مستدرك

ترجمة الامام علي عليه‌السلام

قد تقدم في هذا الكتاب الشريف ذكر اسمه الشريف ونسبه المنيف مرارا نقلا عن كتب العامة ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٧ ص ٢٩٧ ط دار الفكر) قال :

علي بن أبي طالب عليه‌السلام

واسم أبي طالب عبد مناف ، بن عبد المطلب واسمه شيبة ، بن هاشم واسمه عمرو ، ابن عبد مناف واسمه المغيرة ، بن قصي واسمه زيد ، أبو الحسن الهاشمي ابن عم سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وختنه على ابنته ، وأخوه وأبو سبطيه الحسن والحسين.

من المهاجرين الأولين ، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ، وبويع بالخلافة بعد قتل عثمان بن عفان يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وكانت بيعته في دار عمرو بن محصن الأنصاري ، ثم بويع للعلامة من الغد يوم السبت في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


ومنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٥٢١ ط مؤسسة الكتب الثقافية ودار الفكر في بيروت) قال :

علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه

ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ابن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، أبو الحسن الهاشمي ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هشام بن عبد مناف ، وهاشم أخو هشام ، ومن زعم أنه أسد بن هاشم بن عبد مناف فقد وهم.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٥ ص ٦٦ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

هو علي بن أبي طالب ، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، ويكنى أبا الحسن وأبا تراب. وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي ، وعلي عليه‌السلام أول من صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من بني هاشم ، وشهد المشاهد معه ولم يتخلف عن مشهد ، إلا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلفه في غزوة تبوك ، فقال : أتخلفني في النساء والصبيان؟ فقال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.

ولما آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الناس آخى بينه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة محمد بن حسن الآلاني الكردي المتوفى سنة ١١٨٩ في «رفع الخفا شرح ذات الشفا» (ج ٢ ص ٢٥٧ ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية) قال :


كان آدم شديد الأدمة عظيم العينين أقرب إلى القصر ، ذا بطن ، كثير الشعر ، عريض اللحية ، أصلع أبيض الرأس ، لم يخضب إلا نادرا ، كذا في صفوة ابن الجوزي. وفي ذخيرة [ذخائر] العقبى للمحب الطبري : كان ربعة معتدلا ، أدعج العينين عظيمهما ، حسن الوجه كأنه قمر ، عظيم البطن إلى السمن ، وفي رواية : أغيد كأن عنقه بريق فضة ، أصلع ليس في رأسه شعر إلا من خلفه ، وشديد الساعد واليدين إذا مشى إلى الحرب هرول ، ما صارع أحدا إلا صرعه ، خفيف المشي ضحوك السن.

إلى أن قال بعد نقل قول شرح المقاصد عن بعض المتكلمين انعقاد الإجماع على كونه حقيقا بالخلافة : قال إمام الحرمين : ولا عبرة بقول من قال : لا إجماع على إمامة علي إن الخلافة لم تنكر له.

ومنهم العلامة الحافظ زين الدين الشيخ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنكي الأزهري الشافعي المتوفى سنة ٩٢٥ في «تعليقة فتح الباقي على ألفية العراقي» (ج ١ ص ٢٦ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

علي بن أبي طالب : أمير المؤمنين أبو الحسنين علي بن أبي طالب الهاشمي صهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي خصه الله تبارك وتعالى بمزايا فجعل السلالة النبوية من صلبه ، فقد أخرج الطبراني في الكبير عن جابر والخطيب عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي من فاطمة. وفي حديث : إن الله لم يبعث نبيا قط إلا جعل ذريته من صلب غيري فإن الله جعل ذريتي من صلب علي ه.

واعلم أن الشرف كان يطلق في الصدر الأول على كل من كان من أهل البيت سواء كان حسنيا أم حسينيا أم علويا من ذرية محمد بن الحنفية وغيره من أولاد علي بن أبي طالب أم جعفريا أم عقيليا أم عباسيا ، ولهذا نجد المؤرخين كالحافظ الذهبي وغيره يقول في التراجم : الشريف العباسي الشريف العقيلي الشريف الجعفري ، فلما


ولى الخلافة الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين واستمر ذلك بمصر إلى الآن ، قاله السيوطي. فتخصيص الشرف بأولاد السبطين ليس بشرعي وإنما هو عرفي.

قال في الدر النفيس عقب نقله ما سلف : وهذا الذي أحدثه الفاطميون بمصر هو قديم عندنا بالمغرب من لدن افتتحه المولى إدريس بن عبد الله ه. ومن مزاياه دخوله في المباهلة والكساء وحمله في أكثر الحروب اللواء وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. وهو في المرتبة الرابعة باعتبار التفضيل على ما عليه الجمهور ، وقد وقع بينه وبين معاوية حرب طاحنة أفضت إلى التحكيم وبسببه نشأت الخوارج لخروجهم عن التحكيم ونشأت إذ ذاك فتن معضلة لا يمكننا الوقوف على حقيقتها كما قال أئمة السلف ، فتلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا. مات شهيدا في ١٧ رمضان سنة ٤٠ هجرية وله ٦٣ سنة ضربه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي ، ودفن بالكوفة في قصر الإمارة عند المسجد الجامع (١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه «في رحاب علي عليه‌السلام» ص ٤٥ ط دار المعارف بمصر ودار المعارف بلبنان :

هنا يعيش علي ويحيا. أجل ، هنا مذ كان محمد عليه‌السلام عابدا يبحث عن الحق ، ويتعبد في غار حراء ، ويقلب وجهه في السماء ، وكأنّه على موعد يترقبه ويتعجله. وهو هنا يعيش بعد أن أوحى إلى رسول الله ودعته السماء ليقول كلمتها ، ويبلغ رسالتها.

وعند ما بدأت أيام الرسالة الأولى بل عند ما بدأت أول ساعاتها ولحظاتها ـ كان هناك ثلاثة يلحظون التغير الهائل الذي أخذ يرسم سيماه على حياة الرسول ، هم خديجة زوجته وعلي ابن عمه وزيد خادمه ، ولقد أسلموا بهذا الترتيب أيضا. سأله علي وهو ابن عشر سنين لا غير : ما ذا أراك تصنع؟ وأجابه الرسول : إني أصلي لله رب العالمين. وسأل علي : ومن يكون رب العالمين؟ وعلمه الرسول وهداه :


__________________

إنه إله واحد لا شريك له له الخلق وبيده الأمر يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير. ولم يتردد الغلام المبارك ، فأسلم وكان أول المسلمين في حين كانت خديجة رضي‌الله‌عنها أول المسلمات.

ومن ذلك اليوم ، وهو مع النبي لا يفارقه ، يصلي معه ، ويصغى إليه ، ويراه وهو يتهيأ لتلقى الوحي.

وكم من آية وآيات ، كان هو أول من يسمعها وهي لا تزال حديثة العهد بمنزلها وموحيها. وأخذ الذين اصطفتهم السماء لصحبة الرسول يقبلون عليه مؤمنين : أبو بكر الصديق فعثمان والزبير وطلحة وابن عوف وسعد بن أبي وقاص. فأبو عبيدة وأبو سلمة والأرقم وأبناء مظعون وخباب وسعيد بن زيد وعمّار وعمير وابن مسعود الذين كتب لهم حظ السبق إلى الإسلام.

وصارت دار الأرقم على الصفا مكان لقائهم ، يلتقون فيه خفية وسرا ، فيتلو عليهم الرسول ما يتنزل به الوحي على قلبه ويصلي بهم ، ويبارك إيمانهم.

لم يغب علي عن دار الأرقم أبدا ، ولم يفته من مشاهدها الخالدة مشهد واحد وتحت سقفها وكذلك تحت سقف الدار التي يسكنها النبي ، ويقيم علي معه فيها. طالما سمع آيات الله تتلى ، وطالما غمرته أنوار النبوة تغسل حوبه وذنبه.

ما ذا؟! أأقول تغسل حوبه وذنبه؟! ولكن متى كان له حوب أو ذنب متى ، وهو الذي ولد في الإيمان والعبادة والهدى؟ إنه وهو في السادسة من عمره بدأ يعيش مع محمد الصادق الأمين ، يتأدب على يديه ، ويتأثر بطهره ، وعظمة نفسه ، وتقى ضميره وسلوكه وحين بلغ العاشرة ، كان الوحي قد أمر الرسول بالدعوة وكان هو سابق المسلمين. وسارت حياته من ذلك اليوم إلى أن يجيء اليوم الذي سيلقى فيه ربه تطبيقا كاملا وأمينا لنهج الرسول وتعاليم القرآن.

ألا بوركت هذه الحياة ، حياة لم تكن لها قط ، صبوة ولا شهوة ولا هفوة. حياة ولد صاحبها وتبعات الرجال فوق كاهله. حتى لهو الأطفال ، لم يكن لحياة ابن أبي طالب فيه حظ ولا نصيب.


__________________

فلا مزامير البادية ، ولا أغاني السمار شبع منها سمع الطفل ، ووجدان الشاب. لكأن المقادير كانت تدّخر سمعه ووجدانه ، لكلمات أخرى ستغير وجه الأرض ، ووجه الحياة. أجل لقد أدخر سمع الفتى وقلبه ، ليتلقى بهما كما لم يتلق أحد مثله آيات الله العلي الكبير. أرأيتم الآيات التي سمعناها من قبل؟

فلنتصور عليا وهو يسمعها طازجة مشرقة متألقة حديثة العهد بربها ، يرتلها رسول رب العالمين. ولكن لا فلن نستطيع أن نتصور ، أو حتى تخيّل. وحسبنا ونحن نطالع هذه الحياة أن نقدر على متابعة الكلمات التي تروي أنباءها وعجائبها.

في نور هذه الآيات المنزلة ، والتي كان الوحي يجيء بها تباعا ، قضى علي بن أبي طالب بواكير حياته النضرة ، يبهره نورها ويهزه هديرها. يسمع آية الجنّة يتلوها الرسول ، فكأنما الغلام الرشيد يراها رأي العين ، حتى ليكاد يبسط يمينه ليقطف من مباهجها وأعنابها. ويسمع آية النار ، فيرتعد كالعصفور دهمه إعصار ، ولو لا جلال الصلاة وحرمتها لولّى هاربا من لفح النار الذي يكاد يحسّه ويراه.

أما إذا سمع آية تصف الله في عظمته ، وجلاله ، أو آية تعاتب الناس على إشراكهم بالله ما ليس لهم به علم ، وجحودهم فضله ونعمته فعندئذ يتحول الغلام الراشد إلى ذوب تقى وحياء.

لقد أشرب قلبه جمال القرآن وجلاله وأسراره ، هذا الذي كان يشهد نزوله آية آية حتى صار جديرا بأن يقول وهو صادق : سلوني وسلوني وسلوني عن كتاب الله ما شئتم .. فو الله ما من آية من آياته إلا وأنا أعلم أنزلت في ليل أم في نهار. وحتى كان كما وصفه الحسن البصري رضي‌الله‌عنه : أعطي القرآن عزائمه وعلمه وعمله ، فكان منه في رياض مونقة وأعلام بينة. هذا هو علي بن أبي طالب. هذا هو الذي نرجو ألا نكون مغالين إذ وصفناه بأنه : ربيب الوحي. فطوال السنوات الأولى لنزول الوحي ، كان فتانا هناك ، يشهد نزوله ، ويسبق غيره في تلقيه من رسول رب العالمين. ويلقى سمعه ، وقلبه لأسراره وأنواره.

ولطالما شهدته شعاب مكة ، وهو ثاني اثنين الرسول عليه‌السلام ، وعلي كرم الله


__________________

وجهه ، يصليان معا ، بعيدا عن أعين القريشيين وأذاهم.

وهناك في رحاب الصحراء الواسعة ، حيث لا يرتد البصر أمام حدود أو سدود ، وحيث تتنزّل على النفس أسرار الكون العظيم ، عاكسة على الشعور جلاله ومجده ، كان علي يتلقى من فم الرسول كلمات القرآن وآياته نفسه مرفهة ، وعزمه متهلل قلبه جميع ، وروحه حر وشخصيته بكل خصائصها الموروثة والمكتسبة ، تتلقى تأثيرا لا يقاوم وتستسلم في غبطة مطلقة لهذه الآيات التي آمن بها وحيا ودينا. وآمن بقارئها وتاليها نبيا ورسولا.

من أجل هذا ، لا نعجب ، إذ رأينا عليا طوال حياته يعطي القرآن ولاء مطلقا ولا يقبل أدنى ميل عنه ، ولا يغفر أقل تفريط فيه. إنه ربيب الوحي والتلميذ الأول للقرآن وإنه سابق المسلمين ، ألم يسمع القرآن يتساءل في هدير ورهبة : (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) بأي حديث.

إن الفتى الأوّاب ليرتجف من هول التساؤل ، وجلال الخطاب ويجيب في صيحة مكظومة : لا بحديث غيرحديثك نؤمن ، يا رب كل شيء. ومن هذه الآية ، ومثلها معها من آيات القرآن العظيم ، أشرب قلب علي ولاء للقرآن ليس له نظير.

ألم يسمع القرآن يحدد للرسول طريقه المستقيم فيقول : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).

إنه أيضا من هذه الآية ، ومثلها من آيات القرآن وتعاليم السماء ، ليستمد عزما خارقا على أن يسير فوق صراط الحق بخطي ثابتة راسخة أكيدة ، متخطيا أهواء الذين لا يعلمون في استقامة قديس ، وشموخ مقتدر. لك الله أبا الحسن أكنت تدري ، أي معارك ضارية ستخوضها غدا ضد أهواء الذين لا يعلمون؟

من ولائه الوثيق للقرآن ، وشهوده فجر الوحي وضحاه كان علي ربيب الوحي. ومن ولائه الوثيق للإسلام ، وسبقه إليه قبل غيره من رجال العالمين كان علي سابق المسلمين. وسابق المسلمين لقب لا يستحقه علي لمجرد سبقه إلى الإسلام. فعلي ، هو الذي علم الناس فيما بعد ، أنه : ليس الطريق لمن سبق بل لمن صدق. إنما يستحقه لأنه


__________________

حاز كلتا الحسنيين : السبق والصدق.

وحين نتتبع مظاهر إسلامه نرى عجبا وحين نستقبل شمائل إيمانه ، نستقبل روضات يانعات نتأنق فيهن ، ويثملنا عبيرها ، وطهرها وتقاها.

والآن ، ما بالكم برجل اختاره الرسول من بين أصحابه جميعا : ليكون في يوم المؤاخاة أخاه؟ وكيف كانت أبعاد إيمانه وأعماقه ، حتى آثره الرسول بهذه المكرمة والمزية؟

عند ما تمت هجرة النبي والمسلمين إلى المدينة ، آخى الرسول بين المهاجرين والأنصار وجعل لكل أنصاري أخا من المهاجرين حتى إذا فرغ عليه‌السلام من دمجهم في هذا الإخاء العظيم رنا بصره تلقاء شاب عالى الجبهة ، ريان النفس ، مشرق الضمير وأشار الرسول إليه ، فأقبل عليه. وبين الأبصار المشدودة إلى هذا المشهد الجليل ،

أجلس النبي عليا إلى جواره ، وربت على كتفه ، وضمّه إليه وهو يقول : وهذا أخي. لقد كان الصديق أبو بكر ، وكان الفاروق عمر آنئذ هناك ، فهل من حقنا أن نتساءل : لما ذا لم يختص الرسول أحدهما بهذا الذي اختص به عليا؟ إن تساؤلا كهذا يفسد جلال المشهد ويفوّت علينا رواءه. والمسلم الذي ينشد الأدب مع رسول الله وأصحابه يحني هامته إجلالا لهذا الرعيل الأول والأسبق من أصحابه على حد سواء.

اختار الرسول إذن عليا ليكون في هذه المؤاخاة أخاه ، وكل شرف كان الإسلام يضفيه على ابن أبي طالب كان يزيد إحساسه بمسئولياته الدينية شحذا ، وقوة. ولم يكن في طول الدنيا وعرضها ما يراه ابن أبي طالب كفوا لأن يكون مثوبة على إسلامه وأجرا.

إن الإمام كرم الله وجهه كان يعرف تماما قيمة الذي هداه ربه إليه ، وكان من الذين يؤمنون بأن الخير مثوبة نفسه. فالذي يوفق للخير ولحق يكون جاهلا بقيمة الحق والخير ، إذا هو طلب من الدنيا مثوبة وأجرا نظير فعله الخير وحمله راية الحق.

وهكذا حمل علي إسلامه بين جنبيه ، وتحت ضلوعه ، وفي أعماق روحه ، ومضى يستصغر شأن الدنيا بكل فنونها وزينتها.


__________________

وكلما تراءت له مباهجها سدها بعبارته المأثورة : يا دنيا ، إليك عني .. يا دنيا ، غري غيري. وعلي في إسلامه ، نموذج عظيم مكتمل الشكل والجوهر. فإذا كان الإسلام عبادة ، ونسكا جهادا ، وبذلا ترفعا وزهدا فطنة وورعا سيادة وتواضعا قوة ورحمة عدالة وفضلا استقامة وعلما بساطة وتمكنا ولاء وفهما.

إذا كان الإسلام ذلك كله ، فإن سابق المسلمين عليا كرم الله وجهه كان أحد النماذج الباهرة والنادرة لهذا الإسلام. ومن شاء أن يتعرف إلى حياة الإمام وسلوكه ، فليقرأ كلماته ذلك أنه لم يكن بين مقاله وفعاله ، تفاوت أو تناقض.

أجل لم يكن بين ما يقول ، وما يفعل. بعد ولا مسافة ، ولا فراغ.

فإذا حث الناس على الزهد ، فلأنّه أسبقهم إليه ، وإذا حثهم على البذل ، فلأنه أقدرهم عليه ، وإذا حثهم على طاعة أية طاعة فلأنه يمارسها في أعلى مستوياتها. صلى الفجر يوما بأصحابه في الكوفة ، وهو أمير المؤمنين ، فلما فرغ من صلاته جلس سائما حزينا ولبث في مكانه ومجلسه ، والناس من حوله يحترمون صمته فلا يتحركون حتى طلعت الشمس ، واستقر شعاعها العريض على حائط المسجد من داخل. فنهض الإمام علي وصلى ركعتين ثم هز رأسه في أمى ، وقلب يده وقال : والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما أرى اليوم شيئا يشبههم .. لقد كانوا يصبحون وبين أعينهم آثار ليل باتوا فيه سجّدا لله ، يتلون كتابه ويتراوحون بين جباههم وأقدامهم ... وإذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح ... وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم.

هذه صورة الماضي العظيم. صورة الأيام الجليلة الرائعة أيام الوحي والرسالة يعيش فيها علي العابد دوما وأبدا ولا يستطيع الزمن مهما توغل في البعد أيامه وأعوامه أن ينتزع الإمام العابد منها ، فهي منسكه ومحرابه.

وإنه ليحدث المسلمين عن الإسلام الذي آمن به ، وجعله كتاب حياته ، فيقول : تعلموا العلم ، تعرفوا به ، واعملوا ، تكونوا من أهله .. ألا وإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد أتت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا


__________________

من أبناء الدنيا. ألا وإن الزاهدين في الدنيا قد اتخذوا الأرض بساطا ، والتراب فراشا ، والماء طيبا. ألا وإن من اشتاق إلى الآخرة ، سلا عن الشهوات .. ومن أشفق من النار ، رجع عن المحرمات .. ومن طلب الجنة ، سارع إلى الطاعات .. ومن زهد في الدنيا ، هانت عليه مصائبها .. ألا ، وإن لله عبادا شرورهم مأمونة وقلوبهم محزونة ، أنفسهم عفيفة وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياما قليلا لعقبى راحة طويلة إذا رأيتهم في الليل ، رأيتهم صافين أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم .. وأما نهارهم فظماء حلماء بررة أتقياء كأنهم القداح .. ينظر إليهم الناظر فيقول : مرضى وما بهم من مرض ، ولكنه الأمر العظيم.

ذلك هو شغله الشاغل ينام على هديره ويصحو على زئيره. دين الله الذي حمل أمانته ، وقرأ كتابه ويوم الله ، الذي سيقف فيه بين يديه غدا ، لينظر جزاءه وحسابه.

أو من أجل هذا ، لا ينام علي ولا يستريح؟ أجل ، من أجل هذا ، يقضي ليله ونهاره في عبادة تضنى جسمه الأيد الوثيق. ومن أجل هذا ، يدع الدنيا وراءه ظهريا ، فيأبى وهو خليفة للمسلمين ، أن ينزل قصر الإمارة بالكوفة. ويؤثر عليه الأرض الخلاء. والدار المهجور. ويلحون عليه كي ينزل قصر الإمارة هذا. فيجيبهم ، لا قصر الخبال لا أنزله أبدا. ومن أجل هذا ، يلبس الثوب الخشن ، فيسأله أصحابه أن يعطى نفسه ومنصبه بعض حقهما فيقول : هذا الثوب ، يصرف عني الزهو ويساعدني على الخشوع في صلاتي. وهو قدوة صالحة للناس ، كي لا يسرفوا ويتبذخوا.

ثم يتلو آية القرآن العظيم : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). إنه لا يركن إلى الدنيا لحظة من نهار. إنها بالنسبة له ، قد أدبرت وآذنت بوداع فلما ذا إذن يعطيها ولاءه وبلاءه؟ إن الآخرة عند الإمام هي الدار هي الأبد وما أهل الدنيا في شتى العصور والدهور إلا سائرون فوق جسر كلما انتهى من عبوره قوم وجدوا أنفسهم أمام الأبدية حيث الجنة ، أو النار. ألا فلنصغ لحديثه : إن المضمار اليوم ، وغدا السباق ... ألا وإنكم في أيام أمل ، من ورائه أجل .. فمن قصّر في أمله قبل حضور أجله فقد خاب عمله .. ألا فاعملوا لله في


__________________

الرغبة ، كما تعملون له في الرهبة .. ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولم أر كالنار نام هاربها. ألا وإن من لم ينفعه الحق ، ضره الباطل ... ومن لم يستقم به الهدى ، حاد به الضلال. ألا وإن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منها البر والفاجر .. وإن الآخرة وعد صادق ، يحكم فيها ملك قادر .. وإن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل .. فإن اتباع الهوى ، يصد عن الحق .. وإن طول الأمل ، ينسي الآخرة.

فلتأت الأحداث والأهوال عاصفة ، تقتلع الجبال من حول الإمام ، فإنه لن يتبع الهوى أبدا. فإن اتباع الهوى يصد عن الحق. ولتبذل الدنيا له كل نفسها وزينتها ، وبهجتها ، وإغرائها ، فإنه لن يربطها به أمل ولا رجاء. فإن طول الأمل ، ينسى الآخرة.

وهو رضي‌الله‌عنه لا يريد أن يتوه عن الحق ، ولا يريد أن ينسى الآخرة. فالحق حياته والآخرة داره.

على أن زهد ابن أبي طالب في الدنيا ، وعزوفه عنها ليس زهد الهاربين من تبعات الوجود ومسئوليات الحياة. إنما هو زهد يشكله إسلامه ، الذي يجعل المسئولية العادلة دينا ، ويجعل العمل الصالح الدائب عبادة وقربى. وهنا نلتقي ب علي يصحح المعايير والموازين ، إذ لا يكاد يسمع رجلا يذم الدنيا مذمة العاجز المتواكل حتى يقول : الدنيا دار صدق ، لمن صدقها ودار نجاة ، لمن فهم عنها ، ودار غنى وزاد لمن تزود منها. مهبط وحي الله ... ومسجد أنبيائه .. ومتجر أوليائه .. ربحوا فيها الرحمة ، واكتسبوا فيها الجنة. أجل هذه هي دنيا المسلم ، كما يفهمها ربيب الوحي ، وسابق المسلمين .. دار عمل لا لهو يكدح فيها الإنسان لينشئ لنفسه مصيرا سعيدا يوم يقوم الناس لرب العالمين. وهي دار صدق ، لمن عاش فيها صادقا مع مسئولياته وتبعاته ودار نجاة ، لمن سار فيها على درب النجاة.

وبهذا الفهم السديد للدنيا ، ربحها علي وربح بها مصيره وأخراه. فهي بالنسبة له ، لم تكن دار لعب ولهو أبدا. منذ طفولته الباكرة ، حمل الإسلام في قلبه. وحمل معه كل أعباء الرجال. ولقد قطع حياته وقضى أيامه على الأرض في كفاح موصول ، ونضال لم يعرف الراحة يوما. وعاش كما وصفه الرسول عليه‌السلام : مخشوشن في سبيل الله.


__________________

مقت الترف من كل نفسه ، ونأى عنه بكل قوته وعزمه. ذلك أنه فهم الإسلام وعاشه ، وتعلم منه أن الترف مشغلة الفارغين العاطلين. والإنسان الذي يعيش مع مسئوليات كبار كتلك التي يفرضها الإسلام الحق على أبنائه الحقيقيين وأهله إنما يكون حظه من الصدق والتوفيق مضاهيا حظه من البساطة والتخشن. وهكذا كان الإمام ، وهكذا أراد للناس أن يكونوا.

عند ما قدم مكة من اليمن ورسول الله يومئذ يحج بها حجة الوداع ، تعجل هو إلى لقاء النبي تاركا جنوده الذين عادوا معه على مشارف مكة بعد أن أمّر عليهم أحدهم.

وبدا لهذا الأمير المستخلف أن يلبس الجند حللا زاهية من تلك التي عادوا بها من اليمن ، حتى يدخلوا مكة وهم في زينتهم يسر منظرهم الأعين. وأمرهم ، فأخرجوا من أوعيتهم حللا جديدة ارتدوها ، واستأنفوا سيرهم إلى مكة. وعاد علي بعد لقاء الرسول ، ليصحب جنده القادمين وعلى أبواب مكة رآهم مقبلين في حللهم الزاهية. وأسرع نحوهم ، وسأل أميرهم : ويلك ما هذا؟ قال : لقد كسوت الجند ليتجملوا إذا قدموا على إخوانهم في مكة. وصاح به علي : ويلك انزع قبل أن تنتهي بهم إلى رسول الله. فخلعوا حللهم جميعا ، وكظموا في أنفسهم مرارة بما صنع بهم علي الورع ، الزاهد ، الأواب .. ولما دخلوا مكة ، ولقوا الرسول ، شكا إليهم بعضهم عليا ، وقصوا عليه نبأه معهم. فاستقبل الرسول القوم وقال : أيها الناس لا تشكوا عليا فو الله ، إنّه لأخشن في سبيل الله من أن يشكى.

وهو بإسلامه وفي إسلامه لا يتغير طفلا وشابا وشيخا جنديا وقائدا وخليفة للمسلمين .. إن تقوى الله تأخذ عليه لبة وهو لا يعامل الناس بذكائه ، ولا بحسبه ونسبه. بل بإخلاصه وتقواه .. ثم هو لا يريد منهم ، بل ولا يقبل منهم أن يعاملوه بغير الصدق والتقوى. من أجل هذا سنراه حين يقع الصدام بينه وبين معاوية يؤثر الهزيمة مع الإخلاص والتقوى ، على انتصار يتحقق بالمكر والمراوغة. ويقول له ابن عمه عبد الله بن عباس وهو الصالح الورع : خادعهم ، فإن الحرب خدعة ، فيجيبه الإمام الطاهر : لا والله لا أبيع ديني بدنياهم أبدا. مسلم عظيم يفجر الدنيا من حواليه ذمة ، واستقامة ،


__________________

وطهرا.

وكذلك نراه وهو يخطب أصحابه في أول جمعة ، بالكوفة ، وهو أمير المؤمنين ، لا يخطب خطبة خليفة ولا أمير ولا حاكم .. لا يصدر قرارات ، ولا يرسم سياسة على كثرة ما كانت الظروف تتطلب من قرارات ، وسياسة بل لا يجعل خطابه الأول هذا استجابة لحماس أصحابه وشد زناد الحمية في أنفسهم استعدادا للمعركة التي سيخوضونها مع جيش الشام المقاتل ، المدرّب ، الصعب المراس. لا شيء من ذلك كله يضمنه الخليفة والإمام خطابه. إنما هي الدعوة الخالصة لتقوى الله وحسن عبادته وطاعته اسمعوا : أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباده ، وأقرب الأعمال لرضوانه ، وأفضلها في عواقب الأمور عنده. وبتقوى الله أمرتم ، وللإحسان خلقتم ... فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه ، فإنه حذر بأسا شديدا. واخشوا الله خشية ليست بتعذير واعملوا من غير رياء ولا سمعة ، فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل ومن عمل مخلصا له تولاه الله وأعطاه فضل نيته ، وأشفقوا من عذاب الله فإنه لم يخلقكم عبثا ولم يترك شيئا من أمركم سدى قد سمى آثاركم ، وعلم أسراركم وأحصى أعمالكم ، وكتب آجالكم فلا تغرنكم الدنيا ، فإنها غرارة لأهلها ، والمغرور من اغتر بها وإن الآخرة لهي دار القرار.

أهذا خطاب رئيس دولة؟ كلا إنما هو خطاب ناسك. خطاب مسلم ومؤمن وجّه وجهه وقلبه وحياته للذي فطر السموات والأرض ، لا يعنيه إلا أن يحيا في مرضاته تقيا ، وأن يحيا الذين من حوله أتقياء ، أنقياء.

كذلك نراه ونرى إسلامه الوثيق حين لم يعد ، بدّ من لقاء معاوية في معركة صفين يستقبل جيشه ليلة المعركة خطيبا ، فلا يعدهم ولا يمنيهم. ولا يرفع أمامهم مباهج الدنيا ونعيمها ، ثمنا للنصر إذا هم ظفروا به .. إنما يحدثهم حديثا آخر يختلف عن كل الأحاديث التي تتطلبها أمثال هذه المناسبة. أنظروا .. ألا إنكم ملاقوا القوم غدا فأطيلوا الليلة قيامكم وصلاتكم وأكثروا تلاوة القرآن ، وسلوا الله الصبر والعفو والعافية.


__________________

في أوقات السلم ، وفي أوقات الحرب .. فوق ثبج النصر ، وتحت وقع الهزيمة في سرائه ، وفي ضرائه لا يستولي على تفكيره ، وعلى ضميره ، وعلى شعوره سوى تقوى الله سبحانه. وحتى وهو يكتب إلى عمرو بن العاص الذي انحاز إلى صف معاوية ، وبات يشكل خطرا حقيقيا على جبهة الإمام ، لا نلتقي بالإمام يمني عمرا بدنيا ، ولا يستميله إلى هوى نفس السلاح الذي كان معاوية يكسب به الأنصار بل نبصره يصدع عمرا بالحق في غير مساومة ، ولا مجامل. إنه يناشده تقوى الله لا غير ، هذه التقوى التي تجري من ابن أبي طالب مجرى الدم ، فيقول له في كتابه إليه : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص .. أما بعد ، فإن الدنيا مشغلة عن غيرها وصاحبها مقبور فيها ومهموم عليها لم يصب منها شيئا قط ، إلا فتحت له حرصا ، وإلا أدخلت عليه مئونة تزيده رغبة فيها ولن يستغني صاحبها بما ناله عما لم يبلغه ، ومن وراء ذلك فراق ما جمع والسعيد من وعظ بغيره ، فلا تحبط أجرك أبا عبد الله ، ولا تجارين معاوية في باطله ، فإن معاوية غمط الناس ، وسفه الحق.

إنه يرفض أن تحدد علاقات الناس به ، أو علاقاته بهم منفعة أو غرض.

حتى في أحرج ساعات حياته ، يمعن في الرفض وفي الاستغناء. إنه يؤمن بأن الحق مقدس وأنه أجل من كل ثمن. ولا شيء على وجه الأرض يمثل الحق في يقينه مثلما يمثله الإسلام. من أجل ذلك نذر حياته لقضية الإسلام منذ عمره الباكر. وعاش عمره المسلم يتنفس النقاء ، والصدق ، والاستقامة.

ليس في حياته كلها وقفة واحدة مع المساومة ، أو المداجاة ، أو الالتواء .. ولعله لو شاء لكان داهية لا يشق له غبار فحدة ذكائه ، واتقاد بصيرته يعطيانه من الدهاء ما يريد. لكنه تخلى عن كل مواهب الرجل الداهية وأحل مكانها كل مواهب الرجل الورع.

إن فهمه لحقيقة الإسلام. وإن ولاءه الوثيق له قد حملا حياته من الأعباء فوق ما تطيق. ولقد كان بعض جهاده وبلائه كفيلا بأن يبوءه مكانه العالي بين الأخيار الصادقين. ولكن الرجل الذي وصفه الرسول بأنّه مخشوشن في سبيل الله قد أخذ نفسه بعزائم الأمور ، وناط قدرته وطاقته بالمستحيل ، ونذر للإسلام حياة استقلها ، فراح


ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» (ج ٢٠ ص ٤٧٣ ط مؤسسة الرسالة ، بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام وسرد اسمه ونسبه الشريف.

ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٧٨ ط بيروت) قال :

نسبه : هو أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، بن هاشم ، ابن عبد مناف ، بن قصي ، فهو ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمه فاطمة بنت أسد ، بن هاشم ، بن عبد مناف ، وكان علي أصغر بنيها ، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا ، فهو أول خليفة أبواه هاشميان.

إلى أن قال :

ولما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان علي أول صبي أسلم وسنه ثمان سنين. وقال المرحوم الشيخ محمد عبد المطلب في قصيدته المشهورة بالعلوية التي ألقاها في الجامعة المصرية سنة ١٩١٩ [١٣٣٨ ه‍] ما يأتي :

__________________

يحملها أعباء مائة حياة.

ومع أيامه المجيدة التي عاشها في دنيا الناس هذه ، حقق الإسلام فيه معجزة الصياغة تلك المعجزة المتمثلة في قدرة هذا الدين على صياغة العظمة الإنسانية في أحسن تقويم.

إن ابن أبي طالب في كل مجالات حياته ، لواحد من أولئك الذين تجلى فيهم إعجاز الإسلام ، فلنواصل سيرنا معه ، لنرى كيف تكون العظمة الإنسانية وكيف يكون العظماء.


علي في صباه وإسلامه :

تبصر هل ترى إلا عليا

إذا ذكر الهدى ذاك الغلاما

غلام يبتغي الإسلام دينا

ولما يعد أن بلغ الفطاما

إذ الروح الأمين بقم فأنذر

أتى طه لينذرهم فقاما

وأمّتهم إلى الإسلام أمّ

غدت بالسبق أوفرهم سهاما

وصلى حيدر فشأى قريشا

إلى الحسنى فسموه الإماما

وما اعتنق الحنيق بغير رأى

ولم يسلك محجته اقتحاما

ولكن النبوة أمهلته

ليجمع رأيه يوما تماما

فأقبل والحجا يرخى عليه

جلالا يصغر الشيخ الهماما

يمد إلى النبي يد ابن عم

بحبل الله يعتصم اعتصاما

صغير السن يخطر في إباء

فلا ضيما يخاف ولا ملاما

وما زالت به الأيام ترقى

على درج النهى عاما فعاما

وقد جمع الحجا والدين فيه

خلائق تجمع الخير اقتثاما

فما أوفى على العشرين حتى

شهدنا من عظائمه عظاما

* * *

ولما بلغ مرتبة الرجل ، كان بحرا لا يدرك غوره في الحلم والحكمة ، راسخ الإيمان ، سخيا جوادا ، يتصدق على الفقراء مع ضيق حاله ، أبي النفس ، شديدا على الكفار ، رحيما على المؤمنين.

زواجه : تزوج بالسيدة فاطمة بنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في السنة الثانية من الهجرة ، وسنها خمس عشرة سنة ، ورزق منها بالحسن والحسين وزينب رضي‌الله‌عنهم أجمعين ، وكان خطيبا مفوها ، يستولى بفصاحته على النفوس ، وكان ممن يكتبون الوحي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ما آخى بين المهاجرين والأنصار : أنت أخي في الدنيا والآخرة.


شجاعته وإخلاصه للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : في الليلة التي اعتزم فيها الكفار قتل النبي عليه الصلاة والسّلام أمره الرسول أن يبيت في مكانه ، إيهاما للكفار ، وخرج هو مع أبي بكر مهاجرين إلى مدينة ، فامتثل علي أمره ، وفداه بنفسه ، ونام في فراشه غير هياب ولا وجل ، فلما دخلوا عرفوه ، وأدركوا أن النبي قد فاتهم ، وأخفقت مكيدتهم ومؤامرتهم.

وقال الشاعر في استخلافه ليلة الهجرة :

فلم ينس النبي له صنيعا

عشية ودع البيت الحراما

عشية سامه في الله نفسا

لغير الله تكبر أن تساما

فأرخصها فدى لأخيه لمّا

تسجى في حظيرته وناما

وأقبلت الصوارم والمنايا

لحرب الله تنتحم انتحاما

فلم يأبه لها أنفا علي

ولم تقلق بجفنيه مناما

وأغشى الله أعينهم فراحت

ولم تر ذلك البدر التماما

عمو عن أحمد ومضى نجيا

مع الصديق يدرع الظلاما

وغادرت البطاح به ركاب

إلى الزوراء تعتزم اعتزاما

وفي أم القرى خلى أخاه

على وجد به يشكو الأواما

أقام بها ليقضيها حقوقا

على طه بها كانت لزاما

وقال في ص ١٩٣ :

ما ذا يقول القائل ، في صف هذا الإمام العادل؟ وكل وصاف منسوب إلى العجز لتقصيره عن الغاية مهما انتهى به القول ، وكفى بشهادته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه باب مدينة العلم دليلا على مكنون السر الذي فيه.

فهو أول في العلوم ، أول في الشجاعة ، أول في السخاء ، أول في الحلم والصفح ، أول في الفصاحة ، أول في الزهد ، أول في العبادة ، أول في التدبير


والسياسة ، أسد الناس رأيا ، وأصحهم تدبيرا ، لو لا تقاه لكان أدهى العرب ، كأنما أفرغ في كل قلب ، فهو محبوب إلى كل نفس ، ظهر من حجاب العظمة بمعاليه ، فاستولى الاضطراب على الأذهان والمدارك ، وذهب الناس فيه مذاهب خرجت بهم عن حدود العقل والشريعة ، أهل الذمة تحبه ، والفلاسفة تعظمه ، وملوك الروم تصوره في بيوتها وبيعها ، ورؤساء الجيوش تكتب اسمه على سيوفها كأنما هو قال الخير ، وآية النصر والظفر.

هذا ما قاله المرحوم الشيخ محمد عبده في وصفه.

وقال في ص ١٩٥ :

صفاته الخلقية : كان علي كرم الله وجهه ، شديد الأدمة ، ثقيل العينين عظيمهما ، أقرب إلى القصر من الطول ، ذا بطن كثير الشعر ، عريض اللحية أصلع ، أبيض الرأس واللحية.

صفاته الخلقية : شجاعته : علاوة على ما سبق ذكره من شجاعته ، وإخلاصه للنبي عليه الصلاة والسّلام نقول : كان لعلي كرم الله وجهه في الحرب مواقف مشهودة يضرب بها الأمثال ، فهو الشجاع الذي ما فرط قط ، ولا ارتاع من كتيبة ، ولا بارز أحدا إلا قتله. وقد شهد الغزوات كلها مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا غزوة تبوك ، فقد خلفه على أهله حين خرج لقتال الروم في جيش جرار ، وأبلى علي في نصرة رسول الله ما لم يبله أحد.

وكان رضي‌الله‌عنه قويا جدا ، فهو الذي قلع باب خيبر واجتمع عليه عصبة من الناس ليقلبوه فلم يقدروا. قال جابر بن عبد الله : حمل علي الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها ، وأنهم جرّوه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا. أخرجه ابن عساكر.

وهو الذي اقتلع هبل (صنم كبير كانت قريش تعبده) من أعلى الكعبة ، وكان


عظيما كبيرا فألقاه على الأرض.

إلى أن قال في ص ٢٤٠ :

وكان علي ممتازا بخصال قلما اجتمعت لغيره وهي : الشجاعة والعفة والفصاحة.

١ ـ فأما الشجاعة فقد كان محله منها لا يجهل ، وقف المواقف المشهودة المعهودة ، وخاض غمرات الموت ، لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه ، وأول ما عرف من شجاعته مبيته موضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الهجرة ، وهو يعلم أن قوما يترصدونه ، حتى إذا خرج قتلوه ، فلم يكن ذلك مما يضعف قلبه أو يؤثر في نفسه.

ثم في واقعة بدر ، وما بعدها من المشاهد ، كان علما خفاقا لا يخفى مكانه ، يبارز الأقران فلا يقفون له ، ويفرق الجماعات بشدة هجماته ، وقد آتاه الله من قوة العضل ، وثبات الجنان ، القسط الأوفر ، أغمد سيفه مدة أربع وعشرين سنة ، حتى إذا جاءت خلافته جرده على مخالفيه ، ففعل الأفاعيل ، وكان الناس يهابون مواقفه ، ويخشون مبارزته ، لما يعلمون من شدة صولته ، وقوة ضربته.

٢ ـ وأما الفقه فلم يكن مقامه فيه مجهولا ، صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم منذ صباه ، وأخذ عنه القرآن الكريم ، وكان يكتب له مع ما أوتيه من ذكاء بني عبد مناف ثم بني هاشم ، ولم يزل معه إلى أن توفى عليه‌السلام. كل هذا أكسبه قوة في استنباط الأحكام الدينية ، فكان الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان يستشيرونه في الأحكام ، ويرجعون إلى رأيه إذا خالفهم في بعض الأحيان ، وأكثر من عرف ذلك عنه عمر بن الخطاب.

٣ ـ وأما الفصاحة ، فيعرف مقداره فيها من خطبه ، ومكاتباته الواردة في كتاب نهج البلاغة.

هذه الصفات العالية مع ما منحه الله من شرف القرابة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم


ومصاهرته له جعلته يرى لنفسه فضلا على سائر قريش صغيرها وكبيرها شيخها وفتاها ، ويرى بذلك له الحق في ولاية الأمر دونهم. وهذا كان من أكبر الأسباب في عدم استقامة الأمر له (كما جاء في كتب التاريخ).

وقال في كتابه «السمير المهذب» (ج ٢ ص ٢٢٠ ط بيروت) :

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب جد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قرشي أسلم قبل البلوغ ، ولازم الرسول من صغره ، فاهتدى بهديه ، ولم يسجد طول حياته لغير ربه ، وشهد المشاهد كلها إلا غزوة تبوك لأن رسول الله استخلفه فيها على المدينة.

كان محبوبا ، معظما عند جميع الناس ، وفارسا قويا ، وبطلا مدربا عالما بفنون الحرب وأساليبها ، وله القدم الثابت في جميع الغزوات.

كان في جميع العلوم من الراسخين ، ومن الزهاد والعباد المخلصين ، ومن الفصحاء والخطباء المجيدين ، ومن السابقين الأولين.

وهو ابن عم الرسول وزوج ابنته البتول ، وأبو الحسن والحسين رضي‌الله‌عنه. لقد افتدى الرسول بنفسه ، حيث نام على فراشه ليلة الهجرة ، وخلفه الرسول بمكة مع أهله ، وأنابه منابه في أداء الأمانات والودائع ، فأقام بعد الهجرة أياما يؤدي ذلك ، ثم أخذ آل البيت وهاجر.

كان أول المسلمين من الصبيان ، وأول المبارزين يوم بدر ، وأول الثابتين يوم أحد وحنين ، وأول السابقين يوم الفتح ، وأول أهل التدبير والسياسة ، وأول أهل الكرم والجود والشفقة والتواضع والحلم ، وأول من وضع قواعد النحو للغة العربية ، وأعطاها لأبي الأسود الدؤلي وقال له : انح هذا النحو يا أبا الأسود.

وكفى بشهادته صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنه قال : أنا مدينة العلم وعلي بابها.

دليلا على تفوقه في العلوم.


عن أبي مطر البصري أنه شهد عليا أتى أصحاب التمر ، وجارية تبكي عند التمار فقال : ما شأنك؟ قالت : باعني تمرا بدرهم ، فرده مولاي فأبى أن يقبله ، فقال علي : يا صاحب التمر خذ تمرك وأعطها درهمها ، فإنها خادم وليس لها أمر. فدفع صاحب التمر عليا. فقال المسلمون : أتدري من دفعت؟ قال : لا. قالوا : أمير المؤمنين فصب تمرها ، وأعطاها درهمها ، وقال : أحب أن ترضى عني. فقال : ما أرضى عنك إلا إذا أوفيت الناس حقوقهم.(محاسن الآثار).

من هذه الحكاية نعلم مقدار تواضع سيدنا علي ، وعدم ضرره الرجل ، وكيف نصح له ومنعه من ظلم الناس ، وأمره برد الحقوق إلى أصحابها.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الأعلى مهنا في «طرائف الخلفاء والملوك» (ص ٢٨ ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال :

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي أبو الحسن أمير المؤمنين ، رابع الخلفاء الراشدين ، وأحد العشرة المبشرين ، وابن عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصهره ، وأحد الشجعان الأبطال ، ومن أكابر الخطباء والعلماء بالقضاء ، وأول الناس إسلاما بعد خديجة. ولد بمكة وربي في حجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يفارقه. وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد. ولي الخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان فقام بعض أكابر الصحابة يطلبون القبض على قتلة عثمان وقتلهم ، وتوقّى علي الفتنة فتريث فغضبت عائشة وقام معها جمع في مقدمتهم طلحة والزبير وقاتلوا عليا فكانت وقعة الجمل سنة ٣٦ ه‍ وظفر علي. ثم كانت وقعة صفين وأمر التحكيم. قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي غيلة في مؤامرة ١٧ رمضان المشهورة.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٢٧ ط القاهرة سنة ١٣٩٩).


ذكر ترجمته وسرد فضائله ومناقبه عليه‌السلام.

وقال أيضا في تعاليقه على كتاب «تاريخ الثقات» (ص ٣٤٧):

الإمام علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو الحسن ، أول من صلّى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد خديجة.(الترمذي) (٥ : ٦٤٢) ، ولقد صلّى قبل أن يصلي الناس وكان ابن عشر سنين ، كان شديد العناية بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبعثه إلى مكة بسورة التوبة ، كما بعثه إلى اليمن قاضيا ، وهو أحد الأربعة الذين أمر الله نبيه أن يحبهم ، وجاء في الحديث : لا يحبه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق. وثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وقال له مرة : أنت مني وأنا منك (البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ودعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا تراب.

وأخرج البخاري في كتاب المغازي أن عليا اشتكى عينيه يوم خيبر ، فبصق فيهما صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى كأن لم يكن به وجع ، وأعطاه الراية ففتح الله عليه ، كما دعى له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما اشتكى بعدها ، وقد أمره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يضحي عنه بمنى ، وزوجه فاطمة ابنته كما جهز له وليمة عرسه فأعطى علي فاطمة درعه صداقا ، ثم رشّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وضوءه عليه وعلى فاطمة بعد زفافهما ، وكان فقيرا ، فكم بات هو وفاطمة ليالي بغير عشاء ، وكان يربط الحجر على بطنه من الجوع ، ولقد استقى ليهودي كل دلو بتمرة ، ولقد أمره النبي لمّا خرج إلى المدينة في الهجرة أن يقيم بعده حتى يؤدي ودائع كانت عنده للناس ، ثم بات في مضجع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الهجرة ، وكان صاحب لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر وفي كل مشهد ، وعند ما انتقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الرفيق الأعلى غسله علي وهو يقول : بأبي أنت وأمي طبت ميتا وحيا. ومات


الإمام علي وما ترك صفراء ولا بيضاء. رضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة أبو زكريا يحيى بن شرف النووي في «المجموع شرح المهذب» (ج ١ ص ٣٤٨ ط دار الفكر)

فذكره عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السّلام هاشم حافظ في «المدينة المنورة في التاريخ» (ص ١٠٠ ط نادى المدينة المنورة الأدبي

فذكره عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ العبقريات الإسلامية» (ج ٢ ص ١٥ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت

فذكره عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري ابن الشيخ عفيفي الباجوري المفتش بوزارة الأوقاف في «إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء» (ص ١٦٩ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر)

فذكره عليه‌السلام.

ومنهم يسرى عبد الغني البشري في تعاليقه على كتاب «كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة» (ص ٧٤ ط مكتبة القرآن ـ القاهرة)

فذكره عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد كمال الدين عز الدين في «تعليقة المختصر


الصغير في سيرة البشير النذير» لابن جماعة (ص ١١١ ط عالم الكتب ـ بيروت)

فذكره عليه‌السلام.

ومنهم الدكتور محمد عبد السّلام أبو النيل في «تعاليقه على تفسير مجاهد بن جبر» (ص ٩٥ ط دار الفكر الإسلامي الحديثة).

فذكره عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في «عقيدة الشيعة» تعريب ع. م. (ص ٦١ ط مؤسسة المفيد ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر سيف الدين الكاتب خريج جامعة الأزهر في «أعلام الصحابة» (ج ١ ص ٨ ط مؤسسة عز الدين في بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر حبشي فتح الله الحفناوي في «من وصايا علي عليه‌السلام للأطفال والفتيان» (ص ٣ ط المكتب الجامعي الحديث ـ اسكندرية)

فترجمه عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر عمر فروخ في «تاريخ الأدب العربي» (ج ١ ص ٣٠٧ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فترجمه عليه‌السلام.

ومنهم الدكتور محمد حسين الذهبي الأستاذ في علوم القرآن والحديث في


«التفسير والمفسرون» (ج ١ ص ٩١ ط دار القلم ـ بيروت)

فترجمه عليه‌السلام.

ومنهم الدكتور علي شلق في «العقل الفلسفي في الإسلام» (ص ٧١ ط دار المدى ـ بيروت)

فترجمه عليه‌السلام.

ومنهم حنّا الفاخوري في «تاريخ الأدب العربي» (ص ٣٢٠)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الدكتور أبو زيد شلبي أستاذ الحضارة بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر في «الخلفاء الراشدون» (ص ١٩٣ ط مكتبة وهبة ـ القاهرة)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم العلامة محمد زكي ابراهيم رائد العشيرة المحمدية في «مراقد أهل البيت بالقاهرة» (ص ١٧ ط مطبوعات العشيرة المحمدية بمبنى جامع البنات بالقاهرة)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري بك المفتش بوزارة المعاف بمصر في «محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية» (ج ٢ ص ٤٩ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الحافظ أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد الجماعيلي المقدسي المولود سنة ٥٤١ والمتوفى ٦٠٠ في «سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسيرة أصحابه العشرة»


(ص ٦٧ ط دار الجنان ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم العلامة الشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي في «فضل المبين على عقد الجوهر الثمين ـ شرح الأربعين العجلونية» (ص ٣٩ الطبعة الثالثة دار النفائس ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر باقر أمين الورد المحامي عضو اتحاد المؤرخين العرب في «معجم العلماء العرب» (ج ١ ص ١٤٨ ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الزيات عضو مجمع اللغة العربية في «تاريخ الأدب العربي» (ص ١٨٥ ط بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الوهاب النجار في «الخلفاء الراشدون» (ص ٣٧٦ الطبعة الأولى دار القلم ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.


ومنهم الأستاذ منّاع بن خليل القطان في «تاريخ التشريع الإسلامي» (ص ٢٧٠ ط دار المريخ ـ الرياض).

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الدكتور عبد السّلام الترمانيني في «أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين» (ج ١ ص ٣٨١ ط الكويت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم المستشار سالم البهنساوي في «الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديمقراطية» (ص ٢٦٧ الطبعة الأولى ، الزهراء للاعلام العربي ـ القاهرة)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر علي إبراهيم حسن أستاذ التاريخ الإسلامي في «التاريخ الإسلامي العام» (ص ٢٦٠ ط مكتبة النهضة المصرية العام)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الدكتور محمد أمين فرشوخ في «موسوعة عباقرة الإسلام في العلم والفكر والأدب والقيادة» (ص ٢٤٥ ط دار الفكر العربي ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر عيسى أيوب الباروني في «الرقابة المالية في عهد الرسول والخلفاء الراشدين» (ص ٤٢١ الطبعة الأولى جمعية الدعوة الإسلامية العالمية)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.


ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة في طبقات ابن سعد» (ص ١٨٩ و ١٩٤ الطبعة الثالثة ، الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة)

فذكروا ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو اليقظان عطية الجبوري الأستاذ المساعد بجامعة بغداد في «دراسات في التفسير ورجاله» (ص ٦٢ ط ٣ دار الندوة الجديدة ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر الهادي حمّو في «أضواء على الشيعة» (ص ١١٢ ط دار التركي)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد الحليم محمود في «التفكير الفلسفي في الإسلام» (ص ١٢٠ ط ٢ دار المعارف ـ القاهرة)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ٥٦ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ١١٤ ط دار الجيل في بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.


ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه «أصهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٣٨ ط دار الهجرة ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الشريف علي فكري القاهري في «أحسن القصص» (ج ٣ ص ٢٠٧ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر يوسف أسعد داغر في «مصادر الدراسة الأدبية» (ج ١ ص ٩٣ ط بيروت) قال :

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عصام الدين محمد علي في «وقفة بين أصحاب الديانات وأنصار المذاهب» (ص ١٧٥ ط منشأة المعارف بالإسكندرية جلال خري وشركاؤه)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في «تاريخ العرب» (ج ٣ ص ٢٠٤ و ٢٠٨ ط دار الأندلس ـ بيروت)

فذكر ترجمته عليه‌السلام.


مستدرك

ألقابه وكناه الشريفة

تقدم ما يدل على ذلك نقلا عن أعلام العامة مرارا ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٧٨ ط بيروت) قال :

كنيته : وكناه النبي عليه‌السلام أبا تراب وذلك أنه وجده نائما في المسجد قد سقط عنه رداؤه ، وأصاب التراب جسده ، فجاء حتى جلس عند رأسه وأيقظه ، وجعل يمسح التراب عن ظهره ، ويقول له : اجلس إنما أنت أبو تراب.

فكانت من أحب كناه إليه ، وكان يفرح إذا دعي بها.

وكان اسمه الأول الذي سمته به أمه حيدرة باسم أبيها أسد بن هاشم والحيدرة الأسد ، فغير أبوه اسمه وسماه عليا.

ومنهم الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «تعاليق كتاب تاريخ الثقات» (ص ٣٤٧) قال :

ودعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا تراب.


ومنهم العلامة المؤرخ أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي في «المنتظم» (ج ٥ ص ٦٦ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

ويكنى [عليه‌السلام] أبا الحسن وأبا تراب.

ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد الشيرازي الحسيني الشافعي في «توضيح الدلائل» (ص ١٢٦ النسخة المصورة من مكتبة الملي بفارس) قال :

وقيل : إنه سمي المرتضى لأن جبرئيل عليه الصلاة والسّلام قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله تعالى يقول : رضيت فاطمة لعلي وعليا بها والرضى إلى المرضي أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته أو علي ذو الرضا عن الله تعالى. هكذا أوردهما بعض أكابر العلماء والمشايخ العرفاء.

مستدرك

مولده الشريف عليه‌السلام

قد تقدم في هذه الموسوعة الشريفة مرارا ما رويناه عن العامة أن مولده المبارك كان بمكة المكرمة في جوف بيت الكعبة ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق:

فمنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٧٨ ط بيروت) قال :

ولد بمكة داخل البيت الحرام في السنة الثانية والثلاثين من ميلاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وشب في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متحليا بمكارم الأخلاق ،


مقتديا به في أقواله وأفعاله ، فنشأ عف اللسان ، قوي العزيمة ، طاهر العقيدة ، لم يتدنس بدنس الجاهلية ، ولم يعبد وثنا قط ، ولم يسجد لصنم ، ولذا قيل : علي كرّم الله وجهه (١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه أصهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ص ٤٤ ط دار الهجرة ببيروت :

الإمام الصهر الخطوبة والزواج

كان الإمام فقيرا لدرجة أنه أي فقره اضطره إلى أن يعمل أجيرا عند أحد الملّاك من الأنصار ، فكان يقضي يومه بين الصلاة وري النخيل. وبدا له في هذه الأيام رغبته في الزواج من فاطمة ، وبينما هو يمتج الماء من البئر إذ بعثمان وأبي بكر يمران به ، فأوقفه الرجلان عن عمله وذكراه برغبة كثيرا ما أبداه في الزواج من فاطمة بنت الرسول قائلين : إنه أحق الناس بها ، فغضب علي وعتب عليهما أن كلّماه في هذا الحكم الذي ظنه محال التحقيق لفقره وضيق ذات اليد ..

إلا أنه كرم الله وجهه تذكر وعدا قد وعده به رسول الله وراح يدق بقدمه المستدق شوارع وطرقا تؤدي إلى بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حتى وصل هناك ودق الباب فأذن له : فوقف مطأطئ الرأس في حياء أمام رسول الله ، فقال له الرسول : تكلم يا علي ما حاجتك.

فذكر رضي‌الله‌عنه فاطمة بعد أن تكلم ذاكرا أنه عليه‌السلام ربّاه وعطف عليه ووعده أيضا ، وتوقفت الكلمات في حلق الإمام عند هذا الحدّ حياء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأجابه الرسول باسما وعيناه لا تفارق وجه الإمام.

هي لك لست بدجال وهنا يقصد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قد وعده بذلك أي ليس بكذاب ثم أضاف عليه‌السلام : وهل عندك شيء؟ (يقصد المهر) فقال الإمام كرم الله وجهه : لا يا رسول الله إنما جئت حاملا كل مالي سيفي ودرعي ، قال عليه‌السلام : إن السيف للإسلام ليس للرسول أن يقبله ، أما الدرع ففي قوة ذراع البطل غناء عنها ، وتستطيع أن تبيعها وتأتي بثمنها مهرا لفاطمة. فصمت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم برهة ثم دخل على فاطمة يقول لها : إن عليا يذكرك فسكتت وأطرقت حياء ..


__________________

وحسبي أن الرسول قد أشرق على وجهه الكريم ابتسامة الرضا عمّا تمّ في هذه اللحظات الكريمة.

وخرج الإمام بنبئه على أصحابه وكان ممّن علموا خبر هذا الحديث عثمان بن عفان الذي اشترى منه الدرع بثمن لا بأس به وأعاده له هدية ليلة زفافه المباركة.

وأمهرها الإمام رضي‌الله‌عنه بعد أن باع بعيرا كان بملكه أيضا وبعض متاعه أمهرها أربعمائة وثمانين درهما فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع.

الزفاف

وجاء ذلك اليوم .. ودعا بلال عددا من المؤمنين ليستمعوا إلى خطبة رسول الله في زواج الإمام علي بن أبي طالب من فاطمة بنت محمد بن عبد الله وانصرف هو أي بلال فاحضر لوازم الزواج المتواضعة فاشترى بنصف المهر الأشياء التي لا يستغنى عنها في بيت : جلد شاة فراشا للنوم قميصين غطاء رأس واحد وسوارين من الفضة ووسادة من الجلد محشوة بسعف النخيل ورحى وإناءين كبيرين للماء وإبريقا من الفخار وقربة. وأنفق الباقي في الزبد والدقيق والتمر لوليمة العرس. وعاد بلال محمدا بكل ما يلزم البيت بينما وقف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب في المسلمين ويقول : الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع بسلطانه ، المهروب إليه من عذابه ، النافذ أمره في أرضه وسمائه ، الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بأحكامه وأعزّهم بدينه وأكرمهم بنبيه ، إن الله عزوجل جعل للمصاهرة نسبا لاحقا وأمرا مفترضا وحكما عادلا ، وخيرا جامعا وشجّ به الأرحام ، وألزمها الأنام وقال عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) وأمر الله تعالى يجري إلى قضائه ، وقضاؤه يجري إلى قدره ولكل قضاء قدر ولكل قدر أجل ، ولكل أجل كتاب ثم إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي وأشهدكم أني زوجت من فاطمة عليا على أربعمائة مثقال فضة ، إن رضي ذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة.

وبعد انتهاء الخطبة دعا لهما بحسن المعاشرة وبالذرية الصالحة المباركة وبعد أن


__________________

أتم عقد الزواج أحضر الرسول للحاضرين من المهاجرين والأنصار بعضا من التمر وقدمه إليهم قائلا : تخاطفوا.

وبعد ذلك قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي إنه لا بدّ للعروس من وليمة.

قال سعد بن أبي وقاص مبادرا في الحديث : عندي كبش وأهداه إلى هذا الحفل الكريم ، وجمع رهط من المسلمين أغلبهم من الأنصار : آصعا من ذرة ، وأكل الجميع في حفل عرس بنت رسول الله ...

وجاء المساء وزفّت النسوة من المهاجرين والأنصار فاطمة وقالت في ذلك إحدى نساء الأنصار تصف عروسنا المباركة : كنت مع النسوة اللاتي أهدين فاطمة إلى علي ، فأهديناها في بردين من برود الأول عليها ملوجان من فضة مصفّران بزعفران فدخلنا بيت علي فإذا إهاب شاة ووسادة فيها ليف وقربة ومنخل ومنشفة وقدح.

وكانت أم أيمن من النسوة اللاتي حضرن الحفل فها هي ذي يشاركنها الرواية رواية قصة هذا العرس الرائع

فتقول : أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا ألا يدخل على فاطمة حتى يجيئه ، وكانت اليهود يؤخرون الرجل عن أهله ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى وقف بالباب وقال : السّلام عليكم ورحمة الله أتأذنون لي ، فأذن له فقال : أثم أخي. فقالت أم أيمن ضاحكة مستغربة كلمة أخي : بأبي أنت وأمي يا رسول الله من أخوك؟ قال عليه‌السلام : علي يا أم أيمن. قالت تكرر وتستغرب : وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك؟! قال : هو ذاك يا أم أيمن.

ثم دعا عليه‌السلام بماء فيه آنية فغسل فيه يديه ثم دعا عليا فجلس بين يديه فنضح على صدره من ذلك الماء وبين كتفيه.

ثم دعا عليه الصلاة والسّلام فاطمة قائلا : تعالي يا بنية ، فأقبلت على استحياء بغير خمار تعثر في ثوبها فنضح عليها من ذلك الماء ثم قال : والله ما ألوت أن زوجتك غير أهلي. وهم الرسول بالخروج وكان ذلك بعد صلاة العشاء بكت فاطمة فقال لها مباركا مهدئا : أي بنيتي قد تركتك وديعة عند رجل إيمانه أقوى إيمان وعلمه أكثر من علم الجميع وإنه أفضل الناس أخلاقا وأعلاهم نفسا. صدق رسول الله.


__________________

وكان الزفاف بعد غزوة بدر لكن الخطوبة كانت قبل بدر ، ويروى في ذلك أن عمر السيدة فاطمة كان ثماني عشرة سنة والإمام كرم الله وجهه في الخامسة والعشرين.

وبدأت حياتها هنيئة راضية ، في رفاهية الإيمان وحلاوته وتقشف مادي سما فوقه إيمانها مما جعل العروسان الشابان يكسران حاجز السعادة بالمادة فقط لا بل ليست الرفاهية قصورا وحدائق فقط.

فاطمة في بيت الإمام

دخلت الزهراء البتول بيت الإمام وكانت أمه فاطمة بنت عبد الأسد سيدة قريش ذات طيب وشرف وخلق عظيم. وجاء علي بزوجته باسما هاشا للأم الرءوم وقال : يا أماه اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سقيان الماء والذهاب في الحاجة وهي تكفيك الداخل أي داخل البيت الطحن والعجن ، وحسبي أن الأم سعيدة بهذا المنزل لابنها الكريم الذي تزوج من ابنة حبيبه الذي عايش طفولته وشبابه وها هو ذا يهديه ابنته وهو من المال قليل ومن الزاد ما يكفي يومه فقط صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

واستمرت الحياة هانئة جميلة بين العروس وزوجها ، وما تخلو الشهور الأولى من الزواج من دلال العروس حين يغضب الزوج قليل التجربة بمسؤولية الزواج ولكنها لا تطول وتنتظم الحياة هانئة بينهما فيما بعد ، ومما يذكر في ذلك خبر عظيم وجميل في سرده ليكون درسا مسبقا من الأسرة النبوية رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

حملت السيدة فاطمة حملها الأول وجاءت أم الفضل زوج العباس بن عبد المطلب وقالت : يا رسول الله رأيت رؤيا عجيبة ، فقال عليه‌السلام : خيرا. قالت : رأيت عضوا من أعضاء جسمك في بيتنا ، فابتسم وقال لها : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فترضعينه ، وذهب إلى فاطمة وبشّرها بغلام.

وبعد أيام جاء الطفل الحسن بن علي بن أبي طالب فأولم عليه‌السلام وذبح شاة وقام بتوزيعها على الفقراء وأعطى القابلة فخذ الشاة ودينارا وراح والغلام يبكي ويعلو صوته في بيت الإمام فيجيء الرسول ويقول لفاطمة : أرضعي الحسن يا فاطمة فإن صوته يؤلمني ، رضي‌الله‌عنهم أجمعين.


__________________

وتحرّكه فاطمة بين يديها وتقول :

أشبه أباك يا حسن

واخلع عن الحق الرّسن

واعبد إلها ذا منن

ولا توالي ذا الإحن

وجاء بعده بعام الحسين ثم زينب ، وكانوا مكرمين عند جدّهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان دائما يقول : الحسن والحسين ريحانتاي في الدنيا. وذات يوم تقاتل الحفيدان ، فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يضحك ويقول : إيها حسن.

فقالت فاطمة والإمام علي كرم الله وجهه : يا رسول الله أعلى حسين تواليه؟ فابتسم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : هذا جبريل يقول : إيها حسين ولم يطق الرسول أيضا سماع بكاء حسين بن علي فأسرع إلى فاطمة يقول : يا فاطمة أسكتي حسينا ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني؟ وأنجبا السيدة زينب عقيلة بني هاشم كما سموها وعاشا على الإيمان والحب.

نعم عاشا على الإيمان والحب لا طمع في الدنيا ومالها وزينتها والسمع والطاعة لتعاليم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهذا الإمام رضي‌الله‌عنه وكرم الله وجهه يروي لنا كيف كانا يواجهان حياتهما ، قال الإمام : اشتكت فاطمة ما تلقى من الرحى وقد تعبت يداها من إدارتها فبلغها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أتى بسبي ـ أي جاءه بعض الأسرى ـ فأتته تسأله خادما يساعدها في شئون البيت فلم تجد أباها ، فذكرت ذلك للسيدة عائشة فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت عائشة له ذلك فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا وأردنا أن ننام فذهبنا نقوم.

فقال عليه‌السلام : على مكانكما ، ألا أدلكما على خير مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله ثلاثا وثلاثين وأحمداه ثلاثا وثلاثين ، وسبحاه ثلاثا وثلاثين إن ذلك خير مما سألتماني.

وكان ذلك مثلا لتضحية الرسول وأهله رضوان الله عليهم برغد هذه الدنيا والرغبة فيها بل آثروا شظفها وشقاءها على رغدها ونعيمها حبا في العدل وكرها في متاعها


ومنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المشتهر بابن الشيخ في كتاب «ألف با» (ج ١ ص ٢٢٢ ط ٢ عالم الكتب ـ بيروت) قال :

قال علي رضي‌الله‌عنه : يا ابن عباس إذا صليت العشاء الآخرة فالحق إلى الجبانة ، قال : فصليت ولحقته وكانت ليلة مقمرة ، قال : فقال لي : ما تفسير الألف من الحمد؟ قلت : لا أعلم ، فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، قال : ثم قال : ما تفسير اللام من الحمد؟ قلت : لا أعلم ، فتكلم فها ساعة تامة ، ثم قال : ما تفسير الحاء من الحمد؟ قال : قلت : لا أعلم ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، ثم قال : ما تفسير الميم من الحمد؟ قال : قلت : لا أعلم ، قال : فتكلم في تفسيرها ساعة تامة ، قال : فما تفسير الدال من الحمد؟ قال : قلت : لا أدري ، فتكلم فيها إلى أن بزق عمود الفجر ، قال : وقال لي : قم يا ابن عباس إلى منزلك فتأهب لفرضك.

فقمت وقد وعيت ما قال ، ثم تفكرت فإذا علمي بالقرآن في علم علي كالقرارة في المثعنجر. قال : القرارة الغدير الصغير ، والمثعنجر البحر.

وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من علم الله وعلم علي رضي‌الله‌عنه من علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلمي من علم علي وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في علم علي رضي‌الله‌عنه إلا كقطرة في سبعة أبحر ، فانظر كيف تفاوت الخلق في العلوم والمفهوم.

يقال : إن عبد الله بن عباس أكثر البكاء على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه حتى

__________________

القليل (إنما الحياة الدنيا لهو ومتاع).

ولما رآها صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقتني سلسلة من الذهب أهداها لها الإمام ، قال عليه‌السلام لفاطمة : يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس ابنة الرسول في يدها سلسلة من نار؟ ثم خرج عليه‌السلام ولم يعقد ، فأرسلت أم الحسن رضي‌الله‌عنها فباعتها واشترت بثمنها عبدا فأعتقته. فحدث الرسول بعد ذلك قائلا : الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار.


ذهب بصره ، وإذ قد وقع ذكر علي وابن عباس رضي‌الله‌عنهما فلنذكر بعض فضائلهما ولنبدأ بمفاخر علي الزكي العلي ابن عمّ النبي ولنثن بالثناء على ابن عباس العدل الرضي ابن عم النبي أيضا :

قال أبو الطفيل : شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل ولو شئت أو قرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب.

وسيأتي قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه ، وقول ابن عباس فيه : لقد أعطى علي تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شاركهم في العشر العاشر ، وكان معاوية رحمه‌الله يكتب فيما ينزل به فيسأل علي ابن أبي طالب عن ذلك فلما بلغه قتله قال : لقد ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب ، وكان عمر بن الخطاب يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو حسن ، وسئل عطاء : أكان في أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد أعلم من علي؟ قال : لا والله ما أعلمه وفضائله كثيرة قد جمعها الناس ودوّنوها.

ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ العبقريات الإسلامية» (ج ٢ ص ٢٤ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

يقول : اسألوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي نفسي بيده لا تسألوني في شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تهدى مائة وتضل مائة إلا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها ، ومناخ ركابها ومحط رحالها.


مستدرك

تزويج أمير المؤمنين عليه‌السلام

فاطمة الزهراء عليها‌السلام

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٦ ص ٥٩٢ وج ١٠ ص ٣٤٥ وج ١٧ ص ٨٣ وج ١٨ ص ١٧٢ وج ٢٥ ص ٣٦٠ ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٣ ص ٨٤ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

ثم دخلت سنة اثنتين من الهجرة. فمن الحوادث فيها : [زواج علي بن أبي طالب بفاطمة رضي‌الله‌عنهما].

[إن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه] تزوج فاطمة رضي‌الله‌عنها في صفر لليال بقين منه ، وبنى بها في ذي الحجة.

إلى أن قال في ص ٨٥ :

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال : أنبأنا الحسن بن علي الجوهري ، قال : أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، قال : أخبرنا أحمد بن معروف ، قال : أخبرنا الحسين بن الفهم.

قال : وحدثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، قال : أخبرنا المنذر ابن ثعلبة ، قال : أخبرنا علياء بن أحمر اليشكري : أن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال له : انتظر بها القضاء ، فجاء عمر إلى أبي بكر وأخبره ، فقال : لله درك يا أبا بكر. ثم إن أبا بكر قال لعمر : اخطب فاطمة إلى النبي صلّى الله عليه


وسلم ، فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر : انتظر بها القضاء ، فجاء إلى أبي بكر فأخبره فقال : لله درك يا عمر. ثم إن أهل علي قالوا لعلي : اخطب فاطمة إلى رسول الله ، فقال : بعد أبي بكر وعمر؟! فذكروا له قرابته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فخطبها فزوجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فباع علي بعيرا له وبعض متاعه ، فبلغ أربعمائة وثمانين ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع.

قال محمد بن سعد : وأخبرنا وكيع ، عن عباد بن منصور قال : سمعت عطاء يقول : خطب علي فاطمة ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن عليا يذكرك فسكتت ، فزوجها.

إلى أن قال في ص ٨٦ :

وأخبرنا مالك بن سعيد النهدي قال : أخبرنا عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي ، عن عبد الكريم بن سليط ابن بريدة ، عن أبيه قال : أتى علي كرم الله وجهه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلم عليه ، فقال : ما حاجة ابن أبي طالب؟ قال : ذكرت فاطمة بنت رسول الله محمد ، قال : مرحبا وأهلا. لم يزده عليها.

فخرج علي على رجال من الأنصار فقالوا : ما وراءك؟ قال : ما أدري غير أنه قال لي مرحبا وأهلا. قال : يكفيك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إحداهما ، أعطاك الأهل وأعطاك المرحب.

فلما كان بعد أن زوجه قال : يا على إنه لا بد للعروس من وليمة. فقال سعد : عندي كبشان. وجمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة ، فلما كان ليلة البناء ، قال : لا تحدث شيئا حتى تلقاني. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإناء فتوضأ فيه ، ثم أفرغه على علي ثم قال : اللهم بارك فيهما ، وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما.

قال : وحدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا جرير بن حازم قال : أخبرنا أيوب ، عن


عكرمة أن عليا خطب فاطمة رضي‌الله‌عنهما ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما تصدقها؟ قال : ما عندي ما أصدقها. قال : فأين درعك الحطمية؟ قال : عندي. قال : أصدقها إياها.

قال : وأخبرنا أبو أسامة ، عن مجالد ، عن عامر قال : قال علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : لقد تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش غير جلد كبش ، ننام عليه بالليل ، ونعلف عليه الناضح بالنهار ، ومالي ولها خادم غيرها.

ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضري السيوطي المصري المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند فاطمة عليها‌السلام» (ص ٨٧ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند سنة ١٤٠٦) قال :

(مسند أنس) (ابن جرير) : حدثني محمد بن الهيثم ، حدثني الحسن بن حماد ، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك قال : جاء أبو بكر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقعد بين يديه فقال : يا رسول الله قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني ، قال : وما ذاك؟ قال : تزوجني فاطمة ، فسكت عنه أو قال : أعرض عنه ، فرجع أبو بكر إلى عمر ، فقال : هلكت وأهلكت ، قال : وما ذاك؟ قال : خطبت فاطمة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأعرض عني ، قال : مكانك حتى آتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأطلب مثل الذي طلبت ، فأتى عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقعد بين يديه فقال : يا رسول الله! قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإني وإني ، وقال : ما ذاك؟ قال : تزوجني فاطمة فأعرض عنه ، فرجع عمر إلى أبي بكر فقال : إنه ينتظر أمر الله فيها انطلق بنا إلى علي حتى نأمره أن يطلب مثل الذي طلبنا.

قال علي : فأتياني وأنا أعالج فسيلا فقالا : ابنة عمك تخطب؟ قال : فنبهاني لأمر فقمت أجر ردائي طرفا على عاتقي وطرفا أجره على الأرض حتى أتيت رسول الله


صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقعدت بين يديه فقلت : يا رسول الله! قد عرفت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإني وإني. قال : ما ذاك؟ يا علي! قلت : تزوجني فاطمة قال : عندك شيء؟ قلت : فرسي وبدني ، قال : أعني درعي ، قال : أما فرسك فلا بد لك منها وأما درعك [فبعها] ، فبعتها بأربعمائة وثمانين وآتيته بها فوضعتها في حجره ، فقبض منها قبضة ، فقال : يا بلال أبغنا بها طيبا ، وأمره أن يجهزوها. فجعل لهم سرير شرط بالشرط ووسادة من أدم حشوها ليف وملئ البيت كثيبا يعني رملا ، وقال لي : إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتى آتيك ، فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وأنا في جانب ، وجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : هاهنا أخي؟ فقالت أم أيمن : أخوك وقد زوجته ابنتك ، قال : نعم ، فدخل فقال لفاطمة : ائتني بماء فقامت إلى قعب البيت فجعلت فيه ماء فأتت ، فأخذه فمج فيه ثم قال لها : قومي ، فنضح بين ثدييها وعلى رأسها ، وقال : اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم وقال لها : ادبري فأدبرت فنضح بين كتفيها ثم قال : اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ، ثم قال لعلي : ائتني بماء فعلمت الذي يريد فقمت فملأت القعب ماء فأتيته به فأخذ منه بفيه ثم مجه فيه ثم صب على رأسي وبين ثدي ثم قال : اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ثم قال : أدبر ، فأدبرت فصب بين كتفي وقال : اللهم إني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم ، وقال لي : ادخل بأهلك باسم الله والبركة.(ابن جرير).

وقال في ص ٨٢ :

عن علي [عليه‌السلام] رضي‌الله‌عنه : إنه لما تزوج فاطمة قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجعل عامة الصداق في الطيب.(ابن راهويه).

عن علي [عليه‌السلام] رضي‌الله‌عنه قال : لما تزوجت فاطمة قلت : يا رسول الله ما أبيع فرسي أو درعي؟ قال : بع درعك فبعتها بثنتي عشرة أوقية وكان ذلك مهر


فاطمة.

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لما تزوجت فاطمة قلت : يا رسول الله ابن لي. قال : أعطها شيئا؟ قلت : ما عندي شيء ، قال : فأين درعك الحطمية؟ قلت : عندي ، قال : فأعطها إياه.(ن وابن جرير ، طب ، ق ، ض).

وروى أحاديث أخرى مثله في ص ٨٣ و ٨٤ و ٨٥ ومواضع أخرى.

ومنهم القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المتوفى سنة ٥٢٠ في كتابه «المقدمات الممهدات» (ج ٣ ص ٣٥٢ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

وتزوج علي بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيدة نساء العالمين ، بعد وقعة أحد وقيل إنه تزوجها بعد أن ابتنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعائشة بأربعة أشهر ونصف ، وبنى بها بعد تزوجه إياها بسبعة أشهر ونصف ، وكان سنها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف ، وسن علي رضي‌الله‌عنه يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر. فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم ، وزينب ، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت ، وتوفيت رضي‌الله‌عنها بعد رسول الله بيسير قيل بثلاثة أشهر وقيل بستة أشهر وقيل بثمانية أشهر.

وقال أيضا في ص ٣٧٠ عند ذكر حوادث السنة الأولى :

وفيها تزوج علي فاطمة ، ويقال في السنة الثانية على رأس اثنين وعشرين شهرا من قدوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة.

ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في القسم الثاني من «جامع الأحاديث» (ج ٤ ص ٣٨١ ط دمشق) قالا :


عن علي رضي‌الله‌عنه قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة رضي‌الله‌عنهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهما ، فقال عمر : أنت لها يا علي ، قال : ما لي من شيء إلا درعي وجملي وسيفي ، فتعرض علي ذات يوم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا علي هل لك من شيء؟ قال : جملي ودرعي أرهنهما ، فزوجني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة ، فلما بلغ فاطمة ذلك بكت ، فدخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : مالك تبكين يا فاطمة؟ والله لقد أنكحتك أكثرهم علما ، وأفضلهم حلما ، وأقدمهم سلما ، وفي لفظ أولهم سلما. (ابن جرير وصححه والدولابي في الذرية الطاهرة).

ومنهم الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» عليه‌السلام (ص ٢١ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة) قال :

روى ابن الأثير في أسد الغابة : أخبرنا عن الحارث ، عن علي فقال : خطب أبو بكر وعمر يعني فاطمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فأبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهما ، فقال عمر : أنت لها يا علي ، فقلت : ما لي من شيء إلا درعي أرهنها. فزوجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة. فلما بلغ ذلك فاطمة بكت ، قال : فدخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : ما لك تبكين يا فاطمة! فو الله لقد أنكحتك أكثرهم علما وأفضلهم خلقا وأولهم سلما.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٥٢ ط دار الجيل في بيروت) قال :

عن ابن عباس قال : لما زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة رضي‌الله‌عنها من علي رضي‌الله‌عنه كان فيما أهدى معها سرير مشروط ووسادة من أديم حشوها ليف وقربة ، وقال : وجاء ببطحاء من الرمل فبسطوه في البيت وقال لعلي رضي الله


عنه : إذا أتيت بها فلا تقربها حتى آتيك ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدق الباب فخرجت إليه أم أيمن. فقال : اعلم أخي. قالت : وكيف يكون أخاك وقد زوجته ابنتك؟! قال : إنه أخي ثم أقبل على الباب ورأى سوادا فقال : من هذا؟ قالت : أسماء بنت عميس فأقبل عليها فقال لها : جئت تكرمين ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ وكان اليهود يوجدون من امرأته إذا دخل لها قال : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببدر من ماء فتفل فيه وعوذ فيه ثم دعا عليا رضي‌الله‌عنه فرش من ذلك الماء على وجهه وصدره وذراعيه.

ثم دعا فاطمة فأقبلت تعثر في ثوبها حياء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ففعل بها مثل ذلك ثم قال لها مثل ذلك ، ثم قال لها : يا ابنتي والله ما أردت أن أزوجك إلا خير أهلي.

وروى أيضا في ص ١١٧ مثله عن أم أيمن ، وفيه : أثمّ أخي مكان : اعلم أخي.

وذكر في ص ١١٥ جهاز عرس فاطمة عليها‌السلام فقال :

أما نفس الجهاز فأنقله إليكم بالحرف الواحد كما تواتر على ألسنة الرواة وهذا هو : قميص وخمار لغطاء الرأس وثوب له زغب وعباءة قصيرة بيضاء ومنشفة وفرشان أحدهما ليف ، والآخر صوف ومخدة ليف وأربعة متكآت حشوها من نبات الأرض وسرير من جريد النخل وجلد كبش وحصير وستار من صوف وقدح من خشب ورحى للطحن وإناء من نحاس للعجن والغسيل وقربتان : كبيرة وصغيرة ووعاء من ورق النخل مزفت وجرة خضراء وكوزان خزف ومنخل.

ورشّ الإمام أرض الدار برمل ناعم ونصب في البيت خشبة من الحائط إلى الحائط لتعليق الثياب إذ لا خزانة ولا صندوق لثياب العروس.

في هذا البيت كان يجلس رب العائلة محمد مع عائلته علي عن يمينه وفاطمة عن يساره والحسن والحسين في حجره يقبل هذا مرة وذاك أخرى يباركهم ويدعو لهم


ويسأل الله أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا.

وفي ذات يوم دخل هذا البيت رسول الله على عادته فوجد عليا وفاطمة يطحنان بالجاورش فقال : أيكما أعيا؟ أي تعب قال علي : فاطمة يا رسول الله فقال لها : قومي يا بنية فقامت وجلس يطحن مع علي.

عاشت فاطمة عند علي وهو لا يملك إلا قلبه وسيفه وإلا علمه وإيمانه وكان يسكن في بيت متواضع طحنت فيه فاطمة بالرحى حتى تورمت كفها واستقت بالقرة حتى اسودّ صدرها وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها.

ومن كتاب مناقب علي والحسنين وأمهما فاطمة الزهراء نثبت بعض النصوص التي تتكامل بها الصورة الخالدة للزواج الخالد.

ومنهم أبو إسحاق الحويني في «تهذيب خصائص الإمام علي» (ص ٩٥ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

أخبرنا أبو مسعود إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا حاتم بن وردان ، حدثنا أيوب السختياني ، عن أبي يزيد المدني ، عن أسماء بنت عميس قالت : كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله ، فلما أصبحنا جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضرب الباب ، ففتحت له أم أيمن يقال كانت في نسائه لتبعثه وسمعن النساء صوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحسّسن ، قال : أحسنت ، فجلسن في ناحية ، قالت : وأنا في ناحية ، فجاء علي رضي‌الله‌عنه فدعا له ، ثم نضح عليه من الماء ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأى سوادا ، فقال : من هذا؟ قلت : أسماء ، قال : ابنة عميس؟ قلت : نعم ، قال : كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله تكرمينها؟ قلت : نعم ، قالت : فدعا لي.

ومنهم العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر الوصابي الحبيشي المتوفى ٧٨٢ في «البركة في فضل السعي والحركة» (ص ٣٠٠ ط دار المعرفة ـ بيروت)


قال :

(الحديث الثامن والعشرون): ولما زوج فاطمة من علي رضي‌الله‌عنها ، وزفها استدعى بماء ودعا فيه بالبركة ثم رشه عليهما.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد علي قطب في كتابه «فضل تربية البنات في الإسلام» (ص ٩٦ ط دار القلم ـ بيروت) قال :

جاء علي رضي‌الله‌عنه وكرم وجهه ومعه فاطمة عليها‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشتكيان إليه ما يلقيان من عناء العمل فجعل العمل بينهما قسمة : فاطمة لعمل البيت وعلي لعمل الخارج.


علمه عليه‌السلام

مستدرك

علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب

قد مر ما يدل عليه نقلا عن أعلام العامة في ج ٤ ص ٣٤٢ وج ٦ ص ٤٠ وج ٧ ص ٥٩٩ وج ١٧ ص ٤٦٥ وج ٢٠ ص ٢٤٣ ومواضع أخرى من هذا الكتاب المستطاب ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ١٨ ط دار الفكر) قال :

وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في مرضه : ادعوا لي أخي ، فدعي له عثمان ، فأعرض عنه ثم قال : ادعوا لي أخي ، فدعي له علي بن أبي طالب ، فستره بثوب وانكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له : ما قال؟ قال : علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب.

ومنهم العلامة حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي في رسالته «اللدنية» (ص ١٠٦ المطبوع في ضمن مجموعة رسائله ـ القسم الثالث ـ في دار


الكتب العلمية ـ بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : أدخلت لساني في فمي فانفتح في قلبي ألف باب من العلم مع كل باب ألف باب ، وقال : لو وضعت لي وسادة وجلست عليها لحكمت لأهل التوراة بتوراتهم ولأهل الإنجيل بإنجيلهم ولأهل القرآن بقرآنهم.

ومنهم العلامة حسام الدين المردي في «آل محمد» (ص ٤٤) قال :

قال علي : العلم نقطة كثرها الجاهلون ، والألف واحدة عرفها الراسخون ، والياء مدة قطعها العارفون ، والجيم حضرة تأهلها الواصلون ، والدال درجة قدسها الصادقون.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٤٠ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعنه [علي عليه‌السلام] قال : قلت : يا رسول الله أوصني ، قال : قل : ربي الله ثم استقم ، فقلت : ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، فقال : ليهنك العلم أبا الحسن لقد شربت العلم شربا. أخرجه البحري والرازي وزاد : وبهلته بهلا (١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر أبو بكر جابر الجزائري في كتابه «العلم والعلماء» (ص ١٧٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) :

إن علم علي رضي‌الله‌عنه لا يشك فيه أحد من المسلمين ، وكيف وقد اعترف له عمر رضي‌الله‌عنه وكبار الصحابة أما الفتيا فقد انتهت إليه في زمانه كله ، وما ينازعه فيها أحد ، وكيف لا ، وقد لازم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من فجر النبوة إلى غروب شمسها بوفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يفارق رسول الله صلى الله عليه


__________________

وسلم في حضر ولا سفر إلا ما كان من استخلافه على المدينة عند خروجه إلى تبوك مع ربانية علي وذكائه ، وسلامة صدره وأصالة محتده ، فهو عالم قريش وسيد بني هاشم ولا منازع.

وقال الدكتور أبو الوفاء الغنيمي التفتازاني المصري في «المدخل إلى التصوف» (ص ٥٣ ط دار الثقافة بالقاهرة) :

فقد قال عنه أبو علي الروذباري ، أحد كبار أوائل الصوفية : ذاك امرؤ أعطي العلم اللدني أي العلم الذي هو من لدن الله ، أي من عند الله ، والعلم اللدني هو العلم الذي خص به الخضر عليه‌السلام ، قال الله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً).

ويقول الطوسي في اللمع : ولأمير المؤمنين علي رضي‌الله‌عنه خصوصية من بين أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمعاني جليلة ، وإشارات لطيفة ، وألفاظ مفردة ، وعبارة وبيان للتوحيد والمعرفة والإيمان والعلم ، وغير ذلك ، وخصال شريفة ، تعلق وتخلق به أهل الحقائق من الصوفية.

وقال العلامة حسن بن المولوي أمان الله الدهلوي العظيم آبادي الهندي في «تجهيز الجيش» (ق ٤٠٨ المخطوط) :

قال صاحب «المواقف» في وجوه أفضلية علي بن أبي طالب ما لفظه :

ولأن عليا ذكر في خطبه أسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء والقدر ما لم يضع مثله في كلام سائر الصحابة ـ إلى آخره.

وقال الفاضل المعاصر الدكتور عبد الرحمن سالم في «التاريخ السياسي للمعتزلة» (ص ٢٣٢ ط دار الثقافة بالقاهرة) :

يرتبط تفضيل المأمون لعلي على سائر الصحابة بنفس السنة التي أظهر فيها المقول بخلق القرآن ، بل بنفس الشهر أيضا. وقد كان هذا التفضيل سببا لإغراء بعض المؤرخين القدامى والباحثين المحدثين بنسبة المأمون إلى التشيع. وليس أبلغ في رد هذا الزعم من عرض مذهب المأمون في تفضيل علي عرضا أمينا. وخير ما يصور هذا المذهب هو تلك المناظرة الطريفة التي أوردها صاحب العقد الفريد بين المأمون وعدد


__________________

من الفقهاء حول أفضلية علي ، وليس هنا متسع رواية نصها نظرا لطولها ، فمن الأنسب تلخيصها تلخيصا لا يخل بجوهرها ، فقد طلب المأمون من قاضي قضاته يحيى بن أكثم أن يصحب اليه أربعين رجلا كلهم فقيه يفقه ما يقال له ويحسن الجواب. فدخلوا على المأمون وعليه سواده ، فهو إذن قد خلع الخضرة ورجع إلى شعار آبائه ، فلما جلسوا وطارحهم المأمون حديثا يزيل به وحشتهم ذكر لهم السبب الذي دعاهم من أجله وهو مناظرتهم في مذهبه الذي هو عليه والذي يدين الله به ومؤداه أن علي بن أبي طالب خير خلفاء الله بعد رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأولى الناس بالخلافة له. فلما اعترض أحد الفقهاء واسمه إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل على هذا المذهب دخل معه المأمون في مناظرة طويلة بدأت بتقرير مبدأ أساسي هو أن محك التفاضل بين الناس : العمل الصالح. وانطلاقا من هذا المبدأ أخذ المأمون يوازن بين فضائل علي وفضائل غيره من الصحابة. وانتهت به الموازنة إلى أن فضائل علي أثقل ميزانا من فضائل سواه ، فقد كان علي أسبق إسلاما وأكثر جهادا في سبيل الله وأسخى بما ملكت يمينه ، وهو الذي نزل فيه قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً). كما ثبت علي يوم حنين مع ستة آخرين كلهم من بني هاشم وانهزم الباقون عن الحرب بما اكتنفه من مخاطر محدقة فدائية لا تدانى. وقد كانت موازنة الرسول.

ثم إن مبيته في فراش رسول الله حين هاجر إلى المدينة بما اكتنفه من مخاطر محدقة فدائية لا تدانى. وقد كانت موازنة المأمون في الغالب تدور حول علي وأبي بكر لما يتمتع به الصديق من مكانة ظاهرة في قلوب المسلمين ، فأفضلية علي على أبي بكر تعنى بالضرورة أفضليته على غيره من الصحابة. والملاحظ أن المأمون حين يوازن بين علي وأبي بكر ويفضل عليا لا ينكر فضل أبي بكر بل ينكر أفضليته ، وذلك حيث يقول : لو لا أن له فضلا لما قيل إن عليا أفضل منه. وبعد أن يفرغ المأمون من مناظرته مع الفقهاء ويبدي الفقهاء اقتناعتهم بوجهة نظره يعقب قائلا : اللهم إني قد نصحت لهم القول ، اللهم إني قد أخرجت الأمر من عنقي ، اللهم إني أدينك بالتقرب إليك بحب علي وولايته.


__________________

إن ما يلفت النظر في هذه المناظرة الهامة هو أن المأمون لا يتخذ قرابة علي من الرسول أساسا للتفضيل ، بل يتخذ العمل الصالح وحده أساسا لذلك.

وقال المؤرخ الفاضل الشيخ محمد العربي التباني مدرس مدرسة الفلاح والحرم المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري أو إفادة الأخيار ببراءة الأبرار» (ج ٢ ص ١٠٤ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) :

تقدمت آثار كثيرة دالة على غزارة علمه واعتراف الصحابة والتابعين له بذلك وثنائهم عليه في مقدمتهم الفاروق ، وتقدم أيضا حديث أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهذا الحديث رواه الطبراني في الكبير وأبو الشيخ في السنة والحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس مرفوعا وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع وردّ عليه الحافظ العلائي ردا علميا وقال : الصواب إن الحديث حسن وبهذا أفتى الحافظ ابن حجر من سأله عنه فقال : الصواب خلاف قولهما وإن الحديث من قسم الحسن لا يرتقي إلى درجة الصحة ولا ينحط إلى درجة الوضع.

وقال الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ٢٠٥ ط دار الكتب العلمية في بيروت) :

علمه : أما علمه كرم الله وجهه ، فمما لا جدال فيه ، يشهد بذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا مدينة العلم وعلي بابها وهذا حديث حسن أخرجه الترمذي ، وتشهد بذلك آثاره من وعظ ، وخطب ، ونثر ونظم ، وبدائع وحكم ، كلها مدونة في كتبه المشهورة المنشورة بين الأمم مثل نهج البلاغة وغيره.

وهو أول من ابتدع علم النحو وأنشأه ، وأملى على أبي الأسود الدؤلي قواعده وأصوله ، وقال له انح هذا النحو يا أبا الأسود ، وكان أفصح الفصحاء ، وأبلغ البلغاء وأخطب الخطباء. وكان رضي‌الله‌عنه أبرع الصحابة في علوم الدين ، إماما ثبتا في الفقه والتفسير حجة في الفتوى ، ليس أدل على ذلك من أن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه رجع إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقال غير


__________________

مرة : لو لا على لهلك عمر ، وقال : لا يفتين أحد في المسجد ، وعلي حاضر ، وقال : اللهم لا تبقني لمعظلة ليس لها أبو الحسن ، والدليل على ذلك القصة الآتية التي تدل على حذقه وعلمه :

روي أن رجلا أتي به إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه ، وكان صدر منه أن قال لجماعة من الناس وقد سألوه ، كيف أصبحت؟ قال أصبحت أحب الفتنة ، وأكره الحق ، وأصدق اليهود والنصارى ، وأؤمن بمن لا أرى ، وأقر بما لم يخلق. فأرسل عمر إلى علي عليه‌السلام فلما جاءه وأخبره بمقالة الرجل فقال : صدق.

١ ـ يحب الفتنة لقوله تعالى : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) التغابن.

٢ ـ ويكره الحق ، يعني الموت لقوله تعالى : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ).

٣ ـ ويصدق اليهود والنصارى لقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) البقرة.

٤ ـ ويؤمن بما لم يره ، أي يؤمن بالله عزوجل.

٥ ـ ويقر بما لم يخلق يعني الساعة. فقال عمر : أعوذ بالله من معضلة لا علي لها.

وقال المرحوم الشيخ محمد عبد المطلب في قصيدته المشهورة بالعلوية في مدح سيدنا علي بالعلم :

وسل أهل السّلام تجد عليا

أمام الناس يبتدر السلاما

حوى علم النبوة في فؤاد

طما بالعلم زخارا فطاما

سقاه الحق أفواق المعاني

وهيمه به حبا فهاما

وزوده اليقين به فكانت

أفاويق اليقين له قواما

رمى في عالم الأنوار سبحا

إلى سوح الجلال به ترامى

وقال الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في «علي إمام الأئمة» (ص ٢٩ ط دار مصر للطباعة) :

فكل فقيه في الإسلام مستفيد منه [علي عليه‌السلام] وعيال عليه ، فأما أصحاب أبي حنيفة محمد وأبو يوسف فقد أخذوا عن أبي حنيفة ، والشافعي قرأ على محمد بن


__________________

الحسن ففقهه راجع إلى أبي حنيفة ، والإمام أحمد بن حنبل قرأ على الشافعي ، راجع أيضا إلى أبي حنيفة ، ثم إن أبا حنيفة نفسه قرأ على جعفر الصادق ، وقرأ جعفر على أبيه محمد الباقر ، وقرأ الباقر على علي زين العابدين وهو ابن الحسين ، والحسين بن علي رضي‌الله‌عنهم أجمعين. ومالك بن أنس إمام المدينة المنورة قرأ على ربيعة الرأي ، وقرأ ربيعة على عكرمة ، وقرأ عكرمة على عبد الله بن عباس ، وقرأ ابن عباس على الإمام علي. فالإمام رضي‌الله‌عنه شيخ الفقه السني : أبي حنيفة ، ومالك والشافعي ، وابن حنبل ، ثم هو أيضا شيخ فقهاء الشيعة.

وليس يخفى عليك أن ثمة رجالا أعظم منزلة وأرفع قدرا من هؤلاء الأئمة وهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد كانوا يرجعون إلى الإمام رضي‌الله‌عنه ويأخذون برأيه ثقة به واطمئنانا إلى علمه الذي أكرمه الله به في الإلمام بشؤون الدنيا وشئون الدين.

وليس يغيب عن البصراء بالتشريع الإسلامي ما يرويه الإمام ابن القيم عن مسروق من قوله : شاممت أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجدت علمهم ينتهى إلى ستة : علي ، عبد الله ، عمر ، زيد بن ثابت ، أبي الدرداء ، أبي بن كعب ، ثم شاممت هؤلاء الستة فوجدت عملهم ينتهى إلى علي.

وقد كان عمر يرجع إلى الإمام في كثير من المسائل التي تشكل عليه وعلى غيره من الصحابة ، حتى كان يقول : لولا علي لهلك عمر.

ثم يقول لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو حسن. وقد نهى رضي‌الله‌عنه أن يفتي أحد في المسجد وعلي حاضر.

وبالتأمل في هذه المعاني يعرف أهل الإنصاف أن الفقه قد انتهى إليه حتى لقد كان يروي العامة والخاصة

قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أقضاكم علي. ومعروف أن القضاء هو الفقه فعلي إذن أفقههم أجمعين ولما بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن قاضيا دعا له : اللهم اهد قلبه وثبت لسانه ، يقول الإمام كرم الله وجهه : إنني بعد هذه الدعوة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما شككت في قضاء بين اثنين قط.


مستدرك

قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٥ ص ٥١٦ وج ٧ ص ٦٢٦ وج ١٤ ص ٥٦٧ وج ١٦ ص ٣١٠ وج ١٧ ص ٤٦٥ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الفاضل المعاصر محمد خير المقداد في «مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة» للعلامة الصفوري (ص ١٧٩ ط دار ابن كثير ، دمشق وبيروت) قال :

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءا واحدا.

كلام ابن عباس

في علمه عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الشريف الشهاب أحمد الحسيني الإيجي الشيرازي الشافعي في «توضيح الدلائل» (ق ٢١٤ نسخة مكتبة الملي بشيراز) قال :

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : والله لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم وأيم الله لقد شاركهم في العشر العاشر. رواه الطبري وقال : أخرجه أبو عمر.

ورواه الزرندي ولفظه : العلم ستة أسداس فلعلي من ذلك خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شاركنا في سدسنا حتى لهو أعلم به منا.


مستدرك

أنا مدينة العلم وعلي بابها

قد مر مرارا عن القوم ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة الشيخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي في «تلخيص المتشابه في الرسم» (ج ١ ص ٣٠٨ ط دار طلاس ، دمشق) قال :

حدث عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني وجميعا مجهولان. روى عنه عباد بن يعقوب الرواجني.

أنا علي بن أبي علي ، نا محمد بن المظفر الحافظ لفظا ، نا محمد بن الحسن الخثعمي ، نا عباد بن يعقوب ، نا يحيى بن بشار الكندي ، عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي.

وعن عاصم بن صفوة عن علي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : شجرة أنا أصلها ، وعلي فرعها ، والحسن والحسين من ثمرها ، والشيعة ورقها ، فهل يخرج من الطيب إلا الطيب؟ وأنا مدينة العلم وعلي بابه ، فمن أرادها فليأت الباب.

مستدرك

سلوني قبل أن تفقدوني

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٧ ص ٦١٠ وج ١٦ ص ٤٨٥ وج ١٧ ص ٤٦٩ ومواضع أخرى من هذه الموسوعة ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :


فمنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في القسم الثاني من «جامع الأحاديث» (ج ٤ ص ٤٢٢ ط دمشق) قالا :

عن أبي المعتمر مسلم بن أوس وجارية بن قدامة السعدي أنهما حضرا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يخطب وهو يقول : سلوني قبل أن تفقدوني فإني لا أسأل عن شيء دون العرش إلا أخبرت عنه. ابن النجار.

وقالا أيضا في ص ٤٩٣ :

عن أبي صالح قال : قال علي رضي‌الله‌عنه : سلوني فإنكم لا تسألون مثلي ، ولن تسألوا مثلي. فقال ابن الكواء : أخبرني عن الأختين المملوكتين ، فقال : أحلتهما آية وحرمتهما آية لا آمر به ولا أنهى عنه ولا أفعله أنا ولا أحد من أهل بيتي لا أحله ولا أحرمه.

وقال أيضا في ج ٣ ص ٤٩٥ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : سلوني فو الله لا تسألوني عن فتنة خرجت تقاتل مائة إلا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها ، ما بينكم وبين قيام الساعة. ش ، ونعيم بن حماد في الفتن.

وقالا أيضا في ص ٥٤٣ :

عن خالد بن عرعرة قال : قال علي رضي‌الله‌عنه : سلوني عما شئتم! ولا تسألنّي إلا عما ينفع أو يضر ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟ قال : ويحك ألم أقل لك : لا تسأل إلا عما ينفع أو يضر؟ تلك الرياح ، قال : فما الحاملات وقرا؟ قال : هي السحاب ، قال : فما الجاريات يسرا؟ قال : تلك السفن ، قال : فما المقسّمات أمرا؟ قال : تلك الملائكة ، قال : فما الجوار الكنس؟ قال : تلك الكواكب ، قال : فما


السقف المرفوع؟ قال : السماء ، قال : فما البيت المعمور؟ قال : بيت في السماء يقال له: الضراح وهو بحيال الكعبة من فوقها ، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض ، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة فلا يعودون فيه أبدا ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين أخبرني عن هذا البيت ، هو أول بيت وضع للناس ، قال : كانت البيوت قبله ، وقد كان نوح يسكن البيوت ، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا وهدى للعالمين. قال : فأخبرني عن بنائه ، قال : أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عليه‌السلام أن ابن لي بيتا ، فضاق إبراهيم ذرعا ، فأرسل الله إليه ريحا يقال لها : السكينة ، ويقال لها الخجوج ، لها عينان ورأس ، وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم أن يسير إذا سارت ، ويقيل إذا قالت ، فسارت حتى انتهت إلى موضع البيت فتطوفت عليه مثل الجحفة وهي بإزاء البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلى يوم القيامة ، فجعل إبراهيم وإسماعيل يبنيان كل يوم سافا ، فإذا اشتد عليهما الحر استظلا في ظل الجبل ، فلما بلغ موضع الحجر ، قال إبراهيم لإسماعيل : ائتني بحجر أضعه يكون علما للناس ، فاستقبل إسماعيل الوادي وجاء بحجر ، فاستصغره إبراهيم ورمى به وقال : جئني بغيره ، فذهب إسماعيل ، وهبط جبريل على إبراهيم بالحجر الأسود ، وجاء إسماعيل فقال إبراهيم : قد جاءني من لم يكلني فيه إلى حجرك ، فبنى البيت ، وجعلوا يطوفون حوله ويصلون حتى ماتوا وانقرضوا فتهدم البيت ، فبنته العمالقة فكانوا يطوفون به حتى ماتوا وانقرضوا ، فتهدم البيت ، فبنته قريش ، فلما بلغوا موضع الحجر اختلفوا في وضعه ، فقالوا : أول من يطلع من الباب ، فطلع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : قد طلع الأمين ، فبسط ثوبا ووضع الحجر وسطه ، وأمر بطون قريش ، فأخذ كل بطن منهم بناحية من الثوب ، ووضعه بيده صلى‌الله‌عليه‌وسلم. الحارث وابن راهويه والصابوني في المائتين. (هب) ، وروى بعضه الأزرقي. (ك).

وقال أيضا في ج ٤ ص ٣٩٥ :


عن سعيد بن المسيب قال : ما كان أحد من الناس يقول : سلوني ، غير علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. ابن عبد البر.

ومنهم العلامة الشيخ أبو القاسم ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام علي عليه‌السلام» (ج ٣ ص ط بيروت) قال :

أخبرنا أبو المعالي عبد الله بن أحمد بن محمد ، أنبأنا أبو بكر بن خلف ، أنبأنا الحاكم الإمام أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت عبد الله بن الحسين بن الحسن الأشقر ويقال له ابن الطبال بالكوفة ، يقول : سمعت محمد بن فضيل ، يقول : سمعت ابن شبرمة يقول : ما كان أحد يقول على المنبر : سلوني عن [ما] بين اللوحين إلا علي بن أبي طالب.

أخبرنا أبو طالب بن أبي عقيل ، أنبأنا أبو الحسن الخلعي ، أنبأنا أبو محمد بن النحاس ، أنبأنا أبو سعيد بن الأعرابي ، قال : سمعت عبد الله بن الحسين يعني ابن الحسن بن الأشقر يقول : سمعت محمد بن فضيل ، يقول : سمعت ابن شبرمة يقول : ما كان أحد على المنبر يقول : سلوني عن ما بين اللوحين إلا علي بن أبي طالب.

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا عبد الله بن محمد ، أنبأنا عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، قال : أراه عن سعيد بن المسيب ، قال : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : سلوني إلا علي.

قال عبد الله بن محمد : ورواه غير عثمان ، عن سفيان ، عن يحيى ، عن سعيد بن المسيب بغير شك.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، وأبو الفضل بن خيرون ، قالا : أنبأنا عبد الملك بن محمد ، أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد ، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا الحسن بن علي ، أنبأنا الهيثم بن الأشعث السلمي ،


أنبأنا أبو حنيفة اليمامي الأنصاري ، عن عمير بن عبد الله ، قال : خطبنا علي [ابن أبي طالب] على منبر الكوفة فقال : أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فبين الجنبين مني علم جم.

قال : وأنبأنا محمد بن عثمان ، أنبأنا عمي أبو بكر ، أنبأنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن خالد بن عرعرة ، قال : أتيت الرحبة فإذا أنا بنفر جلوس ، قريب من ثلاثين أو أربعين رجلا ، فقعدت فيهم ، فخرج علينا علي فما رأيته أنكر أحد من القوم غيري ، فقال : ألا رجل يسألني فينتفع وينفع نفسه (١).

__________________

(١) قال الدكتور محمد عبد الرحيم محمد في «المدخل إلى فقه الإمام علي رضي‌الله‌عنه» (ص ٣٨ ط دار الحديث ـ القاهرة) :

فلعله من المفيد هنا أيضا أن نشير إلى أن لعلي بن أبي طالب مصحفا خاصا قائما على ترتيب النزول وتقديم المنسوخ على الناسخ ، جمعه كما يقول ابن جزي الكلبي بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وظل موجودا رآه ابن النديم في زمانه كما نص على ذلك في فهرسته.

أما عن ترتيب سور هذا المصحف ، فقد ذكر لنا ابن النديم أيضا أنه سيسوق لنا هذا الترتيب في فهرسته ، فقال : وهذا ترتيب سور المصحف ولكنه على الرغم من ذلك لم أجد في هذه النسخة التي بين يدي ذكرا لهذا الترتيب ، ولعل ذلك يكون سقطا من الكتاب عند نشره ، أو تكون بعض أوراق الفهرست نفسه ضاعت على مر الزمان.

بيد أن اليعقوبي طلع علينا في تاريخه بترتيب لهذا المصحف الذي يتكون من سبعة أجزاء على النحو التالي:

الجزء الأول : ويشمل السور التالية : البقرة ، يوسف ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، حم السجدة ، الذاريات ، هل أتى على الإنسان ، ألم تنزيل ، السجدة ، النازعات ، (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ، (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) ، (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) ، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، لَمْ يَكُنِ.)

الجزء الثاني : ويتكون من السور التالية : آل عمران ، هود ، الحج ، الحجر ،


__________________

الأحزاب ، الدخان ، الحاقة ، سأل سائل ، عبس وتولى ، والشمس وضحاها ، إنا أنزلناه ، إذا زلزلت ، ويل لكل همزة ، ألم تر كيف ، لإيلاف قريش.

الجزء الثالث : ويتضمن : النساء ، النحل ، المؤمنون ، يس ، حمعسق ، الواقعة ، تبارك الملك ، يا أيها المدثر ، أرأيت ، تبت ، قل هو الله أحد ، والعصر ، القارعة ، والسماء ذات البروج ، والتين والزيتون ، طس ، النمل.

الجزء الرابع : ويتكون من : المائدة ، يونس ، مريم ، طسم ، الشعراء ، الزخرف ، اقتربت الساعة ، ق ، الحجرات ، الممتحنة ، والسماء والطارق ، لا أقسم بهذا البلد ، ألم نشرح لك ، والعاديات ، إنا أعطيناك الكوثر ، قل يا أيها الكافرون.

الجزء الخامس : ويشمل : الأنعام ، سبحان ، اقتربت ، الفرقان ، موسى ، فرعون ، حم ، المؤمن ، المجادلة ، الحشر ، الجمعة ، المنافقون ، ن والقلم ، إنا أرسلنا نوحا ، قل أوحي إلي ، المرسلات ، والضحى ، ألهاكم.

الجزء السادس : ويتضمن : الأعراف ، إبراهيم ، الكهف ، النور ، ص ، الزمر.

الجزء السابع : ويشمل : الشريعة ، الذين كفروا ، الحديد ، لا أقسم بيوم القيامة ، عم يتساءلون ، الغاشية ، والفجر ، والليل إذا ، إذا جاء نصر الله.

الجزء الثامن : ويتضمن : الأنفال ، براءة ، طه ، الملائكة ، الصافات ، الأحقاف ، الفتح ، الطور ، النجم ، الصف ، التغابن ، الطلاق ، المطففون ، المعوذتين ، المعوذتين ، المعوذتين ، المعوذتين.

هذا ، وبعد أن وقفنا فيما سبق على علم الإمام علي كرم الله وجهه بالقرآن الكريم حفظا وتفسيرا وجمعا ، فقد حان الآن أن أسوق إليك مثالين فقهيين يوضحان كيف كان علي أيضا قدوة في استنباط الحكم الفقهي من النص القرآني ، فضلا عن بيان حرصه الشديد في تطبيق نصوص القرآن الكريم.

ثم ذكر استدلاله عليه‌السلام في أقل الحمل بقوله تعالى : (حَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) الأحقاف / ١٥. مع قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) البقرة / ٢٣٣.


ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين السيوطي في «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٣٦٦ ط حيدرآباد) قال :

عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : شهدت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يخطب فقال في خطبته : سلوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل نزلت أم في جبل ، فقام إليه ابن الكواء فقال : يا أمير المؤمنين ما الذاريات ذروا؟ فقال له : ويلك! سل تفقها ولا تسأل تعنتا ، (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) الرياح (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) السحاب (فَالْجارِياتِ يُسْراً) السفن (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) الملائكة ، فقال : فما السواد الذي في القمر؟ فقال : أعمى يسأل عن عمياء ، قال الله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) فمحونا آية الليل السواد

__________________

وذكر استدلاله عليه‌السلام في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بقوله تعالى : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) الطلاق / ١٤. مع قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) البقرة / ٢٣٤. ورأى عليه‌السلام : أن الحامل المتوفى عنها زوجها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام تربصت إلى انقضائها وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع.

وقال في ذيل الكتاب ص ٣٨ :

انظر التسهيل في علوم التنزيل لابن جزري ١ / ٤ ، وفيه يقول : ولو وجد مصحفه أي مصحف علي لكان فيه علم كبير ولكنه لم يوجد. وكذلك أشار إلى ذلك ابن النديم في فهرسته ، حيث ذكر أن عليا رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأقسم أنه لا يضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن ، فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن ، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه. أنظر الفهرست ص ٤١ ـ ٤٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٥٢ نقلا عن سليمان كتاني ص ٦١ ـ ٦٧.


الذي في القمر. قال : فما كان ذو القرنين أنبياء أم ملكا؟ فقال : لم يكن واحدا منهما كان عبد الله أحب الله فأحبه الله وناصح لله فنصحه الله ، بعثه الله إلى قومه يدعوهم إلى الهدى فضربوه على قرنه الأيسر ولم يكن له قرنان كقرني الثور ، قال : فما هذه القوس؟ قال : هي علامة كانت بين نوح وبين ربه وهي أمان من الغرق ، قال : فما البيت المعمور؟ قال : البيت فوق سبع سموات تحت العرش يقال له الصراح يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة ، قال : فمن (الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً)؟ قال : هم الأفجران من قريش قد كفيتموهم يوم بدر ، قال : فمن الذين (ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)؟ قال : قد كان أهل حرورا منهم.(ابن الأنباري في المصاحف وابن عبد البر في العلم).

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٢٩ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن سعيد بن المسيب قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا عليا.أخرجه الإمام أحمد في المناقب والبغوي في المعجم.

وعن أبي الطفيل قال : شهدت عليا يقول : سلوني والله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أو في سهل أو في جبل. خرجه أبو عمرو عن علي رضي‌الله‌عنه ثم ذكر حديث بعثه إلى اليمن.

ومنهم الشيخ محمد توفيق بن علي البكري الصديقي المتوفى سنة ١٣٥١ في «بيت الصديق» (ص ٢٧٢ ط مصر سنة ١٣٢٣) قال :

وقال سعيد بن المسيب : ما كان أحد من الناس يقول : سلوني غير علي بن


أبي طالب.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ١٧ ـ طبع بيروت سنة ١٤٠٤) قال :

وأخرج (ابن سعد) عنه [سعيد بن المسيب] قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلا علي.

ومنهم شمس الدين الذهبي في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٣٨) قال :

وقال سعيد بن المسيب ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد» (ص ١٢ و ١٣ نسخة مكتبة السيد الإشكوري) قال :

والإمام أحمد بن حنبل في مسنده وموفق بن أحمد في المناقب هما بسنديهما عن سعيد بن المسيب قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة الشيخ محمد بن داود بن محمد البازلي الشافعي في كتابه «غاية المرام» (ص ٧٥ مصورة مكتبة جستربيتي) قال :

قال سعيد بن المسيب : لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول سلوني إلا علي.

وقال أيضا في ص ٧٠ :

ما كان أحد من الناس يقول ـ فذكر مثل ما تقدم.


ومنهم العلامة أحمد بن محمد الخافي الشافعي في «التبر المذاب» (ص ٤٥ نسخة مكتبتنا العامة بقم) قال :

وعن أبي الطفيل قال : شهدت عليا يقول : سلوني والله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل. خرجه ابن عمر.

ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد» (ص ٤٥) قال :

موفّق بن أحمد ، بسنده عن أبي الطفيل قال : قال علي : سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم نهار أم في سهل أم في جبل ، والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت ، وإن ربي وهب لي لسانا ناطقا وقلبا عقولا ، أنا القرآن الناطق.

ومنهم الحافظ الناقد شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي المتوفى سنة ٣٢١ في كتابه «الجرح والتعديل» (ج ٦ ص ١٩١ ط مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن) قال :

حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا أحمد بن سلمة النيسابوري ، حدثنا إسحاق يعني ابن راهويه ، قال : أنا عبد الرازق ، أنا معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبي الطفيل قال : شهدت عليا رضي‌الله‌عنه يخطب وهو يقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم ، وسلوني عن كتاب الله عزوجل فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.

ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد» (ص ٤٥ نسخة مكتبة السيد الإشكوري) قال :


وقال علي كرم الله وجهه : سلوني عن أسرار الغيوب فإني وارث علوم الأنبياء والمرسلين سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح منّي علما جمّا هذا سفط العلم.

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٤٩١ ط دمشق) قالا :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : سلوني عن كتاب الله ، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أو نهار ، أم في سهل أم في جبل. ابن سعد.

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٣٧) قال :

وعن سليمان الأحمسي ، عن أبيه قال : قال علي : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، وإن ربي وهب لي قلبا عقولا ، ولسانا ناطقا.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور السيد الجميلي في «صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار» (ص ٦٢ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت) قال : سلوني عن كتاب الله ما شئتم فو الله ما من آية من آياته إلا وأنا أعلم أنزلت في ليل أم في نهار.

مستدرك

قول علي عليه‌السلام

«سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض»

قد تقدم ما يدل عليه في ج ٧ ص ٦١٨ وص ٦٢٢ وج ١٦ ص ٤٨٥ ، ونستدرك


هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٥٦ نسخة مكتبة طوپ قبوسراي بإسلامبول) قال :

ومنها [أي ومن كراماته] ما ذكره النسفي أن فاطمة رضي‌الله‌عنها قالت : يا رسول الله إن عليا ينام ليلة الجمعة وهي ليلة الفضيلة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الله تعالى تصدق عليه بنومة ليلة الجمعة وإن الله تعالى يخلق من روحه إذا هو نام طيرا أخضر يرح إلى طرق السماء فما فيها موضع شبر إلا وفيه لروح على ركعة أو سجدة. قال النسفي : فلذلك كان يقول : سلوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها من طرق الأرض. فلما قال ذلك يوما جاءه جبرئيل في صورة رجل ليختبر فقال : إن كنت صادقا فأخبرني أين جبرئيل؟ فنظر علي رضي‌الله‌عنه في السماء يمينا وشمالا ثم إلى الأرض كذلك. فقال : ما وجدته في السماء ولا في الأرض ولعله أنت.

جوابه عليه‌السلام لليهود

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٣٧ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن محمد بن قيس قال : دخل ناس من اليهود على علي بن أبي طالب فقالوا : ما صبرتم بعد نبيكم إلا خمسا وعشرين سنة حتى قتل بعضكم بعضا. قال : فقال علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : قد كان صبر وخير ولكنكم ما جفّت أقدامكم من البحر حتى قلتم لموسى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ).


مستدرك لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب

عليه‌السلام علم ظاهر كتاب الله وباطنه

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٥ ص ٥١٥ وج ٧ ص ٦٣٩ وج ٨ ص ٨٠٤ وص ٨٠٧ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المولوي أحمد النقوي الحنفي الهندي في كتابه «مرآة التفسير» (ص ٩) قال :

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود قال : إن القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن.

ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد» (ص ١٢ مصورة نسخة مكتبة السيد الإشكوري) قال :

في فصل الخطاب عن ابن مسعود قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلا له ظهر وبطن وإن علي بن أبي طالب علم الظاهر والباطن.

ومنهم العلامة الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي في كتابه «أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (ص ٧٣) قال :

أخبرنا الحسن بن أحمد قراءة عليه ، أخبرنا علي بن أحمد إجازة إن لم يكن سماعا ، قال : كتب إلينا القاضي أبو المكارم الأصبهاني ، منها أن الحسن بن أحمد المقري أخبره ، قال : أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا نذير بن جناح القاضي ، أخبرنا إسحاق بن محمد بن مروان ، أخبرنا أبي ، أخبرنا عباس بن عبيد الله ، أخبرنا غالب بن


عثمان الهمداني أبو مالك ، عن عبيدة ، عن شقيق ، عن عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه ، قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن وإن علي ابن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن.

ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد الشيرازي الحسيني الشافعي في «توضيح الدلائل» (ص ٢١٣ نسخة مكتبة الملي بفارس) قال :

عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن وإن عليا عنده علم الظاهر والباطن. رواه الحافظ أبو نعيم في الحلية (١).

__________________

(١) قال الدكتور محمد عبد الرحيم محمد في «المدخل إلى فقه الإمام علي رضي‌الله‌عنه» (ص ٣٥ ط دار الحديث ـ القاهرة) :

ويكفي إشارة إلى علمه بتفسير القرآن الكريم ما أخرجه أبو نعيم بسنده إلى عبد الله ابن مسعود قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، ما فيها حرف إلا له ظهر وبطن وإن علي بن أبي طالب عنده علم الظاهر وعلم الباطن.

ولعله من المفيد هنا أن أسوق إليك بعض الأمثلة لتفسير علي للقرآن الكريم ، فعلى سبيل المثال عند تفسير قوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) يذكر لنا السيوطي ما قاله علي في تفسير هذه الآية فيقول : خليلان مؤمنان وخليلان كافران توفي أحد المؤمنين فبشر بالجنة فذكر خليله فقال : اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر وينبئني أني ملاقيك ، اللهم لا تضله بعدي حتى تريه ما أريتني وترضى عنه كما رضيت عني ، فيقال له : اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرا ولبكيت قليلا ، ثم يموت الآخر فيجمع بين أرواحهما فيقال : ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : نعم الأخ ونعم الصاحب ونعم الخليل. وإذا مات أحد الكافرين بشر بالنار فيذكر خليله فيقول : اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك


__________________

ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير وينبئني أني غير ملاقيك اللهم فلا تعده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني وتسخط عليه كما سخطت علي ، فيموت الآخر فيجمع الله بين أرواحهما فيقال : ليثن كل واحد منكما على صاحبه ، فيقول كل لصاحبه : بئس الأخ وبئس الصاحب وبئس الخليل.

وفي تفسير قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) ، يروي لنا البغوي ما قاله علي في تفسير هذه الآية فيقول : إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب ، فكلما ازداد الإيمان ازداد ذلك البياض حتى يبيض القلب كله ، وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب فكلما ازداد النفاق ازداد بذلك السواد ، حتى يسود القلب كله ، وأيم الله لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود.

وفي تفسير قوله تعالى : (وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، يروي لنا الواحدي أيضا تفسير علي لهذه الآية بقوله وقال علي رضي‌الله‌عنه : تمام النعمة : الموت على الإسلام ، وعنه أيضا : النعم ست : الإسلام والقرآن ومحمد عليه‌السلام والستر والعافية والغنى عما في أيدي الناس.

وهكذا نجد آراء وأفكار علي التفسيرية أكثر دورانا في كتب التفسير المختلفة عن غيرها من آراء السلف الصالح من الصحابة والتابعين وغيرهم.

وإنه لجدير بنا أن نشير إلى أنه على الرغم من أن هناك كتابات متعددة عن بعض جوانب علي بن أبي طالب ، إلا أن الجانب التفسيري لم ينل حظا حتى الآن من هذه الدراسات المتعددة ، إذ لم يطرق من قبل بالدراسة لا من قريب ولا من بعيد. وفي ظني أننا نستطيع بعد البحث والتنقيب في كتب التراث المختلفة وبخاصة كتب التفسير أن نخرج بتفسير لعلي بن أبي طالب له قيمته وأهميته في المكتبة العربية والإسلامية.

وقال الدكتور دوايت. رونلدسن في «عقيدة الشيعة» تعريب ع. م. (ص ٦٣ ط مؤسسة المفيد ـ بيروت) :

وتؤكد بعض الروايات أنه كان عند علي نسخة من القرآن جمعها ورتبها بنفسه


__________________

وعلق عليها بعض الحواشي حسب ما كلم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم به.

وقال العلامة فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى سنة ٦٠٦ في «مناقب الإمام الشافعي» (ص ١٢٥ ط مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة) :

وكان علي عليه‌السلام قد خص بعلم القرآن والفقه ، لأن النبي عليه‌السلام دعا له ، وأمره أن يقضي بين الناس ، وكانت قضاياه ترفع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيمضيها.

وقال الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه «أصهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٧٨ ط دار الهجرة ـ بيروت) :

وكان الرجل متفقها في الدين يرجع إليه في كثير من مسائل الدين وتفسير القرآن ورواية الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان يقول : سلوني سلوني عن كتاب الله تعالى فو الله ما من آية إلا أنا أعلم أنزلت بليل أو نهار في سهل أم في جبل.

وقال الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ١ ص ٤٧ ط مكتبة غريب الفجالة) :

وكان علي بحكم صلته بالرسول عليه الصلاة والسّلام ، يعرف أين وكيف نزلت هذه الآيات جميعا ، وفيمن نزلت ، وفيم نزلت فهو إلى خبرته بها ، قد تعلم من أستاده العظيم أسرارها ، وله أذن واعية.

ومن أجل ذلك استفتاه الصحابة في أمور الدنيا والدين وكان هو يبذل الفتيا قبل أن يسأل إن عرضت أمامه مشكلة.

وكان الرسول طيلة حياته يشجعه على الفتيا ، ويقر آراءه ، ويستحسنها.

وقال أيضا في ج ٢ ص ١٩ :

لا خلاص إلا باللجو إلى السنة واتباعها وإلا بالتأسي بسيرة السلف الصالح ، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين ، بمن فيهم علي بن أبي طالب.

وكان أحمد يعرف أن أشد ما يغيظ حكام بني العباس هو نشر فقه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. ذلك أن كثرة الثناء على الإمام علي ، يثير عطف الناس على


ومنهم الشريف الشهاب أحمد الحسيني الإيجي الشيرازي الشافعي في «توضيح الدلائل» (ق ٢١٣ نسخة مكتبة فارس بشيراز) قال :

وعن الشعبي قال : ما كان أحد من هذه الأمة أعلم بما بين اللوحين وبما أنزل على محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم من علي. رواه الزرندي.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في

__________________

بنيه وكان بنوه قد ثاروا المرة بعد المرة على مظالم خلفاء بني أمية ، ثم على خلفاء بني العباس ، وحدثت فيهم من أجل ذلك مقاتل عظيمة ومن لم يقتل من بني علي عاشوا يرسفون في أغلالهم تحت الأبراج.

وكان فقه الإمام علي بن أبي طالب وأقضيته ، في صدور قلائل من العلماء أكثرهم من الشيعة ، ثم أذيعت آراؤه وأفكاره ليستفيد منها بنو العباس أبناء عمومته في محاربة مظالم بني أمية ، ولكن بني العباس خشوا أن يستعملها المعارضون في نقدهم وخافوا أن يكتسب بها المعارضون حب الناس وتأييدهم وهكذا أخفى حكام بني العباس أقضية الإمام علي وفتاواه وفقهه واستخفى.

ولكن أحمد بن حنبل ما كان يستطيع أن يتجاهل سيرة علي بن أبي طالب ولا أفكاره لتكون من بعد سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسوة حسنة لمن يريد أن يعتبر بآثار السلف الصالح.

بحث الإمام أحمد عن فقه وأقضية الخلفاء الراشدين فأعجب بما عرفه من فقه الإمام علي كرم الله وجهه ، وبدأ ينشره ويستشهد به فوجد عليه خلفاء بني العباس وجدا شديدا. وأهمهم أمره! ولكنهم لم يظهروا الغضب عليه ، فما كان أحمد يعمل بالسياسة ، وما كان رأيه في الخلافة ليزعجهم ، بل إن هذا الرأي على النقيض يرضى خلفاء بني العباس. ذلك أن أحمد كان يرى وجوب طاعة الخليفة ولو كان فاجرا فطاعة الفاجر عنده خير من الفتنة التي لا تصيب الذين ظلموا خاصة بل تصيب معهم الأبرياء ، وتضعف الدولة فيطمع فيها أعداء الإسلام.


«مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٢٢ ط دار الفكر) قال :

وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : خطب علي بن أبي طالب في عامة [الناس] فقال : يا أيها الناس ، إن العلم يقبض قبضا سريعا وإني أوشك أن تفقدوني ، فسلوني فلن تسألوني عن آية من كتاب الله إلا نبأتكم بها ، وفيم أنزلت ، وإنكم لن تجدوا أحدا من بعدي يحدثكم.

وفي حديث بمعناه : فو الله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي فيم أنزلت ، ولا أين أنزلت ، ولا ما عني بها.

وعن علي قال : كان لي لسان سؤول ، وقلب عقول ، وما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت ، وبم نزلت ، وعلى من نزلت. وإن الدنيا يعطيها الله من أحب ، ومن أبغض ، وإن الإيمان لا يعطيه الله إلا من أحب.

وعن أبي الطفيل قال : قال علي : سلوني عن كتاب الله ، فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم في جبل.

وقال أيضا في ص ٢٣ :

وعن عبد الله بن مسعود قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن.

ومنهم الدكتور محمد عبد الرحيم محمد في «المدخل إلى فقه الإمام علي» رضي‌الله‌عنه (ص ٣٥ ط دار الحديث ـ القاهرة) قال :

روى معمر ، عن وهب بن عبد الله ، عن أبي الطفيل قال : شهدت عليا يخطب وهو يقول : سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل أنزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل.


ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الصادق قمحاوي في «الإيجاز والبيان في علوم القرآن» (السنة الثالثة ص ٧٢ ط مكتبة عالم الفكر في القاهرة ـ ميدان سيدنا الحسين عليه‌السلام) قال :

وأخرج أبو نعيم في الحلية ، عن ابن مسعود ، قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٢٣ ط دار الفكر) قال :

وعن عبد الله بن مسعود قال : لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه المطايا ، قال : فقال له رجل : فأين أنت عن علي؟ قال : به بدأت ، إني قرأت عليه.

وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال : ما رأيت أحدا أقرأ لكتاب الله من علي بن أبي طالب.

وعنه قال : ما رأيت قرشيا قط أقرأ من علي بن أبي طالب ، صلى بنا الفجر فقرأ بسورة وترك آية ، فلما ركع ورفع رأسه من السجدتين ابتدأ بالآية التي تركها ثم قرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ سورة أخرى.

ومنهم الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر الخضيري الطولوني المصري الشافعي في «التحبير في علم التفسير» (ص ٦٩ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

وروى الطبراني في الدعاء من طريق عباد بن يعقوب الأسدي ، عن يحيى بن يعلى الأسلمي ، عن ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن عبد الله بن زرير الغافقي ، قال : قال لي عبد الملك بن مروان : لقد علمت ما حملك على حرب أبي تراب إلا أنك أعرابي


جاف ، فقلت : والله لقد جمعت القرآن من قبل أن يجتمع أبواك ولقد علمني منه علي ابن أبي طالب سورتين علمهما إياه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما علمتهما أنت ولا أبوك فذكرهما.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٩٦ ط القاهرة سنة ١٣٩٩) قال :

عن عبد الله بن مسعود قال : قرأت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين سورة ، وختمت القرآن على خير الناس علي بن أبي طالب.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد بن عبد القادر بن أحمد في «دراسات في أدب ونصوص العصر الإسلامي» (ص ٧٨ ط مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة) قال :

وكان علي كرم الله وجهه أفصح الناس بعد رسول الله وأكثرهم علما ، وهو إمام خطباء العرب على الإطلاق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أول من وضع علم النحو

علي بن أبي طالب عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ المؤرخ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصروي الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤ في «فضائل القرآن» (ص ٤٦ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

فإنه كما هو المشهور عنه هو أول من وضع علم النحو فيما رواه عنه الأسود ظالم


ابن عمرو الدؤلي ، وأنه قسم الكلام إلى اسم وفعل وحرف ، وذكر أشياء أخر تممها أبو الأسود بعده ، ثم أخذ الناس عن أبي الأسود فوسعوه ووضحوه وصار علما مستقلا.

ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في «الوسائل في مسامرة الأوائل» (ص ١٠٥ ط بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

أول من وضع النحو علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه : حدثنا أبو جعفر محمد بن رستم الطبري ، حدثنا أبو حاتم السجستاني ، حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، حدثنا سعيد بن سالم الباهلي ، حدثنا أبي ، عن جدي ، عن أبي الأسود الدؤلي ، قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فرأيته مطرقا مفكرا ، فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين؟ قال : إني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية ، فقلت : إن فعلت هذا أحيينا وبقيت فينا هذه اللغة ، ثم أتيته بعد ثلاث فألقى إلي هذه الصحيفة فيها : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، الكلام كله اسم وفعل وحرف ، فالفعل ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ، ثم قال لي : تتبعه وزد فيه ما وقع لك ، واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر. قال أبو الأسود : فجمعت منه أشياء وعرضتها عليه ، فكان من ذلك حروف النصب ، فذكرت منها : إن ، وأن ، وليت ، ولعل ، وكأن ، ولم أذكر : لكن ، فقال لي : لم تركتها؟ فقلت : لم أحسبها منها ، فقال : بلي هي منها ، فزدتها.

ومنهم العلامة الشيخ أبو بكر محمد بن الطبيب بن محمد بن جعفر القاضي البصري ثم البغدادي المعروف بالباقلاني من أعيان القرن الرابع في «الإنتصار لنقل القرآن»


(ص ٤١٦ ط منشأة المعارف بالإسكندرية) قال :

فأما أبو عمرو بن العلاء فقد قرأ على ابن كثير وأمثاله وعلى مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة ، وهؤلاء كلهم قرأوا على ابن عباس. وقرأ أبو عمرو أيضا على يحيى ابن النعمان ، وقرأ ابن النعمان على أبي الأسود الدؤلي ، وقرأ أبو الأسود على علي رضي‌الله‌عنه (١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر منّاع خليل القطان مدير المعهد العالي للقضاء بالرياض في كتابه «مباحث في علوم القرآن» (ص ١٠ ط مؤسسة الرسالة في بيروت سنة ٦؟؟؟ ١) :

روى مسلم ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ولا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدثوا عني ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.

ولئن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أذن لبعض صحابته بعد ذلك في كتابة الحديث فإن ما يتصل بالقرآن ظل يعتمد على الرواية بالتلقين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي خلافة أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما.

جاءت خلافة عثمان رضي‌الله‌عنه ، واقتضت الدواعي التي سنذكرها فيما بعد إلى جمع المسلمين على مصحف واحد ، فتم ذلك ، وسمى بالمصحف الإمام ، وأرسلت نسخ منه إلى الأمصار ، وسميت كتابته بالرسم العثماني ، نسبة إليه ، ويعتبر هذا بداية لعلم رسم القرآن.

ثم كانت خلافة علي رضي‌الله‌عنه ، فوضع أبو الأسود الدؤلي بأمر منه قواعد النحو ، صيانة لسلامة النطق ، وضبطا للقرآن الكريم ، ويعتبر هذا كذلك بداية لعلم إعراب القرآن.

وقال أيضا في ص ١٥٠ :

وكانت المصاحف العثمانية خالية من النقط والشكل ، اعتمادا على السليقة العربية السليمة التي لا تحتاج إلى الشكل بالحركات ولا إلى الإعجام بالنقط ، فلما تطرق إلى اللسان العربي الفساد بكثرة الاختلاط أحس أولو الأمر بضرورة تحسين كتابة المصحف


ومنهم الفاضلان المعاصران الدكتور زهير زاهد والأستاذ هلال ناجي في «مقدمة الفية الآثاري» (ص ١٢ ط عالم الكتب ، بيروت) قالا :

وأما سندي في هذا العلم فأخذته عن شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن محمد ابن علي الغماري المالكي النحوي ، وأخذ هو عن الشيخ أثير الدين محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان ، وأخذ هو عن أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي بغرناطة ، وأخذ هو عن علي بن محمد بن علي الكتامي الشهير بابن الصائغ ، وأخذ هو عن الأستاذ الكبير أبي علي عمر بن محمد بن عمر الأزدي الشهير بالشلوبين ، وهو الذي انتهت إليه رئاسة هذا الفن النحوي ، اقرأه نحوا من ستين عاما ، وأخذ هو عن الأستاذ أبي إسحاق إبراهيم بن ملكون ، وأخذ هو عن الحافظ المستنجز أبي بكر محمد بن عبد الله الفهري ، وأخذ هو عن أبي الحسن علي بن مهدي التنوخي الشهير بابن الأخضر ، وأخذ هو عن أبي الحجاج الأعلم الشنتمري ، وأخذ هو عن أبي بكر مسلم بن أحمد الأديب ، وأخذ هو عن أبي عمرو بن أبي الحباب ، وأخذ هو عن أبي

__________________

بالشكل والنقط وغيرهما مما يساعد على القراءة الصحيحة. واختلف العلماء في أول جهد بذل في ذلك السبيل.

فيرى كثير منهم أن أول من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي الذي ينسب إليه وضع ضوابط للعربية بأمر علي بن أبي طالب ، ويروى في ذلك أنه سمع قارئا يقرأ قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) (٣ ، التوبة) ، فقرأها بجر اللام من كلمة رسوله فأفزع هذا اللحن أبا الأسود وقال : عزّ وجه الله أن يبرأ من رسوله ، ثم ذهب إلى زياد والي البصرة وقال له : قد أجبتك إلى ما سألت ، وكان زياد قد سأله أن يجعل للناس علامات يعرفون بها كتاب الله ، فتباطأ في الجواب حتى راعه هذا الحادث ، وهنا جد جده ، وانتهى به اجتهاده إلى أن جعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف ، وجعل علامة الكسرة نقطة أسفله ، وجعل علامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف ، وجعل علامة السكون نقتطين.


علي القالي ، وأخذ هو عن المبرد ، وأخذ هو عن أبي عمر الجرمي وأبي عثمان المازني ، وأخذا عن أبي الحسن الأخفش ، وأخذ هو عن سيبويه ، وأخذ هو عن الخليل بن أحمد ، وأخذ هو عن أبي عمرو بن العلاء ، وأخذ هو عن نصر بن عاصم الليثي ، وأخذ هو عن أبي الأسود الدؤلي ، وأخذ هو عن أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي‌الله‌عنه.

ومنهم المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» عليه‌السلام (ص ٢٩ ط القاهرة) قال :

ومن نهج بلاغته يسقى بلغاء العربية وحكماء الإسلام ، ومن تعليمه وضع النحو العربي ووضع النحو بتعليم علي يذكر بالمكانة الخاصة لعلي في علوم الإسلام.

وقال في ذيل الكتاب :

روى الأنباري في تاريخ الأدباء أن سبب وضع علي كرم الله وجهه لهذا العلم ما روى أبو الأسود الدؤلي حيث قال : دخلت على أمير المؤمنين علي فوجدت في يده رقعة ، فقلت : ما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال : إني تأملت كلام العرب فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء (يعني الأعاجم) فأردت أن أضع شيئا يرجعون إليه. ثم ألقى إلي الرقعة ومكتوب فيها : الكلام كله اسم وفعل وحرف فالاسم ما أنبأ عن المسمى والفعل ما أنبئ به والحرف ما أفاد معنى. وقال لي : انح هذا النحو وأضف إليه ما وقع عليك ، واعلم يا أبا الأسود أن الأسماء ثلاثة ظاهر ومضمر واسم لا ظاهر ولا مضمر ، وإنما يتفاضل الناس يا أبا الأسود فيما ليس بظاهر ولا مضمر ـ أراد بذلك الاسم المبهم ـ قال : ثم وضعت بابي العطف والنعت ثم بابي التعجب والاستفهام إلى أن وصلت إلى باب إن وأخواتها فكتبتها ما خلا لكن ، فلما عرضتها على أمير المؤمنين عليه‌السلام أمرني بضم لكن إليها. وكلما وضعت بابا من أبواب النحو عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية فقال : ما أحسن هذا النحو الذي نحوت فلذا سمى


النحو.

وإن المرء ليلاحظ أن هذا الفتح العظيم في العلم كان من اهتماماته وهو أمير للمؤمنين ، ليس لديه يوم واحد خلا من معركة أو استعداد لمعركة ، وأن أبا الأسود هو واضع علامات الإعراب في المصحف في أواخر الكلمات بصبغ يخالف لون المداد الذي كتب به المصحف. فجعل علامة الفتح نقطة فوق الحرف والضم نقطة إلى جانبه والكسر نقطة في أسفله والتنوين مع الحركة نقطتين ، ثم وضع نصر بن عاصم تلميذ أبي الأسود النقط والشكل لأوائل لكلمات وأواسطها ، ثم جاء الخليل بن أحمد فشارك في إتمام بقية الإعجام والخليل شيعي كأبي الأسود. وهو واضع علم العروض وصاحب المعجم الأول وواضع النحو على أساس القياس.

فاللغة العربية مدينة لعلي وتلاميذ علي. وكمثلها البلاغة العربية.

وعلي معدود من خطباء التاريخ العالمي بخطبه والمناسبات التي دعت إليها.

ومنهم عبد الأعلى مهنا في «طرائف الخلفاء والملوك» (ص ٢٩ ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال :

دخلت على أبي الأسود الدؤلي بنته يوما وهي تقول : ما أشدّ الحر يا أبت ، فقال : شهر صفر. قالت : أردت أن أتعجب من شدة الحر ، قال : قولي إذا ما أشد الحر.

ومضى لساعته إلى الإمام علي يقول : يا أمير المؤمنين ، لقد ذهبت لغة الأعراب لما خالطت العجم ، وأخبره خبر ابنته ، فأمره بأن يأخذ صحفا وأملى عليه : الكلام كله لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. ثم رسم أصول النحو وأمره بأن يتمّم على ما رسم ، فنقل النحويون بعدئذ هذه الأصول عن أبي الأسود الدؤلي وفرعوا منها.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد رواس قلعه جي في «موسوعة فقه إبراهيم النخعي عصره وحياته» (ج ١ ص ٩٦ ط ٢ دار النفائس ـ بيروت) قال :


وراع عليا أثناء خلافته كثرة دخول الأعاجم في الإسلام فخاف أن يداخل اللحن القرآن ولذلك كان لا بد من حفظه ، فاستدعى أبا الأسود الدؤلي وأرشده لوضع القواعد التي تحفظ لغة القرآن. ولما كانت ولاية زياد بن أبيه على العراق ندب أبا الأسود لإعراب القرآن.

ومنهم الفاضل المعاصر سميح عاطف الزين في «الإعراب في القرآن الكريم» (ص ٤٣ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

ولقد أجمع الباحثون على أن نشأة علم النحو تعود إلى أيام أبي الأسود الدؤلي المتوفى سنة ٦٩ ه‍ ـ فقد روي أن أبا الأسود دخل يوما على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وهو في الكوفة ، فوجده مطرقا متفكرا ، فلما سأله عن سبب ذلك قال له علي عليه‌السلام : إني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أضع كتابا في أصول العربية.

وعاد أبو الأسود بعد فترة وجيزة ، فألقى إليه علي عليه‌السلام برقعة أو صحيفة كتب فيها الأصول التي أرادها ومنها : أن الكلام كله اسم وفعل وحرف. والاسم هو ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبئ به ، والحرف ما أفاد معنى.

ويروى أنه قال يوما لأبي الأسود : أنح هذا النحو ، وأضف إليه ما وقع إليك واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنما تتفاضل العلماء أو الناس بمعرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر ـ وهو قد أراد بذلك الاسم المبهم.

ويقول أبو الأسود : إنني أضفت إلى ما وضع علي عليه‌السلام من أصول ، أبواب :العطف ، والنعت ، والتعجب والاستفهام ، إلى أن وصلت إلى باب إن وأخواتها ، فلما عرضتها على علي عليه‌السلام أمرني بضم لكن إليها وكنت كلما وضعت بابا آخر من أبواب النحو عرضته عليه إلى أن حصلت ما فيه الكفاية.


وقد قال لي علي عليه‌السلام : ما أحسن هذا النحو الذي نحوت يا أبا الأسود! ولعل هذا هو السبب في تسمية هذا العلم بعلم النحو.

وكان أبو الأسود من الذين صحبوا علي بن أبي طالب عليه‌السلام والذين اشتهروا بمحبته ومحبة أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وكما كان حافز الإمام علي عليه‌السلام على وضع بعض قواعد اللغة العربية هو ما سمعه من لحن دخل على اللسان العربي ، كان ذلك نفس الحافز الذي جعل أبا الأسود ينكب على وضع أبواب جديدة في النحو ، فقد وصل الحال بالناس لأن يخفضوا المرفوع ، أو أن يرفعوا المنصوب ، ومن ذلك ما فعله قارئ للقرآن وهو يتلو قول الله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) أي أنه جرّ كلمة رسوله ففزع لذلك أبو الأسود فزعا شديدا وقال : عز وجه الله تعالى أن يبرأ من رسوله. فالقراءة الصحيحة هي الرفع أي ورسوله بحيث إن المعنى هو : إن الله تعالى بريء من المشركين ، ورسوله كذلك بريء منهم. ومثل ذلك أيضا ما سمعه أبو الأسود من أهل بيته ، فقد جلس ذات ليلة ينظر إلى السماء وهي تتلألأ بنجومها المضيئة ، وكانت ابنة له بجانبه فقالت : ما أحسن السماء! وقدر أبو الأسود أنها تريد الاستفهام فأجابها : نجومها يا ابنتي ، فقالت : أريد التعجب لا الاستفهام ، فقال لها : قولي : ما أحسن السماء! افتحي فاك

ومنهم العلامة أحمد بن مصطفى المشتهر بطاش كبرى زاده في «مفتاح السعادة ومصباح السيادة» (ص ١٤٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

يروى أنه دخلت بنت خويلد الأسدي على معاوية فقالت : إن أبوي مات وترك لي مالا ـ بإمالة مال ـ فاستقبح منها معاوية ذلك. وبلغ الخبر عليا كرم الله وجهه ، فرسم لأبي الأسود الدؤلي : باب إن وباب الإضافة وباب الإمالة. ثم سمع أبو الأسود رجلا يقرأ : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بخفض رسوله ، فصنف : باب العطف


وباب النعت. ثم إن ابنته قالت له يوما : يا أبت ما أحسن السماء ، على طريق الاستفهام. فقال : أي بنية نجومها فقالت : إنما أتعجب من حسنها. فقال : قولي : ما أحسن السماء! وافتحي فمك.

ومنهم الفاضل محمد حسن عواد في «مقدمة كتاب الكوكب الدري» للشيخ جمال الدين الأسنوي (ص ٢٧ ط دار عمان بالأردن) قال :

والصحيح أن أول من وضع النحو علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، لأن الروايات كلها تسند إلى أبي الأسود أنه سئل فقيل له : من أين لك هذا النحو؟ فقال : لفقت حدوده من علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

وقال أيضا في ص ٢٨ :

وقيل : إن أبا الأسود قد أخذ أصول هذا العلم عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، ولم يزل بها ضنينا ، حتى طلب منه زياد بن أبيه أن يظهرها للناس ، فامتنع أولا ، ثم أظهرها في النهاية بعد أن سمع قارئا يقرأ قوله تعالى (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بجر اللام فرجع إلى زياد فقال : أنا أفعل ما أمر به الأمير ، فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول ، فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه ، فأتي بكاتب آخر. قال المبرد : أحسبه منهم ، فقال له أبو الأسود : إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف ، فانقط نقطة فوقه على أعلاه ، وإن ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت ، فاجعل نقطة من تحت الحرف ، وإن مكنت الكلمة بالتنوين فاجعل امارة ذلك نقطتين ، ففعل ذلك ، وكان أول ما وضعه لهذا السبب.

وقيل : إن أبا الأسود قد وضع النحو بإشارة من زياد ، وقصة ذلك أن زيادا قال لأبي الأسود : إن بنيّ يلحنون في القرآن ، فلو رسمت لهم رسما ، فتنقط المصحف ، فقال : إن الظئر والحشم قد أفسدوا ألسنتهم ، فلو وضعت لهم كلاما ، فوضع العربية.


وقال أيضا في ص ٣٦ :

تضاربت الروايات في تحديد المقدار الذي وضعه أبو الأسود من علم النحو ، ففي رواية أن عليا رضي‌الله‌عنه دفع إلى أبي الأسود برقعة كتب عليها : بسم الله الرحمن الرحيم ، الكلام كله اسم وفعل وحرف ، فالاسم ما أنبأ عن المسمى ، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى ، والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل.

وتقول الرواية أيضا : إن عليا ، رضي‌الله‌عنه أمر أبا الأسود بتتبع هذا الموضوع بعد أن أعلمه أن الأشياء ثلاثة : ظاهر ، ومضمر ، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر ، وإنما يتفاضل الناس في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر.

ومنهم العلامة أبو العباس أحمد بن عبد المؤمن بن عيسى القيسي الشريشي في «شرح المقامات الحريرية» (ج ٢ ص ٢٩٦ ط دار الكتب العلمية) بيروت قال :

وقال الخليل : كان أبو الأسود ضنينا بما أخذه من علي رضي‌الله‌عنه ، وذلك أنه سمع لحنا فقال لأبي الأسود : اجعل للناس حروفا ، فأشار إلى الرفع والنصب والخفض ، وقال له زياد : قد فسدت ألسنة الناس لأنه سمع رجلا يقول : سقطت عصاتي فدافعه أبو الأسود وسمع رجلا يقرأ (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) فخفض فقال : ما بعد هذا شيء؟ فقال : ابغني كاتبا يفهم فجيء برجل من عبد القيس فلم يرضه فهمه فأتى بآخر من قريش. فقال له : إذا رأيتني قد فتحت فيّ بالحرف فانقط نقطة على أعلاه وإذا ضممت فيّ فانقط نقطة بين يديه وإذا كسرت فيّ فاجعل النقطة تحت الحرف فإذا أشربت ذلك غنة فاجعل النقطة نقطتين ، فهذا نقط أبي الأسود واختلف الناس إليه يتعلمون العربية وفرع لهم ما أصله ، فأخذه جماعة كان أبرعهم عنبسة بن معدان المهري يقال له الفيل فأقبل الناس عليه بعد موت أبي الأسود فبرع من أصحابه ميمون الأقرن فرأس في الناس وزاد في الشرح فبرع من أصحابه عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي فبرع في النحو وتكلم في الهمز وأملى فيه كتابا


وأخذ أبو عمرو بن العلاء عمن أخذ عنه ثم نجم من أصحاب أبي عمرو عيسى بن عمر ويونس بن حبيب وأبو الخطاب الأخفش فألف عيسى كتابين سمى أحدهما الكامل والآخر الجامع ، قال المبرد : فأخذ الخليل عن عيسى فلم يكن قبله ولا بعده مثله ، وهو القائل يمدح كتابي عيسى :

بطل النحو الذي جمعتم

غير ما أحدث عيسى بن عمر

ذاك إكمال وهذا جامع

وهما للناس شمس وقمر

علمه عليه‌السلام بالجفر

رواه جماعة من علماء العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٣٢٠ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

إن علم الجفر عبارة عن العلم الإجمالى بلوح القضاء والقدر المحتوى على كل ما كان وما يكون كليا وجزئيا ، وقد يقرن بالجامعة فيقال الجفر والجامعة. فالجفر عبارة عن لوح القضاء والقدر الذي هو عقل الكل ، والجامعة لوح القدر الذي هو نفس الكل. وقد ادعى طائفة أن الإمام علي بن أبي طالب وضع الحروف الثمانية والعشرين على طريق البسط الأعظم في جلد جفر وهو الذكر من المعزى ، والشاء الذي يبلغ أربعة أشهر. يستخرج منها بطريق مخصوصة وشرائط معينة ألفاظ مخصوصة يستخرج منها ما في لوح القضاء والقدر. وهذا علم يتوارثه أهل البيت ومن ينتمي إليهم ويأخذ منهم من المشايخ الكاملين ، وكانوا يكتمونه عن غيرهم كل الكتمان ، وقيل لا يقف على هذا الكتاب حقيقة إلا المهدي المنتظر خروجه آخر الزمان. وقال ابن طلحة : الجفر والجامعة كتابان جليلان أحدهما ذكره الإمام علي ، وهو يخطب


بالكوفة على المنبر والآخر أسرّ إليه به الرسول ، وأمره بتدوينه فكتبه علي حروفا متفرقة على طريقة سفر آدم في جفر ، فاشتهر بين الناس به لأنه وجد فيه ما جرى للأولين والآخرين.

وقال الجرجاني : الجفر والجامعة كتابان لعلي ذكر فيهما على طريقة علم الحروف الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم ، وكانت الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونها ويحكمون بها.

وكون الجفر من العلوم التي أسرها رسول الله إلى علي رضي‌الله‌عنه وتوارثه عنه أبناؤه هو عقيدة المتقدمين من الشيعة الذين يعتقدون أن الأئمة لا تذنب ولا تخطئ تنزيها لآل البيت.

وقيل : إن الجفر كتاب وضعه جعفر الصادق ، الإمام السادس وهذا ما ذكره الدميري في كتاب الحيوان نقلا عن أدب الكاتب لابن قتيبة وهو مكتوب على جلد الجفر لإخبار أهل البيت بما يقع من الحوادث إلى آخر الزمان ، على أن هذا مشكوك في صحته وإلى هذا الجفر أشار المعرّي في قوله :

لقد عجبوا لأهل البيت لما

أتاهم عامهم في مسك جفر

ومرآة المنجم وهي صغرى

أرته كل عامرة وقفر

وقال ابن خلدون في مقدمته : اعلم أن كتاب الجفر كان أصله أنّ هارون بن سعيد العجلي ، وهو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق ، وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الأشخاص منهم على الخصوص. وقع ذلك لجعفر ونظائره على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء ، وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون العجلي وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب منه ، لأن الجفر في اللغة هو الصغير ، وصار هذا الاسم علما على هذا الكتاب عندهم ، وكان فيه تفسير القرآن ، وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق.


وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل ، ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه فهم أهل الكرامات إلخ.

ومنهم العلامة الشيخ محمد بن أبي بكر المرعشي المشتهر بساجقلي زاده المتوفى سنة ١١٤٥ في «ترتيب العلوم» (ص ١١٢ ط دار البشائر الإسلامية ـ بيروت) قال :

وأما علم الحرف فهو علم الجفر ، وهو علم يعرف به رقم حروف الهجاء على كيفية ذكرت في كتاب الجفر ، وغايته الإطلاع على المغيبات الآتية وتسخير الناس وقهرهم. قال ابن العربي : واضع هذا العلم علي رضي‌الله‌عنه ، وموضوعه : حروف الهجاء ، وجعفر الصادق هو الذي غاص في أعماق هذا العلم وصنف فيه الخافية ، وهذا العلم لا يطلع عليه إلا صاحب كشف عظيم وذوق سليم ، انتهى.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ سليم بن أبي فراج بن سليم بن أبي فراج البشري شيخ الجامع الأزهر المتوفى سنة ١٣٣٥ في «وضح النهج في شرح نهج البردة» لأحمد شوقي (ص ٩٦ ط المطبعة النموذجية بالقاهرة سنة ١٤٠٧) قال :

كان الإمام رضي‌الله‌عنه أفصح الناس إذا خطب ، وأبلغهم إذا كتب ، أما علمه وفقهه فالبحر لا يدرك غوره ، ولا ينزف غمره ، من قرأ سيرته وتتبع كلامه وكتبه عرف له أعظم من هذا وأبلغ ، وأما شجاعته في الحرب ونجدته في السلم فقد شاع.

ومنهم العلامة المحدث الحافظ الميرزا محمد خان بن رستم خان المعتمد البدخشي المتوفى أوائل القرن الثاني عشر في كتابه «مفتاح النجا في مناقب آل عبا» (المخطوط ص ٥) قال :

في فضل علي عليه‌السلام : وأما المنطق والخطب فقد علم الناس كيف كان علي


ابن أبي طالب كرم الله وجهه عند التفكير والتحبير وعند الارتجال والبديهة وعند الأطناب والإيجاز في وقتيهما وكيف كان كلامه قاعدا وقائما وفي الجماعات ومنفردا مع الخبرة بالأحكام والعلم بالحلال والحرام.

