بسم
الله الرّحمن الرّحيم
الباب السابع
في نبذة ممّا منّ
الله تعالى به على أهل الأندلس من توقّد الأذهان ، وبذلهم في اكتساب المعارف
والمعالي ما عزّ وهان ، وحوزهم في ميدان البراعة ، من قصب اليراعة ، خصل الرهان
، وجملة من أجوبتهم ، الدالّة على لوذعيتهم ، وأوصافهم المؤذنة بألمعيتهم ، وغير
ذلك من أحوالهم التي لها على فضلهم أوضح برهان.
اعلم أنّ فضل أهل
الأندلس ظاهر ، كما أنّ حسن بلادهم باهر ، ولذلك ذكر ابن غالب في «فرحة الأنفس»
لمّا أثنى على الأندلس وأهلها أن بطليموس جعل لهم ـ من أجل ولاية الزّهرة لبلادهم
ـ حسن الهمّة في الملبس والمطعم ، والنظافة والطهارة ، والحب للهو والغناء ،
وتوليد اللحون ، ومن أجل ولاية عطارد حسن التدبير ، والحرص على طلب العلم ، وحبّ
الحكمة والفلسفة والعدل والإنصاف.
وذكر ابن غالب
أيضا ما خصّوا به من تدبير المشتري والمريخ.
وانتقد عليه بعضهم
بأنّ أقاليم الأندلس الرابع والخامس والسادس في ساحلها الشمالي ، والسابع في جزائر
المجوس ، وللإقليم الرابع الشمس ، وللخامس الزّهرة ، وللسادس عطارد ، وللسابع
القمر ، والمشتري للإقليم الثاني ، والمريخ للثالث ، ولا مدخل لهما في الأندلس ،
انتهى.
ثم قال صاحب الفرحة
: وأهل الأندلس عرب في الأنساب ، والعزّة ، والأنفة ، وعلوّ الهمم ، وفصاحة الألسن
، وطيب النفوس ، وإباء الضيم ، وقلّة احتمال الذلّ ، والسماحة بما في أيديهم ،
والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنيّة ، هنديّون في إفراط عنايتهم بالعلوم وحبّهم
فيها وضبطهم لها وروايتهم ، بغداديون في نظافتهم وظرفهم ، ورقّة أخلاقهم ونباهتهم ، وذكائهم ، وحسن نظرهم ، وجودة
قرائحهم ، ولطافة أذهانهم ، وحدّة أفكارهم ، ونفوذ خواطرهم ، يونانيون في
استنباطهم للمياه ، ومعاناتهم لضروب الغراسات ، واختيارهم لأجناس الفواكه ،
__________________
وتدبيرهم لتركيب
الشجر ، وتحسينهم للبساتين بأنواع الخضر وصنوف الزهر ، فهم أحكم الناس لأسباب
الفلاحة ، ومنهم ابن بصال صاحب «كتاب الفلاحة» الذي شهدت له التجربة بفضله ، وهم
أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال ومقاساة النّصب في تحسين الصنائع ، أحذق الناس بالفروسية ، وأبصرهم بالطعن
والضرب.
وعدّ ، رحمه الله
تعالى ، من فضائلهم اختراعهم للخطوط المخصوصة بهم ، قال : وكان خطّهم أولا مشرقيّا
، انتهى.
قال ابن سعيد :
أمّا أصول الخطّ المشرقي وما تجد له في القلب واللحظ من القبول فمسلّم له ، لكن
خطّ الأندلس الذي رأيته في مصاحف ابن غطوس الذي كان بشرق الأندلس وغيره من الخطوط
المنسوبة عندهم له حسن فائق ، ورونق آخذ بالعقل ، وترتيب يشهد لصاحبه بكثرة الصبر
والتجويد ، انتهى.
ونحو صدر كلام ابن
غالب السابق مذكور في رسالة لابن حزم ، وقال فيها : إنّ أهل الأندلس صينيون في
إتقان الصنائع العملية ، وإحكام المهن الصورية ، تركيّون في معاناة الحروب ،
ومعالجات آلاتها ، والنظر في مهماتها ، انتهى.
وعدّ ابن غالب من
فضائلهم اختراعهم للموشّحات التي قد استحسنها أهل المشرق وصاروا ينزعون منزعها ، وأمّا نظمهم ونثرهم فلا
يخفى على من وقف عليهما علوّ طبقاتهم.
ثم قال ابن غالب :
ولمّا نفذ قضاء الله تعالى على أهل الأندلس بخروج أكثرهم عنها في هذه الفتنة
الأخيرة المبيرة تفرّقوا ببلاد المغرب الأقصى من برّ العذرة مع بلاد
إفريقية ، فأمّا أهل البادية فمالوا في البوادي إلى ما اعتادوه ، وداخلوا أهلها ،
وشاركوهم فيها ، فاستنبطوا المياه ، وغرسوا الأشجار ، وأحدثوا الأرحيّ الطاحنة بالماء وغير ذلك ، وعلّموهم أشياء لم يكونوا
يعلمونها ولا رأوها ، فشرفت بلادهم ، وصلحت أمورهم ، وكثرت مستغلّاتهم ، وعمّتهم
الخيرات ، فهم أشبه الناس باليونانيين فيما ذكرت ولأنّ اليونانيين سكنوا الأندلس
فورثوا عنهم ذلك ، وأمّا أهل الحواضر فمالوا إلى الحواضر واستوطنوها ، فأما أهل
الأدب فكان منهم الوزراء والكتّاب والعمّال وجباة الأموال والمستعملون في أمور المملكة
، ولا يستعمل بلدي ما وجد أندلسي ، وأما أهل الصنائع فإنهم فاقوا أهل البلاد ،
وقطعوا معاشهم ، وأخملوا
__________________
أعمالهم ، وصيّروهم أتباعا لهم ، ومتصرّفين بين أيديهم ، ومتى
دخلوا في شغل عملوه في أقرب مدة ، وأفرغوا فيه من أنواع الحذق والتجويد ما يميلون
به النفوس إليهم ، ويصير الذكر لهم ، قال : ولا يدفع هذا عنهم إلّا جاهل أو مبطل ،
انتهى.
