
العددان
الأوّل والثاني ٤٥ و ٤٦
|
السنة الثانية عشر
|
محتويات العدد
*كلمة التحرير :
*الغزو الثقافي!
................................................................. هيئة
التحرير ٧
*تشييد
المراجعات وتفنيد المكابرات (٦).
................................................. السيّد
علي الحسيني الميلاني ١٣
*تاريخ
السنّة النبويّة .. ثلاثون عاماً بعد الرسول صلّى الله عليه وآله.
.......................................................... صائب
عبدالحميد ١٢٤
*الأرائج
المسكيّة في تفضيل البضعة الزكيّة عليها السلام.
................................. السيّد
حسن الحسيني آل المجدّد الشيرازي ١٩٩
*مصطلحات
نحوية (٥).
...................................................... السيّد
علي حسن مطر ٢٤٢
محرّم
ـ جمادى الآخرة
|
١٤١٧ هـ
|
* الولاء الحسيني في أشعار ابن نما الحلّي.
.......................................................... فارس
حسّون كريم ٢٥٩
*من ذخائر التراث :
*الأربعون حديثاً ـ لظهير الدين الراوندي.
...................................................... تحقيق
: هيثم السمّاك ٢٨٣
*محاسبة الملائكة الكرام ـ للسيّد ابن طاووس.
.............................................. تحقيق
: الشيخ هادي القبيسي ٣٢١
*من أنباء التراث.
................................................................ هيئة
التحرير ٣٨٧
___________________

كلمة العدد :
الغزو الثقافي!
الثقافة ، بكلمة
واحدة ، هي وعي الذات ، إذ هي نتاج انفعال الفكر
والعقيدة والقيم .. فالحديث عن بناء الذات أنى كان إنما هو حديث عن
بناء الثقافة من خلال تدعيم الرصيد المعرفي وتأصيله وتأسيس عناصر
المواصلة مع المصادر التي تحتل موقع المرجعية الفكرية والعقيدية ..
من هنا تتضح حقيقة
أن هزيمة الذات إنما مفتاحها الثقافة ، فمتى استلبت هذه استلب الوعي بالذات ، فلا
يتبقى إلا هشيم أو حطام ، أو آلة يسهل تطويعها بيد الآخر ، أو بإشارته! وتبقى هي ـ
الذات المهزومة ـ ناظرة إلى الآخر نظرة الداني إلى العالي ، والظامئ إلى الساقي ،
تريد أن تستجدي كل شئ دون أن تعي أن لها شيئا تعطيه ، إلا الاستجابة لعطاء الآخر ،
والانسياب وفق إرادته ..
ذلك هو دور
الثقافة في المجتمع ، ولقد أدرك الغرب ذلك بدقة منذ امتلك أسباب المدنية الحديثة ،
التي أقام أسسها أولا على ما استعاره من الآخر ـ المسلمين خاصة ـ فيما ظل سوادنا
الأعظم ـ بما فيه النخب الحالمة ـ لا يفهم للثقافة معنى إلا محاكاة الغرب ..
ومذ أدرك الغرب
دور الثقافة جعل طلائع غزوه الحديث للآخر ـ والمسلمين بوجه خاص أيضا ـ في صنفين من
الكتائب : كتائب التبشير ، وكتائب الاستشراق ..
فإذا كانت كتائب
التبشير ينبغي أن تقصد الوسط الشعبي العام ، مما
سوف يفرض عليها اعتماد الآليات المناسبة في الخطاب الشعبي وأدواته ،
من وسائل الدعايات البسيطة والمغرية ، والخدمات الإنسانية والاجتماعية ،
فإن كتائب الاستشراق سوف تتفرغ بالكامل لإنتاج الخطاب المناسب
للنخب المتعلمة والشرائح الأكثر وعيا ...
إنه مشروع غزو
محكم سوف يستوعب المجتمع بأسره ..
ولقد حقق الصنفان
نجاحات كبيرة وخطيرة ، وما زالا يخوضان
المعركة بجد دؤوب .. ويخطئ من يظن أن إرساليات التبشير قد خاب سعيها ، فهي إن كانت
لم تفلح في قلب المسلمين نصارى .. فقد أفلحت في استلاب الحس الإسلامي على مدى طويل!
لقد أفلحت في عام واحد ـ هو العام الأول من هذا القرن الميلادي ـ أن تخرج ٨٦ % من
حملة الشهادات الجامعية في سوريا ولبنان! لتخلف هذه النسبة العالية من مربي
الأجيال وفق مناهجها وأهدافها!
أما في العقود
الأخيرة فقد أفلحت حتى في قلب المسلمين نصارى
لا سيما في جمهوريات جنوب شرقي آسيا وإفريقيا وألبانيا ، وأخيرا أصبح
شمال العراق مرتعا خصبا لخيولها ..
أما الاستشراق فلا
يشك أحد في أنه قد أصبح (إماما) لدعاة (التنوير)
و (الحداثة) منذ مطلع هذا القرن .. إن عملية الغزو الثقافي هذه لم تكتسب
شموليتها من استيعابها لشرائح مجتمعاتنا وحسب ، بل من استيعابها أيضا
لجميع العناصر
التي تؤلف وعي الذات الجماعية حين وزعت أنشطتها على
محاور الثقافة الإسلامية بلا استثناء ..
* استهدفت الحس
الإسلامي المتأصل ، من خلال استثارة الحس
القومي المنفصل عن أي مقوم ديني ، بل الناقم عليه ، فأفرز العشرات من
الحركات القومية التي كان عامة مؤسسيها من النصارى أو من أصول
يهودية! فكانت كفيلة بتمزيق الحس الإسلامي وليس الجسد الإسلامي وحده ..
* كما استهدفت لغة
القرآن ، العنصر الخطير الجامع بين المسلمين ،
في دعوات شيطانية ذات ألوان :
فمرة تدعو إلى
تطوير اللغة القديمة واستبدالها بلغة جديدة أوفق
بهذا العصر!
ومرة إلى تبني
العامية وتقعيدها لتكون بديلا عن الفصحى!
ومرة إلى
استبدالها بالإنجليزية!!
والمستشرقون دائما
هم الذين يرفعون ألوية تلك الدعوات ، فخطط
(سبيتا) أولا لتقعيد العامية ونقل الفصحى إلى المعابد ، لتبقى لغة طقوس
وحسب ، شأنها شأن اللاتينية!
وتقدم (كارل فولرس)
في التأسيس لذلك المشروع في كتاب وضعه
بعنوان : (اللهجة العربية الحديثة)! وعقبه (ولمر) في كتاب : (العربية
المحلية في مصر)! واستفز (وليم ولكوكس) المصريين خاصة في مقال
بعنوان : (لم لم تظهر قوة الاختراع لدى المصريين إلى الآن؟) عزا فيه ذلك
إلى اللغة الفصحى!!
ثم تابع قائمة
المستشرقين تلك رعيل من دعاة (التنوير) و (الحداثة)
في مقدمتهم (لطفي السيد) و (طه حسين) ..
وفاقهما غلوا (عبد
العزيز فهمي) و (سلامة موسى) في دعوتهما النكراء إلى استبدال العربية بالإنجليزية!
ليكونا أجلى مثال للانسلاخ التام المبكر عن الذات!
انسلاخ لا يبرره
شئ سوى (أن الخط اللاتيني هو وثبة في النور
نحو المستقبل)!! وكأن الخط اللاتيني لم يكن حين كانت أوروبا مثال
التخلف والهمجية فيما كان المسلمون الذين لا يعرفون اللاتينية قد
استقروا في قمة السلم الحضاري؟!
إن أنموذجا واحدا
من ضرورات الاستبدال يكفي في تصوير مدى
الاستلاب الذي أصيب به هؤلاء ، فمن تلك الضرورات (أن العربية
لا تعرف حتى الآن إلا كلمة (أحصى) في العد ، وهي مأخوذة من
(الحصا) الذي كان يستخدمه العرب القدامى في العد)!
يقول الداعي ذلك
في هذه المفردة العربية وهو لا يعلم أن نظيرتها
الإنجليزية Calculate مأخوذة من الأصل اليوناني Culculus ، والذي معناه
(الحصاة)!! الحصاة ذاتها التي كان الرومان يعتمدونها في العد مثل العرب!!
أولئك ضحايا الغزو
الثقافي ، وتلك حقيقة (التنوير)!
* ولم تقف أنشطة
الاستشراق عند تلك الحدود ، بل استهدفت
أصل الدين الإسلامي ومصادره الأساس ، فهاجمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وهاجمت القرآن الكريم ، نسبت رسول الإسلام إلى الكذب والادعاء
والاحتيال! ثم
حاولت أن تقنع غيرها بأن القرآن نتاج بشري أفرزه العقل
العربي مستفيدا من التوراة والأنجيل والتعاليم العربية السائدة! وانطلقوا
يتصيدون مواضع التقارب أو التشابه في رسالات السماء ، ليثبتوا دعواهم الداحضة ..
لقد بلغ بهم الهوس
والتضليل أن كذبوا حتى بالهجرة النبوية على
أساس التشابه بين كلمة (هجرة) واسم (هاجر) أم إسماعيل ، فقالوا :
إن الإسلام ما هو إلا استكمال للديانة الهاجرية ، نسبة إلى هاجر ، ثم إن
اسم هاجر تم تحريره لدى المسلمين ليعطي معنى الهجرة من مكة إلى المدينة!!
إن أصحاب هذه
الرؤى ونظائرها من المستشرقين كانوا وما يزالون
أساتذة يكتبون ويبشرون ، فنبتت لهم في بلاد الإسلام ربائب من دعاة
التنوير ونخبة الحداثة ...
كان الطريق مفتوحا
أمامهم لاحتكار منابر الخطاب على مستوياته
المختلفة ، فاستطاعوا بث مشاريعهم الاستلابية تحت دعوى الانفتاح على الآخر!
لكن فاتهم ـ إن لم
يكونوا قاصدين ـ أنه انفتاح الأعزل على الغازي
المدجج بالسلاح! فاتهم أن عليهم أن ينهضوا بهذا المجتمع أولا ليعيدوا
صلته الفاعلة بذاته ، ليكون بعد ذلك انفتاحا متوازنا تبقى معه المرجعية
الفكرية للمصدر المعرفي الأصيل!
أما حين يكون
الانفتاح بعد قطيعة مع الذات فلا يؤمن أن تكون
عاقبته القريبة اتهام الوحي نفسه! والسقوط ليس فقط في شبهة (تاريخية
النص القرآني)
التي نجم قرنها في الأمس القريب ، بل يقع في إلغاء مرجعية
القرآن لا في نظم الحياة ومناهجها فقط ـ كما هو حاصل ـ بل حتى في البعد الفكري
والعقيدي الهادف إلى معرفة الحاضر واستشراف المستقبل ، كما هو مطروح في أروقة
الحداثة ، ذلك الوليد غير الشرعي للغزو الثقافي الغربي ..!!
هيئة التحرير
تشييد المراجعات
وتفنيد المكابرات
(٦)
|
|
السيد علي الحسيني الميلاني
آية المودة
قال السيد رحمهالله :
(هل حكم بافتراض
المودة لغيرهم محكم التنزيل؟!).
قال في الهامش :
(كلا ، بل اختصهم
الله سبحانه بذلك تفضيلا لهم على من سواهم فقال :
(قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة (وهي هنا مودتهم) نزد له فيها حسنا إن
الله غفور (لأهل مودتهم) شكور (لهم على ذلك)).
فقيل :
(هذه الآية قال
الإمام أحمد في سبب نزولها :
حدثنا يحيى ، عن
شعبة ، حدثني عبد الملك بن ميسرة ، عن
طاووس ، قال : أتى ابن عباس رجل فسأله ..
وسليمان بن داود ،
قال : أخبرنا شعبة ، أنبأني عبد الملك ، قال : سمعت طاووسا يقول : سأل رجل ابن
عباس المعنى عن قول الله عز وجل : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) فقال سعيد بن جبير : قربى محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم ، قال ابن عباس :
عجلت! وإن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله
صلى الله عليه [وآله] وسلم فيهم قرابة فنزلت : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم.
وكذلك روى البخاري
هذا الحديث ، وليس عنده (فنزلت).
وأخرجه الطبري ٢٥
/ ٢٣ وفيه : إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها ،
وعزاه الحافظ ابن حجر في المطالب العالية ٣ / ٣٦٨ إلى أحمد بن منيع
وقال : صحيح.
هذا ، ويدل أن هذه
الآية تدل على هذا المعنى : أن الله تعالى لم
يقل : (إلا المودة لذي القربى) ، بل قال : (في القربى). ألا ترى أنه لما أراد
ذوي قرابته قال : (واعلموا أنما غنمتم
من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى).
وليس موالاتنا
لأهل البيت من أجر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم
في شئ ، وهو صلى الله عليه [وآله] وسلم لا يسألنا أجرا ، بل أجره على الله تعالى.
ثم إن الآية مكية
باتفاق ، ولم يكن علي تزوج بفاطمة بعد ، ولا ولد
لهما.
وبهذا يتبين لك
التكلف الممقوت ، وتحميل كلام الله عزوجل
ما لا يحتمل عندما يقول المؤلف : (بل اختصهم الله سبحانه بذلك تفضيلا لهم على من
سواهم فقال : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة (وهي هنا مودتهم) نزد له فيها حسنا إن
الله غفور (لأهل مودتهم) شكور (لهم على ذلك)).
من أين له هذا
التفسير؟! وهل يستقيم له ذلك بعقل أو نقل؟! اللهم لا).
أقول :
إن هذا الذي ذكر
ما هو إلا خلاصة لما قاله المتمادون في التعصب
من أهل السنة ، ومنهم ابن تيمية في غير موضع من كتابه (منهاج السنة)
فليس هذا بشئ جديد ، وإنما هو تقليد ، كما سيظهر لمن كان له قلب أو
ألقى السمع وهو شهيد ... فها هنا فصول :
الفصل الأوّل
في تعيين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
المراد من (القربى)
إنه إذا كنا تبعا
للكتاب والسنة ، ونريد ـ حقا ـ الأخذ ـ اعتقادا وعملا ـ
ما جاء في كلام الله العزيز وأتى به الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله وسلم ... كان
الواجب علينا الرجوع إلى النبي نفسه وتحكيمه في كل ما شجر بيننا واختلفنا فيه ،
كما أمر سبحانه وتعالى بذلك حيث قال : (فلا وربك لا يؤمنون
حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) .
لقد وقع الاختلاف
في معنى قوله تعالى : (ذلك الذي يبشر الله عباده
الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ...) ... لكن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سبق وأن بين المعنى وأوضح المراد من (القربى) في أخبار
طرفي الخلاف كليهما ، فلماذا لا يقبل قوله ويبقى الخلاف على حاله؟!
لقد عين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم المراد من (القربى) في الآية ، فالمراد أقرباؤه ، وهم علي
والزهراء وولداهما .. فهؤلاء هم المراد من (القربى) هنا كما كانوا المراد من (أهل
البيت) في آية التطهير بتعيين منه
__________________
كذلك.
ذكر من رواه من
الصحابة والتابعين :
وقد روى ذلك عن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عدة كبيرة من الصحابة وأعلام التابعين ، المرجوع إليهم في
تفسير آيات الكتاب المبين ، ومنهم :
١ ـ أمير المؤمنين
علي عليهالسلام.
٢ ـ الإمام السبط
الأكبر الحسن بن علي عليهالسلام.
٣ ـ الإمام السبط
الشهيد الحسين بن علي عليهالسلام.
٤ ـ الإمام السجاد
علي بن الحسين عليهالسلام.
٥ ـ الإمام الباقر
محمد بن علي بن الحسين عليهالسلام.
٦ ـ الإمام الصادق
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام.
٧ ـ عبد الله بن
العباس.
٨ ـ عبد الله بن
مسعود.
٩ ـ جابر بن عبد
الله الأنصاري.
١٠ ـ أبو أمامة
الباهلي.
١١ ـ أبو الطفيل
عامر بن واثلة الليثي.
١٢ ـ سعيد بن جبير.
١٣ ـ مجاهد بن جبر.
١٤ ـ مقسم بن بجرة.
١٥ ـ زاذان الكندي.
١٦ ـ السدي.
١٧ ـ فضال بن جبير.
١٨ ـ عمرو بن شعيب.
١٩ ـ ابن المبارك.
٢٠ ـ زر بن حبيش.
٢١ ـ أبو إسحاق
السبيعي.
٢٢ ـ زيد بن وهب.
٢٣ ـ عبد الله بن
نجي.
٢٤ ـ عاصم بن ضمرة.
وممن رواه من أئمة
الحديث والتفسير :
وقد روى نزول
الآية المباركة في أهل البيت عليهمالسلام ـ هذا الذي أرسله
إرسال المسلم إمام الشافعية في شعره المعروف المشهور ، المذكور في الكتب المعتمدة
، كالصواعق المحرقة ـ مشاهير الأئمة في التفسير والحديث وغيرهما في مختلف القرون ،
ونحن نذكر أسماء عدة منهم :
١ ـ سعيد بن منصور
، المتوفى سنة ٢٢٧.
٢ ـ أحمد بن حنبل
، المتوفى سنة ٢٤١.
٣ ـ عبد بن حميد ،
المتوفى سنة ٢٤٩.
٤ ـ محمد بن
إسماعيل البخاري ، المتوفى سنة ٢٥٦.
٥ ـ مسلم بن
الحجاج النيسابوري ، المتوفى سنة ٢٦١.
٦ ـ أحمد بن يحيى
البلاذري ، المتوفى سنة ٢٧٦.
٧ ـ محمد بن عيسى
الترمذي ، المتوفى سنة ٢٧٩.
٨ ـ أبو بكر
البزار ، المتوفى سنة ٢٩٢.
٩ ـ محمد بن سليمان
الحضرمي ، المتوفى سنة ٢٩٧.
١٠ ـ محمد بن جرير
الطبري ، المتوفى سنة ٣١٠.
١١ ـ أبو بشر
الدولابي ، المتوفى سنة ٣١٠.
١٢ ـ أبو بكر ابن
المنذر النيسابوري ، المتوفى سنة ٣١٨.
١٣ ـ عبد الرحمن
بن أبي حاتم الرازي ، المتوفى سنة ٣٢٧.
١٤ ـ الهيثم بن
كليب الشاشي ، المتوفى سنة ٣٣٥.
١٥ ـ أبو القاسم
الطبراني ، المتوفى سنة ٣٦٠.
١٦ ـ أبو الشيخ
ابن حبان ، المتوفى سنة ٣٦٩.
١٧ ـ محمد بن
إسحاق ابن مندة ، المتوفى سنة ٣٩٥.
١٨ ـ أبو عبد الله
الحاكم النيسابوري ، المتوفى سنة ٤٠٥.
١٩ ـ أبو بكر ابن
مردويه الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤١٠.
٢٠ ـ أبو إسحاق
الثعلبي ، المتوفى سنة ٤٢٧.
٢١ ـ أبو نعيم
الأصفهاني ، المتوفى سنة ٤٣٠.
٢٢ ـ علي بن أحمد
الواحدي ، المتوفى سنة ٤٦٨.
٢٣ ـ محيي السنة
البغوي ، المتوفى سنة ٥١٦.
٢٤ ـ جار الله
الزمخشري ، المتوفى سنة ٥٣٨.
٢٥ ـ الملا عمر بن
محمد بن خضر ، المتوفى سنة ٥٧٠.
٢٦ ـ أبو القاسم
ابن عساكر الدمشقي ، المتوفى سنة ٥٧١.
٢٧ ـ أبو السعادات
ابن الأثير الجزري ، المتوفى سنة ٦٠٦.
٢٨ ـ الفخر الرازي
، المتوفى سنة ٦٠٦.
٢٩ ـ عز الدين ابن
الأثير ، المتوفى سنة ٦٣٠.
٣٠ ـ محمد بن طلحة
الشافعي ، المتوفى سنة ٦٥٢.
٣١ ـ أبو عبد الله
الأنصاري القرطبي ، المتوفى سنة ٦٥٦.
٣٢ ـ أبو عبد الله
الكنجي الشافعي ، المتوفى سنة ٦٥٨.
٣٣ ـ القاضي
البيضاوي ، المتوفى سنة ٦٨٥.
٣٤ ـ محب الدين
الطبري الشافعي ، المتوفى سنة ٦٩٤.
٣٥ ـ الخطيب
الشربيني ، المتوفى سنة ٦٩٨.
٣٧ ـ أبو البركات
النسفي ، المتوفى سنة ٧١٠.
٣٨ ـ أبو القاسم
الجزي ، المتوفى سنة ٧٤١.
٣٩ ـ علاء الدين
الخازن ، المتوفى سنة ٧٤١.
٤٠ ـ أبو حيان
الأندلسي ، المتوفى سنة ٧٤٥.
٤١ ـ ابن كثير
الدمشقي ، المتوفى سنة ٧٧٤.
٤٢ ـ أبو بكر نور
الدين الهيثمي ، المتوفى سنة ٨٠٧.
٤٣ ـ ابن حجر
العسقلاني ، المتوفى سنة ٨٥٢.
٤٤ ـ نور الدين
ابن الصباغ المالكي ، المتوفى سنة ٨٥٥.
٤٥ ـ شمس الدين
السخاوي ، المتوفى سنة ٩٠٢.
٤٦ ـ نور الدين
السمهودي ، المتوفى سنة ٩١١.
٤٧ ـ جلال الدين
السيوطي ، المتوفى سنة ٩١١.
٤٨ ـ شهاب الدين
القسطلاني ، المتوفى سنة ٩٢٣.
٤٩ ـ أبو السعود العمادي
، المتوفى سنة ٩٥١.
٥٠ ـ ابن حجر
الهيتمي المكي ، المتوفى سنة ٩٧٣.
٥١ ـ الزرقاني
المالكي ، المتوفى سنة ١١٢٢.
٥٢ ـ عبد الله
الشبراوي ، المتوفى سنة ١١٦٢.
٥٣ ـ محمد الصبان
المصري ، المتوفى سنة ١٢٠٦.
٥٤ ـ قاضي القضاة
الشوكاني ، المتوفى سنة ١٢٥٠.
٥٥ ـ شهاب الدين
الآلوسي ، المتوفى سنة ١٢٧٠.
٥٦ ـ الصديق حسن
خان ، المتوفى سنة ١٣٠٧.
٥٧ ـ محمد مؤمن
الشبلنجي ، المتوفى بعد سنة ١٣٠٨.
نصوص الحديث في
الكتب المعتبرة :
وهذه ألفاظ من هذا
الحديث بأسانيدها كما في الكتب المعتبرة من
الصحاح والمسانيد والمعاجم وغيرها :
* أخرج البخاري
قائلا : (قوله : (إلا المودة في القربى).
(حدثنا محمد بن
بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن
عبد الملك بن ميسرة ، قال : سمعت طاووسا عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سئل
عن قوله (إلا المودة في القربى) فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم.
فقال ابن عباس : عجلت! إن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لم يكن بطن من قريش إلا
كان له فيهم
قرابة. فقال : إلا
أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة)
* وأخرجه مسلم ،
كما نص عليه الحاكم والذهبي ، وسيأتي.
* وأخرجه أحمد ،
ففي (المسند) : (حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا
يحيى ، عن شعبة ، حدثني عبد الملك بن ميسرة ، عن طاووس ، قال : أتى
ابن عباس رجل فسأله. وسليمان بن داود ، قال : أخبرنا شعبة ، أنبأني عبد
الملك ، قال : سمعت طاووسا يقول : سأل رجل ابن عباس المعنى عن
قوله عزوجل : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) فقال
سعيد بن جبير : قرابة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم. قال ابن
عباس : عجلت! إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لم يكن بطن
من قريش إلا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم قرابة فنزلت : (قل لا
أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم) .
* وفي (المناقب)
ما هذا نصه : (وفي ما كتب إلينا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، يذكر أن حرب
بن الحسن الطحان حدثهم ، قال : حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد
بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي
وفاطمة وابناها) .
__________________
* وأخرج الترمذي
فقال : (حدثنا بندار ، حدثنا محمد بن جعفر ،
حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة ، قال : سمع طاووسا قال : سئل ابن
عباس عن هذه الآية (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)
فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم. فقال
ابن عباس : أعجلت؟! إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لم يكن
بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
قال أبو عيسى :
هذا حديث حسن صحيح) .
* وأخرج ابن جرير
الطبري ، قال :
[١] (حدثني محمد
بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا
الصباح بن يحيى المري ، عن السدي ، عن أبي الديلم ، قال : لما جئ بعلي بن الحسين ـ
رضياللهعنهما ـ أسيرا فأقيم على
درج دمشق ، قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني
الفتنة! فقال له علي بن الحسين ـ رضياللهعنه ـ : أقرأت القرآن؟!
قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم؟! قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم. قال : ما قرأت
(قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى)؟! قال : وإنكم لأنتم هم؟! قال : نعم .
__________________
[٢] حدثنا أبو
كريب ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا عبد السلام ، قال : ثنا يزيد بن أبي
زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : قالت الأنصار : فعلنا وفعلنا ، فكأنهم فخروا
، فقال ابن عباس ـ أو العباس ، شك عبد السلام ـ : لنا الفضل عليكم.
فبلغ ذلك رسول
الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ، فأتاهم في مجالسهم فقال : يا معشر الأنصار! ألم
تكونوا أذلة فأعزكم الله بي؟!
قالوا : بلى يا
رسول الله.
قال : ألم تكونوا
ضلالا فهداكم الله بي؟!
قالوا : بلى يا رسول
الله.
قال : أفلا
تجيبوني؟!
قالوا : ما نقول
يا رسول الله؟
قال : ألا تقولون
: ألم يخرجك قومك فآويناك؟! أولم يكذبوك فصدقناك؟! أولم يخذلوك فنصرناك؟!
قال : فما زال
يقول حتى جثوا على الركب وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، قال :
فنزلت (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى).
[٣] حدثني يعقوب ،
قال : ثنا مروان ، عن يحيى بن كثير ، عن أبي العالية ، عن سعيد بن جبير ، في قوله (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى) قال : هي قربى رسول
الله صلى الله عليه [وآله] وسلم.
[٤] حدثني محمد بن
عمارة الأسدي ومحمد بن خلف ، قالا : ثنا
عبيد الله ، قال :
أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، قال : سألت عمرو بن
شعيب عن قول الله عزوجل (قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال : قربى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم) .
أقول
:
ولا يخفى أن ابن
جرير الطبري ذكر في معنى الآية أربعة أقوال ، وقد
جعل القول بنزولها في (أهل البيت) القول الثاني ، فذكر هذه الأخبار.
وجعل القول الأول
أن المراد قرابته مع قريش ، فذكر رواية طاووس
عن ابن عباس ، التي أخرجها أحمد والشيخان ، وقد تقدمت ، وفيها قول سعيد بن جبير
بنزولها في (أهل البيت) خاصة.
وأما القولان
الثالث والرابع فسنتعرض لهما فيما بعد.
* وأخرج أبو سعيد
الهيثم بن كليب الشاشي ـ صاحب المسند الكبير ـ في مسند عبد الله بن مسعود ، في ما
رواه عنه زر بن حبيش ، قال :
(حدثنا الحسن بن
علي بن عفان ، حدثنا محمد بن خالد ، عن يحيى
ابن ثعلبة الأنصاري ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر ، عن عبد الله ، قال :
كنا مع رسول الله
صلى الله عليه [وآله] وسلم في مسير ، فهتف به
أعرابي بصوت جهوري : يا محمد! فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله]
وسلم : يا هناه! فقال : يا محمد! ما تقول في رجل يحب القوم ولم يعمل
بعملهم؟ قال : المرء مع من أحب. قال : يا محمد! إلى من تدعو؟ قال :
__________________
إلى شهادة أن لا
إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ،
وصوم رمضان ، وحج البيت. قال : فهل تطلب على هذا أجرا؟ قال : لا إلا
المودة في القربى. قال : أقرباي يا محمد أم أقرباك؟ قال : بل أقرباي. قال : هات
يدك حتى أبايعك ، فلا خير في من يودك ولا يود قرباك) .
* وأخرج الطبراني
: (حدثنا محمد بن عبد الله ، ثنا حرب بن الحسن الطحان ، ثنا حسين الأشقر ، عن قيس
بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضياللهعنهما ، قال : لما نزلت (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ، ومن قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي
وفاطمة وابناهما) .
وأخرج أيضا : (حدثنا
محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا محمد بن
مرزوق ، ثنا حسين الأشقر ، ثنا نصير بن زياد ، عن عثمان أبي اليقظان ، عن
سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قالت الأنصار فيما بينهم : لو جمعنا
لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم مالا فنبسط يده لا يحول بينه وبينه
أحد ، فأتوا رسول الله فقالوا : يا رسول الله ، إنا أردنا أن نجمع لك من أموالنا.
فأنزل الله عزوجل (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) فخرجوا مختلفين ، فقال بعضهم : ألم تروا إلى ما قال رسول الله؟! وقال بعضهم :
إنما قال هذا لنقاتل عن أهل بيته وننصرهم ...) .
* وأخرج الحاكم
قائلا : (حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن
__________________
يحيى ابن أخي طاهر
العقيقي الحسني ، ثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق
ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، حدثني عمي علي بن جعفر بن
محمد ، حدثني الحسين بن زيد ، عن عمر بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، قال :
خطب الحسن بن علي
الناس حين قتل علي ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
لقد قبض في هذه
الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه
الآخرون ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعطيه رايته فيقاتل
وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله عليه ،
وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبع مائة درهم فضلت من
عطاياه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله .. ثم قال :
أيها الناس! من عرفني
فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن
علي ، وأنا ابن النبي ، وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ،
وأنا
ابن الداعي إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي
كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم
فقال تبارك وتعالى لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت) .
وقال الحاكم
بتفسير الآية من كتاب التفسير : (إنما اتفقا في تفسير
__________________
هذه الآية على
حديث عبد الملك بن ميسرة الزراد عن طاووس عن ابن
عباس ـ رضياللهعنهما ـ أنه في قربى آل
محمد صلىاللهعليهوآله وسلم) .
* وأخرج أبو نعيم
: (حدثنا الحسين بن أحمد بن علي أبو عبد الله ،
ثنا الحسن بن محمد بن أبي هريرة ، ثنا إسماعيل بن يزيد ، ثنا قتيبة بن
مهران ، ثنا عبد الغفور ، عن أبي هاشم ، عن زاذان ، عن علي ، قال : قال
رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : عليكم بتعلم القرآن وكثرة تلاوته
تنالون به الدرجات وكثرة عجائبه في الجنة ، ثم قال علي : وفينا آل حم ، إنه لا
يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ، ثم قرأ (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) .
وأخرج أيضا : (حدثنا
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن
أحمد بن مخلد ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عبادة بن زياد ، ثنا
يحيى بن العلاء ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر ، قال : جاء أعرابي إلى
النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : يا محمد! اعرض علي الإسلام. فقال : تشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله. قال : تسألني عليه
أجرا؟ قال : لا ، إلا المودة في القربى ، قال : قرباي أو قرباك؟ قال : قرباي. قال
: هات أبايعك ، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة الله. قال صلى الله عليه [وآله]
وسلم : آمين.
هذا حديث غريب من
حديث جعفر بن محمد ، لم نكتبه إلا من
__________________
حديث يحيى بن
العلاء ، كوفي ولي قضاء الري) .
* وأخرج أبو بشر
الدولابي خطبة الإمام الحسن السبط ، فقال :
(أخبرني أبو القاسم كهمس بن معمر : أن أبا محمد إسماعيل بن محمد
ابن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب حدثهم : حدثني عمي
علي بن جعفر بن محمد بن حسين بن زيد ، عن الحسن بن زيد بن حسن بن علي ، عن أبيه ، قال
: خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي ...
أخبرني أبو عبد
الله الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن
الحسن بن علي بن أبي طالب ، حدثني أبي ، حدثني حسين بن زيد ، عن
الحسن بن زيد بن حسن ـ ليس فيه : عن أبيه ـ ، قال : خطب الحسن بن علي الناس ...
حدثنا أحمد بن
يحيى الأودي ، نا إسماعيل بن أبان الوراق ، نا عمر ، عن جابر ، عن أبي الطفيل ،
وزيد بن وهب ، وعبد الله بن نجي ، وعاصم ابن ضمرة ، عن الحسن بن علي ، قال : لقد
قبض في هذه الليلة رجل ...) .
* وأخرج ابن عساكر
: (أخبرنا أبو الحسن الفرضي ، أنبأنا عبد العزيز
الصوفي ، أنبأنا أبو الحسن بن السمسار ، أنبأنا أبو سليمان ...
قال : وأنبأنا ابن
السمسار ، أنبأنا علي بن الحسن الصوري ، أنبأنا
سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني اللخمي بأصبهان ، أنبأنا الحسين بن إدريس الحريري
التستري ، أنبأنا أبو عثمان طالوت بن عباد البصري
__________________
الصيرفي ، أنبأنا
فضال بن جبير ، أنبأنا أبو أمامة الباهلي ، قال : قال
رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : خلق الله الأنبياء من أشجار شتى ،
وخلقني وعليا من شجرة واحدة ، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها
والحسن والحسين ثمرها ، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ
هوى ، ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم
ألف عام ، ثم لم يدرك محبتنا لأكبه الله على منخريه في النار ، ثم تلا (قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).
ورواه علي بن
الحسن الصوفي مرة أخرى عن شيخ آخر ، أخبرناه أبو
الحسن الفقيه السلمي الطرسوسي ، أنبأنا عبد العزيز الكتاني ، أنبأنا أبو نصر ابن
الجيان ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن الطرسوسي ، أنبأنا أبو الفضل
العباس بن أحمد الخواتيمي بطرسوس ، أنبأنا الحسين بن إدريس التستري ...) .
* وأخرج ابن عساكر
خبر خطبة مروان ـ بأمر من معاوية ـ ابنة عبد الله بن جعفر ليزيد ، وأن عبد الله
أوكل أمرها إلى الحسين عليهالسلام فزوجها من القاسم
بن محمد بن جعفر ، وتكلم عليهالسلام ـ في المسجد النبوي
وبنو هاشم وبنو أمية مجتمعون ـ فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : (إن الإسلام دفع
الخسيسة وتمم النقيصة وأذهب اللائمة ، فلا لوم على مسلم إلا في أمر مأثم ، وإن
القرابة التي عظم الله حقها وأمر برعايتها وأن يسأل نبيه الأجر له بالمودة لأهلها
: قرابتنا أهل البيت ...) .
__________________
* وأخرج ابن
الأثير : (روى حكيم بن جبير ، عن حبيب بن
أبي ثابت ، قال : كنت أجالس أشياخا لنا ، إذ مر علينا علي بن الحسين
ـ وقد كان بينه وبين أناس من قريش منازعة في امرأة تزوجها منهم لم يرض منكحها ـ
فقال أشياخ الأنصار : ألا دعوتنا أمس لما كان بينك وبين بني فلان؟! إن أشياخنا
حدثونا أنهم أتوا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالوا : يا محمد! ألا نخرج
إليك من ديارنا ومن أموالنا لما أعطانا الله بك وفضلنا بك وأكرمنا بك؟ فأنزل الله
تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجرا
إلا المودة في القربى). ونحن ندلكم على الناس. أخرجه ابن مندة) .
* وأخرج ابن كثير
: (وقول ثالث ، وهو ما حكاه البخاري وغيره
رواية عن سعيد بن جبير ... وقال السدي عن أبي الديلم ، قال : لما جئ
بعلي بن الحسين رضياللهعنه أسيرا ... وقال أبو إسحاق السبيعي : سألت
عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى : (قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) فقال : قربى النبي. رواهما ابن جرير.
ثم قال ابن جرير :
حدثنا أبو كريب ، حدثنا مالك بن إسماعيل ،
حدثنا عبد السلام ، حدثني يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ...
وهكذا رواه : ابن
أبي حاتم ، عن علي بن الحسين ، عن عبد المؤمن ابن علي ، عن عبد السلام ، عن يزيد
بن أبي زياد ـ وهو ضعيف ـ بإسناده ، مثله أو قريبا منه.
__________________
وفي الصحيحين في
قسم غنائم حنين قريب من هذا السياق ، ولكن
ليس فيه ذكر نزول هذه الآية ...
وقال ابن أبي حاتم
: حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا رجل سماه ،
حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس ـ رضياللهعنه ـ ، قال : لما
نزلت هذه الآية (قل لا أسألكم
عليه أجرا إلا المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين
أمر الله بمودتهم؟ قال : فاطمة وولدها. رضياللهعنهم. وهذا إسناد
ضعيف ، فيه مبهم لا يعرف ، عن شيخ شيعي محترق وهو حسين الأشقر) .
* وروى الهيثمي : (عن
ابن عباس قال : لما نزلت (قل لا أسألكم عليه أجرا
إلا المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي
وفاطمة وابناهما.
رواه الطبراني من
رواية حرب بن الحسن الطحان عن حسين الأشقر
عن قيس بن الربيع ، وقد وثقوا كلهم وضعفهم جماعة ، وبقية رجاله ثقات) .
ورواه مرة أخرى
كذلك وقال : (فيه جماعة ضعفاء وقد وثقوا) .
وروى خطبة الإمام
الحسن عليهالسلام قائلا : (باب خطبة الحسن
ابن علي رضياللهعنهما :
عن أبي الطفيل ،
قال : خطبنا الحسن بن علي بن أبي طالب ، فحمد
__________________
الله وأثنى عليه
وذكر أمير المؤمنين عليا رضياللهعنه خاتم الأوصياء
ووصي الأنبياء وأمين الصديقين والشهداء ، ثم قال : يا أيها الناس ، لقد
فارقكم رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون. لقد كان رسول الله
يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله
عليه. ولقد قبضه الله في الليلة التي قبض فيها وصي موسى ، وعرج بروحه في الليلة
التي ...
ثم قال : من عرفني
فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن
محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم. ثم تلا هذه الآية قول يوسف :
(واتبعت ملة آبائي
إبراهيم وإسحاق ويعقوب) ثم أخذ في كتاب الله.
ثم قال : أنا ابن
البشير ، أنا ابن النذير ، وأنا ابن النبي ، أنا ابن الداعي
إلى الله بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا ابن الذي أرسل رحمة للعالمين ،
وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من
أهل البيت الذين افترض الله عزوجل مودتهم وولايتهم
فقال في ما أنزل على محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى).
قال الهيثمي : (رواه
الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ... وأبو يعلى باختصار ، والبزار بنحوه ...
ورواه أحمد باختصار كثير!
وإسناد أحمد وبعض
طرق البزار والطبراني في الكبير حسان) .
* وروى السيوطي
الحديث عن طاووس عن ابن عباس كما تقدم.
__________________
قال : (وأخرج ابن
مردويه من طريق ابن المبارك عن ابن عباس في
قوله : (إلا المودة في القربى) قال : تحفظوني في قرابتي).
قال : (وأخرج ابن
جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق
مقسم ، عن ابن عباس ، قال : قالت الأنصار ...) الحديث ، وقد تقدم.
قال : (وأخرج
الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير ، قال : قالت
الأنصار فيما بينهم : لو جمعنا لرسول الله ...) الحديث ، وقد تقدم.
قال : (وأخرج أبو
نعيم والديلمي من طريق مجاهد عن ابن عباس ـ رضياللهعنهما ـ قال : قال رسول
الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ، أن
تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي).
قال : (وأخرج ابن
المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن
ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال : علي وفاطمة
وولداها).
قال : (وأخرج سعيد
بن منصور ، عن سعيد بن جبير : (إلا المودة في القربى) قال : قربى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم).
قال : (وأخرج ابن
جرير عن أبي الديلم ، قال : لما جئ بعلي بن الحسين ...) الحديث ، وقد تقدم.
ثم روى السيوطي
حديث الثقلين وغيره مما فيه الوصية باتباع أهل
البيت والتحذير من
بغضهم ... .
* وقال الآلوسي : (وذهب
جماعة إلى أن المعنى : لا أطلب منكم أجرا إلا محبتكم أهل بيتي وقرابتي. وفي البحر
: أنه قول ابن جبير والسدي وعمرو بن شعيب. و (في) عليه للظرفية المجازية ، و (القربى)
بمعنى الأقرباء ، والجار والمجرور في موضع الحال. أي : إلا المودة ثابتة في أقربائي
متمكنة فيهم ، ولمكانة هذا المعنى لم يقل : إلا مودة القربى ... وروى ذلك مرفوعا :
أخرج ابن المنذر ،
وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، من
طريق ابن جبير عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية ...) الحديث ،
كما تقدم. قال : (وسند هذا الخبر ـ على ما قال السيوطي في الدر المنثور ـ
ضعيف ، ونص على ضعفه في تخريج أحاديث الكشاف ابن حجر.
وأيضا : لو صح لم
يقل ابن عباس ما حكي عنه في الصحيحين
وغيرهما وقد تقدم. إلا أنه روي عن جماعة من أهل البيت ما يؤيد ذلك :
أخرج ابن جرير عن أبي الديلم ، قال : لما جئ بعلي بن الحسين ...)
الحديث ، وقد تقدم.
(وروى زاذان عن
علي كرم الله تعالى وجهه ، قال : فينا في آل حم آية
لا يحفظ مودتنا إلا مؤمن ، ثم قرأ هذه الآية.
وإلى هذا أشار
الكميت في قوله :
وجدنا لكم في آل
حم آية
|
|
تأولها منا تقي
ومعرب
|
ولله تعالى در
السيد عمر الهيتي ـ أحد الأقارب المعاصرين ـ حيث
__________________
يقول :
بأية آية يأتي
يزيد
|
|
غداة صحائف
الأعمال تتلى
|
وقام رسول رب
العرش يتلو وقد صمت جميع الخلق (قل لا)
والخطاب على هذا القول لجميع الأمة لا للأنصار فقط ، وإن ورد ما يوهم ذلك ، فإنهم
كلهم مكلفون بمودة أهل البيت ، فقد أخرج مسلم والترمذي والنسائي ...) فروى حديث
الثقلين ، ونحوه ، ثم قال : (إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من الأخبار) .
* وروى الشوكاني
الأخبار التي نقلناها عن (الدر المنثور) كالحديث
الذي رواه الأئمة من طريق مقسم عن ابن عباس. ثم قال : (وفي إسناده
يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف) وما رواه أبو نعيم والديلمي من طريق
مجاهد عن ابن عباس ، ولم يتكلم في سنده ، وما رواه الجماعة من طريق سعيد بن جبير
عن ابن عباس ، قال : (قال السيوطي : بسند ضعيف).
ثم إنه أشار إلى
التعارض الموجود بين الأخبار في ما روي عن ابن
عباس ، ورجح ما أخرج عنه في كتابي البخاري ومسلم ، وقال : (وقد أغنى
الله آل محمد عن هذا بما لهم من الفضائل الجليلة والمزايا الجميلة ، وقد بينا بعض
ذلك عند تفسيرنا لقوله (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت) .
تنبيه :
حاول القوم أن لا
ينقلوا خطبة الإمام الحسن عليهالسلام كاملة ،
__________________
وحتى المنقوص منها
تصرفوا في لفظه! فراجع المسند ١ / ١٩٩ ، والمناقب ـ لأحمد ـ الرقم ١٣٥ و ١٣٦ ،
والمعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ / الرقم ٢٧١٧ إلى ٢٧٢٥ ، وتاريخ الطبري ٥ / ١٥٧ ،
والمستدرك ٣ / ١٧٢ ، والكامل ٣ / ٤٠٠ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٤٦ ، وقارن بين الألفاظ
لترى مدى إخلاص أمناء الحديث وحرصهم على حفظه ونقله!!
ولننقل الخبر كما
رواه أبو الفرج وبأسانيد مختلفة ، فقال :
(حدثني أحمد بن
عيسى العجلي ، قال : حدثنا حسين بن نصر ، قال : حدثنا زيد بن المعذل ، عن يحيى بن
شعيب ، عن أبي مخنف ، قال : حدثني أشعث بن سوار ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عن سعيد
بن رويم.
وحدثني علي بن
إسحاق المخرمي وأحمد بن الجعد ، قالا : حدثنا عبد الله بن عمر مشكدانة ، قال :
حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن حبشي.
وحدثني علي بن
إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، قال : حدثنا
عمران بن عيينة ، عن الأشعث بن أبي إسحاق ، موقوفا.
وحدثني محمد بن
الحسين الخثعمي ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ،
قال : حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة بن يريم ، قال :
قال عمرو بن ثابت
: كنت أختلف إلى أبي إسحاق السبيعي سنة أسأله
عن خطبة الحسن بن علي ، فلا يحدثني بها ، فدخلت إليه في يوم شات
وهو في الشمس وعليه برنسه كأنه غول ، فقال لي : من أنت؟ فأخبرته ،
فبكى وقال : كيف أبوك؟ كيف أهلك؟ قلت : صالحون. قال : في أي شئ
تردد منذ سنة؟ قلت : في خطبة الحسن بن علي بعد وفاة أبيه.
قال : حدثني هبيرة
بن يريم ، وحدثني محمد بن محمد الباغندي
ومحمد بن حمدان
الصيدلاني ، قالا : حدثنا إسماعيل بن محمد العلوي ،
قال : حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد ، عن الحسين بن زيد بن علي ابن الحسين بن زيد
بن الحسن ، عن أبيه ـ دخل حديث بعضهم في حديث بعض ، والمعنى قريب ـ قالوا :
خطب الحسن بن علي
بعد وفاة أمير المؤمنين علي عليهالسلام
فقال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون
بعمل ، ولقد كان يجاهد مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقيه
بنفسه ، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن
يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه ، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها
بعيسى بن مريم ، ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى ، وما خلف صفراء ولا بيضاء
إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.
ثم خنقته العبرة
فبكى وبكى الناس معه.
ثم قال : أيها
الناس! من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا
الحسن بن محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنا ابن البشير ، أنا ابن
النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله عزوجل بإذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين
أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول
: (ومن يقترف حسنة نزد
له فيها حسنا) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
قال أبو مخنف عن
رجاله : ثم قام ابن عباس بين يديه فدعا الناس
إلى بيعته ، فاستجابوا له وقالوا : ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة ، فبايعوه.
ثم نزل عن المنبر)
.
أقول
:
وهكذا روى الشيخ
المفيد بإسناده .
وذيل الخبر من
الشواهد على بطلان خبر طاووس عن سعيد عن ابن عباس ، كما لا يخفى.
__________________
الفصل الثاني
في تصحيح أسانيد هذه الأخبار
قد ذكرنا في الفصل
الأول طرفا من الأخبار في أن المراد من (القربى) في (آية المودة) هم (أهل البيت) ،
وقد جاء في بعضها التصريح بأنهم (علي وفاطمة وابناهما).
وقد نقلنا تلك
الأخبار عن أهم وأشهر كتب الحديث والتفسير عند
أهل السنة ، من القدماء والمتأخرين ... وبذلك يكون القول بنزول الآية
المباركة في (أهل البيت) قولا متفقا عليه بين الخاصة والعامة.
فأما ما رواه
طاووس من جزم سعيد بن جبير بأن المراد هم (أهل
البيت) عليهمالسلام خاصة ، وهو الذي أخرجه الشيخان وأحمد والترمذي
وغيرهم ... فلم أجد طاعنا في سنده ... وإن كان لنا كلام فيه ، وسيأتي.
وأما ما أخرج في (المناقب)
لأحمد بن حنبل فهو من الزيادات ،
فالقائل (كتب إلينا) هو (القطيعي) : أبو بكر أحمد بن جعفر الحنبلي
ـ المتوفى سنة ٣٦٨ ـ وهو راوي : المسند ، والزهد ، والمناقب ، لأحمد بن حنبل.
حدث عنه :
الدارقطني ، والحاكم ، وابن رزقويه ، وابن شاهين ،
والبرقاني ، وأبو نعيم ، وغيرهم من كبار الأئمة.
ووثقه الدارقطني
قائلا : ثقة زاهد قديم ، سمعت أنه مجاب الدعوة ،
وقال البرقاني : ثبت عندي أنه صدوق ، وقد لينته عند الحاكم فأنكر علي
وحسن حاله وقال :
كان شيخي ، قالوا : قد ضعف واختل في آخر عمره ،
وتوقف بعضهم في الرواية عنه لذلك.
ومن هنا أورده الذهبي
في (ميزانه) مع التصريح بصدقه ، وهذه
عبارته : ([صح] أحمد بن جعفر بن حمدان أبو بكر القطيعي ، صدوق في
نفسه مقبول ، تغير قليلا. قال الخطيب : لم نر أحدا ترك الاحتجاج به) ثم
نقل ثقته عن الدارقطني وغيره ، ورد على من تكلم فيه لاختلاله في آخر عمره .
و (محمد بن عبد
الله بن سليمان الحضرمي) هو (مطين) المتوفى
سنة ٢٩٧ ، قال الدارقطني : ثقة جبل ، وقال الخليلي : ثقة حافظ ، وقال
الذهبي : الشيخ الحافظ الصادق ، محدث الكوفة ... .
وسيأتي الكلام على
سائر رجاله ، بما يثبت صحة السند وحجية الخبر.
وأما ما رواه ابن
جرير الطبري حجة للقول بنزول الآية في (أهل
البيت) وقد كان أربع روايات ... فما تكلم إلا في الثاني منها ، وهذا إسناده :
(حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا عبد السلام ،
قال : ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ...).
قال ابن كثير : (وهكذا
رواه ابن أبي حاتم ، عن علي بن الحسين ،
عن عبد المؤمن بن علي ، عن عبد السلام ، عن يزيد بن أبي زياد ـ وهو
ضعيف ـ بإسناده مثله أو قريبا منه).
__________________
وتبعه الشوكاني
حيث إنه بعد أن رواه قال : (وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف).
وأما ما رواه
الأئمة ، كابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن
مردويه ، وعنهم السيوطي ، فقد ضعف السيوطي سنده ، وتبعه الشهاب
الآلوسي ، وقد سبقهما إلى ذلك الهيثمي وابن كثير وابن حجر العسقلاني ،
قال الأخير في شرح البخاري :
(وهذا الذي جزم به
سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن
عباس مرفوعا ، فأخرج الطبراني وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع ،
عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت قالوا :
يا رسول الله ، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ ... الحديث.
وإسناده ضعيف ...
وقد جزم بهذا التفسير جماعة من المفسرين ، واستندوا إلى ما ذكرته عن ابن عباس من
الطبراني وابن أبي حاتم ، وإسناده واه ، فيه ضعيف ورافضي) .
وقال في تخريج
أحاديث الكشاف : (أخرجه الطبراني وابن
أبي حاتم والحاكم في مناقب الشافعي ، من رواية حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ،
عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس. وحسين ضعيف ساقط) .
وقال ابن كثير : (وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا
رجل سماه ، حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن
__________________
جبير ، عن ابن
عباس ... وهذا إسناد ضعيف ، فيه مبهم لا يعرف ، عن
شيخ شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر).
وتبعه القسطلاني
بقوله : (وأما حديث ابن عباس أيضا عند ابن
أبي حاتم ، قال : لما نزلت هذه الآية (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا
المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال : فاطمة وولدها
عليهمالسلام. فقال ابن كثير : إسناده ضعيف ، فيه متهم لا يعرف إلا عن
شيخ شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر) .
وقال الهيثمي : (رواه
الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، وقد
وثقوا كلهم وضعفهم جماعة ، وبقية رجاله ثقات).
أقول :
فالأخبار الدالة
على القول الحق ، المروية في كتب القوم ، منقسمة
بحسب آرائهم في رجالها إلى ثلاثة أقسام :
١ ـ ما اتفقوا على
القول بصحته ، وهو حديث طاووس عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس.
٢ ـ ما ذكروه وسكتوا
عن التكلم في سنده ولم يتفوهوا حوله ببنت
شفة! بل منه ما لم يجدوا بدا من الاعتراف باعتباره ، كأخبار قول النبي لمن
سأله عما يطلب في قبال دعوته ، وخطبة الإمام الحسن عليهالسلام بعد وفاة أبيه ،
__________________
وكلام الإمام السجاد
في الشام ، ونحو ذلك.
٣ ـ ما رووه
وتكلموا في سنده.
أما الأول فلنا
كلام حوله ، وسيأتي في أول الفصل الرابع.
وأما القسم الثاني
، فلا حاجة إلى بيان صحته بعد أن أقر القوم بذلك.
وأما القسم الثالث
، فهو المقصود بالبحث هنا.
ولنفصل الكلام في
تراجم من ضعفوه من رجال أسانيد هذه الأخبار ، ليتبين أن جميع ما ذكروه ساقط مردود!
على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل منهم :
١ ـ ترجمة يزيد بن
أبي زياد :
وهو : القرشي
الهاشمي الكوفي ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل.
هو من رجال الكتب
الستة ، قال المزي : (قال البخاري في اللباس من صحيحه عقيب حديث عاصم بن كليب عن
أبي بردة : قلنا لعلي : ما القسية؟ وقال جرير عن يزيد في حديثه : القسية ثياب
مضلعة ... الحديث.
وروى له في كتاب
رفع اليدين في الصلاة. وفي الأدب. وروى له
مسلم مقرونا بغيره ، واحتج به الباقون) .
وروى عنه جماعة
كبيرة من أعلام الأئمة كسفيان الثوري ، وسفيان بن
عيينة ، وشريك بن عبد الله ، وشعبة بن الحجاج ، وعبد الله بن نمير ،
__________________
وأمثالهم .
قال الذهبي : حدث
عنه شعبة مع براعته في نقد الرجال .
أقول :
يكفي في جواز
الاعتماد عليه وصحة الاحتجاج به رواية أصحاب
الكتب الستة وكبار الأئمة عنه.
مضافا إلى قول
مسلم في مقدمة كتابه : (فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم ، كعطاء بن السائب
ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم) .
وقد وثقه عدة من
الأئمة أيضا :
قال ابن سعد : كان
ثقة في نفسه إلا أنه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب.
وقال ابن شاهين ـ
في الثقات ـ : قال أحمد بن صالح المصري : يزيد ابن أبي زياد ثقة ولا يعجبني قول من
تكلم فيه.
وقال ابن حبان :
كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير ، وكان
يلقن ما لقن فوقعت المناكير في حديثه.
وقال الآجري عن
أبي داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه ، وغيره أحب إلي منه.
__________________
وقال يعقوب بن
سفيان : ويزيد وإن كانوا يتكلمون فيه لتغيره فهو
على العدالة والثقة وإن لم يكن مثل الحكم ومنصور .
ثم إنا نظرنا في
كلمات القادحين ـ بالرغم من كون الرجل من رجال
الكتب الستة ، إذ احتج به الأربعة وروى له الشيخان ـ فوجدنا أول شئ يقولونه :
كان من أئمة
الشيعة الكبار .
فسألنا : ما
المراد من (الشيعة)؟ ومن أين عرف كونه (من أئمة
الشيعة الكبار)؟
فجاء الجواب : تدل
على ذلك أحاديث رواها ، موضوعة .
فنظرنا فإذا به
يروي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن
أبي برزة ، قال : (تغنى معاوية وعمرو بن العاص ، فقال النبي صلى الله عليه
[وآله] وسلم : اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ، ودعهمت في النار دعا)
فهذا الحديث موضوع
أو غريب منكر لأنه ذم لمعاوية رأس
__________________
الفئة الباغية
وعمرو بن العاص رأس النفاق!! فيكون راويه (من أئمة الشيعة الكبار)!!
لكن يبدو أنهم ما
اكتفوا ـ في مقام الدفاع عن معاوية وعمرو ـ برمي الحديث بالوضع وراويه بالتشيع ، فالتجأوا
إلى تحريف لفظ الحديث ، ووضع كلمة (فلان وفلان) في موضع الاسمين ، ففي المسند :
(حدثنا عبد الله ،
حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن محمد ـ وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ـ
، ثنا محمد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، قال :
أخبرني رب هذه الدار أبو هلال ، قال : سمعت أبا برزة ، قال : كنا مع رسول الله صلى
الله عليه [وآله] وسلم في سفر ، فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول :
لا يزال جوادي
تلوح عظامه
|
|
ذوي الحرب عنه
أن يجن فيقبرا
|
فقال النبي صلى
الله عليه [وآله] وسلم : انظروا من هما؟ قال :
فقالوا : فلان وفلان!!
قال : فقال النبي
صلى الله عليه [وآله] وسلم : اللهم اركسهما ركسا ،
ودعهما إلى النار دعا).
وكأن هذا المقدار
لم يشف غليل القوم ، أو كان هذا التحريف لأجل الإبهام ، فيكون مقدمة ليأتي آخر
فيزيله ويضع (معاوية) و (عمرا) آخرين!! بخبر مختلق :
قال السيوطي ـ بعد
أن أورد الحديث عن أبي يعلى وتعقب ابن الجوزي بقوله : هذا لا يقتضي الوضع ،
والحديث أخرجه أحمد في مسنده :
حدثنا ... وله
شاهد من حديث ابن عباس : قال الطبراني في الكبير ... ـ : (وقال ابن قانع في معجمه
: حدثنا محمد بن عبدوس كامل ، حدثنا عبد الله بن عمر ، حدثنا سعيد أبو العباس
التيمي ، حدثنا سيف بن عمر ، حدثني أبو عمر مولى إبراهيم بن طلحة ، عن زيد بن أسلم
، عن صالح ، عن شقران ، قال : بينما نحن ليلة في سفر ، إذ سمع النبي صلى الله عليه
[وآله] وسلم صوتا فقال : ما هذا؟! فذهبت أنظر ، فإذا هو معاوية بن رافع ، وعمرو بن
رفاعة بن تابوت يقول :
لا يزال جوادي
تلوح عظامه
|
|
ذوي الحرب عنه
أن يموت فيقبرا
|
فأتيت النبي صلى
الله عليه [وآله] وسلم فأخبرته فقال : اللهم اركسهما
ودعهما إلى نار جهنم دعا. فمات عمرو بن رفاعة قبل أن يقدم النبي
صلى الله عليه [وآله] وسلم من السفر).
قال السيوطي : (وهذه
الرواية أزالت الإشكال وبينت أن الوهم وقع في
الحديث الأول ، في لفظة واحدة وهي قوله : ابن العاص ، وإنما هو ابن
رفاعة أحد المنافقين ، وكذلك معاوية بن رافع أحد المنافقين ، والله أعلم) .
بل السيوطي نفسه
أيضا يعلم واقع الحال وحقيقة الأمر ، وإلا فما أجهله!!
أما
أولا : فلم يكن في
الحديث الأول إشكال أو وهم حتى يزال!!
غاية ما هناك أن في (المسند) لفظ (فلان وفلان) بدل (معاوية وعمرو)
والسيوطي يعلم ـ كغيره ـ أنه تحريف ، إن لم يكن عن عمد فعن سهو!!
__________________
على أنه لم يوافق
ابن الجوزي في الطعن في الحديث ، بل ذكر له ما يشهد له بالصحة.
وأما
ثانيا : فلو سلمنا وجود
إبهام وإشكال في الحديث الأول ، فهل يزال
ويرتفع بحديث لا يرتضي أحد سنده مطلقا ، لمكان (سيف بن عمر) ... ولنلق نظرة سريعة
في ترجمته .
قال ابن معين :
ضعيف الحديث.
وقال أبو حاتم :
متروك الحديث.
وقال أبو داود :
ليس بشئ.
وقال النسائي :
ضعيف.
وقال الدارقطني :
ضعيف.
وقال ابن عدي :
بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها.
وقال ابن حبان :
يروي الموضوعات عن الإثبات. قالوا : كان يضع
الحديث ، اتهم بالزندقة.
وقال البرقاني عن
الدارقطني : متروك.
وقال الحاكم :
اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط.
والعجيب أن
السيوطي نفسه يرد أحاديثه قائلا : (إنه وضاع) !
أقول
:
فلينظر الباحث
المنصف كيف يردون حديثا ـ يروونه عن رجل اعتمد
__________________
اعتمد عليه أرباب
الصحاح الستة ـ لكونه في ذم ابن هند وابن النابغة ، وهم شيعة لهما ... ويقابلونه
بحديث يرويه رجل اتفقوا على سقوطه واتهموه بالوضع والزندقة!!
فلينظر! كيف
يتلاعبون بالدين وسنة رسول رب العالمين!!
ولا يتوهمن أن هذه
طريقتهم في أبواب المناقب والمثالب فحسب ، بل
هي في الأصولين والفقه أيضا!!
فلنرجع إلى ما كنا
بصدده ، ونقول :
إن (يزيد بن أبي
زياد) ثقة ، ومن رجال الكتب الستة ، ولا عيب فيه إلا
روايته بعض مثالب أئمة القوم!! ولذا جعلوه (من أئمة الشيعة الكبار)!!
على أن كون الراوي شيعيا ، بل رافضيا ـ حسب اصطلاحهم ـ لا يضر
بوثاقته كما قرروا في محله وبنوا عليه في مواضع كثيرة .
وتلخص
: صحة روايته في
نزول آية المودة في خصوص (أهل البيت)
الطاهرين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
٢ ـ ترجمة حسين
الأشقر :
وقد ترجمنا لأبي
عبد الله الحسين بن حسن الأشقر الفزاري الكوفي ،
في مبحث آية التطهير ، وقلنا هناك بأنه من رجال النسائي في (صحيحه)
وأنهم قد ذكروا أن للنسائي شرطا في صحيحه أشد من شرط الشيخين .
وأنه روى عنه كبار
الأئمة الأعلام : كأحمد بن حنبل ، وابن معين ،
__________________
والفلاس ، وابن
سعد ، وأمثالهم .
وقد حكى الحافظ
ابن حجر بترجمته عن العقيلي ، عن أحمد بن محمد
بن هانئ ، قال : قلت : لأبي عبد الله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ تحدث عن
حسين الأشقر؟ قال : لم يكن عندي ممن يكذب.
وذكر عنه التشيع
فقال له العباس بن عبد العظيم : إنه يحدث في
أبي بكر وعمر ، وقلت أنا : يا أبا عبد الله ، إنه صنف بابا في معايبهما!
فقال : ليس هذا بأهل أن يحدث عنه .
وهذا هو السبب في
تضعيف غير أحمد.
وعن الجوزجاني :
غال من الشتامين للخيرة .
ولذا يقولون : (له
مناكير) وأمثال هذه الكلمة ، مما يدل على طعنهم في
أحاديث الرجل في فضل علي أو الحط من مناوئيه ، وليس لهم طعن في
الرجل نفسه ، ولذا قال يحيى بن معين :
كان من الشيعة
الغالية ، فقيل له : فكيف حديثه؟! قال : لا بأس به. قيل :
صدوق؟ قال : نعم ، كتبت عنه .
هذا ، فالرجل ثقة وصدوق عند : أحمد ، والنسائي ، ويحيى بن معين
،
وابن حبان ... وإنما ذنبه الوحيد هو (التشيع) وقد نصوا على أنه غير مضر.
__________________
أقول
:
لكن المهم ـ هنا ـ
أنه (صدوق) عند الحافظ ابن حجر أيضا ، فقد قال :
(الحسين بن حسن الأشقر ، الفزاري ، الكوفي ، صدوق ، يهم ويغلو في التشيع ، من
العاشرة ، مات سنة ٢٠٨. س) .
وإنما أعدنا ترجمة
الرجل هنا لنؤكد أن ابن حجر قد ناقض نفسه مرتين :
١ ـ في تضعيفه
الرجل في (تخريج أحاديث الكشاف) مع وصفه ب (الصدق) في (تقريب التهذيب)!
٢ ـ في طعنه في
الرجل بسبب التشيع أو الرفض ـ حسب تعبيره ـ مع أنه نص في (مقدمة فتح الباري) على
أن الرفض ـ فضلا عن التشيع ـ غير مضر.
وبذلك يسقط طعنه
في حديثنا ، وكذا طعن غيره تبعا له.
تنبيه
:
قد اختلف طعن
الطاعنين في رواية الأئمة : الطبراني وابن أبي حاتم ،
وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه : عن حسين الأشقر ، عن قيس بن
الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ...
فالسيوطي لم يقل
إلا (بسند ضعيف) وتبعه الآلوسي.
__________________
وابن حجر قال في (تخريج
أحاديث الكشاف) : (وحسين ضعيف ساقط) فلا كلام له في غيره ، لكن في (فتح الباري) : (إسناده
واه ، فيه ضعيف ورافضي).
وابن كثير ـ وتبعه
القسطلاني ـ قال عن حسين الأشقر : (شيخ شيعي محترق) وأضاف ـ في خصوص إسناد ابن أبي
حاتم لقوله : حدثنا رجل سماه ـ : (فيه مبهم لا يعرف).
والهيثمي أفرط
فقال : (رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن
الطحان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع. وقد وثقوا كلهم
وضعفهم جماعة ، وبقية رجاله ثقات).
وبما ذكرنا ـ في
ترجمة الأشقر ـ يسقط كلام السيوطي والآلوسي ، وكذا كلام ابن كثير في (الأشقر) أما
قوله : (فيه مبهم لا يعرف) فيرده أنه إن كان هو (حرب بن الحسن الطحان) فهو ، وإن
كان غيره فالإشكال مرتفع بمتابعته.
وكذا يسقط كلام
ابن حجر في (تخريج أحاديث الكشاف).
أما كلامه في (فتح
الباري) فيمكن أن يكون ناظرا إلى (الأشقر) فقط ،
بأن يكون وصفه بالرفض وضعفه من أجل ذلك ، ويمكن أن يكون
مراده من (ضعيف) غير الأشقر الذي وصفه بالرفض ... وهذا هو
الأظهر ، ومراده ـ على الظاهر ـ هو (قيس بن الربيع) الذي زعم غيره ضعفه ، فلنترجم
له :
٣ ـ ترجمة قيس بن
الربيع :
وهو : قيس بن
الربيع الأسدي ، أبو محمد الكوفي :
من رجال : أبي
داود ، والترمذي ، وابن ماجة .
روى عنه جماعة
كبيرة من الأئمة في الصحاح وغيرها ، كسفيان الثوري ،
وشعبة بن الحجاج ، وعبد الرزاق بن همام ، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، وأبي داود
الطيالسي ، ومعاذ بن معاذ ، وغيرهم .
وهذه بعض الكلمات
في توثيقه ومدحه والثناء عليه باختصار :
قال أبو داود
الطيالسي عن شعبة : سمعت أبا حصين يثني على قيس ابن الربيع.
قال : قال لنا شعبة
: أدركوا قيسا قبل أن يموت!
قال عفان : قلت
ليحيى بن سعد : أفتتهمه بكذب؟! قال : لا.
قال عفان : كان
قيس ثقة ، يوثقه الثوري وشعبة.
قال حاتم بن الليث
، عن أبي الوليد الطيالسي : كان قيس بن الربيع ثقة
حسن الحديث.
قال أحمد بن صالح
: قلت لأبي نعيم : في نفسك من قيس بن الربيع
شئ؟ قال : لا.
قال عمرو بن علي :
سمعت معاذ بن معاذ يحسن الثناء على قيس.
وقال يعقوب بن
شيبة السدوسي : وقيس بن الربيع عند جميع أصحابنا صدوق ، وكتابه صالح ، وهو ردئ
الحفظ جدا مضطربه ، كثير الخطأ ، ضعيف في روايته.
وقال ابن عدي :
عامة رواياته مستقيمة ، والقول فيه ما قال شعبة.
هذا ، وقد أخذ
عليه أمور :
__________________
أحدها : إنه ولي
المدائن من قبل المنصور ، فأساء إلى الناس فنفروا عنه.
والثاني : التشيع
، نقله الذهبي عن أحمد .
والثالث : وجود
أحاديث منكرة عنده. قال حرب بن إسماعيل : قلت
لأحمد بن حنبل : قيس بن الربيع أي شئ ضعفه؟ قال : روى أحاديث منكرة.
لكن قالوا : هذه
الأحاديث أدخلها عليه ابنه لما كبر فحدث بها .
ولكونه صدوقا في
نفسه ، ثقة ، وأن هذه الروايات مدخولة عليه وليست
منه ، قال الذهبي : (صدوق في نفسه ، سيئ الحفظ) .
وقال الحافظ ابن
حجر : (صدوق ، تغير لما كبر ، أدخل عليه ابنه
ما ليس من حديثه فحدث بها) .
فإن كان يقصد في (مقدمة
فتح الباري) تضعيف هذا الرجل فقد ناقض نفسه كذلك ...
٤ ـ ترجمة حرب بن
حسن الطحان :
وهذا الرجل لم
يتعرض له بالتضعيف ، ولم ينقل كلاما فيه إلا الهيثمي ،
ولكنه مع ذلك نص على أنه (وثق) ولم يذكر المضعف ولا وجه التضعيف.
__________________
وقال ابن أبي حاتم
: (سألت أبي عنه فقال : شيخ) .
وقال ابن حجر : (حرب
بن الحسن الطحان. ليس حديثه بذاك. قاله الأزدي. انتهى.
وذكره ابن حبان في
الثقات.
وقال ابن النجاشي
: عامي الرواية. أي شيعي قريب الأمر. له كتاب.
روى عنه : يحيى بن
زكريا اللؤلؤي) .
أقول :
لكن لا يلتفت إلى
قول الأزدي ، كما نص عليه الذهبي ، حيث قال : (لا
يلتفت إلى قول الأزدي ، فإن في لسانه في الجرح رهقا) .
تتمة :
فيها مطلبان :
الأول
: قال الذهبي معقبا
ـ على حديث خطبة الإمام الحسن عليه السلام ، الذي أخرجه الحاكم عن أبناء أئمة أهل
البيت والذرية الطاهرة ـ : (ليس بصحيح)! .
ولما كان هذا
القدح مجملا ومبهما ، فإنه لا يعبأ به ... وأظن أنه من
جهة المتن والمعنى لا السند ، وعذر الذهبي في قدحه في مناقب آل البيت
__________________
عليهمالسلام معلوم!!
والثاني : قال ابن
عساكر ـ بعد أن أخرج من طريق الطبراني حديث أبي أمامة الباهلي ـ : (هذا حديث منكر
، وقد وقع إلي جزء ابن عباد بعلو ، وليس هذا الحديث فيه) .
وهذا الحديث بهذا
اللفظ رواه عن طريق الطبراني الحافظ أبو عبد الله
الكنجي ، وقال : (هذا حديث حسن عال ، رواه الطبراني في معجمه كما
أخرجناه سواء ، ورواه محدث الشام في كتابه بطرق شتى) والحافظ
ابن حجر . ورواه لا عن طريق الطبراني : الحاكم الحسكاني النيسابوري .
أما عدم وجوده في
الجزء الذي وقع إلى ابن عساكر من حديث طالوت
بن عباد فغير مضر كما هو واضح.
وأما نكارة الحديث
ففي أي فقرة منها؟! أفي حديث الشجرة؟! أو في
قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم : (لو أن عبدا ...)؟! أو في تلاوة آية
المودة في هذا الموضع؟!
أما حديث الشجرة
فقد رواه من أئمة الحديث كثيرون وإليه أشار أمير
المؤمنين ولم يقل أحد بنكارته.
وأما تلاوته الآية
هنا ، فقد عرفت أنها نازلة في علي وفاطمة
__________________
وابنيهما.
بقي قوله : (ولو
أن عبدا ...) وأظنه يريد هذا ، وهو كلام جليل ، ومعناه
دقيق ، وخلاصة بيانه أن الحب هو وسيلة الاتباع والقرب ، والعمل بلا
درك حب النبي وآله صلىاللهعليهوآلهوسلم غير مقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، وكل عمل لا تقرب فيه
إليه فهو باطل ، وصاحبه من أهل النار وبئس القرار.
هذا إذا أخذنا
الكلام على ظاهره.
وأما إذا كان
كناية عن البغض ، فالأمر أوضح ، لأن بغض النبي وأهل بيته
مبعد عن الله عزوجل ، ولا ينفع معه عمل ...
اللهم اجعلنا من
المحبين للنبي وآله ، ومن المتقربين بهم إليك.
* * *
الفصل الثالث
في دفع شبهات المخالفين
وإذا ثبتت صحة
الأحاديث الدالة على نزول الآية المباركة في (أهل
البيت) حتى التي تكلم في أسانيدها ، بعد بيان سقوط ما تذرعوا به ،
تندفع جميع الشبهات التي يطرحونها حول ذلك.
ولكنا مع ذلك نذكر
ما قالوه في هذا الباب ، ونجيب عنه بالأدلة
والشواهد القويمة ، (ليهلك من هلك عن بينة
ويحيى من حي عن بينة).
ولعل أشد القوم
مخالفة في المقام هو ابن تيمية في (منهاج السنة) فلنقدم كلماته :
* يقول ابن تيمية
: (ثبت في الصحيح عن سعيد بن جبير : أن ابن عباس سئل عن قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال : فقلت : إلا أن تودوا قربى محمد. فقال ابن عباس : عجلت!
إنه لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله منهم قرابة فقال : قل لا أسألكم عليه أجرا
إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم.
فابن عباس كان من
كبار أهل البيت وأعلمهم بتفسير القرآن ، وهذا تفسيره الثابت عنه.
