ثم نقل الأخبار المذكورة. وظاهر المحدث الكاشاني في رسالة تقويم المحسنين انها من الشهور الفارسية. والظاهر هو الأول لعدم التصريح في الاخبار بكونها من الفارسية فالحمل على ذلك خلاف ظاهر ما هو المعروف من قاعدتهم (عليهم‌السلام) من بناء خطاباتهم على العربية.

ثم ان المحدث المشار اليه نقل في رسالته المذكورة انه روي عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ان في السنة أربعة وعشرين يوما نحسات في كل شهر منها يومان : ففي المحرم الحادي عشر والرابع عشر ، وفي صفر الأول منه والعشرون وفي ربيع الأول العاشر والعشرون ، وفي ربيع الثاني الأول والحادي عشر ، وفي جمادى الاولى العاشر والحادي عشر ، وفي جمادى الثانية الأول والحادي عشر ، وفي رجب الحادي عشر والثالث عشر ، وفي شعبان الرابع والعشرون وفي شهر رمضان الثالث والعشرون ، وفي شوال السادس والثامن ، وفي ذي القعدة السادس والعاشر ، وفي ذي الحجة الثامن والعشرون.

ونقل أيضا في الرسالة المذكورة عن الصادق (عليه‌السلام) ان في السنة اثنى عشر يوما من اجتنبها نجا ومن وقع فيها هوى فاحفظوها ، وفي كل شهر منها يوم ففي المحرم الثاني والعشرون ، وفي صفر العاشر ، وفي ربيع الأول الرابع ، وفي ربيع الثاني الثامن والعشرون ، وفي جمادى الاولى الثامن والعشرون ، وفي جمادى الثانية الثاني عشر ، وفي رجب الثاني عشر ، وفي شعبان السادس والعشرون ، وفي رمضان الرابع والعشرون ، وفي شوال الثاني ، وفي ذي القعدة الثامن والعشرون ، وفي ذي الحجة الثامن.

أقول : وقد نظم بعضهم هذه الأيام في بيت بإزاء كل شهر ما يخصه من العدد فقال :


بك حب جاحك كح بي

بي كودكءاكح هج

وقال ايضا بعضهم في ذلك :

محرم ثاني عشرية اجتنب

واجتنب العاشر من شهر صفر

ومن ربيع رابعا وثامن

عشري أخيه وجمادى في الأثر

ومن جمادى وكذا من رجب

كلاهما فاجتنب الثاني عشر

والسادس العشرين من شعبان مع

رابع عشري رمضان الأغر

وثانيا من شهر شوال ومن

ذي القعدة الثامن والعشرين ذر

وثامنا من شهر ذي الحجة لا

يشكر بالأعمال فيها من شكر

فصل

ويكره السفر والقمر في العقرب لما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن حمران عن أبيه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من سافر أو تزوج والقمر في العقرب لم ير الحسنى».

ورواه الكليني عن محمد بن حمران عن أبيه عنه (عليه‌السلام) مثله (٢) ورواه البرقي في المحاسن مثله (٣).

فصل

ويستحب الوصية عند ارادة السفر لما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن ابن ابى عمير عن بعض رجاله عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «من ركب راحلة فليوص».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١١ من آداب السفر.

(٤) الوسائل الباب ١٣ من آداب السفر.


ورواه الشيخ مسندا والصدوق مرسلا (١) إلا انه قال «من ركب زاملة».

قال الصدوق والشيخ (رحمهما الله تعالى) : ليس هذا نهيا عن ركوب الزاملة بل ترغيب في الوصية لما لم يؤمن من الخطر.

ويستحب الغسل للسفر والدعاء على ما رواه السيد الزاهد العابد رضي الدين ابن طاوس في كتاب الأمان من إخطار الاسفار والأزمان (٢) وهو ان يقول : بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصادقين عن الله صلوات الله عليهم أجمعين ، اللهم طهر به قلبي واشرح به صدري ونور به قبري ، اللهم اجعله لي نورا وطهورا وحرزا وشفاء من كل داء وآفة وعاهة وسوء ومن ما أخاف واحذر ، وطهر قلبي وجوارحي وعظامي ودمي وشعري وبشري ومخي وعصبي وما الأرض مني ، اللهم اجعله لي شاهدا يوم حاجتي وفقري وفاقتي. إليك يا رب العالمين انك على كل شي‌ء قدير.

فصل

ويستحب ايضا توديع العيال بان يصلي ركعتين ويدعو بعدهما :

روى الكليني في الكافي بسنده عن السكوني عن ابي عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج الى سفر يقول : اللهم إني أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي. إلا أعطاه الله (عزوجل) ما سأل». ورواه الصدوق (قدس‌سره) مرسلا (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من آداب السفر.

(٢) ص ٢٠ وفي الوسائل الباب ١٣ من آداب السفر.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٨ من آداب السفر.


وروى في الكافي أيضا بسنده الى بريد بن معاوية العجلي (١) قال : «كان أبو جعفر عليه‌السلام إذا أراد سفرا جمع عياله في بيت ثم قال : اللهم إني أستودعك الغداة نفسي ومالي وأهلي وولدي الشاهد منا والغائب اللهم احفظنا واحفظ علينا اللهم اجعلنا في جوارك اللهم لا تسلبنا نعمتك ولا تغير ما بنا من عافيتك وفضلك». ورواه البرقي في المحاسن مثله (٢).

وروى السيد رضي الدين ابن طاوس في كتاب الأمان (٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ما استخلف العبد في أهله من خليفة إذا هو شد ثياب سفره خيرا من اربع ركعات يصليهن في بيته ، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد ، يقول اللهم إني أتقرب إليك بهن فاجعلهن خليفتي في أهلي ومالي». وروى ايضا (٤) انه يقرأ في الركعتين في الأولى بالحمد وقل هو الله أحد وفي الثانية بعد الحمد إنا أنزلناه في ليلة القدر.

فصل

ويستحب امام التوجه الصدقة وفي جملة من الاخبار أنها دافعة لشر الأيام النحسة التي نهى عن السفر فيها متى اضطر الى السفر فيها :

كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٥) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : تصدق واخرج أي يوم شئت».

وصحيحة حماد بن عثمان (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أيكره السفر

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٨ من آداب السفر.

(٤) الأمان ص ٢٧.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ١٥ من آداب السفر.


في شي‌ء من الأيام المكروهة مثل الأربعاء وغيره؟ فقال : افتتح سفرك بالصدقة واخرج إذا بدا لك ، واقرأ آية الكرسي واحتجم إذا بدا لك».

وصحيحة ابن ابى عمير (١) قال : «كنت انظر في النجوم وأعرفها واعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي‌ء فشكوت ذلك الى ابى الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام فقال إذا وقع في نفسك شي‌ء فتصدق على أول مسكين ثم امض فإن الله تعالى يدفع عنك».

ورواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا أراد الخروج الى بعض أمواله اشترى السلامة من الله (عزوجل) بما تيسر له ويكون ذلك إذا وضع رجله في الركاب».

ورواية عبد الله بن سليمان عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٣) قال : «كان ابى إذا خرج يوم الأربعاء من آخر الشهر وفي يوم يكرهه الناس من محاق أو غيره تصدق بصدقة ثم خرج».

ويستحب ان يقال عند الصدقة (٤) : اللهم اني اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة سفري وما معي اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل.

فصل

ويستحب ان يصحب معه في سفره عصا من اللوز المر :

روى الصدوق (عطر الله مرقده) في الفقيه مرسلا (٥) قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من خرج في سفر ومعه عصا

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من آداب السفر.

(٤) الأمان ص ٢٥.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من آداب السفر.


لوز مر وتلا هذه الآية (وَلَمّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ). الى قوله (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) (١) آمنه الله تعالى من كل سبع ضار ومن كل لص عاد ومن كل ذات حمة حتى يرجع الى اهله ومنزله وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع ويضعها».

قال (٢) وقال عليه‌السلام : من أراد ان تطوى له الأرض فليتخذ النقد من العصا. والنقد عصا لوز مر.

ورواه في كتاب ثواب الأعمال (٣) مسندا وزاد فيه قال : «وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه ينفي الفقر ولا يجاوره شيطان» (٤).

قال (٥) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرض آدم عليه‌السلام مرضا شديدا واصابته وحشة فشكي ذلك الى جبرئيل عليه‌السلام فقال : اقطع واحدة منه وضمها الى صدرك ففعل ذلك فاذهب عنه الوحشة.

بل روى استحباب صحبتها في الحضر ايضا كما يظهر من حديث مرض آدم عليه‌السلام وحديث ان صحبتها تنفي الفقر ولا يجاوره شيطان.

ويؤيده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) على ما رواه في الفقيه : «تعصوا فإنها من سنن إخواني النبيين وكانت بنو إسرائيل الصغار والكبار يمشون على العصا حتى لا يختالوا في مشيهم».

__________________

(١) سورة القصص الآية ٢٢ الى ٢٨.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ١٦ من آداب السفر.

(٤) هذه الزيادة رواها أيضا في الفقيه ج ٢ ص ١٧٦ ونقلها في الوسائل الباب ١٧ من آداب السفر. إلا ان ظاهرها عدم الاختصاص بالسفر.

(٦) الوسائل الباب ١٧ من آداب السفر.


فصل

ويستحب التحنك ايضا لما روي عن الكاظم عليه‌السلام (١) قال : «انا ضامن لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه ثلاثا : ان لا يصيبه السرق والغرق والحرق».

وعن عمار الساباطي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) انه قال : «من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت حنكه فاصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه».

وفي الفقيه (٣) قال الصادق عليه‌السلام : «ضمنت لمن خرج من بيته معتما ان يرجع اليه سالما».

وروى الكليني (قدس‌سره) عن علي بن الحكم رفعه الى ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «من خرج من منزله معتما تحت حنكه يريد سفرا لم يصبه في سفره سرق ولا حرق ولا مكروه».

وفي خبر آخر عن الرضا عليه‌السلام (٥) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو ان رجلا خرج من منزله يوم السبت معتما بعمامة بيضاء قد حنكها تحت حنكه ثم اتى إلى جبل ليزيله عن مكانه لازاله عن مكانه».

فصل

في ما يفعله المسافر على باب داره إذا توجه الى السفر :

روى ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن صباح الحذاء عن ابى الحسن

__________________

(١ و ٥) الوسائل الباب ٥٩ من آداب السفر.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٦ من لباس المصلي.


(عليه‌السلام) (١) قال : «لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد امامه وعن يمينه وعن شماله والمعوذتين امامه وعن يمينه وعن شماله ، وقل هو الله أحد امامه وعن يمينه وعن شماله ، وآية الكرسي امامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال : «اللهم احفظني واحفظ ما معي وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل» لحفظه الله وحفظ ما معه وبلغه وبلغ ما معه وسلمه وسلم ما معه ، اما رأيت الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه ويسلم ولا يسلم ما معه ويبلغ ولا يبلغ ما معه».

وروى في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «إذا خرجت من منزلك فقل : بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إني أسألك خير ما خرجت له وأعوذ بك من شر ما خرجت له ، اللهم أوسع علي من فضلك وأتمم علي نعمتك واستعملني في طاعتك واجعل رغبتي في ما عندك وتوفني على ملتك وملة رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروى فيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «إذا خرجت من بيتك تريد الحج والعمرة ان شاء الله تعالى فادع دعاء الفرج وهو : لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم والحمد لله رب العالمين. ثم قل : اللهم كن لي جارا من كل جبار عنيد ومن كل شيطان رجيم. ثم قل : بسم الله دخلت وبسم الله خرجت وفي سبيل الله ، اللهم إني أقدم بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله وما شاء الله في سفري هذا ذكرته أو نسيته ، اللهم أنت المستعان على الأمور كلها وأنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ،

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٩ من آداب السفر.


اللهم هون علينا سفرنا واطو لنا الأرض وسيرنا فيها بطاعتك وطاعة رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهم أصلح لنا ظهرنا وبارك لنا في ما رزقتنا وقنا عذاب النار ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال والولد ، اللهم أنت عضدي وناصري بك أحل وبك أسير ، اللهم إني أسألك في سفري هذا السرور والعمل لما يرضيك عني ، اللهم اقطع عني بعده ومشقته واصحبني فيه واخلفني في أهلي بخير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم انى عبدك وهذا حملانك والوجه وجهك والسفر إليك وقد اطلعت على ما لم يطلع عليه أحد غيرك فاجعل سفري هذا كفارة لما قبله من ذنوبي وكن عونا لي عليه واكفني وعثه ومشقته ولقني من القول والعمل رضاك فإنما أنا عبدك وبك ولك. الحديث».

وروى الصدوق بإسناده عن علي بن أسباط عن ابى الحسن الرضا (عليه‌السلام) (١) قال قال لي : «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر فقل : «بسم الله آمنت بالله توكلت على الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله» (٢) فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوهها وتقول ما سبيلكم عليه وقد سمى الله وآمن به وتوكل على الله وقال : ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله».

وروى ايضا بإسناده عن ابى بصير عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٣) قال : «من قال حين يخرج من باب داره ـ أعوذ بالله من ما عاذت منه ملائكة الله من شر هذا اليوم ومن شر الشياطين ومن شر نصب من لأولياء الله ومن شر الجن والإنس

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٩ من آداب السفر.

(٢) قال في الوافي بعد نقل الخبر في باب (القول عند الخروج) من كتاب الحج والعمرة : فتلقاه اي تلقى من قال هذا القول. وفي الكلام التفات أو حذف وتقدير فان من قال ذلك تلقاه. انتهى.


ومن شر السباع والهوام ومن شر ركوب المحارم كلها ، أجير نفسي بالله من كل شر ـ غفر الله له وتاب عليه وكفاه المهم وحجزه عن السوء وعصمه من الشر».

فصل

في ما يقوله عند الركوب

روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل : بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله والله أكبر. فإذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك فقل : الحمد لله الذي هدانا للإسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله سبحان الله «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ» (٢) والحمد لله رب العالمين اللهم أنت الحامل على الظهر والمستعان على الأمر ، اللهم بلغنا بلاغا يبلغ الى خير بلاغا يبلغ الى رضوانك ومغفرتك ، اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا حافظ غيرك».

وروى فيه عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا ركب الرجل الدابة فسمى ردفه ملك يحفظه حتى ينزل ، وان ركب ولم يسم ردفه شيطان فيقول له تغن فان قال لا أحسن قال له تمن فلا يتمنى حتى ينزل. وقال : من قال إذا ركب الدابة ـ : بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله «الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من آداب السفر. وهو تتمة الحديث.

(٢) الزخرف الآية ١٣ و ١٤.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من آداب السفر.


اللهُ ... الآية» (١) (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (٢) ـ حفظت له نفسه ودابته حتى ينزل».

وروى الصدوق (رحمه‌الله تعالى) في الفقيه بإسناده عن الأصبغ بن نباتة (٣) قال : «أمسكت لأمير المؤمنين عليه‌السلام الركاب وهو يريد ان يركب فرفع رأسه ثم تبسم فقلت : يا أمير المؤمنين عليه‌السلام رأيتك رفعت رأسك وتبسمت؟ فقال : نعم يا أصبغ أمسكت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أمسكت لي فرفع رأسه وتبسم فسألته كما سألتني وسأخبرك كما أخبرني : أمسكت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الشهباء فرفع رأسه الى السماء وتبسم فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفعت رأسك إلى السماء وتبسمت؟ فقال : يا علي عليه‌السلام انه ليس من أحد يركب الدابة فيذكر ما أنعم الله به عليه ثم يقرأ آية السخرة (٤) ثم يقول : «استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، اللهم اغفر لي ذنوبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت» إلا قال السيد الكريم يا ملائكتي عبدي يعلم انه لا يغفر الذنوب غيري اشهدوا اني قد غفرت له ذنوبه».

وقال الصدوق (قدس‌سره) (٥) : وكان الصادق عليه‌السلام إذا وضع رجله في الركاب يقول (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (٦) ويسبح الله (سبعا) ويحمد الله (سبعا) ويهلل الله (سبعا).

وروى الشيخ أبو علي في كتاب المجالس بسنده عن علي بن ربيعة الأسدي (٧) قال : «ركب علي بن أبي طالب عليه‌السلام فلما وضع رجله في الركاب قال : بسم

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ٤٣.

(٢ و ٤ و ٦) سورة الزخرف الآية ١٣.

(٣ و ٥ و ٧) الوسائل الباب ٢٠ من آداب السفر.


الله. فلما استوى على الدابة قال : الحمد لله الذي أكرمنا وحملنا في البر والبحر ورزقنا من الطيبات وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا «سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ» (١) ثم سبح الله تعالى (ثلاثا) وحمد الله تعالى (ثلاثا) ثم قال : رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم قال : كذا فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانا رديفه».

وروى الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن زين العابدين عليه‌السلام (٢) قال : «لو حج رجل ماشيا وقرأ «إنا أنزلناه» ما وجد ألم المشي. وقال : ما قرأ أحد «إنا أنزلناه» حين يركب دابته إلا نزل منها سالما مغفورا له ، ولقارئها أثقل على الدواب من الحديد» قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لو كان شي‌ء يسبق القدر لقلت قارئ «إنا أنزلناه» حين يسافر أو يخرج من منزله سيرجع».

فصل

في ما يستحب صحبته من الزاد في السفر ولا سيما سفر الحج :

روى الصدوق (عطر الله مرقده) مرسلا (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من شرف الرجل ان يطيب زاده إذا خرج في سفر».

ورواه في الكافي عن السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه (عليهم‌السلام) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله مثله (٤).

وروى في الفقيه (٥) قال : «قال الصادق عليه‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) سورة الزخرف الآية ١٣.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من آداب السفر.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٤٢ من آداب السفر.

(٥) الوسائل الباب ٤٠ من آداب السفر.


إذا سافرتم فاتخذوا سفرة وتنوقوا فيها».

أقول : السفرة لغة : طعام المسافر كما ذكره في القاموس ، ومنه سميت السفرة ، والمراد بالتنوق المبالغة في تجويده وحسنه.

وروى في الفقيه (١) قال : «كان علي بن الحسين عليه‌السلام إذا سافر إلى مكة إلى الحج أو العمرة تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر والسويق المحمص والمحلى». والمحمص يعني المشوي على النار ، والمحلى الذي يجعل فيه الحلو.

وروى الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن ابى يعفور عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما من نفقة أحب الى الله (عزوجل) من نفقة قصد ، ويبغض الإسراف إلا في حج أو عمرة». ورواه في كتاب المحاسن مثله (٣).

قال بعض المحدثين : لعل المراد بالإسراف الزيادة في التوسع لا ما يوجب إتلافا

وروى مرسلا (٤) قال : «قال الصادق عليه‌السلام في حديث : ان من المروة في السفر كثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك».

نعم روى كراهة ذلك في سفر زيارة الحسين عليه‌السلام :

فروى في الفقيه (٥) قال : «قال الصادق عليه‌السلام لبعض أصحابه : تأتون قبر ابي عبد الله عليه‌السلام؟ فقال له نعم. قال تتخذون لذلك سفرة؟ قال نعم. قال اما لو أتيتم قبور آبائكم وأمهاتكم لم تفعلوا ذلك. قال قلت فأي شي‌ء نأكل؟ قال الخبز باللبن».

قال (٦) وفي خبر آخر : «قال الصادق عليه‌السلام : بلغني ان قوما إذا زاروا

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٤٢ من آداب السفر.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٥ من آداب السفر.

(٥) ج ٢ ص ١٨٤ وفي الوسائل الباب ٧٧ من المزار.

(٦) الوسائل الباب ٤١ من آداب السفر.


الحسين عليه‌السلام حملوا معهم السفرة فيها الجداء والأخبصة وأشباهه ، لو زاروا قبور أحبائهم ما حملوا معهم هذا».

أقول : الجداء جمع جدي وهو الذكر من أولاد المعز إذا بلغ ستة أشهر.

أقول : لا يبعد ان يقال ان الظاهر ان خطابهم (عليهم‌السلام) في هذه الاخبار إنما هو لأهل العراق ، وحينئذ فيكون الحكم مختصا بمن كان مثل أهل الحلة وبغداد والمشهد ونحوها من البلدان القريبة فإنه يكره لهم التنوق في الزاد وحمل الأخبصة واتخاذ اللحوم ونحو ذلك وانهم يقتصرون على الخبز واللبن ، واما أصحاب البلدان البعيدة من أصفهان وخراسان وما بينهما ونحوهما فيشكل ذلك ، ولم اسمع عن أحد من علمائنا من أصحاب هذه البلدان انه كره ذلك واستعمل الخبز واللبن خاصة ، والظاهر هو بقاء حكمهم على حكم السفر المطلق سيما ان قصد سفرهم ليس لخصوص زيارة الحسين عليه‌السلام التي هي مورد هذه الاخبار بل لقصد زيارة أئمة العراق (عليهم‌السلام) كملا ، فالظاهر ان الخطاب في هذه الاخبار لا يتوجه إليهم.

فصل

ويستحب اتخاذ الرفقة في السفر وتكره الوحدة :

روى ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه مسندا في الأول مرسلا في الثاني عن السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم‌السلام) (١) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الرفيق ثم الطريق».

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من آداب السفر. واللفظ : «الرفيق ثم السفر» كما في الخطية. وما في المتن يوافق رواية المحاسن كما في الوسائل في نفس الباب.


وروى في الفقيه عن السندي عن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إلا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من سافر وحده ومنع رفده وضرب عبده».

وروى الشيخان المتقدمان في كتابيهما مسندا في الكافي مرسلا في الفقيه عن ابي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام) في وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام (٢) : «لا تخرج في سفر وحدك فان الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ، يا علي ان الرجل إذا سافر وحده فهو غاو والاثنان غاويان والثلاثة نفر» وروى بعضهم : «سفر».

وروى في الفقيه عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن موسى عليه‌السلام (٣) قال : «لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة : الآكل زاده وحده والنائم في بيت وحده والراكب في الفلاة وحده».

وروى فيه عن ابى خديجة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «البائت في البيت وحده شيطان والاثنان لمة والثلاثة أنس». قيل : اللمعة بالضم والتشديد الصاحب أو الأصحاب في السفر ، قال في النهاية : ومنه الحديث : «لا تسافروا حتى تصيبوا لمة». اي رفقة.

وروى الشيخان المتقدمان في كتابيهما (٥) عن إسماعيل بن جابر قال :

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٣٠ من آداب السفر.

(٢) الروضة ص ٣٠٣ والفقيه ج ٢ ص ١٨١ وفي الوسائل الباب ٣٠ من آداب السفر.

(٤) الوسائل الباب ٢٠ من أحكام المساكن.

(٥) الروضة ٣٠٢ والفقيه ج ٢ ص ١٨٢ ، وفي الوسائل الباب ٣٠ من آداب السفر.


«كنت عند ابى عبد الله عليه‌السلام بمكة إذ جاءه رجل من المدينة فقال له : من صحبت؟ فقال : ما صحبت أحدا. فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : اما لو كنت تقدمت إليك لأحسنت أدبك. ثم قال : واحد شيطان واثنان شيطانان وثلاثة صحب وأربعة رفقاء».

قيل : يعني ان الانفراد والذهاب في الأرض على سبيل الوحدة فعل الشيطان أو شي‌ء يحمله عليه الشيطان ، وكذلك الاثنان.

وروى في الفقيه (١) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أحب الصحابة الى الله (عزوجل) أربعة ، وما زاد قوم على سبعة إذا كثر لغطهم». قيل : اللغط بالغين المعجمة والطاء المهملة محركة : أصوات مبهمة لا تفهم.

أقول : والظاهر ان المراد من الخبر انما هو اللغو الذي لا يترتب عليه فائدة ، وهو قريب من المعنى الأصلي باعتبار عدم ترتب الفائدة عليه.

وروى في الفقيه (٢) عن سليمان بن جعفر الجعفري عن ابى الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «من خرج وحده في سفر فليقل : ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم آنس وحشتي واعني على وحدتي واد غيبتي».

فصل

ويستحب توديع المسافر وتشييعه وإعانته :

قال في الفقيه (٣) : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ودع المؤمنين قال : زودكم الله التقوى ووجهكم الى كل خير وقضى لكم كل حاجة وسلم لكم دينكم ودنياكم

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من آداب السفر.

(٢) ج ٢ ص ١٨١ وفي الوسائل الباب ٢٥ من آداب السفر.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من آداب السفر.


وردكم سالمين الى سالمين».

قال (١) وفي خبر آخر عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا ودع مسافرا أخذ بيده ثم قال : أحسن الله لك الصحابة وأكمل لك المعونة وسهل لك الحزونة وقرب لك البعيد وكفاك المهم وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك ووجهك لكل خير ، عليك بتقوى الله ، واستودع الله نفسك ، سر على بركة الله عزوجل».

وقال في الفقيه (٢) : لما شيع أمير المؤمنين عليه‌السلام أبا ذر (رحمة الله عليه) وشيعه الحسن والحسين (عليهما‌السلام) وعقيل بن ابى طالب وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ودعوا أخاكم فإنه لا بد للشاخص أن يمضي وللمشيع من ان يرجع. فتكلم كل رجل منهم على حياله. الحديث.

وروى في الفقيه (٣) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعان مؤمنا مسافرا نفس الله عنه ثلاثا وسبعين كربة ، واجاره في الدنيا والآخرة من الغم والهم ، ونفس عنه كربه العظيم يوم يغص الناس بأنفاسهم».

وروى في الفقيه (٤) قال : «قال الباقر عليه‌السلام : من خلف حاجا في أهله بخير كان له كاجره حتى كأنه يستلم الأحجار».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من آداب السفر.

(٢) ج ٢ ص ١٨٠ وفي الوسائل الباب ٢٨ من آداب السفر.

(٣) ج ٢ ص ١٩٢ وفي الوسائل الباب ٤٦ من آداب السفر.

(٤) ج ٢ ص ١٤٦ و ١٤٧ في ذيل الحديث ٩٦ ، وفي الوافي باب توديع المسافر وإعانته من كتاب الحج.


فصل

في ما ينبغي للمسافر حال سفره من الأخلاق

روى ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه عن صفوان الجمال عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «كان ابى يقول : ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : خلق يخالق به من صحبه ، وحلم يملك به غضبه ، وورع يحجزه عن محارم الله عزوجل».

وروى في الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «ما يعبأ من يسلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال : ورع يحجزه عن معاصي الله ، وحلم يملك به غضبه ، وحسن الصحابة لمن صحبه».

وروى في الكافي في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وطن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك ، وكف لسانك واكظم غيظك وأقل لغوك وتفرش عفوك وتسخر نفسك».

وروى الشيخان المتقدمان بسنديهما عن حماد بن عيسى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «قال لقمان لابنه : يا بني إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأمورهم ، وأكثر التبسم في وجوههم ، وكن كريما على زادك بينهم وإذا دعوك فأجبهم ، وإذا استعانوا بك فأعنهم. واستعمل طول الصمت وكثرة الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد. وإذا استشهدوك على

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من أحكام العشرة.

(٤) الروضة ص ٣٤٨ والفقيه ج ٢ ص ١٩٤ ، وفي الوسائل الباب ٥٢ من آداب السفر.


الحق فاشهد لهم. واجهد رأيك لهم إذا استشاروك ، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك ، فان من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع عنه الامانة. وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم ، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم ، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فأعط معهم. واسمع لمن هو أكبر منك سنا. وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا فقل «نعم» ولا تقل «لا» فان «لا» عي ولؤم. وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا ، وإذا شككتم في القصد فقفوا وتآمروا. وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه ، فان الشخص الواحد في الفلاة مريب لعله يكون عين اللصوص أو يكون هو الشيطان الذي حيركم ، واحذروا الشخصين أيضا إلا ان تروا ما لا أرى ، فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي‌ء صلها واسترح منها فإنها دين. وصل في جماعة ولو على رأس زج. ولا تنامن على دابتك فان ذلك سريع في دبرها ، وليس ذلك من فعل الحكماء ، إلا ان تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل. وإذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك وابدأ بعلفها قبل نفسك فإنها نفسك. وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا وألينها تربة وأكثرها عشبا ، فإذا نزلت فصل ركعتين قبل ان تجلس. وإذا أردت قضاء حاجتك فابعد المذهب في الأرض. وإذا ارتحلت فصل ركعتين ثم ودع الأرض التي حللت بها وسلم عليها وعلى أهلها فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة. وان استطعت ان لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتصدق منه فافعل. وعليك بقراءة كتاب الله (عزوجل) ما دمت راكبا ، وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا ، وعليك بالدعاء ما دمت خاليا. وإياك والسير من أول الليل وسر في آخره. وإياك ورفع الصوت في مسيرك».


أقول : وما يتعلق بالسفر من الأحكام كثير من أراد الزيادة على ما ذكرناه فليطلبه من مظانه وفي ما ذكرناه كفاية ان شاء الله تعالى.

المقدمة الثالثة في الشرائط

وحيث كان الحج من ما ينقسم باعتبار من يقع منه ـ الى حجة الإسلام وما يجب بالنذر وشبهه وما يقع على جهة النيابة ، ولكل منها شرائط وأحكام ـ فالكلام في هذه المقدمة يقع في مقاصد ثلاثة :

المقصد الأول في حج الإسلام

وشرائط وجوبه ـ على ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ خمسة : الأول ـ كمال العقل فلا يجب على الصبي ولا على المجنون وهو قول كافة العلماء ، ويدل عليه حديث : «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق» (١).

ولو حجا أو حج عنهما لم يجزئهما بعد الكمال ، وهو من ما لا خلاف فيه ايضا كما نقله العلامة في المنتهى.

ويدل عليه أخبار كثيرة : منها ـ ما رواه الصدوق في الصحيح عن صفوان عن إسحاق بن عمار (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ابن عشر سنين يحج؟ قال : عليه حجة الإسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت».

وما رواه الكليني والشيخ عنه عن مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد الله

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات ، وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٤.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من وجوب الحج وشرائطه.


عليه‌السلام (١) قال : «ولو ان غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كان عليه فريضة الإسلام».

وما رواه في الكافي والفقيه عن شهاب (٢) قال : «سألته عن ابن عشر سنين يحج؟ قال : عليه حجة الإسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت».

بقي الكلام هنا في مسائل :

الاولى ـ لو دخل الصبي أو المجنون في الحج تطوعا ثم كمل في أثناء الحج فان كان في أثناء الوقوف بالمشعر (٣) أتم تطوعا ولم يجزئه عن حجة الإسلام قولا واحدا كما نقله في التذكرة.

قالوا : لأن الأصل عدم اجزاء المندوب عن الواجب. وفيه ما فيه. بل لعدم الدليل على ذلك ، والأصل بقاؤه تحت عهدة التكليف متى حصلت الاستطاعة حتى يقوم الدليل على الاسقاط.

وان كان قبل الوقوف بالمشعر فالمشهور انه يدرك الحج بذلك ويجزئه عن حجة الإسلام ، وذكره الشيخ وأكثر الأصحاب ، ونقل فيه العلامة في التذكرة الإجماع.

واستدل عليه بالروايات الآتية في العبد الدالة على اجزاء حجه إذا أدرك المشعر معتقا (٤).

واستدل عليه أيضا في المنتهى ـ بعد التردد ـ بأنه زمان يصح إنشاء الحج فيه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من وجوب الحج وشرائطه. ولم نجده في الفقيه.

(٣) في النسخة الخطية هكذا : «فان كان بعد الوقوف بالمشعر أتم تطوعا ...».

(٤) الوسائل الباب ١٧ من وجوب الحج وشرائطه.


فكان مجزئا أن يجدد فيه نية الوجوب.

وأورد على الأول انه قياس مع الفارق. وعلى الثاني بأن جواز إنشاء الحج في ذلك الزمان على بعض الوجوه بنص خاص لا يقتضي إلحاق غيره به ، خصوصا مع مصادمته بمقتضى الأصل من عدم اجزاء المندوب عن الواجب.

ولعله لذلك تردد المحقق في المعتبر والشرائع في الحكم المذكور ، وهو في محله.

وبالجملة فإني لم أقف لهم على دليل في المسألة إلا ما يدعى من الإجماع ، وعليه اعتمد شيخنا الشهيد الثاني في المسالك فقال ـ بعد ان نقل عن التذكرة دعوى الإجماع وعن المنتهى انه توقف وعن التحرير انه تنظر في ذلك ـ ما صورته : والمعتمد الاجزاء تعويلا على الإجماع المنقول وعدم العلم بالمخالف على وجه يقدح فيه. انتهى. وفيه انه قد طعن في مسالكه في هذا الإجماع في غير موضع كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى. وحينئذ فالظاهر هو عدم الاجزاء

ثم انه على تقدير القول بالاجزاء فههنا فروع :

الأول (١) ـ انه قد ذكر الشهيد في الدروس انهما يجددان نية الوجوب. وهل المراد به انه ينوي بباقي الأفعال الوجوب حينئذ لوجود المقتضى له ، أو للوقوف الذي حصل الكمال في أثنائه ، أو يكون المراد به تجديد نية الإحرام على وجه الوجوب لانه مستمر الى ان يأتي بالمحلل فتكون النية في أثنائه واجبة لما بقي منه؟ احتمالات أظهرها الأول. إلا ان الأمر عندنا في النية سهل كما قدمنا بيانه في غير موضع.

الثاني ـ هل يعتبر على تقدير القول المذكور كون الصبي والمجنون مستطيعين

__________________

(١) أوردنا عدد الفروع بالحروف تبعا للنسخة الخطية.


قبل ذلك من حيث الزاد والراحلة؟ قيل : نعم ، وبه قطع الشهيدان ، لان البلوغ والعقل أحد الشرائط الموجبة كما ان الاستطاعة كذلك فوجود أحدهما دون الآخر غير كاف في الوجوب. وقيل : لا ، وهو ظاهر المشهور كما نقله في المدارك حيث لم يتعرضوا لاشتراط ذلك ، تمسكا بالإطلاق. وهو الأظهر لما سيأتي ان شاء الله تعالى تحقيقه في معنى الاستطاعة ، وانها عبارة عن ما ذا؟ ويعضده ايضا النصوص الصحيحة المتضمنة للاجزاء في العبد إذا أدرك المشعر معتقا (١) مع تعذر الاستطاعة السابقة في حقه ولا سيما عند من قال بإحالة ملكه.

الثالث ـ انه على تقدير القول باعتبار الاستطاعة كما ذهب اليه الشهيدان فظاهرهما اشتراط حصول الاستطاعة في البلد ، وظاهر السيد السند (قدس‌سره) في كتاب المدارك بناء على القول المذكور الاكتفاء بحصولها في الميقات قال : بل لا يبعد الاكتفاء بحصولها من حين التكليف. وهو جيد لو قيل بذلك.

الرابع ـ انه على تقدير القول بالاجزاء فهل يفرق في الحكم المذكور بين حج التمتع وبين الحجين الآخرين؟ حيث ان عمرة هذين الحجين متأخرة فتقع بعد ذلك بنية الوجوب ، اما في التمتع فيقوى الاشكال كما ذكره في المسالك :

قال : لوقوع جميع عمرته مندوبة مضافة الى بعض أفعال الحج ايضا فيبعد اجزاؤها عن الواجب مع عدم النص عليه. الى ان قال : والفتوى مطلقة وكذلك الإجماع المنقول ، فينبغي استصحابهما في الجميع. ومال إليه في الدروس حيث قال : ويعتد بالعمرة المتقدمة لو كان الحج تمتعا في ظاهر الفتوى. وقوى شارح ترددات الكتاب العدم. انتهى.

والى ما نقله هنا عن شارح ترددات الكتاب ـ من القول بالاختصاص

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من وجوب الحج وشرائطه.


بالقارن والمفرد ـ مال السيد السند في المدارك استبعادا لإجزاء العمرة الواقعة بتمامها على وجه الندب عن الواجب ، قال : ولا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق ان تم وإلا اتجه عدم الاجزاء مطلقا. انتهى.

أقول : لا ريب انه على ما اخترناه من عدم الاجزاء لعدم الدليل على ذلك فلا اثر لهذه الاحتمالات ولا ورود لهذه الإشكالات ، واما على القول المذكور فالحكم محل اشكال ، لعدم النص ، وعدم صحة بناء الأحكام على هذه التعليلات التي يتعاطونها في كلامهم ويتداولونها على رؤوس أقلامهم.

الثانية (١) ـ الصبي إذا كان مميزا صح إحرامه إذا كان باذن وليه وإلا أحرم به الولي ، وكذا المجنون ، بمعنى جعلهما محرمين سواء كان هو محلا أو محرما.

ومن الاخبار في ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره ان يلبي ويفرض الحج ، فان لم يحسن ان يلبي لبوا عنه ، ويطاف به ويصلى عنه. قلت : ليس لهم ما يذبحون؟ قال : يذبح عن الصغار ويصوم الكبار. ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب. فان قتل صيدا فعلى أبيه».

وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار في الصحيح (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو الى بطن مر ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، يطاف بهم ويسعى بهم ويرمى عنهم. ومن

__________________

(١) هذه هي المسألة الثانية ، وقد أوردنا العبارة هنا على طبق النسخة الخطية.

(٢) الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٠٩ وفي الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج.


لم يجد منهم هديا فليصم عنه وليه».

وفي الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ـ وكنا تلك السنة مجاورين وأردنا الإحرام يوم التروية ـ فقلت : ان معنا مولودا صبيا؟ فقال : مروا امه فلتلق حميدة فلتسألها كيف تفعل بصبيانها؟ قال فأتتها فسألتها فقالت لها : إذا كان يوم التروية فجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم ثم أحرموا عنه ثم قفوا به في المواقف ، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ثم زوروا به البيت ثم مروا الخادم ان يطوف به البيت وبين الصفا والمروة».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «انظروا من كان معكم من الصبيان. الحديث الأول إلى قوله : فليصم عنه وليه ،. وزاد : وكان علي بن الحسين عليه‌السلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض على يده الرجل فيذبح».

ويستفاد من هذه الاخبار ان الولي يأمر الصبي بالتلبية ونحوها من الأفعال كالطواف والرمي والذبح ونحو ذلك ، فان لم يحسن ناب عنه الولي أو من يأمره ، ويلبسه ثوبي الإحرام ويجنبه ما يجب اجتنابه على المحرم. والجميع من ما لا خلاف فيه. واما الصلاة فإنه يصلي عنه كما تضمنته صحيحة زرارة ، واحتمل في الدروس أمره بالإتيان بصورة الصلاة أيضا كالطواف. وهو ضعيف وان نفى عنه البأس السيد في المدارك. وإذا طاف به فالأحوط أن يكونا متطهرين ، واكتفى الشهيد في الدروس بطهارة الولي.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤١٠ وفي الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج.

(٢) هذه الصحيحة مع الزيادة هي رواية الكافي والفقيه والمتقدمة هي رواية التهذيب ، وقد أورد الزيادة في الوسائل عن الفقيه في الباب ١٧ من أقسام الحج برقم ٤ وعن الكافي في الباب ٣٦ من الذبح برقم ٢.


وهذه الروايات ونحوها وان اختصت بالصبيان إلا ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) لم يفرقوا في هذه الأحكام بين الصبي والصبية. وهو جيد ، فإن أكثر الأحكام في جميع أبواب الفقه إنما خرجت في الرجال مع انه لا خلاف في إجرائها في النساء ولا اشكال.

وألحق الأصحاب المجنون ، واستدل عليه في المنتهى بأنه ليس اخفض حالا من الصبي. وهو ضعيف فإنه لا يخرج عن القياس ، مع انه قياس مع الفارق.

فائدة

اختلف الأصحاب في توقف الحج المندوب من الولد البالغ على إذن الأب أو الأبوين وعدمه ، فنقل عن الشيخ انه أطلق عدم استئذانهما وهو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس ، واعتبر العلامة في القواعد إذن الأب خاصة ، وقوى شيخنا الشهيد الثاني في المسالك توقفه على إذنهما ، وفصل في الروضة فقال : ان عدم اعتبار إذنهما حسن إذا لم يكن الحج مستلزما للسفر المشتمل على الخطر وإلا فالاشتراط أحسن.

وما في المدارك ـ بعد اعترافه بعدم الوقوف على نص في خصوص هذه المسألة ـ إلى القول الأول فقال : ومقتضى الأصل عدم الاشتراط والواجب المصير إليه الى ان يثبت المخرج عنه. انتهى.

وقال في الذخيرة بعد نقل هذه الأقوال : ولا أعلم في هذه المسألة نصا متعلقا بها على الخصوص فالإشكال فيها ثابت. انتهى.


أقول : روى الصدوق (طاب ثراه) في كتاب العلل (١) عن أبيه عن احمد بن إدريس عن محمد بن احمد عن احمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من فقه الضيف ان لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه. ومن طاعة المرأة لزوجها ان لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها. ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه لمولاه ان لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وامره. ومن بر الولد ان لا يصوم تطوعا ولا يحج تطوعا ولا يصلي تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما. وإلا كان الضيف جاهلا ، وكانت المرأة عاصية ، وكان العبد فاسقا عاصيا ، وكان الولد عاقا قاطعا للرحم». وهي ـ كما ترى ـ صريحة الدلالة على توقف الحج على إذن الأبوين معا.

إلا ان شيخنا الصدوق بعد نقلها قال في الكتاب المذكور ما صورته : قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب : جاء هذا الخبر هكذا ، ولكن ليس للوالدين على الولد طاعة في ترك الحج تطوعا كان أو فريضة ، ولا في ترك الصلاة ، ولا في ترك الصوم تطوعا كان أو فريضة ، ولا في شي‌ء من ترك الطاعات. انتهى.

وهذا الخبر قد رواه الصدوق في الفقيه (٢) والكليني في الكافي (٣) في كتاب الصوم خاليا من ذكر الحج والصلاة كما قدمناه في كتاب الصوم.

وشيخنا الصدوق قد رد الخبر ـ كما ترى ـ ولم ينقل له معارضا ، مع ان ما تضمنه مؤيد بجملة من الأخبار الدالة على وجوب طاعتهما على الولد وان كان في الخروج من اهله وماله :

__________________

(١) ص ٣٨٥ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه. وبين ألفاظ الحديث في المتن وفي العلل بعض الفروق البسيطة.

(٢) ج ٢ ص ٩٩ ، وفي الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.

(٣) ج ٤ ص ١٥١ ، وفي الوسائل الباب ١٠ من الصوم المحرم والمكروه.


روى في الكافي بسنده فيه عن محمد بن مروان (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان رجلا اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصني. فقال : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) شيئا وان حرقت بالنار وعذبت إلا وقلبك مطمئن بالايمان. ووالديك فأطعهما وبرهما حيين كانا أو ميتين ، وان أمراك ان تخرج من أهلك ومالك فافعل ، فان ذلك من الايمان».

وروى فيه (٢) ايضا بسنده عن جابر عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «اتى رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اني راغب في الجهاد ونشيط؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : فجاهد في سبيل الله ، فإنك ان تقتل تكن حيا عند الله ترزق ، وان تمت فقد وقع أجرك على الله ، وان رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت. فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي ويكرهان خروجي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فقر مع والديك فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوما وليلة خير من جهاد سنة».

وروى فيه ايضا عن جابر (٣) قال : «اتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال : انى رجل شاب نشيط وأحب الجهاد ولي والدة تكره ذلك؟ فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجع فكن مع والدتك فوالذي بعثني بالحق لأنسها بك ليلة خير من جهادك في سبيل الله سنة».

وفي حديث (٤) في معنى قوله (عزوجل) (وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ٩٢ من أحكام الأولاد.

(٢) ج ٢ ص ١٦٠ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٢ من جهاد العدو.

(٣) الوسائل الباب ٢ من جهاد العدو.

(٤) الوسائل الباب ٩٢ من أحكام الأولاد. وهو حديث ابي ولاد الحناط.

(٥) سورة بني إسرائيل الآية ٢٣.


قال : ان ضرباك فقل لهما : غفر الله لكما. فذلك منك قول كريم. قال «وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ» (١)؟ قال : لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة ، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما ولا يدك فوق أيديهما ، ولا تقدم قدامهما.

الى غير ذلك من الاخبار الدالة على مزيد الحث على برهما والانقياد لأمرهما

وهي ـ كما ترى ـ ظاهرة في تأييد الخبر المذكور فالخروج عنه وترك العمل به من غير معارض مشكل.

الثالثة ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأن الولي هنا من له ولاية المال كالأب والجد للأب والوصي.

والأولان من ما ادعى في التذكرة عليهما الإجماع فقال : انه قول علمائنا اجمع.

قال (٢) واما ولاية الوصي فمقطوع به في كلام الأصحاب ، واستدل عليه بان له ولاية المال على الطفل فكان له ولاية الاذن في الحج. قال في المدارك : وهو حسن ، وفي النصوص بإطلاقها دلالة عليه.

أقول : وعندي فيه توقف إذ المتبادر من الولي في هذا المقام انما هو الأب والجد له ، ومجرد كون الوصي له ولاية المال لا يلزم انسحابه في ولاية البدن ، لان الحج يستلزم التصرف في المال والبدن.

وربما يظهر من كلامهم ثبوت الولاية في هذا المقام للحاكم ايضا بالنظر الى

__________________

(١) سورة بني إسرائيل الآية ٢٤.

(٢) هكذا وردت العبارة في النسخة المطبوعة والخطية ، ويحتمل ان تكون كلمة «قال» زيادة من قلم النساخ. كما يحتمل سقوط كلمة «في المدارك» من القلم ، لأن العبارة المذكورة من قوله «واما» الى قوله «في الحج» عين عبارة المدارك.


ان له ولاية المال ، قال في المدارك : ونقل عن الشيخ (قدس‌سره) في بعض كتبه التصريح بذلك. ثم قال : ولا بأس به لأنه كالوصي. انتهى.

وفيه ما عرفت ، بل هو أبعد من الدخول في هذا المقام. ولا ريب ان الاحتياط يقتضي الاقتصار على الأولين.

واختلف الأصحاب في ثبوت الولاية للأم في هذا المقام ، والمشهور ذلك واليه ذهب الشيخ وأكثر الأصحاب.

واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سمعته يقول : مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله برويثة (٢) وهو حاج فقامت إليه امرأة ومعها صبي لها فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أيحج عن مثل هذا؟ قال : نعم ولك اجره».

والتقريب فيه انه لا يثبت لها الأجر إلا من حيث صحة الحج به وان جميع ما فعلته به أو عنه من أفعال الحج موافق للشرع.

ويعضدها ايضا ظاهر صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة (٣).

وقال ابن إدريس : لا ولاية لها في ذلك لانتفاء ولايتها في المال والنكاح فتنتفي هنا. ونقل عن فخر المحققين انه قواه. وهما محجوبان بالخبر المذكور. إلا ان ابن إدريس بناء على أصله الغير الأصيل لا يتوجه عليه ذلك.

الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يلزم الولي متى حج بالصبي نفقته الزائدة على نفقة الحضر ، بمعنى انه يغرم ما يحتاج اليه من حيث السفر من نفسه لا من مال الطفل ، كاجرة الدابة وآلات السفر ونحو ذلك ، لانه غرم ادخله على نفسه بسبب إخراجه الصبي والسفر به فلزمه التسبيب. ولأن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) موضع بين الحرمين.

(٣) ص ٦٤.


الولي تلزمه كفارة الصيد كما تضمنته صحيحة زرارة المتقدمة (١) في المسألة الثانية فالنفقة أولى.

وأ حلق الأكثر بالنفقة الزائدة الفدية التي تلزم المكلف في حالتي العمد والخطأ وهي كفارة الصيد ، وجزم في التذكرة بلزومها للصبي لوجوبها بجنايته فكان كما لو أتلف مال غيره. قال في المدارك : وتدفعه صحيحة زرارة (٢).

أقول : لا يخفى ان إطلاق الحكم بما ذكروه هنا ـ ولا سيما على ما قدمنا نقله عنهم من عموم الولي للوصي والحاكم الشرعي ـ لا يخلو من الإشكال ، لأنه متى توقف حفظ الصبي وكفالته وتربيته على السفر به وكانت مصلحته في ذلك فلا معنى لهذا التعليل في وجوب النفقة على الولي ، بل ينبغي ان يكون كل ما يغرمه في السفر من الأشياء المذكورة من مال الطفل ان كان له مال وإلا فهو من مال الولي تبعا لوجوب النفقة عليه في الحضر والقيام بما يحتاج اليه. وهذا بالنسبة إلى الولي الجبري ، واما الوصي والحاكم الشرعي فقد عرفت انه لا دليل على عموم تصرفهما في الصبي بحيث يسافرون به من بلد الى بلد اخرى وانما قصارى ولايتهم على ما يتعلق بماله ، فحينئذ لو سافروا به والحال كذلك فينبغي ان يغرموا جميع ما يتعلق به ، وان ثبت ان لهم التصرف على وجه العموم واقتضت المصلحة ذلك فالذي ينبغي ان يكون جميع ما يغرمونه من مال الطفل.

وبالجملة فإن المسألة لخلوها من النص الواضح لا تخلو من الاشكال ، وكلامهم هنا على إطلاقه لا يخلو من شوب الاختلال.

ثم انهم ايضا اختلفوا في ما يختلف حكم عمده وسهوه في البالغ كالوطء واللبس إذا تعمده الصبي :

فنقل عن الشيخ (رحمه‌الله) انه قال : الظاهر انه تتعلق به الكفارة على

__________________

(١ و ٢) ص ٦٣.


وليه. وان قلنا لا يتعلق به شي‌ء ـ لما روى عنهم (عليهم‌السلام) (١) : ان «عمد الصبي وخطأه واحد» والخطأ في هذه الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين ـ كان قويا.

قال في المدارك : وهو جيد لو ثبت اتحاد عمد الصبي وخطأه على وجه العموم ، لكنه غير واضح ، لان ذلك إنما ثبت في الديات خاصة. انتهى وهو جيد

وقيل بالوجوب تمسكا بالإطلاق ، ونظرا الى ان الولي يجب عليه منع الصبي عن هذه المحظورات ، ولو كان عمده خطأ لما وجب عليه المنع لأن الخطأ لا يتعلق به حكم ولا يجب المنع منه.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : والمسألة محل تردد ، وان كان الأقرب عدم الوجوب اقتصارا في ما خالف الأصل على موضع النص وهو الصيد.

ونقل عن الشيخ انه يتفرع على الوجهين ما لو وطأ قبل أحد الموقفين متعمدا ، فان قلنا ان عمده وخطأه سواء لم يتعلق به فساد الحج ، وان قلنا ان عمده عمد فسد حجه ولزمه القضاء. ثم قال : والأقوى الأول ، لأن إيجاب القضاء يتوجه الى المكلف وهو ليس بمكلف.

أقول : والمسألة لا تخلو من اشكال لعدم النص في المقام ، فانا لم نقف في ذلك إلا على صحيحة زرارة المتقدمة (٢) الدالة على الصيد وانه تجب كفارته على الأب. والاحتياط واضح.

والثاني من الشروط المتقدمة ـ الحرية ، فلا يجب على المملوك وان اذن له سيده ، ولو اذن له صح إلا انه لا يجزئه عن حج الإسلام لو أعتق.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من قصاص النفس ، والباب ١١ من العاقلة.

(٢) ص ٦٣.


اما انه لا يجب عليه وان اذن له سيده فقال في المعتبر : ان عليه إجماع العلماء. ويدل عليه

ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسندين أحدهما صحيح عن ابن محبوب عن الفضل بن يونس ـ وهو ثقة واقفي ـ عن ابي الحسن عليه‌السلام (١) قال : «ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق».

واستدل في المدارك على ذلك برواية آدم بن علي عن ابي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «ليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق». وهو سهو من قلمه (قدس‌سره) فان هذا المتن إنما هو في رواية الفضل التي ذكرناها ، واما رواية آدم بن علي فهي ما رواه الشيخ عنه عن ابى الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «ليس على المملوك حج ولا جهاد ولا يسافر إلا بإذن مالكه». وهي أيضا دالة على الحكم المذكور.

واما انه إذا حج باذن مولاه فإنه يصح حجه ولكن لا يجزئه عن حجة الإسلام لو أعتق فقال في المنتهى : انه قول كل من يحفظ عنه العلم.

وتدل عليه الاخبار المتكاثرة ، ومنها ـ صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٤) قال : «المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه اعادة الحج».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «ان المملوك

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ١٥ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من وجوب الحج وشرائطه. ومتنها كما ذكره المصنف (قدس‌سره).

(٤) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه رقم (١) وهي رواية الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ٢٦٤.


ان حج وهو مملوك أجزأه إذا مات قبل ان يعتق ، وان أعتق فعليه الحج».

وصحيحته الأخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «المملوك إذا حج وهو مملوك ثم مات قبل ان يعتق أجزأه ذلك الحج ، فإن أعتق أعاد الحج».

ورواية مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لو ان عبدا حج عشر حجج ثم أعتق كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع الى ذلك سبيلا».

ورواية إسحاق بن عمار (٣) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن أم الولد تكون للرجل ويكون قد أحجها أيجزئ ذلك عنها من حجة الإسلام؟ قال : لا. قلت : لها أجر في حجها؟ قال : نعم». ومثلها رواية شهاب (٤).

وروى في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (٥) قال : «سألته عن المملوك الموسر اذن له مولاه في الحج هل له أجر؟ قال : نعم ، فإن أعتق أعاد الحج».

واما ما رواه الشيخ عن حكم بن حكيم الصيرفي (٦) ـ قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام». ـ فقد حمله الشيخ وغيره على من أدرك الموقفين معتقا. والظاهر بعده ، بل الأقرب

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه رقم (٤) وهي رواية الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٥) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه. واللفظ هكذا : هل عليه ان يذبح وهل له أجر؟.

(٦) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه. واللفظ : «فقد قضى حجة الإسلام».


حمله على ادراك ثواب حجة الإسلام ما دام مملوكا.

واليه يشير قوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان الأولى : «أجزأه إذا مات قبل ان يعتق». اي أجزأه عن حجة الإسلام ، بمعنى انه يكتب له ثواب حجة الإسلام. ومثله في صحيحته الثانية.

وأصرح من ذلك في هذا المعنى ما رواه في الفقيه عن ابان بن الحكم (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر ، والعبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق».

وتنقيح الكلام في هذا المقام يتوقف على رسم مسائل :

(الاولى) ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه لو أدرك العبد الموقفين أو الثاني منهما معتقا أجزأه عن حجة الإسلام ، حكاه العلامة في المنتهى.

وعليه تدل الاخبار ، ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج».

وعن شهاب في الصحيح عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له؟ قال : يجزئ عن العبد حجة الإسلام ، ويكتب لسيده أجران : ثواب العتق وثواب الحج».

وروايته الأخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له أيجزئ عن العبد حجة الإسلام؟ قال : نعم».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٧ من وجوب الحج وشرائطه.


وما رواه المحقق في المعتبر عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) «في مملوك أعتق يوم عرفة؟ قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج وان فاته الموقفان فقد فاته الحج ، ويتم حجه ويستأنف حجة الإسلام في ما بعد».

الثانية ـ لو اذن السيد لعبده في الحج لم يجب عليه ، لكن لو تلبس به بعد الاذن وجب كغيره من افراد الحج المندوب.

وهل يجوز للسيد الرجوع في الاذن بعد التلبس؟ ظاهر الأصحاب العدم وإنما يجوز له قبل التلبس اما بعده فحيث تعلق الوجوب بالعبد فليس له ذلك.

بقي الكلام في انه لو رجع قبل التلبس ولكن لم يعلم العبد إلا بعده ، فقيل بأنه يجب الاستمرار ، لدخوله دخولا مشروعا ، فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل ، وقال الشيخ انه يصح إحرامه وللسيد ان يحلله.

قال في المدارك : وضعفه ظاهر ، لأن صحة الإحرام إنما هو لبطلان رجوع المولى فكان كما لو لم يرجع ، والإحرام ليس من العبادات الجائزة وإنما يجوز الخروج منه في مواضع مخصوصة ولم يثبت ان هذا منها.

أقول : والمسألة وان كانت خالية من النص على الخصوص إلا ان ما ذكره السيد السند (قدس‌سره) في المدارك هو الأوفق بالأصول الشرعية والقواعد المرعية.

(الثالثة) ـ اختلف الأصحاب في ما لو جنى العبد في إحرامه بما يلزمه به الدم كاللباس والطيب وحلق الشعر وقتل الصيد ، فقال الشيخ (قدس‌سره) في

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من وجوب الحج وشرائطه.


المبسوط : يلزم العبد لانه فعل ذلك بدون اذن مولاه ، ويسقط الدم الى الصوم لانه عاجز ففرضه الصيام ، ولسيده منعه منه لأنه فعل موجبه بدون اذن مولاه. ونقل عن الشيخ المفيد : على السيد الفداء في الصيد.

وقال المحقق في المعتبر بعد نقل كلام الشيخ المذكور : وليس ما ذكره الشيخ بجيد ، لانه وان جنى بغير اذنه فان جنايته من توابع اذنه في الحج فتلزمه جنايته. ثم استدل على ذلك بما رواه حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «المملوك كلما أصاب الصيد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا اذن له في الإحرام».

أقول : وهذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه (٢) في الصحيح بسنده الى حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل ما أصاب العبد المحرم في إحرامه فهو على السيد إذا اذن له في الإحرام». ورواها الشيخ في التهذيب (٣) في الصحيح ايضا عن حريز ، والكليني (٤) في الحسن على المشهور عنه ايضا عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «كل ما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه. الحديث». ورواه في الاستبصار (٥) قال : «المملوك كلما أصاب الصيد وهو محرم في إحرامه». وهو مطابق لما نقله في المعتبر. والظاهر ان الشيخ المفيد إنما خص الصيد بالذكر اعتمادا على هذه الرواية.

وظاهر الشيخ في التهذيب القول بما ذكره في المعتبر حيث انه ـ بعد ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٦ من كفارات الصيد وتوابعها.

(٢) ج ٢ ص ٢٦٤ ، وفي الوسائل الباب ٥٦ من كفارات الصيد وتوابعها.

(٣) ج ٥ ص ٣٨٢.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٣٠٤.

(٥) ج ٢ ص ٢١٦.


نقل صحيحة حريز المذكورة بالمتن المتقدم ـ قال : ولا يعارض هذا الحديث ما رواه سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسن عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن ابن ابي نجران (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن عبد أصاب صيدا وهو محرم هل على مولاه شي‌ء من الفداء؟ فقال : لا شي‌ء على مولاه». لأن هذا الخبر ليس فيه انه كان قد اذن له في الإحرام أو لم يأذن له ، وإذا لم يكن ذلك في ظاهره حملناه على من أحرم من غير اذن مولاه ، فلا يلزمه حينئذ شي‌ء على ما تضمنه الخبر. وهذا القول منه رجوع عن ما تقدم عنه في المبسوط.

واعترضه المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بأنه يرد عليه ان اذن المولى شرط في صحة الإحرام فمع عدمه لا ينعقد ولا يترتب عليه الحكم. وقول السائل : «وهو محرم» يدل ـ بمعونة تقريره عليه في الجواب ـ على كونه متحققا واقعا. ثم أجاب بإمكان الحمل على ارادة الخصوص والعموم في الاذن ، فمتى اذن السيد لعبده في الإحرام بخصوصه كان ما يصيبه فيه على السيد ، وإذا كان العبد مأذونا على العموم بحيث يفعل ما يشاء من غير تعرض في الاذن لخصوص الإحرام لم يكن على السيد شي‌ء. قال : ولا بعد في هذا الحمل ، فان في الخبر الأول إشعارا به حيث علق الحكم فيه بالإذن في الإحرام ولم يطلق الاذن ، وذلك قرينة إرادة الخصوص. انتهى.

واستوجه العلامة في المنتهى سقوط الدم ولزوم الصوم إلا ان يأذن له السيد في الجناية فيلزمه الفداء.

وربما حملت الصحيحة الأولى على الاستحباب والثانية على نفي الوجوب.

أقول : لا يخفى ما في هذه المحامل من البعد مع تدافعها ، والمسألة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٦ من كفارات الصيد وتوابعها.


لا تخلو من شوب التردد والاشكال.

(الرابعة) ـ إذا أفسد العبد حجة المأذون فيه وجب عليه إتمامه ثم القضاء والبدنة كما في الحر ، للأدلة الدالة بعمومها أو إطلاقها على ذلك (١) وتناولها العبد كالحر كما سيأتي ان شاء الله تعالى في مسألة إفساد الحج ، وحينئذ فتترتب عليه أحكامه.

بقي انه هل يجب على السيد تمكينه من القضاء أم لا؟ قيل بالأول ، لأن اذنه في الحج اذن في مقتضياته ، ومن جملتها القضاء لما أفسده. وقيل بالثاني لأنه إنما اذن له في الحج لا في إفساده ، والإفساد ليس من لوازم الحج ليلزم من الاذن في الحج الاذن فيه ، بل الأمر إنما هو على العكس ، لانه من منافياته ، لأن المأذون فيه أمر موجب للثواب والإفساد أمر موجب للعقاب.

قيل : وربما بنى الوجهان على ان القضاء هل هو الفرض والفاسد عقوبة أم بالعكس؟ فعلى الثاني لا يجب التمكين لعدم تناول الاذن له ، وعلى الأول يجب لأن الإذن بمقتضى الإفساد انصرفت الى القضاء وقد لزم بالشروع فلزمه التمكين.

واستشكله في المدارك بأن الإذن لم يتناول الحج ثانيا وان قلنا انه الفرض ، لأنها إنما تعلقت بالأول خاصة. ثم قال : والمسألة محل تردد وان كان القول بعدم وجوب التمكين لا يخلو من قوة. انتهى.

أقول : وأنت خبير بأنه يمكن ان يستدل للقول الأول بظاهر صحيحة حريز المتقدمة (٢) في سابق هذه المسألة ، وذلك انها قد دلت على ان كل

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.

(٢) ص ٧٦.


ما أصاب العبد المحرم في إحرامه فهو على سيده إذا اذن له ، سواء جعل العبد فاعلا أو مفعولا ، ولا ريب ان القضاء من ما اصابه ولزمه كما لزمه وجوب البدنة فان الواجب بالإفساد البدنة والقضاء ، فكما تجب على السيد بمقتضى الخبر المذكور البدنة كذا يجب عليه القضاء ، غاية الأمر ان كيفية الوجوب في الموضعين مختلفة ، فإن السيد لا يجب عليه الحج قضاء بل الواجب عليه التمكين. إلا ان الرواية المذكورة ـ كما عرفت ـ معارضة بتلك الأخرى ، وقد عرفت ما في المقام من الاشكال.

وكيف كان فالمسألة هنا ايضا لخلوها من الدليل الواضح محل توقف.

ثم انه لو أعتقه المولى في الحج الفاسد ، فان كان قبل الوقوف بالمشعر أتم حجه وقضى في القابل وأجزأه عن حجة الإسلام كما في الحر ، سواء قلنا ان الإكمال عقوبة وان حجة الإسلام هي الثانية أم قلنا بالعكس ، وان كان بعد فوات الموقفين كان عليه إتمام الحج والقضاء ، ولا يجزئه عن حجة الإسلام بل تجب عليه مع الاستطاعة.

قالوا : ويجب تقديمها على حجة القضاء ، للنص والإجماع على فوريتها ، فلو بدأ بالقضاء قال الشيخ : انعقد عن حجة الإسلام وكان القضاء في ذمته ، وان قلنا لا يجزئ عن واحدة منهما كان قويا. هذا كلامه (قدس‌سره) وهو متجه بناء على القول بان الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده الخاص ، وإلا فالمتجه صحة القضاء وان أثم بتأخير حجة الإسلام.

(الخامسة) ـ قالوا : لو أحرم العبد باذن مولاه ثم باعه صح البيع إجماعا ، لأن الإحرام لا يمنع التسليم فلا يمنع صحة البيع. ثم ان كان المشتري عالما بذلك فلا خيار وإلا ثبت الخيار على الفور إلا مع قصر الزمان بحيث لا يفوته شي‌ء من المنافع.


(السادسة) ـ قالوا : لا فرق في المملوك بين القن والمكاتب المطلق الذي لم يؤد والمشروط وأم الولد والمبعض. نعم لو تهيأ المبعض مع المولى ووسعت نوبته الحج وانتفى الخطر والضرر كان له الحج ندبا بغير اذن السيد ، كما يجوز له غيره من الأعمال.

(الثالث) من الشروط المتقدمة ـ الاستطاعة إجماعا نصا وفتوى ، وفسرها الأصحاب بالزاد والراحلة في من يفتقر الى قطع المسافة.

قال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : اتفق علماؤنا على ان الزاد والراحلة شرطان في الوجوب ، فمن فقدهما أو أحدهما مع بعد مسافته لم يجب عليه الحج وان تمكن من المشي ، وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير والشافعي وأبو حنيفة (١).

قالوا : ويدل على اعتبارهما ـ مضافا الى عدم تحقق الاستطاعة عرفا بدونهما غالبا ـ صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي (٢) قال : «سأل حفص الكناسي أبا عبد الله عليه‌السلام وانا عنده عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٣) ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلي سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج ، أو قال : ممن كان له مال. فقال له حفص الكناسي : فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فلم يحج فهو ممن يستطيع الحج؟ قال : نعم».

__________________

(١) المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٢١٩ وبدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج ٢ ص ١٢٢.

(٢) الوسائل الباب ٨ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) سورة آل عمران الآية ٩٧.


ثم انه في المنتهى صرح بأنه إنما يشترطان في حق المحتاج إليهما لبعد المسافة اما القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته ، والمكي لا يعتبر في حقه وجود الراحلة إذا لم يكن محتاجا إليها. ثم قال في فروع المسألة : الثالث ـ لو فقدهما وتمكن من الحج ماشيا فقد بينا انه لا يجب عليه الحج ، فلو حج ماشيا لم يجزئه عن حجة الإسلام عندنا ووجب عليه الإعادة مع استكمال الشرائط ، ذهب إليه علماؤنا وبه قال الجمهور (١). انتهى.

وقال المحقق في المعتبر : الشرط الرابع والخامس ـ الزاد والراحلة وهما شرط لمن يحتاج إليهما لبعد مسافته. الى ان قال : ومن ليس له راحلة ولا زاد أو ليس له أحدهما لا يجب عليه الحج ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة واحمد ، وقال مالك من قدر على المشي وجب عليه (٢) لنا ـ ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسر السبيل بالزاد والراحلة (٣) ولانه صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل ما يوجب الحج؟ فقال : الزاد والراحلة (٤) فيقف الوجوب عليه. ولو حج ماشيا لم يجزئه عن حجة الإسلام ، وقال الباقون يجزئه (٥) لنا ـ ان الوجوب لم يتحقق لأنه مشروط بالاستطاعة فمع عدمها يكون مؤديا ما لم يجب عليه فلا يجزئه عن ما يجب عليه في ما بعد ، وينبه على ذلك روايات عن أهل البيت (عليهم‌السلام) : منها ـ رواية أبي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٦) قال : «لو ان رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة ، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج». انتهى.

__________________

(١) عبارة المنتهى ج ٢ ص ٦٥٢ هكذا : وقال الجمهور يجزئه. انتهى. وفي المغني ج ٣ ص ٢٢١. والمهذب ج ١ ص ١٩٧ كذلك.

(٢) بداية المجتهد ج ١ ص ٢٩٣.

(٣) بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ص ٨٤.

(٤) صحيح الترمذي باب ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحلة.

(٥) ارجع إلى التعليقة (١).

(٦) الوسائل الباب ٢١ من وجوب الحج وشرائطه.


أقول : وعلى هذه المقالة اتفقت كلمتهم (رضوان الله عليهم) كما سمعته من كلام العلامة ، ومقتضى ذلك ـ كما صرحوا به ـ انه لا يجزئ الحج ماشيا مع الإمكان لو لم يملك الراحلة وعندي فيه اشكال ، حيث ان الآية قد دلت على ان شرط الوجوب الاستطاعة ، والاستطاعة لغة وعرفا القدرة ، وتخصيصها بالزاد والراحلة يحتاج الى دليل واضح.

والروايات في المسألة متصادمة تحتاج الى الجمع على وجه يزول به الاختلاف بينها :

فمن ما يدل على ما ذكره الأصحاب من تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة صحيحة الخثعمي المتقدمة.

وما رواه في الكافي بسنده عن السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سأله رجل من أهل القدر فقال : يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢) أليس قد جعل الله لهم الاستطاعة؟ فقال : ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة وليس استطاعة البدن. الحديث».

وما رواه الصدوق في كتاب عيون الأخبار بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون (٣) قال : «وحج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا ، والسبيل الزاد والراحلة مع الصحة».

وما رواه في كتاب التوحيد في الصحيح أو الحسن على المشهور عن هشام ابن الحكم عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) في قول الله (عزوجل): (وَلِلّهِ عَلَى

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٨ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.


النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (١) : ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة.

وما رواه في كتاب الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) في حديث شرائع الدين (٢) قال : «وحج البيت واجب على (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن. الحديث». وسيأتي بتمامه ان شاء الله تعالى

ومن ما يدل على ما دل عليه ظاهر الآية جملة من الأخبار ايضا :

منها ـ صحيحة معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه دين أعليه ان يحج؟ قال : نعم ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين ، ولقد كان أكثر من حج مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مشاة ، ولقد مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكراع الغميم (٤) فشكوا اليه الجهد والعناء فقال : شدوا أزركم واستبطنوا. ففعلوا ذلك فذهب عنهم».

ورواية أبي بصير (٥) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٦)؟ قال : يخرج ويمشي ان لم يكن عنده. قلت : لا يقدر على المشي؟ قال : يمشي ويركب. قلت : لا يقدر على ذلك ـ أعني المشي؟ ـ قال : يخدم القوم ويخرج معهم».

وحملها الشيخ على الاستحباب المؤكد ، وقد عرفت في غير موضع من ما تقدم ما في الجمع بين الاخبار بالحمل على الاستحباب وان اشتهر ذلك بين الأصحاب.

__________________

(١ و ٦) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٢) الوسائل الباب ٩ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ١١ من وجوب الحج وشرائطه.

(٤) موضع بين مكة والمدينة.


ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قوله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢)؟ قال : يكون له ما يحج به. قلت : فان عرض عليه الحج فاستحى؟ قال : هو ممن يستطيع الحج ، ولم يستحي؟ ولو على حمار أجدع أبتر ، قال : فان كان يستطيع ان يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل».

وصحيحة الحلبي أو حسنته على المشهور عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) في قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٤) ما السبيل؟ قال : ان يكون له ما يحج به. قال : قلت : من عرض عليه ما يحج به فاستحى من ذلك أهو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال : نعم ما شأنه أن يستحي ولو يحج على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يطيق ان يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج».

والتقريب في هاتين الصحيحتين انه عليه‌السلام فسر الاستطاعة بأن يكون له ما يحج به وهو أعم من الزاد والراحلة ، ومرجعه الى ما يحصل به القدرة والتمكن من الحج ، ويؤيده قوله عليه‌السلام في آخر الروايتين المذكورتين : «وان كان يستطيع ان يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج». ومن الظاهر البين ان هذا لا يلائم التخصيص بالزاد والراحلة.

ومقتضى هذه الاخبار انه لو أمكنه المشي فحج ماشيا أو الركوب بعضا والمشي بعضا ادى به حج الإسلام ، مع تصريحهم بعدم الاجزاء لعدم حصول شرط الاستطاعة الذي هو الزاد والراحلة.

ولم أقف لهم على جواب شاف عن هذه الاخبار. هذا. ومن المحتمل

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٨ و ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢ و ٤) سورة آل عمران الآية ٩٧.


قريبا خروج الأخبار المتقدمة مخرج التقية فإن ذلك مذهب الجمهور (١) كما قدمنا نقله عن المعتبر والمنتهى. ومن ذلك يظهر ان هذه الاخبار ترجح بمطابقة ظاهر الآية ومخالفة الجمهور ، وهذان الطريقان من أظهر طرق الترجيح المنصوصة في مقام اختلاف الاخبار. ولا اعرف لذلك معارضا سوى ما يدعونه من الإجماع على ما ذكروه.

وبالجملة فالمسألة غير خالية من شوب الإشكال ، فإن الخروج عن ما ظاهرهم الإجماع عليه مشكل وموافقتهم مع ما عرفت أشكل.

واما ما استند اليه المحقق (رضي‌الله‌عنه) من رواية أبي بصير فسيجي‌ء ـ ان شاء الله تعالى ـ تحقيق القول فيها.

وفي هذا المقام مسائل :

الأولى ـ قال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : الخامس ـ لو كان وحيدا اعتبر نفقة لذهابه وعودته ، وللشافعي في اعتبار نفقة العود هنا وجهان : اعتبارها للمشقة الحاصلة بالمقام في غير وطنه وهو الذي اخترناه ، والثاني عدمه لتساوي البلاد بالنسبة اليه (٢). والأول أصح. انتهى.

وظاهره اعتبار نفقة الإياب وان كان وحيدا ليس له أهل ولا عشيرة يأوي إليها. وعلى هذا النحو إطلاق كلام جملة من الأصحاب. وعلله بعضهم بما علله به الشافعي هنا في أحد قوليه من المشقة الحاصلة بالمقام في غير وطنه.

__________________

(١) تقدم في التعليقة (١ (ص) ٨١) ان مذهب الجمهور هو الاجزاء.

(٢) المهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ١٩٧.


وظاهر السيد السند في المدارك ـ ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة ـ المناقشة في ذلك بان الحجة المذكورة مقصورة على صورة المشقة ، فعند عدمها ـ كما إذا كان وحيدا غير متعلق ببعض البلاد دون بعض أو كان له وطن لا يريد العود اليه ـ ولم يبعد عدم اعتبار العود في حقه ، نظرا الى عموم الآية والأخبار ، فلا تعتبر نفقة العود في حقه حينئذ.

أقول : والمسألة لا تخلو من توقف ، فإنه وان كان الظاهر من إطلاق الآية والاخبار هو حصول ما يوجب الوصول من الزاد والراحلة ، إلا ان الإطلاق إنما يحمل على الافراد الغالبة المتكثرة ، ولا ريب ان الغالب على الناس في جميع الأدوار والأمصار أنهم متى سافروا لغرض من الأغراض رجعوا بعد قضائه إلى أوطانهم أو غيرها لأغراض تتجدد ، سواء كان لهم أهل وعشيرة أم لا أو مسكن أم لا ، وحينئذ فمجرد كونه وحيدا لا عشيرة له ولا أهل لا يوجب خروجه من هذا الحكم ، بان يجب عليه الحج بمجرد حصول نفقة الذهاب خاصة وكذا راحلة الذهاب خاصة ، ويكلف الإقامة بمكة ان لم يكن عليه مشقة. نعم لو كان في نيته وقصده من خروجه هو التوطن في تلك البلاد فما ذكروه من عدم اعتبار نفقة الإياب متجه وإلا فلا جريا على ما هو الغالب الشائع المتكرر. وقد صرح غير واحد منهم بأن الأحكام المودعة في الاخبار إنما تحمل على ما هو المتكرر الشائع الغالب الوقوع. على ان ما ذكروه لو تم لم يختص بالوحيد الذي لا أهل له ولا عشيرة ولا مسكن بل يشمل ذلك من له عشيرة ومسكن ، فان مجرد وجود هذه الأشياء لا يكون موجبا لتخصيص إطلاق الأدلة المشار إليها. نعم لو كان له عيال يجب الإنفاق عليهم أو أبوان أو أحدهما لا يرضون بانقطاعه عنهما فإنه من حيث قيام الأدلة على وجوب هذه الأشياء يجب ان يخص بها إطلاق الأدلة المذكورة واما غيرها فلا دليل عليه ، مع انهم لا يقولون بذلك في غير الوحيد من صاحب المسكن


ومن له عشيرة وأهل.

وبالجملة فإن الظاهر هو القول المشهور وان هذه المناقشة لا مجال لها في هذا المقام.

الثانية ـ الظاهر انه يكفي في الاستطاعة حصولها حيثما اتفق ، فلو كان المكلف في غير بلده وحصلت له الاستطاعة على وجه يسافر للحج ويرجع الى بلده وجب عليه ، ولا يشترط حصولها من البلد.

وحينئذ فما ذكره شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) ـ من ان من اقام في غير بلده إنما يجب عليه الحج إذا كان مستطيعا من بلده ، إلا ان تكون إقامته في الثانية على وجه الدوام أو مع انتقال الفرض كالمجاور بمكة بعد السنتين ـ من ما لم نقف له على دليل.

بل ظاهر ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار ـ (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة فيدرك الناس وهم يخرجون الى الحج فيخرج معهم الى المشاهد أيجزئه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال : نعم». ـ ينافي ما ذكره.

ويؤيده عموم النصوص وصدق الاستطاعة بذلك.

الثالثة ـ المشهور في كلام الأصحاب انه لو لم يكن له زاد ولا راحلة لكنه واجد للثمن فإنه يجب عليه شراؤهما وان زاد عن ثمن المثل ، وقيل انه متى زادت قيمة الزاد والراحلة عن ثمن المثل لم يجب الحج ، ونقله في المدارك ـ وكذا الفاضل الخراساني ـ عن الشيخ في المبسوط.

أقول : لا ريب ان الشيخ في المبسوط وان صرح بذلك لكنه إنما صرح به

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من وجوب الحج وشرائطه.


بالنسبة إلى الزاد خاصة دون الراحلة ولكن حيث كان ذلك لازما له في الراحلة أيضا ألزموه به فنقلوا خلافه فيهما.

قال في المبسوط : واما الزاد فهو عبارة عن المأكول والمشروب ، فالمأكول هو الزاد فان لم يجده بحال أو وجده بثمن يضر به وهو ان يكون في الرخص بأكثر من ثمن مثله وفي الغلاء مثل ذلك لم يجب عليه ، وهكذا حكم المشروب. واما المكان الذي يعتبر وجوده فيه فإنه يختلف ، اما الزاد ان وجده في أقرب البلدان الى البر فهو واجد ، وكذلك ان لم يجده إلا في بلده فيجب عليه حمله معه ما يكفيه لطول طريقه إذا كان معه ما يحمل عليه. واما الماء فان كان يجده في كل منزل أو في كل منزلين فهو واجد ، وان لم يجده إلا في أقرب البلدان الى البر أو في بلده فهو غير واجد. والمعتبر في جميع ذلك العادة فما جرت العادة بحمل مثله وجب حمله وما لم تجر سقط وجوب حمله. واما علف البهائم ومشروبها فهو كما للرجل سواء ان وجده في كل منزل أو منزلين لزمه وان لم يجد إلا في أقرب البلاد الى البر أو في بلده سقط الفرض لاعتبار العادة. وهذا كله إذا كانت المسافة بعيدة. الى آخر كلامه زيد في مقامه.

والمفهوم من هذا الكلام ظاهرا ان حكمه بسقوط الحج مع زيادة قيمة الزاد إنما هو من حيث التضرر بالزيادة. وربما يفهم ايضا من سياق الكلام الى آخره التعليل بالرجوع إلى العادة ، وان إطلاق الشراء إنما ينصرف إلى القيمة المعتادة.

والأول منهما هو الذي فهمه العلامة في المختلف ، حيث قال بعد نقل صدر العبارة : وهذا التفسير يشعر بأنه إذا زاد الثمن عن ثمن المثل في المأكول والمشروب لا يجب شراؤهما ، والوجه وجوب ذلك مع القدرة ، لنا ـ انه مستطيع فوجب عليه الحج. احتج بأنه قد زاد الثمن عن ثمن المثل فلا يجب لاشتماله على الضرر. والجواب المنع من الضرر مع القدرة. انتهى.


والثاني منهما ذكره شيخنا الشهيد في نكت الإرشاد فقال ـ بعد نقل القول بذلك عنه في الزاد وان ذلك لازم له في الراحلة ـ ما لفظه : لانه احتج بأن إطلاق الشراء ينصرف الى المعتاد كالتوكيل في الشراء حتى قال : لا يجب حمل الماء من بلده ولا من أقرب مكان الى البر بل ان كان في كل منزل أو منزلين وجب الحج وإلا فلا ، وكذا علف الدواب ، حوالة على العرف ، ولان الحج يسقط لو خاف على المال التلف فلا يناسبه إضاعته هنا. ورد بما مر في شراء الماء من وجوب الثواب هنا على الله تعالى الذي هو أعظم من العوض الواجب على الآدمي. ثم قال : ويمكن انه ان كثر الثمن كثرة فاحشة بحيث يستوعب المال العظيم قرب قول الشيخ للإضرار المنفي (١) وإلا فهو بعيد لصدق الاستطاعة التي هي مناط الوجوب. انتهى.

والأصح ما عليه جمهور الأصحاب من وجوب الشراء وان زاد عن ثمن المثل ، إلا ان يبلغ الى الحال التي أشار إليها شيخنا المتقدم ذكره في آخر كلامه فإشكال. وبمثل ذلك صرح العلامة في التذكرة فقال ـ على ما نقله عنه في الذخيرة ـ : وان كانت القيمة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه وان تمكن ، على اشكال.

وسيجي‌ء ان شاء الله تعالى ما فيه مزيد بيان لهذا المقام.

وأنت خبير بان ما نقلناه عن المبسوط بالنسبة الى عدم وجوب حمل الماء وعلف الدواب هو عين ما نقلوه عن العلامة (قدس‌سره) في التذكرة والمنتهى ، كما قدمنا ذكره في المسألة الاولى ، مع انهم لم ينقلوا الخلاف ثمة إلا عن العلامة ، وكلام المبسوط ـ كما ترى ـ أصرح من كلام العلامة في ذلك.

__________________

(١) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر ولا ضرار». وقد أورده في الوسائل في الباب ٥ من الشفعة ، والباب ١٢ من احياء الموات.


الرابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان له مال وعليه دين فإنه لا يجب عليه الحج ، إلا ان يزيد على دينه ما يحصل به الاستطاعة. وإطلاق كلامهم يقتضي عدم الفرق بين ان يكون الدين حالا أو مؤجلا.

وبهذا التعميم صرح في المنتهى فقال : لو كان له مال وعليه دين بقدره لم يجب عليه الحج سواء كان الدين حالا أو مؤجلا ، لأنه غير مستطيع مع الحلول والضرر متوجه عليه مع التأجيل ، فسقط فرض الحج. انتهى.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : ولمانع ان يمنع توجبه الضرر في بعض الموارد ، كما إذا كان مؤجلا أو حالا غير مطالب به وكان للمديون وجه للوفاء بعد الحج ، ومتى انتفى الضرر وحصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب.

أقول : يمكن ان يقال عليه ان مراد العلامة (رضوان الله عليه) ان في صورة الحلول فالواجب أداء الدين ، وعدم المطالبة به في ذلك الوقت لا يوجب حصول الاستطاعة به والفرض انه لا مال له سواه ، لجواز رجوعه عليه بعد ذلك ومطالبته وقد فات من يده ، والمتبادر من مال الاستطاعة ما يكون لصاحبه التصرف فيه بلا معارض في ذلك. واما في صورة التأجيل فمع فرض انه لا مال له لا معنى لقوله في الإيراد : «وكان للمديون وجه للوفاء بعد الحج» فإنه خلاف المفروض في كلام العلامة.

وبالجملة فإنه لا اعتماد على هذه التعليلات إبراما أو نقضا بل الواجب الرجوع الى النصوص.

والذي وقفت عليه من الاخبار في المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه دين أعليه

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من وجوب الحج وشرائطه.


أن يحج؟ قال : نعم ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين».

وما رواه عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الحج واجب على الرجل وان كان عليه دين».

وظاهر الخبرين المذكورين وجوب الحج عليه وان كان عليه دين مستوعب للاستطاعة ، وهو على إطلاقه لا يخلو من الإشكال ، فإنه متى كان حالا مطالبا به لا يجوز صرفه في الحج إجماعا.

والذي يقرب من الرواية الأولى بقرينة التعليل ان المراد ان حج الإسلام ـ بناء على ما قدمناه في معنى الاستطاعة ـ يجب ولو بالمشي لمن أطاقه ، فمجرد وجود الدين لا يكون مانعا منه في جميع الحالات وان منع في بعض الأوقات.

وبالجملة فإنه يجب تقييد الخبرين المذكورين بما إذا لم تحصل المطالبة بالدين اما بان يكون حالا ولكن صاحبه يسمح بتأخيره أو يكون مؤجلا.

وفي المقام أيضا أخبار أخر عديدة إلا انها غير ظاهرة في حج الإسلام ، والظاهر ـ كما استظهره جملة من الأصحاب ـ حملها على الحج المندوب إلا انها ايضا لا تخلو من معارض :

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن موسى بن بكر الواسطي (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يستقرض ويحج؟ فقال : ان كان خلف ظهره ما ان حدث به حدث ادى عنه فلا بأس». ورواه الكليني أيضا عن موسى بن بكر

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٤٢ ، وفي الوسائل الباب ٥٠ من وجوب الحج وشرائطه.


قريبا منه (١) وكذا الصدوق (٢).

وما رواه المشايخ الثلاثة عن عبد الملك بن عتبة (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل عليه دين يستقرض ويحج؟ قال : ان كان له وجه في مال فلا بأس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب عن غير واحد (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني رجل ذو دين أفأتدين وأحج؟ فقال : نعم هو اقضى للدين».

وعن محمد بن ابي عمير في الصحيح عن عقبة (٥) قال : «جاءني سدير الصيرفي فقال : ان أبا عبد الله عليه‌السلام يقرأ عليك السلام ويقول لك : ما لك لا تحج؟ استقرض وحج».

وما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن وهب عن غير واحد (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يكون على الدين فتقع في يدي الدراهم فان وزعتها بينهم لم يبق شي‌ء ، أفأحج بها أو أوزعها بين الغرام؟ فقال : تحج بها ، وادع الله (عزوجل) ان يقضي عنك دينك».

وعن يعقوب بن شعيب (٧) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يحج بدين وقد حج حجة الإسلام؟ قال : نعم ان الله سيقضي عنه ان شاء الله». ورواه الصدوق عن يعقوب في الحسن (٨).

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من وجوب الحج وشرائطه رقم ٧ و ٩.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٦٧ ، وفي الوسائل الباب ٥٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ٥٠ من وجوب الحج وشرائطه.


وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحسن بن زياد العطار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يكون علي الدين فتقع في يدي الدراهم فان وزعتها بينهم لم يبق شي‌ء ، أفأحج بها أو أوزعها بين الغرماء؟ قال : حج بها وادع الله ان يقضي عنك دينك».

وروى عن الصادق عليه‌السلام مرسلا (٢) انه «سأله رجل فقال : اني رجل ذو دين فأتدين وأحج؟ قال : نعم هو اقضى للدين».

والشيخ (قدس‌سره) بعد ان ذكر بعض هذه الأخبار حملها على ما إذا كان له وجه يقضي به دينه مستندا الى الخبرين الأولين. والظاهر بعده ، ولعل الأقرب في الجمع هو الحمل على تفاوت درجات الناس في قوة التوكل وعدمها.

الخامسة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على انه يستثني من مال الاستطاعة دار سكناه وخادمه وثياب بدنه.

قال في المنتهى : وعليه اتفاق العلماء ، لان ذلك مما تمس الحاجة اليه وتدعو إليه الضرورة فلا يكلف بيعه. ونحوه في المعتبر والتذكرة.

وقال في المسالك : لا خلاف في استثناء هذه الأربعة كما ذكره العلامة في التذكرة وان كانت النصوص غير مصرحة بها. وزاد في التذكرة استثناء فرس الركوب.

وظاهر عبارة الشرائع تخصيص الثياب المستثناة بثياب الخدمة دون ثياب

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٦٨ ، وفي الوسائل الباب ٥٠ من وجوب الحج وشرائطه رقم ١٠.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٦٧ ، وفي الوسائل الباب ٥٠ من وجوب الحج وشرائطه رقم (١).


التجمل ، وفي كلام الأكثر مطلق الثياب.

وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك استثناء حلي المرأة المعتاد لها بحسب حالها وزمانها ومكانها وان ذلك في حكم الثياب.

وجزم شيخنا المشار إليه بان من لم يكن له هذه المستثنيات يستثني له أثمانها.

وألحق بعض الأصحاب كتب العلم مع عدم الغنى عنها ، ولو كان للكتاب نسختان بيع الزائد.

ونقل ايضا استثناء أثاث البيت من بساط وفراش وآنية ونحو ذلك.

أقول : ان مقتضى الآية والأخبار الكثيرة هو وجوب الحج على كل من استطاع ، بمعنى : قدر على الإتيان به ، واستثناء هذه الأشياء أو بعضها يحتاج الى دليل متى حصلت الاستطاعة بها. نعم قام الدليل العام على نفي الحرج في الدين (١) وعدم تحمل الضرر (٢) وسهولة الحنيفية (٣) والتوسعة في التكليف (٤) فيجب بمقتضى ذلك الاقتصار من هذه الأشياء على ما يلزم من التكليف بصرفها وفقدها ذلك عينا أو قيمة.

__________________

(١) ارجع الى الحدائق ج ١ ص ١٥١.

(٢) الوسائل الباب ٥٠ من الشفعة والباب ١٢ من احياء الموات ، والحدائق ج ١ ص ١٥٣.

(٣) الوسائل الباب ٤٨ من مقدمات النكاح وآدابه ، والجامع الصغير للسيوطي ج ١ ص ١٢٥ باب الباء ، والمقاصد الحسنة للسخاوي ص ١٠٩ حرف الهمزة رقم ٢١٤ وتاريخ بغداد للخطيب ج ٧ ص ٢٠٩.

(٤) ارجع الى الحدائق ج ١ ص ٤٣ ، والشهاب في الحكم والآداب حرف الالف : «الناس في سعة ما لم يعلموا».


وقال السيد السند في المدارك بعد الكلام في المسألة ـ ونعم ما قال ـ : وبالجملة فمقتضى الآية الشريفة والأخبار المستفيضة وجوب الحج على كل من تمكن من تحصيل الزاد والراحلة ، بل قد عرفت ان مقتضى كثير من الاخبار الوجوب على من أطاق المشي ، فيجب الاقتصار في تخصيصها أو تقييدها على قدر الضرورة.

السادسة ـ قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك : المعتبر في القوت والمشروب تمكنه من تحصيلهما اما بالشراء في المنازل أو بالقدرة على حملهما من بلده أو غيره. وقال العلامة في التذكرة والمنتهى : ان الزاد إذا لم يجده في كل منزل وجب حمله ، بخلاف الماء وعلف البهائم فإنهما إذا فقدا من الموضع المعتاد لهما لم يجب حملهما من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام ، ويسقط إذا توقف على ذلك. وهو مشكل. والمتجه عدم الفرق في وجوب حمل الجميع مع الإمكان وسقوطه مع المشقة الشديدة. انتهى.

أقول : الظاهر من كلام العلامة في الكتابين المذكورين هو الفرق بين الزاد وبين الماء ، ومثله علف الدواب ، فيجب حمل الأول دون الأخيرين باعتبار عدم المشقة في الأول ووجود المشقة في الأخيرين ، فهو راجع في الحقيقة الى ما استوجهه (قدس‌سره) بقوله : «والمتجه. الى آخره».

وها أنا أسوق كلامه (قدس‌سره) في الكتابين : اما في التذكرة فإنه قال : وان كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله ، وان لم يجده كذلك لزمه حمله. واما الماء وعلف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة فلا كلام ، وان لم يوجد لم يلزمه حمله من بلده ولا من أقرب البلدان إلى مكة كأطراف الشام ونحوها ، لما فيه من عظم المشقة وعدم جريان


العادة به ، ولا يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق ، والطعام بخلاف ذلك. انتهى.

وهو ـ كما ترى ـ صريح في ان عدم وجوب حمل الماء له ولدوابه وكذا العلف إنما هو من حيث لزوم المشقة العظيمة. وهو كذلك ، فإنه متى كان الطريق ـ مثلا ـ عشرين يوما أو شهرا أو نحو ذلك والحال انه ليس فيها ماء فحمل الماء له ولدوابه في تلك المدة في غاية الإشكال كما هو ظاهر ، ومثله علف الدواب. واما في المنتهى فإنه ذكر هذه المسألة في موضعين : أحدهما صريح في ما ذكره هنا ، وثانيهما ظاهر في ذلك ، قال في الكتاب المذكور : الرابع ـ الزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج اليه من مأكول ومشروب وكسوة ، فإن كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله ، وان لم يجده كذلك لزمه حمله. واما الماء وعلف البهائم فإن كان يوجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة لم يجب حملهما ، وإلا وجب مع المكنة ومع عدمها يسقط الفرض. انتهى وهو ـ كما ترى ـ موافق لما استوجهه.

وقال في موضع آخر : قد بينا ان الزاد من شرط وجوب الحج ، فإذا كانت سنة جدب لا يقدر فيها على الزاد في البلدان التي جرت العادة بحمل الزاد منها كبغداد والبصرة لم يجب الحج ، وان كان يقدر عليه في البلدان التي جرت العادة بحمل الزاد منها لم يعتبر وجوده في المراحل التي بين ذلك ، لان الزاد من ما جرت العادة بحمله وهو ممكن وتقل الحاجة اليه. واما الماء فان كان موجودا في المواضع التي جرت العادة بكونه فيها ـ كعبد (١) وعلبية (٢) وغيرهما ـ وجب

__________________

(١) في القاموس : العبد : عين ببلاد طي.

(٢) في مراصد الاطلاع ج ٢ ص ٩٥٦ : علبية بكسر اوله وسكون ثانيه على وزن فعلية : مويهة بالدآث. وكذا في القاموس : والدآث ـ كما في مراصد الاطلاع ج ٢ ص ٥٠٣ ـ موضع بتهامة. هذا. وما ورد في الطبعة الاولى من الحدائق ـ وكذا في المنتهى ـ الظاهر انه تحريف من النساخ.


الحج مع باقي الشرائط ، وان كان لا يوجد في مواضعه لم يجب الحج وان وجد في البلدان التي يوجد فيها الزاد ، والفرق بينهما قلة الحاجة في الزاد وكثرتها في الماء ، وحصول المشقة بحمل الماء دون الزاد. انتهى.

وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في ان عدم وجوب حمل الماء وسقوط الحج بذلك إنما هو من حيث المشقة في حمله بخلاف الزاد. وهو متجه فان الزاد يكفيه منه قليل لا يحتاج الى مزيد مؤنة في حمله ، بخلاف الماء له ولدوابه فإنه يحتاج اليه كثيرا لشربه وطهارته وازالة نجاساته وسقي دوابه ونحو ذلك ، فالمشقة في حمله من مثل بغداد والبصرة إلى مكة ظاهر لا خفاء فيه.

نعم ظاهر كلام الشيخ في المبسوط الذي قدمنا نقله في المسألة الثالثة ـ حيث ناط وجوب الحمل وعدمه بالعادة دون المشقة ـ المنافاة لما ذكروه ، ولهذا ان شيخنا الشهيد في الدروس إنما أسند الخلاف في المسألة إلى الشيخ دون العلامة ، قال : ويجب حمل الزاد والعلف ولو كان طويل الطريق ، ولم يوجب الشيخ حمل الماء زيادة عن مناهله المعتادة.

بقي الكلام في صدر عبارة العلامة الأخيرة فإنه لا يخلو من مناقشة ، فإن ظاهرها انه إذا لم يقدر على تحصيل الزاد من البلد من حيث الجدب سقط الحج. وظاهره ان ذلك أعم من ان يمكن وجوده في الطريق أم لا ، بل يجب تقييده بعدم وجوده في الطريق وإلا لوجب شراؤه.

السابعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يشترط في الراحلة أن تكون مناسبة لحاله في القوة والضعف ، فمن كان يمكنه الركوب


على القتب لا يعتبر في حقه أزيد من ذلك ، ومن شق عليه ذلك بحيث يحتاج الى محمل توقف حصول الاستطاعة عليه ، وهكذا لو شق عليه المحمل واحتاج الى الكنيسة.

قال العلامة في التذكرة : ويعتبر راحلة مثله ، فان كان يستمسك على الراحلة من غير محمل ولا يلحقه ضرر ولا مشقة شديدة فلا يعتبر في حقه إلا وجدان الراحلة لحصول الاستطاعة معها ، وان كان لا يستمسك على الراحلة بدون المحمل أو يجد مشقة عظيمة اعتبر مع وجود الراحلة وجود المحمل ، ولو كان يجد مشقة عظيمة في ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة. ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك. انتهى. وعلى هذا النحو كلامهم وان تفاوت إجمالا وتفصيلا.

والسيد السند في المدارك وتبعه الفاضل الخراساني في الذخيرة قد نسبا إلى العلامة في التذكرة الخلاف في هذه المسألة ، فنقلا عنه ان المراد بكون الراحلة مناسبة لحاله ان المراد المناسبة باعتبار الشرف والعزة ، فيعتبر في استطاعته المحمل أو الكنيسة عند علو منصبه. ثم رداه بالأخبار الدالة على الحج على حمار أجدع أبتر (١) واعتضدا بما ذكره الشهيد في الدروس حيث قال : والمعتبر في الراحلة ما يناسبه ولو محملا إذا عجز عن القتب ، ولا يكفي علو منصبه في اعتبار المحمل والكنيسة ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة (عليهم‌السلام) حجوا على الزوامل.

والعجب منهما في هذه الغفلة وعبارة التذكرة ـ كما تلوناها عليك ـ صريحة في كون المراد بمناسبة حاله إنما هو في القوة والضعف لا في الشرف والضعة ، فينبغي التأمل في ذلك وعدم الاعتماد على مثل هذه النقول ولو من مثل هؤلاء الفحول ، فان المعصوم من عصمه الله ، والجواد قد يكبو ، والسيف قد ينبو.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.


ثم انه لا يخفى ان في حكم الزاد والراحلة ما يحتاج اليه من الخدم واحدا أو أكثر ، وما يحتاج اليه من الفراش وأوعية الماء من القرب وغيرها ، ونحو ذلك.

الثامنة ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الإجماع على انه لو بذل له باذل الزاد والراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه الحج وكان بذلك مستطيعا.

وتدل عليه جملة من الاخبار المتقدمة في صدر البحث مثل صحيحة محمد بن مسلم وحسنة الحلبي أو صحيحته (١).

وموثقة أبي بصير أو صحيحته (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج».

وصحيحة معاوية بن عمار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه هل يجزئ ذلك عنه من حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال : بل هي حجة تامة».

وبهذا الاسناد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) في حديث قال : «وان كان دعاه قوم ان يحجوه فاستحى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا الخروج ولو على حمار أجدع أبتر».

وروى شيخنا المفيد في المقنعة مرسلا (٥) قال : «قال عليه‌السلام : من عرضت عليه نفقة الحج فاستحى فهو ممن ترك الحج مستطيعا اليه السبيل».

وروى البرقي في المحاسن في الصحيح عن ابي بصير (٦) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل كان له مال فذهب ثم عرض عليه الحج فاستحى؟ فقال :

من عرض عليه الحج فاستحى ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فهو ممن يستطيع الحج».

__________________

(١) ص ٨٤.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.


وإطلاق هذه الروايات يقتضي عدم الفرق بين ان يكون البذل على وجه التمليك أم لا ، ولا بين ان يكون واجبا بنذر أو شبهه أم لا ، ولا بين ان يكون الباذل موثوقا به أم لا ، ولا بين بذل عين الزاد والراحلة أو أثمانهما.

ونقل عن ابن إدريس انه اعتبر في وجوب الحج بالبذل تمليك المبذول ، ونقله في الدروس عن العلامة أيضا. وفرق العلامة في التذكرة ـ ومثله شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ بين العين والثمن فحكما بالاستطاعة ببذل الأول دون الثاني. واشترط في الدروس التمليك أو الوثوق به ، ونقل عن جمع من الأصحاب اشتراط التمليك أو الوجوب بنذر أو شبهه.

وقال العلامة في التذكرة : هل يجب على الباذل بالبذل الشي‌ء المبذول أم لا؟ فان قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج على المبذول له ، لكن في إيجاب المبذول بالبذل اشكال أقربه عدم الوجوب ، وان قلنا بعدم وجوبه ففي إيجاب الحج اشكال أقربه العدم ، لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب. انتهى.

أقول : لا يخفى ان هذا الكلام مخالف لما صرح (قدس‌سره) به في صدر المسألة حيث قال : مسألة : لو لم يكن له زاد وراحلة أو كان ولا مؤنة لسفره أو لعياله وبذل له باذل الزاد والراحلة ومؤنته ذاهبا وعائدا ومؤنة عياله مدة غيبته وجب عليه الحج عند علمائنا سواء كان الباذل قريبا أو بعيدا ، لانه مستطيع للحج ، ولان الباقر والصادق (عليهما‌السلام) (١) سئلا عن من عرض عليه الحج فاستحى من ذلك أهو ممن يستطيع الى ذلك سبيلا؟ قالا : نعم. وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في حكمه بالوجوب بمجرد البذل ودعواه الإجماع عليه ،

__________________

(١) هذا مضمون الأخبار الواردة في الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.


وحينئذ فالظاهر ان هذا الكلام عدول عن ما ذكره أولا.

وكيف كان فجميع ما ذكروه هنا تقييد للنص من غير دليل ، وتخيل بطلان تعلق الواجب بغير الواجب ـ كما ذكره في التذكرة ـ مدفوع بان يقال انه يشترط في استمرار الوجوب استمرار البذل ، فان من شرائط الوجوب استمرار الاستطاعة والاستطاعة هنا إنما هي البذل. نعم لا يبعد ـ كما ذكر في المدارك ـ اعتبار الوثوق بالباذل ، لما في التكليف بالحج بمجرد البذل مع عدم الوثوق بالباذل من التعرض للخطر على النفس المستلزم للحرج العظيم والمشقة الزائدة فكان منفيا. والظاهر ان الإطلاق في الأخبار بالنسبة الى هذا القيد الذي ذكرناه إنما وقع بناء على ما هو المعروف المعهود يومئذ من وفاء الناس بذلك فلا يقاس على مثل أزماننا هذه.

بقي هنا شي‌ء وهو ان السيد السند (قدس‌سره) قال : واعتبر في التذكرة وجوب البذل بنذر وشبهه حذرا من استلزام تعليق الواجب بغير الواجب. ثم رده بأنه ضعيف. وما ذكره ليس في التذكرة منه عين ولا اثر وإنما الذي فيها هو ما قدمنا نقله عنه أولا ، ولعله أراد ان اللازم من العبارة المتقدمة ذلك.

ثم انه ينبغي التنبيه هنا على أمور :

الأول ـ قال السيد السند في المدارك : إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق بين بذل عين الزاد والراحلة وأثمانهما ، وبه صرح في التذكرة واعتبر الشارح (قدس‌سره) بذل عين الزاد والراحلة ، قال : فلو بذل أثمانهما لم يجب القبول. الى آخر كلامه الآتي ذكره ان شاء الله تعالى.

