تقديم

فتحت عيني في مدرسة النجف الأشرف الحبيبة في فرعي الفقه والاصول ولم أجد إلى جانب ذلك فرعا في علم الرجال وقواعده وانما كنت أقرأ في تراجم الاعلام ان فلانا قرأ الرجال على فلان من دون ان ألمس على مستوى التطبيق شاهدا.

وانهيت مرحلة السطوح ودخلت مرحلة الخارج وليس لي أي إلمام من قرب أو بعد بالقضايا الرجالية خصوصا وقد قرأت في الفقه الروضة البهية والمكاسب وكلاهما بعيدان عن ذلك بتمام معنى الكلمة.

وكنت اسمع بعض القضايا الرجالية من هذا العلم أو ذاك عند حضوري بحث الخارج الأمر الذي اشعرني بوضوح بالطفرة.

ان الطفرة عشتها في مواضع ثلاثة اذكرها عسى ان يسعفنا القائلون باستحالتها بالعلاج.

١ ـ لم أقرأ في الكتب الاصولية التي درستها في مرحلة السطوح افكار


الأعلام الثلاثة ـ النائيني والعراقي والاصفهاني ـ وانما عشت افكارا قديمة مع فصول الاصفهاني وقوانين القمي وبدائع الرشتي ورسائل الشيخ وكفاية الآخوند.

انني لا اقصد الاستهانة بآراء تلك المدارس. حاشا ان اتصور ذلك واستغفر ربي من فعلتي ان كنت قاصدا لها ، وانما اقصد ان افكار أي مدرسة تعيش مرحلتها الزمنية المعينة ويبقى قانون التطور شاملا لها. ان قانون التطور إذا واجه استثناء فذاك فيما طرحه القرآن الكريم من نظريات وأهل البيت عليهم‌السلام من افكار. التعرف على النظريات الاصولية الجديدة.

انني من عشاق افكار الأعلام الثلاثة التي صحبتها طيلة فترة دراستي لخارج الاصول ومن ثمّ فانا من عشاق حلقات السيد الشهيد الاصولية التي تغذينا بمجموعة واسعة من تلك الأفكار ونتغلب من خلالها على تلك الطفرة.

٢ ـ لم أقرأ خلال دراستي للسطوح احاديث أهل البيت عليهم‌السلام لا في الصوم ولا في الصلاة ولا في الطهارة فضلا عن الديات والحدود والتعزيرات ، كما ولم أقرأ طرق الاستدلال التي يستعين بها الفقيه في مقام الاستنباط وكنت اسمع ان الروضة البهية دورة استدلالية تعلّم الفقه من خلال الاستدلال وكنت اتقبل هذا عن تعبّد حتى إذا ما فتحت عيني الآن قليلا وجدت الأمر على خلاف الواقع. ان الروضة البهية تعلّمنا كيف نتلفظ بالفاظ معقدة وكيف نحل الرموز والطلاسم.

بقيت احل الطلاسم فترة وغاب عني ما في داخل تلك الطلاسم. بقيت اتعلم ان هذا ليس بشرط للأصل وذاك واجب للرواية. انني تعرفت على هذا المقدار لا أكثر ولم أعرف الروايات الواردة في المسألة كي لا تكون غريبة عليّ عند ما اسمعها الآن.


لم اسمع كيف هي متعارضة وكيف نحل التعارض وإلى ما ذا نرجع عند استحكام التعارض؟ ان هذا لم اواجهه في الروضة. أجل واجهت شيئا منه في المكاسب إلّا أن حدود المكاسب ضيقة ويقتصر على البيع والخيارات فأين الصلاة وأين الصوم وأين الحج وأين الخمس وأين وأين وأين.

اننا نحتاج في مرحلة السطوح إلى كتاب فقهي يشتمل على الأقل على غالب الأبواب الفقهية نستمع فيه إلى روايات أهل البيت عليهم‌السلام وكيف نعمل عند التعارض وما هي طرق الاستدلال الحديثة المتبعة عند علمائنا الأعلام مع الاشارة الموجزة إلى بعض القضايا الرجالية.

ولا نحتاج بعد هذا إلى العبائر ذات الطلاسم والرموز. وهل في مطالبنا العلمية وطرق استدلالنا قصور لنحتاج إلى تكميله بذلك.

انني أقول عن تجربة : لم أعرف روايات أهل البيت عليهم‌السلام في مختلف الأبواب الفقهية إلّا من خلال حضوري بحث الخارج وواجهت آنذاك طفرة جديدة وللمرة الثانية.

اننا بحاجة ماسة إلى تأليف كتاب يشتمل على دورة فقهية كاملة أو شبه كاملة تضم بين دفتيها مجموعة كبيرة من روايات أهل البيت عليهم‌السلام ومجموعة كبيرة من طرق الاستدلال الحديثة يكتمل افقها عند الانتقال إلى مرحلة الخارج.

وهذا الاقتراح ليس بامكاننا اخراجه من عالم القوة إلى عالم الفعلية إلّا إذا أخلصنا النية لله سبحانه كما اخلصها الشهيد الثاني والشيخ الأعظم والآخوند الخراساني وغيرهم ممن لهم كتب يتداول تدريسها إلى يومنا هذا.


ان تلك النية الخالصة تزيل الجبال الصعاب. نسأله تعالى أن يرزقنا جميعا ذلك الخلوص لنتمكن من خلاله التغلب على مشاكل الدراسة التي نعيشها.

٣ ـ وكان المجال الثالث للطفرة التي واجهتها مجال الرجال واسناد الروايات. فما هي طرق ثبوت الوثاقة وكيف نعرف ان فلانا ثقة أو لا؟ وما هو ضابط حجية الرواية؟ وما هي التوثيقات العامة؟ ان كل هذا لم اعرفه في مرحلة السطوح وبقيت استفيد من الاساتذة هذه النكتة وتلك واسعى وراء البقية للتعرف عليها.

وكنت من عشّاق النكات الرجالية وأحب الاستاذ أو الكتاب الذي يبين لي مجموعة من النكات الرجالية بوضوح لأرتوي بذلك.

وتجمعت لديّ مجموعة من تلك النكات وبقيت فترة لتختمر من خلال الأساتذة الكرام والمباحثات العلمية.

وبعد الاختمار قليلا إذا بي أجد كل ما اختمر قد اشار له أعلامنا في كتبهم وكلماتهم والقصور مني أو من العبائر.

واتضح لي اننا لا نحتاج إلّا إلى قلم يوضح تلك المطالب الراقية التي تناولتها أفكار علمائنا الأعلام.

وكتبت منذ عشر سنوات حينما وضعت رجلي في بلد المهجر مدينة قم المقدسة دورة رجالية تكاد ان تحل جزءا من المشكلة وكنت مصمما على عدم طبعها لأني لم أر فيها ما يستحق الطبع.

وبعد تقضي السني العشر إذا بي أتوجه إلى ان القضية إذا كان يقصد بها


خدمة الحوزة العلمية فبكفي لذلك ايضاح كلمات أعلامنا بلسان سلس وليس شرط ذلك المجيء بشيء جديد.

وعزمت بعد ذلك على تقسيم ما كتبته إلى قسمين : قسم يرجع له الطالب بداية أمره والقسم الثاني لا يختلف عن الأول إلّا بالتوسع قليلا. واطلقت على كلا القسمين عنوان «دروس تمهيدية في القواعد الرجالية» بغية ان يتصدى من هو أوسع مني فكرا وعلما لكتابة كتاب ثان أوسع افقا مما كتبت.

وظني ـ إن لم أكن خاطئا ـ ان من رجع إلى ما كتبت سوف لا يواجه الطفرة في مرحلة الخارج أو يواجهها بشكل جزئي.

وظني أيضا ان ما كتبته بالرغم من محاولتي التبسيط يحتاج إلى استاذ معين في بعض المواضع لتكون الثمرة ملقحة تلقيحا كاملا.

واعتقادي أيضا ان قراءة هذا الكتاب إذا لم تكن مقرونة بالتطبيق العملي الذي قمنا بمحاولته في مواضع متعددة من الكتاب فلن تؤتي الشجرة اكلها.

ان انفكاك النظرية عن التطبيق له مخلفاته السيئة في النحو ، فمن يقرأ القواعد العربية بدون تطبيق لا يستفيد شيئا. وفي الفقه ، فمن يقرأ الاصول بلا ممارسة عملية الاستنباط بنفسه لا يستفيد شيئا. وفي مجال كتابنا هذا ، فمن يقرأه بلا تطبيق لا يستفيد شيئا.

وفي الختام لم اقصد مما كتبت سوى الخدمة لطلاب حوزاتنا ومدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، فان وفقت فذلك غاية المقصود وإلّا فيكفيني فخرا ان جهلي بما وقعت فيه من اخطاء بسيط وليس بمركب.


واسأله سبحانه بحق ولينا وإمام زماننا روحي وأرواح العالمين له الفداء ان يدعمني بدعائه الشريف الذي به ينحل كل عسير ويوفق به كلّ ضعيف وما توفيقي إلّا بالله واستغفره واتوب إليه.

باقر الأيرواني

٢٥ / رجب المرجب / ١٤١٦ ه


المدخل

إذا واجه الفقيه رواية واراد استنباط حكم معين منها فعليه القيام بالمهمات التالية : ـ

أ ـ اثبات دلالة الرواية على الحكم المعين. والطريق لذلك هو الاستظهار ، فمتى ما استظهر منها الدلالة على ذلك الحكم تمّ المطلوب من الناحية المذكورة.

وعملية الاستظهار عملية وجدانية لا يمكن ان تقع في الغالب تحت ضابط معين.

ويتصدى الفقيه عادة لدعوى الاستظهار واثباتها في الفقه عند ممارسته استنباط الحكم.

ب ـ اثبات جحية الدلالة أو ما يصطلح عليه بحجية الظهور.

وهذا ما يتصدى له الاصولي في مبحث الحجج من علم الاصول.


ج ـ اثبات حجية خبر الثقة وإلّا فلا يمكن البناء على صدور الخبر بعد فرض عدم العلم بصدوره.

وهذا ما يتصدى له الاصولي في مبحث حجية الخبر.

د ـ اثبات ان الخبر خبر ثقة ليمكن الحكم بحجيته طبقا لقاعدة حجية خبر الثقة.

واثبات ذلك يحتاج إلى دراسة رجال السند ليعرف ان هذا وذاك ثقة أو لا.

وفي الحقيقة لا بدّ من البحث أولا عن ان الحجة هل هو خصوص خبر الثقة أو الأعم من ذلك والخبر الحسن أو الضعيف المنجبر بعمل المشهور أو ...

واذا كان الحجة هو خصوص خبر الثقة فما هو الطريق لاثبات وثاقة الراوي؟ فهل الطريق ينحصر بشهادة الشيخ الطوسي والنجاشي أو هناك طرق أخرى كورود الراوي في اسناد كامل الزيارة أو تفسير القمي أو رواية الاجلاء عنه أو وقوعه في سند رواية تشتمل على بعض بني نضال أو ...

وإذا كان سند الخبر ضعيفا فهل يمكن الاستعانة بنظرية التعويض لتصحيحه؟

ان هذه الأسئلة وما شاكلها نحاول في هذا الكتاب الاجابة على بعضها ليتسنى للطالب إذا ما وصل إلى مرحلة الاستنباط وحاول الدخول في ذلك الميدان اجتياز العراقيل من هذه الناحية.

وعلى الطالب عند دراسته لهذه المطالب التي سوف نقوم باستعراض بعضها ان يفكّر ويجتهد بنفسه ويتأمل في صحتها وسقمها ولا يعتمد على دعوانا أو


دعوى غيرنا بكونها صحيحة فان هذا المجال ليس مجال التقليد بل مجال الاجتهاد فميدان التقليد هو الفقه والأحكام الفقهية دون المطالب الرجالية.

التطبيق العملي

وقد شعرنا ان القيام باستعراض المطالب الرجالية دون تطعيمها بالتطبيقات العملية قضية غير ناجحة إذ يبقى الطالب يعيش المطالب النظرية البحتة الأمر الذي يوجب له السأم والملل.

وأهم من ذلك يبقى لا يعرف كيف يستخرج الأحاديث من وسائل الشيعة وكيف يتعرف على صحة السند.

ومن هنا سوف نقوم بين آونة وأخرى بنقل بعض الأحاديث من وسائل الشيعة والتصدي بشكل فعلي لدراسة سندها.

تطبيق (١)

وعلى سبيل المثال نطرح المثال التالي لنؤكّد للطالب ضرورة التعرف على ما سنقوم باستعراضه من المطالب الرجالية وكيفية الاستفادة منها في مقام التطبيق.

قال في وسائل الشيعة باب ١٦ من أبواب مقدمة العبادات ح ١ ما نصه : «محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي ابن النعمان عن أبي اسامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال في حديث : كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير السنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا».

ان الحديث المذكور قد نقله الحرّ العاملي من الكافي للشيخ الكليني بقرينة


قوله في بداية السند «محمد بن يعقوب» الذي هو الكليني.

وللتعرف على حال السند المذكور نقوم بدراسته بهذا الشكل.

اما محمد بن يعقوب فهو غني عن التعريف ولا نشك في وثاقته فهو أحد اعلامنا الذين يعتز المذهب الجعفري ويفتخر بهم. يقول النجاشي في حقه : «شيخ اصحابنا في وقته بالري ووجههم وكان اوثق الناس في الحديث واثبتهم» (١).

وتوثيق النجاشي وحده أو الشيخ الطوسي يكفي بلا حاجة إلى إجتماع كلا التوثيقين.

واما محمد بن يحيى فهو شيخ الكليني والذي يكثر الرواية عنه في الكافي وهو من الثقات العظام. يقول النجاشي عنه : «شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث» (٢).

وتوثيق النجاشي وحده أو الشيخ الطوسي يكفي كما تقدم بلا حاجة إلى اجتماع كلا التوثيقين.

واما أحمد بن محمد بن عيسى فهو الأشعري القمي المعروف بسمو المنزلة.

قال عنه النجاشي : «أبو جعفر رحمه‌الله شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع. وكان أيضا الرئيس الذي يلقى السلطان. ولقي الرضا عليه‌السلام» (٣).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٨ : ٥٠.

وانما ارجعنا إلى المعجم لكون ذلك أيسر من مراجعة المصادر الأصلية.

(٢) المصدر السابق ١٨ : ٣٠.

(٣) المصدر السابق ٢ : ٢٩٦.


واما علي بن النعمان فهو على ما قال النجاشي : «كان علي ثقة وجها ثبتا صحيحا واضح الطريقة» (١).

واما أبو اسامة فهو زيد الشحام. وقد عرفنا ذلك من خلال ممارساتنا الرجالية. ويمكن لمن ليست له ممارسة كافية مراجعة معجم رجال الحديث في المجلد الخاص باستعراض الكنى للاطلاع على ذلك ففي الجزء ٢١ ص ١٣ ذكر ان أبا اسامة هو نفس أبي اسامة الشحام ونفس زيد الشحام.

وإذا رجعنا إلى ترجمة زيد الشحام لم نجد النجاشي يوثقه وانما وثّقه الشيخ الطوسي بقوله : «زيد الشحام يكنى أبا اسامة ثقة» (٢) ، وهو كاف.

ومن خلال هذا يتضح ان الرواية صحيحة السند لوثاقة جميع رجال سندها.

توهم خاطئ

قد يتوهم البعض من خلال التطبيق السابق ان الاطلاع على صحة اسناد الروايات وسقمها قضية سهلة لا تحتاج إلى دراسة ، ويمكن ان يقال في جملة واحدة : ان الرواية تكون صحيحة السند متى ما كان جميع رجال السند قد شهد الشيخ الطوسي أو النجاشي بوثاقتهم وإلّا فهي ضعيفة.

وهذا التوهم خاطئ لأن طريق الوثاقة لا ينحصر بشهادة الشيخ أو النجاشي بل هناك طرق أخرى كثيرة ينبغي البحث عن مدى صحتها ، كما وان هناك ابحاثا أخرى لا يمكن للطالب الاستغناء عنها كما سيتضح.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٢ : ٢١٥.

(٢) المصدر السابق ٧ : ٣٦١.


ونظرة واحدة على منهجة الأبحاث التي سنقوم بها ان شاء الله تعالى ، وفهرست معلومات الكتاب تدلل على ما نقول.


الفصل الأول

وحديثنا عن الفصل الأول يقع ضمن ثلاث نقاط :

* النقطة الأولى : البحث عن طرق اثبات وثاقة الراوي.

* النقطة الثانية : البحث عن التوثيقات العامة.

* النقطة الثالثة : البحث عن مدرك حجية قول الرجالي.



منهجة أبحاثنا

وسنقوم بمنهجة ابحاثنا الرجالية ضمن الفصول التالية :

* الفصل الأول : البحث عما يرتبط بالتوثيق.

* الفصل الثاني : البحث عن أقسام الحديث.

* الفصل الثالث : نظرات في بعض كتب الحديث.

* الفصل الرابع : نظرات في بعض كتبنا الرجالية.



النقطة الأولى

طرق اثبات وثاقة الراوي

هناك عدة طرق لاثبات وثاقة الراوي نذكر من بينها : ـ

١ ـ شهادة المعصوم عليه‌السلام

إذا شهد المعصوم عليه‌السلام بوثاقة شخص فلا اشكال في كون ذلك طريقا لاثبات الوثاقة من قبيل ما ورد في حق زرارة بطريق صحيح ينتهي إلى جميل بن درّاج عن الإمام الصادق عليه‌السلام : بشّر المخبتين بالجنة : بريد بن معاوية العجلي وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه. ولو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست (١).

أجل ينبغي أن لا يكون الراوي للتوثيق عن الإمام عليه‌السلام نفس الشخص المراد اثبات وثاقته بشهادة الإمام عليه‌السلام وإلّا كان ذلك أشبه بالدور.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٧ : ٢٢٢.


٢ ـ شهادة أحد الأعلام بالوثاقة

الّف الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن العبّاس المعروف بالنجاشي ـ المعاصر للشيخ الطوسي وزميله في بعض الدروس ـ كتابه المعروف بفهرست مصنفي الشيعة. وقد جمع فيه من له كتاب مع الإشارة في الغالب إلى كونه ثقة أو ضعيفا.

وهكذا قام الشيخ الطوسي بتأليف كتابين احدهما باسم الفهرست وثانيهما باسم رجال الشيخ الطوسي. وقد ذكر فيهما احيانا توثيق أو تضعيف بعض الرواة.

كما وقام الشيخ أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز المعروف بالكشي ـ والذي يعدّ في طبقة الشيخ الكليني ـ بتأليف كتابه المعروف برجال الكشي. وقد تصدى فيه لجمع الروايات الواردة في حقّ بعض الرواة من دون ان يتصدى في الغالب وبصورة مباشرة لتضعيف أو توثيق الرواة.

ان شهادة أحد هؤلاء الثلاثة بوثاقة راو معين طريق لاثبات ذلك بدليل انعقاد السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة في جميع المجالات التي احدها مجال التوثيق ، وحيث ان هذه السيرة لم يثبت الردع عنها فهي ممضاة شرعا (١).

وتكفي شهادة الواحد ولا يلزم التعدد لانعقاد السيرة المتقدمة على الاكتفاء بالواحد.

وهل شهادة بعض اعلامنا المتأخرين بالوثاقة ـ كالعلّامة الحلي وابن طاووس والشهيد الثاني وابن داود ـ طريق لذلك؟ فيه خلاف نتعرض له في القسم الثاني ان شاء الله تعالى.

__________________

(١) ويأتي في النقطة الثالثة وجوه أخرى لبيان مدرك حجية قول الرجالي.


٣ ـ الاجماع على الوثاقة

هناك بعض الرواة لم ينصّ النجاشي وغيره على وثاقته ولكنه من احد الأفراد الذين ادعى الكشي اجماع الشيعة على قبول روايتهم.

فمثلا أبان بن عثمان المعروف بأبان الأحمر لم يشهد النجاشي وغيره بوثاقته إلّا انه احد الرواة الستة من أصحاب الصادق عليه‌السلام الذين ادعى الكشي الاجماع على تصديقهم حيث قال ما نصه : «اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون واقروا لهم بالفقه : جميل بن دراج وعبد الله ابن بكير وحماد بن عثمان وحماد بن عيسى وأبان ابن عثمان» (١).

وتوجيه حجية الاجماع المذكور في اثبات الوثاقة : ان الكشي إذا كان مصيبا في دعواه الاجماع ، وكان هناك اجماع حقا على الوثاقة فذلك هو المطلوب ، وإذا لم يكن مصيبا فى ذلك ولم يكن الاجماع متحققا واقعا فيكفينا في اثبات الوثاقة شهادة الكشي الضمنية والمستبطنة ، فان دعواه الاجماع تستبطن وتتضمن شهادته بوثاقة الستة ، وذلك يكفي في اثبات الوثاقة.

٤ ـ الوكالة عن الإمام عليه‌السلام

الوكالة قد تكون على مستوى الممثلية العامة وفي جميع المجالات وقد تكون في مجال خاص معين.

والأولى هي ما يعبر عنها بالسفارة ، ولا اشكال في دلالتها على الوثاقة بل على ما هو أعلى منها من سموّ المنزلة ورفعة المقام.

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٧٠٥.


وانما الكلام في دلالة الثانية على الوثاقة فقد انكر ذلك جماعة منهم السيد الخوئي قدس‌سره بحجة اننا نرى كثيرا من الوكلاء قد صدر من الأئمة عليهم‌السلام ذمّهم. وقد عقد الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة بابا خاصا بالوكلاء المذمومين (١).

والصحيح دلالة الوكالة على الوثاقة لانعقاد السيرة العقلائية على عدم ايكال العاقل أيّ أمر من اموره إلى غير الثقة وخصوصا الإمام عليه‌السلام ، فان غير الثقة قد ينسب إلى مقام الإمامة شيئا هو منه براء الأمر الذي قد يشكّل خطرا على بعض جوانبها.

وإذا قيل كيف يفسر إذن الذمّ الصادر في حق بعض الوكلاء؟

كان الجواب : ان ذلك صادر بعد توكيلهم وليس قبل ذلك.

ولا يخفى انه لو قبلنا دلالة الوكالة على التوثيق فسوف نخرج بوثاقة جملة من الرواة الذين يعدّون في صف المجاهيل أو الضّعاف نذكر من بينهم علي بن أبي حمزة البطائي فانه من وكلاء الإمام الكاظم عليه‌السلام والقوّام على أمواله. وقد اختلف الأعلام في شأنه فإذا قلنا بدلالة الوكالة على الوثاقة أمكن الحكم بوثاقته استنادا إلى ذلك وسوف نصحح مجموعة كبيرة من الروايات التي وقع البطائني في سندها حيث انه وقع في اسناد كثير من الروايات.

٥ ـ رواية الثقة

ذهب الميرزا حسين النوري صاحب المستدرك إلى ان الثقة إذا روى عن شخص كان ذلك دليلا على وثاقته.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٧٥.


والصحيح عدم الدلالة إذ ما أكثر رواية الثقات عن غير الثقات. ولو كانت رواية الثقة عن شخص دليلا على وثاقته لزم وثاقة أغلب الرواة أو كلهم لأن الشيخ الطوسي رحمه‌الله ثقة فلو روى عن شخص كان ذلك الشخص ثقة ، وإذا روى الشخص المذكور عن ثالث كان الثالث ثقة أيضا ، وهكذا.

أجل إذا اكثر أجلّاء الثقات وكبّارهم الرواية عن شخص فلا يبعد كونها دليلا على الوثاقة لعدم إكثار العاقل الرواية عن شخص لا يعتقد بوثاقته ، انه اتلاف لوقته بلا مبرر لعدم الفائدة في تجميع روايات عن الضعاف.

وإذا قبلنا هذا الرأي فسوف نخرج بنتائج مهمّة نذكر من بينها على سبيل المثال توثيق محمد بن اسماعيل ، فان الكليني قد أكثر في الكافي الرواية عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان. وقد قيل إنه مجهول الحال فتسقط رواياته الكثيرة المذكورة عن الاعتبار ، بينما بناء على ما تقدم يمكن الحكم بوثاقته وان لم يمكنّا تشخيصه على سبيل التفصيل ، وبذلك سوف ترتفع مجموعة كبيرة من الروايات إلى مستوى الحجية.

٦ ـ شيخوخة الاجازة

أخذ الرواية من شخص له صور متعددة ، فتارة يسمع التلميذ الرواية من الاستاذ ، واخرى يقرأ الاستاذ الرواية على التلميذ ، وثالثة يجيز الاستاذ التلميذ بان يدفع له الكتاب الذي سجل فيه الروايات وجمعها فيه ويقول له اجزتك في نقل الروايات الموجودة فيه عنّي.

ويصطلح على الشكل الثالث بتحمل الرواية بنحو الاجازة. كما ويصطلح على صاحب الكتاب الذي صدرت الاجازة منه بشيخ الاجازة.


وقد اختلف في أنّ شيخوخة الاجازة هل تكفي لاثبات الوثاقة أو لا؟

والبحث عن النقطة المذكورة مهمّ لأن كثيرا من الاصول الحديثية التي ألف منها التهذيب والاستبصار ومن لا يحضره الفقيه قد وصلت إلى الشيخ الصدوق والطوسي قدس‌سره بواسطة اشخاص لم يرد في حقهم توثيق خاص غايته هم من مشايخ الاجازة كأحمد بن عبدون وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد ابن محمد بن يحيى و ...

ولعل المعروف لدى القدماء كفاية شيخوخة الاجازة لاثبات الوثاقة خلافا لآخرين منهم السيد الخوئي فاختاروا عدم كفاية ذلك.

ويمكن ان يستدل لعدم كفاية ذلك بان فائدة الاجازة ليست إلّا ان الشيخ المفيد مثلا سوف يحق له بسبب الاجازة ان يقول اخبرني أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد بهذه الأخبار الموجودة في الكتاب الذي اجازني روايته وكأنه يصير قد سمع الرواية منه.

وحيث ان سماع الثقة الرواية عن شخص ونقلها عنه لا يدل على وثاقته فلا يمكن ان تكون شيخوخة الاجازة دليلا على الوثاقة.


تطبيقات

تطبيق (٢)

قال الحر العاملي في وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب الوضوء حديث ١ ما نصه :

١ ـ «محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا صلاة إلّا بطهور».

وللتعرّف على حال السند المذكور لا بدّ أولا من مراجعة سند الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد ، وذلك بملاحظة مشيخة التهذيب ج ١٠ ص ٦٣ فانه قال : «وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسين بن سعيد فقد اخبرني به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (١) والحسين بن عبيد الله وأحمد ابن عبدون كلهم عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد.

وأخبرني به أيضا أبو الحسين بن أبي جيد القمي عن محمد بن الحسن ابن الوليد عن الحسين بن الحسن بن ابان عن الحسين بن سعيد».

__________________

(١) وهو الشيخ المفيد قدس‌سره. واما الحسين بن عبيد الله فهو المعروف بالغضائري الثقة الجليل استاذ الشيخ الطوسي. واما أحمد بن عبدون فلم يرد في حقه توثيق خاص. أجل يمكن توثيقه اما من باب كونه من مشايخ الاجازة أو من باب كونه شيخا للنجاشي بناء على وثاقة جميع مشايخ النجاشي على ما يأتي ان شاء الله تعالى. ولكن الأمر من ناحيته سهل لأنه يكفينا وثاقة أحد الثلاثة.


ان هذه العبارة تدل على وجود طريقين إلى الحسين بن سعيد كلاهما ينتهي إلى محمد بن الحسن بن الوليد ـ وهما : ـ

أ ـ المفيد عن أحمد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد.

ب ـ ابن أبي جيد عن محمد بن الحسن بن الوليد.

ومحمد بن الحسن بن الوليد ينقل عن الحسين بن الحسن بن ابان عن الحسين بن سعيد.

وكلا الطريقين قد يتأمل فيه.

أما الأوّل : فمن ناحية أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد فانه لم يرد في حقه توثيق خاص.

أجل بناء على كفاية شيخوخة الإجازة في ثبوت التوثيق يمكن الحكم بوثاقته من الناحية المذكورة.

وأما الثاني : فمن ناحية ابن أبي جيد فانه لم يرد في حقه توثيق خاص أيضا.

أجل هو من شيوخ الإجازة وشيخ للنجاشي فبناء على وثاقة جميع مشايخ الإجازة أو وثاقة جميع مشايخ النجاشي ـ لبيان يأتي عند البحث عن التوثيقات العامة ان شاء الله تعالى ـ تثبت وثاقته.

وإذا غضضنا النظر عن كل هذا فتاتي المشكلة من ناحية الحسين بن الحسن ابن ابان فانه لم تثبت وثاقته.


وبالجملة ان ثبت صحة الطريقين المذكورين أو احدهما فذاك هو المطلوب وإلّا رجعنا إلى فهرست الشيخ الطوسي فانه يذكر فيه طرقا أكثر. ففي ص ٥٨ يذكر طريقا جديدا وهو : «اخبرنا بها عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل عن سعد ابن عبد الله والحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد».

والطريق المذكور صحيح لأن العدة من أصحابنا تمثل ما لا يقل عن ثلاثة ولا نحتمل اجتماع ثلاثة من مشايخ الطوسي على الكذب.

واما محمد بن علي بن الحسين فهو الصدوق الثقة الجليل.

وهو ينقل عن ثلاثة اشخاص هم : والده ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكل ويكفينا وثاقة أحدهم. ومن باب الاتفاق اثنان منهم هم من الثقات العظام وهما والده ومحمد بن الحسن بن الوليد.

واما سعد والحميري فكلاهما من الثقات الأجلة وان كان يكفينا وثاقة أحدهما.

واما أحمد بن محمد بن عيسى فقد تقدم انه الأشعري الثقة.

والنتيجة التي نخرج بها ان طريق الشيخ الطوسي إلى الحسين بن سعيد يمكن تصحيحه.

يبقى أن نلاحظ أفراد السند من الحسين بن سعيد إلى الإمام عليه‌السلام.

اما الحسين بن سعيد فهو الأهوازي صاحب الكتب الكثيرة. قال عنه الشيخ في الفهرست ص ٥٨ : ثقة.


واما حماد بن عيسى فقد قال عنه النجاشي : «كان ثقة في حديثه صدوقا» (١).

واما حريز فقد قال عنه الشيخ : «ثقة كوفي» (٢).

واما زرارة فيكفينا تقريظ الإمام الصادق عليه‌السلام له : «بشر المخبتين بالجنة :

بريد بن معاوية العجلي وابا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء امناء الله على حلاله وحرامه. لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست» (٣).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٦ : ٢٢٤.

(٢) المصدر السابق ٤ : ٢٤٩.

(٣) المصدر السابق ٧ : ٢٢٢.


تمرينات

س ١ : استنباط الفقيه لحكم من رواية معينة يحتاج إلى اثبات أربعة أمور.

أذكرها مع بيان وجه الحاجة إلى كل واحد منها.

س ٢ : هل يجوز التقليد في المطالب الرجالية؟ ولماذا؟

س ٣ : إذا قيل لا نحتاج إلى دراسة علم بعنوان علم الرجال أو بالأحرى القواعد الرجالية بل يكفينا للتعرف على اسناد الروايات ملاحظة كلمات الشيخ والنجاشي فمع توثيقهما لرجال السند يحكم بصحته وإلّا فلا. ان مثل هذا الكلام كيف تدفعه؟

س ٤ : اذكر مثالا لشهادة المعصوم عليه‌السلام التي يستفاد منها وثاقة الراوي.

س ٥ : شهادة المعصوم عليه‌السلام حجة في اثبات الوثاقة بشرط. اذكر ذلك الشرط وأوضح الوجه في اشتراطه.

س ٦ : اذكر ثلاثة من أعلام الرجاليين الذين يمكن الاستناد إلى شهادتهم بالوثاقة.

س ٧ : اذكر الوجه في حجية قول الرجال وشهادته بالوثاقة.

س ٨ : لماذا تكفي شهادة الواحد بالوثاقة بلا حاجة إلى تعدد؟

س ٩ : الاجماع على الوثاقة طريق لاثبات الوثاقة. اذكر مثالا يوضح ذلك.

س ١٠ : ذكرنا توجيها لحجية الاجماع على الوثاقة. أوضح ذلك التوجيه.


س ١١ : الوكالة عن الإمام عليه‌السلام على قسمين. أوضح الفرق بينهما.

س ١٢ : أي القسمين من الوكالة وقع البحث في دلالته على الوثاقة؟

س ١٣ : هل توكيل الإمام عليه‌السلام شخصا يدل على وثاقته بنظرك؟ ولماذا؟

س ١٤ : إذا كانت الوكالة دليلا على الوثاقة فكيف نفسر الذم الصادر في حق بعض الرواة؟

س ١٥ : بناء على دلالة الوكالة على الوثاقة سوف يثبت وثاقة بعض الرواة.

اذكر مثالا لذلك.

س ١٦ : هل رواية الثقة عن شخص تدل على وثاقته بنظرك؟ ولماذا؟

س ١٧ : هل اكثار أجلاء الثقات الرواية عن شخص تدل على وثاقته بنظرك؟ ولماذا؟

س ١٨ : بناء على دلالة اكثار الرواية عن شخص على وثاقته سوف نخرج بنتائج مهمة. اذكر مثالا لذلك.

س ١٩ :ما المقصود من تحمل الرواية بنحو الاجازة؟ وما المقصود من شيخ الاجازة؟

س ٢٠ : لماذا كان البحث عن كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة مهما؟

س ٢١ : هل يرى القدماء كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة؟

س ٢٢ : كيف يستدل لعدم كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة؟

س ٢٣ : هل سند الحديث الذي ذكره الحرّ العاملي في وسائل الشيعة باب ٦ من أبواب الوضوء ح ١ صحيح؟ أوضح ذلك.


النقطة الثانية

التوثيقات العامة

التوثيق إذا تعلق بشخص معين أو اشخاص معينين فهو توثيق خاص ، وإذا تعلق بعنوان كلي فهو توثيق عام.

ومثال التوثيق الخاص واضح فان توثيقات الشيخ والنجاشي خاصة عادة.

ومثال التوثيق العام توثيق القمي لجميع من ذكر اسمه في تفسيره كما سنوضح.

والتوثيقات العامة لها أمثلة كثيرة نذكر منها :

١ ـ توثيق رواة تفسير القمي

تفسير القمي تفسير روائي للقرآن الكريم طبع مؤخرا في النجف الأشرف في جزئين. مؤلفه علي بن إبراهيم القمي المتوفى سنة ٢١٧ ه‍. وهو من مشايخ الشيخ الكليني وقد أكثر الرواية عنه في الكافي.


وللكتاب المذكور مقدمة طويلة ذكر ضمنها العبارة التالية : «ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ...».

وقد استفاد جمع من الأعلام من العبارة المذكورة وثاقة جميع أفراد سند روايات الكتاب المذكور.

ومن جملة هؤلاء السيد الخوئي.

وقد دفع قدس‌سره احتمال كون مقصود القمي توثيق خصوص مشايخه المباشريين بان القمي بصدد اثبات صحة تفسيره ، وهو يتوقف على توثيق كل من ورد فيه لا خصوص من يروي عنه بالمباشرة.

وعلى ضوء ذلك حكم بان كل من ورد في التفسير المذكور هو ثقة ما لم يضعف من قبل النجاشي أو غيره فيسقط التوثيق عن الاعتبار لأن شرط قبول التوثيق عدم المعارضة بالجرح كما هو واضح.

ثم انه بناء على استفادة التوثيق العام المذكور يصبح ٢٦٠ راويا من الثقات بعد ما كانوا من المجاهيل.

ويردّ ذلك : ان النسخة الأصلية للكتاب المذكور ليست بايدينا ، والمطبوع المتداول بايدينا لا نجزم بكونه بكامله تفسير القمي بل هناك بعض القرائن التي تشير إلى كونه خليطا من تفسير القمي وغيره ، فقد ورد فيه في موارد عديدة التعابير التالية : «رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم» أو «رجع إلى رواية علي بن إبراهيم» أو «رجع الحديث إلى علي بن إبراهيم» أو ...


ومعه فيحصل علم اجمالي بكونه خليطا من تفسير القمي وغيره ، وحيث لا يمكن التمييز فيسقط جميعه عن الاعتبار.

٢ ـ رواة كامل الزيارة

كامل الزيارة كتاب مؤلف لجمع الزيارات للثقة الجليل جعفر بن محمد بن قولويه الذي هو من اعلامنا المتقدمين.

وقد ذكر هذا الشيخ الجليل لكتابه مقدمة صغيرة ذكر ضمنها العبارة التالية : «وقد علمنا بانا لا يخيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم‌الله برحمته ولا أخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال».

وقد فهم منها صاحب الوسائل كون ابن قولويه بصدد توثيق جميع مشايخه المباشريين وغيرهم.

ووافقه على ذلك السيد الخوئي في رأيه السابق حيث اختار ان كل من ورد في اسانيد الكتاب المذكور ثقة إلّا إذا عورض بتضعيف من قبل آخرين طبقا للضابط الكلي في كل توثيق حيث يؤخذ به بشرط عدم المعارضة بتضعيف.

وبناء على هذا سوف تثبت وثاقة ٣٨٨ راويا على ما قيل.

ويرد ذلك : ان القدر المتيقن من العبارة السابقة إرادة ابن قولويه لتوثيق خصوص من يروي عنه بالمباشرة دون الجميع كما التزم بذلك نفس السيد الخوئي بعد تراجعه في أواخر عمره الشريف عن رأيه السابق.


٣ ـ مشايخ النجاشي

اختار جمع من الأعلام وثاقة جميع مشايخ النجاشي لما يظهر منه في ترجمة غير واحد من التزامه بعدم الرواية عن غير الثقة.

ففي ترجمة الجوهري ذكر : «رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي وسمعت منه شيئا كثيرا ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا وتجنبته ...».

وفي ترجمة ابن البهلول يقول : «وكان في أول امره ثبتا ثم خلط ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ... ورأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا ثم توقفت عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه».

وإذا قيل : ما فائدة ثبوت وثاقة مشايخ النجاشي بعد عدم وجود كتاب روائي له.

كان الجواب : ان الفائدة تظهر بلحاظ روايات التهذيب والاستبصار فان الشيخ الطوسي ذكر ان جملة من اصول الاصحاب قد وصلته بواسطة أحمد بن عبدون أو ابن أبي جيد ، وهذان لم يرد في حقهما توثيق خاص بيد انهما من مشايخ النجاشي فبناء على ثبوت وثاقة مشايخ النجاشي تثبت وثاقتهما وتكون الروايات الواصلة بتوسطهما حجة.

٤ ـ وقوع بني فضال في السند

بنو فضال ـ وهم الحسن بن علي بن فضّال ، وأحمد بن الحسن بن علي ابن فضّال ، وعلي بن الحسن بن علي بن فضّال ـ جماعة من الفطحية.

والفطحية فرقة تقول بإمامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليه‌السلام.


ولكثرة احاديثهم وفساد عقيدتهم وجّه بعض الشيعة سؤالا إلى الإمام العسكري عليه‌السلام عن الموقف الذي ينبغى اتخاذه اتجاه تلك الأحاديث فاجاب عليه‌السلام : «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (١).

ولأجل هذه الرواية اختار جمع من الأعلام منهم الشيخ الأنصاري ان الرواية متى ما ورد في سندها بعض بني فضال فهي حجة ويعمل بها حتى لو اشتملت على بعض الضعفاء بين بني فضّال والإمام عليه‌السلام.

وقد رفض هذا الرأي كثير من الأعلام بدعوى ان مقصود الرواية بيان ان فساد العقيدة لا يمنع من الأخذ بالرواية فهي في صدد بيان نفي المحذور من جهة بني فضّال لا أكثر.

٥ ـ رواية أحد الثلاثة

قيل بان أحد الثلاثة ـ محمد بن أبي عمير وصفوان والبزنطي ـ إذا روى عن شخص كان ذلك دليلا على وثقاته.

واستند في ذلك إلى عبارة الشيخ الطوسي في كتابه عدة الاصول : «سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد ابن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم».

ومن هنا قال المشهور ان مراسيل ابن أبي عمير ـ وهكذا صفوان والبنزنطي ـ كمسانيده.

__________________

(١) وسائل الشيعة / باب ١١ من أبواب صفات القاضي حديث ١٣.


ورفض السيد الخوئي الرأي المذكور ـ بالرغم من كونه هو المشهور ـ بحجة ان عدم رواية هؤلاء إلّا عن ثقة قضية لا يمكن الإطلاع عليها إلّا من قبل نفس الثلاثة ، وهم لم يصرحوا بذلك وإلّا لنقل عنهم انهم قالوا انّا لا نروي إلّا عن الثّقات.

وعليه فيلزم ان تكون نسبة الشيخ التسوية إلى الأصحاب قد استند فيها إلى حدسه واجتهاده وليس إلى حسه.

ومما يؤيد ذلك عدم معروفية الدعوى المذكور لدى قدماء الاصحاب غير الشيخ الطوسي وليس منها عين ولا أثر في كلماتهم.

توثيقات عامة أخرى

والتوثيقات العامة لا تنحصر فيما ذكرناه فهناك أمثلة أخرى لها نعرض عنها خوف الاطالة.


النقطة الثالثة

مدرك حجية قول الرجالي

عرفنا فيما تقدم وجود عدة طرق لاثبات الوثاقة وكان العمدة منها توثيق الرجالي.

وفي هذا البحث نريد التعرف على مدرك حجية قول الرجالي. وفيما يلي نذكر الوجوه التالية : ـ

١ ـ ان يكون ذلك من باب الشهادة ، فكما ان الأخبار لدى الحاكم بان الدار الفلانية لزيد شهادة ويكون ذلك حجة من باب حجية الشهادة كذلك إخبار الرجالي بوثاقة الراوي شهادة ويكون حجة من باب حجية الشهادة.

وأورد على ذلك : باب لازمه عدم قبول شهادة مثل النجاشي والشيخ الطوسي بالوثاقة لأن شرط قبول شهادة الشاهد كونه حيا وليس بميت.

كما وانه يلزم عدم قبول شهادة كل واحد منهما إذا كان منفردا لأن شرط قبول الشهادة تعدد الشاهد وكونه اثنين.


كما وانه يلزم عدم قبول توثيق غير الإمامي الاثنى عشري لأن شرط قبول شهادة الشاهد عدالته ولا تكفي وثاقته. وعليه يلزم رفض توثيقات بني فضّال التي ينقل الكشي بعضها لأنهم فطحية ، وذلك بعيد.

٢ ـ ان يكون ذلك من باب حجية قول أهل الخبرة ، فكما ان قول الدلال الذي يحدد قيم الاشياء حجة من باب كونه من أهل الخبرة فكذلك إخبار النجاشي مثلا بوثاقة الرواة حجة من الجهة المذكورة.

٣ ـ ان يكون ذلك من باب حجية خبر الثقة بتقريب ان سيرة العقلاء قد جرت على التمسك بخبر الثقة في جميع المجالات. وهي حجة ما لم يثبت الردع عنها في مورد خاص ، كما هو الحال في الزنا فانه قد دلّ الدليل على عدم ثبوته إلّا باربعة شهود ، وكما في السرقة حيث دلّ الدليل على عدم ثبوتها إلّا بشاهدين.

وبناء على هذا الرأي لا يشترط في الموثق العدالة بل يكفي كونه ثقة متحرزا عن الكذب. كما ولا يشترط التعدد بل يكفي إخبار الواحد. كما ولا تشترط حياته بل يكفي إخباره حال الحياة لبقاء حجيته بعد الوفاة.

كل ذلك من جهة انعقاد السيرة العقلائية على التمسك بخبر الثقة في جميع الحالات المذكورة.


تطبيقات

تطبيق (٣)

قال في وسائل الشيعة في الباب ١ من أبواب الوضوء ح ٢ ما نصه : «وعنه عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث قال : يا زرارة الوضوء فريضة».

ان هذا الحديث قد نقله الحرّ عن الشيخ الطوسي بقرينه ان الحديث السابق على هذا الحديث قد ابتدأه الحرّ بمحمد بن الحسن الطوسي ، وهذا الحديث لم يبتدأه باسم الكليني أو غيره فيدل ذلك على انه لا زال ينقل عن الشيخ الطوسي.

والضمير في كلمة «عنه» يرجع إلى الحسين بن سعيد وليس إلى محمد بن الحسن. والمقصود ان محمد بن الحسن ينقل هذا الحديث الثاني عن الحسين بن سعيد أيضا.

وللتعرف على ان سند الحديث المذكور صحيح أو لا لا بدّ من مراجعة سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد ومراجعة بقية أفراد السند من الحسين وحتى الإمام عليه‌السلام. وقد تقدم كل ذلك في التطبيق ٢.

* * *

وقال الحرّ في الباب السابق ح ٣ ما نصه : «وبالاسناد عن زرارة قال سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الفرض في الصلاة فقال : الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء».


ان هذا الحديث قد نقله الحرّ عن الشيخ الطوسي أيضا لأنه لم يبتدأه باسم غيره.

والمقصود من قوله «وبالاسناد» : وبالاسناد المتقدم في الحديث السابق ، أي ان هذا الحديث ينقله الشيخ الطوسي عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة.


تمرينات

س ١ : التوثيق على قسمين خاص وعام. أوضح الفرق بينهما مع المثال.

س ٢ : من هو مؤلف تفسير القمي؟

س ٣ : أوضح رأي السيد الخوئي في رواة تفسير القمي مع بيان مستنده.

س ٤ : كيف يدفع احتمال كون مقصود القمي توثيق خصوص مشايخه الذين روى عنهم بالمباشرة؟

س ٥ : كيف تناقش الرأي القائل بوثاقة جميع رواة تفسير القمي؟

س ٦ : من هو مؤلف كتاب كامل الزيارة؟ ولماذا سمي بذلك؟ وما هو الرأي المرتبط به؟

س ٧ : ما هو المستند للحكم بوثاقة رجال كامل الزيارة؟

س ٨ : كيف تناقش الرأي القائل بوثاقة جميع رجال كامل الزيارة؟

س ٩ : هناك رأي يرتبط بمشايخ النجاشي. أوضحه مع بيان مستنده.

س ١٠ : ما الفائدة لدعوى وثاقة جميع مشايخ النجاشي بعد عدم وجود كتاب روائي له؟

س ١١ : من هم بنو فضّال؟

س ١٢ : هناك رأي يقول إذا وقع بعض بني فضال في سند رواية ما تصبح


مقبولة. أوضح ذلك الرأي مع بيان مستنده.

س ١٣ : كيف تناقش الرأي المتقدم المرتبط ببني فضال؟

س ١٤ : ما المقصود من رواية أحد الثلاثة؟ وما الرأي المرتبط بذلك؟

س ١٥ : لماذا رفض السيد الخوئي الرأي المرتبط بالثلاثة؟

س ١٦ : اذكر المدارك لحجية قول الرجالي.

س ١٧ : ماذا يرد على المدرك الأول لحجية قول الرجالي؟

س ١٨ : هل سند الحديث ١ باب ١٢ من أبواب الوضوء في وسائل الشيعة صحيح بنظرك؟ أوضح ذلك.




قسم الحديث (١) إلى أربعة أقسام : ـ

١ ـ الصحيح : وهو ما كان جميع رواته عدولا امامية.

٢ ـ الموثق : وهو ما كان رواته كلهم أو بعضهم من غير الإمامية ولكنهم وثقوا.

٣ ـ الحسن : وهو ما كان رواته كلهم أو بعضهم من الإمامية ولكنهم لم يعدلوا بل مدحوا فقط.

٤ ـ الضعيف : وهو ما لم يكن واحدا من الأقسام الثلاثة ، بان كان رواته مجهولين أو قد ضعفوا.

وقد شجب الاخباريون هذا التقسيم الرباعي وانكروا على أول من نسب

__________________

(١) نلفت النظر إلى ان الخبر إذا كان متواترا أو محفوفا بقرائن تورث العلم بحقانيته فلا إشكال في حجيته وقبوله وانما الكلام في غير هذين القسمين. وما سنذكره من تقسيم ناظر إلى غيرهما.


إليه ابتكار ذلك وهو العلّامة الحلي.

وسبب انكار الاخباريين لهذا التقسيم : ان جميع اخبار الكتب الأربعة صحيحة ويجب العمل بها بنظرهم. وقد قام الحرّ العاملي في وسائله بتجميع القرائن على ذلك ـ أي صحة جميع ما في الكتب الأربعة ـ فكانت ٢٢ قرينة (١).

قال قدس‌سره : «ويظهر من ذلك ضعف الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث الى صحيح وحسن وموثق وضعيف الذي تجدد في زمن العلّامة وشيخه أحمد ابن طاووس».

ويأتي ان شاء الله التعليق بشكل مختصر على هذه الدعوى في الفصل الثالث.

وهناك عدة ابحاث ترتبط بالأقسام الأربعة للخبر نذكرها ضمن نقاط.

الشهرة على خلاف الخبر الصحيح

١ ـ إذا كان الخبر صحيح السند فالمعروف حجيته. إلّا انه وقع الكلام في ان الشهرة الفتوائية إذا كانت على خلاف الخبر الصحيح فهل ذلك يسقطه عن الحجية أو لا؟

المعروف سقوطه عن الاعتبار إلّا ان السيد الخوئي اختار عدم السقوط بعد ان كان يوافق المشهور في السقوط (٢).

ويمكن توجيه السقوط بان الطبقة المتقدمة من أعلامنا إذا اعرضوا عن

__________________

(١) راجع الفائدة التاسعة من الفوائد المذكورة في آخر الوسائل.

(٢) مصباح الاصول ٢ : ٢٠٣.


رواية فذلك يكشف عن وجود خلل في بعض جهاتها وإلّا فلماذا اعرضوا عنها.

نعم يلزم ان لا يكون اعراضهم عنها وليد أعمال نظرهم واجتهادهم إذ اجتهادهم حجة عليهم لا علينا.

إلّا ان المشكلة بعد هذا تبقى في انه كيف نحرز اعراض المتقدمين عن الرواية بعد ان كانت كلمات كثير منهم ليست بايدينا.

خبر الثقة أو العادل

٢ ـ المعروف بين الأعلام ان الحجة ليس خصوص خبر العادل بل خبر الثقة حجة أيضا.

والوجه في حجية خبر الثقة وعدم اشتراط العدالة : ان السيرة العقلائية منعقدة على العمل بخبر الثقة كما هي منعقدة على العمل بخبر العادل. وحيث ان السيرة المذكورة لم يردع عنها فهي حجة.

وإذا قيل : ان آية النبأ تردع عن العمل بخبر الثقة إذا لم يكن عادلا لأنها قالت : ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ، والثقة إذا لم يكن عادلا فهو فاسق فيجب التبين عن خبره وهو معنى عدم الحجية.

أجبنا : ان المقصود من الفاسق في الآية الكريمة هو غير المتحرز عن الكذب لا ما يقابل العادل لقرينتين : ـ

أ ـ مناسبة الحكم والموضوع فان المناسب للحكم بعدم الحجية هو خبر من لا يتحرز عن الكذب دون المتحرز عن الكذب الذي قد يرتكب بعض المحرمات الاخرى.


ب ـ التعليل بالندم المذكور في ذيل الآية الكريمة فانه يتحقق لدى الأخذ بخبر غير المتحرز عن الكذب ولا يشمل المتحرز.

خبر الثقة أو الموثوق به

٣ ـ بناء على كون الحجة خبر الثقة فهل الحجة خبر الثقة بشكل مطلق أو بشرط افادته للوثوق والاطمئنان.

قد يقال باشتراط افادة الوثوق لأن خوف الوقوع في الندم المذكور في ذيل آية النبأ ثابت في الأخذ بالخبر مادام لم يحصل منه وثوق.

والصحيح عدم اعتبار الوثوق لرواية عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين عن الإمام الرضا عليه‌السلام «قلت : لا اكاد اصل اليك أسألك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني افيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني فقال نعم» (١) حيث دلت على ان المرتكز في ذهن السائل كفاية وثاقة الراوي ، والإمام عليه‌السلام قد امضاه على ذلك.

الخبر الحسن

٤ ـ وهل الخبر الحسن حجة؟ اختار الشيخ النائيني والسيد الخوئي قدس‌سرهما حجيته.

واستدل في مصباح الاصول على ذلك بالسيرة العقلائية بدعوى انها قائمة على ان أمر المولى لعبده إذا وصل بنقل امامي ممدوح لم يظهر فسقه ولا عدالته

__________________

(١) وسائل الشيعة باب ١١ من صفات القاضي ح ٣٣.


يعمل به كما هي قائمة على العمل بالخبر الواصل بنقل الإمامي العادل. وحيث ان هذه السيرة لم يردع عنها فنستكشف امضائها من قبل الشارع (١).

ويأتي التعليق على ذلك ان شاء الله تعالى في القسم الثاني.

الخبر الضعيف

٥ ـ المعروف بين المتأخرين عدم حجية الخبر الضعيف بيد ان هناك تساؤلا يقول ان الخبر الضعيف هل يمكن ان يرتقي إلى مستوى الحجية عند موافقة الشهرة الفتوائية له ، فضعف السند هل يمكن ان ينجبر بشهرة الفتوى على وفقه؟

المعروف انجباره بذلك لأن موافقة الشهرة للخبر نحو تبين عنه ، وهو مما يكفي لثبوت الحجية له لأن آية النبأ لم تنف الحجية عن خبر الفاسق بشكل مطلق بل اوجبت التبين عنه ، فمع التبين عنه واتضاح صدقه يجب العمل به ، وموافقة الشهرة الفتوائية له توجب اتضاح صدقه.

هذا مضافا إلى ان عمل المشهور بالخبر يكشف عن توثيقهم لرواته وإلّا لم يعملوا به بل ان عمل المشهور من المتقدمين برواية يوجب الاطمئنان بصدورها.

إلّا ان المشكلة تبقى في كيفية الاحراز ، فكتب المتقدمين الاستدلالية ليست بايدينا حتى نعرف استنادهم في فتواهم إلى الرواية وعملهم بها ، ولعله هناك مجرد موافقة بين فتوى المشهور والرواية من دون استنادهم إليها.