وقال ابن سعيد ،
لمّا ذكر جملة من محاسن الأندلسيين : يعلم الله تعالى أني ما أقصد إلّا إنصاف
المنصفين الذين لا يميل بهم التعصّب ، ولا يجمح بهم الهوى ، ولكن الحق أحقّ أن
يتّبع ، فلعلّ مطّلعا يقف على ما ذكره ابن غالب : فيقول : هذا الرجل تعصّب لأهل بلده ، ثم يغمس التابع له والراضي بنقل قوله في هذه
الصبغة ويحمله على ذلك بعده عن الأرضين : [الطويل]
ولو أبصروا ليلى
أقرّوا بحسنها
|
|
وقالوا بأني في
الثناء مقصّر
|
ويكفي في الإنصاف
أن أقول : إنّ حضرة مراكش هي بغداد المغرب ، وهي أعظم ما في برّ العدوة ، وأكثر
مصانعها ومبانيها الجليلة وبساتينها إنما ظهرت في مدة بني عبد المؤمن ، وكانوا
يجلبون لها صناع الأندلس من جزيرتهم ، وذلك مشهور معلوم إلى الآن. ومدينة تونس
بإفريقية قد انتقلت إليها السعادة التي كانت في مراكش بسلطان إفريقية الآن أبي
زكريا يحيى بن أبي محمد بن أبي حفص ، فصار فيها من المباني والبساتين والكروم ما
شابهت به بلاد الأندلس وعرفاء صناعه من الأندلس وتماثيله التي يبنى عليها ، وإن
كان أعرف خلق الله باختراع محاسن هذا الشأن ، فإنما أكثرها من أوضاع الأندلسيين ،
وله من خاطره تنبيهات وزيادة ظهر حسن موقعها ، ووجوه صنائع دولته لا تكاد تجدهم
إلّا من الأندلس فصحّ قول ابن غالب ، انتهى.
قال الحميدي :
أنشد بحضرة بعض ملوك الأندلس قطعة لبعض أهل المشرق ، وهي : [الطويل]
وما ذا عليهم لو
أجابوا فسلّموا
|
|
وقد علموا أني
المشوق المتيّم
|
سروا ونجوم
الليل زهر طوالع
|
|
على أنّهم
بالليل للناس أنجم
|
وأخفوا على تلك
المطايا مسيرهم
|
|
فنمّ عليهم في
الظلام التبسّم
|
__________________
فأفرط بعض
الحاضرين في استحسانها ، وقال : هذا ما لا يقدر أندلسي على مثله ، وبالحضرة أبو
بكر يحيى بن هذيل ، فقال بديها : [الطويل]
عرفت بعرف الريح
أين تيمّموا
|
|
وأين استقلّ
الظاعنون وخيّموا
|
خليليّ ، ردّاني
إلى جانب الحمى
|
|
فلست إلى غير
الحمى أتيمّم
|
أبيت سمير
الفرقدين كأنما
|
|
وسادي قتاد أو
ضجيعي أرقم
|
وأحور وسنان
الجفون كأنّه
|
|
قضيب من الريحان
لدن منعّم
|
نظرت إلى أجفانه
وإلى الهوى
|
|
فأيقنت أني لست
منهنّ أسلم
|
كما أنّ إبراهيم
أوّل نظرة
|
|
رأى في الدرّاري
أنه سوف يسقم
|
ومن كلام ابن بسام
صاحب «الذخيرة» في جزيرة الأندلس : أشراف عرب المشرق افتتحوها ، وسادات أجناد
الشام والعراق نزلوها ، فبقي النسل فيها بكلّ إقليم ، على عرق كريم ، فلا يكاد بلد
منها يخلو من كاتب ماهر ، وشاعر قاهر.
وذكر أن أبا علي
البغدادي ، صاحب الأمالي ، الوافد على الأندلس في زمان بني مروان قال : لمّا وصلت
القيروان وأنا أعتبر من أمرّ به من أهل الأمصار فأجدهم درجات في العبارات وقلّة
الفهم ، بحسب تفاوتهم في مواضعهم منها بالقرب والبعد ، كأنّ منازلهم من الطريق هي
منازلهم من العلم محاصّة ومقايسة. قال أبو علي : فقلت إن نقص أهل الأندلس عن
مقادير من رأيت في أفهامهم بقدر نقصان هؤلاء عمّن قبلهم فسأحتاج إلى ترجمان ، في
هذه الأوطان. قال ابن بسام : فبلغني أنه كان يصل كلامه هذا بالتعجّب من أهل هذا
الأفق الأندلسي في ذكائهم ، ويتغطّى عنهم عند المباحثة والمناقشة ، ويقول لهم : إنّ علمي علم رواية ، وليس علم دراية ، فخذوا عنّي ما نقلت ، فلم آل لكم أن صحّحت. هذا مع
إقرار الجميع له يومئذ بسعة العلم وكثرة الروايات ، والأخذ عن الثقات ، انتهى.