أقول : اما ما ذكره من إطلاق النص فصحيح كما أشرنا إليه آنفا ، واما ما ذكره من إطلاق كلام الأصحاب فلم أقف عليه في كلام أحد منهم إلا في عبارة الشيخ في المبسوط حيث قال : إذا بذل له الاستطاعة قدر ما يكفيه ذاهبا وجائيا


ويخلف لمن تجب عليه نفقته لزمه فرض الحج لأنه مستطيع. فان قوله : «إذا بذل له الاستطاعة» صادق بإطلاقه على بذل العين أو الثمن. ونحو ذلك في النهاية واما غيره فهم ما بين مصرح بخصوص بذل الزاد والراحلة ولم يتعرض لحكم الثمن ـ كالمحقق في المعتبر والشرائع والعلامة في المنتهى والإرشاد ـ ومن لم يتعرض لحكم البذل مطلقا كالعلامة في القواعد ـ ومن ذكرهما معا وفرق بينهما كالعلامة في التذكرة وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

واما ما نقله عن العلامة في التذكرة ـ من انه صرح بعدم الفرق بين الزاد والراحلة وبين أثمانهما في حصول الاستطاعة ببذل العين والثمن ـ فهو عجب عجيب ، كيف؟ وهذه صورة عبارة العلامة في الكتاب المذكور ، فإنه قال أولا : مسألة : لو لم يكن له زاد وراحلة. إلى آخر العبارة التي قدمناها آنفا. ثم قال : فروع : الأول ـ لو بذل له مال يتمكن به من الحج ويكفيه في مؤنته ومؤنة عياله لم يجب عليه القبول. لاشتماله على المنة. ولأن في قبول المال وتملكه إيجاب سبب يلزم به الفرض وهو القبول ، وربما حدثت عليه حقوق كانت ساقطة فيلزمه صرف المال إليها من وجوب نفقة وقضاء دين. ولان تحصيل شرط الوجوب غير واجب كما في تحصيل مال الزكاة. انتهى. وهو صريح ـ كما ترى ـ في الفرق بين بذل العين ـ كما ذكره في صدر المسألة من انه يجب عليه الحج ـ وبين بذل الثمن فلا يجب عليه القبول ، كما ذكره في الفروع المذكور

نعم قال في الفرع الرابع : قال ابن إدريس من علمائنا : ان من يعرض عليه بعض إخوانه ما يحتاج اليه من مؤنة الطريق يجب عليه الحج بشرط ان يملكه ما يبذل له ويعرض عليه لا وعدا بالقول دون الفعل. والتحقيق ان نقول : ان البحث هنا في أمرين : الأول ـ هل يجب على الباذل. الى آخر ما قدمناه من العبارة المذكورة. ثم قال : الثاني ـ هل بين بذل المال وبذل الزاد والراحلة


ومؤنته ومؤنة عياله فرق أم لا؟ الأقرب عدم الفرق لعدم جريان العادة بالمسامحة في بذل الزاد والراحلة والمؤن بغير منة كالمال. انتهى.

وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في ان المراد انما هو عدم الفرق بينهما في انه لا تحصل الاستطاعة بهما ، لانه ذكر في الفرع الأول ـ كما نقلناه ـ عدم وجوب قبول المال إذا بذل له لاشتماله على المنة. إلى آخر ما تقدم ، وهنا قد ألحق به عين الزاد والراحلة لو بذل له وجعل حكمه حكم المال في عدم وجوب قبوله ، لاشتماله على المنة لأنه لم تجر العادة بالمسامحة به. والسيد (قدس‌سره) قد توهم العكس في وجوب القبول في الموضعين وحصول الاستطاعة ، وهي غفلة فاحشة.

وبالجملة فإن مرجع كلام العلامة هنا إلى موافقة ابن إدريس في انه لا يكفي مجرد البذل ـ للعين كان أو للثمن ـ بل لا بد من التمليك. وفيه رجوع عن ما يدل عليه أول كلامه في المسألة كما أشرنا إليه آنفا. والظاهر ان شيخنا الشهيد في الدروس إنما نسب اليه القول بما ذهب اليه ابن إدريس من كلامه هنا وإلا فكلامه في سائر كتبه خال من ذلك.

بقي الكلام في ما ذكره شيخنا الشهيد الثاني ـ وقبله العلامة في التذكرة ـ من دعوى حصول الفرق بين بذل عين الزاد والراحلة وبذل أثمانهما في وجوب الحج ، وحصول الاستطاعة على الأول دون الثاني ، فإن إطلاق النصوص المتقدمة شامل للأمرين. وتعليلهما المنع في الثاني ـ باعتبار اشتماله على المنة ، وانه موقوف على القبول وهو شرط للواجب المشروط فلا يجب تحصيله ـ وارد عليهما في بذل العين ايضا.

وبالجملة فالنصوص المتقدمة ـ كما عرفت ـ شاملة بإطلاقها لعين الزاد والراحلة وأثمانهما ، فإن عمل بها على إطلاقها ففي الموضعين ، وإلا فلا فيهما.

وظاهرها انه بمجرد بذل ما يحج به وعرض ذلك عليه يكون مستطيعا ،


ومتى تحققت الاستطاعة بذلك كان الحج واجبا مطلقا ، لأن كونه واجبا مشروطا إنما هو بالنسبة إلى الاستطاعة ، فمتى لم تتحقق الاستطاعة لم يجب تحصيلها ، لان شرط الواجب المشروط لا يجب تحصيله ، ومتى تحققت الاستطاعة صار الوجوب مطلقا فيجب تحصيل ما يتوقف عليه من المقدمات ، ومنها في ما نحن فيه قبول ذلك لان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهذا بحمد الله واضح لا سترة عليه.

الثاني ـ الظاهر انه لا فرق بين بذل الزاد والراحلة وبين هبتهما في حصول الاستطاعة ، لإطلاق النصوص المتقدمة. وظاهر كلام جملة من الأصحاب ـ بل الظاهر انه المشهور بين المتأخرين ـ وهو الفرق ، معللين عدم وجوب قبول الهبة بأن فيه تحصيلا لشرط الوجوب وهو غير لازم ، ولاشتماله على المنة. وقد عرفت آنفا ما في التعليلين من الوهن والقصور ، ولهذا ان الشهيد في الدروس ـ بعد ان ذكر انه لا يجب قبول هبتهما جريا على ما هو المشهور بينهم ـ تنظر في الفرق بين الهبة والبذل ، ووجه النظر ظاهر بما قدمناه.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بعد قول المصنف ـ : ولو وهب له مال لم يجب قبوله ـ ما لفظه : لان قبول الهبة نوع من الاكتساب وهو غير واجب للحج ، لان وجوبه مشروط بالاستطاعة ، فلا يجب تحصيل شرطه بخلاف الواجب المطلق. ومن هنا ظهر الفرق بين البذل والهبة ، فإن البذل يكفي فيه نفس الإيقاع في حصول القدرة والتمكن فيجب بمجرده. انتهى.

أقول : لا يخفى ان قولهم (عليهم‌السلام) (١) ـ في ما تقدم من الاخبار : «من عرض عليه الحج أو من عرض عليه ما يحج به فهو مستطيع». ـ صادق على من وهب له مال ، فإنه متى قال له : «وهبتك هذا المال للحج» فقد صدق عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.


انه عرضه عليه كما في قوله : «خذ هذا المال وحج به» وحينئذ فتثبت الاستطاعة بمجرد الهبة ، وإذا ثبتت الاستطاعة بمجرد ذلك كان الحج واجبا مطلقا ، ووجب عليه القبول من حيث توقف الواجب عليه ، فان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، فيصير القبول من جملة مقدمات الواجب. وحصول الاستطاعة بالهبة لا يتوقف على القبول ليكون الحج قبل القبول واجبا مشروطا ولا يجب تحصيل شرطه ، بل الحج بمجرد العرض عليه ـ بقوله : «وهبتك» أو قوله : «خذ هذا المال» ـ قد صار واجبا مطلقا لحصول الاستطاعة بمجرد ذلك. اللهم إلا أن يناقش في ان قول القائل : «وهبتك هذا المال للحج» لا يصدق عليه انه عرض عليه. وهو في غاية البعد ، قال في القاموس : «عرض الشي‌ء له أظهره له ، وعليه أراه إياه» وحينئذ فمعنى : «عرض عليه ما يحج به» لغة : أراه ما يحج به. والعبارة في الاخبار خرجت مخرج التجوز باعتبار اخباره واعلامه بذلك. ومن ذلك يعلم صدق العبارة المذكورة على الهبة كالبذل بغير هبة.

ولم أر من خرج عن كلام الأصحاب في هذا المقام وألحق الهبة بمجرد البذل سوى السيد السند في المدارك ، واقتفاه الفاضل الخراساني في الذخيرة ، وقبلهما المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد ، وهو الحق الحقيق بالاتباع وان كان قليل الاتباع.

الثالث ـ قال في المسالك : ولا يشترط في الوجوب بالبذل عدم الدين أو ملك ما يوفيه به بل يجب الحج وان بقي الدين. أقول : وهو كذلك لإطلاق النصوص.

ثم قال : نعم لو بذل له ما تكمل به الاستطاعة اشترط في ماله الوفاء بالدين وكذا لو وهبه مالا مطلقا ، ولو شرط عليه الحج به فكالمبذول.

الرابع ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا يجب على


المبذول له اعادة الحج بعد اليسار ، وذهب الشيخ في الاستبصار إلى وجوب الإعادة.

ويدل على الأول صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (١) في صدر المسألة.

احتج الشيخ بما رواه الكليني في الموثق عن الفضل بن عبد الملك (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام؟ قال : نعم ، فإن أيسر بعد ذلك فعليه ان يحج. قلت : هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟ قال : نعم قضى عنه حجة الإسلام وتكون تامة وليست بناقصة ، وان أيسر فليحج».

ولا يخفى ان هذا الخبر بالدلالة على خلاف ما يدعيه انسب ، فإنه صريح في كونه قضى حجة الإسلام ، وحينئذ فالأمر بالحج ثانيا محمول على الاستحباب وبذلك صرح في التهذيب فقال بعد حمل الرواية على الاستحباب : يدل على ما ذكرنا من الاستحباب انه إذا قضى حجة الإسلام فليس بعد ذلك إلا الندب والاستحباب.

وبذلك يظهر لك ما في قوله في الاستبصار : واما قوله في الخبر الأول : «ويكون قد قضى حجة الإسلام» المعنى فيه : الحجة التي ندب إليها في حال إعساره فإن ذلك يعبر عنها بحجة الإسلام من حيث كانت أول الحجة. انتهى. وهو في الضعف أظهر من ان يحتاج الى بيان.

وبما ذكرنا يجاب ايضا عن رواية أبي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣)

__________________

(١) ص ٩٩.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٧ وفي الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) الوسائل الباب ٢١ و ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.


قال : «لو ان رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة ، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وان كان قد حج».

ويؤكد الاستحباب في هذا الخبر اضافة الناصب ، فإن الأخبار تكاثرت بأنه لا اعادة على الناصب بعد إيمانه في شي‌ء من عباداته التي عملها حال نصبه إلا الزكاة (١) أقول : ومن ما يوضح ذلك بأوضح وجه دلالة الأخبار المتقدمة على حصول الاستطاعة الشرعية بالبذل وانه يجب عليه الحج بذلك ، وهي حجة الإسلام البتة ، وليس بعدها إلا الاستحباب.

التاسعة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو كان ذا مال تحصل به الاستطاعة فنازعته نفسه الى النكاح لم يجز صرفه في النكاح وان شق عليه وحصل له العنت بل الواجب صرفه في الحج ، لان الحج مع الاستطاعة واجب والنكاح مندوب ، والمندوب لا يعارض الواجب.

وقال العلامة في التذكرة : لو احتاج الى النكاح وخاف على نفسه العنت قدم الحج ، لانه واجب والنكاح تطوع ، ويلزمه الصبر. وبنحو ذلك صرح المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد ، فإنهما صرحا بوجوب تقديم الحج وان شق عليه ترك النكاح.

وصرح العلامة في المنتهى بتقدم النكاح لو خاف من تركه المشقة العظيمة لحصول الضرر. ونحوه الشهيد في الدروس ايضا. ولا يبعد تقييد كلام الموجبين لتقديم الحج بذلك ايضا ، وان صرحوا بوجوب تقديمه وان حصلت المشقة بترك

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من مقدمة العبادات ، والباب ٣ من المستحقين للزكاة ، والباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.


النكاح ، بحمل ذلك على مشقة لا يترتب عليها الضرر.

ولم أقف في المسألة على خبر على الخصوص ، إلا ان ما ذكرناه من ما يستفاد من القواعد الشرعية.

العاشرة ـ لو طلب من فاقد الاستطاعة ان يؤجر نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة لم يجب عليه القبول ، لما تقرر من ان تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب. نعم لو آجر نفسه بمال تحصل به الاستطاعة ـ أو ببعضه إذا كان مالكا للباقي ـ وجب عليه الحج ، لحصول الاستطاعة التي هي شرط الوجوب.

وأورد هنا اشكال وهو ان الوصول إلى مكة والمشاعر قد صار واجبا على الأجير بالإجارة فكيف يكون مجزئا عن حجة الإسلام؟ وما الفرق بينه وبين ناذر الحج في سنة معينة إذا استطاع في تلك السنة لحجة الإسلام؟ حيث حكموا بعدم تداخل الحجتين.

وأجيب بأن الحج الذي هو عبارة عن مجموع الأفعال المخصوصة لم تتعلق به الإجارة وانما تعلقت بالسفر خاصة ، وهو غير داخل في أفعال الحج وانما الغرض منه مجرد انتقال البدن الى تلك الأمكنة ليقع الفعل ، حتى لو تحققت الاستطاعة فانتقل ساهيا أو مكرها أو على وجه محرم ثم اتى بتلك الأفعال صح الحج ، ولا يعتبر وقوعه لأجل الحج قطعا ، وهذا بخلاف نذر الحج في السنة المعينة ، فإن الحج نفسه يصير واجبا بالنذر فلا يكون مجزئا عن حج الإسلام لاختلاف السببين ، مع احتمال التداخل. وسيجي‌ء تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

الحادية عشرة ـ اختلف الأصحاب في ما لو لم يكن الرجل مستطيعا وكان


له ولد ذو مال ، فهل يجب على الأب الأخذ من مال ابنه ما يحج به ويحج أم لا؟ قولان :

قال الشيخ في النهاية : ومن لم يملك الاستطاعة وكان له ولد له مال وجب عليه ان يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به على الاقتصاد ويحج. وبه قال ابن البراج. وقال في المبسوط والخلاف : روى أصحابنا إذا كان له ولد له مال وجب عليه ان يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به ويجب عليه إعطاؤه. ثم قال في الخلاف : ولم يرو أصحابنا في ذلك خلاف هذه الرواية فدل على إجماعهم عليها.

وقال الشيخ المفيد في المقنعة : وان كان الرجل لا مال له ولولده مال فإنه يأخذ من مال ولده ما يحج به من غير إسراف وتقتير.

واستدل له الشيخ في التهذيب (١) بما رواه في الصحيح عن سعيد بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم يحج منه حجة الإسلام. قلت : وينفق منه؟ قال : نعم. ثم قال : ان الولد لوالده ، ان رجلا اختصم هو ووالده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقضى ان المال والولد للوالد».

ونقل عن ابن إدريس انه منع من ذلك ، قال : لان مال الولد ليس مالا للوالد. وتبعه من تأخر عنه. وأجاب العلامة في المختلف عن الرواية بالحمل على الاستدانة بعد تحقق الاستطاعة ، أو على من وجب عليه الحج أولا واستقر في ذمته وفرط فيه ثم تمكن من الاقتراض من مال الولد فإنه يلزمه ذلك.

واعترضه في المدارك بان هذا الحمل بعيد جدا ، لمنافاته لما تضمنته الرواية من قضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم قال : وكيف كان فالأصح ما ذهب إليه المتأخرون ،

__________________

(١) ج ٥ ص ١٥ وفي الوسائل الباب ٣٦ من وجوب الحج وشرائطه.


لأن هذه الرواية لا تبلغ حجة في إثبات هذا الحكم المخالف للأدلة القطعية. انتهى

والفاضل الخراساني في الذخيرة بعد ان ذكر جواب العلامة عن الرواية استبعده ، ثم قال : والعدول عن ظاهر الرواية الصحيحة لا يخلو من اشكال. انتهى.

أقول : لا يخفى ان الروايات قد اختلفت في جواز أخذ الوالد من مال ابنه بغير اذنه ، وكذا وطء جاريته بغير اذنه ، وهذه الرواية إنما خرجت ذلك المخرج الذي خرجت عليه روايات الجواز ، والكلام فيها يترتب على الكلام في تلك الروايات ، والأصحاب (رضوان الله عليهم) اقتصروا على الكلام في هذه الرواية استدلالا وجوابا ، والتحقيق ان هذه الرواية لا خصوصية لها بالبحث عنها بل الواجب هو النظر في جملة روايات المسألة والجمع بينها.

وها انا انقل ما وقفت عليه من الأخبار في ذلك وأبين ما ظهر لي من الوجه فيها :

فمنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل لابنه مال فيحتاج إليه الأب؟ قال : يأكل منه. فاما الأم فلا تأكل منه إلا قرضا على نفسها».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة الثمالي عن ابى جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لرجل : أنت ومالك لأبيك. ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : ما أحب له ان يأخذ من مال ابنه إلا ما احتاج اليه من ما لا بد منه ، ان الله (عزوجل) (لا يُحِبُّ الْفَسادَ)».

وما رواه الكليني عن ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) «في

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.


الرجل يكون لولده مال فأحب أن يأخذ منه؟ قال : فليأخذ. وان كانت امه حية فما أحب ان تأخذ منه شيئا إلا قرضا على نفسها».

وما رواه المشايخ الثلاثة (عطر الله تعالى مراقدهم) في الصحيح في التهذيب والفقيه عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه؟ قال : يأكل منه ما شاء من غير سرف. وقال : في كتاب علي عليه‌السلام : ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه ، والوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء. وله ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن وقع عليها. وذكر ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لرجل : أنت ومالك لأبيك».

أقول : وصورة رواية الفقيه (٢) لهذا الخبر من قوله : «عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : في كتاب علي عليه‌السلام. الى قوله : وقع عليها» وما زاد أولا وآخرا من الكتابين الآخرين.

وما رواه في التهذيب عن الحسين بن علوان عن زيد بن على عن آبائه عن علي (عليهم‌السلام) (٣) قال : «اتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان ابي عمد إلى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضرة لي؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ومالك من هبة الله لأبيك ، أنت سهم من كنانته «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ ... وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً» (٤) جازت عتاقة أبيك ، يتناول

__________________

(١) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به ، وفي التهذيب ج ٦ ص ٣٤٣ عن ابي عبد الله عليه‌السلام كما في الوسائل عنه.

(٢) ج ٣ ص ٢٨٦. وفي الوسائل الباب ٤٠ من نكاح العبيد والإماء.

(٣) الوسائل الباب ٦٧ من العتق.

(٤) سورة الشورى الآية ٤٩ و ٥٠.


والدك من مالك وبدنك ، وليس لك ان تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلا باذنه».

وما رواه الصدوق في كتابي العيون والعلل بسنده فيهما عن محمد بن سنان (١) : «ان الرضا عليه‌السلام كتب إليه في ما كتب من جواب مسائله : وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير اذنه وليس ذلك للولد ، لان الوالد موهوب للوالد في قوله (عزوجل) (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (٢) مع انه المأخوذ بمؤنته صغيرا وكبيرا ، والمنسوب اليه والمدعو له ، لقوله عزوجل (ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) (٣) ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ومالك لأبيك. وليس للوالدة مثل ذلك ، لا تأخذ شيئا من ماله إلا بإذنه أو بإذن الأب ، لأن الوالد مأخوذ بنفقة الولد ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها».

وما رواه الثقة الجليل على بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن الرجل تكون لولده الجارية أيطأها؟ قال : ان أحب. وان كان لولده مال وأحب ان يأخذ منه فليأخذ. وان كانت الأم حية فلا أحب أن تأخذ منه شيئا إلا قرضا».

فهذه الأخبار كلها ـ كما ترى على تكاثرها وصحة أسانيد بعضها ـ ظاهرة في موافقة الخبر المتقدم. وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك وقوله : «لان هذه الرواية لا تبلغ حجة. الى آخره» فإنها متى اعتضدت بهذه الأخبار الدالة على ما دلت عليه كانت معها في أعلى مراتب الحجية.

إلا ان ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على عدم القول بها ، وقد تأولوها بحمل أخذ الوالد على جهة النفقة ، والاخبار المذكورة تنبو عن ذلك ، فإنها قد

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

(٢) سورة الشورى الآية ٤٩.

(٣) سورة الأحزاب الآية ٤.


اشتملت على منع الام من الأخذ من ماله إلا قرضا ، والابن إلا بإذن الأب. وهذا من ما يدافع الحمل المذكور ، لاشتراك الجميع في وجوب الإنفاق على الغنى منهم ، فيجوز للام الأخذ نفقة ، والابن الأخذ نفقة ، بلا خلاف ولا اشكال.

ومن الاخبار المدافعة لهذه الأخبار ما تقدم في صحيحة الثمالي (١) من قول ابي جعفر عليه‌السلام : «ما أحب له ان يأخذ من مال ابنه. الى آخره». فإنه ظاهر في العدم إلا مع الضرورة.

ومنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه عن الحسين بن ابي العلاء (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال : قوته بغير سرف إذا اضطر اليه. قال : فقلت له : فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له : أنت ومالك لأبيك؟ فقال : إنما جاء بأبيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا ابي وقد ظلمني ميراثي من أمي. فأخبره الأب انه قد أنفقه عليه وعلى نفسه. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت ومالك لأبيك. ولم يكن عند الرجل شي‌ء ، أو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبس الأب للابن».

وهذا الخبر وان كان سنده ضعيفا في الكتابين المذكورين ، إلا ان الصدوق رواه أيضا في كتاب معاني الاخبار (٣) عن أبيه عن احمد بن إدريس قال : حدثنا محمد بن احمد عن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن الحسين بن ابي العلاء. وهو ظاهر الصحة إلى الحسين ، وحسن به.

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح الى ابن سنان (٤) قال : «سألته ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ ما ذا يحل للوالد من مال ولده؟ قال : اما إذا أنفق

__________________

(١) ص ١١٠.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

(٣) ص ١٥٥ الطبع الحديث ، وفي الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.


عليه ولده بأحسن النفقة فليس له ان يأخذ من ماله شيئا. فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان يطأها إلا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه. قال : ويعلن ذلك. قال : وسألته عن الوالد أيرزأ من مال ولده شيئا؟ قال : نعم ، ولا يرزأ الولد من مال والده شيئا إلا بإذنه. فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يفتضها فليقومها على نفسه قيمة ثم ليصنع بها ما شاء ، ان شاء وطئ وان شاء باع».

قوله : «يرزأ من مال ولده» اي يصيب منه وينتفع به مع بقاء عينه.

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن علي بن جعفر عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يأكل من مال ولده؟ قال : لا ، إلا ان يضطر إليه فيأكل منه بالمعروف. ولا يصلح للولد ان يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذن والده».

ورواه الحميري في قرب الاسناد (٢) إلا ان فيه : قال : «لا إلا بإذنه ، أو يضطر فيأكل بالمعروف ، أو يستقرض منه حتى يعطيه إذا أيسر».

وفي موثقة إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) : «وان كانت له جارية فأراد أن ينكحها قومها على نفسه ، ويعلن ذلك».

أقول : وبهذه الأخبار أخذ الأصحاب وعليها عملهم ، ولم يحصل الخلاف بينهم إلا في مسألة الحج كما عرفت.

وأنت خبير بان المخالف في هذه المسألة لا معنى لقوله بذلك في خصوص الحج ، بل اللازم عليه اما العمل بهذه الأخبار الدالة على الجواز مطلقا أو تركها

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٧٨ من ما يكتسب به.

(٣) الوسائل الباب ٧٩ من ما يكتسب به.


جميعا ، لأن رواية الحج من جملة هذه الروايات وليس لها خصوصية بالحج ، بل ذكر الحج فيها انما خرج مخرج التمثيل كخبر الجارية وخبر العتق (١) ومرجع الجميع الى جواز تصرف الوالد في مال ولده كتصرفه في مال نفسه.

بقي الكلام في الجمع بين هذه الاخبار ، فإنك قد عرفت ان ما جمع به الأصحاب بينها ـ من حمل أخذ الأب على كونه على جهة النفقة ـ غير تام. والذي يقرب عندي ـ باعتبار اتفاق الطائفة المحقة قديما وحديثا على عدم العمل بأخبار إنما خرجت مخرج التقية ، ولا سيما ما دل عليه خبر الحسين بن علوان من مزيد التأكيد في هذا الحكم ، فان رجال هذا الخبر كلهم من العامة ، ومستندهم في ذلك يدور على الخبر النبوي (٢) وقد كثر الاحتجاج به في هذه الاخبار على هذا الحكم. مع ان حسنة الحسين بن ابي العلاء صريحة في تأويله وانه لا حجة فيه على ذلك. ويشير الى ذلك أيضا صحيحة الثمالي (٣) فإنه عليه‌السلام بعد ان نقل الحديث النبوي الدال على الحكم المذكور اضرب عنه تنبيها واشارة الى عدم صحته وإلا فكيف ينقله ويفتي بخلافه؟ وبذلك يظهر قوة القول المشهور في المقامين. والله العالم.

الثانية عشرة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان من كان غير مستطيع للحج ثم استؤجر للحج عن غيره فإن حجه ذلك لا يسقط

__________________

(١) ص ١١١ و ١١٢.

(٢) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت ومالك لأبيك». المتقدم ، ورواه ابن ماجة في سننه ج ٢ ص ٤٤ باب (ما للرجل من مال ولده) وأبو داود في سننه ج ٣ ص ٢٨٩ رقم ٣٥٣٠.

(٣) ص ١١٠.


عنه حجة الإسلام بعد الاستطاعة.

ويدل على ما قالوه خبر آدم بن علي عن ابي الحسن عليه‌السلام (١) قال : «من حج عن انسان ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه الله تعالى ما يحج به ويجب عليه الحج».

واستدل بعضهم على ذلك بروايتي الفضل بن عبد الملك وابي بصير المتقدمتين (٢) في الفرع الرابع من المسألة الثامنة ، والظاهر انهما ليستا من أدلة هذه المسألة في شي‌ء ، وإنما موردهما من بذل له مال يحج به كما هو موضوع تلك المسألة. نعم ربما أمكن احتمال ذلك في رواية أبي بصير بالنظر الى قوله فيها : «أحجه رجل» فإنه يحتمل أنه أعطاه مالا يحج به عن نفسه ، ويحتمل انه انابه عنه في الحج.

وقد ورد هنا جملة من الاخبار دالة بظاهرها على الاجزاء عن حجة الإسلام وان استطاع بعده :

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل حج عن غيره ، أيجزئه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال : نعم».

وصحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٤) «في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا ، هل عليه الحج؟ قال : يجزئ عنهما».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٥) قال : «حج الصرورة يجزئ عنه وعن من حج عنه».

__________________

(١ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٢١ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) ص ١٠٦.


ورواية عمرو بن الياس (١) قال : «حج بي ابي وانا صرورة ، وماتت أمي وهي صرورة ، فقلت لأبي : انى أجعل حجتي عن أمي. قال : كيف يكون هذا وأنت صرورة ، وأمك صرورة؟ قال : فدخل ابي على ابى عبد الله (عليه‌السلام) وانا معه ، فقال : أصلحك الله تعالى ، انى حججت بابني هذا وهو صرورة وماتت امه وهي صرورة ، فزعم انه يجعل حجته عن امه؟ فقال : أحسن ، هي عن امه أفضل ، وهي له حجة».

وقد ورد بإزاء هذا الخبر ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار عن بكر بن صالح (٢) قال : «كتبت الى ابى جعفر (عليه‌السلام) : ان ابني معي وقد امرته ان يحج عن أمي ، أيجزئ عنهما حجة الإسلام؟ فكتب : لا. وكان ابنه صرورة وكانت امه صرورة».

وحمله الشيخ على ما إذا كان للابن مال. وهو مؤذن بقوله بالاجزاء لو لم يكن له مال. وأنت خبير بأنه لو لا صحيحة جميل المذكورة لأمكن حمل هذه الأخبار على ما دلت عليه رواية آدم بن علي من حمل الاجزاء على الاجزاء الى اليسار ، إلا ان صحيحة جميل صريحة في الاجزاء ولو استطاع بعد ذلك.

وأجاب المحقق الشيخ حسن عنها في المنتقى بالطعن في متنها ، قال بعد نقل الخبر المذكور : وربما تطرق اليه الشك لقصور متنه حيث تضمن السؤال أمرين والجواب إنما ينتظم مع أحدهما ، فإن قوله : «يجزئ عنهما» يناسب مسألة الحج عن الغير ، واما حكم من أحجه غيره فيبقى مسكوتا عنه ، مع ان اصابة المال

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٨ ، وفي الوسائل الباب ٢١ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ٦ من النيابة في الحج.


إنما ذكرت معه ، وذلك مظنة الريب أو عدم الضبط في حكاية الجواب ، فيشكل الالتفات إليه في حكم مخالف لما عليه الأصحاب. انتهى.

أقول : لقائل أن يقول : ان المسؤول عنه وان كان رجلا واحدا حج عن غيره أو أحجه رجل ثم أصاب بعد الحج ـ على أحد الوجهين ـ مالا ، إلا انه يرجع في المعنى الى فردين : رجل حج عن غيره ، ورجل أحجه غيره ، وعلى هذا بنى الجواب ، فأجاب عليه‌السلام بان من حج عن غيره فأصاب مالا ، ومن أحجه غيره ثم أصاب مالا ؛ فان حج كل منهما مجزئ عنهما ولا يجب عليهما الإعادة بعد حصول المال. وهذا الوجه ـ بحمد الله تعالى ـ واضح الظهور لا يعتريه القصور وعلى هذا تبقى المسألة في قالب الاشكال.

والسيد السند في المدارك ـ بعد نقل صحيحة معاوية بن عمار الاولى ثم صحيحة جميل ـ قال : وأجاب الشيخ في الاستبصار عن الرواية الأولى بالحمل على ان المراد بحجة الإسلام الحجة المندوب إليها في حال الإعسار دون التي تجب في حال اليسار. وهو تأويل بعيد ، مع انه لا يجري في الرواية الثانية. إلا انه لا خروج عن ما عليه الأصحاب. انتهى.

وفيه انه قد خالف الأصحاب في غير موضع من شرحه هذا ، وان لم يبلغ الدليل الذي في خلافهم الى ما بلغت اليه هذه الاخبار ، كما نبهنا عليه في غير موضع من شرحنا على هذا الكتاب.

والفاضل الخراساني ـ بعد البحث في المسألة ونقل كلام الشيخ حسن المتقدم ـ قال : والمسألة عندي محل اشكال. وهو كذلك لما عرفت.

ولو لا ما يظهر من اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على الحكم المذكور لكان القول بما دلت عليه هذه الاخبار في غاية القوة. والله العالم.


المسألة الثالثة عشرة (١) ـ قال الشيخ في النهاية : من غصب غيره مالا لا يجوز ان يحج به ، فان حج به لم يجزئ عن حجة الإسلام.

وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك عنه وكلام في البين : فاما الحج بهذا المال فان كانت حجة الإسلام لم تجب عليه قبل ذلك ولا استقرت في ذمته ثم حج بهذا المال الحرام ووجد بعد ذلك القدرة على الحج بالمال الحلال وحصلت له شرائط وجوب الحج ، فان حجته الاولى بالمال الحرام لم تجزئه والواجب عليه الحج ثانيا ، وان كان قد وجب عليه واستقر في ذمته قبل غصب المال ثم حج بذلك المال فالحجة مجزية عنه ، لانه قد حصل بالمواضع وفعل أفعال الحج بنفسه ، إلا الهدى ان كان اشتراه بعين المال المغصوب فلا يجزئه عن هديه الواجب عليه ، ووجب عليه شراء هدي أو الصوم بدلا منه ، إلا انه لا يفسد حجة لأن الهدي ليس بركن. انتهى.

وقال العلامة في المختلف بعد نقل القولين المذكورين وكلام في البين : واما الحج فمراد الشيخ انه حج حجة الإسلام بذلك المال من غير ان يسبق وجوبها عملا بالأصل ، ولو كان قد سبق الوجوب احتمل عدم الإجزاء أيضا ، لأنه لا يجوز له أداء المناسك قبل دفع المال الى مالكه ، فالزمان الذي صرفه في الحج قد كان يجب فيه صرف المال الى ربه ، فيكون الحج حينئذ باطلا إذا لم يمكن الجمع بين الحج ودفع المال. انتهى.

أقول : ظاهر كلام العلامة (رحمه‌الله) موافقة ابن إدريس في ما ذكره من التفصيل ولذا حمل كلام الشيخ على ذلك ، واما ما ذكره من الاحتمال لو سبق

__________________

(١) هذه المسألة شطب عليها في النسخة المطبوعة ، وهي موجودة في بعض النسخ الخطية بالترتيب الذي أوردناه.


الوجوب فهو مبني على مذهبه (قدس‌سره) من القول بان الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده الخاص. وقد أوضحنا في غير موضع من ما تقدم ضعف العمل بهذه القاعدة.

والوجه في ما ذكروه من التفصيل ، اما صحة الحج مع تقدم استقراره في الذمة ، فلما تقدم في كلام ابن إدريس ، واما عدم الصحة مع عدم ذلك فالظاهر انه من حيث عدم حصول الاستطاعة للحج ، فهو ليس بمستطيع له ولا مخاطب به فيكون من قبيل تكلف الحج من غير ان يجب عليه ، وقد تقدم عنهم أنه غير مجزئ عن حجة الإسلام بل تجب عليه الإعادة متى حصلت له الاستطاعة.

وقد أوضحنا في صدر البحث ما ظهر لنا من الآية والأخبار في هذا المقام ، وبمقتضي ما حققنا ثمة انه لا فرق بين الصورتين في الاجزاء.

إلا ان ظواهر الأخبار الواردة في هذا المقام هو بطلان الحج بالمال الحرام مطلقا :

ومنها ـ ما رواه في الفقيه مرسلا (١) قال : روى عن الأئمة (عليهم‌السلام) انهم قالوا : «من حج بمال حرام نودي عند التلبية : لا لبيك عبدي ولا سعديك».

وما رواه في كتاب الخصال عن ابان ـ والظاهر انه ابن عثمان الأحمر ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «اربع لا يجزن في أربع : الخيانة والغلول والسرقة والربا : لا يجزن في حج ولا عمرة ولا جهاد ولا صدقة». ورواه في الفقيه عن ابان بن عثمان مثله (٣).

وما رواه في كتاب المجالس في الصحيح عن محمد بن مسلم ومنهال القصاب

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥٢ من وجوب الحج وشرائطه.


جميعا عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «من أصاب مالا من اربع لم يقبل في أربع : من أصاب مالا من غلول أو رباء أو خيانة أو سرقة ، لم يقبل منه في زكاة ولا صدقة ولا حج ولا عمرة».

وما رواه في كتاب عقاب الأعمال (٢) بسنده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال في آخر خطبة خطبها : «من اكتسب مالا حراما لم يقبل الله منه صدقة ولا عتقا ولا حجا ولا اعتمارا ، وكتب الله له بعدد اجزاء ذلك أو زارا ، وما بقي منه بعد موته كان زاده الى النار».

وما رواه فيه ايضا بسند صحيح الى حديد المدائني عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «صونوا دينكم بالورع ، وقووه بالتقية والاستغناء بالله عن طلب الحوائج من السلطان ، واعلموا أنه أيما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو لمن يخالفه على دينه طلبا لما في يده ، خمله الله ومقته عليه ووكله الله إليه ، فإن هو غلب على شي‌ء من دنياه وصار في يده منه شي‌ء ، نزع الله البركة منه ولم يأجره على شي‌ء ينفقه في حج ولا عمرة ولا عتق».

وما رواه البرقي في المحاسن عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) : «ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حمل جهازه على راحلته وقال : هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة. ثم قال : من تجهز وفي جهازه علم حرام لم يقبل الله منه الحج».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الموثق عن زرعة (٥) قال : «سأل أبا عبد الله عليه‌السلام رجل من أهل الجبال عن رجل أصاب مالا من اعمال السلطان فهو يتصدق منه ويصل قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب ، وهو يقول : (إِنَّ الْحَسَناتِ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ٥٢ من وجوب الحج وشرائطه.


يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١). قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان الخطيئة لا تكفر الخطيئة ولكن الحسنة تحط الخطيئة. الحديث».

واما ما رواه في الفقيه مرسلا (٢) ـ قال : «وقال الصادق عليه‌السلام : لما حج موسى عليه‌السلام نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام فقال له موسى : يا جبرئيل ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة؟ فقال : لا أدرى حتى ارجع الى ربي. الحديث». وقد تقدم في المقدمة الاولى من المقدمات المذكورة في صدر هذا الكتاب (٣) وفيه : «ان الله سبحانه قال لمن حج كذلك : أهب له حقي وارضي عليه خلقي». ـ فيجب حمله على ما لو كان المال حلالا ظاهرا وكان في نفس الأمر حراما أو انه من ما فيه شبهة كجوائز السلطان ونحوها ، جمعا بين الاخبار المذكورة.

ويمكن بناء على الفرق بين الصحة والقبول ـ كما عليه جملة من الأصحاب ـ ان يقال بصحة الحج كما صرح به الأصحاب هنا ، وان كان غير مقبول كما هو ظاهر الأخبار المذكورة. إلا ان الذي حققناه في غير موضع من زبرنا ان الأظهر عدم الفرق بينهما. ويمكن بناء على هذا حمل الأخبار المذكورة على عدم القبول الكامل ، كما ورد عدم قبول الصلاة في مواضع ، وانه ربما يقبل منها نصفها أو ثلثها أو نحو ذلك (٤) فإنه محمول على القبول الكامل ، بناء على ما هو المشهور بين الأصحاب من اتحاد الصحة والقبول.

وبالجملة فإن المسألة غير خالية من شوب الاشكال. والله سبحانه وأولياؤه العالمون بحقيقة الحال.

__________________

(١) سورة هود الآية ١١٤.

(٢) الوسائل الباب ٥٢ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) ص ١٩.

(٤) ج ٦ ص ١٠.


الرابع من الشروط المتقدمة ـ ان يكون له ما يمون عياله الواجبي النفقة عليه من مأكول وملبوس ونحو ذلك ، قالوا : لانه حق سابق على وجوب الحج فيكون مقدما عليه.

ويدل على ذلك رواية أبي الربيع الشامي (١) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢) فقال : ما يقول الناس؟ قال : فقيل له : الزاد والراحلة (٣) قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : قد سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن هذا فقال : هلك الناس إذا ، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ينطلق اليه فيسلبهم إياه لقد هلكوا. فقيل له : فما السبيل؟ فقال : السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا يقوت به عياله ، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم».

ويؤيد ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) «في رجل مات ولم يحج حجة الإسلام ، ولم يترك إلا قدر نفقة الحج ، وله ورثة؟

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٦٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٥٨ وفي الوسائل الباب ٩ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٣) المغني ج ٣ ص ٢١٩ ، وبداية المجتهد ج ١ ص ٢٩٣ ، وبدائع الصنائع ج ٢ ص ١٢٢.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٣٠٥ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٠٥ ، إلا ان اللفظ فيهما يختلف عن ما أورده ويتفق مع ما أورده في الفقيه ج ٢ ص ٢٧٠ عن هارون بن حمزة الغنوي. وقد أورده في الوسائل عنه وعن الكافي والتهذيب في الباب ١٤ من وجوب الحج وشرائطه.


قال : هم أحق بميراثه ، ان شاءوا أكلوا وان شاءوا حجوا عنه».

والحكم اتفاقي لا خلاف فيه.

وانما الخلاف في انه هل يشترط في الوجوب الرجوع الى كفاية من مال أو صناعة أو حرفة أم لا؟ ذهب الأكثر ـ ومنهم المرتضى وابن ابي عقيل وابن الجنيد وابن إدريس وجملة من المتأخرين ـ الى الثاني ، وذهب الشيخان إلى الأول ونسبه المرتضى (رضي‌الله‌عنه) الى كثير من أصحابنا ، وبه قال أبو الصلاح وابن البراج وابن حمزة ، على ما نقله في المختلف ، قال : ورواه أبو جعفر ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه.

وهو ظاهر شيخنا علي بن سليمان البحراني (قدس‌سره) في حاشيته على كتاب المختصر ، حيث قال : مقتضى قوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١) اشتراط الرجوع الى عمل أو ضيعة أو صناعة أو حرفة لمن ليس له سبيل في المعيشة غير ما ذكر عادة. الى ان قال : اما لو كان بيت مال يعطى منه ، أو كان ممن تتيسر له الزكاة والعطايا عادة ممن لم يتحرج من ذلك ، فلا يشترط في حقه. انتهى وادعى ابن إدريس رجوع الشيخ عن القول المذكور في الاستبصار والخلاف ، ورده العلامة في المختلف ، ونقل كلام الشيخ في الكتابين المذكورين. ولا ريب ان ما ذكره الشيخ لا يتضمن الرجوع كما توهمه ابن إدريس.

ويدل على القول المشهور عموم قوله (عزوجل) (مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢) وهذا مستطيع.

ولو قيل : ان مقتضى عموم الآية أيضا حصول الاستطاعة بالزاد والراحلة

__________________

(١) سورة الحج الآية ٧٨.

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.


وان لم يجد النفقة إلى عياله مدة غيبته.

قلنا : نعم الأمر كذلك ولكن قام الدليل ـ كما تقدم ـ على وجوب ذلك فيخص به عموم الآية ، واما هنا فلم يقم دليل على ذلك كما سيتضح لك ان شاء الله تعالى.

وتدل عليه ايضا الروايات المتقدمة في الشرط الثالث ، مثل صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي (١) المشتملة على ان كل من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج ، وحسنة الحلبي المشتملة على ان من عرض عليه ما يحج به فاستحى من ذلك فهو ممن يستطيع الحج (٢) ونحوهما من ما تقدم.

احتج الشيخ ـ على ما نقله في المختلف ـ بأصالة البراءة ، والإجماع ، ورواية أبي الربيع الشامي المتقدمة (٣).

ورد بأن أصالة البراءة إنما يصار إليها إذا لم يدل على خلافها دليل. والإجماع غير ثابت. والخبر غير دال على ما ادعاه ، بل ظاهره إنما هو الدلالة على نفقة عياله مدة ذهابه وإيابه لا الرجوع الى كفاية.

نعم قد روى هذه الرواية الشيخ المفيد في المقنعة (٤) بزيادة ربما توهم ما ذهبا إليه ، فإنه روى الرواية هكذا : «قد قيل لأبي جعفر عليه‌السلام ذلك فقال : هلك الناس ، إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما ومقدار ذلك ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه ان يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه ، لقد هلك الناس اذن. فقيل له : فما السبيل؟ قال : السعة في المال وهو ان يكون معه ما يحج ببعضه ويبقى البعض يقوت به نفسه وعياله».

__________________

(١) ص ٨٠ و ١٢٩.

(٢) ص ٨٤.

(٣) ص ١٢٣.

(٤) ص ٦٠ ، وفي الوسائل الباب ٩ من وجوب الحج وشرائطه.


وأجيب عنها بعدم الدلالة على ما ادعياه من اشتراط الرجوع الى تلك الأشياء المعدودة التي فسروا بها الرجوع الى كفاية ، فإن غاية ما تدل عليه اعتبار بقاء شي‌ء من المال حتى لا يكون بعد رجوعه يحتاج إلى سؤال الناس ، وبه يصدق قوله : «يبقى البعض يقوت به نفسه وعياله» فيحمل ذلك على قوت السنة له ولهم. وهذا لا يستلزم ما ذكراه (نور الله تعالى مرقديهما).

وبذلك ايضا يجاب عن ما نقله الصدوق في الخصال (١) عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما‌السلام) في حديث طويل قال فيه : «وحج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا ، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن ، وان يكون للإنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع اليه بعد حجه». فان اشتراط بقاء شي‌ء الى بعد رجوعه يكفي فيه مؤنة بعض السنة أو مؤنة السنة ، ولا يستلزم ما ذكراه.

وبالجملة فإن الخروج عن ظاهر الآية والروايات العديدة الصحيحة الصريحة بمثل هذين الخبرين المجملين مشكل.

الخامس من الشروط ـ إمكان السفر ، وهو يشتمل على الصحة ، وتخلية السرب ، والاستمساك على الراحلة ، وسعة الوقت لقطع المسافة.

وحينئذ فالكلام هنا يقع في مقامات ثلاثة الأول ـ لا خلاف نصا وفتوى في ان المريض الذي يتضرر بالركوب على القتب أو في المحمل ان وسعته الاستطاعة لا يجب عليه الحج.

ويدل على ذلك ـ مضافا الى ما دل على نفي المشقة والحرج في التكليف آية ورواية (٢) ـ صحيحة ذريح عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من مات ولم

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) راجع الحدائق ج ١ ص ١٥١.

(٣) الوسائل الباب ٧ من وجوب الحج وشرائطه.


يحج حجة الإسلام ـ لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق به الحج أو سلطان يمنعه ـ فليمت يهوديا أو نصرانيا».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قال الله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢)؟ قال : هذه لمن كان عنده مال وصحة. الحديث».

وصحيحة هشام بن الحكم (٣) وفيها : «ومن كان صحيحا في بدنه ، مخلى سربه ، له زاد وراحلة».

واما المريض مرضا لا يتضرر بالسفر فإنه كالصحيح في الوجوب عليه ، ولو احتاج في سفره الى الدواء فهو كالزاد.

وكذا يسقط التكليف مع عدم الاستمساك على الراحلة كالمعضوب ومقطوع اليدين والرجلين غالبا ، لعين ما تقدم من الأدلة.

بقي الكلام في انه هل تجب الاستنابة متى حصلت الاستطاعة وعرض المانع من مرض ونحوه من الأعذار أم لا؟ قولان ، أولهما للشيخ وابي الصلاح وابن البراج وابن الجنيد وغيرهم ، والثاني لابن إدريس ، واختاره العلامة في المختلف.

والذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة روايات :

منها ـ صحيحة الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «ان كان موسرا

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.

(٣) الوسائل الباب ٨ من وجوب الحج وشرائطه.

(٤) الوسائل الباب ٢٤ من وجوب الحج وشرائطه.


حال بينه وبين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره الله تعالى فيه ، فان عليه ان يحج عنه من ماله صرورة لا مال له».

وصحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «كان علي (عليه‌السلام) يقول : لو ان رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج ، فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه».

وصحيحة عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «ان أمير المؤمنين (عليه‌السلام) أمر شيخا كبيرا لم يحج قط ولم يطق الحج لكبره ان يجهز رجلا يحج عنه».

ورواية علي بن أبي حمزة (٣) قال : «سألته عن رجل مسلم حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله تعالى فيه. فقال : عليه ان يحج من ماله صرورة لا مال له».

ورواية عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٤) «ان عليا (عليه‌السلام) قال لرجل كبير لم يحج قط : إن شئت ان تجهز رجلا ثم ابعثه ان يحج عنك».

ورواية سلمة أبي حفص عن ابى عبد الله عن أبيه (عليهما‌السلام) (٥) «ان رجلا اتى عليا (عليه‌السلام) ولم يحج قط فقال : انى كنت رجلا كثير المال وفرطت في الحج حتى كبرت سني؟ قال : فتستطيع الحج؟ قال : لا. فقال علي (عليه‌السلام) : ان شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك».

وروى الشيخ المفيد في المقنعة عن الفضل بن عباس (٦) قال : «أنت

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٢٤ من وجوب الحج وشرائطه.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٤٦٠ ، وفي الوسائل الباب ٢٤ من وجوب الحج وشرائطه.


امرأة من خثعم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : ان ابى أدركته فريضة الحج وهو شيخ كبير لا يستطيع ان يلبث على دابته؟ فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فحجي عن أبيك».

وهذه الروايات ـ كما ترى ـ كلها ظاهرة الدلالة على القول المشهور فيكون هو المعتمد المنصور. ومن ذلك يظهر ان هذا الشرط إنما هو شرط في وجوب الحج البدني لا الوجوب المالي ، لوجوبه بهذه الأخبار مع عدم التمكن من الحج بنفسه.

احتج العلامة (قدس‌سره) في المختلف بأصالة البراءة ، وبان الاستطاعة شرط وهي مفقودة ، فيسقط الوجوب قضية للشرط.

وبصحيحة محمد بن يحيى الخثعمي (١) قال : «سأل حفص الكناسي أبا عبد الله عليه‌السلام وانا عنده عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢) ما يعنى بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه ، مخلي سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممن يستطيع الحج». قال : دل بمفهومه على ان فاقد الصحة ليس بمستطيع.

وأجيب عن ذلك بان الأصل يرتفع بالدليل وقد تقدم. والاستطاعة شرط في وجوب الحج مباشرة.

وظاهر إطلاق هذه الاخبار هو وجوب الاستنابة مطلقا سواء كان المرض والعذر مرجو الزوال أم لا ، وظاهر الأصحاب الاتفاق ـ كما نقله في المنتهى ـ على انه لو رجا البرء لم تجب الاستنابة. فيختص وجوب الاستنابة عندهم بالمرض

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.


الغير المرجو الزوال ، واما ما كان مرجو الزوال فقالوا فيه بالاستحباب.

قال في المدارك : وإنما تجب الاستنابة مع اليأس من البرء ، فلو رجا البرء لم تجب عليه الاستنابة إجماعا ـ قاله في المنتهى ـ تمسكا بمقتضى الأصل السالم من معارضة الأخبار المتقدمة ، إذ المتبادر منها تعلق الوجوب بمن حصل له اليأس من زوال المانع. والتفاتا إلى انه لو وجبت الاستنابة مع المرض مطلقا لم يتحقق اعتبار التمكن من المسير في حق أحد من المكلفين. إلا ان يقال : ان اعتبار ذلك إنما هو في الوجوب البدني خاصة. انتهى.

أقول : لا يخفى ان إطلاق أكثر الأخبار المتقدمة ظاهر في مطلق المرض مأيوسا من برئه أم لا ، فان قوله (عليه‌السلام) في صحيحة الحلبي ـ : «ان كان موسرا حال بينه وبين الحج مرض أو أمر يعذره الله فيه». ـ شامل لما هو أعم من ما ذكروه ، ومثلها رواية علي بن أبي حمزة ، وأظهر منها صحيحة محمد بن مسلم من قوله (عليه‌السلام): «لو ان رجلا أراد الحج فعرض له مرض. الحديث». نعم الأخبار المتضمنة للشيخ الكبير ظاهرة في ما ذكروه ، إلا انها لا دلالة فيها على الاختصاص بما ادعوه. وخصوص السؤال لا يخصص الجواب.

وبذلك يظهر لك ما في قوله في المدارك من ان المتبادر من الاخبار المذكورة تعلق الوجوب بمن حصل له اليأس من زوال المانع ، فادعى لذلك سلامة الأصل من المعارض. وفيه ما عرفت ، فإن الأخبار التي أشرنا إليها ظاهرة في العموم فيجب الخروج عن ما ادعوه من الأصل بها. على انه لا مانع من العمل بهذه الاخبار على إطلاقها مع وجوب الإعادة مع البرء ، كما صرحوا به بالنسبة الى غير المرجو الزوال.


وبالجملة فإني لا اعرف لهم حجة واضحة على التخصيص سوى الإجماع المدعى في المقام.

ولعله لما ذكرنا ذهب في الدروس الى وجوب الاستنابة مطلقا ، وان وجبت الفورية بالنسبة إلى المأيوس من البرء والعدم بالنسبة إلى مرجو الزوال ، فان ظاهر كلامه مشعر بذلك ، حيث قال بعد ذكر المعضوب : والأقرب ان وجوب الاستنابة فوري إن يئس من البرء وإلا استحب الفور. وفي حكم المعضوب المريض والهرم والممنوع بعدو ، سواء كان قد استقر عليه الوجوب أم لا ، خلافا لابن إدريس. فإن ظاهر كلامه ظاهر في ما قلناه ، وكذلك فهمه الأصحاب.

قال في المسالك : وإنما تجب الاستنابة مع اليأس من البرء ، ومعه فالوجوب فوري كأصل الحج ، ومتى لم يحصل اليأس لم يجب وان استحب ، ويظهر من الدروس وجوب الاستنابة على التقديرين وان لم تجب الفورية مع عدم اليأس. انتهى.

وقول الشهيد (رحمه‌الله) ـ عندي هنا لا يخلو من قوة وان نسبه في المدارك الى الضعف ، لدلالة ظاهر الاخبار المتقدمة عليه ، مع تأيد ذلك بالاحتياط المطلوب في الدين.

على ان ما ادعوه من الاستحباب لا اعرف له دليلا في المقام ، إذ ليس في المسألة سوى ما قدمناه من الاخبار ، وهي عندهم محمولة على العذر الغير المرجو الزوال ، وقد صرحوا بأن النيابة فيها على جهة الوجوب. ومن ذلك يعلم انه لا دليل لهذا الاستحباب وان نقلوه عن الشيخ (رحمه‌الله تعالى) وتبعوه فيه ، كما هي قاعدتهم غالبا.

بقي الكلام هنا في فوائد تتعلق بالمقام الأولى ـ ظاهر الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على انه لو تقدمت الاستطاعة على حصول العذر وجبت الاستنابة قولا واحدا ، وقد صرح بذلك جملة منهم ، ويدل عليه


صريحا ورواية سلمة أبي حفص المتقدمة (١).

ولا ينافي ذلك قوله عليه‌السلام : «ان شئت فجهز رجلا» فإنه ليس المراد هنا التخيير له بين التجهيز وعدمه ، بل هذه العبارة ـ كثيرا ما يرمى بها في أمثال هذه المقامات ـ المراد منها الوجوب ، كما وقعت أيضا في رواية القداح المتقدمة (٢) وكأن المراد منها : ان شئت أداء ما وجب عليك وخلاص ذمتك.

وبذلك يظهر ما في كلام صاحب الذخيرة حيث انه توهم من هذه الكلمة التخيير وعدم الوجوب ، فقال بعد نقل الخبر المشار اليه : وفيه اشعار بعدم الوجوب. فإنه لا يخفى على من أحاط خبرا بالأخبار انه كثيرا ما يؤتى بهذه الكلمة في مقام الوجوب ، ويؤيد ذلك استدلال الأصحاب بهذين الخبرين المذكورين على الوجوب في المسألة ، وما ذاك إلا من حيث فهمهم من هذه الكلمة الحمل على غير المعنى المتبادر منها.

وبالجملة فموضع الخلاف في المسألة عندهم ما إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب.

الثانية ـ حيث ان الأصحاب صرحوا باستحباب الاستنابة لمن يرجو زوال العذر ، فرعوا عليه انه لو حصل اليأس بعد رجاء البرء وقد استناب أولا ، فإنه تجب عليه الاستنابة ثانيا مع بقاء الاستطاعة.

قال العلامة في التذكرة ـ بعد ان صرح في صدر المسألة بأن المريض إذا كان مرضه يرجى زواله ونحوه غيره من ذوي الأعذار يستحب له الاستنابة ـ ما لفظه : فلو استناب من يرجو القدرة على الحج بنفسه ثم صار مأيوسا من برئه فعليه ان يحج عن نفسه مرة أخرى ، لأنه استناب في حال لا تجوز

__________________

(١ و ٢) ص ١٢٨.


الاستنابة فيها فأشبه الصحيح. قال الشيخ (قدس‌سره) : ولان تلك الحجة كانت عن ماله وهذه عن بدنه. انتهى.

أقول : فيه انه قد صرح باستحباب الاستنابة في صدر المسألة ، فكيف يتم هنا قوله : «انه استناب في حال لا تجوز»؟ بل كان الأظهر في التعبير ان يقال : «في حال لا تجب» لان المستحب لا يكفى عن الواجب كما في الصحيح الذي حج استحبابا.

واما ما نقله عن الشيخ من التعليل فقد نقله عنه سابقا. وكذا صرح به في المنتهى بالنسبة الى من حصل له البرء بعد ان استناب في حال المرض ، وهو الأوفق بلفظ العبارة المذكورة.

وبالجملة فإن كلامه (قدس‌سره) هنا لا يخلو من مسامحة نشأت من الاستعجال وكيف كان فههنا أحوال ثلاثة : أحدها ـ ان يبرأ من ذلك المرض ، ولا خلاف ولا إشكال في وجوب الإعادة والحج بنفسه. الثانية ـ ان يموت ، ولا خلاف ولا إشكال أيضا عندهم ـ كما صرحوا به ـ في انه لا شي‌ء عليه ، استناب أو لم يستنب. الثالثة ـ ان يصير مرضه الى ما لا يرجى برؤه ، وظاهرهم ـ كما عرفت ـ وجوب الاستنابة عليه ثانيا لما تقدم من التعليل. ويأتي على ما قدمنا ذكره ـ من ان ظاهر الأخبار وجوب الاستنابة مطلقا ـ انه لو استناب أولا فقد ادى الواجب ولا يجب ثانيا. ومثل ذلك يأتي في حالة الموت فإنه إذا استناب أولا فلا شي‌ء عليه وإلا وجب القضاء عنه. واما على ما ذكروه من الاستحباب فلا شي‌ء مطلقا.

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الممنوع لعذر لا يرجى زواله لو استناب ، فان استمر المانع حتى مات فلا قضاء ، وان زال ذلك


المانع وجب الحج عليه بنفسه مع بقاء الاستطاعة ، ولا خلاف بينهم في شي‌ء من ذلك في ما اعلم.

ونقل عن الشيخ في تعليل الحكم الثاني بان ما فعله كان واجبا في ماله وهذا يلزمه في نفسه. قيل : ومرجعه الى الاستدلال بإطلاق الأمر بالحج المتناول لجميع المكلفين ممن لم يحج ، ومن استناب في الحج لا يصدق عليه انه حج حقيقة فيتناوله الإطلاق.

ولا يخفى ما فيه من الإشكال ، فإن دخول هذا الفرد تحت إطلاق الأمر بعد تكليف الشارع له بالحج في تلك الحال لا يخلو من غموض ، وان كان الاحتياط في ما ذكروه.

ونقل عن بعض الأصحاب انه احتمل عدم الوجوب كما لو لم يبرأ ، للأصل ولأنه أدى حج الإسلام بأمر الشارع فلا يلزمه حج ثان ، كما لو حج بنفسه.

قال في المدارك بعد نقله : وهذا الاحتمال غير بعيد ، إلا ان الأول أقرب تمسكا بإطلاق الأمر. انتهى.

أقول : قد عرفت ما في التمسك بإطلاق الأمر من البعد ، سيما مع ما عرفت في غير موضع ـ وبه صرحوا (رضوان الله تعالى عليهم) ـ من ان الإطلاق إنما ينصرف الى الافراد الغالبة الشائعة المتكررة دون الفروض النادرة الوقوع.

وبالجملة فهذا الاحتمال جيد إلا ان المسألة لما كانت عارية عن النص الصريح فالاحتياط فيها لازم ، وهو في جانب القول الذي عليه الأصحاب.

ومتى وجب عليه الحج بعد البرء كما ذكروه فان مات قبل ان يأتي به وجب قضاؤه كغيره.

الرابعة ـ قالوا : لو لم يجد الممنوع مالا لم تجب عليه الاستنابة قطعا. وكذا لو وجد المال ولم يجد من يستأجره فإنه يسقط الى العام المقبل. ولو


وجد من يستأجره بأكثر من اجرة المثل وجب مع المكنة. ولو لم يكن له مال ووجد من يعطيه المال لأداء الحج لم يجب عليه قبوله ، لأن الاستنابة انما تجب على الموسر على ما تضمنته الأخبار المتقدمة. ولا يقاس على الصحيح إذا بذل له الزاد والراحلة حيث وجب عليه الحج بذلك ، لاختصاصه بالنص وبطلان القياس. وهو جيد موافق للقواعد الشرعية.

الخامسة ـ قال في الدروس : ولو وجب عليه الحج بإفساد أو نذر فهو كحجة الإسلام بل أقوى. وكتب في الحاشية في بيان وجه القوة ، قال : لان سبب الحج هنا المكلف ولما امتنع فعله بنفسه صرف الى ماله ، بخلاف حجة الإسلام فإن سببها من الله. انتهى.

أقول : ما ذكره في الدروس قد نقله في التذكرة عن الشيخ (قدس‌سره) حيث قال : قال الشيخ : المعضوب إذا وجب عليه حجة بالنذر أو بإفساد حجه وجب عليه ان يحج غيره عن نفسه ، وان بري‌ء في ما بعد وجب عليه الإعادة. ثم قال : وفيه نظر.

وفي المنتهى قال : وعندي في ذلك تردد. والظاهر ان وجه النظر والتردد هو ان مورد نصوص الاستنابة حجة الإسلام ، والتعدي إلى غيرها قياس محض.

واما ما ذكره في الدروس فلا يخفى ما فيه ، فان العبادات توقيفية لا بد في ثبوتها من النصوص ، وهذه التعليلات العليلة لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية ولهذا قال السيد في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو غير واضح في النذر ، بل ولا الإفساد ايضا ان قلنا ان الثانية عقوبة ، لأن الحكم بوجوب الاستنابة على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد النص وهو حج الإسلام ، والنذر والإفساد إنما اقتضيا وجوب الحج مباشرة وقد سقط بالتعذر. انتهى. وهو جيد.

السادسة ـ ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة ومثلها رواية علي بن أبي حمزة


تناول المانع الموجب للاستنابة لما لو كان خلقيا أو عارضا ، وان كان أكثر أخبار المسألة إنما تضمن ذكر العارض خاصة ، وعلى هذا فلو كان لا يستمسك خلقة فإنه تجب عليه الاستنابة.

وظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة العموم ايضا بل صرح العلامة في المنتهى بذلك فقال : ولو كان المرض لا يرجى برؤه ـ أو كان العذر لا يزول كالإقعاد وضعف البدن خلقة وغير ذلك من الأعذار اللازمة أو كبر السن وما أشبهه ـ قال الشيخ : وجب عليه ان يحج عنه رجلا ، لما تقدم من الأحاديث. الى آخره.

وظاهر المحقق في الشرائع الخلاف في ذلك ، حيث اختار ان من لا يستمسك خلقة يسقط الفرض عن نفسه وماله.

والظاهر ان الحامل للمحقق (قدس‌سره) هنا على هذا القول هو انهم قد اتفقوا ـ كما عرفت في الفائدة الأولى ـ على انه لو تقدمت الاستطاعة على حصول العذر وجبت الاستنابة قولا واحدا ، وان محل الخلاف إنما هو إذا عرض المانع قبل استقرار الوجوب ، وظاهر أكثر النصوص إنما دل على من عرض له العجز ، لفرضها في شيخ كبير أو من عرض له المرض ، ولهذا لم يذكر في المعتبر إلا ما دل على ذلك دون ما دل بظاهره على الخلقي منه ، كرواية الحلبي ورواية على بن أبي حمزة ، فالعجز الأصلي بعيد عن الدخول تحت تلك الروايات ، لإمكان حمل تلك النصوص على ما لو سبق الوجوب على العجز ، بخلاف العاجز الأصلي فإنه لا يتصور فيه سبق الاستقرار.

وبالجملة فإن التفصيل الذي ذكروه ـ من انه ان تقدمت الاستطاعة وجبت الاستنابة قولا واحدا ، وإلا فهو محل الخلاف ـ إنما يجري في المانع العارضي الذي هو مورد تلك الاخبار ، واما الخلقي فيكون خارجا عنها ، ومتى كان


خارجا عنها فإنه يبقى على حكم الأصل من عدم الوجوب ، لعدم الدليل بناء على انه ليس سوى تلك الأخبار. وقد عرفت ما فيه.

وشيخنا الشهيد الثاني في المسالك لما اختار القول المشهور احتج على ذلك بعدم العلم بالقائل بالفرق بين الخلقي والعارضي. ثم ذكر رواية على بن أبي حمزة.

واعترضه سبطه في المدارك فقال بعد نقل ذلك : وهو احتجاج ضعيف فإن إحداث القول في المسألة لا يتوقف على وجود القائل إذا لم ينعقد الإجماع على خلافه ، كما بيناه مرارا. والرواية لا تنهض حجة لأن راويها علي بن أبي حمزة وقال النجاشي : انه كان أحد عمد الواقفية. انتهى. وهو جيد بناء على أصولهم المشتركة بين المورد والمورد عليه.

السابعة ـ المستفاد من ظاهر عبائرهم انه لو تكلف الممنوع بأحد الأعذار المتقدمة الحج لم يجزئه عن حجة الإسلام ، لعدم تحقق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب ، فكان كما لو تكلفه الفقير.

وبذلك صرح في التذكرة حيث قال بعد ذكر الشرائط المشار إليها آنفا : هذه الشرائط التي ذكرناها منها ما هو شرط في الصحة والوجوب وهو العقل ، لعدم الوجوب على المجنون وعدم الصحة منه ، ومنها ما هو شرط في الصحة دون الوجوب وهو الإسلام. الى ان قال : ومنها ما هو شرط في الوجوب دون الصحة وهو البلوغ والحرية والاستطاعة وإمكان السير ، لأن الصبي والمملوك ومن ليس معه زاد ولا راحلة وليس بمخلى السرب ولا يمكنه المسير ، لو تكلفوا الحج لصح منهم وان لم يكن واجبا عليهم ، ولا يجزئهم عن حجة الإسلام. انتهى.

وظاهر الشهيد في الدروس الفرق هنا بين الفقير وغيره ، حيث قال ـ بعد ان ذكر انه لو حج فاقد الشرائط لم يجزئه ـ ما لفظه : وعندي لو تكلف المريض والمعضوب والممنوع بالعدو وضيق الوقت أجزأ ، إلا ان ذلك من باب تحصيل


الشرط ، فإنه لا يجب ولو حصله وجب وأجزأ. نعم لو ادى ذلك الى إضرار بالنفس يحرم إنزاله وقارن بعض المناسك احتمل عدم الاجزاء.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وفي الفرق نظر. والمتجه انه ان حصلت الاستطاعة الشرعية قبل التلبس بالإحرام ثبت الوجوب والاجزاء ، لما بيناه من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد ، وان حصل التلبس قبل تحقق الاستطاعة انتفى الأمران معا ، سواء كان عدم الاستطاعة بعدم القدرة على تحصيل الزاد والراحلة أو بالمرض المقتضى لسقوط الحج أو بخوف الطريق أو غير ذلك ، لان ما فعله لم يكن واجبا فلا يجزئ عن الواجب ، كما لا يجزئ فعل الواجب الموقت قبل دخول وقته. انتهى.

أقول : لا يخفى ان شيخنا الشهيد قد أشار في كلامه الى وجه الفرق بقوله : «إلا ان ذلك من باب تحصيل الشرط. الى آخره» وتوضيحه ان شرطية إمكان السير التي هي عبارة عن الصحة وتخلية السرب ونحوهما كشرطية الزاد والراحلة فلا يجب الحج بدون حصول ذلك ، ولا يجب تحصيل شي‌ء من ذلك ، لما تقدم من عدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط ، لكن لو تكلف المكلف تحصيله وحصله وجب عليه الحج ، كما صرحوا به في الزاد والراحلة من انهما لا يجب عليه تحصيلهما اما لو تكلفهما فحصلهما وجب الحج ، فكذلك شرط إمكان السير فإنه لا يجب عليه تحصيله فلو تكلفه وخاطر بنفسه وحصلت له السلامة وتمكن من الحج وجب عليه وأجزأه. وهو جيد.

ثم استثنى من ذلك ما لو ادى الى إضرار بالنفس وقارن بعض المناسك ، على احتمال ، كما لو كان في أثناء الإحرام فتحمل المريض أو مدافع العدو بما لا يجوز تحمله كما لو غلب على ظنه العطب ، فان ذلك يبنى على قاعدة اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد ، اما لو لم يكن كذلك فالاجزاء ثابت وان تحمل


تلك المشاق التي لا يجب عليه تحملها.

وإنما ذكر ذلك احتمالا ولم يجزم به ، لإمكان ان يقال : ان النهي هنا انما هو عن وصف خارج عن النسك ، فلا يلزم اتحاد متعلق الأمر والنهي الذي هو محل الاشكال.

وحينئذ فقول السيد (قدس‌سره) ـ بعد تنظره في الفرق : «والمتجه انه ان حصلت الاستطاعة الشرعية. الى آخره» ـ خروج عن محل البحث ، فان محل البحث انما هو بالنسبة إلى وجوب الحج على هذا البعيد من بلده وهذه الشروط انما بنيت على ذلك ، وكلمات الأصحاب والاخبار قد اتفقت على ان وجوب الحج عليه مشروط بهذه الشروط التي نحن في البحث عنها ، ومنها الزاد والراحلة والسلامة من المرض والأمن في الطريق من العدو ونحوها ، وقد صرح الأصحاب ـ كما عرفت من كلام التذكرة ـ بأنه لو تكلف الحج وخاطر بنفسه وتحمل المشقة التي لم يكلف بها ، فإنه وان صح حجة إلا انه لا يجزئه عن حج الإسلام ، من حيث عدم حصول شرط الوجوب ، بعين ما قالوه في المتسكع الذي لا يملك زادا ولا راحلة. وشيخنا الشهيد يقول بصحة الحج واجزائه ويجعله من قبيل تكلف تحصيل الزاد والراحلة الغير الواجبين عليه لا من قبيل المتسكع الغير المالك لهما.

بل ظاهر كلامه في المدارك يرجع الى ما ذكره شيخنا الشهيد (قدس‌سره) فإنه متى كان اعتبار الاستطاعة انما هو من الميقات فعلى هذا لو تحمل المشقة وارتكب الخطر الذي لم يكلف به بل نهى عنه حتى وصل الميقات ، فإنه يجب عليه الحج ويجزئ عنه ، مع ان الأصحاب لا يقولون بذلك كما عرفت من كلام التذكرة ، وهو ظاهر كلام غيره ايضا ، لما صرحوا به في الزاد والراحلة اللذين هما من جملة الشرائط.


وما ذكره من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد فإنما هو في صورة ما لو اتفق له الوصول الى الميقات بأي نحو كان ، فإنه لا يشترط في حقه ملك الزاد والراحلة في بلده كما ذكره الأصحاب ، لا بمعنى ان من كان بعيدا لا يمكنه المسير إلا بهذه الشروط المذكورة فإن استطاعته انما تحصل باعتبار الميقات ، فإنه باطل قطعا ، بل الاستطاعة في هذه الصورة مشترطة من البلد ، فان استطاع بحصول هذه الشرائط الخمسة المعدودة وجب عليه الحج والمسير اليه وإلا فلا. نعم يحصل الشك هنا في ان المتكلف للحج بالمشقة الموضوعة عنه في عدم إمكان المسير ، هل هو من قبيل المتسكع الذي لم يملك زادا ولا راحلة فلا يجزئ عنه ، كما هو المفهوم من كلام الأصحاب ، أو من قبيل تكلف تحصيل الزاد والراحلة وان لم يجب عليه تحصيلهما ، فحجة يكون صحيحا مجزئا عن حجة الإسلام ، كما هو ظاهر شيخنا الشهيد؟ اشكال.

المقام الثاني ـ لا خلاف ـ نصا وفتوى ـ في ان أمن الطريق من الخوف على النفس والبضع والمال شرط في وجوب الحج ، فلو خاف على نفسه من سبع أو لص أو عدو لم يلزمه الحج في ذلك العام. ولهذا جاز التحلل من الإحرام بمثل ذلك ، كما يأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ في باب الإحصار والصد. وقد تقدم في الاخبار ما يدل على هذا الحكم كما في صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي المتقدمة (١) وغيرها

والكلام في المقام يقع في مواضع الأول ـ لو كان في الطريق عدو لا يندفع الا بالمال فهل يسقط الحج وان أمكن تحمله أم يجب بذل المال مع المكنة؟ قولان : أولهما للشيخ وجماعة ، وثانيهما للمحقق والعلامة ومن تأخر عنهما.

ونقل عن الشيخ الاحتجاج على ذلك بوجوه : منها ـ ان تخلية السرب شرط في الوجوب ، وهو هنا منتف فينتفي المشروط.

__________________

(١) ص ٨٠ و ١٢٩.


ومنها ـ ان المأخوذ على هذا الوجه ظلم فلا ينبغي الإعانة عليه ، لتحريم الإعانة على الإثم.

ومنها ـ ان من خاف من أخذ المال قهرا لا يجب عليه الحج وان قل المال ، وهذا في معناه.

والجواب عن الأول بمنع توقف الحج على تخلية السرب بهذا المعنى ، بل القدر المعلوم من ظاهر الأخبار اشتراط تخليته بحيث يتمكن من المسير بوجه لا يفضي الى شدة ومشقة شديدة عادة ، وهو حاصل هنا إذ المفروض اندفاع العدو بالمال المقدور عليه ، وبعد تحقق الشرط يصير الوجوب مطلقا فتجب مقدماته كلها.

وعن الثاني انا لا نسلم ان المدفوع على هذا الوجه يصدق عليه الإعانة على الإثم ، إذ لم يقصد بذلك سوى التوصل إلى الطاعة والتخلص من العدو. ولانتقاضه بدفع المال الى الظالم لاستنقاذ المسلم من الهلكة. ولو تم ذلك لاستلزم القول بتحريم الأسفار إلى التجارات وجملة الطاعات في كثير من الأعصار والأمصار ، والجلوس في الأسواق ، والصناعات ، والزراعات ، ونحوها من ما جرت عادة حكام الجور بأخذ شي‌ء من المال على ذلك بدون استحقاق شرعي كالعشار ونحوه ، واللازم باطل اتفاقا نصا وفتوى ، فالملزوم مثله.

وعن الثالث بمنع سقوط الحج (أولا) لعدم الدليل عليه. ومنع المساواة (ثانيا) لوجود الفرق بين الأمرين ، فإن بذل المال بالاختيار على هذا الوجه ليس فيه غضاضة ولا مشقة على النفس ، بخلاف أخذه قهرا فان فيه غضاضة زائدة على أهل المروة.

وربما فرق بينهما بان الثابت في بذل المال اختيارا الثواب الدائم وفي الأخذ قهرا العوض المنقطع. وفيه ان هذا لا يطرد كليا ، فان ترك المال للص


وتعريضه له طلبا للتوصل الى فعل الواجب يقتضي الثواب ايضا.

وبذلك يظهر ان الأظهر ما عليه جمهور أصحابنا المتأخرين من وجوب دفع المال مع المكنة.

ولو بذل المال باذل فكشف العدو فلا إشكال في الوجوب لتحقق الاستطاعة ، اما لو دفع المال اليه ليدفعه الى العدو فظاهر الأصحاب انه لا يجب عليه القبول ، لان فيه تحصيلا لشرط الواجب المشروط ، وقد تقرر ان تحصيل شرط الواجب المشروط غير واجب.

واستشكله في المدارك بان الشرط التمكن من الحج وهو حاصل بمجرد البذل. وبان قوله عليه‌السلام ـ (١) ـ : «من عرض عليه ما يحج به فاستحى فهو ممن يستطيع الحج» ـ يتناول من عرض عليه ذلك ، قال : فلو قيل بوجوب القبول والدفع لم يكن بعيدا. انتهى. وهو جيد.

الثاني ـ طريق البحر كطريق البر فيعتبر فيه ما يعتبر في طريق البر من ظن السلامة ، فلو استويا في ذلك تخير أيهما شاء ، وان اختص أحدهما بظن السلامة دون الآخر تعين السفر فيه ، ولو تساويا في رجحان العطب وظن عدم السلامة سقط الحج في ذلك العام. وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ومثله سبطه في المدارك الاكتفاء بمجرد عدم ترجيح العطب.

وبما قدمنا صرح المحقق في المعتبر والشرائع فقال : طريق البحر كطريق البر يجب مع غلبة ظن السلامة. وبنحو ذلك عبر العلامة في المنتهى ، وهو ظاهر كلام جملة من الأصحاب ، حيث انهم يشترطون أمن الطريق ، ومرجعه الى ظن الأمن. وظاهر النص يساعده ، فان مرجع تخلية السرب المذكور في الاخبار

__________________

(١) هذا مضمون ما ورد في الوسائل الباب ١٠ من وجوب الحج وشرائطه.


إلى ظن ذلك ، وإلا فلو علم أو ظن عدم التخلية فإنه لا يجب عليه الحج. ويظهر الخلاف في صورة الاشتباه وتساوى الأمرين ، فيجب الحج على القول الثاني دون الأول.

قالوا : وإنما يسقط الحج مع الخوف إذا حصل في ابتداء السير أو في أثنائه وكان الرجوع غير مخوف ، اما لو تساويا مع المقام في الخوف ، احتمل ترجيح الذهاب لحصول المرجح فيه بالحج ، والسقوط كما لو حصل ابتداء لفقد الشرط. قال السيد (قدس‌سره) في المدارك بعد ذكر ذلك : ولعل الأول أقرب.

الثالث ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ان المرأة كالرجل متى خافت على النفس أو البضع سقط الفرض عنها. ولو احتاجت الى محرم وتعذر سقط الفرض ايضا ، لعدم حصول الاستطاعة بدونه.

وليس هو شرطا في وجوب الحج عليها مع الاستغناء عنه ، اتفاقا نصا وفتوى

ومن الاخبار في ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن صفوان الجمال (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قد عرفتني بعملي ، تأتيني المرأة أعرفها بإسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم ليس لها محرم؟ قال : إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها ، فإن المؤمن محرم المؤمنة. ثم تلا هذه الآية (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٢)».

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن سليمان بن خالد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) «في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٥٨ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) سورة التوبة الآية ٧١.


فقال : نعم إذا كانت مأمونة».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تحج بغير ولي؟ فقال : لا بأس تخرج مع قوم ثقات».

وعن معاوية بن عمار بالسند المتقدم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تحج بغير ولي؟ قال : لا بأس ، وان كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها وليس لهم سعة فلا ينبغي لها ان تقعد ، ولا ينبغي لهم ان يمنعوها». والمراد هنا ب «لا ينبغي» أي لا يجوز ، كما هو شائع في الاخبار

الى غير ذلك من الاخبار.

ثم انه لو توقف حجها على المحرم اعتبر في استطاعتها ملك الزاد والراحلة لها ولمحرمها إذا أجابها الى ذلك ، ولا تجب عليه الإجابة عندنا (٣).

والمراد بالمحرم هنا الزوج ومن يحرم نكاحه مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٨ من وجوب الحج وشرائطه. إلا انا لم نجده في التهذيب ، نعم رواه في الكافي ج ٤ ص ٢٨٢ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٦٨ ، وفي الوافي باب (حج المرأة بدون اذن زوجها أو ذي محرم) نقله منهما فقط.

(٢) الوسائل الباب ٥٨ من وجوب الحج وشرائطه عن التهذيب ج ٥ ص ٤٠١ ، والكافي ج ٤ ص ٢٨٢. وما أورده (قدس‌سره) موافق لما في الوسائل عن التهذيب في اللفظ ، إلا انه يختلف قليلا عن لفظ التهذيب كما انه يختلف عن لفظ الكافي.

(٣) قال في المغني ج ٣ ص ٢٤٠ : وهل يلزمه إجابتها الى ذلك؟ فيه روايتان نص عليهما ، والصحيح انه لا يلزمه الحج معها ، لان فيه مشقة. وفي بدائع الصنائع ج ٢ ص ١٢٣ : فان امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج لا يجبران.


ولو طلب الأجرة والحال هذه وجب دفعها مع القدرة ، لكونها جزء من الاستطاعة.

وليس لزوجها المنع من ذلك في الواجب ، لما تقدم في صحيحة معاوية ابن عمار. ولما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة لم تحج ، ولها زوج وابى ان يأذن لها في الحج ، فغاب زوجها ، فهل لها ان تحج؟ فقال : لا طاعة له عليها في حجة الإسلام».

ونحوها ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن وهب (٢) وفيها : «لا طاعة له عليها في حجة الإسلام ولا كرامة ، لتحج ان شاءت».

نعم له المنع في المستحب ، لما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام ، تقول لزوجها : أحجني من مالي. إله أن يمنعها من ذلك؟ قال : نعم ، ويقول لها : حقي عليك أعظم من حقك علي في هذا».

ولو ادعى الزوج الخوف عليها أو عدم أمانتها وأنكرت ذلك ، قالوا : عمل بشاهد الحال مع انتفاء البينة ، ومع فقدهما يقدم قولها.

وفي اعتبار اليمين وجهان ، من أصالة عدم سلطنته عليها في ذلك ، ومن انها لو اعترفت لنفعه اعترافها. وقرب الشهيد في الدروس انتفاء اليمين ، قال في

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٥٩ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ٥٩ من وجوب الحج وشرائطه. والرواية للشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٤ ، ولم يروها الصدوق ، وروى نحوها في الكافي ج ٤ ص ٢٨٢ عن علي بن أبي حمزة ، كما في الوسائل في نفس الباب.


المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو أقرب.

وهل يملك الزوج والحال هذه منعها باطنا؟ قيل : نعم ، لانه محق عند نفسه. واختاره في المسالك. وقيل : لا ، لتوجه الوجوب إليها ومخاطبتها بالسفر شرعا لظنها السلامة. وقربه في المدارك.

أقول : لا إشكال في العمل بالبينة ان وجدت ، وكذا العمل بشاهد الحال ، وتقديم قولها مع فقدهما ، لتوجه الخطاب إليها وظنها السلامة وهي أعرف بحال نفسها ، وارتفاع سلطنة الزوج عنها. ومن هنا يظهر عدم توجه اليمين إليها.

واما ما احتج به على توجه اليمين عليها ـ من انها لو اعترفت لنفعه اعترافها ـ فتقريره انه لو اعترفت بالخوف على البضع لنفع هذا الاعتراف الزوج ، وكل ما لو اعترف به المنكر نفع المدعى تجب اليمين على عدمه على تقدير الإنكار. هكذا قالوا. وفيه منع الكلية وان ذلك إنما هو في الحقوق المالية لا في مطلق الدعاوي.

ويؤيد أيضا وجه عدم اليمين عليها انه لا يدعي عليها هنا حقا حتى تتوجه اليمين عليها ، ومورد نصوص اليمين إنما هو ذلك.

واما الخلاف في انه هل له منعها باطنا أم لا؟ فالظاهر هو ما اختاره في المدارك لما تقدم.

والمعتدة عدة رجعية في حكم الزوجة ، لأن للزوج الرجوع في طلاقها والاستمتاع بها والحج يمنعه من ذلك ، وحينئذ فيجري فيها التفصيل المتقدم في الزوجة.


ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن منصور بن حازم (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المطلقة تحج في عدتها؟ قال : ان كانت صرورة حجت في عدتها ، وان كانت قد حجت فلا تحج حتى تقضى عدتها».

واما ما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) ـ قال : «لا تحج المطلقة في عدتها». ـ فهو محمول على الحج المندوب إلا بإذن الزوج.

واما المعتدة عدة بائنة فإنها في حكم الأجنبية ، فتحج ندبا متى شاءت بغير خلاف في ما اعلم ، ولم أقف على رواية في ذلك ، إلا ان الظاهر انه لا إشكال في الحكم المذكور ، لانقطاع سلطنته عليها وانقطاع العصمة بينهما وصيرورته أجنبيا منها ، فيكون كسائر الأجانب.

وقد ورد في جواز الحج في عدة الوفاة روايات :

منها ـ موثقة داود بن الحصين عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن المتوفى عنها زوجها؟ قال : تحج وان كانت في عدتها».

وموثقة زرارة (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة التي يتوفى عنها زوجها أتحج؟ فقال : نعم».

المقام الثالث ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في اشتراط

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٠ من وجوب الحج وشرائطه. والرواية للشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤٠٢ ، ولم يروها الصدوق.

(٢) الوسائل الباب ٦٠ من وجوب الحج وشرائطه. والرواية للشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٤٠١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٦١ من وجوب الحج وشرائطه.


سعة الوقت في الوجوب ، وهو ان يتسع لتحصيل الشروط والخروج ولحوق المناسك فلو حصلت الشرائط وقد ضاق الوقت عن لحوق المناسك ـ بحيث لو شرع في المسير إلى مكة بالسير المعتاد الذي لا ضرر فيه ولا مشقة لم يصل الى مكة ولم يدرك فيها المناسك ـ سقط الحج في ذلك العام وكان الوجوب مراعى ببقاء الاستطاعة إلى العام القابل.

تنبيه

هل الاختتان شرط في صحة الحج؟ ظاهر بعض الأصحاب ذلك ، قال الشيخ المفيد على ما نقله في المختلف : ومن أسلم فأراد الحج فلا يجوز له ذلك حتى يختتن.

وقال أبو الصلاح على ما نقله عنه في الكتاب المذكور : صحة الحج موقوفة على ثبوت الإسلام ، والعلم بتفصيل أحكام الحج وشروطه ، وتأديته لوجهه الذي شرع له مخلصا لربه ، مع كون مؤدية مطهرا بالختانة. ثم بين الاشتراط. الى ان قال : وكون الحاج أغلف لا يصح حجه بإجماع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال في المختلف بعد نقل ذلك عنه : وفي هذا الكلام إشكال ، فإن المروي انه لا يجوز ان يطوف الرجل وهو غير مختتن (١) فإن أخذه من هذه الرواية من حيث ان بطلان طوافه يستلزم بطلان حجه أمكن ، لكن كلامه يوهم بطلان حجه مطلقا ، ونحن نمنع ذلك ، فإنه لو لم يتمكن من التطهير صح حجه وطوافه ، فقوله على الإطلاق ليس بجيد. مع ان ابن إدريس قال : لا يجوز للرجل ان يطوف بالبيت وهو غير مختتن ، على ما روى أصحابنا في الاخبار. وهو يعطي توقفه في ذلك. انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف ، والباب ٣٩ من الطواف.


أقول : قد روى المشايخ الثلاثة في الصحيح عن إبراهيم بن ميمون ـ وهو غير موثق ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) «في رجل يسلم فيريد ان يختتن وقد حضر الحج ، أيحج أم يختتن؟ قال : لا يحج حتى يختتن».

وهي صريحة في ما تقدم نقله عن الشيخ المفيد وابي الصلاح من عدم صحة الحج بدون الاختتان وان ضاق وقت الحج ، والظاهر ان شيخنا العلامة لم يقف عليها وظن انحصار الدليل في روايات المنع من الطواف بدون الاختتان

ومثل هذه الرواية ما رواه في قرب الاسناد عن محمد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمد جميعا عن حنان بن سدير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نصراني أسلم وحضر الحج ولم يكن اختتن ، أيحج قبل ان يختتن؟ قال : لا ولكن يبدأ بالسنة».

وينبغي ان يلحق بما تقدم من أبحاث هذا المقصد مسائل :

الاولى ـ لا خلاف بين أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ما أعلم في ان من مات بعد الإحرام ودخول الحرم برئت ذمته.

ويدل عليه ما رواه الشيخ والصدوق في الصحيح عن بريد العجلي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق؟ قال : ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأت عنه

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٨١ ، والتهذيب ج ٥ ص ١٢٥ و ٤٦٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٥١ ، وفي الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من مقدمات الطواف.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٢٧٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٠٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٦٩ ، وفي الوسائل الباب ٢٦ من وجوب الحج وشرائطه. والمروي عنه في الكافي والفقيه أبو جعفر عليه‌السلام.


حجة الإسلام ، وان كان مات وهو صرورة قبل ان يحرم جعل جملة وزاده ونفقته في حجة الإسلام ، فإن فضل من ذلك شي‌ء فهو للوراثة ان لم يكن عليه دين. قلت : أرأيت ان كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله ونفقته وما معه؟ قال : يكون جميع ما معه وما ترك للورثة ، إلا ان يكون عليه دين فيقضى عنه ، أو يكون أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له ويجعل ذلك من ثلثه».

وفي الصحيح عن ضريس عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) «في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق؟ فقال : ان مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام ، وان كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام».

وصحيحة زرارة الآتية ان شاء الله تعالى في المحصور عن ابي جعفر عليه‌السلام (٢) قال فيها : «قلت : فان مات وهو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة؟ قال : يحج عنه ان كانت حجة الإسلام ويعتمر ، وإنما هو شي‌ء عليه».

وروى الشيخ المفيد (قدس‌سره) في المقنعة مرسلا (٣) قال : قال الصادق عليه‌السلام : من خرج حاجا فمات في الطريق ، فان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة ، وان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج ، وليقض عنه وليه.

وإطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين ان يقع التلبس بإحرام الحج أو العمرة ، ولا بين ان يموت في الحل أو الحرم ، محرما أو محلا كما لو مات بين الإحرامين.

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٦ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ٢٦ من وجوب الحج وشرائطه ، والباب ٣ من الإحصار والصد.


اما لو مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم فالمشهور بين الأصحاب وجوب القضاء عنه ، ونقل عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس الاجتزاء به لمجرد الإحرام. ولا اعرف لهذا القول دليلا.

قال في المختلف : احتج بان القصد التلبس وقد حصل بالإحرام. ثم أجاب عنه بالمنع ، قال : بل المطلوب قصد البيت الحرام وإنما يحصل بالدخول في الحرم.

وقال في المدارك : وربما أشعر به مفهوم قوله عليه‌السلام في صحيحة بريد (١) : «وان كان مات وهو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الإسلام». لكنه معارض بمنطوق قوله عليه‌السلام (٢) : «وان كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام». انتهى.

أقول : وتعارضه أيضا صحيحة زرارة المذكورة والمرسلة المنقولة من المقنعة.

واما ما احتمله في الذخيرة ـ من الجمع بين المفهوم المذكور وبين منطوق صحيحة ضريس بالحمل على استحباب القضاء في الصورة المذكورة ، حتى انه حمل الأمر بالحج عنه في صحيحة زرارة على الاستحباب ايضا ـ فبعيد لا يلتفت اليه وهو من جملة تخريجاته البيعدة. والظاهر انه مبنى على ما يذهب اليه من عدم صراحة الأوامر في الاخبار في الوجوب. وهو توهم ساقط.

وبالجملة فإن الأصح هو القول المشهور ، لان الواجب هو الحج الذي هو عبارة عن جميع تلك المناسك ، فلا يخرج المكلف عن العهدة إلا بالإتيان به كذلك ، قام الدليل على خروج هذه الصورة المتفق عليها بين الأصحاب للأخبار المذكورة ، بقي ما عداها على حكم الأصل.

والعجب من ابن إدريس في اجتزائه بالإحرام هنا خاصة ، فإن القول

__________________

(١) ص ١٤٩ و ١٥٠.

(٢) في صحيح ضريس ص ١٥٠.


بالاجتزاء بالإحرام ودخول الحرم انما ثبت من طريق الآحاد فهو غير جار على أصوله ، فكيف ما لم يرد به دليل بالكلية ، ولم يقل به إلا الشيخ خاصة في الخلاف دون غيره من كتبه.

الثانية ـ لا خلاف بين الأصحاب في ان من استقر الحج في ذمته فإنه يجب القضاء عنه لو مات ولم يحج.

والاخبار بذلك متكاثرة ، ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ويترك مالا؟ قال : عليه ان يحج من ماله رجلا صرورة لا مال له».

وصحيحة محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن رجل مات ولم يحج حجة الإسلام ، يحج عنه؟ قال : نعم».

وصحيحة رفاعة (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها ، أيقضى عنه؟ قال : نعم».

وموثقة سماعة بن مهران (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها ، وهو موسر؟ فقال : يحج عنه من صلب ماله ، لا يجوز غير ذلك».

الى غير ذلك من الاخبار التي من هذا القبيل.

وإنما وقع الخلاف في هذه المسألة في مقامين الأول ـ ما به يتحقق الاستقرار ، فالأكثر على انه يتحقق بمضي زمان يمكن فيه الإتيان بجميع أفعال الحج مستجمعا للشرائط.

قال العلامة في التذكرة : استقرار الحج في الذمة يحصل بالإهمال بعد حصول الشرائط بأسرها ومضى زمان جميع أفعال الحج ، ويحتمل مضى زمان يتمكن فيه من الإحرام ودخول الحرم.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه.


وأطلق المحقق في المعتبر والشرائع القول بتحققها بالإهمال مع تحقق الشرائط. واعترضه في المسالك بأنه لا بد من تقييد الإهمال بكونه واقعا في جميع المدة التي يمكن فيها استيفاء جميع أفعال الحج بأقل الواجب فلم يفعل. وظاهر كلام الأكثر اعتبار مضى زمان يسع جميع الأفعال وان لم يكن ركنا كالمبيت بمنى والرمي.

قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك : ويمكن اعتبار زمان يمكن فيه تأدي الأركان خاصة ، وهو مضى جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي. واختاره في التذكرة والمهذب. ولو قلنا باستحباب أفعال منى المتأخرة لم يعتبر قطعا. انتهى.

أقول : قد نقل هذا القول عن التذكرة أيضا سبطه في المدارك ومثله الفاضل الخراساني في الذخيرة ، والظاهر انه وهم من شيخنا المذكور وتبعه عليه من تبعه من غير مراجعة الكتاب المشار إليه ، فإن الموجود فيه ما حكيناه أولا من ما هو موافق للقول المشهور. نعم هو ظاهر المهذب.

قال السيد السند في المدارك : وما وقفت عليه في هذه المسألة من الاخبار خال من لفظ الاستقرار فضلا عن ما يتحقق به ، وإنما اعتبر الأصحاب ذلك بناء على ان وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وإنما يتحقق وجوبه بمضي زمان يمكن فيه الحج مستجمعا للشرائط. ويشكل بما بيناه مرارا من ان وجوب القضاء ليس تابعا لوجوب الأداء. وبان المستفاد من كثير من الاخبار ترتب القضاء على عدم الإتيان بالأداء مع توجه الخطاب به ظاهرا ، كما في صحيحتي بريد وضريس المتقدمتين (١) انتهى.

أقول : قد روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في كتابيه في الموثق عن ابي بصير (٢) قال : «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في شوال

__________________

(١) ص ١٤٩ و ١٥٠.

(٢) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.


فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال : هل برئت من مرضها؟ قلت : لا ، ماتت فيه. فقال : لا تقض عنها فان الله لم يجعله عليها. قلت : فإني اشتهي ان أقضي عنها وقد أوصتني بذلك؟ قال : كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله الله تعالى عليها؟. الحديث».

والمستفاد من هذا الخبر انه لا يجب القضاء إلا مع استقرار الأداء واشتغال الذمة به. وفيه تأييد لما ذكره الأصحاب هنا من عدم وجوب قضاء الحج إذا لم يمض زمان يمكن فيه الحج مستجمعا للشرائط.

ولا يلزم منه كون القضاء تابعا لوجوب الأداء ، بمعنى انه غير متوقف على أمر جديد ، كما ذكره (قدس‌سره) لان مجرد الأمر بالأداء لا يستلزم الأمر بالقضاء.

بل الوجه فيه إنما هو متى ورد الأمر بالقضاء ـ كالاحاديث المتقدمة في وجوب قضاء الحج ، والأحاديث الواردة في وجوب قضاء الصلاة ، وهكذا في قضاء الصوم ـ يجب ان يعتبر فيها حال فوات الأداء ، فإن فات على وجه استقر في الذمة واشتغلت به وجب قضاؤه وإلا فلا ، فان هذه المرأة لما فاتها الصوم ولكن على وجه لم يستقر في ذمتها لم يوجب (عليه‌السلام) القضاء عنها. وهكذا من فاتته الصلاة بإغماء أو جنون. وبعين ذلك يقال في الحج ، فإنه إذا فات على وجه لم تشتغل الذمة به فإنه لا يجب قضاؤه ، ولا ريب ان من بادر الى الحج في عام الاستطاعة ثم مات قبل الإحرام أو ذهبت استطاعته أو نحو ذلك ، فإنه لم تشتغل ذمته بالحج وإلا للزم مثل ذلك في من مات في بلده قبل الخروج أيضا في أشهر الحج في عام الاستطاعة.

وما ذكره ـ من ان المستفاد من الاخبار ترتب القضاء بمجرد توجه


الخطاب كالروايتين المذكورتين ـ ففيه انه عين النزاع في المسألة ، ولهذا ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) تأولوهما ، وقد عرفت معارضة رواية أبي بصير لهما في ذلك. اللهم إلا ان يدعى اشتغال الذمة بالحج في تلك الحال ليدخل تحت موثقة أبي بصير. ولا أظنه يلتزمه.

وبالجملة فإن القضاء عندنا مرتب على اشتغال الذمة بالأداء ، فمتى لم تشتغل ذمته به لم يجب قضاؤه ، لقوله (عليه‌السلام) في هذا الخبر : «لا تقض عنها فان الله لم يجعله عليها» وقوله ثانيا : «كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟» وهو صريح في ان القضاء لا يكون إلا عن شي‌ء استقر في الذمة. وحينئذ فيجب تخصيص إطلاق الأخبار المتقدمة ـ وكذا خبري بريد وضريس ـ بهذا الخبر.

ثم قال في المدارك : وقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من حصل له الشرائط فتخلف عن الرفقة ثم مات قبل حج الناس لا يجب القضاء عنه ، لتبين عدم استقرار الحج في ذمته بظهور عدم الاستطاعة. وهو جيد ان ثبت ان وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء.

أقول : هذا موضع شك حيث ان ترك الحج لم يقع بعذر شرعي ، فيمكن ان يكون بتعمده التأخير مع وجوب ذلك عليه يستقر الحج في ذمته وان لم يمض الزمان الذي تقع فيه المناسك ، كما لو أفطر عمدا في شهر رمضان ثم سافر لإسقاط الكفارة ورفع الإثم ، فإنه لا يوجب رفع الإثم ولا سقوط الكفارة.

وبالجملة فقياس هذه المسألة على مسائل حصول العذر الشرعي ـ كالموت وفوات الاستطاعة بمجرد الاشتراك في انه ظهر بذلك عدم الاستطاعة واقعا ـ قياس مع الفارق. والمسألة خالية من النص بجميع شقوقها فيجب الاحتياط فيها

الثاني ـ قد قطع المتأخرون بسقوط القضاء إذا لم تكن الحجة مستقرة في


ذمته ، كما إذا كان خروجه في عام الاستطاعة. وأطلق المفيد في المقنعة والشيخ في جملة من كتبه وجوب القضاء إذا مات قبل دخول الحرم.

ولم أقف على من قال بهذا القول من المتأخرين سوى المحدث الشيخ علي ابن سليمان البحراني (نور الله تعالى مرقده) فإنه قال في حاشيته على النافع : ولا يحتاج في الاستقرار الذي يجب معه القضاء الى مضى زمان يمكن إتيان أفعال الحج فيه كامل الشروط كما اعتبره بعضهم ، أو قدر ما يحرم فيه ويدخل الحرم كما اعتبره بعض أصحابنا ، بناء منهم على ان القضاء فرع الأداء. ونحن لا نقول به بل القضاء واجب على حده. والروايات ليس فيها أكثر من وجوبه على من مات ولم يحج حج الإسلام. هذا إذا تيسر الحج للرفقة تلك السنة ، اما إذا لم يتيسر لهم بل صدهم العدو أو ضاق الوقت ففات الحج فيحتمل ما قلناه أيضا ، لأنه مات وهو مخاطب بحج ظاهر. ولدخوله في إطلاق الروايات. ويحتمل عدم الاستقرار ، لظهور ان هذه السنة لم تكن سنة حج. والأول لا يخلو من قوة ، والذي قطع به الأصحاب الثاني. والله اعلم. انتهى كلامه (زيد إكرامه).

أقول : وهو جيد لولا ورود موثقة أبي بصير التي قدمنا ذكرها في المقام الأول (١) بالتقريب الذي ذكرناه ذيلها.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عن الشيخين (طاب ثراهما) : ولعلهما نظرا إلى إطلاق الأمر بالقضاء في الروايتين المتقدمتين. وأجيب عنهما بالحمل على من استقر الحج في ذمته ، لان من خرج في عام الاستطاعة ثم مات في الطريق تبين بموته عدم وجوب الحج عليه ، ومتى انتفى وجوب الأداء انتفى القضاء.

__________________

(١) ص ١٥٣.


وهو غير بعيد وان كان الإطلاق متجها ايضا ، لما بيناه مرارا من ان القضاء قد يجب مع سقوط الأداء ، لأنه فرض مستأنف فيتوقف على الدلالة خاصة. انتهى.

أقول : ظاهر كلامه هنا التردد في المسألة المذكورة ، مع انه في الكلام الذي قدمنا نقله عنه في المقام الأول استشكل في كلام الأصحاب ، وقولهم : ان وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء. ورده بما ذكره من ان وجوب القضاء ليس تابعا لوجوب الأداء.

وبالجملة فالتحقيق عندي في المسألة هو ما قدمنا بيانه.

المسألة الثالثة ـ المشهور بين الأصحاب انه لو حج المسلم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم تجب عليه الإعادة. وكذا المخالف إذا استبصر لا تجب عليه الإعادة.

وقد وقع الخلاف هنا في الموضعين ، اما في المرتد فنقل عن الشيخ القول بوجوب الإعادة بعد التردد في المسألة ، مستندا الى ان ارتداده يدل على ان إسلامه أولا لم يكن إسلاما فلا يصح حجه.

قال في المعتبر بعد نقل ذلك عنه : وما ذكره (رحمه‌الله) بناء على قاعدة باطلة قد بينا فسادها في الأصول.

ويدفعه صريحا قوله (عزوجل) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا) (١) حيث اثبت الكفر بعد الايمان.

وربما استدل على وجوب الإعادة أيضا بقوله تعالى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) (٢).

ورد بأن الإحباط مشروط بالموافاة على الكفر ، كما يدل عليه قوله (عز

__________________

(١) سورة النساء الآية ١٣٧.

(٢) سورة المائدة الآية ٥.


وجل) (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) (١).

وبالجملة فإنه قد اتى بالحج على الوجه المأمور به فيكون مجزئا ، والقول بالإبطال والإعادة يحتاج الى دليل ، وليس فليس.

ويزيد ذلك بيانا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن محمد ابن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (٢) انه قال : «من كان مؤمنا فعمل خيرا في إيمانه ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب بعد كفره ، كتب له وحوسب بكل شي‌ء كان عمله في إيمانه ، ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره».

وما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «من كان مؤمنا فحج وعمل في إيمانه ثم اصابته في إيمانه فتنة فكفر ثم تاب وآمن؟ قال : يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه شي‌ء».

ثم ان الشيخ في المبسوط فرع على ما ذكره مسألة أخرى أيضا ، فقال : وان أحرم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام جاز ان يبنى عليه ، إلا على ما استخرجناه في المسألة المتقدمة في قضاء الحج. وأشار بذلك الى ما قدمه من ان ارتداده كاشف عن عدم الإسلام وان إسلامه ليس إسلاما. والذي عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو صحة الإحرام هنا.

ثم انه (قدس‌سره) أورد على نفسه انه يلزم على هذا القول ان المرتد لا يلزمه قضاء العبادات التي فاتته في حال الارتداد ، لأنا إذا لم نحكم بإسلامه يكون كفره أصليا ، والكافر الأصلي لا يلزمه قضاء ما فاته في الكفر.

__________________

(١) سورة البقرة الآية ٢١٦.

(٢) الوسائل الباب ٩٩ من جهاد النفس.

(٣) الوسائل الباب ٣٠ من مقدمة العبادات.


أقول : جزاه الله (تعالى) عن المنازع له في هذه المسألة أفضل الأجر والثواب حيث كفاه مؤنة الجواب في هذا الباب.

واما في المخالف فنقل عن ابن الجنيد وابن البراج انهما حكما بوجوب الإعادة وان لم يخل بشي‌ء ، والمشهور عند أصحابنا عدم الإعادة إلا ان يخل بركن من أركان الحج.

والروايات بذلك متظافرة ، ومنها ـ صحيحة بريد بن معاوية العجلي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر ثم من الله (تعالى) عليه بمعرفته والدينونة به ، عليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضته؟ فقال : قد قضى فريضته ولو حج لكان أحب الي. قال : وسألته عن رجل حج وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من الله عليه فعرف هذا الأمر ، يقضى حجة الإسلام؟ فقال : يقضي أحب الي. وقال : كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلالته ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه ، إلا الزكاة فإنه يعيدها. لانه وضعها في غير مواضعها ، لأنها لأهل الولاية. واما الصلاة والحج والصيام فليس عليه قضاء».

وصحيحة الفضلاء ـ أو حسنتهم على المشهور ـ عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٢) انهما قالا «في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء : الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه ، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم صامه أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة لا بد أن يؤديها. الحديث».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه ، والباب ٣١ من مقدمة العبادات ، والباب ٣ من المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل الباب ٣ من المستحقين للزكاة.


وصحيحة ابن أذينة أو حسنته (١) قال : «كتبت الي أبو عبد الله عليه‌السلام :

ان كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه ويكتب له إلا الزكاة. الحديث».

وصحيحة الأخرى أو حسنته (٢) قال : «كتبت الى ابي عبد الله عليه‌السلام اسأله عن رجل حج ولا يدري ولا يعرف هذا الأمر ثم من الله عليه بمعرفته والدينونة به ، أعليه حجة الإسلام أو قد قضى فريضة الله؟ قال : قد قضى فريضة الله والحج أحب الي. وعن رجل وهو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة ناصب متدين ثم من الله عليه فعرف هذا الأمر ، أيقضى عنه حجة الإسلام ، أو عليه ان يحج من قابل؟ قال : يحج أحب الي». هكذا رواه ثقة الإسلام في الكافي (٣) ورواه الصدوق (٤) الى قوله : «والحج أحب الي».