__________________

(١) مصباح الاصول ٢ : ٢٠٠.


الخبر المضمر

٦ ـ الخبر المضمر هو الخبر الذي لا يذكر فيه الشخص المسؤول وانه الإمام عليه‌السلام أو غيره ، كما هو الحال في صحيحة زرارة التي رواها الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده إلى الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة قال قلت له الرجل ينام وهو على وضوء اتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء فقال ... (١).

ان زرارة لم يقل قلت للإمام الصادق عليه‌السلام مثلا وانما قال قلت له ، أي ذكر الضمير الذي يحتمل رجوعه إلى الإمام عليه‌السلام وإلى غيره. ومن هنا قد يحكم بعدم حجية الروايات المضمرة لعدم الجزم بكون الشخص المسؤول هو الإمام عليه‌السلام.

وفي مقابل هذا يوجد رأيان : ـ

أحدهما : يقول بحجية جميع المضمرات بدعوى ان منشأ الاضمار وسبب حصول هذه الظاهرة هو ان الراوي كان يسأل الإمام عليه‌السلام بعدة اسئلة أحيانا ، وعند ما يريد نقل تلك الأسئلة يصرح في البداية باسم الإمام عليه‌السلام ويقول سألت الصادق عليه‌السلام عن كذا فاجاب بكذا ، وسألته عن كذا فاجاب بكذا ، وسألته عن ...

انه في صدر النقل صرح باسم الإمام عليه‌السلام وبعد ذلك اكتفى بارجاع الضمير إليه بلا حاجة إلى التصريح باسمه. وبعد ذلك وبسبب تقطيع الأحاديث ذكرت كل فقرة في الباب الحديثي المناسب لها كما هي ومن دون تصريح باسم الشخص المسؤول وانه الإمام عليه‌السلام.

__________________

(١) وسائل الشيعة باب ١ من أبواب نواقض الوضوء ح ١.


هكذا بدأت ظاهرة الاضمار.

وإذا اطلعنا على سبب الاضمار هذا فسوف نحكم وبدون شك بحجية جميع المضمرات لأن الشخص المسؤول في البداية ليس هو إلّا الإمام عليه‌السلام.

وهذا الرأي قابل للمناقشة باعتبار انه يتم على تقدير كون الشخص المسؤول في البداية هو الإمام عليه‌السلام ، ولكن كيف نجزم بذلك؟ اننا نحتمل كون المسؤول شخصا آخر غير الإمام عليه‌السلام.

وثانيهما : ما اختاره جملة من الأعلام ، وهو التفصيل بين ما إذا كان الشخص المضمر من أجلاء الأصحاب وكبارهم بحيث لا يليق له النقل عن غير الإمام عليه‌السلام ـ كما هو الحال في زرارة مثلا ـ وبين غيره. فعلى التقدير الأول تكون الرواية المضمرة حجة باعتبار ان المقام السامي قرينة تعيّن كون الشخص المسؤول هو الإمام عليه‌السلام ، وعلى التقدير الثاني لا تكون حجة لفقدان القرينة المذكورة.

والصحيح عندنا حجية جميع المضمرات لبيان ظريف يأتي في القسم الثاني ان شاء الله تعالى.

الخبر المرسل

الخبر المرسل هو الخبر الذي لا يذكر فيه اسم بعض رجال السند ، كما هو الحال في رواية الشيخ الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ... (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة باب ١٨ من أبواب أحكام الخلوة حديث ٤.


ان ابن أبي عمير لم يصرّح باسم الراوي الذي يروي عنه وانما عبر عنه بلفظ «عن غير واحد» ، وفي مثله تعدّ الرواية مرسلة.

وقد وقع الخلاف بين الأعلام في حجية المراسيل على أقوال متعددة نذكر من بينها ما يلي : ـ

أ ـ عدم الحجية مطلقا باعتبار عدم احراز وثاقة الواسطة المبهمة.

ب ـ التفصيل بين ما إذا كان المرسل ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي (١) فتكون الرواية حجة وبين ما إذا كان غيرهم فلا تكون حجة.

والوجه في ذلك : ان الشيخ الطوسي في العدة (٢) ذكر ان الطائفة قد عملت بمراسيل ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي باعتبار انهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة ، فاذا كان المرسل أحد هؤلاء كانت روايته حجة باعتبار انه لا يرسل إلّا عن ثقة ، وإذا كان المرسل غيره ترفض الرواية لعدم احراز وثاقة الواسطة.

ج ـ التفصيل في خصوص مراسيل الشيخ الصدوق بين ما إذا عبّر : قال

__________________

(١) هؤلاء الثلاثة هم من اعاظم اصحابنا. فابن أبي عمير قال عنه النجاشي : «جليل القدر عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين». ويقول عنه الشيخ الطوسي : «كان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وانسكهم نسكا واورعهم واعبدهم». ويمكن مراجعة ترجمته الكاملة في معجم رجال الحديث ج ١٤ ص ٢٧٩.

واما صفوان بن يحيى فقد قال عنه النجاشي : «ثقة ثقة عين». ومن الجدير مراجعة ترجمته في المعجم ج ٩ ص ١٢٣.

واما أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي فهو من اصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام كان عظيم المنزلة عنده. وقد ترجم في المعجم ح ٢ ص ٢٣١.

(٢) راجع اواخر مبحث حجية خبر الواحد من العدة.


الصادق عليه‌السلام وبين ما إذا عبّر : روي عن الصادق عليه‌السلام. والأول حجة دون الثاني ، باعتبار ان التعبير بكلمة «قال» يدل على جزم الصدوق بصدور الرواية عن الإمام عليه‌السلام وصحة سندها إذ لو لم يكن جازما بصحة الرواية فلا يجوز له نسبتها إلى الإمام عليه‌السلام بضرس قاطع. وهذا بخلافه لو عبّر بروي فانه لا يدل على الجزم بصحة النسبة فلا يكون النقل حجة.


تطبيقات

تطبيق (٤)

قال الحرّ العاملي في وسائل الشيعة في الباب ٤٢ من أبواب الوضوء حديث ١ ما نصه : «محمد بن الحسن عن المفيد عن أحمد بن محمد عن ابيه عن أحمد بن ادريس وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن حماد عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ...

ثمّ ذكر في نهاية الحديث ما نصه : «ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن ابيه وعن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز».

ان تعبير الحرّ هذا يدل على ان الرواية قد رواها كل من الشيخ الطوسي في أحد كتابيه والشيخ الكليني. وطريق أحدهما يختلف عن طريق الآخر. ولازم ذلك كفاية صحة أحدهما في الحكم بصحة الرواية ، فاذا فرض ان طريق الشيخ الطوسي كان ضعيفا من جهة فيكفينا صحة طريق الكليني.

ولتحقيق حال الطريقين نقول :

اما الطريق الأول فلا اشكال فيه إلّا من ناحية أحمد بن محمد الذي يروي عنه الشيخ المفيد لأنه أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد. وهذا الرجل هو شيخ للمفيد. وقد وصلتنا كثير من الاصول الحديثية بواسطته حيث ان الشيخ الطوسي يروي كثيرا من الاصول بواسطة استاذه المفيد ، والمفيد يرويها بواسطة الرجل


المذكور. ومع الأسف لم يرد في حقه توثيق. أجل إذا قبلنا دلالة شيخوخة الاجازة على التوثيق ثبتت بذلك وثاقته ، وإما إذا رفضنا ذلك فالطريق الأول يكون ضعيفا بسببه فقط إذ محمد بن الحسن الطوسي والشيخ المفيد غنيّان عن التعريف.

واما والد أحمد فهو محمد بن الحسن بن الوليد القمي الثقة الجليل وهو استاذ للشيخ الصدوق.

واما أحمد بن ادريس فهو أبو علي الأشعري ثقة جليل على ما ذكر النجاشي والشيخ (١). وهو شيخ للكليني ويروي عنه كثيرا.

واما سعد بن عبد الله القمي فهو الثقة الجليل على ما ذكر النجاشي والشيخ.

واما أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الثقة الجليل بقرينة سعد بن عبد الله فانه يروي كثيرا عن ابن عيسى الأشعري (٢).

واما الحسين بن سعيد ومن قبله إلى الإمام فهم ثقات أجلّة تقدمت الإشارة إليهم في التطبيقات السابقة.

وعليه فالطريق الأول قابل للتأمل من ناحية أحمد بن محمد بن الحسن ابن الوليد بناء على عدم كفاية شيخوخة الاجازة في ثبوت الوثاقة.

والذي يهون الخطب صحة الطريق الثاني.

ذلك ان الطريق الثاني يرجع في حقيقته إلى طريقين وبالشكل التالي : ـ

__________________

(١) راجع معجم رجال الحديث ٢ : ٤١.

(٢) وقد مرت الاشارة إليه في التطبيق (١).


أ ـ الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن حمّاد عن حريز.

ب ـ الكليني عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان عن حمّاد عن حريز.

وكلمة «جميعا» الواردة في طريق الكليني تعني ان إبراهيم والفضل كليهما يرويان الحديث عن حمّاد ، فكلمة «جميعا» ـ كلاهما.

ثم ان طريق «أ» صحيح لوثاقة جميع رواته إذ علي بن إبراهيم هو صاحب التفسير المعروف ومن الثقات الأجلّة. وقد روى عنه الكليني ما يقرب من ثلث أحاديث الكافي.

واما إبراهيم فيمكن توثيقه لبيان يأتي في القسم الثاني من الكتاب ان شاء الله تعالى.

واما حمّاد وحريز فقد تقدم في التطبيقات السابقة انهما ثقتان.

ومادام طريق «أ» صحيحا فلا حاجة إلى ملاحظة طرق «ب» وتثبت بذلك صحة الرواية.


تمرينات

س ١ : ما هي الأقسام الأربعة للحديث؟ اذكرها مع ايضاح معناها.

س ٢ : لماذا شجب الاخباريون التقسيم الرباعي للحديث؟

س ٣ : قيل بان الخبر الصحيح يسقط عن الحجية بمخالفته للشهرة الفتوائية. أوضح المقصود من ذلك.

س ٤ : كيف نوجّه سقوط الخبر الصحيح عن الحجية بمخالفة المشهور له؟

س ٥ : بناء على سقوط الخبر الصحيح عن الحجية بمخالفة المشهور له تبقى المشكلة في انه كيف نحرز ... أكمل ما هو المناسب.

س ٦ : ما الفرق بين خبر الثقة وخبر العادل؟ والمعروف حجية أي واحد منهما؟

س ٧ : كيف نستدل على حجية خبر الثقة وعدم اشتراط العدالة؟

س ٨ : إذا قيل بان السيرة العقلائية المدعاة على العمل بخبر الثقة لا يمكن الاستدلال بها على حجيته باعتبار الردع عنها بأيه النبأ فكيف ندفع ذلك؟

س ٩ : لماذا نحتاج في التمسك بالسيرة العقلائية إلى اثبات عدم ردع الشارع عنها؟

س ١٠ : ما الفرق بين خبر الثقة والخبر الموثوق به؟

س ١١ : إذا قيل باعتبار افادة الخبر للوثوق في ثبوت الحجية له فكيف


يستدل على ذلك؟

س ١٢ : كيف نستدل على عدم اعتبار الوثوق في حجية الخبر؟

س ١٣ : من هو القائل بحجية الخبر الحسن؟

س ١٤ : كيف يمكن الاستدلال على حجية الخبر الحسن؟

س ١٥ : المعروف عدم حجية الخبر الضعيف. ما هي النكتة في ذلك؟

س ١٦ : قيل بحجية الخبر الضعيف في حالة معينة. اذكر تلك الحالة.

س ١٧ : كيف نستدل على حجية الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة الفتوائية؟

س ١٨ : بناء على قبول كبرى الانجبار تبقى المشكلة في ... أكمل ما هو المناسب.

س ١٩ : ما هو الخبر المضمر؟

س ٢٠ : اذكر مثالا للخبر المضمر.

س ٢١ : قد يقال بادئ ذي بدء بعدم حجية المضمرات. ما هو الوجه في ذلك.

س ٢٢ : قيل بحجية جميع المضمرات. اذكر توجيه ذلك.

س ٢٣ : فصّل المشهور في حجية المضمرات. اذكر ذلك التفصيل مع توجيهه.

س ٢٤ : ما هو الخبر المرسل؟ اذكر مثالا له.


س ٢٥ : هناك أقوال ثلاثة في حجية المراسيل. اذكرها.

س ٢٦ : كيف نوجّه القول الأول في حجية المراسيل؟

س ٢٧ : كيف نوجّه القول الثاني في حجية المراسيل؟

س ٢٨ : كيف نوجّه القول الثالث؟



الفصل الثالث

نظرات في بعض كتب الحديث



قبل ان نتحدث عن كتبنا الحديثية نشير إلى الدعوى المنسوبة إلى الاخباريين والتي تقول بصحة كل ما هو موجود في كتبنا الأربعة ، أي الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار.

ان كل ما هو مودع في تلك الكتب صحيح ولا حاجة إلى اعمال تدقيقات سندية فيه.

ويستند اصحاب هذه الدعوى تارة إلى بعض العبائر الواردة في مقدمة كل واحد من تلك الكتب.

وهذه الدعوى يأتي ايضاحها ان شاء الله تعالى عند التعرض إلى تلك الكتب.

واخرى إلى بعض الوجوه التي تعم جميع الكتب الأربعة بدون اختصاص ببعضها ، من قبيل الوجوه التي تمسك بها صاحب الوسائل في بعض الفوائد التي سجلها في آخر كتابه ، فانه قدس‌سره ذكر (٢٢) وجها لاثبات ذلك.


ولعل اقواها هو الوجه الأول الذي يرجع محصله إلى ان اصحاب الأئمة عليهم‌السلام قد بذلوا جهودا واسعة في ضبط الأحاديث والحفاظ عليها إلى زمن المحمدين الثلاثة ، وقام المحمدون بدورهم بتدوين تلك الأحاديث واخراجها ضمن كتب جديدة باسم الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار.

وهذا الاهتمام الأكيد يوّلد بحسب العادة العلم بصدور الأحاديث المودعة في تلك الكتب.

وهناك عدة شواهد يمكن تقديمها لاثبات الاهتمام المذكور تأتي في القسم الثاني من الكتاب ان شاء الله تعالى.

ونحن نرفض دعوى صحة جميع أحاديث الكتب الأربعة أشد الرفض لوجوه متعددة نذكر منها : ـ

١ ـ ان الاهتمام الأكيد من قبل الأصحاب باحاديث أهل البيت عليهم‌السلام لا يولّد اليقين بصحة جميع الأحاديث التي نقلوها بل اقصى ما يوجبه هو العلم بان جميعها ليس باطلا إذ الاهتمام الأكيد لا يتلائم وبطلانها جميعا.

٢ ـ ان اصحاب الكتب الأربعة انفسهم لا قطع لهم بصحة جميع الأحاديث المودعة فيها فكيف يتوقع منّا القطع بذلك.

والذي يدل على عدم حصول القطع لهم ان الشيخ الطوسي قدس‌سره يناقش في بعض الأحاديث التي سجلها في كتابيه. وقد قمنا باستعرض بعض الشواهد في القسم الثاني من الكتاب.

٣ ـ انه بناء على قطعية جميع ما في الكتب الأربعة لا تبقى حاجة لتسجيل


الشيخ الطوسي والصدوق للمشيخة في آخر كتابهما وذكر طرقهما إلى الاصول التي نقلا منها الأحاديث بينما نجد ان الشيخ الطوسي يصرح في مشيخة التهذيب باني اذكر هذه المشيخة لتخرج أحاديث كتابي من الارسال إلى الاسناد.


نظرات في كتاب الكافي

كتاب الكافي هو للشيخ الجليل محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة ٣٢٨ ه‍. الّف كتابه الشريف خلال فترة (٢٠) سنة على ما نقل النجاشي في ترجمته.

عاش هذا الشيخ الجليل زمان الغيبة الصغرى وعاصر السفراء العظام للناحية المقدسة وهم : ـ

١ ـ أبو عمرو عثمان بن سعيد الأسدي.

٢ ـ أبو جعفر محمد بن عثمان.

٣ ـ الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي.

٤ ـ الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري.

ان الكليني عاصر هؤلاء المشايخ الكرام. وتوفي قبل وفاة السفير الرابع بسنة أو في سنة وفاته.

والكافي مركب من ثلاثة أقسام : الاصول والفروع والروضة.

اما الاصول فهو جزآن يبحث أحدهما عما يرتبط بالعقل والجهل وفضل العلم والتوحيد والمعصومين عليهم‌السلام من ابحاث. ويبحث الثاني عن مسائل الايمان والكفر والدعاء وفضل القرآن وآداب السلوك الإسلامي.


واما الفروع فهو خمسة اجزاء يتضمن الأحاديث المرتبطة باحكام الفقه من صلاة وصوم و ...

واما الروضة فتقع في جزء واحد. وتتضمن بعض مواعظ أهل البيت عليهم‌السلام وخطبهم وبعض القضايا التاريخية المرتبطة بهم.

وهناك عدة ابحاث ترتبط بكتاب الكافي نشير إلى بحثين منها ضمن النقطتين التاليتين : ـ

١ ـ قيل بانّ جميع أحاديث الكافي صحيحة ومعتبرة. واستدلّ الشيخ النوري على ذلك باربعة وجوه نذكر منها اثنين : ـ

أ ـ ان الكليني كان معاصرا للسفراء الأربعة الكرام. ومن البعيد جدا عدم عرضه لكتابه على احدهم خصوصا وان الكليني قد الّف كتابه ليكون مرجعا للشيعة على ما صرّح في المقدمة.

وعرض الكتب على احد السفراء كان امرا متعارفا.

ولا نقصد من وراء هذا تصحيح المقالة المتداولة على بعض الألسن من انه صدر من الناحية المقدسة ان الكافي كاف لشيعتنا ، ان هذا لم يثبت وانما المقصود دعوى حصول الاطمئنان بعض الكتاب على أحد السفراء الكرام.

ويمكن مناقشة ذلك بان دعوى حصول الاطمئنان صعبة فان بعض الكتب وان عرضت على السفراء الكرام ـ من قبيل كتاب الشلمفاني الذي كان مستقيم السيرة في أوائل حياته والّف كتابا باسم كتاب التكليف وانحرف آخر عمره بسبب حسده للشيخ النوبختي على تصديه للسفارة دونه وقد عرضت كتبه بعد انحرافه


على الشيخ النوبختي وقيل له كيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال : اقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سأل عن كتب بني فضال فقالوا كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات الله عليه خذوا ما رووا وذروا ما رأوا (١) ـ إلّا ان ذلك في حالة انحراف صاحب الكتاب وافتراض ان القائم بعملية العرض اشخاص آخرون غير صاحب الكتاب ، وانّى ذلك من المقام الذي يفترض فيه الكليني في قمة الاستقامة ولا داعي للغير إلى عرضه بعد افتراض استقامته.

ومع الغضّ عن هذا يمكن ان يقال ان حصول العرض مرتين أو ثلاثا لا يستلزم حصول الاطمئنان بالموجبة الكلية وان كل من ألّف كتابا فلا بدّ من عرض كتابه.

ب ـ التمسك بما ذكره الكليني في مقدمة اصول الكافي من ان البعض طلب منه تأليف كتاب يرجع إليه فاجابه بقوله : «قلت أنك تحب ان يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالاثار الصحيحة عن الصادقين عليهم‌السلام وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت ...».

انه طلب منه تأليف كتاب يحتوي على الأخبار الصحيحة ليعمل بها واجاب إلى ذلك وقال : «وقد يسّر الله ...». وهذا يدل على التزامه بان كل ما ذكره في كتابه فهو من الأخبار الصحيحة.

ويمكن مناقشة ذلك بان الخبر الصحيح في مصطلح القدماء لا يراد به الخبر

__________________

(١) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ص ٢٣٩.


الذي رواته عدول بل الخبر الذي يجب العمل به لاحتفافه بقرائن توجب العلم بحقانيته ولو في نظر الكليني ، ومن المعلوم ان الصحيح بهذا المعنى لا يستلزم كون الخبر صحيحا عندنا أيضا لاحتمال ان تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم تكن موجبة للعلم بالحقانية عندنا.

أجل لو كان المقصود من الخبر الصحيح هو المصطلح المتداول اليوم ، أي ما كان رواته عدولا امامية فشهادة الكليني باشتمال كتابه على الأخبار الصحيحة تكون شهادة بعدالة رجال سند رواياته ويثبت بذلك المطلوب ، ولكن ذلك ليس هو المقصود إذ مصطلح الخبر الصحيح بهذا المعنى حدث جديدا منذ زمن العلّامة.

٢ ـ هناك ظاهرة اختص بها الكليني في كافية وهي انه كثيرا ما يروي عن (عدّة من الأصحاب) فيقول هكذا : عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد أو يقول : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى أو عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي.

وقد يقال : ان العدة حيث لم يعرف المقصود منها وعلى من تشتمل فتسقط الرواية المنقولة بتوسط العدة عن الاعتبار.

وفي الجواب عن ذلك قد تذكر عدة وجوه نسجل منها : ـ

أ ـ ان العلّامة الحلي ذكر في آخر الخلاصة في الفائدة الثالثة نقلا عن الشيخ الكليني نفسه ان المقصود من قولي عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد ابن عيسى : محمد بن يحيى وعلي بن موسى الكمنداني وداود بن كورة وأحمد ابن ادريس وعلي بن إبراهيم. والمقصود من قولي عدة من اصحابنا عن أحمد ابن محمد بن خالد البرقي : علي بن إبراهيم و ...


انه بناء على هذا تنحل مشكلة العدة ويثبت اعتبارها لأن أحد افراد العدة مادام ثقة ـ كمحمد بن يحيى في العدة الأولى وعلي بن إبراهيم في العدة الثانية ـ فيكفي ذلك لاعتبارها.

ب ـ ان كلمة «العدة» تطلق على ثلاثة فما فوق ، ومن البعيد اجتماع ثلاثة من مشايخ الكليني على الكذب.

ج ـ ان الكليني ذكر في الحديث الأول من اصول الكافي : «اخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال حدّثني عدة من اصحابنا منهم محمد بن يحيى العطار عن ...».

ان هذه الفقرة تدل على ان أحد أفراد العدة هو محمد بن يحيى العطار وحيث انه ثقة فيثبت بذلك اعتبار العدة في هذا المورد وفي بقية الموارد لعدم اختصاص التفسير المذكور للعدة بالمورد المذكور.


نظرات في كتاب من لا يحضره الفقيه

كتاب من لا يحضره الفقيه هو للشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق.

والسيد في تأليف هذا الكتاب على ما ذكر الصدوق نفسه في المقدمة انه لما ساقه القضاء الى بلاد الغربة والتقى بالشريف أبي عبد الله محمد بن الحسن المعروف بنعمة ، طلب منه تأليف كتاب باسم كتاب من لا يحضره الفقيه كما صنّف الطبيب الرازي كتابا باسم كتاب من لا يحضره الطبيب.

وهناك نقطتان تستحقان البحث في المقام.

١ ـ هناك رأي مشهور يقول بحجية جميع أحاديث كتاب الفقيه بدون حاجة إلى التدقيق في اسانيدها. والمستند لذلك الوجهان التاليان : ـ

أ ـ ان الصدوق ذكر في مقدمة الفقيه ما نصه : «ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى ايراد ما افتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره».

ان الفقرة المذكورة صريحة في انه لا يذكر في كتابه إلّا ما يحكم بصحته ويعتقد بكونه حجة فيما بينه وبين ربه. وعليه فيلزم الاعتماد على جميع احاديث الفقيه استنادا إلى الشهادة المذكورة.

ب ـ ان للصدوق عبارة اخرى في مقدمة كتابه يقول فيها : «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع مثل كتاب حريز


ابن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي و ...».

ان احاديث الفقيه ما دامت مستخرجة من كتب مشهورة وعليها اعتماد الاصحاب فلا تبقى حاجة إلى التدقيق في سندها.

وتأتي مناقشة الوجهين المذكورين في القسم الثاني من الكتاب ان شاء الله تعالى.

٢ ـ ان كتاب الفقيه يشتمل على مراسيل كثيرة تتجاوز ثلث المجموع. ومن هنا نشأت الحاجة إلى التفكير في طريقة يمكن بها تصحيح المراسيل المذكورة.

والوجهان المتقدمان إذا تمّا فبالامكان الاستناد اليهما.

وهناك رأي تبنّاه غير واحد من الأعلام يفصّل بين ما إذا عبّر الصدوق في الارسال بكلمة «قال الصادق عليه‌السلام» وبين ما إذا عبّر بكلمة «روي عن الصادق عليه‌السلام» فالأول حجة دون الثاني.

وقد تقدم توجيه التفصيل المذكور عند البحث عن الخبر المرسل.

وستوافينا مناقشته في القسم الثاني من الكتاب ان شاء الله تعالى.


نظرات في التهذيبين

التهذيب والاستبصار كتابان للشيخ الطوسي قدس‌سره.

اما تهذيب الأحكام فهو كتاب الّفه كشرح لكتاب استاذه الشيخ المفيد المسمى بالمقنعة.

واما الاستبصار فقد الّفه بسبب تعيير جماعة من المخالفين لنا باختلاف احاديث كتبنا وتعارضها فالّف الكتاب المذكور كمحاولة لدفع التعارض الذي يبدو بين الاخبار.

وقد جاءت طريقة الشيخ في هذين الكتابين مختلفة عن طريقة الشيخ الكليني في الكافي ، فالكليني يذكر عادة تمام سند الرواية ولا يحذف قسما منه ، وهذا بخلاف الشيخ فانه نادرا ما يذكر تمام السند ، وعادة ما يبتدئ السند باسم صاحب الاصل الذي ينقل الحديث عنه. فإذا كان الحديث قد اخذه من اصل عمار بن موسى الساباطي يبتدأ السند بعمار ويقول هكذا : عمار بن موسى عن ...

اما سنده إلى عمار نفسه فلا يذكره عند نقله للحديث وإنما يذكره في المشيخة (١) ، فانه الّف كراسا اردفه بآخر التهذيب والاستبصار ذكر فيه طرقه إلى أصحاب الاصول التي نقل الأحاديث منها وسماه بالمشيخة.

__________________

(١) المشيخة جمع شيخ.


فإذا اردنا ان نعرف سنده إلى عمار رجعنا إلى المشيخة فإن كان صحيحا أخذنا بالرواية وحكمنا بحجيتها فيما إذا فرض ان السند بين عمار والامام عليه‌السلام كان صحيحا أيضا.

ان أحاديث الشيخ في كتابيه حيث انه ينقلها عادة من اصحاب الاصول ويبتدئ السند باسم صاحب الاصل فلا بدّ لاثبات صحة الحديث من اثبات أمرين :

١ ـ صحة السند بين الشيخ وصاحب الاصل.

٢ ـ صحة السند بين صاحب الأصل والإمام عليه‌السلام.

والطريق بين الشيخ وصاحب الأصل يمكن التعرف عليه من خلال مراجعة المشيخة أو الفهرست فانه في كتاب الفهرست ذكر طرقه إلى اصحاب الاصول أيضا. وعدد ما ذكره من الطرق في الفهرست أكبر مما ذكره في المشيخة لأن الفهرست قد الّفه لاستقصاء اصحاب الاصول والطرق اليهم.

ثم ان الشيخ قد يذكر في المشيخة أو في الفهرست عدة طرق إلى صاحب الأصل ولا يقتصر على طريق واحد.

وعلى ضوء هذا قد تسأل : هل لا بدّ من صحة جميع تلك الطريق أو يكفي صحة احدها؟

ينبغي ان يكون من الواضحات كفاية صحة احدها ولا موجب لاعتبار صحتها جميعا.

والنكتة في ذلك واضحة لان صحة الرواية لا تتوقف على صحة جميع طرقها بل يكفي لذلك صحة طريق واحد منها.


تمرينات

س ١ : للاخباريين رأي في اخبار الكتب الاربعة. اذكر ذلك الرأي؟.

س ٢ : يستدل على صحة جميع اخبار الكتب الاربعة بوجهين. ما هما الوجهان؟

س ٣ : اذكر الوجه الأول الذي تمسك به الحرّ العاملي على حجية كل ما في الكتب الاربعة.

س ٤ : تعرض صاحب الوسائل إلى مسأله حجية كل ما في الكتب الاربعة.

كم وجها تمسك به وما هو اقواها؟

س ٥ : هناك عدة وجوه لرفض حجية كل ما في الكتب الاربعة. اذكر الوجه الأول.

س ٦ : اذكر الوجه الثاني لذلك.

س ٧ : اذكر الوجه الثالث لذلك.

س ٨ : في أي فترة عاش الشيخ الكليني؟

س ٩ : من هم السفراء الاربعة الكرام؟ وما المقصود من السفارة؟

س ١٠ : اذكر تركيبة الكافي.

س ١١ : للشيخ النوري رأي في احاديث الكافي واستدل عليه باربعة


وجوه. ما هو ذلك الرأي؟

س ١٢ : اذكر أحد الوجوه التي تمسك بها النوري لاثبات صحة جميع أحاديث الكافي.

س ١٣ : كيف تناقش ذلك الوجه؟

س ١٤ : اذكر وجها ثانيا من الوجوه الأربعة التي تمسك بها الشيخ النوري.

س ١٥ : كيف تناقش ذلك الوجه؟

س ١٦ : هناك ظاهرة اختص بها الكليني في الرواية عن العدة. ما المقصود من ذلك؟

س ١٧ : اذكر التفسير الأول للعدة.

س ١٨ : اذكر التفسير الثاني للعدة.

س ١٩ : اذكر التفسير الثالث.

س ٢٠ : ما اسم الكتاب الحديثيّ الذي الّفه الشيخ الصدوق؟ واوضح وجه التسمية.

س ٢١ : هناك رأي مشهور يرتبط باحاديث كتاب من لا يحضره الفقيه. ما هو ذلك الرأي؟

س ٢٢ : اذكر الوجه الأول لاثبات حجية أحاديث الفقيه.

س ٢٣ : اذكر الوجه الثاني لذلك.


س ٢٤ : ان كتاب الفقيه يشتمل ... تتجاوز ثلث المجموع. اكمل ما هو المناسب. واوضح المقصود من ذلك.

س ٢٥ : ما هو السبب للتفكير في طريقة يمكن بها تصحيح مراسيل الفقيه.

س ٢٦ : إلى م يمكن الاستناد لتصحيح مراسيل الفقيه؟

س ٢٧ : هناك رأي يفصّل في حجية مراسيل الصدوق. اذكر ذلك التفصيل.

س ٢٨ : تهذيب الأحكام كتاب الّفه الشيخ الطوسي ل ...

س ٢٩ : ما هو الغرض من تأليف الاستبصار؟

س ٣٠ : ما الفرق بين طريقة الشيخ الطوسي وطريقة الشيخ الكليني عند ذكر الأحاديث؟

س ٣١ : ما المقصود من المشيخة؟ وما هو السبب في تأليفها؟

س ٣٢ : إذا أردنا التعرف على طريق الشيخ إلى صاحب الأصل الذي ينقل عنه فما ذا نفعل؟

س ٣٣ : للتعرف على طريق الشيخ إلى صاحب الأصل نتخير بالرجوع اما إلى ... أو إلى ...

س ٣٤ : هناك مائز بين الطرق المذكورة في المشيخة والطرق المذكورة في الفهرست. اذكر ذلك المائز.

س ٣٥ : إذا وجدنا الطريق في المشيخة ضعيفا فما ذا نفعل؟


س ٣٦ : إذا ذكر الشيخ عدة طرق في المشيخة فهل يلزم صحتها جميعا ولماذا؟

س ٣٧ : إذا اردنا الأخذ برواية ذكرها الشيخ في أحد كتابيه فلا بد من اثبات أمرين. اذكرهما. واوضح النكتة في لزوم ذنيك الأمرين.

س ٣٨ : ما رأيك في سند الحديث (١) المذكور في وسائل الشيعة باب ٣ من أبواب مقدمة العبادات؟ ادعم جوابك بالدليل.


الفصل الرابع

نظرات في بعض كتبنا الرجالية


بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسّلام على

اشرف الخلق محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين


١ ـ رجال الكشّي

رجال الكشّي هو للشيخ الجليل محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي المكنى بابي عمرو.

كان هذا الشيخ الجليل معاصرا للشيخ الكليني ويعدّ في طبقته.

وقد قيل في حقه : ثقة عين بصير بالأخبار وبالرجال غير انه يروي عن الضعفاء.

كان هذا الشيخ الجليل من تلامذة محمد بن مسعود العياشي وتخرج عليه في داره التي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم.

قام هذا الشيخ الجليل بتأليف كتاب يتضمن ذكر الروايات المادحة أو الذامة للرواة فهو لم يذكر عادة ان هذا ثقة أو ضعيف وانما يذكر اسم الراوي أولا ثم يذكر ما ورد في شأنه من روايات. وهو على هذا لا يذكر جميع الرواة وانما يذكر خصوص من ورد في شأنه بعض الروايات. وقد قيل ان عدد الرواة الذين ذكرهم يبلغ (٥٢٠) شخصا.


وقد قيل ان رجال الكشي الأصلي ـ المسمى بمعرفة الرجال ـ غير ما هو المتداول في الأيدي اليوم فان الكتاب الأصلي كان يشتمل على كثير من الأخطاء وعمد إليه الشيخ الطوسي وهذّبه من تلك الأغلاط ، ولذلك يعرف الكتاب المتداول اليوم باختيار معرفة الرجال ، أي ما اختاره الشيخ الطوسي من كتاب معرفة الرجال.

ويمكن ان يقال في حق هذا الكتاب : انه حيث لا يتصدى عادة لتوثيق الرواة وتضعيفهم بل يذكر الروايات المرتبطة بشأنهم لا يأتي في درجة رجال النجاشي أو فهرست الشيخ بل يأتي في مرحلة متأخرة عنهما.

٢ ، ٣ ـ رجال الشيخ وفهرسته

للشيخ الطوسي قدس‌سره كتابان في هذا المجال.

أ ـ كتابه الرجالي المعروف برجال الشيخ الطوسي. وفي هذا الكتاب لا يتصدى عادة لتوثيق الرواة أو تضعيفهم ، ولئن حصل ذلك منه احيانا فهو نادر. وانما قام فيه بذكر أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واصحاب كل امام من ائمة أهل البيت عليهم‌السلام ؛ فهو يذكر أولا اسماء أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ثم أصحاب بقية الأئمة عليهم‌السلام. وفي النهاية ذكر فهرستا باسماء من لم يرو عنهم عليهم‌السلام.

وعلى هذا تظهر فائدة الكتاب المذكور في التعرف على طبقة الراوي وانه يعيش في أي مرحلة زمنية ومن اصحاب أي امام.

وهناك ظاهرتان ترتبطان بالكتاب المذكور.

الأولى : انه يذكر اسماء بعض الرواة مرتين ، فالقاسم بن محمد الجوهري


مثلا ذكره مرة في أصحاب الصادق عليه‌السلام واخرى في باب من لم يرو عنهم. وتكرر ذلك منه في رواة آخرين.

وهذا يشتمل على تهافت واضح فان الشخص إذا كان من أصحاب الصادق عليه‌السلام وممن يروي عنه فكيف يذكر في باب الأشخاص الذين لم يرووا عنهم ، ان لازم ذلك اجتماع المتنافين وكون الشخص الواحد راويا عنهم وليس براو عنهم.

وتأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ في القسم الثاني من الكتاب الوجوه التي ذكرت لدفع التهافت المذكور.

الثانية : تكرر من الشيخ في باب اصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام التعبير بكلمة «اسند عنه» فهو حينما يذكر محمد بن مسلم مثلا في أصحاب الصادق عليه‌السلام يقول : «اسند عنه». وهذه ظاهرة اختص بها الشيخ قدس‌سره. وقد وقع الكلام في المقصود منها. وذكرت في هذا المجال عدة احتمالات نشير لها في القسم الثاني من الكتاب ان شاء الله تعالى.

ب ـ الفهرست. وهو كتاب ألّفه لاستقصاء اصحاب الكتب والاصول من اصحابنا ، فهو لا يذكر كل راو بل خصوص من له كتاب. وبعد ذكر اسم الراوي وذكر كتابه يأخذ ببيان طريقة إلى ذلك الكتاب.

ولم يلتزم عملا بتوثيق كل راو يذكره أو تضعيفه وانما حصل ذلك منه في بعض المواضع وليس على سبيل الطابع العام.


٤ ـ رجال النجاشي

رجال النجاشي هو للشيخ الجليل أحمد بن علي بن العباس النجاشي. وكنيته أبو العباس.

كان هذا الشيخ الجليل معاصرا للشيخ الطوسي ويشترك معه في الحضور على شيخ واحد وهو الحسين بن عبيد الله الغضائري.

وقد ألّف هذا الشيخ كتابه لجمع أصحاب الكتب فقط فهو ـ كفهرست الشيخ الطوسي ـ لا يذكر إلّا من له كتاب من خصوص اصحابنا.

ويمتاز هذا الكتاب عن فهرست الشيخ الطوسي بكون الطابع العام فيه توثيق أو تضعيف من يتعرض إلى ذكر اسمه.

والسبب في تأليف النجاشي لكتابه هذا تعيير جماعة من المخالفين للشيعة بانه لا سلف لهم ولا مصنف.


تمرينات

س ١ : من هو مؤلف رجال الكشي؟

س ٢ : يعدّ الشيخ الكشي معاصرا ل ...

س ٣ : قيل في حق الكشي : ...

س ٤ : تخرج الكشي على يد ...

س ٥ : ما هي طريقة الكشي في كتابه؟

س ٦ : لماذا سمي كتاب الكشي باختيار معرفة الرجال؟

س ٧ : للشيخ الطوسي كتابان. ما هما؟

س ٨ : ما هي طريقة الشيخ في رجاله وهل تمتاز عن طريقته في الفهرست؟

س ٩ : هناك ظاهرتان ترتبطان برجال الشيخ. أوضح الظاهرة الأولى.

س ١٠ : أوضح الظاهرة الثانية.

س ١١ : هل هناك نقطة امتياز بين فهرست الشيخ الطوسي ورجال النجاشي؟

س ١٢ : ما اسم المؤلف لرجال النجاشي؟

س ١٣ : كان النجاشي معاصرا ...


س ١٤ : ما هو السبب في تأليف النجاشي لكتابه؟

س ١٥ : هل يتعرض فهرست الشيخ ورجال النجاشي للرواة من غير الشيعة؟

س ١٦ : قال الحرّ في حديث ٤ من الباب ٢ من أبواب صلاة الجماعة ما نصه : «قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقوم : لتحضرن المسجد أو لاحرقن عليكم منازلكم». أوضح فاعل «قال» الأولى. وعلى أي رأي يمكن تصحيح سند الحديث المذكور؟

هذا آخر ما أردنا التعرض له في القسم الأول من كتابنا. وكان الفراغ منه

يوم المبعث النبوي ٢٧ / رجب المرجب / ١٤١٦ ه‍ في مدينة قم المقدسة بقلم من يرجو تجاوز الكريم عن ذنوبه.

باقر الأيرواني


الفهرست

تقديم....................................................................... ٥

المدخل................................................................... ١١

التطبيق العملي............................................................ ١٣

تطبيق (١)............................................................... ١٣

توهم خاطئ.............................................................. ١٥

منهجية أبحاثنا.............................................................. ١٧

الفصل الأول

النقطة الأولى : طرق اثبات وثاقة الراوي...................................... ٢١

١ ـ شهادة المعصوم عليه‌السلام................................................... ٢١

٢ ـ شهادة أحد الأعلام بالوثاقة............................................. ٢٢


٣ ـ الاجماع على الوثاقة.................................................... ٢٣

٤ ـ الوكالة عن الإمام عليه‌السلام................................................. ٢٣

٥ ـ رواية الثقة............................................................ ٢٤

٦ ـ شيخوخة الاجازة....................................................... ٢٥

تطبيقات / تطبيق (٢)..................................................... ٢٧

تمرينات.................................................................. ٣١

النقطة الثانية : التوثيقات العامة.............................................. ٣٣

١ ـ توثيق رواة تفسير القمي................................................. ٣٣

٢ ـ رواة كامل الزيارة....................................................... ٣٥

٣ ـ مشايخ النجاشي....................................................... ٣٦

٤ ـ وقوع بني فضال في السند............................................... ٣٦

٥ ـ رواية أحد الثلاثة...................................................... ٣٧

توثيقات عامة أخرى......................................................... ٣٨

النقطة الثالثة : مدرك حجية قول الرجالي...................................... ٣٩

تطبيقات / تطبيق (٣)..................................................... ٤١

تمرينات.................................................................. ٤٣


الفصل الثاني

البحث عن أقسام الحديث.................................................. ٤٥

الشهرة على خلاف الخبر الصحيح.......................................... ٤٨

خبر الثقة أو العادل....................................................... ٤٩

خبر الثقة أو الموثوق به..................................................... ٥٠

الخبر الحسن.............................................................. ٥٠

الخبر الضعيف............................................................ ٥١

الخبر المضمر.............................................................. ٥٢

الخبر المرسل............................................................... ٥٣

تطبيقات / تطبيق (٤)..................................................... ٥٦

تمرينات.................................................................. ٥٩

الفصل الثالث

نظرات في بعض كتب الحديث.............................................. ٦٣

نظرات في كتاب الكافي.................................................... ٦٨

نظرات في كتاب من لا يحضره الفقيه......................................... ٧٣

نظرات في التهذيبين....................................................... ٧٥

تمرينات.................................................................. ٧٧


الفصل الرابع

نظرات في بعض كتبنا الرجالية................................................ ٨١

١ ـ رجال الكشي......................................................... ٨٣

٢ ، ٣ ـ رجال الشيخ وفهرسته.............................................. ٨٤

رجال النجاشي........................................................... ٨٦

تمرينات.................................................................. ٨٧

الفهرست................................................................ ٨٩


دروس تمهيدية

في

القواعد الرجالية

القسم الثاني

بقلم

باقر الأيرواني



الفصل الثاني

البحث عن أقسام الحديث



المدخل

إذا أراد الفقيه استنباط حكم معين رجع إلى مصادر التشريع الأربعة ، فإذا ما أراد التعرف على حكم الرياء مثلا رجع إلى وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب مقدمة العبادات فانه يجد الحر العاملي ينقل حديثا بالشكل الثاني : «أحمد ابن محمد بن خالد البرقي في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يقول الله عزوجل انا خير شريك فمن عمل لي ولغيري فهو لمن عمله غيري».

ودلالة الرواية الشريفة على بطلان العمل المرآى به وان كانت واضحة إلّا انه هل يجوز الأخذ بكل رواية أو لا يجوز ذلك إلّا تحت ظل شروط معينة (١).

__________________

(١) طبيعي استنباط الحكم من رواية يحتاج إلى امور ثلاثة : ثبوت الظهور وحجيته وحجية السند كما تقدم في القسم الأول من الكتاب.


وقد اختلفت الأجوبة عن هذا التساؤل. ونحن نذكر بعضها : ـ

الآراء في مسألة حجية الخبر

١ ـ ان الرواية إذا كانت متواترة أو محفوفة بقرينة قطعية جاز العمل بها وإلّا فلا. وهذا الرأي منسوب إلى السيد المرتضى وجماعة آخرين.

٢ ـ ان الرواية إذا كان قد عمل بها المشهور فهي حجة حتى ولو كانت ضعيفة السند يرويها غير الثقات ، وإذا لم يعمل بها المشهور فهي ليست حجة حتى ولو كانت صحيحة السند يرويها الثقات. وهذا الرأي منسوب إلى المحقق الحلي.

٣ ـ ان الرواية إذا كانت موجودة في الكتب الأربعة (١) أخذ بها بلا تأمل في سندها باعتبار ان جميع ما في الكتب الأربعة قطعي الصدور عن الأئمة عليهم‌السلام. وهذا الرأي منسوب إلى بعض الاخباريين.

٤ ـ ان الرواية إذا كانت موجودة في الكتب الأربعة اخذ بها بلا تأمل في سندها لا لأن جميع ما في الكتب الأربعة مقطوع الصدور بل لأن جميع ما فيها معتبر ومقطوع الحجية. ولعل هذا الرأي هو المعروف بين الاخباريين ، بل ولربما يظهر اختياره من بعض الاصوليين ، فالسيد الخوئي ينقل عن إستاذه الشيخ

__________________

(١) أي الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني والاستبصار وتهذيب الأحكام لمحمد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي وكتاب من لا يحضره الفقيه لمحمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي.


النائيني قدس‌سرهما انه كان يقول في مجلس درسه «المناقشة في اسناد روايات الكافي حرفة العاجز» (١).

٥ ـ ان رجال سند الرواية إذا كانوا عدولا فهي حجة وإذا لم يكونوا عدولا فهي ليست حجة حتى لو كانوا ثقات. وهذا الرأي منسوب إلى صاحب المدارك ، ولربما يظهر من بعض كلمات العلّامة الحلي أيضا.

٦ ـ ان رجال سند الرواية إذا كانوا ثقات فهي حجة حتى ولو لم يكونوا عدولا وإذا لم يكونوا ثقات فهي ليست حجة. وهذا الرأي هو المعروف بين المتأخرين من أعلامنا.

أجل هناك اختلاف بين أصحاب هذا الرأي في ان رجال سند الرواية إذا لم يكونوا ثقات بيد ان المشهور قد عمل بها فهل عملهم بها يجبر ضعفها السندي أو لا؟

والمعروف بين الأعلام في الفترة المتقدمة على عصر السيد الخوئي هو التسليم بكبرى الانجبار بينما صار المعروف من عصره انكار ذلك.

تحقيق ما هو الصحيح

وقد تكفل مبحث حجية الخبر من علم الاصول تحقيق حال هذه الأقوال وبيان ما هو الصحيح منها بعد استعراض ادلتها.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٨٧.


وعلى سبيل الاجمال نقول : ان الصحيح من هذه الأقوال هو القول الأخير ، أي ان الحجة هو خبر الثقة لانعقاد سيرة العقلاء على العمل باخبار الثقات وعدم ردع من قبل الشارع عن ذلك فيستكشف الامضاء.

الحاجة إلى علم الرجال

هناك اختلاف بين الاعلام في أن علم الرجال والرجوع إلى كلمات النجاشي والشيخ الطوسي لتمييز ان هذا ثقة وذاك ضعيف هل هو قضية ضرورية يحتاج الفقيه إليها حاجة ماسة أو ان ذلك قضية يمكن الاستغناء عنها؟

اختار البعض عدم الحاجة إلى علم الرجال بل لربما مال بعض آخر إلى تحريمه بدعوى ان فيه كشفا لعورات المؤمنين وان هذا ضعيف لا يؤخذ بحديثه وذاك كذّاب.

ويمكن ربط هذا الاختلاف في الحاجة إلى علم الرجال وعدمها بالأقوال المتقدمة ، فإذا بني مثلا على ان الخبر إذا عمل به المشهور فهو حجة حتى ولو لم يكن رواته ثقات فلا حاجة بناء على ذلك إلى علم الرجال إذ المدار على عمل المشهور وليس على وثاقة الراوي ليحتاج إلى تشخيص الوثاقة.

كما وان الحاجة إلى علم الرجال تضعف وان لم تنعدم بشكل كلي فيما إذا بني على كبرى انجبار ضعف السند بعمل المشهور ، إذ بناء على هذا الرأي لا تبقى حاجة إلى البحث عن وثاقة الرواة ما دمنا قد فرضنا عمل المشهور بالرواية ، وانما تبقى الحاجة إلى ذلك منحصرة في حدد الخبر الذي لم يعمل به المشهور.


وحيث ان الصحيح عندنا حسبما تقدم هو حجية خبر الثقة وعدم كفاية الانجبار إذا لم يبلغ إلى المستوى المورث للاطمئنان بالصدق فتكون الحاجة إلى علم الرجال ثابتة وبشكل ماس.

ودعوى : ان ذلك محرم وفيه كشف لعورات المؤمنين.

مدفوعة : بان ذلك ما دام لغرض أهم ـ وهو تشخيص رواية الثقة وتمييزها عن غيرها ـ فهو مما لا محذور فيه ، كما هو الحال في باب القضاء ، فان جرح الشهود وبيان فسقهم أمر جائز بالاتفاق من باب توقف أمر أهم عليه.

عود على بدء

ذكرنا فيما سبق الرواية التي ينقلها صاحب الوسائل بالشكل التالي : أحمد ابن محمد بن خالد البرقي في المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...».

وإذا أردنا التعرف على ان سند الرواية المذكورة معتبر أو لا فعلينا ملاحظة أمرين : ـ

أ ـ ملاحظة السند بين البرقي والإمام عليه‌السلام ، فإذا ثبت وثاقة جميع أفراد السند فلا مشكلة من هذه الناحية.

أما كيف نثبت وثاقة أفراد السند المذكور؟ يمكن ذلك من خلال تطبيق أحد طرق اثبات الوثاقة التي سنشير إليها بعد قليل.

ب ـ ملاحظة السند بين الحر العاملي والبرقي فانهما ليسا متعاصرين بل


يوجد فاصل زمني كبير بينهما ، فإذا ثبتت وثاقة جميع أفراد السند المذكور فلا مشكلة من هذه الناحية أيضا.

اما كيف نعرف سند الحر إلى البرقي أو بتعبير آخر كيف نعرف اسماء الرواة الذين يروي عنهم الحر كتاب البرقي؟

يمكن ذلك بالبيان التالي : ان للشيخ الطوسي طريقا إلى كتاب محاسن البرقي اشار له في كتابه الفهرست في ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي. وصاحب الوسائل له طرق إلى جميع الكتب التي رواها الشيخ الطوسي ، وقد سجّل تلك الطرق في آخر الوسائل. فاذا ضممنا هذا إلى ذاك فسوف يثبت لنا طريق للحر إلى البرقي.


تمرينات

س ١ : إذا أراد الفقيه استنباط حكم من رواية احتاج إلى اثبات ثلاثة أمور.

اذكرها مع بيان نكتة الحاجة إلى كل واحد منها.

س ٢ : الخبر اما متواتر أو واحد. ما الفرق بينهما؟ وايهما الذي اتفق على حجيته؟

س ٣ : ما هو رأي السيد المرتضى في باب حجية الخبر؟

س ٤ : اذكر رأي المحقق الحلي في باب حجية الخبر.

س ٥ : اذكر الرأي المنسوب إلى الاخباريين في باب الأخبار.

س ٦ : ما هو رأي صاحب المدارك في باب الاخبار.

س ٧ : ما هو الرأي المعروف بين المتأخرين في باب حجية الخبر؟

س ٨ : ما المقصود بكبرى انجبار ضعف السند بالشهرة؟

س ٩ : ما هو رأي الشيخ النائيني في أحاديث كتاب الكافي؟

س ١٠ : كيف نستدل على رأي المتأخرين في باب حجية الخبر؟

س ١١ : هل هناك حاجة إلى علم الرجال؟

س ١٢ : لماذا حرّم بعض علم الرجال؟ وكيف ندفع ذلك؟


س ١٣ : يمكن ربط الحاجة إلى علم الرجال بالأقوال في مسألة حجية الخبر. أوضح ذلك.

س ١٤ : إذا أردنا التعرف على سند رواية وهل هو صحيح أو لا فما هي الطريقة التي يلزم اتباعها؟

س ١٥ : ذكر صاحب الوسائل في الباب ٣ من أبواب مقدمة العبادات رقم ١ حديثا يرتبط ببيان أهمية العقل ودوره في ثبوت التكليف. هل سند الحديث المذكور صحيح؟ أوضح ذلك.

س ١٦ : هل بالامكان التقليد في المباني الرجالية؟ ولماذا؟


منهجة أبحاثنا

وبعد اتضاح المقدمة السابقة نأخذ بمنهجة المباحث التي سنتعرض لها ضمن فصول أربعة : ـ

* الفصل الأول : البحث عما يرتبط بالتوثيق.

* الفصل الثاني : البحث عن أقسام الحديث.

* الفصل الثالث : نظرات بعض كتب الحديث.

* الفصل الرابع : نظرات في بعض الكتب الرجالية.


[الفصل الاول

البحث عما يرتبط بالتوثيق]


الفصل الأول

وحديثنا عن الفصل الأول يقع ضمن نقاط ثلاث : ـ

* النقطة الأولى : البحث عن طرق اثبات وثاقة الراوي.

* النقطة الثانية : البحث عن التوثيقات العامة.

* النقطة الثالثة : البحث عن مدرك حجية قول الرجالي.


قسم الحديث (١) إلى أربعة أقسام : ـ

١ ـ الصحيح : وهو ما كان جميع رواته عدولا امامية.

٢ ـ الموثق : وهو ما كان رواته كلهم أو بعضهم من غير الإمامية ولكنهم وثقوا.

٣ ـ الحسن : وهو ما كان رواته كلهم أو بعضهم من الإمامية ولكنهم لم يعدلوا بل مدحوا فقط.

٤ ـ الضعيف : وهو ما لم يكن واحدا من الأقسام الثلاثة ، بان كان رواته مجهولين أو قد ضعفوا.

وقد شجب الاخباريون هذا التقسيم الرباعي وانكروا على أول من نسب

__________________

(١) نلفت النظر إلى ان الخبر إذا كان متواترا أو محفوفا بقرائن تورث العلم بحقانيته فلا إشكال في حجيته وقبوله وانما الكلام في غير هذين القسمين. وما سنذكره من تقسيم ناظر إلى غيرهما.


النقطة الأولى

طرق اثبات وثاقة الراوي

وفي مجال بحثنا عن النقطة الأولى نقول : ذكرت عدة طرق لاثبات وثاقة الراوي (١) انهاها الوحيد البهبهاني إلى تسع وثلاثين طريقا ، نتعرض إلى المهم منها وهو : ـ

١ ـ نص احد المعصومين عليهم‌السلام

إذا نص المعصوم عليه‌السلام على وثاقة راو معين فلا اشكال في ثبوت الوثاقة بذلك.