ويدل على ذلك أنه
لم يقل : إلا المودة لذوي القربى ، ولكن قال : إلا
المودة في القربى. ألا ترى أنه لما أراد ذوي قرباه قال : (واعلموا أنما
غنمتم
من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى). ولا يقال : المودة في ذوي القربى ، وإنما يقال : المودة لذوي القربى ، فكيف
وقد قال (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى)؟!
ويبين ذلك : إن
الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم لا يسأل أجرا
أصلا ، إنما أجره على الله ، وعلى المسلمين موالاة أهل البيت لكن بأدلة
أخرى غير هذه الآية. وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي في شئ.
وأيضا ، فإن هذه
الآية مكية ، ولم يكن علي قد تزوج بفاطمة ، ولا ولد له أولاد) .
* وقال ابن تيمية
:
(وأما قوله :
وأنزل الله فيهم (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في
القربى) فهذا كذب ظاهر ،
فإن هذه الآية في سورة الشورى ، وسورة الشورى مكية بلا ريب ، نزلت قبل أن يتزوج
علي بفاطمة ...
وقد تقدم الكلام
على الآية وأن المراد بها ما بينه ابن عباس ... رواه البخاري وغيره.
وقد ذكر طائفة من
المصنفين من أهل السنة والجماعة والشيعة ، من أصحاب أحمد وغيرهم ، حديثا عن النبي
صلى الله عليه [وآله] وسلم أن هذه الآية لما نزلت قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء؟
قال : علي وفاطمة وابناهما.
وهذا كذب باتفاق
أهل المعرفة)! .
__________________
* وكرر ابن تيمية
:
تكذيب الحديث
المذكور ..
وأن الآية في سورة
الشورى وهي مكية ، وأن عليا إنما تزوج فاطمة
بالمدينة ..
وأن التفسير الذي
في الصحيحين يناقض ذلك الحديث ، قال : سئل ابن
عباس ...
وأنه قال : (لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى) ولم يقل : إلا
المودة للقربى ، ولا المودة لذوي القربى كما قال : واعلموا ...
وأن النبي لا يسأل
على تبليغ رسالة ربه أجرا البتة ، بل أجره على الله ..
وأن القربى معرفة
باللام ، فلا بد أن يكون معروفة عند المخاطبين ، وقد
ذكرنا أنها لما نزلت لم يكن قد خلق الحسن ولا الحسين ، ولا تزوج
علي بفاطمة ، فالقربى التي كان المخاطبون يعرفونها يمتنع أن تكون
هذه ، بخلاف القربى التي بينه وبينهم ، فإنها معروفة عندهم .
* ولم يذكر ابن
حجر العسقلاني في (تخريج الكشاف) إلا (المعارضة)
قال : (وقد عارضه ما هو أولى منه ، ففي البخاري ...) وكذا في (فتح
الباري) وأضاف : (ويؤيد ذلك أن السورة مكية) .
* وقال ابن كثير :
(وذكر نزول الآية في المدينة بعيد ، فإنها مكية ،
__________________
ولم يكن إذ ذاك
لفاطمة رضياللهعنها أولاد بالكلية ، فإنها لم تتزوج بعلى
ـ رضياللهعنه ـ إلا بعد بدر من
السنة الثانية من الهجرة. والحق تفسير
هذه الآية بما فسرها حبر الأمة ...) .
* وقال القسطلاني
: (والآية مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أولاد بالكلية ، فإنها لم تتزوج بعلي إلا
بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة.
وتفسير الآية بما
فسر به حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس أحق وأولى) .
* والشوكاني اقتصر
على المعارضة وترجيح الحديث عن طاووس عن ابن عباس .
* وابن روزبهان ما
قال إلا : (ظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع
قرابات النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم) .
* وقال عبد العزيز
الدهلوي ما حاصله :
(إنه وإن أخرج
أحمد والطبراني ذلك عن ابن عباس ، لكن جمهور
المحدثين يضعفونه ، لكون سورة الشورى بتمامها مكية ، وما خلق الحسن
والحسين حينذاك ، ولم يتزوج علي بعد بفاطمة ... والحديث في طريقه
بعض الشيعة الغلاة ، وقد وصفه المحدثون بالصدق والظن الغالب أنه لم
يكذب وإنما نقل الحديث بالمعنى ، إذ كان لفظه أهل بيتي فخصهم الشيعي بالأربعة ...
__________________
والمعنى المذكور
لا يناسب مقام النبوة ، وإنما ذلك من شأن أهل الدنيا ،
وأيضا ينافيه الآيات الكثيرة كقوله تعالى : (ما سألتكم من أجر فهو
لكم إن أجري إلا على الله) فلو كان خاتم الأنبياء طالبا للأجر لزم أن تكون منزلته
أدنى من سائر الأنبياء ، وهو خلاف الإجماع) .
فهذه شبهات أعلام
القوم في هذا المقام ، فلنذكر الشبهات بالترتيب
ونتكلم عليها :
١ ـ سورة الشورى مكية
والحسنان غير موجودين :
ولعل هذه أهم
الشبهات في المسألة ، وهي الأساس ... ونحن تارة
نبحث عن الآية المباركة بالنظر إلى الروايات ، وأخرى بقطع النظر عنها ،
فيقع البحث على كلا التقديرين.
أما
على الأول : فإن الآية
المباركة بالنظر إلى الروايات المختلفة الواردة
ـ سواء المفسرة بأهل البيت ، أو القائلة بأنها نزلت بمناسبة قول الأنصار
كذا وكذا ـ مدنية ، ولذا قال جماعة بأن سورة الشورى مكية إلا آيات :
قال القرطبي : (سورة
الشورى مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء
وجابر. وقال ابن عباس وقتادة : إلا أربع آيات منها أنزلت بالمدينة : (قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) إلى آخرها) .
وقال أبو حيان : (قال
ابن عباس : مكية إلا أربع آيات ، من قوله
__________________
تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في
القربى) إلى آخر الأربع
آيات فإنها نزلت بالمدينة) .
وقال الشوكاني : (وروي
عن ابن عباس وقتادة أنها مكية إلا أربع آيات
منها أنزلت بالمدينة : (قل لا أسألكم ...) .
وقال الآلوسي : (وفي
البحر : هي مكية إلا أربع آيات من قوله تعالى :
(قل لا أسألكم عليه
أجرا) إلى آخر أربع آيات. وقال مقاتل : فيها مدني ، قوله تعالى :
(ذلك
الذي يبشر الله عباده) ... واستثنى بعضهم قوله تعالى : أم يقولون افترى ...
وجوز أن يكون
الإطلاق باعتبار الأغلب) .
وبهذا القدر كفاية.
ووجود آيات مدنية
في سورة مكية أو بالعكس كثير ، ولا كلام لأحد في ذلك.
وأما
على الثاني : فالآية دالة على
وجوب مودة (القربى) أي : أقرباء
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والخطاب للمسلمين لا لغيرهم.
أما أنها دالة على
وجوب مودة (قربى) النبي ، فلتبادر هذا المعنى منه ،
وقد أذعن بهذا التبادر غير واحد من الأئمة ، نذكر منهم :
الكرماني ، صاحب (الكواكب
الدراري في شرح البخاري) .
والعيني ، صاحب (عمدة
القاري في شرح البخاري).
__________________
قال العيني بشرح
حديث طاووس : (وحاصل كلام ابن عباس : إن
جميع قريش أقارب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ، وليس المراد من
الآية بنو هاشم ونحوهم كما يتبادر الذهن إلى قول سعيد بن جبير) .
وأما أن الخطاب
للمسلمين ، فلوجوه ، منها : السياق ، فإن الله سبحانه
وتعالى يقول :
(ترى
الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا
وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك
الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور * أم يقولون
افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق
بكلماته إنه عليم بذات الصدور * وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات
ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون
لهم عذاب شديد).
فقد جاءت الآية
المباركة بعد قوله تعالى : (ذلك الذي يبشر الله
عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات).
فإن
قلت :
فبعدها : (أم يقولون افترى على الله كذبا ...)؟!
__________________
قلت
:
ليس المراد من ذلك
المشركين ، بل المراد هم المسلمون ظاهرا المنافقون باطنا ، يدل على ذلك قوله بعده
: (وهو الذي يقبل التوبة
عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) فالخطاب ليس للمشركين ، ولم تستعمل (التوبة) في القرآن إلا
في العصاة من المسلمين.
فإن
قلت :
فقد كان في
المسلمين في مكة منافقون؟!
قلت
:
نعم ، فراجع (سورة
المنافقون) و (سورة المدثر) وما قاله المفسرون .
وعلى هذا ، فقد
كان الواجب على المسلمين عامة (مودة) أقرباء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ... فهل ـ يا ترى ـ أمروا حينذاك بمودة أعمامه وبني عمومته؟!
__________________
أما المشركون منهم
.. فلا ، قطعا .. وأما المؤمنون منهم وقت نزول الآية
أو بعده ... فأولئك لم يكن لهم أي دور يذكر في مكة ...
بل المراد (علي) عليهالسلام ، فإنه الذي كان المشركون يبغضونه
ويعادونه ، والمنافقون يحسدونه ويعاندونه ، والمؤمنون يحبونه ويوادونه.
ولا يخفى ما تدل
عليه كلمتا (المودة) و (يقترف).
ثم إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما سئل ـ في المدينة ـ عن المراد من (القربى) في الآية
المباركة قال : (علي وفاطمة والحسن والحسين).
٢ ـ الرسول لا
يسأل أجرا :
إن الرسول من قبل
الله سبحانه وتعالى لا يسأل الناس أجرا على تبليغ
الرسالة إليهم أصلا ، وإنما أجره على الله ، وهكذا كان الأنبياء السابقون :
قال نوح لقومه : (إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون
* وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) .
وقال هود : (يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا
على الذي
فطرني أفلا تعقلون) .
وقال صالح : (إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون
* وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) .
ومن هنا أصر بعضهم
على أن الاستثناء منقطع ، وجوز بعضهم
ـ كالزمخشري وجماعة ـ أن يكون متصلا وأن يكون منقطعا.
__________________
أقول :
ونبينا أيضا كذلك
كما جاء في آيات عديدة ، منها :
(... قل ما أسألكم عليه
من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين).
(قل ما سألتكم من أجر
فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شئ شهيد) .
(قل ما أسألكم عليه من
أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) .
وقد أجاب المفسرون
من الفريقين عن هذه الشبهة بأكثر من وجه ، وفي
تفسيري الخازن والخطيب الشربيني منها وجهان ...
ولكن يظهر ـ
بالدقة ـ أن الآيات في الباب بالنسبة إلى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على أربعة
أنحاء :
١ ـ ما اشتمل على
عدم سؤال الأجر.
٢ ـ ما اشتمل على
سؤال الأجر لكنه (لكم).
٣ ـ ما اشتمل على
عدم سؤال الأجر ، وطلب (اتخاذ السبيل إلى الله) عن اختيار.
٤ ـ ما اشتمل على
سؤال الأجر وهو (المودة في القربى).
وأي تناف بين هذه
الآيات؟! يا منصفون!
__________________
إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يسأل الناس أجرا ، وإنما يريد منهم أن
يتخذوا سبيلا إلى الله ، وهو ما لا يتحقق إلا بمودة أهل البيت ، وهو
لهم ... ولذا ورد عنهم عليهمالسلام : (نحن السبيل) ... نعم هم السبل وخاصة (إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا ،
وتظاهرت الفتن ، وتقطعت السبل ...) .
فإذن .. هم ..
السبيل ... وهذا معنى هذه الآية في محكم التنزيل ، ولا
يخفى لوازم هذا الدليل ، فافهم واغتنم ، و (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة
والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ...) وحسبنا الله ونعم الوكيل.
٣ ـ لماذا لم يقل
: إلا المودة للقربى؟
وطرح هذه الشبهة
من مثل الدهلوي غير بعيد ، لكنه من مثل ابن تيمية
الذي يدعي العربية عجيب!! وليته راجع كلام أهل الفن :
قال الزمخشري : (يجوز
أن يكون استثناء متصلا ، أي : لا أسألكم أجرا
إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي ، ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة ، لأن
قرابته قرابتهم ، فكانت صلتهم لازمة لهم في المروءة.
ويجوز أن يكون
منقطعا ، أي : لا أسألكم أجرا قط ولكنني أسألكم أن
تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم ولا تؤذوهم.
فإن
قلت : هلا قيل : إلا
مودة القربى ، أو : إلا المودة للقربى؟ وما
معنى قوله : (إلا المودة في القربى)؟
__________________
قلت
: جعلوا مكانا
للمودة ومقرا لها ، كقولك : لي في آل فلان مودة ، ولي فيهم هوى وحب شديد. تريد :
أحبهم وهم مكان حبي ومحله ، وليست (في) بصلة للمودة كاللام إذا قلت : إلا المودة
للقربى ، إنما هي متعلقه بمحذوف تعلق الظرف به في قولك : المال في الكيس. وتقديره
: إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها. والقربى مصدر كالزلفى والبشرى بمعنى
قرابة ، والمراد : في أهل القربى. وروي أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله ، من
قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي وفاطمة وابناهما.
ويدل عليه ما روي
عن علي رضياللهعنه : شكوت إلى رسول الله صلى
الله عليه [وآله] وسلم حسد الناس لي ، فقال : أما ترضى أن تكون رابع أربعة : أول
من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذريتنا
خلف أزواجنا!) .
وقرره الفخر
الرازي حيث قال : (أورد صاحب الكشاف على نفسه سؤالا فقال : هلا قيل : إلا مودة
القربى ، أو : إلا المودة للقربى ، وما معنى قوله : (إلا المودة في القربى)؟
وأجاب بأن قال :
جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها كقولك : لي في آل فلان
مودة ، ولي فيهم هوى وحب شديد. تريد أحبهم وهم مكان حبي ومحله) .
وكذا أبو حيان
واستحسنه .
__________________
وقال النيسابوري :
(ثم أمر رسوله بأن يقول : (لا أسألكم) على هذا التبليغ (أجرا إلا المودة) الكائنة (في القربى) جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها ، ولهذا لم يقل : مودة
القربى ، أو : المودة للقربى ، وهي مصدر بمعنى القرابة ، أي : في أهل القربى ، وفي
حقهم) .
وقال أبو السعود
بعد أن جعل الاستثناء متصلا : (وقيل : الاستثناء
منقطع والمعنى : لا أسألكم أجرا قط ولكن أسألكم المودة.
و (في القربى) حال منها. أي : المودة ثابتة في القربى متمكنة في
أهلها أو في حق القرابة. والقربى مصدر كالزلفى ، بمعنى القرابة. روي :
أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله ، من قرابتك ...) .
وراجع أيضا تفاسير
: البيضاوي والنسفي والشربيني ، وغيرهم.
٤ ـ المعارضة :
وهذه هي الشبهة
الأخيرة ، وهي تتوقف على اعتبار ما أخرج أحمد
وغيره عن طاووس عن ابن عباس ، والجواب عنها بالتفصيل في الفصل الرابع ..
* * *
__________________
الفصل الرابع
الأخبار والأقوال
قد ظهر إلى الآن
أن نزول الآية المباركة في (أهل البيت) هو المتبادر من
الآية ، وأن القول بذلك مستند إلى أدلة معتبرة في كتب السنة ، وأنه محكي عن أئمة
أهل البيت : أمير المؤمنين عليهالسلام ، وهو أعلم الأصحاب بكتاب الله بالإجماع ، والحسن السبط عليهالسلام ، والحسين الشهيد عليهالسلام ، والإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام ، والإمام
الباقر عليهالسلام ، والإمام الصادق عليهالسلام.
ورواه عدة من كبار
الصحابة عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقال به ابن عباس
، في ما رواه عنه سعيد بن جبير ومجاهد والكلبي
وغيرهم ، بل أرسله عنه أبو حيان إرسال المسلم ، وسنذكر عبارته.
وهو قول : سعيد بن
جبير ، وعمرو بن شعيب ، والسدي ، وجماعة.
أدلة وشواهد أخرى
للقول بنزول الآية في أهل البيت :
وقد ذكر هذا القول
غير واحد من المفسرين وغيرهم فلم يردوه.
بل لم يرجحوا عليه
غيره ، بل ذكروا له أدلة وشواهد ومؤيدات ، من الأخبار والروايات.
* كالزمخشري ،
فإنه ذكر هذا القول ، وروى فيه الحديث عن النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم : (قيل : يا رسول الله ، من قرابتك ...) قال :
(ويدل عليه ما روي عن علي ...) الحديث ، وقد تقدم ، ثم قال بعده :
(وعن النبي صلى
الله عليه [وآله] وسلم : حرمت الجنة على من ظلم
أهل بيتي وآذاني في عترتي ، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد
عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة.
وروي : إن الأنصار
قالوا : فعلنا وفعلنا ...) الحديث ، وقد تقدم.
قال : (وقال رسول
الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : من مات على حب
آل محمد مات شهيدا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا
له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ، ألا ومن مات على
حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب
آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على
حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا
ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل
محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على
السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة) .
* والرازي حيث قال
: (روى الكلبي عن ابن عباس ـ رضياللهعنهما ـ
قال : إن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لما قدم المدينة كانت تعروه
نوائب وحقوق ، وليس في يده سعة ، فقال الأنصار : إن هذا الرجل
قد هداكم الله على يده وهو ابن أختكم وجاركم في بلدكم ، فاجمعوا له
__________________
طائفة من أموالكم
، ففعلوا ، ثم أتوه به فرده عليهم ، فنزل قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجرا) أي على الإيمان إلا أن تودوا أقاربي. فحثهم على مودة
أقاربه).
ثم إنه أورد
الرواية عن الزمخشري قائلا : (نقل صاحب الكشاف عن
النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال : من مات على حب آل
محمد ...) إلى آخره. ثم قال :
(وأنا أقول : آل
محمد هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم
إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أن فاطمة وعليا والحسن
والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم
أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل.
وأيضا : اختلف
الناس في الآل ، فقيل : هم الأقارب ، وقيل : هم أمته. فإن حملناه على القرابة فهم
الآل ، وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضا آل. فثبت أن على جميع
التقديرات هم الآل ، وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل؟ فمختلف فيه.
وروى صاحب الكشاف
: إنه لما نزلت هذه الآية قيل : يا رسول الله ، من
قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال : علي وفاطمة وابناهما. فثبت أن هؤلاء
الأربعة أقارب النبي.
وإذا ثبت هذا وجب
أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ، ويدل عليه وجوه :
الأول
: قوله تعالى : (إلا المودة في القربى) ووجه الاستدلال به ما سبق.
الثاني
: لا شك أن النبي
صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يحب فاطمة عليهاالسلام ، قال صلى الله عليه [وآله] وسلم : فاطمة بضعة مني ، يؤذيني
ما يؤذيها. وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله أنه كان يحب عليا والحسن والحسين.
وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله لقوله : (واتبعوه لعلكم تهتدون) ولقوله سبحانه : (لقد كان لكم في رسول
الله أسوة حسنة).
الثالث
: إن الدعاء للآل
منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء
خاتمة التشهد في الصلاة ، وهو قوله : اللهم صل على محمد وعلى آل
محمد ، وارحم محمدا وآل محمد. وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير
الآل ، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب. وقال الشافعي رضي الله عنه :
يا راكبا قف
بالمحصب من منى
|
|
واهتف بساكن
خيفها والناهض
|
سحرا إذا فاض
الحجيج إلى منى
|
|
فيضا كما نظم
الفرات الفائض
|
إن كان رفضا حب
آل محمد
|
|
فليشهد الثقلان
أني رافضي)
|
* وذكر النيسابوري
محصل كلام الرازي قائلا : (ولا ريب أن هذا
فخر عظيم ، وشرف تام ، ويؤيده ما روي ...) .
* وقال القرطبي : (وقيل
: (القربى) قرابة الرسول صلى الله عليه
[وآله] وسلم ، أي : لا أسألكم أجرا إلا أن تودوا قرابتي وأهل بيتي ، كما أمر
بإعظامهم ذوي القربى. وهذا قول علي بن حسين وعمرو بن شعيب
والسدي. وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس : لما أنزل الله عزوجل
__________________
(قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ،
من هؤلاء الذين نودهم؟ قال : علي وفاطمة وأبناؤهما. ويدل عليه أيضا
ما روي عن علي رضياللهعنه : قال : شكوت إلى النبي حسد الناس ... وعن النبي : حرمت
الجنة ...
وكفى قبحا بقول من
يقول : إن التقرب إلى الله بطاعته ومودة نبيه
صلى الله عليه [وآله] وسلم وأهل بيته منسوخ ، وقد قال النبي : من مات على حب آل
محمد مات شهيدا ، ومن مات على حب آل محمد جعل الله زوار قبره الملائكة والرحمة ومن مات على بغض
آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه : أيس اليوم من رحمة الله ، ومن مات على
بغض آل محمد لم يرح رائحة الجنة ، ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي.
قلت : وذكر هذا
الخبر الزمخشري في تفسيره بأطول من هذا فقال :
قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ...) فذكره ... .
* وقال الخطيب
الشربيني : (فقيل : هم فاطمة وعلي وأبناؤهما. وفيهم نزل : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا) .
* وقال الآلوسي : (وقيل
: علي وفاطمة وولدها رضي الله تعالى
عنهم ، وروي ذلك مرفوعا : أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني
وابن مردويه ، من طريق ابن جبير عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه
__________________
الآية (قل لا أسألكم) إلى آخره. قالوا : يا رسول الله ... وقد تقدم.
إلا أنه روي عن
جماعة من أهل البيت ما يؤيد ذلك ...).
فروى خبر ابن جرير
عن أبي الديلم (لما جئ بعلي بن الحسين ...) وخبر زاذان عن علي عليهالسلام ... وأورد قول كميت الشاعر والهيتي أحد أقاربه ... وقد
تقدم ذلك كله. ثم روى حديث الثقلين ، ثم قال :
(وأخرج الترمذي
وحسنه والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب ،
عن ابن عباس ، قال : قال عليه الصلاة والسلام : أحبوا الله تعالى لما
يغذوكم به من نعمة ، وأحبوني لحب الله تعالى ، وأحبوا أهل بيتي.
وأخرج ابن حبان
والحاكم ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه [وآله] وسلم : والذي نفسي بيده ، لا يبغضنا أهل البيت رجل
إلا أدخله الله تعالى النار. إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من الأخبار ،
وفي بعضها ما يدل على عموم القربى وشمولها لبني عبد المطلب :
أخرج أحمد والترمذي ـ وصححه ـ والنسائي ، عن المطلب بن ربيعة ، قال : دخل العباس
على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال : إنا لنخرج فنرى قريشا تحدث ، فإذا
رأونا سكتوا ، فغضب رسول الله ودر عرق بين عينيه ، ثم قال : والله لا يدخل قلب
امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله تعالى ولقرابتي.
وهذا ظاهر إن خص (القربى) بالمؤمنين منهم ، وإلا فقيل : إن
الحكم منسوخ. وفيه نظر. والحق وجوب محبة قرابته عليه الصلاة والسلام من حيث إنهم
قرابته كيف كانوا ، وما أحسن ما قيل :
داريت أهلك في
هواك وهم عدى
|
|
ولأجل عين ألف
عين تكرم
|
وكلما كانت جهة
القرابة أقوى كان طلب المودة أشد ، فمودة
العلويين ألزم من محبة العباسيين على القول بعموم (القربى) وهي على
القول بالخصوص قد تتفاوت أيضا باعتبار تفاوت الجهات والاعتبارات ، وآثار تلك
المودة التعظيم والاحترام والقيام بأداء الحقوق أتم قيام ، وقد تهاون كثير من
الناس بذلك حتى عدوا من الرفض السلوك في هاتيك المسالك ، وأنا أقول قول الشافعي
الشافي العي :
يا راكبا قف
بالمحصب من منى ...) الأبيات .
أقول :
هذا هو القول
الأول ، وهو الحق ، أعني نزول الآية المباركة في
خصوص : على وفاطمة والحسنين ، وعلى فرض التنزل وشمولها لجميع
قربى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فما ورد في خصوص أهل البيت يخصصها.
فهذا هو القول
الأول.
الرد على الأقوال
الأخرى :
وفي مقابله أقوال
:
أحدها
: إن المراد من (القربى) القرابة التي بينه صلىاللهعليهوآله
وسلم وبين قريش (فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة).
والثاني
: إن المراد من (القربى) هو القرب والتقرب إلى الله ، أي :
__________________
إلا أن تودوا إلى
الله في ما يقربكم إليه من التودد إليه بالعمل الصالح.
والثالث
: إن المراد من (القربى) هو (الأقرباء) ولكن لا أقرباء
النبي مطلقا ، بل المعنى : إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم.
والرابع
: إن الآية منسوخة
بقوله تعالى : (قل ما سألتكم عليه من
أجر فهو لكم) .
أقول
:
أما القول الأخير فقد رده الكل ، حتى نص بعضهم على قبحه ، وقد
بينا أن لا منافاة بين الآيتين أصلا ، بل إحداهما مؤكدة لمعنى الأخرى.
وأما الذي قبله ، فلا ينبغي أن يذكر في الأقاويل ، لأنه قول بلا
دليل ،
ولذا لم يعبأ به أهل التفسير والتأويل.
وأما القول بأن المراد هو (التقرب) فقد حكي عن الحسن البصري
وظاهر العيني اختياره له . واستدل له في (فتح الباري) بما أخرجه أحمد
من طريق مجاهد عن ابن عباس أيضا : إن النبي صلى الله عليه [وآله]
وسلم قال : (قل لا أسألكم عليه أجرا على ما جئتكم به من البينات والهدى
إلا أن تقربوا إلى الله بطاعته).
لكن قال ابن حجر :
(وفي إسناده ضعف) .
وهو مردود أيضا
بأنه خلاف المتبادر من الآية ، وأن النصوص على
__________________
خلافه ... وهو
خلاف الذوق السليم.
وأما القول الأول من هذه الأقوال ، فهو الذي اقتصر عليه ابن
تيمية
فلم يذكر غيره ، واختاره ابن حجر ، ورجحه الشوكاني ... والدليل عليه ما
أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم عن طاووس عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس ، وقد تقدم في أول أخبار المسألة.
ويقع الكلام على
هذا الخبر في جهتين :
الجهة الأولى :
جهة السند :
فإن مدار الخبر
على (شعبة بن الحجاج) وقد كان هذا الرجل ممن
يكذب ويضع على أهل البيت ، فقد ذكر الشريف المرتضى رحمهالله أنه
روى عن جعفر بن محمد أنه كان يتولى الشيخين! فمن يضع مثل هذا
لا يستبعد منه أن يضع على ابن عباس في نزول الآية.
ثم إن الراوي عن
شعبة عند أحمد (يحيى بن عباد الضبعي البصري) قال الخطيب : (نزل بغداد وحدث بها عن
شعبة ... روى عنه أحمد بن حنبل ...) .
وقد أورد ابن حجر
هذا الرجل فيمن تكلم فيه من رجال البخاري ،
فنقل عن الساجي أنه ضعيف ، وعن ابن معين أنه ليس بذاك وإن صدقه .
وروى الخطيب
بإسناده عن ابن المديني ، قال : سمعت أبي يقول :
يحيى بن عباد ليس ممن أحدث عنه ، وبشار الخفاف أمثل منه.
__________________
وبإسناده عن يحيى
بن معين : لم يكن بذاك ، قد سمع وكان صدوقا ،
وقد أتيناه فأخرج كتابا فإذا هو لا يحسن يقرأه فانصرفنا عنه.
وبإسناده عن
الساجي : ضعيف ، حدث عنه أهل بغداد. سمعت
الحسن بن محمد الزعفراني يحدث عنه عن الشعبي وغيره ، لم يحدث
عنه أحد من أصحابنا بالبصرة ، لا بندار ولا ابن المثنى.
وقد أورده الذهبي
في ميزانه مقتصرا على تضعيف الساجي .
والراوي عن شعبة
عند البخاري (محمد بن جعفر ـ غندر) وقد أدرجه ابن حجر فيمن تكلم فيه بمناسبة قول
أبي حاتم : (يكتب حديثه عن غير شعبة ولا يحتج به) ، وبهذه المناسبة أيضا أورده الذهبي في ميزانه .
والراوي عنه : (محمد
بن بشار) وهو أيضا ممن تكلم فيه غير واحد
من أئمتهم ، وأدرجه ابن حجر فيمن تكلم فيه فذكر تضعيف الفلاس ، وأن
يحيى بن معين كان يستضعفه ، وعن أبي داود : لولا سلامة فيه لترك حديثه .
لكن في ميزان
الاعتدال : (كذبه الفلاس) وروى عن الدورقي : (كنا
عند يحيى بن معين فجرى ذكر بندار ، فرأيت يحيى لا يعبأ به ويستضعفه)
قال : (ورأيت القواريري لا يرضاه) (وكان صاحب حمام) .
__________________
أقول
:
لقد كان هذا حال
عمدة أسانيد حديث طاووس عن ابن عباس ،
والإنصاف أنه لا يصلح للاحتجاج فضلا عن المعارضة ، على أن كلام
الحاكم في كتاب التفسير صريح في رواية البخاري ومسلم هذا الحديث عن
طريق طاووس عن ابن عباس باللفظ الدال على القول الحق ، وهذا نص كلامه : (إنما
اتفقا في تفسير هذه الآية على حديث عبد الملك بن ميسرة الزراد عن طاووس عن ابن
عباس رضياللهعنهما أنه في قربى آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم).
وأرسل ذلك أبو
حيان عن ابن عباس إرسال المسلم ، فإنه بعد أن
ذكر القول الحق قال : (وقال بهذا المعنى علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب واستشهد بالآية حين سيق إلى الشام أسيرا ، وهو قول ابن جبير
والسدي وعمرو بن شعيب. وعلى هذا التأويل قال ابن عباس : قيل : يا رسول الله ، من
قرابتك الذين أمرنا بمودتهم؟ فقال : علي وفاطمة وابناهما) .
والجهة
الثانية : جهة فقه الحديث :
وفيه :
أولا
: إن من غير
المعقول أن يخاطب الله ورسوله المشركين بطلب
__________________
الأجر على أداء
الرسالة ، فإن المشركين كافرون ومكذبون لأصل هذه
الرسالة ، فكيف يطلب منهم الأجر؟!
وثانيا
: إن هذه الآية
مدنية ، وقد ذكرت في سبب نزولها روايات تتعلق بالأنصار.
وثالثا
: على فرض كونها مكية
فالخطاب للمسلمين لا للمشركين كما بينا.
وبعد ، فلو تنزلنا
وجوزنا الأخذ سندا ودلالة بما جاء في المسند وكتابي البخاري ومسلم عن طاووس عن ابن
عباس ، فلا ريب في أنه نص في ذهاب سعيد بن جبير إلى القول الحق.
وأما رأي ابن عباس
فمتعارض ، والتعارض يؤدي إلى التساقط ، فلا يبقى دليل للقول بأن المراد (القرابة)
بين النبي وقريش ، لأن المفروض أن لا دليل عليه إلا هذا الخبر.
لكن الصحيح أن ابن
عباس ـ وهو من أهل البيت وتلميذهم ـ لا يخالف قولهم ، وقد عرفت أن أمير المؤمنين عليهالسلام ينص على نزول الآية فيهم ، وكذا الإمام السجاد ... ولم
يناقش أحد في سند الخبرين ، وكذا الإمامان السبطان والإمامان الصادقان ... فكيف
يخالفهم ابن عباس في الرأي؟!
لكن قد تمادى بعض
القوم في التزوير والتعصب ، فوضعوا على
لسان ابن عباس أشياء ، ونسبوا إليه المخالفة لأمير المؤمنين عليهالسلام
في قضايا ، منها قضية المتعة ، حتى وضعوا حديثا في أن عليا عليهالسلام
كان يقول بحرمة المتعة فبلغه أن ابن عباس يقول بحليتها ، فخاطبه بقوله :
(إنك رجل تائه)!
ومع ذلك لم يرجع ابن عباس عن القول بالحلية! .
ولهذا نظائر لا
نطيل المقام بذكرها ...
والمقصود أن القوم
لما رأوا رواية غير واحد من الصحابة ـ وبأسانيد معتبرة ـ نزول الآية المباركة في (أهل
البيت) ووجدوا أئمة أهل البيت عليهمالسلام مجمعين على هذا القول ... حاولوا أولا تضعيف تلك الأخبار
ثم وضع شئ في مقابلها عن واحد من علماء أهل البيت ليعارضوها به ، وليلقوا الخلاف
بينهم بزعمهم ... ثم يأتي مثل ابن تيمية ـ ومن تبعه ـ فيستدل بالحديث الموضوع
ويكذب الحديث الصحيح المتفق عليه بين المسلمين.
تنبيهان :
الأول
:
قد تنبه الفخر
الرازي إلى أن ما ذكره في ذيل الآية من الأدلة على وجوب محبة أهل البيت وإطاعتهم
واحترامهم ، وحرمة بغضهم وعدائهم ... يتنافى مع القول بإمامة الشيخين وتعظيم
الصحابة قاطبة ... مع ما كان منهم بالنسبة إلى أهل البيت وصدر منهم تجاههم ، فحاول
أن يتدارك ذلك فقال :
(قوله : (إلا المودة في القربى) فيه منصب عظيم للصحابة!! لأنه تعالى قال : (والسابقون السابقون * أولئك المقربون). فكل من أطاع الله كان مقربا عند الله تعالى ، فدخل تحت
قوله : (إلا المودة في
__________________
القربى)!
والحاصل : إن هذه
الآية تدل على وجوب حب آل رسول الله وحب أصحابه ، وهذا المنصب لا يسلم إلا على قول
أصحابنا أهل السنة والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة.
وسمعت بعض
المذكرين قال : إنه صلى الله عليه [وآله] وسلم قال :
مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا. وقال : أصحابي
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، ونحن الآن في بحر التكليف وتضربنا
أمواج الشبهات والشهوات ، وراكب البحر يحتاج إلى أمرين : أحدهما :
السفينة الخالية عن العيوب والثقب. والثاني : الكواكب الظاهرة الطالعة
النيرة ، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة كان
رجاء السلامة غالبا. فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل
محمد ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ، فرجوا من الله تعالى أن
يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة)!! .
وكذلك النيسابوري
، فإنه قال : (قال بعض المذكرين : إن النبي صلى
الله عليه [وآله] وسلم قال : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركب فيها
نجا ، ومن تخلف عنها غرق. وعنه صلى الله عليه [وآله] وسلم : أصحابي
كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. فنحن نركب سفينة حب آل محمد ونضع
أبصارنا على الكواكب النيرة ، أعني آثار الصحابة لنتخلص من بحر التكليف
وظلمة الجهالة ، ومن أمواج الشبهة والضلالة)!! .
وكذلك الآلوسي ،
فإنه قال مثله وقد استظرف ما حكاه الرازي ، قال
__________________
الآلوسي بعد ما
تقدم نقله عنه في وجوب محبة أهل البيت ومتابعتهم وحرمة بغضهم ومخالفتهم :
(ومع هذا ، لا أعد
الخروج عما يعتقده أكابر أهل السنة في الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ دينا ،
وأرى حبهم فرضا علي مبينا ، فقد أوجبه أيضا الشارع ، وقامت على ذلك البراهين
السواطع. ومن الظرائف ما حكاه الإمام عن بعض المذكرين ...) .
أقول
:
لقد أحسن
النيسابوري والآلوسي إذ لم يتبعا الفخر الرازي في ما ذكره
في صدر كلامه ، فإني لم أفهم وجه ارتباط مطلبه بآية المودة ... : على أن فيه مواضع
للنظر ، منها : إن قوله تعالى : (والسابقون السابقون *
أولئك المقربون) قد فسر في كتب الفريقين في هذه الأمة بعلي أمير المؤمنين عليهالسلام .
وأما الحكاية
الظريفة عن بعض المذكرين ، فإن من سوء حظ هذا المذكر ـ وهؤلاء المذكرين!! ـ تنصيص
عشرات من الأئمة المعتمدين على بطلان حديث النجوم ووضعه وسقوطه :
قال أحمد : حديث
لا يصح.
وقال البزار : هذا
الكلام لا يصح عن النبي.
وقال الدارقطني :
ضعيف.
وقال ابن حزم :
هذا خبر مكذوب موضوع باطل ، لم يصح قط.
__________________
وقال البيهقي :
أسانيده كلها ضعيفة.
وقال ابن عبد البر
: إسناده لا يصح.
وقال ابن الجوزي :
هذا لا يصح.
وقال أبو حيان :
لم يقل ذلك رسول الله ، وهو حديث موضوع لا يصح به عن رسول الله.
وقال الذهبي : هذا
باطل.
وقال ابن القيم ـ
بعد الإشارة إلى بعض طرقه ـ : لا يثبت شئ منها.
وضعفه أيضا : ابن
حجر العسقلاني ، والسيوطي ، والسخاوي ، والمتقي الهندي ، والمناوي ، والخفاجي ،
والشوكاني ... وغيرهم ...
ومن شاء التفصيل
فليرجع إلى رسالتنا فيه .
الثاني :
قال الرازي ـ في
الوجوه الدالة على اختصاص الأربعة الأطهار بمزيد التعظيم ـ : (الثالث : إن الدعاء
للآل منصب عظيم ، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله : اللهم
صل ...) وقد تعقب بعض علمائنا هذا الكلام بما يعجبني نقله بطوله ، قال :
(فائدة : قال
القاضي النعماني : أجمل الله في كتابه قوله (إن الله وملائكته
يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) فبينه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأمته ، ونصب أولياءه لذلك من بعده ، وذلك مفخر لهم لا
يوجد إلا فيهم ، ولا يعلم إلا فيهم ، فقال حين
__________________
سألوا عن الصلاة
عليه : قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد كما
صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد.
فالصلاة المأمور
بها على النبي وآله ليست هي الدعاء لهم كما تزعم
العامة ، إذ لا نعلم أحدا دعا للنبي فاستحسنه ، ولا أمر أحدا بالدعاء له ، وإلا
لكان شافعا فيه ، ولأنه لو كان جواب قوله تعالى (صلوا عليه) اللهم صل
على محمد وآل محمد ، لزم أن يكون ذلك ردا لأمره تعالى ، كمن قال
لغيره : إفعل كذا ، فقال : إفعل أنت. ولو كانت الصلاة الدعاء ، لكان قولنا :
اللهم صل على محمد وآل محمد ، بمعنى : اللهم ادع له ، وهذا لا يجوز.
وقد كان الصحابة
عند ذكره يصلون عليه وعلى آله ، فلما تغلب بنو
أمية قطعوا الصلاة عن آله في كتبهم وأقوالهم ، وعاقبوا الناس عليها بغضا
لآله الواجبة مودتهم ، مع روايتهم أن النبي سمع رجلا يصلي عليه ولا يصلي على آله
فقال : لا تصلوا علي الصلاة البترة ، ثم علمه بما ذكرناه أولا. فلما تغلب بنو
العباس أعادوها وأمروا الناس بها ، وبقي منهم بقية إلى اليوم لا يصلون على آله عند
ذكره.
هذا فعلهم ، ولم
يدركوا أن معنى الصلاة عليهم سوى الدعاء لهم
ـ وفيه شمة لهضم منزلتهم حيث إن فيه حاجة ما إلى دعاء رعيتهم ـ
فكيف لو فهموا أن معنى الصلاة هنا المتابعة؟! ومنه المصلي من الخيل ،
فأول من صلى النبي ، أي تبع جبريل حين علمه الصلاة ، ثم صلى علي النبي ، إذ هو أول
ذكر صلى بصلاته ، فبشر الله النبي أنه يصلي عليه بإقامة من ينصبه مصليا له في أمته
، وذلك لما سأل النبي بقوله : (واجعل
لي وزيرا من أهلي) عليا (اشدد به أزري) ثم قال تعالى : (صلوا عليه) أي : اعتقدوا ولاية علي وسلموا لأمره. وقول النبي : قولوا
: اللهم
صل على محمد وآل
محمد. أي : اسألوا الله أن يقيم له ولاية ولاة يتبع بعضهم بعضا كما كان في آل
إبراهيم ، وقوله : وبارك عليهم ، أي : أوقع النمو فيهم ، فلا تقطع الإمامة عنهم.
ولفظ الآل وإن عم
غيرهم إلا أن المقصود هم ، لأن في الأتباع والأهل
والأولاد فاجر وكافر لا تصلح الصلاة عليه.
فظهر أن الصلاة
عليه هي اعتقاد وصيته والأئمة من ذريته ، إذ بهم
كمال دينهم وتمام النعمة عليهم ، وهم الصلاة التي قال الله إنها تنهى عن
الفحشاء والمنكر ، لأن الصلاة الراتبة لا تنهى عن ذلك في كثير من الموارد) .
دلالة الآية سواء كان
الاستثناء متصلا أو منقطعا :
وتلخص
: إن الآية
المباركة دالة على وجوب مودة (أهل البيت) ..
* سواء كانت مكية
أو مدنية ، بغض النظر عن الروايات أو بالنظر إليها.
* وسواء كان
الاستثناء منقطعا كما ذهب إليه غير واحد من علماء
العامة وبعض أكابر أصحابنا كالشيخ المفيد البغدادي رحمهالله ، نظرا إلى أن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يطلب أجرا على تبليغ الرسالة ، قال رحمهالله :
(لا يصح القول بأن
الله تعالى جعل أجر نبيه مودة أهل بيته عليهم
السلام ، ولا أنه جعل ذلك من أجره عليهالسلام ، لأن أجر النبي في التقرب
__________________
إلى الله تعالى هو
الثواب الدائم ، وهو مستحق على الله تعالى في عدله
وجوده وكرمه ، وليس المستحق على الأعمال يتعلق بالعباد ، لأن العمل
يجب أن يكون لله تعالى خالصا ، وما كان لله فالأجر فيه على الله تعالى دون غيره.
هذا ، مع أن الله
تعالى يقول : (ويا قوم لا أسألكم
عليه مالا إن أجري إلا على الله) وفي موضع آخر : (ويا قوم لا أسألكم
عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني).
فإن قال قائل : فما
معنى قوله : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا
المودة في القربى)؟ أوليس هذا يفيد أنه قد سألهم مودة القربى لأجره على الأداء؟
قيل له : ليس
الأمر على ما ظننت ، لما قدمنا من حجة العقل والقرآن ،
والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة ، لكنه استثناء منقطع.
ومعناه : قل لا
أسألكم عليه أجرا لكن ألزمكم المودة في القربى
وأسألكموها ، فيكون قوله : (قل لا أسألكم أجرا) كلاما تاما قد استوفى
معناه ، ويكون قوله : (إلا المودة في القربى) كلاما مبتدأ فائدته : لكن المودة في القربى سألتكموها ،
وهذا كقوله : (فسجد الملائكة كلهم أجمعون
إلا إبليس) والمعنى فيه :
لكن إبليس ، وليس باستثناء من جملة. وكقوله : (فإنهم عدو لي إلا رب
العالمين) معناه : لكن رب العالمين
ليس بعدو لي. قال الشاعر :
وبلدة ليس بها
أنيس
|
|
إلا اليعافير
وإلا العيس)
|
__________________
* أو كان متصلا
كما جوزه آخرون ، من العامة كالزمخشري والنسفي وغيرهما.
ومن أعلام أصحابنا
كشيخ الطائفة ، قال : (في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه استثناء منقطع ، لأن المودة في القربى ليس من الأجر ،
ويكون التقدير : لكن أذكركم المودة في قرابتي. الثاني : إنه استثناء حقيقة ،
ويكون : أجري المودة في القربى كأنه أجر وإن لم يكن أجر) .
وكالشيخ الطبرسي ،
قال : (وعلى الأقوال الثلاثة فقد قيل في (إلا
المودة) قولان ، أحدهما :
إنه استثناء منقطع ، لأن هذا مما يجب بالإسلام
فلا يكون أجرا للنبوة. والآخر : إنه استثناء متصل ، والمعنى : لا أسألكم
عليه أجرا إلا هذا فقد رضيت به أجرا ، كما أنك تسأل غيرك حاجة فيعرض
المسؤول عليك برا فتقول له : اجعل بري قضاء حاجتي. وعلى هذا يجوز
أن يكون المعنى : لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا ، ونفعه أيضا عائد عليكم ،
فكأني لم أسألكم أجرا ، كما مر بيانه في قوله : (قل ما سألتكم من أجر فهو
لكم).
وذكر أبو حمزة
الثمالي في تفسيره : حدثني عثمان بن عمير ، عن
سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عباس : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
وسلم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها : نأتي
رسول الله فنقول له : تعروك أمور ، فهذه أموالنا ...) .
* هذا ، ولكن قد تقرر في محله ، أن الأصل في الاستثناء هو
__________________
الاتصال ، وأنه
يحمل عليه ما أمكن ، ومن هنا اختار البعض ـ كالبيضاوي
حيث ذكر الانقطاع قولا ـ الاتصال ، بل لم يجوز بعض أصحابنا الانقطاع ،
فقد قال السيد الشهيد التستري : (تقرر عند المحققين من أهل العربية
والأصول أن الاستثناء المنقطع مجاز واقع على خلاف الأصل ، وأنه
لا يحمل على المنقطع إلا لتعذر المتصل ، بل ربما عدلوا عن ظاهر اللفظ
الذي هو المتبادر إلى الذهن مخالفين له ، لغرض الحمل على المتصل الذي
هو الظاهر من الاستثناء كما صرح به الشارح العضدي حيث قال : واعلم
أن الحق أن المتصل أظهر ، فلا يكون مشتركا ولا للمشترك ، بل حقيقة فيه
ومجاز في المنقطع ، ولذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلا عند
تعذر المتصل حتى عدلوا للحمل على المتصل من الظاهر وخالفوه ، ومن
ثم قالوا في قوله : له عندي مائة درهم إلا ثوبا ، وله علي إبل إلا شاة ، معناه :
إلا قيمة ثوب أو قيمة شاة ، فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير
متصلا ، ولو كان في المنقطع ظاهرا لم يرتكبوا مخالفة ظاهر حذرا عنه. انتهى) .
__________________
الفصل الخامس
دلالة الآية على الإمامة والولاية
وكيف كان ...
فالآية المباركة تدل على إمامة أمير المؤمنين عليه
السلام وأهل البيت عليهمالسلام من وجوه :
١ ـ القرابة
النسبية والإمامة :
إنه إن لم يكن
للقرابة النسبية دخل وأثر في الإمامة والخلافة ، فلا
ريب في تقدم أمير المؤمنين عليهالسلام ، إذ كلما يكون وجها لاستحقاقها
فهو موجود فيه على النحو الأتم الأكمل الأفضل ... لكن لها دخلا وأثرا كما سنرى ..
ولقد أجاد السيد
ابن طاووس الحلي حيث قال ـ ردا على الجاحظ في رسالته العثمانية ـ ما نصه :
(قال : وزعمت
العثمانية : إن أحدا لا ينال الرئاسة في الدين بغير الدين.
وتعلق في ذلك
بكلام بسيط عريض يملأ كتابه ويكثر خطابه ، بألفاظ
منضدة ، وحروف مسددة كانت أو غير مسددة. بيان ذلك :
إن الإمامية لا
تذهب إلى أن استحقاق الرئاسة بالنسب ، فسقط جميع
ما أسهب فيه الساقط ، ولكن الإمامية تقول : إن كان النسب وجه الاستحقاق
فبنو هاشم أولى به ، ثم علي أولاهم به ، وإن يكن بالسبب فعلي أولى به إذ
كان صهر رسول الله
صلىاللهعليهوآله ، وإن يكن بالتربية فعلي أولى به ،
وإن يكن بالولادة من سيدة النساء فعلي أولى به ، وإن يكن بالهجرة فعلي
مسببها بمبيته على الفراش ، فكل مهاجري بعد مبيته في ضيافته عدا
رسول الله ، إذ الجميع في مقام عبيده وخوله ، وإن يكن بالجهاد فعلي أولى
به ، وإن يكن بحفظ الكتاب فعلي أولى به ، وإن يكن بتفسيره فعلي أولى به
على ما أسلفت ، وإن يكن بالعلم فعلي أولى به ، وإن يكن بالخطابة فعلي
أولى به ، وإن يكن بالشعر فعلي أولى به.
قال الصولي فيما
رواه : كان أبو بكر شاعرا وعمر شاعرا وعلي أشعرهم.
وإن يكن بفتح
أبواب المباحث الكلامية فعلي أولى به ، وإن يكن
بحسن الخلق فعلي أولى به ، إذ عمر شاهد به ، وإن يكن بالصدقات فعلي ـ على ما سلف ـ
أولى به ، وإن يكن بالقوة البدنية فعلي أولى به ، بيانه : باب خيبر ، وإن يكن
بالزهد فعلي أولى به في تقشفه وبكائه وخشوعه وفنون أسبابه وتقدم إيمانه ، وإن يكن
بما روي عن النبي صلىاللهعليهوآله في فضله فعلي أولى
به ، بيانه : ما رواه ابن حنبل وغيره على ما سلف ، وإن يكن بالقوة الواعية فعلي
أولى به ، بيانه : قول النبي صلىاللهعليهوآله : (إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك ، وأن أعلمك وتعي ،
وحق على الله أن تعي) ، وإن يكن بالرأي والحكم فعلي أولى به ، بيانه : شهادة رسول
الله صلىاللهعليهوآله له على ما مضى بالحكمة ، وغير ذلك مما نبهنا عليه فيما مضى.
وإذا تقرر هذا بان
معنى التعلق لمن يذكر النسب إذا ذكره ، ولهذا
تعجب أمير المؤمنين عليهالسلام حيث يستولى على الخلافة بالصحابة ،
ولا يستولى عليها
بالقرابة والصحابة.
ثم إني أقول : إن
أبا عثمان أخطأ في قوله : (إن أحدا لا ينال الرئاسة
في الدين بغير الدين).
بيانه : أنه لو
تخلى صاحب الدين من السداد ما كان أهلا للرئاسة ،
وهو منع أن ينالها أحد إلا بالدين ، والاستثناء من النفي إثبات حاضر في
غير ذلك من صفات ذكرتها في كتابي المسمى (بالآداب الحكمية) متكثرة
جدا ، ومنها ما هو ضروري ، ومنها ما هو دون ذلك.
ومن بغي عدو
الإسلام أن يأتي متلفظا بما تلفظ به ، وأمير المؤمنين
عليهالسلام الخصم ، وتيجان شرفه المصادمة ، ومجد سؤدده المدفوع ، إذ
هو صاحب الدين ، وبه قام عموده ، ورست قواعده ، وبه نهض قاعده ،
وأفرغت على جيد الإسلام قلائده.
وأقول بعد هذا :
إن للنسب أثرا في الرئاسة قويا.
بيانه : أنه إذا
تقدم على أرباب الشرف النسبي من لا يدانيهم ، وقادهم
من لا يقاربهم ولا يضاهيهم ، كانوا بالأخلق عنه نافرين آنفين ، بل إذا تقدم
على أهل الرئيس الفائت غير عصبته ، وقادهم غير القريب الأدنى من لحمته ، كانوا
بالأخلق عنه حائدين متباعدين ، وله قالين ، وذلك مظنة الفساد في الدين والدنيا ،
وقد ينخرم هذا اتفاقا ، لكن المناط الظاهر هو ما إليه أشرت ، وعليه عولت.
وأقول : إن القرآن
المجيد لما تضمن العناية بالأقربين من ذرية
رسول الله صلى الله عليهم ومواددتهم ، كان ذلك مادة تقديمهم مع
الأهلية التي لا يرجح غيرهم عليهم فيها ، فكيف إذا كان المتقدم عليهم
لا يناسبهم فيها ولا يدانيها؟!
قال الثعلبي بعد
قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة
في القربى) بعد أن حكى شيئا ثم قال : فأخبرني الحسين بن محمد ، [قال :]
حدثنا برهان بن علي الصوفي ، [قال :] حدثنا حرب بن الحسن الطحان ، [قال :] حدثنا
حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد ابن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما
نزلت (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم؟ قال : علي
وفاطمة وابناهما.
وروى فنونا جمة
غير هذا من البواعث على محبة أهل البيت ، فقال :
أخبرنا أبو حسان المزكي ، [قال :] أخبرنا أبو العباس ، محمد بن إسحاق ،
[قال :] حدثنا الحسن بن علي بن زياد السري ، [قال :] حدثنا يحيى بن
عبد الحميد الحماني ، [قال :] حدثنا حسين الأشقر ، [قال :] حدثنا قيس ،
[قال :] حدثنا الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما
نزلت (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) فقالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم؟ قال : علي
وفاطمة وولدهما.
وقال : أخبرنا أبو
بكر بن الحرث ، [قال :] حدثنا أبو السبح ، [قال :]
حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ، [قال :] أخبرنا إسماعيل بن يزيد ،
[قال :] حدثنا قتيبة بن مهران ، [قال :] حدثنا عبد الغفور أبو الصباح ، عن
أبي هاشم الرماني ، عن زاذان ، عن علي رضياللهعنه ، قال : فينا في آل حم ، إنه لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ،
ثم قرأ (قل لا أسألكم عليه أجرا
إلا المودة في القربى).
وقال الكلبي : قل
لا أسألكم على الإيمان جعلا إلا أن توادوا قرابتي ،
وقد رأيت أن أذكر
شيئا من الآي الذي يحسن أن تتحدث عنده) .
أقول
:
لا ريب في أن
للنسب والقرب النسبي تأثيرا ، وأن للعناية الإلهية ب (القربى) ـ أي : بعلي والزهراء
بضعة النبي وولديهما ـ حكمة ، وفي السنة النبوية على ذلك شواهد وأدلة نشير إلى
بعضها بإيجاز :
أخرج مسلم
والترمذي وابن سعد وغيرهم عن واثلة ، قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول : (إن الله عزوجل اصطفى
كنانة من ولد إسماعيل عليه الصلاة والسلام ، واصطفى قريشا من كنانة ،
واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم) .
قال النووي بشرحه
: (استدل به أصحابنا على أن غير قريش من
العرب ليس بكفء لهم ، ولا غير بني هاشم كفء لهم إلا بني المطلب ،
فإنهم هم وبنو هاشم شئ واحد ، كما صرح به في الحديث الصحيح) .
وعقد الحافظ أبو
نعيم : (الفصل الثاني : في ذكر فضيلته صلى الله
عليه [وآله] وسلم بطيب مولده وحسبه ونسبه وغير ذلك) فذكر فيه
أحاديث كثيرة بالأسانيد ، منها ما تقدم ، ومنها الرواية التالية :
(إن الله تعالى
قسم الخلق قسمين ، فجعلني في خيرهما قسما ، ثم
جعل القسمين أثلاثا ، فجعلني في خيرها ثلثا ، ثم جعل الأثلاث قبائل ،
__________________
فجعلني في خيرها
قبيلة ، ثم جعل القبائل بيوتا ، فجعلني في خيرها بيتا ،
فذلك قوله : (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت) الآية) .
وذكر الحافظ محب
الدين الطبري بعض هذه الأحاديث تحت عنوان
(ذكر اصطفائهم) و (ذكر أنهم خير الخلق) .
وقال القاضي عياض
: (الباب الثاني في تكميل الله تعالى له المحاسن خلقا وخلقا ، وقرانه جميع الفضائل
الدينية والدنيوية فيه نسقا) فذكر فيه فوائد جمة في كلام طويل .
إذن ، هناك ارتباط
بين (آية المودة) و (آية التطهير) وأحاديث (الاصطفاء) و (أنهم خير خلق الله).
ثم إن في أخبار
السقيفة والاحتجاجات التي دارت هناك بين من
حضرها من المهاجرين والأنصار ما يدل على ذلك دلالة واضحة ، فقد
أخرج البخاري أن أبا بكر خاطب القوم بقوله : (لن تعرف العرب هذا الأمر
إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا) ولا يستريب
عاقل في أن عليا عليهالسلام هو الأشرف ـ من المهاجرين والأنصار كلهم ـ
نسبا ودارا ، فيجب أن يكون هو الإمام.
بل روى الطبري
وغيره أنه قال كلمة أصرح وأقرب في الدلالة ، فقال
__________________
الطبري إنه قال في
خطبته : (فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به والمواساة له والصبر
معه على شدة أذى قومهم لهم ولدينهم ، وكل الناس لهم مخالف زار عليهم ، فلم
يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم.
فهم أول من عبد
الله في الأرض وآمن به وبالرسول ، وهم أولياؤه
وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم في ذلك إلا ظالم) .
وفي رواية ابن
خلدون : (نحن أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس
بأمره ولا ننازع في ذلك) .
وفي رواية المحب
الطبري عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب :
(فكنا ـ معشر المهاجرين ـ أول الناس إسلاما ، ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه ،
ونحن أهل الخلافة ، وأوسط الناس أنسابا في العرب ، ولدتنا العرب كلها ، فليس منهم
قبيلة إلا لقريش فيها ولادة ، ولن تصلح إلا لرجل من قريش ...) .
وهل اجتمعت هذه
الصفات ـ في أعلى مراتبها وأسمى درجاتها ـ إلا
في علي عليهالسلام؟! إن عليا عليهالسلام هو الذي توفرت فيه هذه
الصفات واجتمعت الشروط ... فهو (عشيرة النبي) و (ذو رحمه) و (وليه)
وهو (أول من عبد الله في الأرض وآمن به) فهو (أحق الناس بهذا الأمر
من بعده) و (لا ينازعه في ذلك إلا ظالم)!!
__________________
ومن هنا نراه عليهالسلام يحتج على القوم في الشورى ب (الأقربية)
فيقول : (أنشدكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه
[وآله] وسلم في الرحم مني ، ومن جعله نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه
نساءه؟! قالوا : اللهم لا) الحديث .
وهذا ما اعترف به
له عليهالسلام طلحة والزبير ، حين راجعه الناس
بعد قتل عثمان ليبايعوه ، فقال ـ في ما روي عن ابن الحنفية ـ : (لا حاجة
لي في ذلك ، عليكم بطلحة والزبير.
قالوا : فانطلق
معنا. فخرج علي وأنا معه في جماعة من الناس ، حتى
أتينا طلحة بن عبيد الله فقال له : إن الناس قد اجتمعوا ليبايعوني ولا حاجة
لي في بيعتهم ، فابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله.
فقال له طلحة :
أنت أولى بذلك مني وأحق ، لسابقتك وقرابتك ، وقد
اجتمع لك من هؤلاء الناس من قد تفرق عني.
فقال له علي :
أخاف أن تنكث بيعتي وتغدر بي!
قال : لا تخافن
ذلك ، فوالله لا ترى من قبلي أبدا شيئا تكره.
قال : الله عليك
كفيل.
ثم أتى الزبير بن
العوام ـ ونحن معه ـ فقال له مثل ما قال لطلحة ورد عليه مثل الذي رد عليه طلحة) .
هذا
، وقد كابر الجاحظ
في ذلك ، في رسالته التي وضعها للدفاع
عن العثمانية ، فرد عليه السيد ابن طاووس الحلي ـ طاب ثراه ـ قائلا :
__________________
(وتعلق بقوله
تعالى : (وأن ليس للإنسان إلا
ما سعى).
وليس هذا دافعا
كون القرابة إذا كان ذا دين وأهلية أن يكون أولى
من غيره وأحق ممن سواه بالرئاسة.
وتعلق بقول رسول
الله لجماعة من بني عبد المطلب : إني لا أغني
عنكم من الله شيئا.
وهي رواية لم
يسندها عن رجال ، ولم يضفها إلى كتاب.
ومما يرد عليها ما
رواه الثعلبي ، قال : وأخبرنا يعقوب بن السري ،
[قال :] أخبرنا محمد بن عبد الله الحفيد ، [قال :] حدثنا عبد الله بن أحمد
ابن عامر ، [قال :] حدثني أبي ، حديث علي بن موسى الرضا عليهالسلام ،
قال : حدثني أبي موسى بن جعفر ، [قال :] حدثني أبي جعفر بن محمد ،
[قال :] حدثنا أبي محمد بن علي ، [قال :] حدثنا أبي علي بن الحسين
[قال :] حدثنا أبي الحسين بن علي ، [قال :] حدثنا أبي علي بن أبي طالب
عليهالسلام ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : (حرمت الجنة على
من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ، ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد
عبد المطلب ولم يجازه عليها ، فأنا جازيه [به] غدا إذا لقيني في القيامة.
ومن كتاب الشيخ
العالم أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى
المرزباني (في ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام) ما يشهد بتكذيب قصد الجاحظ ما حكايته :
ومن سورة النساء ،
حدثنا علي بن محمد ، قال : حدثني الحسن بن
الحكم الحبري ، قال : حدثنا حسن بن حسين ، قال : حدثنا حيان ابن
الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : (واتقوا الله
الذي
تساءلون به والأرحام) ... الآية ، نزلت في رسول الله صلى الله
عليه وآله وأهل بيته وذوي أرحامه ، وذلك أن كل سبب ونسب منقطع [يوم
القيامة] إلا ما كان من سببه ونسبه ، (إن الله كان عليكم
رقيبا).
والرواية عن عمر
شاهدة بمعنى هذه الرواية حيث ألح بالتزويج عند
أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
وتعلق بقوله تعالى
: (واتقوا يوما لا تجزي
نفس عن نفس شيئا
ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون).
أقول
: إن الجاحظ جهل
أو تجاهل ، إذ هي في شأن الكافرين ،
لا في سادات المسلمين أو أقرباء رسول رب العالمين.
بيانه : قوله
تعالى : (ولا هم ينصرون).
وتعلق بقوله تعالى
: (يوم لا يغني مولى عن
مولى شيئا) ولم
يتمم الآية ، تدليسا وانحرافا ، أو جهلا ، أو غير ذلك ، والأقرب بالأمارات الأول ،
لأن الله تعالى تمم ذلك بقوله : (ولا هم ينصرون إلا من
رحم الله إنه هو العزيز الرحيم).
وخلصاء الذرية
والقرابة مرحومون بالآي والأثر ، فسقط تعلقه ، مع أن
هذا جميعه ليس داخلا في كون ذي الدين والأهلية لا يكون له ترجيح في الرئاسة وتعلق
له بالرئاسة.
وتعلق بقوله تعالى
: (يوم لا ينفع مال ولا
بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) وليس هذا مما يدخل في تقريره الذي شرع فيه ، وإن كان حديثا خارجا عن ذلك ،
فالجواب عنه : بما أن المفسرين أو بعضهم قالوا في معنى قوله تعالى : (سليم) أي : لا يشرك ، وهذا صحيح.
وتعلق بقوله تعالى
: (اتقوا ربكم واخشوا
يوما لا يجزي والد عن
ولده ولا مولود) وليس هذا من الرئاسة الدنياوية في شئ.
وبعد ، فهو مخصوص
بقرابة النبي عليهالسلام بالأثر السالف عن الرضا.
وبعد ، فإن
المفسرين قالوا عند قوله تعالى : (عسى أن يبعثك ربك
مقاما محمودا) قالوا : الشفاعة ، وإذا كان الرسول شافعا في عموم الناس فأولى أن يشفع في
ذريته ورحمه ، وكذا قيل في قوله تعالى : (ولسوف يعطيك ربك
فترضى) إنها الشفاعة.
وتعلق بقوله تعالى
: (واتل عليهم نبأ ابني
آدم) وليس هذا مما حاوله من سابق تقريره في شئ.
وتعلق في قصة نوح
وكنعان ، وليس هذا مما نحن فيه في شئ ، أين
كنعان من سادات الإسلام؟!
وتعلق بقوله تعالى
: (لا ينال عهدي
الظالمين) وللإمامية في هذا
مباحث سديدة ، إذ قالوا : من سبق كفره ، ظالم لا محالة فيما مضى ، فلا يكون أهلا
للرئاسة ، فهذه واردة على الجاحظ لا له.
ورووا في شئ من
ذلك الرواية من طرق القوم ، وساق ما لا صيور
له فيما نحن بصدده) .
٢ ـ وجوب المودة
يستلزم وجوب الطاعة :
إنه ليس المراد من
(المودة) هو (المحبة المجردة) ، لا سيما في مثل
__________________
الآية المباركة (ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا
وعملوا الصالحات
قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة ...) فإنه قد جعلت (المودة)
ـ بناء على اتصال الاستثناء ـ أجرا للرسالة ، ومن المعلوم أنه لولا التساوي والتناسب
بين الشئ ومقابله لم يصدق على الشئ عنوان (الأجر) ، وحينئذ فإذا لاحظنا عظمة
الرسالة المحمدية عند الله وعند البشرية اهتدينا إلى عظمة هذا الأجر وهو (المودة
في القربى).
وكذا بناء على
الانقطاع ، لأن الروايات قد دلت على أن المسلمين
اقترحوا عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يدفعوا إليه في مقابل أداء الرسالة
من الأموال ما يكون معه في سعة ، فأجاب ـ بناء على هذا القول ـ بالرد وأنه
لا يسألهم أجرا أصلا ، ثم قال : ولكن (المودة في القربى) فجعلها هي
الشئ المطلوب منهم والواجب عليهم ...
فإيجاب المودة ـ
في مثل هذا المقام ، دون غيرها مما كان بالإمكان
أن يطلبه منهم ـ يدل على أن هذا الأمر أهم الأشياء عند الله والرسول.
وعلى
الجملة .. ليس المراد
مجرد المودة والمحبة ، بل هي المحبة المستتبعة للانقياد والطاعة ، قال تعالى : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم
الله) والاتباع يعني إطاعة الأمر كما في الآية المباركة : (وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري) .
والاتباع ،
والانقياد التام ، والإطاعة المطلقة ، هو معنى الإمامة
والولاية ... قال العلامة الحلي : (الرابعة : قوله تعالى : (قل لا أسألكم
عليه أجرا إلا المودة في القربى) روى الجمهور ...
__________________
ووجوب المودة
يستلزم وجوب الطاعة) .
وقال أيضا : (البرهان
السابع : قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) روى أحمد بن حنبل ...
وغير على من
الصحابة والثلاثة لا تجب مودته ، فيكون علي أفضل
فيكون هو الإمام ، ولأن مخالفته تنافي المودة وبامتثال أوامره تكون مودته ،
فيكون واجب الطاعة ، وهو معنى الإمامة) .
٣ ـ وجوب المحبة
المطلقة يستلزم الأفضلية :
وأيضا ، فإن عليا
ممن وجبت محبته ومودته على نحو الإطلاق ، ومن وجبت محبته كذلك كان هو الأحب ، ومن
كان أحب الناس إلى الله ورسوله كان أفضلهم ، ومن كان أفضل كان هو الإمام ... فعلي عليهالسلام هو الإمام بعد
رسول الله.
أما
المقدمة الأولى فواضحة جدا من الآية المباركة.
وأما
المقدمة الثانية فواضحة كذلك ، ومما يدل على أن عليا عليه السلام أحب الخلق إلى الله ورسوله :
حديث الطائر ، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقد أهدي إليه طائر ـ :
(اللهم ائتني بأحب خلقك إليك ، فجاء علي فأكل معه) رواه عنه من الصحابة :
١ ـ علي أمير
المؤمنين عليهالسلام.
٢ ـ عبد الله بن
العباس.
٣ ـ أبو سعيد
الخدري.
__________________
٤ ـ سفينة.
٥ ـ أبو الطفيل
عامر بن واثلة.
٦ ـ أنس بن مالك.
٧ ـ سعد بن أبي
وقاص.
٨ ـ عمرو بن العاص.
٩ ـ أبو مرازم
يعلى بن مرة.
١٠ ـ جابر بن عبد
الله الأنصاري.
١١ ـ أبو رافع.
١٢ ـ حبشي بن
جنادة.
ورواه عنهم من
التابعين عشرات الرجال.
ومن مشاهير الأئمة
والحفاظ والعلماء في كل قرن ، أمثال : أبي حنيفة ، إمام المذهب.
وأحمد بن حنبل ،
إمام المذهب.
وأبي حاتم الرازي.
وأبي عيسى الترمذي.
وأبي بكر البزار.
وأبي عبد الرحمن
النسائي.
وأبي الحسن
الدارقطني.
وأبي عبد الله
الحاكم النيسابوري.
وأبي بكر ابن
مردويه.
وأبي نعيم
الأصفهاني.
وأبي بكر البيهقي.
وأبي عمر ابن عبد
البر.
وأبي محمد البغوي.
وأبي الحسن
العبدري.
وأبي القاسم ابن
عساكر.
وابن حجر
العسقلاني.
وجلال الدين
السيوطي.
وعلى
الجملة ، فهذا الحديث نص
في أن عليا أحب الخلق إلى الله ورسوله .
وأما
المقدمة الثالثة فهي واضحة جدا كذلك ، وقد نص غير واحد منهم على ذلك أيضا :
قال ولي الدين ابن
العراقي ، في كلام له نقله الحافظ القسطلاني وابن
حجر المكي عنه : (المحبة الدينية لازمة للأفضلية فمن كان أفضل كانت
محبتنا الدينية له أكثر) .
وقال الرازي
بتفسير (قل إن كنتم تحبون
الله فاتبعوني يحببكم
الله) : (والمراد من محبة الله تعالى له إعطاؤه الثواب) .
ومن الواضح : أن
من كان الأحب إلى الله كان الأكثر ثوابا ، والأكثر
ثوابا هو الأفضل قطعا.
وقال ابن تيمية : (والمقصود
أن قوله : (وغير على من الثلاثة لا تجب
__________________
مودته) كلام باطل
عند الجمهور ، بل مودة هؤلاء أوجب عند أهل السنة
من مودة علي ، لأن وجوب المودة على مقدار الفضل ، فكل من كان أفضل
كانت مودته أكمل ...
وفي الصحيح : إن
عمر قال لأبي بكر يوم السقيفة ـ بل أنت سيدنا
وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله) .
وقال التفتازاني :
(إن (أحب خلقك) يحتمل تخصيص أبي بكر
وعمر منه ، عملا بأدلة أفضليتهما) .
وعلى الجملة ، فإن
هذه المقدمة واضحة أيضا ولا خلاف لأحد فيها.
وأما
المقدمة الرابعة فبدليل العقل والنقل ، وبه صرح غير واحد من أعلام أهل الخلاف ، حتى أنهم
نقلوا عن الصحابة ذلك كما تقدم في بعض الكلمات في فصل الشبهات ، وقال الشريف
الجرجاني في الشورى وأنه لماذا جعلت في هؤلاء الستة دون غيرهم :
(وإنما جعلها شورى
بينهم ، لأنه رآهم أفضل ممن عداهم وأنه
لا يصلح للإمامة غيرهم) .
وقال ابن تيمية : (تولية
المفضول مع وجود الأفضل ظلم عظيم) .
وقال محب الدين
الطبري : (قولنا : لا ينعقد ولاية المفضول عند وجود الأفضل) .
__________________
وكذا قال غيرهم
... ولا حاجة إلى ذكر كلماتهم.
وإلى هذا الوجه
أشار العلامة الحلي في كلامه السابق.
وقال المحقق نصير
الدين الطوسي في أدلة أفضلية أمير المؤمنين
عليهالسلام : (ووجوب المحبة).
فقال العلامة
بشرحه : (هذا وجه تاسع عشر وتقريره : إن عليا عليه
السلام كان محبته ومودته واجبة دون غيره من الصحابة ، فيكون أفضل
منهم. وبيان المقدمة الأولى : إنه كان من أولي القربى ، فتكون مودته واجبة
لقوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى) .
٤ ـ وجوب المحبة
المطلقة يستلزم العصمة :
وأيضا : فإن إطلاق
الأمر بمودتهم دليل على عصمتهم ، وإذا ثبتت
العصمة ثبتت الإمامة ، وهذا واضح.
أما أن إطلاق
الأمر بمودتهم ـ الدال على الإطاعة المطلقة ـ دليل على عصمتهم ، فيكفي فيه كلام
الفخر الرازي بتفسير قوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا
الرسول وأولي الأمر منكم) .
فإنه قال :
(إن الله تعالى
أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ،
ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوما عن
الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ
__________________
يكون قد أمر الله
بمتابعته ، فيكون ذلك أمرا بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ
لكونه خطأ منهي عنه ، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل
الواحد بالاعتبار الواحد ، وإنه محال. فثبت أن الله تعالى أمر بطاعة أولي
الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أن كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون
معصوما عن الخطأ ، فثبت قطعا أن (أولي الأمر) المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون
معصوما) .
فهذا محل الشاهد
من كلامه ، وأما من (أولي الأمر) الذين أمرنا بإطاعتهم؟ فذاك بحث آخر ..
وعلى
الجملة ، فوجوب الإطاعة
والاتباع على الإطلاق ـ المستفاد من وجوب المحبة المطلقة ـ مستلزم للعصمة.
وقد ذكر هذا الوجه
غير واحد من علمائنا :
قال البياضي
العاملي رحمهالله : (جعل الله أجر رسالة نبيه في مودة
أهله في قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه
أجرا إلا المودة في القربى).
قالوا : المراد
القربى في الطاعات ، أي : في طاعة أهل القربى.
قلنا : الأصل عدم
الإضمار ، ولو سلم فلا يتصور إطلاق الأمر بمودتهم إلا مع عصمتهم.
قالوا : المخاطب
بذلك الكفار ، يعني : راقبوا نسبي منكم ، يعني القرشية.