ورواية ابي عبد الله الخراساني عن ابي جعفر الثاني (عليه‌السلام) (٥) : قال : «قلت له : اني حججت وانا مخالف ، وحججت حجتي هذه وقد من الله (تعالى) على بمعرفتكم وعلمت ان الذي كنت فيه كان باطلا ، فما ترى في حجتي؟ قال : اجعل هذه حجة الإسلام وتلك نافلة».

ووجه استثناء الزكاة في هذه الاخبار ان الزكاة حق مالي للفقراء ، ومثلها

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من مقدمة العبادات ، والباب ٣ من المستحقين للزكاة.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٠ ، وفي الوسائل الباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) ج ٤ ص ٢٧٥.

(٤) في الفقيه ج ٢ ص ٢٦٣.

(٥) الوسائل الباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.


الخمس ، فلا يحصل العفو به ، بخلاف غيرهما من العبادات فإنه حق لله (عزوجل) وقد تفضل الله به عليهم لما دانوا بالولاية.

قيل : وربما كان مستند ابن الجنيد وابن البراج الأخبار الدالة على بطلان عبادة المخالف (١) كما سيأتي بعض منها في المقام ان شاء الله تعالى.

وما رواه الشيخ عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لو ان رجلا معسرا أحجه رجل كانت له حجة ، فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج. وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وان كان قد حج».

أقول : ومثلها رواية علي بن مهزيار (٣) قال : «كتب إبراهيم بن محمد ابن عمران الهمداني الى ابي جعفر عليه‌السلام : اني حججت وانا مخالف وكنت صرورة فدخلت متمتعا بالعمرة إلى الحج؟ قال : فكتب إليه : أعد حجك».

والجواب عن ذلك ظاهر من الاخبار المتقدمة ، اما الاخبار الدالة على بطلان عبادة المخالف فهي مسلمة ، ولكن هذه الأخبار قد دلت على تفضل الله (تعالى) عليه بقبول ذلك كالصلاة والصيام ، لدخوله في الايمان. واما الروايتان المذكورتان فإنك قد عرفت تكرر الأمر بالإعادة في تلك الاخبار وانه الأحب إليهم (عليهم‌السلام) حتى انه عليه‌السلام في الرواية الأخيرة أمر بأن يجعل الأخيرة حجة الإسلام والأولى نافلة ، تأكيدا لاستحبابها والحث عليها.

وينبغي التنبيه في هذه المسألة على أمور :

الأول ـ قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك : اعتبر الشيخ وأكثر

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من مقدمة العبادات.

(٢) الوسائل الباب ٣١ من مقدمة العبادات ، والباب ٢١ و ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) الوسائل الباب ٣١ من مقدمة العبادات ، والباب ٢٣ من وجوب الحج وشرائطه.


الأصحاب في عدم اعادة المخالف الحج ان لا يكون قد أخل بركن منه ، والنصوص خالية من هذا القيد ، ونص المصنف في المعتبر ـ والعلامة في المنتهى والشهيد في الدروس ـ على ان المراد بالركن ما يعتقده أهل الحق ركنا لا ما يعتقده الضال تدينا ، مع انهم صرحوا في قضاء الصلاة بأن المخالف يسقط عنه قضاء ما صلاه صحيحا عنده وان كان فاسدا عندنا. وفي الجمع بين الحكمين اشكال. ولو فسر الركن بما كان ركنا عندهم كان أقرب الى الصواب ، لان مقتضى النصوص ان من حج من أهل الخلاف لا تجب عليه الإعادة ، ومن اتى منهم بحج فاسد عندهم كان كمن لم يأت بالحج. ومن هنا يظهر انه لا فرق في الاجزاء بين ان يوافق فعله النوع الواجب عندنا كالتمتع وقسيميه أولا. انتهى. وهو جيد.

إلا ان مقتضى صدر كلامه ان تقييد الشيخ وأكثر الأصحاب ـ عدم الإعادة بان لا يكون قد أخل بركن ـ ليس في محله ، بل الأظهر العمل بإطلاق الاخبار وهو عدم الإعادة وان أخل بركن. وهو باطل كما صرح به في آخر كلامه من ان من اتى بحج فاسد عندهم كان كمن لم يأت بالحج. وحينئذ فلا بد من تقييد الأخبار المذكورة كما ذكره الشيخ والأكثر. نعم ما نقله عن المعتبر والمنتهى والدروس ـ من ان المراد بالركن ما يعتقده أهل الحق ركنا ـ ليس بجيد لما ذكره ، وإطلاق الاخبار المذكورة أعم منه.

الثاني ـ قال (قدس‌سره) : إطلاق العبارة وغيرها يقتضي عدم الفرق في المخالف بين من حكم بكفره ـ كالناصب ـ وغيره. وهو كذلك ، وقد وقع التصريح في صحيحة بريد (١) بعدم اعادة الناصب ، وفي صحيحة الفضلاء (٢) بعدم إعادة الحرورية ، وهم كفار لأنهم خوارج. انتهى.

أقول : لما كان الناصب عند متأخري أصحابنا (رضوان الله عليهم) عبارة عن من أظهر العداوة لأهل البيت (عليهم‌السلام) وهو محكوم بكفره

__________________

(١ و ٢) ص ١٥٩.


عندهم ـ فهو أخص من مطلق المخالف ، والمخالف الغير الناصب عندهم من المسلمين المحكوم بإجراء أحكام الإسلام عليهم ـ أشار (قدس‌سره) الى ان الاخبار الواردة بعدم الإعادة شاملة للفردين المذكورين ، وان المراد بالناصب في رواية بريد هو هذا الفرد المذكور.

أقول : والتحقيق المستفاد من اخبار أهل البيت (عليهم‌السلام) ـ كما أوضحناه بما لا مزيد عليه في كتاب الشهاب الثاقب ـ ان جميع المخالفين العارفين بالإمامة والمنكرين القول بها كلهم نصاب وكفار ومشركون ليس لهم في الإسلام ولا في أحكامه حظ ولا نصيب ، وإنما المسلم منهم هو الغير العارف بالإمامة ، وهم في الصدر الأول من زمان الأئمة (عليهم‌السلام) أكثر كثير ، ويعبر عنهم في الاخبار بأهل الضلال وغير العارف والمستضعف. ومن الاخبار الواردة بهذا الفرد توهم متأخرو أصحابنا الحكم بإسلام المخالف الغير المعلن بالعداوة. والحكم بعدم الإعادة هنا شامل لهذين الفردين ، والى الفرد الأول يشير في صحيحة بريد السؤال الأول وهو قوله : «رجل حج وهو لا يعرف هذا الأمر» والى الفرد الثاني السؤال الثاني وهو قوله : «قال : وسألته عن رجل وهو في بعض هذه الأصناف. الى آخره» ومثلها صحيحة ابن أذينة الثانية برواية الكليني (١) ومن أحب الوقوف على صحة ما ذكرناه فليرجع الى كتابنا المذكور.

ويأتي على ما ذكروه خلو الاخبار عن المخالف الغير الناصب ، لأنها ـ كما قدمناها ـ إنما اشتملت على فردين : الناصب ومن لا يعرف ، والمراد بمن لا يعرف إنما هو المعبر عنه بالمستضعف في الاخبار وأهل الضلال ، وهو غير مراد في كلامهم ، وحينئذ فلو حمل الناصب على المخالف المظهر للعداوة ـ كما يدعونه ـ للزم ما ذكرناه.

وبالجملة فإن المستفاد من الأخبار ـ كما أوضحناه في الكتاب المتقدم ـ ان

__________________

(١) ص ١٦٠.


الناس في زمانهم (عليهم‌السلام) ثلاثة أقسام : مؤمن وهو من أقر بالإمامة ، وناصب كافر وهو من أنكرها ، ومن لم يعرف ولم ينكر وهم أكثر الناس في ذلك الزمان ، ويعبر عنه بالمستضعف والضال.

الثالث ـ الظاهر ـ كما استظهره في المدارك ـ ان الحكم بعدم وجوب الإعادة في الروايات المتقدمة إنما وقع تفضلا من الله تعالى ، لقيام الأخبار الصحيحة الصريحة على بطلان اعمال المخالفين وان كانت مستكملة لشرائط الصحة واقعا فضلا عن شرائط مذهبهم.

ومن الاخبار في ذلك صحيحة أبي حمزة (١) قال : «قال لنا على بن الحسين عليه‌السلام : اي البقاع أفضل؟ فقلنا : الله ورسوله وابن رسوله اعلم فقال لنا : ان أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو ان رجلا عمر ما عمر نوح عليه‌السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله (تعالى) بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا».

وصحيحة محمد بن مسلم (٢) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : كل من دان الله (عزوجل) بعبادة يجهد فيها نفسه ولا امام له من الله فسعيه غير مقبول ، وهو ضال متحير ، والله شانئ لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فباتت معها في مربضها ، فلما ان ساق الراعي قطيعة أنكرت راعيها وقطيعها ، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها ، فصاح بها الراعي الحقي

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من مقدمة العبادات.

(٢) الكافي ج ١ ص ١٨٣ ، وفي الوسائل الباب ٢٩ من مقدمة العبادات.


براعيك وقطيعك فإنك تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها الى مرعاها أو يردها ، فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها. وكذلك ـ والله يا محمد ـ من أصبح من هذه الأمة لا امام له من الله (تعالى) ظاهر عادل أصبح ضالا تائها ، وان مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق. واعلم يا محمد ان أئمة الجور واتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا ، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون من ما كسبوا على شي‌ء ، ذلك هو الضلال البعيد (١)».

ورواية أبي إسحاق الليثي المروية في أمالي الشيخ وفي كتاب العلل عن الباقر عليه‌السلام (٢) وفيها : «قد سألتني عن المؤمنين من شيعة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وعن زهاد الناصبة وعبادهم. من ههنا قال الله (عزوجل) (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٣) ومن هنا قال الله (عزوجل) (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ ، تَصْلى ناراً حامِيَةً ، تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) (٤) ثم ساق الكلام الى ان قال

__________________

(١) اقتباس من الآية ١٨ في سورة إبراهيم : «مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ ...».

(٢) لم أجده في أمالي الشيخ ، وأورده في العلل ص ٦٠٦ الطبع الحديث ، إلا ان اللفظ يوافق ما أورده في البحار كتاب الايمان والكفر ج ١ ص ٢٨ من الطبع القديم وج ٦٧ ص ١٠٢ الى ١٠٨ من الطبع الحديث ، حيث قال : وجدت في بعض الكتب مرويا. ثم أورد الحديث بتمامه ، ثم قال : بيان ـ قد مر هذا الخبر نقلا من العلل مع اختلاف ما وزيادة ونقص.

(٣) سورة الفرقان الآية ٢٣.

(٤) سورة الغاشية الآية ٣ و ٤ و ٥.


عليه‌السلام : قال الله (تعالى) (إِنْ هُمْ إِلّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (١) ما رضى الله ان يشبههم بالحمير والبقر والكلاب والدواب حتى زادهم فقال «بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» يا إبراهيم قال الله (عزوجل) في أعدائنا الناصبة (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢) وقال (عزوجل) (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (٣) وقال (عزوجل) (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْ‌ءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٤) وقال (عزوجل) (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) (٥). الحديث» وهو صريح في ان جميع المخالفين نصاب كفار مبغضون لأهل البيت (عليهم‌السلام).

وروى في الكافي عن الصادق عليه‌السلام (٦) قال : «لا يبالي الناصب صلى أم زنى».

وروى النجاشي في كتاب الرجال (٧) في ترجمة محمد بن الحسن بن شمون بسنده اليه قال : ورد داود الرقي البصرة بعقب اجتياز ابي الحسن موسى عليه‌السلام في سنة تسع وسبعين ومائة فصار بي أبي اليه وسأله عنهما فقال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : سواء على الناصب صلى أم زنى.

وقد نظم ذلك جملة من أصحابنا : منهم ـ شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان ابن عبد الله البحراني (قدس الله تعالى سره) فقال :

خلع النواصب ربقة الإيمان

فصلاتهم وزناؤهم سيان

قد جاء ذا في واضح الآثار عن

آل النبي الصفوة الأعيان

__________________

(١) سورة الفرقان الآية ٤٤.

(٢) سورة الفرقان الآية ٢٣.

(٣) سورة الكهف الآية ١٠٤.

(٤) سورة المجادلة الآية ١٨.

(٥) سورة النور الآية ٣٩.

(٦) الروضة ص ١٦٠.

(٧) ص ٢٥٨ و ٢٥٩ طبع مطبعة المصطفوي.


وقال الخليفة الناصر العباسي (١) :

قسما ببكة والحطيم وزمزم

والراقصات وسعيهن إلى منى

بغض الوصي علامة مكتوبة

كتبت على جبهات أولاد الزنى

من لم يوال في البرية حيدرا

سيان عند الله صلى أو زنى

الى غير ذلك من الاخبار التي يطول بنقلها الكلام.

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره العلامة في المختلف على ما نقله عنه في المدارك حيث قال : وقال العلامة في المختلف : ان سقوط الإعادة إنما هو لتحقق الامتثال بالفعل المتقدم ، إذ المفروض عدم الإخلال بركن منه ، والايمان ليس شرطا في صحة العبادة. ثم اعترض عليه بأنه فاسد ، ورده بالأخبار التي قدمناها.

__________________

(١) نسب الأبيات ـ في النصائح الكافية ص ٩٩ طبع النجف ـ اليه بنحو القطع كما في المتن ، وفي أعيان الشيعة ج ٨ ص ٣٣ والكنى والألقاب ج ٣ ص ٢٠٢ هكذا : ومن ما ينسب الى الناصر. الى آخره. وذكر ابن شهرآشوب في المناقب ج ٣ ص ١١ البيتين الأخيرين بتغيير يسير ولم ينسبهما الى أحد. ومن المعلوم ان ابن شهرآشوب كان من معاصري الناصر فإنه توفي سنة ٥٨٨ وقد بويع للناصر سنه ٥٧٥ ودامت خلافته سبعا وأربعين سنة وتوفي ٦٢٢. وقد نسب إليه ـ في النصائح الكافية عقيب هذه الأبيات ـ الأبيات التالية :

لو ان عبدا اتى بالصالحات غدا

وود كل نبي مرسل وولي

وعاش ما عاش آلافا مؤلفة

خلوا من الذنب معصوما من الزلل

وقام ما قام قواما بلا كسل

وصام ما صام صواما بلا ملل

وطار في الجو لا يأوي إلى حلل

وغاص في البحر لا يخشى من البلل

فليس ذلك يوم البعث ينفعه

إلا بحب أمير المؤمنين علي


أقول : لم أقف على هذه العبارة التي نقلها في المدارك في المختلف في هذه المسألة ، نعم ـ بعد ان نقل احتجاج ابن الجنيد وابن البراج بان الايمان شرط العبادة ولم يحصل ـ : أجاب عن ذلك بالمنع من كون الايمان شرطا في العبادة. فلعل السيد نظر الى ما يلزم من هذه العبارة وهو ما ذكره. وفيه بعد ويحتمل ان يكون في موضع آخر غير موضع المسألة.

وكيف كان فينبغي ان يعلم ان القول بصحة اعمال المخالفين ليس مختصا بالعلامة في هذا الكتاب ، كما ربما يوهمه ظاهر تخصيص النقل عنه بذلك. بل هذا القول هو المشهور بين المتأخرين ، كما صرح به الشهيد في الدروس حيث قال : واختلف في اشتراط الايمان في الصحة والمشهور عدم اشتراطه.

ويرد عليه ـ زيادة على ما ذكرنا ـ ان الواجب عليهم ان يحكموا بدخول المخالفين الجنة ، لأنهم متفقون على وجوب الجزاء على الله (تعالى) كما دلت عليه ظواهر الآيات القرآنية ، وحينئذ فمتى كانت أعمالهم صحيحة وجب الجزاء عليها في الآخرة ، فيلزم دخولهم الجنة. مع ان جملة منهم صرحوا بان الحكم بإسلامهم إنما هو باعتبار إجراء أحكام الإسلام عليهم في الدنيا من الطهارة والمناكحة والموارثة وحقن المال والدم ، واما في الآخرة فإنهم من المخلدين في النار.

وبالجملة فإن كلامهم في هذا المقام لا يخلو عن مجازفة ناشئة عن عدم تتبع الأدلة والتأمل فيها كما هو حقها.

الرابع ـ قال شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في الدروس : ولو حج المحق حج غيره ففي الإجزاء تردد ، من التفريط ، وامتناع تكليف الغافل. مع مساواته المخالف في الشبهة.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : أقول : لا يخفى ضعف الوجه


الثاني من وجهي التردد ، لأن إيجاب الإعادة بعد العلم لا يستلزم تكليف الغافل. والحاقه بالمخالف قياس مع الفارق. والأصح اختصاص الحكم بالمخالف ، واعتبار استجماع الشرائط المعتبرة في غيره ، لعدم تحقق الامتثال بدونه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان مراد شيخنا المذكور (قدس‌سره) من هذا الكلام إنما هو بالنسبة إلى أصل الحج الواقع من المكلف ، بان يكون من أهل الحق وقد حج حج المخالفين جاهلا بحج الشيعة وكيفيته ، فهل يحكم ببطلانه بناء على عدم معذورية الجاهل ، لتفريطه بالإخلال بعدم تعلم الأحكام الشرعية ، أو يحكم بصحته بناء على انه غافل ويمتنع تكليف الغافل ، لأن الأوامر والنواهي الشرعية إنما تتوجه الى العالم؟ ومرجع ذلك الى معذورية الجاهل ـ كما وقع الحكم به في جملة من أحكام الحج ـ وعدمها. وحينئذ فقول السيد (قدس‌سره) ـ انه لا يخفى ضعف الوجه الثاني. ثم ذكر في بيان ضعفه : ان إيجاب الإعادة بعد العلم لا يستلزم تكليف الغافل ـ خروج عن محل المسألة ، إذ الكلام إنما هو بالنسبة إلى أصل الحج لا الإعادة ، ولا ريب انه متى كان الفعل صحيحا ـ بناء على معذورية الجاهل كما ذكره شيخنا المذكور ـ فإنه لا إعادة البتة.

نعم يبقى الكلام في انه لو كان حج المخالفين مستلزما لترك شي‌ء من الأركان عند أهل الحق ـ وهذا المحق قد حج حجهم وترك بعض الأركان ، والحال انه لا عذر في ترك الركن ، كما هو ظاهر الأصحاب من الحكم ببطلان الحج بترك بعض أركانه عمدا وجهلا ـ فالحكم بالصحة مشكل.

وكيف كان فتفريع هذه المسألة على ما نحن فيه ـ بناء على ما عرفت من بطلان عبادة المخالف ، وان عدم الإعادة عليه بعد دخوله في الايمان إنما هو تفضل من الله (عزوجل) لا لصحة عبادته ، وان المحق يجب عليه الإتيان بالعبادة على وجهها فمتى أخل بذلك عمدا وجب عليه الإعادة ـ ليس في محله.


نعم يفرق بين ما يعذر فيه وبين ما لا يعذر فيه.

واما ما أشار إليه شيخنا المتقدم في آخر كلامه ـ من مساواته للمخالف في الشبهة ، إشارة إلى الوجه في صحة إعمال المخالفين كما قدمنا نقله عنه ، وبيانا للعذر لهم في الخروج عن الدين المبين ، وبذلك ايضا صرح المحدث الكاشاني في المفاتيح في مسألة العدالة تبعا لشيخنا الشهيد الثاني في المسالك ـ فقد أشبعنا الكلام في رده وإبطاله في باب صلاة الجمعة من شرحنا على كتاب المدارك.

وليت شعري إذا كانت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية قد اتفقت على وجوب الرجوع الى أهل البيت (عليهم‌السلام) وأخذ الأحكام منهم ـ ولا سيما قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : «اني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي. ـ وفي بعض طرق هذا الخبر (٢) خليفتين ـ لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض». وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : «أهل بيتي كسفينة نوح عليه‌السلام من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق». وهما مرويان من طريق الجمهور بطرق عديدة وقد اعترف جملة من علمائهم بمضمونهما ، كما أوضحنا ذلك في سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد ، وحديث الغدير المروي متواترا من طرق القوم (٤) وأمثال ذلك ـ فأي شبهة بعد هذه الاخبار وأمثالها؟

__________________

(١ و ٢) ارجع الى كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٢ ص ٤٣ الى ٥٢ فإنه ذكر الحديث بألفاظه ومصادره.

(٣) ارجع الى كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ٢ ص ٥٦ الى ٥٨ فإنه ذكر الحديث بألفاظه ومصادره.

(٤) ارجع الى كتاب الغدير ج ١ ص ١٤ الى ١٥١ وص ٢٩٤ الى ٣١٣ الطبعة الثانية.


ولكن القوم إنما قابلوا بالعناد وتمسكوا بالعصبية واللداد ، كما يوضحه تصريح جملة من أساطين علمائهم ـ منهم الغزالي والزمخشري وغيرهما ـ بمخالفتهم السنن النبوية لكون الشيعة يعملون بها ، كمسألة تسنيم القبور ـ قال الغزالي (١) : «ان السنة هو التسطيح ولكن عدلنا عنه الى التسنيم مراغمة للرافضة» ـ والتختم باليمين ، واضافة آل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه في الصلاة عليه (صلى الله عليه وعليهم) والتكبير على الجنازة ، ونحو ذلك من ما أوضحناه في كتابنا المشار اليه ، فإذا كان هذا اعتراف علمائهم فأي شبهة لهم في الخروج عن الدين حتى يعتذر به أصحابنا عنهم وبالجملة فإن كلامهم في هذا المقام وقع غفلة عن تدبر الاخبار والنظر فيها بعين الاعتبار ، كما أوضحناه في شرحنا على المدارك في البحث مع المحدث الكاشاني.

المسألة الرابعة ـ قد اختلفت الاخبار في أفضلية المشي على الركوب وبالعكس. فمن ما يدل على الأول

صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ما عبد الله (تعالى) بشي‌ء أشد من المشي ولا أفضل».

وصحيحة الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن فضل المشي فقال :

__________________

(١) الوجيز ج ١ ص ٤٧ باختلاف في اللفظ ، ومثله في كتاب رحمة الأمة على هامش الميزان للشعراني ج ١ ص ٨٨ ، وقد قدمنا كلامهم في ذلك في التعليقة (١) ص ١٢٤ ج ٤ من الحدائق. وقد ذكر الحجة المقرم في مقتل الحسين عليه‌السلام ص ٤٤٣ من الطبعة الثانية الموارد التي صرح القوم بمخالفة السنة فيها لأنها أصبحت شعارا للرافضة.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) الوسائل الباب ٥٢ من الصدقة ، والباب ٣٢ من وجوب الحج وشرائطه.


ان الحسن بن علي (عليهما‌السلام) قاسم ربه ثلاث مرات ، حتى نعلا ونعلا وثوبا وثوبا ودينارا ودينارا ، وحج عشرين حجة ماشيا على قدميه».

وعن محمد بن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «ما عبد الله بشي‌ء أفضل من المشي».

وقال في الفقيه (٢) : روى انه ما تقرب العبد الى الله (عزوجل) بشي‌ء أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على المتقدمين ، وان الحجة الواحدة تعدل سبعين حجة. الحديث.

وروى في ثواب الأعمال (٣) بسنده عن الربيع بن محمد المسلي عن رجل عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما عبد الله بشي‌ء مثل الصمت والمشي إلى بيته». ومثله في الخصال (٤) عن ابي الربيع الشامي عنه عليه‌السلام.

وروى في الكافي عن أبي أسامة عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «خرج الحسن بن علي (عليهما‌السلام) الى مكة سنة ماشيا فورمت قدماه ، فقال له بعض مواليه : لو ركبت لسكن عنك هذا الورم. فقال : كلا إذا أتينا هذا المنزل فإنه يستقبلك اسود ومعه دهن فاشتر منه ولا تماكسه. الحديث». وفيه : انه وجد الأسود واشترى منه.

وروى البرقي في المحاسن (٦) عن ابي المنكدر عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : قال ابن عباس : ما ندمت على شي‌ء صنعت ندمي على ان لم أحج ماشيا ، لأني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من حج بيت الله ماشيا كتب الله له سبعة آلاف حسنة من حسنات الحرم. قيل : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما حسنات الحرم؟

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ٣٢ من وجوب الحج وشرائطه.


قال : الحسنة بألف ألف حسنة. وقال : فضل المشاة في الحج كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم. وكان الحسين بن علي (عليهما‌السلام) يمشي إلى الحج ودابته تقاد وراءه.

واما ما يدل على الثاني فصحيحة رفاعة وابن بكير عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) «انه سئل عن الحج ماشيا أفضل أو راكبا؟ قال : بل راكبا ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حج راكبا».

وروى الكليني عن رفاعة في الصحيح (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مشي الحسن عليه‌السلام من مكة أو من المدينة؟ قال : من مكة. وسألته : إذا زرت البيت أركب أو أمشي؟ فقال : كان الحسن عليه‌السلام يزور راكبا. وسألته عن الركوب أفضل أو المشي؟ فقال : الركوب. قلت : الركوب أفضل من المشي؟ فقال : نعم ، لان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ركب».

وظاهر هذا الخبر ان مشي الحسن (عليه‌السلام) المذكور في الاخبار انما كان من مكة إلى منى وعرفات ، فان معنى سؤال السائل : ان مشيه (عليه‌السلام) هل كان من خروجه من المدينة قاصدا إلى مكة ، أو من مكة في قصده الى عرفات ومنى؟ فأجاب بان ذلك انما هو من مكة. إلا ان حديث أبي أسامة المتقدم ظاهر المنافاة لذلك ، ومثله موثقة عبد الله بن بكير الآتية (٣). وقوله : «إذا زرت البيت أركب أو أمشي؟». يعنى : من منى الى مكة لطواف الزيارة.

وروى الشيخ في الموثق أو الحسن عن رفاعة (٤) قال : «سأل أبا عبد الله

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٣٣ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٤٥٦ ، وفي الوسائل الباب ٣٣ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) ص ١٧٤.


(عليه‌السلام) رجل : الركوب أفضل أم المشي؟ فقال : الركوب أفضل من المشي لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ركب».

وروى في الكافي في الموثق عن عبد الله بن بكير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انا نريد ان نخرج إلى مكة مشاة؟ فقال لنا : لا تمشوا واخرجوا ركبانا. قلت : أصلحك الله (تعالى) انه بلغنا عن الحسن بن علي (صلوات الله عليهما) انه كان يحج ماشيا؟ فقال : كان الحسن بن علي (عليهما‌السلام) يحج ماشيا وتساق معه المحامل والرحال».

أقول : ظاهر قول السائل : ـ «بلغنا عن الحسن بن علي (عليهما‌السلام)» بعد سؤاله عن الخروج إلى مكة مشاة ، ونهيه عليه‌السلام عن المشي ـ ان مشى الحسن عليه‌السلام كان الى مكة ، ومثله رواية أبي أسامة المتقدمة. والجمع بينهما وبين ظاهر صحيحة رفاعة لا يخلو عن اشكال.

وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن سيف التمار (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انا كنا نحج مشاة فبلغنا عنك شي‌ء فما ترى؟ قال : ان الناس ليحجون مشاة ويركبون. قلت : ليس عن هذا أسألك. قال : فعن أي شي‌ء سألت؟ قلت : أيهما أحب إليك ان نصنع؟ قال : تركبون أحب الي ، فان ذلك أقوى لكم على الدعاء والعبادة».

وللأصحاب في الجمع بين هذه الاخبار طرق : أحدها ـ وهو المشهور ـ ان المشي أفضل ان لم يضعفه عن الدعاء وإلا فالركوب أفضل. ويشهد لهذا الجمع صحيحة سيف المذكورة.

وثانيها ـ ان المشي أفضل لمن ساق معه ما إذا أعيا ركبه. ذكره الشيخ

__________________

(١ و ٢) الكافي ج ٤ ص ٤٥٥ و ٤٥٦ ، والتهذيب ج ٥ ص ١٢ ، وفي الوسائل الباب ٣٣ من وجوب الحج وشرائطه.


في كتابي الاخبار ، واستدل عليه بموثقة عبد الله بن بكير المتقدمة.

وثالثها ـ ان الركوب أفضل لمن كان الحامل له على المشي توفير المال مع استغنائه عنه ، دون ما إذا كان الحامل له على المشي كسر النفس ومشقة العبادة.

وهذا الوجه نقله شيخنا الشهيد الثاني في المسالك وسبطه في المدارك عن العالم الرباني الشيخ ميثم البحراني في شرح النهج ، قال في المدارك : وهو جيد لان الشح جامع لمساوئ العيوب ، كما ورد في الخبر (١) فيكون دفعه اولى من العبادة بالمشي.

ويدل على هذا الوجه ما رواه ثقة الإسلام (عطر الله تعالى مرقده) عن ابى بصير (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المشي أفضل أو الركوب؟ فقال : إذا كان الرجل موسرا فمشى ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل».

ورابعها ـ ان الركوب أفضل لمن يضعف بالمشي عن التقدم للعبادة. احتمله الشيخ في كتابي الاخبار ، واختاره شيخنا الشهيد في الدروس.

واحتج عليه الشيخ بما رواه عن هشام بن سالم في الحسن أو الموثق (٣) قال : «دخلنا على ابى عبد الله (عليه‌السلام) انا وعنبسة بن مصعب وبضعة عشر رجلا من أصحابنا ، فقلنا : جعلنا الله فداك أيهما أفضل المشي أو الركوب؟

فقال : ما عبد الله بشي‌ء أفضل من المشي. فقلنا : أيما أفضل نركب إلى مكة فنعجل فنقيم بها الى ان يقدم الماشي أو نمشي؟ فقال : الركوب أفضل».

__________________

(١) نهج البلاغة ج ٣ ص ٢٤٥ مطبعة الاستقامة بمصر في الكلمات القصار «البخيل جامع المساوئ العيوب».

(٢) الكافي ج ٤ ص ٤٥٦ ، وفي الوسائل الباب ٣٣ من وجوب الحج وشرائطه.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ١٣ ، وفي الوسائل الباب ٣٢ و ٣٣ من وجوب الحج وشرائطه.


وسيأتي إتمام الكلام في ذلك ـ ان شاء الله تعالى ـ في حج النذر.

المسألة الخامسة ـ لا خلاف بين الأصحاب في انه إذا استقر الحج في ذمته ثم مات فإنه يقضى عنه من أصل تركته. نقل الإجماع على ذلك العلامة في المنتهى والتذكرة. وقد تقدمت جملة من الاخبار الدالة على ذلك في صدر المسألة الثانية.

انما الخلاف في المكان الذي يجب الاستئجار منه ، والمتداول في كتب أكثر الأصحاب ان الخلاف هنا منحصر في قولين :

أحدهما ـ انه من أقرب الأماكن إلى مكة ، وهو الذي عليه الأكثر. قالوا : والمراد بأقرب الأماكن أقرب المواقيت إلى مكة ان أمكن الاستئجار منه وإلا فمن غيره مراعيا الأقرب فالأقرب ، فإن تعذر الاستئجار من أحد المواقيت وجب الاستئجار من أقرب ما يمكن الحج منه الى الميقات.

وثانيهما ـ انه من بلده ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن إدريس

والمفهوم من عبارة المحقق في الشرائع ان في المسألة قولا ثالثا ، وهو التفضيل بين ما إذا وسع المال فمن بلده وإلا فمن حيث يمكن.

وهذا القول وان لم نظفر به في كلام المتقدمين إلا انه صريح الشهيد في الدروس ، حيث قال : يقضى من أصل تركته من منزله ، ولو ضاق المال فمن حيث يمكن ولو من الميقات على الأقوى. انتهى.

استدل أصحاب القول المشهور على ذلك بان الواجب قضاء الحج وهو عبارة عن المناسك المخصوصة ، وقطع المسافة ليس جزء منه ولا واجبا لذاته ، وانما وجب لتوقف الواجب عليه ، فإذا انتفى التوقف انتفى الوجوب. على انا لو سلمنا وجوبه لم يلزم من ذلك وجوب قضائه ، لأن القضاء إنما يجب بدليل من خارج ، وهو انما قام على وجوب قضاء الحج خاصة. كذا في المدارك.

واستدل المحقق في المعتبر على هذا القول أيضا بأن الواجب في الذمة


ليس إلا الحج فلا يكون قطع المسافة معتبرا. وبان الميت لو اتفق حضوره بعض المواقيت لا بقصد الحج أجزأه الحج من الميقات ، فكذا لو قضى عنه.

وزاد العلامة في المختلف : ان المسافر لو اتفق قربه من الميقات فحصلت له الشرائط وجب عليه ان يحج من ذلك الموضع ، وكذا لو استطاع من غير بلده لم يجب عليه قصد بلده وإنشاء الحج منه بلا خلاف ، فعلم ان قطع المسافة ليس واجبا هنا ، فلا يجب الاستئجار منه.

أقول : وهذه الوجوه بحسب ما يتراءى منها في بادئ الرأي مؤيدة لما ادعوه ، إلا ان في صلاحها لتأسيس الأحكام الشرعية وبنائها عليها اشكالا ، كما سيظهر لك ان شاء الله (تعالى) فإنه من الجائز ان يكون حكم القضاء عن الميت غير مترتب على هذه الوجوه التي ذكروها ، فلا بد فيه من دليل صريح يدل على ما ادعوه.

احتج ابن إدريس ـ على ما نقلوا عنه ـ بتواتر الأخبار بذلك. وبان المحجوج عنه كان يجب عليه الحج من بلده ونفقة طريقه ، فمع الموت لا تسقط النفقة.

ورده المحقق في المعتبر بالمنع من تواتر الأخبار بذلك ، قال : ودعوى المتأخر تواتر الأخبار غلط ، فانا لم نقف في ذلك على خبر شاذ فكيف يدعى التواتر؟ وبانا لا نسلم وجوب الحج من البلد ، بل لو أفاق المجنون عند بعض المواقيت أو استغنى الفقير وجب ان يحج من موضعه. على انه لم يذهب محصل الى ان الإنسان يجب عليه ان ينشئ حجة من بلده. فدعواه هذه غلط وما رتبه عليها أشد غلطا. انتهى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المسألة خالية من النصوص كما سمعت من كلام المحقق ، والنصوص الواردة باعتبار الميقات أو البلد أو ما بينهما إنما وردت في الوصية بالحج ، مع انها بحسب ظاهرها لا تخلو من تدافع وتعارض. والأصحاب


قد تعلقوا بجملة منها في الدلالة على ما ادعوه في هذه المسألة من تخصيص الوجوب بالميقات ، وأجابوا عن ما دل بظاهره على خلاف ذلك. وظاهرهم ان المسألتين في التحقيق من باب واحد. وهو كذلك. إلا ان في دلالة ما أورده من الاخبار على ما ادعوه منها تأملا.

وها أنا أسوق إليك جملة ما وقفت عليه من الاخبار المذكورة ، مذيلا كلا منها بما ادى اليه فهمي القاصر وذهني الفاتر ، واسأل الله (عزوجل) العصمة من طغيان القلم وزلة القدم ، فأقول :

من الاخبار المشار إليها صحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ قال : لا بأس ، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه».

أقول : وهذه الرواية وان لم تكن من عداد الروايات المشار إليها إلا انها من جملة ما اعتضد به أصحاب القول المشهور فذكرناها أولا لذلك.

والتقريب فيها انها دلت بظاهرها على ان المخالفة في الحج من الكوفة إلى الحج من البصرة غير موجب لفساد الحج ، وما ذاك إلا من حيث ان الغرض من إعطاء الحجة الإتيان بالمناسك المذكورة وان الطريق لا مدخل لها في الحج. وفيه ما سيأتي ان شاء الله (تعالى) في مسألة من استؤجر على طريق فحج على غيره من الخلاف في ذلك.

وصاحب المدارك الذي هو ممن اعتضد بهذه الرواية في هذه المسألة ، حيث اختار في تلك المسألة عدم صحة الحج كذلك أجاب عن هذه الرواية ـ حيث ان الشيخين استدلا بها على الجواز ـ فقال بأنها لا تدل صريحا على جواز المخالفة ،

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من النيابة في الحج.


لاحتمال ان يكون قوله : «من الكوفة» صفة ل «رجل» لا صلة ل «يحج». انتهى. ولا يخفى انه بناء على هذا الاحتمال الذي ذكره يبطل تعلقه بها هنا فكيف يحتج بها؟

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن رئاب (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اوصى ان يحج عنه حجة الإسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما؟ قال : يحج عنه من بعض المواقيت التي وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قرب».

قالوا : وهذه الرواية مؤيدة للقول المشهور باعتبار انه عليه‌السلام أطلق الحج عنه من بعض المواقيت ولم يستفصل عن إمكان الحج بذلك من البلد أو غيره من ما هو أبعد من الميقات ، فدل على عدم وجوبه.

وفيه بعد ، فإنه من المحتمل قريبا ـ بل الظاهر انه الأقرب ـ انه عليه‌السلام إنما أمر من بعض المواقيت لعلمه ان الخمسين بحسب العادة والعرف ليس فيها وفور لما يسع من ما قبل الميقات من نفقة الحج وكراية الدابة تلك المدة كما هو ظاهر. وما ذكرناه ان لم يكن أظهر فلا أقل ان يكون مساويا لما ذكروه من الاحتمال ، وبذلك يبطل الاستدلال.

ومنها ـ رواية زكريا بن آدم (٢) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل مات واوصى بحجة له ، أيجوز ان يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه؟ فقال : ما كان دون الميقات فلا بأس».

أقول : ان ظاهر هذه الرواية انه لا يتعين الحج من البلد ، بل الواجب ان يستأجر عنه من قبل الميقات كائنا ما كان بما تسعه الأجرة ، والأظهر حملها على

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من النيابة في الحج.


عدم سعة المال للحج من البلد. ومفهومها انه لا يصار الى الميقات مع سعة المال لما زاد على ذلك. وهي بالتقريب المذكور منافية للقول المشهور ، والاعتضاد بها ـ كما ذكره في المدارك ـ لا يخلو من القصور.

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه عن ابي سعيد عن من سأل أبا عبد الله عليه‌السلام (١) عن رجل اوصى بعشرين درهما في حجة؟ قال : يحج بها عنه رجل من حيث يبلغه.

أقول : ظاهر هذا الخبر ان العشرين لو لم تبلغ الحج من أحد المواقيت المشهورة يحج من ما بعد الميقات إلى مكة ، كادني الحل والحديبية والجعرانة.

ويصير هذا من قبيل من لم يتمكن من وصول الميقات والخروج إليه ، فإنه يحرم من هذه الأماكن ولو من مكة. هذا ما يفهم من الخبر.

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قلت له : رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة وعليه حجة الإسلام ، وترك ثلاثمائة درهم ، واوصى بحجة الإسلام وان يقضى عنه دين الزكاة؟ قال : يحج عنه من أقرب ما يكون ويخرج البقية في الزكاة».

أقول : ظاهر الخبر هنا ان الحج من مكة لأنها أقرب ما يكون بالتقريب الذي ذكرناه.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن عمر بن يزيد (٣) قال : «قال أبو عبد الله

__________________

(١) رواه في التهذيب ج ٩ ص ٢٢٩ ، وفي الفقيه ج ٢ ص ٢٧٢ ، إلا انه عن ابي بصير مضمرا ، ورواه في الكافي ج ٤ ص ٣٠٨ ، وفي الوسائل الباب ٢ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من المستحقين للزكاة.

(٣) الوسائل الباب ٢ من النيابة في الحج.


(عليه‌السلام) في رجل اوصى بحجة فلم تكفه من الكوفة إنها تجزئ حجته من دون الوقت».

وما رواه فيه ايضا عن عمر بن يزيد (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل اوصى بحجة فلم تكفه؟ قال : فيقدمها حتى يحج دون الوقت».

وظاهر الخبرين المذكورين ان الرجل اوصى بمال للحج فلم يكف للاستئجار عنه من البلد ، كما هو صريح الأول وظاهر الثاني. وأجاب (عليه‌السلام) بأنه يستأجر بها من اي موضع يسعه المال بعد البلد. وفيه إيماء إلى انه لو كفى من البلد لوجب وان لم يعين البلد في الوصية.

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن محمد بن عبد الله (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل يموت فيوصي بالحج ، من اين يحج عنه؟ قال : على قدر ماله ، ان وسعه ماله فمن منزله وان لم يسعه ماله من منزله فمن الكوفة ، فان لم يسعه من الكوفة فمن المدينة».

أقول : ظاهر الخبر المذكور انه ان كان في مال الموصى سعة الحج من المنزل فهو الواجب أولا ، وإلا فيبني على ما يسعه من البلدان المتوسطة. وظاهر الخبر ان السؤال عن رجل من خراسان. وبهذا التقريب ينطبق على ما قدمناه من الاخبار.

ومنها ـ صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) انه قال : «وان

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من النيابة في الحج.

(٣) لم أقف على هذه الصحيحة في الوسائل في مظانها ، ولم يذكرها في الوافي باب (الوصية بالحج) من كتاب الوصية. نعم ذكرها صاحب المدارك في نفس المسألة ، وهي المسألة الثانية من المسائل الأربع في المقدمة الثانية


اوصى ان يحج عنه حجة الإسلام ولم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت». والتقريب فيها ما تقدم.

والسيد السند في المدارك لما اعتضد بروايتي علي بن رئاب وزكريا بن آدم المتقدمتين على ما اختاره من القول المشهور ـ وهو وجوب الحج من الميقات مطلقا ، وكان هذان الخبران ظاهري المنافاة لذلك ـ أجاب عنهما بعد ذكرهما بأنهما إنما تضمنا الحج من البلد مع الوصية ، ولعل القرائن الحالية كانت دالة على ارادة الحج من البلد ، كما هو الظاهر من الوصية عند الإطلاق في زماننا ، فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصية. انتهى.

وفيه : ان بعده ظاهر ، وما ذكره تكلف لا ضرورة تلجئ إليه ، فإن ما ذكرناه هو المعنى الذي تنطبق جملة أخبار المسألة عليه. وتوهم الدلالة على

__________________

ونسبها الى الشيخ (قدس‌سره) وكذا نسبها صاحب الذخيرة إلى الشيخ في نفس المسألة ، ومن قبلهما العلامة في المنتهى ج ٢ ص ٨٧١. ولم أجدها في التهذيب في مظانها. إلا ان الشيخ (قدس‌سره) ـ بعد ان أورد في التهذيب ج ٥ ص ٤٠٥ من الطبع الحديث صحيح الحلبي المتضمن للوصية بالحج وان حجة الإسلام تخرج من أصل المال والحج مستحب يخرج من الثلث ، وان النائب يتعين بتعيين الموصي ، وأورده في الوسائل في الباب ٢٥ من وجوب الحج وشرائطه برقم ٢ ـ قال : «فإن اوصى ان يحج عنه حجة الإسلام ولم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت ، وروى ذلك ...» ثم ذكر صحيح علي بن رئاب المتقدم. وهذه العبارة بقرينة قوله : «روى ذلك» من كلام الشيخ (قدس‌سره) لا من لفظ الحديث. وعدم نقل صاحبي الوسائل والوافي لهذه الصحيحة شاهد قطعي على ذلك.


اعتبار الميقات من الخبرين اللذين اعتضد بهما قد بينا ضعفه.

وزاد بعضهم في الجواب عن الخبر المذكور : ان يراد بماله ما عينه اجرة للحج بالوصية ، قال : فإنه يتعين الوفاء به مع خروج ما زاد عن أجرته من الميقات من الثلث اتفاقا. وهو أبعد وأبعد.

وبالجملة فإن الظاهر عندي من هذه الروايات ـ باعتبار ضم بعضها الى بعض وحمل مجملها على مفصلها ومطلقها على مقيدها ـ هو انه متى اوصى بالحج فإنه ينظر في ماله ، فان وسع الحج من بلده ومنزله وجب ، وإلا فيترتب باعتبار ما يسع المال ولو من مكة. وهذا هو قول شيخنا الشهيد في الدروس. مثلا : لو كان الموصى في بلد خراسان ، فان وسع ماله للحج من خراسان وجب ، وإلا فينظر في البلدان والأماكن المتوسطة من خراسان إلى مكة فأيها وسع الحج منه وجب. وعلى هذا فلا حجة في شي‌ء من هذه الاخبار للقول المشهور ، بل هي ظاهرة في خلافه.

نعم يبقى الكلام في ان مورد هذه الروايات الوصية فحمل ما نحن فيه عليها يحتاج الى دليل. إلا ان لقائل أن يقول : انه إذا دلت هذه الاخبار ـ كما أوضحناه ـ على ان الواجب مع الوصية هو النظر إلى سعة المال ، فان وسع من بلده وجب الحج من البلد وإلا فمن حيث يسع ، فينبغي القول بذلك في من لم يوص مع معلومية اشتغال ذمته ، لان الواجب الإخراج عنه أوصى أو لم يوص. ولهذا تكلف الأصحاب إرجاع بعض هذه الروايات الى ما ذهبوا اليه واستدلوا بها عليه وان كان خلاف ما يستفاد منها كما عرفت.

وان ارتد مزيد تحقيق للمقام بتوفيق الملك العلام وبكرة أهل الذكر (عليهم‌السلام) فاستمع لما يتلى عليك من الكلام :

فنقول : لا يخفى ان هذه الأخبار بالتقريب الذي ذكرناه فيها دافعة لما ذكروه من الدليل المتقدم على القول المشهور ، لان مرجع كلامهم ـ وان أكثروا


من العبارات ـ الى ان اخبار القضاء الواردة بقضاء الحج لم تشتمل على الطريق بل على قضاء الحج خاصة ، والحج إنما هو عبارة عن المناسك المخصوصة ، ووجوب قطع الطريق على الحي انما هو من حيث عدم تمكنه من الحج إلا بذلك ، ومتى مات سقط هذا التكليف عنه ووجب الحج خاصة.

وفيه أولا ـ انه لو كانت الطريق لا مدخل لها في القضاء عنه ، وان الواجب انما هو الحج من الميقات مطلقا ، فكيف تخرج هذه الاخبار مصرحة بالترتيب مع الوصية بالقضاء من البلد وإلا فمن حيث وسعه المال كما أوضحناه آنفا؟ لان قاعدتهم هذه جارية في المقامين وكلامهم شامل للمسألتين.

وثانيا ـ الأخبار الدالة على وجوب استنابة الممنوع من الحج بمرض أو شيخوخة أو عضب ، وانه يجهز رجلا من ماله ليحج عنه (١) ومن الظاهر ان التجهيز انما هو من البلد ، فإنه لا يقال لمن كان في بغداد ـ مثلا ـ ثم أمر رجلا ان يستأجر له رجلا من الميقات انه جهز رجلا يحج عنه ، فان التجهيز انما هو ان يعطيه أسباب السفر وما يتوقف عليه الى ذلك المكان بل ورجوعه. وهو ظاهر الأصحاب أيضا حيث انه لم يطعن أحد في دلالة هذه الاخبار مع انها ظاهرة في ما ذكرناه. ومقتضى ما ذكروه ـ من الدليل المتقدم الذي اعتمدوا عليه في هذه المسألة ـ ان الواجب إنما هو الحج من الميقات والطريق لا مدخل لها. وبعين ذلك نلزمهم في المسألة المذكورة ، فإن هذا الممنوع بسبب العذر قد سقط عنه وجوب السعي ببدنه وتعلق الحج بماله ، والحج انما هو عبارة عن المناسك المخصوصة والطريق لا مدخل لها ، فمن اين يجب عليه ان يجهز رجلا من بلده؟ مع ان الاخبار قد دلت على خلاف ذلك. وهو مؤذن ببطلان قاعدتهم التي اعتمدوها.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من وجوب الحج وشرائطه.


وثالثا ـ ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب مسائل الرجال (١) رواية عبد الله بن جعفر الحميري واحمد بن محمد الجوهري عن احمد بن محمد عن عدة من أصحابنا قالوا : «قلنا لأبي الحسن ـ يعني علي بن محمد (عليهما‌السلام) ـ : ان رجلا مات في الطريق واوصى بحجة وما بقي فهو لك ، فاختلف أصحابنا ، فقال بعضهم : يحج عنه من الوقت فهو أوفر للشي‌ء ان يبقى عليه. وقال بعضهم : يحج عنه من حيث مات؟ فقال عليه‌السلام : يحج عنه من حيث مات».

والتقريب فيها انه لو كان الطريق لا مدخل له في الحج عن الميت بالتقريب الذي ذكروه لأمر عليه‌السلام بالحج من الميقات ولم يأمر بالحج من الموضع الذي مات فيه ولعل الرجل كان من خراسان ـ مثلا ـ فمات بعد خروجه بفرسخين أو ثلاثة ، وانه عليه‌السلام أوجب الحج من ذلك الموضع.

فأي دليل في بطلان ما اعتمدوه أظهر من هذه الأدلة؟

(فإن قيل) : ان الاخبار قد وردت في هذه المواضع بما ذكرتم فوجب المصير إليها ، ولا يلزم من ذلك المصير الى ما ذكرتم في هذه المسألة.

(قلنا) : نعم الأمر كما ذكرت ولكن الغرض من إيراد هذه الاخبار انما هو بيان بطلان هذا الدليل الذي اعتمدوه ، وفساد هذه القاعدة التي اتفقوا عليها ، فإنه لو كان ذلك حكما كليا وضابطا جليا ـ كما ظنوه ـ لم تخرج هذه الاخبار بخلافها مع ان ما تضمنته من جزئياتها ، فهو دليل على فسادها.

ورابعا ـ انا نقول : ان ظاهر الاخبار الدالة على شرطية الاستطاعة في وجوب الحج شمولها بإطلاقها للحي والميت ، بمعنى ان الواجب عليه في حال الحياة الحج متى استطاع الإتيان به بزاد وراحلة وغيرهما من ما يتوقف عليه الحج

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من النيابة في الحج.


أولا وان قل في بعض الفروض ، كما إذا حصلت الاستطاعة في الميقات مثلا ، لأن الاستطاعة عندنا ـ كما حققناه آنفا ـ عبارة عن القدرة على الإتيان بالحج كيف اتفق من غير مشقة ، وكذلك بعد الموت يجب الحج عنه على الوجه الذي استقر في الذمة. والتمسك بإطلاق قولهم (عليهم‌السلام) في اخبار القضاء : «من مات مستطيعا يقضى عنه الحج» (١) يراد به على الوجه الذي فات عليه. وتشهد بذلك الأخبار التي ذكرناها في الوجوه الثلاثة المتقدمة. على ان اللازم من ما ذكروه ـ من عدم شرطية الاستطاعة في القضاء عن الميت ـ انه لو مات مستطيعا للحج من الميقات وجب ان يقضى عنه من الميقات. وهو باطل إجماعا. وقولهم ـ : انه لو أفاق المجنون عند الميقات ، أو استطاع في ذلك المكان ، أو اتفق حضوره الميقات ، لم يجب عليه قصد البلد ـ صحيح ، لأنا لا نوجب في القضاء عنه الحج من البلد مطلقا ، وانما ترتبه على انه بعد حصول الاستطاعة كائنا ما كان لو مات وجب القضاء عنه من محل الموت ، فلو مات أحد من هذه الأفراد المعدودة ـ اعني المجنون وما بعده ـ لم نوجب القضاء عنه إلا من ذلك المكان ، كما سمعت من حديث السرائر. والأخبار الخارجة بالبلد في الوصية ـ كما قدمناها ـ انما خرجت مخرج الغالب والأكثر من حصول ذلك في بلد الاستيطان ، فلا ينافي ذلك ما اتفق على غير هذا الوجه.

فعليك بالفكر الدقيق في هذا التحقيق الرشيق ، فإنه حقيق ان يكتب بالتبر على الأحداق لا بالحبر على الأوراق ، إلا ان الالف بالمشهورات ـ سيما إذا زخرفت بالإجماعات ـ شنشنة اخزمية وطريقة لا تخلو من عصبية.

وكيف كان فانا في المسألة من المتوقفين لعدم النص الصريح ، والاحتياط

__________________

(١) هذا مضمون ما أورده في الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه.


عندي واجب بنحو ما ذكره شيخنا في الدروس ، فان كلامه هو الأظهر لصوقا بالأخبار كما عرفت. والله العالم بحقائق أحكامه ، وحملة شريعته القوامون بمعالم حلاله وحرامه.

ويجب ان يلحق بهذه المسألة فوائد الأولى ـ قد صرح الأصحاب بأنه انما يقضي الحج من أصل التركة متى استقر في الذمة بشرط ان لا يكون عليه دين وتضيق التركة عن قسمتها على الدين واجرة المثل.

قال في المدارك بعد ذكر المصنف ذلك : واما انه مع ضيق التركة يجب قسمتها على الدين واجرة المثل بالحصص فواضح ، لاشتراك الجميع في الثبوت وانتفاء الأولوية. ثم ان قامت حصة الحج من التوزيع أو من جميع التركة مع انتفاء الدين بأجرة الحج فواضح ، ولو قصرت عن الحج والعمرة من أقرب المواقيت ووسعت لأحدهما فقد أطلق جمع من الأصحاب وجوبه. ولو تعارضا احتمل التخيير لعدم الأولوية ، وتقديم الحج لأنه أهم في نظر الشرع. ويحتمل قويا سقوط الفرض مع القصور عن الحج والعمرة ان كان الفرض التمتع ، لدخول العمرة في الحج على ما سيجي‌ء بيانه. ولو قصر نصيب الحج عن أحد الأمرين وجب صرفه في الدين ان كان معه وإلا عاد ميراثا. انتهى.

أقول : لا يخفى انه قد تقدمت (١) صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته دالة على ان من عليه خمسمائة درهم من الزكاة وعليه حجة الإسلام ولم يترك إلا ثلاثمائة درهم ، فإنه يقدم الحج أولا من أقرب الأماكن ويصرف الباقي في الزكاة.

ومثلها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب عنه ايضا عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) «في رجل مات وترك ثلاثمائة درهم ، وعليه من الزكاة سبعمائة درهم ، واوصى ان

__________________

(١) ص ١٨٠.

(٢) الوسائل الباب ٤٢ من الوصايا.


يحج عنه؟ قال : يحج عنه من أقرب المواضع ويجعل ما بقي في الزكاة».

وظاهر الخبرين المذكورين بل صريحهما انه يجب أولا الحج عنه من أقرب الأماكن ثم يصرف الباقي في الزكاة كائنا ما كان ، وانه لا تحاص بينهما.

ولا يخفى ما في ذلك من الدلالة على بطلان ما ذكروه من التفصيل.

وبيان ذلك من وجوه : منها ـ انهم اعتبروا توزيع التركة بالحصص كما في الديون المجتمعة ، وجعلوا حصة الحج اجرة المثل ، والنص (١) يدل على وجوب البدأة بالحج وانه لا يصرف في الزكاة شي‌ء إلا بعد الحج ، فيصرف فيها ما فضل.

ومنها ـ ان ظاهرهم ان اجرة المثل باعتبار الميقات ، والنص (٢) يدل على انه من أقرب الأماكن ، والمراد مكة بالتقريب الذي أوضحناه آنفا.

ومنها ـ ان ظاهر النص (٣) تقديم الحج مطلقا تمتعا كان فرضه أو غيره.

ومنها ـ قوله : «ثم ان قامت حصة الحج من التوزيع. الى آخره» فان ظاهر النص (٤) انه لا توزيع بل يقدم الحج أولا ويصرف الفاضل في الزكاة.

ومن ذلك ايضا يظهر بطلان قوله : «ويحتمل قويا سقوط الفرض مع القصور» وقوله : «لو قصر نصيب الحج عن أحد الأمرين».

وبالجملة فإن جميع هذه الأحكام وقعت تفريعا على وجوب التوزيع بالحصص كما في سائر الديون ، والنص (٥) ، قد دل على وجوب تقديم الحج ـ كما عرفت ـ واختصاص الفاضل بالزكاة.

ولا ريب انهم بنوا في هذه المسألة على مسألة تزاحم الديون وان الحكم فيها التوزيع بالحصص والحج دين ، والنص (٦) ظاهر في إخراج دين الحج من

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) وهما خبرا معاوية بن عمار المذكوران.


هذه القاعدة التي بنوا عليها.

وهذا من ما يؤيد ما قدمناه في أصل المسألة من انه لا يكفي في إثبات الحكم الشرعي مثل هذه الأدلة ، لجواز خروج موضع البحث عنها. وهو مؤيد لما حققناه في غير موضع من توقف الفتوى في المسألة والحكم على النص الصريح الواضح الدلالة ، فإن الناظر في كلامهم هنا في الموضعين لا يكاد يختلجه الريب في صحة ما ذكروه بناء على القاعدتين المذكورتين ، والنصوص ـ كما ترى ـ في الموضعين على خلاف ذلك.

الثانية ـ هل المراد بالبلد على تقدير القول بالاستئجار من البلد بلد موته أو بلد استيطانه ، أو بلد يساره التي حصل وجوب الحج عليه فيها؟ أوجه :

اختار في المدارك الأول ، حيث قال : الظاهر ان المراد بالبلد الذي يجب الحج منه على القول به محل الموت حيث كان ، كما صرح به ابن إدريس ودل عليه دليله. انتهى.

أقول : في استفادة ذلك من دليل ابن إدريس ـ وهو ما قدمنا نقله عنه ـ إشكال ، لأنه احتج بأنه كان يجب عليه الحج من بلده. وظاهر ذلك إنما هو بلد استيطانه ، وإذ لا يصدق عرفا على من كان من أهل الكوفة فاتفق موته في البصرة ان البصرة بلده وإنما يصدق على الكوفة. بل دعواه (قدس‌سره) : ان ابن إدريس صرح ببلد الموت ايضا غريب ، فانا لم نقف عليه في كلامه ولا نقله عنه غيره ومن تبع أثره كالفاضل الخراساني وغيره.

وهذه صورة عبارته في كتاب السرائر من أولها إلى آخرها ، قال (قدس‌سره) : فان كان متمكنا من الحج والخروج فلم يخرج وأدركه الموت وكان الحج قد استقر عليه ، وجب ان يخرج عنه من صلب ماله ما يحج به من بلده ، وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا ، فان لم يخلف إلا قدر ما يحج به من بلده


وكانت الحجة قد وجبت عليه قبل ذلك واستقرت ، وجب ان يحج به عنه من بلده وقال بعض أصحابنا بل من بعض المواقيت ، ولا يلزم الورثة الإجارة من بلده بل من بعض المواقيت. والصحيح الأول ، لأنه كان يجب عليه نفقة الطريق من بلده فلما مات سقط الحج عن بدنه وبقي في ماله بقدر ما كان يجب عليه لو كان حيا من مؤنة الطريق من بلده ، فإذا لم يخلف إلا قدر ما يحج به من بعض المواقيت وجب ايضا ان يحج عنه من ذلك الموضع. وما اخترناه مذهب شيخنا ابي جعفر في نهايته ، وبه تواترت أخبارنا ورواية أصحابنا. والمقالة الأخرى ذكرها في مبسوطه ، وأظنها مذهب المخالفين (١) انتهى.

وهذه العبارة على طولها وتكرار لفظ «بلده» فيها ليس فيها تعرض لذكر بلد الموت ، فأين التصريح الذي ذكره (قدس‌سره)؟ والمتبادر ـ كما عرفت ـ من بلده انما هو بلد الاستيطان والإقامة مدى الزمان لا بلد الموت ، كان يموت عابر سبيل في بلد من البلدان. وبذلك يظهر عدم الاعتماد على المنقول وان كان من أجلاء الفحول.

ثم انه في المدارك لم يذكر لما استظهره دليلا يدل عليه ولا مستندا يرجع اليه.

ثم قال في المدارك على اثر العبارة التي قدمناها عنه : وقال في التذكرة : ولو كان له موطنا قال الموجبون للاستنابة من البلد : يستناب من أقربهما. وهو غير واضح ، لان دليل الموجبين انما يدل على ما ذكرناه. انتهى.

أقول : أشار بدليل الموجبين الى ما تقدم في صدر عبارته من دعوى كون دليل ابن إدريس الذي هو القائل بهذا القول دل على محل الموت. وقد عرفت ما فيه.

__________________

(١) نسبه في المغني ج ٣ ص ٢٤٣ الى الشافعي.


بقي الكلام في ما نقله هنا عن التذكرة ، فإنه وان كان كذلك إلا انه لا يخلو من نوع مدافعة لما قدمه في التذكرة في صدر المسألة ، حيث قال : مسألة : وفي وجوب الاستئجار من البلد الذي وجب على الميت الحج فيه ـ اما من بلده أو من الموضع الذي أيسر فيه ـ قولان : أحدهما هذا ، وبه قال الحسن البصري وإسحاق ومالك في النذر (١) والثاني انه يجب من أقرب الأماكن إلى مكة وهو الميقات ، وبه قال الشافعي (٢) وهو الأقوى عندي. ثم استدل بنحو ما قدمنا نقله عنهم ، ونقل رواية حريز ورواية علي بن رئاب بالتقريب الذي قدمنا نقله عنهم في ذيلها. الى ان قال : احتج الآخرون بأن الحج وجب على الميت من بلده فوجب ان ينوب عنه منه ، لان القضاء يكون على وفق الأداء كقضاء الصلاة والصيام. ثم قال : ونحن نمنع الوجوب من البلد وإنما ثبت اتفاقا ، ولهذا لو اتفق له اليسار في الميقات لم يجب عليه الرجوع الى بلده لإنشاء الإحرام منه ، فدل على ان قطع المسافة ليس مرادا للشارع. ثم قال : تذنيبات : لو كان له موطنان قال الموجبون للاستنابة من بلده : يستناب من أقربهما ، فإن وجب عليه الحج بخراسان ومات ببغداد ، أو وجب عليه ببغداد فمات بخراسان قال احمد يحج عنه من حيث وجب عليه لا من حيث موته (٣) ويحتمل ان يحج عنه من أقرب المكانين ، لانه لو كان حيا في أقرب المكانين لم يجب عليه من أبعد منه ، فكذا نائبه. انتهى.

أقول : لا يخفى ان ظاهر كلامه في صدر المسألة ان الخلاف في المسألة على قولين ، أحدهما وجوب الاستئجار من البلد الذي وجب على الميت الحج فيه

__________________

(١ و ٢ و ٣) نسبه في المغني ج ٣ ص ٢٤٣.


سواء كان بلده أو غيره من الموضع الذي أيسر فيه ، والثاني من الميقات. وهذا الكلام يشعر بان مراد القائلين بالبلد انما هو بلد الاستطاعة ، كما هو أحد الوجوه التي قدمنا نقلها عنهم. وهو ظاهر الحجة التي نقلها عن أصحاب هذا القول. وحينئذ فقوله في التهذيب الأول ـ : لو كان له موطنان قال الموجبون للاستنابة من بلده : يستناب من أقربهما ـ لا ينطبق على القول الأول وإنما ينطبق على القول ببلد الاستيطان مطلقا استطاع فيها أو لا ، كما هو أحد الوجوه المتقدمة ، لأنه لا معنى لحصول الاستطاعة في بلدين متعددين. وهذا القول لم يذكره ولم يتعرض له كما عرفت من عبارته ، فكيف يفرع عليه هذا الفرع؟ ويؤيد ما ذكرناه تمثيله بمن وجب عليه الحج بخراسان فمات ببغداد وبالعكس ، فان هذا انما يجري على ما ذكرناه من البلد مطلقا. وما نقله عن احمد هنا هو الموافق لما نقله آنفا عن الحسن البصري وإسحاق ومالك ، وان خصه بعضهم بالنذر كما أشار اليه.

وكيف كان فظاهر بحثه هنا انما هو مع المخالفين ، بل الظاهر ان الاحتمالات الثلاثة في البلد ـ كما قدمنا نقله عنهم ـ انما هو عند المخالفين (١) لأن القائلين بالبلد من أصحابنا ظاهر كلامهم انما هو بلد الاستيطان ، كما عرفت من كلام ابن إدريس.

الثالثة ـ قال في المدارك : الموجود في ما وقفت عليه من كتب الأصحاب حتى في كلام المصنف في المعتبر ان في المسألة قولين كما نقلناه ، وقد جعل

__________________

(١) قال في المغني : ويستناب من يحج عنه من حيث وجب عليه ، اما من بلده أو من الموضع الذي أحصر فيه. الى ان قال : وقال الشافعي : يستأجر من يحج عنه من الميقات.


المصنف هنا الأقوال ثلاثة ، ولا يتحقق الفرق بين القولين الأخيرين إلا على تقدير القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد على القول الثاني. ولا نعرف بذلك قائلا ، مع انه مخالف للروايات كلها. انتهى.

أقول : هذا القول وان لم ينقل صريحا عن أحد من المتقدمين كما ذكره إلا انه صريح شيخنا الشهيد في الدروس ، كما عرفت من عبارته التي قدمناها في صدر المسألة.

والتحقيق في ذلك ان يقال : ان أصل مطرح الخلاف في المسألة بين الخاصة والعامة ـ كما سمعته من كلام التذكرة ـ إنما هو بالنسبة الى من في ماله سعة الحج من البلد ، هل يجب عليه ان يحج عنه من بلده بالتقريب الذي ذكره أصحاب هذا القول كما تقدم ، أو انما يجب الحج عنه من الميقات خاصة بالتقريب المتقدم في كلامهم؟ ومقتضى ذلك ان من لم يخلف سعة من المال يحج به من البلد يسقط الحج عنه على تقدير القول بالبلد ، كما ذكره (قدس‌سره) وهو ظاهر المنقول عن العامة القائلين بهذا القول ، كما يشعر به كلام التذكرة المتقدم ، والخلاف في هذه المسألة ليس مختصا بالخاصة حتى يدعي انه لم يعرف بذلك قائلا. إلا ان ابن إدريس الذي هو القائل بالبلد من أصحابنا وافق الأصحاب في الاستئجار من الميقات في ما إذا لم يخلف إلا قدر ما يحج به من الميقات ، كما تقدم في عبارته. واما مع وجود السعة للحج من الأماكن المتوسطة بين البلد وبين الميقات فلم يتعرض له في كلامه بالمرة ، وهذا القائل قد تعرض له وأوجب الاستئجار من كل مكان وسعه المال من البلد فصاعدا الى الميقات. وحينئذ فالظاهر تخصيص كلام ابن إدريس ، اما بحمل كلامه على ما يرجع به الى القول الثالث ، وهذا هو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، حيث قال بعد نقل القولين ـ الوجوب من الميقات والثاني من البلد ـ : «ومراد صاحب هذا القول ان ذلك مع سعة المال وإلا فمن


حيث يمكن» والظاهر بعده عن ظاهر عبارته المتقدمة ، واما بان يحمل المراد من قوله : «لم يخلف إلا قدر ما يحج به من الميقات» على ما إذا لم يخلف من المال ما فيه سعة الحج من البلد تجوزا ، فعلى هذا ليس عنده إلا الحج من البلد ان وسعه المال أو الميقات ان لم يسعه ، فعلى هذا لو وسع من الأماكن المتوسطة فالحج من الميقات. وأمثال هذا التجوز في عبارات المتقدمين كثير. ومرجع ذلك الى ما عرفت آنفا من ان محل الخلاف في المسألة إنما هو الاستطاعة من البلد ، فالأصحاب الغوا ذلك وأوجبوا من الميقات خاصة ، وابن إدريس أوجب الحج من البلد في الصورة المذكورة ووافق الأصحاب في ما عدا ذلك.

وكيف كان فقول الدروس هو الأوفق بالأخبار التي قدمناها بالتقريب الذي ذكرناه في ذيلها.

والظاهر ان مراد السيد السند (قدس‌سره) بقوله : «مع انه مخالف للروايات كلها» إنما هي روايات الوصية ، لما عرفت من ان أصل هذه المسألة خالية من الروايات بالكلية.

الرابعة ـ قال في المدارك : لو اوصى بالحج من البلد ، فان قلنا بوجوبه كذلك بدون الوصية كانت اجرة المثل لذلك خارجة من أصل المال ، وان قلنا الواجب الحج من الميقات كان ما زاد على اجرة ذلك محسوبا من الثلث ان أمكن الاستئجار من الميقات ، وإلا وجب الإخراج من حيث يمكن وكانت اجرة الجميع خارجة من الأصل ، كما هو واضح. انتهى.

أقول : اما ما ذكره من كون الأجرة من الأصل على القول الأول فواضح ، وكذا كون ما زاد على اجرة الميقات من الثلث على القول الثاني فهو ظاهر. واما تقييد ذلك بناء على القول الثاني بإمكان الاستئجار من الميقات ـ وإلا وجب الإخراج من حيث يمكن وكانت اجرة الجميع من الأصل ـ فلا اعرف له


معنى مستقيما ، فإنه متى كان الواجب عليه انما هو الحج من الميقات فالذي يتعلق بالذمة من المال انما هو مثل اجرة هذه المسافة ، وهذا لا يتفاوت بين إمكان الاستئجار منه وعدمه ، بل فرض الحج هنا من الميقات أو ما أمكن غير ممكن ، لأن الوصية تعلقت بالحج من البلد ، فالواجب حينئذ هو الاستئجار من البلد ولا يجزئ غيره.

وإنما الكلام في قدر الأجرة التي يجب إخراجها ، فعلى هذا القول يجب ان يخرج اجرة الميقات من الأصل وما زاد عليه من الثلث. وحينئذ فقوله ـ : «وإلا فمن حيث أمكن وكانت اجرة الجميع خارجة من الأصل» ـ لا اعرف له معنى مع فرضه أصل المسألة في من اوصى بالحج من البلد ، إذ لا معنى للحج من البلد إلا الاستئجار للسعي منه.

ويشير الى ما ذكرناه ما هو المصرح به في كلام أكثر الأصحاب في فرض هذه المسألة ، فإنهم يجعلون ما قابل اجرة المثل من الأصل والزائد من الثلث.

قال العلامة (قدس‌سره) في المنتهى : إذا اوصى بحجة الإسلام ولم يعين المقدار انصرف الى أجرة المثل من جميع المال. ثم استدل على كل من الأمرين الى ان قال : اما لو عين المقدار ، فان كان بقدر اجرة المثل فلا بحث يخرج من صلب المال ، وان كان أكثر من اجرة المثل اخرج مقدار اجرة المثل من صلب المال والزائد من الثلث ، لانه ضمن وصيته شيئين أحدهما واجب والآخر تطوع ، فيخرج الواجب من الأصل والتطوع من الثلث ، انتهى.

وكلامه (قدس‌سره) مبني على ما هو المشهور عندهم من الحج من الميقات فلو اوصى للحج من الميقات بما يسع الحج من البلد فإنه يخرج الزائد عن اجرة المثل من الثلث. وهو صحيح بناء على هذا القول. ولم يتعرض لشي‌ء من هذا التفصيل الذي ذكره ، وهو آت في ما نحن فيه ، فإنه متى اوصى بالحج من البلد فهو


في قوة الوصية بمال من البلد ، فيجب إنفاذه ، ويخرج اجرة ما زاد على الميقات من الثلث ، لما ذكره من التعليل.

وبالجملة فإني لا اعرف لكلامه (قدس‌سره) معنى صحيحا يحمل عليه ، ولعله لقصور فهمي العليل وجمود ذهني الكليل.

المقصد الثاني

في حج النذر وشبهه وشرائطه ، وفيه مسائل :

الأولى ـ لا خلاف في انه يشترط في انعقاد النذر وشبهه ـ من اليمين والعهد ـ التكليف ، فلا يصح من الصبي وان كان مراهقا ، ولا المجنون المطبق أو في حال الجنون لو كان غير مطبق ، لحديث رفع القلم (١) ونحو ذلك السكران والمغمى عليه والساهي والغافل.

ولا خلاف أيضا في اشتراط الحرية أو اذن المولى ، فلا ينعقد نذر العبد بدون الاذن اتفاقا.

قال في المدارك : ويدل عليه مضافا الى عموم ما دل على الحجر عليه صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يمين لولد مع والده ، ولا لمملوك مع مولاه ، ولا لمرأة مع زوجها». وغير ذلك من الاخبار.

أقول : ومن ما ورد بهذا المضمون ايضا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لا يمين للولد مع والده ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للمملوك مع سيده».

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات ، وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٠ من كتاب الايمان.


وما رواه في الفقيه (١) عن منصور بن حازم في الصحيح عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا رضاع بعد فطام. ولا وصال في صيام. ولا يتم بعد احتلام. ولا صمت يوما الى الليل. ولا تعرب بعد الهجرة. ولا هجرة بعد الفتح. ولا طلاق قبل نكاح. ولا عتق قبل ملك. ولا يمين لولد مع والده ، ولا لمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها. ولا نذر في معصية. ولا يمين في قطيعة».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٢) : واعلم انه لا يمين في قطيعة رحم. ولا نذكر في معصية الله. ولا يمين لولد مع الوالدين ، ولا للمرأة مع زوجها ، ولا للمملوك مع مولاه.

أقول : ومورد هذه الاخبار كلها إنما هو اليمين ، وظاهر الأصحاب ـ كما عرفت من كلام المدارك ـ الاستدلال بهذه الروايات على حكم النذر ايضا. وفيه ما لا يخفى.

نعم قد روى الحميري في كتاب قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) : «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : ليس على المملوك نذر إلا ان يأذن له سيده». وبذلك يتم الاستدلال على الحكم المذكور.

وظاهر الأصحاب أيضا الاتفاق على انه لا يصح نذر المرأة إلا بإذن بعلها.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من ما يحرم بالرضاع من كتاب النكاح ، والباب ١١ من كتاب الايمان.

(٢) ص ٣٧.

(٣) الوسائل الباب ١٥ من كتاب النذر والعهد.


قال في المدارك بعد ان نقل نحو ذلك : يمكن المناقشة في توقف نذر الزوجة على اذن الزوج ، لان الروايات إنما تضمنت توقف اليمين على ذلك والنذر خلاف اليمين.

أقول : فيه ان هذا يرد عليه في نذر العبد أيضا ، فإنه لم يعتمد في ذلك إلا على حديث اليمين كما عرفت ، والنذر غير اليمين.

وتحقيق البحث في المقام يقتضي بسطا من الكلام تنكشف به غياهب الإبهام وتزول به الشكوك والأوهام.

فنقول : المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) اشتراط اذن الزوج والمولى في انعقاد نذر الزوجة والمملوك ، وألحق بهما العلامة في بعض كتبه والشهيد في الدروس الولد وانه يتوقف نذره على إذن الأب أيضا.

وقد صرح جملة من متأخري المتأخرين بأنهم لم يقفوا لهم على نص يدل على ذلك. وربما علل ذلك بوجود النص في اليمين وانسحاب الحكم في النذر لمشاركته اليمين في بعض الأحكام. وهو ضعيف لا يلتفت إليه ، فإنه وان كان قد ورد في اليمين من النصوص المتقدمة انه لا يمين لأحد من الثلاثة المذكورين إلا بإذن الوالد والزوج والمولى ، إلا ان إلحاق النذر به قياس لا يجري على مذهبنا.

ثم انه لا يخفى ان هذا الإيراد الذي أوردوه على من قال بتوقف نذر الولد على اذن والده وارد عليهم أيضا في توقف نذر الزوجة والمملوك بدون اذن الزوج والسيد ، لانه ليس عندهم إلا أحاديث اليمين المتقدمة ولم يوردوا في المقام غيرها ، والنذر غير اليمين ، فان صح الاستناد الى هذه الاخبار ففي المواضع الثلاثة ، فلا معنى لاعتراضهم هنا وإيرادهم بعدم الوقوف على نص بهذا القول ، وإلا فلا وجه لحكمهم بذلك في الفردين المتقدمين.


واما ما نقل عن الدروس ـ من الاستدلال على ما قدمنا نقله عنه بإطلاق اليمين على النذر في الخبر المروي عن الكاظم عليه‌السلام (١) : «لما سئل عن جارية حلف عليها سيدها بيمين ان لا يبيعها فقال : لله على ان لا أبيعها. فقال عليه‌السلام : ف لله بنذرك». فإن إطلاق اليمين على النذر وان كان في كلام الراوي إلا ان تقرير الامام عليه‌السلام على ذلك حجة ، ومتى ثبت ذلك جرى الحكم المذكور في اليمين في باب النذر ـ

فهو ضعيف سخيف ، أما أولا ـ فلما ذكره بعض الأجلاء من ان الظاهر من قوله : «ف لله بنذرك» دون ان يقول «بيمينك» إنما هو الرد عليه في تسمية النذر يمينا لا التقرير. ولو سلم فالتقرير على هذا الإطلاق لا يوجب كونه حقيقة فيه بل هما حقيقتان متمايزتان ، لنص أهل اللغة على ان اليمين : القسم ، والنذر وعد بشرط. وحينئذ لا يتم ما ذكروه.

أقول : ومن ما يدل على إطلاق اليمين على النذر ما في موثقة سماعة (٢) من قوله عليه‌السلام : «انما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها ان يفي بها ما جعل لله عليه في الشكر ان هو عافاه من مرضه أو عافاه الله من أمر يخافه أو رد عليه ماله أورده من سفر أو رزقه رزقا ، فقال : لله علي كذا وكذا شكرا. فهذا الواجب على صاحبه ينبغي له ان يفي به». وكان الاولى لشيخنا المشار اليه الاستدلال بهذا الخبر في إطلاق اليمين على النذر.

إلا انه بمجرد هذا الإطلاق ـ مع معلومية كونهما حقيقتين متمايزتين

__________________

(١) وهو خبر الحسن بن على الوارد في الوسائل الباب ١٧ من كتاب النذر والعهد. وسيأتي منه (قدس‌سره) ان اللفظ فيه : «ف لله بقولك له».

(٢) الوسائل الباب ١٧ من كتاب النذر والعهد.


لغة وشرعا كما عرفت ـ لا يلزم السحاب حكم أحدهما في الآخر.

وما أحسن ما قال شيخنا البهائي (قدس‌سره) في كتاب الأربعين ، حيث قال : وأمثال هذه الدلائل الضعيفة لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.

واما ثانيا ـ فإن الذي وقفت عليه في التهذيب في موضعين أو ثلاثة (١) ـ وهو الذي نقله عنه المحدث الكاشاني في الوافي من متن الخبر المذكور ـ انما هو بهذه العبارة : «ف لله بقولك له» وكذلك نقله شيخنا الشهيد الثاني في المسالك بهذه العبارة ، فما ذكره في الدروس ـ وان تبعه عليه شيخنا البهائي في كتاب الأربعين ـ لا اعرف له سندا ، إلا ان يكون سهوا من شيخنا المشار اليه ، أو نقل الخبر من موضع آخر.

نعم قد وقفت في حكم نذر المرأة على خبر لم يتعرض له الأصحاب في هذه المسألة ، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه (٢) في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها ، إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها».

وربما تطرق الطعن الى هذا الخبر بان ما تضمنه ـ من توقف تصرف المرأة في مالها وصرفه في هذه الوجوه المذكورة في الخبر على اذن الزوج ـ لا قائل به من الأصحاب ، مع خروجه عن مقتضى الأدلة المتعلقة بهذه الأبواب.

اللهم إلا ان يقال : ان ترك الخبر لمعارض أقوى لا يستلزم ترك ما لا معارض له ، كما صرحوا به في غير المقام وجعلوا ذلك من قبيل العام المخصص. وحينئذ

__________________

(١) ج ٨ ص ٣٠١ و ٣١٠.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من كتاب النذر والعهد.


فيمكن العمل بالرواية بالنسبة إلى المرأة في صورة نذرها بمالها وقوفا على مورد الخبر ، ويبقى ما عداه من نذر غيرها وغير العبد ـ كما تقدم ـ أو نذرها بغير مالها باقيا على الإطلاق وصحة انعقاد النذر من غير توقف على اذن ، عملا بإطلاق الأدلة الواردة في النذور (١).

وبما ذكرناه من التحقيق يعلم الدليل على الحكمين المتقدمين وصحة ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم).

وتلحق بهذه المسألة فوائد الأولى ـ هل المراد من قولهم (عليهم‌السلام) في الاخبار المتقدمة : «لا يمين لولد مع والده. الى آخره» هو بطلان اليمين بدون الإذن ، لنفى اليمين على أحد الوجوه الثلاثة المحمول على نفي الصحة ، لأنه أقرب المجازات الى نفي الماهية ، أو ان الاذن ليس شرطا في الصحة بل النهي مانع منها؟ قولان ، المشهور الثاني ، وبالأول صرح شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) والظاهر انه الأقرب.

وتظهر فائدة القولين في ما لو زالت ولاية الثلاثة قبل الحل ، كما إذا وقع فراق الزوج أو موت الأب أو عتق العبد ، فعلى القول المشهور تنعقد اليمين واما على ما تقدم عن شيخنا المذكور فتبطل.

الثانية ـ حيث ثبت بما ذكرناه وجوب الحج على العبد والمرأة بالنذر مع اذن المولى والزوج ، فلو أتيا به كان صحيحا ، ولو نهياهما عنه لم يجب إطاعتهما لوجوب تقديم حق الله (عزوجل) على حقهما.

ونقل عن العلامة في المنتهى انه يجب على المولى اعانة المملوك على أداء الحج بالحمولة إن احتاج إليها ، لأنه السبب في شغل ذمته ، ورد بان سببيته في شغل الذمة لا يقتضي ذلك.

__________________

(١) كقوله تعالى في سورة الحج ، الآية ٢٩ (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ).


قال في المدارك بعد نقل ذلك : نعم لو قيل بوجوب تمكينه من تحصيل ما يتوقف عليه الحج لتوقف الواجب عليه كان وجها قويا. انتهى.

أقول : فيه ان هذا الدليل الذي ذكره ان صلح لتأسيس حكم شرعي عليه وجب القول به وان لم يقل به أحد ، والحكم الشرعي تابع للدليل لا للقائل. على انهم بناء على أصولهم وقواعدهم إنما منعوا من احداث القول في المسألة في مقابلة الإجماع ، ولم يدعه أحد منهم في المقام. وان لم يصلح ـ وهو الظاهر ـ فلا يجب تمكينه من تحصيل ما يتوقف عليه الحج ، إذ لا يخفى ان المتبادر من وجوب مقدمة الواجب انما هو بالنسبة الى من خوطب بذلك الواجب ـ مثلا : متى وجب عليه الحج بحصول الاستطاعة وجب عليه السعي في تحصيل مقدماته من السفر وأسباب السفر ونحو ذلك ، ومن وجبت عليه الصلاة وجب عليه السعي في ما يتوقف عليها صحتها من الشرائط ونحو ذلك ـ لا بالنسبة إلى شخص آخر كما في ما نحن فيه ، فان الحج هنا انما وجب على العبد بالنذر والتمكين انما هو من السيد ، فكيف يجب عليه بناء على وجوب مقدمة الواجب؟ وبالجملة فإن وجوب المقدمة تابع لوجوب ذي المقدمة ، فكل من خوطب بالواجب صريحا خوطب بمقدماته ضمنا ، كما ذكرنا من الأمثلة.

والتحقيق انه ان أمكن العبد الإتيان بما نذره وجب عليه الإتيان به وإلا توقع المكنة ، واما خطاب السيد والإيجاب عليه فلا وجه له ولا دليل عليه

وبالجملة فلا اعرف لكلامه (قدس‌سره) هنا وجه استقامة.

الثالثة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) من غير خلاف يعرف بأنه لا يشترط في الحج بالنذر وأخويه شرائط حجة الإسلام بل يكفي في وجوبه التمكن منه من غير مشقة شديدة. وهو كذلك ، لأن الاستطاعة التي


هي المدار في وجوب حج الإسلام إنما وقعت في الآية (١) شرطا لحج الإسلام خاصة فلا يتقيد بها غيره ، ويبقى الحج على حكم غيره من النذور التي المدار في وجوب الإتيان بها على القدرة والإمكان.

المسألة الثانية ـ إذا نذر الحج فاما ان ينذره مطلقا غير مقيد بسنة أو مقيدا فان نذره مطلقا فالمقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز له التأخير الى ان يتضيق وقته بظن الوفاة وان استحب له المبادرة والتعجيل ، فان مضى زمان يمكنه الإتيان به فيه ولم يفعله حتى مات وجب ان يقضى عنه ، لانه قد وجب عليه بالنذر واستقر بمضي زمان التمكن. اما لو منعه مانع عن الفورية فإنه يصبر حتى يزول المانع ، فان مات قبل زوال المانع لم يجب القضاء عنه ، لفوات شرط الوجوب وهو القدرة والتمكن. وان نذره مقيدا بسنة مخصوصة فأخل مع القدرة وجب القضاء والكفارة في ما قطع به الأصحاب أيضا وان منعه مانع من مرض أو عدو لم يجب القضاء ، لعدم الاستقرار في الذمة ، وتمسكا بأصالة العدم حتى يقوم دليل الوجوب.

قيل : ولا يخفى ان طروء المانع من فعل المنذور في وقته لا يقتضي بطلان النذر ، لوقوعه صحيحا ابتداء وان سقط الواجب بالعجز عنه. وهذا بخلاف نذر غير المقدور ابتداء كالطيران ونحوه ، فان النذر يقع فاسدا من أصله كما هو واضح.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الخلاف هنا قد وقع في القضاء في الصورتين المذكورتين هل يجب أم لا؟ المقطوع به في كلام الأصحاب الأول وظاهر السيد السند في المدارك الثاني.

__________________

(١) وهو قوله تعالى في سورة آل عمران ، الآية ٩٧ (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً).


ثم انه على تقدير الوجوب هل هو من الأصل أو من الثلث؟ المشهور الأول وقيل بالثاني.

قال السيد السند في المدارك ـ بعد قول المصنف (قدس‌سره) : ولو تمكن من أدائه ثم مات قضى عنه من أصل تركته ـ ما هذا لفظه : واما وجوب قضائه من أصل التركة إذا مات بعد التمكن من الحج فمقطوع به في كلام أكثر الأصحاب ، واستدلوا عليه بأنه واجب مالي ثابت في الذمة فيجب قضاؤه من أصل ماله كحج الإسلام. وهو استدلال ضعيف (أما أولا) ـ فلان النذر انما اقتضى وجوب الأداء ، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد كما في حج الإسلام ، وبدونه يكون منفيا بالأصل السالم من المعارض. (واما ثانيا) فلمنع كون الحج واجبا ماليا ، لأنه عبارة عن المناسك المخصوصة وليس بذل المال داخلا في ماهيته ولا من ضرورياته. وتوقفه عليه في بعض الصور كتوقف الصلاة عليه في بعض الوجوه ، كما إذ احتاج الى شراء الماء أو استئجار المكان أو الساتر ونحو ذلك مع القطع بعدم وجوب قضائها من التركة. وذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب قضاء الحج المنذور من الثلث ، ومستنده غير واضح ايضا. وبالجملة فالنذر إنما تعلق بفعل الحج مباشرة وإيجاب قضائه من الأصل أو الثلث يتوقف على الدليل. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : اما ما ذكره (قدس‌سره) من ضعف الوجه الأول فيمكن المناقشة فيه بان قوله ـ : ان النذر إنما اقتضى وجوب الأداء ، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد ـ مردود بأنه لا ريب ان النذر قد اقتضى شغل الذمة اليقيني بالمنذور واستقر وجوبه بعد مضي زمان التمكن منه ، والظاهر بقاء الاشتغال والتعلق بالذمة حتى يحصل الإتيان بالفعل من المكلف أو نائبه ، وتخرج الأخبار الواردة في حج الإسلام شاهدا على ذلك ، فإنه بعد استقرار حج الإسلام في الذمة


واشتغالها به لا يزول ذلك إلا بالإتيان به في الحياة أو بعد الموت.

وقولهم ـ : ان القضاء يحتاج إلى أمر جديد ـ الظاهر انه ليس على إطلاقه بل ذلك مخصوص بالواجبات الموقتة ، فان توجه الأمر بالإتيان بالفعل في ذلك الوقت لا يتناول ما بعده من ما خرج عنه الذي هو القضاء ، بل لا بد في إيجاب القضاء في الصورة المذكورة من أمر على حده ، وما نحن فيه ليس كذلك ، فان مقتضى النذر اشتغال الذمة بالمنذور مطلقا ، وليس في الاخبار ما يدل على اختصاص الخطاب حال الحياة ليكون القضاء بعد الموت يحتاج إلى أمر جديد ، وإنما إطلاق الاستقرار واشتغال الذمة اقتضى بقاء ذلك الى ان تحصل البراءة بالإتيان بالفعل.

واما ما ذكره أخيرا ـ من ان النذر انما تعلق بفعل الحج مباشرة ـ فيمكن الجواب عنه أيضا بأن النذر اقتضى هنا شيئين : أحدهما ـ اشتغال الذمة بذلك الفعل المنذور كما قدمنا ، والآخر ـ مباشرة الناذر للإتيان بالفعل ، والثاني قد امتنع بالموت فيبقى الأول على حاله حتى يحصل موجب البراءة منه. وهذا الحكم عام في جميع افراد النذور ، ولا ريب انه الأوفق بالاحتياط في الدين.

ومن ما يؤيد ما قلناه ما سيأتي (١) ـ ان شاء الله تعالى ـ من نقل جملة من الروايات الصحيحة في وجوب قضاء حجة النذر في ما إذا نذر ان يحج رجلا (٢) وهو كما يحتمل ان يكون المراد يعني : يعطيه ما لا يحج به ، كما ذكره السيد في ما سيأتي ان شاء الله تعالى ـ في مسألة من مات وعليه حجة الإسلام وحجة منذورة ـ من جوابه عن صحيحة ضريس ، كذلك يحتمل ان يكون المراد انما هو ان يمضي بذلك الرجل حتى يوصله المناسك ويأتي بجميع أفعال الحج وهو قائم بمؤنته ، بل هذا هو الظاهر من اللفظ ، إذ المتبادر من مادة الأفعال هو المباشرة لا السببية ،

__________________

(١) ص ٢٠٩.

(٢) الوسائل الباب ٢٩ من وجوب الحج وشرائطه.


فإذا قلت : «أخرجته أو أدخلته» يعني : توليت إدخاله وإخراجه وباشرت ذلك لا بمعنى : أمرت بذلك من يفعل به. وحينئذ فتكون هذه الأخبار ـ باعتبار الاحتمال الذي استظهرناه ـ دالة على وجوب قضاء حجة النذر في الجملة.

بقي الكلام في ان موردها القضاء في من نذر ان يحج رجلا ، وهو خارج عن ما نحن فيه من نذر الرجل ان يحج بنفسه. ويمكن ان يقال : انها لما دلت على وجوب قضاء الحج المنذور فقد ثبت بها ان نذر الحج يجب قضاؤه بعد الموت. وبه يظهر بطلان قول المانع : ان النذر انما اقتضى وجوب الأداء ، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد. وكون متعلق ذلك النذر حجه بنفسه أو ان يحج غيره لا مدخل له في تغير الحكم ، فان الموجب للقضاء هو النذر وتمكنه من الفعل وتفريطه حتى مات. والظاهر انه لهذا الوجه استدل الشيخ بصحيحة ضريس في ما يأتي ان شاء الله (تعالى) (١) على مسألة من نذر الحج بنفسه فمات ، مع ان موردها من نذر ان يحج غيره.

وما ذكرناه من التوجيه لا يخلو من قوة ، وبه تكون الأخبار الآتية قابلة للاستدلال على محل النزاع. وسيأتي تحقيق الكلام زيادة على ما ذكرنا هنا ان شاء الله تعالى.

واما ما ذكره (قدس‌سره) من الوجه الثاني ـ وهو منع كون الحج وأجاب ماليا ـ فتحقيق الكلام فيه ان يقال : انه لا ريب ان ما ذكروه ـ من الفرق بين الواجب المالي والواجب البدني من إخراج الأول من الأصل والثاني مع الوصية به من الثلث ـ فلم أقف فيه على مستند من النصوص وان كان مشهورا في كلامهم ومتداولا على رؤوس أقلامهم.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك في هذه المسألة : وتعتبر الأجرة من

__________________

(١) في المسألة الخامسة من مسائل المقام.


أصل التركة كحج الإسلام ، لأنه واجب مالي وان كان مشوبا بالبدني.

وقال أيضا في كتاب الوصايا ـ بعد قول المصنف : انه لو اوصى بواجب وغيره بدئ بالواجب من الأصل ـ ما صورته : إنما يخرج الواجب من أصل المال إذا كان واجبا ماليا حتى يكون متعلقا بالمال حال الحياة ، سواء كان مالي محضا كالزكاة والخمس والكفارات ونذر المال أم ماليا مشوبا بالبدن كالحج ، فان جانب المالية متغلب من حيث تعلقه به في الجملة ، اما لو كان الواجب بدنيا محضا كالصلاة والصوم فإنه يخرج من الثلث مطلقا ، لانه لا يجب إخراجه عن الميت إلا إذا اوصى به ، فيكون حكمه حكم التبرعات الخارجة من الثلث مع الوصية بها وإلا فلا. انتهى.

وعلى هذه المقالة جرت كلمتهم وبنيت قاعدتهم.

والذي يستفاد من النصوص بالنسبة إلى الواجب المالي المحض هو ما ذكروه من تعلق بالأصل ، كما في رواية عباد بن صهيب عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) : «في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما كان فرط فيه من ما لزمه من الزكاة ثم اوصى به ان يخرج ذلك فيدفع الى من تجب له؟ قال : فقال : جائز يخرج ذلك من جميع المال ، انما هو بمنزلة الدين لو كان عليه ليس للورثة شي‌ء حتى يؤدى ما اوصى به من الزكاة. قيل له : فان كان اوصى بحجة الإسلام؟ قال : جائز يحج عنه من جميع المال». فان ظاهر الخبر المذكور بل صريحه ان جملة الديون المتعلقة بالذمة من الأموال على اختلاف أسبابها تخرج من الأصل.

واما بالنسبة إلى المالئ المشوب بالبدن كالحج فإشكال ، إلا ان ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب انه كالسابق. والمفهوم من الاخبار الآتية التفرقة بين الحج

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من المستحقين للزكاة ، والباب ٤٠ من الوصايا.


الإسلام فمن الأصل وحج النذر فمن الثلث.

واما بالنسبة إلى الواجب البدني محضا مثل الصوم والصلاة فإن المستفاد من النصوص انها بعد الموت تتعلق بالولي ، كما في صحيحة حفص بن البختري (١) : «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال : يقضي عنه اولى الناس بميراثه». وفي مرسلة حماد (٢) : «اولى الناس به».

وفي مرسلة ابن ابي عمير عن الصادق عليه‌السلام (٣) : «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام؟ قال : يقضيه اولى الناس به».

واما انه لو لم يكن له ولي واوصى الميت بقضائه عنه ، فهل تكون مخرجة من الثلث ـ كما عليه الأصحاب بناء على القاعدة المتقدمة ـ أو من الأصل؟ لم أقف فيه على نص يدل على شي‌ء من الأمرين ، وشيخنا الشهيد الثاني في ما تقدم من كلامه انما علله بما عرفت.

ويمكن ان يستدل على ما ذكره الأصحاب من ان مخرج قضاء حجة النذر من الأصل بما ذكرناه ، وحاصله ان الحج ـ إسلاميا أو نذرا ـ واجب مالي وان كان مشوبا بالبدن ، وكل ما كان واجبا ماليا فمخرجه من الأصل ، فيكون مخرج الحج من الأصل. اما الصغرى فلان الحج وان كان عبارة عن المناسك المخصوصة لكن الإتيان به متوقف على المال وان تفاوت قلة وكثرة باعتبار مراتب البعد والقرب ، ولهذا انه متى مات بعد استقراره انتقل الحكم الى ماله إجماعا نصا وفتوى ، فوجب القضاء عنه من ماله واما الكبرى فللنصوص المتقدمة الدالة على ان كل ما كان دينا فمخرجه من الأصل (٤) وهي مسلمة عند الخصم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات عن كتاب غياث سلطان الورى.

(٤) ص ٢٠٧ وأورد ما يدل على ذلك في الوسائل في الباب ٢٨ من الوصايا.


واما ما ذكره من المعارضة بالصلاة فهي مناقشة واهية ، فإن ما عدده من الصور في توقف الصلاة على المال أمور نادرة وقد لا تقع بالكلية وان كان فرضها ممكنا ، بخلاف الحج فان توقفه على المال ولا سيما من الآفاقي أمر ضروري اتفاقي ، والأحكام الشرعية إنما تبنى على الافراد المتكثرة الشائعة المتكررة ، فوصف الحج بكونه واجبا ماليا باعتبار توقفه على المال صحيح لا ريب فيه ، والصلاة لا توصف بذلك باعتبار هذه الفروض النادرة وانما توصف بكونها واجبا بدنيا كما هو الشائع المتكرر في إيقاعها ، وتوقفها نادرا على ذلك لا يقدح في كونها واجبا بدنيا.

وبالجملة فإنه لما كان الواجب في حال الحياة ـ على المكلف بالحج من أهل الآفاق والبلدان الذين هم الفرد الغالب المتكثر بل وغيرهم من حاضري مكة ـ أمرين : صرف المال والمباشرة بالبدن ، وبعد الموت تعذرت المباشرة بقي الوجوب المتعلق بالمال على حاله. والمكلف بالصلاة لما كان الواجب عليه فيها انما هو المباشرة بالبدن ، والمال لا مدخل له فيها في حال الحياة ، فبعد الموت سقط الخطاب عن ماله وتوقف وجوب الإتيان بها على الوصية. إلا أنه سيأتي في المقام ما يظهر منه المنافاة لما قررناه من هذا الكلام.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن مسمع بن عبد الملك (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كانت لي جارية حبلى فنذرت لله (تعالى) ان ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه؟ فقال : ان رجلا نذر لله في ابن له ان هو أدرك ان يحجه أو يحج عنه ، فمات الأب وأدرك الغلام بعد ، فاتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الغلام فسأله عن ذلك ، فأمر

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من كتاب النذر والعهد.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يحج عنه من ما ترك أبوه».

وروى الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن ابي يعفور (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نذر لله لان عافى الله ابنه من وجعه ليحجنه الى بيت الله الحرام ، فعافى الله الابن ومات الأب؟ فقال : الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده. قلت : هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه؟ فقال : هي واجبة على الأب من ثلثه ، أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه».

قال في الوافي بعد نقل هذه الرواية : إنما كان على الأب لأنه هو الذي أوجب على نفسه. انتهى.

وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه في الصحيح عن ضريس الكناسي (٢) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحجن رجلا إلى مكة ، فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام ، ومن قبل ان يفي لله بنذره الذي نذر؟ قال : ان كان ترك مالا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال واخرج من ثلثه ما يحج به رجل لنذره ، وقد وفى بالنذر ، وان لم يكن ترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك ويحج عنه وليه حجة النذر ، انما هو مثل دين عليه».

وظاهر هذه الأخبار انه متى نذر ليحجن رجلا ثم مات قبل ان يحجه فإنه يجب القضاء عنه ، وان ذلك من الثلث لا من الأصل. وحينئذ فإن حملنا العبارة

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٠٦ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٦٣ ، وفي الوسائل الباب ٢٩ من وجوب الحج. وقد أورد موارد الاختلاف بينهما في اللفظ بعضها على طبق التهذيب وبعضها على طبق الفقيه. والراوي في التهذيب هو ضريس بن أعين.


المذكورة على ان المراد ان يعطي رجلا مالا يحج به ، كما تأول به السيد صحيحة ضريس في ما سيأتي ان شاء الله (تعالى) في كلامه ، أشكل ذلك بان الواجب على هذا التقدير يكون ماليا محضا ، وقد عرفت من كلامهم ـ بل من ظاهر الاخبار التي قدمناها ـ ان الواجب المالي مخرجه من الأصل. وبذلك يظهر ان تأويل السيد (رحمه‌الله) للرواية غير تام. وان حملناها على ما قدمنا ذكره من تنفيذ ذلك بنفسه ـ وهو الأظهر كما عرفت ـ كان ذلك من قبيل الواجب البدني وان توقف على المال كحج الإسلام ، وينبغي على قياس حج الإسلام بالتقريب الذي قدمنا ذكره ـ كما عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب ـ ان يكون مخرجه من الأصل ، مع ان هاتين الصحيحتين المذكورتين صريحتان في ان مخرجه من الثلث.

ولعل القول الفصل والمذهب الجزل في جميع الأحكام هو التوقف على ورود النص الصريح أو الظاهر في ذلك الحكم ، فان وجد وجب الحكم بمقتضاه وإلا فالتوقف عن الحكم وعدم الاعتماد على هذه التقريبات والقواعد المستنبطة والتخريجات التي لم ترد بها النصوص ، وان أمكن التقريب فيها كما قدمناه سابقا. وقد سبق نظير ذلك في المسألة الخامسة من المقصد السابق في المسألة قضاء الحج من البلد أو الميقات ، وفي مسألة تزاحم دين الحج مع غيره من الديون كما أوضحناه ثمة. وحينئذ فالواجب هو الوقوف على ما دلت عليه الاخبار في كل جزئي جزئي ان وجدت وإلا فالتوقف.

وبذلك يظهر ما في كلام المحقق المدقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني (نور الله مرقديهما) في كتاب منتقى الجمان ، حيث قال بعد نقل صحيحة ضريس وصحيحة ابن ابي يعفور : قلت : لا يخفى ما في هذين الخبرين من المخالفة للأصول المقررة عند الأصحاب ، وليس لهم في تأويلهما كلام يعتد به ، والوجه


عندي في ذلك فرض الحكم في ما إذا قصد الناذران يتعاطى تنفيذ الحج المنذور بنفسه فلم يتفق له. ولا ريب ان هذا القصد يفوت بالموت ، فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر بل يكون الأمر بإخراج الحج المنذور واردا على وجه الاستحباب للوارث. وكونه من الثلث رعاية لجانبه واحترازا من وقوع الحيف عليه ، كما هو الشأن في التصرف المالي الواقع للميت من دون ان يكون مستحقا عليه. وحج الولي أيضا محمول في الخبر الأول على الاستحباب ، وفي الثاني تصريح بذلك ، وقد جعله الشيخ شاهدا على ارادة التطوع من الأول أيضا. وفيه نظر ، لان الحج في الثاني مذكور على وجه التخيير بينه وبين الإخراج من الثلث ، وهو يستدعي وجود المال ، وفي الأول مفروض في حال عدم وجوده. وقوله : «فإنما هو دين عليه» ينبغي ان يكون راجعا الى حج الإسلام وان كان حج النذر أقرب إليه ، فإن الظاهر كونه تعليلا لتقديم حج الإسلام حيث يكون المتروك بقدره فحسب. وبقي الكلام في قوله : «هي واجبة على الأب من ثلثه» وارادة الاستحباب المتأكد منه غير بعيدة ، وقد بينا في ما سلف ان استعمال الوجوب في هذا المعنى موافق لأصل الوضع ، ولم يثبت تقدم معنى العرفي له الآن بحيث يكون موجودا في عصر الأئمة (عليهم‌السلام) ليقدم على المعنى اللغوي. وذكرنا ان الشيخ (قدس‌سره) يكرر القول في ان المتأكد من السنن يعبر عنه بالوجوب ، وله في خصوص كتاب الحج كلام في هذا المعنى لا بأس بإيراده وهو مذكور في الكتابين ، وهذه صورة ما في التهذيب : قد بينا في غير موضع من هذا الكتاب ان ما الاولى فعله قد يطلق عليه اسم الوجوب وان لم يكن يستحق بتركه العقاب. وأنت خبير بان اعتراف الشيخ بهذا يأبى تقدم العرف واستقراره في ذلك العصر ، فيحتاج إثباته الى حجة وبدونها


لا أقل من الشك المنافي للخروج من الأصل. وبما حررناه يعلم ضعف ما اختاره الشيخ هنا من وجوب إخراج الحجة المنذورة من الثلث. هذا كله على تقدير نهوض الحديثين بإثبات الحكم ، وإلا استغنى عن تكلف البحث في معناهما وكان التعويل في المسألة على ما تقتضيه الأصول. انتهى كلامه زيد إكرامه.