وقد جمع الكشي في كتابه المعروف كثيرا من الروايات الواردة في حق الرواة ، بل ان كتابه المذكور ليس إلّا جمعا لتلك الروايات.

__________________

(١) سيتضح ان بعضها غير تام الطريقية كالثالث والسادس والثامن.


مثال ذلك : ما ذكره ـ الكشي ـ في ترجمة محمد بن سنان تحت رقم ٩٦٥ بسنده المنتهي إلى محمد بن اسماعيل بن بزيع : ان أبا جعفر عليه‌السلام كان يلعن صفوان ابن يحيى ومحمد بن سنان ، فقال انهما خالفا أمري. قال فلما كان من قابل قال أبو جعفر عليه‌السلام لمحمد بن سهل البحراني تولّ صفوان بن يحيى ومحمد بن سنان فقد رضيت عنهما.

ان رضا الإمام عليه‌السلام عن صفوان ومحمد بن سنان قد يفهم منه الفقيه توثيق الشخصين المذكورين كما هو ليس ببعيد.

وينبغي الالتفات إلى ان الرواية التي تدل على توثيق شخص لا بدّ وان لا يكون الراوي لها عن المعصوم عليه‌السلام نفس الشخص الذي يراد اثبات وثاقته وإلا كان ذلك أشبه بالدور.

مثال ذلك : ما ذكره الكشي في كتابه تحت رقم ٧٥٨ في ترجمة علي بن أبي حمزة البطائني ـ الذي وقع الاختلاف الشديد في وثاقته ـ من ان أبا الحسن عليه‌السلام قال له : قد سألت الله ان يغفر لك.

ان الرواية المذكورة لا يمكن الاستناد إليها في اثبات وثاقة البطائني لأن الراوي لها عن الإمام عليه‌السلام هو نفسه.

ومن الغريب ما ذهب إليه بعض الأعلام من كفاية مثل ذلك في اثبات التوثيق اما بدعوى ان الشيعي لا يكذب على إمامه ولا ينسب له رواية كاذبة أو بدعوى ان مثل الرواية المذكورة تفيد الظن بالوثاقة ، والظن حجة في باب التوثيقات.


وممن يظهر منه تبني هذا المسلك المحدث النوري في ترجمة عمران ابن عبد الله القمي ، فانه قال ما لفظه : «روى الكشي خبرين فيهما مدح عظيم لا يضر ضعف سندهما بعد حصول الظن منهما» (١).

ويرد على الدعوى الأولى ان الإمامي غير الملتزم بخط الشريعة لا مانع له من الكذب على إمامه ، واقصى ما يحصل هو الظن بعدم صدور الكذب منه ، ومطلق الظن ليس حجة.

كما ويرد على الدعوى الثانية ان اثبات حجية الظن في باب التوثيقات يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود.

٢ ـ نص بعض الرجاليين المتقدمين

الرجالي الذي يقوم بالتوثيق والتضعيف تارة يكون من المتقدمين كالنجاشي والشيخ الطوسي وأخرى يكون من المتأخرين كالعلّامة وابن طاووس.

والذي يراد الإشارة له الآن هو نص بعض الرجاليين المتقدمين على وثاقة شخص ، واما نص بعض المتأخرين فتأتي الإشارة له فيما بعد ان شاء الله تعالى.

والوجه في حجية توثيق المتقدمين ـ على ما قيل ـ هو ان مثل النجاشي ثقة ، وحيث ان خبر الثقة حجة بالسيرة العقلائية الممضاة من قبل الشارع بسبب عدم الردع فتثبت حجية توثيق مثل النجاشي.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٣٩.


والإخبار عن الوثاقة وان كان إخبارا عن موضوع من الموضوعات (١) وليس اخبارا عن حكم شرعي إلّا ان دليل حجية خبر الثقة ـ وهو السيرة العقلائية ـ عام للإخبار عن الموضوع أيضا خلافا لبعض حيث اختار اختصاص الحجية بما إذا كان الإخبار عن حكم.

لا يقال : إن خبر الثقة وان كان حجة بالسيرة العقلائية إلّا ان ذلك فيما إذا كان الإخبار اخبارا عن حس دون ما إذا كان عن حدس واجتهاد ، ومن الواضح ان النجاشي حينما يوثّق زرارة مثلا فحيث انه ليس معاصرا له كان اخباره عن وثاقته إخبارا عن حدس لا عن حس.

فانه يقال : إن النجاشي وان لم يكن معاصرا لزرارة إلّا ان إخباره عن وثاقته يحتمل كونه إخبارا عن حس ، ومع احتمال كونه عن حس يلزم البناء على ذلك ـ أي كونه اخبارا عن حس ـ لإصالة الحس العقلائية عند دوران الإخبار بين كونه عن حس أو عن حدس.

اذن لنا دعويان لا بدّ من اثباتهما : ـ

احداهما : ان إخبار النجاشي عن وثاقة زرارة يحتمل كونه عن حس.

ثانيتهما : لا بدّ من البناء على الحس عند الدوران بينه وبين الحدس.

اما بالنسبة إلى الدعوى الأولى فيمكن ان يقال في اثباتها ان مجرد عدم

__________________

(١) فان وثاقة الراوي موضوع للحكم بوجوب تصديقه شرعا ، فالحكم الشرعي هو وجوب التصديق ، والوثاقة موضوع له.


المعاصرة الزمنية بين زرارة والنجاشي لا يستلزم كون اخباره عن وثاقته إخبارا عن حدس ، فنحن نخبر عن وثاقة الشيخ الطوسي والأنصاري والآخوند الخراساني ونظائرهم من علمائنا المتقدمين ، ولكن هل ان اخبارنا عن ذلك اخبار عن حدس؟ كلا انه اخبار عن حسن ، فان وثاقة امثال هؤلاء الأعلام واضحة في زماننا كوضوح الشمس في رابعة النهار. ونفس الشي يمكن ان نقوله في توثيق النجاشي لزرارة فان الكتب الرجالية المعدّة للتوثيق والتضعيف كانت كثيرة في الفترة التي عاشها النجاشي والشيخ الطوسي وحصل الوضوح نتيجة تلك الكتب.

ولعل أول من تصدّى للتأليف في هذا المجال هو الحسن بن محبوب الراوي الجليل حيث ألّف كتابه المعروف بالمشيخة (١) وتلته كتب أخرى على ذلك المنوال.

وقد تصدى الشيخ أغا بزرك الطهراني قدس‌سره بجمع من الّف في المجال المذكور في كتاب سماه بمصفى المقال ذكر فيه ما يزيد على مائة تأليف.

ومما يؤكد ما نقول تعبير الشيخ الطوسي في عدته حيث قال : «انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار فوثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء ... وصنفوا في ذلك الكتب ...».

والنجاشي يعبر احيانا في ترجمة بعض الرواة ويقول : «ذكره اصحاب الرجال».

__________________

(١) على وزن مفعلة. وهو جمع شيخ.


واما بالنسبة إلى الدعوى الثانية فيمكن ان نقول في اثباتها ان العقلاء إذا اخبرهم ثقة بخبر فلا يأخذون بالتدقيق معه وان اخبارك عن حس أو عن حدس بل ما دام يحتمل نشوؤه عن حس فهم يبنون عليه.

هكذا قيل في توجيه توثيقات المتقدمين (١).

اشكال وجواب

ومن خلال ما ذكرناه يتضح اندفاع الاشكالين التاليين : ـ

١ ـ ما افاده الشيخ فخر الدين الطريحي في كتابه المعروف بتمييز المشتركات حيث ذكر ان توثيقات المتقدمين بما انها مبنية على الحدس دون الحس فيشكل الاعتماد عليها.

والجواب : ان احتمال نشوئها عن حس موجود للبيان المتقدم ، وبضم اصالة الحس العقلائية يتعين الحكم بكون منشأها الحس.

٢ ـ ما اشير إليه في كثير من الكلمات من ان توثيقات المتقدمين وان سلم نشوئها عن حس ومن باب نقل ثقة عن ثقة وكابر عن كابر إلّا ان النجاشي مثلا حينما يوثق شخصا لا يذكر اسماء سلسلة من يستند إليه في نقل التوثيق ، ومع عدم ذكره لاسمائهم يكون اخباره عن الوثاقة بمثابة الخبر المرسل ، وهو ليس حجة.

__________________

(١) راجع معجم رجال الحديث ١ : ٤١.


وان شئت قلت : ان النجاشي نفسه لو كان ينقل حكما شرعيا عن الإمام بواسطة سلسلة من الثقات من دون اشارة لأسمائهم فهل يقبل نقله؟ كلا بل يكون اخباره مرسلا وساقطا عن الحجية لاحتمال ان احد رجال السند له جارح.

فاذا كان اخبار النجاشي لا يقبل في باب الأحكام إذا كان مرسلا ومن دون تصريح باسم السلسلة فيلزم ان لا يقبل إذا نقل الوثاقة بشكل مرسل أيضا لعدم الفرق.

وهذا الاشكال ظريف وقوي حتى قال البعض ان من قدّم لي حلا له قدّمت له جائزة وكنت له شاكرا (١).

والجواب عنه على ضوء ما تقدم : ان وثاقة امثال هؤلاء يمكن ان تكون واضحة كوضوح وثاقة الشيخ الأنصاري والآخوند عندنا ، ومع هذا الوضوح لا تكون شهادة النجاشي بوثاقة زرارة اخبارا عن حدس حتى يرد الاشكال بلزوم رفضها لاستنادها إلى الحدس كما ولا تكون من باب اخبار شخص عن شخص ليكون اخبارا مرسلا بعد جهالة الواسطة بل لشق ثالث غيرهما وهو الوضوح فيندفع الاشكال.

وإذا قيل بان الوضوح لا يمكن ان يكون هو المنشأ للإخبار وإلّا فكيف نفسر الاختلاف الحاصل بين الشيخ والنجاشي في بعض الحالات فالشيخ قد

__________________

(١) راجع كتاب بحوث في علم الرجال للمحسني : ص ٤٥.


يوثّق شخصا والنجاشي يضعفه أو بالعكس.

كان الجواب : ان هذا الاختلاف لا يدل على عدم الوضوح ، ففي زماننا هذا قد أختلف انا وأنت في شخص معين معاصر لنا فأحدنا يوثقه والآخر يفسقه وكل منا يرى وضوح ما يدعيه.

هذا ما قيل في دفع الاشكال المذكور ونعود ان شاء الله تعالى له ثانية عند التحدث عن النقطة الثالثة المتكفلة للبحث عن الوجه في حجية قول الرجالي.

٣ ـ نص أحد الأعلام المتأخرين

وقع الاختلاف بين الأعلام في ان توثيقات المتأخرين ـ كالعلّامة وابن طاووس وابن داود والشهيد الثاني ـ هل هي مقبولة أو لا؟ المعروف قبولها إلّا ان البعض كالسيد الخوئي وآخرين اختاروا العدم. ولكل من الرأيين توجيهه الخاص.

توجيه عدم حجية توثيقات المتأخرين

اما من رفض قبول توثيقات المتأخرين فاستدل على ذلك بان توثيقات مثل العلّامة لا تخلو من احد أمرين فاما هي مستندة إلى توثيقات المتقدمين لو كان لهم توثيق أو هي مستندة إلى الحدس والاجتهاد لو لم يكن للمتقدمين توثيق ، وليست هي ناشئة من الحس والعثور على بعض الكتب الرجالية التي لم يعثر عليها المتقدمون.


والوجه في عدم نشوؤه عن حس : ان السلسلة قد انقطعت بعد الشيخ الطوسي ، واصبح كل من ينقل من بعد زمان الشيخ الطوسي شيئا من التوثيق أو التضعيف معتمدا على الشيخ نفسه.

ومما يؤكد ما نقول ان المتأخرين لو كان لهم طريق وسلسلة لا تمرّ بالشيخ الطوسي لذكروا ذلك الطريق والحال انا نجد ان كل ما لديهم من طرق تمرّ بالشيخ الطوسي ، فالعلّامة الحلي في اجازته الكبيرة لبني زهرة (١) يذكر طرقه إلى جميع الكتب التي ينقل عنها وجميعها ينتهي إلى الشيخ الطوسي قدس‌سره.

وهذا مما يدلل على عدم وجود طريق مستقل للعلّامة يغاير طريق الشيخ الطوسي.

هذا مضافا إلى استبعاد وجود طريق مستقل للمتأخرين لا يمر بالشيخ الطوسي فانه لو كان لا طلع عليه الشيخ نفسه.

توجيه قبول توثيقات المتأخرين

وفي مقابل ما تقدم استدل اصحاب الرأي الآخر بان من المحتمل قويا عثور مثل العلّامة على بعض الكتب التي يذكر فيها توثيق بعض الرواة لم تصل بيد الشيخ والنجاشي ، فكم عثر المتأخرون على ما لم يعثر عليه المتقدمون.

فهذا ابن ادريس قد عثر على بعض الاصول الاربعمائة واستخرج منها

__________________

(١) والتي ينقلها المجلسي في بحاره في مجلد الاجازات.


بعض الأحاديث والفّ منها القسم الأخير من كتابه المسمى بمستطرفات السرائر.

والسيد رضي الدين ابن طاووس عثر على قسم آخر منها وسجل بعض ذلك في كتابه المسمى بكشف المحجة.

وفي عصرنا الأخير عثر السيد محمد الحجة المعروف بالسيد الكوهكمري على ستة عشر اصلا قام بطبعها تحت عنوان الاصول الستة عشر.

وينقل الشيخ النائيني في اجود التقريرات ج ٢ ص ٩٣ انه كان عند المحدث الشيخ ميرزا حسين النوري ما يقرب من خمسين اصلا.

وإذا كان هذا ثابتا في الاصول الأربعمائة فمن الممكن حصول مثله في الكتب الرجالية أيضا فيعثر على بعضها المتأخرون دون المتقدمين.

واما دعوى انه لو كان هناك طريق للمتأخرين إلى تلك التوثيقات لا يمرّ بالشيخ الطوسي لكان نفس الشيخ الطوسي مطلعا عليه فهي مدفوعة بان لازم ما ذكر الاشكال في توثيقات الشيخ نفسه لبعض الرواة إذا وثّقهم هو فقط دون النجاشي أو بالعكس ، فانه لو كان هناك طريق قد عثر عليه أحدهما فمن اللازم اطلاع الثاني عليه.

الصحيح من الرأيين

والصحيح في نظرنا هو الرأي المنكر لحجية توثيقات المتأخرين.

ونركز حديثنا حول توثيقات العلّامة الحلي الذي هو أهم المتأخرين في


هذا المجال ، ومن خلال ذلك يتضح الحال في توثيقات غيره من المتأخرين.

وفي البداية نلفت النظر إلى ان الموارد التي اختص فيها العلّامة بالتوثيق من دون مشاركة الشيخ الطوسي أو النجاشي اياه نادرة جدا.

وعليه فثمرة هذا البحث تختص بهذه الموارد النادرة ، إذ في موارد الاشتراك يحكم بالتوثيق من جهة شهادة الشيخ أو النجاشي بلا حاجة إلى التشبث بتوثيق العلّامة.

والوجه في عدم حجية توثيقات العلّامة : ان الاعتماد على شهادته اما من جهة جريان اصالة الحس في حقه بعد احتمال استناده إلى الحس أو من جهة كونه من أهل الخبرة. وكلاهما قابل للتأمل.

اما الأول : فلعدم الجزم بانعقاد سيرة العقلاء على الاعتماد على اصالة الحس في حق مثل العلّامة الذي تلّوح كثير من كلماته اعتماده على الحدس في التوثيق.

وعلى سبيل المثال نراه في ترجمة إبراهيم بن هاشم يقول : «لم اقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص. والروايات عنه كثيرة. والارجح قبول قوله».

ان التعبير بجملة «والأرجح قبول قوله» بعد اعترافه بخلو الكتب الرجالية من التوثيق يدل على اعمال الحدس والاجتهاد.

ويقول في ترجمة إبراهيم بن سليمان بن عبد الله «ضعّفه ابن الغضائري ...


والنجاشي وثّقه كالشيخ فحينئذ يقوى عندي العمل بما يرويه».

ان تعبيره ب «يقوى ...» بعد اعترافه بتعارض الجرح والتعديل يدل على اعماله الاجتهاد والحدس.

ويقول في ترجمة اسماعيل بن مهران : «والأقوى عندي قبول روايته لشهادة الشيخ ابي جعفر الطوسي والنجاشي له بالثقة».

وفي ترجمة ادريس بن زياد يقول : «الأقرب عندي قبول روايته لتعديل النجاشي له. وقول ابن الغضائري لا يعارضه لأنه لم يجرحه في نفسه ولا طعن في عدالته».

وفي ترجمة أحمد بن اسماعيل بن سمكة يقول : «لم ينص علماؤنا عليه بتعديل ولم يرد فيه جرح ، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها عن المعارض».

إلى غير ذلك من الموارد التي هي ظاهرة في اعماله الاجتهاد والنظر كما نعمل نحن ذلك في توثيق بعض الرواة.

واما الثاني : وهو الاعتماد عليه من باب كونه من أهل الخبرة ـ فلانا لا نسلم بزيادة خبروية العلّامة علينا بدرجة تصحح صدق عنوان أهل الخبرة عليه ، فان العنوان المذكور انما يصدق على الشخص فما لو غاص في الكتب والمكتبات وتوصل إلى ما لم نتوصل إليه ، اما إذا نظر إلى مقدار محدود من الكتب لا يزيد على ما وصل الينا ـ غايته اعمل رأيه كما نعمل نحن رأينا احيانا ـ فلا يصدق عليه ذلك ، فهل من الحق ان نحكم بخبروية العلّامة حينما اعتمد على


إبراهيم بن هاشم عند ما قال : «لم اقف لأحد ... والأرجح قبول قوله» أو حينما اعتمد على إبراهيم بن سلامة حينما قال : «وكيل من أصحاب الكاظم عليه‌السلام لم يقل فيه الشيخ غير ذلك. والأقوى عندي قبول روايته».

ان العلّامة غالبا ما وبدرجة ٩٠% يعتمد على توثيقات الشيخ النجاشي ، وفي غيرها يعتمد على اعمال الحدس ، ومثل ذلك لا يصحح صدق الخبروية عليه لأننا نملك ذلك أيضا دون أي فارق.

وإذا قيل بان العلّامة كانت عنده كتب رجالية لا نملكها نحن من قبيل رجال ابن الغضائري أو رجال العقيقي أو رجال ابن عقدة فكيف لا تكون له ميزة علينا.

كان الجواب ان وصول مثل الكتب المذكورة للعلّامة غير مهم ، لأن رجال ابن الغضائري لا نطمئن بوصول نسخة صحيحة وبطريق معتبر إليه ، كيف والشيخ الطوسي ينقل في مقدمة الفهرست ص ٢ ان ابن الغضائري قد «عمل كتابين أحدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الاصول واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه غير ان هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من اصحابنا واخترم هو رحمه‌الله وعمد بعض ورثته إلى اهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه».

واما رجال السيد علي بن أحمد العقيقي الذي هو اسبق فترة من الشيخ الطوسي فلا يصلح للاعتماد عليه لان العلامة ذكر السيد العقيقي في القسم الثاني من كتابه الذي خصصه لذكر من لا يعتمد عليه.


واما رجال ابن عقدة فقد كان موجودا لدى الشيخ والنجاشي واستفادا منه كل ما فيه ولم يبقيا للعلّامة شيئا يمكنه من خلاله اكتساب عنوان الخبروية وتميّزه بذلك علينا.

اصالة العدالة في كلمات العلّامة الحلي

قيل بان توثيقات العلّامة يمكن التأمل في قبولها من ناحية انه يعتمد في بعض توثيقاته على أصالة العدالة ، أي ان الأصل في كل إمامي لم يرد فيه تضعيف ولا توثيق هو العدالة. وحيث اننا لا نقبل الأصل المذكور فلا يصح لنا الاعتماد على توثيقاته.

واستشهد لاعتماده على أصالة العدالة ببعض المواضع من كلامه : ـ

١ ـ ما ذكره في ترجمة إبراهيم بن هاشم ص ٤ حيث قال ما نصه : «ولم اقف لاحد من اصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص. والروايات عنه كثيرة. والأرجح قبول قوله».

ان حكمه بارجحية قبول قوله لا يتم إلّا بناء على أصالة العدالة وثبوتها في حق من لم يرد في حقه ضعف ولا توثيق.

٢ ـ ما ذكره في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة ص ١٧ حيث قال ما نصه : «ولم ينص علماؤنا عليه بتعديل ، ولم يرد فيه جرح ، فالأقوى قبول روايته مع سلامتها عن المعارض».

أقول : لعل أول من عرف بتبنيه لأصالة العدالة هو ابن الجنيد ، فان الشيخ


الأعظم في رسالة العدالة الملحقة بآخر المكاسب وفي ص ٣٢٦ ذكر ان أحد معاني العدالة كونها بمعنى الإسلام وعدم ظهور الفسق حيث قال : وهو المحكي عن ابن الجنيد والمفيد في كتاب الاشراف والشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع.

هذا وعبارة العلّامة في الموضعين المذكورين ليست صريحة في الاستناد إلى اصالة العدالة. وله عبائر اخرى اوضح تدل على عدم اعتقاده باصالة العدالة نذكر منها : ـ

قوله في ترجمة اسماعيل بن الخطاب ص ١٠ بعد ان ذكر ورود رواية يترحم فيها الإمام عليه‌السلام على إسماعيل بقوله رحم الله اسماعيل بن الخطاب : «ولم يثبت عندي صحة هذا الخبر ولا بطلانه فالاقوى الوقف في روايته».

فلو كان يبني على أصالة العدالة فلماذا الوقف في روايته.

وقوله في ترجمة أحمد بن حمزة ص ١٨ : «روى الكشي عن حمدويه عن اشياخه قال كان في عداد الوزراء ، وهذا لا يثبت عندي عدالته».

وقوله في ترجمة بشير النبال ص ٢٥ : «روى الكشي حديثا ... ليس صريحا في تعديله فانا في روايته متوقف».

وقوله في ترجمة ثوير بن أبي فاخته ص ٣٠ بعد نقل حديث في حقه : «وهذا لا يقتضي مدحا ولا قدحا فنحن في روايته من المتوقفين».

إلى غير ذلك من الموارد التي يمكن العثور عليها بالتتبع في كلماته.


بل ان منهجته الخاصة لكتابه تدل على عدم اعتقاده باصالة العدالة حيث قسم كتابه إلى قسمين ففي القسم الأول يذكر من يعتمد على روايته وفي القسم الثاني يذكر من لا يعتمد على روايته اما لثبوت ضعفه عنده أو للاختلاف في توثيقه وتضعيفه أو لكونه مجهولا عنده.

انه بناء على اعتقاده باصالة العدالة لا معنى لذكره مجهول الحال في القسم الثاني الذي خصصه لمن لا يعتمد على روايته بل لا بدّ من ذكره في القسم الأول.


تمرينات

س ١ : طرق اثبات الوثاقة على قسمين بعضها يمكن بيانها في ضابط معين وبعضها لا يمكن فيه ذلك. اذكر بعض الامثلة لكل واحد من القسمين مع توضيح نكتة امكان بيان هذه في ضابط معين وعدم امكان بيان تلك.

س ٢ : هل عنوان طرق اثبات الوثاقة يلازم كونها حجة؟

س ٣ : نص المعصوم عليه‌السلام على وثاقة شخص طريق لاثبات الوثاقة بيد ان ذلك ليس على اطلاقه بل بشرط. اذكر ذلك الشرط.

س ٤ : تنازل بعض عن ذلك الشرط. اذكر وجه تنازله وكيفية مناقشته.

س ٥ : نص أحد الرجاليين القدامى دليل على الوثاقة بخلاف نص المتأخرين. اذكر المقصود من المتقدمين والمتأخرين.

س ٦ : ما هو الوجه في حجية نص احد المتقدمين على الوثاقة؟

س ٧ : اخبار الثقة تارة يكون في الموضوعات واخرى في الأحكام. أوضح المقصود من ذلك.

س ٨ : الاخبار عن الوثاقة هل هو اخبار عن الحكم أو عن الموضوع؟ ولماذا؟

س ٩ : ما المقصود من أصالة الحس؟ وكيف يستدل عليها؟


س ١٠ : هل خبر الثقة حجة إذا كان ناشئا من الحدس؟ ولماذا؟

س ١١ : النجاشي إذا لم يكن معاصرا لزرارة فكيف نقبل توثيقه له والحال ان شرط القبول كون الإخبار ناشئا عن الحس وهو مفقود في حالة عدم المعاصرة؟

س ١٢ : ما هو اشكال الشيخ فخر الدين الطريحي على توثيقات القدماء؟

س ١٣ : اشكل على توثيقات القدماء بكونها مرسلة. أوضح الاشكال المذكور وكيفية دفعه.

س ١٤ : ما هو توجيه عدم حجية توثيقات المتأخرين؟

س ١٥ : ما هو دليل القائل بحجية توثيقات المتأخرين؟ وكيف يناقش؟

س ١٦ : لماذا لا تجري أصالة الحس في توثيقات العلّامة؟

س ١٧ : إذا قيل بحجية توثيقات العلّامة من باب كونه من أهل الخبرة فكيف ندفع ذلك؟

س ١٨ : هل يمكن الاعتماد على نقل العلّامة عن كتاب ابن الغضائري؟

س ١٩ : هل يمكن الاعتماد على نقل العلّامة عن السيد العقيقي؟ ولماذا؟

س ٢٠ : لماذا لا تظهر الفائدة في نقل العلّامة عن رجال ابن عقدة؟

س ٢١ : ما المقصود من أصالة العدالة؟ وكيف يوجه استناد العلّامة إليها؟


س ٢٢ : كيف تدفع الشواهد على استناد العلّامة إلى أصالة العدالة؟

س ٢٣ : هل سند حديث ١ باب ١٧ من أبواب مقدمة العبادات في وسائل الشيعة صحيح؟


تطبيقات عملية

١ ـ قال الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة في أول حديث ذكره بعد المقدمة ما نصه : محمد بن يعقوب الكليني رضي‌الله‌عنه عن ابي علي الأشعري عن الحسن ابن علي الكوفي عن عباس بن عامر عن إبان بن عثمان عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام : بني الإسلام على خمس : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية.

ان الحديث المذكور ينقله الحرّ العاملي من كتاب الكافى بقرينة قوله محمد ابن يعقوب الكليني.

وللتعرف على صحة السند المذكور لا بدّ من دراسة رجاله.

أما محمد بن يعقوب الكليني فهو غني عن التعريف وكالشمس في رابعة النهار إلّا انه لمزيد الاطلاع نذكر مقالة النجاشي في حقه : «شيخ اصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان اوثق الناس في الحديث واثبتهم. صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي (١) في عشرين سنة ... كنت اتردد إلى المسجد وجماعة من اصحابنا يقرأون كتاب الكافي على ابي الحسين أحمد بن محمد الكوفي الكاتب ...» (٢).

__________________

(١) هكذا العبارة في رجال النجاشي. والظاهر وجود خلل فيها.

(٢) معجم رجال الحديث ١٨ : ٥٠.


واما أبو علي الأشعري فهو كنية لأحمد بن ادريس شيخ الكليني الذي يروي عنه في الكافي كثيرا. قال عنه النجاشي : «كان ثقة فقيها في اصحابنا كثير الحديث صحيح الرواية». ونفس المضمون ذكره الشيخ الطوسي (١).

واما الحسن بن علي الكوفي فهو الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة البجلي. قال النجاشي عنه : «ثقة ثقة» (٢).

واما العباس بن عامر فقد قال عنه النجاشي : «الشيخ الصدوق الثقة كثير الحديث» (٣).

واما أبان بن عثمان فقد ذكره النجاشي والشيخ ولكنهما لم يوثقاه بيد انه يمكن اثبات وثاقته من خلال دعوى الكشي اجماع الطائفة على وثاقة ستة من أصحاب الصادق عليه‌السلام أحدهم أبان بن عثمان ، حيث عقد عنوانا بالشكل التالي : تسمية الفقهاء من اصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ثم قال : «اجمعت العصابة (٤) على تصحيح ما يصح (٥) عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون واقروا لهم بالفقه : جميل بن

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٢ : ٤١.

وينبغي الالتفات إلى انه يكفينا توثيق أحد العلمين : النجاشي أو الشيخ ، ولا يلزم ثبوت توثيقهما معا لجريان السيرة العقلائية على الاكتفاء بتوثيق الواحد في اثبات الوثاقة. أجل توثيق أحد العلمين يكفي بشرط عدم تضعيف الآخر وإلّا سقط.

(٢) معجم رجال الحديث ٥ : ٤١.

(٣) المصدر السابق ٩ : ٢٢٧.

(٤) أي جماعة الشيعة.

(٥) أي على عدّ الخبر مقبولا إذا ثبت وروده عن هؤلاء.


دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عثمان وحماد بن عيسى وأبان بن عثمان» (١).

وتقريب حجية الاجماع المذكور ان يقال : ان الاجماع المذكور إذا كان حقا وثابتا في الواقع فهو دليل على وثاقة هؤلاء ، وإذا لم يكن ثابتا واقعا فيمكن ان يقال ان نفس دعوى الكشي الاجماع المذكور تستبطن شهادة ضمنية منه على وثاقة الستة المذكورة.

وإذا قيل ان قيام الاجماع على تصحيح رواية هؤلاء لا يستلزم الاجماع على الوثاقة ، لأن تصحيح الرواية يعني قبولها ، وقبول الرواية من شخص لا يعني توثيقه ، إذ لعلها تقبل من باب احتفافها بقرائن خاصة أوجبت العلم بصدقها.

كان الجواب ان هذا وجبه فيما لو انعقد الاجماع على قبول رواية معينة لشخص ، اما إذا انعقد على قبول جميع رواياته فذلك يساوق الحكم بوثاقته.

واما الفضيل بن يسار فقد وثّقه الشيخ والنجاشي. وقد روى الكشي في حقه جملة من الأحاديث منها ان الإمام الصادق عليه‌السلام كان إذا رأى الفضيل يقول : «بشر المخبتين. من أحبّ ان يرى رجلا من أهل الجنة فلينظر إلى هذا». وفي رواية اخرى كان عليه‌السلام إذا رآه يقول : «مرحبا بمن تأنس به الأرض».

وينقل عن الشخص المتصدي لتغسيل الفضيل عند موته إنه كان يقول : اني لاغسل الفضيل وان يده لتسبقني إلى عورته فخبّرت بذلك أبا عبد الله عليه‌السلام فقال لي

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ١٥٧.


رحم الله الفضيل بن يسار وهو منّا أهل البيت» (١).

ومن خلال هذا كله يتضح ان جميع رجال السند ثقات وان الرواية حجة.

٢ ـ والرواية الثانية نقلها الحرّ العاملي بهذا الشكل : وعن علي بن إبراهيم عن ابيه وعبد الله بن الصلت جميعا عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : بني الإسلام ...

والرواية المذكورة ينقلها الحرّ عن الكافي بقرينة ابتداء السند بعلي بن إبراهيم ، فان الكليني هو الذي يروي في الكافي عن علي بن إبراهيم.

وعلي بن إبراهيم هو صاحب التفسير المعروف بتفسير القمي ، وهو غني عن التعريف. وقد قال النجاشي في حقه : «ثقة في الحديث ثبت معتمد صحيح المذهب ...» (٢).

ويكفي في اثبات وثاقته ان الكليني قد نقل ما يقرب من ثلث روايات الكافي عنه ، ونحن لا نحتمل ان الكليني ينقل ثلث روايات كتابه عن شخص لا يعتقد بوثاقته ، انه ليس من شأن العاقل ذلك.

واما والد علي المعروف بإبراهيم بن هاشم فقد أكثر ولده النقل عنه ، وقد ذكره النجاشي والشيخ من دون توثيق. وغاية ما ذكرا في حقه انه كوفي انتقل إلى قم واصحابنا يقولون انه أول من نشر حديث الكوفيين بقم.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٣ : ٣٣٥.

(٢) المصدر السابق ١١ : ١٩٣.


وقد استفيد من هذا التعبير مدح الرجل دون توثيقه ، ومن هنا تعدّ الرواية التي يرد في سندها حسنة لا صحيحة (١).

وقد تمسّك السيد الخوئي قدس‌سره لاثبات وثاقته برواية ولده عنه في تفسيره وقد قال ـ ولده ـ في مقدمة التفسير انه يروي تفسيره عن الثقات كما وتمسك لاثبات توثيقه بوروده في اسناد كامل الزيارات الذي شهد مؤلفه جعفر بن محمد ابن قولويه في المقدمة بوثاقة جميع من ورد اسمه فيه.

وهذا طريق جيد لمن يعتقد بالمبنى المذكور ، ولكن سيأتي منّا عند البحث عن التوثيقات العامة المناقشة في ذلك.

والأنسب في نظرنا لاثبات توثيقه ان يقال : ـ

أ ـ ان نشر حديث الكوفيين في مدرسة قم المعروفة بالتشدد لا نحتمل امكان تحقيقه إلّا من رجل جدير بقبول الأحاديث منه ، وهو ليس إلّا من كان ثقة بل في أعلى درجاتها. وهل يحتمل قبول الأحاديث في أجواء تلك المدرسة المتشددة من شخص لم تثبت وثاقته.

ب ـ ان ولده قد أكثر الرواية عنه جدا ، ونحن لا نحتمل ان هذا الاكثار قد تحقق بالرغم من عدم الاعتقاد بالوثاقة.

واما عبد الله بن الصلت فقد قال عنه النجاشي : «ثقة مسكون إلى روايته» (٢).

__________________

(١) الحسنة هي الرواية التي يكون جميع رجال سندها أو بعضهم امامية ممدوحين بلا تعديل.

(٢) معجم رجال الحديث ١٠ : ٢٢٢.


وينبغي الالتفات إلى انه يكفينا وثاقة أحد الرجلين ـ أي إبراهيم بن هاشم أو عبد الله بن الصلت ـ ولا يلزم ثبوت وثاقتهما معا وان كانا صدفة ثقتين.

واما حماد بن عيسى فهو الجهني غريق الجحفة. قال النجاشي عنه : «كان ثقة في حديثه صدوقا» (١). وقد طلب من الإمام الكاظم عليه‌السلام ان يدعو له بان يرزقه الله دارا وزوجة وولدا وخادما والحج كل سنة فقال عليه‌السلام : اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة. قال حماد فلما اشترط خمسين سنة علمت اني لا أحج أكثر من خمسين سنة ، فقال حماد وحججت ثماني واربعين سنة ، وهذه داري قد رزقتها وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي وهذا ابني وهذا خادمي وقد رزقت كل ذلك. وحح بعد ذلك حجتين تمام الخمسين ثم خرج بعد الخمسين حاجا فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل فجاء الوادي فحمله فغرق رحمه‌الله تعالى (٢).

واما حريز بن عبد الله فهو السجستاني. قال عنه الشيخ : «ثقة كوفي» (٣).

وقد قيل في سبب قتل حريز انه كان يسكن سجستان مع أصحاب له وكان الغالب على البلد المذكور الشراة (٤) ، وكانوا يسمعون منهم ثلب أمير المؤمنين عليه‌السلام وسبه فيخبرون حريزا ويستأمرونه في قتل من يسمعون منه ذلك فاذن لهم ، فلا

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٦ : ٢٢٤.

(٢) المصدر السابق ٦ : ٢٢٧.

(٣) المصدر السابق ٤ : ٢٤٩.

(٤) أي الخوارج.


يزال الشراة يجدون منهم القتيل بعد القتيل ولا يحتملون صدور ذلك من الشيعة لقلة عددهم وكانوا يتهمون المرجئة ويقاتلونهم ، ولما وقفوا على حقيقة الأمر اخذوا في طلب الشيعة فاجتمع حريز واصحابه في المسجد فعرقبوا عليهم المسجد وقلبوا أرضه عليهم رحمهم‌الله تعالى (١).

ولحريز كتاب يعرف بكتاب الصلاة وهو من الكتب المشهورة والتي عليها المعول على ما ذكر الصدوق في مقدمة الفقيه ج ١ ص ٣.

ويدخل حماد بن عيسى يوما على الإمام الصادق عليه‌السلام ويقول له : تحسن ان تصلي يا حماد ، فقال : يا سيدي انا احفظ كتاب حريز في الصلاة ، فقال عليه‌السلام : لا عليك قم صل ، فلما صلى صلاته التي لا تتناسب وشيعة جعفر الصادق عليه‌السلام قال عليه‌السلام : ما اقبح بالرجل منكم ان يأتي عليه ستون ستة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة (٢).

ان الرواية المذكورة تدل على مدى أهمية كتاب حريز حتى ان حمادا كان يحفظه.

واما زرارة فهو غني عن التعريف. ويكفينا في تقريظه قول الإمام الصادق عليه‌السلام لجميل بن دراج : بشرّ المخبتين بالجنة : بريد بن معاوية العجلي وابا بصير ليث بن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة أربعة نجباء امناء الله

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٤ : ٢٥٢.

(٢) وسائل الشيعة باب ١ من أبواب أفعال الصلاة حديث ١.


على حلاله وحرامه ، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست (١).

تنبيه

ذكر صاحب الوسائل عند نهاية الخبر المذكور ما نصه : «ورواه أحمد بن ابي عبد الله البرقي في المحاسن عن عبد الله بن الصلت بالاسناد المذكور».

والمقصود من هذه العبارة الاشارة إلى ان الخبر المذكور لا يختص الشيخ الكليني بنقله بل قد نقله البرقي في كتابه المعروف بالمحاسن.

والبرقي ينقله عن عبد الله بن الصلت عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة الذي هو الاسناد المتقدم في رواية الكليني.

ونلفت النظر إلى انه بعد ان ثبت لدينا صحة الطريق السابق للكليني فلا نحتاج بعد ذلك إلى اثبات صحة الطريق الثاني للبرقي. بيد انه لو فرضنا عدم صحة الطريق السابق فكيف نثبت صحة الطريق المذكور.

انه يلزمنا أولا ان نعرف طريق صاحب الوسائل إلى البرقي ثم نعرف طريق البرقي إلى الإمام عليه‌السلام.

اما طريق صاحب الوسائل إلى البرقي فهو صحيح لانه ذكر في آخر الوسائل ان جميع الكتب التي ينقل عنها كالمحاسن وغيره قد وصلت اليه بعدة طرق تنتهي إلى الشيخ الطوسي.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٧ : ٢٢٢.


وإذا رجعنا إلى فهرست الشيخ الطوسي في ترجمة البرقي وجدنا له طريقا معتبرا إليه.

وبذلك يثبت صحة طريق الحرّ إلى البرقي.

واما طريق البرقي إلى الإمام عليه‌السلام فقد تقدم عند بيان طريق الكليني انه صحيح.

ويبقى علينا أيضا ان نعرف حال البرقي ، وحيث انه ثقة فلا اشكال إذن في الطريق المذكور من هذه الناحية أيضا.

٣ ـ قال صاحب الوسائل في الرواية الثالثة ما نصه : «وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال الا ...

وهذه الرواية ينقلها الحرّ عن الكافي أيضا بقرينة انه ابتدأ السند بمحمد بن يحيى الذي هو شيخ الكليني ويروي عنه كثيرا.

هذا مضافا إلى انه قد ذكرها بعد الروايتين السابقتين المنقولتين عن الكليني ، فلو اراد النقل عن الشيخ الطوسي مثلا لابتدأ السند بمحمد بن الحسن الطوسي ، ولكنه ما دام مستمرا في النقل عن الكليني فلا حاجة له إلى تكرار ذكر اسم الكليني كل مرة.

وللتعرف على حال السند المذكور نقول :

اما محمد بن يحيى فهو محمد بن يحيى العطار القمي الأشعري شيخ الكليني


والذي يروي عنه كثيرا في الكافي. يقول عنه النجاشي : «شيخ اصحابنا في زمانه ثقة عين كثير الحديث» (١).

واما أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الرجل العظيم المعروف بكثرة الرواية والوثاقة.

والاسم المذكور وان كان مشتركا بين جماعة متعددين إلّا اننا جزمنا بكونه ابن عيسى الأشعري من خلال رواية محمد بن يحيى عنه لأن محمد بن يحيى يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى وهو تلميذه الملازم له.

قال عنه النجاشي : «أبو جعفر رحمه‌الله شيخ القميين ووجههم وفقيههم غير مدافع وكان أيضا الرئيس الذي يلقي السلطان. ولقي الرضا عليه‌السلام» (٢).

واما علي بن النعمان فهو على ما قال النجاشي : «كان علي ثقة وجها ثبتا صحيحا واضح الطريقة» (٣).

وقد قيل انه اجتمع ثلاثة في المسجد الحرام هم صفوان بن يحيى وعبد الله ابن جندب وعلي بن النعمان فتعاقدوا جميعا ان مات واحد منهم يصلي من بقي بعده صلاته ويصوم ويحج ويزكي عنه مادام حيا ، فمات علي وعبد الله وبقي صفوان بعدهما ، وكان يفي لهما بذلك (٤).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٨ : ٣٠.

(٢) المصدر السابق ٢ : ٢٩٦.

(٣) المصدر السابق ١٢ : ٢١٥.

(٤) المصدر السابق ٩ : ١٢٤.


واما ابن مسكان فهو عبد الله بن مسكان. قال عنه النجاشي : «ثقة عين» وهو احد اصحاب الاجماع الستة من أصحاب الصادق عليه‌السلام.

وقد قيل انه كان لا يدخل على الإمام الصادق عليه‌السلام خوف ان لا يعطي مقام الإمامة ما تستحق من إكبار وتبجيل (١).

واما سليمان بن خالد فهو على ما قال النجاشي : «كان قارئا فقيها وجها ... وخرج مع زيد ، ولم يخرج معه من أصحاب ابي جعفر عليه‌السلام غيره ، فقطعت يده وكان الذي قطعها يوسف بن عمر بنفسه. ومات في حياة ابي عبد الله عليه‌السلام فتوجع لفقده ودعا لولده واوصى بهم اصحابه ...» (٢).

اسانيد اخرى

قال صاحب الوسائل بعد فراغه من نقل الحديث الثالث ما نصه : «ورواه البرقي في المحاسن عن أبيه عن علي بن النعمان. ورواه الشيخ باسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن ابن رباط عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نحوه. ورواه الحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن علي بن النعمان مثله إلى قوله الجهاد. وعن محمد بن يحيى عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز عن ابي عبد الله عليه‌السلام نحوه. ورواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١٠ : ٣٢٤.

(٢) المصدر السابق ٨ : ٢٤٥.


ورواه الصدوق باسناده عن علي بن عبد العزيز. ورواه البرقي في المحاسن عن الحسن بن علي بن فضال مثله».

ان مقصود الحرّ العاملي من هذه العبارة الاشارة إلى وجود اسانيد وطرق اخرى للحديث المذكور. وإذا اردنا ايضاحها بشكل أكمل امكن بيانها كما يلي :

الأول : نقل الحديث المذكور البرقي في محاسنه عن أبيه عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام ...

ولم يشر الحر في هذا الطريق إلى الوسائط ما بين علي بن النعمان والإمام عليه‌السلام من جهة اشتراكها بين هذا الطريق والطريق السابق الثابت في الكافي ، فلاجل الاختصار حذف الوسائط المشتركة بين الطريقين.

وهذا الطريق صحيح أيضا لأن سند الحر إلى البرقي صحيح كما تقدمت الإشارة إليه في ذيل الحديث الثاني.

والبرقي نفسه ثقة ووالده ثقة أيضا. وبقية الرواة من علي بن النعمان وحتى الإمام عليه‌السلام كلهم ثقات أيضا حسبما تقدم.

الثاني : روى الحديث المذكور أيضا الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده إلى الحسن بن محمد بن سماعة عن ابن رباط عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام.

وللتعرف على حال الطريق المذكور لا بدّ من التعرف على سند الشيخ الطوسي إلى الحسن بن محمد بن سماعة ، وذلك بمراجعة مشيخة التهذيب ج ١٠ ص ٧٥ ، فانه قد ذكر طريقه إلى الرجل المذكور.


الثالث : روى الحديث المذكور أيضا الحسين بن سعيد صاحب كتاب الزهد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد.

ولا بد من التعرف على سند الحر إلى الحسين بن سعيد ، وهو صحيح على ما في آخر الوسائل لانه ينتهي إلى الشيخ الطوسي وهو له طريق معتبر إلى الحسين بن سعيد على ما في الفهرست.

ويبقى ان نعرف السند من الحسين بن سعيد وحتى الإمام عليه‌السلام ، وهو صحيح.

الرابع : روى الحديث المذكور الكليني ثانية في مورد ثان عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز.

الخامس : روى الشيخ الطوسي الحديث ثانية في التهذيب عن الكليني في الكافي عن محمد بن يحيى. واما محمد بن يحيى فقد روى الحديث عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز. وحذف صاحب الوسائل ذلك اعتمادا على ما سبق.

السادس : روى الحديث المذكور أيضا الصدوق في الفقيه عن علي بن عبد العزيز عن الإمام عليه‌السلام.

واما سند الصدوق إلى علي بن عبد العزيز فلا بد من مراجعته في مشيخة الفقيه.

السابع : روى الحديث المذكور أيضا البرقي في محاسنه ثانية عن الحسن


ابن علي بن فضال. واما ابن فضال فقد رواه عن ثعلبة عن علي بن عبد العزيز عن الإمام عليه‌السلام. وانما لم يذكر ذلك صاحب الوسائل اعتمادا على ما سبق.

٤ ـ قال صاحب الوسائل : وعن علي بن إبراهيم عن ابيه وعن ابي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن صفوان عن عمرو بن حريث انه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام ألا أقص عليك ديني ...

ان الحديث المذكور قد سجّله الحرّ من الكافي للقرينة المتقدمة في الحديث الثاني.

والحديث المذكور ينقله الكليني عن صفوان عن عمرو بن حريث بطريقين هما :

أ ـ علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان عن عمرو بن حريث.

ب ـ أبو علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن عمرو ابن حريث.

ومن خلال هذا يتضح ان قوله : «وعن ابي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار» عطف على «وعن علي بن إبراهيم عن أبيه».

وكلمة «جميعا» تعني ان إبراهيم بن هاشم ومحمد بن عبد الجبار قد رويا الحديث عن صفوان.

كما ويتضح انه يكفي لصحة الحديث صحة أحد طريقيه ولا يلزم صحة كليهما.


وفي تحقيق حال الطريقين نقول :

اما بالنسبة إلى الطريق الأول فقد تقدم الكلام عن علي بن إبراهيم ووالده وانهما ثقتان فراجع حديث ٢.

واما صفوان فهو وان كان مشتركا بين عدة رواة إلّا ان المشهور منهم والذي ينصرف إليه اسم صفوان إذا ورد مطلقا هو اما صفوان بن يحيى بياع السابري أو صفوان بن مهران الجمال ، وكلاهما ثقة حسب شهادة النجاشي (١) ، ومعه فلا ثمرة في البحث عن تعيين ان المراد هذا أو ذاك.

واما عمرو بن حريث فهو أبو أحمد الصيرفي الأسدي الكوفي ثقة على ما ذكر النجاشي (٢).

وبهذا تثبت صحة هذا الطريق.

واما الطريق الثاني فهو صحيح أيضا لأن أبا علي الأشعري قد تقدم في الحديث (١) انه أحمد بن ادريس الثقة شيخ الكليني.

واما صفوان وعمرو بن حريث فقد تقدم انهما ثقتان.

فلا يبقى إلّا محمد بن عبد الجبار وهو محمد بن أبي الصهبان وقد قال عنه الشيخ الطوسي : قمي ثقة (٣).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٩ : ١٢١ ، ١٢٣.

(٢) المصدر السابق ١٣ : ٨٥.

(٣) المصدر السابق ١٤ : ٢٦٣.


٥ ـ وفي الحديث السادس قال الحرّ ما نصه : «وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد. وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعا عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في جملة حديث ...».

ان هذا الحديث قد نقله الحرّ من كافي الكليني لما تقدّم من القرينة.

وفي هذه العبارة يبيّن لنا الكليني ان له طريقين إلى نقل الحديث المذكور.

وفي كلا الطريقين ينتهي النقل إلى الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا.

إذن التعدد في الطريق خاص بالواسطة المتخللة بين الكليني والحسن بن محبوب ، واما الطريق ما بين الحسن بن محبوب والإمام عليه‌السلام فلا تعدد فيه.

وعلى هذا يمكن بيان طريقي الرواية بالشكل التالي : ـ

أ ـ محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن هشام ابن سالم عن عبد الحميد بن أبي العلا.

ب ـ عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن هشام ابن سالم عن عبد الحميد.

والطريق الأول صحيح لأن محمد بن يحيى وأحمد بن محمد قد تقدم في الحديث (٣) انهما ثقتان جليلان.


واما الحسن بن محبوب فهو صاحب كتاب المشيخة. وقد قال عنه الشيخ الطوسي : كوفي ثقة (١).

واما هشام بن سالم فهو على ما قال النجاشي : ثقة ثقة (٢).

واما عبد الحميد بن أبي العلاء فهو الازدي ثقة على ما قال النجاشي (٣).

واما الطريق الثاني فبدايته هو عدة من أصحابنا. وهذا المصطلح متداول لدى الكليني ولم يتداوله غيره ، ومعه فمتى ما ورد تعبير «عدة من اصحابنا» عرفنا ان الحديث منقول عن الكليني.

وقد وقع الكلام في المقصود من افراد العدة وكيفية اثبات توثيقها ، وسنقوم بدراسة ذلك عند بحثنا عن كتاب الكافي ان شاء الله تعالى.

والذي نقوله هنا باختصار : لا اشكال لدى الجميع في اعتبار العدة وانما الكلام في كيفية تخريج ذلك فنيا. وعلى هذا فبحثنا عن العدة لا يعني التشكيك في اعتبارها وانما يعني الاختلاف في التخريج الفني للاعتبار المتفق عليه.

واما سهل بن زياد فقد وقع محلا لبحث طويل بين الأعلام. وننصح الطالب بكتابة بحث عنه ليكون ذلك مفتاحا لمعلوماته الرجالية.

واما بقية افراد السند فقد تقدمت وثاقتهم.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٥ : ٨٩.

(٢) المصدر السابق ١٩ : ٢٩٧.

(٣) المصدر السابق ٩ : ٢٧١.


وعليه فالطريق الثاني قابل للمناقشة من ناحية سهل ، إلّا أن ذلك غير مهم بعد صحة الطريق الأول.

ملاحظة

ان الأحاديث المتقدمة قد نقلها الحرّ من كافي الكليني رحمه‌الله. وننتقل إلى أبواب اخرى من الوسائل لمواجهة حاديث اخرى ينقلها من غير الكافي.

ذكر قدس‌سره في الباب ١ من أبواب الماء المطلق ما نصه :

١ ـ «محمد بن علي بن الحسين بن بابويه رضي‌الله‌عنه باسانيده (١) عن محمد بن حمران وجميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...».

ان هذا الحديث قد نقله الحرّ من الفقيه بقرينة قوله محمد بن علي بن الحسين الذي هو الصدوق.

وللتعرف على صحة الرواية لا بدّ من مراجعة سند الصدوق إلى محمد بن حمران وجميل.

وإذا رجعنا إلى مشيخة الفقيه ج ٤ ص ١٧ وجدناه يقول : «وما كان فيه عن محمد بن حمران وجميل بن دراج فقد رويته عن أبي رضي‌الله‌عنه عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن حمران وجميل بن دراج».

والسند صحيح لأن والد الصدوق الذي اسمه علي بن الحسين بن بابويه

__________________

(١) الصواب : باسناده ، كما ورد في الباب ٢٣ من أبواب التيمم حديث ١.


لا يحتاج إلى تعريف فانه كما قال النجاشي : «شيخ القميين في عصره ومتقدمهم وفقيههم وثقتهم» (١).

واما سعد بن عبد الله فهو الأشعري القمي. قال عنه النجاشي : «شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها» (٢). وقد كثر وروده في الروايات.

واما يعقوب بن يزيد فهو ثقة صدوق على ما ذكر النجاشي (٣).

واما محمد بن أبي عمير فلا يحتاج إلى تعريف فهو جليل القدر عظيم المنزلة عندنا وعند المخالفين (٤).

وقد قيل ان هارون حبسه ليدل على مواضع الشيعة فدفنت اخته كتبه خوفا عليه فتلفت. وقيل بل كانت في غرفة فسال المطر عليها فتلفت ، ومن هنا أخذ يحدث عن حفظه وكثرت مراسيله.

واما محمد بن حمران فقد ذكره الشيخ بعنوان محمد بن حمران بن اعين ولم يوثقه بينما النجاشي ذكره بعنوان محمد بن حمران النهدي وقال عنه ثقة.

وقد وقع الكلام في وحدته وتعدده ، ولكن ذلك غير مهم في المقام بعد وثاقة جميل بن دراج.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١١ : ٣٦٨.

(٢) المصدر السابق ٨ : ٧٤.

(٣) المصدر السابق ٢٠ : ١٤٧.

(٤) المصدر السابق ١٤ : ٢٧٩.


٢ ـ قال الحر : «قال : وقال الصادق عليه‌السلام : كل ماء طاهر إلّا ما علمت انه قذر».

والمقصود : قال الصدوق : وقال الصادق عليه‌السلام ...

والرواية مرسلة. وقد كثرت ظاهرة الارسال لدى الصدوق في كتابه الفقيه ، وذلك من الظواهر المختصة به.

ومن هنا وقع البحث في حجية مراسيله.