قلنا : الكفار لا
تعتقد للنبي أجرا حتى تخاطب بذلك.
__________________
على أن الأخبار
المتفق عليها تنافي الوجهين ، ففي صحيح البخاري ...) .
وقال السيد الشبر
: (وجوب المودة يستلزم وجوب الطاعة ، لأن المودة إنما تجب مع العصمة ، إذ مع وقوع
الخطأ منهم يجب ترك مودتهم كما قال تعالى : (لا تجد قوما يؤمنون بالله
واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) . وغيرهم عليهمالسلام ليس بمعصوم اتفاقا.
فعلي وولداه الأئمة) .
دحض الشبهات
المثارة على دلالة الآية على الإمامة :
أقول
:
وهذا كلام السيد
الشهيد التستري في الرد على ابن روزبهان ، الذي
أشكل على العلامة الحلي ..
* قال ابن روزبهان
: (ونحن نقول : إن مودته واجبة على كل
المسلمين ، والمودة تكون مع الطاعة ، ولا كل مطاع يجب أن يكون صاحب
الزعامة الكبرى).
فأجاب السيد رحمهالله : (وأما ما ذكره من أنه لا يدل على خلافة
علي عليهالسلام فجهالة صرفة أو
تجاهل محض! لظهور دلالة الآية على
أن مودة علي عليهالسلام واجبة بمقتضى الآية ، حيث جعل الله تعالى أجر
الإرسال إلى ما يستحق به الثواب الدائم مودة ذوي القربى ، وإنما يجب
__________________
ذلك مع عصمتهم ،
إذ مع وقوع الخطأ عنهم يجب ترك مودتهم لقوله
تعالى : (لا تجد قوما يؤمنون
بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) الآية. وغير على ليس بمعصوم بالاتفاق ، فتعين أن يكون هو الإمام.
وقد روى ابن حجر
في الباب الحادي عشر من صواعقه عن إمامه
الشافعي شعرا في وجوب ذلك برغم أنف الناصب ، وهو قوله :
يا أهل بيت رسول
الله حبكم
|
|
فرض من الله في
القرآن أنزله
|
كفاكم من عظيم
القدر أنكم
|
|
من لم يصل عليكم
لا صلاة له
|
على أن إقامة
الشيعة للدليل على إمامة علي عليهالسلام على أهل
السنة غير واجب بل تبرعي ، لاتفاق أهل السنة معهم على إمامته بعد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غاية الأمر أنهم ينفون الواسطة وأهل
السنة يثبتونها ، والدليل على المثبت دون النافي كما تقرر في موضعه ، إلا
أن يرتكبوا خرق الإجماع بإنكار إمامته مطلقا ، فحينئذ يجب على الشيعة
إقامة الدليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل) .
وقال الشيخ المظفر
في جواب ابن روزبهان بعد كلام له : (فيتعين أن
يكون المراد بالآية : الأربعة الأطهار ، وهي تدل على أفضليتهم وعصمتهم
وأنهم صفوة الله سبحانه ، إذ لو لم يكونوا كذلك لم تجب مودتهم دون
غيرهم ، ولم تكن مودتهم بتلك المنزلة التي ما مثلها منزلة ، لكونها أجرا
للتبليغ والرسالة الذي لا أجر ولا حق يشبهه.
ولذا لم يجعل الله
المودة لأقارب نوح وهود أجرا لتبليغهما ، بل قال
__________________
لنوح : (قل لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على
الله) وقال لهود :
(وقل لا أسألكم عليه
أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون).
فتنحصر الإمامة
بقربى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ لا تصح إمامة المفضول مع وجود الفاضل ، لا سيما بهذا
الفضل الباهر. مضافا إلى ما ذكره المصنف ـ رحمهالله ـ من أن وجوب المودة
مطلقا يستلزم وجوب الطاعة مطلقا ، ضرورة أن العصيان ينافي الود المطلق ، ووجوب
الطاعة مطلقا يستلزم العصمة التي هي شرط الإمامة ، ولا معصوم غيرهم بالإجماع ،
فتنحصر الإمامة بهم ولا سيما مع وجوب طاعتهم على جميع الأمة.
وقد فهم دلالة
الآية على الإمامة الصحابة ، ولذا اتهم النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بعضهم فقالوا : ما يريد إلا أن يحثنا على قرابته بعده ، كما
سمعته من بعض الروايات السابقة وكل ذي فهم يعرفها من الآية
الشريفة ، إلا أن القوم أبوا أن يقروا بالحق ويؤدوا أجر الرسالة ، فإذا صدرت
من أحدهم كلمة طيبة لم تدعه العصبية حتى يناقضها ...) !
* وبالتأمل في
الوجوه التي ذكرناها وما نص عليه علماؤنا ، يظهر
الجواب عن كلام السعد التفتازاني حيث ذكر في مباحث الأفضلية قائلا : (القائلون
بأفضلية علي رضياللهعنه تمسكوا بالكتاب والسنة والمعقول. أما الكتاب فقوله تعالى :
(قل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) الآية ... وقوله تعالى : (قل لا
__________________
أسألكم
عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال سعيد بن جبير : لما نزلت
هذه الآية قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين نودهم؟ قال : علي وفاطمة
وولداها. ولا يخفى أن من وجبت محبته بحكم نص الكتاب كان أفضل. وكذا من ثبتت نصرته
للرسول بالعطف في كلام الله تعالى عنه على اسم الله وجبريل ، مع التعبير عنه ب (صالح
المؤمنين) وذلك قوله تعالى : (فإن الله هو مولاه
وجبريل وصالح المؤمنين). فعن ابن عباس ـ رضياللهعنه ـ أن المراد به
علي ...).
قال : (والجواب :
إنه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات ،
إلا أنه لا يدل على الأفضلية ـ بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله ـ بعد ما ثبت
من الاتفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضلية أبي بكر ثم عمر ، والاعتراف من على
بذلك!
على أن في ما ذكر
مواضع بحث لا تخفى على المحصل ، مثل : إن المراد بأنفسنا نفس النبي صلى الله عليه [وآله]
وسلم كما يقال : دعوت نفسي إلى كذا. وأن وجوب المحبة وثبوت النصرة على تقدير تحققه
في حق على ـ رضياللهعنه ـ فلا اختصاص به) .
أقول :
قد عرفت أن الآية
المباركة تدل على وجوب محبة علي عليهالسلام ، ووجوب المحبة المطلقة يدل على أنه الأحب عند الله ورسوله
، والأحبية دالة على الأفضلية.
__________________
وأيضا : وجوب
المحبة المطلقة يستلزم العصمة وهي شرط الإمامة.
وأما دعوى أفضلية
أبي بكر وعمر فأول الكلام ... كدعوى عدم
الاختصاص بعلي عليهالسلام ، لقيام الإجماع على عدم عصمة أبي بكر وعمر ...
* وقد اضطرب ابن
تيمية في هذا المقام ، فقال : (إنا نسلم أن عليا
تجب مودته وموالاته بدون الاستدلال بهذه الآية ، لكن ليس في وجوب
موالاته ومودته ما يوجب اختصاصه بالإمامة والفضيلة. وأما قوله : والثلاثة
لا تجب مودتهم ، فممنوع ، بل يجب أيضا مودتهم وموالاتهم ، فإنه قد ثبت
أن الله يحبهم ، ومن كان يحبه الله وجب علينا أن نحبه ، فإن الحب في الله
والبغض في الله واجب ، وهو أوثق عرى الإيمان ، وكذلك هم من أكابر أولياء الله
المتقين ، وقد أوجب الله موالاتهم ، بل قد ثبت أن الله رضي عنهم ورضوا عنه بنص
القرآن ، وكل من رضياللهعنه فإنه يحبه ، والله يحب المتقين والمحسنين والمقسطين
والصابرين ...) .
فإن الرجل قد خصم
نفسه باعترافه بوجوب محبة : المتقين
والمحسنين والمقسطين والصابرين ... بل مطلق المؤمنين ... فإن أحدا لا ينكر شيئا من
ذلك ، ومن يقول بأن المؤمن ـ إذا كان مؤمنا حقا ـ لا يجب أن نحبه لا سيما إذا كان
مع ذلك من أهل التقوى والإحسان والصبر؟!
لكن الكلام في
المحبة المطلقة ، وفي الأحبية عند الله ورسوله ،
المستلزمة للأفضلية وللعصمة ووجوب الطاعة ... هذه الأمور التي لم يقل
أحد بوجودها في غير علي عليهالسلام ، لا سيما العصمة ، إذ قام الإجماع
__________________
على عدمها في غيره.
ثم إن ابن تيمية
شرع يستدل ببعض الأخبار التي يروونها عن النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم في أن أحب الناس إليه عائشة!! قيل : فمن
الرجال؟ قال : أبوها! وأن عمر قال لأبي بكر في السقيفة : أنت سيدنا
وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله!!
وكل عاقل يفهم ما
في الاستدلال بمثل هذه الأخبار!!
* ولقد أحسن
الآلوسي حيث لم يستدل بشئ من أخبارهم في هذا
البحث ، فإنه قد انتحل كلام عبد العزيز الدهلوي واعتمده في الجواب عن
استدلال الإمامية ، إلا أنه بتر كلامه ولم يأت به إلى الآخر! وهو ما سنشير إليه :
قال الآلوسي : (ومن
الشيعة من أورد الآية في مقام الاستدلال على
إمامة على كرم الله تعالى وجهه ، قال : علي كرم الله تعالى وجهه واجب
المحبة ، وكل واجب المحبة واجب الطاعة ، وكل واجب الطاعة صاحب
الإمامة. ينتج : علي رضي الله تعالى عنه صاحب الإمامة. وجعلوا الآية دليل الصغرى.
ولا يخفى ما في
كلامهم هذا من البحث :
أما
أولا : فلأن الاستدلال
بالآية على الصغرى لا يتم إلا على القول
بأن معناها : لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوا قرابتي وتحبوا أهل بيتي. وقد
ذهب الجمهور إلى المعنى الأول. وقيل في هذا المعنى : إنه لا يناسب شأن
النبوة لما فيه من التهمة ، فإن أكثر طلبة الدنيا يفعلون شيئا ويسألون عليه
ما يكون فيه نفع لأولادهم وقراباتهم. وأيضا فيه منافاة ما لقوله تعالى :
(وما تسألهم عليه من
أجر).
وأما
ثانيا : فلأنا لا نسلم أن
كل واجب المحبة واجب الطاعة ، فقد
ذكر ابن بابويه في كتاب الإعتقادات : إن الإمامية أجمعوا على وجوب محبة
العلوية ، مع أنه لا يجب طاعة كل منهم.
وأما
ثالثا : فلأنا لا نسلم أن
كل واجب الطاعة صاحب الإمامة ، أي
الزعامة الكبرى ، وإلا لكان كل نبي في زمنه صاحب ذلك ، ونص : (إن الله
قد بعث لكم طالوت ملكا) يأبى ذلك.
وأما
رابعا : فلأن الآية يقتضي
أن تكون الصغرى : أهل البيت واجبو
الطاعة ، ومتى كانت هذه صغرى قياسهم لا ينتج النتيجة التي ذكروها ، ولو
سلمت جميع مقدماته ، بل ينتج : أهل البيت صاحبوا الإمامة ، وهم لا يقولون بعمومه.
إلى غير ذلك من
الأبحاث. فتأمل ولا تغفل) .
أقول :
هذا كله كلام
الدهلوي بعينه! وقد جاء بعده في (التحفة الاثنا
عشرية) الاستدلال بأحاديث.
* قال الدهلوي : (روى
أبو طاهر السلفي في مشيخته عن أنس ،
قال : قال رسول الله : حب أبي بكر وشكره واجب على كل أمتي.
وروى ابن عساكر
عنه نحوه. ومن طريق آخر عن سهل بن سعد
__________________
الساعدي.
وأخرج الحافظ عمر
بن محمد بن خضر الملا في سيرته عن النبي :
أنه قال : إن الله تعالى فرض عليكم حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كما
فرض عليكم الصلاة والصوم والحج.
وروى ابن عدي ، عن
أنس ، عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ،
أنه قال : حب أبي بكر وعمر إيمان ، وبغضهما نفاق.
وروى ابن عساكر ،
عن جابر : أن النبي قال : حب أبي بكر وعمر من
الإيمان ، وبغضهما كفر.
وروى الترمذي أنه
أتي بجنازة إلى رسول الله فلم يصل عليه وقال : إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله).
ثم إنه التفت إلى
عدم جواز إلزام الإمامية بما اختص أهل السنة بروايته ، فأجاب قائلا : (إنه وإن كانت
هذه الأخبار في كتب أهل السنة فقط ، لكن لما كان الشيعة يقصدون إلزام أهل السنة
برواياتهم فإنه لا بد من لحاظ جميع روايات أهل السنة ، ولا يصح إلزامهم برواية
منها.
وإن ضيقوا على أهل
السنة ، أمكن إثبات وجوب محبة الخلفاء
الثلاثة من كتاب الله وأقوال العترة ، فقوله تعالى : (يحبهم ويحبونه) نزل ـ بالإجماع ـ في حق المقاتلين للمرتدين ، وقد كان
الثلاثة أئمة هؤلاء المقاتلين ، ومن أحبه الله وجبت محبته. وعلى هذا القياس)!
هذا آخر كلام
الدهلوي .
__________________
أقول :
إن من الواضح عدم
جواز إلزام الخصم إلا بما يرويه خاصة ، أو ما
اتفق الطرفان على روايته ، هذا إذا كان الخبر المستدل به معتبرا عند المستدل ، فإن
لم يكن الخبر معتبرا حتى عند المستدل به فكيف يجوز له إلزام الطرف الآخر به؟!
ليت الدهلوي استدل
ـ كابن تيمية ـ بكتابي البخاري ومسلم المعروفين بالصحيحين ، فإن الأحاديث التي
استدل بها كلها باطلة سندا ، وهذا هو السر في إعراض الآلوسي عنها وإسقاطه لها.
إن أحسن هذه
الأحاديث ما أخرجه الترمذي في كتابه ـ وهو يعد أحد الصحاح الستة ـ من امتناع النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الصلاة على الجنازة ، قال الترمذي :
(حدثنا الفضل بن
أبي طالب البغدادي وغير واحد ، قالوا : حدثنا
عثمان بن زفر ، حدثنا محمد بن زياد ، عن محمد بن عجلان ، عن
أبي الزبير ، عن جابر ، قال : أتي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم
بجنازة رجل يصلي عليه فلم يصل عليه ، فقيل : يا رسول الله! ما رأيناك
تركت الصلاة على أحد قبل هذا؟! قال : إنه كان يبغض عثمان فأبغضه الله)!
لكن هذا الحديث
ساقط سندا حتى عند راويه الترمذي! قال :
(هذا حديث غريب لا
نعرفه إلا من هذا الوجه ، ومحمد بن زياد
صاحب ميمون بن
مهران ضعيف في الحديث جدا) .
ثم إن الجوزي
أورده في (الموضوعات) بطريقين ، وقال : (الطريقان
على محمد بن زياد. قال أحمد بن حنبل : هو كذاب خبيث يضع الحديث. وقال يحيى : كذاب
خبيث. وقال السعدي والدارقطني : كذاب.
وقال البخاري
والنسائي والفلاس وأبو حاتم : متروك الحديث. وقال ابن
حبان : كان يضع الحديث على الثقات ، لا يحل ذكره في الكتب إلا على
وجه القدح فيه) .
فيظهر أن الترمذي
حيث قال : (ضعيف جدا) لم يقل الحق كما هو حقه!!
وظهر أن الحق مع
الآلوسي حيث ترك الاستدلال به وهو أحسن ما
ذكر الدهلوي ، فالعجب من الدهلوي كيف يستدل بحديث هذه حاله ،
ويريد إلزام الشيعة به ، وفي مسألة أصولية؟!
ولو وجدت مجالا
لبينت حال بقية هذه الأحاديث ، لكن لا حاجة إلى
ذلك بعد معرفة حال أحسنها سندا!!
فلنعد إلى الوجوه
التي وافق فيها الآلوسي الدهلوي وأخذها منه ، فنقول :
أما
الأول : فجوابه : إن
الصغرى تامة كما تقدم بالتفصيل ، وقلنا بأن
طلب الأجر إنما هو بناء على اتصال الاستثناء ، وقد عرفت حقيقة هذا
الأجر وعوده إلى المسلمين أنفسهم ، فلا شبهة ولا تهمة. وأما بناء على
__________________
انقطاع الاستثناء
فلا إشكال أصلا.
وأما
الثاني : فإن الإمامية
أجمعت على وجوب محبة العلوية ، بل كل
مؤمن من المؤمنين ، ولكن الآية المباركة دالة على وجوب المحبة المطلقة لعلي
والزهراء والحسنين ، فلا نقض ، ولذا لم يقل أحد منهم بوجوب محبة غير الأربعة
والمعصومين محبة مطلقة ... والكلام في المحبة المطلقة لا مطلق المحبة ، فما ذكراه
جهل أو تجاهل!
وأما
الثالث فيظهر جوابه مما
ذكرناه ، فإنا نريد المحبة المطلقة
المستلزمة للعصمة ، فأينما كانت ، كانت الإمامة الكبرى ، وأينما لم تكن ، لم تكن!
وأما
الرابع فيظهر جوابه مما
ذكرنا أيضا.
خلاصة البحث
فالحق مع السيد رحمهالله ، إذ قال :
(هل حكم بافتراض
المودة لغيرهم محكم التنزيل؟!).
بقي أن نذكر الوجه
في تفسيره (الحسنة) في قوله تعالى : (ومن
يقترف حسنة) ب (المودة) ... فنقول :
هذا التفسير ورد
عن الأئمة الأطهار من أهل البيت ، كالحسن السبط
الزكي عليهالسلام في خطبته التي رواها الحاكم وغيره ، وورد أيضا في غير
واحد من تفاسير أهل السنة ، عن ابن عباس والسدي وغيرهما ، قال
القرطبي : (قوله تعالى (ومن يقترف حسنة) أي : يكتسب ، وأصل
القرف الكسب ، يقال ... قال ابن عباس : (ومن يقترف حسنة) : المودة
لآل محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم ، (نزد له فيها حسنا) أي : نضاعف له الحسنة بعشر فصاعدا ، (إن الله غفور شكور) قال قتادة : غفور للذنوب شكور للحسنات. وقال السدي : غفور
لذنوب آل محمد عليهالسلام شكور لحسناتهم) .
وقال أبو حيان : (وعن
ابن عباس والسدي : أنها المودة في آل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ... وقال السدي : غفور لذنوب آل محمد عليهالسلام شكور لحسناتهم) .
__________________
وقال الآلوسي : (روي
ذلك عن ابن عباس والسدي) .
وهذا القدر كاف ،
وهو للقلب السليم شاف ، وللمطلب واف.
وصلى الله على
سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين الأشراف.
للبحث صلة ...
__________________
تاريخ السنة النبوية
ثلاثون عاما بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم
|
|
صائب عبد الحميد
مدخل في حجية
السنة :
السنة النبوية
الشريفة ـ قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفعله ، وتقريره ـ ثاني
مصادر التشريع في الإسلام ، بعد القرآن الكريم.
والسنة النبوية
بعد ثبوت صدورها عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حجة ، وحجيتها
ضرورية ، من ضروريات الدين ، من جحدها فقد كذب بالدين ، وأنكر
القرآن الكريم ، إذ إنا لم نعرف أن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى ، إلا من
قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإذا لم يكن قوله حجة ، فلا أثر للقرآن إذن!!
وإن لم تكن السنة
النبوية حجة ، فلا معنى لجميع العبادات والأحكام التي جاء تفصيلها من طريق السنة
فقط ، كصورة الصلاة ، وأحكام الزكاة والصوم وحدودهما ، ومناسك الحج ، وغيرها من
الأحكام التي أمر بها القرآن الكريم ، ثم جاءت السنة بتفصيلها ووضع حدودها وشرائطها!!
فحجية السنة
النبوية إذن من أكبر ضروريات الدين ، بلا أدنى نزاع
في ذلك بين
المسلمين ، بل هي بديهة لا تخفى على غير المسلمين أيضا.
القرآن الكريم
يثبت حجية السنة ، ويلزم حفظها واتباعها :
* قال تعالى : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم
الله ويغفر
لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) .
* وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) .
* وقال تعالى : (من يطع الرسول فقد أطاع الله) .
فاتباع الرسول
وإطاعته تشمل اتباع سنته قطعا ، مع اتباع ما جاء به
من القرآن المنزل عليه من ربه ، واتباع سنته متوقف على حفظها بداهة ،
والرد إلى الرسول رد إلى سنته ، وهو متوقف بالكامل على حفظها بداهة.
* وقال تعالى : (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .
* وقال تعالى : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) .
__________________
* وقال تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما
شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) .
وإنما يكون حكم
الله تعالى بيننا من خلال كتابه الكريم وما أنزله فيه
من أحكام ، وما يحكم به الكتاب فهو قضاء الله تعالى بيننا ، وإلى هذا الأمر
الواضح يرجع قبول الإمام علي عليهالسلام بتحكيم كتاب الله بينه وبين البغاة ..
والأمر هكذا مع
السنة النبوية ، وقد أمرنا أن نرد إليها نزاعاتنا
وخلافاتنا ، فما حكمت به فهو قضاء رسول الله ، وإلى هذا الفهم يرجع أمر
الإمام علي عليهالسلام لعبد الله بن عباس حين بعثه للاحتجاج على الخوارج ،
حيث أمره أن يحاكمهم إلى سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .. ، وكل ذلك ، صغيره وكبيره ، ماضيه وحاضره ، رهن بحفظ
السنة النبوية المطهرة الشريفة.
أمر النبي بحفظ
السنة :
* قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : (نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه
غيره ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) .
* وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض خطبه التي شحنها بالأحكام ، من أمر ونهي وبيان ،
يكرر مرارا قوله : (ألا فليبلغ الشاهد الغائب) كما هو ظاهر في
خطبته في حجة الوداع ، وفي خطبته بغدير خم.
__________________
وغير هذا كثير في
منزلة السنة ولزوم حفظها ، وهو بديهي أيضا في
شأن ثاني مصادر التشريع ، المصدر الذي كانت مهمته الأولى التبيين عن المصدر الأول ـ
القرآن ـ وتفصيله ، وترجمة أحكامه وتعاليمه في الواقع المعاش ، الأمر الذي لا يمكن
إيكاله إلى مصدر آخر غير النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وسنته ، فحفظ
السنة شرط حفظ الدين كله إذن.
ثم عزز النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك بلزوم صيانتها من أي دخيل في قول أو عمل ، فقال :
* (إن كذبا علي
ليس ككذب على غيري ، من يكذب علي بني له بيت في النار) .
* (من كذب علي
فليتبوأ مقعده من النار) .
* (من أحدث في
أمرنا هذا ما ليس منه ، فهو رد) .
* (كل محدث بدعة ،
وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار) .
حصيلة واحدة :
من قراءة لتلك
المقدمات ، أي قراءة ، وبأي اتجاه ، سوف نتوقع
حصيلة واحدة ، وهي أن تدوين السنة في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان أمرا
مألوفا ، يزاوله بعض من قدر عليه من الصحابة ، وليس أمرا محتملا وحسب.
__________________
فهل لهذه الحصيلة
ما يؤيدها من الواقع في ذلك العهد ، فتكون
حقيقة ثابتة ، تستوي عندها قراءتنا لتلك المقدمات الصحيحة على قوائمها؟!
أم الواقع خلاف
ذلك؟! فتبقى تلك المقدمات الصحيحة نظريات
عائمة ليس لها قرار!
هذا ما نقرأه في
بحثنا الأساس الآتي ، حيث تداخل الأرقام ، وتعانق
الأدلة ، ورجوع إلى العهد النبوي ، الأصل ، بين فقرة وأخرى.
تقسيم البحث :
في لحاظ العناصر
المشتركة وعوامل التمايز التي تفصل بين الأدوار
التاريخية ، فقد مرت السنة النبوية في هذه الحقبة المنتخبة في مرحلتين
تختلفان كليا في منهج التعامل مع السنة ، وعلى أساس هذا الاختلاف
والتمايز المنهجي وقع تقسيم البحث على مرحلتين : مثلت المرحلة الأولى
خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، فامتدت ربع قرن بعد الرسول مباشرة ، فيما
انحصرت المرحلة الثانية في خمس سنين هي مدة تولي الإمام علي عليهالسلام
الخلافة والزعامة السياسية والاجتماعية والدينية في الأمة.
ودراسة كل مرحلة
تقع في مباحث تؤلف مجتمعة الصورة الكاملة
لتاريخ السنة في تلك المرحلة.
المرحلة الأولى
السنة في ربع قرن
نتابعها في مبحثين
رئيسين ، الأول : في التدوين والرواية ، والثاني : في الموقع التشريعي.
المبحث الأول :
التدوين والرواية.
هنا ثلاث علامات
فارقة ، أجملها الذهبي ، ونفصلها في نقاط مع مزيد من التوثيق :
الفارقة الأولى :
الاحتياط في قبول الأخبار.
قال الذهبي : كان ـ
أبو بكر ـ أول من احتاط في قبول الأخبار .. إن (الجدة) جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن
تورث ، فقال : ما أجد لك في كتاب الله شيئا ، وما علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكر لك شيئا! ثم سأل الناس ، فقام المغيرة فقال : حضرت
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعطيها ـ أي الجدة ـ السدس.
فقال له أبو بكر :
هل معك أحد؟
فشهد محمد بن
مسلمة بمثل ذلك ، فأنفذه لها أبو بكر .
هذا الخبر تضمن
فوائد جليلة ، كان (الاحتياط في قبول الأخبار)
__________________
أولها ، وثم فائدتان
لم يذكرهما الذهبي ، هما :
أ ـ في عدالة
الصحابي :
إن هذا الاحتياط
كان إزاء رواية الصحابي عن رسول الله مباشرة ،
فالمغيرة ، الصحابي ، كان يروي عن مشاهدة قد يصحبها سماع أيضا ،
يقول : (حضرت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعطيها السدس) ومع ذلك كان أبو بكر يحتاط في قبول روايته ،
حتى وجد لها شاهدا حضر ذلك أو سمعه من
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وهذا مبدأ متين ،
منسجم مع ما قرره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حفظ السنة
وصيانتها ، وهو مخالف تماما لمبدأ (عدالة الصحابي) وقبول روايته مطلقا ،
وإعفائه من قواعد الجرح والتعديل.
وسوف نجد أن موقف
أبي بكر هذا قد سلكه عمر ، وسلكه عثمان
وسلكه علي عليهالسلام ، سلكوه جميعا إزاء رواية الصحابي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مباشرة ، ليتضح من
هذا كله بما لا شك فيه : أن مبدأ (عدالة الصحابي) قد ولد متأخرا ، ولم يكن له أثر
حتى نهاية خلافة علي عليهالسلام ، بل وبعدها أيضا بزمن غير قليل!
قال الخطيب
البغدادي في الرد على من زعم أن العدالة هي إظهار
الإسلام وعدم الفسق الظاهر : يدل على صحة ما ذكرناه أن عمر بن الخطاب
رد خبر فاطمة بنت قيس ، وقال : (ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول
امرأة لا ندري أحفظت أم لا!).
قال : وهكذا اشتهر
الحديث عن علي بن أبي طالب أنه قال : (ما
حدثني أحد عن رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا استحلفته) ومعلوم أنه كان يحدثه
المسلمون ويستحلفهم مع ظهور إسلامهم ، وأنه لم يكن يستحلف فاسقا
ويقبل خبره ، بل لعله ما كان يقبل خبر كثير ممن يستحلفهم مع ظهور
إسلامهم وبذلهم له اليمين.
وكذلك غيره من
الصحابة ، روي عنهم أنهم ردوا أخبارا رويت لهم
ورواتها ظاهرهم الإسلام ، فلم يطعن عليهم في ذلك الفعل ، ولا خولفوا
فيه ، فدل على أنه مذهب لجميعهم ، إذ لو كان فيهم من يذهب إلى خلافه
لوجب بمستقر العادة نقل قوله إلينا .
إذن فمبدأ (عدالة
الصحابة) ليس له عين ولا أثر في عهد الصحابة ،
وسوف يأتي في الفقرات اللاحقة مزيد من الشواهد الحية على ذلك.
ب ـ في علم
الصحابي :
تحدث المغيرة هنا
عن قضاء النبي في سهم الجدة ، وكان قد شهده
بنفسه ، وتحدث محمد بن مسلمة عن شهوده ذلك القضاء أيضا ، في حين
ما زال ذلك غائبا عن أبي بكر ، ونحو هذا قد حصل مع عمر أيضا ، فربما غابت عنه سنة
مشهورة ، كما في قصته مع أبي موسى الأشعري حين حدثه بحديث : (إذا سلم أحدكم ثلاثا
فلم يجب فليرجع) فقال له عمر : لتأتيني على ذلك ببينة أو لأفعلن بك!!
فانطلق إلى مجلس
من الأنصار ، فقالوا : لا يشهد إلا أصاغرنا! فقام
__________________
أبو سعيد الخدري
فشهد له عند عمر ، فقال عمر : خفي علي هذا من أمر
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ألهاني الصفق بالأسواق! .
فهذه سنة مشهورة
كان يتعلمها أصاغر القوم ، وقد خفيت عليه ..
وكذا غاب عنه حكم
السقط ، حتى أخبره المغيرة ومحمد بن مسلمة
بقضاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وغير ذلك أيضا.
فهذه نافذة مطلة
على حقيقة واقعة ، وهي أن الصحابي ليس بوسعه
أن يحيط بجميع السنة ، أقوال النبي وأفعاله وتقريراته ، فمنها ما يغيب
عنه ، فلا يشهده ، ولا يسمع به بعد ذلك إلا في نازلة كهذه.
وأيضا فهم في ما
يشهدونه على تفاوت كبير في الحفظ والوعي :
قال البراء بن
عازب : ما كل الحديث سمعنا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يحدثنا أصحابنا ، وكنا مشتغلين في رعاية الإبل .
وقال مسروق ـ
التابعي ـ : جالست أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فكانوا
كالإخاذ ، الإخاذة تروي الراكب ، والإخاذة تروي الراكبين ،
والإخاذة لو
نزل بها أهل الأرض لأصدرتهم ، وإن عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ من تلك الإخاذ .
ومسروق أيضا قال :
شاممت أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فوجدت
__________________
علمهم انتهى إلى
ستة : علي ، وعمر ، وعبد الله ، وزيد ، وأبي الدرداء ،
وأبي .. ثم شاممت الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله! .
وأنهى غيره علم
الصحابة إلى ستة أيضا ، هم المتقدمون بأعيانهم إلا
أبا الدرداء فقد أبدله بأبي موسى الأشعري ، ثم أنهى علم الستة إلى علي وعمر .
وخلاصة القول عند
ابن خلدون : إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل
فتيا ، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم ، وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين
للقرآن ، العارفين بناسخه ومنسوخه ، ومتشابهه ومحكمه ، وسائر دلالاته ،
بما تلقوه من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو ممن سمعه منهم وعن عليتهم ، وكانوا
يسمون لذلك : (القراء) لأن العرب كانوا أمة أمية .
الفارقة الثانية :
المنع من التحديث :
قال الذهبي : إن
الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم ، فقال إنكم
تحدثون عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافا ، فلا
تحدثوا عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم
كتاب الله ، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه! .
فهنا أكثر من
مشكلة ظاهرة ، منها :
__________________
أ ـ ما يعود إلى (عدالة
الصحابي) فيعزز ما ذكرناه آنفا.
ب ـ ظهور الاختلاف
بين الصحابة في نقل السنة ، إلى القدر الذي
دعا أبا بكر إلى منعهم من ذكر شئ من حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
لكن هناك من
الاختلاف ما لا ضير فيه ، كاختلاف اللفظ مع حفظ
المعنى تاما ، كحديث (من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار) ويروى (من
قال علي ما لم أقل فقد تبوأ مقعده من النار) فهما شئ واحد وإن اختلف
اللفظ ، وليس في هذا محذور بلا خلاف ، والحديث كله قد يكون عرضة
لهذا ، إذ الغالب أن الصحابي إنما يسمع الحديث من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مرة ، فإذا نقله من حفظه بعد زمن غير يسير ، فهو عرضة
لاختلاف اللفظ.
وليس هذا مطردا في
كل الأحوال ، فرب لفظ إذا تبدل بآخر فقد
بعض دلالاته ، أو جاء اللفظ بدلالة زائدة لم تكن من الحديث!
وهناك اختلافات
أخرى خطيرة ، مصدرها وهم الصحابي أو نسيانه ،
أو سماعه طرفا من الحديث فقط ، ونحو ذلك ، ولقد رد كثير من الصحابة
اختلافات ظهرت من هذا النوع ، فمن ذلك :
* حديث عمر وابن
عمر : (إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فردته
عائشة ، فقالت : إنكم تحدثون عن النبي غير كاذبين ، ولكن السمع يخطئ ،
والله ما حدث رسول الله أن الله يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه! حسبكم القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى) إنما قال : (إنه ليعذب ، بخطيئته وذنبه ، وإن أهله ليبكون
عليه).
وقد استدركت عائشة
كثيرا على أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وأنس
ابن مالك وغيرهم ، جمعها الزركشي في كتاب أسماه (الإجابة لإيراد ما
استدركته عائشة
على الصحابة).
* ورد الزبير رجلا
كان يحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال له : أنت سمعت هذا من رسول الله؟! قال الرجل : نعم.
قال الزبير : هذا
وأشباهه مما يمنعاني أن أتحدث عن النبي! قد
لعمري سمعت هذا من رسول الله ، وأنا يومئذ حاضر ، ولكن رسول الله
ابتدأ بهذا الحديث فحدثناه عن رجل من أهل الكتاب ، فجئت أنت بعد
انقضاء صدر الحديث ، فظننت أنه حديث رسول الله! .
* ومن هذا الصنف
ما ذكر في اختلاط أحاديث أبي هريرة عن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأحاديثه عن كعب الأحبار! .
* ومنه قول عمران
بن حصين : (والله إن كنت لأرى أني لو شئت
لحدثت عن رسول الله يومين متتابعين ، ولكن بطأني عن ذلك أن رجالا من
أصحاب رسول الله سمعوا كما سمعت ، وشهدوا كما شهدت ، ويحدثون
أحاديث ما هي كما يقولون! وأخاف أن يشبه لي كما شبه لهم ، فأعلمك
أنهم كانوا يغلطون ـ وفي رواية : يخطئون ـ لا أنهم كانوا يتعمدون) .
هذه نبذة عن
اختلاف الصحابة في الحديث ، الذي سيكون سببا في
اختلافات أكبر حين ينتقل إلى المواضيع المستفادة من الحديث ، في
العقيدة والفقه والتفسير ، وغيرها من نواحي المعرفة ، وهذه كلها سوف
تكون بلا شك محاور نزاع الأجيال اللاحقة ، وهذا ما رآه أبو بكر ، فلجأ إلى
__________________
قراره الأخير في
المنع من الحديث والاكتفاء بالقرآن.
لكن هل كان المنع
من رواية الحديث النبوي والرجوع إليه في الفتيا
هو الحل الأمثل لهذه المشكلة؟!
هذا على فرض كونه
من صلاحيات الخليفة ، وأن الخليفة مخول أن
يوقف السنة النبوية متى شاء ، رواية وفتيا ، وتدوينا أيضا كما سيأتي!
أما إذا كان هذا كله فوق الخليفة وصلاحياته ، فثمة ما ينبغي التوقف عنده طويلا إذن!
ج ـ والمشكلة
الثالثة التي يثيرها حديث أبي بكر ، هي : ما سيعقب قرار المنع من ضياع لبعض السنن
، كثيرا كان أو قليلا! خصوصا حين يمضي الأمر هكذا لعدة سنين.
* في عهد عمر :
استمر هذا المنع
من الحديث زمن عمر كله ، ولم يقتصر حكمه على أبي هريرة وكعب الأحبار اللذين اتهمهما
في الحديث ، وتوعدهما بالطرد إلى ديارهما الأولى إن هما لم يكفا عن الحديث ..
بل سرى إلى رجال
من كبار الصحابة ، منهم : عبد الله بن مسعود ، وأبو الدرداء ، وأبو مسعود الأنصاري
، فقال لهم : قد أكثرتم الحديث عن رسول الله! فحبسهم في المدينة .
وسرى أيضا إلى
أمرائه ، فقد كان يأخذ عليهم العهد باجتناب الرواية
عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وربما بالغ في هذا فمشى مع عماله بعض الطريق
__________________
يودعهم ، ثم يذكر
لهم أنه إنما خرج معهم لأجل هذه الوصية : (إنكم تأتون
أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل ، فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جردوا
القرآن ، وأقلوا الرواية عن رسول الله ، وأنا شريككم)!
فلما قدم بعضهم
العراق ، قالوا له : حدثنا. قال : نهانا عمر .
حتى توفي عمر على
هذه السيرة سنة ٢٤ ه.
وهذه السيرة أيضا
جاءت على خلاف الحديث الذي رواه أبو موسى
الغافقي عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : (عليكم بكتاب الله ، وسترجعون إلى قوم يحبون
الحديث عني ـ أو كلمة تشبهها ـ فمن حفظ شيئا فليحدث به ،
ومن قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وقال أبو موسى : هذا آخر
ما عهد إلينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم! .
* وفي عهد عثمان :
خطب الناس ، فقال
: (لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر ، فإنه لم
يمنعني أن أحدث عن رسول الله أن لا أكون من أوعى أصحابه ، إلا أني سمعته يقول : من
قال علي ما لم أقل فقد تبوأ مقعده من النار) .
لكن عثمان لم يتبع
شدة عمر وسيرته في هذا الأمر ، فأطلق الصحابة
الذين حبسهم عمر في المدينة ، وقد ذكر فيهم مع ابن مسعود وأبي الدرداء
وأبي مسعود الأنصاري ، ثلاثة آخرون ، هم : صادق اللهجة أبو ذر ،
__________________
وعبد الله بن
حذيفة ، وعقبة بن عامر ، فكل هؤلاء لم يلتزموا أمر عمر في
ترك الرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
لنعرف من ذلك أن
قرار المنع لم يكن إجماعا ، وإنما كان رأيا يراه
الخليفة فيحمل الصحابة عليه ، ثم لم يكن جميعهم ممن استجاب لهذا
الأمر وتقيد به ، فكان تمردهم هذا سببا في حفظ الكثير من السنن التي قد
يطالها النسيان حين تأتي عليها السنون وهي في طي الكتمان.
د ـ حديث المنع
والنبوءة الصادقة :
* وآخر المشكلات ،
وربما أخطرها دلالة ، أننا نجد في هذا النص
المنقول عن أبي بكر ، أول ظهور لتلك النبوءة الصادقة التي أخبر بها النبي
الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم في تحذيره الخطير وقوله الشهير : (يوشك الرجل متكئا
على أريكته ، يحدث بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله
عزوجل ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من
حرام
حرمناه! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) .
أنظر ثانية في نص
حديث أبي بكر : (... فلا تحدثوا عن رسول الله
شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلوا حلاله ، وحرموا
حرامه)!
إنه ظهور مبكر جدا
لتلك النبوءة ، ولقد كان حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
يشعر بقرب ظهورها
، إذ استهل الحديث بقوله : (يوشك) ولم يقل : (يأتي
على الناس زمان) كما في إخباره عن الغيب البعيد .
الفارقة الثالثة :
منع تدوين الحديث.
قالت عائشة : جمع
أبي الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكانت
خمسمئة حديث ، فبات ليلته يتقلب كثيرا ، فلما أصبح قال : أي بنية ، هلمي
الأحاديث التي عندك ، فجئته بها ، فدعا بنار فحرقها! فقلت : لم أحرقتها؟
قال : خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد
ائتمنته ووثقت به ، ولم يكن كما حدثني ، فأكون قد نقلت ذاك! .
لكن هذه الحيطة
وهذه الدقة ينبغي أن لا تتجاوز أحاديث سمعها من
بعض الصحابة يحدثون بها عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كما هو صريح في قوله : (فيكون فيها أحاديث عن رجل قد
ائتمنته ووثقت به ، ولم يكن كما
حدثني).
أما الأحاديث التي
سمعها هو مباشرة من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فهي في منجاة من ذلك ، إلا أن يقال إنه لم يميز بين ما
سمعه هو مباشرة ، وما نقل له!
وهذا غير وارد ، وحتى لو حصل مع بعضها فلا يمكن حصوله مع جميعها
حتى لم يعد يعرف حديثا واحدا سمعه من فم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم!
فلماذا أوقع
الإحراق على الجميع؟!
__________________
لعل هذا الاضطراب
هو الذي حمل الذهبي على تكذيب الخبر ،
فقال : فهذا لا يصح ، والله أعلم .
فإذا لم يصح هذا ،
فلم يثبت عن أبي بكر غيره في شأن تدوين الحديث النبوي الشريف ، إلا ما ورد في
كتابته بعض كتب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتي ضمنها جملة من السنن ، ككتاب فرائض الصدقة ـ
الزكاة ـ الذي كتبه أبو بكر إلى عماله ، فجعل أوله : (إن هذه فرائض الصدقة التي فرض
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على المسلمين ، التي أمر الله عزوجل بها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فمن سئل من المسلمين على وجهها فليعطها ...) الكتاب .
فهذا يعني أن
تدوين الحديث على أصل الإباحة ، وهي مستفادة حتى
من الحديث الأول على فرض صحته ، فمبادرة أبي بكر بجمع الحديث
وتدوينه في كتاب دليل على أنه لم يعرف فيه إلا الإباحة ، ثم لما حرقه لم
يكن حرقه لورود النهي عن كتابة الحديث ، وإنما لخشية تطرق الوهم إليه!
ومضى الأمر على
هذه الحال حتى جاء عمر ، فأراد أن يكتب السنن ،
فاستفتى أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذلك ، فأشاروا عليه بأن يكتبها ، ثم بدا له أن لا
يكتبها .. ثم بعث إلى الأمصار : من كان عنده شئ فليمحه! .
وحدث مالك بن أنس
: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب هذه
الأحاديث ، أو كتبها ، ثم قال : لا كتاب مع كتاب الله! .
__________________
هذه أيضا أدلة
كافية على عدم ورود شئ في النهي عن تدوين
السنة ، وإلا لما هم عمر بكتابتها ، واستشار الصحابة فأجمعوا على كتابتها.
فما كان المنع إذن
إلا برأي رآه عمر ، ولم ينسبه إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وراح الصحابة من
وراء الخليفة يكتبون الحديث والسنن ، ما سمعوه
من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وما حدثهم به إخوانهم عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، حتى كثرت عندهم الكتب ، فبلغ خبرها عمر ، فقام فيهم
خطيبا ، فقال : (إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبها إلى الله أعدلها
وأقومها ، فلا يبقين أحد
عنده كتابا إلا أتاني به ، فأرى فيه رأيي).
فظنوا أنه يريد أن
ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ،
فأتوه بها ، فأحرقها بالنار! .
كتابة السنة تصد
عن القرآن!!
تلك هي أهم الحجج
التي تمسك بها المانعون من تدوين السنة ، ومن رواية الحديث أيضا ، خشية أن يشغلهم
ذلك عن القرآن ، كما انشغل أهل الكتاب بكتب أحبارهم عن كتاب ربهم! .
لكن هل يصح ذلك؟!
وما السنة ـ بالدرجة الأولى ـ إلا تبيانا للقرآن وتفصيلا لأحكامه!!
نترك الجواب
للصحابي الفقيه الذي بعثه عمر بن الخطاب إلى البصرة
__________________
يفقه أهلها :
عمران بن حصين ..
* كان عمران بن
حصين جالسا ومعه أصحابه ، فقال له رجل :
لا تحدثونا إلا بالقرآن.
فقال عمران : أدنه!
فدنا منه ، فقال له : أرأيت لو وكلت أنت
وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا ، وصلاة العصر
أربعا ، والمغرب ثلاثا ، تقرأ في اثنتين؟!
أرأيت لو وكلت أنت
وأصحابك إلى القرآن ، أكنت تجد الطواف
بالبيت سبعا ، والطواف بالصفا والمروة؟!
ثم قال : أي قوم!
خذوا عنا ، فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن! .
* والتابعي أيوب
السختياني كان يقول : (إذا حدثت الرجل بالسنة ،
فقال : دعنا من هذا وحدثنا بالقرآن. فاعلم أنه ضال مضل)! .
* وقال مكحول
والأوزاعي : (الكتاب أحوج إلى السنة ، من السنة
إلى الكتاب) .
ولعل هذا من
الواضحات التي ينبغي ألا ينازع فيها.
وبعد ذلك فإن
السنة إنما تدعو إلى القرآن : تلاوته ، والتدبر فيه ، وفهمه ، والائتمام به باتباع
أمره وإرشاده ، وتحذر من تركه ومخالفته ومجافاته.
__________________
فليست إذن بشاغلة
عن القرآن ، ولا لقارئ القرآن عنها غنى.
إذن ثمة فرق كبير
بين موقع السنة من القرآن ، وموقع كتب الأحبار والرهبان من التوراة والأنجيل!
* ومما يثير
الدهشة والاستفهام ، أنه في الوقت الذي كان يشدد فيه
على المنع من رواية الحديث بحجة شغل القلوب بالقرآن وحده ، كانت
تصدر في الوقت ذاته وصايا بتعلم الشعر والاهتمام به!
فقد كتب عمر بن
الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ـ عامله على
البصرة ـ : (أن مر من قبلك بتعلم العربية ، فإنها تدل على صواب الكلام ،
ومرهم برواية الشعر ، فإنه يدل على معالي الأخلاق) .
ترى والحديث
النبوي ، ألا يدل على صواب فهم القرآن ، ومعرفة
الأحكام والسنن ، ومعالي الأخلاق؟!
وأيما أشغل للناس
عن القرآن ومعرفته : رواية الحديث ، أم رواية
الشعر؟!
ألا يثير هذا
استفهاما لا تحمل له كل أخبار المنع من التدوين وما قيل
في تبريرها جوابا؟!
أهو مجرد تناقض
بين قولين؟! أم الأمر كما ذهب إليه السيد
الجلالي ، حين رأى أن السبب الحقيقي لمنع رواية الحديث هو صد الناس
عن أحاديث تذكر بحقوق أهل البيت عليهمالسلام ومنزلتهم ، لما في تذاكرها
وتداولها من آثار غير خافية على الخليفة! .
__________________
فلنقل إذن : إن (مصلحة
أمن الدولة) هي التي اقتضت منع رواية
أحاديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وليس شيئا آخر تعود فيه التهمة إلى الحديث النبوي نفسه ،
كما في هذا العذر الذي رأى الحديث يصد عن القرآن!!
أو تعود فيه التهم
والطعون على القرآن الكريم نفسه! كما في العذر
الآخر ، الآتي :
اختلاط السنة
بالقرآن :
هو ثاني أهم الحجج
التي فسر بها المنع عن تدوين السنة .
فإذا كان في
الصحابة من يقع في مثل هذا الوهم ، كالذي حصل في
دعاء الخلع ، ودعاء الحفد ، وسنة الرجم ، وعدد الرضعات ، وغيرها .
فإن هذا كله قد
حسمه جمع القرآن في المصحف المرتب ، وقد حصل هذا مبكرا جدا بعد وفاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم يبق بعد ذلك أدنى قيمة لوهم يحصل من هذا النوع ، فهذه
الأوهام المنقولة في الصحاح والسنن عن بعض الصحابة ، لم تؤثر شيئا ، ولا زادت في
القرآن ولا نقصت منه.
أما إذا حصل الوهم
والخلط بعد جيل الصحابة ، فهو أولى أن يهمل ولا يعتنى به.
إن التمسك بمثل
هذه الشبهة يوقع أصحابه بأكثر من تناقض :
__________________
* فمرة يناقضون ما
سلموا به من انتهاء جمع القرآن في مصحف
على أتم صورة ، وعلى شرط التواتر ..!
* ومرة يناقضون ما
سلموا به من إعجاز القرآن ، وأن الحديث النبوي
ليس معجزا ، بل ولا الحديث القدسي معجز!
* ومرة يناقضون ما
احتجوا به لسلامة القرآن من أدنى تغيير أو
تحريف ، من قوله تعالى : (إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون) فكيف يخشون اختلاط الحديث بالقرآن؟! وقد نزلت هذه الآية قبل هذا العهد تقول
لهم : اكتبوا أحاديث نبيكم ، واكتبوا العلم ولا تخشوا اختلاط ذلك بالقرآن ، لأنا (نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
ومهما كان فلا
تنجو هذه الحجة من أن تمس سلامة القرآن الكريم ،
وهذا ما لا يريده أصحابها بحال ، ولكن أوقعهم به من حيث لا يشعرون
دفاعهم عن هذه السيرة وما رأوه من لزوم تبريرها ، والحق أنه ليس شئ
من ذلك بلازم ، فما كل رأي يتخذه صحابي يلزمنا تبريره والدفاع عنه ،
ولا كل قرار يتخذه الخليفة كذلك!
خلاصة ونتائج :
من هذه القراءة
السريعة لتاريخ السنة في ربع قرن تحصل أن السنة
في هذا العهد كانت تواجه معركة حقيقة متصلة الحلقات :
* فالرجوع إليها
في الفتيا قد صدر فيه المنع مبكرا.
* والتحدث بها
ونشرها لمن لم يسمعها صدر فيه أكثر من قرار بالمنع.
* ومن عني بالحديث
ونشره صدر بحقه قرار الحبس في المدينة مع الإنذار والتهديد.
* وما كتب منها
تعرض للحرق والإتلاف ، دون تمييز بين الأحكام
والفرائض ، وبين الآداب والمفاهيم والعقائد ، فكان الحرق والإتلاف يقعان
على الكتاب بمجرد العثور عليه ، دون أدنى نظر فيه ، كما مر عن عمر في
ما جمعه من كتب الحديث التي كتبها بعض الصحابة.
وروي شئ من ذلك عن
عبد الله بن مسعود ، في حديث
عبد الرحمن الأسود عن أبيه ، قال : جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن ،
صحيفة فيها أحاديث في أهل البيت ، بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فاستأذنا على عبد الله فدخلنا عليه فدفعنا إليه الصحيفة
، فدعا الجارية ثم دعا بطست فيه
ماء ، فقلنا له : يا أبا عبد الرحمن ، انظر ، فإن فيها أحاديث حسانا .. فجعل يميثها
فيها ويقول : (نحن نقص عليك أحسن
القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن) القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه!! .
لكن قد ثبت عن ابن
مسعود أيضا خلاف ذلك ، إذ أخرج ابنه
عبد الرحمن كتابا وحلف أنه خط أبيه بيده .
فهذان موقفان
متناقضان لابن مسعود من التدوين ، على فرض صحة
الروايتين معا ، ويمكن تفسير هذا التناقض بوجوه ، منها :
أ ـ أنه قد عدل عن
رأيه ، فأجاز الكتابة ، وكتب بنفسه بعد أن كان يمنع منها.
__________________
ب ـ أن يكون قد
كتب لنفسه خاصة لأجل أن يحفظ فلا ينسى ، كما
كان يفعل بعضهم إذ يكتب ليحفظ ثم يمحو ما كتب.
ج ـ أن يكون واثقا
بحفظه وصحة ما يكتبه ، شاكا بضبط غيره إلى
حد جعله كالمتيقن من تسرب الوهم والغلط إليهم ، لشدة اعتداده بضبطه ،
كما هو شأنه المعروف في القرآن الكريم إذ كان قد غضب غضبا شديدا
على عثمان حين أسند مهمة جمع المصحف إلى زيد بن ثابت ولم يسندها
إليه ، فكان يقول : لقد قرأت من في رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبعين سورة وزيد له ذؤابة يلعب مع الغلمان! .
د ـ أن يكون موقفه
من تلك الصحيفة التي أماثها عائدا إلى
موضوعها ، فهي صحيفة جمعت أحاديث في موضوع واحد ، وهو موضوع
منازل وفضائل أهل البيت عليهمالسلام ، فأماثها لأجل اختصاصها بهذا الموضوع ،
وليس لكونها صحيفة جمعت شيئا من الحديث النبوي.
ولعل هذا هو أضعف
الوجوه ، خصوصا حين ينسب إلى عبد الله بن
مسعود الذي ورد عنه حديث كثير في فضائل أهل البيت عليهمالسلام ، وقد أثبت
في مصحفه (يا أيها الرسول بلغ
ما أنزل إليك من ربك ـ أن عليا مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) .
ه ـ أن يكون
معتقدا جواز التدوين فكتب بناء على اعتقاده هذا ،
وهو في الوقت ذاته متحفظ من نشر كتب الحديث لعلة كان يراها ، وقد
كشف هنا عنها بقوله : (القلوب أوعية ، فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما
__________________
سواه).
ولأجل ذلك أتلف
الكتاب الذي رآه. وهذا هو الراجح في تفسير
موقفه ، يدل عليه نفس حديث ولده عبد الرحمن ، فهو حين أخرج لهم
الكتاب كان يحلف لهم أنه بخط أبيه ، فهذا كاشف عن أن الظاهر من حال
أبيه والمعروف عنه هو المنع من تدوين الحديث ، وهذا هو الذي ألجأه إلى القسم.
ومع أي واحد من
هذه الوجوه الخمسة فإن الثابت في قناعة ابن
مسعود هو أن الأصل في السنة جواز التدوين ، وأن المنع منه كان لرأي رآه وليس هو
بأمر من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا بعينه هو المستفاد من موقف أبي بكر وعمر.
* ولو رضينا بكل
ما قيل في تبرير هذه السياسة والاعتذار عنها ، فهل
ستجيب تلك التبريرات على بضعة أسئلة تطرحها هذه الحالة؟!
ومن هذه الأسئلة :
١
ـ لماذا السنة؟ : هل ترك النبي سنته للحرق والإتلاف؟! أم
تركها نورا وتبيانا وهدى ودستورا؟!
٢
ـ منزلة السنة : هل يحق للصحابة مجتمعين تطويق السنة النبوية
ومحاصرتها بهذه الطريقة أو بما هو أدنى منها؟!
٣
ـ الأمانة على السنة : هل وجد الصحابة الذين واجهوا السنة
بهذه الطريقة ، أو الذين تحفظوا عن روايتها خشية الوهم ، هل وجدوا
أنفسهم مستأمنين على السنة النبوية وحفظها وصيانتها ونشرها وتعليمها
لمن لم يعلم ، وتبليغها لمن لم يبلغه منها إلا القليل في عصرهم ، ولمن لم
يبلغه منها شئ من
الأجيال اللاحقة؟!
٤
ـ السنة لمن؟ : هل الأجيال اللاحقة ملزمة بهذه السنة النبوية
بكاملها؟! أم كانت السنة خاصة بجيل الصحابة ليحتفظوا بها لأنفسهم عن
طريق التورع عن الحديث! أو سدا لباب الاختلاف في الرواية! أو خشية
الانشغال عن القرآن! أو خشية الهلاك كما هلك أهل الكتاب؟!
المبحث الثاني :
الموقع التشريعي.
والبحث هنا لا بد
أن يقع في قسمين ، يتناول الأول مدى تتبع السنة
لأجل العمل بها والالتزام بحدودها وضوابطها ، ويتناول الثاني ما كان على
خلاف ذلك ، ليس على مستوى التجميد والتعطيل إذ هما داخلان في الأول ، بل على مستوى
الخرق والاستبدال بأحكام جديدة في ذات المسائل التي أجابت عنها السنة عملا وقولا ،
مما يمكن إدرجه تحت عنوان (الاجتهاد في قبال النص).
القسم الأول :
له شواهد كثيرة
إيجابا وسلبا ، وقد تقدم في المبحث الأول الشئ
الكافي منها ، إذ هناك بلا شك تطبيق لكثير من السنن ، والتزام بها ، ورجوع
إليها ، وتتبع لها ، فكثيرا ما تعرض المسألة على الخلفاء فيستدعون نفرا من
علماء الصحابة يسألونهم إن كانوا قد سمعوا فيها شيئا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقضون به. وقد
حفظت كتب السنن من أمثلة هذا الشئ الكثير ، وربما كان ما أهملته أكثر ، لأنه إنما
يجري وفق العادة المتوخاة والمجرى الطبيعي
لنظم الحياة وفق
المنهج الديني ، ومن طبيعة التاريخ أنه لا يعنى كثيرا بالأمر
المألوف والمعتاد وما يجري وفق السير الطبيعي للحياة.
وفي الجانب السلبي
من هذا القسم تقدمت أيضا شواهد مهمة ، كان
أبرزها قرار أبي بكر بمنع الفتيا بالسنة والاكتفاء بالقرآن ، وقرار عمر بمنع
رواية السنة وحبس الرواة لها.
من هنا رأينا أن
الحديث في هذا القسم قد استوفي ضمنا في المبحث
الأول ، لنبسط القول بالقدر المناسب في القسم الثاني.
القسم الثاني :
الاجتهاد في قبال النص.
وهذا أول أنواع
الرأي الباطل ، كما أحصاها ابن القيم ، وقال : وهذا
مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه ، ولا تحل الفتيا به
ولا القضاء وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد.
غير أن هذا النوع
من الرأي قد ظهر في هذا العهد أيضا ، ظهر تحت
عنوان النظر إلى المصلحة كما يقدرها صاحب الرأي!
أي أن المجتهد هنا
يرى أن المصلحة ـ مصلحة الدولة والأمة ـ هي الأصل ، وأن نصوص الكتاب والسنة ما
جاءت إلا لرعاية مصالح العباد ، فعندما يرى أن النص القرآني أو الحديثي يضر
بالمصلحة ، وأن المصلحة بتعطيله واستبداله بما يوافقها ، عندئذ يفتي بما يراه
بديلا عن النص!
والمشكلة هنا تقع
مرة في تشخيص المصلحة ، ومرة في تقدير مدى موافقة أو مناقضة الحكم لها.
__________________
ولقد كان هذا
ظاهرا في فقه عمر أكثر ما يكون ، وربما ظهر منه ذلك
حتى بين يدي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم! كالذي كان يوم الخميس ، قبيل وفاة
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والنبي يقول : (إيتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي)
فيصيح عمر بالحاضرين : (ما له؟! أهجر؟! حسبنا كتاب الله!)! وما زال
يمنع منها حتى كثر التنازع فغضب النبي وأخرجهم من عنده.
فعل هذا عمر حين
قدر ما كان النبي يضمره ، وقدر أن ذلك سوف
لا يحقق المصلحة ، وأن المصلحة في خلافه! هذا ما قاله هو في تفسير موقفه .
إذن رأى لنفسه
الحق في الوقوف أمام النبي وأمره! حين رأى أنه كان
أقدر من النبي على تشخيص المصلحة وإصدار الأحكام المناسبة!
ولو جاز ذلك
التصور ، في منطق ما ، وكان الذي قدره عمر هو
الأوفق بالمصلحة ، لكانت تلك هي المصلحة العاجلة الظاهرة له ، دون
المصلحة الحقيقية التي كره عمر بواكيرها.
وماذا لو كره نفر
من قريش ما أراده النبي اليوم لحفظ الدين وصونه؟!
ألم يكن ذلك النفر
قد كره دعوة النبي في أيامها الأولى ، ثم صار بعد يقاتل دونها؟!
ألم يكن منهم من
كره النبي ودعوته وأفنى خيله ورجله في محاربتها حتى أسقط في يديه يوم دخلت عليه
جيوش النبي مكة؟!
__________________
فهل كانت المصلحة
في ما يحبون؟! أم كان الخير كله في ما يكرهون؟!
ولئن كان الذي رآه
عمر مصلحة عاجلة ، هو حقا كما رآه ، فلسريعا ما
كان مفتاحا لمفسدة وأي مفسدة!
إنه الباب الذي
كان مهيئا لكل ذي ضغينة على هذه الرسالة وصاحبها
أن يقتحموه إلى حيث يطمحون ، ألم يكن هو الباب إلى (الرزية ، كل الرزية)؟!
هذا ما قاله حبر
الأمة ابن عباس ، وهو الذي نقشته الأحداث على
جبين التاريخ الإسلامي ، أحب ذلك أحد أم كره!
* ولقد أخذ عمر
على نفسه مرة رده على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بحسب
تقديره للمصلحة ، وذلك في قصة الحكم بن كيسان ، إذ جئ به أسيرا إلى
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعوه إلى الإسلام ، فأطال ، فقال عمر : علام تكلم هذا يا
رسول الله؟! والله لا يسلم هذا آخر الأبد ، دعني أضرب عنقه ويقدم على أمه الهاوية!
فكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يقبل على عمر ، حتى أسلم الحكم!
قال عمر : فما هو
إلا أن رأيته أسلم حتى أخذني ما تقدم وما تأخر ،
وقلت : كيف أرد على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمرا هو أعلم به مني ، ثم أقول إنما
أردت بذلك النصيحة لله ولرسوله؟!
قال عمر : فأسلم
والله ، فحسن إسلامه ، وجاهد في الله حتى قتل
__________________
شهيدا ببئر معونة
ورسول الله راض عنه ، ودخل الجنان! .
هذا ما قاله عمر
بإخلاص عن نفسه : (كيف أرد على النبي أمرا هو
أعلم به مني ، ثم أقول إنما أردت بذلك النصيحة لله ولرسوله؟!).
فكيف يحق لمن جاء
بعده أن يتمسك بهذه المقولة ذاتها التي أنكرها
عمر على نفسه ، كلما وقف على مسألة لعمر رد فيها على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو رد فيها نصا من نصوص القرآن الكريم؟!
* وأخرى :
الله تعالى في
كتابه الكريم قد عنف عمر ، وأبا بكر معه ، لتقديمهما
الرأي بين يدي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بغير إذن منه ، وبحسب تقديرهما للمصلحة! عنفهما بآيات شداد
:
قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي
الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم).
(يقول : لا تعجلوا
بقضاء أمر في حروبكم أو في دينكم قبل أن يقضي الله لكم فيه ورسوله ، فتقضوا بخلاف
أمر الله وأمر رسوله) ، (نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه) .
قال تعالى في
الآية اللاحقة : (يا أيها الذين آمنوا
لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط
أعمالكم وأنتم لا تشعرون) .. وقصتها أنه قدم وفد تميم ،
__________________
منهم الأقرع بن
حابس ، فكلم أبو بكر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يستعمله على قومه ، فقال عمر : لا تفعل يا رسول الله!
فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما عند
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فنزلت الآيات .
قال ابن أبي مليكة
: كاد الخيران أن يهلكا ، أبو بكر وعمر! رفعا
أصواتهما عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .. القصة .
وهذا الذي يخشى أن
تكون عاقبته حبط الأعمال ، إنما هو التقديم بالرأي بغير إذن منه ، ورفع الصوت فوق
صوته ، فكيف مع رد أمره وتعطيل شئ من سننه؟!
أيحق مع كل هذا أن
يقال إنهما أرادا المصلحة والنصيحة لله ولرسوله؟!
هذا قول مختلف عن
قول الله عزوجل : (لا تقدموا بين يدي
الله ورسوله) و (لا ترفعوا أصواتكم
فوق صوت النبي .. أن تحبط أعمالكم
وأنتم لا تشعرون).
فكما لا يصح هذا
الاعتذار لما وقع في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأيام صحته ونشاطه ، فلا يصح شئ منه أيضا مع ما وقع أيام
مرضه وبعد وفاته!
وبعد وفاته ، وفي
ربع قرن ، ظهر شئ كثير من هذا النوع من الاجتهاد ، اجتهاد مع وجود النص ، ومن
أشهره :
__________________
١ ـ المنع من
رواية الحديث :
وقد حث عليها
النبي كثيرا ، وأوصى بها ، وأمر بها :
(نضر الله امرءا
سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب
حامل فقه إلى من هو أفقه منه) .
(الناس لكم تبع ،
وسيأتيكم أقوام من أقطار الأرض يتفقهون ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا ، وعلموهم
مما علمكم الله) .
(يوشك الرجل متكئا
على أريكته يحدث بحديث من حديثي ،
فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما
وجدنا فيه من حرام حرمناه!! ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) .
٢ ـ المنع من
تدوين الحديث :
وقد أباحه النبي
لأصحابه :
حين كان عبد الله
بن عمرو بن العاص يكتب حديث النبي ، فقالت
له قريش : أتكتب عن رسول الله كل ما تسمع؟! وإنما هو بشر! يغضب
__________________
كما يغضب البشر!!
فذكر ذلك للنبي ، فقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يشير إلى شفتيه الشريفتين : (أكتب ، فوالذي نفسي بيده
ما يخرج مما بينهما إلا حق) .
وشكا إليه صحابي كان
يسمع الحديث فلا يحفظه ، فقال له صلىاللهعليهوآلهوسلم : (استعن بيمينك) وأشار بيده إلى الخط .
وكما في كتبه
الكثيرة في المدينة وإلى عماله ، وهي مشحونة بالسنن.
* ولقد أمر بكتابة
الحديث أيضا ، فقال : (قيدوا العلم بالكتاب) .
وقال : (اكتبوا
لأبي شاة) وقد طلب أبو شاة أن يكتب له خطبته صلىاللهعليهوآلهوسلم بمنى .
وقال : (إيتوني
بكتاب ، أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده) .
وكثير غير هذا ،
وقد تقدم بحثه آنفا ، فهل يصح أن يقال إن المنع من
رواية الحديث وتدوينه إنما كان لمصلحة الدين والأمة؟!
٣ ـ سهم ذوي القربى
من الخمس :
وقد نزل به القرآن
، وأعطاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لبني هاشم وبني المطلب ، فمنعه أبو بكر وعمر! ونقلاه عن
موضعه إلى موضع آخر في بيت المال
باجتهاد رأياه ، وربما منح عثمان بعضه لبعض قرباه من بني أمية ، مع أن
عثمان هو الذي كان قد سأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لم لم يعطهم ـ أي بني أميةـ
__________________
شيئا مع قرابتهم ،
فيما أعطى بني المطلب مع بني هاشم؟!
فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد) .
ثم استقر رأي أبي
بكر وعمر عند فقهاء المذاهب : أبي حنيفة ومالك
وأحمد ، وخالفهم الشافعي والطبري فأثبتا حق قربى الرسول فيه .
٤ ـ سهم المؤلفة
قلوبهم :
نزل به القرآن ،
وعمل به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فمنع منه عمر في مطلع
خلافة أبي بكر ، فوافقه أبو بكر! فترك هذا الباب لا ينظر إليه!
وأغرب ما في هذا
الباب دعوى الإجماع ، لسكوت الصحابة وعدم
مخالفة أحدهم! ناسين أن هذا الأمر لم يرفع إلى الصحابة لينظر ما يقولون ،
ولا خرج مخرجا يوحي بوجود مطمع في تعديله أو مناقشته ، وإنما صدر
أمرا سلطانيا لا ترديد فيه : جاء نفر من مؤلفة المسلمين إلى أبي بكر يطلبون سهمهم
، فكتب لهم به ، فذهبوا إلى عمر ليعطيهم وأروه كتاب أبي بكر ، فأبى ومزق الكتاب ،
فرجعوا إلى أبي بكر ، فقالوا : أنت الخليفة أم عمر؟! فقال : بل هو ، إن شاء!!
فأي محل الآن
لمراجعة صحابي ومعارضته؟! وكيف يسمى مثل هذا إجماعا؟! .
__________________
أما دعوى أن عثمان
وعليا لم يعطيا أحدا من هذا الصنف ، فقد
أجيب عنها ، بأنها (لا تدل على ما ذهبوا إليه من سقوط سهم المؤلفة
قلوبهم ، فقد يكون ذلك لعدم وجود الحاجة إلى أحد يتألفوه آنذاك ، وهذا
لا ينافي ثبوته لمن احتاج إليه من الأئمة ، على أن العمدة في الاستدلال هو
الكتاب والسنة ، فهما المرجع الذي لا يجوز العدول عنه بحال) .
وفسر بعضهم رأي
عمر بأنه اجتهاد منه ، إذ رأى أنه ليس من المصلحة إعطاء هؤلاء بعد أن ثبت الإسلام
في أقوامهم ، وأنه لا ضرر يخشى من ارتدادهم عن الإسلام.
وعلى هذا فلا يعد
سهم المؤلفة قلوبهم ساقطا ليقال بمعارضة الكتاب والسنة ، وإنما توقف العمل به
لانتفاء موضوعه ، وإذا ما وجدت الحاجة إليه عاد للظهور في أي زمان ومكان.
وبهذا قال بعض
فقهاء الجمهور ، وهو جيد حين يكون تقدير
الموضوع دقيقا وحكيما ، فيكون حكمه حكم سهم (الرقاب) المخصص لتحرير الرقيق ، حين يمر
على المسلمين عهد ليس فيهم رقيق يطلب عتقهم ، فسوف يتوقف العمل بهذا السهم ولكن من
غير أن يكون ذلك ناسخا للحكم.
لكن السؤال ما زال
قائما : هل كانت علة هذا الحكم هي ضعف
الإسلام وحاجته إلى قوة هؤلاء ، لا غير ، لينتفي عند انتفاء علته؟!
قال بعض فقهاء الجمهور : إن المقصود من دفعها إليهم ترغيبهم في
__________________
الإسلام لأجل
إنقاذ مهجهم من النار ، لا لإعانتهم لنا حتى يسقط بفشو الإسلام .
وقال محمد رشيد
رضا : (إننا نجد دول الاستعمار الطامعة في استعباد جميع المسلمين وفي ردهم عن
دينهم ، يخصصون من أموال دولهم سهما للمؤلفة قلوبهم من المسلمين ، فمنهم من
يؤلفونه لأجل تنصيره وإخراجه من حضيرة الإسلام ، ومنهم من يؤلفونه لأجل الدخول في حمايتهم
ومشاقة الدول الإسلامية والوحدة الإسلامية ، ككثير من أمراء جزيرة العرب وسلاطينها!!
أفليس المسلمون أولى بهذا منهم؟!) .
فليس الأمر إذن
منوط بعلة واحدة استطاع عمر استنباطها بدقة ، فوقف الحكم عليها.
ولقد قسم فقهاء
الإسلام المؤلفة قلوبهم إلى أصناف عديدة ، لا يكاد
يخلو زمان من بعضها ، ولا تشترك صفاتهم بالصفة التي اعتمدها عمر في
اجتهاده ، بل لكل صنف صفته الخاصة ، ولقد كان تصنيفهم قائما أساسا
على اختلاف صفاتهم ، حتى جعلوهم ستة أصناف على هذا الأساس .
وأخيرا ، حتى عند الرضا بما قيل في تصحيح اجتهاد عمر ، فإن مثله
لا يصلح جوابا عن اجتهاده وأبي بكر السابق في إسقاط سهم ذوي القربى
من الخمس وصرفه إلى أي جهة أخرى ، فإن الله تعالى الذي أنزل هذا
__________________
النص أنزله على
علم بمصالح عباده ، وحكمة في وضع الأشياء في
مواضعها ، علم وحكمة غنيان عن استدراكات البشر ، سواء كانوا حكاما أو لم يكونوا ،
بل كل استدراك من هذا القبيل فهو رد على الله تعالى ، وليس تقديما بين يديه وحسب!!
٥ ـ متعة النساء
ومتعة الحج :
قال عمر بن الخطاب
في خطبة له : (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج)
.
أما متعة النساء :
فقد نزل بها القرآن : (فما استمتعتم به منهن
فآتوهن أجورهن) .
وأخرج الطبري أن
في قراءة أبي بن كعب وابن عباس : (فما
استمتعتم به منهن ـ إلى أجل مسمى ـ فآتوهن أجورهن) .
وأذن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بها ، قال عبد الله بن مسعود : كنا نغزو مع
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس لنا نساء ، فقلنا ، ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثم رخص
لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل. ثم قرأ عبد الله : (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما
أحل الله لكم ولا تعتدوا إن
__________________
الله
لا يحب المعتدين) .
وجاء عنه من وجه
آخر أنه قال : (كنا ونحن شباب ، فقلنا :
يا رسول الله ، ألا نستخصي؟ ...) الحديث ، ولم يقل : كنا نغزو! .
وقال جابر بن عبد
الله الأنصاري : (استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر) .
وقال : (كنا
نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق ، الأيام ، على عهد
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو ابن حريث) .
وذكر البيهقي : أن
ربيعة بن أمية استمتع بامرأة فحملت منه ، فخرج
عمر يجر رداءه فزعا ، فقال : هذه المتعة! ولو كنت تقدمت فيها لرجمت! .
فهذه الأخبار الصحيحة
كلها هي الموافقة لقول عمر : (متعتان كانتا
على عهد رسول الله ، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليها) وشاهدة على أن ما
ورد في تحريمها مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يصح عنه.
وأما
متعة الحج : فهي الأخرى نزل
بها القرآن : (فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج فما استيسر من الهدي) وأمر بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حجته
الوحيدة بالمسلمين ، المعروفة بحجة الوداع .
__________________
* قيل لعبد الله
بن عمر في متعة الحج : كيف تخالف أباك وقد نهى
عن ذلك؟!
فقال : ويلكم! ألا
تتقون الله؟! إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغى فيه
الخير؟! فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟
أفرسول الله أحق أن تتبعوا سنته ، أم سنة عمر؟! .