أقول : لا يخفى ان السبب الموجب لارتكابه (قدس‌سره) ما ارتكبه من هذه التأويلات البعيدة في هاتين الصحيحتين انما هو المخالفة لما زعمه من القواعد المقررة بين الأصحاب ، وذلك هو انه متى حمل قوله عليه‌السلام في الخبرين : «ليحجنه» : بمعنى ان يعطى رجلا مالا يحج به ، كان ذلك من قبيل الواجب المالي الذي يكون خروجه من الأصل مع ان الخبرين دلا على كون مخرجه من الثلث. ومتى حمل على المعنى الذي ذكره من تنفيذ الحج المذكور بنفسه ، فالواجب هو إخراجه من الثلث حيث انه واجب بدني ، إلا ان إخراج الواجب البدني يتوقف على الوصية بمقتضى قواعدهم مع ان الخبرين دلا على الإخراج وان لم تكن وصية ، فلا علاج انه تأول الخبرين بهذه التأويلات المتعسفة والتخريجات المتكلفة ، وبعدها أظهر من ان يخفى على ذي مسكة.

والحق ان ارتكاب ما ذكره يتوقف على المعارض سيما مع إضافة الصحيحة الثالثة إلى الصحيحتين المذكورتين.

على ان ما ذكره ـ من انه قصد ان يتعاطى تنفيذ الحج بنفسه ، وان هذا القصد يفوت بعد الموت ، فلا يتعلق بماله حج واجب بالنذر ـ ممنوع ، فإنه لا ريب ان قصد هذا تضمن شيئين : أحدهما ـ مباشرة التنفيذ بنفسه. وثانيهما ـ القيام بما يحتاج اليه الرجل من الزاد والراحلة مدة الحج ، وبالموت إنما فاتت المباشرة ، واما ما تعلق بالمال فيبقى على حاله ، فكيف يتم ما ذكره انه لم يتعلق بماله حج واجب؟ وهذا بعينه جار في حج الإسلام ، فان الواجب


عليه السفر اليه بنفسه ومباشرته ولكن السفر يتوقف على المال ، ومن أجل ذلك تعلق الحج بالمال بعد الموت.

وما ذكره من مخالفة قواعد الأصحاب إنما يتم لو كانت تلك القواعد مستندة الى دليل من سنة أو كتاب. ومع تسليم الدليل لها فالتخصيص باب مفتوح في كلامهم ، فيجوز خروج هذا الحكم بهذه الأخبار الصحيحة الصريحة في وجوب القضاء ، واي مانع منه؟

وبالجملة فإن حمل القضاء في الاخبار المذكورة على الاستحباب بعيد غاية البعد عن مناطيقها.

واما حمل قوله عليه‌السلام ـ : «هي واجبة على الأب من ثلثه» على الاستحباب المؤكد ، وسجل عليه بما ذكره ـ ففيه أولا ـ انه لو لم يكن منشأ الوجوب إلا من التعبير بلفظ الوجوب في هذا المكان لربما تم ما ذكره ، كيف؟ وظواهر الأخبار الثلاثة كلها متفقة على ذلك ، فان قوله عليه‌السلام في صحيحة مسمع : «فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يحج عنه من ما ترك أبوه» صريح في الوجوب ، فإن أوامره صلى‌الله‌عليه‌وآله كاوامر الله (سبحانه) مراد بها الوجوب إلا مع قيام قرينة عدمه ، ولا ريب ان هذا اللفظ عند كل سامع انما يتبادر منه الوجوب ، فلو أراد الإمام عليه‌السلام به الاستحباب من غير قرينة في المقام لكان في ذلك تعمية على السائل وإيهام عليه ، حيث يجيبه عن حكم مستحب بما هو ظاهر في الوجوب. وقوله في صحيحة ضريس : «ان كان ترك مالا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال واخرج من ثلثه ما يحج به رجل لنذره» ظاهر في الوجوب. وقوله في صحيحة ابن ابي يعفور : «الحجة على الأب» ظاهر أيضا في ذلك. وبالجملة ظهور الوجوب من هذه الاخبار أظهر من ان يقابل بالإنكار.


وثانيا ـ ان ظاهر كلامه هو إنكار استعمال لفظ الوجوب في كلامهم (عليهم‌السلام) وعرفهم بالمعنى الأصولي وانما المستعمل في عرفهم هو المعنى اللغوي. وهي دعوى عجيبة. وما أبعد ما بين هذه الدعوى وبين من يدعى حمل الوجوب في كلامهم (عليهم‌السلام) على المعنى الأصولي كما هو ظاهر المشهور في كلام الأصحاب. وكل من الدعويين وقعا في التفريط والإفراط. والحق في ذلك ما قدمناه من لزوم الأوساط ، وهو ان هذا اللفظ من ما استعمل في كلامهم (عليهم‌السلام) في كل من المعنيين المذكورين. وقد حققنا ايضا ان جملة من الألفاظ جرت هذا المجرى ، وانه بسبب الاشتراك والشيوع في كلامهم كذلك لا يجوز ان يحمل على أحدهما إلا مع القرينة ، والقرينة على ما ندعيه هنا من المعنى الأصولي موجودة بما أشرنا إليه من تلك المواضع المذكورة في الروايات.

وثالثا ـ ان قوله : «هذا كله على تقدير نهوض الحديثين بإثبات الحكم. الى آخره» فانى لا اعرف له معنى واضحا ، فإنه بعد بحثه في متن الخبرين وتأويله لهما لم يبق إلا السند والسند صحيح باصطلاحهم ، فكيف لا ينهضان بالحجة من جهة السند؟ وبماذا يطعن به عليهما حتى انه يستغني عن تكلف تأويلهما والبحث في معناهما ويكون المرجع في حكم المسألة الى ما ذكره.

وصاحب الذخيرة قد نقل كلام المحقق المذكور وجمد عليه ، وقال بعد نقله : وهو حسن.

وبالجملة فالواجب الوقوف على ظاهر الاخبار حيثما كان إذا لم تعارض بما هو أرجح منها. والاحتياط من ما لا ينبغي تركه سيما في أمثال هذه المقامات. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان ناذر الحج


متى كان مستطيعا اما ان ينذره مطلقا بان لا يقصد حج الإسلام ولا غيره ، أو ينذره بنية حج الإسلام أو بنية غيره ، فالكلام هنا يقع في مواضع ثلاثة :

الأول ـ ان يطلق النذر ، وقد اختلف الأصحاب في هذه الصورة ، فذهب الأكثر ـ ومنهم الشيخ في الخلاف والجمل وابن البراج وابن إدريس والعلامة في جملة من كتبه ـ الى عدم التداخل ، التفاتا الى ان اختلاف السبب يقتضي اختلاف المسبب.

ورد بان هذا الاقتضاء انما هو في الأسباب الحقيقية دون المعرفات الشرعية ، ولهذا حكم كل من قال بانعقاد نذر الواجب بالتداخل إذا تعلق النذر بحج الإسلام من غير التفات الى اختلاف الأسباب.

أقول : الظاهر ان مراده ان كون ذلك قاعدة كلية انما هو في الأسباب الحقيقية دون الأسباب الشرعية ، فإنها لا يطرد فيها ذلك بل قد تكون كذلك وقد لا تكون ، فهي منوطة بالدليل الوارد في كل حكم ، فقد يتفق فيه التداخل إذا اقتضاه الدليل وقد يتفق التعدد كذلك.

وقال الشيخ في النهاية : ان نوى حج النذر أجزأه عن حج الإسلام ، وان نوى حج الإسلام لم يجزئ عن النذر.

احتج الشيخ على هذا القول بما رواه في الصحيح عن رفاعة بن موسى (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نذر ان يمشي إلى بيت الله الحرام فمشى هل يجزئه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال : نعم. قلت : أرأيت ان حج عن غيره ولم يكن له مال وقد نذر ان يحج ماشيا ، أيجزئ عنه ذلك من مشيه؟ قال : نعم».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٠٦ و ٤٠٧ ، وفي الوسائل الباب ٢٧ من وجوب الحج وشرائطه.


وما رواه الشيخ والكليني في الحسن أو الصحيح عن رفاعة (١). الحديث الأول إلى قوله : قال : «نعم».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نذر ان يمشي إلى بيت الله فمشى ، أيجزئه عن حجة الإسلام؟ قال : نعم».

أقول : والتقريب في هذه الروايات ان الظاهر ان المراد من قوله : «رجل نذر ان يمشي إلى بيت الله. الى آخره» إنما هو بمعنى نذر الحج ماشيا والغرض من السؤال ان هذا الحج المنذور بهذه الكيفية بعد الإتيان به هل يكفي عن حجة الإسلام أم لا؟ فأجابوا (عليهم‌السلام) ب «نعم». ولا معنى للسؤال عن نذر المشي خاصة ، إذ لا وجه لترتب السؤال على ذلك ، إذ ترتب حج الإسلام على مجرد نذر المشي لا يعقل له وجه حتى يجوز ان يسأل عنه ، بل المعنى الصحيح انما هو الأول ، ويدل عليه صريح السؤال الثاني في الرواية الاولى.

وهذا المعنى هو الذي فهمه الأصحاب من الرواية ممن استدل بها ومن ردها ، ولهذا ان العلامة في التذكرة والمختلف انما أجاب عن صحيحة رفاعة

__________________

(١) هذا الحديث رواه الشيخ بسند واحد صحيح في التهذيب ج ٥ مرتين : مرة ص ١٣ واقتصر فيه على السؤال الأول ، ومرة ص ٤٠٦ و ٤٠٧ وجمع فيه بين السؤالين. ورواه في الكافي ج ٤ ص ٢٧٧ بسند فيه إبراهيم بن هاشم وجمع فيه بين السؤالين. وأورد الحديث ـ على نحو ما ذكرناه ـ في الوسائل في الباب ٢٧ من وجوب الحج وشرائطه.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٥٩ ، وفي الوسائل الباب ٢٧ من وجوب الحج وشرائطه.


الأولى ـ حيث لم ينقل سواها ـ بالحمل على ما إذا قصد بالنذر حجة الإسلام.

والعجب منهم (رضوان الله عليهم) في ارتكاب مثل هذا التأويل البعيد عن ظاهر الخبر مع عدم المعارض سوى تعليلهم العليل الذي قدمنا نقله عنهم ، فانى لم أقف لهم على دليل سواه ، وقد عرفت ضعفه.

ثم العجب من صاحب الوسائل في اقتفائه القول المشهور ومتابعة الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تأويل هذه الاخبار ، مع انه لا مستند لهم على أصل الحكم ـ كما ادعوه ـ سوى ما عرفت. وهذا من جملة غفلاته وخطراته فإنه لا ريب ان ارتكاب التأويل في الأخبار وإخراجها عن ظاهرها إنما يصار اليه عند المعارض الأقوى في المسألة لا بمجرد الشهرة وان لم تستند الى دليل. والحكم بالتداخل على الوجه المذكور في الأخبار ليس فيه مخالفة للأصول والقواعد ، بل اخبار تداخل الأغسال (١) ـ كما عرفت ـ مؤيدة له ، فما الموجب الى رده؟

وأجاب العلامة في المنتهى عن الرواية باحتمال ان يكون النذر إنما تعلق بكيفية الحج لا به نفسه ، فيكون النذر انما تعلق بالمشي وهو طاعة هنا ، كما يدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان (٢) من قوله عليه‌السلام : «ما عبد الله بشي‌ء أشد من المشي ولا أفضل». وفيه ما عرفت. وبذلك يظهر ان الأظهر ما ذكره في النهاية.

قال في المدارك : ويدل على هذا القول ايضا صدق الامتثال بالفعل الواحد ، على حد ما قيل في تداخل الاغتسال ، فان من اتى بالحج بعد الاستطاعة يصدق عليه انه امتثل الأوامر الواردة بحج الإسلام ، ووفى بنذره.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٣ من الجنابة.

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من وجوب الحج وشرائطه.


أقول : الأظهر أن يجعل هذا الوجه مؤيدا لا دليلا ، فإنه قاصر عن الدلالة كما لا يخفى ، والأحكام الشرعية موقوفة على النصوص في كل حكم. وورود ذلك في تداخل الأغسال لا يستلزم القول به هنا لو لم يقم عليه بخصوصه دليل

بقي الكلام في ان مورد الأخبار المذكورة بالتقريب الذي ذكرناه هو الدلالة على الحكم الأول من الحكمين المنقولين عن النهاية ، واما الحكم الثاني ـ وهو ما إذا نوى حج الإسلام وانه لا يجزئ عن المنذور ـ فعلله في المدارك بان الحج انما ينصرف الى النذر بالقصد ، بخلاف حج الإسلام فإنه يكفي فيه الإتيان بالحج ولا يعتبر فيه ملاحظة كونه حج الإسلام. انتهى ، ولا يخفى ما فيه من عدم الصلوح لتأسيس حكم شرعي وبنائه عليه.

ولعل الأظهر ان يقال : ان العبادات أمور توقيفية يتوقف الحكم فيها على ظهور الأدلة الشرعية والاخبار النبوية ، قام الدليل على التداخل في الصورة الاولى ، وكذا دلت صحيحة رفاعة (١) على انه إذا حج عن غيره وقد كان عليه حج النذر ماشيا انه يجزئه عن حج النذر. وهي صريحة في التداخل في هذه الصورة أيضا. وحينئذ فيجب القول بالتداخل في هاتين الصورتين.

وفي هذه الرواية ما يشير الى ضعف ما ذكره في المدارك من ان الحج انما ينصرف الى النذر بالقصد ، فإنه هنا نوى الحج عن غيره ولم يقصد حج النذر مع انه حكم عليه‌السلام باجزائه عن حج النذر. وبقي الباقي على مقتضى الأصل من التعدد وعدم التداخل.

وبذلك يظهر لك ما في كلام صاحب الذخيرة هنا حيث انه ـ بعد ان نقل عبارة الشيخ في النهاية الدالة على التفصيل ـ قال ما صورته : وحكى عن الشيخ ايضا القول بالتداخل من غير تفصيل. والأقرب التداخل ، لحصول امتثال

__________________

(١) ص ٢١٦.


الأمرين بفعل واحد ، وعدم دليل دال على لزوم التعدد. انتهى.

أقول : اما ما نقله عن الشيخ من القول بالتداخل مطلقا فلم أقف عليه في كتب الأصحاب. والظاهر ان ما علل به القول بالتداخل مطلقا ـ واختاره لذلك ـ مأخوذ من كلام المدارك المتقدم وهو قوله : «ويدل على هذا القول. الى آخره» مع ان صاحب المدارك إنما أراد به بالنسبة إلى الصورة التي اختار الشيخ التداخل فيها ، وإلا فظاهر كلامه في الصورة الثانية إنما هو عدم التداخل كما يؤذن به تعليله من اندراج حج الإسلام تحت قصد حج النذر وعدم اندراج حج النذر تحت قصد حج الإسلام لاحتياجه الى القصد.

وكيف كان فما اختاره من القول بالتداخل مطلقا قياسا على الأغسال ضعيف جدا ، بل لا يخرج عن القياس. والاستدلال بحصول الامتثال بفعل واحد مصادرة ، فإنه عين الدعوى. وبذلك يظهر ما في قوله : «وعدم دليل دال على لزوم التعدد» فإنه كما لم يوجد ما يدل على لزوم التعدد لم يوجد ايضا ما يدل على التداخل.

ولقائل أن يقول : ان ما ذكره الأصحاب في تعليل التعدد باعتبار تعدد الأسباب جيد لا بأس به ، وذلك لأن استطاعة الحج أوجبت اشتغال الذمة بحج الإسلام ، ثم انه لما نذر الحج مطلقا فقد علم ان النذر أوجب حجا زائدا على الحج الواجب أولا ، لكن لما قام الدليل الشرعي على التداخل في الصورة المفروضة وجب القول بذلك ، وبقي ما عداها على حكم التعدد.

وبالجملة فما ذكره الفاضل المذكور من القول بالتداخل مطلقا بعيد عندي غاية البعد.

الموضع الثاني ـ ان ينذر حج الإسلام ، والأشهر الأظهر انعقاد نذره


لعموم الأدلة (١) وفائدة النذر زيادة انبعاث النفس على الفعل ، ووجوب الكفارة مع التأخير عن الوقت المعين. ولا خلاف هنا في التداخل والاكتفاء بحج الإسلام عن حج النذر. ولا بد من وجود الاستطاعة في وجوب الحج في الصورة المذكورة ، لأنه النذر انما أفاد زيادة التأكيد في الوجوب السابق.

ولو نذر مع عدم وجود الاستطاعة كان الوجوب مراعى بوجود الاستطاعة ولا يجب عليه تحصيلها ، لعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط كما تقدم والمنذور هنا ليس أمرا زائدا على حج الإسلام ، إلا ان ينذر تحصيلها ايضا فيجب.

ولو قيد النذر بسنة معينة فتخلفت الاستطاعة بطل النذر.

الموضع الثالث ـ ان ينذر حجا غير حج الإسلام ، وقد اتفقوا هنا على عدم التداخل.

ولهم في المسألة تفصيل وصور ملخصها : انه لا يخلو اما ان يكون مستطيعا حال النذر أم لا.

وعلى الأول فإن كانت حجة النذر مطلقة أو مقيدة بزمان متأخر عن عام الاستطاعة فان الواجب تقديم حجة الإسلام ، لفوريتها واتساع زمان النذر.

وهو ظاهر لا اشكال فيه.

وان كانت حجة النذر مقيدة بعام الاستطاعة ، فإن قصد الحج عن النذر مع بقاء الاستطاعة بطل النذر من أصله ، لأنه نذر ما لا يصح فعله. وان قصد الحج مع فقد الاستطاعة ، بمعنى انه يحج للنذر لو زالت الاستطاعة في ذلك العام ، قالوا : فالظاهر الانعقاد ، فتجب عند زوال الاستطاعة. وان خلا نذره من القصد بأحد وجهيه ، احتمل البطلان ـ لانه نذر في عام الاستطاعة

__________________

(١) كقوله تعالى في سورة الحج ، الآية ٢٩ (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ).


غير حج الإسلام ـ والصحة حملا للنذر على الوجه الصحيح وهو ما إذا فقدت الاستطاعة.

وعلى الثاني ـ وهو ما إذا تقدم النذر على الاستطاعة ـ فالظاهر انه لا إشكال في انعقاد النذر ووجوب الإتيان به مع القدرة والتمكن كسائر أفراد النذور. ولا يشترط فيه حصول الاستطاعة الشرعية التي هي الزاد والراحلة عندهم ، خلافا للدروس فإنه اعتبر في الحجة المنذورة الاستطاعة الشرعية.

ولو حصلت الاستطاعة الشرعية قبل الإتيان بالمنذورة ، فإن كان النذر مطلقا أو مقيدا بعام متأخر عن عام الاستطاعة أو بزمان يشمل ذلك العام ، فإنه يجب تقديم حجة الإسلام ، لفوريتها واتساع زمان المنذورة ، وإلا وجب تقديم حج النذر ، قالوا : لعدم تحقق الاستطاعة في ذلك العام ، فان المانع الشرعي كالمانع العقلي.

وفي هذه الصورة ما يؤيد ما قدمنا ذكره من ان النذر سبب كلي في الوجوب ، فان هذا الناذر لما نذر في حال عدم الاستطاعة الحج في السنة الفلانية من السنين القابلة انعقد وجوبها عليه بالنذر ، ثم لما تجددت الاستطاعة الشرعية في تلك السنة لم تؤثر في المنع من حج النذر في ذلك العام لانعقاده سابقا ، وصار منع النذر هنا من حج الإسلام كسائر الموانع التي تقدمت. وهو أظهر ظاهر في تأثير الأسباب الشرعية واختلاف مسبباتها باختلافها إلا ما خرج بالدليل وحينئذ فمتى كان الواجب عليه في هذا العام انما هو حج النذر ، فان كانت الاستطاعة موجودة فإنه يراعى في وجوب حج الإسلام بقاؤها إلى العام القابل.

وقال الفاضل الخراساني (قدس‌سره) في الذخيرة : وان كان النذر مقيدا بالسنة التي حصلت الاستطاعة فيها ففي تقديم الحجة المنذورة أو حج الإسلام وجهان يلتفتان الى عدم تحقق الاستطاعة الشرعية ـ لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي ـ


والى حصول الاستطاعة المعتبرة في حجة الإسلام مع عدم النذر. وانعقاد النذر فرع الشرعية والرجحان ، وهو غير متحقق. انتهى.

أقول : لا يخفى ما فيه على الفطن النبيه ، فان فرض المسألة في كلام الأصحاب على الوجه الذي فصلناه إنما هو في ما إذا نذر وهو غير مستطيع ثم تجددت الاستطاعة بعد ذلك ، فمن جملة صورها ما إذا نذر ان يحج في سنة مسماة من السنين المستقبلة واتفق انه حصلت له الاستطاعة في تلك السنة ، فان مقتضى انعقاد النذر سابقا وجوب تقديم حج النذر هنا وان النذر مانع عن حجة الإسلام. وحينئذ فقوله في تعليل الوجه الثاني : «والى حصول الاستطاعة المعتبرة في حجة الإسلام. الى آخره» لا وجه له ، فان وجود الاستطاعة بعد انعقاد النذر بالحج في هذه السنة واشتغال الذمة به في حكم العدم. والعجب من قوله : «وانعقاد النذر فرع الشرعية والرجحان ، وهو غير متحقق» فإنه كيف لا يكون النذر منعقدا والحال انه في وقت النذر عادم الاستطاعة ، فأي مانع من انعقاد نذره وشرعيته ورجحانه؟ وبالجملة فإن جميع ما ذكره في الوجه الثاني فهو غير موجه. والله العالم.

المسألة الرابعة ـ لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان من نذر الحج ماشيا انعقد نذره ووجب عليه الوفاء به ، وتدل عليه عمومات المقتضية لانعقاد النذور (١) وهو عبادة راجحة ، وقد ورد في جملة من الأخبار (٢) : «ما عبد الله بشي‌ء أشد ولا أفضل من المشي إلى بيته». وقد مضى وسيأتي في تضاعيف المسائل الآتية ما يدل على مشروعيته وانعقاده.

__________________

(١) كقوله تعالى في سورة الحج ، الآية ٢٩ (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ).

(٢) الوسائل الباب ٣٢ من وجوب الحج وشرائطه.


ولا ينافي ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابي عبيدة الحذاء عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) : «أنه سئل عن رجل نذر ان يمشى إلى مكة حافيا؟ فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج حاجا فنظر الى امرأة تمشي بين الإبل فقال : من هذه؟ فقالوا : أخت عقبة بن عامر ، نذرت أن تمشي إلى مكة حافية. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب ، فان الله غني عن مشيها وحفائها. قال : فركبت». فإنها محمولة على عدم جواز نذر الحفاء مضافا الى المشي ، لما فيه من المشقة الظاهرة. ولا يلزم من ذلك عدم انعقاد نذر المشي.

وقال العلامة في القواعد : لو نذر الحج ماشيا وقلنا المشي أفضل انعقد الوصف وإلا فلا.

وقال ولده في الإيضاح : إذا نذر الحج ماشيا انعقد أصل النذر إجماعا وهل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه قولان مبنيان على ان المشي أفضل من الركوب أو الركوب أفضل من المشي.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهما : وهذا غير سديد ، فان المنذور وهو الحج على هذا الوجه لا ريب في رجحانه وان كان غيره أرجح منه ، وذلك كاف في انعقاد نذره ، إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه. وهو جيد.

ثم قال في المدارك : واختلف الأصحاب في مبدأ المشي ومنتهاه ، والذي يقتضيه الوقوف مع المعنى المستفاد من اللفظ وجوبه من حين الشروع في أفعال الحج وانتهاؤه بآخر أفعاله وهي رمي الجمار ، لان «ماشيا» وقع حالا

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٤ من وجوب الحج وشرائطه. واللفظ هكذا : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام ...» وفي التهذيب ج ٥ ص ١٣ و ١٤ : «سألت أبا عبد الله».


من فاعل «أحج» فيكون وصفا له وانما يصدق حقيقة بتلبسه به.

أقول : ما ذكره جيد لو لم يرد في الأخبار التعبير عن نذر المشي إلا بهذا اللفظ مع انه ليس كذلك ، وهذه العبارة إنما وقعت في كلام الأصحاب وقليل من الأخبار.

والمفهوم من الاخبار الكثيرة ان المشي المنذور انما هو من البلد الى البيت فمن ذلك صحيحة ابي عبيدة المتقدمة وقول السائل فيها : «سئل عن رجل نذر ان يمشي إلى مكة حافيا. الى آخر الخبر».

ومنها ـ صحيحة رفاعة (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نذر ان يمشي إلى بيت الله (تعالى) حافيا؟ قال : فليمش فإذا تعب فليركب».

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «سألته عن رجل جعل لله عليه مشيا الى بيت الله فلم يستطع؟ قال : يحج راكبا».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المشتملة على هذه العبارة ، وهي ان

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٠٣ والفروع ج ٢ ص ٣٧٣ ، وفي الوسائل الباب ٣٤ من وجوب الحج وشرائطه رقم (١) عن الأول ، والباب ٨ من كتاب النذر والعهد عن الثاني ، إلا ان الوارد فيه عن رفاعة وحفص. واللفظ في المتن يوافق لفظ الفروع.

(٢) الوسائل الباب ٨ من كتاب النذر والعهد ، مضمرا كما في فروع الكافي ج ٢ ص ٣٧٣ ، إلا انه في التهذيب ج ٨ ص ٣٠٤ : «عن الكليني عن أحدهما ع» كما في المتن ، وكذا في الوافي باب (سائر النذور من أبواب النذور والايمان) من الجزء السابع. ولفظ «لله» ليس في الوسائل ولا في الفروع ولا في التهذيب. نعم في الاستبصار ج ٤ ص ٥٠ موجود.


غاية المشي ونهايته بيت الله (عزوجل) وقد تقدم جملة من الأخبار الدالة على ذلك في المسألة الرابعة من المسائل الملحقة بالشروط.

وبالجملة فإن الظاهر من أكثر الأخبار هو ما ذكرناه ، والظاهر هو الرجوع في ذلك الى نية الناذر.

بقي ان السيد أشار في صدر العبارة إلى الخلاف في منتهاه ايضا واختار انه رمي الجمار ، ولم ينقل القول الآخر ولا الدليل على ما اختاره من القول المذكور ، والقول الآخر المنقول في المسألة هو ان آخره طواف النساء ، وهو ظاهر شيخنا الشهيد في الدروس ، ونسبه في المسالك الى المشهور ثم اختار القول الآخر.

والظاهر هو ما اختاره السيد السند (قدس‌سره) وتدل عليه صحيحة جميل (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا حججت ماشيا ورميت الجمرة فقد انقطع المشي».

وصحيحة إسماعيل بن همام عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا وليس عليه شي‌ء».

وروى هذا الخبر في الفقيه في الصحيح عن إسماعيل بن همام عن ابي الحسن الرضا عن أبيه (عليهما‌السلام) (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام في الذي عليه المشي إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا».

وروى في الفقيه عن علي بن أبي حمزة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤) قال :

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣٥ من وجوب الحج وشرائطه.

(٤) الوسائل الباب ٣٥ من وجوب الحج وشرائطه ، والرواية للكليني في الكافي ج ٤ ص ٤٥٦.


«سألته متى ينقطع مشي الماشي؟ قال : إذا رمى جمرة العقبة وحلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا».

وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على رسم فوائد (١) :

الاولى ـ لو اتفق له في طريقه الاحتياج إلى السفينة فالمشهور في كلامهم من غير خلاف ينقل انه يقوم في السفينة ان اضطر الى العبور فيها.

والمستند في ذلك رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم‌السلام) (٢) : «ان عليا (صلوات الله عليه) سئل عن رجل نذر ان يمشي الى البيت فمر في المعبر؟ قال : فليقم في المعبر قائما حتى يجوز».

قال في المدارك نقلا عن المعتبر : وهل هو على الوجوب؟ فيه وجهان أحدهما نعم ، لأن المشي يجمع بين القيام والحركة فإذا فات أحدهما تعين الآخر. والأقرب انه على الاستحباب ، لان نذر المشي ينصرف الى ما يصلح المشي فيه فيكون موضع العبور مستثنى بالعادة. ثم قال : وما قربه (رحمه‌الله) جيد. بل يمكن المناقشة في استحباب القيام ايضا لضعف مستنده. انتهى.

أقول : لا ريب ان الحامل لهم على هذا الكلام انما هو ضعف سند هذه الرواية وليس في المقام غيرها ، ولهذا قال في المدارك بعد نقل كلام المعتبر : بل يمكن المناقشة في الاستحباب ايضا لضعف مستنده. انتهى.

ثم أقول : ان ما حكم به في المعتبر من الاستحباب لا اعرف له وجها بعد طرحه الرواية ، لأنه متى اعتمد على ان نذر المشي انما ينصرف الى ما يصلح المشي فيه

__________________

(١) أبدلنا كلمة «مسائل» ب «فوائد» تبعا للنسخة الخطية ، ويساعده الاعتبار أيضا.

(٢) الوسائل الباب ٣٧ من وجوب الحج وشرائطه.


عملا بالعادة فتكون مواضع العبور غير داخلة في النذر ، وهذا موجب لطرح الرواية الدالة على الأمر بالوقوف الذي هو حقيقة في الوجوب ، كما عليه أكثر الأصحاب ، وكأنه أراد حملها على الاستحباب تفاديا من طرحها. وفيه ما عرفت في غير مقام من ما تقدم وان اشتهر ذلك بينهم.

ثم انه لا يخفى ان رواية السكوني المذكورة ظاهرة في كون نذر المشي انما هو في الطريق إلى مكة ، لقوله فيها : «نذر ان يمشي الى البيت» وقوله : «فمر في المعبر» فان هذا انما يكون في الطرق الآتية من الآفاق لا في مكة فإنه ليس فيها شط ولا نهر يحتاج في عبوره إلى سفينة.

الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو ركب طريقه وجب عليه القضاء ، ومرادهم بالقضاء الإعادة أعم من ان يكون بمعناه المتعارف أم لا ، وذلك انه ان كانت سنة النذر معينة فالقضاء بمعناه المتعارف ، ويلزمه مع ذلك كفارة خلف النذر ، وان كانت سنة النذر مطلقة فالقضاء بمعنى الفعل ثانيا ولا كفارة لبقاء الوقت.

قالوا : وانما وجب عليه اعادة الحج ثانيا لإخلاله بالصفة المشروطة وتوقف الامتثال على الإتيان بها.

ويستفاد من حكمهم بوجوب الإعادة كون الحج المأتي به فاسدا ، والظاهر ان وجهه من حيث عدم مطابقته للمنذور ، فلا يقع عن النذر لعدم المطابقة ، ولا عن غيره لانتفاء النية كما هو المفروض.

واحتمل المحقق في المعتبر الصحة واجزاءه عن المنذور وان وجبت الكفارة بالإخلال بالمشي ، قال : لأن الإخلال بالمشي ليس مؤثرا في الحج ولا هو من صفاته بحيث يبطل بفواته ، بل غايته أنه أخل بالمشي المنذور ، فان كان مع القدرة وجبت عليه كفارة خلف النذر.


قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو انما يتوجه إذا كان المنذور الحج والمشي غير مقيد أحدهما بالآخر ، والمفهوم من نذر الحج ماشيا خلاف ذلك. انتهى. وهو جيد.

ويؤيده انه لو تم ما ذكره للزم جريانه في جميع النذور المقيدة بزمان أو مكان ، كأن يصلي ركعتين في زمان مخصوص أو مكان مخصوص ، فإنه تصح الصلاة على غير الوجه المذكور وان لزمت الكفارة ، وهو لا يقول به.

ولم أقف في هذه المسألة على نص يدل على أحكامها المذكورة ، إلا ان ما نقلناه عنهم مطابق لمقتضى قواعد النذر مع أوفقيته بالاحتياط.

الثالثة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو ركب بعضا ومشى بعضا ، فقيل : انه ان كان مشروطا بوقت معين وجب عليه القضاء والكفارة ، وإلا وجب عليه الاستئناف ماشيا.

اما الأول فلأنه أخل بالصفة المنذورة فيجب عليه القضاء لتحصيل تلك الصفة ، والكفارة لإخلاله بإيقاع تلك الصفة في الوقت المعين الواجب بالنذر.

واما الثاني فلان الواجب عليه الحج ماشيا ولم يأت به فيبقى في عهدة التكليف.

ونقل عن الشيخ وجماعة انه تجب عليه الإعادة بأن يمشي ما ركب ويركب ما مشى ، لان الواجب عليه قطع المسافة ماشيا وقد حصل مع التلفيق فيخرج عن العهدة. هكذا احتج له في المختلف ، ثم أجاب عنه بالمنع من حصوله مع التلفيق ، إذ لا يصدق عليه انه قد حج ماشيا.

قال في المدارك بعد نقل هذا الجواب : وهو جيد ان وقع الركوب بعد التلبس بالحج ، إذ لا يصدق على من ركب في جزء من الطريق بعد التلبس بالحج انه حج ماشيا ، وهذا بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع


تعلق النذر بالمشي من البلد ، لان الواجب قطع تلك المسافة في حال المشي وان فعل في أوقات متعددة ، وهو يحصل بالتلفيق ، إلا ان يكون المقصود قطعها كذلك في عام الحج. انتهى.

أقول : قد عرفت ان المستفاد من الاخبار على وجه لا يكاد يعتريه الإنكار ـ كما عرفت وستعرف ان شاء الله تعالى ـ ان المراد بنذر الحج ماشيا انما هو المشي من البلد قاصدا الى البيت منتهيا الى رمي الجمرة ، فالمكلف لما أوجب على نفسه الحج ماشيا مدة طريقه وأيام حجه الى الوقت المذكور تعين عليه ، والإخلال بالمشي كلا أو بعضا موجب لعدم الإتيان بالفعل على الوجه المنذور ، فيبقى في عهدة التكليف الى ان يأتي به كذلك قضاء ان كان النذر معينا وأداء ان كان مطلقا. هذا ما تقتضيه قواعد النذر ، والمسألة خالية من النص على الخصوص فيجب الوقوف فيها على قواعد النذر المتفق عليها بينهم.

وبذلك يظهر ما في كلام العلامة في المختلف حيث قال ـ على اثر الكلام الذي قدمنا نقله عنه ـ ما لفظه : ويحتمل ان يقال بصحة الحج وان كان الزمان معينا وتجب الكفارة ، لأن المشي ليس جزء من الحج ولا صفة من صفاته ، فان الحج مع المشي كالحج مع الركوب ، فيكون قد امتثل نذر الحج وأخل بنذر المشي ، فتجب الكفارة ويصح حجه. انتهى.

وهو راجع الى ما قدمنا نقله عن المعتبر ، وقد عرفت انه انما يتم لو كان المنذور هنا شيئين : أحدهما الحج والثاني المشي ، والظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ان النذر انما تعلق بالحج مقيدا بالمشي ، فالمنذور شي‌ء واحد وعليه فلا يتم ما ذكره.

وبالجملة فإن الاحتياط في أمثال هذه المقامات الخالية من النصوص من ما يجب المحافظة عليه.


الرابعة ـ لو عجز عن المشي فلا خلاف في جواز الركوب ، لان الوجوب يسقط بالعجز ، لإناطة التكليف بالوسع ورفع الحرج والمشقة في الدين (١).

وانما الخلاف في وجوب السياق وعدمه ، فذهب الشيخ وجمع من الأصحاب إلى الوجوب.

واستدلوا على ذلك بصحيحة الحلبي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نذر ان يمشي إلى بيت الله وعجز عن المشي؟ قال : فليركب وليسق بدنة ، فان ذلك يجزئ عنه إذا عرف الله منه الجهد».

وصحيحة ذريح المحاربي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل حلف ليحجن ماشيا ، فعجز عن ذلك فلم يطقه؟ قال : فليركب وليسق الهدي».

وقال الشيخ المفيد (نور الله تعالى مرقده) في المقنعة : وإذا جعل الرجل على نفسه المشي إلى بيت الله فعجز عنه فليركب ولا شي‌ء عليه. وهو ظاهر في عدم وجوب السياق.

وهو اختيار ابن الجنيد على ما نقل عنه ، وابن إدريس على ما ذكره في المختلف ، والمحقق.

واستدلوا عليه بأصالة البراءة ، وصحيحة رفاعة بن موسى (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل نذر ان يمشي إلى بيت الله؟ قال : فليمش. قلت : فإنه تعب؟ قال : فإذا تعب ركب».

ورواية عنبسة بن مصعب (٥) قال : «نذرت في ابن لي ان عافاه الله

__________________

(١) ارجع الى الحدائق ج ١ ص ١٥١ و ١٥٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٤ من وجوب الحج وشرائطه.

(٥) الوسائل الباب ٨ من كتاب النذر والعهد.


أن أحج ماشيا ، فمشيت حتى بلغت العقبة ، فاشتكيت فركبت ، ثم وجدت راحة فمشيت ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : اني أحب ان كنت موسرا ان تذبح بقرة. فقلت : معي نفقة ولو شئت ان أذبح لفعلت ، وعلى دين؟ فقال : اني أحب ان كنت موسرا ان تذبح بقرة. فقلت : أشي‌ء واجب افعله؟ قال : لا ، من جعل لله شيئا فبلغ جهده فليس عليه شي‌ء».

قال في المدارك بعد نقل ذلك : يتوجه عليه ان الرواية الاولى لا تنافي وجوب السياق ، لان عدم ذكره لا يعارض ما دل على الوجوب ، والرواية الثانية ضعيفة السند لأن راويها واقفي ناووسي. ثم نقل عن ابن إدريس القول بأنه ان كان النذر مطلقا وجب على الناذر توقع المكنة من الصفة ، وان كان مقيدا بسنة معينة سقط الفرض لعجزه عنه. وهذا قول ثالث في المسألة.

والعلامة في المختلف نقل عن ابن إدريس موافقة الشيخ المفيد ، ثم اختار فيه انه ان كان النذر معينا بسنة فعجز عن المشي ركب ولا شي‌ء عليه ، وان كان مطلقا توقع المكنة.

واحتج على الأول بأنه عجز عن الصفة فسقط اعتبارها ، للإجماع. الدال على سقوط ما عجز عنه الناذر من غير تفريط. ثم قال : (لا يقال) : فيسقط الحج للعجز ، كما نقل عن بعض علمائنا ذلك (لأنا نقول) : العجز انما حصل عن الصفة لا عن أصل الحج ، والنذر تعلق بأمرين ، ولا يلزم من سقوط أحد الأمرين سقوط الآخر إذا افترقا في العلة.

أقول : فيه ما تقدم من ان المنذور إنما هو شي‌ء واحد لا شيئان ، فعلى هذا فالموافق للعجز هو سقوط الحج من أصله كما نقله في المدارك عن ابن إدريس وصرح به شيخنا الشهيد الثاني في المسالك.

بقي الكلام في ان ما نقله في المدارك عن ابن إدريس غير موجود في


سرائره ، وانما الموجود فيه ما قدمنا نقله عن المختلف من موافقة الشيخ المفيد وهذه عبارته في كتاب السرائر : ومن نذر ان يحج ماشيا ثم عجز عنه فليركب ولا كفارة عليه ولا يلزمه شي‌ء على الصحيح من المذهب. وهذا مذهب شيخنا المفيد في مقنعته. ثم نقل عبارة الشيخ في النهاية الدالة على وجوب سوق البدنة.

وظاهره في المدارك انه اعتمد في هذا النقل على غيره ، حيث قال بعد نقل ذلك عن ابن إدريس : وقال الشهيد في الشرح : وكأنه نظر الى ان الحج ماشيا مغاير له راكبا. وفيه نظر ، لان الحج راكبا وماشيا واحد وان اختلفا بصفة واحدة ، فإذا نذر الحج ماشيا استلزم نذر الحج المطلق وان يكون ماشيا ، فإذا تعذر أحد الجزئين لا يلزم سقوط الآخر. ثم قال (قدس‌سره) : هذا كلامه (قدس‌سره) وهو غير جيد ، لان المفهوم من نذر الحج ماشيا إيجاب الحج على الوجه المخصوص ، بمعنى كون المشي شرطا في الحج ، وذلك لا يستلزم نذر مطلق الحج ، كما ان من نذر صلاة في موضع معين لا يكون ناذرا لمطلق الصلاة. انتهى.

وهو جيد. إلا ان هذا الكلام ليس في المسالك ان أريد بالشهيد جده (قدس‌سره) وبالشرح المسالك ، ولا في شرح الشهيد على الإرشاد ان أريد بالشهيد الشهيد الأول وبالشرح الكتاب المذكور. ولا اعرف لهذه العبارة محلا غير ذلك ، ولا أدرى كيف هذا النقل ولا من اين حصل؟

وكيف كان فقد ظهر بما شرحناه ان في المسألة أقوالا أربعة : أحدها ـ وجوب الكفارة مطلقا. وثانيها ـ سقوطها مطلقا. وثالثها ـ هو التفصيل بكون النذر مطلقا فيتوقع المكنة ، وان كان معينا سقط الفرض. ورابعها ـ مثل سابقه في صورة الإطلاق ، إلا انه يفارقه في صورة التعيين فيقول بوجوب الركوب ولا شي‌ء عليه.

وقال في المدارك بعد نقل ما نقله عن ابن إدريس وكلام الشهيد وكلامه عليه حسبما قدمناه : والمعتمد ما ذهب اليه ابن إدريس ان كان العجز قبل التلبس


بالإحرام ، وان كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله وسياق البدنة وسقوط الفرض بذلك ، عملا بظاهر النصوص المتقدمة. والتفاتا إلى إطلاق الأمر بوجوب إكمال الحج والعمرة مع التلبس بهما ، واستلزام إعادتهما المشقة الشديدة. انتهى.

أقول : وهذا قول خامس في المسألة.

ثم أقول : ومن الأخبار التي وقفت عليها في هذه المسألة زيادة على ما تقدم صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «سألته عن رجل جعل لله عليه مشيا الى بيت الله فلم يستطع؟ قال : يحج راكبا».

وما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن نوادر احمد بن محمد ابن ابي نصر البزنطي عن عنبسة بن مصعب (٢) قال : «قلت له ـ يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ـ اشتكى ابن لي فجعلت لله علي ان هو بري‌ء ان أخرج الى مكة ماشيا. وخرجت امشي حتى انتهيت إلى العقبة فلم أستطع أن أخطو ، فركبت تلك الليلة حتى إذا أصبحت مشيت حتى بلغت ، فهل على شي‌ء؟ قال : فقال لي : اذبح فهو أحب الي. قال : قلت له : أي شي‌ء هو الي لازم أم ليس لي بلازم؟ قال : من جعل لله على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي‌ء عليه وكان الله أعذر لعبده».

وعن ابي بصير (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك (٤) فقال : من جعل لله على نفسه شيئا فبلغ فيه مجهوده فلا شي‌ء عليه».

وما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٥) قال : «سألته عن رجل جعل عليه مشيا الى بيت الله فلم يستطع؟ قال : يحج راكبا».

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٢٢٥.

(٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٣٤ من وجوب الحج وشرائطه.

(٤) اللفظ في السرائر والوسائل هكذا : «سئل عليه‌السلام عن ذلك».


وعن سماعة وحفص (١) قال : «سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نذر ان يمشي إلى بيت الله حافيا؟ قال : فليمش إذا تعب فليركب».

وعن محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام (٢) مثل ذلك.

وعن محمد بن مسلم (٣) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل عليه المشي إلى بيت الله فلم يستطع؟ قال : فليحج راكبا».

وعن حريز عن من أخبره عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٤) قال : «إذا حلف الرجل ان لا يركب أو نذر ان لا يركب ، فإذا بلغ مجهوده ركب. قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحمل المشاة على بدنة».

وأنت خبير بان هذه الاخبار متى ضمت بعضها الى بعض فالذي يتضح منها هو ان العاجز في صورة نذر الحج ماشيا الذي هو ـ كما عرفت ـ عبارة عن وجوب المشي فيه من البلد الى رمي الجمرة ، متى بلغ مجهوده فان الله (عزوجل) أعذر له ، ولكن يستحب له السياق ، وانه لا فرق في ذلك بين كون النذر مطلقا أو مقيدا ، ولا كون الركوب قبل الحج ولا بعده.

وصاحب المدارك بنى في هذا الكلام على ما قدمه من ان النذر انما تعلق بالمشي حال الاشتغال بالحج. وهو غلط بالنظر الى ما سردناه من الاخبار أولا وآخرا ، ولا سيما روايتا عنبسة بن مصعب ، فإنهما صريحتان في كون النذر تعلق بالمشي من البلد وان العجز حصل له في الطريق قبل الوصول إلى مكة. وبذلك يعلم قوة قول شيخنا المفيد ومن اقتفاه ، ويعلم الجواب عن أدلة الأقوال الأخر.

ويمكن حمل القول بالتفصيل بما تضمنه من القولين على ما إذا وقع العجز في البلد ، فإنه ان كان نذره مطلقا توقع المكنة إلى العام القابل ، وان كان

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٤ من وجوب الحج وشرائطه.


معينا بتلك السنة سقط الفرض من أصله أو الصفة بخصوصها ووجب الحج راكبا على القولين. والاخبار الواردة في المسألة غير منافية لذلك ، لان ظاهر أكثرها وصريح بعضها هو ان العذر انما تجدد في الطريق ، وبعضها وان كان مطلقا يجب حمله على المقيد منها. إلا ان ظاهر القائلين بهذا القول ما هو أعم من ما ذكرنا حيث جعلوه مقابلا للقولين الآخرين.

المسألة الخامسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ في ان من مات وعليه حجة الإسلام واخرى منذورة قد استقرتا في ذمته ، بعد الاتفاق على ان مخرج حجة الإسلام من أصل التركة ـ في ان مخرج حجة النذر هل هو من الأصل أيضا أو من الثلث؟ قولان ، أولهما لابن إدريس وعليه أكثر المتأخرين والثاني للشيخ في النهاية والمبسوط والتهذيب ، ونقله في المختلف عن ابن الجنيد قال : ورواه الصدوق في كتابه (١).

أقول : بل الظاهر انه قائل بذلك ، فإنه لم يقتصر على مجرد نقل الرواية بل قال أولا : باب الرجل (٢) يموت وعليه حجة الإسلام وحجة في نذر عليه. ثم قال : روى الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن ضريس الكناسي. وساق الرواية (٣) وهو ظاهر في الفتوى بمضمون الرواية. وظاهر قوله : «وحجة في نذر عليه» ان الحجة الثانية منشأ سببها النذر ، أعم من ان يكون نذر أن يحج بنفسه أو يحج غيره ، وانه لا فرق بين الأمرين في وجوب القضاء من الثلث كما في الرواية.

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٦٣.

(٢) في الفقيه هكذا : «باب من يموت ...».

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من وجوب الحج وشرائطه ، وقد تقدمت ص ٢١٠.


احتج الأصحاب على ما ذهبوا اليه من وجوب القضاء من الأصل بأنها كحجة الإسلام من جملة الديون التي مخرجها من الأصل.

قال في المدارك : وهو انما يتم بعد قيام الدليل على وجوب قضائها من التركة. ولم نقف في ذلك على رواية سوى رواية ضريس التي أوردها المصنف ، وقد بينا في ما سبق ان الحج ليس واجبا ماليا بل هو واجب بدني وان توقف على المال مع الحاجة إليه كما تتوقف الصلاة عليه كذلك. ثم نقل احتجاج الشيخ برواية ضريس وأورد الرواية ، ثم قال : وأجاب عنها في المختلف بالحمل على من نذر في مرض الموت. ثم رده بأنه يتوقف على وجود المعارض. ثم قال : نعم يمكن المناقشة في هذا الاستدلال بان مورد الرواية خلاف محل النزاع ، لان موردها من نذر ان يحج رجلا ، اي يبذل له مالا يحج به. وهو خلاف نذر الحج. ولعل ذلك هو السر في إيراد المصنف الرواية بعد حكاية القولين من دون ان يجعلها مستندا لأحدهما. انتهى.

أقول : قد تقدم البحث مستوفى في المسألة وأوضحنا ما في هذا الكلام ، وانما أطلنا الكلام بنقله هنا لأنا قد وعدنا سابقا بنقله وأشرنا سابقا اليه.

ثم أقول : قال الفاضل المحقق محمد تقي المجلسي في شرحه على الفقيه ـ بعد نقل صحيحة ضريس ـ ما هذه ترجمته : المشهور بين العلماء ان كل واجب تعلق بالمال وتركه ذو المال حتى مات ، فان ترك مالا قضى عنه من أصل ماله ، وإلا فلا يجب على الولي قضاؤه ، فقضاء الولي محمول على الاستحباب على المشهور. ويمكن حمل إخراج المنذور من الثلث على انه بسبب اشتغال ذمته بحج واجب فلا يصح نذره لكن يستحب له الوفاء به لتلفظه بصيغة النذر ، فلهذا يخرج من الثلث. وأجيب بأنه لا ينعقد النذر إلا مع رجحان متعلقة وأقله الاستحباب ، ومع اشتغال الذمة بالواجب لا يجوز له ان يحج مستحبا فلا ينعقد نذره. انتهى.


أقول : فيه أولا ـ ان منع صحة النذر لاشتغال الذمة بالحج الواجب على إطلاقه ممنوع وانما يتم لو نذر الحج في عام الاستطاعة ، واما إذا كان النذر مطلقا فأي مانع؟ وقد تقدم تحقيق ذلك في المسألة الثالثة (١).

وثانيا ـ انه متى لم يكن حج النذر واجبا عليه بالنذر ، وانما هو مستحب من حيث التلفظ بالصيغة فكيف يسوغ إخراجه من غير الوصية؟ والحال ان الواجب يتوقف على الوصية فكيف المستحب؟ على ان إثبات الاستحباب بمجرد التلفظ بالصيغة ممنوع ، فان الاستحباب حكم شرعي لا بد له من الدليل.

واما ما ذكره من الجواب فضعيف ، لانه مبني على ان مجرد اشتغال الذمة موجب لبطلان النذر.

وبالجملة فإن كلامه (قدس‌سره) هنا كلام عليل لا ثمرة له عند ذوي التحصيل. والله العالم.

المقصد الثالث

في حج النيابة وشرائطه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه يشترط في التائب شروط :

منها ـ كمال العقل فلا تجوز نيابة المجنون لانغمار عقله بالمرض المانع من النية والقصد. ولو كان ممن يعتريه الجنون أدوارا فلا مانع من نيابته إذا حصل الوثوق بتمكنه من العمل المستأجر عليه وإلا فلا. ومثله الصبي غير المميز.

وفي المميز قولان ، ظاهر الأكثر المنع.

__________________

(١) ص ٢١٥.


وعلله في المعتبر بان حج الصبي انما هو تمريني ، والحكم بصحته بالنسبة الى ما يراد من تمرينه لا لانه يقع مؤثرا في الثواب.

وهو غير جيد ، لما قدمنا في كتاب الصوم من ان عبادة الصبي شرعية يستحق عليها الثواب لأنها مرادة للشارع.

نعم الوجه في المنع من نيابته أولا ـ انما هو عدم الدليل في المقام ، لان العبادات بأي كيفية وعلى اي نحو موقوفة على التوقيف ، ولم يرد في المقام نص بجواز نيابته.

وثانيا ـ انه لعلمه برفع القلم عنه (١) وعدم مؤاخذته بما يصدر منه فلا يمكن الوثوق باخباره.

وقيل بالجواز ، لانه قادر على الاستقلال بالحج. وهو ضعيف لما عرفت.

ونقل في المدارك عن بعض مشايخه المعاصرين ـ ولعله المولى المحقق الأردبيلي كما يشير اليه كثيرا بذلك ـ جواز نيابته مع الوثوق باخباره. ثم قال : وليس ببعيد من الصواب. انتهى. وفيه توقف.

ومنها ـ الإسلام فلا تصح نيابة الكافر ، لانه عاجز عن نية القربة التي هي شرط في صحة العمل المستأجر عليه.

قالوا : وكذا هذا الشرط في المنوب عنه ، فليس للمسلم ان يحج عن الكافر لقوله (عزوجل) (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) (٢) ولأنه في الآخرة مستحق للخزي والعقاب لا للأجر والثواب ، وهما من لوازم صحة الفعل.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من مقدمة العبادات ، وسنن البيهقي ج ٨ ص ٢٦٤.

(٢) سورة التوبة الآية ١١٣.


وفي اشتراط الايمان في النائب قولان ، ظاهر أكثر المتأخرين ـ حيث حكموا بإسلام المخالفين ـ صحة نيابتهم فلا يشترط الايمان عندهم.

قال العلامة في التذكرة : أما المخالف فيجوز ان ينوب عن المؤمن ويجزئ عن المنوب إذا لم يخل بركن ، لأنها تجزئ عنه ولا تجب عليه الإعادة لو استبصر ، فدل ذلك على ان عبادته معتبرة في نظر الشرع يستحق بها الثواب إذا رجع الى الايمان إلا الزكاة ، لأنه دفعها الى غير مستحقها. ويدل على ذلك ما رواه بريد بن معاوية العجلي (١). ثم ساق الرواية.

وقيل بالعدم ، وهو الحق ، واليه مال في المدارك.

وقد تقدم تحقيق المسألة ودلالة جملة من الاخبار على بطلان عبادة المخالف وان اتى بها على الوجه المشترط عند أهل الإيمان فضلا عن أهل نحلته ، وان سقوط القضاء عنه بعد الرجوع الى الايمان انما هو تفضل من الله (عزوجل) لا لصحة عبادته كما توهمه (قدس‌سره).

ومنها ـ خلو ذمته عن حج واجب عليه بالأصالة أو بالنذر أو الاستئجار أو الإفساد ، فلو وجب عليه الحج بسبب أحد هذه الأمور لم يجز له ان ينوب عن غيره إلا بعد أداء ما في ذمته. كذا صرح به العلامة في التذكرة ، ومثله في غيرها.

والأظهر ان يقال : انه إنما يجب خلو ذمة النائب من الحج الواجب إذا كان مخاطبا في ذلك العام على الفور وحصول التمكن منه ، اما لو كان واجبا موسعا أو في عام بعد ذلك ـ كمن نذره كذلك أو استؤجر له ـ فإنه لا مانع من صحة نيابته قبله. وكذا لو وجب عليه في ذلك العام وعجز عنه ولو مشيا حيث لا يشترط فيه الاستطاعة ، كالمستقر من حج الإسلام ، فإنه يجوز له الاستنابة في ذلك

__________________

(١) ص ١٥٩.


العام ، لسقوط الوجوب فيه بالعجز وان كان ثابتا في الذمة. ولكن ينبغي ان يراعى في جواز الاستنابة ضيق الوقت بحيث لا يحتمل تجدد الاستطاعة أو القدرة عادة. وبالجملة فإن المنافاة لا تحصل بمجرد الوجوب كيف اتفق كما هو مقتضى كلامهم ، بل بالفورية في ذلك العام ، فما لم يكن كذلك فإنه لا مانع يمنع الاستنابة.

ومن الاخبار الواردة في المقام ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح عن سعد بن ابي خلف (١) قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال : نعم إذا لم يجد الصورة ما يحج به عن نفسه ، فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله. الحديث».

وما رواه في الصحيح أو الحسن على المشهور عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في رجل صرورة مات ولم يحج حجة الإسلام وله مال؟ قال : يحج عنه صرورة لا مال له».

وما رواه في الفقيه في الصحيح عن سعيد الأعرج (٣) : «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به ، فان كان له مال فليس له ذلك حيث يحج من ماله. الخبر».

والمراد بالصرورة هو من لم يحج بالمرة.

وهل العدالة شرط في صحة النيابة أم لا؟ ظاهر جملة من المتأخرين اعتبارها في الحج الواجب ، لا من حيث الحكم ببطلان عبادة الفاسق ، بل من حيث ان الإتيان بالحج انما يعلم بخبره ، والفاسق لا يقبل خبره ، للآية (٤) والرواية (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٥ من النيابة في الحج.

(٤) وهو قوله تعالى في سورة الحجرات ، الآية ٦ «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا».

(٥) الظاهر ان المراد بها الروايات الواردة في رد شهادته ، وقد أوردها في الوسائل في الباب ٣٠ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٤١ من كتاب الشهادات.


قال في المدارك واكتفى بعض الأصحاب فيه بكونه ممن يظن صدقه ويحصل الوثوق باخباره وهو حسن. انتهى.

أقول : التحقيق هنا ان يقال : ان الناس على أقسام ثلاثة : ظاهر العدالة وظاهر الفسق ومجهول الحال ، اما الأول فلا ريب في جواز نيابته ، واما الثاني فالظاهر عدم جواز نيابته ، لما ذكرناه من ان الحكم بالصحة مبني على خبره ، وخبره غير مقبول ، للآية (١) والرواية (٢) واما الثالث فهذا هو الذي ينبغي ان يجعل محل الخلاف ، وهذا هو الذي ينبغي ان يحمل عليه كلام بعض الأصحاب الذي نقله واستحسنه ، من انه متى كان ممن يظن صدقه ويحصل الوثوق باخباره جازت نيابته.

أقول : وهذا هو الذي جرى عليه من شاهدناه وسمعناه من مشايخنا (رضوان الله عليهم) في الاستئجار للحج في جميع الأعصار والأمصار.

وبما ذكرناه من التفصيل يظهر لك ما في كلام شيخنا الشهيد في الدروس حيث قال : العدالة شرط في الاستنابة عن الميت وليست شرطا في صحة النيابة ، فلو حج الفاسق عن غيره أجزأ. وفي قبول اخباره بذلك تردد أظهره القبول ، لظاهر حال المسلم ، ومن عموم قوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا) (٣).

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه ـ ونعم ما قال ـ ويتوجه عليه أولا ـ ان

__________________

(١) وهو قوله تعالى في سورة الحجرات ، الآية ٦ «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا».

(٢) الظاهر ان المراد بها الروايات الواردة في رد شهادته ، وقد أوردها في الوسائل في الباب ٣٠ و ٣٢ و ٣٣ و ٣٤ و ٤١ من كتاب الشهادات.

(٣) سورة الحجرات ، الآية ٦.


ما استدل به على القبول من ظاهر حال المسلم لا يعارض الآية الشريفة المتضمنة لوجوب التثبت عند خبر الفاسق. وثانيا ـ انه لا وجه للمنع من استنابة الفاسق إلا عدم قبول اخباره ، فمتى حكم بقبول اخباره انتفى المانع من جواز الاستنابة.

وذكر بعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من جملة الشروط ايضا قدرة الأجير على العمل وفقهه في الحج. واكتفى الشهيد في الدروس بحجه مع مرشد عدل.

ومن شرائط النيابة في الواجب ايضا موت المنوب عنه أو عجزه كما سبق بيانه. اما الحج المستحب فلا يشترط فيه ذلك إجماعا بل تجوز النيابة عن الحي ، وفيه فضل كثير.

قال شيخنا الشهيد في الدروس : وقد أحصي في عام واحد خمسمائة وخمسون رجلا يحجون عن علي بن يقطين صاحب الكاظم عليه‌السلام وأقلهم تسعمائة دينار وأكثرهم عشرة آلاف دينار.

تنبيهات

الأول ـ قد عرفت في ما تقدم الخلاف في اشتراط الايمان في النائب وان الأصح ذلك. وكذا وقع الخلاف المذكور في المنوب عنه ، والمنقول عن الشيخين وأتباعهما انه لا تجوز النيابة عن غير المؤمن.

قال في المعتبر : وربما كان التفاتهم الى تكفير من خالف الحق ، ولا تصح النيابة عن من اتصف بذلك. ونحن نقول : ليس كل مخالف للحق لا تصح منه العبادة ونطالبهم بالدليل عليه. ونقول : اتفقوا على انه لا يعيد عباداته التي فعلها مع استقامته سوى الزكاة. ثم قرب اختصاص المنع بالناصب خاصة.

أقول : لا يخفى ما في كلام هذا المحقق من الغفلة عن ملاحظة الأخبار الواردة في هذا الباب عن أهل العصمة (عليهم‌السلام) الدالة على بطلان عبادة


المخالفين ، كما قدمنا جملة منها في المسألة الثالثة (١) من المسائل الملحقة بالشروط المتقدمة في المقصد الأول.

واما ما ذكره ـ من انه ربما كان التفاتهم الى تكفير من خالف الحق ـ فالأمر كذلك ، وهو الحق الظاهر من الاخبار على وجه لا يقبل الإنكار ، إلا ممن لم يعط النظر حقه في تتبع الاخبار والوقوف عليها من مظانها ، كما أوضحنا ذلك ـ بحمد الله (سبحانه) ومنه ـ في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب على تفصيل أودعناه الكتاب المشار اليه.

وما توهمه ـ من الاتفاق على انه لا يعيد عبادته التي فعلها في حال ضلاله متى دخل في الايمان ، من ان ذلك انما هو لصحتها في نفس الأمر ـ غلط محض وتوهم صرف ، بل انما ذلك تفضل من الله (عزوجل) عليه ، كما تفضل على الكافر المشرك بعد دخوله في الايمان بعدم وجوب إعادة شي‌ء من عباداته.

نعم قد ذكر الشيخان (رضوان الله عليهما) وأتباعهما جواز النيابة عن الأب خاصة متى كان مخالفا ، لصحيحة وهب بن عبد ربه المروية في الكافي (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيحج الرجل عن الناصب؟ فقال : لا. قلت : فكان ابي؟ قال : ان كان أباك فنعم». ورواه الصدوق مثله (٣) إلا ان فيه : «ان كان أباك فحج عنه».

ومنع ابن إدريس من جواز النيابة عن الأب أيضا. ومال العلامة في المختلف الى جواز النيابة عن المخالف مطلقا قريبا كان أو بعيدا ، ومنع من النيابة عن الناصب مطلقا ، قال : ونعني بالناصب من يظهر العداوة لأهل البيت (عليهم

__________________

(١) ص ١٦٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من النيابة في الحج.


السلام) كالخوارج ومن ماثلهم ، أبا كان أو غير أب. وتقدم كلام المحقق الدال على ذلك ، ونحوه ما قدمنا نقله عن التذكرة. وقال في الدروس : والأقرب اختصاص المنع بالناصب ، ويستثني الأب.

وقال العلامة في المختلف بعد اختياره القول الذي ذكرناه : لنا على الحكم الأول : ان المنوب ممن تصح منه العبادة مباشرة فتصح منه تسبيبا ، لان الفعل من ما تدخله النيابة. ولأن عباداته تقع صحيحة ، ولهذا لا تجب عليه إعادتها إلا الزكاة مع استقامته ، فيصح الحج عنه. واما الناصب فلأنه لما جحد ما علم ثبوته من الدين ضرورة حكم بكفره ، فلا تصح النيابة عنه كما لم تصح مباشرته. ثم قال : احتج الشيخ بان من خالف الحق كافر فلا تصح النيابة عنه. وبما رواه وهب بن عبد ربه في الصحيح. ثم ساق الرواية. والجواب عن الأول بالمنع من الصغرى. وعن الرواية بالقول بالموجب ، فان الناصب عندنا لا تجوز النيابة عنه. ثم قال : بقي هنا اشكال يرد علينا خاصة حيث سوغنا النيابة عن المخالف مطلقا ومنعنا من النيابة عن الناصب مطلقا ، فان هذه الرواية فصلت بين الأب وغيره ، فنقول : المراد بالناصب ان كان هو المخالف مطلقا ثبت ما قاله الشيخ ، وان كان هو المعلن بالعداوة والشنآن لم يبق فرق بين الأب وغيره.

ولو قيل بقول الشيخ كان قويا. انتهى. أقول : إنما أطلنا بنقل كلامه (زيد في مقامه) ليظهروجه بما أبطلنا به‌المحقق. وبالجملة فإن كلامهم في‌المقام نفخ في غير ضرام

والمستفاد الأخبار الواردة عن العترة الأطهار ـ على‌لا يقبل الاستتار عنداطلع عليها ونظرها بعين التدبر والاعتبار ـ ان المراد بالناصب حيثما أطلق انما هو المخالف العارف بالإمامة والمنكر لها ، وما ذكروه من هذا المعنى للناصب فهو مجرد اختراع منهم لا مستند له ولا دليل عليه ، بل الأدلة واضحة في رده


وعدم الميل اليه. ومن أراد تحقيق ما قلناه فليرجع الى كتابنا المشار اليه آنفا فإنه قد أحاط في هذه المسألة بأطراف الكلام وإبرام النقض ونقض الإبرام بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الاعلام. والله الهادي لمن يشاء.

الثاني ـ ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف ـ كما قدمنا التنبيه عليه ـ انه من وجب عليه حجة الإسلام فلا يجوز له ان يحج تطوعا ولا عن غيره.

وعللوا المنع من التطوع لمنافاته الواجب الفوري المقدور عليه بالتمكن من التطوع. واما المنع من الحج عن الغير فيبني على التفصيل المتقدم.

والمقطوع به في كلامهم انه لو خالف والحال هذه فإنه يحكم بفساد التطوع والحج عن الغير.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنهم : وهو انما يتم إذا ورد فيه نهى بالخصوص ، أو قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، وربما ظهر من صحيحة سعد بن ابي خلف (١) خلاف ذلك ، فإنه قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت؟ قال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه ، فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله. وهي تجزئ عن الميت ان كان للصرورة مال وان لم يكن له مال».

والمسألة محل تردد. انتهى.

وقال بعد ذلك ـ في شرح قول المصنف : وكذا لا يصح حجه تطوعا ، ولو تطوع قيل يجزئ عن حجة الإسلام ، وهو تحكم ـ ما صورته : اما المنع من التطوع لمن في ذمته واجب فقد تقدم الكلام فيه. ولا يخفى ان الحكم بفساد التطوع انما يتم إذا ثبت تعلق النهي به نطقا أو التزاما ، والقول بوقوع التطوع

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من النيابة في الحج.


عن حج الإسلام للشيخ في المبسوط. وهو مشكل ، لان ما فعله قد قصد به خلاف حج الإسلام فكيف ينصرف اليه؟ ونقل عنه في الخلاف انه حكم بصحة التطوع وبقاء حج الإسلام في ذمته. وهو جيد ان لم يثبت تعلق النهي به المقتضى للفساد. انتهى.

وظاهر كلامه (قدس‌سره) ـ كما ترى ـ في الموضعين صحة حج التطوع وحج النيابة لمن كان مخاطبا بحج الإسلام ، حيث انه لم يرد عنده دليل يدل على النهي عن ذلك في حال وجوب حج الإسلام ، والأمر بالحج لا يقتضي النهي عن الأضداد الخاصة عنده ، فيقع الحج على كل من الوجهين صحيحا وان اثم ، وظاهر صحيحة ابن ابى خلف التي ذكرها موهم لما ذكره ، حيث ان ظاهر سياق الخبر ان الصرورة لا يحج عن الميت إلا إذا لم يجد ما يحج به عن نفسه ، فان وجد ما يحج به فليس يجزئ عنه إلا الحج من ماله. وحجه عن الميت لو فعل مجزئ عن الميت سواء كان له مال أو لم يكن له مال ، وان أثم باعتبار عدم الحج عن نفسه أولا. وربما دل الخبر بالإشارة الى ان الصرورة لو لم يكن له مال فهي تجزئ عنه وعن الميت كما تقدم في الاخبار المذكورة في المسألة الثانية عشرة (١) من المسائل الملحقة بالشرط الثالث من شروط حج الإسلام.

ومثل هذه الصحيحة ما رواه الصدوق في الفقيه عن سعيد الأعرج (٢) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال : نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به ، فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله. وهو يجزئ عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال».

__________________

(١) ص ١١٦.

(٢) الوسائل الباب ٥ من النيابة في الحج.


أقول : والذي يقرب عندي ان ظاهر هذين الخبرين ـ سيما الثاني ـ هو النهي عن الحج نيابة حتى يحج عن نفسه ، لقوله في رواية سعيد الأعرج ـ بعد تقييد الجواب عن جواز حج الصرورة عن الميت بما إذا لم يجد الصرورة ما يحج به الدال بمفهومه على عدم الجواز لو وجد ما يحج به : «فان كان له مال فليس له ذلك حتى يحج عن نفسه (١)» وهو تصريح بالمفهوم المتقدم ، وصريح في عدم جواز النيابة حتى يحج حجة الإسلام من ماله. ونحو ذلك سياق صدر صحيحة سعد بن ابي خلف المتقدمة ، وقوله فيها : «فليس يجزئ عنه حتى يحج من ماله» بمنزلة قوله في الرواية الثانية : «فليس له ذلك» وان كانت العبارة الثانية واضح في الدلالة على ما ذكرناه ، فكأنه أريد بمعنى «فليس يجزئ عنه» اي ليس يجوز له ذلك ، وباب التجوز في الكلام واسع. ويعضد ذلك ما تقدم (٢) في صحيحة معاوية بن عمار : «يحج عنه صورة لا مال له». ومثلها صحيحة أخرى له (٣).

وبذلك يظهر ان ما ذكره في المدارك ـ من انه انما يتم ذلك لو ورد النهي نطقا أو التزاما عن النيابة في الصورة المذكورة ـ ليس في محله ، فإن النهي ظاهر بالتقريب الذي ذكرناه وليس النهي مخصوصا ب «لا وليس» ونحوهما ، بل قول الشارع : «لا يجوز» أصرح في الدلالة.

بقي الكلام في قوله عليه‌السلام في آخر رواية سعد بن ابي خلف : «وهي تجزئ عن الميت ان كان للصرورة مال وان لم يكن له مال» وقوله في الثانية : «وهو يجزئ عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال» فإنه ربما أوهم تعلقه بأصل السؤال ، بان يكون حاصل المعنى : انه لا تجوز له النيابة إذا كان له مال

__________________

(١) اللفظ : «حتى يحج من ماله».

(٢) ص ٢٤١.

(٣) الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه.


حتى يحج حجة الإسلام ، لكن لو حج عن الميت أجزأ عن الميت وان أثم بتركه الحج عن نفسه. وفيه انه متى كان صدر الحديث دالا على انه لا تجوز النيابة في الصورة المذكورة ، فكيف يحكم بالجواز بعد ذلك؟ وهل هو إلا تناقض ظاهر وتدافع؟ إذ مقتضى عدم الجواز هو البطلان لو وقع لا الصحة.

وبعض مشايخنا المحدثين ـ بعد ذكر صحيحة سعد والكلام فيها ـ أجاب عن قوله في هذه الزيادة في آخر الرواية بتأويلين : الأول ـ ان الضمير يرجع الى الجزء الأول من الحديث دفعا لنوهم الراوي أن نيابة الصرورة غير جائزة ، والضميرين المجرورين في آخر الحديث الى الميت ، يعني سواء كان على الميت حج واجب أو لم يكن وحج عنه ندبا. الثاني ـ ان المراد دفع توهم من توهم انه إذا لم يكن على أحدهما حجة الإسلام فليس لهما ثواب حجة الإسلام ، فدفع هذا التوهم بان كليهما مثابان ثواب حجة الإسلام ، فإن استطاع النائب بعد وحج حجة الإسلام كتب الله له ثواب حجة الإسلام ثانيا. وثواب الاولى تفضلى والثانية استحقاقي ، كما دل على مضمونه الأحاديث الصحيحة. انتهى. ولا يخفى ما فيه.

والذي يقرب عندي ان هذه الجملة الأخيرة غير متعلقة بالكلام المتقدم لما عرفت من المناقضة ، بل هي مبنية على مقدمة مطوية في البين مفهومة من سياق الكلام المتقدم ، وهي انه لما منع في صدر الخبر جواز النيابة متى كان صرورة ذا مال جوز له النيابة بعد الحج من ماله سواء كان ذا مال أو لم يكن ، فإنه لما قال في الرواية الثانية ـ : «فإن كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله» الدال على عدم جواز النيابة حتى يحج أولا من ماله ـ قال : «وهو يجزئ عن الميت» يعني متى حج من ماله سواء كان له مال يومئذ أو لم يكن ، فإن الأجزاء حاصل على كلا الوجهين. وبعين ذلك نقول في صحيحة سعد. ولا ينافي ذلك التعبير بالصرورة فيها فإنه تجوز باعتبار ما كان عليه. وهذا التقدير في


مقام الجمع غير بعيد بل شائع في الأخبار ، وليس هو إلا من تقييد المطلق وتخصيص العام ، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.

الثالث ـ المقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا بد من تعيين المنوب عنه قصدا في موضع يفتقر إلى النية ، لتوقف حقيقة النيابة على ذلك ولا يجب التلفظ باللسان ، لخروجه عن معنى النية وان أعتقده الجهال نية.

ويدل على ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن البزنطي (١) قال : «سأل رجل أبا الحسن الأول عليه‌السلام عن الرجل يحج عن الرجل ، يسميه باسمه؟ قال : الله (عزوجل) لا تخفى عليه خافية».

وما رواه الصدوق والشيخ عن مثنى بن عبد السلام في القوى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في الرجل يحج عن الإنسان ، يذكره في جميع المواطن كلها؟ قال : ان شاء فعل وان شاء لم يفعل ، الله يعلم انه قد حج عنه ، ولكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها».

وقد ورد ايضا ما يدل على استحباب ذكره في المواطن ، لما رواه الكليني والشيخ عنه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «قلت له : ما الذي يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال : يسميه في المواطن والمواقف».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن الرجل يقضي ـ عن أخيه أو عن أبيه أو رجل من الناس ـ الحج ، هل

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ١٦ من النيابة في الحج.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٨ ، وفيه هكذا : «يقول عند إحرامه بعد ما يحرم» وفي الوسائل الباب ١٦ من النيابة في الحج.


ينبغي له ان يتكلم بشي‌ء؟ قال : نعم يقول بعد ما يحرم : اللهم ما أصابني في سفري هذا من نصب أو شدة أو بلاء أو شعث فأجرني فلانا فيه وأجرني في قضائي عنه».

وروى في الصحيح أو الحسن على المشهور عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «قيل له : أرأيت الذي يقضي عن أبيه أو امه أو أخيه أو غيرهم ، أيتكلم بشي‌ء؟ قال : نعم يقول عند إحرامه : اللهم ما أصابني من نصب أو شعث أو شدة فأجر فلانا فيه وأجرني في قضائي عنه».

الرابع ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) جواز حج المرأة عن الرجل وعن المرأة ، صرورة كانت أو قد حجت. ونقل عن الشيخ في الاستبصار المنع من نيابة المرأة الصرورة عن الرجل. وفي النهاية أطلق المنع من نيابة المرأة الصرورة ، وهو ظاهر اختياره في التهذيب.

يدل على المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن رفاعة عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) انه قال : «تحج المرأة عن أختها وعن أخيها. وقال : تحج المرأة عن أبيها».

قال في الوافي بعد ان نقل الحديث بلفظ : «ابنها» بالنون بعد الباء عن الكافي والتهذيب : ونقل عن التهذيبين انه فيهما بالمثناة التحتانية بعد الباء.

وفي الحسن عن معاوية بن عمار (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحج عن المرأة والمرأة تحج عن الرجل؟ قال : لا بأس».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٦ من النيابة في الحج. والرواية للكليني في الكافي ج ٤ ص ٣١١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من النيابة في الحج.


وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن أبي أيوب (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجة وقد حجت المرأة فقالت : ان صلح حججت انا عن أخي وكنت أنا أحق بها من غيري؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بأس ان تحج عن أخيها ، وان كان لها مال فلتحج من مالها فإنه أعظم لأجرها».

وما رواه الصدوق عن بشير النبال (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان والدتي توفيت ولم تحج؟ قال : يحج عنها رجل أو امرأة. قال : قلت : أيهما أحب إليك؟ قال : رجل أحب الي».

احتج الشيخ على ما نقلوه عنه

بما رواه زيد الشحام عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «سمعته يقول : يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ولا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة».

وما رواه عن مصادف (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : أتحج المرأة عن الرجل؟ قال : نعم إذا كانت فقيهة مسلمة وكانت قد حجت ، رب امرأة خير من رجل».

وأجاب عنهما في المدارك أولا ـ بالطعن في السند. وثانيا ـ بالحمل على الكراهة واستدل على ذلك برواية سليمان بن جعفر (٥) قال : «سألت الرضا عليه‌السلام عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة؟ قال : لا ينبغي». قال : ولفظ «لا ينبغي» صريح في الكراهة. انتهى.

أقول : ورواية مصادف هذه قد روى مثلها الكليني أيضا بسنده فيه

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ٨ من النيابة في الحج.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ٩ من النيابة في الحج.


عن مصادف عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في المرأة تحج عن الرجل الصرورة؟ فقال : ان كانت قد حجت وكانت مسلمة فقيهة ، فرب امرأة أفقه من رجل».

ومن الاخبار المؤيدة لما ذكره الشيخ ايضا ما رواه في التهذيب في الموثق عن عبيد بن زرارة (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه ، هل تجزئ عنه امرأة؟ قال : لا ، كيف تجزئ امرأة وشهادته شهادتان؟ قال : إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة والرجل عن الرجل وقال : لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة».

أقول : ومرجع كلام الشيخ الى حمل إطلاق الاخبار المتقدمة على هذه الاخبار المتأخرة ، وهو ان المرأة إنما تنوب عن غيرها إذا كانت قد حجت ، سيما إذا كانت فقيهة عارفة. ولا يخفى انه هو الأوفق بقواعد الجمع بين الاخبار ولكن أصحاب هذا الاصطلاح المحدث ـ حيث انهم يطرحون الأخبار الضعيفة في المقام إذا لم تبد لهم الحاجة إليها ـ كان الأوفق باصطلاحهم ما ذكروه ، ومن يحكم بصحة الأخبار كلا فالوجه عنده ما ذهب اليه الشيخ ، ولهذا ان ظاهر المحدث الكاشاني في الوافي الميل الى ما ذكره الشيخ (قدس‌سره).

واما قوله في المدارك ـ : ولفظ : «لا ينبغي» صريح في الكراهة ـ فهو مسلم بالنسبة إلى عرف الناس الآن ، واما استعمال هذا اللفظ في الاخبار بمعنى التحريم فأكثر من ان يحصى. وقد نبهنا في ما سبق على ان هذا اللفظ بالنسبة إلى وروده في الاخبار من الألفاظ المتشابهة ، لوروده فيها بالمعنى العرفي تارة وبمعنى التحريم اخرى. ومثله لفظ : «ينبغي» في الوجوب أو بمعنى الاولى

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ٩ من النيابة في الحج.


وظاهر موثقة عبيد بن زرارة هو استعمال لفظ : «ينبغي» فيها في الوجوب ، فإنه منع أولا من اجزاء حج المرأة عن الرجل الصرورة ، ثم قال : «إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة. الى آخره» فان ما تقدم قرينة على ذلك.

وكيف كان فما ذكره الشيخ هو الأوفق بالاحتياط ، ولا سيما في باب الحج الذي قد عثرت فيه اقدام جملة من صرورة العلماء فضلا عن غيرهم ، فالواجب تقييد نيابة المرأة بكونها قد حجت أولا ، سيما مع كونها فقيهة عارفة. والله العالم.

مسائل

الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان من استؤجر ومات في الطريق ، فإن أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عن من حج عنه واستحق الأجرة كملا ، ولو مات قبل ذلك ولو بعد الإحرام لم يجزئ عند الأكثر ، قالوا : ويجب على الأجير إعادة ما قابل المتخلف من الطريق ذاهبا وآئبا.

وهذا الكلام ينحل إلى المسألتين يجب تحقيق كل منهما على حدة :

الاولى ـ ان النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم فقد أجزأت حجته عن من حج عنه بلا خلاف.

وانما الخلاف في ما إذا مات بعد الإحرام وقبل دخول الحرم ، فذهب الشيخ في الخلاف وابن إدريس الى ان حكمه كالأول من غير فرق. ولم نقف لهم على دليل ، كما تقدمت الإشارة الى ذلك في المسألة الأولى من المسائل الملحقة بالشروط (١).

واما ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فاحتج عليه في المدارك بالإجماع ، وبرواية بريد ورواية ضريس المتقدمتين (٢) في المسألة المشار إليها. ثم قال :

__________________

(١) ص ١٥١.

(٢) ص ١٤٩ و ١٥٠.


لا يقال : ان الروايتين مختصتان بمن حج عن نفسه فلا يتناولان حج النائب ، لأنه إذا ثبت ذلك في حق الحاج ثبت في نائبه ، لأن فعله كفعل المنوب عنه. انتهى.

ولا يخفى ما فيه من الوهن ، وهل هو إلا مجرد مصادرة؟ مع انه لا يخرج عن القياس.

ويأتي على مقتضى كلامه هنا ـ من انه يجب ان يكون فعله كفعله ـ ان الحاج متى استطاع في بلده ووجب عليه الحج من بلده ، فإذا مات يجب ان يحج عنه النائب من البلد لان فعله كفعله. وهو لا يقول به بل يوجب الاستئجار من الميقات.

وبالجملة فكلامه هنا في البطلان أوضح من ان يحتاج الى البيان. والظاهر ان الحامل له على ذلك هو عدم وجود نص صحيح صريح في هذه المسألة كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ، فالتجأ الى ما ذكره.

ثم قال بعد الكلام المتقدم : ويدل على حكم النائب صريحا الإجماع المنقول ، وما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل ان يحج؟ قال : ان مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضي مناسكه فإنه يجزئ عن الأول». قال : وهي مخصوصة بما إذا حصل الموت بعد الإحرام ودخول الحرم لعدم ثبوت الاكتفاء بما دون ذلك. انتهى.

أقول : لا يخفى انه لا دليل في هذه المسألة سوى الإجماع ، لأن الرواية (أولا) من قسم الموثق الذي عادته ـ كما عرفت ـ جعله في قسم الضعيف. و (ثانيا) ما في دلالتها من عدم الوضوح في ما ادعاه ، ولهذا أردفها بما ذكره من انها مخصوصة بما إذا حصل الموت بعد الإحرام ودخول الحرم. وهذا المعنى

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من النيابة في الحج. واللفظ هكذا : «فيموت قبل ان يحج ثم اعطى الدراهم غيره؟ فقال».


انما استفيد هنا من الإجماع ، إذ لا دليل من الاخبار غير هذه الرواية ، لما عرفت من عدم دلالة صحيحتي بريد وضريس المتقدمتين.

مع ان ما تضمنته هذه الرواية من الاكتفاء بالموت في الطريق مطلقا معتضد بجملة من الاخبار الواردة في هذا المضمار :

ومنها ـ ما رواه في الكافي عن الحسين بن عثمان عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في رجل اعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرجل حدث؟ فقال : ان كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول وإلا فلا».

وما رواه في التهذيب عن ابن أبي حمزة والحسين بن يحيى عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «في رجل اعطى رجلا مالا يحج عنه فمات؟ قال : ان مات في منزله قبل ان يخرج فلا يجزئ عنه ، وان مات في الطريق فقد أجزأ عنه».

والشيخ (رحمه‌الله) قد حمل موثقة إسحاق بن عمار ورواية الحسين بن عثمان على من اصابه حدث بعد دخول الحرم. وهذا المعنى وان أمكن في موثقة إسحاق بن عمار إلا انه بعيد في رواية الحسين المذكورة ، وأبعد منه في الرواية التي بعدها ، لمقابلة الموت في الطريق الموجب للاجزاء بالموت في المنزل الموجب لعدم الاجزاء.

ومن روايات المسألة ما رواه في التهذيب مرفوعا عن عمار الساباطي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) : «في رجل حج عن آخر ومات في الطريق؟

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٥ من النيابة في الحج.

(٣) الوسائل الباب ١٥ و ٣٥ من النيابة في الحج.


قال : قد وقع اجره على الله ، ولكن يوصي ، فإن قدر على رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل».

أقول : والذي يقرب عندي في الجمع بين هذه الأخبار هو انه متى مات الأجير بعد الإحرام ودخول الحرم فلا اشكال ، ولو مات في الطريق قبل الإحرام فإن أمكن استعادة الأجرة وجب الاستئجار بها ثانيا ، والى ذلك تشير رواية عمار المذكورة ، وان لم يمكن فإنها تجزئ عن الميت ، وعليه يحمل الاجزاء بالموت في الطريق في الأخبار المتقدمة.

وهذا الوجه الأخير وان لم يوافق قواعد الأصحاب إلا انه مدلول جملة من الأخبار :

مثل ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن بعض رجاله عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في رجل أخذ من رجل مالا ولم يحج عنه ومات ولم يخلف شيئا؟ قال : ان كان حج الأجير أخذت حجته ودفعت الى صاحب المال ، وان لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج». ورواه في الفقيه (٢) مرسلا مقطوعا.

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا؟ فقال : أجزأت عن الميت ، وان كان له عند الله حجة أثبتت لصاحبه».

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢٣ من النيابة في الحج.

(٢) ج ٢ ص ١٤٤ ، وفي الوافي باب (من يحج عن غيره فيخالف الشرط أو اجترح شيئا أو مات) ولم ينقله في الوسائل ، ولعله لظهوره في كونه من كلام الصدوق (قدس‌سره).


وروى في التهذيب (١) عن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل أخذ دراهم رجل ليحج عنه فأنفقها فلما حضر أوان الحج لم يقدر الرجل على شي‌ء؟ قال : يحتال ويحج عن صاحبه كما ضمن. سئل : ان لم يقدر؟ قال : ان كانت له عند الله حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة».

وظاهر إطلاق هذه الاخبار ان الحج فيها أعم من ان يكون حج الإسلام أو غيره ، للميت مال بحيث يمكن الاستئجار عنه مرة أخرى أم لا.

ولعل الوجه فيه هو انه لما اوصى الميت بما في ذمته من الحج انتقل الخطاب إلى الوصي ، والوصي لما نفذ الوصية واستأجر فقد قضى ما عليه وبقي الخطاب على المستأجر ، وحيث انه لا مال له سقط الاستئجار مرة أخرى.

بقي انه مع التفريط فان كان له حجة عند الله (تعالى) نقلها الى صاحب الدراهم وإلا تفضل الله (تعالى) عليه بكرمه وكتب له ثواب الحج بما بذله من ماله والنية تقوم مقام العمل.

ومن ما يعضد ذلك ما رواه في التهذيب ـ وفي الفقيه مرسلا ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في رجل أعطاه رجل مالا يحج عنه فحج عن نفسه؟ فقال : هي عن صاحب المال».

ورواه في الكافي عن محمد بن يحيى مرفوعا (٣) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام. الحديث».

ولعل الوجه فيه ما عرفت في الأخبار الأولة من ان من أخذ مالا ليحج به

__________________

(١) ج ٥ ص ٤٦١ ، وفي الوسائل الباب ٢٣ من النيابة في الحج.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٦١ ، وفي الوسائل الباب ٢٢ من النيابة في الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من النيابة في الحج.


عن غيره وفرط فيه ، فإنه متى كانت له عند الله حجة جعلها لصاحب المال ، وهذا من جملة ذلك ، فان هذا الحج الذي حج به عن نفسه ولم يكن له مال يحج به مرة أخرى عن المنوب عنه يكتبه الله (تعالى) لصاحب المال.

ولم أقف على من تعرض للكلام في هذه الاخبار من أصحابنا ، بل ظاهرهم ردها لمخالفتها لمقتضى قواعدهم ، وهو مشكل مع كثرتها وصراحتها ، فالظاهر ان الوجه فيها هو ما ذكرناه.

قال السيد السند في المدارك : ومتى مات الأجير قبل إكمال العمل المستأجر عليه أو ما يقوم مقامه بطلت الإجارة ان كان المطلوب عمل الأجير بنفسه ـ كما هو المتعارف في أجير الحج والصلاة ـ ورجع الحال الى ما كان عليه ، فان كانت الحجة عن ميت تعلق بماله وكلف بها وصيه أو الحاكم أو بعض ثقات المؤمنين ، وان كانت عن حي عاجز تعلق الوجوب به. ولو كانت الإجارة مطلقة بأن كان المطلوب تحصيل العمل المستأجر عليه بنفسه أو بغيره لم تبطل بالموت ووجب على وصيه ان يستأجر من ماله من يحج عن المستأجر من موضع الموت خاصة ، إلا ان يكون بعد الإحرام فيجب من الميقات. انتهى.

أقول : وهو جيد على قواعدهم التي بنوا عليها ، ولكن ظاهر الأخبار المتقدمة ـ كما عرفت ـ يدفعه ، واطراحها مع كثرتها وصراحتها ـ من غير معارض ظاهر سوى هذه القواعد التي بنوا عليها ـ مشكل. وهذا من قبيل ما قدمنا لك قريبا من انهم يبنون على أصول مسلمة بينهم ويردون الأخبار في مقابلتها ، والواجب هو العمل بالاخبار وتخصيص تلك القواعد بها لو ثبتت بالنصوص.

وسيأتي قريبا ـ ان شاء الله تعالى ـ ما يؤيد ذلك في مسألة من استؤجر على حج الافراد أو القران فعدل الى التمتع ، أو استؤجر على طريق فعدل إلى أخرى فإن القول بصحة الفعل مع هذه المخالفة وورود الاخبار بذلك دليل على ما ذكرناه


من ان الواجب هو العمل بالدليل لا بتلك القواعد.

وما ذكره ـ من توجه الخطاب في الصورة المفروضة إلى الوصي وهو قد نفذ الوصية أولا ـ يحتاج الى دليل.

قولكم : ـ ان التنفيذ المبرئ للذمة مراعى بإتيان الأجير بالعمل فلو لم يأت به لم يخرج الوصي عن عهدة الخطاب.

قلنا : هذه الاخبار قد دلت على انه في هذه الصورة يكتب الله حجة الأجير ان حج سابقا لصاحب المال ، وان لم يكن له حج فان الله (عزوجل) بسعة فضله يكتب له ثواب الحج ، وحينئذ فإذا دلت الاخبار على براءة ذمة الميت الأول ـ وان ثواب الحج يكتب له وانه قد سقط الخطاب عنه ـ فلما ذا يجب تكليف الوصي بالاستئجار ثانيا؟

وبالجملة فإن كلامهم مبني اما على عدم الاطلاع على هذه الاخبار أو على طرحها ، والأول عذر ظاهر لهم ، والثاني مشكل لما عرفت.

وكيف كان فان تكليف الوصي والورثة بعد تنفيذ ما اوصى به الميت يحتاج الى دليل ، وليس فليس.

المسألة الثانية ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن النائب إذا مات قبل الإحرام ودخول الحرم وجب ان يعاد من الأجرة ما قابل المتخلف من الطريق ذاهبا وعائدا. وقد صرح العلامة وغيره بان النائب إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم استحق جميع الأجرة ، لأنه فعل ما أبرأ ذمة المنوب عنه فكان كما لو أكمل الحج.

قال في المدارك بعد نقل ذلك : وكلا الحكمين يحتاج الى التقييد ، اما الثاني فلأنه إنما يتم إذا تعلق الاستئجار بالحج المبرئ للذمة ، اما لو تعلق بالأفعال المخصوصة لم يتوجه استحقاقه لجميع الأجرة وان كان ما اتى به مبرئا للذمة ، لعدم


الإتيان بالفعل المستأجر عليه. واما الأول فلأنه انما يستقيم إذا تعلق الاستئجار بمجموع الحج مع الذهاب والإياب ، وهو غير متعين ، لأن الحج اسم للمناسك المخصوصة والذهاب والعود خارجان عن حقيقته وان كان الإتيان به متوقفا على الذهاب ، لكن يجوز الاستئجار عليهما وعلى أحدهما لأنهما عملان محللان مقصودان. انتهى.

أقول : لا ريب ان المسألة هنا عارية عن النصوص والأصحاب انما بنوا الكلام فيها على قواعد الإجارة ، فلهذا استدرك عليهم السيد إطلاقهم في المسألتين المذكورتين بما ذكره ، وقبله جده في المسالك. وهو حق بناء على القواعد المذكورة. إلا انك قد عرفت في ما تقدم انه ربما خرجت أحكام لبعض المسائل على خلاف ما تقتضيه تلك القواعد التي يبنون عليها. ولهذا قلنا ان الواجب في كل جزئي جزئي من الأحكام النظر الى الدليل الدال عليه فان وجد وإلا فالتوقف ، والأمر هنا كذلك.

إلا ان ما ذكره (قدس‌سره) من المناقشة الظاهر انه يمكن خدشه :

أما المناقشة الأولى (١) فإن ما ذكره وان كان متجها بالنسبة إلى قواعد الإجارة إلا انهم انما عولوا في هذا الحكم على الإجماع والاتفاق ، وقد عرفت ان أصل المسألة لا دليل عليه من الأخبار وليس إلا الإجماع. وحينئذ فيكون هذا الحكم مستثنى من تلك القواعد بالإجماع المذكور.

قال جده (قدس‌سره) في المسالك ـ بعد ان ذكر ان الطريق لا مدخل لها في الاستئجار للحج ـ ما صورته : وان كان قد أحرم ودخل الحرم فمقتضى الأصل ان لا يستحق إلا بالنسبة ، لكن وردت النصوص باجزاء الحج عن المنوب

__________________

(١) وهو الاشكال على الإطلاق في الحكم الثاني.


وبراءة ذمة الأجير ، واتفق الأصحاب على استحقاقه جميع الأجرة. فهذا الحكم ثبت على خلاف الأصل ، فلا مجال للطعن فيه بعد الاتفاق عليه. انتهى.

واما المناقشة الثانية (١) ففيها أولا ـ ان كلامه مبني على عدم مدخلية الطريق في الحج مطلقا ، وقد عرفت من ما حققناه سابقا والأخبار التي أوردنا ثمة خلاف ذلك.

واما ثانيا ـ فان الظاهر ان الاستئجار على الحج من الآفاق يلاحظ فيه الطريق سواء أدخلها في الإجارة أم لا ، لأنه من الظاهر البين لكل ذي عقل وروية انه لا يستأجر رجل من خراسان بأجرة الحج من الميقات ويتكلف الزاد والراحلة وجميع أسباب الطريق من ماله في هذه المسافة ، هذا لا يكون ابدا. ومجرد كونه يصح الاستئجار من الميقات لا يمكن اعتباره هنا. وبالجملة فالأحكام إنما تبنى على الافراد المتكررة والمتكثرة لا الفروض النادرة.

والأصحاب انما فرضوا المسألة كما ذكروه بناء على ما ذكرناه ، إلا انه ينقدح عليهم الاشكال من وجه آخر ، وهو انهم قد صرحوا بان الواجب في الاستئجار عن من مات مشغول الذمة بالحج انما هو من الميقات ، والحكم الشرعي فيه انما هو ذلك لما عرفت من كلامهم. وحينئذ لا يتجه هذا الكلام في الطريق إلا ان يكون الاستئجار وقع عليها مضافة الى الحج ، وكلامهم أعم من ذلك.

قال في المدارك بعد الكلام المتقدم : وكيف كان فمتى اتى الأجير ببعض ما استؤجر عليه استحق من الأجرة بتلك النسبة إلى المجموع ، وعلى هذا فان تعلق الاستئجار بالحج خاصة لم يستحق الأجير مع موته قبل الإحرام شيئا من الأجرة ، لخروجه عن العمل المستأجر عليه وان كان من مقدماته ، لأن الأجرة انما

__________________

(١) وهو الاشكال على الإطلاق في الحكم الأول.


توزع على اجزاء العمل المستأجر عليه لا على ما يتوقف عليه من الأفعال الخارجة عنه. ولو مات بعد الإحرام استحق بنسبة ما فعل إلى الجملة. ولو تعلق الاستئجار بقطع المسافة ذاهبا وعائدا والحج وزعت الأجرة على الجميع واستحق الأجير مع الإتيان بالبعض بنسبة ما عمل. ولو استؤجر على قطع المسافة ذاهبا والحج وزعت الأجرة عليهما خاصة. وذلك كله واضح موافق للقواعد المقررة. انتهى. وهو ملخص من ما ذكره جده (قدس‌سره) في المسالك.

وفيه انه لا ريب ان مقتضى قواعد الإجارة ذلك ، إلا ان الكلام هنا انما هو في ما ادعوه من عدم مدخلية الطريق في الحج ، بناء على ما ذكروه من ان الحج انما هو عبارة عن المناسك المخصوصة. إلى آخر ما عرفت من كلامهم ، فان النصوص التي قدمناها تدل على مدخليتها ، فالاستئجار وان وقع على الحج خاصة إلا ان الطريق ملحوظة ومراعاة في الإجارة ، ولهذا ان الأجير لا يقبل الإجارة إلا إذا بذل له من الأجرة ما يقوم بمؤنة طريقه ذاهبا وعائدا ، وعلى هذا جرت الناس من زمن الأئمة (عليهم‌السلام) الى يومنا هذا ، وحينئذ فلا بد ان يوزع للطريق بنسبة ما مضى منها مطلقا.

ومن ما يعضد ما ذكرناه هنا رواية عمار المتقدم نقلها (١) من التهذيب في الرجل الذي حج عن آخر ومات في الطريق ، حيث قال عليه‌السلام : «فان قدر على رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل» فان ظاهر الخبر ـ كما ترى ـ ان الاستئجار وقع على الحج من البلد مع انهم يقولون ان الواجب انما هو من الميقات وان ما مضى من مؤنة الطريق كان مستحقا للميت ، فلم يأمر باستعادته منه بناء على ما يقولونه من انه لا يستحق على الطريق اجرة ، والحديث مطلق شامل

__________________

(١) ص ٢٥٦.


بإطلاقه لما لو كان الاستئجار واقعا على الحج مع الطريق أو الحج خاصة

ثم ان كلامهم هنا مبني على ان الطريق مقدمة للحج والمقدمة خارجة عن ذي المقدمة ، وان الأجرة انما توزع على اجزاء العمل المستأجر عليه دون مقدماته التي يتوقف عليها.

وللمناقشة فيه مجال ، فلم لا يجوز ـ باعتبار التوقف عليها وانه لا يمكن الإتيان بالفعل إلا بها ـ ان يجعل لها قسط من الأجرة؟ فنفيه يحتاج الى دليل ، ومقتضى الاستئجار على عمل من الأعمال أن تكون الأجرة في مقابلة ما يأتي به المكلف من الأمور والأفعال التي بها يحصل ذلك الشي‌ء المستأجر عليه ـ دخلت في حقيقة ذلك اللفظ أو لم تدخل ـ إذا كان لا يمكن إلا بها.

ومن ما يعضد ذلك دخول الطريق ذهابا وإيابا في الاستطاعة وانه لا يجب عليه الحج حتى يكون له ما يقوم بمؤنته ذهابا وإيابا زيادة على أفعال الحج ، وان كان الواجب عليه انما هو الحج الذي هو عبارة عن المناسك المخصوصة ، إلا انه لما كان هذا الفعل لا يمكن الوصول اليه إلا بقطع هذه المسافة اعتبر ذلك في الاستطاعة وجعل لها جزء من المال بإزائها ، فمجرد كونها مقدمة لا يمنع من ان يجعل لها جزء من الأجرة بحيث انه مع الموت يوزع عليها وعلى الحج. والله العالم.

تنبيه

قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو صد الأجير استعيد من الأجرة ما قابل المتخلف ذاهبا وآئبا ، وربما ظهر من بعض العبارات كعبارة الشرائع انه لو كان الصد بعد الإحرام ودخول الحرم فإن الأجير يستحق جميع الأجرة كما في الموت ، إلا ان السيد السند في المدارك وقبله جده في المسالك صرحا بعدم قائل بذلك.


قال في المدارك ـ بعد ان صرح بتوزيع الأجرة على ما اتى به من العمل المستأجر عليه وما بقي ـ ما صورته : ولا فرق بين ان يقع الصد قبل الإحرام ودخول الحرم أو بعدهما أو بينهما وان أشعرت العبارة بخلاف ذلك ، لأن عدم الاستعادة مع الموت ـ لو وقع بعد الإحرام ودخول الحرم ـ انما ثبت بدليل من خارج فلا وجه لا لحاق غيره به.

وأطلق المحقق في النافع انه مع الصد قبل الإكمال يستعاد من الأجرة بنسبة المتخلف.

وكيف كان فالظاهر أن الاستعادة انما تثبت إذا كانت الإجارة لسنة معينة بأن تكون مقيدة بتلك السنة ، اما المطلقة فإنها لا تنفسخ بالصد ويجب على الأجير الإتيان بالحج بعد ذلك.

قال في التذكرة : ان كانت الإجارة في الذمة وجب على الأجير الإتيان بها مرة ثانية ، ولم يكن للمستأجر فسخ الإجارة ، وكانت الأجرة بكمالها للأجير. وان كانت معينة فله ان يرجع عليه بالمتخلف. ونسب إطلاق الرجوع بالمتخلف الى الشيخين ، يعني من غير تفصيل بين الإجارة المعينة والمطلقة ، فيرجع عليه مطلقا.

المسألة الثانية ـ مقتضى القواعد المقررة عندهم في باب الإجارة انه متى استؤجر على عمل معين ، أو شرط عليه في ذلك العمل شرط غير مخالف للكتاب والسنة ، فإنه يجب عليه الإتيان بذلك الفعل المعين ولا يجوز له التجاوز الى غيره والإتيان بذلك الشرط ، وإلا للزم بطلان الإجارة في الموضعين.

وقد وقع الخلاف في هذه المسألة في باب الإجارة للحج في موضعين :

أحدهما ـ في جواز العدول الى التمتع لمن شرط عليه الافراد أو القران ، فهل يجوز له العدول في الصورة المذكورة ، ويصح حجه ، ويستحق الأجرة أم لا؟

وينبغي ان يعلم أولا انه لا ريب أن أنواع الحج ثلاثة : تمتع وقران وافراد


ومقتضى قواعد الإجارة انه يعتبر في صحة الإجارة على الحج تعيين النوع الذي يريده المستأجر ، لاختلاف الأنواع المذكورة في الكيفية والأحكام ، وان الأجير متى عين له نوع من هذه الأنواع فلا يكون الآتي بغيره آتيا بما استؤجر عليه.

وينبغي ان يعلم ايضا ان جواز العدول على القول به انما يكون في الموضع الذي يكون المستأجر مخيرا بين الأنواع الثلاثة ، كالمتطوع ، وذي المنزلين المتساويين في الإقامة ، وناذر الحج مطلقا ، لان التمتع لا يجزئ مع تعين الافراد فضلا عن ان يكون أفضل منه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الشيخ (رضوان الله عليه) في جملة من كتبه قد صرح بأنه لو استأجره للتمتع فقرن أو أفرد لم يجزئ عنه ، ولو استأجره للإفراد فتمتع أجزأه. وفي المبسوط : ولو استأجره للقران فتمتع أجزأه.

وقال ابن إدريس : هكذا رواية أصحابنا وفتياهم ، وتحقيق ذلك ان من كان فرضه التمتع فحج عنه قارنا أو مفردا فإنه لا يجزئه ، ومن كان فرضه القران أو الافراد فحج عنه متمتعا فإنه لا يجزئه ، إلا ان يكون المستنيب قد حج حجة الإسلام ، فحينئذ يصح إطلاق القول والعمل بالرواية. ويدل على هذا التحرير قولهم : «لانه يعدل إلى الأفضل» فلو لم يكن المستنيب قد حج حجة الإسلام بحسب حاله وفرضه وتكليفه لما كان التمتع أفضل. الى آخره. وهو يرجع الى ما ذكرناه أولا ، لكنه خص موضع جواز العدول بصورة الاستحباب ، وقد عرفت انه يجزئ في الواجب على أحد الوجهين المتقدمين.

وظاهر صاحب المدارك هنا تضعيف هذا القول واختيار القول بعدم جواز العدول ، قال : لأن الإجارة انما تعلقت بذلك المعين فلا يكون الآتي بغيره آتيا بما استؤجر عليه ، سواء كان أفضل من ما استؤجر عليه أم لا ، قال : ويؤيده ما رواه الشيخ (قدس‌سره) في الحسن عن الحسن بن محبوب عن على ـ والظاهر


انه ابن رئاب (١) ـ في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة؟ قال : ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج ، لا يخالف صاحب الدراهم». ثم نقل رواية أبي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) : «في رجل اعطى رجلا دراهم يحج عنه حجة مفردة ، أيجوز له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : نعم انما خالف الى الفضل». قال : وهي ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف ، وبمضمونها افتى الشيخ وجماعة. انتهى.

أقول : والعجب منه (قدس‌سره) مع تصلبه في هذا الاصطلاح المحدث زيادة على غيره من أرباب هذا الاصطلاح ـ كما لا يخفى على من راجع كلامه وعرف طريقته في الكتاب ـ كيف يغض النظر ويبني على المجازفة متى احتاج الى الرواية الضعيفة.