ومن كلام الحجاريّ
في «المسهب» د :
__________________
الأندلس عراق
المغرب عزّة أنساب ، ورقّة آداب ، واشتغالا بفنون العلوم ، وافتنانا في المنثور والمنظوم ، لم تضق لهم في ذلك ساحة
، ولا قصرت عنه راحة ، فما مرّ فيها بمصر إلّا وفيه نجوم وبدور وشموس ، وهم أشعر
الناس فيما كثره الله تعالى في بلادهم ، وجعله نصب أعينهم من الأشجار والأنهار
والطيور والكؤوس ، لا ينازعهم أحد في هذا الشأن ، وابن خفاجة سابقهم في هذا
المضمار الحائز فيه قصب الرهان. وأمّا إذا هبّ نسيم ، ودار كأس في كف ظبي رخيم ،
ورجّع بمّ وزير ، وصفّق للماء خرير ، أو رقّت العشيّة ، وخلعت السحب أبرادها الفضية والذهبية ، أو تبسّم عن شعاع ثغر نهر ، أو ترقرق
بطلّ جفن زهر ، أو خفق بارق ، أو وصل طيف طارق ، أو وعد حبيب فزار من الظلماء تحت
جناح ، وبات مع من يهواه كالماء والراح ، إلى أن ودّع حين أقبل رائد الصباح ، أو
أزهرت دوحة السماء بزهر كواكبها ، أو قوّضت عند فيض نهر الصباح بيض مضاربها ،
فأولئك هم السابقون السابقون ، الذين لا يجارون ولا يلحقون ، وليسوا بالمقصّرين في
الوصف إذا تقعقعت السلاح ، وسالت خلجان الصّوارم بين قضبان الرماح ، وبنت الحرب من
العجاج سماء ، وأطلعت شبه النجوم أسنّة وأجرت شبه الشّفق دماء ، وبالجملة فإنهم في
جميع الأوصاف والتخيّلات أئمة ، ومن وقف على أشعارهم في هذا الشأن فضّلهم فيه على
أصناف الأمّة ، وقد أعانتهم على الشعر أنسابهم العربية ، وبقاعهم النّضرة وهممهم
الأبيّة. ولشطار الأندلس من النوادر والتنكيتات ، والتركيبات وأنواع المضحكات ، ما
تملأ الدواوين كثرته ، وتضحك الثكلى وتسلّي المسلوب قصته ، ممّا لو سمعه الجاحظ لم
يعظم عنده ما حكي وما ركّب ، ولا استغرب أحد ما أورده ولا تعجّب ، إلّا أنّ مؤلّفي
هذا الأفق طمحت هممهم عن التصنيف في هذا الشأن فكاد يمرّ ضياعا ، فقمت محتسبا
بالظرف فتداركته جامعا فيه ما أمسى شعاعا ، انتهى. وقد رأيت أن أذكر رسالة أبي محمد بن حزم الحافظ
التي ذكر فيها بعض فضائل علماء الأندلس ؛ لاشتمالها على ما نحن بصدده. وذلك أنه
كتب أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن الرّبيب التميمي القيرواني ، إلى أبي المغيرة عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الرحمن بن
حزم يذكر تقصير أهل الأندلس في تخليد أخبار علمائهم ومآثر فضائلهم وسير ملوكهم ،
ما صورته :
__________________
كتبت يا سيدي ،
وأجلّ عددي ، كتب الله تعالى لك السعادة ، وأدام لك العزّ والسيادة ، سائلا
مسترشدا ، وباحثا مستخبرا ، وذلك أني فكرت في بلادكم إذ كانت قرارة كلّ فضل ،
ومنهل كلّ خير ونبل ، ومصدر كلّ طرفة ، ومورد كلّ تحفة ، وغاية آمال الراغبين ، ونهاية
أماني الطالبين ، إن بارت تجارة فإليها تجلب ، وإن كسدت بضاعة ففيها تنفق ، مع
كثرة علمائها ، ووفور أدبائها ، وجلالة ملوكها ، ومحبّتهم في العلم وأهله ، يعظّمون من
عظّمه علمه ، ويرفعون من رفعه أدبه ، وكذلك سيرتهم في رجال الحرب : يقدمون من
قدمته شجاعته ، وعظمت في الحروب نكايته ، فشجّع الجبان ، وأقدم الهيّبان ، ونبه
الخامل ، وعلم الجاهل ، ونطق العييّ ، وشعر البكي ، واستنشر البغاث ، وتثعبن
الحفّاث ، فتنافس الناس في العلوم ، وكثر الحذاق بجميع الفنون ، ثم هم مع ذلك في غاية التقصير ونهاية التفريط ، من أجل أنّ علماء الأمصار دوّنوا
فضائل أمصارهم ، وخلّدوا في الكتب مآثر بلدانهم ، وأخبار الملوك والأمراء ،
والكتّاب والوزراء ، والقضاة والعلماء ، فأبقوا لهم ذكرا في الغابرين يتجدّد على
مرّ الليالي والأيام ، ولسان صدق في الآخرين ، يتأكّد مع تصرّف الأعوام ، وعلماؤكم
مع استظهارهم على العلوم كلّ امرئ منهم قائم في ظلّه لا يبرح ، وراتب على كعبه لا يتزحزح ، يخاف إن صنّف ، وإن يعنّف ، وإن ألّف
أن يخالف ، ولا يؤالف ، أو تخطفه الطّير أو تهوي به الريح في مكان سحيق ، لم يتعب
أحد منهم نفسا في جمع فضائل أهل بلده ، ولم يستعمل خاطره في مفاخر ملوكه ، ولا بلّ
قلما بمناقب كتّابه ووزرائه ، ولا سوّد قرطاطا بمحاسن قضاته وعلمائه ، على أنه لو أطلق ما عقل الإغفال من
لسانه ، وبسط ما قبض الإهمال من بيانه ، لوجد للقول مساغا ، ولم تضق عليه المسالك
، ولم تخرج به المذاهب ، ولا اشتبهت عليه المصادر والموارد ، ولكنّ همّ أحدهم أن
يطلب شأو من تقدّمه من العلماء ليحوز قصبات السبق ، ويفوز بقدح ابن مقبل ، ويأخذ بكظم دغفل ،
ويصبر شجا في حلق أبي العميثل ، فإذا أدرك بغيته ، واخترمته منيّته ، دفن معه أدبه
وعلمه ، فمات ذكره ، وانقطع خبره ، ومن قدّمنا ذكره من علماء الأمصار احتالوا
لبقاء ذكرهم احتيال الأكياس ، فألّفوا دواوين بقي لهم بها ذكر مجدّد طول الأبد.