* قال عروة بن
الزبير لابن عباس : ألا تتقي الله! ترخص في المتعة؟!
قال ابن عباس : سل
أمك يا عرية!
فقال عروة : أما
أبو بكر وعمر فلم يفعلا.
قال ابن عباس :
والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله ، نحدثكم عن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتحدثون عن أبي بكر وعمر!! أو قال : أراهم سيهلكون ، أقول
: قال رسول الله ، ويقولون : قال أبو بكر وعمر!! .
وقد أخرج مسلم نحو
هذا النزاع بين ابن عباس وابن الزبير ، فيدعو
ابن عباس الحضور أن يسألوا أم ابن الزبير ، فيسألونها فتصدق قوله .. ثم
ذكر للحديث وجهين آخرين ، في أحدهما ذكر (المتعة) ولم يقل متعة
الحج ، وفي الآخر يقول راويه : لا أدري متعة الحج أو متعة النساء؟ .
__________________
* وجمع الأمر كله
عمران بن حصين فقال : نزلت آية المتعة في كتاب الله ـ يعني متعة الحج ـ وأمرنا بها
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ، ولم ينه عنها رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى مات ، قال رجل برأيه بعد ما شاء! .
وعلى قرار المنع
منها ـ خلافا للكتاب والسنة ـ سار عثمان أيضا ، وتابعه معاوية في أيامه ، حتى ظن الناس ـ وفيهم صحابة ـ أنها السنة! كالضحاك بن
قيس ، وهو صاحب معاوية ويزيد ثم صاحب ابن الزبير بعدهما ، فقد ذكر متعة الحج فقال : لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر
الله!
فقال له سعد بن
أبي وقاص : بئس ما قلت يا ابن أخي! قال : فإن
عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك!
قال سعد : قد
صنعها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصنعناها معه .
هكذا تصبح السنن
في نظر هؤلاء حين يعتريها التغيير ، وتتوالى عليها العهود!
* أما أصل هذا
الموقف من متعة الحج فهو أقدم من عهد عمر ، وإن
له سرا خطيرا وقد كشف عنه البخاري ومسلم عن ابن عباس ، قال : كانوا
__________________
يرون ـ أي في
الجاهلية ـ أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض. ويجعلون المحرم صفرا ، ويقولون : إذا برأ الدبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر ، حلت العمرة لمن اعتمر.
فقدم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة
، فتعاظم ذلك عندهم! فقالوا : يا رسول الله! أي الحل؟! قال : (الحل كله) .
وفي حديث البراء ،
قالوا : كيف نجعلها عمرة وقد أحرمنا بالحج؟! فقال لهم صلىاللهعليهوآلهوسلم : (انظروا الذي آمركم به فافعلوه) فردوا عليه القول ، فغضب
، ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان ، فرأت الغضب في وجهه ، فقالت : من أغضبك؟!
أغضبه الله!
قال : (وما لي لا
أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع؟!) .
فهل يصح أن يقال :
كان هذا الخلاف والرد على الرسول اجتهادا ،
ولأجل المصلحة التي رآها هؤلاء الصحابة؟!
__________________
٦ ـ صلاة المسافر
:
صلى عثمان وعائشة
في السفر تماما ، ولم يقصرا ، فيما كان القرآن
والسنة بالقصر.
أتمها عثمان بمنى
، وفعلها معه طوائف ، وكان ابن عمر إذا صلى معه
أربع ركعات ، انصرف إلى منزله فأعادها ركعتين!
وسئل عروة بن
الزبير : لم كانت عائشة تتم في السفر وقد علمت أن
الله تعالى فرضها ركعتين؟!
فقال : تأولت من
ذلك ما تأول عثمان من إتمام الصلاة بمنى!
واعتل عثمان بمنى
فأتى علي ، فقيل له : صل بالناس. فقال : إن شئتم
صليت بكم صلاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. يعني ركعتين.
قالوا : لا ، إلا
صلاة أمير المؤمنين! يعنون عثمان ، فأبى .
فيما كان ابن عمر
يقول : (صلاة السفر ركعتان ، من ترك السنة فقد
كفر) رفعه مرة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وروي مرة موقوفا عليه .
٧ ـ وفي الطلاق :
الذي نزل به
القرآن : (الطلاق مرتان) بينهما رجعة ، فإن تراجعا
بعد الطلاق الثاني ثم طلقها ثالثا (فلا تحل له حتى تنكح
زوجا
__________________
غيره) . أما أن يكرر لفظ الطلاق ثلاث مرات ، فهذا طلاق واحد ،
والتكرار هذا (لعب بكتاب الله) كما وصفه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم! .
ولقد كان هذا
النوع الأخير من الطلاق ، والمعروف بالطلاق الثلاث
في مجلس واحد ، معدودا طلاقا واحدا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر ، حتى قال عمر : إن الناس قد استعجلوا
في أمر قد كان لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم)! فأمضاه عليهم .
فهذا الذي أمضاه
عمر ، ومضى عليه أصحاب المذاهب الأربعة ، ولم
يخالف فيه إلا نفر من فقهائهم (شذوا في ذلك)! منهم ابن تيمية وابن
القيم ، ووافقهم بعض المتأخرين ، هذا الحكم سوف يترتب عليه حكم آخر
هو في غاية الخطورة والشناعة :
فالطلاق الثالث لا
رجعة بعده حتى تتزوج المرأة رجلا آخر ، ويقع بينهما طلاق بائن ، بخلاف الطلاق الأول
إذ لهما أن يتراجعا ما لم تنقض العدة ، فبحسب اجتهاد عمر أعطي الطلاق ـ الذي كان
أولا بحكم القرآن والسنة ـ حكم الطلاق الثالث ، فمنع رجوع الزوجين ، وأوجب نكاحا جديدا!
وأغرب ما قاله
المتأخرون في تبرير هذا الاجتهاد ، قول ابن القيم بأن
هذا مما تغيرت به الفتوى لتغير الزمان!!
__________________
هذا القول الذي
جعل فتوى الصحابي تشريعا مقابلا للكتاب
والسنة!! كذا قال ابن القيم صراحة ، قال : (فهذا كتاب الله ، وهذه سنة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذه لغة العرب ، وهذا عرف التخاطب ، وهذا خليفة رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والصحابة كلهم معه في عصره ، وثلاث سنين من عصر عمر على
هذا المذهب ، فلو عدهم العاد بأسمائهم واحدا واحدا لوجد أنهم
كانوا يرون الثلاث واحدة إما بفتوى وإما بإقرار ... ولهذا ادعى بعض أهل
العلم أن هذا إجماع قديم ، ولم تجمع الأمة على خلافه ، بل لم يزل فيهم
من يفتي به ، قرنا بعد قرن ، وإلى يومنا هذا) فذكر جماعة من الصحابة أفتوا بهذا
بعد فتوى عمر ، مخالفين رأيه ، ماضين على ما كان على العهد الأول ، منهم : علي ،
وابن عباس ، والزبير ، وعبد الرحمن ، وابن مسعود ، ثم ذكر بعض التابعين وتابعيهم ،
ثم قال :
(والمقصود أن هذا
القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس
والإجماع القديم ، ولم يأت بعد إجماع يبطله ، ولكن رأى أمير المؤمنين
عمر رضياللهعنه أن الناس قد استهانوا بأمر الطلاق ، كثر منهم إيقاعه جملة
واحدة ، فرأى من المصلحة عقوبتهم بإمضائه عليهم .. فرأى عمر أن هذا
مصلحة لهم في زمانه ، ورأى أن ما كانوا عليه في عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعهد الصديق وصدرا من خلافته كان الأليق بهم ...
* فهذا مما تغيرت
به الفتوى لتغير الزمان!
* وعلم الصحابة ـ رضياللهعنهم ـ حسن سياسة عمر
وتأديبه لرعيته في ذلك ، فوافقوه على ما ألزم به ..
* فليتدبر العالم
الذي قصده معرفة الحق واتباعه من الشرع والقدر :
في قبول الصحابة هذه الرخصة والتيسير على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
وتقواهم ربهم
تبارك وتعالى في التطليق ، فجرت عليهم رخصة الله وتيسيره شرعا وقدرا.
فلما ركبت الناس
الأحموقة وتركوا تقوى الله .. أجرى
الله على لسان الخليفة الراشد والصحابة معه ، شرعا وقدرا ، إلزامهم بذلك وإنفاذه
عليهم ... وهذه أسرار من أسرار الشرع والقدر لا تناسب عقول أبناء الزمن)! .
فهذا مصدر جديد من
مصادر التشريع لم يعرفنا به القرآن ، ولا عرفنا به النبي ، بل الذي عرفنا به القرآن
والسنة هو خلاف ذلك تماما! فهل عرفنا القرآن أو السنة أن الله تعالى سوف ينسخ
أحكاما منزلة بعد موت النبي ، بوحي جديد من نوع آخر ، فيجري على لسان الخليفة الراشد
أحكامه الجديدة الناسخة لأحكام القرآن والسنة؟!
أليس هذا من جنس
عقائد غلاة الباطنية بأئمتهم؟!
__________________
المرحلة الثانية
السنة في عهد الإمام علي عليهالسلام
علي عليهالسلام له مع السنة علاقة أخرى ، يميزها بعدان :
البعد
الأول : علمه بها .. علما
شموليا وتفصيليا ، مستوعبا لأفرادها ،
عارفا بحدودها ومواقعها ، وليس هذا محض ادعاء ، بل حقيقة ثابتة لم يكن يخفيها ،
فلطالما أفصح عنها في خطب بليغة يلقيها على الملأ العظيم وفيهم كثير من الصحابة
الذين عاشوا معه ومع الرسول ، وعرفوه وعرفوا غيره من الصحابة ، فمن ذلك قوله في
كلام يصنف فيه رواة الحديث إلى أربع طبقات ، ثم يقول في مقارنة بينه وبين غيره من
الصحابة : (وليس كل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من كان يسأله ويستفهمه ، حتى إن كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي
والطارئ فيسأله عليهالسلام حتى يسمعوا ، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألته عنه ،
وحفظته) .
وفوق هذا قد كانت
هناك عناية ربانية خاصة ترعاه ، فإذا أنزل الله
تعالى قوله : (وتعيها أذن واعية) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي) فكان علي يقول : (ما
سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا فنسيته) .
__________________
ويبرهن للناس على
علمه التفصيلي الدقيق بالسنة ، كما هو في
الكتاب ، في خطاب يأخذ بمجامع القلوب ، ما سمع الناس نظيرا له من صحابي غيره قط ،
فيقول : (وخلف ـ نبيكم ـ فيكم ما خلفت الأنبياء في أممها إذ لم يتركوهم هملا بغير
طريق واضح ولا علم قائم : كتاب الله ، مبينا : حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره
وأمثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه .. مفسرا مجمله ، ومبينا غوامضه ..
بين مأخوذ ميثاق
علمه ، وموسع على العباد في جهله .. وبين مثبت
في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنة نسخه .. وواجب في السنة أخذه ،
ومرخص في الكتاب تركه .. وبين واجب بوقته وزائل في مستقبله ..
ومباين بين محارمه
: من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له
غفرانه .. وبين مقبول في أدناه موسع في أقصاه) .
هذه أبواب من
السنن فتحت على علوم جمة توفر عليها ، مع بصيرة
لا يخشى عليها لبس ولا توهم.
فهذه صورة عن علمه
الشمولي والتفصيلي بالسنة ، تلك المرتبة التي
لا يشاركه فيها أحد من الصحابة ، ومن هنا اشتهر عن تلميذه ابن عباس
قوله : أعطي علي تسعة أعشار العلم ، وإنه لأعلمهم بالعشر الباقي! .
البعد
الثاني : منهجه في التعامل
مع السنة .. والمنهج هو الذي
__________________
سيحدد عنده موقع
السنة ، وطريقته في التعامل معها رواية وتدوينا .. لقد كانت السنة عنده في المكان
الذي وضعها الله ورسوله به ، حاكمة غير محكوم عليها ، لا تنسخها (مصلحة) فالمصلحة
كل المصلحة في تحكيمها واتباعها ، ولقد ضحى بالخلافة مرة بعد مرة حفاظا على السنة
أن تنتهك أو يساء الفهم في حقيقة مكانتها.
رفض أن يبايعوا له
بالخلافة على عقد يقرن بسنة النبي سننا أخرى ، إذ عرض عليه عبد الرحمن بن عوف أن
يبايع له على (كتاب الله وسنة رسوله وسيره الشيخين أبي بكر وعمر) فرفض أن يقرن إلى
كتاب الله وسنة رسوله شيئا آخر ، فضحى بالخلافة حفظا لمكانة السنة في درس بليغ لم
تقف هذه الأمة على جوهره حتى اليوم!
ورفض أن يشتري
استقرار الحكم أيام خلافته بمداهنة أهل البدع
والانحراف الذين انتهكوا السنن وعطلوا الحدود ، في درس عبقري يظنه
القشريون حتى اليوم إخفاقا سياسيا!!
ورفض أن يعزز جيشه
بكتيبة جاءت تبايع له على خلاف السنة يوم
خرج عليه المارقون ، قالوا : نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين! فرفض
أن يقرن بكتاب الله وسنة رسوله شرطا ولو أدى رفضه إلى تمرد هؤلاء والتحاقهم
بالمارقين.
ورفض أن يعامل
أعداءه ولو مرة بخلاف السنة ، وهم يمكرون وينكثون ويغدرون.
إنه الرجل الذي
كان منهاجه منهاج القرآن والسنة ، لقد كان التجسيد الحي لكتاب الله وسنة رسوله.
ووفق هذا المنهج
سوف نرى له ـ وباختصار شديد ـ مواقف وسياسة
أخرى مع السنة غير
التي رأيناها قبله ، فلقد دخلت السنة في عهده بحق في مرحلة أخرى من تاريخها.
وسوف نتناول هذه
المرحلة في ثلاثة مباحث بإيجاز تغني فيه الشواهد الحية عن السرد الطويل :
المبحث الأول :
تدوين السنة :
إنه قبل كل شئ كان
كاتبا للحديث بين يدي النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإذا كان قد اشتهر عنه أمر الصحيفة (صحيفة علي) التي
كتبها من حديث
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان يحملها معه في قائم سيفه ، وذكرها البخاري
ومسلم وأصحاب السنن بطرق شتى ، فلم تكن هي كل ما كتبه علي من
حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل كان له صحف أخرى غير هذه ، وكان له كتاب كبير ليس فيه
إلا أحاديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عرف ب (كتاب علي) وهو غير تلك الصحيفة التي اختلفوا في
حجمها.
* قالت أم سلمة : (دعا
النبي بأديم ، وعلي بن أبي طالب عنده ، فلم
يزل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يملي وعلي يكتب ، حتى ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه) .
الصحيفة :
مشهورة جدا أنباء
الصحيفة ، لا يكاد يخلو منها واحد من كتب
الحديث والسنن ، البخاري وغيره ، نقلوا منها نصوصا متفرقة ، بعضها
__________________
أشبه بعناوين لما
تحويه ، وبعضها فيه تفصيل ، وقد جمع ابن حجر العسقلاني كثيرا مما نقل عن تلك
الصحيفة ، وقال : الجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة ، وكان جميع ذلك
مكتوبا فيها ، ونقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه .
وجمع الدكتور رفعت
فوزي ما نقل عن هذه الصحيفة في كتب
الحديث السنية ، في كتاب أسماه : (صحيفة علي بن أبي طالب عن
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : دراسة توثيقية فقهية) .
كتاب علي :
حديث أم سلمة
المتقدم يصف كتابا أكبر من هذه الصحيفة التي
لا تفارق قائم سيفه ، أو قراب سيفه! وأصبح (كتاب علي) علما يتكرر في
أحاديث أهل البيت عليهمالسلام ، كتاب كبير كانوا يحتفظون به ويتوارثونه :
* أخبر أحمد بن حنبل أن كتابا كهذا كان
عند الحسن بن علي يرجع إليه .
* وأخرج الإمام
محمد الباقر عليهالسلام هذا الكتاب أمام طائفة من أهل
العلم ، منهم : الحكم بن عتيبة ، وسلمة ، وأبو المقدام ، فرأوه كتابا مدرجا
عظيما ، فجعل ينظر فيه حتى أخرج لهم المسألة التي اختلفوا فيها ، فقال
__________________
لهم : (هذا خط على
وإملاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم) ثم توجه إلى الحكم بن عتيبة فقال له : يا أبا محمد! اذهب
أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم
يمينا وشمالا ، فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم
جبريل عليهالسلام)! .
* وعرض هذا الكتاب
أيضا الإمام الصادق عليهالسلام ، والإمام الهادي علي
ابن محمد بن علي الرضا عليهالسلام ، غير مرة ، يقول : (إنه بخط على ، وإملاء
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، نتوارثها صاغرا عن كابر) .
دعوته إلى تدوين
السنة :
دعوة صريحة يعلنها
على الملأ في مواضع كثيرة :
* خطب الناس مرة ،
فقال : (قيدوا العلم ، قيدوا العلم) يكررها ..
أي اكتبوه واحفظوه
لئلا يدرس.
* وقال في خطبة
أخرى له : (من يشتري مني علما بدرهم؟).
قال أبو خيثمة :
يعني يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم ..
فاشترى الحارث
صحفا بدرهم ثم جاء بها عليا عليهالسلام فكتب له علما
كثيرا .
__________________
وكانت الكتابة عند
على وبين يديه مشهورة ، حدث بها غير الحارث
كثير ، منهم الشعبي ، وعطاء ، وأبو رافع وولداه عبيد الله وعلي وكانا كاتبين
عند علي عليهالسلام ، والأصبغ بن نباتة ، وغيرهم . وعبد الله بن عباس
أيضا ، وكان يكتب الحديث ويأمر بكتابته أيضا .
* عادت الحياة إذن
إلى السنة النبوية ، وتبدد خطر ضياعها ونسيانها .. تلك هي أمانة الرسالة ووعيها.
من أدب الكتابة
عند علي عليهالسلام :
تقرأ في أحاديثه
اهتماما كبيرا ورعاية لأمر الكتابة ، في أروع صورة لوعي حضاري بأمر الكتابة آنذاك
:
* يقول : (الخط
علامة ، فكل ما كان أبين كان أحسن) .
* ويقول للكاتب : (ألق
دواتك ، وأطل شق قلمك ، وأفرج بين
السطور ، وقرمط بين الحروف) .
* ويقول : (أطل
جلفة قلمك ، وأسمنها ، وأيمن قطتك ، وأسمعني
طنين النون ، وحور الحاء ، وأسمن الصاد ، وعرج العين ، واشقق الكاف ،
وعظم الفاء ، ورتل اللام ، وأسلس الباء والتاء والثاء ، وأقم الزاي وعل
__________________
ذنبها ، واجعل
قلمك خلف أذنك يكون أذكر لك) .
المبحث الثاني :
رواية السنة :
الرواية ، قبل
التدوين ، دخلت عهدا جديدا ، رفع عنها الحظر ،
ودعيت إلى سماعها طوائف الناس :
* قال علي عليهالسلام لأصحابه : (تزاوروا وتدارسوا الحديث ، ولا تتركوه يدرس)! .
* وخطب في الناس
مرة فقال : (خرج إلينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال :
اللهم ارحم خلفائي
ـ ثلاث مرات ـ قيل : يا رسول الله ، ومن خلفاؤك؟ فقال : الذين يأتون من بعدي ،
يروون أحاديثي وسنتي ويعلمونها الناس)! .
* وكم قام علي في
الناس فذكرهم أحاديث قد غابت عنهم زمنا
طويلا ، منع التحديث بها لربع قرن! كمناشدته في الرحبة بحديث الغدير ،
وتذكيره بحديث (إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ...) وأحاديث في
ذكر أهل البيت وفضلهم ، والحديث الذي أعاده على الزبير يوم الجمل ، وغيرها كثير ..
هكذا كان عهده مع
السنة رواية وتدوينا ، فهما السبيل إلى نشرها وحفظها ، وإلا فمصيرها النسيان
والضياع!
__________________
التحذير من الكذب
:
في أثناء فتحه
لباب الرواية والتدوين كان يكثر التحذير من الكذب
على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيقرع أسماعهم بين الحين والحين بحديث
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار) .
وحتى من كذب عليه
في الرؤيا فادعى مناما يكذب فيه على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .
مع القصة :
هذه الحرفة التي
تستدرج أصحابها شيئا فشيئا نحو الكذب والسخرية
والأساطير ، كانت ممنوعة في الإسلام ، وأول ما ظهرت في عهد عمر بن
الخطاب حين أذن لتميم الداري بالجلوس في المسجد للقصة! فكان تميم
الداري أول قاص مأذون في الإسلام!
وتميم الداري هذا
هو الرجل النصراني الذي قدم في عشرة من قومه
من أرض فلسطين إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في العام التاسع للهجرة ، بعد فتح مكة بعام ، وهو صاحب قصة
(الجساسة) التي يرويها عنه مسلم وأحمد هذه
القصة التي لم يحدث بها أحد من الصحابة خلا فاطمة بنت قيس!
__________________
ولا حفظها عنها
سوى الشعبي ، رغم ما فيها من الوصف الخطير والتهويل ،
إذ تقول : إن منادي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نادى : الصلاة جامعة ، فهرع الناس إلى المسجد ، وكانت هي
في من حضر ، فقام النبي على المنبر خطيبا وهو
مستبشر ، يزف إليهم بشرى ، فيقول : (ليلزم كل إنسان مصلاه ـ ثم قال : ـ
أتدرون لم جمعتكم؟ جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء
فبايع وأسلم ، وحدثني حديثا وافق الذي حدثتكم عن مسيح الدجال)!
ثم ينقل لهم بنفسه
ما حدث به تميم الداري من أنه قذفت به السفينة
إلى جزيرة لا يدري ما هي! فرأى فيها دابة لا يعرف قبلها من دبرها من
كثرة شعرها! وهذه الدابة تتكلم ، فكلمته بلسان طليق! وأمرته أن يتوجه
إلى رجل في دير في تلك الجزيرة ، فتوجه إليه فوجده مكبلا بأصفاد
الحديد! فحدثه هذا الرجل بأشياء من الغيب! ثم عرفه بنفسه ، إنه المسيح الدجال!!
هذا الخبر ، على
هذه الصورة ، ينبغي أن يرويه غير واحد ، فالنبي
يجمع له الناس ويأمرهم أن يلزموا أماكنهم حتى يحدثهم بحديث مصدق لحديثه!
ومنذ ذلك الحين
والبحر يمخر كل يوم مرات ، تجوبه السفن المدنية
والعسكرية ، وتحلق فوقه الأقمار الصناعية ، ولم يزل أمر هذه الجزيرة
مجهولا! وما بلغ دارون وأصحابه نبأ هذه الدابة الناطقة باللسان العربي!!
لكن البسطاء وذوي
القلوب الغافلة طفقوا يستلهمون من هذه القصة
العبر ، فوجدوا فيها درسا متقدما في الدراية ، فهي مثال رائع لرواية الفاضل
عن المفضول ، فهذا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحدث عن نصراني أسلم لتوه!
وأيضا فقد كشفت
عنهم كربا وحلت لغزا كان يحيرهم وهم يقرأون :
(وإذا وقع القول عليهم
أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس
كانوا بآياتنا لا يوقنون) حتى أتاهم تميم بنبأ (الجساسة) هذه! وقالوا :
إنما سميت الجساسة لأنها تجس الأخبار للمسيح الدجال!! .
* فلما أسلم قال
لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله مظهرك على الأرض
كلها ، فهب لي قريتي من بيت لحم!
فقال له النبي :
هي لك .. وكتب له بها ، فلما فتحت فلسطين جاء
تميم بالكتاب إلى عمر ، فقال عمر : أنا شاهد ذلك .. فأمضاه! وذكروا أن
النبي قال له : (ليس لك أن تبيع) فهي في أيدي أهله إلى اليوم .
ولم تجعل هذه
الأرض في بيت المال ، ولا صرف ريعها في الكراع
والسلاح .. فلا الأرض كانت فدكا ، ولا تميم كان فاطمة الزهراء!!
لكن هل احتاج
النبي إلى بشرى تميم هذه ليهب له تلك القرية؟! أم
أن تميما قد أحرز لغده ثمن إسلامه كما فعل النبي مع المؤلفة قلوبهم؟!
لا غرابة ، فإن
تميما لم يزل في المدينة حتى قتل عثمان ، فلما قتل
عثمان فر تميم إلى الشام!! .
ذلك لأنه حسن
إسلامه جدا! فهو لا يطيق أن يرى عليا في الخلافة!
ولا يسعه إلا جوار معاوية!
ولأجل تأكيد حسن
إسلامه وعظمة إيمانه ، قالوا : إنه كان يختم القرآن
__________________
كله في ركعة!! هكذا ، كله في ركعة واحدة!!
وأساطير مضحكة
نسجوها حول تميم ، صاحب القصص والأساطير.
قالوا : كان عمر
يسميه (خير المؤمنين)! لقد جاءه رجل كان قد
أذنب ذنبا ، فلبث في المسجد ثلاثا لا يأكل ، ثم جاء عمر فقال : تائب من
قبل أن تقدر عليه. فقال له عمر : إذهب إلى خير المؤمنين فانزل عليه. فذهب الرجل
طوعا إلى تميم الداري ، فهو خير المؤمنين لا يشك هذا الرجل!! .
وذات ليلة خرجت
نار بالحرة ، ناحية المدينة ، فجاء عمر إلى تميم ، فقال : قم إلى هذه النار!
قال : يا أمير
المؤمنين ، ومن أنا؟! ومن أنا؟! فلم يزل عمر به حتى
قام معه ، فانطلقا إلى النار ، فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب ودخل تميم
خلفها ، فجعل عمر يقول : ليس من رأى كمن لم ير! قالها ثلاثا!
هاتان أسطورتان
يرويهما معاوية بن عجلان ، قال الذهبي : رجل قالوا إنه لا يعرف .
لكن ابن حجر
العسقلاني سماه (معاوية بن حرمل) وعده في الصحابة ، وقال : هو صهر مسيلمة الكذاب!
وكان مع مسيلمة في الردة ، ثم قدم على عمر تائبا!
ثم يقول ابن حجر
عن هذه القصة : (له قصة مع عمر فيها كرامة
__________________
واضحة لتميم ،
وتعظيم كثير من عمر له)!! .
ومن هنا يستدلون
على وثاقة تميم وعلو منزلته .. من شهادة صهر
مسيلمة الكذاب الذي كان معه في الردة!!
وأما قصته هو عن (الجساسة)
ومسيح الدجال ، فلولا ما حظي به
صحيح مسلم من قداسة لما ارتاب فيها عاقل!
وهذه القداسة هي
التي حالت دون السؤال : كيف صحح مسلم هذه الرواية؟!
إن مسلما رجل نشأ
في وسط يوثق رجالا ويأخذ عنهم الحديث ،
فوثقهم مسلم .. لقد وثقهم ذلك التاريخ الذي عرفناه ، وعرفنا كيف وثقهم!
وحين تغفل هذه
الحقيقة فقط تنفذ مثل هذه الأساطير ...
وأغرب ما في
الدفاع عن هذه القصة ، دفاع الناقد الدكتور الذهبي الذي عاد إلى فقرات من القصة
نفسها ، وأكثر فقراتها محلا للتهمة والريبة ، ليجعلها دليلا على صحتها ، إذ يقول
.. (وهل يتصور من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو المؤيد بوحي
السماء أن يتقبل من رجل يلوث الإسلام بمسيحياته حديثا كحديث الجساسة ، ثم هو لا
يكتفي بذلك بل يجمع أصحابه ويحدثهم به ويقرر من فوق منبره صدق حديثه؟!)!! .
__________________
فانظر كيف أخذ أهم
علامات كذب الرواية ليجعله الشاهد على صدقها!!
فمن قال لك أن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد قام مصدقا لهذه الرواية؟! هل
سمعته من أحد غير هذه الرواية نفسها؟!
إن مثل هذه القصة
ليست مما يرتاب العقل في تكذيبها بعد المسح
العلمي الدقيق ، إنها تماما من قبيل روايات تقول : إن الأرض تقف على قرن ثور ،
والثور على ظهر حوت ، وهو النون التي في قوله تعالى : (ن والقلم)!!
فإذا كان يصدقها
بالأمس ناس عمدتهم وثاقة الرواة ، فليس لهذه
الوثاقة اليوم محل أمام الكشف العلمي الدقيق والمباشر .. ولا يعاب في
ذلك المتقدمون! ولكن يعاب الذين قرضوا القرن التاسع عشر والقرن
العشرين وما زالوا يلتمسون ذلك وراء وثاقة الراوي وأهمية المصدر ، بدلا
من أن يضع ذلك كله موضع الاختبار بناء على هذه الحقائق الملموسة.
وتميم هذا هو الذي
ابتدأ فاستأذن عمر أن يقص ، فأذن له بعد أن
رده أولا ، فهو أول قاص مأذون في الإسلام ، فكان يقوم في المسجد كل
جمعة يعظ أصحاب رسول الله! قبل أن يخرج عمر إلى الجمعة .. فلما جاء
عثمان طلب منه تميم أن يزيده ، لأن موقفا واحدا في الأسبوع لا يكفيه ،
فزاده عثمان يوما آخر يتحف فيه أصحاب رسول الله بمزيد من مواعظه!
لكن في تلك السنين
كان التحدث بأحاديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
__________________
ممنوعا! وكان خيار
الصحابة من أولي السابقة والجهاد يحبسون في المدينة
إذا ما حدثوا خارجا عنها بشئ من سنن النبي ومواعظه!!
إن لتميم سرا هو
من صنف سر كعب الأحبار ، لكن تميما تقدم على
كعب حين أدرك النبي فسمي صحابيا!
ولما قتل عثمان لم
يعد أمر تميم بتلك الدرجة من الخفاء ، إنه لم
يأت عليا يستأذنه في المضي على شأنه ، أو يستزيده ، كلا ، بل ترك
المدينة كلها ، ضاقت عليه بما رحبت أرض يحكمها علي ، فليس أمامه إلا
الشام في أجواء تنتظر تميما ونظراءه ، فخرج إلى الشام دون أن يضيع مزيدا من الوقت!
لقد كان عمر يمنع
من القصص ، ويكذب محترفيها ، حتى أقنعه تميم
في نفسه خاصة ، لكن عليا لم يأذن بشئ من ذلك ، ولم يكن تميم
بالرجل الساذج أو الغبي الذي يلتمس مثل ذلك من على! ولا هو بتارك مهنته ، فترك
بلادا تدين لعلي ، قافلا إلى حيث تنفق سلعته ، وله في كنف معاوية أوسع جوار!
* والذي لا نزاع
فيه أن القصص قد انتشرت في أواخر عهد عثمان ، وبرز قصاصون يقصون في المساجد ، حتى
طردهم علي عليهالسلام ، كما أثبته المروزي وغيره .
والشيخ الغزالي
يثبت ذلك أيضا ، ويقول : إن عليا عليهالسلام منع القص
في المساجد ، ولم يأذن إلا للحسن البصري .
__________________
والشيخ أبو زهرة
يثبت ذلك بشكل أكثر وضوحا ، فيقول : ظهر
القصص في عهد عثمان رضياللهعنه ، وكرهه الإمام علي رضياللهعنه حتى أخرج
القصاصين من المساجد ، لما كانوا يضعونه في أذهان الناس من خرافات وأساطير ، بعضها
مأخوذ من الديانات السابقة بعد أن دخلها التحريف وعراها التغيير!
قال : وقد كثر
القصاص في العصر الأموي ، وكان بعضه صالحا وكثير
منه غير صالح ، وربما كان هذا القصص هو السبب في دخول كثير من
الإسرائيليات في كتب التفسير وكتب التاريخ الإسلامي ..
وإن القصص في كل
صوره التي ظهرت في ذلك العصر كان أفكارا
غير ناضجة تلقى في المجالس المختلفة ، وإن من الطبيعي أن يكون بسببها
خلاف ، وخصوصا إذا شايع القاص صاحب مذهب أو زعيم فكرة أو
سلطان ، وشايع الآخر غيره ، فإن ذلك الخلاف يسري إلى العامة ، وتسوء
العقبى ، وكثيرا ما كان يحدث ذلك في العصور الإسلامية المختلفة .
فلماذا لا يكون
كلا الأمرين قد أرادهما تميم الداري : دخول
الإسرائيليات والأساطير في التفسير والتاريخ ، وظهور الخلافات والنزاعات بين
المسلمين؟!
لماذا إذن فر من
على إلى معاوية؟!
والأمران اللذان
أرادهما تميم ، ونشط فيهما كعب الأحبار أيضا في
عهد عثمان ، وساهم فيهما آخرون ، كلاهما قد أراد علي عليهالسلام أن يقطع
دابرهما ، ويخيب آمال هؤلاء الذين يكيدون للإسلام وأهله كل شر ،
__________________
ويظهرون بمظاهر
النسك التي ألفوها في اليهودية والنصرانية.
المبحث الثالث :
إحياء السنة :
في غير الرواية
والتدوين ، تحدثنا الأخبار الدقيقة عن مشكلات
أخرى قد تعرضت لها السنة ، فتداركها علي :
١ ـ قال أبو موسى
الأشعري : (لقد ذكرنا علي بن أبي طالب صلاة كنا
نصليها مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إما نسيناها ، أو تركناها عمدا)!! .
إذن هذه الصلاة
أيضا قد أصيبت في صورتها ، وطريقة أدائها؟!
ثمة شهادة أخرى
على ذلك ، شاهدها الصحابي الجليل أبو الدرداء ،
الذي توفي في خلافة عثمان! .
* قالت أم الدرداء
: دخل علي أبو الدرداء مغضبا ، فقلت : من أغضبك؟!
قال : (والله لا
أعرف فيهم من أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا إلا أنهم
يصلون جميعا)! .
إذن كل شئ قد تغير
عن أمر محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم تعد تر تلك السنن
التي ميزت المجتمع أيام الرسول ، ولم يبق فيهم إلا صورة الاجتماع في
الصلاة ، الاجتماع وحده ، لا سنن الصلاة التي تحدث عنها أبو موسى
__________________
الأشعري.
٢ ـ وقبل قرأنا
صلاة عثمان وعائشة في السفر تماما ، لا يقصران ،
وقد أبى علي ذلك ، وأنكره نفر من الصحابة ، وحين مرض عثمان في
تلك الأثناء ودعوا عليا للصلاة بهم ، قال : (إن شئتم صليت بكم صلاة
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم). فقال أكثرهم : لا ، إلا صلاة أمير المؤمنين!!
وهكذا تتغير السنن
وتختفي لتحل محلها محدثات ينصرها كثير
وكثير من السلف ، ثم تصل إلى اللاحقين فيأخذون عن سلفهم برضا
وتسليم لفرط حسن الظن بهم حتى أعفاهم من النقد ومن ضوابط التحقيق والنظر!
٣ ـ وقصة على مع
صلاة التراويح جماعة ، أيام خلافته ، هي الأخرى
من هذا القبيل ، فحين أمر عليهالسلام بتفريقهم ليعيدهم على ما كان أيام
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قالوا : (وا سنة عمراه)!! .
فهم يعلمون أنها
سنة عمر ، وأن الذي يدعوهم إليه علي عليه
السلام هي سنة النبي!!
تقرأ ذلك صريحا في
صحيح البخاري ، وغيره ، أنها سنة عمر .
وفي صحيح البخاري
أن عمر لما جمع الناس عليها قال : (نعم البدعة هذه!) .
قال القسطلاني في
شرحها : سماها بدعة لأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لم
يسن لهم ، ولا كانت في زمن الصديق ، ولا أول الليل ، ولا هذا
__________________
العدد)! .
٤ ـ وتقرأ في
أوليات عمر : (هو أول من حرم المتعة) وتقدم حديثها ، وأما قول علي عليهالسلام فيها فهو المشهور : (لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا
شفى) أو : (إلا شقي).
٥ ـ وفي أوليات
عمر أيضا : (وأول من جمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز) .
أخرج أحمد من حديث
حذيفة بن اليمان ، أنه صلى على جنازة
فكبر خمسا ، ثم التفت إلى الناس ، فقال : (ما نسيت ولا وهمت ، ولكن
كبرت كما كبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم)! ، يريد أن يذكرهم بأمر نسوه
واستبدلوه بأمر محدث مضوا عليه حتى نسوا الأمر الأول ، وكم توجع
حذيفة لهذا النسيان أو التناسي!
ومثله ثبت عن زيد
بن أرقم ، كبر على الجنازة خمسا ، فاستنكروا
عليه ، فقال : (سنة نبيكم) .. (ولن أدعها لأحد بعده) .. (ولن أدعها أبدا) .
والتكبيرات الخمس
هي التي مضى عليها علي عليهالسلام ، ومثله صنع
__________________
الإمام الحسن عليهالسلام ، وعليها فقه أهل البيت عليهمالسلام.
٦ ـ ومع عثمان ،
في أمر الزكاة ، بعث إليه علي عليهالسلام بكتاب فيه حكم
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الزكاة ، بعثه بيد ولده محمد ابن الحنفية ، فقال له
عثمان : أغنها عنا!!
فرجع بها إلى أبيه
عليهالسلام ، فقال له : ضع الصحيفة حيث وجدتها .
هذه سنن طرأ عليها
هذا النحو من التبديل والتغيير ، فكان تداركها
لإحياء السنة النبوية الثابتة هو من أهم ما وضعه علي عليهالسلام نصب عينيه وهو
يتولى الحكم : (لنرد المعالم من دينك).
وهكذا استعادت
السنة روحها ودورها في أيامه ، ليكون ذلك طريقا
إلى حفظها من الضياع وحفظ مكانتها في التشريع.
مقولات فيها
مصادرة :
* الأستاذ الدكتور
نور الدين عتر / في كتابه (منهج النقد في علوم الحديث).
* محمود أبو رية /
في كتابه (أضواء على السنة المحمدية).
* الدكتور محمد
سلام مدكور / في كتابه (مناهج الاجتهاد في الإسلام).
__________________
الأولى
: قال بها الدكتور
نور الدين عتر حين نسب منع تدوين السنة
إلى إجماع الصحابة!
فبعد أن نقل رغبة
عمر في التدوين أولا ، واستشارته الصحابة
وإشارتهم عليه بالتدوين ، ثم تبدل رأي عمر ، قال : وقد أعلن عمر هذا على ملأ من
الصحابة رضوان الله عليهم وأقروه ، مما يدل على استقرار أمر هذه العلة في نفوسهم! .
وهذا القول ناشئ
عن رؤية مثالية أولا ، وفيه مصادرة لآراء الصحابة ثانيا :
فالرؤية التي تصور
سكوت الصحابة أمام أي قرار تصدره الخلافة ،
على أنه إجماع إقراري ، رؤية مثالية ، وهذا الخبر هو واحد من أهم الأدلة
على ذلك ، فقبل شهر واحد فقط من صدور هذا القرار كانوا قد أعطوا رأيهم المؤيد
لتدوين السنة بالإجماع ، ولم يظهر في ذلك أدنى خلاف حتى صدر قرار الخليفة بعكسه ،
فبعد أن أعطوه الرأي ثم عزم على خلافه فلا محل إذن للمعارضة.
وإذا زعمنا أن
سكوتهم كان إقرارا كاشفا عن الإجماع ، فما هي قيمة
إجماعهم السابق على خلافه؟!
هل سيبقي هذا
التصور على شئ من قيمة (إجماع الصحابة)؟
لا في هذه المسألة وحدها ، بل في كل مسألة!
وثمة دليل عملي
على عدم إقرار الصحابة بقرار المنع :
لقد راحوا من وراء
الخليفة يكتبون الحديث والسنن ، حتى كثرت
__________________
عندهم الكتب ،
فوصل خبرها إلى عمر ، فقام فيهم خطيبا ، فقال : (أيها
الناس ، إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب ، فأحبها إلى الله أعدلها
وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به ، فأرى فيه رأيي).
فظنوا أنه يريد أن
ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف ،
فأتوه بها ، فأحرقها بالنار! .
فما زال الصحابة
إذن عند إجماعهم الأول ، وما زال عمر عند رأيه المخالف.
والثانية
: ما خلص إليه
محمود أبو رية في إثبات النهي عن تدوين
السنة ، وانصياع الصحابة لهذا الأمر انصياعا تاما ، ليقضي على السنة كلها
بالضياع ، ولم يبق منها إلا حديثين صحا عنده ، وبلغا التواتر ، وهما :
حديث النهي عن التدوين ، وحديث (من كذب علي فليتبوأ مقعده من
النار) مؤكدا عدم ورود كلمة (متعمدا) في هذا الحديث ، ليجعل من الكذب
عليه رواية الحديث بالمعنى! متمسكا بأدلة حاكمة عليه ، لا له .
فكل ما ورد عن أبي
بكر وعمر والصحابة في عهديهما كان صريحا جدا بعدم ورود النهى عن تدوين السنة من
قبل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ..
أضف إلى ذلك ما هو
ثابت من تدوينها بأمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بإذنه ، ومن ذلك :
* الصحيفة التي
كانت في قائم سيفه صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها بعض السنن ، ثم
__________________
صارت عند علي عليهالسلام .
* وما ثبت من
كتابة عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : فنهتني
قريش وقالوا : أتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يتكلم في الرضا والغضب؟! فأمسكت عن الكتابة ، فذكرت ذلك
لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فأومأ بإصبعه إلى فمه وقال : (أكتب ، فوالذي نفسي بيده ما
يخرج منه إلا حق) .
* وقول أبي هريرة
: إن عبد الله بن عمرو كان يكتب ، وكنت لا أكتب .
* وحين طلب أبو
شاة اليماني من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يكتبوا له خطبة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم فتح مكة ، وكان أبو شاة قد شهدها ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (اكتبوا لأبي شاة) .
* وحديث أنس عن رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : (قيدوا العلم بالكتاب) .
* وكان أنس قد كتب
حديثا كثيرا بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ،
وحفظه حتى وقت متأخر من عهد الصحابة ، فكان يملي الحديث ، حتى
كثر عليه الناس يوما يطلبون الحديث ، فجاء بمجال من كتب ، فألقاها ،
__________________
ثم قال : (هذه
أحاديث سمعتها وكتبتها عن رسول الله ٦٥ وعرضتها عليه) .
* وكتب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أكثر من كتاب في الصدقات ، والديات ، والفرائض ، والسنن ،
لعماله .
* وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم في مرضه الأخير : (هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده) .
وغير هذا كثير ،
وقد تناولت الكتابة في عهده صلىاللهعليهوآلهوسلم قسما كبيرا من الحديث يبلغ في مجموعه ما يضاهي مصنفا كبيرا
من المصنفات الحديثة .
أما موقف الصحابة
من الكتابة فقد عرفناه ، وقد ذكر ابن عبد البر وغيره عددا كبيرا من كتب الصحابة ،
ومنهم عبد الله بن مسعود الذي عدوه في المانعين من الكتابة ، فقد أخرج ابنه عبد
الرحمن كتابا وحلف أنه خط أبيه بيده .
وأما حديث أبي
سعيد الخدري الذي يرفعه إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (لا تكتبوا عني شيئا إلا القرآن ، فمن كتب غير القرآن
فليمحه) والذي
عدوه أصح ما ورد في النهي عن كتابة الحديث ، وهو أصح حديث عند
__________________
أبي رية ، فقد رآه
كثير من المحققين موقوفا على أبي سعيد ، وليس حديثا
عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا قول البخاري وآخرين .
بل ثبت عن أبي
سعيد نفسه خلافه ، حين شهد أنه كان يكتب التشهد
ـ تشهد الصلاة ـ عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .
والثالثة
: مقولة الدكتور
محمد سلام مدكور.
إذ مثل لاختلاف
الصحابة في فهم النص بما وقع بالنسبة لتدوين
السنة ، لما قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري : (لا تكتبوا عني غير
القرآن ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدثوا عني ولا حرج ، ومن كذب علي
فليتبوأ مقعده من النار).
قال : فقد اتجه فقهاء
الصحابة في ذلك إلى وجهتين متعارضتين :
* فريق منهم ،
وكانت له الغلبة : فهموا أن ذلك نهي عام وليس قاصرا على كتاب الوحي! فامتنعوا عن
تدوين السنة ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ... وقالوا : إن ما دونه بعض
الصحابة منها إنما كان تدوينا مؤقتا حتى يحفظه ثم يمحى المكتوب بعد ذلك.
* بينما ذهب
الفريق الآخر إلى أن ذلك كان خاصا بكتاب الوحي
دون سواهم ، خشية أن يختلط بالقرآن ما ليس منه ، بدليل أنه أباح الكتابة
عند أمن الاختلاط ، كما ثبت في حديث عبد الله بن عمرو ..
وهذا التفصيل كله
لا يقوم على حجة صحيحة ، بل الحجة الصحيحة
تنقضه بكامله ، كما سنتابعه في الفقرات الآتية :
__________________
أ ـ الحديث الذي
رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري ، تقدم أنه موقوف عليه وليس من حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما قال البخاري وغيره.
ب ـ إن الفريق
الأول ، والذي كانت له الغلبة ، لم يحتج يوما ما بأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد نهى عن كتابة السنة ، فهذا لم يحدث منهم البتة.
ج ـ إن هذا الفريق
نفسه قد باشر تدوين السنة أحيانا ابتداء ، كما
صنع أبو بكر ، أو أمر بتدوينها وشاور الصحابة على ذلك فأجمعوا على كتابتها دون
تردد. وفي ذلك كله لم يظهر لهذا الحديث المروي عن أبي سعيد ذكر ولا أثر .. بل
فعلهم هذا ، وهم الفريق المانع ، لهو أوضح دليل على أن النبي : ٦ لم يمنع من تدوين
السنة قط ، لا منعا خاصا ولا عاما.
د ـ الحديث
المذكور عن أبي سعيد الخدري يقول فيه أيضا : (وحدثوا عني ولا حرج) وهذا الفريق
الغالب قد منع عن التحديث عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم بنفس القوة التي منع فيها عن التدوين! فكيف يدعى أنهم امتنعوا
عن التدوين تمسكا بنهي النبي عنه؟! فماذا عن رواية حديثه وسنته التي أمر بها على
أي حال إلا أن يقعوا بالكذب؟!
ه ـ إن الاعتذار
بخوف اختلاط القرآن بالسنة اعتذار واه ومتهافت ، وقد مر نقده مفصلا.
و ـ إن هذا
التمييز بين كتاب الوحي وغيرهم في شأن كتابة السنة تمييز لم يعرف في عهد الصحابة
قطعا ، ولا يستطيع أحد نسبته إليهم بصدق ، وإنما هو من تبرير المتأخرين دفعا لما
يلزمهم من تخطئة المانعين من كتابة السنة ، ليس أكثر من ذلك.
وهنا ملاحظتان
تجدر الإشارة إليهما :
١ ـ المقولات
الثلاث هذه جامعة لغيرها متضمنة لها ، لذا اكتفينا بذكرها عن غيرها.
٢ ـ نسبة هذه
المقولات إلى الأعلام المذكورين لم تأت من كونهم
أول من قالوا بها ، فهي آراء قديمة تتصل بعصر التابعين ، وبعضها بعصر
الصحابة ، لكن الأعلام المذكورين انتخبوها من بين الرؤى وحاولوا
تدعيهما بالدليل والبرهان ، فحظيت على أيديهم بالرواج نظرا لأهمية وسعة
انتشار كتبهم التي تضمنتها ، وعلى هذا الأساس الأخير كان تصنيفنا.
خلاصة في نقاط
١ ـ كان تدوين
الحديث أمرا مألوفا يمارسه الصحابة في عهد
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، برضا منه ، وبإذنه أحيانا ، وبأمره أحيانا أخرى.
أما رواية الحديث
ونشره فقد أمر بها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمرا صريحا ومكررا.
٢ ـ ظهر في عهد
أبي بكر أول أمر بالمنع من الحديث ، لعلة أو أخرى.
٣ ـ أحرق أبو بكر
كتابا يضم خمسمئة حديث كان قد كتبها بيده ، وهذا أول كتاب حديث أحرق.
٤ ـ واصل عمر
المنع من الحديث ، مؤكدا ذلك بعهوده على عماله ، وبحبسه بعض الصحابة في المدينة
حين لم يأمن امتثالهم أمره.
٥ ـ أحرق عمر
مزيدا من كتب الحديث ، جمعها من عدد كبير من الصحابة.
٦ ـ ابتدأ عثمان
سيرته مع الحديث بقوله : (لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا
في عهد عمر). لكنه لم يدقق في ذلك كما فعل أبو بكر وعمر ، فلا أحرق شيئا من كتب
الحديث ، ولا تتبع كتابه ورواته ، بل على العكس ، فقد وجد أبو هريرة وكعب الأحبار
خاصة في عهده ما لم يحلما ببعضه في عهد عمر.
٧ ـ وافق الخلفاء
على المنع نفر قليل من الصحابة لا يتجاوزون
الأربعة : عبد
الله بن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو موسى الأشعري ، وزيد بن ثابت .
٨ ـ كانت السيرة
المذكورة سببا في ضياع حديث ليس بالقليل ، إن
اقتصر حفظه على هذه المصادر التي أحرقت وأتلفت ، ليس على يد
أبي بكر وعمر فقط ، بل مارس غيرهم نحو ذلك ، فقد جاء علقمة
بصحيفة من اليمن أو من مكة ، فيها أحاديث في أهل البيت ، بيت
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فدخل ومعه جماعة على عبد الله بن مسعود ، قالوا : فدفعنا
إليه الصحيفة ، فدعا بطست فيه ماء! فقلنا : يا أبا عبد الرحمن ، انظر فيها ،
فإن فيها أحاديث حسانا! قالوا : فجعل يميثها فيها! .
وكتب أبو بردة ،
عن أبيه ـ أبي موسى الأشعري ـ كتبا كثيرة ، فقال له
أبوه : ائتني بكتبك ، فلما أتاه بها غسلها! .
٩ ـ وعلى خلاف ذلك
فإن الأكثرين من الصحابة ما زالوا على الأمر
الشرعي برواية الحديث والأذن بكتابته ، فحدثوا وكتبوا ، منهم من عرضت
كتبه للإحراق أو الغسل ، ومنهم من حفظها عن عيون الخليفة فبقيت بعده ،
كما هو مشهور عن : صحيفة علي عليهالسلام ، وصحيفة جابر بن عبد الله
الأنصاري ، وكتاب أبي رافع مولى رسول الله ، وكتب أنس بن مالك ،
وصحيفة سعد بن عبادة ، وصحيفة عبد الله بن عمرو ، وكتاب عبد الله بن
__________________
مسعود الذي أخرجه
ابنه عبد الرحمن ، وكتاب أسماء بنت عميس ، وكتاب محمد بن مسلمة الأنصاري ، وغيرها .
١٠ ـ الإمام علي عليهالسلام أول حاكم يدعو إلى كتابة السنة ، ويحث الكتاب أن يكتبوا ما
يحدثهم به ويمليه عليهم ، وينشر على الملأ أحاديث نبوية كانت طيلة ربع قرن ممنوعة
منعا مغلظا. وهو في نفس الوقت يسد الأبواب على الكذابين والمشبوهين ، فلا يجدون
تحت سلطانه متنفسا ، فإما أن يرعووا ويستقيموا ، وإما أن يسكتوا ويكفوا فرقا ،
وإما أن تضيق صدورهم فيفرون إلى الشام ، حيث معاوية الذي يشتري منهم دينهم بما يطمعون
به من دنيا!
__________________
الأرائج المسكية
في تفضيل البضعة الزكية
عليها أفضل صلاة وأزكى تحية
|
|
السيد حسن الحسيني
آل المجدد الشيرازي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ،
وسلام على عباده الذين اصطفى ، محمد وآله المطهرين الحنفا ، وارض اللهم عن صحبه
ذوي النجابة والوفا ، الناهجين سبيله ومن تبعهم واقتفى.
وبعد ،
فلما اتفق لي
الوقوف على كلام الشيخ الفاضل أبي فراس محمد بدر الدين النعساني الحلبي في المفاضلة
بين النساء ، فإذا هو قد ركب متن عمياء ، وخبط خبط عشواء في ليلة ظلماء ، وخالف
صريح السنن وأقوال العلماء ، فاختلج بالبال ، إفراد المسألة بنبذة من المقال ،
تكون وافية بالمقصود ، بعون المعبود الودود ، وهو المستعان ، وعليه التكلان.
إعلم ـ هدانا الله
وإياك إلى منهجه القويم ، وصراطه المستقيم ـ أن الرجل ادعى أن نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل النساء جملة حاشا اللواتي خصهن الله تعالى بالإيحاء ،
وأن أفضل نسائه صلىاللهعليهوآلهوسلم عائشة! فهنا دعويان ينبغي التكلم عليهما ، وبيان الحق
فيهما.
* أما الأولى :
فقد ذكر في تعليقه
على (الدر النضيد من مجموعة الحفيد) : أن الذي تشهد له الأدلة من القرآن والسنة أن نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل النساء جملة حاشا اللواتي خصهن الله تعالى بالإيحاء ،
كأم موسى وأم عيسى ، قال الله تعالى : (يا نساء النبي لستن كأحد
من النساء إن اتقيتن) فهذا ظاهر في أنهن أفضل من غيرهن.
قال : ولا يعارضه
قوله عليه الصلاة والسلام : (خير نسائها فاطمة بنت محمد) فإنه عليهالسلام لم يقل : خير النساء فاطمة ، وإنما قال : خير نسائها ،
فخص ولم يعم ، والله تعالى في تفضيل نساء نبيه عم ولم يخص ، فلا يجوز أن يستثنى
منه إلا من استثناه نص ظاهر ، فصح أنه عليهالسلام إنما فضل فاطمة على نساء المؤمنين بعد نسائه ، فاتفقت
الآية مع الحديث.
انتهى كلامه بلفظه.
ولا يخفى على
الحاذق اللبيب مواقع النظر في هذا الكلام ، فلنبينها ، وبالله تعالى الاستعانة
والاعتصام.
__________________
* الأول :
دعواه اختصاص بعض
النساء بالإيحاء :
وقد قلد في ذلك
جماعة من المتقدمين كالأشعري ، حيث نقل عنه
أن في النساء عدة نبيات! وحصرهن ابن حزم في ست : حواء وسارة وهاجر وأم موسى وآسية
ومريم! ونقله القرطبي في (التمهيد) عن أكثر الفقهاء ـ ولم يذكر سارة ولا هاجر ـ
وقال : الصحيح أن مريم نبية! وتعقبه القاضي عياض بأن الجمهور على خلافه.
وذكر النووي في (الأذكار)
عن إمام الحرمين أنه نقل الإجماع على أن
مريم ليست نبية ، ونسبه في (شرح المهذب) لجماعة.
وجاء عن الحسن
البصري : ليس في النساء نبية ولا في الجن.
وقال السبكي
الكبير : اختلف في هذه المسألة ، ولم يصح عندي في ذلك شئ .
وقال الحافظ
السيوطي : الأصح أنها ـ يعني مريم ـ غير نبية .
وقال العلامة ابن
قاسم في (الآيات البينات) : زعم نبوتها ـ يعني مريم ـ كزعم نبوة غيرها من النساء ،
كهاجر وسارة ، غير صحيح لاشتراط الذكورة في النبوة على الصحيح ، خلافا للأشعري.
انتهى .
وفي تفسير الآلوسي
: أن مريم لا نبوة لها على المشهور.
__________________
قلت :
وقد حكى جماعة
كالبيضاوي وأبي حيان والكرماني والنووي الإجماع على عدم نبوة النساء .
هذا ، مع أن معنى
الإيحاء في مثل قوله تعالى : (وأوحينا إلى أم موسى
أن أرضعيه) الآية .. الإلهام
والقذف في القلب كما هو كذلك في تكليمه عز سلطانه بعض خلقه ـ غير الأنبياء والرسل ـ
كقوله تعالى : (وأوحى ربك إلى النحل) وقوله سبحانه : (بأن ربك أوحى لها) فليس كل إيحاء وحي نبوة ، والله تعالى أعلم.
* الثاني :
احتجاجه على
أفضلية نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوله عز من قائل :
(يا نساء النبي لستن
كأحد من النساء إن اتقيتن).
وقد سبقه السبكي
إلى ذلك ، وزعم الرافعي أن أزواج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل نساء هذه
الأمة .
وهو مدخول بأن
غاية ما تدل عليه الآية تفضيل نسائه صلىاللهعليهوآلهوسلم على نساء غيره ، لا تفضيل كل واحدة منهن على كل واحدة من
آحاد النساء
__________________
ـ كما اختاره
الزمخشري وغيره ـ ، ومع ذلك فلا
دليل على دخول
الزهراء عليهاالسلام في المفضل عليهن.
مضافا إلى أن ما
ذهب إليه السبكي هنا مخالف لما اشتهر عنه من
تفضيل سيدة نساء العالمين على أمهات المؤمنين ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ.
اللهم إلا أن يريد
تفضيلهن بعد استثناء الصديقة الطاهرة عليها
الصلاة والسلام ، كاستثنائه من قيل إنها نبية كمريم عليهاالسلام.
ثم لا يخفى عليك
أنه يلزم على هذا القول أن تكون كل واحدة من
نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل من فاطمة عليها الصلاة والسلام ، مع أنه ليس
كذلك ـ كما عرفت ويأتي ـ.
وأجيب
عنه : بأنه لا مانع من
التزامه ، إلا أنه يلتزم كون الأفضلية من
حيث أمومة المؤمنين والزوجية لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا من سائر الحيثيات
الأخر ، بل هي من بعض الحيثيات ، كحيثية البضعية أفضل من كل من
الخلفاء الأربعة ، وهو كما ترى.
إذ ليس لأمومة
المؤمنين وزوجية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والاتصال به ـ من حيث هي ـ كرامة عند الله تعالى ، وإنما الفضل
لهن في الاتقاء كما دل عليه قوله تعالى : (إن اتقيتن) وهو شرط لنفي المثلية وفضلهن على النساء ، وجوابه محذوف دل
عليه المذكور ، والاتقاء بمعناه المعروف في لسان الشرع ، والمفعول محذوف أي : إن
اتقيتن مخالفة حكم الله تعالى ورضا
__________________
رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمراد إن دمتن على اتقاء ذلك ، ومثله شائع ، أو هو على
ظاهره ـ كما قال الشهاب الآلوسي ـ .
ونظير ذلك صحبة
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنها من حيث هي ليست كرامة تستوجب التفضيل ، وإنما تكون
كذلك إذا اقترنت بالأيمان والتقوى كما قال
عز من قائل : (محمد رسول الله
والذين معه أشداء على الكفار رحماء
بينهم تراهم ركعا سجدا ـ إلى قوله تعالى
: ـ وعد
الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات أجرا عظيما) ، على أن ظاهر قوله عزوجل : (عسى ربه إن طلقكن أن
يبدله أزواجا خيرا منكن) الآية .. على حاله ، فتندفع تلك الدعوى .
ثم لو سلمنا
أفضلية أمهات المؤمنين على سائر النساء ، فإنا نقطع بأن عائشة لم تكن أفضلهن ، بل
أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها فضلاهن.
أما
الأول : فلأن الله تبارك
وتعالى قد أمر نساء نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأوامر فقال عزوجل : (وقلن قولا معروفا وقرن
في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله
ورسوله) الآية.
فهل كان من قول
المعروف قولها لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ فيما جرى
بينهما من كلام ـ : تكلم أنت ولا تقل إلا حقا ؟!
__________________
وقالت له صلىاللهعليهوآلهوسلم مرة في كلام غضبت عنده : أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟! !!
وأخرج أحمد وأبو داود عن النعمان بن بشير ، قال : جاء أبو بكر
يستأذن على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأذن له فدخل فقال : يا ابنة أم رومان ـ وتناولها ـ :
أترفعين صوتك على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟! قال : فحال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بينه وبينها .. الحديث.
وقد بلغ بها الحال
أن أغاظت الحليم غيظا ، حتى قال صلىاللهعليهوآلهوسلم
لأبي بكر : يا أبا بكر ، ألا تعذرني من عائشة؟! .
أم هل كان من قول
المعروف قولها ـ لما استفزت حمية الناس ،
وألبتهم على قتل عثمان ـ : اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا ؟!
__________________
وما عساك أن تقول
في قولها ـ لما انتهى إليها قتل علي عليهالسلام ـ :
فألقت عصاها
واستقر بها النوى
|
|
كما قر عينا
بالإياب المسافر
|
وسألت عن قاتله
فقيل : رجل من مراد ، فقالت :
فإن يك نائيا
فلقد نعاه
|
|
غلام ليس في فيه
التراب
|
فقالت زينب بنت
أبي سلمة : ألعلي تقولين هذا؟! فقالت : إني
أنسى ، فإذا نسيت فذكروني!! .
وهل كان من امتثال
أمر الله تعالى بقرارها في بيتها خروجها ـ دون
صواحبها من أمهات المؤمنين ـ بذلك العسكر الجرار؟!
أم كيف رأت بيت
ابن ضبة بيتها الذي أمر الله أن تقر فيه؟!
بل ما أشد
انتهائها بنهي الله إياها عن التبرج ، إذ حسبت قيادتها لتلك
الجيوش سرداقا ضربه طلحة والزبير عليها يصونها عن تبرج الجاهلية
الأولى ويفرغها للصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله!!
أم كان من طاعة
الله ورسوله بغيها وخروجها على إمام زمانها وسفكها
دماء المسلمين ، في وقعة الجمل؟! وركوبها البغل وتأجيجها نار الفتنة يوم
__________________
دفن سيد شباب أهل الجنة
أبي محمد الحسن الزكي عليه الصلاة والسلام؟!
إلى غير ذلك مما
لا تحيط به الطروس والمزابر ، ولا تفي بحقه الدروس والمنابر.
وكان ما كان مما
لست أذكره ...
وقد تبين بهذا أن
عائشة لم تدخل في جملة نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
اللواتي هن أفضل من غيرهن ، لعدم وفائها بالشرط ، أعني الاتقاء.
هذا ، مع أنا نعرف
لأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن قدرهن
وفضلهن ومكانتهن من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى وقع الاتفاق على طهارة
عائشة مما رميت به ، وأن من قذفها بما برأها الله تعالى منه فقد كفر بالله العظيم .
وأما
قولنا : إن أم المؤمنين
خديجة رضياللهعنها أفضل الأزواج
الطاهرات ، فقد حكي عن الجاحظ في كتاب (الأنصاف) أنه أنكر غاية
الإنكار على من يساوي عائشة بخديجة أو يفضلها عليها .
وقال القاري في (مرقاة
المفاتيح) : قال الأكمل : روي عن
أبي حنيفة أن عائشة بعد خديجة أفضل نساء العالمين. انتهى.
__________________
قلت
:
وهو ظاهر كلام
السهيلي في (الروض الأنف) ، بل هو مذهب
جمهور المحققين ، كالإمام تقي الدين السبكي والشيخ الإمام جلال الدين البلقيني
وشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم من أكابر أهل العلم والحديث.
واحتجوا لذلك بما
أخرجه البخاري في صحيحه عن علي عليهالسلام
قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : خير نسائها مريم ابنة عمران ، وخير
نسائها خديجة.
قال القاضي أبو
بكر بن العربي : خديجة أفضل نساء الأمة مطلقا لهذا
الحديث ، وقال أيضا : لا خلاف في أن خديجة أفضل من عائشة .
وقال الحافظ ابن
حجر : دل هذا الحديث على أن مريم أفضل من
آسية ، وأن خديجة أفضل نساء هذه الأمة. انتهى.
وقال أيضا : استدل بهذا الحديث على أن خديجة أفضل من عائشة.
__________________
واحتجوا أيضا بما
رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة
قال : أتى جبريل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله ، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه
إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليهاالسلام من
ربها ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب.
واستدل بهذه القصة
أبو بكر ابن داود على أن خديجة أفضل من
عائشة ، لأن عائشة سلم عليها جبريل من قبل نفسه وخديجة أبلغها السلام من ربها .
وأخرج البزار
والطبراني ، عن عمار بن ياسر رضياللهعنهما ،
مرفوعا : لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين.
قال الحافظ شهاب
الدين ابن حجر في (شرح البخاري) : حديث حسن الأسناد.
وأخرج الحاكم في (المستدرك) ـ وصححه على شرط
الشيخين ،
وأقره الذهبي ـ عن عائشة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم وفاطمة وخديجة
وآسية.
__________________
قال المناوي في (فيض
القدير) : قال جمع : هذا نص صريح في
تفضيل خديجة على عائشة وغيرها من زوجاته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا يحتمل
التأويل. انتهى.
وقال أيضا : خديجة أفضل أمهات المؤمنين ، قال الحافظ العراقي :
على الصحيح المختار ، وذكر نحوه ابن العماد وسبقهما السبكي. انتهى.
وقال ابن حجر في (الفتح)
: ومن صريح ما جاء في تفضيل خديجة ـ أي على عائشة ـ ما أخرجه أبو داود
والنسائي وصححه الحاكم من حديث ابن عباس ، رفعه : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت
خويلد وفاطمة بنت محمد.
وعند النسائي
بإسناد صحيح عن ابن عباس : (أفضل نساء أهل الجنة
خديجة وفاطمة ومريم وآسية) وعند الترمذي بإسناد صحيح عن أنس :
(حسبك من نساء العالمين) فذكرهن .
هذا
، وقد ذهبت جماعة
قليلة ـ ممن سبق الرجل ـ إلى تفضيل عائشة على خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى
عنها وأرضاها ، محتجين بما لا ينجع ، وقد تصدى الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر في (شرح
البخاري) لتزييف حجتهم ودحضها.
وحسبك دليلا على
نفي تفضيل عائشة ما رووه عنها أنها قالت : كان
__________________
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر فيحسن
الثناء عليها ، فذكرها يوما من الأيام فأدركتني الغيرة فقلت : هل كانت إلا عجوزا!
فقد أبدلك الله خيرا منها ، فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال : لا والله
ما أبدلني الله خيرا منها .. الحديث .
بل قد روي عنها ما
هو صريح في تفضيل غيرها عليها ، قالت عائشة : ما رأيت امرأة قط خيرا في الدين من زينب ـ يعني بنت جحش زوج
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ وأتقى لله وأصدق
حديثا وأوصل للرحم وأعظم أمانة وصدقة.
وأخرج الترمذي من طريق كنانة ـ مولى أم المؤمنين صفية رضي الله
عنها ـ أنها حدثته ، قالت : دخل علي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد بلغني عن
عائشة وحفصة كلام فذكرت له ذلك ، فقال : ألا قلت : وكيف تكونان خيرا
مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى؟! وكان بلغها أنهما قالتا :
نحن أكرم على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منها ، نحن أزواجه وبنات عمه .
على أن خديجة رضياللهعنها أول الناس إسلاما وتصديقا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على الإطلاق ، وأنى لعائشة مثل هذه الخصيصة ، بل نزل
القرآن فيها وفي صاحبتها مخاطبا لهما بقوله : (إن تتوبا إلى الله فقد
صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة
بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله
__________________
أزواجا
خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا).
فما يقول مخالفونا
في ذلك؟! وفي ما أتمه الله عليهما من الحجة البالغة بالمثل العظيم الذي ضربه لهما
بقول جل ثناؤه : (ضرب الله مثلا للذين
كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا
عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين)؟!
أولسنا معذورين
بعد هذا ـ يا أولي الألباب ـ في تفضيل البضعة الطاهرة الزكية ، وسائر أمهات
المؤمنين رضياللهعنهن أجمعين على عائشة وحفصة؟!
ولا إخالك ترتاب
في ذلك من بعد الموازنة بين حال الفريقين بميزان
الحق ومعيار الأنصاف ، وللكلام تتمة تأتي إن شاء الله تعالى.
* الثالث :
زعمه التعميم في
تفضيل نساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالنسبة إلى سائر النساء ، وتخصيص فاطمة الزهراء عليهاالسلام بالتفضيل على نساء المؤمنين بعد أمهاتهم ،
لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : خير نسائها فاطمة بنت محمد.
وفيه
أولا : أنا ذكرنا آنفا
أنه لا يلزم من تفضيل نسائه صلىاللهعليهوآلهوسلم على غيرهن تفضيلهن على بضعة الرسول فاطمة الزهراء البتول
عليها الصلاة
والسلام ، وسيأتي مزيد بسط له إن شاء الله تعالى.
وثانيا
: أن دعوى التعميم
في تفضيل الأزواج والتخصيص في تفضيل
البضعة الشريفة ،
بتوهم أن المراد من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (خير نسائها) خصوص نساء الأرض في عصرها ـ كما استظهره
النووي ـ مدفوعة ، بأنه
على هذا
التقدير أيضا تثبت أفضليتها على جميع أمهات المؤمنين رضياللهعنهن خلا أمها خديجة ـ كما لا يخفى ـ ، مضافا إلى أن ظاهر من
فضلهن إنما فضلهن على من دون فاطمة عليهاالسلام ، ويفصح عن ذلك ما حكي عن شيخ الإسلام ابن حجر أنه قال :
يدل لتفضيل بناته صلىاللهعليهوآلهوسلم على زوجاته خبر أبي يعلى عن عمر مرفوعا : (تزوج حفصة خير
من عثمان ، وتزوج عثمان خيرا من حفصة) .
وقال الشهاب
الآلوسي : لو قال قائل :
إن سائر بنات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل من عائشة لا
أرى عليه بأسا. انتهى.
ويرد
دعوى التخصيص أيضا قول الحافظ العسقلاني في (الفتح) : أقوى ما استدل به على تقديم فاطمة عليها السلام على
غيرها من نساء عصرها ومن بعدهن خبر : (إن فاطمة سيدة نساء العالمين إلا مريم)
وأنها رزئت بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم دون غيرها من بناته ، فإنهن متن في حياته فكن في صحيفته ،
ومات صلىاللهعليهوآلهوسلم في حياتها فكان في صحيفتها.
قال : وكنت أقول
ذلك استنباطا إلى أن وجدته منصوصا في تفسير الطبري. انتهى.
فظهر أن ما صححه
الرجل في آخر كلامه غير صحيح ، ولم يحصل
__________________
التوفيق بما تحمله
، لأنك قد عرفت أن التفضيل في الآية مقصور على
أمهات المؤمنين رضياللهعنهن ، وليست الآية ناظرة إلى من خرج عنها
تخصصا كالزهراء عليهاالسلام ، إذ إنها غير مسوقة لبيان فضل نسائه صلىاللهعليهوآلهوسلم على آحاد النساء من هذه الأمة وغيرها ـ كما مر ـ.
وأما
الحديث فقد تقدم
أنه على التعميم أدل ، فلا تعارض بين الآية
والحديث حتى يلتمس للتوفيق بينهما وجه.
وأما قوله : (فإنه عليهالسلام لم يقل خير النساء فاطمة) فساقط مردود لما أخرجه أحمد
والشيخان وغيرهم ـ من حديث طويل ـ عن عائشة ، أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : يا فاطمة ، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ،
أو : سيدة نساء هذه الأمة.
وفي لفظ آخر : ألا
ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين.
والجمع المضاف
يفيد العموم والاستغراق ـ كما تقرر في الأصول ـ ، ولا عهد هنا ، فهو في قوة (خير
النساء فاطمة) فأي نص أصح وأصرح من هذا في تفضيلها عليها الصلاة والسلام على
الإطلاق؟!
فأين تذهبون؟! وأنى
تؤفكون؟! (إنه لقول رسول كريم *
ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين * وما صاحبكم بمجنون).
هذا تمام الكلام
في أولى الدعويين.
* وأما الثانية
منهما :
فقد ذهب فيها إلى
القول بتفضيل عائشة على خديجة رضي الله عنها.
واستدل لذلك بما
روي عن أنس بن مالك ، أنه قيل : يا رسول الله ،
من أحب الناس إليك؟ قال : عائشة ، قال : فمن الرجال؟ قال : أبوها.
قال النعساني :
وروي هذا من طريق عمرو بن العاص ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا ينطق عن الهوى
، فلولا أن الله أوحى بذلك إليه لم يقع ذلك منه ، وهذا يدل على أن عائشة أفضل النساء.
انتهى .
قلت :
قد سلف الكلام في
التفضيل بين أم المؤمنين خديجة رضياللهعنها
وعائشة بنت أبي بكر ، وعرفت الحق فيه ، فإذن لا يعبأ بقوله.
نعم ، حكى شيخ
الإسلام ابن حجر عن ابن القيم أنه قال : إن أريد
بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه ، فإن عمل القلوب
أفضل من عمل الجوارح ، وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة.
وتعقبه بأن ما
امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما
يقابله ، وهي أنها أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على ثبوته بالنفس
والمال والتوجه التام ، فلها مثل أجر من جاء بعدها ، ولا يقدر قدر ذلك إلا الله.
انتهى .
فتحصل من جميع ما
ذكرنا أنه ليس لعائشة ما تفضل به على خديجة
رضياللهعنها إلا ما يدعى من حديث الثريد ، وسيأتي إن شاء الله البحث
فيه بما ليس عليه من مزيد.
__________________
وأما ما احتج به
من الحديث على تفضيل عائشة على سائر النساء ، فغير صالح للاحتجاج ، وذلك من وجوه
ثلاثة :
الأول
: أن حديث أنس لم
يروه عنه إلا حميد بن أبي حميد الطويل ، وكان يدلس عن أنس.