ولا يخفى على المتأمل بعين الإنصاف ان رواية أبي بصير في هذه المسألة أقوى واثبت من رواية على بن رئاب :

أما أولا ـ فلان في طريق رواية علي الهيثم بن ابي مسروق النهدي ، والمنقول عن النجاشي في وصفه انه قريب الأمر. وعن الكشي عن حمدويه انه قال : لأبي مسروق ابن يقال له الهيثم ، سمعت أصحابي يذكرونهما ، كلاهما فاضلان. وهو قد طعن في مواضع من شرحه في رواية النهدي المذكور ، وكتب في حواشيه على الخلاصة ما صورته : هذا مدح لا يعتد به حتى يدخله في الحسن.

واما ثانيا ـ فلان الرواية مقطوعة غير مسندة الى امام. مع ما في علي

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من النيابة في الحج.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤١٥ و ٤١٦ ، والكافي ج ٤ ص ٣٠٧ ، وفي الوسائل الباب ١٢ من النيابة في الحج.


المروي عنه هذا الحكم من تعدد الاحتمال وان استظهر كونه ابن رئاب إلا انه غير متعين ولا متيقن ، فكيف يعتمدها ويعدها في الحسن مع ما علم من تصلبه في هذا الاصطلاح؟ ما هذه إلا مجازفة ظاهرة.

واما ثالثا ـ فإن رواية على هذه لم يروها إلا الشيخ في التهذيب ، ورواية أبي بصير قد رواها المشايخ الثلاثة بأسانيدهم الصحيحة الى ابي بصير ، وفي رواية الصدوق : «انما خالفه الى الفضل والخير» وهو في إحدى روايتي الشيخ ايضا. ولا يخفى ان تكررها في الأصول من أقوى المرجحات لها. على ان عد حديث ابي بصير ب «يحيى بن القاسم» في الضعيف ـ كما هو المشهور بينهم ـ محل بحث ليس هذا محله ، والمستفاد من تتبع الاخبار جلالة الرجل المذكور عند الأئمة (عليهم‌السلام) ولهذا ان الفاضل الخراساني يعد حديثه في الصحيح حيثما ذكره.

وبالجملة فإن الظاهر هو العمل برواية أبي بصير ، وحمل خبر علي ـ على ما ذكره الشيخ بعد طعنه فيه أولا بالقطع ـ على ما إذا كان المعطى من سكان الحرم. وجوز في الاستبصار حمله على التخيير ايضا. ويرده قوله عليه‌السلام : «ليس له» ومقتضى التعليل في الرواية المذكورة وقوله : «انما خالفه الى الفضل» اختصاص الحكم بما إذا كان المستأجر مخيرا بين الأنواع ، كما قدمنا ذكره.

قال في المدارك : ومتى جاز العدول استحق الأجير تمام الأجرة ، ومع عدمه يقع الفعل عن المنوب عنه ولا يستحق الأجير شيئا. وقد صرح بذلك جماعة : منهم ـ المصنف في المعتبر فقال : والذي يناسب مذهبنا ان المستأجر إذا لم يعلم منه التخيير وعلم منه ارادة التعيين يكون الأجير متبرعا بفعل ذلك النوع ويكون للمنوب عنه بنية النائب ولا يستحق اجرا ، كما لو عمل في ماله عملا بغير إذنه. اما في الحال التي يعلم ان قصد المستأجر تحصيل الأجر لا حجا معينا فإنه يستحق الأجر ، لأنه معلوم من قصده فكان كالمنطوق. انتهى.


أقول : الاستدلال بكلام المحقق في المعتبر على ما ذكره لا يخلو من نظر ، لان الظاهر من صدر العبارة ان استحقاق الأجرة وعدمه يدور مدار جواز العدول وعدمه ، فعلى تقدير القول بالجواز ـ كما هو أحد القولين في المسألة ـ يستحق الأجير الأجرة كملا ، وعلى تقدير القول الثاني وهو عدم الجواز ـ بناء على العمل برواية على وطرح رواية أبي بصير ـ فإنه لا يستحق شيئا لعدم الإتيان بما استؤجر عليه. والظاهر من كلام المحقق في المعتبر هو حمل رواية أبي بصير على ما إذا علم ان قصد المستأجر انما هو تحصيل الأجر لا حجا معينا وتخصيص إطلاقها بهذا الفرد. وهذا أمر آخر غير محل الخلاف في المسألة الذي بنى عليه استحقاق الأجرة وعدمه. نعم ظاهر كلامه انه في صورة ما إذا علم من حال المستأجر التعيين وعدم التخيير ، فان هذه الصورة تكون ملحقة بالقول بعدم جواز العدول في التبرع بالحج الذي أوقعه وعدم استحقاقه الأجرة.

وكيف كان فما ذكره في المعتبر من تخصيص الرواية المذكورة بالصورة التي ذكرها محل نظر بل الظاهر منها الإطلاق ، بل هي بالدلالة على الفرد الذي ذكره أولا أشبه ، فإنه لا يخفى ان الظاهر من تعيين حج الإفراد للنائب كما تضمنته الرواية هو ارادة التعيين لذلك الفرد وعدم التخيير ، مع انه عليه‌السلام حكم بالاجزاء وعلله بأنه انما خالفه الى ما فيه الفضل وزيادة الثواب له.

والحمل على المعنى الثاني ـ وهو تخصيص الاجزاء بصورة ما إذا علم ان قصد المستأجر تحصيل الأجر لا حجا معينا ـ لا دليل عليه ولا اشارة اليه في الرواية المذكورة. والظاهر ان الحامل لهم على حمل الرواية على ما ذكروه هو تطبيقها على قواعد الإجارة. وقد عرفت ما فيه. والظاهر هو العمل بالخبر على إطلاقه. والله العالم.

وثانيهما ـ ما لو شرط عليه الحج على طريق مخصوص ، فهل يجوز له المخالفة أم لا؟ أقوال : أحدها ـ جواز العدول مطلقا ، وهو المنقول عن الشيخ والمفيد


في المقنعة ، وهو ظاهر الصدوق في من لا يحضره الفقيه ، والعلامة في الإرشاد وثانيهما ـ انه لا يجوز له العدول مع تعلق الغرض بتلك الطريق المعينة. وهو اختيار المحقق في الشرائع ، بل الظاهر انه المشهور بين المتأخرين. وثالثها ـ انه لا يجوز العدول إلا مع العلم بانتفاء الغرض.

قال في المدارك بعد نقل القول الأول عن الشيخ في جملة من كتبه والمفيد في المقنعة : والأصح ما ذهب اليه المصنف من عدم جواز العدول مع تعلق الغرض بذلك الطريق المعين ، بل الأظهر عدم جواز العدول إلا مع العلم بانتفاء الغرض في ذلك الطريق وانه هو وغيره سواء عند المستأجر ، ومع ذلك فالأولى وجوب الوفاء بالشرط مطلقا.

استدل الشيخ على ما ذهب اليه بما رواه في الصحيح عن حريز بن عبد الله (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ قال : لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه».

وروى الصدوق هذه الرواية في الصحيح عن الحسن بن محبوب عن علي ابن رئاب عن حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢). الحديث وفيه : «لا بأس إذا قضى جميع مناسكه فقد تم حجه».

والرواية ـ كما ترى ـ صحيحة ظاهرة بل صريحة في ما ادعاه ، ولا معارض لها في الباب إلا مخالفة قواعد الإجارة ، فلهذا اضطربوا في الجواب عنها.

قال في المدارك بعد نقلها دليلا للشيخ : وهي لا تدل صريحا على جواز المخالفة ، لاحتمال ان يكون قوله : «من الكوفة» صفة ل «رجل» لا صلة

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من النيابة في الحج. وليست في النسخ جملة «فقد تم حجه».

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٦١ ، وفي الوسائل الباب ١١ من النيابة في الحج.


ل «يحج». ولا يخفى ما فيه من التعسف والبعد الذي لا يخفى على المنصف.

وقال في الذخيرة : والرواية غير مصرحة بالدلالة على مدعاه ، لجواز ان يكون قوله : «من الكوفة» متعلقا بقوله : «اعطى» لا بقوله : «يحج عنه». وهو أشد تعسفا وبعدا. وبذلك اعترف قائله فقال على اثر كلامه المذكور : لكن الأظهر تعلقه به. ثم نقل احتمال صاحب المدارك واعترف بأنه بعيد.

وقال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد نقله : ثم ان الحديث محمول على عدم تعلق غرض المعطي بخصوص الطريق وان التعيين وقع عن مجرد اتفاق. وهو راجع الى ما ذكره المحقق من ما تقدم نقله عنه. ثم زاد احتمالا آخر وهو كون المدفوع اليه على وجه الرزق لا الإجارة.

أقول : حمل الرواية على الوجه الأول الذي ذكره في المنتقى غير بعيد ، وبه تنطبق على قواعد الإجارة والعمل بها على ظاهرها كما هو ظاهر المشايخ المتقدم ذكرهم. واستثناء هذا الحكم من قواعد الإجارة أيضا ممكن لا بعد فيه

وقال في المدارك : وقد قطع المصنف وغيره بصحة الحج مع المخالفة وان تعلق الغرض بالطريق المعين ، لانه بعض العمل المستأجر عليه وقد امتثل بفعله. ويشكل بأن المستأجر عليه الحج المخصوص وهو الواقع عقيب قطع المسافة المعينة ولم يحصل الإتيان به. نعم لو تعلق الاستئجار بمجموع الأمرين من غير ارتباط لأحدهما بالآخر اتجه ما ذكروه. انتهى.

المسألة الثالثة ـ قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه إذا استؤجر لحجة لم يجز له ان يؤجر نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى.

وفصل آخرون بأنه إذا استؤجر الأجير للحج عن غيره فاما ان يعين له السنة أم لا ، فمع التعيين لا يصح له ان يؤجر نفسه للحج عن آخر في تلك


السنة قطعا ، لاستحقاق الأول منافعه في تلك السنة لأجل الحج فلا يجوز صرفها الى غيره. ويجوز ان يستأجر لسنة اخرى غيرها ، لعدم المنافاة بين الاجارتين لكن يعتبر في صحة الإجارة الثانية إذا تعلقت بسنة متأخرة عن السنة الأولى كون الحج غير واجب فوري أو تعذر التعجيل.

والذي وقفت عليه من ما يدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه في الصحيح عن محمد بن إسماعيل (١) قال : «أمرت رجلا يسأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يأخذ من رجل حجة فلا تكفيه ، إله أن يأخذ من رجل اخرى ويتسع بها وتجزئ عنهما جميعا ، أو يتركهما جميعا ان لم تكفه إحداهما؟ فذكر انه قال : أحب الي ان تكون خالصة لواحد فان كانت لا تكفيه فلا يأخذها».

وان كانت الإجارة الأولى مطلقة فقد أطلق جمع : منهم ـ الشيخ (قدس‌سره) المنع من استئجاره ثانيا ، بل الظاهر انه هو المشهور بناء على القول باقتضاء الإطلاق التعجيل.

قال في المدارك : وان كانت الإجارة الأولى مطلقة فقد أطلق الشيخ المنع من استئجاره ثانيا ، واحتمل المصنف الجواز ان كان الاستئجار لسنة غير الاولى. وهو حسن ، بل يحتمل قويا جواز الاستئجار للسنة الأولى إذا كانت الإجارة الأولى موسعة ، اما مع تنصيص المؤجر على ذلك أو على القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجيل. ونقل عن شيخنا الشهيد (قدس‌سره) في بعض تحقيقاته أنه

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٠٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٧١ و ٢٧٢ ، وفي الوسائل الباب ١٩ من النيابة في الحج. والمصدران يختلفان في اللفظ بعض الاختلاف وفي الكافي «أو يشركهما» بدل «أو يتركهما».


حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل ، فتجب المبادرة بالعمل بحسب الإمكان. ومستنده غير واضح. نعم لو كان المستأجر عليه حج الإسلام أو صرح المستأجر بإرادة الفورية ووقعت الإجارة على هذا الوجه اتجه ما ذكره. انتهى.

أقول : نسبة إطلاق المنع الى الشيخ وحده مع ان ظاهر الأصحاب ذلك لا يخلو من نظر.

قال العلامة في المنتهى ـ بعد ان نقل عن الشيخ انه إذا أخذ الأجير حجة عن غيره لم يكن له ان يأخذ حجة أخرى حتى يقضي التي أخذها ـ ما هذا لفظه : ونحن نقول : ان استأجره الأول لسنة معينة لم يكن له ان يؤجر نفسه لغيره تلك السنة بعينها ، وان استأجره الأول مطلقا ، فإن استأجره الثاني للسنة الأولى ففي صحة الإجارة نظر أقربه عدم الجواز ، لانه وان كانت الإجارة الأولى غير معينة بزمان لكن يجب إتيانها في السنة الاولى ، فلا يجوز حينئذ صرف العمل فيها الى غيره ، وان استأجره للثانية أو مطلقا جاز. انتهى. وهو ظاهر في اختياره اقتضاء الإطلاق التعجيل.

وقال في الإرشاد في هذا البحث : والإطلاق يقتضي التعجيل. وفي الشرائع في هذا المقام أيضا : فإن أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل. وعلى هذا النحو عبارات جملة منهم ، واليه يشير قول المحقق هنا : «ان كان الاستئجار لسنة غير الأولى» فإنه مثل عبارة المنتهى المذكورة.

والعجب من السيد السند انه استحسن ذلك مع ان آخر كلامه ينادي بأنه يتم ذلك في حجة الإسلام من حيث اشتراط الفورية فيها أو صرح المستأجر بإرادة الفورية وإلا فلا.

وأنت خبير بان ما بنوا عليه المسألة هنا من اقتضاء الإطلاق للتعجيل غير واضح المستند.


وقد احتج المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد على صحة هذه الدعوى بان الحج فوري ، وان مطلق الإجارة يقتضي اتصال زمان مدة يستأجر له بزمان العقد ، وهذا يقتضي عدم التأخير عن العام الأول. ثم قال : ولعله لا خلاف فيه ، انتهى.

ولا يخفى عليك ان دليله الأول مدخول بمنع فورية الحج بجميع أفراده إذ المندوب والمنذور مطلقا لا فورية فيهما. ومع تسليم ذلك فان الاستئجار هنا عن حج الإسلام ، والأخبار الدالة على الفورية انما دلت بالنسبة الى من وجب عليه الحج ـ فإنه تجب عليه المبادرة به ولا يجوز له التأخير ـ لا بالنسبة إلى نائبه ، وفوريتها على الأول لا تستلزم الفورية على الثاني كما لا يخفى. ودليله الثاني مجرد مصادرة على المطلوب. ودعوى ذلك في مطلق الإجارة لم يقم عليه برهان كما ذكره السيد السند (قدس‌سره) وقد رد بذلك القول المنقول عن الشهيد ، ومثله جده في المسالك. وحينئذ فلم يبق إلا ما يشير اليه آخر كلامه من دعوى الإجماع ، والاعتماد عليه في أمثال هذه المقامات لا يخلو عن مجازفة.

وقال الشهيد في الدروس : ولو أطلق اقتضى التعجيل ، فلو خالف الأجير فلا اجرة له ، ولو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في المطلقة في وجه قوي ، ولو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة.

وظاهر هذا الكلام لا يخلو من تدافع ، لان ظاهر صدر الكلام انه على تقدير اقتضاء الإطلاق التعجيل ، فلو أخر الأجير عن السنة الأولى الى الثانية اختيارا ثم حج في الثانية ، فإنه وان صح حجه وأجزأ عن المنوب ـ كما صرح به الأصحاب ـ واثم بالتأخير فإنه لا يستحق اجرة ، مع ان آخر كلامه ـ باعتبار حكمه بأن الأجير المطلق لو أهمل لغير عذر تخير المستأجر بين الفسخ والإمضاء ـ دال على انه يستحق الأجرة في الصورة المذكورة ، حيث ان المستأجر رضي بالتأخير ولم يفسخ


وبالجملة فإن الظاهر تفريعا على القول المذكور هو صحة حج الأجير واجزائه عن المنوب واستحقاقه الأجرة وان اثم بالتأخير ، كما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في المسالك ، وجنح اليه سبطه السيد السند في المدارك.

ولو انعكس الفرض بان قدم الحج عن السنة المعينة فإشكال ينشأ ، من انه زاد خيرا ولم يخالف إلا الى الفضل كما تقدم في رواية أبي بصير (١) ومن مخالفة الشرط وإمكان تعلق الغرض بالتأخير ، فان مراتب الأغراض لا تنحصر. وقرب في التذكرة الإجزاء مطلقا. وظاهر المسالك والمدارك اختيار الصحة مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين. والمسألة محل توقف لعدم النص.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه لو استأجره اثنان لإيقاع الحج في عام واحد صح السابق منهما دون الآخر ، لاستحقاق الأول منافعه في تلك السنة للحج كما قدمنا بيانه. وان لم يتحقق سابق بان اقترنا في عقد واحد واشتبه السابق بطلا معا ، لامتناع وقوعها عنهما ، لأن الحجة الواحدة لا تكون عن اثنين ، ولا عن أحدهما لامتناع الترجيح من غير مرجح. هذا في الحج الواجب.

اما المندوب فقد دلت الاخبار على انه يجوز الاشتراك فيه ، وإذا جاز ذلك جازت الاستنابة فيه على هذا الوجه. كذا ذكره جمع من الأصحاب. والأظهر تخصيص جواز الاستنابة في المستحب على وجه التشريك بما إذا أريد إيقاع الفعل عنهما معا ليشتركا في ثوابه ، اما لو أريد من النيابة فعل الحج عن كل واحد منهما فهو كالحج الواجب ، كما نبه عليه في المسالك.

ومن الاخبار الدالة على جواز التشريك في الحج المستحب صحيحة معاوية ابن عمار أو حسنته عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «قلت له : أشرك أبوي في حجتي؟

__________________

(١) ص ٢٦٧.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من النيابة في الحج.


قال : نعم. قلت : أشرك اخوتي في حجتي؟ قال : نعم ان الله (عزوجل) جاعل لك حجا ولهم حجا ، ولك أجر لصلتك إياهم».

وعن هشام بن الحكم بإسنادين. أحدهما ـ صحيح أو حسن عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في الرجل يشرك أباه وأخاه وقرابته في حجة؟ فقال : إذا يكتب لك حج مثل حجهم وتزداد اجرا بما وصلت».

وفي صحيحة محمد بن إسماعيل عن ابي الحسن عليه‌السلام (٢) : «كم أشرك في حجتي؟ قال : كم شئت».

وفي رواية محمد بن الحسن عن ابي الحسن عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «لو أشركت ألفا في حجتك لكان لكل واحد حجة من غير ان تنقص حجتك شيئا».

الى غير ذلك من الاخبار.

وقد يتفق ذلك في الواجب ايضا ، كما إذا نذر جماعة الاستنابة بالاشتراك في حج يستنيبوا فيه كذلك. والله العالم.

فائدة

روى الصدوق (عطر الله تعالى مرقده) في الفقيه في الصحيح عن البزنطي عن ابي الحسن عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن رجل أخذ حجة من رجل فقطع عليه الطريق ، فأعطاه رجل حجة أخرى ، أيجوز له ذلك؟ فقال : جائز له ذلك محسوب للأول والآخر ، وما كان يسعه غير الذي فعل إذا وجد من يعطيه الحجة».

قال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد ذكر الخبر : قلت : هذا الخبر لا يلائم مضمونه ما هو المعروف بين الأصحاب في طريق إخراج الحجة ، وهو

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٨ من النيابة في الحج.

(٤) الوسائل الباب ١٩ من النيابة في الحج.


دفعها الى من يحج على وجه الاستئجار ، وانما يناسب القول بان الدفع يكون على سبيل الرزق ، وليس بمعروف عندنا وانما يحكى عن بعض العامة (١) وأخبارنا خالية من بيان كيفية الدفع رأسا على حسب ما وصل إلينا منها وبلغه تتبعنا. والظاهر انه لا مانع من الدفع على وجه الرزق ، وانما الكلام في صحة وقوعه بطريق الإجارة ، لما يتراءى من منافرته للإخلاص في العمل باعتبار لزوم القيام به في مقابلة العوض وكونه مستحقا به ، كما هو مقتضى عقد المعاوضة ، بخلاف الرزق فإنه بذل أو تمليك مراعى بحصول العمل ، والعامل فيه لا يخرج عن التخيير بين القيام به فيسقط عنه الحق للزوم وفاء الدافع بالشرط وبين تركه فيرد المدفوع أو عوضه. ولعل الإجماع منعقد بين الأصحاب على قضية الإجارة فلا يلتفت الى ما ينافيه. وإذا كان الدفع على غير وجه الإجارة سائغا أمكن تنزيل هذا الحديث عليه مع زيادة كون الحجتين تطوعا. وانما جاز أخذ الثانية والحال هذه لفوات التمكن من الاولى وعدم تعلق الحج بالذمة على وجه يمنع من غيره كما يفرض في صورة الاستئجار. ومعنى كونه محسوبا لهما حصول الثواب لكل منهما بما بذلك ونوى. ويستفاد من هذا انه لا يكلف برد شي‌ء على الأول. والوجه فيه ظاهر ، فان ما يدفع على سبيل الرزق غير مضمون على الآخذ إلا مع تعدي شرط الدافع ولم يحصل في الفرض الذي ذكر. وينبغي ان يعلم انه ليس المراد بقطع الطريق في الحديث منعه من الحج وانما المراد أخذ قطاع الطريق ما معه بحيث تعذر عليه الوصول الى الحج. انتهى.

أقول : لما كان هذا الخبر بحسب ظاهره يدل على جواز نيابة واحد عن شخصين في عام واحد ـ وقد عرفت في صدر المسألة امتناعه للصحيحة المتقدمة

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٠٧.


المؤيدة بقواعد الإجارة المتفق عليها نصا وفتوى ـ فلا مندوحة عن سلوك جادة التأويل فيه ، وهو حمل الحجتين على الاستحباب ، وان احدى الحجتين لا على وجه الإجارة سواء كانت الأولى أو الثانية ، فإن هذا المعطي لا على وجه الإجارة يكتب له ثواب الحج بنيته وإعانته.

واحتمل بعض مشايخنا في الخبر وجوها أخر : منها ـ ان المعطي الأول انما أعطاه مالا ليحج به عن نفسه لا عن المعطي ، ولما ذهب ذلك من يده جاز له ان يستأجر. وفيه بعد. ومنها ـ انه على تقدير وجوب الحج على المعطيين كليهما وفرض استنابتهما إياه فينبغي حمل الاستئجار الثاني على الحج في سنة أخرى بعدها ، وان الغرض من الاستئجار الثاني التوصل الى قطع الطريق بالمال الثاني ليحج عنهما في سنتين. والظاهر ايضا بعده ، لان ظاهر الخبران تلك الحجة الأولى مجزئة عنهما معا

المسألة الرابعة ـ قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو كان عند أحد وديعة لشخص ومات صاحب الوديعة وعليه حجة الإسلام ، وعلم ان الورثة لا يؤدون ، جاز ان يقتطع اجرة الحج فيستأجر به من يحج عنه ، لانه خارج عن ملك الورثة.

والسند في ذلك

ما رواه الصدوق والشيخ (طاب ثراهما) في الصحيح عن بريد العجلي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل استودعني مالا فهلك وليس لولده شي‌ء ولم يحج حجة الإسلام؟ قال : حج عنه وما فضل فأعطهم».

وإطلاق الرواية المذكورة يقتضي عدم الفرق بين ان يكون المستودع عالما بعدم أداء الورثة أم لا ، متمكنا من الحاكم أيضا أم لا.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من النيابة في الحج. ورواه في الكافي ج ٤ ص ٣٠٦ في الصحيح ايضا.


وقد صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق والعلامة وغيرهما بتقييد جواز الإخراج بعلم المستودع ان الورثة لا يؤدون وإلا وجب استئذانهم ، نظرا الى تخيير الورثة في جهات القضاء ، لان مقدار اجرة الحج وان كان خارجا عن ملك الوارث إلا انه مخير في جهات القضاء ، وله الحج بنفسه والاستقلال بالتركة ، والاستئجار بدون اجرة المثل ، فيقتصر في منعه من التركة على موضع الوفاق. وأنت خبير بأنه ليس تخصيص الخبر بهذه الأمور المتفق عليها بينهم اولى من تخصيصها به.

واعتبر في التذكرة مع ذلك من الضرر فلو خاف على نفسه أو ماله لم يجز له ذلك. وهو ظاهر ، فان الضرورات تبيح المحظورات.

واعتبر ايضا عدم التمكن من الحاكم وإثبات الحق عنده وإلا وجب الاستئذان. وهو تقييد للنص بغير دليل.

وحكى الشهيد في اللمعة قولا باعتبار اذن الحاكم مطلقا واستبعده. وعلل الشارح وجه البعد بإطلاق النص الوارد بذلك وإفضائه إلى مخالفته حيث يتعذر. ووجهه ان الأمر في الرواية وان كان انما وقع لبريد بذلك إلا ان خصوصية السائل غير ملحوظة في الأحكام ، فكأنه عليه‌السلام قال : «فليحج عنه من بيده الوديعة» وحينئذ فيكون الخبر مطلقا شاملا لكل من بيده وديعة على الوجه المذكور ، تمكن من استئذان الحاكم أم لا. مع ما يلزم زيادة على ذلك من انه لو لم يمكنه إثبات الحق عند الحاكم لزم سقوطه بناء على هذا الشرط والرواية دالة على وجوب الإخراج.

واما ما أورده السيد السند في المدارك على جده هنا ـ حيث نقل عن جده في تعليل البعد الذي ذكره في اللمعة انه قال : وجه البعد إطلاق النص الوارد بذلك. ثم رده بأنه غير جيد ، فإن الرواية إنما تضمنت أمر الصادق


عليه‌السلام لبريد بالحج عن من له عنده الوديعة ، وهو اذن وزيادة ـ

ففيه ان الظاهر من الخبر المذكور بل وسائر الأخبار الواردة في الأحكام انما هو افادة قانون كلي وحكم عام ، وهو هنا بيان حكم حج الودعي مطلقا ـ بريد أو غيره ـ بالقيود التي تضمنها الخبر ، ولو خصت الجوابات الخارجة عنهم (عليهم‌السلام) بأشخاص السائلين لم يمكن ان يستنبط من اخبارهم حكم عام إلا نادرا.

وبذلك يظهر كون النص مطلقا ـ ويكون المراد منه ان كل من بيده وديعة لغيره وعلم بالحج في ذمته فإنه يحج عنه ـ لا خاصا بناء على ما توهمه من خصوصية أمر الصادق عليه‌السلام لبريد هنا ، فإنها غير ملحوظة ولا مرادة ، لما عرفت.

ثم قال في المدارك بعد الكلام السابق ، ولا ريب ان استئذان الحاكم مع إمكانه أولى.

أقول : لا ريب في الأولوية بناء على ما ذكره ، واما على ما ذكرناه ـ من إطلاق الخبر وان محصل معناه ما أشرنا إليه ـ فلا اعرف لهذه الأولوية وجها ، أمكن إثبات الحق عنده أو لم يمكن ، بل العمل بالخبر على إطلاقه هو الوجه ، لصحته وصراحته وعدم ما ينافيه.

ثم انه لا يخفى ان مورد الخبر الوديعة وألحق بها غيرها من الحقوق المالية حتى الغصب والدين ، بمعنى انه لو كان له دين عند شخص أو مال مغصوب عند شخص فإنه يجيب عليهما إخراج الحج على الوجه الوارد في الخبر.

وقوى في المدارك اعتبار استئذان الحاكم في الدين فإنه لا يتعين إلا بقبض المالك أو ما في معناه. وهو محل توقف.

ومقتضى الخبر ان المستودع يحج ، والأصحاب قد ذكروا أنه يستأجر ، قال في المدارك ـ بعد ان اعترف بان مقتضى الرواية ان المستودع يحج ـ ما لفظه :


لكن جواز الاستئجار ربما كان اولى ، خصوصا إذا كان الأجير انسب بذلك من الودعي.

وهل الأمر له بالحج ـ كما في الخبر ـ رخصة أو للوجوب؟ ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك الثاني ، حيث صرح بأن إخراج الحج واجب على المستودع لظاهر الأمر ، فلو دفعه الى الوارث اختيارا ضمن ان لم يتفق منه الأداء. قال في المدارك : وهو حسن.

أقول : الأحوط الوقوف على ظاهر الخبر ، لكن يجب تقييده بما إذا كان صاحب الوديعة له أهلية النيابة.

وهل يتعدي الحكم الى غير حجة الإسلام من الدين والخمس والزكاة؟ قيل : نعم ، لاشتراك الجميع في المعنى المجوز ، وقيل : لا ، قصرا للرواية المخالفة للأصل على موردها.

قال في المدارك بعد نقل القولين المذكورين : والجواز بشرط العلم بامتناع الوارث من الأداء في الجميع حسن ان شاء الله تعالى.

والمسألة عندي محل توقف. ولعل مبني كلام الأصحاب ـ في الإلحاق بالوديعة كما تقدم ، والإلحاق بالحج هنا ـ هو ان ذلك من باب تنقيح المناط القطعي ، لعدم ظهور خصوصية للوديعة دون غيرها من الدين والمال المغصوب ، وعدم ظهور خصوصية للحج دون الدين والخمس ونحوهما. إلا ان فيه ان عدم ظهور الخصوصية لا يدل على العدم ، إذ يجوز ان يكون للحج خصوصية في ذلك ليست لغيره ، كما تقدم نظيره في تزاحم دين الحج مع غيره من الديون.

ويمكن ان يرجح ما ذهب إليه الأصحاب بما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسى بن عبيد عن سليمان بن حفص المروزي (١) : «انه كتب الى

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من كتاب الرهن.


ابي الحسن عليه‌السلام في رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل فادعى عليه مالا وان عنده رهنا؟ فكتب عليه‌السلام : ان كان له على الميت مال ولا بينة له عليه فليأخذ ماله من ما في يده وليرد الباقي على ورثته ، ومتى أقر بما عنده أخذ به وطولب بالبينة على دعواه واوفى حقه بعد اليمين ، ومتى لم تقم البينة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم : يحلفون بالله ما يعلمون ان له على ميتهم حقا». ورواه الصدوق ايضا عن محمد بن عيسى (١).

والتقريب فيه انه جعل حكم الرهن هنا كالوديعة والدين كالحج في وجوب تقديمه على حق الورثة ، اما بشرط عدم إمكان إثبات الحق عند الحاكم الشرعي وللمحقق الشيخ حسن (قدس‌سره) كلام في المنتقى في هذه الرواية لا بأس بإيراده :

قال (قدس‌سره) : ولبعض متأخري الأصحاب في تحقيق معنى هذا الحديث كلام لا أراه سديدا ، لابتنائه على توهم مخالفته للأصول من حيث قبول دعوى المقر بالوديعة ان في ذمة الميت حجة الإسلام ، وهو مقتضى لتضييع المال على الوارث بغير بينة ، ومآله الى نفوذ إقرار المقر في حق غيره ممن ليس له عليه سبيل ، ومخالفته للأصل المعروف في باب الإقرار واضحة. والتحقيق انه ليس الحال هنا على ما يتوهم ، فإن الإقرار الذي لا يسمع في حق غير المقر والدعوى التي لا تقبل بغير البينة إنما يتصوران إذا كان متعلقهما المال المحكوم بملكه لغير المقر والمدعي شرعا ولو بإقرار آخر سابق عليهما منفصل بحسب القوانين العربية عنهما ، واما مع انتفاء ذلك كله ـ كما في موضع البحث ـ فإن الإقرار بالوديعة إذا وقع متصلا بذكر اشتغال ذمة الميت المستودع بالحج أو غيره لم يكن إقرارا للوارث مطلقا ، بل هو

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من كتاب الرهن.


في الحقيقة اعتراف بمال مستحق للإخراج في الوجه الذي يذكره من حج أو غيره اما بأجمعه وذلك على تقدير مساواته للحق ، أو بعض منه بتقدير الفضلة عنه أو على تقدير التخيير بينه وبين غيره إذا كان للميت مال آخر ، الى غير ذلك من الأحكام المقررة في مواضعها. وكيف يعقل ان يكون مثل هذا إقرارا للوارث مع كون الكلام المتصل جملة واحدة لا يتم معناه ولا يتحصل الغرض منه إلا باستيفائه على ما هو محقق في محله. وخلاصة الأمر ان المتجه في نحو هذا الفرض ان يكون المقر به هو ما يتحصل من مجموع هذا الكلام لا ما يقع في ابتدائه بحيث يجعل أوله إقرارا وآخره دعوى. وتمام تنقيح هذا المقام بمباحث الإقرار أليق. إذا تقرر ذلك فاعلم ان المستفاد من الحديث بعد ملاحظة هذا التحقيق وجوب إخراج الحجة من الوديعة حيث لا مال سواها بحسب فرض السائل وكون ما يفضل عنها للوارث. وامره عليه‌السلام بالحج اذن له في تعاطيه بنفسه لا في استنابة غيره ، فلا بد في غير صورة السؤال والجواب من استئذان من له الولاية العامة في مثله إذا لم يكن الودعي ممن له ذلك. وكذا القول في ما لو تضمن الإقرار نوعا آخر من الحق ، فإن القدر الذي يحكم به حينئذ انما هو تقديم الحق على الوارث ، واما طريق تنفيذه فيرجع فيه الى القواعد. ولا يقاس على امره عليه‌السلام في الخبر للسائل بالحج فإنه مختص بتلك الصورة الخاصة فلا يتعداها. انتهى كلامه زيد مقامه.

وهو جيد نفيس ، إلا ان قوله في آخر الكلام : «وامره عليه‌السلام بالحج اذن له في تعاطيه بنفسه لا في استنابة غيره ، فلا بد في غير صورة السؤال والجواب من استئذان من له الولاية العامة في مثله» فان فيه من الإجمال وسعة دائرة الاحتمال ما ربما أوجب الاختلال ، وذلك انه ليس في المسألة ـ كما عرفت ـ إلا هذا الخبر خاصة ، وحينئذ فقوله : «ان امره عليه‌السلام بالحج اذن له في تعاطيه بنفسه لا في استنابة غيره» اما ان يحمل على خصوصية السائل ويكون قوله : «فلا بد في غير


صورة السؤال والجواب من استئذان الحاكم» محمولا على ما عدا السائل المخصوص ممن يكون مثله في هذه المسألة. وفيه أولا ـ ما عرفت آنفا في الكلام على صاحب المدارك حيث ادعى الخصوص وعدم الإطلاق في الخبر. وثانيا ـ انه متى خص الخبر بذلك السائل فمورد الخبر مقصور عليه ، فقوله ـ : «لا بد في غير صورة السؤال والجواب من استئذان الحاكم» ـ لا وجه له لعدم دخوله تحت الخبر وليس سواه. وان أراد بكلامه الأول ما قدمنا بيانه وشددنا أركانه ـ من ان المراد من الخبر بيان قاعدة كلية لكل من كانت عنده وديعة لغيره مع الشروط المذكورة لا خصوصية السائل ـ فهو صحيح لكن قوله : «فلا بد في غير صورة السؤال والجواب. الى آخره» لا معنى له ظاهرا إلا ان يحمل على غير الحج من الدين والخمس والزكاة مثلا ، بان يكون حكمها حكم الحج في التقديم على الوارث لكن لا بد من استئذان الحاكم. وفيه انه قد صرح بذلك بعد هذا الكلام بقوله : «وكذا القول في ما لو تضمن الإقرار نوعا آخر. الى آخره» وحينئذ فلا يمكن حمل الكلام المذكور عليه. وبالجملة فإن ظاهر الكلام المذكور لا يخلو من القصور ، ولعله لقصور ذهني الكليل وفتور فهمي العليل. والله العالم

المسألة الخامسة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما إذا أفسد الأجير حجة المستأجر عليه ، فقال في المبسوط والخلاف : إذا أحرم الأجير بالحج عن المستأجر ثم أفسد حجه انقلب عن المستأجر اليه وصار محرما بحجة عن نفسه فاسدة فعليه قضاؤها عن نفسه ، والحج باق عليه للمستأجر يلزمه ان يحج عنه في ما بعد ان كانت الحجة في الذمة ولم يكن له فسخ هذه الإجارة ، وان كانت معينة انفسخت الإجارة وكان على المستأجر ان يستأجر من ينوب عنه. وهو اختيار ابن إدريس والعلامة في جملة من كتبه. وهو صريح في وجوب حج ثالث عن المنوب عنه في الإجارة المطلقة واستحقاقه الأجرة ، واما المعينة فإنه تنفسخ


الإجارة وتسترد الأجرة.

واستدل العلامة في المنتهى بان من اتى بالحج الفاسد فقد أوقع الحج على غير وجهه المأذون فيه ، لأنه انما اذن له في حج صحيح فاتى بفاسد فيقع عن الفاعل ، كما لو اذن له في شراء عين بصفة فاشتراها بغير تلك الصفة فإن الشراء يقع له دون الآمر ، وإذا ثبت انه ينقلب اليه فنقول : انه قد أفسد حجا وقع منه فلزمه قضاؤه عن نفسه وكان عليه الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء ، لأنها تجب على الفور. انتهى. وضعفه أظهر من ان يحتاج الى بيان.

واختار المحقق في المعتبر والعلامة في المختلف اجزاء القضاء عن المستأجر ، لأنها قضاء عن الحجة الفاسدة ، والقضاء كما يجزئ الحاج عن نفسه فكذا عن من حج عن غيره. ولأن إتمام الفاسدة إذا كان عقوبة تكون الثانية هي الفرض فلا مقتضى لوجوب حج آخر.

وقال في الدروس : ولو جامع قبل الوقوف أعاد الحج وأجزأ عنهما ، سواء كانت الإجارة معينة أو مطلقة على الأقوى. وهو ظاهر في موافقة هذا القول وهو الأقوى.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزمه فيه الحج من قابل أو كفارة؟ قال : هي للأول تامة وعلى هذا ما اجترح».

وعن إسحاق بن عمار (٢) في خبر تقدم صدره (٣) قال : قال : «قلت : فان ابتلى بشي‌ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل ، أيجزئ عن الأول؟ قال :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٦١ ، وفي الوسائل الباب ١٥ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ١٥ من النيابة في الحج.

(٣) ص ٢٥٥.


نعم. قلت : لأن الأجير ضامن للحج؟ قال : نعم».

وظاهر الخبرين المذكورين ان الحجة الأولى مجزية عن المنوب عنه ، وبموجب ذلك يكون الأجير مستحقا للأجرة على هذا القول سواء كانت الإجارة مطلقة أو معينة ، وقد عرفت على القول الأول استحقاقه الأجرة متى كانت الإجارة مطلقة ، لوجوب الإتيان بالحج عليه ، واما مع التعيين فتنفسخ الإجارة فلا يستحق اجرة.

وبما ذكرناه يتضح ما في بناء المحقق ومن تبعه استعادة الأجرة وعدمها على القولين في من حج عن نفسه وأفسد حجه ، من انه هل تكون الأولى هي الفرض وتسميتها فاسدة مجاز والثانية عقوبة أو بالعكس؟ فان قلنا : ان الاولى فرضه والثانية عقوبة ـ كما اختاره الشيخ ودلت عليه حسنة زرارة (١) التي هي مستند تلك المسألة ـ فقد برئت ذمة المستأجر بإتمامه واستحق الأجير الأجرة ، وان قلنا الأولى فاسدة والإتمام عقوبة والثانية فرضه كان الجميع لازما للنائب ، وتستعاد منه الأجرة ان كانت الأجرة متعلقة بزمان معين ، وذلك فإنه متى كانت حسنة زرارة الواردة في من حج عن نفسه دلت على ان الفريضة هي الأولى ، وروايتا إسحاق ابن عمار المختصتان بالنائب دلتا على ان الفرض هي الأولى كما قدمنا ذكره ، فان الواجب هو القول بذلك وعدم الالتفات الى القول الآخر ، لخلوه من الدليل فلا يصلح لأن يفرع عليه بل ولا يلتفت اليه. ومن ذهب الى كون الفرض هي الثانية في من حج عن نفسه إنما بنى على الطعن في حسنة زرارة من حيث الإضمار. وهو مع قطع النظر عن ضعفه وعدم الإضرار بصحة الرواية أو حسنها لا يجري في النائب ، لدلالة الروايتين المتقدمتين الواردتين في خصوص النائب على ان الأولى هي الفرض.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من كفارات الاستمتاع.


وبالجملة فإن الظاهر هو صحة الحج ـ مطلقا كان الاستئجار أو مقيدا بالسنة الاولى ـ وانه قد قضى ما عليه بالحجة الاولى واستحق الأجرة. وما أطالوا به من الاحتمالات والمناقشات والتفريعات كله تطويل بغير طائل ، فإن ما ذكرناه هو مدلول الأخبار التي هي المعتمد في الإيراد والإصدار. والله العالم.

المسألة السادسة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه لو تبرع انسان بالحج عن غيره بعد موته فإنه يكون مجزئا عنه وتبرأ ذمته به. وظاهرهم انه لا فرق في ذلك بين ان يختلف الميت ما يحج به عنه أم لا ، ولا في المتبرع بين ان يكون وليا أو غيره.

ويدل على ذلك من الاخبار ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن مسكان عن عمار بن عمير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام :

بلغني عنك انك قلت : لو ان رجلا مات ولم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزأ ذلك عنه؟ فقال : نعم اشهد بها على ابي أنه حدثني ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتاه رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان ابي مات ولم يحج؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حج عنه فان ذلك يجزئ عنه».

وما رواه في الكافي في الموثق عن حكم بن حكيم (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انسان هلك ولم يحج ولم يوص بالحج ، فأحج عنه بعض اهله رجلا أو امرأة ، هل يجزئ ذلك ويكون قضاء عنه ، أو يكون الحج لمن حج

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من وجوب الحج وشرائطه. ورواه في الكافي ج ٤ ص ٢٧٧ في الصحيح عن ابن مسكان عن عامر بن عميرة.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه. والظاهر ان الحديث من الصحيح ، لأن الكليني يرويه عن ابي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن حكم ، وكلهم ثقات صحيحو المذهب.


ويؤجر من احتج عنه؟ فقال : ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعا وأجزأ الذي أحجه».

قال في الوافي ذيل هذا الخبر : واما إذا كان صرورة فإنما أجزأ عنه الى ان أيسر كما في اخبار أخر أقول : والأقرب ان لفظ : «غير» هنا وقع مقحما سهوا من بعض الرواة ، لتكاثر الروايات بالأمر بحج الصرورة الذي لا مال له.

وما رواه في الكافي مرفوعا وفي الفقيه مضمرا عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سئل عن رجل مات وله ابن لم يدر أحج أبوه أم لا؟ قال : يحج عنه فان كان أبوه قد حج كتب لأبيه نافلة وللابن فريضة ، وان كان أبوه لم يحج كتب لأبيه فريضة وللابن نافلة».

أقول : لما كان من يحج عن غيره لله (عزوجل) يتفضل الله عليه بثواب مثل حجة الذي ناب فيه عن غيره ، فهذا الذي قد حج عن أبيه في هذا الخبر ان كان أبوه لم يحج حجة الإسلام كانت هذه الحجة سادة مسدها ويكتب له ثواب حجة مستحبة ، وإلا كتب له ثواب الفريضة ووقعت عن الأب نافلة.

واستدل على ذلك أيضا بصحيحة رفاعة (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يموت ولم يحج حجة الإسلام ولم يوص بها ، أتقضى عنه؟ قال : نعم». ومثلها رواية أخرى له ايضا (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل والمرأة يموتان ولم يحجا ، أيقضى عنهما حجة الإسلام؟ قال : نعم». والظاهر عندي منهما انما هو القضاء من ماله ، كما ورد في جملة من الاخبار

__________________

(١) الوسائل الباب ٣١ من النيابة في الحج. والظاهر ان يقول : «مرسلا» بدل «مضمرا» ولعله من تحريف النساخ.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٨ من وجوب الحج وشرائطه.


ان من مات وفي ذمته حجة الإسلام ولم يوص بها فإنها تخرج من أصل ماله (١) وان لم يكن ما ذكرناه هو الأقرب فلا أقل من ان يكون مساويا لاحتمال تبرع الأجنبي عنه ، فلا يمكن الاستدلال لما ذكرناه من الاحتمال.

وربما ظهر من تخصيص الاجزاء بالتبرع عن الميت عدم اجزاء التبرع عن الحي. وهو كذلك متى كان متمكنا من الإتيان بالحج ، اما مع العجز عنه المسوغ للاستنابة ـ كما تقدم ـ فإشكال ينشأ ، من انه كالميت ، لأن الذمة تبرأ بالعوض فكذا بدونه ، ولان الواجب الحج عنه وقد حصل فيمكن الاجزاء ، ومن ان براءة ذمة المكلف بفعل الغير تتوقف على الدليل وهو منتف هنا فيرجح العدم.

هذا كله في الحج الواجب ، واما في الحج المندوب فيجوز التبرع عن الحي والميت إجماعا نصا (٢) وفتوى.

ومن الاخبار في ذلك صحيحة حماد بن عثمان (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة وكل عمل صالح ينفع الميت حتى ان الميت ليكون في ضيق فيوسع عليه ويقال : هذا بعمل ابنك فلان أو بعمل أخيك فلان. أخوه في الدين».

وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (٤) قال : «سألته عن

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٨ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢٨ من الاحتضار ، والباب ١٢ من قضاء الصلوات ، والباب ٢٥ من النيابة في الحج.

(٣) الوسائل الباب ١٢ من قضاء الصلوات.

(٤) الوسائل الباب ٢٥ من النيابة في الحج.


الرجل يحج فيجعل حجته وعمرته أو بعض طوافه لبعض اهله وهو عنه غائب ببلد آخر ، قال : قلت : فينقص ذلك من اجره؟ قال : لا هي له ولصاحبه ، وله أجر سوى ذلك بما وصل. قلت : وهو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال : نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه. قلت : فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟ قال : نعم. قلت : وان كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال : نعم يخفف عنه».

وصحيحة موسى بن القاسم البجليّ (١) قال : «قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : يا سيدي إني أرجو أن أصوم بالمدينة شهر رمضان؟ قال : تصوم بها ان شاء الله. قلت : وأرجو ان يكون خروجنا في عشر من شوال ، وقد عود الله زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وزيارتك ، فربما حججت عن أبيك ، وربما حججت عن ابي ، وربما حججت عن الرجل من إخواني ، وربما حججت عن نفسي ، فكيف اصنع؟ فقال : تمتع. فقلت : اني مقيم بمكة منذ عشر سنين؟ فقال : تمتع».

ورواية صفوان الجمال (٢) قال : «دخلت على ابي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه الحارث بن المغيرة ، فقال : بأبي أنت وأمي لي ابنة قيمة لي على كل شي‌ء وهي عاتق فاجعل لها حجتي؟ فقال : اما انه يكون لها أجرها ويكون لك مثل ذلك ولا ينقص من أجرها شي‌ء». أقول : العاتق : البكر الشابة تكون في بيت أبيها.

وروى في الفقيه مرسلا (٣) قال : «قال رجل للصادق عليه‌السلام : جعلت فداك

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣١٤ ، وفي الوسائل الباب ٢٥ من النيابة في الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢٥ من النيابة في الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢٩ من النيابة في الحج.


انى كنت نويت ان ادخل في حجتي العام أمي أو بعض أهلي فنسيت؟ فقال عليه‌السلام : الآن فأشركهما».

وحسنة الحارث بن المغيرة (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام وانا بالمدينة بعد ما رجعت من مكة : إني أردت أن أحج عن ابنتي؟ قال : فاجعل ذلك لها الآن».

وقد ورد أيضا في جملة من الاخبار النيابة في الطواف عن الميت وعن الحي ما لم يكن حاضر مكة إلا مع العذر كالإغماء والبطن ونحوهما.

فمن الأخبار الدالة على جواز النيابة فيه رواية داود الرقي (٢) قال : «دخلت على ابى عبد الله (عليه‌السلام) ولي على رجل مال قد خفت تواه فشكوت ذلك اليه ، فقال لي إذا صرت بمكة فطف عن عبد المطلب طوافا وصل ركعتين عنه ، وطف عن ابى طالب طوافا وصل عنه ركعتين ، وطف عن عبد الله طوافا وصل عنه ركعتين ، وطف عن آمنة طوافا وصل عنها ركعتين ، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافا وصل عنها ركعتين ، ثم ادع الله ان يرد عليك مالك. قال : ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفاء فإذا غريمي واقف يقول : يا داود حبستني تعال فاقبض مالك».

وصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) في حديث قال فيه : «فأطوف عن الرجل والمرأة وهم بالكوفة؟ فقال : نعم تقول

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٩ من النيابة في الحج.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٥٤٤ ، والفقيه ج ٢ ص ٣٠٧ ، وفي الوسائل الباب ٥١ من الطواف.

(٣) الوسائل الباب ١٨ من النيابة في الحج.


حين تفتتح الطواف : اللهم تقبل من فلان ، الذي تطوف عنه».

ورواية أبي بصير (١) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا ، وللذي طاف عنه مثل اجره ويفضل هو بصلته إياه بطواف آخر».

واما ما يدل على عدم النيابة مع الحضور فهو ما رواه في التهذيب عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله عن من حدثه عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «قلت له : الرجل يطوف عن الرجل وهما مقيمان بمكة؟ قال : لا ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب عن مكة. قلت : وكم مقدار الغيبة؟ قال : عشرة أميال».

وغاية ما استدل به في المدارك على هذا الحكم ـ حيث صرح به المصنف في المتن ـ هو انها عبارة تتعلق بالبدن فلا تصح النيابة فيه مع التمكن. وفيه ما لا يخفى والظاهر انه لم يقف على الخبر المذكور.

واما جواز النيابة مع الحضور والعذر فتدل عليه أخبار عديدة :

منها ـ صحيحة حبيب الخثعمي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يطاف عن المبطون والكسير».

وتمام تحقيق المسألة يأتي في محله ان شاء الله تعالى.

المسألة السابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأن الأجير

__________________

(١) الوسائل الباب ١٨ من النيابة في الحج ، والباب ٥١ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من النيابة في الحج. والراوي عبد الرحمن بن ابي نجران.

(٣) الوسائل الباب ٤٩ من الطواف.


يستحق الأجرة بالعقد ويملكها ، لان ذلك مقتضى صحة المعاوضة ، فلو كانت عينا فزادت بعد العقد أو نمت فهما للأجير ، إلا انه لا يجب تسليمها إلا بعد العمل كما هو المقرر في باب الإجارة ، وعلى هذا فليس للوصي التسليم قبله ولو سلم كان ضامنا ، إلا مع الاذن من الموصي المستفاد من نصه على ذلك ، أو اطراد العادة لأن ما جرت به العادة يكون كالمنطوق به. ولو توقف عمل الأجير وإتيانه بالفعل على دفع الأجرة اليه ولم يدفعها الوصي فقد استقرب الشهيد في الدروس جواز فسخه ، للضرر اللازم من اشتغال الذمة بما استؤجر عليه مع عدم تمكنه منه. ويحتمل عدمه فينتظر وقت الإمكان ، لأن التسلط على فسخ العقد اللازم يتوقف على الدليل ، ومثل هذا الضرر لم يثبت كونه مسوغا. نعم لو علم عدم التمكن مطلقا تعين القول بجواز الفسخ.

أقول : ما ذكروه ـ من انه ليس للوصي التسليم قبل العمل ولو سلم كان ضامنا ـ لا يخلو عندي هنا من اشكال وان كان هذا من جملة القواعد المسلمة بينهم في باب الإجارة مطلقا ، وذلك فإنه قد تقدم في المسألة الأولى (١) من مسائل هذا المقصد نقل جملة من الاخبار الدالة على ان من أخذ حجة عن ميت فمات ولم يحج ولم يخلف شيئا ، أو لم يمت ولكن أنفقها وحضر أوان الحج ولم يمكنه الحج انه ان كان له حج عند الله أثبته الله للميت وإلا كتب للميت بفضله وكرمه (عزوجل) ثواب الحج. وهذا لا يجامع الحكم بضمان الوصي بتسليم الأجرة.

ويعضد ذلك ايضا ما رواه في الكافي في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «سألته عن الرجل يأخذ

__________________

(١) ص ٢٥٧.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من النيابة في الحج.


الدراهم ليحج بها عن رجل ، هل يجوز له ان ينفق منها في غير الحج؟ قال : إذا ضمن الحجة فالدراهم له يصنع بها ما أحب وعليه حجة».

وظاهر هذا الخبر انه متى استقرت الحجة في ذمته بطريق الإجارة وكان ضامنا لها بسبب ذلك استحق الأجرة وجاز تسليمها اليه وصارت ملكه كسائر أمواله من غير ان يتعقب ذلك ضمان على الوصي ، ويصير الأجير مطلوبا بالحج خاصة فإن حج فقد برئت ذمته ، وإلا فالحكم فيه ما جرى في الاخبار المشار إليها.

وبالجملة فإن الرجوع على الوصي بعد ما عرفت لا يخلو من نظر. إلا ان يقال : ان عدم الرجوع هنا انما هو بما ذكروه من حيث جريان العادة بدفع الأجرة أولا وهو في حكم المنطوق. وفيه بعد ، فان ظاهر الأخبار المشار إليها ان هذا الحكم كلي في المسألة ، جرت العادة بما ذكر أو لم تجر.

وكيف كان فقد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) هنا انه يستحب للأجير رد فاضل الأجرة بعد الحج ، وللمستأجر إعانته ان نقصت الأجرة عن الوفاء بالحج.

وعلل الحكم الأول في المعتبر بأنه مع الإعادة يكون قصده بالنيابة القربة لا العوض.

قال في المدارك : وكأن مراده انه مع قصد الإعادة ابتداء يكون قصده بالنيابة القربة لا العوض. وهو حسن.

أقول : لا يخفى ان ما تأول به عبارة المعتبر بعيد عن ظاهرها وكذا ظاهر غيرها ، والظاهر ان مرادهم ان اعادة الزائد بعد الفراغ من الحج يكون كاشفا عن ان قصده بالإجارة والنيابة القربة لا العوض. وإثبات الاستحباب الذي هو حكم شرعي بمثل هذه التخرصات والتخريجات مشكل.

نعم قال شيخنا المفيد في المقنعة ـ بعد ان حكم بان الرجل إذا أخذ حجة


ففضل منها شي‌ء فهو له وان عجزت فعليه ـ ما لفظه : وقد جاءت رواية بأنه ان فضل من ما أخذه فإنه يرده ان كان نفقته واسعة وان كان قتر على نفسه لم يرده. وعلى الأول العمل. انتهى. وهذه الرواية على تقدير صحتها أخص من المدعى.

وعلل الحكم الثاني بما في ذلك من المساعدة للمؤمن والرفق به والتعاون على البر والتقوى. ولا بأس به.

وقد وردت الاخبار بان ما فضل من الأجرة فهو للأجير ، وظاهرها ان ذلك غير مؤثر في صحة الحج وقصد القربة به وان قصد العوض. وفيه رد لما عللوا به الحكم الأول.

فروى الشيخ في الصحيح عن مسمع (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : أعطيت الرجل دراهم يحج بها عني ففضل منها شي‌ء فلم يرده على؟ فقال : هو له لعله ضيق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة».

وروى ثقة الإسلام في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن محمد بن عبد الله القمي (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن الرجل يعطى الحجة يحج بها ويوسع على نفسه فيفضل منها ، أيردها عليه؟ قال : لا هي له».

ثم انه لو خالف ما استؤجر عليه فظاهر الأكثر انه لا اجرة له ، لانه متبرع بما اتى به. وقيل ان له اجرة المثل ، حكاه العلامة في المنتهى عن الشيخ ، قال في المدارك : وهو بعيد جدا ، قال : بل الظاهر انه (رحمه‌الله) لا يقول بثبوتها في جميع الموارد ، فان من استؤجر على الحج فاعتمر وعلى الاعتمار فحج لا يعقل استحقاقه بما فعل أجرة لأنه متبرع محض ، وانما يتخيل ثبوتها مع المخالفة في وصف من أوصاف العمل الذي تعلقت به الإجارة ، كما إذا استؤجر على الحج

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٠ من النيابة في الحج.


ماشيا فركب ، أو على الإحرام من ميقات معين فأحرم من غيره. مع ان المتجه مع صحة الفعل استحقاقه من الأجرة بنسبة ما عمل الى المسمى لا اجرة المثل. الى ان قال : والأجود ما أطلقه المصنف من سقوط الأجرة مع المخالفة. انتهى.

وهو جيد ، إلا انه ينبغي ان يستثني من ذلك ما تقدم من الخلاف في مسألتي الطريق والنوع ، كما قدمنا بيانه في المسألة الثانية من مسائل هذا المقصد. والله العالم.

المسألة الثامنة ـ لو اوصى ان يحج عنه سنين متعددة واوصى لكل سنة منها بمال معين ـ اما مفصلا كمائة درهم أو مجملا كغلة بستان ـ فقصر ذلك عن اجرة الحج ، فظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف انه يجمع ما زاد على سنة بما تكمل به الأجرة التي يحج بها ثم يحج عنه لسنة ، وهكذا.

واستدلوا عليه بان القدر المعين قد انتقل بالوصية عن ملك الورثة ووجب صرفه في ما عينه الموصى بقدر الإمكان ، ولا طريق إلى إخراجه إلا بهذا الوجه فيتعين.

أقول : والأظهر هو الاستدلال بالنصوص ، فان الاعتماد على مثل هذه التخريجات سيما مع وجود النص مجازفة ظاهرة ، وان كانت هذه طريقتهم زعما منهم ان هذا دليل عقلي وهو مقدم على النقلي. وفيه ما حققناه في غير موضع من مؤلفاتنا ولا سيما في مقدمات الكتاب.

واستدل في المدارك على ذلك بما رواه الكليني (رضوان الله عليه) عن إبراهيم بن مهزيار (١) قال : «كتبت الى ابي محمد (عليه‌السلام) : ان مولاك على بن مهزيار اوصى ان يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل سنة حجة

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣١٠ ، وفي الوسائل الباب ٣ من النيابة في الحج.


بعشرين دينارا ، وانه منذ انقطع طريق البصرة تضاعفت المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا. وكذلك اوصى عدة من مواليك في حجهم؟ فكتب عليه‌السلام : تجعل ثلاث حجج حجتين ان شاء الله تعالى».

وعن إبراهيم (١) قال : «كتب اليه علي بن محمد الحضيني : ان ابن عمي اوصى ان يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل سنة فليس يكفي ، فما تأمر في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : تجعل حجتين حجة ، ان الله (تعالى) عالم بذلك».

ثم قال : وفي الروايتين ضعف من حيث السند. اما الوجه الأول فلا بأس به ، وان أمكن المناقشة فيه بان انتقال القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها ، ولهذا وقع الخلاف في انه إذا قصر المال الموصى به عن الحج هل يصرف في وجوه البر أو يعود ميراثا؟ فيمكن اجراء مثل ذلك هنا لتعذر صرف القدر الموصى به في الوصية. والمسألة محل تردد ، وان كان المصير الى ما ذكره الأصحاب لا يخلو من قوة. انتهى.

أقول : فيه أولا ـ ان الروايتين وان كانتا ضعيفتين إلا ان الحكم اتفاقي بين الأصحاب كما صرح به في صدر كلامه ، حيث قال : وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب. وهو في غير موضع من شرحه قد وافقهم على جبر الخبر الضعيف بالاتفاق على العمل بمضمونه.

وثانيا ـ ان الخبرين وان كانا ضعيفين بناء على نقله لهما من الكافي إلا انهما في من لا يحضره الفقيه (٢) صحيحان ، فإنه رواهما فيه عن إبراهيم بن مهزيار ، وطريقه إليه في المشيخة (٣) : أبوه عن الحميري عنه. وهو في أعلى مراتب الصحة. وثالثا ـ ان ما ذكره ـ من انه يمكن المناقشة في الوجه الأول بأن انتقال

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣١٠ ، وفي الوسائل الباب ٣ من النيابة في الحج.

(٢) ج ٢ ص ٢٧٢.

(٣) ص ٤٤ ملحق الجزء الرابع.


القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها ـ وهم محض نشأ من عدم إعطاء التأمل حقه في الأخبار المتعلقة بهذه المسألة ، فإن المفهوم منها على وجه لا يعتريه الشك والإنكار هو ما ذكره جل علمائنا الأبرار (رفع الله أقدارهم في دار القرار) من أنه بالوصية ينتقل عن الموصى ولا يعود الى ورثته ، ومع عدم إمكان صرفه في المصرف الموصى به يرجع الى المصرف في أبواب البر ، كما سيأتي تحقيق ذلك قريبا عند ذكر المسألة المشار إليها.

وبذلك يظهر لك ما في كلامه (قدس‌سره) من قوله : «ولهذا وقع الخلاف في انه إذا قصر المال الموصى به. الى آخره» فان هذا الخلاف بعد دلالة النصوص على التصدق ـ كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى ـ مساهلة وجزاف ، فان الخلاف مع عدم الدليل بل قيام الدليل على العدم انما هو اعتساف واي اعتساف.

قالوا : ولو اوصى ان يحج عنه ، فان لم يعلم منه ارادة التكرار اقتصر على المرة ، وان علم منه ارادة التكرار حج عنه ما دام شي‌ء من ثلثه.

وعللوا الحكم الأول بحصول الامتثال بالمرة. والثاني بأنه وصية ومنفذها الثلث خاصة مع عدم اجازة الوارث.

والذي وقفت عليه من ما يتعلق بهذه المسألة ما رواه الشيخ في التهذيب (١) عن محمد بن الحسن الأشعري قال : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك إني سألت أصحابنا عن ما أريد أن أسألك فلم أجد عندهم جوابا وقد اضطررت إلى مسألتك ، وان سعد بن سعد اوصى الي فاوصى في وصيته : حجوا عني. مبهما ولم يفسر ، فكيف اصنع؟ قال : يأتيك جوابي في كتابك. فكتب الي : يحج ما دام له مال يحمله».

__________________

(١) ج ٩ ص ٢٢٦ ، وفي الوسائل الباب ٤ من النيابة في الحج.


وما رواه أيضا في الكتاب المذكور (١) بسند آخر عن محمد بن الحسين «انه قال لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك. فقال : هات. فقلت : سعد بن سعد اوصى : حجوا عني. مبهما ولم يسم شيئا ، ولا ندري كيف ذلك؟ فقال : يحج عنه ما دام له مال».

ورواه أيضا في موضع آخر (٢) بسند غير الأولين عن محمد بن الحسن بن ابي خالد قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل اوصى ان يحج عنه (مبهما)؟ فقال : يحج عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء».

وهذه الاخبار متفقة في انه يحج عنه من ثلثه ، وهو المشار اليه بماله في الخبرين الأولين ، لأن الميت ليس له من ماله إلا الثلث.

والظاهر من قول السائل : «مبهما» يعني : انه لم يعين المرات. فكأن ارادة التكرار معلومة عند الوصي وانما استشكل في المقدار.

قال في المدارك ـ بعد ان ذكر وجوب الحج عنه الى ان يستوفى الثلث إذا علم منه ارادة التكرار ، ثم أيده بالرواية الثالثة ـ ما صورته : ولا يخفى ان ذلك انما يتم إذا علم منه ارادة التكرار على هذا الوجه وإلا اكتفى بالمرتين ، لتحقق التكرار بذلك ، كما يكتفى بالمرة مع الإطلاق.

أقول : لا يبعد ان يقال : ان الظاهر من إطلاق هذه الاخبار انه بمجرد هذا القول المحتمل لأن يراد منه حجة واحدة أو اثنتان أو عشر أو نحو ذلك يجب الحج عنه حتى يفنى ثلثه. ولان يقين البراءة من تنفيذ الوصية لا يحصل إلا بذلك

__________________

(١) ج ٥ ص ٤٠٨ ، وفي الوسائل الباب ٤ من النيابة في الحج. وارجع الى الاستدراكات.

(٢) ج ٥ ص ٤٠٨ ، وج ٩ ص ٢٢٦ ، وفي الوسائل الباب ٤ من النيابة في الحج.


وهذا هو الأنسب بقول السائل : «مبهما» وحينئذ فلا معنى لقولهم : فان لم يعلم منه ارادة التكرار اقتصر على المرة. بل الأظهر ان يقال : فان علم منه عدم ارادة التكرار اقتصر على المرة. وبالجملة فإن جميع ما ذكروه تقييد للنص المذكور وإطلاقه أعم من ذلك كما عرفت. والله العالم.

المسألة التاسعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو عقد الأجير الإحرام عن المنوب عنه ثم نقل النية إلى نفسه ، فقيل بوقوعها عن المنوب عنه ، وهو منقول عن الشيخ في المبسوط واختاره المحقق في المعتبر.

قال في المبسوط : إذا أحرم عن من استأجره ـ سواء كانت في حجة الفرض أو التطوع ـ ثم نقل الإحرام إلى نفسه لم يصح نقله ، ولا فرق بين ان يكون الإحرام بالحج أو بالعمرة ، فان مضى على هذه النية وقعت الحجة عن من بدأ بنيته ، لأن النقل ما يصح ويستحق الأجرة على من وقعت عنه. انتهى.

وقيل بعدم اجزائها عن واحد منهما ، وهو اختيار المحقق في الشرائع والعلامة في جملة من كتبه ، والظاهر انه هو المشهور بين المتأخرين.

واستدل في المعتبر على القول الأول بان ما فعله وقع عن المستأجر فلا يصح العدول بها بعد إيقاعها. ولأن أفعال الحج استحقت لغيره فلا يصح نقلها وإذا لم يصح النقل فقد تمت الحجة لمن بدأ بالنية له وله الأجرة لقيامه بما شرط عليه.

حجة القول المشهور ، اما على عدم الاجزاء عن النائب فلعدم صحة النقل اتفاقا ، واما عن المنوب عنه فلعدم النية عنه في باقي الأفعال حيث انه انما نواها الأجير عن نفسه. وبالجملة فإنهم متفقون على عدم صحة النقل بعد الإحرام عن المستأجر ، وانما الإشكال بالنسبة الى هذه الأفعال التي نواها الأجير عن نفسه فإنها لا تصح عنه لعدم صحة النقل فلا تقع عنه ، ولا تقع عن المستأجر لأنه لم ينوها


عنه ، والعبادات تابعة للنيات والقصود.

ومن ما يعضد القول الأول هنا ما تقدم (١) من الاخبار في المسألة الاولى من مسائل هذا المقصد الدالة على ان من اعطى رجلا مالا يحج عنه فحج عن نفسه فإنها تقع عن صاحب المال. فإنه متى صح كونها عن صاحب المال بدون نية الإحرام عنه فمعها اولى.

وبذلك صرح شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد فقال : ويمكن ان يحتج للشيخ برواية ابن أبي حمزة عن الصادق عليه‌السلام. ثم ساق الرواية كما قدمناه (٢) ثم قال (قدس‌سره) : فإذا كان يجزئ عن المنوب لا مع نية الإحرام فلأن يجزئ بنيته اولى.

ورد ذلك في المدارك بضعف الرواية. وفيه انك قد عرفت من ما قدمنا ثمة ان بعض هذه الروايات من مرويات صاحب الفقيه ، وهو كثيرا ما يعتضد بها بناء على ما ذكره في ديباجة كتابه.

وبالجملة فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال وان كان قول الشيخ ـ لما عرفت ـ لا يخلو من قوة. والله العالم.

المسألة العاشرة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه لو اوصى للحج بقدر معين ، فان كان الحج واجبا أخرج أجرة المثل من الأصل ، وما زاد ـ ان كان في ذلك المقدار زيادة ـ من الثلث كما هو شأن الوصايا ، وان كان الحج ندبا فالجميع من الثلث.

وما ذكروه في الواجب ، اما في حجة الإسلام فلا اشكال فيه ، واما في غيره من النذر وشبهه فهو مبني على الخلاف المتقدم ، وان كان المشهور عندهم انه كحج الإسلام من الأصل.

__________________

(١ و ٢) ص ٢٥٨.


ومن ما يدل على ان حج الإسلام من الأصل والمندوب من الثلث ما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) «في رجل مات واوصى ان يحج عنه؟ فقال : ان كان صرورة حج عنه من وسط المال وان كان غير صرورة فمن الثلث».

وما رواه الصدوق ايضا عن الحارث بياع الأنماط (٢) : «أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام وسئل عن رجل اوصى بحجة؟ فقال : ان كان صرورة فمن صلب ماله ، انما هي دين عليه ، فان كان قد حج فمن الثلث».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات واوصى ان يحج عنه؟ قال : ان كان صرورة فمن جميع المال ، وان كان تطوعا فمن ثلثه».

وروى نحوه في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) وزاد : «فإن اوصى ان يحج عنه رجل فليحج ذلك الرجل».

__________________

(١) الفقيه ج ٤ ص ١٥٨ ، وفي الوسائل الباب ٢٥ من وجوب الحج وشرائطه ، والباب ٤١ من الوصايا. واللفظ هكذا : «سألته عن رجل مات ...».

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٠ ، وفي الوسائل الباب ٢٥ و ٢٩ من وجوب الحج وشرائطه. واللفظ في الراوي هكذا : «حارث بياع الأنماط» وفي المتن هكذا : «انه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل» وما ذكر من اللفظ في الراوي والمتن انما هو في التهذيب ج ٩ ص ٢٢٩.

(٣) الوسائل الباب ٢٥ من وجوب الحج وشرائطه ، والباب ٤١ من الوصايا.

(٤) الوسائل الباب ٢٥ من وجوب الحج وشرائطه.


وهذه الاخبار وما جرى مجراها انما دلت على الوصية بالحج من غير الوصية بقدر معين له ، والظاهر ان التعيين يرجع فيه الى أجرة المثل كما فهمه الأصحاب فيكون المخرج من الأصل والثلث هو اجرة المثل ، وحينئذ فيكون الزائد عليها مع التعيين يخرج من الثلث كما تقدم.

ولبعض الأصحاب في المسألة تفصيل حسن لا بأس بذكره قال : من اوصى بالحج ، فاما ان يعين الأجير والأجرة معا أو لا يعينهما أو يعين الأجير دون الأجرة أو بالعكس ، ثم اما ان يكون الحج واجبا أو مندوبا ، فالصور ثمان :

الاولى ـ ان يعين الأجير والأجرة معا ويكون الحج واجبا ، فيجب اتباع ما عينه الموصي ، ثم ان كانت الأجرة المعينة مقدار اجرة المثل أو أقل نفذت من الأصل ، وان زادت كانت اجرة المثل من الأصل والزيادة من الثلث ان لم يجز الورثة. ولو امتنع الموصى له من الحج بطلت للوصية واستؤجر غيره بأقل ما يوجد من يحج به عنه.

أقول : الحكم ببطلان الوصية هنا مطلقا بامتناع الموصى له ـ حتى انه يصير في حكم ما لو لم يوص بالكلية ، فيستأجر غيره بأقل ما يوجد من يحج به عنه ـ لا اعرف له وجها ظاهرا ، لأنه قد أوصى بأمرين الأجير والأجرة والحج واجب لا بد من إخراجه ، وتعذر الأجير لامتناعه لا يوجب بطلان تعيين الأجرة ، إلا ان يعلم ان التعيين انما وقع من حيث خصوصية ذلك الأجير الموصى له وهو هنا غير معلوم. وسيأتي في كلامه ما يشير الى ما ذكرناه.

قال العلامة في المنتهى في هذه الصورة : فإن رضي الموصى له فلا بحث وإلا استؤجر غيره بالمعين ان ساوى اجرة المثل أو كان أقل ، وان زاد فالوجه ان الزيادة للوارث لأنه اوصى بها لشخص معين بشرط الحج ولم يفعل الموصى له فتكون للوارث ، ولا شي‌ء للموصى له ، لأنه إنما اوصى له بشرط قيامه بالحج. انتهى.


وبذلك يظهر ان حكمه بالاستئجار بأقل ما يوجد من يحج بها عنه محل نظر.

ثم قال الثانية ـ الصورة بحالها والحج مندوب ، فيجب إخراج الوصية من الثلث إلا مع الإجازة فتنفذ من الأصل. ولو امتنع الموصى له من الحج فالظاهر سقوطه ، لأن الوصية انما تعلقت بذلك المعين فلا تتناول غيره. نعم لو علم تعلق غرض الموصى بالحج مطلقا وجب إخراجه ، لأن الوصية على هذا التقدير في قوة شيئين فلا يبطل أحدهما بفوات الآخر.

أقول : هذا من ما يؤيد ما ذكرناه آنفا ، لانه متى ثبت ذلك في التعدد الضمني ففي التعدد المصرح به أظهر.

ثم قال الثالثة ـ ان يعين الأجير خاصة والحج واجب ، فيجب استئجاره بأقل اجرة يوجد من يحج بها عنه. واحتمل الشهيد في الدروس وجوب إعطائه أجرة مثله ان اتسع الثلث. وهو حسن ، بل لا يبعد وجوب اجابته الى ما طلب مطلقا مع اتساع الثلث تنفيذا للوصية بحسب الإمكان ، فيكون الزائد عن الأقل محسوبا من الثلث إلا مع الإجازة. ولو امتنع الموصى له من الحج وجب استئجار غيره بمهما أمكن.

أقول : ما ذكره هنا ـ من وجوب استئجاره بأقل اجرة يوجد من يحج بها عنه ـ قد نقله في الدروس عن المبسوط. ونحوه قال العلامة في المنتهى حيث قال : وان عين الأجير دون الأجرة فقال : أحجوا عني فلانا. ولم يذكر مبلغ الأجرة فإنه يحج عنه بأقل ما يوجد من يحج عنه.

إلا ان الظاهر من عبارة التذكرة هنا هو ان الواجب الاستئجار بأجرة المثل حيث قال : إذا اوصى ان يحج عنه ، فاما ان يكون الحج واجبا أو مندوبا ، فان كان واجبا فلا يخلو اما ان يعين قدرا أولا ، فإن عين فان كان بقدر اجرة المثل أخرجت من الأصل وان زادت عن اجرة المثل أخرجت أجرة المثل من الأصل والباقي


من الثلث ، وان لم يعين أخرجت أجرة المثل من أصل المال. وهو ظاهر في كون المخرج في هذه الصورة هو اجرة المثل لا أقل اجرة يوجد من يحج بها.

وعلى هذا فإنما يرجع الى الثلث في ما زاد على اجرة المثل لا ما زاد عن الأقل كما ذكروه.

وما ذكروه من التخصيص بهذا الأقل لم يوردوا عليه دليلا ولم يذكروا له وجها ، وكأنهم لحظوا في ذلك رعاية جانب الوارث ، مع ان المستفاد من الأخبار التي قدمناها في الوصية بالحج هو البناء على سعة المال من البلد فنازلا الى الميقات ، وهو لا يلائم هذا التقييد بل انما ينطبق على اجرة المثل كما لا يخفى. على انهم قد صرحوا بأنه إذا اوصى ان يحج عنه ولم يعين الأجرة انصرف ذلك الى أجرة المثل وتخرج من الأصل. والفرق بين المسألتين غير واضح.

ثم قال الرابعة ـ الصورة بحالها والحج مندوب ، والكلام فيه كما سبق من احتساب الأجرة كلها من الثلث. فلو امتنع الموصى له من القبول سقطت الوصية ، إلا إذا علم تعلق غرض الموصى بالحج مطلقا كما بيناه.

الخامسة ـ ان يعين الأجرة خاصة والحج واجب ، فان كانت مساوية لاجرة المثل صرفها الوارث الى من شاء ممن يقوم بالحج ، وكذا ان نقصت ، وان كان أزيد كان ما يساوي أجرة المثل من الأصل والزائد من الثلث.

السادسة ـ الصورة بحالها والحج مندوب ، وحكمها معلوم من ما سبق من احتساب الأجرة كلها من الثلث إلا مع الإجازة.

السابعة ـ ان لا يعين الأجير ولا الأجرة والحج واجب ، فالحج عنه من أصل المال بأقل ما يجد من يحج به عنه. أقول : قد عرفت ما في ذلك من الاشكال ، ومقتضى إطلاق كلام التذكرة الذي قدمناه هو اجرة المثل.


الثامنة ـ الصورة بحالها والحج مندوب ، والأجرة من الثلث إلا مع الإجازة كما تقدم. انتهى.

المسألة الحادية عشرة ـ المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لو قصر ما عينه اجرة للحج عن ذلك بحيث لا يرغب فيه أجير أصلا فإنه يصرف في وجوه البر ، وقيل يعود ميراثا.

واستدل في المنتهى على القول المشهور ـ بعد ان قطع به ـ بان هذا القدر من المال قد خرج عن ملك الورثة بالوصية النافذة ، ولا يمكن صرفه في الطاعة التي عينها الموصى ، فيصرف الى غيرها من الطاعات لدخولها في الوصية ضمنا.

واعترضه في المدارك بأنه يتوجه عليه أولا ـ منع خروجه عن ملك الوارث بالوصية ، لأن ذلك انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها والمفروض امتناعه ، ومتى ثبت الامتناع المذكور كشف عن عدم خروجه عن ملك الوارث.

وثانيا ـ ان الوصية انما تعلقت بطاعة مخصوصة وقد تعذرت ، وغيرها لم يدل عليه لفظ الموصى نطقا ولا فحوى ، فلا معنى لوجوب صرف الوصية إليه. الى ان قال : ومن هنا يظهر قوة القول بعوده ميراثا.

وفصل المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) في هذه المسألة فقال : ان كان قصوره حصل ابتداء بحيث لم يمكن صرفه في الحج في وقت ما كان ميراثا ، وان كان ممكنا ثم طرأ القصور بعد ذلك لطروء زيادة الأجرة ونحوه فإنه لا يعود ميراثا ، لصحة الوصية ابتداء فخرج بالموت عن الوارث ، فلا يعود اليه إلا بدليل ولم يثبت ، غاية الأمر انه قد تعذر صرفه في الوجه المعين فيصرف في وجوه البر كما في المجهول المالك. واستوجهه الشارح (قدس‌سره) ولعل الحكم بعوده ميراثا مطلقا أقرب. انتهى.


أقول : والقول بالعود ميراثا منقول عن ابن إدريس والشيخ في أجوبة المسائل الحائريات.

ثم لا يخفى ان كلامهم (رضوان الله عليهم) في هذه المسألة ـ وخلافهم فيها وتعليل كل منهم ما اختاره بهذه التعليلات الواهية ـ انما نشأ عن عدم الوقوف على الاخبار التي وردت في هذه المسألة ، وإلا فهي مكشوفة القناع واجبة الاتباع لا يعتريها مناقشة ولا نزاع ، وهي متفقة الدلالة على القول المشهور متعاضدة المقالة على ذلك لا يعتريها قصور ولا فتور.

ومنها ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (رضوان الله عليهم) عن علي بن مزيد صاحب الصابري (١) قال : «اوصى الي رجل بتركته وأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا شي‌ء يسير لا يكفي للحج. فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة ، فقالوا : تصدق بها عنه. فلما حججت لقيت عبد الله بن الحسن في الطواف فسألته وقلت له : ان رجلا من مواليكم من أهل الكوفة مات واوصى بتركته الي وأمرني أن أحج بها عنه ، فنظرت في ذلك فلم يكف للحج ، فسألت من قبلنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها. فتصدقت بها ، فما تقول؟ فقال لي : هذا جعفر بن محمد في الحجر فأته واسأله. قال : فدخلت الحجر فإذا أبو عبد الله عليه‌السلام تحت الميزاب مقبل بوجهه الى البيت يدعو ، ثم التفت الي فرآني فقال : ما حاجتك؟ فقلت : جعلت فداك اني رجل من أهل الكوفة من مواليكم فقال : دع ذا عنك ، حاجتك. قلت : رجل مات واوصى الي بتركته ان أحج بها

__________________

(١) الفروع ج ٢ ص ٢٣٩ الطبع القديم ، والتهذيب ج ٩ ص ٢٢٨ ، والفقيه ج ٤ ص ١٥٤ ، وفي الوسائل الباب ٣٧ و ٨٧ من الوصايا. واسم الراوي في الفروع هكذا : «علي بن فرقد صاحب السابري».


عنه ، فنظرت في ذلك فلم يكف للحج ، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها. فقال : ما صنعت؟ قلت : تصدقت بها ، فقال : ضمنت إلا ان لا يكون يبلغ ان يحج به من مكة ، فإن كان لا يبلغ ان يحج به من مكة فليس عليك ضمان ، وان كان يبلغ ان يحج به من مكة فأنت ضامن».

والشيخ في التهذيب (١) رواه بحذف حكاية لقاء عبد الله بن الحسن هكذا : «فلما حججت جئت الى ابي عبد الله عليه‌السلام فقلت : جعلني الله فداك مات رجل واوصى. الحديث» وهو ـ كما ترى ـ صريح في المدعى.

ومن ما يدل على ان المال بالوصية ينتقل عن الورثة ـ وانه مع تعذر صرفه في ما اوصى به يجب صرفه في أبواب البر ـ ما رواه المشايخ الثلاثة (رضوان الله عليهم) بأسانيدهم عن محمد بن الريان (٢) قال : «كتبت الى ابي الحسن عليه‌السلام ـ وفي الفقيه (٣) يعني : علي بن محمد ـ اسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها ، كيف يصنع بالباقي؟ فوقع (عليه‌السلام) : الأبواب الباقية اجعلها في البر».

ومن ما ينتظم في سلك هذا النظام ويلج في حيز هذا المقام ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (٤) والشيخ في التهذيب (٥) عن ياسين الضرير عن ابي جعفر عليه‌السلام (٦) في حديث يتضمن ان رجلا أوصى بألف درهم للكعبة فسأل أبا جعفر

__________________

(١) ج ٩ ص ٢٢٨.

(٢) الوسائل الباب ٦١ من الوصايا.

(٣) ج ٤ ص ١٦٢ ، واللفظ هكذا : «كتبت إليه ـ يعني : علي بن محمد عليهما‌السلام ـ اسأله ...».

(٤) ج ٤ ص ٢٤١.

(٥) ج ٩ ص ٢١٢.

(٦) الوسائل الباب ٢٢ من مقدمات الطواف.


عليه‌السلام فقال : ان الكعبة غنية عن هذا انظر الى من أم هذا البيت فقطع به أو ذهبت نفقته أو ضلت راحلته ، وعجز ان يرجع الى أهله ، فادفعها إلى هؤلاء».

وهذه الاخبار كلها ـ كما ترى ـ متفقة الدلالة واضحة المقالة في انه متى تعذر إنفاذ الوصية في الوجوه الموصى بها فإنها لا ترجع ميراثا كما توهموه ، بل يجب صرفها في أبواب البر ، وان دل هذا الخبر الأخير على هذا المصرف الخاص.

وبذلك يظهر لك ما في قول صاحب المدارك بعد جوابه عن كلام العلامة : ومن هنا يظهر قوة القول بعوده ميراثا. وكذا ما في تفصيل الشيخ علي (قدس‌سره) بل استدلال العلامة (رفع الله مقامهم ومقامه) ولكن العذر لهم ظاهر في عدم الوقوف على هذه الاخبار. وهذا من ما يؤيد ما قدمناه في غير مقام من ان بناء الأحكام على هذه التخريجات ـ وان كان ربما يتراءى منه الموافقة للقواعد ـ غير جيد ، بل لا بد من النص القاطع في المسألة وإلا فالوقوف عن الحكم.

والظاهر ان المتقدمين انما ذكروا هذه المسألة استنادا الى هذه الاخبار ولكن حيث لم تصل للمتأخرين تكلفوا هذه التعليلات العليلة. والله العالم.

المسألة الثانية عشرة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان الحج كما يصح بالاستئجار يصح ايضا بالارتزاق بان يقول : حج عني وأعطيك نفقتك أو أعطيك كذا وكذا. ولو استأجره بالنفقة لم يصح للجهالة. كذا صرح به في التذكرة.

ثم ان الاستئجار ضربان : أحدهما ـ استئجار عين الشخص بان يقول المؤجر : آجرتك نفسي لا حج عنك أو عن ميتك بنفسي بكذا وكذا. وثانيهما ـ إلزام ذمته بالعمل بأن يستأجره ليحصل له الحج اما بنفسه أو بغيره.

وقال العلامة في المنتهى : الإجارة على الحج على ضربين : معينة وفي الذمة فالمعينة ان يقول له استأجرتك لتحج عني هكذا بكذا. فههنا يتعين على الأجير


فعلها مباشرة ولا يجوز له ان يستنيب غيره ، لأن الإجارة وقعت على فعله بنفسه. ولو قال : على ان تحج عني بنفسك. كان تأكيدا ، لأن إضافة الفعل إليه في الصورة الأولى تكفي في ذلك. فلو استأجر النائب غيره لم تنعقد الأجرة. واما التي في الذمة بأن يستأجره ليحصل له حجة فيقول : استأجرتك لتحصل لي حجة ويكون قصده تحصيل النيابة مطلقا ، سواء كانت الحجة الصادرة عنه من الأجير أو من غيره ، فان هذا صحيح ويجوز للأجير ان يستنيب فيها ، لأنه كالمأذون له في فعل ما استؤجر فيه لغيره ، وكان كما لو صرح له بالاستنابة.

أقول : وينبغي ان يحمل على هذا القسم الثاني ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى عن الصادق عليه‌السلام (١) قال : «قلت له : ما تقول في رجل يعطى الحجة فيدفعها الى غيره؟ قال : لا بأس». وما رواه في موضع آخر (٢) عن عيثم ابن عيسى.

وبعض الأصحاب حمله على الاذن لفهمه منه الحمل على الصورة الاولى والأظهر ما ذكرناه. والله العالم.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤١٧ ، وفي الوسائل الباب ١٤ من النيابة في الحج. والمروي عنه هو الرضا (عليه‌السلام) واللفظ هكذا : «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) : ما تقول في الرجل ...».

(٢) التهذيب ج ١ ص ٥٧٩ الطبع القديم ، وفي الطبع الحديث ج ٥ ص ٤٦٢ عن «عثمان بن عيسى» ايضا كما هو احدى النسختين في الطبع القديم.


المقدمة الرابعة

في أقسام الحج

ولا خلاف بين العلماء في أنها ثلاثة : تمتع وقران وافراد ، وعلى ذلك تدل الاخبار :

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (١) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الحج ثلاثة أصناف : حج مفرد ، وقران ، وتمتع بالعمرة إلى الحج. وبها أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والفضل فيها. ولا نأمر الناس إلا بها».

وما رواه في الكافي والفقيه عن منصور الصيقل (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الحج عندنا على ثلاثة أوجه : حاج متمتع ، وحاج مقرن سائق الهدي ، وحاج مفرد للحج».

وروي الصدوق (رحمه‌الله) في الصحيح عن احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي عن علي بن أبي حمزة عن ابي بصير وزرارة بن أعين عن ابي جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «الحاج على ثلاثة وجوه : رجل أفرد الحج وساق الهدي ورجل أفرد الحج ولم يسق الهدي ، ورجل تمتع بالعمرة إلى الحج».

وينبغي ان يعلم ان حج التمتع انما نزل في حجة الوداع وان الحج قبل ذلك انما هو حج قران أو افراد لحاضري مكة والبعيد عنها ، وتخصيص هذين

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أقسام الحج. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) الوسائل الباب ١ من أقسام الحج.

(٣) الخصال ج ١ ص ٧١ ، وفي الوسائل الباب ١ من أقسام الحج.


الفردين بحاضري مكة والتمتع بالبعيد ـ كما دلت عليه الآية (١) والرواية (٢) ـ انما وقع بعد نزول حج التمتع يومئذ :

روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عن آبائه (عليهم‌السلام) (٣) قال : «لما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من سعيه بين الصفا والمروة أتاه جبرئيل عليه‌السلام عند فراغه من السعي وهو على المروة ، فقال : ان الله (تعالى) يأمرك أن تأمر الناس ان يحلوا إلا من ساق الهدي. فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على الناس بوجهه ، فقال : يا ايها الناس هذا جبرئيل ـ وأشار بيده الى خلفه ـ يأمرني عن الله (عزوجل) ان آمر الناس ان يحلوا إلا من ساق الهدي فآمرهم بما أمر الله به. فقام اليه رجل فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نخرج إلى منى ورؤسنا تقطر من النساء ، وقال آخرون : يأمرنا بشي‌ء ويصنع هو غيره. فقال : يا ايها الناس لو استقبلت من امري ما استدبرت صنعت كما صنع الناس ولكني سقت الهدي ولا يحل من ساق الهدي حتى يبلغ الهدي محله. فقصر الناس وأحلوا وجعلوها عمرة. فقام إليه سراقة بن مالك بن جشعم المدلجي فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال : بل لا بد الى يوم القيامة وشبك بين أصابعه. وانزل الله تعالى في ذلك قرآنا (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ)» (٤).

وقد استفاضت الاخبار بان أفضل الثلاثة للبعيد بعد الإتيان بالفرض هو

__________________

(١) وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٩٦ «ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ».

(٢) الوسائل الباب ٣ من أقسام الحج.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٢٥ ، وفي الوسائل الباب ٣ من أقسام الحج.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.


حج التمتع وان جاز له القران والافراد إلا انه خلاف الأفضل ، وربما ورد في بعض الاخبار تعيينه وانه لا يجوز غيره. وهو محمول على الفرض دون النافلة. ومن ذلك ما تقدم في صحيحة معاوية بن عمار.

ومن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة ، لأن الله (تعالى) يقول (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٢) فليس لأحد إلا ان يتمتع ، لان الله (تعالى) انزل ذلك في كتابه وجرت به السنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». وهذا الخبر محمول على الفرض.

وما رواه المشايخ الثلاثة (رضوان الله عليهم) في الصحيح عن إبراهيم بن أيوب الخزاز (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام اي أنواع الحج أفضل؟ فقال : التمتع ، وكيف يكون شي‌ء أفضل منه ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لو استقبلت من امري ما استدبرت لفعلت مثل ما فعل الناس».

وما رواه في الكافي عن احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي عن ابى جعفر الثاني (عليه‌السلام) (٤) قال : «كان أبو جعفر (عليه‌السلام) يقول : المتمتع

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة الآية ١٩٥.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٢٩١ ، والتهذيب ج ٥ ص ٢٩ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٠٤ وفي الوسائل الباب ٣ من أقسام الحج. واسم الراوي في الكافي «أبو أيوب الخزاز» وفي التهذيب «أبو أيوب إبراهيم بن عيسى» وفي الفقيه «أبو أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز».

(٤) الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج.


بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي».

وصحيحة زرارة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «المتعة والله أفضل ، وبها نزل القرآن وجرت السنة».

وصحيحة عبد الله بن سنان (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): انى قرنت العام وسقت الهدي؟ فقال : ولم فعلت ذلك؟ التمتع والله أفضل لا تعودن».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة.

قيل : ووجه التسمية ، اما في الافراد فلانفصاله عن العمرة وعدم ارتباطه بها ، واما القران فلاقتران الإحرام بسياق الهدي ، واما التمتع فهو لغة : التلذذ والانتفاع ، وانما سمي هذا النوع بذلك لما يتخلل بين عمرته وحجه من التحلل المقتضى لجواز الانتفاع والتلذذ بما كان حرمه الإحرام قبله ، مع الارتباط بينهما وكونهما كالشي‌ء الواحد ، فيكون التمتع الواقع بينهما كأنه حاصل في أثناء الحج أو لأنه يربح ميقاتا ، لانه لو أحرم بالحج من ميقات بلده لكان يحتاج بعد فراغه من الحج الى ان يخرج إلى أدنى الحل فيحرم بالعمرة منه ، وإذا تمتع استغنى عن الخروج ، لانه يحرم بالحج من جوف مكة ، قال الله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٣) ومعنى التمتع بها الى الحج الانتفاع بثوابها والتقرب بها الى الله (تعالى) قبل الانتفاع بالحج الى وقت الحج ، فيجتمع حينئذ التقربان أو المنتفع بها إذا فرغ منها باستباحة ما كان محرما الى وقت التلبس بالحج ، فالباء سببية. وهذان المعنيان ذكرهما الزمخشري في الكشاف والنيشابوري في تفسيره على ما نقله في المدارك.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج.

(٣) سورة البقرة الآية ١٩٥.


وكيف كان فالكلام هنا يقع في مطلبين :

المطلب الأول في حج التمتع

وصورته : ان يحرم من الميقات بالعمرة التمتع بها ثم يدخل مكة فيطوف بالبيت سبعا ويصلي ركعتين بالمقام ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعا ويقصر ، ومتى فعل ذلك أحل ، ثم ينشئ إحراما آخر للحج من مكة يوم التروية على الأفضل وإلا فبقدر ما يعلم انه يدرك الموقف بعرفات ، ثم يأتي عرفات فيقف بها الى غروب الشمس ثم يفيض الى المشعر ويبيت ليلة العاشر به ويقف به بعد طلوع الفجر ثم يفيض إلى منى فيحلق بها يوم النحر ويذبح هديه ويأكل منه ويرمي جمرة العقبة ، ثم يأتي مكة في يومه لطواف الحج وصلاة ركعتيه والسعي بين الصفا والمروة وطواف النساء ، ثم يعود إلى منى ليرمي بها ما تخلف من الجمار وان شاء اقام بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ، ومثله يوم الثاني عشر ، ثم ينفر بعد الزوال ، وان أقام إلى النفر الثاني جاز.

وتفاصيل هذه المسائل كما هو حقها يأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ عند ذكرها مفصلة.

وان أحببت الوقوف على صورة حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك العام الذي نزل فيه حج التمتع فهو ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار ـ ورواه في الكافي عنه ايضا ـ عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج ، ثم انزل الله (تعالى) عليه (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (٢) فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٥٤ ، والكافي ج ٤ ص ٢٤٥ ، وفي الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) سورة الحج الآية ٢٧.


أصواتهم بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحج في عامه هذا ، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والاعراب فاجتمعوا لحج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانما كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون به فيتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أربع بقين من ذي القعدة فلما انتهى الى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى اتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر وعزم بالحج مفردا ، وخرج حتى انتهى الى البيداء عند الميل الأول فصف الناس له سماطين ، قلبي بالحج مفردا وساق الهدي ستا وستين أو أربعا وستين حتى انتهى الى مكة في سلخ اربع من ذي الحجة ، فطاف بالبيت سبعة أشواط ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام ثم عاد الى الحجر فاستلمه وقد كان استلمه في أول طوافه ، ثم قال (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) (١) فابدأوا بما بدأ الله (تعالى) به. وان المسلمين كانوا يظنون ان السعي بين الصفا والمروة شي‌ء صنعه المشركون فانزل الله (عزوجل) (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (٢) ثم اتى الصفا فصعد عليه واستقبل الركن اليماني فحمد الله واثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلا ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا ثم انحدر وعاد الى الصفا فوقف عليها ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه ، فلما فرغ من سعيه وهو على المروة اقبل على الناس بوجهه فحمد الله (تعالى) واثنى عليه ثم قال : ان هذا جبرئيل ـ وأومأ بيده الى خلفه ـ يأمرني أن آمر من لم يسق هديا ان يحل ولو استقبلت من امري ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ولكني سقت الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي ان يحل حتى يبلغ الهدي محله. قال : فقال له رجل من

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة الآية ١٥٨.


القوم : لنخرجن حجاجا وشعورنا تقطر؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اما انك لن تؤمن بهذا ابدا. فقال له سراقة بن مالك بن جشعم الكناني : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علمنا ديننا كأننا خلقنا اليوم ، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل هو للأبد إلى يوم القيامة ، ثم شبك أصابعه ، وقال : دخلت العمرة في الحج هكذا (١) الى يوم القيامة. قال : وقدم على من اليمن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وهو بمكة فدخل عليه‌السلام على فاطمة (عليها‌السلام) وهي قد أحلت ، فوجد ريحا طيبة ووجد عليها ثيابا مصبوغة ، فقال : ما هذا يا فاطمة؟ فقالت : أمرنا بهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فخرج علي عليه‌السلام الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مستفتيا فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اني أمرت الناس بذلك فأنت يا على بما أهللت قال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قر على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي. قال : ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزل الدور ، فلما كان يوم التورية عند زوال الشمس أمر الناس ان يغتسلوا ويهلوا بالحج ، وهو قول الله (عزوجل) الذي أنزله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاتبعوا ملة أبيكم إبراهيم (٢) فخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصحابه مهلين بالحج حتى اتى منى فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخر والفجر ، ثم غدا والناس معه ، وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس ان يفيضوا منها ، فاقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقريش ترجو ان تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون ، فانزل الله (عزوجل) عليه : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ

__________________

(١) لفظ «هكذا» في الوافي باب (حج نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله).

(٢) سورة آل عمران الآية ٩٥ «فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً».


وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) (١) يعني : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم ، فلما رأت قريش أن قبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد مضت كأنه دخل في أنفسهم شي‌ء للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم ، حتى انتهى الى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك ، فضربت قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ثم مضى الى الموقف فوقف به ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون الى جانبها فنحاها ففعلوا مثل ذلك ، فقال : ايها الناس ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ولكن هذا كله ، وأومأ بيده الى الموقف ، فتفرق الناس ، وفعل مثل ذلك بالمزدلفة ، فوقف الناس حتى وقع القرص قرص الشمس ، ثم أفاض وأمر الناس بالدعة حتى انتهى الى المزدلفة ـ وهو المشعر الحرام ـ فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ثم اقام حتى صلى فيها الفجر ، وعجل ضعفاء بني هاشم بليل ، وأمرهم ان لا يرموا الجمرة جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ، فلما أضاء له النهار أفاض حتى انتهى الى منى فرمى جمرة العقبة ، وكان الهدي الذي جاء به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) أربعا وستين ، أو ستا وستين ، وجاء علي عليه‌السلام بأربع وثلاثين ، أو ست وثلاثين فنحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ستا وستين ، ونحر علي عليه‌السلام أربعا وثلاثين بدنة ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يؤخذ من كل بدنة منها حذوة من لحم ثم تطرح في برمة ثم تطبخ ، فأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام وحسيا من مرقها ، ولم يعطيا الجزارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدها وتصدق به ، وحلق وزار البيت ورجع الى منى واقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق ، ثم رمى

__________________

(١) سورة البقرة الآية ١٩٨.


الجمار ونفر حتى انتهى الى الأبطح ، فقالت له عائشة : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ترجع نساؤك بحجة وعمرة معا وارجع بحجة؟ فأقام بالأبطح وبعث معها عبد الرحمن بن ابى بكر الى التنعيم فأهلت بعمرة ، ثم جاءت فطافت بالبيت وصلت ركعتين عند مقام إبراهيم وسعت بين الصفا والمروة ، ثم أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فارتحل من يومه ، ولم يدخل المسجد الحرام ولم يطف بالبيت. ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين وخرج من أسفل مكة من ذي طوى».

أقول : عندي في هذا الخبر إشكال ، لأنه تضمن ان عليا عليه‌السلام لم يعين في إهلاله حجا ولا عمرة ، وانما قال : «إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأقره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك وجعله شريكه في هديه الذي ساقه فكان حجه حينئذ حج قران مثله. ثم ان الخبر تضمن ان الهدي الذي جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة وستون أو ستة وستون وجاء علي عليه‌السلام بأربعة وثلاثين أو ستة وثلاثين. وهذا لا يخلو من نوع مدافعة لما تقدم ، لأن عليا عليه‌السلام لم يهل بالقران الذي يقتضي سياق هذه البدن المذكورة وانما قال : «إهلالا كإهلال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع انه قال له : «أنت شريكي في هديي» فكيف يتم ان عليا عليه‌السلام اتى بهذه البدن معه وعقد بها إحرامه.؟

والصدوق ابن بابويه في الفقيه (١) قد نقل مضمون الخبر وان لم يسنده بما هو أوضح من هذا النقل وأسلم من هذا الاشكال ، حيث انه ذكر بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «وأنت شريكي في هديي» قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ساق معه مائة بدنة ، فجعل لعلي عليه‌السلام منها أربعا وثلاثين ولنفسه ستا وستين ونحرها كلها بيده. الى ان قال : وكان علي عليه‌السلام يفتخر على الصحابة ويقول : من فيكم مثلي وانا شريك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هديه؟ من فيكم مثلي وانا الذي ذبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هديي بيده؟. انتهى.

__________________

(١) ج ٢ ص ١٥٣ ، وفي الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.


ومن الظاهر ان الصدوق لا يذكره إلا بعد وصول الخبر له به ، وان لم يسنده في الكتاب المذكور. وهذا هو الصواب الذي لا يعتريه الاشكال والارتياب. ويشير الى بعض ما ذكرناه ما في صحيحة الحلبي أو حسنته المروية في الكافي. (١) والله العالم. وتحقيق البحث في هذا المطلب ينتظم في مسائل

الأولى ـ اجمع العلماء (رضوان الله عليهم) على ان فرض من نأى عن مكة هو التمتع لا يجوز لهم غيره إلا مع الضرورة. قاله في التذكرة.

وفي المنتهى : قال علماؤنا أجمع : فرض الله على المكلفين ـ ممن نأى عن المسجد الحرام وليس من حاضريه ـ التمتع مع الاختيار لا يجزئهم غيره ، وهو مذهب فقهاء أهل البيت (عليهم‌السلام) قال : وأطبق الجمهور كافة على جواز النسك بأي الأنواع الثلاثة شاء وانما اختلفوا في الأفضل. ثم نقل اختلافهم في ذلك (٢).

قيل : والأصل في وجوب التمتع على النائي قوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ). الى قوله (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٣) والظاهر عود الإشارة الى جميع ما تقدم. وحكى المحقق في المعتبر عن بعض فضلاء العربية انهم قالوا : تقديره ذلك التمتع. وهو جيد لما نص عليه أهل العربية من ان «ذلك» للبعيد.

واستدل على ذلك بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٤) في صدر المقدمة وصحيحة الحلبي المتقدمة ثمة (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) المغني ج ٣ ص ٢٧٦.

(٣) سورة البقرة الآية ١٩٥.

(٤) ص ٣١٢.

(٥) ص ٣١٣.


وصحيحته الأخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحج ، فقال : تمتع. ثم قال : انا إذا وقفنا بين يدي الله (تعالى) قلنا : يا ربنا أخذنا بكتابك. وقال الناس : رأينا رأينا. ويفعل الله بنا وبهم ما أراد».

ورواية معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «من حج فليتمتع ، انا لا نعدل بكتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وروايته (٣) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما نعلم حجا لله غير المتعة ، انا إذا لقينا ربنا قلنا : ربنا عملنا بكتابك وسنة نبيك صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقوم القوم : عملنا برأينا. فيجعلنا الله وإياهم حيث يشاء».

والظاهر ان التقريب فيها من جهة ان الخطاب فيها مع أهل الآفاق الخارجين عن حاضري مكة ، وإلا فإن غاية ما تدل عليه هو أفضلية التمتع أو تعينه ، ولا تعرض فيها لذكر النائي ولا غيره ، والأظهر هو الاستدلال بالأخبار الآتية كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأصحاب قد اختلفوا في حد البعد المقتضي لتعين التمتع على البعيد على قولين :

أحدهما ـ وهو المشهور ـ انه عبارة عن ثمانية وأربعين ميلا من كل ناحية ، ذهب اليه الشيخ في النهاية والتهذيب ، وابنا بابويه وأكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) وربما ظهر من كلام الشيخ ان البعد انما يتحقق بالزيادة عن الثمانية والأربعين. والظاهر ان الأمر في ذلك هين ، لأن الحصول على رأس المسافة المذكورة من غير زيادة ولا نقصان نادر.

وثانيهما ـ انه عبارة عن اثنى عشر ميلا فما زاد من كل جانب ، ذهب إليه

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٣ من أقسام الحج.


الشيخ في المبسوط ، وابن إدريس ، والمحقق في الشرائع ، مع انه رجع عنه في المعتبر وقال : انه قول نادر لا عبرة به. وبه قال العلامة في الإرشاد.

ومن أصحاب هذا القول من اعتبر هذا التقدير بالنسبة إلى مكة ، ومنهم من اعتبره بالنسبة الى المسجد الحرام ، وهو قول الشيخ في بعض كتبه كما نقله العلامة في التذكرة.

ولم نقف للقائلين بهذا القول على دليل ، وقد اعترف بذلك جملة من الأصحاب : منهم ـ المحقق في المعتبر والشهيد في الدروس وغيرهما ، وقال في المختلف : وكأن الشيخ نظر الى توزيع الثمانية والأربعين من الأربع جوانب فكان قسط كل جانب ما ذكرناه. ثم قال : وليس بجيد. قال في المدارك : لان دخول ذات عرق وعسفان في حاضري مكة ينافي ذلك.