__________________
فإن قلت : إنه كان
مثل ذلك من علمائنا ، وألّفوا كتبا لكنها لم تصل إلينا ، فهذه دعوى لم يصحبها
تحقيق ؛ لأنه ليس بيننا وبينكم غير روحة راكب ، أو رحلة قارب ، لو نفث من بلدكم
مصدور ، لأسمع من ببلدنا في القبور ، فضلا عمّن في الدّور والقصور ، وتلقّوا قوله
بالقبول كما تلقّوا ديوان أحمد بن عبد ربه الذي سمّاه بالعقد ، على أنه يلحقه فيه
بعض اللوم ، لا سيما إذ لم يجعل فضائل بلده واسطة عقده ، ومناقب ملوكه يتيمة سلكه
، أكثر الحزّ وأخطأ المفصل ، وأطال الهزّ لسيف غير مقصل ، وقعد به ما قعد بأصحابه من ترك ما يعنيهم ، وإغفال ما
يهمهم.
فأرشد أخاك أرشدك
الله! واهده هداك الله! إن كانت عندك في ذلك الجليّة ، وبيدك فصل القضية ، والسلام
عليك ورحمة الله وبركاته.
فكتب الوزير
الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ، عند وقوفه على هذه الرسالة ، ما
نصّه :
الحمد لله ربّ
العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمد عبده ورسوله ، وعلى أصحابه الأكرمين ،
وأزواجه أمّهات المؤمنين ، وذرّيّته الفاضلين الطيّبين.
أمّا بعد يا أخي
يا أبا بكر ، سلام عليك سلام أخ مشوق طالت بينه وبينك الأميال والفراسخ ، وكثرت
الأيام والليالي ، ثم لقيك في حال سفر ونقلة ، ووادّك في خلال جولة ورحلة ، فلم يقض
من محاورتك أربا ، ولا بلغ في محاورتك مطلبا ، وإنّي لمّا احتللت بك ،
وجالت يدي في مكنون كتبك ، ومضمون دواوينك ، لمحت عيني في تضاعيفها درجا ،
فتأمّلته ، فإذا فيه خطاب لبعض الكتّاب من مصاقبينا في الدار أهل إفريقية ، ثم
ممّن ضمّته حاضرة قيروانهم ، إلى رجل أندلسي لم يعيّنه باسمه ، ولا ذكره بنسبه ،
يذكر له فيها أنّ علماء بلدنا بالأندلس ـ وإن كانوا على الذّروة العليا من التمكن
بأفانين العلوم ، وفي الغاية القصوى من التحكّم على وجوه المعارف ـ فإنّ هممهم قد
قصرت عن تخليد مآثر بلدهم ، ومكارم ملوكهم ، ومحاسن فقهائهم ، ومناقب قضاتهم ،
ومفاخر كتّابهم ، وفضائل علمائهم ، ثم تعدّى ذلك إلى أن أخلى أرباب العلوم منّا من
أن يكون لهم تأليف يحيي ذكرهم ، ويبقي علمهم ، بل قطع على أنّ كلّ واحد منهم قد
مات فدفن علمه معه ، وحقّق ظنّه في ذلك ، واستدلّ على صحّته عند
__________________
نفسه بأنّ شيئا من
هذه التآليف لو كان منّا موجودا لكان إليهم منقولا ، وعندهم ظاهرا ، لقرب المزار ،
وكثرة السّفّار ، وتردّدهم إليهم ، وتكرّرهم علينا. ثم لمّا ضمّنا المجلس
الحافل بأصناف الآداب ، والمشهد الآهل بأنواع العلوم ، والقصر المعمور بأنواع
الفضائل ، والمنزل المحفوف بكل لطيفة وسيعة من دقيق المعاني وجليل المعالي ، قرارة
المجد ومحلّ السؤدد ، ومحطّ رحال الخائفين ، وملقى عصا التّسيار عند الرئيس الأجلّ
الشريف قديمه وحسبه ، الرفيع حديثه ومكتسبه ، الذي أجله عن كل خطّة يشركه فيها من
لا توازي قومته نومته ، ولا ينال حضره هويناه ، وأربى به عن كلّ مرتبة يلحقه فيها من لا يسمو إلى
المكارم سموّه ، ولا يدنو من المعالي دنوّه ، ولا يعلو في حميد الخلال علوّه ، بل
أكتفي من مدحه باسمه المشهور ، وأجتزي من الإطالة في تقريظه بمنتماه المذكور ، فحسبي بذينك
العلمين دليلا على سعيه المشكور ، وفضله المشهور ، أبي عبد الله محمد بن عبد الله
بن قاسم صاحب البونت أطال الله بقاءه! وأدام اعتلاءه! ولا عطّل الحامدين من
تحليهم بحلاه! ولا أخلى الأيام من تزينها بعلاه! فرأيته أعزّه الله تعالى حريصا
على أن يجاوب هذا المخاطب ، وراغبا في أن يبين له ما لعلّه قد رآه فنسي أو بعد عنه
فخفي ، فتناولت الجواب المذكور بعد أن بلغني أن ذلك المخاطب قد مات ، رحمنا الله
تعالى وإياه! فلم يكن لقصده بالجواب معنى ، وقد صارت المقابر له مغنى ، فلسنا
بمسمعين من في القبور ، فصرفت عنان الخطاب إليك ، إذ من قبلك صرت إلى الكتاب
المجاوب عنه ، ومن لدنك وصلت إلى الرسالة المعارضة ، وفي وصول كتابي على هذه
الهيئة حيثما وصل كفاية لمن غاب عنه من أخبار تآليف أهل بلدنا مثل ما غاب عن هذا
الباحث الأول ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، وإن كنت في إخباري إياك بما أرسمه في
كتابي هذا كمهد إلى البركان نار الحباحب ، وباني صوّى في مهيع القصد اللاحب ، فإنك وإن كنت المقصود والمواجه ،
فإنما المراد من أهل تلك الناحية من نأى عنه علم ما استجلبه السائل الماضي ، وما
توفيقي إلّا بالله سبحانه.