ومنهم الحافظ الشيخ محمد بن أحمد الداودي المالكي المصري المتوفى سنة ٩٤٥ في «طبقات المفسرين» (ج ٢ ص ٢٧٩ ط بيروت) قال :

وسئل بالروم عن قول علي رضي‌الله‌عنه لكاتبه : «الصق روانفك بالجبوب ، وخذ المزبر بشناترك ، واجعل حندورتيك إلى قيهلي ، حتى لا أنغى نغية إلا أودعتها حماطة جلجلانك» ، ما معناه؟ فأجاب : الزق عضرطك بالصلة وخذ المصطر بأباخسك ، واجعل جحمتيك إلى أثعباني ، حتى لا أنبس نبسة إلا وعيتها في لمظة رباطك. فتعجب الحاضرون من سرعة الجواب بما هو أبدع وأغرب من السؤال.

قال شيخنا الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه‌الله تعالى بعد أن أورد ذلك في ترجمته في طبقات النحاة ما نصه : قلت : الروانف : المقعدة ، والجبوب : الأرض ، والمزبر : القلم ، والشناتر : الأصابع ، والحندورتان : الحدقتان ، وقيهلي : أي وجهي ، وأنغي : أي انطق ، والحمامة : الحبة ، والجلجلان : القلب.

ومنهم علامة التاريخ وهب بن منبه في كتاب «التيجان في ملوك حمير» (ص ١٧٤ ط صنعاء) قال :

عن هشام ، عن أبي يحيى السجستاني ، عن مرة بن عمر الأيلي ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : إنا لجلوس ذات يوم عند علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه في خلافة أبي بكر إذ أقبل رجل من حضرموت لم أر قط أطول منه ولا أكره وجها ، فاستشرفه الناس وراعهم منظره وأقبل حتى وقف فسلم وحيا ثم جلس فكان كالقائم ، فكلم أدنى القوم إليه مجلسا وقال : من عميدكم؟ فأشاروا إلى علي بن أبي طالب كرم الله


وجهه وقالوا : هذا ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعالم الناس والمأخوذ عنه. فنظر إليه علي فقال : اجلس أيها الرجل. فقال : أنا جالس أيها الهادي. فقال له علي : من حضرموت أنت؟ قال : نعم. ثم قام إليه الحضرمي فقال :

اسمع كلامي هداك الله من هادي

وافرج بعلمك عن ذي لوعة صادي

جاز التنائف من وادي السكاك إلى

ذات الأماحل من بطحاء أجياد

تلفه الدمنة البوغاء معتمدا

إلى السداد وتعليم بإرشاد

سمعت بالدين دين الحق جاء به

محمد وهو قرم الحضر والبادي

فجئت متنقلا من دين طاغية

ومن عبادة أوثان وأنداد

ومن ذبائح أعياد مضللة

نسيكها خائب ذو لوثة عادي

فادلل على القصد وأجل الريب عن كبدي بسرعة ذات إيضاح ورشاد

والمم بفضل هديت اليوم من شعثي

ثم اهدني إنك المشور في النادي

إن الهداية والإيمان شافية

عن العمى والتقى من خير أزواد

وليس يفرج ريب الكفر عن أحد

أضله الجهل إلا حية الوادي

قال : فأعجب عليا شعره وقال له علي : لله درك ما أرصن شعرك! قال : فسر به وشرح له الإسلام ، فأسلم على يديه وحسن إسلامه ، ثم إن عليا سأله فقال له : أعالم أنت بحضرموت؟ قال : إذا جهلتها ما أعلم غيرها. قال : أتعرف موضع الأحقاف؟ قال له : كأنك تسأل عن قبر هود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال له علي : لله درك ما أخطأت. قال : نعم ، خرجت في عنفوان شبابي في غلمة من الحي ونحن نريد أن نأتي قبره لبعد صوته فينا وكثرة ذكره ، فسرنا في بلاد الأحقاف أياما وفينا رجل عرف الموضع حتى انتهينا إلى كثيب أحمر فيه كهوف مشرفة فانتهينا إلى كهف منها فدخلناه ، فأمعنا فيه طويلا ، فانتهينا إلى حجرين قد طبق أحدهما على الآخر وفيه خلل يدخل منه النحيف متجانفا ، فدخلته فرأيت رجلا على سريره فإذا مسست شيئا من جسده أصبته رطبا لم يتغير ، ورأيت عند رأسه كتابا بالمسند : أنا هود النبي آمنت


بالله وأشفقت على عاد بكفرها وما كان لأمر الله مرد. فقال لنا علي رضي‌الله‌عنه : كذلك سمعت من أبي القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وذكر بعض أصحاب السير عن عبيد بن شرية بأمر هود ، قال : أخبرني البختري ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عبد الله ، عن ابن أبي سعيد الخزاعي ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني ، عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : أن رجلا من حضرموت جاء يسأله العلم فقال له علي عليه‌السلام : يا حضرمي أرأيت كثيبا أحمر تخلطه مدرة حمراء فيه أراك وسدر في موضع كذا وكذا من بلدك ، هل رأيته قط أو تعرفه؟ قال الحضرمي : نعم والله يا أمير المؤمنين. قال علي : فإن فيه قبر النبي هود صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنهم العلامة الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي التيمي القرشي في «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» (ج ١ ص ٢٨٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

أنا إسماعيل بن أحمد ، قال : أخبرنا ابن مسعدة ، قال : أنا حمزة بن يوسف ، قال : أنا عبد الله بن عدي ، قال : نا أحمد بن حفص ، قال : نا أحمد بن أبي روح البغدادي ، قال : نا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عمن نكتب العلم [بعدك]؟ قال : عن علي وسلمان.

ومنهم العلامة الأدب أبو الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى الوشاء في «الظرف والظرفاء» (ص ٣٤ ط عالم الكتب ـ بيروت) قال :

وكان لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام جارية تدخل وتخرج وكان له مؤذن شاب فكان إذا نظر إليها قال لها : أنا والله أحبك. فلما طال ذلك عليها أتت عليا عليه‌السلام فأخبرته فقال لها : إذا قال لك ذلك فقولي : أنا والله أحبك فمه ، فأعاد عليها الفتى قوله فقالت له : وأنا والله أحبك فمه. فقال : تصبرين ونصبر حتى يوفينا من يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب ، فأعلمت عليا عليه‌السلام فدعا به فزوجه منها ودفعها إليه.


مستدرك

مما ورد أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

كان أفرض أهل المدينة وأقضاها

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٥٧ و ٥٨ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٢٥ ط دار الفكر) قال :

وعن الشعبي قال : ليس منهم أحد أقوى قولا في الفرائض من علي بن أبي طالب.

ومنهم العلامة الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الشافعي في كتابه «أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (ص ٧٣) قال :

وأخرج الحاكم في صحيحه ، من حديث ابن مسعود ، قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. وقال : صحيح ، ولم يخرجاه.

ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد» (ص ٤٨) قال :

أخرج ابن عساكر يرفعه بسنده إلى : عن ابن مسعود قال : أفرض أهل المدينة وأقضاها علي.


ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري الحسيني القاهري المتوفى سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ٢١٤ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال : أفرض أهل المدينة وأقضاهم علي بن أبي طالب.

ومنهم العلامة عبد الله بن نوح الجيانجوري المتولد في سنة ١٣٢٤ في «الإمام المهاجر» (ص ١٥٦ ط دار الشروق بجدة) قال :

وقال ابن مسعود : أفرض أهل المدينة وأقضاها علي.

وقال فيه أيضا :

وقالت عائشة : علي أعلم من بقي بالسنة.

ومنهم الأستاذ محمد سعيد زغلول في «فهارس المستدرك» للحاكم (ص ٦٩٢ ط بيروت) قال :

كان أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب ٣ / ١٣٥

ومنهم المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» (ص ٣٠ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة) قال :

وأما عن العلم فيقول ابن عباس : إذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره ، وأما عن العدل فيقول ابن مسعود معلم الكوفة وسادس المسلمين : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي (١).

__________________

(١) قال العلامة المؤرخ الشيخ أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن محمد بن الحسن


__________________

الجذامي النباهي الأندلسي المالقي المعروف بابن الحسن المتوفى بعد سنة ٧٩٣ في «تاريخ قضاة الأندلس المسمى بمرقبة العليا فيمن يستحق القضا والفتيا» (ص ٢٣ ط دار الآفاق الجديدة في بيروت سنة ١٤٠٣) :

وأما أرسخ الصحابة في العلم بالقضاء رضوان الله عليهم أجمعين فهو علي بن أبي طالب من غير خلاف. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وأقضاهم علي. وكان عمر بن الخطاب يتعوذ من معضلة ليس فيها أبو حسن. وقال في المجنونة التي أمر برجمها ، وفي التي وضعت لستة أشهر فأراد عمر إقامة الحد عليها ، فقال له علي : إن الله تعالى يقول : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) ، وقال له : إن الله رجع القلم من المجنون .. الحديث.

فكان عمر يقول : لولا علي هلك عمر. وقيل لعطاء : أكان من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد أعلم من علي؟ قال : والله ما أعلمه. وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب عنه ، فلما بلغه قتله ، قال : ذهب العلم بموت علي. ومن كلام ضرار فيه ، وقد طلب منه معاوية وصفه بعد وفاته ، فقال : كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، إلى غير ذلك من صفاته.

وفي مصنف أبي داود عن علي رضي‌الله‌عنه قال : بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن قاضيا ، فقال : إن الله عزوجل سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان ، فلا تقضي حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء. قال : فما زلت قاضيا ، وما شككت في قضاء بعد.

وقال الفاضل المعاصر الدكتور محمد مصطفى أمبابي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر في «الجديد في تاريخ الفقه الإسلامي» (ص ١٠٥ ط دار المنار للنشر والتوزيع ـ القاهرة عام ١٤٠٦) :

أما علي بن أبي طالب فقد كان مبرزا في الفقه والقضاء ، وانتشرت أحكامه وفتاويه ، وكان الصحابة يعتمدون عليه في حل القضايا المشكلة ، فإذا لم يجدوا لها حلا


__________________

عنده يئسوا من وجوده عند غيره ، ولذلك كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن أي علي بن أبي طالب ، ويعترف ببراعته في القضاء ، فيقول : علي أقضانا ، ويشاركه في ذلك ابن مسعود فيقول : أقضى أهل المدينة ابن أبي طالب ، ويقول هو عن نفسه : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت وأين أنزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا.

ولا نجد شهادة لتزكية علي اثمن من شهادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له حين قال : أنا دار الحكمة وعلي بابها ، وكذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي لك سبع خصال لا يحاجك فيهن أحد يوم القيامة : أنت أول المؤمنين بالله إيمانا ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأرأفهم بالرعية ، وأقسمهم بالسوية ، وأعلمهم بالقضية ، وأعظمهم مزية يوم القيامة.

وقضية من مكر النساء : كانت امرأة تهوى شابا لا يبادلها الهوى ، فصبّت بياض بيض على ثوبها وبين فخذيها ، واشتكت إلى عمر ، صارخة أن الشاب غلبها على نفسها ، وفضحها بين أهلها ، مشيرة إلى الآثار التي افتعلتها. فأنكر الشاب الدعوى ، وأحال عمر القضية إلى الإمام علي. فأمر الإمام بماء حار ، صبّه على الثوب ، فجمد ذلك البياض. وهكذا ، ظهرت الحقيقة بفطنته ودقة بصره ، فقام ذلك مقام التحليل الكيماوي. وبالنتيجة زجر الإمام المرأة ، فاعترفت بحيلتها ، وقضى برد دعواها.

ونادرة أخيرة فيها بعض التورية ، وهي أن الفاروق سأل رجلا عن حاله ، فأجابه أنه : يحب الفتنة ، ويكره الحق ، ويشهد على ما لم يره. فاغتاظ عمر من ظاهر عبارة جوابه ، فأمر بسجنه. ولما بلغ أمره الإمام عليا قال للفاروق : إن الرجل صادق موضحا أنه قال يحب المال والولد ، وقد قال الله تعالى : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ). ويكره الموت وهو حق ، ويشهد أن محمدا رسول الله ولم يره.

وقال الفاضل المعاصر الدكتور علي عبد الفتاح المغربي في كتابه «الفرق الكلامية الإسلامية» (ص ١٤٣ دار التوفيق النموذجية في الأزهر) :

من هنا حاول الشيعة أن يؤكدوا رأيهم في الخلافة وأنها بالنص فأوردوا نصوصا من


__________________

الكتاب والسنة وتأولوها بما يوافق رأيهم ويسانده ، وهذه النصوص انقسمت عندهم إلى جلي وخفي :

فالجلي مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أقضاكم علي ولا معنى للإمامة إلا القضاء بأحكام الله ، وهو المراد بأولى الأمر الواجبة طاعتهم بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ولهذا كان حكما في قضية الإمام يوم السقيفة دون غيره.

ومن الخفي عندهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث عليا لقراءة سورة براءة في الموسم حين أنزلت ، فإنه بعث بها أولا أبا بكر ، ثم أوحي إليه : ليبلغه رجل منك أو من قومك ، فبعث عليا ليكون القارئ المبلغ ، قالوا : وهذا يدل على تقديم علي.

وقال الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ١ ص ٦٣ ط مكتبة غريب الفجالة) :

وأما على فقد انشغل بالعلم والتعليم وتفقيه الناس في أمور الدين والدنيا ، وبالفتيا كلما استفتاه أحد أو سأله خليفة رسول الله ، وشاعت فتاوى علي ، وأصبح فقهه منذ أخذ به الخليفة ، وكانت بعض هذه الآراء قد أفتى بها علي في زمن الرسول فأقرها صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال في كتابه «أئمة الفقه التسعة» ج ٢ ص ٢٢ :

وقد رأى أحمد بن حنبل أن اتباع أحكام الإمام علي سنة لأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقر جميع أحكامه ، فكأنه هو الذي حكم ثم أنه قد خصه بعلم القرآن.

وقال الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ١٨٢ ط دار العلم للملايين ـ بيروت) :

أقضاكم علي ، كما قال النبي العربي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأقضانا علي ، كما ردد الفاروق.

ولقد امتلأت كتب الفقه باجتهاد هذا الإمام القاضي ، وبطرائف أحكامه ، التي اتصفت بالفطنة والذكاء ، والدقة وصواب التفكير ، وأدّت إلى سداد الرأي وإحقاق


__________________

الحق. ونحن نوجز هنا بعض الأمثلة عن تلك الأقضية ، مختارة من كتاب الطرق الحكمية ، على أن نذكر غيرها في فصول لاحقة.

منها قضية نسب : ادعى غلام أمام عمر الفاروق على امرأة أنها أمه ، فجاءت المرأة بنفر شهدوا بأنها لم تتزوج ، وأن الولد كاذب ، فأمر عمر بضرب المدعي حد القذف. فعلم الإمام علي بذلك ، فتداخل وعرض على الغلام أن يتزوج المدعى عليها. فصرخت المرأة : الله الله ، هو النار ، والله ابني. ثم أقرت أن أهلها زوجوها زنجيا دون رضاها ، فحملت منه هذا الغلام وذهب الزوج غازيا فقتل وبعثت هي بالولد إلى قوم نشأ بينهم ، وأنفت أن يكون ابنها. فحكم علي بثبوت نسب الغلام ، وبإلحاقه بالمدعى عليها.

وقضية قتل : ادعى شاب لدى الإمام علي أن أباه ذهب مع نفر في سفر ، وأنهم لما عادوا زعموا أن والده مات ولم يترك شيئا من المال ، وأن القاضي شريحا استحلفهم وأخلى سبيلهم. فأمر الإمام بتوكيل شرطين بكل من المدعى عليهم ، لمنعهم من الاختلاط فيما بينهم ، ثم استجوب كلا منهم على حدة ، عن تفصيلات يوم خروجهم ، ومكان نزولهم ، وعلة موت رفيقهم ، وكيف أصيب بماله ، وكيف دفن وأين ، وما شاكل من الأسئلة الدقيقة. فكانت الأجوبة متناقضة ، فأمر بسجنهم ، فظن كل منهم أن صاحبه قد أقر ، فأقروا عندئذ جميعا بحقيقة القضية. وبالنتيجة ، حكم الإمام بتغريمهم المال ، وبإعدامهم قصاصا.

فهذه القضية تثبت جواز تفريق المدعى عليهم ، لأجل التحري عن الحقيقة ، والوصول إلى الحكم بالعدل. وتثبت أن الإقرار على أثر ذلك يعتبر صحيحا غير مشوب بالإكراه.

وقال القاضي العلامة محمد بن خلف بن وكيع القرطبي المتوفى سنة ٣٠٦ في «أخبار القضاة» (ج ١ ص ٥ ط القاهرة) :

وروايته لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو أجل القضاة ، إذ كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم استعمله على القضاء في حياته.


__________________

وقال الدكتور محمد مصطفى امبابي أستاذ الفقه المقارن بجامعة مصر في «الجديد في تاريخ الفقه الإسلامي» (ص ١٠٧ ط دار المنار ـ القاهرة) :

وقد كانت براعة علي في القضاء أمنية تمناها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحققها الله سبحانه وتعالى له ، فقد قال علي : لما بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن قلت له : يا رسول الله ، بعثتني وأنا شاب أقضى بينهم ، ولا أدرى ما القضاء ، فضرب الرسول صدري بيده ثم قال : اللهم اهد قلبه ، وثبت لسانه ، فو الذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين.

وقد استطاع علي كرم الله وجهه أن يجمع بين سلاحي الفقيه الناجح : العقل والنص ، فضم إلى فطنته وبراعته كثيرا من حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولذلك كان من رؤساء المفتين في عصره. ويبدو أن إكثاره من أحاديث كان راجعا إلى أمرين : حب علي للتلقي عن رسول الله ورغبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تفقيه علي ، وإنماء حاسته العلمية ، ويدل لذلك أنه سئل يوما ، فقيل له : يا علي ، مالك أكثر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثا؟ فقال : إني كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكت ابتدأني.

وكان المتوقع وعلي بهذه الصفة من الفقه والعلم ، أن نجد علمه وفقهه على لسان الجمهور من الرواة والفقهاء ، لكن هؤلاء لم ينقلوا عنه إلا القليل ، وعن طريق جماعة معينة من الناس. ومع أن ابن القيم جعل عليا من المكثرين في الفتوى إلا أنه أسقطه من عداد الناشرين للفقه ، واقتصر على أربعة فقط ، هم : عبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعلل مسلكه بقوله : قاتل الله الشيعة ، فإنهم أفسدوا كثيرا من علمه بالكذب عليه ، ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه فتواه إلا ما كان عن طريق أهل بيته ، وأصحاب عبد الله ابن مسعود ، ولكن بعض الباحثين لم يرتض هذا التعليل من ابن القيم ، وأرجع قلة المروي عن علي إلى محاربة الحكم الأموي لكل آثاره العلمية ، حتى يضمحل شأنه ، ولا يشيع بين الناس ذكره.


__________________

وقال الفاضل المعاصر الدكتور فاروق عبد العليم موسى رئيس محكمة الاستئناف في «الشريعة الإسلامية أصل أحكام القضاء» (ص ٧٩ ط دار الأقصر للكتاب ، كرداسة ـ جيرة) :

ومن قضاء علي كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه :

من بين ما تميز به الإمام علي الصواب في القضاء وذلك منذ أن أرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن ودعا له : اللهم ثبت لسانه واهد قلبه ، وفي رواية قال عليه الصلاة والسّلام له : إن الله سيهدي لسانك ويثبت قلبك ، ويقول الإمام علي : فما شككت في قضاء بين اثنين قط ، وفي رواية : وما أشكل علي قضاء بعد.

وروى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : وأقضاهم علي بن أبي طالب.

وكان علي رضي الله تعالى عنه يحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فإن لم يجد نصا اجتهد رأيه فيهما.

ونورد آخر قضية فيها وهو يعالج سكرات الموت ويعاني من آلام الجراح ، والمتهم فيها هو الذي طعنه طعنات قاتلة بسيف مسموم ، قال رضي الله تعالى عنه عن ابن ملجم : إنه أسير ، فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه ، فإن بقيت قتلت أو عفوت وإن مت فاقتلوه قتلتي ، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.

وقال في الهامش :

مسند أحمد / ١ / ٨٣ ، ٨٨ ، سنن أبي داود / ٢ / ١١٤ ، الحاكم / ٣ / ١٣٥ وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد / ٥ / ٦٣ ، وروى وكيع بسنده عن ابن عمر وشداد بن أوس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أقضى أمتى علي ،

وروى عن عمر قوله أقضانا علي. أخبار القضاة / ١ / ٨٨.

الطبقات الكبرى / ابن سعد / ١ / ق ٣ / ٢٣ ، المستدرك للحاكم / ٣ / ١٤٤ وفيه : فإن أعش فهضم أو قصاص ، وإن أمت فعاجلوه فإني مخاصمه عند ربي عزوجل.


مستدرك

اقضى الأمة علي عليه‌السلام

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٤ ص ٣٢١ و ٣٨٢ وج ١٥ ص ٣٦٦ و ٣٧٢ وج ٢٠ ص ٤٠٩ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

وفيه أحاديث :

منها

حديث نفسه عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة المعاصر محمد أبو زهرة في «الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي» (ص ٤١١ ط دار الفكر العربي) قال :

روي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الذي قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أقضاكم علي أقاد من لطمة.

ومنها

حديث ابن عباس

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٣٦٠ ط دار الفكر) قال :


وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علي أقضى أمتي بكتاب الله ، فمن أحبني فليحبه ، فإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحب علي عليه‌السلام.

ومنها

حديث جابر

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «القول الجلي في فضائل علي» عليه‌السلام (ص ٢٥ ط مؤسسة نادر للطباعة والنشر) قال :

عن جابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : [أقضى] أمتى علي بن أبي طالب. أخرجه الطبراني ، في الأوسط وحسّن.

ومنها

حديث أنس بن مالك

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

قضاؤه رضي‌الله‌عنه : عن أنس رضي‌الله‌عنه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : أقضى أمتي علي.


ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٢٧ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

عن أنس رضي‌الله‌عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : أقضى أمتي علي. أخرجه في المصابيح في الحسان.

ومنها

حديث عبد الله بن مسعود

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم ابن عساكر المذكور (قال في ص ٣٤ من ج ٣) :

أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي ، وأبو عبد الله المقري ، وأبو البركات المدائني ، وأبو بكر وأبو عمرو ابنا أحمد بن عبد الله ، قالوا : أنبأنا أبو الحسين ابن النقور ، أنبأنا عيسى إملاء ، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري إملاء ، أنبأنا يزيد بن سنان ، أنبأنا أبو عامر العقدي ، أنبأنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت عبد الرحمن ابن يزيد ، يحدث عن علقمة ، عن عبد الله قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.

أخبرنا أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك ، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، وأبو الفضل أحمد بن الحسن ، قالا : أنبأنا عبد الملك بن محمد ، أنبأنا أبو علي بن الصواف ، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، أنبأنا أبي ، أنبأنا غندر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة ، قال : قال عبد الله : كنا بالمدينة وأقضانا علي بن أبي طالب.


قال : وأنبأنا محمد ، أنبأنا المنجاب [ظ] ، أنبأنا ابن أبي زائدة ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عبد الله ، قال : أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.

وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا عبد الله بن محمد ، حدثني جدي ، أنبأنا أبو قطن ، أنبأنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة ، عن عبد الله.

وأخبرنا أبو الحسن الفرضي ، أنبأنا عبد العزيز بن الصوفي إملاء ، أنبأنا محمد بن محمد بن محمد ، أنبأنا عثمان بن أحمد ، أنبأنا محمد بن عيسى ابن السكري ، أنبأنا مسلم بن إبراهيم ، أنبأنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي. زاد أبو قطن : ابن أبي طالب.

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين ، أنبأنا أبو الحسين [كذا] ابن المهدي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي ، أنبأنا عبد الله بن سليمان ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم ، أنبأنا سعد بن الصلت ، أنبأنا عبد الجبار بن العباس الهمداني ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : قال عبد الله : أفرض أهل المدينة وأقضاها علي ابن أبي طالب.

أخبرنا أبو البركات بن المبارك ، أنبأنا أحمد بن الحسن وأحمد بن الحسن [كذا] قالا : أنبأنا أبو القاسم بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن الصواف ، أنبأنا محمد بن عثمان ، أنبأنا سعيد بن عمرو ، أنبأنا عمر [ظ] ، عن مطرف ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب ، عن عبد الله ، قال : يقولون : إن أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب.

ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد» (ص ٤٨) قال :


أخرجه ابن عساكر يرفعه بسنده إلى ابن مسعود : قال : أفرض أهل المدينة وأقضاها علي.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ١٧ ط بيروت سنة ١٤٠٤) قال :

وأخرج الحاكم عن ابن مسعود قال : أقضى أهل المدينة علي.

ومنهم الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في «العلم والعلماء» (ص ١٧٢ ط دار الكتب السلفية بالقاهرة) قال :

روايته عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه حيث قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة عليرضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة الشيخ القرني طلبة البدوي في «العشرة المبشرون بالجنة» (ص ٢٠٧ ط محمد علي صبيح بمصر) قال :

وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود قال : أفرض أهل المدينة وأقضاها علي بن أبي طالب.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وعن ابن مسعود قال : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب.

وروى حديث ابن مسعود جماعة :

منهم العلامة ابن منظور في «مختصر تاريخ دمشق» (ج ١٨ ص ٢٥).


ومنهم الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في «العلم والعلماء» (ص ١٧٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت).

ومنهم العلامة محمد بن أبي بكر الأنصاري في «الجوهرة» (ص ٧١ ط دمشق) :

روى حديثين عنه : أحدهما عن علقمة والآخر عن سعيد بن وهب.

ومنهم الدكتور أحمد محمد نور سيف المدرس بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة في كتابه «عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين» (ص ٤٢ ط دار الاعتصام بالقاهرة).

ومنهم العلامة نور الدين علي بن محمد في «الأسرار المرفوعة» (ص ٦١ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت).

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٤٢ ط القاهرة سنة ١٣٩٩).

مستدرك

قول عمر : علي أقضانا

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٦١ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي المتوفى سنة ٧٤٢ في كتابه «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» (ج ٨ ص ٤٣ بيروت) قال :


حديث عمر : علي أقضانا. في ترجمة عمر ، عن أبي بن كعب.

وذكر أيضا في «تهذيب الكمال» (ج ٣ ص ٨٧ النسخة مصورة من إحدى مكاتب إسلامبول) قال :

وقال عمر بن الخطاب : علي أقضانا.

ومنهم العلامة الشيخ قرني طلبة البدوي في «العشرة المبشرون بالجنة» (ص ٢٠٧ ط محمد علي صبيح بمصر) قال :

وأخرج عن أبي هريرة (رض) قال : وقال عمر بن الخطاب : علي أقضانا.

ومنهم العلامة الشيخ جمال الدين يوسف بن شاهين العسقلاني (سبط ابن حجر) في «رونق الألفاظ لمعجم الحفاظ» (ص ٣٣٩ والنسخة مصورة من إحدى مكاتب إسلامبول) قال :

وقال عمر : علي أقضانا.

ومنهم العلامة الشيخ بهاء الدين أبو القاسم هبة الله بن عبد الله ابن سيد الكل القفطي الشافعي في كتابه «الأنباء المستطابة» (ص ٦٧ والنسخة مصورة من مخطوطة مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال :

ومنها ما روى عبد الله بن عباس قال : قال عمر : علي أقضانا.

ومنهم عبد الله بن نوح الجيانجوري المتولد سنة ١٣٢٤ في «الإمام المهاجر» (ص ١٥٦ ط دار الشروق بجدة) قال :

أما قضاياه فكثيرة ، وقد قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا.


ومنها

حديث عمر

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الشيخ أبو القاسم ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام علي عليه‌السلام» (ج ٣ ص ٢٧ ط بيروت) قال :

أخبرنا أبو القاسم بن الحصين ، أنبأنا أبو علي بن المذهب ، أنبأنا أبو بكر القطيعي ، أنبأنا عبد الله بن أحمد ، حدثني سويد بن سعيد في سنة ست وعشرين ومأتين ، أنبأنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : خطبنا عمر على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فقال : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا ، وإنا لندع من قول أبي أشياء إن أبيا سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] وأبي يقول : لا أدع ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد نزل بعد أبي كتاب.

قال : وأنبأنا عبد الله ، حدثني أبي ، أنبأنا وكيع ، أنبأنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا ، وإنا لندع كثيرا من لحن أبي ، وأبي يقول سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا أدعه لشيء ، والله يقول : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها). البقرة : ٢ / ١٠٦.

قال : وأنبأنا عبد الله ، حدثني أبي ، أنبأنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، حدثني حبيب يعني ابن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال عمر : علي أقضانا وأبي أقرؤنا ، وإنا لندع من قول أبي ، وأبي يقول : أخذت من فم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا أدعه ، والله عزوجل يقول : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها).


أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين بن الفضل ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا يعقوب ، أنبأنا أبو نعيم وقبيصة ، قالا أنبأنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا ، وإنا لندع بعض ما يقول أبي. زاد قبيصة : وأبي يقول : سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلن أدعه لشيء ، والله يقول : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).

أخبرنا أبو المطهر شاكر بن نصر بن طاهر الأنصاري ، وأبو غالب الحسن بن محمد ابن غالب [ظ] الأسدي ، وأبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن عبد الله بن مندوبة [ظ] وأبو بكر محمد بن علي بن عمر الكابلي المؤدب ، قالوا : أنبأنا أبو سهل حمد بن أحمد بن عمر بن محمد الصيرفي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن أحمد الخشاب ، أنبأنا أبو علي الحسن بن محمد بن دكة العدل ، أنبأنا أبو حفص عمرو بن علي ، أنبأنا يحيى هو القطان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال عمر : أقرؤنا أبي وأقضانا علي ، وإنا لندع [ظ] من قول أبي ، وذاك إنه يقول : لا أدع شيئا سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد قال الله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها).

أخبرنا أبو بكر محمد بن شجاع ، وأبو روح محمد بن معمر بن أحمد بن محمد النسائي ، وأبو رجا [ء] لبيد بن أبي زيد بن أبي القاسم الصباغ بإصبهان وأبو صالح عبد الصمد بن عبد الرحمن الحيوي [ظ] ببغداد ، قالوا : أنبأنا أبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي ، أنبأنا أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد ، أنبأنا أبو بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق الأنباري ، أنبأنا حميد بن الربيع بن مالك ، أنبأنا فردوس ، أنبأنا مسعود بن سليمان ، أنبأنا حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن عمر ، قال : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا. قال : [وأبيّ يقول :] ما أخذت من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا أتركه أبدا.


أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن أحمد المقري ، وأبو البركات يحيى بن الحسين بن الحسن المدائني ، وأبو بكر محمد ، وأبو عمرو عثمان ابنا أحمد بن عبيد الله ، قالوا : أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا عيسى بن علي إملاء ، أنبأنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري ، أنبأنا محمد بن يحيى ، ومحمد بن أشكاب ، قالا : أنبأنا وهب بن جرير ، أنبأنا شعبة ، عن حبيب بن الشهيد [كذا] ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، قال : قال عمر : علي أقضانا ، وأبي أقرؤنا.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الرحمن ، أنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا خالد بن مخلد ، حدثني يزيد بن عبد الملك بن مغيرة النوفلي ، عن علي بن محمد بن ربيعة ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا.

قال : وأنبأنا ابن سعد ، أنبأنا محمد بن عبيد الطنافسي ، أنبأنا عبد الملك يعني عن عطاء قال : كان عمر يقول : علي أقضانا وأبي أقرؤنا للقرآن.

ومنهم العلامة جمال الإسلام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزآبادي في «طبقات الفقهاء» (ص ٧ والنسخة مصورة من مكتبة السلطان أحمد الثالث في إسلامبول) قال :

وروى عن ابن عباس قال خطبنا عمر فقال : علي أقضانا.

ومنهم العلامة الشيخ عمر بن علي بن سمرة الجعدي الشافعي في كتابه «طبقات فقهاء اليمن» الذي فرغ من تأليفه سنة ٥٦٨ (ص ١٦ ط مصر باهتمام فؤاد سيد أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية) قال :

قال في باب مناقب علي عليه‌السلام : قال ابن عباس ، خطبنا عمر فقال : علي


أقضانا.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاظرات الخضري» (ج ٢ ص ١٦ ط بيروت سنة ١٤٠٤) قال :

أخرج الإمام البخاري في التفسير وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال عمر : أقضانا على وأقرؤنا أبي.

وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا.

ومنهم العلامة الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في «العلم والعلماء» (ص ١٧٢ ط دار الكتب السلفية بالقاهرة سنة ١٤٠٣) قال :

رواية الحاكم عن أبي هريرة رضي‌الله‌عنه أنه قال : قال عمر رضي‌الله‌عنه : علي أقضانا.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٢٨١ ط دار الجيل في بيروت) قال :

وأخبرنا أبي إسحاق أن عبد الله كان يقول : أقضى أهل المدينة ابن أبي طالب.

ثم ها هو عمر بن الخطاب يشهد لعلي عن أبي هريرة قال : قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه» (ص ١٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وعن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال : أقضانا علي بن أبي طالب.


ومنهم الدكتور أحمد محمد نور سيف في «عمل أهل المدينة» (ص ٤٢ ط دار الاعتصام ـ القاهرة) قال :

ويقول عنه عمر : علي أقضانا ، ويقول : أنت خيرهم فتوى.

ومنهم الحافظ المؤرخ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصروي الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤ في «فضائل القرآن» (ص ٩١ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

ثم قال البخاري : حدثنا صدقة بن الفضل ، أنا يحيى ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال عمر : علي أقضانا.

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٣٨) قال :

وقال ابن عباس : قال عمر : علي أقضانا ، وأبيّ أقرؤنا. وقال ابن مسعود : كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٣٩ ط القاهرة سنة ١٣٩٩) قال :

عن أبي هريرة قال : قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا.

عن ابن عباس قال : خطبنا عمر فقال : علي أقضانا.

عن ابن عباس : قال : خطبنا عمر فقال : علي أقضانا.

أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي ، أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء قال : كان عمر يقول : علي أقضانا للقضاء وأبي أقرؤنا للقرآن.

وقال أيضا في ص ٤٢ :


عن أبي هريرة قال : قال عمر بن الخطاب : علي أقضانا.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٢٧ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قال : أقضانا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه. خرجه السلفي.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه «أصهار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٧٠ ط دار الهجرة ـ بيروت) قال :

وقال عنه الفاروق عمر بن الخطاب ذات يوم في حديث من رواية أبي هريرة : علي أقضانا.

ورواه جماعة مرسلا

فمنهم العلامة أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الدمشقي المتوفى سنة ٦٧٦ في كتابه «فتاوى النووي» (ص ١٨٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

أقضاكم علي.

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري الحسيني القاهري المتوفى سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ٢٠٧ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

وقال عليه الصلاة والسّلام : أقضاكم علي.

ومنهم الفاضل المعاصر المحامي صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ١٦٢ ط دار العلم للملايين ـ بيروت). قال :


أما في الأمصار ، فقد بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عددا من الصحابة للقضاء في منازعات الناس ، ومن أشهر هؤلاء علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، إذ بعثه إلى اليمن قاضيا ، ثم صرفه حين حجة الوداع ، وقد شهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن : القضاء كما يقضي علي ، أو أقضى أمتي علي ، أو أقضاكم علي.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في «علي إمام الأئمة» (ص ٣٠ ط دار مصر للطباعة) قال :

لقد كان يروي العامة والخاصة قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أقضاكم علي.

ومنهم العلامة الشيخ نور الدين علي بن محمد بن سلطان المشتهر بالملا علي القاري المتوفى سنة ١٠١٤ في «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» (ص ٦١ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

حديث : أقضاكم علي.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في «موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف» (ج ٢ ص ١٠١ ط عالم التراث للطباعة والنشر ـ بيروت) قال :

أقضى أمتي علي بن أبي طالب (١) فتح ٨ / ١٦٧

__________________

(١) قال الدكتور محمد عبد الرحيم محمد في «المدخل إلى فقه الإمام علي رضي‌الله‌عنه» (ص ١٩ ط دار الحديث ـ القاهرة) :

لقد أجمع المؤرخون والباحثون على أن عليا كان من شيوخ التشريع وأعلامه في عصر الصحابة ، ولذا فقد وضعه أصحاب الطبقات في مقدمة فقهاء الصحابة.


__________________

ومما يدل على أن عليا كان ذا قدم راسخة في الاجتهاد والفتيا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعله واحدا من القضاة في عهده إذ بعثه إلى اليمن قاضيا ومعلما ودعا له ، فقد صح عن علي أنه قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن وأنا شاب ، فقلت : يا رسول الله إنك تبعثني وأنا حديث السن لا علم لي بالقضاء؟ فقال : انطلق فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك.

كما كان ينصحه أيضا ، فقد صح عنه أنه قال له : يا علي إذا جلس إليك الخصمان لا تقضي بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنك إن فعلت ذلك تبدي لك وجه القضاء.

هذا ولقد التزم علي بنصيحة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان القاضي المجتهد الذي لا يشق غباره ، حتى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمح له بأن يقضي في حضوره ، ومن أبرز الأمثلة على ذلك أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان جالسا مع جماعة من أصحابه فجاءه خصمان فقال أحدهما : يا رسول الله إن لي حمارا وإن لهذا بقرة ، وإن بقرته قتلت حماري ، فبدأ رجل من الحاضرين وقال : لا ضمان على البهائم. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقض بينهما يا علي ، فحقق علي الواقعة فقال لهما : أكانا مرسلين ، أم مشدودين ، أم أحدهما مشدودا والآخر مرسلا؟ فقال : كان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة وصاحبها معها. فقال علي : صاحب البقرة ضامن الحمار ، فأقر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكمه وأمضى قضاءه.

وكفى دليلا على أهليته للاجتهاد والفتيا شهادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له بقوله : أقضاكم علي وقوله : أقضى أمتي علي.

أضف إلى ذلك شهادة الصحابة أنفسهم له بالعلم والفقه ، فهو عند السيدة عائشة أعلم الناس بالسنة أو أعلم من بقي بالسنة ، على حين جعله ابن مسعود أعلم أهل المدينة بالفرائض ، بينما وصفه ابن عباس بقوله : والله لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم وإنه لأعلمهم بالعشر الباقي.

ولعمر كلمات مشهورة طالما رددها كثيرا ، وهي تعرب عن غاية احتياجه في العلم


__________________

إلى علي ، منها قوله : لو لا علي لهلك عمر ، وقوله : لا أبقاني الله بأرض ليس فيها أبو الحسن ، وقوله : أعوذ بالله من معضلة ولا أبو حسن لها ، وغير ذلك من هذه الكلمات المشهورة في هذا الصدد.

ومن ثم فقد كان عمر وغيره من الصحابة يستشيرونه ويأخذون برأيه في كثير من المسائل ذات الشأن ، أو التي تشكل عليهم ، وذلك كما هو معروف عنه من طول باعه وغزارة علمه في الفقه والحديث وبصره بروح التشريع ومقاصده ، إذ روى الحسن أن عمر جمع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليستشيرهم وفيهم علي ، فقال له عمر : قل فأنت أعلمهم وأفضلهم.

كذلك روى عن ابن عباس أنه قال : خطبنا عمر فقال : علي أقضانا وأبي أقرؤنا وإنا لنترك أشياء من قول أبي.

ولا عجب في ذلك ولا غرابة ، فلقد كان علي أكثر الصحابة جميعا علما وذلك بشهادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إذ روى أحمد في مسنده أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لابنته فاطمة : أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما (إسلاما) ، وأكثرهم علما وأعظمهم حلما.

ولله دره مسروق ، إذ فطن إلى هذه الحقيقة فقال : انتهى العلم إلى ثلاثة : عالم بالمدينة ، وعالم بالشام ، وعالم بالعراق ، فعالم المدينة علي بن أبي طالب ، وعالم العراق عبد الله بن مسعود ، وعالم الشام أبو الدرداء ، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهما.

ثم جاء عبد الملك بن أبي سليمان وزاد هذا المعنى وضوحا فقال : قلت لعطاء : أكان من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحد أعلم من علي؟ قال : لا ، والله ما أعلمه.

نتيجة لهذا وذاك كان علي واحدا ممن تصدى للفتيا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل هو أحد السبعة المكثرين من الفتيا كما قال ابن القيم من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولعلي رضي‌الله‌عنه قضايا ومسائل مشهورة ذكرت في مظانها من كتب


__________________

الفقه والحديث والسير ، أقر منها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما وقع منها في الزمن النبوي ، وكم من قضية أفتى فيها الصحابة وخالفهم فيها علي ، فرجعوا على الفور إلى رأيه إنصافا ووقوفا مع الحق ، فضلا عن كثرة القضايا التي اجتهد فيها ، فانفرد برأيه تارة وشاركه في بعضها صحابة آخرون تارة ثانية.

نعم لقد كان لعلي بن أبي طالب أثر كبير في الفقه الإسلامي من حيث : نموه وتكوينه ومنهجه وأسسه وما إلى ذلك من جوانب مختلفة تتصل بالتشريع الإسلامي.

ومن ثم فإننا لا نبالغ إذا قلنا بأن لعلي منزلة كبيرة عند الفقهاء جميعا سواء السني منهم أو الشيعي ، وإن الناظر في آراء علي الفقهية التي اعتنقها أئمة المذاهب المختلفة لدليل كاف على صدق هذا القول.

ولعل كثرة فتاوى علي وأحكامه ترجع إلى أنه مكث نحوا من ثلاثين سنة بعد أن قبض الله تعالى رسوله إليه يفتي ويرشد ويوجه ، وقد كان غواصا طالبا للحقائق ، وقد أقام في الكوفة نحو خمس سنوات ولا بد أنه ترك فيها فتاوى وأقضية ، وكان فيها المنفرد بالتوجيه والإرشاد ، وإنه قد عرف بغزارة في العلم وعمق ، وانصراف إلى الإفتاء في مدة الخلفاء قبله ، والمشاركة في كل الأمور العميقة التي تحتاج إلى فحص وتقليب من كل وجوهها مع تمحيص وقوة استنباط.

إذن على ضوء هذا فإن ما ذهب إليه ابن القيم تعوزه الدقة العلمية ، إذ ادعى أن العلم انحصر في أربعة من الصحابة هم ابن مسعود وابن عباس وابن عمر وزيد فقال : والدين والفقه انتشر في الأمة عن أصحاب ابن مسعود ، وأصحاب زيد بن ثابت وأصحاب عبد الله بن عمر وأصحاب عبد الله بن عباس فعلم الناس عامة إلى هؤلاء الأربعة ، فأما أهل المدينة فعلمهم عن زيد بن ثابت وعبد الله بن عمر ، وأما أهل مكة فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن عباس ، وأما أهل العراق فعلمهم عن أصحاب عبد الله بن مسعود.

هذا هو نص ما قاله ابن القيم ، ولكن ما نطقت به كتب السنة وشروح الحديث والفقه وغيرها من عيون التراث الإسلامي لتدل على خلاف ذلك ، إذ جمعت هذه الكتب بين دفتيها تراثا علميا تليدا لغير هؤلاء الأربعة الذين ذكرهم ابن القيم كعلي


__________________

وعمر وأبي وعائشة وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم من الصحابة الذين كان لهم باع طويل في العلم والفتيا في العهد النبوي وبعده.

وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال : إذا كان علي كثير العلم والفتيا فأين فتاواه وأحكامه إذن؟

في الحقيقة أن فقه علي وفتاواه وأقضيته لم ترو في كتب السنة بالقدر الذي يتفق مع مدة خلافته ولا مع المدة التي كان منصرفا فيها إلى الدرس والإفتاء في مدة الراشدين قبله ، وقد كانت حياته كلها للفقه وعلم الدين ، وكان أكثر الصحابة اتصالا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقد رافق الرسول وهو صبي قبل أن يبعث عليه‌السلام ، واستمر معه إلى أن قبض الله تعالى رسوله إليه ، ولذا كان يجب أن يذكر له في كتب السنة أضعاف ما هو مذكور فيها.

هذا ولقد عزا ابن القيم قلة مرويات علي إلى تزيد بعض الشيعة عليه ، فها هو ذا يقول : وأما علي بن أبي طالب عليه‌السلام فانتشرت أحكامه وفتاويه ، ولكن قاتل الله الشيعة فإنهم أفسدوا كثيرا من علمه بالكذب عليه ، ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه إلا ما كان من طريق أهل بيته وأصحاب عبد الله بن مسعود كعبيدة السلماني وشريح وأبي وائل ونحوهم.

بيد أن الإمام أبا زهرة أوضح أن قلة المروي عن علي ترجع إلى محاربة الحكم الأموي لكل آثاره العلمية ، وفي هذا يقول ما نصه : وإذا كان لنا أن نعرف السبب الذي من أجله اختفى عن جمهور المسلمين بعض مرويات علي وفقهه ، فإنا نقول : إنه لا بد أن يكون للحكم الأموي أثر في اختفاء كثير من آثار علي في القضاء والإفتاء لأنه ليس من المعقول أن يلعنون عليا فوق المنابر ، وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه ، وينقلون فتاويه وأقواله للناس وخصوصا ما كان يتصل منها بأساس الحكم الإسلامي. والعراق الذي عاش فيه علي رضي‌الله‌عنه وفيه انبثق علمه كان يحكمه في صدر الدولة الأموية ووسطها حكام غلاظ شداد لا يمكن أن يتركوا آراء علي تسري في وسط الجماهير الإسلامية ، وهم الذين يخلقون الريب والشكوك حوله ، حتى إنهم يتخذون من تكنية


__________________

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم له بأبي تراب ذريعة لتنقيصه ، وهو رضي‌الله‌عنه كان يطرب لهذه الكنية ويستريح لسماعها ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالها في محبة كمحبة الوالد لولده.

وفي نظري إن عدم انتشار أحكام علي وفتاويه يمكن أن نرجعها إلى السببين المذكورين معا ، فالسبب الأول وهو تزيد بعض الشيعة عليه نستطيع أن نفهمه من قول علي نفسه رضي‌الله‌عنه : إن هاهنا علما لو أصبت له حملته.

بيد أن هذا الترديد من غلاة الشيعة ، لا يمكن أن يكون من رجال البيت الكريم الذي اشتهر رجاله بالصدق في القول والعمل والإخلاص في كل شئون دينهم ، إذ لا يتصور كما يقول أبو زهرة أن يكون التزيد من الحسين أو علي زين العابدين أو الباقر أو الصادق أو من غيرهم من أئمة الهدى الذين يقتدى بهم في علم الدين والتقى والمحافظة على تراث الإسلام حتى يصل إلى الناس نقيا غير مشوب بأي شائبة.

هذا عن السبب الأول ، أما السبب الثاني وهو محاربة الحكم الأموي لعلي فهذا أيضا ليس ببعيد والتاريخ خير شاهد على ذلك.

ومن أبرز الأمثلة التي توضح لنا ذلك أن الحسن البصري رضي‌الله‌عنه كان يحدث بالأحاديث النبوية ، فإذا حدث عن علي بن أبي طالب لم يذكره خشية من بطش الحجاج ، وفي هذا يقول يونس بن عبيد : سألت الحسن فقلت : يا أبا سعيد ، إنك تقول قال رسول الله وإنك لم تدركه؟ قال : يا ابن أخي ، لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ولو لا منزلتك مني ما أخبرتك ، إني في زمان كما ترى وكان في عمل الحجاج كل شيء سمعتني أقول قال رسول الله فهو عن علي بن أبي طالب غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا.

وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكننا في رأيي أن نخرج موسوعة فقهية ضخمة للإمام علي كرم الله وجهه ، وذلك من خلال البحث والتنقيب في كتب التراث المختلفة وعيون المصادر الإسلامية الأولى ، وبخاصة كتب الفقه والآثار والسنن واختلاف الفقهاء وشروح الحديث وغيرها.


مستدرك

قصة زبية الأسد

تقدم ما يدل عليها عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٦٧ وج ١٧ ص ٤٨٧ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

__________________

أضف إلى ذلك ، أن البيت العلوي فيه علم الرواية كاملة عن علي رضي‌الله‌عنه ، حيث رووا عنه ما رواه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو قريبا من الكمال ، ذلك لأن عليا استشهد وترك وراءه من ذريته أبرارا أطهارا كانوا أئمة في علم الإسلام ، وكانوا ممن يقتدى بهم ، ترك ولديه من فاطمة الحسن والحسين ، وترك رواد الفكر محمد بن الحنيفة ، فأودعهم رضي‌الله‌عنه ذلك العلم ، وقام أولئك الأبناء بالمحافظة على تراث أبيهم الفكري وهو إمام الهدى فحفظوه من الضياع ، وقد انتقل معهم إلى المدينة لما انتقلوا إليها بعد استشهاده رضي‌الله‌عنه.

هذا ، وبعد أن وقفنا فيما سبق على أهلية علي للاجتهاد وأوضحنا إنه كان واحدا من المبرزين في القضاء والفتوى ، فلعله من المفيد هنا أن أسوق رأيه في مسألة تعد من شهيرات فتاواه وهي مسألة الزبية ، وذلك حتى يتضح لك مدى إدراكه لروح التشريع ومقاصده.

تعد مسألة الزبية من المسائل التي أقر فيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا وأصلها أنه قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب ثانيا ، ثم جذب الثاني ثالثا فجذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد جميعا ، فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين علي وكان قاضيا على اليمن ، فقضى للأول بربع الدية وللثاني بثلثها وللثالث بنصفها وللرابع بكاملها ، وقال : اجعل الدية على من حضر رأس البئر ، فسخط بعضهم من ذلك الحكم ، فرفع ذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأجازه.


فمنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٢٧ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد ، فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم تعلق رجل آخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد فانتدب له رجل بحربة فقتله ، وماتوا من جراحتهم كلهم فقاموا أولياء الأول إلى أولياء الثاني فأخرجوا السلاح يقتتلوا ، فأتاهم علي ففقه ذلك فقال : تريدون أن تقاتلوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حي ، انى أقضى بينكم بقضاء إن رضيتم فهو القضاء وإلا حجز بعضكم على بعض حتى تأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيكون هو الذي يقضى بينكم ، فمن عدا بعد ذلك فلا حق له ، اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية وثلث الدية وللثالث نصف الدية [والدية] كاملة ، فللأول الربع لأنه هلك من فوقه وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية ، فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة ، فقال : أنا أقضى بينكم واحتبى ، فقال رجل من القوم : إن عليا قضى بيننا ، فقصوا عليه فأجازه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي لفظ : فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : القضاء كما قضى علي.(ط ، ش ، حم ، وابن منيع ، وابن جرير ، وصححه ، ق وضعفه).

ومنهم العلامة أبو بكر أحمد بن عمرو النبيل المعروف بالضحاك الشيباني المتوفى سنة ٢٨٧ في كتاب «الديات» (ص ٧٨ ط مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت) قال :

حدثنا أحمد بن الفرات ، حدثنا محمد بن يوسف ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن حنش ، عن علي رضي‌الله‌عنه ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن فوجدت حيا زبوا زبية للأسد فصادوه وهو في زبيته فطافوا به ـ فذكر مثل ما


تقدم عن المسند.

ومنهم المؤرخ الشيخ محمد العربي التباني في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ١٠٤ ط بيروت)

ذكر قصة الزبية وقضاوته عليه‌السلام فيها.

ومنهم العلامة المؤرج بن عمرو السدوسي المتوفى سنة ١٩٥ في «الأمثال» (ص ٣ والنسخة مصورة موجودة في المكتبة العامة الموقوفة) قال :

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا أبو علي إسماعيل ، قالا : أخبرني المؤرج أبو فيد ، قال : حدثني سعيد بن سماك بن حرب بن أبيه ، عن حنش بن المعتمر ، قال : أتى معاذ ابن جبل بثلاثة نفر قتلهم أسد زبية فلم يدر كيف يفتيهم ، فسأل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ـ فذكر مثل ما تقدم عن المسند.

ومنهم العلامة عماد الدين إسماعيل بن عمر القرشي الشافعي في «السيرة النبوية» (ج ٤ ص ٢١٠ ط دار الإحياء) قال :

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا إسرائيل ، حدثنا سماك ، عن حنش ، عن علي قال : بعثني رسول الله إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد ـ فذكر مثل ما تقدم عن المسند.

ومنهم الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المالكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ١٠٤ ط بيروت) قال :

فمنها يروى أنه لما بعثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية للأسد فازدحم الناس على الزبية فوقع فيها رجل وتعلق ـ فذكر مثل ما تقدم عن المسند.


ومنهم الدكتور محمد مصطفى أمبابي في «الجديد في تاريخ الفقه الإسلامي» (ص ١٠٦ ط دار المنار ـ القاهرة) قال :

ومنها : قضية أشكلت على كثير من فقهاء الصحابة وسميت قضية الزبية أي الحفرة وأصلها أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد ـ فذكر القصة مثل ما تقدم عن المسند.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٢٨ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان).

فذكر القصة مثل ما تقدم عن المسند ، وقال في آخرها : خرجه الإمام أحمد في المناقب.

ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في القسم الثاني من «جامع الأحاديث» (ج ٤ ص ٣٨٤ ط دمشق) قالا :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن ، فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد ، فبيناهم يتدافعون ـ فذكرا مثل ما تقدم عن المسند ، وقالا في آخره : (ط ، ش ، حم) وابن منيع وابن جرير وصححه ، (ه ق) وضعفه.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٤٥ ط القاهرة سنة ١٣٩٩) قال :

عن علي قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن ، فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد ، فبيناهم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل ، فتعلق بآخر ، ثم تعلق


رجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة ـ فذكر القصة مثل ما تقدم عن المسند للسيوطي.

ومنهم الفاضل المعاصر توفيق الحكيم في «مختار تفسير القرطبي» (ص ٧٢٩ ط الهيئة المصرية العامة للكتاب) قال :

يروى أن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : لما بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية الأسد ـ فذكر مثل ما تقدم عن المسند.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد عبد الرحمن البكر في «السلطة القضائية وشخصية القاضي في النظام الإسلامي» (ص ٧٤ ط ١ الزهراء للإعلام العربي) قال :

ومنها حديث الزبية فقد جاء عن حنش ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن فأزبى بعض الناس زبية الأسد ـ فذكر مثل ما تقدم عن المسند.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٢٠ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وبعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن ، فوجد أربعة وقعوا في حفرة حفرت ليصطاد فيها الأسد ، سقط أولا رجل فتعلق بآخر ، وتعلق ـ إلخ.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في «علي إمام الأئمة» (ص ١٧٨ ط دار مصر للطباعة) قال :

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضية الزبية ، وهي الحفرة في الموضع المرتفع لا يبلغه السيل ، يحفرونها ثم يغطونها بالقش ونحوه تعمية على الأسد حتى يسقط فيها ـ فذكر القصة مثل ما مر.


ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد مصطفى أمبابي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر في «الجديد في تاريخ الفقه الإسلامي» (ص ٣٦ ط دار المنار للنشر والتوزيع ـ القاهرة عام ١٤٠٦) قال :

اجتهد علي في الحكم في قضية الزبية ، وأقره النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ما حكم به ، وتفصيل هذه القضية أن جماعة في اليمن حفروا زيبة فوقع فيها أسد ، فتزاحم الناس عليها ، فوقع فيها رجل ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور أحمد سخراوي عبد السّلام الأندونيسي في «الإمام الشافعي في مذهبيه القديم والجديد» (ص ١٥٧ ط ١ دار الكتب ومكتبة الشباب ـ القاهرة عام ١٤٠٨) قال :

فقد روى سماك بن حرب عن حنش ، عن علي رضي‌الله‌عنه أنه قال : بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن فأزبى قبائل الناس زبية الأسد ـ فذكر مثل ما تقدم.

مستدرك

قضاوته عليه‌السلام في الأرغفة

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٧١ وج ١٧ ص ٤٨٧ ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٧ ط دمشق) قالا :


عن زر بن حبيش قال : جلس رجلان يتغديان مع أحدهما خمسة أرغفة ، ومع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضع الغداء بينهما ، مر بهما رجل فسلم فقالا : اجلس للغداء ، فجلس وأكل معهما ، واستووا في أكلهم الأرغفة الثمانية ، فقام الرجل فطرح إليهما ثمانية دراهم وقال : خذوها عوضا مما أكلت لكما ونلت من طعامكما فتنازعا ، فقال صاحب الأرغفة الخمسة : لي خمسة دراهم ولك ثلاثة ، وقال صاحب الأرغفة الثلاثة : لا أرضى إلا أن تكون الدراهم بيننا نصفين ، فارتفعا إلى أمير المؤمنين ، فقصا عليه قصتهما ، فقال لصاحب الثلاثة : قد عرض صاحبك ما عرض ، وخبزه أكثر من خبزك فارض بالثلاثة ، فقال : والله ما رضيت إلا بمر الحق ، فقال علي : ليس لك في الحق إلا درهم واحد ، وله سبعة دراهم ، فقال الرجل : سبحان الله! قال : هو ذاك ، قال : فعرفني الوجه في مر الحق حتى أقبله ، فقال علي : أليس الثمانية الأرغفة أربعة وعشرين ثلثا أكلتموها وأنتم ثلاثة أنفس ، ولا يعلم الأكثر أكلا منكم ولا الأقل ، فتحملون في أكلكم على السواء ، فأكلت أنت ثمانية أثلاث ، وإنما لك تسعة أثلاث ، وأكل صاحبك ثمانية أثلاث ، وله خمس عشر ثلثا أكل منها ثمانية وبقي سبعة ، وأكل لك واحدا من تسعة فلك واحد بواحد وله سبعة. فقال الرجل : رضيت الآن.(الحافظ جمال الدين المزي في تهذيبه).

ومنهم العلامة الشيخ أبو الجواد البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ص ٥٧ والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال :

وأما علمه فقد كان رضي‌الله‌عنه غزير العلم ، ومما وقع له من الغرائب في العلم ما قاله ابن العمّار في الذريعة والمحب الطبري وغيرهما قال : جلس رجلان يأكلان ومع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة فخلطا الأرغفة ، فمر بهما رجل فسلم عليهما فقالا له : اجلس ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جامع الأحاديث».

ومنهم العلامة الشيخ صلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي في «الوافي بالوفيات»


(ج ٢١ ص ٢٧٢ ط دار النشر فرانزشتايز ـ ألمانيا) قال :

قال أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، قال : جلس رجلان يتغذيان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة ، فلما وضعا ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جامع الأحاديث».

ومنهم العلامة جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي المتوفى سنة ٧٤٢ في «تهذيب الكمال» (ج ٢٠ ص ٤٨٦ ط مؤسسة الرسالة) قال :

وقال أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، جلس رجلان يتغذيان مع أحدهما خمسة أرغفة ومع ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جامع الأحاديث».

ومنهم العلامة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي المتوفى سنة ٧٥٠ في «بغية المرتاح إلى طلب الأرباح» (ص ٩٠ والنسخة مصورة من إحدى مكاتب لندن) قال:

من ظرف قضاياه رضي‌الله‌عنه أن رجلين جلسا للغذاء مع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة ، فمر بهما مار فدعياه ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جامع الأحاديث».

ومنهم الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الخزرجي التلمساني في «تخريج الدلالات السمعية» (ص ٢٦٧ ط القاهرة) قال :

وعن زر بن حبيش قال : جلس رجلان يتغذيان ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جامع الأحاديث».

ومنهم العلامة القاضي الشيخ محمود بن سليمان الكفوي المتوفى سنة ٩٩٠ في كتابه «كتائب أعلام الأخيار» (ص ٤٧ مصورة مكتبة طوپ قاپوسراي باستانبول) قال :


وأدق منه ما روي عنه رضي‌الله‌عنه في من له خمسة أرغفة وللآخر ثلاثة أرغفة ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جامع الأحاديث».

ومنهم الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في «العلم والعلماء» (ص ١٧٣ ط دار الكتب السلفية بالقاهرة) قال :

ومن عجائب قضاء علي رضي‌الله‌عنه ما أخرج الطبراني عن زر بن حبيش ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الشيخ محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

جلس اثنان يتغديان ، ومع أحدهما خمسة أرغفة ، والآخر ثلاثة أرغفة ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٢٨ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

عن زر بن حبيش ، قال : جلس اثنان يتغذيان مع أحدهما خمسة أرغفة وآخر ثلثة أرغفة ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الشيخ محمد خير المقداد في «مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة» للعلامة الصفوري (ص ١٧٩ ط دار ابن كثير ، دمشق وبيروت) قال :

قال المحب الطبري : جلس رجلان يأكلان مع أحدهما خمسة أرغفة ـ فذكر مثل ما تقدم.


ومنهم الفاضل المعاصر أحمد عبد الجواد المدني في «المعاملات في الإسلام» (ص ٣٠ ط مؤسسة الإيمان ودار الرشيد ـ بيروت ودمشق) قال :

عن زر بن حبيش قال : جلس رجلان يتغديان ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جامع الأحاديث».

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ١٠٥ ، ص بيروت سنة ١٤٠٤) قال :

جلس رجلان يتغديان ومع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ـ فذكر مثل ما تقدم.

مستدرك

أمر علي عليه‌السلام الزوجين أن يبعثا

حكما من أهلهما

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الدكتور محمد جميل غازي في «من مفردات القرآن» (ص ٢٤٢ ط مطبعة المدني بمصر) قال :

يقول ابن عباس رضي‌الله‌عنهما في قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما) : هذا الرجل والمرأة إذا تفاسد الذي بينهما أمر الله أن تبعثوا رجلا صالحا من أهل الرجل ، ورجلا صالحا من أهل المرأة فينظر أن أيهما المسيء؟

ويقول عبدة السلماني رضي‌الله‌عنه : جاء رجل وامرأة إلى علي ومعهما فئام ـ أي


جماعة ـ من الناس ، فأمرهم علي أن يبعثوا حكما من أهله ، وحكما من أهلها ، ثم قال للحكمين : تدريان ما عليكما ، عليكما أن تجمعا ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، قالت المرأة : رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولي ، وقال الرجل : أما الفرقة فلا ، فقال : كذبت والله حتى تقر مثل الذي أقرت به.

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في «علي إمام الأئمة» (ص ٢٢٩ ط دار مصر للطباعة) قال :

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يسنده أهل العلم إلى الإمام الباقر حيث قال : دخل أمير المؤمنين المسجد فاستقبله شاب يبكى وحوله جماعة يسكتونه. فسأله : ما أبكاك؟ فقال : يا أمير المؤمنين إن شريحا القاضي قضى قضاء لا أرى وجهه. فسأله الإمام عن القضية فقال : إن هؤلاء النفر خرجوا وأبي معهم في سفر ثم رجعوا ولم يرجع أبي ، فسألتهم عنه فقالوا : لقد مات أبوك. فسألتهم عن ماله فقالوا : ما ترك مالا. فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم ، وقد علمت يا أمير المؤمنين أن أبي خرج ومعه مال كثير ، فأمرهم أمير المؤمنين أن يرجعوا إلى شريح فرجعوا إليه والفتى معه ، فقال له أمير المؤمنين : كيف قضيت يا شريح بين هؤلاء؟ قال : لقد ادعى هذا الفتى على هؤلاء النفر أنهم خرجوا في سفر وأبوه معهم فرجعوا ولم يرجع أبوه ، فسألتهم عنه فقالوا : إنه مات. فسألتهم عن ماله فقالوا : ما خلف مالا. فقلت للفتى : هل لك بينة على ما تدعي؟ قال : لا بينة عندي ، فاستحلفتهم يا أمير المؤمنين. فقال أمير المؤمنين : هيهات يا شريح! ما هكذا تحكم في مثل هذا. قال شريح : فكيف أحكم يا أمير المؤمنين؟ فقال كرم الله وجهه : والله لأحكمن فيهم بحكم داود النبي


عليه‌السلام.

ثم دعا كرم الله وجهه قنبرا مولاه قائلا : ادع لي بشرطة الخميس ـ والشرطة العسكرية ـ فلما حضروا وكلّ بكل رجل منهم رجلا من الشرطة ثم نظر إلى وجوههم فقال : ما ذا تقولون؟ هل تقولون إني لا أعلم ما صنعتم بوالد هذا الفتى ، إني إذا لجاهل. ثم قال للشرطة : فرّقوهم وغطوا رءوسهم. ففرقوا بينهم ، وأقيم كل رجل منهم إلى جانب أسطوانة من أساطين المسجد فغطاهم بثيابهم ، ثم دعا كاتبه فقال : هات صحيفة ودواة. ثم جلس الإمام في مجلس القضاء وجلس الناس إليه ، فقال لهم : إذا أنا كبرت فكبروا ، ثم قال للناس : اخرجوا ، ثم دعا بواحد من المتهمين فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه ، ثم قال لكاتبه : اكتب إقراره وما يقول. ثم أقبل عليه بالسؤال فقال له : في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم؟ قال الرجل : في يوم كذا وكذا. فسأله الإمام : وفي أي شهر؟ قال : في شهر كذا وكذا. قال الإمام : وإلى أي مكان بلغتم في سفركم حتى مات أبو هذا الفتى؟ قال : بلغنا موضع كذا وكذا. قال : وفي منزل من مات هذا الرجل؟ قال : في منزل فلان ابن فلان. قال الإمام : ما ذا كان مرضه وكم يوما مرض؟ قال : كذا وكذا. ثم ما زال الإمام يسأله : من غسله؟ من كفنه؟ بما ذا كفنتموه؟ من صلّى عليه؟ ثم من نزل في قبره؟. فلما سأله الإمام عن جميع ما يريد كبر كرم الله وجهه فكبر الناس جميعا ، فارتاب الباقون ولم يشكوا في أن صاحبهم أقر عليهم وعلى نفسه. وأمر الإمام أن يغطى رأسه وينطلق به إلى السجن. ثم دعا بآخر فأجلسه بين يديه وكشف عن وجهه ثم قال : زعمتم أني لا أعلم ما صنعتم؟ فقال : يا أمير المؤمنين ما أنا إلا واحد من القوم ، ولقد كنت كارها لقتله. وما زال الإمام يدعو واحدا بعد واحد حتى أقروا بالقتل وأخذ المال. ثم أمر بردّ الذي حبس فأقر أيضا ، فألزمهم الإمام المال والدم.

ومنهم العلامة الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري»


(ج ١ ص ١٠٧ طبع بيروت) قال :

قال أصبغ بن نباتة : إن شابا شكى إلى علي رضي الله تعالى عنه نفرا فقال : إن هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر فعادوا ولم يعد أبي فسألتهم ـ فذكر مثل ما تقدم عن «على إمام الأئمة» بتفاوت قليل في اللفظ.

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٥٩٠ ط دمشق) قالا :

عن سعد بن وهب قال : خرج قوم فصحبهم رجل فقدموا وليس معهم ، فاتهمهم أهله ، فقال شريح : أين شهودكم أنه قتل صاحبكم؟ وإلا حلفوا بالله ما قتلوه ، فأتوا عليا رضي‌الله‌عنه قال سعيد : وأنا عنده ففرق بينهم فاعترفوا ، فسمعت عليا يقول : أنا أبو الحسن القرم! فأمر بهم علي رضي‌الله‌عنه فقتلوا.(قط).

عن ابن سيرين ، عن علي رضي‌الله‌عنه : في الرجل سافر مع أصحاب له فلم يرجع حين رجعوا ، فاتهم أهله أصحابه فرفعوهم إلى شريح ، فسألهم البينة على قتله ، فارتفعوا إلى علي رضي‌الله‌عنه وأخبروه بقول شريح. فقال علي :

أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل ثم قال : إن أهون السقي التشريح ، قال : ثم فرق بينهم وسألهم ، فاختلفوا ثم أقروا بقتله فقتلهم به.(أبو عبيد في الغريب ق).

ومنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في «معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين» (ج ٨ ص ١٤٥ ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال :

وقرر علي بن أبي طالب متهمين بالقتل وأوهمهم أن أحدهم اعترف ، إذ فرق بين المدعى عليهم القتل ، وأسرّ إلى أحدهم ، ثم رفع صوته بالتكبير ، فوهم الآخر


إنه قد أقر ، ثم دعا بالآخر فسأله فأقر ، حتى أقروا كلهم.

ومنهم العلامة القاضي أبو العباس أحمد بن محمد الجرجاني الثقفي المتوفى سنة ٤٨٢ في «المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء» (ص ١٢٦ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

قرأت في كتاب الجمهرة لأبي هلال العسكري قال : خرج قوم في خلافة علي رضي‌الله‌عنه في سفر فقتل بعضهم بعضا ، فلما رجعوا طالبهم وأمر شريحا بالنظر فحكم بإقامة البينة ، فقال علي رضي‌الله‌عنه متمثلا :

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا تورد يا سعد الإبل

أراد أنه قصر ولم يستقص كما قصر صاحب الإبل عند إيرادها.

والمثل لمالك بن زيد مناة بن تميم وقد رأى أخاه سعدا أورد إبله ولم يحسن القيام عليها ، فتمثل بذلك. أي سعد مشتمل بكسائه نائم غير مشمر للسقي. فصار مثله للذي يقصر في الأمور ويؤثر الراحة على المشقة. قال :

ثم إن عليا عليه‌السلام والرضوان فرق بينهم وسألهم واحدا واحدا فاختلفوا فلم يزل يبحث حتى أقروا فقتلهم. انتهى.

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر أحمد عبد الجواد المدني في «المعاملات في الإسلام» (ص ٢٥ ط مؤسسة الإيمان ودار الرشيد ـ بيروت ودمشق) قال :

عن حنش بن المعتمر قال : جاء إلى علي رضي‌الله‌عنه رجلان يختصمان في بغل ، فجاء أحدهما بخمسة يشهدون أنّه نتجه ، وجاء الآخر بشاهدين يشهدان أنه نتجه ،


فقال للقوم وهو عنده : ما ذا ترون؟ أقضي بأكثرهما شهودا ، فلعل الشاهدين خير من الخمسة ، ثم قال : فيها قضاء وصلح ، وسأنبئكم بالقضاء والصلح : أما الصلح فيقسم بينهما لهذا خمسة أسهم ولهذا سهمان ، وأما القضاء بالحق : فيحلف أحدهما مع شهوده أنه بغله ما باعه ولا وهبه فيأخذ البغل ، وإن شاء أن يغلظ في اليمين ثم يأخذ البغل ، فإن تشاححتما أيكما يحلف أقرعت بينكما على الحلف فأيكما قرع حلف ، فقضى بهذا وأنا شاهد. أخرجه عبد الرزاق والبيهقي في السنن الكبرى.

وذكر أيضا في ص ٢٦ :

عن يحيى الجزار قال : اختصم إلى علي رضي‌الله‌عنه رجلان في دابة وهي في يد أحدهما ، فأقام هذا بينة أنها دابته وأقام هذا بينة أنها دابته ، فقضى للذي في يده ، قال : وقال علي : إن لم تكن في يد واحد منهما فأقام كل واحد منهما بينة أنها دابته فهي بينهما. أخرجه عبد الرزاق والبخاري ومسلم.

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما رواه القوم

فمنهم الفاضل المعاصر المحامي صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ٢١١ ط دار العلم للملايين) قال :

ومن أقضية الإمام علي ، في هذا الشأن ، أن رجلا وامرأة شوهدا بحالة الجماع. فزعم الرجل أن المرأة زوجته ، ووافقته هي على قوله. فدرأ الإمام عنهما الحد بسبب الشبهة.

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما رواه القوم في كتبهم :

فمنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي


المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٢٣٣ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :

عن الحسن بن سعد ، عن أبيه أن محصن وصفية كانا من سبي الخمس فزنت صفية برجل من الخمس وولدت غلاما فادعى الزاني ومحصن فاختصما إلى عثمان فرفعهما عثمان إلى علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فقال علي : أقضى فيها بقضاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، وجلدهما خمسين خمسين.(الدورقي).

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما أورده العلامة الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المالكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ١ ص ١٠٦) قال :

خاصم غلام من الأنصار أمه إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فجحدته فسأله البينة فلم تكن عنده وجاءت المرأة بنفر شهدوا أنها لم تتزوج وأن الغلام كاذب عليها وقد قذفها فأمر عمر بضربه فلقيه علي رضي الله تعالى عنه فسأل عن أمرهم فدعاهم ثم قعد في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسأل المرأة فجحدت فقال للغلام : أجحدها كما جحدتك ، فقال : يا ابن عم رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم ، إنها أمي ، قال : أجحدها وأنا أبوك والحسن والحسين أخواك. قال : جحدتها وأنكرتها ، فقال علي لأولياء المرأة : أمري في هذه المرأة جائز؟ قالوا : نعم وفينا أيضا ، فقال علي : أشهد من حضر أني قد زوجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه ، يا قنبر ائتني بطينة فيها دراهم فأتاه بها فعد أربعمائة وثمانين درهما فقذفها مهرا لها وقال للغلام : خذ بيد امرأتك ولا تأتنا إلا وعليك أثر العرس ، فلما ولّى قالت المرأة : يا أبا الحسن الله الله هو النار هو والله ابني ، قال : كيف ذلك ، قالت : إن أباه


كان زنجيا وإن إخوتي زوجوني منه فحملت بهذا الغلام وخرج الرجل غازيا فقتل وبعث بهذا إلى حي بني فلان فنشأ فيهم وأنفت أن يكون ابني ، فقال علي : أنا أبو الحسن ، وألحقه وثبت نسبه.

وقال أيضا في ص ١٠٧ :

أتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه برجل أسود ومعه امرأة سوداء فقال : يا أمير المؤمنين إني أغرس غرسا أسود وهذه سوداء على ما ترى فقد أتتني بولد أحمر ، فقالت المرأة : والله يا أمير المؤمنين ما خنته وإنه لولده ، فبقي عمر لا يدري ما يقول ، فسأل عن ذلك عليا ، فقال للأسود : إن سألتك عن شيء أتصدقني؟ قال : أجل والله ، قال : هل واقعت امرأتك وهي حائض؟ قال : قد كان ذلك ، قال علي : الله أكبر إن النطفة إذا خلطت بالدم فخلق الله عزوجل منها خلقا كان أحمر فلا تنكر ولدك فأنت جنيت على نفسك.

قال جعفر بن محمد : أتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه ، فلما لم يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ، ثم جاءت إلى عمر رضي الله تعالى عنه صارخة فقالت : هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي وهذا أثر فعاله ، فسأل عمر النساء فقلن له : إن ببدنها وثوبها أثر المني ، فهمّ بعقوبة الشاب فجعل يستغيث ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري فو الله ما أتيت فاحشة وما هممت بها ، فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت ، فقال عمر : يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما؟ فنظر علي إلى ما على الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان فصب على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت.

وقال أيضا في ص ١٠٦ :


دفع رجلان من قريش إلى امرأة مائة دينار وديعة وقالا : لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ، فلبثا حولا وجاء أحدهما فقال : إن صاحبي قد مات فادفعي إليّ الدنانير فأبت وقالت : إنكما قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه فلست بدافعتها إليك فثقل عليها بأهلها وجيرانها حتى دفعتها إليه ، ثم لبثت حولا آخر فجاء الآخر فقال : ادفعي إليّ الدنانير ، فقالت : إن صاحبك جاءني فزعم أنك قدمت فدفعتها إليه. فاختصما إلى عمر رضي الله تعالى عنه فأراد أن يقضى عليها فقالت : ارفعنا إلى علي بن أبي طالب ، فعرف علي أنهما مكرا بها فقال : أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد دون صاحبه؟ قال : بلى ، قال : مالك عندها فاذهب فجيء بصاحبك حتى تدفعه إليكما.

وقال أيضا في ص ١٠٨ :

أتى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه بامرأة زنت فأقرت فأمر برجمها ، فقال علي رضي الله تعالى عنه : لعل بها عذرا ثم قال لها : ما حملك على الزنا؟ قالت : كان لي خليط وفي إبله ماء ولبن ولم يكن في إبلي ماء ولبن فظمئت فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي فأبيت عليه ثلاثا فلما ظمئت وظننت أن نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد فسقاني ، فقال علي : الله أكبر (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وقال أيضا :

كانت عند رجل يتيمة وكان للرجل امرأة وكان كثير الغيبة عن أهله فشبت اليتيمة فخافت المرأة أن يتزوجها زوجها فدعت نسوة أمسكنها لها فأخذت عذرتها بإصبعها فلما قدم زوجها من غيبته رمتها المرأة بالفاحشة وأقامت البينة من جاراتها اللاتي ساعدنها على ذلك ، فسأل المرأة : ألك شهود؟ قالت : نعم هؤلاء جاراتي يشهدن بما أقول فأحضرهن علي وأحضر السيف وطرحه بين يديه وفرق بينهن فأدخل كل


امرأة بيتا فدعا امرأة الرجل فأرادها بكل وجه فلم تزل على قولها فردها إلى البيت الذي كانت فيه ودعا بإحدى الشهود وجثى على ركبتيه وقال : قالت المرأة ما قالت ورجعت إلى الحق وأعطيتها الأمان وإن لم تصدقيني لأفعلن ولأفعلن. فقالت : لا والله ما فعلت إلا أنها رأت جمالا وهيبة فخافت فساد زوجها فدعتنا وأمسكناها لها حتى افتضتها بإصبعها ، فقال علي : الله أكبر أنا أول من فرق بين الشاهدين ، فألزم المرأة حد القذف وألزم النسوة جميعا العفو وأمر الرجل أن يطلق المرأة وزوجه اليتيمة وساق إليها المهر من عنده.

وقال أيضا في ج ٢ ص ١٠٣ :

أجابته من سأله وهو يخطب على المنبر عمن مات عن زوجة وبنتين وأبوين ارتجالا : صار ثمنها تسعا ، ومضى في خطبته وتلقب هذه المسألة بالمنبرية.

وقال في ج ٢ ص ١٠٥ :

إجابته من سأله وهو يخطب على المنبر عمن مات عن زوجة وبنتين وأبوين ارتجالا : صار ثمنها تسعا ، ومضى في خطبته وتلقب هذه المسألة بالمنبرية.

جاءته امرأة تشكو قاضية شريحا فقالت : يا أمير المؤمنين إن أخي مات وترك ستمائة دينار فلم يعطني إلا دينارا واحدا. فقال لها بديهة : لعل أخاك ترك بنتين واما وزوجة واثني عشر أخا معك ، فقالت : نعم ، قال : ذلك حقك ما ظلمك ، وتلقب هذه بالدينارية الكبرى.

جلس رجلان يتغذيان ومع أحدهما خمسة أرغفة ومع الآخر ثلاثة أرغفة وجلس إليهما ثالث واستأذنهما في الأكل معما فأكلوا كلهم ، ثم ألقى إليهما ثمانية دراهم وقال : هذا عوض ما أكلت من طعامكما ، فتنازعا في قسمتها فقال صاحب الخمسة : لي خمسة ولك ثلاثة ، وقال صاحب الثلاثة : بل نقسمها على السواء ، فترافعا إلى علي رضي الله تعالى عنه فقال لصاحب الثلاثة : اقبل من صاحبك ما


عرض عليك ، فأبى وقال : ما أريد إلا مرّ الحق ، فقال له علي : لك في مر الحق درهم واحد وله سبعة ، قال : وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال : لأن الثمانية أربعة وعشرون ثلثا لصاحب الخمسة خمسة عشر ولك تسعة وتحملون في الأكل على السوية فأكلت ثمانية وبقي لك واحد وأكل صاحبك ثمانية وبقي له سبعة وأكل الثالث ثمانية سبعة لصاحبك وواحدا لك ، فقال : رضيت الآن.

سئل عن مخرج الكسور التسعة النصف والثلث والربع والخمس والسدس والسبع والثمن والتسع والعشر ، فقال على البديهة : اضرب أيام أسبوعك في أيام سنتك.

ومن جملة أقضيته عليه‌السلام

ما رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور أحمد فتحي بهنسي في «العقوبة في الفقه الإسلامي» (ص ١٣٩ ط دار الرائد العربي) قال :

قال أبو يوسف : حدثنا الأعمش ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : كنت قاعدا عند علي رضي‌الله‌عنه ، فجاء رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني قد سرقت ، فانتهره ثم عاد الثانية ، فقال : إني قد سرقت ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : قد شهدت على نفسك شهادة تامة ، قال : فأمر به فقطعت يده ، قال : وأنا رأيتها معلقة في عنقه.

ومن جملة أقضيته عليه‌السلام

ما رواه جماعة من أعلام القوم في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر عبد الخالق النواوي في «التشريع الجنائي في الشريعة


الإسلامية والقانون الوضعي» (ص ٨٦ ط دار الثقافة ـ بيروت) قال :

قضاء علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه في امرأة تزوجت ولما كان ليلة زفافها أدخلت صديقها الحجلة (بيت العروس) سرا وجاء الزوج فدخل الحجلة فوثب عليه الصديق فاقتتلا فقتل الزوج الصديق وقتلت المرأة الزوج فقضى علي بن أبي طالب بقتل المرأة بالزوج ولم يعتبرها مدافعة عن نفسها أو عن غيرها.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه «أئمة الفقه التسعة» (ج ٢ ص ٤٧ ط الهيئة المصرية العامة للكتاب) قال :

فقد أدخلت فتاة في ليلة زفافها إلى بيتها شابا كانت تعشقه وأخفته ، واكتشفه الزوج فقتله ، فحكم الإمام على الزوجة الخائنة بالقتل وعفا عن الزوج لأنه يدافع عن عرضه.

ومن جملة أقضيته عليه‌السلام

ما رواه القوم في كتبهم :

فمنهم علامة الأدب واللغة عبد الملك الأصمعي في «فحولة الشعراء» (ص ١٧ ط دار الكتاب الجديد ـ بيروت) قال :

وكان النجاشي بن الحارثية شرب الخمر فضربه علي بن أبي طالب (رضه) مائة سوط ثمانين للسكر وعشرين لحرمة رمضان ، وكان وجده في رمضان سكران ، فلما ضربه ذهب إلى معاوية ونال من علي رضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «معجم شيوخ الذهبي» (ص ٥٣٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :


أنبأنا محمد بن عربشاه المفيد وقرأت على أبي الحسين بن الفقيه وغيره قالوا : أنا ابن صباح ، أنا ابن رفاعة ، أنا الخلعي ، أنا عبد الرحمن بن عمر ، أنا أبو سعيد الأعرابي ، أنا سعدان ، نا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن محمد بن علي ، أن عليا جلد رجلا في الخمر أربعين جلدة بسوط له طرفان.

ومن أقضيته عليه‌السلام

ماأورده القوم

فمنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في كتابه «أئمة الفقه التسعة» (ج ٢ ص ٥٣ ط الهيئة المصرية العامة للكتاب) قال :

وحدث في عهد عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه أن امرأة بالمدينة أحبت شابا من الأنصار ، ولكنه لم يطعها فيما تريد ، فجاءت بيضة وألقت صفرتها ، وسكبت البياض على فخذيها وثوبها ، ثم جاءت إلى الخليفة عمر صارخة فقالت : إن ببدنها وثوبها آثار الرجل.

فهم بعقوبة الشاب ، فأخذ يستغيث ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري ، فو الله ما أتيت فاحشة ولا هممت بها ، فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. فنظر عمر إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقال : يا أبا الحسن ما ترى في أمرها. فنظر علي إلى ما على الثوب ، ودعا بماء حار شديد الغليان ، فصب على الثوب فجمد البياض ، وظهرت رائحة البيض ، فزجر الخليفة أمير المؤمنين عمر رضي‌الله‌عنه المرأة فاعترفت ، وعاقبها.

ومن رأي الإمام أحمد أنه لا يؤخذ بالظاهر على إطلاقه حتى إذا اعترف المذنب. وقد روى أنه حدث في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، أن أتي برجل وجد في خربة بيده سكين ملطخ بالدم وبين يديه قتيل يتشحط في دمه فسأله


أمير المؤمنين فقال : أنا قتلته. فقال : اذهبوا به فاقتلوه. فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرعا ، فقال : يا قوم لا تعجلوا ، ردوه إلى علي. فردوه. فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه ، أنا قتلته. فقال علي للأول : ما حملك على أن قلت أنا قاتله ولم تقتله؟ قال : يا أمير المؤمنين وما أستطيع أن أصنع ، وقد وقف العسس على الرجل يتشحط في دمه ، وأنا واقف وفي يدي سكين وفيها أثر الدم وقد أخذت في خربة؟ فخفت ألا يقبل مني ، فاعترفت بما لم أصنع ، واحتسبت نفسي لله. فقال علي : بئسما صنعت! فكيف كان حديثك؟ فقال الرجل : إنه قصاب ذبح بقرة وسلخها ، وأخذه البول فأسرع إلى الخربة يقضي حاجته والسكين بيده ، فرأى القتيل فوقف ينظر إليه فإذا بالشرطة تمسك به. وأما القاتل فاعترف بأن الشيطان زين له أن يذبح القتيل ليسرقه ثم سمع خطو أقدام فاختفى في الظلام ، حتى دخل القصاب فأدركه العسس فأمسكوا به ، ولما رأى الخليفة أمر بقتل القصاب ، خشي أن يبوء بدمه فاعترف. وأخلى على سبيل القاتل لأنه إن كان قد قتل نفسا فقد أحيا نفسا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. وأخرج الدية من بيت المال.

وقال أيضا في ص ١٥٧ :

فابن حزم قد اعتمد في بعض فقهه على أن عمر بن الخطاب كان يستفتي عليا بن أبي طالب فيما يغم عليه من الأحكام ويقول : علي أقضانا. فإذا عرضت لعمر قضية ولم يجد عليا قال : فضية ولا أبا الحسن لها.

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما أورده الفاضل المذكور في «علي إمام المتقين» (ج ١ ص ٧٤ ط مكتبة غريب) قال :

فقد جاء رجل إلى الرسول وعلي يومئذ باليمن فقال الرجل : شهدت عليا أتى في


ثلاثة نفر ادعوا ولد امرأة ، فطلب علي من كل واحد منهم أن يدع الولد للآخر ، فأبوا جميعا قال : أنتم شركاء مشاكسون وسأقرع بينكم فأيكم أصابته القرعة فهو له وعليه ثلثا الدية. فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت نواجذه ، وقال : ما أعلم فيها إلا ما قاله علي.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالسا مع علي وجماعة من الصحابة فجاء خصمان فقال أحدهما : يا رسول الله إن لي حمارا ، وإن لهذا بقرة ، وإن بقرته قتلت حماري. فقال رجل من الحاضرين : لا ضمان على البهائم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقض بينهما يا علي. فقال علي لهما : أكانا مرسلين أم مشدودين أم كان أحدهما مشدودا والثاني مرسلا؟ فقالا : كان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة وصاحبها معها. فقال علي : على صاحب البقرة ضمان الحمار. أي تعويضه. فأقر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكمه وأمضى قضاءه.

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينصح الصحابة باستشارة علي كرم الله وجهه ويقول لهم : علي أقضاكم. من أجل ذلك حرص خلفاء الرسول على استفتائه ..

وحين قاد خالد بن الوليد أحد جيوش الفتح المظفرة كتب إلى الخليفة أبي بكر : وجدت في بعض ضواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة فما عقابه؟ ولم يجد أبو بكر نصا في القرآن ولا في السنة عن جزاء هذه الجريمة فجمع نفرا من الصحابة فسألهم ، وفيهم علي بن أبي طالب ، وكان أشدهم يومئذ قولا ، قال : إن هذا ذنب لم تعص به أمة من قبل إلا قوم لوط ، فعمل بها ما قد علمتم فأحرقهم الله تعالى وأحرق ديارهم ، أرى أن تحرقوه بالنار. فكتب أبو بكر إلى خالد : أحرقه بالنار.

وسئل عن فداء أسرى المسلمين الجرحى من أيدي المرتدين فقال : نفادي من كانت جراحاته بين يديه دون من كانت من ورائه ، فإنه فار.

وفي الحق أن اجتهاده كان دائما في الأمور المشكلة والقضايا الصعبة.

من ذلك أن رجلا فر من رجل يريد قتله ، فأمسكه له آخر حتى أدركه فقتله ،


وبقربه رجل ينظر إليهما ، وهو يقدر على إنقاذه ، ولكنه وقف ينظر. فأفتى علي كرم الله وجهه بأن يقتل القاتل ، ويحبس الممسك حتى يموت ، وتفقأ عين الناظر الذي وقف ينظر إلى الجريمة ، ولم يمنع وقوعها وهو قادر على ذلك بلا حرج.

ومن ذلك أن رجلين احتالا على الناس ، فأصابا منهم أموالا طائلة وذلك أن كل واحد منهما كان يبيع الآخر على أنه عبد ، ثم يهربا من بلد إلى بلد ، يكرران الفعل نفسه ، فحكم بقطع أيديهما ، لأنهما سارقان لأموال الناس.

ومن ذلك أن امرأة تزوجت ، فلما كانت ليلة زفافها أدخلت صديقها مخدعها سرا ، ودخل الزوج المخدع فوجد العشيق فاقتتلا ، فقتل الزوج غريمه فقتلت المرأة زوجها. فقضى بقتل المرأة في زوجها الذي قتلته ، وبدية العشيق على المرأة ، لأنها هي التي عرضته لأن يقتله زوجها فهي المتسببة في قتله ، أما الزوج فإنما قتل غريمه دفاعا عن العرض ، فهو قتل مشروع لا عقاب عليه ولا دية ولا تعويض.

ثم إنه أفتى بألا يحبس المدين في الدين وقال : حبس الرجل بعد أن يعلم ما عليه ظلم.

وقال أيضا في ص ٩٢ :

من أجل ذلك كان عمر يحيل إليه المعضلات التي تحتاج إلى الذكاء وسعة العلم.

وروى الإمام جعفر الصادق عن جده الإمام علي : أتى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار ، وكانت تهواه فلما لم يساعدها احتالت عليه ، فأخذت بيضة فألقت صفرتها ، وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ثم جاءت بالشاب إلى عمر صارخة ، فقالت : هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له : إن ببدنها وثوبها أثر المني.

فهمّ عمر بعقوبة الشاب ، فجعل الشاب يستغيث ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري ، فو الله ما أتيت بفاحشة ، ولا هممت بها ، فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. فقال عمر رضي‌الله‌عنه لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه : يا أبا الحسن ما ترى في


أمرهما؟

فنظر علي كرم الله وجهه إلى المرأة يقرأ صفحة وجهها ، ونظر إلى ما على الثوب ، ثم دعا بماء حار شديد الغليان ، فصبه على الثوب فجمد ذلك البياض ، ثم أخذه واشتمه وذاقه ، فعرف رائحة البيض وطعم البيض ، وزجر المرأة فاعترفت فأطلق الشاب البريء ، وأقيم عليها حد القذف.

ورفعت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قد زنت ، فسألها عن ذلك ، فقالت في يسر : نعم يا أمير المؤمنين. وأعادت ذلك وأيدته ، كأنها لم تقترف ذنبا وعلي يسمع ويتأمل.

فقال علي كرم الله وجهه : إنها لتستهل به استهلال من لا يعلم أنه حرام. فأعلمها بحرمة الزنا ، ودرأ عنها الحد.

وأفتى علي بأن كل من يستكره على ذنب يعفى من العقاب ويعاقب من أكرهه ، فإذا اضطر أجير على السرقة لأنه لم يجد ما يأكله ، لم تقطع يده ، وإنما قطعت يد الذي استأجره ولم يعطه أجره ، فهو الذي أكرهه على السرقة أو بالقليل وجب عليه التعويض مضعفا.

ويروى أن عليا كان في مجلسه يعلم الناس بالمسجد ، إذ سمع ضجة ، فلما سأل عنها قيل له : رجل سرق ومعه من يشهد عليه.

فشهد شاهدان عليه أنه سرق ، فجعل الرجل يبكي ويناشد عليا أن يتثبت في أمره. فخرج علي إلى الناس بالسوق ، فدعا بالشاهدين ، فناشدهما الله وخوفهما ، فأقاما على شهادتهما ، فلما رآهما لا يرجعان دعا بالسكين وقال : ليمسك أحدكما يده ويقطع الآخر. فتقدما ليقطعاه ، فهاج الناس ، واختلط بعضهم ببعض ، وقام علي من مكانه ، فترك الشاهدان الرجل ، وهربا.

وجاءت إلى علي رضي‌الله‌عنه امرأة فقالت : إن زوجي وقع على جاريتي بغير أمري. فقال للرجل : ما تقول؟ قال : ما وقعت عليها إلا بأمرها. فقال علي : إن كنت


صادقة رجمته ، وإن كنت كاذبة جلدتك حد القذف ثمانين جلدة ، وأقيمت الصلاة ، فقام علي كرم الله وجهه ليصلى ، وفكرت المرأة ، فلم تر لها فرجا في أن يرجم زوجها ، ولا في أن تجلد فولت هاربة ، ولم يسأل علي عنها.

وكان يقول : ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه ، لهذا كان في قضائه يحاور ويتأمل ، وهو أول من فرق بين الشهود ، واستمع لكل شاهد على حده ، فاستطاع أن يتبين الحقيقة وأمن تأثير الشهود بعضهم على بعض.

من ذلك أن امرأة أتوا بها إلى علي كرم الله وجهه ، وشهدوا عليها أنها بغت وكانت يتيمة رباها رجل كثير الغياب عن أهله وكان للرجل امرأة غيور.

فشبت اليتيمة وأصبحت حسناء فتانة ، فخافت المرأة أن يتزوجها زوجها ، فدعت نسوة من جاراتها أمسكن اليتيمة الحسناء فافتضت بكارتها بإصبعها ، فلما عاد الزوج من غيبته ، رمت الزوجة الغيور تلك اليتيمة بالفاحشة ، واستشهدت بالنسوة اللاتي ساعدنها على أخذ عذرتها.

فسأل علي المرأة : ألك شهود؟ قالت : نعم هؤلاء جاراتي يشهدن بما أقول.

فأحضرهن علي وأحضر السيف ، ودعا امرأة الرجل وحاورها طويلا فأصرت على قولها. فصرفها.

ودعا امرأة أخرى من الشهود فهددها إن لم تصدقه ليفعلن كذا وكذا. فقالت : والله ما فعلت اليتيمة فاحشة ، إلا أن زوجة الرجل رأت فيها جمالا وهيبة ، فخافت فساد زوجها ، فدعتنا ، فأمسكنا لها بالفتاة حتى افتضتها بإصبعها. فألزم المرأة حد القذف ، وألزم الرجل أن يطلقها ، وزوجه اليتيمة المفترى عليها.

وجاءوا برجل إلى عمر بن الخطاب سأله جماعة من الناس : كيف أصبحت؟ فقال : أصبحت أحب الفتنة ، وأكره الحق ، وأصدق اليهود والنصارى ، وأؤمن بما لم أره ، وأقر بما لم يخلق. فأرسل عمر إلى علي رضي‌الله‌عنهما ، فلما جاءه أخبره بمقالة الرجل.


فقال علي ضاحكا : صدق الرجل. قال الله تعالى : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) فهو يحب المال والبنين. وهو يكره الحق يعني الموت ، قال تعالى : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ، ويصدق اليهود والنصارى (قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) ، وهو يؤمن بما لم يره أي يؤمن بالله عزوجل ، ويقر بما لم يخلق يعني الساعة ، فضحك عمر وأطلق سراح الرجل.

وقال أيضا في ص ١٠٤ :

وجاءوا عمر بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور ، فأمر برجمها ، فقال له علي : هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها؟ فأطلقها عمر حتى تضع حملها.

وجاءوا عمر بامرأة أجهدها العطش ، فمرت على راع فاستسقته فأبى إلا أن تمكنه من نفسها ، ففعلت فشاور الناس في رجمها فقال علي : هذه مضطرة ، فخل سبيلها. وأشار برجم الراعي وحده. وأخذ عمر بهذا الرأي.

وقد شكا يهودي عليا إلى عمر ، وكان عمر شديد الحرص على المساواة بين الخصوم في القضاء. فقال لعلي : ساو خصمك يا أبا الحسن. فوقف علي إلى جوار اليهودي أمام عمر ، وعند ما قضى عمر وانصرف اليهودي قال عمر : أكرهت يا علي أن تساوي خصمك؟ قال : بل كرهت أن تميزني عنه فتناديني بكنيتي أبو الحسن.

وقال أيضا ج ٢ ص ٣٧٢ :

جاءوه برجل وجد في خربة بيده سكين ملطخة بالدم ، وبين يديه قتيل غارق في دمه ، فسأله أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه فقال الرجل : أنا قتلته. قال : اذهبوا به فاقتلوه ، فلما ذهبوا به أقبل رجل مسرعا فقال : يا قوم لا تعجلوا ردوه إلى أمير المؤمنين فردوه ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ما هذا صاحبه ، أنا قتلته فقال علي


للرجل الأول : ما حملك على أن قلت ، أنا قاتله ولم تقتله؟ قال : يا أمير المؤمنين وما أستطيع أن أصنع وقد وقف العسس على الرجل يتشحط في دمه ، وأنا واقف ، وفي يدي سكين ، وفيها أثر الدم ، وقد أخذت في خربة ألا يقبل مني ، فاعترفت بما لم أصنع ، واحتسبت نفسي عند الله.

فقال علي : بئسما صنعت. فكيف كان حديثك؟ قال الرجل : إني رجل قصاب ، خرجت إلى حانوتي في الغلس ، فذبحت بقرة وسلختها ، فبينما أنا أسلخها والسكين في يدي أخذني البول ، فأتيت خربة كانت بقربي فدخلتها ، فقضيت حاجتي ، وعدت أريد حانوتي ، فإذا أنا بهذا المقتول يتشحط في دمه فراعني أمره ، فوقفت أنظر إليه والسكين في يدي فلم أشعر إلا بأصحابك قد وقفوا علي ، فأخذوني. فقال الناس : هذا قتل هذا ما له قاتل سواه ، فأدركت أنك لا تترك قولهم لقولي ، فاعترفت لما لم أجنه.

فسأل علي الرجل الثاني الذي أقر بالقتل : فأنت كيف كانت قصتك؟ قال : أغواني إبليس ، فقتلت الرجل طمعا في ماله ، ثم سمعت حس العسس فخرجت من الخربة ، واستقبلت هذا القصاب على الحال التي وصف ، فاستترت منه ببعض الخربة حتى أتى العسس ، فأخذوه وأتوك به فلما أمرت يا أمير المؤمنين بقتله علمت أني سأبوء بدمه أيضا ، فاعترفت بالحق. فقال علي لابنه الحسن : ما الحكم في هذا؟ وكان يعلم أولاده على نحو ما تعلم هو من أستاذه العظيم رسول الله : يطرح القضية ويسأل عن الحكم ثم يجيز أو يصحح. فقال الحسن : يا أمير المؤمنين إن كان قد قتل نفسا فقد أحيا نفسا. وقد قال الله تعالى : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً). فأقر الإمام الحكم ، وخلى عن الرجلين ، وأخرج دية القتيل من بيت المال.

وأورد الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري بعض أقضيته عليه‌السلام في كتابه «علي إمام المتقين» (ص ١٨٠ وما بعدها) ونحن نورد بعضها بلفظه :


ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه في بنات يزدجرد آخر ملوك فارس ، وذلك على ما يرويه العلامة الزمخشري في كتابه «ربيع الأبرار» ، فيقول رحمه‌الله : لما جيء إلى المدينة بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب كان في هذا السبي ثلاث بنات ليزدجرد ، فأمر عمر رضي‌الله‌عنه ببيع البنات الثلاث ، فقال الإمام علي كرم الله وجهه : إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن من بنات السوقة. فسأله أمير المؤمنين عمر : كيف الطريق إلى العمل معهن يا أبا الحسن؟ فقال كرم الله وجهه : يقومن يا أمير المؤمنين ، ومهما بلغ ثمنهن قام به من يختارهن. وقد أخذ عمر برأي الإمام فأخذهن علي رضي‌الله‌عنه ، ثم دفع بواحدة لعبد الله بن عمر ، ودفع بالثانية إلى محمد بن أبي بكر ، ودفع بالثالثة إلى الحسين ، على أن يكون البنات الثلاث زوجات لأكفائهن من العرب. وقد ولدت زوجة الحسين عليا زين العابدين الذي ينتسب إليه كل شريف حسيني على وجه الأرض ، فيكون له بذلك في العرب أشرف الأصلاب إلى جانب أن له في الفرس أكرم الأرحام.

وذلك القضاء بلا ريب قضاء لا يتأتى إلا لمثل الإمام في شرف نفسه وغزارة علمه وفقهه ، لما انطوى عليه الإمام من معرفة لأقدار الناس وإحسان لوزن الأمور على ما يقول عبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنه : لا يزال الناس بخير ما تفاوتوا ، فإن تساووا هلكوا.

وقال في ص ١٨٧ :

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه العلامة التستري من أن أمير المؤمنين عمر جيء إليه بخمسة نفر أخذوا في قضية زناء ، فأمر رضي‌الله‌عنه أن يقام على كل واحد منهم الحد. فجاء الإمام كرم الله وجهه فقال : ليس هذا حكمهم يا أمير المؤمنين. فقال له عمر : أقم أنت الحد عليهم يا أبا الحسن. فقام فقدم واحدا منهم فضرب عنقه ، ثم قدم الثاني فرجمه ، ثم قدم الثالث فضربه الحد ، ثم قدم الرابع فضربه نصف


الحد ، ثم قدم الخامس فعزّره ، فتحير أمير المؤمنين عمر وتحير الناس معه ، فقال له : يا أبا الحسن ، خمسة نفر في قضية واحدة أقمت عليهم خمسة حدود وليس منها شيء يشبه الآخر. فقال الإمام كرم الله وجهه : أما الأول فكان ذمّيا خرج عن ذمته فلم يكن له حكم إلا السيف. وأما الثاني فرجل محصن فكان حده الرجم. وأما الثالث فغير محصن فحده الجلد. وأما الرابع فعبد فضربناه نصف الحد. وأما الخامس فمجنون مغلوب على عقله فعزّرناه.

وقال في ص ١٨٨ :

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة من أن أمير المؤمنين عمر رضي‌الله‌عنه جيء إليه بسارق فقطعه ، ثم جيء إليه به مرة ثانية فقطعه ، ثم جيء به إليه مرة ثالثة فهم بقطعه ، فقال له الإمام : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فإنك قطعت يده ورجله ، احبسه ، فحبسه.

وقال في ص ١٨٩ :

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما رواه الصدق ، من أنه جاء رجل إليه فأقر بالسرقة ، فقال له : أتقرأ شيئا من القرآن؟ قال الرجل : نعم أقرأ سورة البقرة. قال الإمام : لقد وهبت يدك لسورة البقرة. قال الأشعث الكندي : أتعطل حدا من حدود الله يا أمير المؤمنين؟ قال : وما يدريك ما هذا؟ إن البينة إذا قامت فليس للأمير أن يعفو ، ولكن الرجل إذا أقر على نفسه فذاك إلى الإمام : إن شاء عفا وإن شاء قطع.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يأثره الثقات عن الإمام جعفر الصادق رحمه‌الله ، قال : بينا أمير المؤمنين علي في ملأ من أصحابه ، إذ جاءه رجل فقال : إني أوقبت على غلام فجئت إليك أسألك أن تطهرني يا أمير المؤمنين. ولم تكد هذه الكلمات تواقع سمعه كرم الله وجهه حتى تغير لونه تغيرا يوحى إلى من يراه أنه نضو هم مقعد مقيم.


ذلك أن العرب لم تكن تعرف هذا اللون الفاحش من الشذوذ في إرواء الشهوات الحيوانية ، حتى أنهم لم يضعوا له كلمة تعبر عنه في لغتهم العربية الشريفة كما وضعوا للمفاحشة بين الرجل والمرأة كلمة الزنا ، وللمفاحشة بين المرأة والمرأة كلمة إسحاق ، فإذا ما أرادوا التعبير عن المفاحشة بين الذكور ، استخدموا كلمة اللواط يأخذونها عن قوم لوط عليه‌السلام ، وقد كانوا لعنهم الله أول الذين ابتكروا هذه الفاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين.

فلما هدأت العاصفة في صدر الإمام كرم الله وجهه ، توجه بالحديث إلى ذلك الذي جاء إليه راجيا أن يطهره ، فقال له : يا هذا عد إلى منزلك فلعل سوء مزاجك هاج بك فأوقعك في هذا البلاء المبين. ولم يسع الرجل إلا أن يصدع بأمر أمير المؤمنين فرجع إلى منزله كما أمر ، ولكنه ما لبث أن عاد إلى ما قد اقترفه من قبل فجاء إلى أمير المؤمنين يطلب إليه أن يطهره ، فقال له كرم الله وجهه : يا هذا إن تطهيرك مما قارفته يقتضي أحد أمور ثلاثة : أن يضرب عنقك بالسيف ضربة بالغة ما بلغت ، أو أن تقذف من شاهق جبل مشدود اليدين والرجلين ، أو أن تحرق بالنار. فاختر أيهن شئت.

ولم يشأ الرجل أن يختار حتى أقبل علي أمير المؤمنين يسأله : أي الثلاثة أبلغ أذى وأشد إيلاما يا أمير المؤمنين؟ فأجابه كرم الله وجهه : الحرق بالنار هو الأبلغ الأشد. فقال الرجل : فإني قد أخذت هذا على ما سواه فطهرني به رضي الله عنك. فأجابه أمير المؤمنين : خذ لذلك أهبتك واستعد. ولم تكن أهبة الرجل إلا أن يفزع إلى الصلاة ، فقام فصلى ركعتين ثم جلس في تشهده يدعو الله تعالى ويقول : اللهم إني قد أتيت من الذنب ما قد علمت ، وقد جئت لابن عم نبيك أسأله أن يطهرني فخيرني بين ثلاث شدائد فاخترت أشدها الإحراق بالنار ، اللهم إني أسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنبي وألا تحرقني بنار الآخرة. ثم قام يبكي حتى جلس في الحفرة التي حفروها له وهو يرى النار تتأجج ، ولم يتمالك أمير المؤمنين أن بكى وبكى معه أصحابه ، ثم قال الرجل : يا هذا إنك أبكيت ملائكة الله في سمائه وأرضه وإني أرى


بذلك لك توبة ، فقم وإياك أن تعاود شيئا مما فعلت ، والله غفور رحيم.

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاء ما قضى به أحد قبله ، وكان ذلك أول ما قضى به بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذلك أنه لما قبض رسول الله وأفضى الأمر إلى أبي بكر ، جيء إليه برجل شرب الخمر ، فقال له أبو بكر : هل شربت الخمر؟ فقال الرجل : نعم شربتها. فعاد أبو بكر يسأله : ولم تشربها وهي محرمة؟ قال الرجل : لقد أسلمت يا خليفة رسول الله ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها ، ولو علمت أنها حرام لاجتنبتها. فالتفت أبو بكر رضي‌الله‌عنه إلى عمر قائلا له : ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل؟ فقال عمر رضي‌الله‌عنه : معضلة ليس لها إلا أبو الحسن. فدعا أبو بكر بغلام ثم أمره أن يذهب إلى الإمام فيدعوه إليه ، غير أن عمر رضي‌الله‌عنه قال : يؤتى الحكم في منزله. ثم قام عمر ومعه أبو بكر وسلمان الفارسي فأخبروا الإمام بقصة الرجل ، فقال كرم الله وجهه لأبي بكر رضي‌الله‌عنه : ابعث مع الرجل من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار ، فمن كان قد تلا عليه آية تحريم الخمر فليشهد عليه ، فإن لم يكن من يشهد بذلك فعليهم أن يتلوا عليه آية التحريم ثم لا شيء عليه بعد. ففعل أبو بكر ما أشار به الإمام ولكن أحدا لم يشهد عليه ، فخلى سبيله.

ومن أقضيته كرم الله وجهه تحديده كلمة حين بستة أشهر ، فقد جيء إليه برجل نذر أن يصوم حينا من الدهر ولم يعين وقتا محددا ، فقضى الإمام أن يصوم الناذر ستة أشهر ثم تلا قول الله جل ثناؤه : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). فكلمة حين في هذه الآية حددها الإمام بستة أشهر.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ماروي عن جعفر الصادق من قوله : إن أمير المؤمنين عليا كرم الله وجهه قضى في امرأة زوجها وليها وهي برصاء ، فقال : إن لها المهر بما


استحل منها ، وأن المهر على الذي زوجها.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أن امرأة حرة دلس عليها عبد فتزوجها وهي تظن أنه حر وإن كان عبدا في حقيقة أمره ، فقضى في هذه الواقعة الإمام بأن يفرق بينهما إن شاءت المرأة التفريق ، وإلا ظلت زوجة له.

ومن أقضيته أن رجلا كاتب مملوكه على قدر من المال يدفعه إليه منجما ، فإذا قضى نجومه نال حريته ، غير أن المملوك المكاتب جاء بالمال كله إلى سيده ضربة واحدة وسأله أن يأخذ المال ويجيز عتقه ، فأبى السيد إلا أن يأخذ ماله منجما مقسطا. فقضى الإمام كرم الله وجهه بأن الشرط أحق بالإمضاء ، فعلى المكاتب أن يحترم شرطه فيقضى كتابته أقساطا ، وللسيد أن يرفض أخذ المال دفعة واحدة.

وليس يخفى عليك حفظك الله وجه الحق في هذا القضاء الشريف ، إذ كان أداء المال الكتابة على سبيل التقسيط والتنجيم يمكن السيد من الانتفاع.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما روي عن الباقر من قوله : قضى أمير المؤمنين علي في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فأمر بقطع يده ، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر زعما أنه هو الذي سرق وأنهما أخطا في نسبتهما السرقة إلى الذي قطعت يده. فغضب الإمام أشد الغضب ثم غرم الشاهدين نصف الدية ولم يجز شهادتهما على الآخر.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة مرفوعا إليه ، أن الإمام قضى في رجل وامرأة ماتا معا في الطاعون على فراش واحد ، ويد الزوج تضم الزوجة إلى صدره. فجعل الميراث للرجل قائلا إنها ماتت قبله ، ثم لحقها هو فمات بعدها.

وليس لقائل أن يقول : إن الإمام قضى في هذه الواقعة بعلمه دون بينة ودون يقين ذلك أن وجود يد الزوج على الزوجة في فراش الزوجية يعطي العلم.

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاء ينتمي إلى قاعدة كلية تقول : لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج ، لكان له أن يجهز رجلا


من ماله ثم يبعثه مكانه.

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضية خلاصتها : أن عبدا قتل حرا خطأ ، فلما علم سيد العبد بجناية عبده أعتقه ، ثم لما رفعت القضية إلى الإمام أجاز العتق وضمن سيد العبد دية القتيل.

ومن أقضيته قضاؤه بأن لا يقتل الوالد إذا قتل ولده ، ولكن يقتل الولد إذا قتل والده.

ومن أقضيته كرم الله وجهه في رجل قلد خاتم الخلافة على عهد أمير المؤمنين عمر رضي‌الله‌عنه ، وقد أصاب الرجل بهذا الخاتم الزور مالا من خراج الكوفة فلما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين عمر صلّى بالناس صلاة الصبح ، ثم ذكر لهم القصة طالبا رأيهم في هذا المزور الغشاش المستولى على مال حرام. فقال بعض القوم تقطع يده ، وقال البعض الآخر يصلب. وكان الإمام حاضرا يستمع ولا يتكلم ، فسأله عمر : ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال كرم الله وجهه : رجل كذب كذبا فيعاقب في جسده. فأمر به عمر فضرب ضربا شديدا ثم حبسه.

ومن أقضيته ما يرويه الثقة عن الأصمعي رحمه‌الله ، قال : أخذ الإمام علي رضي‌الله‌عنه قوما بسرقة فحبسهم ، ثم جاء رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني كنت معهم وقد تبت إلى الله. فأمر الإمام بحده حد السرقة ثم أنشد قول الشاعر :

وأدخل رأسه لم يدعه أحد

بين القرينين حتى لزه القرن

ووجه تمثله بهذا البيت كرم الله وجهه أن هذا الذي جاء يزعم أنه تاب من جريمة قد اقترفها مع قوم آخرين ، إنما مثله كمثل اثنين وضعا في حبل واحد ، فجاء ثالث متطوعا فأدخل رأسه في الحبل بين القرينين ، فكان كمثل صاحبيه ، وقد جمع الثلاثة حبل واحد.

ومن أقضيته ما يرويه الإمام جعفر قال : إن أمير المؤمنين عليا قال : إذا ماتت المرأة وفي بطنها ولد يتحرك ، فإن بطنها يشق ليخرج منه الولد. وقال في المرأة


يموت في بطنها الولد فيخاف عليها من ذلك : لا بأس بأن يدخل يده فيقطع الجنين الميت ويخرجه ، إذا لم تترفق به النساء.

ومن أقضيته إجاباته عن أسئلة توجه إليه محتاجة إلى مزيد من الفهم والفطانة : فمن ذلك ما يروونه من أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جلسوا يتذاكرون ، فتذاكروا حروف الهجاء وأجمعوا على أن الألف أكثر دخولا في الكلام من سائر الحروف. فقام الإمام كرم الله وجهه فخطب على البديهة خطبة قال فيهما : حمدت وعظمت من عظمت منته ، وسبغت نعمته ، وسبقت رحمته غضبه وتمت كلمته ، ونفذت مشيئته. حمدته حمد مقر بربويته ، متخضع لعبوديته ، متنصل من خطيئته ، معترف بتوحيده ، مؤمل من ربه مغفرة تنجيه ، يوم يشغل عن فصيلته وبنيه ، ونستعينه ونسترشده ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه ، وشهدت له تشهد مخلص موقن ، وفردته تفريد مؤمن متيقن ، ووحدته توحيد عبد مذعن ليس له شريك في ملكه ، ولم يكن له ولي في صنعه ، جل مشير ووزير ، وعون ومعين ونظير. علم فستر ، ونظر فخبر ، وملك فقهر ، وعصي فغفر ، وحكم فعدل. لم يزل ولن يزول ، ليس كمثله شيء وهو قبل كل شيء وبعد كل شيء ، متفرد بعزته ، متمكن بقوته ، متقدس بعلوه ، متكبر بسموه ، ليس يدركه بصر ، وليس يحيط به نظر ، قوى منيع بصير ، سميع حليم حكيم ، رؤف رحيم ، عجز عن وصفه من يصفه ، وضل عن نعته من يعرفه. قرب فبعد ، وبعد فقرب ، يجيب دعوة من يدعوه ، ويرزقه ويحبوه ، ذو لطف خفي ، وبطش قوي ، ورحمة موسعة ، وعقوبة موجعة ، رحمته جنة عريضة مونقة ، وعقوبته جحيم ممدودة موبقة.

وشهدت ببعثة محمد عبده ورسوله ، ونبيه وخليله ، صلى عليه ربه صلاة تزلفه وتعليه ، وتقربه وتدنيه. بعثه في خير عصر ، وحين فترة وكفرة ، رحمة لعبيده ومنة لمزيده ، ختم به نبوته ، ووضح به حجته ، فوعظ ونصح ، وبلغ وكدح ، عليه رحمة وتسليم ، وبركة وتكريم ، من غفور رحيم ، قريب مجيب.


وصيتكم جميع من حضر وصية ربكم ، وذكرتكم سنة نبيكم ، فعليكم برهبة تسكن قلوبكم ، وخشية تذرى دموعكم ، وتقية تنجيكم ، قبل يوم يذهلكم ويبليكم. يوم يفوز فيه من ثقل وزن حسنته ، وخف وزن سيئته ، ولتكن مسألتكم مسألة ذل وخضوع ، وشكر وخشوع ، وتوبة ونزوع ، وندم ورجوع. وليغتنم كل مغتنم منكم صحته قبل سقمه ، وشيبته قبل هرمه وكبره ، وفرغته قبل شغله ، وغنيته قبل فقره ، وحضره قبل سفره.

ثم قرأ كرم الله وجهه : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص : ٨٣.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه جيء إليه بالنجاشي الشاعر وقد شرب الخمر في شهر رمضان ، فضربه الإمام ثمانين جلدة ثم حبسه ليلا. ثم دعا به إلى الغد فضربه عشرين سوطا ، فقال له : ما هذا الذي صنعت بي يا أمير المؤمنين ، ضربتني ثمانين في شرب الخمر ، فما هذه العشرون؟ فقال : شربت الخمر فجلدناك ثمانين ، ثم دعونا بك فضربناك عشرين لجرأتك على الشرب في شهر رمضان.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أن صبيانا في زمنه كانوا يلعبون ، فرمى أحدهم فدق رباعية صاحب من أصحابه ، فرفع ذلك إليه فدعا بالرامي فأقام البينة بأنه قال قبل أن يرمى : ضرار. فدرأ الإمام عنه القصاص قائلا : لقد أعذر من أنذر.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه لم يجعل على المستحاضة حدا حتى ينقطع عنها دمها ، وكذلك لم يجعل على الحائض حتى تطهر ومثلها النفساء ، وكذلك لم يجعل على الحامل حدا حتى تضع حملها.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أن سئل عن حمل غذى بلبن خنزيرة ، فقال : قيدوه ثم اعلفوه الكسب والنوى والخبز إن كان قد استغنى عن اللبن ، وإن لم يكن قد استغنى فأمكنوا من ضرع شاة سبعة أيام.

ومن أجوبته كرم الله وجهه عن أسئلة تجرى في طريق القضاء ، أن سائلا سأله


عمن لا أب له ولا عشيرة ولم يركض ، وعن القبر الذي سار بصاحبه. فأجاب كرم الله وجهه : أما من لا أب له فعيسى بن مريم ، وأما من لا عشيرة له فآدم أبو البشر ، وأما القبر الذي سار بصاحبه فذلك يونس بن متى : (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) الصافات : ١٤٠ ـ ١٤٢.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أن رجلا كاتب مملوكا له مشترطا عليه أن ميراثه له ، فلما رفع ذلك إليه أبطل شرطه قائلا له : إن شرط الله قبل شرطك.

ومن أقضيته التي تنظر إلى بعيد قضاؤه بأن لا يقام على أحد حد بأرض العدو. وليس يخفى وجه الحكمة في هذا القضاء ، إذ كان من الميسور المحتمل أن يحقد المحدود على قومه ، وقد يحمله الحقد على أن يفر إلى العدو يكشف له عن العورات ويدلهم على ما يؤذى قومه ويسوؤهم.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أنهم قدموا إليه رجلا يستحق القطع فأمر به أن تقطع يمينه ، فقدموا شماله فقطعوها وهم يحسبونها يمينه ، ثم قدموه لتقطع يمينه فقالوا إنما قطعنا شماله. فقال كرم الله وجهه : لا تقطعوا يمينه وقد قطعت شماله.

ومن قضائه أنه رفض قطع سارق البيضة من الغنيمة ، قائلا لمن قدموه للقطع : إني لا أقطع أحدا له فيما أخذ شرك.

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه في السارق إذا قبض عليه وقد أخذ المتاع دون أن يخرج به من البيت ، فقال كرم الله وجهه : ليس على هذا قطع حتى يخرج بالذي سرق من الدار.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة عن الإمام جعفر الصادق أنه قال : جيء إلى أمير المؤمنين علي بطرار طر دارهم من كم رجل ، فقال الإمام : إن كان النشال قد نشل الدراهم من قميص الرجل الداخلى قطعته ، وإن كان قد نشلها من قميصه الأعلى لم أقطعه. فلما حققوا الأمر وجدوه قد نشل الدراهم من قميصه الداخلي ، فأمر بقطعه فقطعت يده. وليس يخفى وجه الفرق بين طر الدراهم من القميص الداخلي وبين


طرها من القميص الخارجي إذ كانت القرائن في القميص الداخلي مصونة في حرز حريز ، بخلاف ما إذا كانت في القميص الخارجي فإنها على غير ذلك من الحفظ والصيانة.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه لا قطع على أربعة : أحدها المختلس ، وثانيها الغال ، وثالثها السارق من الغنيمة ، ورابعهم الأجير.

ومن قوله في هذا الباب كرم الله وجهه : إذا سرقني عبدي لم أقطعه فإذا سرق غيري قطعته ، وكذلك عبد الأمان إذا سرق لم أقطعه لأنه فيء.

ومن قضائه كرم الله وجهه فيمن قتل وشرب الخمر وسرق وقام عليه الحد ، فأمر بجلده لشربه الخمر ، ثم قطع يده في سرقته ، ثم قتله بما قتل.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة من أنه جيء إليه برجل فقال : هذا قذفني ، ولم تكن له بينة فقال : يا أمير المؤمنين استحلفه. فقال الإمام : لا يمين في حد ، ولا قصاص في عظم.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقات من أنه جيء إليه برجل استوجب حدا ، فأمر الإمام خادمه قنبرا أن يضربه الحد ، فغلط قنبر فزاده ثلاثة أسواط ، فأمر الإمام المضروب بأن يقتص من قنبر فيضربه ثلاثة أسواط.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أن تستوفى الدية في القتل الخطأ في ثلاث سنوات ، وأن تستوفى دية العمد في سنة واحدة. وكان يقول ، قضاء ماضيا : من ضربناه حدا من حدود الله فمات ، فلا دية له علينا ، ومن ضربناه في حقوق الناس فمات ، فديته علينا.

ومن أقضيته فيما روى عن الصادق : أنه جلد رجلا افترى على جماعة ، فجلده حدا واحدا.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه قد اختصم إليه رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعيرا واستثنى البائع رأس البعير وجلده ، ثم بدا للمشتري أن ينحر البعير فقال الإمام


للمشتري : هو شريكك فيه على قدر الرأس والجلد.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أنه جلد الوليد بن عقبة بسوط له شعبتان أربعين جلدة ، فقد اعتبر كل شعبة سوطا ، فيكون قد جلده ثمانين جلدة هي حد شرب الخمر.

ومن أقضيته كرم الله وجهه قوله في صغار قتل أبوهم : إن قاتل أبيهم لا يقتل حتى يكبر صغاره ، فإذا بلغوا فإن أحبوا أن يقتلوا قاتل أبيهم قتلوه ، وإن أحبوا أن يعفوا عنه أو يصالحوه كان لهم ذلك.

ومن أقضيته قضاؤه برد شهادة شاهدين من اليهود إذا شهدا على يهودي بأنه أسلم.

ووجه ذلك عنده كرم الله وجهه أنهما يجيزان تغير كلام الله وشهادة الزور. فلما سئل عن شاهدين من النصارى شهدا على نصراني أو مجوسي أو يهودي بأنه أسلم ، أجاز قبول شهادتهما قائلا : إن الله يقول في النصارى (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) ثم قال كرم الله وجهه : إن من لا يستكبر عن عبادة الله لا يشهد الزور.

ومن أقضيته كرم الله وجهه أن جاريتين دخلتا إلى حمام فاقتضت إحداهما أخرى بإصبعها ، فلما رفع الأمر إليه قضى على التي فعلت ذلك بدية البكارة للمجنى عليها.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما ذكره الإمام جعفر من أنه جيء إلى الإمام علي برجلين قذف كل واحد منهما صاحبه باللواط ، فدرأ عنهما الحد وعزرهما.

ومن أقضيته كرم الله وجهه في رجل دعى آخر بابن المجنون ، فقال له الآخر أنت ابن المجنون. فأمر الإمام أول الرجلين أن يجلد صاحبه عشرين جلدة ، فلما جلده أعطى المجلود السوط فجلده عشرين جلدة. وكان ذلك تنكيلا بهما كليهما.

ومن أقضيته فيما كان يرويه جعفر الصادق أن الإمام كرم الله وجهه نهى أن يشترى مشتر شبكة الصياد ، على أن يقول له اضرب شبكتك فما خرج منها فهو من مالي بكذا وكذا.


ولعل وجه نهيه كرم الله وجهه أن هاهنا بيع غرر لعدم تعين السلعة ومعرفة الثمن ، وذلك قد يفضى إلى التنازع الذي ضره أكثر من نفعه وشره أخطر من خيره.

وقال في ص ٢١٤ :

ومن أقضيته كرم الله وجهه أن رجلا شكا إليه آخر زعم أنه احتلم بأمه. فذكر الإمام كرم الله وجهه أن الحلم في المنام بالنسبة للحالم مثله كالظل للبناء والشجر ونحو ذلك ، ثم قال للشاكي : أوقف غريمك في الشمس ثم اضرب ظله. ومع ذلك فإننا نضربه حتى لا يعود يؤذي المسلمين ، فضربه ما دون حد القذف.

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه بأن لا يؤكل لحم الدجاج إلا إذا حبس على الغذاء النظيف ثلاثة أيام ، وكذلك البط لا يؤكل إلا إذا حبس على الغذاء النظيف خمسة أيام.

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه بقطع يد النباش الذي ينبش القبور ، فيسرق الأكفان وأشياء الموتى ويهتك أستارهم ، وذلك أنه قال : إن النباش سارق.

وقال في ص ٢١٥ :

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة عن الإمام جعفر الصادق من قوله : كان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام إذا بلغه أن مولى تزوج حرة ، طلب إليه أن يطلقها ، فإن أبي جعل له الإمام حظيرة من قصب أو جريد فحبسه فيها ، ثم أعطاه قوته من طعام وشراب حتى يطلق زوجته.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقة من أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه فقال : إنى طلقت امرأتي تطليقة في الشرك وتطليقتين في الإسلام ، فما ترى يا أمير المؤمنين؟ فسكت عمر. فقال الرجل : ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر : كما أنت حتى يجيء علي بن أبي طالب. فلما جاء علي قص


عليه الرجل قصته وأنه طلق امرأته تطليقة في الشرك وتطليقتين في الإسلام. فقال له كرم الله وجهه : لقد هدم الإسلام ما كان قبله ، والمرأة عندك على واحدة.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما رواه الثقة عن الإمام الباقر قال : كان لرجل على عهد علي جاريتان فولدتا جميعا إحداهما ولدا ذكرا ، والأخرى بنتا. فعمدت صاحبة البنت فوضعت بنتها في المهد الذي في الولد الذكر ثم أخذته لنفسها ، ثم تنازعتا الولد الذكر فكل واحدة منهما تدعيه لنفسها ، فتحاكما إلى أمير المؤمنين كرم الله وجهه ، فأمر أن يوزن لبنهما قائلا : أيتهما كان لبنها أثقل فالولد الذكر لها.

على أن لهذه القضية وجها آخر خلاصته ما يذكره شريح القاضي فيقول : كنت أقضى لعمر بن الخطاب ، فأتاني يوما رجل فقال لي : يا أبا أمية إن رجلا أودعني امرأتين إحداهما حرة مهيرة ، والأخرى سرية ، فجعلتهما في دار وأصبحت اليوم فإذا هما قد ولدتا غلاما وجارية ، وكلتاهما تدعى الغلام لنفسها وتنتفي من الجارية ، وقد جئتك أيها القاضي أطلب قضاءك بينهما. يقول شريح : فلم يحضرني شيء فيهما أقضى به ، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقصصت عليه القصة. فقال : فما الذي قضيت بينهما؟ قلت : لو كان عندي قضاء فيهما ما أتيتك. فجمع عمر جميع من حضره من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أمرني أن أقص عليهم ما جئت به. وجعل عمر يشاور أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكلهم يرد الرأي إلي وإليه. فقال عمر : لكني أعرف مفزع القضية ومنتزعها. قالوا : كأنك أردت ابن أبي طالب. قال نعم ، وأين المذهب عنه؟ قالوا : فابعث إليه يأتيك. قال : إن له شمخة من هاشم ، وأثرة من علم تقتضينا أن نسعى إليه ولا. تأذن له أن يسعى هو إلينا ، فقوموا بنا إليه. فلما جئناه وجدناه في حائط له يركل فيه على مسحاة ويقرأ قول الله تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً). ثم يبكي بكاء شديدا ، ولم يجد القوم بدا من أن يجهلوه حتى تسكن نفسه ويرقأ دمعه. ثم استأذنوا عليه فخرج إليهم وعليه قميص قدت أكمامه إلى النصف منها ، ثم قال كرم الله وجهه : ما الذي جاء بك يا


شريح؟ قلت : أمر عرض جئنا نسأل عنه. فأمرني فقصصت عليه القصة فقال : فبم حكمت فيهما؟ قلت : لم يحضرني حكم فيهما. فأخذ بيده من الأرض شيئا ثم قال : الحكم فيها أهون من هذا. ثم أمر بإحضار المرأتين وأحضر قدحا ثم دفعه إلى إحداهما قائلا لها احلبى فيه. فامتثلت المرأة فحلبت ثم وزنه ، ثم قال للأخرى احلبي أنت أيضا في قدح أخرى ثم وزنه أيضا. ثم قال لصاحبة اللبن الخفيف : خذي ابنتك. وقال لصاحبة اللبن الثقيل : خذي ابنك.

ثم التفت كرم الله وجهه إلى أمير المؤمنين عمر رضي‌الله‌عنه قائلا : أما علمت أن الله تعالى حط المرأة عن الرجل في ميراثها ، فكذلك كان لبنها دون لبنه. فقال عمر : لقد أرادك الحق يا أبا الحسن ولكن قومك أبوا. فقال الإمام : خفض عليك أبا حفص (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً).

ولم يدع أهل العلم هذا القضاء دون تعليق حتى قال ثقة فاضل : إن جعفرا الصادق رضي‌الله‌عنه كان يقول : لبن أحد الثديين طعام ، ولبن الثدي الآخر شراب. فعلى الأم أن ترضع ولدها من ثدييها كليهما فذلك أصح لجسده وأحكم لقوته.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقات عن الصادق أيضا قال : جيء إلى أمير المؤمنين عمر رضي‌الله‌عنه بامرأة تزوجت شيخا كبيرا ، فلما كانت ليلة دخوله بها مات على بطنها ، ثم وضعت المرأة ولدا فادعى بنوه أنها فجرت وتشاهدوا عليها ، فأمر بها عمر أن ترجم. فمر بها علي كرم الله وجهه فاستغاثت به قائلة : يا ابن عم رسول الله ، إن لي حجة على الذين تظاهروا علي. فقال لها : هاتي حجتك. فدفعت إليه كتابا فقرأه فقال : هذه المرأة تعلمكم بيوم تزوجها وبما يكون بين الرجل والمرأة في ذلك اليوم. فردوا المرأة عن الحفرة. فلما كان من الغد دعا بصبيان أتراب في سن واحدة ، ثم دعا بالصبي معهم وأمرهم أن يلعبوا ، حتى إذا ألهاهم اللعب قال لهم : اجلسوا. حتى إذا تمكنوا في مجالسهم صاح بهم أن يقوموا ، فقام الصبيان وقام الغلام ، غير أن الغلام اتكأ على راحتيه في أثناء قيامه ، فدعا به الإمام وورثه من أبيه


وجلد إخوته حد المفترين حدا حدا.

فقال له أمير المؤمنين عمر : كيف صنعت يا أبا الحسن؟ قال : عرفت ضعف الشيخ في اتكاء الغلام على راحتيه حين قام.

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه في رجل وصى بعد الموت بسهم من ماله دون أن يبينه ، فلما مضى إلى ربه اختلف الورثة في المراد بالسهم وكيف يصنعون ، فلما ترافعوا إليه كرم الله وجهه قضى عليهم بإخراج الثمن من ماله ، ثم استشهد لقضائه هذا قول الله جل ثناؤه في سورة التوبة : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة : ٦٠.

وهؤلاء الذين ذكرهم الله في هذه الآية الشريفة هم ثمانية أصناف ، لكل صنف منهم سهم من الصدقات.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ، قضاؤه في رجل وصى فقال : أعتقوا عني كل عبد قديم في ملكي ، فلما مات الرجل لم يعرفوا ما أراد الموصى ، فقال الإمام : يعتق عنه كل عبد ملكه ستة أشهر ، ثم تلا قول الله جل ثناؤه : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) يس : ٣٩.

وقد ثبت أن العرجون إنما ينتهى إلى الشبه بالهلال في تقوسه وضؤولته بعد ستة أشهر من أخذ الثمرة عنه.

ومن أقضية الإمام أيضا قضاؤه الذي صان للمرأة المسلمة حياتها وحفظ عليها كرامتها ، وبيان ذلك أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عثمان يشكو إليه أنه تزوج وأن زوجته ولدت بعد ستة أشهر ، فأراد أمير المؤمنين عثمان أن يقيم عليها الحد ، فقال له علي كرم الله وجهه : ليس لك ذلك يا أمير المؤمنين ، فإن الله تعالى يقول : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) الآية من سورة الأحقاف : ١٥. فقد جعل الله تعالى في هذه الآية مدة الحمل


والرضاع ثلاثين شهرا ، ثم جعل مدة الرضاع الذي يعقبه الفطام أربعة وعشرين شهرا كما في الآية : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ). الآية من سورة البقرة. وعلى هذا النحو جاءت الآية من سورة لقمان : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).

ففي هاتين الآيتين من سورة البقرة وسورة لقمان ، أن مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا ، فإذا أخذت هذه الشهور من الثلاثين شهرا في سورة الأحقاف فقد بقي ستة أشهر هي مدة حمل الزوجة التي يشكوها زوجها. ولم يسع أصحاب رسول الله ومعهم أمير المؤمنين عثمان إلا أن يذعنوا لقضاء الإمام ، وبذلك انطلقت المرأة إلى بيتها أسعد ما يكون الإنسان بسلامة حياته وصيانة كرامته.

ومن أقضية الإمام أيضا تسويته في الفيء والصدقة بين المسلمين ، مخالفا بذلك أمير المؤمنين عمر إذ كان رضي‌الله‌عنه يفضل في العطاء بعض المسلمين على بعض فضّل السابقين على غيرهم ، وفضل المهاجرين من قريش على غيرهم من المهاجرين ، وفضل المهاجرين كافة على الأنصار كافة ، ثم فضل العرب على العجم.

وعلى غير هذا النهج كان يمضى الخليفة الأول أبو بكر رضي‌الله‌عنه فكان يسوى بين أهل الإسلام في الفيء والصدقات ، وكان يستند في ذلك إلى النص في آية الصدقات من سورة التوبة. وقد كان عمر رضي‌الله‌عنه استفتى بعروبتها على الأعجمية ، فقد جاءت امرأتان إلى الإمام تسألانه المعونة على العيش ، فدفع إليهما كرم الله وجهه دراهم وطعاما بالسواء. فقالت إحداهما في غضب : إني امرأة من العرب وهذه من العجم ، فكيف نكون سواء في العطاء يا أمير المؤمنين؟ فقال لها الإمام : إني والله لا أجد فضلا لك عليها.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الثقات عن جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه قال : ولد على عهد أمير المؤمنين مولود له رأسان وصدران ، فمضى أهل المولود إلى


الإمام يسألونه عن ميراثه : أيرث ميراثين أم يرث ميراثا واحدا؟ فقال : يترك المولود حتى ينام ثم يصاح به ، فإن انتبها جميعا معا كان له ميراث واحد ، وإن انتبه أحدهما وبقي الآخر نائما ورث هذا المولود ميراث اثنين.

ومن فقهه كرم الله وجهه ما يرويه الثقات عن الثوري ، عن السدى قال : كنت عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه إذ أقبل كعب بن الأشرف ومالك بن حيي ويحيى بن أخطب فقالوا : إنكم تقرءون في كتابكم عن جنة عرضها السموات والأرض ، فإذا كانت سعة جنة واحدة كسبع سماوات وسبع أرضين ، فأين تكون الجنان كلها يوم القيامة؟ فقال أمير المؤمنين عمر : أما أنا فلا أعلم. فبينما هم في ذلك إذ دخل الإمام كرم الله وجهه فقال : في أي شيء أنتم؟ فالتفت اليهود إليه وذكروا المسألة. فقال لهم كرم الله وجهه : خبروني أنتم عن النهار إذا أقبل الليل أين يكون ، وعن الليل إذا أقبل النهار أين يكون؟

قالوا : في علم الله يكون ، فقال علي كرم الله وجهه : كذلك الجنات في علم الله تكون.

ومن فقهه كرم الله وجهه ما أجاب به ابن عنيزة الشيباني فيما كان يذكر عن أبيه عن جده ، فقال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي فقال : أخبرني عن القدر. فقال الإمام : سر الله فلا تتكلف علمه. فقال الرجل : يا أمير المؤمنين أخبرني عن القدر. فأجابه كرم الله وجهه بقوله : بحر عميق فلا تلق بنفسك فيه. فراح يسأله أيضا : أخبرني يا أمير المؤمنين عن القدر. فقال له : طريق مظلم فتجنب السير فيه. ومضى الرجل يسأل لا يكاد يكف عن السؤال. فقال له كرم الله وجهه : أما إذ أبيت فإني سائلك : أكانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد ، أم كانت أعمال العباد قبل رحمة الله؟ فقال الرجل مجيبا عن السؤال : كانت رحمة الله للعباد قبل أعمال العباد. فقال كرم الله وجهه لمن حوله : قوموا فسلموا على أخيكم فقد أسلم. وقد كان من قبل غير مسلم.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يسنده الرواة إلى الإمام جعفر الصادق قال : اشتكى


رجل إلى أمير المؤمنين بطنه فقال له : سل امرأتك درهما من صداقها فاشتر به عسلا ثم اشربه بماء السماء ، فإن الله يشفيك إن شاء الله. ففعل الرجل ما أمره به علي كرم الله وجهه فبرئ وزالت عنه شكواه. ولم يكن لجلسائه بد من أن يسألوه عن سر هذه الفتوى كما عودهم ذلك وحرضهم عليه ثم رضيه منهم ، فقام إليه أحدهم فقال : ما سر ذلك يا أمير المؤمنين؟ أهو سر سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فأجابه كرم الله وجهه قائلا : لا لم أسمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكني سمعت الله تعالى يقول في كتابه العزيز : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) وكذلك قول الله تعالى : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ).

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يأثره الثقات عن الإمام جعفر الصادق قال : إن رجلا أتى بامرأة إلى عمر فقال : يا أمير المؤمنين هذه امرأتي ، وهي كما ترى سوداء وأنا أسود ، وقد ولدت لي غلاما أبيض. فالتفت أمير المؤمنين عمر إلى الحاضرين في مجلسه قائلا لهم : ما ترون؟ قالوا : نرى أن ترجمها. فأمر عمر بأن ترجم ، وفيما هي في الطريق إلى الحفرة أقبل الإمام ، ثم سأل فحدثوه بما قال الأسود وبما أمر به أمير المؤمنين. فقال الإمام للأسود : أتتهم امرأتك؟ قال الرجل : لا. فمضى الإمام يسأل حتى قال : هل أتيتها وهي طامث؟ قال الرجل لقد قالت لي في ليلة : إني طامث ، فظننت أنها تتقى البرد فوقعت عليها. فتوجه الإمام للمرأة بالسؤال : هل أتاك وأنت طامث؟ قالت الزوجة : نعم ، واسأله إنني قد خرجت عليه وأبيت أن أطاوعه. قال الإمام : انطلقا والمولود ابنكما ، وإنما غلب الدم النطفة.

ومن أقضية الإمام كرم الله وجهه ما ذكره شيخ الإسلام ابن القيم عن الشعبي رحمه‌الله ، من أن ثلاث جوار اجتمعن فركبت إحداهن على عنق الأخرى ، فقرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت أي كسرت عنقها فماتت ، فلما رفع ذلك إلى علي رضي‌الله‌عنه قضى بالدية أثلاثا على عواقلهن ، وألغى الثلث الذي يقابل فعل


المقتولة لأنها أعانت على قتل نفسها.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما كان يتحدث به جابر الأنصاري رضي‌الله‌عنه قال : جاء رجل إلى علي كرم الله وجهه فقال : إني كنت أعزل عن امرأتي وقد جاءت بولد مع ذلك. فقال الإمام للرجل : أنشدك الله هل أتيتها ثم عاودتها قبل أن تبول؟ قال الرجل : نعم ، فعلت ذلك. فأجابه الإمام : إذن فالولد لك.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما رواه الثقة عن الإمام الصادق رضي‌الله‌عنه قال : جيء إلى أمير المؤمنين علي بامرأة بكر زعموا أنها فاحشت ، فأمر كرم الله وجهه النساء فنظرن إليها فقلن إنها عذراء ، فخلى الإمام سبيلها قائلا : ما كنت لأضرب امرأة عليها من الله عزوجل خاتم. وكان رضي‌الله‌عنه يجيز شهادة النساء في مثل تلك القضية.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما صح عن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : جيء إلى أمير المؤمنين علي بامرأة مع رجل قد فجر بها ، فقالت المرأة : لقد استكرهني والله يا أمير المؤمنين. فدرأ عنها الحد.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ، أن امرأة شهد عليها الشهود بأنهم وجدوا في بعض مياه العرب رجلا معها يفاحشها وليس بعلا لها. فأمر عمر برجمها ، فقالت : اللهم إنك تعلم أني بريئة. فغضب عمر ثم قال : تفاحشين ثم تجرحين الشهود أيضا؟ فلما جاء الإمام سئل عن تلك القضية فقال : ردوها فاسألوها فلعل لها عذرا يقبل. فردت المرأة وسئلت فقالت : كان لأهلي إبل فخرجت في إبلهم وحملت معي ماء ولم يكن في إبل أهلي لبن ، وخرج معي خليطنا وكان في إبله لبن ، فنفد ما كان معى من ماء فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أمكنه من نفسي ، ولكنني أبيت ، فلما كادت نفسي تخرج من شدة الظمأ أمكنته تحت سلطان الإكراه. فقال الإمام كرم الله وجهه : الله أكبر. ثم تلا : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). فلما انتهت القضية إلى أمير المؤمنين عمر ، خلى سبيل المرأة.


ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يأثره أهل الثقة من أنه قد جيء إلى عمر برجل وامرأة ، فقال الرجل للمرأة : يا زانية. فأجابته المرأة بقولها : أنت أزنى مني. فأمر عمر رضي‌الله‌عنه بأن يجلد كل منهما ثمانين جلدة حد القذف. ولكن الإمام كرم الله وجهه قال في المجلس : لا تعجلوا. ثم قضى على المرأة بأن يقام عليها حدان ، وقرر أن الرجل لا شيء عليه. ثم علل ذلك القضاء بقوله : إن على المرأة حدا لقاء افترائها وحدا آخر لقاء إقرارها على نفسها ، غير أنها لا يصار بها إلى غاية الحد.

ومن أقضيته كرم الله وجهه ما يرويه الإمام الباقر رضي‌الله‌عنه قال : جيء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر ، فشهد عليه رجلان أحدهما خصى وهو عمرو التميمي ، والآخر المعلى بن جارود ، فشهد أحدهما أنه رأى قدامة يشرب الخمر ، وشهد الآخر أنه رآه يقيء الخمر. فأرسل أمير المؤمنين عمر إلى أناس من الصحابة فيهم الإمام علي فقال له : ما تقول يا أبا الحسن في هذه القضية ، فإنك الذي قال فيك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك أعلم هذه الأمة وأقضاها بالحق ، وقد اختلف هذان الرجلان في شهادتهما على قدامة بن مظعون. فقال الإمام كرم الله وجهه : إنهما لم يختلفا في شهادتهما ، فقد شرب الخمر فشهد عليه عمرو التميمي بأنه رآه يشرب ، ثم شهد الآخر بأنه رآه يقيء الخمر ، فالذي قاءه هو الذي شربه ، فهما لم يختلفا في شهادتهما عليه.

قضية أخرى

رواها جماعة من أعلامهم في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ٢٨١ ط دار العلم للملايين ـ بيروت) قال :

ومن أقضية علي أيضا مسألة القارصة والقابضة والواقصة ، وهي أن ثلاث جوار


اجتمعن ، فركبت إحداهن على عنق الأخرى ، فقرصت الثالثة الثانية المركوبة ، فسقطت الراكبة الأولى ، فوقصت (كسرت) عنقها فماتت. فرفعت القضية إلى علي ، فقضى بالدية أثلاثا ، الثلثان على القارصة والمقروصة ، ويسقط الثلث لركوب الراكبة عبثا.

ثم في قضية أخرى : دخل الزوج على امرأته ليلة زفافها فوجد عندها صديقها فقتله ، وقتلت الزوجة زوجها القاتل. فلقد رأينا أن الإمام عليا قضى على الزوجة بالقتل قصاصا لقتلها زوجها ، وقضى عليها أيضا بدية الصديق ، لأنها المتسببة إلى قتله ، وهي أول من زوجها المباشر ، لأن هذا قتله مأذونا فيه دفعا عن حرمته.

ولما كان الإمام علي قاضيا في اليمن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عرضت عليه قضية أسد سقط في بئر ، فسقط فيها رجل فتعلق بآخر ، وتعلق الآخر بثالث ، وتعلق الثالث برابع ، فسقطوا كلهم ، فقتلهم الأسد. فقضى الإمام في ذلك بديتين وسدس على حافر البئر. فأعطى لأهل الأول ربع دية لأنه هلك فوقه ثلاثة ، ولأهل الثاني ثلث دية لأنه هلك فوق اثنان ، ولأهل الثالث نصف دية لأنه هلك فوق واحد ، ولأهل الرابع دية كاملة. وقد علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقضاء علي فأقره.

وفي كتاب شرائع الإسلام ، روي حكم الإمام علي في تلك القضية مع توزيع مختلف. وهو : تغريم أهل الأول ثلث الدية لأهل الثاني ، وتغريم هؤلاء ثلثي الدية لأهل الثالث ، وتغريم هؤلاء الدية كاملة لأهل الرابع.

ومنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في «معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين» (ج ٨ ص ٩٥ ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال :

وعن مجاهد : ركبت جارية جارية فنخستها أخرى ، فوقعت فماتت فضمن علي ابن أبي طالب : الناخسة والمنخوسة.


قضية أخرى

رواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر أحمد عبد الجواد المدني في «المعاملات في الإسلام» (ص ٤٢ ط مؤسسة الإيمان ودار الرشيد ـ بيروت ودمشق) قال :

عن الحسن صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أرسل عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها ، فأنكر ذلك فأرسل إليها ، فقيل لها : أجيبي عمر فقالت : يا ويلها مالها ولعمر فبينما هي في الطريق فزعت فضربها الطلق ، فدخلت دارا فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين ثم مات ، فاستشار عمر أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأشار عليه بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب ، وصمت علي رضي‌الله‌عنه ، فأقبل على علي فقال : ما تقول؟ قال : إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم ، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك ، أرى أن ديته عليك ، فإنك أنت أفزعتها وألقت ولدها في سبيلك ، فأمر عليا أن يقسم عقله على قريش ، يعني يأخذ عقله من قريش ، لأنه أخطأ. أخرجه عبد الرزاق والبيهقي.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور سليمان دنيا الأستاذ بجامعة الأزهر في «التفكير الفلسفي الإسلامي» (ص ٣٥٤ ط مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة) قال :

وروى ابن عبد البر ما يلي : وعن عمر في المرأة التي غاب عنها زوجها ، وبلغه أنه يتحدث عندها ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الحافظ صلاح الدين خليل بن سيف الدين كيكلدي بن عبد الله العلائي الشافعي المولود سنة ٦٩٤ في «إجمال الإصابة في أقوال الصحابة» (ص ٨١ ط جمعية إحياء التراث الإسلامي ـ الكويت سنة ١٤٠٧)


فذكر قصة المرأة التي فزعت وأسقطت جنينا كما تقدم.

قضية أخرى

رواها جماعة من علماء العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ الشيخ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي الشامي المصري في «مختصر سنن أبي داود» (ج ٦ ص ٢٣٠ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ، قال : أتى عمر بمجنونة قد زنت ، فاستشار فيها أناسا ، فأمر بها عمر أن ترجم ، فمر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال : ما شأن هذه؟ قالوا : مجنونة بني فلان زنت ، فأمر بها عمر أن ترجم ، قال : فقال : ارجعوا بها ، ثم أتاه فقال : يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال : بلى ، قال : فما بال هذه ترجم؟ قال : لا شيء ، قال : فأرسلها ، قال : فأرسلها ، قال : فجعل يكبر.

وفي رواية حتى يعقل ، وقال : عن المجنون حتى يفيق ، قال : فجعل عمر يكبر. وفي رواية عن ابن عباس ، قال : مر على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه بمعنى عثمان ، يعني ابن أبي شيبة ، قال : أو ما تذكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : رفع القلم عن الثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النائم حتى يستيقظ ، عن الصبي حتى يحتلم؟ قال : صدقت. قال : فخلى عنها. وأخرجه النسائي.

وعن أبي ظبيان وهو حصين بن جندب رضي‌الله‌عنه ، قال : أتي عمر بامرأة قد فجرت ، فأمر برجمها ، فمر علي رضي‌الله‌عنه ، فأخذها ، فخلى سبيلها ، فأخبر عمر رضي‌الله‌عنه بذلك ، فقال : ادعوا لي عليا ، فجاء علي رضي‌الله‌عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لقد علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : رفع القلم عن ثلاثة : عن


الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المعتوه حتى يبرأ. وإن هذه معتوهة بني فلان ، لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها ، فقال عمر : لا أدري ، فقال علي : وأنا لا أدري.

ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد» (ص ٤٨) قال :

أخرج الإمام أحمد وابن السمان في كتاب الموافقة ، هما يرفعه بسنده عن أبي ظبيان قال : أتي بامرأة مجنونة قد زنت فاعترفت بزناها في حضور عمر بن الخطاب فقال له علي : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصغير حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل ، فترك رجمها.

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما رواه جماعة

فمنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتابه «العلم والعلماء» (ص ١٧٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

من غرائب فتاواه رضي‌الله‌عنه:

من أغرب ما روي في فتاوى علي رضي‌الله‌عنه ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن سليمان القيباني ، عن رجل ، عن علي رضي‌الله‌عنه قال : أنه أوتي برجل ، فقيل له : زعم هذا أنه احتلم بأمي ، فقال : اذهب فأقمه في الشمس فاضرب ظله.

وقال أيضا في ص ١٧٤ :

ومن عجائب سياسة علي في قضائه رضي‌الله‌عنه ما روى ابن أبي شيبة في مصنفه أنه قال : أتي علي برجل وشهد عليه رجلان أنه سرق ، فأخذ علي في شتى أمور


الناس ، وتهدد شهود الزور ، وقال : لا أوتي بشاهد زور إلا فعلت به كذا أو كذا ، ثم طلب الشاهدين فلم يجدهما هربا لما سمعا من التهديد وكانا كاذبين. فخلى سبيل الرجل.

أول من فرق الخصوم علي عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الشيخ الجلال عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في «الوسائل في مسامرة الأوائل» (ص ٨٨ ط بيروت) قال :

أول من فرق الخصوم علي. وهو أول خليفة من بني هاشم.

جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر الدكتور فاروق عبد العليم موسى رئيس محكمة الاستئناف في «الشريعة الإسلامية أصل أحكام القضاء» (ص ٨٠ ط دار الأقصر للكتاب ـ كرداسة ـ جيزة) قال :

ومن قضائه كرم الله وجهه فيما رواه الشعبي وسئل هل رأيت أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه؟ قال : رأيته أبيض الرأس واللحية. قيل : فهل تذكر عنه شيئا؟ قال : نعم أذكر أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، فقال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.


قضية أخرى

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر محمد خير المقداد في «مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة» للعلامة الصفوري (ص ١٨٠ ط دار ابن كثير ، دمشق وبيروت) قال :

وتزوج رجل امرأتين فولدتا ذكرا وأنثى في ليلة واحدة ، فاختصما في الصبي إلى علي رضي‌الله‌عنه ، فأمرهما أن يزنا حليبهما ، فمن رجح لبنها فهي أم الصبي لقوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ).

ومنهم العلامة الشيخ أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ص ٥٧ والنسخة مصورة من مكتبة طوپ قاپوسراي بإستامبول) قال :

ومما وقع له أيضا رضي‌الله‌عنه أن رجلا في زمانه تزوج امرأتين فولدتا الصبي وكل منهما تقول هذا ولدي ، فارتفعتا إلى علي رضي‌الله‌عنه فأمر كل امرأة أن تحلب من لبنها شيئا ثم وزن الحلبين فرجح أحدهما على الآخر فحكم بأن الصبي لصاحبة اللبن الراجح ، فقيل له : من أين أخذت هذا؟ قال : من قوله تعالى : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فإن الله تعالى فضل الذكر على الأنثى في كل شيء حتى في غذائه.

قضاؤه عليه‌السلام في الخنثى المشكل

سأله معاوية

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتابه «العلم والعلماء» (ص ١٧٢ ط دار


الكتب العلمية) قال :

ما رواه سعيد بن منصور عن شيخ من فزارة قال : سمعت عليا رضي‌الله‌عنه يقول : الحمد لله الذي جعل عدونا يسألنا عما نزل به من أمر دينه ، إن معاوية كتب إليّ يسألني عن الخنثى المشكل ، فكتبت إليه أن يورثه من قبل مباله.

فهذه الآثار أكبر برهان على علمه ، وانتهاء الفتيا إليه.

مستدرك

قضائه عليه‌السلام في ثلاثة نفر وقعوا على امرأة فولدت

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٥٠ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الحافظ الشيخ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي الشامي المصري المتوفى سنة ٦٥٦ في «مختصر سنن أبي داود» (ج ٣ ص ١٧٦ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

عن عبد الله بن الخليل ، عن زيد بن أرقم قال : كنت جالسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء رجل من أهل اليمن ، فقال : إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في ولد ، وقد وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فقال لاثنين : طيبا بالولد لهذا ، فغليا ، ثم قال لاثنين : طيبا بالولد لهذا ، فغليا ، ثم قال لاثنين : طيبا بالولد لهذا ، فغليا ، فقال : أنتم شركاء متشاكسون ، إني مقرع بينكم ، فمن قرع فله الولد ، وعليه لصاحبيه ثلثا الدية ، فأقرع بينهم ، فجعله لمن قرع ، فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت أضراسه ، أو نواجذه.


وعن عبد خير ، عن زيد بن أرقم قال : أتي علي رضي‌الله‌عنه بثلاثة وهو باليمن ، وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فسأل اثنين : أتقران لهذا؟ قالا : لا ، حتى سألهم ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الشيخ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الشافعي الدمشقي في «السيرة النبوية» (ج ٤ ص ٢٠٨ ط دار الإحياء ـ بيروت) قال :

قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الأجلح ، عن الشعبي ، عن عبد الله ابن أبي الخليل ، عن زيد بن أرقم : أن نفرا وطئوا امرأة في طهر ، فقال علي لأثنين ـ فذكر مثل ما تقدم عن مختصر السنن ، ثم قال :

قال : فذكر ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لا أعلم إلا ما قال علي.

قال أحمد : حدثنا شريح بن النعمان ، حدثنا هشيم ، أنبأنا الأجلح ، عن الشعبي ، عن أبي الخليل ، عن زيد بن أرقم : أن عليا أتي في ثلاثة نفر إذ كان في اليمن اشتركوا في ولد ، فأقرع بينهم فضمن الذي أصابته القرعة ثلثي الدية وجعل الولد له.

قال زيد بن أرقم : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته بقضاء علي ، فضحك حتى بدت نواجذه. رواه أبو داود عن مسدد ، عن يحيى القطان ، والنسائي عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، كلاهما عن الأجلح بن عبد الله ، عن عامر الشعبي ، عن عبد الله بن الخليل.

وقال النسائي في رواية عبد الله بن أبي خليل ، عن زيد بن أرقم قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاء رجل من أهل اليمن فقال : إن ثلاثة نفر أتوا عليا يختصمون في ولد وقعوا على امرأة في طهر واحد. فذكر نحو ما تقدم ، وقال : فضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد روياه ـ أعني أبا داود والنسائي ـ من حديث شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن الشعبي ، عن أبي الخليل أو ابن الخليل ، عن علي قوله. فأرسله ولم يرفعه.