قال أبو بكر
البرديجي : حديث حميد لا يحتج منه إلا بما قال : (حدثنا أنس) .
قلت :
وقد عنعن في حديثه
هذا ولم يصرح بالتحديث.
وأما حديث عمرو بن
العاص ، فقد أخرجه الشيخان والترمذي ، عن خالد بن مهران الحذاء ، عن أبي عثمان النهدي ، عنه ،
لكنه منقطع.
قال عبد الله بن
أحمد بن حنبل في كتاب (العلل) عن أبيه : لم يسمع خالد الحذاء من أبي عثمان النهدي
شيئا.
وقال أبو حاتم :
يكتب حديثه ولا يحتج به .
الثاني
: أنه معارض لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (أحب أهلي إلي فاطمة) أخرجه
__________________
الترمذي والحاكم
وصححه ، وكذا الطبراني والديلمي وغيرهم عن أسامة بن
زيد ، ورمز السيوطي في (الجامع الصغير) لصحته.
قال المناوي في (فيض
القدير) : حبه إياها ـ يعني فاطمة عليهاالسلام ـ كانت أحبية
مطلقة ، وأما غيرها فعلى معنى (من) ، وحبه لها كان جبليا ودينيا ، لما لها من جموم المناقب
والفضائل. انتهى.
وأخرج الترمذي
والحاكم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان
أحب النساء إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاطمة عليهاالسلام ، ومن الرجال علي عليهالسلام .
وروى جميع بن عمير
التيمي أن عائشة سئلت : أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ قالت : فاطمة ، فقيل : من الرجال؟ قالت : زوجها .
والأحاديث في ذلك
كثيرة ، والسنن شهيرة وفيرة ، فلا غرو لو ادعي الوضع والاختلاق في حديث أنس وعمرو
بن العاص ، إذ لا تكاد تجد منقبة من مناقب الآل إلا وافتعل النواصب في حق أوليائهم
ما يناقضها ويعارضها ، فكيف تسنى له أن يسند ذلك إلى إيحاء الله تعالى به لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والله المستعان على ما يصفون.
__________________
الثالث
: أن الكلام في
الأفضلية لا في المحبة ، ولا يلزم من أكثرية
المحبة تحقق الأفضلية ، إذ محبة الأولاد وبعض الأقارب أمر جبلي مع العلم
القطعي بأن غيرهم قد يوجد أفضل منهم .
هذا ، مع تنصيص
عائشة على أفضلية فاطمة الزهراء عليهاالسلام في ما
أخرجه الطبراني بترجمة إبراهيم بن هاشم من (المعجم الأوسط) عن
عائشة ، قالت : ما رأيت قط أحدا أفضل من فاطمة غير أبيها.
قال ابن حجر في (الإصابة)
: صحيح على شرط الشيخين. انتهى.
وهو كاف في تفضيل
فاطمة الزهراء عليهاالسلام على عائشة ، فبطل قول
النعساني : إن عائشة أفضل النساء ، ومع ذلك فقد ثبت تفضيلها عليها
الصلاة والسلام بالكتاب العزيز ونصوص السنة المطهرة وأقوال العلماء.
فمن
آيات الكتاب الدالة على
تفضيلها بلا ارتياب قوله عز اسمه في
آية المباهلة : (فمن حاجك فيه من بعد
ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
وقد أجمع أهل
القبلة على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يدع للمباهلة من
النساء سوى البضعة الزهراء ، وأمهات المؤمنين رضياللهعنه كن حينئذ في
حجراته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلم يدع واحدة منهن ـ ولا عائشة ـ وهن بمرأى منه ومسمع.
وأنت تعلم أن
مباهلته صلىاللهعليهوآلهوسلم بعلي وفاطمة والحسنين عليهمالسلام ،
__________________
والتماسه منهم
التأمين على دعائه ، بمجرده فضل عظيم ، وانتخابه إياهم
لهذه المهمة العظيمة ، واختصاصهم بهذا الشأن الكبير وإيثارهم فيه على من
سواهم من أهل السوابق ، فضل على فضل ، لم يسبقهم إليه سابق ، ولن
يلحقهم فيه لاحق ، ونزول القرآن العزيز أمرا بالمباهلة بهم بالخصوص
فضل ثالث ، يزيد فضل المباهلة ظهورا ، ويضيف إلى شرف اختصاصهم
بها شرفا ، وإلى نوره نورا ـ كما قال الإمام شرف الدين العاملي زحمه الله ـ.
وقال رحمهالله : إن اختصاص الزهراء من النساء والمرتضى من الأنفس ـ مع
عدم الاكتفاء بأحد السبطين من الأبناء ـ دليل على ما ذكرناه من تفضيلهم عليهمالسلام ، لأن عليا وفاطمة لما لم يكن لهما نظير في الأنفس والنساء
كان وجودهما مغنيا عن وجود من سواهما ، بخلاف كل من السبطين ، فإن وجود أحدهما لا
يغني عن وجود الآخر لتكافئهما ، ولذا دعاهما صلىاللهعليهوآلهوسلم جميعا ، ولو دعا
أحدهما دون صنوه كان ترجيحا بلا مرجح ، وهذا ينافي الحكمة والعدل.
نعم ، لو كان ثمة
من الأبناء من يساويهما لدعاه معهما ، كما أنه لو كان لعلي نظير من الأنفس أو
لفاطمة من النساء لما حاباهما ، عملا بقاعدة الحكمة والعدل والمساواة. انتهى .
ومنها
: قوله جل وعلا في
آية التطهير : (إنما يريد الله ليذهب
عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقد علم كل منصف أن هذه الآية البينة إنما نزلت في الخمسة أصحاب الكساء ،
ومنهم فاطمة سيدة النساء ، وكفاك هذا برهانا على أنهم أفضل من أقلته الأرض يومئذ
ومن
__________________
أظلته السماء.
ومنها
: قوله تبارك
وتعالى في آية المودة : (قل لا أسألكم عليه أجرا
إلا المودة في القربى) وقد روى الجمهور أنه لما نزلت هذه الآية قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك هؤلاء
الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : علي وفاطمة وابناهما .
ومنها
: قوله عز من قائل
في آيات الأبرار : (إن الأبرار يشربون من
كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا) إلى آخر السورة ،
وقد أجمعنا على نزولها في علي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، ورواه الواحدي في (البسيط) والثعلبي في تفسيره وأبو
المؤيد موفق بن أحمد في كتاب (الفضائل) وغير واحد من الحفظة
وأهل الضبط عن ابن عباس رضياللهعنه ، وفيها من الدلالة على فضل هؤلاء :
ما لا يخفى ، وقد أبان سيدنا الإمام شرف الدين العاملي رضياللهعنه طرفا من ذلك في (الكلمة الغراء) فمن شاء فليرجع إليها
وليقف على كلمة الفصل فيها ، والله الموفق.
وأما
السنة الثابتة في تفضيلها عليهاالسلام فهي كثيرة لا تحصى ، ووفيرة
لا تستقصى ، فلنورد منها هنا طرفا مما ظفرنا به ، والله المستعان.
أخرج الشيخان في
صحيحيهما عن عائشة ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال :
__________________
يا فاطمة ، ألا
ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين ـ أو : سيدة نساء هذه الأمة ـ؟!
وأخرج الحاكم في (المستدرك) وصححه ، عنها ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ـ وهو في مرضه
الذي توفي فيه ـ : يا فاطمة ، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء
هذه الأمة ، وسيدة نساء المؤمنين؟!
وأخرج الترمذي في (سننه) عن حذيفة ، أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : إن هذا
ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة ، استأذن ربه أن يسلم علي
ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
وعن عمران بن حصين ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاطمة عليهاالسلام : يا بنية ،
__________________
أما ترضين أنك
سيدة نساء العالمين؟! قالت : يا أبت فأين مريم ابنة
عمران؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها ، وأنت سيدة نساء عالمك ، أما والله
زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة .
وعن جابر بن سمرة ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : أما إنها ـ يعني
فاطمة عليهاالسلام ـ سيدة النساء يوم
القيامة .
وأخرج الحاكم في (المستدرك) عن عائشة ، قالت لفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا أبشرك أني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ،
وفاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية.
وأخرج الحاكم والطبراني والخطيب أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لفاطمة عليهاالسلام : أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما ، وأعلمهم علما
، فإنك سيدة نساء أمتي كما سادت مريم قومها .. الحديث.
وأخرج أحمد في مسنده والحاكم في (المستدرك) وصححه ، عن ابن عباس رضياللهعنه ، قال : خط رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أربعة خطوط ، ثم قال : أتدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله
أعلم ، قال : إن أفضل نساء أهل الجنة
__________________
خديجة بنت خويلد ،
وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية
بنت مزاحم .. الحديث.
وأخرج أحمد والترمذي والحاكم عن أنس ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران ، وخديجة بنت
خويلد ،
وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم.
وعن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم ،
وآسية امرأة فرعون ،
وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وعن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن الله اصطفى على نساء العالمين أربعة : آسية بنت مزاحم
، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت
خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وعن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : خير نساء العالمين
أربع : مريم بنت عمران ، وابنة مزاحم امرأة فرعون ، وخديجة بنت
خويلد ، وفاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم .
__________________
وروى الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، عن عروة بن الزبير ،
مرسلا : خديجة خير نساء عالمها ، ومريم خير نساء عالمها ، وفاطمة خير نساء عالمها.
وأخرج
البخاري عن المسور بن مخرمة ، أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
قال : فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني.
قال
المناوي : استدل به السهيلي
على أن من سبها عليهاالسلام كفر ، لأنه
يغضبه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأنها أفضل من الشيخين .
وأخرج الحاكم عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال :
فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران.
قال في (فيض
القدير) : فعلم أنها أفضل من عائشة لكونها بضعة
منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخالف فيه بعضهم.
قال السبكي : الذي
نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة
ثم عائشة ، ولم يخف عنا الخلاف في ذلك ، ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
قال المناوي : قال الشيخ شهاب الدين بن حجر الهيتمي : ولوضوح
__________________
ما قاله السبكي
تبعه عليه المحققون ، وممن تبعه عليه الحافظ أبو الفضل بن حجر ، فقال في موضع : هي
مقدمة علي غيرها من نساء عصرها ، ومن بعدهن مطلقا. انتهى.
وأخرج ابن جرير الطبري عن فاطمة عليهاالسلام ، قالت : قال لي
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم البتول.
تنبيه :
إعلم أن (إلا) في
الحديثين ليست للاستثناء ، بل هي عاطفة بمنزلة
(الواو) في التشريك في اللفظ والمعنى ، كما في قوله تعالى : (لئلا يكون
للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم) وقوله تعالى : (لا يخاف لدي المرسلون
إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء) .
أي : ولا الذين
ظلموا ، ولا من ظلم ، وهو مذهب الأخفش والفراء
وأبي عبيدة ، كما حكاه ابن هشام في (المغني) .
وهذه الأحاديث
صريحة في تفضيل الصديقة الطاهرة عليهاالسلام على
عائشة في الدنيا والآخرة ، مع أنك ترى أنه لم يجر لأم المؤمنين ذكر في
شئ من هذه الأحاديث ، فضلا عن تفضيلها.
بل الحق الذي ندين
الله به أن البضعة الشريفة أفضل النساء على
__________________
الإطلاق ، حتى
أمها رضياللهعنها ، وعليه انعقد إجماع أهل الحق قاطبة.
وقد ذكر الحافظ
العسقلاني في (فتح الباري) أن حديث ابن عباس رضياللهعنه : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد
ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون) يقتضي أفضلية خديجة على غيرها.
وكذا ما أخرجه
البخاري عن علي عليهالسلام قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : (خير
نسائها مريم ابنة عمران ، وخير نسائها خديجة).
وقال الشهاب
القسطلاني في (إرشاد الساري) : روى النسائي من
حديث داود بن أبي الفرات ، عن علي بن أحمد السكري ، عن عكرمة ،
عن ابن عباس رضياللهعنهما ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال : وداود بن
أبي الفرات وعلي بن أحمد ثقتان ، فالحديث
صحيح ، وهو صريح في أن فاطمة وأمها أفضل نساء أهل الجنة. انتهى.
قلت :
وقد مر في
الأحاديث ما يدل على تفضيل فاطمة عليهاالسلام على أمها ، وكذا ما
رواه البخاري في صحيحه : (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) ، فانحصرت
الأفضلية المطلقة على النساء بفاطمة الزهراء عليها آلاف التحية والثناء.
__________________
وأما ما روي عن ابن عباس مرفوعا : سيدة نساء العالمين ـ وفي رواية
: سيدة نساء أهل الجنة ـ مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية ، فقد قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : إن هذا الحديث ليس بثابت ، وأصله عند أبي داود والحاكم
بغير صيغة ترتيب. انتهى.
وكذا ما روي عنه
مرفوعا : سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت
عمران ، فاطمة بنت محمد وخديجة وآسية امرأة فرعون .
فإن الأدلة الأخرى
التي هي أكثر عددا وأصح سندا وأصرح دلالة من
هذا الحديث ونحوه توجب الأعراض عما يستشعر منه تفضيل العذراء على الزهراء عليهماالسلام كما أفاده في (الكلمة الغراء) .
هذا ، وقد صرح جمع من الأئمة الأعلام ومشايخ الإسلام بتفضيل
بضعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على عائشة ومن سواها ، فلا بأس أن نسرد هنا طرفا مما وقفنا
عليه من كلامهم في ذلك ، لينجلي لك الحق وضوحا ، ويزداد أهل الباطل فضوحا.
قال الإمام مالك
بن أنس الأصبحي ـ إمام دار الهجرة ـ : لا أفضل أحدا على بضعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وقال العلقمي :
فاطمة وأخوها إبراهيم أفضل من جميع الصحب ، لما فيهما من البضعة الشريفة .
__________________
وذكر علم الدين
العراقي : أن فاطمة وأخاها إبراهيم أفضل من الخلفاء
الأربعة بالاتفاق .
وقال ابن قيم
الجوزية : إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذلك
أمر لا يطلع عليه إلا هو ، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح ، وإن أريد كثرة
العلم فعائشة لا محالة ، وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة ، وهي فضيلة لا
يشاركها فها غير أخواتها ، وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها .
وقال ابن حجر : قد
ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضلية خديجة وفاطمة على غيرهما .
قلت :
وقد تقدم آنفا
كلام له في تقديم فاطمة عليهاالسلام على غيرها من نساء
عصرها ومن بعدهن ، فراجع ثمة إن شئت.
وقال السيوطي ـ في
جواب من سأله عن عائشة وفاطمة أيهما أفضل؟ ـ : فيه ثلاثة مذاهب ، أصحها أن فاطمة رضياللهعنها أفضل .
وقال ابن داود :
فاطمة بضعة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا نعدل بها أحدا .
وقد مر عليك قول
الإمام تقي الدين السبكي : الذي نختاره وندين الله
به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة ، ولم يخف عنا الخلاف في
__________________
ذلك ، ولكن إذا
جاء نهر الله بطل نهر معقل.
وقال المناوي في (إتحاف
السائل) : أما نساء هذه الأمة فلا ريب
في تفضيلها عليهن مطلقا ، بل صرح غير واحد أنها وأخوها إبراهيم أفضل
من جميع الصحابة حتى الخلفاء الأربعة.
وقال الشيخ
العلامة أبو الثناء شهاب الدين الآلوسي البغدادي : الذي
أميل إليه أن فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات ، من حيث
إنها بضعة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل ومن حيثيات أخر أيضا ، إذ البضعية من روح الوجود وسيد
كل موجود ، لا أراها تقابل بشئ.
وأين الثريا من يد
المتناول
قال : ومن هنا
يعلم تفضيلها على عائشة ، ثم قال ـ بعد كلام له في المسألة ـ : وبعد هذا كله ،
الذي يدور في خلدي أن أفضل النساء فاطمة ثم أمها ثم عائشة ، بل لو قال قائل : إن
سائر بنات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل من عائشة لا أرى عليه بأسا ، وعندي بين مريم وفاطمة
توقف ، نظرا للأفضلية المطلقة ، وأما بالنظر إلى الحيثية فقد علمت ما أميل إليه.
انتهى .
قلت :
ينبغي التوقف في
ذلك ، فقد حكى المناوي في (فيض القدير)
عن السيوطي أنه قال في حديث (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) : فيه دلالة
على فضلها على مريم سيما إن قلنا بالأصح من أنها غير نبية.
__________________
وقد تقرر أفضلية
الزهراء على العذراء عليهماالسلام بأن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لفاطمة إنها سيدة
نساء أهل الجنة ، أي من هذه الأمة المحمدية ، وقد ثبتت أفضلية هذه الأمة على غيرها
، فتكون فاطمة ـ على هذا ـ أفضل من مريم
وآسية ، والله تعالى أعلم.
وقال الآلوسي أيضا
في موضع من (روح المعاني) : لا أقول بأن عائشة أفضل من بضعته : صلّى الله عليه وآله
الكريمة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها ، والوجه لا يخفى.
وقال في موضع آخر
منه : إن فاطمة من حيث البضعية لا يعدلها أحد. انتهى.
وممن صرح
بأفضليتها على نساء الدنيا حتى مريم عليهاالسلام تقي الدين
المقريزي وبدر الدين الزركشي والشيخ العلامة أحمد بن زيني بن دحلان
مفتي الشافعية بالحرمين الشريفين ، وهو اختيار الحافظ السيوطي في كتابيه :
(شرح النقاية) و (شرح جمع الجوامع) ـ كما في السيرة الدحلانية ـ.
هذا كله مضافا إلى
ما حكي من انعقاد الإجماع على أفضلية فاطمة
عليها الصلاة والسلام ـ كما حكاه الحافظ ابن حجر في (الفتح) ـ.
وأما عائشة بنت
أبي بكر ، فلم يرد نص بتفضيلها على بضعة الرسول
فاطمة الزهراء البتول كما أشار إلى ذلك علي بن عثمان الأوشي الحنفي في
__________________
(بدء الأمالي) حيث
قال :
وللصديقة
الرجحان فاعلم
|
|
على الزهراء في
بعض الخلال
|
قال القاري في (ضوء
المعالي) : إعلم أن المصنف أراد أنه لم يرد نص بتفضيل عائشة على
فاطمة ، وإنما ورد رجحانها عليها من جهة كثرة الرواية والدراية. انتهى.
قلت :
هذا مع كونه
اجتهادا في مقابل النص الصحيح الصريح ، فإنه سيأتي الجواب عنه إن شاء الله تعالى.
نعم ، ذهب أبو
حنيفة ـ صاحب المذهب ـ إلى القول بتفضيل عائشة حيث قال : عائشة أفضل نساء المؤمنين
.
لكن مر عن الأكمل
أنه نقل عن أبي حنيفة أن أفضليتها بعد خديجة ، وقد قررنا لك آنفا أن فاطمة الزهراء
عليهاالسلام أفضل نساء العالمين على الإطلاق ، حتى أمها خديجة رضي الله
تعالى عنها.
وقال محمد بن
سليمان الحلبي في (نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي) : إن عائشة أفضل نساء العالمين
مطلقا ، وأحب النساء إلى النبي : صلى الله عليه وآله وسلم ، وأعلمهن بالسنة. انتهى.
واعلم أن عمدة ما
عندهم في ذلك وجوه زائفة وحجج داحضة ، ذكرها الشهاب الآلوسي الحنفي وأجاب عنها ،
وهي ثلاثة :
أولها
: قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء) وفي لفظ :
__________________
(خذوا شطر دينكم
عن الحميراء).
والجواب
: أن حديث (خذوا
شطر دينكم ...) قال فيه الحافظ ابن حجر العسقلاني في تخريج ابن الحاجب : لا أعرف
له إسنادا ، ولا رأيته في شئ من كتب الحديث إلا في (النهاية) لابن الأثير ، ذكره
في مادة ح م ر ، ولم يذكر من خرجه.
وقال السخاوي :
ورأيته أيضا في كتاب (الفردوس) لكن بغير لفظه ،
وذكره من حديث أنس بغير إسناد أيضا ، ولفظه (خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء) وبيض
له صاحب (مسند الفردوس) فلم يخرج له إسنادا ، وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير أنه
سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه . انتهى.
وقال السيوطي : لم
أقف عليه .
وأما الحديث الآخر
، فعلى تقدير ثبوته فإن قصارى ما فيه إثبات أنها
عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين ، وهذا لا يدل على نفي العلم المماثل
لعلمها عن بضعته عليه الصلاة والسلام ، ولعلمه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنها لا تبقى بعده زمنا معتدا به يمكن أخذ الدين منها فيه
، لم يقل فيها ذلك ، ولو علم لربما
قال : خذو كل دينكم عن الزهراء ، وعدم هذا القول في حق من دل العقل والنقل على
علمه لا يدل على مفضوليته ، وإلا لكانت عائشة أفضل من أبيها ، لأنه لم يرو عنه إلا
قليل لقلة لبثه وكثرة غائلته بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
على أن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إني تركت فيكم الثقلين ، كتاب الله تعالى وعترتي ، لا
يفترقان حتى يردا علي الحوض) يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة
__________________
ـ كما لا يخفى ـ
كيف لا؟! وفاطمة رضي الله تعالى عنها سيدة تلك العترة.
انتهى كلام
الآلوسي.
وقد ظهر لك بهذا
وجه النظر فيما تقدم من كلام ابن القيم ، حيث
قال : إن أريد بالتفضيل كثرة العلم فعائشة لا محالة ، مضافا إلى تعقب
الحافظ ابن حجر له ـ كما سلف ـ فتنبه.
ثانيها
: قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ في ما أخرجه
الشيخان وأحمد ، عن أنس
وأبي موسى ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه قال ـ : فضل عائشة على النساء
كفضل الثريد على سائر الطعام.
تقريب الاستدلال :
أن الثريد أفضل طعام العرب ، وأنه مركب من الخبز واللحم ، فهو جامع بين الغذاء واللذة
وسهولة التناول وغير ذلك ، فضرب صلىاللهعليهوآلهوسلم لعائشة المثل به ليعلم أنها أعطيت حسن الخلق والخلق والحديث
وحلاوة المنطق وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل ، إلى غير ذلك.
وفيه :
أولا
: أن هذا الحديث
ظاهر الوضع ، بين الاختلاق والحزازة ، إذ لا يحسن نسبة هذا التشبيه الواهي إلى من
أوتي جوامع الكلم وكان أفصح من نطق بالضاد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وكيف لا يجزم
بكذبه وبطلانه من عرف طريقة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في
لطف كلامه وحسن بيانه وبديع تشبيهاته؟!
وأين هو من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فاطمة سيدة نساء العالمين)؟! ـ كما قال
العلامة ابن
المظفر ، في (دلائل الصدق) .
وثانيا
: أنه على تقدير
تسليمه لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة ـ كما صرح به شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر
في موضعين من (شرح البخاري) ـ.
وثالثا
: أن أفضليتها ـ
على تقدير تسليمها ـ مقيدة بنساء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى لا يدخل فيها
مثل فاطمة عليها الصلاة والسلام ، جمعا بين هذا الحديث وحديث : (أفضل نساء أهل
الجنة خديجة وفاطمة) ـ كما أشار إليه ابن حبان ـ وقد قضينا الوطر
فيما سلف من الكلام على ذلك.
وقال المناوي في
شرح هذا الحديث في (فيض القدير) : (على
النساء) أي على نساء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الذين في زمانها ، ومن أطلق نساءه ورد عليه خديجة ، وهي رضياللهعنها أفضل من عائشة على الصواب ، لتصريح المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم بأنه لم يرزق خيرا من خديجة ، ولخبر ابن أبي شيبة : (فاطمة
سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم وآسية وخديجة) فإذا فضلت فاطمة فعائشة أولى ، ومن
قيد بنساء زمنها ورد عليه فاطمة ، وفي شأنها قال أبوها ما سمعت.
قال : وقد قال جمع
من السلف والخلف لا نعدل ببضعة المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم أحدا ، قال البعض : وبه يعلم أن بقية أولاده كفاطمة رضياللهعنها. انتهى.
__________________
ثم رأيت أن ابن
أبي الحديد المعتزلي قد ذكر في (شرح نهج البلاغة) : أن أصحابه يحملون لفظة (النساء) في هذا الخبر على زوجاته
صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأن فاطمة عليهاالسلام عندهم أفضل منها ـ يعني عائشة ـ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (إنها سيدة نساء العالمين).
ورابعا
: أن هذا الحديث
معارض بما يدل على أفضلية غير عائشة
عليها ، فقد أخرج ابن جرير ، عن عمار بن سعد ، أنه قال : قال لي
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء
العالمين) بل هذا الحديث أظهر في الأفضلية وأكمل في المدح عند
من انجاب عن عين بصيرته عين التعصب والتعسف ـ كما قال الآلوسي ـ.
وقال أيضا : أشكل
ما في هذا الباب حديث الثريد ، ولعل كثرة
الأخبار الناطقة بخلافه تهون تأويله ، وتأويل واحد لكثير أهون من تأويل
كثير لواحد ، والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل.
ثالثها
: أن عائشة يوم
القيامة في الجنة مع زوجها صلىاللهعليهوآلهوسلم
وفاطمة عليهاالسلام يومئذ مع زوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
الصلاة والسلام ، وفرق عظيم بين مقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومقام ابن عمه عليهالسلام ، وهو قول أبي محمد ابن حزم ، وفساده ظاهر ـ كما قال ابن
حجر ـ وقال
الشيخ تقي الدين السبكي : هو قول ساقط مردود.
وأنت تعلم أن هذا
الدليل يستدعي أن تكون سائر زوجات
__________________
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أفضل من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ،
لأن مقامهم ـ بلا ريب ـ ليس كمقام صاحب المقام المحمود صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلو كانت الشركة في المنزل مستدعية للأفضلية لزم ذلك
قطعا ، ولا قائل به ـ كما أفاده الشهاب الآلوسي ـ.
على أن ذلك معارض
بما أخرجه الإمام أحمد عن عبد الرحمن
الأزرق ، عن علي عليهالسلام ، قال : دخل علي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا نائم على المنامة ، فاستسقى الحسن أو الحسين ، قال :
فقام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى شاة لنا بكئ فحلبها فدرت ، فجاءه الحسن فنحاه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقالت فاطمة : يا رسول الله ، كأن أخاه أحبهما إليك ، قال
: لا ، ولكنه استسقى قبله ، ثم قال : إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد
يوم القيامة.
هذا
، وإن من تصفح
أحوال عائشة وتتبع سيرتها أذعن بأنها لا
ينبغي أن تكون طرف تفضيل ، فضلا عن الخوض في تفاضلها مع الحوراء
الإنسية ، التي جوهرتها من شجرة قدسية .
وهل يكون الفضل
جزافا؟! وقد خالفت أمر الله في كتابه بقرارها في
بيتها ، وخرجت على إمام زمانها الذي جعل صلىاللهعليهوآلهوسلم حربه حربه ،
__________________
وجاهرت بعداوته
وقد قال فيه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : عادى الله من عادى عليا واستمرت على بغضه
، وقد جعل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بغضه أمارة النفاق ، حيث قال : (لا يحب عليا منافق ، ولا
يبغضه مؤمن) .
وكيف تكون أفضل
النساء؟! وقد ضرب الله سبحانه مثلها ومثل صاحبتها في كتابه المجيد بقوله تعالى : (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح
وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله
شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) .
فتدبروا يا أولي
الألباب في أحاديث السنة وآيات الكتاب ، واعرفوا الحق لأهله ، كي تكونوا من أهله
إن شاء الله.
(سبحان ربك رب العزة
عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين).
__________________
المصادر
١ ـ إتحاف السائل بما
لفاطمة من المناقب والفضائل ، لزين الدين المناوي ـ طبع مكتبة القرآن بالقاهرة ـ
بتحقيق عبد اللطيف عاشور.
٢ ـ إحياء علوم الدين ، لأبي حامد الغزالي ـ ط.
٣ ـ الأذكار من كلام سيد
الأبرار ، لمحيي الدين
النووي ـ عني به محيي الدين الشامي ـ مؤسسة التقويم الإسلامي ودار البشائر
الإسلامية ، الطبعة الثانية سنة ١٤٠٦ ه.
٤ ـ إرشاد الساري لشرح
صحيح البخاري ، لشهاب الدين
القسطلاني ـ
طبع المطبعة الأميرية بمصر ، سنة ١٣٠٤ ه.
٥ ـ الإستيعاب في معرفة
الأصحاب ، لابن عبد البر
النمري القرطبي ، المطبوع بهامش الإصابة ـ الطبعة الأولى ، سنة ١٣٢٨ ه.
٦ ـ أسد الغابة في معرفة
الصحابة ، لعز الدين ابن
الأثير الجزري ـ طبعة دار الشعب ، سنة ١٣٩٣ ه.
٧ ـ الإصابة في تمييز
الصحابة ، للحافظ ابن حجر
العسقلاني ـ الطبعة الأولى ، سنة ١٣٢٨ ه.
٨ ـ الإمامة والسياسة ، لابن قتيبة الدينوري ، طبعة البابي الحلبي ، سنة ١٣٨٨ ه.
٩ ـ تاج العروس من جواهر القاموس ، لمحب الدين محمد مرتضى الزبيدي ـ طبعة مصر ، سنة ١٣٠٧ ه.
١٠ ـ تاريخ الأمم والملوك (تاريخ
الطبري) ، لأبي جعفر محمد
بن جرير الطبري ـ طبعة مصر.
١١ ـ تهذيب التهذيب ، للحافظ ابن حجر العسقلاني ـ طبعة دار إحياء التراث
العربي ، سنة ١٤١٢ ه.
١٢ ـ جامع البيان (تفسير
الطبري) ، لأبي جعفر محمد
بن جرير الطبري ـ
طبعة المطبعة
الكبرى ببولاق ، سنة ١٣٢٤ ه.
١٣ ـ الحاوي للفتاوي ، لجلال الدين السيوطي ـ طبعة المنيرية ، سنة ١٣٢٥ ه.
١٤ ـ حلية الأولياء ، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ـ طبعة مطبعة السعادة
بمصر ، سنة ١٣٥١ ه.
١٥ ـ خصائص أمير المؤمنين عليه
السلام ، للحافظ النسائي
ـ طبعة مطبعة التقدم العلمية بمصر ، سنة ١٣٤٨ ه.
١٦ ـ الدر المنثور في
التفسير بالمأثور ، للحافظ جلال الدين السيوطي ـ طبعة الميمنية ، سنة ١٣١٤ ه.
١٧ ـ الدر النضيد من
مجموعة الحفيد ، للشيخ أحمد بن يحيى بن سعد
الدين التفتازاني ـ الطبعة الأولى ، مطبعة التقدم ، سنة ١٣٢٢ ه.
١٨ ـ دلائل الصدق، للعلامة الشيخ محمد حسن المظفر ـ أفسيت مكتبة بصيرتي ـ قم.
١٩ ـ ذخائر العقبى ، لمحب الدين الطبري ـ طبعة مصر ، سنة ١٣٥٦ ه.
٢٠ ـ روح المعاني في تفسير
القرآن العظيم والسبع المثاني (تفسير الآلوسي) ،
لشهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي البغدادي ـ طبعة دار إحياء التراث العربي ـ
بيروت.
٢١ ـ الروض الأنف في شرح
السيرة النبوية ، لأبي القاسم السهيلي ـ ط.
٢٢ ـ سنن ابن ماجة ، لمحمد بن يزيد بن ماجة القزويني ، تحقيق محمد فؤاد عبد
الباقي ـ طبعة دار الفكر ـ بيروت.
٢٣ ـ سنن أبي داود ، لأبي داود السجستاني ـ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد
ـ دار إحياء السنة النبوية ـ القاهرة.
٢٤ ـ سنن الترمذي (الجامع
الصحيح) ، لأبي عيسى محمد
بن عيسى بن سورة الترمذي ـ تحقيق إبراهيم عطوة عوض ـ طبعة البابي الحلبي.
٢٥ ـ السيرة النبوية
والآثار المحمدية ، لأحمد زيني دحلان ـ أفسيت دار المعرفة ـ بيروت.
٢٦ ـ شرح صحيح مسلم ، لمحيي الدين النووي ـ المطبوع بهامش إرشاد الساري ـ طبع
المطبعة الأميرية بمصر.
٢٧ ـ شرح الفقه الأكبر ، لملا علي القاري الهروي ـ طبع إسطنبول ، سنة ١٣٠٣ ه.
٢٨ ـ شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد المعتزلي ـ تحقيق محمد أبو الفضل
إبراهيم ـ طبعة مصر ، سنة ١٣٨٥ ه.
٢٩ ـ صحيح البخاري ، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري.
٣٠ ـ صحيح مسلم ، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري.
٣١ ـ ضوء المعالي ـ شرح بدء الأمالي
، لملا علي القاري الهروي ـ طبعة إسطنبول.
٣٢ ـ طبقات الصحابة ، لابن سعد ـ طبعة ليدن ، سنة ١٣٢٢ ه.
٣٣ ـ الطرائف في معرفة
مذاهب الطوائف ، لابن طاووس ـ طبعة مطبعة الخيام بقم ، سنة ١٣٩٩ ه.
٣٤ ـ فتح الباري بشرح صحيح
البخاري ، للحافظ ابن حجر
العسقلاني ـ طبعة دار الريان للتراث ـ مصر ، سنة ١٤٠٧ ه.
٣٥ ـ فضائل الخمسة من
الصحاح الستة ، للعلامة
الفيروزآبادي ـ طبعة مؤسسة الأعلمي ، بيروت ، سنة ١٤٠٢ ه.
٣٦ ـ فيض القدير ـ شرح
الجامع الصغير ، لعبد الرؤوف المناوي ـ طبعة مصر ، سنة ١٣٥٧ ه.
٣٧ ـ الكامل في التأريخ ، لابن الأثير علي بن محمد الشيباني ، طبعة دار صادر ،
بيروت ، سنة ١٤٠٢ ه.
٣٨ ـ الكشاف عن حقائق
التنزيل (تفسير الزمخشري) ، لجار الله محمود ابن عمر الزمخشري ـ طبعة دار المعرفة ـ بيروت.
٣٩ ـ الكلمة الغراء في
تفضيل الزهراء عليهاالسلام ، للإمام شرف الدين العاملي رحمهالله (مطبوع مع الفصول
المهمة) ـ طبعة دار النعمان ، النجف الأشرف.
٤٠ ـ كنز العمال في سنن
الأقوال والأفعال ، للمتقي الهندي ـ طبعة
حيدر آباد ، سنة
١٣١٢ ه.
٤١ ـ كنوز الحقائق في
أحاديث خير الخلائق ، للمناوي ـ طبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر ، سنة ١٣٥٦ ه.
٤٢ ـ المستدرك على
الصحيحين ، للحاكم
النيسابوري ـ طبعة حيدر آباد ، سنة ١٣٤٤ ه.
٤٣ ـ مسند أحمد بن حنبل ، طبعة الميمنية ، سنة ١٣١٣ ه.
٤٤ ـ مشكل الآثار ، لأبي جعفر الطحاوي ـ طبعة حيدر آباد ، سنة ١٣٣٣ ه.
٤٥ ـ مقاتل الطالبيين ، لأبي الفرج الأصبهاني ـ طبعة المطبعة الحيدرية بالنجف ـ
الطبعة الثانية ، سنة ١٣٨٥ ه.
٤٦ ـ المقاصد الحسنة في
بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ، للحافظ السخاوي ـ طبع دار الكتاب العربي ـ الطبعة الأولى
ـ بيروت ، سنة ١٤٠٥ ه.
٤٧ ـ النهاية في غريب
الحديث والأثر ، لمجد الدين ابن الأثير الجزري ـ طبعة سنة ١٣٨٥ ه.
السيّد عليّ حسن مطر
تاسعاً ـ مصطلح الحال
* الحـال لغـةً :
يطلق الحال في اللغة على عدّة معانٍ،
نذكر منها :
١ ـ ما عليه الاِنسان من خير أو شـرّ.
٢ ـ الوقت الذي أنت فيه.
٣ ـ صَرْف الدهر .
والحال يُذكّر ويؤنّث، والتذكير يشمل
لفظه وضميره ووصفه وغيرها ، لكنّ الاَرجح في لفظه هو التذكير ، فيقال : (حال) بلا
تاء ، والاَرجح في غير اللفظ هو التأنيث ، قال الشاعر :
إذا أعجبتكَ الدهرَ حالٌ أمرئٍ
|
|
فَدَعْهُ وواكل أمره واللياليا
|
وألف الحال منقبلة عن واو ؛ لقولهم في
جمعها : أحوال ، وفي
__________________
تصغيرها : حويلة ،
واشتقاقها من التحوّل وهو التنقّل .
«وقد يؤنّثُ لفظُها ، فيقال : حالةٌ ،
قال الشاعر :
على حالةٍ لو أَنَّ في القومِ حاتِماً
|
|
على جودِه لضنَّ بالماءِ حاتِمُ»
|
* الحـال اصطلاحـاً :
قبل أن يستقرّ لفظ (الحال) عنواناً
للمعنى الاصطلاحي النحوي ، عبّر النحاة عنه بعناوين متعدّدة ، ففي كتاب سيبويه (ت
١٨٠ هـ) نجد العناوين الاَربعة التالية :
١ ـ الحال ، قال : «ما ينتصب لاَنّه حال
... وذلك قولك : ما شأنك قائماً».
٢ ـ الخبر ، قال : «ما ينتصبُ فيه الخبر
... وذلك قولك : فيها عبـدالله قائماً».
٣ ـ الصفة ، قال : «واعلم أنّ الشيء
يوصف بالشيء ... كقولك : هذا زيدٌ ذاهباً».
٤ ـ الموقوع فيه ، قال : «ما ينتصبُ
لاَنّه وقع فيه الفعل»
، أو لاَنّه
__________________
«حال وقع فيه الاَمر
، فانتصب لاَنّه موقوع فيه الاَمر ، وذلك قولك : قتلته صبراً».
وعبّر الفرّاء (ت ٢٠٧ هـ) عن الحال
بعنوانين :
أوّلهما
: الفعل ، قال في تفسير الآية الكريمة : (ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللهِ مصدّق)
: «إن شئت رفعت (المصدّق)
ونويت أن يكون نعتاً للكتاب ؛ لاَنّه نكرة ، ولو نصبته على أن تجعل المصدّق (فعلاً)
للكتاب ، لكان صواباً ، وفي قراءة عبـدالله في آل عمران (ثمّ جاءكم رسول مصدّقاً)
، فجعله فعلاً».
والثاني
: القطع ، قال في تفسير الآية الكريمة : (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين)
: إنّ من وجوه إعراب (هدىً) «أن تجعل (الكتاب) خبراً لـ (ذلك) ، فتنصب (هدىً) على القطع
... وإنْ شئت نصبت (هدىً) على القطع من الهاء التي في (فيه) ، كأنّك قلت : لا شكّ
فيه هادياً».
وعبّر المبرّد (ت ٢٨٥ هـ) عن الحال
بالمفعول فيه ، قال : «هذا باب من المفعول ، ولكنّا عزلناه ممّا قبله ؛ لاَنّه
مفعول فيه ، وهو الذي يسمّيه النحويّون الحال» .
والوجه في تسمية الحال مفعولاً فيه أنّ
لها شبهاً خاصّـاً به
__________________
«وخصوصاً ظرف الزمان
؛ وذلك لاَنّها تقدّر بـ (في) كما يقدّر الظرف ، فإذا قلت : جاء زيد راكباً ، كان
تقديره : في حال ركوب ، كما أنّك إذا قلت : جاء زيد اليوم ، كان تقديره : جاء زيد
في اليوم» .
* * *
وأقدم من عرّف الحال اصطلاحاً هو ابن
السرّاج (ت ٣١٦ هـ) قال : «الحال إنّما هي هيئة الفاعل أو المفعول أو صفته في وقت
ذلك الفعل المخبر به عنه» .
وعرّفها ابن الاَنباري (ت ٥٧٧ هـ) بما
يماثل تعريف ابن السرّاج ، قال : الحال «هيئة الفاعل والمفعول»
، وهو وإنْ لم يقيّدها بزمن وقوع الفعل ، إلاّ أنّ مراده ذلك ، بدليل قوله في شرح
التعريف : «ألا ترى أنّك إذا قلت : جاءني زيد راكباً ، كان الركوب هيئة زيد عند
وقوعِ المجيء منه ، وإذا قلت : ضربته مشدوداً ، كان الشدّ هيئته عند وقوعِ الضرب
له».
ولا يخفى ما في هذا التعريف من مسامحة
في التعبير ؛ فإنّ الحال ليست هي الهيئة ، وإنّما هي اللفظ الدالّ عليها.
وقد خلا تعريف ابن جنّي (ت ٣٩٢ هـ) من
هذه المسامحة ؛ إذ قال :
__________________
الحال «وصف هيئة
الفاعل أو المفعول به»
، وتابعه عليه كلٌّ مِن ابن الخشّاب (ت ٥٦٧ هـ)
، وابن يعيش (ت ٦٤٣ هـ)
، وابن بابشاذ (ت ٤٦٩ هـ)
چع ، والزمخشري (ت ٥٣٨ هـ)
، والمطرزي (ت ١٦٠ هـ)
، وابن معطي (ت ٦٢٨ هـ).
وقد أشكل ابن إيازٍ على هذا التعريف
بأنّه «يبطل بالوصف في قولك : جاءني زيد الراكب»
، فإنّه وصف لهيئة الفاعل وليس حالاً.
وتجدر الاِشارة إلى أنّ ابن الحاجب كان
قد سبق إلى طرح هذا الاِشكال بقوله : إنّ العاقل في «جاء زيد العاقل ، بيان لهيئة
زيد ، وهو فاعل ، فهو بيان لهيئة الفاعل ، وليس بحال» ، ولكنّه دفعه قائلاً : «وجوابه
أنّ ... قوله : بيان لهيئة الفاعل ، تنبيهاً على اعتبار الفاعلية في بيان الهيئة ،
وفي قولك : جاء زيد العاقل ، لم تجئ بالعاقل بياناً لزيد باعتبار الفاعلية ،
وإنّما جئت به بياناً باعتبار الذات ، لا باعتبار كونها فاعلة».
__________________
وعرّفها ابن الحاجب (ت ٦٤٦ هـ) بقوله : «الحال
ما يبيّن هيئة الفاعل أو المفعول به لفظاً ومعنىً».
فأضاف القيد الاَخير (معنىً) ليجعل
التعريف شاملاً لاَفراد من الحال تخرج عنه لولا هذا القيد.
وقوله : «لفظاً ، أي سواءٌ كان الفاعل
أو المفعول به الذي وقع الحال عنه لفظاً ، أي : لفظيّاً ، بأنْ تكون فاعلية الفاعل
أو مفعوليّة المفعول باعتبار لفظ الكلام ومنطوقه ... أو معنىً ، أي : معنويّـاً ،
بأنْ تكون فاعلية الفاعل أو مفعوليّة المفعول باعتبار معنىً يفهم من فحوى الكلام
لا باعتبار لفظه ومنطوقه»
. وقد تقدّمت أمثلة «الفاعل والمفعول
اللفظيّين ، أمّا المفعول المعنوي فنحو (شيخاً) في قوله تعالى : (وهذا بعلي شيخاً)
؛ فإنّ (بعلي) خبر المبتدأ ، وهو في المعنى مفعول لمدلولِ (هذا) ، أي : أُنبّهُ
على بعلي وأشير إليه شيخاً ، وأمّا الفاعل المعنوي ، فكما في قوله :
كأنّه خارجاً من جنب صفحته
|
|
[سفودُ شَرْبٍ نَسَوْهُ عند
مُفْتأَدِ]
|
إذ المعنى : يشبه خارجاً سفود شرب».
ولاحظ الرضي الاسترابادي على هذا
التعريف أنّه ليس جامعاً ؛ إذ يخرج عنه «الحال التي هي جملة بعد عامل ليس معه ذو
حال ، كقوله :
وقد أَغتدي والطير في وكناتها
|
|
بمـنـجـردٍ قيـدِ الاَوابـدِ هيـكلِ
|
__________________
ويخرج أيضاً الحال عن المضاف إليه إذا
لم يكن المضاف عاملاً في الحال ، وإنْ كان ذلك قليلاً ، كقوله تعالى : (بل نتّبع ملّةَ إبراهيم حنيفاً)
، وقوله تعالى : (إنّ دابر هؤلاءِ مقطوع
مصبحين).
لكنّه دفع الاِشكال بخروج الحال من
المضاف إليه بقوله :
«إنّ الحال عمّا أُضيف إليه غير العاملِ
في الحال ، لا يجيء إلاّ «أوّلاً» : إذا كان المضاف فاعلاً أو مفعولاً يصحّ حذفه
وقيام المضاف إليه مقامه ، كما أنّك لو قلت : بل نتّبع إبراهيم ، مقام (بل نتّبعُ ملّةَ إبراهيم)
جازَ ، فكأنّه حال من المفعول ، و «ثانياً» : إذا كان المضاف فاعلاً أو مفعولاً
وهو جزء المضاف إليه ، كما في قوله تعالى : (إنّ دابر هؤلاءِ
مقطوع مصبحين)
، لاَنّ دابر الشيء أصله ، فكأنّه قال : يقطع دابر هؤلاءِ مصبحين ، فكأنّه حال من
مفعول ما لم يسمّ فاعله» .
وقال ابن عصفور (ت ٦٦٩ هـ) في تعريف
الحال : أنّها «اسم أو ما في تقديره ، منصوب لفظاً أو نيّة ، مفسّر لِما انبهم من
الهيئات ، أو مؤكّد لِما انطوى عليه الكلام ، فالمفسّر قولك : جاء زيد ضاحكاً ،
والمؤكّد : تبسّم زيد ضاحكاً» .
والجديد في هذا التعريف :
أوّلاً
: تقسيمه الحال إلى صريح ومقدّر ، ليكون
شاملاً للحال جملة وشبه جملة ، وهذا حسن ، ولكنّ الاَفضل جعل (الاسم) جنساً
للتعريف ،
__________________
والاِشارة إلى أقسامه
في شرحه.
ثانياً
: تقسيمه الحال إلى مفسّرة (مبيّنة)
للهيئة ومؤكّدة ؛ التفاتاً منه إلى أنّهما نوعان مختلفان.
ثالثاً
: أنّه أطلق الحال المفسّرة للهيئة ، ولم
يقصرها على ما يبيّن هيئة الفاعل أو المفعول ، وبذلك جعل التعريف صالحاً لشمول
الحال من المضاف إليه بلا حاجة إلى التأويل المتقدّم من الرضي ، وشاملاً للحالِ من
الخبر في نحو قوله تعالى : (وهذا بعلي شيخاً)
، ومن المبتدأ في نحو : الاِنسان صادقاً ممدوح.
وأمّا إشارته إلى أنّ الحال (منصوب
لفظاً أو نيّة) فسيأتي وجه الاعتراض عليها.
وعرّف ابن مالك (ت ٦٧٢ هـ) الحال
بتعريفين :
أوّلهما
: «ما دلّ على هيئة وصاحبها ، متضمّناً
ما فيه معنى (في) غير تابع ولا عمدة».
وممّا ذكر في شرحه : أنّ قيد (وصاحبها)
مخرج لنحو (القهقرى) في جملة : رجعت القهقرى ؛ [لدلالتها على الهيئة دون صاحبها] ،
وقوله (متضمّناً ما فيه معنى : في) مخرج لِما يكون معنى (في) لمجموعه ، نحو :
دخلتُ الحمّامَ ؛ لاَنّ معناه : دخلتُ في الحمّام ، لكنّ ليس بعض الحمّام أَوْلى
بمعنى (في) من بعضٍ ، بخلافِ جئت راكباً ، فإنّ معناه : جئت في حال ركوب ، فمعنى (في)
مختصّ بجزء مفهومه وهو المصدر ، وقوله (غير تابع) مخرج لنحو (راكب) في قولنا :
مررتُ برجل راكبٍ ، وقوله
__________________
(ولا عمدة) مخرج
للخبر في نحو : زيدٌ راكبٌ.
ويلاحَظ أنّ قوله : (ما دلّ على هيئةٍ)
كافٍ لاِخراج نحو (الحمّام) في المثال ؛ إذ الحمّام لا يدلّ على هيئة.
وثانيهما
: قوله في أُرجوزته :
الحال وصف فضلة منتصبُ
|
|
مفهم في حالٍ كفرداً أَذهبُ
|
أي : «أنّه الوصف الفضلة المنتصبُ
للدلالة على الهيئة».
والمراد بالوصف : ما دلّ على معنىً وذات
متّصفة به ، وهو : اسم الفاعلِ والمفعول والصفّة المشبّهة وأمثلة المبالغة وأفعل
التفضيل.
«والمراد الوصف ولو تأويلاً ؛ لتدخل
الجملة وشبهها والحال الجامدة ؛ لتأويل كلّ بالوصف المشتقّ».
ويخرج بقيد الوصف نحو (القهقرى) في :
رجعت القهقرى
؛ فإنّه
__________________
اسم للرجوعِ إلى خلف
، فهو مصدر لا وصف.
ويخرج بقوله (فضلة) الوصف الواقع عمدة ،
وهو الخبر في نحو : زيد قائم
، «والمبتدأ في نحو : أقائم الزيدان».
«والمراد بالفضلة ما يصحّ الاستغناء عنه
، وقد يعرض له ما يوجب ذِكره ، إمّا لوقوعه سادّاً مسدّ الخبر ، نحو : ضربي زيداً
قائماً ، أو لتوقّف المعنى عليه ، كقوله :
إنّما الميتُ من يعيشُ كئيباً
|
|
كاسفاً باله قليلَ الرجاءِ».
|
وقوله : «منتصب ، أي : أصالة ، وقد يجرّ
لفظه بالباء ومِن بعد النفي ، لكنّ ذلك ليس مقيساً على الاَصحّ ، نحو :
فما رجعت بخائبةٍ ركابٌ
|
|
حكيم بن المسيَّبِ منتهاها».
|
وقيد (النصب) «مخرج لنعتَي المرفوع
والمخفوض ، كجاءني رجل راكبٌ ، ومررت برجل راكب»
، وقد حمل ابن الناظم «قوله : منتصب على جائز النصب ، واعترضه بوصف المنصوب ،
وحمله المرادي على واجب النصب ، فيخرج النعت ؛ لاَنّه غير لازم النصب ، وهو أظهر ؛
لاَنّ
__________________
النصب من أحكام الحال
اللازمة له» .
وممّا أُخذ عليه :
أوّلاً
: أنّه لم يقيّد (منتصب) باللزوم ، وإنْ
كان مرادَه ؛ ليخرج النعت المنصوب كرأيت رجلاً راكباً ، فإنّه يفهم في حال ركوبه ،
وإنْ كان ذلك بطريق اللزوم لا بطريق القصد ؛ فإنّ القصد إنّما هو تقييد المنعوت».
وثانياً
: أنّه يلزم من ذِكر النصب الدور
المستحيل عقلاً ؛ لاَنّ النصب حكم ، والحكم فرع التصوّر ؛ إذ لا يحكم على شيء إلاّ
بعد تصوّره ، والتصوّر متوقّف على جميع أجزاء الحدّ التي منها النصب ، فيحصل الدور»
وقد أُجيب عن إشكال الدور بأنّ الحكم لا
يتوقّف على معرفة كنه حقيقة الشيء المتوقّفة على الحدّ ، بل يكفي فيه تصوّر الشيء
بوجه ما.
ومع هذا يبقى إثبات (النصب) في التعريف
غير مستحسن ؛ لاَنّه من عوارض الحال ، لا من ذاتيّاتها التي يطلب إثباتها في الحدّ
، ولذا قال المكودي : «وتسامح الناظم في هذا التعريف ؛ لاِدخاله فيه النصب وهو من
أحكام الحال لا جزءاً من ماهيّته».
__________________
ولاَجلِ ذلك ذهب بعـضٌ إلى أنّ
الاََوْلى حمل قوله (منتصب) على كونه خبراً لمبتدأ محذوف ، والجملة اعتراضية وليست
قيداً في التعريف
، وهذا ما يقتضيه صنيع ابن عقيل في شرحه للاَلفية ، فإنّه لم يخرج بالوصف شيئاً.
وخرج بقوله : (مفهم في حال) ، أي :
دالٌّ على الهيئة ، ثلاثة أشياء :
أوّلها
: التمييز ، في نحو : للهِ درّه فارساً ،
فإنّه لا يدلّ على الهيئة ؛ لاَنّه على معنى (من) لا (في)
، وإنّما هو لبيان جنس المتعجّب منه.
وثانيها
: النعت ، في نحو : رأيتُ رجلاً راكباً ،
فإنّه لا يقصد به الدلالة على الهيئة ، وإنّما المقصود به تقييد المنعوت وتخصيصه ،
وإنْ لزم منه بيان الهيئة ضمناً وعرضاً.
أقـول
:
كفاية قيد الدلالة على الهيئة لاِخراج
النعت المنصوب تكون سبباً آخر
__________________
لحذف قيد (النصب) من
الحدّ ، مضافاً للسبب المتقدّم من كونه ليس من ذاتيّات المعرّف ، فقد كان مسوّغ ذِكره
هو إخراج النعت به مطلقاً ، بعد الحمل على إرادة النصب اللازم.
وثالثها
: الخبر ؛ فإنّ «مراده بقوله : (يبيّن
الهيئة) أنّه ذكر لبيانها ، نصّ على هذه القاعدة ابن الحاجب في أماليه ، قال : إذا
قيل : الفاعل ما أُسند إليه الفعل ، فمعناه : ما ذُكر ليُسند إليه الفعل ...
والخبر إنّما ذُكر للاِسناد إلى المبتدأ لا لبيان الهيئة».
وقد عقّب الخضري على قيد (الدلالة على
الهيئة) بقوله : «أي هيئة صاحبه وصفته وقت وقوعِ الفعل»
، وفي كلامه نظر ؛ لاَنّه يجعل الحدّ غير شامل للحالِ من المبتدأ والخبر.
وقد اتّضح من عرض تعريفَي ابن مالك أنّ
كليهما يختصّ بالحال المبيّنة للهيئة دون المؤكّدة.
وأمّا الرضي (ت ٦٨٦ هـ) فقد عمد أيضاً ـ
قبل بيان حدّ الحال ـ لقسمتها إلى نوعيها ، فقال : «الحال على ضربين : منتقلة
ومؤكّدة ، ولكلّ منهما حدّ ، لاختلاف ماهيّتهما».
ومراده بالمنتقلة الحال المبيّنة أو
المؤسّـسة في تعبير غيره ، والمسوّغ للتعبير عنها بالمنتقلة هو ما ذكروه من أنّ
الانتقال هو الاَصل فيها وأغلب حالاتهاگك.
لكنّه عرّفها بطريقة لا تخلو من التعقيد ، فلم يتابعه على الاَخذ
__________________
بها أحدٌ ممّن تأخّر
عنه ، قال : «فحدُّ المنتقلة جزء كلام يتقيّد بوقت حصول مضمونه ، تعلّقُ الحدثِ
الذي في ذلك الكلام بالفاعلِ أو المفعول أو بما يجري مجراهما ...
ويخرج بقولنا : حصول مضمونه ، المصدر في
نحو : رجع القهقرى ، لاَنّ الرجوع يتقيّد بنفسه لا بوقتِ حصول مضمونه ، ويخرج
النعت بقولنا : يتقيّد تعلّق الحدث بالفاعل أو المفعول ؛ فإنّه [النعت] لا يتقيّد
بوقت حصول مضمونه ذلك التعلّق ، وقولنا : أو بما يجري مجراهما ، يدخل حال الفاعل
والمفعول المعنويَّين ... والحال عن المضاف إليه الذي لا يكون في المعنى فاعلاً أو
مفعولاً للمضاف ... والحال في نحو قوله : ... وقد أغتدي والطير في وكناتها.
وحدّ المؤكّدةِ : اسم غير حدث يجيء
مقرّراً لمضمون جملة ... فقولنا : غير حدث ، احتراز عن المنصوب في نحو : رجع
رجوعاً».
وقال ابن الناظم (ت ٦٨٦ هـ) في تعريف
الحال المبيّنة : «الوصف المذكور فضلة لبيان هيئة ما هو له» ، وأشكل على والدِه
بأنّ «قوله : (مفهم في حال) يشمل النعت ، ألا ترى أنّ قولك : مررت برجلٍ راكبٍ ،
في معنى : مررت برجل في حال ركوبه ، فلاَجل ذلك عدلت عن هذه العبارة إلى قولي ...
لبيان هيئة ما هو له»
، وقد تابعه على هذا الحدّ الشيخ خالد الاَزهري (ت ٩٠٥ هـ).
__________________
ويلاحظ على كلامه :
أوّلاً
: أنّه أحسنَ بعدم ذِكر (النصب) في الحدّ
؛ للاَسباب المتقدّمة.
ثانياً
: أنّ تمثيله ـ في الاعتراض على والده
بدخول النعت ـ بجملة (مررت برجلٍ راكب) غير جيّد ، إذ يمكن ردّه بخروجه بقيد النصب
الذي ذكره الناظم في الحدّ ، فكان عليه أن يمثّل بنحو : رأيتُ رجلاً راكباً.
ثالثاً
: أنّه يمكن ردّ اعتراضه على والده
بطريقين :
أوّلهما
: أنّ الاعتراض متوقّف على كون مراد
والده بجمله (مفهم في حال) معنىً آخر غير (بيان هيئة صاحبه) ، ولكنّ الاَقرب
إرادته لهذا المعنى ؛ بدلالة تعبيره به في تعريفه المتقدّم للحال الذي سجّله في
كتابه (التسهيل) ، ولذا صرّح ابن عقيل بأنّ «قول المصنّف (مفهم في حال) هو معنى
قولنا : للدلالة على الهيئة».
وثانيهما
: أنّ النعت خارج لاَنّه لا يفهم الحال
بطريق القصد ، وإنّما يدلّ عليها عَرَضاً.
وتقدّم أبو حيّان (ت ٧٤٥ هـ) بتعريفين
للحال :
أوّلهما
: «اسم يبيّن الهيئة».
وهو أوجز تعريف يواجهنا حتّى الآن ،
وقوله (اسم) شامل للصريح والمؤوّل ، وللمشتقّ (الوصف) والجامد المؤوّل بالمشتقّ ،
ولم يذكر قيد (الفضلة) التفاتاً منه لعدم الحاجة إليه ؛ لاَنّ مَن ذكره أراد به
إخراج ما كان
__________________
عمدة من الاَوصاف ،
كالمبتدأ والخبر ، وهما خارجان بقيد (بيان الهيئة) ؛ فإنّهما لا يُذكران لبيانها ،
بل يُذكر المبتدأ لكي يسند إليه الخبر ، ويُذكر الخبر لكي يُسند إلى المبتدأ.
إلاّ أنّ ابن هشام أشكل عليه بأنّه لا
يشمل «الحال المؤكّدة ، نحو : (فتبسَّمَ ضاحكاً)
و (ولّى مدبراً)
؛ فإنّها حال ولم تُذكر للتبيين ، بل للتأكيد ؛ إذ البيان مستفاد قبل مجيئها».
وثانيهما
: «اسم مبيّن هيئة أو مؤكّد»
، ولا يرد عليه الاِشكال المذكور.
وأمّا ابن هشام (ت ٧٦١ هـ) فقد ذكر
للحال تعريفين أيضاً :
الاَوّل
: «وصف فضلة يقع في جواب كيف ، كضربت
اللِّصَّ مكتوفاً».
وردّ الاِشكال عليه بخروج نحو (مفسدين)
في قوله تعالى : (ولا تعثوا في الاَرضِ
مفسدين)
، فإنّه حال ، ومع ذلك لا يقع في جواب كيف ، وكان ردّه : أنّ الحدّ المذكور للحال
المبيّنة لا للحالِ المؤكّدة».
أقـول
:
كان بوسعه أن يعتذر عن ابن حيّان في
تعريفه الاَوّل بهذا العذر
__________________
أيضاً ، بدلاً من
تثبيت الاِشكال عليه.
والثاني
: شامل لنوعَي الحال ، وهو : «وصف فضلة
مسوق لبيان هيئة صاحبه ، أو تأكيده ، أو تأكيد عامله ، أو [تأكيد] مضمون
الجملة قبله».
وهو تعريف قابل للاختزال بحذف (الوصف) ،
فإنّ المراد به الاحتراز عن دخول نحو (القهقرى) ، وهو خارج بقيد الدلالة على
الهيئة ، وبالاِمكان الاجتزاء بذِكر (التأكيد) وترك بيان أقسامه إلى شرح التعريف.
ويلاحظ أنّه كرّر هذا التعريف في شرحه
على الاَلفية ، إلاّ أنّه قسّم الحال أوّلاً إلى نوعيها ، ثمّ ذكر لكلٍّ منهما ما
يخصّه من التعريف.
وعرّفها السيوطي (ت ٩١١ هـ) بأنّها «فضلة
دالٍّ على هيئة صاحبه». وقال في شرحه : إنّ قيد الدلالة على الهيئة مخرج لجميع
المنصوبات عدا المصدر النوعي ، فإنّه يخرج بقيد صاحبه ، نحو (القهقرى) في جملة
رجعت القهقرى ؛ فإنّه يدلّ على هيئة الرجوع لا هيئة الصاحب.
ويلاحظ أنّه يمكن الاستغناء عن قيد (الفضلة)
في هذا الحدّ ؛ إذ المراد بها الاحتراز عمّا دلّ على الهيئة ممّا هو عمدة في
الكلام كالمبتدأ والخبر ، وقد علمنا أنّهما خارجان أيضاً بقيد الدلالة على الهيئة
؛ لاَنّهما ـ كما تقدّم ـ لم يُذكرا لبيان الهيئة ، وإنّما ذُكر أوّلهما لكي يُسند
إليه والثاني لكي يُسند.
فالاَفضل في تعريف الحال المبيّنة أن
يقال : هي اسم مبيّن لهيئة صاحبه.
__________________
الولاءُ الحسينيّ
في
أشعار ابن نما
الحلّيّ
|
|
فارس حسّون كريم
بسـم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة
والسلام على أشرف الاَنبياء والمرسلين محمّـد ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
وبعـد
:
الوَلاء والتوالي أن يحصُلَ شيئان
فصاعداً حُصُولاً ليس بينهما ما ليس منهما ، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ،
ومن حيث النسبة ، ومن حيث الدين ، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد .
وتستعمل الولاية والولاء في اللغة لعدّة
معانٍ ؛ فالطاعة ولاء ، والانضباط ولاء ، والتعاون ولاء ، والحاكمية والسيادة ولاء
، والتبعيّة في الاِسلام ولاء ـ لاَنّه يقرّب التابع من المتبوع ـ ، والنصرة ولاء
ـ لاَنّه
__________________
يسـتوجب التزام كلّ
منهما الدفـاع عن الآخر ونصره ـ.
والولاء الحسـينيّ ما هو إلاّ مظهر
ومثال لهذا الولاء في أكمل معانيه ، والاَدب الحسـينيّ الذي ما يزال صورته حيّة
تنعكس عليها عقليّة الاَُمّة وعقيدتها ، وعاداتها وبيئتها ؛ دليل على هذا الولاء
الحقيقيّ للحسـين عليه السلام خاصّة ، ولاَهل البيت عليهم السلام عامّة.
فالشعراء والاَُدباء الحسـينيّون يرمزون دوماً
باسم الحسـين عليه السلام إلى الاِسلام والدين والحقّ والهداية والبطولة والجهاد ،
كما يرمزون باسم يزيد وبني حرب وزياد وأُميّة وآل أبي سفيان إلى الفساد والشـرّ
والطغيان والاسـتبداد.
ورغم أنّ الحياة قد تغيّرت ، وطوت
الكثير من المراحل ، وقضت على تقاليد وعادات الناس إلاّ الشعائر الحسـينيّة فقد
واكبت الحياة ، لاَنّ الحسـين عليه السلام يعني كلّ مظلوم ومحروم ، ويزيد يعني كلّ
ظالم وفاسد ، ولا تخلو الحياة من ظالم ومظلوم حتّى ظهور مهديّ آل محمّـد عجَّل
الله تعالى فرجه الشريف ، وحتّى تحقّق الدولة الكريمة العادلة التي تملأ الاَرض
قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
ومن هنا كان أُدباءُ الحسـين عليه السلام
ولاءً قائماً على مرّ العصور ، والآثار التي تركوها لا تعدّ ولا تحصى ، فكما قيل :
إنّ الشيخ أحمد البلادي ـ وهو من شعراء القرن الثاني عشر الهجري ـ نظم ألف قصيدة
في رثاء الاِمام الحسـين عليه السلام ودوّنها في مجلّدين ضخمين
، وإنّ الشيخ جمال الدين بن عبـد العزيز الخليعي ـ وهو من شعراء القرن التاسع ـ له
ديوان شعر في
__________________
الاِمام الحسـين عليه
السلام ، و... إضافة إلى مئات القصائد التي لم يذكر اسم ناظميها وقائليها تبعثرت
بين ثنايا المخطوطات التي لم ترَ النور بعد.
وبما أنّ مدينة «الحلّة» العراقيّة كانت
تزهر بحركتها العلميّة الدينيّة لِما فيها من مجتهدين كبار فطاحل ، أمثال : ابن
إدريس ، والمحقّق ، وآل طاووس ، وآل المطهّـر كالعلاّمة وأبيه ، فالاَدب كذلك كان
مزدهراً فيها.
وممّن نبغ فيها من أساطين علماء
الاِماميّة في القرن السابع الهجري «آل نما» وهي الاَُسرة العلميّة الدينيّة
القديمة الكريمة التي ظهرت ولمعت ، وصفت قرائح أعلامها ، فأبدعوا في الاَدب وأنواع
النظم والنثر.
ويعدّ الشيخ جعفر بن محمّـد بن جعفر بن
نما أحد أبرز أعلام هذه الاَُسرة العريقة ، وهو من مشايخ العلاّمة الحلّيّ الذي
طار ذكره في الآفاق.
وسيأتيك الكلام في «ابن نما» مفصّلاً.
اسمه ونسبه الشريف
:
نجم الملّة والدين جعفر بن الشيخ نجيب
الدين أبي إبراهيم محمّـد ابن جعفر بن أبي البقاء هبة الله بن نما
بن علي بن حمدون الحلّي الربعي
__________________
الاَسـدي.
الثناء عليه :
قال المجلسي رحمه الله : الشيخ ابن نما
والسيّد فخار هما من أجلّة رواتنا ومشايخنا .
وقال عبـدالله أفندي رحمه الله : عالم ،
جليل ، يروي عن الشيخ كمال الدين علي بن الحسين بن حمّاد وغيره من الفضلاء .
وقال أيضاً : من أفاضل مشايخ علمائنا .
وقال الخوانساري رحمه الله : كان من
الفضلاء الاَجلّة ، وكبراء الدين والملّة ، من مشايخ العلاّمة المرحوم كما في
إجازة ولده الشيخ فخر الدين للشيخ شمس الدين محمّـد بن صدقة ، يروي عن أبيه ، عن
جدّه ، عن جدّ جدّه ، عن إلياس بن هشام الحائري ، عن ابن الشيخ الطوسي ، وكذا عن
والده ، عن ابن إدريس ، عن الحسين بن رطبة ، عنه ، وعن كمال الدين علي بن الحسين
بن حمّاد الليثي الواسطي الفاضل الفقيه .
__________________
مؤلّفاتـه :
١ ـ مثير الاَحزان ومنير سبل الاَشجان
، وقد صدر بتحقيق ونشر مدرسة الاِمام المهديّ عليه السلام ، قم.
٢ ـ ذوب النضار في شرح الثار
، وقد صدر بتحقيقنا ونشر جماعة المدرّسين ، قم.
وفاته ومرقده :
قال السيّد محسن الاَمين رحمه الله في «الطليعة»
: توفّي سنة ٦٨٠ هـ تقريباً .
وقال المدرّس رحمه الله : توفّي سنة ٦٧٦
هـ .
وقال اليعقوبي رحمه الله : كانت وفاته
سنة ستّمائة وثمانين تقريباً ، وفي الحلّة قبر مشهور يعرف بقبر «ابن نما» على
مقربة من مرقد أبي الفضائل ابن طاووس في الشارع الذي يبتدىَ من المهديّة وينتهي
بباب كربلاء ، المعروف بباب الحسـين ... ، وكانت القبّة التي عليه متداعية
الاَركان ، منهدّة الجدران ، عام خروجنا من الحلّة سنة ١٣٣٥ هـ ، ولا أعلم هل هو
قبر المترجَم خاصّة أم هو مدفن أحد أفراد هذه الاَسرة الطيّبة؟ .
__________________
وقال حرز الدين رحمه الله : مرقده في
الحلّة المزيديّة قريب من مرقد والده نجيب الدين محمّـد بن جعفر ، وقبره عليه قبّة
، وله حرم يزار وتنذر له النذور ، ولجيران مرقده اعتقاد أكيد فيه في قضاء الحوائج
وجعله واسطة إليه تعالى .
وأمّا أشعاره الرائقة فقد أخذناها من
كتابيه : «مثير الاَحزان» و «ذوب النضار» إضافة لِما أورده اليعقوبي في كتابه «البابليّات»
، ورتّبناها حسب القافية ؛ وضبطنا مفرداتها وبيّـنّا معانيها ـ قدر المستطاع ـ
ومنه تعالى نرجو القبول.