والمعتمد هو القول الأول ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله (تعالى) في كتابه (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢)؟ قال : يعني أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان اهله دون ثمانية وأربعين ميلا ، ذات عرق وعسفان ، كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية ، وكل من كان اهله وراء ذلك فعليه المتعة».

وذكر في القاموس : ان عسفان كعثمان : موضع على مرحلتين من مكة. وذات عرق بالبادية ميقات أهل العراق.

ومن ما يعضد ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبيد الله الحلبي وسليمان ابن خالد وابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «ليس لأهل مكة ـ ولا لأهل مر ، ولا لأهل سرف ـ متعة ، وذلك لقول الله عزوجل : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٦ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.


حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» (١).

وبهذا المضمون رواية سعيد الأعرج (٢). قال في المعتبر : ومعلوم ان هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا. ويؤيده ما ذكره في القاموس : ان بطن «مر» موضع من مكة على مرحلة ، و «سرف» ككتف موضع قرب التنعيم.

وروى في الكافي عن ابي بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «قلت : لأهل مكة متعة؟ قال : لا ، ولا لأهل البستان ، ولا لأهل ذات عرق ولا لأهل عسفان ونحوها».

قال في الوافي : البستان بستان ابن عامر قرب مكة مجتمع النخلتين : اليمانية والشامية.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (٤) قال : «سألته عن قول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٥)؟ قال : ذلك أهل مكة ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة ، قال : قلت : فما حد ذلك؟ قال : ثمانية وأربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان وذات عرق».

وعن علي بن جعفر (٦) قال : «قلت لأخي موسى بن جعفر (عليه‌السلام) : لأهل مكة ان يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال : لا يصلح ان يتمتعوا لقول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)» (٧).

أقول وبهذه الأخبار ينبغي ان يستدل على تعين التمتع على النائي والفردين الآخرين على الحاضر ، لا بتلك الأخبار المتقدمة ، فإنها مجملة كما عرفت وان كان ما وقفت عليه في كلام أصحابنا إنما اشتمل على الاستدلال بتلك الأخبار

__________________

(١ و ٥ و ٧) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.

(٢ و ٣ و ٤ و ٦) الوسائل الباب ٦ من أقسام الحج.


بقي الكلام في انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي في الحسن عن حريز عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «في قول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢)؟ قال : من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها وثمانية عشر ميلا من خلفها وثمانية عشر ميلا عن يمينها وثمانية عشر ميلا عن يسارها فلا متعة له ، مثل «مر» وأشباهه».

قال في المدارك بعد ذكر الخبر المذكور : ويمكن الجمع بينه وبين صحيحة زرارة المتقدمة بالحمل على ان من بعد ثمانية عشر ميلا كان مخيرا بين الافراد والتمتع ، ومن بعد الثمانية والأربعين تعين عليه التمتع.

وروى الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) «في (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)؟ قال : ما دون الأوقات إلى مكة».

وعن الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «في (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)؟ قال : ما دون المواقيت إلى مكة فهو حاضري المسجد وليس لهم متعة».

وهذان الخبران بحسب ظاهرهما لا يخلوان من الإشكال ، لأن ما دون الأوقات أعم من ان يكون ثمانية وأربعين ميلا أو أزيد. ولا قائل بذلك. مع ظهور مخالفتهما لصحيحة زرارة المتقدمة وروايته الأخرى. وحينئذ فيجب تقييدهما بعدم الزيادة على الثمانية وأربعين ميلا.

واما ما ذكره في الذخيرة بعد ذكر الاحتمال الذي ذكرناه ـ من انه يحتمل الحمل على التقية لموافقته المحكي عن أبي حنيفة ـ فلا اعرف له وجها ، لأن المحكي عن أبي حنيفة ـ كما نقله في التذكرة ، قال : وقال أبو حنيفة : وحاضر والمسجد الحرام

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٦ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.


أهل المواقيت والحرم وما بينهما (١) ـ مخالف لما دل عليه ظاهر الخبرين المذكورين من تفسير الحاضرين بمن دون المواقيت ، المؤذن بخروج أصحاب المواقيت ، فكيف يمكن حمل الخبرين على مذهبه؟

نعم يمكن ان يقال : ان أقرب المواقيت إلى مكة ـ كما ذكره في التذكرة ـ ذات عرق ، وهي مرحلتان من مكة ، والمرحلتان ـ كما سيأتي بيانه ان شاء الله (تعالى) ـ عبارة عن مسافة يومين. وقال في موضع آخر من التذكرة ايضا : ان قرن المنازل ويلملم والعتيق على مسافة واحدة ، بينها وبين مكة ليلتان قاصدتان.

وعلى هذا فتكون هذه المواقيت من مكة على مسافة ثمانية وأربعين ميلا التي هي الحد الشرعي في ان من كان دونها إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام ، وإلا فلا.

وتوضيح ذلك انهم قد ذكروا في مسافة التقصير انها عبارة عن أربعة وعشرين ميلا ، وهو بياض يوم باتفاق الاخبار والأصحاب ، وثمانية وأربعون ميلا عبارة عن يومين ، وإذا ثبت ان هذه المواقيت على مسافة ثمانية وأربعين ميلا فكل من كان دونها إلى مكة فهو من حاضري المسجد الحرام. وبه يصح معنى الخبرين من غير اشكال.

ويظهر هذا المعنى ايضا من رواية زرارة ، حيث انه جعل فيها الحد لحاضري مكة هو ما دخل في مسافة ثمانية وأربعين ميلا من جميع نواحي مكة ، ثم قال : دون عسفان وذات عرق. فإنه ظاهر في كونهما على مسافة ثمانية وأربعين ميلا من مكة.

إلا انه ينقدح هنا اشكال آخر في المقام ، وهو ان ظاهر صحيحة زرارة ورواية أبي بصير ان عسفان وذات عرق من جملة حاضري مكة ، وانهما داخلان

__________________

(١) في بدائع الصنائع ج ٢ ص ١٦٩ : حاضرو المسجد الحرام هم أهل مكة وأهل الحل الذين منازلهم داخل المواقيت الخمسة.


في مسافة الثمانية والأربعين إلى مكة ، مع انه في القاموس صرح بان عسفان على مرحلتين ، والعلامة في التذكرة صرح بان ذات عرق على مرحلتين ، وصاحب المدارك وغيره نقلوا ذلك ، ولم يذكروا معنى المرحلة وانها عبارة عن ما ذا ، والذي وقفت عليه في تفسيرها ما ذكره الفيومي في المصباح ، فإنه قال : والمرحلة المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم ، والجمع مراحل. وظاهر هذه العبارة كونها عبارة عن مسافة يوم ، بان يكون «نحو» في كلامه بمعنى «مثل» كما هو الظاهر. وعلى هذا فتكون المرحلتان عبارة عن مسافة يومين. وفي كتاب شمس العلوم قال : يقال : بينهما مرحلة ، اي مسيرة يوم. وهو صريح في ما ذكرناه.

ومن هنا ينقدح الاشكال المشار إليه ، لأن الثمانية والأربعين ميلا التي جعلت مناطا للفرق بين حاضري مكة وغيرهم عبارة عن يومين ايضا ، لما عرفت من ما صرحوا به في مسافة التقصير من ما قدمنا ذكره آنفا. وبذلك يلزم الإشكال في صحيحة زرارة ، ورواية أبي بصير ، وكذا كلام الأصحاب الذين صرحوا بان عسفان وذات عرق من توابع مكة ، بمعنى انها داخلة في مسافة الثمانية والأربعين ميلا ، والحال ان عسفان ـ كما ذكره في القاموس ـ على مرحلتين من مكة ، وذات عرق كذلك ، كما تقدم في كلام العلامة في التذكرة ، وبموجب كون المرحلتين عبارة عن مسافة يومين كما نقلناه عن أهل اللغة ـ واليومان عبارة عن ثمانية وأربعين ميلا ـ يكون الموضعان المذكوران خارجين عن حدود مكة وملتحقين بالآفاق الموجبة لحج التمتع. ولم أقف على من تنبه لذلك من أصحابنا (رضوان الله عليهم).

وقد عرفت من ظاهر روايتي حماد بن عثمان والحلبي ما يؤيد ما ذكره في القاموس والتذكرة من خروج هذين الموضعين عن حدود مكة وعدم الدخول في حاضري المسجد.

واحتمال حمل صحيحة زرارة ورواية أبي بصير على التقية ـ لما عرفت من ان


مذهب أبي حنيفة تفسير حاضري مكة بأهل المواقيت وأهل الحرم وما بينهما ـ وان أمكن إلا ان ظاهر صحيحة زرارة يشعر بان ذات عرق وعسفان داخلان في حدود المسافة المذكورة لا خارجان عنها.

وبالجملة فالمسألة محل توقف واشكال ، ولا مناص للخروج من الإشكال إلا بالطعن في عبارتي القاموس والتذكرة بأن الموضعين المذكورين على مرحلتين ، بان يقال : انهما أقل من ذلك وقوفا على الصحيحة المذكورة ، أو بان يقال : ان المرحلة ليست عبارة عن ما ذكر في المصباح وكتاب شمس العلوم بل أقل من ذلك. والكل مشكل. والله العالم.

المسألة الثانية ـ لا خلاف ولا إشكال في ان من كان فرضه التمتع فإنه لا يجوز له العدول اختيارا الى غيره وانما يجوز له مع الاضطرار بلا خلاف كضيق الوقت عن الإتيان بأفعال العمرة قبل الوقوف ، أو حصول الحيض المانع من الإتيان بطواف العمرة وصلاة ركعتيه.

ومن ما يدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابان بن تغلب عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) في حديث قال : «أضمر في نفسك المتعة فإن أدركت متمتعا وإلا كنت حاجا».

وما رواه في الصحيح عن جميل بن دراج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال : تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة». قال ابن ابي عمير : كما صنعت عائشة.

والاخبار في ذلك تأتي ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج ، والباب ٢١ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.


نعم انه وقع الخلاف في حد الضيق الموجب للعدول ، وكذا وقع الخلاف في الحائض.

والكلام هنا يقع في مقامين الأول ـ في تحقيق حد الضيق الموجب للعدول :

فقال الشيخ المفيد (قدس‌سره) : من دخل مكة يوم التروية وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فأدرك ذلك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة ، فإذا غابت الشمس قبل ان يفعل ذلك فلا متعة له ، فليقم على إحرامه ويجعلها حجة مفردة

وقال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه (قدس‌سره) : الحائض إذا طهرت يوم التروية قبل زوال الشمس فقد أدركت متعتها ، وان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها ، فتجعلها حجة مفردة. قيل : وهو منقول عن المفيد ايضا.

وقال الصدوق (قدس‌سره) في المقنع : فان قدم المتمتع يوم التروية فله ان يتمتع ما بينه وبين الليل ، فان قدم ليلة عرفة فليس له ان يجعلها متعة بل يجعلها حجة مفردة ، فإن دخل المتمتع مكة فنسي أن يطوف بالبيت وبالصفا والمروة حتى كان ليلة عرفة فقد بطلت متعته ويجعلها حجة مفردة.

ونقل الشهيد في الدروس عن الحلبي من قدماء أصحابنا انه قال : وقت طواف العمرة إلى غروب الشمس يوم التروية للمختار ، وللمضطر الى ان يبقى ما يدرك عرفة في آخر وقتها.

وقال الشيخ في النهاية : فإذا دخل مكة يوم عرفة جاز له ان يتحلل ايضا ما بينه وبين زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فقد فاتته العمرة وكانت حجة مفردة.

والى هذا القول ذهب ابن الجنيد وابن حمزة وابن البراج والسيد السند في المدارك وقال ابن إدريس : تبقى المتعة ما لم يفت اضطراري عرفة. واستقرب العلامة في المختلف اعتبار اختياري عرفة ، وقواه في الدروس.


هذا ما حضرني في المسألة من أقوال أصحابنا (رضوان الله عليهم).

واما الاخبار فهي مختلفة غاية الاختلاف ، فمنها ما يدل على ما ذكره الشيخ في النهاية من فوات المتعة بزوال الشمس من يوم عرفة ، وبه استدل في المدارك :

كرواية جميل بن دراج عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحج الى زوال الشمس من يوم النحر». قال في المدارك : وهو نص في المطلوب.

ووصفها في المدارك بالصحة تبعا للشهيد في الدروس ، مع ان في طريقها محمد ابن عيسى وهو مشترك ، ولا قرينة على انه الأشعري. وهو كثيرا ما يرد هذا السند بالاشتراك ، لاحتمال العبيدي وحديثه عنده في الضعيف. فوصفه بالصحة هنا سهو ظاهر نشأ من الاستعجال.

ومثل هذه الرواية ما رواه في الكافي عن العدة عن سهل ، رفعه عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في متمتع دخل يوم عرفة؟ قال : متعته تامة الى ان يقطع التلبية». وقطع التلبية هنا كناية عن الزوال من يوم عرفة ، لأنه وقت قطع التلبية

وكيف كان فالخبران ضعيفان لا يصلحان للاستدلال على قاعدته.

ومنها ـ ما يدل على العدول إذا خاف فوت الموقف ، نحو حسنة الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل أهل بالحج والعمرة جميعا ، ثم قدم مكة والناس بعرفات ، فخشي ان هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف؟ قال : يدع العمرة ، فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.


وما رواه الكليني والشيخ عنه عن يعقوب بن شعيب الميثمي (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : لا بأس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوت الموقفين».

قال في الوافي : في بعض النسخ : «ان يحرم من ليلة عرفة» مكان «ان لم يحرم من ليلة التروية».

أقول : الظاهر من الخبرين المذكورين ان المراد بالموقف فيهما الموقف الاختياري ، بمعنى انه متى قدم مكة والناس في عرفات ، وخشي انه ان اشتغل بأفعال العمرة ـ وبينه وبين عرفات أربعة فراسخ ـ لم يلحق الموقف الاختياري ، فإنه يدع العمرة وينقل حجه الى الافراد ويبادر الى عرفات ليدرك الموقف الاختياري ، والحمل على الاضطراري ـ كما رجحه في الذخيرة ـ الظاهر بعده بل عدم استقامته. ولهذا ان صاحب المدارك اعتضد بحسنة الحلبي المذكورة بعد استدلاله برواية جميل. ومن الظاهر ان رواية جميل إنما أريد منها ذلك ، فان المراد من قوله : «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة» انه ان عرف انه يأتي بأفعال العمرة من الصبح على وجه يدرك الناس بعرفات بقي على متعته وأدرك الموقف ، وان عرف انه لا يفرغ منها إلا الى الزوال فإنه ينقل حجه الى الافراد ويمضي الى عرفة ويدرك الموقف.

وبهذا التقريب يرجع كلام الشيخ والاخبار المذكورة الى ان المدار في ذلك على انه ان عرف ادراك الموقف بقي على ما اعتمر وبقي على متعته ، وان عرف فواته نقل نيته الى الافراد وبادر الى عرفات. وهو ما صرح به العلامة في المختلف والشهيد في الدروس. وهو صريح عبارة الشيخ الآتي نقلها (٢) عن التهذيب.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.

(٢) ص ٣٣٧.


وعلى هذا القول يدل صحيح زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر (عليه‌السلام) عن الرجل يكون في يوم عرفة وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال : يقطع التلبية تلبية المتعة ، ويهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر ، ويمضي الى عرفات فيقف مع الناس ويقضي جميع المناسك ، ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ، ولا شي‌ء عليه». ىوهو ظاهر في العدول متى لم يدرك اختياري عرفة ، وإلا فإن الاضطراري في الصورة المذكورة يمكن إدراكه.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن سرو (٢) ـ وهو مجهول ، إلا ان المحقق الشيخ حسن قال في كتاب المنتقى : محمد بن سرو ، وهو ابن جزك ، والغلط وقع في اسم أبيه من الناسخين. وحينئذ فالخبر صحيح ، لان محمد بن جزك ثقة ـ قال : «كتبت الى ابى الحسن الثالث (عليه‌السلام) ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة وخرج الناس من منى الى عرفات ، اعمرته قائمة أو قد ذهبت منه؟ الى اي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية ، فكيف يصنع؟ فوقع (عليه‌السلام) : ساعة يدخل مكة ـ ان شاء الله تعالى ـ يطوف ويصلي ركعتين ويسعى ويقصر ويخرج بحجته ويمضي إلى الموقف ويفيض مع الامام».

وما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن ابى بصير ـ ورواه في الفقيه عن ابى بصير (٣) ـ قال : «قلت

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج. وفي الاستبصار ج ٢ ص ٢٤٧ «ويحرم بحجته».

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٤٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ٤٧٥ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٤٢ ، وفي الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج. وفي غير الكافي : «وتلحق الناس بمنى فلتفعل».


لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة؟ فقال : ان كانت تعلم انها تطهر وتطوف بالبيت وتحل من إحرامها وتلحق الناس فلتفعل».

وهو ظاهر ـ كما ترى ـ في اشتراط لحوق الناس في عرفات الذي هو عبارة عن الموقف الاختياري ، كما أشار إليه في الخبر الأول بقوله : «ويفيض مع الامام».

ومن ما يدخل في سلك نظام هذه الاخبار ايضا ما رواه ثقة الإسلام في الكافي والصدوق في الفقيه في الصحيح عن محمد بن ميمون (١) قال : «قدم أبو الحسن (عليه‌السلام) متمتعا ليلة عرفة فطاف وأحل واتى بعض جواريه ، ثم أهل بالحج وخرج».

ومنها ـ ما يدل على ان الاعتبار بإدراك الناس بمنى ، بمعنى انه ان امكنه الإتيان بالعمرة وادراك الناس بمنى أدرك التمتع وإلا فلا.

ومن ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٢) قال : «المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس بمنى».

وفي الصحيح عن مرازم بن حكيم (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : المتمتع يدخل ليلة عرفة مكة ، أو المرأة الحائض ، متى يكون لهما المتعة؟ قال : ما أدركوا الناس بمنى».

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٤٣ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٤٢ ، وفي الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.


وفي الموثق عن ابن بكير عن بعض أصحابنا (١) «انه سأل أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المتعة متى تكون؟ قال : يتمتع ما ظن انه يدرك الناس بمنى».

وفي الصحيح عن هشام ومرازم وشعيب عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في الرجل المتمتع يدخل ليلة عرفة فيطوف ويسعى ثم يحل ثم يحرم ويأتي منى؟ قال : لا بأس».

وعن ابي بصير (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة؟ فقال : ان كانت تعلم انها تطهر وتطوف بالبيت وتحل من إحرامها وتلحق الناس بمنى فلتفعل».

ورواية شعيب العقرقوفي (٤) قال : «خرجت انا وحديد فانتهينا الى البستان يوم التروية ، فتقدمت على حمار فقدمت مكة ، فطفت وسعيت وأحللت من تمتعي ، ثم أحرمت بالحج ، وقدم حديد من الليل ، فكتبت الى ابي الحسن عليه‌السلام أستفتيه في امره؟ فكتب الي : مره يطوف ويسعى ويحل من متعته ، ويحرم بالحج ويلحق الناس بمنى ، ولا يبيتن بمكة».

ومنها ـ ما يدل على توقيت التمتع بآخر نهار التروية :

ومنه ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عيص بن القاسم (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر تفوته المتعة؟

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ١٧١ ، وفي الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج. وقد نقل الحديث ص ٣٣١ عن المشايخ الثلاثة ، ولم يذكر فيه لفظ «بمنى» كما هي رواية الكليني (قدس‌سره).

(٥) التهذيب ج ٥ ص ١٧٢ ، وفي الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.


فقال : لا ، له ما بينه وبين غروب الشمس. وقال : قد صنع ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وما رواه عن إسحاق بن عبد الله (١) قال : «سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية؟ فقال : للمتمتع ما بينه وبين الليل».

وما رواه في الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا قدمت مكة يوم التروية وأنت متمتع فلك ما بينك وبين الليل ان تطوف بالبيت وتسعى وتجعلها متعة».

وما رواه عن عمر بن يزيد ايضا عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «إذا قدمت مكة يوم التروية ، وقد غربت الشمس فليس لك متعة ، امض كما أنت بحجك».

وما رواه عن زكريا بن عمران (٤) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة؟ قال : لا متعة له ، يجعلها عمرة مفردة».

وما رواه عن إسحاق بن عبد الله عن ابي الحسن عليه‌السلام (٥) قال : «المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليست له متعة ، يجعلها حجة مفردة ، إنما المتعة إلى يوم التروية».

وما رواه عن موسى بن عبد الله (٦) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة؟ قال : لا متعة له ، يجعلها حجة مفردة ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ويخرج إلى منى ، ولا هدى عليه ، انما الهدي على المتمتع».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج. وقد أورد اسم الراوي كما جاء في الاستبصار ج ٢ ص ٢٤٩. وفي التهذيب ج ٥ ص ١٧٣ «زكريا بن آدم».

(٥ و ٦) التهذيب ج ٥ ص ١٧٣ ، وفي الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.


وما رواه عن علي بن يقطين (١) قال : «سألت أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن الرجل والمرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج ، ثم يدخلان مكة يوم عرفة ، كيف يصنعان؟ قال : يجعلانها حجة مفردة ، وحد المتعة إلى يوم التروية».

ومنها ـ ما يدل على التوقيت بزوال الشمس من يوم التروية ، كصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع (٢) قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه‌السلام) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل ، متى تذهب متعتها؟ قال : كان جعفر (عليه‌السلام) يقول : زوال الشمس من يوم التروية. وكان موسى (عليه‌السلام) يقول : صلاة الصبح من يوم التروية. فقلت : جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج؟ فقال : زوال الشمس. فذكرت له رواية عجلان ابي صالح فقال : لا ، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة. فقلت : فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال : لا هي على إحرامها. فقلت فعليها هدي؟ فقال : لا ، إلا ان تحب ان تطوع. الحديث».

أقول : ورواية عجلان ابي صالح هي ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن درست عن عجلان ابي صالح (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام)

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.

(٣) روى الكليني هذا الحديث في الكافي ج ٤ ص ٤٤٦ بطريقين ، ونقل في الوسائل الحديثين في الباب ٨٤ من الطواف برقم ٢ و ٦. وقوله (عليه‌السلام) : «فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا والمروة» يختص به أحد الطريقين وينتهي بقوله : «ما خلا فراش زوجها» والطريق الثاني يفقد الفقرة المتقدمة ويشتمل على تتمة ، وهي قول الراوي : وكنت انا وعبيد الله بن صالح. الى آخره. والمصنف (قدس‌سره) جمع بين ألفاظ الطريقين ونقل الحديث بالصورة المذكورة.


متمتعة قدمت مكة فرأت الدم ، كيف تصنع؟ قال : تسعى بين الصفا والمروة وتجلس في بيتها ، فان طهرت طافت بالبيت ، وان لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت بالحج وخرجت إلى منى فقضت المناسك كلها ، فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفا والمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شي‌ء ما عدا فراش زوجها. قال : وكنت انا وعبيد الله بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد ، فدخل عبيد الله علي ابي الحسن (عليه‌السلام) فخرج الي فقال : قد سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن رواية عجلان فحدثني بنحو ما سمعنا من عجلان».

أقول : ظاهر هذا الحديث ـ كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى في المقام الثاني ـ هو البقاء على المتعة من غير عدول ، وقضاء طواف العمرة بعد الإتيان بالمناسك

وروى في الكتاب المذكور (١) في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج في حديث طويل قال : «أرسلت الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) ان بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن ، فكيف تصنع؟ قال : فلتنظر ما بينها وبين التروية فإن طهرت فلتهل بالحج ، وإلا فلا يدخل عليها يوم التروية إلا وهي محرمة».

وروى الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه في الصحيح عن جميل بن دراج (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال : تمضي كما هي الى عرفات فتجعلها حجة ، ثم تقيم حتى تطهر ، وتخرج الى التنعيم فتحرم وتجعلها عمرة» وزاد في التهذيب (٣) : قال ابن ابى عمير : «كما صنعت عائشة».

__________________

(١) ج ٤ ص ٣٠٠ و ٣٠١ ، وفي الوسائل الباب ٩ و ٢١ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.

(٣) ج ٥ ص ٣٩٠.


وقد تقدم في رواية علي بن يقطين : «وحد المتعة إلى يوم التروية».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (١) : وإذا حاضت المرأة من قبل ان تحرم فعليها أن تحتشي إذا بلغت الميقات وتغتسل وتلبس ثياب إحرامها وتدخل مكة وهي محرمة ، ولا تقرب المسجد الحرام ، فان طهرت ما بينها وبين يوم التروية قبل الزوال فقد أدركت متعتها ، فعليها ان تغتسل وتطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة وتقضي ما عليها من المناسك ، وان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها ، فتجعلها حجة مفردة.

ولا يخفى ان عبارة الشيخ علي بن بابويه المتقدمة إنما أخذت من هذه العبارة ، على عادته التي أشرنا إليها في غير موضع من ما تقدم.

ومنها ـ ما يدل على التحديد بسحر عرفة ، كما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : الى متى يكون للحاج عمرة؟ قال : الى السحر من ليلة عرفة».

أقول : لا يخفى ما في هذه الاخبار من الاشكال والداء العضال والتدافع بينها في هذا المجال.

قال الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب : المتمتع بالعمرة إلى الحج تكون عمرته تامة ما أدرك الموقفين ، سواء كان ذلك يوم التروية أو ليلة عرفة أو يوم عرفة الى بعد زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة فقد فاتت المتعة ، لأنه لا يمكنه ان يلحق الناس بعرفات والحال على ما وصفناه. إلا ان مراتب الناس تتفاضل في الفضل والثواب ، فمن أدرك يوم التروية عند زوال الشمس يكون ثوابه

__________________

(١) ص ٣٠.

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أقسام الحج.


أكثر ومتعته أكمل ممن لحق بالليل ، ومن أدرك بالليل يكون ثوابه دون ذلك وفوق من يلحق يوم عرفة الى بعد الزوال. والاخبار التي وردت ـ في ان من لم يدرك يوم التروية فقد فاتته المتعة ـ المراد بها فوت الكمال الذي يرجوه بلحوقه يوم التروية. وما تضمنت من قولهم (عليهم‌السلام) : «ويجعلها حجة مفردة» فالإنسان بالخيار في ذلك بين ان يمضي المتعة وبين ان يجعلها حجة مفردة إذا لم يخف فوت الموقفين وكانت حجته غير حجة الإسلام التي لا يجوز فيها الافراد مع الإمكان حسبما بيناه ، وانما يتوجه وجوبها والحتم على ان تجعل حجة مفردة لمن غلب على ظنه انه ان اشتغل بالطواف والسعي والإحلال ثم الإحرام بالحج يفوته الموقفان. ومهما حملنا هذه الاخبار على ما ذكرناه لم يكن قد دفعنا شيئا منها. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول : وهذا الكلام جيد في حد ذاته إلا ان انطباق الاخبار عليه في غاية الاشكال ، وان كان أصحابنا قد تلقوه بالقبول في هذا المجال ، فإن الأخبار الدالة على التوقيت بيوم التروية قد دلت جملة منها على انه بعد انقضاء يوم التروية فلا متعة له بل يجعلها حجة مفردة ، فقوله ـ : ان المراد بفوات المتعة يوم التروية فوات الكمال ـ لا يلائم الأمر بالعدول الى الافراد الذي هو حقيقة في الوجوب.

واما قوله في الجواب عن ذلك ـ : انه محمول على غير حجة الإسلام ، وانه مخير في ذلك بين ان يمضي المتعة وبين ان يجعلها حجة مفردة ـ

ففيه أولا ـ مع عدم ظهور قرينة على الحمل على غير حجة الإسلام ، وكذا على التخيير الذي ادعاه ـ ان ظاهر الأمر بالعدول الى حجة الافراد ـ بناء على تسليم ما ذكره ـ يقتضي ان الأفضل هو الافراد ان جاز المضي على التمتع ، مع ان الروايات قد استفاضت بأفضلية حج التمتع في مثل هذه الصورة ، وعاضدها اتفاق


كلمة الأصحاب على ذلك ايضا ، فكيف يجعل الأفضل هنا حج الافراد ، وتتفق هذه الأخبار على ان الأفضل حج الافراد في صورة الاستحباب كما زعمه؟

والعلامة في المنتهى حمل الأخبار المشار إليها على من خاف فوت الموقفين للجمع بين الروايات.

ولا يخفى ما فيه ، فان من جملة الأخبار المشار إليها صحيحة جميل بن دراج المتقدمة ، وهي قد اشتملت على القدوم يوم التروية الذي يخرج الناس فيه بالحج ، مع انه أمر المرأة بالمضي الى عرفات وان تجعلها حجة مفردة ، ونحوها الأخبار الأخر فإنها ظاهرة في إدراك الموقف الاختياري كما لا يخفى.

وثانيا ـ ان صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ظاهرة بل صريحة في حج الإسلام ، لقوله فيها : «ان بعض من معنا من صرورة النساء» والمراد بالصرورة انما هو من لم يحج كما عرفت آنفا ، فهو ظاهر في كون حج المرأة المذكورة انما هو حج الإسلام ، ومع ذلك جعل المناط فيها يوم التروية ، فإن طهرت أحلت في يوم التروية وإلا مضت في إحرامها تنقله الى الافراد.

وثالثا ـ قول الرضا (عليه‌السلام) في كتاب الفقه (١) : «وان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة». وهي صريحة في المدعى. وقد عرفت من ما قدمنا في غير موضع ان الكتاب معتمد ، ومنه أخذ علي بن الحسين بن بابويه عبارته المتقدمة ، كما نبهنا عليه مرارا في ما سلف. ومن ما يعضد كلامه في الكتاب المذكور صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع عنه (عليه‌السلام) (٢).

وبالجملة فإن الأخبار المذكورة ظاهرة تمام الظهور في ما قلناه ، ولهذا

__________________

(١) ص ٣٠.

(٢) ص ٣٣٥.


ذهب المشايخ المتقدم ذكرهم الى القول بمضمونها. وتأويل الشيخ (رضوان الله عليه) لها بما ذكره بعيد غاية البعد ، لكن أصحابنا المتأخرين حيث رأوا الأخبار بهذا الاختلاف الزائد ولم يهتدوا الى وجه يجمعون به بينها جمدوا على كلام الشيخ المذكور.

والأظهر عندي في اختلاف هذه الاخبار انما هو الحمل على التقية ، على الوجه الذي قدمنا ذكره في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب ، من انهم (عليهم‌السلام) كثيرا ما يلقون الاختلاف بين الشيعة في الأحكام لما يرونه من المصلحة التي تقدمت الإشارة إليها في المقدمة المذكورة وان لم يكن شي‌ء منها مذهبا للعامة.

وأنت خبير بان روايات التحديد بإدراك منى ، وكذا روايات التحديد بآخر نهار التروية ، وروايات التحديد بيوم التروية ، كلها متقاربة يمكن حمل بعضها على بعض ، والمخالفة التامة إنما تحصل بين هذه الاخبار والاخبار الأولة الدالة على ان المدار في ذلك على ادراك الموقفين. والجمع بينهما ـ كما عرفت ـ مشكل. ويمكن ترجيح الأخبار الأولة بأنها أوفق بقواعد الاخبار والأصحاب ، والثانية بأنها أكثر عددا.

وظاهر الفاضل الخراساني في الذخيرة الميل الى ما ذهب اليه الشيخ المفيد وابن بابويه ، حيث قال : ولا يخفى ان مقتضي صحيحة جميل تعين العدول يوم التروية ، ومقتضى صحيحة محمد بن إسماعيل توقيت متعتها بزوال الشمس يوم التروية. والاولى العمل بذلك كما هو محكي عن علي بن بابويه والمفيد ، وقد سبق حكايته. انتهى.

والمسألة لا تخلو من شوب الاشكال. ولعل الترجيح للقول المشهور. والله العالم

المقام الثاني ـ المشهور بين الأصحاب ان الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الإحرام بالحج لضيق الوقت فإنهما تبقيان على إحرامهما وتنقلان حجهما الى الافراد.


وظاهر العلامة في المنتهى دعوى الإجماع على ذلك ، حيث قال : إذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت وسعت وقصرت ثم أحرمت بالحج كما يفعل الرجل سواء فان حاضت قبل الطواف لم يكن لها ان تطوف بالبيت إجماعا ، لأن الطواف صلاة (١) ولأنها ممنوعة من الدخول الى المسجد. وتنتظر الى وقت الوقوف بالموقفين ، فان طهرت وتمكنت من الطواف والسعي والتقصير وإنشاء الإحرام بالحج وادراك عرفة صح لها التمتع ، وان لم تدرك ذلك وضاف عليها الوقت واستمر بها الحيض الى وقت الوقوف بطلت متعتها وصارت حجتها مفردة ، ذهب إليه علماؤنا اجمع.

ونقل في المدارك عن الشهيد في الدروس انه حكى عن علي بن بابويه وابى الصلاح وابن الجنيد قولا بأنها مع ضيق الوقت تسعى ثم تحرم بالحج وتقضي طواف العمرة مع طواف الحج.

قال في المدارك بعد نقل القولين المذكورين : والمعتمد الأول ، لنا ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد. ثم أورد صحيحة جميل المتقدمة (٢) ثم أردفها بصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة أيضا. وقال بعدها : قال في المنتهى : وهذا الحديث كما يدل على سقوط وجوب الدم يدل على الاجتزاء بالإحرام الأول. واما اختلاف الإمامين (عليهما‌السلام) في فوات المتعة فالضابط فيه ما تقدم من انه إذا أدركت أحد الموقفين صحت متعتها إذا كانت قد طافت وسعت وإلا فلا. وقد تقدم البحث فيه. ثم قال في المدارك : هذا كلامه وهو جيد.

__________________

(١) في حديث أبي حمزة في الوسائل الباب ٣٨ من الطواف : «. إلا الطواف فان فيه صلاة» وفي سنن الدارمي ج ١ ص ٣٧٤ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الطواف بالبيت صلاة».

(٢) ص ٣٣٦.


أقول : لا ريب ان البناء على هذا الضابط موجب لرد هذه الاخبار البتة إذ من المعلوم عند كل ذي سمع ودراية ان الداخل إلى مكة يوم التروية في أوله أو آخره لا يفوته الموقف بعد الإتيان بأفعال العمرة ، مع انهم (عليهم‌السلام) حكموا بفوات المتعة في الصحيحين المذكورين بزوال الشمس من يوم التروية أو من أول صبحه. وهكذا في الروايات المتقدمة. ولكنهم (رضوان الله عليهم) لعدم ظهور الجواب لديهم عن هذه الاخبار يرمون بهذا الكلام الذي لا يخرج عن الجزاف بل ارتكاب التحمل والاعتساف.

وبالجملة فإن الاستدلال بهاتين الصحيحتين وأمثالهما يتوقف على القول بمضمونهما وهم لا يقولون بذلك ، وتأويلهم لا ينطبق عليهما ، فكيف يصح منهم الاستدلال بهما؟ نعم يصح الاستدلال بهما في الجملة أعم من ان يكون الاعتبار في العدول بما دلت عليه أو ما دلت عليه الاخبار الأولة.

ويدل على ذلك ما رواه ابن بابويه في الموثق عن إسحاق بن عمار (١) قال : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن المرأة تجيى‌ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات؟ فقال : تصير حجة مفردة ، وعليها دم أضحيتها».

واما ما يدل على القول الثاني فروايات : منها ـ رواية عجلان ابي صالح المتقدمة (٢).

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (٣) في الصحيح عن العلاء بن صبيح ، وعبد الرحمن بن الحجاج ، وعلي بن رئاب ، وعبد الله بن صالح ، كلهم

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٤٠ وفي الوسائل الباب ٢١ من أقسام الحج.

(٢) ص ٣٣٥ و ٣٣٦.

(٣) ج ٤ ص ٤٤٥ ، وفي الوسائل الباب ٨٤ من الطواف.


يروونه عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) قال : «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية ، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة ، وان لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سمعت بين الصفا والمروة ، ثم خرجت إلى منى ، فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت ، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي‌ء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها ، فإذا طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها».

وما رواه في الكافي عن عجلان ايضا (١) «انه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول : إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل ان تطوف قدمت السعي وشهدت المناسك ، فإذا طهرت وانصرفت من الحج قضت طواف العمرة وطواف الحج وطواف النساء ، ثم أحلت من كل شي‌ء».

وما رواه في الكافي في الموثق عن يونس بن يعقوب عن رجل (٢) «انه سمع أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول ، وسئل عن امرأة متمتعة طمثت قبل ان تطوف فخرجت مع الناس الى منى. فقال : أو ليس هي على عمرتها وحجتها فلتطف طوافا للعمرة وطوافا للحج».

وهو ظاهر في بقائها على عمرتها وحجتها ، وانها تطوف بعد قضاء المناسك وتسعى ايضا ، وانما سكت عنه لظهوره ومعلوميته.

قال في المدارك بعد نقل صحيحة العلاء بن صبيح وعبد الرحمن بن الحجاج وعلي بن رئاب المتقدمة : والجواب انه بعد تسليم السند والدلالة يجب الجمع بينها وبين الروايات السابقة المتضمنة للعدول الى الافراد بالتخيير بين الأمرين.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨٤ من الطواف.


أقول : لا أعرف في مناقشته في سند الرواية ودلالتها هنا وجها غير مجرد التسجيل ، وهو قد نقل في كتابه السند بهذه الصورة : الكليني عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن ابي عمير عن حفص بن البختري عن الجماعة المتقدم ذكرهم. وليس في السند من يتوقف في شأنه إلا العلاء بن صبيح وعبد الله بن صالح ، وهما مشتركان في النقل مع علي بن رئاب وعبد الرحمن بن الحجاج المتفق على توثيقهما. واما الدلالة فهي أظهر من ان تنكر.

أقول : والأظهر في الجمع بين روايات المسألة هو ما دل عليه ما رواه في الكافي عن ابى بصير (١) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول في المرأة المتمتعة : إذا أحرمت وهي طاهر ، ثم حاضت قبل ان تقضي متعتها ، سعت ولم تطف حتى تطهر ثم تقضى طوافها وقد تمت عمرتها ، وان هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر».

وعلى هذا فتحمل اخبار البقاء على المتعة وقضاء طواف العمرة بعد المناسك على ما إذا أحرمت وهي طاهر. وهذا هو ظاهر الأخبار المشار إليها ، كصحيحة الجماعة المتقدمة ، حيث قال فيها : «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت» وهو ظاهر في كون إحرامها من الميقات وهي طاهر. وكذا رواية عجلان (٢) وقوله فيها : «قدمت مكة فرأت الدم» وهكذا الروايات الباقية. واما روايات العدول الى الافراد فبعضها ما هو ظاهر في ذلك وبعضها يحتاج إلى تأويل.

وهذا التفصيل الذي تضمنته هذه الرواية هو ظاهر عبارة كتاب الفقه

__________________

(١) الوسائل الباب ٨٤ من الطواف.

(٢) ص ٣٣٥ و ٣٣٦.


الرضوي ، حيث قال عليه‌السلام (١) على اثر العبارة التي قدمناها : وان حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا والمروة وفرغت من المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ، فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت وهي متمتعة بالعمرة إلى الحج ، وعليها ثلاثة أطواف : طواف للمتعة وطواف للحج وطواف للنساء.

أقول : ومن هذه العبارة أخذ علي بن الحسين مذهبه المنقول عنه. وصدر العبارة الذي قدمناه صريح في فرض تقدم الحيض على الإحرام ، والحكم مع ضيق الوقت بالعدول الى حج الافراد. وهذه العبارة صريحة في تقدم الإحرام على الحيض ، وان الحكم بقاء على متعتها وتقديم السعي وقضاء طواف العمرة بعد الإتيان بأفعال الحج.

والى هذا المعنى أشار الصدوق في الفقيه (٢) حيث قال : وانما لا تسعى الحائض التي حاضت قبل الإحرام بين الصفا والمروة وتقضي المناسك كلها ، لأنها لا تقدر ان تقف بعرفة إلا عشية عرفة ، ولا بالمشعر إلا يوم النحر ، ولا ترمي الجمار إلا بمنى ، وهذا إذا طهرت قضته. انتهى.

وهو (رحمه‌الله) قد قدم رواية عجلان ابى صالح (٣) المتضمنة للأمر بالسعي للمرأة المتمتعة التي دخلت مكة فحاضت ، فجعل هذا الكلام في مقابلة ما دلت عليه الرواية. وفيه إشارة إلى التفصيل المذكور.

ولعل مراده (طاب ثراه) انه انما تعدل في صورة تقدم الحيض على الإحرام الى الافراد لأنها لم تدرك شيئا من عمرتها طاهرة ، وقد ضاق عليها وقت الحج ، وأفعاله مخصوصة بأوقات معينة لا يمكن التقديم فيها ولا التأخير ،

__________________

(١) ص ٣٠.

(٢) ج ٢ ص ٢٤٢.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٣٩.


بخلاف العمرة ، فإنه إذا لم يتمكن من الإتيان بها أولا جاز العدول الى الحج والإتيان بأفعاله المذكورة في أوقاتها المعينة ، ثم الإتيان بالعمرة مفردة بعد ذلك. واما في صورة تقدم الإحرام على الحيض فإنها أدركت إحرام العمرة طاهرة ، فجاز لها البناء عليه والبقاء على حجها تمتعا ثم السعي بين الصفا والمروة ، وتأخير الطواف وركعتين الى بعد الفراغ من أفعال الحج وطهرها ، ثم تأتي به مع طواف الحج وطواف النساء.

قال شيخنا المولى محمد تقي المجلسي ـ في شرحه على الفقيه بعد ذكر العبارة المذكورة ـ ما هذه ترجمته : والحائض التي حاضت قبل الإحرام انما لا تسعى بين الصفا والمروة لتأتي بجميع المناسك مع حج التمتع ، لانه لا تقدر عليه نية عمرة التمتع ، لأنها تعلم أن لأفعال الحج أوقاتا مخصوصة لو لم تفعلها في تلك الأوقات لم تصح حجتها ، مثل الوقوف بعرفات فإنه لا يصح إلا عشية عرفة ، وبالمشعر فلا يصح إلا يوم النحر ، ورمى الجمار. وإذا كانت في حال إحرامها حائضا فظنت عدم النقاء الى يوم العاشر لا تقدر أن تنوي عمرة التمتع فيتعين عليها نية حج الإفراد. فاما إذا لم تكن عند الإحرام حائضا تقدر أن تنوي عمرة التمتع ، بل يجب عليها لاحتمال عدم طروء الدم ، فإذا نؤتها أتمتها ولو حاضت بعد ذلك ولكن لا تطوف ، فإذا طهرت طافت طواف العمرة ثم تطوف طواف الحج. الى آخر أفعاله. وهذا وجه في الجمع بين الأخبار الواردة في هذا الباب. والاختلاف هنا وقع في أمرين : أحدهما ـ ان الحائض تأتي بالتمتع أو الافراد. الثاني ـ في إدراك عرفة. وأكثر الفضلاء خلطوا بين الاخبار وجعلوها متفقة غير مختلفة. اما الخلاف في الأمر الأول ففيه ثلاثة أقوال : الأول ـ ان الحائض والنفساء إذا دخلتا مكة واتسع وقتهما صبرتا الى اليوم الثامن بل الى زوال اليوم التاسع ، فان طهرتا واتسع وقتهما للاغتسال والإتيان بأقل


واجب من الطواف وركعتيه والسعي وتجديد الإحرام للحج وادراك الوقوف بعرفات تمتعا ، وان فاتهما الحج بالاشتغال بأفعال العمرة بعدم اتساع الوقت أو عدم الرفقة الى عرفات وخوفهما على أنفسهما أو بضعهما نقلتا نيتهما من العمرة إلى الحج وحجتا حج الافراد. وليس في هاتين الصورتين خلاف يعتد به ، انما معظم الخلاف في انهما لو أمكنهما الإتيان بأفعال العمرة والحج كليهما ، بان تأتيا بأفعال العمرة مع عدم النقاء إلا الطواف ، وتجددا الإحرام للحج ، وتؤخرا طواف العمرة إلى النقاء فتأتيان به مع طواف الزيارة وطواف النساء ، هل تتمتعان أو تنتقلان الى الافراد؟ ذهب الى الأول جماعة من القدماء وجمع من المتأخرين ، وأكثر الأصحاب أوجبوا النقل الى حج الافراد وتأتى بعد ذلك بعمرة مفردة. وذهب جمع من الأصحاب إلى القول بالتخيير. ولا يخلو من قوة. وظني رجحان هذا القول مع أفضلية التمتع. وفيه قول آخر بالتفصيل ـ كما ذكره الصدوق (رحمه‌الله) ـ بأنهما متى كانتا عند الإحرام طاهرتين تمتعا وإلا افردتا. انتهى كلامه. وانما نقلناه بطوله لاشتماله على تحقيق المسألة بجميع أقوالها ، وان كان ما حمل عليه عبارة الصدوق وفسرها به في صدر كلامه لا يخلو من شي‌ء.

تتميم

هذا كله في ما لو تجدد العذر قبل الشروع في الطواف ، اما لو تجدد في أثنائه فللأصحاب (رضوان الله تعالى عليهم) هنا أقوال : المشهور انها ان طافت أربعة أشواط تامة صحت متعتها وأتت بالسعي وبقية المناسك وقضت بعد طهرها ما بقي من طوافها. وثانيها ـ ما ذهب اليه ابن إدريس واختاره في المدارك من انه لا تصح العمرة إلا بعد إتمام الطواف ، قال ابن إدريس : والذي تقتضيه


الأدلة انها إذا جاءها الحيض قبل جميع الطواف فلا متعة لها ، وانما ورد بما قاله شيخنا أبو جعفر خبران مرسلان فعمل عليهما ، وقد بينا انه لا يعمل باخبار الآحاد وان كانت مسندة فكيف بالمراسيل. انتهى. وثالثها ـ ما ذهب اليه الصدوق في الفقيه من انه تصح متعتها وان حصل الحيض قبل إكمال الأربعة.

ويدل على القول المشهور ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن مسكان وثقة الإسلام في الصحيح ايضا عن صفوان عن إسحاق بياع اللؤلؤ ـ وهو مجهول ـ عن من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام (١) يقول : «المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ، ثم رأت الدم فمتعتها تامة» وزاد في التهذيب : «وتقضى ما فاتها من الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وتخرج إلى منى قبل ان تطوف الطواف الآخر».

أقول : ولعل المراد بالطواف والآخر الطواف المقضي.

وما رواه الشيخ عن إبراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج (٢) قال : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت؟ قال : تتم طوافها فليس عليها غيره ، ومتعتها تامة ، فلها ان تسعى بين الصفا والمروة ، وذلك لأنها زادت على النصف ، وقد مضت متعتها ولتستأنف بعد الحج».

وروى في الفقيه عن ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق (٣) عن من

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٩٣ ، والكافي ج ٤ ص ٤٤٩ ، وفي الوسائل الباب ٨٦ من الطواف. والكليني يرويه عن صفوان عن عبد الله بن مسكان عن إسحاق. وفي التهذيب عن صفوان عن ابن مسكان عن أبي إسحاق.

(٢) الوسائل الباب ٨٦ من الطواف.

(٣) الوسائل الباب ٨٥ من الطواف.


سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت. الحديث. وزاد فيه : وان هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج ، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو الى التنعيم فلتعتمر.

أقول : ومن ما يدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام في الكافي (١) عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته ، وان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله».

وما رواه أيضا في الكتاب المذكور عن احمد بن عمر الحلال عن ابي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت؟ قال : إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت ، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) : ومتى حاضت المرأة في الطواف خرجت من المسجد ، فان كانت طافت ثلاثة أشواط فعليها ان تعيد ، وان كانت طافت أربعة أقامت على مكانها فإذا طهرت بنت وقضت ما عليها. ولا تجوز على المسجد حتى تتيمم وتخرج منه. وكذلك الرجل إذا أصابه علة وهو في الطواف لم يقدر على إتمامه خرج وأعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه ، فان جاز نصفه

__________________

(١) ج ٤ ص ٤٤٨ ، وفي الوسائل الباب ٨٥ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ٨٥ من الطواف.

(٣) ص ٣٠.


فعليه ان يبني على ما طاف. انتهى.

وقال في المدارك بعد ان نقل روايتي أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ وإبراهيم : وفي الروايتين قصور من حيث السند بالإرسال وجهالة المرسل. ثم نقل كلام ابن إدريس المتقدم نقله ، وقال بعده : وهذا القول لا يخلو من قوة لامتناع إتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل ، ويشهد له صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة (١) حيث قال فيها : «سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل ، متى تذهب متعتها؟ ...». انتهى.

أقول : قد عرفت ما دل على هذا الحكم عموما وخصوصا من الاخبار المتقدمة ، وما طعن به عليها من ضعف الاسناد بناء على هذا الاصطلاح المحدث فجوابه جبر ضعفها بعمل الأصحاب كافة. وخلاف ابن إدريس ـ بناء على أصوله الغير الاصيلة وأدلته العليلة ـ من ما لا يلتفت اليه ولا يعرج في مقام التحقيق عليه. وهو قد سلم هذه المقدمة في غير موضع من شرحه هذا وان خالف نفسه في آخر كما هنا.

واما ما احتج به ـ من عدم إتمام العمرة المانع من التحلل ـ ففيه ان المفهوم من الاخبار المذكورة ان الشارع قد جعل مجاوزة النصف هنا موجبا للتحليل في مقام الضرورة وقائما مقام الإتمام في ذلك. وبه يظهر الجواب عن إطلاق الصحيحة التي احتج بها.

واما ما ذكره الصدوق فإنه قد احتج عليه بصحيحة محمد بن مسلم (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطواف أو أقل من ذلك ،

__________________

(١) ص ٣٣٥.

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٤١ ، وفي الوسائل الباب ٨٥ من الطواف.


ثم رأت دما؟ قال : تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى».

قال في الفقيه بعد نقلها : قال مصنف هذا الكتاب (رضوان الله عليه) : وبهذا الحديث افتى دون الحديث الذي رواه ابن مسكان عن إبراهيم بن إسحاق عن من سأل أبا عبد الله عليه‌السلام. ثم ساق الرواية المتقدمة حسبما قدمنا نقله عنه ، ثم قال : لان هذا الحديث إسناده منقطع والحديث الأول رخصة ورحمة ، وإسناده متصل. انتهى.

أقول : فيه أولا ـ ان اسناد هذا الخبر وان كان منقطعا بناء على ما نقله إلا انه بناء على رواية الشيخ متصل. و (ثانيا) ـ اعتضاد هذا الخبر بالأخبار المتقدمة ، وبالأخبار الكثيرة الآتية ـ ان شاء الله تعالى ـ في باب الطواف ، من ان طواف الفريضة انما يبنى فيه على ما زاد على النصف بخلاف طواف النافلة فإنه يبنى فيه على الأقل (١) ولهذا حمل الشيخ صحيحة محمد بن مسلم على طواف النافلة. وهو جيد. وبما ذكرناه يظهر قوة القول المشهور. والله العالم.

المسألة الثالثة ـ قد صرح جمع من الأصحاب بأنه يشترط في حج التمتع شروط أربعة الأول ـ النية ، إلا انه قد اضطرب كلامهم في المعنى المراد من هذه النية هنا :

قال شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك : قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم وظاهرهم ان المراد بها نية الحج بجملته. وفي وجوبها كذلك نظر. ويمكن ان يريدوا بها نية الإحرام. وهو حسن إلا انه كالمستغنى عنه ، فإنه من جملة الأفعال وكما تجب النية له تجب لغيره ، ولم يتعرضوا لها في غيره على الخصوص ولعل للإحرام مزية على غيره باستمراره وكثرة أحكامه وشدة التكليف به. وقد صرح في الدروس بان المراد بها نية الإحرام. ويظهر من سلار في الرسالة ان

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ و ٤١ و ٤٥ من الطواف.


المراد بها نية الخروج. انتهى.

ومن غفلات صاحب المدارك انه ـ بعد ان نقل عن جده انه ذكر عن ظاهر أصحابنا ان المراد بهذه النية نية الحج بجملته ـ قال : ونقل عن سلار التصريح به. ويمكن ان يكون في النسخة التي عنده من المسالك الحج عوض الخروج ، فان المنقول عن سلار قول آخر غير القولين المتقدمين ، وهو انه فسر النية بنية الخروج إلى مكة ، كما أفصح بنقله عنه الشهيد في الدروس.

ونقل في المختلف عن الشيخ في المبسوط انه قال : شروط التمتع ستة. الى ان قال : السادس النية وهي شرط في التمتع ، والأفضل ان تكون مقارنة للإحرام ، فإن فاتت جاز تجديدها الى وقت التحلل. ثم قال في المختلف : وفيه نظر ، فإن الأولى إبطال ما لم يقع بنية لفوات الشرط.

واعتذر عنه في الدروس فقال : ولعله أراد نية التمتع في إحرامه لا مطلق نية الإحرام ، ويكون هذا التجديد بناء على جواز نية الإحرام المطلق كما هو مذهب الشيخ ، أو على جواز العدول الى التمتع من إحرام الحج والعمرة المفردة. وهذا يشعر بأن النية المعدودة هي نية النوع المخصوص. انتهى.

وكيف كان فان هذا البحث مفروغ عنه عندنا ، لما عرفت في مقدمات الكتاب ، فإن النية من الأمور الجبلية في كل فعل يأتي به العاقل المكلف ، عبادة كان أو غيرها. وانما ذكرنا هذه الكلمات حكاية لما جرى لهم في المقام.

الثاني ـ وقوعه في أشهر الحج ، ويدل عليه من الاخبار صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) في حديث قال في آخره : «وقال : ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج».

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من أقسام الحج. والباب ٧ من العمرة.


وصحيحة زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل؟ فقال : المتعة. فقلت : وما المتعة؟ فقال : يهل بالحج في أشهر الحج ، فإذا طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة قصر وأحل ، فإذا كان يوم التروية أهل بالحج ونسك المناسك ، وعليه الهدي. الحديث».

ورواية سعيد الأعرج (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج فعليه شاة ، ومن تمتع في غيره أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم ، انما هي حجة مفردة».

وروى الصدوق في القوي عن سماعة بن مهران عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) انه قال : «من حج معتمرا في شوال ومن نيته ان يعتمر ويرجع الى بلاده فلا بأس بذلك ، وان هو أقام إلى الحج فهو متمتع ، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن اعتمر فيهن واقام إلى الحج فهي متعة ، ومن رجل الى بلاده ولم يقم الى الحج فهي عمرة ، وان اعتمر في شهر رمضان أو قبله واقام إلى الحج فليس بمتمتع وانما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أقسام الحج ، والباب ١ من الذبح ، وتتمة الرواية : «وانما الأضحى على أهل الأمصار» وفي الكافي ج ٤ ص ٤٨٧ «حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة» وكذا في الاستبصار ج ٢ ص ٢٥٩. وفي التهذيب كما في المتن.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٧٤ ، وفي الوسائل الباب ١٠ من أقسام الحج.


يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج ، فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها».

ثم انه قد اختلف الأصحاب وغيرهم في أشهر الحج ، فقال الشيخ في النهاية : هي شوال وذو القعدة وذو الحجة. وبه قال ابن الجنيد. ورواه الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (١) ونقل عن المرتضى وسلار وابن ابي عقيل (رضوان الله عليهم) انها شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة. وعن الشيخ في الجمل وابن البراج : وتسعة من ذي الحجة. وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط الى طلوع الفجر من يوم النحر. وقال ابن إدريس إلى طلوع الشمس من يوم النحر.

قال العلامة في المنتهى : وليس يتعلق بهذا الاختلاف حكم. وقال في المختلف : التحقيق ان هذا نزاع لفظي ، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما يفوت الحج بفواته فليس كمال ذي الحجة من أشهره ، لما يأتي من فوات الحج دونه على ما يأتي تحقيقه ، وان أرادوا بها ما يقع فيه أفعال الحج فهي الثلاثة كملا لأن باقي المناسك تقع في كمال ذي الحجة. فقد ظهر ان النزاع لفظي. وقريب منه ما قال في التذكرة وولده في الإيضاح.

واستحسنه من تأخر عنه. وهو كذلك ، إذ لا خلاف في فوات وقت الإنشاء بعدم التمكن من ادراك المشعر قبل زوال الشمس من يوم النحر ، كما انه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحج كالطوافين والسعي والرمي في ذي الحجة بأسره. وبذلك يظهر ان هذا الخلاف لا يترتب عليه حكم ، وان النزاع في

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٧٧ و ٢٧٨ ، وفي الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج. وفيه رواية ذلك من الكافي والتهذيب ايضا ، كما سيأتي قريبا.


هذه المسألة يرجع الى تفسير هذا اللفظ الوارد في الآية ، وهو قوله عزوجل : «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» (١).

والأظهر بالنظر الى القواعد إطلاقه على الثلاثة التي هي أقل الجمع ، وهو يرجع الى القول الأول.

ولما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «ان الله (تعالى) يقول (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٣) وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة».

وعن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، ليس لأحد ان يحرم بالحج في سواهن. الحديث».

وروى الصدوق عن زرارة في الصحيح عن ابي جعفر عليه‌السلام (٥) «في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (٦) قال : شوال وذو القعدة وذو الحجة ليس لأحد ان يحرم بالحج في ما سواهن».

وعن معاوية بن عمار ـ بإسنادين أحدهما حسن والآخر قوي ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٧) «في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) (٨) والفرض : التلبية والاشعار والتقليد ، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج. ولا يفرض الحج إلا في هذه الشهور التي قال الله عزوجل : «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة».

__________________

(١ و ٣ و ٦ و ٨) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٢ و ٤ و ٧) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج.

(٥) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج. وفي بعض النسخ «ابان» بدل «زرارة» راجع الفقيه ج ٢ ص ٢٧٧.


واستدل على التحديد بطلوع الفجر بقوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) (١) ولا يمكن فرضه بعد طلوع الفجر من يوم النحر. ولقوله تعالى (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ) (٢) وهو سائغ يوم النحر متى تحلل في اوله.

ويؤيده ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم بإسناده (٣) قال : «أشهر الحج : شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة».

الثالث ـ ان يأتي بالحج والعمرة في عام واحد ، وهو من ما لا خلاف فيه بينهم.

وتدل عليه جملة من الاخبار : منها ـ ما تكاثر نقله من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) : «دخلت العمرة في الحج هكذا. وشبك بين أصابعه».

وما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن على المشهور عن حماد بن عيسى عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج ، فان عرضت له حاجة الى عسفان أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج ، فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع الى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى. الحديث».

__________________

(١ و ٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٦.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج.

(٤) الوسائل الباب ٢ رقم ٤ و ٢٧ و ٣٣ ، والباب ٥ رقم ١٠ من أقسام الحج. واللفظ المذكور هنا يوافق ما ورد في الحديث ٣٣ بإضافة : «إلى يوم القيامة». وارجع في تشخيص لفظ الفقرة الواردة في صحيح معاوية بن عمار إلى الصفحة ٣١٧ والتعليقة ١.

(٥) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.


وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من اين افترق المتمتع والمعتمر؟ فقال : ان المتمتع مرتبط بالحج ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء. وقد اعتمر الحسين عليه‌السلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق والناس يروحون إلى منى».

وعن صفوان في الصحيح عن ابي جعفر عليه‌السلام (٢) قال : «إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وصلى الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام فليلحق بأهله ان شاء. وقال : إنما أنزلت العمرة المفردة والمتعة لأن المتعة دخلت في الحج ولم تدخل العمرة المفردة في الحج».

وعن ابان عن من أخبره عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج الى الحج ، إلا ان يأبق غلامه أو تضل راحلته ، فيخرج محرما ، ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة».

وفي صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام (٤) قال : «قلت له : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي. الى ان قال : وليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج».

وصحيحته الأخرى عنه عليه‌السلام (٥) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كيف

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من العمرة.

(٢) الوسائل الباب ٥ من العمرة. وصفوان يرويه عن نجية عن ابي جعفر (عليه‌السلام).

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

(٤) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج ، والباب ٢٢ من الإحرام.

(٥) الوسائل الباب ٥ و ٢٢ من أقسام الحج. وارجع الى الاستدراكات.


أتمتع؟ فقال : يأتي الوقت فيلبي بالحج ، فإذا اتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شي‌ء. وهو محتبس ليس له ان يخرج من مكة حتى يحج».

وما رواه الكليني في الحسن عن معاوية (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انهم يقولون في حجة المتمتع حجته مكية وعمرته عراقية (٢)؟ فقال : كذبوا ، أو ليس هو مرتبطا بحجته لا يخرج منها حتى يقضي حجه».

أقول : تحقيق الكلام في معنى هذا الخبر هو انه لما كان المخالفون في ذلك الوقت ينفون حج التمتع ـ ويقولون بالإفراد والقران خاصة ، تبعا لإمامهم الذي حرم حج التمتع ـ زعموا ان ما يأتي به الشيعة من حج التمتع المشتمل على العمرة والحج يرجع بالأخرة إلى العمرة المفردة وحج الافراد ، فإن العمرة بالإحلال تصير مفردة ، ويصير الحج حينئذ بعدها حجا مفردا وان كانت العمرة فيه متقدمة على الحج. وتسميتهم لها عمرة عراقية لكون شيعة العراق الذين هم من اتباع أهل البيت (عليهم‌السلام) يومئذ يفعلون ذلك. وحاصل كلامهم ان هذه العمرة وان تقدمت على الحج فإنما هي مفردة (٣) والحج افراد ، وهو معنى قولهم : «حجته مكية» فرد عليهم وكذبهم في ما ادعوه من افراد العمرة بالإحلال بعدها ، بان ارتباط العمرة بالحج انما هو من حيث انه لا يجوز للمعتمر بهذه العمرة الخروج من مكة حتى يأتي بالحج.

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٩٤ ، وفي الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج.

(٢) في فتح الباري لابن حجر ج ٣ ص ٢٧٨ : تفسير الحجة المكية بأنها قليلة الثواب لقلة مشقتها. وحكى عن ابن بطال ان معنى ذلك إنشاء الحج من مكة كما ينشئ أهل مكة منها فيفوت فضل الإحرام من الميقات.

(٣) المغني ج ٣ ص ٢٧٦.


وما ربما يقال من ان علماء العامة لا يحرمون حج التمتع فمسلم (١) لكن المعلوم من أقوال عمر واخبارهم المروية عنه هو التحريم (٢) ولكن من تأخر من علمائهم ـ لشناعة الأمر بمخالفة الكتاب العزيز ـ خصوا تحريمه بالعدول من الافراد الى التمتع (٣) والاخبار المشار إليها لا تساعده ، بل هي ما بين صريح أو ظاهر في التحريم مطلقا ، كما حققناه في كتابنا سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد.

الرابع ـ ان يحرم بالحج من بطن مكة ، وأفضله المسجد ، وأفضله المقام أو الحجر. وقد أجمع علماؤنا كافة على ان ميقات حج التمتع مكة. وستأتي الأخبار الدالة على ذلك عند ذكر المسألة.

ومنها ـ صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من أين أهل بالحج؟ قال : ان شئت من رحلك ، وان شئت من الكعبة وان شئت من الطريق».

وأفضل مكة المسجد اتفاقا ، وأفضل المسجد مقام إبراهيم أو الحجر ، كما يدل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار (٥) : «إذا كان يوم التروية ـ إن

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٧٦.

(٢) صحيح البخاري باب التمتع على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعمدة القارئ ج ٤ ص ٥٦٨ ، والمحلى ج ٧ ص ١٠٧.

(٣) عمدة القارئ ج ٤ ص ٥٥١ ، وشرح النووي لصحيح مسلم على هامش إرشاد الساري ج ٥ ص ٢٩٢.

(٤) الوسائل الباب ٢١ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ٥٢ من الإحرام ، والباب ١ من إحرام الحج.


شاء الله تعالى ـ فاغتسل ثم البس ثوبيك ، وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار ، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام أو في الحجر ، ثم اقعد حتى تزول الشمس ، فصل المكتوبة ، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، فأحرم بالحج».

وعلى هذا فلا يجزئ الإحرام بحج التمتع من غير مكة ولو دخل مكة بإحرامه ، بل لا بد من استئنافه منها ، كما هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وبه قطع في المعتبر من غير نقل خلاف ، وأسنده العلامة في التذكرة والمنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه. وربما أشعرت عبارة الشرائع بوقوع الخلاف في ذلك ، إلا ان شيخنا الشهيد الثاني (قدس‌سره) في المسالك نقل عن شارح ترددات الكتاب انه أنكر ذلك ، ونقل عن شيخه ان المحقق قد يشير في كتابه إلى خلاف الجمهور ، أو الى ما يختاره من غير ان يكون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب ، فيظن ان فيه خلافا.

وكيف كان فالخلاف في هذه المسألة ان تحقق فهو ضعيف لا يلتفت إليه لأن الإحرام بحج التمتع من غير مكة خلاف ما دلت عليه الاخبار فيكون فاسدا ، إذ مجرد المرور على الميقات لا يكفي ما لم يجدد الإحرام منه ، لأنه الإحرام غير منعقد ، فيكون مروره من الميقات جاريا مجرى مرور المحل به.

بقي الكلام في ما لو تعذر الاستئناف من مكة ، فقد صرح جملة من الأصحاب بأنه يستأنف حيث أمكن ولو بعرفة ان لم يتعمد ذلك ، بمعنى انه ان تعمد الإحرام من غير مكة مع إمكان الإحرام منها فإنه يبطل إحرامه ، وان أحرم من غيرها جهلا أو نسيانا فإنه يجب عليه ان يستأنفه حيث أمكن ولو بعرفة.

اما الحكم الأول وهو بطلان الإحرام مع تعمد ذلك فلعدم تحقق الامتثال المقتضى لبقاء المكلف تحت العهدة.


واما الثاني وهو التجديد مع الجهل والنسيان فلصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك. فقد تم إحرامه».

ونقل في المختلف عن الشيخ في المبسوط والخلاف انه أجزأه إحرامه وصح حجه ، ولا دم عليه ، سواء أحرم من الحل أو الحرم.

ولو اتفق التجديد بناء على المشهور من الميقات أو المرور على الميقات بعد التجديد في غيره ، فهل يسقط عنه دم المتعة أم لا؟ قولان مبنيان على ان دم المتعة نسك كغيره من أفعال الحج فلا يسقط ، وهو المشهور بين الأصحاب ، أو جبران لما فات في إحرام الحج من وقوعه من غير الميقات حيث انه انما يقع من مكة ، فجعل هذا الدم جبرانا لذلك. وهو قول بعض العامة (٢) واليه ذهب الشيخ في المبسوط. وعلى هذا فيسقط الدم هنا لو أحرم من الميقات أو مر عليه محرما.

قال شيخنا الشهيد في الدروس : ولو تعذر إحرامه من مكة بحجة أحرم من حيث يمكن ولو من عرفة ان لم يتعمد وإلا بطل حجه ، ولا يسقط عنه دم التمتع ولو أحرم من ميقات المتعة. وفي المبسوط : إذا أحرم المتمتع من مكة ومضى الى الميقات ومنه الى عرفات صح واعتد بالإحرام من الميقات ، ولا يلزمه دم. وعنى به دم التمتع. وهو يشعر بأنه لو أنشأ الإحرام من الميقات لا دم

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ و ٢٠ من المواقيت.

(٢) المهذب للشيرازي الشافعي ج ١ ص ٢٠١ ، ونسبه في بدائع الصنائع ج ٢ ص ١٧٣ الى الشافعي.


عليه بطريق الاولى. وهذا بناء على ان دم التمتع جبران لا نسك ، وقد قطع في المبسوط بأنه نسك. ولا جماعنا على جواز الأكل منه. وفي الخلاف قطع بذلك ايضا ، وبعدم سقوط الدم بالإحرام من الميقات. وهو الأصح. انتهى.

أقول : والمراد بالإحرام من الميقات في هذا المقام الإحرام منه اضطرارا للقطع بأن الإحرام منه اختيارا غير جائز ، لأن موضوعه الشرعي انما هو مكة كما عرفت.

المسألة الرابعة ـ الأشهر الأظهر انه لا يجوز للمتمتع بعد الإتيان بعمرته الخروج من مكة على وجه يفتقر الى استئناف إحرام ، بل اما ان يخرج محرما بالحج واما ان يعود قبل شهر ، فان انتفى الأمران جدد عمرة ، وهي عمرة التمتع.

وحكى الشهيد في الدروس عن الشيخ في النهاية وجماعة انهم أطلقوا المنع من الخروج من مكة للمتمتع ، لارتباط عمرة التمتع بالحج ، فلو خرج صارت مفردة. ثم قال : ولعلهم أرادوا الخروج المحوج إلى عمرة أخرى ـ كما قال في المبسوط ـ أو الخروج لا بنية العود.

ونقل عن ابن إدريس انه لا يحرم ذلك بل يكره ، لأنه لا دليل على حظر الخروج من مكة بعد الإحلال من العمرة. وهو ظاهر العلامة في المنتهى ، حيث قال : يكره للمتمتع بالعمرة ان يخرج من مكة قبل ان يقضي مناسكه كلها إلا لضرورة. الى آخره. وبمثل ذلك صرح في التذكرة أيضا.

ومن ما يدل على القول الأول الاخبار الكثيرة ، ومنها ـ صحيحة حماد ابن عيسى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج ، فان عرضت له حاجة الى عسفان

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.


أو الى الطائف أو الى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج ، فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع الى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على إحرامه. وان شاء كان وجهه ذلك الى منى. قلت : فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في ابان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، أيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال : ان رجع في شهره دخل بغير إحرام وان دخل في غير الشهر دخل محرما. قلت : فأي الإحرامين والمتعتين متعته : الأولى أو الأخيرة؟ قال : الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته».

وفي الحسن عن حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في رجل قضى متعته وعرضت له حاجة أراد أن يمضي إليها؟ قال : فقال : فليغتسل للإحرام وليهل بالحج وليمض في حاجته ، فان لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات».

وفي الحسن عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج ، يريد الخروج إلى الطائف؟ قال : يهل بالحج من مكة ، وما أحب ان يخرج منها إلا محرما ، ولا يتجاوز الطائف انها قريبة من مكة».

وقال في كتاب الفقه الرضوي (٣) : فإن أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك ، لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه ، إلا ان يعلم انه لا يفوته الحج ، فان علم وخرج ثم رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا ، وان رجع في غير ذلك الشهر دخلها محرما.

بقي الكلام في الشهر وتحديده ، فقيل : المراد بالشهر من وقت إحلاله من

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

(٣) ص ٣٠.


الإحرام المتقدم. اختاره شيخنا الشهيد الثاني وجماعة.

قال في المسالك : ولو وقع الإحرام في أثناء الشهر اعتبر بالعدد ، وهل المعتبر كون الشهر من حين الإهلال أم من حين الإحلال؟ إشكال ، منشأه إطلاق النصوص واحتمالها للأمرين معا. واعتبار الثاني أقوى. انتهى.

ونقل عن العلامة في القواعد انه استشكل احتساب الشهر من حين الإحرام أو الإحلال.

وقال المحقق في النافع : ولو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأه وان عاد في غيره أحرم ثانيا.

قال في المدارك بعد نقل العبارة : ومقتضى ذلك عدم اعتبار مضى الشهر من حين الإحرام أو الإحلال بل الاكتفاء في سقوط الإحرام بعوده في شهر خروجه إذا وقع بعد إحرام متقدم. قال : وقريب من ذلك عبارة الشيخ في النهاية ، فإنه قال في المتمتع : فان خرج من مكة بغير إحرام ثم عاد ، فان كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل مكة بغير إحرام ، وان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج ، وتكون عمرته الأخيرة. ونحوه قال في المقنعة.

وقال العلامة في المنتهى : ولو خرج بغير إحرام ثم عاد ، فان كان في الشهر الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل بغير إحرام ، وان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخل محرما بالعمرة إلى الحج ، وتكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتع بها الى الحج. ونحوه عبارته في التذكرة.

وهذه العبارات كلها متفقة الدلالة على ان المراد بالشهر هو الذي خرج فيه ولا تعرض فيها لكونه من حين الإحرام أو الإحلال بوجه.

نعم لا بد من كون ذلك بعد إحرام متقدم ، وعلى هذا تدل ظواهر


الأخبار ايضا ، كصحيحة حماد بن عيسى المتقدمة ، فإن الظاهر من قوله ـ : «ان رجع في شهره» بعد قول الراوي : «فإن جهل فخرج الى المدينة» ـ ان المراد شهر خروجه ، ولهذا استدل بها الشيخ في التهذيب للشيخ المفيد على ما ذكره في عبارة المقنعة الدالة على ان الاعتبار بشهر الخروج.

وأظهر منها في ما قلناه ما رواه الشيخ في الصحيح عن حفص بن البختري وابان بن عثمان عن رجل عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) : «في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم؟ قال : ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، وان دخل في غيره دخل بإحرام».

وروى الصدوق في الفقيه (٢) مرسلا عن الصادق (عليه‌السلام) انه قال :

«إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك ، لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه ، إلا ان يعلم انه لا يفوته الحج ، فإذا علم وخرج ثم رجع وعاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا ، وان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما».

وهي صريحة في ما ذكرناه. ومثلها عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قدمناها.

وهذه الرواية ـ كما ترى ـ عين عبارة كتاب الفقه الرضوي التي قدمناها إلا في ألفاظ يسيرة.

واما ما رواه الكليني والشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار (٣) ـ قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة

__________________

(١) الوسائل الباب ٥١ من الإحرام.

(٢) ج ٢ ص ٢٣٨ ، وفي الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.


فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المعادن؟ قال : يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج. قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال : كان ابي مجاورا ههنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء ، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج». ـ

فهي لا تخلو من اشكال من وجهين : أحدهما ـ ان ظاهر التعليل المذكور فيها اعتبار مضى الشهر من حين الإحلال ليتحقق تخلل الشهر بين العمرتين ، وهو خلاف ما صرحت به الاخبار المتقدمة من انه ان رجع في شهر خروجه دخل محلا وإلا دخل محرما. وثانيهما ـ انها دلت على جواز الإحرام بالحج من غير مكة وهو خلاف ما استفاضت به الاخبار واتفقت عليه كلمة الأصحاب.

وظاهر جملة من الأصحاب القول بهذه الرواية هنا مع ما عرفت.

قال في الدروس : ولو رجع في شهره دخلها محلا ، فإن أحرم فيه من الميقات بالحج فالمروي عن الصادق (عليه‌السلام) (١) انه فعله من ذات عرق وكان قد خرج من مكة إليها.

وقال العلامة في التذكرة بعد البحث في المسألة : إذا عرفت هذا فلو خرج من مكة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه استحب له ان يدخلها محرما بالحج ، ويجوز له ان يدخلها بغير إحرام ، على ما تقدم. انتهى.

ولم أر من تنبه لما ذكرناه سوى العلامة في المنتهى ، حيث قال : لو خرج من مكة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه استحب له ان يدخلها محرما بالحج ، ويجوز له ان يدخلها بغير إحرام على ما تقدم ، روى الشيخ في الصحيح

__________________

(١) في حديث إسحاق بن عمار المتقدم.


عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا الحسن (عليه‌السلام). ثم ساق الرواية إلى آخرها كما قدمناه. ثم قال : هذا قول الشيخ (رحمه‌الله) واستدلاله ، وفيه إشكال ، إذ قد بينا انه لا يجوز إحرام الحج للمتمتع إلا من مكة. انتهى.

وكيف كان فهذه الرواية لا تبلغ قوة في معارضة الأخبار المتقدمة المعتضدة بعمل الأصحاب ، سيما مع ما عرفت من الاشكال المذكور ، وهي مرجأة إلى قائلها.

واما ما رواه الشيخ في الصحيح عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) ـ : «في الرجل يخرج الى جدة في الحاجة؟ فقال : يدخل مكة بغير إحرام». ـ فحمله الشيخ على من خرج من مكة وعاد في الشهر الذي خرج فيه.

أقول : وعلى ذلك يحمل ايضا ما رواه الشيخ في الموثق عن ابن بكير عن غير واحد من أصحابنا عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (٢) : «انه خرج الى الربذة يشيع أبا جعفر (عليه‌السلام) ثم دخل مكة حلالا».

فروع

الأول ـ الظاهر من كلام الأصحاب ان سقوط الإحرام في من عاد في الشهر المذكور انما هو بالنسبة الى من خرج بعد إحرام ، كما صرحت به جملة من عبائرهم ، اما من لم يكن كذلك كقاطني مكة ـ مثلا ـ فإنه لو خرج منهم أحد إلى خارج الحرم فإنه يجب عليه الإحرام متى أراد الدخول ، وصحيحة حماد المتقدمة وكذا رواية كتاب الفقه ومرسلة الصدوق (٣) صريحة في من خرج بعد إحرام ، اما صحيحة حفص (٤) فهي مطلقة ، والظاهر حملها على الروايات المذكورة وتقييد إطلاقها بما دلت

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥١ من الإحرام.

(٣) ص ٣٦٢ و ٣٦٣ و ٣٦٥.

(٤) ص ٣٦٣.


عليه من تقدم الإحرام. واما صحيحة جميل ومثلها موثقة ابن بكير فيمكن حملها على تلك الاخبار ايضا كما قدمنا ، وان كان إطلاقها من جهتين : من جهة تقدم الإحرام ، ومن جهة اعتبار الشهر. ويمكن حملها على من لم يتقدم منه إحرام ، إلا أنه في موثقة ابن بكير لا يخلو من بعد ، إذ من الظاهر ان الصادق (عليه‌السلام) قد تقدم منه إحرام في دخول مكة. والحمل على من لم يتقدم منه إحرام إنما يظهر بالنسبة إلى قاطني مكة.

الثاني ـ الظاهر من إطلاق الروايات المتقدمة الدالة على انه لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة بعد الإتيان بعمرة التمتع انه متى أكمل العمرة المندوبة وجب عليه الحج. وعلى ذلك نص الشيخ (قدس‌سره) وجملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) ويؤيده قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : «دخلت العمرة في الحج هكذا. وشبك بين أصابعه». قيل : ويحتمل عدم الوجوب لأنهما نسكان متغايران. وهو ضعيف. وهذا الاحتمال متجه على قول من يقول بكراهة الخروج ، كما قدمنا نقله عن ابن إدريس والعلامة في الكتابين المتقدمين. والاخبار المذكورة ترده.

الثالث ـ قد عرفت ان مقتضى صحيحة حماد المتقدمة ان عمرته هي الثانية وهي المحتبس بها التي وصلت بحجته ، وعلى هذا فالعمرة الاولى صارت عمرة مفردة ، والأشهر الأظهر وجوب طواف النساء فيها ، ومقتضى إفرادها هو وجوب ذلك فيها ، إلا انى لم أقف على قائل بذلك ، قال في الدروس : وفي استدراك طواف النساء في الأولى احتمال. وقال في المدارك : وهل تفتقر الاولى الى استدراك طواف النساء؟ وجهان ، من ان مقتضى إفرادها ذلك ، ومن تحقق الخروج من أفعال العمرة سابقا وحل النساء منها بالتقصير فلا يعود التحريم. ولعل الثاني أرجح. انتهى. والمسألة محل توقف. والله العالم.

__________________

(١) ارجع الى الصفحة ٣٥٦ والتعليقة (٤) فيها.


المطلب الثاني

في حج الإفراد والقران

وفيه مباحث : الأول ـ صورة حج الافراد ان يحرم من الميقات أو من حيث يصح له الإحرام منه بالحج ، ثم يمضي الى عرفات فيقف بها ثم الى المشعر فيقف به ثم إلى منى فيقضي مناسكه بها ، ثم يطوف بالبيت ويصلى ركعتيه ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويطوف النساء ويصلى ركعتيه.

وعليه عمرة مفردة بعد الحج والإحلال منه متى كان حج الإسلام وكانت الاستطاعة لهما ، فلو كان الحج مندوبا ، أو منذورا ولم تدخل في النذر ، أو لم يستطع لها وانما استطاع لحج الإسلام خاصة ، فلا عمرة كما تدل عليه الاخبار الواردة بكيفية حج الافراد. وقد صرح العلامة وغيره بان من استطاع للحج مفردا دون العمرة وجب عليه الحج دونها ثم يراعى الاستطاعة لها. وصرح شيخنا الشهيد الثاني بوجوب العمرة خاصة لو استطاع لها دون الحج.

وشروطه ثلاثة : النية ، وان يقع في أشهر الحج ، وان يعقد إحرامه من ميقاته أو من دويرة اهله.

وأفعال القارن وشروطه كالمفرد غير انه يتميز عنه بسياق الهدى عند

إحرامه ومن اخبار المسألة ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) انه قال في القارن : «لا يكون قران إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة وطواف بعد الحج وهو طواف النساء. واما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤١ ، وفي الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.


وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء ...».

وما رواه في الصحيح عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «انما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدى ، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعى واحد بين الصفا والمروة ، وطواف بالبيت بعد الحج. وقال : أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا إن يسوق الهدي قد أشعره وقلده. والاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها. وان لم يسق الهدي فليجعلها متعة».

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : «يقرن بين الصفا والمروة» هكذا وجدناه في النسخ التي رأيناها ، ويشبه ان يكون وهما من الراوي ، إذ لا معنى للقران بين الصفا والمروة. ولعل الصواب : «يقرن بين الحج والعمرة» كما قاله في آخر الحديث ، ويكون معناه ان يكون في نيته الإتيان بهما جميعا مقدما للحج ، لا بأحدهما مفردا دون الآخر. وليس المراد ان يجمعهما في نية واحدة ويتمتع بالعمرة إلى الحج ، فإنه التمتع وليس فيه سياق هدي. وفي التهذيب فسر القران بينهما في قوله : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة» بأن يشترط في نية الحج ان لم يتم له الحج يجعله عمرة مبتولة ، كما يشعر به الحديث الآتي.

وما رواه في الصحيح عن الفضيل بن يسار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «القارن الذي يسوق الهدي عليه طوافان بالبيت وسعى واحد بين الصفا والمروة وينبغي له ان يشترط على ربه ان لم يكن حجة فعمرة».

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٢ ، وفي الوسائل الباب ٢ و ٥ و ١٢ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.


وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «المفرد للحج عليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء وليس عليه هدي ولا أضحية».

وقد تقدم ان هذين القسمين فرض حاضري المسجد الحرام ، وهم من كان في نواحي مكة في مسافة ثمانية وأربعين ميلا على الأشهر الأظهر.

وهل يجوز لهم العدول في حج الإسلام إلى التمتع؟ أما للضرورة ـ كخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم إمكان التأخير الى ان تطهر ، أو خوف عدو ، أو فوات الرفقة ، فلا يمكنها الإتيان بالعمرة المفردة ـ فالظاهر انه لا خلاف فيه.

واستدل عليه ـ مضافا الى العمومات ـ بفحوى ما دل على جواز عدول المتمتع الى حج الافراد مع الضرورة ، فإن الضرورة إذا كانت مسوغة للعدول عن الأفضل إلى المفضول فلان تكون مسوغة للعكس اولى.

واما العدول اختيارا فالأشهر الأظهر عدمه ، وللشيخ قول بجواز ذلك محتجا ـ على ما نقل عنه ـ بان المتمتع أتى بصورة الافراد وزيادة غير منافية فوجب ان يجزئه.

ورده في المعتبر بانا لا نسلم انه اتى بصورة الافراد ، وذلك لأنه أخل بالإحرام للحج من ميقاته وأوقع مكانه العمرة وليس مأمورا بها فوجب ان لا يجزئه

أقول : والأظهر في رد هذا القول هو الآية والاخبار الصحيحة الصريحة ، أما الآية فقوله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) فإنه يدل بمفهومه على ان الحاضر ليس له ذلك.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.


وتعضدها الأخبار الواردة بتفسيرها ، كصحيحة علي بن جعفر (١) قال : «قلت لأخي موسى بن جعفر عليه‌السلام : لأهل مكة ان يتمتعوا بالعمرة إلى الحج؟ فقال : لا يصلح ان يتمتعوا ، لقول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)» (٢).

الى غير ذلك من الاخبار المتقدمة في المسألة الاولى من مسائل المطلب الأول وينبغي ان يعلم ـ كما أشرنا إليه في أول الكلام ـ ان محل الخلاف انما هو في حج الإسلام ، واما المتطوع بالحج والناذر له مطلقا فيتخير بين الأنواع الثلاثة وان كان التمتع أفضل كما تقدم.

البحث الثاني ـ قد عرفت من ما قدمنا ان القارن كالمفرد لا يتميز عنه إلا بسياق الهدي ، وسمى قارنا لسياقه الهدي في إحرامه وانه قرنه به.

وذهب ابن ابي عقيل الى ان القارن يلزمه قران الحج مع العمرة لا يحل من عمرته حتى يحل من حجه ، ولا يجوز قران العمرة مع الحج إلا لمن ساق الهدي ونحوه نقل عن الجعفي.

وحكى في المعتبر عن الشيخ في الخلاف انه قال : إذا أتم المتمتع أفعال عمرته وقصر فقد صار محلا ، فان كان ساق هديا لم يجز له التحلل وكان قارنا. ثم قال : وبه قال ابن ابي عقيل. ومقتضى ذلك ان القارن هو المتمتع إذا ساق هديا.

وعبارة ابن ابي عقيل المتقدمة وان كانت قاصرة عن هذا المعنى لكن ينبغي حملها عليه ، لانه لو أريد بقران الحج مع العمرة في كلامه ان يقرن بينهما في إحرام واحد فالظاهر انه لا ريب في بطلانه ، إلا ان العلامة في التذكرة نقل عن ابن ابى عقيل ذلك ، حيث قال : قد بينا ان القارن هو الذي يسوق عند

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أقسام الحج.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.


إحرامه بالحج هديا ، عند علمائنا اجمع إلا ابن ابي عقيل ، فإنه جعله عبارة عن من قرن بين الحج والعمرة في إحرام واحد. وهو مذهب العامة بأسرهم (١) انتهى.

وقال شيخنا الشهيد في الدروس ـ بعد ان ذكر ان سياق الهدي يتميز به القارن عن المفرد على المشهور ـ : وقال الحسن : القارن من ساق وجمع بين الحج والعمرة فلا يتحلل منها حتى يحل من الحج. فهو عنده بمثابة المتمتع إلا في سوق الهدي وتأخير التحلل وتعدد السعي ، فإن القارن عنده يكفيه سعيه الأول عن سعيه في طواف الزيارة. وظاهره وظاهر الصدوقين الجمع بين النسكين بنية واحدة. وصرح ابن الجنيد بأنه يجمع بينهما ، فان ساق وجب عليه الطواف والسعي قبل الخروج الى عرفات ولا يتحلل ، وان لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف والسعي قبل الخروج الى عرفات ولا يتحلل ، وان لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف ولا تحل له النساء وان قصر. وقال الجعفي : القارن كالمتمتع غير انه لا يحل حتى يأتي بالحج للسياق وفي الخلاف : انما يتحلل من أتم أفعال العمرة إذا لم يكن ساق ، فان كان قد ساق لم يصح له التمتع ويكون قارنا عندنا. وظاهره ان المتمتع السائق قارن وحكاه الفاضلان عنه ساكتين عليه. انتهى كلام شيخنا المذكور أفاض الله عليه السرور.

وظاهر هذا الكلام موافقة جملة من الأصحاب لابن ابي عقيل في هذه المقالة في الجملة وان اختلفوا في بعض التفاصيل ، مع انه لم يتعرض أحد منهم لذكر دليل في المقام.

وكيف كان فهذا القول مرغوب عنه للأخبار المتقدمة في البحث الأول.

احتج ابن ابي عقيل على ما نقل عنه بما روى (٢) : «ان عليا عليه‌السلام حيث أنكر

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٧٦ و ٢٨٤ ، وبدائع الصنائع ج ٢ ص ١٦٧ ، والمهذب ج ١ ص ٢٠٠ ، وبداية المجتهد ج ١ ص ٣٠٨.

(٢) الوسائل الباب ٢١ من الإحرام.


عليه عثمان قرن بين الحج والعمرة فقال : لبيك بحجة وعمرة معا». وبقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي المتقدمة (١) : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا ان يسوق الهدى. الى آخر الخبر».

وأجاب في المختلف عن الأول بأنه مروي من طرق الجمهور (٢) فلا يكون حجة علينا. وعن الثاني بما ذكره الشيخ في التهذيب من ان قوله عليه‌السلام : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة» يريد به في تلبية الإحرام ، لأنه يحتاج ان يقول ان لم تكن حجة فعمرة ، ويكون الفرق بينه وبين المتمتع ان المتمتع يقول هذا القول وينوي العمرة قبل الحج ثم يحل بعد ذلك ويحرم بالحج فيكون متمتعا ، والسائق يقول هذا القول وينوي الحج فان لم يتم له الحج فيجعله عمرة مبتولة. ثم استدل عليه بصحيحة الفضيل المتقدمة (٣).

أقول : لا ريب ان صحيحة الحلبي المذكورة قد صرحت بان نسك القارن بهذا المعنى (٤) كنسك المفرد ليس أفضل منه إلا بسياق الهدي ، وحينئذ فبأي معنى فسر قوله : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة» فإنه لا ينطبق على مذهب ابن ابي عقيل من وجوب تقديم العمرة على الحج وعدم التحلل منها إلا بالتحلل من الحج ، فإنه ليس شي‌ء من هذا في حج الافراد. وبالجملة فإن هذه الرواية كسائر الروايات المتقدمة صريحة الدلالة في ان حج القارن كالمفرد لا يتميز عنه إلا

__________________

(١ و ٣) ص ٣٧٠.

(٢) صحيح البخاري باب (التمتع والقران والافراد بالحج) وصحيح مسلم باب (جواز التمتع) وتقدم بيان مصدره من طرقنا في التعليقة ٢ ص ٣٧٣ وسيأتي منه (قدس‌سره) ص ٣٧٥ انه مروي من طرقنا.

(٤) ليس في الخطية كلمة : «بهذا المعنى».


بالسياق. ثم لو سلمنا دلالتها على ما ادعى أو فرض وجود دليل ظاهر على ذلك لكان سبيله الحمل على التقية ، لما عرفت من عبارة التذكرة ان ذلك مذهب العامة بأسرهم (١).

وقال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى بعد ذكر الخبر ما صورته : قلت : كذا صورة متن الحديث في نسخ التهذيب التي رأيناها ، ولا يظهر لقوله : «يقرن بين الصفا والمروة» معنى ، ولعله اشارة على سبيل التهكم الى ما يراه أهل الخلاف من الجمع في القران بين الحج والعمرة (٢) وان ذلك بمثابة الجمع بين الصفا والمروة في الامتناع ، وانما ينعقد له من النسك مثل نسك المفرد ، وصيرورته قرانا انما هو بسياق الهدى. وعلى هذا ينبغي ان ينزل قوله أخيرا : «أيما رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا ان يسوق الهدي» يعنى : من أراد القران لم يتحصل له معناه إلا بسياق الهدي ، ولا ينعقد له بنية الجمع إلا مثل نسك المفرد ، لامتناع اجتماع النسكين ، وهو قاصد الى التلبس بالحج أولا كالمفرد فيتم له ويلغو ما سواه. وبهذا التقريب ينبغي النظر الى الحديث في الاحتجاج لما صار اليه بعض قدمائنا من تفسير القران بنحو ما ذكره العامة. وللشيخ وغيره في تأويله ـ باعتبار منافاته للأخبار الكثيرة الواردة من طرق الأصحاب بتفسير القران ـ كلام غير سديد. انتهى.

واما ما ذكره في المختلف ـ في الجواب عن أول دليلي ابن ابي عقيل ، من ان الحديث من طريق الجمهور ـ ففيه ان الحديث موجود من طرقنا (٣) كما سيأتي ان شاء الله (تعالى) في موضعه ، إلا انه لا دلالة فيه على ما ذكره ابن ابي عقيل بوجه

__________________

(١ و ٢) المغني ج ٣ ص ٢٧٦ و ٢٨٤ ، وبدائع الصنائع ج ٢ ص ١٦٧ والمهذب ج ١ ص ٢٠٠ ، وبداية المجتهد ج ١ ص ٣٠٨.

(٣) تقدم ذلك في التعليقة (٢) ص ٣٧٣.


لان الجمع بينهما في التلبية مندوب إليه في أخبارنا في عمرة التمتع لدخولها في الحج ، كما سيأتي (١) بيان ذلك ان شاء الله تعالى.

البحث الثالث ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه يجوز للمفرد والقارن بعد دخولهما مكة الطواف مستحبا ، واحتج عليه في المدارك بأنه مقتضى الأصل ولا معارض له.

أقول : وتدل عليه حسنة معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن المفرد للحج ، هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : نعم ما شاء ، ويجدد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة ، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية».

واما تقديم الطواف الواجب فهو قول الأكثر ، وعزاه في المعتبر الى فتوى الأصحاب ، ونقل عن ابن إدريس المنع من التقديم محتجا بإجماع علمائنا على وجوب الترتيب. وأجاب عنه العلامة في المنتهى بان الشيخ ادعى الإجماع على جواز التقديم ، فكيف يصح له دعوى الإجماع على خلافه؟ قال : والشيخ اعرف بمواضع الوفاق والخلاف.

ويدل على القول المشهور الأخبار الكثيرة ، ومنها ـ ما رواه الكليني والشيخ عنه عن حماد بن عثمان في الصحيح (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مفرد الحج ، أيعجل طوافه أو يؤخره؟ قال : هو والله سواء عجله أو أخره».

وعن زرارة في الموثق (٤) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المفرد للحج

__________________

(١) في مندوبات الإحرام في استحباب التلفظ بما عزم عليه.

(٢) الوسائل الباب ٢ و ١٦ من أقسام الحج.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ١٤ من أقسام الحج.


يدخل مكة ، يقدم طوافه أو يؤخره؟ قال : سواء».

وما رواه الكليني في الموثق عن زرارة (١) قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن مفرد الحج ، يقدم طوافه أو يؤخره؟ قال : يقدمه. فقال رجل الى جنبه : لكن شيخي لم يفعل ذلك ، كان إذا قدم اقام بفخ حتى إذا راح الناس الى منى راح معهم. فقلت له : من شيخك؟ قال : علي بن الحسين عليه‌السلام. فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين (عليهما‌السلام) لامه (٢)».

وعن إسحاق بن عمار معلقا عن ابي الحسن عليه‌السلام (٣) قال : «هما سواء عجل أو أخر».

وروى الكليني في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٤)

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من أقسام الحج. وقوله : «حتى إذا راح الناس الى منى» موافق لما ورد في التهذيب ج ٥ ص ٤٥ عن الكليني ، كما هو موافق لما رواه في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٧ بإسناد آخر ، إلا انه في الكافي ج ٤ ص ٤٥٩ هكذا : «حتى إذا رجع الناس الى منى».

(٢) قال في الوافي بعد نقل الحديث في باب (ترتيب المناسك والإقامة على الحائض) : بيان ـ قد ثبت ان أم علي بن الحسين (صلوات الله عليهما) كانت بكرا حين تزوجها الحسين (صلوات الله عليهما) إلا انه كانت للحسين (عليه‌السلام) أم ولد قد ربت علي بن الحسين عليه‌السلام واشتهرت بأنها امه إذ لم يعرف اما غيرها ، فتزوجت بعد الحسين (عليه‌السلام) وولدت هذا الرجل واشتهر بأنه أخوه لأمه.

(٣) الوسائل الباب ١٤ من أقسام الحج.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٤٥٧ ، وفي الوسائل الباب ١٤ من أقسام الحج. والحديث يتضمن اسئلة هذا ثالثها ، واللفظ هكذا : «قلت : المفرد بالحج ...».


قال : «سألته عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، أيعجل طواف النساء؟ فقال : لا ، انما طواف النساء بعد ما يأتي منى».

وقد قطع الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه لا يجوز للمتمتع تقديم طواف الحج والسعي اختيارا ، وربما ادعوا عليه الإجماع.

واستدلوا على ذلك برواية أبي بصير (١) قال : «قلت : رجل كان متمتعا وأهل بالحج؟ قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فان هو طاف قبل ان يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف».

وبإزاء هذه الرواية جملة من الروايات الصحيحة الصريحة في جواز التقديم اختيارا :

كصحيحة علي بن يقطين (٢) قال : «سألت أبا الحسن (عليه‌السلام) عن الرجل المتمتع يهل بالحج ثم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى؟ قال : لا بأس به».

وصحيحة جميل (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج؟ فقال : هما سيان قدمت أو أخرت».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج.

(٣) هذه الرواية وردت في التهذيب ج ٥ ص ٤٧٧ عن ابن بكير وجميل عن ابي عبد الله عليه‌السلام ووردت في الفقيه ج ٢ ص ٢٤٤ عن ابن بكير عن زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام وعن جميل عن ابى عبد الله عليه‌السلام «انهما سألاهما عن المتمتع ...» وقد أورد في الوسائل الرواية من التهذيب في الباب ١٣ من أقسام الحج ، ومن الفقيه في الباب ٦٤ من الطواف. وقد فصل المصنف (قدس‌سره) سؤال جميل وأورده مستقلا.


وصحيحة حفص بن البختري عن ابى الحسن (عليه‌السلام) (١) : «في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى؟ فقال : هما سواء أخر ذلك أو قدمه يعني : المتمتع».

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه‌السلام) عن الرجل يتمتع ثم يهل بالحج ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى؟ فقال : لا بأس».

قال في المدارك بعد طعنه في رواية أبي بصير بضعف السند : وأجاب الشيخ عن هذه الروايات بالحمل على حال الضرورة. وهو بعيد ، مع انه لا ضرورة إلى ارتكابه لانتفاء ما يصلح للمعارضة. والمتجه جواز التقديم مطلقا ان لم ينعقد الإجماع القطعي على خلافه. انتهى.

وهو حسن جيد على أصوله وقواعده ، إلا انه ربما خالف ذلك وخرج عنه في مواضع أخر ، لما أوضحناه في شرحنا على الكتاب من عدم وقوفه (قدس‌سره) على قاعدة له في هذه الأبواب.

وكيف كان فكلامه هذا لا يرد على الشيخ وأمثاله ممن لا يرى العمل على هذا الاصطلاح ، كما أوضحناه في غير موضع ، لأن الصحة والضعف عندهم ليست باعتبار الأسانيد وانما هي باعتبار متون الاخبار.

على ان المستفاد من جملة من الاخبار اختصاص ذلك بالمضطر وأصحاب الأعذار (٣) فتحمل هذه الاخبار عليها ، كما اتفقت عليه كلمة الأصحاب.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦٤ من الطواف.

(٢) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج ، والباب ٦٤ من الطواف.


وقال المحقق الشيخ حسن في كتاب المنتقى ـ بعد نقل صحيحة علي بن يقطين ـ ما صورته : قلت : ذكر الشيخ ان هذا الحديث ورد رخصة للشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض. وحاول بذلك الجمع بينه وبين عدة اخبار تضمن بعضها عدم الاعتداد بما يقع من الطواف قبل إتيان منى ، وفي جملة منها نفى البأس عن التقديم والاذن فيه للشيخ ومن في معناه (١) وطرقها غير نقية ، ولولا مصير جمهور الأصحاب إلى منع التقديم مع الاختيار واقتضاء الاحتياط للدين تركه لكان الوجه في الجمع ـ ان احتيج اليه ـ حمل ما تضمن المنع على التقية ، لما يحكى من إطباق العامة عليه ، وكثرة الأخبار الواردة بالإذن مطلقا. انتهى.

وهو جيد. إلا ان ما ذكره من إطباق العامة على المنع وان أوهمه ظاهر كلام المعتبر ، حيث انه أسند المنع من التقديم اختيارا الى اتفاق العلماء المؤذن باتفاق علماء الخاصة والعامة ، كما هو المعهود منه في الكتاب المذكور ، إلا ان العلامة في التذكرة أسند المنع اختيارا والجواز اضطرارا الى ابن عباس وعطاء ومالك وإسحاق واحمد ، ثم نقل عن الشافعي أخيرا الجواز مطلقا (٢).

وكيف كان فالمسألة لا تخلو من شوب الاشكال ، والاحتياط فيها لازم على كل حال ، وهو في جانب القول الذي عليه الأصحاب.

وفي جواز الطواف المندوب للمتمتع قبل الخروج إلى منى قولان أشهرهما المنع ،

لحسنة الحلبي (٣) قال : «سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام يطوف بالبيت؟

__________________

(١) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج ، والباب ٦٤ من الطواف.

(٢) المغني ج ٣ ص ٤٠٥.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٤٥٥ ، وفي التهذيب ج ٥ ص ١٦٩ ، وفي الوسائل الباب ٨٣ من الطواف. واللفظ هكذا : «يأتي المسجد الحرام وقد أزمع بالحج ...».


قال : نعم ما لم يحرم».

ويمكن ان يستدل على ذلك أيضا بموثقة إسحاق بن عمار (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف به قبل ان يخرج ، عليه شي‌ء؟ فقال : لا» بناء على ان قوله عليه‌السلام : «لا». راجع الى الطواف قبل الخروج.

ومن المحتمل ـ بل ربما كان أظهر ـ انما هو تعلقه بقوله : «عليه شي‌ء» فيكون فيه دلالة على جواز الطواف. وظاهر إطلاقه شامل للواجب والمندوب ، إلا انه يكون في الواجب مخالفا لما تقدم نقله عن الأصحاب ، فالاحتمال فيها قائم ، وان كان الأقرب حمل الطواف على الطواف المستحب وانه يجوز ذلك ، بناء على رجوع «لا» الى قوله : «عليه شي‌ء».

وتؤيده رواية عبد الحميد بن سعيد عن ابي الحسن الأول عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد إحرامه وهو لا يرى ان ذلك لا ينبغي ، أينقض طوافه بالبيت إحرامه؟ فقال : لا ولكن يمضي على إحرامه».

هذا. واما ما يدل من الاخبار على جواز التقديم مع الضرورة ـ مضافا الى الاتفاق عليه ـ

فمنه ـ ما رواه الشيخ عن إسماعيل بن عبد الخالق (٣) قال : «سمعت

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٤٥٧ ، والفقيه ج ٢ ص ٢٤٤ ، وفي الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج رقم ٧ ، وهو جزء من حديث يتضمن فروعا ثلاثة.

(٢) الوسائل الباب ٨٣ من الطواف.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ١٣١ ، وفي الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج.


أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس ان يجعل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول طواف الحج قبل ان يخرجوا إلى منى».

وما رواه عن يحيى الأزرق عن ابي الحسن عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة ، وخافت الطمث قبل يوم النحر ، أيصلح لها ان تعجل طوافها طواف الحج قبل ان تأتي منى؟ قال : إذا خافت ان تضطر الى ذلك فعلت».

والمعنى فيها : إذا خافت ان تضطر الى عدم التمكن من الطواف ـ كما لو لم يقم عليها جمالها ورفقتها ـ قدمت الطواف.

وما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن الحلبي في الصحيح عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض قبل ان تخرج إلى منى».

وما رواه في الموثق عن إسحاق بن عمار (٣) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتمتع إذا كان شيخنا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض ، تعجل طواف الحج قبل ان تأتي منى؟ فقال : نعم من كان هكذا يعجل».

وما رواه ايضا عن علي بن أبي حمزة (٤) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٣٩٨ ، وفي الوسائل الباب ٦٤ و ٨٤ من الطواف ، وفيهما «صفوان بن يحيى الأزرق» نعم في الطبع القديم من التهذيب ج ١ ص ٥٦١ في نسخة «صفوان عن يحيى الأزرق» وفي الوافي أيضا باب (ترتيب المناسك والإقامة على الحائض) «صفوان عن يحيى الأزرق».

(٢ و ٣) الوسائل الباب ١٣ من أقسام الحج.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٤٥٧ ، والتهذيب ج ٥ ص ١٣٢ ، وفي الوسائل الباب ٦٤ من الطواف.