وقد رواه الإمام أحمد أيضا ، عن عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن الأجلح ، عن الشعبي ، عن عبد خير ، عن زيد بن أرقم. فذكر نحو ما تقدم.

وأخرجه أبو داود والنسائي جميعا عن حنش بن أصرم ، وابن ماجة عن إسحاق ابن منصور ، كلاهما عن عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن صالح الهمداني ، عن الشعبي ، عن عبد خير ، عن زيد بن أرقم به.

ومنهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي المتوفى سنة ٧٤٢ في كتابه «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» (ج ٣ ص ١٩٦ بيروت) قال :

كنت جالسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجاء رجل من اليمن ، فقال : إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في ولد .. الحديث. د في الطلاق (٣٢ : ١) عن مسدد ، عن يحيى بن سعيد ، عن الأجلح ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن الخليل به .. و (٣٢ : ٣) عن عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن شعبة ، عن سلمة ، عن الشعبي ، عن الخليل أو ابن الخليل قال : أتي علي (ح ١٠١٦١) في امرأة ولدت من ثلاثة ـ فذكر نحوه ولم يرفع ، ولم يذكر زيدا. س فيه (الطلاق : ٥٠ : ٢) عن علي بن حجر ، عن علي بن مسهر ، عن الأجلح نحوه وقال : عبد الله بن أبي الخليل. و (٥٠ : ٤) عن إسحاق بن شاهين ، عن خالد بن عبد الله ، عن الشيباني ، عن الشعبي ، عن رجل من حضرموت ولم يسمه ، عن زيد بن أرقم نحوه. و (٥٠ : ٥) عن محمد بن بشار ، عن غندر ، عن شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن الشعبي ، عن أبي الخليل أو ابن الخليل : أن ثلاثة نفر اشتركوا في طهر ـ فذكر نحوه ولم يرفعه ، ولم يذكر زيدا. وأعاد حديث علي ابن حجر وإسحاق بن شاهين في القضاء. (لعله في الكبرى). (وفي الطلاق ٥٠ : ٣ عن عمرو بن علي ، عن يحيى ، عن الأجلح ، عن الشعبي ، عنه به لم يذكر المزي ، ولا الحافظ وهو في الرواية).


عبد خير بن يزيد الخيواني الكوفي ، عن زيد بن أرقم.

وفي «س» الحيراني وكلاهما خطأ. والصواب ما أثبتناه من «ك» و «ش».

حديث : أتي علي بثلاثة باليمن وقعوا على امرأة الحديث. د في الطلاق (٣٢ : ٢) «س» فيه (الطلاق ٥٠ : ١) وفي القضاء لعله في الكبرى جميعا عن خشيش بن أصرم «ق» في الأحكام (٢٠ : ٤) عن إسحاق بن منصور كلاهما عن عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن صالح الهمداني ، عن الشعبي ، عنه به.

عبد الله بن عباس القرشي الهاشمي ، عن زيد بن أرقم.

له في ترجمة عطاء ، عن زيد بن أرقم ـ ح ٣٦٧٧.

ومنهم الحافظ أبو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الاصبهاني المشتهر بأبي الشيخ المتوفى سنة ٣٦٩ في «أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآدابه» (ص ٩٤ ط القاهرة سنة ١٤٠١) قال :

حدثنا أحمد بن موسى الأنصاري ، نا أحمد بن الرمادي ، نا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث ، حدثني جرير بن حازم ، عن الحسن يعني ابن عمارة ، عن سلمة بن كهيل ، عن عبد الرحمن ، قال : سمعت على بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى اليمن ، أتاني ثلاثة نفر يختصمون في غلام من امرأة ، وقعوا عليها جميعا في طهر واحد ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي في كتابه «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (ج ٤ ص ٦٢٥ ط عالم الكتب في بيروت) قال :

ومنها أن عليا رضي‌الله‌عنه لما كان باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام فقال كل منهم : هو ابني ، فأقرع بينهم فجعل الولد للقارع وجعل عليه للرجلين الآخرين


ثلثي الدية ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي رضي‌الله‌عنه.

ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ٣٧٢ ط دار العلم للملايين ـ بيروت) قال :

ولما كان الإمام علي قاضيا في اليمن ، اختصم إليه ثلاثة نفر في ولد وقعوا على أمه في طهر واحد ، فأقرع الإمام بينهم ، وألحق الولد بالذي صارت له القرعة ، وجعل لصاحبيه عليه ثلثي الدية.

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ١٠ ط دمشق) قالا :

عن زيد بن أرقم قال : بينما نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أتاه رجل من أهل اليمن وعلي رضي‌الله‌عنه بها ، فجعل يحدث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويخبره قال : يا رسول الله أتى عليا ثلاثة نفر ـ فذكرا مثل ما تقدم.

وقالا أيضا في ص ١٨ :

عن علي رضي‌الله‌عنه : إنه أتي بثلاثة نفر اشتركوا في طهر امرأة فأقرع بينهم ـ فذكر الحديث كما تقدم.

ومنهم الفاضل محمد حميد الله في «مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة» (ص ١٦٨ ط دار النفائس ـ بيروت) قال :

وقال محشي الكتاب : حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في نسب الولد رواه البيهقي في «شعب الإيمان» ، ورواه ابن أبي شيبة ، وأحمد في مسنده ورواه أبو داود والنسائي بلفظ : كنت جالسا عند النبي فجاء رجل من أهل اليمن فقال : إن ثلاثة نفر


من أهل اليمن أتوا عليا يختصمون إليه في نفر قد وقعوا على امرأة في طهر واحد ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر عمر رضا كحالة في كتابه «النسل والعناية به» (ج ١ ص ٩٨ ط مؤسسة الرسالة في بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

وروى النسائي عن القرعة في الولد حتى صدر الإسلام عن زيد بن أرقم قال : أتي علي بن أبي طالب بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فسأل اثنين أتقران لهذا الولد؟ قالا : لا ثم سأل اثنين ـ فذكر مثل ما تقدم ، وقال : وضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت نواجذه.

ومنهم الدكتور محمد مصطفى أمبابي في «الجديد في الفقه الإسلامي» (ص ١٠٦ ط دار المنار القاهرة) قال :

ومن القضايا التي اشتهر علي بالفصل فيها أن ثلاثة أشخاص تخاصموا إليه في غلام ، وادعى كل منهم أنه ابنه ، فأقرع بينهم علي ـ فذكر مثل ما تقدم ، وقال في آخره : وضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت نواجذه.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد العزيز الشناوي في كتابه «سيدات نساء أهل الجنة» (ص ١٣٢ ط مكتبة التراث الإسلامي ـ القاهرة) قال :

وأتى علي بن أبي طالب وهو باليمن في ثلاثة قد وقعوا على امرأة في طهر واحد فسأل اثنين فقال : أتقران لهذا بالولد؟ فقالا : لا ، ثم سأل اثنين : أتقران لهذا بالولد؟ فقالا : لا ، فجعل أبو الحسن كلما سأل اثنين : أتقران لهذا بالولد؟ فقالا : لا ، فأقرع بينهم وألحق بالذي أصابته القرعة وجعل عليه ثلثي الدية ، ولما عاد علي بن أبي طالب إلى مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبره بذلك ضحك النبي عليه الصلاة


والسلام حتى بدت نواجذه.

ومن جملة أقضيته عليه‌السلام

ما أورده القوم

فمنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ٢٥٨ ط دار العلم للملايين ـ بيروت) قال :

أما الإمام علي فقد ضرب ثمانين في حد الشرب ، ثم عزر الشارب لشربه في رمضان عشرين سوطا إضافيا.

وقال في ص ٢٧١ :

امرأة قتلت زوجها يوم زفافها بحضور صديقها قضى الإمام علي على القاتلة بالقتل قصاصا.

وقال في ص ٢٧٧ :

وقد عرضت على الإمام علي أيضا قضية المتدخل ، الذي يمسك الرجل ليقتله رجل آخر. فقضى فيها على القاتل بالقتل ، وعلى الممسك بالحبس المؤبد ، قائلا له : أمسكت للموت فأنا أحبسك حتى تموت.

وفي قضية رجل فرّ من رجل يريد قتله ، فأمسكه له آخر حتى أدركه فقتله ، في هذه القضية قضى الإمام علي : أن يقتل القاتل ، ويحبس الممسك حتى يموت ، وتفقأ عين الناظر. ولعل عليا رأى في تعزير الناظر بفقء عينه مصلحة للأمة ، وتأديبا له على إهماله السعي لمنع ذلك المنكر. وهذا التعزير شبيه بما نراه اليوم في أرقى قوانين العقوبات.


وقال أيضا في ص ٢٨٠ :

ومن أقضية الإمام علي في هذا الباب تضمينه من أخرج طاحونة من ركن داره إلى الطريق العام ، فأصابت رجلا وتسببت بقتله.

ومنها تضمينه رجلا حفر بئرا في غير ملكه ، فوقع فيها رجل ومات. وكذلك لو أشهد أحد على صاحب الحائط المائل ، فلم يهدمه حتى سقط ، وأصاب إنسانا فقتله ، فقد قضى الإمام علي بتضمين صاحب الحائط دية القتيل.

ومنها أيضا أن رجلا استأجر أربعة رجال ليحفروا له بئرا ، فانخسفت بهم البئر ، فمات أحدهم. فرفع الأمر إلى الإمام علي ، فضمن الثلاثة ثلاثة أرباع الدية ، وطرح عنهم ربع الدية.

وقال أيضا في ص ٣٢٨ :

وكذلك روي عن الإمام علي أنه في نزاع بين رجل وامرأته ، قضى بإرسال حكمين من أهله وأهلها. وسألهما : هل تدريان ما عليكما من الحق؟ إن رأيتما تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما. فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله على ولي. وقال الرجل : أما الفرقة فلا. فأجابه علي : كذبت ، حتى ترضى بما رضيت به. وهكذا ، أقر علي للحكمين حق الجمع والتفريق بدون توكيل أو إذن من الزوج.

وقال أيضا في ص ٣٦١ :

وقد أوجب الإمام علي المهر أيضا في شبهة الزواج. مثاله ، خطب رجل إلى رجل من أهل الشام ابنته من امرأة عربية فزوجه إياها ، ولكن زف له أختها من أبيها ومن أمها الأعجمية. فلما عرف الزوج بالأمر ، رفعه إلى الإمام علي. فقضى بالمهر للمرأة التي دخل بها بالشبهة ، وقضى له بالابنة العربية وأوجب على أبيها مهرها. وأمر الزوج أن لا يقرب زوجته حتى تنقضي عدة أختها.


وكذلك في قضية شبيهة : تزوج أخوان أختين ، فزفت كل منهما إلى أخي زوجها ، فأصابها. فقضى الإمام علي على كل من الزوجين بصداق لمن أصابها بالشبهة ، وجعل له أن يرجع به على الذي غره.

وقال في ص ٣٦٤ :

أما الإمام علي ، فمن أقضيته في هذه المسألة أن رجلا سمى لامرأته مهرا مؤجلا ، ثم بعد الدخول رفع أمره إلى علي ، فقضى عليه بتأدية المهر ، وقال له : لا أجل لك في مهرها ، إذا دخلت بها فحقها حال ، فأدّ إليها حقها.

وقال في ص ٤٤٤ :

ومن أقضية الإمام علي أن رجلا وجد صرة ، فيها ألف وخمسمائة درهم ، في خربة في السواد (العراق). فأفتاه علي : إن كنت وجدتها في قرية يؤدي خراجها قوم ، فهم أحق بها منك. وإن كنت وجدتها في قرية ليس يؤدي خراجها أحد ، فخمسها لبيت المال ، وبقيتها لك.

وقال في ص ٤٤٧ :

من أتلف مال غيره بدون حق ، كان ضامنا. مثاله ، قال الإمام علي : من خرق ثوبا ، أو أكل طعاما ، أو كسر عودا ، ومن ركب دابة غيره ، كان ضامنا للضرر الحاصل من التعدي والإتلاف. وقال أيضا بأن من يستعين بمملوك غيره أو بغلام صغير بغير إذن أهله فهو لهما ضامن.

وقال أيضا في ص ٤٦٦ :

ومن أقضية الإمام علي في ذلك أن رجلين اختصما إليه ، فادعى أحدهما أنه باع من الآخر عددا من القواصر ، أي أوعية الثمر ، واستثنى منها خمس قواصر لا يعلم


محتوياتها. فقضى علي بفساد البيع للجهالة لكنه أجاز بيع المجازفة ، أي بيع المقدرات بمجموعها بلا تقدير. وهو قول جمهور الفقهاء.

وقال أيضا في ص ٤٩٤ :

في كراء الدواب ، يراعى شرط العقد. فقد سئل الإمام علي عمن يستكري دابة ، ويجاوز بها الشرط. فأجاب أنه يضمن لصاحبها الضرر. وإن قصرت الدابة عن بلوغ الشرط ، واستكرى المستأجر دابة أخرى ، فالإمام علي قضى لصاحب الدابة بقدر من الأجرة حسبما بلغت. أما إذا استكرى رجل بعيرا بعينه ثم هلك ، فليس لصاحبه أن يؤمن له غيره ، ولا أن يطالبه بأي ضمان.

وقال أيضا في ص ٥٠٥ :

دفع رجلان من قريش مائة دينار إلى امرأة ، واشترطا عليها أن لا تعيد الوديعة إلا إليهما مجتمعين. وبعد مرور حول ، جاء أحدهما وزعم أن رفيقه قد مات ، وطلب استعادة الوديعة. فرفضت المرأة ، فاختصما إلى الفاروق ، الذي أوشك أن يحكم عليها. لكن بناء على طلبها ، أحال القضية إلى الإمام علي. فعرف الإمام مكر المودعين ، فقضى برد الدعوى ، وقال للمدعي : أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد دون صاحبه؟ مالك عندها ، فاذهب فجيء بصاحبك حتى تدفعه إليكما.

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما أورده جماعة

فمنهم الشيخ محمد خير المقداد في «مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة» (ص ١٨٠ ط دار ابن كثير) قال :

قال في «الفصول المهمة في معرفة الأئمة» : جاء رجلان إلى النبي صلّى الله عليه


وسلم ، فقال أحدهما : يا رسول الله إن بقرة هذا قتلت حماري ، فبادر الرجل وقال : لا ضمان على البهائم ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا أن يقضي بينهما ، فقال : أكانا مرسلين أم مشدودين؟ أم أحدهما مشدود والآخر مرسل؟ فقالا : كان الحمار مشدودا والبقرة مرسلة ، وصاحبها معها ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : صاحب البقرة ضامن الحمار ، فأمضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حكمه.

ومنهم العلامة محمد بن علي الحنفي المصري في «اتحاف أهل الإسلام» (ق ٦٥ نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق) قال :

وسببقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علي أقضاكم ، ما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان جالسا فجاء خصمان ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم عن «السمير المهذب».

ومنهم العلامة حسام الدين المردي الحنفي في «آل محمد» (ص ٤٨) قال :

قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقض بينهما يا علي. أخرجه الحاكم في أحاديث أبي بكر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان جالسا مع جماعة من أصحابه فجاءه خصمان ـ فذكر الحديث الشريف ، ثم قال في آخره : فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده إلى السماء فقال : الحمد لله الذي جعل مني من يقضي بالقضاء البينة.

وقال أيضا في ص ٤٨ :

أخرج الإمام أحمد في المناقب يرفعه بسنده إلى عن حميد بن أبي عبد الله قال : ذكر عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما قضى به علي فأعجبه فقال : الحمد لله الذي جعل فينا أهل البيت الحكم.

ومنهم العلامة المولوي ولي الله اللكهنوي في «مرآة المؤمنين» (ق ٧١ المخطوط) قال :


وعن حميد بن عبد الله بن يزيد المدني قال : ذكر عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قضاء علي فأعجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر السيد علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله يتصل نسبه بالحسين عليه‌السلام القاهري المصري المولود سنة ١٢٩٦ والمتوفى ١٣٧٢ بالقاهرة في كتابه «السمير المهذب» (ج ٢ ص ١١٩ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٣٩٩) قال:

حكي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان جالسا مع جماعة من الصحابة فجاءه خصمان فقال أحدهما : إن لي حمارا ، وإن لهذا بقرة ، وإن بقرته قتلت حماري.

فبدأ رجل من الحاضرين فقال : لا ضمان على البهائم. فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اقض بينهما يا علي ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم.

وذكر مثله بعينه في كتابه «أحسن القصص» ج ٣ ص ٢٠٧ ط بيروت. وجعل ذلك سببا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أقضاكم علي.

ومن جملة أقضيته عليه‌السلام

ما رواه جماعة

فمنهم الفاضل أحمد عبد الجواد المدني في «المعاملات في الإسلام» (ص ٢٦ ط مؤسسة الإيمان) قال :

عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن رجلا أصاب عين رجل فذهب بعض بصره وبقي بعض ، فرفع ذلك إلى علي رضي‌الله‌عنه فأمر بعينه الصحيحة فعصبت ، فأمر رجلا ببيضة فانطلق بها وهو ينظر حتى انتهى بصره ، ثم خط عند ذلك علما ، ثم نظر في ذلك فوجدوه سواء ، فأعطاه بقدر ما نقص ، ثم حط عنها من مال الآخر. أخرجه


البيهقي في السنن الكبرى.

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٥٨٨ ط دمشق) قالا :

عن الحكم بن عيينة قال : لطم رجل رجلا فذهب بصره وعينه قائمة ، فأرادوا أن يقيدوه ، فلم يدروا كيف يصنعون. فأتاهم علي رضي‌الله‌عنه فأمر به فجعل على وجهه كرسف ، ثم استقبل به الشمس وأدنى من عينه مرآة فالتمع بصره وعينه قائمة. (عب).

ومن أقضيته عليه‌السلام

ما رواه جماعة

فمنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في «معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين» (ج ٨ ص ٧٥ ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال :

قتل رجل في الطواف ، فاستشار عمر الناس؟ فقال علي : ديته على المسلمين أو في بيت المال.

ازدحم الناس في المسجد الجامع بالكوفة يوم الجمعة ، فأفرجوا عن قتيل ، فوداه علي بن أبي طالب من بيت المال.

ومن أقضيته أيضا ما رواه في الكتاب السابق : وقضى علي بن أبي طالب في ستة غلمة كانوا يتغاطون في النهر ، فغرق أحدهم ، فشهد اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه ، وشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه ، فجعل علي بن أبي طالب : ثلاثة أخماس الدية على الإثنين ، وخمسي الدية على الثلاثة.


ومنهم الفاضل المعاصر محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي في «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (ج ٤ ص ٦٢٥ ط عالم الكتب ـ بيروت) قال :

ومنها أن عليا رضي‌الله‌عنه لما كان باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام ، فقال كل منهم : هو ابني. فأقرع بينهم ، فجعل الولد للقارع وجعل عليه للرجلين الآخرين ثلثي الدية ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي رضي‌الله‌عنه.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد حميد الله في «مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة» (ص ١٦٨ ط دار النفائس ـ بيروت) قال :

عن زيد بن أرقم قال : كنت عند النبي عليه‌السلام إذ أتاه كتاب من علي باليمن ، فذكر أن ثلاثة نفر يختصمون في غلام. وذكر نحوا من القصة ، وقال : فضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : لا أعلم فيها إلا ما قضى علي.

وقال محشي الكتاب : حديث زيد بن أرقم في قضاء علي في نسب الولد رواه البيهقي في شعب الإيمان ، ورواه ابن أبي شيبة ، وأحمد في مسنده ، ورواه أبو داود والنسائي بلفظ : كنت جالسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم وذكر في آخره : ضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في «علي إمام الأئمة» (ص ١٩٨ ط دار مصر للطباعة) قال :

ومن أقضيته كرم الله وجهه قضاؤه في مولود تنازعه ثلاثة نفر كلهم يدعيه لنفسه ، وكان أولئك الثلاثة قد وقعوا على أم ذلك الولد في طهر واحد. فدعا كرم الله وجهه باثنين منهم ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم ، وفي آخره : ضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى بدت نواجذه.


ومنهم الأستاذ محمد سعيد زغلول في «فهارس المستدرك» للحاكم (ص ٦٩٢ ط بيروت) قال :

قضاء علي في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد ٣ / ١٣٥

مستدرك

عدل علي عليه‌السلام في الحكومة

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٥٣٢ و ٥٤٠ وج ١٨ ص ٩ و ١١ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي التركماني في «أحاديث مختارة من موضوعات الجوزقاني وابن الجوزي» (ص ١٤٣ ط مكتبة الدار بالمدينة الطيبة) قال :

الحاكم أبو أحمد الحافظ ، أنا علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أحمد بن المقدام ، ثنا أبو سمير حكيم بن خذام ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، قال : عرف علي درعا له مع يهودي ، فقال : درعي سقطت مني يوم كذا ، قال اليهودي : درعي ، وفي يدي ، بيني وبينك قاضى المسلمين. فلما رآه شريح ، قام له عن مجلسه ، وجلس علي ، ثم قال : لو كان خصمي مسلما ، جلست معه بين يديك ، ولكني سمعت رسول الله يقول : لا تساووهم في المجلس ، ولا تعودوا مرضاهم ، واضطروهم إلى أضيق الطريق ، فإن سبوكم فاضربوهم ، وإن ضربوكم فاقتلوهم. فقال : درعي ، فقال : صدقت يا أمير المؤمنين ولكن بينة؟ فدعا قنبرا ، فشهدا له ، والحسن ، فقال : أما هذاك فنعم وأما شهادة ابنك فلا ، فقال : أنشدك الله أسمعت عمر يقول : قال رسول الله صلّى الله عليه


وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ قال : اللهم نعم ، فأمضى شهادة الحسن ، والله لتخرجن إلى بانقيا ، فلتقضين بين أهلها أربعين يوما ، قال : ثم سلم الدرع إلى اليهودي ، فقال اليهودي : أمير المؤمنين مشى معي إلى قاضيه ، فقضى عليه فرضي به ، صدقت أنها لدرعك ، التقطتها ، وأسلم ، فقال علي : الدرع لك ، وهذا الفرس لك ، وفرض له ، وقتل بصفين.

ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٢٤٦ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :

عن إبراهيم بن يزيد التيمي ، عن أبيه قال : وجد علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه درعا له عندي يهودي التقطها فعرفها ، فقال : درعي سقطت ـ فذكر الحديث باختلاف يسير في اللفظ.

وقال في ص ٣٤٦ :

عن ميسرة عن شريح قال ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم باختلاف يسير.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٦٣ ط دار الفكر) قال :

قال الشعبي : وجد علي بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني ، فأقبل به إلى شريح يخاصمه ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف يسير.

ومنهم العلامة القاضي أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي المتوفى سنة ٤٥٠ في «أدب القاضي» (ص ٢٠٨) قال :

روي أن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه اختصم مع يهودي وجد معه درعا


ضاعت منه يوم الجمل إلى شريح ، فلما دخلا عليه قام شريح عن مجلسه حتى جلس فيه علي ، وجلس شريح واليهودي بين يديه. فقال علي : لولا أن خصمي ذمي لجلست مع خصمي بين يديك ، ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا تساووهم في المجلس.

ومنهم العلامة زين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي المتوفى سنة ٧٤٩ في «تتمة المختصر في أخبار البشر» (ص ٦٢ من مخطوطة إحدى مكاتب اسلامبول) قال :

وحاكم علي نصرانيا في درع إلى شريح ، فقال شريح لعلي : ألك بنية؟ قال : لا ، وهو يضحك وأخذ النصراني الدرع ومشى يسيرا ثم عاد وقال : أشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، ثم أسلم واعترف بسقوط الدرع من علي ، ففرح بإسلامه ووهبه الدرع وفرسا وشهد معه الخوارج وقتل.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ١٨١ ط دار القلم ـ دمشق)

فذكر الحديث.

ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ٥٩١ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فأشار إلى قصة الدرع المفقودة.

ومنهم الفاضل المعاصر يوسف المرعشلي في كتابه «فهرس تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» (ص ٢٠٥ ط دار المعرفة ـ بيروت)

فأشار إلى قصة الدرع المفقودة.


ومنهم الفاضل الشيخ قرني طلبة البدوي في «العشرة المبشرة بالجنة» (ص ٢١٢ ط محمد علي صبيح بمصر)

فذكر قصة الدرع المفقودة كما تقدم.

ومنهم العلامة الشيخ أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي ابن حمدون في «التذكرة الحمدونية» (ص ٤٠٣ ط بيروت) قال :

وروي أن عليا عليه‌السلام وجد درعا له عند يهودي ـ فذكر قصة الدرع كما تقدم عن الذهبي باختلاف في اللفظ.

ومنهم العلامة الشيخ أبو الوليد إسماعيل بن محمد المشتهر بابن رأس عتمة الإشبيلي في «مناقل الدرر ومناقب الزهر» (ق ٣٤ والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال :

استعرف علي رضي‌الله‌عنه درعا له بيد يهودي ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف يسير.

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٣ ص ٧٤٣ ط دمشق) قالا :

عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه قال : وجد علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه درعا له عند يهودي التقطها فعرفها ـ فذكر مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف قليل.

ورويا في ج ٤ ص ٤٩ عن ميسرة عن شريح مثل ما تقدم. وفيه : وخرج مع علي عليه‌السلام يقاتل السراة بالنهروان فقتل.

ومنهم العلامة يحيى بن الموفق بالله الشجري المتوفى سنة ٤٩٩ في «الأمالي» (ج ٢ ص ٢٣٥ ط القاهرة) قال :


أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان بقراءتي عليه ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد ومحمد بن مخلد ، قالا : حدثنا علي بن عبد الله بن معاوية ، عن ميسرة بن شريح القاضي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه معاوية ، عن ميسرة ، عن شريح قال : لما توجه علي عليه‌السلام إلى حرب معاوية ـ فذكر مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف يسير في اللفظ.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ١٣٠ ط بيروت سنة ١٤٠٤) قال :

ومنها قال الشعبي : وجد علي رضي الله تعالى عنه درعا له عند نصراني ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي» (ق ٥٠ نسخة مكتبة السلطان أحمد الثالث بإسلامبول) قال :

وقال الشعبي : وجد علي بن أبي طالب عليه‌السلام درعه عند رجل نصراني ـ فذكر مثل ما تقدم عن الذهبي باختلاف يسير.

ومنهم العلامة الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدار قطني البغدادي المتوفى سنة ٣٨٥ في «المؤتلف والمختلف» (ج ٤ ص ٢١٠١ ط دار الغرب الإسلامي ـ بيروت ١٤٠٦) قال :

أخبرنا أبو أحمد الجريري محمد بن أحمد بن يوسف ، حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز ، حدثنا أبو الحسن المدائني ، عن منازل بن سلام ، عن مجالد ، عن الشعبي ، قال : ضاع درع لعلي عليه‌السلام يوم الجمل ـ الحديث.

ومنهم الفاضل المعاصر إبراهيم محمد الجمل في «مواعظ الصحابة في الدين


والحيا» (ص ٢٨ ط الدار المصرية اللبنانية)

ذكر القصة الدرعية عن الحاكم والترمذي عن الشعبي ، وقال في ص ٢٠ بعد نقلها : وأخرجه الحاكم في الكنى وأبو نعيم في الحلية من طريق إبراهيم بن زيد التيمي عن أبيه مطوّلا.

ومنهم الدكتور أحمد الحصري أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر في «الدولة وسياسة الحكم في الفقه الإسلامي» (ج ٢ ص ١٣٠ ط مكتبة الكليات الأزهرية ـ القاهرة)

فذكر قصة الدرع.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد عبد الخالد عبد القادر عطا في تعاليقه على «أدب القضاء» للشيخ شهاب الدين إبراهيم بن عبد الله المشتهر بابن أبي الدم (ص ٨٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

فذكر قصة الدرع.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد سيد أحمد الأقرع إمام مسجد المفشاوي بطنطا المصري في «الخطبة المنبرية» (ص ١١٨ ط المختار الإسلامي ـ القاهرة)

فذكر قصة الدرع.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الأعلى مهنا في «طرائف الخلفاء والملوك» (ص ٢٩ ط ١ دار الكتب العلمية ، بيروت)

فذكر قصة الدرع.


حديث آخر

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ١٥٩ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فذكر قصة الدرع المفقودة ـ إلى أن قال : وأسلم اليهودي فدفع إليه الدرع تبرعا ثم توجه هذا مع علي عليه‌السلام يقاتل معه في النهروان حتى استشهد. ثم قال : ومن أشباه هذه القضية أن الإمام عليا وجد عند ابن قفل التميمي درع رجل قتل في معركة يوم الجمل ، وادعى هذا أنه اشتراها بأربعة آلاف درهم ، ولما اختصما إلى القاضي شريح وجلسا بين يديه تناظرا ، ثم سأل القاضي عليا إثبات دعواه ، فجاء بعبد الله بن جعفر ومولى له ، فشهدا لكن القاضي لم يقبل شهادة المولى لمن هو عنده فردّ الدعوى.

حديث آخر

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر عبد الأعلى مهنا في «طرائف الخلفاء والملوك» (ص ٣٠ ط دار الكتب العلمية ، بيروت) قال :

استعدى رجل على علي بن أبي طالب عليه‌السلام عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه وعلي جالس ، فالتفت إليه فقال : قم يا أبا الحسن فاجلس مع خصمك. فقام فجلس معه وتناظرا ، ثم انصرف الرجل ورجع علي إلى محله ، فتبين عمر التغير في وجهه فقال : يا أبا الحسن ، مالي أراك متغيرا أكرهت ما كان؟ قال : نعم. قال : وما ذاك؟ قال : كنيتني بحضرة خصمي ، هلا قلت : قم يا علي فاجلس مع خصمك.


فاعتنق عمر عليا وجعل يقبّل وجهه وقال : بأبي أنتم بكم هدانا الله ، وبكم أخرجنا من الظلمات إلى النور.

ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ١٥٩ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فذكر مثل ما تقدم عن «طرائف الخلفاء الملوك» بعينه.

ومنهم الفاضل المعاصر توفيق علي وهبه في «دور المرأة في المجتمع الإسلامى» (ص ٣٩ ط دار اللواء ـ الرياض) قال :

ولقد شكا يهودي عليا رضي‌الله‌عنه وكرم الله وجهه إلى عمر بن الخطاب في خلافة سيدنا عمر ، فلما مثلا بين يديه خاطب عمر اليهودي باسمه ، بينما خاطب عليا بكنيته فقال له «يا أبا الحسن» حسب عادته في خطابه معه ، فظهرت آثار الغضب على وجه علي ، فقال له عمر : أكرهت أن يكون خصمك يهوديا ، وأن تمثل معه أمام القضاء على قدم المساواة؟ فقال علي : لا ، ولكني غضبت لأنك لم تسو بيني وبينه ، بل فضلتني عليه إذ خاطبته باسمه ، بينما خاطبتني بكنيتي.

ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في القسم الثاني من «جامع الأحاديث» (ج ٣ ص ٦٨١ ط دمشق) قالا :

عن علي بن ربيعة قال : جاء جعدة بن هبيرة إلى علي رضي‌الله‌عنه فقال : يا أمير المؤمنين يأتيك الرجلان أنت أحب إلى أحدهما من نفسه ـ أو قال : من أهله وماله ـ والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك ، فتقضى لهذا على هذا؟ قال : فلهزه علي وقال : هذا شيء لو كان لي فعلت ، ولكن إنما ذا شيء لله.(كر).

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري


من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ١٣٠) قال :

وقال له جعدة بن هبيرة : يا أمير المؤمنين يأتيك الرجلان ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جامع الأحاديث».

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد عبد الرحمن البكر في «السلطة القضائية وشخصية القاضي في النظام الإسلامي» (ص ٧٠٧ ط ١ الزهراء للإعلام العربي) قال :

ولّى علي رضي‌الله‌عنه أبا الأسود ثم عزله فقال له : لم عزلتني وما خنت؟ قال : إني رأيتك يعلو كلامك على الخصمين.

وقال في ص ٤٠٩ :

فهذا شريح القاضي يقضى ليهودي على علي بن أبي طالب ، وهو يومئذ أمير المؤمنين.

ومنهم الحافظ أبو العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي المتوفى سنة ١٣٥٣ في «تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي» (ج ١ ص ٤٥١ ط دار الفكر في بيروت) قال :

وروي أن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه دخل معه خصم له ذمي إلى القاضي شريح ، فقام له ، فقال : هذا أول جورك ، فأسند ظهره إلى الجدار ، وقال : أما إن خصمي لو كان مسلما لجلست بجنبه.

ومنهم الفاضل المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» عليه‌السلام (ص ٣١٣ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة) قال :

لقد خطب في اليوم التالي لمبايعته فقال : أما بعد ألا لا يقولن رجال منكم غدا


قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الرقيقة وصار ذلك عليهم عارا وشنارا ، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون ، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا.

فلما كان الغد غدا الناس لقبض حقوقهم ، فأمر كاتبه عبيد الله بن أبي رافع أن يبدأ بالمهاجرين ، وأعطى كل من حضر منهم ثلاثة دنانير ، ثم ثنى بالأنصار ثم سائر الناس كلهم ، سوى بينهم الأحمر فيهم والأسود ، فقال له سهل بن حنيف : هذا غلامي أعتقته بالأمس. قال : نعطيه كما نعطيك ثلاثة دنانير.

وقد تخلف عن هذه القسمة طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم.

وقال علي : ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوج به النساء وفرقه في البلدان لرددته إلى حاله ، فإن في العدل سعة ، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق.

ولما جاءته امرأتان فسوى بينهما ، قالت إحداهما : إني امرأة من العرب وهذه أعجمية ، فقال : إني لا أرى لبني إسماعيل في هذا الغنى فضلا على بني إسحاق.

وغضب البعض مما يصنع أمير المؤمنين. وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية يقول : ما كنت صانعا فاصنع.

ودعى البعض في السر إلى رفض علي لمساواته بينهم وبين الأعاجم ، ولما بلغه ذلك صعد المنبر متقلدا سيفه وقال : ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله وطاعة الرسول ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ).

ثم صاح بأعلى صوته : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُ


الْكافِرِينَ).

في هذه الأيام الأولى وضح منهاجه الدستوري : المساواة في الحقوق والعدل بين الناس. ومنهاجه الاقتصادي : المساواة في العطاء بين فئات الشعب. ومنهاجه الاجتماعي : ليس في الإسلام شريف ومشروف ، ولا أحمر وأسود ، ولا عربي وأعجمي ، وإنما أكرم الناس أتقاهم.

وكان عدله مع الذين حاربوه أو كفروه أو قتلوه دروسا في الفقه :

روى الغزالي في المستصفى أن قضاته استشاروه في شهادة الخوارج بالبصرة فأمر بقبولها كما كانت تقبل قبل خروجهم عليه ، لأنهم إنما حاربوا على تأويل ، وفي رد شهادتهم تعصب وإثارة خلاف ، حتى قاتله عبد الرحمن بن ملجم نهى عن المثلة به.

وبالمساواة التي هي خصيصة الإسلام الأولى ، بعد التوحيد ، أهرع أبناء البلاد المفتوحة من غير العرب إلى اعتناق الإسلام ، ثم اختار كثير منهم الانضمام تحت لواء الشيعة.

ولما سادت الدعوة لأهل البيت في خراسان أقبلت جيوشها تقيم دولة الدين على أنقاض بني أمية وبني مروان ، وكانت تولية الرضا من أهل البيت والتسوية بين الموالي والعرب ، شعار الدولة التي أقامها أبو مسلم الخراساني والتي سرقها بنو العباس من بني علي ، كما أوضحنا قبل.

ولقد وهم الذين نسبوا أسباب التشيع في خراسان إلى ما زعموه من تشابه تتابع الخلافة النبوية والدينية في بيت الرسول ، وتوارث الملك عند الفرس في الدولة الكسروية ، وحكم كسرى بالحق الإلهي.

فلقد ترك الفرس دين كسرى بتمامه إلى الإسلام وقواعده.

إنما كانت تفرقة الولاة والحكام بين العجم وبين العرب سببا لتصبح المساواة صيحة التجمع منهم على أمير المؤمنين علي وبنيه. وكان أهل البيت مضطهدين ،


تهوى إليهم الأفئدة ، وك انوا شجعانا يستشهدون ، فاجتمع على إيجاب الانضمام إليهم الدين والعقل والمصلحة ، وهي دوافع كافية للجهاد ضد بني أمية.

أما زعم الزاعمين أن إصهار الحسين إلى الفرس في أم زين العابدين كان سببا لتشيعهم ، فينقضه أن ابني عمر وأبي بكر أصهرا إليهم في أختين لها ، ومع ذلك لم يتعصب الفرس لأبويهما.

لامراء كان طلب المساواة هو الباعث على التشيع لعلي ، من قوم سلبت حقوقهم في المساواة ، وهم في قمة المجتمع العلمي والديني ، يحملون مسئوليات الدين الجديد مع العرب.

والدول العظيمة ، والحروب الدامية ، وتغيير التاريخ ، لا يحدثها الغضب من أجل النسب. وإنما تحدثها المبادئ الخالدة والبطولات الرائعة وابتغاء مستقبل أفضل. وتفسير التاريخ على أساس النسب تفسير أو ربى يدفع المستشرقين إليه سوابق الزواج السياسي بين ملوكهم وحروب الوراثة بين دولهم.

وقال أيضا في هامش ص ٣١٤ :

كان بنو أمية يجعلون للعرب درجة على الموالي وسمى العرب الموالي بالعلوج.

بل قال جرير :

قالوا نبيعكه بيعا فقلت لهم

بيعوا الموالي واستغنوا عن العرب

والمبرد يقول : وتزعم الرواة أن الذي أنفت منه جلة الموالي هذا البيت لأنه حطهم ووضعهم.

وتزوج أعجمي من عربية من بني سليم ، فشكاهما محتسب إلى والي المدينة إبراهيم بن هشام صهر الخليفة عبد الملك بن مروان ، ففرق بينهما لعدم الكفاءة ، وعزر الزوج لأنه ارتكب جريمة بأن ضربه مائتي جلدة ثم حلق لحيته وشاربه.

فقالوا عن الموالي :


قضيت بسنة وحكمت عدلا

ولم ترث الحكومة من بعيد

وإبراهيم بن هشام خال الخليفة هشام بن عبد الملك.

وسأل هشام جليسه في فاتحة القرن الثاني للهجرة عن فقهاء الأمصار. قال : من فقيه المدينة؟ قال : نافع مولى ابن عمر. قال : فمن فقيه أهل مكة؟ قال : عطاء بن أبي رباح. قال : مولى أم عربي؟ قال : مولى. قال : فمن فقيه اليمن؟ قال : طاوس بن كيسان. قال : مولى أم عربي؟ قال : مولى. قال : فمن فقيه أهل اليمامة؟ قال : يحيى ابن أبي كثير. قال : مولى أم عربي؟ قال : مولى. قال : فمن فقيه أهل الشام؟ قال : مكحول. قال : مولى أم عربي؟ قال : مولى. قال : فمن فقيه أهل الجزيرة؟ قال : ميمون بن مهران. قال : مولى أم عربي؟ قال : مولى. قال : فمن فقيه أهل الجزيرة؟ قال : الضحاك بن مزاحم. قال : مولى أم عربي؟ قال : مولى. قال : فمن فقيه أهل البصرة؟ قال : الحسن وابن سيرين. قال : موليان أم عربيان؟ قال : موليان. قال : قال فمن فقيه أهل الكوفة؟ قال : إبراهيم النخعي. قال : مولى أم عربي؟ قال : عربي. قال : كادت نفسي تزهق ولا تقول واحد عربي.

ومن هذا التعصب للعرق وتمييز العرب ثار من عدا العرب في خراسان (ما وراء العراق حتى وسط آسيا) وأجاء أهل خراسان بني العباس إلى الخلافة بشعارين يكمل كل منهما الآخر : إعادة حكم الدين وتولية أهل البيت ، مساواة الموالي والعرب. وانطبعت الدولة العباسية في أغلب أمرها بطابع غير عربي.

يقول الجاحظ عن المائة الأولى من عمرها : دول تهم أعجمية خراسانية ، ودولة بني أمية عربية أعرابية.

وكان مؤسسو الدولة العباسية يشيرون إلى خراسان على أنها باب الدولة.

وفي خواتيم المائة الأولى حاول الرشيد أن يستعيد مقاليد الأمور من الفرس فكانت مصارع البرامكة ، فلم يلبث الفرس إلا سنين حتى قتلت جيوشهم الأمين العرب الأب والأم وجاءوا بالمأمون إلى عرش الخلافة وأمه خراسانية.


وشهدت المائة الثانية من عمر الدولة دولا قادمة من خراسان تستقل بممالكها أو تحكم الدولة العباسية كلها : بني سامان (٢٦١ ـ ٣٨٩) يحكمون في الشرق من خراسان من عهد المستعين (٢٤٨) والدولة الصفارية في عهد المعتز (٢٥٢) ثم بني بويه (٣٢٤ ـ ٤٢٣) يحكمون فارس والري وأصفهان والجبل. ولم تنشأ دولة عربية إلا في الموصل وديار بكر وربيعة وهي دولة بني حمدان (٣١٧ ـ ٣٥٨).

وقال أيضا في ص ٣١٧ :

العدل ونزاهة الحكم :

في حياة علي ومبادئه ، وخطبه وأقضيته ، عن هذين ، ما لا نظير له في أي عصر ، والمقام يضيق عن الاستقصاء. فحسبنا أن نقف قليلا عند فقرات من عهده لمالك بن الحارث (الأشتر النخعي) فهذا عهد مقطوع القرين في شكله وموضوعه ، في التراث العالمي والإسلامي ، وبخاصة في السياسة الإسلامية ، والحكم الصالح ، سواء في صياغته أو محتوياته.

وهذا العهد يضع اسم علي في ذروة المؤسسين للدول واضعي الدساتير حيث يتكلم عما يسمى في الدساتير العصرية بالمقومات الأساسية ، وواجبات الولاة نحو الأمة ، وطريقة قيامهم بحقوق الجماعة ، بالتفصيل اللازم. والتنبيه على ملء الفراغ ، فيما سكت عنه ، بالرجوع إلى أصل الشريعة : القرآن والسنة.

ولقد تتابعت على هذا العهد شروح الأئمة من بعد ، فرأينا لزين العابدين في رسالة الحقوق تفصيلات جديدة يقتضيها الزمان. وشهدنا الإمام جعفر الصادق يضيف التطبيق ، والتفصيل الدقيق ، لما تضمنته رسالة زين العابدين وعهد علي فيجعل من تنفيذهما وشروحه لهما ، عهدا جديدا للمسلمين وللشيعة ، تبلغ به مجتمعاتهم أو دولهم مبالغها كلما التزموها أو قاربوا الالتزام بهما.

يبدأ عهد علي بتحديد مهمة الوالي حين ولاه مصر ، جباية خراجها وجهاد عدوها


وإصلاح أهلها وعمارة بلادها ، فهو قد جمع له ولاية الخراج وولاية الحكم ، قال : واعلم أن الرعية طبقات ، لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض : فمنها جنود الله ، ومنها كتاب العامة ، ومنها قضاة العدل ، ومنها عمال الأنصاف والرفق ، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ، ومنها التجار وأهل الصناعات ، ومنها الطبقة السفلى من ذوى الحاجة والمسكنة ، وكلا قد سمى الله سهمه.

فالجنود بإذن الله حصون الرعية ، وزين الولاة ، وعز الدين ، وسبيل الأمن. وليس تقوم الرعية إلا بهم. ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله تعالى لهم من الخراج ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب. لما يحكمون من المعاقد ويجمعون من المنافع ويؤتمون عليه من خواص الأمور وعوامها.

ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم ، وفي الله لكل سعة ، وعلى الوالي حق بقدر ما يصلحه.

أما ولاية الإدارة عامة ، والعمال والكتاب خاصة. فيقول عنها :

فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ورسوله ولإمامك ، وأطهرهم جيبا وأفضلهم حلما ، ثم الصق بذوي المروءات ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالدان من ولدهما ولا تحقرن لطفا تتعاهدهم به وإن قل وليكن آثر جندك من واساهم في معونته وإن أفضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد بظهور مودة الرعية.

وأما عن العدالة ، وقوامها القضاء ، فيبدأ المشترع العظيم في التعبير الأوربي الكلام فيها عن القانون الواجب التطبيق فيقول :

واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من الأمور ، فقد قال الله تعالى لقوم أحب إرشادهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) فالرد إلى الله


الأخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الأخذ بسنته الجامعة غير المفرقة.

ويقرن القانون الإلهي بالقاضي كما يتطلبه الإسلام فيعقب على ما سبق بقوله عن صميم القضاء : ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ، ولا تحكمه الخصوم ، ولا يتمادى في الزلة ، ولا يحصر عن الفيء إلى الحق إذا عرفه ، ولا تشرف نفسه على طمع ، ولا يكتفى بأدنى فهم دون أقصاه : أوقفهم في الشبهات ، وآخذهم بالحجج ، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم ، وأصبرهم على تكشيف الأمور ، وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء. وأولئك قليل.

ثم أكثر تعاهد قضائه وأفسح له في البذل ما يزيح علته وتقل حاجته إلى الناس ، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ، ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك.

ولئن كانت رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري قد جمعت جمل الأحكام في كلمات مختصرة ، لا يجد محق عنها معدلا ، إن عهد علي للأشتر كان في زمان مختلف ، فجاء جامعا ، بل مضيفا في الموضوع الذي وردت فيه رسالة عمر أمورا شتى يحتاجها زمان علي وكل زمان بعده.

وورود القانون ، والدعوى ، واختيار القاضي ، وسلوكه ، وطريقة القضاء ، واستقلال القضاء ، في فقرتين بين فقرات ذلك العهد ، مظهر من مظاهر شموله واتساع نطاقه ، وأسباب خلوده.

أما الإدارة العامة عمال الوالي ففيهم يقول أمير المؤمنين : انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختيارا ولا تولهم محاباة وأثرة ، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام ، فإنهم أكرم أخلاقا وأصح أعراضا ، ثم أسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو خانوا أمانتك ، ثم تفقد أعمالهم.


وأما الكتاب ففيهم قوله : ثم انظر في حال كتابك ، فول على أمورك خيرهم أو اخصص رسائلك التي تدخل فيها مكايدك وأسرارك ، بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق ، ممن لا تبطره الكرامة فيجترئ بها عليك في خلاف لك بحضرة ملأ ، ثم لا يكن اختيارك إياهم على فراستك واستقامتك وحسن الظن منك ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم في العامة أثرا.

ثم يقول عن الضعفة : وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه ، واجعل لذوي الحاجات منك مجلسا عاما ، فلا تكونن منفرا ولا مضيعا ، فإن في الناس من به العلة وله الحاجة ، وقد سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين وجهني إلى اليمن : كيف أصلي بهم؟ فقال : صل بهم كصلاة أضعفهم وكن بالمؤمنين رحيما.

الشورى والعناية بالعامة :

في بداية العهد إلى الأشتر أمران : الأول خاص بالأشتر ، والثاني خاص بالعامة والخاصة.

والأمران عصريان في كل عصر ، ومطلوبان في كل مكان ، ومن كل الحكام : أما الأول : ففيه قوله له إن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك. ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدل على الصالحين بما يجرى بهم على ألسنة عباده ، فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك ، وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعا ضاربا تغتنم أكلهم ، فإنهم صنفان : إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق ، يفرط منهم الزلل وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله.

وقوله : وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك .. فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختار. أنصف الله وأنصف الناس من


نفسك ومن خاصة أهلك وممن لك فيه هوى ، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم.

ويقول عن الشورى : ولا تدخلن في مشورتك من يعدل بك عن الفضل ويعد الفقر ، ولا جبانا يضعفك عن الأمور ، ولا حريصا يزين لك الشر بالجور ، فإن البخل والجبن غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله ، والصق بأهل الورع والصدق ثم رضهم على أن لا يطروك ، ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة.

وأما الثاني ففيه قوله : وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمها في العدل ، وأجمعها لرضى الرعية. فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة ، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤنة في الرخاء ، وأقل معونة في البلاء ، وأكره للإنصاف ، وأسأل بالإلحاف ، وأقل شكرا عند الإعطاء ، وأبطأ عذرا عند المنع ، وأخف صبرا عند ملمات الدهر ، من أهل الخاصة. وإنما عماد الدين وجماع المسلمين ، والعدة للأعداء ، العامة من الأمة. فليكن صغوك لهم وميلك معهم.

بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ، إن رسول الله يقول : اطلعت في الجنة فوجدت أكثر أهلها الفقراء ، وأنت في طليعة أهل الجنة تحب أكثر أهلها عددا في الحياة الدنيا ، ومن أجل ذلك تكرم العامة ، وهم كثرة الأمة ، وتؤثر منها الفقراء.

ولقد كنت دائما قدوة ، وأردت الخاصة على أن تكون قدوة ، وحذرتها من مطامعها ومزالقها ، ولو حذرت للزمت الجادة ، وصلح أمر هذه الأمة.

إن من يضع دستورا في العصر الحديث خليق بأن يرتوى من عهدك ، ويروى الأمة من ينابيعك ، في تطبيق الشريعة ، وسيادة القانون ، واستقلال القضاء ، وأمانة الولاة ، ونزاهة الإدارة ، واحترام العامة ، وإلزام الخاصة أن تكون قدوة في الأمة.

يقول ابن المقفع في شأن الخاصة بعد مائة عام ، في كتابه لأبي جعفر : وقد علمنا علما لا يخالطه الشك أن عامة قط لم تصلح من قبل نفسها ، ولم يأتها الصلاح إلا من


قبل إمامها ، وحاجة الخواص إلى الإمام الذي يصلحهم الله به كحاجة العامة إلى خواصهم وأعظم من ذلك.

ومنهم جماعة من الفضلاء في «علي بن أبي طالب ـ نظرة عصرية جديدة» (ص ٤٦ ط بيروت) قالوا :

يروي التاريخ أنه عقب معرك الجمل (٣٦ ه‍ ـ / ٦٥٦ م) قام أهل نيسابور بزعامة بنت لكسرى ، وأعلنوا العصيان على حكم الإمام ، فزحف إليهم خليد بن كأس عامل الإمام علي خرسانان واستطاع إخماد العصيان وكان من الأسرى هذه الكسروية.

وبعث خليد بها إلى الإمام علي بالكوفة ، وكانت من أجمل نساء قومها ، فرحب بها الإمام وأكرمها ، ثم عرض عليها أن يزوجها لابنه الحسن رضي‌الله‌عنه فلم تقبل وقالت : لا تزوج أحدا على رأسه أحد. ثم عرضت نفسها على الإمام قائلة : فإن أحببت رضيت بك ، فقال لها : إني شيخ وظل يعدد لها ما يتحلى به الحسن من فضائل وحسن الخلق ، ومن كمال الطباع ، ولكنها أصرت على الرفض وقالت : قد أعطيتك الجملة أي أعطيتك ردي النهائي.

وكان حاضر هذا الحوار رجل من قواد الفرس السابقين ، الذين دخلوا في الطاعة يسمى نرمي فقال : يا أمير المؤمنين قد بلغك أني من سنخ المملكة وأنا قرابتها فزوجنيها. فقال الإمام : هي أملك لنفسها ، ثم التفت إلى الأسيرة وقال لها : انطلقي حيث شئت ، وانكحي من أحببت لا بأس عليك.

أرأيت كيف كان رضي‌الله‌عنه ، يحترم ميول المرأة ، ولا يقبل أن تكره على شيء تأباه ، ولا ينظر إليها كما كان ينظر لها قبل الإسلام.

فالمرأة عنده لا يجب أن يستهان بحقها لضعفها ، ولا تغبن لقلة حيلتها ، ولا أن تكره على زواج رجل لا تقبله.

لقد كان في استطاعته وهو أمير المؤمنين ، والقائد المنتصر أن يرغم أسيرته على ما


أحب وأراد ، أو أن يهبها لأحد من رجاله كما كان يفعل القادة المنتصرون في ذلك الزمان ، ولكن خلقه الكريم أبي عليه ذلك وأنها لصفة فيه نبيلة انفرد بها كما انفرد بمولده وإسلامه اكتسبها من صفات ابن عمه العظيم نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومن حكم الإسلام الذي أعطى المراة حقها في الحياة أعطاها.

ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العكّ المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في «مختصر حياة الصحابة» للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص ٥٦ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

وأخرج الترمذي والحاكم عن الشعبي قال : خرج علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا ، فعرف علي رضي‌الله‌عنه الدرع ، فقال : هذه درعي ، بيني وبينك قاضي المسلمين ، وكان قاضي المسلمين شريحا ، كان علي استقضاه فلما رأى شريح أمير المؤمنين قام من مجلس قضائه وأجلس عليا في مجلسه وجلس شريح قدامه إلى جنب النصراني. فقال علي : أما يا شريح لو كان خصمي مسلما لقعدت معه ، ولكني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا تصافحوهم ، ولا تبدءوهم بالسلام ، ولا تعودوا مرضاهم ، ولا تصلوا عليهم ، وألجئوهم إلى مضايق الطريق ، وصغروهم كما صغرهم الله ، اقض بيني وبينه يا شريح. فقال شريح : ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال علي : هذه درعي وقعت مني منذ زمان. فقال شريح : ما تقول يا نصراني؟ فقال النصراني : ما أكذب أمير المؤمنين! الدرع درعي. فقال شريح : ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة؟ فقال علي : صدق شريح. فقال النصراني : أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء ، وأمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه ، هي والله يا أمير المؤمنين درعك ، اتبعتك وقد زالت عن جملك الأورق ، فأخذتها ، فأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقال علي : أما إذا أسلمت فهي لك ، وحمله على فرس.


وعند الحاكم عن الشعبي قال : ضاع درع لعلي رضي‌الله‌عنه يوم الجمل ، فأصابها رجل فباعها ، فعرفت عند رجل من اليهود ، فخاصمه إلى شريح ، فشهد لعلي الحسن ومولاه قنبر. فقال شريح : زدني شاهدا مكان الحسن ، فقال : أترد شهادة الحسن؟ قال : لا ، ولكن حفظت عنك أنه لا تجوز شهادة الولد لوالده.

وأخرجه الحاكم في الكنى وأبو نعيم في الحلية (٤ / ١٣٩) من طريق إبراهيم بن يزيد التيمي ، عن أبيه مطولا ، وفي حديثه : فقال شريح : أما شهادة مولاك فقد أجزناها وأما شهادة ابنك لك فلا نجيزها. فقال علي رضي‌الله‌عنه : ثكلتك أمك أما سمعت عمر يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة؟ ثم قال لليهودي : خذ الدرع. فقال اليهودي : أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى عليه ورضي ، صدقت والله يا أمير المؤمنين إنها لدرعك سقطت عن جمل لك التقطتها ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فوهبها له علي وأجازه بسبع مائة ، ولم يزل معه حتى قتل يوم صفين. كذا في كنز العمال (٤ / ٦).

ونقل إبراهيم محمد الجمل في «مواعظ الصحابة في الدين والحياة» (ص ١٨ ط الدار المصرية اللبنانية) :

مثل ما تقدم عن «مختصر حياة الصحابة» بعينه.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور الحبيب الجنحاني التونسي في كتابه «التحول الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع صدر الإسلام» (ص ١٤٨ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

إن إيمانه العميق ، وتشبعه بروح التقوى والعدل جعلاه رحمة الله عليه يتجاوز النظرة القبلية الضيقة ومصلحة القبيلة ، ولو كانت هذه القبيلة هي قريش ذاتها ، وهو


ابنها الأصيل ، بل ابن أعرق بيوتها مجدا وزعامة بين العرب.

إن مفهوم مصلحة الأمة الإسلامية الجديدة قد حل عند التيار الذي يمثله الإمام علي ، وابنه الحسين عليه‌السلام فيما بعد محل مفهوم النعرة القبيلة ، وما يكمن وراءها من حماية للمصالح ، ودفاعا عن الامتيازات ، وهو ما تكشف عنه النصوص بكل وضوح بالنسبة للتيار الآخر الذي تزعمه بنو أمية ، وعلى رأسهم معاوية ، وقد انضم إليهم كل من هددت مصالحه السياسة المالية التي اتبعها الإمام علي كرم الله وجهه ، وبينهم عدد من الهاشميين أنفسهم ، فالصراع إذن ليس بين بني عبد شمس وبني هاشم كما تقدمه النظرة الكلاسيكية لتاريخ مجتمع صدر الإسلام ، بل بين تيار عمل جاهدا لتحويل مؤسسة الخلافة إلى ملك كسروي ، وما يتبع الملك من سياسة اقتصادية ومالية فئوية ، فهو تيار أهل الدنيا واللهو.

وتيار رفع السلاح للمحافظة على أسس المفهوم الجديد في تاريخ النظم السياسية : مفهوم الخلافة الإسلامية وقيمها ، ورؤيتها الاقتصادية بصفة خاصة ، وتمثل السياسة المالية الأسّ المتين لهذه الرؤية.

فلا غرو إذن أن تبغض قريش كلها الإمام علي رضي‌الله‌عنه أشد البغض ، فلما انتشرت أخبار هذه السياسة المالية الجديدة تحرك ذوو المصالح الكبرى من زعماء قريش لمواجهتها ، فكتب عمرو بن العاص من أيلة بأرض الشام ، وقد أتاها حيث وثب الناس على عثمان ، إلى معاوية قائلا : ما كنت صانعا فاصنع ، إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها.

وقد قلقت طائفة من أصحاب علي عليه‌السلام من ظاهرة فرار عدد من زعماء العرب وأشرافهم من صفوفه ، والتحاقهم بمعاوية لما كان يبذله من الأموال لأنصاره فمشوا إليه فقالوا : يا أمير المؤمنين ، أعط هذه الأموال وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ، واستمل من تخاف خلافه من الناس وفراره ، وإنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال ، فقال لهم : أتأمرونني أن أطلب


النصر بالجور! لا والله لا أفعل ما طلعت شمس ، وما لاح في السماء نجم ، والله لو كان المال لي لواسيت بينهم ، فكيف وإنما هي أموالهم. ثم سكت طويلا واجما ثم قال : الأمر أسرع من ذلك ، قالها ثلاثا.

وقد مال الناس إلى معاوية لأنه كان يبذل كل مطلوب ، ويسمح بكل مأمول ، ويطعم خراج مصر عمرو بن العاص ، ويضمن لذي الكلاع وحبيب بن مسلمة ما يوفي على الرجاء والاقتراح ، وعلي عليه‌السلام لا يعدل فيما هو أمين عليه من مال المسلمين عن قضية الشريعة وحكم الملة ، حتى يقول خالد بن معمر السدوسي لعلياء بن الهيثم ، وهو يحمله على مفارقة علي عليه‌السلام ، واللحاق بمعاوية : اتق الله يا علياء في عشيرتك ، وانظر لنفسك ولرحمك ، ما ذا يؤمل عند رجل أردته على أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما ، فأبى وغضب فلم يفعل.

إن شدة الإمام علي رضي‌الله‌عنه في السياسة المالية ، مبتدئا بتطبيقها على نفسه وأهله نابعة مما عرف عنه من زهد في الدنيا حتى قال عنه عمر بن عبد العزيز : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب ، ومن تمسكه الشديد بسيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو من أدرى الناس بأن الرسول عليه‌السلام كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، وأنه مات ودرعه مرهونة في شعير لقوت أهله أصواع ليست بالكثيرة لم يبت قط في ملكة دينار ، ولا درهم ، وكان يأكل على الأرض ما وجد ، ويخصف نعله بيده ويرقع ثوبه ، وأنه كان يقول اللهم احشرني في زمرة الفقراء.

فمنذ بداية حياته كان فقيرا حتى قال نساء المدينة لفاطمة رضي‌الله‌عنها : زوجك أبوك فقيرا لا مال له ، فقال لها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما ، وأكثرهم علما ، وأفضلهم حلما؟ قالت : بلي ، رضيت يا رسول الله ، ولما أصبح يملك بعد الفتوحات مالا بينبع تصدق به ، فقد قال رضي‌الله‌عنه : رأيتني وأنا رابط الحجر على بطني من الجوع ، وأن صدقتي لتبلغ في اليوم أربعة


آلاف دينار ، وفي رواية : أربعين ألف دينار.

إن السياسة التي انتهجها علي عليه‌السلام ، مجدّدا بها السنة النبوية التي سار على منوالها كل من أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما لم تعمّر طويلا ، فقد تحولت مؤسسة الخلافة بعد مقتل الإمام علي رحمة الله عليه إلى ملك كسروي في دمشق ، وقد نبّه المسلمين إلى خطر التحول ، ذلك أنه خطب فيهم بالمدينة إثر بيعته قائلا : ألا وأن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه ، والذي بعثه بالحق لتبلبلنّ بلبلة ، ولتغربلن غربلة ، ولتساطن سوط القدر ، حتى يعود أسفلكم أعلاكم ، وأعلاكم أسفلكم ، وليسبقنّ سابقون كانوا قصروا ، وليقصرنّ سباقون كانوا سبقوا.

وبرزت معالم هذا التحول أيام معاوية ، واستفحل الأمر أيام ابنه يزيد حتى قال عبد الله بن الزبير : لو شايعني الترك والديلم على محاربة بني أمية لشايعتهم ، وانتصرت بهم.

مستدرك

ما ورد في زهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

عليه‌السلام وعدله وسماحته وإنفاقه في سبيل الله تعالى عن

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن نفسه وعن الأئمة من

أولاده عليهم‌السلام والصحابة والتابعين وعلماء العامة

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٤ ص ٤٩٠ وج ٨ ص ٢٥٦ وص ٥٧٨ وج ١٥ ص ٧٧ وج ١٧ ص ٨٠ وج ١٨ ص ٢٢ وج ٢١ ص ٥٩٥ ومواضع أخرى من هذا السفر الشريف ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :


فمنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد توفيق بن علي البكري الصديقي المتولد سنة ١٢٨٧ والمتوفى ١٣٥١ في «بيت الصديق» (ص ٢٧٢ ط مصر) قال :

روى عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله (صلعم) يقول لعلي بن أبي طالب : يا علي إن الله عزوجل زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها : الزهد في الدنيا فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا ولا تنال الدنيا منك شيئا (١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٢٣ ط مكتبة غريب الفجالة) :

وخلال إقامته في الكوفة منذ رجب سنة ست وثلاثين للهجرة ، حتى تركها زاحفا بجنده إلى الشام ، تعود أن يفقه الناس في الدين ، وأن يجلس إليهم بعد كل صلاة يعلم ويفتي ، ويقول لهم : اسألوني وما قالها أحد غيره.

كما تعود أن يذهب إلى سوق المدينة فيشترى حاجته وحاجة أهل بيته من طعام ونحوه ، فيأمر أهل السوق بتقوى الله ، وصدق الحديث والعدل في الميزان.

اشترى ذات يوم قميصين ، فقال لغلامه : اختر واحدا منهما.

ولقد تحدث إليه بعض الذي لحقوا به من أتقياء أهل الشام وقرائهم عن بذخ معاوية ، وعن إغداقه على من يصطنعهم ، فزعموا أن على مائدة معاوية عشرة أصناف من الحلوى وحدها ، وأنه يرتدى كل يوم حلتين ، وقد اتخذ لسيفه مقبضا من ذهب ، وما هو إلا أحد الولاة ، فما بال أمير المؤمنين لا يملك غير إزار قصير ، من غزل أهل بيته ، لا يغطى إلا نصف ساقه ، وما بال طعامه أخشن طعام ، وما باله بحمل سيفه على حبل من ليف ، وقد اتخذ من حصير المسجد سرير ملكه.

يا له من إمام للمتقين وإمام للمساكين! وضحك الإمام وقال لهم : أما والله ما أحب الفقر ، ولو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته ، ولكني والله لا أرزأ من أموالكم شيئا.

ولاحظ أحد الحاضرين أن أمير المؤمنين يرتعد من البرد ، وليس عليه ما يكفى من الثياب فسأله : يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا ، فلم تفعل بنفسك هذا. فتبسم قائلا : إن مس الحصير كان يوجع جنب رسول الله صلى


__________________

الله عليه وسلم ، وما شبع هو وأهله من طعام قط وقد حيزت له الدنيا وما فيها ، وأنا على سنته ، ولقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يحل للخليفة من بعدي من مال الله إلا قصعة يأكلها هو وأهله وقصعة يتصدق بها وحلة للصيف وحلة للشتاء ، على أنى أعيش على ما يأتيني من ينبع ، وأستغنى به عن بيت المال.

وسكت قليلا ثم تنهد وقال : كم من جامع ما سوف يتركه ، ولعله من باطل جمعه ، ومن حق منعه ، أصاب به حراما ، واحتمل به آثاما ، فناء بوزره وقدم على ربه آسفا لاهثا خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين صدق الله العظيم. ألا إنه لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا عز أعز من التقوى ، ولا معقل أحسن من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا كنز أغنى من القناعة ، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت ، والرغبة مفتاح النصب ، ومطية التعب ، والحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب ، ألا فاعلموا أن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلا بماء متع به غني ، والله تعالى سائلهم عن ذلك.

ولكم عجب الذين سمعوه وسمعوا معاوية : إن معاوية يقرب الناس إليه بما يغدق من منصب أو مال ، وبما يبذل من وعود ، أما علي فيصارح الناس بمنهجه ولا يطمعهم في عطاء لا يستحقونه ، أو في منصب لا يستأهلونه ، فالمال مال الله وهو أمين عليه ، فهو يستنفر في الرجل تقاه ، ويزهده في دنياه ، ليستغنى عن الناس بالله.

إنه ليتصدق بكل ماله الخاص ، ولا يبقى لنفسه أو لأهله إلا ما يكفيهم لما هو ضروري لاستمرار الحياة من الطعام والكساء ، وحين خوطب في هذا قال كرم الله وجهه ورضي‌الله‌عنه : الرزق رزقان : رزق تطلبه ، ورزق يطلبك ، فإن لم تأته أتاك ، فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك! فإن تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم فإن الله تعالى سيؤتيك في كل غد جديد ما قسم لك ، وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم لما ليس لك ، لن يسبقك إلى رزقك طالب ، ولن يغلبك عليه غالب ، لن يبطئ عنك ما قدر لك. ألا وإن من البلاء الفاقة ، وأشد من الفاقة مرض البدن ، وأشد من مرض البدن مرض القلب ، ألا وإن من النعم سعة المال ، وأفضل من سعة المال صحة


__________________

البدن ، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب. ومن طلب الدنيا طلبه الموت حتى يخرجه منها ، ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفى رزقه منها.

وألح عليه بعض أصحابه أن يأكل ما طاب ليقوى على القتال فهو لا يأكل إلا رغيفين من خبز الشعير كل يوم ، وأن يكون أحسن الناس مظهرا فهو أمير المؤمنين وإمامهم. فقال : إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتى آمنة يوم الخوف الأكبر ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القز ، ولكن هيهات أن يغلبني هواى ، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا يجد القرص (الرغيف) ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا (ممتلئ البطن) وحولي بطون غرثى (خالية) وأكباد حرى ، أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في خشونة العيش ، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها وما خلقت لأترك سدى ، أو أجر حبل الضلالة ، أو أعتسف طريق المتاهة ، وكأنى بقائلكم يقول : إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازله الشجعان ، ألا وإن الشجرة البرية أصلب عودا ، والروائع الخضرة أرقّ جلودا ، والنباتات البدوية أقوى وقودا وأقل خمودا. وأنا من رسول الله كالصنو من الصنو ، والذراع من العضد ، وقد كان رسول الله يأكل أخشن مما آكل ويلبس أخشن مما ألبس ، وأنا على سنته حتى ألحق به.

ألا وإن لكل إمام مأموما يقتدي به ويستضيء بنور علمه ، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه (إزار ورداء) ، ومن طعامه بقرصيه (رغيفيه). ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولا أطالبكم به ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد ، وعفة وسداد ، فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ، ولا ادخرت من غنائمها وفرا ، ولا حزت من أرضها شبرا. بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء ، فشحت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونعم الحكم الله وما أصنع بفدك وغير فدك. إليك عنى يا دنيا فحبلك على غاربك ، قد انسللت من مخالبك ، وأفلت من حبائلك أغربي عني ، فو الله


__________________

لا أذل لك فتستذليني ، ولا أسلس لك فتقوديني ، وأيم الله لأروضن نفسي رياضة تهش معا إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما ـ أي تفرح بالرغيف من شدة الحرمان وتقنع بالملح مأدوما ، أيأكل على من زاده فيهج فلا قرت إذن عينه ، إذن أصبح بعد السنين المتطاولة كالبهيمة والسائمة طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها وهجرت في الليل غمضها ، حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها ، وتوسدت كفها ، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، وهمهمت بذكر ربهم شفاههم ، وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم (أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

ثم مضى يعظهم : فاتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم ، وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم وتزودوا من الدنيا في الدنيا ما تحفظون به أنفسكم غدا ، فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة وأن تؤديه أيامه إلى شقوة ، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة ، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية.

وبكى وبكى معه بعض أصحابه مما يسمعون ، فنظر إليهم الإمام ، وما زالت في عينيه الدموع ، فرأى من خلال الدمع صاحبا له قد بنى دارا كبيرة فقال له : لقد اتخذت دارا واسعة ، فما تصنع بهذه الدار في الدنيا أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج. فأجابه صاحبه في حياء وندم : بلى يا أمير المؤمنين. قال الإمام : إن شئت بلغت بها الآخرة : تقرى بها الضيف ، وتصل فيها الرحم ، وتطلع منها الحقوق مطالعها.

وقد حسب بعض المستمعين أنه كرم الله وجهه ، يدعوهم إلى الخروج عما أحل الله من متاع الدنيا ، فترك أحدهم أهله وبنيه ، ولبس مرقعة واعتكف للعبادة ، فدعاه الإمام وقال له : أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى أن الله أحل الطيبات وهو يكره أخذك منها ، لقد علمتكم أن للمؤمن ثلاث ساعات : ساعة يناجى فيها ربه ، وساعة يرمّ معاشه ، وساعة يخلى بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل.

فدع التواضع في الثياب تخوفا

فالله يعلم ما تجن وتكتم

فرثاث ثوبك لا يزيدك زلفة

عند الإله وأنت عبد مجرم


__________________

وبهاء ثوبك لا يضرك بعد أن

تخشى الإله وتتقي ما يحرم

فاعلم رحمك الله أنه لا بأس بالغنى لمن اتقى ، واعلم أن الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ، وألا يكون في حديثك فضل زيادة على عملك ، وأن تتقى الله في حديث غيرك فلا تعتزل الناس ، فلا رهبانية في الإسلام وتدبر قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : رهبانية أمتي الجهاد. وتعلم وعلّم غيرك ، فما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا. وكفاك أدبا لنفسك اجتناب ما تكرهه لغيرك ، فخذ من الدنيا ما أتاك ، وتول عما تولى عنك ، أو ليس الله تعالى يقول : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ* فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ)؟ أو ليس الله يقول : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) إلى قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)؟ وقد قال تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ). فظل الرجل صامتا لا يرد على الإمام. فقال : تكلم يا رجل ليعرف الناس من أنت ، فإن المرء مخبوء تحت لسانه. فقال الرجل : يا أمير المؤمنين تنهاني عن العزوف عن زينة الحياة التي أحل الله لعباده والطيبات من الرزق ، فعلام اقتصرت في مطعمك على الطعام الغليظ وفي ملبسك على الخشونة؟ وتركت قصر الإمارة ونزلت منزل أفقر أهل الكوفة؟

فضحك الإمام كرم الله وجهه ، وقال : إن الله الذي جعلني إماما لخلقه فرض علي التقدير في نفسي ومطعمي ومشربي وملبسي ومسكني كضعفاء الناس ، لأن الله أخذ على أئمة الهدى أن يكونوا في مثل أدنى أحوال الناس ليقتدي بهم الغني ، ولا يزرى بالفقير فقره. فو الله ما ضرب الله عباده بسوط أوجع من الفقر ، ولو تمثل لي الفقر رجلا لقتلته ، فالفقر هو الموت الأكبر ، وإني لأعرف أن الفقر غربة في الوطن ، والغنى وطن في الغربة ، ولكني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أن تفتح عليكم الدنيا فتنافسوها. والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، ولقد قال لي قائل : ألا تنبذها عنك؟ فقلت له : اغرب عني. فعند الصباح يحمد القوم السرى. والله لأن أبيت على حسك السعدان (الشوك الحاد)


__________________

مسهدا ، أو أجرّ في الأغلال مصفدا ، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد أو غاصبا لشيء من الحطام. وإن لي في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأسوة ، إذ قبضت عنه أطراف الدنيا ، وفطم عن رضاعها ، وزوى عن زخارفها ، وكان يلبس ويطعم أخشن مما ألبس وأطعم. وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه‌السلام ، فلقد كان يتوسد الحجر ، ويلبس الخشن ، ويأكل الطعام الغليظ ، وكان سراجه بالليل القمر ، ولم تكن له زوجة تفتنه ، ولا ولد يحزنه ، ولا مال يلفته ، ولا طمع يذله ، دابته رجلاه ، وخادمه يداه.

وجاءه بعض الموالي من أهل الكوفة يشكون الولاة وأعوانهم ، فقال لهم : وأين علماؤكم؟ لقد أخذ الله على العلماء ألا يقروا ظالما ولا يسكتوا عن مظلوم.

ثم سألهم عن أعوان الولاة ، فعلم أن الولاة لا يحاسبونهم فقال : يجب على الوالي أن يتعهد أموره ، ويتفقد أعوانه ، حتى لا يخفى عليه إحسان محسن ولا إساءة مسيء ، ثم لا يترك أحدهما بغير جزاء ، فإنه إذا ترك أعوانه تهاون المحسن واجترأ المسيء ، وفسد الأمر.

فقال أحد الموالي : سأل الإسكندر حكماء بابل أيها أبلغ عندكم الشجاعة أم العدل؟ فقالوا : إذا استعملنا العدل لم نحتج للشجاعة.

فقال الإمام : يجب على السلطان أن يلزم العدل في ظاهر أفعاله لإقامة أمر سلطانه ، وفي باطن ضميره لإقامة أمر دينه ، فإذا فسدت السياسة ذهب السلطان ، ومدار السياسة كلها على العدل والإنصاف ، فلا يقوم سلطان لأهل الإيمان والكفر إلا بهما. والإمام العادل كالقلب بين الجوارح تصلح الجوارح بصلاحه ، وتفسد بفساده.

فقال رجل آخر من الموالي : قال سقراط : ينبوع فرح العالم الملك العادل ، وينبوع حزنهم الملك الجائر. فقال الإمام ضاحكا : حسبكم دلالة على فضيلة العدل أن الجور الذي هو ضده لا يقوم إلا به ، وذلك أن اللصوص إذا أخذوا الأموال واقتسموها بينهم ، احتاجوا إلى استعمال العدل في اقتسامهم ، وإلا أضر ذلك بهم.

فقال رجل ثالث من الموالي : جاء في كتب الهند : رأس الحزم للملك معرفته


__________________

بأصحابه ، وإنزالهم منازلهم ، واتهام بعضهم على بعض.

وقال رجل رابع من الموالي : قال أحد حكمائنا ينصح كسرى أنو شروان : كلمة منك تسفك دما ، وأخرى تحقن دما ، وسيفك مسلول على من سخطت عليه ، ورضاك بركة مستفادة على من رضيت. وما نقول لك إلا هذا يا أمير المؤمنين ، فاختر لولايتك أحد رجلين إما أن يكون وضيعا فرفعته ، أو صاحب شرف مهمل فاصطنعته.

وعجب بعض العرب من أصحاب الإمام فصاح : ويلكم! أتعلّمون أمير المؤمنين وهو باب مدينة العلم.

فنصح الإمام أصحابه بالحلم ، وطلب منهم أن يجعلوا الحكمة ضالتهم ، فقد علمهم الرسول أن الحكمة ضالة المؤمن وأن عليه أن ينشدها ، وقال لمن أنكر على الموالي أن يشيروا على أمير المؤمنين : لا يقذفن في روعك أنك إذا استشرت الرجال ظهر للناس منك الحاجة إلى رأي غيرك ، فتنقطع بذلك عن المشورة ، فإنك لا تريد الفخر ، ولكن الانتفاع. ثم التفت الإمام إلى أصحابه قائلا : ما هلك امرؤ عن مشورة ، ونعم المؤازرة المشاورة ، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواضع الخطأ ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما ندم من استشار. فاعلموا أن الخطأ مع الاستشارة خير من الصواب مع الاستبداد ، فتعوذوا من سكرات الاستبداد بصحوات الاستشارة ، واعلموا أن الرأي يسد ثلم السيف ، والسيف لا يسد ثلم الرأي. فلا يرفع أحدكم صوته بغير حجة على أحد من الموالي ، واعلموا أن الظفر لمن احتج ، لا لمن لج.

ثم التفت إلى أحد الذين صاحوا في وجه الموالي الأربعة وقال : العقل حسام قاطع ، والحلم غطاء ساتر ، فقابل هواك بعقلك ، واستر خلل خلقك بحلمك ، ولا يتعصب أحدكم لقبيلته أو لقومه من العرب ، فقد نظرت فما وجدت أحدا من العالمين يتعصب لشيء إلا عن علة تحتمل تمويه الجهلاء ، أو حجة من عقول السفهاء.

وشرع الإمام يكتب إلى عماله الذين اشتكاهم الموالي ، فكتب لأحدهم : اتق الله ، ولا تبغ على أهل القبلة ، ولا تظلم أهل الذمة ، فإن الله لا يحب المتكبرين ، واعلم أن من آذى إنجيليا فقد آذاني.


__________________

وكتب لوال آخر : أما بعد ، فإن دهاقين بلدك شكوا منك غلظة وقسوة ، واحتقارا وجفوة ، ولهم في ذمتنا عهد ، فامزج لهم بين التقريب والإدناء ، والإبعاد والإقصاء إن شاء الله.

وكتب لثالث : بلغني أنك تعمر دنياك بآخرتك ، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك ، لئن كان الذي بلغني عنك حقا ، لجمل أهلك وشعث نعلك خير منك ، ومن كان بصفاتك فليس بأهل أن يسد به ثغر ، أو ينفذ به أمر ، أو يعلى له قدر ، أو يشرك في أمانة ، أو يؤمن على جباية ، فأقبل إليّ حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء الله.

وكتب لرابع : بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت إلهك ، وأغضبت إمامك ، أنك تقسم في المسلمين الذي حازته رماحهم وخيولهم ، وأريقت عليه دماؤهم ، فيمن اعتامك (اختارك) من أعراب قومك ، لئن كان ذلك حقا لتجدن بك علىّ هوانا ، ولتخفن عندي ميزانا. فلا تستهن بحق ربك ، ولا تصلح دنياك بمحق آخرتك ، فتكون من الأخسرين أعمالا.

وكتب لعامل غيره : بلغني أنك جردت الأرض ، فأخذت ما تحت قدميك ، وأكلت ما تحت يديك ، فارفع إلي حسابك.

وكتب لجميع عماله على أهل البلاد المفتوحة (أهل البلاد المفتوحة هم الموالي) : انظروا في حال تشتتهم وتفرقهم ، ليالي كانت الملوك والأكاسرة والأباطرة أربابا لهم فتركوهم عالة مساكين.

وكتب إلى أحد عماله : أترجو أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت من المتكبرين؟ أتطمع وأنت متمرغ في النعيم ، تستأثر فيه على الجار المسكين والضعيف الفقير والأرملة واليتيم ، أن يجب لك أجر الصالحين المتصدقين؟ فما ذا لو أكلت طعامك مرة وأطعمت الفقير الجائع مرة؟ إنما المرء يجزى بما أسلف ، والسّلام.

وكتب لآخر : انظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله ، فاصرفه إلى من قبلك (عندك) من ذوي العيال والمجاعة ، مصيبا به مواضع الفاقة والخلات (الحاجات) وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا.


__________________

وكتب لغيره : إن عملك ليس لك بطعمة ، ولكنه في عنقك أمانة ، وأنت مسترعى لمن فوقك ، ليس لك أن تفتات في رعية ، وفي يديك مال من مال الله عزوجل ، وأنت من خزانه حتى تسلمه إليّ.

وقال لأصحابه : اعلموا أن الولاة هم خزان الرعية ، ووكلاء الأمة ، وسفراء الأئمة وقال : إن الوفاء توأم الصدق ، ولا أعلم جنة أوقى منه ، وما يعذر من علم كيف المرجع ولقد أصبحت في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا (عقلا) ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ، ما لهم قاتلهم الله قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه ، فيدعها رأى عين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها من لا ورع له.

فقال الذين جاءوا من الشام : أن معاوية قد اصطنع أهل الشام جميعا ، وكلهم حديث عهد بالإسلام ، وكلهم لا يعرف إلا معاوية ، وما يغدقه معاوية ، ثم إنه ليصطنع رؤساء القبائل العربية ، فيجزل لهم في العطاء أضعافا مضاعفة ، من أجل ذلك نكث الولاة الذين خافوا الإمام على ما كسبوه بغير حق وفروا إلى معاوية.

فقال أصحاب الإمام له : يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال ، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب ومن قريش على الموالي والعجم ، واستمل من تخاف خلافه من الناس.

فقال لهم متعجبا منكرا : أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه؟ لو كان المال لي لسويت بينهم ، فكيف وإنما المال مال الله؟ ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ، ويضعه في الآخرة ، ويكرمه في الناس ، ويهينه عند الله ، ولم يضع امرؤ ماله في غير حقه ، ولا عند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم وكان لغيره ودهم ، فإن زلت به النعل يوما فاحتاج إلى خدمتهم فشر خدين وألأم خليل ، إنه لا يسعنا أن نعطى أحدا أكثر من حقه ، إن هذا المال ليس لي وليس لكم. ولكنه مال الله يقسم بين الناس بالسوية فلا فضل لأحد على أحد.

فقال أحدهم : يا أمير المؤمنين أنت تنصف الوضيع من الشريف ، فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع ، فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به ، واغتموا


__________________

من العدل إذ صاروا فيه ، ورأوا صنائع معاوية من أهل الغنى فباعوا أنفسهم وأكثرهم يشتري الباطل ، فإن تبذل المال يمل إليك أعناق الرجال ويستخلص ودهم.

فرد الإمام : أما ما ذكرت من عملنا ومسيرتنا بالعدل فإن الله عزوجل يقول : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف. وأما ما ذكرت أن الحقّ ثقل عليهم ففارقونا ، فعلم الله أنهم لم يفارقونا عن جور ، ولا لجئوا إذا فارقونا إلى عدل. وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نؤتى أحدا من المال فوق حقه.

وقدم عليه أخوه عقيل بن أبي طالب من المدينة فقال له : ما أقدمك يا أخي؟ قال : تأخر العطاء عنا ، وغلاء السعر ببلدنا ، وركبني دين عظيم ، فجئت لتصلني.

فقال علي : والله ما لي مما ترى شيئا إلا عطائي ، فإذا خرج فهو لك.

قال عقيل : أشخوصي من الحجاز إليك من أجل عطائك؟ وما ذا يبلغ مني عطاؤك وما يدفع من حاجتي؟

فقال الإمام : هل تعلم لي مالا غيره؟ أم تريد أن يحرقني الله في نار جهنم في صلتك بأموال المسلمين؟ وما بقي من نفقتنا في ينبع غير دراهم معدودة ، والله يا أخي إني لأستحي من الله أن يكون ذنب أعظم من عفوي أو جهل أعظم من حلمي ، أو عورة لا يواريها ستري ، أو خلة لا يسدها جودي.

فلما ألح عقيل عليه ، قال لرجل : خذ بيد أخي عقيل وانطلق به إلى حوانيت أهل السوق ، فقل له : دق هذه الأقفال ، وخذ ما في هذه الحوانيت.

فقال عقيل : أتريد أن تتخذني سارقا؟

فقال الإمام : وأنت تريد أن تتخذني سارقا؟ أن آخذ من أموال المسلمين فأعطيكها دونهم.

فقال : والله لأخرجن إلى رجل هو أوصل لي منك. لآتين معاوية.

فقال الإمام : أنت وذاك ، راشدا مهديا.

فلما قدم على معاوية ، رحب به وقال : مرحبا وأهلا بك يا عقيل بن أبي طالب ، ما


__________________

أقدمك علي؟ قال : قدمت عليك لدين عظيم ركبني ، فخرجت إلى أخي ليصلني فزعم أنه ليس له مما يلي إلا عطاؤه ، فلم يقع ذلك مني موقعا ، ولم يسد مني مسدا ، فأخبرته أني سأخرج إلى رجل هو أوصل منه لي ، فجئتك.

فازداد معاوية فيه رغبة ، وقال للناس : يا أهل الشام هذا سيد قريش وابن سيدها ، عرف الذي فيه أخوه من الغواية والضلالة ، لجاءني ، ولكني أزعم أن جميع ما تحت يدي لي ، فما أعطيت فقربة إلى الله ، وما أمسكت فلا جناح لي عليه.

ثم قال لعقيل : يا عقيل بن أبي طالب هذه مائة ألف تقضى بها ديونك ، ومائة ألف تصل بها رحمك ، ومائة ألف توسع بها على نفسك.

فوقف عقيل فقال : صدقت ، لقد خرجت من عند أخي على هذا القول ، وقد عرفت من في عسكره ، لم أفقد والله رجلا من أهل بدر ولا المهاجرين والأنصار ، ولا والله ما رأيت في معسكر معاوية رجلا من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فقال معاوية : يا أهل الشام أعظم الناس من قريش عليكم حقا ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسيد قريش ، وها هو ذا تبرأ مما عمله أخوه.

وضج أهل الشام استحسانا لما يقوله معاوية.

وعجب عقيل ، كيف يفقهون وكيف يسومهم معاوية؟

إنهم ليلغون عقولهم وأسماعهم وأبصارهم ، ولا يعون أو يفقهون أو يسمعون أو يبصرون إلا ما يريده معاوية.

فوقف عقيل يقول : أيها الناس ، إني أردت أخي عليا على دينه فاختار دينه ، وإني أردت معاوية على دينه ، فاختارني على دينه.

وشعر معاوية أن بعض رؤساء العرب قد فهموا عن عقيل ، وأنهم قد يشرحون لسواهم من غير العرب من أهل الشام ، ففض الناس ، وأمرهم أن يتجهزوا للزحف إلى العراق ، ليغنموا أرضه الشاسعة الخصبة وأمواله الطائلة ونساءه الحسان.

ووجد معاوية أحد رؤساء العرب يسخر من كل هذا ، وينظر إلى معاوية وعمرو شزرا فسأله : لم أحببت عليا علينا؟ فقال : لثلاث خصال : حلمه إذا غضب ، وصدقه إذا


ومنهم الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٤٢٥ ط دمشق) قالا :

عن أبي عمرو بن العلاء ، عن أبيه قال : خطب علي رضي‌الله‌عنه فقال : يا أيها الناس ولله الذي لا إله إلا هو ، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه ، وأخرج قارورة من كم قميصه فيها طيب فقال : أهداها إلي دهقان.(عب) وأبو عبيد في الأموال ، ومسدد والحاكم في الكنى وابن الأنباري في المصاحف ، (حل).

وقالا في ص ٤٣٢ :

عن علي بن الأرقم ، عن أبيه قال : رأيت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول : من يشتري مني سيفي هذا؟ والله لقد جلوت به غير مرة من وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولو أن عندي ثمن إزار ما بعته. يعقوب

__________________

قال ، وعدله إذا حكم.

وكان عليه‌السلام قد تعود أن يأخذ الجزية والخراج (الضرائب) من أهل كل صنعة وعمل ، حتى ليأخذ من أهل الإبر والمال والخيوط والحبال ثم يقسمهم بين الناس. وكان لا يدع في بيت المال مالا يبيت فيه ، بل يقسمه إلا أن يغلبه مشغل فيصبح إليه. وكان يكنس بيت المال بعد أن يفرغ من توزيع ما فيه ، ويتخذه مسجدا يصلي فيه.

وقد كانت له بالكوفة امرأتان ، فإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم ، وإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم ، وكان ينفق هذه النفقة من شيء يأتيه من الحجاز. وكان يوصى كل عامل يوليه على الخراج : لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم ، ولا تتبعن لهم رزقا ، ولا كسوة شتاء ولا صيف ولا دابة يعملون عليها ، ولا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم ، فقال له أحد عماله : يا أمير المؤمنين إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك؟

قال الإمام : أمرنا نأخذ منهم الفضل (ما زاد عن الحاجة).


ابن سفيان ، (طس ، حل ، كر).

وقالا أيضا في ص ٤٣٣ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : أهديت لي ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما كان فراشنا ليلة أهديت إلا مسك كبش. ابن المبارك في الزهد وهناد ، (ه ـ ، ع) والدينوري في المجالسة ، والعسكري في المواعظ.

وقالا أيضا في ص ٤٣٤ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : كنت أدلو الدلو بتمرة وأشترط أنها جلدة. (ض ، ه ـ).

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : نكحت ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس لنا فراش إلا فروة كبش ، فإذا كان الليل بتنا عليها ، وإذا أصبحنا فقلبنا وعلفنا عليها الناضح. العسكري والعدني.

عن صالح بيّاع الأكسية عن جدته قالت : رأيت عليا رضي‌الله‌عنه اشترى تمرا بدرهم فحمله في ملحفته ، فقيل : يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟ فقال : أبو العيال أحق بحمله.(كن).

عن عبد الله بن أبي الهذيل قال : رأيت على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قميصا رازيا إذا مدّ ردنه بلغ أطراف الأصابع ، وإذا تركه رجع إلى قريب نصف الذراع. (هناد). (كر).

وقالا أيضا :

عن عمرو بن حريث قال : أتيت عليا في القصر وقد اختلف الناس عليه وهو يزودهم بدرته. فقال : يا عمرو بن حريث كنت أرى أن الوالي يظلم الرعية ، فإذا


الرعية تظلم الوالي. في كتاب المداراة.

عن عمرو بن قيس قال : رؤي على علي بن أبي طالب إزار مرقوع ، فقيل له ، فقال: يقتدي به المؤمن ، ويخشع به القلب.(هناد ، حل).

عن عطاء أبي محمد قال : رأيت على علي رضي‌الله‌عنه قميصا من هذه الكرابيس غير غسيل.(ش وهناد).

عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن عليا رضي‌الله‌عنه أتى بالمال ، فأقعد بين يديه الوزان والنقاد ، فكوّم كومة من ذهب ، وكومة من فضة ، فقال : يا حمراء ويا بيضاء احمري وابيضي وغري غيري ، هذا جناي وخياره فيه ، وكل جان يده إلى فيه. أبو عبيد ، (حل ، كر).

عن مجمع : أن عليا رضي‌الله‌عنه كان يكنس بيت المال نم يصلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.(حم) في الزهد ومسدد. (حل).

عن أبي مطر قال : خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي خلفي : ارفع إزارك ، فإنه أتقى لربك ، وأنقى لثوبك ، وخذ من رأسك إن كنت مسلما ، فإذا هو علي رضي‌الله‌عنه ومعه الدرة ، فانتهى إلى سوق الإبل فقال : بيعوا ولا تحلفوا فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة ، ثم أتى صاحب التمر فإذا خادم تبكي ، فقال : ما شأنك؟ قالت : باعني هذا تمرا بدرهم ، فأبى مولاي أن يقبله ، فقال : خذه وأعطها درهمها فإنه ليس لها أمر ، فكأنه أبى ، فقلت : ألا تدري من هذا؟ قال : لا ، قلت : علي أمير المؤمنين ، فصب تمره وأعطاها درهمها ، وقال : أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين ، قال : ما أرضاني عنك إذا وفيتهم ، ثم مرّ مجتازا بأصحاب التمر فقال : أطعموا المسكين يربو كسبكم ، ثم مر مجتازا حتى انتهى إلى أصحاب السمك فقال : لا يباع في سوقنا طاف ، ثم أتى دار بزّاز وهي سوق الكرابيس. فقال : يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم ، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ، ثم أتى آخر ، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ،


ثم أتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ولبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين ، فجاء صاحب الثوب ، فقيل له : إن ابنك باع من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم ، قال : فهلا أخذت منه درهمين؟ فأخذ الدرهم ثم جاء به إلى علي فقال : أمسك هذا الدرهم ، قال : ما شأنه؟ قال : كان قميصنا ثمن درهمين ، باعك ابني بثلاثة دراهم ، قال : باعني برضاي وأخذت برضاه. ابن راهويه (حم) في الزهد ، وعبد بن حميد ، (ع ، ق ، كر) وضعّف.

عن عبد الله بن شريك عن جده : أن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أتي بفالوذج فوضع قدامه ، فقال : إنك طيب الريح ، حسن اللون ، طيب الطعم ، ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتد.(عم) في الزهد ، (حل).

عن عدي بن ثابت : أن عليا أتى بفالوذج فلم يأكل.(هناد ، حل).

عن زياد بن مليح : أن عليا أتي بشيء من خبيص فوضعه بين أيديهم ، فجعلوا يأكلون ، فقال علي : إن الإسلام ليس ببكر ضال ، ولكن قريش رأت هذا فتناحرت عليه.(عم) في الزهد ، (حل).

عن زيد بن وهب قال : خرج علينا علي رضي‌الله‌عنه وعليه رداء وإزار قد رقعه بخرقة. فقيل له ، فقال : إنما ألبس هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو ، وخيرا لي في صلاتي وسنة للمؤمنين. ابن المبارك.

وقال أيضا في ص ٦٠٦ :

عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : اشترى علي بن أبي طالب قميصا بثلاثة دراهم وهو خليفة ، وقطع كمه من موضع الرصغين وقال : الحمد لله الذي هذا من رياشه. الدينوري ، (كر).

عن علي رضي‌الله‌عنه : أنه كان يلبس القميص ثم يمد الكم حتى إذا بلغ الأصابع قطع ما فضل ويقول : لأفضل للكمين على اليدين. ابن عيينة في جامعه ، والعسكري


في المواعظ ، (ص ، هب ، كر).

عن أبي مطر : أن عليا رضي‌الله‌عنه اشترى قميصا بثلاثة دراهم فلبسه وقال : الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أواري به عورتي ، وأتجمل به في حياتي ، ثم قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا لبس ثوبا جديدا قال هكذا. (ع).

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني في «المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ٣٩ ط دار العلم ـ دمشق) قال :

معيشة علي وفاطمة رضي‌الله‌عنهما :

وكانت معيشة علي وفاطمة وهما أحب الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسول الله أحب الخلق إلى الله معيشة زهد وتقشف ، وصبر وجهد.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٩٩ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثني ابن أبي ذئب ، عن عباس بن الفضل مولى لبني هاشم ، عن جده بن أبي رافع أنه كان خازنا لعلي بن أبي طالب على بيت المال ، قال : فدخل يوما وجد زينب بنته بلؤلؤة من بيت المال كان قد عرفها ، فقال رضي‌الله‌عنه : من أين لهذه اللؤلؤة؟ لله علي أو أقطع يدها. قال : فلما رأيت الجد منه في ذلك قلت : أما والله زينب بنت أخي أخذتها فخلعتها وإلّا فمن أين يقدر هذه على أخذها لو لم أعطها.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور الحبيب الجنحاني التونسي في كتابه «التحول الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع صدر الإسلام» (ص ١٤٦ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٦) قال :


كان أبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خازنا لعلي على بيت المال ، فدخل علي يوما وقد زينت ابنته ، فرأى عليها لؤلؤة كان عرفها لبيت المال فقال : من أين لها هذه؟ لأقطعن يدها فلما رأى أبو رافع جده ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جواهر المطالب».

ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه «أصهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٧٧ ط دار الهجرة ـ بيروت) قال :

فذكر قصة اللؤلؤة مثل ما تقدم عن جواهر المطالب ـ وزاد : أنا والله يا أمير المؤمنين زينتها بها ، فقال علي موجها كلامه لرافع : لقد تزوجت أمها فاطمة ومالي فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها وردّها إلى بيت المال.

وأيضا أم كلثوم ابنته : كان عمرو بن سلمة واليا على أصبهان من قبل الإمام علي كرم الله وجهه ، فجاء من ولايته يحمل من مال المسلمين وأيضا كان مما يحمل عسل وسمن ، فأرسلت أم كلثوم بنت علي إلى عمرو تطلب منه سمنا وعسلا ـ فذكر مثل ما يأتي عن ابن منظور باختلاف في اللفظ.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» (ج ١٨ ص ٦٠ ط دار الفكر) قال :

قال عمرو بن يحيى : سمعت أبي يحدث عن أبيه عمرو قال : كان علي بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس على الري ، ثم استعمل مخنف بن سليم على أصبهان ، واستعمل على أصبهان عمرو بن سلمة. فلما أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج بحلوان. فلما قدم عمرو بن سلمة على علي أمره فليضعها في الرحبة ، ويضع عليها أبناءه حتى يقسمها بين المسلمين ، فبعثت إليه أم كلثوم بنت علي : أرسل إلينا من


هذا العسل الذي معك ، فبعث إليها بزقين من عسل ، وزقين من سمن. فلما أن خرج علي إلى الصلاة عدها فوجدها تنقص زقين ، فدعاه ، فسأله عنهما ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لا تسلني عنهما ، فإنا نأتي بزقين مكانهما ، قال : عزمت عليك لتخبرني ما قصتهما ، قال : بعثت إلي أم كلثوم فأرسلت بها إليها ، قال : أمرتك أن تقسم فيء المسلمين بينهم. ثم بعث إلى أم كلثوم أن ردي الزقين ، فأتى بهما مع ما نقص منهما ، فبعث إلى التجار : فزموهما مملوءتين وناقصتين ، فوجدوا فيهما نقصان ثلاثة دراهم وشيء ، فأرسل إليها أن أرسلي إلينا بالدراهم ، ثم أمر بالزقاق فقسمت بين المسلمين.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٤٠ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن جده قال : قدم عمرو بن سلمة من أصبهان ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة محمد بن حسن الآلاني الكردي المتوفى سنة ١١٨٩ في «رفع الخفا شرح ذات الشفا» (ج ٢ ص ٢٧٩ ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية) قال :

روى الفقيمي عن قنبر مولى علي كرم الله وجهه قال : دعاني الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما فقال لي : يا قنبر عندي أربع نسوة حرائر والله ما بقي في بيت واحدة منهن فضل عن قوتها ، فاستلق لي درهما اشتري به طعاما لهذا الضيف ، فأتيته بدرهم واشتريت به طعاما ، فقال : هذا الطعام يعني الخبز فأين الأدم؟ ثم قال : هذه زق عسل جاءت من اليمن ، فأعطنا منها مقدار ما يأتدم به الضيف ، فقلت : كيف أعطيك قبل أن يقسمها أمير المؤمنين ، فقال : إن لنا فيها حقا فإذا أعطانا حقنا رددنا ما أخذنا ، قال قنبر : فقمت إلى زق منها فأخذت منه مقدار رطل ، فلما كان من الغد جاء علي كرم الله


وجهه ليقسم العسل ، فلما نظر إلى ذلك الزق قال : يا قنبر حدث في هذا حدث ، فأخبرته بالقصة ، فغضب وقال : علي بالحسن ، فأتي به فرفع الدرة [عليه] ليضربه. فأقسم عليه حتى سكن غضبه فقال : ما حملك على ما صنعت؟ أخذت من العسل قبل أن أقسمه ، فقال : يا أمير المؤمنين إن لنا فيه حقا ، فإذا أعطيتنا رددنا ما أخذنا ، فقال : فداك أبوك ليس لك أن تنتفع بحقك قبل المسلمين ، لولا أني رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقبل هذا منك لأوجعتك ضربا ، ثم دفع إلى قنبر درهما ليشتري به أجود عسل ، ففعل ثم أمره أن يفرغه في الزق وعلي يبكي ، ويقول : اللهم اغفرها للحسن ، فإنه لم يعلم.

ومنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة ٢٥١ في كتابه «الأموال» (ج ٢ ص ٥٦٢ ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال :

حدثنا حميد ، أنا أبو نعيم ، أنا عبد الرحمن بن عجلان ، حدثتني جدتي أم كفلة إنها انطلقت مع مولاها حتى أتت عليا وهو في الرحبة وهو يقسم بين الناس أنواع الأبزار والخردل والحرف والكمّون والكشنيز ، يوزعه بينهم كله ، يصرونه صررا حتى لم يبق منه شيئا.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور الحبيب الجنحاني التونسي في كتابه «التحول الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع صدر الإسلام» (ص ١٥٨ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

وروى أبو إسحاق الهمداني أن إمرأتين أتتا عليا عليه‌السلام : إحداهما من العرب والأخرى من الموالي ، فسألتاه فدفع إليهما دراهم وطعاما بالسواء ، فقالت إحداهما : إني إمرأة من العرب ، وهذه من العجم ، فقال : إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلا على بني إسحاق.


ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ١٠١ ط دار العلم للملايين ـ بيروت) قال :

روي عن الإمام علي أنه لم يكن يفضل شريفا على مشروف ، ولا عربيا على أعجمي. فقد دفع مرة طعاما ودراهم بالتساوي إلى امرأتين ، إحداهما عربية ، والثانية أعجمية. فاحتجت الأولى ، قائلة : إني والله إمرأة من العرب ، وهذه من العجم. فأجابها علي : إني والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلا على بني إسحاق. وكذلك ، لما طلب إليه تفضيل أشراف العرب وقريش على الموالي والعجم ، قال : لا والله لو كان المال لي لواسيت بينهم ، فكيف وإنما هي أموالهم؟

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٣٩ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن علي رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا وأكلوا التراث أكلا لمّا وأحبوا المال حبا جما واتخذوا دين الله غلا ومال الله حولا؟ قلت : أتركهم وما اختاروا واختار الله ورسوله والدار الآخرة وأصبر على مصيبات الدنيا وملؤها حتى ألحق بك إن شاء الله. قال : صدقت ، اللهم افعل ذلك به. خرجه الحافظ من الأربعين.

وعن علي بن أبي شعبة (ربيعة) أن علي بن أبي طالب جاءه ابن النباج فقال : يا أمير المؤمنين امتلأت بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء. فقال : الله أكبر! فقام متوكئا على ابن النباج حتى قام على المال فنودي في الناس ، فأعطى جميع ما في بيت المال للمسلمين فهو يقول : يا صفراء يا بيضاء غري غيري ها وها ، حتى ما بقي منه دينار ولا درهم ، ثم أمر بنضيح وصلى فيه ركعتين. أخرجه أحمد في المناقب وصاحب الصفوة.


وقال في ق ٤٠ :

وعن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : رأيت عليا بالرحبة في يوم مورود (نيروز) ، فجاء قنبر فأخذ بيده وقال : يا أمير المؤمنين إنك رجل لا تبق [كذا ، والظاهر لا تبقى] شيئا وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيبا وقد خبأت لك خبية. قال : وما هي؟ قال : انطلق وانظر ما هي ، فأدخله بيتا مملوا آنية ذهب وفضة مموهة بالذهب ، فلما رآها قال : ثكلتك أمك لقد أردت (أن) تدخل بيتي نارا عظيمة ، ثم جعل يزنها ويعطى كل عريف بحصته. ثم قال : هذا جناي وخياره فيه وكل جان يده إلى فيه لا تغريني وغيري غيري.

وقال أيضا :

وقال سفيان الثوري رحمه‌الله : ما بني علي لبنة على لبنة ولا آجرة على آجرة ولا قصبة على قصبة.

وقال زاذان : رأيت عليا يمشي في الأسواق وحده وهو وال يرشد الضال ويعين الضعيف ويمر بالبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) الآية ، وقال : نزلت هذه الآية في حق أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من الناس.

وقال أيضا في ق ٤٠ :

وعن سعيد قال : رأيت عليا بالسوق وهو يقول : من عنده ثوب قميص صالح بثلاث دراهم؟ فقال رجل : عندي ، وجاء به فأعجبه فأعطاه ثم لبسه فإذا هو يفضل عن أطراف أصابعه فأمر بقطع ما فضل عن أطراف الأصابع. خرجه الملا في سيرته.

وقال أيضا :


وعن الحسن بن جرموز قال : رأيت علي بن أبي طالب يخرج من مسجد الكوفة وعليه بردان متوزر بواحد ومزيد بآخر وإزاره إلى نصف الساق وهو يطوف بالأسواق ومعه درة يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن البيع (و) وفاء الكيل والميزان. أخرجهما القلعي.

وقال أيضا :

وعن عمرو بن قيس قال : قيل لعلي : يا أمير المؤمنين لم ترفع قميصك؟ قال : يخشع القلب ويقتدي به المؤمن.

وقال أيضا :

وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال : رأيت عليا خرج وعليه قميص غليظ رازي (دارس) إذا مدّ كم القميص بلغ (إلى) الظفر وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد.

وقال أيضا :

وقال عبد العزيز بن محمد : إن عليا أتي بمال فأقعد بين يديه الوزّان والنقاد فكوّم كومة من ذهب وكومة من فضة وقال : يا حمراء احمري ويا بيضاء ابيضي وغري غيري.

هذا جناي وخياره فيه

وكل جان يده إلى فيه

وقال أيضا :

وقال صالح بن الأسود : رأيت عليا وقد ركب حمارا ودلى رجليه إلى موضع واحد ثم قال : أنا الذي أهبت الدنيا.

وقال أيضا :


وقال الحسن بن صالح : نذكر الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال : قائل فلان وفلان فقال عمر : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.

وقال أيضا في ق ٤٢ :

وعن هارون بن عنترة قال : دخلت على علي بن أبي طالب في الخورنق وهو يرعد تحت شمل قطيفة فقلت : يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال وأنت تصنع بنفسك ما تصنع ، فقال : والله ما أرزاكم شيئا من مالكم وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي بالمدينة.

وقال أيضا :

وعن أبي جمارة التميمي عن أبيه قال : رأيت علي بن أبي طالب على المنبر يقول : من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته ، فقام إليه رجل وقال : أنا أسلفك ثمن إزار. قال عبد الرزاق : وكانت الدنيا إذ ذاك بيده إلّا الشام. خرجه أبو عمر.

وقال أيضا :

وعن ابن عمر قال : حدثني رجل من ثقيف أن عليا قال له : إذا كان عند الظهر فرح إليّ. قال : فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا يجبني دونه ووجدته خاليا وعنده قدح وكوز من ماء ، فدعا بظبية فقلت في نفسي : لقد أمنني حين يخرج إليّ جواهر ولا أدري ما فيها ، فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فأخذ منه قبضة فصبها في القدح وصبّ عليها ماء فشرب وسقاني ، فلم أجر وقلت : يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعامه أكثر من ذلك؟! فقال : والله ما أختم عليه بخلا به ولكني ابتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيوضع فيه من غيره مما لا أعرفه فأحفظه لذلك وأكره أن


أدخل إلى جوفي ما لا أعرفه ولا أحبّ أن أدخل فيه إلّا طبيا. أخرجه صاحب الصفوة.

وقال أيضا :

وعن سفيان ، عن الأعمش قال : كان علي يعشي ويغدي ولا يأكل إلا من شيء يجيئه من المدينة.

وقال أيضا :

وعن أبي غسال ، عن أبي داود ، عن علي رضي‌الله‌عنه إنه أتي بفالوذج ، فلما وضع بين يديه قال : إنك طيب الريح حسن اللون طيب الطعم ولكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تعتد.

وقال أيضا :

عن محمد بن إسحاق قال : حدثنا قتيبة ، قال : ثنا عبد الله الوارث بن مسعود ، عن أبي عمر بن العلا ، عن أبيه : أن عليا خطب الناس فقال : والله الذي لا إله إلا هو ما رزأت من فيئكم إلا هذه ، وأخرج قارورة من كم قميصه ، وقال : أهداها لي دهقان ، ثم دفعها بخازن بيت المال. خرجه الملا.

ومنهم حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الطوسي المتوفى سنة ٥٠٥ في «الحلال والحرام» (ص ١٢٧ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

وروي عن علي رضي‌الله‌عنه ، أنه كان له سويق في إناء مختوم يشرب منه ، فقيل : أتفعل هذا بالعراق مع كثرة طعامه؟! فقال : أما إني لا أختمه بخلا به ، ولكن أكره أن يجعل فيه ما ليس منه ، وأكره أن يدخل بطني غير طيب.


ومنهم العلامة الشيخ يس بن ابراهيم الشنهوتي الشافعي في كتابه «الأنوار القدسية» (ص ٢٣ ط السعادة بمصر) قال :

كان له سويق في إناء مختوم يشرب منه ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة الشيخ محمد بن داود بن محمد البازلي الكردي الحموي الشافعي المتوفى سنة ٩٢٥ في كتابه «غاية المرام» (ص ٧٠ والنسخة مصورة من مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال :

وأما زهده فمما اشترك في معرفته الخاص والعام : كان الحاصل من غلّته أربعين ألف دينار وجعل كلّها لتصدقه.

وكان عليه إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم ، ولم يترك حين توفّي إلا ستمائة درهم أعدّها ليشتري به خادمة لأهله.

وقال فيه أيضا :

قال علي بن أبي طالب : الدنيا جيفة وطالبها كلاب ، فمن أراد منها شيئا فليصبر على مخالطة الكلاب.

وقال فيه أيضا :

قال عمار بن ياسر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : يا علي إن الله قد زيّنك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها الزهد في الدنيا فجعلك لا تنال من الدنيا شيئا ولا تنال الدنيا منك شيئا ، ووهب لك حبّ المساكين ورضوا بك إماما ورضيت بهم اتباعا ، فطوبى لمن أحبك وصدّق فيك وويل لمن أبغضك وكذب عليك ، فحق على الله أن يذيقهم [كذا] موقف الكذابين يوم القيامة.


وقال في ص ٧٠ أيضا :

قال سفيان : ما بنى علي لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة ، وإن كان ليؤتى بحبوبه من المدينة.

وقال فيه أيضا :

قال أبو بحر : رأيت على علي إزارا غليظا اشتراه بخمسة دراهم ، فقال : من أرغبني فيه درهما بعته.

وقال : ورأيت معه دراهم مصرورة فقال : هذه بقية نفقتنا من «ينبع» يعني البلد المعروف.

وقال فيه أيضا :

قال أبو التيار : أتاني علي ومعه غلام فاشترى مني قميصين كرابيسين فقال لغلامه : اختر أيهما شئت ، فأخذ أحدهما وأخذ علي الآخر ، ثم مدّ يده بعد لبسه فقال : اقطع القدر الذي يفضل من يدي ، فقطعه وكفه وذهب.

وقال فيه أيضا :

وقال رجل من ثقيف : استعملني على مدرج سابور فقال : لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم ، ولا تبيعن لهم رزقا ولا كسوة شتاء ولا صيفا ولا دابة يعملون عليها ، ولا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم ، قلت : يا أمير المؤمنين إذا أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال : وإن رجعت ويحك ، إنما أمرنا أن نأخذ العفو منهم يعني الفضل. وزهده وعدله لا يمكن استقصاؤه.

ومنهم الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي الحنبلي المتوفى سنة ٥٩٧ في كتابه «سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز» (ص ٢٧٤ ط


دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

وعن حسين بن صالح قال : تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز ، فقال قائلون : فلان ، وقال قائلون : فلان ، فقال عمر بن عبد العزيز : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٦٥ ط دار الفكر) قال :

وعن حسن بن صالح قال : تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون : فلان ، وقال قائلون : ـ فذكر مثل ما تقدم عن «السيرة» بعينه.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ١٤٠ ط القاهرة سنة ١٣٩٩) قال :

عن محمد بن كعب القرظي : حدثني من سمع علي بن أبي طالب يقول : خرجت في يوم شات من بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أخذت إهابا معطوبا ، فحولت وسطه فأدخلته عنقي ، وشددت وسطي فحزمته بخوص النخل وإني لشديد الجوع ، ولو كان في بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم طعام لطعمت منه ، فخرجت ألتمس شيئا ، فمررت بيهودي في مال له وهو يسقي ببكرة له ، فاطلعت عليه في ثلمة في الحائط. فقال : مالك يا أعرابي؟ هل لك في كل دلو بتمرة قلت : نعم فافتح الباب حتى أدخل. ففتح فدخلت فأعطاني دلوه ، فكلما نزعت دلوا أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت كفي أرسلت دلوه وقلت : حسبي. فأكلتها. ثم جرعت من الماء فشربت ثم جئت المسجد فوجدت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه.

ومنهم العلامة الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية المتوفى سنة


٧٥١ في «عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين» (ص ٢٣٥ ط دار الآفاق الجديدة في بيروت سنة ١٤٠٣)

فذكر مثل ما تقدم إلا أن فيه : «معطونا» بدل «معطوبا» و «فجولت» بدل «فحولت» و «في عنقي» مكان «عنقي» و «شددت به وسطي» واختلاف يسير في الباقي.

وقال الدكتور عبد المعطى أيضا :

عن ابن عباس قال : أصاب نبي الله خصاصة ، فبلغ ذلك عليا فخرج يلتمس عملا يصيب به شيئا ليقيت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتى بستانا لرجل من اليهود فاستقى له سبعة عشر دلوا كل دلو بتمرة ، فخيره اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة ، فجاء بها إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعن علي قال : كنت أدلو الدلو بتمرة وأشترط أنها جلدة.

ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن فرح القرطبي الأنصاري الخزرجي الأندلسي في «قمع الحرص بالزهد والقناعة» (ص ١٧٩ ط دار الصحابة بطنطا) قال :

وأما علي رضي‌الله‌عنه ، فقال بعض الثقات : دخلت على علي بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، وإن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال حظا فأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟ فقال : والله ما رزأتكم من مالكم شيئا وإنها لقطيفتي ، أي خرجت بها من منزلي ، يعني من المدينة. واشترى قميصا له بدراهم فلبسه فإذا هو يفضل على أطراف أصابعه ، فأمر به فقطع ما فضل عن أطراف أصابعه. وجاءه ابن النباح فقال : امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء ، فأتى بيت المال فجمع مستحقيه ، وأعطى جميع ما فيها ، وهو يقول : يا صفراء اصفري ، ويا بيضاء ابيضي غرّي غيري ها وها. حتى ما بقي منه دينار ولا درهم ، ثم أمر بنضحه ، وصلى


فيه ركعتين رجاء أن يشهد يوم القيامة.

وأتي بفالوذج فوضع قدامه ، فقال : إنك طيب الريح حسن اللون طيب الطعم ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٥٨ ط دار الفكر) قال :

وعن عنترة قال : دخلت على علي بالخورنق ـ فذكر مثل ما تقدم عن «قمع الحرص» ـ إلى : يعني من المدينة.

ومنهم العلامة الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة ٢٢٤ في «الأموال» (ص ٢٨٤ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

حدثنا عباد بن العوام ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : دخلت على علي بالخورنق ، وعليه سمل قطيفة ـ فذكر مثل ما تقدم ـ إلى : من المدينة.

ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العكّ المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في «مختصر حياة الصحابة» للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص ٢٥٣ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

وأخرج أبو عبيد ، عن عنترة قال : دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق وعليه سمل قطيفة وهو يرعد فيها من البرد ، فقلت : يا أمير المؤمنين ـ فذكر مثل ما تقدم عن «قمع الحرص» باختلاف يسير في اللفظ.

ومنهم العلامة الشيخ أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي ابن حمدون في كتابه «التذكرة الحمدونية» (ص ٦٩ ط بيروت) قال :

قال مجاهد : خرج علينا علي عليه‌السلام يوما معتجرا فقال : جعت ـ فذكر مثل ما


تقدم.

وقال أيضا :

ودخل عليه بعض أصحابه بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة ـ فذكر مثل ما تقدم عن «قمع الحرص بالزهد».

وقال أيضا :

وقسم عليه‌السلام ما في بيت المال على سبعة أسباع ، ثم وجد رغيفا فكسره سبع كسر ، ثم دعا أمراء الأجناد فأقرع بينهم.

وقال أيضا في ص ٧٠ :

واشترى علي عليه‌السلام بالكوفة تمرا فحمله في طرف ردائه ، فتبادره الناس وقالوا : يا أمير المؤمنين نحمله عنك ، فقال : رب العيال أحق بحمله.

ومنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة ٢٥١ في كتابه «الأموال» (ج ٢ ص ٦٠٩ ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال :

حدثنا حميد ، قال أبو عبيد : أنا عباد بن العوام ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : دخلت على علي بالخورنق ، وعليه شمل قطيفة ، وهو يرعد فيها. فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال نصيبا ، وأنت تفعل هذا بنفسك؟ فقال : إني والله لا أرزأكم شيئا وما هي إلا قطيفتي التي أخرجتها من بيتي ـ أو قال : من المدينة.

حدثنا حميد ، ثنا أبو نعيم ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن موسى بن طريف قال : دخل علي بيت المال فأضرط به ثم قال : لا أمسي حتى أقسمه أو نقسمه. فدعا رجلا من بني سعد بن ثعلبة ، فقسم إلى الليل فقالوا له : لو أعطيته.


قال : إن شاء أعطيته وهو سحت. قال : لا حاجة لي فيه.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٥٨ ط دار الفكر) قال :

قال موسى بن طريف : دخل علي عليه‌السلام بيت المال ـ فذكر مثل ما تقدم عن «الأموال» إلّا أنه ليس فيه : قال : لا حاجة لي فيه.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

عن خالد بن أمية قال : رأيت عليا وقد لحق إزاره بركبتيه.

وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال : رأيت عليا عليه قميص رازيّ ، إذا مدّ كمه بلغ الظفر ، فإذا أرخاه بلغ نصف ساعده.

وعن عطاء أبي محمد قال : رأيت على علي قميصا من هذه الكرابيس غير غسيل. وكان يلبس إزارا مرقوعا ، فقيل له ، فقال : يخشع القلب ويقتدى به المؤمن. ورؤى رضي‌الله‌عنه وهو يخرج من القصر وعليه قطريتان : إزار إلى نصف الساق ، ورداء مشمر قريب منه ، ومعه درة له ، يمشي بها في الأسواق ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ويقول : أوفوا الكيل والميزان ، ويقول : لا تنفخوا اللحم.

وابتاع رضي‌الله‌عنه مرة قميصا سنبلانيا بأربعة دراهم ، فجاء الخياط فمدكم القميص ، فأمره أن يقطعه مما خلف أصابعه.

وعن هرمز قال : رأيت عليا متعصبا بعصابة سوداء ما أدري أي طرفيها أطول ، الذي قدّامه أو الذي خلفه ، يعني عمامة. وعنه قال : رأيت عليا عليه عمامة سوداء قد أرخاها من بين يديه ومن خلفه.

وعن علي رضي‌الله‌عنه قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إذا كان إزارك


واسعا فتوشح به ، وإذا كان ضيقا فأتزر به.

وكانت قلنسوته لطيفة ، وتختّم في يساره ، وكان نقش خاتمه في صلح الشام «محمد رسول الله» ونقش على خاتمه أيضا «الله الملك».

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور الحبيب الجنحاني التونسي في كتابه «التحول الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع صدر الإسلام» (ص ١٥٨ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

وروى بكر بن عيسى ، قال : كان علي عليه‌السلام يقول : يا أهل الكوفة إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فلان ، فأنا خائن. فكانت نفقته تأتيه من غلته بالمدينة بينبع ، وكان يطعم الناس منها الخبز واللحم ، ويأكل هو الثريد بالزيت.

وروى معاوية بن عمار ، عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، قال : ما اعتلج على علي عليه‌السلام أمران في ذات الله ، إلا أخذ بأشدهما ، ولقد علمتم أنه كان يأكل (يأهل) الكوفة عندكم من ماله بالمدينة ، وإن كان ليأخذ السويق فيجعله في جراب ، ويختم عليه مخافة أن يزاد عليه من غيره ، ومن كان أزهد في الدنيا من علي عليه‌السلام.

وروى النضر بن منصور ، عن عقبة بن علقمة ، قال : دخلت على علي عليه‌السلام ، فإذا بين يديه لبن حامض ، آذتني حموضته ، وكسر يابسة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، أتأكل مثل هذا؟ فقال لي : يا أبا الجنوب ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأكل أيبس من هذا ، ويلبس أخشن من هذا ـ وأشار إلى ثيابه ـ فإن أنا لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به.

وروى عمر بن مسلمة ، عن سويد بن علقمة ، قال : دخلت على علي عليه‌السلام بالكوفة ، فإذا بين يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته ، وفي يده رغيف ترى


قشار الشعير على وجهه وهو يكسره ، ويستعين أحيانا بركبته ، وإذا جاريته فضة قائمة على رأسه ، فقلت : يا فضة ، أما تتقون الله في هذا الشيخ ألا نخلتم دقيقه؟ فقالت : إنا نكره أن نؤجر ويأثم ، نحن قد أخذ علينا ألا ننخل له دقيقا ما صحبناه. قال : وعلي عليه‌السلام لا يسمع ما تقول ، فالتفت إليها فقال : ما تقولين؟ قالت : سله ، فقال لي : ما قلت لها؟ قال : إني قلت لها : لو نخلتم دقيقه ، فبكى ، ثم قال : بأبي وأمي من لم يشبع ثلاثا متوالية من خبز بر حتى فارق الدنيا ، ولم ينخل دقيقه ، قال : يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وروى يوسف بن يعقوب عن صالح بياع الأكيسة ، أن جدته لقيت عليا عليه‌السلام بالكوفة ، ومعه تمر يحمله ، فسلمت عليه ، وقالت له : أعطني يا أمير المؤمنين هذا التمر أحمله عنك إلى بيتك ، فقال : أبو العيال أحق بحمله ، قالت : ثم قال لي : ألا تأكلين منه؟ فقلت : لا أريد ، قالت : فانطلق إلى منزله ثم رجع مرتديا بتلك الشملة ، وفيها قشور التمر ، فصلى بالناس فيها الجمعة.

وقال أيضا في ص ١٥٩ :

وروى عنبسة العابد ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، قال : أعتق علي عليه‌السلام في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألف مملوك مما مجلت يداه وعرق جبينه ، ولقد ولي الخلافة وأتته الأموال فما كان حلواه إلا التمر ولا ثيابه إلا الكرابيس.

وروى العوام بن حوشب ، عن أبي صادق ، قال : تزوج علي عليه‌السلام ليلى بنت مسعود النهشلية ، فضربت له في داره حجلة ، فجاء فهتكها ، وقال : حسب أهل علي ما هم فيه.

وروى حاتم بن إسماعيل المدني ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : ابتاع علي عليه‌السلام في خلافته قميصا سملا بأربعة دراهم ، ثم دعا الخياط ، فمدكم


القميص ، وأمره بقطع ما جاوز الأصابع.

ومنهم الدكتور عبد الحليم محمود في «قضية التصوف المنقذ من الضلال» (ص ٧٤ الطبعة الثالثة دار المعارف ـ القاهرة) قال :

وهذا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه في الخلافة قد اشترى إزارا بأربعة دراهم واشترى قميصا بخمسة دراهم ، فكان في كمه طول ، فتقدم إلى خراز أي خياط فأخذ الشفرة فقطع الكم مع أطراف أصابعه ، وهو يفرق الدنيا يمنة ويسرة.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

عن عمّار بن ياسر رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : إن الله قد زيّنك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها ، هي زينة الأبرار عند الله الزهد في الدنيا ، فجعلك لا ترزأ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئا ، ووصب لك المساكين فجعلك ترضى بهم اتباعا ويرضون بك إماما.

وعن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا ، وأكلوا التراث أكلا لما وأحبوا المال حبا جما ، واتخذوا دين الله دغلا ومال الله دولا؟ قلت : أتركهم حتى ألحق بك إن شاء الله تعالى. قال : صدقت ، اللهم افعل ذلك به.

وجاءه ابن التياح فقال : يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء. فقال :

الله أكبر ، فقام متوكئا على ابن التياح حتى قام على بيت المال وهو يقول : يا صفراء يا بيضاء ، غري غيري هاء وهاء ، حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم ، ثم أمر بنضحه وصلّى فيه ركعتين.

إلى أن قال في ص ١٥ :


ودخل علي مرة بيت المال فرأى فيه شيئا ، فقال : لا أرى هذا هنا وبالناس حاجة إليه. فأمر به فقسم ، وأمر بالبيت فكنس ونضح فصلى فيه أو قال فيه ، يعني نام.

واشترى رضي‌الله‌عنه قميصا بثلاثة دراهم ، وهو خليفة وقطع كمه من موضع الرّسغين ، وقال : الحمد لله الذي هذا من رياشه.

وعن علي بن ربيعة قال : كان لعلي امرأتان فكان إذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم ، وإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم.

ودخل علي رضي‌الله‌عنه على فاطمة ، والحسن والحسين يبكيان فقال : ما يبكيهما؟ قالت : الجوع ، فخرج علي فوجد دينارا في السوق فجاء إلى فاطمة فأخبرها ، فقالت : اذهب إلى فلان اليهودي فخذلنا به دقيقا ، فجاء إلى اليهودي فاشترى به دقيقا ، فقال اليهودي : أنت ختن هذا الذي يزعم أنه رسول الله؟ قال : نعم. قال : فخذ دينارك ولك الدقيق ، فخرج علي حتى جاء به فاطمة فأخبرها فقالت اذهب إلى فلان الجزار فخذلنا بدرهم لحما. فذهب فرهن الدينار بدرهم على لحم. فجاء به فعجنت ونصبت وخبزت وأرسلت إلى أبيها فجاءهم ، فقالت : يا رسول الله أذكر لك ، فإن رأيته حلالا أكلنا وأكلت ، من شأنه كذا وكذا ، فقال : كلوا بسم الله ، فأكلوا ، فبينما هم مكانهم إذا غلام ، ينشد الله والإسلام الدينار ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فدعى له ، فسأله فقال : سقط مني في السوق ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي اذهب إلى الجزار فقل له : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لك أرسل إليّ بالدينار ودرهمك عليّ فأرسل به فدفع إليه.

وصعد رضي‌الله‌عنه المنبر يوما ، وقال : من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته. فقام إليه رجل وقال : أسلفك ثمن إزار؟

ومنهم الفاضل المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» عليه‌السلام (ص ٤٦ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة) قال :


ولما مات لم يوجد بخزائنه إلا ستمائة درهم استبقاها ليشتري بها خادما. بل وكما لخص حياته سفيان الثوري : ما بنى لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة وإن كان ليؤتى بحبوته في جراب. الحبوة الخراج.

وكما يقول محمد بن كعب القرظي : سمعت علي بن أبي طالب يقول : لقد رأيتني وأنا أربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي لتبلغ اليوم أربعة آلاف دينار.

ولما قال معاوية لضرار بن ضمرة : صف لي عليا ، قال فيما قال : كان بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من لسانه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحدته. وكان الله غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه ، ونحن والله مع تقريبه لنا ودنوه منا لا نكلمه هيبة له. لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله ، يبكي بكاء الحزين ويقول : يا دنيا إلي تعرضت أم إليّ تشوفت ، فهيهات هيهات! غري غيري.

ومنهم الدكتور السيد الجميلي في «صحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار» (ص ٦٢ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت) قال :

وعلي بن أبي طالب من خيرة وصفوة السابقين الأولين إلى الإسلام له فضل السبق فضلا عن فضل القربى ، مما جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يختصه برعاية وحدب وحب منقطع النظير. وتزداد كرامة المؤمن عند ربه بازدياد زهده في الدنيا ، وتتفاوت أقدار الهمم المشحوذة في السعي إلى الآخرة بصالحات الأعمال حسب عزوفها عن الدنيا ورغبتها عنها.

وكان في علي رضي‌الله‌عنه أصدق مثال على هذا الزهد في الدنيا والصدوف عنها لأنها في نظره لا قيمة لها رغم أن المفتونين فيها كثير ، ولم يكن زهدا في القول فحسب وإنما قولا وعملا ومنهجا انتهجه وسبيلا سلكه ، وجادة استقام عليها. وكان


دائما يردد في نفسه ما لم يخفه عن أحبابه : من طلب الجنة سارع إلى الطاعات ، ومن أشفق من النار ، رجع عن المحرمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها. وتأبى نفسه الكريمة إلا أن تلتحف بأديم الأرض وتؤثر خبزا غير مأدوم ، متحففة من زاد الدنيا ضاربة بها عرض الحائط لا تلوي على شيء فيها ، متزودة للآخرة متأهبة للرحيل ، منتظرة لقاء الحق أية لحظة ، لأن جوار الكريم ضالة منشودة ، ونهاية محمودة ينشرح لها صدور المؤمنين المتقين. كان أحب الأسماء إليه أبو تراب الذي أسماه إياه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد أبى أن ينزل قصر الإمارة بالكوفة وهو أمير ، ثم آثر عليه الأرض الخلاء العراء البراح وقال : قصر الخبال لا أنزله أبدا.

ليس هذا فحسب إنما يلتذ من خشن الملبس ، قائلا في نفسه : إن الزهد يصرف عنه ، ويساعده على الخشوع في الصلاة. إن الذي يركن إلى الدنيا مثله كمثل من يركن إلى جدار متصدع منهار ، قال تعالى في كتابه الكريم : (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

والترف واللهو مطمع النفوس الدنيئة التي ترغب العاجلة ، ولا تلقي بالا للآجلة ، هذا هو عين الضيق الفكري والعقلي معا.

وقال الدكتور أبو الوفاء الغنيمي التفتازاني المصري في «المدخل إلى التصوف» (ص ٥٣ ط دار الثقافة بالقاهرة) :

وكان علي مثلا بارزا في الزهد والتقشف والدعوة إليهما ، فقال لعمر بن الخطاب : إذا أردت أن تلقى صاحبك ، فارقع قميصك ، واخصف نعلك ، وقصر أملك ، وكل دون الشبع.

وقد قال عنه ابن عيينة : إنه كان أزهد الصحابة ، وشهد له الإمام الشافعي بأنه كان عظيما في الزهد.


مستدرك

من عدله عليه‌السلام كان يأمر ببيت المال فيكنس

ثم ينضح ثم يصلي فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة

أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين

قد مر نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٢٥٦ و ٢٥٧ وص ٥٧٨ وج ١٧ ص ٦٠٤ وص ٦٠٩ وج ١٨ ص ٢٠ ومواضع أخرى من هذا الكتاب المستطاب ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم قائد الحنابلة أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المتولد سنة ١٦٤ والمتوفى ٢٤١ في «الزهد» (ص ١٦٢ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٣) قال :

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا يحيي بن سعيد ، عن أبي حيان ، حدثني مجمع: أن عليا رضي‌الله‌عنه كان يأمر ببيت المال فيكنس ثم ينضح ثم يصلي فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.

ومنهم علامة التاريخ صارم الدين إبراهيم بن محمد بن! يدمر بن دقماق القاهري المتولد سنة ٧٥٠ والمتوفى ٨٠٩ في «الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين» (ج ١ ص ٦٥ ط عالم الكتب في بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

وروي أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين ، ثم أمر به فكنس ، ثم صلى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة.

ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العكّ المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في «مختصر حياة الصحابة» للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص ٢٤٦ ط


دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

وعن مجمع التيمي قال : كان علي رضي‌الله‌عنه يكنس بيت المال ويصلي فيه يتخذه مسجدا رجاء أن يشهد له يوم القيامة. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (٣ / ٤٩) عن مجمع التيمي نحوه.

ومنهم العلامة القزويني في «مختصر شعب الإيمان» للبيهقي (ص ٦٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وعن علي رضي‌الله‌عنه في طيب مطعمه أنه كان يجاء بخبزه في جراب من المدينة.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٥٧ ط دار الفكر) قال :

قال أبو صالح السمان : رأيت عليا دخل بيت المال ، فرأى فيه شيئا فقال : ألا أرى هذا هاهنا وبالناس إليه حاجة؟ فأمر به فقسم وأمر بالبيت فكنس ونضح فصلى فيه أو قال فيه ، يعني نام.

وعن عبد الرحمن بن أبي بكره قال : لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا ، يعني بالبصرة ، حتى فارقنا عن جبة محشوة وخميصة درابجردية.

وقال أيضا في ص ٥٨ :

وحدث أبو حكيم صاحب الحناء عن أبيه : أن عليا عليه‌السلام أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات ، ثم أتاه مال من أصبهان فقال : أغدوا إلى العطاء الرابع إني لست لكم بخازن. وقال : قسم الحبال ، فأخذها قوم وردها قوم.

وقال أيضا في ص ٥٩ :


وعن مجمع : أن عليا كان يكنس بيت المال ، ثم يصلي فيه ، رجاء أن يشهد له أنه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.

وقال أيضا في ص ٦٠ :

وعن سفيان قال : ما بنى علي آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة ، وإن كان ليؤتى بحبوته من المدينة في جراب.

وعن مجمع التيمي قال : خرج علي بن أبي طالب بسيفه إلى السوق ، فقال : من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزارا ما بعته.

وقال في ص ٦١ :

وعن سعيد الرجاني قال : اشترى علي قميصين سنبلانيين أنبجانيين بسبعة دراهم ، فكسا قنبرا أحدهما ، فلما أراد أن يلبس قميصه فإذا إزاره مرقوع برقعة من الكم.

وقال في ص ٦٤ :

حدث رجل من ثقيف أن عليا استعمله على عكبرا ، قال : ولم يكن السواد يسكنه المصلون ، فقال لي بين أيديهم : لتستوف خراجهم ، ولا يجدون فيك رخصة ، ولا يجدون فيك ضعفا ، ثم قال لي : إذا كان عند الظهر فرح إلي ، فرحت إليه ، فلم أجد عليه حاجبا يحجبني دونه ، وجدته جالسا وعنده قدح وكوز فيه ماء ، فدعا بطينة ، فقلت في نفسي : لقد أمنني حتى يخرج إلى جوهرا ، ولا أدري ما فيها ، فإذا عليها خاتم ، فكسر الخاتم ، فإذا فيها سويق ، فأخرج منه وصبّ في القدح ، فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني ، فلم أصبر أن قلت له : يا أمير المؤمنين ، أتصنع هذا بالعراق؟ طعام العراق أكثر من ذلك ، قال : أما والله ما أختم عليه بخلا عليه ، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني ، فأخاف أن يفنى ، فيصنع فيه من غيره ، فإنما حفظي لذلك ، وأكره أن أدخل


بطني إلا طيبا ، وإني لم أستطع أن أقول لك إلا الذي قلت لك بين أيديهم ، إنهم قوم خدع ، ولكني آمرك الآن بما تأخذهم به ، فإن أنت فعلت وإلا أخذك الله به دوني ، فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك عزلتك ، فلا تبيعنّ لهم رزقا يأكلونه ، ولا كسوة شتاء ولا صيف ، ولا تضربن رجلا منهم سوطا في طلب درهم ، ولا تقبحه في طلب درهم ، فإنا لم نؤمر بذلك ، ولا تبتغ لهم دابة يعملون عليها ، إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو ، قال : قلت : إذا أجيئك كما ذهبت ، قال : وإن فعلت ، قال : فذهبت ، فتتبعت ما أمرني به ، فرجعت والله ما بقي علي درهم واحد إلا وفيته.

ومنهم الحافظ أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان الجشمي السجستاني في «المعمرون والوصايا» (ص ١٥٤ ط دار إحياء الكتب العربية بمصر) قال :

وحدثونا عن أبي نعيم ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال : سمعت عبد الملك بن عمير قال : حدثني رجل من ثقيف قال : استعملني علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه على عكبرا ـ فذكر مثل ما تقدم عن ابن منظور باختلاف يسير في اللفظ.

ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العكّ المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في «مختصر حياة الصحابة» للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص ٢٦٩ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

أخرج أبو نعيم في الحلية (١ / ٨٢) عن رجل من ثقيف أن عليا رضي‌الله‌عنه استعمله على عكبرا ، قال : ولم يكن السواد يسكنه المصلون ـ فذكر مثل ما تقدم عن ابن منظور إلى : إلا طيبا ، ثم قال : وعن الأعمش قال : كان علي رضي‌الله‌عنه يغدى ويعشى ، ويأكل هو من شيء يجيئه من المدينة.

ومنهم العلامة الشيخ محمد بن داود بن محمد البازلي الكردي الحموي الشافعي في كتابه «غاية المرام» (ق ٧٧ نسخة مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال :


قال رجل من ثقيف : كان علي يجعل طعامه في جراب ـ فذكر مثل ما تقدم عن ابن منظور بتفاوت في اللفظ ، ثم قال : قال الغزالي في إحيائه : تولى علي العراق وكان مأكوله من جراب كان يحمل إليه كل سنة من الحجاز من ملكه وكان يختم على الجراب فقيل له ، فقال: علمت من أين أدخلت بجراب وما أريد آكل ما لم أعلم. فرضي‌الله‌عنه ما أزهده في الدنيا مع أنها أتته.

ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العكّ المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في «مختصر حياة الصحابة» للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص ٣٤٥ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

وأخرج البخاري في الأدب (ص ٨١) عن صالح بياع الأكسية عن جدته قالت : رأيت عليا رضي‌الله‌عنه اشترى تمرا بدرهم فحمله في ملحفته ، فقلت له أو قال له رجل : أحمل عنك يا أمير المؤمنين ، قال : لا ، أبو العيال أحق أن يحمل. وأخرجه ابن عساكر كما في المنتخب (٦٥ / ٥٦) ، وأبو القاسم البغوي ، كما في البداية (٨ / ٥) عن صالح بنحوه.

وأخرج ابن عساكر عن زاذان عن علي رضي‌الله‌عنه أنه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال ، يرشد الضال ، وينشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمر بالبياع والبقال فيفتح عليه القرآن ويقرأ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً) ويقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة على سائر الناس. كذا في المنتخب (٥٦ / ٥٦) وأخرجه أبو القاسم البغوي نحوه كما في البداية (٨ / ٥).

وأخرج ابن سعد (٣ / ١٨) عن جرموز قال : رأيت عليا رضي‌الله‌عنه وهو يخرج من القصر وعليه قطريتان : إزار إلى نصف الساق ، ورداء مشمر قريب منه ، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق ، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ، ويقول : أوفوا الكيل والميزان ، ويقول : لا تنفخوا اللحم. وأخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب (٣ / ٤٨).


وأخرج ابن راهويه وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبو يعلى والبيهقي وابن عساكر ـ وضعّف ـ عن أبي مطر قال : خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي خلفي : ارفع إزارك فإنه أتقى لربك ، وأنقى لثوبك ، وخذ من رأسك إن كنت مسلما ، فإذا هو علي ومعه الدرة ، فانتهى إلى سوق الإبل فقال : بيعوا ولا تحلفوا ، فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة. ثم أتى صاحب التمر فإذا خادم تبكي فقال : ما شأنك؟ قالت : باعني هذا تمرا بدرهم فأبى مولاي أن يقبله ، فقال : خذه وأعطها درهما فإنه ليس لها أمر ، فكأنه أبى ، فقلت : ألا تدري من هذا؟ قال : لا ، قلت : علي أمير المؤمنين ، فصبّ تمره وأعطاها درهما وقال : أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين ، قال : ما أرضاني عنك إذا وفيتهم. ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال : أطعموا المسكين يربو كسبكم. ثم مر مجتازا حتى انتهى إلى أصحاب السمك فقال : لا يباع في سوقنا طاف. ثم أتى دار بزّاز وهي سوق الكرابيس ، فقال : يا شيخ أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم ، فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ، ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ، ثم أتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم لبسه ما بين الرسغين إلى الكعب ، فجاء صاحب الثوب فقيل : إن ابنك باع من أمير المؤمنين قميصا بثلاثة دراهم ، قال : فهلا أخذت منه درهمين؟ فأخذ الدرهم ثم جاء به إلى علي فقال : أمسك هذا الدرهم. قال : ما شأنه؟ قال : كان قميصا ثمنه درهمان باعك ابني بثلاثة دراهم. قال : باعني رضاي وأخذت رضاه. كذا في المنتخب (٥ / ٥٧).

مستدرك

زهد علي عليه‌السلام وعدله

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٤ ص ٣٣١ وص ٣٩٨ وص ٤٠٥ وج ٥ ص ٤ وج ٨ ص ٢٤٥ وص ٥٣٢ وج ١٥ ص ٦١٣ وج ١٧ ص ٥٧٤ وج ٢١ ص ٣٦٤ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :


فمنهم الفاضل المعاصر آدم عبد الله الألوري في «تاريخ الدعوة الإسلامية في الأمس إلى اليوم» (ص ٧٧ ط دار مكتبة الحياة ـ بيروت) قال :

وسار على هذه السيرة سيدنا علي الذي تولى الخلافة وقال : أيتها الدنيا غري بغيري فقد طلقتك ثلاثا. فتأثر بهذه النزعة إبراهيم بن أدهم الذي حوى الملك والجاه والمال والشرف ثم نفض يديه منها وخرج هائما على وجهه يتزهد فيها طالبا عيشة الفقراء والمساكين (١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه «في رحاب علي عليه‌السلام» (ص ١٨٨ ط دار المعارف بمصر ولبنان) :

وإذا كان الولاء للحق يتمثل أول ما يتمثل في قهر الدنيا والتفوق على إغرائها وفتونها ، فإن ابن عم رسول الله وتلميذه العظيم ، قد بلغ في ذلك المدى وجاوز المستطاع.

ها هو ذا ، يخرج إلى سوق الكوفة ، وهو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين ، حاملا أحد أسيافه الأثيرة لديه ، الحبيبة إليه عارضا إياه للبيع وقائلا : من يشتري سيفي هذا؟ فو الله لو كان معي ثمن إزار ما بعته؟ لما ذا هذه الفاقة ، وبيت المال يستقبل كل يوم من أقطار الإسلام مالا غدقا ومن حقه كأمير المؤمنين أن يأخذ منه كفايته؟

لما ذا يصر على أن يطحن بنفسه دقيقه؟ ويرقع مدرعته حتى لا يبقى فيها مكان لرقاع جديدة؟

لما ذا لا يأكل الخبز إلا قديدا مخلوطا بنخالته؟ ويهرب من قصر الإمارة بالكوفة إلى كوخ من طين.

نقول لما ذا؟ لأن الولاء للحق ، والزهو بالدنيا لا يجتمعان. ولقد تعلم ذلك من قدوة سلفت ، طالما كان يلهج بها ذاكرا ، ومذكرا.

تلك القدوة التي لم تغب عن خاطره لحظة من نهار والتي عبر عنها فقال : في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ قبضت عنه أطرافها ، ووطئت لغيره أكنافها .. وفي موسى كليم الله ، إذ يقول : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ، وو الله ما سأله إلا خبزا


__________________

يأكله. وفي المسيح عيسى بن مريم الذي كان يلبس الخشن ويأكل الجشب دابته رجلاه ، وخادمه يداه.

تلك هي المنازل العلى التي يحلق عندها البطل الزاهد الأواب وهو لهذا لا يعدل شيئا بجشب الطعام وخشن الثياب.

لقد كانت هوايته الكبرى ، إهانة الدنيا ، وإذلال مغرياتها الهائلة بأن يرفع في وجهها يدا لا تهتز ولا تختلج ، تقول لتلك المغريات : لا. فلما ولى أمر المسلمين ، وصار لهم خليفة وأميرا ، تحولت الهواية إلى واجب.

أجل آنئذ لم يعد نبذ الدنيا وإذلال سلطانها وإغرائها مجرد هواية لبطولته ، أو رياضة لروحه. بل صارت واجبا تفرضه مسئوليات الحكم ، وتبعات القدوة ، وآنئذ سمعناه يقول : أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ، ثم لا أشارك المؤمنين في مكاره الزمان .. والله لو شئت لكان لي من صفو هذا العسل ، ولباب هذا البر ، ومناعم هذه الثياب ولكن ، هيهات أن يغلبني الهوى ، فأبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى.

هو إذن مقيم لم يرحل يعلم الناس في كل جيل وعصر ، أن الولاء للحق أثمن تكاليف الإنسان .. ويعلم الحكام في كل جيل وعصر ، أن الولاء للحق يعني رفض إغراء الدنيا ، ورفض غرور السلطان.

وهو مقيم لم يرحل .. يجد عصرنا هذا في نهجه وحكمه أستاذا ومعلما وهاديا.

فاليوم ، حيث تعبي الحضارة كل قواها لمحاربة الفقر ، وإرباء الكفاية ، وتوزيع العدل ، نجد أمير المؤمنين عليا يدرك من قرابة ألف وأربعمائة عام بؤس الفقر ووظيفة المال إدراك الحاكم المسئول ، لا إدراك الواعظ المتمنى.

انظروا ها هوا ذا ناسك لم يمنعه نسكه ، وزهده عن أن يعرف ضراوة الفقر وبؤسه وعداءه لتقدم الروح والضمير فيقول قولته الباهرة : لو كان الفقر رجلا لقتلته.

وها هو ذا يبدأ الساعات الأولى من حكمه وخلافته بوقف تضخم الثروات التي سببها التمييز في الأنصبة والعطاء بين الذين أسلموا قبل الفتح ، والذين أسلموا بعده


__________________

فيلتزم منهج التسوية في العطاء.

وفي حدود قدرة بيت المال يأخذ كل حاجته ولا يزيد ، وإنه ليفحم المعارضين لمنهجه بكلمات قصار لكنها كبار ، إذ يقول : لو كان المال مالي لسويت بينهم ، فكيف والمال مال الله ، وهؤلاء ، عباده. إن وظيفة المال عنده ، تتمثل في سد حاجات الشعب فردا فردا ، وهو أي المال ليس مثوبة على دين ، ولا تكريما لمركز ، بل ولا ثمنا لجهد.

إنه قيام بضرورات العيش ، وسد لحاجات الناس ، لا أكثر من هذا ، ولا أقل. وهو بهذه المثابة ، لا يصلح قط أن يكون حكرا ولا أن يكون دولة بين أيدي قلة مثرية.

إن تحديد إقامة المال في بضع أيد ، أو بضع بيوت ، هدر لوظيفته وإلغاء لدوره الصحيح في فقه الإمام ، الذي هو فقه الإسلام. من أجل هذا قال كلمات راشدة صاغ بها مبدأ من أعظم مبادئ حكمه وحكومته.

إن الله فرض من أموال الأغنياء أقوات الفقراء .. فما جاع فقير ، إلا بتخمة غنى.

من العسير أن نجد عبارة تحدثنا عن وظيفة المال ويجتمع فيها المنطق العلمي ، والألق الإنساني ، على هذا النسق الفريد والرشيد.

إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلا بتخمة غني.

ألا وإن الإمام بهذا المبدأ ، لا ينفى عن المال نزوة الاحتكار فحسب. بل ينفى عنه كذلك نزوة السرف في إنفاقه والجموح في طلب المناعم به.

فجوع الفقير ناشئ عن تخمة الغنى ، والجوع والتخمة كلاهما مظهر لخلل في وظيفة المال وعدالة التوزيع.

فحين تأخذ وظيفة المال دورها الصحيح في تغطية المعايش وسد الحاجات بغير سرف أو ترف فآنئذ لا توجد التخمة التي تخلق الجوع ، ولا يوجد الجوع الذي يحقد على التخمة. وعبارته الرشيدة هذه : إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء. تعطينا دلالتها الرائعة حكما فقهيا باهرا ، هو أن أموال الأغنياء ليست حقا خالصا لهم ما دام في مجتمعهم فقراء بل هي حق لهم وللفقراء معا ، هي حق للفقراء الذين خلت منه


__________________

أيديهم ، بقدر ما هي حق للأغنياء الذين تمتلئ به أيديهم.

ولقد كان الإمام رضي‌الله‌عنه يضع مبدأه هذا كما يضع كل مبادئه موضع التنفيذ السديد ، لا يصرفه عن ذلك تلك الفتن المجنونة حوله ، ولا الحرب المتسعرة ضده.

ترى هل كان لسياسته هذه دور في تألّب الأحقاد عليه وانفضاض الذين كانوا أنصاره بالأمس من حوله. هل لعبت مخاوف المسلمين الذين أثروا ثراء كبيرا ، والذين كانوا في طريقهم إلى الثراء دورا غير منظور في محاربة الخليفة الذي رفع هذا الشعار ، وهذا المبدأ : إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء.

على أي حال ، فقد رحل عن الدنيا الشكل الخارجي للبطل : أما موضوعه الحي ومضمونه النقي ، فقد بقيا غذاء للحقيقة وريا.

وسيظل الإمام حيا في جميع القيم وفي كل الحقائق التي عاش يناضل دونها ، ومات حاملا رأيتها ، سيظل حيا وماثلا في فضائله وعظائمه التي صاغ منها حياة امتدت إلى الثالثة والستين ، والتي أجاد وصفها ضرار بن ضمرة الكناني ، فقال واصفا الإمام : كان بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجّر العلم من جوانبه ، وتنطلق الحكمة من لسانه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويأنس بالليل ووحشته. كان غزير الدمعة ، طويل الفكرة ، يقلب كفيه ويخاطب نفسه. يعجبه من اللباس ما خشن ، ومن الطعام ما جشب ، وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويأتينا إذا دعوناه. وكنا والله مع قربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته ، ولا نبتدئه لعظمته. وكان إذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين ، ويقرب المساكين ، لا يطمع القوى في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه وقد مثل في محرابه ، قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ويبكى بكاء الحزين ، فكأنى أسمعه وهو يقول : يا دنيا ، يا دنيا ، إلي تعرضت ، أم إليّ تشوقت؟ هيهات هيهات ، غري غيري ، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

لقد كان حظ الإمام مع الناس عاثرا. ولكن حظوظه مع نفسه في طهرها وتقاها ،


__________________

كانت رابية ووافية فبغير عون من تأييد يبذله مؤيدون وأصدقاء.

وبغير جزع أمام المؤامرات الضارية ، يثيرها في وجهه أعداء ، تلو أعداء وقف الإمام علي يبنى وحده بإيمانه الفرد ، وبساعده الأشد ، حياة سامقة تبقى على مر الزمان منارا لذوي الرشد والنهى.

ولئن كان لم ينصفه الذين غلوا في حربه ولم ينصفه الذين غلوا في حبه.

فقد أنصفته عظمته الفريدة ، إذ فرضت على الأعداء جلالها وعلى الأصدقاء استغناءها ، وسارت على وجه الزمان طاهرة ، ناضرة ، ظافرة وتلكم هي العظمة حقا.

وقال الأستاذ أحمد عبد الهادي طلخان في «مالية الدولة الإسلامية المعاصرة» (ص ٢٢٦ ط مكتبة وهبة بالقاهرة):

حدثنا سعيد بن محمد ، عن هارون بن عنترة ، عن أبيه قال : أتيت عليا بالرحبة يوم فيروز أو مهرجان وعنده دهاقين وهدايا ، قال : فجاء قنبر فأخذ بيده فقال : يا أمير المؤمنين ، أنت رجل لا تقبل شيئا وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيبا وقد خبأت لك خبيئة. قال : وما هي؟ قال : فانطلق وانظر ما هي. قال : فأدخله بيتا فيه غرارة مملوءة ذهبا وفضة مموهة بالذهب ، فلما رآها علي قال : ثكلتك أمك ، فقد أردت أن تدخل في بيتي تارا عظيمة ، ثم جعل يزنها ويعطى كل عريف حصته ، وكان علي شديدا في محاسبة رجاله حرصا على العدل والحق.

وقال العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة ٢٥١ في كتابه «الأموال» (ج ٢ ص ٦١٠ ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية):

أنا حميد ، أنا ابن أبي أويس ، حدثني سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان يقسم المال حتى تبعر الغنم في بيوت المال فأتى مرة بمال فما وجد له موضعا حتى أمر ببيوت المال فقمّت.

وقال العلامة أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الاصفهاني المتوفى سنة ٥٧٦ في «المشيخة البغدادية» (نسخة مكتبة جستربيتي):

حدثنا أحمد بن جعفر ، عن بشر بن موسى الأسدي ، حدثنا أبو زكريا يحيى بن


ومنهم الفاضل المعاصر عبد السلام محمد هارون في كتابه «تهذيب إحياء علوم الدين» للغزالي (ج ٢ ص ٢٣٦ ط القاهرة) قال :

كان أزهد الصحابة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة الشيخ أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي ابن حمدون في «التذكرة الحمدونية» (ص ٦٩ ط بيروت) قال :

قال الأحنف : دخلت على معاوية فقدّم إليّ من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه ، ثم قدم لونا ما أدري ما هو ، فقلت : ما هذا؟ قال : مصارين البطّ محشوة بالمخّ قد قلي بدهن الفستق وذرّ عليه الطبرزد فبكيت ، فقال : ما يبكيك؟ قلت : ذكرت عليا ، بينا أنا عنده فحضر وقت إفطاره فسألني المقام إذ دعا بجراب مختوم ، قلت : ما في الجراب؟ قال : سويق شعير ، قلت : خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به؟ قال : لا ولا أحدهما ولكني خفت أن يلته الحسن والحسين بسمن أو زيت. قلت : محرم هو يا أمير المؤمنين؟ قال : لا ولكن يجب على أئمة الحق أن يعتدوا أنفسهم من ضعفة الناس لئلا يطغي الفقير فقره ، قال معاوية : ذكرت من لا ينكر فضله.

ومنهم الفاضل المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» عليه‌السلام (ص ٢٥٣ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة) قال :

وأما الأمة فجعلت مكان معاوية من علي مثلا سائرا في اللسان العربي ، وأين معاوية من علي! ـ فذكر قصة الأحنف مع معاوية كما تقدم عن «التذكرة».

ومنهم العلامة الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن الحنفي البغدادي المعروف بابن

__________________

إسحاق ، حدثنا يزيد بن عطا ، عن ابن إسحاق ، عن هبيرة : ان الحسن بن علي عليهما‌السلام خطب الناس فقال : أيها الناس لقد فقدتم رجلا لم يسبقه الأولون ولم يدركه الآخرون ، وإن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليبعثه في السرية وإن جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، والله ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا ثمانمائة درهم في ثمن خادم.


الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المصباح المضيء» (ج ١ ص ٣٦٠ ط مطبعة الأوقاف في بغداد) قال :

أخبرنا محمد بن ناصر ، قال : أنبأنا جعفر بن أحمد ، قال : أنبأنا أبو علي التميمي ، قال : أنبأنا أبو بكر بن جعفر ، قال : أنبأنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : أنبأنا وهب بن إسماعيل ، قال : أنبأنا محمد بن قيس ، عن علي بن ربيعة ، عن علي بن أبي طالب قال : جاءه ابن النباح فقال : يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء. قال : الله أكبر ، فقام متوكئا على ابن النباح حتى قام على بيت المال فقال :

هذا جناي وخياره فيه

وكل جان يده إلى فيه

ونودي في الناس فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول : يا صفراء يا بيضاء غري غيري ، ها وها ، حتى ما بقي فيه دينار ولا درهم ثم أمر بنضحه وصلّى فيه ركعتين.

وذكر مثله في «الحدائق» ج ١ ص ٣٨٩ باختلاف قليل في اللفظ.

ومنهم العلامة الشيخ أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٤٨ والنسخة مصورة من مكتبة طوب قبوسراي باسلامبول) قال :

وكان علي رضي‌الله‌عنه يوما جالسا فجاء النباح ـ فذكر مثل ما تقدم عن «المصباح» باختلاف قليل في اللفظ. وزاد في آخره : رجاء أن يشهد له يوم القيامة.

ومنهم المؤرخ الصارم إبراهيم بن محمد بن أيدمر في «الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين» (ج ١ ص ٦٣ ط بيروت) قال :

سيرته : كان إذا دخل إلى بيت المال ونظر إلى ما فيه من الذهب والفضة يقول : ابيضي واصفرّي وغري غيري ، إني من الله بكل خير.