__________________
فأما مآثر بلدنا
فقد ألّف في ذلك أحمد بن محمد الرازي التاريخي كتبا جمّة : منها كتاب ضخم ذكر فيه
مسالك الأندلس ومراسيها ، وأمّهات مدنها وأجنادها الستّة ، وخواصّ كلّ بلد منها ،
وما فيه ممّا ليس في غيره ، وهو كتاب مريح مليح ، وأنا أقول : لو لم يكن لأندلسنا
إلّا ما رسول الله صلى الله عليه وسلم بشّر به ووصف أسلافنا المجاهدين فيه بصفات
الملوك على الأسرّة في الحديث الذي رويناه من طريق أبي حمزة أنس بن مالك أنّ خالته
أم حرام بنت ملحان زوج أبي الوليد عبادة بن الصامت ، رضي الله تعالى عنه وعنهم
أجمعين ، حدّثته عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه أخبرها بذلك ، لكفي شرفا بذلك
يسرّ عاجله ، ويغبط آجله.
فإن قال قائل :
لعلّه صلوات الله تعالى عليه إنما عنى بذلك الحديث أهل صقلية وإقريطش ، وما الدليل
على ما ادّعيته من أنه صلى الله عليه وسلم عنى الأندلس حتما؟ ومثل هذا من التأويل
لا يتساهل فيه ذو ورع دون برهان واضح ، وبيان لائح ، لا يحتمل التوجيه ، ولا يقبل
التجريح .
فالجواب ـ وبالله
التوفيق ـ أنه صلى الله عليه وسلم ، قد أوتي جوامع الكلم ، وفصل الخطاب ، وأمر
بالبيان لما أوحي إليه ، وقد أخبر في ذلك الحديث المتّصل سنده بالعدول عن العدول
بطائفتين من أمّته يركبون ثبج البحر غزاة واحدة بعد واحدة ، فسألته أم حرام أن يدعو ربّه
تعالى أن يجعلها منهم ، فأخبرها صلى الله عليه وسلم وخبره الحقّ بأنها من الأولين
، وهذا من أعلام نبوّته صلى الله عليه وسلم ، وهو إخباره بالشيء قبل كونه ، وصحّ البرهان على رسالته بذلك ، وكانت من الغزاة إلى
قبرس ، وخرّت عن بغلتها هناك ، فتوفيت ، رحمها الله تعالى! وهي أول غزاة ركب فيها
المسلمون البحر ، فثبت يقينا أنّ الغزاة إلى قبرس هم الأولون الذين بشّر بهم النبي
صلى الله عليه وسلم ، وكانت أم حرام منهم كما أخبر ، صلوات الله تعالى وسلامه عليه
، ولا سبيل أن يظنّ به وقد أوتي ما أوتي من البلاغة والبيان أنه يذكر طائفتين قد
سمّى إحداهما أولى إلّا والتالية لها ثانية ، فهذا من باب الإضافة وتركيب العدد ،
وهذا مقتضى طبيعة صناعة المنطق ، إذ لا تكون الأولى أولى إلّا لثانية
، ولا الثانية ثانية إلّا لأولى ، فلا سبيل إلى ذكر ثالث إلّا بعد ثان ضرورة ، وهو
صلى الله عليه وسلم إنما ذكر طائفتين ، وبشّر بفئتين ، وسمّى إحداهما الأولين ،
فاقتضى ذلك بالقضاء الصدق آخرين ،
__________________
والآخر من الأول
هو الثاني الذي أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خير القرون بعد قرنه ، وأولى القرون
بكل فضل بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خير من كلّ قرن بعده ، ثم ركب
البحر بعد ذلك أيام سليمان بن عبد الملك إلى القسطنطينية ، وكان الأمير بها في تلك
السفن هبيرة الفزاري ، وأمّا صقلية فإنها فتحت صدر أيام الأغالبة سنة ٢١٢ ، أيام
قاد إليها السفن غازيا أسد بن الفرات القاضي صاحب أبي يوسف رحمه الله تعالى ، وبها
مات ، وأما إقريطش فإنها فتحت بعد الثلاث والمائتين افتتحها أبو حفص عمر بن شعيب المعروف بابن الغليظ ، من أهل
قرية بطروج من عمل فحص البلّوط المجاور لقرطبة من بلاد الأندلس ، وكان من فلّ
الرّبضيين ، وتداولها بنوه بعده إلى أن كان آخرهم عبد العزيز بن شعيب الذي غنمها
في أيام أرمانوس بن قسطنطين ملك الروم سنة ٣٥٠ ، وكان أكثر المفتتحين لها أهل
الأندلس.