* * *
__________________
قافية الباء
قال في مدح أمير المؤمنين الاِمام عليٍّ
عليه السلام :
جادَ بِالْقُرْصِ وَالطَوَى مِلْءَ
جَنْبَيْهِ
|
|
وَعافَ الطَّعامَ وَهوَ سغوبُ
|
فأعادَ الْقُرْصَ الْمُنِيرَ عَلَيْهِ
ال
|
|
ـْقُرْص وَالْمُقْرِض الْكِرام
كَسُوبُ
|
(من الخفيف)
* * *
وقال في ذمّ الاَمّة لقتلها سبط الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم وهتكها حرمته :
يا أُمّةً نَقَضَتْ عُهُودَ نَبِيِّها
|
|
وَغَدَتْ مُقَهْقَرَةً عَلى
الاَعْقابِ
|
كُنْتُمْ صِحاباً لِلرَّسُولِ وَإنّما
|
|
بِفِعالِكُمْ بِنْتُمْ عَنِ
الاَصْحابِ
|
وَنَبَذْتُمْ حُكْمَ الْكِتابِ عَلى
جَهالَةً
|
|
وَدَخَلْتُمْ فِي جُمْلَةِ الاَحْزابِ
|
بُؤْتُمْ بِقَتْلِ السِّبْطِ
وَاسْتَحْلَلْتُم
|
|
ْدَمَهُ بِكُلِّ مُنافِقٍ كَذّابِ
|
فَكَما تُدِيْنُوا قَدْ تُدانُوا
مِثْلَهُ
|
|
فِي يَوْمِ مَجْمَعِ مَحْشَرٍ
وَحِسابِ
|
(من الكامل)
__________________
قافية الدال
قال مسـفِّهاً عمرو بن سعيد بن العاص
والي المدينة حينما اسـتبشر بقتل الاِمام الحسـين عليه السلام :
يَـسْـتَـبْـشِـرُونَ بِـقَـتْـلِـهِ
وَبِـسَـبِّـه
|
|
ِوَهُـمْ عَلى دِيـنِ النَّـبِيِّ
مُـحَـمَّـدِ
|
وَاللهُ مـا هُـمْ مُـسْـلِـمُـونَ
وَإنّـمـا
|
|
قَـالُـوا بـأقْـوالِ الْـكَـفُـورِ
الْـمُـلْـحِـدِ
|
قَدْ أسْلَمُوا خَوْفَ الرَّدى
وَقُلُوبُهُم
|
|
طُوِيَتْ عَلى غِلٍّ وَحِقْدٍ
مُكْمَدِ
|
(من الكامل)
* * *
وقال متأسّفاً أنّه لم يكن من أصحاب
الحسـين عليه السلام في نصرته ، ولا من أصحاب المختار وجماعته :
وَلَمّا دَعا الْمُخْتَارُ لِلثَّأْرِ أقْبَلَت
|
|
كَتائِبٌ مِنْ أشْياعِ آلِ مُحَمَّـدِ
|
وَقَدْ لَبسُوا فَوْقَ الدُّرُوعِ
قُلُوبَـهُم
|
|
وَخاضُوا بِحارَ الْمَوْتِ فِي كُلِّ
مَشْهَدِ
|
هُمْ نَصَرُوا سِبْطَ النَّبِيِّ
وَرَهْطَهُ
|
|
وَدانُوا بِأَخْذِ الثَّأْرِ مِنْ
كُلِّ مُلْحِدِ
|
فَـفـازُوا بِجَـنّـاتِ النَّعِيـمِ
وَطِيْبِـها
|
|
وَذلِكَ خَيْرٌ مِنْ لُجَيْنٍ
وَعَسْجَدِ
|
__________________
وَلَوْ أنّنِي يَوْمَ الْهِياجِ لَدى الْوَغى
|
|
لاَعْمَلْتُ حَدَّ الْمَشْرِفِيّ الْمُهَنَّدِ
|
فَوا أَسَفاً إذْ لَمْ أكُنْ مِنْ
حماته
|
|
فَأَقْـتُـلُ مِنْـهُـمْ كُـلَّ باغٍ
وَمُـعْـتـَدِ
|
وَأنْقِعُ غِلِّي مِنْ دِماءِ
نُحُورِهِمْ
|
|
وَأَتْرُكُهُمْ مُلْقَوْنَ فِي كُلِّ
فَدْفَدِ
|
(من الطويل)
* * *
قافية الراء
قال معقِّباً على خطبة العقيلة زينب
عليها السلام بمجلس عبيـدالله بن زياد :
يـا أَيُّـهـا الْـمُـتَـشَـفِّـي فِي
قَـتْـلِ أَئِـمَّـتِـهِ
|
|
وَقَلْبِي مِنَ الْوَجْدِ عَلى مِثْلِ
الْجَمْر
|
لا بَـلَّـغَـتْـكَ الـلَـيـالِـي مـا
تُـؤَمِّـلَـهُ
|
|
مِـنْـهـا وَبـل سـداكَ الْـمـالِـح
الْـمـقْـر
|
قَوْمٌ هُمُ الدِينُ وَالدُنْيا
بِهِمْ حَلِيَتْ
|
|
فَمَنْ قـلاهُـمْ فَـمَـأْواهُـمْ إذَنْ سَقَـرُ
|
__________________
لَـهُـمْ نَـبِـيُّ الْـهُـدى جَـدٌّ
وَأُمُّـهُـمْ
|
|
يَـوْمَ الْـمَـعـادِ بِـنَـصْـرِ
اللهِ تَـنْـتَـصِـر
|
(من البسيط)
* * *
وقال في وصف حال الاِمام الحسـين عليه
السلام وأصحابه حين النزال :
وَلَـمّـا رَأيْـنـا عَـثِـيـرَ
الـنَّـقْـعِ ثـائِـراً
|
|
وَقَدْ مَدَّ فَوْقَ الاَرْضِ
أرْدِيَةً حَمْرا
|
وَسـالَـتْ عَـنِ الـخـرصـانِ
أنْـفُـسُ فِـتْـيَـة
|
|
عَنِ الْعُنْصِرِ الزاكِي وَأعْلى
الْوَرى قَدْرا
|
وَشَـدُّوا لِقَـتْلِ السِّـبْطِ
عَـمْداً وَأشْرَعُوا
|
|
مَعَ الْمُرْهَفاتِ الْبِيضِ خطية
شمرا
|
وَتَـيَـقَّـنَ حِـزْبُ اللهِ أنْ
لَـيْـسَ نـاجِـيـاً
|
|
مِنَ النّارِ إلاّ مَنْ رَأى الآيَةَ
الْكُبْرى
|
وَمَـنْ رَفَـضَ الـدُّنْـيـا وَبـاعَ
حَـيـاتَـهُ
|
|
مِنَ اللهِ نِعْمَ الْبَيْعُ
وَالْفَوْزُ وَالْبُشْرى
|
(من الطويل)
* * *
__________________
وقال في تسابق أصحاب الاِمام الحسـين
عليه السلام إلى القتال بين يديه :
إذا اعْـتَـلَـفُـوا سُـمْـرَ
الـرِّمـاحِ وَتَـمَّـمُـوا
|
|
أُسُودُ الشَّرى فَرَّتْ مِنَ
الْخَوْفِ وَالذُّعْرِ
|
كُماةُ رَحى الْحَرْبِ الْعَوانِ
وَإنْ سَطَوا
|
|
فَـأَقْـرانُـهُـمْ يَـوْمَ
الْـكَـرِيـهَـةِ فِـي خُـسْـرِ
|
إذا أثْـبَـتُـوا فِـي مَـأْزِقِ الْـحَـربِ
أرْجُـلاً
|
|
فَـمَـوْعِـدُهُـمْ مِـنْـهُ إلـى
مُـلْـتَـقـى الْـحَـشْـرِ
|
قُـلُـوبُـهُـمُ فَـوْقَ الـدُرُوعِ
وَهَـمُّـهُـم
|
|
ذَهابُ النُّفُوسِ السائِلاتِ عَلى
الْبَثْرِ
|
(من الكامل)
__________________
وقال في مصرع سليمان بن صرد الخزاعي
رحمه الله :
قَـضـى سُـلَـيْـمـانُ نَـحْـبَـهُ
فَـغَـدا
|
|
إلى جِـنـانٍ وَرَحْـمَـةِ الْـبـارِي
|
مَضـى حَمِـيـداً في بَـذْلِ
مُـهْـجَـتِـه
|
|
وَأَخْـذُهُ لِـلْـحُـسَـيْـنِ
بِـالثّـارِ
|
(من المنسرح)
* * *
قافية العين
قال واصفاً رجوع آل الرسول إلى المدينة
بعد فقدهم حملة الكتاب وحماة الاَصحاب :
وَلَمّا وَرَدْنا ماءَ يَثْرِبَ
بَعْدَما
|
|
أَسَلْنا عَلى السِّبْطِ الشَّهِيدِ
الْمَدامِعا
|
وَمُدَّتْ لِما نَلْقاهُ مِنْ أَلَمِ
الجَوى
|
|
رِقابُ الْمَطايا وَاسْتَكانَتْ
خَواضِعا
|
وَجَرَّعَ كَأْسُ الْمَوْتِ
بِالطَّفِّ أنْفُساً
|
|
كِراماً وَكانَـتْ لِلرَّسُـولِ
وَدائِعـا
|
وَبُدّلَ سَعْدُ الشَّمِّ مِنْ آلِ
هاشِم
|
|
بِنَـحْسٍ فَكانُوا كالْبُـدُورِ
طَوالِعا
|
وَقَفْنا عَلى الاَطْلالِ نَنْدُبُ
أهْلَها
|
|
أسىً وَتَبْكِي الخالِياتِ الْبَلاقِعا
|
(من الطويل)
__________________
قافية الكاف
قال بعد مصرع جميع من بقي مع الاِمام
الحسـين عليه السلام :
لَـقَـدْ فَـتَـكَـتْ فِـيـهِـمْ
سِـهـامُ أُمَـيّـة
|
|
وَأصْـرَعَـهُـمْ مِـنْـها سُـيُـوفٌ
سَـوافِـكُ
|
وَضاقَتْ بِهِمْ رَحْبُ الْفَضاءِ فَأصْبَحُوا
|
|
بـدوِيّـة بَـهْـمـاء فِـيـهـا مَـهـالِـكُ
|
وَأمْـسَـوْا بِـأرْضِ الـطَّـفِّ
قَـتْـلى جَـواثِـما
|
|
كَـأَنّـهُـمْ صَـرْعـى قِـلاصٌ بَـوارِكُ
|
فَـإنّ عُـيُـونَ الْـبـاكِـيـاتِ
سَـواكِـب
|
|
وَإنّ ثُـغُـورَ الشـامِـتـاتِ
ضَـواحِـكُ
|
(من الطويل)
* * *
__________________
قافية اللام
قال في نهب القوم رحل الاِمام الحسـين
عليه السلام :
وَلَمّا طَعنْتُمْ نازِحِينَ
وَضَمّـكُم
|
|
مقام به ِ الجَلْدُ الْعَزِيزُ
ذَلِيلُ
|
وَصِرْتُمْ طَعاماً لِلسُّـيُوفِ
وَلَمْ يَـكُن
|
|
لِما رُمْتُـمُوهُ مَنْهَـجٌ
وَوُصُولُ
|
وَأمْوالُـكُمْ فَيْءٌ لآلِ أُمَيّة
|
|
وَبَدْرُكُمْ قَدْ حانَ مِنْـهُ
أُفُولُ
|
تَـيَـقَّـنْـتُ أنّ الدينَ قَـدْ
هانَ خَطْـبُـهُ
|
|
وَأنّ الـمُـراعِـيَ لِـلـنَّـبِـيِّ
قَـلِـيـلُ
|
(من الطويل)
* * *
وقال في شكوى العقيلة زينب عليها السلام
إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في مصائب أهل بيـته :
يُصَلِّي الاِلهُ عَلى الْمُرْسَل
|
|
وَيُنْعَتُ فِي الْمُحْكَمِ
الْمُنْزَلِ
|
وَيُغْزى الْحُسَـيْنُ وأبْناؤُه
|
|
وَهُمْ مِنْهُ بِالْمَنْزِلِ
الاَفْضَلِ
|
ألَمْ يَكُ هَذا إذا ما نَظَرْتَ
|
|
إلَيْهِ مِنَ الْمُعْجِبِ
المُعْضِلِ؟!
|
(من المتقارب)
__________________
وقال في خروج وهب بن حباب للقتال وحديثه
مع امرأته ووالدته :
ذَرِيْنِي أَدِرْ وَجْهاً وقاحاً إلى
الْعَدْل
|
|
فَمـا لاَخي الاَحْـقـارِ أنْ
يَـتَـجَـمَّـلا
|
مَتى قرَّ فِي غمْدٍ حُسامٌ وَبانَ
عَنْ
|
|
حِصانٌ لِجامٌ وَالْفَتى غَرَضُ
الْبَلا
|
(من الطويل)
* * *
قافية الميم
قال في مدح المختـار رحمه الله :
سَرَّ النَّبِيَّ بِأَخْذِ الثّارِ
مِنْ عُصَبٍ
|
|
باءُوا بِقَتْلِ الْحُسَـيْنِ
الطَّاهِرِ الشِّيَمِ
|
قَوْمٌ غُذُّوا بِلِبانِ الْبُغْضِ
وَيْحَهُم
|
|
لِلْمُرْتَضى وَبَنِيهِ سادَةِ
الاَُمَمِ
|
حازَ الْفَخارَ الفَتى الْمُخْتَارُ
إذْ قَعَدَت
|
|
عَنْ نَصْرِهِ سائِرُ الاَعْرابِ
وَالْعَجَمِ
|
جاءَتْهُ مِنْ رَحْمَةِ الْجَبّارِ
سارِيَة
|
|
تَهْمِي عَلى قَبْرِهِ مُنْهَلَّةَ
الدِّيَمِ
|
(من البسيط)
* * *
__________________
قافية النون
قال في رثاء بني الزهـراء عليها السلام
:
بَنُو أُمَيّةَ ماتَ الدِّينُ
عِنْدَهُم
|
|
وَأَصْبَحَ الْحَقُّ قَدْ وارَتْهُ
أكْفانُ
|
أضْحَتْ مَنازِلُ آلِ السِّبْطِ
مَقْوِيّةٌ
|
|
مِنَ الاَنِيسِ فَما فِيهِنَّ سُكّانُ
|
باءُوا بِمَقْتَلِهِ ظُلْماً فَقَدْ
هُدِّمَت
|
|
لِفَقْدِهِ مِنْ ذُرَى الاِسْلامِ أرْكانُ
|
رَزِيَّةٌ عَمَّتِ الدُّنْيا
وَساكِنَها
|
|
فَالدَّمْعُ مِنْ أعْيُنِ الْباكِينَ
هَتّانُ
|
لَمْ يَبْقَ مِنْ مُرْسَلٍ يَوْماً
وَلا مَلَكٌ
|
|
إلاّ عَرَتْهُ صَباباتٌ وَأحْزانُ
|
وَأسْخَطُوا الْمُصْطَفى الْهادِي
بِمَقْتَلِهِ
|
|
فَقَلْبُهُ مِنرَسِيس الْوَجْدِ مَلآنُ
|
(من البسيط)
* * *
__________________
وقال في منزلة آل الرسول عليهم السلام
وشرفهم :
إنْ كُنْتَ فِي آلِ الرَّسُولِ
مُشَكِّكا
|
|
فَاقْرَأْ هُدِيتَ النَّصَّ فِي
الْقُرْآنِ
|
فَهُوَ الدَّلِيلُ عَلى عُلُوِّ
مَحِلِّهِم
|
|
وَعَظِيمِ عِلْمِهِمْ وَعِظْمِ الشّانِ
|
وَهُمُ الْوَدائِعُ لِلرَّسُولِ
مُحَمَّـد
|
|
بَوَصِيّةٍ نَزَلَتْ مِنَ الرَّحْمنِ
|
(من الكامل)
* * *
قافية الهاء
قال في رثاء أبي الفضل العبّاس بن عليّ
عليهما السلام :
حَقِيقاً بِالبُكاءِ عَلَيْهِ حُزْنا
|
|
أبُو الْفَضْلِ الَّذِي وَاسى أخاهُ
|
وَجاهَدَ كُلَّ كَفّارٍ ظَلُوم
|
|
وَقابَلَ مِنْ ضَلالِهمْ هُداهُ
|
فَـداهُ بِـنَـفْـسِـهِ للهِ حَـتّى
|
|
تَفَرَّقَ مِنْ شَـجاعَتِهِ عِـداهُ
|
وَجـادَ لَـهُ عَلى ظَـمَـأٍ بِمـاءٍ
|
|
وَكانَ رِضا أَخِيـهِ مُـبْـتَـغاهُ
|
(من الوافر)
* * *
__________________
وقال في استشهاد الاِمام الحسـين عليه
السلام على يد سنان بن أنس :
لَقَدْ فُجِعَ الدِّينُ الْحَنِيفُ
بِما جَرى
|
|
عَلى السِّبْطِ وَالْهادِي النَّبِيِّ
سَفِيرُهُ
|
وَأَيُّ امْرِىَ يَلْقاهُ فِي عُظْمِ
رُزْئِه
|
|
غَداةَ غَدَتْ كَفّا سَنان تُبِيرُهُ
|
(من الطويل)
* * *
وقال في مسير سبايا الاِمام الحسـين
عليه السلام إلى دمشق :
فَوا أسَفاً يُغْزى الْحُسـَيْنُ
وَرهْطُه
|
|
وُيُسْبى بِتِطْوافِ الْبِلادِ
حَرِيمُهُ
|
أَلَمْ يَعْلَمُوا أنّ النَّبِيَّ
لِفَقْدِه
|
|
لَهُ عزب جفن ما يخف سُجُومُهُ
|
وَفي قَلْبِهِ نَارٌ يَشبُّ ضرَامُها
|
|
وَآثارُ وَجْدٍ لَيْسَ ترسى كُلُومُهُ
|
(من الطويل)
* * *
وقال في وصف الاِمام الحسـين عليه
السلام وأصحابه حال النزال :
لَهُمْ جُسُومٌ بِحَرِّ الشَّمْسِ
ذائِبَة
|
|
وَأَنْفُسٌ جاوَرَتْ جَنّاتِ بارِيها
|
كَأنّ مُفْسِدَها بِالْقَتْلِ
مُصْلِحُها
|
|
أوْ أنّ هادِمَها بِالسَّيْفِ بانِيها
|
(من البسيط)
* * *
__________________
وقال في رثاء دار النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم :
وَقَفْتُ عَلى دارِ النَّبِيِّ
مُحَمَّـدٍ
|
|
فَأَلْفَيْتُها قَدْ أَقْفَرَتْ
عَرَصاتُها
|
وَأَمْسَتْ خَلاءً مِنْ تِلاوَةِ
قَارِىَ
|
|
وَعُطِّلَ مِنْها صَوْمُها وَصَلاتُها
|
وَكانَتْ مَلاذاً لِلْعُلُومِ
وَجُنَّة ً
|
|
مِنَ الْخَطْبِ يَغْشى الْمُعْتَقِينَ
صَلاتُها
|
فَأَقْوَتْ مِنَ السّاداتِ مِنْ آلِ
هاشِم
|
|
وَلَمْ يَجْتَمِعْ بَعْدَ
الْحُسَـيْنِ شُتاتُها
|
فَعَيْنِي لِقَتْلِ السِّبْطِ عَبْرى
وَلَوْعَتِي
|
|
عَلى فَقْدِهِ ما تَنْقَضِي زَفَراتُها
|
فَيا كَبِدِي كَمْ تَصْبِرِينَ عَلى
الاَذى
|
|
أمَا آنَ أنْ يغْني إذَنْ
حَسَراتُها؟!
|
(من الطويل)
* * *
__________________
المصادر والمراجع
١ ـ أعيان الشيعة
، للسيّد محسن الاَمين العاملي ، نشر دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ١٤٠٣ هـ.
٢ ـ أمل الآمل
، للشيخ الحرّ العاملي ، نشر مكتبة الاَندلسي ، بغداد.
٣ ـ البابليّات
، للشيخ محمّـد علي اليعقوبي ، نشر دار البيان ، قم.
٤ ـ بحار الاَنوار
، للشيخ محمّـد باقر المجلسي ، نشر مؤسّـسة الوفاء ، بيروت ١٤٠٣ هـ.
٥ ـ تنقيح المقال في علم الرجال
، للشيخ عبـدالله المامقاني ، طبع طهران «طبع حجريّة».
٦ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة
، للشيخ آقا بزرك الطهراني ، نشر دار الاَضواء ، بيروت ١٤٠٣ هـ.
٧ ـ ذوب النضار
، للشيخ ابن نما الحلّي ، بتحقيقنا ، نشر جماعة المدرّسين ، قم ١٤١٦ هـ.
٨ ـ روضات الجنّات
، للميرزا محمّـد باقر الخوانساري ، نشر إسماعيليان ، قم ١٣٩٠ هـ.
٩ ـ رياض العلماء
، للميرزا عبـدالله أفندي الاَصفهاني ، نشر مكتبة المرعشي النجفي ، قم ١٤٠١ هـ.
١٠ ـ ريحانة الاَدب
، لمحمّد علي التبريزي «المدرّس» ، نشر مطبعة شركة طبع الكتاب ، ١٣٣٥ هـ ش.
١١ ـ طبقات أعلام الشيعة
، للشيخ آقا بزرك الطهراني ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت ١٣٩١ هـ.
١٢ ـ الغدير ،
للشيخ الاَميني ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت ١٣٩٧ هـ.
١٣ ـ كشف الحجب والاَستار
، للسيّد إعجاز حسين النيسابوري الكنتوري ، نشر مكتبة المرعشي النجفي ، قم ١٤٠٩
هـ.
١٤ ـ الكنى والاَلقاب
، للشيخ عبّاس القمّي ، نشر مكتبة بيدار ، قم ١٣٥٨ هـ.
١٥ ـ لسان العرب
، لابن منظور المصري ، نشر أدب الحوزة ، قم ١٤٠٥ هـ.
١٦ ـ لؤلؤة البحرين
، للشيخ يوسف البحراني ، نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم.
١٧ ـ مثير الاَحزان
، للشيخ ابن نما الحلّي ، تحقيق ونشر مدرسة الاِمام المهديّ عليه السلام ، قم ١٤٠٦
هـ.
١٨ ـ مراصد الاطّلاع
، لصفيّ الدين البغدادي ، نشر دار المعرفة ، بيروت ١٣٧٤ هـ.
١٩ ـ مراقد المعارف
، لمحمّد حرز الدين ، نشر سعيد بن جبير ، قم ١٩٩٢ م.
٢٠ ـ مستدرك الوسائل
، للميرزا حسين النوري الطبرسي ، نشر طهران «طبعة حجريّة».
٢١ ـ معجم رجال الحديث
، للسيّد أبو القاسم الخوئي ، نشر مدينة العلم ، قم ١٤٠٣ هـ.
٢٢ ـ معجم مفردات ألفاظ القرآن
، للراغب الاَصبهاني ، نشر دار الكاتب العربي ، بيروت ١٣٩٢ هـ.
مـن ذخائر التراث

مقدّمـة التحقيق :
بسـم الله الرحمن
الرحيم
الحمـد لله منتهى درجات الحمد وأقصى
غاياته ، حمداً يتصاغر دون أدناه أقصى حمد ، ويكِلُّ عن اقتفاء آثاره أيّ حمد ،
والصلاة والتسليم على النبيّ الاَميـن ، الرحمـة الكبرى المهـداة إلى العالميـن ،
محمّـد بن عبـدالله عليهم السلام ، وعلى أهل بيته الاَُمناء المعصومين ، الهداة
المهديّين ، سفن نجاة العالمين ، ورحمة الله وبركاته.
وبعـد :
فإنّ العمق الفكري الكبير الذي شكّلته
المخاضات العقلية الواعية التي تضمّنتها المؤلَّفات المتعدّدة ، والاَسفار الضخمة
لعلماء الشيعة ومفكّريها ، وعلى امتداد السنين المتلاحقة والدهور المتعاقبة ـ
وبالتحديد بعد وقوع الغَيبة الكبرى للاِمام المهديّ عليه السلام ـ والذي يمكن
تشخيصه من خلال التأمّل في التصاعد المتلاحق للخطّ البياني ـ الكمّي والنوعي ـ
الموضِّح للتشخيص الواعي لحقيقة وخلاصة البنيان العقائدي للمكتبة الاِسلامية
الكبرى ، وفي شتّى العلوم والمعارف المختلفة ، قد أمسى من الحقائق الكبرى ،
والبديهيات الثابتة ذات الاَثر المنهجي المرتكز على الاَسس السليمة
والقواعد الحقيقية
للعقيدة الاِسلامية المباركة ، وبالشكل الذي لا يسع أحداً إلاّ الاِقرار به ،
والتسليم بحقيقته رغم ما أحاط بالشيعة ومفكّريها ـ تبعاً لاَئمّتهم عليهم السلام ـ
من التضييق والمصادرة والتقييد على طول العصور ، وبالاَخصّ منها عصور التناحر
المذهبي الحادّ ، التي دأب على الترويج لها وتهويلها رموز السلطات الحاكمة ـ التي
ابتليت بها الاَُمّة الاِسلامية على طول الدهور ـ والّذين كانوا يجدون في المراهنة
على إشاعة التناحر والاختلاف الحادّ بين رجالات المذاهب الاِسلامية ودعاتها وسيلة
ناجعة ومُجْدية في صرف أذهان عموم الاَُمّة عن تحسّـس حالات التردّي الفكري
والعقائدي والاَخلاقي التي تتأطّر من خلالها حقيقة تلك الحكومات الفاسدة
والمتعاقبة ، وهذا ما ليس بخاف على عموم الباحثين والمحقِّقين.
نعم ، إنّ واقع الحال المتكالب الذي
أطبق بفكَّيْه الناتئين على عموم رجالات الشيعة ـ وبالاَخصّ مفكّريها ـ لم يقعد
بهم عن حثّ الخُطى صوب مرافىَ الاَمان وسواحله الفارهة ، لينـأَوْا بالاَُمّة
بعيداً عن عثرات التخبُّط والاضطراب ، بل وكان توجُّس أُولئك الاَعلام بحقيقة
النيّات الباهتة والساقطة لاَركان الانحراف الكبرى ـ الهادفة إلى صرف الاَمّة عن
تركيز قواعدها الفكرية ومتبـنّياتها العقائدية كما هو مطلوب منها ـ صائباً ودقيقاً
إلى حدّ دفعهم للمزيد من الجهد المضاعف في رفد عملية البناء الفكرية هذه ،
والتحليق بعيداً عن الشراك الخبيثة المبثوثة في خلل الطرق الممتدّة بامتداد
التواصل الحياتي والمتداخل للعقيدة الاِسلامية المباركة.
ولا مغالاة في القول بأنّ الدهور
المتعاقبة في حياة الطائفة قد خلَّفت الكثير من الجهود الكبيرة ، والبصمات الخالدة
التي أمست ـ كواقع متسالم عليه ـ روافد خير وعطاء لا يسع المسترشدين بهدي هذه
الشريعة إلاّ التزوّد
منها ، والاغتراف من
عطائها الثرّ والفيّاض الذي أبدع يراع العديد من أعلام الطائفة وعلمائها الكبار في
تسطيرها وتنضيدها ، وبالشكل الذي أمست من خلاله تلك المؤلَّفات وأصحابها كالقمم
الشاهقة التي لا يمتلك الكثير من المنصفين إلاّ الاِشارة إليها بإجلال وتقدير.
نعم ، لقد أمست مؤلَّفات الكليني
والصدوق والمفيد والطوسي رحمهم الله وغيرهم من علماء الطائفة الكبار ـ الّذين لا
تخفى أسماؤهم ، ويصعب في هذه العجالة حصرهم ـ شواخص مضيئة يسترشد بهديها سالكو
الفجاج ، وماخرو عباب البحر على امتداد الدهور.
وإذا كانت لمؤلَّفات أُولئك الاَعلام
الواسعة والمتخصّصة الباع الطويل في حفظ الكثير من تراث العترة الطاهرة لاَهل
البيت عليهم السلام ونشره ، فإنّ لجملة واسعة من مؤلَّفاتهم الصغيرة والمتمثّلة
بالرسائل المختلفة ـ فقهية كانت أم أخلاقية أم غير ذلك ـ الاَثر الكبير أيضاً في
هذا المنحى المبارك والمقـدَّس.
ولعلّ الرسالة الماثلة
بين يدي القارىَ الكريم ـ على محدودية صفحاتها ـ تُعدّ بحقّ من تلك الكنوز الثمينة
، والآثار المباركة التي جادت بجمعها وإعدادها تلك النفوس الواعية التي أفرغت
جهدها في خدمة الدين ، ونشر علومه.
نعم ، إنّ هذه الرسالة الاَخلاقية التي
سطَّرها يراع واحد من علماء الطائفة المعروفين ، وهو الشيخ الفقيه محمّـد بن سعيد
بن هبة الله الراوندي ، قد تضمّنت جملة من الاَحاديث الشريفة التي بلغت الاَربعين
__________________
نصّـاً مباركاً
منقولاً عن أهل بيت العصمة عليهم السلام في شتّى المناهج العبادية المختلفة التي
تستدعي بالمسلم الحرص على كيفية التعامل معها ، والتعاطي مع مفرداتها ، وصولاً إلى
الرضا الاِلهي الذي يشكِّل غاية الغايات ، وخلاصة الاَُمنيّات.
ترجمـة المؤلّـف
هو : الشيخ الاِمام ظهير الدين أبو
الفضل محمّـد ابن الشيخ الاِمام قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي.
ترجم له الكثير من علماء الطائفة ،
وأثنوا عليه ، ووصفوه بالفقيه ، الثقة ، العدل ، وغير ذلك من الصفات الممدوحة .
تعود نسـبته إلى قرية راوند ، وهي ـ كما
ذكر ذلك السمعاني في أنسابه ط
ـ قرية شيعية من قرى قاشان بنواحي أصبهان.
وإلى هذه القرية ينسب الكثير من العلماء
الكبار كما هو معروف ، فلا غرو أن تجد المؤلِّف رحمه الله منحدراً من أُسرة علمية
معروفة ، أكثر أفرادها من العلماء والفضلاء.
فوالده : الشيخ الفقيه ، والمتكلِّم
البارع ، صاحب المؤلَّفات المعروفة ، والتصانيف المشهورة ، الاِمام قطب الدين سعيد
بن هبة الله الرواندي رحمه الله ،
__________________
المتوفّى عام ٥٧٣ هـ.
وأخواه
: الشيخ الشهيد نصير الدين الحسين ، الذي
ترجم له منتجب الدين في فهرسه
؛ والشيخ عماد الدين عليّ ، الذي ترجم له منتجب الدين أيضاً في فهرسته .
وعموماً ، فإنّ المؤلّف رحمه الله ـ
وكما تشير إليه تراجمه في كتب الاَعلام المختلفة ـ كان من رجالات الطائفة ،
وجهابذتها العظام ، إلاّ أنّ ما يكلم الفؤاد قصور تلك الكتب عن استقصاء ما يغني
الباحث عن الجوانب المختصّة بحياته ، بل وحتّى بعض المفردات المتّصلة بها ، وهي ـ
كما هو معروف لدى الباحثين والمحقّقين ـ حالة متكرّرة الوقوع ، مشخّصة العيب ، لا
يملك أمامها المرء إلاّ الحزن والاَسـى ، لاَنّ ضياع تراجم الاَعلام من كتب
السِيَـر ليـس بالاَمـر الـذي يمكن للمرء أن يتغاضى عنه ، ويـعرض عـن آثاره ، ولكن
ما حيلة خالي الوفاض عند اضطرام اللهيب.
وأخيراً أقول : إنّ هؤلاء الاَعلام وإنْ
ضـاع الكثير من تراجم حياتهم في عالمنا الفاني هذا ، إلاّ أنّهم عند الله تعالى في
كتاب حصين ، وسجلّ أمين ، ولهم ـ بإذنه تعالى ـ الجزاء الاَوفى يوم الجزاء ، وهو
خير من الدنيا وما فيها.
منهجيّة التحقيق :
لمّا كانت هذه الرسالة ـ حتّى يومنا هذا
ـ قيد النسخ المخطوطة ،
__________________
إذ لم يتمّ طبعها ـ
حجرياً أو حروفياً ـ من قبل ، فقد عمدنا إلى استحصال بعض النسخ المخطوطة التي
تساعدنا في تحقيق هذه الرسالة ، ونشرها.
وبالفعل ، فقد حصلنا ـ بتوفيق من الله
تعالى ـ على نسختين مخطوطتين اعتمدنا عليهما في عملنا هذا ، وهما :
١ ـ النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة
العلاّمة المحقّق سماحة آية الله السـيّد عبـد العزيز الطباطبائي رحمه الله ،
والمندرجة سابقاً في محفوظات جامعة طهران ، ضمن المجموعة المرقّمة ٢١٣٠ ، والتي
يرجع تأريخ استنساخهأ ـ كما هو مثبت في آخرهأ ـ إلى يوم الاَربعاء السادس والعشرين
من شهر رمضان المبارك ، سنة ١٣٤٥ هـ ، وقد رمزنا لها بالحرف (ط).
ولا يسعني هنا وأنا أُشير إلى هذه
النسخة المخطوطة إلاّ أن أدعو بالمغفرة والرضوان لروح السـيّد الطباطبائي الذي
زوَّدنا بصفحات هذه المخطوطة ، وبكرمه المعهود كما هو عهده ومنهجه طيلة أيّام
حياته مع جميع الباحثين والمحقِّقين.
٢ ـ النسخة المخطوطة المندرجة ضمن كتاب «المجموع
الرائق» للسيِّد هبة الله بن أبي محمّـد الحسن الموسوي ، والتي يرجع تأريخ
استنساخها إلى يوم الاثنين ، العشرين من شهر ربيع الاَوّل ، سنة ١٠٨٨ هـ ، وقد
رمزنا لها بالحرف (ق).
وبعد حصولنا على هاتين النسختين
المخطوطتين عمدنا إلى تثبيت موارد الاختلاف الواردة بينهما ، وتثبيت ما وجدناه
صحيحاً في متن الرسالة ، مع الاِشارة إلى مواضع الاختلاف في الهامش.
كما أنّا اعتمدنا نسخة «مستدرك الوسائل»
للشيخ النوري ـ الذي نقل الكثير من مفردات هذه الرسالة في مطاويه ـ كنسخةٍ مساعدةٍ
لنا في عملنا.
ثمّ بذلنا جهدنا في تخريج الروايات
الواردة من مظانّها قدر الاِمكان ، مع إشارتنا إلى جملة من موارد الاختلاف بين
النسختين.
وعموماً فقد حاولت أن أُخرج هذه الرسالة
بالشكل الذي يتناسب وأهمّـيّتها من جانب ، وحاجة القارىَ والباحث إليها من جانب
آخر ، وإنْ كنتُ لا أُنزّه نفسي من الخطأ والالتباس ، والله تعالى هو الموفّق
للصواب.
شـكر وتقدير :
وختاماً لا يسعني وأنا أُقدم هذه الرسالة
الصغيرة بين يدي القارىَ الكريم إلاّ الاِشارة بالشكر والتقدير لمن مدّ لي يد
العون في تحقيقها وطبعها ونشرها ، وأخّص بالذِكر أوّلاً الاَُستاذ المحقّق الفاضل
علاء آل جعفر ، ومؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث بنشرتها الفصلية «تراثنا»
التي قامت بنشر هذه الرسالة على متن صفحاتها ثانياً.
وفَّق الله تعالى الجميع لنشر علوم
العترة الطاهرة ، وتقبَّل منهم صالح أعمالهم ، إنّه نِعم المولى ونِعم النصير.
|
هيثم السـمّاك
١٧ ربيع الاَوّل
١٤١٧ هـ
|




بسـم الله الرحمن
الرحيم
الحـديث الاَوّل
عن الحسن بن يقطين ، عن أبيه ، عن جدّه
، قال : وليَ علينا بالاَهواز رجل من كُـتّاب يحيى بن خالد
، وكان علَيَّ بقايا من خراج كان فيه زوال نعمتي ، وخروجي من ملكي ، فقيل لي :
إنّه ينتحل هذا الاَمر ، فخشيت أن ألقاه مخافة ألاّ يكون على ما بلغني ، فأقع فيما
لا يتهيّأ لي الخلاص منه.
وخرجت منه هارباً إلى مكّة ، فلمّا قضيت
حجّي جعلت طريقي إلى المدينة ، فدخلت على الصادق عليه السلام فقلت له : يا سيّدي!
إنّه وليَ بلدنا فلان ابن فلان ، وبلغني أنّه يومي إليكم ويتوالاكم أهل البيت ،
وقد بلغني عنه أمر فخشيت أن ألقاه مخافة أن لا يكون ما بلغني حقّـاً ، ويكون فيه
خروجي
__________________
عن ملكي وزوال نعمتي
، فهربت منه إلى الله تعالى وإليكم.
فقال : «لا بأس عليك» وكتب رقعة صغيرة :
بسـم الله الرحمن
الرحيم
«إنّ لله في ظلّ عرشه ظلاًّ لا يسكنه
إلاّ من نفَّس عن أخيه المؤمن كربة ، وأعانه بنفسه ، أو صنع إليه معروفاً ولو بشقّ
تمرة ، وهذا أخوك والسـلام».
ثمّ ختمها ودفعها إليَّ وأمرني أن
أُوصلها إليه.
فلمّا رجعت إلى بلدي صرت ليلاً إلى
منزله ، فاستأذنت عليه وقلت : رسول الصادق عليه السلام ، فإذا أنا به قد خرج إليَّ
حافياً ، فلمّا بصُر بي سلَّم علَيَّ وقبَّل ما بين عينَيّ ، ثمّ قال : يا سيّديّ!
أنت رسول مولاي؟!
قلت : نعم.
قال : فداك عينيّ إن كنتَ صادقاً! فأخذ
بيدي ، ثمّ قال لي : يا سيّدي! كيف خلَّفتَ مولاي عليه السلام؟
قلت : بخير.
قال : واللهِ؟
قلت : واللهِ ؛ حتّى أعادها علَيَّ
ثلاثاً.
ثمّ ناولته الرقعة ، فقرأها وقبّلها
ووضعها على عينيه ، ثمّ قال : يا أخي مُرْ بأمرك.
__________________
قلت : علَيَّ في جريدتك كذا وكذا ألف
درهم ، وفيه عطبي وهلاكي.
فدعا بالجريدة فمحا عنّي كلّ ما كان
فيها ، وأعطاني براءة منها ، ثمّ دعا بصناديق ماله فناصفني عليها ، ثمّ دعا
بدوابّه فجعل يأخذ دابّةً ويعطيني دابّةً ، ودعا بثيابه فجعل يأخذ ثوباً ويعطيني
ثوباً ، حتّى شاطرني جميع ملكه ، وجعل يقول : يا أخي هل سُررت ، فأقول : إي والله
وزدتَ على السرور.
فلمّا كان أيّام الموسم قلت : والله لا
كافيت هذا الاَخ بشيء أحبّ إلى الله ورسوله من الخروج إلى الحجّ والدعاء له ،
والمصير إلى مولاي وسيّدي وشكره عنده ، ومسألته الدعاء له.
فخرجت إلى مكّة وجعلت طريقي على مولاي ،
فلمّا دخلت عليه رأيت السرور في وجهه ، وقال : «يا فلان! ، ما خبرك مع الرجل؟».
فجعلت أُورد عليه خبري معه ، وجعل
يتهلّل وجهه ويبين السرور فيه ، فقلت له : يا سيّدي! سَـرَّك في ما آتاه إليّ ..
سرّه اللهُ في جميع أُموره.
فقال : «إي والله لقد سَـرَّني والله ،
لقد سَـرّ آبائي ، والله لقد سَرّ أميرَ المؤمنين ، والله لقد سَـرَّ رسولَ الله
عليهم السلام ، والله لقد سَـرَّ اللهَ في عرشـه»
الحـديث الثاني
عن صفوان بن مهران الجمّال ، قال : دخل
زياد بن مروان العبدي على موسى بن جعفر عليهما السلام فقال له : «زياد! أتتقلّد
لهم عملاً؟!».
__________________
فقال : بلى يا مولاي.
فقال : «ولِمَ ذاك؟!».
قال : فقلت : يا مولاي! إنّي رجل لي
مروءة ، وعلَيَّ عيلة ، وليس لي مـال.
فقال عليه السلام : «يا زياد! والله
إنّي لاَِنْ أقع من السماء إلى الاَرض فأتقطّع قطعاً ، وتفصّلني الطير بمناقيرها
مفصلاً مفصلاً ، أحبّ إليّ من أن أتقلّد لهم عمـلاً [إلاّ]».
فقلت : إلاّ لماذا يا مولاي؟!
فقال : «إلاّ لاِعزاز مؤمن ، أو فكّ
أسره ، إنّ الله وعد مَنْ يتقلَّد لهم عملاً أن يضرب عليه سرادقاً من نار حتّى
يفرغ الله من حساب الخلائق ، فامض وأعزز إخوانك واحداً واحداً ، واللهُ من وراء
ذلك يفعل ما يشاء» .
الحـديث الثالث
عن هشام بن سالم ، قال : قال أبو
عبـدالله عليه السلام : «إنّ للهِ عزّ وجلّ مع ولاة الجور أولياء يدفع بهم عن
أوليائه ، أُولئك هم المؤمنون» .
__________________
الحـديث الرابع
عن المفضّل بن عمر ، قال : قال أبو
عبـدالله عليه السلام : «ما مِن سلطان إلاّ ومعه من يدفع اللهُ به عن المؤمنين ،
أُولئك أوفر حظّـاً في الآخرة».
الحـديث الخامس
عن صفوان بن مهران ، قال : كنت عند أبي
عبـدالله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الشيعة فشكا إليه الحاجة ، فقال له : «ما
يمنعك عن التعرُّض للسلطان فتدخل في بعض أعماله؟!».
فقال : إنّكم حرّمتموه علينا.
فقال : «خبّرني عن السلطان ، لنا أو
لهم؟!».
قال : بل لكم.
قال : «أهُم الداخلون علينا أم نحن
الداخلون عليهم؟!».
قال : بل هم الداخلون عليكم.
قال : «فإنّما هم قوم اضطرّوكم فدخلتم
في بعض حقّـكم».
فقال : إنّ لهم سيرة وأحكاماً!
قال : «أليس قد أجرى لهم الناس على ذلك؟!».
فقال : بلى.
__________________
قال : «اجروهم عليه في ديوانهم ،
وإيّاكم وظلمُ مؤمنٍ» .
الحـديث السادس
قال : شكا رجل إلى أبي الحسن موسى عليه
السلام قال : شيعة وُلد الحسين أخيك أكثر مالاً منكم ، وأنتم تشكون الحاجة!
قال : «أُولئك يتعرّضون للسلطان وعمله ،
ونحن لا نتعرّض له».
قال : «إذا دخلتم في عمل السلطان ،
فتصلون إخوانكم وتدفعون عنهم؟!».
قلت : منّا من يفعل ذلك.
قال : «إذا دفعتم عن إخوانكم ووصلتموهم
وعضدتموهم وواسيتموهم فلا بأس ، وإنْ لم تفعلوا ذلك فلا كرامة» .
الحـديث السابع
عن عليّ بن جعفر ، قال : كتبت إلى أبي
الحسن عليه السلام : إنّ قوماً من مواليك يدخلون في عمل السلطان ، فلا يؤثِرون على
إخوانهم أحداً ، وإنْ نابت أحداً من مواليك نائبة قاموا بها.
فكتب : «أُولئك هم المؤمنون حقّـاً ،
عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ، وأُولئك هم المهتدون» .
__________________
الحـديث الثامن
عن الحلبي ، قال : قلت لاَبي عبـدالله
عليه السلام : يكون الرجل من أصحابنا مع هؤلاء في ديوانهم ، فيخرجون إلى بعض
النواحي فيصيبون غنيمةً؟
قال : «يقضي منها حقوق إخوانه» .
الحـديث التاسع
قال : كتب عليّ بن يقطين إلى أبي الحسن
موسى عليه السلام يستأذنه في الخروج من عمل السلطان.
فأجابه : «إنّي لا أرى لك الخروج من
عمله ، فإنّ لله على أبواب الجبابرة مَن يدفع عن أوليائه ، وهم عتقاؤه من النار
كما قال» .
الحـديث العاشر
عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه
السلام ، قال : سألته عن عمل السلطان ، والدخول معهم في ما هم فيه؟
فقال : «لا بأس ، إذا وصلت إخوانك ،
وعدت أهل ولايتك» .
__________________
الحـديث الحادي عشر
عن معاوية بن عمّار ، قال : كان عند أبي
عبـدالله عليه السلام جماعة ، فسألهم : «فيكم مَن يدخل في عمل السلطان؟».
قالوا : ربّما دخل الرجل منّا فيه.
قال : «كيف مواساة من دخل في عمل
السلطان لاِخوانهم ، وإدخالهم المنافع عليهم؟».
قالوا : لا نعرف ذلك منهم.
قال : «إذا كان كذلك فابرؤوا منهم!» .
الحـديث الثاني عشر
عن الكابلي ، عن أبي عبـدالله عليه
السلام قال : «من سوّد اسمه في ديوان بني شيصبان حشره الله يوم القيامة مسودّاً
وجهُه ، إلاّ مَن دخل في أمرهم على معرفة وبصيرة ، وينوي الاِحسان إلى أهل ولايته»
.
الحـديث الثالث عشر
عن عليّ الاَسدي ، قال : ولِّيتُ
البحرين فأصبت مالاً كثيراً ، فأنفقت واشتريت ضياعاً كثيرة ورقيقاً وأُمّهات
أولادي ونسائي ، وحملت خمس ذلك المال ودخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فقلت له :
جُعلت فداك ، ولِّيت
__________________
البحرين فأصبت مالاً
كثيراً ، فاشتريت ضياعاً ورقيقاً وأُمّهات أولادي ، وأنفقت ، وهذا خمس ذلك المال
وأُمّهات أولادي ونسائي ورقيقي ، وقد أتيتك بهم.
قال : «أمّا حيث أتيت به كلّه قد قبلتُ
ما جئتَ به ، وحللتُك من أُمّهات أولادك ونسائك وما أنفقت ، وضمنت لك علَيَّ وعلى
آبائي الجنّـة»
الحـديث الرابع عشر
عن ابن يقطين ، قال : قال أبو الحسن
موسى بن جعفر عليه السلام : «اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثاً ؛ اضمن لي أن لا يأتي
أحد من موالينا في دار الخلافة إلاّ قمتَ له بقضاء حاجته ، أضمن لك أن لا يصيبك
حرّ السيف أبداً ، ولا يظلّك سقف سجن أبداً ، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً».
قال الحسن : فذكرتُ لمولاي عليه السلام
كثرة تولّي أصحابنا أعمال السلطان واختلاطهم بهم.
قال : «ما يكون أحوال إخوانهم معهم؟».
قلت : مجتهد ومقصّر.
قال : «مَنْ أعزّ أخاه في الله ، وأهان
أعداءه في الله ، وتولّى ما استطاع نصيحته ، أُولئك يتقلّبون في رحمة الله ،
ومثلهم مثل طير يأتي بأرض الحبشة في كلّ صيفة يقال له : القدم ، فيبيض ويفرِّخ بها
، فإذا كان وقت الشتاء صاح بفراخه ، فاجتمعوا إليه وخرجوا معه من أرض الحبشة.
__________________
فإذا قام قائمنا اجتمع أولياؤنا من كلّ
أوب».
ثمّ تمثّل بقول عبـد المطّلب :
فإذا ما بلـغَ الدورُ إلى
|
|
منتهى الوقتِ أتى الطيرُ قدم
|
بكتابٍ فُصّلتْ آياتُه
|
|
وبتبيانِ أحاديثِ الاَمم
|
الحـديث الخامس عشر
عن زيد الشحّام ، قال : كنت عند أبي
عبـدالله عليه السلام إذ سأل عن رجل من أهل الكوفة ، فقيل له : مات ، فقال : «رحمه
الله ولقّاه نضرة وسروراً».
فقال رجل من القوم : أخذ منّي دنانير في
وقت ولايته للسلطان فغلبني عليها.
فتغيّر وجه أبي عبـدالله عليه السلام
وقال : «أترى أنّ الله يأخذ وليّـاً لعليّ بن أبي طالب فيلقيه في النار لاَجل
دنانيرك؟!».
فقال : إنّه كان يتغلّب للسلطان!
قال : «كان يحسن إلى إخوانه».
فقال الرجل : هو من ذلك في حلّ.
قال أبو عبـدالله عليه السلام : «ألا
كان ذلك قبل الآن؟!» .
الحـديث السادس عشر
روى أبو أُمامة ، عن النبيّ عليهم
السلام أنّه قال : «من قطع مال امرىٍَ مسلم
__________________
بيمينه حرّم الله
عليه الجنّة ، وأوجب له النار».
قيل : وإن كان شيئاً يسيراً؟!
قال : «وإن كان سواكاً» .
الحـديث السابع عشر
عن حمران بن أعين ، عن الصادق عليه
السلام ، قال : «ما من دولة تتداول من الدول إلاّ ولنا ولاَوليائنا فيها ناصر
يتقرّبون إليه بحوائجهم ، فإن كان فيها مسرعاً كان لنا وليّاً ومن السلطان بريئاً
، وإنْ كان فيها متوانياً كان منّا بريئاً وللسلطان وليّاً» .
حديث الثامن عشر
عن عائشة ، قالت : قال رسول الله عليهم
السلام : «الموت غنيمة ، والمعصية مصيبة ، والفقر راحة ، والغنى عقوبة ، والعقل
هديّة الله عزّ وجلّ ، والجهل ضلالة ، والظلم ندامة ، والطاعة لله قرّة العين ،
والبكاء من خشية الله عزّ وجلّ النجاةُ من النار ، والضحك هلاك البدن ، والتائب من
الذنوب كمن لا ذنب له»
__________________
الحديث التاسع عشر
قال سفيان الثوري : أوحى الله تعالى إلى
بعض الاَنبياء : «إذا رأيت عاقلاً فكن له خادماً» .
الحـديث العشرون
عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول عليهم
السلام : «إنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة من قتل نبيّاً ، أو قتله نبيّ ، أو
قتل أحد والديه ، أو عالم لا ينتفع من علمـه»
الحديث الحادي والعشرون
عن أنس بن مالك ، قال : كان من دعاء
رسول الله عليهم السلام : «اللّهمّ انفعني بما علّمتني ، وعلّمني ما ينفعني ،
وارزقني عِلماً تنفعني به ، جعلنا الله من العالِمين العاملين ، إنّه أرحم
الراحمين» .
الحـديث الثاني
والعشرون
عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله
عليهم السلام : «علماء أُمّتي ـ أو : هذه الاَمّة ـ رجلان :
__________________
رجل آتاه الله عزّ وجلّ علماً فطلب به
وجه الله والدار الآخرة ، وبذله للناس ، ولم يأخذ عليه طمعاً ، ولم يشتر به ثمناً
قليلاً ، فذلك تستغفر له الحيتان في البحار ، والطير في جوّ السماء ، ويقدم على
الله شـريفاً.
ورجل آتاه الله علماً فبخل به على عباد
الله تعالى ، وأخذ عليه طمعاً ، واشترى به ثمناً قليلاً ، فذلك يُلجم بلجام من نار
يوم القيامة ، وينادي عليه مَلَك من الملائكة على رؤوس الاَشهاد : هذا فلان ابن
فلان آتاه الله عزّ وجلّ علماً في دار الدنيا فبخل به على عباد الله تعالى ، حتّى
يفرغ من الحسـاب» .
الحـديث الثالث
والعشرون
عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه
السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه آله وسلم أنّه قال : «من طلب العلم لله عزّ وجلّ
لم يصب منه باباً إلاّ ازداد به ذلاًّ في نفسه ، وفي الناس تواضعاً ، ولله خوفاً ،
وفي الدين اجتهاداً ، فذلك الذي ينتفع بالعلم ، فليتعلّمه.
ومن طلب العلم للدنيا ، والمنزلة عندهم
، والحظوة عند السلطان ، لم يصب منه باباً إلاّ ازداد به في نفسه عظمةً ، وعلى
الناس استطالةً ، وبالله اغتراراً ، ومن الدنيا حظّـاً ، فذلك لا ينتفع بالعلم ،
فليكفّ ، وليمسك من الحجّة على نفسه ، والندامة والحسرة يوم القيامة» .
__________________
الحـديث الرابع
والعشرون
روى كعب الاَحبار ، قال : أوحى الله
تعالى إلى موسى عليه السلام : «يا موسى حبّبني إلى خلقي.
قال : وكيف أُحبّبك إلى خلقك؟
قال : ذكّرهم آلائي ونعمائي ، إنّه من
لقيني وهو يعرف أنّ النعمة منّي ، والشكر من عندي ، استحييت أن أُعذّبه بناري» .
الحـديث الخامس
والعشرون
عن الزهري ، قال : حدّثني جديّ ، قال :
قال رسول الله عليهم السلام : «من نشر علماً فله مثل أجر من عمل به» .
الحـديث السادس
والعشرون
عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله
عليهم السلام : «من زار عالماً فكأنّما زارني ، ومن صافح عالماً فكأنّما صافحني ،
ومن جالس عالماً فكأنّما جالسني ، ومن جالسني في الدنيا أجلسه الله معي يوم
القيامة.
وإذا جاء الموت يطلب صاحب العلم وهو
يطلب العلم مات شهيداً ،
__________________
ومن أراد رضاي فليكرم
صديقي».
قالوا : يا رسول الله! من صديقك؟
قال : «صديقي طالب العلم ، وهو أحبّ
إليَّ من الملائكة ، فمن أكرمه فقد أكرمني ، ومن أكرمني فقد أكرم الله ، ومن أكرم
الله فله الجنّة ، فإنّه ليس شيء أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من العلم.
ومذاكرة العلم ساعة أحبّ إلى الله تعالى
من عبادة عشرة آلاف سنة ، وطوبى لطلب العلم يوم القيامة» .
الحـديث السابع
والعشرون
عن الحسن بن عليّ عليهما السلام ، قال :
قال رسول الله عليهم السلام : «من جاءته منيّـته وهو يطلب العلم فمات على ذلك ،
فبيـنه وبين الاَنبياء درجة واحـدة» .
الحـديث الثامن
والعشرون
عن أمير المؤمنين عليه السلام ، عن
النبيّ عليهم السلام : «أدلّـكم على الخلفاء من أُمّتي ، ومن أصحابي ، ومن
الاَنبياء قبلي : هم حملة القرآن والاَحاديث عنّي ، وهم في الله ولله عزّ وجلّ.
__________________
ومن خرج يوماً في طلب العلم فله أجر
سبعين نبيّـاً».
الحـديث التاسع
والعشرون
قال أنس : قال رسول الله عليهم السلام :
«من خرج من بيته يطلب باباً من العلم ينتفع به قلبه ، أو يعلّمه غيره ، كتب الله
عزّ وجلّ بكلّ خطوة عبادة ألف سنة ، صيامها وقيامها ، وحفّته الملائكة بأجنحتها ،
وصلّى عليه طير السماء ، وحيتان البحر ، ودوابّ البرّ ، ونزل من الله منزلة سبعين
شهيداً ، وكان خيراً له من ثمانين غزوة».
الحـديث الثلاثون
عن قتادة ، عن أنس قال : قال رسول الله
عليهم السلام : «مذاكرة العلم ساعة من الليل أحبّ إليَّ من أن أُصلّي الليل أجمع».
الحـديث الحادي
والثلاثون
قال رسول الله عليهم السلام : «الفقه
حتم واجب على كلّ مسلم ، ومن عبر بحراً في طلب العلم أعطاه الله أجر سبعين حجّة ،
وسبعين عمرة ، ويهوّن عليه الموت.
__________________
والفقيه الواحد أشدّ على الشيطان من ألف
قائم وألف صائم.
وعالم ينتفع به خير من ألف عابد».
الحـديث الثاني
والثلاثون
قال عطاء : إنّ رجلاً من أهل المدينة
قدم على أبي الدرداء بدمشق في طلب حديث بلغه أنّه يحدّثه عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم.
فقال له أبو الدرداء : ما جاء بك يا
أخي؟
قال : طلب حديث بلغني أنّك تحدّث به عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال : ما جاء بك تجارة ، ولا جئت تطلب
حاجة؟!
قال : لا ، ولا جئت إلاّ في طلب هذا
الحديث.
قال أبو الدرداء : فإنّي سمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يقول : «من سلك طريقاً يطلب به علماً سلك به طريقاً إلى
الجنّة.
وإنّ الملائكة تضع أجنحتها رضىً به.
وإنّه يستغفر للعالم ما في السموات
والاَرض ، حتّى الحيتان في جوف الماء.
ولَفضل العالم على العابد كفضل القمر
ليلة البدر على سائر الكواكب.
__________________
وإنّ العلماء ورثة الاَنبياء ، وإنّ
الانبياء لم يورّثوا دنانير ولا دراهم ، ولكن ورّثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظّ
وافر.
وموت عالم مصيبة لا تجبر ، وثلمة لا
تُسدّ ، وهو نجم طمس ، وموت قبيلة أيسر من موت عالم».
الحـديث الثالث
والثلاثون
عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : «العالم
والمتعلّم في الاَجر سواء ، يأتيان يوم القيامة كفرسَيْ رهان».
الحـديث الرابع
والثلاثون
عن أبي أُمامة ، قال : بينا نحن جلوس
عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أتاه رجل فقال : يا رسول الله ، أخبرني
عن رجل أحبّ العباد إلى الله تعالى بعد النبيّين والمرسلين؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
: «ليس من أُمّتي أحد أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من العلماء والمتعلّمين ، لاَنّهم
الّذين يحيون سُـنّتي من بعدي ، أُولئك
__________________
يأتون يوم القيامة
فرحين مسـتبشرين ، تستقبلهم أعمالهم بأحسن ما خلق الله عزّ وجلّ وجهاً وأطيبه
ريحاً ، يُبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان ، ليس عليهم حساب ، أُولئك الآمنون من
عذاب الله عزّ وجلّ ، المقرَّبون إلى أعظم الثواب»
وقال عليه السلام : «الدنيا ملعونة ،
ملعون ما فيها ، إلاّ ذاكراً لله ، وعالماً ، ومتعلّماً»
الحـديث الخامس
والثلاثون
عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم : «سيأتيكم أقوام من أقطار الاَرض يسألونكم الحديث ،
فحدّثوهم ولو لله ، ولو عرفتم الله حقّ معرفته لزالت الجبال بدعائكم» .
الحـديث السادس
والثلاثون
عن أبي عمران ، قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : «من تعلّم باباً من العلم ، عمل به ، أو لم يعمل به ، كان
أفضل من أن يصلّي ألف ركعة تطوّعاً.
ومن تعلّم باباً من العلم ، ليعلّمه
الناس ابتغاء وجه الله عزّ وجلّ ،
__________________
أعطاه الله أجر سبعين
نبيّاً» .
الحـديث السابع
والثلاثون
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال
: «العلم خير من المال ، لاَنّ المال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الاِنفاق» .
الحـديث الثامن
والثلاثون
عن مالك بن دينار ، عن خلاص بن عمرو ؛
وعن أبي الدرداء ، قالا : قال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ إلهي
يقول : إنّي أنا الله لا إله إلاّ أنا مالك الملك ، ومالك الملوك ، قلوب الملوك
بيدي ، فإنِ العباد أطاعوني حوّلت قلوب الملوك عليهم بالرأفة والرحمة ، وإنِ
العباد عصوني حوّلت قلوب الملوك عليهم بالسخطة والنقمة فساموهم سوء العذاب ، فلا
تشغلوا أنفسكم بالدعاء على العباد ، ولكن اشغلوا أنفسكم بالتضرّع إليَّ أكفيكم» .
الحـديث التاسع
والثلاثون
عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم : «[ليلة]
الجمعة ويوم
__________________
الجمعة أربع وعشرون
ساعة ، لله في كلّ ساعة ستّمائة عتيق من النار ، ومن مات يوم الجمعة فهو شهيد ،
ووقي عذاب القبر ، وإنّ الله ليس بتارك أحداً من المسلمين إلاّ وغفر له.
ومن قرأ سورة الدخان ليلة الجمعة أصبح
مغفوراً له».
الحـديث الاَربعون
عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : «ثلاثة لا يكترثون للحساب ، ولا تفزعهم الصيحة ، ولا يحزنهم
الفزع الاَكبر :
حامل القرآن المؤدّي إلى الله بما فيه ،
يقدم على الله سيّداً شريفاً.
ومؤذّن أذّن تسع سنين لا يأخذ على أذانه
طمعاً.
وعبد مملوك أحسن عبادة ربّه وأدّى حقّ
مولاه.
وإذا كان عند الاَذان فتحت أبواب السماء
، واستجيب الدعاء ، وإذا كان عند الاِقامة لم تردّ دعوة».
* * *
__________________
مصادر التحقيق
١ ـ إحياء علوم الدين :
لمحّمـد بن محّمـد الغزالي ، نشر دار الندوة ، بيروت.
٢ ـ الاسـتبصار :
للشيخ الطوسي ، نشر دار الكتب الاِسلامية ، طهران.
٣ ـ أعلام الدين :
للشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلمي ، تحقيق مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء
التراث ، قم ، طبع المطبعة المهديّة ، قم.
٤ ـ الترغيب والترهيب :
لعبد العظيم المنذري ، نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
٥ ـ تراثنا :
نشرة فصلية تصدرها مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ، قم.
٦ ـ تنبيه الغافلين :
لنصر بن محمّـد السمرقندي. نشر دار ابن كثير ، دمشق ، بيروت.
٧ ـ تهذيب الاَحكام :
للشيخ الطوسي ، نشر دار الكتب الاِسلامية ، طهران.
٨ ـ حلية الاَولياء :
لاَحمد بن عبـدالله الاَصبهاني ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت.
٩ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة :
للشيخ آقا بزرك الطهراني ، نشر دار الاَضواء ، بيروت.
١٠ ـ رجال الكشّي :
للشيخ الطوسي ، نشر مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ، قم.
١١ ـ روضة الواعظين :
للشيخ محمّـد بن فتّال النيسابوري ، نشر مكتبة الرضي ، قم.
١٢ ـ سنن ابن ماجة :
نشر دار الفكر ، بيروت.
١٣ ـ سنن الترمذي :
نشر دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
١٤ ـ سنن الدارقطنى :
نشر دار المحاسن ، القاهرة.
١٥ ـ سنن الدارمي :
نشر دار الفكر ، بيروت.
١٦ ـ سنن النسائي :
نشر دار الفكر ، بيروت.
١٧ ـ سير أعلام النبلاء :
لمحمّـد بن عثمان الذهبي ، نشر مؤسّـسة الرسالة ، بيروت.
١٨ ـ شعب الاِيمان :
لاَحمد بن الحسين البيهقي ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.
١٩ ـ صحيح مسلم :
نشر دار الفكر ، بيروت.
٢٠ ـ عدّة الداعي : للشيخ
أحمد بن فهد الحلّي ، نشر مكتبة الوجداني ، بيروت.
٢١ ـ العقد الفريد :
لاَحمد بن محمّـد بن عبد ربّه الاَندلسي ، نشر دار الكتب العلمية ، بيروت.
٢٢ ـ عوالي اللآلي
: لابن أبي جمهور ، طبع مطبعة سيّد الشهداء عليه السلام ، بيروت.
٢٣ ـ عيون الاَخبار
: لابن قتـيبة ، نشر دار الكتب المصرية ، القاهرة.
٢٤ ـ قضاء حقوق المؤمنين : لاَبي علي
الصوري ، نشر مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ، قم.
٢٥ ـ الكافي :
لمحمّـد بن يعقوب الكليني ، نشر المطبعة الاِسلامية ، طهران.
٢٦ ـ كنز العمّال :
للمتّقي الهندي ، نشر مؤسّـسة الرسالة ، بيروت.
٢٧ ـ اللآلي المصنوعة :
للسيوطي ، نشر دار المعرفة ، بيروت.
٢٦ ـ مجمع الزوائد :
لعلي بن أبي بكر الهيثمي ، نشر دار الكتاب العربي ، بيروت.
٢٩ ـ مستدرك الوسائل :
للنوري الطبرسي ، نشر مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ، قم.
٣٠ ـ مسند أبي يعلى الموصلي :
نشر دار المأمون ، دمشق.
٣١ ـ مسند شمس الاَخبار : لعلي
بن حميد القرشي ، نشر مكتبة اليمن الكبرى ، صنعاء.
٣٢ ـ مشكاة الاَنوار :
لاَبي الفضل الطبرسي ، نشر المكتبة الحيدرية ، النجف الاَشرف.
٣٣ ـ المصنّف :
لعبـد الرزّاق الصنعاني ، نشر المجلس العلمي ، بيروت.
٣٤ ـ المطالب العالية :
لابن حجر العسقلاني ، نشر دار المعرفة ، بيروت.
٣٥ ـ المعجم الكبير :
للطبراني ، نشر مكتبة ابن تيميّة ، القاهرة.
٣٦ ـ المقنعة :
للشيخ المفيد ، نشر مؤسّـسة النشر الاِسلامي ، قم.
٣٧ ـ من لا يحضره الفقيه :
للشيخ الصدوق ، نشر دارَي صعب والتعارف ، بيروت.

بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله حمداً لا يتناهى ، والصلاة
والسلام على سيّدنا محمّـد وعلى آله آل طه ، أئمّة الهدى ومصابيح الدجى ، واللعن
الدائم على أعدائهم لعناً لا انقطاع لاَمده ولا نفاد لعدده.
وبعـد :
بين أيدينا كتاب محاسبة الملائكة
الكرام الذي يُعدّ من أهمّ المصادر الشيعية
ومن الكتب المعتمدة.
فقد عدّه العلاّمة المجلسي من جملة
مصادر موسوعته العظيمة «بحار الاَنوار».
وذكره الحرّ العاملي في الخاتمة من
مصادر كتابه «وسائل الشيعة» وكذلك المحدّث النوري في مستدركه ، وغيرها من الكتب.
والسـرّ في ذلك أنّ كتابنا هذا وأكثر
مصنفات السيّد ابن طاووس تمتاز عن غيرها بصفات تجعل فيها الثقل العلمي والتراثي.
١ ـ إنّه يذكر المصادر التي يروي عنها.
وهذا ما يُعزّز القيمة العلمية للخبر الذي يذكره.
٢ ـ يروي عن مجموعة ضخمة من الاَُصول القديمة
التي لم تصل إلينا لولا السيّد ابن طاووس ، بل هناك كتب لم نتعرّف عليها إلاّ عن
طريقه ، وهذا ممّا جعل كثير من الروايات منحصر طريقها به.
٣ ـ لم يكتفِ بذكر المصدر فحسب ، بل عمد
أحياناً إلى وصفه مِن حيث قدمه ، أو كيفية العثور عليه ، ومتى حصل عليه ، وأين
يوجد ، وما إلى ذلك من الصفات التي توثّق الكتاب وما يُذكر فيه.
ولذا عانيت الكثير في استخراج الروايات
، لاَنّ أكثر المصادر التي يروي عنها غير موجودة ، ولم نرَ من روى عنها غيره ،
فحاولت جاهداً لاستخراج الروايات من مصادر معاصرة للمصنّف أو قبله تروي بعض الروايات
بسند آخر ، أو أنّها تختلف من حيث المتن وإنْ تشابهت بالمضمون ، وما لم نعثر عليه
أرجعناه إلى البحار والوسائل والمستدرك التي تروي عن المحاسبة وليس لها طريق غيره.
ولاَجل هذا أحببت أن أُعرّف المصادر
التي اعتمدها المصنّـف رحمه الله ولم تصل إلينا ، تعريفاً موجزاً مبنيّـاً على
الاختصار كما هو الحال في الكتـاب.
المصادر المعتمدة من
قبل المؤلّف :
١ ـ الاَزمنة :
لاَبي عبـدالله محمّـد بن عمران المرزباني ، المتوفّى سنة ٣٧٨ هـ ، صاحب «أخبار
أبي تمّام».
روى السيّد ابن طاووس في تصانيفه عن
كتاب «الاَزمنة» هذا كثيراً ، منها ما في «محاسبة النفس» في حديث رفع الاَعمال في
يـوم الاثنيـن والخميس. الذريعة ١ / ٥٣١ رقم ٢٥٩٤.
٢ ـ الاَمالي :
لاَبي طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني.
ينقل عنه السيّد ابن طاووس في «الاِقبال»
وغيره من تصانيفه. الذريعة ٢ / ٣١٧ رقم ١٢٥٦.
٣ ـ تاريخ النيشابوري :
للحافظ الحاكم أبي عبـدالله محمّـد بن عبـدالله النيسابوري ، المعروف بابن البيّع
، المتوفّى سنة ٤٠٥ هـ.
وقد عدّ الحرّ العاملي في خاتمة الوسائل
هذا الكتاب ممّا نقل عنه بالواسطة ، توجد منه نسخة في مكتبة السلطان محمّـد الفاتح
في الاَستانة ، كما في فهرسها. الذريعة ٣ / ٢٩٣ رقم ١٠٨٣.
٤ ـ التذييل أو التذيّل :
لمحمّـد بن النجّـار.
٥ ـ تفسير ابن عقدة :
لاَبي العبّاس أحمد بن محمّـد بن سعيد ، المعروف بابن عقدة ، الزيدي الجارودي ،
المتوفّى سنة ٣٣٣ هـ.
قال النجاشي بعد ذكر كتبه التي يرويها :
ورأيت له كتاب تفسير القرآن. ينقل عنه السيّد ابن طاووس في المحاسبة. الذريعة ٤ /
٢٤٥ رقم ١١٨٨.
٦ ـ خطب أمير المؤمنين عليه السلام :
لاَبي أحمد عبـد العزيز بن يحيى الجلودي ، المتوفّى سنة ٣٣٢ هـ.
ونقل عنه السيّد ابن طاووس في المحاسبة.
الذريعة ٧ / ١٩٠ رقم ٩٦٨.
٧ ـ الدلائل :
لاَبي العبّاس عبـدالله بن جعفر بن الحسين بن مالك ابن جامع الحميريّ ، شيخ
القمّـيّين ، قدم الكوفة سنة ٢٩٧ هـ.
ينقل عنه السيّد ابن طاووس في «المحاسبة»
و «كشف المحجّة» ، ويظهر من كلام البعض وجود نسخة للدلائل. الذريعة ٨ / ٢٣٧ رقم
١٠٠١ ، وعدّه الحرّ العاملي في الخاتمة ممّن نقل عنه بالواسطة. الوسائل ٣٠ / ١٦٣.
٨ ـ العِـلَل :
لاَبي الحسن علي بن أبي سهل حاتم القزوينيّ ، شيخ بعض مشايخ النجاشي.
وعبّر عنه ابن طاووس في «الاِقبال» بـ :
علل الشريعة. الذريعة ١٥ / ٣١٢ رقم ١٩٩٥.
٩ ـ فضل الدعاء :
لاَبي جعفر محمّـد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار ، المتوفّى سنة ٢٩٠ هـ.
ينقل عنه السيّد ابن طاووس في «المحاسبة»
، وعدّه الكفعمي في «البلد الاَمين» من مآخذ كتابه ، فيظهر أنّه كان موجوداً عنده
إلى سنة ٩٠٥ هـ. الذريعة ١٦ / ٢٦٧ رقم ١١١٠.
١٠ ـ كتاب البزنطي :
لاَحمد بن محمّـد بن عمرو بن أبي نصر زيد البزنطي ، توفّي حدود سنة ٢٢١ هـ.
الذريعة ٢٤ / ٣٢١ رقم ١٦٧٠.
وله كتاب «الجوامع والنوادر» ، وعدّهما
الحرّ العاملي في الخاتمة ممّا نقل عنه بالواسطة. الوسائل ٣٠ / ١٦١.
١١ ـ كتاب الربيع :
للربيع بن محمّـد بن عمر بن حسّان الاَصمّ المُسْليّ.
له كتاب يرويه جماعة. رجال النجاشي :
١٦٤ رقم ٤٣٣.
١٢ ـ كتاب مسعدة :
لمسعدة بن زياد الربعيّ.
له كتاب في الحلال والحرام مبوّب. رجال
النجاشي : ٤١٥ رقم ١١٠٩.
١٣ ـ المشـيخة :
لاَبي علي الحسن بن محبوب السرّاد البجلي الكوفي ، المتوفّى سنة ٢٢٤ هـ.
انتخبه الشهيد الثاني ، وذكر الشيخ في «الفهرست»
طريقاً خاصّاً إلى المشـيخة. الذريعة ٢١ / ٦٩ رقم ٣٩٩٥.
١٤ ـ مناسك الزيارات :
للشيخ المفيـد ، المتوفّى سنة ٤١٣ هـ.
عدّه الحرّ العاملي في الخاتمة ممّا نقل
عنه بالواسطة. الوسائل ٣٠ / ١٦٥.
١٥ ـ النوادر :
لمحمّـد بن علي بن محبوب القمّيّ الاَشعريّ.
كانت منه نسخة بخطّ الشيخ الطوسي عند
ابن إدريس ، ينقل عنها في «المستطرفات». الذريعة ٢٤ / ٣٤٠ رقم ١٨١٣.
* * *
نبذة عن حياة المؤلف
هو السيّد علي بن موسى بن الطاووس
العلوي الحسني ، ينتهي نسبه الشريف إلى الحسن المثنّى.
وُلد يوم الخميس منتصف محرّم الحرام سنة
٥٨٩ هجرية في أُسرة عريقة من الاَسر العلمية الجليلة إذ أخرجت جملة من الاَعلام.
لُقّب جدّهم بالطاووس لحُسن وجهه وملاحة
صورته. برز منهم نوابغ عظام ، وكان أبرز أعلام هذه الاَسرة السيّد رضي الدين.
عرضت عليه نقابة العلويّين في عصر
المستنصر العبّاسيّ فأبى.
كات مدّة إقامته في بغداد نحواً من خمسة
عشر سنة ، ومنها انتقل إلى الحلّة ، بقي فيها مدّة ، ومنها إلى النجف الاَشرف ،
وبعد برهة قفل راجعاً إلى بغداد في أيّام دولة المغول وبقي فيها إلى حين وفاته.
عرضت عليه نقابة العلويّين في زمن
المغول فوليها ثلاث سنين وأحد عشر شهراً إلى أن توفّي ، واستمرّت النقابة في عقبه
من بعده.
__________________
أقوال العلماء فيه :
قال العلاّمة الحلّي في بعض إجازاته : «وكان
رضي الدين علي صاحب كرامات ، حكي لي بعضها ، وروى لي والدي البعض الآخر».
وقال في موضع آخر : «إنّ السـيّد رضي
الدين كان أزهد أهل زمانه.
وقال السيّد التفريشي : «من أجلاّء هذه
الطائفة وثقاتها ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، كثير الحفظ ، نقيّ الكلام ، حاله
في العبادة أشهر من أن يُذكر ، له كتب حسنة».
وقال المحقّق الشيخ أسد الله الدزفولي
الكاظمي : «السيّد السند ، المعظّم المعتمد ، العالم ، العابد الزاهد ، الطيّب
الطاهر ، مالك أزمّة المناقب والمفاخر ، صاحب الدعوات والمقامات ، والمكاشفات
والكرامات ، مظهر الفيض السَـنِيّ ، واللطف الجلِيّ ، أبي القاسم رضيّ الدين عليّ
، بوّأه الله تحت ظلّه العرشي ، وأنزل عليه بركاته كلّ غداةٍ وعَشِيّ».
وقال عمر رضا كحّالة : «فقيه ، محدّث ،
مؤرّخ ، أديب ، شارك في بعض العلوم ، وله تصانيف كثيرة».
وقد أثنى عليه جمع كثير من العلماء
والمؤرّخين ، ونكتفي بهذا المقدار رعاية للاختصار.
__________________
وممّن أخذ عنهم : والده السيّد الشريف
موسى بن جعفر
والشيخ محمّـد بن نما
، وجدّه الشيخ ورّام بن أبي فراس المالكي.
ومن جملة من تتلمذ على يده وروى عنه :
العلاّمة الحلّي ، وعلي بن عيسى الاَربلي ، وابن أخيه السيّد عبـد الكريم.
مصنّـفاته :
١ ـ الاِبانة في معرفة أسماء كتب
الخزانة.
٢ ـ الاِجازات لِما يخصّني من
الاِجازات.
٣ ـ الاَسرار المودعة في ساعات الليل
والنهار.
٤ ـ أسرار الصلاة.
٥ ـ إسعاد الفؤاد على سعادة الدنيا
والمعاد.
٦ ـ الاصطفاء في تواريخ الملوك
والخلفاء.
٧ ـ إغاثة الداعي وإعانة الساعي.
٨ ـ الاِقبال بالاَعمال الحسنة.
٩ ـ الاَمان من أخطار الاَسفار
والاَزمان.
١٠ ـ الاَنوار الباهرة في انتصار العترة
الباهرة.