وقال أيضا في ص ٦٥ :

وروى أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين ثم أمر به فكنس ثم صلّى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيمة.


وعن أبي حيان التيمي قال : رأيت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه على المنبر يقول : من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته.

ومنهم قاضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد الماوردي البصري البغدادي في «نصيحة الملوك» (ص ٣١٩ ط مؤسسة شباب الجامعة بالاسكندرية) قال :

وروى مجمع بن أبي رجاء قال : خرج إلينا علي بن أبي طالب رحمه‌الله بسيف يبيعه. فقال : من يشتري مني هذا؟ ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته ، قال : فقلت أنا أبيعك وأنسئك ثمنه. قال : فلما خرج عطاؤه قضاني.

ومنهم علامة التاريخ صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق القاهري المتولد سنة ٧٥٠ والمتوفى ٨٠٩ في «الجوهر الثمين في سيرة الخلفاء والسلاطين» (ج ١ ص ٦٥ ط عالم الكتب في بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

وعن أبي حيان التيمي قال : رأيت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه على المنبر يقول : من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته.

ومنهم الشيخ أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٤٩ والنسخة مصورة من مكتبة طوب قبوسراي باسلامبول) قال :

قال ابن الأرقم : رأيت عليا رضي‌الله‌عنه وهو يبيع سيفا له ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة أحمد بن محمد الخافي الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص ٥٣ نسخة مكتبتنا العامة بقم) قال :

ومن ذلك الزهد والورع ، وقد كان جماعة من الصحابة جمعوا الزّهد واشتهر عنهم كأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي وكانوا بأسرهم معترفين لعلي عليه‌السلام بذلك فإنّه طلق الدنيا ثلاثا.

قال قبيصة بن جابر : لم يكن أحد من الصحابة أزهد من علي بن أبي طالب ، كان قوته الشعير غير المنخول ولا المأدوم ولم يشبع من البرّ ثلاثة أيام.

قال عمر بن عبد العزيز : ما علمنا أن أحدا كان أزهد من علي بن أبي طالب.


ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٤٠ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وقال عبد الله بن أبي سفيان : أهدى دهقان من دهاقين السواد إلى الحسن بردا وإلى الحسين بردا ، فقال : ما هذان البردان؟ قالا : أهداهما إلينا دهقان من دهاقين السواد فأخذهما وجعلهما في بيت المال.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٥٩ ط دار الفكر) قال :

قال عبد الله بن أبي سفيان : أهدى إليّ دهقان من دهاقين السواد بردا ، وإلى الحسن أو الحسين بردا مثله ، فقام علي يخطب بالمدائن يوم الجمعة ، فرآه عليهما ، فبعث إلي وإلى الحسين فقال : ما هذان البردان؟ ـ فذكر مثل ما تقدم عن الجواهر بعينه.

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٤٥) قال :

وعن علي أنه اشترى قميصا بأربعة دراهم فلبسه ، وقطع ما فضل عن أصابعه من الكم.

وعن جرموز قال : رأيت عليا وهو يخرج من القصر ، وعليه إزار إلى نصف الساق ، ورداء مشمر ، ومعه درة يمشي بها في الأسواق ، ويأمرهم بتقوى الله وحسن البيع ، ويقول : أوفوا الكيل والميزان ، ولا تنفخوا اللحم.

وقال الحسن بن صالح بن حي : تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز ، فقال : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.

وعن رجل أنه رأى عليا قد ركب حمارا ودلى رجليه إلى موضع واحد ، ثمّ قال : أنا الذي أهنت الدنيا.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السّلام محمد هارون في كتابه «تهذيب إحياء علوم


الدين» للغزالي (ج ٢ ص ٢١٧ ط القاهرة) قال :

وعن علي رضي‌الله‌عنه أنه لم يأكل بعد قتل عثمان ونهب الدار طعاما إلا مختوما حذرا من الشبهة.

ومنهم الحافظ الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي الحنبلي المتولد سنة ٥٠٨ والمتوفى ٥٩٧ في كتابه «القصّاص والمذكرين» (ص ٢٤ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

وكان علي بن أبي طالب يلبس دني الثياب ، فقيل له في ذلك ، فقال : يقتدي بي الرجل المسلم.

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٩٩ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

وكان رضي‌الله‌عنه سيد الزهاد في الدنيا ، الجامحين عن الاغترار بزخارفها ، والانخداع بباطلها ، وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا ، طلق الدنيا ، وكانت الأموال تجيء إليه من جميع بلاد الإسلام.

حدثنا أبو حاتم قال : حدثنا الأصعمي قال : لما أتى علي عليه‌السلام بالمال أقعد بين يديه الوزان والنقاد ، فكوم كومة من ذهب ، وكومة من فضة ، وقال : يا حمراء ، ويا بيضاء ، احمري وابيضي ، وغري غيري ، وأنشد :

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٢١٢ ط القاهرة سنة ١٣٩٩) قال :

عن هبيرة بن يريم قال : خطب الحسن بن علي فقال : لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ، ولا يدركه الآخرون ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبعثه بالراية ، جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله ، لا ينصرف حتى يفتح له.


عن عمرو بن حبشي قال : خطبنا الحسن بن علي ، بعد قتل علي فقال : لقد فارقكم رجل بالأمس ، ما سبقه الأولون بعلم ، ولا أدركه الآخرون ، إن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليبعثه ويعطيه الراية ، فلا ينصرف حتى يفتح له ، وما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه ، كان يرصدها لخادم لأهله.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي بن محمد بن شريف في «تهذيب خصائص الإمام علي» للحافظ النسائي (ص ٣٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، أخبرنا النضر بن شميل قال : أخبرنا يونس ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة بن يريم قال : جمع الناس الحسن بن علي وعليه عمامة سوداء لما قتل أبوه فقال : لقد كان قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لأعطيّن الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه ، ما ترك دينارا ولا درهما ، إلا تسعمائة أخذها عياله من عطاء كان أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور الحبيب الجنحاني التونسي في كتابه «التحول الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع صدر الإسلام» (ص ٣١ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

ولما توفي الإمام علي خطب ابنه الحسن في مسجد الكوفة فقال : ما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشتري بها خادما (١).

__________________

(١) قال الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى برة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ١٧٩ ط دار القلم دمشق) :

زهده وورعه

وكان أوضح خلة يتصف بها وشعار بتميز به ، هو الزهد البالغ مع توافر أسباب


__________________

الرخاء والثراء ، والسلطة المطلقة ، وتوفير الناس وإجلالهم الذي يمنع من النقد والحسبة والمؤاخذة ، وقد روى يحيى بن معين عن علي بن جعد عن الحسن بن صالح ، قال : تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال : أزهد الناس في الدنيا علي ابن أبي طالب.

وهنالك أمثلة من زهده ، وهي قليل من كثير :

أخرج أبو عبيد عن عنترة قال : دخلت على علي بن أبي طالب بالخورنق ، وعليه قطيفة وهو يرعد فيها من البرد ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك نصيبا في هذا المال ، وأنت ترعد من البرد؟ فقال : إني والله لا أرزأ من مالكم شيئا ، وهذه القطيفة هي التي خرجت بها من بيتي ، أو قال من المدينة.

وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن رجل من ثقيف أن عليا رضي‌الله‌عنه استعمله على عكبرا ، قال : ولم يكن السواد يسكنه المصلون ، وقال لي : إذا كان عند الظهر فرح إلي ، فرحت إليه ، فلم أجد عنده حاجبا يحجبني عنه دونه ، فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء ، فدعا بطينة فقلت في نفسي : لقد أمنني حتى يخرج إلي جوهرا ، ولا أدري ما فيها ، فإذا عليها خاتم ، فكسر الخاتم فإذا فيها سويق ، فأخرج منها ، فصبّ في القدح ، فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني ، فلم أصبر فقلت : يا أمير المؤمنين ، أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك ، قال : أما والله ما أختم عليه بخلا عليه ، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني ، فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره ، وإنما حفظي لذلك ، وأكره أن أدخل بطني إلا طيبا.

وأوتي بالفالوذج ووضع قدّامه بين يديه ، فقال : إنك طيب الريح ، وحسن اللون ، طيب الطعم ، ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده.

وعن زيد بن وهب قال : خرج علينا علي رضي‌الله‌عنه وعليه رداء وإزار قد وثّقه بخرقه ، فقيل له ، فقال : إنما ألبس هذين الثوبين ليكون أبعد لي من الزهو ، وخيرا لي في صلاتي ، وسنة للمؤمن.

وعن مجمع بن سمعان التيمي قال : خرج علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه بسيفه إلى


__________________

السوق ، فقال : من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي أربعة دراهم أشتري بها إزار ما بعته.

وأخرج أحمد عن عبد الله بن رزين قال : دخلت على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقرب إلينا خزيرة ، فقلنا : أصلحك الله ، لو أطعمتنا هذا البطّ يعني الأوزّ فإن الله أكثر الخير ، قال : يا ابن رزين ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يحلّ للخليفة من مال الله إلا قصعتان : قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين يدي الناس.

وأخرج أبو عبيد في «الأموال» عن علي رضي‌الله‌عنه أنه أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات ، ثم أتاه مال من أصبهان ، فقال : اغدوا إلى عطاء رابع ، إني لست بخازنكم ، فأخذها قوم وردّها قوم.

خطب علي الناس فقال : أيها الناس والله الذي لا إله إلا هو ، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه ، وأخرج قارورة من كم قميصه فيها طيب ، فقال : أهدى إلي دهقان ، وقال ثم أتى بيت المال وقال : خذوا ، أنشأ يقول :

أفلح من كانت له قوصرة

يأكل منها كل يوم تمرة

ويقول هبيرة بن يريم : قال سمعت الحسن بن علي خطيبا ، فخطب الناس فقال : يا أيها الناس لقد فارقكم أمس رجل ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبع مائة درهم فضلت من عطائه ، أراد أن يشتري بها خادما.

وقال الفاضل المعاصر الدكتور حسن الشرقاوي في «أصول التصوف الإسلامي» (ص ٥٣ ط دار المعرفة الجامعية ـ الإسكندرية) :

زاد زهد علي رضي‌الله‌عنه عن زهد أكابر الزهاد ، ولم يدخل إلى أهله وهو أمير المؤمنين شيئا من أموال المسلمين ، ولم يلبس وهو أمير المؤمنين إزارا يزيد على ثلاثة دراهم ، يغسل بيت المال بيده عسى أن يكون ذلك شفيعا له يوم القيامة ، يبيع سيفه الذي قاتل به المشركين ويقول : لو كان عندي ثمن إزار قميص ما بعته ، يرى وهو يلبس المرقع من الثياب فيعاتبه أحد الخوارج فيقول له : ما لك وثوبي ، إنه أبعد عن الكبر


ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العكّ المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في «مختصر حياة الصحابة» للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص ٢٤٦ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

وأخرج أبو نعيم في «الحلية» (١ / ٨١) عن علي بن ربيعة الوالبي ، عن علي بن أبي طالب قال : جاءه ابن النباج فقال : يا أمير المؤمنين امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء ، فقال : الله أكبر ، فقام متوكئا على ابن النباج حتى قام على بيت مال المسلمين ، فقال :

هذا جناي وخياره فيه

وكل جان يده إلى فيه

يا ابن النباج عليّ بأشياع الكوفة ، قال : فنودي في الناس ، فأعطى جميع ما في بيت مال المسلمين وهو يقول : يا صفراء ، ويا بيضاء ، غري غيري ، ها وها ، حتى ما بقي منه دينار ولا درهم. ثم أمره بنضحه وصلّى فيه ركعتين.

وعن معاذ بن العلاء عن أبيه عن جده قال : سمعت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يقول : ما أصبت من فيئكم إلا هذه القارورة أهداها إلي الدهقان ، ثم نزل إلى بيت المال ففرّق كل ما فيه ، ثم جعل يقول :

أفلح من كانت له قوصرة

يأكل منها كلّ يوم مرة

وعن عنترة الشيباني قال : كان علي رضي‌الله‌عنه يأخذ في الجزية والخراج من أهل كل صناعة من صناعته وعمل يده ، حتى يأخذ من أهل الإبر الإبر والمسالّ والخيوط والحبال ، ثم يقسمه بين الناس ، وكان لا يدع في بيت المال مالا يبيت فيه

__________________

وأجدر أن يقتدي به المؤمن.

بمن يقتدى المسلم إن لم يقتد بعلي ، باب العلم ، ومنارة الحكمة ، وشقيق الرسول وعلى سريره في الجنة.

الباكي الحزين ، المؤمن الصابر ، الصادق اليقين ، العادل الأمين ، أول المجاهدين ، الناصر للدين ، العالم الحكيم ... العارف بعلوم الظاهر والباطن والحق والباطل.


حتى يقسمه ، إلا أن يغلبه شغل فيصبح إليه ، وكان يقول : يا دنيا ، لا تغريني وغري غيري ، وينشد :

هذا جناي وخياره فيه

وكل جان يده إلى فيه

وأخرج أبو عبيد عن عنترة قال : أتيت عليا رضي‌الله‌عنه يوما فجاءه قنبر ، فقال : يا أمير المؤمنين إنك رجل لا تليق شيئا ، وإن لأهل بيتك في هذا المال نصيبا ، وقد خبأت لك خبيئة ، قال : وما هي؟ قال : انطلق فانظر ما هي ، قال : فأدخله بيتا فيه باسنة مملوءة آنية ذهب وفضة مموّهة بالذهب ، فلما رآها علي قال : ثكلتك أمك لقد أردت أن تدخل بيتي نارا عظيمة؟ ثم جعل يزنها ويعطي كل عريف بحصّته ، ثم قال :

هذا جناي وخياره فيه

وكل جان يده إلى فيه

لا تغريني ، وغري غيري ـ كذا في «منتخب الكنز» (٥ / ٥٧) وأخرج أحمد في الزهد ومسدّد عن مجمّع نحو ما تقدم عن أبي نعيم في «الحلية» ، كما في «المنتخب» (٥ / ٥٧).

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٣ ص ٦٨١ ط دمشق) قالا :

عن كليب قال : قدم علي على مال من أصبهان فقسمه على سبعة أسهم ، فوجد فيه رغيفا فكسره على سبعة وجعل على كل قسم منها كسره ، ثم دعا أمراء الأسباع فأقرع بينهم لينظر أيهم يعطى أولا. (ق ، كر).

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ٢٠٠ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

كان علي رضي‌الله‌عنه صلبا في الحق ، لا تلين قناته هوادة ، ولا تأخذه فيه مرعاة ، وهو يربأ بنفسه أن يستهوي الأفئدة بالمداجاة والمقاربة ، وبذل العطاء ، كما كان يفعل


سواه ثم هو يرى أن حيدته عن خطته تلك تنكب عن منهاج الشرع القويم ، وانتقاص لدينه ، وكان من جراء ذلك أن انفض من حوله أمس الناس رحما به ، كأخيه عقيل ، وابن عمه عبد الله بن عباس ، وكان مسلكه ذلك أحد أسباب إخفاقه ، ولنذكر مثلا يؤيد ذلك :

رووا أن عقيلا لزمه دين فقدم على علي بالكوفة فأنزله ، وأمر ابنه الحسن ، فكساه ، فلما أمسى دعا بعشائه ، فإذا هو خبز ، وملح ، وبقل ، فقال عقيل : ما هو إلا ما أرى؟ قال : لا. قال : فتقضى ديني. قال : وكم دينك؟ قال : أربعون ألفا ، قال : ما هي عندي. ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فإنه أربعة آلاف فأدفعه إليك ، فقال : بيوت المال بيدك وأنت تسوفني بعطائك؟ قال : أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين ، وقد ائتمنوني عليها؟ قال : فإني آت معاوية. فإذن له ، فأتى معاوية وكان معاوية زوج خالته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة.

غاضب عقيل أخاه وهجره إلى معاوية ، فأكرمه وقربه وقضى حوائجه وأدى عنه دينه ، وقد قال له معاوية يوما : هذا أبو يزيد ، لولا أنه علم أني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه ، فقال له عقيل : أخي خير لي في ديني ، وأنت خير لي في دنياي ، وقد آثرت دنياي ، أسأل الله خاتمة خير. وقال له معاوية : أبا يزيد ، أنا لك خير من أخيك علي. قال : صدقت ، إن أخي آثر دينه على دنياه ، وأنت آثرت دنياك على دينك ، فأنت خير من أخي ، وأخي خير لنفسه منك.

ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٨٥ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :

عن الشعبي قال : قال علي رضي‌الله‌عنه لقد تزوجت فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار وما لي خادم غيرها.(هناد).


وقال أيضا في ص ٩٦ :

عن محمد بن كعب القرظي : إن أهل العراق أصابتهم أزمة فقام بينهم علي بن أبي طالب فقال : أيها الناس ابشروا فو الله إني لأرجو أن لا يمر عليكم إلا يسير حتى تروا ما يسركم من الرفاه واليسر ، قد رأيتني مكثت ثلاثة أيام من الدهر ما أجد شيئا آكله حتى خشيت أن يقتلني الجوع فأرسلت فاطمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تستطعمه لي ، فقال : يا بنية والله ما في البيت طعام يأكله ذو كبد إلا ما ترين بشيء قليل بين يدي ولكن ارجعي فسيرزقكم الله ، فلما جاءتني فأخبرتني وانفلت وذهبت حتى آتي بني قريظة ، فإذا يهودي على شفة بئر فقال : يا عربي هل لك أن تستقى لي نخلي وأطعمك ، قلت : نعم ، فبايعته على أن أنزع كل دلو بتمرة فجعلت أنزع فكلما نزعت دلوا أعطاني تمرة حتى إذا امتلأت يدي من التمر قعدت فأكلت وشربت من الماء ، ثم قلت : يا لك بطنا لقد لقيت اليوم ضرا ، ثم نزعت مثل (ذلك) لابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم وضعت ثم انقلبت راجعا حتى إذا كنت ببعض الطريق إذا أنا بدينار ملقى ، فلما رأيته وقفت أنظر إليه وأوامر نفسي آخذه أم آذره ، فأبت نفسي إلا آخذه ، قلت أستشير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذته. فلما جئتها أخبرتها الخبر ، قالت : هذا رزق من الله ، فانطلق فاشتر لنا دقيقا فانطلقت حتى جئت السوق فإذا يهودي من يهود فدك جمع دقيقا من دقيق الشعير فاشتريت منه فلما أكتلت منه قال : ما أنت من أبي القاسم؟ قلت : ابن عمي وابنته امرأتى ، فأعطاني الدينار فجئتها فأخبرتها الخبر فقالت : هذا رزق من الله عزوجل فاذهب به فارهنه بثمانية قراريط ذهب في لحم ففعلت ثم جئتها به فقطعته لها ونصبت ثم عجنت وخبزت ثم صنعنا طعاما وأرسلتها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاءنا فلما رأى الطعام قال : ما هذا ألم تأتني آنفا تسألني فقلنا : بلى اجلس يا رسول الله نخبرك الخب ، فإن رأيته طيبا أكلت وأكلنا ، فأخبرناه الخبر ، فقال هو طيب وفكلوا بسم الله ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرج فإذا هو بأعرابية تشتد كأنه نزع فؤادها ، فقال : يا رسول الله! إني


أبضع معي بدينار فسقط مني والله ما أدري أين سقط فانظر بأبي وأمي أن يذكر لك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادعى لي علي بن أبي طالب فجئت فقال : اذهب إلى الجزار فقل له : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إن قراريطك علي فأرسل بالدينار فأرسل به فأعطاه الأعرابية فذهبت به.(العدني).

وقال أيضا في ص ٩٣ :

عن علي رضي‌الله‌عنه أهديت ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى فما كان فراشنا ليلة أهديت إلا مسك كبش.(ابن المبارك في الزهد).

وقال أيضا في ص ١٣٩ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أي الناس أكيس قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا.(الحارث).

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : خرجت في غداة شاتية من بيتي جائعا حرضا قد أدلقني البرد ، فأخذت إهابا مقطوعا قد كان عندنا فجوبت ثم أدخلته في عنقي ثم حزمته على صدري أستدفئ به ، والله ما في بيتي شيء آكل منه ولو كان في بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسلفني ، فخرجت في بعض نواحي المدينة فاطلعت إلى يهودي في حائط من ثغرة جداره فقال : ما لك يا أعرابى هل لك في كل دلو بتمرة ، فقلت نعم فافتح الحائط ، ففتح لي فدخلت فجعلت أنزع دلوا ويعطيني تمرة حتى ملأت كفي قلت حسبي منك الآن فأكلتهن ثم جرعت من الماء ثم جئت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجلست إليه في المسجد وهو في عصابة من أصحابه ، فاطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة ، فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكر ما كان فيه من النعيم ورأى حاله التي هو عليها انذرفت عيناه فبكى ثم قال : كيف أنتم إذا غدا أحدكم في حلة وراح في حلة ووضعت بين يديه صحيفة ورفعت أخرى وسترت بيوتكم كما تستر الكعبة. قلنا : نحن يومئذ خير [منا اليوم نتفرغ] للعبادة ونكفى


المئونة. قال : لا أنتم اليوم خير منكم يومئذ.(ابن راهويه ، وهناد ، ت : وقال : حسن غريب ، ع).

وقال أيضا في ص ٢٠٧ :

عن علي بن الأرقم ، عن أبيه قال : رأيت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يعرض سيفا له في رحبة الكوفة ويقول : من يشتري مني سيفي هذا ، فو الله لقد جلوت به غير مرة عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولو أن عندي ثمن إزار ما بعته. (يعقوب بن سفيان ، طس ، حل ، كر).

ومنهم العلامة محمد بن أبي بكر الأنصاري في «الجوهرة» (ص ١١٨ ط دمشق) قال :

وكان قتادة رحمه‌الله يقول : قتل علي رضي‌الله‌عنه على غير مال احتجنه ، ولا دنيا أصابها.

ومنهم العلامة عبد الغني بن إسماعيل الشامي في «زهر الحديقة» (ص ١٧٣ نسخة إحدى مكاتب إيرلندة) قال :

وعن سفيان بن عيينة قال : ما بنى علي لبنة ، ولا قصبة على قصبة ، وروي أنه كان عليه إزار غليظ اشتراه بخمسة دراهم.

ومنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المشتهر بابن الشيخ في كتاب «ألف با» (ج ١ ص ٤٤٨ ط عالم الكتب) قال :

قال سعيد بن جبير : إن عليا قدم الكوفة وهو خليفة وعليه إزاران قطريان قد رقع إزاره برقعة ليست بقطرية من ورائه ، فجاء أعرابي ينظر إلى تلك الخرقة مخالفة فقال : يا أمير المؤمنين كل من هذا الطعام والبس واركب فإنك ميت أو مقتول ، قال : إن هذا خير لي في صلاتي وأصلح لعملي وأشبه بهيئة الصالحين قبلي وأجدر أن يقتدي بي من أتى بعدي.

وكان علم رضي‌الله‌عنه أنه مقتول إذ كان قد أخبره بذلك رسول الله صلّى الله عليه


وسلّم وعلى آله. ويروى أنه أتي بابن ملجم إليه وقيل له : إنا قد سمعنا من هذا كلاما ولا نأمن قتله إياك ، قال : ما أصنع به؟ ثم قال رضي‌الله‌عنه :

أشدد حيازيمك للموت

فإن الموت لاقيك

ولا تجزع من الموت

إذا حل بواديك

ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ العبقريات الإسلامية» (ج ٢ ص ٢٦ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

قال عمر بن عبد العزيز وهو من أسرة أمية التي تبغض عليا وتخلق له السيئات وتخفي ما توافر له من الحسنات : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب.

وقال سفيان : إن عليا لم يبن آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة ، وقد أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثارا للخصاص التي يسكنها الفقراء. وربما باع سيفه ليشتري بثمنه الكساء والطعام.

وروى النضر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال : دخلت على علي عليه‌السلام فإذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته وكسر يابسة. فقلت : يا أمير المؤمنين ، أتأكل مثل هذا؟ فقال لي : يا أبا الجنوب ، كان رسول الله يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا ـ وأشار إلى ثيابه ـ فإن لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به.

ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٣٨٧ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال :

حدثنا عبيد الله بن عمر ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، عن أبي إسحاق ، عن يزيد بن رومان القرظي ، عن رجل سماه ونسيته ، عن علي بن أبي طالب ، قال : خرجت في غداة شاتية جائعا وقد أوبقني البرد ، فأخذت ثوبا من صوف قد كان عندنا ، ثم أدخلته في عنقي وحزمته على صدري أستدفئ به ، والله ما في بيتي شيء آكل منه ، ولو كان في بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيء لبلغني ، فخرجت في بعض


نواحي المدينة فانطلقت إلى يهودي في حائطه ، فاطلعت عليه من ثغرة جداره ، فقال : ما لك يا أعرابي؟ هل لك في دلو بتمرة؟ قلت : نعم ، افتح لي الحائط ، ففتح لي ، فدخلت ، فجعلت أنزع الدلو ويعطيني تمرة حتى ملأت كفي. قلت : حسبي منك الآن. فأكلتهن ثم جرعت من الماء ، ثم جئت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجلست إليه في المسجد.

ومنهم العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر الوصابي الحبيشي المتوفى سنة ٧٨٢ في «البركة في فضل السعي والحركة» (ص ٣٠ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

ويروى أن عليا كرم الله وجهه كان يستقي الماء ليهودي كل دلو بتمرة.

ويروى أنه آجر نفسه يسقى نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح.

وقال : تزوجت فاطمة وما معنا إلا إهاب كبش ننام عليه بالليل ، ونعلف عليه الناضح بالنهار.

وقال : لما أردت أن أبتني بفاطمة واعدت رجلا صواغا على أن يرتحل معي فنأتى بإذخر فنبيعه من الصواغين فأستعين به على وليمة عرسي.

وفي حديث ابن عمر : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رآه وهو يختلى لفرسه أي يحش لها.

وقال : بنيت بيتا بيدي يكنني من المطر ويظلني من الشمس ما أعانني عليه أحد من خلق الله تعالى.

وقال ابن عباس : لما أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبعث عليا بالراية قال : أين علي؟ قالوا : هو في الرحا يطحن ، فقال : وما كان أحدكم يطحن عنه.

ومنهم الشيخ أبو الفضل الحويني الأثري في «جمهرة الفهارس» (ص ٣٨ ط دار الصحابة بطنطا) قال :

كان فراش علي ليلة بني بفاطمة رضوان الله عليها جلد كبش.


ومنهم عدة من الفضلاء المعاصرين في «فهرس أحاديث وآثار المصنف» للشيخ عبد الرزاق الصنعاني» (ج ٣ ص ٤٩ ط عالم الكتب ـ بيروت) قال :

لما أهديت فاطمة إلى علي لم نجد أسماء بنت عميس المغازي ٩٧٨١ ٥ / ٤٨٥

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٤٣) قال :

وقال أبو حيان التيمي : حدثني مجمّع أنّ عليا كان يكنس بيت المال ثم يصلي فيه ، رجاء أن يشهد له أنّه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.

وقال أبو عمرو بن العلاء ، عن أبيه قال : خطب علي فقال : أيها الناس ، والله الذي لا إله إلا هو ، ما رزأت من مالكم قليلا ولا كثيرا إلا هذه القارورة ، وأخرج قارورة فيها طيب ، ثم قال : أهداها إليّ دهقان.

وقال أيضا في ص ٦٣٧ :

وعن الشعبي قال : قال علي : ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحيته ، وتعجن فاطمة على ناحيته ، يعني ننام على وجه ، وتعجن على وجه.

ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين السيوطي المصري المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند فاطمة عليها‌السلام» (ص ٨٥ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند سنة ١٤٠٦) قال :

عن الشعبي قال : قال علي رضي‌الله‌عنه : لقد تزوجت فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه ناضحنا بالنهار ومالي خادم غيرها.(هناد).


ومنهم العلامة الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة ٢٢٤ في «الأموال» (ص ٢٨٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

قال أبو عبيد : ثنا يزيد ، عن عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال : لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا حتى فارقنا ، غير جبة محشوة وخميصة درابجردية.

ومنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة ٢٥١ في كتابه «الأموال» (ج ٢ ص ٦٠٨ ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال :

حدثنا حميد قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا يزيد ، عن عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي بكرة قال : لم يرزأ علي بن أبي طالب من بيت مالنا ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي في «الوافي بالوفيات» (ج ٢١ ص ١١٢ نسخة مكتبة جستربيتي بايرلندة) قال :

وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال : رأيت عليا خرج علينا وعليه قميص غليظ رازي إذا مد كم قميصه بلغ إلى الظفر وإذا أرسله صار إلى نصف الساعد ، وكان يطوف في الأسواق ومعه درّة يأمرهم بتقوى الله وصدق الحديث وحسن البيع والوفاء في الكيل والميزان.

ومنهم الدكتور أحمد شلبي في «موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية» (ج ١ ص ٦٣٥ ط مكتبة النهضة المصرية) قال :

أما موقف المسلمين من علي فيلخصه الشعبي بقوله : كان علي بن أبي طالب في هذه الأمة مثل المسيح عيسى بن مريم في بني إسرائيل : أحبه قوم فكفروا في حبه ،


وأبغضه قوم فكفروا في بغضه.

ومنهم العلامة الحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الأنصاري الأندلسي القرطبي المتولد سنة ٤٩٤ والمتوفى ٥٧٨ في قرطبة في كتابه «غوامض الأسماء المبهمة» (ج ٨ ص ٧٧٧ ط بيروت) قال :

أنا أبو محمد بن عتاب في جماعة سواه ، عن أبي عمر النمري قال : أنبأ خلف بن القاسم قال : أنبأ أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن قال : حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي قال : ثنا محمد بن المثنى قال : ثنا أبو عاصم قال : حدثتني زينب بنت أبي طليق أم الحصين قالت : سمعت حبان بن جرء قال : سمعت أبا هريرة يقول : ذهب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشكو الغرث ، فانطلق رجل من أصحابه فاستقى عشرين دلوا كل دلو بتمرة فجاء بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأطعمها إياه فأكلها.

الرجل هو : أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه كما أنبأ أبو القاسم بن ورد مكاتبة ، عن أبي محمد بن العسال قال : أنبأ أبو زيد عبد الرحمن بن عيسى ، عن محمد ابن منصور قال : ثنا علي بن أحمد ابن عدي قال : ثنا محمد بن عمر المالقي قال : ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال : أنبأ إسحاق بن إبراهيم قال : ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : ثنا أيوب ، عن مجاهد ، عن علي قال : جعت مرة بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة ، فإذا أنا بامرأة وقد جمعت مدرا تريد بله ، فأتيتها فقاطعتها على كل ذنوب تمرة ، ومددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يدي ، ثم أتيت الماء فأصبت منه ، ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها ، فعدت لي تسع عشرة تمرة ، وأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته فأكل معي منها.

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٤٣٣ ط دمشق) قالا :


عن علي رضي‌الله‌عنه قال : جعت مرة بالمدينة فإذا أنا ـ فذكرا مثل ما تقدم عن «غوامض الأسماء» وقالا في آخره : (حم) والدورقي وابن منيع و (حل) وزاد : وقال لي خيرا ودعا لي وصحح.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ١٥ ط دار الفكر) قال :

وعن ابن عباس قال : بلغ علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جوع ، فأقام رجلا من اليهود ، فاستقى له سبعة عشر دلوا على سبع عشرة تمرة ثم أتى بهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، بلغني ما بك من الشدة ، فأتيت رجلا من اليهود فاستقيت له سبعة عشر دلوا على سبع عشرة تمرة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فعلت هذا حبا لله ولرسوله؟ قال : نعم ، قال : فأعد للبلاء تجفافا ، يعني الصبر.

ومنهم الفاضل المعاصر خالد عبد الرحمن العكّ المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في «مختصر حياة الصحابة» للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص ٢٧٩ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

قصة علي معه عليه‌السلام حين أصابته خصاصة : وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : أصابت نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خصاصة ، فبلغ ذلك عليا رضي‌الله‌عنه ، فخرج يلتمس عملا يصيب فيه شيئا ليغيث به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتى بستانا لرجل من اليهود فاستسقى له سبعة عشر دلوا ، على كل دلو تمرة ، فخيره اليهودي على تمره ، فأخذ سبعة عشر عجوة ، فجاء بها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : من أين لك هذا يا أبا الحسن؟ قال : بلغني ما بك من الخصاصة يا نبي الله ، فخرجت ألتمس لك عملا لأصيب لك طعاما. قال : حملك على هذا حبّ الله


ورسوله؟ قال : نعم يا نبي الله. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما من عبد يحب الله ورسوله إلا الفقر أسرع إليه من جرية السيل على وجهه ، ومن أحب الله ورسوله فليعد للبلاء تجفافا وإنما يغنى. كذا في كنز العمال ٣ / ٣٢١.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في «حياة فاطمة عليها‌السلام» (ص ١٨٥ ط دار الجيل ـ بيروت) قال :

وعن ابن عباس قال : أصاب نبي الله خصاصة ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم ، ثم قال : أخرجه ابن ماجة.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ١٣٨ ط القاهرة سنة ١٣٩٩) قال :

عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : قال علي رضي‌الله‌عنه : بتنا ليلة بغير عشاء ، فأصبحت فخرجت ثم رجعت إلى فاطمة عليها‌السلام ، وهي محزونة ، فقلت : ما لك؟ فقالت : لم نتعش البارحة ولم نتغد اليوم ، وليس عندنا عشاء. فخرجت فالتمست فأصبت ما اشتريت طعاما ولحما بدرهم ، ثم أتيتها به فخبزت وطبخت ، فلما فرغت من إنضاج القدر قالت : لو أتيت أبي فدعوته. فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو مضطجع في المسجد ، وهو يقول : أعوذ بالله من الجوع ضجيعا فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله عندنا طعام فهلم. فتوكأ علي حتى دخل والقدر تفور ، فقال : اغرفي لعائشة فغرفت في صحفة ، ثم قال : اغرفي لحفصة فغرفت في صحفة ، حتى غرفت لجميع نسائه التسع ، ثم قال : اغرفي لأبيك وزوجك فغرفت.

فقال : اغرفي فكلي فغرفت ، ثم رفعت القدر وإنها لتفيض ، فأكلنا منها ما شاء الله.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ١١٨ ط دار الجيل) قال :


عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : قال علي رضي‌الله‌عنه ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم بعينه.

ومنهم العلامة أبو الحسن بن محمد الخزرجي في «تخريج الدلالات السمعية» (ص ٥٩١) قال :

وفي «العقد» لابن عبد ربه : كان علي رضي‌الله‌عنه يقسّم بيت المال في كل جمعة حتى لا يبقى فيه شيئا ، ثم يرشّ له ويقيل فيه ويتمثل بهذا البيت :

هذا جناي وخياره فيه

إذ كل جان يده إلى فيه

وقال فيه :

وذكر ابن المنذر رحمه‌الله تعالى في «الأشراف» عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : أنه كان يأخذ الجزية من كل ذي صنع : من صاحب الإبر إبرا ، ومن صاحب المسال مسالا ، ومن صاحب الحبال حبالا ، ثم يدعو العرفاء فيعطيهم الذهب والفضة فيقسمونه ، ثم يقول : خذوا هذا فاقتسموه ، فيقولون : لا حاجة لنا فيه. فيقول : أخذتم خياره وتركتم على في شراره لتحملنّه.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد السّلام خضر السلفي مؤسس الجمعية السلفية في كتابه «المحنة المحمدية في بيان العقائد السلفية» (ص ١١٧ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة ، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة. فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته فأكل معي منها. رواه أحمد وابن ماجة بسند صححه ابن السكن. وجود الحافظ ابن حجر إسناد أحمد ، قال في «نيل


الأوطار شرح منتقى الأخبار» : وأخرج البيهقي وابن ماجة من حديث ابن عباس بلفظ : إن عليا آجر نفسه من يهودي يسقي له كلّ دلو بتمرة. وقال فيه ـ أي الحديث ـ : بيان ما كانت عليه الصحابة من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الأنفس وإتعابها في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المنن وأن تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا ، والأجير من أشراف الناس وعظمائهم اه ـ.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٤١ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

عنه قال : جعت بالمدينة جوعا شديدا فخرجت في طلب العمل في عوالي المدينة فرأيت امرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بلّه ، فقاطعتها كل دلو بتمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فقلت : تكليني يدي هكذا أو بسط إسماعيل راوي الحديث عدّيه جميعا ، فعدّت لي ستة عشرة تمرة ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته فأكل معي منها ودعا لي. خرجه أحمد.

ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٩٧ ط بيروت) قال :

حكى سيدنا علي عن نفسه قال : جعت بالمدينة جوعا شديدا ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جواهر المطالب» باختلاف في اللفظ. وفيه بعد بلّه : لتعمله طينا هي في حاجة إليه فأتيتها فعاطيتها ، وفيه أيضا : يدي موضع يداي ، وفيه : فقلت : بكلتا يدي ـ موضع : تكليني يدي ، وليس فيه : أو بسط إسماعيل راوي الحديث عدّيه ، بل فيه : هكذا بين يديها أو بسط يديه جميعا.


ومنهم قائد الحنابلة أبو عبد الله أحمد بن محمد حنبل الشيباني المتولد سنة ١٦٤ والمتوفى ٢٤١ في «الزهد» (ص ١٦٢ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٣) قال :

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا أبو النذر إسماعيل بن عمر ، حدثنا سفيان ، عن سعيد بن عبيد ، عن علي بن ربيعة : أن عليا عليه‌السلام كان له امرأتان كان إذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم وإذا كان يوم هذه اشترى لحما بنصف درهم.

وقال أيضا :

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا مختار بن نافع ، عن أبي مطر قال : رأيت عليا عليه‌السلام متزرا بإزار مترديا برداء ومعه الدرة كأنه أعرابي بدوي ، حتى بلغ سوق الكرابيس فقال : في قميص بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم ، ثم جاء أبو الغلام فأخبره فأخذ أبوه درهما ثم جاء به فقال : هذا الدرهم يا أمير المؤمنين. فقال : ما شأن هذا الدرهم؟ قال : كان ثمن القميص درهمين ، فقال : باعني رضاي وأخذ رضاه.

وقال أيضا في ص ١٦٣ :

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا مسعر ، عن أبي بحر ، عن شيخ لهم قال : رأيت على علي عليه‌السلام إزارا غليظا قال : اشتريته بخمسة دراهم فمن أربحني درهما بعته. قال : ورأيت معه دراهم مصرورة فقال : هذه بقية نفقتنا من ينبع.

حدثنا عبد الله ، حدثني أبو عبد الله السلمي ، حدثنا إبراهيم بن عقبة ، عن سفيان الثوري ، عن عمر بن قيس قال : قيل لعلي عليه‌السلام : لم ترقع قميصك؟ قال : يخشع


القلب ويقتدي به المؤمن.

وقال أيضا في ص ١٦٤ :

حدثنا عبد الله ، حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن قيس ، عن عدي بن ثابت أن عليا عليه‌السلام أتي بفالوذج فلم يأكله.

حدثنا عبد الله ، حدثني علي بن حكيم الأودي ، حدثنا شريك ، عن موسى الطحان عن مجاهد ، عن علي عليه‌السلام قال : جئت إلى حائط أو بستان فقال لي صاحبه دلوا وتمرة ، فدلوت دلوا بتمرة فملأت كفي ثم شربت من الماء ثم جئت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بملء كفي فأكل بعضه وأكلت بعضه.

حدثنا عبد الله ، حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي ، حدثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن مجمع التيمي ، عن يزيد بن محجن قال : كنا مع علي عليه‌السلام بالرحبة فدعا بسيف فسله فقال : من يشتري هذا فو الله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته.

حدثنا عبد الله ، حدثني علي بن مسلم ، حدثنا عبيد بن موسى ، عن عثمان بن ثابت أبي عبد الرحمن الهمداني ، عن جدته ، عن أمها قالت : أتى علي عليه‌السلام دار فرات فقال لخياط : أتبيع القميص أتعرفني قال : نعم قال : لا حاجة لي فيه ، فأتى آخر فقال له أتعرفني قال : لا ، قال : بعني قميص كرابيس ، قال : فباعه ، ثم قال له : مد القميص فلما بلغ أطراف أصابعه قال : اقطع ما فوق ذلك وكفه ولبسه ، فقال : الحمد لله الذي كساني ما أتوارى به وأتجمل في خلقه.

حدثنا عبد الله ، حدثني إسماعيل أبو معمر ، حدثنا زافر بن سليمان ، عن أبي سنان الشيباني ، حدثني رجل بهراة قال : رأيت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يمشي إلى العيد.

وقال أيضا في ص ١٦٥ :


حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا شريك ، عن أبي مغيرة وهو عثمان بن أبي زرعة ، عن زيد بن وهب قال : قدم على علي رحمه‌الله وفد من أهل البصرة منهم رجل من رءوس الخوارج يقال له الجعد بن بعجة ، فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا علي اتق الله فإنك ميت وقد علمت سبيل المحسن ـ يعني بالمحسن عمر رضي‌الله‌عنه ـ ثم قال : إنك ميت ، فقال علي عليه‌السلام : لا والذي نفسي بيده بل مقتولا قتلا ضربة على هذا تخضب هذه قضاء مقضي وعهد معهود وقد خاب من افترى ، ثم عاتبه في لبوسه فقال : ما يمنعك أن تلبس؟ قال : ما لك وللبوسي ، إن لبوسي هذا أبعد من الكبر وأجدر أن يقتدي بي المسلم.

حدثنا عبد الله ، حدثني سفيان بن وكيع ، وحدثنا أبو غسان ، عن أبي داود المكفوف ، عن عبد الله بن شريك ، عن حبة ، عن علي عليه‌السلام أنه أتى بالفالوذج فوضع قدامه فقال : إنك لطيب الريح حسن اللون طيب الطعم ولكن أكره أن أعود نفسي ما لم تعتده.

حدثنا عبد الله ، حدثني محمد بن يحيى الأزدي ، حدثنا الوليد بن القاسم وحدثنا مطير بن ثعلبة التيمي ، حدثنا أبو النوار بياع الكرابيس قال : أتاني علي بن أبي طالب ومعه غلام له فاشترى مني قميصي كرابيس ، ثم قال لغلامه : اختر أيهما شئت ، فأخذ أحدهما وأخذ علي عليه‌السلام الآخر فلبسه ثم مد يده ثم قال : اقطع الذي يفضل من قدر يدي ، فقطعه وكفه فلبسه ثم ذهب.

حدثنا عبد الله ، حدثني شريح بن يونس ، قال : حدثنا علي بن هشام ، عن صالح بياع الأكسية ، عن أمه أو جدته قالت : رأيت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه اشترى تمرا بدرهم فحمله في ملحفة فقالوا : نحمل عنك يا أمير المؤمنين ، قال : لا أبو العيال أحق أن يحمل.

وقال أيضا في ص ١٦٦ :


حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن حبشي قال : خطبنا الحسن بن علي عليهما‌السلام بعد قتل علي عليه‌السلام فقال : لقد فارقكم رجل أمين ما سبقه الأولون بعلم ولا أدركه الآخرون ، إن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليبعثه ويعطيه الراية فلا ينصرف حتى يفتح له ، وما ترك من صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه كان يرصده لا خادم لأهله.

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا حجاج ، حدثنا شريك ، عن عاصم بن كليب ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن علي عليه‌السلام قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفا.

ومنهم العلامة أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر الوصابي الحبيشي المتوفى سنة ٧٨٢ في «البركة في فضل السعي والحركة» (ص ٢٩ ط الفجالة الجديدة بمصر) قال :

ويروى أن عليا كرم الله وجهه كان يستقي الماء ليهودي كل دلو بتمرة. ويروى أنه آجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح. وقال : تزوجت فاطمة وما معنا إلا إهاب كبش ننام عليه بالليل ، ونعلف عليه الناضح بالنهار. وقال : لما أردت أن أبتني بفاطمة واعدت رجلا صواغا على أن يرتحل معي فنأتي بإذخر فنبيعه من الصواغين فأستعين به على وليمة عرسي. وفي حديث ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رآه وهو يختلي لفرسه أي يحش لها ، وقال : بنيت بيتا بيدي يكنني من المطر ويظلني من الشمس ما أعانني عليه أحد من خلق الله تعالى.

وقال ابن عباس : لما أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبعث عليا بالراية قال : أين علي؟ قالوا : هو في الرحا يطحن ، فقال : وما كان أحدكم يطحن عنه.

ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى


سنة ٥٩٧ في «سيرة ومناقب عمر بن عبد العزيز» (ص ٢٧٤ ط بيروت سنة ١٤٠٤) قال :

وعن حسين بن صالح قال : تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون : فلان ، وقال قائلون : فلان ، فقال عمر بن عبد العزيز : أزهد الناس في الدنيا علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

مستدرك

عفوه وحلمه وصفحه عن عدوه

رواه جماعة من علماء العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٩٦ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

كان رضي‌الله‌عنه أحلم الناس عن مذنب ، وأصفحهم عن مسيء ، يشهد بذلك أنه ظفر يوم واقعة الجمل بمروان بن الحكم ، وكان أعدى الناس له ، وأشدهم بغضا ، فصفح عنه. وكان عبد الله بن الزبير يشتمه ويسبه على رؤس الأشهاد ، وخطب يوم البصرة فقال : قد أتاكم الوغد (اللئيم) علي بن أبي طالب فظفر به يوم الجمل ، فأخذه أسيرا وصفح عنه ، وقال له : اذهب فلا أرينك ، ولم يزده على ذلك. وظفر بسعيد بن العاص بعد واقعة الجمل بمكة ، وكان له عدوا ، فأعرض عنه ولم يقل شيئا. وتمت له الغلبة على السيدة عائشة رضي‌الله‌عنها يوم الجمل ، فكانت عاقبة أمرها معه أن جهزها بكل ما ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع ، واختار لها أربعين امرأة من نساء


أهل البصرة المعروفات ، وردها إلى المدينة مكرمة محترمة. وحاربه أهل البصرة وسبوه ولعنوه ، فلما ظفر بهم رفع السيف عنهم. ولما ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات وقال رؤساء الشام له : اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا ، سألهم علي وأصحابه أن يسوغوا له شرب الماء ، فقالوا : لا والله ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات عثمان بن عفان.

فلما رأى أن الموت لا محالة منه تقدم بأصحابه ، وهجم على عسكر معاوية حملات كثيفة ، حتى أزالهم عن مراكزهم ، بعد قتل ذريع ، وملكوا عليهم الماء ، وصار أصحاب معاوية في الفلاة بلا ماء ، فقال له أصحابه وشيعته : امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك ولا تسقهم قطرة ، واقتلهم بسيوف العطش ، وخذهم قبضا بالأيدي فلا حاجة لك إلى الحرب. فقال رضي‌الله‌عنه : لا والله لا أكافئهم بمثل فعلهم ، افسحوا لهم عن بعض الشريعة ، ففي حد السيف ما يغنى عن ذلك.

مستدرك

من عدله وعفوه وسماحته ما أوصاه في قاتله

أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره ولا تمثلوا به

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٥٦٥ وص ٧٨٩ وج ١٧ ص ٥٥٠ وص ٥٦٢ وج ١٨ ص ٤١ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم قائد الشافعية أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة ٢٠٤ في «المسند» (ص ٣١٣ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :


أخبرنا إبراهيم بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه : أن عليا رضي‌الله‌عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه به : أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره فإن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت وإن متّ فقتلتموه فلا تمثلوا.

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٤٤٩ ط دمشق) قالا :

عن ابن الحنفية قال : دخل علينا ابن ملجم الحمام ، وأنا وحسن وحسين رضي‌الله‌عنهم جلوس في الحمام ، فلما دخل كأنّهما اشمأزّا منه ، وقالا : ما أجرأك تدخل علينا. قال : فقلت لهما : دعاه عنكما ، فلعمري ما يريد بكما أجسم من هذا ، فلما كان يوم أتي به أسيرا ، قال ابن الحنفية : ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : إنه أسير فأحسنوا نزله ، وأكرموا مثواه ، فإن بقيت قتلت أو عفوت ، وإن مت فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.

عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن عليا رضي‌الله‌عنه كان يخرج إلى الصبح ومعه درة يوقظ بها الناس ، فضربه ابن ملجم ، فقال علي : أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره ، فإن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت ، وإن متّ فقتلتموه فلا تمثّلوا به.(الشافعي) ، (ق) (١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في «أبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كربلاء» (ص ٤١ ط ٥ دار ثابت ـ القاهرة) :

وأي صورة للعدالة وللرحمة يمكن أن يرقى إليها حكم كهذه الصورة التي يتجلى فيها ابن أبي طالب ودماؤه تنزف وأجله يسرع ، وقد جيء إليه بقاتله ، فلا يشغل باله ولا يؤرّق حياته في لحظات وداعها سوى مصير قاتله ، وحين يقدر على الكلام تنفرج شفتاه عن هذه الكلمات :

يا بني عبد المطلب ، لا ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين خوضا ، تقولون : قتل


__________________

أمير المؤمنين. أحسنوا نزله يعني قاتله فإن أعش ، فأنا أولى بدمه قصاصا أو عفوا وإن أمت ، فاضربوه ضربة بضربة. ولا تمثّلوا بالرجل ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إياكم والمثلة ، ولو بالكلب العقور.

ورجل نسك من أرفع طراز ، غزير الدمعة من خشية الله ، دائم الإخبات لله يلبس أخشن الثياب ، ويأكل أجشب الطعام ويحيا بين الناس كواحد منهم.

وكان نسكه كخليفة يتمم نسكه كعابد ، فكان يأبى إلا مشاركة الناس في كل ما ينزل بهم من ضرّ وشظف ويخص نفسه من ذلك بالنصيب الأوفى.

ولقد لخص لنا نسك خلافته وإمارته في هذه الكلمات :

أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ، ثم لا أشارك المؤمنين في مكاره الزمان.

والله ، لو شئت لكان لي من صفو هذا العسل ، ولباب هذا البر ، ومناعم هذه الثياب.

ولكن ، هيهات أن يغلبني الهوى ، فأبيت مبطانا وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرى.

هذه الومضة من حياته ومن عظمة منهجه وسلوكه ، تصور على نحو متواضع ، القضية التي نهض يقاتل من أجلها قضية استمرار عصر النبوة بكل فضائله ومزاياه ، وإنها لقضية جديرة بولاء لا ينتهى ، وتضحيات لا تفنى وهي لم تكن بالنسبة للإمام علي قضية خاصة ، ولا قضية شخصية. بل هي قضية الإسلام كله ، وقضية كل مؤمن أوّاب.

وإذا كانت الأقدار ستؤثره وأبناءه من بعده ، بأن يكونوا أعظم شهدائها وأشرف قرابينها ، فلتكن مشيئة الله. إن هناك من يموتون من أجل الباطل ، ومن يموتون في سبيل الحق ، فما مزية الحق على الباطل في مجال التضحية والفداء؟ مزيته أن ضحاياه شريفة ورفيعة وغالية بينما ضحايا الباطل صغيرة دنيئة محقرة.

فليكن هو وأبناؤه شرفا للحق في مماتهم واستشهادهم ، كما كانوا شرفا له في محياهم ، وهكذا كان من الصعب عليه ، بل من المستحيل أن يترك قضية الإسلام للأهواء التي هبّت عليه جائحة ، جامحة.

كانت المهادنة مستحيلة وكانت المسايرة أكثر استحالة. ولم يكن أمامه سوى أن


ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي صاحب «العقد الفريد» في «طبائع النساء وما جاء فيها من العجائب والغرائب» (ص ٢٢٤ ط مكتبة القرآن ـ بولاق القاهرة) قال :

منه قولهم : ملكت فأسجح. وقد قالته عائشة رضي‌الله‌عنها لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه يوم الجمل حين ظهر على الناس فدنا من هودجها ، وكلمها فأجابته : ملكت فأسجح. أي ظفرت فأحسن ، فجهزها بأحسن الجهاز ، وبعث معها أربعين امرأة ، وقال بعضهم : سبعين ، حتى قدمت المدينة.

ومنهم الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في «أخبار النساء في العقد الفريد» (ص ١٣٦ ط دار الكتب العلمية) قال :

قالت عائشة رضوان الله عليها لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه يوم الجمل حين ظهر على الناس ، فدنا من هودجها وكلّمها فأجابته : ملكت فأسجح. أي ظفرت فأحسن ، فجهّزها بأحسن الجهاز ، وبعث معها أربعين امرأة ، وقال بعضهم : سبعين ، حتى قدمت المدينة.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ط دار القلم ـ دمشق) قال :

وقد تواترت الرواية عنها بإظهار الندم ، وأنها كانت تقول : ليتني مت قبل يوم الجمل ، وإنها كانت إذا ذكرت ذلك اليوم تبكي حتى تبل خمارها.

__________________

يحمل سيفه وكفنه ، ثم يمضي ... فللمسئوليات العظام خلق وللتضحيات يعيش. وإنه لسليل بيت ، كانت العظمة دثاره ، حتى في الجاهلية وقبل الإسلام ، وإنه لتلميذ دين نشأ ونما ، بين أروع التضحيات وأشرفها وأسماها.


ومنهم العلامة القاضي أبو العباس أحمد بن محمد الجرجاني الثقفي المتوفى سنة ٤٨٢ في «المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء» (ص ٩٩ ط مطبعة السعادة بمصر) قال :

وحكى أبو حاتم عن أبي عبيدة قال : أتي علي رضي‌الله‌عنه بالوليد بن عقبة يوم الجمل أسيرا ، فقال لما رآه :

هنيدة قد حللت بدار قوم

هم الأعداء والأكباد سود

هم إن يظفروا بي يقتلوني

وإن أظفر فليس لهم جلود

فقال الوليد : أنشدك الله يا أمير المؤمنين في دمي ، فخلى عنه.

ومنهم الفاضل المعاصر السيد علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله يتصل نسبه بالحسين عليه‌السلام القاهري المصري المولود سنة ١٢٩٦ والمتوفى ١٣٧٢ بالقاهرة في كتابه «السمير المهذب» (ج ١ ص ٧٥ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٣٩٩) قال :

وروي أن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وكرم الله وجهه ، دعا غلاما له فلم يجبه ، فدعاه ثانيا وثالثا فرآه مضطجعا فقال له : أما تسمع يا غلام؟ قال : نعم. قال : فما حملك على ترك جوابي؟ قال : أمنت عقوبتك فتكاسلت ، فقال : اذهب فأنت حرّ لوجه الله.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٤٢ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن عبد الله بن رزين قال : دخلت على علي بن أبي طالب يوم الأضحى فقرب إلينا


حريرة فقلت : أصلحك الله لو قرّبت إلينا من هذا البط ـ يعني الأرز ـ فإن الله قد أكثر الخير ، فقال : يا بن رزين سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : لا يحلّ لخليفة من مال الله إلا قصعتان فقصعة يأكلها هو وأهله وقصعة يضعها بين يدي الناس. خرجه أحمد.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور فوزي عطوي في «الإقتصاد والمال في التشريع الإسلامي والنظم الوضعية» (ص ٧١ ط ١ دار الفكر العربي عام ١٤٠٨) قال :

كما روي أن شيخا مكفوفا كبيرا مرّ بالإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو يسأل ، فقال أمير المؤمنين : ما هذا؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ، نصراني ، فقال أمير المؤمنين : استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه ، أنفقوا عليه من بيت المال.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد توفيق بن علي البكري الصديقي المتوفى سنة ١٣٥١ في «بيت الصديق» (ص ٢٧٣) قال :

وقال عبد الملك بن عمير : حدثني رجل من ثقيف قال : استعملني علي بن أبي طالب على مدرج سابور فقال : لا تضربن رجلا سوطا في جباية درهم ولا تتبعن لهم رزقا ولا كسوة شتاء ولا صيفا ولا دابة يعملون عليها ولا تقيمن رجلا قائما في طلب درهم ، قلت : يا أمير المؤمنين إذا أرجع إليك كما ذهبت من عندك. قال : وإن رجعت ويحك! إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو يعني الفضل.

ومنهم علامة الأدب أبو الطيب محمد بن إسحاق بن يحيى الوشاء في «الظرف والظرفاء» (ص ٣٤ ط عالم الكتب ـ بيروت) قال :

وكان لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام جارية تدخل وتخرج وكان له مؤذن شاب ، فكان إذا نظر إليها قال لها : أنا والله أحبك ، فلما طال ذلك عليها أتت عليا عليه‌السلام


فأخبرته ، فقال لها : إذا قال لك ذلك فقولي : أنا والله أحبك فمه ، فأعاد عليها الفتى قوله فقالت له : وأنا والله أحبك فمه. فقال : تصبرين ونصبر حتى يوفينا من يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب ، فأعلمت عليا عليه‌السلام فدعا به فزوجه منها ودفعها إليه.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ١ ص ٤١ ط مكتبة غريب ـ الفجالة) قال :

على أن هذا الزاهد الذي يكاد يذوي من الجوع كانت تعتريه القوة إذا انشغل بالعلم الذي تلقاه عن رسول الله ، أو بالجهاد في سبيل الله كانت تتلبسه الشجاعة والقدرة البدنية الخارقة ، في المواقع التي شهدها مع الرسول منذ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير.

إلى أن قال بعد ذكر بعض مجاهداته في أعلاء كلمة التوحيد ونصرة سيد المرسلين من غزوات بدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين وغيرها :

وقد أفاء الله من هذه الغزوات على المجاهدين وفي طليعتهم علي ، ولكنه كان يتصدق بكل ما يصل إليه ، ولا يبقى في داره إلا ما يكفى الطعام والكساء : الطعام الذي يقيم الأود ، والكساء النظيف الذي لا زخرف فيه ولا أبهة.

وبعثه الرسول أول مرة إلى اليمن في شهر رمضان من السنة العاشرة من الهجرة. عقد له اللواء ، وعممه بيده وقال : امض لا تلتفت ، فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. فخرج في ثلاثمائة فارس ، فدعاهم إلى الإسلام ، فأبوا ورموا بالنبل ، ثم حمل عليهم بأصحابه ، فتفرقوا وانهزموا ، فكف عن مطاردتهم ، ودعاهم إلى الإسلام ، فأسرعوا وأجابوا ، بايعه نفر من رؤسائهم على الإسلام ، وتبعهم أهل البلاد وقدموا حللا من الخز وأنعاما وأموالا كثيرة لعلي وقالوا : هذه صدقاتنا فخذ منها حق الله.


وجمع علي كرم الله وجهه الغنائم الكثيرة وقسم على أصحابه نصيبهم منها ، وعاد بالباقي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فوافاه بمكة حين وافاها للحج.

وعجل إلى رسول الله ، وترك على جنده رجلا من أصحابه ، فعمد الرجل إلى الحلل التي كانت في الغنائم والتي حملها علي معه لتكون من أموال المسلمين فكسا كل رجل من الجند حلة خز ، فلما دنا الجيش خرج علي ليلقاهم فإذا عليهم الحلل. قال : ويلك ما هذا؟ قال : كسوت القوم ليتجملوا. قال : انزعها ويلك قبل أن تنتهي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فانتزع الحلل من الناس ، وأعادها إلى مكانها من الغنائم. فاشتكى الناس عليا فقام صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيبا فقال : يا أيها الناس لا تشكوا عليا فو الله إنه ليخشوشن في سبيل الله.

خوفه عليه‌السلام من الله تعالى

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي القرطبي المشتهر بابن الفرضي في «تاريخ علماء الأندلس» (ج ١ ص ١٧ ط مطبعة المدني بمصر) قال :

سليمان بن منفوش ، من أهل شذونة ، حدث عن يحيى بن عبد الله الخراساني بحديث منكر ، حدثت به عنه ابنتيه علة ، وهي أم أبي عمرو عثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي ، نا به أبو عمر يوسف بن محمد بن سليمان الخطيب ، قال : نا أبو عمر وعثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي ، قال : حدثتني أمي علة بنت سليمان بن منفوش ، عن يحيى بن عبد الله الخراساني ، عن إسماعيل بن يوسف البجلي ، عن جبلة ، عن الصلت ، قال : اشتكى علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه عينيه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يخوض في رحمة الله؟ قالوا : وما ذاك؟ فداك الآباء


والأمهات ، قال علي بن أبي طالب عليل ، فأقبل المهاجرون والأنصار مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلي في ظل جدار نائم تحت رأسه قطعة لبنة. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حبيبي كيف أصبحت؟ فرفع رأسه فقال : يا رسول الله ، ما مرت بي ليلة أشد وجعا من ليلة مرت بي ، قال : يا علي كيف لو رأيت أهل النار في النار يتأوون ، وإذا هبط ملك الموت إلى العبد الكافر ومعه كلاب من نار كثير شعبه ، يضرب به جوف الكافر فينزع روحه ، فاستوى علي جالسا وهو يقول : والذي بعثك بالكرامة ، لقد أنسيتني وجعي ، أعد عليّ فأعاد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا رسول الله فهل تصيب أحدا من أمتك؟ قال : إي والذي بعثني بالكرامة. قال : يا رسول الله. قال : الحاكم الجائر ، وآكل مال اليتيم ، وشاهد الزور.

مستدرك

إنفاقه عليه‌السلام في سبيل الله تعالى

إعطاؤه عليه‌السلام حلة للسائل الذي

كتب حاجته على الأرض بأمره

قد تقدم مثله في ج ٨ ص ٥٨٢ ومواضع أخرى من هذا الكتاب المستطاب ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ١٠٠ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

روى الحافظ ابن عساكر يرفعه إلى أبي الأصبغ قال : جاء رجل إلى علي رضي الله


عنه فقال : يا أمير المؤمنين إن لي إليك حاجة قد رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك فإن قضيتها حمدت الله وشكرتك وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك. قال علي رضي‌الله‌عنه : أكتب حاجتك على الأرض فإني أكره أن أرى ذلّ السؤال على وجهك ، فكتب : إنّي محتاج. فقال علي بحلة فأتي بها فأخذها الرجل ولبسها وقال :

كسوتني حلة تبلى محاسنها

فسوف أكسوك من حسن الثناء حللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة

فلست تبغي بما قد قلته بدلا

إن الثناء ليحيى ذكر صاحبه

كالغيث يحيى نداه السهل والجبلا

لا تزهد الدهر في خير تواقعه

فكل شخص سيجزى بالذي عملا

فقال علي بالدنانير فأتى بمائة دينار فدفعها إليه.

قال الأصبغ : فقلت : يا أمير المؤمنين حلة ومائة دينار؟ قال : نعم سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : نزلوا الناس منازلهم ، وهذه منزلة هذا الرجل عندي.

حديث آخر

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة محمد بن الحاج حسن الآلاني الكردي في «رفع الخفا في شرح ذات الشفا» (ص ٢٧٨ ط بيروت) قال :

روي أن عليا كرم الله وجهه كان يوما جالسا على الفرات فأتاه أعرابي من بني أسد فقال : يا أمير المؤمنين والله ما تركت في بيتي شيئا فأعطني ، قال : أو ليس قد أعطيتك إعطاءك؟ قال : بلى ولكنه نفد ، قال : لا يجوز لنا أن نعطيك حتى نعطي الناس ، قال : أعطني من مالك ، قال : والله ما أصبح في بيتي فضلة عن قوتي ، فولى الأعرابي وهو يقول : والله لتسألن عن وقوفي بين يديك يوم القيامة ، فبكى علي بكاء شديدا وقال لغلامه : ائتني بدرعي الفلانية ، فدفعها إلى الأعرابي.


حديث آخر

في إنفاقه عليه‌السلام في سبيل الله تعالى

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر طه عبد الله العفيفي في «من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٣٠٣ ط دار التراث العربي بالقاهرة) قال :

وقد ورد أنه كان في بيت علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه خمس من الأنفس : علي وفاطمة والحسن والحسين والحارث لم يذوقوا في ليلتهم طعاما فباتوا ليلتهم على الطوى.

وما أن أصبحوا حتى دفعت فاطمة رداءها إلى علي ليبيعه ويقتاتون بثمنه ، فباعه علي رضي‌الله‌عنه بستة دراهم ، وبينما هو في الطريق إلى بيته لقي جماعة كاد الجوع يقتلهم فآثرهم بستة دراهم على نفسه وزوجته وأولاده وأعطاهم إياها. وما أن تجاوزهم بخطوات حتى أقبل عليه رجل في يده ناقة فألقى عليه‌السلام ثم قال :

يا أبا الحسن ألك في شراء هذه الناقة؟ قال علي : أجل لو كان معي ثمنها. قال الرجل : خذها نسيئة وأدّ ثمنها حين يفتح الله عليك. قال علي : بكم تبيعها؟ قال : بمائة درهم ، فاشتراها علي وأخذ بزمامها وذهب ، فقابله رجل آخر فقال له : أتبيع هذه الناقة يا أبا الحسن؟ قال : نعم. قال : بكم اشتريتها؟ قال : بمائة درهم. فقال له الرجل : أنا أشتريها منك بربح ستين درهما. فباعها له بعد أن دفع الرجل إليه المائة والستين درهما.

ثم ذهب بعد ذلك قاصدا بيته ، فلقيه الرجل الأول فقال لعلي : أين الناقة يا أبا الحسن؟ قال : قد بعتها. قال : فأعطني حقي إذن. فدفع إليه المائة وبقي معه الستون. ثم هرول إلى بيته وصب الدراهم في حجر السيدة فاطمة الزهراء وقص عليها القصة


قائلا : تاجرت مع الله بستة دراهم فأعطاني ستين لكل درهم عشرة دراهم. قالت السيدة فاطمة الزهراء رضي‌الله‌عنها : لا نأكل من هذا المال حتى نعرض الأمر على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأقبلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبراه بالقصة ، فابتسم صلوات الله وسلامه عليه ثم قال : أبشر يا علي تاجرت مع الله فأربحك ، فالبائع جبريل ، والمشتري ميكائيل ، والناقة مركب فاطمة في الجنة. ثم قال : يا علي أعطيت ثلاثا لم يعطها غيرك ؛ لك زوجة سيدة أهل الجنة ، وولدان سيدا شباب أهل الجنة ، ولك صهر هو سيد المرسلين ، فاشكر الله على ما أعطاك واحمده فيما أولاك.

ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد الخضري السيوطي المصري المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند فاطمة عليها‌السلام» (ص ٢٦ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند سنة ١٤٠٦) قال :

عن عبيد الله بن محمد ، عن عائشة : قالت : وقف سائل على أمير المؤمنين علي فقال للحسن أو الحسين : اذهب إلى أمك فقل لها تركت عندك ستة دراهم فهات منها درهما ، فذهب ثم رجع فقال : قالت : إنما تركت ستة دراهم للدقيق ، فقال علي : لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده ، قل لها : ابعثي بالستة دراهم ، فبعثت بها إليه فدفعها إلى السائل. قال : فما حل حبوته حتى مر به رجل معه جمل يبيعه فقال علي : بكم الجمل؟ قال : مائة وأربعين درهما. فقال علي : اعقله على إنا نؤخرك بثمنه شيئا ، فعقله الرجل ومضى ثم أقبل رجل فقال : لمن هذا البعير؟ فقال علي : لي ، فقال : أتبيعه؟ قال : نعم ، قال : بكم؟ قال : بمأتي درهم. قال : قد ابتعته. قال : فأخذ البعير وأعطاه المائتين. فأعطى الرجل الذي أراد أن يؤخره مائة وأربعين درهما وجاء بستين درهما إلى فاطمة فقالت : ما هذا؟ قال : هذا ما وعدنا الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها). العسكري.


ومنهم الفاضل المعاصر عبد العزيز الشناوي في كتابه «سيدات نساء أهل الجنة» (ص ١١٧ ط مكتبة التراث الإسلامي ـ القاهرة)

فذكر مثل ما تقدم عن السيوطي.

مستدرك

صدقات علي عليه‌السلام

قد تقدم نقل ما يدل على ذلك عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٥٨٣ و ١٨ ص ١٣٧ ومواضع أخرى من الكتاب المستطاب ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في القسم الثاني من «جامع الأحاديث» (ج ٤ ص ٧٠٥ ط دمشق) قالا :

عن أبي جعفر : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج في جيش فأدركته القائلة وهو ما يلي الينبع ، فاشتد عليه حر النهار فانتهوا إلى سمرة فعلّقوا أسلحتهم عليها وفتح الله عليهم ، فقسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم موضع السمرة لعلي رضي‌الله‌عنه في نصيبه ، قال : فاشترى إليها بعد ذلك فأمر مملوكيه أن يفجّروا لها عينا ، فخرج لها مثل عين الجزور ، فجاء البشير يسعى إلى علي يخبره بالذي كان ، فجعلها علي صدقة فكتبها : صدقة لله تعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، ليصرف الله بها وجهي عن النار ، صدقة بتّة بتلة في سبيل الله تعالى ، للقريب والبعيد ، في السلم والحرب واليتامى والمساكين وفي الرقاب.

ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء


الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ٥١٧ ط دار العلم للملايين) قال :

ومن أوقاف الإمام علي صدقته بأرضه في ينبع. فكتب فيها كتابا ، قال فيه : هذا ما أمر به علي بن أبي طالب ، وقضى في ماله ، إني تصدقت بينبع ووادي القرى الأذينة وراعة ، في سبيل الله وذي الرحم القريب والبعيد ، ولا يوهب ولا يورث ، حيا أنا أو ميتا.

ومنهم عدة من الفضلاء المعاصرين في «فهرس أحاديث وآثار المصنف» للشيخ عبد الرزاق الصنعاني» (ج ١ ص ٢٥١ ط عالم الكتب ـ بيروت) قالوا :

إن عليا تصدق ببعض أرضه عمرو بن دينار

إن عليا تصدق ببعض أرضه عمرو بن دينار المدبّر ١٦٧٨٥ ٩ / ١٦٩

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور الحبيب الجنحاني التونسي في كتابه «التحول الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع صدر الإسلام» (ص ٦٧ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

ورد في مسند أحمد بن حنبل أن الإمام عليا قال : رأيتني ، وأنا رابط الحجر على بطني من الجوع وأن صدقتي لتبلغ في اليوم أربعة آلاف دينار ، وفي رواية أربعين ألف دينار ، وهو يعني أراضي أوقفها ، وجعلها صدقة جارية ، وكان الحاصل من غلتها يبلغ هذا القدر.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ١٢١ ط دار الجيل في بيروت) قال :

عن محمد بن كعب القرظي أن عليا قال : لقد رأيتني مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع ، وإن صدقتي اليوم لأربعون ألفا.


ومنهم العلامة أبو الحسن بن محمد الخزرجي المتوفى سنة ٧٨٩ في «تخريج الدلالات السمعية» (ص ٥٧٤) قال :

في «الكامل» للمبرد : قال أبو نيزر : جاءني علي بن أبي طالب وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة فقال : هل عندك من طعام؟ فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ، قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة ، فقال : علي به ، فقام إلى الربيع فغسل يده ، ثم أصاب من ذلك شيئا ، ثم رجع إلى الربيع ، فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما ، ثم ضم يديه كل واحدة منهما إلى أختها ، وشرب حسا من الربيع ، ثم قال : يا أبا نيزر إن الأكف أنظف الآنية ، ثم مسح كفّيه على بطنه وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده الله ، ثم أخذ المعول وانحدر في العين ، وجعل يضرب ، وأبطأ عليه الماء ، فخرج وقد تنضّح جبينه عرقا ، فانتكث العرق عن جبينه ، ثم أخذ المعول ، وعاد إلى العين ، فأقبل يضرب فيها وجعل يهمهم ، فانثالت كأنها عنق جزور ، فخرج مسرعا فقال : أشهد الله أنها صدقة ، علي بدواة وصحيفة ، فعجلت بهما إليه فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين ، تصدق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر ، والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل ليقي الله بها وجهه حر النار يوم القيامة ، ولا تباعا ولا تورثا حتى يرثها الله وهو خير الوارثين ، إلا أن يحتاج إليهما الحسن والحسين ، فهما طلق لهما ، ليس لأحد غيرهما فركب الحسين دين فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار ، فأبى أن يبيع ، وقال : إنما تصدق بهما أبي ليقي الله وجهه حر النار (١).

__________________

(١) قال علامة المسالك والممالك والسير الشيخ شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي المتوفى سنة ٦٢٦ في كتابه «معجم البلدان» (ج ٤ ص ١٧٥) :

عين أبي نيزر كنية رجل يأتي ذكره ـ إلى أن قال :


__________________

وروى يونس ، عن محمد بن إسحاق بن يسار أنّ أبا نيزر الذي تنسب إليه العين هو مولى علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، كان ابنا للنجاشي ملك الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون لصلبه وأن عليا وجده عند تاجر بمكة فاشتراه منه واعتقه مكافاة بما صنع أبوه مع المسلمين حين هاجروا إليه ، وذكروا أن الحبشة مرج عليها أمرها بعد موت النجاشي وأنهم أرسلوا وفدا منهم إلى أبي نيزر وهو مع علي ليملكوه عليهم ويتوجوه ولا يختلفوا عليه ، فأبى وقال : ما كنت لأطلب الملك بعد أن منّ الله علىّ بالإسلام ، قال : وكان أبو نيزر من أطول الناس قامة وأحسنهم وجها ، قال : ولم يكن لونه كألوان الحبشة ولكنه إذا رأيته قلت هذا رجل عربي ، قال المبرّد : رووا أن عليا رضي‌الله‌عنه لما أوصى إلى الحسن في وقف أمواله وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة ، فهذا غلط لأن وقفه هذين الموضعين كان لسنتين من خلافته.

حدثنا أبو محلم محمد بن هشام في إسناده قال : كان أبو نيزر من أبناء بعض الملوك الأعاجم ، قال : وصحّ عندي بعد أنه من ولد النجاشي فرغب في الإسلام صغيرا فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان معه في بيوته ، فلما توفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صار مع فاطمة وولدها رضي‌الله‌عنهم. قال أبو نيزر : جاءني علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغبيغة فقال : هل عندك من طعام؟ فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين ، قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة ، فقال : علي به ، فقام إلى الربيع وهو جدول فغسل يديه ثم أصاب من ذلك شيئا ثم رجع إلى الربيع فغسل يديه بالرمل حتى أنقاهما ، ثم ضمّ يديه كلّ واحدة منهما إلى أختها وشرب منهما حسي من الربيع ثم قال : يا أبا نيزر إن الأكف أنظف الآنية ، ثم مسح ندي ذلك الماء على بطنه وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده الله ، ثم أخذ المعول وانحدر فجعل يضرب وابطأ عليه الماء فخرج وقد تنضّح جبينه عرقا فانتكفّ العرق من جبينه ثم أخذ المعول وعاد إلى العين فأقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنّها عنق جزور فخرج مسرعا وقال : أشهد الله أنها صدقة ، علي بدواة وصحيفة ، قال : فعجلت بهما إليه فكتب :


مستدرك

شجاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام

تقدم نقل ما يدل على شجاعته عليه‌السلام عن أعلام العامة في ج ٤ ص ٢٥٤ و ٢٦٥ و ٤٥٤ وج ٥ ص ٣٦٨ وج ٨ ص ٣١٨ و ٣٤٨ و ٤٧٣ و ٥٢٣ وج ١٨ ص ٢٩ وص ٧١ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة شهاب الدين أحمد الحسيني الشيرازي الشافعي في «توضيح الدلائل» (ص ١٢٦ ـ ١٢٧ مصورة المكتبة الملي بفارس) قال :

ومنها أسد الله ، أورده الإمام الشيخ العالم العارف الملقب لوفور علمه ومعرفته بالغزالي الثاني ، مرشد الخلائق الفقيه إمام الدين محمد المهجوري الإيجي في كتابه «المؤلف في أسماء النبي وخلفائه» قال : كان له جرأة الأسد وشجاعته يقال أسد واستأسد إذا اجترأ ، وشجاعة علي عليه‌السلام وقوته ورجوليته معروفة وقيل : إنه لم ينهزم قط من قرنه وما بارز أحدا إلّا غلبه. وفي وصف ضربته عليه‌السلام : إنه كان إذا اعتلى قدّ ، وإذا اعترض قط ، قدّ أي قطعه طولا وقطّ أي قطعه عرضا.

__________________

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به عبد الله علي أمير المؤمنين ، تصدق بالضيعتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل ليقي بهما وجهه حرّ النار يوم القيامة لا تباعا ولا توهبا حتى يرثهما الله وهو خير الوارثين إلّا أن يحتاج إليهما الحسن والحسين فهما طلق لهما وليس لأحد غيرهما.

قال أبو محلم محمد بن هشام : فركب الحسين دين فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مائتي ألف دينار فأبى أن يبيع وقال : إنّما تصدق بهما أبي ليقي الله وجهه حرّ النار ولست بائعهما بشيء. وقد ذكرت هذه القصّة في البغيبغة وهو كاف ولا يكتب هاهنا.


وفي بعض التفاسير وجدت أنه رضي الله تعالى عنه قتل مائة ألف كافر.

وما أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية إلا فتح الله تعالى على يديه.

وكان إذا قاتل يقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره.

ومنهم الملك المجاهد علي بن داود بن يوسف الرسولي الغساني في «الأقوال الكافية والفصول الشافية ـ في الخليل» (ص ١٩٧ ط دار الغرب الإسلامي ـ بيروت) قال :

وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه يقاتل فارسا وراجلا ، وحكي عن بعضهم قال : قلت لأمير المؤمنين : من أشجع الناس؟ قال : ابن صفية ، يعني الزبير ، قال : فأتيت الزبير فقلت له : من أشجع الناس؟ قال : الطهر ابن فاطمة ، يعني عليا ، إلا أنه لا يقاتل إلا راجلا ، فأتيت عليا فقلت له بما قال الزبير ، فقال :

لم يطيقوا أن ينزلوا فنزلنا

وأخو الحرب من أطاق النزولا

قال : فرجعت إلى الزبير فأعلمته بما قال أمير المؤمنين ، فقال : صدق هو والله أشجع مني فارسا وراجلا (١).

__________________

(١) وقال العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ١٠١ ط بيروت سنة ١٤٠٤) قال :

وشجاعة علي متواترة تواترا معنويا ، قال أسيد بن أبي أياس الكناني رضي الله تعالى عنه قبل أن يسلم بعد بدر الكبرى يعير قريشا بما فعل علي فيهم :

في كل مجمع غاية أخزاكم

صدع يفوق على المذاكي القرح

لله دركم ألما تذكروا

قد يذكر الحر الكريم ويستحى

هذا ابن فاطمة الذي أفناكم

ذبحا وقتلا بعضه لم يرتح

أين الكهول وأين كل دعامة

في المعضلات وأين زين الأبطح

وكانت درعه رضي الله تعالى عنه صدرا لا ظهر لها ، فقيل له : يا أبا الحسن لم لا تجعل لها ظهرا؟ فقال : إذا مكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله علي.


__________________

١ ـ بياته في مكان النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم ليلة هجرته لما اتفقت قريش على قتله وهو يعلم ما يريدون.

٢ ـ كانت قتلى قريش ببدر سبعين رجلا فكان لعلي وعمه حمزة ثلثها.

٣ ـ خرج أبو سعد بن أبي طلحة العبدري يوم أحد وبيده لواء المشركين مبارزا وقال : أنا قاصم أي داهية ، فخرج إليه علي وهو يقول : أنا أبو القصم فقتله. قال ابن هشام : نادى مناد يوم أحد لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، وذو الفقار سيف النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم ناوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها لما رجعوا من أحد وقال اغسلي عنه الدم يا بنية فو الله لقد صدقني اليوم ، فناولها علي سيفه أيضا وقال اغسلي عنه دمه فو الله لقد صدقني اليوم ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة وقال حين غسلت فاطمة سيفه من الدم :

أفاطم هاءى السيف غير ذميم

فلست برعديد ولا بلئيم

٤ ـ قتله في غزوة الخندق فارس قريش عمرو بن عبد ود العامري مبارزة مشهور ، وقد طمسه المحاضر وتلون وتخبط في التعبير عنه وقد تقدم تقويمه وشرحه فيها.

٥ ـ قتله فارس خيبر مرحبا اليهودي مبارزة وقتل الزبير رضي الله تعالى عنه أخاه ياسرا مبارزة أيضا.

٦ ـ فتحه حصنها وتترسه بباب من أبوابه لم يستطع ثمانية من الصحابة قلبه مشهور. قال سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه : بعث رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم أبا بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر فقاتل فرجع ولم يك فتح وقد جهد ، ثم بعث الغد عمر بن الخطاب فقاتل ثم رجع ولم يك فتح وقد جهد ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار. قال : فدعا رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم عليا وهو أرمد فتفل في عينه ثم قال : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك. قال سلمة : فخرج والله بها يهرول هرولة وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركزها في رضم من حجارة تحت الحصن ،


__________________

فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال : من أنت؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ، قال : فقال اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى ، فما رجع حتى فتح الله على يديه. قال أبو رافع مولى النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم : خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطاح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي أناثا منهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه اه ـ.

وقد حذف المحاضر غزوة خيبر برمتها من محاضراته لأجله وتقدم التنبيه على ذلك في محله.

٧ ـ ثباته يوم حنين مع من ثبت معه صلّى الله تعالى عليه وسلّم مقاتلا بين يديه.

٨ ـ قال ابن كثير في بدايته : قد ذكر علماء التاريخ وغيرهم أن عليا رضي الله تعالى عنه بارز في أيام صفين وقاتل وقتل خلقا حتى ذكر بعضهم أنه قتل خمسمائة ، فمن ذلك أن كريب بن الصباح قتل أربعة من أهل العراق مبارزة ثم وضعهم تحت قدميه ثم نادى : هل من مبارز ، فبرز إليه علي فتجاولا ساعة ثم ضربه علي فقتله ، ثم قال : هل من مبارز فبرز إليه الحارث ابن وداعة الحميري فقتله ثم برز إليه رواد بن الحارث الكلاعي فقتله ثم برز إليه المطاع بن المطلب القيسي فقتله ، ثم تلا قوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ).

٩ ـ لما انهزمت ميمنته رضي الله تعالى عنه بصفين قال زيد بن وهب الجهني : مر علي معه بنوه نحو الميسرة وإني لأرى النبل يمر بين عاتقه ومنكبه وما من بنيه أحد إلا يقيه بنفسه فيتقدم فيحول بين أهل الشام وبينه ، فيأخذه بيده إذا فعل ذلك فيلقيه بين يديه أو من ورائه ، فبصر به أحمر مولى بني أمية فقال : ورب الكعبة قتلني الله إن لم أقتلك أو تقتلني ، فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي فاختلفا ضربتين فقتله أحمر ، فأخذ علي بجيب درع أحمر فجذبه وحمله على عاتقه ثم ضرب به الأرض فكسر منكبيه وعضديه ثم دنا منه أهل الشام فما زاده قربهم منه سرعة ، فقال له ابنه


__________________

الحسن : ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء القوم الذين صبروا من أصحابك ، فقال : يا بني إن لأبيك يوما لا يعدوه ولا يبطئ به عنه السعي ولا يعجل به إليه المشي ، إن أباك والله لا يبالى أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.

وقال الفاضل المعاصر طه عبد الله العفيفي في «من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٤٢٦ ط دار التراث العربي بالقاهرة):

ومن شجاعته ما حدث وهو في العاشرة من عمره حين أحاط المشركون بالنبي قبل انتشار الدعوة الإسلامية وهم ينذرون النبي ويتوعدونه ، ويقولون له : إنك وحيد ليس لك فينا نصير.

وعند ما سمع ذلك علي ، صاح قائلا وهو ينظر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا نصيرك ، فضحك القوم من هذا الصبي الصغير ولكنه شد قبضته كأنه فارس مغوار ، وهو يهم بالهجوم على القوم دفاعا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي ليلة الهجرة افتدى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفسه عند ما أمره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يلتحف ببرده الأخضر وينام في فراشه فقبل ذلك وهو يعلم أن قريشا تأتمر بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقتله.

وقد حدث فعلا بعد أن خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من داره في الطريق إلى دار أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه الذي صاحبه بعد ذلك إلى الغار أن هاجمه القوم في أول الصباح ، ولما لم يجدوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الدار وأن عليا هو الذي كان ينام مكانه ، أوسعوه ضربا وحبسوه في المسجد وأقاموا عليه الحراس والأرصاد.

وقد عبر شاعر مصري عن هذا بقوله :

ولن ينسى النبي له صنيعا

عشية ودع البيت الحراما

عشية سامه في الله نفسا

لغير الله تكبر أن تساما

فأرخصها فدى لأخيه لما

تسجى في حظيرته وناما

وأقبلت الصوارم والمنايا

لحرب الله تنتحم انتحاما

فلم يأبه لها أنفا علي

ولم تقلق بجفنيه مناما


__________________

وأغشى الله أعينهم فراحت

ولم تر ذلك البدر التماما

وقد عرف عنه رضي‌الله‌عنه أنه ما صارع أحدا إلا صرعه ، وأنه كان جريئا على الموت. فقد ورد أنه بارز عمرو بن عبد ود ـ فارس الجزيرة العربية ـ وهو لا زال حدثا في سنه ، وكان هذا أيام وقعة الخندق عند ما برز ابن ود مزهوا بقوته ينادي في المسلمين : من يبارز؟ فهتف علي : أنا له يا رسول الله ، فيتبسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم يقول له : اجلس إنه عمرو ، ولكن الرجل المزهو عاد يصيح : من يبارز؟ وراح يهزأ بالمسلمين قائلا : أين جنتكم التي زعمتم أنكم داخلوها ، أجبنتم أفلا يبرز لي منكم رجل؟! فكان علي ينهض المرة بعد الأخرى وهو يكرر في حماس : أنا له يا رسول الله ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يشفق عليه ويقول له : اجلس إنه عمرو ، ولكنه ظل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أذن له ، فلما تقدم نحو عمرو سخر منه وهو يكتسحه بنظرات الاستصغار قائلا له : من أنت؟ فيجيبه بعزة ورجولة : أنا علي. فيقول له عمرو : أنت ابن عبد مناف؟ فيقول علي بن أبي طالب ، فأقبل عمرو عليه مشفقا وقائلا : يا ابن أخي من أعمامك من هو أسن منك وإني أكره أن أهريق دمك.

فقال له علي : ولكني والله لا أكره أن أهريق دمك ، ولكني أذكرك يا عمرو بما ينفعك ويعصم دمك ، إنك كنت تعاهد قومك ألا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه أحسنهما. قال عمرو : أجل.

فقال علي : فإني أدعوك إلى الإسلام أو إلى النزال.

فقال عمرو مستصغرا لشأن علي : ولم يا اين أخي فو الله ما أحب أن أقتلك. ثم غضب وأهوى بسيفه عليه يريد أن يذهب به بضربة واحدة.

ولكن عليا راوغه وما زال به حتى خر الرجل صريعا تحت قدميه ، فكبر المسلمون تكبيرة تفيض بنشوة النصر ، ثم استقبلوا عليا مهللين مكبرين.

وعند ما علمت ابنة عمرو بقتله سألت عن قاتله ، فلما علمت أنه علي وجدت عزاءها في أن الذي قتله فتى لا يشق لشجاعته غبار.

وذهبت ترثيه شعرا فتقول :


__________________

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

بكيته أبدا ما دمت في الأبد

لكن قاتله من لا نظير له

وكان يدعى أبوه بيضة البلد

وقد خاض علي المعارك كلها إلى جوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان على شجاعته لا يبدأ أحدا بقتال ، وكان يأمر جنده أن لا يجهزوا على جريح ولا يقتلوا رجلا استسلم أو هرب موليا ، وفي وقعة الجمل كان يصلي على الموتى من أعدائه.

وقال الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ العبقريات الإسلامية» (ج ٢ ص ١٨ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) :

فكانت شجاعته من الشجاعات النادرة التي يشرف بها من يصيب بها ومن يصاب ، ويزيدها تشريفا أنها ازدانت بأجمل الصفات التي تزين شجاعة الشجعان الأقوياء فلا يعرف الناس حلية للشجاعة أجمل من تلك الصفات التي طبع عليها علي بغير كلفة ولا مجاهدة رأي وهي التورع عن البغي ، والمروءة مع الخصم قويا أو ضعيفا على السواء ، وسلامة الصدر من الضغن على العدو بعد الفراغ من القتال.

فمن تورعه عن البغي ، مع قوته البالغة وشجاعته النادرة ، إنه لم يبدأ أحدا قط بقتال وله مندوحة عنه ، وكان يقول لابنه الحسن : لا تدعون إلى مبارزة ، فإن دعيت إليها فأجب ، فإن الداعي إليها باغ والباغي مصروع.

وعلم أن جنود الخوارج يفارقون عسكره ليحاربوه ، وقيل له : إنهم خارجون عليك فبادرهم قبل أن يبادروك ، فقال : لا أقاتلهم حتى يقاتلوني ، وسيفعلون.

وكذلك فعل قبل وقعة الجمل ، وقبل وقعة صفين ، وقبل كل وقعة صغرت أو كبرت ووضح فيها عداء العدو أو غمض : يدعوهم إلى السلم وينهى رجاله عن المبادأة بالشر ، فما رفع يده بالسيف قط إلا وقد بسطها قبل ذلك للسلام.

كان يعظ قوما فبهرت عظته بعض الخوارج الذين يكفرونه ، فصاح معجبا إعجاب الكاره الذي لا يملك بغضه ولا إعجابه : قاتله الله كافرا ما أفقهه ، فوثب أتباعه ليقتلوه فنهاهم عنه ، وهو يقول : إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب.

وقد رأينا أنه كان يقول لعمرو بن عبد ود : إني لا أكره أن أهريق دمك ، ولكنه على


__________________

هذا لم يرغب في إهراق دمه إلا بعد يأس من إسلامه ومن تركه حرب المسلمين ، فعرض عليه أن يكف عن القتال فأنف ، وقال : إذن تتحدث العرب بفراري ، وناشده : يا عمرو ، إنك كنت تعاهد قومك ألا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما. قال : أجل. قال : فإني أدعوك إلى الإسلام أو إلى النزال. قال : ولم يا ابن أخي؟ فو الله ما أحب أن أقتلك ، فلم يكن له بدّ بعد ذلك من إحدى اثنتين : أن يقتله أو يقتل على يديه.

وعلى ما كان بينه وبين معاوية وجنوده من اللدد في العداء لم يكن ينازلهم ولا يأخذ من ثاراته وثارات أصحابه عندهم إلا بمقدار ما استحقوه في موقف الساعة : فاتفق في يوم صفين أن خرج من أصحاب معاوية رجل يسمى كريز بن الصباح الحميري فصاح بين الصفين : من يبارز؟ فخرج إليه رجل من أصحاب علي فقتله ووقف عليه ونادى : من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول ، ثم نادى : من يبارز؟ فخرج إليه الثالث فصنع به صنيعه بصاحبه ، ثم نادى رابعة : من يبارز؟ فأحجم الناس ورجع من كان في الصف الأول إلى الصف الذي يليه ، وخاف علي أن يشيع الرعب بين صفوفه فخرج إلى ذلك الرجل المدل بشجاعته وبأسه فصرعه ثم نادى نداءه حتى أتم ثلاثة صنع بهم صنيعه بأصحابه ، ثم قال مسمعا الصفوف : يا أيها الناس! إن الله عزوجل يقول : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) ، ولو لم تبدءونا ما بدأناكم ، ثم رجع إلى مكانه.

وقد كان مدار هذا الخلق في ابن أبي طالب على ثقة أصيلة فيه لم تفارقه منذ حبا ودرج ، وقبل أن يبلغ مبلغ الرجال. فما منعته الطفولة الباكرة يوما أن يعلم إنه شيء في هذه الدنيا وإنه قوة لها جوار يركن إليه المستجير. ولقد كان في العاشرة أو نحوها يوم أحاط القروم القرشيون بالنبي عليه‌السلام ينذرونه وينكرونه وهو يقلب عينه في وجوههم ويسأل عن النصير ولا نصير ، لو كان بعلي أن يرتاع في مقام نجدة أو مقام عزيمة لارتاع يومئذ بين أولئك الشيوخ الذين رفعتهم الوجاهة ورفعتهم آداب القبيلة البدوية إلى مقام الخشية والخشوع.


__________________

ولكنه كان عليا في تلك السن الباكرة كما كان عليا وهو في الخمسين أو الستين ، فما تردد وهم صامتون مستهزئون أن يصيح صيحة الواثق المغضوب : أنا نصيرك ، فضحكوا منه ضحك الجهل والاستكبار ، وعلم القدر وحده في تلك اللحظة أن تأييد ذلك الغلام أعظم وأقوم من حرب أولئك القروم.

علي هذا هو الذي نام في فراش النبي ليلة الهجرة ، وقد علم ما تأتمر به مكة كلها من قتل الراقد على ذلك الفراش.

وعلي هذا هو الذي تصدى لعمرو بن ود مرة بعد مرة والنبي يجلسه ـ إلخ.

وقال الفاضل المعاصر محمد رضا في «الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٢٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) :

شهد علي رضي‌الله‌عنه الغزوات مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان له فيها شأن عظيم ، وأظهر شجاعة عجيبة ، وأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللواء في مواطن كثيرة. فلما غزا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كرز بن جابر الفهري ـ غزوة بدر الأولى ـ أعطاه لواءه الأبيض.

وسماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة العشيرة بأبي تراب. عن عمار بن ياسر قال : كنت أنا وعلي رفيقين مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غزوة العشيرة ، فنزلنا منزلا فرأينا رجالا من بني مدلج يعملون في نخل ، فقلت : لو انطلقنا فنظرنا إليهم كيف يعملون؟ فانطلقنا ، فنظرنا إليهم ساعة ، ثم غشينا النعاس فعمدنا إلى صور من النخل فنمنا تحته في دقعاء من التراب ، فما أيقظنا إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أتانا وقد تترّبنا في ذلك التراب ، فحرّك عليا برجله ، فقال : قم يا أبا تراب ، ألا أخبرك بأشقى الناس! أحمر ثمود عاقر الناقة ، والذي يضربك على هذا ، يعني قرنه فيخضب هذه منها وأخذ بلحيته.

وفي غزوة بدر الكبرى كان أمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رايتان سوداوان ، إحداهما مع علي يقال لها العقاب والأخرى مع بعض الأنصار. وأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبارز في هذه الغزوة الوليد بن عتبة ، فبارزه وقتله وكان من أشد


__________________

أعداء رسول الله.

وقال علي رضي‌الله‌عنه يذكر شجاعة رسول الله : لما أن كان يوم بدر وحضر الناس التقينا برسول الله ، فكان من أشد الناس بأسا ، وما كان منا أحد أقرب إلى العدو منه.

وفي غزوة أحد قام طلحة بن عثمان فقال : يا معشر أصحاب محمد! إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة ، فهل منكم أحد يعجله الله بسيفه إلى الجنة أو يعجلني بسيفه إلى النار ، فقام إليه علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فقال : والذي نفسي بيده ، لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار ، أو تعجلني بسيفك إلى الجنة ، فضربه علي فقطع رجله فسقط فانكشفت عورته. فقال : أنشدك الله والرحم يا ابن عم ، فتركه فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال لعلي أصحابه : ما منعك أن تجهز عليه؟ قال : إن ابن عمي ناشدني حين انكشفت عورته فاستحييت منه. وقتل علي ثلاثة من أصحاب الألوية في هذه الغزوة ، وأبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : أحمل عليهم ، فحمل عليهم ففرق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي ، ثم أبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي احمل عليهم ، فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي فقال جبريل : يا رسول الله إن هذه للمواساة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه مني وأنا منه. فقال جبريل : وأنا منكما. فسمعوا صوتا :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

ولما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهله بعد غزوة أحد ناول سيفه ابنته فاطمة فقال : اغسلي عن هذا دمه يا بنية ، وناولها علي رضي‌الله‌عنه سيفه وقال : وهذا فاغسلي عنه ، فو الله لقد صدقني اليوم. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لئن كنت صدقت القتال ، لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة سماك بن خرشة.

قال الطبري : وزعموا أن علي بن أبي طالب حين أعطى فاطمة عليهما‌السلام سيفه قال :


__________________

أفاطم هاك السيف غير ذميم

فلست برعديد ولا بمليم

لعمري لقد قاتلت في حب أحمد

وطاعة رب بالعباد رحيم

وسيفي بكفي كالشهاب أهزّه

أجذ به من عاتق وصميم

فما زلت حتى فضّ ربي جموعهم

وحتى شفينا نفس كل حليم

من هذا يتضح أن عليا قد دافع هو وزملاؤه دفاعا شديدا في هذه الغزوة وقتل رؤساء كبيرة عرفت بعدائها للإسلام ، وقد كان وقتئذ في عنفوان شبابه ممتلئا قوة ونشاطا وإيمانا.

وفي غزوة الخندق لما تهيأ فرسان قريش للقتال وخرجوا على خيلهم وأقبلوا نحو الخندق ورأوا ما لم يكونوا قد رأوه من قبل ، قالوا : إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحمت منه ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع.

عند ذلك خرج علي رضي‌الله‌عنه في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم.

وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا. فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه ، وكان من شجعان العرب المشهورين ، وكان وقتئذ كبير السن. فلما وقف هو وخيله ، قال له علي : يا عمرو! إنك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى خلّتين إلا أخذت منه إحداهما. قال : أجل. قال له علي ابن أبي طالب : فإني أدعوك إلى الله عزوجل وإلى رسوله وإلى الإسلام ، قال : لا حاجة لي بذلك. قال : فإني أدعوك إلى النزال. قال : ولم يا ابن أخي؟ فو الله ما أحب أن أقتلك. قال علي : ولكني والله أحب أن أقتلك ، فحمى عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فقره أو ضرب وجهه.

ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا ، فقتله علي رضي‌الله‌عنه وخرجت خيله منهزمة ، حتى اقتحمت من الخندق هاربة.

وفي غزوة بني المصطلق قتل علي منهم رجلين : مالكا ، وابنه. وكان رضي‌الله‌عنه


__________________

هو الذي دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعهد إليه كتابة صلح الحديبية وأرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى فدك إلى حي من بني سعد بن بكر.

وفي غزوة خيبر أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجبنه أصحابه ويجبنهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر وعمر فدعا عليا ، وهو أرمد فتقل في عينيه وأعطاه اللواء ونهض معه من الناس من نهض ، فلقى أهل خيبر ، فإذا مرحب يرتجز ويقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرّب

أطعن أحيانا وحينا أضرب

إذا الليوث أقبلت تلهّب

فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه علي على هامته ، حتى عض السيف منها بأضراسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته ، فما تتام آخر الناس مع علي رضي‌الله‌عنه حتى فتح الله له ولهم.

وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خرجنا مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي رضي‌الله‌عنه بابا كان عند الحصن فتترّس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ. فلقد رأيتني في نفر ، سبعة أناثا منهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه.

وأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا والزبير بن العوام في أثر المرأة التي أعطاها حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش ، وذلك لما أجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسير إلى مكة ، فخرجا وأدركاها بالحليفة فاستنزلاها فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا ، فقال لها علي بن أبي طالب : إني أحلف ما كذب رسول الله ولا كذبنا ولتخرجن إلي هذا الكتاب أو لنكشف ، فلما رأت الجدّ منه ، قالت : أعرض عني ،


__________________

فأعرض عنها. فحلّت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه ، فدفعته إليه فجاء به إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وعلي رضي‌الله‌عنه هو الذي قتل الحويرث بن نقيد الذي أهدر دمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنه كان ينشد الهجاء فيه ويكثر أذاه وهو بمكة ، وكان قد شارك هبار بن الأسود في نخس جمل زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما هاجرت من مكة.

ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دخل مكة نهى عن سفك الدماء وكان قد بعث خالد بن الوليد وأمره بأن يسير بأسفل تهامة داعيا ولم يبعثه مقاتلا فوطئ بني جذيمة فأصاب منهم ، وقيل : إنهم لما وضعوا السلاح أمر بهم خالد فكتّفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم ، فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رفع يديه إلى السماء ثم قال : اللهم إني أبرأ بك مما صنع خالد بن الوليد.

نذكر هذه الحادثة لأن عليا رضي‌الله‌عنه كان له شأن فيها ، فقد دعاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال له : يا علي أخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال حتى أنه ليدي ميلغة الكلب أي أنه دفع تعويضا عن كل ما أصابهم حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال. فقال لهم علي رضي‌الله‌عنه حين فرغ منهم : هل بقي لكم دم أو مال لم يود إليكم؟ قالوا : لا ، قال : فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبره الخبر فقال : أصبت وأحسنت.

وكان علي رضي‌الله‌عنه ممن ثبت مع رسول الله في غزوة حنين حين انهزم المسلمون كما ثبت في غزوة أحد ، و

في غزوة تبوك خلّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب على أهله وأمره بالإقامة فيهم. فأرجف المنافقون بعلي وقالوا : ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه. فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي سلاحه


__________________

ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بالجرف موضع على ثلاثة أميال من المدينة فقال : يا نبي الله زعم المنافقون أنك لما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني. فقال : كذبوا ولكني إنما خلقتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي. فرجع علي إلى المدينة ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على سفره.

وفي السنة التاسعة من الهجرة في شهر ربيع الآخر وجه رسول الله عليا رضي‌الله‌عنه في سرية إلى الفلس صنم طيء ليهدمه في مائة وخمسين رجلا من الأنصار على مائة بعير وخمسين فرسا ، ومعه راية سوداء ولواء أبيض فشنّوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر فهدموا الفلس وخربوه وملئوا أيديهم من السّبي والنّعم والشاء والفضة.

وفي السنة التاسعة من الهجرة أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر رضي‌الله‌عنه أن يحج بالناس ، فخرج من المدينة في ثلاثمائة وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أثره عليا فأدركه بالعرج (عقبة بين مكة والمدينة على جادة الحاج) وأذن علي رضي‌الله‌عنه ببراءة وقال : لا يقربّن المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فله عهده إلى مدته ، وأن هذه أيام أكل وشرب ، وأن الله لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما.

وفي سنة عشر الموافق ٦٣١ ـ ٦٣٢ م وجّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب سرية إلى اليمن في رمضان.

عن البراء بن عازب قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فكنت فيمن سار معه ، فأقام عليه ستة أشهر لا يجيبونه إلى شيء ، فبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالد ومن معه فإن أراد أحد ممن كان مع خالد بن الوليد أن يعقب معه تركه. قال البراء : فكنت فيمن عقب معه ، فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فصلّى بنا علي الفجر فلما فرغ صفّنا صفّا واحدا ، ثم تقدم بين أيدينا : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأسلمت همدان كلها في يوم واحد. وكتب


__________________

بذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما قرأ كتابه خرّ ساجدا ، ثم جلس فقال : السّلام على همدان ، ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام ، ثم أقبل علي ليلقى رسول الله بمكة واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه ، فعمد ذلك الرجل فكسا رجالا من القوم حللا من البز الذي كان مع علي بن أبي طالب. فلما دنا جيشه خرج علي ليلقاهم فإذا هم عليهم الحلل ، فقال : ويحك ما هذا؟ قال : كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس ، فقال : ويلك! انزع من قبل أن تنتهي إلى رسول الله ، فانتزع الحلل من الناس وردها في البز ، وأظهر الجيش شكاية لما صنع بهم ، فقام رسول الله خطيبا فيهم فقال : يا أيها الناس لا تشكوا عليا ، فو الله إنه لأخشى في ذات الله أو في سبيل الله.

يعلم مما تقدم أن عليا رضي الله تعالى عنه ربى في بيت النبوة وكان أسبق الناس إلى الإسلام ونشأ وقد أشربت روحه بتعاليمه ، وشب على الصلاح ورأى الوحي ينزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكان من كتابه لكن لم يبلغنا متى وكيف وممن تعلم القراءة والكتابة؟ وهو الذي كتب بخطه ما أملاه عليه رسول الله من صلح الحديبية ، وقد خالط الرسول وعاشره وحفظ القرآن وسمع الحديث ورواه وتفقّه في الدين.

وقد كان رضي‌الله‌عنه شجاعا بطبعه ، فهو من سلالة أبطال شجعان.

وقضى زهرة شبابه في الدفاع عن رسول الله ونشر لواء الإسلام ، وتثبيت دعائمه غير هيّاب ولا وجل. وكلما راجعنا غزوات رسول الله وجدنا اسم علي مقرونا بها ، فتارة نجد يحمل اللواء ، وتارة يفرّق جموع الأعداء ويلم شمل المجاهدين ، ويبارز أبطال القريش ، أعداء الإسلام فيصرعهم ويفتح الحصون المستعصية ، ويهدم الأصنام ، وهو صاحب الفضل في دخول همدان في الإسلام ، وهي قبيلة كبيرة في اليمن ، حتى خرج رسول الله ساجدا شكرا لله على إسلامها. وإصابته رضي‌الله‌عنه يوم أحد ست عشرة ضربة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبه فزوجه ابنته فاطمة بنت السيدة خديجة رضي‌الله‌عنها ، وكان يشفق عليه إذا مرض ، وقد تقدمت الإشارة إلى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شفاه مما ألم بقدميه من الوجع والجروح بسبب


__________________

كثرة المشي عليهما وشفاه من الرمد.

وقال الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه «في رحاب علي عليه‌السلام» (ص ٧١ ط دار المعارف بمصر ودار المعارف بلبنان) :

ذات يوم ، والرسول بالمدينة ، نزل عليه الوحي بآية جديدة من القرآن ، وراح الرسول يتلوها على أصحابه وهم منصتون : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً ، وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) ، وأحدثت الآية في أفئدة الصحابة رد فعل قويا ، وظن بعضهم أنها تنعى إليهم نبيهم عليه الصلاة والسّلام.

وصاح علي بن أبي طالب : ولله لا ننقلب على أعقابنا بعد أن هدانا الله ، ولئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت.

وطوال عمر علي في حياة الرسول وبعد وفاته ، وهذه الآية لا تبارح ذاكرته وإنها لتلح على وجدانه إلحاحا دائبا وعجيبا.

فهو دائما يذكرها فيتلوها ، ويتبع تلاوته لها بكلماته التي سمعناها الآن : والله ، لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، ولئن مات أو قتل ، لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت.

ولكن لما ذا اختار القتال سبيلا للتعبير عن ولائه للدين ، وإصراره على متابعة طريق الرسول؟ لما ذا لم يقل : ولئن مات أو قتل لأواصلن السير على نهجه ، والاهتداء بسنته وهديه؟

إن طبيعة المقاتل تحتل كل ذرة في كيانه ، فإذا أعطى العهد على مواصلة السير تحت الراية التي يرفعها الرسول بيمينه ، فإنه يصوغ عهده من الكلمات التي تتسق مع طبيعته وتعبر عنها في أمانة وصدق. وأي كلمة تعبر عن طبيعة المقاتل سوى كلمة سأقاتل؟

صحيح أن الآية نزلت في معركة دائرة ، وقتال مشبوب في غزوة أحد أو بعدها ، والمشركون يومئذ يرجفون بأن الرسول قتل فنزلت الآية تسفه أحلامهم ، وتشد عزم


__________________

المسلمين ، وتخبرهم بأنه حتى لو مات الرسول أو استشهد ، فإن رايته لن تسقط ، ودينه لن يتقهقر ، وجنده لن يضعوا السلاح.

فلئن كانت طبيعة المناسبة ، تجعل الرد على تساؤل الآية : سنقاتل فإن طبيعة المقاتل هي التي جعلت كلمة سأقاتل شعار حياة بأسرها ، وليست شعار مناسبة بذاتها.

وهكذا رأينا الإمام طوال حياته المديدة والمجيدة ، لا يفتأ يذكر الآية الكريمة فيتلوها ، ثم يعقب عليها بنشيده ذاك : ولئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت.

قلنا : إن عليا يحمل بين جنبيه طبيعة المقاتل وسجاياه. فهل هذه منقبة توضع في ميزان فضائله ، ومزاياه؟ وبتعبير آخر : هل وجود طبيعة المقاتل في إنسان أمر يشرف ذلك الإنسان؟ أما بالنسبة لابن أبي طالب ، فنعم.

إن كون طبيعة المقاتل في أعماقه ، لمما يزيده شرفا ، ورفعة ، وكمالا. ذلك أن طبيعة المقاتل فيه قد بلغت من الاستقامة ، ومن العدالة ، ومن الشرف ، المدى الذي أفاءه عليها القرآن ، والرسول والإسلام. فهي عند الإمام لا تمثل عدوانا ولا تشكل بهتانا ولا تنطلق وقودا لأغراض الدنيا ، وأطماع نفس.

وهي بهذا ، ولهذا ، تجاوز نفسها إلى أعلى مستويات البطولة. كما أن البطولة عنده وظيفة تحمل أسمى تبعات الرجولة. والرجولة عنده ليست اندفاعا عرمرما تزجيه طاقاته الجبارة إنما هي التزام يكاد يكون مطلقا لمنهج الرسول الذي آمن به ، والدين الذي حمل رايته.

وهكذا نرى البطل والرجل والمسلم يلتقون في شخصية الإمام علي أصدق لقاء.

أجل لم ينفصم البطل ، عن الرجل ، عن المسلم ، في حياة علي أبدا.

فإذا رأيناه يبارز خصما مثلا ، فليس البطل المتمكّن هو وحده الذي يبارز بل إن رجولة الرجل ، وورع المسلم هما اللذان يرسمان للبطل أسلوب المبارزة وآدابها.

انظروا في غزوة أحد يخرج من صفوف المشركين أحد مبارزيهم الأشداء هو أبو سعد بن أبي طلحة ، وينادى عليا ليبارزه ويخرج علي إليه ويتلاقيان في مبارزة


__________________

ضاربة حامية ويتمكن منه سيف علي بضربة تطرحه أرضا ، وهو يتلوى من الألم. وبينما علي يتهيأ ليجهز عليه بضربة قاضية ينحسر جلباب الرجل فتنكشف عورته ، فيغمض علي عينيه ، ويغض بصره ويثنى إليه سيفه ويعود إلى مكانه في الصف. ويسأله المسلمون : لما ذا لم تجهز عليه؟ ويجيبهم : لقد استقبلني بعورته ، فعطفتني عنه الرحم.

إن شرف المقاتل خلق لا ينساه علي أمام النصر ، وأمجاد الظفر. ولقد عرف عنه ذلك دائما ، فراح أعداؤه يلمسون منه هذا الوتر كلما رأوا المنايا تهوى عليهم من سيفه الوثيق.

إن الأبطال الأصلاء العظماء ، لا ينشدون النصر مجرد النصر. إنما هم ينشدون النصر عفا ، شريفا ، عادلا فإذا لم يأتهم النصر موشى بهذه الفضائل ، فلا خفقت راياته ، ولا دقت طبوله.

وسنرى ونحن نتتبع مشاهد البطولة في حياة الإمام ، كيف كان حرصه الشديد على شرف المقاتل آثر وأبقى من كل غلبة ومن كل انتظار.

ومن المفارقات العجيبة لشخصيته ، أن براعة المقاتل فيه ، كانت تزلزل خصومه خوفا وهلعا في حين شرف المقاتل فيه ، كان يملأ نفوسهم طمأنينة وأمنا.

أجل لطالما تحولت نقمته على أعدائه إلى رحمة بهم بسبب إيمانه الحق بأن القتال الشريف ، النبيل ، العادل ، هو وحده سبيل الرجال ، إذا اضطروا لقتال.

بعد أن تحقق له النصر في موقعة الجمل ، وقبل أن تبدأ موقعة صفين وكان لا يزال يرجوا أن يفيء معاوية إلى الحق ، على الرغم من كل الشواهد التي كانت تنبئ بإصراره على موقفه وإعداده العريض للحرب والقتال يومئذ علم الإمام أن اثنين من كبار أنصاره يجهران بشتم معاوية ، ولعن أهل الشام هما ، حجر بن عدي وعمر بن الحمق ، فأرسل إليهما آمرا أن يكفا عن هذا الشتم وهذا اللعن ، فقدما عليه وسألاه : يا أمير المؤمنين! ألسنا على الحق ، وهم على الباطل؟ أجابهم الإمام : بلى ، ورب الكعبة. قالوا : فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟ قال الإمام : كرهت لكم أن تكونوا


__________________

شتّامين لعّانين ولكن قولوا : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويرعوى عن الغي من لجّ به.

إنه شرف المقاتل أيضا وإنها لبطولة التي تزجيها الرجولة ، والرجولة التي صاغها الإسلام في أحسن تقويم.

ولكن ، لما ذا عجلنا ، وتخطينا الزمن ، ورحنا ننشد الأمثلة على بطولة الإمام من أخريات أيامه؟ ألا يحسن بنا أن نستشرف هذه البطولة في بداياتها الرائعة؟ بلى فلنرجع مع الزمن إلى وراء ، حيث الرسول في مكة يتهيأ للهجرة إلى المدينة التي سبقه إليها أصحابه.

إن خطة الهجرة كما رسمها الرسول ، كانت تتطلب أن يأخذ مكانه في البيت رجل تشغل حركته داخل الدار أنظار المحاصرين لها من مشركي قريش ، وتخدعهم بعض الوقت عن مخرج الرسول عليه‌السلام ، حتى يكون وصاحبه أبو بكر قد جاوزا منطقة الخطر ، وخلفا وراءهما من متاهات الصحراء مسافة تتشتت فيها مطاردة قريش إذا هي خرجت في طلبهما.

ولكن ما مصير هذا الذي سيخلف الرسول في داره ، ويخرع قريشا كلها عن مخرجه؟ ما مصيره حين تكتشف قريش الحيلة ، وترى كيدها الذي عبأت فيه كل قواها ، يرتد ، لا هزيمة ما حقه فحسب بل وسخرية. تضحك منها ولدانها ، وخزيا يجثم فوق جبينها؟ إن مصيره مفروغ منه. إنه القتل ، إذا لم تجد قريش ما هو أشد من القتل تشفيا وفتكا.

والحق أنها ستكون نهاية موحشة. فالرجل الذي سيكتب عليه أن يحمل هذه التضحية ، لن يقتل فحسب بل هو سيقتل في بلد موحش ، قد خلا من كل أصحابه الذين كانوا بالأمس يملئون فجاجه دويا بالقرآن كدوي النحل.

في هذا البلد الموحش سيقتل وحيدا دون أن يجد من إخوانه من يشجعه ولو من بعيد بنظرة تثبيت أو يودعه ولو من بعيد أيضا بنظرة عطف ومحبة أو يتسلل في جنح الظلام إلى قبره فيقف عليه مسلما.


__________________

لا شيء من ذلك سيكون ولا شيء من ذلك سيخفف من وقع النهاية التي ستختارها قريش لمن يمثل دور الرسول عليها حتى يخدعها عنه ، وحتى يرد كيدها العاتي ترابا في تراب. فمن أي طراز ، سيكون هذا الفدائي العظيم ومن أي ناحية ، سيجيء البطل إنه من بيت النبوة يجيء ، إنه سليل بني هاشم وتلميذ محمد ، إنه ربيب الوحي ، وسابق المسلمين ، إنه علي يفاجئ قريشا فليسؤ على يديه صباحها كما ساء بخروج النبي ممساها.

على أن مهمة علي رضي‌الله‌عنه ، لم تكن مقصورة على المبيت مكان الرسول والمكر بقريش حتى يغادر الرسول مكة ، بل كان لها جانب آخر يتطلب نفس القدر من الفدائية والبذل والتضحية ، ذلك هو قيامه برد الأمانات والودائع التي كان الرسول يحتفظ بها لذويها من أهل مكة.

لقد تلقى علي من الرسول كل هذه الودائع وتلقى منه أسماء أصحابها وكان عليه أن يذهب إليهم دارا دارا وفردا فردا ويعطى كل إنسان أمانته. دون أن ينيل قريشا منه فرصة تحول بينه وبين إنجاز مهمته كلها.

ولقد قام البطل والرجل بالمهمة على خير وجه ، وحفظه الله ورعاه وصدق وعد الرسول له حين قال وهو يودعه : لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم.

وبعد أيام ثلاثة ، قضاها الفتى الوثيق بمكة ، يرد الأمانات إلى ذويها ، ركب الصحراء مهاجرا إلى الله ورسوله.

وحده ، خرج مجتازا نفس الطريق الذي خرجت عليه قوات قريش تطارد الرسول والصديق ، وتطلبهما بكل جهد وثمن. وحده ، خرج علي في رباطة جأش تجل عن النظير وفي إيمان مطلق جعل عزمه يتألق مضاء وتهللا. وبعد أيام وليال ، كان هناك في قباء ينزل مع الرسول في نفس الدار التي أعدت له عليه‌السلام. دار كلثوم بن هدم ، أخو بني عمرو بن عوف.

وبعد أيام ، ينتقل مع الرسول إلى المدينة دار الهجرة وعاصمة العالم الجديد الذي جاء محمد ينشئه ويبنيه على دعائم الإيمان ، والحق ، والعدل ، والرحمة والسّلام.


__________________

وتجيء غزوة بدر.

ويواجه الإسلام الوثنية في أول لقاء مسلح ينشب بينهما.

ويظهر علي بن أبي طالب ، وعمه حمزة رضي‌الله‌عنهما من المقدرة والجلد والبطولة ما يبهر الألباب. ثم تجيء غزوة أحد حيث حشدت قريش كل بأسها وقوتها وخرجت لتثأر لقتلاها في يوم بدر ، وتنضو عن نفسها عار الهزيمة الماحقة التي أصابتها ذلك اليوم المشهود ويملأ علي أرض المعركة ببطولته وبضحاياه ويسقط اللواء من يد مصعب بن عمير. يسقط بعد أن يبدي بطولة خارقة ، ويدعو الرسول عليا ليحمل اللواء.

ويحمل اللواء بيد ، ويده الأخرى قابضة على سيفه ذي الفقار هذا السيف الوثيق الذي قال الرسول عنه وعن صاحبه : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

ولا يكاد ابن أبي طالب يحمل اللواء ويشرئب في يده عاليا ، عزيزا ، خفاقا حتى يبصره حامل لواء المشركين ، فيصيح : ألا هل من مبارز؟

ولا يجيبه من المسلمين أحد ، فقد كانوا في شغل عنه بالمعركة التي بلغت أقصى عنفوانها ، وشدتها ، وضراوتها.

وتتكسر السيوف على السيوف ، والنصال على النصال.

ويرسل حامل لواء المشركين نعيقه مرة أخرى فينادى : ألستم تزعمون أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار؟ ألا فليخرج إلي أحدكم.

ولم يطق علي صبرا ، فصاح به : أنا قادم إليك يا أبا سعد بن أبي طلحة ، فابرز يا عدو الله إلي.

والتقيا بين الصفوف الملتحمة تحت وقع السيوف وتبارزا فاختلفا ضربتين ضربة علي ضربة واحدة ، فسقط على الأرض يعالج مصرعه ومنيته ، وهمّ على أن يضربه الثانية ليجهز عليه فتكشفت عورته ، أما علي فاستحيا ، وغض بصره وانصرف عنه ، على النحو الذي أشرنا إليه من قبل.

وبعد انتهاء القتال تقدم النساء المسلمات يداوين الجرحى.


__________________

ورأى الرسول عليا وسط مجموعة منهن تكاد تعييهن جراحه الكثيرة ، حتى قلن لرسول الله حين رأينه : يا رسول الله! لا نعالج منه جرحا ، إلا انفتق جرح.

فاقترب الرسول من جسده المثخن ، والشجاع ، وراح يسهم في تضميده ويقول : إن رجلا لقى هذا كله في سبيل الله ، لقد أبلى وأعذر.

وانتهت معركة أحد بهزيمة المسلمين بعد أن حققوا على أرضها نصرا عظيما.

وكتب السير والتاريخ تجمع على أن الهزيمة لم تكن نتيجة لتفوق المشركين في قتالهم أو في بلائهم ، إنما كانت نتيجة خطأ ارتكبه فريق من المؤمنين ، أولئك هم الرماة الذي وكل إليهم الرسول مهمة حماية المؤخرة من فوق قمة الجبل ، وأمرهم ألا يغادروا مواقعهم مهما يكن الأمر حتى يأمرهم هو بمغادرتها ، بيد أنهم ما كادوا يبصرون قريشا تنهزم وتنسحب قواتها من المعركة مخلفة أسلابها وغنائمها ، حتى غادروا مواقعهم ونزلوا إلى أرض القتال يجمعون الغنائم والأسلاب.

هنالك ، جمع الجيش المنسحب فلوله ، وعاد حثيثا إلى المسلمين وقد انكشفت مؤخرتهم ، وفاجأهم بهجوم مباغت وعنيد.

وهكذا تحوّل النصر إلى هزيمة.

ووعى الدرس كله ، والعبرة جميعا حامل لواء المسلمين آنئذ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

لقد ازداد ساعتئذ علما بما كان علمه من قبل : وهو أن دين الله لا ينبغي أن يكون طريقا إلى دنيا وأن الذين يتقدمون ليحملوا كلمة الله ورايته ، يجب ألا يشغلهم عنها أسلاب ، ولا غنائم ، ولا أطماع ، ولا مناصب فإن هم فعلوا وكلهم الله إلى أنفسهم ، وما أعجز الأنفس حين تفقد رعاية الله وتوفيقه.

حذق علي هذا الدرس جيدا كما حذقه يومئذ أكثر الأصحاب.

وعاش علي عمره كله لا ينساه ، فغدا عند ما تأتيه الخلافة في فتن كقطع الليل المظلم ، ثم عند ما تفرض عليه تلك الصدامات المروعة مع معاوية ، ومع الخوارج ، لن ينسى درس أحد أبدا.


__________________

لن يضع دين الله موضع مساومة ، ولا مزايدة.

كل مغريات السلطان ، ومباهج الدنيا ، لن تظفر منه بنظرة واحدة ستظل كلتا عينيه على دين الله ، لا تتحولان عنه ، ولا تغمضان دونه لن يشتري سخط الله برضاء الدنيا بمن فيها.

ولكنه يتقبل سخط الدنيا كلها ، والناس أجمعين بلحظة واحدة من رضاء الله رب العالمين.

والآن نتابع البطل في خيبر :

فأمام حصنها المنيع ارتدّت أول يوم كتيبة قوية يقودها أبو بكر الصديق.

ثم ارتدت في اليوم الثاني كتيبة أخرى ، يقودها عمر بن الخطاب.

لم يجزع الرسول ، فما كان هو بالجازع أبدا ، وإنما ألقى على الصفوف الحافلة بأصحابه وبجيشه نظرة متفائلة وقال : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه.

يقول عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه : ما تمنيت الإمارة قط إلا ذلك اليوم ، رجاء أن أكون من يحبه الله ورسوله.

أصبح الصباح ، وأقبل المسلمون إلى حيث يلتقون برسولهم وكلهم شوق إلى معرفة الرجل الذي سيعطيه الرسول الراية ، والذي سيتم على يديه فتح ذلك الحصن الرهيب.

واكتملت أعدادهم ، واستوت صفوفهم واشرأبت الأعناق متمنية راجية.

وشق السكون صوت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : أين علي بن أبي طالب؟ كان علي هناك وسط الزحام لم يخطر بباله يومئذ أن يكون هو الرجل الذي وعد الرسول أصحابه ، وجعله بشرى الفتح القريب.

لم يخطر هذا الإختيار بباله لسبب يسير ، هو أنه في ذلك اليوم كان يشكو رمدا في عينيه ، لا يمكنه من العمل الصعب الذي تتطلبه مهمة ذلك اليوم المشهود.

ولكنه لبى نداء الرسول من فوره : ها أنا ذا ، يا رسول الله وأشار الرسول إليه بيمينه


__________________

ليتقدم منه ، فتقدم البطل ورأى الرسول ما بعينه من وجع واهتياج ، فبلّل أنامله المضيئة بريقه الطهور ، ومسّ بها عين البطل ثم دعا بالراية فأمسكها ورفعها إلى أعلى وهزّها ثلاثا ، ثم غرسها في يمين علي ، وقال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك.

دقائق ، لعلها لا تجاوز خمسا ولكنها تمثل حياة كاملة لا منتهى لأبعادها ، ولا غاية لأمجادها. حمل البطل الراية ، وتقدم كتيبته يهرول هرولة وأمام باب الحصن نادى : أنا علي بن أبي طالب. أجل فإنه ليعرف تماما ما هذا الاسم في أفئدة أعداء دينه من رهبة ، وما يثيره فيهم من فزع وخذلان.

وتلقى علي ضربة قوية لم تصبه بسوء ، لكنها أطارت ترسه من يده.

ورأى نفسه يواجه فرقة مسلحة من حرس الحصن ، فصاح : والذي نفسي بيده ، لأذوقن ما ذاق حمزة أو ليفتحن الله لي.

رأى سليل بني هاشم نفسه ، ولا درع معه فاندفع نحو باب من أبواب الحصن ولا يدرى الناس عندها ما ذا حدث؟

كل ما يذكرون أن عليا صاح الله أكبر ثم التفت نحوهم وباب الحصن بين يديه.

يقول أبو رافع مولى رسول الله ، وقد كان ضمن كتيبة علي : لقد هممت أنا وسبعة معي أن نحرك هذا الباب من مكانه على الأرض فما استطعنا.

وهجمت كتيبة الإسلام تحت قيادة بطلها علي وفي وقت وجيز ، كانت القوة المنتصرة تردد من شرفات الحصن الذي سقط بكل ما فيه ، هتاف القصر.

الله أكبر ، خربت خيبر وصدقت نبؤة الرسول التي قالها لابن عمه : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك. أجل لقد فتح الله عليه ، ومنحه النصر المرتجى.

الآن مع البطل في يوم الخندق حيث هوجمت المدينة بأربعة وعشرين ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان ، وعيينة بن حصن.

وكان الرسول عليه الصلاة والسّلام حين حلم بخروجهم وتحركهم صوب المدينة ، قد استجاب لرأي سلمان الفارسي بحفر خندق حولها. وحفر الخندق ، وفوجئ به


__________________

جيش الشرك. والنطق من معسكر قريش التي أضناها اقتحام الخندق ، نفر من مقاتليها على رأسهم عمرو بن عبد ود وتيمّموا لأنفسهم ثغرة في الخندق ينفذون منها ، وفعلا وجدوا مكانا ضيقا تقحمته خيولهم.

ووقف هو ومن معه من فرسان قريش ، أمام المسلمين ، وصاح : من يبارز؟

وفي مثل ومض البرق وجد أمامه البطل. إذ وقف علي أمامه وجها لوجه. وقال : يا عمرو ، إنك كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه. فأجابه عمرو : أجل. قال علي : فإني أدعوك إلى الله ، ورسوله ، وإلى الإسلام قال عمرو : لا حاجة لي إلى ذلك ، قال علي : إذن ، فأنا أدعوك إلى النزال ، قال عمرو : لم يا ابن أخي ، فو اللات ما أحب أن أقتلك. قال علي : ولكني والله أحب أن أقتلك. فغضب عمرو ، وأخذته حمية الجاهلية ، واقتحم عن فرسه وعقره ، ثم هجم على علي الذي تلقاه بعنفوان أشد ، وخاضا معا نزالا رهيبا ، لم تطل لحظاته حتى رفع علي سيفه المنتصر ، في حين كان خصمه عمرو بن عبد ود مجندلا على الأرض صريعا. وعاد علي إلى صفوف المسلمين ، تستقبله تحيات شاعرهم :

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

ونصرت ربّ محمد بصواب

لا تحسبن الله خاذل دينه

ورسوله ، يا معشر الأحزاب

وقبل أن نستطرد مع مشاهد بطولته الخارقة ، يحسن بنا أن نتذكر ما قلناه من قبل ، ألا وهو أن بطولة علي كانت تزدان بكل شرف الرجولة. ولم تكن قط في خدمة هوى أو زهو. إنما كانت في خدمة تلك المبادئ العلى التي هداه الله إليها والتي آمن بها علي أوثق الإيمان.

من أجل هذا لا نعثر على مشهد واحد من مشاهد بطولته ، يمثل عدوانا ، أو بهتانا. وبطولته على الرغم من شموختها ، واقتدارها ، كانت بطولة مسالمة عاقلة ، عادلة. ففي هذه البطولة التقت شدة البأس ولين الجانب لقاء موفقا.

من أجل هذا نجد الرسول عليه‌السلام يندبه في مهام الحرب والقتال لتلك التي تتطلب حظا وافرا من ضبط النفس ولين الجانب ، وفي هذا تزكية لبطولته وإطراء.


__________________

في ذلك اليوم المشهود يوم فتح مكة كان الزعيم الأنصاري سعد بن عبادة يحمل الراية على كتيبة كبيرة من المسلمين.

ولم تكد تتراءى له مشاهد مكة ، حتى استجاشته ذكريات عداء قريش للرسول ولصحبه ، فصاح قائلا وسط نشوة الظفر التي تستخف الأحلام : اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة. قالوا : وسمعه بعض الصحابة فروعهم هذا النداء.

وسارع عمر بن الخطاب إلى النبي عليه‌السلام ونقل إليه كلمات سعد ، وقال معقبا عليها : يا رسول الله ، ما نأمن أن يكون لسعد في قريش صولة. وعلى الفور ، نادى الرسول عليا وقال له : أدرك سعدا ، وخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها.

علي الذي شهد كل الأذى الذي صبته قريش على ابن عمه ورسوله ، علي الذي يحمل طاقة زاخرة فوارة تحرك الجبال ، علي ، وهذا يومه ، حيث يتوقع منه بأس المقاتل ، وزهو المنتصر يختاره أعرف الناس به لمهمة قهر الزهو ، ونسيان الثار مهمة دخول مكة المفتوحة ، في تواضع وإخبات ، وسلام.

ومشهد آخر ، يعرفنا بجمال هذه البطولة ، وإنسانيتها ، وما كانت تتمتع به من أناة ، ومعدلة.

فبعد فتح مكة ، أرسل الرسول إلى من حولها من القبائل سرايا تدعوها إلى الله في غير قتل لها ، أو حرب معها.

وكان خالد بن الوليد على رأس إحدى هذه السرايا. أمره الرسول أن يسير بأسفل تهامة داعيا ، لا مقاتلا. وعند قبيلة بني خذيمة بن عامر ، تصرف أحد رجالها تصرفا تسرع تجاهه خالد فأعمل فيهم السيف.

ونمى الخبر إلى رسول الله ، فغضب وحزن ، وبريء إلى الله مما صنع خالد بن الوليد ، ثم رأى عليه‌السلام أن يبادر بإرسال رسول سلام ، وكان ابن أبي طالب هو الرسول المختار. دعاه رسول الله إليه ، وقال له : يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك. وأعطاه الرسول من المال ما يكفى لديه القتلى ، وتعويض أهلهم عن كل خسارة حاقت بهم ، وقام علي بالمهمة خير قيام.


__________________

وهكذا ، حيث تضرى البطولات ، وتستعلى الأناة والحكمة يكون علي هو الرجل وهو البطل الذي يختاره الرسول ليقيم الميزان بالقسط ، ويمزج القصاص بالعدل ، والقوة بالرحمة ، ويضع الشجاعة تحت إمرة السداد والأناة والحكمة.

وإذا كان الفضل ما يشهد به الأعداء ، فلنستمع في هذا المقام لشهادة أبي سفيان أيام شركه ووثنيته.

فعند ما نقضت قريش عهدها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واستخار النبي ربه في الخروج إلى مكة لفتحها ، نمي الخبر إلى قريش فسقط في يدها ، وأرسلت أبا سفيان إلى المدينة ، ليعتذر إلى الرسول ، وليسأله الموافقة على المعاهدة التي كانت بينهما ، والتي أبرمت يوم الحديبية.

ونزل أبو سفيان المدينة وقابل زعماء المسلمين راجيا أن يزكوا مهمته عند الرسول فكلهم رفض. بل إن ابنته أم حبيبة وكانت إحدى زوجات النبي أبت أن تجلسه على فراش رسول الله ، وكان مبسوطا في فناء حجرتها ساعة دخوله عليها فطوته عنه ، ولما عاتبها في صنيعها هذا أجابته قائلة : إنك مشرك وفراش رسول الله لا يطؤه مشركون.

ولما عاد إلى مكة خائب المسعى ، جلس يحدث قريشا عن محاولته ، فقال فيما قال : وجئت ابن أبي قحافة يعني أبا بكر فلم أجد منه عونا وجئت ابن الخطاب ، فوجدته أعدى العدو لقد قال لي : أأنا أشفع لكم عند رسول الله؟ والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ، وجئت عليا فوجدته ألين القوم.

أجل في هذه المناسبة بالذات ، حيث لا يتوقع من علي كرم الله وجهه سوى بأس المقاتل ، وتشفى صاحب الثار ، نجد لين الجانب ورحمة الغالب يسمان موقفه وتصرفه.

وبشهادة من؟ بشهادة خصمه أبي سفيان زعيم قريش يومئذ وقائد جيوشها ، وحامل لواء وثنيتها.

ذلكم هو نوع البطولة التي أفاءتها مقادير علي عليه.

بطولة ، يقودها العقل لا العاطفة.


ومنهم العلامة محمد بن أبي بكر الأنصاري في «الجوهرة» (ص ١٣ ط دمشق) قال :

وأجمع رواة الآثار على أن عليا صلّى القبلتين وهاجر وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد ، وأنه أبلى ببدر وبأحد والخندق وخيبر بلاء عظيما ، وأنه أغنى في تلك المشاهد ، وقام فيها المقام الكريم. وكان لواء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده في مواطن كثيرة. وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك.

ولما قتل مصعب بن عمير يوم أحد ، وكان اللواء بيده دفعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى علي وشهد بدرا وهو ابن خمس وعشرين سنة. قاله ابن إسحاق.

__________________

بطولة ، تحكمها أخلاقياتها النبيلة السامية ، فلا تستعلي على الرحمة ولا تزيغ عن الحق ولا تتنكب طريق الأناة والحكمة.

وبهذه البطولة وقف علي تحت راية الرسول في حياته وبعد مماته ، بهذه البطولة الشهمة العادلة ، قاتل المشركين ، فما تخلف عن غزاة ولا عن مشهد أبدا. إلا غزاة واحدة أمره الرسول بعدم الخروج إليها ليكون خليفته في المدينة على أهله.

ولما تململت روح البطل إزاء هذا التخلف أرضاه الرسول بقوله على ملاء من أصحابه : أما يرضيك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

وبهذه البطولة الشهمة العادلة ، سيخوض قتاله مع معاوية ومع الخوارج.

وسيواجه الفتن الحالكة التي تدع الحليم حيران ، بأخلاقه الطاهرة ، قبل أن يواجهها بمقدرته القاهرة.

لن يجد بأسا أي بأس في أن يخسر ألف معركة ، ولكنه لن يسمع للظروف مهما تبلغ ضراوتها وشدتها أن تسلبه فضيلة واحدة من فضائل نفسه وفضائل دينه.

والحق أن معارك الحروب الأهلية التي اضطر الإمام لخوضها كانت أعظم مجالي عظمته ، ورجولته ، ونبله. فإلى هناك لنرى بعض مشاهدها.

إن منصة الأستاذية قد رفعت فوق المشقة والهول ، وقد علاها البطل والمعلم ليرى الدنيا على الطبيعة كيف تعمل البطولات العظيمة في نبل ، واستقامة ، وشرف.


ومنهم العلامة ولي الله اللكهنوي المولوي في كتابه «مرآة المؤمنين مناقب أهل بيت سيد المرسلين» (ص ٤٧ مخطوط) قال ما تعريبه :

الثالث : إن جبرئيل وميكائيل كانا مع علي في حروبه ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حارب علي وجبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله.

وكان له فضائل عظيمة في غزوة أحد ، وقد كان فرّ فيها أكثر المقاتلين والتجئوا إلى الجبال وثبت في القتال عدّة منهم علي عليه‌السلام.

وبعد أن استشهد مصعب بن عمير صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى رسول الله اللواء للمرتضى وقاتل وقتل صاحب لواء الكفار.

ومنهم العلامة الشيخ أبو القاسم أحمد بن الخطيب المعروف بابن قنفذ القسنطيني الأندلسي المالكي المتوفى سنة ٨١٠ في «وسيلة الإسلام بالنبي (ص)» (ص ١٠٤ ط بيروت) قال :

وخرج طلحة بن أبي طلحة من المشركين في غزوة أحد يطلب مبارزة علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه فخرج إليه علي فصرعه ميتا وقتل من أشراف المشركين نحوا من عشرين.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٣٨ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وأما شجاعته فأشهر أن تذكر وهو صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفاتح خيبر وشهد به ببدر وأحد وغيرها من المشاهد بلغت حدّ التواتر حتى صارت شجاعته معلومة بالضرورة ويضرب به المثل لا يمكن جحودها من صديق ولا عدوّ


وقد تقدم حديث ابن عباس في سعة علمه متضمنا ذكر شجاعته.

ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد الخافي الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص ٥٣ نسخة مكتبتنا العامة بقم) قال :

وأما الشجاعة فهو مشهور بها عند الخاص والعام فهي أنور من النهار وأضوء من الشمس لذوي الأبصار ، وقد كان جماعة من الصحابة لهم صفات الشجاعة كعمر بن الخطاب والزبير بن العوام وخالد بن الوليد وأبي دجانة الأنصاري وكل منهم معترف لعلي بالرجحان على الشجعان وقد شهدت له بالشجاعة مغازي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ففي غزاة بدر قتل فيها صناديد قريش كالوليد بن عتبة والعاص بن سعيد بن العاص الذي أحجم المسلمون عنه ونوفل بن خويلد الذي قرن أبا بكر وطلحة بن عبيد الله قبل الهجرة وأوثقهما بحبل وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما علم بحضوره : اللهم اكفني نوفلا. ولما قتله علي عليه‌السلام قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحمد لله الذي أجاب دعائي فيه. ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتى قتل نصف المقتولين وكانوا سبعين قتيلا.

وفي غزاة أحد انهزم المسلمون وعلي يدافع عنه وصاح صائح في المدينة قتل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانخلعت القلوب ولما أفاق صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غشيته قال : يا علي ما فعل المسلمون؟ قال : نقضوا العهد وولّوا الدبر. فقال : يا علي اكفني أمر هؤلاء فتعجبت الملائكة من ثباته فقال جبرئيل : قد عجبت الملائكة من حسن مواساة علي عليه‌السلام لك بنفسه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه.

وغزاة الخندق حين نادى عمرو بن ودّ بالبراز ولم يخرج إليه أحد وكأنها على رؤسهم الطير فخرج إليه علي عليه‌السلام وقتله. قال ربيعة السعدي : أتيت حذيفة اليمان فقلت : يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن علي عليه‌السلام ومناقبه فيقول أهل البصرة


إنكم لتفرطون في علي عليه‌السلام فهل تحدثني بحديث؟ فقال حذيفة : والذي نفسي بيده لعمل علي عليه‌السلام في مقاماته وجهاده لا يوازيه عمل عامل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن كان حذيفة وأصحاب رسول الله يوم عمرو بن ودّ وقد دعا للبراز وأحجم الناس ما خلا علي عليه‌السلام فإنه برز إليه فقتله والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي غزاة بني المصطلق قتل مالكا وابنه واصطفى جويرية بنت الحارث فاصطفاها النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي غزاة خيبر كان الفتح فيها له قتل مرحبا وانهزم الجيش بقتله وغلقوا باب الحصن فعالجه ورمى به وجعله جسرا على الخندق للمسلمين وظفروا بالحصن وأخذوا الغنائم وقال عليه‌السلام : والله ما قلعت باب خيبر بقوّة جسمانية بل بقوة ربانية.

وفي غزاة حنين مع كثرة المسلمين انهزموا ولم يثبت إلا علي عليه‌السلام وتسعة رهط من هاشم فأنزل الله تعالى (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) ثم أنزل الله سكينته على رسول الله وعلى المؤمنين يريد عليا ومن ثبت معه وقتل جمعا كثيرا فانهزم المشركون ووقع الأمر فيهم وابتلى بجميع الغزوات وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

روى أبو بكر الأنباري في أماليه : إن عليا جلس إلى جانب عمر بن الخطاب في المسجد ، فلما قام عرض واحد بذكره ونسبه إلى النيه والعجب ، فقال عمر : حق لمثله ذلك والله لولا سيفه لما قام عمود الإسلام وهو بعد أقضى الأمة وذو سابقتها وشرفها.

ومنهم العلامة الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي المشتهر بابن الجوزي المولود ببغداد سنة ٥١٠ والمتوفى بها سنة ٥٩٧ في «غريب الحديث» (ج ١ ص ٨٤


ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

في الحديث : كانت ضربات علي عليه‌السلام مبتكرات لا عونا. قال ابن الأنباري : معناه أنه كان يقتل بالضربة الواحدة ولا يحتاج أن يعيد الضربة.

وقال أيضا في ص ١٨٢ :

في حديث علي عليه‌السلام : أنه حمل على المشركين فما زالوا يبقطون. أي يتعادون في الجبال. يقال : بقط وبرقط.

وقال أيضا في ج ٢ ص ٤٣٦ :

وقال رجل : عند علي بن أبي طالب شجاعة ما تنكش. [أي ما تستخرج لأنها بعيدة الغاية ، يقال : هذه بئر ما تنكش] ، أي تنزح.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد فرج في كتابه «المدرسة العسكرية الإسلامية» (ص ٣٦٠ ط دار الفكر العربي) قال :

ومن المسلمين الذين ذاعت شجاعتهم علي بن أبي طالب الذي نام في فراش رسول الله يوم الهجرة ثم شارك في جميع الغزوات ، وكانت له فيها مواقف تتسم بالجرأة والشجاعة ، ومنها موقفه يوم الخندق عند ما واجه عمرو بن عبد ود قائلا : يا عمرو إنك عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه فإني أدعوك إلى النزال ، فأجابه عمرو : ولم يا ابن أخي؟ فو الله ما أحب أن أقتلك ، فقال علي : ولكني والله أحب أن أقتلك ، ثم تبارزا وقتله علي. وكان علي صاحب الراية في غزوة بني المصطلق ، فلما رفض بنو قريظة حكم سعد بن معاذ صاح علي : يا كتيبة الإيمان ، والله لأذوقن ما ذاق حمزة ، أو لأفتحن حصنهم ، فلما سمعوا صيحته قالوا : يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ.


ومنهم العلامة اللغوي أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري المتوفى سنة ٣٨٢ في «تصحيفات المحدثين» (ص ٦٦ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

وأما الحديث الآخر في ذكر علي كرم الله وجهه : وإنه لقضم ما يطاق. فإنه بالقاف وضاد معجمة أي يقضم كل شيء لشجاعته.

ومنهم الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه «في رحاب علي عليه‌السلام» (ص ٧١ ط دار المعارف بمصر ودار المعارف بلبنان)

فذكر شجاعته وفضائله النفسانية.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ صفي الرحمن المباركفوري الهندي في كتابه «الرحيق المختوم» (ط دار الكتب العلمية في بيروت)

فذكر شجاعته وعدله وسماحته وفضائله النفسانية سلام الله عليه.

ومنهم العلامة السيد شهاب الدين أحمد الحسيني الإيجي الشيرازي الشافعي في «توضيح الدلائل» (ق ١٢٧ نسخة المكتبة الملي بفارس) قال :

وشجاعة علي وقوته ورجوليته معروفة وقيل : إنه لم ينهزم من قرنه قط وما بارز أحدا إلا غلبه ، وفي وصف ضربته عليه‌السلام : إنه كان إذا اعتلى قدّ وإذا اعترض قطّ ، قد أي قطعه طولا ، قطّ أي قطعه عرضا.

وفي بعض تفاسير وجدت أنه رضي الله تعالى عنه قتل مائة ألف كافر ، وما أعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية إلا فتح الله تعالى على يديه ، وكان إذا قاتل يقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره.

وقد طالعت في بعض كتب المغازي أن في غزاة لم يكن علي عليه‌السلام حاضرا وكان جبرئيل عليه الصلاة والسّلام حاضرا فقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أعط


نصيبي وقسمتي من المغنم عليا ، وهذا لفضله وشجاعته.

وقال فيه أيضا :

ومنها سيف الله ، قال الإمام الفقيه المذكور قدس‌سره : هكذا جاء في الحديث : إنه أهلك الله تعالى به أعداءه ، فكان واسطة وسببا لإفناء أعداء الله في أرضه كما أن السيف آلة المحارب في إهلاك قرنه المبارز.

قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام حية

وهو كان في المهد صبيا

رواه جماعة من علماء العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في كتابه «الكوكب المضيء» (ق ٥٦ نسخة مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال :

ومن كراماته التي وقعت له وهو رضيع ما ذكره ابن الجوزي : إنه كان رضي‌الله‌عنه في مهده فقصدته حيّة فانحدر من مهده ونزل إليها وقتلها فتعجبت أمّه من ذلك فسمعت هاتفا يقول : حيدرة انحدر من مهده إلى عدوه فقتله.

وكان درع علي عليه‌السلام لا ظهر لها

رواه جماعة من علماء العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة أبو بكر أحمد بن مروان بن محمد الدينوري المتوفى سنة ٣٣٠ في


كتابه «المجالسة وجواهر العلم» (ص ١٩٣ ط معهد العلوم العربية في فرانكفورت سنة ١٤٠٧) قال :

حدثنا أحمد ، نا عامر بن عبد الله الزبيري ، نا مصعب بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جده قال : كان علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه حذرا في الحرب جدا شديد الروغان من قرنه إذا حمل يحفظ جوانبه جميعا من العدو وإذا رجع من حملته يكون لظهره أشد تحفظا منه لقدامه لا يكاد أحد يتمكن منه ، وكان درعه صدره لا ظهر لها فقيل له : ألا تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك؟ فقال : إن أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.

ومن شجاته عليه‌السلام مبيته على فراش رسول الله

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الهجرة

تقدم ذكره مرارا في هذه الموسوعة الشريفة ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق ، ونذكر بهذا العنوان (الشجاعة) :

فمنهم الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في «منهاج المسلم» (ص ١٥٣ ط دار الكتب السلفية ـ القاهرة) قال :

في دار الندوة وافق مجلس شيوخ قريش بإجماع الآراء على اقتراح تقدم به أبو مرة لعنة الله عليه يقضي بقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واغتياله في منزله ، وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم القرار الجائر ، وقد أذن له بالهجرة ، فعزم عليها ، وبحث على من ينام على فراشه ليلا ليموه على المتربصين له ليبطشوا به ، فيغادر المنزل ويتركهم ينتظرون قيامه من فراشه ، فوجد ابن عمه الشاب المسلم علي بن


أبي طالب رضي‌الله‌عنه أهلا للفداء والتضحية فعرض عليه الأمر فلم يتردد علي في أن يقدم نفسه فداء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فينام على فراش لا يدري متى تتخطفه الأيدي منه لترمي به إلى المتعطشين إلى الدماء يلعبون به بسيوفهم لعب الأرجل بالكرة ، ونام علي وآثر رسول الله بالحياة فضرب بذلك على حداثة سنه أروع مثل في التضحية والفداء ، وهكذا يؤثر المسلم على نفسه ويجود حتى بنفسه ، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.

ومن شجاعته عليه‌السلام

ما رواه القوم

فمنهم الفاضل المعاصر محمد بن قاسم ابن الوجيه في «المنهاج السوي» شرح منظومة الهدى النبوي للحسن بن إسحاق (ص ٣٢١ ط دار الحكمة اليمانية ـ صنعاء) قال عند ذكر غزوة بني النضير :

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد ضرب قبته بمحل قريب من حصنهم ، وفيهم رجل بطل فاتك رام يقال له عروك ، وكان يرمي حتى يبلغ نبله خيمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمر بقبته فحوّلت ، وكان يخرج عروك ليلا يطلب قرة من المسلمين ، فلما كان ذات ليلة فقد المسلمون علي بن أبي طالب ، فقالوا : يا رسول الله ، ما نرى عليا ، فقال : دعوه فإنه ذهب في بعض شأنكم، فما لبثوا أن جاء علي برأس عروك يحمله ، وكان عروك قد خرج بعشرة من اليهود يطلب غرة من المسلمين ، فقتله علي وفرّ أصحابه ، فأمر رسول الله أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة من المسلمين يتبعونهم فأدركوهم وقتلوهم عن آخرهم ، وأنزل الله الرعب على بني النضير فسألوا رسول الله أن يجلبهم ويكف عن أنفسهم وأموالهم ـ إلى آخر القصة.


مستدرك

إن عليا عليه‌السلام كان معه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

في بدر واحد وغيرهما

قد مضى نقل ما يدل عليه من أعلام العامة في ج ٨ ص ٣٤٨ وج ١٣ ص ٣١٠ وج ١٨ ص ٧١ و ٧٤ و ٧٦ وج ٢٠ ص ٣٢٩ و ٣٣١ ومواضع أخرى من هذا الكتاب المستطاب ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في «جامع الأحاديث» (ج ٩ ص ١٤٦ ط دمشق) قالا :

كانت رايته صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع علي وراية الأنصار مع سعد بن عبادة ـ الحديث (حم) عن ابن عباس.

ومنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ١٥٣ و ١٥٤ و ٢١٥ و ٢٢١ و ٢٣٤ و ٢٥٨ ط مؤسسة الكتب الثقافية ودار الفكر في بيروت) قال :

وأعطى اللواء علي بن أبي طالب.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٣ ص ١٥٦ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

وحمل لواءه علي بن أبي طالب.

ومنهم الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة ٣٦٠ في «المعجم الكبير» (ج ١١ ص ٣٨٨ ط مطبعة الأمة ببغداد) قال :


حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : كان عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر ، وكان المهاجرون نيفا وستين رجلا ، وكانت الأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلا ، وكان صاحب راية المهاجرين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادةرضي‌الله‌عنهم.

وقال أيضا في ص ٣٩٣ :

حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل ، ثنا علي بن الجعد ، ثنا أبو شيبة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : إن علي بن أبي طالب كان صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم بدر وصاحب راية المهاجرين علي وفي المواطن كلها وقيس بن سعد ابن عبادة صاحب راية علي.

ومنهم العلامة المولى شهاب الدين أحمد الخفاجي المصري في «نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض» (ج ١ ص ٣٥٨ ط دار الفكر ـ بيروت) قال :

وسلّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية عليا كرم الله وجهه.

ومنهم العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني رئيس محكمة الحقوق في بيروت في «الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية» (ص ٦٣ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت) قال :

وحمل اللواء علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

ومنهم السيد رفاعة الطهطاوي في «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ج ٢ ص ٥١ ط مكتبة الآداب بالحجاز) قال :

وحمل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه اللواء وكان أبيض.


ومنهم الفاضل المعاصر صالح يوسف معتوق في «التذكرة المشفوعة في ترتيب أحاديث تنزيه الشريعة المرفوعة» (ص ٣٩ ط دار البشائر الإسلامية ـ بيروت) قال :

كانت راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد مع علي وراية المشركين مع طلحة ١ / ٣٨٥

ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في «موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف» (ج ٥ ص ٣١ ط عالم التراث للطباعة والنشر ـ بيروت) قال :

دفع الراية إلى علي بن أبي طالب مجمع ٩ : ١٢٥.

دفع الراية إلى علي يوم بدر ك ٣ : ١١١.

وأشار إلى ذلك أيضا في ج ٦ ص ١٦٩ و ٢٨٢.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد عفيف الزعبي كان حيا سنة ١٣٩٦ في «مختصر سيرة ابن هشام» (ص ١١٨ ط بيروت سنة ١٤٠٢) قال :

وكان أمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رايتان سوداوان ، إحداهما مع علي بن أبي طالب ، يقال لها العقاب والأخرى مع بعض الأنصار.

وقال جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة من طبقات ابن سعد» (ص ١٩٣ ط الزهراء للإعلام العربي في القاهرة):

أخبرنا روح بن عبادة قال : أخبرنا بسطام بن مسلم ، عن مالك بن دينار قال : قلت لسعيد بن جبير : من كان صاحب راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إنك لرخو اللبب. فقال لي معبد الجهني : أنا أخبرك ، كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي ، فإذا كان القتال أخذها علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.


مستدرك

ما ورد في شجاعته عليه‌السلام يوم بدر

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٤ ص ٢٥٤ و ٢٦٥ وج ٥ ص ٣٦٨ وج ٨ ص ٣١٨ و ٣٤٩ و ٣٦٦ و ٣٧٠ و ٥٢٦ وج ١٨ ص ٢٩ و ٧٢ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم ننقل عنها فيما سبق :

فمنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٢٧٢ ط دمشق) قالا :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : تقدم عتبة بن ربيعة وتبعه ابنه وأخوه ، فنادى : من يبارز؟ فانتدب له شباب من الأنصار ، فقال : من أنتم؟ فأخبروه ، فقال : لا حاجة لنا فيكم ، إنما أردنا بني عمنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا حمزة ، قم يا علي ، قم يا عبيدة بن الحارث ، وأقبل حمزة إلى عتبة ، وأقبلت إلى شيبة ، واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان ، فأثخن كل واحد منهما صاحبه ، ثم ملنا على الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة.(د ، ك ، ق في الدلائل).

وقالا أيضا في ٧٤٤ :

عن محمد بن علي بن الحسين رضي‌الله‌عنه قال : لما كان يوم بدر ، فدعا عتبة بن ربيعة إلى البراز ، قام علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه إلى الوليد بن عتبة ، وكانا مشتبهين حدثين ، وقال بيده فجعل باطنهما إلى الأرض فقتله ، ثم قام شيبة بن ربيعة ، فقام إليه حمزة وكانا مشتبهين ، وأشار إليه فوق ذلك فقتله ، ثم قام عتبة بن ربيعة ، فقام إليه عبيدة بن الحارث وكان مثل هاتين الأسطوانتين فاختلفا ضربتين ، فضربه


عبيدة ضربة أرخت عاتقه الأيسر ، فأسف عتبة لرجل عبيدة فضربها بالسيف فقطع ساقه ، ورجع حمزة وعلي رضي‌الله‌عنهما على عتبة فأجهزا عليه ، وحملا عبيدة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العريش فأدخلاه عليه ، فأضجعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووسده رجله ، وجعل يمسح الغبار عن وجهه ، فقال عبيدة : أما والله يا رسول الله ، لو رآك أبو طالب لعلم أني أحق بقوله منه حين يقول:

ونسلمه حتى نصرع حوله

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

ألست شهيدا؟ قال : بلى ، وأنا الشاهد عليك ، ثم مات فدفنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصفراء ، ونزل في قبره ، وما نزل في قبر أحد غيره. (كر).

ومنهم العلامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي التونسي المتوفى سنة ١٩٤٤ م في «معجز محمد رسول الله» صلعم (ص ٢٣٩ ط دار الغرب الإسلامي) قال :

العاص بن سعيد بن العاص بن أمية ، والوليد بن عتبة بن ربيعة ، وعامر بن عبد الله بن أنمار ، وطعيمة بن عدي ، ونوفل بن خويلد بن أسد المعرف بابن العدوية ، والنضر بن الحرث بن كلدة بن علقمة قتل في الأسر ، وعمير بن عثمان بن عمرو بن كعب ، ومسعود بن أبي بن أمية بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكهة بن المغيرة ، وعبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة بن عائذ ، والعاس بن منبه بن الحجاج ، وأبو العاص قيس بن عدي ، وأرس بن معبر بن لوذان ، ومعاوية بن عامر ، ومسعود بن أبي أمية بن المغيرة ، وحاجب بن السائب ، هؤلاء قتلهم علي بن أبي طالب ، وقيل شاركه في قتلهم آخرون ذكرهم الرواة.