وهناك رأي يفصّل بين ما إذا ارسل الصدوق عن الإمام عليه‌السلام بلسان قال الإمام عليه‌السلام وبين ما إذا ارسل بلسان روي عن الإمام عليه‌السلام فالأول حجة دون الثاني بدعوى انه متى ما ارسل عن الإمام عليه‌السلام بلسان قال دلّ ذلك على جزمه بصدور الرواية عن الإمام عليه‌السلام ، ومع جزمه بذلك نقول : ان الجزم المذكور مردد بين كونه ناشئا عن حس وبين كونه ناشئا عن حدس ، وبواسطة اصالة الحس العقلائية يمكننا اثبات ان جزمه نشأ عن حس وبذلك يكون حجة.

ويأتي ان شاء الله تعالى عند البحث عن كتاب من لا يحضره الفقيه البحث عن ذلك بشكل تفصيلي.

٣ ـ قال الحر : «قال : وقال عليه‌السلام ...» ، وليس في ذلك شيء جديد.

٤ ـ قال الحر : «محمد بن الحسن الطوسي رضي‌الله‌عنه باسناده عن محمد بن أحمد ابن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...».


والملاحظ هنا ان الحرّ حينما اراد في هذا الموضع النقل عن الشيخ الطوسي ابتدأ السند بقوله محمد بن الحسن الطوسي اشارة إلى عدوله عن النقل السابق الذي كان عن الصدوق.

ولا بدّ من مراجعة مشيخة التهذيب ج ١٠ ص ٧١ (١) للتعرف على طريق الشيخ إلى محمد بن احمد بن يحيى.

وقد ذكر قدس‌سره أربع طرق يكفينا صحة واحد منها وهو : «الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلهم عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي وأبي جعفر محمد ابن الحسين البزوفري جميعا عن أحمد بن ادريس عن محمد بن أحمد بن يحيى».

اما الشيخ أبو عبد الله فهو الشيخ المفيد ، وتكفينا وثاقته عن البحث عن وثاقة الحسين وأحمد.

واما الحسن بن حمزة العلوي فهو المعروف بالمرعش أو المرعشي من اجلاء هذه الطائفة وفقهائها على ما ذكر النجاشي (٢).

واما البزوفري فلم يذكره الشيخ ولا النجاشي (٣) ولم تثبت وثاقته ولكن ذلك لا يضر بعد وثاقة الحسن بن حمزة.

__________________

(١) كما وان بالامكان مراجعة الفهرست لذلك.

(٢) معجم رجال الحديث ٤ : ٣١٣.

(٣) المصدر السابق ١٥ : ٢٩٠.


واما احمد بن ادريس فقد تقدم انه ابو علي الأشعري الثقة الجليل شيخ الكليني.

واما محمد بن أحمد بن يحيى فهو ثقة في الحديث على ما ذكر النجاشى.

وهو كثير الرواية ، وله كتاب نوادر الحكمة الذي يعرفه القميون بدبة شبيب.

وشبيب رجل بقم كانت له دبة ذات بيوت يعطي منها ما يطلب منه من دهن فشبهوا هذا الكتاب بتلك (١).

واما يعقوب بن يزيد وابن ابي عمير فقد تقدم انهما ثقتان.

واما داود بن فرقد فهو كوفي ثقة على ما قال النجاشي (٢).

وعليه فالرواية صحيحة السند.

٥ ـ قال الحرّ في الحديث السابع : «محمد يعقوب الكليني رضي‌الله‌عنه عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...».

اما علي وابوه فقد تقدم الحديث عنهما وانهما ثقتان.

واما السكوني فلا طريق لتوثيقه سوى تعبير الشيخ الطوسي في العدة بان الطائفة قد عملت برواياته فان هذا تعبير آخر عن التوثيق.

واما النوفلي فهو الملازم للسكوني عادة والراوي عنه. ولم يرد في حقه

__________________

(١) معجم رجال الحديثر ١٥ : ٤٤.

(٢) المصدر السابق ٧ : ١١٤.


توثيق بالخصوص.

أجل قد ورد اسمه في اسانيد تفسير القمي وكامل الزيارة ، فمن بنى على وثاقة كل من ورد اسمه في أحد الكتابين المذكورين بنى على وثاقة الرجل المذكور بيد ان المبنى المذكور مرفوض عندنا.

وهناك طريق آخر نسلكه في اثبات وثاقة الرجل المذكور ، وهو ان اتفاق الطائفة على العمل بروايات السكوني ملازم للبناء على توثيق النوفلي وإلّا لما امكن العمل بروايات السكوني.

عود إلى صلب الموضوع

كنا نتحدث سابقا ـ قبل التعرض إلى التطبيقات ـ عن طرق اثبات الوثاقة. ونعود اليها من جديد.

٤ ـ دعوى الاجماع على التصديق أو التوثيق

ومن جملة الطرق المدعاة لاثبات الوثاقة دعوى الاجماع على تصديق راو أو توثيقه. فالكشي ادعى اجماع الطائفة على تصديق ثمانية عشر راويا من اصحاب الأئمة عليه‌السلام

ستة منهم من أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام وهم : زرارة ومعروف بن خرّبوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي (١).

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٤٣١.


وستة من أصحاب الصادق عليه‌السلام وهم : جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وابان بن عثمان (١).

وستة من اصحاب الكاظم والرضا عليهما‌السلام وهم : يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن ابن محبوب وأحمد بن محمد بن نصر (٢).

وتقريب حجية الاجماع المذكور : ان الكشي إذا كان مصيبا في دعواه الاجماع وكانت الطائفة قد اجمعت حقا على ذلك فهو المطلوب ، واذا لم يكن مصيبا ولم يكن هناك اجماع فتكفينا شهادة الكشي نفسه التي نستفيدها ضمنا من خلال نقله الاجماع المذكور ، فان نقله الاجماع يستبطن شهادته بحقانية المضمون الذي ينقله.

بيد ان هذا يتم لو كان الناقل للاجماع من الأعلام المتقدمين ، اما إذا كان من المتأخرين كنقل ابن طاووس الاتفاق على وثاقة إبراهيم بن هاشم فلا يتم ذلك لعدم حجية توثيق المتأخرين كما تقدم.

هذا إلّا ان السيد الخوئي حاول تقريب الحجية في الحال المذكورة بان دعوى ابن طاووس تكشف على الأقل عن شهادة واحد من القدماء بوثاقة ذلك الشخص ، وذلك يكفي في ثبوت التوثيق (٣).

__________________

(١) رجال الكشي : رقم ٧٠٥.

(٢) المصدر السابق : رقم ١٠٥٠.

(٣) معجم رجال الحديث ١ : ٤٦.


ويرد ذلك : ان دعوى ابن طاووس إذا لم تكشف عن ثبوت الاتفاق واقعا فيمكن ان لا تكشف حتى عن شهادة واحد من الأعلام المتقدمين بالوثاقة ، كما لو افترضنا ان دعوى ابن طاووس للاجماع ناشئة من ملاحظة وجود إبراهيم بن هاشم في اسناد تفسير القمي وتخيل ـ بسبب عبارة مقدمة التفسير ـ ان كل من ورد اسمه في ذلك فهو ثقة بالاتفاق في الوقت الذي قد يكون ذلك اجتهادا خاصا من ابن طاووس لا يقول به غيره.

٥ ـ الوكالة عن الإمام

ومن أحد الطرق التي يمكن ان يدعى دلالتها على الوثاقة توكيل الإمام عليه‌السلام شخصا في أمر من اموره ، فانهم عليهم‌السلام كان لهم وكلاء بشكلين وكلاء لهم الممثلية العامة عن الإمام عليه‌السلام كما هو الحال في السفراء الأربعة رضوان الله تعالى عليهم ووكلاء لهم الممثلية الخاصة في مجال معين.

والوكالة بالشكل الأول لا إشكال في دلالتها على سمو منزلة الوكيل ورفعة شأنه. وانما الاشكال في الوكالة بالمعنى الثاني فان الأئمة عليهم‌السلام كان لهم وكلاء كثيرون بهذا الشكل قد اشير إليهم في الكتب الرجالية.

فبينما البعض يصر على دلالة التوكيل لا على الوثاقة فقط بل على العدالة ويستدل على ذلك بان الوكيل إذا لم يكن عادلا فتوكيله محرم لأنه نحو ركون إلى الظالم الذي نهت عنه الآية الكريمة (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) (١) نجد آخرين ينكرون دلالة الوكالة على الوثاقة بحجة انا نجد كثيرا من

__________________

(١) هود : ١١٣.


وكلائهم عليهم‌السلام قد صدر الذم في حقهم.

وقد عقد الشيخ الطوسي قدس‌سره في كتابه الغيبة بابا خاصا للوكلاء الذين صدر الذم في حقهم.

ويحدثنا عند تعرضه للواقفة ان أول من اظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي طمعوا في الدنيا ومالوا إلى حطامها واستمالوا قوما فبذلوا لهم شيئا مما اختانوه من الأموال.

وقد روي عن الرضا عليه‌السلام ان البطائني اقعد في قبره بعد ما دفن فسأل عن الأئمة عليهم‌السلام فاخبر باسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف فضرب على رأسه ضربة امتلاء قبره نارا (١).

هذا والصحيح دلالة الوكالة على الوثاقة لأن السيرة العقلائية قد جرت على عدم توكيل شخص في قضية معينة إذا لم يحصل الوثوق الكامل بصدقه وعدم تعمده للكذب. وجرّب ذلك من نفسك تجد صدق ما نقول.

وإذا قيل اذن كيف تفسرون الذم الصادر في حق كثير من الوكلاء؟

اجبنا بان الانحراف قد حصل لهم بعد منحهم الوكالة فكم شخص نثق به ونمنحه الوكالة وبعد ذلك ينحرف.

وإذا قيل ان توكيل شخص في مجال معين يقتضي وثاقته في ذلك المجال

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١١ : ٢١٧.


دون غيره ، فتوكيل شخص في بيع دار يستلزم وثاقته وعدم كذبه في مجال بيع الدار فقط دون المجالات الاخرى كمجال نقل الحديث الذي هو محل كلامنا.

كان الجواب ان العاقل إذا لم يحرز الوثاقة المطلقة في الوكيل فلا يقدم على توكيله لأنه مادام يحتمل كذبه في المجالات الاخرى فلربما يسري ذلك إلى المجال الخاص الذي منح فيه الوكالة.

ولا اقل ليس من المناسب للإمام عليه‌السلام ايكال بعض اموره المهمة إلى من هو خائن في بعض المجالات.

٦ ـ رواية الثقة

رواية الثقة عن شخص هل تدل على وثاقته؟ كلا ، فان الثقة كما يروي عن الثقة كذلك يروي عن غيره. وما أكثر ما يروي الثقات عن غير الثقات كما يتضح ذلك من خلال تصفح الروايات.

كيف ولو كانت رواية الثقة عن شخص دليلا على وثاقته لزم وثاقة اغلب الرواة أو كلهم لأن الشيخ الطوسي قدس‌سره ثقة ، فاذا روى عن شخص كان ثقة أيضا وكانت رواية الثاني دليلا على وثاقة الثالث وهكذا حتى نهاية السلسلة.

وبهذا يتضح ان ما صار إليه الميرزا حسين النوري صاحب المستدرك من ان رواية الثقة عن شخص دليل وثاقته قابل للتأمل.

اجل إذا أكثر اجلاء الثقات وكبّارهم الرواية عن شخص فلا يبعد كونها دليلا على الوثاقة ـ خلافا للسيد الخوئي وجماعة حيث لم يرضوا بذلك أيضا ـ


فان العاقل لا يقدم على الرواية عن شخص يعتقد بضعفه ، انه عمل سفهي لا نرى له وجها.

وهذه نقطة مهمة جديرة بالوقوف والتأمل الطويل عندها ، فانه لو قبلنا بكون اكثار الثقة الرواية دليلا على الوثاقة فسوف تثبت وثاقة كثير من الرواة ويخرجون بذلك من حال الجهالة إلى حال الوثاقة.

وعلى سبيل المثال نذكر «محمد بن اسماعيل» ، فان الكليني قد أكثر الرواية عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان. وقد وقع الكلام في المقصود من محمد بن اسماعيل ، انه لا يمكن ان يكون محمد بن اسماعيل بن بزيع الثقة الجليل لانه من أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام وانى يمكن للكليني الرواية عنه فيتعين ان يكون المقصود غيره ، وحيث ان الغير لم تثبت وثاقته فتسقط روايات الكليني المذكورة عن الاعتبار بالرغم من كثرتها.

بينما لو قبلنا الرأي المتقدم وقلنا ليس من المناسب للكليني اكثار الرواية عن شخص يعتقد بضعفه خصوصا وهو يودع تلك الروايات في كتابه الذي كتبه لتعمل به الأجيال. ان العاقل لا يرضى بايداع الروايات الضعيفة في كتابه فكيف إذا خطّط لكتابه منذ البداية ليكون مرجعا للأجيال ، انه إذا قبلنا الرأي المتقدم فسوف تثبت وثاقة محمد بن اسماعيل.

ومما يدعم ما نقول اننا إذا رجعنا إلى الكتب الرجالية لرأينا ان الرواية عن الضعفاء كانت عندهم من الامور القادحة في الشخص ، ولذا نجدهم ينبهون في ترجمة بعض الرواة بانه يروي عن الضعفاء كما ورد في ترجمة العياشي


والكشي وغيرهما.

وإذا قرأنا ترجمة أحمد بن محمد بن خالد البرقي نلاحظ ان أحمد بن محمد بن عيسى قد اخرجه من قم لروايته عن الضعفاء.

وإذا قيل اننا نسلم ان الثقة لا يكثر الرواية عن الضعيف الذي يعتقد بنظره ضعفه ولكنه ما المانع وان يروي عن مجهول الحال؟ انه بناء على هذا يكون بالامكان افتراض ان محمد بن اسماعيل كان مجهول الحال في نظر الكليني ، وبذلك لا تثبت وثاقته.

كان الجواب : ان مجهول الحال ما دام بحكم الضعيف في ردّ روايته فاكثار العاقل الرواية عنه لا يكون مناسبا أيضا.

وإذا رجعنا إلى الكتب الرجالية وجدنا ان الرواية عن المجاهيل كانت عندهم بمثابة الرواية عن الضعفاء ولا فرق بينهما. فانظر إلى كلام النجاشي في ترجمة محمد بن مالك تجده يقول : «قال أحمد بن الحسين كان يضع الحديث وضعا ويروي عن المجاهيل. وسمعت من قال كان أيضا فاسد المذهب والرواية. ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري رحمهما‌الله».

هذا كله مضافا إلى ان اكثار الرواية يلازم احيانا طول الصحبة التي لا يحتمل معها بقاء الشخص مجهول الحال.

وإذا قيل ان اكثار الرواية إذا كان دليلا على الوثاقة فكيف نرى ان بعض الضعفاء قد أكثر الأجلاء الرواية عنه كمحمد بن سنان وسهل بن زياد والبطائني


وغيرهم ممن أكثر الأجلاء الرواية عنهم.

كان الجواب : ما المانع من الالتزام بان هؤلاء كانوا ثقات بنظر الأجلاء ولذا اكثروا الرواية عنهم ويكون المورد بذلك من موارد تعارض التعديل والجرح ، ولا يصح تسجيل ذلك نقضا علينا.

أجل يصح النقض بما إذا كان الشخص ضعيفا في نظر الجميع وبالرغم من ذلك أكثر الأجلاء الرواية عنه وليس ضعيفا بنظر خصوص الشيخ والنجاشي ، واين تحصيل ضعيف بهذا الشكل؟

وإذا قيل : ان اكثار الثقة كالكليني عن محمد بن اسماعيل مثلا لعله ليس من جهة وثاقته عند الكليني بل لاطمئنانه بحقانية الروايات التي رواها له ، ومن أجل ذلك الاطمئنان تساهل في النقل عن محمد بن اسماعيل واكثر عنه.

وإذا كنّا نحتمل استناد الكليني إلى اطمئنانه وليس إلى احرازه وثاقة محمد ابن اسماعيل ضمننا إلى ذلك مقدمة ثانية ، وهي ان اطمئنان كل شخص حجة على نفسه فقط ولا يكون حجة على الآخرين ، إذ لعل تلك القرائن التي استند إليها في تحصيل اطمئنانه لا تكون موجبة لحصول الاطمئنان لنا لو اطلعنا عليها.

كان الجواب : ان أهم قرينة يمكن الاستناد إليها في تحصيل الاطمئنان هي وجود الرواية في أصل يعتمد عليه الأصحاب ، وواضح ان وجود الرواية في الأصل فرع احراز وثاقة محمد بن اسماعيل وإلّا كان من المحتمل كذبه وتزويره بتسجيلها في ذلك الأصل.

واحتمال وجود قرائن اخرى قد استند إليها الكليني لا يتوقف تطبيقها على


الاحراز المسبق لوثاقة محمد بن اسماعيل وان كان موجودا إلّا انه مجرد احتمال نظري لا يعتنى به ، فان القرينة المهمة عندهم هي وجود الرواية في كتاب معتمد لا غير ، ولذا نرى الصدوق يقول في مقدمة كتابه : وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعتمد ، فلو كانت هناك قرينة اخرى أقوى أو مساوية لما ذكر لأشار لها.

واذا قيل : لعل الكليني استند في اكثاره الرواية عن محمد بن اسماعيل إلى اصالة العدالة وليس إلى احراز وثاقته ، وحيث ان اصالة العدالة مرفوضة عندنا فلا يمكن الاعتماد على اكثاره واستكشاف وثاقة محمد بن اسماعيل منه.

كان الجواب : لا نحتمل اعتماد الكليني على اصالة العدالة ، لان معنى الاعتماد عليها بعبارة ثانية هو ان الكليني وجد شخصا لا يعرف عنه شيئا ودفع إليه كتابا فيه أحاديث واخذه الكليني وسجّل منه كتابه الكافي الذي اراد منه ان يكون مرجعا شرعيا للشيعة في احكام دينهم ، صنع الكليني ذلك لانه لم يعرف الفسق من محمد بن اسماعيل الذي دفع اليه الكتاب واعتمد على اصالة عدالته.

ان مثل هذا لا يحتمل في حق الكليني.

٧ ـ شيخوخة الاجازة

اخذ الرواية من شخص له صور متعددة ، فتارة يسمع التلميذ الرواية من الاستاذ ، واخرى يقرأ الاستاذ الرواية على التلميذ ، وثالثة يجيز الاستاذ التلميذ ، بان يدفع له الكتاب الذي سجل فيه الروايات وجمعها فيه ويقول له اجزتك في ان


تروي عني الروايات الموجودة فيه.

ويصطلح على هذا الشكل الثالث بتحمل الرواية بنحو الاجازة. كما ويصطلح على صاحب الكتاب الذي صدرت الاجازة منه بشيخ الاجازة.

وقد وقع البحث في ان كون الشخص من مشايخ الاجازة هل يكفي لاثبات وثاقته.

والبحث عن هذه النقطة مهم جدا ، فان الشيخ الطوسي قد وصلته كثير من الاصول الحديثية التي الّف منها كتابيه التهذيب والاستبصار بتوسط اشخاص لم يوثقوا بالخصوص وانما هم من مشايخ الاجازة لا أكثر من قبيل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الذي يروي عنه الشيخ الطوسي بعض الاصول بواسطة الشيخ المفيد. وهكذا أحمد بن محمد بن يحيى ، وأحمد بن عبد الواحد المعروف بابن عبدون أو بابن الحاشر ، وعلي بن محمد بن الزبير القرشي ، وأبي الحسين بن أبي جيد وغيرهم.

ان شيخوخة الاجازة إذا لم تكف لاثبات الوثاقة فسوف يشكل الأمر في كثير من الروايات بسبب هؤلاء ، الأمر الذى صار سببا للتفكير في ابداع طرق جديدة للتغلب على المشكلة من ناحية هؤلاء. وسنتعرض إلى بعض هذه الطرق في أواخر هذا الكتاب ان شاء الله تعالى.

وممن اختار كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات التوثيق الشيخ البحراني في حدائقه ج ٦ ص ٤٨ والشيخ اغا رضا الهمداني في صلاته ص ١٢ وغيرهما بل لعل


الرأي المشهور والسائد هو ذلك.

إلّا ان بعض المتأخين كالسيد الخوئي والسيد الشهيد رفضوا ذلك وقالوا بان شيخوخة الاجازة لا تدل على الوثاقة.

وقرّب السيد الخوئي ذلك بان فائدة الاجازة ليست إلّا ان الشيخ المفيد مثلا سوف يحق له بسبب الاجازة ان يقول اخبرني احمد بن محمد بن الحسن ابن الوليد بهذه الاخبار الموجودة في الكتاب الذي اجازني روايته وكأنه يصير قد سمع الرواية منه.

وحيث ان سماع الثقة الرواية عن شخص ونقلها عنه لا يدل على وثاقته ـ لما تقدم من ان رواية الثقة عن شخص لا تدل على توثيقه ـ فلا يمكن ان تكون شيخوخة الاجازة دليلا على التوثيق (١).

ويمكن ان نقول في مناقشة ذلك : ان شيخ الاجازة إذا كان ممن يعرف بكثرة اخذ الاجازة عنه فذلك يكفي في الدلالة على التوثيق ، إذ من البعيد ان يذهب اعاظم الثقات إلى شخص ويستجيزونه في رواية كتاب وهو ليس بمحرز الوثاقة عندهم. وجرّب ذلك من نفسك ، فهل تذهب إلى شخص وتأخذ منه الاجازة في رواية احاديث كتاب أو كتابين وانت لا تحرز وثاقته؟!!

واذا قلت : ان ما ذكرته من الاستبعاد منتقض بما ينقله الشيخ الصدوق في كتابه عيون اخبار الرضا عليه‌السلام ج ٢ ص ٢٧٩ من ان احد مشايخه المسمى بأحمد ابن

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٧٧.


الحسين بن أحمد بن عبيد النيسابوري المرواني كان ناصبيا ولم يلق انصب منه ، وبلغ من نصبه انه كان يقول اللهم صل على محمد فردا ويمتنع من الصلاة على آله الطيبين الطاهرين.

كان الجواب : ان هذا يدل على فساد العقيدة ، وهو لا يتنافى والوثاقة.

على ان ما ذكرناه من الاستبعاد مختص بمشايخ الاجازة الذين هم من الخاصة دون ما إذا كانوا من العامة فان الاجلاء قد يأخذون الاجازة من العامة لبعض الأغراض الخاصة كما ينقل عن الشهيد الأول رحمه‌الله حيث قيل بان له اجازات كثيرة من العامة.

واذا قلت : اذا كانت الشيخوخة كافيه في اثبات الوثاقة فلماذا لم ينص الشيخ والنجاشي على وثاقة أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وامثاله. ان عدم التنصيص على وثاقتهم يدل على عدم ثبوتها عندهما.

قلت : اجاب السيد البروجردي عن ذلك بان الكتب الرجالية هي : رجال النجاشي ، ورجال الكشي ، ورجال الشيخ.

اما رجال النجاشي فهو موضوع لاستقصاء اصحاب الكتب ، ولعل أحمد ابن محمد وامثاله ليس لهم كتب.

واما رجال الكشي فلانه موضوع لذكر من توجد رواية في حقه ، وهؤلاء ليس في حقهم رواية.

واما رجال الشيخ فالظاهر انه كان بصورة المسودة وكان غرض الشيخ


الرجوع اليه ثانيا لتنظيمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه كما يشهد لذلك اقتصاره في بعض الرواة على مجرد ذكر اسمه واسم أبيه من دون تعرض لبيان حاله أكثر من ذلك. وكذا ذكره لبعض الرواة مكررا وغير ذلك مما يوجب الظن بعدم بلوغ الكتاب إلى مستواه المطلوب ، وما ذاك إلّا لكثرة اشتغال الشيخ بكثرة التأليف والتصنيف بحيث لو قسمت مدة حياته على تأليفاته لا يقع مقابل كتابة رجاله إلّا ساعات معدودة (١).

مسلك السيد بحر العلوم وجماعة

وتغلبا على مشكلة مشايخ الاجازة ـ بناء على عدم كفاية الشيخوخة في اثبات الوثاقة ـ سلك السيد بحر العلوم وجماعة مسلكا آخر ، فقد ذكر ـ بحر العلوم ـ في رجاله عند البحث عن سهل بن زياد ج ٣ ص ٢٥ : ان الرواية التي يشتمل سندها على احد مشايخ الاجازة صحيحة وحجة ولكن لا من جهة ان شيخوخة الاجازة تكشف عن الوثاقة بل من جهة ان الكتب المأخوذ منها الرواية معلومة ومتواترة كتواتر الكتب الأربعة في زماننا هذا ، فكما ان الكتب الأربعة في زماننا معلومة النسبة إلى مؤلفيها ولا يحتاج اخذ الرواية منها إلى وجود طريق معتبر اللهم إلّا من باب التبرك والتيمن فكذلك الحال في الاصول المأخوذ منها الروايات في ذلك الزمان هي معلومة النسبة إلى اصحابها ولا يحتاج أخذ الرواية منها إلى طريق صحيح ، ومعه فلا يضر وجود احد مشايخ الاجازة أو غيرهم ممن لم يوثق في الطريق مادام المقصود من الطريق التبرك والتيمن لا أكثر.

__________________

(١) نهاية التقرير ٢ : ٢٧٠.


واضاف قدس‌سره قائلا : وينبه على ذلك طريقة الشيخ طاب ثراه ، فانه ربما يذكر تمام السند كما هو عادة القدماء وربما يسقط المشايخ ويقتصر على ايراد الروايات ، وليس ذلك إلّا لعدم اختلاف حال السند بذكر المشايخ واهمالهم.

وقد اشار الشيخ النوري في مستدركه ج ٣ ص ٣٧٣ في أول الفائدة الثالثة إلى هذه الطريقة ونسبها إلى الشهيد الثاني وغيره.

وممن اختارها الحر العاملي في وسائل الشيعة في أول الفائدة الخامسة. وذكر في الفائدة التاسعة بعض القرائن الدالة على صحة الكتب المأخوذ منها الروايات وتواترها وانهاها إلى اثنتين وعشرين قرينة.

ولربما تظهر أيضا من الشيخ التستري رحمه‌الله في قاموس رجاله فراجع.

ونحن سوف نتعرض ان شاء الله تعالى إلى هذه الطريقة في موضع ثان مناسب وكيفية مناقشتها إلّا انه مؤقتا نقول : ان نفس السيد بحر العلوم في ج ٤ ص ٤٧ عند تعرضه لبعض الفوائد ذكر ان تلك الكتب ليست متواترة واقام بعض الشواهد على ذلك ، ومعه تبقى الحاجة إلى سند صحيح على حالها.

٨ ـ الوقوع في سند محكوم عليه بالصحة

إذا كان لدينا سند إلى كتاب أو راو معين وحكم عليه بعض الأعلام الذين يقبل قولهم في التوثيق بالصحة وفرض ان احد الرواة الواردين في ذلك السند لم ينص عليه بتوثيق أو تضعيف فهل يحكم على ذلك الراوي بالوثاقة بسبب الحكم بالصحة على السند الذي هو واقع فيه؟


ذهب البعض إلى ذلك ، أي إلى استكشاف وثاقة ذلك الرجل من الحكم بصحة السند الذي وقع فيه.

وعلى سبيل المثال ينقل عن محمد بن الحسن بن الوليد ـ الذي هو استاذ الصدوق ومن الوجهاء والأعاظم ـ انه حكم بصحة الروايات المنقولة عن محمد ابن أحمد بن يحيى ـ الذي هو من الأجلاء أيضا ـ بأي سند كان إلّا بعض الروايات الخاصة الواردة باسانيد معينة.

انه بناء على المسلك المذكور القائل باستكشاف الوثاقة من الحكم بصحة السند يلزم الحكم بوثاقة جميع الأشخاص الذين وقعوا في سند الروايات المنقولة عن محمد بن أحمد بن يحيى فيما إذا لم يكونوا ممن استثنوا.

وقد يورد على ذلك بان الحكم بصحة الرواية لدى الأعلام المتقدمين يعني العمل بها ، وواضح ان العمل برواية معينة كما يمكن ان يكون لأجل كون رواتها من الثقات كذلك يمكن ان يكون لأجل اعتقاد العامل بها احتفافها ببعض القرائن الخاصة. ومن المحتمل ان تلك القرائن لو اطلعتا عليها لم تكن معتبرة في نظرنا.

والصحيح ان هذا الايراد غير تام ـ في المثال المتقدم وان كان وجيها في غيره ـ بقرينة ان ابن الوليد لم يستثن رويات معينة ، وانما استثنى اشخاصا معينين ، فهو لم يقل اني أعمل بجميع روايات محمد بن احمد يحيى إلّا هذه الرواية أو تلك ، وانما قال إلّا روايات فلان وفلان ، فلو كان عمله بالروايات التي لم يستثن أصحابها وليد القرائن لكان المناسب استثناء الروايات لأنها المحفوفة بالقرائن دون نفس الاشخاص.


واورد السيد الخوئي على هذا الطريق بان حكم ابن الوليد بصحة طريق لا يدل على وثاقة رواته ، إذ لعله اعتمد على اصالة العدالة واعتقد بحجية كل رواية يرويها مؤمن ولم يظهر منه فسق (١).

وقد يدفع الايراد المذكور بان هذا الاحتمال لئن كان موجودا في كلام ابن الوليد لكنه ليس بموجود في كلام ابن نوح.

توضيح ذلك : ان النجاشي قال في فهرسته في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى : وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن محمد بن موسى الهمداني وما رواه عن رجل أو يقول بعض اصحابنا أو عن محمد بن يحيى المعاذي ... أو عن محمد بن عيسى بن عبيد ... ثم اضاف قائلا ما نصه :

«قال أبو العباس بن نوح (٢) : وقد اصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن الوليد في ذلك كله ، وتبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه‌الله على ذلك إلّا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رأيه فيه ، لأنه كان على ظاهر العدالة والوثاقة».

ان كلام ابن نوح يدل على شهادته بعدالة جميع من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بما في ذلك محمد بن عيسى بن عبيد حيث قال : «لأنه كان على

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٧٤.

(٢) قال النجاشي في حقه : «أحمد بن نوح بن علي بن العباس بن نوح السيرافي ـ نزيل البصرة ـ كان ثقة في حديثه متقنا لما يرويه فقيها بصيرا بالحديث والرواية ، وهو استاذنا وشيخنا ومن استفدنا منه».


ظاهر العدالة والوثاقة» فلو كان المدار عند ابن نوح على أصالة العدالة لكان من المناسب ان يقول لأنه لم يثبت ضعفه ، ولم تكن حاجة إلى التعليل بقوله لأنه كان ...

هذا مضافا إلى انه لو كان يعتمد على اصالة العدالة لكان من المناسب الحكم بعدالة البقية أيضا لأن عدم كونهم على ظاهر العدالة لا يمنع من الحكم بعدالتهم من باب الاعتماد على اصالة العدالة.

والصحيح بطلان كلا البيانين.

اما الأول فلانه كما يصح التعليل بانه لم يثبت ضعفه كذلك يصح بانه على ظاهر العدالة ، فانه مع وجود تعليل أقوى لا وجه للمصير إلى الأضعف.

واما الثاني فلان دعوى ان محمد بن عيسى كان على ظاهر العدالة لا يدل على ان غيره من افراد المستثنى لم يكن على ظاهر الفسق بل لعله كان على ظاهر الفسق أيضا ، ولذا لم يجر فيهم أصالة العدالة.

طرق اخرى لاثبات الوثاقة

هذه ثمانى طرق ادعيت لاثبات الوثاقة. وقد اتضح عدم تمامية الثالث والسادس والثامن منها.

وهناك طرق اخرى ـ من قبيل ذكر طريق إلى شخص في مشيخة الصدوق أو الترحم عليه بلسان رحمه‌الله أو مصاحبة المعصوم عليه‌السلام أو تأليف كتاب أو اصل ونحو ذلك ـ نعرض عنها لعدم حجيتها وخوف الاطالة.


والذي نلفت النظر إليه هو وجود طرق اخرى لا يمكن حصرها في ضابط معين من قبيل استفادة توثيق إبراهيم بن هاشم من خلال نشره لحديث الكوفيين باعتبار ان الشخص الذي لم يعرف بالوثاقة لا تقبل منه الأحاديث وبالتالي لا يمكنه نقل أحاديث مدرسة إلى مدرسة ثانية.

ومن قبيل توثيق السكوني بواسطة دعوى الشيخ في العدة عمل الطائفة برواياته ، فقد ذكر في مبحث حجية الخبر ان انحراف الراوي في عقيدته لا يضر في الأخذ برواياته ، واستشهد على ذلك بقوله : ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن دراج والسكوني وغيرهم من العامة عن أئمتنا عليهم‌السلام (١).

ومن قبيل توثيق النوفلي ـ الملازم في روايته عادة للسكوني ـ فان المعروف بين الأعلام عدم قبول روايته لعدم ثبوت وثاقته إلّا من خلال كامل الزيارة أو تفسير القمي بيد ان بالامكان اثبات وثاقته من طريق آخر بان يقال : ان عمل الطائفة بروايات السكوني يلازم عملها بروايات النوفلي إذ الناقل لروايات السكوني عادة هو النوفلي فإذا لم تقبل روايات النوفلي يلزم عدم قبول روايات السكوني أيضا.

إلى غير ذلك من الطرق التي يمكن الحصول عليها من خلال التتبع والمراجعة.

__________________

(١) معجم رجال الحديث ٣ : ١٠٦.


تمرينات

س ١ : من هم اصحاب الاجماع؟ وكيف يستدل بالاجماع على وثاقتهم؟

س ٢ : اختار السيد الخوئي حجية الاجماع حتى لو كان مدعيه من المتأخرين. اذكر التقريب الذي تمسك به وكيفية مناقشته.

س ٣ : الوكالة عن المعصوم عليه‌السلام لها شكلان. اذكرهما مع بيان ان أي شكل وقع الكلام في دلالته على الوثاقة.

س ٤ : ما هو دليل القائلين بدلالة الوكالة على الوثاقة وما هو دليل المنكرين لذلك؟

س ٥ : ما هو مختارك في الوكالة هل تدل على الوثاقة؟ اذكر ذلك مع التوجيه الذي تطمئن إليه.

س ٦ : إذا كانت الوكالة تدل على الوثاقة فكيف تفسر الذم الصادر في حق بعض الوكلاء؟

س ٧ : هل رواية الثقة عن شخص تدل على وثاقته؟ اذكر ذلك مع الدليل.

س ٨ : من هو الذي يختار ان رواية الثقة عن شخص تدل على وثاقته؟

س ٩ : هل اكثار الثقة الرواية عن شخص تدل على وثاقته بنظرك؟ ولماذا؟

س ١٠ : اذكر مثالا للثمرة في البحث عن دلالة اكثار الثقة الرواية عن شخص على وثاقته.


س ١١ : إذا قيل بان الثقة وان كان لا يكثر الرواية عن الضعيف ولكنه قد يكثر الرواية عن مجهول الحال فكيف ندفع ذلك؟

س ١٢ : إذا قيل بان اكثار الثقة لا يدل على الوثاقة بدليل ان الاجلاء قد اكثروا الرواية عن بعض الضعفاء فكيف ندفع ذلك؟

س ١٣ : إذا قيل بان اكثار الكليني عن محمد بن اسماعيل قد يكون من جهة اطمئنانه بحقانية روايته وليس من جهة احرازه لوثاقته فكيف ندفع ذلك؟

س ١٤ : إذا قيل بان اكثار الكليني عن محمد بن اسماعيل لعله من جهة اعتماده على اصالة العدالة وليس من جهة احرازه لوثاقته فكيف ندفع ذلك؟

س ١٥ : أخذ الرواية وتحملها له ثلاثة اشكال. اذكرها.

س ١٦ : ما المقصود من مشايخ الاجازة؟

س ١٧ : لماذا كان البحث عن كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة مهما؟

س ١٨ : اذكر بعض الأمثلة لمشايخ الاجازة الذين لم تثبت وثاقتهم.

س ١٩ : ما هو التقريب الذي تمسك به السيد الخوئي لاثبات عدم دلالة شيخوخة الاجازة على الوثاقة وكيف يدفع ذلك؟

س ٢٠ : قد يستدل على عدم دلالة شيخوخة الاجازة على الوثاقة بان بعض مشايخ الصدوق كان ناصبيا. كيف يدفع الاستدلال المذكور؟


س ٢١ : ما هي الطريقة التي تمسك بها السيد بحر العلوم وجماعة للتغلب على مشكلة مشايخ الاجازة؟

س ٢٢ : قيل بان وقوع الراوي في سند محكوم عليه بالصحة يدل على وثاقته. اوضح المقصود من ذلك مع المثال.

س ٢٣ : قد يقال بان حكم ابن الوليد بصحة روايات محمد بن أحمد بن يحيى لعله من جهة اعتقاده بصحة تلك الروايات لبعض القرائن وليس من جهة وثاقة من يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى. كيف تدفع ذلك؟

س ٢٤ : ذكر السيد الخوئي ان حكم ابن الوليد بصحة روايات محمد بن أحمد بن يحيى لا يدل على وثاقة الرواة. اذكر مستنده.

س ٢٥ : قد يتمسك بشهادة ابن نوح على وثاقة جميع مشايخ محمد بن أحمد بن يحيى. اذكر توجيه ذلك مع مناقشته.

س ٢٦ : طرق اثبات الوثاقة كثيرة. اذكرها مع بيان التام منها بنظرك وغير التام.

س ٢٧ : اذكر بعض طرق اثبات الوثاقة الاخرى التي لا يمكن ان تدخل في ضابط معين.

س ٢٨ : هل سند الحديث ١ الباب ١٨ من أبواب مقدمة العبادات صحيح؟


النقطة الثانية

التوثيقات العامة

التوثيق تارة يكون متعلقا بشخص واحد أو أشخاص معينين واخرى يكون متعلقا بعنوان كلي.

مثال الأول : قول النجاشي في حق حماد مثلا : ثقة في حديثه.

مثال الثاني : ما يدعى في حق علي بن إبراهيم من انه وثّق كل من ورد في اسانيد الروايات التي نقلها في تفسيره.

والتوثيقات العامة كثيرة نذكر منها : ـ

١ ـ رواة تفسير القمي

تفسير القمي تفسير روائي (١) لرجل عظيم من أصحابنا عاصر الإمام

__________________

(١) أي تفسير بواسطة الروايات.


العسكري عليه‌السلام يعرف بعلي بن إبراهيم القمي المتوفى سنة ٢١٧ ه‍.

وللكتاب المذكور الذي طبع مؤخرا طبعة ثانية في النجف الأشرف مقدمة طويلة ذكر فيها القمي جملة استفاد منها بعض الأعلام توثيقه لجميع الرواة الواردين في تفسيره.

والعبارة كما يلي : «ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي الينا ، ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم ...».

وقد استفاد صاحب الوسائل من العبارة المذكورة توثيق القمي لجميع من ورد في التفسير المذكور بشرط انتهاء السند إلى المعصوم عليه‌السلام.

قال في الوسائل ج ٢٠ ص ٦٨ : «وقد شهد علي بن إبراهيم أيضا بثبوت احاديث تفسيره وانها مروية عن الثقات عن الأئمة عليهم‌السلام».

وقد اختار ذلك أيضا السيد الخوئي في المعجم ج ١ ص ٤٩.

ولو تم ما ذكر لأصبح ٢٦٠ رجلا من الثقات كما قيل. ومن هنا نعرف مدى أهمية البحث المذكور.

وهناك احتمال آخر في العبارة المتقدمة ، وهو ان يكون القمي بصدد توثيق خصوص مشايخه المباشرين دون كل من ورد في سند الروايات.

وردّ السيد الخوئي هذا الاحتمال بان القمي بصدد اثبات صحة تفسيره وهو يتوقف على توثيق كل من ورد فيه لا خصوص من يروي عنه بالمباشرة.

وعلى ضوء ذلك حكم قدس‌سره بان كل من ورد في التفسير المذكور ثقة ما لم


يضعّف من قبل النجاشي أو غيره فيسقط التوثيق عن الاعتبار لأن شرط قبول التوثيق عدم المعارضة بالجرح كما هو واضح.

هذا حصيلة ما قيل في توجيه حجية رواة تفسير القمي.

وقد يناقش بما يلي : ـ

١ ـ ان الراوي للتفسير المذكور هو أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليه كما يتضح ذلك من خلال مراجعة التفسير نفسه. والشخص المذكور مجهول الحال ولا يعرف عنه شيء.

ومعه فيسقط الكتاب عن الاعتبار لجهالة الراوي له.

وفيه : ان الشيخ الطوسي في فهرسته يذكر طريقا صحيحا إلى جميع كتب علي بن ابراهيم والتي منا تفسيره ويصل في ذلك الطريق إلى القمي نفسه.

ومع افتراض ان القمي نفسه قد اجاز الشيخ الطوسي بالوسائط في نقل تفسيره عنه فلا تضر بعد هذا جهالة أبي الفضل.

٢ ـ ان مقدمة الكتاب المذكور التي هي مقدمة طويلة لم يثبت كونها من القمي ، فانه بعد الاستمرار في سرد المقدمة ورد اثنائها ما نصه : قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ ...

وهذا يولّد احتمال ان المقدمة لم تكن من بدايتها للقمي وانما يبتدأ كلام القمي من جملة : فالقرآن منه ناسخ ...

والعبارة السابقة التي يراد الاستشهاد بها ـ ونحن ذاكرون ومخبرون بما


ينتهي ... ـ مذكورة قبل ذلك ، أي قبل جملة : قال أبو الحسن ... ومعه فلا يمكن الاستشهاد بها لعدم الجزم بكونها من كلام القمي.

وفيه : ان الجملة السابقة التي يراد الاستشهاد بها قد نقلها صاحب الوسائل في وسائله ، وهو له طريق صحيح إلى الشيخ الطوسي وبالتالي إلى القمي نفسه ، فيثبت بذلك ان القمي قد ذكر الجملة السابقة واوصلها إلى صاحب الوسائل من خلال الشيخ الطوسي.

٣ ـ ان بعض من ورد في تفسير القمي مادام قد ضعّف من قبل النجاشي أو الشيخ فذلك يدل على ان القمي لا يقصد توثيق جميع من ورد في تفسيره.

وفيه : لعل من ضعّف هو ثقة في نظر القمي فيكون المورد من موارد التعارض بين التعديل والجرح ولا يكون التضعيف قرينة على ان القمي لا يريد توثيق كل من ورد في تفسيره.

أجل لو كان الضعف مسلما لدى الجميع وواضحا امكن ان يجعل ما ذكر قرينة ولكن اين وجود مثل ذلك.

إذن المناقشات المذكورة غير واردة.

والمهم ان يقال : ـ

١ ـ ان القمي وان كان له كتاب باسم التفسير ولا يمكن التشكيك في ذلك باعتبار ان النجاشي والطوسي قد نصا على وجود التفسير المذكور وذكرا إليه طريقا صحيحا ولكننا نشكك في كون التفسير المتداول اليوم هو نفس تفسير


القمي ، ونحتمل عدم كونه للقمي رأسا أو لا أقل بعضه للقمي والبعض الآخر قد دسّ فيه.

ومما يؤكد ما نقول التعبير التالي : «رجع إلى تفسير علي بن إبراهيم» أو «رجع إلى رواية علي بن إبراهيم» أو «رجع الحديث إلى علي بن إبراهيم» أو «في رواية علي بن إبراهيم».

ويمكن مراجعة ذلك في ج ١ ص ٢٧١ ، ٢٧٢ ، ٣٨٩ ، ٢٩٩ ، ٣١٣ ، ٣٨٩ ، ٢٩٢ ، ٢٩٤ ...

٢ ـ ان في التفسير بعض القرائن التي تشهد بان القمي ليس بصدد توثيق جميع رواة كتابه. ففي ج ١ ص ٦٦ يقول : حدثني ابي رفع قال : قال الصادق عليه‌السلام. وفي ج ١ ص ٩٩ يقول : وحدثني محمد بن يحيى البغدادي رفع الحديث إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام. وفي ج ١ ص ٢١٤ يقول : وحدثني ابي عن الحسين بن سعيد عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه‌السلام إلى غير ذلك من الموارد التي لا يمكنه فيها التوثيق لعدم تشخص رواة السند.

بل في بعض الموارد ورد اسم من لا يمكن ان يكون من الثقات كيحيى ابن اكثم مثلا كما في ج ١ ص ٣٥٦.

٢ ـ رواة كامل الزيارة

كامل الزيارة كتاب مؤلف لجمع الزيارات. ومؤلفه هو الثقة الجليل جعفر ابن محمد بن قولويه الذي هو من اعلامنا المتقدمين.


وقد ذكر هذا الشيخ الجليل لكتابه مقدمة صغيرة ذكر ضمنها العبارة التالية : «وقد علمنا بانا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من اصحابنا رحمهم‌الله برحمته ولا اخرجت فيه حديثا روي عن الشذاذ من الرجال ...» (١).

وقد استفاد الشيخ النوري في كتابه مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٥٢٢ ان ابن قولويه يقصد توثيق خصوص من يروي عنه بالمباشرة. وقد بلغوا بعد الاستقراء ٣١ شيخا.

وفهم صاحب الوسائل منها كونه بصدد توثيق جميع مشايخه (٢).

وممن اختار ذلك أيضا السيد الخوئي على ما في المعجم ج ١ ص ٥٠ حيث ذهب إلى ان كل من ورد في اسانيد كامل الزيارة فهو ثقة إلّا إذا عورض بتضعيف من قبل آخرين طبقا للضابط الكلي في كل توثيق حيث يؤخذ به بشرط عدم المعارضة بتضعيف.

وبناء على هذا الرأي سوف تثبت وثاقة ٣٨٨ راويا على ما قيل (٣).

__________________

(١) كامل الزيارة : ص ٤. والمقصود من العبارة المذكورة : انا لا نحيط بجميع ما روي عن أهل البيت عليهم‌السلام في مجال الزيارات ولا في المجالات الاخرى ، ولكننا نذكر خصوص ما وصلنا من الرواة الثقات ولم اذكر الأحاديث المروية عن الرجال الشواذ.

(٢) وسائل الشيعة : ج ٢٠ الفائدة ٦.

(٣) ونلفت النظر إلى ان السيد الخوئي قدس‌سره كان في بداية امره لا يعتقد بوثاقة رجال كامل الزيارة حتى المباشريين منهم ـ كما يشير لذلك في فقه الشيعة ج ٣ ص ٢٧ ـ وبعد ذلك وفي الفترة التي كنّا نحضر عليه فيها صار يعتقد بوثاقة الجميع حتى غير المباشريين منهم ، ثم في اخريات حياته اختار التفصيل وخصّص التوثيق بخصوص المباشريين.


ويرد عليه : ان استفادة توثيق جميع الرواة أمر مشكل جدا بل المناسب استفادة توثيق خصوص المباشريين ، فان العبارة المتقدمة مجملة من هذه الناحية ، والقدر المتيقن منها ارادة توثيق خصوص المباشريين.

ومما يؤكد ما نقول ان ابن قولويه ذكر رواة لا يعرفهم حتى هو ، ففي الحديث الثالث من الباب الأول يقول : عمن ذكره عن محمد بن سنان عن محمد بن علي رفعه.

وفي الحديث الرابع من الباب السابق يقول : عن بعض اصحابنا رفعه. وفي الحديث الثاني من الباب الرابع يقول : عمن حدّثه.

وهناك موارد اخرى من هذا القبيل كثيرة.

بل قد يقال (١) بامكان الترقي وانكار استفادة توثيق مشايخه المباشريين أيضا ، إذ يحتمل ان يكون مقصوده من العبارة المتقدمة : انا لا نحيط بجميع الروايات ولكن ننقل الروايات التي سجلها خصوص من لهم خبروية بالحديث ويعدون من نقادّه.

وعلى هذا يكون مراده من الثقات الاشارة إلى ذلك ، أي إلى نقادّ الحديث ، ولا يريد ان يقول اني اسجل الروايات التي وردتني من مشايخي الثقات ، بل يريد

__________________

(١) القائل هو السيد السيستاني دام ظله في قاعدة لا ضرر : ص ٢١.


ان يقول اني اذكر الروايات التي سجلها في كتبهم نقاد الحديث الذين قد يكونون تارة من المشايخ المباشريين له واخرى من مشايخ مشايخه.

لم تراجع السيد الخوئي عن كامل الزيارة بالخصوص

تراجع السيد الخوئي اخريات حياته عن استفادة توثيق جميع رواة كامل الزيارة وخصّص ذلك بخصوص المباشريين ، ولكنه لم يتراجع عن رجال تفسير القمي.

وهنا يخطر إلى الذهن السؤال عن سبب تخصيص التراجع بكامل الزيارة.

والجواب : ان ذلك من جهة ان القمي قال في عبارته السابقة : «ونحن ذاكرون بما رواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم ...». ان ذكر «ثقاتنا» بعد قوله : «عن الذين فرض الله طاعتهم» يدل على ان الرواة ثقات إلى ان يصلوا إلى الأئمة عليهم‌السلام الذين فرض الله طاعتهم. بينما مثل هذا التعبير لم يرد في عبارة ابن قولويه.

٣ ـ مشايخ النجاشي

ذكر النجاشي في ترجمة بعض الرواة ما يستفاد منه عدم روايته عن الضعفاء ، ففي ترجمة محمد بن عبيد الله بن الحسن الجوهري يقول : «رأيت هذا الشيخ وكان صديقا لي ولوالدي وسمعت منه شيئا كثيرا ورأيت شيوخنا يضعفونه فلم أرو عنه شيئا وتجنبته ...».

وذكر في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول : «وكان


في أول أمره ثبتا ثم خلط ، ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ... رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيرا ثم توقف عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه».

وذكر في ترجمة جعفر بن محمد بن مالك : «كان ضعيفا في الحديث. قال أحمد بن الحسين : كان يضع الحديث وضعا ويروي عن المجاهيل. وسمعت من قال : كان أيضا فاسد المذهب والرواية. ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو علي بن همام وشيخنا الجليل الثقة أبو غالب الزراري».

وقد استفاد بعض الأعلام من هذه الموارد ان النجاشي يوثق جميع مشايخه وانه لا يروي إلّا عمن يوثقه.

وقد نسب هذا الرأي إلى الشيخ البهائي والسيد بحر العلوم (١).

وممن اختاره من المتأخرين السيد الخوئي.

وقد يشكل على ذلك بان غاية ما يستفاد من عبارة النجاشي تحرزه عن الضعفاء الذين رأى الأصحاب يضعفونهم دون من هو مجهول الحال لديه.

ويمكن دفع ذلك بما يلي : ـ

أ ـ ان تحرز النجاشي من الرواية عمن ضعّف ليس لأمر تعبدي بل لعدم حجية رواية الضعيف ، وواضح ان المجهول كالضعيف ، ولذا يعطفون المجاهيل على الضعفاء في لزوم التحرز عن روايتهم.

__________________

(١) تنقيح المقال ١ : ٥٨.


ب ـ ان النجاشي بعد معاشرته لمشايخه لا يحتمل بقاء حالهم مجهولة لديه ، فيدور الأمر بين كونهم ضعافا عنده ، وهو باطل ، وبين ان يكونوا ثقاة ، وهو المطلوب.

وببركة هذا الطريق يمكن توثيق بعض مشايخ الاجازة الذين وصلت بعض الاصول إلى الشيخ الطوسي بواسطتهم كأحمد بن عبدون وابي الحسين بن أبي جيد فانهما من مشايخ الشيخ الطوسي ولم يوثقا بالخصوص إلّا انه باعتبار كونهما من مشايخ النجاشي أيضا فيمكن توثيقهما من خلال ذلك.

٤ ـ الوقوع في سند أصحاب الاجماع

ذكر الكشي في رجاله المعروف ان الطائفة قد اجمعت على تصحيح ما يصح عن جماعة. ستة من اصحاب الإمام الباقر عليه‌السلام وستة من اصحاب الصادق عليه‌السلام وستة من اصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام.

قال ص ٢٣٨ من طبع دانشگاه : «اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من اصحاب أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام وانقادوا لهم بالفقه فقالوا افقه الأولين ستة : زرارة ومعروف بن خرّبوذ وبريد وأبو بصير الأسدي والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم الطائفي».

وقال ص ٣٧٥ : «اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون واقروا لهم بالفقه من دون اولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم ، ستة نفر : جميل بن دراج وعبد الله بن مسكان وعبد الله بن بكير وحماد بن عيسى وحماد بن عثمان وابان بن عثمان».


وقال ص ٥٥٦ : «اجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم واقروا لهم بالفقه والعلم. وهم ستة نفر اخر دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام منهم : يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى بياع السابري ومحمد بن أبي عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب وأحمد بن محمد بن أبي نصر».

وقد اختلف فهم الأعلام لهذه العبائر فقيل متى ما وقع واحد من هؤلاء اثناء السند فاذا كان الطريق من الشيخ الطوسي ـ الذي يروي لنا الحديث مثلا ـ إليه معتبرا فلا تضر جهالة الوسائط بينه وبين الإمام عليه‌السلام.

ونسب هذا الرأي إلى الشهيد الثاني والشيخ المجلسي والبهائي وغيرهم.

وذهب صاحب الوسائل (١) إلى أكثر من ذلك فقال : ان الوسائط المذكورة كما لا تضر جهالتها كذلك لا يضر تضعيفها.

والصحيح ان غاية ما يستفاد من العبائر السابقة الاجماع على جلالة المذكورين وحسن حالهم ، وكأنه يراد ان يقال انه متى ما وقع أحد هؤلاء في السند فالرواية من ناحيته لا خلل فيها ، واما من قبله أو بعده فلا نظر إليه.

٥ ـ وقوع بني فضال في السند

بنو فضال ـ وهم الحسن بن علي بن فضال وأحمد بن الحسن بن علي بن فضال وعلي بن الحسن بن علي بن فضال ـ جماعة من الفطحية.

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ٨٠ ـ ٨١ من الطبع القديم.


والفطحية فرقة تقول بامامة عبد الله الأفطح ابن الإمام الصادق عليه‌السلام.

وكان لبني فضال المعروفين بالوثاقة والعبادة أحاديث كثيرة.