١١ ـ البهجة لثمرة المهجة ـ وهو غير كشف
المحجّة.
__________________
١٢ ـ التحصيل من التذييل.
١٣ ـ التحصين في أسرار ما زاد على كتاب
اليقين.
١٤ ـ التراجم فيما نذكره عن الحاكم.
١٥ ـ التشريف بالمنن في التعريف بالفتن
، أو : الملاحم والفتن.
١٦ ـ التشريف بالتعريف وقت التكليف.
١٧ ـ التعريف للمولد الشريف.
١٨ ـ تقريب السالك إلى خدمة المالك.
١٩ ـ التمام لمهامّ شهر الصيام.
٢٠ ـ التوفيق للوفاء بعد تفريق دار
الفناء.
٢١ ـ جمال الاَسبوع بكمال العمل المشروع.
٢٢ ـ الدروع الواقية من الاَخطار فيما
يعمل كلّ شهر على التكرار.
٢٣ ـ ربيع الاَلباب.
٢٤ ـ روح الاَسرار وروح الاَسمار.
٢٥ ـ ريّ الظمآن من مرويّ محمّـد بن
عبـدالله بن سليمان.
٢٦ ـ زهرة الربيع في أدعية الاَسابيع.
٢٧ ـ السعادات بالعبادات.
٢٨ ـ سعد السعود للنفوس.
٢٩ ـ شفاء العقول من داء الفضول.
٣٠ ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف.
٣١ ـ طرف من الاَنباء والمناقب في
التصريح بالوصية والخلافة لعليٍ ابن أبي طالب عليه السلام.
٣٢ ـ غياث سلطان الورى لسكّان الثرى ،
في قضاء الصلاة عـن الاَموات.
٣٣ ـ فتح الاَبواب بين ذوي الاَلباب
وربّ الاَرباب.
٣٤ ـ فتح محجوب الجواب الباهر في شرح
وجوب خلق الكافر.
٣٥ ـ فرج المهموم في معرفة نهج الحلال
والحرام من علم النجوم.
٣٦ ـ فرحة الناظر وبهجة الخواطر.
٣٧ ـ فلاح السائل ونجاح المسائل ، في
عمل اليوم والليلة.
٣٨ ـ القبس الواضح من كتاب الجليس
الصالح.
٣٩ ـ الكرامات.
٤٠ ـ كشف المحجّة لثمرة المهجة.
٤١ ـ لباب المسرّة من كتاب مزار ابن أبي
قُرّة.
٤٢ ـ المجتنى من الدعاء المجتبى.
٤٣ ـ محاسبة الملائكة الكرام آخـر كـلّ
يـوم من الذنوب والآثام أو (محاسبة النفس) ، وهو الكتاب الذي بين يديك.
٤٤ ـ المختار من أخبار أبي عمرو الزاهد.
٤٥ ـ مسالك المحتاج إلى مناسك الحاجّ.
٤٦ ـ مصباح الزائر وجناح المسافر.
٤٧ ـ مضمار السبق في ميدان الصدق.
٤٨ ـ الملهوف على قتلى الطفوف.
٤٩ ـ المنتقى من العوذ والرقى.
٥٠ ـ المنامات الصادقات.
٥١ ـ مهج الدعوات ومنهج العنايات.
٥٢ ـ مهمّات لصلاح المتعبّد وتتمّات
لمصباح المتهجّد.
٥٣ ـ المواسعة والمضايقة.
٥٤ ـ اليقين باختصاص مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام بإمرة المؤمنين.
وله مصنّفات أُخرى غير ما ذكرناه صرّح
أنّه لم تخطر بباله عند ذِكره لمصنّفاتهًّ.
وفاته ومدفنه :
توفّي في بغداد يوم الاثنين خامس ذي
القعدة عام ٦٦٤ هـ
وهذا من المتّفق عليه عند الجميع ، لكن وقع التضارب في الكلام عن مدفنه ، فمنهم من
ذهب إلى أنّ قبره مجهول
وآخر إلى أنّه في الحلّة
، وبعض إلى أنّ القبر المعروف في الحلّة هو قبر ابنه.
وله كلام في «فلاح السائل» من أنّه
اختار لنفسه قبراً في النجف قرب مرقد أمير المؤمنين عليه السلام .
__________________
ويؤيّده ما ذكره ابن الفوطي في «الحوادث
الجامعة» قال : «توفّي السيّد النقيب الطاهر رضيّ الدين عليّ بن طاووس ، وحمل إلى
مشهد جدّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام».
أقـول
: ولا يبعد صحّة هذا ، لاَنّه أفضل من
أرّخ حوادث القرن السابع الهجري ، مضافاً إلى أنّه من أعلام ذلك القرن.
بين يدي والكتـاب :
لم يصرّح المصنّف في مقدّمة الكتاب
باسمه ، وإنّما أشار إليه بقوله : «فاقتصرت على تصنيف كتاب لطيف ، لتعريف المحاسبة للملائكة
الحفظة الكرام ، وتطهير الصحائف من الآثام
...».
وقد صرّح الشيخ شمس الدين محمّـد
القُسيني في إجازته أنّه سمع عن ابن طاووس ... كتاب محاسـبة الملائكة الكرام.
ونقل الشيخ حسن ـ صاحب (المعالم) ـ في
إجازته الكبيرة كلام القسيني قائلاً : «وقد سمع كتاب محاسبة الملائكة الكرام آخر
كلّ يوم من الذنوب والآثام».
وعنونها الشيخ آقا بزرك في «الذريعة»
بنفس العنوان قائلاً : وقد يقال : «محاسبة النفس».
وأمّا احتمال كونهما كتابين وعنوانين
فلم يورده أحد ، فلم أر من عدّهما معاً من مصنّفاته ، فإنّ من عدّ محاسبة النفس
من مصنّفاته لم يذكر
__________________
محاسبة
الملائكة ، وكذلك العكس ، وهذا ممّا يدلّل على
اتّحاد المُعَنْوَنْ.
يقول العلاّمة البحّاثة آقا بزرك
الطهراني رحمه الله :
محاسبة
الملائكة الكرام آخر كلّ يوم من الذنوب والآثام
، وقد يقال : محاسبة
النفس للسيّد الاَجلّ ... عليّ بن طاووس
الحلّي ، المتوفّى سنة أربع وستّين وستّ مائة.
أوّله : أحمد الله جلّ جلاله ، الذي
ابتدأني بالوجود والوعود ، إلى قوله : فاقتصرت على تصنيف كتاب لطيف لتعريف المحاسبة
للملائكة الحفظة الكرام ، وتطهير الصحائف من الآثام.
وممّا كُتب في محاسبة
النفس :
١ ـ محاسبة النفس اللوّامة وتنبيه الروح
النوّامة :
تأليف : الشيخ إبراهيم بن عليّ بن الحسن
بن محمّـد بن صالح الكفعي (ت ٩٠٥ هـ).
مشتملة على مواعظ حسنة ، ومخاطبة النفس
بعبارات مؤثّرة ، فرغ منها المؤلّف سنة ٨٩٥ هـ ، طبع مع «كشف الريبة» سنة ١٣١٩ هـ
، ثمّ أُعيد طبعه محقّقاً على أربع نسخ سنة ١٤١٣ هـ.
٢ ـ محاسبة النفس في السير والسلوك
والاَخلاق :
تأليف : السيّد علي بن السيّد علاء
الدين بن السيّد محمّـد المرعشي (ت ١٠٨٠ هـ).
٣ ـ محاسبة النفس في إصلاح عمل اليوم
والاعتذار من الاَمس :
__________________
تأليف : السيّد ميرزا علي بن محمّـد
حسين بن محمّـد علي الشهرستاني الحائري المرعشي (ت ١٣٤٤ هـ).
٤ ـ محاسبة النفس :
تأليف : الشيخ إبراهيم بن محسن
الكاشاني.
طبع بطهران سنة ١٣٥٩ هـ.
٥ ـ مراقبات أعمال السنة :
تأليف : ميرزا جواد الملكي التبريزي (ت
١٣٤٣ هـ) طبع في قم سنة ١٤١٦ هـ.
طبعـاته :
١ ـ طُبع سنة ١٣١٩ هـ مع «محاسبة النفس»
للكفعمي. كما في الذريعة ٢٠ / ١٢١.
٢ ـ طُبع مع «المجتنى من الدعاء المجتبى»
و «الدروع الواقية» للمؤلّف.
٣ ـ طُبع سنة ١٣٤٠ هـ مع «تنبيه
الراقدين» للمولى محمّـد طاهر الشيرازي. كما في الذريعة ٤ / ٤٤٣.
٤ ـ طُبع سنة ١٤١٣ هـ بتحقيق محمّـد رضا
عبـد الاَمير الاَنصاري ، وصدر عن مجمع البحوث الاِسلامية في بيروت ، معتمداً على
ثلاث نسخ مطبوعة!
نُسـخه المخطوطة :
١ ـ نسخة في مكتبة آية الله العظمى
المرعشي النجفي في قم ، ضمن مجموعة برقم ٤٤٢ ، كتبت سنة ٩٦٤ هـ ، مذكورة في فهرسها
٢ / ٤٤.
٢ ـ نسخة في مكتبة سپه سالار في طهران ،
ضمن مجموعة رقم ٣٨٨١ ، كتبت سنة ٩٩٠ هـ.
٣ ـ نسخة في المكتبة الرضوية في مشهد ،
رقم ٣٤٨٨ ، كتبت سنة ١٠٠١ هـ ، مذكورة في فهرسها الاَلفبائي : ٤٩٩.
٤ ـ نسخة في المكتبة الرضوية في مشهد ،
رقم ٦٥١١ ، كتبت سنة ١١١٠ هـ ، مذكورة في فهرسها الاَلفبائي : ٤٩٩.
٥ ـ نسخة في المكتبة الرضوية في مشهد ،
ضمن مجموعة ٩٧٣٦ ، كتبت سنة ١٢٨٠ هـ ، مذكورة في فهرسها الاَلفبائي : ٤٩٩.
هذا ما وصل إلينا من النسخ الموجودة في
المكتبات العامة.
النُسخ المعتمدة في
التحقيق :
إنّ المأساة التي مرّت على الطائفة
الشـيعية عموماً وعلى مكتباتها بالخصوص أحدثت فراغاً في الساحة العلمية ، وقد شملت
هـذه المأساة طائفة كبيرة من المؤلّفات والمصنّفات القيّمة ، منها مصنّفات سيّدنا
المترجَم ، فإنّ أكثر مصنّفات ابن طاووس نادرة الوجود ، بل بعضها مفقود.
وقد اعتمدت في تحقيق الكتاب وتقويم نصّه
على ثلاث نسخ :
١ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله
العظمى المرعشي النجفي العامة في قم ، ضمن مجموعة برقم ٤٤٢ ، مذكورة في فهرسها ٢ /
٤٤ ، كتبت يوم الاَربعاء سنة ٩٦٤ هـ ، تقع هذه النسخة في ٨ أوراق ، وكلّ ورقة
تحتوي على ١٩ سطراً بقياس ٥ / ٢١ ×٥ / ١٣ سم. وقد رمزنا لها بـ (ش).
٢ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة الاِمام
الرضـا عليه السلام في مشهد ،
برقم ٣٤٨٨ ، مذكورة
في فهرسها الاَلفبائي : ٤٩٩ ، كتبت بخطّ النستعليق ، وفي نهايتها كُتب : تمّت هذه
الرسالة في تاريخ روز يكشنبه نهم(١) شهر شعبان المعظّم سنة ١٠٠١ هـ ، تقع هذه
النسخة في ١١ ورقة ، وكلّ ورقة تحتوي على ١٥ سطراً بقياس ٢٠ ×١٢ سم. وقد رمزنا لها
بـ (ر).
٣ ـ النسخة المطبوعة مع «كشف الريبة»
للشهيد الثاني و «محاسبة النفس» للكفعمي في طهران ١٣١٩ هـ. وقد رمزنا لها بـ (ط).
منهجيـة التحقيق :
اعتمدت في عملي طريقة التلفيق بين النسخ
الثلاث ، مراعياً فيه القواعد المتعارفة لتحقيق النصوص ؛ فكان عملي كالتالي :
١ ـ مقابلة النسخ وإثبات النصّ الصحيح
في المتن ، والاِشارة إلى الاختلاف في الهامش.
٢ ـ تقويم النصّ وتقطيعه إلى فقرات.
٣ ـ استخراج الاَحاديث الواردة من
مصادرها التي وصلت إلينا ، وما لم نعثر على مصدره أخرجناه من مصادر أُخرى.
٤ ـ قمت بضبط الاَعلام في المتن
بالاعتماد على كتب ضبط الرجال ، والاِشارة إلى الوجه المحتمل في الهامش.
٥ ـ مقابلة الروايات التي نقلها
العلاّمة المجلسي والحرّ العاملي والمحدّث النوري عن «محاسبة النفس» والاِشارة إلى
الاختلاف فيما بيـنهـا.
__________________
وفـي الختـام :
أشكر الله تعالى إذ وفّقني لاِخراج هذا
الكتاب بحُلّة لائقة ، وأرجو أن أكون ممّن قدّم خدمة لتراث أهل البيت عليهم السلام
، كما أتقدّم بجزيل الشكر والتقدير إلى من أعانني وشجّعني على إخراج هذا الكتاب ،
وأخصّ بالذِكر مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث.
وأُهدي جهدي المتواضع إلى أوّل من أسّـس
علم الاَخلاق في الاِسلام وكتب فيه ؛ سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي
طالب عليه السلام ، راجياً منه القبول والشفاعة.
والحمـد لله ربّ العالمين ، والصلاة
والسلام على محمّـد وآله الطـيّبين الطاهرين.
|
وكتب
هادي الشيخ حسن
القبيسي العاملي
قم المقدّسة
٢٥ ربيع الاَوّل
١٤١٧ هـ
|






بسـم الله الرحمن
الرحيم
وبه نسـتعين
فإنه خير معين
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمّـد بن
طاووس العلويّ الفاطميّ قدّس الله روحه ونوّر ضريحه :
أحمد الله جلّ جلاله الذي ابتدأني
بالوجود والوعود ، وربّاني في ظهور الآباء والجدود ، وبطون الاَُمّهات والجدّات ،
وألهمني التشريف بمعرفته ، وارتضاني لعبادته ، ودلّني على طرق السلامة من الندامة
، والاستظهار ليوم القيامة ، والظفر بالكرامة في دار المقام ، وعرّفني أنّ معي
ملائكة حافظين ، وأمرني بالمحاسبة والاحتياط ليوم الدين.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله شهادة صدرت
عمّا شرّفني به من اليقين ، وعرّفني من الاَسرار عن السلف الطاهرين.
وأشهد أنّ جدّي محمّـداً صلى الله عليه
وآله وسلم سيّد المرسلين وخاتم النبيّين ، شهد له بذلك مرسِلُه جلّ جلاله مالكُ
الاَوّلين والآخِرين ، بما كمل في ذاته
__________________
وصفاته ومعجزاته ،
وآياته الباهرة في حياته وبعد وفاته ، وكشف على لسانه وقرآنه من دلالاته وهداياته
، وأسراره وغاياته.
وأشهد أنّه جعل لاَُمّته حافظين
لاَسراره ، ومهتدين بأنواره ، من أصله ونجاره
، إتماماً لحجّته ، ودلالة على محجّته ، وقطعاً للاَعذار في مخالفته ، يحتجّ جلّ
جلاله به وبهم يوم قيام حسابه ومساءلته ، لاَجل ما علم جلّ جلاله
من اختلاف خليقته ، ومنازعتهم في شريعته.
وبعـد
: فإنّي لمّا
رأيتُ الآيات والروايات شاهدة بما يقتضي محاسبة الاِنسان لنفسه ، واستظهاره في
تلافي تفريطه في يومه وأمسه ، صنّفت
في جملة التصانيف أبواباً ، بحسب ما دلّني عليه الجَواد المالك اللطيف.
وقد رأيت بالله جلّ جلاله تلك المصنّفات
، ربّما لا تحصل عند من يحتاج إلى المحاسبات ، وأنّ ذرّيّتي قد جعلهم الله جلّ
جلاله رعيّتي ، ويلزمني هدايتهم بما تفضّل الله جلّ جلاله من هدايتي ، فاقتصرت على
تصنيف كتاب لطيف لتعريف المحاسبة
للملائكة الحفظة الكرام ، وتطهير الصحائف من الآثام.
وجعلته عدّة أبواب بحسب ما هداني إليه
واهب الاَلباب ، وفاتح
__________________
طريقة الحساب.
الباب
الاَوّل : فيما نذكره من الآيات التي يقتضي
ذِكرها الاهتمام بمحاسبة الحفظة الكرام.
الباب
الثاني : فيما نذكره من الروايات التي تقتضي
الاحتياط بالمحاسبة في الليل والنهار ، للسلامة من الآصار.
الباب
الثالث : فيما نذكره من أيّام مسمّيات تحتاج إلى
الاستظهار في المحاسبات والمراقبات.
الباب
الرابع : في أوقات وجهات معظَّمات نذكرها مجملات
تقتضي زيادة التحفّظ من السـيّـئات.
الباب
الخامس : فيما نذكره في لفظ المحاسبة على سبيل
الاختصار ممّا يحتاج إليه المكلّف للاحتياط والاستظهار ، وفيه فصول تتضمّن وقت
ارتفاع الملَـكَين بالاَعمال ومكانهما من الاِنسان.
ذِكر تفصيل هذه الاَبواب بحسب ما نرجوه
من الصواب ..
* * *
__________________
الباب الاَوّل
فيمـا نذكره مـن
الآيات التـي
تقتضي ذِكر الاهتمام
بمحاسبة الحفظة الكرام
[١] قال الله جلّ جلاله : (وإنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ * كِراماً
كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ).
[٢] وقال جلّ جلاله في كتابه المجيد : (ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ
رَقيبٌ عَتيدٌ).
[٣] وقال جلّ جلاله لقوم يعقلون : (إنّا كُنّا نَسْـتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ).
فوجب الاهتمام بالتحفّظ من الآثام
والاَجرام ، وتطهير الصحائف التي تعرض على الملائكة الكرام.
* * *
__________________
الباب الثاني
فيما نذكره من
الروايات التي تقتضي
الاحتياط بالمحاسبة
في الليل والنهار ، للسلامة من الآصار
[١] رويناها في الحديث النبوي المشهور :
«حاسِبُوا أنْفُسَـكُمْ قَبْلَ أنْ
تُحاسَبُوا ، وَزِنُوْها قَبْلَ أنْ تُوزَنُوا ، وَتَجَهّزُوا لِلْعَرْضِ
الاَكْبَر».
فـصل
[٢] ورويت من كتاب محمّـد بن يعقوب
الكليني ، في كتاب الاِيمان والكفر ، بإسناده إلى أبي الحسـن الماضي صلوات الله
عليه وآله ، قال :
«لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يُحاسِبْ
نَفْسَهُ في كلِّ يَوْمٍ ، فإنْ عَمِلَ حَسَناً استَزادَ اللهآر
، وإنْ عَمِلَ سـيّـئاً اسْتَغْفَرَ اللهَ وَتابَ إلَيْهِ».
فـصل
[٣] وروى يحيى بن الحسن بن هارون الحسيني
في كتاب أماليه ، بإسناده إلى الحسـن بن عليّ عليهما السلام ، قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم :
__________________
«لا يَكُونُ العَبْدُ مُؤمِناً حتّى
يُحاسِبَ نَفْسَهُ أشَدَّ مِنْ مُحاسَبَةِ الشرِيكِ شَرِيكَهُ ، والسـيّدِ
عَبْـدَهُ ...»
وذكر تمام الحديث.
فـصل
[٤] ورويت بإسنادي إلى محمّـد بن علي بن
محبوب من كتابه ، بإسناده إلى جعفر بن محمّـد الصادق ، عن أبيه عليهما السلام ،
قال :
«ما مِنْ يَوْمٍ يَأتِي على ابْنِ آدَمَ
إلاّ قالَ ذلِكَ اليَومُ : يا بْنَ آدَمَ! أنا يَوْمٌ جَديدٌ ، وأنا عَلَيْكَ
شَهيدٌ ، فافْعَلْ فيَّ خَيْراً ، واعْمَلْ فيَّ خَيْراً ، أشْهَدُ
لكَ يَوْمَ القيامَةِ ، فإنّكَ لَنْ تَرانِي بَعْدَها أبَداً.
فـصل
[٥] ورأيت في كتاب مسعدة بن زياد
الربعيّ ، من أُصول الشيعة ، فيما رواه عن جعفر بن محمّـد الصادق ، عن أبيه عليهما
السلام ، قال :
«إنّ الليلَ إذا أقْبَلَ ، نادى مُنادٍ
بصَوْتٍ يَسمَعُهُ الخلائقُ إلاّ الثَقَليْن : يا بْنَ آدَمَ! إنّي خَلْقٌ جَدِيدٌ
، إنّي على ما فيَّ شَهِيدٌ ، فَخُذْ مِنّي ، فإنّي لَوْ طَلَعَت الشمْسُ لَمْ
أرْجِعْ إلى الدُنيا ، ثُمّ لَمْ تَزْدَدْ فيَّ مِنْ حَسَنَةٍ ، وَلَمْ
__________________
تَسْتَعتِبْ فيَّ
مِنْ سَيّئةٍ ، وكذلِكَ يَقُولُ النهارُ إذا أدْبَرَ الليلُ».
فـصل
[٦] ورويت بإسنادي من كتاب أمالي الشيخ
المفيد قدّس الله روحه ، بإسناده إلى مولانا علي بن الحسـين عليهما السلام ، قال :
«إنّ المَلَكَ المُوكَّلَ بالعَبْدِ
يكْتبُ في صحيفَةِ أعْمالِه ؛ فاملاَوا
أوّلَها وآخِرَهَا خَيْراً يُغْفَرُ لَكَ ما بَيْنَ ذلكَ».
فـصل
[٧] ورويت من كتاب «فضل الدعاء» لمحمّـد
بن الحسن الصفّار بإسناده إلى الصادق عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم :
«طُوْبى لِمَنْ وُجِدَ في صَحيَفةِ
عَمَلِهِ يَومَ القِيامَةِ تَحْتَ كُلِّ ذَنْبٍ : أسْتَغْفِرُ الله».
فـصل
[٨] ورويت في حديث آخر من كتاب الكليني
، بإسناده إلى
__________________
أبي عبـدالله عليه
السلام ، قال :
«إنّ النهارَ إذا جاءَ قالَ : يا بنَ
آدَمَ! اعْمَلْ في يَوْمِكَ هـذا خَيْراً ، أشهَدُ لَك بهِ عِنْدَ رَبِّكَ يَومَ
القيامَةِ ، فإنّي لَمْ آتِكَ فيما مَضى ، ولا آتِيكَ فيما بَقِيَ ، وإذا جاءَ
الليلُ قالَ مِثْلَ ذلِكَ».
فـصل
[٩] ورويت حديث مولانا جعفر بن محمّـد
الصادق عليه السلام ، عن مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام ،
قال :
«لا تَقْطَعوا نَهارَكُمْ بكَذا وَكَذا
، وَفَعَلْنا كَذا وَكَذا ، فإنّ مَعَكُمْ حَفَظَةً يُحْصُونَ عَليكُمْ وَعلَيْنا».
فـصل
[١٠] ورويت من كتاب الكليني بإسناده إلى
أبي النعمان عن أبي
جعفـر عليه السلام ، قال :
«يا أبا النعْمان! لا يَغُرَّنَّكَ
الناسُ مِنْ نَفْسِكَ ، فإنّ الاَمْرَ يَصِلُ إليْكَ دونَهُمْ ، وَلا تَقْطَعْ
نَهارَكَ بكَذا وَكَذا ، فإنّ مَعَكَ مَنْ يَحْفَظَ علَيْكَ عَمَلَكَ ،
__________________
وأحْسِنْ
فإنّي لَمْ أرَ شَيْئاً أسْرَعَ دَرَكاً وَلا أسْرَعَ طَلَباً مِنْ حَسَنةٍ
مُحْدَثَةٍ لِذَنْبٍ قَدِيْم» .
* * *
__________________
الباب الثالث
فيما نذكره من أيّام
مسمّيات
يحتاج إلى الاستظهار
في المحاسبات والمراقبات
إعلم أنّي رأيت ورويت في روايات متّفقات
عن الثقات
: أنّ يوم الاثنين ويوم الخميس تُعرض فيهما الاَعمال على الله جلّ جلاله
، وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الاَئمّة عليهم السلام.
[١] فمن ذلك ما ذكره جدّي أبو جعفر
الطوسي في كتاب «التبيان» في تفسير هذه الآية : (وَقُلِ اعْمَلُوا
فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمؤمِنونَ)
، فقال ما هذا لفظه :
وروي في الخبر : أنّ الاَعمال تُعرض على
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في كلّ اثنين وخميس فيعلمها ، وكذلك تُعرض على
الاَئمّة عليهم السلام فيعرفونها ، وهم المعنيّون بقوله : (والمؤمنون).
[٢] ومن ذلك ما رواه الفضل بن الحسن
الطبرسي رضي الله عنه في كتاب تفسير القرآن ، في تفسير هذه الآية ، فقال ما هذا
لفظه :
روى أصحابنا «أنّ أعْمالَ الاَُمّةِ
تُعْرَضُ عَلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في كُلّ اثْنَيْن
__________________
وَخَمِيسْ
فَيَعْرِفُها ، وَكَذلِكَ تُعْرَضُ عَلى الاَئمّةِ عليهم السلام القَائِمينَ
مَقامَهُ
وَهُمْ المَعْنِيّونَ بقولِه : (والمؤمنون)».
[٣] ومن ذلك ما رواه أبو العبّاس بن
عقدة في كتاب تفسيره للقرآن ، في تفسيره هذه الآية (وَقُلِ اعْمَلُوا
فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمؤمِنونَ).
[٤] ورواه عبـدالله بن جعفر الحميري في
كتاب «الدلائل» ، نقل كلّ منها بإسناده إلى يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أبا
عبـدالله عليه السلام عـن قـول الله عـزّ وجلّ : (وَقُلِ اعْمَلوُا
فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ)؟
قال عليه السلام : هم الاَئمّة عليهم
السلام .
[٥] ومن ذلك ما رواه أيضاً أبو العبّاس
بن عقدة في كتابه المذكور بإسناده إلى بريد
بن معاوية العجلي ، قال : سألت أبا عبـدالله عليه السلام عن قول الله تعالى (وَقُلِ اعْمَلوُا فَسَيَرى اللهُ
عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ)؟
قال عليه السلام : إيّانا عَنا.
أقول
: وروى هذين الحديثين أيضاً محمّـد بن
العبّاس بن مروان في كتابه الذي صنّفه في ما نزل من القرآن في النبي صلى الله عليه
وآله وسلم والاَئمّة عليهم السلام مثله.
__________________
[٦] ومن ذلك ما رواه محمّـد بن العبّاس
بن مروان ، المذكور بإسناده من طريق الجمهور ليكون أبلغ في الحجّة ، للاتّفاق عليه
إلى أبي سعيد الخدريّ ، أنّ عمّاراً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
وددت أنّك عمّرت فينا عُمْرَ نوح عليه السلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم :
«يا عَمّارْ! حَياتي خَيْرٌ لَكُمْ ،
وَوَفاتي لَيْسَ بِشَرٍّ لَكُمْ ، أمّا في حَياتي فَتُحْدِثُونَ وأسْتَغْفَرُ
لَكُمْ ، وَأمّا بَعْدَ وَفاتي فاتّقُوا اللهَ وأحْسِنُوا الصلاة عَلَيّ وَعَلى
أهْلِ بَيْتي ، فإنّكم تُعْرَضونَ عَلَيّ بأسْمائكُمْ وأسْماءِ آبائِكُمْ
وأنْسابِكُمْ وَقبائلِكُمْ ، فإنْ يكُنْ خَيْراً حَمَدتُ اللهَ ، وإنْ يكُنْ
سُوءاً أسْتَغْفِرُ اللهَ
لِذنُوبِكُمْ ، فَقالَ المُنافِقُونَ والشُكّاكَ ، والّذينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
، يَزْعُمُ أنّ الاَعَمْالَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفاتِهِ ، بأسْماءِ الرجالِ
وَأسماءِ آبائهِمْ وانْسابِهِمْ إلى قَبائِلِهِمْ
، إنّ هذا لَهُوَ الاِفْك ، فَأنزَلَ اللهُ جَلّ جلالُه : (وَقُلِ اعْمَلواْ
فَسَيَرى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ).
فقيل له : ومن (المؤمنون)؟
فَقال : عامّةٌ وخاصّةٌ ، أمّا الّذين
قال الله عَزّ وجلّ (والمؤمنون)
فَهُمْ آلُ محمّـد الاَئمة عليهم السلام ، ثم قال : (وَستُرَدُّونَ إلى
عالِمِ الغَيْبِ وَالشهادَةِ فَيُنَبّئُكُم بِما كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
، مِنْ طاعَةٍ ومَعْصيةٍ».
يقول
علي بن موسى بن جعفر بن محمّـد بن طاووس
قدّس
__________________
روحه ونوّر ضريحه :
وروى محمّـد بن العبّاس بن مروان أخبار جماعة فـي ذلـك.
[٧] ومن ذلك ما رويته أيضاً من طريق
الجمهور ، من صحيح مسلم ، في النصف
الثاني منه في عدّة أحاديث تتضمن تفصيل يوم الاثنين ويوم الخميس.
وقال في بعضها : قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم :
«تُعْرَضُ أعْمالَ أمّتي
فِي كُلّ جُمعَة مرّتَينِ : يَومَ الاثْنَيِنِ ، وَيَومَ الخَميسِ ، فَيَغْفِرُ
لكُلّ عَبْـدٍ مؤمِنٍ ، إلاّ عَبْـدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أخيهِ شَحْناءَ ، فَيَقول
: اتْركُوا أو أرجِؤوا
هذيْنِ حَتّى يَفِيا».
[٨] ومن ذلك ما ذكر محمّـد بن عمران
المرزباني في الجزء السابع من كتاب «الاَزمنة» عند ذكره ليوم الاثنين والخميس
بإسناده ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم الاثنين والخميس
، فقيل له : لِمَ ذلك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
«إنّ الاَعْمالَ تُرْفَعُ في كُلّ
اثْنَيِن وَخَميس ، وأحِبُّ أنْ يُرفَعَ عَمَلي وأنا صائِمْ»
[٩] ومن ذلك بإسناده أيضاً ، عن أيوب ،
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
__________________
«ما مِنْ يَوم اثْنَيِنْ وَلا خَميس
إلاّ تُرْفَعُ فِيهِما الاَعْمالُ ، إلاّ عَمَلَ المَقادير».
وروى أيضاً حديثين آخرين في الاَعمال
يوم الاثنين والخميس ، وذلك كلّه يدلّ على تحقق
ما رويناه وذكرناه.
فينبغي أن يكون الاِنسان في يوم الاثنين
والخميس متحفظاً بكلّ طريق ، في طلب التوفيق ، وإيّاه أن يكون في هذين اليومين
مهملاً للاستظهار في الطاعة بل يكون مجتهداً في السلامة ، من الاضاعة
، بغاية الاِمكان ، فإن العقل والنقل يقتضيان : أنّ زمان عرض العبـد على السلطان ،
أن يكون مستعداً ومستحفظاً
بخلاف غيره من الاَزمان.
فـصل
وإن أراد أن يقول في أوّل نهار الاثنين
وأوّل نهار الخميس :
|
اللّهُمْ
إنّ هذا يَومٌ وَجَدْنا الاَخْبارَ النبَويّة ، وَالآثارِ المُحَمّـديّة
مُتَضَمّنَةً : أنّ الاَعْمالَ تُعْرَضُ فِيهِ عَلَيْكَ ، وَعَلى مَنْ يَعُزّ
عَلَيْكَ
، ونَحْنُ نَسْأَلُكَ وَنَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بكُلّ وَسيِلَةٍ لَها قَبُولٌ
لَدَيْكَ ، أنْ تُوَفّقَنا فيهِ لِما تُريدُ مِنّا ، وَلِما
|
__________________
|
تَرْضى
بهِ عَنّا ، وَتَجْعَلَ حَرَكاتنا وَسَكَناتنا صادِرَةً عَنْ إلْهامِكَ لَنا ما
فيهِ زِيادَةَ السعاداتِ بالعِباداتِ ، وَتَصُونَنا عَنْ مَواقِفِ النَداماتِ وَالجِناياتِ ، وأنْ تَتَقدّمَ مِنَ المَلَكَيْنِ
الحافِظَينِ أنْ لا يَكْتُبا عَليْنا فيهِ إلاّ ما يُقَرّبُنا إلَيكَ ،
وَيَزيدُنا إقْبالاً مِنْكَ عَلَيْنا وَإقْبالاً مِنّا عَلَيْكَ ، وأنْ
تَتَجاوَزَ عَمّا يَقْتَضي مُعاتَبَةً مِنّا ، أوْ مُجانَبَةً ، أوْ مُغَابَنَةً
، أوْ خِجَالةً ، أوْ نُقْصاناً ، أوْ هَواناً ، أوْ امْتِحاناً ، أوْ تَهَبَنا
ما بَيْنَنا وَبيْنَكَ وأنْ تَسْتَوْهِبَ لَنا ما بَيْنَنا وبَيْنَ مَنْ سِواكَ ، وَتَعْفُوَ عَمّا قَصّرْنا فيهِ
مِنَ الاسْتدْراكَ ، ولا تَفْضَحْنا بَيْنَ الرَوْحانِيّينَ مِنَ المَلائكَةِ ،
وأرْواحِ المؤمِنينَ
، وعِنْدَ سَيّدِنا خاتَمِ النبِيّينَ والمُرْسَلينَ ، وأنْ تُدْخِلَنا في
حِماهُ وحِمى عِتْرَتِهِ الطاهِرينَ ، وحِمى الرحْمَةِ الّتيِ تَفَضَّلْتَ بها
عَليْنا بالاِنْسَاءِ وَالبَقاء ، مَعَ العِلْمِ بِما يَصْدُرُ مِن
سوء الآراء وغلطِ الاَهْواءِ ، وَلا تُخْجِلْ رَسُولَكَ مُحَمّـداً الْعَزِيزَ
عَلَيْكَ ، وَعِتْرَتَهُ المُعَظّمِينَ لَدَيكَ ، إنّ عِتْرَتَهُمْ
وَرَعِيَّتَهُمْ لا تُضَيقُ عَلَيْهِمْ سَعَةَ رَحْمَتِكَ ، وَأنْ تَسْتُرَ
عَلَى مُخَالَفَتِكَ وَعَدَمِ طاعَتِكَ ، برَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الراحِمين.
|
__________________
فـصل
في ما رويناه في فضل الصلاة على محمّـد
صلى الله عليه وآله وسلم بعد العصر من يوم الخميس.
[١٠] روينا ذلك في كتاب التذييل
لمحمّـد بن النجّار وذكرناه في الجزء الثاني من كتاب التحصيل في ترجمة
محمّـد بن الحسن
بن محمّـد العطّار ، بإسناده إلى مولانا جعفر بن محمّـد الصادق عليهما السلام ،
قال :
«إذا كانَ يَومُ الخَميس عِندَ العَصْرِ
أهْبطَ اللهُ عزّ وجلّ مَلائكة مِنَ السماءِ إلى الاَرْضِ مَعَها صَحائِفَ مِنْ
فِضّةٍ بأيْديهِمْ أقلامٌ مِنْ ذَهَبٍ تَكْتبُ الصلاةَ عَلى مُحَمّـد وآل مُحَمّـد
صلى الله عليه وآله وسلم إلى الغَدِ مِن غُروبِ الشمسِ».
فـصل
في ما يستحب فعله أواخر نهار الخميس
أيضاً.
ذكرنا ذلك في كتاب جمال الاَسبوع بكمال
العمل المشروع ، ونذكره في هذا المكان لئلاّ يحتاج من يعمل به إلى ذلك الكتاب ، أو
يتعذر عليه سبيل الاِمكان ، فنقول
:
__________________
[١١] روي أنّه : يُسْتَحَبّ أنْ
يَسْتَغفِرَ الله بهذا الاِستغفار آخِرَ كُلّ خَميس ، يَقُولُ :
|
«أسْتَغْفِرُ
الله الّذي لا إله إلاّ هُوَ الحَيّ القَيّومُ ، وأتوبُ إليْهِ تَوْبَةَ عَبْـدٍ
ذَليلٍ
، خاضِعٍ مِسْكِينٍ مُسْتَكينٍ مُسْتَجيرٍ لا يَسْتَطِيعُ لِنَفْسِهِ صَرْفاً ،
وَلا عَدْلاً ، وَلا نَفْعاً ، وَلا ضَرّاً ، وَلا حَياةً ، وَلا مَوتاً ، وَلا
نُشُوراً ، وَصَلّى اللهُ عَلى مُحَمّـد وَعِترَتِهِ الطَيّبينَ الطاهِرينَ
الاَبرارَ الاَخْيارَ وَسَلّمَ تَسْليماً كَثيراً».
|
ويستحب أن يدعو آخر نهار الخميس ، فيقول
:
|
«اللّهُمَ
يا خَالِقَ [نُورِ]
النَبيّينَ وَمَوْضِعَ قُلُوبِ العارِفين وَدَيّانَ حَقائِقِ يَومِ الدينِ ،
وَالمالِكِ لِحُكْمِ الاَوّلينَ والآخِرينَ والمُسَبّحينَ رَبّ العالَمين ،
الْعالِمِ
بِكُلّ تَكْوِين ، أسْألُك بِعزّتِكَ في الاَرْضِ والسماءِ ،
|
__________________
|
وحِجابِكَ
المَنيعِ
عَلى أهْلِ الطُغْيان. يا خالِقَ رُوحيِ وَمُقَدّرَ قُوّتي ، وَالعالِمَ بسِرّي
وَجَهْري ، لَكَ سُجُودي وعُبُوديّتي ، وَلِعَدوّكَ عُنُودي يا مَعْبُودي ،
أشْهَدُ أنّكَ أنْتَ اللهُ الّذي لا إلهَ إلاّ أنْتَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ ،
عَليكَ تَوَكّلْتُ وإلَيْكَ أُنِيبُ أنْتَ حَسْبي وَنِعْمَ الوَكِيل».
|
فـصل
[١٢]وأيضاً مرويّ بطريق أهل البيت عليهم
السلام ، أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم دعا في آخر يوم الخميس بهذا الدعاء :
|
«لا
إلهَ إلاّ الله أشْرَقَتْ وَأنارَتْ وَحَولَ العَرشِ اسْتَدارَتْ ، لا إلهَ إلاّ
الله السماواتُ قِرْطاسُها ، لا إلهَ إلاّ الله النجُومُ أقلامُها ، لا إلهَ
إلاّ الله البِحارُ مِدادُها ، لا إلهَ إلاّ الله المَلائكَةُ كُتّابُها ، لا
إلهَ إلاّ الله ما خابَ عَبْـدٌ قَالَها ، لا إلهَ إلاّ الله مُحَمّـدٌ صلى الله
عليه وآله وسلم قَالَها ، يانُورَ النورِ ، يا نُورَ النورِ ، وَيا مُدَبّرَ
الاَمُورِ ، يا حَكَمٌ يا عَدْلٌ لا يَجُور ، أسْكنّي جَنّتَكَ البَيْضاءَ الّتي
نورُها نُورُ وَجْهِكَ ، وَظِلّها ظِلُّ عَرْشِكَ ، وَسُكّانُها [مَلائكَتُكَ] وَحَشْوُها رَحْمَتُكَ ، يا أرْحَمَ
|
__________________
|
الراحِمينَ
، وَصَلّى الله عَلى مُحَمّـدٍ وَآلهِ أجْمَعينَ».
|
فـصل
في أنّ آخر خميس من كلّ شهر ترفع أعمال
الشهر فيه.
[١٣] فمن ذلك ما رويناه من كتاب (العلل)
تأليف أبي جعفر محمّـد بن بابويه رضوان الله عليه ، بإسناده إلى عنبسة بن بجاد
العابد ، قال : سمعت أبا عبـدالله عليه السلام يقول :
«آخِرَ كُلّ خَميسٍ في الشهْرِ تُرْفَعُ
فيهِ الاَعْمالُ».
فـصل
[١٤] ورويت : بإسنادي من كتاب (العلل)
للقزويني ، بإسناده إلى عبـد الصّمد بن عبـد الملك قال : سمعت أبا عبـدالله عليه
السلام يقول :
«آخِرَ كُلِّ خَمِيسٍ في الشهْرِ
تُرْفَعُ فيهِ أعْمالُ الشهْرِ.
فصل
[١٥] ورويت بإسنادي إلى جدي أبي جعفر
الطوسي قدس الله
__________________
روحه بإسناده إلى
عنبسة بن بجاد العابد أيضاً ، قال : سمعت أبا عبـدالله صلوات الله وسلامه عليه
يقول :
«آخِرَ خَميسٍ في الشهْرِ تُرْفَعُ فيهِ
أعْمالُ الشهْرِ».
أقول
: فأي عذر للانسان المعدود من أهل
الاِيمان في إهماله للاستظهار لاَجل عرض أعماله قبل يوم حسابه وسؤاله؟!
* * *
__________________
الباب الرابع
فـي أوقات وجهات
معظّمـات
نذكرها مجملات تقتضي
زيادة التحفظ من السيّئات
إعلم : أنّ الاَوقات المعظّمات ورد بعض
تعظيمها في الآيات ، وبعض أُخر في الروايات ، مثل : شهر رمضان ، والاَشهر الحرم ،
والاَيّام المعلومات ، والاَيّام المعدودات ، وغيرها من الاَوقات المحترمات.
وأمّا الجهات المكرّمات مثل : المسجد
الحرام ، والكعبة ، ومسجـد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وبيت المقدس ،
والمشاهد المشرّفة ، والمساجد المباركات ، وكلّ موضع أتى بتعظيمه قرآن أو روايات ،
فإنّه ينبغي تعظيمه بحسب الاَوامر الشرعيّات ، وأن يكون الاِنسان متحفّظاً فيها من
السيّئات ، بخلاف ما لا يجري مجراها من الاَوقات والجهات ، تعظيماً لما أمر الله جلّ
جلاله بتعظيمه ، وامتثالاً لاَوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في تكريمه.
* * *
الباب الخامس
فيما نذكره من لفظ
المحاسبة على سبيل
الاِختصار ممّا يحتاج
اليه المكلف اللاحتياط والاستظهار
وفيـه عـدّة فصـول :
فـصل
في المحاسبة أواخر النهار.
[١] رويت من كتاب الكليني بإسناده عن
شهاب بن عبـد ربّه ، قال : سمعت أبا عبـدالله عليه السلام يقول :
«إذا تَغيّرت الشمْسُ فاذْكُروا الله
عَزّ وَجَلّ ، وإنْ كُنْتَ مَعَ قَومٍ يَشْغلُونَكَ فَقُمْ وَادْعُ».
أقول أنا :
|
فإذا
أراد ذلك فيقول : سلام الله جلّ جلاله ، وسلام خاصّته ، وسلامي عليكما أيّها
الملكان الحافظان ، أستودعكما الله جلّ جلاله ، وأقرء عليكما السلام ، وأسألكما
بالله جلّ جلاله ، أن تستوهبا ما بيني وبين الله جلّ جلاله ، وما بيني وبين
عباده
وتستودعاني له
|
__________________
|
جلّ
جلاله ما كتبتما ، وتكتبا ما أقول.
|
ويقول
:
|
يا
أرحم الراحمين! حتى ينقطع النفس ، أنا عبـدك الذي خلقته من التراب
والطين ، والماء المهين ، وقد سمعت في كتابك الكريم (وإنّ عليكم لحافظين كرامـاً كاتبين
يعلمـون مـا تفعلـون) ، وبلغني عن رسولك صلى الله عليه
وآله وسلم : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا». وبلغني عن أهل بيت رسول الله عليهم السلام أنّهم قالوا : «ليس
منّا من لم يُحاسب نفسه»
فلا يكون العبد مؤمناً حتى يحاسب نفسهس ، وقد حضرتُ بين يديك ، وما معي عمل
أرضى أن أعرضه عليك ، لاَنّ صالح عملي يخجلني قصيره ، وفاسد عملي
يفضحني يسيره ، وقد قُدت نفسي إلى مجلس القود والعود والاستسلام ، وأنا
|
__________________
|
أتوب
إليك من الذنوب والآثام ، فإن قبلت توبتي ورضيت عني ، وإلاّ فاسألك أن تعفو عنّي
، فقد يعفو المولى عن عبـده وهو غير راضٍ عنه ، وقد جعلت الاِستغفار طريقاً إلى
قبول التوبة
وغفران الآصار ، فها أنا أقول : أستغفرك وأسألك التوبة. ويكرّر ذلك مئة مرّة.
|
ثم يقول :
|
وقد
أمرت يا سيدي بالعفو وعفوت ، ودللت عبادك على العفو ومدحت الكاظمين الغيظ
والعافين عن الناس ، وبذلت الثواب على العفو ، وجعلت العفو من صفات الكمال ،
وعاتبت عباداً لك على ترك العفو عن سوء الاَعمال ، وأنت أحق ممن إذا أمر عمل ،
وإذا قال فعل ، فها أنا أسألك العفو العفو. ويكرّر ذلك مئة مرّة.
|
أقول
:
فهذا من أقلّ مراتب المحاسبات والتوسّل في محو السيئات ، فما الذي يمنع العبد
الضعيف منه ، وما عذره في الاِعراض عنه وهو يعلم أنّه إن لم يُحاسب نفسهُ مختاراً
منصوراً حُوسب إضطراراً مقهوراً ، نادماً واجماً
متحيراً ذليلاً مكسوراً.
__________________
فـصل
فيما يروى عن مولانا علي عليه السلام في
وقت ارتفاع الملكين بالاَعمال ، وفي مكانهما من ابن آدم ....
[٢] روينا من كتاب «خطب مولانا علي
صلوات الله عليه» ـ وهو للسعيد عبـد العزيز الجلودي رضي الله عنه وهو نسخة عتيقة
نقلها بخطّه ، وكانت وفاته ؛ ثامن عشر من ذي الحجة الحرام ، سنة اثنين وثلاثمائة ـ
فيما يتضمّن جواب مولانا
علي عليه السلام لابن الكوّا عن مسائل سأله عنها.
فمنها ما هذا لفظه قال : يا أمير
المؤمنين! فما البيت المعمور والسقف المرفوع؟ قال عليه السلام :
«وَيْلَك! ذلِكَ الضُراح
بَيْتٌ فِي السماءِ الرابِعَة حِيالَ الكَعْبَةِ مِنْ لُؤلُؤ جَوْفاء يَدْخُلُهُ
كَلّ يَومٍ سَبْعونَ ألفَ مَلَكٍ لا يَعودون إليْهِ إلى يَومِ القِيامَةِ ، فيهِ
كُتّابُ أهْلِ الجَنّة عَنْ يَمينِ البابِ ، يَكْتبونَ أعْمالَ أهْلِ الجَنّةِ
بأقْلامٍ مِنْ نُور ، وَفيهِ كُتّابُ أهْلِ النارِ عَنْ يَسارِ البَاب يَكْتبونَ
أعْمالَ أهْلِ النارِ بأقْلامٍ سُودٍ ، فإذا كانَ مِقْدارَ العِشاءِ ارْتَفَعَ
الْمَلَكان فَيسْتَنْسِخونَ مِنْهُمْ
ماعَمِلَ الرجُلُ ، فَذلِكَ قَولُهُ تَعالى : (هذا كِتابُنا يَنطِقُ
عَلَيْكُم بالحَقِّ إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما
__________________
كُنتُمْ
تَعْمَلونَ)».
وأمّا موضع جلوس الملكين الحافظين.
[٣] فرواه أبو عمرو
الزاهد صاحب ثعلب
ـ وجدته في نسخة عتيقة ظاهر حالها أنّها
كتبت في حياته ، وقد كانت في خزانة الحافظ الخليفة بمصر ـ فقال ما هذا لفظه : قال
أبو عمرو
: أخبرني العطا عن الصباحي بإسناد
الاِمامية من الشيعة ، عن جعفر بن محمّـد الصادق عن آبائه الطاهرين عليهم السلام ،
قالوا : قال أمير المؤمنين عليه السلام :
«إنّ المَلَكَيْن يَجْلسانِ عَلى ناجذي
الرجُلِ ، يَكْتُبانِ خَيْرَه وَشَرّه ، وَيَسْتَمِدّان مِنْغرِيّه
، وَرُبّما جَلَسا عَلى الصِماغَيْن.
فسمعتُ ثَعْلَباً يقول : الاخْتيار مِنْ
هذا كُلّه ما قال أميرُ المؤمنين عليه السلام .
قال : الناجِذان : النابان ، والغرّان : الشدقان
، والصامِغان والصِماغان ـ ومَنْ قالَهُما بالعَيْن فقد صحّفهُما
ـ وهما مجْتمعا الريق من الجانبين ، وهما
__________________
اللّذان يُسمّيهما
العامّة الصَوارين».
[٤] ورويت : في حديث آخر في هذا الكتاب
ما هذا لفظه :
وسُئل عَنْ قَوْلِ أميرِ المؤمِنينَ
عليه السلام : نَظّفوا الصِماغين فإنّهُما مَقْعَدُ المَلَكْين ، فَقالَ ثَعْلَب :
هُما المَوضِع الّذي يَجْتمِعُ فيهِ الريق مِنَ الاَنْسانِ ، وَهوَ الّذي يُسَميّه
العامّة الصَوارين.
فـصل
في دعوات روينا أنّها تذكر أوقات
المحاسبات.
إعلم أنّنا ذكرنا ـ في كتاب فلاح السائل
ونجاح المسائل ـ تفصيلاً جليلاً في المحاسبات والدعوات ، ونذكر ههنا ما يحتاج إليه
أهل الضـرورات.
فنقول
:
[٥] رويت من كتاب الربيع بن محمّـد
المُسلّي
بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام ، قال عليه السلام :
«كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
إذا احْمَرّتْ الشمْسُ عَلى قُلّةِ الجَبَلِ هَمَلَتْ عَيْناهُ دُموعاً ، ثمّ قال
:
|
اللّهُمّ
أمْسى ظُلْمي مُسْتَجيراً بِعَفْوِكَ ، وأمْسَتْ ذُنوبي مُسْتَجيرةً
بِمَغْفِرَتِكَ ، وأمْسى خَوْفي مُسْتَجيراً بأمْنِكَ
|
__________________
|
،
وأمْسى ذُلّي مُسْتَجيراً بعِزِّكَ ، وأمْسى فَقْري مُسْتَجيراً بِغِناكَ ،
وأمْسى ضَعْفي مُسْتَجيراً بِقوّتِكَ ، وأمْسى وجْهي البالي الفاني
مُسْتَجيراً بوَجْهِكَ الدائمِ الباقي الكَريمِ. اللّهُمَ ألْبِسْني عافِيَتَكَ
، وغَشِّني رَحْمَتَكَ ، وجَلِّلْني كَرامَتَكَ ، وقِني شَرّ خَلْقِكَ مِنَ
الجِنّ والاَنْسِ ، يا اللهُ يا رَحْمنُ يا رَحيمُ»و.
|
فـصل
[٦] ورويت من كتاب الكليني بإسناده ،
قال : كان علي عليه السلام إذا أمسى قال :
«مَرْحَباً بالليلِ الجَديدِ والكاتِبِ
الشَهيدِ ، اكُتْبا بسْمِ الله. ثمّ يَذْكُرُ الله عَزّ وجَلّ».
[٧] ورويت : بإسنادي ، عن ابن أبي عُمير
، عن أميّة بن علي ، قال : قال : أبو عبـدالله عليه السلام :
|
«مَنْ
قالَ عِنْدَ غُروبِ الشمْسِ فِي كُلّ يَومٍ : يا مَنْ خَتَمَ النبوةَ
بِمُحَمّـدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ، اخْتِمْ لي في يَومي هذا بِخَيْرٍ ، وشَهْري
بِخَيْرٍ ، وسَنَتي بِخَيْرٍ ، وعُمْري بِخَيْرٍ ؛ فَماتَ تِلْكَ الليلَةِ ، أوْ
في تِلْكَ الجُمُعَةِ ، أوْ في ذلِكَ الشهْرِ ، أوْ في
|
__________________
|
تِلْكَ
السنَةِ دَخَلَ الجَنّةَ ، أوْ فِي غَيْرِها ماتَ شَهْيداً».
|
ورَوُيْتُ : «الجُمُعَةُ ، أوْ في
غَيْرِ ذلِكَ الشهْرِ ، أوْ في تِلْكَ السنَةِ دَخَلَ الجَنّةَ».
فـصل
فيما نذكر من المحاسبة
أواخر كلّ ليلة.
يُستحّب للاِنسان اذا استيقظ من المنام
، أن يسجد شكراً لله جلّ جلاله ، على ما تفضّل به عليه من الاِنعام.
فقد روينا : أنّ النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم أفضل الرُسل ، كان يفعل ذلك ، وهو قدوة لاَهل الاِسلام.
أقول
: ثم يجلس بين يدي مولاه ، الذي أنشأه
وربّاه ، ومكّنه من مساعدة دنياه وأُخراه ولو ساعة واحدة أواخر كلّ ليلة ويحاسب
ملكي الليل كما يحاسب ملكي النهار ، ويجتهد في تطهير صحيفته من الآثام والآصار ،
فإن شاء فليقل :
|
سَلامُ
اللهِ جَلّ جَلالُهُ ، وَسَلامُ خاصّتِهِ ، وسَلامي عَلَيْكُما أيّها المَلَكانِ
الحافِظانِ ، أسْتَودِعُكُما اللهَ جَلّ جَلاَلُهُ ، وأقْرَءُ عَلَيْكُما
السلامَ ، وأتَوجّهُ إليكُما بِالله المُنعِمِ عَلَيكُما أنْ تُشَرّفاني
بِجَوابِ التسْليمِ ، وتُساعِداني عَلى سُلُوكِ السَبيلِ المُستَقيمِ ،
وتَشَفّعا إلى مَولاكُما الحَليمِ
|
__________________
|
الرحيمِ
الكَريمِ جَلّ جَلالُهُ ، أنْ يَعْفُوَ عَنّي ويَرحَمَني ويَرْضى عَنّي ، وألاّ
يُشْمِتَ بي عَدوّهُ وعَدوّي ـ الشيْطانِ الرجيمِ ـ ، فَها أنا قَدْ سَلّمْتُ
نَفسي إليهِ ، واسْتَسْلَمْتُ بَينَ يدَيْهِ ، وأتَوَجّهُ إلَيهِ بِكلّ مَنْ
يَعُزُّ عَلَيهِ ، وبجَميعِ الوسائِلِ إليهِ ، في الاَمرِ لَكُما بِمَحوِ
السيّئاتِ ، وتَبديلهابِما هوَ جَلَّ جَلالُهُ أهْلُهُ مِنَ المَراحِمِ
والحَسَناتِ ، وها أنا أقولُ ما قالَ المُقْبِلونَ مِنَ النادِمينَ : (رَبّنا ظَلَمْنا أنفُسَنا وإن لَمْ
تَغْفِرْ لَنا وتَرْحَمْنا لَنَكونَنَّ مِنَ الخاسِرينَ) (رَبَّنا
لا تُؤاخِذْنا إن نَسينا أوْ أَخْطأْنا ، رَبّنا ولا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْراً
كَما حَمَلْتَهُ عَلى الّذينَ مِنْ قَبْلِنا رَبّنا ولا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ
لَنا بهِ ، واعْفُ عَنّا واغْفِرْ لَنا وارْحَمْنا أنتَ مَوْلانا) فارْحَمْنا يا أرْحَمَ الراحِمينَ!
عشر مرّات.
ثم
تقول : يا إلهي قَدْ مَدَحْتَ المُسْتَغْفِرينَ بالاَسْحارِ ، وبَلَغَنا أنّكَ
تَغَفِرُ الذنوبَ بالاسْتِغْفارِ ، وأنا أسْتَغْفِرُكَ وأسْألُكَ التَوبَةَ.
ويكرر ذلك مئة مرّة.
|
فـصل
في زيادة السعادة في المحاسبة والعبادة
، وإن كنت تريد زيادة التوصّل في الظفر بالعفو والتفضّل ، فقل :
__________________
|
اللّهُمَّ
إنّي سَمِعْتُ عَنْ كَرَمِك ورَحْمَتِكَ أنّكَ تَأمُرُ مُنادياً يُنادي عَنْكَ
فِي أوَاخِرِ كُلّ لَيْلَةٍ ، ويَدْعو الناس إلى مُسائَلتِكَ ، فَيَقولُ : هَلْ مِنْ سائلٍ فأُعْطيهِ؟
هَلْ مِنْ تائبٍ فأتوبُ عَلَيْهِ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فأغْفِرُ لَهُ؟ فَقَدْ
حَضَرْتُ مُمْتَثِلاً للنِداءِ ، ومُتَوَسّلاً بالدُعاءِ ، وأسْألُ مِنْ
رَحْمَتِكَ الواسِعَةِ ، ومَكارِمِكَ السابِقَةِ ، كُلُّ ما أحْتاجُ إليْه ،
وأتوبُ إليكَ مِنْ كُلِّ ما أقْدَمْتُ عَلَيْهِ ، وأسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ما
تؤاخِذُني عَلَيْه ، وأطْلُبُ العَفْوَ الّذي دَعَوْتَ عِبادَكَ إليْهِ ، وقَدْ
أنْعَمْتَ عَلَيّ بالاِيمانِ مِنْ غَيْرِ سُؤالٍ ، فَلا تَحْرِمْني ما هوَ
دونَهُ مِنَ النَوالِ مَعَ الدُعاءِ والابْتِهالِ ، يا اللهُ يا اللهُ ، يقولها
عشر مرّات.
|
فـصل
فيما نذكره لمن له عذر عن الجلوس من
مرقده ، أو يكسل
عن حضوره بين يدي سيده.
وإن كان لك عذر عن الجلوس من فراش
الرقاد ، أو كانت همّتك خسيسة سخيفة ، ومعرفتك ضعيفة عن طلب سعادة الدنيا والمعاد
، فقل وأنت على حالك :
|
يا
راحِمَ الضعيفِ الهالِكِ ، يا واهِبَ المَمالِكِ ، قَد
|
__________________
|
سَمِعْتُ
مِنْ حِلْمِك
الشامِلِ لاَهْلِ الآصارِ
، (الّذينَ يَذْكُرونَ
اللهَ قِياماً وقُعوداً وعَلى جُنوبِهِمْ ، ويَتَفكَّرونَ في خَلقِ السَماواتِ
والاَرضِ ، رَبّنا ما خَلَقتَ هذا باطِلاً ، سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النارِ) وها أنا أسألُكَ على جَنبي ، أنْ
تَعفُوَ عَن ذَنْبي ، وأنْ تَجعَلَني مِمّنْ أغْنَيتَهُ بعِلمِكَ عَن المَقالِ ،
وبِكَرمِكَ عَن السؤالِ.
|
فـصل
فيما نذكره لمن لم يتفق له توفيق لهذا
المقال ، ولا ظفر بهذه الآمال.
أقول
:
وإذا لم يسهل عليك الجلوس من فراش الغفلات ، ولا ما ذكرناه من جواب الملك المنادي
لاَهل الحاجات ، فمُدّ يدك إلى من عوّدك إحسانه إليك ، وقل :
|
يا
مَوْضِعَ آمالي حَسْبي مِنْ سؤالي عِلْمُكَ بحالي.
|
فـصل
فيما نذكـره مـن شرح بعض ما أجملناه
ممّا رويناه ورأيناه ، وقد ذكرنا في هذا الكتاب أنّه يقول : يا أرحم الراحمين سبع
مرات ، وإنّما ذكرنا ذلك ، لاَجل ما نذكره من الروايات.
__________________
فنقول :
[٨] إني رويت بإسنادي
إلى محمّـد بن الحسن الصفّار ـ من كتابه في فضل الدعاء ـ ، عن أبي عبـدالله الصادق
عليه السلام ، قال :
«كانَ أبي إذا ألَحَّتْ بهِ الحاجَةُ
سَجَدَ مِنْ غَيْرِ صَلاةٍ ولا رُكوعٍ ، ثُمَّ يَقولُ : يا أرْحَمَ الراحِمين!
سَبْعَ مرّاتٍ ، ثم يَسْألُ حاجَتَه ، ثُمَّ قالَ : قالَ أبي
ما قالَها أحَدٌ سَبْعَاً إلاّ قالَ اللهُ تَعالى : هـا أنـا أرْحَمُ الراحِمِين ،
سَلْ حاجَتَكَ»
فـصل
[٩] وروينا من الكتاب المذكور بإسناده
إلى الصادق عليه السلام ، أنّه قال :
«إنّ للهِ مَلَكاً يُقالُ لَهُ
إسْماعِيلٌ ، ساكِنٌ في السَماءِ الدُنْيا ، إذا قالَ العَبْدُ : يا أرْحَمَ
الراحِمينَ! سَبْعُ مرّات ، قالَ لَهُ إسْماعِيلُ : قَدْ سَمِعَ اللهُ أرَحَمَ
الراحِمين صوتك ، فَسَلْ حاجَتَكَ».
فـصل
[١٠] ورويت من كتاب فضل الدعاء المذكور
، بإسناده إلى مولانا
__________________
عليّ بن الحسين
عليهما السلام ، قال :
«سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
رَجُلاً يَقولُ : يا أرْحَمَ الراحِمينَ! فَأخَذَ بِمَنْكِبِ الرجُلِ وقالَ : هذا
أرْحَمُ الراحِمينَ قَدْ اسْتَقْبَلَكَ بوَجْهِهِ ، فَسَلْ حاجَتَكَ».
فـصل
فيما نذكره من الروايات في سجود النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم عند انتباهه من منامه ، قد كنّا ذكرنا ذلك مجملاً ،
ونذكره الآن مفصّلاً.
فأقول
:
[١١] رويت بإسنادي إلى أبي جعفر عليه
السلام ، أنّه قال :
«ما اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللهِ صلى الله
عليه وآله وسلم مِنْ نَومِهِ قَطُّ ، إلاّ خَرّ للهِ سَاجِداً».
[١٢] ورويت
من تاريخ النيسابوري ـ تأليف الحاكم في ترجمة حسين بن أحمد بن جعفر
بن عبـدالله ـ بإسناده عن جابر ، قال : كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم
إذا قامَ مِنْ مَنامِهِ خَرَّ للهِ سَاجِداً.
[١٣] ورويت أيضاً من تاريخ نيسابور
الحاكم ، بإسناده ـ في ترجمة محمّـد بن محمّـد بن سعيد بن عبـدالله
بن مهدي العامري ـ أنّ
__________________
النبيّ صلى الله عليه
وآله وسلم ما قامَ مِنَ النَومِ إلاّ خَرّ للهِ ، سَاجِداً شُكْراً للهِ عَـزّ
وجَـلّ
فـصل
فيما نذكره من تكرار يا الله عشر مرات.
[١٤] روينا من كتاب المشيخة ، تأليف
الحسن بن محبوب ، قال : إشتكى بعض أصحاب أبي جعفر عليه السلام
، فقال له :
قُلْ : يا الله يا الله عَشْرَ مَرّاتٍ
مُتَتابِعاتٍ ، فإنّهُ لَمْ يَقُلْها مُؤمِنٌ إلاّ قالَ لَهُ رَبّه : لَبَّيكَ
عَبْـدي ، سَلْ حاجَتَكَ.
فـصل.
[١٥] ورويتُ من آخر كتابِ «مَناسكِ
الزياراتِ» للمُفيد رحمه الله على ورقة فيها تعاليق من كتاب البزنطي ، يقول في
أواخر التعليقة ، ومن كتاب
__________________
الدعاء المستجاب ،
ولا أعلم هل هذا الباب من كتاب البزنطي أم لا؟! لاَنّي لم أجد هذا الباب في ما
اخترته من كتاب البزنطي ، وهذا لفظ ما وجدناه : حفص الاَعور عن أبي عبـدالله عليه
السلام قال :
اشتكى أبو عبـدالله إلى أبيه عليهما
السلام ، قال : قل عشر مـرّات يا الله يا الله ، فإنَّه لَمْ يَقُلْها عَبْـدٌ
إلاّ قالَ لَهُ رَبُّهُ : لَبّيكَ.
أقول
أنا : ويمكن أن يكون قد قال أبو جعفر عليه
السلام لبعض شيعته وقاله لولده أبي عبـدالله عليهما السلام .
فـصل
فيما نذكره عمّن يقول يا ربّ يا ربّ عشر
مرّات.
[١٦] رويت من كتاب محمّـد بن علي بن
محبوب ، في كتـاب الصلاة ، عن أحمد ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أخي أديم
، عن أبي عبـدالله عليه السلام ، قال :
«مَنْ قالَ عَشْرَ مَرّاتٍ : يا رَبّ يا
رَبّ يا رَبّ قالَ لَهُ رَبُّهُ : لبَّيْكَ سَلْ حاجَتَكَ»
__________________
فـصل.
[١٧] ورأيت في التعليقة التي أشرنا
إليها في أواخر كتاب «مناسك الزيارات.
وقد كُتِبَ في حياة المفيد قدّس الله روحه ما هذا لفظه : أبو جعفره.
عليه السلام ، قال :
«كانَ أبي يَلِحّ في الدعاءِ ، يَقولُ :
يا رَبّ يا رَبّ ، حَتّى يَنْقَطِعُ النفَسُ ثُمَّ يَعودُ».
فـصل.
[١٨] ومن التعليقة ما هذا لفظه : أبو
عبـدالله عليه السلام ، قال :
«إنّ العَبْدَ إذا قالَ : أيْ رَبِّ
ثَلاثاً صِيحَ مِنْ فَوقِهِ لبّيك لبّيك سَلْ تُعْطَه».
وهذا آخر ما أردنا ذكره في هذه الاَبواب
، ممّا يقتضي الاستظهار ، للسلامة من العقاب
والعتاب يوم الحساب. (فَبَشِّرْ عِبادِ
الّذيـنَ
__________________
يَسْتَمِعونَ
القَوْلَ فَيَتَّبِعونَ أَحْسَنَهُ أولئِكَ الّذينَ هَداهُمُ اللهُ وأولئكَ هُمْ
أُولواْ الاَلْبابَ).
والحمد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على أشرف المرسلين محمّـد النبيّ وآله الطيّبين الطاهرين
الاَخيار الاَنجبين وسلّم تسليماً كثيراً كثيراً.
* * *
__________________
مصـادر التحقيـق
١ ـ القرآن الكريم.
٢ ـ أعيان الشيعة :
للسيّد محسن الاَمين ، دار التعارف ، بيروت.
٣ ـ الاَمالي :
للشيخ المفيد أبي عبدالله محمّـد بن محمّـد بن النعمان ، مؤسسة النشر الاِسلامي
التابعة لجماعة المدرّسين ، قـم.
٤ ـ أمل الآمل :
للحُر العاملي الشيخ محمّـد بن الحسن ، مكتبة الاَندلس ، بغداد.
٥ ـ الاَنوار الساطعة في المائة السابعة
، للشيخ آغا بزرك الطهراني ، منشورات إسماعيليان ، قـم.
٦ ـ بحار الاَنوار :
للعلاّمة المجلسي الشيخ محمّـد باقر ، دار الكتب الاِسلامية ، طهران.
٧ ـ بصائر الدرجات :
للحسن بن فروخ الصفّار ، المكتبة العامة لآية الله المرعشي النجفي ، قـم.
٨ ـ البلد الاَمين :
للشيخ إبراهيم الكفعمي العاملي ، مكتبة الصدوق ، طهران.
٩ ـ التبيان في تفسير القرآن :
لشيخ الطائفة ، محمّـد بن الحسن الطوسي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
١٠ ـ ثواب الاَعمال وعقاب الاَعمال :
للشيخ الصدوق ، محمّـد بن علي بن الحسين بن بابويه ، مؤسسة الاَعلمي ، بيروت.
١١ ـ جمال الاسبوع بكمال العمل المشروع :
للسيّد ابن طاووس علي بن موسى بن جعفر ، مؤسسة الآفاق ، طهران.
١٢ ـ الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في
المائة السابعة : لكمال الدين أبي
الفضل عبد الرزاق بن الفوطي البغدادي ، المكتبة العربية ، بغداد.
١٣ ـ الدعوات :
لسعيد بن هبة الله الراوندي ، مدرسة الاِمام المهدي (عج) قـم.
١٤ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة :
للمحقق أغا بزرك الطهراني ، دار الاَضواء ، بيروت.
١٥ ـ رجال النجاشي :
لاَبي العباس أحمد بن علي النجاشي ، مؤسسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة
المدرسين ، قـم.
١٦ ـ سنن الترمذي :
لاَبي عيسى محمّـد بن عيسى بن سورة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
١٧ ـ صحيح مسلم :
لاَبي الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري ، دار الفكر ، بيروت.
١٨ ـ علل الشرائع :
للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّـد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، دار إحياء
التراث العربي ، بيروت.
١٩ ـ فتح الاَبواب بين ذوي الاَلباب وربّ
الاَرباب : للسيّد رضي الدين
علي بن طاووس الحلّي ، مؤسسة آل البيت : لاِحياء التراث ، قـم.
٢٠ ـ فلاح السائل :
للسيّد ابن طاووس علي بن موسى بن جعفر ، مكتب الاِعلام الاِسلامي ، قـم.
٢١ ـ الكافي :
لثقة الاِسلام محمّـد بن يعقوب الكليني ، دار الاَضواء ، بيروت.
٢٢ ـ كشف المحجة لثمرة المهجة :
للسيّد ابن طاووس علي بن موسى بن جعفر ، المكتبة الحيدرية ، النجف.
٢٣ ـ كنز العمّال :
لعلاء الدين علي المتّقي الهندي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت.
٢٤ ـ لسان العرب :
لاَبي الفضل جمال الدين ابن منظور المصري ، نشر أدب الحوزة ، قـم.
٢٥ ـ لؤلؤة البحرين :
للشيخ يوسف البحراني ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام
للطباعة والنشر ،
قـم.
٢٦ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن :
للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، منشورات ناصر خسروي ، طهران.
٢٧ ـ المحيط في اللغة :
للصاحب إسماعيل بن عبّاد ، عالم الكتب ، بيروت.
٢٨ ـ مستدرك الوسائل :
للمحدّث النوري الميرزا حسين الطبرسي ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء
التراث قـم.
٢٩ ـ معجم المؤلفين :
عمر رضا كحالة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
٣٠ ـ مقابس الاَنوار :
للمحقّق الشيخ أسدالله التستري ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ،
قـم.
٣١ ـ نقد الرجال :
للسيّـد مير مصطفى التفريشي ، منشورات الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ،
قـم.
٣٢ ـ وسائل الشيعة :
للحُر العاملي الشيخ محمّـد بن الحسن ، مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء
التراث ، قـم.
من أنباء التراث
كتب صدرت محقّقة
*
تقريرات آية الله المجـدِّد الشيرازي ، ج ٤.
بقلم
: الشيخ علي الروزدري ، المتوفّى حدود سنة ١٢٩٠ هـ.
كتاب
نادر مهمّ ، إذ لم يُعهد للسيّد الميرزا المجـدِّد الشيرازي الكبير (١٢٣٠ ـ ١٣١٢
هـ) أثرٌ بعـد وفاتـه وإلـى الآن ، والكتاب ـ الذي يُنشـر لاَوّل مرّة ـ عبارة
عن تقريرات درسه في علم الاَُصول ، كتبها تلميذه المولى الروزدري ، وهو تقرير
جيّـد السبك ، عميق المطالب ، جزل العبارة ، سهل التناول ، فيه الكثير من الآراء
الجديدة والاَفكار القيّمة الفريدة.
تمّ
تحقيق الكتاب بالاعتماد على ثلاث
|
|
نسخ
مخطوطة نفيسة.
اشتمل
هذا الجزء على مباحث : أصالة البراءة ، والتعادل والترجيح ، مع البحوث الفرعية
الخاصّة بكلّ مبحث.
تحقيق
ونشر : مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
المنتقى من فضائل الزهراء عليها السلام.
عرض
لفضائل ومناقب سيدة نساء العالمين ، فاطمة البتول عليها السلام ، وذكر خصائصها
ومزاياها في العلم والاَدب والفصاحة والبيان ؛ منتخبٌ من ثلاث رسائل لثلاثةٍ من
كبار علماء أهل السنّة :
١
ـ فضائـل فاطمـة الـزهـراء عليها السلام ، لابن شاهين ، عمر بن أحمد البغدادي
(٢٩٧ ـ ٣٨٥ هـ).
|
٢ ـ الثغور الباسمة فـي مناقب السيّـدة فاطمة عليها السلام ،
للحافظ جلال الدين السيوطي (٨٤٩ ـ ٩١١ هـ).
٣
ـ إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل ، للواعظ القلقشندي ، محمّـد
حجازي بن محمّـد بن عبد الله المصري الشافعي (٩٥٧ ـ ١٠٣٥ هـ).
كما
ضمّ الكتاب مختاراً من «مسنـد فاطمة الزهراء عليها السلام» للسيوطي ، الذي جمع
فيه أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم المروية عن طريقها عليها
السلام.