وأما في قسم
الأقاليم فإن قرطبة مسقط رؤوسنا ، ومعقّ تمائمنا ، مع سرّ من رأى في إقليم واحد ، فلنا من الفهم والذكاء ما اقتضاه إقليمنا
، وإن كانت الأنوار لا تأتينا إلّا مغربة عن مطالعها على الجزء المعمور ، وذلك عند
المحسنين للأحكام التي تدلّ عليها الكواكب ناقص من قوى دلائلها ، فلها من ذلك على
كلّ حال حظّ يفوق حظّ أكثر البلاد ، بارتفاع أحد النّيّرين بها تسعين درجة ، وذلك
من أدلّة التمكّن في العلوم والنفاذ فيها عند من ذكرنا ، وقد صدق ذلك الخبر ،
وأبانته التجربة ، فكان أهلها من التمكّن في علوم القراءات والروايات وحفظ كثير من
الفقه والبصر بالنحو والشعر واللغة والخبر والطب والحساب والنجوم بمكان رحب الفناء
، واسع العطن ، متنائي الأقطار ، فسيح المجال ، والذي نعاه علينا الكاتب المذكور
لو كان كما ذكر لكنّا فيه شركاء لأكثر أمّهات الحواضر ، وجلائل البلاد ، ومتّسعات
الأعمال ، فهذه القيروان بلد المخاطب لنا ، ما أذكر أني رأيت في أخبارها تأليفا
غير «المعرب ، عن أخبار المغرب» وحاشا تآليف محمد بن يوسف الوراق ، فإنه ألّف للمستنصر رحمه الله تعالى
في «مسالك إفريقية وممالكها» ديوانا ضخما ، وفي أخبار ملوكها وحروبهم والقائمين
عليهم كتبا جمّة ، وكذلك ألّف أيضا في أخبار تيهرت ووهران وتونس
__________________
وسجلماسة ونكور
والبصرة وغيرها تآليف حسانا ، ومحمد هذا أندلسي الأصل والفرع ،
آباؤه من وادي الحجارة ، ومدفنه بقرطبة ، وهجرته إليها ، وإن كانت نشأته
بالقيروان.
ولا بدّ من إقامة
الدليل على ما أشرت إليه هنا إذ مرادنا أن نأتي منه بالمطلوب فيما يستأنف إن شاء الله تعالى ، وذلك أنّ جميع المؤرخين
من أئمتنا السالفين والباقين ، دون محاشاة أحد ، بل قد تيقّنّا إجماعهم على ذلك ،
متّفقون على أن ينسبوا الرجل إلى مكان هجرته التي استقرّ بها ولم يرحل عنها رحيل
ترك لسكناها إلى أن مات ، فإن ذكروا الكوفيين من الصحابة ، رضي الله تعالى عنهم ،
صدّروا بعلي وابن مسعود وحذيفة ، رضي الله تعالى عنهم ، وإنما سكن عليّ الكوفة
خمسة أعوام وأشهرا ، وقد بقي ٥٨ عاما وأشهرا بمكة والمدينة شرّفهما الله تعالى.
وكذلك أيضا أكثر أعمار من ذكرنا ، وإن ذكروا البصريين بدءوا بعمران بن حصين وأنس
بن مالك وهشام بن عامر وأبي بكرة ، وهؤلاء مواليدهم وعامة زمن أكثرهم وأكثر مقامهم
بالحجاز وتهامة والطائف ، وجمهرة أعمارهم حلت هنالك ، وإن ذكروا الشاميين نوّهوا
بعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ ومعاوية ، والأمر في
هؤلاء كالأمر فيمن قبلهم ، وكذلك في المصريين عمرو بن العاص وخارجة بن حذافة
العدوي ، وفي المكيّين عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير ، والحكم في هؤلاء
كالحكم فيمن قصصنا ، فمن هاجر إلينا من سائر البلاد ، فنحن أحقّ به ، وهو منّا
بحكم جميع أولي الأمر منّا الذين إجماعهم فرض اتباعه ، وخلافه محرم اقترافه ، ومن
هاجر منّا إلى غيرنا فلا حظّ لنا فيه ، والمكان الذي اختاره أسعد به ، فكما لا ندع
إسماعيل بن القاسم فكذلك لا ننازع في محمد بن هانىء سوانا ، والعدل أولى ما حرص
عليه ، والنصف أفضل ما دعي إليه ، بعد التفصيل الذي ليس هذا موضعه ، وعلى ما ذكرنا
من الأنصاف تراضى الكلّ.
وهذه بغداد حاضرة
الدنيا ومعدن كل فضيلة ، والمحلّة التي سبق أهلها إلى حمل ألوية المعارف ،
والتدقيق في تصريف العلوم ، ورقّة الأخلاق والنباهة والذكاء وحدّة الأفكار ونفاذ
الخواطر ، وهذه البصرة وهي عين المعمور في كل ما ذكرنا ، وما أعلم في أخبار بغداد
تأليفا غير كتاب أحمد بن أبي طاهر ، وأما سائر التواريخ التي ألّفها أهلها فلم
يخصّوا بلدتهم بها دون سائر البلاد ، ولا أعلم في أخبار البصرة غير كتاب عمر بن
شبة ، وكتاب لرجل من واد الربيع بن زياد المنسوب إلى أبي سفيان في خطط البصرة
وقطائعها ، وكتابين لرجلين من أهلها
__________________
يسمّى أحدهما عبد
القاهر كريزي النسب وصفاها وذكرا أسواقها ومحالها وشوارعها ، ولا أعلم في أخبار الكوفة غير
كتاب عمر بن شبة ، وأمّا الجبال وخراسان وطبرستان وجرجان وكرمان وسجستان والسّند وأرمينية وأذربيجان وتلك الممالك الكثيرة الضخمة فلا أعلم
في شيء منها تأليفا قصد به أخبار ملوك تلك النواحي ، وعلمائها وشعرائها وأطبائها ،
ولقد تاقت النفوس إلى أن يتّصل بها تأليف في أخبار فقهاء بغداد ، وما علمناه
علم ، على أنهم العلية الرؤساء ، والأكابر العظماء ، ولو كان في شيء من ذلك تأليف
لكان الحكم في الأغلب أن يبلغنا كما بلغ سائر تآليفهم ، وكما بلغنا كتاب حمزة بن
الحسن الأصبهاني في أخبار أصبهان ، وكتاب الموصلي وغيره في أخبار مصر ، وكما بلغنا
سائر تآليفهم في أنحاء العلوم ، وقد بلغنا تأليف القاضي أبي العباس محمد
بن عبدون القيرواني في الشروط ، واعتراضه على الشافعي رحمه الله تعالى ، وكذلك
بلغنا ردّ القاضي أحمد بن طالب التميمي على أبي حنيفة وتشيعه على الشافعي ، وكتب ابن عبدوس ومحمد بن سحنون وغير ذلك من خوامل تآليفهم دون مشهورها.