ولكثرة احاديثهم وفساد عقيدتهم وجّه بعض الشيعة سؤالا إلى الإمام العسكري عليه‌السلام. عن الموقف الذي ينبغي اتخاذه اتجاه تلك الأحاديث.

ففي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي رواية ينقلها عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ النوبختي رضوان الله تعالى عليه يقول فيها : سئل الشيخ يعني الحسين بن روح عن كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذم وخرجت فيه اللعنة فقيل له فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال : اقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء فقال صلوات الله عليه : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (١).

ولاجل هذه الرواية اختار جمع من الأعلام منهم الشيخ الأنصاري في كتاب الصلاة (٢) ان أي رواية ورد في سندها بعض بني فضال فهي حجة ويعمل بها حتى لو اشتملت على ضعف في بعض رجالها بين بني فضال والإمام عليه‌السلام.

يقول قدس‌سره في أوائل كتاب الصلاة عند ذكره لرواية داود بن فرقد عن بعض اصحابنا : «وهذه الرواية وان كانت مرسلة إلّا ان سندها إلى الحسن بن فضال

__________________

(١) الغيبة : ص ٢٣٩.

(٢) ص ٢.


صحيح (١). وبنو فضال ممن امرنا بالأخذ بكتبهم ورواياتهم».

وفيه : ان الرواية المذكورة قابلة للمناقشة من حيث السند والدلالة.

اما من حيث السند فباعتبار ان الكوفي خادم الشيخ النوبختي مجهول لا يعرف عنه شيء.

هذا مضافا إلى ان الشيخ الطوسي ينقلها عن ابي الحسين ابن تمام عن عبد الله الكوفي ، وابن تمام مجهول أيضا.

واما من ناحية الدلالة فلان في المقصود منها احتمالين : ـ

أ ـ الشهادة بصحة جميع روايات بني فضال نظير شهادة الإمام العسكري عليه‌السلام بصحة جميع ما ورد في كتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمن حينما ادخله أبو هاشم الجعفري على الإمام العسكري عليه‌السلام واخذ يتصفحه وقرّضه بقوله : «هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كله» (٢).

وبناء على هذا الاحتمال يتم ما افاده الشيخ الأنصاري حيث انه بعد شهادة الإمام عليه‌السلام بصحة جميع روايات بني فضال لا يبقى مجال للتدقيق في السند.

ب ـ بيان ان فساد عقيدة الراوي لا يمنع من الأخذ بروايته.

وبناء على هذا لا يتم ما افاده الشيخ الأنصاري ، إذ ليس المقصود الشهادة

__________________

(١) فان الرواية ينقلها الشيخ الطوسي بسنده المعتبر إلى الحسن بن علي بن فضال عن داود بن فرقد عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام. الوسائل باب ٤ من أبواب المواقيت حديث ٧.

(٢) رجال الكشي : ص ٤٨٤ رقم ٩١٥.


بصحة جميع روايات بني فضال بل بيان عدم وجود موجب للتوقف من ناحية بني فضال لا أكثر.

ونحن ان لم ندع اظهرية الاحتمال الثاني فيكفينا احتماله ، إذ الاحتمال يكفي لبطلان الاستدلال في مثل هذا المورد.

٦ ـ رواية أحد المشايخ الثلاثة

قيل بان أحد المشايخ الثلاثة ـ محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ـ إذا روى عن شخص كان ذلك دليل وثاقته.

واستند في ذلك إلى عبارة الشيخ الطوسي في كتابه عدة الاصول حيث قال : «وإذا كان أحد الراويين مسندا والآخر مرسلا نظر في حال المرسل فان كان ممن يعلم انه لا يرسل إلّا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عمن يوثق به وبين ما اسنده غيرهم ...».

ولعل حجية مراسيل هؤلاء الثلاثة هو الرأي المشهور استنادا إلى عبارة العدة.

هذا ولكن السيد الخوئي رفض ذلك لعدة وجوه من قبيل ان نسبة الشيخ التسوية إلى الأصحاب قد استند فيها إلى حدسه واجتهاده وليس إلى حسه بدليل انها لو كانت صحيحة ومعروفة لدى الأصحاب لذكرت في كلمات القدماء غير


الشيخ والحال انه ليس منها عين ولا أثر.

ومن قبيل ان عدم رواية هؤلاء إلّا عن ثقة قضية لا يمكن الاطلاع عليها إلّا من قبلهم ، وهم لم يصرحوا بذلك وإلّا لنقل ذلك عنهم وان مثل ابن أبي عمير قد اعلن عن التزامه بعدم الرواية عن غير الثقة.

ان هذه الاعتراضات وامثالها يمكن التغلب عليها بان نقل الشيخ الطوسي تسوية الطائفة معللا بعدم روايتهم عن غير الثقة يستبطن ضمنا شهادة الشيخ نفسه بوثاقة جميع مشايخ الثلاثة.

وإذا قيل بان شهادة الشيخ هذه مستندة إلى الحدس فلا تكون حجة.

كان الجواب : ان احتمال استنادها إلى الحس موجود ـ ومعه يبنى على اصالة الحس ـ ولكن لا بسبب تصريحهم حتى يقال لو كان لهم تصريح لنقل بل لمعرفة ذلك من حالهم من خلال معاشرتهم فانه قد يعرف التزام بعض الأشخاص بقضية معينة من خلال معاشرتهم. والشيخ الطوسي قد تلقى هذا الالتزام والوضوح يدا بيد ، وبسببه ادلى بشهادته الضمنية.

واذا قيل كيف خفي ذلك على النجاشي؟

كان الجواب : ان هذا كسائر الموارد التي يشهد فيه احدهما بالوثاقة دون الآخر.

ونلفت النظر إلى ان رواية ابن أبي عمير مثلا لها اشكال ثلاثة : ـ

١ ـ ان يصرح باسم المروي عنه. وفي مثله يحكم بوثاقته ـ لشهادة الشيخ


الضمنية ـ بشرط عدم وجود معارض لها.

٢ ـ ان يقول عن بعض اصحابنا. وفي مثله لا يحكم بالوثاقة لأن بعض مشايخ ابن أبي عمير هو من غير الثقات ويحتمل ان هذا البعض هو من هؤلاء الضعاف.

٣ ـ ان يقول عن غير واحد من اصحابنا (١). وفي مثله يمكن الحكم بقبول الرواية لأننا إذا قمنا بعملية احصاء لمشايخ ابن أبي عمير لوجدنا ان مقدارهم يقرب من ٤٠٠ رجل ، والضعاف منهم ٥ والباقي ثقات. وإذا ضممنا إلى ذلك قضية ثانية وهي ان التعبير بكلمة : «عن غير واحد» يدل عرفا على ما لا يقل عن ثلاثة فسوف يثبت ان احتمال كون مجموع الثلاثة هم من الخمسة الضعاف وليس احدهم من البقية البالغة ٣٩٥ ضعيف جدا.

ولو اردنا استخراج قيمة الاحتمال المذكور امكننا ان نقول :

ان قيمة احتمال كون كل واحد من الثلاثة هو من الخمسة  (٢).

واحتمال كون مجموع الثلاثة هم من الخمسة وليس احدهم من البقية .

وعليه فاحتمال كون مجموع الثلاثة هم من الخمسة وليس احدهم من

__________________

(١) حيث تداول لدى ابن أبي عمير روايته «عن غير واحد من اصحابنا».

(٢) أي احتمال واحد من بين ثمانين احتمالا.


البقية يساوي احتمالا واحدا من بين ٥١٢٠٠٠ احتمال. وهو ضعيف جدا لا يعتني له العقلاء (١).

نتيجة ما تقدم

والنتيجة مما تقدم ان ابن أبي عمير إذا صرّح باسم شيخه حكم بوثاقته فيما إذا لم يكن له معارض.

وإذا عبّر بكلمة بعض اصحابنا فلا يحكم بالوثاقة.

ولو عبّر بكلمة «غير واحد» حكم باعتبار السند.

توثيقات عامة اخرى

والتوثيقات العامة ـ التي عرفنا صحة بعضها لا جميعها ـ لا تنحصر بما ذكر بل لها مصاديق اخرى نعرض عنها خوف الاطالة.

__________________

(١) وتطبيق حساب الاحتمال في مجال الرجال وفي علم الاصول والفقه في بعض ابحاثهما ينبغي ان يعدّ من الأفكار الرائعة جدا.


تمرينات

س ١ : ما المقصود من التوثيق العام؟ اذكر بعض الأمثلة لذلك.

س ٢ : ما هي العبارة المذكورة في مقدمة تفسير القمي التي استفيد منها وثاقة جميع من ذكر فيه؟

س ٣ : اذكر بعض الأعلام الذي اختار وثاقة جميع رواة تفسير القمي.

س ٤ : قد يقال بان مقصود القمي توثيق خصوص من يروي عنه بالمباشرة.

اذكر مناقشة السيد الخوئي لهذا الاحتمال.

س ٥ : هناك ثلاث مناقشات غير تامة بالنسبة إلى تفسير القمي. اذكرها مع بيان وجه عدم تماميتهما.

س ٦ : ما هما المناقشتان التامتان حول تفسير القمي؟

س ٧ : لماذا قيل بوثاقة جميع رواة كامل الزيارة؟

س ٨ : كيف يدفع الرأي القائل بوثاقة جميع رواة كامل الزيارة؟

س ٩ : لم تراجع السيد الخوئي عن خصوص رواة كامل الزيارة دون تفسير القمي؟

س ١٠ : قيل بوثاقة جميع مشايخ النجاشي. اذكر مستند ذلك.


س ١١ : اشكل على استفادة وثاقة مشايخ النجاشي. اذكر الاشكال والجواب عنه.

س ١٢ : ما هي عبارة الكشي في اصحاب الاجماع؟

س ١٣ : اختلف فهم العلماء للاجماع المدعى في كلام الكشي. اوضح الاختلاف المذكور.

س ١٤ : جاء ذكر أصحاب الاجماع مرتين : مرة في التوثيقات الخاصة واخرى في التوثيقات العامة. هل ترى في ذلك نحو تكرار أو تهافت أو لا ترى شيئا من ذلك؟ أوضح ذلك.

س ١٥ : من هم بنو فضال؟

س ١٦ : لماذا قيل بوثاقة جميع افراد السند المشتمل على بعض بنى فضال؟

س ١٧ : كيف يناقش القول المتقدم؟

س ١٨ : قيل بوثاقة جميع مشايخ الثقات الثلاثة. اذكر مستند ذلك.

س ١٩ : للسيد الخوئي عدة مناقشات للرأي القائل بوثاقة جميع مشايخ الثلاثة. اذكر مناقشة واحدة.

س ٢٠ : كيف تدفع مناقشات السيد الخوئي.

س ٢١ : طبّق فكرة حساب الاحتمال على مراسيل ابن أبي عمير بعد تشخيصك الحالة التي يمكن فيها ذلك.


س ٢٢ : أوضح الطريقة الرياضية لاستخراج قيمة احتمال كون مجموع الثلاثة هم من الخمسة الضعاف فقط.

س ٢٣ : هل سند حديث ١ باب ١٩ من أبواب مقدمة العبادات في وسائل الشيعة صحيح؟ أوضح ذلك.


النقطة الثالثة

مدرك حجية قول الرجالي

عرفنا فيما تقدم وجود عدة طرق لاثبات وثاقة الراوي وكان العمدة منها توثيق الرجالي.

وفي هذه النقطة نريد التعرف على مدرك حجية قول الرجالي. وفيما يلي نذكر عدة وجوه :

١ ـ ان يكون ذلك من باب الشهادة ، فكما ان الأخبار لدى الحاكم بان الدار الفلانية لزيد شهادة ويكون ذلك حجة من باب حجية الشهادة كذلك اخبار الرجالي بوثاقة الراوي شهادة ، ويكون حجة من باب حجية الشهادة.

وقد اختار ذلك جماعة من الأعلام منهم صاحب المعالم في معالمه (١).

__________________

(١) الطبع القديم : ص ١٩٤.


وأورد على ذلك بان لازمه عدم قبول شهادة مثل النجاشي والشيخ الطوسي بالوثاقة ، لأن شرط قبول قول الشاهد كونه حيا وليس بميت.

كما وانه يلزم عدم قبول شهادة كل واحد منهما فيما إذا كان منفردا ، لأن شرط قبول الشهادة تعدد الشاهد وكونه اثنين.

كما وانه يلزم عدم قبول توثيق غير الإمامي الاثنى عشري ، لأن شرط قبول شهادة الشاهد عدالته ولا تكفي وثاقته. وعليه يلزم رفض توثيقات بني فضال التي ينقل الكشي بعضها لأنهم فطحية ، وذلك بعيد.

٢ ـ ان يكون ذلك من باب حجية قول أهل الخبرة ، فكما ان قول الدلال الذي يحدد قيم الأشياء حجة من باب كونه من أهل الخبرة فكذلك اخبار النجاشي مثلا بوثاقة الرواة حجة من الجهة المذكورة.

ويرده : ان المورد لا يكون من موارد شهادة أهل الخبرة إلّا إذا احتاج إلى اعمال الاجتهاد والنظر ، وواضح ان اخبار النجاشي بالوثاقة لا يتوقف على ذلك لأن الوثاقة هي من الامور المحسوسة أو القريبة من الحس.

وان شئت قلت : ان الكتب الرجالية كانت متوفرة زمن النجاشي وكان بواسطتها يحكم بوثاقة هذا وذاك ، ومجرد هذا لا يصيره من أهل الخبرة ، إذ هو نظير من كان واقفا على مرتفع وينظر إلى مجئ هذا وذاك عليه‌السلام يخبرنا بذلك فهل ترى اننا نقبل اخباره من باب كونه من أهل الخبرة؟ كلا.

٣ ـ ان يكون ذلك من جهة حصول الاطمئنان من قول الرجالي ، وحيث ان الاطمئنان حجة بالسيرة العقلائية التي لم يثبت الردع عنها فيثبت حجية


قول الرجالي.

ويرده : ان حصول الاطمئنان من قول الرجالي نادر جدا.

ومن الغريب ما ينقل عن بعض اعلام مدرسة النجف الأشرف من حصول القطع له بوثاقة من يوثقه الشيخ الطوسي قدس‌سره.

٤ ـ ان يكون ذلك من باب حجية خبر الثقة بتقريب ان سيرة العقلاء قد جرت على التمسك بخبر الثقة في جميع المجالات. وهي حجة ما لم يثبت الردع عنها في مورد خاص كما هو الحال في الزنا فانه قد دلّ الدليل على عدم ثبوته إلّا بأربعة شهود ، وكما في السرقة حيث دلّ الدليل على عدم ثبوتها إلّا بشاهدين.

وبناء على هذا الرأي لا يشترط في الموثّق العدالة بل يكفي كونه ثقة متحرزا عن الكذب. كما وانه لا يشترط التعدد بل يكفي اخبار الواحد. كما وانه لا تشترط حياته.

كل ذلك من جهة انعقاد السيرة العقلائية على التمسك بخبر الثقة من دون اشتراط التعدد والعدالة والحياة.

وممن اختار هذا الرأي من المتأخرين السيد الخوئي قدس‌سره.

مشكلة الارسال في التوثيقات

هناك اشكال ظريف ـ اشرنا له سابقا ـ يرد بناء على الرأي الأخير بالخصوص.

وحاصله : ان النجاشي حينما يخبر بوثاقة شخص معين فهو يخبر عن ذلك


من باب وصوله له يدا بيد وثقة عن ثقة ، فاخباره على هذا عن الوثاقة اخبار يمرّ بسلسلة من الثقات.

وبناء على هذا يقال : لو كان النجاشي يخبرنا عن حكم الإمام الصادق عليه‌السلام بقضية معينة لما كنّا نقبل اخباره إلّا بعد ان يخبرنا بسلسلة الرواة الذين يعتمد عليهم في النقل. ولا نكتفي منه لو قال في الجواب ان جميع افراد السلسلة ثقات. اننا نرفض ذلك منه لاحتمال كون بعض من يشهد بوثاقتهم له جارح يشهد بضعفه فما لم يصرح باسم افراد السلسلة يبقى هذا الاحتمال مانعا من الأخذ بشهادته بالوثاقة.

ومن هنا كانت المراسيل في باب الأخبار عن الأحكام الشرعية مرفوضة من جهة النكتة المذكورة.

ونفس هذا يرد في توثيقات النجاشي نفسه فهو حينما يخبر عن وثاقة راو معين يكون اخباره من خلال سلسلة الثقات ، وحيث ان اسماء افراد السلسلة لا ينقلها فنحتمل وجود جارح لبعضهم.

وبكلمة مختصرة : كما ان النجاشي لو قال : قال الصادق عليه‌السلام الخمر نجس لا نقبل اخباره لأنه مرسل فكذلك اخباره عن الوثاقة حيث انه مرسل فلا يقبل.

وهذا الاشكال يرد ـ كما قلنا ـ على خصوص الرأي الأخير دونه على بقية الآراء ، إذ بناء عليها لا يكون قول الرجالي حجة من باب الاخبار ليقال ان الاخبار المرسل ليس حجة.

وقد ذكرنا فيما سبق جوابا عن هذا الاشكال يرجع حاصله إلى ان الكتب


الرجالية حيث كانت كثيرة زمن النجاشي والشيخ الطوسي فهما بذلك يكونان قد واجها جوا من الوضوح في وثاقة هذا وذاك ، وقد استندا إلى هذا الجو من الوضوح وليس إلى نقل كابر عن كابر كي يقال بحاجة جميع السلسلة إلى اثبات الوثاقة بغير معارض وهو غير ممكن مع عدم معرفة اسماء الوسائط.

وهذا الجواب ان تم فبها وإلّا فبامكاننا تقديم جوابين :

١ ـ نسلم بكون الوجه في حجية قول الرجالي دخوله تحت كبرى حجية خبر الثقة. ولا يضر الارسال في التوثيق لبيان مركب من مقدمتين : ـ

أ ـ ان السيرة العقلائية قد جرت على ان الثقة لو قال اخبرني ثقة بكذا قبل ذلك منه ولا يقال له من هو الثقة الذي اخبرك فلعلك مشتبه وله جارح.

ب ـ ان الثقة حينما ينقل لنا توثيق شخص فهو ملتزم بانه ينقل التوثيق عن الثقات وإلّا فما فائدة اخباره بوثاقة شخص عن غير الثقات.

وبضم احدى المقدمتين للاخرى يثبت ان الشيخ الطوسي حينما ينقل الوثاقة عن شخص فهو ملتزم ويشهد بكونه ثقة ، وهذا الثقة الثاني يشهد بكون من ينقل عنه ثقة ، وهكذا.

٢ ـ ان بالامكان تقديم مدرك جديد وهو الشهادة ، بان يقال يوجد لدينا أمران : شهادة الثقة واخبار الثقة. والسيرة العقلائية قد جرت على قبول شهادة الثقة من دون تفحص عن مدركه وبدون فرق بين كون الشاهد حيا أو لا ، عادلا أو ثقة ، واحدا أو متعددا. وحيث ان السيرة المذكورة لا ردع عنها شرعا فهي حجة.


اجل نستدرك لنقول ان العقلاء يقبلون شهادة الثقة بشرط احتمال استنادها إلى الحس احتمالا معتدا به.

وهذا الاحتمال ثابت في حق النجاشي والشيخ لكثرة الكتب الرجالية في زمانهما.

وإذا سألت عن الفرق بين هذا الجواب والجواب الأول من الأجوبة الأربعة المتقدمة.

كان الجواب ان ما سبق كان ناظرا إلى الشهادة بمعناها الشرعي الذي هو متقوم بتعدد الشاهد وحياته وعدالته ، بينما هذا الجواب ناظر إلى الشهادة بمعنى ثان انعقدت عليه سيرة العقلاء وهو ان الثقة الواحد إذا شهد بشيء قبلت شهادته وان لم يكن حيا ولا عادلا.

وإذا قيل ما الفرق بين اخبار الثقة وشهادة الثقة؟

كان الجواب : ان الملحوظ في اخبار الثقة مجرد كونه ناقلا بدون ان يفترض حكمه الخاص بينما الملحوظ في شهادة الثقة نقله للشيء مع افتراض حكمه على طبقة واعماله لرأيه. فالثقة تارة ينقل الوثاقة بدون تبن لها واخرى ينقلها مع تبنيه لها وحكمه على طبقها. والأول يدخل تحت عنوان اخبار الثقة والثاني يدخل تحت عنوان شهادة الثقة.


تطبيقات

نعود إلى التطبيقات من جديد.

ذكر الحرّ العاملي في الوسائل الباب ٣ من أبواب الماء المطلق ما نصه : ـ

١ ـ محمد بن الحسن عن محمد بن محمد بن النعمان المفيد عن ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد وعبد الرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...

ان الرواية المذكورة نقلها الحر عن احد كتابي الشيخ الطوسي بقرينة قوله محمد بن الحسن وهو الشيخ الطوسي.

والرواية صحيحة السند لوثاقة جميع افراد السند. وقد تقدمت الاشارة لهم فيما سبق.

ونلفت النظر إلى ان الرواية المذكورة بالرغم من صحتها بطريق الشيخ الطوسي لا يمكن الاعتماد عليها لأن الحر قال بعد ذلك : ورواه الكليني عن علي ابن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حماد عن حريز عمن اخبره عن ابي عبد الله عليه‌السلام مثله. وهذا يدل على وجود واسطة مجهولة بين حريز والإمام عليه‌السلام ، وحيث لا نحتمل تعدد الرواية فتسقط عن الاعتبار لاحتمال وجود واسطة مجهولة.


٢ ـ وباسناده عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد يعني ابن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...

أي وباسناد الشيخ الطوسي عن علي بن إبراهيم.

والرواية صحيحة السند لأن سند الشيخ إلى علي بن إبراهيم صحيح فراجع المشيخة. وبقية افراد السند ثقات.

اما علي ووالده وابن ابي عمير فقد تقدموا.

واما حماد فهو من اصحاب الاجماع.

واما الحلبي فهو عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي. قال النجاشي : كان يتجر هو وابوه واخوته إلى حلب فغلب عليهم النسبة إلى حلب. وآل أبي شعبة في الكوفة بيت مذكور من اصحابنا ... وكانوا جميعا ثقات مرجوعا إلى ما يقولون وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم. وصنف الكتاب المنسوب إليه وعرضه على ابي عبد الله عليه‌السلام وصححه. قال عند قراءته : اترى لمثل هؤلاء مثل هذا (١).

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١١ : ٧٧.


تمرينات

س ١ : هناك عدة مدارك لاعتبار قول الرجالي. اذكر المدرك الأول منها مع مناقشته.

س ٢ : هل المدرك الثاني لاعتبار قول الرجالي حجة بنظرك؟

س ٣ : اوضح المدرك الرابع مع توجيهه.

س ٤ : اوضح اشكال الارسال في التوثيقات؟

س ٥ : لماذا يختص اشكال الارسال في التوثيقات بخصوص المدرك الرابع؟

س ٦ : اذكر الجواب السابق الذي نقلناه عن مشكلة الارسال في التوثيقات.

س ٧ : اوضح الجواب الأول الذي ذكرناه من اشكال الارسال في التوثيقات.

س ٨ : اوضح الجواب الثاني عن ذلك.

س ٩ : ما الفرق بين الجواب الثاني الذي ذكرناه والجواب الأول من الأجوبة الأربعة المتقدمة؟


س ١٠ : ما الفرق بين اخبار الثقة وشهادة الثقة؟

س ١١ : هل حديث ١ الباب ٢٠ من أبواب مقدمة العبادات في وسائل الشيعة صحيح السند؟ أوضح ذلك ببيان كامل.


الفصل الثاني

البحث عن اقسام الحديث



قسّم الحديث إلى أربعة أقسام :

١ ـ الصحيح : وهو ما كان جميع رواته عدولا امامية.

٢ ـ الموثق : وهو ما كان رواته كلهم أو بعضهم من غير الإمامية ولكنهم وثقوا.

٣ ـ الحسن : وهو ما كان رواته كلهم أو بعضهم من الإمامية ولكنهم لم يوثقوا بل مدحوا فقط.

٤ ـ الضعيف : وهو ما لم يكن واحدا من الأقسام الثلاثة بان كان رواته مجهولين أو قد ضعفوا.

وهذه الأقسام الأربعة قد تقسم بدورها إلى أقسام اخر لا يهم التعرض لها.

وقيل بان القدماء لم يكن هذا التقسيم الرباعي متداولا بينهم بل كان التقسيم عندهم ثنائيا ، أي قسموا الحديث إلى قسمين : صحيح وضعيف. والصحيح في


مصطلحهم هو الخبر الذي يلزم العمل به نتيجة احتفافه بقرائن تفيد القطع أو الاطمئنان بصدوره. والضعيف هو ما لم يكن كذلك.

وقد شجب الاخباريون ـ كصاحب الحدائق وصاحب الوسائل والفيض الكاشاني ـ التقسيم الرباعي وانكروا على أول من نسب إليه ابتكار ذلك وهو العلّامة الحلي (١).

وحجة الاخباريين في ذلك ان الكتب الجامعة لاحاديثنا متواترة وقد قامت القرائن على صحتها. وانهى صاحب الوسائل تلك القرائن الدالة على صحة تلك الكتب إلى ٢٢ قرينة كما يتضح ذلك لمن راجع الفائدة التاسعة المذكورة في الجزء الأخير من الوسائل.

قال قدس‌سره في جملة كلامه : «ويظهر من ذلك ضعف الاصطلاح الجديد على تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وموثق وضعيف الذي تجدد في زمن العلّامة وشيخه أحمد بن طاووس».

وسوف يأتي في الأبحاث المقبلة ان شاء الله بطلان هذه الدعوى القائلة بصحة جميع ما في كتبنا الحديثية. وبعد بطلانها يكون التقسيم الرباعي المذكور وجيها.

وهناك عدة ابحاث ترتبط بالأقسام الأربعة المذكورة للخبر نذكرها ضمن نقاط : ـ

__________________

(١) وقيل بل هو السيد أحمد بن طاووس شيخ العلّامة الحلي. وقيل بل ان التقسيم كان ثابتا لدى القدماء قبل العلّامة وابن طاووس.


الشهرة على خلاف الخبر الصحيح

١ ـ إذا كان الخبر صحيح السند فالمعروف حجيته بيد ان هناك تساؤلا معروفا وهو انه لو كانت الشهرة الفتوائية بين الفقهاء على خلاف مضمون الخبر الصحيح فهل يسقطه ذلك عن الحجية أو لا؟ المعروف سقوطه عن الاعتبار (١).

ويمكن توجيه ذلك بان الطبقة المتقدمة من اعلامنا كالكليني والصدوق ومن شاكلهما إذا اعرضوا عن رواية فذلك يكشف عن وجود خلل في بعض جهاتها وإلّا فلماذا اعرضوا عنها.

ولعل السيرة العقلائية تؤيد ذلك فانه لو اخبر الثقة بخبر واعرضت الطبقة ذات الخبرة عن مضمونه فالبقية تتوقف عن العمل به.

وبالامكان ان يضاف إلى توجيه سقوط الخبر المعرض عنه عن الاعتبار بان أهم دليل على حجية الخبر هو السيرة العقلائية ، وحيث انها دليل لبي فيقتصر على القدر المتيقن منها وهو خبر الثقة الذي لم تعرض عنه الطبقة المعاصرة له من ذوي الخبرة.

ونستدرك لنقول : ان اعراض الاصحاب عن رواية انما يكون مسقطا لها عن الحجية بشرطين : ـ

أ ـ ان يكون الأعراض ثابتا لدى قدماء الاصحاب المقارب عصرهم لعصر

__________________

(١) خلافا للسيد الخوئي حيث اختار عدم سقوطه عن الحجية باعتبار ان الخبر إذا كان في نفسه حجة فلا وجه لرفع اليد عن حجيته بمجرد مخالفة المشهور له. راجع مصباح الاصول ج ٢ ص ٢٠٣.


الغيبة الصغرى كالشيخ الكليني والصدوق دون المتأخرين ، فان اعراض المتقدمين لأجل قرب عصرهم من عصر صدور الرواية يكشف عن وجود خلل في بعض جهاتها دون اعراض المتأخرين.

ب ـ ان لا يكون الأعراض الثابت بين المتقدمين وليد اعمال نظرهم واجتهادهم ، إذ اجتهادهم حجة عليهم لا علينا.

ومن هنا يصح ان نقول ان الخبر كلما ازداد صحة ازداد وهنا باعراض المشهور ، لأن ازدياد صحته يضعّف من احتمال كون سبب الأعراض عنه هو الاجتهاد.

ونلفت النظر إلى ان اعراض الطبقة المتقدمة وان كان موجبا للسقوط عن الاعتبار إلّا ان احراز ذلك ـ اعراض الطبقة المتقدمة ـ صعب في كثير من الأحيان.

خبر الثقة أو خبر العادل

٢ ـ المعروف بين الأعلام ان الحجة ليس خصوص خبر العادل بل خبر الثقة حجة أيضا خلافا لمثل صاحب المدارك الذي اختار حجية خصوص خبر العادل.

والوجه في حجية خبر الثقة وعدم اشتراط عدالته السيرة العقلائية المنعقدة على العمل به. وهي ممضاة شرعا بسبب عدم الردع عنها.

وإذا قيل ان أية النبأ تدل بمنطوقها على عدم حجية خبر الفاسق حيث تقول ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ... وعنوان الفاسق صادق على الثقة الذي


هو غير عادل.

كان الجواب : ان المقصود من الفاسق في الآية الكريمة غير المتحرز عن الكذب لقرينتين :

أ ـ مناسبة الحكم والموضوع فان المناسب للحكم بعدم الحجية هو خبر من لا يتحرز عن الكذب دون المتحرز عن الكذب الذي قد يرتكب بعض المحرمات الاخرى.

ب ـ التعليل بالندم المذكور في ذيل الآية الكريمة ـ ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ـ فان الندم يتحقق عند الأخذ بخبر غير المتحرز عن الكذب دون المتحرز الذي قد يزاول الذنوب بجوارحه.

خبر الثقة أو الموثوق به

٣ ـ وهل الحجة مطلق خبر الثقة أو بشرط افادته الوثوق والاطمئنان؟

مال الشيخ الأعظم في الرسائل بعد فراغه من الاستدلال بآية النبأ وقبل شروعه في الاستدلال بالسنة إلى اعتبار الوثوق تمسكا بالتعليل الوارد في آية النبأ فان خوف الوقوع في الندم ثابت في الأخذ بالخبر مادام لم يحصل منه وثوق.

والصحيح عدم اعتبار ذلك وكفاية وثاقة الراوي لصحيحة عبد العزيز بن المهتدي والحسن بن علي بن يقطين عن الإمام الرضا عليه‌السلام «قلت : لا اكاد اصل اليك اسألك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أفيونس بن عبد الرحمن


ثقة آخذ عنه ما احتاج اليه من معالم ديني؟ فقال نعم» (١) حيث تدل على ان المرتكز في ذهن السائل كفاية وثاقة الراوي ، والإمام عليه‌السلام قد امضاه على ذلك.

وهكذا يمكن استفادة ذلك من صحيحة أحمد بن اسحاق التي رواها الكليني عن محمد بن عبد الله الحميري ومحمد بن يحيى جميعا عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن اسحاق عن ابي الحسن عليه‌السلام قال : سألته وقلت : من اعامل وعمن آخذ وقول من اقبل؟ فقال : العمري تقتي فما أدى اليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعنّي يقول فاسمع له واطع فانه الثقة المأمون ...» (٢) فان التعليل بقوله «فانه الثقة المأمون» يدل على ان المدار على وثاقة الشخص وامانته دون الوثوق بالخبر.

الخبر الحسن

٤ ـ وهل الخبر الحسن حجة؟ اختار الميرزا النائيني والسيد الخوئي حجيته.

واستدل في مصباح الاصول (٣) على ذلك بالسيرة العقلائية بدعوى انها قائمة على ان امر المولى الموجّه لعبده إذا وصل بنقل امامي ممدوح لم يظهر فسقه ولا عدالته يعمل به كما هي قائمة على العمل بالخبر الواصل بنقل الإمامي العادل.

__________________

(١) وسائل الشيعة باب ١١ من صفات القاضي ح ٣٣.

(٢) المصدر السابق : من أبواب صفات القاضي ح ٤.

(٣) مصباح الاصول ٢ : ٢٠٠.


ويرده : ان مدح الشخص اما ان يستفاد منه توثيقه أو لا.

فعلى الأول يدخل الخبر تحت خبر الثقة ويخرج عن الحسن.

وعلى الثاني وان كان لا يدخل تحت خبر الثقة إلّا ان الجزم بانعقاد السيرة على العمل به مشكل جدا إذ مع عدم استفادة التوثيق من المدح يكون احتمال تعمد الكذب ثابتا ، وكيف يدعى عمل العقلاء بخبر شخص يحتمل تعمده الكذب!!

الخبر الضعيف

٥ ـ المعروف بين المتأخرين عدم حجية الخبر الضعيف بيد ان هناك تساؤلا يقول ان الخبر الضعيف هل يمكن ان يرتقي إلى مستوى الحجية عند موافقة الشهرة الفتوائية له ، بمعنى ان الخبر إذا كان ضعيف السند إلّا ان مشهور الفقهاء قد افتوا على طبقه فهل فتواهم تجبر ضعف سنده؟

المعروف انجباره بها.

وقبل ان نذكر الوجوه التي يمكن الاستدلال بها على ذلك نلفت النظر إلى ان المسألة المذكورة مهمة جدا ، فانه بناء على جابرية الشهرة سوف تدخل مجموعة كبيرة من الأخبار في دائرة الحجية بعد ما كانت خارجة عنها بناء على عدم جابرية الشهرة.

كما وانه بناء على قبول كبرى جابرية الشهرة سوف تقل حاجتنا إلى علم الرجال ، إذ الخبر حتى لو كان ضعيف السند يمكن البناء على حجيته لو كان المشهور قد افتى على طبقه بلا حاجة إلى البحث عن وثاقة رواته.


والأدلة على جابرية الشهرة لضعف السند متعددة. وهي :

أ ـ ان موافقة الشهرة الفتوائية للخبر نحو تبين عن صدقه ، وهو مما يكفي في ثبوت الحجية لأن الآية الكريمة قالت : ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ، والمفهوم منها انه مع التبين عن خبر الفاسق واتضاح انه صادق يكون حجة ويجب الأخذ به.

واورد السيد الخوئي في مصباح الاصول (١) على ذلك بان الشهرة الفتوائية إذا لم تكن في نفسها حجة فضمها إلى الخبر لا يوجب تحقق التبين عنه ، لأن التبين لا يتحقق إلّا بما هو حجة.

ب ـ ان عمل المشهور بخبر يكشف عن توثيقهم لرواته وإلّا لم يعملوا به ، ومع توثيقهم لرواته يكون حجة.

وفيه : ان عمل المشهور بخبر لا يدل على توثيقهم لرواته ، إذ عملهم به يمكن ان يكون من ناحية اقترانه في نظرهم ببعض القرائن التي لو اطلعنا عليها لرفضناها.

ج ـ ان شهرة العمل برواية توجب الاطمئنان بصدورها وصحتها.

وهذا الكلام جيد إذا كانت شهرة العمل ثابتة لدى الطبقة المتقدمة من علمائنا الذين عاصروا الغيبة الصغرى أو قاربوا عصرها.

إلّا ان المشكلة في كيفية احراز استنادهم اليها ، فالطبقة المتقدمة لو

__________________

(١) مصباح الاصول ٢ : ٢٠١.


استندت إلى الخبر أمكن حصول الاطمئنان ولكن كيف نحرز ذلك؟ فان مجرد مطابقة فتواهم للرواية لا يدل على استنادهم إليها بل لعل لهم مستندا آخر لم نطلع عليه ، فان كتبهم الاستدلالية ليست بايدينا حتى نعرف ان مستندهم هو الرواية أو امر آخر. فالحسن بن عقيل المعروف بالعماني له كتاب فقهي استدلالي يسمى بالمستمسك بحبل آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد قال النجاشي عنه : «كتاب مشهور في الطائفة. وقيل ما ورد الحاج من خراسان إلّا طلب واشترى منه نسخا».

وهذا الكتاب مفقود الآن وبالتالي فلا يمكن التعرف على مستندات الفقيه المذكور.

وابن الجنيد ينقل ان له كتابا كبيرا يسمى بتهذيب الشيعة لاحكام الشريعة واختصره بعد ذلك وسماه بالأحمدي في الفقه المحمدي.

بل قيل ان أول كتاب فقهي استدلالي وصل الينا هو المبسوط للشيخ الطوسي.

الخبر المضمر

٦ ـ للخبر الضعيف عدة مصاديق احدها الخبر المضمر. وقد وقع الكلام في حجيته وعدمها.

والخبر المضمر هو الخبر الذي لا يصرح فيه بكون المسؤول الإمام عليه‌السلام بل يذكر ضمير يحتمل رجوعه إلى الإمام عليه‌السلام وإلى غيره كأن يقول سماعة مثلا : «سألته عن العصير العنبي فقال ...» انه لم يصرّح بكون المسؤول هو الإمام عليه‌السلام


ويحتمل كونه غيره. ومن هنا قد يحكم بعدم حجية الروايات المضمرة لاحتمال كون المسؤول غير الإمام عليه‌السلام.

وقد ذهب كثير من الأعلام إلى التفصيل بين ما إذا كان المضمر من اجلاء الأصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الإمام عليه‌السلام كزرارة ومحمد بن مسلم مثلا وبين غيرهم فمضمرات القسم الأول حجة دون الثاني.

ووجه التفصيل المذكور واضح ، فان مثل زرارة حيث لا تليق به الرواية عن غير الإمام عليه‌السلام فيتعين كون الشخص المسؤول هو الإمام عليه‌السلام ، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن المضمر من امثاله فانه حيث لا يتعين في حقه السؤال عن الإمام عليه‌السلام فلا تكون روايته حجة.

هذا وبامكاننا تقديم بيان نثبت من خلاله حجية جميع المضمرات من دون تفصيل.

وحاصل البيان المذكور ان يقال : ان ذكر الضمير بدون مرجع قضية غير مألوفة في اللغة العربية ، فلا يليق بالعارف باساليب الكلام العربي إذا دخل على جماعة من الناس ان يقول سألته من دون ذكر المرجع.

وعليه ففي موارد ذكر الضمير بدون مرجع لا بدّ من وجود عهد خاص بين الطرفين لمرجع الضمير اعتمدا عليه في تشخيص المرجع ، وبسبب ذلك ذكر الضمير.

ثم نضم إلى ذلك مقدمة اخرى وهي انه لا يوجد شخص يليق ان يكون


معهودا إلّا الإمام عليه‌السلام فانه المعهود في الأوساط الشيعية بتوجيه الأسئلة اليه.

وبذلك يثبت كون المسؤول هو الإمام عليه‌السلام بدون حاجة إلى تفصيل.

وإذا قال قائل لعل هناك شخصا غير الإمام عليه‌السلام كان معهودا بين الطرفين اعتمدا على عهده في ذكر الضمير ولا يتعين كون المعهود هو الإمام عليه‌السلام.

كان جوابنا ان المضمر كسماعة مثلا حيث انه لم يحتكر الرواية على نفسه بل حدّث بها غيره أو سجّلها في كتابه فذلك يدل انه اراد نقلها لجميع الأجيال ، وحيث لا يوجد شخص تعهده الأجيال جميعا إلّا الإمام عليه‌السلام فيثبت بذلك كون الضمير راجعا إلى الإمام عليه‌السلام.

منشأ الاضمار

قد يقال ان التعرف على منشأ الاضمار يساعد على الحكم بحجية جميع المضمرات بدون تفصيل.

والمنشأ ان الاصحاب كانوا يسألون احيانا الأئمة عليهم‌السلام اسئله متعددة وفي مجالات مختلفة. وحينما ارادوا نقل تلك الاسئلة والأجوبة بعد ذلك اكتفوا بذكر الإمام عليه‌السلام في صدر الاسئلة وارجاع الضمير إليه بعد ذلك ، فزرارة مثلا يقول : سألت الإمام الصادق عليه‌السلام عن حكم الشك في الصلاة فقال كذا وسألته عن حكم العصير فقال كذا وسألته عن حكم الفقاع ...

وبعد ذلك وبمرور الزمن بوبت الأحاديث وذكرت كل فقرة في الباب المناسب لها ، فعقد باب للفقاع مثلا وذكر تحته : روى زرارة سألته عن حكم الفقاع


فقال كذا من دون اشارة إلى كون المسؤول في صدر الأسئلة هو الإمام عليه‌السلام.

ان منشأ الاضمار هذا قد يستدل به على الحكم بحجية جميع المضمرات بدون تفصيل.

ويمكن مناقشته باعتبار احتمال كون الشخص المسؤول في صدر الأسئلة هو غير الإمام عليه‌السلام.

الخبر المرسل

الخبر المرسل هو الخبر الذي لا يذكر فيه اسم بعض رجال السند ، كما إذا قيل في اثناء السند «عن رجل» أو «عن بعض اصحابنا» أو «عن غير واحد» ونحو ذلك.

وقد وقع الكلام في حجية المراسيل وعدمها. والأقوال في ذلك كما يلي :

أ ـ عدم حجية الحديث المرسل باعتبار ان الواسطة المبهمة لا نحرز وثاقتها ، وعلى تقدير وثاقتها نحتمل وجود الجارح لها.

واصالة عدم وجود الجارح ليس لها أساس.

ب ـ حجية الخبر المرسل إذا كان سنده يشتمل على بعض اصحاب الاجماع الثمانية عشر ، لأن الكشي ادعى اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن اصحاب الاجماع.

ويرده : ما تقدم من ان المقصود من الاجماع المذكور الاجماع على وثاقة


الاصحاب الثمانية عشر وجلالة مقامهم وانهم في مرتبة اجمعت الطائفة على وثاقتهم وعلو شأنهم بدون نظر إلى حال غيرهم.

ج ـ حجية الخبر المرسل إذا كان المرسل مثل ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي لبيان تقدم ، وتقدم أيضا ان المناسب هو التفصيل في مثل ذلك.

د ـ التفصيل بين ما إذا ارسل الصدوق الرواية عن الإمام عليه‌السلام بلسان قال الإمام الصادق عليه‌السلام مثلا وبين ما إذا قال روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام فالأول حجة دون الثاني.

والوجه في ذلك : ان التعبير بجملة قال الإمام الصادق عليه‌السلام تدل على جزم الصدوق بصدور الرواية عن الإمام عليه‌السلام وإلّا فلا تجوز له نسبة الرواية إليه عليه‌السلام.

ومع فرض جزم الصدوق نقول : ان الجزم المذكور مردد بين كونه ناشئا من حس أو حدس ، وباصالة الحس يثبت كونه ناشئا من حس ، أي بسبب نقل المضمون المنسوب للإمام عليه‌السلام بشكل متكرر ومتكثر. وبذلك يكون نقله حجة علينا.

وهذا كله بخلاف ما إذا قال الصدوق روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، فان التعبير المذكور لا يدل على جزم الصدوق حتى تطبق اصالة الحس.

ومن خلال هذا التوجيه يتضح ان هذا التفصيل لا يختص بحق الصدوق فقط وإنما خصص بالذكر من جهة كثرة تداول الارسال في فقيهه تارة بلسان قال واخرى بلسان روي.


ويرده : ان التعبير بجملة «قال» لو سلمنا دلالته على جزم الصدوق إلّا انه لا يلزم ان يكون ذلك من جهة النقل المتكرر عن الإمام عليه‌السلام ـ بل ذلك ضعيف ، إذ لو كان هناك نقل متكرر لنقل الصدوق نفسه أو غيره قسما من تلك الروايات ـ بل من المحتمل ان يكون جزم الصدوق وليد قرائن خاصة احتفت بالمضمون المنقول لو اطلعنا عليها لم تورث لنا الجزم ولحكمنا ببطلانها.


تمرينات

س ١ : ما هي الأقسام الأربعة للحديث؟ اذكرها مع الايضاح الكامل.

س ٢ : ما الفرق بين تقسيم القدماء للحديث وتقسم العلّامة؟

س ٣ : لماذا شجب الاخباريون التقسيم الرباعي؟

س ٤ : قيل ان الشهرة الفتوائية على خلاف الخبر الصحيح تسقطه عن الحجية. ما المقصود من ذلك؟

س ٥ : كيف نستدل على سقوط الخبر الصحيح عن الحجية بمخالفته للشهرة الفتوائية؟

س ٦ : هناك شرطان لسقوط الخبر عن الحجية باعراض المشهور. اذكرهما.

س ٧ : لماذا كلما ازداد الخبر صحة ازداد وهنا باعراض المشهور؟

س ٨ : اعراض الطبقة المتقدمة عن رواية موجب لسقوطها عن الاعتبار ولكن ... اكمل العبارة.

س ٩ : ما الفرق بين خبر العادل وخبر الثقة؟

س ١٠ : من هو القائل بحجية خصوص خبر العادل؟

س ١١ : ما الدليل على حجية خبر الثقة وعدم اشتراط العدالة؟


س ١٢ : قد يقال بان أية النبأ تدل على عدم حجية خبر الثقة غير العادل.

كيف ندفع ذلك؟

س ١٣ : هل أية النبأ تدل على عدم حجية خبر الثقة غير العادل بمنطوقها أو بمفهومها؟

س ١٤ : ما الفرق بين خبر الثقة والخبر الموثوق به؟

س ١٥ : هل الشيخ الأعظم يرى حجية خبر الثقة أو الخبر الموثوق به؟

س ١٦ : ما الدليل على حجية خبر الثقة بدون اشتراط افادته الوثوق؟

س ١٧ : كيف استدل السيد الخوئي على حجية الخبر الحسن؟ وكيف نناقش ذلك الدليل؟

س ١٨ : ما معنى انجبار الخبر الضعيف بالشهرة الفتوائية؟

س ١٩ : لماذا كان البحث عن مسألة انجبار الخبر الضعيف بالشهرة مهما؟

س ٢٠ : كيف تؤثر مسألة الانجبار على الحاجة إلى علم الرجال؟

س ٢١ : اوضح الدليل الأول على انجبار الخبر الضعيف بالشهرة وكيف ناقشه السيد الخوئي؟

س ٢٢ : اوضح الدليل الثاني على الانجبار ومناقشته.

س ٢٣ : اوضح الدليل الثالث على الانجبار. وما هي المشكلة التي تواجهه؟


س ٢٤ : ما المقصود من الخبر المضمر؟

س ٢٥ : اذكر التفصيل الذي تبناه كثير من الأعلام في حجية المضمرات.

س ٢٦ : اوضح البيان الذي تمسكنا به لاتيان حجية جميع المضمرات بدون تفصيل.

س ٢٧ : ما هو سبب الاضمار في الروايات؟

س ٢٨ : كيف يساعد التعرف على سبب الاضمار في الحكم بحجية جميع المضمرات؟ وكيف نناقش ذلك؟

س ٢٩ : ما هو الخبر المرسل؟

س ٣٠ : اذكر القول الأول في باب حجية المراسيل. وكيف يستدل عليه؟

س ٣١ : اوضح القول الثاني في باب حجية المراسيل مع توجيهه وكيف نناقش ذلك التوجيه؟

س ٣٢ : اذكر القول الثالث في حجية المراسيل مع توجيهه.

س ٣٣ : اوضح القول الرابع في حجية المراسيل مع توجيهه بايضاح تام.

س ٣٤ : كيف نناقش القول الرابع في حجية المراسيل؟

س ٣٥ : قال الشيخ الحر في الباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث ١ ما نصه : «محمد بن الحسن باسناده عن أحمد بن محمد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد بن عيس عن حريز بن عبد الله عن زرارة قلت لأبي


عبد الله عليه‌السلام ...» هل السند المذكور تام؟ أوضح ذلك جيدا.

س ٣٦ : وقال في نفس الباب حديث ٢ ما نصه : «وباسناده عن الحسين ابن سعيد عن النضر عن محمد بن أبي حمزة عن عبد الرحمن بن الحجاج وعلي جميعا عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في ...». هل السند المذكور تام؟ اوضح ذلك. واوضح ما ذا يقصد من كلمة «جميعا» الواردة في السند.

س ٣٧ : هل سند الحديث ٣ المذكور في نفس الباب السابق تام؟


الفصل الثالث

نظرات في بعض كتب الحديث



قبل التحدث عن كل كتاب من كتب الحديث نشير إلى دعوى مهمة نسبت إلى الأخباريين واختارها بشكل جزئي بعض الاصوليين.

وتلك الدعوى : ان جميع أحاديث الكتب الأربعة قطعية الصحة والاعتبار ولا مجال للتأمل في رجال اسنادها بل كل رواية مذكورة فيها ينبغي الأخذ بها بلا توقف.

ولاثبات صحة هذه الدعوى يتمسك تارة بتعابير وردت في مقدمة هذه الكتب استفيد منها توثيق اصحاب تلك الكتب لجميع افراد الرواة المذكورين فيها.

ويأتي توضيح ذلك عند التعرض إلى التحدث عن كل واحد من تلك الكتب.

واخرى يتمسك ببعض الوجوه التي تعم جميع الكتب الأربعة ولا تختص


ببعض منها دون آخر من قبيل الوجوه التي تمسك بها صاحب الوسائل وهي ٢٢ وجها ذكرها ضمن بعض الفوائد التي سجلها في آخر كتابه.

ولعل أقوى تلك الوجوه هو الوجه الأول الذي يرجع محصله إلى ان اصحاب الأئمة عليهم‌السلام قد اتعبوا انفسهم لضبط الاحاديث وتدوينها والحفاظ عليها إلى زمن المحمدين الثلاثة وقام المحمدون بدورهم بتدوين تلك الأحاديث في كتبهم الأربعة.

وهذا الاهتمام الأكيد يولّد بحسب العادة العلم بصدور الأحاديث المودعة في تلك الكتب.

وهذا الاهتمام له شواهد متعددة ، فالشلمغاني حينما ألّف كتاب التكليف قال الشيخ الجليل سفير الناحية المقدسة الحسين بن روح رحمه‌الله تعالى : اطلبوا الكتاب لي لانظره ، فقرأه من أوله لآخره وقال : ما فيه شي إلّا وقد روي عن الأئمة عليهم‌السلام إلّا موضعين أو ثلاثة فانه كذب عليهم.

بل ان الشيخ الجليل نفسه حينما ألّف كتابه المعروف بكتاب التأديب أرسله إلى مدرسة قم ، وطلب من فقهائها النظر فيه ، فايدوا كل ما فيه إلّا ما ذكره من ان زكاة الفطرة تساوي نصف صاع من طعام والمناسب صاع من طعام.

ويعرض كتاب يوم وليلة الذي هو تأليف يونس بن عبد الرحمن على الإمام أبي محمد صاحب العسكر عليه‌السلام فيقرضه بقوله : اعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة.

هذه بعض الشواهد التي تدل على اهتمام الأصحاب بالأحاديث.


والشيخ الأعظم في الرسائل في مبحث حجية الخبر نقل قسما وافرا من تلك الشواهد فراجع.

ان الوجه المهم من تلك الوجوه المتكثرة التي ذكرها الحرّ العاملي هو هذا الوجه وإلّا فبقية الوجوه قد تكون واضحة التأمل.

وعلى سبيل المثال يقول في الوجه الثالث : ان مقتضى الحكمة الربانية وشفقة أهل البيت عليهم‌السلام بالشيعة تمهيد اصول معتمدة لهم يعملون بها زمن الغيبة ، وليست هي إلّا المصادر التي اعتمد عليها وجمع منها كتاب وسائله.

ومن قبيل ما ذكره في الوجه السابع من ان احاديث كتابه إذا لم تكن صحيحة يلزم وقوع الشيعة في الضلال إلى يوم القيامة ، والعادة قاضية ببطلان ذلك ، وائمة أهل البيت عليهم‌السلام لا يرضون بذلك.

ومن قبيل ما ذكره في الوجه الثاني عشر من ان التقسيم الرباعي للحديث مأخوذ من كتب العامة ، وقد امرنا باجتناب طريقتهم.

ومن قبيل ما ذكره في الوجه السادس عشر من ان التقسيم الرباعي مستحدث من قبل العلّامة وابن طاووس ، وهو لا يعدو الاجتهاد والظن ، وقد امرنا باجتناب الظن. وقد ورد عنهم عليهم‌السلام : شرّ الامور محدثاتها وعليكم بالتلاد.

هذا بالنسبة إلى صاحب الوسائل.

واما بالنسبة إلى غيره فاضاف السيد بحر العلوم وجماعة آخرون دعوى اخرى وهي ان الاصول الحديثية التي نقل منها المحمدون الثلاثة أحاديث


كتبهم متواترة ومعلومة النسبة إلى اصحابها كمعلومية نسبة الكتب الأربعة اليوم إلى اصحابها.

وفرّعوا على ذلك عدم الحاجة إلى وجود طريق صحيح بين المحمدين الثلاثة واصحاب تلك الاصول وبالتالي لا يكون وجود بعض مشايخ الاجازة الذين لم تثبت وثاقتهم في الطريق ـ كأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وأحمد ابن محمد بن يحيى وعلي بن محمد بن الزبير القرشي والحسين بن أبي جيد وأحمد بن عبدون و ... ـ مانعا من الأخذ بالرواية.

ليس جميع ما في الكتب الأربعة صحيحا

وبعد التعرف على توجيه صاحب الوسائل ومتابعيه لدعوى صحة جميع ما في الكتب الأربعة ناخذ بمناقشة ذلك بما يلي :

١ ـ ان اهتمام الأصحاب بالأخبار لا يولّد اليقين بصحة جميعها بل غاية ما يقتضيه هو العلم بصحة كثير منها ، لأنه لا يمكن عادة ذهاب جميع تلك الاتعاب سدى وبلا نتيجة مثمرة.

٢ ـ ان المحمدين الثلاثة انفسهم لا قطع لهم بصحة جميع الأحاديث التي اودعوها في كتبهم فكيف يكون القطع المذكور ثابتا لغيرهم.