وذكر جماعة شجاعته عليه‌السلام في ذلك اليوم :

فمنهم الحافظ الشيخ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله الشامي المصري المتوفى سنة ٦٥٦ في «مختصر سنن أبي داود» (ج ٤ ص ١٢ ط دار


المعرفة ـ بيروت).

ومنهم الحافظ الشيخ محمد بن حبان بن أبي حاتم التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في كتابه «الثقات» (ج ١ ص ١٧١ ط دائرة المعارف العثمانية في حيدرآباد).

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ٥٠ ط بيروت سنة ١٤٠٨).

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ١٢٦ ط دار الجيل في بيروت).

ومنهم السيد رفاعة رافع الطهطاوي في «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ج ٢ ص ٥٨ ط مكتبة الآداب ومطبعتها بالجماميز).

ومنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ١٧٥ ط بيروت) قال :

وقتل علي بن أبي طالب في ذلك اليوم الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وقتل طعيمة بن عدي بن نوفل أخا طعمة ، فلما علاه بالسنة قال : والله لا تخلصنا في الله بعد اليوم أبدا ، وشارك حمزة في قتل عتبة بن ربيعة ، وقتل عامر بن عبد الله الأنماري حليف بني عبد شمس ، وقتل النضر بن الحارث بن كلدة أحد بني عبد مناف ، وقتل العاص ابن سعيد بن العاص بن أمية ، وقتل عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة.

فجميع من قتل من المشركين في ذلك اليوم أربعة وسبعون رجلا وأسر مثل ذلك.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ١ ص ٤١ ط مكتبة غريب الفجالة) قال :


إن عليا لمن أفتى فرسان الله كان في نحو العشرين يوم بدر ، وتقدم أقوى فرسان قريش يتحدون المسلمين ، ويستفزون محمدا ، ويطلبون أقوى فرسانه للمبارزة.

برز من صناديد المشركين عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد فقالوا : من يبارز؟ فخرج مع المسلمين فتية من الأنصار ، فقال عتبة : لا نريد من هؤلاء ، ولكن يبارزنا من بني أعمامنا من بني عبد المطلب. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا حمزة ، قم يا عبيدة ، قم يا علي. فبرز حمزة لعتبة فقتله ، وبرز علي للوليد بن عتبة فقتله ، وقتل عبيدة بن الحارث شيبة بمساعدة حمزة وعلي ، بعد أن قطع شيبة رجل عبيدة.

ونزلت في ذلك الآية الكريمة (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) فالذين آمنوا هم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث ، والمفسدون في الأرض هم عتبة وشيبة والوليد بن عتبة.

وعند ما التحم الجمعان فعل حمزة وعلي في جيش المشركين الأفاعيل ، كما أبلى المجاهدون في سبيل الله بلاء حسنا.

قال علي : قاتلت يوم بدر قتالا ثم جئت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا هو ساجد يقول : يا حي يا قيوم. ثم ذهبت فقاتلت ثم جئت فإذا النبي ساجد يقول : يا حي يا قيوم. ففتح الله عزوجل عليه.

وفي يوم بدر قتل علي أصحاب ألوية قريش ، فأبصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة من مشركي قريش فقال لعلي : احمل عليهم ، فحمل عليهم ففرق جمعهم ، وفروا ، وقتل منهم سيد بني جمح. ثم أبصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة أخرى من المشركين فقال لعلي : احمل عليهم. فحمل عليهم ففرقهم وقتل منهم سيد بني عامر بن لؤي. وفي يوم بدر قتل علي كثيرا من زعماء قريش.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد بن قاسم ابن الوجيه في «المنهاج السوي» شرح منظومة الهدى النبوي للحسن بن إسحاق (ص ٢٩٤ ط صنعاء) قال :


وبعد أن تعدلت الصفوف خرج عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فدعوا إلى المبارزة ، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار ، فقالوا لهم : من أنتم؟ فتسموا لهم ، فقالوا : ما لنا بكم من حاجة ، ثم نادى مناديهم : يا محمد! أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا حمزة وقم يا علي وقم يا عبيدة فقاموا ، فلما دنوا من القوم قالوا : من أنتم؟ فتسموا لهم ، فقالوا : نعم ، أكفاء كرام. فبارز عبيدة عتبة ، وبارز حمزة شيبة ، وبارز علي الوليد ، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا شيبة والوليد أن قتلاهما ، وأما عبيدة فاختلف هو وعتبة ضربتين أثبت كل منهما صاحبه ، وكرّ حمزة وعلي على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله حتى حازاه إلى المسلمين ، وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حفنة من حصى واستقبل بها قريشا وقال : شاهت الوجوه ، ونفحهم بها وقال لأصحابه : شدوا عليهم فوقع النصر ، فما بقي رجل من المشركين إلا ملئت عينه ترابا من تلك الرمية التي رماها وفيها أنزل الله (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال ٨ / ١٧) وفيها أسر عبد الرحمن بن عوف أمية بن خلف وابنه عليا ، فلما أخذ بيده وبيد ابنه قال لعبد الرحمن بن عوف : من الرجل المعلم فيكم بريشة نعامة في صدره؟ قال : ذلك حمزة بن عبد المطلب ، فقال : ذلك الذي فعل بنا الأفاعيل ، ثم لقيهما بلال بن رباح ، وكان أمية هو الذي يعذب بلالا بمكة ، فقال : رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا ، فقال عبد الرحمن لبلال : اسمع يا ابن سوداء ، قال : لا نجوت إن نجا ، ثم صرخ بأعلى صوته : يا أنصار الله هذا رأس الكفر أمية بن خلف ، فأقبل رهط من الأنصار فقتلوا ابنه عليا ثم قتلوه ، وفيها قتل أبو جهل بن هشام ، قيل : قتله ابنا عفراء معاذ ومعوذ ، وانطلق ابن مسعود فوجد أبا جهل في آخر رمق من حياته فأخذ بلحيته ، فقال : أنت أبو جهل؟ فقال : وهل فوق رجل قتله قومه؟ ثم قال له : لمن الدائرة اليوم؟ قال : لله ولرسوله ، وقال له : من الرجل النقي العارضين الذي كان ينحدر أمامه ثم ينحدر خلفه؟ فقال : أما تعرفه؟ قال : لا ، قال : ذلك علي بن


أبي طالب ، قال : ذلك الذي قتل الصناديد ، ما ترك للصلح موضعا ، ثم قال له ابن مسعود : هل أخزاك الله يا عدو الله! ووضع قدمه على خده وأخذ بلحيته فاحتزّ رأسه فأتى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ألقاه بين يديه ، وقال : يا رسول الله هذا رأس أبي جهل ـ القصة.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه «أصهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٥٥ ط دار الهجرة ـ بيروت) قال :

خرج الإمام بصحبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان قد خطب فاطمة ، إنما تزوج بها أو بنى بها بعد عودته من بدر ، وقد أردنا إكمال موضوع الزواج ليكون وحدة مترابطة في سيرة أحب عروسين إلى الله ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وها نحن أولا نرى الإبل تخرج من المدينة في اتجاه بدر والإبل لا تكفي الرجال فيتبادلون الركوب كل ثلاثة على بعير وكان الرسول والإمام علي وزيد بن حارثة من نصيبهم بعير يتبادلونه يريد زيد وعلي إيثار الرسول على نفسيهما ولكنه يأبى ذلك ويقتسم بالعدل.

وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يتناوبون على بعير آخر ، وما أروع التعاون عند الخروج للجهاد في سبيل الله ، وكيف لا يتعاون الأصحاب وبينهم رسول من أنفسهم عزيز عليه ما رغبوا فيه معزّة الخير وما أصابهم كراهيته للشر صلى‌الله‌عليه‌وسلم. إنه عليه‌السلام بهم رءوف رحيم الرحمة في قلبه حتى في تبادل المشي والركوب على البعير عند الخروج للغزو.

بعثه الرسول ومعه الزبير بن العوام وسعد يلتمسون له الخبر في هذا اليوم العظيم في تاريخ المسلمين يوم بدر فأصابوا راوية لقريش منهم أسلم غلام بني الحجاج ، وأبو يسار غلام غلام بني العاص ، فقبضوا عليهما وقادوهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجدوه قائما يصلي ، فسألهما علي : من أنتما؟ قالا : نحن سقاة قريش


بعثونا نسقيهم. وسألهم الرسول بعد أن فرغ من صلاته : أين قريش؟ قالا : هم وراء هذا الكثيب (من الرمال) فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وما عددهم؟ قالا : بين التسعمائة والألف.

وهكذا نجحت المهمة واستطاع الرسول تحديد قوة العدو وحجم قواته واستعد لذلك ، صلوات الله وسلامه عليه.

واقترب الجيشان واحتبست الأنفاس ، فهذه أول تجربة حقيقية بين أئمة الكفر الذين جاءوا بجيش يزيد ثلاثة أضعاف جيش المسلمين.

وصمت الجميع وتحرك إلى الأمام ثلاثة فرسان هم من أبرز المقاتلين في جيش الكفار وهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة فصاحوا بصوت واحد فيه عجرفة وصلافة أئمة الكفر : هل من مبارز يا رجال محمد.

فخرج إليهم رجال من الأنصار بينهم عبد الله بن رواحة فسألوهم : من أنتم؟ قالوا : من الأنصار ، فقالوا لهم : أكفاء كرام وما لنا بكم حاجة؟ ليخرج إلينا أكفّاؤنا من قومنا. فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا حمزة ، قم يا عبيدة بن الحارث ، قم يا علي.

وبارز علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة فلم يمهله وقتله وتساعد عبيدة بن الحارث على عتبة مع حمزة فقتلوه وحمزة ليس في حاجة للتعريف هنا فقد أنجز مهمته.

وفي هذا اليوم العظيم أعزّ الله جنده وكان من أوائلهم علي بن أبي طالب زوج فاطمة بنت محمد وهزم الأحزاب وحده فجعله فئة قليلة تغلب فئة كثيرة بإذن الله ولكن للإمام أدوار كثيرة لنتابعها عن كثب.

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٢ ص ٨٩ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :


فلما دنا القوم منا وصاففناهم إذ رجل منهم يسير في القوم على جمل أحمر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي ناد لي حمزة ـ وكان أقربهم من المشركين ـ من صاحب الجمل الأحمر؟ وما ذا يقول لهم؟ ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن يك في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر ، فجاء حمزة فقال : هو عتبة بن ربيعة ، وهو ينهى عن القتال ويقول : يا قوم إني أرى أقواما مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير ، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا جبن عتبة ، وقد تعلمون أني لست بأجبنكم. فسمع بذلك أبو جهل فقال : أأنت تقول هذا؟ والله لو غيرك يقول هذا لأعضضته ، قد ملأت [رئتك] جوفك رعبا ، فقال : إياي تعني يا مصفّر استه؟ ستعلم اليوم أينا أجبن؟

فبرز عتبة وابنه الوليد وأخوه شيبة ، فقال : من يبرز؟ فخرج من الأنصار شببة ، فقال عتبة : لا نريد هؤلاء ، ولكن يبارز من بني عمنا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قم يا علي ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة بن الحارث. فقتل الله عتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وجرح عبيدة. فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد سعيد زغلول في «فهارس المستدرك» للحاكم (ص ٦٩٣ ط بيروت) قال :

مبارزة حمزة وعبيدة وعلي مع الكفار يوم بدر.

مستدرك

ما ورد في شجاعته عليه‌السلام يوم أحد

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٦ ص ١٠ وج ٨ ص ٣٦٣ و ٣٦٤


و ٣٦٦ وج ١٧ ص ٣٣ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم ننقل عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٢٢١ ط مؤسسة الكتب الثقافية ودار الفكر في بيروت) قال :

وأعطى اللواء علي بن أبي طالب.

إلى أن قال في ص ٢٢٣ :

وقتل علي بن أبي طالب طلحة وهو حامل لواء قريش ، و [أبا] الحكم بن الأخنس ابن شريق ، وعبيد الله بن جبير بن أبي زهير ، وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة.

ومنهم الفاضل المعاصر سميح عاطف الزين في «خاتم النبيين محمد» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ج ٢ ص ٢٤٠ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

وكان أول من تقدم يصيح في المسلمين : من يبارز؟ طلحة بن أبي طلحة ، حامل اللواء ، فينبري له علي بن أبي طالب عليه‌السلام في هجمة بطولية نادرة ، وما أن وصل إليه ، حتى عانقه سيفه البتار بضربة واحدة فلقت هامه ، وهوت به إلى الأرض يمتزج لحمه ودمه بترابها.

وتعالت من جانب المسلمين هتافات التكبير والتوحيد ، وكان أول المكبرين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ سره أن يرى ضربة الحق تفلق هام الباطل ، وبقي علي عليه‌السلام في الساح ينتظر من يخرج إليه ، فدفعت المنية عثمان بن أبي طلحة إلى النزول لملاقاة علي ، فكان حظه من الموت مثل حظ أخيه طلحة ، عندها برز أخوهما سعد يريد أن يقتل عليا بأخويه ، فاختلفا ضربتين ، فنبت ضربة بن


أبي طلحة ، بينما أسقطته ضربة علي عليه‌السلام على الثرى ، فرؤي علي وهو ينصرف عنه ، ولا يجهز عليه ، ولقد سأله أصحابه عن السبب الذي حمله على ترك سعد بن أبي طلحة من غير أن يقضي عليه ، فقال : إنه استقبلني بعورته ، وعلمت أن الله قد قتله.

واندفع عدد آخر من المشركين يحملون لواءهم ويريدون الثأر لأهليهم من علي ، فإذا بعلي يلحقهم بهم إلى جهنم وبئس المصير بضرباته البكر التي بعد الدراسة والتأمل كأنها كانت وحيدة فريدة ، تميزت عن سائر ضربات الأبطال.

ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٤١٥ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال :

حدثنا أبو موسى ، حدثنا محمد بن مروان العقيلي ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة قال : قال علي : لما انجلى الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد نظرت في القتلى فلم أر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : والله ما كان ليفر ، وما أراه في القتلى ، ولكن أرى الله غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فما فيّ خير من أن أقاتل حتى أقتل. فكسرت جفن سيفي ثم حملت على القوم فأفرجوا لي فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه «أصهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٥٨ ط دار الهجرة ـ بيروت) قال :

في غزوة أحد كان امتحان كبير تجاوزه المسلمون والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بروح عالية كان أمر الله هو النافذ فيهما فقد قتل فيها حمزة عم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقتله الوحشي.


وأكلت هند زوجة أبي سفيان كبده ومثّل بجثته فترك ذلك أثرا سيئا على الحبيبين أبناء العمومة فهذا عمهما وما يمنع أن يكون الدافع الدموي والقرابة والنسب قد أحزن الرجلين على عمهما أشد الحزن.

وكان رضي‌الله‌عنه في هذا اليوم صلبا فقد هتف وهو يضرب بعنف ويثير غبارا هائلا خلفه ويقول : أبايعك يا رسول الله على الموت ، وثبت الرجل بجوار رسول الله وكان يدور حوله ، يتلقى السهام عنه شارك في حاجز بشري من المؤمنين الصالحين في الدفاع عن سيد الخلق المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٤٢ ط مكتبة غريب في الفجالة) قال :

أما في يوم أحد فقد أصابته ست عشرة ضربة ، وظل يطعن ويتلقى الطعنات ، فيعالج ويعود للطعان ، وخرج إليه طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين فقال : يا أصحاب محمد تزعمون أن الله يعجلنا بأسيافكم إلى النار ويعجلكم بأسيافنا إلى الجنة فأيكم يبرز إليّ؟ فبرز إليه علي بن أبي طالب وقال : والله لا أفارقك حتى أعجلك بسيفي إلى النار. فاختلفا ضربتين ، فضربه علي فسقط إلى الأرض جريحا ، وبانت عورته. فتوسل إلى علي : أنشدك الله والرحم يا ابن العم. فانصرف علي عنه. فقال المسلمون : يا علي هلا أجهزت عليه؟ فقال : ناشدني الله ولن يعيش. وظل طلحة ينزف حتى مات من ساعته.

وعاد من أحد بصحبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسيفاهما يقطران دما ، فصليا بالمسجد ، ثم دفعا بسيفيهما إلى فاطمة فغسلت عنهما الدماء. وعاد الرسول إلى بيته.

ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٦١ خ) قال:


أصابته يوم أحد ستة عشر ضربة كل ضربة تلزمه الأرض فما كان يرفعه إلا جبرئيل.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد مهدي عامر في «القصة الكبيرة في تاريخ السيرة النبوية» (ص ١٧٧ ط وزارة الثقافة المصرية بالقاهرة) قال :

وبايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت وقتئذ ثمانية ؛ ثلاثة من المهاجرين وهم علي والزبير وطلحة ، وخمسة من الأنصار وهم أبو دجانة والحارث ابن الصمة والحباب وعاصم وسهل بن حنيف ، فقاتلوا دونه ولم يقتل منهم أحد يومئذ وانفرد علي بن أبي طالب بفرقة فيها عكرمة بن أبي جهل فدخل وسطهم بالسيف يضرب به وهم مشتملون عليه حتى بلغ آخرهم ثم كرّ فيهم ثانيا حتى رجع من حيث جاء.

ومنهم المستشار عبد الحليم الجندي في «الإمام جعفر الصادق» عليه‌السلام (ص ٢١ ط المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ القاهرة) قال :

في يوم أحد أخطر معارك الإسلام كان علي في الحرس إلى جوار النبي ، حين أصيب النبي في المعركة. وكان طبيعيا أن يصاب علي بستة عشر ضربة ، كل ضربة تلزمه الأرض. وكما يقول سعيد بن المسيب سيد التابعين : فما كان يرفعه إلا جبريل عليه‌السلام. فلما اشتد الخطب وقتل حامل الراية مصعب بن عمير دفع الرسول الراية لعلي فقتل علي يومذاك واحدا وقيل ثلاثة مشركين.

ومنهم الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي في «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ١٦٨ ط حيدرآباد) قال :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لما انجلى الناس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم


يوم أحد نظرت في القتلى فلم أر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى ولكن أرى الله غضب علينا بما صنعنا فرفع نبيه فما في خير من أن أقاتل حتى أقتل ، فكسرت جفن سيفي ثم حملت على القوم فأفرجوا لي فإذا أنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم.(ع وابن أبي عاصم في الجهاد ، والدورقي ، ض).

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السّلام هارون في «تهذيب سيرة ابن هشام» (ص ١٦٢ ط بيروت) قال :

ولما اشتد القتال يوم أحد جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت راية الأنصار ، وأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى علي بن أبي طالب أن قدّم الراية. فتقدم علي فقال : أنا أبو القصم ، فناداه أبو سعد بن أبي طلحة ، وهو صاحب لواء المشركين : أن هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة؟ قال : نعم. فبرز بين الصفين فاختلفا ضربتين ، فضربه علي فصرعه ، ثم انصرف عنه ولم يجهز عليه فقال له أصحابه : أفلا أجهزت عليه؟ قال : إنه استقبلني بعورته فعطفتني عنه الرحم ، وعرفت أن الله عزوجل قد قتله.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ عفيف عبد الفتاح طبارة في «مع الأنبياء في القرآن الكريم» (ص ٣٨٦ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فذكر مثل ما تقدم عن «التهذيب» بعينه ـ إلى : فضرب علي فصرعه.


مستدرك

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٥ ص ٨٥ و ٨٨ وج ٦ ص ١٢ وج ٧ ص ٤٦٦ وج ٨ ص ٤١١ وج ١٥ ص ٦٨١ وج ١٦ ص ٤١١ وج ٢١ ص ١١٦ و ٣٤ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم ننقل عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٧ ص ٣٢٠ ط دار الفكر) قال :

قال أبو جعفر محمد بن علي : نادى مناد في السماء يوم بدر يقال له رضوان : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. قال الحافظ : هذا مرسل وكنا ننفل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذا الفقار يوم بدر ، ثم وهبه لعلي بعد ذلك.

ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي المشتهر بابن الأبار في «المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي» (ص ١٧٠ ط دار الكاتب المصري ودار الكتاب اللبناني) قال :

وحدثنا به أبو الخطاب بن واجب القيسي سماعا عليه ، عن أبي عبد الله بن سعادة ، سماعا عليه ، عن أبي علي ، قراءة عليه ، قال : أنا أبو القاسم بن فهد العلاف ، قال : أنا أبو الحسن بن مخلد البزاز ، قال : قرئ على إسماعيل الصفّار ، قال : نا الحسن بن عرفة ، قال : نا عمّار بن محمد ، عن سعد بن طريف الحنظلي ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : نادى ملك من السماء يوم بدر ، يقال له رضوان : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، رضي‌الله‌عنه.


وقال ابن هشام في غزوة أحد من السيرة : حدثني بعض أهل العلم عن ابن أبي نجيح قال : نادى مناد يوم أحد ، وذكر الكلام إلى آخره.

وحدثنا أبو بكر بن أبي جمرة ، عن أبيه : إن أبا عمر بن عبد البر أنبأه ، عن ابن الفرضي وغيره ، عن أبي عبد الله بن مفرج ، قال : أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة ، قال : نا أبو أسامة الكلبي ، قال : نا علي بن عبد الحميد ، قال : نا حيان عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لما قتل علي أصحاب الألوية أبصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي : احمل عليهم ، فحمل عليهم وفرق جماعتهم ، وقتل هشام بن أمية المخزومي ، ثم أبصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة ، أو جمعا ، من مشركي قريش ، فقال لعلي : احمل عليهم ، فحمل عليهم ، وفرق جماعتهم ، وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي ، ثم أبصر جماعة ، أو جمعا ، من مشركي قريش ، فقال لعلي : احمل عليهم ، فحمل عليهم ، وفرق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي ، فأتى جبريل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : إن هذه لمواساة ، فقال : إنه مني وأنا منه ، فقال جبريل : وأنا منكم ، وسمع صوت ينادي : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

وهذا اللفظ اتفق أن وقع موزونا ، فقال أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الزاهد مضمنا له : وأنشدناه أبو عمرو عثمان بن أبي معاوية التميمي التونسي عنه ، وسبق إليه ، رحمة الله عليه :

حسب الوصي كرامة

ما نالها إلا الوصي

صوت من الله اعتلى

في مشهد فيه النبي

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

وقال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي : كان سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذا الفقار ، وكان سيفا أصابه يوم بدر. زاد غيره : وكان لنبيه ومنبّه ابني


الحجاج.

ثم عدّد سائر أسيافه وكانت ثمانية ، أحدها ورثه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عن أبيه.

قال : وأعطاه سعد بن عبادة سيفا ، يقال له : العضب ، وأصاب من سلاح بني قينقاع سيفا قلعيا ، وكان له : البتّار واللحيف والمخذم والرسوب وذو الفقار. يروى بفتح الفاء ، جمع ، فقارة وبكسرها جمع فقرة ، سمي بذلك لفقرات كانت في وسطه ، وكان محلى قائمه من فضة ، ونعله من فضة ، وفيما من بين ذلك حلق من فضة.

حدثنا أبو الخطاب بن واجب ، قال : نا أبو القاسم بن بشكوال ، قال : نا أبو محمد ابن عتاب ، قال : نا أبو عبد الله بن عابد ، قال : نا أبو محمد الأصيلي ، ومن خطه نقلته ، قال : نا ابن المظفر أبو الحسين الحافظ ، قال : نا أبو عروبة الحرّاني ، نا عثمان ابن عبد الرحمن ، عن علي بن عروة ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، قال : كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيف محلى قائمته من فضة ، ونعله من فضة ، وفيه حلق من فضة ، وكان يسمى ذا الفقار. وذكر سائر الخبر ، وفيه : وكانت له قوس تسمى : ذا السداد ، لم يذكرها ابن فارس ولا غيره.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد الكريم اليافعي في كتابه «معالم فكرية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية» (ص ١٧٣ ط الشركة المتحدة للطباعة والنشر ـ دمشق) قال في بحثه في «الفتوة» :

وفي الشجاعة ما جاء في الخبر : لا فتى إلا علي ، وذلك يوم وقعة أحد لما تقدم علي بن أبي طالب وبارز وقاتل حتى قيل في حقه ذلك.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٢٥ والنسخة مصورة


من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن أبي جعفر محمد بن علي قال : نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

ومنهم السيد رفاعة رافع الطهطاوي في «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ج ٢ ص ١٥٠ ط مكتبة الآداب ومطبعتها بالجماميز) قال :

وفي الحديث أن ملكا يقال له رضوان نادى يوم بدر من السماء : لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى ، ابن الفتى يعني إبراهيم ، وأخو الفتى يريد عليا كرم الله وجهه. انتهى.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ١٣١ ط دار الجيل في بيروت) قال :

قال ابن الأثير : ودخلت السنة الثالثة من الهجرة وفيها في شوال لسبع ليال خلون منه كانت وقعة أحد وحمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فهزموا أبا سفيان.

وخرج طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين وقال : يا معشر أصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل أحد منكم يعجله سيفي إلى الجنة أو يعجلني سيفه إلى النار.

فبرز إليه علي بن أبي طالب فضربه علي فقطع رجله فسقط وانكشفت عورته فناشده الله والرحم فتركه فكبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال لعلي : ما منعك أن تجهز عليه؟ قال : إنه ناشدني الله والرحم فاستحييت منه.

هذا مشهد واحد من مشاهد علي في غزوة أحد وإليك ما هو أشد بطولة في نفس المعركة واقتتل الناس قتالا شديدا.

وأمعن في الناس حمزة وعلي وأبو دجانة في رجال من المسلمين.


وأنزل الله نصره على المسلمين وكانت الهزيمة على المشركين وهرب النساء مصعّدات في الجبل.

ها هو علي يصول ويجول في المعركة هو وحمزة وأبو دجانة.

حتى كان النصر في أول المعركة ، ثم ننتقل إلى مشهد آخر من مشاهده في تلك المعركة وقد كان المسلمون قتلوا أصحاب اللواء فبقي مطروحا لا يدنو منه أحد.

فأخذته عمرة بنت علقمة فرفعته فاجتمعت قريش حوله وأخذه صؤاب فقتل عليه وكان الذي قتل أصحاب اللواء علي ، قاله أبو رافع قال : فلما قتلهم أبصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جماعة من المشركين.

فقال لعلي : احمل عليهم ، ففرقهم وقتل فيهم ثم أبصر جماعة أخرى فقال له احمل عليهم فحمل عليهم وفرّقهم وقتل فيهم فقال جبرائيل : يا رسول الله هذه المؤاساة فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه مني وأنا منه ، فقال جبرائيل : وأنا منكما قال : فسمعوا صوتا : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ولا فتى إلا علي.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد فرج في كتابه «المدرسة العسكرية الإسلامية» (ص ٣٥٢ ط دار الفكر العربي) قال :

كان علي بن أبي طالب من أشهر المقاتلين بالسيف ، وهناك ألوف من المسلمين يقفون على صف واحد في المقام الأول في هذا المجال ، ويمثلون مكان الصدارة في هذه الرياضة ، وكان علي يتقدم في كل موطن الصفوف وينتدب للمكاره ، اعتمادا على قدرته في استخدام السيف حتى أنه لم يهزم في مبارزة مرة في حياته ، ولا عجب فقد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال فيه : لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي ، ولقب بسيف الله الغالب.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد بن قاسم ابن الوجيه في «المنهاج السوي» شرح منظومة الهدى النبوي للحسن بن إسحاق (ص ٣١٠ ط دار الحكمة اليمانية ـ صنعاء) قال :


فأعطى رسول الله اللواء علي بن أبي طالب فقاتل به دون رسول الله قتالا شديدا ، فقال جبريل حينئذ لرسول الله : إن هذه هي المواساة يا رسول الله ، قال : إنه مني وأنا منه ، قال جبريل : وأنا منكما.

وأبلى ذلك اليوم علي بلاء حسنا. روي أن رسول الله نظر إلى نفر من المشركين فقال : يا علي احمل عليهم فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل هاشم بن أمية المخزومي ، ونظر رسول الله إلى نفر آخر من المشركين فقال : يا علي احمل عليهم فحمل عليهم فقاتلهم حتى فرّق جماعتهم وقتل أحدهم ، ثم نظر مرة ثالثة إلى نفر من المشركين فقال : يا علي احمل عليهم فحمل عليهم ففرق جماعتهم وقتل أحدهم ، فعند ذاك قال جبريل عليه‌السلام : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وفي رواية : هبّت ريح فسمع فيها صوت قائل يقول : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، وروي عنه أنه قال : قاتلت ما شاء الله من قتال ثم رجعت أطلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم أره ، فالتمسته في القتلى فلم أجده فقلت : ما كان والله ليفر فكسرت جفن سيفي وحملت في المشركين فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم يقاتل وقد غشوه فانكشفوا عنه.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم محمد عمر في «خديجة أم المؤمنين» (ص ٤٧٩ ط دار الريان للتراث ـ جيزة) قال :

وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطي اللواء في أكثر غزواته إلى فتى الإسلام علي بن أبي طالب فكان له فيها جميعا بلاء عظيم وأثر حسن ، وكان مما وصف به جهاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجهاد علي يوم أحد :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

وكان هذا الفتى على بطولته ومنزلته تلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متواضعا يكثر من الصيام وقيام الليل في عبادة الله الواحد الأحد ، شهدت له بذلك


أم المؤمنين عائشة.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد نوري الشيخ رشيد الصوفي النقشبندي الديرشوي المرجي في كتابه «ردود على شبهات السلفية» (ص ٢٢٩ ط مطبعة الصباح سنة ١٤٠٨) قال :

وأما قوله : لا رقية إلا من عين أو حمة ، فمعناه : لا رقية أولى وأنفع. وهذا كما قيل : لا فتى إلا علي.

ومنهم الفاضل المعاصر رياض عبد الله عبد الهادي في «الدرر المجموعة بترتيب أحاديث اللآلي المصنوعة» (ص ١٢١ ط دار البشائر الإسلامية ـ بيروت) قال :

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي أبو جعفر محمد بن علي ١ / ٣٦٥ وروى أيضا مثله في فهارس كتاب الموضوعات لابن الجوزي في ص ٦٧ وص ٨٦.

مستدرك

ما ورد في شجاعته يوم الأحزاب

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٣٦٧ وج ١٨ ص ١٠٠ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم ننقل عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٧ ص ٣٢٢ ط دار الفكر) قال :

وفي مقتل عمرو بن عبد ود قالوا : إن فوارس من قريش فيهم عمرو بن عبد ود ،


وعكرمة بن أبي جهل ، وضرار بن الخطاب ، وهبيرة بن أبي وهب تلبسوا للقتال وخرجوا على خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة ، فقالوا : تهيئوا للحرب يا بني كنانة ، فستعلمون من الفرسان اليوم.

ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتى وقفوا على الخندق ، فقالوا : والله إن هذه لمكيدة ، ما كانت العرب تكيدها ، ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا ، فضربوا خيولهم فاقتحمت ، فجالت في سبخة بين الخندق وسلع ، وخرج علي في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا ، فأقبلت الفوارس تعنق نحوهم.

وكان عمرو بن عبد ود فارس قريش ، وكان قد قاتل يوم بدر حتى ارتث ، وأثبتته الجراحة ، فلم يشهد أحدا ، فلما كان يوم خندق خرج معلما ليرى مشهده فلما وقف هو وخيله ، قال له علي : يا عمرو ، قد كنت تعاهد الله لقريش ألا يدعوك رجل إلى خلتين ، إلا قبلت منه إحداهما ، فقال له علي : فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام ، قال : لا حاجة لي في ذلك. فقال : فإني أدعوك إلى النزال ، فقال له : يا ابن أخي ، لم؟ فو الله ما أحب أن أقتلك ، فقال له علي : لكني والله أحب أن أقتلك ، فحمي عمرو ، فاقتحم عن فرسه فعقره ، ثم أقبل فجاء إلى علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي ، وخرجت خيله منهزمة هاربة حتى اقتحمت من الخندق.

وكان فيمن خرج يوم الخندق هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، واسم أبي وهب جعدة ، وخرج نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، فسأل المبارزة ، فخرج إليه الزبير بن العوام ، فيضربه ضربة فيشقه باثنتين حتى فلّ في سيفه فلا ، فانصرف وهو يقول :

إني امرؤ أحمي وأحتمي

عن النبي المصطفى الأمي

وخرج عمرو بن عبد ود فنادى : من يبارز؟ فقام علي وهو مقنع في الحديد ، فقال : أنا لها يا نبي الله ، فقال : إنه عمرو ، اجلس ، ونادى عمرو : ألا رجل؟ وهو يؤنبهم ويقول : أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إلي


رجلا؟ فقام علي فقال : أنا يا رسول الله ، فقال : اجلس.

وفي رواية : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل يبارزه أحد؟ فقام علي فقال : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجلس ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل يبارزه أحد؟ فقام علي فقال : دعني يا رسول الله ، فإنما أنا بين حسنتين : إما أن أقتله فيدخل النار ، وإما أن يقتلني فأدخل الجنة. قام : ثم نادى الثالثة ، فقال :

ولقد بححت من الندا

ء بجمعكم هل من مبارز

ووقفت إذ جبن المشجع

موقف القرن المناجز

وكذاك إني لم أزل

متسرعا قبل الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى

والجود من خير الغرائز

فقام علي فقال : يا رسول الله أنا ، فقال : إنه عمرو ، فقال : إن كان عمرو فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمشى إليه علي حتى أتاه وهو يقول :

لا تعجلن فقد أتا

ك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية وبصيرة

والصدق منجى كل فائز

إني لأرجو أن أقيم

عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى

ذكرها عند الهزاهز

فقال له عمرو : من أنت؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ، وقال : أنا ابن عبد مناف ، فقال : غيرك يا ابن أخي من أعمامك ، من هو أسنّ منك ، فإني أكره أن أهريق دمك ، فقال علي : لكني والله ما أكره أن أهريق دمك. فغضب ، فنزل وسلّ سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي كرم الله وجهه مغضبا واستقبله علي بدرقته ، فضربه عمرو في الدرقة فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه ، فضربه علي عليه‌السلام على حبل العاتق فسقط وثار العجاج وسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم


التكبير ، فعرف أن عليا قد قتله ، فثم يقول علي عليه‌السلام : [من الكامل]

أعلي تقتحم الفوارس هكذا

عني وعنهم أخبروا أصحابي

اليوم يمنعني الفرار حفيظتي

ومصمم في الرأس ليس بنابي

آدى عمير حين أخلص صقله

صافي الحديدة يستفيض ثوابي

وغدوت ألتمس القراع بمرهف

عضب مع البتراء في أقرابي

آلى ابن عبد حين شد أليه

وأليت فاستمعوا من الكذاب

ألا أصد ولا يهلل فالتقى

رجلان يضطربان كل ضراب

فصددت حين تركته متجدلا

كالجذع بين دكادك وروابي

وعففت عن أثوابه ولو أنني

كنت المقطر بزني أثوابي

عبد الحجارة من سفاهة عقله

وعبدت رب محمد بصواب

ثم أقبل علي نحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووجهه يتهلل ، فقال عمر بن الخطاب : هلا سلبته درعه؟ وإنه ليس للعرب درع خير منها ، فقال : ضربته فاتقاني بسواده ، فاستحييت ابن عمي أن أسلبه ، وخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق.

وقد ذكر جماعة كثيرة شجاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقتله عمرو بن عبد ود في غزوة الخندق ونحن نشير إلى بعضهم :

فمنهم الحافظ الشيخ محمد بن حبان بن أبي حاتم التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في كتابه «الثقات» (ج ١ ص ٢٦٩ ط دائرة المعارف العثمانية في حيدرآباد)

فذكر قتل عمرو بن عبد ود بيده عليه‌السلام.

ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٦١ خ)

ومنهم العلامة الصلاح محمد بن شاكر الشافعي الدمشقي في «عيون التواريخ» (ج ١


ق ٨٢ خ)

ومنهم الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ١ ص ٧٥ ط دمشق)

ومنهم الشيخ عبد الله بن نوح الجيانجوري الجاوي في «الإمام المهاجر» (ص ١٥٩ ط دار الشروق بجدة)

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ٦٩ ط بيروت سنة ١٤٠٨)

ومنهم الشيخ محيي الدين أحمد بن إبراهيم النحاس الدمشقي في «مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق» (ص ٥٦٢ ط بيروت)

ومنهم الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير المتوفى سنة ٧٧٤ في «الفصول في سيرة الرسول» (ص ٦٠ ط بيروت سنة ١٤٠٥)

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ صفي الرحمن المباركفوري الهندي في كتابه «الرحيق المختوم» (ص ٢٨٠ ط دار الكتب العلمية في بيروت)

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السّلام هارون في «تهذيب سيرة ابن هشام» (ص ١٩٣ ط بيروت سنة ١٤٠٦)

ومنهم زهير صادق رضا الخالدي في «أبطال من التاريخ العربي» (ص ٣٢ ط بيروت) قال :

وهذا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه كان شجاعا لا ينهض له أحد في ميدان مناجزة فكان لجرأته على الموت لا يهاب قرنا من الأقران بالغا ما بلغ من الصولة


ورهبة الصيت ، وخرج وهو فتى إلى عمر بن ود العامري الذي كان يقوم بألف رجل عند أصحابه وأعدائه في معركة الخندق فقتله.

ومنهم الفاضل المعاصر خالد بن عبد الرحمن العكّ المدرس في إدارة الإفتاء العام بدمشق في «مختصر حياة الصحابة» للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي (ص ١٨٨ ط دار الإيمان ـ دمشق وبيروت)

ومنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المشتهر بابن الشيخ في كتاب «ألف با» (ج ٢ ص ١٥ ط ٢ عالم الكتب ـ بيروت)

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٢ ص ٢٩١ ط بيروت سنة ١٤٠٧)

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٣ ص ٢٣٢ ط دار الكتب العلمية بيروت)

ومنهم الفاضل المعاصر السيد علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله يتصل نسبه بالحسين عليه‌السلام القاهري المصري المولود سنة ١٢٩٦ والمتوفى ١٣٧٢ بالقاهرة في كتابه «السمير المهذب» (ج ٢ ص ١٩٧ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٣٩٩)

ومنهم عدة من الفضلاء في «فهرس أحاديث وآثار المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري (القسم الأول ص ٦٠٤ ط عالم الكتب ـ بيروت) قالوا :

لما قتل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه عمرو بن عبد ود عمر بن قتادة المغازي ٣ / ٣٣

وذكروه أيضا في القسم الثاني ص ٣٦٣.


ومنهم الفاضل المعاصر يوسف المرعشلي في كتابه «فهرس تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» (ص ٨٩ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

إن عليا بارز يوم الخندق عمرو بن عبد ود ابن إسحاق ٤ / ١٠٥

ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في «موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف» (ج ٦ ص ٧١٠ ط عالم التراث للطباعة والنشر ـ بيروت) قال :

لمبارزة علي بن أبي طالب :

ك ٣ : ١٩٤ ـ خط ١٣ : ١٩ ـ ضعيفة ٤٠٠.

لمبارزة علي لعمرو بن عبد ود :

كنز ٣٣٠٣٥.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ إبراهيم محمد الجمل القاهري في «الخطبة العصر للجمعة والعيدين وعند القبر» (ج ١ ص ٢١ ط مكتبة القرآن بالقاهرة)

فذكر قتله عمرو بن عبد ود ورثاء أخته.

ومنهم الفاضل المعاصر صابر طعيمة في كتابه «بنو إسرائيل في ميزان القرآن الكريم» (ص ٨٧ ط دار الجيل ـ بيروت)

فذكر قتل الإمام علي عليه‌السلام عمرو بن عبد ود.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ١٤٤ ط دار الجيل في بيروت) قال :

وكان عمرو بن عبد ود قد شهد بدرا كافرا وقاتل حتى كثرت الجراح فيه ـ فذكر


مبارزته مع الإمام علي عليه‌السلام ـ إلى أن قال :

فنزل عن فرسه وعقره ثم أقبل على علي فتجاولا ، وقتله علي وخرجت خيلهم منهزمة ، وقتل مع عمرو رجلان قتل علي أحدهما وأصاب آخر سهم فمات منه بمكة.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى سيرة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ٤٦ ط دار القلم ـ دمشق)

ومنهم الفاضل المعاصر عبد المنعم الهاشمي في كتابه «أصهار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٥٩ ط دار الهجرة ـ بيروت) قال :

وفي وقعة الخندق خرج عمرو مقنعا في الحديد يصيح بأعلى صوته في جيش المسلمين : من يبارز؟ فصاح الإمام كرم الله وجهه : أنا له يا نبي الله ـ فذكر إلى آخره.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السّلام هارون في «تهذيب سيرة ابن هشام» (ص ٢٠٦ ط بيروت سنة ١٤٠٦) قال :

ومن بني عامر بن لؤي : عمرو بن عبد ود ، قتله علي بن أبي طالب.

ومنهم الفاضل المعاصر مأمون غريب المصري القاهري في «خلافة علي بن أبي طالب» عليه‌السلام (ص ٢٣ ط مكتبة غريب بالقاهرة)

فذكر شجاعته وفضائله النفسية عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل كونستانس جيورجو وزير خارجية رومانيا السابق تعريب الدكتور محمد التونجي الأستاذ في جامعة حلب في «نظرة جديدة في سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٢٩٧ ط الدار العربية للموسوعات ـ بيروت) قال :


وإبّان الحصار كانت بعض المناوشات والمجاولات الفردية تقع بين المسلمين وبين المشركين. من ذلك عمرو بن عبد ود ونوفل المخزومي ، حيث قتلا على يد علي ابن أبي طالب. فقد قفز نوفل بجواده إلى الخندق ، فنزل إليه علي.

لكن نوفلا سقط من على الجواد ، فانتظره علي حتى ينهض ، ويشهر سيفه ، من غير أن ينتهز الفرصة ليقتله. حينما نزل نوفل الخندق كانت الشمس تشارف على الغروب ، وترسل أشعتها نحو عيني علي ، ومع ذلك فإنه تمكن من قتله قبل غروبها. ولما كانت نساء قريش قد مثّلت برجال المسلمين في معركة أحد فقد خشي أبو سفيان من التمثيل بنوفل ، وهو أحد أثرياء مكة. فبعث إلى علي من يقول له : أمنحك مائة جمل بشرط ألا تقطع رأسه ، وتسلمني جثته سليمة لكن عليا رفض هذه المنحة ، وردّ الجثة من غير عيب إلى قريش.

والمحارب الآخر الذي قتل بيد علي ، هو عمرو بن عبد ود فبالإضافة إلى شجاعته كان ذا جسم ضخم. وقد استطاع في أثناء مصاولته أن يجرح عليا مرتين بسيفه ، بيد أن عليا لم يكن ذلك الرجل الذي ينسحب من ساحة الحرب بسبب جرحين ، وتابع على مجاولته ، فضرب خصمه عمرا على يده ضربة أطاحت بسيفه. فدنا علي من السيف ووضع قدمه عليه ، حتى لا يتسنّى له تناوله ، ثم قال له : يا عمرو إن أعلنت إسلامك فلن أقتلك ، فبصق عمرو بن عبد ود في وجه علي وأجابه : لن أسلم.

فمسح علي وجهه ، وسكن قليلا ، لا يتكلم ولا يتحرك ، بينما تابع عمرو كلامه. قلت لك لن أسلم فلم لا تقتلني؟ فأجابه علي : لأنك حين بصقت في وجهي اعتراني الغضب ، فلو قتلتك آنئذ لجاء قتلي انتقاما وثورة ، وأنا لا أريد أن أقتلك في حالتي الثائرة هذه ، لأننا مسلمون ، ونحن نحارب في سبيل الله ، لا في سبيل إخماد ثورة غضبنا. أيا عمرو ، مع أنك بصقت في وجهي أعود فأسألك : إن دخلت في الإسلام عزفت عن قتلك ، فردّ عمرو كلامه : لن أسلم. عندئذ دنا علي منه وضربه


بسيفه ضربة قضت عليه. وقد كان يرتدي درعا ثمينة بحلقات ذهبية ، ففكها عنه ، وأرسلها إلى أخت عمرو ، حتى لا يظن أحد أنه قتله ليربح هذه الدرع.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٤٢ ط مكتبة غريب الفجالة) قال :

وفي غزوة الخندق واجه عمرو بن ود وهو مقاتل غادر فاتك من رءوس المشركين ، وفارس لم يبارز أحدا قط إلا صرعه. كان عمرو يقف على رأس خيله يتحدى المسلمين ، فقال علي له : يا عمرو قد كنت تعاهد الله لقريش ألا يدعوك رجل إلى إحدى خلتين إلا قبلت منه إحداهما. فقال عمرو : أجل ، فقال له علي : فإني أدعوك إلى الله عزوجل وإلى رسوله وإلى الإسلام. فقال عمرو : لا حاجة لي في ذلك. فقال علي : فإني أدعوك إلى البراز. فقال عمرو مستخفا بصغر سن علي : يا ابن أخي لم؟ فو الله ما أحب أن أقتلك. فقال علي ساخرا في دعابة : لكني والله أحب أن أقتلك فأعرض عمرو ، استخفافا به ، ثم أقبل على المسلمين مستهزئا يقول : من يبارز؟ فقال علي للرسول : أنا له يا نبي الله. فقال الرسول : إنه عمرو بن ود. اجلس.

فجلس علي يكظم غيظه ، ومضى عمرو بن ود يتبختر مزهوا يتنزّى أمام المسلمين. ثم نادى في إزراء على الجميع : ألا رجل ، فاستأذن علي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبارزه ، فأذن له.

فمشى إليه علي وهو يقول :

لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز

فقال عمرو ساخرا : من أنت؟ قال علي : أنا علي بن أبي طالب. فقال عمرو : عندك من أعمامك من هو أسن منك يا ابن أخي فانصرف فإني أكره أن أهريق دمك.


فقال علي : ولكني والله ما أكره أن أهريق دمك. فسلّ عمرو سيفه كأنه شعلة نار ، ثم اندفع نحو علي مغضبا ، واستقبله علي بدرقته فضربه في الدرقة فشقها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأس علي فشجّه شجّا يسيرا وضربه علي كرم الله وجهه على حبل العاتق فسقط عمرو وثار العجاج ، وبانت سوءة عمرو. وسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التكبير ، فعرف أن عليا قتل عمرو بن ود. وأقبل علي رضي‌الله‌عنه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووجهه يتهلل. فعانقه الرسول ودعا له.

فقال عمر بن الخطاب لعلي : هل استلبت درعه ، فليس للعرب درع خير منها؟ فقال : ضربته فاتقاني بسوءته فاستحييت أن أستلبه.

ومنهم العلامة الشيخ أبو الحسن علي بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد العنسي الأندلسي المعروف بابن سعيد المتوفى حدود سنة ٦٨٥ في «نشوة الطرب في تاريخ جاهلية العرب» (ج ١ ص ٣٦٨ ط مكتبة الأقصى في عمان ـ الأردن) قال :

عمرو بن عبد ود

ابن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، فارس قريش الذي قتله علي رضي‌الله‌عنه يوم الخندق ، ولا عقب له.

وفيه قيل :

عمرو بن ود كان أول فارس

جزع المذاد وكان فارس أليل

وقالت أخته ترثيه ، وأنشد ذلك صاحب زهر الآداب :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

لقد بكيت عليه آخر الأبد

لكنّ قاتله من لا يعاب به

وكان يدعى قديما بيضة البلد

من هاشم في ذراها وهي صاعدة

إلى السماء تميت الناس بالحسد

قوم أبى الله إلا أن تكون لهم

مكارم الدين والدنيا بلا أمد


مستدرك

ما ورد في شجاعته يوم خيبر

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة مرارا عند ذكر أحاديث الراية ، ونروي هاهنا عن الكتب التي لم ننقل عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٧ ص ٣٢٧ ط دار الفكر) قال :

فخرج مرحب يخطر بسيفه ، فقال : [من الرجز]

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرّب

إذا الحروب أقبلت تلهّب

أطعن أحيانا وحينا أضرب

فقال علي بن أبي طالب :

أنا الذي سمتني أمي حيدره

كليث غابات كريه المنظرة

أوفيهم بالصاع كيل السندره

وقال في آخر : فاختلف هو وعلي ضربتين ، فضربه علي على هامته حتى عضّ السيف منه بيض رأسه.

وفي رواية : وعضّ السيف بالأضراس ، وسمع أهل العسكر صوت ضربته ، فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح الله لهم وله.

وقال أيضا في ص ٣٣١ :

قال أبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي بابا من عند الحصن فتترس


به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في نفر معي سبعة ، وأنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما استطعنا أن نقلبه.

وحدث جابر بن عبد الله : أن عليا حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه ففتحوها ، وأنه جربوه بعد ذلك ، فلم يحمله الأربعون رجلا.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور زكي المحاسني الدمشقي المتوفى سنة ١٣٩٢ في «الأدب الديني» (ص ١٥٦ ط مؤسسة البلاغ في بيروت سنة ١٤٠٨) قال مرحب الخيبري :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فأجابه علي قبل أن يصرعه بضربة واحدة من سيفه البتار :

أنا الذي سمتني أمي حيدره

كليث غابات مهيب المنظرة

أوفيهم بالصاع كيل السندره

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ١٦٣ ط القاهرة سنة ١٣٩٩) قال :

عن أبي سعيد الخدري قال : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية فهزّها ثم قال : من يأخذها بحقها؟ فجاء الزبير فقال : أنا ، فقال : امض ، ثم قام رجل آخر فقال : أنا ، فقال : امض ، ثم قام آخر فقال : أنا ، فقال ، أمط ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي أكرم وجه محمد لأعطينها رجلا لا يفر ، هاك يا علي ، فقبضها ثم انطلق حتى فتح الله عليه فدك وخيبر وجاءه بعجوتها وقديدها.

عن الحسن بن علي قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يبعث عليا مبعثا إلا أعطاه الراية.


عن ابن عباس قال : دفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية إلى علي بن أبي طالب وهو ابن عشرين سنة.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد فرج في كتابه «المدرسة العسكرية الإسلامية» (ص ١٧١ ط دار الفكر العربي) قال :

ودعا الرسول علي بن أبي طالب وقال له : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك ، والذي نفسي بيده إن معك من لا يخذلك ، هذا جبريل عن يمينك بيده سيف لو ضرب به الجبال لقطعها.

ومنهم العلامة الشريف إبراهيم بن محمد بن كمال الدين المشتهر بابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي في «البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف» (ص ٢٧٤ ط المكتبة العلمية ـ بيروت) قال :

«والله لأن يهدي بهداك رجل خير لك من حمر النعم». أخرجه أبو داود عن سهل بن سعد الساعدي رضي‌الله‌عنه رمز السيوطي لصحته.

(سببه) عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله ، فأعطاها عليا وهو أرمد ، فقال علي : لأقاتلنهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما عليهم من حق الله فيه ، فو الله لأن يهدي ـ فذكره ، وأخرجه البخاري بلفظ : لان يهدي الله بك رجلا واحدا (١).

__________________

(١) وقال ابن حمزة المذكور في كتابه ص ١٠٣ :

«أخذنا فألك من فيك». أخرجه أبو داود عن أبي هريرة وابن السني وأبو نعيم معا في الطب ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جده ، والديلمي عن ابن عمر ، والعسكري عن سمرة رضي‌الله‌عنهم ، ورمز السيوطي لحسنه.


ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٣٨ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وقال ابن هشام : حدثني من أثق به من أهل العلم أن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه صاح وهو محاصر وبني قريظة : يا كتيبة الإيمان ، وتقدم هو والزبير بن العوّام وقال : والله لأذوقنّ ما ذاق حمزة أو لأقتحم حصنهم ، فقالوا : يا أبا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ.

وقال في ق ٩٩ :

ذكر ابن إسحاق في السيرة ، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به ، فلم يزل بيده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم نجدّ أن نقلب ذلك الباب فلا نقدر على قلبه.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو بكر جابر الجزائري في كتابه «العلم والعلماء»

__________________

(سببه) عن سمرة قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعجبه الفأل الحسن فسمع عليا يوما يقول : هذه خضرة ، فقال : يا لبيك ، أخذنا فألك من فيك. فاخرجوا بنا إلى خضرة ، فخرجوا إلى خيبر ، فما سل فيها سيف إلا سيف علي بن أبي طالب حتى فتحها الله عزوجل.

قال في القاموس : خضرة علم على خيبر ، ورواه أبو نعيم أيضا بالسبب عن عمرو ابن عوف لكنه قال: سمع رجلا ، فذكره.


(ص ١٧٢ ط دار الكتب العلمية بيروت)

فذكر قصة الباب مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاظرات الخضري» (ج ١ ص ١٦٥) قال :

قال أبو رافع مولى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خرجنا مع علي حين بعثه صلّى الله تعالى عليه وسلّم برايته ـ فذكر قصة الباب مثل ما تقدم.

ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في القسم الثاني من «جامع الأحاديث» (ج ٤ ص ٤٠٠ ط دمشق) قالا :

عن جابر بن سمرة قال : إن عليا رضي‌الله‌عنه حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون ففتحوها ، وأنه جرب فلم يحمله إلا أربعون رجلا.(ش) حسن.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٢٤ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان أبي يسمر مع علي وكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء وثياب الشتاء في الصيف فقيل : لو سألته ، فسأله فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر ، فقلت : يا رسول الله إني أرمد ، فتفل في عيني وقال : اللهم اذهب عنه الحرّ والبرد ، فما وجدت حرا ولا بردا بعد وقال : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. خرجه الإمام أحمد في المناقب.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول»


صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٤٢ ط القاهرة سنة ١٣٩٩) قال :

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : كان أبو ليلى يسمر مع علي ـ فذكر مثل ما تقدم باختلاف يسير في اللفظ.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ١٩ ط دار الجيل في بيروت) قال :

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، قال لعلي وكان يسير معه ـ فذكر مثل ما تقدم بزيادة في اللفظ.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٧ ص ٣٢٨ ط دار الفكر) قال :

إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطى اللواء عمر بن الخطاب ، فنهض معه من نهض من الناس ، فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه ، فرجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجبنه أصحابه ويجبّنهم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأعطين اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فلما كان الغد تصادر لها أبو بكر وعمر ، فدعا عليا وهو أرمد ، فتفل في عينه وأعطاه اللواء. (الحديث).

ومنهم العلامة الشيخ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي في «تلخيص المتشابه في الرسم» (ج ٢ ص ٨٢٥ ط دار طلاس ، دمشق) قال :

أنا أبو الفرج عبد السّلام بن عبد الوهاب القرشي ، أنا سليمان بن أحمد بن أيوب ، نا أبو زرعة الدمشقي ، نا آدم بن أبي إياس ، نا يزيد بن بزيع الرملي ، عن عطاء الخراساني ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه


وسلّم يوم خيبر : لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه. فما بقي يومئذ بها مهاجري ولا أنصاري له سابقة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو قدمة إلا تعرض لها ، وعلي يومئذ أرمد العين ، فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القوم بعد الصلاة فلم يره ، فسأل عنه ، فأتي به يقاد قودا. فدعا بالراية فقلدها إياه ، ودعا له ، فشكا علي وجع عينيه فتفل فيهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فكان علي يحدث أنه لم يجد في عينيه حرا ، ولا بردا بعد تفلات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسار علي ، ولقيه مرحب فقتله ، وفتح الحصن.

ومنهم الأستاذ أحمد متولي في «منهج القرآن في بيان مسالك الشيطان» (ص ٤٣ ط ١ مطابع الأهرام بكورنيش النيل) قال :

فقد روى الإمام أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بن الحصيب قال : لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له ، فلما كان الغداة أخذ عمر فرجع ولم يفتح له ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأدفعن لوائي غدا إلى رجل يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله. قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم ـ أي يتساءلون ـ أيهم يعطاها؟

فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلهم يرجو أن يعطاها. فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقيل : يا رسول الله ، يشتكي عينيه قال : فأرسلوا إليه فأتي به ، فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ـ يعني مسلمين ـ فقال عليه الصلاة والسّلام : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ، ثم خرج فقاتل ، فكان الفتح على يديه وغنم المسلمون ما في تلك الحصون من الأموال.


ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ١٧٨ ط دار الجيل في بيروت) قال :

قال بريدة الأسلمي : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر أخذته فلم يخرج إلى الناس ـ فذكر الحديث الشريف (١).

__________________

(١)قال العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٣٠٠ ط مؤسسة الكتب الثقافية ـ دار الفكر بيروت) عند ذكر غزوة خيبر :

ثم بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلمرجلا يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحا ، ثم بعث آخر يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحا ، وحمى الحرب بينهم وتقاعسوا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، ليس بفرار ، فلما أصبح دعا عليا وهو أرمد ، فتفل في عينيه فبرأ ، ثم قال : خذ هذه الراية واقبض بها حتى يفتح الله عليك ، فخرج علي يهرول والمسلمون خلفه حتى ركز رايته في رضم من حجارة ، فاطلع عليه يهودي من رأس الحصن وقال : من أنت؟ فقال : أنا علي بن أبي طالب ، فقال اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى ، فلم يزل علي يقاتل حتى سقط ترسه من يده ، ثم تناول بابا صغيرا كان عند الحصن فاترس به ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده ـ إلى أن قال :

وعند فراغ المسلمين من خيبر قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والله ما أدري بأي الأمرين أنا أشد فرحا بفتح خيبر أو قدوم جعفر. ثم قام إليه فقبّل ما بين عينيه.

وقال العلامة الشيخ بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المتولد سنة ٧٤٥ والمتوفى ٧٩٤ في «اللآلي المنثورة في الأحاديث المشهورة المعروف بالتذكرة في الأحاديث المشتهرة» (ص ١٦٦ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :


__________________

زعم العلماء أن هذا الحديث لا أصل له ، وإنما يروى عن رعاع الناس ، وليس كما قال ، فقد أخرجه ابن إسحاق في سيرته ، عن أبي رافع : وإن سبعة لم يقلبوه.

وقال العلامة الشيخ نور الدين علي بن محمد بن سلطان المشتهر بالملا علي القاري المتوفى سنة ١٠١٤ في «الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة» (ص ١١٤ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وقال الزركشي : أخرجه الحاكم من طرق عن جابر بلفظ : إن عليا لما انتهى إلى الحصن اجتبذ أحد أبوابه فألقاه بالأرض ، فاجتمع عليه بعد سبعون رجلا فأجهدهم أن أعادوا الباب.

وقال الفاضل المعاصر محمد حسين هيكل في «حياة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (ص ٣١٢ ط ١٨ دار المعارف ـ القاهرة عام ١٤١٠) قال :

وتتابعت الأيام فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبا بكر إلى حصن ناعم كي يفتحه ، فقاتل ورجع دون أن يفتح الحصن. وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر بن الخطاب في الغداة ، فكان حظه كحظ أبي بكر. فدعا الرسول إليه علي بن أبي طالب ، ثم قال له : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك. ومضى علي بالراية ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترّس به فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الحصن ثم جعل الباب قنطرة اجتاز المسلمون عليها إلى داخل أبنية هذا الحصن.

وقال المحقق المعاصر محمد عبد القادر عطا في «تعليقاته على كتاب الغماز على اللماز» للعلامة السمهودي (ص ١٠٠ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ، قال في تعليقه على حديث «حمل علي باب خيبر»:

أخرجه البيهقي في «الدلائل» من حديث ليث بن أبي سليم ، عن أبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين ، عن جابر : أن عليا حمل الباب يوم خيبر ، وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا.


__________________

وأورده الزركشي في التذكرة ، وعزاه للحاكم من طرق عن جابر ، بلفظ : إن عليا لما انتهى إلى الحصن اجتذب أحد أبوابه فألقاه فاجتمع عليه بعد سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب. وتابعه السيوطي في الدرر ، وقال : وأخرجه ابن إسحاق في سيرته عن أبي رافع أن سبعة لم يقلبوه.

انظر : المقاصد الحسنة ٤١٨ ، وكشف الخفا ١١٦٨ ، والأسرار المرفوعة ١٨٨ ، والدرر المنتثرة ٤٧٧.

ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري المصري في «السمير المهذب» (ج ٢ ص ١٩٨ ط بيروت) قال :

لما كانت غزوة خيبر نزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمسلمين على حصن من حصونها وصار يبعث كل يوم رجلا يقاتل ، فلم يفتح عليه ، فقال عليه الصلاة والسّلام : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، كرّارا غير فرّار. فدعا عليا رضي‌الله‌عنه ، وهو أرمد ، فتفل في عينيه ، ثم قال : خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك ، ودعا له ومن معه بالنصر ، فخرج علي رضي‌الله‌عنه يهرول ، حتى ركزها تحت الحصن ، ثم خرج إليه أهل الحصن ، فبرز له فارس فقتله ، وانهزمت اليهود إلى الحصن ، ثم خرج إليه أخو المقتول غارقا في لامته ، ثم حمل على علي كرم الله وجهه وضربه فطرح ترسه من يده ، فتناول علي رضي‌الله‌عنه بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه ، وقتل خصمه. ولم يزل يقاتل والباب في يده حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده وراء ظهره ، وكان طول الباب ثمانين شبرا ، ولم يحركه بعد ذلك سبعون رجلا إلا بعد جهد ، ففيه دلالة على فرط قوّة علي ، وكمال شجاعته رضي‌الله‌عنه.(السيرة النبوية).

وقال السيد رفاعة رافع الطهطاوي في «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ج ٢ ص ١٦٠ ط مكتبة الآداب ومطبعتها بالجماميز):

فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما والله لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرّارا غير فرّار يأخذها عنوة ، فتطاول المهاجرون والأنصار إليها ،


__________________

يرجو كل واحد أن يكون هو صاحب ذلك ، وكان علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه ، فلما أصبحوا جاء علي فتفل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه فما اشتكى رمدا بعدها ، ثم أعطاه الراية وعليه حلة حمراء ، فنهض بها وأتى خيبرا ، فأشرف عليه رجل من يهودها ، وقال : من أنت؟ قال : علي بن أبي طالب ، فقال اليهودي : غلبتم يا معشر اليهود ، فخرج مرحب صاحب الحصن من الحصن ، ولم يكن في أهل خيبر أشجع من مرحب ، وعليه مغفر يماني ، وعلى رأسه بيضة ، وله رمح سنانه ثلاثة أسنان ، ونادى : من يبارز؟ وهو يرتجز ويقول :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

أطعن أحيانا ، وحينا أضرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

إن حماي للحمى لا يقرب

فخرج علي كرم الله وجهه وهو يقول :

أنا الذي سمتني أمي حيدره

أكيلكم بالسيف كيل السندره

ليث بغابات شديد القسورة

والسندرة مكيال معلوم ، ومعلوم أن حيدرة اسم من أسماء الأسد ، وهو أشجعها أشار بذلك إلى أن أمه فاطمة لما ولدته سمته باسم أبيها ، وكان أبو طالب حينئذ غائبا ، فلما قدم سماه عليا ، ولذلك قال علي رضي‌الله‌عنه يوم خيبر : أنا الذي سمتني .. إلى آخره ، فغلب عليه ما سماه أبوه.

فاختلفا ضربتين ، فسبقه علي رضي‌الله‌عنه فقدّ البيضة والمغفر ورأسه ، فسقط عدو الله ميتا.

وكان فتح خيبر في شهر صفر ، على يد علي رضي‌الله‌عنه بعد حصار بضع عشرة ليلة ، وإلى ذلك يشير بعضهم :

وشادن أبصرته مقبلا

فقلت من وجدي به مرحبا

قدّ فؤادي في الهوى قدّه

قدّ علي في الوغي مرحبا

وفتح المسلمون حصون خيبر كلها عنوة ، إلا حصن الوطيح وحصن سلالم بضم


__________________

السين المهملة فإنما فتحا صلحا ، وكان أعظم حصون خيبر حصن القموص كصبور من حصون الكتيبة الثلاثة وكان منيعا حاصره المسلمون عشرين ليلة ثم فتحه الله على يد علي رضي‌الله‌عنه ، ومنه سبيت صفية رضي‌الله‌عنها ، وقيل : إن اسمها قبل أن تسبى زينب ، فلما صارت من الصفي سميت صفية.

وقال الفاضل المعاصر محمد علي قطب في «معارك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع اليهود» (ص ٨٨ ط دار القلم ـ بيروت):

فأقام [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم] يبعث على المقاتلة أناسا من أصحابه ، أمثال أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ، فلم يكن ثم فتح.

وفي مساء يوم قال : لأعطين الراية غدا لرجل يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله لا يولي الدّبر ، يفتح الله عزوجل على يديه.

ولم يكن أحد من الصحابة ، له منزلة عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا وتمنى أن يعطى الراية ، ويكون ذلك الرجل.

فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلهم يرجو يعطاها ، ولقد روي عن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه قوله : ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم.

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وكان أرمد شديد الرمد ، فقيل : يا رسول الله إنه يشتكي عينيه ، فقال : من يأتيني به؟ فذهب إليه سلمة بن الأكوع رضي‌الله‌عنه وأخذه بيده يقوده حتى أتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد عصب عينيه.

فعقد له لواءه الأبيض ، فقال علي : يا رسول الله إني أرمد كما ترى ، لا أبصر موضع قدمي.

فوضع عليه‌السلام رأس علي في حجره ، ومسح له عينيه بكفّه الشريفة ، فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع. قال علي رضي‌الله‌عنه : فما رمدت بعد يومئذ.

وروي عن حذيفة بن اليمان رضي‌الله‌عنه قال : لما تهيأ علي رضي‌الله‌عنه يوم خيبر للحملة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي ، والذي نفسي بيده إن معك


__________________

من لا يخذلك ، هذا جبريل عن يمينك بيده سيف لو ضرب به الجبال لقطعها ، فأبشر بالرضوان والجنة ، يا علي إنك سيد العرب ، وأنا سيد ولد آدم.

كما ألبسه درعه ، وشدّ ذا الفقار ـ الذي هو سيفه ـ في وسطه ، وأعطاه الراية ، ثم وجهه إلى الحصن.

وخرج علي رضي‌الله‌عنه يهرول حتى ركّز الراية تحت الحصن ، فاطلع عليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت؟ قال : علي بن أبي طالب ، قال اليهودي : علوتم ، والتوراة التي أنزل الله على موسى.

ثم خرج إليه أول فارس من الحصن ، وهو الحرث أخو مرحب ، وكان معروفا بالشجاعة ، فوثب إليه علي ، فتضاربا وتقاتلا ، فقتله علي رضي‌الله‌عنه ، وانهزم بقية فرسان اليهود إلى داخل الحصن.

ثم خرج إلى علي مرحب أخو الحرث ، وقد لبس درعين ، وتقلد بسيفين ، واعتم بعمامتين ، ولبس فوقهما مغفرا ، ومعه رمح له ثلاث شعب ، وكان يرتجز :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فتصدى له علي رضي‌الله‌عنه وهو يقول :

أنا الذي سمتني أمي حيدره

كليث غابات شديد القسورة

أكيلكم بالسيف كيل السندره

فحمل مرحب على علي رضي‌الله‌عنه وضربه فطرح الترس من يده ، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن.

ثم إن عليا كرم الله وجهه ضرب مرحبا ، فتترس فوقع السيف على الترس ، فقدّه وشقّ المغفر وفلق هامة مرحب حتى أخذ السيف في الأضراس.

وإلى ذلك أشار بعض الشعراء في قوله :

وشادن أبصرته مقبلا

فقلت من وجدي به مرحبا


__________________

قدّ فؤادي في الهوى قدة

قدّ علي في الوغى مرحبا

ثم إن الله تعالى فتح ذلك الحصن ، وهو حصن ناعم ، أول حصون النطاة على يد علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه.

وتتابع الفتح ، وسقطت حصون خيبر واحدا تلو الآخر ، وهي : النطاة والصعب وناعم وقلعة الزبير والشق والقموس وبري وحصن أبي والوطيح والسلالم.

وقال الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٢٠ ط دار الجيل في بيروت):

عن سهيل بن سعد : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلهم يرجو أن يعطى فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا : علي يا رسول الله يشتكي عينيه. قال : فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع.

فأعطاه الراية فقال علي : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال : أنفد على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من الله فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم.

أين علي؟ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد عليا لما ذا؟ لأنه هو وحده المرشح لتلك المهمة التي عجز عنها أصحابه رضي‌الله‌عنهم ، وهذه شهادة ليس كمثلها شهادة.

إن عليا خلاصة الأبطال ، رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

تاج المجد فوق رأس أمير المؤمنين مرصع بلئالئ ليس كمثلها لآليء ، ومن تلك الآلئ هذه اللؤلؤة النادرة.

عن أبي بريدة يقول : حاصرنا خيبر فأخذ الراية أبو بكر ولم يفتح له ، فأخذها من الغد عمر فانصرف ولم يفتح له وأصاب الناس شدة وجهد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني دافع لوائي غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا


__________________

يرجع حتى يفتح له ، وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا ، فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى الغداة ثم جاء قائما ورمى اللواء والناس على أقصافهم فما منا إنسان له منزلة عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا وهو يرجو أن يكون صاحب اللواء.

فدعا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وهو أرمد فتفل ومسح في عينيه ، فدفع إليه اللواء وفتح الله عليه.

إني دافع لوائي غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له.

غيوب لا يعلمها إلا الله ورسوله يذيعها صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقدما وقبل أن تحدث وقد حدثت كما قال إلى رجل إلى بطل ليس كمثله بطل وكلمة رجل هنا بمعنى بطل بلغ الغاية من محاسن البطولة.

سيف علي

عن بريدة الأسلمي قال : لما كان يوم خيبر ونزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحصن أهل خيبر أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللواء عمر فنهض فيه من نهض من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأعطين اللواء رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، فلما كان من الغد تصادر أبو بكر وعمر فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ونهض معه من الناس من نهض فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز :

قد علمت خيبر إني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الليوث أقبلت تلهب

أطعن أحيانا وحينا أضرب

فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه على هامته حتى مضى السيف منها منتهى رأسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح لأولهم.

هذا مثال واحد من عجائب سيفه عليه‌السلام ، حتى مضى السيف منها منتهى رأسه فلما هوى مرحب هوى من وراءه واستسلموا سراعا ـ إلى أن قال :

ها هو الإمام الحسن يصف أباه فما ذا قال؟


__________________

عن هبيرة بن هديم قال : جمع الناس الحسن بن علي وعليه عمامة سوداء لما قتل أبوه فقال : لقد كان قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه.

ما ترك دينارا ولا درهما إلا تسعمائة أخذها عياله من عطاء كان أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.

جمال عجيب يترقرق من فم الإمام الحسن ووصف دقيق عميق سحيق يوشك أن يكون أصدق وصف لشخصية الإمام عليه‌السلام ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ومعنى هذا أنه رجل ليس كمثله رجل.

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في «فتح المجيد شرح كتاب التوحيد» (ص ٩٩ ط دار القلم) قال عند شرح الحديث الشريف :

قال : ولهما عن سهل بن سعد رضي‌الله‌عنه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه. فبات الناس يدوكون ليلتهم ، أيهم يعطاها. فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب؟ فقيل : هو يشتكي عينيه. قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به فبصق في عينيه ودعا له ، فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية وقال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه ، فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.

يدوكون أي يخوضون.

قوله «عن سعد بن سهل» أي ابن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي ، أبي العباس صحابي شهير ، وأبوه صحابي أيضا ، مات سنة ثمان وثمانين وقد جاوز المائة.


__________________

قوله «قال يوم خيبر» وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال : كان علي رضي‌الله‌عنه قد تخلف عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خيبر ، وكان أرمد فقال : أنا أتخلف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فخرج عليرضي‌الله‌عنه فلحق بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله عزوجل في صباحها قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله ، أو قال : يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه. فإذا نحن بعلي وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الراية ففتح الله عليه.

قوله «لأعطين الراية» قال الحافظ : في رواية بريدة : إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله ، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفها ، ولكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس : كانت راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سوداء ولواؤه أبيض ومثله عند الطبراني عن بريدة. وعند ابن عدي عن أبي هريرة وزاد مكتوب فيه : لا إله إلا الله محمد رسول الله.

قوله «يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» فيه فضيلة عظيمة لعلي رضي‌الله‌عنه ـ إلى أن قال :

قوله «يفتح الله على يديه» صريح في البشارة بحصول الفتح ، فهو علم من أعلام النبوة.

قوله «فبات الناس يدوكون ليلتهم» بنصب «ليلتهم» و «يدوكون» قال المصنف : يخوضون. أي فيمن يدفعها إليه. وفيه حرص الصحابة على الخير واهتمامهم به ، وعلو مرتبتهم في العلم والإيمان.

قوله «أيهم» هو برفع أي على البناء لإضافتها وحذف صدر صلتها.

قوله «فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلهم يرجو أن يعطاها» وفي رواية أبي هريرة عند مسلم أن عمر قال : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ. ـ إلى أن قال :

قال شيخ الإسلام : إن في ذلك شهادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي بإيمانه باطنا


__________________

وظاهرا وإثباتا لموالاته لله تعالى ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له ـ إلى أن قال :

قوله «فقال : أين علي بن أبي طالب؟» فيه سؤال الإمام عن رعيته ، وتفقد أحوالهم.

قوله «فقيل هو يشتكي عينيه» أي من الرمد ، كما في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص فقال : ادعوا لي عليا فأتى به أرمد الحديث ، وفي نسخة صحيحة بخط المصنف فقيل هو يشتكي عينيه ، فأرسل إليه مبنى للفاعل ، وهو ضمير مستتر في الفعل راجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويحتمل أن يكون مبنيّا لما لم يسم فاعله. ولمسلم من طريق إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال : فأرسلني إلى علي فجئت به أقوده أرمد.

قوله «فبصق» بفتح الصاد ، أي تفل.

قوله «ودعا له فبرأ» هو بفتح الراء والهمزة ، أي عوفي في الحال ، عافية كاملة كأن لم يكن به وجع من رمد ولا ضعف بصر.

وعند الطبراني من حديث علي : فما رمدت ولا صدعت منذ دفع النبي صلّى الله عليه سلّم إلي الراية ، وفيه دليل على الشهادتين.

قوله «فأعطاه الراية» قال المصنف : فيه الإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع ، ومنعها عمن سعى.

وفيه : أن فعل الأسباب المباحة أو الواجبة أو المستحبة لا ينافي التوكل.

قوله «وقال انفذ على رسلك» بضم الفاء. أي أمض ، ورسلك بكسر الراء وسكون السين ، أي على رفقك من غير عجلة. وساحتهم فناء أرضهم وهو ما حولها.

وفيه : الأدب عند القتال وترك العجلة والطيش ، والأصوات التي لا حاجة إليها. ـ إلى أن قال :

قوله «وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه» أي في الإسلام ـ إلى أن قال :

قوله «فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» أن مصدرية


ومنهم الفاضل المعاصر سميح عاطف الزين في «خاتم النبيين محمد» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ج ٢ ص ٥١٥ ط ٢ دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما والله لأدفعن غدا بلوائي إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ولن يرجع حتى يفتح الله عليه. فارتاح المسلمين قاطبة لهذه البشارة بالفتح ، ثم اشرأبّت أعناق القوم من أبطال المسلمين تتطّلع إلى من يعطي الراية في غد ليفتح الله على يديه ، وليكون الفائز بحب الله ورسوله له.

فما إن صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة الغداة من اليوم الثاني حتى دعا إليه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فجاءه وهو أرمد العين ، وجلس بين يديه ، فأمسك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم برأسه ، وراح يمسح على عينيه ويرقيه بتلاوة آيات من القرآن الكريم ، وهو ينفخ فيهما ، ويمسهما بشيء من ريقه الشريف ، حتى شعر علي عليه‌السلام بأنه قد برئ من الرمد ، وأن رأسه قد صفا ، ونظره قد قوي ، فوقف أمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متأهبا ، مستعدا ، وهو في أحسن حال ، فناوله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللواء ، وأمره أن يقود المقاتلين لفتح ذلك الحصن الذي ظن اليهود أنه استعصى على المسلمين. ولقد شاء علي أن يتقدم وهو على بيّنة من أمره ، فسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : علام أقاتلهم يا رسول الله؟ فقال له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : على أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله بحقها ، فإن فعلوا حقنوا منّا دماءهم وأموالهم ، وحسابهم على الله عزوجل.

__________________

واللام قبلها مفتوحة لأنها لام القسم. وأن والفعل بعدها في تأويل مصدر ، رفع على الابتداء والخبر خير وحمر بضم المهملة وسكون الميم ، جمع أحمر. و «النعم» بفتح النون والعين المهملة ، أي خير لك من الإبل الحمر. وهي أنفس أموال العرب ـ إلخ.


واندفع علي عليه‌السلام إلى حصن الناعم في مقدمة الجيش ، فما أن رآهم اليهود حتى خرجوا إليهم ، يسبقهم فارس مقدام ، عليه مغفر يماني قد ثقب مثل البيضة على رأسه ، وهو يمتشق من السلاح سيفا ودرعا ورمحا وخناجر على جانبيه ، فكان كأنه في إقدامه يهب الموت لعدوّه قبل أن يلقاه.

وقبل أن يقترب ذلك الفارس صرخ علي عليه‌السلام باليهود ، داعيا إياهم إلى الإسلام ، فذهبت صرخاته أصداء في الفضاء ، لا تقع في مسامع العدو موقع قبول ولا رضى ، وكان الفارس اليهودي قد اقترب من صفوف المسلمين وأخذ يرتجز :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

أطعن أحيانا وحينا أضرب

إذا الليوث أقبلت تلهب

إن حماي للحمى لا يقرب

فانطلق علي عليه‌السلام للقائه بقوة المؤمن الصادق ، وبعنفوان البطل الأبيّ ، وهو يرد عليه راجزا :

أنا الذي سمتني أمي حيدره

أكيلكم بالسيف كيل السندره

ليث بغابات شديد قسوره

ثم التقى البطلان ، وثار النقع تحت حوافر فرسيهما ، وارتقع الغبار فوق رأسيهما في مبارزة عنيفة مريرة ، كان يشهدها المقاتلون من الفريقين فتهلع لها قلوبهم ، وترتعد لمرآها فرائصهم ، فاستطاع مرحب اليهودي أن يقارب عليا عليه‌السلام وأن يوجه إليه ضربة أرادها كالصاعقة ، ولكن عليا أمكنه تلافيها وهو يحيد عنها فذهبت في الهواء طائشة خائبة ، ثم لم ترتدّ يد صاحبها منها ، حتى كانت الضربة النجلاء ، من مبارزه علي عليه‌السلام قد هوت فوق رأسه تقدّ المغفر الذي عليه ، وتفلقه شقّين حتى تصل إلى الأضراس في حلقه ، فهوى مرحب بطل اليهود الأكبر عن ظهر فرسه ، مجندلا على الثرى ، يفور منه الدم الغزير ليروي التراب من تحته.

ورأى المحاربون اليهود ما حلّ ببطلهم مرحب ، فاندفعوا نحو المسلمين في


هجمة شرسة عاتية ، وقد استبدّ بهم الحقد ، وهاجت في نفوسهم الضغينة ، فأرادوا أن يستأصلوا أعداءهم من على وجه الأرض استئصالا ، ولكن من أين لهم ذلك الوهم الخادع ، وكل واحد من المسلمين بطل مقدام بحيث كانوا ينقضون عليهم كالليوث الكاسرة ، فيفرقون صفوفهم ، ويشتتون جموعهم ، ولكن واحدا منهم كان يدور حول علي عليه‌السلام ويلحقه ويترصّده من مكان إلى آخر ، وهو يريد أن يختلسه بضربة تعجل عليه ، ثم ما زال كذلك حتى أمكنه الدنو منه ، فأهوى عليه بسيفه ، فتلقى علي ضربته بدرعه ، غير أنها وصلت إلى مقبضه فقطعته وأطاحت به من يده ، فما كان من علي عليه‌السلام إلا أن عاجله بسيفه البتّار ، وأهوى عليه بإحدى ضرباته البكر النجلاء ، لتفلق هامه وتذره على البطحاء شطرين.

ولم يكن اليهود قد شهدوا في سالف أيامهم مثل تلك الضربات التي تفلق هام الرجال ، فراعهم الهلع ، وأخافهم الفزع ، فتقهقروا إلى الوراء مرتدين إلى الحصن ، فارين لهول ما رأوا ، ثم حاولوا إغلاق بابه وإحكام أقفاله من الداخل ، ولكن عليا عليه‌السلام كان أسرع من أن يمكنهم من إيصاده جيدا ، إذ اندفع نحو الباب يشدّ به إلى الوراء حتى اقتلعه بيديه ثم حمله يتترس به ، ويهجم على الأعداء يدحوهم به دحوا حتى أبعدهم عن المدخل ، فرجع وجعل الباب جسرا على الخندق الذي كان أمام الحصن كي يعبر عليه المسلمون ، ويلاحقون الأعداء من ناحية إلى ناحية ، ومن زاوية إلى زاوية ، حتى قتلوا منهم عشرات الرجال وفرّ الباقون من أمامهم ، فطاردوهم حتى أجلوهم عن الحصن تماما ولم يبق منهم فيه أحد ، وعندها هدأ القتال وانتهت تلك المعركة بفتح حصن الناعم على يدي علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وأرضاه ، فدعاه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليه يضمّه إلى صدره فرحا بقوة بأسه وشجاعته ، شاكرا الله تعالى على ما أنعم عليه وعلى المسلمين من نصر عزيز. وكان شاعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حسان بن ثابت ، يرقب ذلك الحنان يفيضه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حبيبه وأخيه علي عليه‌السلام فينفذ أثره


إلى مشاعره ، ويلتقي في ذهنه مع صور جولات علي عليه‌السلام وصولاته ، فاستأذن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنشد في ذلك شعرا معبّرا صارخا ، كان من جملته :

وكان علي أرمد العين يبتغي

دواء فلما لم يحسّ مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة

فبورك مرقيا وبورك راقيا

وقال سأعطى الراية اليوم صارما

كميا محبا للرسول مواليا

يحب إلهي والإله يحبه

به يفتح الله الحصون الأوابيا

فأصفى لها دون البرية كلها

عليا ، وسمّاه الوزير المؤاخيا

واطمأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم واطمأن معه المسلمون إلى ذلك الفتح العظيم ، وحقّ لهم أن ينالوا قسطا من الراحة بعد جهاد دام عدة أيام ، فأخلدوا إلى السكون في ديار خيبر ، وقد وقف الحراس مترقبين لكل حركة ، حذرين من أي غدر قد يفاجئهم به العدو.

ولكن ما شهدوه من بطولة علي بن أبي طالب عليه‌السلام وشجاعته في ذلك اليوم كان عجيبا حقا ، فقضوا سهرتهم يتحدثون بتلك القدرة الفائقة ، وكانوا يتساءلون : كيف أمكن لعلي عليه‌السلام أن يقدر على قلع ذلك الباب الضخم ورفعه بين يديه ، والهجوم به على الأعداء يدحوهم به دحوا ، فقام نفر من ثمانية رجال ، بينهم أبو رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وذهبوا إلى الباب يريدون أن يرفعوه ، فما قدروا على أن يقلبوا قلبا ، وحاولوا ذلك مرات عديدة ، فأعجزهم ثقل الباب ، حتى أن أحدهم قال : كنا عشرين نحاول رفعه كما رفعه علي فلم يستطع الضوء أن ينفذ من تحته وكانوا كلّهم أمناء صادقين ، فعادوا إلى الرجال يتحدثون بما حاولوا ولم ينجحوا ، وراحوا يثنون على قوة علي عليه‌السلام ويحمدون الله سبحانه على ما منح أحد أبطالهم من القوة حتى أمكنه فتح الحصن ـ إلى آخر ما قال.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص


٤٤ ط مكتبة غريب بالفجالة) قال :

وعن غزوة خيبر يروي أبو رافع مولى الرسول قال : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود فطرح ترسه من يده ، فتناول علي بابا كان عند الحصن ، فترس به نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر مع سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه.

كان على رأس هذا الحصن أحد شجعان يهود واسمه مرحب ، وهو الذي طرح الترس من يد علي ، فانقض عليه كرم الله وجهه وبارزه متحصنا بباب الحصن الثقيل ، وطالت المبارزة حتى أهوى علي بسيفه على وجه مرحب ، وسقط الحصن واستأسر من فيه وغنم منه المسلمون مغانم كثيرة.

من أجل ذلك صاح نفر من المعجبين به من المسلمين : لا فتى إلا علي. وكان هذا النداء يرج الآفاق كلما اشتبك في قتال ، فيلهب منه الحماسة ويثير الحمية.

وقد شهدت أم سلمة أم المؤمنين رضي‌الله‌عنها غزوة خيبر فقالت : سمعت وقع سيف علي بن أبي طالب في أسنان مرحب.

وقال علي بن أبي طالب : والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسدية ولكن بقوة ربانية.

ما ورد في شجاعته

عليه‌السلام يوم حنين والطائف

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد في «جامع


الأحاديث» (القسم الثاني ج ٦ ص ٧٣٦ ط دمشق) قالا :

عن أنس رضي‌الله‌عنه قال : لما كان يوم حنين ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الآن حمي الوطيس ، وكان علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أشد الناس قتالا بين يديه. العسكري في الأمثال.

ومنهم العلامة الشيخ أبو العباس أحمد بن الخطيب المعروف بابن قنفذ القسنطيني الأندلسي المالكي في «وسيلة الإسلام بالنبي (ص)» (ص ١١٠ ط بيروت) قال :

وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عشرة آلاف الذين فتح الله بهم في ألفين من أهلها ، وغزا غزوة حنين وأعجبتهم كثرتهم ، وكان مالك بن عوف قبل إسلامه جمع هوازن بعد الفتح ، وهي قبيلة وافرة من قيس ونزل بهم أوطاس. ولما انحصر المسلمون في الصبح كان العدو كامنا في شعاب ذلك المكان ومضائقه. فخرج العدو خروج اجتماع والمسلمون على افتراق فانهزموا كلهم إلا من كان قريبا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولما رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شدة الأمر نزل عن بغلته في يمين القوم وقال بأعلى صوته : أيها الناس أنا رسول الله ، ومعه نفر من المهاجرين والأنصار وعشرة من أهل البيت : علي بن أبي طالب وقرابته. فاندفع علي بن أبي طالب بعد انهزام المسلمين على صاحب رأيتهم السّوداء وصرعه بالأرض وضرب آخر فمات ، وضرب أبو طلحة الأنصاري وحده عشرين وأخذ سلبهم. وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفا من تراب ورماهم به وقال : شاهت الوجوه من التشويه ، فجعل كل واحد من العدو يمسح التراب عن عينيه ، وانهزم العدو وسبا بقدرة الله تعالى. واجتمع السبي ستة آلاف من الذراري والنساء ومن الإبل والغنم ما لا يحصي عدده إلا الله. وما رجع المسلمون من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ونزل قوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ).


ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٣٨ ط مكتبة غريب بالفجالة) قال :

وفي يوم حنين كان علي بن أبي طالب من أشد الناس قتالا بين يدي الرسول.

ومنهم العلامة نجم الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن فهد المشتهر بعمر ابن فهد الهاشمي العلوي المحمدي المكي في «إتحاف الورى بأخبار أم القرى» (ج ١ ص ٥٣٤ ط دار الجيل ـ القاهرة) قال :

ويقال : إن علي بن أبي طالب كان على فرس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يضرب بسيفه ويرتجز ويقول :

هذا النبي لا كذب

هذا ابن عبد المطلب

ومنهم الفاضل المعاصر سميح عاطف الزين في «خاتم النبيين محمد» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ج ٢ ص ٧٥١ ط ٢ دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

وراح المؤمنون يخوضون غمار المعركة ببسالة نادرة ، ويصلون نارها بشجاعة فائقة ، وفي حمى القتال اندفع علي بن أبي طالب عليه‌السلام وراء رجل الجمل الأحمر من هوازن ، الذي كان يكبّ على المسلمين بالقتل والطعن ، حتى إذا تخلف عنه قومه رفع رايته على رمحه فاتبعوه ، ثم تقدم يرتجز :

أنا أبو جرول لا براح

حتى نبيح القوم أو نباح

اندفع فارس الإسلام علي عليه‌السلام وراء فارس المشركين حتى لحق به ، فهوى على عرقوبي جمله بضربة شديدة يقع على عجزه ثم وثب على أبي جرول يعاجله بضربة سيف لا تخطئ ، فتشطره نصفين ، ويخرّ متخبطا بدمائه ، فينظر إليه علي عليه‌السلام ويقول :

قد علم القوم لدى الصباح

أني في الهيجاء ذو نطاح


شجاعته عليه‌السلام في بني قريظة

رواه جماعة من علماء العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٣٨ ط مكتبة غريب بالفجالة) قال :

وعند ما حاصر الرسول بني قريظة ، وكان اللواء بيد علي صاح يستحث جنده : يا كتيبة الإيمان. ثم تقدم هو والزبير بن العوام وقال : والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم.

مستدرك

شجاعته عليه‌السلام في حرب الجمل

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ١٨ ص ١٠٩ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٧٣ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية الشريفة بخراسان) قال :

وقال الأعمش : كنت أرى عليا يوم الجمل يحمل فيضرب بسيفه حتى ينتهي ثم يرجع ويقول : لا تلومونني ولوموا هذا. ثم يعود ويقومه.


ومنهم المحدث الحافظ أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي المتوفى سنة ٢٢٧ في كتابه «السنن» (ج ٣ ق ٢ ص ٣٣٧ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

حدثنا سعيد قال : نا عبد العزيز بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي ابن حسين : إن مروان بن الحكم قال له وهو أمير بالمدينة : ما رأيت أحدا أحسن غلبة من أبيك علي بن أبي طالب ، ألا أحدثك عن غلبته إيانا يوم الجمل؟ قلت : الأمير أعلم ، قال : لما التقينا يوم الجمل توافقنا ، ثم حمل بعضنا على بعض ، فلم ينشب أهل البصرة أن انهزموا ، فصرخ صارخ لعلي : لا يقتل مدبر ، ولا يذفّف على جريح ، ومن أغلق عليه باب داره فهو آمن ، ومن طرح السلاح آمن. قال مروان : وقد كنت دخلت دار فلان ثم أرسلت إلى حسن وحسين ابني علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر فكلموه ، قال : هو آمن فليتوجّه حيث شاء ، فقلت : لا والله ما تطيب نفسي حتى أبايعه ، فبايعته ثم قال : اذهب حيث شئت.

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٤٨٤ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

وقال سعيد بن جبير : كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار ، وأربعمائة ممن شهد بيعة الرضوان. رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد (١).

__________________

(١) قال الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٤٨٤) :

وقال المطلب بن زياد ، عن السدي : شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقتل بينهما ثلاثون ألفا ، لم تكن


__________________

مقتلة أعظم منها.

وقال الفاضل المعاصر مأمون غريب المصري القاهري في «خلافة علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (ص ٩٠ ط مكتبة غريب في القاهرة) :

فانطلق عدد كبير من أهل الكوفة قدره البعض باثني عشر ألف مقاتل للانضمام لجيش الإمام ، وقال بعض المؤرخين أنهم أقل من ذلك ، وعند ذي قار التقوا بالإمام فخطبهم قائلا ـ فذكر الخطبة الشريفة.

وقال الفاضل المعاصر جميل إبراهيم حبيب البغدادي في «سيرة الزبير بن العوام» (ص ١٣٩ ط الدار العربية للموسوعات):

قال عبد الله بن مصعب ، قال : أرسل علي بن أبي طالب رحمه‌الله عبد الله بن عباس ، لما قدم البصرة ، فقال : ايت الزبير ولا تأت طلحة ، فإن الزبير ألين ، وإنك تجد طلحة كالثور عاقصا قرنه ، يركب الصعوبة ويقول هي أسهل ، فاقرأه السّلام ، وقل له : يقول لك ابن خالك ، عرفتني بالحجاز وانكرتني بالعراق ، فما عدا مما بدا لك. قال : فأتيت الزبير. فقال : مرحبا يا ابن لبابة ، أزائرا جئت أم سفيرا؟ فقلت : كل ذلك ، وأبلغته ما قال علي ، فقال الزبير : أبلغه وقل له : بيننا وبينك عهد خليفة ودم خليفة وانفراد واحد وام مبرور ومشاورة عشيرة ونشر المصاحف فنحلّ ما أحلت ونحرم ما حرمت.

وقال الفاضل المعاصر عبد الوهاب النجار في «الخلفاء الراشدون» (ص ٣٨٧ ط ١ دار القلم ـ بيروت):

جاء طلحة والزبير واستأذنا عليا في العمرة ، فأذن لهما وهو يعلم أنهما لا يريدان ذلك وأنهما خرجا كراهة لأمره ـ إلى أن قال :

قال ابن قتيبة : إنهما قالا لعلي : هل تدري يا علي علام بايعناك؟ قال : نعم على السمع والطاعة وعلى ما بايعتما أبا بكر وعمر وعثمان. فقالا : لا ولكن بايعناك على أنا شريكاك في الأمر ، قال علي : لا ، ولكنكما شريكان في القول والاستقامة والعون على العجز والأود. قال : كان الزبير لا يشك في ولاية العراق وطلحة في اليمن. فلما استبان لهما أن عليا غير موليهما شيئا أظهرا الشكاة ، فتكلم الزبير في ملإ من قريش فقال: هذا


__________________

جزاؤنا من علي قمنا له في أمر عثمان حتى أثبتنا عليه الذنب وسببنا له القتل وهو جالس في بيته وكفى الأمر ، فلما نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا ، فقال طلحة : ما اللوم إلا أنا كنا ثلاثة من أهل الشورى كرهه أحدنا وبايعناه وأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا. وأنهى قولهما إلى علي فدعا عبد الله بن عباس وكان استبطنه فقال : قد بلغك قول هذين الرجلين؟ قال : نعم بلغني قولهما. قال : فما ترى؟ قال : أرى أنهما أحبا الولاية ، فول البصرة الزبير وول طلحة الكوفة ، فإنهما ليسا بأقرب إليك من الوليد وابن عامر من عثمان ، فضحك علي ثم قال : ويحك إن العراقين بهما الرجال والأموال ومتى تملكا رقاب الناس يسملان السفيه بالطمع ويضربان الضعيف بالبلاء ويقويان على القوي بالسلطان ، ولو كنت مستعملا أحدا لضره أو نفعه لاستعملت معاوية على الشام ، ولو لا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي. قال : ثم أتى طلحة والزبير إلى علي فقالا : يا أمير المؤمنين ، ائذن لنا إلى العمرة فإن تقم إلى انقضائها رجعنا إليك وإن تسر نتبعك. فنظر إليهما وقال : نعم ، والله ما العمرة تريدان ، أمضيا إلى شأنكما فمضيا.

وقال الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٢٨ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) :

قالت المعتزلة : كل أصحاب الجمل هالكون إلا من ثبتت توبته منهم. قالوا : وعائشة ثبتت توبتها وكذلك طلحة والزبير ، أما عائشة فإنها اعترفت لعلي عليه‌السلام يوم الجمل بالخطإ وسألته العفو ، وقد تواترت الرواية عنها بإظهار الندم وأنها كانت تقول : ليته كان لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنون عشرة كلهم مثل عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام وثكلتهم ، ولم يكن يوم الجمل ، وإنها كانت تقول : ليتني مت قبل يوم الجمل ، وإنها كانت إذا ذكرت ذلك اليوم تبكي حتى تبل خمارها.

وأما الزبير فرجع عن الحرب معترفا بالخطإ لما أذكره علي عليه‌السلام ما أذكره. وأما طلحة فإنه مر به وهو صريع فارس فقال له : قف ، فوقف. قال : من أي الفريقين أنت؟ قال : من أصحاب أمير المؤمنين. قال : أقعدني ، فأقعده. فقال : امدد


إخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لعلي عليه‌السلام عما يكون بينه وبين عائشة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر محمد ولي الله عبد الرحمن الندوي في «نبؤات الرسول ما تحقق منها وما يتحقق» (ص ٩٣ ط دار السّلام) قال :

أخرج الإمام أحمد في مسنده فقال : ثنا حسين بن محمد ، ثنا الفضيل يعني ابن سليمان ، ثنا محمد بن أبي يحيى ، عن أبي أسماء مولى بني جعفر ، عن أبي رافع : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي بن أبي طالب : إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر. قال : أنا يا رسول الله؟ قال : نعم ، قال : أنا؟ قال : نعم ، قال : فأنا أشقاهم يا

__________________

يدك لأبايع أمير المؤمنين فبايعه.

وقالت المعتزلة : ليس لقائل أن يقول ما يروى من أخبار الآحاد بتوبتهم لا يعارض ما علم من معصيتهم. قالوا : لأن التوبة إنما يحكم بها للمكلف على غالب الظن في جميع المواضع لا على القطع ، ألا ترى أنا نجوّز أن يكون من أظهر التوبة منافقا وكاذبا فبان المرجع في قبولها في كل موضع إنما هو إلى الظن فجاز أن يعارض من معصيتهم بما يظن من توبتهم.

وقالت الإمامية : كفر أصحاب الجمل كلهم الرؤساء والأتباع. وقال قوم من الحشوية والعامة : اجتهدوا فلا إثم عليهم ولا نحكم بخطئهم ولا خطأ علي عليه‌السلام وأصحابه. وقال قوم من هؤلاء : بل نقول أصحاب الجمل أخطئوا ولكنه خطأ مغفور كخطإ المجتهد في بعض مسائل الفروع عند من قال بالأشبه ، وإلى هذا القول يذهب أكثر الأشعرية.


رسول الله؟ قال : لا ولكن إذا كان كذلك فارددها إلى مأمنها.

ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في «جامع الأحاديث» (ج ٣ ص ٢٢٢ ط دمشق) قالا :

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن وليت من أمرها شيئا فارفق بها ـ يعني عائشة ـ قال لعلي (ك) ، عن أم سلمة.

وقالا أيضا في ج ٤ ص ٣٤٧ :

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سيكون بينك وبين عائشة أمر. قاله لعلي ، قال : فأنا أشقاهم يا رسول الله؟ قال : لا ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها (حم ، طب). عن أبي رافع.

أقول : في تعاليق كتاب «نبوات الرسول» الماضي ـ للندوي قال : هذا الحديث يتعلق بسيدنا علي وعائشة رضي‌الله‌عنهما رواه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو رافع رضي‌الله‌عنه.

أخرجه أحمد في مسنده ٦ / ٣٩٣ بلفظه.

والبزار في مسنده كما في كشف الأستار ٤ / ٩٣ (ح ٣٣٧٢) بلفظه.

والطبراني في معجمه الكبير ١ / ٣٣٢ (ح ٩٩٥) بمثله.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٧ / ٢٣٤ وقال : رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله ثقات.

وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية ٢ / ٣٦٦ (ح ١٤١٩) بلفظه وقال : قال يحيى بن معين : الفضيل ليس بثقة.

قلت : قد وثقه ابن حبان حيث ذكره في كتابه الثقات ، وقال الذهبي عنه : صدوق وقال ابن حجر : صدوق له خطأ كثير وكذلك حديثه في الكتب الستة ، ولعل هذا ما


حمل الهيثمي يقول في أسانيد أحمد والبزار والطبراني ـ وفيها فضيل بن سليمان ـ رجاله ثقات. راجع تهذيب الكمال ٢ / ١١٠٢ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٣٦١ ، تقريب التهذيب ٢ / ١١٢.

مستدرك

قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأزواجه :

يا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل تنبحها كلاب الحوأب

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٤٧١ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الأستاذ أحمد شلبي في «موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية» (ج ١ ص ٦١٩ ط مكتبة النهضة المصرية)

ذكر قصة ماء الحوأب ونبح كلابها وأن ابن الزبير أقسم لها أن ذلك ليس ماء الحوأب ، واستشهد لها ببعض الأعراب وكان قد اكتراهم لذلك.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد عبد الغفور عطار في كتابه «عائشة» (ص ١٦٥ ط مكة المكرمة) قال :

قالت أم سلمة لعائشة رضي‌الله‌عنهما أحسن الرضا : وأذكرك أيضا ، كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنت تغسلين رأسه وأنا أحيس له حيسا ، وكان الحيس يعجبه ، فرفع رأسه وقال : يا ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأذنب تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة الصراط؟ فرفعت يدي من الحيس فقلت : أعوذ


بالله وبرسوله من ذلك ، فضرب على ظهرك وقال : إياك أن تكوني فيها؟ إياك أن تكونيها يا حميراء ، أما أنا فقد أنذرتك. قالت عائشة : نعم ، أذكر هذا.

ومنهم العلامة الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي الحنفي المتوفى سنة ٧٣٩ في «الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان» (ج ٨ ص ٢٥٨ ط بيروت) قال :

أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع وعلي بن مسهر ، عن اسماعيل ، عن قيس قال : لما أقبلت عائشة مرت ببعض مياه بني عامر طرقتهم ليلا فسمعت نباح الكلاب فقالت : أي ماء هذا؟ قالوا : ماء الحوأب. قالت : ما أظنني إلا راجعة. قالوا : مهلا يرحمك الله! تقدمينا فيراك المسلمون فيصلح الله بك ، قالت : ما أظنني إلا راجعة ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب.

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ١٦٧ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

وفي «كنز العمال» عن أم راشد قالت : سمعت طلحة والزبير يقول أحدهما لصاحبه : بايعته أيدينا ولم تبايع قلوبنا ، فقلت لعلي فقال : (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (١).

__________________

(١) قال محمد بن عبد الله الإسكافي في المعيار والموازنة ص ٥٣ : فلما بلغه [أمير المؤمنين علي عليه‌السلام] رضي‌الله‌عنه وعن جميع المؤمنين مسير طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على محمد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قد صارت عائشة والزبير وطلحة وكل يدعى الأمر دون صاحبه يطلبه طلحة لأنه ابن عم عائشة ولا يرى الزبير إلا أنه أحق بالخلافة لأنه ختن عائشة ، فو الله لئن ظفروا بما يريدون ولا يرون ذلك أبدا ليضربن طلحة عنق الزبير


__________________

والزبير عنق طلحة ، تنازعا شديدا على الملك ، والله إن راكبة الجمل لا تصعد عقبة ولا تنزل منزلا إلا إلى معصية الله وسخطه حتى تورد نفسها ومن معها متألف الهلكة يقتل ثلثهم ويهزم ثلثهم ويتوب ثلثهم ، والله لتنبحنها كلاب الحوأب ، فهل يعتبر معتبر أو يتفكر متفكر؟ والله إن طلحة والزبير ليعلمان أنهما مخطئان وما يجهلان ، ولرب عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه.

فتدبّروا رحمكم الله هذه الأنباء ففيها التبيان والشفاء ، وتفهّموا ما يرد عليكم من الهدى ، ولا يذهبنّ عنكم صفحا لتعلموا أن أموره مبنيّة على يقين متقدّم ، وعلم ثاقب وحجّة بالغة. لا يهم عند الشدائد ولا يفتر عند النوازل ، أمره في التقدم والبصيرة أمر واحد لا يضجع في القول ، ولا يفتر عند الإقدام ، ولا يفرّق بين حاله أيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبين هذه الحال في الجهد والاجتهاد ، والقوّة والعزم والبصيرة في جميع أموره [فلاحظوا أحواله] لتعلموا أن أعماله مبنية على أساس اليقين ، وأموره ماضية على البصيرة في الدين ، وأن هذه الأفعال لا يبينها إلا علم نافذ و [أن] أموره لا تتسق ولا تتفق إلا لمن اعتمد على الثقة والمعرفة ، وأيّد بالنصر من الله والملائكة.

ثم قوله [عليه‌السلام] على المنبر : إنه لم ير إلا قتالهم أو الكفر بما أنزل الله.

لا يجترئ من خالفه أن يدعي مثل هذه ولا يقدم أحد على تكذيبه ، فأين هذه إلا له.

ثم نتبع هذا الكلام بأن نقول : [إنه كان يقول] : إنه لعهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلي أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

فهل تجد لمن خالفه مثل هذه الدعوى قبل النظر في الحجة؟ وما تجد لهم إلا عللا ملفقة ينكرها من سمعها ، ويستدل على ريبة القوم بها وضعفهم عند ذكرها ، فمرة يطلب بدم عثمان ، ومرة بايعنا مكرهين ، ومرة جئنا لنصلح بين الناس مع ما يرد عليهم من الإحتجاج ، ممن رأى الإختلاف في قولهم والتناقض في منطقهم ، وما تروون من تلوّن عائشة ، وروايتكم عنها مرة : أخرج للإصلاح ، ومرة تعزم على الرجوح عند تذكّر الخطأ ، وعند التوقيف لها [كذا].


__________________

هذه روايتكم ظاهرة مكشوفة في ماء الحوأب [بأسانيدكم] عن الشعبي ، عن ابن عباس ، قال : طرقت عائشة وطلحة والزبير ماء الحوأب ومن معهم ليلا وهو ماء لبني عامر بن صعصعة ، فنبحتهم كلاب الحوأب ، فنفرت صعاب إبلهم ، فقال قائل : لعن الله أهل الحوأب ما أكثر كلابهم.

قالت عائشة : أي ماء هذا؟ فقال محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير : هذا ماء الحوأب ، فقالت عائشة : والله لا صحبتكم ردّوني ردّوني ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : كأني بكلاب ماء يدعى الحوأب قد نبحت على امرأة من نسائي وهي في فئة باغية ، ثم قال : لعلك أنت يا حميراء ، قال : ثم دعا عليا فناجاه بما شاء. ردّوني. فقال لها الزبير : مهلا يرحمك الله ، يراك الناس والمسلمون فيصلح الله ذات بينهم. وقال طلحة : ليس هذا بحين رجوع.

ثم جاء عبد الله بن الزبير ، فقال : ليس هذا ماء الحوأب ، وحلف لها على ذلك ، قال : وهل من شاهد يشهد على أن هذا ليس ماء الحوأب؟ فأقاموا خمسين رجلا من الأعراب يشهدون أنه ليس ماء الحوأب ، وجعلوا لهم جعلا ، وكانت أول شهادة زور أقيمت في الإسلام.

فليعتبر من به حياة ، وليذكّر من كان له قلب واعلموا أن مثل هذه الأخبار لا تكون مفتعلة ، وكيف افتعل مثل هذه الأخبار في عائشة ولم يفتعل مثلها في علي [وإنما مهّدنا ذلك] لتعلموا أنّه لو كان سبيلها التخرّص والتقوّل لجاز لمن خالفه عليه مثلها ، وهذه روايتكم لا تدفعونها والكذب من علي والمهاجرين والأنصار أبعد ، ومن الأعراب والطغام وجند المرأة أقرب.

يقول علي رضي‌الله‌عنه وهو بالمدينة : ستنبحها كلاب الحوأب ، وتقول هي لما رأت الماء ونبحتها كلاب الحوأب : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [وذكرت] ما ذكرناه آنفا ، [ثم قالت] : ثم دعا بعلي فناجاه.

هل يكون بيان أوضح [من هذا] من أن عليا لم يقدم ولم يحجم ، ولم يقل ، ولم يسكت إلا بأمر من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.


ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٠١ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

ولما كانوا بالحوأب نبح كلابه. فقالوا : أي ماء هذا؟ فقال دليلهم : هذا ماء الحوأب. فصرخت عائشة بأعلى صوتها وقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكنّ تنبحها كلب الحوأب؟ ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وقالت : ردّوني ، والله أنا صاحبة ماء الحوأب ، فأناخوا حولها يوما وليلة. فقال لها عبد الله بن الزبير : إنه كذب ، ولم يزل بها وهي تمتنع ، فقال لها : النجاء النجاء فقد أدرككم علي بن أبي طالب.

ومنهم العلامة الشهاب أحمد الشيرازي الحسيني الفارسي الإيجي في «توضيح الدلائل» (ق ٢١٨ نسخة مكتبة الملي بفارس) قال :

وذكر الإمام أحمد بن حنبل عن قيس بن حازم أن عائشة لما أتت الحوأب سمعت نباح الكلاب فقالت : ما أظنني إلا رجعت ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أيتكن تبيح كلاب الحوأب.

وعن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثيرة ، وينجو بعد ما كادت. قال القرطبي : هذا حديث ثابت صحيح ، والعجب من القاضي الإمام أبي بكر بن الغربي كيف أنكر هذا الحديث في كتبه ، وذكر أنه لا يوجد له أصلا ، وأظهر لعلماء المحدثين بإنكاره غباوة وجهلا. انتهى كلامه.

__________________

ثم قوله : لئن ظفرا بالأمر يعني الزبير وطلحة ليضربن بعضهم بعضا. وقد كان من تشاحّهما على الصلاة وقتالهما عليها ما يحقّق قوله رضي‌الله‌عنه.


وعن سالم بن أبي الجعد قال : ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين ، فضحكت عائشة رضي‌الله‌عنها ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انظري يا حميراء لا تكونين هي ، ثم التفت صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى علي كرم الله وجهه فقال : يا أبا الحسن إن توليت من أمرها شيئا فارفق بها. رواه الصالحاني بإسناده ، وفيه : الحافظ أبو بكر بن مردويه ، وعن هاشم بن عروة ، عن أبيه قال: ما ذكرت عائشة رضي‌الله‌عنها مسيرها إلا بكت حتى بلّ خمارها وتقول : يا ليتني كنت نسيا منسيا.

ومنهم الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ العبقريات الإسلامية» (ج ٣ ص ٢٣٠ ط دار الكتاب اللبناني) قال :

عبروا بماء الحوأب فنبحتهم كلابه ، وسألوا : أي ماء هذا؟ فقال الدليل : هذا ماء الحوأب ، فصرخت بأعلى صوتها قائلة : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب. ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته وهي تقول : أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقا. ردوني ، ردوني ، ردوني. وأقامت يوما وليلة لا تريم مكانها ، حتى جاءوا لها بخمسين رجلا من الأعراب رشوهم فشهدوا أنهم جازوا الماء ، وقالوا لها : مهلا يرحمك الله فقد جزناه. ثم صاح عبد الله بن الزبير : النجاء. النجاء. فقد أدرككم علي ابن أبي طالب. فأذنت لهم في المسير بعد امتناع شديد.

ومنهم الحافظ الذهبي في الخلفاء الراشدون من «تاريخ الإسلام» (ص ١٨٨ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وكيع ، عن عصام بن قدامة ـ وهو ثقة ـ عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيتكن صاحبة الجمل الأدبب يقتل حواليها قتلى كثيرون


وتنجو بعد ما كادت.

ومنهم السيد محمد صديق حسن البخاري الحسيني في «الإذاعة» (ص ٧٢ ط دار الكتب العلمية) قال :

وعن عائشة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لها : كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب. رواه أحمد والحاكم.

ومنهم الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في «أخبار النساء في العقد الفريد» (ص ١٥٨ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

ودخلت أمّ أوفى العبدية على عائشة بعد وقعة الجمل فقالت لها : يا أم المؤمنين ، ما تقولين في امرأة قتلت أبنا لها صغيرا؟ قالت : وجبت لها النار. قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا في صعيد واحد؟ قالت : خذوا بيد عدوة الله.

وماتت عائشة في أيام معاوية وقد قاربت السبعين ، وقيل لها : تدفنين مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالت : لا ، إني أحدثت بعده حدثا ، فادفنوني مع إخوتي بالبقيع.

وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لها : يا حميراء ، كأني بك ينبحك كلاب الحوأب ، تقاتلين عليا وأنت له ظالمة.

والحوأب : قرية في طريق المدينة إلى البصرة ، وبعض الناس يسمونها الحوّب ـ بضم الحاء وتثقيل الواو ـ وقد زعموا أن الحوأب : ماء في طريق البصرة. قال في ذلك بعض الشيعة :

إني أدين بحب آل محمد

ونبي الوصي شهودهم والغيب

وأنا البريء من الزبير وطلحة

ومن التي نبحت كلاب الحوأب


جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

طلاق نسائه بيد علي أمير المؤمنين في حياته وبعد مماته

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر الأمير أحمد بن حسين البريانوي بهادر خان الحنفي في «تاريخ الأحمدي» (ص ١٨٢ ط بيروت) قال نقلا عن «روضة الأحباب» :

ونيز در آن كتاب است كه : روز ديگر غنچه چمن نبوت ورسالت وسرو بوستان نبالت وجلالت وبسالت يعنى امام حسن مجتبى را برسم رسالت بخانه عائشة فرستاد ، حسن آمد وگفت : أمير المؤمنين مى فرمايد : بدان خدائى كه بشكافت دانه را وبيافريد آدم فرزانه را كه اگر در زمان به تجهيز سفر مدينه نپردازى پيغامى به تو بفرستم وتو را تنبيه كنم در امرى كه كيفيت آن را تو نيك دانى. راوى گويد كه : عائشة در آن وقت سر خويش شانه مى كرد وجانب راست را بافته بود ومى خواست جانب چپ را ببافد ، چون حسن مجتبى اين پيغام رسانيد عائشة گيسوى چپ را نبافته در زمان از مكان برخواست وبا خواص وخدام خويش گفت كه : بار مرا بر راحله من نهيد وبه كارسازى سفر مدينه مشغول شويد كه هيچ چاره جز رفتن به مدينه ندارم وكمال اضطراب در بشره وى ظاهر شد.

زنى از نساء بصره با عائشة گفت : يا أم المؤمنين عبد الله بن عباس نزد تو آمد وهمچنين پيغام رسانيد وتو سخن با او بلند گردانيدى كه ما همه آواز تو را در حين مقاوله مجادله با او بشنيديم چنانچه وى به غضب برخاست واز اين خانه بيرون رفت وپدر اين جوان يعنى أمير المؤمنين على نزد تو آمد با تو سخن راند هيچ اقبال به قول او ننمودى اكنون چه افتاد كه به قول پسر او اين همه اضطراب دست داد؟


عائشة در جواب او گفت كه : پدرش (على) به دست او پيغامى فرستاده ومرا بر امرى اطلاع داده كه به جز راه مدينه پيمودن دواى ديگر ندارم ، آن زن از كيفيت آن امر استفسار نمود وعائشة گفت : حضرت رسالت روزى از غنائم كه به دست على رسيده بود ميان ذو القربى وياران خود قسمت مى فرمود ما نيز از آن نصاب حصه ونصيبى طلبيديم ودر آن طلب إلحاح ومبالغه بر آن سرور از حد اعتدال گذرانيديم على بن ابى طالب زبان را به ملامت ما گشوده وگفت : بس است كه مبالغه كرديد وإلحاح را از حد گذرانيديد حضرت را ملول ساختيد وما را توبيخ بسيار كرد ما نيز او را سخنان خشونت آميز گفتيم. وى اين آيت را برخواند كه : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) يعنى : شايد بود كه اگر او دست از شما بردارد وشما را در حوضه مطلقات در آرد پروردگار او بهتر از شما بدل وعوض دهد او را ، ما نيز در خشونت ودرشتى افزوديم رسول (صلعم) از درشتى وغلظت قول ما كه با على بن أبى طالب نموديم در غضب وغصة شد ونظر به جانب على كرد وفرمود : اى على ، من طلاق ايشان را در قبضه اختيار تو در آوردم وتو را وكيل خود گردانيدم كه هر كدام از ايشان را كه تو از قبل من طلاق دهى نام او را از دفتر نساء النبي محو شود وآن حضرت امر طلاق را اطلاق فرمود وفرق ميان حيات وممات ننمود پس على بن ابى طالب ما را بر اين معنى تنبيه مى كند ومن مى انديشم كه مبادا بر زبان او چيزى رود كه تدارك آن تصور نتوان كرد.

(إلى أن قال) ومنقول است كه چون ام المؤمنين به سفر مدينه عازم جازم گرديد وخبر آن به سمع امير المؤمنين رسيد عبد الله بن جعفر را امر فرمود از بيت المال مسلمين دوازده هزار درهم بنزد عائشة برد تا در كارسازى سفر مدينه صرف كند ومحمد بن ابى بكر را فرمود تا در آن سفر ملازم خواهر باشد.

قال أبو الفداء : كانت عدة القتلى يوم الجمل من الفريقين عشرة آلاف واستعمل علي على البصرة عبد الله بن عباس وسار علي إلى الكوفة ونزلها وانتظم له الأمر بالعراق


ومصر واليمن والحرمين وخراسان ولم يبق خارج عنه غير الشام وفيه معاوية وأهل الشام مطيعون له فأرسل إليه جرير بن عبد الله البجلي ليأخذ البيعة على معاوية ويطلب منه الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار فسار جرير إلى معاوية فماطله معاوية حتى قدم عمرو بن العاص على معاوية من فلسطين فوجد أهل الشام يحضون على الطلب بدم عثمان فقال لهم على الحق فاتفق عمرو ومعاوية على قتال علي وشرط عمرو على معاوية إن ظفر يوليه مصر فأجابه إلى ذلك ـ إلى أن قال ـ ولما قدم عمرو على معاوية كما ذكرنا.

إخفاء عائشة اسم أمير المؤمنين

علي بن أبي طالب عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلامهم في كتبهم :

فمنهم العلامة الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي المتوفى سنة ٧٣٩ في «الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان» (ج ٨ ص ١٩٨ ط بيروت) قال :

أخبرنا ابن خزيمة ، حدثنا عبد الجبار بن العلاء ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله قال : سألت عائشة قلت : أخبريني عن مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالت : اشتكى فعلق ينفث فجعلنا نشبه نفثه نفث آكل الزبيب. قالت : وكان يدور على نسائه فلما ثقل استأذنتهن أن يكون عندي ويدرن عليه. قالت : دخل علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بين رجلين تخطان رجلاه الأرض أحدهما عباس قال : فحدثت به ابن عباس فقال لي : ما أخبرتك بالآخر؟ قلت : لا ، قال : هو علي.


ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ١١٠ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

قال أبو الفداء : لما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حجة الوداع أقام بالمدينة حتى خرجت عشرة المحرم سنة إحدى عشرة وابتدأ برسول الله مرضه في أواخر صفر وهو في بيت ميمونة فجمع نساءه واستأذنهن أن يمرض في بيت إحداهن فأذن له أن يمرض في بيت عائشة.

وروى ابن جرير في تاريخه الكبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة قالت : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر تخطّ قدماه الأرض عاصبا رأسه حتى دخل بيتي.

قال عبيد الله : فحدثت هذا الحديث عنها عبد الله بن عباس فقال : هل تدري من هذا الرجل؟ قلت : لا ، قال : علي بن أبي طالب ولكنها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير.

ومنهم الحافظ العلامة محمد بن إسماعيل البخاري في «الصحيح» (ج ٦ ص ١٣ المطبوع بأمر السلطان عبد الحميد في القاهرة) قال :

حدثنا سعيد بن غفير ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : لما ثقل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واشتد به وجعه ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السّلام هارون في «تهذيب سيرة ابن هشام» (ص ٣٣٦ ط الكويت) قال :

قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن


عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة زوج النبي قالت ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة ٤٥٨ في كتاب «دلائل النبوة» (ج ٧ ص ١٧٣ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الله ، قال : أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، قال : أخبرنا ابن ملحان ، قال : حدثنا يحيى بن بكير ، عن الليث.

(ح) وأخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري ، قال : أخبرنا جدّي يحيى بن منصور القاضي ، قال : حدثنا أبو بكر عمر بن حفص السدوسي ، قال : حدثنا عاصم ابن علي ، قال : حدثنا ليث بن سعد ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم.

ومنهم المؤرخ المعروف أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المتوفى سنة ٢١٨ في «سيرة النبي» (ج ٤ ص ١٠٦٣ ط مطبعة المدني سنة ١٣٨٣ بالقاهرة) قال :

قال ابن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة ، عن محمد بن مسلم الزّهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمشي بين رجلين من أهله ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم.


قصة حرب الجمل

رواها جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ١٧٧ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

روى ابن عبد البر في الاستيعاب عن الشعبي قال : لما خرج طلحة والزبير كتبت أم الفضل بنت الحارث إلى علي رضي‌الله‌عنه بخروجهم ، فقال علي : العجب لطلحة والزبير أن الله عزوجل لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلنا : نحن أهله وأولياؤه لا ينازعنا سلطانه أحد فأبى علينا قومنا فولوا غيرنا ، وأيم الله لو لا مخافة الفرقة وأن يعود الكفر ، ويبور الدين لغيرنا فصبرنا على مضض ، ثم وثب الناس على عثمان فقتلوه ثم بايعوني ، ولم أستكره أحدا وبايعني طلحة والزبير فلم يصبرا شهرا كاملا حتى خرجا إلى العراق ناكثين ، اللهم فخذهما بفتنتهما للمسلمين.

وفيه أيضا قال علي : والله إن طلحة والزبير وعائشة ليعلمون أني على الحق وأنهم مبطلون.

ودر روضة الأحباب است كه : چون امير المؤمنين على مكتوب انخضاع را ديد ، محمد بن أبي بكر را طلبيده وگفت : ببين كه خواهرت چه كارها پيش گرفته ، خداى تعالى او را امر فرموده كه در خانه خويش بماند واز آنجا بيرون نيايد وخود را به مردم ننمايد واو خلاف حكم خدا ورسول كرده بيرون آمده وبا جمعى از اهل شقاق اتفاق نموده بر افتراق جماعت من يك كلمه گشته طلب بهاى خون عثمان از من مى كند كه محاربه ومقاتله نمايد.

محمد بن أبي بكر به عرض رسانيد كه هيچ ضرري وآسيبى از اتفاق ايشان به تو


نخواهد رسيد ، به درستى كه خداوند تعالى با تو است.

ونيز در روضة الأحباب است كه امير المؤمنين على مكتوبى به عائشة رضى الله عنها نوشت كه بعد از حمد وثناى بارى تعالى ، درود بر محمد مصطفى صلعم اعلام به عائشة آنكه بيرون آمده اى تو از منزل خود در حال عصيان ونافرمانى خدا ورسول وطالب ومتصدى امرى گشته كه آن را از تو برداشته اند وهيچ گونه مناسبتى به تو ندارد ومع ذلك گمان تو اين است كه اصلاح مسلمانان مى كنى وحال آنكه اين فساد وافساد است وخبر ده مرا كه زنان را كه من عند الله ومن عند رسول الله مأمور باشند با آنكه در خانه هاى خود نشينند با لشكر چه كار است.

(إلى أن قال) اى عائشة بترس از خداى عزوجل به خانه خويش باز گرد ودر آنجا قرار گير.

ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد الشيرازي الشافعي الحسيني في «توضيح الدلائل» (ق ٢١٦ والنسخة مصورة من المكتبة الملي بفارس) قال :

قال الإمام العالم المحدث المشكور محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري القرطبي رحمه‌الله تعالى في كتاب «التذكرة» : وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها حاجّة في السنة التي قتل فيها عثمان رضي الله تعالى عنه ، وكانت مهاجرة له ، فاجتمع طلحة والزبير ويعلى بن أمية التيمي ، وقالوا لها بمكة : عسى أن ترمى رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم ، ويرعوا حرمة نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي تمنع عليهم ، فاحتجوا عليها بقول الله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) فبلغت القضية مقاديرها ، فاصطف الناس القتال ، ورموا عليا وأصحابه بالنبال ، فقال علي رضي الله تعالى عنه : لا ترموا بسهم ، ولا تضربوا بسيف ، ولا تطعنوا برمح ، فرمى رجل من عسكر القوم بسهم فقتل رجلا من أصحاب علي فأتى به علي رحمة الله ورضوانه عليه فقال : اللهم


اشهد ، ثم رمى رجل آخر فقتل رجل من أصحاب علي ، فقال علي كرم الله وجهه : اللهم أشهد ، ثم رمى آخر ، فقال علي رضوان الله تعالى عليه : اللهم أشهد ، وقد كان علي نادى الزبير : يا أبا عبد الله ، ادن إليّ أذكرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : علي الأمان ، فقال علي رضي الله تعالى عنه : الأمان ، فأذكره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له ، وقد وجدهما يضحكان بعضهما إلى بعض : أما إنّك ستقاتل عليا وأنت له ظالم ، فقال الزبير : اللهم إني ما ذكرت هذا إلا الساعة ، وثنّى عنان فرسه لينصرف ، فقال له ابنه عبد الله : إلى أين؟ قال : أذكرني علي كلاما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : كلّا وإنك رأيت سيوف بني هاشم حدادا يحملها رجال شداد ، قال : ويلك! أمثلي يعيّر بالجبن؟ هلم الرمح ، وأخذ الرمح وحمل على أصحاب علي رضي الله تعالى عنهم ، فقال علي كرم الله تعالى وجهه : افرجوا للشيخ فإنه محرج ، فشق الميمنة والميسرة والقلب ثم رجع وقال لابنه : لا أم لك ، أيفعل هذا جبان؟ وانصرف ، وقامت الحرب على ساق ، وبلغت النفوس إلى التراق ، فافرجت عن ثلاثة وثلاثين ألف قتيل ، وقيل : سبعة عشر ألفا ، وفيه اختلاف ، فيهم من الأزد أربعة آلاف ، ومن ضبّة ألف ومائة ، وما فيهم من ساير الناس ، كلهم من أصحاب عائشة ، وقيل : فيها من أصحاب علي كرم الله وجهه نحو من ألف رجل وقيل : أقلّ ، وقطع على خطام الجمل سبعون يدا من بني ضبة ، كلما قطعت يد رجل أخذ الزمام الآخر وهم ينشدون :

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل

ننزل بالموت إذا الموت نزل

والموت أشهى عندنا من العسل

انتهى كلامه.

قال الشيخ الإمام جمال الدين عبد الله النافعي رحمه‌الله تعالى : وكانت القتلى يومئذ ثلاثة وثلثين ألفا على ما ذكر أهل التواريخ كل ذلك ، وعائشة رضي الله تعالى عنها راكبة على الجمل ، فأمر علي رضوان الله تعالى عليه بعقر ذلك الجمل المسمى


بعسكر ، فخمد الشر عند ذلك ، وظهر علي وانتصر ، ثم جاء على عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال : غفر الله لك ، فقالت : ولك ، ملكت فاسمح ، فما أردت إلا الإصلاح ، فبلغ من الأمر ما ترى ، فقال : غفر الله لك ، فقالت : ولك ، ثم أمر معها عشرين امرأة من ذوات الشرف والدين بين أهل البصرة يمضين معها إلى المدينة ، وأنزلها في دار وأكرمها ، وقتل ذلك اليوم طلحة بن عبيد الله القريشي التيمي ، قتله مروان بن الحكم والله سبحانه وتعالى أعلم ، مع أنه كان معهم ومن حزبهم لا من حزب علي رضوان الله تعالى عليه ، لكن قيل رماه من أجل ضغن كان في قلبه منه ، وقتل الزبير بن العوام القرشي الأسدي حواري النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن عمته صفية رضي الله تعالى عنهما ، وهو أول من سلّ السيف في سبيل الله الذي قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قاتله في بعض الأخبار : بشّر قاتل ابن صفية بالنار ، قتله ابن جرموز بوادي السباع بقرب البصرة منصرفا تاركا للقتال.

إلى أن قال :

قال القرطبي رحمة الله تعالى عليه : لما سمع بقتل عثمان رضي الله تعالى عنه يعلى ابن أمية التيمي الحنظلي أبو صفوان ـ وقيل : أبو خالد ـ أقبل لينصره ، فسقط عن بعيره في الطريق فانكسرت فخذه ، فقدم مكة فخرج إلى المسجد وهو كسر على سرير واستشرف إليه الناس واجتمعوا ، فقال : من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه ، فأعان الزبير بأربعمائة آلاف ، وحمل سبعين رجلا من قريش وحمل عائشة رضي‌الله‌عنها على جمل أدب ، ويقال : أدب لكثرة وبره ، اشتراه بمأتي دينار.

ومنهم الفاضل بطرس البستاني الماروني اللبناني في «أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام» (ص ٢٦٠ ط دار مارون عبّود ـ بيروت) قال :

ثم بويع علي بن أبي طالب ، فتخلف عن مبايعته بنو أمية أقرباء عثمان وبعض


الصحابة. وكان علي من الأبطال المغاوير والفرسان المعدودين ، ومن أفصح العرب وأخطبهم ، وأتقى الناس وأورعهم ، ولكنه لم يكن موفقا في الخلافة ، لأنه لم يعرف أن يداهن في سياسته. وكانت عائشة زوج النبي تؤلب على عثمان وتطعن فيه رغبة منها في طلحة ، فلما بويع علي ولم يبايع الناس طلحة صرخت : وا عثماناه ما قتله إلا علي. وعلم بالأمر طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وكانا بايعا عليا ، فرجعا عن مبايعتهما وانضما إلى عائشة يناصبان معها ابن أبي طالب العداء.

ولم يكن معاوية يومئذ يطمع في الخلافة ، ولكنه توقع العزل عن ولاية دمشق فآلمه الخطب ، فجاهر بعداء علي وألف حزب العثمانية من أقرباء عثمان للمطالبة بدم الخليفة الشهيد أو المظلوم.

وذهب بنو أمية وعائشة ومحازبوهم إلى البصرة ، فنتفوا لحية ابن حنيف أميرها ، فجاء المدينة وقال لعلي : بعثتني ذا لحية وقد جئتك أمرد. قال : أصبت أجرا وخيرا.

ورأى علي أن الفتنة قائمة ولا بدّ من إخمادها ، فسار إلى البصرة بسبعة آلاف مقاتل ، فالتقاه حزب عائشة وطلحة والزبير في جيش كبير ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وكانت عائشة على جمل تحرّض الرجال على الإقدام ، فرمي هودجها وهو كالقنفذ لما علق به من النبال ، بعد أن قطع على خطام الجمل سبعون يدا. ولكنها لم تصب بأذى ، وأرجعها علي إلى المدينة مكرمة. وانتهت الواقعة بانتصار علي ، وقتل الزبير ، وجرح طلحة جرحا لم يلبث أن مات به. وسميت هذه الحرب واقعة الجمل إشارة إلى جمل عائشة.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٦٩ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :


باب ٥٢ ـ في نكث طلحة والزبير بيعته عليه‌السلام :

قال أبو اليقظان : خرج طلحة والزبير بعد أن بايعا عليا عليه‌السلام مغاضبين له حتى لحقا بعائشة بمكة وكانت قد خرجت قبل مقتل عثمان إلى مكة فلحقا بها واجتمع من انضم إليهم من بني أمية وحرصوا عائشة على الخروج والطلب بدم عثمان فاعتذرت إليهم بقلة ذات اليد فقال يعلى بن منبه : عندي أربعمائة ألف مساعدة وخمسمائة فارس أجهزها لكم وكان عامل عثمان على اليمن. وقال عبد الله بن عامر وكان عامله على البصرة : عندي ألف ألف درهم ومائة من الإبل وأشار عليهم بالبصرة ، ثم نادى المنادي بالتحريض والطلب بدم عثمان فاجتمع لهم ألف منهم ستمائة على النوق والباقي على الخيل ، وذهب يعلى بن منبه لعائشة الجمل وكان اسمه عسكر ، فلما قدم طلحة والزبير بن العوّام وعائشة تلقاهم الناس بأعلا المربد حتى لو رمي بحجر لما وقع إلا على رأس إنسان طلحة وعائشة وذكر اللفظ فجعل طلحة يقول : أيها الناس انصتوا فجعلوا يركبونه ولا ينصتون فقال : أف أف! فراش بار وذباب زالت الشمس.

ثم اصطلحوا وكتبوا بينهم كتابا أن يكفوا عن القتال حتى يقدم علي بن أبي طالب ولعثمان دار الأمانة والمسجد وبيت المال ، فكفوا عنه ووجه على ابنه الحسن وعمار ابن ياسر يستنفر الناس فنفر معهما تسعة آلاف من أهل الكوفة ، وقال عمار : والله أعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله قد ابتلاكم وخرج علي في أربعة آلاف من أهل المدينة منهم ثمانمائة من الأنصار وأربعمائة ممن شهد بيعة الرضوان مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وراية علي مع ابنه محمد بن الحنفية وعلى ميمنته الحسن وميسرته الحسين عليهما‌السلام ، ولواء طلحة والزبير مع عبد الله بن حكيم بن حزام وعلى الخيل طلحة بن عبد الله وعلى الرجالة عبد الله بن الزبير ، فالتقوا بموضع قصر عبد الله بن زياد في النصف من جمادى الأولى يوم الخميس وكانت الوقعة يوم الجمعة ، ولمّا قدم علي البصرة قال لابن عباس : آت الزبير ولا تأت طلحة فإن الزبير


ألين منه وإنما طلحة كالنوار عاقصا بقرنه يركب الصعوبة ، فأقرئه مني السّلام وقل له : يقول لك أن عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق فما عدا فيما بدأ.

قال ابن عباس : فأتيته فقال : قل له بيننا وبينك عهد خليفة ودم خليفة واجتماع ثلاثة وانفراد واحد وأم مبرورة ومشاورة العشيرة ونشر المصاحف نحل ما أحلت ونحرم ما أحرمت ، فقال علي : ما زال الزبير رجلا منّا حتى أدرك ابنه عبد الله فلفته عنا وقال طلحة لأهل البصرة وقد سألوه عن بيعته لعلي فقال : ادخلوني في حسلهم ووضعوا الملح في عنقي ، وقالوا : بايع وإلا قتلناك.

قوله «الملح» يريد به السيف (١).

__________________

(١) وقال العلامة الباعوني المذكور في كتابه (ص ٧٣):

ومن حديث ابن أبي شيبة قال : كان علي يخرج مناديه يوم الجمل فينادى : لا يسلبن قتيل ولا يتبع مدبر ولا يجهز على جريح. وقال علي يوم الجمل للأشتر مالك بن الحارث وكان على الميمنة : احمل ، فحمل فكشف من بإزائه. وقال لهاشم بن عتبة أحد بني زهرة بن كلاب وكان على الميسرة : احمل ، فحمل وكشف من بإزائه فقال عليه‌السلام لأصحابه : كيف ترون مضربي وإيماني؟

وعن أبي حاتم قال : أنشدني الأصعمي عن رجل شهد الجمل فقال :

شهدت الحروب فشيبني

فلم تر عيني كيوم الجمل

أشد على مؤمن من فتنة

واقبل منه لخرق بطل

فليت الظعينة في بيتها

ويا ليت عسكر لم ترتحل

وعسكر اسم الجمل الذي وهبه يعلى بن منبه لعائشة وجعل له هودجا من حديد وجهز خمسمائة فارس معها بأسلحتهم ، وكان أكثر أهل البصرة مالا وكان علي يقول : بليت بأقص الناس وأطلق الناس وأطوع الناس عائشة ، وكان راية علي يوم الجمل سوداء وراية أهل البصرة الجمل.

وقال الأعمش : كنت أرى عليا يوم الجمل يحمل فيضرب بسيفه حتى ينتهي ثم يرجع ويقول : لا تلوموني ولوموا هذا ، ثم يعود ويقومه.


__________________

وعن سعيد ، عن قتادة قال : قتل يوم الجمل مع عائشة عشرين ألفا منهم ثمانمائة من بني ضبة ، وقالت عائشة : ما أنكرت رأس جملي حتى فقدت أصوات بني عدى وضبة وقتل من أصحاب علي خمسمائة رجل لم يعرف منهم إلا عليا بن الحرث السدوسي وهند الجملي قتلهما ابن اليثربي.

وقال في ق ٧٤ :

عن عمرو بن مرة قال : سمع عبد الله بن سلمة وكان مع علي بن أبي طالب يوم الجمل والحرث بن سويد وكان مع طلحة بن عبيد الله والزبير فتذاكرا وقعة الجمل فقال الحرث ابن سويد : والله ما رأيت مثل يوم الجمل لقد اشرعوا رماحهم في صدورنا وأشرعنا رماحنا في صدورهم فلو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت ، يقول هؤلاء : لا إله إلا الله والله أكبر ، ويقول هؤلاء : لا إله إلا الله والله أكبر ، فو الله لوددت أني لم أشهد ذلك اليوم وأنني مقطوع اليدين والرجلين.

قال عبد الله بن سلمة : والله ما يسّرني إني غبت عن ذلك اليوم ولا عن مشهد شهده علي بن أبي طالب ولو أن لي حمر النعم.

وعن علي بن عاصم عن حصين قال : حدثني أبو جميلة البكائي قال : إني لفي الصّف مع علي بن أبي طالب إذ عقر بعائشة جملها ، فرأيت محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر يسندان بين الصفين أيهما يسبق إليها ، فقطعا عرضة الرجل واحتملاها من هودجها.

قال حصين : وحدثني خالد بن مخلد ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن المغيرة ، عن ابن ابزي قال : انتهى عبد الله بن بديل إلى عائشة وهي في الهودج فقال : أنشدك الله أتعلمين أنّني أتيتك يوم قتل عثمان فقلت لك : إن عثمان قد قتل فما تأمرينني به فقلت ألزم عليا فو الله ما غير ولا بدل. فسكتت ، فأعاد عليها ، فسكتت فقال : اعقروا الجمل فعقروه ، فنزلت أنا وأخوها محمد بن أبي بكر فاحتملنا الهودج حتى وضعناه بين يدي علي رضي‌الله‌عنه فأمر به فأدخل منزل عبد الله بن بديل بن ورقاء.

وقالوا : لما كان يوم الجمل ما كان وظفر علي دنا من الهودج فسلم على عائشة


__________________

وكلّمها فأجابته : ملكت فاسمع ، فجهز علي أحسن جهاز وبعث معها سبعين امرأة حتى قدمت المدينة.

وعن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما قضى أمر الجمل دعا علي بأحرمين فعلاهما ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أنصار المرأة وأصحاب البهيمة رغا فحنيتم وعقر ففررتم ، نزلتم بشرّ بلاد الله أبعدها الله من السماء وجعلها مفيض كل ماء ولها شر أسماء وهي البصرة والبصيرة والمؤتفكة.

وقد مر ابن عباس قال : فدعيت من كل مكان فأقبلت إليه فقال : ليت هذه المرة فلترجع إلى بنيها الذي أمرها الله أن تقر فيه. قال : فاستأذنت عليها ، فلم تأذن لي فدخلت بلا إذن ومددت يدي إلى وسادة في البيت فجلست عليها فقالت : بالله يا ابن عباس ما رأيت مثلك تدخل علينا بغير إذننا وتمد يدك إلى وسادتنا فتجلس عليها بغير أمرنا! فقال لها : والله ما هو ، بيتك الذي خرجت منه وأمرك الله أن تقري فيه فلم تفعلي إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بيتك الذي خرجت منه قالت : يرحم الله أمير المؤمنين ذلك عمر بن الخطاب ، قلت : نعم وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قالت : أبيت أبيت ، فقلت : والله ما كان اباؤك إلا فواق ناقة نكبة حتى صرت لا تحلين ولا تمرّين ولا تأمرين ولا تنهين.

قال : فبكت حتى سمعت نشيجها ثم قالت : ارجع ارجع فإن أبغض البلدان إليّ بلد أنتم به. قلت : أما والله ما كان جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أما وجعلنا أباك لهم صديقا. قالت : أيمن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا ابن عباس؟ قلت : نعم والله يمن عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمنيت به علينا. قال ابن عباس : ثم أتيت عليا وخبرته الخبر فقبل بين عيني وقال : بأبي وأمي ذرّية بعضها من بعض والله سميع عليم.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : أول ما تكلمت الخوارج يوم الجمل قالوا : ما أحل لنا دمائهم وحرّم علينا أموالهم ، فقال علي عليه‌السلام : هي السنة في أهل السنة في أهل القبلة. قالوا : والله ما ندري هذا. قال : فهذه عائشة أتتساهمون عليها؟ قالوا : سبحان الله هي أمنا فهي حرام علينا. قالوا : فإنه يحرم شأنها ما يحرم منها.


__________________

وقال في ق ٧٥ :

وقد ذكر بعض المؤرخين في مسير سيدنا علي رضي‌الله‌عنه ما صورته ما سنذكره قال : أخبرنا المنذر بن الجارود العبدي قال : لما قدم علي بن أبي طالب البصرة دخل ممّا يلي الطف فجاء إلى الراوية فخرجنا ننظر فمر بنا فارس على فرس اشهب عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء متقلدا سيفا وبيده راية في ألف من الناس ، فقلنا : من هذا؟ فقيل : هذا أبو أيّوب الأنصارىّ صاحب منزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم مر بنا فارس على فرس أشقر عليه عمامة صفراء وثياب بيض متقلدا سيفا متنكبا قوسا في ألف من الناس ، فقلنا : من هذا؟ قيل : خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، ثم مر فارس آخر على فرس كميت متعمما بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء وعليه قباء أبيض مصقول متقلدا سيفا متنكبا قوسا في ألف ، قلنا : من هذا؟ قيل : أبو قتادة الأنصاري ، ثم مر بنا فارس آخر على فرس أشقر عليه ثياب بياض وعمامة سوداء قد أسدلها بين يديه ومن خلفه شديدة الأدمة متقلدا سيفا متنكبا قوسا في ألف من الناس ، قلنا : من هذا؟ قيل : عمار بن ياسر ، ثم مر بنا فارس على فرس أشقر عليه ثياب بياض وقلنسوة بيضاء وعمامة صفراء متنكبا قوسا يخط الأرض برجليه سناط في ألف من الناس ، قلنا : من هذا؟ قيل : قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري.

ثم مر بنا فارس على فرس أشقر ما رأينا أحسن منه وجها عليه ثياب بيض وعمامة سوداء قد أسبلها بين يديه ومن خلفه بيده لواء ، قلنا : من هذا؟ قيل : عبد الله بن عباس ثم مر بنا فارس أشبه الناس به عليه مثل لباسه فقلنا : من هذا؟ قيل : قثم بن العباس ثم أقبلت الرايات وأقبل فارس يشبههما فقلنا : من هذا؟ فقيل : معبد بن العباس.

ثم أقبلت كتيبة عليهم الدروع متعمّمين بعمائم بيض شاكين في السلاح يقدمهم رجل كأنه كبيرهم خير نظره في الأرض أكثر من نظره إلى السماء كأنما على رؤسهم الطير وعن يمينه شاب حسن الوجه وعن شماله شاب حسن الوجه وبين يديه شاب بيده راية عظمى وخلفه شاب في عدة شباب معهم قلنا : من هؤلاء؟ فقالوا : أما هذا فعلي بن أبي طالب وهذا الحسن والحسين عن يمينه ويساره وهذا محمد بن الحنفية بين يديه


__________________

ومعه الراية وهذا خلفه عبد الله بن جعفر وهؤلاء ولد عقيل معه وهؤلاء المشايخ فهم أهل بدر فجاء حتى ترك الراية فصلى أربع ركعات ثم رفع يديه ثم قال : اللهم رب السموات وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب البحار وما جرت ورب الرياح وما درت ورب الشياطين وما أضلت هذه البصرة أسألك من خيرك الذي فيها وأعوذ بك من الشرّ الذي فيها ، اللهم إن هؤلاء القوم قد بغوا علينا وخلعوا طاعتي ونكثوا بيعتي فاقبل بقلوبهم واحقن دماء المسلمين فإن أبوا فانصرني عليهم.

ثم دعا عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي فوجههما لطلحة والزبير فلم يرجعا إليه بجواب يحمده فأمر أصحابه أن لا يبدوهم ولا يرموهم بسهم ولا يطعنوا برمح ولا يضربوا بسيف وقال : ليس بعد الدماء تقيّة فاصطفوا للقتال ، فرموهم أولئك بالنشاب فقال علي : اعذروا إليهم فخرج علي بنفسه على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاسرا ليس عليه سلاح فنادى : يا زبير ، اخرج إليّ ، فخرج إليه الزبير وهو شاك في سلاحه فقيل لعائشة : إن الزبير قد خرج إليه ، فقالت : وا ثكل أسماء! فاعتنق كل واحد منهما صاحبه وقال علي : ويحك يا زبير! ما أخرجك؟ قال : دم عثمان ، قال : قتل الله أولى بدم عثمان ، أتذكر يوم لقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو راكب حماره فضحك إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت أنت : ما يدع علي زهوه برسول الله ، فقال : ليس به زهو أتحبّه يا زبير؟ فقلت : الله وليّي أحبه ، فقال : أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم ، فقال الزبير : أستغفر الله لو ذكرتها ما خرجت فكيف أرجع الآن وقد التفّت خلفنا البطال هذا والله العار الذي لا يغسل ، فقال علي : يا زبير ، ارجع فالعار خير من النار قبل أن تجمع العار والنار ، فرجع زبير وهو يقول :

اخترت عارا على نار من حجة

إني بقوم لها خلق من الطين

نادى علي بأمر لست أجهله

عار لعمرك في الدنيا وفي الدين

فقلت حسبك من عدل أبا حسن

فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني

فقال له ابنه : أين تذهب وتدعنا؟ فقال : يا بني إن عليا ذكّرني أمرا كنت له ناسيا قال : لا والله ولكنك فررت من سيوف بني عبد المطلب إنها طوال حداد يحملها فتية


__________________

أنجاد ، قال : لا والله يا بني ذكرني ما أنسانيه الدهر فاخترت العار على النار أنا حين تعيرني لا أنا لك ، ثم قلع سنانه وشد في ميمنة علي فقال : افرجوا له فقد هاجر ، ثم شد في الميسرة ثم رجع وشد في القلب ثم رجع إلى ابنه فقال : أيفعل هذا جبان؟!

ثم مضى وكان من أمره ما كان ، ثم دعاهم علي رضي‌الله‌عنه إلى ما فيه الصلاح من الكف عن الدماء والرجوع إلى الطاعة فأبوا إلا القتال ، فقال علي : من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه؟ فقال غلام من عبد القيس يقال له مسلم : أنا آخذه ، فأخذه وتقدم فرموه حتى قتلوه ، فجاءت أمه إلى علي فوقفت عليه ثم قال :

لا همّ إن مسلما دعاهم

يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فخضبوا من دمه لحاهم

وأمهم قائمة تراهم

فقال علي : احملوا على القوم ، فحملوا فانهزمت ميمنة علي وميسرته.

قال بعض ولد عقيل : فأتيته وهو يخفق برأسه من النعاس فقلت : يا عم قد بلغت ومسيرتك ما ترى وأنت تخفق نعاسا؟ فقال : اسكت يا ابن أخي فإن لعمك يوما لا يعدوه والله ما يبالي عمك إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه ، ثم بعث إلى محمد ابن الحنفية أن أقحم فداك أبي وأمي. قال : فأبطأ عليه وكان بإزائه قوم من الرماة فكان ينتظر أن يفنى سهامهم ثم يحمل فجأة ، فقال علي : احمل فداك أبي وأمي. قال : والله ما أجد متقدما إلا على سنان. فقال له عليه‌السلام : اقحم فلن ينالك إلا سنة لأن للموت عليك جنة ، فحمل محمد فسلك بالرماح فوقف عليه علي فضربه بقائم السيف وقال : أدركك عرق من أمك.

ثم أخذ الراية من يده فحمل الناس معه فما كان أهل البصرة إلا كرماد اشتدت به الريح فاستطار في يوم عاصف فبلغت ميمنتهم إلى مدينة الردف وبلغت الميسرة إلى مقبرة بني حصن وبلغ القلب إلى بني عدى ، ولقى علي طلحة فقال : يا أبا محمد ما أخرجك علي؟ قال : طلب دم عثمان. قال : قتل الله أولانا بدم عثمان أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، أو ما أنت أول من بايعني ثم نكثت؟ قال : ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ثم دخل البصرة


ومنهم العلامة الشيخ أحمد بن محمد الخافي الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص ٨ نسخة مكتبتنا العامة بقم) قال :

إن طلحة والزبير استأذنا عليا في العمرة فأذن لهما بعد أن قال لهما : إن كنتما تريدان لعمرتكما وجه الله والدار الآخرة فالله يثبتكما وإن كنتما تبغيان غير ذلك فالله مجازيكما وهو حسبكما. فلمّا دخلا مكة وكانت عائشة بها فاجتمعا عليها فسألتهما عمّا وراءهما ، فذكرا لها قتل عثمان فحولقت واسترجعت وقالت : حين صار كالفضة البيضاء قتلوه ، وألبّا على علي ، ولم يزالا بها حتى أخرجاها إلى البصرة لظنّها

__________________

فخطب خطبته المشهورة الطويلة التي احتوت من الفصاحة والبلاغة وأنواع البديع والمواعظ وذكر عجائب السموات والأرض والوعد والوعيد وأتى فيها بما حارت فيه العقول.

ثم بعث إلى عائشة بعد أيام يأمرها بالخروج ووجه إليها ابن عباس بمال كثير ثم ذهب إليها بنفسه وشيعها أميالا ووجه معها أربعين امرأة وقيل سبعين من عبد القيس وقال : كن في هيئة الرجال وهي لا تعلم ، فسارت إلى أن وصلت المدينة فقيل لها : كيف رأيت مسيرك؟ قالت : كنت بخير ولقد أعطاني فأكثر لكنه بعث مع حرمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجالا ، فكشفت النساء عن وجوههن وقلن أنحن رجال ، فخرت على وجهها وهي تقول : علي أعرف بالله من ذلك أبى ابن أبي طالب إلا كرما وعلما وحلما والله لوددت أني لم أقاتله ولم أخرج مخرجي هذا الذي خرجته ولو أن لي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشرة من الولد الذكور مثل أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وإنما خدعت وغررت وقيل لي : تخرجين فتصلحين بين الناس فكان ما كان والله المستعان.

وقال في ق ٧٧ :

ثم إنه عليه‌السلام عند فراغه من الجمل كتب إلى معاوية يأمره بالمبايعة له والدخول فيما دخل فيه الناس وأن لا يشقّ عصا المسلمين ويسفك دماءهم وقد أتينا ذلك في موضعه فلا فائدة في إعادته ، والله أعلم.


الإصلاح.

فبلغ لعلي عليه‌السلام ذلك فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله تعالى الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة واقام الصلاة فإنها الملة وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة وصوم شهر رمضان فإنه جنة من العقاب وحج البيت واعتماره فإنهما ينفيان الفقر ويدحضان الذنب وصلة الرحم فإنها شراة ومنسأة في الأجل وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة وترضى الرب وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء وصنائع المعروف فإنها تقى مصارع الهوان اذكروا الله فإنها أحسن الذكر وارغبوا فيما وعد المتقين فإن وعده الصدق الوعد واقتدوا بهدى نبيّكم فإنه أفضل الهدى واستنّوا بسنّته فإنها أهدى السنن وتعلموا القرآن فإنه أحسن الكلام وتفقهوا فيه فإنه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنه شفاء الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص ، ألا وإن العالم العامل بغير علمه كالجاهل الجائر الذي لا يستفيق من جهله بل الحجة عليه أعظم والحسرة له ألزم وهو عند الله ألوم.

ألا وإن طلحة وزبير ما أرادا العمرة وإنما أرادا البصرة ، خرجا بحرمة رسول الله وأمهما وأم المؤمنين طالبين البصرة فأجلسا نسائهما في بيوتهما وأبرزا أمهما وجليس رسول الله لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل. ألا وقد أعطاني صفقة يمينه وأجاب بالطاعة وأذعن بي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عامل بها وخزّان بيت المسلمين فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا ، فو الله الذي لا إله غيره لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله مستحلين دمه بلا جرم جرمه ولا قتل لزمه يحلّ لي قتل ذلك الجيش كلّه حيث تعمدوا قتله واستحلوا دمه وحضروا فلم ينكروا ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بدرع.

أما أنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا بها عليهم ، ألا وإني خارج فتأهبوا للرحيل.


ثم نزل وسبب ذلك أن طلحة والزبير لما دخلا البصرة غلبا عاملها عثمان بن حنيف فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحكم بسيفهما فلما أسر ضرب ضرب الموت ونتف حاجباه وأشفار عينيه وكل شعرة في رأسه ووجهه وأخذوا السيابحة وهم سبعون رجلا فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة فقالت لأبان ابن عثمان بن عفان : اخرج اليه فاضرب عنقه فإن الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله ، فنادى عثمان بن حنيف : يا عائشة ، ويا طلحة وزبير ، إن أخي سهل بن حنيف خليفة علي بن أبي طالب علي وأقسم بالله قسما بارّا غير مستثن فيه إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم وأهلكم ورهطكم فلا يبقى منكم أحد ، فكفوا عنه وذبحوا السبعين كما تذبح الغنم وبقيت منهم طائفة مستمسكين به بيت المال وقالوا : لا ندفعه إليكم حتى يقدم أمير المؤمنين.

فسار إليهم الزبير في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم حسين أسيرا فقتلهم وكانت السيابح القتلى يومئذ أربعمائة رجل وخيّروا عثمان بن حنيف بين أن يقيم أو يلحق بعلي عليه‌السلام واختار الرحيل فخلوا سبيله فلحق بعلي عليه‌السلام ، فلما رآه بكى وقال : فارقتني شيخا وجئتني أمرد ، ثم استرجع ثلاثا فلما وافى علي عليه‌السلام البصرة ووقع المصاف قال علي لأصحابه : لا ترموا القوم بسهم ولا تضربوهم بسيف ولا تطعنوهم برمح حتى يبدوكم به فوقعت السهام عليهم كشآبيب المطر فأصاب سهم رجلا من أصحابه فقتله فجيء به إلى علي عليه‌السلام فقال : اللهم اشهد ، اللهم إني أستكفيهم وأستعينك عليهم ، ثم إنه سوى الصفوف ورفع لواه لمحمد بن الحنفية ابنه عليه‌السلام.

ثم برز بين الصفين ونادى الزبير فخرج إليه فتقاربا حتى اختلف أعناق خيلهما فقال له علي عليه‌السلام : أنشدك الله يا زبير والرحم ألم تبايعني طائعا غير مكره؟ قال : نعم ، قال : فما الذي رابك مني ونقمته عليّ فاستحللت به قتالي؟ فأحجم عن الجواب فقال : أنشدك الله والرحم ألست تذكر يوما كانت يدي في يد رسول الله


صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا استقبلتنا فضحكت إلىّ وضحكت إليك فقال لك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أتحبه يا زبير؟ قلت : وما منعني من حبه يا رسول الله وهو ابن خالي. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنك ستخرج عليه يوما وأنت ظالم له؟ قال : قد كان ذلك غير أني نسيت أستغفر الله ، ورجع فكانت توبته صادقة نصوحا.

وقتله ابن جرموز بوادي السباع قيل : إن ابن جرموز استغفله وهو سائر وقتله وقيل : إنه تبعه فوجده نائما بالوادي المذكور فقتله ـ وهذا أصح ـ وأتى برأسه وسيفه إلى علي عليه‌السلام فلما رآه بكى وقال : هذا والله سيف طال ما كشف به الكرب عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : بشروا قاتل ابن صفية بالنار.

ثم نادى طلحة فخرج إليه فقال له : أبا محمد ، أنشدك الله ألست تعلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في حجة الوداع بغدير خم : أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا : بلى يا رسول الله. قال : من كنت مولاه ، فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. قال : اللهم نعم قد كان ذلك ثم استغفر الله ورجع وكانت له توبة ، فرآه مروان راجعا فقال : ويلي عليك! أسعرت الحرب حتى إذا ما التقت حلفنا البطان نكصت راجعا قتلني الله إن لم أقتلك ، ثم رماه بسهم فأصاب أكحله فقتله. وقيل : بل أمر مولاه فرماه بسهم فأصاب أكحله فقتله.