وأما جهتنا فالحكم
في ذلك ما جرى به المثل السائر «أزهد الناس في عالم أهله» ، وقرأت في الإنجيل أنّ
عيسى ، عليه السلام قال : «لا يفقد النبيّ حرمته إلّا في بلده» وقد تيقنّا ذلك بما
لقي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، من قريش ـ وهم أوفر الناس أحلاما ، وأصحّهم
عقولا ، وأشدّهم تثبّتا ، مع ما خصّوا به من سكناهم أفضل البقاع ، وتغذيتهم بأكرم
المياه ـ حتى خصّ الله تعالى الأوس والخزرج بالفضيلة التي أبانهم بها عن جميع الناس ، والله يؤتي فضله من يشاء ؛ ولا سيما
أندلسنا فإنها خصّت من حسد أهلها للعالم الظاهر فيهم الماهر منهم ، واستقلالهم
__________________
كثير ما يأتي به ،
واستهجانهم حسناته ، وتتبّعهم سقطاته وعثراته ، وأكثر ذلك مدّة حياته ، بأضعاف ما
في سائر البلاد ، إن أجاد قالوا : سارق مغير ومنتحل مدّع ، وإن توسّط قالوا : غثّ
بارد وضعيف ساقط ، وإن باكر الحيازة لقصب السّبق قالوا : متى كان هذا؟ ومتى تعلّم؟
وفي أي زمان قرأ؟ ولأمّه الهبل! وبعد ذلك إن ولجت به الأقدار أحد طريقين إمّا
شفوفا بائنا يعليه على نظرائه أو سلوكا في غير السبيل التي عهدوها فهنالك حمي
الوطيس على البائس ، وصار غرضا للأقوال ، وهدفا للمطالب ، ونصبا للتسبّب إليه ،
ونهبا للألسنة ، وعرضة للتطرق إلى عرضه ، وربما نحل ما لم يقل ، وطوّق ما لم
يتقلّد ، وألحق به ما لم يفه به ولا أعتقده قلبه ، وبالحرى وهو السابق المبرّز إن
لم يتعلّق من السلطان بحظّ أن يسلم من المتالف وينجو من المخالف ، فإن تعرّض
لتأليف غمز ولمز ، وتعرّض وهمز ، واشتطّ عليه ، وعظم يسير خطبه ، واستشنع هين سقطه
، وذهبت محاسنه ، وسترت فضائله ، وهتف ونودي بما أغفل ، فتنكسر لذلك همّته ، وتكلّ نفسه ، وتبرد حميّته ، وهكذا عندنا
نصيب من ابتدأ يحوك شعرا ، أو يعمل بعمل رياسة ، فإنه لا يفلت من هذه الحبائل ، ولا يتخلّص من هذه النّصب
إلّا الناهض الفائت والمطفّف المستولي على الأمد.
وعلى ذلك فقد جمع ما
ظنّه الظانّ غير مجموع ، وألّفت عندنا تآليف في غاية الحسن ، لنا خطر السبق في
بعضها : فمنها كتاب «الهداية» لعيسى بن دينار ، وهي أرفع كتب جمعت في معناها على مذهب مالك وابن القاسم
، وأجمعها للمعاني الفقهيّة على المذهب ، فمنها كتاب الصلاة وكتاب البيوع وكتاب
الجدار في الأقضية وكتاب النكاح والطلاق ، ومن الكتب المالكية التي ألّفت بالأندلس
كتاب القطنيّ مالك بن علي ، وهو رجل قرشي من بني فهر ، لقي أصحاب مالك وأصحاب أصحابه
، وهو كتاب حسن فيه غرائب ومستحسنات من الرسائل المولدات ، ومنها كتاب أبي إسحاق
إبراهيم بن مزين في تفسير الموطأ والكتب المستقصية لمعاني الموطأ وتوصيل مقطوعاته
من تآليف ابن مزين أيضا ، وكتابه في رجال الموطأ وما لمالك عن كلّ واحد منهم من
الآثار في موطّئه.
وفي تفسير القرآن
كتاب أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد فهو الكتاب الذي أقطع قطعا لا
__________________
أستثني فيه أنه لم
يؤلّف في الإسلام تفسير مثله ، ولا تفسير محمد بن جرير الطبري ولا غيره.
ومنها في الحديث
مصنّفه الكبير الذي رتّبه على أسماء الصحابة ، رضي الله تعالى عنهم! فروي فيه عن
ألف وثلاثمائة صاحب ونيّف ، ثم رتّب حديث كلّ صاحب على أسماء الفقه وأبواب الأحكام
، فهو مصنّف ومسند ، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله ، مع ثقته وضبطه وإتقانه
واحتفاله في الحديث وجودة شيوخه ، فإنه روى عن مائتي رجل وأربعة وثمانين رجلا ليس
فيهم عشرة ضعفاء ، وسائرهم أعلام مشاهير. ومنها مصنّفه في فضل الصحابة والتابعين
ومن دونهم ، الذي أربى فيه على مصنّف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنّف عبد الرزاق بن
همام ومصنّف سعيد بن منصور وغيرها ، وانتظم علما عظيما لم يقع في شيء من هذه ،
فصارت تآليف هذا الإمام الفاضل قواعد الإسلام ، لا نظير لها ، وكان متخيّرا لا يقلّد أحدا ، وكان ذا
خاصّة من أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه!.
ومنها في أحكام
القرآن كتاب ابن أمية الحجاري ، وكان شافعي المذهب بصيرا بالكلام على اختياره ،
وكتاب القاضي أبي الحكم منذر بن سعيد ، وكان داودي المذهب قويّا على الانتصار له ،
وكلاهما في أحكام القرآن غاية ، ولمنذر مصنّفات منها كتاب «الإبانة ، عن حقائق
أصول الديانة».