والذي يدل على عدم حصول القطع لهم مناقشتهم في بعض روايات الكتب الأربعة ، فالشيخ الطوسي في الجزء الثاني من الاستبصار حديث ٢٣٠ ، ٢٣١ يقول : ان راوي الحديثين المذكورين هو عمران الزعفراني وهو مجهول مضافا


إلى وجود قوم ضعفاء في سنديهما.

وفي الجزء الثالث حديث ٩٣٣ ، ٩٣٥ يقول ما نصه : «أول ما في هذه الأخبار ان الخبرين منهما وهما الأخيران مرسلان ، والمراسيل لا يعترض بها على الأخبار المسندة لما بيناه في غير موضع. واما الخبر الأول فراويه أبو سعيد الادمي ـ سهل بن زياد ـ وهو ضعيف جدا عند نقاد الأخبار».

والشيخ المفيد قد تعرض إلى الأخبار الدالة على ان شهر رمضان لا ينقص ابدا التي هي مودعة في الكافي والفقيه وناقشها من حيث السند.

والشيخ الصدوق قال في باب الوصي يمنع الوارث : «ما وجدت هذا الحديث إلّا في كتاب محمد بن يعقوب ولا رويته إلّا من طريقه».

وهذا التعبير لا يصح الابناء على عدم قطعية جميع ما في الكتب الأربعة وإلّا فلا أثر لروايتها من عدة طرق أو من خصوص الكليني.

وفي التهذيب ج ٩ ص ٤٠ ينقل الشيخ خبرا عن الكافي ينتهي إلى ابي سعيد الخدري ثم يعلق عليه بقوله : «فما تضمن هذا الحديث من تحريم لحم الحمار الأهلي موافق للعامة. والرجال الذين رووا هذا الخبر أكثرهم من العامة. وما يختصون بنقله لا يلتفت إليه».

٣ ـ انه لو سلمنا بان جميع الاصول المنقول منها روايات الكتب الأربعة قطعية الصدور أو متواترة النسبة لاصحابها فهذا لا يعني عدم الحاجة إلى وجود طريق معتبر ، فان قطعية اصل الكتاب وتواتر نسبته لصاحبه لا يستلزم قطعية


جميع نسخه. فالكافي مثلا قطعي النسبة إلى الكليني ولكن ذلك لا يستلزم ان كل نسخة من نسخ الكافي هي قطعية وليس فيها أي اختلاف مع الأصل الذي كتبه الكليني بل لربما تشتمل بعض النسخ على زيادة أو نقصان او تحريف فنحتاج ـ على هذا ـ إلى طريق معتبر إلى نفس صاحب الكتاب لنأمن من هذه المحاذير.

وبكلمة اخرى : ان تواتر الكتب نفسها لا يعني تواتر نسخها.

وفائدة اجازة صاحب الكتاب رواية الكتاب عنه تظهر في هذا المجال. فصاحب الكتاب يدفع نسخة من كتابه إلى تلميذه ويقول له اجزتك رواية هذه النسخة عني ، والتلميذ يدفعها بدوره إلى تلميذه ويجيزه روايتها عنه والثالث يدفعها إلى الرابع. وهكذا كل واحد يدفعها إلى الآخر ويجيز روايتها عنه. وبذلك تكون قد وصلت الينا نسخة من مؤلف الكتاب سالمة من انحاء الخلل. ولو لا تناقل النسخة المقرونة باجازة كل سابق للاحقه لم نحصل على ذلك.

٤ ـ انه بناء على قطعية جميع ما في الكتب الأربعة لا حاجة لتسجيل الشيخ الطوسي والصدوق للمشيخة في آخر كتابهما وذكر طرقهما إلى الاصول التي نقلا منها الأحاديث. ولا معنى أيضا لما ذكره الشيخ الطوسي في مقدمة المشيخة من اني اذكر هذه المشيخة لتخرج احاديثي من الارسال إلى الاسناد.

واذا قيل بان غرضهما من ذكر الطرق هو التبرك وايصال السند إلى الإمام عليه‌السلام.

اجبنا بانه بناء على هذا لا حاجة إلى الاكثار من الطرق وذكر اكثر من


طريق واحد إلى صاحب الأصل بل كان من المناسب الاقتصار على طريق واحد إلى صاحب الأصل بلا حاجة إلى ذكر طريق ثان ، لان التبرك يتأتى بذكر طريق واحد ، والحال اننا نجد ان الشيخ الطوسي مثلا يذكر إلى بعض الاصول أكثر من طريق واحد.

بل يمكن ان نقول أكثر من هذا : انه بناء على فكرة التبرك لا حاجة إلى تسجيل الطرق في كراس وتسميته بالمشيخة وعرضه على الناس بل يكفي لحصول الغرض المذكور تسجيل الطرق في ورقة واحتفاظ الشيخ أو الصدوق بها لنفسه بل لا حاجة إلى تسجيلها في روقة ويكفي الاحتفاظ بها في القلب.

ان التبرك بايصال السند إلى الامام عليه‌السلام يحصل بذلك أيضا ، ويكون تسجيلها في كتاب بعنوان المشيخة اتلافا للأوراق والحبر وتبذيرا لهما بلا مبرر.

ولاستيضاح ما نقول أكثر لاحظ حالتنا اليوم ، فلو فرض ان شخصا اراد التبرك بايصال سنده الى الإمام عليه‌السلام فهل يصح له كتابة كتاب يذكر فيه طرقه إلى الشيخ اغا بزرك الطهراني أو السيد المرعشي النجفي قدس‌سرهما ويذكر أيضا طرق هذين إلى الشيخ الطوسي؟ ان العقلاء يضحكون عليه جزما ويقولون له احتفظ بهذه الطرق في قلبك أو ورقة لنفسك.

٥ ـ ان النجاشي تحرز من الرواية عن الضعفاء على ما ذكر في بعض مواضع كتابه (١) ، وهذا لا معنى له على تقدير تواتر الكتب المنقول عنها.

__________________

(١) لملاحظة ذلك راجع ما سجلناه سابقا عند البحث عن التوثيقات العامة.


وأحمد بن محمد بن عيسى يطلب من الحسن بن علي الوشا ـ على ما نقل النجاشي ـ اخراج كتاب ابان الأحمر له ، ويطلب منه سماعه منه ، فعابه على استعجاله وقال له : اذهب فاستنسخه ثم اسمعه مني فقال : لا آمن الحدثان.

ان الحاجة إلى السماع والتعليل بقوله : «لا آمن الحدثان» لا وجه له بعد تواتر تلك الكتب.

٦ ـ ان في الكتب الأربعة احاديث قد لا يمكن التصديق بصدورها. من قبيل ما ذكره في الكافي في كتاب الطلاق من ان أمير المؤمنين عليه‌السلام ارتقى المنبر وقال : لا تزوجوا ولدي الحسن عليه‌السلام فانه مطلاق (١).

اننا لا نرضى بتقديس كتاب الكافي بثمن باهض يحط فيه من كرامة امامنا الحسن عليه‌السلام.

وفي الكافي أيضا عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل :

«وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون» رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذكر وأهل بيته المسؤولون «وهم أهل الذكر» (٢).

ان صدور الرواية بهذا الشكل مما يقطع بعدمه لاختلال التركيب.

واذا قيل بان امثال هذه الأحاديث لا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها وتاويلها بشكل من الاشكال من قبيل تأويل الحديث الأول بان بعض العوائل الكوفية

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٦.

(٢) الجزء الأول من اصول الكافي : ص ٢١١ حديث ٤.


كانت تحاول تزويج الإمام الحسن عليه‌السلام من بعض بناتها وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام يحذر على ولده من تلك البنات فارتقى المنبر وقال : لا تزوجوا ولدي الحسن فانه مطلاق حذرا منه على ولده.

اجبنا ما الفائدة في الحفاظ على الصدور والغاء الظهور؟!! ان تقديس أهل البيت عليهم‌السلام واخبارهم يلزم ان يدعونا للحفاظ عليها صدورا وظهورا ، اما التسليم بصدورها مع عدم العمل بظهورها فهو رفع بالتالي لليد عن اخبار أهل البيت عليهم‌السلام ويعني عدم عملنا بها.

مناقشات خاصة

هذه بعض المناقشات في دعوى قطعية جميع ما في الكتب الأربعة. وهي مناقشات عامة.

وسوف نذكر عند التحدث عن كل واحد من الكتب الأربعة المناقشات الخاصة التي تخص كل واحد منها.

مستندات مرفوضة

ربما يتمسك لتصحيح دعوى قطعية اعتبار جميع ما في الكتب الأربعة ببعض الروايات من قبيل رواية علي بن حنظلة عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «اعرفوا منازل الرجال منا على قدر رواياتهم عنا» (١).

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٠.


ورواية محمد بن الحسن بن أبي خالد قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام :

جعلت فداك رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم فلما ماتوا صارت الكتب الينا فقال : حدثوا بها فانها حق (١).

والتأمل في دلالة الروايات المذكورة واضح ، فانها وان دلت على حجية نقل الأخبار ووجوب قبوله في الجملة ـ وإلّا فلا معنى لجعل منزلة الرجل دائرة مدار قدر روايته ولما كان معنى للحث على نقلها بلسان حدّثوا بها فانها حق ـ إلّا انها لا تدل على حجية كل نقل. وهل يحتمل ان أهل البيت عليهم‌السلام يأمروننا باتباع كل خبر بما في ذلك خبر الفاسق والقرآن الكريم يقول : ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.

وإذا قيل ان قوله عليه‌السلام «حدثوا بها فانها حق» يدل على حقانية جميع الأحاديث الموجودة في كتب الأصحاب المتقدمين.

كان الجواب : ان الرواية تدل على ان جميع ما صدر من الإمامين الباقرين عليهما‌السلام واودع في الكتب فهو حق. وهذا امر صحيح نلتزم به. وهل يحتمل ان شيعيا لا يلتزم بحقانية ما صدر عن أئمته عليهم‌السلام!!!

إلّا ان المشكلة هي انه كيف نثبت ان جميع ما هو موجود في الكتب الأربعة قد صدر من الأئمة عليهم‌السلام وهو حق ويجب التحدث به؟ ان الحديث السابق يدل على ان ما صدر عنهم عليهم‌السلام فهو حق لا ان كل ما هو موجود في الكتب الأربعة حق وصدر منهم عليهم‌السلام.

__________________

(١) المصدر السابق : ص ٥٣.


دعوى معاكسة

وقد تخطر للذهن دعوى ثانية معاكسة وهى ان ما اودعه الشيخ الصدوق والطوسي في كتبهم ليس حجة باعتبار ان الطرق المذكورة في المشيخة هي طرق إلى اصحاب الكتب ، وبكلمة اخرى إلى اصل الكتاب دون النسخة الموجودة عند الشيخ الطوسي أو الصدوق التي ينقل عنها الأحاديث في كتابه. ومعه تكون الروايات المذكورة مرسلة ويلزم القول بانسداد باب العلم والعلمي.

ويرد ذلك : ـ

١ ـ ان لازم هذه الدعوى لغوية تسجيل الشيخ للطرق التي ذكرها في المشيخة ويكون ذلك منه اتلافا لوقته وللحبر والأوراق. وفكرة التبرك باطلة لان التبرك لا يحتاج إلى هذه الطرق الكثيرة.

٢ ـ ان تعبير الشيخ في المشيخة باني اذكر الطرق لتخرج الأحاديث عن الارسال إلى الاسناد يردّ ما ذكر.

٣ ـ ان الشيخ ذكر في الفهرست في ترجمة العلاء بن زرين ان لكتابه اربع نسخ ويروي كل نسخة بطريق خاص بها ثم ذكر الطريق إلى كل نسخة.

ان هذا يدل على ان طرقه التي يذكرها هي إلى النسخة الموجودة عنده وليس إلى اصل الكتاب.

٤ ـ قال الشيخ في الفهرست عند ذكره للمفيد واستعراض كتبه : «سمعنا منه هذه الكتب كلها بعضها قراءة عليه وبعضها نقرأ عليه غير مرة وهو يسمع». وهذا يدل على تمركز الجهود على نسخة معينة تقرأ أو تسمع.


٥ ـ ان الشيخ ذكر في ترجمة ابن مهزيار طرقه إلى كتبه ثم قال إلّا كتاب المثالب فان العباس روى نصفه عن علي بن مهزيار.

وذكر في ترجمة محمد بن الحسن الصفار ان الصدوق روى كتبه كلها إلّا كتاب بصائر الدرجات.

وذكر في ترجمة الشلمغاني : اخبرنا جماعة بكتاب التكليف إلّا حديثا واحدا في باب الشهادة.

إلى غير ذلك من الموارد التي استثنى فيها حديث واحد أو كتاب واحد.

ان الاستثناء المذكور يدل على ان الطريق الذي يذكره الشيخ طريق إلى النسخة وليس إلى اصل الكتاب وإلّا فلا وجه لاستثناء حديث واحد أو حديثين.

ان هذا يدلل على ان الاجازة أو القراءة أو السماع كان متعلقا بنسخة معينة فقرأت جميع أحاديث تلك النسخة أو سمعت أو أجيزت دون حديث واحد أو حديثين.

وهكذا لا معنى لاستثناء كتاب واحد برمته لان طريق الشيخ إذا كان إلى أصل الكتاب فهذا معناه ان طريقه بالتالي طريق إلى صاحب الكتاب. ومادام للشيخ طريق إلى صاحب الكتاب كابن مهزيار فلا وجه لاستثناء بعض كتبه.


تمرينات

س ١ : قيل بقطعية اعتبار جميع احاديث الكتب الأربعة. ما المقصود من الدعوى المذكورة؟ وكيف يستدل عليها؟

س ٢ : اذكر الوجه الثالث الذي تمسك به الحر لاثبات حجية احاديث الكتب الأربعة.

س ٣ : اذكر الوجه السابع لذلك.

س ٤ : اذكر الوجه الثاني عشر لذلك.

س ٥ : اذكر الوجه السادس عشر لذلك.

س ٦ : ما هي دعوى السيد بحر العلوم بالنسبة للاصول الحديثية؟

س ٧ : ما وجه ارتباط دعوى السيد بحر العلوم بدعوى صاحب الوسائل؟

س ٨ : اذكر المناقشة الأولى لدعوى صحة جميع ما في الكتب الأربعة.

س ٩ : اذكر المناقشة الثانية للدعوى المذكورة.

س ١٠ : اذكر المناقشة الثالثة لذلك.

س ١١ : اذكر المناقشة الرابعة لذلك.

س ١٢ : اذكر المناقشة الخامسة لذلك.


س ١٣ : اذكر المناقشة السادسة لذلك.

س ١٤ : هناك مستندات مرفوضة قد يتمسك بها لاثبات صحة جميع ما في الكتب الأربعة. اذكرها مع المناقشة.

س ١٥ : قد يخطر للذهن شبهة تقول بعدم حجية ما اودعه الشيخ الصدوق والطوسي في كتبهم الثلاثة. اوضح تلك الشبهة.

س ١٦ : اذكر المناقشة الأولى لتلك الشبهة.

س ١٧ : اذكر المناقشة الثانية لذلك.

س ١٨ : اذكر المناقشة الثالثة لذلك.

س ١٩ : اذكر المناقشة الرابعة لذلك.

س ٢٠ : اذكر المناقشة الخامسة لذلك.

س ٢١ : راجع الحديث ١ من باب ١ من أبواب الخلل في الصلاة في وسائل الشيعة واوضح الحال في سنده.


نظرات في كتاب الكافي

كتاب الكافي هو للشيخ الجليل محمد بن يعقوب الكليني (١) المكنى بابي جعفر الاعور المتوفى سنة ٣٢٨ ه‍.

ألّف كتابه الشريف فترة عشرين سنة على ما نقل النجاشي في ترجمته.

وقد عاش هذا الشيخ الجليل زمان الغيبة الصغرى وعاصر السفراء العظام للناحية المقدسة. وتوفي قبل وفاة السفير الرابع وهو علي بن محمد السمري ، فان هذا السفير العظيم توفي سنة ٣٢٩ بينما الكليني توفي سنة ٣٢٨ ه‍. ونقل انه توفي سنة ٣٢٩ ه‍ فتكون سنة وفاتهما على هذا واحدة.

وقد نقل البحراني في كتابه لؤلؤه البحرين عن السيد هاشم البحراني عن بعض الثقات ان بعض حكام بغداد رأى بناء قبر الكليني فسأل عنه فقيل هو قبر بعض الشيعة فامر بهدمه وحفر قبره ورآه بكفنه لم يتغير وقد دفن معه آخر صغير بكفنه أيضا فاعاد بنائه بعد بناء قبة عليه.

ونقل ان بعض الحكام في بغداد حمله التعصب على الأمر بحفر قبر الإمام الكاظم عليه‌السلام فقيل له ان هنا رجلا من علمائهم يعني الكليني يكفيك الاعتبار بحفر قبره فأمر بحفر قبره فوجده بهيئته كأنه قد دفن في تلك الساعة فأمر ببناء قبة

__________________

(١) كلين على وزن زبير قرية من قرى الري. وقيل هي على وزن أمير.


عظيمة عليه وصار مزارا مشهورا.

* * *

وكتاب الكافي مركب من ثلاثة أقسام : كتاب الروضة والاصول والفروع.

اما كتاب الروضة فقد طبع في حزء واحد. ويتضمن بعض خطب الأئمة عليهم‌السلام ومواعظهم وبعض القضايا التاريخية المرتبطة بهم وبغيرهم.

وقد ذكر البعض (١) ان الكليني لما أكمل كتابه وأتمّ ردّ موارده إلى فصولها بقيت زيادات كثيرة من خطب أهل البيت ورسائل الأئمة عليهم‌السلام وآداب الصالحين وطرائف الحكم مما لا ينبغي تركه فألّف كتابا يجمع ذلك وسماه بالروضة ، لأن الروضة منبت أنواع التمر.

وهناك كلام في ان كتاب الروضة من تأليف الكليني أو لا ، فقد ذهب البعض إلى انه من تأليف ابن ادريس.

وقد نقل الشيخ النورى في مستدركه (٢) عن رياض العلماء عن المولى خليل القزويني انه كان يرى ذلك ، أي ان الروضة هي من تأليف ابن ادريس. وربما نسب ذلك إلى الشهيد الثاني.

وردّ الشيخ النوري ذلك بعد تصريح الأعلام بكونها من تأليف الكليني باتحاد سياق الروضة وسائر كتب الكافي.

__________________

(١) وهو الدكتور حسين علي محفوظ في كلمة له مذكورة في مقدمة الكافي.

(٢) راجع ٣ : ٥٤٦.


ولعل مقصوده من الأعلام الاشارة إلى مثل النجاشي والشيخ الطوسي فانهما ذكرا ان الروضة هي من جملة تأليفات الكليني فكيف تكون من تأليف ابن ادريس الذي جاء بعد ذلك بفترة.

* * *

واما الاصول فقد طبع في جزئين كل جزء يتضمن أربعة كتب. فالجزء الأول يتضمن كتاب العقل والجهل ويبحث عما يرتبط بالعقل والجهل ، وكتاب فضل العلم ويبحث عما يرتبط بالعلم وفضله ، وكتاب التوحيد ويبحث عن التوحيد ، وكتاب الحجة ويبحث عما يرتبط بالمعصومين عليهم‌السلام كالبحث عن علمهم وتاريخ حياتهم وغير ذلك مما يرتبط بهم.

واما الجزء الثاني فيتضمن كتاب الايمان والكفر وكتاب الدعاء وكتاب فضل القرآن وكتاب العشرة.

واما الفروع فقد طبعت في خمسة اجزاء كلها يتعرض للاحاديث الواردة في الفروع الفقهية.

* * *

وقد أولت الشيعة اهتماما كبيرا للكافي وظافرت جهودها عليه بحثا وقراءة ومطالعة منذ الزمن السالف وحتى يومنا هذا.

يقول النجاشي : كنت اتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي وهو مسجد نفطويه النحوي اقرأ القرآن على صاحب المسجد وجماعة من اصحابنا


يقرأون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب حدثكم محمد بن يعقوب الكليني ورأيت أبا الحسن العقرائي يرويه عنه.

ومجموع أحاديث الكافي على ما قيل يزيد على مجموع أحاديث الصحاح الستة للعامة ، فان مجموع أحاديث الكافي ١٦١٩٩ حديثا بينما مجموع أحاديث الصحاح ٩٤٨٣ حديثا.

ومن هنا تتجلى لنا عظمة الكتاب المذكور ومدى الأتعاب التي بذلها مؤلفه. جزاه الله على تلك الجهود خير ما يجزي به عباده الصالحين.

نقاط أربع

هناك عدة أبحاث ترتبط بكتاب الكافي نختار أربعة منها.

طريقة الكليني

١ ـ ان بعض اصحاب الأئمة عليهم‌السلام سجل الأحاديث التي سمعها منهم عليهم‌السلام في كراريس بلغ عددها ٤٠٠ كراسا سميت بعد ذلك بالاصول الأربعمائة.

وقد عمد الكليني والصدوق والطوسي إلى تلك الاصول وبوبوها إلى أبواب معينة ووضعوا كل حديث في بابه المناسب. وبذلوا في هذا المجال جهودا لا تثمن. وبرزت نتيجة لتلك الجهود الكتب الأربعة المتداولة بايدينا اليوم. وهي الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار.

وقد سهّل علينا هؤلاء الأعلام وعبّدوا لنا طريق الاجتهاد والاستنباط ، فالفقيه إذا اراد استنباط حكم ورام التعرف على وجود حديث يرتبط به راجع


الكتب المذكورة في الباب المناسب لذلك الحكم.

وطريقة أصحاب هذه الكتب مختلفة ، فالكليني حينما ينقل الأحاديث من الاصول ينقلها غالبا مع ذكر تمام السند فيقول مثلا : حدثني علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن الإمام عليه‌السلام ، ونادرا ما يحذف بعض السند.

نعم قد يحذف بعض السند اعتمادا على السند السابق وهو ما يصطلح عليه بالتعليق ، وهذا أمر متداول لديه قدس‌سره.

ولتوضيح ذلك نذكر المثال التالي المذكور في الفروع ج ٤ ص ١٧٦ يقول قدس‌سره.

١ ـ عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن الحسن بن محبوب عن عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ...

٢ ـ سهل بن زياد عن أحمد بن محمد عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ...

نحن نعرف من خلال مراجعاتنا ان الكليني لا يروي عن سهل مباشرة فلا بدّ وان يكون ابتداؤه السند في الحديث الثاني بسهل هو من باب الاعتماد والتعليق على السند السابق فكأنه يريد ان يقول : انا اروي الحديث الثاني عن عدة من اصحابنا عن سهل بيد انه حذف كلمة العدة من باب الاعتماد على السند السابق.

وهذا امر قد يخفى على المبتدئ فيتخيل ان الكليني يروي عن سهل وان


سهلا من مشايخ الكليني.

وقد يروي بعض الأحيان عن سهل مباشرة ومن دون تعليق على السند السابق كما في الفروع ج ٣ ص ١٥٤ ، ١٥٥ ، ١٦٥ ، ...

وفي مثل هذه الحالة يكون الحديث غير معتبر من حيث السند لعدم معرفة الواسطة بين الكليني وسهل إلّا إذا حصل الاطمئنان بانها نفس الواسطة التي يذكرها في سائر الموارد.

وما ذكره في سهل وحذف الواسطة هو من باب المثال وإلّا فقد نعثر على نظائر له وامثلة اخرى.

هذا بالنسبة إلى الكليني.

واما بالنسبة إلى الشيخ الطوسي والصدوق فالغالب عليهما عدم نقل تمام سند الحديث بل يحذفان بعضه ونادرا ما يذكرانه بتمامه. وسوف نوضح ذلك ان شاء الله تعالى عند التعرض للفقيه والتهذيبين.

صحة جميع أحاديث الكافي

٢ ـ قيل بان جميع ما في الكافي صحيح ومعتبر. وقد استدل الشيخ النوري في الفائدة الرابعة من مستدركه على ذلك باربعة وجوه نذكر منها اثنين :

أ ـ ان الكليني كان معاصرا للسفراء الأربعة الكرام ، ومن البعيد جدا عدم عرض كتابه على احدهم خصوصا وان الكليني قد ألّف الكتاب المذكور ليكون مرجعا للشيعة على ما صرح في المقدمة.


وعرض الكتب على أحد السفراء كان امرا متعارفا.

وينبغي الالتفات إلى عدم كون المقصود من وراء هذا تصحيح ما هو المتداول على بعض الألسن من ان الإمام الحجة عليه‌السلام قال الكافي كاف لشيعتنا ، فان هذا لا أصل له في مؤلفات اصحابنا بل صرح بعدمه المحدث الاسترابادي وانما المقصود دعوى الاطمئنان بعرض الكتاب على أحد السفراء الكرام.

ويرده : ان دعوى حصول الاطمئنان بعرض الكتاب بل ودعوى الظن أيضا في غير محلها ، فان الداعي عادة لعرض الكتاب على أحد السفراء هو انحراف مؤلفه كما في الشلمغاني وبني فضال ، فان السؤال عن كتبهم أو عرضها على أحد السفراء كان من ناحية انحراف السلوك أو العقيدة الأمر الذي قد يخيل للبعض ان الانحراف المذكور يمنع من الأخذ بالرواية فكان الداعي على هذا للسؤال أو للعرض موجودا ، واما مثل الكليني الذي قال النجاشي عنه : شيخ اصحابنا في وقته ووجههم واوثق الناس في الحديث فأي داع لعرض كتابه على أحد النواب.

وان شئت قلت : اما ان يدعى ان المناسب للكليني نفسه عرض كتابه أو ان المناسب لغيره عرض الكتاب.

والأول مدفوع بعدم ثبوت سيرة لمؤلفي الكتب على عرضها.

والثاني مدفوع بما تقدم.

ب ـ التمسك بما ذكره الكليني في مقدمة اصول الكافي ، حيث طلب البعض منه تأليف كتاب الكافي فاجابه بقوله : «قلت انك تحب ان يكون عندك


كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم‌السلام ... وقد يسّر الله وله الحمد تأليف ما سألت إلى ان قال : ووسعنا قليلا كتاب الحجة وان لم نكمله على استحقاقه ...».

ان العبارة المذكورة تدل انه طلب منه تأليف كتاب يرجع إليه من يريد العمل بالاثار الصحيحة. وقد اجاب قدس‌سره الطلب المذكور وشهد بتحققه حيث قال : وقد يسّر الله تأليف ما سألت.

والظاهر ان المقدمة المذكورة قد كتبها الكليني بعد اتمام تأليفه للكافي حيث قال : وقد يسّر الله تأليف ما سألت ، وقال أيضا : ووسعنا قليلا كتاب الحجة.

ومعه فلا يحق لأحد احتمال ان الكليني وان طلب منه تأليف كتاب يحتوي على الآثار الصحيحة إلّا انه لا يعلم بانه قد وفى بما وعد فكثيرا ما يبني الشخص حين شروعه في التأليف على شيء وفي الاثناء يعدل عنه.

ويرد ذلك : ان الكليني لم يقل لا اذكر فيه إلّا الآثار الصحيحة بل قال يحتوي على الآثار الصحيحة وهذا لا ينافي احتوائه على غيرها.

على ان الصحيح في مصطلح القدماء لا يعني خصوص الخبر الذي تكون رواته عدولا بل الخبر الذي يجب العمل به ولو لاقترانه ببعض القرائن التي لو اطلعنا عليها فلربما لا تورث لنا العلم.

أجل لو كان الكليني يقول : والعمل باثار الثقات عن الصادقين لتم ما ذكر


لأن ذلك شهادة بوثاقة رواة الأحاديث لكنه عبّر بالآثار الصحيحة ، والشهادة بصحة الأحاديث لا تلازم الشهادة بوثاقة الرواة.

ومن هنا نرى ان الشيخ الطوسي يناقش في بعض روايات الكافي ويردها من ناحية ضعف السند كما تقدمت الاشارة إلى بعض ذلك عند البحث عن صحة جميع ما في الكتب الأربعة.

عدة من اصحابنا

٣ ـ ان للكليني مشايخ متعددين يروي عنهم أحاديث كتابه الكافي قد يربو عددهم على الثلاثين إلّا ان بعضا منه يكثر عنه الرواية وبعضا يقل عنه ذلك وثالثا متوسط بينهما.

والذين يروي عنهم كثيرا : علي بن إبراهيم ومحمد بن يحيى وأحمد بن ادريس والحسين بن محمد وحميد بن زياد ومحمد بن اسماعيل.

ويأتي علي بن إبراهيم في الدرجة الأولى حيث روى عنه ما يقرب من ثلث أحاديث كتابه فقد روى عنه ٤٩٥٧ حديثا (١).

ويأتي بالدرجة الثانية محمد بن يحيى فانه روى عنه ربع أحاديث كتابه حيث روى عنه ٣١١٤ حديثا.

وتأتي درجة البقية بعد ذلك مع تفاوت يسير.

__________________

(١) عدد أحاديث الكافي على ما تقدم ١٦١٩٩.


ومن حسن الصدفة ان يكون جميع هؤلاء من الثقات الأجلة (١).

وهناك ظاهرة اختصت بالكليني ، وهي روايته عن عدة من اصحابنا فقد أكثر في بداية السند من قوله عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى أو عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي أو عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد.

ان هذا قد كثر في الكافي ، فالعدة تروي اما عن أحمد بن محمد بن عيس أو عن البرقي أو عن سهل.

ومن النادر روايتها عن أحمد بن محمد بن أبي نصر أو عن سعد بن عبد الله.

وقد وقع البحث في المقصود من العدة وان السند من ناحيتها هل هو صحيح أو لا.

والفت في هذا المجال بعض الرسائل منها رسالة السيد محمد باقر الاصفهاني الشفتي الملقب بحجة الإسلام.

والآراء في ذلك كما يلي :

١ ـ ما ذكره العلّامة قدس‌سره في الفائدة الثالثة من الفوائد التي سجلها في آخر كتابه الرجالي المسمى بخلاصة الأقوال حيث قال : ان الكليني قال ان المراد بقولي عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى هو محمد بن يحيى وعلي

__________________

(١) إلّا محمد بن اسماعيل فان فيه كلاما. والمختار وثاقته.


ابن موسى الكمنداني و ... والمراد بقولي عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد ابن خالد البرقي هو علي بن إبراهيم و ... والمراد بقولي عدة من اصحابنا عن سهل بن زياد هو علي بن محمد بن علّان و ...

وذكر النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى ان الكليني قال : كل ما في كتابي هذا عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى فهم محمد بن يحيى إلى آخر ما ذكره العلّامة.

ونقل النجاشي يختص بالعدة عن أحمد بن محمد بن عيسى.

وبناء على التفسير المذكور للعلّامة يرتفع الاشكال عن العدة لان كل واحدة من العدد الثلاث تشتمل على شخص واحد ثقة ، وهو يكفي في صحة العدة ، فاحداها تشتمل على محمد بن يحيى الثقة وثانيتها على علي بن إبراهيم الثقة وثالثتها على ابن علّان الثقة.

وكثير من الأعلام اعتمد على تفسير العلّامة هذا خصوصا وهو مؤيد بنقل النجاشي في احدى العدد الثلاث.

والتأمل في هذا الرأي واضح ، إذ العلّامة أو النجاشي ليسا معاصرين للكليني حتى يكونا قد سمعا عنه بالمباشرة فلا بدّ من وجود وسائط محذوفة ، وحيث انها مجهولة فيلزم عدم حجية النقل المذكور.

٢ ـ ان الكليني ذكر في الحديث الأول من اصول الكافي ما نصه : «اخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال حدثني عدة من اصحابنا منهم محمد بن يحيى


العطار عن أحمد بن محمد عن ...

ان هذه الفقرة ظاهرة في ان الكليني متى ما استعمل كلمة العدة فاحدهم محمد بن يحيى العطار الثقة الجليل.

هذا ما ذكره السيد الخوئي قدس‌سره حينما سألناه عن رأيه في العدة.

وعلى هذا المنوال يمكن ان يضاف بان الكليني ذكر في الباب التاسع من كتاب العتق ما نصه : عدة من اصحابنا علي بن إبراهيم ومحمد بن جعفر ومحمد ابن يحيى وعلي بن محمد بن عبد الله القمي وأحمد بن عبد الله وعلي بن الحسين جميعا عن أحمد بن محمد بن خالد ...

إلّا ان هذا لا يوجد في جميع نسخ الكافي ، ففي بعضها هكذا : عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد. ومعه فيسقط النقل المذكور عن الاعتبار وينحصر الاستشهاد بالنقل الأول.

وكيف كان فهذا الرأي قابل للتأمل باعتبار ان ما ذكر لا يشكلّ قرينة عامة في جميع الموارد.

٣ ـ ان يقال بان أقل أفراد العدة ثلاثة. ومن البعيد اجتماع ثلاثة من مشايخ الكليني للتواطئ على الكذب.

وهذا جيد لمن يحصل له الاطمئنان بما ذكر.

٤ ـ ما نختاره في حلّ المشكلة ، وهو انه لو استعرضنا مشايخ الكليني


لرأينا ان عددهم يبلغ ـ بعد عدّ من تكرر اسمه بالفاظ متعددة واحدا ـ ثلاثين شخصا.

وإذا قمنا باحصاء روايات الكليني عن كل واحد لوجدنا انه يروي عن علي بن إبراهيم في ٤٩٥٧ موضعا وعن محمد بن يحيى في ٣١١٤ وعن حميد ابن زياد في ٣٦١ وعن أحمد بن ادريس الذي هو أبو علي الأشعري في ٨٠٣ وعن الحسين بن محمد في ٦٦٣ وعن محمد بن اسماعيل في ٥١٣.

وهذا يعني ان ما يساوي ثلثي الكافي قد رواه عن هؤلاء الستة الثقات ، فان عدد أحاديث الكافي على ما تقدم ١٦١٩٩ حديثا.

وإذا رجعنا إلى بقية مشايخه وجدنا ان قسما كبيرا منهم هم من الثقات أيضا والبقية مركب من قسمين قسم كبير يعبر عنه بكلمة «عدة من اصحابنا» وقسم صغيرهم ممن لم تثبت وثاقتهم.

وبعد هذا نضم مقدمة اخرى وهي ان التعبير بالعدة يراد به ثلاثة فما فوق.

وبضم هذه المقدمة إلى تلك يثبت ان احتمال كون مجموع كل افراد العدة الثلاثة هم من البقية المجهولة التي لم تثبت وثاقتها وليس واحد منهم من اولئك الستة التي روى عنها أكثر من ٠٠٠ / ١٠ موضعا ضعيف جدا ويتولد اطمئنان بكون واحد على الأقل هو من تلك الستة الثقات.

ثم انه لو اخذنا شيئا آخر بنظر الأعتبار كان حصول الاطمئنان بوثاقة احد افراد العدة اقوى وذلك بان يقال : ان العدة المذكورة في الكافي لها ثلاثة اشكال :


العدة عن أحمد بن محمد بن عيسى والعدة عن البرقي والعدة عن سهل.

اما العدة عن ابن عيسى فيمكن تحصيل الاطمئنان يكون احدهم محمد بن يحيى باعتبار ان محمد بن يحيى يروي عن أبن عيسى كثيرا وقلما يذكر اسم بن عيسى بدون ان يقترن معه محمد بن يحيى الذي هو من الأجلة الثقات.

واما العدة عن البرقي فيمكن تحصيل الاطمئنان بكون احدهم علي بن محمد بن بندار الذي هو ثقة باعتبار ان ابن بندار يروي عن البرقي كثيرا.

واما العدة عن سهل فيمكن تحصيل الاطمئنان بكون احدهم ابن بندار أيضا لكثرة روايته عن سهل.

ثم انه يمكن ضم مقدمة اخرى تسرّع من حصول الاطمئنان وهي ان اجتماع ثلاثة من مشايخ الكليني ـ الذي ألّف كتابه ليكون مرجعا للشيعة إلى يوم القيامة ـ على الكذب بعيد جدا.

وبالجملة ان ضم بعض هذه القرائن إلى الآخر يولّد بلا اشكال اطمئنانا بوثاقة أحد افراد العدة ، وهو المطلوب.

مشايخ الكليني

٤ ـ للكليني قدس‌سره عدة مشايخ نقل عنهم احاديث كتابه الكافي نذكر من عثرنا عليه حسب استقرائنا الناقص.

وقد صنع البعض جدولا باسمائهم ذكر في أول الروضة. والعلّامة الحلي


ذكر في بعض الفوائد التي سجلها آخر كتابه بعض المشايخ للكليني وفسّر بهم كلمة «عدة من اصحابنا» التي اكثر منها في الكافي ، ولكننا لم نعثر على اسماء بعضهم في الكافي كمشايخ للكليني.

ونلفت النظر إلى ان الكليني قد يذكر احيانا شيخا واحدا باسماء مختلفة فيظن الناظر انهم متعددون والحال انهم واحد.

ونذكر في الجدول التالي اسماء المشايخ.

التسلسل

اسماء المشايخ

موارد الرواية

١

علي بن إبراهيم

روى عنه في ٤٩٥٧ موردا. وهو الثقة الجليل صاحب التفسير المعروف بتفسير القمي. وهو اكثر من روى عنه في كتاب الكافي.

٢

محمد بن يحيى

روى عنه في ٣١١٤ موردا. وهو المعروف بمحمد بن يحيى العطار الأشعري الثقة الجليل.

٣

حميد بن زياد

روى عنه في ٣٦١ موردا. وهو من الثقات.

٤

أحمد بن ادريس أبو علي الأشعري

روى عنه الكليني تارة باسم أحمد بن ادريس في ١٢٠ موردا.

واخرى باسم أبو علي الأشعري في ٦٨٣ موردا. وهو من الثقات الأجلة.

وقد ذكر العلّامة في الخلاصة ان الكنية المذكورة تطلق على محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك شيخ القميين. وهو غير مهم بعد وثاقة كلا الرجلين.


التسلسل

اسماء المشايخ

موارد الرواية

٥

الحسين بن محمد

روى عنه في ٦٦٣ موردا. وهو من الثقات.

٦

محمد بن اسماعيل

روى عنه في ٥١٣ موردا. وهو يروي عن الفضل بن شاذان ، وقد اكثر الكليني الرواية عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان.

وقد وقع البحث في المراد من محمد بن اسماعيل هذا فانه يطلق على ثلاثة اشخاص ، فيطلق على ابن بزيع الثقة وعلى البرمكي الثقة وعلى البندقي الذي لم يوثق.

فعلى تقدير كون المقصود منه محمد بن اسماعيل بن بزيع أو محمد بن اسماعيل البرمكي فهو ثقة وعلى تقدير كون المقصود منه محمد بن اسماعيل البندقي فهو مجهول الحال.

والظاهر انه لا يراد منه ابن بزيع ـ وان اصرّ على ذلك السيد حسن الصدر صاحب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام في رسالة الّفها لاثبات ذلك ـ لان ابن بزيع يروي عن الإمام الرضا عليه‌السلام ويروي عنه الكليني بواسطتين كما في الاصول ج ١ ص ٤٣٦ وفي الفروع ج ٣ ص ٤٧ ، ١٥٢.

كما انه ليس المراد منه البرمكي لأن الكليني يروي عنه بواسطة واحدة فيتعين ان يراد منه الثالث.

ومن هنا قد يضعّف السند من ناحيته إلّا ان يتغلب على ذلك بوروده في كامل الزيارة ـ حيث ورد فيه


التسلسل

اسماء المشايخ

موارد الرواية

محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان ـ بناء على كفاية ذلك في اثبات الوثاقة أو يقال بان اكثار الكليني الرواية عنه يكفي في اثبات وثاقته أيضا.

٧

محمد بن جعفر الرزاز الكوفي

روى الكليني عن شيخه هذا في عدة موارد وباسماء مختلفة ، ففي بعضها روى عنه بالاسم المذكور كما في الفروع ج ٤ ص ٥٧٨ ، وفي آخر باسم محمد بن جعفر أبو العباس كما في الفروع ج ٦ ص ٥٩ ، ٦٤ ، وفي ثالث أبو العباس الرزاز كما في الفروع ج ٦ ص ٨٤ ، وفي رابع محمد بن جعفر الكوفي كما في الاصول ج ١ ص ٣٢٥ ولعله هو نفس محمد بن أبي عبد الله الكوفي الذي روى عنه في موارد متعددة منها في الفروع ج ٦ ص ١٦٠.

وقد وقع البحث في وثاقة الرجل المذكور فان النجاشي قال : محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي أبو الحسن الكوفي ساكن الري يقال له محمد ابن أبي عبد الله ، كان ثقة صحيح الحديث انتهى.

وقد قيل بان الرجل المذكور هو عين الرزاز الذي يروي عنه الكليني وبذلك تثبت وثاقته. وقيل لا مثبت لوحدة الرزاز والأسدي فلا يمكن الحكم بوثاقته.

٨

أحمد بن محمد بن احمد الكوفي وهو العاصمي

هكذا ورد في الروضة ص ١٧. ويروي عنه اخرى.

باسم أحمد بن محمد العاصي كما في الفروع ج ٦ ص ٦ ، وثالثة باسم أحمد بن محمد كما في الفروع ج ٤ ص ٤٤ ، ٤٥ ، ١٣٣ ، وهو من الثقات.


التسلسل

اسماء المشايخ

موارد الرواية

٩

علي بن محمد بن بندار

روى عنه تارة بالعنوان المذكور كما في الفروع ج ٣ ص ٢٣ ، ١٢٣ ، واخرى باسم علي بن محمد كما في الاصول ج ١ ص ٣٩٦ والروضة ص ٢٣١ ، ٢٥٥ ، وثالثة باسم علي بن محمد بن عبد الله كما في الاصول ج ١ ص ٢٧٥.

١٠

أحمد بن مهران

وقد روى عنه الكليني كثيرا وروى هو بدوره كثيرا عن عبد العظيم الحسني. ولم تثبت وثاقته إلّا إذا اكتفي باكثار الكليني عنه.

١١

محمد بن أحمد بن الصلت

روى عنه الكليني تارة بالاسم المذكور كما في الروضة ص ٣٩٠ ، واخرى باسم محمد بن أحمد بن عبد الله الصلت كما في الروضة ص ٣٠٢ ، وثالثة باسم محمد بن أحمد القمي كما في الروضة ص ٣٣٤ ، ٣٠٤.

ويمكن الحكم بوثاقته باعتبار ان الصدوق ذكر في كتابه اكمال الدين واكمال النعمة : كان ابي يروي عنه ويصف علمه وفضله وزهده وعبادته.

١٢

(الحسين) الحسن بن علي الهاشمي

ورد في الفروع ج ٤ ص ١٤٦. وهو مجهول.

١٣

الحسين بن علي العلوي

ورد في الاصول ج ١ ص ٣٧٢ ، ٥٢٣ وفي الفروع ج ٣ ص ٦٢. وهو مجهول.

١٤

الحسين بن الحسن الحسني

ورد في الاصول ج ١ ص ٢٩٩. وهو مجهول.


التسلسل

اسماء المشايخ

موارد الرواية

١٥

الحسين بن الحسن العلوي

ورد في الاصول ج ١ ص ٥٢٥. وهو مجهول. ويحتمل اتحاده مع السابق.

١٦

الحسن بن خفيف

ورد في الاصول ج ١ ص ٥٢٥. وهو مجهول.

١٧

أبو داود

ورد في الفروع ج ٣ ص ٤٩ ، ٥١ ، ٢٦٥ ، ٣٠٤ ، ٣١٤ وهو مجهول.

١٨

محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى

المراد من محمد بن يحيى هو محمد بن يحيى العطار المتقدم في رقم ٢. واما محمد بن عبد الله فلا يبعد كونه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو ثقة ومن الأجلة. والقرينة على كونه ذاك روايتهما عن عبد الله بن جعفر الحميري الثقة الجليل كما في الاصول ج ١ ص ٣٢٩.

وعلى أي حال تكفينا وثاقة محمد بن يحيى بلا حاجة إلى توثيق محمد بن عبد الله.

واما عبد الله بن جعفر الحميري الذي هو من اجلة اصحابنا فلا يروي عنه الكليني مباشرة بل بواسطة ولده محمد أو غيره. وإذا فرض انه ابتدا السند به احيانا فيلزم حمل ذلك على كونه من باب التعليق

١٩

أحمد بن عبد الله

ورد في الفروع ج ٤ ص ٥٤. ولا يبعد اتحاده مع أحمد ابن عبد الله بن امية وهكذا مع أحمد بن عبد الله ابن أحمد.

وكيف كان هو مجهول الحال.

٢٠

أبو عبد الله الأشعري

ورد في الفروع ج ٦ ص ٢٨٢. وهو مجهول الحال.


التسلسل

اسماء المشايخ

موارد الرواية

٢١

علي بن موسى الكمنداني

هو شيخ الصدوق أيضا. لم يثبت توثيقه.

٢٢

محمد بن علي بن معمر

ورد في الروضة ص ١٨ ، ٣١. وهو مجهول الحال.

٢٣

علي بن محمد بن علي بن العباس

ورد في الروضة ١٧٨. وهو مجهول الحال.

٢٤

علي بن الحسين المؤدب

ورد في الروضة ص ٣٥٢ ، ١٨٧ ، ١٧٠. وهو مجهول الحال.

٢٥

سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري

وردا في الاصول ج ٢ ص ٤٠٢ ، ٤٢١ ، ج ١ ص ٤٥٧ وقد تكرر ذكرهما في أواخر الجزء الأول من الاصول.

وكلاهما من الثقات الأجلة إلّا ان الظاهر انهما ليسا من المشايخ المباشريين للكليني. وذكرهما في بداية السند لا بد من حمله على كونه من باب التعليق.

٢٦

أبو محمد القاسم بن العلاء

ورد في الاصول ج ١ ص ١٩٨. قيل هو من وكلاء الناحية الناحية المقدسة ، وإذا ثبت ذلك حكم بوثاقته.

٢٧

محمد بن عقيل

ورد في الفروع ج ٤ ص ٢٢٤. وهو مجهول الحال.

٢٨

محمد بن الحسن

اختلف فيه وانه الصفار أو البرناني أو غيرهما. ومع عدم ثبوت كونه الصفار يحكم بجهالته.

٢٩

أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي

هو المعروف بابن عقدة. وهو وان قيل بكونه زيديا إلّا انه ثقة.


تمرينات

س ١ : في أي فترة عاش الكليني؟

س ٢ : إلى كم قسم ينقسم كتاب الكافي. اذكر الأقسام مع ايضاح موجز لكل قسم.

س ٣ : هناك شبهة ترتبط بنسبة الروضة إلى الكليني. اذكرها مع مناقشتها.

س ٤ : طريقة الشيخ الكليني في نقل الأحاديث تختلف عن طريقة الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي. أوضح ذلك.

س ٥ : اذكر الوجه الأول من الوجهين الذين استدل بهما الشيخ النوري على حجية جميع أحاديث الكافي. واذكر مناقشته.

س ٦ : اذكر الوجه الثاني لذلك مع المناقشة.

س ٧ : يروي الكليني عن ... بالدرجة الأولى وعن ... بالدرجة الثانية. أكمل الفراغ.

س ٨ : هناك ظاهرة اختصت بالكليني. اذكرها.

س ٩ : هناك عدة آراء في توجيه اعتبار العدة التي يروي عنها الكليني. اذكر الرأي الأول مع مناقشته.

س ١٠ : اذكر الرأي الثاني مع مناقشته.


س ١١ : اذكر الرأي الثالث مع مناقشته.

س ١٢ : اذكر حصيلة الرأي الرابع المختار.

س ١٣ : اذكر خمسة من مشايخ الكليني مع بيان حالهم من حيث الوثاقة وعدمها.

س ١٤ : روى الكليني عن محمد بن اسماعيل كثيرا. وقد اختلف في شأنه. اذكر ما يمكن التمسك به لاثبات وثاقته في نظرك.

س ١٥ : راجع وسائل الشيعة باب ١ من أبواب صلاة جعفر حديث ١. وأوضح حال سند الحديث.


نظرات في كتاب من لا يحضره الفقيه

كتاب من لا يحضره الفقيه هو للشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المشهور بالشيخ الصدوق.

والمعروف ولادة الشيخ المذكور بدعاء الإمام الحجة ارواحنا له الفداء ، فقد ذكر النجاشي في ترجمة علي بن الحسين بن بابويه والد الشيخ الصدوق انه قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح ـ رضوان الله تعالى عليه ـ وسأله مسائل ثم كاتبه بعد ذلك يسأله ان يوصل له رقعة إلى الصاحب عليه‌السلام ويسأله فيها الولد فكتب اليه قد دعونا الله لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين خيّرين فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله. وكان أبو جعفر ـ يعني الشيخ الصدوق ـ يقول انا ولدت بدعوة صاحب الأمر ويفتخر بذلك. انتهى.

والشيخ الصدوق نفسه ينقل هذه القصة في اكمال الدين ص ٢٧٦.

وفي روضات الجنات ينقل ان الإمام العسكري عليه‌السلام كان له مكاتبة مع علي ابن الحسين وفي ضمنها يقول : وفّقك الله لمراضيه وجعل من صلبك أولادا صالحين برحمته بتقوى الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة ... وعليك بانتظار الفرج فان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أفضل أعمال امتي انتظار الفرج ، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي.

* * *


وقد ذكر الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه سبب تأليفه الكتاب المذكور ، وهو انه لما ساقه القضاء إلى بلاد الغربة ونزل أرض بلخ من قصبة ايلاق (١) وردها الشريف أبو عبد الله محمد بن الحسن المعروف بنعمة وطلب منه ان يصنف كتابا في الفقه والحلال والحرام ويسميه بكتاب من لا يحضره الفقيه كما صنّف الطبيب الرازي محمد بن زكريا كتابا فيى الطب باسم كتاب من لا يحضره الطبيب فاجاب ما سأله وألّف الكتاب المذكور (٢).

وقد طبع الكتاب المذكور في النجف الأشرف سنة ١٣٧٦ ه‍ في أربعة أجزاء بعد ان طبع ثلاث مرات قبل ذلك احداها في لكنهو الهند واخرى بتبريز وثالثة بطهران.

والطبعة المتداولة اليوم هي تصوير عن طبعة النجف الأشرف.

والشيخ الجليل المذكور قد خدم المذهب بكتبه التي الّفها والتي تقرب من ٢٠٠ مؤلفا.

ومن احد مؤلفاته كتاب مدينة العلم الذي يبلغ عشرة اجزاء. وهو أكبر من كتاب الفقيه ولكنه مع الأسف لا أثر منه اليوم.

يقول الشيخ البهائي في درايته : «واصولنا الخمسة : الكافي ومدينة العلم

__________________

(١) وايلاق هي المعروفة اليوم بجمهورية تركستان أو تركمنستان.

(٢) نلفت النظر إلى ان كلمة كتاب ينبغي ان تكون جزء من الاسم ، فاسم كتاب الفقيه ليس هو «من لا يحضره الفقيه» بل «كتاب من لا يحضره الفقيه».


ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب والاستبصار».

ويقول الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة : «فالاسف على ضياع هذه النعمة العظمى من بين اظهرنا وايدينا من لدن عصر والد الشيخ البهائي الذي مرت عبارته الظاهرة في وجوده عنده ... حتى ان العلّامة المجلسي صرف اموالا جزيلة في طلبه وما ظفر به ... نعم ينقل عنه ابن طاووس في فلاح السائل وغيره من كتبه ...» (١).

وقد توفي الشيخ الجليل المذكور سنة ٣٨١ ه‍. ودفن بالري بالقرب من قبر السيد عبد العظيم الحسني.

وقد قيل انه حدث انشقاق في قبره الشريف بسبب طغيان المطر فوجد جثمانه الطاهر لم يتغير حتى اثر الحناء الذي كان على اظفاره بالرغم من مرور ٨٥٧ سنة على دفنه.

* * *

والكلام حول الكتاب المذكور يقع ضمن عدة نقاط :

النقطة الأولى

ذكرنا سابقا ان طريقة الشيخ الكليني في كتابه الكافي جرت على ذكر تمام السند غالبا ولم يشذ عن ذلك إلّا نادرا. بينما طريقة الشيخ الصدوق جرت على

__________________

(١) الذريعة إلى تصانيف الشيعة ٢٠ : ٢٥٢.


العكس ، فهو غالبا يحذف السند ويكتفي بذكر الراوي المباشر عن الإمام عليه‌السلام فيقول مثلا : زرارة أو روى زرارة عن الإمام الباقر عليه‌السلام. ونادرا ما يذكر تمام السند. وعلل ذلك في المقدمة بقوله : وصنفت هذا الكتاب بحذف الاسانيد لئلا تكثر طرقه وان كثرت فوائده.

ومن هنا احتاج إلى ان يذكر آخر الكتاب طرقه إلى من يبتدأ بهم السند فيقول مثلا : وما رويته عن زرارة فقد حدثني به أبي عن ...

وتسمى تلك الطرق بالمشيخة جمع شيخ.

ومن المؤسف عدم ذكره طرقه إلى بعض من ابتدأ بهم السند. ومن هنا تصبح الأحاديث المذكورة مرسلة.

النقطة الثانية

ان الصدوق لم يألف كتابه كجامع لأحاديث أهل البيت عليهم‌السلام وانما الّفه كمرجع عملي للشيعة وليس كمرجع حديثي ويظهر ذلك من بعض فقرات المقدمة ومن اسلوب الكتاب نفسه.

ومن هنا برزت ظاهرة فيه ، وهي انه حينما يذكر بعض الأحاديث باخذ بالتفسير أو التعليق عليها ويذكر ذلك متصلا بالحديث. ولربما يخفى ذلك على المراجع احيانا ويتخيل ان الجميع هو حديث واحد والحال ان بعضه حديث الإمام عليه‌السلام والبعض الآخر من كلام الصدوق.

وعلى سبيل المثال ذكر الصدوق في الحديث الثاني من الجزء الأول ما


نصه : «وقال عليه‌السلام الماء يطهّر ولا يطهّر. فمتى وجدت ماء ولم تعلم فيه نجاسة فتوضأ منه واشرب. وانّ وجدت فيه ما ينجسه فلا تتوضأ منه ولا تشرب إلّا في حال الاضطرار فتشرب منه ولا تتوضأ منه وتيمم ...».