ثم كان بعد ذلك من وقعة الجمل ما كان ، ولما غلب علي عليه‌السلام رد ما أخذوه من بيت المال فقسّمه في المسلمين ، ولما استولى علي عليه‌السلام على أم المؤمنين عائشة أحسن إليها غاية الإحسان واحترمها احتراما كانت به زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسيّرها إلى المدينة في ثلثين امرأة بزي الرجال بعد أن قال لها : يا عائشة والله ما أنصفك طلحة وزبير حيث أخرجاك وأبرزاك للناظر وحجبا حلائلهم والله سبحانه يقول (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) ثم قال لها : ما للنساء وقود العساكر والله تعالى قد رفع ذلك عنكن ، فقالت : يا أبا الحسن ملكت فاسمح.


ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في «تاريخ العرب» (ج ٣ ص ٢٢٦ ط دار الأندلس ـ بيروت) قال :

كانت السيدة عائشة بنت الصديق يوم مقتل عثمان بمكة ، فضاقت ذرعا بهذا القتل الظالم ، وقامت تطالب بالانتقام من القتلة وتصيح بالناس : إن الغوغاء من أهل الأمصار وعبيد أهل المدينة ، قد سفكوا الدم الحرام في الشهر الحرام ، واستحلوا البلد الحرام ، وأخذوا المال الحرام في الشهر الحرام ، والله لإصبع عثمان بن عفان خير من طباق الأرض أمثالهم ، والله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه ، أو الثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء أي غسلوه.

فلما سمع الناس ذلك ، تهيجوا وقال أحدهم ـ وهو عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل عثمان على مكة ـ : ها أنا ذا أول طالب بدم عثمان ، وتبعه بنو أمية ، وقدم عليهم عبد الله بن عامر بن كريز من البصرة بمال كثير ، كما قدم يعلى بن أمية من اليمن بستمائة بعير وستمائة ألف درهم. ولما رأى طلحة والزبير ذلك ، قالا لعلي : إننا نريد الخروج إلى مكة للعمرة ، فقال لهما : والله إنكما لا تريدان العمرة ، وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة ، فحلفا له بالله أنهما لا يريدان الغدر ، وجددا له بيعتهما بأشد ما يكون من المواثيق والأيمان ، فأذن لهما ، ولما خرجا قال لصحبه : والله لا ترونهما إلا في فتنة يقتلان فيها ، فقال الصحب : مر بردهما عليك ، فقال : ليذهبا وليقضي الله أمرا كان مفعولا.

ولما وصلا مكة قالا لعائشة : إننا قد تركنا في المدينة قوما حيارى لا يعرفون حقا ، ولا ينكرون باطلا ، ولا يمنعون أنفسهم ، ثم استقر رأيهم على الخروج إلى البصرة ، فأتت عائشة أم سلمة إحدى زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تطلب إليها أن تخرج معها وتقول : يا أم سلمة كنت كبيرة أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقمؤ ـ يعيش في بيتك ، وكان يقسم لنا في بيتك ، وكان ينزل


عليه الوحي في بيتك ، فقالت لها أم سلمة : يا ابنة أبي بكر ، لقد زرتني وما كنت زوّارة ، ولأمر ما تقولين هذه المقالة ، فقالت : إن طلحة والزبير وعبد الله بن الزبير أخبروني أن الرجل قتل مظلوما ، وأن بالبصرة مائة ألف سيف يطاوعون ، فهل لك أن نخرج أنا وأنت ، لعل الله يصلح بنا فئتين متناحرتين ، فقالت لها : يا عائشة أبدم عثمان تطلبين ، وقد كنت أشد الناس عليه ، وقد بايعه المهاجرون والأنصار ، وإن عمود الإسلام لا ترأبه النساء إن انثلم ـ في كلام طويل.

فقالت لها عائشة : شتمتني يا أختي ، فقالت لها أم سلمة : ولكن الفتنة إذا أقبلت غطت على البصيرة ، وإذا أدبرت أبصرها العاقل والجاهل. ثم تركتها عائشة ، وأتت حفصة بنت عمر زوج رسول الله فأجابتها إلى الخروج معها ، ولكن أخاها عبد الله بن عمر منعها من ذلك. ثم نادى المنادى : إن عائشة وطلحة والزبير وجمهور المسلمين خارجون إلى البصرة ، فمن أراد أن يعزّ دين الإسلام ، ويطلب بدم عثمان ، وليس له مركب ولا جهاز فليأت ، ثم ساروا في نحو من ألف راكب ، وقيل : بل كانوا ثلاثة آلاف. وكان في الطليعة أبان بن عثمان والوليد بن عثمان ، ومروان بن الحكم وسائر بني أمية.

قال ابن جرير الطبري : وأمرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، وبعثت أم الفضل بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب كتابا إلى أمير المؤمنين علي تخبره بالخبر مع ظفر الجهني ، فما قرأ الرسالة وعلم نكث الزبير وطلحة بالبيعة واجتماعهما مع عائشة ، وقف فخطب الناس في المسجد وقال :

أما بعد ، فإن الله بعث محمدا للناس كافة وجعله رحمة للعالمين ، فصدع بما أمر ربه ، وبلغ رسالات ربه فلمّ به الصدع ، ورتق به الفتق ، وآمن به السبل ، وحقن الدماء ، وألف به بين ذوي الإحن والعداوة ، والوغر في الصدور والضغائن الراسخة في القلوب ، ثم قبضه الله إليه حميدا ، وكان من بعده ما كان من التنازع في الإمرة فتولى أبو بكر ، وبعده عمر ، ثم تولى عثمان ، فلما كان من أمره ما عرفتموه ثم


أتيتموني فقلتم : بايعنا ، فقلت : لا أفعل ، فقلتم : بلى ، فقلت : لا ، وقبضت يدي فبسطتموها ، ونازعتكم فجذبتموها ، حتى تداككتم علي تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها ، حتى ظننت أنكم قاتلي ، وأن بعضكم قاتل بعضا ، فبسطت يدي فبايعتموني مختارين ، وبايعني في أولكم طلحة والزبير طائعين ثم مكرهين ، ثم لم يلبثا أن استأذناني في العمرة ، والله يعلم أنهما أرادا الغدرة ، فجددت عليهما العهد في الطاعة ، وأن لا يبغيا الأمة الغوائل ، فعاهداني ، ثم لم يفيا لي ونكثا بيعتي ، ونقضا عهدي ، فعجبا لهما من انقيادهما لأبي بكر وعمر وخلافهما علي ، ولست بدون أحد الرجلين ، ولو شئت أن أقول لقلت : اللهم احكم عليهما بما صنعا في حقي ، وصغرا من أمري وظفرني بهما.

وقال في خطبة ثانية حين بلغه مسيرة عائشة : أما بعد ، فإن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير ، وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أما طلحة فابن عمها ، وأما الزبير فختنها ، والله لو ظفروا بما أردوا ، ولن ينالوا ذلك أبدا ، ليضربن أحدهما عنق الآخر بعد تنازع منهما شديد ، والله إن راكبة الجمل الأحمر ، ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلا في معصية الله وسخطه ، حتى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة ، أي والله ليقتلن ثلثهم وليهربن ثلثهم وليتوبن ثلثهم ، وإنها التي تنبحها كلاب الحوأب ، وإنهما ليعلمان أنهما مخطئان ، ورب عالم قتله جهله معه علمه لا ينفعه ، حسبنا الله ونعم الوكيل ، فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية ، أين المحتسبون ، أين المؤمنون ، ما لي ولقريش ، والله لقد قتلتهم كافرين ، ولأقتلنهم مفتونين ، وما لنا إلى عائشة من ذنب ، إلا أنا أدخلناها في صيرنا ، والله لأبقرن الباطل ، حتى يظهر الحق من خاصرته. ثم إنه دعا وجوه أهل المدينة ، فقال لهم : إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله ، فانصروا الله ينصركم ، ويصلح لكم أمركم.

ثم إن الإمام استخلف على المدينة سهل بن حنيف ، وقيل : بل تمام بن العباس ، وعلى مكة قثم بن العباس ، وخرج في تعبيته التي عبأها لأهل الشام في آخر ربيع


الأول سنة ٣٦ ه‍ ـ حتى أتى الربذة فاجتمع إليه الناس وسار نحو فيد.

أما عائشة وجماعتها ، فإنها بعد أن بلغت الحوأب تركته نحو البصرة ، فلما قربت منها أرسلت عبد الله بن عامر بن كريز الذي كان أميرا على البصرة من قبل عثمان ، فاندس إلى البصرة ، وكتبت إلى الأحنف بن قيس وجماعة من وجوه المدينة تدعوهم لنصرتها ، وأقامت بالحفير تنتظر الجواب ، ولما بلغ ذلك مسامع عثمان بن حنيف أمير البصرة من قبل علي ، أرسل إليها عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي ، فلما دخلا عليها سلّما وسألاها عن سبب مسيرها ، فقالت : إن الغوغاء ونزّاع القبائل غزوا حرم رسول الله وأحدثوا فيه ، وآووا المحدثين ، فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر ، فسفكوا الدم الحرام ، وانتهبوا المال الحرام ، وأحلوا البلد الحرام في الشهر الحرام ، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء وما الناس فيه وراءنا ، ثم تلت قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) إلى آخر الآية ، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه ، والسلام.

ثم خرجا من عندها وأتيا طلحة فقالا له : ما أقدمك؟ قال : الطلب بدم عثمان. قالا : ألا تبايع عليا؟ قال : بلى ، والسيف على عنقي وما أستقيل بيعتي إن لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان. ثم أتيا الزبير فقال لهما مثل ذلك. ثم رجعا إلى عثمان بن حنيف أمير البصرة ، فقالا له : إنها الحرب فتأهب لها. فنادى عثمان بالناس ودعاهم إلى المسجد وأمرهم بالتجهز ، ثم أقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد ، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها ، ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه.

ثم تكلم طلحة فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر عثمان بن عفان وفضله ، ودعا إلى الطلب بدمه ، ونزل ، ثم وقف الزبير فقال مثل قوله ، فقال أصحابهما : صدقا وبرّا وقال أصحاب ابن حنيف : فجرا وغدرا تحاثى وتحاصبوا ووقعوا في أمر مريج


فوقفت عائشة وكانت جهورية الصوت ، فقالت : كان الناس يتجنون على عثمان ، ويزرون على عماله ، ويأتوننا في المدينة فيستشيروننا فيما يخبروننا عنه ، فننظر في ذلك فنجده برا تقيّا وفيا ، ونجدهم فجرة غدرة كذبة ، فلما قووا كاثروه واقتحموا عليه داره ، واستحلوا الدم الحرام ، والشهر الحرام ، والبلد الحرام ، بلا ترة ولا عذر. ثم قرأت قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) إلى آخر الآية ، وسكتت. فافترق أصحاب ابن حنيف فرقتين. قالت إحداهما : صدقت وبرت ، وإن من جاءوا معها يطالبون بحق ، وقالت الأخرى : إن من جاءوا معها كاذبون ضالون. ثم تحاصب الطرفان ووقع الهرج والمرج ، فجاء جارية بن قدامة السعدي فقال لها : يا أميرة المؤمنين لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الأنكد عرضة للسلاح ، إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة ، فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من رأى قتالك يرى قتلك ، إن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس. فلم تعر قوله هذا التفاتا ، ثم نشب القتال بين الجانبين حتى أدركهم الليل.

وفي الصباح نشب القتال من جديد ، وكثر القتل في أصحاب ابن حنيف وكثر الجرح في الفريقين ، وعضتهم الحرب ، وكتب طلحة والزبير إلى أهل الشام كتابا يخبرانهم فيه بذلك ويحثانهم على النهوض ، ومما جاء فيه قولهما : إنا خرجنا لوضع الحرب وإقامة كتاب الله ، فبايعنا خيار أهل البصرة وخالفنا أشرارهم قائلين : نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحرب وحثتهم عليه ، وإننا يا أهل الشام نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما نهضنا به.

وكتبوا مثل ذلك إلى أهل الكوفة واليمامة والمدينة. وكتبت السيدة عائشة إلى أهل الكوفة تخبرهم بحقيقة الأمر وتأمرهم أن يثبطوا الناس عن الإمام علي ، وتحثهم على طلب قتلة عثمان ، ومما جاء في كتابها قولها : قدمنا البصرة ، فدعونا إلى إقامة كتاب الله ، فأجابنا الصالحون ، واستقبلنا من لا خير فيه بالسلاح ، وعزم


عليهم عثمان بن حنيف إلا قاتلوني حتى منعني الله بالصالحين ، واحتجوا بأشياء فاصطلحنا عليها ، فخانوا وغدروا ، وكان ذلك الدأب ستة وعشرين يوما ندعوهم إلى الحق ويدعوننا إلى الباطل ، وغدروا وخانوا فغادروني في الغلس ليقتلوني ، فلم يبرحوا حتى بلغوا سدة بيتي ، فوجدوا نفرا على الباب ، فدارت عليهم الرحى.

أما الإمام علي فإنه سار حتى بلغ ذا قار وأتاه عثمان بن حنيف في جمع كبير من أهل البصرة ، ثم أرسل ابنه الحسن وعمارا والأشتر النخعي إلى الكوفة يدعون أهلها لنصرة الإمام ، فأحضروا جمعا كبيرا منهم ، ورحب بهم قائلا : يا أهل الكوفة أنتم قاتلتم ملوك العجم وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فمنعتم حوزتكم وأعنتم الناس على عدوهم ، وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة ، فإن يرجعوا فذاك الذي نريد ، وإن يلجوا داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بظلم ، ولم ندع أمرا فيه صلاح إلا آثرناه على الفساد إن شاء الله.

وسار علي من ذي قار حتى نزل على عبد القيس ، فانضموا إليه ، ثم سار حتى نزل الزاوية يريد البصرة ، وسار طلحة والزبير وعائشة والتقى الجمعان عند مكان قصر عبيد الله بن زياد ، فلما نزل الناس أقاموا ثلاثة أيام لم يكن فيها قتال ، وكان الإمام يرسل إلى جماعة عائشة يكلمهم ويدعوهم ، حتى كان يوم الخميس منتصف جمادى الآخرة سنة ٣٦ ، فوقعت الواقعة ، وكان عسكر عائشة ثلاثين ألفا ، وعسكر علي عشرين ألفا ، ومما خطب به علي صحبه قوله :

عباد الله انهدوا إلى هؤلاء القوم : منشرحة صدوركم لقتالهم ، فإنهم نكثوا بيعتي ، وأخرجوا ابن حنيف عاملي بعد الضرب المبرح والعقوبة الشديدة ، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي ، وقتلوا رجالا صالحين ، ثم تتبعوا منهم من يحبني يأخذونهم في كل حائط وتحت كل رابية ، ثم يأتون بهم فيضربون رقابهم صبرا ، ما لهم قاتلهم الله أنى يؤفكون. انهدوا إليهم وكونوا أشداء عليهم ، وقد وطنتم أنفسكم على الطعن والضرب ومبارزة الأقران ، وأي امرئ منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند


اللقاء ، ورأى من أحد إخوانه فشلا ، فليذب عن أخيه الذي فضل عليه كما يذب عن نفسه ، ولا تقاتلوا القوم حتى يبدءوكم ، فإنكم بحمد الله على حجة وكفكم عنهم حتى يبدءوكم حجة أخرى ، فإذا قاتلوكم فلا تجهزوا على جريح ، وإذا هزمتموهم فلا تتبعوا مدبرا ولا تمثلوا بقتيل ، وإذا وصلتم إلى رجال القوم ، فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارا ، ولا تأخذوا من أموالهم شيئا ، ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن إعراضكم ، وسببن أمراءكم وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف العقول والأنفس. لقد كنا نؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات ، وإن كان الرجل ليتناول المرأة بالهراوة والعصا والجريدة فيعير بها هو وعقبه من بعده.

تراءى الجمعان فرأى علي طلحة والزبير وقال لهم : لقد اعددتما سلاحا وخيلا ورجالا ، إن كنتما اعددتما عند الله عذرا فاتقيا الله سبحانه ، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي وأحرم دماءكما؟ فهل حدث ما أحل لكما دمي؟ فقال طلحة : ألبت الناس على عثمان ، فقال علي : فيومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ، ويعلمون أن الله هو الحق المبين. يا طلحة تطلبني بدم عثمان فلعن الله قتلة عثمان ، يا طلحة جئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك ، أما بايعتني؟ قال : بايعتك والسيف على عنقي.

ثم قال للزبير مثل ما قاله لطلحة. فأراد الزبير ترك الحرب ، فقال له ابنه عبد الله جمعت بين هذين العسكرين حتى إذا اشتبكت النصال أردت أن تتركهم وتذهب ، ولكنك خشيت رايات ابن أبي طالب ، وعلمت أنها تحملها فتية انجاد وإن تحتها الموت الأحمر ، فجبنت. فأحفظه ذلك وقال : إني حلفت أن لا أقاتله ، فقال له ابنه عبد الله : كفر عن يمينك وقاتله. فدخل في المعركة ، ثم رأى أن يتركها ويتوجه إلى وادي السباع قاصدا المدينة ، فلما وقف يصلي طعنه من خلفه عمرو بن جرموز فقتله ، وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه ، ثم قدم على علي فأخبره بقتل الزبير ، فتناول الإمام سيف الزبير وهزه وقال : سيف طالما كشف الله به الكرب عن رسول الله ، وما


كان ابن صفية جبانا ولا لئيما ، ولكن الحين ومصارع السوء.

ثم اشتد وطيس القتال بين الجانبين فنزل علي إلى الساحة وهو يتلو قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) اللهم أفرغ علينا الصبر. ثم رفع مصحفا بيده وقال : من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلى ما فيه ولهم الجنة؟ فقام غلام اسمه مسلم بن عبد الله فقال : أنا يا خليفة رسول الله. ثم تناول المصحف وزحف على القوم فقتلوه ، فقال علي : الآن حل قتالهم واقتتل الناس ، وركبت عائشة الجمل ، وألبسوا هودجها البسط وجلود النمر ، وفوق ذلك دروع الحديد وخطبت الناس عائشة فقالت : أما بعد فإنا كنا نقمنا على عثمان ضرب السوط وإمرة الفتيان ، ألا وإنكم استعتبتموه فأعتبكم ، ثم عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما ، وايم الله إنه كان أحصنكم فرجا وأتقاكم لله.

ثم اقتتلوا حتى قتل طلحة وهو يقول : اللهم خذ لعثمان حتى ترضى ، وحرّضت عائشة الناس كما حرّض علي جماعته ، واحتدم القتال وتلاحم الناس وأخذت عائشة لفا من حصى ، ورمت به وجوه أصحاب الإمام وصاحت بقولها : شاهت الوجوه كما صنع رسول الله يوم حنين ، فقال لها قائل : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

ثم تقدم أصحاب علي إلى جمل عائشة وأصحابها يحيطون بها ويتساقطون صرعى دون الوصول إليها حتى قتل على الخطام أربعون رجلا. وأحدق أهل النجدات والشجاعة بعائشة ، وحمل أصحاب علي حتى أداروا الجمل كما تدور الرحى ، وصاح الإمام ارشقوا الجمل بالنبل ، فرشق حتى لم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل. ثم تقدم محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر فقطعا أنساع الهودج واحتملاه ، فلما وضعاه أدخل محمد يده فقالت : من هذا؟ فقال : أخوك محمد ، فقالت : بل


مذمم. قال : يا أخية هل أصابك شيء؟ قالت : ما أنت وذاك ، ثم أمر الإمام بعقر الجمل وأمر بحمل الهودج من بين القتلى ، وطلب من محمد بن أبي بكر أن يضرب على أخته قبة ، ثم أدخلها البصرة فأنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي ، وكان الإمام يتمثل في ذلك اليوم قائلا :

إليك أشكو عجري وبجري

ومعشرا أعشوا علي بصري

قتلت منهم مضري بمضري

شفيت نفسي وقتلت معشري

 ـ القصة.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد عبد الغفور عطار في كتابه «عائشة» (ص ١٥٧ ط مكة المكرمة) قال :

وانتهت أخبار مقتل أمير المؤمنين ذي النورين إلى مكة ، وعلمت أم المؤمنين عائشة بما كان ، وكانت بمكة تنتظر أداء العمرة بعد الحج في المحرم ، وأخذت طريق العودة إلى المدينة ، حتى إذا كانت في سرف التي تبعد عن مكة بضعة أميال ، لقيها عبيد بن أبي سلمة المعروف بأمه أم كلاب ، من بني ليث أخوالها الألى كانت تصلهم ببرها ، وسألته فأجابها قائلا : قتلوا عثمان ، وانتظروا ثمانيا ، وسألته : ثم ما ذا صنعوا؟ فقال لها : أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز ، لقد اجتمعوا على علي بن أبي طالب.

فاستاءت أم المؤمنين وقالت : والله ، ليت هذه انطبقت على هذه ، إن تم الأمر لصاحبك تريد انطباق السماء على الأرض. ثم قالت : ردوني ، ردوني إلى مكة ، قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه.

وأقبلت عائشة ثم قالت : أقتل أمير المؤمنين؟ قالوا : نعم. فقالت : رحمه‌الله وغفر له ، أما والله لقد كنتم إلى تشييد الحق وتأييده ، وإعزاز الإسلام وتأكيده أحوج منكم إلى ما نهضتم إليه من طاعة من خالف عليه ، ولكن كلما زادكم الله نعمة في دينكم ازددتم تثاقلا في نصرته طمعا في دنياكم.


أما والله لهدم النعمة أيسر من بنائها ، وما الزيادة إليكم بالشكر بأسرع من زوال النعمة عنكم بالكفر.

وايم الله ، لئن كان فني أكله ، واخترم أجله ، لقد كان عند رسول الله كزارع البكرة الأزهر ، ولئن كانت الإبل أكلت أوبارها فانه لصهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولقد عهدت الناس يرهبون في تشديد ، ثم قدح حب الدنيا في القلوب ، ونبذ العدل وراء الظهور ، ولئن كان برك الدهر عليه بزوره ، وأناخ بكلكله ، إنها لنوائب تترى تلعب بأهلها وهي جادة ، وتجدّ بهم وهي لاعبة ، ولعمري ، لو أن أيديكم تقرع صفاته لوجدتموه عند تلظى الحرب متجردا ، ولسيوف النصر متقلدا ، ولكنها فتنة قدحت فيها أيدي الظالمين.

أما والله لقد كان حاط الإسلام وأكده وعضد الدين وأيده ولقد هدم الله به صياصي الكفر ، وقطع به دابر المشركين ، ووقم به أركان الضلالة ، فلله المصيبة به ما أفجعها ، والفجيعة به ما أوجعها ، صدع الله بمقتله صفاة الدين ، وثلمت مصيبته ذروة الإسلام بعده ، وجعل لخير الأمة عهده. فقال لها ابن أم كلاب : ولم؟ فو الله ، إن أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين : اقتلوا نعثلا فقد كفر!.

قالت عائشة : إنهم استتابوه ، ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : إن عائشة رضي‌الله‌عنها كانت من أشد الناس على عثمان ، حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبل وعثمان أبلى سنته.

وقالوا : إن أول من سمى عثمان نعثلا عائشة ، والنعثل : الكثير شعر اللحية والجسد. وكانت تقول : اقتلوا نعثلا ، قتل الله نعثلا.

ومنهم الفاضل المعاصر الأستاذ عباس محمود العقاد في «المجموعة الكاملة ـ


العبقريات الإسلامية» (ج ٣ ص ٢٣٠ ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

وألفت نفسها في مكة بين العثمانية والأموية يوم نزلت بها قبيل مقتل عثمان ، فعن لها أن ترجع إلى المدينة لتدرك الأمر قبل فواته ، ولكنها سمعت في الطريق ببيعة علي فقالت فيما رواه عبيد بن أبي سلمة وهو من خئولتها : ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك. مشيرة إلى السماء والأرض. ثم صاحت بركبها : ردوني ، ردوني ، وجعلت تتوعد في الطريق : أن تطالب بدم عثمان ، فقال لها عبيد بن أبي سلمة : ولم؟ والله إن أول من أمال حرفه لأنت ، قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه. وقد قلت وقالوا. وقولي الأخير خير من قولي الأول.

وما لبثت في مكة قليلا حتى تجمع فيها كل ناقم على علي بن أبي طالب من أعدائه ومنافسيه ، فقضت أيامها بمكة بين العثمانية والأموية والولاة الذين أحسوا بزوال الدولة والثروة والذين أوجسوا من حساب الخليفة الجديد ، ولحق بهم طلحة والزبير وكلاهما طامح إلى الخلافة يائس من الأنصار في المدينة. فاتفقوا جميعا على كلمة واحدة لا اتفاق بينهم فيما عداها ، وهي المطالبة بدم عثمان ، لأن المطالبة به تغنيهم عن القدح في الخليفة الجديد ، وليس الاتفاق على القدح فيه بمستطاع. كذلك لذلك ارتفعت الصيحة بدم عثمان.

وفي هذه البيئة غلبت على السيدة عائشة نية الخروج إلى البصرة بتلك الدعوة التي اتفقوا عليها ، وأكبر الظن أنها كانت وشيكة أن تحجم عن الخروج إليها لولا غلبة البيئة واجتماع الأصوات من حولها على نداء واحد ، فإنها ما عتمت في الطريق أن صدمت أول صدمة حتى همت بالرجوع ثم أصرت عليه لولا احتيالهم في إقناعها بمختلف الحيل.

ومنهم نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي في «تاريخ الشعوب الإسلامية» والأصل لكارل بروكلمان الألماني (ص ١١٥ ط دار العلم للملايين ـ بيروت) قالا :


وكان علي ـ وهو صهر الرسول والرجل الذي أمسى الآن الشخصية الأولى في الإسلام بلا خلاف ـ قد أمّ الناس في الصلاة حتى في أثناء الحصار وعين أميرا على الحجاج إلى مكة أيضا. وفي نفس اليوم الذي صرع فيه عثمان بايع الناس عليّا بالخلافة في مسجد [المدينة] ولكن طلحة والزبير اللذين كانا حتى تلك اللحظة يعملان في ما يظهر لمصلحة علي تخلفا عن مبايعته وحملاه تبعة مقتل عثمان ثم انهما لحقا عائشة إلى مكة. وكانت أم المؤمنين لا تزال تضمر لعلي عداءها القديم فما كادت تعلم أنه قبل البيعة حتى دعت المؤمنين إلى الاثئار للرجل القتيل. فاستجاب لدعوتها الامويون وأناس آخرون شركوها في كره علي ليس غير. ونزولا عند رأي ابن عامر ، عزموا على التقدم إلى البصرة حيث كانت له منذ زمن طويل ، وما تزال صلات واسعة جدا. حتى إذا انقضت أربعة أشهر على مقتل عثمان خرج المتآمرون بعد أن تجمعوا في معسكر على الطريق العامة المؤدية إلى العراق.

ولم يكادوا يبلغون البصرة حتى فتكوا غدرا بأميرها الذي آثر أن ينتظر الأمر من علي على أن ينضم إليهم. حتى إذا وفقوا إلى الاستيلاء على المدينة [البصرة] نشب الخلاف بين طلحة والزبير على إمامة الناس في الصلاة ، ولكن عائشة حسمت هذا الخلاف موقتا بأن سمت لهذه المهمة ابن أختها عبد الله بن الزبير.

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ١٧٠ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

در روضة الأحباب است كه عائشة رضى الله عنها بمكة بخانه ام المؤمنين (ام) سلمة رضي‌الله‌عنها رفت چه وى نيز از مدينه بعزم حج گزاردن بمكة رفته بود وبعد از تقديم مراسم تسليم وتحيت با وى گفت : اى دختر ابو اميه بدرستيكه تو اول ضعيفه هستى كه در راه خدا ورسول مهاجرت كردى بواسطه شرف فراش حضرت رسالت عظيم الشأن ورفيع القدري واز ميان أمهات مؤمنين بخواص ومزايا ممتازى وبر تو


پوشيده نباشد كه جماعتى از غوغائيان بدر امير مؤمنان عثمان بن عفان خود را انداخته او را بقتل آورده اند واكنون جمعى از هواداران آن خليفه مقتول ومظلوم كه در آن در آمده اند كه از قاتلان او انتقام كشند وايشان را بقصاص رسانند ومرا اخبار كردند كه عبد الله بن عامر در بصره صد هزار شمشير مهيا دارد كه همه ايشان براى واقعه عثمان غضبناك وجمله طالب خون او گشته اند ومن مى ترسم كه ميان مسلمانان بر سر اين قضيه محاربه ومقاتله واقع گردد چه شود اگر در مسير بجانب بصره با ما موافقت فرمائى شايد كه خداوند تعالى بسبب ما اصلاح اين امر نمايد وعقده تعويق از قصاص خون عثمان بن عفان از اين جهت گشايد.

راوى گويد : پس ام سلمه بسخن در آمد وگفت : اى دختر أبو بكر تو بخون عثمان بازخواست ميكنى وبخدا سوگند كه از اشد مردمان تو بودى از وى قهر وغضب او را بهيچ نام نمى خواندى مگر به نعثل ومى گفتى لعن الله نعثلا وقتل الله نعثلا وهر روز او را سب وشتم مى كردى وبه كفر منسوب مى ساختى وامروز امير المؤمنين وخليفه مقتول ومظلوم مى گوئى وخود را در قضيه او بصورت اهل تعزيت ومصيبت مى نمائى.

موافقت مى كنى با جماعتى كه به على بن أبي طالب خروج ميكند چه تناسب با تو دارد در طلب خون عثمان حال آنكه وى مرديست از بنى عبد مناف وتو ضعيفه از بنى تيم ، ويحك اى عائشة متفق با طائفة مى شوى كه خروج مى كنند بر على بن أبي طالب كه ميان او وحضرت رسالت صلعم سلسله اخوت ومصاهرت محكم است وپسر عم رسول وزوج بتول است ومرتبه خلافت ورياست ووراثت در ميان اهل روزگار وى را مسلم جمهور وانصار از حضار اصحاب مدينه با او بيعت نموده بخلافت وحكومت عامه اهل اسلام او را قبول نموده اند. وفصلى مقنع از فضائل وكمالات وخصائل وحالات على بن أبي طالب بر عائشة خواند ، عبد الله بن زبير بر در سراى ام سلمه ايستاده بود وجمله سخنان او را كه با عائشة مى گفت به تفصيل


مى شنود از بيرون سراى بانگ بر ام سلمه زد كه اى دختر ابو اميه ما ترا شناخته بوديم وعداوت ترا به آل زبير. (الى أن قال :) ام سلمه از اندرون سراى بجواب عبد الله مشغول گشته گفت تو وپدر تو مرا او را مى بريد. (إلى أن قال :) گمان مى برى مهاجر وانصار را كه راضى وخوشنود شوند به پدر تو زبير ومصاحب او طلحه وعلى در سلك أحياء باشد وحال آنكه وى بقول پيغمبر عليه افضل الصلاة وأكمل التحيات ولى هر مؤمن ومؤمنة بود؟!

عبد الله بن زبير گفت : ما اين حديث را از لبان آن سرور در هيچ ساعتي از ساعات نشنيده ايم. ام سلمه گفت : اگر تو نشنيده اى خاله تو كه عائشة است كه شنيده واينك خاله تو حاضر است بپرس كه شنيده يا نى وبتحقيق كه ما شنيده ايم از پيغمبر (صلعم) كه فرمود : علي خليفتي عليكم في حياتي وبعد مماتي فمن عصاه فقد عصاني. اى عائشة گواهى ميدهى كه از آن سرور چنين شنيده اى؟ عائشة گفت : آرى. آنگاه ام سلمه از روى نصيحت ونيك خواهى گفت : اى عائشة بترس از خداى در نفس خود در امرى كه ترا رسول صلعم از آن ترسانيده ومباش صاحبه سگان حوأب. وگفت : اى عائشة سوگند ميدهم تو را بخدا كه از پيغمبر صلعم نشنيدى كه فرمود : پس نگذرد از شبها وروزها كه سگان آب حوأب بر يكى از ازواج من صياح ونباح كنند وآن زن كه اين واقعه او را پيش آيد در ميان اهل بغى وفساد وفتنه وعناد باشد. ودر آن زمان كه حضرت اين مى فرمود من انائى كه دست داشتم از غايت اضطراب وقلق از دست من بيفتاد وآن سرور رو بجانب من كرد والتفاتى فرمود وموجب اضطراب افتادن آن اناء آب از من پرسيد ، گفتم : يا رسول الله اضطراب وقلق من از خوف آنست كه مبادا آن زن من باشم ، آن سرور تبسمى فرمود وبجانب تو نگاهى كرده گفت : من گمان مى برم كه آن زن تو باشى ، اى حميرا. عائشة ام سلمه را در روايت اين حديث تصديق نمود.

آنگاه ام سلمه با عائشة گفت : بايد كه فريب نيابى از طلحه وزبير وگمان نبرى كه


اگر وبال ونكال بر ارتكاب اين كار از خداى عزوجل به تو متوجه گردد ايشان در دفع آن نفعى به توانند رسانيد ، پس عائشة بسيار ملول وپشيمان از مجلس ام سلمه برخاست واز نفس خود در فسخ آن عزم عذري مى جست وبهانه ميخواست. عبد الله بن زبير چون اين فتور وقصور از ام المؤمنين عائشة مشاهده نمود ، فرياد برآورد كه : يا أماه اگر تو باين لشكر بجانب بصره توجه نفرمائى من خود را مقتول واز صف احياء معزول وبزمره اموات موصول ميسازم يا آنكه سر در بيابان وصحرا مى نهم وسراسيمه وسرگردان ديوانه وار خود را در ميان سباع وبهائم اندازم ، مردم در ميان آمدند وبه شفاعت والتماس بسيار عائشة را تسكين دادند. ام المؤمنين از فرط محبت كه با عبد الله داشت باز بر سر حرف اول رفت واز تصدى آن مهم متقاعد نشد.

ومنهم الدكتور السيد عبد العزيز سالم في «تاريخ الدولة العربية منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية» (ص ٣٠٢ ط مؤسسة شباب الجامعة) قال :

وكانت عائشة أول من طالبت بدم عثمان على الرغم من أنها كانت من أكثر خصومه عداء له. وقد استجاب لها عبد الله بن عامر الحضرمي عامل عثمان على مكة ، وتبعه عدد كبير من بني أمية على ذلك ، وكانوا قد تسللوا من المدينة هاربين ولاذوا بمكة ، وتبعهم المغيرة بن شعبة وسعيد بن العاص ، كما قدم إليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ، ويعلى بن منية من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم ، فأناخ بالأبطح. ثم قدم إليها طلحة والزبير بحجة قضاء العمرة ، وأعلنا فيها نكثهما لبيعتهما لعلي ، واستقر رأى الجميع على السير إلى البصرة لكثرة من بها من صنائع ابن عامر ، وساروا في ألف من أهل مكة والمدينة ، ولحقهم الناس ، حتى أصبح عدة من معهم ثلاثة آلاف رجل. وما إن وصلت عائشة ومن معها إلى نواحي البصرة حتى أقامت بالحفير ، وكتبت إلى رجال أهل البصرة وإلى الأحنف بن قيس


وغيره تدعوهم إلى الانضمام إليها في المطالبة بدم عثمان ، ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان بن حنيف وإلى المدينة الناس إلى التأهب للقتال ، ثم أقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد ، وتم الاشتباك بين أتباع على وعلى رأسهم عثمان بن حنيف وحكيم بن جبلة العبدي وبين أتباع عائشة وطلحة والزبير في ٢٥ ربيع الآخر سنة ٣٦ ه‍ ـ ، وانتهت الاشتباكات بهزيمة أتباع علي ومقتل حكيم بن جبلة. أما عثمان بن حنيف فقد وقع أسيرا ، فأمر مروان بن الحكم بعثمان فنتفت لحيته وشعر رأسه وحاجباه ، وضرب أربعين سوطا ، ثم أطلق سراحه ، فقابل عليّا في ذي قار.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد زكي صفوت وكيل كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سابقا في «جمهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة» (ج ١ ص ٣١٢ ط المكتبة العلمية ـ بيروت) قال :

وكانت السيدة عائشة خرجت إلى مكة للحج عام مقتل عثمان ، فلما قضت حجّها بلغها وهي عائدة مقتل عثمان ، فارتدّت إلى مكة ، وأزمعت أن تطلب بدمه ، وجاءت إلى السيدة أم سلمة زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكانت أم سلمة بمكة في هذا العام ـ تغريها بالخروج معها للطلب بدم عثمان ، فأبت أن تجيبها ، وأظهرت موالاة علي عليه‌السلام ونصرته.

وكتبت إلى السيدة عائشة إذ عزمت على الخروج إلى البصرة : من أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عائشة أم المؤمنين : سلام عليك فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإنك سدّة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين أمّته ، وحجابك مضروب على حرمته ، قد جمع القرآن ذيلك فلا تندحيه ، وسكّن عقيراك فلا تصحريها ، الله من وراء هذه الأمة ، لو علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، علت علت! بل قد نهاك عن الفرطة في البلاد ، إن عمود الدين لا يثاب بالنساء إن مال ، ولا يرأب بهنّ صدع ، حماديات النساء غضّ


الأطراف وخفض الأصوات ، وخفر الأعراض وضمّ الذيول وقصر الوهازة ، ما كنت قائلة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو عارضك ببعض الفلوات ، ناصّة قعودا من منهل إلى منهل ، قد وجّهت

سدافته ، وتركت عهّيداه ، إن بعين الله مهواك ، وعلى رسوله تردين وأقسم لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي : يا أمّ سلمة ادخلى الفردوس ، لاستحييت أن ألقى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم هاتكة حجابا قد ضربه علىّ.

اجعلي بيتك حصنك ووقاعة السّتر قبرك حتى تلقيه وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله إذا لزمته ، وأنصر ما تكونين للدين ما حللت فيه ، ولو ذكّرتك قولا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعرفينه ، لهشت به نهش الرّقشاء المطرقة ، والسّلام.

(شرح ابن أبي الحديد ٢ / ٧٩ ، والعقد الفريد ٢ / ٢٢٧ ، والإمامة والسياسة ١ / ٤٥).

وقال ايضا في ص ٣١٩ :

وكتبت السيدة عائشة إلى زيد بن صوحان العبدىّ إذ قدمت البصرة : من عائشة ابنة أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان : سلام عليك ، أما بعد ، فإن أباك كان رأسا في الجاهلية وسيدا في الإسلام وإنك من أبيك بمنزلة المصلّى من السابق ، يقال : كاد أو لحق وقد بلغك الذي كان في الإسلام من مصاب عثمان بن عفان ونحن قادمون عليك والعيان أشفى لك من الخبر.

فإذا أتاك كتابي هذا ، فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا ، فإن لم تفعل فثبّط الناس عن علي بن أبي طالب ، وكن مكانك حتى يأتيك أمري ، والسّلام.

وفي رواية ابن أبي الحديد : أما بعد ، فأقم في بيتك وخذّل الناس عن علي وليبلغني عنك ما أحب ، فإنك أوثق أهلي عندي والسّلام.

(العقد الفريد ٢ / ٢٢٧ ، تاريخ الطبري ٥ / ١٨٣ ، وشرح ابن أبي الحديد ٢ / ٨١).

وقال أيضا :


فكتب إليها زيد : من زيد من صوحان إلى عائشة أم المؤمنين : سلام عليك ، أما بعد ، فإن الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر ، أمرك أن تقرّي في بيتك وأمرنا أن نقاتل الناس حتى لا تكون فتنة ، فتركت ما أمرت به وكتبت تنهيننا عما أمرنا به ، فأمرك عندي غير مطاع ، وكتابك غير مجاب ، والسّلام.

وفي رواية الطبري : فكتب إليها : من زيد بن صوحان إلى عائشة ابنة أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه ، حبيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما بعد ، فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت هذا الأمر ، ورجعت إلى بيتك ، وإلّا فأنا أول من نابذك.

(العقد الفريد ٢ / ٢٢٧ ، تاريخ الطبري ٥ / ١٨٤ ، وشرح ابن أبي الحديد ٢ / ٨١).

وذكر العلامة الباعوني مكاتبتهما في ص ٧١ كما تقدم باختلاف قليل في اللفظ.

وقال أيضا في ص ٣١٦ :

كتاب الأشتر إلى السيدة عائشة

وكتب الأشتر من المدينة إلى السيدة عائشة ، وهي بمكة : أما بعد ، فإنك ظعينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآله ، وقد أمرك أن تقرّي في بيتك فإن فعلت فهو خير لك وإن أبيت إلا أن تأخذي منسأتك وتلقى جلبابك وتبد للناس شعيراتك ، قاتلتك حتى أردّك إلى بيتك والموضع الذي يرضاه لك ربك.

(شرح ابن أبي الحديد ٢ / ٨٠)

رد السيدة عائشة على الأشتر

فكتبت إليه في الجواب : أما بعد ، فإنك أول العرب شبّ الفتنة ، ودعا إلى الفرقة ، وخالف الأئمة ، وسعى في قتل الخليفة ، وقد علمت أنك لن تعجز الله حتى يصيبك منه بنقمة ينتصر بها منك للخليفة المظلوم ، وقد جاءني كتابك وفهمت ما فيه وسيكفينيك الله ، وكل من أصبح مماثلا لك في ضلالك وغيّك إن شاء الله.

(شرح ابن أبي الحديد ٢ / ٨٠)


وقال في ص ٢٩٥ :

كتاب معاوية إلى الزبير بن العوام

وكان أول الأحداث في خلافة الإمام علي أن السيدة عائشة وطلحة والزبير ومن تبعهم خرجوا إلى البصرة يطلبون بدم عثمان رضي‌الله‌عنه.

وروى ابن أبي الحديد أن عليّا عليه‌السلام لما بويع بالخلافة كتب إلى معاوية يأمره أن يبايع له ، فلما قدم رسوله على معاوية وقرأ كتابه ، بعث رجلا من بني عميس ، وكتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام ، وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان ، سلام عليك ، أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام ، فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الحلب ، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليهما ابن أبي طالب ، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهرا الطلب بدم عثمان ، وادعوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجدّ والتشمير ، أظفر كما الله ، وخذل مناوئكما.

فسرّ الزبير بهذا الكتاب ، وأعلم به طلحة ، ولم يشكّا في النّصح لهما من قبل معاوية ، وأجمعا عند ذلك على خلاف علي عليه‌السلام.

(شرح ابن أبي الحديد ١ / ٧٧)

وقال في ص ٣١٧ :

كتاب طلحة والزبير إلى كعب بن سور

ولما أجمعت عائشة وطلحة والزبير وأشياعهم على المسير إلى البصرة ، قال الزبير لعبد الله بن عامر ـ وكان عامل عثمان على البصرة ، وهرب عنها حين مصير عثمان بن حنيف عامل عليّ إليها ـ : من رجال البصرة؟ قال : ثلاثة كلهم سيد مطاع : كعب بن سور في اليمن ، والمنذر بن ربيعة في ربيعة ، والأحنف بن قيس في البصرة.

فكتب طلحة والزبير إلى كعب بن سور : أما بعد ، فإنك قاضي عمر بن الخطاب ، وشيخ أهل البصرة ، وسيد أهل اليمن ، وقد كنت غضبت لعثمان من الأذى ، فاغضب


له من القتل ، والسّلام.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٧)

رد كعب بن سور على طلحة والزبير

فكتب كعب بن سور إلى طلحة والزبير : أما بعد ، فإنا غضبنا لعثمان من الأذى والغير باللسان ، فجاء أمر الغير فيه بالسيف ، فإن يكن عثمان قتل ظالما فما لكما وله؟ وإن كان قتل مظلوما فغير كما أولى به ، وإن كان أمره أشكل على من يشهده ، فهو على من غاب عنه أشكل.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

كتابهما إلى الأحنف بن قيس

وكتبا إلى الأحنف بن قيس : أما بعد ، فإنك وافد عمر ، وسيد مضر ، وحليم أهل العراق ، وقد بلغك مصاب عثمان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان أشفى لك من الخبر ، والسّلام.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

رد الأحنف عليهما

وكتب الأحنف إليهما : أما بعد ، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمر لا نشكّ فيه إلا قتل عثمان ، وأنتم قادمون علينا ، فإن يكن في العيان فضل نظرنا فيه ونظرتم ، وإلا يكن فيه فضل فليس في أيدينا ولا أيديكم ثقة ، والسّلام.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

وقال في ص ٣١٨ :

كتابهما إلى المنذر بن ربيعة

وكتبا إلى المنذر : أما بعد ، فإن أباك كان رئيسا في الجاهلية ، وسيدا في الإسلام ، وإنك من أبيك بمنزلة المصلّي من السابق ، يقال كاد أو لحق ، وقد قتل عثمان من أنت خير منه ، وغضب له من هو خير منك ، والسّلام.


(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

رد المنذر عليهما

وكتب المنذر إليهما : أما بعد ، فإنه لم يلحقني بأهل الخير إلا أن أكون خيرا من أهل الشر ، وإنما أوجب حق عثمان اليوم حقّه أمس ، وقد كان بين أظهركم فخذلتموه ، فمتى استنبطتم هذا العلم ، وبدا لكم هذا الرأى؟

فلما قرءا كتب القوم ساءهما ذلك وغضبا.

(الإمامة والسياسة ١ / ٤٨)

وقال أيضا في ص ٣٢٣ :

كتاب طلحة والزبير إلى أهل الأمصار

وأصبح طلحة والزبير وبيت المال في أيديهما ، والناس معهما ، وبعثت عائشة : لا تحبسا عثمان بن حنيف ودعاه ، ففعلا فخرج عثمان فمضى لطيّته ، وثار حكيم بن جبلة فيمن تبعه لنصرة ابن حنيف ، وهو يقول : لست بأخيه إن لم أنصره ، وجعل يشتم عائشة ، وقالت عائشة : لا تقاتلوا إلا من قاتلكم ، ونادوا من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا ، فإنا لا نريد إلا قتله عثمان ، ولا نبدأ أحدا ، فأنشب حكيم القتال ، واقتتل الفريقان قتالا شديدا ، وكان النصر لأصحاب عائشة.

ثم كتبوا إلى أهل الشأم بما صنعوا وصاروا إليه : إنا خرجنا لوضع الحرب ، وإقامة كتاب الله عزوجل بإقامة حدوده في الشريف والوضيع ، والكثير والقليل ، حتى يكون الله عزوجل هو الذي يردّنا عن ذلك ، فبايعنا خيار أهل البصرة ونجباؤهم. وخالفنا شرارهم ونزّاعهم ، فردّونا بالسلاح ، وقالوا فيما قالوا : نأخذ أم المؤمنين رهينة أن أمرتهم بالحق وحثّتهم عليه ، فأعطاهم الله عزوجل سنّة المسلمين مرة بعد مرة ، حتى إذا لم يبق حجة ولا عذر استبسل قتلة أمير المؤمنين ، فخرجوا إلى مضاجعهم ، فلم يفلت منهم مخبر إلا حرقوص بن زهير ، والله سبحانه مقيده إن شاء الله ، وكانوا كما وصف الله عزوجل ، وإنا نناشدكم الله في أنفسكم إلا نهضتم بمثل ما


نهضنا به فنلقي الله عزوجل وتلقونه وقد أعذرنا ، وقضينا الذي علينا.

وكتبوا إلى أهل الكوفة بمثله ، وكذا إلى أهل اليمامة وأهل المدينة.

(تاريخ الطبري ٥ / ١٨١)

كتاب معاوية إلى طلحة بن عبيد الله

فكان كتاب طلحة : أما بعد ، فإنك أقلّ قريش في قريش وترا ، مع صباحة وجهك ، وسماحة كفّك ، وفصاحة لسانك ، فأنت بإزاء من تقدّمك في السابقة ، وخامس المبشّرين بالجنة ، ولك يوم أحد وشرفه وفضله ، فسارع ـ رحمك الله ـ إلى ما تقّلدك الرعية من أمرها ، مما لا يسعك التخلف عنه ، ولا يرضى الله منك إلا بالقيام به ، فقد أحكمت لك الأمر قبلي ، والزبير فغير متقدّم عليك بفضل ، وأيّكما قدّم صاحبه فالمقدّم الإمام ، والأمر من بعد للمقدّم له ، سلك الله بك قصد المهتدين ، ووهب لك رشد الموّفقين ، والسّلام.

كتاب معاوية إلى الزبير بن العوام

وكتب إلى الزبير : أما بعد ، فإنك الزبير بن العوام ، ابن أبي خديجة ، وابن عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحواريّه وسلفه ، وصهر أبى بكر ، وفارس المسلمين ، وأنت الباذل في الله مهجته بمكة عند صيحة الشيطان ، بعثك المنبعث ، فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت ، تخبط خبط الجمل الرّديع ، كل ذلك قوة إيمان وصدق يقين ، وسبقت لك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البشارة بالجنة ، وجعلك عمر أحد المستخلفين على الأمة.

واعلم يا أبا عبد الله أن الرعية أصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة الراعي ، فسارع ـ رحمك الله ـ إلى حقن الدماء ، ولمّ الشّعث ، وجمع الكلمة ، وصلاح ذات البين ، قبل تفاقم الأمر ، وانتشار الأمة ، فقد أصبح الناس على شفا جرف هار ، عمّا قليل ينهار إن لم يرأب ، فشمّر لتأليف الأمة وابتغ إلى ربك سبيلا ، فقد أحكمت الأمر من قبلي لك ولصاحبك على أن الأمر للمقدّم ، ثم لصاحبه من بعده ، جعلك الله من أئمّة الهدى


وبغاة الخير والتقوى ، والسّلام.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٧٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وفي أثناء تجهز أمير المؤمنين لمحاربة معاوية بلغه الخبر عن مكة بخروج طلحة والزبير وعائشة رضي‌الله‌عنهم على أمير المؤمنين وكان طلحة والزبير استأذناه في العمرة فأذن لهما ، وروي أنه قال لهما : والله ما تريدان العمرة ، وإنما تريدان الغدرة ، وخوّفهما بالله من التسرع إلى الفتنة.

واعترض بعضهم على أنه ترك طلحة والزبير حتى خرجا إلى مكة وأذن لهما في العمرة ؛ فانضما إلى عائشة وأثارا الفتنة وكان الرأى أن يحبسهما. وأجيب بأنه ما كان يجوز له في أن يحبسهما ولا في السياسة ، أما في الشرع فلأنه محظور أن يعاقب الإنسان بما لا يفعل وعلى ما يظن منه ويجوز أن لا يقع ، وأما في السياسة فلأنه لو أظهر التهمة لهما وهما من أفاضل السابقين وجلة المهاجرين لكان في ذلك من التنفير عنه ما لا يخفى ومن الطعن عليه ما هو معلوم ، بأن يقال ليس من إمامته على ثقة فلذلك يتهم الرؤساء.

فلما بلغ عليّا خبر خروج عائشة وطلحة والزبير خطب الناس وقال : إن الله عزوجل جعل لظالم هذه الأمة العفو والمغفرة ، وجعل لمن لزم الأمر واستقام الفوز والنجاة ، فمن لم يسعه الحق أخذ بالباطل. ألا وإن طلحة ، والزبير ، وعائشة قد تمالئوا على سخط إمارتي ودعوا الناس إلى الإصلاح ، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم وأكف إن كفوا وأقتصر على ما بلغني عنهم.

وقد كانت عائشة رضي‌الله‌عنها خرجت إلى مكة معتمرة قبل أن يقتل عثمان رضي‌الله‌عنه بعشرين يوما ، ولما خرج ابن عباس على الحج كما أمره عثمان ليتلو على أهل مكة كتابه رضي‌الله‌عنه ، مر بعائشة في الصّلصل (بنواحي المدينة على سبعة


أميال منها) فقالت : يا ابن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا إزعيلا (نشيطا) أن تخذل عن هذا الرجل (تعني عثمان) وأن تشكك فيه الناس ، فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ورفعت لهم المنار ، وتحلبوا من البلدان لأمر قد جم ، وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ، فإن يل (الخلافة بعد عثمان) يسر بسيرة ابن عمه أبى بكر رضي‌الله‌عنه. فقال لها ابن عباس رضي‌الله‌عنه : يا أمّه ، لو حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا (يعنى لو قتل عثمان لبايع الناس عليّا) فقالت : إيها عنك! إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.

فقد كانت عائشة رضي‌الله‌عنها تريد أن يخذل ابن عباس عن عثمان. وتود أن يلي الخلافة طلحة الذي كان شديدا على عثمان فتعود الخلافة تيمية كما كانت ، وتكره أن يلي الخلافة علي. لكنها لما علمت أن الناس سيبايعونه إذا قتل عثمان خرجت إلى مكة ، ولما خرجت من مكة تريد المدينة لقيها بسرف رجل من أخوالها من بني ليث يقال له عبيد بن أبي سلمة فقالت له : مهيم؟ قال : قتل عثمان وبقوا ثمانية. قالت : ثم صنعوا ما ذا؟ قال : اجتمعوا على بيعة على. فقالت : ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك (أى ليت السماء انطبقت على الأرض) ردوني ، ردوني ، فانصرفت إلى مكة وهي تقول : قتل والله عثمان مظلوما ، والله لأطلبن بدمه. فقال لها : ولم؟ والله إن أول من أمال حرفه لأنت ، ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا (عثمان) فقد كفر ، وفي رواية (فقد فجر). قالت : إنهم استتابوه ثم قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأول. فقال لها ابن أم كلاب (وهو عبيد بن أبي سلمة) :

فمنك البداء ومنك الغير

ومنك الرياح ومنك المطر

وأنت أمرت بقتل الإمام

وقلت لنا إنه قد كفر

فهبنا أطعناك في قتله

وقاتله عندنا من أمر

ولم يسقط السقف من فوقنا

ولم ينكسف شمسنا والقمر

وقد بايع الناس ذا تدرإ

يزيل الشّبا ويقيم الصّعر


ويلبس للحرب أثوابها

وما من وفى مثل من قد غدر

ثم انصرفت إلى مكة فقصدت الحجر فستّرت فيه فاجتمع الناس حولها.

خطبة عائشة في أهل مكة :

خطبت عائشة رضي‌الله‌عنها فقالت : أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار ، وأهل المياه ، وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول ظلما بالأمس ، ونقموا عليه استعمال من حدثت سنّه ، وقد استعمل أمثالهم قبله ، ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها ، فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا بادوا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام ، واستحلوا البلد الحرام ، والشهر الحرام ، وأخذوا المال الحرام ، والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم ، وو الله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا ، لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه ، والثوب من درنه إذ ماصوه كما يماص الثوب بالماء

استعداد عائشة لمحاربة أمير المؤمنين :

بعد أن خطبت عائشة رضي‌الله‌عنها بمكة ، قال عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل عثمان على مكة : ها أنا أول طالب ، فكان أول مجيب ، وتبعه بنو أمية على ذلك ، وكانوا هربوا من المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة ورفعوا رؤسهم. وكان أول ما تكلموا بالحجاز ، وتبعهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية ، وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ، وقدم عليهم يعلى بن أمية ، وهو ابن منبه من اليمن ، وكان عاملا لعثمان ومعه ستمائة بعير ، وستمائة ألف درهم ، فأناخ بالأبطح ، وقدم طلحة والزبير من المدينة فلقيا عائشة ، فقالت : ما وراءكما؟ فقالا : إنا تحملنا هرّابا من المدينة من غوغاء وأعراب ، وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ، ولا يمنعون أنفسهم ، انهضوا إلى هذه الغوغاء. وقال طلحة والزبير لعائشة : إن أطعتنا طلبنا بدم عثمان. قالت : وممن تطلبون دمه؟ قالا : إنهم قوم معروفون وإنهم بطانة علي ، ورؤساء أصحابه. فقالوا : نأتي الشام. فقال ابن عامر : قد


كفاكم الشام معاوية ، فأتوا البصرة فإن لي فيها صنائع ، ولهم في طلحة هوى. قالوا : قبحك الله ، فو الله ما كنت بالمسالم ولا بالمحارب ، فهلا أقمت كما أقام معاوية فنكفي بك ، ثم تأتي الكوفة فنسد على هؤلاء القوم المذاهب؟ فلم يجدوا عنده جوابا مقبولا. فاستقام الرأى على البصرة وقالوا لها : نترك المدينة ، فإنا خرجنا فكان معنا من لا يطيق من بها من الغوغاء ، ونأتي بلدا مضيعا وسيحتجون علينا ببيعة علي فتنهضنهم كما أنهضت أهل مكة ، فإن أصلح الله الأمر كان الذي أردناه ، وإلا دفعنا بجهدنا حتى يقضي الله ما أراد ، فأجابتهم إلى ذلك.

طلحة والزبير يكاتبان عظماء البصرة :

قبل أن تسير عائشة رضي‌الله‌عنها إلى البصرة ، قال الزبير لعبد الله بن عامر : من رجال البصرة؟ قال : ثلاثة كلهم سيد مطاع ، كعب بن سور في اليمن والمنذر بن ربيعة في ربيعة والأحنف بن قيس في البصرة.

فكتب طلحة والزبير إلى كعب بن سور : أما بعد ، فإنك قاضي عمر بن الخطاب وشيخ أهل البصرة ، وسيد أهل اليمن ، وقد كنت غضبت لعثمان من الأذى ، فاغضب له من القتل ، والسّلام.

وكتبا إلى الأحنف بن قيس : أما بعد ، فإنك وافد عمر وسيد مضر وحليم أهل العراق ، وقد بلغك مصاب عثمان ، ونحن قادمون عليك ، والعيان أشفى لك من الخبر ، والسّلام.

وكتبا إلى المنذر بن ربيع : أما بعد ، فإن أباك كان رئيسا في الجاهلية ، وسيدا في الإسلام ، وإنك من أبيك بمنزلة المصلى من السابق ، يقال كاد أو لحق ، وقد قتل عثمان من أنت خير منه ، وغضب له من هو خير منك ، والسّلام.

ثلاثة كتب مختصرة تدعوهم إلى الانضمام إلى طلحة والزبير. فلما وصلت كتبهما ، قام زياد بن مضر ، والنعمان بن شوال وعزوان ، فقالوا : ما لنا ولهذا الحي من قريش؟ أيريدون أن يخرجونا من الإسلام بعد أن دخلنا فيه ، ويدخلونا في الشرك


بعد أن خرجنا منه؟ قتلوا عثمان وبايعوا عليّا ، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.

الرد على الكتب :

كتب كعب بن سور إلى طلحة والزبير : أما بعد ، فإنا غضبنا لعثمان من الأذى والغير باللسان ، فجاء أمر الغير فيه بالسيف. فإن يك عثمان قتل ظالما فما لكما وله. وإن كان قتل مظلوما فغير كما أولى به. وإن كان أمره أشكل على من شهده ، فهو على من غاب عنه أشكل.

وكتب الأحنف إليهما : أما بعد ، فإنه لم يأتنا من قبلكم أمر لا نشك فيه إلا قتل عثمان ، وأنتم قادمون علينا. فإن يكن في العيان فضل نظرنا فيه ونظرتم ، وإلا يكن فيه فضل فليس في أيدينا ولا في أيديكم ثقة ، والسّلام.

وكتب المنذر : أما بعد فإنه لم يلحقني بأهل الخير إلا أن أكون خيرا من أهل الشر وإنما أوجب حق عثمان اليوم حقه أمس ، وقد كان بين أظهركم فخذلتموه ، فمتى استنبطتم هذا العلم ، وبدا لكم هذا الرأي؟

فلما قرءا كتب القوم ساءهما ذلك وغضبا.

دعوة ابن عمر إلى الانضمام إلى عائشة :

ثم كلم طلحة ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن إنه والله لرب حق ضيعناه وتركناه فلما حضر العذر قضينا بالحق وأخذنا بالحظ ، إن عليّا يرى إنفاذ بيعته ، وإن معاوية لا يرى أن يبايع له ، وإنا نرى أن نردها شورى ، فإن سرت معنا ومع أم المؤمنين صلحت الأمور ، وإلا فهي الهلكة.

فقال ابن عمر : إن يكن قولكما حقّا ففضلا ضيعت ، وإن يكن باطلا فشرّ منه نجوت ، واعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها ، وأنتما بالمدينة خير لكما من البصرة ، والذل خير لكما من السيف ، ولن يقاتل عليّا إلا من كان خيرا منه ، وأما الشورى فقد والله كانت فقدم وأخرتما ، ولن يردها ألّا أولئك الذين حكموا فيها ، فاكفياني أنفسكما. فانصرف طلحة والزبير ، وكان الذي أشار عليهما بالكتابة إلى


عظماء البصرة ودعوة ابن عمر هو مروان ، فلما رفض ابن عمر قال مروان لهما : استعينا عليه بحفصة. فأتيا حفصة فقالت : لو أطاعني أطاع عائشة. دعاه فاتركاه.

لما عوّلت عائشة رضي‌الله‌عنها على المسير إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان بناء على ما استقر عليه رأيهم ، دعوا عبد الله بن عمر ليسير معهم فأبى وقال : أنا في أهل المدينة أفعل ما يفعلون ، فتركوه.

وكان أزواج رسول الله معها على قصد المدينة ، فلما تغير رأيها إلى البصرة تركن ذلك ، وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم ، فمنعها أخوها عبد الله بن عمر وجهزهم يعلى بن منية بستمائة بعير وستمائة ألف درهم ، وجهزهم ابن عامر بمال كثير ، ونادى منادي عائشة : أن أم المؤمنين ، وطلحة ، والزبير شاخصون إلى البصرة ، فمن أراد إعزاز الإسلام وقتال المحلين ، والطلب بثأر عثمان وليس له مركب وجهاز ، فليأت. فحملوا ستمائة على ستمائة بعير ، وساروا في ١٠٠٠ ، وقيل : في ٩٠٠ من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس فكانوا في ٣٠٠٠ رجل. ولندع عائشة رضي‌الله‌عنها ومسيرها إلى البصرة للمطالبة بثأر عثمان ، ومعها من انضم إليها وطلحة والزبير لنرى الحالة بالمدينة.

الحالة بالمدينة وخروج على منها :

بينما علي رضي‌الله‌عنه يستعد لقتال معاوية ، ويدعو أهل المدينة لقتال أهل الفرقة ، بلغه خبر خروج عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان. فقال : إن فعلوا هذا فقد انقطع نظام المسلمين ، وما كان عليهم في المقام فينا مئونة ولا إكراه ، فاشتد الأمر على أهل المدينة فتثاقلوا. فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي (وقيل : بعث عمارا) فجاء به ، فقال : انهض معى. فقال : أنا مع أهل المدينة ، إنما أنا رجل منهم ، وقد دخلوا في هذا الأمر فدخلت معهم لا أفارقهم ، فإن يخرجوا أخرج ، وإن يقعدوا أقعد. قال : فاعطني زعيما بألّا تخرج. قال : ولا أعطيك زعيما (كفيلا). قال : لو لا ما أعرف من سوء خلقك صغيرا وكبيرا لأنكرتني ، دعوه فأنا به


زعيم. فرجع عبد الله بن عمر إلى المدينة ، وهم يقولون : لا والله ما ندري كيف نصنع؟ فإن هذا الأمر لمشتبه علينا ، ونحن مقيمون حتى يضيء لنا ويسفر. فخرج من ليلته ، وأخبر أم كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة ، وأنه يخرج معتمرا مقيما على طاعة علي ما خلا النهوض ، وكان صدوقا فاستقر عندها. وأصبح علي فقيل له : حدث البارحة حدث هو أشد عليك من طلحة والزبير ، أم المؤمنين ومعاوية. قال : وما ذلك؟ قال : خرج ابن عمر إلى الشام. فأتى على السوق ودعا بالظّهر (الدابة) ، فحمل الرجال ، وأعد لكل طريق طلابا ، وماج أهل المدينة ، وسمعت أم كلثوم بالذي هو فيه. فدعت ببغلتها فركبتها في رحل ثم أتت عليّا وهو واقف في السوق يفرق الرجال في طلبه. فقالت : ما لك؟ لا تزنّد من هذا الرجل ، إن هذا الأمر على خلاف ما بلّغته ، وحدّثته. قالت : أنا ضامنة له. فطابت نفسه.

وأتى عمار بن ياسر وكلم محمد بن مسلمة الأنصاري ، وسعد بن أبي وقاص ليخرجا مع علي ، فأبيا إلا الاعتزال كما أبى ابن عمر. فقال علي لعمار : دع هؤلاء الرهط ، أما ابن عمر فضعيف ، وأما سعد فحمود ، وذنبي إلى محمد بن مسلمة. أني قتلت أخاه يوم خيبر ، مرحب اليهودي.

ولما رأى على من أهل المدينة ما لم يرض طاعتهم حتى يكون معها نصرته ، قام فيهم وجمع إليه وجوه أهل المدينة وقال :

إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح أوله. فقد رأيتم عواقب قضاء الله عزوجل على من مضى ، فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم.

فأجابه رجلان من أعلام الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وخزيمة بن ثابت ، وليس بذي الشهادتين ؛ فإن ذا الشهادتين مات في زمن عثمان بن عفان.

وعن الشعبي قال : بالله الذي لا إله الّا هو ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريّين ما


لهم سابع ، أو سبعة مالهم ثامن (١) ، وقال لعلي رضي‌الله‌عنه زياد بن حنظلة لما رأى تثاقل الناس عنه : من تثاقل عنك؟ فإنا نخف معك ونقاتل دونك. والسبب في تثاقل الناس عن النهوض مع على رضي‌الله‌عنه أنهم علموا بانتقاض معاوية ومعه أهل الشام وقد تجهز لهم على ، ثم سمعوا بخروج عائشة ومعها طلحة والزبير للمطالبة بدم عثمان فها لهم الأمر ، وقال أبو قتادة لعلى : يا أمير المؤمنين ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قلدني هذا السيف ، وقد شمته (أغمدته) فطال شيمه ، وقد أني (حان) تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأمة غشّا فإن أحببت أن تقدمني فقدمني ، وقامت أم سلمة (زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم) فقالت : يا أمير المؤمنين ، لولا أن أعصى الله عزوجل ، وإنك لا تقبله مني لخرجت معك ، وهذا ابني عمر والله لهو أعز علي من نفسي ، يخرج معك فيشهد مشاهدك ، فخرج معه فلم يزل معه ، واستعمله على البحرين ثم عزله ، واستعمل النعمان بن عجلان الزرقي.

ولما بلغ عليّا سير جيش عائشة إلى البصرة سار حتى نزل بذي قار وكان مسيره إليها ثماني ليال ، ومعه جماعة من أهل المدينة.

اختلاف رأى أصحاب عائشة فيمن يصلي بالناس ومن يولونه الأمر :

لما خرجت عائشة ومن معها من مكة ، أذن مروان بن الحكم ، ثم جاء حتى وقف على طلحة والزبير فقال : على أيكما أسلم بالإمرة وأوذن بالصلاة؟ فقال عبيد الله بن زبير : على أبي عبد الله ـ يعنى أباه الزبير ـ وقال محمد بن طلحة : على أبي محمد ـ يعنى أباه طلحة ـ فأرسلت عائشة إلى مروان وقالت له : أتريد أن تفرق أمرنا؟ ليصلّ بالناس ابن أختي ـ تعني عبد الله بن الزبير ـ وقيل : بل صلى بالناس عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد حتى قتل. فكان معاذ بن عبيد يقول : والله لو ظفرنا لاقتتلنا ، ما كان

__________________

(١) قد مر قبيل هذا عن الذهبي في «تاريخ الإسلام» ج ٣ ص ٤٨٤ أنه قال : وقال المطلب ابن زياد ، عن السدى : شهد مع على يوم الجمل مائة وثلاثون بدريا وسبعمائة من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.


الزبير يترك طلحة والأمر ، ولا كان طلحة يترك الزبير والأمر ، وعلى ذلك كان طلحة والزبير يتنازعان الأمر.

تبع عائشة رضي‌الله‌عنها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق فبكوا على الإسلام فلم ير يوم كان أكثر باكيا وباكية من ذلك اليوم ، فكان يسمى (يوم النحيب). فلما بلغوا ذات عرق لقى سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه بها. فقال : أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم؟ (يعنى عائشة وطلحة والزبير) فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ أصدقاني ، قالا نجعله لأحدنا : أيّنا اختاره الناس. قال بل تجعلونه لولد عثمان ، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه. فقالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟! قال : فلا أراني أسعى إلا لإخراجها من بني عبد مناف ، فرجع ورجع عبد الله بن خالد بن أسيد. وقال المغيرة بن شعبة : الرأى ما قال سعيد ، من كان هاهنا من ثقيف فليرجع ، فرجع.

معلوم أن عائشة ومن معها خرجوا للمطالبة بدم عثمان لكنهم قبل أن يشتبكوا مع على في قتال ، وقبل أن يعرفوا على من تكون الدبرة اختلفوا فيمن يتولى الخلافة فيما إذا انتصروا ، أو هزم على رضي‌الله‌عنه. هذا وعائشة تندب الإسلام وتبكي وتبكي حتى علا النحيب.

جمل عائشة رضي‌الله‌عنها :

مضى القوم قاصدين البصرة ، ومعهم أبان والوليد ابنا عثمان. وأعطى يعلى بن منية عائشة جملا اسمه (عسكر) اشتراه بثمانين دينارا فركبته.

وقيل : بل كان جملها لرجل من عرينة. قال العرني : بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب ، فقال : أتبيع جملك؟ قلت : نعم. قال : بكم؟ قلت : بألف درهم قال : أمجنون أنت؟ قلت : ولم؟ والله ما طلبت عليه أحدا إلا أدركته ، ولا طلبني وأنا عليه أحد إلا فتّه. قال : لو تعلم لمن نريده؟ لأم المؤمنين عائشة. فقلت : خذه بغير ثمن. قال : بل ترجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم. قال : فرجعت معه


فأعطوني ناقة مهرية ، و ٤٠٠ درهم. وقالوا لي : يا أخا عرينة ، هل لك دلالة بالطريق؟ قلت : أنا من أدل الناس. قالوا : فسر معنا. فسرت معهم فلا أمرّ على واد إلا سألوني عنه حتى طرقنا الحوأب ، وهو ماء.

كلاب الحوأب :

نقول : وقد ذكرنا نباح كلاب الحوأب فيما تقدم.

الوصول إلى البصرة :

ارتحل جيش عائشة رضي‌الله‌عنها حتى بلغوا البصرة فكتبت عائشة إلى رجال من أهل البصرة ، ومكثت تنتظر الجواب بالحفير ، ولما بلغ ذلك أهل البصرة دعا عثمان ابن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي ليسألا عائشة عن مسيرها ، فقدما عليها وسألاها فقال : إن الغوغاء ونزّاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأحدثوا فيه آووا المحدثين فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر. فاستحلوا الدم الحرام ، وسفكوه ، وانتهبوا المال الحرام ، وأحلوا البلد الحرام ، والشهر الحرام. فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء ، وما الناس فيه وراءنا ، وما ينبغي لهم من إصلاح هذه القصة ، وقرأت (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) الآية ، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ، ومنكر ننهاكم عنه. فخرج عمران وأبو الأسود من عندها فأتيا طلحة ، وقالا : ما أقدمك؟ فقال : الطلب بدم عثمان. فقالا : ألم تبايع عليّا؟ فقال : بلى والسيف على عنقي ، وقال الزبير مثل ذلك (١).

__________________

(١) قال الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في «عقيدة الشيعة» تعريب ع. م (ص ٤٨ ط مؤسسة المفيد ـ بيروت) :

ولما قدم القوم البصرة وعامل علي عثمان بن حنيف فمنعهم من الدخول فقالا : لم نأت لحرب وإنما جئنا لصلح ، فكتبوا بينهم وبينه كتابا إنهم لا يحدثون حدثا وإن كل فريق منهم آمن من صاحبه ، ثم افترقوا فوضع عثمان بن حنيف السلاح ، فنتفوا لحيته


اختلاف أهل البصرة بشأن عائشة :

عاد عمران بن حصين وأبو الأسود الدؤلي إلى عثمان بن حنيف وأخبراه بما سمعا من عائشة وطلحة والزبير رضي‌الله‌عنهم ، وكان عثمان قد ولاه علي البصرة ، فاستشار عمران فقال له : اعتزل فإني قاعد. قال عثمان : بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين ، وانصرف عمران إلى بيته ، وقام عثمان في أمره.

فأتاه هشام بن عامر فقال : إن هذا الأمر الذي تريده يسلم إلى شر مما تكره ، إن هذا فتق لا يرتق ، وصدع لا يجبر ، فارفق بهم وسامحهم حتى يأتي أمر علي. فأبى ونادى عثمان في الناس ، وأمرهم بلبس السلاح. فاجتمعوا إلى المسجد ، وأمرهم بالتجهز ، وأمر رجلا اسمه قيس بن العقدية الحميسي أن يندس ليرى رأى الناس فقال : أيها الناس أنا قيس بن العقدية الحميسي ، إن هؤلاء القوم إن كانوا جاءوا خائفين فقد أتوا من بلد يأمن فيه الطير ، وإن جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان فأطيعوني ، وردوهم من حيث جاءوا. فقام الأسود بن سريع السعدي فقال : أو

__________________

وشاربه وأشفار عينيه وحاجبيه وانتهبوا بيت المال.

فلما حضر وقت الصلاة نرى أن طلحة والزبير تنازعا وجذب كل واحد منهما صاحبه حتى فات وقت الصلاة وصاح الناس : الصلاة الصلاة يا أصحاب محمد ، ويذكر ان عائشة اقترحت أن يصلي كل منهما يوما فاصطلحوا على ذلك.

ولما سار علي من المدينة إلى البصرة خرج معه أربعمائة راكب مع أصحاب رسول الله ، فلما صار إلى أرض أسد وطيئ تبعه منهم ستمائة ، ثم صار إلى ذي قار وبقي هناك حتى وافاه ستة آلاف رجل من الكوفة. فسار بهذا الجيش الكبير إلى البصرة. وكان علي يسهل تمييزه بقلنسوته المصرية البيضاء ، أما وصفه فيقول المسعودي : كان أسمر عظيم البطن أصلع أبيض الرأس واللحية أدعج عظيم العينين ليس بالطويل ولا بالقصير تملأ لحيته صدره ولا يغير شيبه. ويكاد أن يتفق جميع الكتّاب بأنه كان عظيم اللحية جدا قد ملأت ما بين منكبيه بيضاء كأنها قطن ، ولا شك أنه كان قد بلغ من العمر ما يدعو إلى الاحترام ، وكان الناس ينظرون اليه كواحد من أربعة أمر الله رسوله بمحبتهم.


زعموا أنّا قتله عثمان؟ إنما أتوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا. فحصبه الناس (رجموه بالحصباء) فعرف عثمان أن لأصحاب عائشة بالبصرة ناصرا فكسره ذلك ، فأقبلت عائشة فيمن معها حتى انتهوا إلى المربد (محبس الإبل) فدخلوا من أعلاه ووقفوا حتى خرج عثمان فيمن معه وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها (وعلى ذلك كان قسم من أهل البصرة مع عائشة ، وقسم مع عثمان بن حنيف ، والى البصرة من قبل علي رضي‌الله‌عنه).

فاجتمع القوم بالمربد فتكلم طلحة وهو في ميمنة المربد ، وعثمان بن حنيف في ميسرته. فأنصتوا له ، فحمد الله وأثنى عليه وذكر عثمان وفضله ، وما استحل منه ودعا إلى الطلب بدمه وحثهم عليه ، وكذلك الزبير. فقال : من في ميمنة المربد : صدقا وبرّا. وقال من في ميسرته : فجرا وغدرا وأمرا بالباطل ، فقد بايعا عليّا ثم جاءا يقولان. وعند ذلك تحاصب الفريقان وأثاروا الغبار.

ثم تكلمت عائشة رضي‌الله‌عنها ، وكانت جهورية الصوت. فحمدت الله وقالت : كان الناس يتجنون على عثمان ويزرون على عماله ، ويأتوننا بالمدينة فيستشروننا فيما يخبروننا عنهم فننظر في ذلك فنجده بريئا تقيّا وفيّا ، ونجدهم فجرة غدرة كذبة ، وهم يحاولون غير ما يظهرون. فلما قووا ، كاثروه واقتحموا عليه داره واستحلوا الدم الحرام والشهر الحرام والبلد الحرام بلا ترة ولا غدر. الّا إن مما ينبغي لا ينبغي لكم غيره ، أخذ قتلة عثمان وإقامة كتاب الله ، وقرأت (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) الآية.

ولما سمع أصحاب عثمان خطبة عائشة افترقوا فرقتين. فرقة قالت : صدقت وبرّت. وقال الآخرون : كذبتم والله ما نعرف ما جئتم به. فتحاثوا وتحاصبوا. فلما رأت عائشة ذلك انحدرت وانحدر أهل الميمنة مفارقين لعثمان بن حنيف حتى وقفوا في المربد مع موضع الدباغين ، وبقي أصحاب عثمان على حالهم ، ومال بعضهم إلى عائشة ، وبقي بعضهم مع عثمان.


الاعتراض على خروج عائشة رضي‌الله‌عنها :

أقبل جارية بن قدامة السعدي وقال : يا أم المؤمنين ، والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح. إنه قد كان لك من الله ستر ، وحرمة فهتكت سترك ، وأبحت حرمتك ، إنه من رأى قتالك يرى قتلك ، لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس.

الاعتراض على طلحة والزبير :

وخرج شاب من بني سعد (لا أدري ما اسمه) إلى طلحة والزبير فقال : أما أنت يا زبير فحوارىّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأما أنت يا طلحة فوقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدك وأرى أمّكما (عائشة) معكما ، فهل جئتما بنسائكما؟ قالا : لا. قال : فما أنا منكما في شيء؟ واعتزل. وقال السعدي في ذلك :

صنتم حلائلكم وقدتم أمكم

هذا لعمرك قلة الإنصاف

أمرت بجر ذيولها في بيتها

فهوت تشق البيد بالإيجاف

غرضا يقاتل دونها أبناؤها

بالنّبل والخطّىّ والأسياف

هتكت بطلحة والزبير ستورها

هذا المخبّر عنهم والكافي

السؤال عن قتلة عثمان :

وأقبل غلام من جهينة على محمد بن طلحة ، وكان محمد رجلا عابدا. فقال أخبرني عن قتلة عثمان رضي‌الله‌عنه ، فقال :

نعم ، دم عثمان ثلاثة أثلاث : ثلث على صاحبة الهودج (يعنى عائشة) ، وثلث على صاحب الجمل الأحمر (يعنى طلحة) ، وثلث على علي بن أبي طالب فضحك الغلام وقال : ألّا أراني على ضلال ، ولحق لعلىّ وقال في ذلك شعرا :

سألت ابن طلحة عن هالك

بجوف المدينة لم يقبر

فقال ثلاثة رهط هم

أماتوا ابن عفان واستعبر

فثلث على تلك في خدرها

وثلث على راكب الأحمر


وثلث على ابن أبي طالب

ونحن بدوية قرقر

فقلت : صدقت على الأولين

وأخطأت في الثالث الأزهر

فجمع طلحة والزبير الرجال في ليلة مظلمة باردة ذات رياح وندى ، ثم قصدا المسجد ، فوافقا صلاة العشاء ، وكانوا يؤخرونها فأبطأ عثمان بن حنيف ، فقدما عبد الرحمن بن عتاب ، ثم اقتتلوا في المسجد وأخرجوا عثمان ونتفوا شعره. فلما بلغ عائشة الخبر أمرت بإخلاء سبيله.

وعن سهل بن سعد قال : لما أخذوا عثمان بن حنيف أرسلوا أبان بن عثمان إلى عائشة يستشيرونها في أمره ، قالت : اقتلوه. فقالت امراة : نشدتك الله يا أم المؤمنين في عثمان وصحبته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : ردوا أبانا فقالت : احبسوه ولا تقتلوه قال : لو علمت أنك تدعيني لهذا الأمر لم أرجع ، فقال لهم مجاشع بن مسعود : اضربوه ، وانتفوا شعر لحيته ، فضربوه أربعين سوطا ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه ثم أطلقوه وجعلوا على بيت المال عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.

إلى أن قال في ص ١٠٠ :

قال ابن الأثير : وقيل في إخراج عثمان غير ما تقدم ، وذلك أن عائشة وطلحة والزبير ، لما قدموا البصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان :

من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ابنها الخالص زيد ابن صوحان : أما بعد ، فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا ، فإن لم تفعل فخذل الناس على علي.

فكتب إليها : أما بعد فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت ورجعت إلى بيتك ، وإلا فأنا أول من نابذك.

وقال زيد : رحم الله أم المؤمنين أمرت أن تلزم بيتها ، وأمرنا أن نقاتل ، فتركت ما


أمرت به ، وأمرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه. وكان على البصرة عند قدومها عثمان بن حنيف. فقال لهم : ما نقمتم على صاحبكم؟ فقالوا : لم نره أولى بها منا ، وقد صنع ما صنع. قال : فإن الرجل أمّرني فاكتب إليه ، فاعلم ما جئتم به على أن أصلى أنا بالناس حتى يأتينا كتابه. فوقفوا عنه فكتب فلم يلبث إلا يومين أو ثلاثة حتى وثبوا على عثمان عند مدينة الرزق فظفروا به وأرادوا قتله ، ثم خشوا غضب الأنصار (لأنه أنصاري) ، فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه وضربوه وحبسوه.

وقام طلحة والزبير خطيبين فقالا : يا أهل البصرة توبة لحوبة (من إثم). إنما أردنا أن نستعتب أمير المؤمنين عثمان ، فغلب السفهاء الحلماء فقتلوه. فقال الناس لطلحة : يا أبا محمد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا.

فقال الزبير : هل جاءكم مني كتاب في شأنه؟ ثم ذكر قتل عثمان ، وأظهر عيب عليّ ، ورماه بقتل عثمان.

دفاع رجل من عبد القيس عن علي رضي‌الله‌عنه :

بعد أن قال طلحة والزبير ما قالا ، قام رجل من عبد القيس. فقال للزبير : أنصت حتى نتكلم : يا معشر المهاجرين ، أنتم أول من أجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان لكم بذلك فضل ، ثم دخل الناس في الإسلام ، ولم تستأمرونا في شيء من ذلك فجعل الله للمسلمين في أمارته بركة. ثم مات واستخلف عليكم رجلا فلم تشاورونا في ذلك ، فرضينا وسلمنا. فلما توفى جعل أمركم إلى ستة نفر فاخترتم عثمان ، وبايعتموه عن غير مشورة منا ، ثم أنكرتم منه شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا ، ثم بايعتم عليّا عن غير مشورة منا. فما الذي نقمتم عليه فنقاتله؟ هل استأثر بفيء أو عمل بغير الحق ، أو أتى شيئا تنكرونه فنكون معكم عليه ، وإلا فما هذا؟

فهموا بقتل ذلك الرجل فقام من دونه عشيرته ، وفي الغد وثبوا عليه وعلى من كان معه فقتلوا سبعين رجلا.

حكيم بن جبلة يقاتل ثم يقتل : (٢٥ ربيع الآخر سنة ٣٦)


بلغ حكيم بن جبلة ما صنع بعثمان بن حنيف فقال : لست أخاف الله إن لم أنصره فجاء في جماعة من عبد القيس ، ومن تبعه من ربيعة ، وتوجه نحو دار الرزق ، وبها طعام أراد عبد الله بن الزبير أن يوزعه على أصحابه. فقال له عبد الله : ما لك يا حكيم؟ قال : نريد أن نرتزق من هذا الطعام ، وأن تخلوا عثمان ، فيقيم في دار الإمارة على ما كتبتم بينكم حتى يقدم علي. وايم الله لو أجد أعوانا عليكم ما رضيت بهذه منكم حتى أقتلكم بمن قتلتم ، ولقد أصبحتم وإن دماءكم لنا حلال بمن قتلتم. أما تخافون الله؟ بم تستحلون الدم الحرام؟ قال : بدم عثمان. قال : فالذين قتلتم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟

فقال له عبد الله : لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان حتى تخلع عليّا ، فقال حكيم : اللهم إنك حكم عدل فاشهد ، وقال لأصحابه : لست في شك من قتال هؤلاء القوم ، فمن كان في شك فلينصرف. وتقدم فقاتلهم فقال طلحة والزبير : الحمد لله الذي جمع لنا ثأرنا من أهل البصرة. اللهم لا تبق منهم أحدا.

فاقتتلوا قتالا شديدا ، ومع حكيم أربعة قوّاد ، فكان حكيم بحيال طلحة ، وذريح بحيال الزبير ، وابن المحرّش بحيال عبد الرحمن بن عتاب ، وحرقوص بن زهير بحيال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

فزحف طلحة لحكيم وهو في ثلاثمائة ، وجعل حكيم يضرب بالسيف ويقول :

أضربهم باليابس

ضرب غلام عابس

من الحياة آيس

في الغرفات نافس

فضرب رجل رجله فقطعها فحبا حتى أخذها فرمى بها صاحبه فصرعه وأتاه فقتله ثم اتكأ عليه وقال :

يا ساقي لن تراعي

إن معي ذراعي

أحمى بها كراعي

وقال :

ليس عليّ أن أموت عار

والعار في الناس هو الفرار


والمجد لا يفضحه الدمار

فأتى عليه رجل وهو جريح رأسه على آخر. فقال : مالك يا حكيم؟ قال : قتلت.

قال من قتلك؟ قال وسادتي. فاحتمله فضمه في سبعين من أصحابه فتكلم يومئذ حكيم ، وإنه لقائم على رجل وإن السيوف لتأخذهم فما يتعتع ويقول : إنا خلّفنا هذين وقد بايعا عليّا وأعطياه الطاعة ثم أقبلا مخالفين محاربين يطلبان بدم عثمان بن عفان ففرقا بيننا ونحن أهل دار وجوار. اللهم إنهما لم يريدا عثمان.

لقد أبدى حكيم منتهى الشجاعة في الدفاع عن علي رضي‌الله‌عنه ، وخاف أن يموت بجراحه قبل أن يقول كلمته ، وقد اعتبر طلحة والزبير مخالفين ومفرقين.

فنادى مناد : يا خبيث جزعت حين عضك نكال الله عزوجل إلى كلام من نصبك وأصحابك بما ركبتم من الإمام المظلوم وفرقتم من الجماعة ، وأصبتم من الدماء ، ونلتم من الدنيا ، فذق وبال الله عزوجل وانتقامه.

وحكيم بن جبلة هذا كان رجلا صالحا في قومه وهو الذي بعثه عثمان على السند فنزلها ، ثم قدم عليه فسأله عنها فقال : ماؤها وشل (قليل) ولصها بطل ، وسهلها جبل ، إن كثر الجند بها جاعوا ، وإن قلوا بها ضاعوا. فلم يوجه عثمان رضي‌الله‌عنه أحدا حتى قتل ، قيل قتله يزيد بن الأسحم الحراني. قيل ليس يعرف في جاهلية ولا إسلام رجل فعل مثل فعله.

قتلى الموقعة :

قتل حكيم وذريح ومن معه ، وأفلت حرقوص بن زهير في نفر من أصحابه فلجئوا إلى قومهم ، ونادى منادي طلحة والزبير بالبصرة : ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممن غزا المدينة فليأتنا بهم ، فجيء بهم كما يجاء بالكلاب فقتلوا ، فما أفلت منهم من أهل البصرة جميعا إلا حرقوص بن زهير ، ثم كتب طلحة والزبير إلى أهل الشام بما تمّ ، وكتبت عائشة إلى أهل الكوفة بما كان منهم ، وأمرتهم أن يثبطوا الناس عن علي ، وحثتهم على طلب قتلة عثمان ، وكتبت إلى أهل اليمامة وإلى أهل المدينة بما


كان منهم وسيرت الكتب ، وبايع أهل البصرة طلحة والزبير ، ولما قتل حكيم أرادوا قتل عثمان بن حنيف فقال ما شئتم ، أما إن سهل بن حنيف وال على المدينة ، فإن قتلتموني انتصر فخلوا سبيله.

إلى أن قال في ص ١٠٧ :

أمّر علىّ على المدينة تمّام بن العباس ، وبعث إلى مكة قثم بن العباس ، وخرج وهو يرجو أن يأخذهم بالطريق ، وأراد أن يعترضهم فاستبان له بالربذة أن قد فاتوه ، وجاء بالخبر عطاء بن رئاب مولى الحارث بن حزن ، وقيل : خرج علىّ يبادرهم في تعبئته التي كان تعبى بها إلى الشام ، وخرج معه من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في ٧٠٠ رجل وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج ، فلقيه عبد الله بن سلام فأخذ بعنانه وقال : يا أمير المؤمنين لا تخرج منها ، فو الله لئن خرجت منها لا ترجع إليها ، ولا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا. فسبوه فقال : دعوا الرجل فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسار حتى انتهى إلى الربذة.

وكتب علىّ رضي‌الله‌عنه لما كان بالربذة كتابا إلى أهل الكوفة : بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد : فاني اخترتكم والنزول بين أظهركم لما أعرف من مودتكم وحبكم لله عزوجل ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فمن جاءني ونصرني فقد أجاب الحق وقضى الله عليه.

وأتته جماعة من طىء منهم من يريد الخروج معه ومنهم من يريد التسليم عليه فقال : جزى الله كلا خيرا ، وفضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما. ثم دخلوا عليه فقال : ما شهدتمونا به؟ قالوا : شهدناك بكل ما تحب. قال : جزاكم الله خيرا ، فقد أسلمتم طائعين وقاتلتم المرتدين ووافيتم بصدقاتكم المسلمين.

خطبة سعيد بن عبيد الطائي :

نهض سعيد بن عبيد الطائي فقال : يا أمير المؤمنين ، إن من الناس من يعبر لسانه


عما في قلبه ، وإني والله ما كل أجد في قلبي يعبر عنه لساني ، وسأجهد وبالله التوفيق ، أما أنا فسأنصح لك في السر والعلانية ، وأقاتل عدوك في كل موطن ، وأرى لك من الحق مالا أراه لأحد من أهل زمانك لفضلك وقرابتك.

فقال علي : رحمك الله قد أدى لسانك عما يجنّ ضميرك.

وسرح رضي‌الله‌عنه من الربذة إلى الكوفة محمد بن أبي بكر ومحمد بن جعفر وكتب إليهم : إني اخترتكم على الأمصار وفزعت إليكم لما حدث فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا ، وأيدونا وانهضوا إلينا ، فالإصلاح ما نريد لتعود الأمة إخوانا ، ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره ، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمصه.

فمضى الرجلان وبقي علي بالربذة يتهيأ وأرسل إلى المدينة فلحقه ما أراد من دابة وسلاح وأمر أمره وقام في الناس وخطبهم.

خطبة علي بالربذة :

إنّ الله عزوجل أعزّنا بالإسلام ورفعنا به وجعلنا به إخوانا بعد ذلة وقلة وتباغض وتباعد. فجرى الناس على ذلك ما شاء الله. الإسلام دينهم ، والحق فيهم ، والكتاب إمامهم حتى أصيب هذا الرجل (عثمان) بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة. إلا أن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم. فنعوذ بالله من شر ما هو كائن أن يكون. ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، شرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي ، فقد أدركتم ورأيتم فالزموا دينكم واهدوا بهدى نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واتبعوا سنته ، واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن ، فما عرفه القرآن فالزموه ، وما أنكره فردوه ، وارضوا بالله جل وعز ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبيا ، وبالقرآن حكما وإماما.

إن عليّا رضي‌الله‌عنه كان من فحول العلماء وخطيبا مفوّها وقد توقع افتراق الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، وحض المسلمين على التمسك بالكتاب والسنة.


بعد ذلك خرج أمير المؤمنين من الربذة وعلى مقدمته أبو ليلى بن عمر بن الجراح والراية مع محمد بن الحنفية ، وعلى الميمنة عبد الله بن عباس ، وعلى الميسرة عمر بن أبي سلمة أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد ، وخرج وهو في ٧٦٠.

واستأذن الأشتر أن يبعثه أمير المؤمنين إلى الكوفة لأنه يرجو أن لا يخالفه أحد منهم ، فقال له على الحق بهم ، وكان علي أرسل ابنه الحسن قبل الأشتر ، فجعل الأشتر لا يمر بقبيلة فيها جماعة إلا دعاهم ويقول اتبعوني إلى القصر ، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فدخله وأبو موسى في المسجد يخطبهم ويثبطهم والحسن يقول له : اعتزل عملنا لا أم لك وتنح عن منبرنا ، وعمار ينازعه. فأخرج الأشتر غلمان أبي موسى من القصر ، فخرجوا يعدون وينادون : يا أبا موسى ، قد دخل الأشتر القصر فضربنا وأخرجنا. فنزل أبو موسى فدخل القصر ، فصاح به الأشتر : أخرج لا أم لك ، أخرج الله نفسك. فقال : أجلني هذه العشية. فقال هي لك ولا تبيتن في القصر الليلة ، ودخل الناس ينهبون متاع أبي موسى فمنعهم الأشتر. وقال : أنا له جار فكفوا عنه. وقيل : إن عدد من سار من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل. وأقبلت القبائل على علي بذي قار فلقيهم في ناس معهم فيهم ابن عباس فرحب بهم وقال :

خطبة على في أهل الكوفة :

يا أهل الكوفة. أنتم قاتلتم ملوك العجم ، وفضضتم جموعهم حتى صارت إليكم مواريثهم فمنعتم حوزتكم ، وأعنتم الناس على عدوهم. وقد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة. فان يرجعوا فذاك الذي نريد ، وإن يلجوا داويناهم بالرفق حتى يبدءونا بظلم ولم ندع أمرا فيه اصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله.

إرسال القعقاع لمفاوضة عائشة (١) :

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر ظافر القاسمي في «الجهاد والحقوق الدولية العامة في الإسلام» (ص ٤٧٢ ط دار العلم للملايين ـ بيروت) :

وفي حوادث سنة (٣٦ ه‍ ـ) عند الطبري ، خلال البحث عن (نزول أمير المؤمنين


ثم دعا أمير المؤمنين القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة وقال الق هذين الرجلين (طلحة والزبير). ـ وكان القعقاع من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فادعهما إلى الألفة والجماعة ، وعظم عليهما التفرقة.

فلم يكن علي رضي‌الله‌عنه يبغى حربا ، بل كان يدعو إلى الألفة والجماعة ، وقد صرح بذلك مرارا ، وكانت هذه دعوته إلى رسله.

خرج القعقاع بناء على أمر أمير المؤمنين حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة رضي‌الله‌عنها. فسلم عليها وقال : أي أمه ، ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت : أى بنىّ الإصلاح بين الناس. قال فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما ، فبعثت إليهما فجاءا. فقال لهما : إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها فقالت الإصلاح بين الناس. فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا متابعان. قال فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ فو الله لئن عرفناه لنصلحنّ ، ولئن أنكرناه لا يصلح ، قالا : قتلة عثمان ، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن ، قال قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة ، وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم. قتلتم ستمائة رجل ، فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم ، وخرجوا من بين أظهركم ، وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعه ستة

__________________

ذاقار) أي : علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، أنه : دعا القعقاع بن عمرو ، فأرسله إلى أهل البصرة ، وقال له : الق هذين الرجلين يا ابن الحنظلية ـ وكان القعقاع من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فادعهما إلى الألفة والجماعة ، وعظم عليهما الفرقة ، وقال له : كيف أنت صانع فيما جاءك منهما ، مما ليس عندك فيه وصاة مني؟ فقال : نلقاهم بالذي أمرت به ، فإذا جاء منهما أمر ليس عندنا منك فيه رأي ، اجتهدنا الرأي ، وكلمناهم على قدر ما نسمع ، ونرى أنه ينبغي. قال : أنت لها. اه ـ.

وقال الفاضل المعاصر محمود شلبي في «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٤٢٢ ط دار الجيل في بيروت):

فلما نزلوا بذي قار دعا علي القعقاع فأرسله إلى أهل البصرة ـ فذكر القصة مفصّلا.


آلاف. فان تركتموهم كنتم تاركين لما تقولون ، وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا عليكم ، فالذي حذرتم وقويتم به هذا الأمر ، أعظم مما أراكم تكرهون ، وإن أنتم منعتم مضر وربيعة من هذه البلاد اجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء ، كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير. قالت عائشة فما ذا تقول أنت؟ قال أقول إن هذا الأمر دواؤه التسكين ، فإذا سكن اختلجوا. فان أنتم بايعتمونا فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر. وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا المآل. فآثروا العافية ، ترزقوها وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم ، ولا تعرّضونا للبلاء فتعرّضوا له فيصرعنا ، وإياكم. وايم الله إني لأقول هذا القول وأدعوكم إليه ، وإني لخائف أن لا يتم حتى يأخذ الله حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل ، فان هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدر ، وليس كقتل الرجل الرجل ، ولا النفر الرجل ، ولا القبيلة الرجل.

قالوا : قد أصبت وأحسنت ، فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك ، وأشرف القوم على الصلح ، كره ذلك من كرهه ، ورضيه من رضيه.

وأقبلت وفود البصرة نحو علي حين نزل ذي قار. فجاء وفد تميم وبكر قبل رجوع القعقاع لينظروا ما رأى إخوانهم من أهل الكوفة ، وعلى أىّ حال نهضوا إليهم ، وليعلموهم أن الذي عليه رأيهم الإصلاح ، ولا يخطر لهم قتال على بال.

فلما لقوا عشائرهم من أهل الكوفة بالذي بعثهم فيه عشائرهم من أهل البصرة ، وقال لهم الكوفيون مثل مقالتهم وأدخلوهم على علي فأخبروه خبرهم سأل علي جرير بن شرس عن طلحة والزبير فأخبره عن دقيق أمرهما وجليله حتى تمثل له :

ألا أبلغ بني بكر رسولا

فليس إلى بني كعب سبيل

سيرجع ظلمكم منكم عليكم

طويل الساعدين له فضول

وتمثل علي عندها :


ألم تعلم أبا سمعان أنا

نرد الشيخ مثلك ذا الصّداع

ويذهل عقله بالحرب حتى

يقوم فيستجيب لغير داع

فدافع عن خزاعة جمع بكر

وما بك يا سراقة من دفاع

انهزام أصحاب الجمل :

خندق طلحة والزبير وخرج صبيان العسكرين فتسابوا ثم تراموا ثم تتابع عبيد العسكرين والسفهاء ونشبت الحرب وألجأتهم إلى الخندق فاقتتلوا عليه حتى أقبلا إلى موضع القتال فدخل منه أصحاب علي وخرج الآخرون ونادى علي : ألا لا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تدخلوا الدور ونهى الناس ، ثم بعث إليهم أن اخرجوا للبيعة فبايعهم على الرايات. وكان جيش علي ١٢٠٠٠ وهم الذين قدم بهم البصرة.

وسأل مالك بن حبيب عليا. فقال له : ما أنت صانع إذا لقيت هؤلاء القوم؟ قال:قد بان لنا ولهم أن الإصلاح ، الكف عن هذا الأمر. فإن بايعونا فذلك ، فإن أبوا وأبينا إلا القتال فصدع لا يلتئم. قال فإن ابتلينا فما بال قتلانا؟ قال من أراد الله عزوجل نفعه ذلك وكان نجاءه ، وقام علي فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه وقال :

يا أيها الناس أملكوا أنفسكم وكفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم ، فإنهم إخوانكم واصبروا على ما يأتيكم ، وإياكم أن تسبقونا ، فإن المخصوم غدا من خصم اليوم.

ولما التقى علي رضي‌الله‌عنه بطلحة قال له طلحة يبرر خروجه عليه : قد ألّبت الناس على عثمان رضي‌الله‌عنه. قال علي : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) يا طلحة ، تطلب بدم عثمان رضي‌الله‌عنه ، فلعن الله قتلة عثمان ، يا زبير ، أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بنى غنم فنظر إليّ فضحك وضحكت إليه فقلت : لا يدع ابن أبي طالب زهوه فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنه ليس به زهو ولتقاتلنه وأنت له ظالم؟ فقال : اللهم نعم ، ولو ذكرت


ما سرت مسيري هذا ، والله لا أقاتلك أبدا ، فانصرف علي إلى أصحابه فقال : أما الزبير فقد أعطى الله عهدا ألا يقاتلكم. ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها : ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا. قالت : ما تريد أن تصنع؟ قال : أريد أن أدعهم وأذهب.

وقيل : قال علي : يا زبير ارجع ، فقال : وكيف أرجع الآن وقد التقت حلقتا البطان؟ هذا والله العار الذي لا يغسل. فقال : يا زبير ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار ، فرجع الزبير وهو يقول :

اخترت عارا على نار مؤججة

ما إن يقول لها خلق من الطين

نادى علي بأمر لست أجهله

عار لعمرك في الدنيا وفي الدين

فقلت حسبك من عدل أبا حسن

فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني

فقال ابنه عبد الله : جمعت بين هذين العارين حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب؟! أحسست رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد (يريد أنه خافهم) قال : إني قد حلفت ألا أقاتله وأحفظه ما قال له. فقال كفر عن يمينك وقاتله.

فدعا بغلام له يقال له (مكحول) فأعتقه. فقال عبد الرحمن بن سليمان التميمي :

لم أر كاليوم أخا إخوان

أعجب من مكفر الأيمان

بالعتق في معصية الرحمن

وقال رجل من شعرائهم :

يعتق مكحولا يصون دينه

كفارة لله عن يمينه

والنكث قد لاح على جبينه

وقيل : إنما عاد الزبير عن القتال لما سمع أن عمار بن ياسر مع علي فخاف أن يقتل عمارا وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا عمار تقتلك الفئة الباغية فرده ابنه عبد الله


كما ذكر.

افترق أهل البصرة ثلاث فرق : فرقة مع طلحة والزبير ، وفرقة مع علي ، وفرقة لا ترى القتال ، منهم الأحنف وعمران بن حصين وغيرهما ، وكان أصحاب علي عشرين ألفا.

وأقبل كعب بن سور حتى أتى عائشة فقال : أدركي ، فقد أبي القوم إلا القتال ، لعل الله أن يصلح بك. فركبت وألبسوا هودجها الأدراع ، فلما برزت وهي على الجمل بحيث تسمع الغوغاء وقفت واقتتل الناس وقاتل الزبير فحمل عليه عمار بن ياسر فجعل يحوزه بالرمح. والزبير كاف عنه ويقول : أتقتلني يا أبا اليقظان؟ فيقول : لا يا عبد الله ، وإنما كف الزبير عنه لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تقتل عمارا الفئة الباغية. ولولا ذلك لقتله.

وبينما عائشة واقفة إذ سمعت ضجة شديدة ، فقالت : ما هذا؟ قالوا : ضجة العسكر. قالت : بخير أو بشر؟ قالوا : بشر. فما فاجأها إلا الهزيمة ، فمضى الزبير من وجهه إلى وادي السباع. وإنما فارق المعركة لأنه قاتل تعذيرا لما ذكر له علي. وأما طلحة فأتاه سهم غرب فأصابه فشك رجله بصفحة الفرس وهو ينادي : إلىّ عباد الله الصبر الصبر. فقال له القعقاع بن عمرو : يا أبا محمد ، إنك لجريح وإنك عما تريد لعليل ، فادخل البيوت ، فدخل ودمه يسيل وهو يقول : اللهم خذ لعثمان مني حتى يرضى. فلما امتلأ خفه دما وثقل ، قال لغلامه : اردفني وأمسكني وأبلغني مكانا أنزل فيه. فدخل البصرة فأنزل في دار خربة فمات فيها.

وقيل : إنه اجتاز به رجل من أصحاب علي فقال له أنت من أصحاب أمير المؤمنين؟ قال : نعم. قال : امدد يدك أبايعك له. فبايعه فخاف أن يموت وليس في عنقه بيعة. ولما قضى دفن في بني سعد وقال لم أر شيخا أضيع دما مني. وتمثل عند دخول البصرة مثله ومثل الزبير :

فإن تكن الحوادث أقصدتني

وأخطأهن سهمي حين أرمي


فقد ضيّعت حين تبعت سهما

سفاهة ما سفهت وصل حلمي

ندمت ندامة الكسعي لما

شريت رضا بني سهم برغمي

أطعتهم بفرقة آل لأى

فألقوا للسباع دمي ولحمي

وكان الذي رمى طلحة مروان بن الحكم وقيل غيره.

وزعم بعض أهل العلم أن عليا دعا طلحة فذكره أشياء من سوابقه على ما قال للزبير فرجع عن قتاله واعتزل في بعض الصفوف فرمى بسهم في رجله ، وقال مروان بعد ذلك : لا أطلب بثأرى بعد اليوم والتفت إلى أبان بن عثمان فقال : قد كفيت بعض قتلة أبيك ، وكان طلحة شديدا على عثمان ولذلك قال : ندمت ندامة الكسعي. وكان عمره حين قتل ستين سنة (١).

__________________

(١) قال الحافظ عبد الرزاق الصنعاني المولود سنة ١٢٦ والمتوفى سنة ٢١١ في كتابه «المصنف» (ص ٢٤١):

أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : لما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال : لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى. قال : وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة فقال : أتحبه يا زبير؟ فقال : وما يمنعني؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فكيف أنت إذا قاتلته وأنت ظالم له؟ قال : فيرون أنه إنما ولى لذلك.

وقال العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي القيرواني المغربي المالكي المولود سنة ٢٥١ والمتوفى سنة ٣٣٣ في كتابه «المحن» (ص ٩٥ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٣):

وحدثني يحيى بن محمد بن يحيى بن سلام ، عن أبيه ، عن جده ، عن شريك بن عبد الله ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن قال : قال رجل للزبير : أقتل عليا. قال : كيف تقتله؟ قال : أخبره أني منه ثم أقتله ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا يقتله مؤمن.

وحدثني محمد بن علي بن الحسن ، قال : حدثنا محمد بن علي الدعشي ، عن


__________________

إسماعيل بن أبان ، عن يزيد بن أبي زياد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : سمعت عليا يقول يوم الجمل : أين الزبير؟ فجعلت أكلل الدواب حتى نظرت إليهما قد اختلفت أعناق دابتيهما وعلي يقول له : أتذكر؟ أتذكر؟ فانصرف الزبير راجعا فقال طلحة : ما شأنه؟ فأخبروه ، فركب يشيعه فرماه مروان بن الحكم فقتله.

وقال الفاضل المعاصر مأمون غريب المصري القاهري في «خلافة علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (ص ٨٤ ط مكتبة غريب في القاهرة) قال :

أمام مخيلاتهم ما أكثر الأفكار التي كانت تتزاحم في رءوس المتحاربين ، فالزبير كما يروي بعض الرواة قد شعر بالأحزان تملأ قلبه ، عند ما علم أن عمار بن ياسر من أتباع على ، وأنه قدم معه ، لقد دارت في رأسه الأفكار والهواجس ، فقد سمع أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له ذات يوم : ويحك يا ابن سمية! تقتلك الفئة الباغية.

وسمية هي أم عمار بن ياسر وكانت أول شهيد في الإسلام ، فما ذا لو قتل عمار؟ إن معنى ذلك أن الفئة الباغية قتلته ، وهو في الفئة التي تحارب ضده.

ومهما كانت الظروف التي دفعت الزبير إلى التورط في هذه الفتنة ، فقد كان الرجل محبا لرسول الله تقيا ، لا يريد أن يكون من الفئة الباغية ، ومن هنا كان موقفه من على ابن أبي طالب ، عند ما انسحب من المعركة ، مؤثرا سلامة دينه ، فقد ناداه على بن أبي طالب من بين الصفوف ليحادثه ، وقد خرج الإمام بلا سلاح ، وعند ما تقابل الرجلان تعانقا! وعاتبه الإمام وسأله : ما الذي أخرجك؟

ـ دم عثمان.

وهنا ذكره الإمام بتلك القصة التي حدثت بينهما ذات يوم ، قال له : أما تذكر يوم لقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بني بياضة وهو راكب حماره ، فضحك إلى رسول الله ، وضحكت أنت معه ، فقلت أنت : يا رسول الله ما يدع على زهوه.

فقال لك : ليس به زهو ، أتحبه يا زبير؟ فقلت : إني والله لأحبه. فقال لك : إنك والله ستقاتله وأنت له ظالم ، وتذكر الزبير هذه الحادثة فقال للإمام : أستغفر الله ، لو ذكرتها ما خرجت ، وطلب منه الإمام الرجوع ، ولكن الزبير سأل الإمام كيف يرجع


__________________

والجيشان على أهبة القتال ، وأى عار سوف يلحقه لو انسحب ، فقال له الإمام : يا زبير ارجع بالعار قبل أن تجمع العار والنار ، وقرر الزبير أن يترك ميدان القتال ، وانسحب عند ما قامت المعركة حيث اغتيل في وادي السباع.

واضح إذن أن الثائرين في موقفهم هذا كانت تتفاعل في نفوسهم مشاعر متباينة حتى أم المؤمنين عائشة هي الأخرى قد انتابتها هذه المشاعر المتباينة ، وأصابها الفزع وهي في طريقها إلى البصرة .. فقد رأت ماء ، وسمعت الكلاب تنبح ، وعند ما سألت عن هذا المكان .. قالوا لها أنه ماء الحوأب.

لقد تذكرت حديث الرسول الكريم يوم قال النبي لنسائه في إيثار : ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب.

وقال الفاضل المعاصر جميل إبراهيم حبيب البغدادي في «سيرة الزبير بن العوام» (ص ١٤٢ ط الدار العربية للموسوعات):

وفي كتاب «وقعة الجمل» نفسه للغلابي البصري جاء في صدد اللقاء بين علي وطلحة ولقي علي عليه‌السلام في حملته طلحة فقال : يا أبا محمد ما أخرجك؟ قال : الطلب بدم عثمان ، فقال علي : قتل الله قاتل عثمان ، أما تذكر يا أبا محمد قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فقال طلحة : أستغفر الله ، لو ذكرتها ما خرجت.

فرجع ـ يعني طلحة ـ فقال مروان : فلما رأيت طلحة قد رجع قلت : ما أبالي أرميت بسهمي هاهنا أم هاهنا ، فرميت طلحة فأصبت أكحله فقتلته. جاء في تاريخ خليفة بن خياط : في رواية منسوبة إلى علي بن عاصم قال : حدثنا حصين قال : حدثني عمر بن جلوان قال سمعت الأحنف بن قيس قال : لما التقوا كان أول قتيل طلحة بن عبيد الله.

وعن يحيى بن سعيد عن عمه قال : رمى مروان طلحة بن عبيد الله بسهم ، ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال : قد كفيناك بعض قتلة أبيك.

وعن يحيى بن سعيد ـ كذلك ـ قال : قال طلحة :

ندمت ندامة الكسعي لما

شربت رضى بني جرم برغمي


__________________

اللهم خذ لعثمان مني حتى ترضى.

وفي رواية : عن الأحنف قال : لما انحاز الزبير ، فقتله عمرو بن جرموز بوادي السباع.

وفي رواية جامعة لمقتل كل من طلحة والزبير : عن يحيى بن سعيد ، عن عمه أن مروان رمى طلحة بسهم فقتله وانحدر الزبير منصرفا ، فقتل بوادي السباع ، قتله عمير ابن جرموز المجاشعي.

يذكر العاملي أنه : خرج الزبير في أحد الأيام للمبارزة ، فذهب علي إليه بنفسه وقابله وناداه ونادى طلحة وذكرهما بالله في حقن الدماء وإيقاف القتال ، فبدأ بطلحة ثم تكلم مع الزبير.

وجاء في كتاب «وقعة الجمل» للغلابي البصري : فخرج علي فركب فرس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المرتجز ولم يأخذ معه سلاحا ولا سيفا ولا رمحا فنادى : يا طلحة يا زبير ، أخرجا إليّ ، فلم يخرجا ، فنادى : يا زبير ، اخرج إليّ ، فخرج وهو شاك في السلاح .. إلخ. وتنتهي المحاورة بينهما بالعناق الحار والتفاهم التام والرجوع عن الحرب والرواية مشهورة تأخذ بها كل الكتب الأساسية في التاريخ. ونفس الرواية يقررها الأستاذ العاملي ـ ولعلها الأقرب إلى الصواب ـ كما يرى ذلك : أن عليا التقى بالزبير وحده في الميدان بعد ما دعاه مرارا مناديا : يا أبا عبد الله ، وكان علي حاسرا والزبير دارع مدجج ، فجرى بينهما كلام ، بدأ فيه الإمام أول ما بدأ بتذكير الزبير بن العوام بحديث قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تقاتلنه وأنت له ظالم ، فيجيب الزبير عليا صحيح ولكني نسيت أو بمعنى لو تذكرت ما جئت. ويقال انه قال له قبل أن ينصرف فإني لا أقاتلك ، ثم انصرف.

إلى ان قال في ص ١٤٤ :

وانتفض الجمع ، وعاد الزبير أدراجه وهو عازم على العودة إلى المدينة ، فتصدى له ولده عبد الله ومنعه ، إلخ ، لكن الزبير قرر في النهاية العودة إلى المدينة والكف عن القتال وفاء لما جرى بينه وبين الإمام علي من شروط.


__________________

والرواية هنا تأتي بشكل آخر في كتاب «أسد الغابة» كما يلي :

وشهد الزبير الجمل مقاتلا فناداه علي ، فانفرد به ، وقال له : أتذكر إذ كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنظر إليّ وضحك وضحكت فقلت أنت لا يدع ابن أبي طالب زهوه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولتقاتلنه وأنت له ظالم ، فذكر الزبير ذلك وانصرف عن القتال.

وهناك مصادر أخرى تقول : إنه لما التقيا مع بعض تعانقا ثم تحاورا فكان من جملة ما دار كلامهما تذكير علي الزبير بالحديث الذي مر ذكره ، وبعد ذلك انصرف الإمام علي إلى أصحابه وهو يحمل إليهم البشرى باعتزال أحد اكبر قادة جيشهم من المعركة وهو الزبير بن العوام ، فقال لهم : أما الزبير فقد أعطى عهدا أن لا يقاتلكم. ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها : ما كنت في موطن منذ عقلت وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا. ثم ذكر لهم عن عزمه بالخروج من المعركة وانسحابه منها وذهابه إلى المدينة لكن ابنه عبد الله أخذ يلح عليه في البقاء والثبات متهما إياه بالخوف والجبن ، من رايات ابن أبي طالب ، ولأجل ان يدفع الزبير تهمة الجبن عن نفسه ، انصل أسنان رمحه وحمل على عسكر علي برمح لا سنان له ، فقال علي : أفرجوا له ، فانه محرج ثم حمل ثانية ثم ثالثة ثم قال لابنه :

أجبنا؟ ويلك ترى؟ فقال : لقد أعذرت ، فأنشد الزبير اثر ذلك وكان شاعرا :

نادى علي بأمر لست أنكره

وكان عمر أبيك الخير منذ حين

فقلت حسبك من عذلي أبا حسن

فان بعض الذي قلت اليوم يكفيني

ترك الأمور التي تخشى مغبتها

لله أمثل في الدنيا وفي الدين

فاخترت عارا على نار مؤججة

أنى يقوم لها خلق من الطين

وخرج الزبير بعد ذلك من ساحة المعركة ، وأخذ يسير مسرعا باتجاه المدينة ، فنزل بوادي السباع ، وقام يصلي ، فأتاه ابن جرموز ، وكان يتبعه ، فقتله ، وجاء بسيفه إلى علي ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : ان هذا سيف طالما فرّج الكرب عن رسول الله ، ثم قال علي قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ابن جرموز : بشر قاتل ابن صفية بالنار.


إلى أن قال :

وأما الزبير فإنه مر بعسكر الأحنف بن قيس فقال : والله ما هذا انحياز ، جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم بعضا ثم لحق ببيته. وقال الأحنف : من يأتيني بخبره؟ فقال عمرو بن جرموز لأصحابه أنا ، فاتبعه. فلما لحقه نظر إليه الزبير. فقال : ما وراءك؟ قال : إنما أريد أن أسألك. فقال غلام للزبير اسمه عطية : إنه معد. قال : ما يهولك من رجل ، وحضرت الصلاة ، فقال ابن جرموز : الصلاة. فلما نزلا وسجد الزبير استدبره ابن جرموز فطعنه بالسيف حتى قتله وأخذ فرسه وسلاحه وخاتمه وخلى عن الغلام ، فدفنه بوادي السباع ورجع إلى الناس بالخبر. وقال الأحنف لابن جرموز : والله ما أدري أحسنت أم أسأت؟

فأتى ابن جرموز عليّا فقال لحاجبه : استأذن لقاتل الزبير ، فقال علي ائذن له ، وبشّره بالنار ، وأحضر سيف الزبير عند علي ، فأخذه فنظر إليه ، وقال : طالما حلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبعث به إلى عائشة. وكان قتل الزبير لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ٣٦ ه‍ ـ.

وقيل : إنّ ابن جرموز استأذن على علي ، فلم يأذن له وقال : بشّره بالنار ، فقال :

أتيت عليّا برأس الزبير

أرجو لديه به الزلفه

فبشر بالنار إذ جئته

فبئس البشارة والتحفه

__________________

وقال الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في «أخبار النساء في العقد الفريد» (ص ١٥١ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) :

قال أبو الحسين : لما انحاز الزبير يوم الجمل ، مرّ بماء لبني تميم ، فقيل للأحنف بن قيس : هذا الزبير قد أقبل. قال : وما أصنع به أن جمع بين هذين الغزيّين وترك الناس وأقبل؟ ـ يريد بالغزيّين : المعسكرين ـ وفي مجلسه عمرو بن جرموز المجاشعي ، فلما سمع كلامه قام من مجلسه وأتبعه حتى ـ فذكر مثل ما تقدم.


وسيّان عندي قتل الزبير

وضرطة بذي الجحفه

وقيل : إن الزبير لما فارق الحرب وبلغ سفوان أتى إنسان إلى الأحنف بن قيس فقال : هذا الزبير قد لقى بسفوان. فقال الأحنف : ما شاء الله كان ، قد جمع بين المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف ، ثم يلحق ببيته وأهله. فسمعه ابن جرموز وفضالة بن حابس ونفيع بن غواة من تميم فركبوا ، فأتاه ابن جرموز من خلفه فطعنه طعنة خفيفة وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له (ذو الخمار) حتى إذا ظن أنه قاتله نادى صاحبيه فحملوا عليه فقتلوه. وكان عمره لما قتل سبعا وستين سنة ، وقيل أكثر.

وقد رثته الشعراء وذكرت غدر ابن جرموز به ، وممن رثاه زوجته عاتكة بنت زيد ابن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد ، فقالت :

غدر ابن جرموز بفارس تهمة

يوم اللقاء وكان غير معدد

يا عمرو لو نبهته لوجدته

لا طائشا رعش الجنان ولا اليد

هبلتك أمك إن قتلت لمسلما

حلت عليك عقوبة المتعمد

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

فيمن مضى ممن يروح ويغتدي

كان أول من قتل طلحة وقتل الزبير وهما من كبار الصحابة ، وكان قتلهما خسارة كبيرة ، وقد أسف عليهما علي رضي‌الله‌عنه أسفا شديدا.

احتدم القتال ، وانجلت الوقعة عن انهزام أصحاب الجمل. فلما كانت الهزيمة قالت عائشة لكعب بن سور : خل عن الجمل وتقدم بالمصحف فادعهم إليه وناولته مصحفا ، فاستقبل القوم فأصابه سهم فقتل ، ورموا أمّ المؤمنين في هودجها ، فجعلت تنادي البقية البقية يا بنىّ ، ويعلو صوتها كثرة : الله اكبر ، الله اكبر ، اذكروا الله والحساب ، فأبوا إلا إقداما. فكان أول شيء أحدثته حين أبوا أن قالت : أيها الناس العنوا قتلة عثمان وأشياعهم ، وأقبلت تدعو وضج الناس بالدعاء. فسمع علي فقال ما هذه الضجة؟ قالوا عائشة تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم. فقال علي : اللهم العن قتلة


عثمان ، وحمل علي بنفسه وقاتل حتى انثنى سيفه.

احتدام القتال :

لما رأت عائشة رضي‌الله‌عنها أن الناس لا يكفون عن القتال ، وأنهم يريدونها ، أرسلت إلى عبد الرحمن بن عتاب ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أثبتا مكانكما وحرضت الناس فحملت مضر البصرة ، حتى قصفت مضر الكوفة ، حتى زحم علي. فنخس قفا ابنه محمد ، وكانت الراية معه ، وقال له أحمل. فتقدم حتى لم يجد متقدما إلا على سنان رمح لشدّة التزاحم ، فأخذ علي الراية من يده. وقال : يا بني بين يدي ، وحملت مضر الكوفة فاجتلدوا أمام الجمل حتى خرسوا والمجنّبتان على حالهما لا تصنع شيئا ومع علي قوم من غير مضر منهم زيد بن صوحان فأصيب هو وأخوه ، واشتد القتال ، فما رؤى وقعة كانت أعظم منها قبلها ولا بعدها ولا أكثر ذراعا مقطوعة ، ولا رجلا مقطوعة وعائشة تحرض جيشها على القتال وصار مجنبتا علي إلى القلب ، وصار كلما أخذ الخطام أحد قتل ، وأخذ الخطام الأسود بن أبي البختري فقتل ، وأخذه عمرو بن الأشرف فقتل ، وقتل معه ثلاثة عشر رجلا من أهل بيته ، وهو أزدي ، وجرح مروان بن الحكم وجرح عبد الله بن الزبير سبعا وثلاثين جراحة من طعنة ورمية (١).

__________________

(١) قال الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ١٨٢ ط بيروت سنة ١٤٠٨):

وفي «تاريخ أبي الفداء» ، قال علي : اعقروا الجمل فضربه رجل فسقط فبقيت عائشة في هودجها إلى الليل وادخلها محمد بن أبي بكر أخوها إلى البصرة وأنزلها في دار عبد الله بن خلف.

وقال الفاضل المعاصر حسن كامل الملتاوي في كتابه «رسول الله في القرآن» (ص ٣٤٠ ط دار المعارف ـ القاهرة):

وروى الطبري : ونادى علي أن اعقروا الجمل ، فإنه إن عقر تفرّقوا ، فضربه رجل


__________________

فسقط ، فما سمع صوت أشدّ من عجيج الجمل.

ولما احتملت السيدة عائشة رضي‌الله‌عنها بهودجها أمر الإمام بالجمل أن يحرق ثم يذر في الريح ، وقال : لعنه الله من دابة ، فما أشبهه بعجل بني إسرائيل ، ثم قرأ كرّم الله وجهه : (وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفا ، لنحرّقنّه ثم لننسفنّه في اليمّ نسفا). وتفرق الناس بعد موت الجمل ، فنادى منادي أمير المؤمنين : «ألّا يجهز على جريح» ، «وألّا يتبع مولّ» ، «وألّا يطعن مدبر» ، «ولا يستحلن فرج ولا مال».

ولما استشار سيدنا عمار بن ياسر رضي‌الله‌عنه أمير المؤمنين كرم الله وجهه في الأسرى الذين وقعوا في أيديهم وقال له : أقتل هؤلاء الأسرى يا أمير المؤمنين؟ قال الإمام : لا أقتل أسير أهل القبلة إذا رجع ونزع ، فبايع الأسرى وأخلى سبيلهم.

ولما قال له أنصاره : ما لنا في هؤلاء الناس ، أجابهم : لكم ما في عسكرهم وعلى نسائهم العدة (أى نساء القتلى) ، وما كان لهم من مال في أهليهم فهو ميراث على فرائض الله. فقال له أنصاره : يا أمير المؤمنين كيف تحل لنا أموالهم ولا تحل لنا نساؤهم ولا أبناؤهم؟ فقال : لا يحل ذلك لكم ، فلما أكثروا عليه قال : اقترعوا هاتوا بسهامكم ، أيكم يأخذ أمكم عائشة في سهمه. فقالوا : نستغفر الله ، فقال : وأنا أستغفر الله.

وقال الحافظ الشيخ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في «فاكهة الصيف وأنيس الضيف» (ص ٢٦٦ ط مكتبة ابن سينا بالقاهرة) :

على بن أبي طالب هو ابن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى ويكنى أبا الحسن ، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم ولم تكن الخلافة لمن كان أبواه هاشميين غير علي وولده الحسن ومحمد الأمين بن زبيدة. بويع له بالخلافة يوم قتل عثمان رضي‌الله‌عنه فولى مصر سعد بن قيس وفي السنة السادسة والثلاثين سار الزبير بن العوام وطلحة بن عبد الله إلى مكة ونكثا بيعة علي وأظهرا أنهما يطلبان دم عثمان فكانت عائشة بمكة فلما بلغها قتل عثمان ألّبت الناس على علي ، ودعتهم إلى أخذ ثأر عثمان ، ثم سارت عائشة وطلحة والزبير من مكة قاصدين البصرة في جيش كثيف فاستولوا عليها ، ونهبوا بيت مالها فسار إليهم علي في جمع عشرين ألفا ومع عائشة وطلحة والزبير ثلاثون ألفا


__________________

فالتقيا بالبصرة يوم الخميس عاشر جمادى الأول [كذا] فقتل طلحة وهو عائد دون قتال رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله وهو ابن أربعة وستين سنة وانهزم الزبير وأصحاب عائشة بعد أن قتل من الفريقين ما ينيف عن ثلاثين ألفا.

وقيل : كانت عدة المقتولين من أصحاب الجمل ثمانية عشر ألفا وقتل من أصحاب علي نحو ألف.

وقيل : قطع على خطام الجمل سبعون يدا كلهم من بني ظبة كلما قطعت يد رجل قدم آخر ، ثم لما كثر القتل على خطام الجمل قال علي : اعقروا الجمل بعد أن صار كالقنفذ من السهام ، والذي عقره الأشتر بن مالك النخعي وعمار بن ياسر ، ثم احتملوا الهودج ونجوا عائشة منه في سبعين امرأة. ويقال : إن عليّا أمر بحمل الهودج من بين القتلى ثم جهز عائشة في أربعين امرأة من بني عبد الله بن قيس في ملابس الرجال وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر وانتصر على رضي‌الله‌عنه.

وقال الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في «عقيدة الشيعة» تعريب ع. م (ص ٢٥ ط مؤسسة المفيد) :

ووجه ابن عباس إلى عائشة فلما دخل عليها قالت أخطأت السنة يا ابن عباس مرتين دخلت بيتي بغير اذني وجلست على متاعي بغير أمري ولما دخل عليها على (رض) فقال لها : يا حميراء ، ألم تنهى عن المسير؟ فقالت : يا ابن أبي طالب ، قدرت فأسجح. فقال : اخرجي إلى المدينة وارجعي إلى بيتك الذي أمرك رسول الله ان تقري فيه. فقالت : افعل.

ويقول آخرون : إنها لما رأت قوة حزب على أرادت البقاء وان تكون معه على أعدائه فلم يقبل على وأمرها بالعودة.

وفي تقسيم الاسلاب بعد وقعة الجمل يقال : إن عليا (رض) أعطى الناس بالسوية لم يفضل أحدا على أحد وأعطى الموالي كما أعطى الصلبية ، ويقال : إنه أمر بدفن القتلى وبقي ثلاثة أيام قبل أن يدخل البصرة فلما دخلها قسم بين الناس ما وجد في بيت المال من المال. ثم رجع قافلا إلى الكوفة بعد أن قضى أياما في البصرة فقدمها في


ثم ضاع خطام الجمل ونادى علي اعقروا الجمل فإنه إن عقر تفرقوا ، فضربه رجل فسقط وقتل من بني ذهل خمسة وثلاثون رجلا.

وقيل في عقر الجمل : إن القعقاع لقي الأشتر وقد عاد من القتال عند الجمل فقال : هل لك في العود؟ فلم يجبه. فقال : يا أشتر بعضنا أعلم بقتال بعض منك. وحمل القعقاع والزمام مع زفر بن الحارث وكان آخر من أخذ الخطام ، فلم يبق شيخ من بني عامر إلا أصيب أمام الجمل ، وزفر بن الحارث يرتجز ويقول :

يا أمّنا مثلك لا يراع

كل بنيك بطل شجاع

ليس بوهواه ولا يراع

وقال القعقاع :

إذا وردنا آجنا جهرناه

ولا يطاق ورد ما منعناه

وزحف إلى زفر بن الحارث وتسرعت عامر إلى حربه فأصيبوا. فقال القعقاع لبجير بن دلجة ، وهو من أصحاب علي : يا بجير بن دلجة صح بقومك فليعقروا الجمل قبل أن تصابوا ، وتصاب أم المؤمنين. فقال بجير : يا آل ضبة يا عمرو بن دلجة ، ادع بي إليك فدعاه ، فقال أنا آمن حتى أرجع عنكم. قال نعم فاجتث ساق البعير فرمى نفسه على شقه ، وجرجر البعير. فقال القعقاع لمن يليه : أنتم آمنون واجتمع هو وزفر على قطع بطان البعير (هو حزام القتب الذي يجعل تحت بطن البعير) وحملا الهودج فوضعاه وكان كالقنفذ لكثرة ما فيه من السهام التي أصابته ، ثم أطافا به. وفر من وراء ذلك الناس. عند ذلك أمر علي نفرا أن يحملوا الهودج من بين القتلى وأمر أخاها محمد بن أبي بكر أن يضرب عليها قبة. وقال انظر هل وصل إليها شيء من جراحة ، فأدخل رأسه في هودجها ، فقالت من أنت؟ فقال : أبغض أهلك إليك. قالت : ابن الخثعمية؟ قال : نعم. قالت : الحمد لله الذي عافاك.

__________________

رجب سنة ست وثلاثين.


وقيل : لما سقط الجمل أقبل محمد بن أبي بكر إليه ومعه عمار فاحتملا الهودج فنحياه ، فأدخل محمد يده فيه فقالت من هذا؟ فقال أخوك البر. قالت : عقق (أى عاق). قال : يا أخية ، هل أصابك شيء؟ قالت : ما أنت وذاك؟ قال : فمن إذا الضلال؟ قالت : بل الهداة.

وقال لها عمار : كيف رأيت ضرب بنيك اليوم يا أماه؟ قالت : لست لك بأم. قال: بلى وإن كرهت. قالت : فخرتم أن ظفرتم وأتيتم مثل الذي نقمتم. هيهات! والله لن يظفر من كان هذا دأبه.

ثم أبرزوا هودجها فوضعوها بعيدا عن الناس. وأتاها علي فقال : كيف أنت يا أمه؟ قالت : بخير. قال : يغفر الله لك. قالت : ولك.

وجاء أعين بن ضبيعة بن أعين المجاشعي حتى اطلع في الهودج. فقالت إليك لعنك الله. فقال والله ما أرى إلا حميراء. فقالت له : هتك الله سترك وقطع يدك وأبدى عورتك. فقتل بالبصرة وسلب وقطعت يده ورمى عريانا في خربة من خرابات الأزد.

وكان علي يقول ذلك اليوم بعد أن فرغ من القتال :

إليك أشكو عجري وبجري

ومعشرا أغشوا عليّ بصري

قتلت منهم مضرا بمضري

شفيت نفسي وقتلت معشري

القتلى ودفنهم :

فلما كان الليل أدخل محمد بن أبي بكر عائشة رضي‌الله‌عنها البصرة ، فأنزلها دار عبد الله بن خلف الخزاعي على صفية بنت الحارث بن أبي طلحة ، وكانت دار عبد الله أعظم دار بالبصرة ، وتسلل الجرحى من بين القتلى ليلا فدخلوا البصرة ، فأقام علي بظاهر البصرة ثلاثا وأذن للناس في دفن موتاهم فخرجوا إليهم فدفنوهم وطاف علي في القتلى. فلما أتى على كعب بن سور ، قال : أزعمتم أنه خرج معهم السفهاء ، وهذا الحبر قد ترون ، وأتى علي عبد الرحمن بن عتاب فقال : هذا يعسوب القوم ، يعنى أنهم كانوا يطيفون به. واجتمعوا على الرصافة لصلاتهم. ومرّ علي على طلحة بن عبيد


الله وهو صريع فقال : لهفي عليك يا أبا محمد ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله لقد كنت أكره أن أرى قريشا صرعى. وجعل كلما مرّ برجل فيه خير قال : زعم من زعم أنه لم يخرج إلينا إلا الغوغاء ، وهذا العابد المجتهد فيهم. وصلّى علي على القتلى من أهل البصرة والكوفة ، وصلّى على قريش من هؤلاء وهؤلاء.

وأمر فدفنت الأطراف (الأيدي والأرجل والرءوس) في قبر عظيم. وجمع ما كان في العسكر من شيء وبعث به إلى مسجد البصرة ، وقال : من عرف شيئا فليأخذه إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان. وكان جميع القتلى من أهل البصرة ١٠٠٠٠ نصفهم من أصحاب علي ونصفهم من أصحاب عائشة ، وقتل من أهل الكوفة ٥٠٠٠ وقتل من ضبة ألف رجل ، ومن بني عدي حول الجمل ٧٠ رجلا كلهم قد قرأ القرآن ، سوى الشباب ومن لم يقرأ.

إلى أن قال في ص ٣٠١ :

عنيت بإثبات المراسلات والخطب والأحاديث من أهم المصادر لأنها في نظرنا أعظم ما يستند إليه المؤرخ ومنها يتبين روح العصر ومقاصد الرجال الذين كان لهم شأن في تحريك الحوادث وتفاصيل الوقائع وهي العمدة التي يبنى عليها المؤرخ حكمه ، وإن لدينا والحمد لله مستندات ووثائق كثيرة من هذا النوع تتجلى منها الحقائق التاريخية.

بقي علينا أن نستخلص للقارئ زبدة الحوادث ونربط بعضها ببعض مع تعليلها وتعليل نتائجها وتقدير الظروف ، فنقول وعلى الله عزوجل التوفيق :

بعد أن قتل عثمان رضي‌الله‌عنه ، هرب أقار به إلى مكة وأقبل أهل المدينة يبايعون عليا رضي‌الله‌عنه وكان يومئذ أحق الصحابة بالخلافة لأنه من أسبقهم إلى الإسلام وابن عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وربيبه وصهره ولجهاده في سبيل نصرة الدين وعلمه وفضله ، فبايعه المهاجرون والأنصار وتلكأ طلحة والزبير ثم بايعاه


وقالا بعد ذلك أنهما أنما بايعاه مرغمين ، وما لبثا أن استأذناه في العمرة فأذن لهما بعد تردد ، فقدما مكة واجتمعا بعائشة هنالك واتفق رأيهم على الطلب بثأر عثمان ومحاربة علي لأنه عندهم اشترك في قتله وطالبوه بأن يقتص من القتلة. أما معاوية فأبى أن يبايع الخليفة لأنه علم أنه سيعزله من ولاية الشام بعد أن ثبّت قدمه فيها إذ المحاصرون لعثمان رضي‌الله‌عنه كانوا يطالبونه بعزل أقاربه ، فأراد علي رضي‌الله‌عنه أن لا يبقيهم في مراكزهم فضّا للخلاف الذي أدى إلى الثورة وقتل عثمان وعد بقاءهم نقصا في دينه ، وكان معاوية عاملا للخليفة فله أن يبقيه أو يعزله ، ولم يكن مرشحا للخلافة بعد عثمان. فأراد أن يستقل بالشام لكنه كتم ذلك ، وتظاهر بالمطالبة بثأر عثمان ، فحرض أهل الشام على محاربة علي لذلك. علم علي بتخلف معاوية عن بيعته ففاوضه ، فأبى فاستعد لمحاربته بعد أن يئس منه. ولم يكن يتوقع أن يشتبك في قتال عائشة وجيشها فلما علم بمسيرها حوّل اتجاهه وسار إليها ، ولم يفلح في إقناعها بالعدول عن الحرب وتمسكت بالمطالبة بثأر عثمان مع أنها كانت تحرّض الناس عليه قبل أن يقتل. فكيف إذن تنقلب هذا الانقلاب؟ قالوا إنها حقدت عليه منذ حادثة الإفك (راجع هذا الباب في كتاب محمد رسول الله للمؤلف) ، وكانت تريد أن يلي الخلافة طلحة. فلما بايع الناس عليا جمعت الجموع بمكة وخطبت في الناس تحثهم على محاربة علي وأصحابه طلبا بثأر عثمان ، واعتبرت عليا من قتلته وهو بريء من ذلك كما صرح مرارا ، وكما تدل على ذلك الحوادث. نعم إنه كان ناقما من سياسة عثمان. تلك السياسة التي ألبت الناس عليه. لكن عثمان رضي‌الله‌عنه كان متأثرا بأقاربه فلم يستطع أن يعالج الحالة وأصرّ على الاحتفاظ بمراكزهم بالرغم من كل تهديد ، ومن الحصار الشديد الذي ضربوه حول منزله. وهذا ما أوجب حيرة علي فعجز أولا أن يفك الحصار ويصرف المحاصرين نهائيا ، وإن كان قد صرفهم. لكنهم عادوا بعد أن تأكدوا أن عثمان ماض على ما كان عليه لا يجيب لهم طلبا. فأقام علي رضي‌الله‌عنه على باب عثمان حراسا من ابنيه وأبناء الصحابة وشدد عليهم. ولم يكن لدى علي


جيش يقاوم به المحاصرين أو يصرفهم.

ثم إن الخليفة المحصور آثر أن يموت شهيدا من أن يسفك دما. لذلك نهى عن أن يقاتلهم أحد ، ولم يرسل إليه معاوية نفسه جيشا لانقاذه إلا متأخرا ، وقيل : إنه تعمد الإبطاء في إرسال الجيش. فكيف يقال إذن إن عليا اشترك في قتل عثمان مع أن طلحة والزبير اللذين انضما إلى عائشة كانا شديدين عليه؟! إلى آخر كلامه.

ومنهم الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية دار العلوم جامعة الأزهر في «موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية» (ج ١ ص ٦١٦ ط مكتبة النهضة المصرية) قال :

موقعة الجمل :

أخذت هذه الموقعة اسمها من الجمل الذي كانت تركبه عائشة رضي‌الله‌عنها زوجة الرسول وبنت أبي بكر الصديق ، وخروج عائشة إلى المعركة لتحارب عليا كان حدثا غير عادي ، ومن ثم ارتبطت هذه الموقعة بعائشة وبجملها ، وإن كان دور عائشة في الحقيقة ضئيلا جدا في هذه المعركة.

وتحليل موقف عائشة يحتاج إلى شيء من الفراغ لن نضن به ، فقد كانت هناك عوامل تحث عائشة على عدم الاشتراك في هذه المعمعة ، وهناك عوامل أخرى كانت تدفع عائشة إلى الاشتراك فيها ، وقبل أن نتكلم عن هذه العوامل وتلك نذكر أن عائشة ـ كأغلب المسلمين ـ كانت ثائرة على عثمان ، وكانت هي وطلحة من أشد الناس انتقادا له ، ولما حوصر عثمان تركت عائشة المدينة وذهبت إلى مكة ، فلما قتل عثمان خرجت من مكة تقصد المدينة. فلما عرفت أن البيعة تمت لعلي غضبت وقالت : والله لا يكون هذا الأمر أبدا ، قتل عثمان مظلوما ، والله لأطالبن بدمه ، وعادت إلى مكة وقدم عليها بمكة طلحة والزبير ، وقد استأذنا عليا بحجة أنهما يريدان العمرة كما قدم يعلى بن أمية عامل عثمان على اليمن ومعه ما كان في بيت مال اليمن من الأموال ،


وقدم كذلك عبد الله بن عامر من البصرة بمال كثير ، والتف حول عائشة بطبيعة الحال بنو أمية الذين كانوا بالحجاز وحثت عائشة الجميع على المطالبة بدم عثمان ، وخرجت ومعها أتباعها تريد البصرة لتستعين بسكانها فيما أقدمت عليه.

هل كان حزن عائشة على عثمان هو الذي دفعها إلى ذلك العمل؟ الحقيقة لا ، فقد كانت هناك دوافع أبعد غورا ، نذكر أهمها فيما يلي :

١ ـ كانت هناك وحشة بين على وعائشة عبرت عنها عائشة بقولها : إنه والله ما كان بيني وبين علي إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها. ولعل بعضها يرجع إلى موقف على من عائشة في حادثة الإفك.

٢ ـ نفس علي على أبي بكر الخلافة وامتنع عن مبايعته زمنا ، فلما ذا تسرع عائشة لمبايعة على! ولما ذا تتركه يهنأ بهذه الخلافة من أول يوم؟

٣ ـ العامل الأكبر والمهم هو عبد الله بن الزبير؟ فهو ابن أختها أسماء ، وإذ لم يكن لعائشة أولاد فقد أخذته من أختها وربّته في بيتها وصار كأنه ابنا لها حتى كانت تسمى أم عبد الله وكان عبد الله طموحا يطمع في الخلافة ، ولكن وجود علي كان يحول بينه وبين تحقيق هذه الأمنية ، فدفع خالته عائشة لتخوض هذه المعركة ضد علىّ ، لعل عليا يسقط فيها قيخلوله الجو ، وكثيرا ما ترددت عائشة في مواصلة العمل لهذه المعركة ، ولكن عبد الله كان يحاول دائما أن يزيل ترددها ويحملها هذا المحمل الصعب ، فمن الممكن أن نقول إن عائشة دفعت لهذا العمل وإن الذي دفعها هو عبد الله ، والمرأة هي المرأة على كل حال ، تضعف أمام حيل الرجال ، ولا تقوى أمام وسائلهم ، وقد روى أن عائشة سمعت منازعة أصحابها وكثرة صياحهم فقالت : المنازعة في الحرب خور ، والصياح فيها فشل ، وما برأيى خرجت مع هؤلاء. وفي الحوار الرائع الذي جرى بين ابن الزبير ومعاوية في خلافة الأخير يقول معاوية لابن الزبير : ... وخدعتم أم المؤمنين ، ولم تراعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ أبرزتم زوجته للحتوف ومقارعة السيوف ، ولعل عبد الله هو الذي دفع أباه أيضا ليشترك في


هذه الموقعة ، وهناك أدلة كثيرة تقود إلى هذه النتيجة ، فمن ذلك ما روى أن عليا قال للزبير : كنا نعدك من بنى عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ، ففرق بيننا. ومن ذلك ما روى أن عليا ذكّر الزبير بقول الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم له : ستقاتل عليا وأنت له ظالم ، فتذكر الزبير ذلك وعزم على أن يدع الحرب ، وأعلن عزمه ، فجاءه ابنه عبد الله وحمّسه بقوله : لعلك خشيت رايات ابن أبي طالب وعلمت أنها تحملها فتية أمجاد وأن تحتها الموت الأحمر ، فجبنت.

ولعلنا نستطيع أن نسبق التاريخ فنقرر أن طموح عبد الله بن الزبير استمر يدفعه بعد فشل معركة الجمل لينتهز فرصة أخرى ليضع نفسه خليفة ، وقد واتته الفرصة بعد مقتل الحسين في عهد يزيد بن معاوية ، فأعلن نفسه خليفة ، وظل يكافح عن ملكه المزعوم حتى دفع رأسه ورؤس الآلاف فداء لهذا الطموح. وقد أوردنا تفصيل ذلك في الجزء الثاني من هذه الموسوعة.

هذه هي العوامل التي دفعت عائشة لتشترك في قيادة الثائرين على علىّ ، أما العوامل التي كانت تعوقها عن الخروج فهي :

١ ـ شهدت عائشة بكاء الآلاف يوم خرجت من مكة لهذه الرحلة المشئومة ، حتى سمي ذلك اليوم يوم النحيب ، ولكن ذلك لم يمنعها من الخروج.

٢ ـ تلقت عائشة خطابا طويلا من أم سلمة تعظها وتذكرها أن خروجها للحرب هتك للحجاب الذي ضربه عليها الرسول.

٣ ـ أهم من هذا كله الآية الكريمة (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) التي لم يغب عن عائشة مغزاها.

ولكن دفع عبد الله بن الزبير كان أقوى من كل شيء ، فإذا عائشة تفقد كل مقاومة ، وإذا بها توضع في الهودج ويمشي بها الركب ، وكانت تتجدد فيها المقاومة ، ولكن ابن الزبير كان يسرع فيخمد هذا الخاطر ، روى أن كلابا نبحتها في الطريق فسألت : أين نحن؟ فقيل لها : عند ماء الحوأب. فقالت : ما أراني إلا راجعة لأني سمعت


الرسول يقول لنسائه : كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحوأب. ولكن ابن الزبير سرعان ما جاءها بمن يقسم لها إن ذلك ليس ماء الحوأب ، واستشهد لها ببعض الأعراب وكان قد اكتراهم لذلك.

إلى أن قال :

ووصلت عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة ، وانضم إليهم خلق كثير ، كان فيهم مروان بن الحكم وبعض بني أمية ، وأيدها بعض أهل البصرة وعارضها آخرون ، ووقعت مناوشات بين الطرفين قتل فيها بضع مئات وبخاصة من معارضي عائشة ، ثم قدم علي بجيشه الكبير ، وفيه كثيرون من السبئيين ومن الذين اشتركوا في الثورة على عثمان ، وحاول علي أن يثني عائشة وأصحابها عن قصدهم ، ويذكر الذين بايعوه منهم ببيعتهم ، وأوشكت هذه السفارات أن تنجح وأن يكفي الله المؤمنين شر القتال. ولكن السبئيين الذين أشعلوا الثورة على عثمان وحرضوا على قتله أدركوا أن الصلح بين الطائفتين سيكون على حساب رقابهم ، فعقدوا العزم على بدء الحرب ، مدركين أن الحرب وحدها هي التي يمكن أن تحميهم من المقصلة ، وهكذا بدءوا المعركة في غفلة من علىّ. وأجابهم أتباع عائشة ، والتحم الفريقان.

وكانت معركة عنيفة فرّ منها الزبير لا جبنا ولا خوفا من الموت ، ولكن لعدم إيمانه بأنه على حق فيما أقدم عليه ، وعند عودته مر بماء لنبي تميم ، فرآه الأحنف بن قيس فقال : جمع الزبير هذين العسكرين ثم ولى وتركهما ، فثار عمرو بن جرموز لذلك ، وكان في مجلس الأحنف ، فلحق بالزبير خفية حتى جلس هذا تحت شجرة ليستريح ثم اضطجع وغفا ، فقتله عمرو وهو نائم. أما طلحة فيروى أن مروان بن الحكم عند ما رآه في مطلع المعركة قال : لا أنتظر بعد اليوم بثأري في عثمان ، فانتزع له سهما فقتله. أما عبد الله بن الزبير فقد ضربه الأشتر أحد قادة علي الأشداء حتى سقط ، ولكن لم يجهز عليه وبقي في خندق فلم يشترك في المعركة بعد ذلك واعتبر


ذلك منه فرارا.

وقد ظل ابن الزبير يعير بفراره وفرار أبيه من هذه المعركة ، فقد روى أنه هاجم عبد الله بن العباس مرة في المسجد الحرام ، فكان مما قاله ابن العباس له مدافعا عن نفسه : وأما قولك يا ابن الزبير إني قاتلت أم المؤمنين ، فأنت أخرجتها وأبوك وخالك ، أما أنت وأبوك فقد قاتلتما عليا ، فإن كان علي مؤمنا فقد ضللتم بقتالكم المؤمنين ، وإن كان كافرا فقد بؤتم بسخط من الله بفراركم من الزحف.

وبعد أن اختفى هؤلاء القادة بالموت أو الفرار ظلت المعركة تدور بدون قائد أو تحت قيادة عائشة شكليا ، وسقط الآلاف في حماية الجمل وحماية أم المؤمنين أو في الهجوم على عائشة وعلى جملها كما قلنا ، ثم عقر الجمل وانتهت المعركة بنجاح علي ، ولكنه أكرم عائشة وأعادها إلى مكة معززة مكرمة.

ومنهم جماعة من الفضلاء في «علي بن أبي طالب ـ نظرة عصرية جديدة» (ص ٨٥ ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت) قال الدكتور محمد الطيب في ما وقع بين علي عليه‌السلام وعائشة :

قصة هذا الصراع الرهيب قصة دامية ، وأحداثه أليمة تكتنفها ظلمات متكاثفة ، ومن أجل ذلك يتحرج بعض المؤرخين المسلمين عن الخوض في التفصيلات الدقيقة لمثل هذه الموضوعات.

ولكننا نجد من واجبنا ألّا نغمض عيوننا أمام هذه الأحداث وألا نضع أصابعنا في آذاننا ، فالواقع الذي سجله التاريخ لا يمكن أن يرتفع ولا ينبغي أن يزيف أو يحرف ، وإنما يجب أن نتلمس من خلاله العبرة والموعظة الحسنة ، فالعبرة دائما هي ضالة المؤمن والهدف المرجو لكل عاقل والمنارة الساطعة التي تضيء طريق الخير وتهدي للتي هي أقوم.

ولقد بدأ الصراع بين عائشة وعلي على أثر مقتل عثمان رضي‌الله‌عنه ، فيروي


الطبري أن عائشة رضي‌الله‌عنها خرجت من مكة إلى المدينة بعد مقتل عثمان فلقيها رجل من أخوالها قال : ما وراءك؟ قال : قتل عثمان واجتمع الناس على علي والأمر أمر الغوغاء ، فقالت : ما أظن ذلك تاما ، ردّوني ، فانصرفت راجعة إلى مكة ، حتى إذا دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي وكان أمير عثمان عليها فقال : ما ردك يا أم المؤمنين؟ فقالت : ردني أن عثمان قتل مظلوما ، وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر ، فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام ، فكان أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي ثم تبعه سائر بني أمية ، وقدم عليهم طلحة والزبير من المدينة. ثم قالت عائشة لهم بعد نظر طويل :

أيها الناس ، إن هذا حدث عظيم وأمر منكر فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم ، لعل الله عزوجل يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم.

ومن هذه الرواية التي ذكرها الطبري نلاحظ أن السيدة عائشة قد قررت الخروج على ولي الأمر الشرعي ودعت الناس إلى ذلك وكان الدافع لها هو المطالبة بثأر عثمان وبالقصاص من قاتليه ، على أن هذا الدافع الذي خرجت من أجله عائشة على علي لا يصلح في تقديرنا عذرا لعائشة ولا تعلة يمكن أن تدافع بها عن نفسها دفاعا يقبله المحايدون المنصفون ، وقد بينت السيدة أم سلمة رضي‌الله‌عنها خطأ تلك الفكرة التي تملكت عائشة وحاولت أن تثنيها عنها ، فلم تستجب عائشة لهذا الصوت العاقل الوقور.

وإليكم ما قالته أم سلمة : من أم سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عائشة أم المؤمنين ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فقد جمع القرآن ذيولك فلا تسحبيها ، وسكر خفارتك فلا تبتذليها ، ولو علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك ، أما علمت بأنه قد نهاك عن الفراطة في الدين ، فإن عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال ، ولا يرأب بهن إن انصدع ، إن


جهاد النساء غض الأطراف وضم الذيول ، ما كنت قائلة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو عارضك ببعض الفلوات ناصة قعودا من منهل إلى منهل.

وغدا تردين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأقسم لو قيل لي : يا أم سلمة ادخلي الجنة لأستحييت أن ألقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هاتكة حجابا ضربه علي ، فاجعليه سترك وقاعة البيت حسنك.

وقد ردت عليها عائشة فقالت : من عائشة ، أم المؤمنين إلى أم سلمة ، سلام عليك ، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو ، أما بعد فما أقبلني لوعظك ، واعرفني لحق نصيحتك ، وما أنا بمعتمرة بعد تعريج ـ يعني وما أنا براجعة إلى مكة بعد أن خرجت منها ـ ولنعم المطلع فرقت به بين فئتين متشاجرتين من المسلمين ، فإن اقعد فعن غير حرج ، وإن أمض فإلى ما لا غنى لي عن الإزدياد منه.

إلى أن قال :

ولنرجع بعد ذلك إلى طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، إنهما من أصحاب رسول الله الأجلاء. ولهما في تاريخ الإسلام بلاء وكفاح. وقد توفي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو راض عنهما ، وكان ذلك هو الأساس الذي سوغ لعمر بن الخطاب في آخر لحظات حياته أن يجعلهما في ضمن الستة الذين يختار الخليفة من بينهم ، فما الذي أخرجهما على علي بعد أن بايعاه والبيعة عهد الله المسئول.

لقد ذكرت بعض المراجع التاريخية أن الزبير كان يطمع في ولاية العراق وطلحة في ولاية اليمن. فلما أرسل علي الولاة ولم يكن لهما حظ في الولاية نقما عليه وتكلما في شأنه وندما على بيعتهما فاستأذنا عليا في الخروج إلى مكة لأداء العمرة ، ولكنه لم يخف عليه أمرهما فقال لهما : والله ما العمرة تريدان.

وإذن فقد كانت المطالبة بالقصاص من قتلة عثمان ستارا يخفون تحته أغراضهم في الحكم والسلطان وانتزاع الخلافة من علي.


ولعل ما ذكره ابن الأثير في تاريخه «الكامل» يعبر عن هذا المعنى في وضوح وصراحة حيث قال : إن مروان بن الحكم وقف على طلحة والزبير بعد خروجهما فقال : على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير : على أبي ، وقال محمد بن طلحة : على أبي.

وقد ظهر هذا الخلاف بين طلحة والزبير والتنافس على الدنيا لأصحابهما حتى قال بعضهم : والله لو ظفرنا وانتصرنا على علي لاقتتلنا ، لأن الزبير ما كان يترك الخلافة لطلحة ولا كان طلحة يتركها للزبير.

ولقد قال سعد بن العاص لطلحة والزبير : أخبراني وأصدقاني إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر؟ قالا نجعله لأحدنا أينا اختاره الناس ، قال : بل تجعلونه لولد عثمان ، فإنكم خرجتم تطلبون بدمه ، فقالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأيتام؟

وقد عمل طلحة والزبير على استمالة عبد الله بن عمر فأتياه فقالا : يا أبا عبد الرحمن إن أمنا عائشة خفت لهذا الأمر رجاء الإصلاح بين الناس فاشخص معنا فإن لك بها أسوة ، فإن بايعنا الناس فأنت أحق بها ، فقال : أيها الشيخان : أتريدان أن تخرجاني من بيعتي ثم تلقياني بين مخالب ابن أبي طالب؟ أن الناس إنما يخدعون بالدينار والدرهم ، وإني قد تركت هذا الأمر عيانا في عافية أنالها ، واعلما أن بيت عائشة خير لها من هودجها ، وأنتما المدينة خير لكما من البصرة ، والذل خير لكما من السيف ، ولن يقاتل عليا إلا من كان خيرا منه ، فاكفياني أنفسكما.

ولكن هذه النصيحة الغالية من عبد الله بن عمر لم تأت بالثمرة المرجوة ، فصمم طلحة والزبير على المضي في طريقهما مع عائشة وقد استطاعوا تجهيز جيش يبلغ عدده ثلاثة آلاف رجل واتفقوا على الخروج إلى البصرة ليقطعوا على الخليفة أمله في العراق فتخرج من طاعته ، وكتبوا إلى معاوية في الشام بما فعلوه حتى يمضي هو الآخر في طريقه من إخراج الشام على الخليفة.

ثم خرجوا إلى البصرة وكان أميرها من قبل علي هو عثمان بن حنيف ، فلما وصلته


الأنباء بقرب وصولهم أرسل إليهم عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي ليستطلعا خبرهم ، وقد اتصلا بعائشة وقالا لها : إن أميرنا بعثنا إليك لنسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت : والله ما مثلي يغطي لبنيه الخير ، إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحدثوا فيه وآووا المحدثين ، فاستوجبوا لعنة الله ولعنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر ، فاستحلوا الدم الحرام وسفكوه ، وانتهبوا المال الحرام ، وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء الناس فيه وراءنا ، وما ينبغي أن يكون لإصلاح هذا الأمر ، تنهض في الإصلاح بما أمر الله ورسوله ، الصغير والكبير والذكر والأنثى إلى معروف نأمركم به ومنكر ننهاكم عنه ، ثم قرأت (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).