عن رجل يدخل مكة ومعه نساء قد أمرهن فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، فخشي على بعضهن الحيض؟ فقال : إذا فرغن من متعتهن وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن حدث بها شي‌ء قضت بقية المناسك وهي طامث. فقلت : أليس قد بقي طواف النساء؟ قال : بلى. قلت : فهي مرتهنة حتى تفرغ منه؟ قال : نعم. قلت : فلم لا يتركها حتى تقضي مناسكها؟ قال : يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من ان تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان. قلت : ابى الجمال ان يقيم عليها والرفقة؟ قال : ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها».

وربما أشعر هذا الخبر بعدم جواز تقديم طواف النساء وان كان في مقام الضرورة ، مع ان ظاهر فتوى الأصحاب على خلافه ، لان ظاهرهم الاتفاق على عدم جواز التقديم اختيارا ـ وقد تقدم ذلك في موثقة إسحاق بن عمار قريبا ـ وجواز ذلك مع الضرورة ،

لما رواه الشيخ عن الحسن بن علي عن أبيه (١) قال : «سمعت أبا الحسن الأول عليه‌السلام يقول : لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى. وكذلك لا بأس لمن خاف امرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ان يطوف ويودع البيت ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا».

وظاهر هذا الخبر ـ كما ترى ـ انما هو جواز التقديم اختيارا ، فهو غير دال على ما ادعوه ، بل هو الى الدلالة على خلاف ما ادعوه أقرب. والظاهر انهم حملوا إطلاق الخبر على العذر والضرورة جمعا بينه وبين موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ١٣٣ ، وفي الوسائل الباب ٦٤ من الطواف.


الصريحة في انه لا يجوز تقديمه على الخروج إلى منى.

ثم ان هذا الخبر قد دل على انه مع عدم اقامة الجمال والرفقة تستعدي عليهم ، مع انه قد روى ثقة الإسلام في الكافي (١) في الصحيح أو الحسن عن إبراهيم بن عيسى الخزاز قال : «كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل ليلا فقال : أصلحك الله (تعالى) امرأة معنا حاضت ولم تطف طواف النساء؟ فقال : لقد سئلت عن هذه المسألة اليوم. فقال : أصلحك الله انا زوجها وقد أحببت أن أسمع ذلك منك. فأطرق كأنه يناجي نفسه وهو يقول : لا يقيم عليها جمالها ولا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها ، تمضى وقد تم حجها».

وفي رواية الصدوق في الفقيه (٢) مثله بزيادة ونقصان لا يضر بالمعنى ، وفي آخره : «ثم رفع رأسه وقال : تمضي وقد تم حجها».

ويمكن ان تقيد هذه الرواية بالرواية الأولى.

البحث الرابع ـ قد عرفت من ما تقدم انه يجوز للمفرد والقارن تقديم الطواف الواجب والمستحب ، وان المتمتع يجوز له ذلك مع الضرورة ، إلا ان المشهور بين الأصحاب انه لا بد من تجديد التلبية بعد كل طواف لئلا يحل من إحرامه ، وقد صرح جمع منهم بفورية الإتيان بها بعد الطواف وصلاته أو السعي. وقيل : انما يحل المفرد دون السائق. وقيل : انما يحل بالنية. قال الشيخ

__________________

(١) ج ٤ ص ٤٥١ ، وفي الوسائل الباب ٥٩ من الطواف. وفيهما هكذا : «عن أبي أيوب الخزاز» وفي الفقيه ج ٢ ص ٢٤٥ هكذا : «عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز».

(٢) ج ٢ ص ٢٤٥ ، وفيه هكذا : «ثم رفع رأسه اليه وقال تمضي فقد تم حجها» وفي الوسائل الباب ٨٤ من الطواف. وليس فيه : «ثم رفع رأسه».


في النهاية وموضع من المبسوط : ان القارن إذا دخل مكة وأراد الطواف تطوعا فعل إلا انه كلما طاف بالبيت لبى عند فراغه من الطواف ليعقد إحرامه بالتلبية ، لأنه لو لم يفعل ذلك دخل في كونه محلا وبطلت حجته وصارت عمرة. وقال في التهذيب : ان المفرد يحل بترك التلبية دون القارن. وعن الشيخ المفيد والمرتضى ان التلبية بعد الطواف تلزم القارن لا المفرد. ولم يتعرضا للتحلل بترك التلبية وعدمه. وعن ابن إدريس إنكار ذلك كله وان التحليل انما يحصل بالنية لا بالطواف والسعي ، وليس تجديد التلبية بواجب ولا تركها مؤثرا في انقلاب الحج عمرة. واليه ذهب المحقق ، والعلامة في المختلف والإرشاد ، والشيخ في موضع من المبسوط والجمل.

واما الاخبار المتعلقة بهذه المسألة فمنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني أريد الجوار بمكة فكيف اصنع؟ قال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج. فقلت له : كيف أصنع إذا دخلت مكة؟ أقيم بها الى يوم التروية ولا أطوف بالبيت؟ قال : تقيم عشرا لا تأتي الكعبة ، ان عشرا لكثير ، ان البيت ليس بمهجور ، ولكن إذا دخلت فطف بالبيت واسع بين الصفا والمروة. فقلت : أليس كل من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل؟ قال : انك تعقد بالتلبية. ثم قال : كلما طفت طوافا وصليت ركعتين فاعقد بالتلبية».

ومنها ـ صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٥ و ٤٦ ، وفي الوسائل الباب ١٦ من أقسام الحج. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٢) الوسائل الباب ١٦ من أقسام الحج.


«سألته عن المفرد للحج ، هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : نعم ما شاء ، ويجدد التلبية بعد الركعتين ، والقارن بتلك المنزلة ، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية».

قال الشيخ : وفقه هذا الحديث انه قد رخص للقارن والمفرد ان يقدما طواف الزيارة قبل الوقوف بالموقفين ، فمتى فعلا ذلك فان لم يجددا التلبية يصيرا محلين ولا يجوز ذلك ، فلأجله أمر المفرد والسائق بتجديد التلبية بعد الطواف مع ان السائق لا يحل وان كان قد طاف ، لسياقه الهدي.

ومنها ـ ما رواه في الفقيه بسنده عن إسحاق بن عمار ، وفي التهذيب عن إسحاق المذكور عن ابي بصير (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، ثم يبدو له ان يجعلها عمرة؟ قال : ان كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له».

ومنها ـ ما رواه في الفقيه في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل أفرد الحج فلما دخل مكة طاف بالبيت ، ثم اتى أصحابه وهم يقصرون فقصر ، ثم ذكر بعد ما قصر انه مفرد للحج؟ فقال : ليس عليه شي‌ء ، إذا صلى فليجدد التلبية».

ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح إلى إبراهيم بن ميمون (٣)

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٤ ، والتهذيب ج ٥ ص ٩٠ ، وفي الوسائل الباب ٥ و ١٩ من أقسام الحج. وفي كليهما يرويه إسحاق عن ابي بصير. نعم في الوسائل الباب ١٩ من أقسام الحج نقله من الفقيه عن إسحاق بن عمار قال «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) ...».

(٢) الوسائل الباب ١١ من التقصير.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.


قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم : كيف يصنعون؟ قال : قل لهم : إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا الى التنعيم فليحرموا ، وليطوفوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم يطوفوا فيعقدوا بالتلبية عند كل طواف. الحديث».

ومنها ـ ما رواه الشيخ والكليني عن زرارة في الموثق (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحل ، أحب أو كره».

ومنها ـ ما رواه عن يونس بن يعقوب في الموثق عن من أخبره عن ابي الحسن عليه‌السلام (٢) قال : «ما طاف بين هذين الحجرين ـ الصفا والمروة ـ أحد إلا أحل ، إلا سائق الهدي».

ومنها ـ ما رواه الشيخ وابن بابويه عن زرارة في الصحيح (٣) قال : «جاء رجل الى ابي جعفر عليه‌السلام وهو خلف المقام ، فقال : انى قرنت بين حجة وعمرة؟ فقال له : هل طفت بالبيت؟ فقال : نعم. قال : هل سقت الهدي؟ قال : لا. قال : فأخذ أبو جعفر عليه‌السلام بشعره ثم قال : أحللت والله». قال في الوافي : أريد بالأخذ بشعره التقصير ، أو تعليمه إياه.

ومنها ـ ما رواه الكليني عن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لبى بالحج مفردا ، فقدم مكة وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة؟ قال : فليحل وليجعلها متعة ، إلا ان يكون ساق الهدي».

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٥ من أقسام الحج. والشيخ يرويه عن الكليني.

(٣) الوسائل الباب ٥ و ١٨ من أقسام الحج. ولم نقف على رواية الشيخ له.

(٤) الوسائل الباب ٥ من أقسام الحج.


ومنها ـ ما رواه الصدوق عن زرارة في الموثق (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : من طاف بالبيت وبالصفا والمروة أحل ، أحب أو كره ، إلا من اعتمر في عامه ذلك ، أو ساق الهدي وأشعره أو قلده».

والمستفاد من هذه الاخبار حصول التحلل بمجرد الطواف والسعي وان لم يقصر ، وهو خلاف ما عليه الأصحاب ودلت عليه الاخبار من توقف الإحلال على التقصير ، ولا يبعد تخصيص هذا الحكم بهذه الصورة فيحصل التحلل هنا بدون تقصير ، ويؤيد ذلك أخبار أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حج الوداع من لم يسق الهدي بالإحلال وان يجعلها عمرة (٢) مع انه لم يشتمل شي‌ء منها على الأمر بالتقصير ، وقضية البيان وتعليم الأحكام ذكره لو كان واجبا.

ولم أقف في كلام أحد من الأصحاب على طعن في هذه الاخبار بذلك بل ظاهرهم تلقيها بالقبول على إطلاقها.

ويمكن ان يقال : انه يجب تقييد إطلاقها بالأخبار الدالة على وجوب التقصير وانه لا يتحلل إلا به (٣) ولعله الأقرب. والاحتياط لا يخفى.

ومن هذه الاخبار يظهر ضعف قول ابن إدريس ومن تبعه ، والجواب عن ما احتج به العلامة في المختلف من انه دخل في الحج دخولا مشروعا فلا يجوز الخروج عنه إلا بدليل. وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) «إنما الأعمال بالنيات». فان الدليل

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ٢٠٣ ، وفي الوسائل الباب ٥ من أقسام الحج. واللفظ موافق لنقل الوافي باب (أصناف الحج والعمرة وأفضلهما) وفي الفقيه والوسائل «وأشعره وقلده».

(٢) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ١ و ٣ من التقصير.

(٤) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.


على المدعى واضح من هذه الاخبار. وتوقف العمل على النية هنا لا معنى له بعد اتفاق الاخبار انه بالطواف والسعي أحل أحب أو كره ، وإذا كان الشارع قد حكم بالإحلال قهرا وان كره فأي مجال لاعتبار النية؟ وليس هذا الكلام إلا مجرد اجتهاد في مقابلة النصوص. وما نقلوه من الخبر مخصوص بغير موضع النزاع كما لا يخفى.

تنبيهات

الأول ـ قال السيد السند (قدس‌سره) في المدارك بعد ان نقل بعض هذه الروايات : قال الشهيد في الشرح بعد ان أورد هذه الروايات : وبالجملة فدليل التحلل ظاهر ، والفتوى مشهورة ، والمعارض منتف. وهو كذلك ، لكن ليس في الروايات دلالة على صيرورة الحجة مع التحلل عمرة ، كما ذكره الشيخ واتباعه. نعم ورد في روايات العامة التصريح بذلك ، فإنهم رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) انه قال : إذا أهل الرجل بالحج ثم قدم مكة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل ، وهي عمرة. انتهى.

أقول : ممن صرح بما ذكره الشيخ أيضا جده (قدس‌سرهما) في المسالك قال : ولو أخلا بالتلبية صار حجهما عمرة وانقلب تمتعا ، كما صرح به جماعة. انتهى.

وما ذكره ـ من المناقشة في صيرورة الحج عمرة ـ قد سبقه فيه شيخه المحقق الأردبيلي (قدس‌سره) في شرح الإرشاد.

__________________

(١) الظاهر انه نقل بالمعنى ، والمراد ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في حجة الوداع من انه أمر أصحابه ممن لم يسق الهدي بان يحلوا بالطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، ويجعلوا الذي قدموا به عمرة تمتع. راجع المغني ج ٣ ص ٢٧٧ وص ٣٩٨. وسنن ابي داود ج ٢ ص ١٥٤ وص ١٦٠.


وفيه انه لا يخفى ان صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته المتقدمة (١) ـ وهي الثانية من روايتيه المتضمنة للسؤال عن رجل لبى بالحج مفردا ، فقدم مكة وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) وسعى بين الصفا والمروة فقال (عليه‌السلام) : فليحل وليجعلها متعة ـ عين ما دل عليه الخبر العامي الذي نقله ، غير انه ذكر في الخبر العامي لفظ : «وهي عمرة» وهو يرجع الى قوله في هذا الخبر : «وليجعلها متعة» فإن حاصل الخبر الأمر له بالإحلال وانه يجعلها عمرة يتمتع بها الى الحج ، بمعنى انه يعدل من حج الافراد الى التمتع ان لم يكن ساق الهدي ، فقد دل الخبر على انه مع الطواف والسعي وعدم العقد بالتلبية يبطل حجه ويصير ما اتى به من أفعال عمرة التمتع. اللهم إلا ان يكون قد فهم من كلام الشيخ ان مراده بالعمرة هنا يعني : العمرة المفردة ، إلا ان كلام الشيخ لا قرينة فيه على التخصيص بذلك. وايضا فكلامه في التنبيه الثاني من التنبيهات التي ذكرها صريح في ان المراد عمرة التمتع.

وبالجملة فإن ظاهر الخبر المذكور ـ كما عرفت ـ هو انه مع عدم العقد بالتلبية فالواجب عليه الإحلال ـ للأمر بذلك في الخبر الذي هو حقيقة في الوجوب ـ والعدول الى التمتع. والوجه في الوجوب ما تقدم من ان المتمتع متى أتى بالعمرة وان كان في حج مستحب فإنه يجب الإتيان بالحج بعدها ، لدخولها في الحج ، والحج من ما يجب بالشروع فيه وان كان في الأصل مستحبا.

ومن ما يؤيد ما ذكرناه الأخبار الواردة في حج الوداع المتضمنة لأمر الله (عزوجل) له صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يأمر الناس ممن لم يسق الهدى بالعدول الى التمتع بعد الطواف والسعي (٢).

__________________

(١) ص ٣٨٧.

(٢) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.


والتقريب فيها ان أوامر الله (عزوجل) للوجوب اتفاقا إلا مع قيام قرينة عدمه ، وحينئذ فتدل هذه الاخبار بانضمام اخبار هذه المسألة إليها على ان كل من أحرم مفردا وطاف وسعى ولم يسق الهدي ولم يعقد إحرامه بالتلبية ، فإنه يصير محلا ويجب عليه ان يجعل ما اتى به عمرة يتمتع بها الى الحج. وهو عين ما دلت عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

ولا ينافي ذلك الأخبار المتقدمة الدالة على ان كل من طاف بالبيت وسعى أحل أحب أو كره ، حيث انها ربما دلت على بطلان الحج خاصة ، واما انقلابه عمرة فلا ، لأنا نقول : غاية هذه الاخبار ان تكون مطلقة بالنسبة إلى صيرورة حجه بعد الإحلال عمرة ، ومقتضى القاعدة حملها على الاخبار التي ذكرناها وتقييد إطلاقها بها ، فلا منافاة.

الثاني ـ قال السيد السند (طاب ثراه) في المدارك : الظاهر ان المراد بالنية ـ في قول المصنف ومن قال بمقالته : ان المفرد لا يحل إلا بالنية ـ نية العدول إلى العمرة ، والمعنى ان المفرد لا يتحلل قبل إكمال أفعال الحج إلا بنية العدول إلى العمرة فيتحلل مع العدول بإتمام أفعالها. وعلى هذا فلا يتحقق التحلل بالنية إلا في موضع يسوغ فيه العدول إلى العمرة. وذكر المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) في حواشيه ان المراد بالنية نية التحلل بالطواف. ثم قال : ان اعتبار النية لا يكاد يتحقق ، لان الطواف منهي عنه إذا قصد به التحلل ، فيكون فاسدا ، فلا يعتد به في كونه محللا ، لعدم صدق الطواف الشرعي حينئذ. ويتوجه عليه ايضا ان اعتبار النية لا دليل عليه أصلا ، بل العمل بالروايات المتضمنة للتحلل بترك التلبية يقتضي حصول التحلل بمجرد الترك ، وإطراحها يقتضي عدم التحلل بالطواف وان نوى به التحلل مع انتفاء نية العدول كما هو واضح.

ثم قال (قدس‌سره) : الثاني ـ حيث قلنا بانقلاب الحج عمرة فيجب الإتيان


بأفعالها ، قال المحقق الشيخ علي (قدس‌سره) في حواشي القواعد : وهل يحتاج الى طواف العمرة أم لا؟ وجهان كل منهما مشكل ، اما الأول فلأنه لو احتيج اليه لم يكن لهذا الطواف أثر في الإحلال. وهو باطل. واما الثاني فلان اجزاءه عن طواف العمرة بغير نية أيضا معلوم البطلان. وهذا الاشكال انما يتوجه على المعنى الذي ذكره ، اما على ما ذكرناه فلا ورود له. انتهى.

أقول : الظاهر هو ما استظهره (قدس‌سره) في معنى النية ، لأن هذا هو الذي يقع في مقام العدول الذي جوزه الأصحاب ودلت عليه الاخبار ، كما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى.

واما ما نقله عن المحقق الشيخ علي (نور الله تعالى مرقده) فهذه صورة عبارته في شرحه على القواعد ، حيث قال بعد نقله القولين واختياره القول المشهور وطعنه في دليل القول الآخر : على ان اعتبار النية من ما لا يكاد يتحقق ، لان الطواف منهي عنه إذا قصد به التحلل ، فيكون فاسدا ، فلا يعتد به في كونه محللا ، لعدم صدق حصول الطواف حينئذ. والرواية بالفرق بين القارن والمفرد ضعيفة. فالأصح عدم الفرق. لكن على هذا القول لو تركا التلبية فالذي يلزمهما في الرواية وعبارة الشيخ ان حجهما يصير عمرة فينقلب تمتعا. وفي رواية أبي بصير (١) ان المفرد إذا نقل حجه الى التمتع فطاف ثم لبى بطلت متعته. وهي مبنية على ان بين الطواف والتلبية منافاة كما ان بين الطواف والإحرام منافاة ، فكما لا يبقى هذا مع الآخر كذا العكس ، وكما يصير هناك الحج افرادا كذا يصير في مسألتنا هذه تمتعا. فعلى هذا هل يحتاج الى طواف آخر للعمرة أم لا؟ كل منهما مشكل اما الأول فلأنه لو احتيج اليه لم يكن لهذا الطواف أثر في الإحلال وهو باطل.

__________________

(١) الوسائل الباب ٥ و ١٩ من أقسام الحج.


واما الثاني فلان اجزاءه عن طواف العمرة بغير نية أيضا معلوم البطلان. انتهى.

وحاصل كلام المحقق المذكور انه حيث فسر النية التي لا يحل إلا بها بناء على ذلك القول بأنها نية التحلل بالطواف ـ وأورد عليه بأنه لا يكاد يتحقق على هذا التقدير ، لان الطواف منهي عنه إذا قصد به التحلل ـ حصل له الإشكال في صورة انقلاب حجه الى التمتع في انه هل يحتاج الى طواف آخر أم لا؟ اما في صورة احتياجه الى الطواف فلانه يجب ان لا يكون له أثر في هذا الإحلال ـ بمعنى انه لا يقع هذا الطواف إلا بعد حصول الإحلال من الإحرام المتقدم ـ ليكون هذا الطواف ابتداء للعمرة التي يريد التمتع بها ، والحال انه لم يحصل الإحلال بذلك الطواف السابق ، لبطلانه متى قصد به التحلل كما ذكره أولا ، فلا بد ان يكون لهذا الطواف أثر في ذلك ، هذا خلف. واما في صورة عدم الاحتياج اليه والاكتفاء بالطواف الأول فإنه يلزم منه الاجزاء عن طواف العمرة من غير نية كونه طواف العمرة ، لأنه انما اتى به أولا بنية كونه للحج.

وحاصل كلام السيد (عطر الله تعالى مرقده) هو انه لما قدم ان غاية ما يستفاد من النصوص بطلان ما فعله بترك التلبية ولزوم كونه محلا ، واما انه يصير حجه عمرة فلا لعدم الدليل عليه ، فعلى هذا إذا قلنا بانقلاب حجه عمرة فإنه يجب عليه الإتيان بأفعال العمرة.

والى ما ذكرناه وأوضحناه من التفصيل اشارة السيد في آخر كلامه بقوله : وهذا الاشكال انما يتوجه على المعنى الذي ذكره ، اما على ما ذكرناه فلا ورود له.

وأنت خبير بما في الكلامين معا من النظر الظاهر كما لا يخفى على الخبير الماهر ، لما قدمنا بيانه من دلالة صحيحة معاوية بن عمار (١) على انقلاب الحج

__________________

(١) ص ٣٨٧.


عمرة وانه يتمتع بها الى الحج ، واعتضادها باخبار حج الوداع.

وبه يظهر ان ما ذكره المحقق المذكور في صورة عدم الاحتياج الى الطواف ـ من انه يلزم اجزاؤه عن طواف العمرة بغير نية وانه معلوم البطلان ـ ليس في محله ، فإن أخبار حج الوداع التي أشرنا إليها قد دلت على اجزاء الطواف الأول الذي أوقعه بنية الحج عن الطواف للعمرة ، فإنه لم يذكر في شي‌ء من تلك الاخبار انهم أعادوا الطواف بعد أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم بالإحلال من حجهم وجعله عمرة. على ان نظائر هذا الموضع في العبادات غير عزيز ، ومنه من صام يوم الشك بنية كونه من شعبان ثم ظهر كونه من رمضان ، فإنه يجزئ عنه مع ان النية إنما وقعت عن صوم شعبان. ومن ذكر في أثناء صلاة لاحقة فوت سابقة ، فإنه يعدل إليها ولو قبل التسليم بل بعده. ونحو ذلك من ما أوجب الشارع نقله الى خلاف ما افتتح عليه.

الثالث ـ قال السيد السند في المدارك : المستفاد من الروايات المتقدمة توقف البقاء على الإحرام على التلبية بعد ركعتي الطواف ، وعلى هذا فتكون التلبية مقتضية لعدم التحلل ، لا ان التحلل يتحقق بالطواف ثم ينعقد الإحرام بالتلبية كما توهمه بعض المتأخرين. وذكر الشارح ان محل التلبية بعد الطواف ولم نقف له على مستند. انتهى.

أقول : لا يخفى ان المستفاد من الروايات انما هو القول الثاني الذي نسب صاحبه الى التوهم دون ما ذكره (طاب ثراه) :

ومنها ـ حسنة معاوية بن عمار التي قدمها في كلامه وهي الاولى من روايتيه المتقدمتين في كلامنا (١) لقوله فيها : «يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية». فإنه ظاهر في كونهما قد أحلا بالطواف ولكن يعقدان ما أحلاه بالتلبية.

__________________

(١) ص ٣٨٥ و ٣٨٦.


وكذا قوله في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي قدمها في كلامه ايضا (١) لما قال له السائل : «أليس كل من طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل؟ فقال عليه‌السلام : انك تعقد بالتلبية». فإنه في معنى التقرير له على ما ذكره من الإحلال ، لكن أخبره بأنك تعقد ذلك بعد الإحلال بالتلبية. ثم قال له : «كلما طفت طوافا وصليت ركعتين فاعقد بالتلبية» وقضية العقد حصول التحلل قبل ذلك ، إذ لا معنى لعقد شي‌ء معقود.

وسيأتي قريبا (٢) ان شاء الله (تعالى) في صحيحتي عمر بن أذينة وزرارة ما هو صريح في ما قلناه.

ومن ما يعضد ذلك أيضا الأخبار المتقدمة (٣) الدالة على انه ما طاف بالبيت والصفا والمروة أحد إلا أحل أحب أو كره ، فإنها صريحة في حصول الإحلال بذلك ، اتى بالتلبية أم لم يأت ، غاية الأمر أنه إذا اتى بها عقد ما أحله كما دلت عليه الاخبار المتقدمة.

وبمثل ما ذكره في المدارك صرح المحقق المولى الأردبيلي في شرح الإرشاد حيث قال : ويفهم من قوله : «ولا يفتقر. الى آخره» انه حصل التحلل فلا بد من التلبية لعقد الإحرام ، وذلك غير واضح وان كان ظاهر الاخبار ذلك كما أشرنا إليه ، لأن الظاهر ان المراد انه يحصل التحلل بترك التلبية وهي مانعة عنه ، وهو المراد بالعقد بالتلبية ولو كان مجازا ، لا انه يحصل إحرام مجدد كما هو الظاهر من كلام الأصحاب ، وليس مرادهم ، لانه ليس بإحرام بالحج ولا بالعمرة ، لسبق بعض عمل الحج وعدم فعل العمرة ، وهو ظاهر مع حصر الإحرام في إحرامهما. ولانه ما ذكر له وقت ولا ميقات. ولانه ما ذكر له نية ، بل وما قال به أحد على

__________________

(١) ص ٣٨٥.

(٢) ٣٩٦ و ٣٩٧.

(٣) ص ٣٨٧ و ٣٨٨.


الظاهر. مع انه لا بد في العبادات كلها من النية على ما قرروه ، ولا نية هنا ، لأن النية الأولى قد ارتفعت ، فإنها كانت للإحرام وقد أحل وخرج منه. الى آخر كلامه (زيد في إكرامه).

أقول : لا مانع من انه يكون بالطواف قد أحل ـ كما دلت عليه ظواهر الاخبار ـ وان هذه التلبية انما هي لتجديد الإحرام الأول لا لإنشاء إحرام جديد كما توهمه وسجل به ، ولا استبعاد في ذلك بعد دلالة النصوص عليه وقول معظم الأصحاب به كما اعترف به ، فلا يحتاج الى تجوز في الاخبار ولا تأويل لكلام الأصحاب.

الرابع ـ قد عرفت من ما تقدم اتفاق الاخبار وكلمة جمهور الأصحاب على العقد بالتلبية بعد الطواف والسعي وان الحج صحيح.

إلا انه روى ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن عمر بن أذينة عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) : «انه قال في هؤلاء الذين يفردون الحج ، إذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلوا ، وإذا لبوا أحرموا ، فلا يزال يحل ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج ولا عمرة».

وظاهر هذا الحديث بل صريحه هو بطلان الحج بذلك ، وان تلك الأخبار الواردة بذلك انما خرجت مخرج التقية وان اشتهر الحكم بها بين الأصحاب

قال المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقل هذا الخبر : بيان ـ كانوا يقدمون الطواف والسعي على مناسك منى (٢) وربما يكررون ، فحكم ببطلان

__________________

(١) الوسائل الباب ٣ من أقسام الحج ، والباب ٤٤ من الإحرام.

(٢) في المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٤٠٥ قال في إحرام الحج : ولا يسن ان يطوف بعد إحرامه. قال ابن عباس : لا أرى لأهل مكة ان يطوفوا بعد ان يحرموا بالحج ولا ان يطوفوا بين الصفا والمروة حتى يرجعوا


حجهم بذلك ، وذلك لان طواف البيت للحاج وسعيه موجب للإحلال لأنهما آخر الأفعال ، فإذا طاف قبل الإتيان بمناسك منى فقد أحل من حجه قبل تمامه ، فإذا جدد التلبية فقد أحرم إحراما آخر ، فان لم يطف بعد ذلك فقد بقي حجه بلا طواف ، فلا حج ولا عمرة له ايضا ، لعدم نيته لها وعدم إتمامه إياها ، لأنه لم يأت بالتقصير بعد ، فقد خرج منها قبل كمالها فبطلت ، ثم إذا كرر الطواف والتلبية فقد كرر الحل والعقد. انتهى كلامه.

وقال ايضا بعد نقل كلام الشيخ المتقدم في فقه حسنة معاوية بن عمار : أقول : قد مضى ان من يفعل ذلك فلا حج له ولا عمرة ، فالصواب ان يحمل هذا الحديث على التقية.

أقول : ومن ما يؤيد ما ذكره من الحمل على التقية ما رواه الشيخ في التهذيب (١) في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر (عليه‌السلام) قال : «قلت له : ما أفضل ما حج الناس؟ فقال : عمرة في رجب وحجة مفردة في عامها.

__________________

وهذا مذهب عطاء ومالك وإسحاق. وان طاف بعد إحرامه ثم سعى لم يجزئه عن السعي الواجب. وهو قول مالك. وقال الشافعي : يجزئه. وفعله ابن الزبير ، واجازه القاسم بن محمد وابن المنذر ، لانه سعى في الحج مرة فأجزأه ، كما لو سعى بعد رجوعه من منى. ثم استدل لما اختاره من عدم المشروعية بما ورد في حديث حجة الوداع من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه ان يهلوا بالحج إذا خرجوا إلى منى. وبحديث عن عائشة. ثم قال : ولو شرع لهم الطواف قبل الخروج لم يتفقوا على تركه.

(١) ج ٥ ص ٣١ ، وفي الوسائل الباب ٤ و ٥ و ٢٢ من أقسام الحج ، والباب ٣ من العمرة. واللفظ : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام ...».


فقلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : المتعة. قلت : فكيف يتمتع؟ قال : يأتي الوقت فيلبي بالحج ، فإذا اتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شي‌ء ، وهو محتبس وليس له ان يخرج من مكة حتى يحج. قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال القران ، والقران ان يسوق الهدي. قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : عمرة مفردة ويذهب حيث شاء ، فإن أقام بمكة إلى الحج فعمرته تامة وحجته ناقصة مكية. قلت : فما الذي يلي هذا؟ قال : ما يفعل الناس اليوم ، يفردون الحج ، فإذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلوا ، وإذا لبوا أحرموا ، فلا يزال يحل ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج ولا عمرة».

وسياق الخبر ـ كما ترى ـ انما هو في ما يفعله العامة ، والسؤال انما هو عن أفضل ما هو المعروف بينهم ، وهذا الترتيب لا يوافق أخبارنا ولا يجري على مذهبنا وبالجملة فالصحيحان المذكوران صريحان في كون تقديم الطواف وعقده بالتلبية انما هو مذهب العامة (١) وانه موجب لبطلان الحج ، لقوله عليه‌السلام فيهما : «فيخرجون إلى منى بلا حج ولا عمرة».

وأنت خبير بما فيه من الاشكال والداء العضال ، ومقتضاهما حمل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة ان حمل الطواف المقدم فيها على الطواف الواجب ـ وحسنة معاوية بن عمار المتضمنتين لعقد الإحرام بالتلبية ونحوهما من ما في معناهما ـ على التقية مع فتوى معظم الأصحاب بذلك ، بل الأخبار الدالة على جواز تقديم الطواف للمفرد والقران وقد تقدمت في أول البحث الثالث ، فإنه متى كان من طاف

__________________

(١) في المغني ج ٣ ص ٤٣٠ : وممن قال يلبي حتى يرمي الجمرة ابن مسعود وابن عباس وميمونة. الى ان قال : وروي عن سعد بن ابي وقاص وعائشة : يقطع التلبية إذا راح الى الموقف. الى آخر كلامه في نقل الأقوال.


وسعى أحل وبطل حجه وان العقد بالتلبية لا يفيد فائدة ، فكيف خرجت هذه الاخبار عنهم (عليهم‌السلام) مصرحة بالجواز ، وان تقديمه وتأخيره سواء في صحة الحج؟ وحملها على التقية كما هو ظاهر الصحيحين المتقدمين مشكل.

والعجب من المحدث الكاشاني أنه ظن انحصار المنافاة في صحيحتي عبد الرحمن ومعاوية ولم يتنبه للمنافاة ايضا للأخبار المذكورة حيث انه قال بمضمونها في كتبه ، ووجه المنافاة فيها ظاهر ، لأن صحيحتي عمر بن أذينة وزرارة صريحتان في حصول الإحلال بالطواف وتؤيدهما الأخبار المتقدمة ، وحينئذ فإذا قدم طواف الحج وسعيه كما تضمنته هذه الاخبار ، فإن لبى بعده كما يقول الأصحاب لزم ما ذكره عليه‌السلام في الصحيحتين المشار إليهما ، وان لم يلب فكيف يجوز ان يعتد بهما في حجه والحال انه أحل بعدهما.

على ان المفهوم من الاخبار المتقدمة ان العقد بالتلبية انما هو لبقاء الإحرام الأول على حاله ، ولهذا ذهب في المدارك وقبله شيخه الأردبيلي ـ كما تقدم ـ الى ان الغرض من التلبية هو البقاء على الإحرام الأول فتكون التلبية مقتضية لعدم التحلل والمفهوم من هاتين الصحيحتين هو انه بالطواف يصير محلا ويخرج عن إحرامه السابق وبالتلبية يعقد إحراما جديدا ، ولهذا سجل عليهم انهم يخرجون إلى منى بغير حج ولا عمرة ، بالتقريب الذي قدمنا نقله عن المحدث الكاشاني. وهذان الخبران لا ينطبقان إلا على مذهب ابن إدريس المانع من تقديم الطواف كما تقدم.

وبالجملة فالمسألة عندي محل اشكال ، عجل الله (تعالى) بالفرج لمن على يديه حل هذه الرتج.

الخامس ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان المفرد متى قدم مكة جاز له العدول الى التمتع دون القارن.


ويدل على ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن صفوان بن يحيى (١) قال : «قلت لأبي الحسن على بن موسى عليه‌السلام : ان ابن السراج روى عنك أنه سألك عن الرجل يهل بالحج ثم يدخل مكة فطاف بالبيت سبعا وسعى بين الصفا والمروة ، فينفسخ ذلك ويجعلها متعة. فقلت له : لا؟ فقال : قد سألني عن ذلك فقلت له : لا ، وله ان يحل ويجعلها متعة وآخر عهدي بأبي انه دخل على الفضل ابن الربيع وعليه ثوبان وساج ، فقال له الفضل بن الربيع. يا أبا الحسن لنا بك أسوة ، أنت مفرد للحج وانا مفرد للحج. فقال له ابى : لا ما انا مفرد انا متمتع. فقال له الفضل بن الربيع : فلي الآن ان أتمتع وقد طفت بالبيت؟ فقال له ابي : نعم. فذهب بها محمد بن جعفر الى سفيان بن عيينة وأصحابه فقال لهم : ان موسى بن جعفر عليه‌السلام قال للفضل بن الربيع : كذا وكذا ، يشنع بها على ابى».

وروى الصدوق عن ابي بصير في الموثق (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يفرد الحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ثم يبدو له ان يجعلها عمرة؟ فقال : ان كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له».

وروى الكليني والشيخ عنه عن إسحاق بن عمار في الموثق (٣) قال : «قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : ان أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج ، يقول بعضهم : أحرم بالحج مفردا فإذا طفت بالبيت وسعيت بين الصفا والمروة فأحل واجعلها عمرة. وبعضهم يقول : أحرم وانو المتعة بالعمرة إلى الحج. اي هذين أحب إليك؟ قال : انو المتعة».

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٥ و ١٩ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج ، والباب ٢١ من الإحرام.


وروى الكشي في كتاب الرجال (١) بأسانيد فيها الصحيح وغيره عن عبد الله بن زرارة قال : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : اقرأ مني على والدك السلام وقل له : إنما أعيبك دفاعا مني عنك ، فان الناس والعدو يسارعون الى كل من قربناه وحمدنا مكانه بإدخال الأذى في من نحبه ونقربه. الى ان قال : وعليك بالصلاة الستة والأربعين ، وعليك بالحج ان تهل بالإفراد وتنوي الفسخ ، إذا قدمت مكة وطفت وسعيت فسخت ما أهللت به وقلبت الحج عمرة وأحللت إلى يوم التروية ، ثم استأنف الإهلال بالحج مفردا إلى منى واشهد المنافع بعرفات والمزدلفة ، فكذلك حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهكذا أمر أصحابه ان يفعلوا ان يفسخوا ما أهلوا به ويقلبوا الحج عمرة. الى ان قال : هذا الذي أمرناك به حج التمتع ، فالزم ذلك ولا يضيقن صدرك. والذي أتاك به أبو بصير من صلاة احدى وخمسين ، والإهلال بالتمتع بالعمرة إلى الحج ، وما أمرناه به من ان يهل بالتمتع ، فلذلك عندنا معان وتصاريف لذلك ما يسعنا ويسعكم ، ولا يخالف شي‌ء من ذلك الحق ولا يضاره. والحمد لله رب العالمين».

وروى الشيخ في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت

__________________

(١) ص ١٢٥ و ١٢٦ ، وفي الوسائل الباب ١٤ من أعداد الفرائض من كتاب الصلاة ، والباب ٥ من أقسام الحج.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام. والشيخ يرويه عن موسى بن القاسم عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار. راجع التهذيب ج ٥ ص ٧٩ ، فالمسند صحيح ولا وجه ظاهرا للترديد بين الصحيح والحسن. نعم روى الكليني في الكافي ج ٤ ص ٢٩٨ شطرا من الحديث عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابي عمير عن معاوية بن عمار ، ونقله في الوسائل في الباب ٥ من أقسام الحج


أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لبى بالحج مفردا ثم دخل مكة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة؟ قال : فليحل وليجعلها متعة إلا ان يكون ساق الهدى فلا يستطيع ان يحل حتى يبلغ الهدي محله».

واستدل في المدارك على ذلك أيضا بالأخبار الدالة على أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه بالعدول بعد الطواف والسعي ممن لم يسق الهدى (١) وظني ان هذه الاخبار ليست من محل البحث في شي‌ء ، وذلك فان الظاهر من تلك الأخبار ان هذا العدول على سبيل الوجوب ، حيث انه نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام بوجوب التمتع على أهل الآفاق ، ومبدأ النزول كان بعد فراغه من السعي ، ونزلت الآية في ذلك المقام بذلك ، فأمرهم بجعل ما طافوا وسعوا عمرة ـ حيث ان جملة من كان معه من أهل الآفاق ـ وان يحلوا ويتمتعوا بها الى الحج. فهو ليس من ما نحن فيه من جواز العدول وعدمه في شي‌ء.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المسألة صورا :

إحداها ـ ان يحرم بالحج مفردا ولا يخطر بباله العدول بالكلية إلا انه بعد ان طاف وسعى عرض له العدول الى التمتع. وهذا يقصر ثم يحل ما لم يلب بعد طوافه وسعيه. وعلى هذه الصورة تدل موثقة أبي بصير المتقدمة هنا وصحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة هنا ايضا. وفي حكمه ما لو عرض له العدول بعد دخول مكة قبل الطواف والسعي ، فإنه يطوف ويسعى بنية الحج الذي أحرم به ثم يقصر ويحل ويجعلها عمرة.

__________________

رقم (٤) ثم قال بعد الحديث رقم (٦) : ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب وكذا كل ما قبله.

(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.


وثانيها ـ ان ينوي العدول في نفسه من أول الإحرام بالحج ، ومع ذلك أحرم بالحج وقدم طوافه وسعيه ، فإنه يقصر ويحل ويجعلها عمرة ، وعلى ذلك تدل صحيحة عبد الله بن زرارة وأمر الإمام عليه‌السلام أباه زرارة بان يهل بالحج وينوي الفسخ. ونحوها موثقة إسحاق بن عمار.

واما ما ذكره في المدارك ـ حيث قال : ولا يخفى ان العدول انما يتحقق إذا لم يكن ذلك في نية المفرد ابتداء وإلا لم يقع الحج من أصله صحيحا ، لعدم تعلق النية بحج الافراد ، فلا يتحقق العدول عنه كما هو واضح. انتهى ـ

فليس بشي‌ء بعد تصريح الاخبار بجواز ذلك ، لما عرفت من الخبرين المذكورين ، ولما سيأتي من الاخبار الدالة على ذلك في موضعها ان شاء الله تعالى (١)

ومنها ـ صحيحة أحمد بن محمد بن ابي نصر (٢) قال : «قلت لأبي الحسن على بن موسى الرضا عليه‌السلام : كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال : لب بالحج وانو المتعة ، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصليت الركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة وقصرت ، فنسختها وجعلتها متعة».

واما ما تأوله في المدارك ـ من ان المراد بقوله : «لب بالحج وانو المتعة» يعني : يهل بحج التمتع وينوي الإتيان بعمرة التمتع قبله ـ فتعسف ظاهر فان الحج هنا بل حيث يطلق مع عدم القرينة انما يراد به حج الافراد كما لا يخفى على من له أنس بالاخبار ، وقوله هنا في آخر الخبر : «فنسختها وجعلتها متعة» ظاهر كالصريح في ما ذكرناه.

وبالجملة فإن ظهور هذا النوع من الاخبار أشهر من ان ينكر ، نعم يجب ان يكون مخصوصا بحال التقية كما ذكرنا.

__________________

(١) في الفائدة الرابعة من الفوائد الملحقة بنية الإحرام.

(٢) الوسائل الباب ٢٢ من الإحرام.


وثالثها ـ ان يقصد البقاء على حجه ، وحينئذ فيجب عليه الإتيان بالتلبية بعد ركعتي الطواف أو السعي ، وعلى هذه الصورة تدل صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمتان (١).

ورابعها ـ ان يقصد البقاء على حجه ولكنه لم يأت بالتلبية عمدا أو جهلا أو نسيانا ، وهذا هو محل الخلاف المتقدم في أصل المسألة ، والأشهر الأظهر انقلاب حجه عمرة يتمتع بها الى الحج ، لدلالة الأخبار المتقدمة (٢) على حصول الإحلال بذلك أحب أو كره. ودلالة صحيحة معاوية بن عمار بالتقريب الذي قدمناه على صيرورة ما اتى به عمرة.

وكيف كان فينبغي ان يعلم ان جواز العدول للمفرد انما هو في ما إذا لم يتعين عليه الإفراد بأصل الشرع أو بنذر وشبهه ، لاستفاضة الاخبار (٣) ـ كما تقدم ـ بأن أهل مكة وحاضري المسجد الحرام لا يجزئهم التمتع يتوهم عن فرضهم ، وعموم ما دل على وجوب الوفاء بالنذر وشبهه (٤) وما ربما يتوهم من العموم في بعض الروايات المتقدمة أو الإطلاق على وجه يتناول المعين وغيره فيجب تخصيصه بما ذكرنا من الأدلة.

وبذلك يظهر ما في كلام شيخنا الشهيد الثاني من ان تخصيص الحكم بمن لم يتعين عليه الافراد بعيد عن ظاهر النص.

__________________

(١) ص ٣٨٥ و ٣٨٦.

(٢) ص ٣٨٧ و ٣٨٨.

(٣) الوسائل الباب ٦ من أقسام الحج.

(٤) كقوله تعالى في سورة الحج ، الآية ٢٩ (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ). وقوله تعالى في سورة المائدة الآية ٨٩ (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ). وقوله تعالى في سورة النحل الآية ٩١ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ).


ثم ان شيخنا المشار اليه ذكر ان هذه المتعة التي أنكرها الثاني. وقال في المعتبر : زعم فقهاء الجمهور ان نقل حج الافراد الى التمتع منسوخ (١).

أقول : الظاهر ان ما ذكروه هنا من النسخ ـ وتبعهم عليه أصحابنا فجعلوا التحريم الذي أحدثه عمر انما هو بالنسبة الى هذه المادة ـ تستر بالراح وإخماد لضوء المصباح لدفع الشنعة والافتضاح ، فان المفهوم من اخبارهم (٢) ـ كما نقلنا جملة منها في كتاب سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد ـ ان تحريم عمر انما هو لأصل حج التمتع لا لهذه الصورة ، ولكن علماءهم لما رأوا شناعة ذلك لتصريح القرآن العزيز بالمشروعية (٣) حاولوا تخصيص تحريمه بهذه الصورة وادعوا النسخ ليكون دليلا له ، مع ان كلمات عمر وتعليلاته للتحريم لا تلائم هذه الدعوى ولا أدلتها وكفاك قوله على المنبر كما استفاض وانتشر واشتهر (٤) : «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حلالا وانا محرمهما ومعاقب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء» ولو لا ان البحث في ذلك خارج عن موضوع الكتاب لكنا أوردنا شطرا من تلك الاخبار لتعلم صدق ما قلناه وصحة ما ادعيناه ولكن من أحب ذلك فليرجع الى المجلد الثاني من الكتاب المذكور في الجزء الثاني عشر منه (٥).

__________________

(١) ارجع الى التعليقة ٣ ص ٣٥٩.

(٢) ارجع الى التعليقة ٢ ص ٣٥٩.

(٣) بقوله تعالى في سورة البقرة ، الآية ١٩٥ : «فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ...».

(٤) المحلى لابن حزم ج ٧ ص ١٠٧ ، وأحكام القران للجصاص ج ١ ص ٣٤٢ و ٣٤٥.

(٥) ومن أراد استيفاء البحث في هذا الموضوع بنحو يوافق تحقيق المصنف (قدس‌سره) فليرجع الى كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي ج ٣ ص ٢٧٦ الى ٢٨١ وص ٣٩٨ الى ٤٠١.


البحث الخامس ـ لو بعد المكي عن اهله وحج حج الإسلام على ميقات أحرم منه وجوبا والكلام هنا في موضعين : الأول ـ في وجوب الإحرام عليه من الميقات ، وهذا من ما لا خلاف فيه ولا إشكال ، لأنه لا يجوز لقاصد مكة مجاوزة الميقات إلا محرما عدا ما استثني ، وقد صار هذا ميقاتا له باعتبار مروره عليه للأخبار الكثيرة :

ومنها ـ صحيحة صفوان بن يحيى عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام (١) «انه كتب اليه ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت المواقيت لأهلها ولمن اتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علة ، فلا يجاوز الميقات إلا من علة».

الثاني ـ في النوع الذي يحرم به ، فالمشهور انه يجوز له التمتع ، ذهب اليه الشيخ في جملة من كتبه والمحقق في المعتبر ، والعلامة في المنتهى والتذكرة ، وغيرهم ونقل عن الحسن بن ابي عقيل عدم جواز التمتع له ، لانه لا متعة لأهل مكة لقول الله عزوجل (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) والاخبار المتقدمة الصريحة في انه ليس لأهل مكة متعة (٣) والعلامة في المختلف اقتصر على نقل القولين ولم يرجح شيئا منهما في البين.

احتج الشيخ ومن تبعه بما رواه في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج وعبد الرحمن بن أعين (٤) قالا : «سألنا أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن رجل من أهل مكة خرج الى بعض الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من المواقيت.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١٩٥.

(٣) ص ٣٢٢ الى ٣٢٤.

(٤) الوسائل الباب ٧ من أقسام الحج.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله له ان يتمتع؟ قال : ما أزعم ان ذلك ليس له ، والإهلال بالحج أحب إلي. ورأيت من سأل أبا جعفر عليه‌السلام وذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال له : جعلت فداك اني قد نويت ان أصوم بالمدينة ، قال : تصوم ان شاء الله تعالى. قال له : وأرجو ان يكون خروجي في عشر من شوال. فقال : تخرج ان شاء الله تعالى. فقال له : اني قد نويت ان أحج عنك أو عن أبيك فكيف اصنع؟ فقال له : تمتع. فقال له : ان الله ربما من علي بزيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارتك والسلام عليك ، وربما حججت عنك ، وربما حججت عن أبيك ، وربما حججت عن بعض إخواني أو عن نفسي ، فكيف اصنع؟ فقال له : تمتع. فرد عليه القول ثلاث مرات يقول : انى مقيم بمكة وأهلي بها ، فيقول : تمتع. فسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال : انى أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر ، يعني : شوال؟ فقال له : أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل : ان أهلي ومنزلي بالمدينة ولي بمكة أهل ومنزل وبينهما أهل ومنازل؟ فقال له : أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل : ان لي ضياعا حول مكة وأريد ان اخرج حلالا فان كان ابان الحج حججت».

وللمحقق الشيخ حسن (طاب ثراه) في كتاب المنتقى كلام جيد على اثر هذا الحديث لا بأس بإيراده ، قال (قدس‌سره) بعد ذكره : قلت : لا يخفى ان قوله : «ورأيت من سأل أبا جعفر عليه‌السلام. الى قوله : وسأله بعد ذلك ...» من كلام موسى بن القاسم ، فهو حديث ثان عن ابى جعفر الثاني عليه‌السلام وأورده موسى على اثر حديث ابي الحسن موسى عليه‌السلام وقد تمسك جماعة من الأصحاب ـ منهم العلامة ـ بالخبر الأول في الحكم بجواز التمتع للمكي إذا بعد عن اهله ثم رجع ومر ببعض المواقيت ، وفهموا من الخبر ارادة التمتع في حج الإسلام واللازم من ذلك ان يكون الخروج موجبا لانتقال الفرض كالمجاورة ، لكنه هنا


على وجه التخيير ، لقوله عليه‌السلام في الخبر : «والإهلال بالحج أحب الى» وكلام الشيخ في الاستبصار يعطي ذلك أيضا ، فإنه قال : ما يتضمن أول الخبر من حكم من يكون من أهل مكة وقد خرج منها ثم يريد الرجوع إليها وانه يجوز ان يتمتع فان هذا حكم يختص بمن هذه صفته لانه أجراه مجرى من كان من غير الحرم ويجري ذلك مجرى من اقام بمكة من غير أهل الحرم سنتين فان فرضه يصير الافراد والإقران وينتقل عنه فرض التمتع. وأضاف العلامة في المنتهى الى الخبر الأول شطرا من الثاني بتلخيص غير سديد واستدل بالمجموع على الحكم. وعندي في ذلك كله نظر للتصريح في حديث ابي جعفر عليه‌السلام ان مورد الحكم هو حج التطوع والخبر الأول وان كان مطلقا إلا ان في إيراد الثاني على أثره بصورة ما رأيت إشعارا بأن موسى بن القاسم فهم منهما اتحاد الموضوع ، مع معونة دلالة القرينة الحالية على ذلك ، فان بقاء المكي بغير حج إلى ان يخرج ويرجع من ما يستبعد عادة. والعجب ان العلامة جرد ما لخصه من الخبر الثاني عن موضع الدلالة على ارادة التطوع. وبما حررناه يظهر انه لا دلالة للحديثين على الجواز في حج الإسلام وانما يدلان عليه في التطوع. ولعل قوله في الأول : «والإهلال بالحج أحب الي» ناظر إلى مراعاة التقية لئلا ينافي ما وقع من التأكيد في الأمر بالتمتع في الخبر الثاني. انتهى كلامه (زيد مقامه) وهو حسن رشيق قد طبق فيه مفصل التحقيق.

وللمحقق المولى الأردبيلي أيضا هنا تفصيل حسن يجب ان نذكره ، قال (عطر الله مرقده) بعد كلام في المقام : واما انه بأي شي‌ء يحرم وانه بحج التمتع أو غيره ففيه التأمل ، والظاهر انه يفعل ما يجب عليه ، فلو كان الحج واجبا عليه قبل ان يخرج من مكة يحرم بالإفراد أو القران بناء على تعينهما عليه ، واما لو لم يكن واجبا عليه فوجب عليه بان صار نائبا فيحتمل انه مثل الأول ، لما مر


من ما يدل على وجوبهما على أهل مكة وان التمتع لمن لم يكن اهله حاضريها والفرض ان أهل هذا من حاضريها. وهو ظاهر. ويحتمل اعتبار المجاورة في غيرها مثل ما اعتبر في مجاورة مكة كما سيجي‌ء. والظاهر العدم ، لعدم النص ، وعدم صحة القياس ، وجواز التمتع له مطلقا مع اولوية الافراد ، لصيرورته بالخروج من غير أهل مكة ، ولكون إحرامه من موضع إحرام التمتع ، ولصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وعبد الرحمن بن أعين. ثم ساق الرواية الاولى وملخص الثانية المروية عن ابي جعفر عليه‌السلام وقال : ولكن يحتمل كونها في غير حجة الإسلام. الى ان قال : فحكم بعض الأصحاب بجواز التمتع له مطلقا محل التأمل.

أقول : ظاهر كلام المحقق الأول هو رد القول المشهور ومنع دلالة الرواية عليه ، وظاهر كلام المحقق الثاني هو التوقف.

وكيف كان فينبغي ان يعلم ان هذه الرواية لما هي عليه من الإجمال وتطرق الاحتمال لا تصلح لان تخصص بها الآية (١) والروايات المتقدمة الدالة جميعه على انه لا يجوز لأهل مكة التمتع (٢) فالقول بما عليه ابن ابي عقيل هو المعتمد.

وبذلك يظهر لك ضعف ما ذكره السيد في المدارك ، حيث قال بعد نقل مذهب ابن ابي عقيل والاستدلال له بالآية : وهو جيد لو لا ورود الرواية الصحيحة بالجواز. فان فيه ان الرواية وان كانت صحيحة كما هو مطمح نظره ومدار فكره إلا انها غير صريحة في حج الإسلام ، بل لو ادعى عدم الظهور ايضا لكان متجها ، فان بقاء المكي بغير حج الإسلام مدة كونه في مكة أبعد بعيد

__________________

(١) وهو قوله تعالى في سورة البقرة ، الآية ١٩٥ (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ).

(٢) الوسائل الباب ٦ من أقسام الحج.


فكيف تصلح لان تخصص بها الآية والاخبار الواردة بمعناها.

بقي الكلام في حكمه عليه‌السلام بالتمتع في الخبر الثالث وهو قوله : «فسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا. الى آخره» وتأكيده بذلك ، وهو يحتمل وجهين : أحدهما ـ ان يكون الكلام في الحج المندوب ويكون الحكم بالتمتع على سبيل الاستحباب ، وثانيهما ـ ان يكون الغالب في حال السائل الإقامة بالمدينة فيكون فرضه التمتع ، ولعل في قوله : «ان أهلي ومنزلي بالمدينة ولي بمكة أهل ومنزل» اشعارا بذلك.

والشيخ أورده في موضع آخر مستقلا معلقا عن موسى بن القاسم ، وفي المتن زيادة يختلف بها المعنى ، قال (١) : «أخبرني بعض أصحابنا انه سأل أبا جعفر (عليه‌السلام) في عشر من شوال ، فقال : اني أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر؟ فقال له : أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل : ان المدينة منزلي ومكة منزلي ولي بينهما أهل وبينهما أموال؟ فقال له : أنت مرتهن بالحج. فقال له الرجل : فإن لي ضياعا حول مكة واحتاج الى الخروج إليها؟ فقال : تخرج حلالا وترجع حلالا الى الحج».

ووجه الاختلاف في المعنى بين الخبرين ان المستفاد من هذا المتن كون السؤال عن افراد العمرة في أشهر الحج للحاجة إلى الخروج قبل وقت الحج ، فأجابه عليه‌السلام بالمنع من افراد العمرة وان ما يريده ممكن متى قصد التمتع بها ، وهو ان يخرج بعد عمرة التمتع بغير إحرام ويرجع الى الحج قبل الشهر. وقد تقدمت الأخبار الدالة عليه (٢).

بقي الكلام في المنع من افراد العمرة في الصورة المذكورة ، فإنه خلاف ما دلت

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٣٦ وفي الوسائل الباب ٢٢ من أقسام الحج.

(٢) ص ٣٦٢ و ٣٦٣ و ٣٦٥.


عليه جملة من الاخبار ، وان كان قد ورد فيها ايضا ما يوافقه كما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله (تعالى) في محله.

والشيخ في التهذيب حمل هذا الخبر على من أراد افراد العمرة بعد ان دخل فيها بقصد التمتع ، وجوز في الاستبصار الحمل على الاستحباب ايضا.

والمستفاد من الخبر الأول ان السؤال عن افراد العمرة في شوال فلما لم يأذن له ذكر احتياجه الى الخروج من مكة ، وقال : انه يؤخر الأمر الى ابان الحج فيأتي بهما معا في ذلك الوقت ، حذرا عن محذور الامتناع من الخروج مع الحاجة إليه بتقدير تقديم العمرة.

قال بعض أصحابنا : وكأنه وقع في هذا المتن إسقاط أوجب اختلاف لمعنى بين الخبرين.

هذا. وقد روى ثقة الإسلام في الكافي عن موسى بن القاسم في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يا سيدي إني أرجو أن أصوم بالمدينة شهر رمضان. فقال : تصوم بها ان شاء الله تعالى. قلت : وأرجو ان يكون خروجنا في عشر من شوال ، وقد عود الله زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وزيارتك ، فربما حججت عن أبيك وربما حججت عن ابي وربما حججت عن الرجل من إخواني وربما حججت عن نفسي ، فكيف اصنع؟ فقال : تمتع. فقلت : انى مقيم بمكة منذ عشر سنين؟ فقال : تمتع».

وهذا الخبر من ما يدل على أفضلية تمتع المكي الخارج عن بلده في غير حج الإسلام.

البحث السادس ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان من فرضه التمتع إذا أقام بمكة إقامة لا تقتضي تغير فرضه فإنه يجب عليه التمتع

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٥ من النيابة في الحج ، والباب ٤ من أقسام الحج.


وانه يخرج الى الميقات مع الإمكان فيحرم منه بعمرة التمتع ، فان تعذر خرج الى أدنى الحل ، وان تعذر أحرم من مكة.

أقول : انه قد وقع لي تحقيق سابق في هذه المسألة لسؤال بعض الطلبة عنها ، وانا مثبتة هنا لإحاطته بأطراف الكلام بإبرام النقض ونقض الإبرام بما لم يسبق اليه سابق من الاعلام :

وهذه صورته : قد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان المجاور في مكة (شرفها الله تعالى) مدة لم ينتقل حكمه وفرضه عن حكم الآفاقي لو أراد حج الإسلام ، فإنه يجب عليه الخروج الى الميقات والإحرام بعمرة التمتع منه ، فان تعذر خرج الى أدنى الحل ، فان تعذر أحرم من مكة. وظاهر كلامهم ان الحكم إجماعي لم يظهر فيه مخالف.

وهل الميقات الذي يجب الخروج اليه هو ميقات أهل أفقه أو أي ميقات كان؟ قد صرح بعضهم بالأول ، ونقل عن المحقق في المعتبر والنافع ، والعلامة في المنتهى والتذكرة ، وبه صرح الشيخ المفيد في المقنعة ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب حيث استدل له برواية سماعة الآتية قريبا ، ومنهم من صرح بالثاني كالشهيد الأول في الدروس ، والثاني في المسالك والروضة ، قال في المسالك : لا يتعين عليه الخروج الى ميقات بلده بل يجوز له الخروج الى اي ميقات. ونحوه كلامه في الروضة. وبعضهم أطلق كالمحقق في الشرائع ، والعلامة في القواعد والإرشاد. واحتمل السيد السند (قدس‌سره) في المدارك الاكتفاء بالخروج إلى أدنى الحل مطلقا ، واستحسنه في الكفاية ، ونقل عن المحقق الأردبيلي انه استظهره ايضا ، ونقل بعض فضلاء متأخري المتأخرين انه قول الحلبي.

وحينئذ فقد تلخص ان في المسألة أقوالا ثلاثة : الأول ـ القول بوجوب الخروج الى ميقات أهل بلده ، الثاني ـ الخروج الى اي ميقات أراد من غير


تعيين ، الثالث ـ الاكتفاء بالخروج إلى أدنى الحل.

واستدل للقول الأول برواية سماعة عن ابى الحسن عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال : نعم يخرج الى مهل أرضه فيلبي ان شاء».

أقول : ويمكن الاستدلال عليه بالأخبار الدالة على ان من دخل مكة ناسيا للإحرام أو جاهلا به فإنه يجب عليه الخروج الى ميقات أهل أرضه :

مثل صحيحة الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فإن خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج».

وصحيحته الأخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) «في رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟ قال : قال ابي عليه‌السلام : عليه ان يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه ، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم».

وصحيحة معاوية بن عمار (٤) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت ، فأرسلت إليهم فسألتهم ، فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم. قال : ان كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت فلتحرم منه ، وان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم ...».

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أقسام الحج ، والباب ١٩ من المواقيت.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.


وجه التقريب فيها انها قد اشتركت في الدلالة على ان هؤلاء يجب عليهم الرجوع الى ميقات أهل بلادهم ، وما ذاك إلا من حيث ان الواجب على الآفاقي الخروج الى مهل أهل أفقه ، والظاهر ان خصوصية الجهل والنسيان غير معتبرة وان وقع السؤال عن ذلك.

ويدل على ذلك أيضا الأخبار الدالة على تقسيم المواقيت وتخصيص كل أفق بميقات على حدة (١) فإنه يجب بمقتضى ذلك على أهل كل أرض الإحرام من الميقات المعين لهم والمخصوص بهم ، سواء كان بالمرور عليه أو الرجوع اليه ، خرج منه من توطن مكة المدة الموجبة لانتقال حكمه ومن مر على غير ميقاته وبقي الباقي

واما ما استدل به للقول الثالث وهو الاكتفاء بأدنى الحل ـ من صحيحة الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : لأهل مكة ان يتمتعوا؟ فقال : لا ليس لأهل مكة ان يتمتعوا. قال : قلت : فالقاطنون بها؟ قال : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة ، فإذا أقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا. قلت : من اين؟ قال : يخرجون من الحرم. قلت : من اين يهلون بالحج؟ فقال : من مكة نحوا من ما يقول الناس».

ورواية حماد (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أهل مكة أيتمتعون؟ قال : ليس لهم متعة. قلت : فالقاطن بها؟ قال : إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة. قلت : فان مكث أشهرا؟ قال : يتمتع. قلت : من اين؟ قال : يخرج من الحرم. قلت : من اين يهل بالحج؟ قال : من

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من المواقيت.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٥ وفي الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.


مكة نحو من ما يقول الناس» ـ.

فيجب حمله على تعذر الرجوع الى الميقات هنا.

ونظيره ايضا ما ورد في الناسي والجاهل اللذين لا خلاف بينهم في وجوب رجوعهما الى الميقات ، كما دلت عليه الاخبار المتقدمة ـ من انهما يحرمان من موضعهما أو من ادنى الحل : كما رواه في الكافي بسنده عن الكناني (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جهل ان يحرم حتى دخل الحرم ، كيف يصنع؟ قال : يخرج من الحرم ثم يهل بالحج».

وما رواه فيه ايضا عن سورة بن كليب (٢) «انه قال لأبي جعفر عليه‌السلام : خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة ونسينا أن نأمرها بذلك؟ قال : فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد».

ولا ريب ان إطلاق هذين الخبرين غير معمول عليه عندهم بل يجب تقييده بتعذر الخروج الى الميقات ، وحينئذ فيجب ايضا تقييد ذينك الخبرين بما ذكرنا من الاخبار الدالة على وجوب الرجوع الى الميقات.

واما ما استدل به في المدارك لهذا القول ايضا ـ من صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من أراد ان يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو من الحديبية أو ما أشبههما». ـ

فلا دلالة فيها ، لوجوب حملها على العمرة المفردة كما استفاضت به الاخبار ، وقد صرح بذلك هو نفسه ، فقال ـ في شرح قول المصنف (قدس‌سره) : والحج

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من المواقيت.


والعمرة متساويان في ذلك ـ ما لفظه : ولو أراد المفرد أو القارن الاعتمار بعد الحج لزمهما الخروج إلى أدنى الحل فيحرمان منه ثم يعودان إلى مكة للطواف والسعي وتدل عليه روايات : منها ـ ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام. ثم ساق الرواية المذكورة إلى آخرها.

واما ما ربما يتوهم ـ من إطلاق العمرة فيها وشمولها لعمرة التمتع ـ فهو توهم ناشى‌ء من قصور التتبع للاخبار والتأمل فيها بعين الفكر والاعتبار ، إذ لا يخفى على من راجعها كملا وقلبها بطن الظهر وظهر البطن ان الحديبية والتنعيم والجعرانة ونحوها من المواضع التي في خارج الحرم انما جعلت مواقيت للعمرة المفردة ولحج الافراد من المجاورين ، واما حج التمتع وعمرته فلا تعلق لهما بهذه المواضع بالكلية ، وانما هذه شبهة استولت على هؤلاء الأفاضل من هذين الخبرين المتقدمين وما فيهما من الإجمال في هذا المجال فاحدثوا هذا القول في المسألة أو الاحتمال.

واما الاستدلال على ذلك بموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام ـ (١) قال : «المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج في رجب أو شعبان أو شهر رمضان أو غير ذلك من الشهور إلا أشهر الحج ، فإن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ، من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج ثم أراد ان يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها ثم يأتي بمكة ، ولا يقطع التلبية حتى ينظر الى البيت ، ثم يطوف بالبيت ويصلي الركعتين عند مقام إبراهيم (عليه‌السلام) ثم يخرج الى الصفا والمروة فيطوف بينهما ، ثم يقصر ويحل ، ثم يعقد التلبية يوم التروية». ـ

فالجواب عنه ما ذكره المحدث الكاشاني في الوافي بعد نقله الرواية ، حيث قال : بيان : «ثم أراد ان يحرم» يعني : بعمرة اخرى مفردة ، وذلك لان

__________________

(١) الوسائل الباب ٨ من أقسام الحج.


المعتمر بعمرة التمتع لا بد له ان يخرج الى أحد المواقيت البعيدة كما سبق. انتهى ولا ينافي ذلك كون هذه العمرة في أشهر الحج ، لتكاثر الاخبار بجواز العمرة المفردة في أشهر الحج وان لم يحج (١).

والتحقيق في المقام ان الأصل في هذه المسألة أخبار المواقيت (٢) فان المستفاد من جعله صلى‌الله‌عليه‌وآله لكل أناس ميقاتا مخصوصا هو وجوب الإحرام من ذلك الميقات بعينه ، فقضية جعله لأهل مكة ومن حولهم ميقاتا مخصوصا ـ وللبعيد الخارج عن ذلك مواقيت مخصوصة ، وتقسيم تلك المواقيت على أهل الآفاق وتخصيص أهل كل أفق بما يليهم ـ هو وجوب الإحرام على أهل كل قطر بما خصهم به وعينه لهم كيف كان وعلى اي نحو كان إلا ما استثنى ، وتخرج الأخبار الدالة على وجوب الرجوع على الناسي والجاهل والمقيم في مكة دون المدة المعينة (٣) شاهدة على ذلك ، فان الظاهر ان وجوب الرجوع في الجميع انما هو لما ذكرنا لا من حيث خصوصية الجهل أو النسيان أو الإقامة.

فإن قيل : ان الخصم يدعي أيضا تخصيص هذا العموم بالروايتين المتقدمتين (٤) الدالتين على الإحرام من ادنى الحل للمقيم بمكة ، كما خصصتموه بالصورتين المذكورتين.

قلنا : انا انما صرنا الى التخصيص بالصورتين المذكورتين لصراحة الأخبار الدالة عليهما ، مضافا الى اتفاق الأصحاب على ذلك ، وهذا مفقود في الموضع المدعى

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من العمرة.

(٢) الوسائل الباب ١ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ١٤ و ١٩ من المواقيت ، والباب ٩ من أقسام الحج.

(٤) ص ٤١٤.


من كلا الوجهين ، فاما من جهة قول الأصحاب فظاهر ، إذ لا قائل بذلك صريحا لا قديما ولا حديثا غير مجرد الاحتمال الذي ذكره هؤلاء المشار إليهم وجعلوا المسألة من اجله مشكلة وان استحسنه بعض واستظهره آخر. واما دلالة الأخبار فقد عرفت ما فيه من جواز الحمل على العذر عن الوصول الى الميقات ، بعين ما يقال في الخبرين الواردين في الناسي والجاهل وانهما يحرمان من ادنى الحل أو محلهما ، مع انه لا قائل بالعمل بهما على إطلاقهما بل لا بد من تخصيصهما بالعذر ، فكذا في ما نحن فيه.

وبالجملة فالخصم ان سلم دلالة أخبار المواقيت على ما قلناه فلا مندوحة له ، اما عن الرجوع الى ما ذكرنا والموافقة على ما سطرنا ، واما عن القول بجواز الإحرام من ادنى الحل في المقيم والناسي والجاهل وان لم يكن عن عذر ، عملا بإطلاق الروايات المذكورة ، ولا أراه يقوله ، واما قوله بذلك في المقيم خاصة دون الفردين الآخرين فهو تحكم محض. وان لم يسلم دلالة أخبار المواقيت على ما ذكرنا من الاختصاص فالبحث معه ثمة ، ولا أراه ايضا يتجشمه ، إذ لا خلاف في ذلك نصا وفتوى في ما عدا الصورتين المشار إليهما آنفا.

وبما ذكرنا يظهر ان هذا القول ساقط عن درجة الاعتبار مخالف لصحاح الأخبار ، وان أوهمه الخبران المذكوران عند من لم يعط التأمل حقه في المقام ، وكفاك انه مخالف لما عليه كافة العلماء الاعلام قديما وحديثا ، وما نقل انه قول الحلبي فغير ثابت.

ومن الظاهر ان اتفاق الأصحاب ـ ولا سيما أصحاب الصدر الأول ـ من ما يؤذن بكون ذلك مذهب أهل البيت (عليهم‌السلام) فان مذهب كل إمام إنما يعلم بنقل شيعته واتباعه ، وأقوال أصحاب الصدر الأول وان لم تصل إلينا سوى عبارة الشيخ المفيد في المقنعة إلا ان من تقدمنا من الأصحاب الذين وصلت إليهم


الأقوال ممن تقدمهم ووقعت بأيديهم مصنفاتهم ـ ولا سيما من تصدى منهم لضبط الأقوال والخلاف في المسائل ـ لو اطلعوا على ما خالف هذا القول الذي اتفقت كلمتهم عليه لنقوله ، كما هي العادة الجارية والطريقة المستمرة في نقل الأقوال والتنبيه على الخلاف والوفاق في كل مسألة.

واما ما طول به بعض من مال الى هذا الاحتمال ممن قدمنا الإشارة إليه ـ من نقل أخبار أخر زعم دلالتها عليه ـ فليس فيه إلا تكثير السواد وإضاعة المداد ، وليس في التعرض لنقله ورده كثير فائدة.

واما من أطلق من أصحابنا الرجوع الى الميقات فالظاهر ان مراده ميقات أهل تلك البلاد ، فإنه المتبادر واللام فيه للعهد ، ولا سيما ان هؤلاء الذين قدمنا نقل الإطلاق عنهم في بعض كتبهم قد صرحوا بالتخصيص في الكتب الأخر ، وهي قرينة واضحة في حمل إطلاقهم في تلك الكتب على ما خصصوه في الكتب الأخر.

وربما استدل لهم بان كل واحد من المواقيت ميقات لمن اتى عليه بالنص الصحيح والإجماع ، وعند وصول المجاور الى الميقات يصدق عليه انه اتى عليه فيكون ميقاتا له بالعموم.

وبما رواه الكليني عن حريز عن من أخبره عن ابي جعفر (عليه‌السلام) (١) قال : «من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي ، فإذا أراد ان يحج عن نفسه أو أراد ان يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له ان يحرم بمكة ولكن يخرج الى الوقت ، وكلما حول رجع الى الوقت».

أقول : لا يخفى عليك ما في هذين الدليلين العليلين من الضعف والقصور

اما الأول فلان محل البحث في المسألة ومطرح النزاع ان المجاور بمكة

__________________

(١) الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.


دون المدة الموجبة لانتقال حكمه متى أراد الإحرام بعمرة التمتع ، فهل الواجب عليه الخروج الى مهل أرضه وميقات بلاده ، أو الخروج إلى أدنى الحل ، أو الى اي ميقات اتفق؟ فلا بد من قيام الدليل على أحد الثلاثة في تلك الحال ، وتعيين الفرض الواجب عليه حتى تجب المبادرة اليه ، ومقتضى كلام هذا القائل انه انما يجب عليه الإحرام بعد الوصول الى ذلك الميقات حتى يدخل في العموم الذي زعمه وهذا ليس من محل البحث في شي‌ء. وعلى اي تقدير فهو غير مجزئ ما لم يقم الدليل قبل الخروج على ان الواجب في تلك الحال هو الخروج الى اي ميقات كان.

واما ما أجاب به بعض الأفاضل عن ذلك ـ من ان المتبادر من الإتيان عليه هو المرور به ، وهو لا يصدق على الواصل الى أحد المواقيت ـ فظني انه لا يحسم مادة النزاع ، لان ما ذكره وان كان كذلك إلا ان باب المجاز واسع ، والمنع من الصدق على تقدير ذلك ممنوع ، بل الحق في الجواب هو ما ذكرناه.

واما الرواية المذكورة فهي لما عليه من الإجمال بل الاختلاف لا تصلح للاستدلال.

وهذه الرواية قد استدل بها الشيخ في التهذيب (١) للشيخ المفيد في ما ذهب اليه من وجوب الإحرام من ميقات أهل بلاده ، فإنه أورد موثقة سماعة المتقدمة وثنى بهذه الرواية بعدها.

والحق انه لا دلالة فيها على شي‌ء من هذين القولين بل ولا غيرهما في البين لعدم وضوح معناها ، إلا انه يمكن حملها على حج الافراد وعمرته ، لانه حكم فيها بان من اقام سنة فهو مكي ، ثم قال : «فإذا أراد ان يحج عن نفسه» يعني : بعد ان حج عن غيره في السنة التي دخل فيها بالحجة عن الغير ، وحينئذ يكون

__________________

(١) ج ٥ ص ٦٠.


هذا الحج بعد مضى سنة عليه بمكة ، فيجب ان ينتقل حكمه الى حكم أهل مكة فيكون حجه افرادا ، وحينئذ فقوله : «ولكن يخرج الى الوقت» يجب ان يحمل على خارج الحرم الذي هو وقت لحج الافراد من المجاورين ، كما دل عليه جملة من الاخبار. وعلى ذلك ايضا يجب حمل قوله : «وكلما حول» أي مضى عليه حول آخر ، فإنه يخرج الى ذلك الوقت الذي هو خارج الحرم من الجعرانة ونحوها. وكذا قوله : «أو أراد ان يعتمر» اي عمرة مفردة «بعد ما انصرف من عرفة» اي أكمل حجه ، فإنه يخرج الى ذلك الوقت اى خارج الحرم. هذا غاية ما يمكن من التكلف في تصحيح معناها المراد منها ، وهو خارج عن محل البحث وموضع المسألة.

نعم يمكن ان يستدل لهذا القول بما رواه الصدوق في الفقيه في الموثق عن سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «من حج معتمرا في شوال وفي نيته ان يعتمر ويرجع الى بلاده فلا بأس بذلك ، وان هو أقام إلى الحج فهو متمتع ، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة ، فمن اعتمر فيهن واقام إلى الحج فهي متعة ومن رجع الى بلاده ولم يقم الى الحج فهي عمرة ، وان اعتمر في شهر رمضان أو قبله واقام إلى الحج فليس بمتمتع وانما هو مجاور أفرد العمرة ، فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج ، فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها».

وهذا الخبر مع دلالته ظاهرا على هذا القول ـ حيث خيره في الخروج الى أحد هذين الميقاتين ونحوهما ، فان الظاهر ان ذكر هذين الميقاتين انما خرج

__________________

(١) الوسائل الباب ١٠ من أقسام الحج ، والباب ٧ من العمرة.


مخرج التمثيل ـ فهو صريح في رد القول بالاكتفاء بأدنى الحل ، فإنه جعل ميقات التمتع في الصورة المذكورة هو أحد المواقيت البعيدة المعينة لأهل الآفاق ، وادنى الحل انما هو ميقات مفرد الحج والعمرة المفردة.

ويمكن حمل الخبر المذكور على وجه لا ينافي ما اخترناه من ميقات أهل بلاد ذلك المتمتع ، بان يقال : ان الغرض من سوق هذا الكلام انما هو بيان الفرق بين ميقات المجاور المريد لحج الافراد والمجاور المريد لحج التمتع ، فكأنه قيل : ان المجاور متى قصد الحج افرادا فميقاته الجعرانة وإذا قصد التمتع فالمواقيت الآفاقية. وهو وان تضمن نوع إطلاق في الميقات ـ من حيث ان سوق الكلام ليس لبيان ميقات التمتع وانما هو لغرض آخر كما ذكرنا ـ غير مضر ، فيجب تقييد إطلاقه بما قدمنا من الاخبار.

ثم ان في إيراد الصدوق (قدس‌سره) هذا الخبر في كتابه (١) دلالة على ان مذهبه موافق لما اخترناه من القول المشهور والمؤيد المنصور ، بناء على قاعدته المقررة في صدر كتابه من ان كل ما يرويه في كتابه فهو من ما يفتي به ويعتقد صحته.

لا يقال : ان الخبر قد دل على انه يتجاوز عسفان ، وليس ثمة ميقات من المواقيت المنصوصة.

لأنا نقول : قد ذكرنا آنفا ان هذا الكلام انما خرج مخرج التمثيل في ان المتمتع يخرج الى المواقيت البعيدة دون ادنى الحل ، بخلاف المفرد فإنه يخرج إلى أدنى الحل خاصة ، وليس الغرض من الكلام بيان ميقات التمتع ، وحاصل الكلام انه يخرج الى ما زاد على هذه المسافة.

وبما قررنا يظهر ان هذا الخبر من أوضح الاخبار في رد هذا القول

__________________

(١) ج ٢ ص ٢٧٤.


المحدث من هؤلاء الاعلام ، الناشئ عن عدم إعطاء التأمل حقه في أخبارهم (عليهم‌السلام).

ونظير هذا الخبر ايضا ما رواه الشيخ في التهذيب عن إسحاق بن عبد الله (١) قال : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المقيم بمكة ـ وفي نسخة : المعتمر ـ يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال : يتمتع أحب الى ، وليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين».

ثم ان بعضا ممن مال الى هذا القول المحدث وجه الطعن إلى رواية سماعة المتقدمة في صدر المسألة دليلا للقول المشهور ـ ظنا منه انحصار الدلالة فيها ـ من وجوه :

أحدها ـ ضعف السند بان في الطريق معلى بن محمد وهو ضعيف.

والجواب عنه (أولا) ـ ان هذا الإيراد مفروغ منه عندنا ، فانا لا نرى الاعتماد على هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب من الصلاح ، كما أوضحنا ذلك في جملة من كتبنا وزبرنا.

وثانيا ـ انه من المقرر بين أرباب هذا الاصطلاح هو العمل بالخبر الضعيف متى كان عمل الأصحاب قديما وحديثا على القول بمضمونه ، فضعفه مجبور عندهم بشهرة القول به والاتفاق عليه ، والأمر في ما نحن فيه كذلك. والأمران اصطلاحيان ، ولا معنى للعمل بأحدهما ورد الآخر.

وثانيها ـ ان مهل أرضه مجمل فيمكن ان يراد به ادنى الحل ليوافق الأخبار الباقية.

والجواب عنه ان هذا الكلام من ما يقضى منه العجب العجاب عند من له أدنى مسكة بالعربية من ذوي الألباب ، إذ لا ريب ان المراد بالمهل يعني

__________________

(١) الوسائل الباب ٤ من أقسام الحج.


موضع الإهلال ، وهو رفع الصوت بالتلبية الذي محله الميقات ، واضافة المهل إلى الأرض بتقدير مضاف ، اي مهل أهل أرضه كما في قوله عزوجل «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» (١) واضافة الأرض إلى ضمير ذلك الشخص يعين كون ذلك الميقات هو الميقات المخصوص بأهل تلك الأرض. وحينئذ فأي إجمال في هذا البيان الواضح البرهان لو لا حب التعصب للمذاهب الغير اللائق بالعلماء الأعيان.

على ان للخصم ان يقلب عليه هذا الطعن في الخبرين المتقدمين اللذين هما عمدة ما استندوا إليه ، بأن غاية ما دلا عليه انه بعد ما سأل المسائل : «من اين يتمتعون» بأنهم يخرجون من الحرم ، ولا ريب انه لا صراحة فيه ولا ظاهرية بأنهم يحرمون من ادنى الحل كما ادعوه ، ومجرد الخروج من الحرم لا يستلزم ذلك إذ من الجائز ان يكون المراد يخرجون من الحرم الى الميقات المعين لهم وهو ميقات أهل بلادهم ، وبالجملة فهو مطلق فيمكن تقييده بتلك الأخبار الدالة على وجوب الإحرام من ميقات أهل بلادهم ، ولا سيما موثقة سماعة المتقدمة قريبا ، حيث تضمنت انه يخرج من مكة حتى يجاوز ذات عرق ، ورواية إسحاق ابن عبد الله المتضمنة لمسير ليلة أو ليلتين ، فقد بين فيهما غاية الخروج وهذه مطلقة في بيان الغاية ، والواجب بمقتضى القاعدة المسلمة عندهم الحكم بالمقيد على المطلق. وهذا بحمد الله ـ سبحانه ـ ظاهر لا سترة عليه.

فالتأويل في جانب اخبار التي اعتمدها أقرب منه في جانب هذا الخبر ، ولكن الأمر كما قيل :

وعين الرضا عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

ونحن قد تجاوزنا عن هذا الاحتمال سابقا ولم نذكره مع إمكانه واحتماله ، مماشاة ومجاراة بأنه مع تسليم ما يدعونه فحمله على ما قدمناه من العذر ـ كما في

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية ٨٢.


ذينك الخبرين الأخيرين ـ ممكن وجائز ، فيجب الحمل عليه جمعا بين الأدلة ، وإلا فهذا الاحتمال أقرب قريب كما أوضحناه.

وثالثها ـ ان الرواية مقيدة بقوله : «ان شاء» فلا تدل على وجوب الخروج الى مهل أرضه.

والجواب انه لو تم ما ذكره للزم منه فساد الكلام واختلال النظام ، وهو من ما يجل عنه كلام الامام عليه‌السلام الذي هو امام الكلام ، وذلك فإنه متى جعل قوله : «ان شاء» قيدا للخروج الى مهل أرضه يكون المعنى : ان له ان يتمتع فان شاء ان يخرج الى مهل أرضه خرج وان لم يشأ فلا ، ومفهومه دال على ان له ان يتمتع وان لم يخرج الى مهل أرضه. وهذا في البطلان أوضح من ان يحتاج الى بيان ، للزومه ان له ان يتمتع ولو من موضعه ، فإن إطلاق هذا المفهوم يقتضي ذلك. وتقييده بأنه يخرج الى مهل آخر من ما لا إشعار في الكلام به بوجه ولا اشارة فلينظر المنصف انه هل الأولى الحمل على هذا المعنى المتعسف أو ان المراد يتمتع ان شاء ان يتمتع؟ كما هو المعنى الصحيح بل الصريح الذي لا يحتاج الى تكلف وتصحيح.

ولا ريب انه لو جاز فتح هذا الباب في الأخبار ـ من العدول عن المعاني الظاهرة السالمة عن التقدير والتكلف الى الاحتمالات البعيدة والتكلفات الغير السديدة ـ لا نسد باب الاستدلال واتسعت دائرة الخصام والجدال ، إذ لا قول إلا وللقائل فيه مقال ، ولا دليل إلا وللمنازع فيه مجال.

وبالجملة فكلام هذا القائل لا وجه له عند الناظر بعين التحقيق والمتأمل في المسألة بعين الفكر الصائب الدقيق. والله العالم.

البحث السابع ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في المدة التي ينتقل بها فرض المقيم بمكة إلى فرض أهل مكة ، فالمشهور انه بعد مضي سنتين


عليه في البلد المذكورة ، ونقله في المختلف عن الشيخ في كتابي الاخبار واختاره ونقل عنه في النهاية والمبسوط انه قال : من اقام سنة أو سنتين جاز له ان يتمتع فان جاوز ثلاث سنين لم يكن له ذلك. ثم قال : وبه قال ابن الجنيد وابن إدريس

أقول : وبهذا القول صرح العلامة في الإرشاد ، حيث قال ، وينتقل فرض المقيم ثلاث سنين الى فرض المكي.

وفي عبارة الدروس هنا نوع اشكال ، فإنه قال : ولو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط والنهاية ، ويظهر من أكثر الروايات انه في الثانية ، وروى محمد بن مسلم (١) : «من اقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة». وروى حفص بن البختري (٢) : «انه من اقام أكثر من ستة أشهر لم يتمتع». انتهى.

وظاهر صدر كلامه انه بإقامة سنتين ينتقل فرضه في الثالثة ، وهذا هو القول المشهور لأقول النهاية والمبسوط كما ذكره ، لما عرفت من عبارة العلامة ـ وهو المنقول في عبارات الأصحاب (رضوان الله عليهم) ـ من ان الانتقال انما هو بعد إكمال الثالثة. وقوله : ـ ويظهر من أكثر الروايات انه في الثانية ـ ظاهر في ان أكثر الروايات انما تدل على السنة خاصة وان الفرض ينتقل في الثانية. وهو وان كان كذلك كما سيظهر لك ان شاء الله (تعالى) إلا انه يلزم على هذا عدم تعرضه لروايات السنتين إلا بحمل صدر العبارة على ذلك ، فيكون الغلط في نسبة هذا القول إلى النهاية والمبسوط.

وبالجملة فعبارته هنا لا تخلو من نوع غفلة أو مساهلة ، ويقرب عندي ان السهو وقع في الإتيان بلفظ «في» في قوله : «في الثالثة» وانما هو

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٨ من أقسام الحج.


«بعد الثالثة» وكذلك قوله : «ويظهر من أكثر الروايات انه في الثانية» وانما هو «بعد الثانية» فوقوع لفظ «في» عوض لفظ «بعد» في الموضعين سهوا من قلم المصنف (قدس‌سره) أوجب الاشكال.

وكيف كان فظاهر كلامه التردد والتوقف في المسألة.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمسألة صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام (١) قال : «من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له. فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت ان كان له أهل بالعراق وأهل بمكة؟ قال : فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من اهله».

وصحيحة عمر بن يزيد (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج الى سنتين ، فإذا جاوز سنتين كان قاطنا وليس له ان يتمتع».

وهذان الخبران الصحيحان صريحان ـ كما ترى ـ في القول المشهور.

وهنا أخبار أخر قد دلت على الاكتفاء بما دون ذلك :

منها ـ صحيحة الحلبي (٣) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : لأهل مكة ان يتمتعوا؟ فقال : لا ليس لأهل مكة ان يتمتعوا. قال : قلت : فالقاطنون بها؟ قال : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة ، فإذا أقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا. قلت : من اين؟ قال : يخرجون من الحرم. قلت : من اين يهلون بالحج؟ فقال : من مكة نحو من ما يقول الناس». ونحوها رواية حماد ، وقد تقدمت مع رواية الحلبي المذكورة في سابق هذا المقام (٤).

ومنها ـ رواية عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «سمعته

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٥) الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.

(٤) ص ٤١٤.


يقول المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة ـ يعني : يفرد الحج مع أهل مكة ـ وما كان دون السنة فله ان يتمتع».

ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) قال : «من اقام بمكة سنة فهو بمنزلة أهل مكة».

وصحيحة حفص ـ وهو ابن البختري ـ عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٢) : «في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع الى مكة ، بأي شي‌ء يدخل؟ فقال : ان كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع ، وان كان أقل من ستة أشهر فله ان يتمتع».

وما رواه في التهذيب عن الحسين بن عثمان وغيره عن من ذكره عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من اقام بمكة خمسة أشهر فليس له ان يتمتع».

وصاحب المدارك حيث اقتصر في نقل الروايات المخالفة على الصحاح ـ كما هي عادته ـ جمع بين الاخبار بالتخيير بعد السنة والستة أشهر والتحتم بعد السنتين. وسائر الأصحاب لم يتعرضوا لنقل هذه الروايات المخالفة سوى ما تقدم من عبارة الدروس.

ولا يحضرني الآن وجه وجيه تحمل عليه هذه الاخبار إلا التقية وان لم ينقل ذلك عن العامة ، لما حققناه في مقدمات الكتاب وأشرنا إليه في مطاوي الأبحاث المتقدمة ، وكفى بإعراض الأصحاب قديما وحديثا عنها ضعفا لها.

واما ما نقل عن الشيخ من الثلاث فلم نقف له على مستند.

هذا كله في حج الإسلام كما صرح به علماؤنا الأعلام.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٨ من أقسام الحج.


تنبيهات

الأول ـ إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام أو المفارقة ، فإن الحكم تعلق في النصوص في بعض على الإقامة وفي بعض على المجاورة وفي بعض على القطون ، وهي حاصلة على جميع التقادير. وربما قيل : ان الحكم مخصوص بالمجاورة بغير نية الإقامة ، اما لو كان بنيتها انتقل فرضه من أول سنة. وإطلاق النص يدفعه.

الثاني ـ قال في المدارك : ذكر الشارح وغيره ان انتقال الفرض انما يتحقق إذا تجددت الاستطاعة بعد الإقامة المقتضية للانتقال ، فلو كانت سابقة لم ينتقل الفرض وان طالت المدة ، لاستقرار الأول. ثم قال : وفي استفادته من الاخبار نظر. وهو جيد ، فان المفهوم من الاخبار المتقدمة هو انتقال حكمه من التمتع الى قسيميه بعد السنتين مطلقا ، تجددت الاستطاعة أو كانت سابقة.

ولو انعكس الفرض بأن أقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه بذلك إلا مع نية الدوام وصدق خروجه عن حاضري مكة عرفا. واحتمل بعض الأصحاب الحاقة بالمقيم في مكة في انتقال الفرض بإقامة السنتين. وهو قياس محض.

الثالث ـ لو كان له منزلان بمكة وغيرها من البلدان البعيدة ، فإن تساوت الإقامة فيهما تخير وإلا أخذ بفرض الأغلب.

واحتجوا على الحكم الأول بأنه مع التساوي لا يكون حكم أحدهما أرجح من الآخر فيتحقق التخيير. وعلى الثاني بأنه انما لزمه فرض أغلبهما ، لأن مع غلبة أحدهما يضعف جانب الآخر فيسقط اعتباره.

ولا يخفى ما في هذه التعليلات العليلة من الوهن وعدم الصلوح لتأسيس الأحكام الشرعية.


ولم أقف في هذه المسألة إلا على صحيحة زرارة المتقدمة (١) الدالة على ان من له أهل بمكة وأهل بالعراق فإنه ينظر الى ما هو الغالب عليه من الإقامة في أيهما فهو من اهله.

واما التخيير بالنسبة إلى متساوي الإقامة فالظاهر انه لا اشكال فيه ، لانه لا جائز ان يأخذ أحدهما بخصوصه بغير دليل ولا مرجح ، ولا يجوز إلغاؤهما معا الموجب لسقوط الفرضين ، فلم يبق إلا الأخذ بهما معا على جهة التخيير. وفي الترجيح بالغلبة ما يشير الى ذلك.

ثم ان ظاهر الصحيحة المذكورة اعتبار الأهل لا مجرد المنزل كما هو المفروض في كلامهم والدائر على ألسنة أقلامهم.

قال في المدارك : يجب تقييد هذا الحكم بما إذا لم تكن إقامته في مكة سنتين متواليتين ، فإنه حينئذ يلزمه حكم أهل مكة وان كانت إقامته في النائي أكثر ، لما تقدم من ان اقامة السنتين توجب انتقال حكم النائي الذي ليس له بمكة مسكن أصلا ، فمن له مسكن أولى.

أقول : ولقائل أن يقول : ان ههنا عمومين تعارضا : أحدهما ـ ما دل على ان ذا المنزلين متى غلبت عليه الإقامة في أحدهما وجب عليه الأخذ بفرضه ، أعم من ان يكون أقام بمكة سنتين أو لم يقم ، فلو فرضنا انه في كل مرة يقيم في المنزل الآفاقي خمس سنين وفي المنزل المكي سنتين أو ثلاثا ، فإنه يجب عليه فرض الآفاقي بمقتضى الخبر المذكور وان كان قد أقام بمكة سنتين ، وثانيهما ـ ما دل على ان المقيم بمكة سنتين ينتقل فرضه الى أهل مكة ، أعم من ان يكون له منزل ناء أم لا ، زادت إقامته فيه أم لا. وتخصيص أحد العمومين بالآخر يحتاج الى

__________________

(١) ص ٤٢٧.


دليل. وما ادعاه هذا القائل من الأولوية في حيز المنع.

الرابع ـ المفهوم من الاخبار ـ وبه صرح الأصحاب ـ ان المجاور بمكة متى انتقل حكمه إليهم أو أراد الحج مستحبا مفردا من مكة وان كان من أهل الآفاق انه يخرج الى خارج الحرم ـ مثل الجعرانة والحديبية ونحوهما ـ فيهل منه بالحج ، وان الصرورة منهم يهل بالحج من أول الشهر ، وهذا الميقات ايضا ميقات لمن أراد الاعتمار عمرة مفردة :

فروى ثقة الإسلام في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني أريد الجوار فكيف اصنع؟ فقال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج. الى ان قال : ثم قال : ان سفيان فقيهكم أتاني فقال : ما يحملك على ان تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له : هو وقت من مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : واي وقت من مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو؟ فقلت : أحرم منها حين قسم غنائم حنين ومرجعه من الطائف. فقال : انما هذا شي‌ء أخذته من عبد الله بن عمر ، كان إذا رأى الهلال صاح بالحج. فقلت : أليس قد كان عندكم مرضيا؟ قال : بلى ، ولكن اما علمت ان أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) إنما أحرموا من المسجد؟ فقلت : إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء وان هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهل مكة ، وأهل مكة لا متعة لهم ، فأحببت أن يخرجوا من مكة الى بعض المواقيت فيشعثوا (٢) به أياما. الحديث».

وروى ايضا في الصحيح عن صفوان عن ابي الفضل (٣) قال : «كنت

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٠٠ وفي الوسائل الباب ٧ و ٩ و ١٦ و ١٧ من أقسام الحج.

(٢) ارجع الى الاستدراكات.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.


مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام من أين أحرم بالحج؟ فقال : من حيث أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجعرانة ، أتاه في ذلك المكان فتوح : فتح الطائف وفتح حنين والفتح فقلت : متى اخرج؟ قال : ان كنت صرورة فإذا مضي من ذي الحجة يوم ، وان كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس».

وهذان الخبران وانا كانا مجملين في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض إلا أنهما محمولان على الاخبار المتقدمة.

وإحرام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من هذا المكان كان بالعمرة المفردة كما يشير اليه الخبر السابق.

وأصرح منه في ذلك ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) وفيها : «واعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة : عمرة أهل فيها من عسفان وهي عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء أحرم فيها من الجحفة ، وعمرة أهل فيها من الجعرانة ، وهي بعد ان رجع من الطائف من غزاة حنين».

__________________

(١) لم أجد حديثا لعبد الله بن سنان بهذا المضمون ، والذي رواه الصدوق في الفقيه ج ٢ ص ٢٧٥ عن عبد الله بن سنان هو حديث اعتمار المملوك الذي أورده صاحب الوسائل في الباب ٧ من العمرة رقم (١١) وأورده صاحب الوافي في باب (جواز افراد العمرة في أشهر الحج) ثم قال الصدوق بعد الحديث المذكور : «واعتمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...» وظاهره انه حديث مرسل منه لا يرتبط بحديث عبد الله ابن سنان المتقدم ، وقد أورده صاحب الوسائل كذلك في الباب ٢٢ من المواقيت رقم (٢) وفي الباب ٢ من العمرة ، حيث قال بعد نقله من الكافي برقم ٢ : ورواه الصدوق مرسلا. وأورده أيضا صاحب الوافي في الباب المذكور بعد الحديث المتقدم بما يظهر منه الإرسال.


وقوله عليه‌السلام : «أتاه في ذلك المكان فتوح» اي رزقه الله (تعالى) تلك الفتوح في ذلك المكان ، وهي فتح الطائف لما توجه إليها بعد فتح مكة ، وفتح حنين ، والفتح ، اي فتح مكة ، إشارة إلى الآية (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) (١).

وقد تقدم (٢) في موثقة سماعة الثانية في سابق هذا البحث ان المجاور ان أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق. الى ان قال : فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها.

وقد تقدم (٣) ـ في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في صدر المطلب الأول المتضمنة لسياق حجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ انه لما قالت له عائشة : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أترجع نساؤك بحجة وعمرة معا وارجع بحجة؟ أنه أقام بالأبطح وبعث بها عبد الرحمن بن ابي بكر الى التنعيم وأهلت بعمرة. الحديث.

المقدمة الخامسة

في المواقيت

وهي جمع ميقات ، قال الجوهري : الميقات : الوقت المضروب للفعل ، والموضع ، يقال : «هذا ميقات أهل الشام» للموضع الذي يحرمون منه. ونحوه عبارة القاموس. وظاهر هذا الكلام ان إطلاقه على المعنيين المذكورين على جهة الحقيقة ، وهو خلاف ما صرح به غيره ، قال في النهاية الأثيرية : قد تكرر ذكر التوقيت والميقات في الحديث ، والتوقيت والتأقيت أن يجعل للشي‌ء

__________________

(١) سورة النصر ، الآية ٢ و ٣.

(٢) ص ٤٢١.

(٣) ص ٣١٥ الى ٣١٩.


وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة ، يقال : «وقت الشي‌ء يوقته ، ووقته يقته» إذا بين حده ، ثم اتسع فيه فأطلق على المكان فقيل للموضع ميقات ، وهو مفعال منه ، وأصله موقات فقلبت الواو ياء لكسرة الميم. وقال الفيومي في كتاب المصباح المنير ايضا : الوقت مقدار من الزمان مفروض لأمر ما ، وكل شي‌ء قدرت له حينا فقد وقته توقيتا ، وكذلك ما قدرت له غاية ، والجمع أوقات ، والميقات : الوقت ، والجمع مواقيت ، وقد أستعير الوقت للمكان ، ومنه مواقيت الحج لمواضع الإحرام. انتهى.

وكيف كان فالكلام هنا يقع في مقامين المقام الأول في أقسامها ، والمشهور في كلام الأصحاب انها ستة كما سيأتي ذكرها في الاخبار ، وذكر الشهيد في الدروس أنها عشرة ، فأضاف إلى الستة المشار إليها مكة لحج التمتع ، ومحاذاة الميقات لمن لم يمر به وحاذاه ، وادنى الحل أو مساواة أقرب المواقيت إلى مكة لمن لم يحاذ ميقاتا ، وفخ لإحرام الصبيان. وهذه الأربعة مذكورة في تضاعيف كلام الأصحاب. وربما كان الوجه في تخصيص هذه الستة بالذكر في كلامهم انها هي الأصل وغيرها ربما يرجع إليها ، وربما لم يبلغ الاعتماد عليه كليا كالاعتماد عليها ، والأمر في ذلك هين.

ومن الاخبار الدالة على المواقيت الستة المشار إليها ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «من تمام الحج والعمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تجاوزها إلا وأنت محرم فإنه وقت لأهل العراق ـ ولم يكن يومئذ عراق ـ بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقت لأهل اليمن يلملم ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من المواقيت. والشيخ يرويه عن الكليني.


المغرب الجحفة وهي مهيعة ، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة. ومن كان منزله خلف هذه المواقيت من ما يلي مكة فوقته منزله».

أقول : في القاموس : ويلملم أو ألملم أو يرمرم : ميقات اليمن جبل على مرحلتين من مكة. وقال فيه ايضا : وقرن المنازل بفتح القاف وسكون الراء : قرية عند الطائف أو اسم الوادي كله. قال : وغلط الجوهري في تحريكه ، وفي نسبة أويس القرني إليه ، لأنه منسوب الى قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد.

والجحفة بتقديم الجيم كانت مدينة فخربت ، سميت بها لإجحاف السيل بها اي ذهابه بها. وسميت مهيعة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء المثناة التحتانية ، ومعناها المكان الواسع ، وهي أدنى إلى مكة من ذي الحليفة كما يستفاد من الاخبار. وفي القاموس : كانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة وكانت تسمى مهيعة ، فنزل بها بنو عبيد وهم اخوة عاد ، وكان إخراجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل جحاف فاجتحفهم فسميت الجحفة.

وذو الحليفة بالحاء المهملة والفاء على ستة أميال من المدينة ، وقال شيخنا الشهيد الثاني في الروضة انها بضم الحاء وفتح اللام والفاء بعد الياء بغير فصل تصغير الحلفة بفتح الحاء واللام واحد الحلفاء وهي النبات المعروف. قاله الجوهري. أو تصغير الحلفة وهي اليمين ، لتحالف قوم من العرب به. وهو ماء على ستة أميال من المدينة. انتهى.

ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن على المشهور عن الحلبي (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر ان يحرم قبلها ولا بعدها : وقت

__________________

(١) الوسائل الباب ١ و ١١ من المواقيت.


لأهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة ، يصلى فيه ويفرض الحج ، ووقت لأهل الشام الجحفة ، ووقت لأهل نجد العقيق ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل اليمين يلملم. ولا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال الفيومي في كتاب المصباح المنير : النجد ما ارتفع من الأرض والجمع نجود مثل فليس وفلوس ، وبالواحد سمي بلاد معروفة من جزيرة العرب ، وأولها من ناحية الحجاز ذات عرق وآخرها سواد العراق ، ولهذا قيل ليست من العراق. انتهى (١).

وقال في القاموس : انها اسم لما دون الحجاز من ما يلي العراق ، أعلاه تهامة واليمن وأسفله العراق والشام ، واوله من جهة الحجاز ذات عرق (٢). وهو مؤذن بدخول العراق كما هو ظاهر الخبر.

ومنها ـ ما رواه أيضا في الصحيح عن أبي أيوب الخزاز (٣) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حدثني عن العقيق وقت وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو شي‌ء صنعه الناس؟ فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ووقت لأهل المغرب الجحفة ، وهي عندنا مكتوبة مهيعة ، ووقت لأهل اليمن يلملم ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل نجد العقيق وما أنجدت».

قوله : «وما أنجدت» إشارة إلى وجوب الإحرام من هذا الميقات على من مر به وان لم يكن من أهل نجد ، لان الإنجاد الدخول في أرض نجد التي قد تقدم تحديدها ، وتأنيث الضمير باعتبار الأرض المفهومة من السياق.

__________________

(١ و ٢) ارجع الى الاستدراكات.

(٣) الوسائل الباب ١ من المواقيت.


ويوضحه ما رواه في الفقيه عن رفاعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العقيق لأهل نجد ، وقال : هو وقت لما أنجدت الأرض وأنتم منهم. ووقت لأهل الشام الجحفة ، ويقال لها المهيعة».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأوقات التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للناس.

فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة ، ووقت لأهل الشام الجحفة ، ووقت لأهل اليمن قرن المنازل ، ووقت لأهل نجد العقيق». وفي كتاب الفقه الرضوي (٣) : فإذا بلغت أحد المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه وقت لأهل العراق العقيق ، واوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق. وأوله أفضل ، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي مسجد الشجرة ، ووقت لأهل اليمن يلملم ، ووقت لأهل الشام المهيعة وهي الجحفة. ومن كان منزله دون هذه المواقيت ما بينها وبين مكة فعليه ان يحرم من منزله. ولا يجوز الإحرام قبل بلوغ الميقات. ولا يجوز تأخيره عن الميقات إلا لعلة أو تقية (٤) فإذا كان الرجل عليلا أو اتقى فلا بأس بأن يؤخر الإحرام إلى ذات عرق. انتهى.

الى غير ذلك من الاخبار التي يضيق عن نشرها المقام.

واما الاخبار الدالة على بقية المواقيت فستأتي في أثناء الأبحاث الآتية ان شاء الله تعالى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١ من المواقيت.

(٣) ص ٢٦.

(٤) ارجع الى الصفحة ٤٤٢ والتعليقة ١ فيها.


مسائل

الأولى ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان العقيق المتقدم في الاخبار أوله المسلخ ووسطه غمرة وآخره ذات عرق ، وان الأفضل الإحرام من اوله ثم وسطه ، وحكى الشهيد في الذكرى عن ظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية ان التأخير إلى ذات عرق للتقية (١) أو المرض. وقال العلامة في المختلف : المشهور ان الإحرام من ذات عرق مختارا سائغ ، والأفضل المسلخ ، وأدون منه غمرة وكلام الشيخ علي بن بابويه يشعر بأنه لا يجوز التأخير إلى ذات عرق إلا لعلة أو تقية (٢).

أقول : والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا عن الصادق عليه‌السلام (٣) انه قال : «وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل العراق العقيق ، واوله المسلخ ، ووسطه غمرة ، وآخره ذات عرق. وأوله أفضل».