ان المراجع يظن ان جميع الفقرات المذكورة هي من كلام الإمام عليه‌السلام والحال ان كلام الإمام عليه‌السلام فقط هو جملة : الماء يطهر ولا يطهر. والباقي هو من كلاء الصدوق.

النقطة الثالثة

هناك رأي مشهور يرى حجية جميع الأحاديث المذكورة في الفقيه بدون حاجة إلى التدقيق في اسنادها.

ويستند في ذلك إلى احد الوجهين التاليين :

١ ـ بعض الفقرات المذكورة في المقدمة حيث قال الصدوق : «ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما افتي به واحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره».

ان العبارة المذكورة صريحة في انه لا يذكر إلّا الأحاديث الصحيحة. ومعه فيلزم الأخذ بكل حديث مذكور في الفقيه.

ويرده ؛ ان الصدوق وان التزم ان لا يذكر إلّا الخبر الصحيح إلّا ان الصحيح في مصطلح المتقدمين غيره في مصطلح المتأخرين ، فهو فى مصطلح المتأخرين عبارة عن الحديث الذي رواته عدول إمامية بينما في مصطلح المتقدمين عبارة


عن كل حديث يجب العمل به ولو لبعض القرائن المحتفة به والموجبة للاطمئنان بحقانيته حتى ولو فرض فسق رواته وعدم وثاقتهم.

وإذا كان هذا هو مقصود الصدوق من الخبر الصحيح فلا يكون ذكره للخبر في كتابه مستلزما لحجيته علينا ، إذ لعل تلك القرائن لو اطلعنا عليها لم توجب لنا الاطمئنان.

هذا مضافا إلى ان للصدوق طريقة خاصة في تصحيح الأحاديث ، وهي ان كل حديث صححه شيخه محمد بن الحسن بن الوليد فهو صحيح عنده ، وكل حديث لم يصححه شيخه فلا يكون صحيحا عنده.

وقد صرح بهذه الطريقة في بعض الموارد. ومعه فكيف تكون شهادته بصحة أحاديث كتابه موجبة لاعتبارها في حقنا؟

٢ ـ ذكر الصدوق في مقدمة كتابه عبارة اخرى غير العبارة المتقدمة وهي قوله : «وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي و ...».

ان أحاديث الفقيه ما دامت مستخرجة من كتب مشهورة وعليها اعتماد الأصحاب فلا تبقى حاجة إلى وجود طريق صحيح بين الصدوق وصاحب الكتاب الذي ينقل عنه الحديث. اجل نحتاج إلى طريق صحيح بين صاحب الكتاب والإمام عليه‌السلام.


وقد تقدمت الاشارة إلى هذا الرأي فيما سبق (١).

ويرده :

أولا : ان ما ذكر يتم على تقدير افتراض ان كل من ابتدأ الصدوق السند باسمه فقد اخذ الحديث من كتابه ، وهذا غير ثابت ، فانه لم يصرح في مقدمة كتابه أو في المشيخة بذلك.

أجل الشيخ الطوسي صرح بذلك في مقدمة مشيخة التهذيبين دون الصدوق.

ومما يؤكد عدم التزام الصدوق بذلك ذكره في المشيخة طريقا إلى إبراهيم ابن سفيان واسماعيل بن عيسى وانس بن محمد وجعفر بن القاسم وغيرهم والحال عدم وجود كتب لهم بقرينة عدم ذكر النجاشي والشيخ لهما في فهرستهما الموضوع لاستعراض اصحاب الكتب.

بل ان الصدوق ذكر طريقا له إلى اسماء بنت عميس والحال ان من البعيد وجود كتاب لها.

واكثر من هذا قد يذكر الصدوق في المشيخة طريقا إلى رواية معينة خاصة كالرواية التي تنقل مجئ نفر من اليهود إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ان قلت : إذا لم يكن من ابتدأ به الصدوق السند له كتاب فكيف قال جميع ما

__________________

(١) وقد قيل ان من جملة من يختار الرأي المذكور السيد البروجردي قدس‌سره.


فيه مستخرج من كتب مشهورة؟

قلت : لا غضاضة في التعبير المذكور ، فبالامكان ان نفترض ان ابان بن تغلب يبتدأ الصدوق به السند وليس له كتاب وانما اخذ حديثه من كتاب شيخه محمد بن الحسن بن الوليد. وكتاب شيخه وان كان مشهورا ولكن اقصى ما يستلزم ذلك هو عدم الحاجة إلى طريق صحيح بينه وبين كتاب شيخه لا بينه وبين من ابتدأ به السند وهو بيان.

وثانيا : ان شهرة الكتاب والتعويل عليه لا يغني عن الحاجة إلى طريق معتبر إذ قد تكون للكتاب نسخ متعددة في بعضها زيادة أو نقيصة أو تحريف ، فان شهرة كتاب والتعويل عليه لا يساوق انتفاء الاحتمالات المذكورة ، فالكافي مثلا في زماننا هذا يصدق عليه انه من الكتب المشهورة التي عليها المعول ولكنه لا يعني ذلك صحة جميع نسخه ومأمونيتها من الزيادة والنقيصة.

ومع التسليم بما ذكرناه نكون بحاجة إلى طريق معتبر يثبت من خلاله صحة النسخة بان يقول الصدوق ان شيخي قد اجازني رواية نسخة معينة من كتاب حريز مثلا ، وشيخة بدوره قد اجازه شيخه أيضا حتى تصل سلسلة اجازات الثقات إلى حريز نفسه. فحريز نفسه لا بدّ قد دفع نسخة معينة من كتابه إلى ثقة واجازه روايتها ، وهو بدوره دفعها إلى ثالث واجازه روايتها وهكذا حتى وصلت إلى الصدوق.

وثالثا : ان شهرة الكتاب والتعويل عليه لا يعني التعويل على جميع احاديثه بدون استثناء وانما يعني ان التعويل عليه هو الطابع العام عليه ، فكتاب الكافي


مثلا يصدق عليه انه من الكتب المشهورة لدى الشيعة والمعول عليها بيد ان ذلك لا يعني صحة جميع احاديثه والعمل بكل واحد منها.

النقطة الرابعة

ان كتاب الفقيه يشتمل على ٥٩٦٣ حديثا على ما قيل. بيد ان قسما كبيرا منها يبلغ ٢٠٥٠ حديثا هو من المراسيل.

ومن هنا تنشأ الحاجة إلى التفكير في طريقة يمكن بها تصحيح المراسيل المذكورة.

وقد ذهب البعض إلى حجيتها وان مراسيل الصدوق في الفقيه كمراسيل ابن أبي عمير في الحجية والاعتبار.

ويمكن توجيه حجيتها اما ببيان ان الصدوق ذكر في المقدمة انه لا يذكر في كتابه إلّا ما يحكم بصحته ويفتي به ويكون حجة بينه وبين ربه ، او من جهة انه ذكر في المقدمة أيضا ان جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعتمد والمعول.

وكلا البيانين المذكورين قد تقدمت الاشارة إلى مناقشته.

وهناك رأي ذهب اليه غير واحد من الأعلام يفصّل بين ما إذا عبّر الصدوق بكلمة «قال» كأن ذكر هكذا : قال الصادق عليه‌السلام : كل ماء طاهر حتى تعلم انه قذر وبين ما إذا عبّر بكلمة روي ، بان قال : روي عن الصادق : كل ماء ... ، فالأول حجة دون الثاني.


ومن جملة من اختار التفصيل المذكور السيد الخوئي قدس‌سره في بعض دورات بحثه الاصولي القديمة بتقريب ان الصدوق إذا عبّر بكلمة «قال» دلّ ذلك على جزمه بصحة الحديث وحجيته وإلّا لما عبّر بكلمة «قال» الدالة على جزمه بصدور مضمون الرواية عن الإمام عليه‌السلام (١).

والتأمل في ذلك واضح حيث ان تعبير الصدوق بكلمة «قال» وان دلّ على جزمه بصحة الرواية وحجيتها إلّا ان ذلك لا يعني شهادته بوثاقة رجال السند بل قد يكون ذلك لاحتفافها بقرائن توجب العلم بصدقها في نظره دون نظرنا.

ومن هنا تراجع عنه قدس‌سره في الدورات المتأخرة (٢).

__________________

(١) راجع الدراسات : ص ٣٢٢.

(٢) راجع مصباح الاصول ٢ : ٥٢٠.


تمرينات

س ١ : ما المقصود من المشيخة؟ ولماذا احتاج الشيخ الصدوق إلى ذكر المشيخة في آخر كتابه؟

س ٢ : هناك ظاهرة تختص بالصدوق اشرنا إليها تحت عنوان النقطة الثانية.

أوضحها.

س ٣ : اذكر الوجه الأول الذي يمكن التمسك به لاثبات حجية جميع أحاديث الفقيه بدون حاجة إلى التدقيق في سندها. واذكر مناقشة ذلك.

س ٤ : اذكر الوجه الثاني لذلك مع المناقشة الأولى له.

س ٥ : اذكر المناقشة الثانية للوجه الثاني.

س ٦ : اذكر المناقشة الثالثة للوجه الثاني.

س ٧ : اكثر الصدوق من ذكر الروايات المرسلة في كتابه. وقيل بحجية جميع تلك المراسيل لبيانين. اذكرهما.

س ٨ : هناك تفصيل في حجية مراسيل الصدوق. اذكره مع توجيهه.

س ٩ : كيف نناقش التفصيل المذكور؟

س ١٠ : راجع الحديث ١ من باب ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة. واوضح حال سنده.


نظرات في التهذيبين

التهذيب والاستبصار هما كتابان للشيخ الطوسي قدس‌سره.

اما كتاب تهذيب الأحكام فقد الّفه شيخ الطائفة كشرح لكتاب استاذه الشيخ المفيد المسمى بالمقنعة.

وقد قام بعملية الشرح والاستدلال في أوائل الكتاب فيذكر عبارة استاذه أولا ما بين قوسين ويقوم بشرحها والاستدلال على ما فيها من أحكام. ولكنه بعد ذلك أخذ بالاقتصار على سرد الأحاديث. وقد نبه على ذلك نفسه في أول المشيخة. وعلل ذلك بخوف استلزام البسط الخروج عن الغرض وصيرورة الكتاب مبتورا غير مستوفى.

وعليه فكتاب التهذيب ليس كتابا حديثيا محضا وانما هو كتاب فقهي استدلالي حديثي.

وقد قيل ان هذا الكتاب الجليل هو أول تأليف لشيخ الطائفة الّفه وعمره آنذاك خمسة أو ستة وعشرون عاما.

والناظر في هذا الكتاب يمكن ان يستفيد ان قسما منه الّفه الشيخ في حياة استاذه المفيد والقسم الباقي منه الّفه بعد وفاة استاذه. فمن أول الكتاب إلى أواخر كتاب الصلاة حينما يريد ان يذكر عبارة شيخه يقول : قال الشيخ أيده الله تعالى


ولكنه من بعد ذلك الموضع يقول : قال الشيخ رحمه‌الله.

وقد طبع هذا الكتاب اخيرا في النجف الأشرف في عشرة اجزاء.

وقد احصيت مجموع احاديث هذا الكتاب فبلغت (١٣٥٩٠) حديثا على ما ذكر الشيخ النوري (١).

ولصاحب الحدائق قدس‌سره كلمة حول التهذيب تحمل شيئا من القسوة أو المبالغة حيث ذكر في حدائقه (٢) : انه قلما يخلو حديث من أحاديث التهذيب من التحريف أو التصحيف أو الزيارة والنقصان في متنه أو سنده.

واما كتاب الاستبصار فقد الّفه الشيخ الطوسي بسبب تعيير جماعة الشيعة باختلاف احاديثهم وتعارضها فألّف هذا الكتاب وحاول ان يدفع التعارض الذي قد يبدو بين كل خبر وآخر ، فهو موضوع ومؤلف لذكر الأخبار المتعارضة وبيان طريقة الجمع بينها. ومن هنا جاءت تسمية الكتاب بالاستبصار فيما اختلف من الأخبار.

وقد طبع هذا الكتاب اخيرا في النجف الأشرف في أربعة اجزاء.

وقد حصر الشيخ نفسه أحاديث الكتاب المذكور في ٥٥١١ حديثا. ذكر ذلك في آخر الكتاب وقال حصرتها لئلا تقع فيها زيادة أو نقيصة.

وكلامنا حول هذين الكتابين يقع ضمن نقاط.

__________________

(١) راجع مستدرك الوسائل ٣ : ٧٥٧.

(٢) الحدائق الناظرة ٤ : ٢٠٩.


طريقة الشيخ

١ ـ ان طريقة الشيخ في نقل الحديث في هذين الكتابين مختلفة ، فتارة ينقل تمام السند واخرى ينقل بعض السند ، وليس الطابع الغالب عليه نقل تمام السند كما هو في الكافي ولا نقل بعض السند كما هو الحال في الفقيه.

ومن هنا احتاج إلى تأليف المشيخة لتسجيل طرقه إلى من ينقل عنهم الأحاديث لتخرج بذلك من الارسال إلى الاسناد.

والمشيخة المذكورة آخر التهذيب متطابقة غالبا مع مشيخة الاستبصار.

صحة جميع أحاديث الكتابين

٢ ـ ذهب بعض إلى صحة جميع أحاديث التهذيبين. ويمكن توجيه ذلك باحد بيانين : ـ

أ ـ التمسك بما حكي عن الفيض الكاشاني في الوافي عن عدة الاصول للشيخ من انه قال : «ان ما اورده في كتابي الأخبار انما آخذه من الاصول المعتمد عليها». ومع أخذ الأخبار من الكتب المعتمد عليها لا حاجة إلى وجود طريق صحيح بين الشيخ وصاحب الكتاب.

ويرد ذلك : ان العبارة المذكورة لم يتضح ثبوتها في العدة. وعلى تقدير التسليم بثبوتها فيمكن ان يجاب بان كون الأصل معتمدا عليه لا يعني الاعتماد على جميع احاديثه بدون استثناء وانما يعني ان ذلك هو الطابع العام عليه.

ومما يؤكد ان هذا هو المقصود مناقشة الشيخ نفسه في سند مجموعة من


الأحاديث التي سجلها في كتابه. وإذا لم تكن تلك الأحاديث صحيحة في نظر الشيخ نفسه فكيف يتوقع ان تكون صحيحة عندنا.

ب ـ ما ذكره السيد مصطفى التفريشي على ما نقل عنه صاحب جامع الرواة (١) من ان الشيخ الطوسي صرح في أول المشيخة بان الأحاديث ينقلها من نفس كتب واصول الأصحاب. ثم اضاف إلى ذلك مقدمة ثانية وهي ان تلك الكتب والاصول كانت معروفة ونسبتها إلى اصحابها معلومة ولا شك فيها كنسبة الكتب الأربعة إلى اصحابها يومنا هذا. ومعه فلا نحتاج إلى طريق صحيح بين الشيخ وبين اصحاب تلك الكتب.

ويرد ذلك : ما تقدم سابقا من ان في كلام الشيخ في أول المشيخة قرينة على بطلان دعوى شهرة تلك الكتب بحيث لا يحتاج النقل منها إلى طريق صحيح.

وتلك القرينة قوله اني اذكر الطرق إلى اصحاب الكتب لتخرج الأحاديث التي انقلها من الارسال إلى الاسناد.

هذا مضافا إلى ما تقدم من ان شهرة الكتاب لا تستلزم شهرة جميع نسخه. ولعل بعض النسخ مغلوطة فيحتاج إلى وجود طريق معتبر ليؤمن من الغلط.

على ان لازم الدعوى المذكورة لغوية كتابة الشيخ للمشيخة وصرف قسم من عمره في ذلك ، اللهم إلّا ان يكون غرضه التبرك بايصال سنده إلى الإمام عليه‌السلام بيد انه ضعيف باعتبار ان التبرك لا يحتاج إلى الاكثار من ذكر

__________________

(١) راجع جامع الرواة ٢ : ٤٨.


الطرق ، كما ولا حاجة إلى تسجيلها في مؤلف بل يكفي الاحتفاظ بها في القلب أو ورقة خاصة.

التعويض عن الطريق الضعيف

٣ ـ ذكر الشيخ في أول المشيخة ان كل من ابتدأ باسمه السند فقد اخذ الحديث من كتابه.

وإذا رجعنا إلى المشيخة للتعرف على الطريق لصاحب الكتاب فقد لا نجد الشيخ يذكر طريقا إليه أو ان طريقه إليه ضعيف.

وفي مثل هذه الحالة يمكن الرجوع إلى الفهرست الذي الّفه لجمع اسماء اصحاب الكتب من الشيعة وبيان طرقه اليهم.

وفي هذا الكتاب يذكر طرقا اكثر مما ذكره في المشيخة ، فلربما يذكر في المشيخة طريقا واحدا إلى صاحب الكتاب بينما في الفهرست يذكر طريقين او ثلاثا بل ربما لا يذكر في المشيخة طريقا إلى شخص ويذكر له طريقا في الفهرست.

وعليه فاذا كان الطريق في المشيخة ضعيفا وكان بعض الطرق المذكورة في الفهرست صحيحا امكن التعويض والاستعانة بالطريق الصحيح المذكور في الفهرست.

والوجه في ذلك : ان الشيخ في الفهرست يعبر عادة عند فراغه من ذكر اسم الشخص وكتبه هكذا : اخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان عن ... وهذا


التعبير يفهم منه ان كل ما يرويه ببعض تلك الطرق فهو يرويه بالطريق الآخر لا انه يروي بعض رويات الشخص ببعض تلك الطرق والبعض الآخر من رواياته بطريق آخر.

ان الوجه في التعويض بطرق الفهرست واضح على ضوء ما ذكرناه. نعم المشكلة تبقى فيما إذا كانت طرق الفهرست ضعيفة أيضا ، فهل هناك طرق اخرى يمكن الاستعانة بها للتغلب على المشكلة؟

وفيما يلى نذكر قسما من الطرق الجديدة.


طريقة الشيخ الأردبيلي

للشيخ محمد الأردبيلي ـ الذي هو من احد تلامذة الشيخ المجلسي والمؤلف للكتاب المعروف بجامع الرواة ـ رسالة غير مطبوعة سماها برسالة تصحيح الاسانيد.

وقد ذكر في مقدمة الرسالة المذكورة طريقة للتغلب على ضعف بعض الأسانيد.

وقد سجّل حصيلة تلك الطريقة في الفائدة السابعة من الفوائد التي ذكرها في آخر كتابه جامع الرواة.

والطريقة التي ذكرها ينتابها شيء من الغموض. واوضحها السيد البروجردي بشكل جيد.

ولتوضيحها نذكر المثال التالي : روى الشيخ في التهذيب عدة روايات عن علي بن الحسن الطاطري الذي هو من الثقات الأجلة.

ففي التهذيب ج ٢ حديث ٥٤٩ قال ما نصه : علي بن الحسن الطاطري قال حدثني عبد الله بن وضاح عن سماعة بن مهران قال قال لي ابو عبد الله عليه‌السلام : اياك ان تصلي قبل ان تزول فانك تصلي في وقت العصر خير لك ان تصلي قبل ان تزول.


وإذا رجعنا إلى المشيخة لمعرفة طريق الشيخ إلى الطاطري وجدناه يقول : «وما ذكرته عن علي بن الحسن الطاطري فقد اخبرني به أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير عن أبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة عن علي بن الحسن الطاطري».

ان هذه الجملة تدل على ان طريق الشيخ إلى الطاطري يشتمل على ثلاث وسائط : أحمد بن عبدون ، علي بن محمد بن الزبير ، ابي الملك.

وهذه الوسائط الثلاث لم يرد في حقها توثيق فيكون الطريق ضعيفا وبالتالي تكون جميع الروايات المبدوءة بالطاطري ـ والتي تبلغ ٣٤ رواية ـ ضعيفة مطروحة.

والأردبيلي في مقام تصحيح سند هذه الروايات قال : اني راجعت التهذيب في أبواب مختلفة فرأيت في باب الطواف ان الشيخ يذكر أربع روايات بالشكل التالي : موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري عن درست بن أبي منصور عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وجميع هؤلاء الأربعة ثقات.

ثم قام بشيء ثان وهو انه راجع طريق الشيخ إلى موسى بن القاسم فى الفهرست أو المشيخة فوجده صحيحا حيث انه بالشكل التالي : المفيد عن ابن بابويه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم.

وبهذا نحصل على طريق جديد إلى الطاطري نتيجة ضم الأمر الأول إلى


الثاني ، وهو بالشكل التالي : المفيد عن ابن بابويه عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفّار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن القاسم عن علي بن الحسن الطاطري. وهو طريق معتبر.

ويرد على الطريقة المذكورة إنها تتم على تقدير وجود كتاب الطاطري عند موسى بن القاسم حينما نقل منه الروايات الأربع المذكورة. انه بناء على هذا تكون جميع روايات الطاطري قد وصلت إلى موسى بن القاسم ، وحيث ان للشيخ اليه طريقا معتبرا فتكون جميع روايات الطاطري واصلة لنا بطريق معتبر.

إلّا ان من المحتمل عدم وجود كتاب الطاطري عند موسى بن القاسم وانما كان عنده كتاب الراوي السابق على الطاطري كدرست أو ابن مسكان. فدرست مثلا كان عنده كتاب توجد فيه روايات كثيرة من ضمنها الروايات الأربع السابقة ، ودرست قال للطاطري اجزتك ان تروي كتابي هذا ، والطاطري قال بدوره لموسى بن القاسم اجزتك ان تروي كتاب درست ، وموسى بن القاسم اخذ من كتاب درست الروايات الأربع السابقة وسجلها في كتاب له يجمع فيه الأحاديث.

انه بناء على هذا لا يكون موسى بن القاسم راويا لجميع روايات الطاطري بل يكون راويا لكتاب درست الذي وصل إليه بواسطة الطاطري ، ويصح لموسى ان يقول بناء على هذا حدثني الطاطري عن درست بهذه الروايات الأربع.


طريقة الشيخ المجلسي

ينسب إلى الشيخ المجلسي في كتابه الأربعين الطريقة التالية : إذا كان طريق الشيخ الطوسي إلى صاحب كتاب ضعيفا فمتى ما كان للشيخ الصدوق إلى صاحب ذلك الكتاب طريق صحيح امكن التعويل على طريق الشيخ الصدوق والتعويض به عن طريق الشيخ الطوسي.

والوجه في ذلك : ان الشيخ الطوسي له طريق صحيح إلى جميع روايات الشيخ الصدوق فانه يروي جميع روايات الشيخ الصدوق بواسطة الشيخ المفيد.

فاذا كان للشيخ الطوسي طريق صحيح إلى جميع روايات الشيخ الصدوق والمفروض ان الشيخ الصدوق له طريق صحيح أيضا إلى روايات صاحب الكتاب الذي ينقل عنه الشيخ الطوسي فيثبت بذلك وجود طريق صحيح للشيخ الطوسي إلى صاحب الكتاب.

فمتى ما روى الشيخ الطوسي رواية عن صاحب الأصل ولم يذكر الشيخ الصدوق تلك الرواية ولكن كان له طريق صحيح إلى صاحب الكتاب امكن التعويض المذكور والحصول على طريق صحيح إلى تلك الرواية.

ويرد ذلك : ان هذا يتم لو فرض اننا لا نحتمل وجود نسختين مختلفتين للكتاب احداهما يرويها الشيخ بطريقة الضعيف والاخرى يرويها الصدوق بطريقه الصحيح. اما مع هذا الاحتمال ـ الذي هو ثابت ولا يمكن نفيه ـ فلا يمكن


الاستعانة بالطريقة المذكورة لاحتمال ان الحديث الذي يرويه الشيخ الطوسي موجود في نسخته دون نسخة الشيخ الصدوق.

ومما يؤكد احتمال تعدد النسخ ان الشيخ الطوسي ذكر في فهرسته ص ١١٢ في ترجمة العلاء بن رزين ان له كتابا ذا نسخ أربع وله إلى كل نسخة طريقا خاصا يغاير الطريق إلى النسخة الاخرى.


طريقة ثالثة

إذا كانت لدنيا رواية واحدة وصلتنا بطريقين مختلفين. وكل منهما يشتمل على ضعف من ناحية خاصة فبالامكان التلفيق بين الطريقين والحصول على طريق ثالث.

مثال ذلك : ان الشيخ الطوسي روى رواية بالسند التالي : المفيد عن أحمد ابن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين عن الحسن عن زرعة عن سماعة عن الإمام الصادق عليه‌السلام ... (١)

ونفس الرواية رواها الكليني كما يلي : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن اسماعيل عن عثمان بن عيسى عن زرعة عن سماعة عن الإمام عليه‌السلام (٢).

ان الطريق الأول يشتمل على ضعف من ناحية أحمد بن محمد الذي يروي عنه المفيد لأنه أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الذي هو من مشايخ الاجازة

__________________

(١) رجال هذا الطريق كلهم ثقات ما عدا أحمد بن محمد شيخ المفيد الذي هو أحمد بن محمد ابن الحسن بن الوليد بناء على عدم كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

واما محمد بن يحيى وسعد وأحمد بن محمد ـ الذي هو أحمد بن محمد بن عيسى ـ والحسين بن سعيد الأهوازي والحسن بن سعيد الأهوازي وزرعة وسماعة فكلهم ثقات.

(٢) رجال هذا الطريق كلهم ثقات ما عدا علي بن اسماعيل ، فان محمد بن يحيى العطار هو شيخ الكليني المعروف بالوثاقة والجلالة. واما أحمد بن محمد بن عيسى والبقية فهم ثقات.


ولم تثبت وثاقته.

واما الطريق الثاني فهو يشتمل على ضعف من ناحية علي بن اسماعيل.

اما الضعف الموجود في الطريق الأول فيمكن التغلب عليه باعتبار ان المحذور الذي يولّده وجود أحمد بن محمد بن الحسن هو الشك في ان والد أحمد هل حدّت حقا ولده أحمد بالحديث المذكور أو ان أحمد تقوّل على والده ونسب إليه الحديث كذبا وزورا ، فان أحمد لو كان ثقة فبواسطة وثاقته يمكن ان نحرز ان والده قد اخبره بالخبر ولم يتقوّل على والده ، وحيث لم نحرز وثاقته فنحتمل تقوّله على والده.

والمشكلة من هذه الناحية يمكن التغلب عليها بواسطة الطريق الثاني ، فان المفروض ان الكليني في الطريق الثاني يقول ان محمد بن يحيى قد حدّثني بالحديث المذكور من دون تخلل أحمد في الوسط.

واما الضعف في الطريق الثاني الذي هو من ناحية علي بن اسماعيل فيمكن التغلب عليه بواسطة الطريق الأول فانه إذا ثبت ان محمد بن يحيى قد حدّث الكليني بالخبر فنأخذ بالطريق الأول ويحصل بذلك التغلب على المحذور من ناحية علي بن اسماعيل. وبعد هذا التلفيق بين السندين يمكن الأخذ بالرواية.

ويرد ذلك : اننا نحتمل ان أحمد بن محمد بن الحسن قد اختلق رجال السند الذين بينه وبين الإمام عليه‌السلام. ولا نريد ان ندعي بهذا انه اختلق الرواية بل ندعي ان


من المحتمل اختلاقه للسند ، ومعه فلا يبقى بايدينا إلّا السند الثاني ، والمفروض وجود علي بن اسماعيل فيه الذي لم تثبت وثاقته.


طريقة الميرزا محمد الاسترابادي

ذكر الميرزا محمد الاسترابادى ـ صاحب الكتاب الرجالي المعروف بمنهج المقال ـ طريقة لتصحيح بعض الاسانيد الضعيفة.

ومحصلها : ان طريق الصدوق إلى عبيد بن زرارة مثلا ضعيف بسبب وجود الحكم بن مسكين (١). ويمكن استخراج طريق صحيح للصدوق إلى عبيد بعد التوجه إلى أمرين : ـ

أحدهما : ان النجاشي له طريق صحيح إلى عبيد حيث ذكر في ترجمة عبيد ما نصه : «له كتاب يرويه جماعة عنه. اخبرنا عدة من اصحابنا عن أحمد ابن محمد بن يحيى عن عبد الله بن جعفر عن ابيى الخطاب ومحمد بن عبد الجبار وأحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن حماد ابن عثمان عن عبيد بكتابه».

ثانيهما : انه اتضح من خلال مراجعة طريق النجاشي إلى عبيد ان احد الرواة الواقعين في طريق النجاشي هو عبد الله بن جعفر (٢). وإذا رجعنا إلى فهرست الشيخ الطوسي وجدناه يذكر طريقا له إلى عبد الله بن جعفر بالشكل التالي : اخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ المفيد رحمه‌الله عن ابي جعفر ابن بابويه عن

__________________

(١) راجع مشيخة الفقيه : ص ٣١.

(٢) وهو عبد الله بن جعفر الحميري الثقة الجليل.


أبيه ومحمد بن الحسن عنه.

إذن من خلال هذا نعرف ان الصدوق يروي بطريق صحيح جميع روايات الحميري.

وباتضاح هذين الأمرين يتضح ان بالامكان تحصيل طريق للصدوق إلى عبيد لانه من خلال الأمر الثاني عرفنا ان الصدوق يروي بطريق صحيح جميع روايات الحميري والمفروض انّا عرفنا في الأمر الأول ان الحميري يروي روايات عبيد بطريق صحيح فيثبت من ذلك ان الصدوق يروي بالتالي بطريق صحيح إلى عبيد جميع رواياته.

والطريق الجديد هكذا : الصدوق عن ابيه ومحمد بن الحسن عن الحميري عن ابي الخطاب ومحمد بن عبد الجبار وأحمد بن محمد بن عيسى عن محمد ابن اسماعيل بن بزيع عن حماد بن عثمان عن عبيد.

هذه حصيلة الطريقة المذكورة.

ويردها : انه بهذه الطريقة يمكن تصحيح كل رواية ثبت وجودها في كتاب عبيد وانها من جملة رواياته إلّا انه كيف يمكن اثبات ان الرواية التي نقلها الصدوق في كتابه الفقيه والتي وقع في طريقها الحكم بن مسكين هي موجودة في كتاب عبيد ومن جملة رواياته ، فان المفروض ان الصدوق نقلها بواسطة الحكم ابن مسكين ، ومن المحتمل ان الحكم ـ باعتبار عدم ثبوت وثاقته ـ قد اختلق تلك الرواية أو زاد فيها.


اجل لو فرض ان الصدوق قد اخذ الرواية من كتاب الحميري لا من كتاب عبيد تمت الطريقة المذكورة ، ولكننا نحتمل ان الصدوق قد اخذها من كتاب عبيد الذي وصله بواسطة الحكم بن مسكين.


طريقة للسيد الخوئي

نقل الشيخ الطوسي قدس‌سره جملة من الروايات عن علي بن الحسن بن فضال.

وإذا رجعنا إلى الفهرست وجدنا الشيخ يقول ما نصه : «اخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه اكثرها والباقي اجازة أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعا واجازة عنه».

ان أحمد بن عبدون وان لم يوثقه الشيخ والنجاشي صريحا إلّا انه يمكن توثيقه من جهة كونه من مشايخ النجاشي. وقد تقدم في ابحاث سابقة امكان توثيق جميع مشايخ النجاشي (١).

وانما المشكلة من ناحية علي بن محمد بن الزبير حيث انه لم يوثق.

ولازم هذا سقوط جميع الروايات التي رواها الشيخ عن كتاب علي بن الحسن بن فضال من جهة ابن الزبير.

وحاول السيد الخوئي قدس‌سره (٢) التغلب على مشكلة ابن الزبير بالبيان التالي : اننا لو رجعنا إلى رجال النجاشي في ترجمة علي بن الحسن بن فضال وجدنا ان النجاشي يروي جميع روايات ابن فضال بطريق يبتدأ بابن عبدون ولا يتوسطه

__________________

(١) راجع : ص ٥٠.

(٢) معجم رجال الحديث ١ : ٨٢.


ابن الزبير ، أي انه طريق صحيح.

انه من خلال هذا نفهم ان استاذ الشيخ الطوسي والنجاشي الذي ينقلان عنه روايات ابن فضال هو ابن عبدون.

وإذا ثبت ان طريق النجاشي صحيح تثبت بذلك صحة جميع الروايات التي نقلها الشيخ عن ابن فضال لان استاذهما مادام واحدا ـ والمفروض انه ثقة ـ فلازم ذلك ان ما ينقله لتلميذيه ـ الشيخ والنجاشي ـ واحد ، إذ لو لم يكن واحدا فلازم ذلك ان يكون كاذبا في احد نقليه ، وهو خلف فرض وثاقته.

وإذا ثبت وحدة النقل وعدم اختلافه فحيث ان ذلك النقل الواحد قد وصل إلى ابن عبدون بطريق صحيح ـ وهو الطريق الثاني الذي ينقله النجاشي ـ فيلزم من ذلك صحة الروايات التي ينقلها الشيخ عن ابن فضال.

وباختصار : ان كتاب ابن فضال مادام قد وصل لابن عبدون بطريقين احدهما صحيح فكل ما ينقله الشيخ من روايات ابن فضال بتوسط ابن عبدون يلزم ان يكون حجة.

والضابط العام لهذه الطريقة : انه إذا كان طريق الشيخ إلى كتاب راو معين ضعيفا في الفهرست والمشيخة معا فمتى ما كان طريق النجاشي إلى ذلك الكتاب صحيحا وكان شيخهما الذي يرويان عنه ذلك الكتاب واحدا فبالامكان التعويض بطريق النجاشي الصحيح عن طريق الشيخ الضعيف.

وقد تبنى قبل السيد الخوئي هذه الطريقة السيد بحر العلوم في رجاله حيث


قال ما نصه : «وقد يعلم ذلك (١) من كتاب النجاشي فانه كان معاصرا للشيخ مشاركا له في أكثر المشايخ كالمفيد والحسين بن عبيد الله وأحمد ابن عبدون وغيرهم ، فاذا علم روايته للاصل أو الكتاب بتوسط أحدهم كان ذلك طريقا للشيخ» (٢).

ويمكن التأمل في الطريقة المذكورة من ناحيتين : ـ

أ ـ ان من المحتمل ان ابن عبدون كانت لديه نسختان من كتاب ابن فضال احداهما تختلف عن الاخرى ، ونقل احدى النسختين للشيخ الطوسي بواسطة ابن الزبير والنسخة الاخرى للنجاشي بواسطة غيره. ومع وجود هذا الاحتمال فلا يمكن الجزم بان كل ما حدث به ابن عبدون النجاشي فقد حدث به الشيخ الطوسي. ولا يلزم من اختلاف نقله كذبه مادامت النسخة مختلفة.

وإذا قلت : ان أحاديث ابن فضال التي سمعها من الإمام عليه‌السلام مادامت واحدة فمن أين جاء اختلاف النسختين؟

قلت : ان ذلك له مناشئ منها ان يكون ابن الزبير باعتبار عدم ثبوت وثاقته قد زاد في نسخته التي استلمها من ابن فضال أو حرّفها.

ب ـ ان الطريقة المذكورة لو تمت كبرويا فهي ليست تامة صغرويا ، أي ان الاستشهاد لها بالمثال المتقدم غير تام لعدم كون استاذ الشيخ النجاشي في

__________________

(١) أي طريق الشيخ الطوسي.

(٢) رجال السيد بحر العلوم ٤ : ٧٥.


روايات ابن فضال واحدا فان طريق الشيخ إلى ابن فضال وان كان بالشكل التالي : ابن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير عن ابن فضال إلّا ان طريق النجاشي بشكل آخر وكالتالي : «قرأ أحمد بن الحسين (١) كتاب الصلاة والزكاة ومناسك الحج و ... على أحمد بن عبد الواحد (٢) في مدة سمعتها معه. وقرأت انا كتاب الصيام عليه في مشهد العقيقة عن ابن الزبير (٣) عن علي بن الحسن. واخبرنا بساير كتب ابن فضال بهذه الطريق. واخبرنا محمد بن جعفر في آخرين (٤) عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن بكتبه».

ان المستفاد من هذه الفقرات ان للنجاشي طريقين إلى ابن فضال :

١ ـ ابن عبدون عن ابن الزبير عن علي بن الحسن.

٢ ـ محمد بن جعفر عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن.

والطريق الأول لا ينفع لانه وان ابتدأ بابن عبدون إلّا انه يشتمل على ابن الزبير كما يشتمل عليه طريق الشيخ.

والطريق الثاني وان لم يشتمل على ابن الزبير إلّا انه لا يبتدأ بابن عبدون.

فكلا الطريقين اذن لا ينفع ، فان الذي ينفع هو الطريق الذي يبتدأ بابن

__________________

(١) وهو المعروف بابن الغضائري ، وكان من زملاء النجاشي والشيخ الطوسي.

(٢) وهو ابن عبدون.

(٣) وهو علي بن محمد بن الزبير.

(٤) هو اسم مكان معين.


عبدون ولا يشتمل في وسطه على ابن الزبير ، إذ لو لم يبتدا بابن عبدون لم يكن شيخ النجاشي والشيخ الطوسي واحدا. ولو اشتمل وسطه على ابن الزبير لم يرتفع المحذور الموجود في طريق الشيخ الذي نريد التخلص منه.


طريقة اخرى للسيد الخوئي

هناك طريقة اخرى للسيد الخوئي قدس‌سره حاول التغلب بها على مشكلة أحمد ابن محمد بن يحيى وغيره ممن لم تثبت وثاقته.

ولتوضيحها نذكر المثال التالي : ان الشيخ الطوسي في الاستبصار ج ١ ص ٢٣ ذكر رواية بالسند التالي : الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن ابيه عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر.

ان السند المذكور لا خدشة فيه إلّا من جهة أحمد بن محمد بن يحيى حيث لم تثبت وثاقته بناء على عدم كفاية شيخوخة الاجازة لاثبات الوثاقة.

وللتغلب على مشكلته يمكننا ان نختار أي رجل آخر ممن يكون بين أحمد والإمام عليه‌السلام. ولنفرض اننا اخترنا محمد بن أحمد بن يحيى. وبعد ذلك نراجع كتاب الفهرست للشيخ ، فاذا وجدنا ان للشيخ طريقا صحيحا إلى محمد ابن أحمد بن يحيى نعوّض بذلك الطريق الصحيح عن تلك السلسلة الضعيفة في السند السابق (١).

__________________

(١) وإذا رجعنا إلى الفهرست ص ١٤٤ وجدنا ان الشيخ الطوسي يذكر طريقين إلى محمد بن أحمد بن يحيى أحدهما صحيح والآخر ضعيف. اما الضعيف فهو نفس الطريق السابق الذي نريد التخلص منه ، وهو هكذا : «الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه عن محمد بن أحمد بن يحيى». واما الصحيح فهو هكذا : «أخبرنا جماعة عن محمد بن علي ابن الحسين عن أبيه عن أحمد بن ادريس عن محمد بن أحمد بن يحيى».


والتوجيه الفني لفكرة التعويض هذه هي ان الشيخ الطوسي يقول بعد ذكره لاسم صاحب الترجمة واستعراض كتبه ما نصه : اخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن ... وفلان عن ...

ان محمد بن أحمد بن يحيى ما دمنا قد افترضناه في وسط السند فيصدق ان الرواية المبحوث عن سندها هي من جملة رواياته. واذا صدق انها من جملة رواياته شملها التعبير العام المتقدم ـ اخبرنا بجميع كتبه ورواياته ـ وامكن تصحيحها بواحد من تلك الطرق المذكورة في الفهرست في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى ، فان ظاهر تعبير الشيخ الطوسي حينما يقول أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ... ان كل ما وصل اليه باحد الطريقين فقد وصل اليه بالطريق الثاني ، فالرواية المنقولة عن محمد بن أحمد بن يحيى بالطريق الضعيف قد وصلت إلى الشيخ بالطريق الآخر الصحيح أيضا.

وبذلك سوف نحصل على سند صحيح بالشكل التالي : جماعة عن محمد ابن علي بن الحسين عن أبيه عن أحمد بن ادريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر.

وينبغي الالتفات إلى ان الشخص الذي نحاول انتخابه من بين افراد السند يلزم ان يكون واقعا قبل أحمد بن محمد بن يحيى ، أي واقعا بينه وبين الإمام عليه‌السلام ولا ينفع كونه بعد أحمد وإلّا لم نتخلص من مشكلته كما هو واضح.

كما وينبغي ان يكون ذلك الشخص الذي تم انتخابه قد ذكره الشيخ في


الفهرست وذكر اليه طرقا بعضها صحيح (١).

والسيد الشهيد قدس‌سره تعرض إلى هذه الطريقة في بعض كلماته (٢) وارتضاها بشرطين : ـ

أ ـ ان يكون قبل الشخص الضعيف ـ الذي يراد التخلص من مشكلته ـ شخص ثقة ، وللشيخ الطوسي اليه طريق صحيح.

وفي مثالنا السابق كان محمد بن أحمد بن يحيى شخصا ثقة قبل أحمد ، وللشيخ اليه طريق صحيح (٣).

ب ـ ان يكون الطريق الضعيف الذي يراد التخلص منه مذكورا كاحد الطرق إلى محمد بن أحمد بن يحيى.

ففي المثال السابق كان الطريق الضعيف الذي يراد تعويضه ـ وهو الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن ابيه ـ مذكورا في الفهرست كاحد الطريقين إلى روايات محمد بن أحمد بن يحيى.

والوجه في اعتبار الشرط المذكور : ان السند الذي يراد التخلص منه إذا لم يكن احد الطريقين بان كان المذكور طريقا او طريقين اجنبيين عن الطريق

__________________

(١) هذه الطريقة ذكرها السيد الخوئي في مواضع متعددة من ابحاثه القديمة فراجع التنقيح ج ٢ ص ٤٦٣ ، ج ٣ ص ٤٨٦. ولكننا لم نسمعها مه طيلة فترة تلمذنا عنده ، وذلك يدل على عدوله عنها.

(٢) راجع كتاب بحوث في شرح العروة الوثقى ج ٣ : ص ١٢٥ ، ج ٤ ص ٥١.

(٣) ينبغي الالتفات إلى ان هذا الشرط ليس شيئا جديدا وزيادة على ما ذكره السيد الخوئي.


الضعيف فلا يمكن ان نستفيد ان ما رواه الشيخ بالطريق الضعيف قد رواه بالطريق الصحيح بل من المحتمل ان يكون قد رواه بالطريق الضعيف فقط. اما إذا ذكره كاحد الطريقين فلا يأتي الاحتمال المذكور ، لأن ظاهر تعبير الشيخ ـ اخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن ... وفلان عن ... ـ ان كل ما رواه باحد الطرق فقد رواه ببقية الطرق ولا يقصد من ذلك ان بعض الروايات رواها ببعض تلك الطرق والبعض الآخر رواه بالطرق الاخرى.

هذه حصيلة الطريقة المذكورة. وهي لو تمت لكانت نافعة وسيالة في كثير من الموارد.

وقد يخطر للذهن مناقشتها بما يلي : ان مجرد ورود محمد بن أحمد بن يحيى في السند لا يوجب الجزم بكون الرواية هي من جملة رواياته حتى يشملها تعبير الشيخ الطوسي ـ اخبرنا بجميع رواياته وكتبه فلان عن ... وفلان عن ... ـ لاحتمال ان أحمد بن محمد بن يحيى قد اختلق الرواية بالسند المذكور ونسبها إلى والده ومحمد بن أحمد بن يحيى وهما من ذلك براء.

وان شئت قلت : ان تطبيق الطريقة المذكورة فرع الجزم بصدق كون الرواية هي من جملة روايات محمد بن أحمد بن يحيى ، والجزم بذلك فرع الجزم بعدم كذب أحمد في اختلاق الرواية بالسند المذكور. وإذا جزمنا بعدم كذب أحمد فلا نكون بحاجة بعد ذلك إلى هذه الطريقة والاستعانة بفكرة التعويض.

هكذا قد تناقش الطريقة المذكورة.

بيد انها تندفع بالشرط الثاني الذي اضافه السيد الشهيد ، فان الطريق


الضعيف الذي نريد الاستعاضة عنه إذا كان أحد الطريقين الذين ذكرهما الشيخ الطوسي فلازمه ان كل رواية إذا رويت بالطريق الضعيف فهي مروية بالطريق الثاني الصحيح ، وحيث ان الرواية التي بايدينا والتي نريد تحصيل سند جديد لها هي مما رويت بالطريق الأول الضعيف فهي مروية حتما بالطريق الثاني الصحيح ولا يبقى لاحتمال كذب أحمد قيمة ، لأن الشيخ بنفسه يصرّح اني ارويها بالطريق الأول الضعيف وكل رواية ارويها بالطريق الضعيف فانا ارويها بالطريق الثاني الصحيح.

والصحيح في المناقشة ان يقال : اننا نحتمل ان الشيخ الطوسي حينما قال «اخبرنا بجميع رواياته وكتبه فلان ...» فهو يقصد ان محمد بن احمد بن يحيى متى ما ابتدأت به السند فانا اروي عنه بهذه الطرق المتعددة ولا يقصد اني أروي بهذه الطرق عن محمد بن أحمد بن يحيى حتى لو وقع في اثناء السند. ان هذا الاحتمال موجود ، ومع وجوده فلا يمكن تطبيق الطريقة المذكورة (١).

__________________

(١) كانت هذه المناقشة تخطر في ذهننا حتى رايناها في كلمات السيد الشهيد نفسه فراجع تقرير بحثه الاصولي ٥ : ٦٠ ، ٤٣٦.


تطبيقات عملية

١ ـ ورد في الوسائل الباب ٥ من أبواب القيام من كتاب الصلاة ح ٥ ما نصه : «علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال : سألته عن المريض ...».

ان هذه الرواية يرويها الحرّ عن كتاب علي بن جعفر ، فان كتاب علي بن جعفر كان عند الحر ، وهو أحد مصادر أحاديث وسائل الشيعة.

والطريق إليه صحيح ، لأن صاحب الوسائل يروي جميع المصادر التي اعتمدها بطرق كثيرة معتبرة تنتهي إلى الشيخ الطوسي ، والشيخ الطوسي له طريق معتبر إلى علي بن جعفر.

اما ان الحر له طرق معتبرة تنتهي إلى الشيخ الطوسي فيتضح ذلك من خلال مراجعة آخر الوسائل حيث ذكر جملة من الفوائد ، وضمن بعضها (١) ذكر طرقه إلى تلك المصادر ، وهي طرق كثيرة تتشكل من علمائنا الأبرار.

واما ان طريق الشيخ الطوسي إلى علي بن جعفر صحيح فلان طريقه في المشيخة وان كان ضعيفا حيث قال : «وما ذكرته عن علي بن جعفر فقد اخبرني به الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيى عن أبيه محمد بن يحيى عن العمركي النيسابوري البوفكي عن علي بن جعفر». وأحمد بن محمد بن يحيى لم

__________________

(١) وهي الفائدة الخامسة.


تثبت وثاقته بناء على عدم كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

وبالجملة طريق الشيخ في المشيخة وان كان ضعيفا إلّا انه في الفهرست صحيح حيث قال : «اخبرنا بذلك جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن محمد بن يحيى عن العمركي الخراساني البوفكي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى الكاظم عليه‌السلام. ورواه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه عن أبيه عن سعد والحميري وأحمد بن ادريس وعلي بن موسى عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم البجلي عنه».

انه في هذه العبارة يذكر الشيخ إلى علي بن جعفر طريقين هما : ـ

أ ـ جماعة عن محمد بن علي بن الحسين عن ابيه عن محمد بن يحيى عن العمركي عن علي بن جعفر.

وهذا طريق صحيح.

اما الجماعة فلان اقلها ثلاثة ، ولا نحتمل اجتماع ثلاثة من مشايخ الشيخ الطوسي على الكذب خصوصا وبالامكان تحصيل الاطمئنان بان أحد الثلاثة هو المفيد او الحسين بن عبد الله الغضائري حيث يكثر الشيخ عنهما النقل في الفهرست.

واما محمد بن علي وابوه فهما الصدوق الابن والصدوق الأب ، وهما غنيان عن التوثيق.

واما محمد بن يحيى فهو العطار شيخ الكليني وهو من الثقات الاجلة.


واما العمركي فهو ثقة أيضا حيث وثّقه الشيخ الطوسي.

ب ـ محمد بن علي عن ابيه عن سعد والحميري وأحمد بن ادريس وعلي بن موسى عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم البجلي عنه.

وهذا الطريق صحيح أيضا. وتكفينا صحة الطريق الأول عن اثبات صحة هذا الطريق.

٢ ـ ذكر الحرّ العاملي في كتاب الصلاة من وسائله الباب ٩ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث الأول ما نصه : «محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن ابن مسكان عن الحلبي قال ...».

ثم قال بعد فراغه من ذكر الرواية ما نصه : «ورواه الصدوق باسناده عن ابن مسكان.

ان عبارة الحرّ هذه تدل على ان الحديث المذكور قد رواه كل من الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق.

ويكفينا للحكم بصحة الرواية صحة أحد الطريقين ، فلا يلزم صحة كل من طريق الشيخ والصدوق بل يكفي صحة احدهما.

وحيث ان طريق الشيخ صحيح فلا حاجة إلى تحقيق حال طريق الصدوق.

ولاثبات صحة طريق الشيخ نقول :

اما الحسين بن سعيد والبقية إلى الإمام عليه‌السلام فكلهم ثقات اجلاء.

والمهم تحقيق حال طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد وقد ذكر قدس‌سره في


المشيخة (١). عبارة معقّدة بالشكل التالي : «وما ذكرته في هذا الكتاب عن الحسين بن سعيد فقد اخبرني به الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلهم عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد.

واخبرني به أيضا أبو الحسين بن أبي جيد القمي عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الحسين بن الحسن بن ابان عن الحسين بن سعيد.

ورواه أيضا محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد» (٢).

ان العبارة المذكورة تدل على ان الشيخ يروي أحاديث ابن سعيد بطريق يتوسطه محمد بن الحسن بن الوليد.

كما وتشير إلى ان للشيخ إلى ابن الوليد طريقين ، وان لابن الوليد طريقين إلى ابن سعيد.

اما الطريقان من الشيخ إلى ابن الوليد فهما : ـ

أ ـ المفيد وابن الغضائري وابن عبدون كلهم عن أحمد بن محمد عن ابيه.

__________________

(١) راجع : ص ٦٣ من المشيخة المذكورة آخر التهذيب.

(٢) وذكر الشيخ بعد تلك العبارة المتقدمة ما نصه : «وما ذكرته عن الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة وفضالة ...». وهذه العبارة لا تريد التعرض إلى بيان طرق اخرى إلى الحسين بن سعيد كما لا يخفى على من راجعها.


ب ـ ابن أبي جيد عن ابن الوليد.

واما الطريقان من ابن الوليد إلى أبن سعيد فهما : ـ

أ ـ ابن الوليد عن الحسين بن الحسن بن ابان عن ابن سعيد.

ب ـ ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن سعيد.

ويمكن ايضاح ذلك بالشكل التالي : ـ

الشيخ الطوسي الثلاثة عن أحمد ـ ابن أبي جيد محمد بن الحسن بن الوليد الحسين بن الحسن بن ابان ـ الصفار عن ابن عيسى ابن سعيد

ولاثبات صحة طريق الشيخ إلى ابن سعيد يلزم اثبات صحة أحد الطريقين الأولين إلى ابن الوليد ، كما ويلزم اثبات صحة أحد الطريقين الأخيرين إلى ابن سعيد.

اما بالنسبة إلى الطريقين الأولين فالأول منهما يمكن التأمل فيه باعتبار أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد بناء على عدم كفاية شيخوخة الاجازة لاثبات الوثاقة.

واما الطريق الثاني فيمكن تصحيحه باعتبار ان ابن أبي جيد وان لم يوثق توثيقا خاصا إلّا انه من مشايخ النجاشي ، وقد تقدم في باب التوثيقات العامة امكان توثيق جميع مشايخ النجاشي تمسكا ببعض عبائره.

واما بالنسبة إلى الطريقين الأخيرين فالأول منهما وان كان قد يناقش فيه


باعتبار الحسين بن الحسن بن ابان حيث لم يرد في حقه توثيق خاص (١) إلّا ان الثاني منهما صحيح لان الصفار وأحمد بن محمد بن عيسى ثقتان جليلان.

إذن طريق الشيخ إلى ابن سعيد صحيح لأن أحد الطريقين الأولين وأحد الطريقين الأخيرين صحيح.

__________________

(١) وقد يوثّق ببيان ان الحسين بن سعيد حينما ورد قم نزل دار الحسين بن الحسن بن ابان ومرض في داره وقبل ان يموت اوصى بكتبه إلى الحسين بن الحسن. والايصاء اليه بكتبه التي تمثل تراثا حديثيا شيعيا مهما تحمل الاتعاب والمشاق في تحصيله ويجب عليه حفظه للاجيال إلى يوم القيامة يكشف عن كامل وثاقته عنده وإلّا فهل يحتمل بالعاقل المؤمن التفريط بهذه الثروة المهمة بايداعها لدى شخص غير ثقة.


تمرينات

س ١ : الّف الشيخ الطوسي كتاب التهذيب كشرح ... اكمل العبارة.

س ٢ : ما هي الكلمة القاسية لصاحب الحدائق في حق التهذيب؟

س ٣ : ما هو السبب الذي دعا الشيخ الطوسي لتأليف كتاب الاستبصار؟

س ٤ : ما هي طريقة الشيخ الطوسي في نقل الأحاديث في كتابيه؟

س ٥ : اذكر البيان الأول لاثبات صحة كل ما في التهذيبين من أحاديث مع المناقشة.

س ٦ : اذكر البيان الثاني لذلك مع المناقشة.

س ٧ : ما المقصود من نظرية التعويض عن الطريق الضعيف؟

س ٨ : إذا رجعنا إلى مشيخة التهذيب أو الاستبصار للاطلاع على طريق الشيخ إلى راوي الحديث وكان ضعيفا فما ذا نفعل؟

س ٩ : اذكر حصيلة طريقة الشيخ الأردبيلي في باب التعويض.