فخرج عمران وأبو الأسود من عندها فأتيا طلحة فقالا له : ما الذي أقدمك؟ قال :

الطلب بدم عثمان ، فقالا : ألم تبايع عليا؟ فقال : بلى ، بايعته والسيف على عنقي. ثم أتيا الزبير فقالا له مثل قولهما لطلحة ، وقال لهما مثل قول طلحة ، فرجع الرجلان إلى عثمان بن حنيف فأخبراه بما ظهر لهما وبما يتوقعان من شر وفتنة ، فقال عثمان وقد أخذه العجب واستبد به الألم : إنا لله وإنا إليه راجعون ، دارت رحى الإسلام ورب الكعبة فانظروا كيف تجري الأمور. ثم نادى عثمان في الناس وأمرهم بأن يلبسوا السلاح ويتجهزوا للقتال.

وقد وقف الفريقان وجها لوجه والتقى المسلمون بسيوفهم ، ولسنا نحب أن نخوض بكم في أحشاء تلك المعركة ولكنها كانت معركة حامية وانجلت عن قتل من غزوا المدينة وهم هؤلاء الذين كانوا حرضوا على قتل عثمان أو اشتركوا في تلك الفتنة من أهل البصرة سوى حرقوص بن زهير السعدي فإن عشيرته من بني سعد منعوه لما التجأ إليهم بعد هزيمة أصحابه. وقد قبض على عثمان بن حنيف وضرب بالسياط


وأرادوا قتله لو لا أن السيدة عائشة أمرت باخلاء سبيله بعد أن حلق القوم لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه فمسخوه مسخا لا يقره الإسلام في غير مسلم.

وقد أرسلت عائشة إلى أهل الشام بهذا النصر لتشجعهم على أن يمدوها بالجنود والمال حتى إذا التقت بعد ذلك مع علي كان انتصارها عليه مرجوا غير بعيد المنال.

وأما علي فإنه لم يكن ميالا لقتال عائشة ، وكان يتمنى أن ينتهى الأمر بصلح يحقن الدماء ويصون الحرمات ، وكان علي يقدر الخسارة الفادحة التي تلحق الغالب والمغلوب إذا نشبت الحرب من جديد.

ويدلنا على ذلك أنه أرسل القعقاع بن عمرو لينصح عائشة وأنصارها ويحذرهم عاقبة الاستمرار في الخلاف والشقاق ، وكادت النصيحة تأتى بالثمرة المرجوة.

إلى أن قال :

فوقعت الواقعة بين علي وعائشة ، والتقى الجمعان ، فئة كبيرة مسلمة يقرب عددها من ثلاثين ألفا وعلى رأسهم عائشة وطلحة والزبير. وفئة كبيرة مسلمة كذلك تقرب منها في العدد والعدة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب. وخرج الزبير على فرس له وقد تقلد سلاحه ومعه طلحة بن عبيد الله ، وقد ناقشهما علي في أمر خروجهما عليه وكاد الزبير يرجع حينما

ذكره علي بقول الرسول له : لتقاتلنه أي عليا وأنت ظالم له ، لولا أن ابنه عبد الله بن الزبير اتهمه بالجبن والخوف من سيوف علي ، فرجع إلى القتال.

ومهما يكن من شيء فقد نشبت المعركة وكانت عائشة في هودجها ، وكان يوما عصيبا لم يره المسلمون في حياتهم. فلقد وقف شجعان أهل البصرة يلوذون بجمل عائشة حتى لا تصاب بشر ، فقتل حوله عدد كبير منهم وكانوا يرتجزون برجز يدل على مدى عقيدتهم في أنهم على حق حتى أنهم يستقبلون الموت وهم فرحون مستبشرون ، فيقول قائلهم :

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل

نبارز القرن إذا القرن نزل


ننعى ابن عفان بأطراف الأسل

الموت أحلى عندنا من العسل

فلما رأى علي كثرة القتلى حول الجمل وعرف أن الناس لا تسلمه أبدا وفيهم عين تطرف نادى في أصحابه : اعقروا الجمل ، فجاء رجل من خلفه وعقره فسقط وسقط الهودج فتفرق الناس وانتهت المعركة. ثم أمر علي بحمل الهودج إلى ناحية بعيدة عن ميدان القتال حتى لا تصاب أم المؤمنين بأذى ، وبقيت عائشة في هودجها إلى الليل. ثم جاءها أخوها محمد بن أبي بكر فأدخلها دارا من دور البصرة ، فأقامت بها أياما ثم أرادت الارتحال فجهزها علي بكل ما ينبغي لها من مال وزاد ومتاع واختار لها أربعين امرأة من نساء البصرة ليسرن معها وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر ، ولقد قالت عائشة حينئذ للناس : إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها أقارب زوجها ، وأنه على معتبتي من الأخيار ، فقال علي : صدقت وبرت وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة.

ولما حانت ساعة الرحيل ودعها علي بنفسه. وسار بجانب الهودج حتى خارج المدينة. وسير أولاده معها مسيرة يوم ، وكان ذلك في غرة رجب سنة ٣٦ ه‍ ـ. فسارت إلى مكة وأقامت بها إلى موسم الحج ، ثم توجهت إلى المدينة لتقضي البقية الباقية من أيامها. بعيدة عن النواحي السياسية متجهة إلى طاعة الله وعبادته حتى وافاها الأجل سنة ٥٨ ه‍ ـ.

وهكذا انتهت موقعة الجمل بما حملته من أوزار كبار ، وقد ذهب ضحيتها عشرة آلاف من المسلمين ، لم يخسر المسلمون مثلهم في أكبر المعارك التي خاضوها في سبيل الله.

إلى أن قال :

والمتأمل في هذه الموقعة يرى أن التبعة فيها تقع أول ما تقع على السيدة عائشة ، فلقد خرجت على ولي الأمر الشرعي ولم تسمع لنصح الناصحين حتى جرفها التيار


وأفلت منها الزمام فتعرضت للذل والمهانة ، ولقد قال لها رجل يقال له جارية بن قدامة السعدي قبل أن تبدأ المعركة : يا أم المؤمنين ، والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح ، وإنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، وإنه من رأى قتالك يرى قتلك.

وتقع التبعة كذلك على طلحة والزبير فلقد بايعا عليا ثم نقضا بيعتهما وخرجا عليه ، وقد خرجا يتهمان عليا بأنه مقصر في القصاص من قتلة عثمان مع أنهما قد ناقشاه قبل ذلك في هذه المسألة واقتنعا بوجهه نظره ووضح لهما أن عليا معذور في ارجائه عقاب هؤلاء الثوار والقتلة ، وقد اتفقت على ذلك جميع المراجع التي تحت أيدينا.

حيث جاء فيها أن طلحة والزبير دخلا على علي في عدد من الصحابة فقالوا : يا علي ، إنا قد اشترطنا إقامة الحدود وإن هؤلاء القوم قد اشتركوا في قتل هذا الرجل أي عثمان. فقال : يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم ، ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليه أعرابكم ، وهو خلاطكم يسومونكم ما شاءوا ، فهل ترون موضعا لقدرة على شيء مما تريدون؟ فقالوا : لا ، قال : فلا والله لا أرى إلا رأيا ترونه أبدا إلا أن يشاء الله فاهدأوا عني وانظروا ما ذا يأتيكم ثم عودوا ، فكيف يقتنع طلحة والزبير بعذر علي ثم يخرجان عليه.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٤٠٧ ط دار الجيل في بيروت)

فذكر سبب خروجهم واجتماعهم بمكة ومراجعة عائشة إلى مكة بعد خروجها منها وبعد سماعها بيعة المسلمين لعلي عليه‌السلام ، واجتماع بني أمية حولها وإعانة عبد الله بن عامر الحضرمي لها وقدوم طلحة والزبير إلى مكة من المدينة وارتحالهم من مكة إلى البصرة ، وقول جارية بن قدامة لعائشة : يا أم المؤمنين ، والله لقتل عثمان


أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون عرضة للسلاح إنه قد كان لك من الله ستر وحرمة فهتكت سترك وأبحت حرمتك ، إنه من يرى قتالك يرى قتلك ، لئن كنت أتيتنا طائعة فارجعي إلى منزلك ، وإن كنت أتيتنا مكرهة فاستعيني بالناس ـ إلى آخر القصة.

ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي ابن أحمد السلماني القرطبي المعروف بلسان الدين ابن الخطيب في «رقم الحلل في نظم الدول» (ص ٧٤ ط وزارة الثقافة ـ دمشق) قال :

ونقم على علي إسلامه عثمان ، ولم يكن أسلمه ، بل بعث إليه بنيه وأمرهم أن ينصروه ، وتخلف عن بيعته سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأسامة بن زيد. وخالف أمره طلحة والزبير ، وخرجا إلى مكة مع عائشة رضي‌الله‌عنها وحملوها على الطلب بدم عثمان ، فحرض الناس.

قالوا : لما خرجت عائشة ، توجه علي إلى البصرة سنة ست وثلاثين. ووقعت بينه وبين أصحاب عائشة وقيعة يوم الجمل يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى من السنة وبرزت عائشة على الجمل قد غشيته الدروع ، حتى استحرّ في حزبها القتل ، وعقر الجمل ، وقتل من أصحاب الجمل ثلاثة عشر ألفا ، ومن أصحاب علي خمسة آلاف.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد رواس قلعه جي في «موسوعة فقه إبراهيم النخعي عصره وحياته» (ج ١ ص ١٨ ط ٢ دار النفائس ـ بيروت) قال :

قدوم علي بن أبي طالب العراق ووقعة الجمل : خرج علي بن أبي طالب من المدينة المنورة في تسعمائة راكب من وجوه المهاجرين والأنصار من أهل السوابق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعهم خلق كثير من أخلاط الناس ، يريد القتال


معاوية الذي رفض مبايعته بالخلافة ، والانضواء تحت لوائه ، وفيما هو في بعض الطريق أتاه كتاب أخيه عقيل بن أبي طالب ، يخبره فيه بخروج عائشة ومعها طلحة والزبير ومعهم أشياعهم إلى البصرة مطالبين بدم عثمان ، فتوجه علي بن أبي طالب ب (٩٠٠) راكبا إلى الكوفة فنزل قريبا منها ، وأرسل إلى أهل الكوفة كتابا يبين لهم فيه أن طلحة والزبير كانا أول من بايعه ، ثم نقضا العهد ، وأن خروج أم المؤمنين لم يكن إلا في ساعة غضب ، فأجابه أهل الكوفة وبايعوه.

ومنهم الفاضلان عبد مهنا وسمير جابر في «أخبار النساء في العقد الفريد» (ص ١٥٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قالا :

ومن حديث الجمل : الخشني ، عن أبي حاتم السجستاني قال : أنشدني الأصمعي عن رجل شهد الجمل يقول :

شهدت الحروب وشيبنني

فلم تر عيني كيوم الجمل

أضر على مؤمن فتنة

وأفتك منه لخرق بطل

فليت الظعينة في بيتها

وليتك عسكر لم ترتحل

وكان جملها يدعى عسكرا حملها عليه يعلى بن منبه ، وهبه لعائشة وجعل له هودجا من حديد ، وجهز من ماله خمسمائة فارس بأسلحتهم وأزودتهم وكان أكثر أهل البصرة مالا ، وكان ابن أبي طالب يقول : بليت بأنض الناس ، وأنطق الناس وأطوع الناس في الناس ، يريد بأنض الناس : يعلى بن منبه ، وكان أكثر الناس ناضا ، ويريد بأنطق الناس : طلحة بن عبيد الله ، وأطوع الناس في الناس : عائشة أم المؤمنين.

أبو بكر بن أبي شيبة عن مخلد بن عبيد عن التميمي قال : كانت راية علي يوم الجمل سوداء وراية أهل البصرة كالجمل.

الأعمش ، عن رجل سماه قال : كنت أرى عليا يوم الجمل يحمل فيضرب بسيفه حتى ينثني ، ثم يرجع فيقول : لا تلوموني ولوموا هذا ، ثم يعود ويقوّمه.


ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال : عبد الله بن الزبير قال : التقيت مع الأشتر يوم الجمل ، فما ضربته حتى ضربني خمسة أو ستة ، ثم جرّ برجلي فألقاني في الخندق ، وقال : والله لو لا قربك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما اجتمع فيك عضو إلى آخر.

أبو بكر بن أبي شيبة قال : أعطت عائشة الذي بشرها بحياة ابن الزبير إذ التقى مع الأشتر يوم الجمل ، أربعة آلاف.

سعيد عن قتادة قال : قتل يوم الجمل مع عائشة عشرون ألفا ، منهم ثمانمائة من بني ضبة.

وقالت عائشة : ما أنكرت رأس جملي حتى فقدت أصوات بني عدي.

وقتل من أصحاب علي خمسمائة رجل ، لم يعرف منهم إلا علباء بن الهيثم وهند الجملي ، قتلهما اليثربي ، وأنشأ يقول :

إني لمن يجهلني ابن اليثربي

قتلت علباء وهند الجمل

عبد الله بن عون عن أبي رجاء قال : لقد رأيت الجمل حينئذ وهو كظهر القنفذ من النبل ، ورجل من بني ضبة آخذ بخطامه وهو يقول :

نحن بنو ضبة أصحاب الجمل

الموت أحلى عندنا من العسل

ننعى ابن عفّان بأطراف الأسل

غندر قال : حدثنا شعبة بن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن سلمة وكان مع علي بن أبي طالب يوم الجمل والحارث بن سويد وكان مع طلحة والزبير وتذاكرا وقعة الجمل ، فقال الحارث بن سويد : والله ما رأيت مثل يوم الجمل لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا ، وأشرعنا رماحنا في صدورهم ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت ، يقول هؤلاء : لا إله إلا الله والله أكبر ويقول هؤلاء : لا إله إلا الله والله أكبر ، فو الله لوددت أني لم أشهد ذلك اليوم وأني أعمى مقطوع اليدين والرجلين.

وقال عبد الله بن سلمة : والله ما يسرني أني غبت عن ذلك اليوم ، ولا عن مشهد


شهده علي بن أبي طالب ، بحمر النعم.

علي بن عاصم عن حصين قال : حدثني أبو جميلة البكاء قال : إني لفي الصف مع علي بن أبي طالب ، إذ عقر بأم المؤمنين جملها ، فرأيت محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر يشتدان بين الصفين أيهما يسبق إليها ، فقطعا عارضة الرحل واحتملاها في هودجها.

ومن حديث الشعبي قال : من زعم أنه شهد الجمل من أهل بدر إلا أربعة فكذبه : ان علي وعمار في ناحية ، وطلحة والزبير في ناحية.

أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثني خالد بن مخلد عن يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال : انتهى عبد الله بن بديل إلى عائشة وهي في الهودج ، فقال : يا أم المؤمنين ، أنشدك بالله ، أتعلمين أني أتيتك يوم قتل عثمان ، فقلت لك : إن عثمان قد قتل فما تأمرينني؟ فقلت لي ألزم عليا فو الله ما غير ولا بدل ، فسكتت ثم أعاد عليها فسكتت ، ثلاث مرات فقال : اعقروا الجمل فعقروه ، فنزلت أنا وأخوها محمد ابن أبي بكر فاحتملنا الهودج حتى وضعنا بين يدي علي فسر به ، فأدخل في منزل عبد الله بن بديل.

وقالوا : لما كان يوم الجمل ما كان وظفر علي بن أبي طالب حتى دنا من هودج عائشة ، كلمها بكلام ، فأجابته : ملكت فأسجح ، فجهزها علي بأحسن الجهاز ، وبعث معها أربعين امرأة ، وقال بعضهم : سبعين امرأة ، حتى قدمت المدينة.

عكرمة عن ابن عباس قال : لما انقضى أمر الجمل ، دعا علي بن أبي طالب بآجرّتين فعلاهما ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

يا أنصار المرأة ، وأصحاب البهيمة ، رغا فجئتم ، وعقر فهربتم ، ونزلتم شرّ بلاد ، [أقربها من الماء] وأبعدها من السماء ، بها مغيض كل ماء ، ولها شر أسماء ، هي البصرة ، والبصيرة ، والمؤتفكة ، وتدمر. أين أبن عباس؟ قال : فدعيت له من كل ناحية ، فأقبلت إليه ، فقال : ايت هذه المرأة فلترجع إلى بيتها التي أمرها الله أن تقرّ


فيه. قال : فجئت فاستأذنت عليها ، فلم تأذن لي ، فدخلت بلا إذن ، ومددت يدي إلى وسادة في البيت فجلست عليها ، فقالت : تالله يا ابن عباس ما رأيت مثلك ، تدخل بيتنا بلا إذننا وتجلس على وسادتنا بغير أمرنا ، فقلت : والله ما هو بيتك ، وما بيتك إلا الذي أمرك الله أن تقري فيه فلم تفعلي ، إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الذي خرجت منه. قالت : رحم الله أمير المؤمنين ذاك : عمر بن الخطاب قلت : نعم ، وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قالت : أبيت أبيت قلت : ما كان إباؤك إلا فواق ناقة بكيئة ، ثم صرت ما تحلين ولا تمرين ، ولا تأمرين ولو تنهين. قال : فبكت حتى علا نشيجها ، ثم قالت : نعم أرجع ، فإن أبغض البلدان إلى بلد أنتم فيه. فقلت : أما والله ما كان ذلك جزاؤنا منك إذ جعلناك للمؤمنين أما ، وجعلناك أباك لهم صديقا. قالت : أتمنّ علي برسول الله يا ابن عباس؟ قلت : نعم نمن عليك بمن لو كان منك بمنزلته منا لمننت به علينا.

قال ابن عباس : فأتيت عليا فأخبرته ، فقبّل بين عيني وقال : بأبي ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

وذكر جماعة وقعة الجمل ونكث طلحة والزبير البيعة وخروج عائشة من بيتها إلى البصرة وقتل جماعة من المسلمين في تلك الوقعة إلى أن عقر الجمل واصرت عائشة وأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام محمد بن أبي بكر أن يصحب أخته عائشة إلى دار أعدت لاستقبالها.

ثم سرّح علي عليه‌السلام عائشة وأرسل معها جماعة من النساء وأمر لها باثني عشر ألف من المال فارتحلت إلى المدينة. وسألت يومئذ أن يؤمن ابن أختها عبد الله بن الزبير فأمنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأمن مروان والوليد بن عقبة وولد عثمان وغيرهم من بني أمية وأمن الناس جميعا. وقتل في هذه المعركة طلحة والزبير اللذان أوقعا هذه الوقعة وخسرا من الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين.


وممن ذكر هذه الوقعة :

الشيخ محمد الخضري ابن الشيخ العفيفي الباجوري المفتش بوزارة الأوقاف في كتابه «إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء» (ص ١٧١ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر)

والشيخ خالد محمد خالد في كتابه «في رحاب علي عليه‌السلام» (ص ١١٨ ط دار المعارف بمصر ولبنان)

والشيخ محمد رضا في كتابه «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ١٢٧ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

والشيخ محمد الخضري الباجوري مذكور في كتابه «محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية» (ج ٢ ص ٤٩ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر)

والفاضل المعاصر عمر رضا كحالة في كتابه «المرأة في القديم والحديث» (ج ٦ ص ١٨٧ ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت)

والفاضل المعاصر أحمد عبد الغفور عطار في كتابه «عائشة» (ص ١٦١ ط مكة المكرمة)

والفاضل المعاصر عبد الخالق سيد أبو رابية المصري في كتابه «عمرو بن العاص بين يدي التاريخ» (ص ٣٠٩ ط الزهراء للإعلام العربي بالقاهرة)

والفاضل المعاصر علي إبراهيم حسن ـ أستاذ التاريخ الإسلامي في كتابه : «التاريخ الإسلامي العام» (ص ٢٦١ ط مكتبة النهضة المصرية)

وجماعة من الفضلاء في كتاب «علي بن أبي طالب ـ نظرة عصرية جديدة» (ص ٥٥ ط المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ بيروت)


والحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٥٣٢ ط مؤسسة الكتب الثقافية ـ دار الفكر بيروت)

والشريف علي فكرى مصري في كتابه «السمير المهذب» (ج ٢ ص ٢٢٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

والفاضل حسن كامل الملطاوي في كتابه «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القرآن» (ص ٣٤٠ ط دار المعارف بالقاهرة)

والشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه «مختصر سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (ص ٢١٥ ط دار القلم ـ بيروت)

والفاضل المعاصر الدكتور السيد عبد العزيز سالم ـ في كتابه «تاريخ الدولة العربية منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الدولة الأموية» (ص ٣٠٤ ط مؤسسة شباب الجامعة)

والشيخ أبو الجود البتروني الحنفي في كتابه «الكوكب المضيء في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي» (ق ٦٢ مخطوط)


مستدرك

ما صدر من شجاعته عليه‌السلام يوم صفين

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٣٩٧ وج ١٨ ص ١١١ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٤٩ ط دار الفكر) قال :

وعن ابن عباس قال : عقم النساء أن يأتين بمثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، والله ما رأيت ، ولا سمعت رئيسا يوزن به. لرأيته يوم صفين ، وعلى رأسه عمامة بيضاء ، قد أرخى طرفيها ، كأن عينيه سراجا سليط ، وهو يقف على شرذمة شرذمة يحضّهم ويحمشهم حتى انتهى إلي ، وأنا في كثف من الناس فقال : معاشر المسلمين ، استشعروا الخشية ، وغضوا الأصوات ، وتجلببوا السكينة ـ زاد في رواية : وأكملوا اللؤم ، وأخفوا الجنن ـ وأعملوا الأسنة ، وأقلقوا السيوف في الأغماد ، قبل السلّة ، واطعنوا الوخز ، ونافحوا بالظبا ، وصلوا السيوف بالخطا ، والنبال بالرماح ، فإنكم بعين الله ، ومع ابن عم نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعاودوا الكرّ واستحيوا من الفر ، فإنه عار


باق في الأعقاب والأعناق ونار يوم الحساب ، وطيبوا عن أنفسكم أنفسا ، وامشوا إلى الموت سجحا ، وعليكم بهذا السواد الأعظم ، والرّواق المطنّب فاضربوا ثبجه ، فإن الشيطان راكب صعبه ، ومفرش ذراعيه ، قد قدّم للوثبة يدا ، وأخّر للنكوص رجلا ، فصمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الدين (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ).

قوله : سراجا سليط السليط : الزيت ، وهو عند قوم دهن السمسم. وقوله : يحمشهم أي يغضبهم ، وأحمشت النار إذا ألهبتها. والكثف الجماعة ، ومنه التكاثف والحشد نحوه. وقوله : وغضوا الأصوات ـ وفي رواية ، وعنوا الأصوات ـ إن كان بفتح العين وتشديد النون فإنه أراد احبسوها واخفوها ، نهاهم عن اللّغط ، والتعنية ، الحبس ، ومنه قيل للأسير : عان ، واللؤم جمع لأمة على غير قياس ، واللامة : الدرع ، والجنن الترسة ، يقول : اجعلوها خفافا. وأقلقوا السيوف في الغمد يريد : سهلوا سلها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك لئلا يعسر عليكم عند الحاجة إليها. والظبا جمع ظبة السيف : أي حدّة ، وقوله : وصلوا السيوف بالخطا يقول : إذا قصرت عن الضرائب تقدمتم وأسرعتم حتى تلحقوا. وقوله والرماح بالنبل يريد : إذا قصرت الرماح ببعد من تريد أن تطعنه منك رميته بالنبل. وقوله : امشوا إلى الموت مشية سجحا أو سجحا أي سهلة ، لا تنكلوا ، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فأسجح ، أي سهل. ويقال : خدّ أسجح أي سهل. وقوله : عليكم الرواق المطنب يعني : رواق البيت المشدود بالأطناب ، وهي حبال تشد به ، وهذا مثل قول عائشة : ضرب الشيطان روقه ومد طنبه ، وقوله : قد قدّم للوثبة يدا وأخر للنكوص رجلا ، وهو مثل قوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) إلى قوله (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) أي رجع على عقبيه ، وأراد على أنه قد قدم يدا ليثب إن رأى فرصة ، وإن رأى الأمر على ما هو معه نكص رجلا ، وقوله في رواية : والحظوا الشزر ، هو النظر بمؤخر العين نظر العدو والمبغض. يقول : الحظوهم شزرا ، ولا تنظروا إليهم نظرا يبين لهم ، فإن ذلك أهيب


لكم في صدورهم.

وقال أيضا في ج ١٩ ص ١٩٨ في ترجمة عمرو بن حصين السكسكي :

ويقال السكوني ، من شجعان أصحاب معاوية من فرسان أهل الشام الذين شهدوا واقعة صفين.

عن تميم بن حذلم ، قال : خرج حريث مولى معاوية يومئذ ، وكان شديدا ذا بأس ، فقال : أهاهنا علي؟ هل لك يا علي في المبارزة؟ أقدم إذا شئت أبا حسن. فأقبل علي نحوه وهو يقول : [من الرجز]

أنا علي وابن عبد المطلب

نحن لعمر الله أولى بالكتب

أهل اللواء والمقام والحجب

منا النبي المصطفى غير كذب

نحن نصرناه على جل العرب

يا أيها العبد العزيز المنتدب

أثبت لنا يا أيها الكلب الكلب

ثم التقيا فبدأه علي فقتله.

فلما قتل حريثا نهد إليه عمرو بن الحصين السكسكي ، فقال : يا أبا الحسن ، هلم إلى المبارزة. فشد على علي ، فأثنى عليه علي وهو يقول : [من الرجز]

ما علتي وأنا جلد صارم

وعن يميني مذحج القماقم

وعن يساري وائل الخضارم

والقلب مني مضر الجماجم

أقسمت بالله العلي العالم

لا أنثني إلا بردّ الراغم

فحمل عليه عمرو ليضربه بالسيف ، وبذره سعيد بن قيس فطعنه بالرمح فدق صلبه.

فقام علي بين الصفين فنادى : ويلك يا معاوية ، أبرز إلي ، علام نضرب بعض الناس ببعض؟ فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص فقال له : ما ترى يا أبا عبد الله؟ فقال له عمرو : قد أنصفك الرجل ، واعلم أنك إن نكلت عنه لم تزل سبة عليك وعلى عقبك [ما بقي عربي]. فقال له معاوية : يا ابن العاص ، أمثلي يخدع عن نفسه؟ والله ما بارز ابن أبي طالب رجلا إلا سقى الأرض من دمه.


ومنهم الفاضل المعاصر يوسف المرعشلي في كتابه «فهرس تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» (ص ٩٠ ط دار المعرفة ـ بيروت) قال :

إن عليا قتل ليلة هرير ألفا وخمسمائة.

ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٥٩ نسخة مكتبة جستربيتي)

فذكر قصة صفين وشجاعة أمير المؤمنين وسماحته وعفوه وما وقع فيها.

ومنهم المحدث الحافظ أبو عثمان سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني المكي في «السنن» (ج ٣ ق ٢ ص ٣٣٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

حدثنا سعيد قال : نا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي فاختة قال : أخبرني جار لي قال : أتيت عليا يوم صفين بأسير فقال له : لا تقتلني فقال : لا أقتلك صبرا إني أخاف الله رب العالمين ، أفيك خير تبايع؟ فقال : نعم ، فقال : للذي جاء به : لك سلاحه.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٣٨ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما ـ وقد سأله رجل : أكان علي مباشر القتال يوم صفين؟ ـ فقال : والله ما رأيت رجلا أطرح لنفسه في متلف من علي ، ولقد كنت أراه يخرج حاسر الرأس بيده السيف إلى الرجل الدارع فيقتله.

وعن صعصعة بن صوحان قال : خرج يوما رجل من أصحاب معاوية يقال له كرز ابن الصباح الحميري فوقف بين الصفين وقال : من يبارز؟ فخرج إليه رجل من


أصحاب علي فقتله ثم قال : من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الأول ثم قال : من يبارز؟ فخرج إليه الثالث فقتله وألقاه على الآخرين وقال : من يبارز؟ فأحجم الناس عنه فخرج إليه علي رضي‌الله‌عنه على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البيضاء فشقّ الصفوف فلما اتصل منها نزل عن البغلة وسعى إليه فقتله وقال : من يبارز؟ فخرج إليه رجل فقتله فخرج ثان فقتله ووضعه على الأول ثم قال : من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله وألقاه على الآخرين وقال : من يبارز؟ فخرج إليه آخر فقتله ووضعه على الثلاثة وقال : أيها الناس إن الله يقول : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) وإن لم تبدوا بهذا لما بدأنا ثم رجع إلى مكانه.

وقال أيضا في ق ٧٨ :

وقال أبو الحسن : كان علي بن أبي طالب يخرج كل غداة بصفين في سرعان الخيل فيقف بين الصفين ويقول : يا معاوية علام تقتل الناس؟ ابرز إلىّ وأبرز إليك فيكون الأمر لمن غلب ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية : أنصفك الرجل ، فقال معاوية : أردتها والله يا عمرو ، والله لا رضيت عنك حتى تبارز عليا ، فبرز إليه متنكرا فلما أغشاه علي بالسيف رمى بنفسه وأبدى له عورته فصرف علي وجهه عنه وانصرف عمرو. قال : فجلس يوما مع معاوية فلما نظر إليه ضحك فقال له عمرو : ممن تضحك أضحك الله سنّك قال : من حضور ذهنك يوم بارزت عليا إذ اتقيته بعورتك أما والله لقد صادفته كريما منّانا ولو لا ذلك لحرم رفعتك بالرمح ، فقال له عمرو : والله إني عن يمينك إذ دعاك إلى البراز فاحولت عيناك وريا سحرك وبدا منك ما أكره ذلك لك وأنت أعلم به.

إلى أن قال في ق ٨٥ :

قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه‌الله تعالى : قال رسول الله صلّى الله


عليه وسلم : لا تقوم حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما فتنة عظيمة دعواهما واحدة والصحيح أن عليا قاتلهم وهو على الحق وهم على الباطل.

إلى أن قال :

وكان علي رضي‌الله‌عنه يباشر الحرب بنفسه ويده فإذا وقف علي يوم وقفة يعترضهم بها وسيفه معلو بيده اليسرى وهو يقول :

دبّوا دبيب النمل لا تفوتوا

وأصبحوا بحربكم تبوتوا

حتى تنالوا الفوز أو تموتوا

ليس لكم ما شئتم وشئت

بل ما يريد المحيي المميت

ثم يضرب بسيفه حتى يثنى ويقول تحت العجاج إذا حمى الضرب : من أي يوم من الموت أفر أيوم لم يقدر ويوم قد قدر ، وقد سمع صوته تحت العجاج وهو يقرأ : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ).

إلى أن قال :

وقال أبو محمد بن عبد الله بن مسلم في حديث ابن عباس : ما رأيت والله رجلا من الناس يزن علي بن أبي طالب وعقم النساء أن يأتين بمثله ، والله ما رأيت ولا سمعت بمن يوازنه لقد رأيته في يوم صفين وعلى رأسه عمامة بيضاء وكأن عيناه سراجا سليط وهو بين أصحابه يقف على شرذمه يحرضهم حتى انتهى إلي وأنا في كثف من الناس فقال : يا معشر المسلمين استشعروا الخشية وغضّوا الأصوات وتجلببوا السكينة وأطعنوا الوحد ونافحوا بالصبي وصلوا السّيوف بالخطى والرماح بالنبل فإنكم بعين الله ومع ابن عم نبيه ، عادوا الكرّ واعملوا الأسنة واقلقوا السيوف في الأغماد قبل السلة والخطو السرر واستحيوا من الفرار فإنه عار باق في الأعقاب ونار في الحساب وطيبوا عن أنفسكم نفسا وامشوا إلى الموت سجحا وعليكم بالسواد الأعظم والرواق المطنّب فاضربوا ثبجه فإن الشيطان راكب صعبه مفترش


ذراعيه قد قدم الوثبة وأخر النكوص (خ. ل : للنكوص) فصبرا حتى يتجلى لكم صبح اليقين وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.

ومنهم العلامة الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي المشتهر بابن الجوزي المولود ببغداد سنة ٥١٠ والمتوفى بها سنة ٥٩٧ في «غريب الحديث» (ج ٢ ص ٤٧٦ ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٥) قال :

أوعب الأنصار مع علي إلى صفين. أي : لم يتخلف عنه أحد منهم.


مستدرك

قتل مع علي عليه‌السلام بصفين من البدريين

خمسة وعشرون بدريا

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٤٠٣ ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٥٤٣ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

وقال ثوير بن أبي فاختة ، عن أبيه قال : قتل مع علي بصفين خمسة وعشرون بدريا.

وقال في ص ٥٤٥ :

وقال خليفة : شهد مع علي من البدريين عمار بن ياسر ، وسهل بن حنيف ، وخوات بن جبير ، وأبو سعد الساعدي ، وأبو اليسر ، ورفاعة بن رافع الأنصاري ،


وأبو أيوب الأنصاري بخلف فيه ، قال : وشهد معه من الصحابة ممن لم يشهد بدرا : خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وأبو قتادة ، وسهل بن سعد الساعدي ، وقرظة بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس ، والحسن ، والحسين ، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وأبو مسعود عقبة بن عمرو ، وأبو عياش الزرقي ، وعدي بن حاتم ، والأشعث بن قيس ، وسليمان بن صرد ، وجندب بن عبد الله ، وجارية بن قدامة السعدي.

وقال عبد السلام بن حرب ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن جعفر أظنّه ابن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي ، عن أبيه قال : شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان ، قتل منهم ثلاثة وستون رجلا ، منهم عمار.

وقال في ص ٥٤٢ :

قال عمرو بن صرة ، عن عبد الله بن سلمة قال : رأيت عمار بن ياسر بصفين ورأى راية معاوية فقال : إن هذه قاتلت بها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربع مرات. ثم قاتل حتى قتل.

ومنهم العلامة المعاصر السيد أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود الآلوسي الحسيني البغدادي المتوفى سنة ١٣٤٢ في «تاريخ نجد» (ص ٦٢ ط القاهرة سنة ١٣٤٧) قال :

اعلم أنه لما اشتدّ القتال يوم صفين قال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان : هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ، ولا يزيدهم إلا فرقة؟ قال : نعم ، قال : نرفع المصاحف ثم نقول : لما فيها هذا حكم بيننا وبينكم ، فإن أبى بعضهم أن يقبلها رأيت فيهم من يقول : ينبغي لنا أن نقبلها فتكون فرقة فيهم ، فإن قبلوا رفعت القتال عنا إلى أجل. فرفعوا المصاحف بالرماح ، وقالوا : هذا كتاب الله عزوجل بيننا


وبينكم من لثغور الشام بعد أهله؟ من لثغور العراق بعد أهله؟ فلما رآها الناس قالوا : نجيب إلى كتاب الله. فقال لهم علي : عباد الله! امضوا على حقكم وصدقكم فإنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن أنا أعلم بهم منكم ، والله ما رفعوها إلا خديعة ووهنا ومكيدة. قالوا : لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله.

فقال لهم علي : [فإني] إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم الكتاب فإنهم قد عصوا الله ونسوا عهده [ونبذوا كتابه]. فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة من القرى : يا علي ، أجب إلى كتاب الله عزوجل إذا دعيت إليه ، وإلا دفعناك برمتك إلى القوم ، أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفّان.

فلم يزالوا به حتى نهى الناس عن القتال ، ووقع السباب بينهم وبين الأشتر وغيره ممن يرى عدم التحكيم. فقال الناس : قد قبلنا أن نجعل القرآن بيننا وبينهم حكما فجاء الأشعث بن قيس إلى علي فقال : إن الناس قد رضوا بما دعوهم إليه من حكم القرآن إن شئت أتيت معاوية. قال علي : ائته. فأتاه فسأله : لأي شيء رفعوا المصاحف؟ قال : لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر الله به في كتابه ، تبعثون رجلا ترضون به ونبعث رجلا نرضى به فنأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله تعالى لا يعدوانه. فعاد إلى علي فأخبره ، فقال الناس : قد رضينا ، [ف] قال أهل الشام : رضينا عمرو بن العاص ، وقال الأشعث وأولئك القوم الذين صاروا خوارج : رضينا بأبي موسى الأشعري.

فراودهم علي على غيره وأراد ابن عباس. [ف] قالوا : والله ما نبالي أنت كنت حكمها أم ابن عباس ولا نرضى إلا رجلا [هو] منك ومن معاوية سواء ، وألحوا في ذلك وأبوا غير أبي موسى ، فوافقهم علي كرها ، وكتب كتاب التحكيم.

فلما قرئ على الناس سمعه عروة بن أمية أخو أبي بلال [ف] قال : تحكمون في أمر الله الرجال لا حكم إلا لله ، وشد بسيفه فضرب دابة من قرأ الكتاب.


مستدرك

شجاعته عليه‌السلام يوم النهروان

قد مر نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٩٠ و ٩٤ وج ٨ ص ٤٧٥ وج ١٨ ص ١٢٦ ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٦١ خ) قال: قال الصلاح الصفدي : وذكر المؤرخون أن عليا رضي‌الله‌عنه قتل من الخوارج يوم النهروان ألف نفس ، وكان يدخل فيضرب بسيفه حتى ينثني ويخرج ويقول : لا تلوموني ولوموا هذا ، ويقومه بعد ذلك.

الخوارج والأخبار الواردة فيهم

عن النبي والوصي صلوات الله عليهما ، وحرب النهروان

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم (١):

__________________

(١) قال الشيخ عبد القادر الجيلاني المولود سنة ٤٧٠ والمتوفى ٥٦١ في «الغنية لطالبي طريق الحق عزوجل» (ص ٣٩٥ ط بغداد) :

وأما الخوارج فلهم أسام وألقاب ، سموا الخوارج لخروجهم على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وسموا محكّمة لإنكارهم الحكمين أبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص رضي‌الله‌عنهم ، ولقولهم : لا حكم إلا لله ، لا حكم الحكمين.

وسموا أيضا حرورية ، لأنهم نزول بحروراء ، وهو موضع.


__________________

وسموا شراة ، لقولهم شرينا أنفسنا في الله : أي بعناها بثواب الله وبرضاه الجنة.

وسموا مارقة ، لمروقهم من الدين ، وقد وصفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه.

فهم الذين مرقوا من الدين والإسلام ، وفارقوا الملة وشردوا عنها وعن الجماعة ، وضلوا عن سواء الهدى والسبيل وخرجوا على السلطان ، وسلوا السيف على الأئمة ، واستحلوا دماءهم وأموالهم ، وكفروا من خالفهم ، ويسبون أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصهاره ، ويتبرءون منهم ويرمونهم بالكفر والعظائم ، ويرون خلافهم ، ولا يؤمنون بعذاب القبر ولا الحوض ولا الشفاعة ، ولا يخرجون أحدا من النار ، ويقولون : من كذب كذبة أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات من غير توبة فهو كافر وفي النار مخلّد.

ولا يرون الجماعة إلا خلف إمامهم ، ويرون تأخير الصلاة عن وقتها والصوم قبل رؤية الهلال ، والفطر مثل ذلك ، والنكاح بغير ولي.

ويرون المتعة والدرهم بالدرهمين يدا بيد حلالا ، ولا يرون الصلاة في الخفاف ولا المسح عليها ولا طاعة السلطان ولا خلافة قريش.

وأكثر ما يكون الخوارج بالجزيرة وعمان والموصل وحضرموت ونواحي المغرب.

والذي وضع لهم الكتب وصنفها عبد الله بن زيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل وسعيد بن هارون ، فهم خمس عشرة فرقة :

١ ـ منهم النجدات نسبوا إلى النجدة بن عامر الحنفي ، من اليمامة وتميم ، وهم أصحاب عبد الله بن ناصر.

ذهبوا إلى أن من كذب كذبة أو أتى صغيرة وأصر عليها فهو مشرك ، وإن زنى وسرق وشرب الخمر من غير أن يصر عليها فهو مسلم ، وأنه لا يحتاج إلى إمام إنما الواجب العلم بكتاب الله فحسب.

٢ ـ ومنهم الأزارقة وهم أصحاب نافع بن الأزرق ذهبوا إلى أن كل كبيرة كفر وأن


__________________

الدار دار كفر ، وأن أبا موسى وعمرو بن العاص رضي‌الله‌عنهما كفرا بالله حين حكمهما علي رضي‌الله‌عنه بينه وبين معاوية رضي‌الله‌عنه في النظر في الأصلح للرعية ، ويرون أيضا قتل الأطفال ، يعني أولاد المشركين ، ويحرمون الرجم ، ولا يحدون قاذف المحصن ، ويحدون قاذف المحصنات.

٣ ـ ومنهم الفدكية منسوبة إلى ابن فديك.

٤ ـ ومنهم العطوية منسوبة إلى عطية بن الأسود.

٥ ـ ومنهم العجاردة وهم فرق كثير.

٦ ـ ومنهم اليمونية جميعا ، يجيزون بنات البنين وبنات البنات وبنات الإخوة وبنات الأخوات ، ويقولون إن سورة يوسف ليست من القرآن.

٧ ـ ومنهم الخازمية تفردت بأن الولاية والعداوة صفتان في ذاته تعالى ، وتشعبت الخازمية من المعلومية ذهبت إلى أن من لم يعلم الله بأسمائه فهو جاهل ، ونفوا أن تكون الأفعال خلقا لله تعالى ، وأن تكون الاستطاعة مع الفعل.

ومن أصل الخمس عشرة :

٨ ـ المجهولية : وهي تقول إن من علم الله ببعض أسمائه فهو عالم به غير جاهل.

٩ ـ ومنهم الصلتية ، وهي منسوبة إلى عثمان بن الصلت ، وادعت أن من استجاب لنا وأسلم وله طفل فليس له إسلام حتى يدرك ، ويدعوه فإن أبى فيقتله.

١٠ ـ ومنهم الأخنسية ، منسوبة إلى رجل يقال له الأخنس ذهبوا إلى أن السيد يأخذ من زكاة عبده ويعطيه من زكاته إذا احتاج وافتقر.

١١ ـ ومنهم الصفرية والحفصية طائفة متشعبة منها يزعمون أن من عرف الله وكفر بما سواه من رسول وجنة ونار ، وفعل سائر الجنايات من قتل النفس ، واستحلال الزنا فهو بريء من الشرك ، وإنما يشرك من جهل الله وأنكره فحسب.

١٢ ـ ومنهم الأباضية زعموا أن جميع ما افترضه الله تعالى على خلقه إيمان ، وأن كل كبيرة فهو كفر نعمة لا كفر شرك.

١٣ ـ ومنهم البيهسية منسوبة إلى أبي بيهس ، تفردوا فزعموا أن الرجل لا يكون


فمنهم العلامة المعاصر السيد أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن شهاب الدين محمود الآلوسي الحسيني البغدادي المتوفى سنة ١٣٤٢ في «تاريخ نجد» (ص ٦٢ ط القاهرة سنة ١٣٤٧)

قال بعد ذكر رفع المصاحف على الرماح والدعوة إلى حكم كتاب الله بين الفرقتين : وكان ذلك بدسيسة عمرو بن العاص وخديعته ومكيدته الشيطانية ، فقال لهم علي عليه‌السلام : فإني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم الكتاب فإنهم قد عصوا الله ونسوا عهده ونبذوا كتابه ، فقال جماعة من عسكره : يا علي ، أجب إلى كتاب الله إذا دعيت إليه وإلا دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلناه بابن عفان. وأراد علي عليه‌السلام ابن عباس للتحكيم. فقال أولئك الذين اجبروه إلى التحكيم : ولا نرضى إلا رجلا هو منك ومن معاوية سواء وهو أبو موسى الأشعري. فوافقهم علي عليه‌السلام كرها. فلما قرئ على الناس كتاب التحكيم قال عروة بن أمية [أدية ـ وهي أمه وهو ممن اشتهر بالنسبة لغير أبيه ـ] أخو أبي بلال فقال : تحكمون في أمر الله الرجال لا حكم إلا لله ، وشدّ بسيفه فضرب دابة من قرأ الكتاب.

__________________

مسلما حتى يعلم جميع ما أحل الله له وحرم عليه بعينه ونفسه. ومن البيهسية من يقول : كل من واقع ذنبا حراما عليه ليس يكفر حتى يرفع إلى السلطان فيحده عليه ، فحينئذ يحكم بالكفر.

١٤ ـ ومنهم الشمراخية منسوبة إلى عبد الله بن الشمراخ زعم أن قتل الأبوين حلال. وكان حين ادعى ذلك في دار التقية ، فتبرأت منه الخوارج بذلك.

١٥ ـ ومنهم البدعية قولها كقول الأزارقة ، وتفردت بأن الصلاة ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي ، لقول الله عزوجل : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ، ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ). (هود ١١٤).

واتفقت مع الأزارقة على جواز سبي النساء وقتل الأطفال من الكفار مغتالا لقوله تعالى : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (نوح ٢٦).


وكان ذلك أول ما ظهرت الحرورية الخوارج ، وفشت العداوة بينهم وبين عسكر علي ، وقطعوا الطريق في إيابهم بالتشاتم والتضارب بالسياط ، تقول الخوارج : يا أعداء الله داهنتم في دين الله. ويقول الآخرون : فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا. ولم يزالوا كذلك حتى قدموا العراق ، فقال بعض الناس من المختلفين : ما صنع علي شيئا [ذهب] ثم انصرف بغير شيء ، فسمعها علي ، فقال : وجوه قوم ما رأوا الشام ، ثم أنشد :

أخوك الذي إن أجرضتك ملمة

من الدهر لم يبرح لبثك واجما

وليس أخوك بالذي إن تشعبت

عليك الأمور ظل يلحاك لائما

فلما دخل الكوفة دخلت الخوارج إلى حروراء فنزل بها اثنا عشر ألفا ـ على ما ذكره ابن جرير ـ ونادى مناديهم : إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي ، وأمير الصلاة عبد الله بن الكواء اليشكري ، والأمر شورى بعد الفتح ، والبيعة لله عزوجل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فلما سمع علي ذاك وأصحابه قامت إليه الشيعة فقالوا له : في أعناقنا بيعة ثانية نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت. قالت لهم الخوارج : استبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان : أهل الشام بايعوا معاوية على ما أحب ، وأنتم بايعتم عليا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى ، يريدون أن البيعة لا تكون إلا على كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأن الطاعة له تعالى. فقال لهم زياد بن النضر : والله ما بسط علي يده فبايعناه قطّ إلا على كتاب الله وسنة رسوله ، ولكنكم لما خالفتموه جاءت شيعته فقالوا : نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت ، ونحن كذلك ، وهو على الحق والهدى ومن خالفه ضالّ مضلّ.

وبعث علي كرم الله وجهه عبد الله بن عباس إلى الخوارج [وقال له : لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك] فخرج إليهم فأقبلوا يكلمونه فقال : نقمتم من الحكمين وقد قال تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) الآية ،


فكيف بأمة محمد صلّى الله تعالى عليه وسلم [ف] قالوا له : ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم ، وما حكم فأمضى فليس للعباد أن ينظروا فيه [حكم] في الزاني مائة جلدة ، وفي السارق القطع ، فليس للعباد أن ينظروا في هذا.

قال ابن عباس : فإن الله تعالى يقول : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) قالوا : [أو] تجعل الحكم في الصيد والحرث ، وبين المرأة وزوجها ، كالحكم في دماء المسلمين؟ وقالوا له : أعدل عندك عمرو بن العاص وهو بالأمس يقاتلنا؟ فإن كان عدلا فلسنا بعدول وقد حكمتم في أمر الله الرجال ، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يرجعوا ، وقد كتبتم بينكم وبينهم كتابا ، وجعلتم بينكم وبينهم الموادعة ، وقد قطع الله الموادعة بين المسلمين وأهل الحرب منذ نزلت براءة إلا من أقرّ بالجزية. فجاء علي وابن عباس يخاصمهم فقال : إني نهيتك عن كلامهم حتى آتيك.

ثم تكلم رضي الله تعالى عنه فقال : اللهم هذا مقام من يفلج فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة. وقال لهم : من زعيمكم؟ قالوا : ابن الكواء. فقال : فما أخرجكم علينا ، قالوا : حكومتك يوم صفين. قال : أشهدكم الله أتعلمون أنهم حين رفعوا المصاحف ، وملتم بجنبهم ، قلت لكم إني أعلم بالقوم منكم ، إنهم ليسوا بأصحاب دين وذكرهم مقالته. ثم قال : وقد اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن ، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف وإن أبيا فنحن من حكمهما براء. قالوا : فخبرنا أتراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء؟ قال : إنا لسنا حكمنا الرجال ، إنما حكمنا القرآن ، إنما هو خط مسطور بين دفتين [لا ينطق] وإنما يتكلم به الرجال. قالوا : فخبرنا عن الأجل لم جعلته بينكم؟ قال : ليعلم الجاهل ، ويثبت العالم ، ولعل الله عزوجل يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة فادخلوا مصركم رحمكم الله ، فدخلوا من عند آخرهم.

فلما جاء الأجل ، وأراد علي أن يبعث أبا موسى للحكومة ، أتاه رجلان من


الخوارج : زرعة بن المرح الطائي ، وحرقوص بن زهير السعدي ، وقالا له : لا حكم إلا لله [فقال علي : لا حكم إلا لله]. فقالا له : تب من خطيئتك ، وارجع عن قضيتك ، واخرج بنا إلى عدونا نقاتله حتى نلقى ربنا. فقال علي : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني [و] قد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا ، وشرطنا شروطا ، وأعطينا عهودا ، وقد قال الله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) فقال حرقوص : ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه! [ف] قال علي : ما هو ذنب ، ولكنه عجز من الرأي وقد نهيتكم عنه.

[ف] قال زرعة : يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك أطلب وجه الله. فقال له علي : بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفى عليك الرياح. قال : وددت لو كان ذلك ، وخرجا من عنده يقولان : لا حكم إلا لله. وخطب علي ذات يوم فقالوها في جوانب المسجد ، فقال علي : الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل. فوثب يزيد بن عاصم المحاربي فقال : الحمد لله غير مودّع ربنا ، ولا مستغن عنه ، اللهم إنا نعوذ بك من إعطاء الدنيئة في ديننا ، فإنّ إعطاء الدنيئة في الدين إدهان في أمر الله وذلّ راجع بأهله [إلى سخط الله]. يا علي ، أبالقتل تخوفنا؟ أما والله إني لأرجو أن نضربكم بها عما قليل غير مصفحات ثم لتعلم أينا أولى بها صليا.

وخطب علي يوما آخر ، فقال رجال في المسجد : لا حكم إلا لله ، يريدون بهذا إنكار المنكر على زعمهم فقال علي : الله أكبر كلمة حق أريد بها باطل! أما إن لكم علينا ثلاثا ما صحبتمونا : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا ، وإن ننتظر فيكم أمر الله. ثم عاد إلى مكانه من الخطبة.

ثم إن الخوارج لقي بعضهم بعضا واجتمعوا في منزل عبد الله بن وهب الراسبي ، فخطبهم وزهدهم في الدنيا وأمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ثم قال : اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كهوف الجبال أو إلى بعض هذه


المدائن ، منكرين لهذه البدع المضلة. فقال حرقوص بن زهير : إن المتاع في هذه الدنيا قليل وإن الفراق لها وشيك فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها ، ولا تلفتنكم عن طلب الحق ، وإنكار الظلم ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

فقال حمزة بن سنان الأسدي : يا قوم إن الرأي ما رأيتم [ف] ولوا أمركم رجلا منكم فإنه لا بد لكم من عماد وسناد ، وراية تحفون بها وترجعون إليها. فعرضوا ولايتهم على زيد بن حصين الطائي فأبى ، وعلى حرقوص بن زهير فأبى ، وعلى حمزة ابن سنان وشريح بن أوفى العبسي فأبيا ، ثم عرضوها على عبد الله بن وهب فقال : هاتوها ، أما والله لا آخذها رغبة في الدنيا ، ولا أدعها فرارا من الموت. فبايعوه لعشرة خلون من شوال فكان يقال له ذو الثفنات.

فاجتمعوا في منزل شريح بن أوفى العبسي فقال ابن وهب : أشخصوا بنا إلى بلدة مجتمع فيها وننفذ حكم الله فإنكم أهل الحق. قال شريح : نخرج إلى المدائن فننزلها ، ونأخذ بأبوابها ونخرج منها سكانها ونبعث إلى إخواننا أهل البصرة فيقدمون علينا. فقال زيد بن حصين : إنكم إن خرجتم مجتمعين تبعوكم ولكن اخرجوا وحدانا ومستخفين ، فأما المدائن فإن بها من يمنعكم ولا تسيروا حتى تنزلوا بجسر النهروان وتكلموا إخوانكم من أهل البصرة. قالوا : هذه الرأي ، فكتب عبد الله بن وهب إلى من بالبصرة ليعلمهم ما اجتمعوا عليه ويحثهم على اللحاق فأجابوه.

فلما خرجوا صار شريح بن أوفى العبسي يتلو قوله تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) وخرج معهم طرفة بن عدي إلى عامل علي بالمدينة يحذره فحذر وضبط الأبواب واستخلف عليها المختار بن أبي عبيد وخرج بالخيل في طلبهم فأخبر به ابن وهب فسار على بغداد ولحقه ابن مسعود أمير المدائن بالكرخ في خمسمائة فارس فانصرف إليه ابن وهب الخارجي في ثلاثين فارسا له فاقتتلوا ساعة ، وامتنع القوم منهم ، فلما جن الليلة على ابن وهب عبر دجلة ، وصار إلى النهروان ، ووصل إلى أصحابه ، وتفلت رجال من أهل الكوفة يريدون الخوارج فردّهم أهلوهم.


ولما خرجت الخوارج من الكوفة عاد أصحاب علي وشيعته إليه فقالوا : نحن أولياء من واليت ، وأعداء من عاديت ، فشرط لهم سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فجاء ربيعة بن أبي شداد الخثعمي فقال : أبايع على سنة أبي بكر وعمر. قال علي : ويلك لو أن أبا بكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنة رسوله لم يكونا على بيّنة من الحق. فبايعه ونظر إليه علي فقال : ما والله لكأنى بك وقد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت ، وكأنى بك وقد وطأتك الخيل بحوافرها. فكان ذلك وقتل يوم النهروان مع الخوارج.

وأما خوارج البصرة فإنهم اجتمعوا في خمسمائة رجل ، وجعلوا عليهم مسعر ابن فدكي التميمي وعلم بهم ابن عباس فأتبعهم أبا الأسود الدؤلي ولحقهم بالجسر الأكبر فتوافقوا حتى حجز دونهم ، وأدلج مسعر بأصحابه وسار حتى لحق بابن وهب ، فلما انقضى أمر التحكيم وخدع عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري ، وصرح عمرو بولاية معاوية بعد أن عزل أبو موسى عليا ، خدعه عمرو بذلك فهرب أبو موسى إلى مكة ، قام علي في الكوفة فخطبهم وقال في خطبته :

الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح ، والحدثان الجليل. وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. أما بعد : فإن المعصية تورث الحسرة ، وتعقب الندم ، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين ، يعني أبا موسى وعمرو بن العاص وفي هذه الحكومة أمري ، ونحلتكم رأيي لو كان لقصير رأي ولكن أبيتم إلا ما أردتم فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن :

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد

إلا أن هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه ، بغير هدى من الله ، فحكما بغير حجة بينة ، ولا سنة قاضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، فاستعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام.


وكتب للخوارج :

من عبد الله علي أمير المؤمنين ، إلى زيد بن حصين وعبد الله بن وهب ومن معهما من الناس. أما بعد ، فإن هذين الرجلين اللذين ارتضيتما حكمين قد خالفا كتاب الله ، واتبعا أهواءهما بغير هدى من الله ، فلم يعملا بالسنة ولن ينفذا للقرآن حكما ، فبرئ الله منهما ورسوله والمؤمنون ، فإذا بلغكم كتابي هذا فاقبلوا إلينا فإنا سائرون إلى عدونا وعدوكم ونحن على الأمر الأول الذي كنا عليه.

فكتبوا إليه : أما بعد فإنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك ، فإن شهدت على نفسك بالكفر ، واستقبلت التوبة ، نظرنا فيما بيننا وبينك ، وإلا فقد نابذناك على سواء.

إن الله لا يحب الخائنين.

فلما قرأ كتابهم أيس منهم ، ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى قتال أهل الشام. فقام في الكوفة فندبهم إلى الخروج معه ، وخرج معه أربعون ألف مقاتل ، وسبعة عشر من الأبناء ، وثمانية آلاف من الموالي والعبيد. وأما أهل البصرة فتثاقلوا ، ولم يخرج منهم إلا ثلاثة آلاف ، وبلغ عليا أن الناس يرون قتال الخوارج أهمّ وأولى. قال لهم علي : دعوا هؤلاء ، وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبارين ملوكا ، ويتخذوا عباد الله خولا. فناداه الناس : أن سر بنا يا أمير المؤمنين حيث أحببت.

ثم إن الخوارج استعر أمرهم ، وبدءوا بسفك الدماء ، وأخذ الأموال وقتلوا عبد الله ابن خباب صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجدوه سائرا بامرأته على حمار فانتهروه وأفزعوه ، ثم قالوا له : من أنت؟ فأخبرهم. قالوا : حدثنا عن أبيك خبّاب حديثا سمعه من رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم تنفعنا به. فقال : حدثني أبي عن رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم قال : إنه ستكون فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه ، يمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا. قالوا : لهذا سألناك ، فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرا. فقالوا : ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ قال : إنه كان محقا في أولها وآخرها. قالوا : فما تقول


في علي قبل التحكيم وبعده؟ قال : أقول إنه أعلم بالله منكم ، وأشد توقيا على دينه ، وأنفد بصيرة. فقالوا : إنك تتبع الهوى ، وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها ، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحدا ، فأخذوه وكتفوه.

ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى [متم] فنزلوا تحت نخل مثمر فسقطت منه رطبة فأخذها أحدهم فتركها في فيه ، وقال آخر : أخذتها بغير حلها ، وبغير ثمن ، فألقاها. ثمّ مرّ بهم خنزير فضربه أحدهم بسيفه فقالوا له : هذا فساد في الأرض ، فلقي صاحب الخنزير ـ وهو من أهل الذمة ـ فأرضاه.

فلما رأى ذلك ابن خباب قال : لئن كنتم صادقين فيما أرى فما علي من بأس ما أحدثت في الإسلام حدثا ولقد أمنتموني فأضجعوه وذبحوه وأقبلوا إلى المرأة فقالت : أنا امرأة ألا تتقون الله؟ فبقروا بطنها وقتلوا أم سنان الصيداوية ، وثلاثا من النساء. فلما بلغ ذلك عليا بعث الحارث بن مرة العبدي يأتيه بالخبر ، فلما دنا منهم قتلوه. فألح الناس على علي في قتالهم وقالوا : نخشى أن يخلفونا في عيالنا وأموالنا فسر بنا إليهم. وكلمه الأشعث بمثل ذلك واجتمع الرأي على حربهم ، وسار علي يريد قتالهم ، فلقيه منجم في مسيره فأشار عليه أن يسير في وقت مخصوص ، وقال : إن سرت في غيره لقيت أنت وأصحابك ضررا شديدا.

فخالفه علي فسار في الوقت الذي نهاه عنه ، فلما وصل إليهم قال : ارفعوا إلينا قتلة إخواننا نقتلهم ونترككم فلعل الله يقبل بقلوبكم ويردكم إلى خير مما أنتم عليه. فقالوا : كلنا قتلهم ، وكلنا مستحل لدمائهم ودمائكم. وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة : فقال : عباد الله أخرجوا إلينا طلبتنا منكم وادخلوا في هذا الأمر الذي خرجتم منه ، وعودوا بنا إلى قتال عدونا ، فإنكم ركبتم عظيما من هذا الأمر تشهدون علينا بالشرك وتسفكون دماء المسلمين. فقال له عبد الله بن شجر السلمي : إن الحق قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أو تأتونا بمثل عمر. فقال : ما نعلم غير صاحبنا فهل تعلمونه فيكم؟ قالوا : لا. قال : نشدتكم الله في أنفسكم أن تهلكوها فإني لا أرى الفتنة إلا وقد غلبت


عليكم.

وخطبهم أبو أيوب الأنصاري فقال : عباد الله إنا وإياكم على الحال الأولى التي كنا عليها ، ليست بيننا وبينكم فرقة فعلام تقاتلوننا؟ فقالوا : إن تابعناكم اليوم حكمتم غدا. فقال : فإني أنشدكم الله لا تجعلوا فتنة العام مخافة ما يأتي في القابل. وأتاهم علي رضي‌الله‌عنه فقال : أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المراء واللجاج ، وصدها عن الحق الهوى ، وطوح بها وأصبحت في الخطب العظيم إني نذير لكم أن تصبحوا تلعنكم الأمة غدا صرعى بأثناء هذا النهر ، وبأهضاب هذا الغائط بغير بينة من ربكم ولا برهان مبين ، ألم تعلموا إني نهيتكم عن الحكومة ، ونبأتكم أنها مكيدة ، وأن القوم ليسوا بأصحاب دين فعصيتموني فلما فعلتم أخذت على الحكمين ، واستوثقت أن يحييا ما أحيا القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن ، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب ، فنبذنا أمرهما ، فنحن على الأمر الأول فمن أين أتيتم؟ قالوا : إنا حكمنا فلما حكمنا أثمنا وكنا بذلك كافرين ، وقد تبنا فإن تبت فنحن معك ومنك ، فإن أبيت فانا منابذوك على سواء. قال علي : أصابكم حاصب ، ولا بقي منكم وابر أبعد إيماني برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهجرتي معه ، وجهادي في سبيل الله ، أشهد على نفسي بالكفر؟ قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين. [ثم انصرف عنهم].

وقيل : كان من كلامه يا هؤلاء إن أنفسكم قد سوّلت لكم فراقي بهذه الحكومة التي أنتم بدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره ، وأنبأتكم أن القوم إنما طلبوها مكيدة ووهنا ، فأبيتم علي إباء المخالفين وعندتم عنود النكداء العاصين ، حتى صرفت رأيي إلى رأيكم رأي معاشر والله أخفّاء الهام ، سفهاء الأحلام فلم آت لا أبا لكم هجرا. والله ما حلت عن أموركم ، ولا أخفيت شيئا من هذا الأمر عنكم ، ولا أوطأتكم عشوة ، ولا ارتكبت لكم ضرا ، وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهرا ، فأجمع رأي ملئكم إن اختاروا رجلين ، فأخذنا عليهما أن يحكما بالحق ولا يعدواه ، فتركا الحق وهما يبصرانه ، وكان الجور هواهما ، والتقية دينهما حتى خالفا سبيل الحق وأتيا بما


لا يعرف. فبينوا لنا بم تستحلون قتالنا ، والخروج عن جماعتنا ، وتضعون سيوفكم على عواتقكم ثم تستعرضون الناس : تضربون رقابهم ، إن هذا لهو الخسران المبين. والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها ، فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام؟

فتنادوا : أن لا تخاطبوهم ، ولا تكلموهم ، وتهيئوا للقاء الله ، الرواح الرواح إلى الجنة ، فرجع علي عنهم.

ثم إنهم قصدوا جسر النهر فظن الناس أنهم عبروه فقال علي : لن يعبروه وأن مصارعهم لدون الجسر. والله لا يقتلون منكم عشرة ، ولا يسلم منهم عشرة. فتعبأ الفريقان للقتال ، فناداهم أبو أيوب فقال : من جاء [تحت] هذه الراية فهو آمن ، ومن انصرف إلى الكوفة ، أو إلى المدائن ، وخرج من هذه الجماعة فهو آمن فانصرف فروة بن نوفل الأشجعي في خمسمائة فارس ، وخرجت طائفة أخرى متفرقين فبقى مع عبد الله بن وهب ألف وثمانمائة فزحفوا إلى علي وبدءوه بالقتال ، وتنادوا : الرواح الرواح إلى الجنة ، فاستقبلهم الرماة من جيش علي بالنبل والرماح والسيوف ، ثم عطفت عليهم الخيل من الميمنة والميسرة وعليها أبو أيوب الأنصاري ، وعلى الرجالة أبو قتادة الأنصاري.

فلما عطفت عليهم الخيل والرجال ، وتداعى عليهم الناس ، ما لبثوا أن أناموهم فأهلكوا في ساعة واحدة ، فكأنما قيل لهم : موتوا. فماتوا. وقتل ابن وهب ، وحرقوص وسائر سراتهم ، وفتش علي في القتلى والتمس المخدج الذي وصفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث الخوارج فوجده في حفرة على شاطئ النهر ، فنظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع كثدي المرأة وحلمة عليها شعرات سود ، فإذا مدت امتدت حتى تحاذي يده الطولى. فلما رآها قال : والله ما كذبت ولا كذبت والله لو لا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن قاتلهم متبصرا في قتالهم ، عارفا للحق الذي نحن عليه. وقال حين مرّ بهم وهم


صرعى : بؤسا لكم! لقد ضرّكم من غرّكم. قالوا : يا أمير المؤمنين من غرّهم؟ قال : الشيطان ونفس أمارة بالسوء غرتهم بالأمان وزينت لهم المعاصي ونبأتهم إنهم ظاهرون.

ومنهم العلامة الشيخ أبو بكر محمد بن الحسين الآجري المتوفى سنة ٣٦٠ في كتابه «الشريعة» (ص ٢١ ط بيروت) قال :

باب ذم الخوارج

وسوء مذاهبهم وإباحة قتالهم ، وثواب من قتلهم أو قتلوه

قال محمد بن الحسين : لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء ، عصاة لله عزوجل ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن صلوا وصاموا ، واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم ، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وليس ذلك بنافع لهم ، لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ، ويموهون على المسلمين. قد حذرنا الله عزوجل منهم ، وحذرنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده ، وحذرناهم الصحابة رضي‌الله‌عنهم ومن تبعهم بإحسان رحمة الله تعالى عليهم.

والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس ، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج ، يتوارثون هذا المذهب قديما وحديثا ، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين.

وأول قرن طلع منهم على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هو رجل طعن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو يقسم الغنائم بالجعرانة ، فقال : اعدل يا محمد ، فما أراك تعدل ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ويلك!فمن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ فأراد عمر رضي‌الله‌عنه قتله ، فمنعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قتله ، وأخبر عليه الصلاة والسّلام أن هذا وأصحابا له يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ،


يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وأمر عليه الصلاة والسّلام في غير حديث بقتالهم ، وبين فضل من قتلهم أو قتلوه.

ثم إنهم بعد ذلك خرجوا من بلدان شتى ، واجتمعوا وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى قدموا المدينة ، فقتلوا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. وقد اجتهد أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممن كان في المدينة في أن لا يقتل عثمان ، فما أطاقوا ذلك.

ثم خرجوا بعد ذلك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، ولم يرضوا بحكمه. وأظهروا قولهم وقالوا : لا حكم إلا لله ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : كلمة حق أرادوا بها الباطل ، فقاتلهم علي رضي‌الله‌عنه فأكرمه الله عزوجل بقتلهم ، وأخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفضل من قتلهم أو قتلوه ، وقاتل معه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ، فصار سيف علي بن أبي طالب في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة.

ثم ذكر الأحاديث والآثار الواردة في ذمهم وسوء أحوالهم ومروقهم من الدين واعتراضهم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في التقسيم وأن منهم ذا الثدية وغير ذلك.

إخباره عليه‌السلام عن الخوارج

وعن ذي ثديتهم المخدج وغير ذلك

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٨٨ إلى ص ٩٥ وص ٤٧٤ إلى ص ٥٢٢ وج ١٧ ص ٥٣٩ إلى ص ٥٤٤ وج ١٨ ص ١٢٦ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عمن لم نرو عنهم فيما مضى :

فمنهم العلامة أحمد بن علي بن ثابت الأشعري الشافعي البغدادي المولود سنة


٣٩٢ والمتوفى ٤٦٣ في «المتفق والمفترق» (ص ١١٩ نسخة مكتبة جستربيتي في إيرلندة) قال :

أخبرنا أحمد بن عمر بن روح ، أنا محمد بن إبراهيم الكهيلي بالكوفة ، أنا محمد ابن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، نا أحمد بن عثمان ، ثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي ، ثنا أبو إسحاق ، عن مسلم بن أبي مسلم ، قال : كنت مع علي بن أبي طالب حين قاتل الحرورية فقال : اطلبوا ذا الثدية فطلبناه فلم نجده ، فقال : اطلبوا فو الله ما كذبت ولا كذبت والله ما كذبني الصادق المصدق صلّى الله عليه ، فطلبناه فاستخرجناه من بين القتلى قال : فأخذت بيده فمددتها على طرفها شعرات ليس فيها عظم.

ومنهم الشيخ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحنبلي الحرّاني الدمشقي الشهير بابن تيمية المولود سنة ٦٦١ والمتوفى سنة ٧٢٨ في كتابه «منهاج السنة» (ص ٢٦ ط مطبعة الإمام في شارع قرقول بالقاهرة) قال :

ولما اقتتل المسلمون بصفين واتفقوا على تحكيم حكمين خرجت الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفارقوه وفارقوا جماعة المسلمين إلى مكان يقال له : حروراء ، فكف عنهم أمير المؤمنين وقال : لكم علينا أن لا نمنعكم حقكم من الفيء ولا نمنعكم المساجد إلى أن استحلوا دماء المسلمين وأموالهم ، فقتلوا عبد الله ابن حباب وأغاروا على سرح المسلمين. فعلم علي أنهم الطائفة التي ذكرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث قال : يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، آيتهم فيهم رجل مخدج اليد عليها بضعة عليها شعرات. وفي رواية : يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.

فخطب الناس وأخبرهم بما سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : هم


هؤلاء القوم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا على سرح الناس ، فقاتلهم ووجد العلامة بعد أن كاد لا يوجد ، فسجد لله شكرا.

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ١ ص ٣٩٤ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

الأوزاعي ، عن الزهري : حدثني أبو سلمة ، والضحاك ـ يعني المشرفي ـ ، عن أبي سعيد قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم ذات يوم قسما ، فقال ذو الخويصرة من بني تميم : يا رسول الله اعدل ، فقال : ويحك ومن يعدل إذا لم أعدل. فقام عمر فقال : يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه ، قال : لا إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء آيتهم رجل أدعج إحدى يديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر. قال أبو سعيد : أشهد لسمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأشهد أني كنت مع علي رضي‌الله‌عنه حين قتلهم ، فالتمس في القتلى وأتى به على النعت الذي نعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أخرجه البخاري.

وقال أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : ذكر علي رضي‌الله‌عنه أهل النهروان فقال: فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد ، لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد الله الذين يقاتلون على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قلت : أنت سمعت هذا؟ قال : اي ورب الكعبة. رواه مسلم.

وقال حماد بن زيد ، عن جميل بن مرة ، عن أبي الوضي السحيمي قال : كنا مع علي بالنهروان ، فقال لنا : التمسوا المخدج ، فالتمسوه فلم يجدوه ، فأتوه فقال :


ارجعوا فالتمسوا المخدج ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، حتى قال ذلك مرارا ، فرجعوا فقالوا : قد وجدناه تحت القتلى في الطين فكأني أنظر إليه حبشيا ، له ثدي كثدي المرأة ، عليه شعيرات كالشعيرات التي على ذنب اليربوع ، فسر بذلك علي. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده.

ومنهم العلامة الحافظ شيخ الإسلام عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني الزيدي المصري المتوفى سنة ٢٢٠ في «الأمالي في آثار الصحابة» (ص ٨٦ ط مكتبة القرآن ـ بولاق القاهرة) قال :

أخبرنا أبو علي إسماعيل ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أيوب بن سيرين ، عن عبيدة ، قال : سمعت عليا حين قتل أهل النهروان يقول : فيهم رجل مثدن أو مودن اليد أو مخدع اليد (١) ، فالتمسوه فلما وجدوه قال : والله لولا أن تبطروا

__________________

(١) قال العلامة الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي المتوفى سنة ٣٨٥ في «المؤتلف والمختلف» (ج ٤ ص ٢١٧١ ط دار الغرب الإسلامي ـ بيروت سنة ١٤٠٦) :

وأما مخدج ، فهو صفوان بن أمية بن المحرث بن شق بن رقبة بن مخدج الكناني. قال ذلك محمد بن إسحاق.

وفي حديث ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني : إن عليا لما أتي بالمخدج خر ساجدا.

قال المحقّق في الذيل :

ورجل مخدج اليد : وهو قول سيدنا علي رضي‌الله‌عنه في ذي الثدية ، إنه مخدوج اليد أي ناقصها ، تاج العروس : ٢ / ٢٨ مادة (خدج) ، النهاية : ٢ / ١٣.

انظر تاريخ الطبري : (٥ / ٨٨ ، ٩٢). والحديث جاء من روايات متعددة منها رواية زيد بن وهب الجهني رضي‌الله‌عنه : إنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي ، الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه


لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم ، قلت : أو سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة ، حتى قالها ثلاثا.

وقال أيضا في ص ٨٧ :

أخبرنا أبو علي إسماعيل ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الرزاق ، أنا النوري ، عن أبيه ، عن ابن أبي نعم ، عن أبي سعيد الخدري قال : بعث علي رضي‌الله‌عنه وهو باليمن إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذهبية في تربتها ، فقسمها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين زيد الطائي ، ثم أحد بني النبهان وبين الأقرع بن حابس الحنظلي ، ثم أحد بني مجاشع

__________________

وسلّم يقول : يخرج قوم من أمتي يقرؤن القرآن وآية ذلك : أن فيهم رجلا له عضد ، ليس له ذراع ، فقال علي : التمسوا فيهم المخدج ، فالتمسوه ، فلم يجدوه ، فقام علي بنفسه ، حتى أتى ناسا ، قد قتل بعضهم على بعض ، قال : أخروهم ، فوجدوه مما يلي الأرض ، فكبر ثم قال : صدق الله ، وبلغ رسوله. قال : فقام إليه عبيدة السلماني ، فقال : يا أمير المؤمنين ، الله الذي لا إله إلا هو .. الحديث.

وفي رواية لأبي داود ، عن أبي الوضيء ، قال : قال علي اطلبوا المخدج ، فذكر الحديث. قال أبو مريم : وكان المخدج يسمى نافعا ، ذا الثدية ، وكان في يده مثل ثدي المرأة ، وعلى رأسه حلمة مثل حلمة الثدي ، عليه شعيرات مثل سبالة السنور. رواه مسلم في الزكاة ، باب التحريض على قتل الخوارج ، حديث رقم : (١٠٦٦) ، وأبو داود في السنة ، باب في قتال الخوارج ، حديث رقم : (٤٧٦٩ ـ ٤٧٧٠).

ورواية عبيدة بن عمرو السلماني عن علي : أنه ذكر الخوارج فقال : فيهم رجل مخدج اليد .. الحديث. رواه مسلم في الزكاة ، باب التحريض على قتل الخوارج ، حديث رقم : (١٠٦٦) ، ورواه النسائي في كتاب خصائص الإمام علي رضي‌الله‌عنه بروايات مختلفة : (١٢٥ ـ ١٣٣).

وروي من أوجه عدة أعرض عن ذكرها خشية الإطالة. وسيأتي في باب الواثلي في ترجمة أبو المؤمن الواثلي (ص : ٢٩٩٢ ـ ٢٩٩٣).


وبين عيينة بن حصن ، وبين علقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب ، فبغضت قريش ، وقالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا ، قال : إنما أتألفهم ، فجاء رجل غائر العينين ، ناتئ الجبين ، مشرف الوجنتين ، كث اللحية محلوق الرأس ، فقال : اتق الله عزوجل يا محمد ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فمن يتقى الله إذا عصيته ، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني. قال فسأل رجل من القوم قتله ، قال : أراه خالد بن الوليد ، فمنعه. قال : فلما ولى الرجل ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد.

أخبرنا أبو علي إسماعيل ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الرزاق ، أنا سفيان بن عيينة ، عن العلاء بن أبي العباس ، عن أبي الطفيل ، عن بكر بن قراوش ، عن سعد قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : شيطان الردهة يحتدره رجل من بجيلة راعي الخيل ، أو راع للخيل ، علامة سوء في قوم ظلمة. قال أبو علي : قال الرمادي : قال : أنا عبد الرزاق في موضع آخر وأعاد هذا الحديث قال : يقال له : الأشهب أو ابن الأشهب.

وقال أيضا في ص ٩٠ :

أخبرنا أبو علي إسماعيل ، ثنا أحمد ، ثنا عبد الرزاق ، أنا عبد الملك بن أبي سليمان ، ثنا سلمة بن كهيل ، أخبرني زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين تباروا إلى الخوارج ، فقال علي : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج من أمتي قوم يقرءون القرآن ، ليست قراءاتكم إلى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرءون القرآن لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما


يمرق السهم من الرمية ، ولو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم ، لنكلوا عن العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ، وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة ثدي المرأة عليها شعيرات بيض.

أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام ، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ وإني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم ، فإنهم سفكوا الدم الحرام وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله عزوجل. قال سلمة : فنزلت وزيد بن وهب منزلا ، حتى قال : مررنا على قنطرة ، فلما التقينا ، وعلى الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا الرماح ، وسلوا سيوفكم من جفونها ، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء فرجعتم ، قال : فوحشوا برماحهم ، وسلوا السيوف ، وشجرهم الناس برماحهم. قال : وقتل بعضهم على بعض ، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ، فقال علي : التمسوا فيه المخدج فلم يجدوه ، فقام علي بنفسه فالتمسه فوجده. فقال : صدق الله ، وبلغ رسوله ، فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين ، الله الذي لا إله هو لسمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إي والله الذي لا إله إلا هو ، حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.

ومنهم الأستاذ محمد المنتصر الكتاني الأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة في «معجم فقه السلف عترة وصحابة وتابعين» (ج ٢ ص ١٠١ ط مطابع الصفا بمكة المكرمة) قال :

وعن علي بن أبي طالب : أنه لما وجد ذو الثدية في القتلى سجد. قال ابن حزم : إذ عرف أنه في الحزب المبطل ، وأنه هو المحق.

ومنهم العلامة الشريف أبو الطيب صديق بن حسن بن علي الحسيني القنوجي البخاري المتوفى سنة ١٣٠٧ في «الروضة الندية شرح الدرر البهية» (ج ٢ ص ٣٦٠ ط بيروت سنة ١٤٠٦) قال :


أقول : وأما الكلام فيمن حارب عليا كرم الله وجهه فلا شك ولا شبهة أن الحق بيده في جميع مواطنه ، أما طلحة والزبير ومن معهم فلأنهم قد كانوا بايعوه فنكثوا بيعته بغيا عليه وخرجوا في جيوش من المسلمين فوجب عليه قتالهم ، وأما قتاله للخوارج فلا ريب في ذلك والأحاديث المتواترة قد دلت على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ١٩٩ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

أخرج النسائي في الخصائص ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر أناسا في أنه يخرجون في فرقة من الناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هم أشد الخلق.

وفي حديث آخر : فذكر من صلاتهم وزكاتهم وصومهم.

وقال : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز القرآن من تراقيهم لقاتلهم أقرب الناس إلى الحق. وفي حديث آخر : آيتهم رجل أسود أحد عضديه مثل ثدي المرأة يخرجون على خير فرقة من الناس. قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ، فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على النعت الذي نعته به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومنهم العلامة المعاصر الشيخ محمد العربي التباني الجزائري المكي في «تحذير العبقري من محاضرات الخضري» (ج ٢ ص ٨) قال :

وأحاديث الخوارج الصحيحة في رواية : هم شرار أمتي تقتلهم خيار أمتي.

وفي حديث : هم شرّ الخلق والخليقة.


وقال في ص ٨٤ :

أخرج ابن ماجة في سننه ، عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : شرّ قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتلى قتلوا ، كلاب أهل النار قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارا. قال أبو غالب : قتلت : يا أبا أمامة هذا شيء تقوله؟ قال : بل سمعته من رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم اه.

وقال الحافظ ابن حجر في فتحه في كتاب «استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم» ج ١٢ ، شارحا أثر ابن عمر الذي ذكره الإمام البخاري وهو : وكان ابن عمر يراهم ـ يعني الخوارج ـ شرار خلق الله ، وقال : إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. قلت : وسنده صحيح.

وقد ثبت في الحديث الصحيح المرفوع عند مسلم من حديث أبي ذر في وصف الخوارج (هم شرار الخلق والخليقة). وعند أحمد بسند جيد عن أنس مرفوعا مثله ، وعند البزار من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخوارج فقال : هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي ، وسنده حسن.

وعند الطبراني من هذا الوجه مرفوعا : هم شرار الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد : هم شر البرية وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع عن علي عند مسلم من أبغض خلق الله إليه.

وفي حديث عبد الله بن خباب عن أبيه عند الطبراني : شر قتلى أظلتهم السماء وأقلتهم الأرض ، وفي حديث أبي أمامة نحوه ، وعند أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي بردة مرفوعا في ذكر الخوارج شر الخلق والخليقة يقولها ثلاثا. وعند ابن أبي شيبة من طريق عمير بن إسحاق عن أبي هريرة هم شر الخلق ، وهذا مما يؤيد قول من قال بكفرهم اه ـ.

ثم قال الحافظ في آخر باب يتعلق بهم ما نصه : قال الطبري : وروى هذا الحديث


في الخوارج عن علي تاما ومختصرا عبيد الله بن أبي رافع وسويد بن غفلة وعبيدة بن عمرو وزيد بن وهب وكليب الجرمي وطارق بن زياد وأبو مريم. قلت : وأبو الوضي وأبو كثير وأبو موسى وأبو وائل في «مسند إسحاق بن راهويه» والطبراني وأبو جحيفة عند البزار وأبو جعفر الفراء مولى علي ، أخرجه الطبراني في «الأوسط» وكثير بن نمير وعاصم بن ضمرة.

قال الطبري : ورواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع علي بن أبي طالب أو بعضه عبد الله بن مسعود وأبو زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وحذيفة وأبو بكرة وعائشة وجابر وأبو برزة وأبو أمامة وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن حنيف وسلمان الفارسي. قلت : ورافع بن عمرو وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر وجندب بن عبد الله البجلي وعبد الرحمن ابن عديس وعقبة بن عامر وطلق بن علي وأبو هريرة. أخرجه الطبراني في «الأوسط» بسند جيد من طريق الفرزدق الشاعر أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد وسألهما فقال : إني رجل من أهل المشرق وإن قوما يخرجون علينا يقتلون من قال لا إله إلا الله ويؤمنون من سواهم ، فقالا لي : سمعنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من قتلهم فله أجر شهيد ومن قتلوه فله أجر شهيد. فهؤلاء خمسة وعشرون نفسا من الصحابة والطرق إلى كثرتهم متعددة كعلي وأبي سعيد وعبد الله بن عمر وأبي بكرة وأبي برزة وأبي ذر ، فيفيد مجموعها القطع بصحة ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اه ـ.

ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٥٠ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :

عن عبيد الله بن عياض بن عمر القاري قال : جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس مرجعه من العراق ليالي قتل علي فقالت له : يا عبد الله بن شداد ،


هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي. قال : إن عليا لما كاتب معاوية وحكم الحكمين خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا أرضا يقال لها حروراء من جانب الكوفة وإنهم عتبوا عليه فقالوا : انسلخت من قميص ألبسكه الله واسم سماك [الله تعالى] به ثم انطلقت فحكمت في دين الله ولا حكم إلا لله ، فلما بلغ عليا ما عتبوا عليه وفارقوه [عليه] فأمر مؤذنا فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا رجل قد حمل القرآن ، فلما أن امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه فجعل يصكه بيده ويقول : أيها المصحف حدّث الناس ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، ما تسأل عنه فإنما هو مداد في ورق ونحن نتكلم بما روينا منها فما تريد؟ قال : أصحابكم هؤلاء الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله يقول الله في كتابه في امرأة ورجل (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) فأمة محمد أعظم دما وحرمة من امرأة ورجل ، ونقموا علي أن كاتبت معاوية كتب علي بن أبي طالب وقد جاءنا سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية حين صالح قومه قريشا فكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، قال سهيل : لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فكيف نكتب؟ فقال : اكتب : باسمك اللهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أكتب محمد رسول الله. فقال سهيل : لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك. فكتب : هذا ما صالح محمد بن عبد الله قريشا ، والله تعالى يقول في كتابه : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (حم ، والعدني ع ، ق كر ، ص).

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٥١ ط دار الفكر) قال :

خرج عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة مرجعه من العراق ليالي قتل علي ،


فقالت : يا عبد الله بن شداد ، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ قال : وما لي لا أصدقك؟ قالت : فحدثني عن قصتهم قال ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم عن السيوطي بتفاوت يسير في اللفظ ، إلى «أسوة حسنة» فزاد :

فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه ، حتى توسطنا عسكرهم ـ فقال عبد الله ابن شداد ـ : فقام ابن الكواء فخطب الناس فقال : يا حملة القرآن ، إن هذا عبد الله بن عباس ، فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله ، هو الذي نزل فيه وفي قومه : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) فردوه إلى صاحبه ، ولا تواضعوا كتاب الله ، فقام خطباؤهم فقالوا : بلى والله لنواضعنه كتاب الله فإن جاء بحق نعرفه اتبعناه ، وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطله ولنردنه إلى صاحبه.

فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام ، قالوا : كيف قلت يا ابن عباس؟ قال : قلت : ما الذي تتكلمون على صهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابن عمه؟ قالوا : ثلاث خصال. قال : فما هن؟ قالوا : أما واحدة فإنما قاتل ولم يسب ، ولم يغنم ، فإن كان القوم كفارا فقد أحلّ الله دماءهم ونساءهم ، وإن كانوا غير ذلك فبم استحل ما صنع بهم؟ وأما الثانية فإنه حكم الرجال في أمر الله ، وفي دين الله ، فما للرجال والحكم في دين الله بعد قوله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وأما الثالثة فانه محا نفسه ، وهو أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قال ابن عباس : هل عندكم غير هذا؟ قالوا : حسبنا خصلة من هذه الخصال ، قال : فإن أنا أتيتكم من كتاب الله ما ينقض قولكم هذا فترجعون؟ قالوا : نعم ، قال : فإن الله قد صير مع حكمه حكم الرجال في كتابه ما لا يقبل غيره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) وقال في آية أخرى : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) أخرجت لكم من هذه؟ قالوا : نعم.


وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم فأيكم كان يسبي عائشة ، فإن قلتم : إنما نستحل منها ما نستحل من المشركات بعد قول الله تعالى : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) فقد خرجتم من الإسلام ، فأنتم بين ضلالتين ، فأخرجوا من إحداهما إن كنتم صادقين ، قال : أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.

وأما قولكم : إنه محا اسمه وهو أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ، فأنا آتيكم برجال ممن ترضون ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الموادعة كتب : هذا ما اصطلح عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو سفيان وسهيل بن عمرو فمحو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد الوحي والنبوة أعظم أو محو علي بن أبي طالب نفسه يوم الحكمين؟ قالوا : بل محو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.

قال عبد الله بن شداد : فرجع منهم أربعة آلاف فيهم ابن الكواء حتى أدخلناهم على علي بالكوفة ، فبعث علي إلى بقيتهم ، فقال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، فاعتزلوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتوجهوا منها حيث شئتم ، بيننا وبينكم أن تسفكوا دما حراما ، أو تقطعوا سبيلا ، أو تظلموا الأمة ، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ).

فقالت عائشة : يا بن شداد ، فلم قتلهم؟ قال : فو الله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبل ، وسفكوا الدم ، واستحلوا أهل الذمة ، قالت : الله الذي لا إله إلا هو لقد كان؟ قال : نعم ، قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثون : ذو الثدية؟ قال : قد رأيته وقمت عليه مع علي في القتلى فدعا الناس فقال : هل تعرفون هذا؟ فما أكثر من قال : رأيته في مسجد بني فلان يصلي ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلي ، قالت : فما قال علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق. قال : سمعته يقول : صدق الله ورسوله ، قالت : نعم ، صدق الله ورسوله ، رحم الله عليا لئن كان


من قوله إذا رأى شيئا يعجبه قال : صدق الله ورسوله ، قال : فذهب أهل العراق يكذبون عليه ويزيدون عليه الحديث.

ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٣٦٧ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال :

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا يحيي بن سليم ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري ، أنه جاء عبد الله بن شداد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس ، مرجعه من العراق ، ليالي قتل علي بن أبي طالب.

فقالت له : يا ابن شداد بن الهاد ، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن القوم الذين قتلهم علي. قال : وما لي لا أصدقك؟ قالت : فحدثني عن قصتهم. قال : فإن علي بن أبي طالب لما كاتب معاوية ، وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها : حروراء من جانب الكوفة وأنهم عتبوا عليه فقالوا : انسلخت من قميص كساكه الله ـ فذكر مثل ما تقدم عن «مختصر تاريخ دمشق».

وقال السيوطي أيضا في المسند ص ١٣٤ :

عن زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي الذين ساروا إلى الخوارج فقال علي رضي‌الله‌عنه : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئا ولا صلاتكم إلى صلاتهم ولا صيامكم إلى صيامهم شيئا ، يقرءون القرآن ، يحسبونه أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم صلّى الله


عليه وسلم نكلوا عن العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد وليست له ذراع على عضده مثل حملة الثدي عليه شعرات بيض ، أفتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم ، والله إني لأرجو أن تكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام ، وأغاروا في سرح الناس ، فسيروا على اسم الله.

فلما التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم : ألقوا الرماح وسلوا السيوف من جفونها فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء ، فرجعوا برماحهم واستلوا السيوف وشجرهم الناس برماحهم وقتلوا بعضهم على بعض ، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان فقال علي : التمسوا فيهم المخدج ، فلم يجدوه فقام علي بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال : أخروهم ، فوجدوه مما يلي الأرض فكبّر وقال : صدق الله وبلغ رسوله ، فقام إليه عبيدة السلماني فقال : يا أمير المؤمنين الله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقام فقال : إي والله الذي لا إله إلا هو ، حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.(عب ، م ، د ، وأبو عوانة ، وابن أبي عاصم ، ق).

وقال أيضا في ص ١٥٨ :

عن عبد الله بن أبي رافع : إن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب قالوا : لا حكم إلا لله ، قال علي : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم ـ وأشار إلى حلقه ـ من أبغض خلق الله إليه منهم أسود إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي ، فلما قتلهم علي بن أبي طالب قال : انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا فقال : ارجعوا فو الله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثا ، ثم وجدوه في خربة فأتوا به حتى وضعوه بين يده.(ابن وهب ، م ، وابن جرير ، وأبو عوانة ،


حب ، وابن أبي عاصم ، ق).

وقال أيضا في ج ١ ص ١٨٨ :

عن زرانة ، سمع عليا رضي‌الله‌عنه : أنا فقأت عين الفتنة ، ولولا أنا ما قوتل أهل النهروان وأهل الجمل ، ولولا أنى أخشى أن تتركوا العمل لأنبأتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن قاتلهم مبصرا ضلالتهم عارفا بالهدى نحن عليه.(د ، ش ، حل ، والدورقي).

عن أبي كثير قال : كنت مع سيدي علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه حين قتل أهل النهروان ، فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم ، فقال علي : يا أيها الناس إن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثني أن ناسا يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ثم لا يعودون فيه أبدا.

وقال أيضا في ص ١٩٨ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لقد علم أولو العلم من أصحاب محمد وعائشة بنت أبي بكر فسلوها أن أصحاب كرثى وذي الثدية ملعونون على لسان النبي الأمي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد خاب من افترى.(عبد الغني ابن سعد في إيضاح الإشكال طس).

وقال في ص ١٩٩ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : لقد علمت عائشة بنت أبي بكر أن جيش المرأة وأهل النهروان ملعونون على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال علي بن عياش : جيش المروة قتلة عثمان.(طس. ق في الدلائل ، كر).

عن جندب قال : لما فارقت الخوارج عليا رضي‌الله‌عنه خرج في طلبهم


وخرجنا معه ، فانتهينا إلى عسكر القوم فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن ، وإذا فيهم أصحاب النقيات وأصحاب البرانس ، فلما رأيتهم دخلني من ذلك شدة فتنحيت فركزت رمحي ونزلت عن فرسي ووضعت برنسي فنشرت عليه درعي وأخذت بمقود فرسي ، فقمت أصلي إلى رمحي وأنا أقول في صلاتي : اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فأذن لي فيه وإن كان معصية فأرني برأيك ، فأنا كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه على بغلة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما جاء إلي قال : نعوذ بالله يا جندب من شر السخط فجئت أسعى إليه ، ونزل فقام يصلى إذ أقبل رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، ألك حاجة في القوم؟ قال : قطعوا النهر فذهبوا ، قال علي : ما قطعوه ، قال : سبحان الله ، ثم جاء آخر فقال : قد قطعوا النهر فذهبوا. قال علي : ما قطعوه. قال : سبحان الله! ثم جاء آخر فقال : قد قطعوا النهر فذهبوا ، قال علي : ما قطعوه ولا يقطعوه وليقتلن دونه عهد من الله ورسوله ، ثم ركب فقال لي : يا جندب ، أما أنا فأبعث إليهم رجلا يقرأ المصحف يدعو إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم فلا يقبل علينا بوجهه حتى يرشقوه بالنبل ، يا جندب أما إنه لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة. ثم قال : من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب الله وسنة نبيهم وهو مقتول وله الجنة؟ فلم يجبه إلا شاب من بني عامر بن صعصعة ، فقال له علي : خذ هذا المصحف أما إنك مقتول ولست مقبلا علينا بوجهك حتى يرشقوك بالنبل. فخرج الشاب بالمصحف إلى القوم ، فلما دنا منهم حيث يسمعوا قاموا ونشبوا الفتى قبل أن يرجع فرماه الشاب فأقبل علينا بوجهه فقعد ، فقال علي : دونكم القوم. قال جندب : فقتلت بكفى هذه ثمانية قبل أن أصلى الظهر وما قتل منا عشرة ولا نجا منهم عشرة كما قال.(طس).

عن أبي جعفر الفراء مولى علي رضي‌الله‌عنه قال : شهدت مع علي النهر ، فلما فرغ من قتلهم قال : اطلبوا المخدج ، فطلبوه فوجدوه في وهدة رحل أسود منتن


الريح في موضع يده كهيئة الثدي عليه شعرات ، فلما نظر إليه قال : صدق الله ورسوله ، فسمع أحد ابنيه أما الحسن أو الحسين يقول : الحمد لله الذي أراح أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هذه العصابة ، فقال علي : لو لم يبق من أمة محمد إلا ثلاثة لكان أحدهم على رأي هؤلاء ، إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء. (طس).

وقال في ص ٢٠٩ :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.(عد ، طس وعبد الغنى بن سعيد في إيضاح الأشكال ، والأصبهاني في الحجة وابن مندة في غرائب شعبة ، كر).

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : أمرت بقتال ثلاثة : القاسطين والناكثين والمارقين ، فأما القاسطون فأهل الشام ، وأما الناكثون فذكرهم ، وأما المارقون فأهل النهروان يعني الحرورية.(ك في الأربعين ، كر).

وقال في ص ٢٨٢ :

عن سويد بن غفلة قال : سألت عليا عن الخوارج فقال : جاء ذو الثدية المخدجي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقسم فقال : كيف تقسم؟ والله ما تعدل. قال : فمن يعدل؟ فهمّ به أصحابه فقال : دعوه سيكفيكموه غيركم ، يقتل في الفئة الباغية ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، قتالهم حق على كل مسلم. (ابن أبي عاصم).

وقال في ص ٢٨٣ :

عن أبي موسى الوائلي قال : شهد علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه حين قتل


الحرورية فقال : انظروا في القتلى رجلا يده كأنها ثدي المرأة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرني أني صاحبه ، فقلبوه بين القتلى فلم يجدوه ، فقال لهم علي : انظروا وبحث عليه سبعة نفر فقلبوه فنظروا فإذا هو فيه فجيء به حتى ألقي بين يديه ، فخر علي ساجدا وقال : ابشروا قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.(ابن أبي عاصم ، ق ، في الدلائل ، خط).

عن طارق بن زياد قال : خرجنا مع علي رضي‌الله‌عنه إلى الخوارج فقتلهم ، ثم قال : اطلبوا فإن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إنه سيخرج قوم يتكلمون بكلام الحق لا يجاوز حلوقهم ، يخرجون من الحق كما يخرج السهم من الرمية ، سيماهم أن فيهم رجلا أسود مخدج اليد في يده شعرات سود ، فانظروا إن كان هو فقد قتلتم سوء الناس ، وإن لم يكن فقد قتلتم خير الناس ، فبكينا فقال : اطلبوا فطلبنا فوجدنا المخدج فخررنا سجودا وخرّ علي معنا.(الدورقي وابن جرير).

وقال أيضا في ص ٣٠٤ :

عن أبي وائل قال : لما كان بصفين استحر القتل في أهل الشام فرجع علي إلى الكوفة وقال فيه الخوارج ما قالوا ونزلوا بحروراء وهم بضعة عشر ألفا ، فأرسل إليهم علي يناشدهم الله : ارجعوا إلى خليفتكم فبم نقمتم عليه؟ في قسمة أو قضاء؟ قالوا : نخاف أن ندخل في فتنة ، قال : فلا تعجلوا ضلالة العام مخافة فتنة عام قابل ، فرجعوا فقالوا : نكون على ناحيتنا ، فإن قبل القفية قاتلناه على ما قاتلناه عليه أهل الشام بصفين ، وإن نقضها قاتلنا معه ، فساروا حتى قطعوا نهروان وافترقت منهم فرقة يقاتلون الناس ، فقال أصحابهم : ما على هذا فارقنا عليا ، فلما بلغ عليا صنيعهم قام فقال : أتسيرون إلى عدوكم أو ترجعون إلى هؤلاء الذين خلفوكم في دياركم؟ قالوا : بل نرجع إليهم ، قال : فحدث علي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن طائفة تخرج من قبل المشرق عند اختلاف الناس لا ترون جهادكم مع جهادهم شيئا


ولا صلاتكم مع صلاتهم شيئا ولا صيامكم مع صيامهم شيئا ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، علامتهم رجل عضده كثدي المرأة ، يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق ، فسار علي إليهم فاقتتلوا قتالا شديدا ، فجعلت خيل علي تقوم لهم فقال : يا أيها الناس إن كنتم إنما تقاتلون في فو الله ما عندي ما أجزيكم به وإن كنتم إنما تقاتلون لله فلا يكونن هذا قتالكم ، فأقبلوا عليهم فقتلوهم كلهم ، فقال : ابتغوه فطلبوه فلم يوجد ، فركب علي دابته وانتهى إلى وهدة من الأرض فإذا قتلى بعضهم على بعض فاستخرج من تحتهم فجر برجله يراه الناس ، فقال علي : لا اغزوا العام ، فرجع إلى الكوفة فقتل.(ابن راهويه ، ش ، ع : وصحح).

عن قيس بن عباد قال : كف علي رضي‌الله‌عنه عن قتال أهل النهر حتى تحدثوا فانطلقوا فأتوا على عهد عبد الله بن خباب وهو في قرية له قد تنحى عن الفتنة فأخذوه فقتلوه ، فبلغ ذلك عليا فأمر أصحابه بالمسير إليهم ، فقال لأصحابه : ابسطوا عليهم فو الله لا يقتل منكم عشرة ولا يفر منهم عشرة. فكان كذلك ، فقال علي : اطلبوا رجلا صفته كذا وكذا ، فطلبوه فلم يجدوه ثم طلبوه فوجدوه ، فقال علي : من يعرف هذا؟ فقال رجل : أنا رأيت هذا بالنجف فقال : إني أريد هذا المصر وليس في فيه ذو نسب ولا معرفة ، فقال علي : صدقت ، هو رجل من الجن.(مسدد ، ورواه خشيش في الاستقامة ، ق عن أبي مجلن ، ورواه ابن النجار عن يزيد بن رويم).

وقال في ص ٣٠٦ :

عن قتادة قال : لما سمع علي رضي‌الله‌عنه المحكمة قال : من هؤلاء؟ قيل له : القراء ، قال : بل هم الخيابون ، قال إنهم يقولون : لا حكم إلا لله ، قال : كلمة حق عنى بها باطل ، فلما قتلهم قال رجل : الحمد لله الذي أبادهم وأراحنا منهم ، فقال علي : كلا والذي نفسي بيده إن منهم لمن في أصلاب الرجال لم تحمله النساء بعد وليكونن


آخرهم لصاصا جرادين.(عب).

عن جندب الأزدي قال : لما عدلنا إلى الخوارج مع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : يا جندب ترى تلك الرابية؟ قلت : نعم ، قال : فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبرني أنهم يقتلون عندها.(كر).

ومنهم العلامة حميد بن زنجويه المتوفى سنة ٢٥١ في كتابه «الأموال» (ج ١ ص ٤٢٧ ط مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) قال :

أنا حميد ، أنا مالك بن إسماعيل ، أنا جعفر بن زياد الأحمر ، قال : أخبرنا سليمان التيمي ، أخبرنا لاحق بن حميد أبو مجلز ، قال : لما كان يوم النهر قال علي : لا تبسطوا عليهم حتى يبسطوا أو يقتلوا. قال : فقتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ، فبعث إليهم علي أقيدونا من صاحبنا. قالوا : ممن نقيدك وكلنا قتله. قال : قال علي : أو كلكم قتله؟ قالوا : نعم. قال : انبسطوا عليهم فو الذي نفسي بيده لا يفر منهم عشرة ، ولا يقتل منكم عشرة.

ومنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة المولود سنة ٥٨٨ والمتوفى سنة ٦٦٠ في كتابه «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ج ١٠ ص ٤٤٧٤ ط دمشق) قال:

أخبرنا أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندي فيما أذن لنا فيه قال : أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ، قال :

أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، قال : أخبرنا عبد الصمد بن علي الطستيّ ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، قال : حدثنا شهاب بن عباد ، قال : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن الجعد بن عثمان ، عن أبي سليمان المرعشي ، قال : لما سار علي إلى أهل النهر ، وسرت معه ، فلما نزلنا بحضرتهم أخذني غم لقتالهم لا يعلمه إلا الله تعالى ،


قال : حتى سقطت في الماء مما أخذني من الغم ، قال : فخرجت من الماء وقد شرح الله صدري لقتالهم ، قال : فقال علي لأصحابه : لا تبدءوهم ـ إلخ.

وقال في ص ٤٤٧٥ :

فقال علي : إن فيهم رجلا مخدج اليد أو مثدون أو مودن اليد ، قال : فأتي به قال : فقال علي من رأى منكم هذا؟ فأسكت القوم ، ثم قال علي : من رأى منكم؟ فأسكت القوم ، ثم قال علي من رأى منكم هذا؟ فقال رجل : يا أمير المؤمنين رأيته جاء كذا وكذا. قال : كذبت ما رأيته ، ولكن هذا أمير خارجة خرجت من الجن.

قال أبو بكر الخطيب أبو سليمان المرعشي ، سمع علي بن أبي طالب وحضر معه قتال الخوارج بالنهروان ، روى عنه الجعد بن عثمان اليشكري.

أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان قراءة عليه بحلب ، قال : أخبرنا الشريف النقيب أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي القاضي ببغداد ، قال : أخبرنا الشيخ الثقة العدل أبو علي الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن المكي ، قال : أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الفقعسي ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن الفضل الديبلي المكي ، قال : حدثنا أحمد بن الحسين الموصلي ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : حدثنا أبو سليمان الأنطاكي ، عن هشام أبي المقداد ، عن محمد بن كعب القرظي بمثله ونحوه.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٥ ص ١٣٥ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

قال علماء السير : وخرج علي في طلب ذي الثدية ، فوجده في حفرة على شاطئ


النهر قتيلا ، فلما استخرج نظر إلى عضده فإذا لحم مجتمع على منكبه كثدي المرأة له حلمة عليها شعيرات سود ، فقال علي : الله أكبر ، والله ما كذبت ولا كذبت ، أما والله لولا أن تنكلوا عن العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن قاتلهم مستنصرا في قتالهم.

أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال : أخبرنا أبو بكر ، قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم البزاز ، قال : أخبرنا الحسين بن محمد بن عثمان النسوي ، قال : حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال : حدثنا أصبغ بن الفرح ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن بشر بن سعيد ، عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

إن الحرورية لما خرجت على علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وقالوا : لا حكم إلا لله ، قال علي رضي‌الله‌عنه : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصف لنا ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق بألسنتهم ، لا يجاوز هذا منهم ـ وأشار إلى حلقه ـ من أبغض خلق الله إليه ، فيهم أسود ، إحدى يديه كأنها طبي شاة ، أو حلمة ثدي ، فلما قتلهم قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، فقال : ارجعوا ، والله ما كذبت ـ مرتين أو ثلاثا ـ فوجدوه في حفرة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه. قال عبيد الله : وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي رضي‌الله‌عنه فيهم.

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال : أخبرنا أبو القاسم الأزهرى ، قال : أخبرنا علي بن عبد الرحمن البكائي ، قال : أخبرنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، قال : أخبرنا يحيي بن عبد الحميد الحمامي ، قال : أخبرنا خالد بن عبيد الله ، عن عطاء بن السائب ، عن ميسرة ، قال : قال أبو جحيفة : قال علي رضي‌الله‌عنه حين فرغنا من الحرورية : إن فيهم رجلا مخدجا ، ليس في عضده عظم ، ثم عظمه أو عضده حلمة كحلمة الثدي ، عليها شعيرات


طوال عقف ، فالتمسوه فلم يجدوه ، وأنا فيمن يلتمس. قال : فما رأيت عليا جزعا قط أشد من جزعه يومئذ ، فقالوا : ما نجده يا أمير المؤمنين ، قال : ويلكم ما اسم هذا المكان؟ قالوا : النهروان ، قال : كذبتم إنه لفيهم ، فثورنا القتلى فلم نجده ، فعدنا إليه فقلنا : يا أمير المؤمنين ما نجده ، قال : ويلكم ما اسم هذا المكان؟ قالوا : النهروان. قال : صدق الله ورسوله وكذبتم إنه لفيهم فالتمسوه ، فالتمسناه في ساقية ، فوجدناه فجئنا به ، فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم ، وعليها حلمة كحلمة ثدي المرأة ، عليها شعرات طوال عقف.

ومنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٣٦٣ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال :

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو هشام الرفاعي ، وهذا لفظ أبي بكر ، حدثنا محمد ابن فضيل ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، قال : كنت جالسا عند علي وهو في بعض أمر الناس ، إذ جاءه رجل عليه ثياب السفر فقال : يا أمير المؤمنين ، فشغل عليا ما كان فيه من أمر الناس ، قال : إني .. فقلت : ما شأنك؟ قال : فقال : كنت حاجا أو معتمرا ـ قال : لا أدري أيّ ذلك.

قال : فمررت على عائشة ، فقالت : من هؤلاء القوم الذين خرجوا قبلكم يقال لهم الحرورية؟ قال : قلت : في مكان يقال له حروراء؟ قال : فسموا بذلك الحرورية. قال فقالت : طوبى لمن شهد هلكتهم. قالت : أما والله لو سألتم ابن أبي طالب لأخبركم خبرهم ، فمن ثم جئت أسأله عن ذلك. قال : وفرغ علي فقال : أين المستأذن؟ فقام عليه فقص عليه مثل ما قص علي. قال : فأهلّ علي ثلاثا ثم قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس عنده أحد إلا عائشة قال : فقال لي : يا علي كيف أنت وقوم يخرجون بمكان كذا وكذا ـ وأومأ بيده نحو المشرق ـ


يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، فيهم رجل مخدج اليد كأن يده ثدي حبشية.

ثم قال : نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو ، أحدّثتكم أنه فيهم؟ قالوا : نعم ، فذهبتم فالتمستموه ثم جئتم به تسحبونه كما نعت لكم. قال : ثم قال : صدق الله ورسوله ، ثلاث مرات.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد العزيز بن سياه ، حدثنا حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل قال : أتيته فسألته عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي ، قال : قلت : فيم فارقوه؟ وفيم استحلوه؟ وفيم دعاهم؟ وفيم فارقوه؟ وبم استحل دماءهم؟ قال : إنه لما استحر القتل في أهل الشام بصفين اعتصم معاوية وأصحابه بحيل ، فقال له عمرو بن العاص : أرسل إلى بالمصحف فلا والله لا نرده عليك. قال : فجاء رجل يحمله فنادى : بيننا وبينكم كتاب الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) [الآية آل عمران : ٢٣] قال علي : نعم بيننا وبينكم كتاب الله ، إنا أولى به منكم. فجاءت الخوارج وكنا نسميهم يومئذ القراء وجاءوا بأسيافهم على عواتقهم وقالوا : يا أمير المؤمنين ، ألا تمشي إلى هؤلاء القوم حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقام سهل بن حنيف ، فقال : أيها الناس اتهموا أنفسكم لقد كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية ولو نرى قتالا قاتلنا ، وذاك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبين المشركين فجاء عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال : بلى. قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى. قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ، ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال : يا ابن الخطاب ، إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا. فانطلق عمر ولم يصبر متغيظا ، حتى أتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على حق ، وهم على باطل؟ قال : بلى. قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى قال : فعلام نعطى الدنية في ديننا ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال : يا ابن


الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا ، فنزل القرآن على محمد بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه ، فقال : يا رسول الله أو فتح هو؟ قال : نعم. قال : فطابت نفسه ورجع ، ورجع الناس.

ثم إنهم خرجوا بحروراء أولئك العصابة من الخوارج بضعة عشر ألفا فأرسل إليهم علي ينشدهم الله فأبوا عليه ، فأتاهم صعصعة بن صوحان فأنشدهم ، وقال : علام تقاتلون خليفتكم؟ قالوا : مخافة الفتنة. قال : فلا تعجلوا ضلالة العام مخافة فتنة عام قابل. فرجعوا وقالوا : نسير على ما جئنا ، فإن قبل علي القضية قاتلنا على ما قاتلنا يوم صفين ، وإن نقضها قاتلنا معه. فساروا حتى بلغوا النهروان ، فافترقت منهم فرقة فجعلوا يهدون الناس ليلا ، قال أصحابهم : ويلكم ما على هذا فارقنا عليا ، فبلغ عليا أمرهم فقام ، فخطب الناس ، فقال : ما ترون؟ أنسير إلى أهل الشام أم نرجع إلى هؤلاء الذين خلفوا إلى ذراريكم؟ قالوا : بل نرجع إليهم ، فذكر أمرهم فحدّث عنهم بما قال فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن فرقة تخرج عند اختلاف من الناس يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق علامتهم رجل منهم يده كثدي المرأة ، فساروا حتى التقوا بالنهروان فاقتتلوا قتالا شديدا ، فجعلت خيل علي لا تقوم لهم.

فقام علي فقال : يا أيها الناس إن كنتم إنما تقاتلون في فو الله ما عندي ما أجزيكم ، وإن كنتم إنما تقاتلون لله ، فلا يكون هذا فعالكم ، فحمل الناس حملة واحدة فانجلت عنهم وهم مكبون على وجوههم ، فقال علي : اطلبوا الرجل فيهم ، فطلب الناس الرجل فلم يجدوه ، حتى قال بعضهم : غرنا ابن أبي طالب من إخواننا حتى قتلناهم. قال : فدمعت عين علي فدعى بدابته فركبها فانطلق حتى أتى وهدة فيها قتلى بعضهم على بعض ، فجعل يجر بأرجلهم حتى وجد الرجل تحتهم ، فأخبروه فقال علي : الله أكبر وفرح. وفرح الناس ورجعوا ، وقال علي : لا أغزو العام. ورجع إلى الكوفة ، وقتل رحمه‌الله ، واستخلف حسن ، وسار سيرة أبيه ، ثم بعث بالبيعة إلى معاوية.


وقال في ج ١ ص ٣٧٠ :

حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا عوف ، حدثنا محمد بن سيرين ، حدثنا عبيدة السلماني قال : لما كان حيث أصيب أهل النهروان.

قال لنا علي : ابتغوا فيهم ، فإنهم إن كانوا القوم الذين ذكرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن فيهم رجلا مخدج اليد ، أو مثدن اليد ، قال : فابتغيناه فوجدناه ، فدعوناه إليه ، فقام عليه فقال : الله أكبر لولا أن تبطروا لحدثتكم ما قضى الله على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمن قتل هؤلاء. قال : قلت : أنت سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة ، قال : فبلغ ذلك بعض أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأنها حسدته على ذلك ، قال عوف : عمدا أمسكت عنها.

حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا عبد الرحمن بن العريان الحارثي ، حدثنا الأزرق بن قيس ، عن رجل من عبد القيس ، قال :

شهدت عليا يوم قتل أهل النهروان قال : قال علي حين قتلوا : علي بذي الثدية ، أو المخدج ، ذكر من ذلك شيئا لا أحفظه ، قال : فطلبوه فإذا هم بحبشي مثل البعير في منكبه مثل ثدي المرأة ، عليه قال عبد الرحمن أراه قال شعر ، فلو خرج وروح إنسان من الفرح لخرج روح علي يومئذ ، قال : صدق الله ورسوله. من حدثني من الناس أنه رآه قبل مصرعه هذا فأنا كذاب.

حدثنا القواريري ، حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن محمد ، عن عبيدة ، قال : ذكر علي أهل النهروان قال : فيهم رجل مودن اليد ، أو مثدن اليد ، أو مخدج اليد لو لا أن تبطروا لأنبأتكم ما وعد الله الذين يقتلونه على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قلت : أنت سمعته منه؟ قال : إي ورب الكعبة.


وقال في ص ٣٧٢ :

حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثني أبي ، عن إسماعيل بن مسلم ، حدثنا أبو كثير مولى الأنصار قال : كنت مع سيدي علي بن أبي طالب حين قتل أهل النهروان ، قال : فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم ، قال : فقال علي : يا أيها الناس ، إن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فلا يرجعون فيه حتى يرجع السهم على قومه ، وآية ذلك أن فيهم رجلا مخدج اليد ، إحدى يديه كثدي المرأة لها حلمة كحلمة ثدي المرأة ، إن بها سبع هلبات فالتمسوه ، فإني أراه فيهم ، فالتمسوه فوجدوه على شفير النهر تحت القتلى ، فأخرجوه فكبر علي وقال : الله أكبر ، صدق الله ورسوله. وآية ذلك متقلد قوسا له عربية فأخذها بيده ثم جعل يطعن بها في مخدجته ويقول : الله أكبر ، صدق الله ورسوله ، صدق الله ورسوله ، وكبر الناس حين رأوه واستبشروا وذهب عنهم ما كانوا يجدون.

حدثنا عبيد الله بن عمر ، حدثنا خالد بن الحارث ، حدثنا ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة ، أنه قال : لا أحدثك إلا ما سمعت منه يعني عليا قال : لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : قلت : أنت سمعته من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إي ورب الكعبة ثلاث مرات ، فيهم رجل مخدج ، أو مثدن اليد ، قال : أحسبه قال : ومودن اليد. قال : فطلبوا ذلك الرجل فوجدوا من هاهنا ومن هاهنا مثل ثدي المرأة عليه شعرات. قال محمد : فحلف لي عبيدة ثلاث مرات أنه سمع من علي ، وحلف علي ثلاث مرات أنه سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال في ص ٣٧٤ :

حدثنا عبيد الله بن عمر ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا جميل بن مرة ، عن أبي


الوضيء ، قال : شهدت عليا حيث قتل أهل النهروان ، قال : التمسوا المخدج. قال : فطلبوه في القتلى فقالوا : ليس نجده ، فقال : ارجعوا فالتمسوه ، فو الله ما كذبت ولا كذبت. فرجعوا فطلبوه ، ثم ردد مثل ذلك مرارا : ما كذبت ولا كذبت فانطلقوا ، فوجدوه تحت قتلى في طين فاستخرجوه فجيء به ، قال : قال أبو الوضيء : فكأني أنظر إليه حبشي عليه قرطق ، إحدى يديه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع.

حدثنا أبو خيثمة ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن محمد ، عن عبيدة ، عن علي ، قال ذكر الخوارج فقال : فيهم رجل مخدج اليد ، أو مودن اليد ، أو مثدن اليد لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد. قال : قلت : أنت بالله أخبرتكم أنه منهم؟ قالوا : نعم. قال : فأخبرتموني أنه ليس منهم فحلفت لكم أنه منهم؟ قالوا : نعم ، فأتيتموني تسحبونه كما نعت لكم؟ قالوا : نعم. قال : صدق الله ورسوله.

وقال في ص ٤٢١ :

حدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا حماد ، حدثنا جميل بن مرة ، عن أبي الوضيء ، قال : كنا مع علي حين قتل أهل النهروان ، قال : التمسوا لي المخدج ، فانطلق القوم فلم يجدوه. قال : ارجعوا فالتمسوه ، فانطلقوا ، فلم يجدوه. قال : ارجعوا فالتمسوه فو الله ما كذبت ولا كذبت. قال : فانطلقوا ، فاستخرجوا من تحت القتلى في طين ، فجاءوه به فكأني أنظر إليه حبشي عليه قرطق إحدى يديه مثل حلمة المرأة ، عليه شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ٢٩ ص ٨٠ ط دار الفكر) قال في ترجمة أبي عمر ابن العلاء :


حدث عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، عن علي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يخرج قوم فيهم رجل مودن اليد أو مثدون اليد أو مخدج اليد ، ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال عبيدة : قلت لعلي : أنت سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة ، إي ورب الكعبة.

ومنهم الحافظ الشيخ زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله الشامي المصري المتوفى سنة ٦٥٦ في «مختصر سنن أبي داود» (ج ٧ ص ١٤٨ ـ ١٥٧ ط دار المعرفة ـ بيروت)

ذكر أحاديث الباب وشرحها.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو ياسر عصام الدين بن غلام حسين في «التصنيف الفقهي لأحاديث كتاب الكنى والأسماء» للدولابي (ج ٢ ص ٦٨٠ ط دار الكتاب المصري بالقاهرة ودار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

وذكر أحمد بن سنان المروزي ، قال : حدثني أبو عصمة أحمد بن عبد ربه ، قال : حدثنا خارجة بن مصعب ، قال : أخبرني أبي أنه شهد عليا يوم النهر فقال : اطلبوا ذا العضيدة.

ورواه أيضا في ص ٧٤٠ مثله.

وقال في ذيله : الكنى والأسماء ٢ / ٣٢.

ومنهم الشيخ أبو الفضل الحويني الأثري في «جمهرة الفهارس» (ص ١٦١ ط دار الصحابة بطنطا) قال :

لما قتل علي أهل النهروان ركب بغلة ١٦١


ومنهم الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي في «مسند علي بن أبي طالب» عليه‌السلام (ج ١ ص ١٦٩) قال :

عن علي رضي‌الله‌عنه قال : كنت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس عنده أحد إلا عائشة فقال : أي علي كيف أنت وقوم يخرجون بمكان كذا وكذا ـ وأومأ بيده نحو المشرق ـ يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم أو تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، فيهم رجل مخدج اليد كأن بيده ثدي حشفة حبشية.(ش ، وابن راهويه ، والبزار ، وابن أبي عاصم ، وابن جرير ، عم ، ع).

ومنهم الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي المتوفى سنة ٧٤٢ في كتابه «تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» (ج ٧ ص ٣٩٤ ـ ط بيروت) قال :

حديث ، قال علي : اطلبوا المخدج .. الحديث. د في السنة ٣١ / ٧ عن محمد بن عبيد بن حساب ، عن حماد بن زيد ، عن جميل بن مرة ، عنه به.

عباد بن أبي يزيد ويقال : ابن يزيد الكوفي ، عن علي.

ومنهم عدة من الفضلاء المعاصرين في «فهرس أحاديث وآثار المصنف» للشيخ عبد الرزاق الصنعاني (ج ٢ ص ٦٩٣ ط عالم الكتب ـ بيروت) قالوا :

لما قتل علي رضي‌الله‌عنه الحرورية الحسن اللقطة ١٨٦٥٦ ١٠ / ١٥٠

ومنهم العلامة أبو الفرج معافى بن زكريا النهرواني الجريري المتوفى سنة ٣٩٠ في كتابه «الجليس الصالح الكافي» (ج ١ ص ٥٥٨ ط بيروت سنة ١٤٠١) قال :

مناظرة ابن عباس للحرورية :

حدثنا علي بن محمد بن الجهم ، أبو طالب الكاتب ، قال : حدثني أبو عبد الله


أحمد بن يوسف بن الضحاك الفقيه ، قال : حدثنا عمر بن علي الفلاسي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سدي ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : حدثني أبو زميل ، قال : حدثني عبد الله بن عباس ، قال : لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار ، وكانوا ستة آلاف ، فقلت لعلي : يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة لعلي أكلّم هؤلاء القوم ، فقال : إني أخافهم عليك ، قلت : كلا ، فلبست أحسن ما يكون من اليمنة وترجلت ودخلت عليهم في دار نصف النهار وهم يأكلون ، فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، فما جاء بك؟ فقلت لهم : أتيتكم من عند أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمهاجرين والأنصار ، ومن عند ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصهره ، وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد لأبلغكم ما يقولون وأبلغهم ما تقولون ، فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا فإن الله عزوجل قال : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) فانتحى لي نفر منهم فقالوا : لنكلمه ، فقلت : هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابن عمه ، قالوا : ثلاثا ، قلت : ما هن؟ قالوا : أما إحداهن فإنه حكم الرجال في أمر الله تعالى ، وقد قال الله عزوجل : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) ما شأن الرجال والحكم؟ قلت : هذه واحدة ، قالوا : وأما الثانية فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم ، فإن كانوا كفارا فقد حلّ سباهم وقتالهم ، ولئن كانوا مؤمنين فما حلّ قتالهم ولا سباهم ، قلت : هذه ثنتان فما الثالثة؟ قالوا : إنه محا نفسه من إمرة المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ، قال : قلت : هل عندكم من غير هذا؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت : أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يرد قولكم هذا ترجعون؟ قالوا : نعم.

قلت : أما قولكم حكم الرجال في أمر الله تعالى ، فأنا أقرأ عليكم من كتاب الله عزوجل أن قد صير الله عزوجل حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم ، وأمر الله عزوجل الرجال أن يحكموا في أرنب ، قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا


عَدْلٍ مِنْكُمْ) وكان من حكم الله عزوجل أنه صيره إلى الرجال يحكمون فيه ولو شاء لحكم فيه فجاز حكم الرجال ، أنشدكم بالله أحكم الرجال في صلاح ذات البين وحقن دمائهم أفضل أم حكمهم في أرنب؟ وفي المرأة وزوجها : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) ، نشدتكم الله فحكم الرجال في إصلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل أم حكمهم في بضع امرأة؟ أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم.

وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم أفتسبون أمكم عائشة فتستحلون منها ما تستحلون من غيرها وهي أمكم ، فإن قلتم : إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها لقد كفرتم ، ولئن قلتم ليست بأمنا لقد كفرتم بالله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) فأنتم بين ضلالتين فأتوا منهما مخرجا ، أخرجت من هذا؟ قالوا : نعم.

وأما قولكم محا نفسه من إمرة المؤمنين فأنا آتيكم بما ترضون به ، إن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية صالح المشركين فقال لعلي : أكتب يا علي : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله. قالوا : لا نعلم أنك رسول الله ، ولو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : امح يا علي ، اللهم إنك تعلم أني رسول الله ، امح يا علي واكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، وو الله لرسول الله خير من علي لقد محا نفسه ، ولم يكن محوه ذلك يمحوه من النبوة ، أخرجت من هذه؟ قالوا : نعم ، فرجع منهم ألفان وخرج سائرهم فقتلوا على ضلالة ، قتلهم المهاجرون والأنصار.

ومنهم الشريف كمال يوسف الحوت في «تهذيب خصائص النسائي» (ص ١٠٤ ط بيروت) قال :

أخبرنا عمر بن علي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا عكرمة


ابن عمار ، قال : حدثنا أبو زميل ، قال : حدثني عبد الله بن عباس ، قال : لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دارهم وكانوا ستة آلاف ، فقلت لعلي رضي‌الله‌عنه : يا أمير المؤمنين ، أبرد بالظهر لعلي آتي هؤلاء ـ فذكر مثل ما تقدم عن «الجليس الصالح».

وقصة الخوارج ذكرها جماعة كثيرة في كتبهم :

فمنهم الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى سنة ٤٥٨ في «الإعتقاد على مذهب السلف» (ص ٢١٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

ومنهم العلامة الشريف السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني الموسوي الشافعي الشهرزوري المدني المتوفى بها سنة ١١٠٣ في كتابه «الإشاعة لأشراط الساعة» (ص ١٩ ط دار الكتب العلمية في بيروت)

ومنهم الفاضل بطرس البستاني الماروني اللبناني في «أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام» (ص ٢٦٢ ط دار مارون عبّود ـ بيروت)

ومنهم الدكتور عبد الرحمن عميرة في كتابه «رجال أنزل الله فيهم قرآنا» (ج ٤ ص ١٠٢ ط دار الجيل ـ بيروت)

فذكر قصة الخوارج.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٧٦ و ٨٠ و ٥٤٧ ومواضع أخرى ط دار الجيل في بيروت)

ومنهم الفاضل المعاصر محمد ولي الله عبد الرحمن الندوي في «نبؤات الرسول ما تحقق منها وما يتحقق» (ص ١١٠ ط دار السّلام)


ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٢٣٠ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عامر النجار في «الخوارج عقيدة وفكرا وفلسفة» (ص ٣٩ ط دار عالم الكتب في بيروت سنة ١٤٠٦)

ومنهم العلامة الشيخ محمد علي الصابوني المكي الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة في «روافع البيان تفسير آيات الأحكام» (ج ٢ ص ٥٣٥ ط عالم الكتب في بيروت سنة ١٤٠٦)

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في «تاريخ العرب» (ج ٣ ص ٢٣٦ ط دار الأندلس ـ بيروت)

ومنهم الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ١٨٦ ط القاهرة)

فذكر قصة الخوارج.

ومنهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة ١٢٠٦ بالدرعية في «مختصر سيرة الرسول (ص)» (ص ٢١٧ ط دار القلم ـ بيروت)

ومنهم العلامة السيد صديق حسن خان القنوجي في «إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة» (ص ٣٧ ط ١ عام ١٤١١) قال :

وإن الخارجين على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، المحاربين له ، المصرين على ذلك ، الذين لم تصح توبتهم ، بغاة وأنه المحق وهم المبطلون.


ومنهم الدكتور محمد رواس قلعه جي في «موسوعة فقه إبراهيم النخعي» (ج ١ ص ٢٠ ط بيروت)

ذكر قتاله عليه‌السلام الخوارج في النهروان.

ومنهم الدكتور أحمد الحصري أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر في «الدولة وسياسة الحكم في الفقه الإسلامي» (ج ٢ ص ٣١٣ ط مكتبة الكليات الأزهرية ـ القاهرة)

ذكر قتاله الخوارج. وذكر القوم أيضا في ص ١٥٧.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور صابر طعيمة في «دراسات في الفرق» (ص ١٤٣ ط مكتبة المعارف في الرياض)

فذكر الخوارج.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور أحمد حجازي السقافي «الخوارج الحروريون» (ص ١٠ ط مكتبة الكليات الأزهرية ـ القاهرة).

ذكر الخوارج.

ومنهم الفاضلة المعاصرة ليلى مبروك في كتابها «علامات الساعة الصغرى والكبرى» (ص ٣٣ ط المختار الإسلامي ـ القاهرة)

فذكرت الخوارج.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو تراب الظاهري في «شواهد القرآن» (ج ٢ ص ٢١٢ ط ١ جده ـ النادي الأدبي الثقافي)


ذكر من دعاء الإمام علي عليه‌السلام على الخوارج.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى برة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ١٥١ ط دار القلم ـ دمشق)

ذكر الخوارج.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ في مواضع كثيرة ط مكتبة غريب الفجالة)

ذكر الخوارج.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو اليقظان عطية الجبوري الأستاذ المساعد بجامعة بغداد في «دراسات في التفسير ورجاله» (ص ٥٨ ط ٣ دار الندوة الجديدة ـ بيروت)

ذكر الخوارج.

ومنهم الدكتور أبو الوفاء الغنيمي التفتازاني أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة في «علم الكلام وبعض مشكلاته» (ص ٣٢ ط دار الثقافة للنشر والتوزيع ـ القاهرة)

ذكر الخوارج.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الوهاب النجار في «الخلفاء الراشدون» (ص ٤٥١ ط ١ دار القلم ـ بيروت)

ذكر الخوارج.

ومنهم الأستاذ منّاع بن خليل القطان في «تاريخ التشريع الإسلامي» (ص ٢٨٨ ط دار المريخ ـ الرياض)


ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور حسن محمود الشافعي في «المدخل إلى دراسة علم الكلام» (ص ٦٢ ط المطبعة الفنية)

ومنهم الفاضل المعاصر خالد محمد خالد في كتابه «في رحاب علي عليه‌السلام» (ص ١٧٦ ط دار المعارف بمصر ودار المعارف بلبنان)

ذكر قصة الخوارج بالتفصيل.

ومنهم الفضلاء المعاصرون الأساتذة بكلية الشريعة في «تفسير آيات الأحكام» (ص ٨٨ ط مطبعة محمد علي صبيح بإشراف الأستاذ الشيخ محمد علي السائس المدرس بكلية الشريعة الإسلامية)

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمود محمد الطنطاوي في «المدخل إلى الفقه الإسلامي» (ص ٩٧ و ١٠٣ ط دار التوفيق النموذجية للطباعة ـ الأزهر)

ومنهم تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم المشتهر بابن تيمية الحراني المتوفى سنة ٧٢٨ في «الفتاوى الكبرى» (ج ١ ص ١٩١ ـ ط دار الكتب العلمية في بيروت)

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري ابن الشيخ عفيفي الباجوري المفتش بوزارة الأوقاف في «إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء» (ص ١٩٢ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر)

ومنهم العلامة محمد بن حسن الآلاني الكردي المتوفى سنة ١١٨٩ في «رفع الخفا شرح ذات الشفا» (ج ٢ ص ٢٦٤ ط عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية)

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور مصطفى الشكعة في «إسلام بلا مذاهب» (ص ١٢١ ط ٨ الدار المصرية اللبنانية ـ القاهرة)


ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٥ ص ١٢٤ ط دار الكتب العلمية بيروت)

ذكر قصة الخوارج بالتفصيل.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٨٦ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان)

ذكر قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان وإخباره عن ذي الثدية وغير ذلك.

ومنهم نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي في «تاريخ الشعوب الإسلامية» والأصل لكارل بروكلمان الألماني (ص ١١٩ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فذكرا الخوارج.

ومنهم العلامة القاضي نشوان بن سعيد الحميري اليمني المتوفى سنة ٥٧٣ في «شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم» (ج ١ ص ٤٥٥ ط عالم الكتب ـ بيروت)

فذكر الخوارج.

ومنهم الدكتور عبد السّلام الترمانيني في «أحداث التاريخ الإسلامي بترتيب السنين» (ج ١ ص ١٢٥ ط الكويت)

فذكر الخوارج.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في «موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف» (ج ١١ ص ٤١٨ ط عالم التراث للطباعة والنشر ـ بيروت) قال :


الخوارج يمرقون من الدين.

ومنهم العلامة الشيخ كمال الدين أحمد بن الحسن بن يوسف البياضي الحنفي في «إشارات المرام» (ص ٣٢١ ط القاهرة) قال :

مفاوضة علي للخوارج :

أخذ أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه في مفاوضتهم لعلهم يرجعون عن رأيهم ، فأرسل إليهم عبد الله بن عباس فناقشهم ، واقتنع كثير منه بحجته ، فرجعوا عن رأيهم وبقي آخرون منهم على رأيهم ، فرأى أن يخرج إليهم بنفسه ، وقال لهم : أيها القوم ، ما ذا نقمتم مني حتى فارقتموني لأجله؟

فذكروا أمورا منها أنه أباح لهم يوم الجمل الأموال ، ولم يبح النساء والذراري ، فاعتذر لهم بأنه أباح الأموال بما أخذوه من بيت المال بالبصرة ، وأما النساء والذراري فمسلمون ولم يكونوا محاربين ، ولا ذنب لهم ، ثم قال لهم : لو أبحت لكم النساء ، فمن منكم كان يأخذ عائشة أم المؤمنين في قسمه؟ فلما سمعوا ذلك خجلوا ، وما زال علي رضي‌الله‌عنه يقيم عليهم الحجة تلو الحجة حتى استأمن إليه منهم ثمانية آلاف ، وثبت أربعة آلاف منهم على خلافه وقتاله ، فقال للذين استأمنوا إليه امتازوا اليوم مني جانبا ، وقال لأصحابه : لا يقتل منا عشرة ولا ينجو منهم عشرة ، واشتغل الفريقان بالقتال ، فكان الأمر على ما قال علي رضي الله تعالى عنه ، ولم يبق من جملة الخوارج إلا تسعة تفرقوا في بعض البلاد.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد نوري الشيخ رشيد الصوفي النقشبندي الديرشوي المرجي في كتابه «ردود على شبهات السلفية» (ص ٢٤٦ ط مطبعة الصباح سنة ١٤٠٨) قال :

الخوارج شرار الخلق ـ وفيه ذم ابن تيمية أيضا.


ومنهم الحافظ المحدث الشيخ أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في كتاب «المسند» (ج ١ ص ٣١ ط عالم الكتب في بيروت) قال :

حدثنا الحميدي ، ثنا عبد الملك بن إبراهيم ، ثنى إسماعيل بن مسلم العبدي ، ثنا أبو كثير قال : كنت مع سيدي علي بن أبي طالب حين قتل أهل النهروان ، فكان الناس قد وجدوا في أنفسهم من قتلهم ، فقال علي : أيها الناس إن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثني أن ناسا يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ، ولا يعودون فيه أبدا ، ألا وإن آية ذلك أن فيهم رجلا أسود مجدع اليد إحدى يديه كثدي المرأة لها حلمة كحلمة المرأة ، قال : وأحسبه قال : حولها سبع هلبات فالتمسوه فإني لا أراه إلا فيهم ، فوجدوه على شفير النهر تحت القتلى ، فقال : صدق الله ورسوله ، وإن عليا لمتقلد قوسا له عربية يطعن بها في مخدجته قال : ففرح الناس حين رأوه واستبشروا وذهب عنهم ما كانوا يجدون.

ومنهم العلامة الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي الحنفي المتوفى سنة ٧٣٩ في «الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان» (ج ٧ ط بيروت)

ذكر أحاديث الخوارج المارقة في ج ٧ ص ١٤ و ١٥٩ وج ٨ ص ٢٦٠ وج ٩ ص ٤٦ ومواضع أخرى.

ومنهم عدة من الفضلاء في «فهرس أحاديث وآثار المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري (القسم الأول ص ٤١٥ ط عالم الكتب ـ بيروت)

ذكروا حرب النهروان وطلب الإمام عليه‌السلام المخدج ـ ذا الثدية.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد زكي صفوت وكيل كلية دار العلوم جامعة القاهرة سابقا في «جمهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة» (ج ١ ص ٤٢٢ ط المكتبة العلمية ـ


بيروت)

ذكر مكاتبته عليه‌السلام الخوارج.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد الكريم عثمان في كتابه «معالم الثقافة الإسلامية» (ص ٦٦ ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت) قال :

فقد أرسل إليهم [الخوارج] علي رضي‌الله‌عنه كتابا يقول فيه : كونوا حيث شئتم بيننا وبينكم ألّا تسفكوا دما حراما ولا تقطعوا سبيلا ولا تظلموا أحدا فإن فعلتم نذر الحرب لا نبدأ بقتال ما لم تحدثوا فسادا.

ومنهم صاحب كتاب «الأنوار اللمعة في الجمع بين الصحاح الستة» (ق ٦٩ مصورة من مكتبة أياصوفيا باسلامبول) قال :

أيضا حدث زيد بن وهب الجهني أنه كان في الجيش الذي كانوا مع علي عليه‌السلام الذين ساروا على الخوارج ، فقال علي عليه‌السلام : أيها الناس إني سمعت رسول الله «ص» يقول : يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس قراءتكم على قراءتهم بشيء ـ الحديث.

وروى أيضا حديث عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن الحرورية لما خرجت ـ الحديث.

ومنهم العلامة أبو بكر محمد بن جعفر السامري الحنفي في «فضيلة الشكر على نعمته» (ص ٥٥ ط دار الفكر بدمشق) قال :

حدثنا علي بن حرب ، قال : حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد الثوري ، عن محمد بن قيس الهمداني ، قال : سمعت أبا موسى الهمداني : رأيت عليا وهم يطلبون المخدج وهو يعرق ويقول : ما كذبت ولا كذبت ، فلما وجده خرّ


ساجدا.

ومنهم العلامة أحمد بن الحسين البيهقي في «دلائل النبوة» (ج ٥ ص ١٨٤ ـ ١٨٩ وج ٦ ص ٤٢٤ ـ ٤٣١ ومواضع أخرى ط دار الكتب العلمية بيروت) ذكر قول قائلهم :

يا محمد ، اعدل. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل. وأخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ويمرقون من الدين ، وإن فيهم ذا الثدية ويقتلهم أولى الطائفتين بالحق.

ومنهم المحدث الخبير نبيط بن شريط الأشجعي في «الأحاديث الموضوعة» (ص ٥٣ ط دار الصحابة للتراث في طنطا)

ذكر الخوارج المارقين الضالين وأوصافهم وفيهم ذو الثدية.

ومنهم العلامة المتكلم أبو المظفر عماد الدين شاهفور بن طاهر بن محمد الإسفراييني الشافعي الأشعري في «التبصير في الدين» (ص ٤٣ ط بيروت)

ذكر الخوارج وسيئات أعمالهم.

ومنهم المولوي علي بن سلطان محمد القاري في «شرح الشفاء للقاضي عياض» المطبوع بهامش «نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض» (ج ٣ ص ١٧٨ ط دار الفكر ـ بيروت)

فذكر الخوارج.

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٥٨٧ ط بيروت سنة ١٤٠٧)


فذكر أحوال الخوارج ومروقهم من الدين.

ومنهم العلامة أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي الشامي في «شرح صحيح مسلم» (ص ٣٤٢ ط نول كشور في لكهنو)

فذكر الخوارج.

ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد الخفاجي المصري في «نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض» (ج ٣ ص ١٧٨ ط دار الفكر ـ بيروت)

فذكر الخوارج وضلالهم وأن فيهم المخدج.

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف كمال يوسف الحوت في «تهذيب خصائص النسائي» (ص ٩٢ ـ ١٠٩ ط بيروت)

ذكر أحاديث الباب.

ومنهم الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٢ ص ٤٧٥ وج ٤ ص ١١٨ و ١٤٥ و ٢٧٥ و ٢٧٧ و ٢٨٠ و ٢٨١ و ٢٨٣ إلى ص ٣٠٠ وص ٤٩٢ و ٥١٨ وج ٥ ص ١٦ و ٢٤٢ و ٢٤٧ و ٢٩٥ وج ٦ ص ١٤١ ومواضع أخرى):

ذكرا أحاديث الباب من مروقهم عن الدين واعتراضهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخروجهم على الوصي صلوات الله عليه وغير ذلك.

ومنهم الشيخ أبو عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن حنبل المتوفى سنة ٢٩٠ في كتابه «السنة» (ط دار الكتب العلمية في بيروت سنة ١٤٠٥)

ذكر الخوارج في ص ٢٦٧ و ٢٦٨ إلى ص ٢٨٥ بأنهم شر الخلق ويقتلهم خير


الخلق وأولاهم بالحق ، وهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، وفيهم رجل مثدون اليد ـ إلى غير ذلك.

ومنهم العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في «الأدب المفرد» (ص ٢٠١) قال :

إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر أنهم يمرقون من الدين كالسهم ويقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ـ وغير ذلك.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد فؤاد عبد الباقي في «اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان» (ج ١ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ ط المكتبة العلمية ـ بيروت)

ذكر قصة ذي الخويصرة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنهم يمرقون من الدين أينما لقيتموهم فاقتلوهم وأنهم شر الخلق ـ وغير ذلك.


مستدرك

إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن الخوارج المارقة

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٤ ص ٩٩ وج ٦ ص ٦٤ وج ٧ ص ٢٦٤ وج ٨ ص ٨٨ و ٩٠ و ٩٣ و ١٠٧ و ١٤٩ و ٤٧٥ وج ١٨ ص ١٠ و ١٢٦ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله الشهير بابن العديم المتوفى سنة ٦٦٠ في كتابه «بغية الطلب في تاريخ حلب» (ص ٢٨٨ ط معهد تاريخ العلوم العربية بالتصوير في فرانكفورت سنة ١٤٠٦) قال :

أخبرنا أبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني في كتابه إلينا من مرو ، قال : أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفزاري قراءة عليه ـ حيلولة ـ ، وأنبأنا أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر بن الصفار ، قال : أخبرنا الشيخان أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري قراءة عليه وأبو البركات عبد الله بن محمد بن المفضل الفراوي إجازة ، قال أبو الأسعد : أخبرنا أبو محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري قراءة عليه ، وقال أبو البركات : أخبرنا أبو عمرو عثمان بن


محمد بن عبد الله المحمي ، قالا : أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفرائني ، قال : أخبرنا خالي الإمام الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائني ، قال : حدثنا أبو الأزهر ، قال : حدثنا أسد بن موسى ـ حيلولة ـ ، قال أبو عوانة : وأخبرنا حمدان بن علي ، قال : حدثنا محمد بن محبوب ـ حيلولة ـ ، قال : وحدثنا أحمد بن يحيى بن أبي زنبر الصوري ، قال : حدثنا الهيثم بن جميل ـ حيلولة ـ ، قال : وحدثنا الصغاني ، قال : حدثنا عفان كلّهم عن أبي عوانة ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون في أمتى فرقتان يخرج بينهما مارقة يقتلهم أولاهما بالحقّ.

وقال أبو عوانة الإسفرائني : حدثنا ابن أبي رجاء ، قال : حدثنا وكيع ـ حيلولة ـ ، وقال : حدثنا ابن المبارك ، قال : قال : حدثنا يونس بن محمد ، قال : حدثنا القاسم بن الفضل ـ حيلولة ـ ، وقال : حدثنا أبو الأزهر ، قال : حدثنا عبد الملك الحري ـ حيلولة ـ ، قال : وحدثنا يونس بن حبيب ، قال : حدثنا أبو داود ـ حيلولة ـ ، قال : وحدثنا الصغاني ، قال : حدثنا يونس بن محمد وعفان ـ حيلولة ـ ، قال : وحدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا أبو نعيم وعبيد الله ، قالوا : حدثنا القاسم بن الفضل الحدّاني عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق.

وقال أبو عوانة : روى أبو أحمد الزئيري ، عن سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن الضحاك المشرفي ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث ذكر فيه قوما يخرجون على فرقة مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق.

قال : رواه مسلم عن القواريري عن أبي أحمد. ه ـ.

وقال أيضا في ص ٢٩٣ :

أخبرنا أبو الحسن علي بن محمود الصابوني كتابة ، قال : أنبأنا أبو محمد بن أحمد


النحوي ، قال : أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسن ، قال : أخبرنا الحسن بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا إبراهيم بن الحسين ، قال : حدثنا سعيد بن كثير بن عفير ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن ابن هبيرة ، عن حنش الصنعاني ، قال : جئت إلى أبي سعيد الخدري وقد عمى ، فقلت : أخبرني عن هذه الخوارج؟ فقال : تأتوني فأخبركم ثم ترفعون ذلك إلى معاوية فيبعث إلينا بالكلام الشديد ، فقال له حنش : تعال مرحبا بك يا حنش المصري [كذا] سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج ناس يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر في نصله فلا ترى شيئا وتنظر في قذذه فلا ترى شيئا سبق الفرث والدم ، يصلي بقتالهم أولى الطائفتين بالله. قال حنش : فإن علي بن أبي طالب عليه‌السلام صلّى بقتالهم قال : وما يمنع عليا أن يكون أولى الطائفتين بالله عزوجل.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٣ ص ٣٤٠ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

روى جابر ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجعرانة وهو يقسم الغنائم والتبر وهو في حجر بلال ، فقام رجل فقال : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن هذا في أصحاب له ، وإن أصحابا لهذا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.

قال مؤلف الكتاب : وهذا الرجل يعرف بذي الخويصرة.

ومنهم الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني المتوفى سنة ٣٦٠ في «المعجم الكبير» (ج ١١ ص ٢٨٠ ط مطبعة الأمة ببغداد) قال :


حدثنا معاذ بن المثنى ، ثنا مسدد (ح). وحدثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح المصري ، ثنا يوسف بن عدي ، قالا : ثنا أبو الأحوص ، ثنا سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.

وقال أيضا في ص ٢٩٢ :

حدثنا معاذ بن المثنى ، ثنا مسدد ، ثنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليقرأن القرآن أقوام ـ فذكر الحديث كما تقدم بعينه.

وقال أيضا في ج ١٢ ص ٣٦٣ :

حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ، ثنا حرملة بن يحيى ، ثنا ابن وهب ، أخبرني عمر بن محمد ، عن أبيه ، عن ابن عمر ـ وذكر الحرورية فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فذكر الحديث كما تقدم.

ومنهم الحافظ أبو العلي محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري الهندي المتوفى سنة ١٣٥٣ في «تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي» (ج ٦ ص ٤٢٥ ط دار الفكر في بيروت)

فذكر الحديث وشرحه.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو ياسر عصام الدين بن غلام حسين في «التصنيف الفقهي لأحاديث كتاب الكنى والأسماء» للدولابي (ج ٢ ص ٦٧٩ ط دار الكتاب المصري بالقاهرة ودار الكتاب اللبناني ـ بيروت) قال :

حدث محمد بن محبوب بن منصور ، قال : حدثنا يحيي بن عقبة ، عن حسان بن


زيد أبي الغصن ، حدثني عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني هدبة بن خالد ، قال : حدثنا ديلم أبو غالب ، عن ميمون الكردي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : تمرق مارقة في فرقة من المسلمين تقتلها أولى الطائفتين بالحق.

وقال في ص ٦٨١ :

حدثني أبو شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عبيد الله موسى ، قال : أنبأ سويد بن نجيح أبو قطبة ، عن يزيد الفقير ، قال : قرأت القرآن وأنا غلام شاب فأتاني نفر من الخوارج يدعونني إلى أمرهم ، فقضى أني حججت معهم فقالوا : هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثه ينقض بعضه بعضا فقمت معهم فإذا أبو سعيد الخدري فقيل : يا أبا سعيد ، إن هاهنا رجالا هم أقرأ بالقرآن ، وذكر من صلاحهم قال : فبيناهم كذلك إذ خرجوا علينا بأسيافهم فقال أبو سعيد : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون في أمتي قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية.

حدثنا أحمد بن يحيى الأودي ، قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا سويد بن نجيح أبو قطبة ، قال : حدثني يزيد الفقير أن أبا سعيد الخدري ، قال : حدثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن قوما يقرؤن القرآن ـ فذكر الحديث كما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ أبو إسحاق الحويني الأثري حجازي بن محمد بن شريف في «تهذيب خصائص الإمام علي» للحافظ النسائي (ص ١١٧ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :


ذكر قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تمرق مارقة من الناس

يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق

أخبرنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا داود عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : تمرق مارقة من الناس يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق.

أخبرنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تكون أمتي فرقتين فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهما أولاهما بالحق.

أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا أبو نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : تفترق أمتي فرقتين ، تمرق مارقة تقتلهم أولى الطائفتين بالحق.

أخبرنا سليمان بن عبيد الله الغيلاني ، قال : حدثنا بهز ، عن القاسم بن الفضل ، قال : حدثنا أبو نضرة ، عن أبي سعيد : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : تمرق مارقة عند فرقة من الناس تقتلهما أولى الطائفتين بالحق.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت أبي ، قال :حدثنا أبو نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر أناسا يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، هم شر الخلق ـ أو هم شر الخلق ـ تقتلهم أولى الطائفتين إلى الحق ، قال : وقال كلمة أخرى ، قلت : ديني دينه ما في ، فقال : وأنتم قتلتموهم أهل العراق.

أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا محاضر بن الورع ، قال : حدثنا الأجلح ، عن حبيب أنه سمع الضحاك المشرقي حديثهم ومعه سعيد بن جبير


وميمون بن شعيب وأبو البختري والوضاح الهمداني والحسن العرني أنه سمع أبا سعيد الخدري ، يروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي قوم يخرجون من هذه الأمة ، فذكر من صلاتهم وزكاتهم وصومهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز القرآن من تراقيهم ، يخرجون في فرقة من الناس ، لقاتلهم أقرب الناس إلى الحق.

ذكر ما خص به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

كرم الله وجهه من قتال المارقين

أخبرنا يونس بن عبد الأعلى والحارث بن مسكين ، قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له ، عن ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري قال : بينما نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقسم قسما ، أتاه ذو الخويصرة ـ وهو رجل من تميم ـ فقال : يا رسول الله أعدل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ومن يعدل إذا لم أعدل ، لقد خبت وخسرت إن لم أعدل ، قال عمر : ائذن لي فيه أضرب عنقه ، قال : دعه فإن له أصحابا يحتقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ، فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو مثل البضعة تدردر ، يخرجون على خير فرقة من الناس. قال أبو سعيد : فأشهد إني سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأشهد أن عليا بن أبي طالب كرم الله وجهه قاتلهم وأنا معه. فأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد ، فأتى به حتى نظرت إليه على النعت الذي نعت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا محمد بن مصفى بن بهلول ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم (ح) وحدثنا


قتيبة ابن سعيد ، وذكر آخر ، قالوا : أخبرنا الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة والضحاك ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقسم ذات يوم قسما ، فقال ذو الخويصرة التميمي : أعدل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ائذن لي حتى أضرب عنقه ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ألا أن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته ، وصيامه مع صيامه ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، حتى إن أحدهم لينظر إلى قذذه فلا يجد شيئا ، سبق الفرث والدم ، يخرجون على خير فرقة من الناس ، آيتهم رجل أدعج أحد يديه مثل ثدي المرأة ، أو كالبضعة تدردر ، وقال أبو سعيد : أشهد لسمعت هذا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أشهد أني كنت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه حين قاتلهم ، فأرسل إلى القتلى ، فأتي به على النعت الذي نعت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ، عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث بن بكير بن عبد الله الأشج ، عن بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن أبي رافع : أن الحرورية لما خرجت وهم مع علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقالوا : لا حكم إلا لله ، قال علي رضي‌الله‌عنه : كلمة حق أريد بها باطل ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء ، يقولون الحق بألسنتهم ، لا يجاوز هذا منهم (وأشار إلى حلقه) من أبغض خلق الله إليهم ، منهم أسود كأن إحدى يديه طي شاة ، أو حلمة ثدي ، فلما قاتلهم علي رضي‌الله‌عنه ، قال : انظروا ، فنظروا فلم يجدوا شيئا ، قال : ارجعوا ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ـ مرتين أو ثلاثا ـ ثم وجدوه في خربة ، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه ، قال عبد الله : أنا حاضر ذلك من أمرهم ، وقول علي رضي‌الله‌عنه.

أخبرنا محمد بن معاوية بن يزيد قال : أخبرنا علي بن هاشم ، عن الأعمش ، عن


خيثمة ، عن سويد بن غفلة ، عن علي رضي‌الله‌عنه يقول : إذا حدثتكم عن نفسي ، فإن الحرب خدعة ، وإذا حدثتكم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البرية ، يقرءون القرآن ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما أدركتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة.

ذكر الإختلاف على أبي إسحاق في هذا الحديث

أخبرنا أحمد بن سليمان والقاسم بن زكريا ، قالا : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سويد بن غفلة ، عن علي رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يخرج قوم في آخر الزمان ، يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، قتالهم حق على كل مسلم.

خالفه يوسف بن أبي إسحاق فأدخل بين أبي إسحاق وسويد بن غفلة عبد الرحمن ابن ثروان.

أخبرني زكريا بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن العلاء ، قال : حدثني إبراهيم بن يوسف ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن أبي قيس الأودي ، عن سويد بن غفلة ، عن علي رضي‌الله‌عنه قال : في آخر الزمان قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، قتالهم حق على كل مسلم ، سيماهم التحليق.

أخبرني أحمد بن بكار الحراني ، حدثنا مخلد ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن إبراهيم بن عبد الأعلى ، عن طارق بن زيادة قال : خرجنا مع علي رضي‌الله‌عنه إلى الخوارج فقتلهم ، ثم قال : انظروا فإن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : سيخرج قوم


يتكلمون كلمة الحق لا يجاوز حلوقهم ، يخرجون من الحق كما يخرج السهم من الرمية ، سيماهم أن فيهم رجلا أسود مخدج اليد ، في يده شعرات سود ، فانظروا إن كان هو فقد قتلتم شر الناس ، وإن لم يكن هو فقد قتلتم خير الناس ، فبكينا ، ثم قال : اطلبوا فطلبنا فوجدنا المخدج ، فخررنا سجودا وخرّ علي رضي‌الله‌عنه معنا ساجدا ، غير أنه قال : يتكلمون كلمة.

أخبرنا الحسن بن مدرك قال : حدثنا يحيى بن حماد قال : أخبرنا أبو عوانة قال : أخبرني أبو سليمان الجهني ، أنه كان مع علي رضي‌الله‌عنه يوم النهروان ، قال : وكنت أصارع رجلا على ذلك فقلت : ما شأن بذلك قال أكلها ، فلما كان يوم النهروان وقتل علي الحرورية ، فخرج على قتلاهم حين لم يجد ذا الثدي ، فطاف حتى وجده في ساقية ، فقال : صدق الله وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال لي : في مسكنه ثلاث شعرات في قبل حلمة الثدي.

قال : أخبرنا علي بن المنذر قال : حدثني أبي ، قال : أخبرنا عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه ، قال : كنت عند علي رضي‌الله‌عنه جالسا إذ دخل رجل عليه ثياب السفر ، وعلي رضي‌الله‌عنه يكلم الناس ، ويكلمونه ، فقال : يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتكلم؟ فلم يلتفت إليه وشغله ما فيه ، فجلس إلى رجل قال له : ما عندك؟ قال : كنت معتمرا فلقيت عائشة ، فقالت : هؤلاء القوم الذين خرجوا في أرضكم يسمون حرورية؟ قلت : خرجوا في موضع يسمى حروراء (تسمى بذلك).

فقالت : طوبى لمن شهد منكم ، لو شاء ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه لأخبركم خبرهم ، فجئت أسأله عن خبرهم ، فلما فرغ علي رضي‌الله‌عنه قال : أين المستأذن؟ فقص عليه كما قص عليها. قال : إني دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس عنده أحد غير عائشة رضي‌الله‌عنها ، فقال لي : كيف أنت يا علي وقوم كذا وكذا؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ثم أشار بيده ، فقال : قوم يخرجون من المشرق ، يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق


السهم من الرمية ، فيهم رجل مخدج ، كأن يده ثدي حبشية ، أنشدكم بالله أخبرتكم به؟ قالوا : نعم ، قال : أنشدكم الله أخبرتكم أنه فيهم؟ قالوا : نعم ، فجئتموني وأخبرتموني أنه ليس فيهم ، فحلفت لكم بالله أنه فيهم ، ثم أتيتموني به تسحبونه كما نعتّ لكم ، قالوا : نعم صدق الله ورسوله.