تم
تحقيق الرسالة الاَولى اعتماداً على مخطوطة واحدة ، وكلّ من الثانية والثالثة
على مخطوطتين ، والمسند على نسخة مطبوعة واحدة.
تحقيق
: قسم الدراسات الاِسلامية ـ مؤسّـسة البعثـة.
نشر
: مؤسّـسة الزهراء عليها السلام ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
منتهى المقال في أحوال الرجال ، ج ٣.
تأليف
: أبي علي الحائري ، الشيخ محمّـد بن إسماعيل المازندراني (١١٥٩ ـ ١٢١٦ هـ).
من
الكتب الرجالية المهمة ، مقسّم الى
|
|
مقدمة
وأصل وخاتمة ، ضمّت المقدمة ٥ مقدّمات فرعية ، والخاتمة ٥ فوائد رجالية ، أمّا
الاَصل فيذكر فيه المصنّـف أسماء الرجال مرتّبـة حسب الحروف الهجائية ، ذاكراً
في كل ترجمة ملخّص لما ذكره الميرزا محمّـد الاسترآبادي ـ المتوفّى سنة ١٠٢٨ هـ ـ
في كتابه «منهج المقال» ، وملخّـص لما ذكره الشيخ محمّـد باقر بن محمّـد أكمل
الوحيد البهبهاني ـ المتوفى سنة ١٢٠٥ هـ ـ في تعليقته على «منهج المقال» ، ثمّ
ما يضيفه هو من كلام أو تعليق ، ويختم بما ذكره الشيخ محمّـد أمين الكاظمي في
كتابه «هداية المحدثين» المعبّر عنه بـ : المشتركات.
مع
إضافة بعض التراجم التي لم تذكر في (المنهج) ولا في (التعليقة).
تـمّ
التحقيق اعتماداً على ٣ نسخ ، مخطوطة ومطبوعة ، هي :
الاَولى
محفوظة في خزانة مكتبة جامعة طهران ، يحتمل أن يكون تاريخ كتابتها سنة ١١٩٤ هـ.
والثانية
محفوظة في مكتبة السيّـد المرعشي العامة في قم ، وهي بخط ولد المصنّـف ، تاريخ
كتابتها سنة ١٢٤٥ هـ.
والثالثة
مطبوعة حجرياً لم يذكر عليها سنة الطبع ولا مكانها.
|
ومن
المؤمل أن يصدر في ٩ أجزاء.
اشتمل
هذا الجزء على بقية حرف الحاء ولغاية حرف الشين.
تحقيق
ونشر : مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
ينابيع المعاجز وأصول الدلائل.
تأليف
: السيّـد هاشم بن سليمان البحراني المتوفى سنة ١١٠٧ أو ١١٠٩ هـ.
عرض
للفضائل والمناقب والكرامات التي خصّ الله سبحانه وتعالى بها رسولنا الاَكرم صلى
الله عليه وآله وسلم وأوصياءه الاَئمة الاثني عشر إذ هم حججه على عباده وخلفاؤه
في أرضه وبلاده ، جمعت هذه الفضائل من كتب ومصنّفات معتمدة موثّقة ، وروايات
يتّصل سندها بأهل بيت العصمة عليهم السلام.
تم
التحقيق اعتماداً على مخطوطة مكتوبة عن نسخة المؤلف سنة ١٠٩٨ هـ.
تحقيق
: فارس حسون كريم.
نشر
: مؤسّـسة المعارف الاِسلامية ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
خاتمة مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، ج ٢١ و ٢٢.
تأليف
: الميرزا الشيخ حسين النوري الطبرسي (١٢٥٤ ـ ١٣٢٠ هـ).
|
|
تحتوي
هذه الخاتمة ـ للموسوعة الحديثية الجامعة الصادرة في ١٨ جزءاً ـ على ١٢ فائدة
رجالية ، شاملة الكثير من البحوث الرجالية العالية ، والمباحث المرتبطة بعلم
الحديث ، مع مناقشة المباني العلمية للتوثيقات الرجاليّة العامّة ، وبيان أحوال
بعض رواة الحديث الشريف ، كما شملت تحقيقات حول الكتب المعتمدة في التأليف.
تم
تحقيق الخاتمة اعتماداً على ٣ نسخ مخطوطة ؛ أُولاها شاملة للفوائد ١ ـ ٣ ،
محفوظة في مكتبة فخر الدين النصيري بطهران ، وأُخرى شاملة للفوائد ٦ ـ ١٢ وهي
بخط المصنّف تاريخها سنة ١٣١٩ هـ محفوظة في مكتبة الاِمام الرضا عليه السلام في
المشهد الرضوي الشريف ، والاَخيرة مطبوعة على الحجر محفوظة في مكتبة العلاّمة
المحقق السيّـد عبـد العزيز الطباطبائي قدس سره.
ومن
المؤمل أن تصدر في ٩ أجزاء.
اشتمل
الجزء ٢١ على : الفائدة الثالثة ـ طرق المحقق الحلي قدس سره ـ ، مشجرة تمثّل
مخطّط توضيحي لمشايخ المصنف قدس سره الّذين تنتهي إليهم جميع طرقه ، الفائدة
الرابعة التي هي نبذة ممّا يتعلق بكتاب «الكافي» للشيخ الكليني ؛ فيما ضمّ
|
الجزء
٢٢ الفائدة الخامسة التي هي شرح مشيخة ـ طرق الشيخ الصدوق قدس سره إلى شيوخه في ـ
كتاب «من لا يحضره الفقيه».
تحقيق
ونشر : مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
الاَحاديث المقلوبة وجواباتها.
تأليف
: السيّد البروجردي ، الطباطبائي (١٢٩٢ ـ ١٣٨٠ هـ).
تسعة
أحاديث مقلوبة ـ وهي المُحوَّلة عن حالتها الصحيحة الاَولى بتحويل أو تغيير في
سند الحديث أو متنه أو كليهما ؛ ولاَغراض ودوافع مختلفة متعددة ـ أُعدت وطرحت
كأسئلة على مجموعة من العلماء الاَعلام في نهاية عام ١٣٦٥ هـ.
أجاب
السيّد قدس سره على هذه الاَحاديث موضّحاً لكلِّ حديث أنواع القلب المُحْدثة فيه
: من الاِغراب ، والاِعلال ، والعكس ، والتركيب والاِبدال.
تمّ
إعداد الكتاب ـ الذي يصدر لاَوّل مرة ـ باعتماد المخطوطة الاَصلية بخطّ المصنّف
قدس سره ، وترجمة الاَسئلة (الاَحاديث) وأجوبتها.
إعداد
وترجمة : السيّـد محمّـد رضا الحسيني الجلالي.
|
|
نشر
: دار الحديث ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، ج ٦ و ٧.
تأليف
: العلاّمـة الشيخ أحمـد النراقـي (١١٨٥ ـ ١٢٤٥ هـ).
من
أهمّ الكتب المصنّفة في الفقه الاستدلالي ، لواحد من كبار علماء الاِمامية في
تلك الفترة ؛ يشتمل على أمّهات المسائل الفقهيّة ، وأهمّ الاَحكام الفرعية ،
بذكر أدلّة كلّ مسألة ثمّ إيراد الاِشكال والردّ على المخالف منه ، مع بيان
تعارض الآراء والاَقوال المختلفة للعلماء فيها.
يمتاز
الكتاب بالدقّة البالغة والاَسلوب العميق ، وكثـرة التفريعات لكـلّ مسألـة ،
بعـد تحقيق أصلها ، وإثبات حجّيتّها عند المصنف رحمه الله.
تمّ
التحقيق اعتماداً على ٨ نسخ مخطوطة لاَبواب الكتاب المختلفة ، نسخة بخطّ المصنّف
، تضمّ أوّل كتاب المطاعم والمشارب وإلى آخر كتاب النكاح ، يعود تاريخها الى سنة
١٢٤٥ هـ ، وأُخرى كتبت عن الاَصل في عهده رحمه الله سنة ١٢٣٥ هـ ، واثنتين
أُخريين لم يدوّن عليها تاريخ الكتابة ، احتوت احداهما على قرائن تفيد
|
أنها
كتبت في عهد المؤلّف ، أمّا باقي النسخ فقد كتبت في السنين ١٢٤٨ ، ١٢٥٣ ، ١٢٥٨ ،
١٢٦٤ هـ.
واعتمد
أيضاً في التحقيق على نسختين مطبوعتين على الحجر ، طبعت الاَولى سنة ١٢٧٣ هـ على
نسخة المصنف ، والثانية مصححة في سنة ١٣٣٥ هـ.
ضمّ
الجزء ٦ البابين الاَخيرين من المقصد الثاني من كتاب الصلاة ـ المقسّم إلى ٥
مقاصد ـ ، فيما شمل الجزء ٧ بابي المقصد الثالث ، والباب الاَوّل من الاَبواب
الثلاثة للمقصد الرابع ، ومن المؤمّل أن يصدر الكتاب في ١٨ جزءاً.
تحقيق
: مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ـ مشهد.
نشر
: مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام لاِحياء التراث ـ قم / ١٤١٥ و ١٤١٦ هـ.
*
عيـن الحيـاة ، ج ١ و ٢.
تأليف
: العلاّمة الشيخ محمّـد باقر ابن محمّـد تقي المجلسي (١٠٣٧ ـ ١١١١ هـ).
شرح
لوصيّة الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، الجامعة للمواعظ والنصائح
والحِكم ، للصحابيّ الجليل «أبو ذرّ الغفاري رحمه الله» ، والتي بيّن فيهـا
أبواب الخير وطرقها
|
|
وأبواب
الشـرّ ومسالكهـا ، مدعمـاً بالروايات الشريفة لاَهل بيت العصمة عليهم السلام
المختصّة بكلّ باب ، المرغبّة بعمل الخير وثوابه ، والمحذّرة من عمل الشرّ
وعقابه ، الشاملة لمعاني الاَخلاق الكريمة وسُبل الالتزام والتمسّك والعمل بها.
سبق
وأن طبع الكتاب ـ بالفارسية ـ عدّة مرّات ، في إيران والهند.
ترجمة
وتحقيق : السيّد هاشم الميلاني.
نشر
: مؤسسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم /
١٤١٦ هـ.
*
كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد ، ج ٢ و ٣.
تأليف
: السيّـد عبد المطلب بن محمّـد الاَعرج (٦٨١ ـ ٧٥٤ هـ).
شرح
لما ورد في كتاب «قواعد الاَحكام في معرفة الحلال والحرام» للعلاّمة الحلّي ،
الحسن بن يوسف بن المطهّر الاَسدي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ) ؛ من مسائل فقهيّة فيها إشكال
، أو نظر ، أو تحتاج إلى بحـث وبيان.
تم
التحقيق اعتماداً على ٧ نسخ مخطوطة ، ذكرت مواصفاتها في المقدمة.
ضمّ
الجزء ٢ من كتاب الاِجارة وتوابعها
|
إلى
كتاب الفراق ، فيما ضمّ الجزء ٣ من كتاب العتق إلى كتاب الجنايات.
تحقيق
ونشر : مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم
/ ١٤١٦ هـ.
*
الرسائل الاَصولية.
تأليف
: الوحيد البهبهاني ، العلاّمة محمّـد باقر بن محمّـد أكمل (١١١٧ ـ ١٢٠٥ هـ).
مجموعة
من رسائل العلاّمة الوحيد اختصّت بتدعيم وإرساء القواعد الكليّة لعلم أُصول
الفقه ، والتي أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في ارتقاء وتعميق وشيوع الفكر الاَصولي في
مدرسة الشيعة الاِمامية وانحسار ـ ثمّ اختفاء ـ الفكر الاَخباري الّذي شاع أمره
أيّامه قدس سره ، والرسائل هي : الاجتهاد والاَخبار ، اجتماع الاَمر والنهي ،
الاِجماع ، القياس ، أخبار الآحاد ، أصالة البراءة ، الاستصحاب ، الجمع بين
الاَخبار.
تم
تحقيق الرسالة الاَولى اعتماداً على ٧ نسخ مخطوطة وواحدة مطبوعة حجرياً ،
والثانية على مخطوطتين ، والخامسة على ٣ مخطوطات ، والثامنة على ٥ مخطوطات وكلّ
من الثالثة والرابعة والسادسة والسابعة على ٤ مخطوطات ، ذكرت مواصفات
|
|
النسخ
في المقدمة.
تحقيق
ونشر : مؤسّـسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني رحمه الله ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
تذكرة الفقهـاء ، ج ٧.
تأليف
: العلاّمة الحلّي ، الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الاَسدي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ).
أهمّ
وأوسع كتاب في الفقه الاستدلاليّ المقارن ، يوجد منه من أوائل كتاب الطهارة إلى
كتاب النكاح ، لخّص فيه مصنّفه قدس سره فتاوى علماء المذاهب المختلفة وقواعد
الفقهاء في استدلالاتهم ، مشـيراً في كلّ مسألة إلى الخلاف الواقع فيها ، ويذكر
ما يختاره وفق الطريقة المثلى وهي طريقة الاِمامية ، ويوثقّه بالبرهان الواضح
القويّ.
صدر
منه ستّـة أجزاء ضمّـت كتـب : الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الصوم ، وهذا الجزء
يشتمل على كتاب الحج والعمرة.
تمّ
تحقيق الكتاب اعتماداً على ١٥ نسخة مخطوطة ، منها ما هو مقروء على المصنّف قدس
سره ، ومنها ما عليه إجازة مهمة ، ذكرت مواصفاتها في مقدمة التحقيق ، ومن
المتوقّع أن يصدر في ٢٠ جزءاً.
تحقيق
ونشر : مؤسّـسة آل البيت عليهم السلام
|
لاِحياء
التراث ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
رسالتان في التصوّر والتصديق.
كتاب
يجمع بين دفتيه رسالتان كتبتا في موضوع واحد ؛ تحقيق معنى التصَوّر والتصديق
وتعريفهما ، الاَولى التي تسمى «الرسالة المعمولة» لقطب الدين الرازي (٦٩٢ ـ ٧٦٦
هـ) ، والثانية لصدر الدين الشيرازي (المعروف بصدر المتألّهين أو الملاّ صدرا) (٩٧٩
ـ ١٠٤٥ هـ) ، كما يشتمل الكتاب على مقدمة نافعة تخصّ الموضوع.
تمّ
تحقيق كلّ رسالة اعتماداً على ٦ نسخ مخطوطة ، ذكرت مواصفاتها في مقدّمة التحقيق.
تحقيق
: مهدي شريعتي.
نشر
: مؤسّـسة اسماعيليان ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
الفصول العليّة.
تأليف
: المحدِّث الشيخ عباس بن محمّـد رضا القمي (١٢٩٤ ـ ١٣٥٩ هـ).
كتاب
في أربعة عشر فصلاً ، يذكر جملة من فضائل ومناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام ، والآيات الكريمة والاَحاديث الشريفة الواردة في إمامته
|
|
وفضله
، كذلك يذكر نسبه الشريف عليه السلام ، وملخّص عن أحوال أولاده الاَئمة الطاهرين
عليهم السلام ، وأحوال سيّد البطحاء وشيخ قريش «أبو طالب» عمّ الرسول الكريم صلى
الله عليه وآله وسلم ووالد أمير المؤمنين عليه السلام.
ترجمة
وتحقيق : مؤسّـسة الترجمـة الاِسلامية.
نشر
: مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم /
١٤١٦ هـ.
*
مناهج اليقين في أُصول الدين.
تأليف
: العلاّمة الحلّي ، الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الاَسدي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ).
من
الكتب الكلاميّة الموسّعة والشاملة ، لاَحد أكابر علماء الاِمامية ، يضمّ جميع
الاَبحاث الكلامية المهمّة المثيرة للجدل والبحث والنقاش ، عارضاً آراء
المتكلمين الخاصّة بكل موضوع ؛ عبر مناقشات علمية هادئة ومتينة وبعيدة عن
التعصّبات المذْهبية ، معتمداً القواعد العقلية والمنطقية في استدلالاته
الكلامية ، مستخدماً الاَسلوب العقلي المُدعم بالحجج والبراهين المنطقية.
كما
يضمّ ١٢ منهجاً ؛ لكلٍّ منها عدّة
|
قواعد
لبحث الاَصول الكلامية الثابتة ، ويشتمل كذلك على مسائل تعرض الآراء والاَفكار ،
مع ردّ العلاّمة قدس سره ، وبحثه تفاصيل وجزئيات كل مسألة.
تم
التحقيق اعتماداً على ٣ نسخ مخطوطة ، ذكرت مواصفاتها في المقدمة ، التي شملت
أيضاً بحوثاً تمهيدية بشأن الكتاب والمصنف رحمه الله وأوضاع المسلمين في زمانه ،
متعرّضة لتاريخ علم الكلام وتطوّره عند الاِمامية ، من القرن الهجري الاَوّل إلى
الثامن.
تحقيق
: محمّـد رضا الاَنصاري القمي.
صدر
في قم / ١٤١٦ هـ.
*
دلائل الزهراء عليها السلام.
تأليف
: الطبـري الصغيـر ، أبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الآملي ، من أعلام القرن
الخامس الهجري.
القسم
الخاص بعرض فضائل ومناقب وكرامات سيدة نساء العالمين ، الزهراء البتول عليها
السلام ؛ من كتاب «دلائل الاِمامة» للمصنّف ، الذي هو عرض لفضائل وكرامات أئمة
الحق عليهم السلام واستدلال بها على إمامتهم ، إذ هي من أهمّ الدلائل على
الاِمامة ، وتصديقاً لها ، كأصلٍ من أُصول الدين والعقيدة الاِسلامية. وكانت
مؤسّـسة
|
|
البعثة
قد اعتمدت في تحقيق الكتاب ، ونشره سنة ١٤١٣ هـ ، على نسختين مخطوطتين ، ونسخة
مطبوعة ، ذكرت مواصفاتها في المقدّمة.
إعداد
وتصحيح : قسم الدراسات الاِسلامية في مؤسّـسة البعثة.
نشر
: مؤسّـسة الزهراء ـ قم / ١٤١٥ هـ.
*
ذَوْبُ النُضار في شرح الثار.
تأليف
: الشيخ جعفر بن محمّـد بن جعفر ، ابن نما الحلّي ، من أعلام القرن السابع
الهجري.
كتاب
عن المختار بن أبي عبيدة الثقفي (١ ـ ٦٧ هـ) ، وقصّة ثأره من قتلة الاِمام السبط
الشهيد ، الحسين عليه السلام وأبنائه وأهل بيتـه عليهم السلام وأصحابه (رضوان
الله تعالى عليهم) ، وممّن شارك في قتلـه وأعان عليـه.
يشمل
الكتاب : نسب المختار وطرف من أخباره ، ذكر رجال سليمان بن صُرَد الخزاعي وخروجه
ومقتله ، وصف المعركة مع ابن مطيع (عامل ابن الزبير على الكوفة) وسيطرة المختار
عليها ، وتتبّعه قتلة الاِمام عليه السلام وقتلهم ، وأخيراً بيان كيفية مقتل عمر
بن سعد وعبيد الله بن زياد ومن تابعهم.
|
تمّ
التحقيق اعتماداً على ثلاث نسخ ، احداها مخطوطة والبقية مطبوعة ، ذكرت مواصفاتها
في المقدّمة.
تحقيق
: فارس حسون كريم.
نشر
: مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم /
١٤١٦ هـ.
*
المكاسب ، ج ١.
تأليف
: الشيخ الاَعظم ، مرتضى بن محمّد الاَنصاري (١٢١٤ ـ ١٢٨١ هـ).
من
كتب الفقه المعروفة ، يتناول المسائل الفقهية المتعلقة ببيان أحكام الكسب ، وما
يُكتسب به ، طُبع مراراً وفي أماكن متعددة ، ولاَهميته في موضوعه ، كتبت عليه
شروح وحواشٍ كثيرة لعددٍ كبير من العلماء والفقهاء ، وعليه مدار تدريس الفقه في
الحوزات العلمية إلى الآن.
شمل
هذا الجزء المكاسب المحرمة.
تصحيح
وتعليق : الاَستاذ الشيخ أحمد الپاياني.
نشر
: دار الحكمة ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
المـزار.
تأليف
: الشهيد الاَول ، الشيخ محمّد بن مكي العاملي الجزيني (٧٣٤ ـ ٧٨٦ هـ).
|
|
مجموعـة
زيارات وأدعية منتخبـة ؛ موضوعـة لبيان ما يُستحبّ فعلـه في المشاهد المقدّسة
والاَماكن المُشرَّفة ، تشتمل على بابين ، الاَوّل في زيارة الرسول الكريم صلى
الله عليه وآله وسلم ، وبضعته الزهراء البتول عليها السلام ، وأمير المؤمنين
عليه السلام ، والاَئمّة الاَطهار عليهم السلام ، والثاني في صلوات وأدعية
وأعمال يُستحبّ العمل بها في بعض المساجد والاَماكن المقدّسة ، مع زيارات لبعض
الاَولياء الشهداء الصالحين رحمهم الله.
تم
التحقيق اعتماداً على ٨ نسخ مخطوطة ونسخة مطبوعة محققة ، ذكرت مواصفاتها في
المقدّمـة
تحقيق
: محمـود البـدري
نشر
: مؤسّـسة المعارف الاِسلامية ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
استقصاء النظر.
في
البحث عن القضاء والقدر.
تأليف
: العلاّمة الحلّي ، الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الاَسدي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ).
رسالة
مختصرة ، يبحث فيها العلاّمة قدس سره مسألة عقائدية مهمّة ، مبيناً الاَدلّة
العقلية والنقلية التي تدلّ على أن للعبد اختياراً في أفعاله ، وأنّه لا جبر ولا
تفويض ، بل منزلة
|
بين
المنزلتين. مجيباً على وجوه أربع من احتجاجات الاَشاعرة الذاهبة الى أن العبد
مجبر على أفعاله لا اختيار له فيها.
تم
التحقيق اعتماداً على نسختين مخطوطتين وأُخرى مطبوعة محققة ، ذكرت مواصفاتها في
المقدمة.
تحقيق
: فارس تبريزيان.
صدرت
مؤخراً.
*
التوبة إلى الله.
تأليف
: السيّد عبد الحسين دستغيب.
بحث
يخصّ التوبة ؛ حقيقتها ومراتبها وفضلها وكيفيّتها ومستحبّاتها ، مع ذِكر
الاستغفار والطاعة كمقدّمات للتوبة إلى الله توبة نصوحاً.
تعريب
: السيّد باسم الهاشمي.
نشر
: مؤسّـسة النعمان ـ بيروت / ١٤١٤ هـ.
*
عبقات الاَنوار في إثبات إمامة الاَئمة الاَطهار ، ج ١.
تأليف
: السيّـد ميـر حامد حسين الموسوي اللكهْنوي (١٢٤٦ ـ ١٣٠٦ هـ).
موسوعةٌ
كبيرةٌ ، في الاِمامة ، ردّاً على الباب السابع من كتاب «التحفة الاثني
|
|
عشرية»
لعبد العزيز الدهلوي ، الذي وضع في أبوابه الاثني عشر ما طاب له من مفتريات
وأباطيل وأكاذيب بحقِّ الشيعة الاِمامية. محاولاً جهده إثارة الشكوك والشبهات في
دلالة ستة آيات قرآنيّة! واثني عشر حديث فقط! ؛ بالتأويل في التفسير ، والنقاش
في الدلالات الواضحة ، والخدش والطعن في الاَسانيد الموثقّة ، موهِماً أنّ هذا
كلّ ما عند الشيعة للاستدلال على إمامة الاَئمة الاَطهار عليهم السلام.
الموسوعة
كتبت في منهجين : الاَوّل في إثبات دلالات الآيات القرآنيّة على الاِمامة (وهو
غير مطبوع) ، والثاني في دلالة الاَحاديث الـ ١٢ الواردة في (التحفة) مفرِداً
لكلّ حديث جزءاً ضخماً ، أثبت فيه تواتر الحديث فضلاً عن صحّته ، وبيّن ما أنكره
الدهلوي من الروايات والاَخبار الواردة بطرق أهل السنّـة ، ونقض كلامه ، بإيراد
الاَدلّة الواضحة القاطعة ، والنصوص والمتابعات ، وتعديل وتوثيق الرواة ، وذكر
الخبر ورواته من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين إلى المحدّثين والحفّاظ
وأئمة الحديث من غير الشيعة وحسب التسلسل الزمني وترتيب القرون والطبقات.
شمل
هذا الجزء القسم الاَول من حديث «الغدير» : أسماء رواة الحديث
|
والاِسهاب
في ترجمتهم ، توثيقاتهم ، ومصادرها ، ثمّ توثيق تلك المصادر.
ترجمة
: السيّد هاشم بن محسن الاَمين العاملي.
تحقيق
: غلام رضا بن علي أكبر البروجردي.
نشر
: مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم /
١٤١٦ هـ.
*
مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ، ج ١ ـ ٤.
تأليف
: العلاّمة الحلّي ، الشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الاَسدي (٦٤٨ ـ ٧٢٦ هـ).
موسوعة
فقهية مقارنة كاملة ، من الطهارة إلى الديّات ، جمع فيه العلاّمة قدس سره الآراء
الفقهية لعلماء الشيعة الاِمامية إلى عصره رحمه الله ، مختصاً بإيراد أوجه
الاختلاف في الرأي عندهم ـ وتحديداً الموارد الخلافية الفرعية ـ مع ذكر أدلّتهم
، وما يرجّحه هو في المقام.
يشتمل
الكتاب على فتاوى الشيخين ابن الجنيد الاسكافي وابن أبي عقيل العماني قدس سرهما
إذ هي منحصرة فيه ، وكلّ من نقل عنهما بعد العلاّمة فإنّما ينقل عن هذا
|
|
الكتاب.
تمّ
التحقيق اعتماداً على ١١ نسخة مخطوطة ذكرت مواصفاتها في المقدمة ، شملت الاَجزاء
الاَربعة ، كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة وكتاب الصوم ، كتاب الحج
والجهاد.
سبق
إن طبع الكتاب بتحقيق ونشر مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرسين في
الحوزة العلمية في قم.
تحقيق
ونشر : مركز الاَبحاث والدراسات الاِسلامية ـ قم / ١٤١٢ هـ و ١٤١٤ هـ و ١٤١٥ هـ.
طبعات جديدة
لمطبوعات سابقة
*
مواهب الرحمن في تفسـير القرآن ، ج ١.
تأليف
: السيّد عبد الاَعلى السبزواري ، المتوفّى سنة ١٤١٤ هـ.
من
كتب التفسير القيّمة النافعة ، البسيطة العبارات ، البليغة المعاني ، اعتمد
السيّد قدس سره ـ كمنهجٍ في التفسير ـ على التعرّض لمضمون الآية وبيان مفرداتها
، وما تعلّق بها من بحوث دلاليّة وفقهيّة وروائيّة وعلميّة ، وعلى بيان المعنى
بأسهل
|
الاَلفاظ
والكلمات بعيداً عن ذكر العبارات المغلقة والتفصيل الزائد عن الحدّ ، كما أنّه
لم يهتمّ غالباً بأسباب النزول ، مستظهراً المعنى (ما أمكنه) من آيات مباركة
أُخر بقرائن معتبرة.
صدر
بطبعته الثالثة بصفّ جديد في قم / ١٤١٤ هـ.
*
عقائد الاِمامية في ثوبه الجديد.
تأليف
: الشيخ محمّـد رضا المظفر المتوفّى سنة ١٣٨٣ هـ.
كتاب
يعرض بإيجاز أُصول عقائد الشيعة الاِمامية ومعتقداتهم الاِسلامية ، والآراء
والاَفكار التي يعتمدونها ـ وفق منهج آل البيت عليهم السلام ـ كأساس ومنطلق لفهم
ومعرفة الاَحكام الشرعية التكليفيّة الواجبة ، ومن ثمّ العمل ـ الصحيح ـ
بمقتضاها ؛ إذ يبيّن اعتقادهم بـ : المعرفة ، التقليد ، الاجتهاد ، الاِلهيّات ،
النبوة ، الاِمامة ، المعاد ، وأخيراً بعض الآداب التي أدّب أهل البيت عليهم
السلام شيعتهم بها.
ولشموليّة
الكتاب وعرضه وبيانه الواضح، صار من كتب الدراسة الاَساسيّة للمراحل الاَولى في
الحوزات العلمية، ولهذا طبع مراراً وفي أكثر من مكان.
وأُعدّ
هذه المرّة بإضافة بعض المطالب
|
|
والعناوين
والتعاريف والتخريجات.
إعداد
: فارس علي العامر.
نشر
: منشورات الشريف الرضي ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
المهدي
في أحاديث المسلمين حقيقة ثابتة.
تأليف
: السيّـد محمّـد رضا الحسيني الجلالي.
بحث
مختصر في الروايات والاَخبار والاَحاديث الخاصّة بالاِمام المهدي عجّل الله فرجه
الشريف ، وقضيّة غيبته وظهوره في آخر الزمان ، وبيان حقيقة هذه القضيّة ،
وثبوتها في كتب السِيَرْ والتاريخ والحديث والصحاح والمسانيد المعروفة ، ومناقشة
الشبهات المثارة من بعض المشكّكين ، والردّ عليهم وتفنيد مزاعمهم ، وتأويلاتهم
وتمحّلاتهم الباطلة.
البحث
في أصله ، ردّاً على «السائح علي حسين» الاَستاذ في كلية الدعوة الاِسلامية / ليبيا
، في مقاله «تراثنا وموازين النقد» المنشور في مجلة الكلية العدد ١٠ / لسنة ١٩٩٣
م ، متّهماً الشيعة ، وغيرهم ، ممّن أثبت صحّة عقيدة الاِمام المهدي عليه السلام
وتواتر الاَحاديث الخاصّة بها.
سبق
نشر البحث في نشرتنا هذه
|
«تراثنا» العدد ٣٢ ـ ٣٣ / لسنة ١٤١٣ هـ ، بعنوان : نقد الحديث
بين الاجتهاد والتقليد.
وصـدر
بعـد التنقيح والزيادة ، ضمـن سلسلة «علـى مائـدة الكتاب والسنّـة» برقم ١٥ ،
سنة ١٤١٧ هـ.
*
الخلافة المغتصبة.
تأليف
: إدريس الحسيني.
كتاب
آخر للمؤلف يبحث فيه المولف المداخلات والمفارقات التي أعقبت ارتحال الرسول
الاَعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، والاَحداث والمجريات التي رافقت بيعة السقيفة
، محلِّلاً مواقف أقطاب حركة النفاق في المجتمع الاِسلامي ، ورموز تيّار
الاغتصاب ؛ التي ادّت فيما بعد إلى إبعاد الخليفة الشرعي المنصوص عليه ـ وصي
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الاِمام علي عليه السلام ـ واغتصاب حقّه في
الخلافة.
كما
يعرض الكتاب رأي ابن خلدون وأسلوبه في تناول الاَحداث المتعلّقة بقضيّة الاِمامة
، وأهل البيت عليهم السلام ، وتاريخ الصراع على الخلافة ؛ ويردّ عليه ما أورده
في (تاريخه) من انتقاء ، وتزييف ، وتضييع للحقائق ، وتجاوز وقفز لوقائع تاريخية
مصيرية مهمّة ، متأثراً بأهوائه المنحرفة المعادية لآل البيت النبوي عليهم
السلام.
|
|
كذلك
يتعرّض لما كتبه العقّـاد في (عبقريّاته) ؛ التي أسهمت في رسم صورة مثاليّة
وهمية للاَشخاص ، تكثر فيها المبالغة والعظمة التي تتجاوز أحياناً عظمة
الاَنبياء والمرسلين ، مبيّناً حقيقة هذه الشخصيات ، قبل الاِسلام ، وبعـده ،
وأثناء فترة الحكم ، مجـرّدة عن التقديـس والتعظيـم الـذي أُحيطت بـه ، والميزات
التي وضعتْ لها.
سبق
أن قامت دار النخيل ـ بيروت بنشر الكتاب سنة ١٤١٦ هـ.
ثم
أعادت طبعه بالتصوير مؤسّـسة عاشوراء ـ قـم في السنة نفسها.
*
فتح الملك العليّ بصحّة حديث باب مدينة العلم عليّ عليه السلام.
تأليف:
أحمد بن محمّـد بن الصدّيق الغمـاري الحسنـي المغـربـي (١٣٢٠ ـ ١٣٨٠ هـ).
كتاب
أفرده المؤلّف رحمه الله للحديث الشريف المرويّ عن الرسول الاَكرم صلى الله عليه
وآله وسلم «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها» ؛
جامعاً طرقه ، متتبّعاً رجال إسناده ، ذاكراً جرحهم وتوثيقهم ، رادّاً على مَن
وصف الحديث بالوضْع أو الضعْف ، أو رجاله بالكذب وعدم الضبط ، مبيّناً ومرجّحاً
قول مَن
|
حَكَمَ
بصحّته ، مشيراً إلى فضائل ومناقب أمير المؤمنين عليه السلام التي لا تخلو منها
كتب الحديث والتاريخ والتفسير المشهورة المعتمدة.
سبق
أن طبع الكتاب في القاهرة سنة ١٣٨٩ هـ / ١٩٦٩ م مع كتاب «البرهان الجليّ»
للمؤلّف رحمه الله.
وأعادت
طبعه «المدرسة المفتوحة» في شيكاغو / أمريكا بالتصوير ـ على الطبعة المذكورة ـ
سنة ١٤١٦ هـ / ١٩٩٦ م.
*
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تأليف
: الشيخ حسين النوري الهمداني.
مجموعة
أبحاث في باب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، جاءت في ستة فصول : في الآيات
، والاَخبار الواردة في الباب ، ومعنى المعروف والمنكر ، وكيفيّة وجوبهما ،
وشرائطهما ، ومراتبهما.
تناولت
هذه الاَبحاث هاتين المسألتين من وجهة فقهيّة وتاريخيّة واجتماعيّة ، متعرّضة
لكثير من التفرعات المهمّة المرتبطة بهما. والكتاب يذكّر بمواقف أئمة أهل البيت
عليهم السلام وأتباعهم ، التي طبّقوا فيها الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،
موضّحاً أن هذا الاَمر ليس إلقاءً للنفس في
|
|
التهلكة
، ومشيراً إلى الثورات التي قام بها بعض رجال الشيعة ضد حكّام الجوْر والظلم من
الاَمويين والعباسيين ، انطلاقاً من مبدأ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
طبع
الكتاب في لاهور ـ باكستان سنـة ١٣٩٣ هـ ، ثمّ أعادت طبعـه منظمّة الاِعلام
الاِسلامي في إيران.
وطبعتـه
مؤخـراً مؤسّـسة المهـدي الموعود ـ قم / ١٤١٦ هـ.
كتب صدرت حديثاً
*
مقتطفات ولائيّة.
تأليف
: الشيخ محمّـد حسين الوحيد الخراساني.
مجموعة
محاضرات ـ ١٢ محاضرة ـ ألقيت في أوقات مختلفة ومناسبات معيّنة ، كانت قد انتشرت
على الاَشرطة المسجّلة ، شاملة عدّة مواضيع متعلّقة بكلّ مناسبة :
ماهيّـة
عاشوراء ومكانة سيّد الشهداء أبي عبد الله عليه السلام ، واختصاصه بـ «قتيل الله
وابن قتيله» ، التعريف بصاحب العصر الحجّة ابن الحسن عجّل الله فرجه الشريف
ومقامه السامي ، صبره الذي يعتصر قلبه ، مولده المبارك ، فضله ،
|
ظُلامة
الاِمام أمير المؤمنين عليه السلام ، مقام الاِمام الرضا عليه السلام ، معرفة
البتول الزهراء فاطمة عليها السلام ، قَدْرها ، منزلتها ، وغضبها ، وأخيراً
عظمـة القرآن الكريم.
قام
بتدوينها عن الاَشرطة السيّـد حسنين النقوي وصححّ ترجمتها السيّـد هاشم الهاشمي.
إعداد
: عباس بن نخي.
نشر
: مؤسّـسة الاِمام للنشر والتوزيع ـ الكويت / ١٤١٦ هـ.
*
مع الدكتور السالوس في آية التطهير.
تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني.
بحث
موضوعي مع الدكتور علي أحمد السالوس الاَستاذ بجامعة قطر ، في رسالته «آيـة
التطهيـر» ، التي يذهب فيها إلى أنّ المراد بـ «أهل البيت» في الآية الكريمة
(الاَحزاب : ٣٣) : أزواج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
تضمّن
البحث ـ الردّ ـ : مناقشة روايات الطبري المتوفّى سنة ٣١٠ هـ التي اقتصر الدكتور
في رسالته على قسم منها ، متغافلاً ومتجاهلاً المهمّ منها ـ الواضح الدلالة ،
والصحيح السند ـ. ترجمة مَن قال بشمول الآية الكريمة ، أو اختصاصها ، بزوجات
النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. إيراد نبذة من ألفاظ الحديث في الصحاح
والمسانيد ، وغيرها من
|
|
المصادر
المعتبرة. ذكر مَن نصَّ على صحّة الحديث وحصر الآية في الاَطهار الخمسة عليهم
السلام. بيان حقيقة أقوال الترمذي وابن كثير وابن تيميّة والقرطبي التي أورد
الدكتور بعضاً منها! لخدمة أغراضه ، وتعضيد ما ذهب إليه من أوهام. وأخيراً إثبات
أنّ المراد من الآية : النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه
عليهم أجمعين ، لا يُشركهم أحد ، لا من الاَزواج ، ولا من غيرهنّ مطلقاً.
صدر
مؤخراً ضمن سلسلة «على مائدة الكتاب والسنّة» برقم ١٦.
*
الذنب أسبابه وعلاجه.
تأليف
: الشيخ محسن قراءتي.
مجموعة
من الدروس والمحاضرات الاَخلاقية ، ألقاها المؤلّف عبر التلفزيون خلال أيّام شهر
رمضان المبارك سنة ١٣٦٢ هـ ش / ١٤٠٣ هـ ق.
تضمّنت
: معنى «الذنْـب» ، وأقسامه وأبعاده ، أرضيّات إيجاده المتعدّدة ، معرفة حدوده
وتبريراته المتنوّعة ، العوامل التي تمنع الذنب وتسيطر عليه ، الوقاية منه
وعلاجـه ، موقف الاِسلام من المذنب ، آثار الذنب ونتائجـه السلبيّـة على الفرد
والمجتمع ، التوبة وأنواعها ومراحلها ،
|
التطهير
وجبران الذنوب.
إعداد
وتنظيم : محمّد محمدي الاشتهاردي.
ترجمة
: المؤسّـسة الاِسلامية للترجمة.
نشر
: مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٦
هـ.
*
العدالة الاجتماعية.
*
الاِنحـراف الاجتماعـي وأساليـب العـلاج.
*
النظام التعليمي.
تأليف
: الدكتور زهير الاَعرجي.
مجموعة
بحوث تتناول دراسة ومقارنة بُنية النظام الاجتماعي ؛ الرأسمالي ، والاِسلامي
(العدالة ، الانحراف ، النظام التعليمي ، الصحّي ، العائلي ، القضائي ، والديني)
، وانتقاد النظرية الاجتماعية الرأسمالية في صلاحيّة آرائها التطبيقية بمقارنتها
مع ما يقابلها في النظرية الاجتماعية الاِسلامية على ضوء الفقه الاِسلامي وفكر
أهل البيت عليهم السلام ، هذه البحوث هي أُولى حلقات دراسة بعنوان «بحوث في علم
الاجتماع الاِسلامي».
نشر
: مؤسّسة محراب الفكر الثقافية ـ قم / ١٤١٤ هـ.
|
|
*
الاَصول الاَربعة في علم الرجال.
تأليف
: السيّـد علي الخامنئي.
دراسة
في علم الرجال ، تخصّ اثنين من الاَصول ـ الكتب ـ الرجالية الاَربعة المعروفة ـ
التي كان مقرراً أن تشملها الدراسة ـ هما : اختيار معرفة الرجال ، والفهرست ،
للشيخ الطوسي ؛ (٣٨٥ ـ ٤٦٠ هـ).
شمل
البحث تعريف بعلم الرجال ولمحة تأريخية عنه إلى عصر الشيخ ؛ ، كما تناول مواصفات
الكتابين وأُسلوب الشيخ في الانتخاب والتلخيص والجمع والتأليف ، مع تقييم عام
لكلّ كتاب ، وذِكر الكتب التي اعتمد مؤلّفوها هذين الاَصلين محوراً في التأليف.
تعريب
: الشيخ ماجد الغرباوي.
نشر
: المجمع العالمي لاَهل البيت عليهم السلام قم / ١٤١٤ هـ.
*
القضاء في الفقه الاِسلامي.
تأليف
: السيّد كاظم الحسيني الحائري.
دراسة
استدلاليّة حديثة تضمّنـت مجموعة أبحاث في باب القضاء في الفقه الاِسلامي ،
موزّعة على فصول خمسة ضمن المباحث الرئيسية ، وهي : في
|
وجوب
القضاء ، شخصية القاضي ، طرق الاِثبات لدى القاضي (في الفقه الوضعي وفي الفقه
الاِسلامي) ، في الحكم على الغائب ، ومدى نفوذ حكم القاضي ، مضافاً إليها
أبحاثاً فرعية عديدة أُخرى.
نشر
: مجمع الفكر الاِسلامي ـ قم / ١٤١٥ هـ.
*
عليٌّ في التزام الحقّ.
تأليف
: ضياء الدين زين الدين.
دراسة
لدلائل الاصطفاء الاِلهي للرسل والاَوصياء والاَئمّة عليهم السلام ومتطلّبات
وشرائط هذا الاصطفاء ، ووضوحه وتجلّيه في الاِمام عليٍ عليه السلام وولايته ، من
خلال الوقوف عند مشهد الغدير وقيام الحجّة الاِلهيّة للولاية المعلنة فيه ،
والاَحداث والمواقف التي واكبته وآثارها ودلالاتها العميقة.
كما
تضمّنت الدراسة بحوثاً في : الالتزام ومتطلّباته ، وشواهد التصديق الاِلهية في
الولاية ، وأبعاد هذه الولاية ، والرعاية الربانيّة لها ، وعصمتها من الناس ،
ووضوحها لدى المسلمين ، والتزام المؤمن وعمق مسؤوليّته تجاهها ، ومبدأ عصمة
الاِمام الوليّ وشرائطها ، وأسباب قصور البعض عن فهمها ، مع التعرّض لعلم
|
|
عليٍ
عليه السلام وإعجازه ، وامتلاكه الصفات التي تمكّنه من أداء مهمّة الولاية
والوفاء بالتزاماتها.
نشر
: مؤسّـسة إسماعيليان ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
دراسة في تقليد الاَعلم.
تأليف
السيّد علي مكي العاملي.
بحـث
فقهـيّ في موضوع التقليـد يتضمّن معاني : التقليد ، الاَعلم ، جواز التقليد ،
شرائط المقلّد ، ومطالب في عدّة أُمور تتعلق بأقوال العلماء وأدلّة جواز أو وجوب
تقليد الاَعلم أو غير الاَعلم.
نشر
: دار الاَمير للثقافة والعلوم ـ بيروت ـ ١٤١٤ هـ.
*
الجزية وأحكامها في الفقه الاِسلامي.
تأليف
: علي أكبر الكلانتري.
بحثٌ
مفصّلٌ عن «الجِزْيَـة» ، وحقوق الاَقليّات الدينيّة في المجتمع الاِسلامي ؛
وبيان أحكامها وأبعادها من مصادر الفقـه الاِسلامي ، استناداً إلى القرآن الكريم
والسنّـة النبويّـة المطهّـرة ، وآراء الفقهـاء في الموضوع.
شمل
البحث ماهيّة الجزية ، تاريخها ،
|
مَن
تُؤخذ منه ، مَن تسقط عنه ، كميّتها وكيفيّة وضعها ، مصرفها ، مع الاِشارة
الاِجماليّة إلى شرائط الذمّـة ، وحرمة إيذاء وإهانة أهل الذمّـة عند جباية
الجزية منهم.
نشر
: مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٦
هـ.
*
الجوامع والفوارق بين السُنّة والشيعة.
تأليف
: محمّد جواد مغنية.
مجموعة
أبحاث ، ومقالات ، وخطب ؛ يوضّح المؤلّف ؛ من خلالها نقاط الاتفاق والاختلاف
بيـن مذهب الشيعـة الاِماميـة والمذاهب السنيّة ، ويبيّن أن الاَمور المتّفق
عليها عندهم أكثر بكثير من المختلف فيها بينهم ، وأنّ اختلافات الاِمامية عن
باقي المذاهب السنّية كاختلاف هذه المذاهب فيما بينها ؛ ممّا لا يوجبْ حكم طائفة
على أخرى بالكفر والخروج عن الدين.
كما
تناول الكتاب في بحوثه شرح بعض مفاهيم المذهب الشيعي الاِمامي الاثني عشـري ،
وتعاليمه ، وخصوصيّاتـه ، رادّاً على التهم والافتراءات الباطلة الموجّهة إليه ،
مبيّناً حقيقة ما ينسب للاِمامية ظلماً وعدواناً.
صدر
الكتاب مع ملاحظات وتعليقات
|
|
لـ
: عبـد الحسين مغنية.
نشر
: مؤسّـسة عز الدين للطباعة والنشر ـ بيروت / ١٤١٤ هـ.
*
الشركة في الاِسلام.
تأليف
: السيّد محمّـد علي المدرّسي اليزدي.
شرح
فقهي لاَحكام ومسائل (الشركة) من كتاب «العروة الوثقى» للسيّد محمّـد كاظـم
الطبـاطبـائـي اليـزدي (١٢٤٧ ـ ١٣٣٧ هـ) الـذي يشتمـل علـى ٣٦٢٠ مسألة في مختلف
أبواب الفقه ، مع شرح لمسائل (القسمة) ومتعلّقاتها.
صدر
الكتاب في قم سنة ١٤١٤ هـ.
*
آثار الصوم في دار الدنيا.
تأليف
: السيّـد هاشم الناجي الموسوي الجزائري.
الجزء
١١ من «موسوعة آثار الاَعمال في دار الدنيا» الجامعة للاَحاديث والاَخبار
الواردة عن الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام
الخاصّة بالآثار الدنيوية المترتّبة على ـ والمتحصّلة من ـ كلّ عمل يقوم به الاِنسان
في الحياة الدنيا.
في
هذا الجزء ذكرت الآثار الخاصّة : بالصوم ، السحور ، الاِفطار ، والصوم في
|
أيام
وأشهر وفصول معيّنة ، وفي بعض الحالات والهيئات والكيفيّات المستحبّ فيها الصيام
لقضاء الحوائج والطلبات.
صدر
في قم / ١٤١٦ هـ.
*
الاِمام المهدي عليه السلام الحقيقة المنتظرة.
تأليف
: السيّد أبو القاسم الديباجي.
بحث
وعرض مبسوط وملخّص لعدّة جوانب من حياة الاِمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف ؛
شملت ولادته ، سنيَّ عمره الاَولى ، الغيبة الصغرى وسفراءه الاَربعة فيها ،
الغيبة الكبرى وترقّب شيعته ومحبّيه وانتظارهم خروجه ، وعلامات الظهور المقدس
المذكورة في الاَحاديث والروايات والاَخبار الواردة عن الرسول الاَكرم صلى الله
عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام ، كذلك الاِشارة الى مواقف وأحداث صعبة
جرت لبعض الاَشخاص وخرجوا منها سالمين ببركة ودعاء الاِمام عليه السلام لهم.
والاِجابة على عدّة أسئلة مهمّة تراود أذهان كثير من الناس : بشأن العمر الطويل
للاِمام وعلّته ، الرجعة في عصره المبارك ، من هو السفياني؟ سيرته ، ونهايته ،
كيفية خروج الدجّال ، ومواصفاته ، وأخيراً إعطاء لمحة عن حكومة الاِمام عليه
السلام وعصره المزدهر بالخير.
|
|
صدر
في قم ـ سنة ١٤١٦ هـ.
*
الدعاء المردود في دار الدنيا.
تأليف
: السيّد هاشم الناجي الموسوي الجزائري.
الجزء
التاسع من موسوعة جزاء الاَعمال في دار الدنيا ؛ يشمل الاَحاديث المرويّة عن
الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام التي تبيّن
وتوضّح أسباب وعلل عدم استجابة الدعاء ، مرتّبة حسب الحروف الهجائية.
صدر
في قم مؤخراً.
*
الكلينـي والكافـي.
تأليف
: الدكتور الشيخ عبد الرسول الغفّار.
دراسة
علمية عن الشيخ الكليني ، ثقة الاِسلام أبو جعفر محمّـد بن يعقوب بن إسحاق
الرازي البغدادي (المتوفّى سنة ٣٢٩ هـ) ، وكتابه الكبير «الكافي».
تناولت
ـ في سبع فصول ـ جوانب عديدة من حياته رحمه الله : نشأته العلمية الاَولى ، نبذة
عن بلاد الريّ تأريخياً ؛ أعيانها وساداتها ، مذاهب أهلها ، أجواءها الخاصّة
التي نشأ فيها الكليني ، الحالة السياسية ، والعلمية في عصره ، أثره في
|
إعلان
ونشر مدرسة آل البيت عليهم السلام ؛ بعد بيان فضل رواية وتدوين الحديث الشريف ،
والاِشارة إلى أهمّ المراكز العلمية للشيعة قديمـاً ، وحديثـاً.
أمّا
عن «الكافي» فتناولت : دواعي تأليفه ، عدد أحاديثه ، مراتبها ، تبويبه أُصولاً
وفروعـاً ، آراء العلمـاء فيـه ، خصائصه ، شروحه ، التعليقات والحواشي عليـه ،
ترجمتـه ، تحقيقـه ، مخطوطاتـه ، وأخيراً التعريف بـ (العدّة) الواردة في
أسانيـد الشيـخ ، وترجمـة أعلامهـا ، ومشايخهـا.
نشر
: مؤسّـسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرّسين بالحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٦
هـ.
*
وقعة النهروان أو الخوارج.
تأليف
: السيّد علي بن الحسين الهاشمي الخطيب ، المتوفّى سنة ١٣٩٦ هـ.
دراسة
تأريخية لاَحداث ووقائع معركة النهروان التي خاضها الاِمام أمير المؤمنين عليّ
عليه السلام مع الخوارج ، وبحث في بداية نشأتهم ، وفِرقهم ومعتقداتهم ، مع ذِكر
عددٍ من معاركهم.
نشر
: مؤسّـسة المفيد ـ بيروت /
|
|
١٤١٣
هـ.
*
أنا الحسين بن عليّ.
تأليف
: معروف عبـد المجيد.
طرح
جديد لواقعة الطفّ واسـتشهاد الاِمام أبي عبـد الله الحسـين عليه السلام بأُسلوب
روائي أدبي ، يتضمّن الاَمانة التأريخيّة والحبكة القصصيّة دون المساس بالحقائق
وواقع الشخصيّات.
صدرت
مؤخّـراً.
*
بحوث في القرآن الكريم.
تأليف
: الدكتور عبـد الجبار شرارة.
مجموعة
دراسات ، تشمل البحث في إعجاز القرآن ؛ سرّ الاِعجاز ، التحدّي القرآني ومعارضة
القرآن. دعوى التناقض بين النصوص القرآنية ؛ تأريخها وأسبابها ، معالجاتها
وتفنيدها. نظرية القرآن في توجيه وتنظيم العلاقات الاجتماعية ؛ منهجة التفكير
البشري ، سلوك وفعاليات الاَسرة والمجتمع. وأخيراً المنهج السليم في التفسير ؛
الشروط والضوابط الواجب توفّرها فـي المفسِّـر ، الاَصول والقواعد الواجب
اتّباعها في التفسير ، عرض لاَطروحة السيّـد الشهيد الصدر قدس سره في التفسير
الموضوعي (التوحيدي).
|
نشر
: مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة ـ قم /
١٤١٥ هـ.
*
مدخل إلى علم الفقه.
تأليف
: الدكتور السيّـد محمد علي الشهرستاني.
دراسة
عن علم الفقه ، وأهمّيته ، وموقعه بين العلوم الاَخرى ؛ تتناول مواضيع متعددة :
الحاجة إلى التشريع ، وضرورة ووجوب تعلم الفقه ، والمدارس العقائدية ، وتأريخها
، ثمّ مناقشة مصادر الاَحكام الشرعيّة ـ الكتاب ، السنّة الاِجماع ، العقل ـ
وحجّيتها وطرق استنباطها ، وتحليل الآراء والمعتقدات المختلفة والمتباينة التي
كانت أساساً لنشوء المذاهب الاِسلامية بعد ارتحال الرسول الاَكرم صلى الله عليه
وآله وسلم ، والمتجسّدة في مدرستين أساسيّتين ؛ مدرسة أتباع أهل البيت عليهم
السلام ومدرسة أتباع الخلفاء ، ثمّ بحث آراء المدرستين في : حقّ انتخاب وليّ أمر
المسلمين ، الاجتهاد ومعناه ، عقيدة الاِمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه
الشريف وكيفيّة الانتفاع به في غيبته ، وأخيراً أنواع ولاية الفقيه وأقسامها.
الكتاب
عبارة عن مدخل لدراسة علم
|
|
الفقه
المقرّر لطلاّب المرحلة الاَولى لكليّة الشريعة في الجامعة العالمية للعلوم
الاِسلامية.
نشر
: الجامعة العالمية للعلوم الاِسلامية ـ لندن / ١٤١٦ هـ.
*
الفكر الاستشراقي ، تأريخه وتقويمه.
تأليف
: الدكتور محمّد الدسوقي.
دراسة
موجزة عن طبيعة الفكر الاستشراقي ، تعرض للحقائق الكليّة دون التفاصيل ، تتناول
بداية تاريخ الاستشراق ، وكيفيّته ، ومراحل نشوء وتطور هذا الفكر وخصائص ومزايا
كلّ مرحلة ، والاَساليب المعتمدة في محاربة الاِسلام والمسلمين ، كذلك آراء بعض
المستشرقين في عدد من القضايا المهمّة : الاِلوهية ، شخص الرسول الاَكرم صلى
الله عليه وآله وسلم القرآن الكريم ، السنّة النبويّة ، والفقه الاِسلامي ،
وبيان الدسّ والتحريف والطعن فيها ، ثمّ تقويم الفكر الاستشراقي علمياً ، من
خلال دراسة العلاقة بين الاستشراق والتبشير وموقف الباحثين المسلمين منه ، وبيان
أثره العدواني على العالم الاِسلامي ، أخيراً الاِشارة الى ما يجب على المسلمين
من جهاد فكري لدفع ذلك العدوان الباغي.
صدر
الكتاب برقم ٥ ضمن سلسلة
|
«كتاب التوحيد» التي تصدرها مؤسّـسة التوحيد للنشر الثقافي ـ قم
/ ١٤١٦ هـ.
*
الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تأليف
: السيّد محسن الخرّازي.
شرح
تحليلي لكتاب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كتاب «شرائع الاِسلام»
للمحقّق الحلّي ، أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (٦٠٢ ـ ٦٧٢ هـ) ، مع
إضافات من الفروع اللازمة والمسائل المهمّة.
نشر
: مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بالحوزة العلميّة ـ قم / ١٤١٥
هـ.
*
الشيعة في أحاديث الفريقين.
تأليف
: السيّد علي بن مرتضى الموحّد الاَبطحي.
جمع
للاَحاديث والروايات ، المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن أئمة
الحقّ المعصومين عليهم السلام ، من الكتب المعتمدة عند الفريقين ، التي وردت في
شأن شيعة أمير المؤمنين الاِمام علي عليه السلام وأتباعه ، المحبيّن والموالين
له ولاَهل بيت الوحي والعصمـة عليهم السلام ، وفضلهم وخصائصهم ؛ مرتّبـة حسب
الحروف الهجائيـة لاَوائل
|
|
أسماء
الرواة ، مـع مراعاة الاَقدم فالاَقدم ، للمرويّ عن كلّ معصوم أوّلاً ثمّ
المرويّ عن الصحابة والتابعين ثانياً ، وأخيراً مجموعة الفهارس الموضوعية
للكتاب.
صدر
في قم سنة ١٤١٦ هـ.
*
البدعـة.
تأليف
: الشيخ جعفر السُبحاني.
دراسة
عن مفهوم «البدعة» ، وبيان حدودها ومواردها ، ومقوّماتها ، وأسباب نشوئها ،
وتقسيماتها ؛ موضّحـةً أنّ المورد المتمتّع بالدليل ـ نصّـاً أو إطلاقـاً ـ خارج
عن البدعة موضوعـاً ، ومشيرةً إلى أوامر الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم
المحذّرة من البدع والمبتدعين والوضّاعين والكذّابين على لسانه صلى الله عليه
وآله وسلم ، ودور أئمة أهل البيت عليهم السلام في مكافحة وردّ البدع والاَفكار
الدخيلة على الشريعة الاِسلاميّة.
كما
شملت الدراسةالبحث في عشر مسائل مهمّـة وصفها بعض بالبدعة ، وآخر بالسنّـة :
الاحتفال بمولد الرسول ، وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم ، القبض في الصلاة
، صلاة الضحى ، إقامة التراويح جماعة ، الطلاق ثلاثاً في مجلس واحد ، النهي عن
متعة الحج ، إتمام الصلاة ، والصيام ، في السفر ، وأخيراً رؤية الله تعالى في
الدارين.
|
نشر
: مؤسّـسة الاِمام الصادق عليه السلام ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
كرامات الاَبرار من موالي الاَئمة الاَطهار عليهم السلام.
تأليف
: الشيخ العقيلي.
جمع
وبيان للكرامات التي جرت لعدد من الاَولياء الكرام البررة ، الذين أخلصوا
الاِيمان لله والولاء والحبّ للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الاَطهار
عليهم السلام ، مع ترجمة وافية لكلّ شخص منهم.
مرتبٌ
حسب القرون من أوّل عصر الاِسلام إلى عصرنا الحاضر ، معتمداً المصادر الاِسلامية
الموثوقة من كتب الرجال والتاريخ والسير.
نشر
: مجمع إحياء الثقافة الاِسلامي ـ قم / ١٤١٥ هـ.
*
النفي والتغريب في مصادر التشريع الاِسلامي.
تأليف
: نجم الدين الطبسي.
دراسة
فقهية استدلالية لموضوع النفي والتغريب (الاِبعاد عن الوطن) ، ومشروعيّته ،
وأنواعه ، وموارده ، وبيان حقوق المُغرّب. جاءت في قسمين : الاَوّل في ستّة فصول
ضمّت بحوثاً
|
|
تمهيدية
، والثاني في أربعة أبواب ـ مع فصولها ـ شملت : التغريب في الدم ، وفي الفحشاء ،
وفي ما يرتبط بالدولة الاِسلامية ، وأخيراً في ما يرتبط بأمْن المجتمع الاِسلامي
وسلامته.
اعتمدت
الدراسة الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وعن غيرهم ، مستعرضة
فتاوى وآراء فقهاء وعلماء المذاهب الاِسلامية ، ثم فروع ومسائل عديدة ـ تتعلق
بكل بحث ـ مع أدّلتها التفصيلية.
نشر
: مجمع الفكر الاِسلامي ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
آثار وبركات سيّد الشهداء عليه السلام في دار الدنيا.
تأليف
: السيّـد هاشم الناجي الموسوي الجزائري.
الجزء
١٣ من «موسوعة آثار الاَعمال في دار الدنيا» الجامعة للاَحاديث والاَخبار
الواردة عن الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام
الخاصّة بالآثار الدنيوية المترتّبة على ـ والمتحصّلة من ـ كلّ عمل يقوم به الاِنسان
في الحياة الدنيا.
في
هذا الجزء ذكرت آثار وبركات سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ،
|
من
بعد الولادة إلى وقت الشهادة ، وبعدها ؛ موضع الرأس الشريف ، الحرم ، الحائر ،
تربته المقدّسة ، إقامة مآتم ومراسم العزاء عليه ، التسمية باسمه الشريف.
صدر
في قم / ١٤١٦ هـ.
*
مقالات تأسيسية في الفكر الاِسلامي.
تأليف
: السيّد محمّد حسين الطباطبائي (١٣٢٠ ـ ١٤٠١ هـ).
الترجمة
العربية لمجموعة من البحوث والدراسات ، والاَسئلة والاَجوبة ، والرسائل ،
المكتوبـة فـي أزمان متفرّقـة ، ولدوافع مختلفة ، والكتاب في أربعة أقسام :
الاَوّل يبحث في موضوع الاِسلام واحتياجات الاِنسان المعاصر ، والثاني في
الاِمامة والتشيّع ، والثالث في قضايا وبحوث قرآنيّة واجتماعية ، ثمّ أخيراً
المرأة في الرؤية الاِسلامية.
من
المواضيع التي بحثت في الكتاب ؛ الثابت والمتغيّر من الاَحكام في الاِسلام ،
مسألة التجديد أو المعاصرة والاجتهاد ، نظرية السياسة والحكم في الاِسلام ،
مفهوم الشرْك وزيارة الاَضرحة والمراقد المقدّسة لاَئمة أهل البيت عليهم السلام
، وقضيّة الاِمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه ، الشـريـف.
|
|
طبع
الكتاب ـ بالفارسية ـ لاَوّل مرّة سنة ١٣٩٧ هـ. بإعداد السيّد خسرو شاهي مُرفقٌ
بإجازة خطيّة من المؤلّف قدس سره.
ترجمة
: جواد علي.
نشر
: مؤسّـسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر ـ قم / ١٤١٥ هـ.
*
الاِيمان والكفر في الكتاب والسنّة.
تأليف
: الشيخ جعفر السُبحاني.
دراسة
موجزة عن حقيقة الاِيمان والكفر في ضوء القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة
: ما هو الاِيمان ، ما هو الكفر ، ما يجب الاِيمان به ، تحديد الكفر وأسبابه
وأقسامه ، تكفير أهل القبلة ، والفرق بين الاِسلام والاِيمان.
تضمّنت
أيضاً ردّاً على فتوى ظالمة بحقّ طائفة من المسلمين وادّعائها عليها أشنع التهم
والافتراءات ؛ مُظهرة بطلان وفساد هذه الفتوى.
اشتمل
الكتاب كذلك على رسالتين أُخريين : الاَولى تناولت حياة السيّد المسيح عليه
السلام بعد أن رفعه الله سبحانه إليه. والاَخرى في المناهج التفسيرية ، صحيحها
وسقيمها ؛ مبينةً أنّ هناك منهجين : التفسير بالعقل (خمس صور) ، والتفسير بالنقل
(أربع صور).
|
نشر
: مؤسّـسة الاِمام الصادق عليه السلام ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
الشيعة.
تأليف
: السيّد محمّد حسين الطباطبائي (١٣٢٠ ـ ١٤٠١ هـ).
الترجمة
العربية لنصّ الحوار الذي جرى عام ١٩٥٩ م بين المؤلّف قدس سره والمستشرق الفرنسي
الراحل (الدكتور هنري كوربان) ، بشأن موضوع التشيّع نشأةً وعقيدةً وأفكاراً.
يشمل
الكتاب تحليلاً إجمالياً لظهور الشيعة ، وتكوّنهم ، وبيان الخطوط العامة
لتأريخهم الاجتماعي والثقافي ، وعطاء مدرستهم الجهاديّة ، والعلميّة في العلوم
والمعارف الاِسلامية ؛ مستعرضاً محنتهم عقب ارتحال الرسول الكريم صلى الله عليه
وآله وسلم ، وأضرارها الجسيمة في حياة المسلمين.
شمل
أيضاً إجابات المؤلّف قدس سره على أسئلة الدكتور المتضمّنة عدّة مواضيع منها :
علاقة التشيّع بالفلسفة ، ثم بالتصوّف ، وأثر الاِمام الغائب عجّل الله فرجه
الشريف في الفكر الفسلفي والاَخلاقي وفي كامل الحياة المعنوية للاِنسان ، مع
بحثين في التوحيد ، وفي مسألة ارتباط النبوّة بالولاية.
واحتوى
كذلك ردّ المؤلّف على
|
|
اشكاليات
واعتراضات أثيرت على بعض موارد الكتاب.
كما
يضمّ هوامش توضيحية أضافها وأعدّها السيّد هادي خسروشاهي والشيخ علي احمدي
ميانجي ، دعتْ الضرورة إليها بسبب طبيعة الحوار المركّز وكثافة الاَفكار
المطروحة فيه وحاجتها إلى النصوص والشواهد المعضدة والمؤيدة لها.
طبع
الكتاب لاَوّل مرّة ـ بالفارسية ـ سنة ١٩٦٠ م.
تعريب
: جواد علي
نشر
: مؤسّـسة أُمّ القرى للتحقيق والنشر ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
بغية الحائر ، في أحوال أولاد الاِمام الباقر عليه السلام.
تأليف
: السيّـد حسيـن الحسينـي الزرباطـي.
كتاب
يبحث في إثبات وجود أولاد للاِمام الباقر عليه السلام عدا الاِمام الصادق عليه
السلام ، واستمرار حياتهم ، وأنّهم أعقبوا ، وخَلّفوا ذرّيّة يعيشون الآن في
أماكن عديدة من بلاد المسلمين.
كما
يتعرّض البحث لاَسباب اختفائهم وتستّرهم عن وشاة وعيون السلاطين والاَمراء ،
ويسلّط الاَضواء على الظروف
|
الاَمنية
والسياسية ، والقتل والتنكيل والتشريد الذي كان نصيب العلويين طيلة حكم
الاَمويّين والعباسيّين.
نشر
: مكتبة آية الله المرعشي العامّة ـ قم / ١٤١٦ هـ.
*
آثار الآذان في دار الدنيا.
تأليف
: السيّـد هاشم الناجي الموسوي الجزائري.
الجزء
١٢ من «موسوعة آثار الاَعمال في دار الدنيا» الجامعة للاَحاديث والاَخبار
الواردة عن الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام
الخاصّة بالآثار الدنيوية المترتّبة على ـ والمتحصّلة من ـ كلّ عمل يقوم به
الاِنسان في الحياة الدنيا.
في
هذا الجزء ذكرت الآثار الخاصّة : بالآذان والاِقامة للصلاة في دار الدنيا.
صدر
في قم / ١٤١٦ هـ.
*
رفع الغرر عن قاعدة لا ضرر.
تأليف
: الشيخ محمّـد باقر الخالصي.
بحوث
وتحقيقات فقهية في القاعدة المعروفة : لا ضرر ولا ضرار ، والتي تعتبر من القواعد
الاَساسية لكثير من المسائل الشرعية.
نشر
: مؤسسة النشر الاِسلامي التابعة
|
|
لجماعة
المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٥ هـ.
*
المختصر الجميل من نحو ابن عقيل.
تأليف
: السيّـد حسيـن الحسينـي الزرباطـي.
مختصر
لكتاب «شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك» في النحو ، جمع فيـه المشهور من
الآراء ، موضّحاً كلّ قاعدة بمثال ، متحاشياً الاِطناب والزيادة في شرح تفصيلات
كلّ موضوع.
صدر
في قم / ١٤١٦ هـ.
*
ما رواه الحواريّون ، ج ١.
تأليف
: الشيخ كاظم جعفر مصباح.
كتـاب
جامـع للروايات والاَحاديـث الواردة عن طريق حواريّي الاِمامين الباقر والصادق
عليهما السلام ، المقرّبين منهما ، الّذين وردت في مدْحهم وتوثيقِهم عدّة أحاديث
وروايات ، وتبيّن اعتماد الاِمامين عليهما السلام عليهم في توصيل أحاديثهم
وأفكارهم إلى المسلمين دون زيْف وتشويه ، والّذين نقلوا عنهما ـ بدون واسطة ـ
أكثر الاَحاديث المعتمدة من قبل فقهائنا في استنباط الاَحكام الشرعية.
الكتاب
يشتمل على موضوعين :
|
ترجمة
حياة هذه الصفوة ، وتدوين كلّ الاَحاديث المرويّة عنها في شتّى أبواب الفقه
والمعارف الاِسلامية.
عنوان
هذا الجزء «مُسْنَدْ محمّـد بن مسلم الثقفي» لاشتمالـه على ما رواه هذا الحواريّ
الجليل ، في أبواب العبادات.
نشر
: مؤسسة أنصار الحسين عليه السلام الثقافية ـ قم.
*
مواقف الشيعة ، ج ١ ـ ٣.
تأليف
: علي الاَحمدي الميانجي.
جمـع
لمواقف علمـاء ورجال الشيعـة ـ عبر تاريخ المسلمين ـ مع خصومهم ، وما رافق هذه
المواقف من أحداث ووقائع وحكايات ، ومن مناظرات واحتجاجات جرت بينهم وبين أهل
زمانهم.
اعتمد
في التأليف على المصادر والمراجع المعتبرة عند المسلمين.
نشر
: مؤسّـسة النشر الاِسلامي التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية ـ قم / ١٤١٦
هـ.
*
جزاء قتلة الحسين عليه السلام في دار الدنيا.
تأليف
: السيّـد هاشم الناجي الموسوي الجزائري.
الجزء
١٢ من «موسوعة آثار الاَعمال
|
|
في
دار الدنيا» الجامعة للاَحاديث والاَخبار الواردة عن الرسول الاَكرم صلى الله عليه
وآله وسلم وأئمة الهدى عليهم السلام الخاصّة بالآثار الدنيوية المترتّبة على ـ
والمتحصّلة من ـ كلّ عمل يقوم به الاِنسان في الحياة الدنيا.
في
هذا الجزء ذكر الجزاء الدنيوي لمن قام بقتل الاِمام الحسين عليه السلام ، ومن
شارك ، ومن رضِيَ بقتله وسبْي عياله عليه السلام من الاَشخاص والقبائل والاَقوام
والبلدان والمدن ، كذلك جزاء من تطاول على قبره وتربته المقدّسة عليه السلام.
صدر
في قم / ١٤١٦ هـ.
*
مختصر الميزان في تفسير القرآن.
إعداد
: الاَستاذ سليم الحسني.
مختصـرٌ
لتفسيـر «الميـزان» للعلاّمـة السيّد محمّد حسين الطباطبائي (١٣٢٠ ـ ١٤٠١ هـ) ،
الذي يعتبر موسوعة معرفية إسلامية ، لما تضمّنه من بحوث عقائدية واجتماعية
وفلسفية ... وغيرها ، والاَفكار والمفاهيم الاِسلامية الاَصيلة التي عرضها بصورة
علمية وموضوعية متميزة.
يضمّ
الكتاب القرآن الكريم وإلى جانبه التفسير المختصر الواضح للآيات الكريمة
المتقيّد برأي وأسلوب وعبارة العلامة قدس سره.
كما
يضمّ فهرس ألفاظ القرآن الكريم
|
الذي
أعدُّه الدكتور محمّـد حسن الحمصي والملحق بالمصحف الشريف والتفسير الصادر من
قبل دار الرشيد / دمشق.
نشر
: مؤسّـسة دار الاِسلام ـ لندن / ١٤١٧ هـ.
كتب قيـد التحقيق
*
الفصول المهمّة في معرفة أحوال الاَئمة عليهم السلام.
تأليف
: ابن الصبّاغ المالكي ، علي بن محمّـد بن أحمد المكي (٧٨٤ ـ ٨٥٥).
أثرٌ
جليل لاَحد كبار علماء أهل السنّة ، يعتبر من المصادر المهمّة التي اعتمدها
العلماء الّذين جاءوا بعده ؛ ، يذكر فيه فضائل ومناقب وأحوال أئمة الهدى عليهم
السلام ، التي جمعها من كتب الفريقين ، ورتّبها في ١٢ فصلاً ، لكلّ إمامٍ فصلاً
كاملاً ، مبتدئاً بأميـر المؤمنيـن عليه السلام ومنتهياً بالمهدي المنتظر عجّل
الله فرجه الشريف.
يقوم
بتحقيقه : هيثم السمّاك معتمداً على مخطوطتين ؛ الاَولى محفوظة في مكتبة مجلس
الشورى الاِسلامي بطهران ضمن مجموعة برقم ٤٤١٣ تاريخ كتابتها سنة ٩٨٣ هـ ،
والاَخرى محفوظة في مكتبة
|
|
الفاضلي
خوانساري برقم ٦١ تاريخ كتابتها سنة ١٠٣٣ هـ.
*
دعـوة الحـقّ.
تأليف
: السيّـد ميرزا هادي الخراساني الحائري (١٢٩٧ ـ ١٣٦٨).
كتاب
في جزأين : الاَوّل في فضائل ومناقب أهل البيت عليهم السلام ، والثاني في ردّ
مزاعم الوهابيّة.
يقوم
بتحقيقه : السيّد ثامر العميدي ، معتمداً للجزء الاَوّل على النسخة المطبوعة في
حياة المصنّف ، في مطبعة النجاح ـ بغداد / ١٣٤٧ هـ ، وللجزء الثاني على النسخة
المخطوطة بيد المصنّف ؛.
وسيصدر
في ثلاثة أجزاء بعد الانتهاء من التحقيق إن شاء الله تعالى.
*
الحصون المنيعة.
في
ردّ ما أورده صاحب «المنار» الشيخ محمّـد رشيد رضا في حقّ الشيعة.
للسيّـد
محسـن الاَميـن العاملـي (١٢٨٤ ـ ١٣٧١ هـ).
يقوم
بتحقيقه : حامـد الطائـي معتمداً على النسخة المطبوعة في بيروت سنة ١٣٢٧ هـ في
١٢٠ صفحة.
|
|