س ١٠ : كيف تناقش تلك الطريقة؟

س ١١ : ما هي طريقة الشيخ المجلسي في باب التعويض؟

س ١٢ : كيف تناقش تلك الطريقة؟


س ١٣ : اوضح الطريقة الثالثة في باب التعويض؟

س ١٤ : كيف تناقش تلك الطريقة؟

س ١٥ : اوضح طريقة الاسترابادي في باب التعويض؟

س ١٦ : كيف تناقش تلك الطريقة؟

س ١٧ : ما هي طريقة السيد الخوئي لتصحيح السند إلى ابن فضال؟

س ١٨ : كيف نناقش الطريقة المذكورة؟

س ١٩ : ما هي الطريقة الثانية للسيد الخوئي في باب التعويض؟

س ٢٠ : كيف نناقش الطريقة المذكورة؟

س ٢١ : ما هما الشرطان اللذان ذكرهما السيد الشهيد لقبول الطريقة الثانية للسيد الخوئي؟


نظرات في وسائل الشيعة

كتاب وسائل الشيعة هو للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المعاصر للعلّامة المجلسي.

جمع الشيخ الحر كتابه الوسائل من مصادر متعددة أهمها الكتب الأربعة. وقد ذكر قدس‌سره مصادر كتابه في المقدمة والخاتمة ، وقد بلغت (١٨٠) مصدرا تقريبا.

وقد ذكر في خاتمة الكتاب عدة فوائد بلغت (١٢) فائدة.

وقد طبع قديما طبعة حجرية في ثلاثة مجلدات. وطبع بعد ذلك في ايران في (٢٠) جزءا. ومن ثم طبع مؤخرا من قبل مؤسسة آل البيت طبعة تشتمل على تحقيق اكثر في (٣٠) جزءا.

وقد بوّب الحر كل كتاب إلى أبواب متعددة ، فكتاب الطهارة بوّبه إلى أبواب متعددة وقد وضع كل حديث في بابه المناسب بحسب ما يفهمه قدس‌سره من الحديث.

وقد استفرق تأليف الكتاب (٢٠) سنة.

ونلفت النظر إلى ان المعجزة إذا صح اطلاقها في مثل زماننا فمن أحد افرادها تأليف الحر للوسائل ، فان كل حديث يسجله يراجع الكتب الأربعة كلها لمحاولة التعرف على وجوده ، فاذا كان موجودا نبّه على ذلك بقوله : وروى مثله الصدوق أو الشيخ أو الكليني.


بل لم يقتصر على مراجعة الكتب الأربعة عند تسجيله لكل حديث وانما يراجع جميع المصادر التي تبلغ (١٨٠) مصدرا على ما تقدم.

فعند كتابته لحديث يرتبط بباب من أبواب الطهارة يراجع الكتب الأربعة وكتاب علي بن جعفر والخصال ونهج البلاغة وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام والاختصاص وثواب الأعمال وغيرها من المصادر.

كما ويحاول التدقيق في كل حديث عند تسجيله للتعرف على الأحكام التي تستفاد منه.

كما وان أي مجموعة من الأحاديث إذا اشتركت في الدلالة على حكم معين عقد لذلك الحكم بابا معينا وذكر تحته الأحاديث التي تدل عليه.

ومثل هذا العمل الشاق يستدعي وقوع اغلاط كثيرة عند نقل السند أو المتن خصوصا والاسماء متشابكة في الأسانيد والحال انه لا نرى مثل ذلك في الوسائل. ولا نقصد من وراء هذا ان ندعي انه لا يشتمل على اخطاء اصلا وانما ندعي ان الأخطاء الواقعة فيه هي أقل بكثير مما يتوقع في مثل هذا العمل الواسع والشاق.

ملاحظات على وسائل الشيعة

ونحن إذ نثمّن الجهود الجسيمة والثمينة التي بذلها الحر في تأليف كتابه العظيم الذي عبّد فيه طريق الاستنباط للمجتهدين وازال كثيرا من العقبات والعراقيل عن الطريق المذكور.


نحن في نفس الوقت الذي نعتقد فيه ان مثل هذا العمل الجبار لا يمكن لشخص القيام باعباءه بدون ان يحاط بالتسديد والعناية الإلهية.

نحن في نفس الوقت الذي نعتقد فيه ان من ضمن العنايات الربانية التي تكلل بها كتاب الوسائل هو ان تكون مكتبة كل طالب علم في زماننا هذا وما قبله مشتملة عليه ويراجع كل يوم مرات متعددة من قبل الآلاف من طلبة العلوم الدينية ويذكر اسم صاحب الوسائل مقرونا بالترحم والترضي والاستغفار.

نحن بالرغم من كل هذا لا نعدم بعض الملاحظات الجانبية التي لا يخلو منها أي كتاب عادة نسجلها كما يلي : ـ

١ ـ قام قدس‌سره بتقطيع الأحاديث ، بمعنى ان الحديث الواحد إذا اشتمل على فقرات متعددة فلا يذكر جميع الفقرات في باب واحد بل يذكر كل فقرة في بابها المناسب بل قد لا يشير احيانا إلى ان هذه الفقرة ليست حديثا كاملا وانما هي فقرة من فقرات حديث واحد.

وهذا قد يكون له اثره السلبي احيانا لأن الفقرات لو اجتمعت وضم بعضها إلى بعض فلربما استفيد منها غير ما يستفاد لو كانت متفرقة.

٢ ـ ان المراجع قد يعسر عليه احيانا استخراج سند الرواية ، فمثلا حينما ينقل عدة أحاديث يقول في الحديث الأول هكذا : محمد بن الحسن باسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن ابي عمير ... وحينما ينقل السند الثاني يقول هكذا : وعنه عن صفوان عن منصور ...

والمراجع قد يخفى عليه المراد من الضمير في كلمة «عنه» ويتخيل


انه راجع إلى الشيخ الطوسي والحال انه راجع إلى الحسين بن سعيد وان المراد هكذا : محمد بن الحسن الطوسي باسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن منصور.

هذا وشبهه في الوسائل كثير. ولربما يخفى المقصود بدون مراجعة المصدر الأصلي.

٣ ـ حينما ينقل حديثا عن الشيخ الطوسي مثلا فذلك الحديث إذا كان قد نقل الشيخ الكليني ما يقرب منه فعند نهاية الحديث يقول : ونقل مثله الكليني ، والحال ان ما ينقله الكليني قد يختلف قليلا عما ينقله الشيخ الطوسي من دون ان يشير إلى مورد الاختلاف وكيفيته.

٤ ـ عدم ضبطه الأحاديث حين نقلها من حيث السند أو المتن فالشخص إذا رجع إلى المصدر الأصلي قد يجد اختلافا بين ما ينقله الحر وبين ما في المصدر الأصلي. وهذا مما قد يقضي بضرورة مراجعة الفقيه المصدر الأصلي وعدم الاكتفاء بمراجعة الوسائل.

٥ ـ انه إذا نقل عن مصدر معين فلا يشير الى اختلاف ذلك المصدر ان كان هناك اختلاف. ومن هنا تكون مراجعة المصدر الأصلي ضرورية للفقيه في مقام الاستنباط.

٦ ـ عدم تشخيصه للمصدر من حيث رقم الصفحة أو رقم الباب أو رقم الحديث ، فالمراجع قد يصرف وقتا طويلا لتشخيص مصدر النقل من هذه الجهة.


بل إذا كان ينقل عن الشيخ الطوسي فلا يشير إلى مصدر النقل وانه التهذيب أو الاستبصار.

٧ ـ يحذف احيانا الحرّ بعض الأحاديث المرتبطة بالباب ويشير إليها بقوله : وتقدمت بعض الأحاديث المرتبطة بالباب أو تأتي من دون بيان تلك الأحاديث المتقدمة أو الآتية. ولذلك قام بعض الأعلام (١) بمهمة تشخيص تلك الأحاديث وكتب كتابا باسم الاشارات والدلائل إلى ما تقدم ويأتي في الوسائل.

٨ ـ لم يقم الحرّ بذكر الآيات القرآنية المناسبة لكل باب ان كانت ويقتصر على ذكر الروايات.

ولتفادي هذه الملاحظات قام السيد البروجردي قدس‌سره بتأليف لجنة من تلاميذه وطلب منها تأليف كتاب حديثي باسم جامع أحاديث الشيعة لا يحتوي على الملاحظات السابقة بل مع اشتماله على مزايا اخرى كذكره لأحاديث اخرى لم يذكرها صاحب الوسائل وهي الأحاديث التي استدركها عليه الشيخ النوري في كتابه مستدرك الوسائل.

وقام السيد البروجردي نفسه بالإشراف على تلك اللجنة وتم تأليف الكتاب في حياته وطبع الجزء الأول منه ، وبعد وفاته استمر طبع بقية الأجزاء جزاهم الله جميعا خير ما يجزي به المحسنين.

__________________

(١) وهو الشيخ عبد الصاحب الجواهري رحمه‌الله تعالى.


مستدرك الوسائل

هناك بعض المصادر الحديثية لم ينقل منها الحر كدعائم الإسلام والاشعثيات و ... وقام الميرزا حسين النوري الطبرسي قدس‌سره بالاستدراك عليه والّف كتابا باسم مستدرك الوسائل وذكر الأبواب التي اشار لها الحر دون أي تغيير وذكر تحت كل باب الأحاديث التي لم يذكرها صاحب الوسائل ولا يكرر ذكر الأحاديث التي يشير إليها الحر.

والنوري وان كان يشكر على عمله الجليل هذا إلّا ان غالب المصادر التي اعتمدها ليست معتمدة لدى الأصحاب. ولعله من هذه الجهة لم يعتمدها الحر كمصادر في كتابه فان من البعيد عدم عثوره عليها أو غفلته عنها وانما ذلك من جهة ضعفها في نظره.

وقد قام النوري بقضية مهمة في كتابه وهو اشارته لفوائد رجالية مهمة لا يستغني عنها الباحث المحقق الحقها بآخر الكتاب. ولعل أهمية مستدرك الوسائل تكمن في الفوائد المذكورة.

وقد طبع الكتاب طبعة حجرية قديمة في ثلاثة أجزاء ضخمة. وضم أكثر الجزء الثالث تلك الفوائد الرجالية.

وطبع جديدا طبعة محققة في أجزاء متعددة.

الوافي

كتاب الوافي كتاب حديثي قام بتأليفه الفيض الكاشاني المعروف بمحمد


ابن محسن صاحب كتاب المحجة البيضاء والتفسير المعروف بتفسير الصافي (١).

وقد جمع فيه أحاديث الكتب الأربعة ولا يحتوي على أحاديث من غيرها.

والميزة التي أعطت لهذا الكتاب أهمية هي بياناته ، فانه إذا ذكر حديثا يشتمل على شيء من الغموض من حيث معناه أو بعض مفرداته اللغوية أو من جهات اخرى يذكر آخره كلمة «بيان» ثم يأخذ بتوضيح تلك الغوامض الأمر الذي ينبأ عن سعة اطلاع الفيض قدس‌سره ومدى دقته.

وقد رتب كتابه على مقدمة و ١٤ كتابا وخاتمة. ولكل كتاب مقدمة وخاتمة.

وقد طبع قديما في ثلاثة مجلدات ضخمة. وطبع حديثا في اجزاء متعددة.

بحار الأنوار

كتاب بحار الأنوار هو للشيخ محمد باقر المجلسي المتوفى سنة ١١١١ ه‍.

كان هذا الشيخ الجليل معاصرا للشيخ الحر صاحب الوسائل. الّف أحدهما الوسائل والآخر البحار. وكل واحد منهما معجزة في بابه. وامتاز البحار بكونه دائرة معارف اسلامية فهو يجمع من الفقه واصوله والتفسير والتاريخ والفلك

__________________

(١) وهو صهر الفيلسوف المعروف بصدر الدين الشيرازي صاحب كتاب الاسفار الأربعة.


والفلسفة و ... الشيء الكثير.

ويتخيل البعض ان ما قام به المجلسي من انجاز لا يعد والتجميع من مصادر متعددة ، وذلك مخالف للانصاف. انه الّف كتابه في (٢٥) مجلدا من المجلدات الضخمة القديمة (١) منها ثمانية مجلدات خصصها لتاريخ أهل البيت عليهم‌السلام ومنها خمسة مجلدات في مختلف الأحكام الشرعية وبقية المجلدات في مختلف العلوم الاخرى.

وهو حينما يذكر كل باب يذكر الآيات المرتبطة بذلك الباب ويقوم بتفسيرها ثم يأخذ بايضاح القضايا المعقدّة في كل حديث مما ينبئ عن تظلعه الكامل في مختلف الفنون الإسلامية.

وهو يدهش القارئ إذا ما تصفح اجزاء الكتاب فكيف وسعه الوقت لجمع هذا التراث العظيم وكيف امكنه التأمل في كل حديث وايضاح ما التبس فيه وكيف امكنه الدخول في كل فن وكأنه صاحب ذلك الفن لا غير. انه بحق معجزة عصره بل مدى العصور.

وانّا نعتقد ان مثل هذا العمل الجبار لا يمكن لشخص انجازه إلّا إذا كان مكللا بالعنايات الإلهية ومشمولا لادعية مولانا وامام زماننا الحجة بن الحسن العسكري روحي وارواح العالمين له الفداء.

ولم يكن غرض هذا الرجل العظيم من تأليف هذا الكتاب إلّا جمع تراث أهل البيت عليهم‌السلام وحفظه من الضياع ويبقى على المراجع تحقيق حال ذلك التراث

__________________

(١) وطبع مؤخرا طبعة جديدة محققة فيما يتجاوز عن مائة مجلد.


واخذ ما هو الصحيح منه وهجر الضعيف فهو يصرح في مقدمة كتابه عند استعراض المصادر التي اعتمدها بضعف جملة منها ولكن بالرغم من ذلك احتفظ بها في كتابه كما يحتفظ البحر بالجوهر وغيره وعلى الغائص التمييز واخذ الأول وهجر الثاني.

فمن عبائره التي نفهم منها عدم اعتماده على جميع المصادر قوله ص ١٤ من الجزء الأول «وكتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة المنسوب إلى مولانا الصادق عليه‌السلام».

ان تعبيره بكلمة «المنسوب» يدل على عدم اعتقاده الكامل بصحة الكتاب.

وقوله ص ١٦ : «والكتاب العتيق الذي وجدناه في الغري صلوات الله على مشرّفه تأليف بعض قدماء المحدثين في الدعوات. وسميناه بالكتاب الغروي».

وقوله ص ١٧ : «وكتاب التمحيص لبعض قدمائنا».

إلى غير ذلك من المواضع.

وعلى هذا لا يصح ان نحكم على ما هو المذكور في البحار بالصحة بنحو الايجاب الكلي كما ولا يمكن الحكم بعدم الصحة بنحو السلب الكلي.

أجل بما ان المصادر المعتبرة التي اعتمد عليها المجلسي كالكتب الأربعة وغيرها موجودة بايدينا فيكفينا مراجعتها بلا حاجة إلى مراجعة البحار إلّا من جهة الايضاحات والبيانات التي قام بها قدس‌سره. وتبقى بقية المصادر التي ليست بايدينا حيث انها ضعيفة فلا نكون بحاجة إلى مراجعة البحار من ناحيتها.



الفصل الرابع

نظرات في كتبنا الرجالية



ذكرنا عند التعرض لكتب الحديث ان اصحاب الأئمة عليهم‌السلام قاموا بجمع ما سمعوه من الأئمة عليهم‌السلام في كراريس بلغت (٤٠٠) كراسا سميت بعد ذلك بالاصول الاربعمائة وقام بعد ذلك المحمدون الثلاثة رضوان الله عليهم بجمع تلك الاصول وتبويبها فخرجت من ذلك الكتب الأربعة.

وشبيه هذا المعنى وقع في باب الرجال ، فان بعض اصحاب الأئمة عليهم‌السلام قام بتأليف كتب في الرجال. وطريقة البعض في كيفية تأليف الكتاب تختلف عن طريقة البعض الآخر ، فبعض الّف كتابا لاحصاء اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين اشتركوا مع الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في حروبه. وبعض الّف كتابا لذكر مثالب ومناقب رواة الحديث. وبعض الّف كتابا لذكر طبقات اصحاب المعصومين عليهم‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحتى آخر المعصومين.

ولعل اقدم من كتب في الرجال هو عبيد الله بن أبي رافع الذي كان كاتبا لأمير المؤمنين عليه‌السلام حيث قام بتأليف كتاب ذكر فيه اسماء من كان مع امير


المؤمنين عليه‌السلام من صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فى حروبه.

وقام بعد ذلك النجاشي والكشي والشيخ الطوسي بجمع تلك الكتب وتأليف كتب رجالية جديدة وهي الكتب الرجالية الأربعة المعروفة.

وسوف نتحدث عن كل واحد منها باختصار.


نظرات في رجال الكشي

رجال الكشي هو للشيخ الجليل محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي (١) المكنى بابي عمرو.

كان هذا الشيخ الجليل معاصرا للشيخ الكليني ويعدّ في طبقته.

وقد قيل في حقه : ثقة عين بصير بالأخبار وبالرجال غير انه يروي عن الضعفاء كثيرا.

كان هذا الشيخ الجليل من تلامذة العياشي. فقد ذكر النجاشي ان الكشي صحب العياشي وتخرج عليه وفي داره التي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم.

قام هذا الشيخ بتأليف كتاب يتضمن ذكر الروايات المادحة أو الذامة لبعض الرواة فهو لا يذكر عادة ان هذا ثقة أو ضعيف وانما يذكر اسم الراوي أولا ثم يذكر رواية أو أكثر مما ورد في شأنه. فهو على هذا لا يذكر جميع الرواة ولا غالبهم وانما يذكر من ورد في حقه بعض الروايات.

ومن هنا يكون عدد الرواة المذكورين فيه قليلا. وقيل بانهم يبلغون (٥٢٠) شخصا.

__________________

(١) قيل بان الكشّي بفتح الكاف وتشديد الشين نسبة إلى كشّ ـ بفتح الكاف وتشديد الشين ـ الذي هو من بلدان ما وراء النهر ويبعد عن سمرقند بمراحل.

هذا ولكنا كنّا نسمع السيد الخوئي قدس‌سره يقرأها كشي ، أي بفتح الكاف وتخفيف الشين.


والمعروف ان رجال الكشي الأصلي غير موجود اليوم في الايدي وانما الموجود هو ما عمد اليه الشيخ الطوسي وهذّبهه واصلحه. ومن هنا يعرف الموجود اليوم باختيار معرفة الرجال ، فاسم الكتاب الأصلي «معرفة الرجال» ، وما نتج عن جهود الشيخ الطوسي هو اختيار معرفة الرجال باعتبار انه ما اختاره الشيخ من ذلك الكتاب.

وقد وقع الكلام في عملية الاصلاح التي قام بها الشيخ الطوسي ، فيحتمل ان اصل الكتاب كان يشتمل على رجال العامة ، والشيخ الطوسي قام بتجريده عن ذلك وجعله مختصا برجال الشيعة.

ويحتمل انه كان يشتمل على زوائد وفضول ، والشيخ قام بتجريده منها.

وينقل البعض انه عثر على نسخة من الكتاب كانت راجعة إلى الشيخ حسن صاحب المعالم. وثنى عليها ووصف الكتاب بالسعة لدرجة قد توحي بمغايرته لما هو المتداول اليوم ، وكأن السابق كان اشبه بدائرة معارف اسلامية ويحتل الرجال بعض فصول الكتاب.

وقد طبع الكتاب مرات متعددة لعل احسنها طبعة دانشگاه التي قام بتحقيقها الشيخ حسن المصطفوي.

ومن الجدير مراجعة الكتاب لاحتواءه على عرض الشي الكثير من أحوال الرواة وتراجمهم من خلال الروايات الواردة في شأنهم.


رجال الشيخ الطوسي

للشيخ الطوسي كتابان احدهما في الرجال ، وهو ما نريد التحدث عنه الآن ويعرف برجال الشيخ الطوسي.

وقد قام الشيخ في هذا الكتاب بذكر اسماء اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اولا ثم اصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ثم اصحاب بقية الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم.

وفي النهاية ذكر فهرستا باسماء من لم يرو عنهم عليهم‌السلام.

والطابع الغالب على الشيخ في هذا الكتاب انه حينما يذكر اسم الراوي لا يذكر كونه ثقة أو ضعيفا وان حصل منه ذلك في مواضع قليلة.

وعلى هذا الأساس تظهر فائدة الكتاب المذكور في التعرف على طبقة الراوي وانه يعيش في أي مرحلة زمنية ومن اصحاب أي امام.

وهناك نقطتان ترتبطهان بالكتاب المذكور تستحقان التوقف القصير.

النقطة الأولى

ان الشيخ ذكر في مقدمة الكتاب اني اذكر أولا اسماء من روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أحد الأئمة الطاهرين ثم اذكر ثانيا اسماء من لم يرو عنهم سواء كان معاصرا لهم ولم يرو عنهم أو كان غير معاصر لهم.

وهذا ليس مقصودنا وانما المقصود الاشارة إلى ان الشيخ اتفق له في بعض


الموارد ذكر اسم شخص واحد مرتين ، مرة في باب من روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام مثلا واخرى في باب من لم يرو عنهم ، كما هو الحال في القاسم بن محمد الجوهري وفضالة بن أيوب ومحمد بن عيسى العبيدي و ...

والتهافت في ذلك واضح فان الشخص الواحد إذا كان قد ادرك أحد الأئمة عليهم‌السلام وروى عنهم فالمناسب ذكره في الباب الأول فقط وعدم تكرار اسمه في باب من لم يرو عنهم ، وإذا لم يدرك أحد الأئمة عليهم‌السلام فالمناسب ذكره في الباب الثاني فقط ، فذكره على هذا في البابين يلزم منه التهافت وكون الشخص الواحد راويا عنهم عليهم‌السلام وعدم كونه راويا عنهم.

وقد ذكرت لدفع الاشكال المذكور وجوه : ـ

١ ـ ان المقصود من ذكر الشخص في اصحاب أحد الأئمة عليهم‌السلام الإشارة إلى كونه معاصرا لهم سواء كان قد روى عنهم أم لا. انه بناء على هذا يصح ذكر الشخص الواحد في كلا البابين ، فيذكر في باب اصحاب الأئمة عليهم‌السلام من باب انه من اصحابهم ومعاصريهم وان لم يرو عنهم ، ويذكر في الباب الثاني من باب انه وان كان معاصرا لهم عليهم‌السلام إلّا انه لم يرو عنهم.

ويرده :

أولا : ان ما ذكر خلاف ما صرّح به الشيخ نفسه في المقدمة حيث قال اني اذكر اولا اسماء من روى عن احد الأئمة عليهم‌السلام واذكر ثانيا اسماء من لم يرو عنهم ، ولم يقل اني اذكر أولا اسماء من كان من اصحابهم وان لم يرو عنهم.


ثانيا : إذا راجعنا الأسماء التي تكرر ذكرها في البابين نجد ان بعضها لا يتم فيها التوجيه المذكور لأنه ممن يروي عن المعصوم لا انه فقط من اصحابهم ولم يرو عنهم.

٢ ـ ان الشخص إذا كان يروي عن الأئمة عليهم‌السلام تارة بالمباشرة ومن دون واسطة راو واخرى بتوسط راو آخر صح ذكره في كلا البابين ، فباعتبار انه يروي في بعض الأحيان بلا واسطة يصح ذكره في باب من روى عن أحد الأئمة عليهم‌السلام وباعتبار انه لا يروي بالمباشرة في بعض الأحيان الاخرى يصح ذكره في باب من لم يرو عنهم عليهم‌السلام.

ويرده :

أولا : ان الشخص مادام قد روى ولو في بعض الأحيان عن الأئمة عليهم‌السلام بالمباشرة فلا يصح ذكره في باب من لم يرو عنهم لأنه يصدق عليه حقيقة انه ممن روى عنهم وانه حقيقة ليس ممن لم يرو عنهم.

ثانيا : ان لازم التوجيه المذكور ان يذكر الشيخ اغلب الرواة في كلا البابين لان اغلب الرواة كما يروي عن الإمام بالمباشرة في بعض الأحيان يروي عنه مع الواسطة في بعض الأحيان الاخرى ، والحال ان التكرار حصل في بعض قليل من الرواة.

٣ ـ الالتزام بتعدد الراوي بان يقال ان الاسم الواحد المذكور في البابين هو اسم لشخصين ، ففي القاسم بن محمد الجوهري مثلا يلتزم بانه يوجد شخصان


يسمى كل واحد منهما بالقاسم بن محمد الجوهري احدهما يروي عن الأئمة عليهم‌السلام والآخر لا يروي عنهم.

وهذا الوجه بعيد لان من النادر اتفاق شخصين في اسمهما واسم ابيهما ولقبهما. وإذا امكن تحقق هذا مرة أو مرتين فمن البعيد تحققه مرات متعددة.

وباتضاح بطلان هذه الوجوه نقول : ان من القريب ان يكون صدور مثل هذا من الشيخ من باب الغفلة والاشتباه فان باب الرجال يساعد على ذلك لكثرة الأسماء وتشابهها.

هذا مضافا إلى سعة دائرة اعمال الشيخ قدس‌سره ، فهو المرجع للشيعة في وقته ، وهو الاستاذ الأعظم الذي يلقي محاضراته كل يوم على تلاميذه ، وهو المؤلف لموسوعات كبيرة يحتاج تأليف كل واحد منها إلى لجنة كبيرة فانظر إلى التهذيب تارة وإلى الاستبصار اخرى وإلى النهاية والمبسوط والتبيان والفهرست ورجاله والعدة في الاصول والخلاف وتلخيص الشافي و ...

ان مثل هذا الشخص إذا افترضنا وقوع ذلك المقدار من الاشتباه منه فهو قليل في حقه (١).

__________________

(١) بعد كتابة هذا الموضوع عثرنا على كلام للسيد البروجردي قدس‌سره في تقرير درسه الفقهي المسمى بنهاية التقرير ج ٢ ص ٢٧٠ يقول فيه : الظاهر ان رجال الشيخ كان بصورة المسودة وكان غرض الشيخ الرجوع اليه ثانيا لتنظيمه وترتيبه وتوضيح حال بعض المذكورين فيه كما يشهد لذلك اقتصاره في بعض الرواة على مجرد ذكر اسمه واسم ابيه من دون تعرض لبيان حاله من حيث الوثاقة وغيرها ، وكذا ذكر بعض الرواة مكررا ... ان كل ذلك مستند


النقطة الثانية

تكرر من الشيخ قدس‌سره في باب اصحاب الصادق عليه‌السلام انه حينما يذكر اسم راو يذكر بعده هذه الكلمة «اسند عنه».

وقد وقع الكلام في المراد من الكلمة المذكورة وفي كيفية قرائتها وهل تقرأ بصيغة المبني للمجهول ، أي «اسند عنه» أو بصيغة المبني المعلوم ، أي : «اسند عنه».

وقد ذكروا في هذا المجال وجوها متعددة نذكر بعضها : ـ

١ ـ المقصود ان الراوي المعين لم يرو عن الإمام عليه‌السلام مباشرة وانما يروي عن الإمام عليه‌السلام مع الواسطة ، فالراوي المعين اسند عنه أي روى بواسطة السند والواسطة عن الإمام عليه‌السلام.

ويرده : ان التعبير المذكور ذكر في حق اشخاص رووا عن الإمام عليه‌السلام بالمباشرة كمحمد بن مسلم وجابر الجعفي وغيرهما.

٢ ـ المقصود ان الأعاظم قد رووا عنه مع اعتمادهم عليه. وعلى هذا يكون المناسب قرائتها بنحو المبني للمجهول ، فاسند عنه أي روي عنه على وجه الاستناد والاعتماد.

ويرده : ان التفسير المذكور لا يستفاد من ظاهر الكلمة المتقدمة.

__________________

إلى كثرة اشغاله بالتأليف والتصنيف ... بحيث لو قسمت مدة حياته على تأليفاته لا يقع في مقابل كتابه هذا إلّا ساعات محدودة.


على ان الكلمة ذكرت في حق بعض الرواة المجاهيل.

هذا كله مضافا إلى ان المناسب على التفسير المذكور ذكر الكلمة المتقدمة في حق جميع الثقات الاجلاء من اصحاب الصادق عليه‌السلام والحال إنّا نجد ذكرها في حق بعضهم.

٣ ـ المقصود ان الراوي المعين لا يروي إلّا عن الإمام الصادق عليه‌السلام ولا يروي عن غيره من الأئمة عليهم‌السلام فاحاديثه يسندها إلى الإمام الصادق عليه‌السلام ولا يسندها إلى غيره.

ويرده : ان التفسير المذكور مضافا إلى كونه مخالفا للظاهر لا يتلائم وذكر الشيخ الكلمة المتقدمة في حق بعض الرواة الذين رووا عن غير الإمام عليه‌السلام أيضا كمحمد ابن مسلم وغيره (١).

وعليه تبقى الكلمة المذكورة مجملة لم يتضح المراد منها.

__________________

(١) فروى محمد بن مسلم مثلا عن زرارة كما في الكافي ٢ : ٦٣٠ ح ١٢. وروى أيضا عن حمران كما في الكافي ٤ : ١٥٧.


فهرست الشيخ الطوسي

للشيخ الطوسي كتاب آخر باسم الفهرست يتضمن ذكر من له كتاب من الرواة الإمامية.

وفرق هذا الكتاب عن كتابه السابق المسمى بالرجال ان الكتاب السابق متكفل لذكر اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام سواء كان لهم كتاب أم لا ، اما هذا الكتاب فهو يتضمن ذكر من له كتاب فقط من الشيعة ، ومن ليس له كتاب لا يذكره ولو كان من أحد اصحاب المعصومين عليهم‌السلام فهو على هذا فهرست لخصوص المصنفين من الشيعة.

وقد ذكر قدس‌سره في مقدمة الكتاب ان كل شخص يذكره فهو ملتزم بان يذكر بعده ما قيل في حقه من تعديل أو جرح ، وانه يعتمد على رواياته أو لا ، وان اعتقاده موافق للحق أو لا.

هكذا ذكر قدس‌سره ولكنه لم يف بما وعد إلّا في حق قليل.

ولربما يبرر عدم توثيقه للبعض بان ذلك من جهة وضوح وثاقته ، فمثل زرارة وسلمان وغيرهما لا يحتاجون إلى توثيق.

ويورد عليه انه أهمل توثيق بعض من يحتاج إلى توثيق لعدم وضوح حاله كعمّار الساباطي فانه من جهة كونه فطحيا يمكن القول القول بعدم الاعتماد على روايته وبالرغم من ذلك أهمل توثيقه.


هذا من جهة. ومن جهة اخرى نرى انه وثّق اشخاصا لا يحتاجون إلى توثيق كالشيخ الكليني وابن أبي عمير.

على ان وضوح حال الشخص وكونه ثقة عطيما لا يحصل إلّا من جهة ذكر الشيخ والنجاشي وغيرهما له باحسان وانه ثقة جليل ، ومعه فكيف يقال ان عدم ذكر الشيخ لشخص لعله من جهة وضوح جلالته.

مصطلح الجماعة

ثم ان الشيخ حينما يذكر اسم شخص وان له كتابا يذكر غالبا طريقه إلى الكتاب. وحين ذكره للطريق يقول في بعض الأحيان : اخبرنا بالكتاب جماعة من اصحابنا عن فلان عن ...

ولربما يستشكل في صحة الطريق المذكور من جهة عدم تعيين المقصود من الجماعة.

ولكن يرده ان أكثر من ينقل عنه الشيخ ويروي عنه كتب الأصحاب هو الشيخ المفيد والحسين بن عبيد الله الغضائري وأحمد بن عبدون وغيرهم ، وهم معروفون بالوثاقة. ومعه فحينما يقول اخبرنا جماعة من اصحابنا عن فلان عن فلان ... فسوف يحصل الجزم بان أحد أفراد الجماعة هو أحد الثقات المتقدم ذكرهم الذين يروي عنهم كثيرا في بقية الموارد ويصرّح باسمائهم.

هذا مضافا إلى انه يصرح في موارد متعددة بانه اخبرني جماعة منهم المفيد والحسين بن عبيد الله الغضائري وابن عبدون ، ومعه فلا يبقى للاشكال أي مجال.


رجال النجاشي

رجال النجاشي هو للشيخ الجليل أحمد بن علي بن العباس النجاشي. وكنيته أبو العباس.

كان هذا الشيخ الجليل معاصرا للشيخ الطوسي. وكانا في بعض الأحيان يشتركان في الحضور على استاذ واحد.

وقد قيل في مدح هذا الشيخ الجليل الشيء الكثير. وجلالة قدره وعظم شأنه في الطائفة اشهر من ان تحتاج إلى نقل.

وقد الّف هذا الشيخ كتابه لجمع اصحاب الكتب فقط ، فهو لا يذكر إلّا من له كتاب ثم يذكر طريقه إليه. وهو في هذا على منوال فهرست الشيخ الطوسي.

وقد كتب في المقدمة السبب الذي دعاه لتأليفه وانه تعيير قوم من المخالفين بانه لا سلف لكم ولا مصنف.

وقد قام بترتيب هذا الكتاب طبق الحروف الهجائية. ولكن قبل ان يذكر الأسماء على الحروف الهجائية ذكر جماعة من المتقدمين من اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ممن قاموا بتأليف كتاب وسماهم بالطبقة الأولى وكان عددهم أقل من عشرة.

وبعد ان ذكر هذه الطبقة الأولى شرع في ذكر اسماء أصحاب الإمام


الباقر عليه‌السلام ومن بعده من الأئمة عليهم‌السلام طبق الحروف الهجائية.

ولم يلتزم قدس‌سره في المقدمة بالاشارة إلى وثاقة الشخص وضعفه ولكنه في اثناء الكتاب أخذ يذكر ذلك ولم يهمله إلّا نادرا.

ويعدّ هذا الكتاب من أهم وارجح ما كتب في هذا الفن. بل قيل انه عند المعارضة بين كلام الشيخ والنجاشي في توثيق شخص وتضعيفه يقدّم كلام النجاشي.

والوجه في ارجحية هذا الكتاب تتجلى لمن يلقي نظرة عليه ، فان الملاحظ للكتاب المذكور يجد فيه الشيء الكثير من الدقة والاطلاع الواسع بالانساب واخبار القبائل فتجده حينما يذكر بعض الاشخاص يذكر أولاده واخوانه واجداده واحوالهم حتى كأنه واحد منهم.

وكيف لا يكون كذلك وأكثر الرواة من الكوفة ونواحيها والنجاشي كوفي ومن وجوه أهلها ومن بيت معروف فيها.

هذا مضافا إلى ما تقدم من تشعب علوم الشيخ وكثرة تأليفاته وتراكم اشغاله بخلاف النجاشي فهو اشبه بصاحب الاختصاص في حقل معين.

لماذا التأليف الثاني

يبقى ما الداعي للنجاشي إلى تأليف كتابه بعد ما فرض ان الشيخ قد قام بمهمة ذكر اصحاب الكتب والمصنفات في كتابه المعروف بالفهرست؟ ان الفهرست وكتاب الرجال للشيخ الطوسي اسبق تأليفا من رجال النجاشي بدليل ان


النجاشي عند ذكره للشيخ الطوسي في كتابه اشار إلى ان من جملة تأليفات الشيخ الطوسي هو الفهرست وكتاب الرجال.

وفي الجواب عن هذا السؤال ينقل عن السيد البروجردي قدس‌سره انه كان يرجح في نظره ان النجاشي الّف كتابه كمحاولة لتصحيح ما في فهرست الشيخ (١).

ويمكن ان نضيف إلى ذلك ان كتاب النجاشي يمتاز عن فهرست الشيخ بالتوسع في بيان حال الأشخاص الذين يذكرهم الأمر الذي يبرر تأليف كتاب ثان.

__________________

(١) لاحظ مقدمة كتاب رجال الكشي طبع دانشگاه.


رجال البرقي وابن الغضائري

هناك كتابان آخران متقدمان من حيث التأليف على الكتب الأربعة المتقدمة.

احدهما : رجال البرقي.

وقد وقع الكلام في انه لمحمد بن خالد البرقي أو لولده أحمد أو هو لبرقي ثالث غيرهما.

اختار بعض المتأخرين (١) الاحتمال الأخير.

إلّا ان الخلاف المذكور غير مهم لأن الكتاب المذكور لا يتعرض للتوثيق أو الجرح وانما يتعرض إلى بيان طبقات الرواة كرجال الشيخ الطوسي تماما.

وقد طبع الكتاب أخيرا منضما إلى رجال ابن داود.

ثانيهما : رجال ابن الغضائري.

ابن الغضائري هو أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري. وأحمد هذا كان من زملاء الشيخ الطوسي والنجاشي. وكان الثلاثة من تلاميذ والد أحمد ، أي الحسين بن عبيد الله الغضائري.

__________________

(١) وهو الشيخ محمد تقي التستري في قاموس الرجال ١ : ٣١.


وقد ذكر الشيخ الطوسي في مقدمة الفهرست ان لأحمد كتابين أحدهما في ذكر المصنفات والآخر في ذكر الاصول. ثم عقّب قائلا ان هذين الكتابين لم ينسخهما احد من اصحابنا واخترم هو رحمه‌الله وعمد بعض ورثته إلى اهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب على ما حكى بعضهم عنه.

هذا ولكن العلّامة والسيد ابن طاووس ينقلان عن الكتاب المذكور احيانا كما يتضح ذلك من خلال مراجعة رجال العلّامة الحلي.

إلّا ان النقل المذكور لا يمكن الاعتماد عليه إذ كيف وصل إليهما رجال ابن الغضائري بعد ما نقله الشيخ الطوسي من تلف الكتابين.

ومع غض النظر عن ذلك لا يمكن الاعتماد على النقل المذكور لجهالة الطريق إلى الكتاب المذكور لانهما ـ العلّامة وابن طاووس ـ لم يذكرا طريقهما إليه ليلاحظ انه صحيح قابل للاعتماد أو لا.

ثم انه قد قيل بان ابن الغضائري قد اكثر من القدح في الأشخاص بل قيل انه قلّما سلم أحد من قدحه.

ومن هنا يتأمل البعض في الأخذ بتضعيفاته من هذه الناحية.

إلّا ان الكلام حول ذلك غير مهم بعد ما ذكرناه من تلف الكتاب وجهالة الطريق إليه.


كتب رجالية أخرى

ان الكتب الرجالية الأربعة المتقدم ذكرها ـ رجال الكشي والنجاشي والطوسي والفهرست ـ تعرف بالاصول الرجالية لأنها الاصل والمعتمد في هذا المجال ، وكل ما الّف بعدها فهو عيال عليها ومقتبس منها.

ومن أهم تلك الكتب المتأخرة رجال العلّامة الحلي المعروف بخلاصة الأقوال.

ان العلّامة قسّم كتابه هذا إلى قسمين. خصّص القسم الأول لمن يعتمد على روايته والقسم الثاني للضعاف الذين لا يعتمد على روايتهم.

وغالبا ما يعتمد العلّامة في كتابه على الكتب الأربعة المتقدمة حيث يذكر نص الفاظها. واما الموارد القليلة التي لا يعتمد فيها على الكتب الأربعة المتقدمة فقد تقدم الاشكال في الاعتماد على توثيقاته فيها في اوائل الكتاب تحت عنوان توثيقات المتأخرين.

ومن جملة الكتب المتأخرة أيضا رجال بن داود. وهو غالبا ما يعتمد على الكتب الأربعة المتقدمة.

وقد الّفت في الآونة الأخيرة كتب رجالية اخرى من قبيل :

رجال الميرزا محمد الاسترابادي المعروف بمنهج المقال.


ورجال السيد بحر العلوم المعروف بالفوائد الرجالية.

ورجال الشيخ عناية الله القهبائي المعروف بمجمع الرجال.

ورجال الشيخ ابي علي الحائري المعروف بمنتهى المقال.

ورجال السيد مصطفى التفريشي المعروف بنقد الرجال.

ورجال الشيخ محمد الأردبيلي المعروف بجامع الرواة.

ورجال الشيخ محمد طه نجف المعروف باتقان المقال.

ورجال الشيخ عبد الله المامقاني المعروف بتنقيح المقال.

إلى غير ذلك من الكتب الرجالية.

وبعض هذه الكتب قام بجمع كلمات الشيخ الطوسي والنجاشي والكشي والعلّامة لا أكثر.

وقام البعض الآخر باجراء عملية تحقيق عند معارضة أقوال الرجاليين.

واحسن ما ألف اخيرا في هذا المجال معجم رجال الحديث. ويمكن بيان مزايا الكتاب المذكور فيما يلي : ـ

١ ـ قام بذكر مقدمة في بداية الكتاب تتضمن بعض الفوائد الرجالية باسلوب سهل واضح مبسط.

وهذه المزية لا تختص بهذا الكتاب فالكتب الآنف ذكرها قامت غالبا بهذه المهمة اما في المقدمة أو في الخاتمة.


٢ ـ ينقل نص كلمات النجاشي والكشي والطوسي والعلّامة وابن داود والبرقي.

وقد ينقل ـ فيما إذا كان الشخص من المتأخرين ـ كلمات الشيخ منتجب الدين في فهرسته وابن شهر اشوب في معالم العلماء.

وعلى هذا من يراجع المعجم يستغني عن مراجعة هذه الكتب.

٣ ـ ان الراوي الواحد قد يرد في الروايات أو في الكتب الرجالية بعناوين متعددة ، فأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري قد يرد في الروايات بعنوان أحمد تارة وبعنوان أحمد بن محمد ثانية وبعنوان أحمد بن محمد بن عيسى ثالثة وبعنوان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري رابعة وبعنوان آخر خامسة.

والكتاب يقوم بذكر جميع هذه العناوين حسب تسلسل الحروف الهجائية ، فالشخص الواحد إذا كان واردا بعناوين ستة يذكره ست مرات ، وهكذا.

ويشير في كل عنوان من عناوينه إلى انه متحد مع العنوان الآخر أو محتمل الاتحاد ، فحينما يذكر أحمد بن محمد بن عيسى تحت رقم (١٠) مثلا يقول انه متحد مع أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري الآتي في رقم (١١) أو (١٢) أو ...

ثم انه يأخذ بترجمة الشخص وما قيل في حقه تحت العنوان الذي يذكره النجاشي له في كتابه.

اجل يذكر تحت كل عنوان الروايات التي ورد فيها بذلك العنوان ، بمعنى ذكر مصادرها لا ذكرها بنفسها.


وتجدر الاشارة إلى انه قدس‌سره يقتصر على روايات الكتب الأربعة ولا يتعداها فكل من ورده اسمه في احدها ذكره ، اما من ورد اسمه في كتاب العلل مثلا أو معاني الأخبار أو ... فلا يتكفل بذكره.

ثم ان روايات الشخص إذا كانت قليلة يذكرها عند ذكر اسمه وان كانت كثيرة فيذكرها آخر الكتاب في جداول خاصة.

٤ ـ عند ذكره للراوي يذكر من روى عنه ومن يروي هو عنه ، فإذا اشار إلى أحمد بن محمد بن عيسى مثلا ذكر الأشخاص الذين يروون عنه والاشخاص الذين رووا عنه. وفي ذلك فائدة كبيرة إذ من خلال ذلك يمكننا متى ما ورد ذكر اسم أحمد بن محمد في السند من دون تقييده بابن عيسى تشخيص كونه ابن عيسى أو غيره من خلال من يروي عنه ومن يروون عنه.

وهذه المهمة قد سبقة فيها الأردبيلي في جامع الرواة ، فهو قد قام أيضا بذكر الراوي والمروي عنه إلّا انه لم يقم بها بنحو الاستقصاء ولم يشر إلى المصادر بالأرقام.

٥ ـ يشير إلى موارد اختلاف النسخ ، فإذا كانت نسخ الكافي أو بقية الكتب الأربعة مختلفة في اسم الراوي يشير إلى ذلك.

٦ ـ يقوم بذكر ما يمكن الاستدلال به على وثاقة الشخص أو ضعفه ثم يأخذ بالمحاكمة والخروج بنتيجة معينة. كل ذلك باسلوب فني وممنهج وعبارات سلسلة.


أجل إذا فرض ان الراوي لم يرد في حقه توثيق أو تضعيف سكت عنه ، وهذا يعني انه مجهول الحال وبحكم الضعيف.

وإذا كان واردا في اسانيد تفسير القمي أو كامل الزيارات اشار إلى ذلك ، وهذا يعني ثبوت وثاقته لديه لأنه قدس‌سره يبني على وثاقة جميع من ورد في اسانيد الكتابين المذكورين (١).

هذه أهم مزايا الكتاب المذكور.

__________________

(١) طبيعي بالنسبة إلى رجال كامل الزيارات تراجع قدس‌سره في اخريات عمره الشريف وبنى على ان الثقة منهم خصوص المشايخ المباشريين لابن قولويه.


تمرينات

س ١ : اذكر خمس ملاحظات على وسائل الشيعة.

س ٢ : كيف تم تفادي الملاحظات الواردة على وسائل الشيعة؟

س ٣ : اذكر لمحة موجزة عن مستدرك الوسائل.

س ٤ : اذكر لمحة موجزة عن الوافي.

س ٥ : اذكر لمحة موجزة عن بحار الأنوار.

س ٦ : جاءت الكتب الرجالية الأربعة كحصيلة ... أكمل الفراغ.

س ٧ : ما هي طريقة الكشي في كتابه الرجالي؟

س ٨ : ما هو العمل الذي قام به الشيخ الطوسي اتجاه رجال الكشي؟

س ٩ : اشرح الملاحظة الأولى المرتبطة برجال الشيخ الطوسي.

س ١٠ : دفع اشكال التهافت الوارد على الشيخ بسبب تكراره لبعض الأسماء بعدة وجوه. اذكر الوجه الأول مع مناقشته.

س ١١ : اذكر الوجه الثاني مع مناقشته.

س ١٢ : اذكر الوجه الثالث مع مناقشته.

س ١٣ : ما هو المناسب في الجواب؟


س ١٤ : ما هو الوجه الأول في تفسير جملة «اسند عنه»؟ وكيف يناقش؟

س ١٥ : ما هو الوجه الثاني في ذلك؟ وكيف يناقش؟

س ١٦ : ما هو الوجه الثالث في ذلك؟ وكيف يناقش؟

س ١٧ : روى الشيخ في الفهرست كثيرا عن جماعة من اصحابنا. كيف نوجّه اعتبار الجماعة؟

س ١٨ : الّف الشيخ الطوسي رجاله لغرض ... أكمل الفراغ.

س ١٩ : الّف الشيخ الطوسي فهرسته لغرض ... اكمل الفراغ.

س ٢٠ : الّف النجاشي فهرسته لغرض ... أكمل الفراغ.

س ٢١ : لماذا الّف النجاشي كتابه بعد فرض تأليف الشيخ لكتابيه؟

س ٢٢ : رجال البرقي لمن؟ ولماذا لا يهم التعرض إلى حاله؟

س ٢٣ : نقل العلّامة الحلي عن ابن الغضائري لا يعتمد عليه لوجهين. اذكرهما.

س ٢٤ : قسّم العلّامة كتابه إلى قسمين. أوضح ذلك.

س ٢٥ : ما هي طريقة معجم رجال الحديث؟

وبهذا نختم حديثنا عن القضايا الرجالية التي اردنا التعرض لها. وكان ذلك في مدينة قم المقدسة يوم ٢٥ / رجب المرجب / ١٤١٦ ه‍. ونشكره عزوجل على هذا التوفيق.

باقر الأيرواني


الفهرست

المدخل................................................................... ٩٧

الآراء في مسألة حجية الخبر................................................. ٩٨

تحقيق ما هو الصحيح..................................................... ٩٩

الحاجة إلى علم الرجال................................................... ١٠٠

عود على بدء........................................................... ١٠٢

تمرينات................................................................. ١٠٣

منهجة أبحاثنا............................................................. ١٠٥

الفصل الأول

النقطة الأولى : طرق اثبات وثاقة الراوي.................................... ١٠٩

١ ـ نص احد المعصومين عليهم‌السلام............................................ ١٠٩


٢ ـ نص بعض الرجاليين المتقدمين......................................... ١١١

اشكال وجواب....................................................... ١١٤

٣ ـ نص أحد الأعلام المتأخرين............................................ ١١٦

توجيه عدم حجية توثيقات المتأخرين..................................... ١١٦

توجيه قبول توثيقات المتأخرين........................................... ١١٧

الصحيح من الرأيين................................................... ١١٨

اصالة العدالة في كلمات العلّامة الحلي................................... ١٢٢

تمرينات.............................................................. ١٢٥

تطبيقات عملية....................................................... ١٢٨

تنبيه................................................................ ١٣٥

اسانيد اخرى......................................................... ١٣٨

ملاحظة............................................................. ١٤٥

عود إلى صلب الموضوع................................................ ١٥٠

٤ ـ دعوى الاجماع على التصديق أو التوثيق................................. ١٥٠

٥ ـ الوكالة عن الإمام..................................................... ١٥٢

٦ ـ رواية الثقة........................................................... ١٥٤

٧ ـ شيخوخة الاجازة..................................................... ١٥٨

مسلك السيد بحر العلوم وجماعة........................................ ١٦٢


٨ ـ الوقوع في سند محكوم عليه بالصحة.................................... ١٦٣

طرق اخرى لاثبات الوثاقة............................................. ١٦٦

تمرينات.............................................................. ١٦٨

النقطة الثانية : التوثيقات العامة............................................ ١٧١

١ ـ رواة تفسير القمي.................................................... ١٧١

٢ ـ رواة كامل الزيارة...................................................... ١٧٥

لم تراجع السيد الخوئي عن كامل الزيارة بالخصوص......................... ١٧٨

٣ ـ مشايخ النجاشي..................................................... ١٧٨

٤ ـ الوقوع في سند أصحاب الاجماع....................................... ١٨٠

٥ ـ وقوع بني فضال في السند............................................. ١٨١

٦ ـ رواية أحد المشايخ الثلاثة.............................................. ١٨٤

نتيجة ما تقدم........................................................ ١٨٧

توثيقات عامة اخرى................................................... ١٨٧

تمرينات.............................................................. ١٨٨

النقطة الثالثة : مدرك حجية قول الرجالي.................................... ١٩١

مشكلة الارسال في التوثيقات........................................... ١٩٣

تطبيقات............................................................. ١٩٧

تمرينات.............................................................. ١٩٩


الفصل الثاني

البحث عن اقسام الحديث................................................ ٢٠١

الشهرة على خلاف الخبر الصحيح......................................... ٢٠٥

خبر الثقة أو خبر العادل.................................................. ٢٠٦

خبر الثقة أو الموثوق به................................................... ٢٠٧

الخبر الحسن............................................................. ٢٠٨

الخبر الضعيف.......................................................... ٢٠٩

الخبر المضمر............................................................ ٢١١

منشأ الاضمار.......................................................... ٢١٣

الخبر المرسل............................................................. ٢١٤

تمرينات................................................................. ٢١٧

الفصل الثالث

نظرات في بعض كتب الحديث............................................ ٢٢١

ليس جميع ما في الكتب الأربعة صحيحا.................................... ٢٢٦

مناقشات خاصة......................................................... ٢٣١

مستندات مرفوضة....................................................... ٢٣١


دعوى معاكسة.......................................................... ٢٣٣

تمرينات................................................................. ٢٣٥

نظرات في كتاب الكافي.................................................. ٢٣٧

نقاط أربع.............................................................. ٢٤٠

طريقة الكليني........................................................ ٢٤٠

صحة جميع أحاديث الكافي............................................ ٢٤٢

عدة من اصحابنا..................................................... ٢٤٥

مشايخ الكليني....................................................... ٢٥٠

تمرينات................................................................. ٢٥٧

نظرات في كتاب من لا يحضره الفقيه...................................... ٢٥٩

النقطة الأولى............................................................ ٢٦١

النقطة الثانية............................................................ ٢٦٢

النقطة الثالثة............................................................ ٢٦٣

النقطة الرابعة............................................................ ٢٦٧

تمرينات................................................................. ٢٦٩

نظرات في التهذيبين...................................................... ٢٧٠

طريقة الشيخ............................................................ ٢٧٢

صحة جميع أحاديث الكتابين............................................. ٢٧٢


التعويض عن الطريق الضعيف............................................. ٢٧٤

طريقة الشيخ الأردبيلي.................................................... ٢٧٦

طريقة الشيخ المجلسي................................................... ٢٧٩

طريقة ثالثة............................................................... ٢٨١

طريقة الميرزا محمد الاسترابادي........................................... ٢٨٤

طريقة للسيد الخوئي...................................................... ٢٨٧

طريقة اخرى للسيد الخوئي................................................ ٢٩٢

تطبيقات عملية......................................................... ٢٩٧

تمرينات................................................................. ٣٠٣

نظرات في وسائل الشيعة.................................................. ٣٠٥

ملاحظات على وسائل الشيعة............................................ ٣٠٦

مستدرك الوسائل........................................................ ٣١٠

الوافي.................................................................. ٣١٠

بحار الأنوار............................................................. ٣١١

الفصل الرابع

نظرات في كتبنا الرجالية................................................... ٣١٥

نظرات في رجال الكشي.................................................. ٣١٩


رجال الشيخ الطوسي..................................................... ٣٢١

النقطة الأولى......................................................... ٣٢١

النقطة الثانية......................................................... ٣٢٥

فهرست الشيخ الطوسي................................................... ٣٢٧

مصطلح الجماعة........................................................ ٣٢٨

رجال النجاشي............................................................ ٣٢٩

لماذا التأليف الثاني....................................................... ٣٣٠

رجال البرقي وابن الغضائري................................................ ٣٣٢

كتب رجالية اخرى........................................................ ٣٣٤

تمرينات................................................................. ٣٣٩

الفهرست............................................................... ٣٤١

دروس تمهيدية في القواعد الرجالية

المؤلف:
الصفحات: 347