أخبرنا محمد بن العلاء ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : لما كان يوم النهروان لقي الخوارج فلم يبرحوا حتى شجروا بالرماح (قتلوا جميعا) قال علي رضي‌الله‌عنه : اطلبوا ذا الثدية ، فطلبوه فلم يجدوه ، فقال علي رضي‌الله‌عنه : ما كذبت ، ولا كذبت ، اطلبوه ، فطلبوه فوجدوه في وخدة من الأرض ، عليه ناف من القتلى ، فإذا رجل على يده مثل سبلات السنور ، فكبر علي رضي‌الله‌عنه والناس ، وأعجبهم ذلك.

أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا الفضل بن دكين ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، عن زيد بن وهب ، قال : خطبنا علي بقنطرة الديرخان ، فقال : إنه قد ذكر بخارجة تخرج من قبل المشرق ، وفيهم ذو الثدية ، فقاتلهم ، فقالت الحرورية بعضهم لبعض : فردكم كما يردكم يوم حروراء ، فشجر بعضهم بعضا بالرماح ، فقال رجل من أصحاب علي رضي‌الله‌عنه : قطعوا العوالي (والعوالي الرماح) فداروا واستداروا ، وقتل من أصحاب علي رضي‌الله‌عنه اثنا عشر رجلا ، أو ثلاثة عشر رجلا ، قال : التمسوا المخدج (وذلك في يوم شات) فقالوا : ما نقدر عليه ، فركب علي رضي‌الله‌عنه بغلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الشهباء ، قال : هذه من الأرض ، قالوا : التمسوا في هؤلاء ، فأخرج ، فقال : ما كذبت ، ولا كذبت ، اعلموا ولا تتكلوا ، لو لا أني أخاف أن تتكلوا لأخبرتكم بما قضى الله لكم على لسانه ـ يعني النبي ـ ولقد شهدت أناسا باليمن قالوا : كيف يا أمير المؤمنين؟ قال : هو لهم.


أخبرنا العباس بن عبد العظيم ، قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل ، عن زيد بن وهب ، أنه كان في الجيش الذي كانوا مع علي رضي‌الله‌عنه (الذين ساروا إلى الخوارج) فقال علي رضي‌الله‌عنه : أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : سيخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم ، وهو عليهم ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لا تكلوا على العمل ، وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ، وليس له ذراع ، على أس عضده مثل حلمة ثدي المرأة ، عليه شعرات بيض ، قال سلمة : فنزلني زيد منزلا حتى مررنا على قنطرة ، قال : فلما التقينا وعلى الخوارج عبد الله بن وهب الراسبي ، فقال لهم : ألقوا رماحكم ، وسلوا سيوفكم من جفونها ، فشجرهم الناس برماحهم ، فقتل بعضهم على بعض ، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان ، قال علي كرم الله وجهه : التمسوا فيهم المخدج ، فلم يجدوه ، فقام علي رضي‌الله‌عنه بنفسه حتى أتى ناسا قتلى ، بعضهم على بعض ، قال : صدق الله وبلغ رسوله ، فقام إليه عبيدة اليماني ، فقال : يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال علي رضي‌الله‌عنه : إني والله الذي لا إله إلا هو لسمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (حتى استحلفه ثلاثا) وهو يحلف فيه.

أخبرنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن أبي عدي ، عن ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة قال : قال علي رضي‌الله‌عنه : لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قلت : أنت سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال : إي ورب الكعبة.

أخبرنا إسماعيل بن مسعود ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان بن عوف قال : حدثنا


محمد بن سيرين قال : قال عبيدة السلماني : لما جئت أصيب أصحاب النهروان ، قال علي رضي‌الله‌عنه : أتبعوا فيهم ، فإنهم إن كانوا من القوم الذين ذكرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإن فيهم رجلا مخدج اليد ، أو مثدون اليد ، أو مودون اليد ، وأتيناه فوجدناه ، فدللنا عليه ، فلما رآه قال : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، والله لو لا أن يبطروا (ثم ذكر كلمة معناها) لحدثتكم بما قضى الله على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل هؤلاء ، قلت : أنت سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟

قال : إي ورب الكعبة ـ ثلاثا ـ.

أخبرنا محمد بن عبيد قال : حدثنا عمرو بن قيس الرازي ، عن المنهال بن عمرو ، عن زر بن حبيش ، أنه سمع عليا رضي‌الله‌عنه يقول : أنا فقأت عين الفتنة ، لولا أنا ما قوتل أهل النهروان ، وأهل الجمل ، ولولا أخشى أن تتركوا العمل لأخبرتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم لمن قاتلهم ، مبصرا ضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه.


مستدرك

إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

عن شهادة الإمام علي عليه‌السلام

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٧ ص ٣٣٧ وج ٨ ص ٧٧٩ وج ١٧ ص ٣٤٥ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

وفيه أحاديث :

منها

حديث أنس بن مالك

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الشيخ أبو القاسم ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام علي عليه‌السلام» (ج ٣ ص ٢٦٦ ط بيروت) قال :

أخبرنا أبو الوفا [ء] عمرو بن الفضل [بن أحمد بن] المميز ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الله بن خرشيد قوله ، أنبأنا عمر بن الحسن ،


أنبأنا أبو يعلى المسمعي ، أنبأنا عبد العزيز بن الخطاب ، أنبأنا ناصح بن عبد الله المحلمي ، عن عطا [ء] بن السائب ، عن أنس بن مالك ، قال : مرض علي بن أبي طالب فدخل عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحولت عن مجلسي فجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث كنت جالسا ، وذكر كلاما فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظا ، ولن يموت إلا مقتولا.

أخبرنا أبو غالب بن البنا [ء] ، أنبأنا أبو الغنائم بن المأمون ، أنبأنا أبو الحسن الدارقطني ، أنبأنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن بشر البجلي الكوفي الحرار ، أنبأنا على بن الحسين بن عبيد بن كعب ، أنبأنا إسماعيل بن أبان ، عن ناصح أبي عبد الله ، عن سماك بن حرب ، عن أنس بن مالك ، قال : كان علي بن أبي طالب مريضا فدخلت عليه وعنده أبو بكر وعمر جالسان ، قال : فجلست عنده فما كان إلا ساعة حتى دخل نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحولت عن مجلسي فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى جلس في مكاني وجعل ينظر في وجهه ، فقال أبو بكر أو عمر : يا نبي الله لا نراه إلا لما به ، فقال : لن يموت هذا الآن ، ولن يموت إلا مقتولا.

قال الدارقطني : هذا حديث غريب من حديث سماك ، عن أنس ، تفرد به ناصح ولم يروه عنه غير إسماعيل بن أبان.

ومنها

حديث أبي رافع

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة المذكور في الكتاب (ج ٣ ص ٢٦٩) قال :

أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي ، أنبأنا أبو القاسم ابن مسعدة ، أنبأنا حمزة بن يوسف ، أنبأنا أبو أحمد بن عدي ، أنبأنا محمد بن الحسن بن حفص ، أنبأنا عباد بن


يعقوب ، أنبأنا علي بن هاشم ، عن محمد بن عبيد الله ، عن أبيه عن جده أبي رافع أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أنت تقتل على سنتي.

ومنها

حديث جابر بن سمرة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة المذكور (في ص ٢٦٧ من الكتاب) قال :

أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي ، أنبأنا أبو القاسم ابن مسعدة الجرجاني ، أنبأنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي ، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني ، أنبأنا أحمد بن الحسين الصوفي ، أنبأنا عباد بن يعقوب ، أنبأنا علي بن هاشم ، عن ناصح ـ يعني ابن عبد الله المحلمي ـ عن سماك ، عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : إنك مستخلف ومقتول ، وإن هذه مخضوب من هذه [يعني] لحيته من رأسه.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد ولي الله عبد الرحمن الندوي في «نبؤات الرسول ما تحقق منها وما يتحقق» (ص ١١٣ ط دار السّلام) قال :

أخرج الحميدي في مسنده فقال : حدثنا سفيان ، ثنا عبد الملك بن أعين سمعه من أبي حرب بن أبي الأسود الديلي يحدثه عن أبيه قال : سمعت عليا يقول : أتاني عبد الله بن سلام وقد أدخلت رجلي في الغرز فقال لي : أين تريد؟ فقلت ، العراق فقال : أما إنك إن جئتها ليصبك بها ذباب السيف. فقال علي : وأيم الله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبله يقوله.

درجة الحديث : الحديث صحيح ، صححه الحاكم والذهبي وأشار إلى صحته


الهيثمي كما ذكرت في تخريج الحديث.

تحقق النبوءة : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد استشهد علي كرم الله وجهه بالعراق حين أصاب ذباب سيف الشقي عبد الرحمن بن ملجم سنة أربعين من الهجرة ، وتفصيل ذلك أنه انتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم وهو من حمير والبرك بن عبد الله التميمي وعمرو بن بكير فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ويريحون العباد منهم ، فقال عبد الرحمن بن ملجم : أنا لكم بعلي ، وقال البرك : أنا لكم بمعاوية ، وقال عمرو بن بكير : أنا أكفيكم عمرو بن العاص ، فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من شهر رمضان.

فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريد ولقي عبد الرحمن شبيب بن بجرة الأشجعي فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك ، فلما كانت الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليا في صبيحتها أخذا أسيافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي كرم الله وجهه ، فلما كان الفجر خرج علي رضي‌الله‌عنه من الباب ونادى : أيها الناس الصلاة الصلاة ، فبدره شبيب بسيفه فأخطأه وضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه فقال علي رضي‌الله‌عنه : فزت ورب الكعبة لا يفوتنكم الكلب فأما شبيب فأفلت وأخذ عبد الرحمن ابن ملجم فأدخل على علي كرم الله وجهه فقال : أطيبوا طعامه وألينوا فراشه فإن أعش فأنا أولى بدمه عفوا وقصاصا وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين.

وقال في ذيل الكتاب :

هذا الحديث يتعلق بسيدنا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه رواه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صحابيان هما علي وعمار رضي الله تعالى عنهما.


أما حديث علي رضي‌الله‌عنه.

فخرجه أحمد في مسنده ١ / ١٠٢ بنحوه ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٣٧ رجاله موثقون.

والحميدي في مسنده ١ / ٣٠ (ح ٥٣) بلفظه ورجاله رجال الصحيح غير أبي حرب بن أبي الأسود وهو ثقه. تقريب التهذيب ٢ / ٤١٠.

والبزار في مسنده كما في كشف الأستار ٣ / ٢٠٤ (ح ٢٥٧١) بمثله و ٣ / ٢٠٣ (ح ٢٥٦٨) بنحوه.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٣٣ ط دار الفكر) قال :

وعن أنس بن مالك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : إنك لن تموت حتى تؤمر ، وتملأ غيظا ، وتوجد من بعدي صابرا.

وعن عمران بن حصين قال : مرض علي في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعاده النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعدناه معه ، فقال : يا رسول الله ، ما أرى عليا إلا لما به ، فقال : والذي نفسي بيده لا يموت حتى يملأ غيظا ، ويوجد من بعدي صابرا.

وفي حديث آخر : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظا ، ولن يموت إلا مقتولا.

وقال أيضا في ص ٨٤ :

وعن أنس بن مالك قال : مرض علي بن أبي طالب فدخل عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتحولت عن مجلسي ، فجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حيث كنت جالسا ، وذكر كلاما ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن هذا لا يموت حتى يملأ غيظا ، ولن يموت إلا مقتولا.


ومنهم الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ١٩٤ ط القاهرة) قال :

عن عمار بن ياسر ، قال : كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذات العشيرة ، فلما نزلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقام بها رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل ، فقال لي علي : يا أبا اليقظان ، هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلي ، فاضطجعنا في صور من النخل في دقعاء من التراب فنمنا ، فو الله ما أهبنا إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء ، فيومئذ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : يا أبا تراب لما يرى عليه من التراب. قال : ألا أحدثّكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : أحمير ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه ـ يعني قرنه ـ حتى تبل منه هذه يعني لحيته.

عن عبيد الله بن أنس أو أيوب بن خالد ، أو كليهما ، أخبرنا عبيد الله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال لعلي : يا علي من أشقى الأولين والآخرين؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أشقى الأولين عاقر الناقة ، وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي ، وأشار إلى حيث يطعن.

ومنهم الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن عبد الرحمن العراقي في «شرح الألفية» (ج ٣ ص ٢٤٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

وكان الذي قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أشقى الآخرين كما في حديث صهيب ، وذكر النسائي من حديث عمار بن ياسر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لعلي : أشقى الناس الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذا ـ ووضع يده على رأسه ـ حتى تخضب هذه ـ يعني لحيته ـ وأشرت إلى ذلك بقولي : ذو الشقاء الأزلي.


ومنهم عدة من الفضلاء في «فهرس أحاديث وآثار المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري (القسم ٢ ص ٣٤٥ ط عالم الكتب ـ بيروت) قالوا :

إنك ستضرب ضربة هاهنا معرفة الصحابة / علي ٣ / ١١٣

ومنهم الأستاذ محمد سعيد زغلول في «فهارس المستدرك» للحاكم (ص ٦٩٢ ط بيروت) قال :

إخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتل علي ٣ / ١٣٩

ومنهم الفاضل المعاصر رياض عبد الله عبد الهادي في «فهارس كتاب الموضوعات» لابن الجوزي (ص ٩٢ ط دار البشائر الإسلامية ـ بيروت) قال :

لن يموت هذا الآن .. في فضائل علي ١ / ٤٠٢

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٦٧ ط دار الجيل) قال :

عن عمار بن ياسر ، قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع ، فلما نزلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام بها شهرا فصالح فيها بني مدلج وحلفاءهم من ضمرة فوادعهم ، فقال لي علي رضي‌الله‌عنه : هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء نفر من بني مدلج يعملون في عين لهم فننظر كيف يعملون؟ قال : قلت : إن شئت ، فجئناهم فنظرنا إلى أعمالهم ساعة ثم غشينا النوم فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور من النخل وفي دقعاء من التراب فنمنا فو الله ما أهبنا إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحركنا برجله وقد تربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها فيومئذ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي رضي‌الله‌عنه: ما لك يا أبا تراب؟ لما يرى عليه من التراب. ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس


رجلين؟ قلنا : بلى يا رسول الله. قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذه ـ ووضع يده على قرنه ـ حتى يبل منها هذه وأخذ بلحيته. نعم يا رسول الله صلّى الله عليك هذا المجرم وهو أشقى الناس وكيف لا يكون أشقاها وقد قتل أعلاها.

وقال أيضا في ص ٦١١ :

قال أنس بن مالك : مرض علي فدخلت عليه وعنده أبو بكر وعمر فجلست عنده فأتاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنظر في وجهه فقال له أبو بكر وعمر : يا نبي الله ما نراه إلا ميتا؟ فقال : لن يموت هذا الآن ولن يموت حتى يملأ غيظا ولن يموت إلا مقتولا.


مستدرك

إخباره عليه‌السلام عن شهادة نفسه

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ١٠٩ وج ١٧ ص ٥٥٠ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

وفيه أحاديث :

منها

حديث محمد بن الحنفيّة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضلان الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٥٦٦ ط دمشق) قالا :

عن محمد بن الحنفية : إن عليا عليه‌السلام قال يوما في مجلسه : والله لقد علمت لتقتلنّني ولتخلفنّني ولتكفؤنّ إكفاء الإناء بما فيه ، ما يمنع أشقاكم أن يخضب هذه ـ يعني لحيته ـ بدم من فود هذه ـ يعني هامته ـ فو الله إن ذلك لفي عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليّ ، وليدالنّ عليكم هؤلاء القوم باجتماعهم على أهل باطلهم


وتفرقكم على أهل حقكم حتى يملكوا الزمان الطويل فيستحلوا الدم الحرام والفرج الحرام والخمر الحرام والمال الحرام ـ إلى آخر كلامه عليه‌السلام والصلاة وهو طويل ذكر فيه ملك بني أمية وبنى العباس وبعض الملاحم التي تكون بعده عليه الصلاة والسّلام. وقد أثبتناه بتمامه في كلماته عليه‌السلام.

ومنها

حديث فضالة بن أبي فضالة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الماوردي الشافعي المتوفى سنة ٤٥٠ في «أعلام النبوة» (ص ١٠٦ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

روى فضالة بن أبي فضالة الأنصاري قال : خرجت مع أبي إلى ينبع عائدا لعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وكان بها مريضا فقال له أبي : يا أبا الحسن ، ما يقيمك بهذا البلد لا آمن أمن يصيبك أجلك فلا يكن أحد يليك إلا أعراب جهينة ، فلو احتملت إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك ، فقال : يا أبا فضالة ، أخبرني حبيبي وابن عمي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إني لا أموت حتى أؤمر ولا أموت حتى أقتل الفئة الباغية ولا أموت حتى تخضب هذه من هذه ـ وضرب بيده على لحيته وهامته ـ قضاء مقضيا وعهدا معهودا وقد خاب من افترى.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٣٨ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن فضالة بن أبي فضالة ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم عن الماوردي باختلاف


قليل في اللفظ.

ومنهم العلامة ابن عساكر في «ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق» (ج ٣ ص ٢٨٣) قال :

أخبرنا أبو علي الحسن بن المظفر ، أنبأنا الحسن بن علي.

حيلولة : وأخبرنا أبو القاسم ابن الحصين ، أنبأنا أبو علي التميمي ، قالا : أنبأنا أحمد بن جعفر ، أنبأنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، أنبأنا هاشم بن القاسم ، أنبأنا محمد ـ يعني ابن راشد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري ـ وكان أبو فضالة من أهل بدر ـ قال : خرجت مع أبي عائدا لعلي من مرض أصابه ثقل منه ، قال : فقال له أبي : ما يقيمك بمنزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة! تحمل إلى المدينة ، فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك. فقال علي : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أؤمر ثم يخضب هذه ـ يعني لحيته ـ من دم هذه ـ يعني هامته ـ فقتل [علي] وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين.

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين ، أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنبأنا الحسن بن مكرم ، أنبأنا أبو منصور ، أنبأنا محمد بن راشد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل :

عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وكان أبو فضالة من أهل بدر ، قال : خرجت مع أبي عائدا لعلي بن أبي طالب في مرض أصابه ثقل منه ، قال : فقال له أبي : وما يقيمك بمنزلك هذا؟ لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة ، تحمل إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك. فقال علي : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إلي أن لا أموت حتى أومر ، ثم تخضب هذه ـ يعني لحيته ـ من دم هذه ـ يعني هامته ـ فقتل [علي عليه‌السلام] وقتل أبو فضالة مع علي يوم صفين.


أخبرنا أبو غالب بن البناء ، أنبأنا أبو الحسين ابن النرسي ، أنبأنا موسى بن عيسى السراج ، أنبأنا عبد الله بن أبي داود ، أنبأنا إسحاق بن منصور ، أنبأنا أبو النعمان محمد بن الفضل ، أنبأنا محمد بن راشد الحراني ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن عقيل :

عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري أنّ علي بن أبي طالب مرض بينبع [ظ] مرضا فثقل ، قال : فخرج أبي عائدا له وأنا معه ، فقال له : وما يقيمك بهذا المنزل؟ إن أصابك أجلك وليك أعراب جهينة ، ارحل إلى منزلك بالمدينة فإن أصابك أجلك وليك إخوانك وصلوا عليك. فسمعت عليا يقول : إني لست ميتا من وجعي هذا ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خبّرني أن لا أموت حتى أؤمر ، ثمّ تخضب هذه من دم هذه ـ يعني لحيته من دم هامته ـ قال فضالة : فصحبه أبي يوم صفين فقتل فيمن قتل ، وكان أبو فضالة من أهل بدر.

ومنهم الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ١٩٤ ط القاهرة) قال :

عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري ، قال : خرجت مع أبي عائدا لعلي بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه ، قال ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم.

ومنها

حديث الأصبغ بن نباتة الحنظلي

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٢٤٠ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :


عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال على رضي‌الله‌عنه : إن خليلي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثني أني أضرب لسبع عشرة تمضى من رمضان وهي الليلة التي مات فيها موسى وأموت لاثنتين وعشرين تمضي من رمضان وهي الليلة التي رفع فيها عيسى.(عق وابن الجوزي في الواهيات).

ومنهم العلامة الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي التيمي القرشي في «العلل المتناهية في الأحاديث الواهية» (ج ١ ص ٢٥٢ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

أنبأنا عبد الوهاب ، قال : أنا محمد بن المظفر ، قال : أنا أحمد بن محمد العتيقي ، قال : نا يوسف بن الدخيل ، قال : حدثنا أبو جعفر العقيلي ، قال : نا عمير بن مرداس ، قال : نا محمد بن بكير الحضرمي ، قال : نا جعفر بن سليمان ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن سعد الإسكاف ، عن أصبغ بن نباتة قال : قال علي : إن خليلي حدثني أني أضرب بسبع عشرة تمضين من رمضان ، [وهي الليلة التي مات فيها موسى وأموت لاثنتين وعشرين تمضين من رمضان وهي الليلة التي رفع فيها عيسى].

ومنهم العلامة ابن عساكر في «ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق» (ج ٣ ص ٢٩٤) قال :

أخبرنا أبو القاسم أيضا ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين ابن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثني عبد الله بن يونس بن بكير ، حدثني أبي ، حدثني علي بن فاطمة العنزي ، حدثني الأصبغ الحنظلي قال : لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي أتاه ابن النباح حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة وهو مضطجع متثاقل ، فعاد اليه الثانية وهو كذلك ثم عاد الثالثة فقام علي يمشي وهو يقول :


[أ] شدد حيازيمك للموت

فإن الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

إذا حل بواديكا

فلما بلغ الباب الصغير شد عليه عبد الرحمن بن ملجم فضربه ، فخرجت أم كلثوم بنت علي فجعلت تقول : ما لي ولصلاة الغداة؟ قتل زوجي أمير المؤمنين صلاة الغداة وقتل أبي صلاة الغداة.

ومنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي المتوفى سنة ٣٣٣ في «المحن» (ص ٨٠ ط ٢ دار الغرب الإسلامي ـ بيروت) قال :

حدثني ابن أبي القاسم الأندلسي ، عن أبي بكر عبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الزبير ، قال : حدثني عبد الله بن يونس بن بكير ، قال : حدثني علي بن أبي فاطمة ، قال : حدثني الأصبغ الحنظلي ، قال : لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي بن أبي طالب رحمه‌الله أتاه ابن النباج حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة وهو مضطجع فتثاقل ، فعاد إليه الثانية وهو كذلك ، ثم عاد الثالثة فقام علي يمشي وهو يقول :

شدّ حيازيمك للموت

فإنّ الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

إذا حلّ بواديكا

ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد في القسم الثاني من «جامع الأحاديث» (ج ٤ ص ٤٤٧ ط دمشق) قالا :

عن الأصبغ الحنظلي قال : لما كانت الليلة ـ فذكر الحديث كما تقدم.

وفيه : فلما بلغ الباب الصغير شدّ عليه ابن ملجم فضربه.(كر).

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السّلام محمد هارون في كتابه «تهذيب إحياء علوم الدين» للغزالي (ج ٢ ص ٣٠٢ ط القاهرة) قال :


قال الأصبغ الحنظلي ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم ، وقال في آخره : وعن شيخ من قريش أن عليا كرم الله وجهه لما ضربه ابن ملجم قال : فزت ورب الكعبة.

ومنهم العلامة الواعظ الجمال عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي في «الحدائق» (ج ٣ ص ٤٤١ ط بيروت) قال :

قال القرشي : وحدثني عبد الله بن يونس بن بكير ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني علي بن أبي فاطمة الغنوي ، قال : حدثني الأصبغ الحنظلي ـ فذكر الحديث مثل ما تقدم.

ومنها

حديث زيد بن وهب

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ١ ص ٦٤٧ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

وقال شريك ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن زيد بن وهب قال : قدم على علي قوم من البصرة من الخوارج ، فقال منهم الجعد بن نعجة : اتّق الله يا عليّ فإنّك ميّت ، فقال عليّ : بل مقتول ، ضربة على هذه تخضب هذه ، عهد معهود وقضاء مقضيّ ، وقد خاب من افترى. قال : وعاتبه في لباسه ، فقال : ما لكم وللباسي هو أبعد من الكبر ، وأجدر أن يقتدي بي المسلم.


ومنها

حديث أبي مجلز

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة في طبقات ابن سعد» (ص ٢٠٢ ط الزهراء للإعلام العربي ـ بالقاهرة) قالوا :

أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن عليّة ، عن عمارة بن أبي حفصة ، عن أبي مجلز قال : جاء رجل من مراد إلى علي وهو يصلي في المسجد فقال : احترس فإن ناسا من مراد يريدون قتلك ، فقال : إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر فإذا جاء القدر خلّيا بينه وبينه ، وإنّ الأجل جنّة حصينة.

ومنها

حديث أبي الأسود الدؤلي

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الشيخ أبو القاسم ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق ـ ترجمة الإمام علي عليه‌السلام» (ج ٣ ط بيروت) قال :

وقال ابن عيينة ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي ، عن أبيه ، عن علي قال : أتاني عبد الله بن سلام ، وقد وضعت قدمي في الغرز ، فقال لي : لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السّيف ، قلت : وايم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال أبو الأسود : فما رأيت كاليوم قطّ محاربا يخبر بذا عن نفسه.


ومنها

حديث أبي الطفيل

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي القيرواني المغربي المالكي المولود سنة ٢٥١ والمتوفى ٣٣٣ في «المحن» (ص ٧٩ ط دار الغرب الإسلامي) قال :

حدثني يحيى بن عمر بن يحيى بن سلام ، عن أبيه ، عن جده ، عن فطر ـ يعني ابن خليفة ـ ، عن أبي الطفيل قال : دعا علي الناس إلى البيعة ، وجاء عبد الرحمن بن ملجم فيهم فرده مرتين أو ثلاثا ، ثم بايعه ، ثم قال : أما يحبس أشقاها ، والذي نفسي بيده ليخضبن هذه من هذا ، وأشار إلى لحيته ورأسه.

وقال أيضا في ص ٨٠ :

وحدثني عمر بن يوسف ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا الحجاج ابن نمير ، قال : حدثنا فطر ، قال : حدثنا أبو الطفيل ، قال : لما دعا علي الناس إلى البيعة أتاه عبد الرحمن بن ملجم المرادي فرده مرتين أو ثلاثا ثم قال : أين أشقاها ، أما والذي نفسي بيده ليخضبن هذه من هذا ، لرأسه ولحيته ، ثم قال :

خذ حذرك للموت

فإنّ الموت آتيكا

ولا تجزع من القتل

إذا حلّ بواديكا

وقال أيضا في ص ٩٤ :

وحدثني يحيى بن عمر بن يحيى بن سلام ، عن أبيه ، عن جده ، عن فطر ـ يعني ابن خليفة ـ ، عن أبي الطفيل ، قال : دعا علي الناس إلى البيعة ، وجاء عبد الرحمن بن


ملجم فيهم ، فرده مرتين أو ثلاثا ، ثم بايعه ، ثم قال : أما يحبس أشقاها ، والذي نفسي بيده لتخضّبنّ هذه من هذا ، وأشار إلى لحيته ورأسه.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٩٤ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وعن أبي الطفيل قال : لما أجمع الناس على المبايعة لعلي بن أبي طالب أتى عدو الله عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله ليبايعه فردّه عليه‌السلام ثم عاد فردّه فلما كانت الثالثة بايعه ، فأنشد علي رضي‌الله‌عنه ما تقدم من قوله :

اشدد حيازيمك للموت

فإنّ الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

إذا حلّ بواديكا

فأتاه يوما فنظره مليّا ثم أنشد متمثلا :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيري من خليلي من مراد

فقال له ابن ملجم : بالله إن كان في نفسك هذا فاضرب عنقي ، قال : ويحك! ومن يخضب هذه من هذا؟

ومنهم الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٤٤٨ ط بيروت) قال :

وقال فطر ، عن أبي الطفيل : إنّ عليّا رضي‌الله‌عنه تمثّل ـ فذكر البيتين.

ومنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في القسم الثاني من «جامع الأحاديث» (ج ٤ ص ٤٤٠) قالا :

عن أبي الطفيل قال : كنت عند علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فأتاه عبد الرحمن


ابن ملجم ، فأمر له بعطائه ثم قال : ما يحبس أشقاها ، يخضبها من أعلاها ، يخضب هذه من هذه ـ وأومأ إلى لحيته ـ والله إنه لعهد النبي الأمي إليّ ، ثم قال علي : فذكر البيتين ـ فقال في آخره : ابن سعد وابن نعيم.

اشدد حيازيمك للمو

ت فإنّ الموت آتيك

ولا تجزع من القتل

إذا حلّ بواديك

(ابن سعد وابن نعيم).

ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة في طبقات ابن سعد» (ص ٢٠٢ ط ٣ الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة) قالوا :

أخبرنا الفضل بن دكين أبو نعيم ، أخبرنا فطر بن خليفة ، قال : حدثني أبو الطفيل ، قال : دعا علي الناس إلى البيعة ، فجاء عبد الرحمن بن ملجم المرادي فردّه مرتين ، ثم أتاه فقال : ما يحبس أشقاها ، لتخضبنّ أو لتصبغنّ هذه من هذا ، يعنى لحيته من رأسه ، ثم تمثّل بهذين البيتين :

أشدد حيازيمك للموت

فإنّ الموت آتيك

ولا تجزع من القتل

إذا حلّ بواديك

قال محمد بن سعد : وزادني غير أبي نعيم في هذا الحديث بهذا الإسناد ، عن علي ابن أبي طالب : والله إنه لعهد النبي الامي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، إليّ.

أخبرنا أبو أسامة حمّاد بن أسامة ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن محمد بن سيرين ، قال علي بن أبي طالب للمرادي :

أريد حياته ويريد قتلي

عذيرك من خليلك من مراد

ومنها

حديث نبل بنت بدر ، عن زوجها

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :


فمنهم جماعة لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة» (ص ٢٠٣) قالوا :

قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سنان بن حبيب ، عن نبل بنت بدر ، عن زوجها قال : سمعت عليّا يقول : لتخضبنّ هذه من هذا ، يعنى لحيته من رأسه.

ومنها

حديث سالم بن أبي الجعد

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم علامة التاريخ ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق من ترجمة الإمام علي عليه‌السلام» (ج ٣ ص ٢٦٩) قال :

أخبرنا أبو القاسم الشحامي ، أنبأنا أبو سعد الجنزرودي ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الأرزناني الأصبهاني ، أنبأنا إبراهيم بن سعدان ، أنبأنا بكر بن بكار ، أنبأنا حمزة بن حبيب الزيات ، أنبأنا حكيم بن جبير ، عن سالم بن [أبي] الجعد ، عن علي قال : ألم يأن لأشقاها لتخضبن هذه من هذه [يعني] لحيته من رأسه.

أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد الفقيه ، وأبو محمد بن طاوس ، قالا : أنبأنا علي بن محمد بن محمد بن الخطيب بالأنبار ، أنبأنا أبو عمر بن مهدي ، أنبأنا إسماعيل ابن محمد الصفار ، أنبأنا محمد بن مندة ، أنبأنا بكر بن بكار ، أنبأنا حمزة الزيات ، أنبأنا حكيم بن جبير ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علي أنه قال : ليخضبن هذه من


هذه [يعني] لحيته من رأسه.

ومنها

حديث عبيدة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضلان المعاصران الشريف عباس أحمد صقر وأحمد عبد الجواد المدنيان في «جامع الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٤٤٤ ط دمشق) قالا :

عن عبيدة قال : سمعت عليّا رضي‌الله‌عنه يخطب يقول : اللهم إني قد سئمتهم وسئموني ، ومللتهم وملّوني ، فأرحني منهم وأرحهم مني ، ما يمنع أشقاكم أن يخضبها بدم ، ووضع يده على لحيته.(عب وابن سعد).

ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة» (ص ٢٠٢ ط الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة) قالوا :

قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا هشام بن حسّان ، عن محمد ، عن عبيدة قال : قال علي : ما يحبس أشقاكم أن يجيء فيقتلني؟ اللهم قد سئمتهم وسئموني فأرحهم مني وأرحني منهم.

ومنها

حديث أم جعفر

سريّة الإمام علي عليه‌السلام

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :


فمنهم الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ١٩٦ ط القاهرة) قال :

عن سليمان بن القاسم الثقفي قال : حدثتني أمي ، عن أم جعفر ، سرية علي قالت: إني لأصب على يديه الماء إذ رفع رأسه فأخذ بلحيته فرفعها إلى أنفه فقال : واها لك لتخضبنّ بدم! قالت : فأصيب يوم الجمعة.

ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة» (ص ٢٠٤ ط الزهراء للإعلام العربي) قالوا :

قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : أخبرنا سليمان بن القاسم الثقفي ، قال : حدثتني أمي ، عن أم جعفر سريّة علي قالت : إني لأصب على يديه الماء إذ رفع ـ فذكروا مثل ما تقدم.

ومنها

حديث عثمان بن مغيرة

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة داود بن محمد البازلي الكردي في «غاية المرام» (ق ٧٧ نسخة مكتبة جستربيتي) قال :

قال عثمان بن المغيرة : لما دخل شهر رمضان جعل علي يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر لا يزيد على ثلاث لقم ، ويقول : يأتي أمر الله وأنا خميص وإنّما هي ليلة أو ليلتان.

ومنهم العلامتان الشريف عباس أحمد صقر والشيخ أحمد عبد الجواد في «جامع


الأحاديث» (القسم الثاني ج ٤ ص ٤٤٧ ط دمشق) قالا :

عن عثمان بن المغيرة قال : لما دخل رمضان كان علي رضي‌الله‌عنه يتعشى ليلة عند الحسن والحسين وابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم ، يقول : يأتيني أمر الله وأنا خميص ، وإنما هي ليلة أو ليلتان ، فأصيب من آخر الليل. يعقوب ابن سفيان ، (كر).

ومنها

حديث كثير

والد الحسن بن كثير

رواه عدة من أعلامهم في كتبهم :

فمنهم الفاضلان السابقان في الكتاب المذكور قالا :

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه قال : خرج علي رضي‌الله‌عنه إلى الفجر ، فأقبل الوزّ يصحن في وجهه فطردوهنّ عنه فقال : ذروهنّ فإنهن نوائح ، فضربه ابن ملجم. (كر)

ومنها

حديث روح بن أمية الدئلي

رواه عدة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي القيرواني المغربي المالكي المولود سنة ٢٥١ والمتوفى ٣٣٣ في «المحن» (ص ٨١ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٣) قال :

وحدثني عمر بن يوسف ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا روح ،


يعني ابن أمية الديلي ، قال : مرض علي بن أبي طالب مرضا شديدا حتى أدنف ، وخفنا عليه. ثم إنه برأ فقلنا له : هنيئا لك يا أبا الحسن ، الحمد لله الذي عافاك ، قد كنا خفنا عليك ، قال : لا ، ولكني لم أخف على نفسي ، أخبرني الصادق المصدق أني لا أموت حتى أضرب على هذا ، وأشار إلى مقدم رأسه الأيسر ، فتخضب هذه منها بدم ، وأخذ بلحيته ، وقال لي : يقتلك أشقى هذه الإمة ، كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود ، وقال : نسبه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى فخذه الديني دون ثمود.

ومنها

حديث يزيد بن أمية الديلي

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٤٣٠ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال :

حدثنا عبيد الله ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، أخبرني زيد بن أسلم ، عن أبي سنان يزيد بن أميّة الديلي ، قال : مرض علي بن أبي طالب مرضا شديدا ، حتى أدنف وخفنا عليه ، ثم إنه برأ ونقه ، فقلنا : هنيئا لك أبا الحسن ، الحمد لله الذي عافاك ، قد كنا نخاف عليك. قال : لكني لم أخف على نفسي ، أخبرني الصادق المصدق أني لا أموت حتى أضرب على هذه ، وأشار إلى مقدم رأسه الأيسر فتخضب هذه منها بدم ، وأخذ بلحيته وقال لي : يقتلك أشقى هذه الأمة كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان من ثمود. قال : فنسبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى فخذه الدنيا دون ثمود.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو إسحاق الحويني الأثري القاهري في «الحلي بتخريج


فضائل علي» (ص ١٣٢ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت) قال :

حديث علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : أخرجه أبو يعلى (٤٣٠ ـ ٤٣١ / ١) حدثنا عبيد الله ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، أخبرني زيد بن أسلم ، عن أبي سنان ، يزيد ابن أمية الديلي قال : مرض علي ـ فذكر مثل ما تقدم عن «المسند» بعينه.

ومنها

حديث عبد الله بن سبع

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة ابن عساكر في «ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ مدينة دمشق» (ج ٣ ص ٢٧٣ ط بيروت) قال :

وأخبرناه أبو محمد ابن طاوس ، أنبأنا أبو الغنائم ابن أبي عثمان ، أنبأنا عبد الله بن عبيد الله بن يحيى بن زكريا ، أنبأنا البيع [كذا] ، أنبأنا أبو عبد الله المحاملي ، أنبأنا يوسف بن موسى القطان ، أنبأنا جرير ، عن الأعمش ، عن سلمة بن كهيل ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن سبع ـ هكذا قال جرير ـ قال : قام علي فقال : والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لتخضبن هذه من دم هذا. قال : لحيته من دم رأسه ، قال : فقال رجل : والله لا يفعل ذلك أحد إلا أبرنا عترته. قال : أذكر الله وأنشد الله أن يقتل إلا قاتلي. قال : فقال رجل : ألا تستخلف يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا ولكن أترككم إلى ما تركني إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالوا : فما تقول لله إذا لقيته. قال : أقول : اللهم تركتني فيهم ما بدا لك أن تركتني ثم توفيتني وتركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم.

ومنهم العلامة داود بن محمد البازلي الكردي في «غاية المرام» (ق ٧٧ نسخة


مكتبة جستربيتي) قال :

عن عبد الله بن سبع قال : خطبنا علي فقال : والذي فلق الحبة وبرئ النسمة لتخضين هذه من هذه [يعنى لحيته من دم رأسه] فقال رجل : وأيم الله لا يفعل ذلك أحد إلا أبرنا عترته ، فقال : أذكر الله وأنشدكم أن يقتل مني إلا قاتلي.

ومنها

حديث ثعلبة بن يزيد الحمّاني

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٤٧ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

وقال الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ثعلبة بن يزيد الحمّاني : سمعت عليا يقول : أشهد أنه كان يسر إليّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لتخضبنّ هذه من هذه ، يعني لحيته من رأسه ، فما يحبس أشقاها.

ومنها

حديث والد خالد أبي حفص

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد المالكي في «المحن» (ص ٨١ ط دار الغرب الإسلامي) قال :


وحدثني عمر بن يوسف ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عارم ، قال : حدثنا ثابت بن يزيد ، قال : حدثنا هلال بن يسار ، عن خالد أبي حفص ، عن أبيه أنه سمع عليا قبل أن يصاب بأربع يقول : إن الشقي آن له أن يجيء فيضرب هذه ، جبهته حتى يخضب هذه بدم لحيته.

ومنها

ما روى جماعة مرسلا

فمنهم الشيخ أحمد بن عبد الرحمن المقدسي في «مختصر منهاج القاصدين» (ص ٣٩٣ ط مكتبة دار التراث بالقاهرة) قال :

وروي أنه لما كانت الليلة التي أصيب فيها علي رضي‌الله‌عنه أتاه ابن التياح حين طلع الفجر يؤذنه بالصلاة وهو مضطجع متثاقل ، فعاد الثانية وهو كذلك ، ثم عاد الثالثة فقام يمشي وهو يقول : أشدد حيازيمك ـ البيتان.

ومنهم العلامة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي المتوفى سنة ٧٥٠ في «بغية المرتاح» (ص ٨٩ نسخة إحدى مكاتب لندن) قال :

وكان علي كثيرا ما يقول : ما يمنع أشقاها ، ما ينتظر أشقاها أن تخضب هذه من دم هذا ـ ويشير إلى لحيته ورأسه ـ خضاب دم لا خضاب عطر ولا عبير.

وقيل لعلي : إن ابن ملجم سمّ سيفه ويقول : إنه سيقتل به قتلة يتحدث بها العرب فبعث إليه فقال له : لم تسمّ سيفك؟ قال : لعدوي وعدوك ، فخلا عنه وقال : ما قتلني بعد.

ومنهم العلامة عبد الجبار بن محمد في «تثبيت دلائل نبوة سيدنا محمد (ص)» (ص ١٣٧ نسخة جستربيتي) قال :


إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول : والله لتخضبنّ هذه من هذه ـ ويشير إلى لحيته وهامته ـ فيقول له أصحابه : من ذلك لأبدأنا وأبزنا ، فيقول : كيف تقتلونه ولم يقتلني؟

ومنهم الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الثاني في «زهر الحديقة في رجال الطريقة» (ق ١٧٤ نسخة إحدى مكاتب إيرلندة) قال :

وأخبره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه سيقتل ونقلوا عنه آثارا كثيرة تدل على أنه رضي‌الله‌عنه علم السنة والشهر والليلة التي يقتل فيها ، وأنه خرج لصلاة الصبح حين خرج صاحت الأوز في وجهه وطردن عنه ، فقال : دعوهن فإنهن نوائح.

ومنهم العلامة داود بن محمد البازلي الكردي في «غاية المرام» (ق ٧٧ نسخة من جستربيتي) قال :

قال بعضهم : خرج علي لصلاة الصبح فاستقبله الأوز يصحن في وجهه ، قال : فجعلنا نطردهن ، قال علي : دعهن فإنهن نوائح ، وخرج فأصيب.

قال ابن الأثير : وهذا يدل على أن عليا علم السنة والشهر والليلة التي يقتل فيها.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ عدنان شلاق في «فهرس الأحاديث والآثار» لكتاب «الكنى والأسماء» للدولابي (ص ٧٣ ط عالم الكتب في بيروت) قال :

أما آن للشقي أن يخضب هذه. علي بن أبي طالب.

ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٦٤ نسخة مكتبة السلطان أحمد الثالث بإسلامبول) قال :

علم رضي‌الله‌عنه السنة التي يقتل فيها ، قال الكرماني : إنه لما خرج إلى صلاة الصبح حين خرج صاحت الدواجن أي الديوك فطردن عنه فقال : دعوهن ـ فذكر


قدومه عليه‌السلام إلى المسجد وضرب اللعين ابن ملجم بالسيف على رأسه الشريف. فقال عليه‌السلام : فزت ورب الكعبة ـ إلخ.

ومنهم المولوي ولي الله اللكهنوي في «مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين» (ص ٣٥٣) قال :

وفي الصواعق : وكان علي رضي‌الله‌عنه في شهر رمضان الذي قتل فيه يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر ـ فذكر إلى آخره.


مستدرك

استشهاد أمير المؤمنين عليه‌السلام

بيد أشقى الناس ابن ملجم اللعين

رواه جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٥٥١ ط مؤسسة الكتب الثقافية ودار الفكر في بيروت) قال :

ثم كان قتل علي بن أبي طالب ، وكان السبب في ذلك [أن] عبد الرحمن بن ملجم المرادي أبصر امرأة من بني [تيم] الرباب يقال لها قطام ، وكانت من أجمل أهل زمانها ، وكانت ترى رأي الخوارج ، فولع بها فقالت : لا أتزوج بك إلا على ثلاثة آلاف وقتل علي بن أبي طالب ، فقال لها : لك ذلك ، فتزوجها وبنى بها فقالت له : يا هذا! قد عرفت الشرط ، فخرج عبد الرحمن بن ملجم ومعه سيف مسلول حتى أتى مسجد الكوفة وخرج علي من داره وأتى المسجد وهو يقول : أيها الناس ، الصلاة الصلاة! أيها الناس ، الصلاة الصلاة! وكانت تلك ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان ، فصادفه عبد الرحمن بن ملجم من خلفه ثم ضربه بالسيف ضربة من قرنه إلى


جبهته ، وأصاب السيف الحائط فثلم فيه ، ثم ألقى السيف من يده ، وأقبل الناس عليه فجعل ابن ملجم يقول للناس : إياكم والسيف فإنه مسموم ، وقد سمه شهرا ، فأخذوه ، ورجع علي بن أبي طالب إلى داره ، ثم أدخل عليه عبد الرحمن بن ملجم فقالت له أم كلثوم بنت علي : يا عدو الله! قتلت أمير المؤمنين! فقال : لم أقتل إلا أباك ، فقالت : إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين من بأس ، فقال عبد الرحمن ابن ملجم : فلم تبكين إذا؟ فو الله سممته شهرا ، فإن أخلفني أبعده الله وأسحقه ، فقال علي : احبسوه وأطيبوا طعامه وألينوا فراشه ، فإن أعش فعفو أو قصاص ، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين(١).

__________________

(١) قال الفاضل المعاصر أبو بكر جابر الجزائري في كتابه «العلم والعلماء» (ص ١٨١ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) :

بسم الله والحمد لله ، وبعد ، فقد ولي أمير المؤمنين علي رضي‌الله‌عنه خلافة المسلمين في ظروف صعبة شديدة ، وذلك في اليوم التالي لمقتل عثمان بن عفان رضي‌الله‌عنه ، والفتنة قائمة ، والمسلمون مضطربون اضطرابا شديدا ، فبايعه جميع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الموجودين بالمدينة النبوية ، وذلك في أواخر شهر ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين من الهجرة. وما لبث بالمدينة إلا قليلا حتى بلغه نبأ خروج طلحة والزبير إلى البصرة ، ومطالبتهما بدم عثمان رضي‌الله‌عنه فخرج إليهما ، فكانت وقعة الجمل المؤلمة المحزنة ، وما إن انتهت ونزل على الكوفة حتى بلغه خروج معاوية بن أبي سفيان ومن معه من أهل الشام عليه فسار إليهم فالتقوا بصفين ، فكانت موقعتها سنة سبع وثلاثين من الهجرة وفيها رفع أهل الشام المصاحف على السيوف والرماح مكيدة ، فكره الناس القتال وتداعوا إلى الصلح ، وحكموا الحكمين ، فحكم علي رضي‌الله‌عنه أبا موسى الأشعري ، وحكم معاوية رضي‌الله‌عنه عمرو بن العاص ، وكتبوا بينهم كتابا على أن يوافوا الناس رأس الحول بأذرح قرية من قرى الشام فينظروا في أمر الأمة ، فاخترق الناس ، وخرج علي على الخوارج بدعوى أنه حكم غير الله تعالى في أمر المسلمين ، فكانت فتنة الخوارج فصبر لها رضي‌الله‌عنه حتى انتهت.


__________________

وجاءت السنة فاجتمع الناس بأذرح على ما تواعدوا عليه ، وتقدم الحكمان فتكلم أبو موسى فخلع عليا ، على نية أن يخلع عمرو معاوية ، ويختار المسلمون خليفة لهم ، فلما تكلم عمرو لم يخلع صاحبه معاوية ، وبايع له ، فتفرق الناس على غير طائل ، وأصبح علي في خلاف بين أصحابه مع الأسف!.

وتعاهد ثلاثة من الخوارج على أن يقوموا بقتل كل من معاوية وعمرو بن العاص وعلي رضي‌الله‌عنهم أجمعين وحددوا لذلك ليلة من رمضان معينة ، وذهب كل إلى من التزم بقتله ، فلم يفلح اثنان فيما عزما عليه من قتل معاوية وعمرو ، وهلك الثالث وهو عبد الرحمن بن ملجم فأتى الكوفة حتى إذا كانت الليلة الموعودة خرج علي رضي‌الله‌عنه بعد الفجر ينادي الصلاة ، الصلاة!! فاعترضه ابن ملجم لعنه الله فضربه بالسيف فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه كما أخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلمبقوله : أشقى الناس رجلان أحيمر ثمود عاقر الناقة والذي يضربك على هذه ـ يعني قرنه ـ حتى تبتل منه الدم هذه ـ يعني لحيته ـ ، وكان ذلك يوم الجمعة سنة أربعين من الهجرة.

فمات رضي‌الله‌عنه ليلة الأحد ، وغسله ولداه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ؛ وصلّى عليه الحسن ودفن بسحر ، وعمره نحو ثلاث وستين سنة. فرضي‌الله‌عنه وأرضاه ، وأسكنه رياض جناته مع آل البيت الطاهرين ، وصحابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أجمعين وألحقنا بهم مسلمين غير مبدلين ولا مغيرين.

وقال الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في «تاريخ العرب» (ج ٣ ص ٢٥٤ ط دار الأندلس ـ بيروت) :

لم يصب الإسلام بفاجعة بعد فاجعته برسول الله (ص) أعظم من فاجعته بمقتل الإمام (ع) فإن أبا بكر وعمر وعثمان قد لاقوا حتفهم في ظروف تكاد تكون عادية أو شبه عادية ، ثم إنهم قد عاشوا فترة هادئة في ظل الخلافة الإسلامية استطاعوا بها أن يتمموا رسالة الرسول الكريم ، وينشروا راية الإسلام وبخاصة الخليفتين الأول والثاني ، كما رأيت في الفصول الماضية.


__________________

أما الإمام علي (ع) فان الظلمة والخوارج والطغاة ، خلقوا المشاكل في سبيله منذ يوم تسلم خلافة رسول الله إلى أن طعن بيد أحدهم ، وهو ظالم آثم طاغ.

روى المؤرخون أن عبد الرحمن بن ملجم الخارجي الحميري ، أقام في الكوفة يرقب الموعد لقتل الإمام ، ثم إنه أقبل آخر الليل ومعه رفيق له يعينه في عمله الجرم ، وانهما انتظرا الإمام حتى خرج من بيته لصلاة الفجر ، فلما رأياه قادما استقبلاه بسيفيهما فأصابه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ في جبهته حتى بلغ دماغه ، ووقع سيف صاحبه في الحائط ، وخرّ الإمام الأمين المأمون صريعا ، وهو يقول : لا يفوتنكم الرجل ، وأحاط القوم بالفاسقين ، فقتلوا الثاني ، واستبقوا ابن ملجم ، وحمل الإمام إلى داره فأقام ليلتين ويوما ثم مات كرم الله وجهه ، قتل ابن ملجم ومثل به وأحرق بالنار عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين إلى يوم الدين ، وكان ذلك ليلة الحادي والعشرين من رمضان سنة ٤٠ ه‍ ـ.

وقال الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه «تاريخ الأحمدي» (ص ٢٠٥ ط بيروت سنة ١٤٠٨) :

ودر روضة الأحباب از بعض كتب سير منقول است كه : حضرت امير رضي‌الله‌عنه در وقت خروج خوارج رسولان بأطراف بلدان فرستاده مدد طلبيده بودند چنانچه از يمن ده تن به ملازمت آن حضرت آمدند وعبد الرحمن بن ملجم داخل ايشان بود وهر يك از آن ده نفر تحفه بنظر امير المؤمنين حيدر رسانيدند از همه قبول نموده مگر تحفه ابن ملجم را كه در حيز قبول نيفتاده وآن شمشيرى بغايت قيمتى بود وابن ملجم از اين جهت مغموم شد واو در خلوتى به مسجد همايون در آمده گفت : يا امير المؤمنين سبب چيست كه از رفقاى من قبول هديه نمودى وشمشير مرا كه در عرب شبيه ندارد نمى ستانى؟ حضرت امير فرمود كه اى عبد الرحمن بن ملجم تيغ را چگونه از تو بستانم وحال آنكه مراد تو از من بدين شمشير حاصل خواهد شد ، ابن ملجم از شنيدن اين سخن اظهار جزع نموده بر زمين افتاد وگفت : يا امير المؤمنين هيهات هيهات هرگز مبادا كه اين صورت در خيال من بگذرد واين فكر محال در خاطر من


__________________

خطور كند من بعشق ملازمت اين آستانه دل از وطن برداشته ام ونقش محبت اين خاندان بر صفحه ضمير نگاشته.

حضرت امير رضي‌الله‌عنه فرمود كه اين امريست بودنى وصورتيست روى نمودنى وتو عن قريب از جاده وفاق بباديه نفاق خواهى گريخت وخاك بى مروتى وشقاوت بر فرق دولت خواهى ريخت.

ابن ملجم گفت : يا امير المؤمنين اينك من در نظر تو ايستاده ام اشارت فرماى تا دستهاى مرا قطع نمايند.

حضرت امير كبير صلوات الله على نبينا وعليه فرمود : چون هنوز از تو فعلى صدور نيافته كه مستحق عقوبت باشى چگونه ترا قصاص نمايم؟ اما مخبر صادق صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرا از اين كار اخبار كرده است وميدانم كه قول وى بصدق اقتران دارد. ودر روايتى آنكه عبد الرحمن همچنان در مقام استبعاد بود تا شاه مردان گفت كه ترا بخدا سوگند ميدهم راست بگو كه تربيت كننده تو در طفوليت يهوديه بود؟ گفت : آرى ، آن حضرت روى از وى بگردانيد.

ودر شواهد النبوه است كه از (به) ابن ملجم فرمود كه ترا هيچ دايه يهوديه بود كه ترا اى شقى واى عاقر ناقه صالح مى گفت؟ گفت : بلى بود.

ونيز در روضة الأحباب است كه چون عبد الرحمن بكوفه رسيد قطامه را كه در عرب بكمال حسن وجمال ضرب المثل بود طالب او گرديد ، قطامه آن تزويج را به قتل على بن ابى طالب تعلق نمود ، عبد الرحمن گفت : من خود جهت اين امر بكوفه آمده ام.

(إلى أن قال :) وبه ثبوت پيوسته كه در آن ايام كه شهادت حضرت شاه ولايت نزديك رسيد چند بار به كناية صريح از اين معنى اخبار نمود.

(إلى أن قال :) ونقل است كه : در ماه رمضان سنه أربعين روزى حضرت امير المؤمنين به نصيحت خلائق بر منبر اشتغال مى فرمود در امام حسن رضى الله عنه نظر كرده گفت : اى پسر من از ماه چند روز گذشته اند؟


__________________

جواب داد كه سيزده روز ، پس در امام حسين نگريست فرمود كه يا بني از اين ماه چند روز باقى مانده اند؟ گفت : هفده روز. شاه ولايت مآب دست به محاسن مبارك فرود آورده گفت : در همين ماه بدبخت ترين مردم آخر زمان لحيه مرا از خون سر من خضاب كند ، وبيتي چند بر زبان الهام بيان راند ، مضمون آن كه قتل من ميخواهد مردى از قبيله مراد ومن با او نكوئى ميخواهم.

(إلى أن قال :) وبه صحت پيوسته كه در ماه مذكور حضرت امير المؤمنين على رضي‌الله‌عنه شبى در خانه امام حسن وشبى در خانه امام حسين رضي‌الله‌عنهما إفطار مى نمود وزيادة از لقمه تناول نمى فرمود وميگفت كه من بيش از شبى چند مهمان شما نيم.

(إلى أن قال :) ومروى است كه : در آن شهر كه شهادت امير المؤمنين على مقدر بود آن حضرت دختر خود ام كلثوم را گفت كه اى فرزند من مى بينم كه از اين صحبت روح پرور عنقريب ميان ما منقطع مى گردد وطائر نفس نفيس قالب ما شكسته به مرافقت متوطنان ملأ اعلى مى پيوندد. ام كلثوم قطرات اشك از سحاب ديده فرو باريده گفت : اى پدر من اين چه خبر محنت اثر است واين چه كائن پرشور وشر اين نه قضيه است كه بگوش توان شنيد ونه غصه ايست كه از شكايت او ايمن توان بود ، حضرت امير فرمود : اى فرزند بجان پيوند كدام دل است كه از اين اندوه پاره نيست وكدام جان است كه در وقت قضاى ايزدى بيچاره نه دوش حضرت رسالت را در عالم رؤيا مشاهده نمودم كه بدست مبارك اشاره نموده ومرا نزديك خود طلبيده ميگفت كه اى على بجانب من بيا كه ترا هيچ باكى نيست وآنچه بر تو واجب بود ادا نمودى.

ودر روايتى آنكه حضرت ولايت مآب خواب خود را با حسن مجتبى عليه‌السلام تقرير فرموده حضرت امام حسن متأثر گشت اظهار گريه وزارى نمود. واتفاق جمهور است كه در آن شب حضرت ولايت تا سحر بطاعت مشغول بود ومطلقا خواب نفرمود وساعت به ساعت بيرون آمده در آسمان نگريست ومى گفت : صدق رسول الله والله كه حضرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دروغ نگفت ، پس چه چيز باز ميدارد


__________________

كشنده مرا از كشتن من وبر همين منوال ميگذرانيد تا وقت آن آمد كه به مسجد رود تجديد وضو كرد وميان همايون بست وچون از خانه بيرون آمد بميان سراى رسيد بطى چند كه در آن جا بوده در روى حضرت امير بانگ ميكردند وبقولي دامن آن حضرت را گرفتند ، يكى از خادمان چوبكى بر آن مرغان زد ، حضرت امير فرمود كه دست از آنها بردار كه نوحه كنندگان اند بر من.

آنگاه حضرت ولايت پناه مسجد شتافته چنانچه شيوه ستوده اش بود بانگ گفت : (إلى أن قال :) وچون آوازه اذان بگوش قطامه ملعونة رسيد ابن ملجم لعين را گفت : اينك على بانگ نماز ميگويد ، آن بدبخت به مسجد شتافته (إلى أن قال) وچون حضرت امير المؤمنين على عليه‌السلام از اداى اذان فارغ گشت وقدم در مسجد نهاد ابن ملجم تيغ بر فرق همايون زده گفت : الحكم لله.

ودر روايتى آنكه : ابن ملجم صبر كرد تا حضرت امير به محراب ايستاد واحرام نماز بست وسجده اول بجا آورده چون سر از سجدة برداشت آن شقى شمشير فرود آورده وبه اتفاق مؤرخان آن تيغ نيز به همان موضع آمد كه روز حرب خندق عمرو بن عبد ود زخم زده بود تا مغز سر آن سرور شكافت. امير المؤمنين على رضى الله عنه فرمود كه : فزت برب الكعبة ، يعنى سوگند به پروردگار كعبه كه به مطلوب خويش فائز شدم. وامام حسن را گفت كه شرائط امامت بجا آورد وبا مردم نماز گزارد.

(إلى أن قال :) چون مردم جمع آمده از حضرت امير پرسيد كه ضارب اين زخم كيست؟ فرمود كه خداى تعالى او را ظاهر گرداند.

(إلى أن قال :) ابن ملجم در آن صباح شمشير خون آلود در دست گرفته در كوچه هاى كوفه ميدويد ، مردى از بنى عبد قيس پيش آمد گفت : تو كيستى؟ گفت : عبد الرحمن بن ملجم. گفت : اى لعين امير المؤمنين را تو زخم زده باشى. خواست كه انكار كند خداى تعالى در زبانش انداخت كه آرى ، آن شخص فرياد برآورد ومردمان را خبر كرد تا ابن ملجم را گرفتند.

(إلى أن قال :) وشاه ولايت پناه را بخانه بردند ، اولاد أمجاد وبنات مكرمات


وذكر مثله في كتابه «الثقات» (ج ٢ ص ٣٠٢ ط حيدرآباد).

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٣٢١ ط مكتبة غريب) قال :

وفي ليلة الجمعة التي توافق السابع عشر من رمضان ، صبيحة ذكرى غزوة بدر الكبرى ، أغلظت قطام لابن ملجم ، فاتهمته بالجبن ، وبأنه استكان إليها ولن يضرب عليا ، وكان قد تزوجها ، فطالبته بإنجاز وعده ، فأفهمها أن موعده الليلة.

ومنهم العلامة الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي المتوفى سنة ٧٥٠ في «بغية المرتاح إلى طلب الأرباح» (ق ٨٩ نسخة إحدى مكاتب لندن)

فذكر مثل ما تقدم باختلاف في اللفظ.

ومنهم الحافظ الشمس محمد بن أحمد الذهبي في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٥٠) قال :

وقال محمد بن سعد : لقي ابن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي ـ فذكر الحديث.

ومنهم علامة التاريخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ابن عساكر في «ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق» (ج ٣ ص ٢٩٧ ط دار

__________________

وزوجات مطهرات چون آن حضرت را به آن حال ديدند ومشاهده كردند فرياد زارى وناله وبيقرارى به اوج فلك رسانيده وجيب شكيبائى بدست اضطراب چاك زده .. وضعف آن حضرت ساعت بساعت سمت تزايد ميگرفت والم زخم لحظه بلحظه تضاعف مى پذيرفت وچون زمان رحلت نزديك آمد ، امام حسن وامام حسين را نصايح سودمند به تقديم رسانيده ودر باره ايشان دعوات أجابت آيات بر زبان آورده بعد از آن مرغ روح مطهرش بجانب عالم بالا پرواز نمود.


التعارف للمطبوعات ـ بيروت) قال :

أخبرنا أبو الفتح عبد الله بن محمد بن محمد بن البيضاوي ، وأبو القاسم ابن السمرقندي ، قالا : أنا أبو محمد الصريفيني ، أنا أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف ، أنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، أنا كثير بن عبيد ، أنا انس ـ وهو ابن عياض ـ عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عليّا كان يخرج إلى الصلاة وفي يده درّته فيوقظ الناس فضربه ابن ملجم فقال على : أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره فان عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت.

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيويه ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن فهم ، أنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا خالد بن مخلد ، ومحمد بن الصلت [قالا :] أنبأنا الربيع بن المنذر ، عن أبيه ، عن ابن الحنفية قال : دخل علينا ابن ملجم الحمام وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمام ، فلما دخل كأنهما اشمأزا منه وقالا [له :] ما أجرأك تدخل علينا! قال : فقلت لهما : دعاه عنكما فلعمري ما يريد بكما أجسم من هذا ، فلما كان يوم أتي به أسيرا قال ابن الحنفية : ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام ، فقال علي : إنه أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه ، فإن بقيت قتلت أو عفوت ، وإن مت فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.

قال محمد بن سعد : قالوا : انتدب ثلاثة نفر من الخوارج : عبد الرحمن بن ملجم المرادي ـ وهو من حمير ، وعداده في بني مراد ، وهو حليف بني جبلة من كندة ـ والبرك بن عبد الله التميمي ، وعمرو بن بكير التميمي ، فاجتمعوا بمكة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلن هؤلاء الثلاثة : علي بن أبي طالب ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، ويريحوا العباد منهم ، فقال عبد الرحمن بن ملجم : أنا لكم بعلي بن أبي طالب. وقال البرك : أنا لكم بمعاوية. وقال عمرو بن بكير : وأنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا وتواثقوا [أن] لا ينكص رجل منهم عن صاحبه


الذي سمى ، ويتوجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه.

فاتعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من شهر رمضان ، ثم توجه كل رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة ، فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريد وكان يزورهم ويزورونه ، فزار يوما نفرا من بني تيم الرباب ، فرأى امرأة منهم يقال لها : قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب ، وكان علي قتل أباها وأخاها يوم النهروان ، فأعجبته فخطبها ، فقالت : لا أتزوجك حتى تسمي لي. فقال : لا تسأليني شيئا إلا أعطيتك. فقالت : ثلاثة آلاف وقتل علي بن أبي طالب. فقال : والله ما جاءني إلى هذا المصر ، إلا قتل علي بن أبي طالب وقد أعطيتك ما سألت. ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك.

وبات عبد الرحمن بن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل عليا في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده حتى كاد أن يطلع الفجر ؛ فقال له الأشعث : فضحك الصبح. فقام عبد الرحمن بن ملجم ، وشبيب بن بجرة فأخذا اسيافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي.

قال الحسن بن علي : وأتيته سحيرا فجلست إليه فقال : إني بت الليلة أوقظ أهلي فملكتني عيناي وأنا جالس فسنح لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي : ادع الله عليهم. فقلت : اللهم أبدلني بهم خيرا لي منهم ، وأبدلهم بي شرا لهم مني. [قال : فبينا هو يتكلم] و [إذا] دخل ابن النباح المؤذن على ذلك ، فقال : الصلاة. فأخذت بيده فقام يمشي ابن النباح بين يديه ، وأنا خلفه فلما خرج من الباب نادى : أيها الناس الصلاة الصلاة. [و] كذلك كان يصنع في كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس ، فاعترضه الرجلان ، فقال بعض من حضر ذلك : فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول : لله الحكم يا علي لا لك. ثم رأيت سيفا ثانيا ، فضربا جميعا ، فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته


إلى قرنه ودخل إلى دماغه وأما سيف شبيب فوقع في الطاق وسمع عليا يقول : لا يفوتنكم الرجل. وشد الناس عليهما من كل جانب ، فأما شبيب فأفلت ، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل على علي فقال : أطيبوا طعامه وألينوا فراشه ، فإن أعش فأنا ولي دمي عفو أو قصاص وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين.

فقالت أم كلثوم بنت علي : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين؟ قال [ابن ملجم] : ما قتلت إلا أباك. قالت : فو الله إني لأرجو أن لا يكون على أمير المؤمنين بأس. قال : فلم تبكين إذا؟ ثم قال : والله لقد سممته شهرا ـ يعني سيفه ـ فإن أخلفني فأبعده الله وأسحقه.

ومنهم العلامة الشيخ أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي» (ق ٦٣ نسخة طوپ قبوسراي بإسلامبول) قال :

وقال شيخ الإسلام ابن حجر : عبد الرحمن بن ملجم المرادي ذاك المعثر الخارجي ليس بأهل أن يروى عنه وكان أولا عابدا قانتا لله لكنه ختم له بشر فقتل أمير المؤمنين عليّا متقرّبا إلى الله تعالى بدمه بزعمه فقطعت أربعته ولسانه وسلت عيناه ثم أحرق نسأل الله العفو والعافية.

وقال الذهبي : عبد الرحمن بن ملجم : كان فاتكا ملعونا ، وسبب قتله لسيدنا علي رضي‌الله‌عنه ما رواه الحاكم أنه خطب امرأة يقال لها قطام وكان علي رضي‌الله‌عنه قتل أباها من جملة الخوارج فقالت له : إنّ عليّا قتل أبي بغير حق ووكلته في قتله بأبيها قودا وطلبت منه ثلاثة آلاف وعبدا أو قينة حتى تنكحه ، فظن المغرور أنها صادقة في القتل بغير حق.

وفيه أيضا :

مات رضي‌الله‌عنه مقتولا والذي تولّى قتله الشقي عبد الرحمن بن ملجم المرادي الحميري لعنه الله ويدل على جواز لعنه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : يا علي


أتدري من أشقى الأولين؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : عاقر الناقة ، ثم قال : أتدري من أشقى الآخرين ، قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : قاتلك.

وفي رواية : أشقى الآخرين الذي يضربك على هذه فيبلّ منها هذه وأخذ بلحيته.

وروى الطبراني عن عبد الله بن عمر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أشقى الناس ثلاثة : عاقر ناقة ثمود ، وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض دم إلا لحقه منه لانّه اول من سن القتل ، وقاتل علي بن أبي طالب.

ولعنه كثير من العلماء نظما ونثرا ولعنوا عمران بن حطان معه وإنّما لعنوه معه لأن عبد الرحمن بن ملجم لمّا قتل عليّا شكره عمران بن حطان على ذلك وأنشد يقول ـ إلى آخر ما ذكره.

ومنهم الحافظ الشمس محمد بن أحمد الذهبي في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ١٤٩ ط بيروت) قال :

وقال جعفر بن محمد ، عن أبيه : إنّ عليّا كان يخرج إلى الصلاة ، وفي يده درّة يوقظ الناس بها ، فضربه ابن ملجم ، فقال علي : أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي.

رواه غيره وزاد : فإن بقيت قتلت أو عفوت فإن متّ فاقتلوه قتلتي ، ولا تعتدوا إنّ الله لا يحب المعتدين.

ومنهم الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي في «مختصر منهاج القاصدين» (ص ٣٩٣ ط مكتبة دار التراث ـ القاهرة) قال :

عن الشعبي ، قال : لما ضرب علي رضي‌الله‌عنه تلك الضربة ، قال : ما فعل بضاربي؟ قالوا : أخذناه ، قال : أطعموه من طعامي ، واسقوه من شرابي ، فإن أنا عشت رأيت فيه رأي ، وإن أنا مت فاضربوه ضربة واحدة لا تزيدوه عليها ، ثم أوصى


الحسن أن يغسله وقال : لا تغالي في الكفن.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (ق ٩١ و ٩٢ و ٩٤ والنسخة من المكتبة الرضوية بخراسان)

فذكر كيفية شهادته عليه‌السلام بضربة الملعون ابن ملجم.

ومنهم أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي في «المحن» (ص ٧٨ و ٩٤ ط دار الغرب الإسلامي ـ بيروت)

فذكر شهادته عليه‌السلام بضربة ابن ملجم اللعين.

ومنهم ليلى مبروك في كتابها «علامات الساعة الصغرى والكبرى» (ص ٣٤ ط المختار الإسلامي بالقاهرة)

فذكرت شهادته عليه‌السلام بيد أشقى الأولين والآخرين ابن ملجم المرادي.

ومنهم نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي في «تاريخ الشعوب الإسلامية» والأصل لكارل بروكلمان الألماني (ص ١٢٠ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فذكرا شهادته عليه‌السلام بيد ابن ملجم اللعين.

ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القرشي في «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٨٩ ط دار الكتب العلمية في بيروت)

فذكر القصة.

ومنهم العلامة الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الشامي في «زهر الحديقة في


رجال الطريقة» (ق ١٧٤ نسخة إحدى مكاتب إيرلندة) قال :

قال محمد بن سعد : قالوا ـ يعني أهل السير ـ : انتدب ثلاثة من الخوارج ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٩١ و ٩٢ والنسخة مصورة من المكتبة الرضويةالشريفة بخراسان) قال :

وحدثنا موسى بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عمار بن عبد الرحمن الخزاعي ، قال : حدثنا إسماعيل بن راشد ، قال : كان من حديث عبد الرحمن وأصحابه عليهم لعائن الله ـ فذكر القصة كما مر عن «تاريخ دمشق» باختلاف في اللفظ.

ومنهم العلامة الشيخ داود بن محمد البازلي الكردي في «غاية المرام» (ق ٧٧ نسخة مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال :

قال محمد بن سعد : انتدب ثلاثة من الخوارج ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة علي بن محمد الخزرجي المتوفى سنة ٧٨٩ في «تخريج الدلالات السمعية» (ص ٢٦٩) قال :

وقال أبو عمر : لما تعاقد الخوارج على قتل علي رضي‌الله‌عنه ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة زين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي المتوفى سنة ٧٤٩ في «تتمة المختصر في أخبار خير البشر» (ق ٦٢ والنسخة من مخطوطة إحدى مكاتب اسلامبول) قال :


قيل : اجتمع ثلاثة من الخوارج وهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي وعمرو بن بكير التميمي والبرك بن عبد الله ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٠٧ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

قال ابن سعد : قالوا : انتدب ثلاثة من الخوارج ، وهم : عبد الرحمن ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي ابن أحمد السلماني القرطبي المتولد سنة ٧١٣ المعروف بلسان الدين ابن الخطيب في «رقم الحلل في نظم الدول» (ص ٧٤ ط وزارة الثقافة ـ دمشق)

فذكر قصة مؤامرة الثلاثة الملعونين كما تقدم.

ومنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المشتهر بابن الشيخ في كتاب «ألف با» (ج ٢ ص ٥٢٢ ط ٢ عالم الكتب ـ بيروت) قال :

وكان ثلاثة من الخوارج من أهل العراق ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر علي إبراهيم حسن أستاذ التاريخ الإسلامي في «التاريخ الإسلامي العام» (ص ٢٦٨ ط مكتبة النهضة المصرية القاهرة)

فذكر اتفاق الثلاثة كما تقدم.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى برة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ١٦٦ ط دار القلم ـ دمشق)


فذكر تعاهد الثلاثة من الخوارج كما تقدم.

ومنهم الدكتور أبو زيد شلبي أستاذ الحضارة بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر في «الخلفاء الراشدون» (ص ٢٠٦ ط مكتبة وهبة ـ القاهرة)

فذكر تعاهد الثلاثة كما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور حسن إبراهيم حسن في «تاريخ الإسلام ـ السياسي والديني والثقافي والاجتماعي» (ج ١ ص ٢٢٣ ط دار الجيل ـ بيروت ومكتبة النهضة المصرية بالقاهرة)

فذكر تعاهد الثلاثة من الخوارج كما تقدم.

ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة في طبقات ابن سعد» (ص ٢٠٤ ط ٣ الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة)

فذكروا تعاهد الثلاثة من الخوارج كما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر المحامي الدكتور صبحي محمصاني في «تراث الخلفاء الراشدين في الفقه والقضاء» (ص ٧١ ط دار العلم للملايين ـ بيروت)

فذكر تعاهد الثلاثة كما تقدم.

ومنهم جماعة من الفضلاء المعاصرين في «قصص العرب» (ج ٣ ص ٣٩٣ ط دار الجيل ـ بيروت)

فذكروا مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في «عقيدة الشيعة» تعريف ع. م. (ص


٥٤ ط مؤسسة المفيد ـ بيروت)

فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري بك المفتش بوزارة المعاف بمصر في «محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية» (ص ١٧٩ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر)

فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٣١٤ ط مكتبة غريب بالفجالة)

فذكر تعاهدهم كما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور أحمد الشرباصي أستاذ بجامعة الأزهر في «يسألونك في الدين والحياة» (ص ٥٢٠ ط دار الجيل ـ بيروت)

فذكر تعاهدهم كما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الخالق سيد أبو رابية المصري في كتابه «عمرو بن العاص بين يدي التاريخ» (ص ٣٣٩ ط الزهراء للإعلام العربي بالقاهرة)

فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الدكتورة فتحية النبراوي والدكتور محمد نصر مهنا في «تطور الفكر السياسي في الإسلام» (ج ٢ ص ١٣٠ ط دار المعارف ـ كورنيش النيل ، القاهرة)

فذكرا القصة عن الطبري ، قال : حدثني موسى بن عثمان بن عبد الرحمن المسروقى ، قال : حدثنا عبد الرحمن الحراني أبو عبد الرحمن ، قال : أخبرنا إسماعيل


ابن راشد ، قال : كان من حديث ابن ملجم وأصحابه ـ الحديث.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الوهاب النجار في «الخلفاء الراشدون» (ص ٤٦٨ ط ١ دار القلم ـ بيروت)

فذكر الحديث مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٢٨٨ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٢٠٧ ط القاهرة) قال :

قالوا : انتدب ثلاثة نفر من الخوارج ـ الحديث.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد رواس قلعه جي في «موسوعة فقه إبراهيم النخعي عصره وحياته» (ج ١ ص ٢٠ ط ٢ دار النفائس ـ بيروت)

فذكر مؤامرة الخوارج الثلاثة.

ومنهم الشريف علي فكري الحسيني المصري في «السمير المهذب» (ج ٢ ص ٢٢٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

ثم اتفق ثلاثة منهم على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص ليلة السابع عشر ـ إلى آخره.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في


«مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٩١ ط دار الفكر) قال :

انتدب ثلاثة نفر من الخوارج ـ فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٥ ص ١٧٢ ط دار الكتب العلمية بيروت)

فذكر مثل ما تقدم.

ومنهم الفاضل المعاصر مأمون غريب المصري القاهري في «خلافة علي بن أبي طالب» عليه‌السلام (ص ١٢٢ ط مكتبة غريب بالقاهرة)

فذكر قصة المؤامرة كما تقدم.

ومنهم المولوي ولي الله اللكهنوي في «مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين» (ص ١٥١) قال :

وقال في الاستيعاب : كان عبد الرحمن بن ملجم اشترط قتل على عليه‌السلام ـ فذكر القصة.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٦١٣ ط دار الجيل في بيروت)

ذكر سبب قتله عليه‌السلام وقصة المؤامرة كما تقدم.


مستدرك

قول علي : فزت وربّ الكعبة

قد تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٧٩٥ وج ١٨ ص ١٥٧ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم علامة التاريخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ابن عساكر في «ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق» (ج ٣ ص ٣٠٣ ط دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت) قال :

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو علي بن صفوان ، أنبأنا ابن أبي الدنيا ، حدثني هارون بن أبي يحيى ، عن شيخ من قريش أن عليا قال لما ضربه ابن ملجم : فزت ورب الكعبة.

ومنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي في «المحن» (ص ٨٠ ط دار الغرب الإسلامي) قال :

قال ابن أبي الدنيا : وحدثني هارون بن نجيح ، عن شيخ من قريش أن عليا لما ضربه ابن ملجم قال : فزت ورب الكعبة.


ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٩٤ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وذكر ابن عبد البر : أنهم اختلفوا هل ضربه ابن ملجم في الصلاة أو قبل الدخول فيها فهل استخلف ثم أتم الصلاة ، والصحيح أنه استخلف جعدة بن هبيرة المقدم ذكره. وقيل : إنه لمّا ضربه ابن ملجم وقال : فزت وربّ الكعبة ، لم يتكلم بعد ذلك بغير لا إله إلا الله.

مستدرك

إن قاتل علي عليه‌السلام

أشقى الأولين والآخرين وأشقى الناس

قد مر نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٥ ص ٥٠ وج ٧ ص ٣٤١ وج ١٤ ص ٥١٠ وج ١٧ ص ٣٥٠ ومواضع أخرى من الكتاب ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي المتوفى سنة ٣٠٧ في «مسند أبي يعلى» (ج ١ ص ٣٧٧ ط دار المأمون للتراث ـ دمشق) قال :

حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا رشدين بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، عن عثمان بن صهيب ، عن أبيه ، قال : قال علي : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أشقى الأولين؟ قلت : عاقر الناقة ، قال : صدقت ، فمن أشقى


الآخرين؟ قلت : لا علم لي يا رسول الله ، قال : الذي يضربك على هذه ـ وأشار بيده إلى يافوخه ـ.

وكان يقول : وددت أنه قد انبعث أشقاكم فخضّب هذه من هذه ، يعني لحيته من دم رأسه.

ومنهم العلامة محمد بن حسن الآلاني الكردي في «رفع الخفا شرح ذات الشفا» (ج ٢ ص ٢٧٢ ط عالم الكتب) قال :

وروى الطبراني وأبو يعلى بسند ـ رجاله ثقات إلا واحدا منهم فإنه موثق أيضا ـ أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له يوما : من أشقى الأولين؟ قال : الذي عقر الناقة يا رسول الله ، قال : صدقت ، قال : فمن أشقى الآخرين؟ قال : لا علم لي به ، قال : الذي يضربك على هذه ـ وأشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى يافوخه ـ فكان علي رضي‌الله‌عنه يقول لأهل العراق ـ أي عند تضجره منهم : وددت أنه قد انبعث أشقاكم فخضب هذه يعني لحيته من هذه ووضع يده على مقدم رأسه.

أخرج الإمام أحمد والحاكم بسند صحيح عن عمار بن ياسر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلي : أشقى الناس رجلان : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذه يعني قرنه حتى يبل منه هذه يعني لحيته.

وروي بطرق أخر.

ومنهم الحافظ محمد بن الحسين العراقي الحسيني في «تعليقته على شرح ألفية العراقي» (ج ٣ ص ١٤٣ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :

(كذلك) غدر (بعلي) بن أبي طالب فقتله غيلة (في) شهر رمضان من عام (الأربعين) من الهجرة عبد الرحمن بن ملجم المرادي (ذو الشقاء الأزلي) أي القديم بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في خبر النسائي لعلي : أشقى الناس الذي عقر


الناقة والذي يضربك على هذا ووضع يده على رأسه حتى يخضب هذه يعني لحيته.

ومنهم مأمون غريب المصري القاهري في «خلافة علي بن أبي طالب» عليه‌السلام (ص ١٢١ ط مكتبة غريب) قال :

فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي عليه‌السلام : أتعلم أشقى الأولين؟ قال علي : عاقر ناقة صالح ـ فذكر الحديث.

ومنهم العلامة المؤرخ محمد بن مكرم المشتهر بابن منظور المتوفى سنة ٧١١ في «مختصر تاريخ دمشق» لابن عساكر (ج ١٨ ص ٨٦ ط دار الفكر) قال :

وعن صهيب قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : من أشقى الأولين؟ قال : عاقر الناقة ، قال : فمن أشقى الآخرين؟ قال : لا علم لي يا رسول الله ، قال : الذي يضربك على هذه ـ وأشار بيده إلى يافوخه ـ يخضب هذه من هذه ـ يعني لحيته ـ فكان علي يقول : ألا يخرج الأشقى الذي يخضب هذه ـ يعني من هذه ـ يعني مفرق رأسه.

وعن عمار بن ياسر قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ، من بطن ينبع. فلما نزلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام بها شهرا ، فصالح بها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ، فوادعهم ، فقال له علي بن أبي طالب : هل لك يا أبا اليقظان أن تأتي هؤلاء ـ نفر من بني مدلج ، يعملون في عين لهم ـ ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض ، فنمنا فيه ، فو الله ما أهبّنا إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقدمه ، فجلسنا وقد تترّبنا من تلك الدقعاء ، فيومئذ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : يا أبا تراب ، لما عليه من التراب. فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال : ألا أخبركما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا : بلى ، يا رسول الله ، فقال : أحيمر ثمود الذي


عقر الناقة ، والذي يضربك يا علي على هذه ـ فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده على رأسه ـ حتى يبلّ منها هذه ، ووضع يده على لحيته.

وعن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أشقى ثمود؟ قالوا : عاقر الناقة ، قال : فمن أشقى هذه الأمة؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : قاتلك يا علي.

ومنهم محمد عزت الطهطاوي في «محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن» (ص ٢٦٢ ط مكتبة النور ـ مصر الجديدة) قال :

وقوله لعلي بن أبي طالب : أشقى الناس رجلان الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذه ـ وأشار إلى يافوخه ـ حتى تبتل منه هذه وأشار إلى لحيته فكان كما قال.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول في «موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف» (ج ١١ ص ١٩٧ ط عالم التراث للطباعة والنشر ـ بيروت) قال :

يا علي ألا أنبئك شر الناس.

مسانيد ٣ / ٦٠٦.

وقال أيضا في ص ٢٠١ :

يا علي من أشقى الأولى.

كر ٧ / ٢٤٥.

أيا علي من أشقى الأولين والآخرين.

سعد ٣ : ١ : ٢٢ ـ صحيحة ٣ / ٧٨ ، ٨٨ ـ كنز ٣٦٥٨٧.

ومنهم الفاضل المحقق أبو منصور أحمد ميرين البلوشي المدني في «تعليقات خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام» للنسائي المتوفى سنة ٣٠٣


(ص ١٦٤ ط مكتبة المعلى ـ الكويت) قال :

أخرجه عبد بن حميد (٩٢) والبخاري في التاريخ الكبير (٨ / ٣٢٠) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (١٥ / أ) والطبراني في الكبير (١ / ٦٣) والحاكم (٣ / ١١٣) والخوارزمي (٢٧٤) وابن عساكر (١٢ / ٢٠٦ / أ) وابن الأثير في أسد الغابة (٤ / ٣٣) وابن المؤيد الجويني في فرائد السمطين (١ / ٣٨٧) من طريق زيد بن أسلم ، أن أبا سنان الدؤلي حدثه ، عن علي قال : سمعت الصادق المصدوق صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إنك ستضرب ضربة هاهنا ـ وأشار إلى صدغيه ـ فيسيل دمها حتى يخضب لحيتك ، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود. وصححه الحاكم على شرط البخاري.

قلت : هو صحيح بلا ريب.

وله طريق آخر أخرجه أحمد في المسند (١ / ١٣٠) والخطيب (١٢ / ٧٥) وابن المغازلي (٢٠٥) وابن عساكر (١٢ / ٢٠٤ ، ٢٠٥) من طريق سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن سبع ، عن علي نحوه.

وقال الهيثمي في المجمع (٩ / ١٣٧) : رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سبع ، وهو ثقة.

قلت : عبد الله بن سبع لم يوثقه غير ابن حبان ، وقال عنه ابن حجر : مقبول ، فيحسن حديثه عند المتابعة كما هو الحال هنا.

وأخرج نحوه عبد الرزاق في مصنفه (١٠ / ١٥٤) عن معمر ، عن أيوب عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : سمعت عليا يقول ... وذكر نحوه موقوفا.

وإسناده صحيح ، رواته أعلام ثقات ، وهو إن كان موقوفا فله حكم الرفع ، لأن هذا مما لا يقال بالرأي.

وله شاهد آخر من حديث صهيب أخرجه أبو يعلى (ق ١٢٥ / ٢ ـ المقصد العلي) والطبراني في الكبير (٨ / ٤٥) وابن الأثير في أسد الغابة (٤ / ٣٤) من طريق رشدين


ابن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن عثمان بن حبيب ، عن أبيه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال يوما لعلي : من أشقى الأولين؟ وذكر الحديث.

وقال الهيثمي في المجمع (٩ / ١٣٦) : رواه أبو يعلى والطبراني ، وفيه رشدين بن سعد ، وقد وثق ، وبقية رجاله ثقات.

قلت : رشدين هذا قال عنه الحافظ : ضعيف وضعفه من قبل حفظه فيستشهد به.

وله شواهد أخرى اكتفيت بهذا منها ، ومن أراد التوسع فليرجع إلى سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم الحديث (١٧٤٣).

ومنهم الشيخ محمد علي طه الدرة في «تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه» (ج ٤ ص ٤٧٦) قال :

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا علي ، أشقى الأولين عاقر ناقة صالح وأشقى الآخرين قاتلك.

ومنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي في «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (ج ٣ ص ٥٤٩ ط بيروت) قال :

واستدل القائلون بأن ابن ملجم كافر بالحديث الذي رواه علي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أشقى الأولين؟ قلت : عاقر الناقة. قال : صدقت ، فمن أشقى الآخرين؟ قلت : لا علم لي يا رسول الله. قال : الذي يضربك على هذا ـ وأشار بيده على يافوخه ـ فيخضب هذه من هذه ـ يعني لحيته ـ من دم رأسه.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي في «المنتظم» (ج ٥ ص ١٧٤ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :


أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال : أخبرني علي بن القاسم البصري : قال : حدثنا علي بن إسحاق المادرائي ، قال : أخبرنا الصنعاني محمد بن إسحاق ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبان الوراق ، قال : حدثنا ناصح أبو عبد الله المحلمي ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي بن أبي طالب : من أشقى الأولين؟ قال : عاقر الناقة ، قال : فمن أشقى الآخرين؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : قاتلك.

ومنهم الفاضل المعاصر أبو إسحاق الحويني الأثري القاهري في «الحلي بتخريج فضائل علي» (ص ١١٠ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت) قال :

أخبرنا محمد بن وهب قال : حدثنا محمد بن سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن يزيد بن محمد بن خثيم ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن محمد بن خثيم ، عن عمار ابن ياسر ، قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ـ من بطن ينبع ـ فلما نزلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقام بها شهرا ، فصالح فيها بني مدلج وحلفاءهم من ضمرة فوادعهم ، فقال لي علي رضي‌الله‌عنه : هل لك يا أبا اليقظان ، أن تأتي هؤلاء ـ نفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ـ فتنظر كيف يعملون؟ قال : قلت إن شئت ، فجئناهم فنظرنا إلى أعمالهم ساعة ، ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور من النخل ، وفي دقعاء من التراب ، فنمنا فو الله ما أهبّنا الا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحركنا برجله ، وقد تربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها ، فيومئذ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي رضي‌الله‌عنه : مالك يا أبا تراب؟ (لما يرى عليه من التراب) ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا : بلى يا رسول الله. قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك على هذه ـ ووضع يده على قرنه ـ حتى يبل منها هذه ، وأخذ بلحيته.

وقال أيضا في ص ١٣١ :


حديث جابر بن سمرة رضي‌الله‌عنه :

أخرجه الطبراني في «الكبير» (ج ٢ رقم ٢٠٣٧) من طريق إسماعيل بن أبان ، ثنا ناصح ، عن سماك ، عن جابر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعليّ رضي‌الله‌عنه : من أشقى ثمود؟ قال : من عقر الناقة. قال : فمن أشقى هذه الأمة؟ قال : الله أعلم ، قال : قاتلك. قلت : وسنده تالف ، وناصح أبو عبد الله هذا متروك كما قال الهيثمي في «المجمع» (٩ / ١٣٦).

ومنهم الحافظ أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين في «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (ص ٤٥١ ط مكتبة السنة بالقاهرة) قال :

وأما قول ابن زبر : قتل ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت منه سنة تسع وثلاثين ، فوهم ولم أر من تابعه عليه ، وكان الذي قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي أشقى الآخرين كما في حديث صهيب ، وذكر النسائي من حديث عمار بن ياسر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لعلي : أشقى الناس الذي عقر الناقة والذي يضربك على هذا ووضع يده على رأسه حتى يخضب هذه ، يعني لحيته ، وأشرت إلى ذلك بقولي (ذو الشقاء الأزلي).

ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة في طبقات ابن سعد» (ص ٢٠٤ ط ٣ الزهراء للإعلام العربي ـ القاهرة) قالوا :

قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا موسى بن عبيدة ، عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس أو أيوب بن خالد أو كليهما ، أخبرنا عبيد الله أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال لعلي : يا علي من أشقى الأولين والآخرين؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : أشقى الأولين عاقر الناقة ، وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي ، وأشار إلى حيث يطعن.


ومنهم العلامة رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي في «إظهار الحق» (ج ٢ ص ١٥٣ ط دار الجيل ـ بيروت) قال :

وإن أشقى الآخرين من يصبغ هذه من هذه ، يعني لحية علي من دم رأسه ، يعني يقتله.

ومنهم العلامة البيهقي في «السنن الكبرى» (ج ٨ ص ٥٨) قال :

قال الشافعي (ره) : قال أبو يوسف عن رجل ، عن أبي جعفر انّ الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما قتل ابن ملجم بعلي رضي‌الله‌عنه ، قال أبو يوسف : وكان لعلي رضي‌الله‌عنه أولاد صغار ، قال بعض أصحابنا : إنّما استبد الحسن بن علي رضي‌الله‌عنه بقتله قبل بلوغ الصغار من ولد على رضي‌الله‌عنه لأنّه قتله حدّا لكفره لا قصاصا.

ومنهم العلامة عبد الله بن نوح الجيانجوري في «الإمام المهاجر» (ص ١٦٤ ط دار الشروق بجدة) قال :

مات كرم الله وجهه شهيدا بسيف الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هم شرار أمتي ، فقد روى البزار بإسناد حسن أن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في شأن الخوارج : هم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي. تولّى قتله المجرم الخارجي عبد الرحمن بن ملجم الأثيم ، وقتل به بعد موته ، كرم الله وجهه ورضي عنه.


مستدرك

وصايا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام

حين رحلته إلى دار البقاء

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٧٩٨ وج ١٨ ص ٢٥٠ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم بن تمام بن تميم التميمي القيرواني المغربي المالكي المولود سنة ٢٥١ والمتوفى ٣٣٣ في «المحن» (ص ٨٢ ط دار الغرب الإسلامي في بيروت سنة ١٤٠٣) قال :

وحدثني عبد الله بن الوليد ، قال : حدثنا علي بن كثير ، قال : حدثنا خلف بن تميم الكوفي ، قال : حدثنا أبو الحسن ، عن حاتم الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال : أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى ابنه الحسن قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب ، أوصى بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ، وإني أوصيك يا حسن وجميع أهلي وولدي ومن بلغه كتابي أن يتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام) ، فإن المبيرة الحالقة فساد ذات البين ولا قوة إلا بالله ، أنظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم


الحساب ، والله الله في الأيتام لا تبغوا أفواههم ولا يضيعن بحضرتكم ، والله الله في جيرانكم فإنها وصية رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه يورثهم ، والله الله في القرآن لا يسبقن إلى العمل به غيركم ، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم ، والله الله في بيت ربكم فلا يخلون ما بقيتم ، والله الله في رمضان وصيامه فإنه جنة لكم من النار ، والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ، والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم ، والله الله في ذمّة نبيكم لا تظلم بين أظهركم ، والله الله في أصحاب نبيكم ، فإن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد أوصى بهم ، والله الله في الفقراء والمساكين شاركوهم في معايشكم ، والله الله فيما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : (أوصيكم بالضعيفين اليتيم وما ملكت أيمانكم) ، ولا تخافن في الله لومة لائم ، يمنعكم ممن أرادكم وبغى عليكم ، وقولوا للناس حسنا كما أمر الله تبارك وتعالى ، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولي الأمر شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم ، عليكم بالتواصل والتباذل ، وإياكم والتقاطع والتدابر ، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب ، حفظكم الله من أهل بيت ، وحفظ فيكم نبيكم ، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السّلام ورحمة الله.

ثم لم ينطق بشيء إلا بلا إله إلا الله حتى قضى ـ رحمة الله عليه ورضوانه عنه ـ في العشر الأواخر من رمضان.

ومنهم علامة التاريخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ابن عساكر في «ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق» (ج ٣ ص ٣٠٤ ط دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت) قال :

أخبرنا أبو السعود أحمد بن محمد [بن] علي بن محمد بن المحلي ، أنبأنا محمد


ابن أحمد العكبري ، أنبأنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان.

حيلولة : قال : وأنبأنا القاضي أبو محمد عبد الله بن علي بن أيوب ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الجراح ، قالا أنبأنا أبو بكر بن دريد ، عن إبراهيم بن بسطام الأزدي الوراق ، أخبرني عقبة بن أبي الصهباء قال : لما ضرب ابن ملجم عليا دخل عليه الحسن وهو باك ، فقال له : ما يبكيك يا بني؟ قال : وما لي لا أبكي وأنت في أول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا. فقال : يا بني احفظ أربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن. قال : وما هن يا أبة؟ قال : إن أغنى الغنى العقل ، وأكبر الفقر الحمق ، وأوحش الوحشة العجب ، وأكرم الحسب الكرم [و] حسن الخلق.

قال [الحسن] : قلت : يا أبة هذه الأربع ، فأعطني الأربع الآخر. قال : إياك ومصادقة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك ، وإياك ومصادقة الكذاب فإنه يقرب إليك البعيد ويبعد عليك القريب ، وإياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد عنك أحوج ما يكون إليه ، وإياك ومصادقة الفاجر فإنه يبيعك بالتافه.

أنبأنا أبو علي الحداد ؛ وجماعة قالوا : أنبأنا أبو بكر بن ريده [كذا] أنبأنا سليمان ابن أحمد الطبراني ، أنبأنا القاسم بن عباد الخطابي البصري ، أنبأنا سعيد بن صبيح ، قال : قال هشام بن الكلبي :

عن عوانة بن الحكم قال : لما ضرب عبد الرحمن بن ملجم عليا وحمل إلى منزله أتاه العوّاد ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال :

كل امرئ ملاق ما يفر منه في فراره ، والأجل مساق النفس والهرب من آفاته ، كم أطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله إلا اخفا [ء] ه هيهات علم مخزون.

أما وصيتي إياكم فالله عزوجل لا تشركوا به شيئا ، ومحمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تضيعوا سنته ، أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم ما لم تشردوا.

حمل كل امرئ مجهوده وخفف عن الجهلة برب رحيم ودين قويم وإمام عليم.


كنا في [مهب] رياح وذرى أغصان وتحت ظل غمامة اضمحل مركدها فمحطها عاف جاوركم بدني أياما تباعا ثم هوى فستعقبون من بعده جثة حوا [ء] ساكنة بعد حركته ، كاظمة بعد نطوق [ليعظكم هدوئي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي] إنه أوعظ للمعتبر [ين] من نطق البليغ وداعيكم [و] داع [امرئ] مرصد للتلاق غدا ترون أيامي ، ويكشف [لكم] عن سرائري ، لن يحاشي الله إلا أن أتزلفه بتقوى فيغفر عن فرط موعود عليكم السّلام إلى يوم اللزام ، إن أبق فأنا ولي دمي ، وإن أفن فالفناء ميعادي ، العفو لي قربة ولكم حسنة ، فاعفوا عفا الله عنا وعنكم ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم.

ثم قال [عليه‌السلام] :

عش ما بدا لك قصرك الموت

لا مرحل عنه ولا فوت

بينا غنى يبت بهجته

زال الغنى وتقوض البيت

يا ليت شعري ما يراد بنا

ولقلما يجدي لنا ليت

أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي ، أنبأنا أبو بكر بن الطبري ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا الحسين بن صفوان ، أنبأنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثني عبد الله بن يونس بن بكير ، حدثني أبي ، عن أبي عبد الله الجعفي ، عن جابر ، عن محمد بن علي [قال :] إن عليا لما ضربه [ابن ملجم] أوصى بنيه ثم لم ينطق إلا [ب] لا إله إلا الله حتى قبضه الله.

أخبرنا أبو سعد محمد بن محمد ، وأبو علي الحسن بن أحمد ، قالا : أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله ، أنبأنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، أنبأنا محمد بن عبد الله بن أحمد ، أنبأنا محمد بن بشر أخي خطاب ، أنبأنا عمر بن زرارة الحدثي ، أنبأنا الفياض ابن محمد الرقي ، عن عمرو بن عيسى الأنصاري ، عن أبي مخنف ، عن عبد الرحمن بن جندب بن عبد الله ، عن أبيه قال : لما فرغ علي من وصيته قال : أقرأ عليكم السّلام ورحمة الله وبركاته. ثم لم يتكلم بشيء إلا [ب] لا إله إلا الله حتى قبضه


الله رحمة الله ورضوانه عليه.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٩٤ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

فدعا حسنا وحسينا وقال : أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ولا تبكيا على شيء منها زوى عنكما وقولا الحق وارحما اليتيم وأغيثا للضائع وأعينا الملهوف واغنما الأجر وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا واعملا بما في كتاب الله ولا تأخذ كما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال : هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ قال : نعم ، [قال :] فإني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك [ثم قال لهما :] وأوصيكما به فإنه سيفكما وابن أبيكما وقد علمتما أن أبا كما كان يحبّه. ثم قال للحسن : إني أوصيك يا بني بتقوى الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحسن الوضوء فإنه لا صلاة إلا بطهور ولا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة ، وأوصيك بغفر الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم والحلم عن الجاهل والثبات في الأمر [بالمعروف] والنهي عن المنكر واجتناب الفواحش. فلما حضرته الوفاة أوصاه وصيته الجامعة ، رحمه‌الله ورضي عنه وجمعنا به في دار الآخرة.

ولا عجب للأسد إن ظفرت بها

كلاب الأعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سبقت حمزة الردى

وموت علي من حسام ابن ملجم

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٦١١ ط دار الجيل في بيروت) قال :

ثم دعا الحسن والحسين فقال لهما : أوصيكما بتقوى الله ـ فذكر الوصية مثل ما تقدم عن «جواهر المطالب» للباعوني باختلاف قليل.


وليس فيه : أغيثا ، والملهوف ، واغنما الأجر ، وبدله : واصنعا للآخرة.

وفيه : خصيما بدل خصما. وفيه بعد لومة لائم : لا إله إلا الله هذا شيء فوق مستوى البشر. وفيه بعد لعظيم حقهما عليك : فاتبع أمرهما ولا تقطع أمرا دونهما. وفيه مكان سيفكما : شقيقكما. وفيه بعد الصلاة : لوقتها. وبعد الزكاة : عند محلّها.

وليس فيه : ولا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة ، وفيه بعد الجاهل : ... والتفقه في الدين والتثبت بدل : والثبات ، وفيه : والتعاهد للقرآن وحسن الجوار والأمر بالمعروف ، ولم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى مات.

ومنهم العلامة زين الدين عمر بن مظفر ابن الوردي في «تتمة المختصر في أخبار خير البشر» (ق ٦٢ مخطوطة إحدى مكاتب إسلامبول) قال :

ودعا الحسن والحسين وقال : أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا ولا تبكيا على شيء زوى عنكما منها. ثم لم ينطق إلا لا إله إلا الله حتى قبض.

ومنهم الفاضل الشيخ عبد الوهاب النجار في «الخلفاء الراشدون» (ص ٤٧٠ ط دار العلم ـ بيروت) قال :

فدعا حسنا وحسينا فقال : أوصيكما بتقوى الله وألّا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ، ولا تبكيا على شيء زوى عنكما ، وقولا الحق وارحما اليتيم وأغيثا الملهوف واصنعا للآخرة وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا ، اعملا بما في الكتاب ولا تأخذكما في الله لومة لائم.

ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال : هل حفظت ما أوصيت به أخويك؟ قال : نعم ، فقال : إني أوصيك بمثله وأوصيك بتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك فاتبع أمرهما ولا تقطع أمرا دونهما. وما زال يوصيهم بمحاسن الأخلاق والتقوى ، وما زال يقول لا إله إلا الله حتى قبض صبيحة يوم الأحد ١٧ رمضان سنة ٤٠. وكان قد


نهاهم عن المثلة وقال : يا بني عبد المطلب ، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون : قتل أمير المؤمنين ، قتل أمير المؤمنين ، ألا لا يقتلن إلا قاتلي. انظر يا حسن ، إن أنا متّ من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة ولا تمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور.

ومنهم جماعة من فضلاء لجنة الزهراء للإعلام العربي في «العشرة المبشرون بالجنة» (ص ٢٠٤ ط الزهراء للإعلام العربي) قالوا :

قال : أخبرنا خالد بن مخلد ومحمد بن الصلت ، قالا : أخبرنا الربيع بن المنذر ، عن أبيه ، عن ابن الحنفيّة ، قال : دخل علينا ابن ملجم الحمّام وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمام ، فلما دخل كأنهما اشمأزّا منه وقالا : ما أجرأك تدخل علينا ، قال فقلت لهما : دعاه عنكما فلعمري ما يريد بكما أحشم من هذا. فلما كان يوم أتي به أسيرا قال ابن الحنفية : ما أنا اليوم بأعرف به مني يوم دخل علينا الحمام ، فقال علي : إنه أسير فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه ، فإن بقيت قتلت أو عفوت ، وإن متّ فاقتلوه قتلتى ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد السّلام محمد هارون في كتابه «تهذيب إحياء علوم الدين» للغزالي (ج ٢ ص ٣٠٢ ط القاهرة) قال :

وعن محمد بن علي : أنه لما ضرب أوصى بنيه ، ثم لم ينطق إلا بلا إله إلا الله ، حتى قبض.

ومنهم الفاضل عبد الرحمن الشرقاوي في «علي إمام المتقين» (ج ٢ ص ٣٢٢ ط مكتبة غريب بالفجالة) قال :

وأخذ الإمام يردد : لا إله إلا الله ، ثم تلا : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ،


وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

ثم دعا ولديه الحسن والحسين فقال : أوصيكما بتقوى الله ، وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ـ فذكر مثل ما تقدم عن «جواهر المطالب» إلى : واجتناب الفواحش ، فقال :

ثم قال لهم مرة أخرى : ألا يقتلنّ إلا قاتلي ، أنظر يا حسن ، إن أنا مت من ضربته هذه فاضربه ضربة بضربة ، ولا تمثل بالرجل ، فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إياكم والمثلة ولو أنها بالكلب العقور.

ثم طلب كرم الله وجهه أن يملي وصيته ، فأملى : بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به على بن أبي طالب : أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي بتقوى الله ربكم ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، فإنني سمعت أبا القاسم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام.

أنظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. الله الله في الأيتام فلا يضيعنّ بحضرتكم. والله الله في جيرانكم ، فإنهم وصية نبيكم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما زال يوصي بالجار حتى ظننا أنه سيورثه ، والله الله في القرآن ، فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم ، والله الله في الصلاة ، فإنها عمود دينكم ، والله [الله] في بيت ربكم فلا يخلو ما بقيتم. والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم. والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب. والله والله في ذمة نبيكم أهل الكتاب من غير المسلمين فلا يظلمن بين أظهركم. والله الله في أصحاب نبيكم ، فإن رسول الله أوصى بهم. والله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم ، والله الله فيما ملكت أيمانكم. الصلاة الصلاة ، لا تخافن في الله لومة لائم ، فإنه يكفيكم من


أرادكم وبغى عليكم (أي يحميكم منه) ، وقولوا للناس حسنا كما أمركم الله ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فيولي الأمر شراركم ، ثم تدعون فلا يستجاب لكم ، وعليكم بالتواصل والتباذل ، وإياكم والتدابر والتقاطع والتفرق ، وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب. حفظكم الله من أهل بيت ، وحفظ فيكم نبيكم ، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله.

ولم يسمع له حينئذ صوت بعد حتى قبض وهو يتمتم : لا إله إلا الله.

ولكن صوته العظيم المخترق الآماد والمسافات والقرون ، لتضىء كلماته الرائعة ظلمات النفوس ، وتنير طريق الهداية للسالكين ..

وقتل اللعين ابن ملجم ، وحل الحسن بن على محل أبيه .. ويأله من أب للصالحين في عصره ، وفي كل العصور!


مستدرك

تاريخ شهادته عليه‌السلام وسني عمره حين شهادته

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ١٨ ص ٢٤٨ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم الحافظ أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين في «فتح المغيث بشرح ألفية الحديث» (ص ٤٥١ ط مكتبة السنة بالقاهرة) قال :

وتوفي علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه مقتولا شهيدا في شهر رمضان سنة أربعين ، واختلف في أي أيام الشهر أو لياليه قتل ، فقال أبو الطفيل والشعبي وزيد بن وهب : ضرب لثماني عشرة ليلة خلت من رمضان وقبض في أول ليلة من العشر الأواخر ، وقال ابن إسحاق : يوم الجمعة لسبع عشرة خلت منه ، وقال ابن حبان : ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت منه فمات غداة يوم الجمعة ، وبه جزم الذهبي في العبر ، وقيل : ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت منه ، وبه صدر ابن عبد البر كلامه ، وقيل : لإحدى عشرة خلت منه ، حكاه ابن عبد البر أيضا ، وقيل : لإحدى عشرة بقيت منه ، قاله الفلاس ، وقال ابن الجوزي : ضرب يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت منه ، وقيل : ليلة إحدى وعشرين فبقي الجمعة والسبت ومات ليلة الأحد ، قاله ابن أبي شيبة ، وقيل : مات يوم الأحد.


ومنهم الحافظ المؤرخ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفى سنة ٧٤٨ في «تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام» (ج ٣ ص ٦٥٢ ط بيروت سنة ١٤٠٧) قال :

قال أبو جعفر الباقر : قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين.

وعنه رواية أخرى أنه عاش ثلاثا وستين سنة ، وكذا روي عن ابن الحنفية ، وقاله أبو إسحاق السبيعي ، وأبو بكر بن عياش ، وينصر ذلك ما رواه ابن جريج ، عن محمد ابن عمر بن علي بن أبي طالب ، أنه أخبره أن عليا توفي لثلاث أو أربع وستين سنة.

ومنهم العلامة عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الشامي في «زهر الحديقة في رجال الطريقة» (ص ١٧٤ نسخة إحدى مكاتب إيرلندة) قال :

ثم توفي علي رضي‌الله‌عنه في الكوفة ليلة الأحد في التاسع عشر من شهر رمضان سنة أربعين ، وغسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضي‌الله‌عنهم ، وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة ، ودفن في السحر وصلّى عليه ابنه الحسن ، وقيل : كان عنده فضل من حنوط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوصى أن يحنط به ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل : خمس وستين سنة وقيل : ثمان وخمسين وقيل : سبع وخمسين.

ومنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «القول الجلي في فضائل علي» عليه‌السلام (ص ٦١ ط مؤسسة نادر للطباعة والنشر) قال :

توفي علي كرم الله وجهه ورضي عنه وسنّه ثلاثة وستون سنة على الصحيح ، وقيل : بل وهو ابن ثمانية [وخمسين] سنة. وقتل رضي‌الله‌عنه سنة أربعين ، وكانت خلافته خمس سنين وستة أشهر رضي‌الله‌عنه وأعاد علينا وعلى المسلمين من


بركاته.

ومنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد المالكي في «المحن» (ص ٨٠ ط دار الغرب الإسلامي) قال :

وحدثني يحيى بن عبد العزيز ، قال : حدثنا بقي بن مخلد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا حسين بن علي ، عن سفيان ، قال : سمعت الهذلي يسأل جعفرا : كم كان لعلي حين هلك؟ قال : قتل وهو ابن ثمان وخمسين سنة ومات لها الحسن ، وقتل لها الحسين.

وقال أيضا في ص ٨١ :

وحدثني محمد بن عمر ، عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم ، قال : أصيب علي رضي‌الله‌عنه غداة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ، ومات ليلة الأحد لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين ، وتوفي علي رضي‌الله‌عنه وهو ابن سبع وخمسين ، ويقال : ابن ثمان وخمسين.

قال محمد بن أحمد بن تميم : ورأيت في خطبة له ابتدأها بكلام ثم قال : لقد نهضت في الحرب وما بلغت العشرين وها أنا ذا قد أذرفت على الستين. وقال محمد ابن عمر عن ابن عبد الرحيم : كانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر.

وقال في ص ٨٦ :

وحدثني محمد بن بسطام ، قال : حدثنا أبو الزنباع ، قال : حدثنا يحيى بن سليمان ، قال : حدثنا ابن زياد ، قال : حدثنا أبو معشر بن شرحبيل ، قال : قتل علي في شهر رمضان ليلة الجمعة لتسع عشرة من سنة أربعين.

قال : وزاد الحسن بن عمارة عن الحكم : ان ابن أبي طالب في ذلك الوقت ابن


ثلاث وستين سنة.

وحدثني محمد بن علي بن الحسين البجلي ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد الدعشي ، عن أبيه ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : لما أصيب علي كنا عنده ليلة ، فأغمي عليه فقال : ما يجلسكم؟ قلنا : حبك يا أمير المؤمنين ، قال : والذي أنزل التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود والفرقان على محمد صلوات الله عليهم أجمعين ما أجلسكم إلا ذلك؟ قلنا : نعم ، ثم أغمي عليه ، فأفاق فقال مثل ذلك مرتين ، وقلنا : نعم ، فقال : أما والذي أنزل التوراة لموسى والإنجيل لعيسى والزبور على داود والفرقان على محمد ، لا يحبني عبد إلا رأى حيث يسره ، ولا يبغضني إلا رأى حيث لا يسره ، فارتفعوا فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد إلي أني أضرب في تسع عشرة ليلة تمضي من شهر رمضان في الليلة التي مات فيها موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأموت في إحدى وعشرين ليلة تمضين منه في الليلة التي رفع فيها عيسى. فقال الأصبغ : فمات والذي لا إله إلا هو فيها.

ومنهم علامة التاريخ صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أيدمر في «الجوهر الثمين» (ج ١ ص ٦٢ ط عالم الكتب في بيروت) قال :

قال الواقدي : دفن ليلا ، وغيب قبره.

وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر ، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة ـ قاله ابن إسحاق.

وقال أيضا في ص ٩٨ :

وحدثني يحيى بن عبد العزيز ، عن بقي بن مخلد ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا الفضل بن دكين ، عن شريك ، عن أبي إسحاق ، قال : مات رسول الله صلّى الله


عليه وسلم ، وأبو بكر وعمر وعلي أبناء ثلاث وستين سنة ، وقتل عثمان وهو ابن ثلاث وتسعين سنة.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٥ ص ١٦٤ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

وفي هذه السنة : ٤٠ قتل علي رضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة القاضي الشيخ محمود بن سليمان الكفوي المتوفى سنة ٩٩٠ في كتابه «كتائب أعلام الأخيار من فقهاء ..» (ص ٤٦ ـ ٤٧ والنسخة مصورة من مخطوطة جستربيتي) قال :

... وجرح في صبيحة يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان بالكوفة ، وفارق الدنيا يوم الأحد التاسع عشر منه من سنة أربعين ، وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ، ضربه ابن ملجم المرادي قاتله الله تعالى.

ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي» (ق ٦٣ نسخة جستربيتي بإيرلندة) قال :

وكانت قتله في رمضان ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان ، وقيل : لتسع عشرة خلت منه سنة أربعين ، وقيل : سنة سبع وخمسين ، وقيل غير ذلك.

ومنهم عدة من الفضلاء في «فهرس أحاديث وآثار المستدرك على الصحيحين» للحاكم النيسابوري (القسم ٢ ص ٩٦ ط عالم الكتب ـ بيروت) قالوا :

إن عليا قتل صبيحة إحدى وعشرين من رمضان ... معرفة الصحابة / علي ٣ / ١٤٣


وقالوا أيضا في «فهرس أحاديث وآثار المصنف» للشيخ عبد الرزاق الصنعاني (ج ٤ ص ٧٢٢ ط عالم الكتب ـ بيروت) :

إن عليا قتل وهو ابن ثمان وخمسين الجنائز ٦٧٨٩ ٣ / ٦٠٠ علي بن حسين

مستدرك

محل دفن جثمانه الشريف

تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج ٨ ص ٨٠١ وج ١٨ ص ٢٥٤ ومواضع أخرى ، ونستدرك هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ٩٦ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

وقيل : إن الرشيد خرج يوما إلى الصيد فأتي إلى موضع قبره الآن ، فأرسل فهدا على صيد فتبع الفهد الصيد إلى موضع القبر فوقف ولم يتجاوزه ، فعجب الرشيد من ذلك فخضر إليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين ، إن دللتك على قبر علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه؟ قال : كل كرامة ، قال : هذا قبره. قال له : من أين علمت؟ قال : كنت أخرج مع أبي فيزوره وأخبرني أنه كان يجيء معه جعفر الصادق فيزوره وأن جعفرا كان يجيء مع علي بن الحسين فيزوره وأن الحسين أعلمهم أن هذا قبره ، فتقدم الرشيد بأن يحجر عليه ويبنى ، فكان أول من بنى هو ثم تزايد البناء.

وعن عاصم ، عن الأعمش قال : أخرج ليلا مع أهل بيته الحسن والحسين وعبد


الله بن جعفر ودفن بظاهر الكوفة ، والله اعلم.

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٦٢٩ ط دار الجيل في بيروت) قال :

والأصح أن قبره هو الموضع الذي يزار ويتبرك به عليه‌السلام.

ومنهم الفاضل المعاصر أحمد حسن الباقوري المصري في «علي إمام الأئمة» (ص ٣٢٦ ط دار مصر للطباعة) قال :

فهذا شعر تتراءى علويته في الصدق وليس في الخيال المريض.

وننتهز بك هذه السانحة لنلفتك إلى رواية كذوب تقرر للتافهين من خلق الله أن الأمام كرم الله وجهه وضع في صندوق وحمل على بعير ثم أرسل البعير يسير حيث يشاء.

ووجه الكذب في هذه الرواية البغيضة يرشد إليه ما رواه ابن أبي الحديد مما نؤثر أن نرويه لك عن كتابه شرح نهج البلاغة ، فذلك حيث قال : إن أولاد الرجل أعرف بقبره ، وأولاد كل الناس أعرف بقبور آبائهم من الأجانب ، وقد سئل الحسين بن علي رضي‌الله‌عنهما : أين قبرتم أمير المؤمنين؟ قال رضي‌الله‌عنه : خرجنا به ليلا من منزله بالكوفة حتى مررنا به على مسجد الأشعث ، حتى انتهينا به إلى الظهير بجانب الغري وهناك قبر كرم الله وجهه.

وهذا القبر هو الذي زاره بنوه لما قدموا إلى العراق وفي طليعتهم جعفر الصادق ابن محمد الباقر ، وقد مضى على أثر جعفر الصادق في زيارة القبر الشريف كل أولاد وأحفاد وأولياء الإمام.

ومنهم العلامة المولوي ولي الله اللكهنوي في «مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين» (ص ١٦٠) قال :


وقد صح عند ابن خلكان أنه مدفون في قصر الإمارة بالكوفة ، وقال الحافظ أبو عبد الرحمن الدميري : لا يعرف قبره على الحقيقة ، وقيل : إنه لما ذهب الجمل وقع بين الجبلين متوجها من الجانبين ونصبت الجنازة بينهما وذهب الجمل من تحت وذلك في النجف الأشرف ، چنانچه در اين زمان مزار مؤمنان ومحل قضاء حوائج محتاجان است. اللهم يسر لنا زيارة روضته الشريفة.

وقال أيضا :

وفي فصل الخطاب في ذكر علي : لم يزل قبره مخفيا إلى زمن الرشيد ثم ظهر بالغري لظاهر الكوفة ويزوره عالم من الناس وصار قبره مأوى لكل هارب.

ومنهم العلامة شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي المتوفى سنة ٧٥٠ في «بغية المرتاح إلى طلب الأرباح» (ص ٨٩ نسخة إحدى مكاتب لندن) قال :

واختلفوا في موضع قبره ـ إلى أن قال : وقيل : بنجف الحيرة.

ومنهم العلامة أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٦٤ مصورة مكتبة السلطان أحمد الثالث بإسلامبول) قال :

واختلف في موضع دفنه ـ إلى أن قال : وقيل : بنجف الجيزة [الحيرة] موضع بطريق الجيزة [الحيرة].

ومنهم العلامة علي بن محمد الخزرجي في «تخريج الدلالات السمعية» (ص ٢٦٨ ط القاهرة) قال :

واختلف في موضع دفنه ـ إلى أن قال : وقيل : في نجف الحيرة في موضع بطريق الحيرة.


ومنهم الفاضل الدكتور دوايت. رونلدسن في «عقيدة الشيعة» تعريب ع. م. (ص ٧٠ ط مؤسسة المفيد ـ بيروت) قال :

ورغم اختلاف الأقوال فإن علماء الشيعة عامة متفقون على أن عليا بن أبي طالب رابع الخلفاء وأول الأئمة مدفون في النجف وهي تبعد عن الكوفة أكثر من أربعة أميال بيسير ، وهذا هو اعتقاد سواد الناس.

وذكر ابن جبير أن في مسجد الكوفة محراب محلق عليه بأعواد الساج مرتفع عن صحن البلاط كأنه مسجد صغير وهو محراب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، وفي ذلك الموضع ضربه الشقي اللعين عبد الرحمن بن ملجم بالسيف فالناس يصلون فيه باكين داعين.

ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد الحنفي المصري المتوفى سنة ١٠٦٩ في «تفسير آية المودة» (ص ٧٦ نسخة إحدى المكاتب الشخصية بقم) قال في ذكر وفاتهعليه‌السلام :

ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة مضت من رمضان سنة أربعين ، فبقي يوم الجمعة والسبت ومات ليلة الأحد ، وقيل : يوم الأحد وغسله ابناه وعبد الله بن جعفر وصلّى عليه الحسن ودفن في النجف.

وفي سنه عليه‌السلام ثلاثة أقوال : أحدها سبع وخمسون ، والثاني ثلاث وستون ، والثالث خمس وستون.

وقال فيه أيضا :

وصلّى عليه الحسن ودفن في النجف.

ومنهم الفاضل الأمير أحمد حسين بهادر خان الحنفي البريانوي الهندي في كتابه


«تاريخ الأحمدي» (ص ٢١١ ط بيروت سنة ١٤٠٨) قال :

قال ابن عبد ربه في العقد الفريد : قال هيثم بن عدي : حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ أن عليا أصار الأمر إلى الحسن.

وملا محمد حسين لكهنوى فرنگى محلى در كتاب وسيلة النجاة مى نويسد كه : امام حسن بعد از وفات پدر خود على مرتضى بوصيت آن حضرت بر سرير خلافت نشست.

وفي الكامل قال : كان عمر علي عليه‌السلام ثلاثا وستين سنة ودفن عند مسجد الجماعة وقيل غير ذلك ، والأصح أن قبره هو الموضع الذي يزار ويتبرك به.

وفي تاريخ أبي الفداء قال : إن قبره هو المشهور بالنجف وهو الذي يزار اليوم.

ومنهم العلامة أحمد بن محمد الخافي الحسيني الشافعي في «التبر المذاب» (ص ٤٩ نسخة مكتبتنا العامة بقم) قال :

وعاش من العمر أربع وستين سنة مدة خلافته خمس سنين توفاه الله قتيلا بمسجد الكوفة في متهجده في الصلاة ، قاتله عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله ، وذلك سنة أربعين من الهجرة.

واختلف في قبره قيل : دفن في قصر الإمارة بالكوفة ليلا وقيل : بجانب حائط الجامع بها وقيل : بنجف الكوفة المعروف بالغري حيث قبره الآن مشهور وهو مشهد جليل وبناء عظيم ترى قبته من مسيرة يوم كامل لعظمها وعلوها تزوره الناس من أقطار الأرض ـ إلى آخر ما قال.


حنوط علي عليه‌السلام

من فضل حنوط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

رواه جماعة من العامة في كتبهم :

فمنهم الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «مسند علي بن أبي طالب» (ج ١ ص ٣٠٨ ط المطبعة العزيزية بحيدرآباد ، الهند) قال :

عن أبي وائل وهارون بن سعيد ، قالا : كان عند علي رضي‌الله‌عنه مسك فأوصى أن يحنط به ، وقال علي : هو فضلة حنوط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ابن سعد ، ق ، كر).

قتل ابن ملجم اللعين

وحرقه بالنار

نقله جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٥ ص ١٧٤ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

وذلك في رمضان ، وغسله الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وعبد الله بن جعفر ، وكفن في ثلاثة أثواب وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات.


أخبرنا الحصين ، قال : أخبرنا ابن المذهب ، قال : أخبرنا أحمد بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدثني أبي ، قال : [حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال :] حدثنا شريك ، عن عمران بن ظبيان ، عن أبي يحيى ، قال :

لما ضرب ابن ملجم عليا رضي‌الله‌عنه قال : افعلوا به كما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يفعل برجل أراد قتله ، فقال : اقتلوه ، ثم حرقوه.

ومنهم علامة التاريخ الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ابن عساكر في «ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق» (ج ٣ ص ٣٠١ ط دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت) قال :

[وأيضا قال ابن سعد :] وقالوا : كان عبد الرحمن بن ملجم في السجن ، فلما مات علي ودفن ، بعث الحسن بن علي إلى عبد الرحمن بن ملجم فأخرجه من السجن ليقتله ، فاجتمع الناس وجاءوا بالنفط والبواري والنار فقالوا : نحرقه ، فقال عبد الله ابن جعفر وحسين بن علي ومحمد بن الحنفية : دعونا حتى نشفي أنفسنا منه ، فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ، فكحل عينيه بمسمار محمى فلم يجزع وجعل يقول : إنك لتكحل عيني عمك بملمول مض وجعل يقرأ : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق حتى أتى على آخر السورة كلها وإن باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق حتى أتى على آخر السورة كلها وإن عينيه لتسيلان ، ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه فجزع ، فقيل له : قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله فلم تجزع ، فلما صرنا إلى لسانك جزعت؟ فقال : ما ذاك من جزع إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقا لا أذكر الله. فقطعوا لسانه ثم جعلوه في قوصرة وأحرقوه بالنار. والعباس بن علي يومئذ صغير ، فلم يستأن به بلوغه. وكان عبد الرحمن بن ملجم رجلا أسمر ، حسن الوجه أبلج ، شعره مع شحمة أذنيه ، في جبهته أثر السجود.

ومنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة


٣٥٤ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٥٥١ ط مؤسسة الكتب الثقافية ، دار الفكر في بيروت) قال :

فمات علي بن أبي طالب غداة يوم الجمعة ، فأخذ عبد الله بن جعفر والحسن بن علي [ومحمد بن الحنفية] عبد الرحمن بن ملجم ، فقطعوا يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ، ثم كحلوا عينيه بملمول محمى ، ثم قطعوا لسانه وأحرقوه بالنار ؛ وكان لعلي يوم مات اثنتان وستون سنة ، وكانت خلافته خمس سنين وثلاثة أشهر.

وذكر مثله في كتابه «الثقات» (ج ٢ ص ٣٠٢ ط دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد).

ومنهم الحافظ الشمس محمد بن أحمد الذهبي في «تاريخ الإسلام» (ج ٣ ص ٦٥٠ ط بيروت)

فذكر مثل ما تقدم عن ابن عساكر.

أزواجه عليه‌السلام

ذكرهنّ جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر الشيخ محمد الخضري بك المفتش بوزارة المعاف بمصر في «محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية» (ج ٢ ص ٨٠ ط المكتبة التجارية الكبرى بمصر) قال:

تزوج علي بن أبي طالب :

(١) فاطمة بنت رسول الله (ص) وهي أولى زوجاته ولم يتزوج عليها حتى توفيت عنده ، وكان له منها الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى.

(٢) أم البنين بنت حزام من بني عامر بن كلاب فولدت له العباس وجعفرا وعبد


الله وعثمان.

(٣) ليلى بنت مسعود التيمية فولدت عبد الله وأبا بكر.

(٤) أسماء بنت عميس الخثعمية فولدت له يحيى ومحمدا الأصغر.

(٥) الصهباء بنت ربيعة من بني جشم بن بكر وهي أم ولد من سبي تغلب فولدت له عمر ورقية.

(٦) أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فولدت له محمدا الأوسط.

(٧) خولة بنت جعفر الحنفية فولدت له محمدا الشهير بابن الحنفية.

(٨) أم سعيد بنت عروة بن مسعود فولدت له أم الحسين ورملة الكبرى.

(٩) محياة بنت امرئ القيس الكلبية ولدت له جارية ماتت صغيرة.

وكان له بنات من أمهات شتى منهن أم هانئ وميمونة وزينب الصغرى ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة ونفيسة وأمهاتهن أمهات أولاد شتى وكان النسل من ولده الخمسة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس وعمر.

ومنهم الفاضل المعاصر عبد الوهاب النجار في «الخلفاء الراشدون» (ص ٤٧٤ ط ١ دار القلم ـ بيروت)

فذكر مثل ما تقدم عن «المحاضرات» بعينه.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في «تاريخ العرب» (ج ٣ ص ٢٧٦ ط دار الأندلس ـ بيروت)

فذكر مثل ما تقدم عن «المحاضرات» إلا انه قال بعد ذكر سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام :


ثم تزوج بعدها : امامة بنت أبي العاص. وقال مكان «محياة» : مخبئة. وقال في آخره : وقد قتل وله أربع زوجات حرائر ، وعدد من الإماء الجواري ، فالحرائر هن ، السيدة امامة ، والسيدة ليلى ، والسيدة أم البنين ، والسيدة أسماء بنت عميس ، أما الإماء فهن ثمان عشرة أم ولد.

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ق ١٠٤ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :

الباب الواحد والستون في ذكر أزواجه وأسمائهن وما ولدن

أولهن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يتزوج عليها حتى توفيت عنده وكان له منها الولدان الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وقيل : كان له منها ابن آخر يقال له محسن مات وهو صغير وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى.

ثم تزوج بعدها أم البنين بنت حزام بن الوحيد بن كعب بن عامر فولدت له العباس وجعفر وعبد الله وعثمان قتلوا مع الحسين رضي‌الله‌عنهم بالطف ولا عقب لهما.

وتزوج ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم فولدت له عبد الله وأبا بكر قتلا مع الحسين بالطف.

وتزوج أسماء بنت عميس الخثعمية فولدت له يحيى ومحمدا الأصغر ولا عقب لهما. قال الواقدي : وولدت له محمدا الأصغر قتل مع الحسين وله من الصهبا بنت زمعة بن ربيعة بن علقمة بن الحرث بن عتبة بن سعيد ، وهي أم ولد له عمر ورقية بنت علي وعمر عمر حتى بلغ خمسا وثمانين سنة ومات ببقيع.

وتزوج أمامة بنت أبي العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن (عبد) مناف وأمها زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فولدت له محمدا الأوسط وله محمد الأكبر ، وهو محمد بن الحنفية ، وأما خولة بنت جعفر بن قيس بن سلمة بن


يربوع فولدت له يحيى وتوفي بالطائف وصلّى عليه ابن عباس رضي‌الله‌عنهما.

وتزوج أم سعيد بنت عروة بن مسعود فولدت به أم الحسن ورملة الكبرى وكانت له بنات من أمهات شتى منهن أم هاني وميمونة وزينب الصغرى وأم كلثوم وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة ونفيسة وهؤلاء أمهاتهن أمهات أولاده.

وتزوج محيلة بنت إمرئ القيس بن عدي بن أوس فولدت له جارية هلكت وهي صغيرة. قال الواقدي : كانت تخرج وهي جارية فيقال لها : من أخوالك؟ فتقول : وه وه! يعني كلبا. قال : فجميع ولد علي عليه‌السلام أربعة عشر ذكرا وسبعة عشر امرأة. انتهى. وفي عباراته تشويش وسقط.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٦ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

فذكرهن مثل ما تقدم عن «المحاضرات» وزاد عليهن واحدة بعنوان : أم ولد.

ومنهم العلامة أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المشتهر بابن الشيخ في كتاب «ألف با» (ج ٢ ص ٣٤٧ ط ٢ عالم الكتب ـ بيروت) قال :

وتزوج علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه بعشر نسوة إحداهن أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي وهو حاملها وهو في الفريضة تزوجها بعد وفاة فاطمة رضي‌الله‌عنها بسبع ليال كانت وصته بذلك وتوفي عن أربع منهن وسبع عشرة سرية ، وقال علي رضي‌الله‌عنه حين توفيت فاطمة رضي‌الله‌عنها وصلّى الله وسلّم على أبيها محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أرى علل الدنيا عليّ كثيرة

وصاحبها حتى الممات عليل

لكل اجتماع من خليلين فرقة

وإن الذي دون الممات قليل


وإن افتقادي واحدا بعد واحد

دليل على أن لا يدوم خليل

وتوفيت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بستة أشهر وقد تقدم وكان في موتها آية.

أولاده الأشراف السادة

ذكرهم جماعة من أعلام العامة في كتبهم :

فمنهم الفاضل المعاصر محمد خير المقداد في «مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة» للعلامة الصفوري (ص ١٩٢ ط دار ابن كثير ، دمشق وبيروت) قال :

قال بعض المفسرين في قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) أي بحر النبوة من فاطمة رضي‌الله‌عنها ، وبحر الفتوة من علي ، والبرزخ الحاجز من التقوى ، والحسن والحسين هما اللؤلؤ والمرجان.

كان الحسن رضي‌الله‌عنه أول أولاد فاطمة الخمسة ، الحسن ، والحسين ، وزينب الكبرى ، وزينب الصغرى ، المكناة بأم كلثوم ، ولدتها في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال في ص ١٩٩ :

قال في صفوة الصفوة : أولاد على رضي‌الله‌عنه من فاطمة وغيرها أربعة عشر ذكرا ، وتسعة عشر أنثى.

ومنهم العلامة الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي في «تهذيب


الكمال في أسماء الرجال» (ج ٢٠ ص ٤٧٩ ط مؤسسة الرسالة ، بيروت) قال :

وكان له من الولد الذكور أحد وعشرون : الحسن ، والحسين ، ومحمد الأكبر وهو ابن الحنفية ، وعمر الأطراف وهو الأكبر ، والعباس الأكبر أبو الفضل قتل بالطف ويقال له : السقاء أبو قربة أعقبوا ، والذين لم يعقبوا : محسن درج سقطا ، ومحمد الأصغر ، قتل بالطف ، والعباس الأصغر يقال : إنه قتل بالطف ، وعمر الأصغر درج ، وعثمان الأكبر قتل بالطف ، وعثمان الأصغر درج ، وجعفر الأكبر قتل بالطف ، وجعفر الأصغر درج ، وعبد الله الأكبر يكنى أبا محمد قتل بالطف ، وعبد الله الأصغر درج ، وعبيد الله يكنى أبا علي يقال إنّه قتل بكربلاء ، وعبد الرحمن درج ، وحمزة درج ، وأبو بكر عتيق يقال : إنه قتل بالطف ، وعون درج ، ويحيى يكنى أبا الحسن توفي صغيرا في حياة أبيه ، وكان له من الولد الإناث ثماني عشرة : زينب الكبرى ، وزينب الصغرى ، وأم كلثوم الكبرى ، وأم كلثوم الصغرى ، ورقية الكبرى ، ورقية الصغرى ، وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، وفاختة ، وأمة الله ، وجمانة تكنى أم جعفر ، ورملة ، وأم سلمة ، وأم الحسن ، وأم الكرام وهي نفيسة ، وميمونة ، وخديجة ، وأمامة على خلاف في بعض ذلك.

قال غير واحد من العلماء : كان علي رضي‌الله‌عنه أصغر ولد أبي طالب ، كان أصغر من جعفر بعشر سنين ، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين ، وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين.

ومنهم العلامة الذهبي في «التذهيب» (ج ٣ ق ٥٥ نسخة مكتبة طوپ قپوسراي بإسلامبول) قال :

وكان لعلي رضي‌الله‌عنه من الولد أربعون إلا ولدا. فذكرهم مثل ما تقدم عن «تهذيب الكمال» بالتقدم والتأخر.


ومنهم العلامة الحافظ أبو حاتم محمد بن أحمد التميمي البستي المتوفى سنة ٣٥٤ في «السيرة النبوية وأخبار الخلفاء» (ص ٥٥٣ ط مؤسسة الكتب الثقافية ودار الفكر في بيروت) قال :

وكان لعلي بن أبي طالب خمسة وعشرون ولدا ، من الولد : الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى ـ وهؤلاء الخمسة من فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان له من غيرها : محمد بن علي [و] عبيد الله وعمر وأبو بكر ويحيى وجعفر والعباس وعبد الله ورقية ورملة وأم الحسن أم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى وجمانة وميمونة وخديجة وفاطمة وأم الكرام وأم سلمة ـ رضي‌الله‌عنهم أجمعين.

وذكر مثله بعينه في كتابه «الثقات» (ج ٢ ص ٣٠٤ ط دار المعارف العثمانية بحيدرآباد).

ومنهم العلامة عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الشامي في «زهر الحديقة في رجال الطريقة» (ق ١٧٤ نسخة مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال :

قال ابن قتيبة : ولعلي رضي‌الله‌عنه من الولد الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم وزينب الكبرى كلهم من فاطمة [عليها‌السلام]. ثم ذكر ساير أولاده عليه‌السلام مثل ما تقدم عن أبي حاتم البستي في «السيرة» وزاد : النفيسة وأمامة وأم أبيها وعثمان ومحمد الأصغر. ثم قال : ذكره النووي في «تهذيب الأسماء واللغات».

ومنهم العلامة القاضي الشيخ محمود بن سليمان الكفوي المتوفى سنة ٩٩٠ في «كتائب أعلام الأخيار» (ق ٤٧ نسخة جستربيتي) قال :

وله خمسة عشر ابنا ، الحسن والحسين والمحسن وعبد الله وعون وأبو عبد الله


وعباس وعمر ومحمد الأكبر ومحمد الأصغر ومحمد بن الحنفية وأبو بكر ويحيى وعثمان وجعفر.

ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (ج ٥ ص ٦٩ ط دار الكتب العلمية بيروت) قال :

كان لعلي من الولد أربعة عشر ذكرا ، وتسع عشرة أنثى : الحسن ، والحسين ، وزينب الكبرى ، وأم كلثوم الكبرى ، أمهم فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومحمد الأكبر ، وهو ابن الحنفية ، وأمه خولة بنت جعفر ، وعبيد الله ، قتله المختار ، وأبو بكر قتل مع الحسين ، أمهما ليلى بنت مسعود ، والعباس الأكبر وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين ، أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد ، ومحمد الأصغر ، قتل مع الحسين ، أمه أم ولد. ويحيى وعون ، أمهما أسماء بنت عميس. وعمر الأكبر ، ورقية ، أمهما الصهباء سبية. ومحمد الأوسط ، أمه أمامة بنت أبي العاص. وأم الحسن ، ورملة الكبرى ، أمهما أم سعيد بنت عروة. وأم هانئ ، وميمونة ، وزينب الصغرى ، ورملة الصغرى ، وأم كلثوم الصغرى ، وفاطمة ، وأمامة ، وخديجة ، وأم الكرام ، وأم سلمة ، وأم جعفر ، وجمانة ، ونفيسة ، وهن لأمهات شتى. وابنة أخرى لم يذكر اسمها هلكت وهي صغيرة. فهؤلاء الذين عرفوا من أولاد علي رضي‌الله‌عنه.

ومنهم العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد الحنفي المصري المتوفى سنة ١٠٦٩ في «تفسير آية المودة» (ق ٧٦ نسخة إحدى المكاتب الشخصية بقم) قال :

كان [له] من الولد أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة أنثى ـ فذكر مثل ما تقدم عن «المنتظم» ، إلا أنه قال في محمد بن الحنفية : قتله المختار ، والظاهر أن عبيد الله


سقط. وقال بعده : وعبد الله وأبو بكر قتلا مع الحسين أمهما ليلى بنت مسعود. وقال : محمد الأصغر ورقية أمهما الصهبا ... وليس فيه بعد محمد الأصغر : قتل مع الحسين أمه أم ولد. ويحيى وعون أمهما اسماء بنت عميس وعمر الأكبر ورقية أمهما الصهباء سبية .. وفيه : أمهما أم سعد بنت عمرو ، وسقط منه بعد زينب الصغرى [ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى].

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي في «آل بيت الرسول» صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ص ٢٠٥ ط القاهرة سنة ١٣٩٩)

فعد أولاده الأشراف مثل ما تقدم عن «المنتظم» بعينه ، ولكنه سهى في عقب العباس الأكبر وقال : لا بقية له. وله صلوات الله عليه أعقاب أشراف أجلاء ، ذكرهم النسابون.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٩ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت)

فذكر أولاده عليه‌السلام مثل ما تقدم عن ابن الجوزي في «المنتظم».

وقال في آخره بعد وابنة لم تسم : أمها محياة. قال ابن سعد في طبقاته : فجميع ولد على بن أبي طالب لصلبه أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة امرأة.

ومنهم الشريف أبو الحسن علي الحسني الندوي في «المرتضى برة سيدنا أبي الحسن علي بن أبي طالب» (ص ١٦٨ ط دار القلم ـ دمشق) قال بعد ذكر أولاد أم الأئمة فاطمة المرضية وقال : إن محسنا مات صغيرا :

وولد له من زوجات تزوج بهن بعد فاطمة : العباس ، وجعفر ، وعبد الله ، وعثمان ، وقد قتل هؤلاء مع أخيهم الحسين في كربلاء.


وولد له عبيد الله ، وأبو بكر ، قال هشام بن الكلبي : وقد قتلا بكربلاء أيضا ، ويحيى ، ومحمد الأصغر ، وعمر ، ورقية ، ومحمد الأوسط.

أما ابنه محمد الأكبر فهو المشهور بابن الحنفية ، وقد كان من سادات المسلمين ، وكان شجاعا أيدا ، فصيحا عالما بالكتاب والسنة ، وكان يفضل أبا بكر وعمر ويثني على عثمان رضي‌الله‌عنه ، مات بالطائف سنة إحدى وثمانين ، وهو يومئذ ابن خمس وستين سنة.

قال ابن جرير : جميع ولد علي أربعة عشر ذكرا ، وسبع عشرة أنثى ، وقال الواقدي : وإنما كان النسل من خمسة ، وهم : الحسن والحسين ، ومحمد بن الحنفية والعباس ، وعمر.

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٩٢ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

قد اختلف الناس في عدد أولاده ، فمنهم من أكثر ، ومنهم من أقل ، ففي كتاب الأنوار لأبي القاسم إسماعيل : إن أولاده ٣٢ اثنان وثلاثون ، ستة عشر ذكرا ، وست عشرة أنثى.

وفي بغية الطالب : أولاده رضي‌الله‌عنه ٣٣ ثلاثة وثلاثون ، خمسة عشر ذكرا ، وثماني عشرة أنثى بالاتفاق.

أما الذكور فهم : الحسن ، والحسين ، ومحسن (وأمهم فاطمة الزهراء البتول بنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم) ومحمد الأكبر (أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية) ـ فذكر مثل ما تقدم عن «المنتظم» ، وفيه : عوف مكان : عون.

ومنهم الفاضل المعاصر الدكتور محمد أسعد أطلس في «تاريخ العرب» (ج ٣ ص ٢٧٦ ط دار الأندلس ـ بيروت) قال :


أما أولاده السادة ـ فذكر ١٥ ذكورا و ١٨ إناثا ، فقال : وتزوج بناته بنو عقيل وبنو العباس وبنو جعفر ـ إلخ.

ومنهم الشيخ يونس الشيخ إبراهيم السامرائي في «حقائق عن آل البيت والصحابة» (ص ٧٣ ط المكتبة العصرية ، صيدا ـ بيروت عام ١٤٠٠) قال :

لقد اختلف في عدد أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ذكورا وإناثا فمنهم من أكثر ومن أقل ، ففي كتاب الأنوار لأبي القاسم أن أولاده اثنان وثلاثون : ستة عشر ذكرا وست عشرة أنثى ، وقال اليعمري تسعة وعشرون ، عشرة ذكور ، وتسع عشرة أنثى ، وفي بغية الطالب : أولاده خمسة عشر ذكرا وثمان عشرة أنثى بالاتفاق ، واختلف في الذكور فالحسن والحسين أمهما فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أما عيسى ومحمد الأكبر فأمهما من سبي بني حنيفة واسمها خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية. وعبد الله قتله المختار بن أبي عبيد ، وأبو بكر قتل مع الحسين ، أمهما ليلى بنت مسعود النهشلي تزوجها عبد الله بن جعفر بعد عمه فجمع بين زوجة علي وابنته ، والعباس الأكبر يلقب بالسقاء ، وعثمان وجعفر وعبد الله قتلوا مع الحسين أمهم أم البنين بنت الحرام الوحيدية ثم الطلابية ومحمد الأصغر قتل مع الحسين أمه أم حبيب الصهباء بنت ربيعة التغلبية وعمر الأصغر أمه الثقفية أم سعيد بنت عروة بن مسعود التغلبية ومحمد الأوسط أمه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع العبشمية وهي التي حملها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صلاة الظهر وأمهما زينب بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ثم ذكر بناته عليه‌السلام إلى أن قال :

وخديجة تزوجها أبو السنابل عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد الله بن عامر بن كريز


ابن ربيعة بن عبد شمس ـ بعد زوجها الأول عبد الرحمن بن عقيل ، ورملة تزوجها معاوية بن مروان بن الحكم شقيق عبد الملك بن مروان وذلك بعد زوجها الأول أبو الهياج عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.

ورقية شقيقة عمر الأكبر وأم الحسن ورملة الكبرى أمهما أم سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي وأم هانئ وميمونة ورملة الصغرى وزينب الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وأم الخير وأم سلمة وأم جعفر وجمانة والبقية لأمهات شتى والعقب من الحسن والحسين ومحمد الأكبر وعمر والعباس السقاء.


في مراثيه عليه‌السلام

قد تقدم مرثية جماعة من الشعراء والعلماء في حقه عليه‌السلام في ج ٨ ص ٨٠٤ ومواضع أخرى من الكتاب ، فنذكر هاهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

فمنهم العلامة علي بن محمد الخزرجي في «تخريج الدلالات السمعية» (ص ٢٧٠) قال :

قال أبو عمر رحمه‌الله : ومما قيل في ابن ملجم وقطام :

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة

كمهر قطام من فصيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة

وضرب علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من علي وإن غلا

ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم

ومما رثى به علي رضي‌الله‌عنه قول الفضل بن أبي لهب :

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف

عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

أليس أول من صلّى لقبلته

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

من فيه ما فيهم لا تمترون به

وليس في القوم ما فيه من الحسن

ومن أبيات لخزيمة بن ثابت بصفين :

كل خير يزينهم فهو فيه

وله دونهم خصال تزينه


وقال أبو الأسود الدؤلي ـ وأكثرهم يرونها لأم الهيثم بنت العريان النخعية ـ :

ألا يا عين ويحك أسعدينا

ألا تبكي أمير المؤمنينا

تبكي أم كلثوم عليه

بعبرتها وقد رأت اليقينا

ألا قل للخوارج حيث كانوا

فلا قرت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا

بخير الناس طرا أجمعينا!

قتلتم خير من ركب المطايا

وذللها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثاني والمبينا

وكل مناقب الخيرات فيه

وحب رسول رب العالمينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنك خيرها حسبا ودينا

وكنا قبل مقتله بخير

نرى مولى رسول الله فينا

يقيم الحق لا يرتاب فيه

ويعدل في العدا والأقربينا

وليس بكاتم علما لديه

ولم يخلق من المتجبرينا

فلا تشمت معاوية بن صخر

فإن بقية الخلفاء فينا

ومنهم أبو الجود البتروني الحنفي في «الكوكب المضيء» (ق ٦٣ نسخة مكتبة جستربيتي بإيرلندة) قال :

قال الشاعر : فلم أر مهرا ـ الأبيات كما تقدم عن «تخريج الدلالات السمعية» بعينه.

ومنهم الفاضل المعاصر الشريف علي فكري ابن الدكتور محمد عبد الله الحسيني القاهري المولود بها سنة ١٢٩٦ والمتوفى بها أيضا سنة ١٣٧٢ في كتابه «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٩٠ ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال :

وقال أبو الأسود الدؤلي يرثي عليا رضي‌الله‌عنه:


ألا يا عين ويحك أسعدينا

ألا تبكي أمير المؤمنينا

 ـ فذكر الأبيات بتقديم وتأخير. وقال بدل الشامتينا : الحاسدينا ، وبدل من حذاها : من فداها ، وبدل المبينا : المئينا ، وبدل خيرها : خيرهم ، وبدل المتجبرينا : المتكبرينا.

وزاد بعد البيت التاسع :

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر فوق الناظرينا

وزاد أيضا بعد البيت الثاني عشر :

كأن الناس إذ فقدوا عليا

نعام حار في بلد سنينا

وزاد في آخر الأبيات :

وقل للشامتين بنا أفيقوا

سيلقى الشامتون كما لقينا

ومنهم العلامة أبو العرب محمد بن أحمد بن تميم التميمي المتوفى سنة ٣٣٣ في «المحن» (ص ١٠٠ ط ٢ دار الغرب الإسلامي ـ بيروت) قال :

وحدثني محمد بن بسطام قال : حدثنا أبو الزنباع ، قال : حدثنا يحيى بن سليمان ، قال : حدثنا عمر بن عثمان ـ يعني الحمصي ـ ، عن أبي إسماعيل الجعفي ، قال : قالت أم الهيثم بنت عوثان الخثعمية ترثي عليا ، رحمه‌الله ورضي عنه :

ألا يا عين ويحك أسعدينا

ألا تبكي أمير المؤمنينا

رزينا خير من ركب المطايا

وخيسها وخير الناصرينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن يقري الثماني والمئينا

وكلّ مناقب الخيرات فيه

وحبّ رسول رب العالمينا

وكنا قبل مقتله بخير

يقيم شرائع الإسلام فينا

يقيم الخير لا يرتاب فيه

ويقضي بالفرائض مستبينا

وليس بكاتم علما لديه

ولم يخلق من المتحزبينا


ويدعو للجماعة من أتاه

ويهتك قطع أيدي السارقينا

وغرّونا بأنهم عكوف

وليس كذاك فعل العاكفينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا

بخير الناس طرا أجمعينا

ألم يأتوه إذ هربوا جميعا

وكان لقاؤه حصنا حصينا

تبكي أمّ كلثوم عليه

بعبرتها وقد رأت اليقينا

تطوف به لحاجتها إليه

فلما استيأست رفعت رنينا

فلا تشمت معاوية بن صخر

فإن بقية الخلفاء فينا

وقد أتت المقادة عن تراض

إلى ابن نبينا وإلى أخينا

وأن يعطي زمام الأمر قوما

طوال الدهر غيرهم الأمينا

كأنّ الناس إذ فقدوا عليا

نعام في ظلام قد عشينا

ومنهم العلامة محمد بن أبي بكر الأنصاري في «الجوهرة» (ص ١١٨ ط دمشق) قال :

طبّ بصير بأضغان الرجال ولم

يعدل بحبر رسول الله أحبار

وقطرة قطرت إذ حان موعدها

وكلّ شيء له وقت ومقدار

حتى تنصلها في مسجد طهر

على إمام هدى أن معشر جاروا

حمت ليدخل جنات أبو حسن

وأوجبت بعده للقاتل النار

وقال الكميت :

والوصي الذي أمال التجوب

ي به عرش أمه لانهدام

قتلوا يوم ذاك إذ قتلوه

حكما لا كغابر الحكام

الإمام الزكي والفارس المع

لم تحت العجاج غير الكهام

راعيا كان مسجحا ففقدنا

ه ، وفقد المسيم هلك السوام

وقال بكر بن حماد التاهرتي ، رحمه‌الله:


وهز عليّ بالعراقين لحية

مصيبتها جلت على كل مسلم

فقال : سيأتيها من الله حادث

ويخضبها أشقى البرية بالدم

فباكره بالسيف شلت يمينه

لشؤم قطام عند ذاك ابن ملجم

فيا ضربة من خاسر ضل سعيه

تبوأ منها مقعدا في جهنم

ففاز أمير المؤمنين بحظه

وإن طرقت فيه الخطوب بمعظم

ألا إنما الدنيا بلاء وفتنة

حلاوتها شيبت بصاب وعلقم

وقال في ص ١١٦ :

قال بكر بن حماد التاهرتي :

قل لابن ملجم والأقدار غالبة

هدمت ويلك للإسلام أركانا

قتلت أفضل من يمشي على قدم

وأول الناس إسلاما وإيمانا

وأعلم الناس بالقرآن ثم بما

أسن الرسول لنا شرعا وتبيانا

صهر النبي ومولاه وناصره

أضحت مناقبه نورا وبرهانا

وكان منه على رغم الحسود له

مكان هارون من موسى بن عمرانا

وكان في الحرب سيفا صارما ذكرا

ليثا إذا لقي الأقران أقرانا

ذكرت قاتله والدمع منحدر

فقلت سبحان رب العرش سبحانا

إني لأحسبه ما كان من بشر

يخشى المعاد ولكن كان شيطانا

أشقى مراد إذا عدت قبائلها

وأخسر الناس عند الله ميزانا

كعاقر الناقة الأولى التي جلبت

على ثمود بأرض الحجر خسرانا

قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها

قبل المنية أزمانا فأزمانا

فلا عفا الله عنه ما تحمله

ولا سقى قبر عمران بن حطانا

لقوله في شقي ظل مختبلا

ونال ما ناله ظلما وعدوانا

يا ضربة من تقى ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا


بل ضربة من شقي أوردته لظى

مخلدا قد أتى الرحمن غضبانا

ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن مسعود المالكي المشتهر بابن خصال في «مناقب العشرة» (ق ٤٣ مخطوط) قال :

قالت أم الهيثم النخعية :

ألا يا عين ويحك أسعدينا ـ الأبيات ، فذكر خمسة أبيات من القصيدة التي نسبها الخزرجي في «تاريخ الدلالات السمعية» إلى أبي الأسود الدؤلي.

وقال أيضا :

قال بكر بن حماد رحمه‌الله :

وهزّ عليّ بالعراقين لجة ـ الأبيات كما مر عن «الجوهرة» ولم يذكر منها بيتين ؛ البيت الثالث منها والخامس.

ومنهم العلامة محمد بن يوسف الزرندي في «بغية المرتاح» (ق ٨٩ نسخة مكتبة جستربيتي بإيرلنده) قال :

وفي ذلك يقول بكر بن حماد يعارض ابن حطان الخارجي :

قل لابن ملجم والأقدار غالبة ـ الأبيات ذكرها مثل ما تقدم عن «الجوهرة» ، وقال بعد ذكر بيت :

فلا عفى الله عنه ما تحمله

ولا سقى قبر عمران بن حطانا

وإنما ذكر عمران بن حطان الخارجي لأنه قد قال : يا ضربة من تقي إلخ.

ولم يذكر كل الأبيات بل ذكر تسعة أبيات منها.

ومنهم الفاضل المعاصر محمد رضا في «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين» (ص ٣١٧ ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) قال :


وقال بكر بن حسان الباهري :

قل لابن ملجم والأقدار غالبة ـ الأبيات ، وذكر منها اثني عشر بيتا باختلاف قليل ، وقال : الحسان الباهري بدل : حماد التاهرتي ، وقال : هدمت للدين والإسلام ، وقال : وأول الناس إسلاما ، وقال : سنّ بدل : أسنّ ، وقال : قد كان يخبرهم هو بمقتله. وقال : إني لأحسبه ما كان من إنس ، كلا ولكن كان شيطانا ، وقال : فلا عفا الله عنه سوء فعلته ، وقال : وسوف يلقى بها الرحمن غضبانا ، وزاد بيتا ليس في «الجوهرة» وهو :

كأنه لم يرد قصدا بضربته

إلا ليصلى عذاب الخلد نيرانا

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٦٢٨ ط دار الجيل في بيروت)

ذكر الأبيات مثل ما تقدم عن «الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين».

ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في «أحسن القصص» (ج ٣ ص ١٩٠)

ذكر أربعة أبيات من أول القصيدة.

ومنهم الحافظ المؤرخ ابن عساكر في «ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق» (ج ٣ ص ٣٤٥ ط بيروت) قال :

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، أنبأنا رشا بن نظيف ، أنبأنا الحسن بن إسماعيل ، أنبأنا أحمد بن مروان ، أنبأنا إسحاق بن الحسن الحربي ، عن علي ، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، عن عمرو بن شمر قال : كانت سودة بنت


عمارة ـ تبكي عليا وقالت :

صلى الإله على جسم تضمنه

قبر فأصبح فيه الجود مدفونا

قد حالف الحق لا يبغي به بدلا

فصار بالحق والإيمان مقرونا

ومنهم العلامة زين الدين عمر بن مظفر الشهير بابن الوردي المتوفى سنة ٧٤٩ في «تتمة المختصر» (ص ٥٢ نسخة إسلامبول) قال :

قلت : ولأبي الطيب الطبري صادقا مهديا :

يا ضربة من شقي ما أراد بها

إلا ليهدم للإسلام أركانا

إني لأذكره يوما فألعنه

كذاك العن عمران بن حطانا

ومنهم الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه «حياة الإمام علي عليه‌السلام» (ص ٦٢٨ ط دار الجيل في بيروت) قال :

ورثاه أبو الأسود الدؤلي :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

فلا قرت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا

بخير الناس طرا أجمعينا

قتلتم خير من ركب المطايا

ورحلها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها

ومن قرأ المثاني والمئينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين

رأيت البدر راع الناظرينا

لقد علمت قريش حيث كانت

بأنك خيرها حسبا ودينا

ومنهم العلامة شمس الدين أبو البركات محمد الباعوني الشافعي في كتاب «جواهر المطالب في مناقب الإمام أبي الحسنين علي بن أبي طالب» (ص ٩٦ والنسخة مصورة من المكتبة الرضوية بخراسان) قال :


وقال أبو الأسود الدئلي ـ يرثي عليا عليه‌السلام ـ فذكر الأبيات كما تقدم عن «حياة الإمام علي عليه‌السلام» إلا البيت الأخير. ثم قال : وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ألا أخبرك بأشد الناس عذابا يوم القيامة؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : عاقر ناقة صالح وخاضب لحيتك بدم رأسك.

إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ٣٢

المؤلف:
الصفحات: 694