وما رواه الشيخ عن ابي بصير (٤) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : حد العقيق : اوله المسلخ وآخره ذات عرق».

وهذان الخبران صريحان في كون ذات عرق داخلة في العقيق وانها آخره ومثلهما عبارة الفقه الرضوي المتقدمة.

وما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «وقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل المشرق العقيق نحو من بريدين ما بين بريد البعث إلى غمرة ، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل نجد

__________________

(١ و ٢) ارجع الى الصفحة ٤٤٢ والتعليقة (١) فيها.

(٣) الوسائل الباب ٢ و ٣ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٢ من المواقيت.

(٥) الوسائل الباب ١ من المواقيت.


قرن المنازل ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل اليمن يلملم».

قال في الوافي : والبعث بالموحدة ثم المهملة ثم المثلثة : أول العقيق ، وهو بمعنى الجيش ، كأنه بعث الجيش من هناك. ولم نجده في اللغة اسما لموضع ، وكذلك ضبطه من يعتمد عليه من أصحابنا ، فما يوجد في بعض النسخ على غير ذلك لعله مصحف. انتهى.

أقول : وقد اشتمل هذا الخبر على ان قرن المنازل ميقات أهل نجد ، والموجود في أكثر الاخبار انه ميقات أهل الطائف ، واما ميقات أهل نجد فإنما هو العقيق.

ويمكن الجواب بأن لأهل نجد طريقين : أحدهما يمر بالعقيق والآخر يمر بقرن المنازل.

ويمكن حمل ذلك على التقية ، فإنه موجود في روايات العامة كما نقله في المعتبر انهم رووا عن ابن عمر (١) : «انه لما فتح المصران أتوا عمر فقالوا : يا أمير المؤمنين ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حد لأهل نجد قرن المنازل وانا إذا أردنا قرن المنازل شق علينا. قال : فانظروا حذوها. فحد لهم ذات عرق».

وهذا الخبر من ما استدل به جملة من العامة على ان ميقات العراق انما ثبت قياسا لا نصا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «أول العقيق بريد البعث وهو دون المسلخ بستة

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٣٣ مطبعة العاصمة ، وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ص ٨٦. وارجع الى التعليق (١) على كنز العرفان ج ١ ص ٢٧٧ الى ٢٨١.

(٢) المغني ج ٣ ص ٢٣٢ و ٢٣٣ مطبعة العاصمة ، وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ص ٨٦.

(٣) الوسائل في الباب ٢ من المواقيت.


أميال من ما يلي العراق ، وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا بريدان».

وما رواه في الكافي بهذا الاسناد عن ابى عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «آخر العقيق بريد أوطاس. وقال : بريد البعث دون غمرة ببريدين».

وما رواه في الكافي عن ابي بصير عن أحدهما (عليهما‌السلام) (٢) قال : «حد العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة».

أقول : ظاهر هذه الاخبار بضم بعضها الى بعض هو خروج ذات عرق عن العقيق ، فإن صحيحة عمر بن يزيد ظاهرة في ان مسافة العقيق بريدان وانه ما بين بريد البعث إلى غمرة ، وصحيحة معاوية بن عمار أو حسنته ظاهرة في المسافة المذكورة ، وكذا الرواية التي بعدها ، ورواية أبي بصير صريحة في كون حد العقيق الى عقبة غمرة. وهذا كله ظاهر في خروج ذات عرق كما ذكرنا. إلا ان هذه الروايات قد اشتركت في الدلالة ـ وان تفاوتت في ذلك ظهورا وخفاء ـ على ان المسلخ ليس هو أول العقيق بل اوله بريد البعث ، وهو قبل المسلخ بستة أميال من ما يلي العراق ، كما صرحت به صحيحة معاوية بن عمار أو حسنته ، مع دلالة الأخبار الثلاثة الأول ان أول العقيق المسلخ ، وهو الذي صرح به الأصحاب كما عرفت ، وهو ايضا ظاهر صحيحة عمر بن يزيد ، لان ظاهرها ان مسافة العقيق بريدان وان ذلك ما بين بريد البعث إلى غمرة.

والسيد السند في المدارك ـ بعد ان استدل للقول المشهور برواية أبي بصير الاولى ومرسلة الصدوق ، واستدل للقول الآخر بصحيحة عمر بن يزيد وحسنة معاوية بن عمار التي هي عندنا من الصحيح ـ رد الروايتين الأولتين بضعف السند.

ولا يبعد عندي حمل الخبرين المشار إليهما على التقية وان اشتهر العمل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢ من المواقيت.


بهما بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) :

لما رواه الثقة الجليل احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في جملة ما كتبه الى صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) (١) : «انه كتب إليه يسأله عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متصلا بهم ، يحج ويأخذ عن الجادة ، ولا يحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم (٢) لما يخاف من الشهرة أم لا يجوز ان يحرم إلا من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب : يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره». ورواه الشيخ في كتاب الغيبة بإسناده فيه اليه (٣).

والظاهر ان مستند الشيخ علي بن بابويه في ما نقل عنه انما هو كتاب الفقه الرضوي على عادته التي تقدم ذكرها في غير موضع ، فإنه عليه‌السلام في آخر كلامه الذي قدمنا نقله قد صرح بذلك ، إلا ان صدر الكلام صريح في ان آخر العقيق ذات عرق. وهو تناقض ظاهر.

وبهذه العبارة التي في آخر كتاب الفقه عبر الصدوق في الفقيه (٤) كما نقله في الذخيرة ، فقال : وإذا كان الرجل عليلا أو اتقى فلا بأس بأن يؤخر الإحرام إلى ذات عرق.

ويمكن ان يقال في دفع هذا التناقض بين الاخبار ، وكذا صدر عبارة كتاب الفقه وعجزها ان ذات عرق وان كانت من العقيق إلا انها لما كانت

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ٢ من المواقيت.

(٢) ارجع الى الصفحة ٤٤٢ والتعليقة (١) فيها.

(٤) ج ٢ ص ١٩٩.


ميقات العامة (١) وكان الفضل انما هو في ما قبلها فالتأخير إليها وترك الفضل انما يكون لعذر من علة أو تقية.

والى ما ذكرناه يشير كلام ابن إدريس في سرائره ، حيث قال : ووقت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل كل صقع ولمن حج على طريقهم ميقاتا ، فوقت لأهل العراق العقيق ، فمن اي جهاته وبقاعه أحرم ينعقد الإحرام منها ، إلا ان له ثلاثة أوقات : أولها المسلخ ، يقال بفتح الميم وبكسرها ، وهو اوله ، وهو أفضلها عند ارتفاع التقية ، وأوسطها غمرة ، وهي تلي المسلخ في الفضل مع ارتفاع التقية وآخرها ذات عرق ، وهي أدونها في الفضل إلا عند التقية والشناعة والخوف ، فذات عرق هي أفضلها في هذه الحال. ولا يتجاوز ذات عرق إلا محرما على حال. انتهى.

وحينئذ فتحمل الأخبار الدالة على تحديد العقيق إلى غمرة على الأفضل منه ، وكذا رواية الاحتجاج. وهذا التأويل وان كان لا يخلو من شي‌ء إلا انه في مقام الجمع لا بأس به.

بقي الإشكال في تحديد أول العقيق ، لما عرفت من الاخبار المتقدمة ، فإن بعضها دل على ان أوله المسلخ وبعضها دل على ان أوله بريد البعث الذي هو قيل من ما يلي العراق بستة أميال. ولا يحضرني الآن وجه يمكن جمعها عليه.

ثم اعلم ان صاحب التنقيح ضبط المسلح بالسين والحاء المهملتين ، قال : وهو واحد المسالح وهو المواضع العالية. ونقل شيخنا الشهيد الثاني عن بعض الفقهاء انه ضبطه بالخاء المعجمة من السلخ وهو النزع ، لانه تنزع فيه الثياب للإحرام.

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٣٣ مطبعة العاصمة ، وبلوغ المرام لابن حجر العسقلاني ص ٨٦.


ومقتضى ذلك تأخر التسمية عن وضعه ميقاتا.

واما ذات عرق فقيل : انها كانت قرية فخربت. ونقل العلامة عن سعيد ابن جبير (١) انه رأى رجلا يريد ان يحرم بذات عرق فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي فاتى به المقابر فقال : هذه ذات عرق الاولى.

والظاهر الاكتفاء في معرفة ذلك بسؤال الناس الخبيرين بذلك ، لما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «يجزئك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس والاعراب عن ذلك».

الثانية ـ قد عرفت في ما تقدم من الاخبار ان ميقات أهل المدينة من ذي الحليفة ، وعلى ذلك اتفاق كلمة الأصحاب ، إلا انهم اختلفوا في ان ذا الحليفة هل هو عبارة عن ذلك الموضع أو عن المسجد الواقع فيه؟ وبالأول صرح الشهيد في اللمعة والدروس ، واختاره المحقق الشيخ علي ، قال : ان جواز الإحرام من الموضع المسمى بذي الحليفة وان كان خارجا من المسجد لا يكاد يدفع. وبالثاني صرح جملة من الأصحاب : منهم ـ العلامة في جملة من كتبه والمحقق وغيرهما.

ويدل على الأول إطلاق جملة من الروايات المتقدمة بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقت لأهل المدينة ذا الحليفة. لكن مقتضى جملة أخرى ـ كما تقدم ايضا ـ تفسير ذي الحليفة بمسجد الشجرة. وحينئذ فيجب تقييد إطلاق تلك الاخبار بهذه. وبذلك يظهر ضعف القول الأول.

وقد ذكر الأصحاب انه لو كان المحرم جنبا أو حائضا أحرما به مجتازين ،

__________________

(١) المنتهى ج ٢ ص ٦٧١ والمغني ج ٣ ص ٢٣٣ مطبعة العاصمة.

(٢) الوسائل الباب ٥ من المواقيت.


فان تعذر الإحرام بالاجتياز أحرما من خارج.

الثالثة ـ الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب ـ كما صرح به غير واحد منهم ـ في جواز تأخير الإحرام من مسجد الشجرة إلى الجحفة للضرورة ، وهي المشقة التي يعسر تحملها. وربما نقل عن ظاهر الجعفي جواز التأخير اختيارا.

والذي وقفت عليه من الاخبار في هذا المقام ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال : من الجحفة ، ولا يجاور الجحفة إلا محرما».

وما رواه الصدوق في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) «انه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة. فقال : لا بأس».

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن إحرام أهل الكوفة وأهل خراسان وما يليهم ، وأهل الشام ومصر ، من اين هو؟ قال : اما أهل الكوفة وخراسان وما يليهم فمن العقيق ، وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة ، وأهل الشام ومصر من الجحفة ، وأهل اليمن من يلملم ، وأهل السند من البصرة ، يعني : من ميقات أهل البصرة».

وظاهر هذه الاخبار جواز الإحرام اختيارا من الجحفة كما هو المنقول عن ظاهر الجعفي.

ومنها ـ ما رواه الشيخ عن ابي بصير (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : خصال عابها عليك أهل مكة. قال : وما هي؟ قلت : قالوا : أحرم من الجحفة ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحرم من الشجرة. فقال : الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما وكنت عليلا».

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ٦ من المواقيت.

(٤) الوسائل الباب ٦ من المواقيت.


وما رواه في الكافي في الصحيح الى ابي بكر الحضرمي (١) قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة وقد كنت شاكيا ، فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون : لقيناه وعليه ثيابه. وهم لا يعلمون ، وقد رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن كان مريضا أو ضعيفا ان يحرم من الجحفة».

وروى الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن معاوية (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان معي والدتي وهي وجعة؟ قال : قل لها فلتحرم من آخر الوقت ، فان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل المغرب الجحفة. قال : فأحرمت من الجحفة».

قال : والظاهر ان المراد بآخر الوقت يعني : الوقت الآخر ، فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف ، كاخلاق ثياب ، أو بمعنى الوقت الأخير.

وما رواه الشيخ عن إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن موسى عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد وكثرة الأيام ، يعني : الإحرام من الشجرة ، فأرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها. فقال : لا ـ وهو مغضب ـ من دخل المدينة فليس له ان يحرم إلا من المدينة».

أقول : قوله عليه‌السلام : «إلا من المدينة» أي من ميقات أهل المدينة ، كقوله عزوجل «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» (٤).

وبهذه الأخبار أخذ الأصحاب وقيدوا بها الأخبار الأولة ، وهي وان

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٦ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٨ من المواقيت.

(٤) سورة يوسف ، الآية ٨٢.


كانت غير صريحة في التخصيص إلا ان الاحتياط يقتضي المصير الى ما ذهبوا اليه.

قال في المدارك بعد نقل بعض اخبار الطرفين : وكيف كان فينبغي القطع بصحة الإحرام من الجحفة وان حصل الإثم بتأخيره عن ذي الحليفة.

أقول : وبذلك صرح الشهيد في الدروس ايضا. ولا يخلو من اشكال ، لأن المتبادر من الروايات الدالة على ان من مر على ميقات غير بلده جاز له الإحرام منه انما هو من لم يمر على ميقات بلده. وحينئذ فمتى قلنا بأن الجحفة ليست ميقاتا للمدني اختيارا وانما ميقاته مسجد ذي الحليفة ـ وقد مر على ميقاته ، مع استفاضة الأخبار بأنه يجب عليه الإحرام منه ولا يجوز تجاوزه إلا محرما ، وقد مر به ولم يحرم منه ـ فانعقاد إحرامه من الجحفة يحتاج الى دليل ، لعدم دخوله تحت الأخبار المشار إليها آنفا كما بيناه. ومن ما يؤيد ما ذكرناه

صحيحة الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم ، وان خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه». ولا ريب في صدق الخبر المذكور على المدعى وانطباقه عليه.

ثم قال في المدارك ايضا : وانما يتوقف التأخير على الضرورة على القول به مع مروره على ذي الحليفة ، فلو عدل ابتداء عن ذلك الطريق جاز وكان الإحرام من الجحفة اختياريا.

وأورد عليه بان كلامه هذا لا ينطبق على شي‌ء من الاخبار المتقدمة ، لأن بعضها يقتضي المنع من العدول الاختياري مطلقا وبعضها يقتضي جواز العدول مطلقا ، فالتفصيل لا يوافق شيئا من النصوص.

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.


ويمكن الجواب عنه بان كلامه هذا مبني على تخصيص إطلاق أخبار جواز العدول مطلقا ـ اختيارا أو اضطرارا ـ بالأخبار الأخر الدالة على عدم جواز التأخير إلا مع الضرورة ، كما هو قول الأصحاب (رضوان الله عليهم). واما الرواية الدالة على المنع من العدول الاختياري مطلقا ـ وهي رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة ـ فقد أجاب عنها بضعف السند أولا ، ثم بالحمل على الكراهة جمعا بينها وبين ما دل على جواز العدول مطلقا.

الرابعة ـ قد صرح أكثر الأصحاب بان من كان منزله أقرب الى مكة من المواقيت فميقاته منزله ، قال في المنتهى : انه قول أهل العلم كافة إلا مجاهد (١) ويدل على ذلك الأخبار المتكاثرة : منها ـ صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في أول البحث (٢) ونحوها ما تقدم ايضا من كتاب الفقه الرضوي (٣).

وقال الشيخ بعد إيراد صحيحة معاوية بن عمار المذكورة : وفي حديث آخر : إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة اهله (٤).

وفي الحسن عن مسمع عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٥) قال : «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله».

وفي الصحيح عن عبد الله بن مسكان قال : حدثني أبو سعيد (٦) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن من كان منزله دون الجحفة إلى مكة. قال : يحرم منه».

وعن رباح بن ابي نصر (٧) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام):

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٣٦ مطبعة العاصمة.

(٢) ص ٤٣٤.

(٣) ص ٤٣٧.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من المواقيت. وارجع الى الاستدراكات.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ١٧ من المواقيت.


يروون ان عليا (صلوات الله عليه) قال : ان من تمام حجك إحرامك من دويرة أهلك (١) فقال : سبحان الله لو كان كما يقولون لم يتمتع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بثيابه إلى الشجرة ، وانما معنى دويرة أهله من كان اهله وراء الميقات إلى مكة».

وروى الكليني عن رباح (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): انا نروى بالكوفة ان عليا عليه‌السلام قال : ان من تمام الحج والعمرة ان يحرم الرجل من دويرة أهله (٣) فهل قال هذا علي (عليه‌السلام)؟ فقال : قد قال ذلك أمير المؤمنين (عليه‌السلام) لمن كان منزله خلف المواقيت ، ولو كان كما يقولون ما كان يمنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ان لا يخرج بثيابه إلى الشجرة».

وروى الصدوق عن ابى بصير (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : انا نروى بالكوفة ان عليا (عليه‌السلام) قال : ان من تمام حجك إحرامك من دويرة أهلك (٥) فقال : سبحان الله ، لو كان كما يقولون لما تمتع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بثيابه إلى الشجرة».

قال الصدوق (قدس‌سره) (٦) : «وسئل الصادق عليه‌السلام عن رجل منزله خلف الجحفة من اين يحرم؟ قال : من منزله».

وفي خبر آخر (٧) : «من كان منزله دون المواقيت ما بينها وبين مكة فعليه ان يحرم من منزله».

__________________

(١ و ٣ و ٥) المغني ج ٣ ص ٢٣٩ مطبعة العاصمة.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ١١ و ١٧ من المواقيت.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ١٧ من المواقيت.


وروى الصدوق في معاني الأخبار (١) بإسناده عن عبد الله بن عطاء قال : «قلت لأبي جعفر (عليه‌السلام) : ان الناس يقولون : ان علي بن ابي طالب (عليه‌السلام) قال : ان أفضل الإحرام ان تحرم من دويرة أهلك (٢) قال : فأنكر ذلك أبو جعفر (عليه‌السلام) فقال : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من أهل المدينة ووقته من ذي الحليفة وانما كان بينهما ستة أميال ، ولو كان فضلا لأحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من المدينة ، ولكن عليا عليه‌السلام كان يقول : تمتعوا من ثيابكم الى وقتكم».

وهذا الخبر وان لم يكن من اخبار المسألة إلا أنا ذكرناه في سياق تكذيب خبر أهل الكوفة المفتري عليه عليه‌السلام.

قال الفاضل الخراساني في الذخيرة بعد نقل جملة من هذه الاخبار : واعلم ان المشهور بين الأصحاب شمول الحكم المذكور لأهل مكة فيكون إحرامهم بالحج من منازلهم ، والاخبار المذكورة غير شاملة لهم ، وفي حديثين صحيحين ما يخالف ذلك : أحدهما ـ ما رواه الكليني عن ابي الفضل سالم الحناط في الصحيح (٣) قال : «كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) من أين أحرم بالحج؟ فقال : من حيث أحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الجعرانة ، أتاه في ذلك المكان فتوح : فتح الطائف وفتح حنين والفتح. فقلت : متى اخرج؟ فقال : ان كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم ، وان كنت حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس». وثانيهما ـ ما رواه الكليني عن عبد الرحمن

__________________

(١) نوادر المعاني ص ٣٨٢ وفي الوسائل الباب ٩ من المواقيت.

(٢) المغني ج ٣ ص ٢٣٩ مطبعة العاصمة.

(٣) الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.


ابن الحجاج في الصحيح (١) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): انى أريد الجوار فكيف اصنع؟ فقال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فأحرم منها بالحج. ثم ساق الخبر». وقد تقدم الجميع قريبا في التنبيه الرابع من البحث السابع (٢) ثم نقل رواية إبراهيم بن ميمون ، وقد تقدمت في البحث الرابع (٣).

وأنت خبير بان مورد هذه الروايات انما هو المجاور بمكة ، أعم من ان يكون انتقل حكمه إليهم بمضي المدة المعلومة أو لم ينتقل وأراد الحج مستحبا ، فإنه يخرج الى المواضع المذكورة ، وهذا لا يستلزم ان يكون أهل مكة كذلك وانتقال حكمه الى أهل مكة بعد مضي المدة المعلومة انما هو باعتبار وجوب حج الافراد والقران دون التمتع ، وهو لا يستلزم اشتراكهما في ميقات الإحرام ، فيجوز ان يكون هذا حكما مختصا بالمجاورين دون أهل البلد.

ويمكن ان يكون بناء كلام الأصحاب في الاستدلال بالأخبار المتقدمة على ان ظواهرها تعطى إلحاق من كان منزله دون الميقات إلى مكة بأهل مكة ، فهو يدل على كون أهل مكة كذلك ، فان التخصيص بجهة مكة انما هو من حيث كونه من توابعها وإلا فدخوله في الأقربية لا يخلو من الإشكال ، لاقتضائها المغايرة بينهما ، وبالجملة فإن ما ذكره من الاستدلال بالأخبار المذكورة على ان أهل مكة يخرجون الى المواضع المشار إليها لا تدل عليه الاخبار التي ذكرها بوجه.

وكيف كان فالتحقيق انه لا مستند لهم في هذا الحكم سوى الإجماع على الحكم المذكور ، لاتفاق كلمتهم عليه قديما وحديثا من غير نقل الخلاف ، كما لا يخفى على من راجع كتبهم ومؤلفاتهم.

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٠٠ وفي الوسائل الباب ٧ و ٩ و ١٦ و ١٧ من أقسام الحج.

(٢) ص ٤٣١.

(٣) ص ٣٨٦.


ثم انه لا يخفى ان كلام الأصحاب هنا لا يخلو من اختلاف ، فان منهم من أطلق القرب كالشهيد في الدروس ، والمحقق في الشرائع ، والعلامة في الإرشاد والتذكرة ، ومنهم من أطلق القرب واستدل ببعض الأخبار المتقدمة ، وهو ظاهر في كون مراده القرب إلى مكة ، ومنهم من اعتبر القرب إلى مكة ، ومنهم من اعتبر القرب الى عرفات ، وبه صرح الشهيد في اللمعة ونقله في المدارك عن المحقق في المعتبر ايضا ، ولم أجده فيه ، بل الظاهر من كلامه انما هو القرب إلى مكة فإنه وان أطلق في صدر كلامه لكنه استدل ببعض الأخبار المتقدمة المصرحة بالقرب إلى مكة. نعم عبارة شيخنا الشهيد في اللمعة صريحة في ذلك ، حيث قال : ويشترط في حج الإفراد النية ، وإحرامه به من الميقات أو من دويرة اهله ان كانت أقرب الى عرفات. والاخبار المتقدمة صريحة في دفعه كما عرفت.

الخامسة ـ قد صرح جملة من الأصحاب بان من حج على طريق لا يفضى الى أحد المواقيت المتقدمة فإنه يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة. وصرح آخرون بأنه يحرم عند محاذاة أحد المواقيت. وهو ظاهر في التخيير بين الإحرام من محاذاة أيها شاء. وظاهر العلامة في المنتهى اعتبار الميقات الذي هو أقرب الى طريقه. ثم قال : والاولى ان يكون إحرامه بحذو الأبعد من المواقيت من مكة ، وحكم بأنه إذا كان بين ميقاتين متساويين في القرب اليه تخير في الإحرام من أيهما شاء. ونحو ذلك في التذكرة أيضا.

وكيف كان فاعلم اني لم أقف في هذه المسألة إلا على صحيحة عبد الله بن سنان المشار إليها آنفا عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (١) قال : «من اقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ، ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة التي يأخذونه

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من المواقيت.


فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال ، فيكون حذاء الشجرة من البيداء». وفي التهذيب (١) أسقط قوله : «فيكون حذاء الشجرة من البيداء» وقال في الكافي (٢) بعد نقل الرواية : وفي رواية : «يحرم من الشجرة ثم يأخذ أي طريق شاء».

ورواه الصدوق في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «من اقام بالمدينة وهو يريد الحج شهرا أو نحوه ، ثم بدا له ان يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة والبيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها».

وأنت خبير بان مورد الرواية مسجد الشجرة فحمل سائر المواقيت عليها لا يخلو من الاشكال ، سيما مع معارضتها برواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة (٤) الدالة على ان من دخل المدينة فليس له ان يحرم إلا من ميقات أهل المدينة ، المتأيدة بمرسلة الكليني المذكورة. وكأنهم بنوا على عدم ظهور الخصوصية لهذا الميقات ، الذي هو عبارة عن تنقيح المناط. وهو محتمل ، إلا ان الاحتياط يقتضي المرور على الميقات وعدم التجاوز عنه على حال.

ثم انهم (رضوان الله عليهم) ذكروا ايضا انه لو سلك طريقا لا يفضى الى محاذاة شي‌ء من المواقيت ، فقيل انه يحرم من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة ، أي من محل يكون بينه وبين مكة بقدر ما بين مكة وبين أقرب المواقيت

__________________

(١) ج ٥ ص ٥٧.

(٢) ج ٤ ص ٣٢١ وفي الوسائل الباب ٧ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ٧ من المواقيت.

(٤) ص ٤٤٥.


إليها ، وهو مرحلتان كما تقدم ، عبارة عن ثمانية وأربعين ميلا (١). قالوا : لأن هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلا محرما من أي جهة دخل وانما الاختلاف في ما زاد عليها. ورد بان ذلك انما ثبت مع المرور على الميقات لا مطلقا. وقيل بأنه يحرم من ادنى الحل ، ونقله في المدارك عن العلامة في القواعد وولده في الشرح ، ثم قال : وهو حسن ، لأصالة البراءة من وجوب الزائد. ورد بان ثبوت التكليف يقتضي اليقين بتحصيل البراءة. والمسألة عندي محل توقف لعدم النص الكاشف عن حكمها.

فروع

الأول ـ قال العلامة في المنتهى : لو لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقة احتاط وأحرم من بعد ، بحيث يتيقن انه لم يجاوز الميقات إلا محرما.

واستشكله في المدارك بأنه كما يمتنع تأخير الإحرام عن الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه. وتجديد الإحرام في كل موضع يحتمل فيه المحاذاة مشكل ، لأنه تكليف شاق لا يمكن إيجابه بغير دليل.

أقول : لا ريب ان ما ذكره من تجديد الإحرام في كل موضع يحتمل المحاذاة جيد لو ثبت أصل الحكم ، فان يقين البراءة متوقف عليه ، والاحتياط بالإتيان بما يتوقف عليه يقين البراءة في مقام اشتباه الحكم واجب ، كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب. ودعوى المشقة غير مسلم ولا مسموع.

__________________

(١) العبارة الواردة هنا مطابقة للنسخة الخطية. وفي المطبوعة استظهر الناسخ ان تكون العبارة هكذا : «وهو مرحلتان كما تقدم ، والمرحلتان كما تقدم أيضا عبارة عن ثمانية وأربعين ميلا».


الثاني ـ قال في المنتهى ايضا : لا يلزمه الإحرام حتى يعلم انه قد حاذاه أو يغلب على ظنه ذلك ، لان الأصل عدم وجوبه ، فلا يجب بالشك.

أقول : لا يخفى ان ظاهر هذا الكلام لا يلائم ما ذهبوا اليه من وجوب الإحرام بظن المحاذاة ، لأن أصالة عدم الوجوب كما تنفي الوجوب مع الشك تنفيه مع الظن ايضا.

الثالث ـ قال في المدارك : لو أحرم كذلك بالظن ثم تبينت الموافقة أو استمر الاشتباه أجزأ ، ولو تبين تقدمه قبل تجاوز محل المحاذاة اعاده ، ولو كان بعد التجاوز أو تبين تأخره عن محاذاة الميقات ففي الإعادة وجهان ، من المخالفة ، ومن تعبده بظنه المقتضي للإجزاء. انتهى.

أقول : وهو جيد لو ثبت أصل دليل المسألة ، إلا انه لا يلائم ما اختاره سابقا من الإحرام من ادنى الحل ، فان هذا انما يتفرع على المحاذاة كما لا يخفى. ثم لا يخفى ان ما علل به الإعادة في الصورة الأخيرة ـ من المخالفة ـ الظاهر ضعفه ، لما ذكر من انه متعبد بظنه. والمخالفة واقعا غير معتبرة ، إذ التكليف انما هو بما يظهر في نظر المكلف فلا تضر المخالفة الواقعية. إلا ان أصل المسألة ـ كما عرفت آنفا ـ خال من الدليل.

الرابع ـ المشهور بين الأصحاب ان من حج من البحر يلزمه الإحرام إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة ، وقال ابن إدريس : وميقات أهل مصر ومن صعد البحر جدة. ورده جملة من تأخر عنه بعدم الوقوف له على دليل. نعم ان كانت محاذية لأقرب المواقيت صح الإحرام منها لذلك لا لخصوصيتها. واما أهل مصر ومن سلك طريقهم فميقاتهم الجحفة كما يشير اليه بعض الاخبار السابقة (١) فخلافه غير ملتفت اليه.

__________________

(١) ص ٤٤٤.


السادسة ـ قد صرح الأصحاب بأن كل من حج على ميقات لزمه الإحرام منه ، بمعنى ان هذه المواقيت المتقدمة لأهلها ولمن يمر بها من غير أهلها مريدا للحج أو العمرة ، فلو حج الشامي على طريق المدينة أو العراقي وجب عليه الإحرام من ذي الحليفة. وهذا الحكم مجمع عليه بينهم كما يفهم من المنتهى.

ويدل عليه من الاخبار ما رواه الكليني في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام (١) في حديث : «انه كتب اليه : ان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) وقت المواقيت لأهلها ولمن اتى عليها من غير أهلها ، وفيها رخصة لمن كانت به علة ، فلا يجاوز الميقات إلا من علة».

وقد تقدم (٢) في رواية إبراهيم بن عبد الحميد : «ان من دخل المدينة فليس له ان يحرم إلا من المدينة».

ولا فرق في وجوب الإحرام من هذه المواقيت المذكورة على الداخل إلى مكة بين ان يكون حاجا أو معتمرا ، حج افراد أو قران أو عمرة تمتع أو افراد ، أما حج التمتع فميقاته مكة.

واما العمرة المفردة بعد حجي القران والافراد فميقاتها ادنى الحل كما تقدم

ويدل عليه اخبار : منها ـ ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : «من أراد ان يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما». قال ابن إدريس في السرائر : الحديبية اسم بئر وهو خارج الحرم ، يقال :

__________________

(١) الوسائل الباب ١٥ من المواقيت.

(٢) ص ٤٤٥.

(٣) الوسائل الباب ٢٢ من المواقيت.


الحديبية بالتخفيف والتشديد. وسألت ابن العصار الفوهي فقال : أهل اللغة يقولونها بالتخفيف وأصحاب الحديث يقولونها بالتشديد. وخطه عندي بذلك وكان إمام اللغة ببغداد. انتهى.

وقال بعض الفضلاء بعد ذكر الجعرانة ما صورته : بفتح الجيم وكسر العين وفتح الراء المشددة ، هكذا سمعنا من بعض مشايخنا ، والصحيح ما قاله نفطويه في تأريخه ، قال : كان الشافعي يقول : الحديبية بالتخفيف ويقول أيضا : الجعرانة بكسر الجيم وسكون العين. وهو اعلم بهذين الموضعين. وقال ابن إدريس : وجدتهما كذلك بخط من أثق به. وقال ابن دريد في الجمهرة : الجعرانة بكسر الجيم والعين وفتح الراء وتشديدها. انتهى.

وفي كتاب مجمع البحرين : وفي الحديث : انه نزل الجعرانة. هي بتسكين العين والتخفيف وقد تكسر وتشدد الراء : موضع بين مكة والطائف على سبعة أميال من مكة ، وهي أحد حدود الحرم ، وميقات للإحرام ، سميت باسم ريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة ، وهي التي أشار إليها بقوله تعالى : «كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها» (١) وعن ابن المدائني : العراقيون يثقلون الجعرانة والحديبية ، والحجازيون يخففونهما. انتهى.

وقال فيه ايضا : وقد تكرر في الحديث ذكر الحديبية بالتخفيف عند الأكثر ، وهي بئر بقرب مكة على طريق جدة دون مرحلة ثم أطلق على الموضع ، ويقال : نصفه في الحل ونصفه في الحرم. انتهى.

وبالجملة فإن الميقات هو ادنى الحل. والأفضل ان يكون من هذه المواضع : الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم ، وهو ـ على ما في كتاب مجمع البحرين ـ موضع

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ٩٢.


قريب من مكة ، وهو أقرب أطراف الحل إلى مكة ، ويقال : بينه وبين مكة أربعة أميال ، ويعرف بمسجد عائشة. انتهى.

وفي بعض الحواشي : ان التنعيم مسجد زين العابدين عليه‌السلام ومسجد أمير المؤمنين عليه‌السلام ومسجد عائشة.

السابعة ـ قد صرح الأصحاب (رضوان الله عليهم) بأنه يجرد الصبيان من فخ ، وعلى ذلك دلت صحيحة أيوب بن الحر (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصبيان من اين نجردهم؟ فقال : كان ابي يجردهم من فخ». وفي الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (٢) مثل ذلك.

وظاهر الأكثر ـ وبه صرح المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه ـ ان المراد بالتجريد هو الإحرام بهم ، وقد نص الشيخ وغيره على ان الأفضل الإحرام بهم من الميقات لكن رخص في تأخير الإحرام بهم حتى يصيروا الى فخ.

ومن ما يدل على الإحرام بهم من الميقات روايات : منها ـ صحيحة معاوية ابن عمار (٣) قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو الى بطن «مر» ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ويسعى بهم. الحديث».

وفي الموثق عن يونس بن يعقوب عن أبيه (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان معي صبية صغارا وانا أخاف عليهم البرد ، فمن اين يحرمون؟ فقال :

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٤٠٩ ، وفي الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج ، والباب ١٨ من المواقيت ، والباب ٤٧ من الإحرام.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٤٠٩ ، وفي الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج ، والباب ١٨ من المواقيت ، والباب ٤٧ من الإحرام.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٤٠٩ وفي الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من أقسام الحج.


ائت بهم العرج فليحرموا منها ، فإنك إذا أتيت العرج وقعت في تهامة. ثم قال : فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة».

ونقل عن المحقق الشيخ على : ان المراد بالتجريد التجريد عن المخيط خاصة فيكون الإحرام بهم من الميقات كغيرهم ، لان الميقات موضع الإحرام فلا يتجاوزه أحد إلا محرما.

قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه : وهو ضعيف ، لمنع ما ادعاه من العموم بحيث يتناول غير المكلف ، وظهور التجريد في المعنى الذي ذكرناه. انتهى أقول : لا يخفى ان ما ذكره الشيخ علي (قدس‌سره) لا يخلو من قرب ، فان ظاهر لفظ التجريد يساعده. وما ادعاه (قدس‌سره) ـ من ظهور التجريد في معنى الإحرام ـ لا يخفى ما فيه ، فان التجريد لغة انما هو نزع شي‌ء من شي‌ء ، كما يقال : جردته عن ثيابه اي نزعتها عنه. والمعتبر في الإحرام أمور عديدة لا يدخل منها شي‌ء تحت هذا اللفظ سوى نزع المخيط. وما ادعاه من منع العموم لا يخلو من شي‌ء أيضا. ويؤيد ما ذكرناه تخصيص التأخير إلى فخ بمن كان على طريق المدينة ، فلو حج بهم على غيرها وجب الإحرام بهم من الميقات البتة. وبذلك صرح العلامة في القواعد فقال : ويجرد الصبيان من فخ ان حجوا على طريق المدينة وإلا فمن موضع الإحرام. قالوا : وفخ : بئر على نحو فرسخ من مكة.

المقام الثاني في الأحكام

وفيه أيضا مسائل :

الأولى ـ المشهور بين الأصحاب انه لا يجوز الإحرام قبل هذه المواقيت إلا في صورتين سيأتي التنبيه عليهما في المقام. اما عدم جواز الإحرام قبل


الميقات في غير الصورتين المشار إليهما فهو من ما عليه الاتفاق نصا وفتوى.

ومن الاخبار الدالة على ذلك قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي أو حسنته المتقدمة في أول المقام الأول (١) : «الإحرام من المواقيت خمسة وقتها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر ان يحرم قبلها ولا بعدها».

وما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أذينة (٢) قال : «قال أبو عبد الله (عليه‌السلام) : من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له ، ومن أحرم دون الوقت فلا إحرام له».

وما رواه فيه ايضا عن ميسرة (٣) قال : «دخلت على ابي عبد الله (عليه‌السلام) وانا متغير اللون ، فقال لي : من أين أحرمت؟ فقلت : من موضع كذا وكذا. فقال : رب طالب خير تزل قدمه. ثم قال : يسرك ان صليت الظهر في السفر أربعا؟ قلت : لا. قال : فهو والله ذاك».

وما رواه في الفقيه والتهذيب عن ميسر (٤) قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام) : رجل أحرم من العقيق وآخر من الكوفة ، أيهما أفضل؟ فقال : يا ميسر أتصلي العصر أربعا أفضل أم تصليها ستا؟ فقلت : أصليها أربعا أفضل. فقال : فكذلك سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل من غيرها».

وما رواه في التهذيب في الصحيح عن موسى بن القاسم عن حنان بن سدير (٥) قال : «كنت انا وابي وأبو حمزة الثمالي وعبد الرحيم القصير وزياد الأحلام حجاجا فدخلنا على ابي جعفر (عليه‌السلام) فرأى زيادا ـ وقد تسلخ

__________________

(١) ص ٤٣٥.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أقسام الحج ، والباب ٩ من المواقيت.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١١ من المواقيت.


جلده ـ فقال : من أين أحرمت؟ قال : من الكوفة. قال : ولم أحرمت من الكوفة؟ فقال : بلغني عن بعضكم انه قال : ما بعد من الإحرام فهو أعظم للأجر. فقال : ما بلغك هذا إلا كذاب. ثم قال لأبي حمزة : من أين أحرمت؟ قال : من الربذة. فقال : ولم؟ لأنك سمعت ان قبر ابي ذر بها فأحببت ان لا تجوزه؟ ثم قال لأبي ولعبد الرحيم : من أين أحرمتما؟ فقالا : من العقيق. فقال : أصبتما الرخصة واتبعتما السنة. ولا يعرض لي بابان كلاهما حلال إلا أخذت باليسير ، وذلك ان الله يسير يحب اليسير ويعطى على اليسير ما لا يعطى على العنف».

وما رواه في الكافي عن زرارة عن ابى جعفر (عليه‌السلام) (١) في حديث قال : «ليس لأحد ان يحرم قبل الوقت الذي وقته رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وانما مثل ذلك مثل من صلى في السفر أربعا وترك الثنتين».

الى غير ذلك من الاخبار.

واما الصورتان المشار إلى استثنائهما آنفا فإحداهما ـ من أراد الإحرام بعمرة مفردة في رجب وخشي تقضيه ان هو أخر الإحرام حتى يصل الميقات ، وقد اتفقت الاخبار على جواز الإحرام له قبل الميقات لتقع عمرته في رجب ، وانه يدرك فضلها بذلك وان وقعت الأفعال في غيره ، وقد نقل في المعتبر والمنتهى اتفاق علمائنا على ذلك مع ان عبارة ابن إدريس الآتية ظاهرة في الخلاف ، ولعله اما مبني على الغفلة عن ملاحظة كلامه أو عدم الاعتداد بخلافه ، والظاهر الأول لنقلهم خلافه في مسألة النذر.

ويدل على ذلك من الاخبار ما رواه الشيخ في الصحيح وثقة الإسلام في الصحيح أو الحسن عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من المواقيت.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من المواقيت.


السلام) يقول : ليس ينبغي لأحد ان يحرم دون المواقيت التي وقتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا ان يخاف فوت الشهر في العمرة».

وما رواه أيضا في الموثق عن إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن الرجل يجي‌ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه هلال شعبان قبل ان يبلغ الوقت ، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : يحرم قبل الوقت ويكون لرجب ، لان لرجب فضله وهو الذي نوى».

ثانيهما ـ من نذر الإحرام من موضع معين قبل الميقات ، والمشهور انعقاد نذره ووجوب الإحرام من ذلك الموضع في أشهر الحج ان كان لعمرة تمتع أو حج وان كان لعمرة مفردة فمطلقا ، ومنع ذلك ابن إدريس في السرائر فقال : والأظهر الذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب ان الإحرام لا ينعقد إلا من المواقيت ، سواء كان منذورا أو غيره ، ولا يصح النذر بذلك لانه خلاف المشروع ، ولو انعقد بالنذر كان ضرب المواقيت لغوا. ثم قال : والذي اخترناه مذهب السيد المرتضى وابن ابى عقيل من علمائنا وشيخنا ابى جعفر في مسائل خلافه. ثم نقل عبارته. وخطأه العلامة في نقله ذلك عن الخلاف ، فإنه وان أطلق في هذه العبارة التي نقلها عنه إلا انه صرح بذلك في عبارة أخرى ، حيث قال ـ على ما نقله في المختلف ـ : فإن أحرم قبل الميقات لم ينعقد الا ان يكون نذر ذلك. واما السيد المرتضى وابن ابى عقيل فإنهما أطلقا المنع من الإحرام قبل الميقات ولم يستثنيا النذر. وكذا ابن الجنيد والصدوق كما نقله في المختلف ايضا. انتهى. واختاره العلامة في المختلف.

__________________

(١) التهذيب ج ٥ ص ٥٣ والكافي ج ٤ ص ٣٢٣ وفي الوسائل الباب ١٢ من المواقيت.


ويدل على القول المشهور جملة من الاخبار : منها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن رجل جعل لله عليه شكرا ان يحرم من الكوفة؟ فقال : فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال».

أقول : لصاحب المنتقى هنا كلام في صحة الخبر المذكور بعد ان حكى حكم الأصحاب بصحته ، فليرجع اليه (٢) من أحب الوقوف عليه.

وعن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه‌السلام) (٣) قال : «سمعته يقول : لو ان عبدا أنعم الله عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه ان يحرم بخراسان كان عليه ان يتم».

وفي الصحيح عن صفوان عن علي بن أبي حمزة (٤) قال : «كتبت الى ابى عبد الله (عليه‌السلام) اسأله عن رجل جعل لله عليه ان يحرم من الكوفة؟ قال : يحرم من الكوفة».

ومن هذه الاخبار يعلم الجواب عن ما احتجوا به من ان النذر غير مشروع فإنه بعد ورود الاخبار بذلك لا وجه لدفع مشروعيته. وبالجملة فإن قول ابن إدريس هنا جيد لو لا ورود هذه الاخبار المذكورة. واما قوله ـ : ولو انعقد بالنذر كان ضرب المواقيت لغوا ـ فقد أجاب عنه في المنتهى بأن الفائدة غير منحصرة في ذلك بل ههنا فوائد أخرى : منها ـ منع تجاوزها من غير إحرام ، ومنها ـ وجوب الإحرام منها لأهلها لغير الناذر. ثم قال : وبالجملة فالكلام ضعيف من الجانبين فنحن في هذا من المتوقفين ، والأقرب ما ذهب اليه الشيخان عملا برواية الحلبي فإنها صحيحة. انتهى.

__________________

(١ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ١٣ من المواقيت.

(٢) المنتقى ج ٢ ص ٣٥٥.


ولا يكفي مروره على الميقات بعد إحرامه قبله ، لوقوع الإحرام السابق عليها فاسدا فيكون بمنزلة من لم يحرم.

المسألة الثانية ـ قد ذكر جملة من الأصحاب انه لو تعذر الإحرام من الميقات لمانع من مرض ونحوه أخره ، ومتى زال المانع وجب عليه الرجوع الى الميقات إن أمكن ، وإلا جدد الإحرام من موضعه.

والكلام هنا يقع في مقامين أحدهما ـ في التأخير ، المفهوم من كلام الشيخ في النهاية ذلك ، قال في الكتاب المذكور : ومن عرض له مانع من الإحرام جاز له ان يؤخره أيضا عن الميقات ، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه.

ويدل على ما ذكره ما رواه في التهذيب (١) عن ابي شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهم (عليهم‌السلام): «إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى الحرم».

وقال ابن إدريس بعد نقل ذلك عن الشيخ : قوله : «جاز له ان يؤخره» مقصوده كيفية الإحرام الظاهرة ، وهو التعري وكشف الرأس والارتداء والتوشح والاتزار ، فأما النية والتلبية مع القدرة عليها فلا يجوز له ذلك ، لانه لا مانع له يمنع ذلك ولا ضرورة فيه ولا تقية ، وان أراد وقصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه فيؤدي إلى إبطال حجه بغير خلاف. واستجوده العلامة في المنتهى.

أقول : ويؤيده ما قدمناه من رواية الحميري المنقولة من الاحتجاج المتقدمة (٢) في المسألة الاولى من المسائل الملحقة بالمقام الأول ، حيث ذكر

__________________

(١) ج ٥ ص ٥٨ وفي الوسائل الباب ١٦ من المواقيت.

(٢) ص ٤٤١.


عليه‌السلام ـ في من مر مع العامة على المسلخ ولم يمكنه إظهار الإحرام تقية ـ انه يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه ، وإذا بلغ ميقاتهم أظهره.

والى ما ذكره ابن إدريس يميل كلام المحقق في المعتبر ، حيث قال : من منعه مانع عند الميقات فان كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه ، ولو زال عقله بإغماء وشبهه سقط عنه الحج ، ولو أحرم عنه رجل جاز ، ولو أخر وزال المانع عاد الى الميقات ان تمكن وإلا أحرم من موضعه. ودل على جواز الإحرام عنه ما رواه جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) : «في مريض أغمي عليه فلم يعقل حتى اتى الموقف؟ قال : يحرم عنه رجل». والذي يقتضيه الأصل ان إحرام الولي جائز لكن لا يجزئ عن حجة الإسلام ، لسقوط الفرض بزوال عقله. نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأه. انتهى.

وقال في الدروس : ولو منعه مانع من الإحرام من الميقات جاز تأخيره عنه ، قاله الشيخ. وحمل على تأخير ما يتعذر منه كلبس الثوبين وكشف الرأس دون الممكن من النية والتلبية. انتهى.

وبالجملة فإن ما ذكره ابن إدريس هنا متجه ، ويمكن حمل الرواية التي استند إليها الشيخ على ذلك. واما ما ذكره في المختلف ـ من ان كلام ابن إدريس مؤاخذة لفظية ، إذ الإحرام ماهية مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين ، ونحن نسلم إيجاب ما يتمكن منه لكن لا يكون قد اتى بماهية الإحرام. انتهى ـ ففيه ان الظاهر من عبارة الشيخ ومن روايته التي استند إليها انما هو تأخير الإحرام بجميع ما يتوقف عليه وتلتئم منه ماهيته.

وثانيهما ـ في وجوب الرجوع متى أخره ، قال في المدارك ـ بعد قول

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ من المواقيت ، والباب ٥٥ من الإحرام.


المصنف : ولو أخره عن الميقات لمانع ثم زال المانع عاد الى الميقات ، فان تعذر جدد الإحرام حيث زال ـ ما صورته : اما وجوب العود الى الميقات مع المكنة فلا ريب فيه لتوقف الواجب عليه. واما الاكتفاء بتجديد الإحرام من محل زوال العذر مع تعذر العود الى الميقات ، فلان تأخيره لم يكن محرما فكان كالناسي ، وسيأتي ان الناسي يحرم من موضع الذكر مع تعذر العود الى الميقات. انتهى.

أقول : لا يخفى انه قد تقدم في المقام الأول ان ظاهر عبارة الشيخ في النهاية هو التعدي عن الميقات للعذر بغير إحرام بالكلية ، وظاهر الجماعة انه قد أحرم وعقد النية واتى بما يمكن من تلبية ونحوها وانما أخر بعض الأفعال مثل لبس الثوبين مثلا ونحوهما. وحينئذ فوجوب الرجوع الذي ذكروه هنا ، ان بنى على ظاهر كلام الشيخ وروايته فلا ريب فيه ، لأنه قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه كما ذكره ابن إدريس ، فيجب عليه الرجوع البتة كما صرحوا به. إلا ان قوله ـ في تعليل الاكتفاء بتجديد الإحرام من موضع الذكر مع تعذر العود الى الميقات : فلان تأخيره لم يكن محرما فكان كالناسي ـ غير صحيح كما لا يخفى. وان بنى على ما ذكره الجماعة من عقد الإحرام من الميقات والإتيان بالتلبية وما يمكن من أفعاله فإيجاب العود عليه بعد زوال العذر لا وجه له ولا دليل عليه. وما ذكره من توقف الواجب عليه انما يتم لو ترك الإحرام بالكلية. وترك بعض تلك الأمور المشترطة فيه ـ كنزع المخيط ولبس ثوبي الإحرام ـ مع العذر لا يوجب الرجوع الى الميقات اتفاقا ، وغايته هو وجوب نزع المخيط ولبس ثوبي الإحرام متى زال العذر. وقياس ذلك ـ في وجوب الرجوع أو الإحرام من موضعه مع عدم إمكان الرجوع ـ على الناسي قياس مع الفارق ، لأن الناسي قد ترك الإحرام بالكلية وهذا قد أحرم وعقد حجه بالنية ولبى ولو سرا وانما ترك نزع المخيط للعذر ، فكيف يحمل عليه؟ مع ما في الحمل ـ لو لم


يكن كذلك ايضا ـ من انه محض القياس.

وبذلك يظهر ما في عبارة المعتبر المتقدمة وان استحسنها في المدارك ، حيث قال : وفصل المصنف في المعتبر تفصيلا حسنا. ثم ساق عبارته المتقدمة ، فإن قوله : «ولو أخر وزال المانع» ان أراد به التأخير حتى عن النية وعقد الإحرام بها ففيه ما عرفت أولا ، وان أراد التأخير لما لم يمكن مع الإتيان بما أمكن من نية وتلبية ففيه ما عرفت ثانيا.

وبالجملة فإن كلامهم هنا عندي غير منقح ولا ظاهر.

ثم ان صريح عبارة الشيخ المتقدمة انه يحرم بعد زوال المانع من موضعه. وهو على إطلاقه أيضا مشكل ، لأنه ان حمل على ظاهر عبارته ـ كما قدمنا الإشارة إليه ـ فهو غير صحيح ، لانه قد أخل بالإحرام بعد المرور على الميقات عمدا فلا يجزئه الإحرام من موضعه ، وان حمل على ظاهر كلام الجماعة ـ من عقد نية الإحرام عند الميقات وانما ترك بعض الأشياء لعذر ـ فهو صحيح لا ريب فيه

المسألة الثالثة ـ لو ترك الإحرام بعد مروره على الميقات ناسيا أو جاهلا وجب عليه العود اليه مع الإمكان ، وإلا أحرم من مكانه ان لم يدخل الحرم ، ومع دخوله فيجب الخروج الى خارجه ان أمكن ، وإلا أحرم من موضعه ايضا. وزاد بعضهم من لا يريد النسك ثم تجدد له عزم على ذلك.

والذي وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة ما رواه ثقة الإسلام (عطر الله تعالى مرقده) في الصحيح أو الحسن عن الحلبي (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟ قال : قال ابي : يخرج الى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي ان يفوته الحج أحرم من مكانه ، فإن

__________________

(١) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.


استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم».

وما رواه أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان (١) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه ، فنسي أو جهل فلم يحرم حتى اتى مكة ، فخاف ان رجع الى الوقت ان يفوته الحج؟ فقال : يخرج من الحرم ويحرم ويجزئه ذلك».

وما رواه أيضا في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة كانت مع قوم ، فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم ، فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا وأنت حائض؟ فتركوها حتى دخلت الحرم. فقال : ان كان عليها مهلة فلترجع الى الوقت فلتحرم منه ، وان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها».

ورواه الشيخ في الصحيح ايضا مثله (٣) إلا انه زاد بعد : «بقدر ما لا يفوتها» : «الحج فتحرم».

وما رواه في الكافي أيضا في الموثق عن زرارة (٤) : «عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم ، فقدموا الى الوقت وهي لا تصلي ، فجهلوا ان مثلها ينبغي ان يحرم ، فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة وهي طامث حلال ، فسألوا الناس فقالوا : تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه. وكانت إذا فعلت لم تدرك الحج. فسألوا أبا جعفر عليه‌السلام فقال : تحرم من مكانها ، قد علم الله ـ تعالى ـ نيتها».

وعن جميل عن سورة بن كليب (٥) قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.


خرجت معنا امرأة من أهلنا ، فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة ، ونسينا أن نأمرها بذلك؟ قال : فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد».

وما رواه الحميري في كتاب قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام (١) قال : «سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم ، كيف يصنع؟ قال : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم».

وعن ابي الصباح الكناني (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جهل ان يحرم حتى دخل الحرم ، كيف يصنع؟ قال : يخرج من الحرم ثم يهل بالحج».

وإطلاق بعض هذه الاخبار يحمل على مقيدها ، وبه تكون متفقة الدلالة على الأحكام المذكورة.

وقد ذكر العلامة في التذكرة والمنتهى ان من نسي الإحرام بالحج يوم التروية حتى حصل بعرفات فليحرم من هناك.

والظاهر ان مستنده ما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى ابن جعفر عليه‌السلام (٣) قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكره وهو بعرفات ، ما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك. فقد تم إحرامه».

وربما أشعر تخصيص الحكم بعرفات بعدم جواز تجديد الإحرام بالمشعر ، وبه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت.

(٣) الوسائل الباب ١٤ و ٢٠ من المواقيت.


يشعر ايضا بعض عبائرهم. إلا ان الشهيدين قد حكما بالجواز.

ويمكن ان يستدل عليه بما رواه الكليني في الصحيح أو الحسن عن جميل ابن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام) (١) «في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى؟ قال : تجزئه نيته إذا كان قد نوى ذلك ، فقد تم حجه وان لم يهل».

قيل : والظاهر ان المراد بقوله : «إذا كان قد نوى ذلك» انه نوى الحج بجميع أجزائه جملة لا نوى الإحرام ، لأن نيته من الجاهل به غير معقول وكذا من الناسي أيضا. وربما ظهر من كلام الشيخ في النهاية حمله على العزم المتقدم على محل الإحرام ، فإنه قال : إذا لم ينو فان لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تم حجه ولا شي‌ء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام. انتهى.

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ، ما حاله؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه».

والتقريب فيهما انه إذا تم الحج مع قضاء المناسك كلها بغير إحرام فالبعض اولى.

ويندرج في من لا يريد النسك ثم تجدد له ذلك من يكون قاصدا دخول مكة وكان ممن يلزمه الإحرام لدخولها لكنه لم يرد النسك ، فهو في معنى متعمد ترك الإحرام.

وقد نقل إجماعهم على ان من مر على الميقات وهو لا يريد دخول مكة بل

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ٢٠ من المواقيت.


يريد حاجة في ما سواها فإنه لا يجب عليه الإحرام ، وقد مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذي الحليفة لما اتى بدرا وهو محل (١).

ومن قصد دخولها وكان ممن لا يلزمه الإحرام ـ كالحطاب والحشاش ومن دخلها لقتال ـ فإنه متى تجدد لكل من هؤلاء إرادة النسك بعد تجاوزه الميقات فالحكم فيه كما تقدم في الناسي والجاهل.

قالوا : اما انه لا يجب عليه العود مع التعذر فلا ريب فيه ، لان من هذا شأنه أعذر من الناسي وانسب بالتخفيف.

واما وجوب العود مع الإمكان فاستدل عليه في المعتبر بأنه يتمكن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجبا.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي (٢) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ قال : يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم ، وان خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه ، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم».

أقول : والاولى هو الاستدلال بالصحيحة المذكورة على كل من شقي المسألة وإلغاء هذه التعليلات العليلة ، فإنها مشتملة على حكم كل من الشقين. والتقريب فيها ان الرواية اشتملت على السؤال عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم ، وهو شامل لمحل البحث. ونحو هذه الصحيحة بالنسبة إلى الشق الثاني رواية الحميري المتقدم نقلها عن قرب الاسناد (٣).

__________________

(١) المغني ج ٣ ص ٢٤١ مطبعة العاصمة.

(٢) الوسائل الباب ١٤ من المواقيت. وقوله : «ثم ليحرم» وارد في رواية الكافي ج ٤ ص ٣٢٣ وليس في رواية التهذيب ج ٥ ص ٥٨.

(٣) ص ٤٦٨.


قالوا : وفي حكم من لا يريد النسك غير المكلف به ، كالصبي والعبد والكافر إذا بلغ بعد تجاوزه الميقات أو أعتق أو أسلم.

فوائد

الاولى ـ لا يخفى ان ما تقدم كله مخصوص بما لو تجاوز الميقات على أحد الوجوه الثلاثة المتقدمة ، اما لو تجاوزه مريدا للنسك وتعمد ترك الإحرام منه فإنه يجب عليه الرجوع اليه والإحرام منه ، فان تعذر العود لمرض أو خوف أو ضيق الوقت فقد قطع الأصحاب (رضوان الله عليهم) بعدم صحة الإحرام من غيره ، لعدم الامتثال ، فيحرم عليه دخول مكة ، لتوقفه على الإحرام. وكأن منشأ ذلك المؤاخذة له بسوء ما عمله من إخلاله بالإحرام عمدا مع إيجاب الشارع له عليه. واحتمل بعض الأصحاب الاكتفاء بالإحرام من ادنى الحل إذا خشي ان يفوته الحج ، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة (١). وهو غير بعيد.

الثانية ـ المفهوم من صحيحة الحلبي المتقدمة هنا ، وصحيحته الثانية المتقدمة في صدر هذه المسألة برواية ثقة الإسلام ـ وهو ظاهر صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة ثمة ايضا ـ ان الواجب الرجوع الى ميقات أهل بلده في جميع هذه الصور قال شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : وفي بعض الاخبار انه يرجع الى ميقاته في جميع هذه الصور ، والظاهر انه غير متعين بل يجزئ رجوعه الى اي ميقات شاء ، لأنها مواقيت لمن مر بها ، وهو عند وصوله كذلك ، وقال سبطه السيد السند في المدارك ـ في مسألة ما لو أخر عن الميقات لمانع ثم زال المانع فإنه يعود الى الميقات ـ ما صورته : لكن لا يخفى انه انما يجب العود إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر وإلا لم يجب كما مر.

__________________

(١) ص ٤٦٦ و ٤٧٠.


أقول : والظاهر هو وجوب العود الى ميقاته ، وقد تقدم تحقيق الجواب عن ما ذكروه في البحث السادس من المطلب الثاني من مطلبي المقدمة الرابعة (١).

الثالثة ـ قال شيخنا المشار إليه في المسالك ايضا : وحيث يتعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه ، ويجب عليه قضاؤه وان لم يكن مستطيعا للنسك بل كان وجوبه بسبب ارادة دخول الحرم ، فان ذلك موجب للإحرام ، فإذا لم يأت به وجب قضاؤه كالمنذور. نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات ولما يدخل الحرم فلا قضاء عليه وان أثم بتأخير الإحرام. وادعى العلامة (قدس‌سره) في التذكرة الإجماع عليه. انتهى.

واعترضه سبطه السيد السند في المدارك بأنه غير جيد ، قال : لان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل ، وهو منتف هنا. والأصح سقوط القضاء كما اختاره في المنتهى ، واستدل عليه بأصالة البراءة من القضاء ، وبان الإحرام مشروع لتحية البقعة ، فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد. وهو حسن. انتهى

الرابعة ـ قد صرحوا أيضا بان من كان منزله دون الميقات فحكمه في مجاورة منزله الى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال السابقة ، لأن منزله ميقاته ، فهو في حقه كأحد المواقيت الخمسة في حق الآفاقي.

المسألة الرابعة ـ اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ما لو نسي الإحرام بالكلية حتى أكمل مناسكه ، فهل يقضى لو كان واجبا أم يجزئ عنه؟ قولان : ثانيهما للشيخ في المسبوط والنهاية وجمع من الأصحاب (رضوان الله عليهم) والأول لابن إدريس.

__________________

(١) ص ٤١١.


واستدل في المعتبر للقول الثاني ـ حيث اختاره ـ بأنه فات نسيانا فلا يفسد به الحج ، كما لو نسي الطواف. وبقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان». وبأنه مع استمرار النسيان يكون مأمورا بإيقاع بقية الأركان ، والأمر يقتضي الاجزاء.

وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (٢) قال : «سألته عن رجل كان متمتعا خرج الى عرفات وجهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده. الخبر». وقد تقدم في سابق هذه المسألة.

وفي الحسن عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما‌السلام): «في رجل نسي. الخبر». وقد تقدم في المسألة المذكورة (٣).

واعترض هذه الأدلة السيد السند في المدارك فقال : وفي جميع هذه الأدلة نظر : اما الأول فلان الناسي للإحرام غير آت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهدة التكليف الى ان يثبت صحة الحج مع الإخلال به بدليل من خارج ، كما في نسيان الطواف. واما الثاني فلان المرتفع في الخطأ والنسيان المؤاخذة خاصة لا جميع الأحكام. واما الثالث فلعدم تحقق الامتثال بالنسبة الى ذلك الجزء المنسي والكل يعدم بعدم جزئه. واما الرواية الأولى فبأنها انما تدل على صحة حج تارك الإحرام مع الجهل ، وهو خلاف محل النزاع. وما قيل ـ من ان الناسي أعذر من الجاهل ـ فغير واضح ، كما بيناه غير مرة. مع انها مخصوصة بإحرام الحج ، فإلحاق إحرام العمرة به لا يخرج عن القياس. واما الرواية الثانية فواضحة الدلالة لكن إرسالها يمنع من العمل بها. انتهى كلامه (زيدا إكرامه).

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من قواطع الصلاة ، والباب ٣٠ من الخلل في الصلاة والباب ٥٦ من جهاد النفس.

(٢ و ٣) ص ٤٦٩.


وهو جيد إلا في رد الرواية الثانية بالإرسال عند من لا يعمل على هذا الاصطلاح المحدث ، فإنه غير مسموع. وبه يظهر وجه قوة القول المذكور.

وأشار بقوله ـ : وما قيل من ان الناسي. الى آخره ـ الى ما ذكره شيخنا الشهيد في نكت الإرشاد في بيان وجه الاستدلال بالرواية المذكورة ، حيث قال : واعلم ان الرواية الأولى تدل على الصحة بواسطة ان النسيان أدخل في العذر من الجهل. وهو غير جيد ، فإنه قد استفاضت الأخبار بوجوب الإعادة على من صلى في النجاسة ناسيا (١) وعلل في بعضها بأنه عقوبة لإهماله إزالة النجاسة حتى ادى الى نسيانها. مع استفاضتها بصحة الصلاة فيها جاهلا (٢) نعم قد ورد في بعض الأحكام معذورية الناسي أيضا.

احتج ابن إدريس على ما ذهب اليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : «إنما الأعمال بالنيات». حيث قال ـ بعد ذكر القول المشهور وإسناده الى ما روى في أخبارنا ـ ما صورته : والذي تقتضيه أصول المذهب انه لا يجزئه وتجب عليه الإعادة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤) : «إنما الأعمال بالنيات» وهذا عمل بلا نية ، فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد. ولم يورد هذا ولم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا ابي جعفر (رحمه‌الله) فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال. انتهى.

واعترضه المحقق في المعتبر فقال بعد نقل استدلاله بالخبر : ولست أدرى كيف تخيل له هذا الاستدلال ولا كيف توجيهه؟ فان كان يقول ان الإخلال بالإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك فنحن نتكلم على تقدير إيقاع نية كل منسك على

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٠ و ٤٠ و ٤٢ من النجاسات من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ و ٤١ و ٤٧ من النجاسات من كتاب الطهارة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ٥ من مقدمة العبادات.


وجهه ظانا انه أحرم أو جاهلا بالإحرام ، فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك ، فلا وجه لما قاله.

وأجاب عنه شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد بأن مراد ابن إدريس ان فقد نية الإحرام يجعل باقي الأفعال في حكم العدم ، لعدم صحة نيتها محلا ، فتبطل ، إذ العمل بغير نية باطل.

وفيه ان ما ادعاه ـ من ان فقد نية الإحرام يجعل باقي الأفعال في حكم العدم ـ ممنوع. قوله ـ : لعدم صحة نيتها محلا ـ قلنا : ان أريد بكونه محلا يعني : عالما حين الإتيان بتلك الأفعال انه محل ، فهو مسلم ولكنه ليس من محل البحث في شي‌ء ، وان أريد في الواقع ونفس الأمر ـ حيث انه ظن الإتيان بالإحرام أو جهله ـ فهو ممنوع ، لان التكاليف انما نيطت بالظاهر في نظر المكلف لا بنفس الأمر والواقع. وحينئذ فما ذكره من بطلان تلك الأفعال باطل. على ان المتبادر من العمل بغير نية انما هو ترك النية بالكلية لا الإتيان بنية وان ظهر بطلانها ، وان كان الجميع مشتركا في البطلان لكن لا لهذا الخبر.

وقال العلامة في المنتهى : الظاهر ان ابن إدريس وهم في هذا الاستدلال فان الشيخ اكتفى بالنية عن الفعل ، فتوهم أنه اجتزأ بالفعل بغير نية.

أقول : فيه انه ان أراد بالنية التي اكتفى بها الشيخ يعني : النية المقارنة للإحرام ، فهو غير متجه ، إذ ليس في كلام الشيخ دلالة على اعتبارها بوجه ، كما صرح به في المدارك ايضا ، وان أراد اجتزاءه بالعزم المتقدم ـ كما أسلفناه من عبارة الشيخ في النهاية ذيل صحيحة جميل المتقدمة (١) في سابق هذه المسألة ـ ففيه انه وان احتمل إلا انه بعيد عن ظاهر العبارة.

__________________

(١) ص ٤٦٩.


وبالجملة فالظاهر هو القول المشهور ، لما عرفت من دلالة صحيحة جميل على ذلك وان كانت مرسلة ، لعدم المعارض لها ، فيتجه العمل بها.

وربما بنى الكلام هنا على الاختلاف في معنى الإحرام وما المراد منه وانه عبارة عن ما ذا؟ فذكر العلامة في المختلف ـ في مسألة تأخير الإحرام عن الميقات ـ ان الإحرام ماهية مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين ، ومقتضاه انه ينعدم بانعدام أحد اجزائه. وحكى الشهيد (رحمه‌الله) في شرح الإرشاد عن ابن إدريس انه جعل الإحرام عبارة عن النية والتلبية ، ولا مدخل للتجرد ولبس الثوبين فيه. وعن ظاهر المبسوط والجمل انه جعله امرا بسيطا وهو النية ، قال : فيتحقق الإخلال بالإحرام بالإخلال بها. الى ان قال (رحمه‌الله) في الكتاب المذكور : وقد كنت ذكرت في رسالة ان الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة الى ان يأتي بالمناسك ، والتلبية ـ وهي الرابطة لذلك التوطين ـ نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة ، والأفعال هي المزيلة لذلك الرابط ، ويتحقق زواله بالكلية بآخرها اعني التقصير وطواف النساء بالنسبة إلى النسكين ، فحينئذ إطلاق الإحرام بالحقيقة ليس إلا على ذلك التوطين ، ولكن لما كان موقوفا على التلبية وكان لها مدخل تام في تحققه جاز إطلاقه عليها ايضا ، اما وحدها لأنها أظهر ما فيه ، تسمية للشي‌ء باسم أشهر اجزائه وشروطه ، واما مع ذلك التوطين النفساني الذي ربما عبر عنه بالنية. وبالجملة فكلام ابن إدريس أمثل هذه الأقوال ، لقيام الدليل وهو قول الصادق عليه‌السلام (١) الصحيح الإسناد : «فإذا فعل شيئا من الثلاثة ـ يعني : التلبية والاشعار والتقليد ـ فقد أحرم». فعلى هذا يتحقق نسيان الإحرام بنسيان النية وبنسيان التلبية. انتهى كلامه (زيد مقامه).

__________________

(١) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.


أقول : الظاهر انه أشار بالدليل المذكور الى ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والاشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئا عن هذه الثلاثة فقد أحرم».

ونحوه ما رواه في الكافي عن جميل بن دراج عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٢) قال : «إذا كانت البدن كثيرة قام في ما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى ولا يشعر ابدا حتى يتهيأ للإحرام ، لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه الإحرام وهي بمنزلة التلبية». والمراد بوجوبه عليه يعنى : تحققه وثبوته بذلك ولزومه.

وفي حديث طويل يرويه الشيخ عن صفوان في الصحيح عن معاوية بن عمار وغير معاوية ـ ممن روى صفوان عنه الأحاديث المتقدمة المذكورة ، وقال : ـ يعني صفوان ـ وهي عندنا مستفيضة ـ عن ابي جعفر وابي عبد الله (عليهما‌السلام) (٣). الى ان قال : «وإذا فرض على نفسه الحج ثم أتم بالتلبية فقد حرم عليه الصيد وغيره ، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم ، لانه قد يوجب الإحرام أشياء ثلاثة : الاشعار والتقليد والتلبية ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم».

وما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٤) قال : «من أشعر بدنته فقد أحرم وان لم يتكلم بقليل ولا كثير».

ومن أوضح الاخبار في ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب (٥) قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التهيؤ للإحرام ، فقال : في مسجد

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ١٢ من أقسام الحج.

(٣) التهذيب ج ٥ ص ٨٣ وفي الوسائل الباب ١٤ من الإحرام.

(٥) التهذيب ج ٥ ص ٨٤ وفي الوسائل الباب ٣٤ و ٤٠ من الإحرام.


الشجرة فقد صلى فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم ، تقول : لبيك اللهم لبيك. الحديث».

ومعنى الخبر المذكور انه سأله عن التهيؤ للإحرام الذي هو عبارة عن التلبية ـ كما يدل عليه سياق الخبر ـ فقال : في مسجد الشجرة ، بان يصلى فيه بعد الغسل ولبس ثوبي الإحرام والدعاء بعد الصلاة ، ونحو ذلك. ثم قال له : قد ترى أناسا يحرمون ، يعني : يلبون في المسجد بعد الصلاة فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء فتحرمون في محاملكم ، يعني : تلبون وتعقدون الإحرام بالتلبية وأنتم في محاملكم ، تقول في عقد الإحرام : لبيك. الى آخره.

وقد اشتبه معنى الخبر على كثير من الفضلاء حتى اطرحوه لذلك وأعرضوا عنه ، والمعنى فيه ما ذكرناه. وظاهر المحدث الأمين الأسترآبادي (قدس‌سره) في بعض فوائده ان الإحرام عنده عبارة عن الحالة المترتبة على نية الحج أو العمرة والإتيان بأول جزء منه وهو التلبية ، قال : وهو الظاهر عندي من الروايات. قال : وهو من الأحكام المترتبة على مجموع النية والإتيان بجزء من المنوي ، نظير حرمة منافيات الصلاة على المصلي بسبب نية الصلاة وتكبيرة الإحرام.

أقول : لا يخفى انه يمكن تطبيق الخبرين الأولين على ما ذكره (قدس‌سره) بان يكون معنى قوله في الخبر الأول : «فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم» يعني : حصلت له تلك الحالة المذكورة. إلا انه لا يخلو من تمحل وبعد.

هذا ما وقفت عليه من أقوالهم في معنى الإحرام. وحينئذ فيترتب حكم


النسيان باعتبار كل قول على ما يناسبه ، فعلى القول الأول أحد الثلاثة ، وعلى الثاني أحد الأمرين ، وعلى الثالث النية ، وعلى الرابع التوطين المذكور الذي هو عبارة عن العزم ، على ان لا يتعمد شيئا من الأمور المعينة إلى وقت الحلق والتقصير بعد التلبية وما في معناها.

وكيف كان فالظاهر من الأقوال المتقدمة هو قول ابن إدريس ، لما عرفته من الدليل. واما ما ذكره المحدث الأمين (قدس‌سره) فالظاهر بعده ، لما عرفته من الاخبار التي ذكرناها. ولان اخبار نسيان الإحرام أو جهله لا تنطبق على هذا المعنى الذي ذكره ، إذ النسيان انما يتعلق بالأفعال الوجودية لا بالأحكام والحالات التي يتصف بها المكلف بعد نية الحج أو العمرة والإتيان بأول جزء منه أو منها. والله العالم.

هذا آخر الجزء الرابع عشر من كتاب الحدائق الناضرة ويليه الجزء الخامس عشر ـ ان شاء الله ـ في الإحرام. والحمد لله أولا وآخرا.


الاستدراكات

(١) ـ ورد في الصفحة ٣ حديث الكافي عن سعيد الأعرج ولم نذكر موضعه في الوسائل ، وقد نقله في الباب ٥٠ من الإحرام.

(٢) ـ ورد في الصفحة ٢١ حديث الصدوق في كتاب العلل عن الميثمي عن ابي عبد الله عليه‌السلام وقد أقحمت كلمة «في كل عام» في آية الحج. ويمكن ان يكون ذلك بنحو بيان المراد من الآية كما في سائر الموارد من هذا القبيل من ما ورد في الاخبار أو القراءات.

(٣) ـ ورد في نسخ الحدائق المخطوطة والمطبوعة في صحيحة ابن ابي عمير ص ٤٤ هكذا : «فشكوت ذلك الى ابي عبد الله عليه‌السلام» وحيث ان الوارد في الفقيه ج ٢ ص ١٧٥ وكذا في الوافي باب (السفر وأوقاته) والوسائل : «فشكوت ذلك الى ابي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام» أوردناه في هذه الطبعة كذلك. نعم الوارد في المحاسن ص ٣٤٩ يطابق ما ورد في نسخ الحدائق.

(٤) ـ ورد في مرسل الفقيه ص ٥٢ هكذا : «والسويق المحمص» وفسره (قدس‌سره) بالمشوي على النار ، كما في الوافي باب (ما ينبغي استصحابه في السفر) ويحتمل ان يكون بالمعجمة كما في الفقيه ج ٢ ص ١٨٤ والوسائل والمحاسن ص ٣٦٠ ويناسبه عطف المحلى عليه.

(٥) ـ جاء في الصفحة ٩٦ في عبارة المنتهى في التمثيل للمواضع التي جرت العادة بكون الماء موجودا فيها «عبيدة» و «البعلية» ولم نجدهما في كتب اللغة بالمعنى المناسب للمقام ، والذي وجدناه هو «عبد» و «علبية» فاوردناهما كذلك. هذا بالإضافة الى ان الوارد في عبارة المنتهى ج ٢ ص ٦٥٤ كلمة «عبد» لا «عبيدة» وفي معجم البلدان ج ٢ ص ٧٨ : «الثعلبية» منزل


من منازل طريق مكة من الكوفة ، وأسفل منها ماء يقال له «الضويجعة» فيجوز ان يكون بالتصحيف صار كذلك.

(٦) ـ ورد في النسخ في صحيحة محمد بن مسلم ص ١٦٤ هكذا : «فلما جنها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها» كما في الوافي باب (من دان الله بغير امام من الله). وفي أصول الكافي ج ١ ص ١٨٣ باب (معرفة الامام والرد اليه) هكذا : «فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها» فأوردناه كذلك.

(٧) ـ جاء في العبارة ص ١٦٨ ص ٢ هكذا : «نعم قال ـ بعد ان نقل. الى قوله : أجاب عن ذلك بالمنع» تبعا للنسخ ، والصحيح حذف كلمة «قال».

(٨) ـ جاء في الصفحة ١٦٨ السطر ١٣ : «مع ان جملة منهم» تبعا للنسخ الخطية ، وفي المطبوعة : «على ان جملة منهم».

(٩) ـ جاء أيضا في الصفحة ١٦٨ السطر ١٤ : «باعتبار إجراء أحكام الإسلام عليهم» تبعا للنسخ الخطية ، وفي المطبوعة «المسلمين» بدل «الإسلام» (١٠) ـ جاء في العبارة ص ١٨٨ ص ٣ : «انه لا تحاصص بينهما» تبعا للنسخ ، والصحيح ظاهر التشديد.

(١١) ـ ما أورده (قدس‌سره) ص ٢٤٣ عن الدروس عن علي بن يقطين أورده الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب ج ٥ ص ٤٦١ وفيه «سبعمائة» بدل «تسعمائة» وليس فيه لفظ «دينار».

(١٢) ـ العبارة في الصفحة ٢٨٨ بعد نهاية موثق حكم بن حكيم الوارد في الصفحة ٢٨٧ هكذا : «قال في الوافي ذيل هذا الخبر : واما إذا كان صرورة فإنما أجزأ الى ان أيسر كما في اخبار أخر» وقد سقطت هذه العبارة في هذه الطبعة غفلة.

(١٣) ـ ورد في حديث إسحاق بن عمار ص ٢٨٩ و ٢٩٠ عقيب السؤال


الأول في نسخ الحدائق ـ كما في الوافي باب (التبرع بالحج أو ببعضه) ـ هكذا : «قال : نعم. قلت : فينقص ذلك من اجره». وفي الكافي ج ٤ ص ٣١٥ والوسائل هكذا : «قال : قلت : فينقص ذلك من اجره» بدون لفظ : «نعم» كما ورد في هذه الطبعة.

(١٤) ـ أورد (قدس‌سره) في الصفحة ٢٩٩ حديثا عن محمد بن الحسين كما في نسخ الحدائق وكما في الاستبصار ج ٢ ص ٣١٩. وفي التهذيب ج ٥ ص ٤٠٨ والوسائل والوافي باب (من اوصى بحج) «عن محمد بن الحسن». وكذا أورد حديثا آخر في نفس الصفحة عن محمد بن الحسين بن ابي خالد كما في نسخ الحدائق والاستبصار ج ٢ ص ٣١٩ وج ٤ ص ١٣٧ والوسائل والوافي باب (من اوصى بحج) إلا انه في التهذيب ج ٩ ص ٢٢٦ «عن محمد بن الحسن بن ابي خالد» وقد أوردناه في هذه الطبعة كذلك. وفي جامع الرواة بعد ذكر محمد ابن الحسن بن ابي خالد القمي الأشعري ج ٢ ص ٨٩ ذكر ص ٩٩ محمد بن الحسين الأشعري ثم قال : الظاهر انه ابن الحسن بن ابي خالد الأشعري المتقدم. الى آخر كلامه.

(١٥) ـ ورد حديث منصور الصيقل في الصفحة ٣١١ عن الكافي والفقيه واللفظ فيه يوافق ما ورد في التهذيب ج ٥ ص ٢٤ عن الكليني ، وفي الكافي ج ٤ ص ٢٩١ «مفرد» بدل «مقرن» وفي الفقيه ج ٢ ص ٢٠٣ لم يذكر شيئا من اللفظين واقتصر على عنوان «سائق الهدي» ثم ذكر ان السائق هو القارن.

(١٦) ـ علقنا على ما نقله (قدس‌سره) من التذكرة من قول أبي حنيفة في حاضري المسجد الحرام ص ٣٢٥ بعبارة بدائع الصنائع في فقه الحنفية بما يظهر منه المنافاة للمنقول ، ووجدنا بعد ذلك المنقول من التذكرة في بداية المجتهد ج ١ ص ٣٢٢.


(١٧) ـ جاء في صحيحة زرارة الواردة ص ٣٥٧ و ٣٥٨ هكذا : «كيف أتمتع؟ فقال : يأتي الوقت ...» وقد أورد تمام الحديث ص ٣٩٧ و ٣٩٨ واللفظ في التهذيب هكذا : «قلت : فكيف أتمتع؟ فقال : يأتي الوقت ...» وفي الوافي باب (أصناف الحج والعمرة وأفضلهما) هكذا : «قلت : وكيف يتمتع؟ ...».

(١٨) ـ جاء في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج ص ٤٣١ في نهاية ما أورد منه هكذا : «فيشعثوا به أياما» تبعا للوافي باب (ميقات المجاور بمكة والقريب منها وحكم الصبيان) وفي الكافي ج ٤ ص ٣٠٠ و ٣٠١ هكذا : «وان يستغبوا به أياما» وهكذا في الوسائل الباب ٩ من أقسام الحج.

(١٩) ـ نقل (قدس‌سره) ص ٤٣٦ من المصباح المنير عبارة في تفسير «النجد» والموجود في المصباح في مادة «نجد» بعض تلك العبارة. ويمكن ان يكون قد نقلها ممن نقلها من المصباح ولم يراجع المصباح بنفسه.

(٢٠) ـ نقل (قدس‌سره) ص ٤٣٦ من القاموس عبارة في تفسير «نجد» ليست كلها في القاموس في مادة «نجد» ويمكن ان يكون قد نقلها من الوافي واختلطت عبارة الوافي بعبارة القاموس ، فان صاحب الوافي قال في باب (مواقيت الإحرام) بعد نقل حديث الحلبي من الكافي والفقيه : بيان : النجد في الأصل ما ارتفع من الأرض وهو اسم لما دون الحجاز من ما يلي العراق ، أعلاه تهامة واليمن وأسفله العراق والشام واوله من جهة العراق ذات عرق. كذا حده في القاموس. فنسب العبارة كلها الى القاموس.

(٢١) ـ ذكر (قدس‌سره) في الصفحة ٤٤٧ ان من الاخبار ـ الدالة على ان من كان منزله أقرب الى مكة من المواقيت فميقاته منزله ـ صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في أول البحث. ثم قال : «وقال الشيخ بعد إيراد صحيحة


معاوية بن عمار المذكورة : وفي حديث آخر ...» ولا يخفى أن لمعاوية بن عمار صحيحتين في المورد : إحداهما المتقدمة في أول البحث ص ٤٣٤ وقد أوردها الشيخ (قدس‌سره) في التهذيب ج ٥ ص ٥٤ وفي الوافي باب (مواقيت الإحرام) وفي الوسائل الباب ١ والباب ١٧ رقم ٨ من المواقيت ، والثانية أوردها الشيخ في التهذيب ج ٥ ص ٥٩ وذكر بعدها الحديث الآخر ، وفي الوافي باب (ميقات المجاور بمكة والقريب منها وحكم الصبيان) وفي الوسائل الباب ١٧ رقم ١ من المواقيت. ويمكن ان يكون قد ذكرها (قدس‌سره) هنا وسقطت من قلم النساخ (٢٢) ـ جاء في الصفحة ٤٥٥ و ٤٥٦ في عبارة ابن إدريس ذكر «ابن العصار الفوهي» وقد ورد ذكره في معجم الأدباء ج ١٤ ص ١٠ ووفيات الأعيان ج ٣ ص ٤٢٧ إلا انه في الثاني ضبطه بالقاف فقال : «ابن القصار» ولم ترد كلمة «الفوهى» فيهما وانما الذي فيهما انه «رقى» من بلد «الرقة فيمكن ان يكون أبدلت كلمة «الرقى» في قلم النساخ بكلمة «الفوهي».

(٢٣) قد توجد كلمات في الطبعة القديمة تغاير النسخ الخطية وقد أوردنا بعضا منها بما يوافق المخطوط بمقتضى مناسبات المقامات وأبقينا بعضا منها لعدم الجدوى في التغيير.


فهرس الجزء الرابع عشر

من كناب الحدائق الناظرة

عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

تعريف الحج

٢

استحباب الوصية عند السفر

٤١

الاخبار المتضمنة للفوائد المناسبة للمقام

٣

استحباب الغسل والدعاء للسفر

٤٢

الاخبار الواردة في فضل الحج

١٥

استحباب توديع العيال بالصلاة والدعاء عند السفر

٤٢

الاخبار الواردة في فرض الحج والعمرة وعقاب تاركهما

١٩

استحباب الصدقة عند السفر

٤٣

السفر وآدابه

٢٥

استحباب اتخاذ العصا من اللوز المر في السفر

٤٤

ما ينبغي له السفر من الغايات

٢٥

استحباب التحنك عند السفر

٤٦

ما يستحب لاختيار السفر من أيام الأسبوع

٢٦

الدعاء عند السفر

٤٦

حكم السفر يوم الاثنين

٢٩

ما يقوله المسافر عند الركوب

٤٩

حكم السفر يوم الجمعة

٣٠

ما يصحب من الزاد في السفر

٥١

حكم السفر يوم الأربعاء

٣٠

الزاد في سفر زيارة الحسين عليه السلام

٥٢

الأيام النحسة من الشهر التي ينبغي اتقاء السفر فيها

٣١

يستحب اتخاذ الرفقة في السفر وتكره الوحدة

٥٣

الاخبار الواردة في الأيام النحسة من الشهر

٣٢

يستحب توديع المسافر وتشييعه واعانته

٥٥

يكره السفر والقمر في العقرب

٤١

ما ينبغي للمسافر حال سفره من الأخلاق

٥٧


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

شروط وجوب حج الاسلام

٥٩

لو أدرك العبد المشعر معتقاً أجزأه عن حج الاسلام

٧٤

لا يجب الحج على الصبي والمجنون

٥٩

اذن السيد لعبده في الحج ـ رجوعه عن اذنه

٧٥

حج الصبي والمجنون لا يجزئ بعد الكمال

٥٩

إذا جنى العبد في احرامه فهل الفداء عليه أو على السيد؟

٧٥

لو حج الصبي أو المجنون تطوعاً ثم كمل في الأثناء

٦٠

افساد العبد حجه المأذون فيه

٧٨

فروع في كمال الصبي والمجنون في أثناء الحج

٦١

عتق العبد في الحج الفاسد

٧٩

كيف يحج الصبي؟

٦٣

بيع العبد في احرامه

٧٩

الحاق المجنون بالصبي في كيفية الحج

٦٥

من شروط وجوب حج الاسلام الاستطاعة وهي الزاد والراحلة

٨٠

هل يتوقف الحج المندوب من البالغ على اذن الأبوين؟

٦٥

الاخبار المفسرة للاستطاعة بالزاد والراحلة

٨٢

الولي في حج الصبي

٦٨

الاخبار الموجبة للحج بمجرد القدرة والتمكن

٨٣

هل تجب على الولي النفقة الزائدة في حج الصبي؟

٦٩

حمل اخبار الزاد والراحلة علي التقية

٨٤

إذا تعمد الصبي ما يختلف حكم عمده وسهوه في البالغ

٧٠

هل تعتبر في الاستطاعة نفقة العود في الوحيد الذي لا أهل له؟

٨٥

من شروط وجوب حج الاسلام الحرية فلا يجب على المملوك

٧١

هل يكفي في الاستطاعة حصولها حيثما اتفق؟

٨٧

حج العبد بإذن مولاه لا يجزئه عن حج الاسلام

٧٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

هل يجب الحج إذا زادت قيمة الزاد والراحلة عن ثمن المثل؟

٨٧

الاستطاعة وجب عليه الحج

١٠٨

هل يجب الحج علي الواجد للمال وهو مدين؟

٩٠

هل يجب على الرجل ان يحج من مال ابنه إذا لم يكن ذا مال؟

١٠٨

ما يستثنى من مال الاستطاعة

٩٣

الروايات الدالة على جواز اخذ الرجل من مال ابنه

١١٠

هل يجب حمل الزاد من البلد إذا لم يوجد في كل منزل؟

٩٥

الاخبار الدالة علي عدم جواز اخذ الرجل من مال ابنه

١١٣

يعتبر في الراحلة ان تكون مناسبة لحال المكلف

٩٧

الجمع بين الطائفتين من الاخبار

١١٥

تحقق الاستطاعة بالبذل

٩٩

الحج النيابي لا يجزئ عن حج الاسلام

١١٥

هل يفرق بين بذل العين وبذل الثمن في تحقق الاستطاعة؟

١٠١

الاخبار الظاهرة في اجزاء الحج النيابي عن حج الاسلام

١١٦

هل يفرق بين البذل والهبة في وجوب القبول؟

١٠٤

توجيه الاخبار الظاهرة في اجزاء الحج النيابي عن حج الاسلام

١١٧

لا يشترط في وجوب الحج بالبذل عدم الدين أو ملك ما يفي به

١٠٥

الحج بالمال الحرام

١١٩

هل يجب علي المبذول له إعادة الحج بعد اليسار؟

١٠٥

من شروط وجوب حج الاسلام ان يجد المكلف مؤنة من تجب عليه نفقته

١٢٣

هل يتقدم الحج على النكاح عند الشوق ودوران الامر بينهما؟

١٠٧

هل يشترط في وجوب حج الاسلام الرجوع إلى كفاية؟

١٢٤

لو آجر شخص نفسه بما تحصل به

من شروط وجوب حج الاسلام امكان السفر

١٢٦


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

لا يجب الحج علي المريض الذي يتضرر بالسفر

١٢٦

هل يجب بذل المال لدفع العدو في طريق الحج؟

١٤٠

هل تجب الاستنابة عند الاستطاعة وعروض المانع؟

١٢٧

طريق البحر كطريق البر في ما يعتبر فيه من ظن السلامة

١٤٢

هل يختص وجوب الاستنابة بصورة اليأس من البرء؟

١٢٩

لا يشترط المحرم في حج المرأة إذا استغنت عنه

١٤٣

إذا تقدمت الاستطاعة على العذر وجبت الاستنابة قطعاً

١٣١

إذا توقف حج المرأة على المحرم اعتبر استطاعتها له

١٤٤

هل تجب الاستنابة ثانياً بعد حصول اليأس من البرء؟

١٣٢

لو ادعى الزوج الخوف على الزوجة أو عدم أمانتها وأنكرت ذلك

١٤٥

هل يجب الحج بعد الاستنابة وزوال العذر؟

١٣٣

حكم الحج في العدة

١٤٦

فروع في المعذور من مباشرة الحج

١٣٤

يعتبر في وجوب الحج سعة الوقت

١٤٧

هل تجب الاستنابة في غير حج الاسلام عند العذر؟

١٣٥

هل الاختتان شرط في صحة الحج؟

١٤٨

هل يعم وجوب الاستنابة المانع الخلقي؟

١٣٥

من مات بعد الاحرام ودخول الحرم برئت ذمته

١٤٩

هل يجزئ الحج من المعذور عن حج الاسلام؟

١٣٧

حكم من مات بعد الاحرام قبل دخول الحرم

١٥١

لا يجب الحج عند عدم امن الطريق

١٤٠

من استقر الحج في ذمته ولم يحج حتى مات وجب القضاء عنه

١٥٢

ما يتحقق به استقرار الحج في الذمة

١٥٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

هل يسقط قضاء الحج بالموت قبل الاستقرار؟

١٥٥

الجمع بين الطائفتين من الأخبار المتقدمة

١٧٤

هل يعيد المرتد الحج إذا تاب؟

١٥٧

من أين يستأجر للحج عن الميت؟

١٧٦

هل يعيد المخالف الحج إذا استبصر؟

١٥٩

حديث حريز المستدل به لوجوب الحج عن الميت من الميقات

١٧٨

هل يعتبر في عدم إعادة المخالف الحج عند الاستبصار عدم الاخلال بالركن؟

١٦١

ما يستفاد من الأخبار الواردة في الوصية بالحج

١٧٩

هل يفرق في حكم المخالف في المقام بين من حكم يكفره وغيره؟

١٦٢

رد الاستدلال لقضاء الحج عن الميت من الميقات

١٨٤

تحقيق في حكم المخالفين

١٦٣

كيفية اخراج الحج عند ضيق التركة عن الدين والحج

١٨٧

الاخبار الدالة على بطلان اعمال المخالفين.

١٦٤

هل المراد بالبلد في المقام بلد الموت أو بلد الاستيطان أو بلد اليسار؟

١٨٩

عدم وجوب الإعادة على المخالف ليس لتحقق الامتثال

١٦٧

هل الخلاف في هذه المسألة على قولين أو ثلاثة؟

١٩٢

هل يجزئ حج المحق بكيفية حج غير المحق؟

١٦٨

ما يخرج من الأصل من اجرة الحج الموصى به

١٩٤

الأحاديث الدالة علي وجوب الرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام)

١٧٠

قدر الأجرة التي يجب اخراجها للحج الموصى به

١٩٥

الأخبار الدالة على أفضلية المشي على الركوب في الحج

١٧١

حج النذر وشبهه

١٩٦

الأخبار الدالة على أفضلية الركوب على المشي في الحج

١٧٣

شروط انعقاد النذر وشبهه

١٩٦


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

يشترط في انعقاد النذر الحرية أو اذن المولى

١٩٦

صور نذر الحج من حيث الاطلاق والتقييد بحج الاسلام وغيره

٢١٥

هل يعتبر في نذر المرأة اذن بعلها؟

١٩٧

هل يتداخل حج الاسلام وحج بالنذر عنه اطلاقه؟

٢١٦

هل المراد من قولهم (ع) : "لا يمين ... إلى آخره" هو شرطية الاذن في الانعقاد أو مانعية النهي عنه؟

٢٠١

هل يتداخل حج الاسلام وحج بالنذر عنه اطلاقه؟

٢٢٠

إذا وجب الحج على العبد والمرأة بالنذر مع الاذن صح حتى مع النهي عنه

٢٠١

نذر غير حج الاسلام

٢٢١

هل يجب علي المولى اعانة المملوك على أداء الحج عند اذنه له فيه؟

٢٠١

حكم ما أذا كان مستطيعاً حال النذر

٢٢١

لا يشترط في الحج بالنذر وشبهه شروط حج الاسلام

٢٠٢

حكم ما إذا تقدم النذر على الاستطاعة

٢٢٢

هل يجب قضاء الحج المنذور إذا لم يأت به المكلف؟

٢٠٣

نذر الحج ماشياً

٢٢٣

هل يخرج قضاء الحج المنذور من الأصل أو من الثلث؟

٢٠٦

مبدأ المشي ومنتهاه في نذر الحج ماشياً

٢٢٤

كلام صاحب المنتقى في المقام

٢١١

لو اتفق لناذر الحج ماشياً الاحتياج إلى السفينة

٢٢٧

التعليق علي كلام صاحب المنتقى في المقام

٢١٣

لو ركب ناذر الحج ماشياً طريقه

٢٢٨

لو ركب ناذر الحج ماشياً بعض الطريق ومشى بعضه

٢٢٩

لو عجز ناذر الحج ماشياً عن المشي

٢٣١

من مات وعليه حجة الاسلام واخرى منذورة فهل تخرج حجة النذر من الأصل أيضاً أو من الثلث؟

٢٣٦

حج النيابة

٢٣٨


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

شروط النائب

٢٣٨

دخول الحرم

٢٥٤

هل تصح نيابة المميز؟

٢٣٨

حكم الأجرة في موت النائب قبل الاحرام ودخول الحرم

٢٦٠

لا تصح نيابة الكافر والنيابة عنه

٢٣٩

حكم الأجرة في صد الأجير عن الحج

٢٦٤

هل يشترط الايمان والنائب؟

٢٤٠

هل يجوز العدول إلى التمتع لمن شرط عليه القران أو الافراد؟

٢٦٥

هل يشترط خلو ذمة النائب من الحج الواجب؟

٢٤٠

لو شرط الحج علي طريق خاص فهل تجوز المخالفة؟

٢٦٩

هل العدالة شرط في صحة النيابة؟

٢٤١

هل يجوز لمن استؤجر لحجة ان يؤجر نفسه لاخرى؟

٢٧١

هل يشترط في النائب فقهه في الحج؟

٢٤٣

لو استأجره اثنان للحج الواجب في عام واحد

٢٧٥

يشترط في النيابة في الحج الواجب موت المنوب عنه أو عجزه

٢٤٣

يجوز التشريك في الحج المستحب

٢٧٥

هل تجوز النيابة عن غير المؤمن؟

٢٤٣

الحديث الظاهر في جواز التشريك في الحج الواجب

٢٧٦

من عليه حج الاسلام هل يتطوع أو يحج عن الغير؟

٢٤٦

حج الودعي عن صاحب الوديعة

٢٧٨

مفاد الجملة الواردة في حديثي سعد وسعيد في المقام

٢٤٨

هل يلحق غير الوديعة من الحقوق المالية بها في وجوب الحج؟

٢٨٠

يجب تعيين المنوب عنه قصداً ويستحب تسميته لفظاً

٢٥٠

المستودع يحج عن صاحب الوديعة أو يستأجر عنه؟

٢٨٠

هل تحج المرأة الصرورة عن غيرها؟

٢٥١

موت النائب بعد الاحرام ودخول الحرم

٢٥٤

موت النائب بعد الاحرام قبل


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

هل الامر بالحج للودعي رخصة أو للوجوب؟

٢٨١

رد الأجير فاضل الأجرة واعانته ان نقصت

٢٩٤

هل يتعدى الحكم إلى غير الحج من الدين والخمس والزكاة؟

٢٨١

فاضل الأجرة للأجير

٢٩٥

كلام صاحب المنتقى حول حديث بريد في المقام

٢٨٢

حكم الأجير لو خالف ما استؤجر عليه

٢٩٥

التعليق على كلام صاحب المنتقى في المقام

٢٨٣

لو اوصى بالحج عنه سنين وقصر ما عين له عن الوفاء به

٢٩٦

حكم الأجير إذا أفسد حجه المستأجر عليه؟

٢٨٤

لو اوصى بالحج وعلم منه إرادة التكرار أو لم يعلم

٢٩٨

هل يستحق الأجير الذي أفسد حجه الأجرة؟

٢٨٦

نقل الأجير النية عن المنوب عنه إلى نفسه

٣٠٠

التبرع بالحج عن الغير يجزئ

٢٨٧

مخرج المال الموصى به للحج

٣٠١

هل يجزئ التبرع بالحج الواجب عن الحي؟

٢٨٩

تفصيل بعض الأصحاب في المقام

٣٠٣

يجوز التبرع بالحج المندوب عن الحي والميت

٢٨٩

حكم ما عين بالوصية للحج ولا بقي به أصلا

٣٠٦

النيابة عن الغير في الطواف

٢٩١

الحج بالاستئجار وبالارتزاق

٣٠٩

الأجير يملك الأجرة بالعقد

٢٩٢

الاستئجار على الحج ضربان

٣٠٩

هل للوصي تسليم الأجرة قبل العمل؟

٢٩٣

أقسام الحج

٣١١

تشريع حج التمتع في حجة الوداع

٣١١

أفضل أقسام الحج بعد الاتيان بالفرض التمتع

٣١٢


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

مناسبة التسمية بالافراد والقرآن والتمتع

٣١٤

يجب الاحرام بحج التمتع من مكة

٣٥٩

صورة حج التمتع

٣١٥

حكم الاحرام بحج التمتع من غير مكة

٣٦٠

كيفية حج النبي صلى الله عليه وآله

٣١٥

لو أحرم بحج التمتع من غير مكة وتعذر استئنافه منها

٣٦٠

الاشكال في الحديث المتضمن لحج النبي صلى الله عليه وآله

٣١٩

هل يسقط دم المتعة بتجديد الاحرام من الميقات أو المرور به؟

٣٦١

فرض النائي عن مكة هو التمتع

٣٢٠

هل يحرم الخروج من مكة بعد عمرة التمتع؟

٣٦٢

فرض النائي عن مكة هو التمتع

٣٢١

تحديد الشهر الذي تجدد العمرة بالرجوع بعده

٣٦٣

من فرضه التمتع يعدل إلى غيره عند الاضطرار

٣٢٧

فروع في المقام

٣٦٧

حد الضيق الموجب للعدول عن التمتع إلى غيره

٣٢٨

حج الافراد والقرآن

٣٦٩

حكم الحائض والنفساء إذا ضاق بهما الوقت عن التحلل

٣٤٠

صورة حج الافراد والقرآن وشروطهما

٣٦٩

كلام للشيخ المجلسي في شرحه على الفقيه

٣٤٦

هل يجوز للمفرد والقارن في حج الاسلام العدول إلى التمتع؟

٣٧١

حكم من تجدد لها العذر في الطواف

٣٤٧

بماذا يمتاز القران عن الافراد؟

٣٧٢

يشترط في حج التمتع النية

٣٥١

يجوز للمفرد والقارن بعد دخولهما مكة الطواف مستحباً

٣٧٦

يشترط في حج التمتع وقوعه في أشهر الحج

٣٥٢

هل يجوز للمفرد والقارن تقديم الطواف الواجب؟

٣٧٦

ما هي أشهر الحج؟

٣٥٤

يجب الاتيان بعمرة التمتع وحجه في عام واحد

٣٥٦


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

هل يجوز للتمتع تقديم طواف الحج والسعي اختياراً؟

٣٧٨

ظهور بعض الأحاديث في ان تقدم الطواف يبطل الحج

٣٩٦

هل يجوز للمتمتع الطواف المندوب قبل الخروج إلى منى؟

٣٨٠

الاشكال في ايجاب تقديم الطواف والسعي بطلان الحج

٣٩٨

يجوز للمتمتع تقديم الطواف مع الضرورة

٣٨١

يجوز للمفرد عند قدومه إلى مكة العدول إلى التمتع

٣٩٩

تقديم المتمتع طواف النساء مع الضرورة

٣٨٣

صور حج الافراد من حيث قصد العدول إلى التمتع وعدمه

٤٠٢

هل يجب تجديد التلبية عند تقديم الطواف والسعي؟

٣٨٤

جواز العدول للمفرد يختص بما إذا لم يتعين عليه الافراد

٤٠٤

هل يتوقف التحلل في المورد على التقصير أو علي النية؟

٣٨٨

حمل المتعة التي منعها عمر علي العدول إلى التمتع

٤٠٥

هل ينقلب الحج بالتحلل في المورد إلى العمرة؟

٣٨٩

المكي إذا بعد عن أهله وجب عليه الاحرام من الميقات

٤٠٦

المراد بالنية في قولهم : المفرد لا يحل إلا بالنية

٣٩١

النوع الواجب على المكي إذا بعد عن أهله

٤٠٦

كلام المحقق الشيخ على في المقام

٣٩٢

كلام صاحب المنتقى حول حديث عبد الرحمان بن الحجاج وعبد الرحمان ابن أعين

٤٠٧

حاصل كلام الشيخ على وصاحب المدارك والتعليق عليه

٣٩٣

تفصيل المحقق الأردبيلي في المقام

٤٠٨

هل التلبية مقتضية لعدم التحلل أو ان الاحرام ينعقد بها؟

٣٩٤


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

توجيه حكمه عليه السلام بالتمتع في جواب السؤال الثالث من ما ورد في ضمن حديث عبد الرحمان بن الحجاج وعبد الرحمان بن أعين

٤١٠

موضع احرام المجاور بمكة

٤٣١

توجيه المنع من افراد العمرة في الصورة المذكورة في الحديث المتقدم

٤١٠

مواقيت الاحرام

٤٣٣

إذا أقام من فرضه التمتع بمكة مدة لا تغير فرضه وجب عليه التمتع

٤١١

تحديد ميقات أهل العراق

٤٣٨

الميقات الذي يحرم منه المقيم بمكة الذي فرضه التمتع

٤١٢

هل ذو الحليفة هو الموضع المعروف أو خصوص المسجد الواقع فيه؟

٤٤٣

المدة التي ينتقل بها فرض المقيم بمكة إلى فرض أهل مكة

٤٢٥

هل يجوز تأخير الاحرام من مسجد الشجرة إلى الجحفة اختياراً؟

٤٤٤

هل يفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام وكونها بنية المفارقة؟

٤٢٩

من كان منزلة أقرب إلى مكة من المواقيت فميقاته منزله

٤٤٧

هل يختص انتقال الفرض بما إذا تجددت الاستطاعة بعد الإقامة المقتضية للانتقال؟

٤٢٩

من أين يحرم أهل مكة بالحج؟

٤٤٩

لو كان للمكلف منزلان بمكة وغيرها من البلاد البعيدة

٤٢٩

من أين يحرم الحاج على طريق لا يفضى إلى ميقات؟

٤٥١

من أين يحرم من سلك طريقاً لا يفضي إلى محاذاة شئ من المواقيت؟

٤٥٢

فروع في المقام

٤٥٣

من حج على ميقات أحرم منه

٤٥٥

ميقات العمرة بعد الحج

٤٥٥

من أين يكون الاحرام بالصبيان؟

٤٥٧

حكم الاحرام قبل الميقات

٤٥٨

تقديم الاحرام في عمرة رجب عند ضيق الوقت

٤٦٠


عنوان

صفحة

عنوان

صفحة

تقديم الاحرام بالنذر

٤٦١

فوائد في المقام

٤٧١

تأخير الاحرام عند العذر

٤٦٣

من نسى الاحرام حتى أكمل مناسكه

٤٧٢

زوال العذر بعد تأخير الاحرام له

٤٦٤

حقيقة الاحرام

٤٧٦

ترك الاحرام من الميقات نسياناً أو جهلا

٤٦٦

القول المختار في نسيان الاحرام حتى اكمال المناسك

٤٧٩

من مر على الميقات غير مريد للنسك ثم تجدد له ذلك

٤٦٩

الحدائق الناضرة - ١٤

المؤلف:
الصفحات: 496