ومنها في الحديث
مصنّف أبي محمد قاسم بن أصبغ بن يوسف بن ناصح ، ومصنّف محمد بن عبد الملك بن أيمن
، وهما مصنّفان رفيعان احتويا من صحيح الحديث وغريبه على ما ليس في كثير من
المصنّفات. ولقاسم بن أصبغ هذا تآليف حسان جدا ، منها أحكام القرآن على أبواب كتاب
إسماعيل وكلامه ، ومنها كتاب «المجتبى ، على أبواب كتاب ابن الجارود المنتقي» وهو
خير منه وأنقى حديثا وأعلى سندا وأكثر فائدة ، ومنها كتاب في فضائل قريش وكنانة ، وكتابه في الناسخ والمنسوخ ، وكتاب غرائب حديث مالك بن
أنس ممّا ليس في الموطأ. ومنها كتاب «التمهيد» لصاحبنا أبي عمر يوسف بن عبد البر ،
وهو الآن بعد في الحياة لم يبلغ سنّ الشيخوخة ، وهو كتاب لا أعلم في الكلام
على فقه الحديث مثله أصلا فكيف أحسن منه ، ومنها كتاب «الاستذكار» وهو اختصار
التمهيد المذكور ، ولصاحبنا أبي عمر بن عبد البر المذكور كتب لا مثيل لها : منها
كتابه المسمّى بالكافي في الفقه على مذهب
__________________
مالك وأصحابه خمسة
عشر كتابا اقتصر فيه على ما بالمفتي الحاجة إليه وبوّبه وقرّبه فصار مغنيا عن
التصنيفات الطوال في معناه ، ومنها كتابه في الصحابة ليس لأحد من المتقدّمين مثله
على كثرة ما صنّفوا في ذلك ، ومنها كتاب «الاكتفاء ، في قراءة نافع وأبي عمرو بن
العلاء ، والحجّة لكلّ واحد منهما» ومنها كتاب «بهجة المجالس ، وأنس المجالس ،
ممّا يجري في المذاكرات ، من غرر الأبيات ونوادر الحكايات» ، ومنها كتاب «جامع
بيان العلم وفضله ، وما ينبغي في روايته».
ومنها كتاب شيخنا
القاضي أبي الوليد عبد الله بن يوسف بن الفرضي في المختلف والمؤتلف في أسماء
الرجال ، ولم يبلغ عبد الغني الحافظ البصري في ذلك إلّا كتابين ، وبلغ أبو الوليد
رحمه الله تعالى نحو الثلاثين ، لا أعلم مثله في فنّه البتّة ، ومنها تاريخ أحمد
بن سعيد ، ما وضع في الرجال أحد مثله إلّا ما بلغنا من تاريخ محمد
بن موسى العقيلي البغدادي ، ولم أره ، وأحمد بن سعيد هو المتقدّم في التأليف القائم في ذلك ، ومنها كتب محمد بن يحيى بن مفرج القاضي ، وهي كثيرة ؛ منها أسفار سبعة جمع فيها
فقه الحسن البصري ، وكتب كثيرة جمع فيها فقه الزهري.
ومما يتعلّق بذلك
شرح الحديث لعامر بن خلف السرقسطي ، فما شآه أبو عبيد إلّا بتقدّم العصر فقط.
ومنها في الفقه «الواضحة»
والمالكيون لا تمانع بينهم في فضلها واستحسانهم إيّاها ، ومنها «المستخرجة من
الأسمعة» وهي المعروفة بالعتبية ، ولها عند أهل إفريقية القدر العالي والطيران
الحثيث ، والكتاب الذي جمعه أبو عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام الإشبيلي المعروف
بابن المكوي ، والقرشي أبو مروان المعيطي في جمع أقاويل مالك كلّها على
نحو الكتاب «الباهر» الذي جمع فيه القاضي أبو بكر محمد بن أحمد بن الحدّاد البصري
أقاويل الشافعي كلّها ، ومنها كتاب «المنتخب» الذي ألّفه القاضي محمد بن يحيى بن
عمر بن لبابة ، وما رأيت لمالكي قطّ كتابا أنبل منه في جمع روايات المذهب وشرح
مستغلقها وتفريع
__________________
وجوهها ، وتآليف
قاسم بن محمد ، المعروف بصاحب الوثائق ، وكلّها حسن في معناه ، وكان شافعيّ المذهب
نظارا جاريا في ميدان البغداديين .
ومنها في اللغة
الكتاب «البارع» الذي ألّفه إسماعيل بن القاسم ، يحتوي على لغة العرب ، وكتابه في «المقصور
والممدود والمهموز» لم يؤلّف مثله في بابه ، وكتاب «الأفعال» لمحمد بن عمر بن عبد
العزيز ، المعروف بابن القوطية ، بزيادات ابن طريف مولى العبيديين
فلم يوضع في فنّه مثله ، وكتاب جمعه أبو غالب تمام بن غالب المعروف بابن
التياني في اللغة لم يؤلّف مثله اختصارا وإكثارا وثقة نقل ، وهو أظنّ في الحياة
بعد.
وهاهنا قصة لا
ينبغي أن تخلو رسالتنا منها ، وهي أن أبا الوليد عبد الله بن محمد بن عبد الله
المعروف بابن الفرضي ، حدّثني أنّ أبا الجيش مجاهدا صاحب الجزائر ودانية وجّه إلى
أبي غالب أيام غلبته على مرسية ، وأبو غالب ساكن بها ، ألف دينار أندلسية على أن
يزيد في ترجمة الكتاب المذكور «ممّا ألّفه تمام بن غالب لأبي الجيش مجاهد» فردّ
الدنانير وأبى من ذلك ، ولم يفتح في هذا بابا البتّة ، وقال : والله لو بذل لي الدنيا
على ذلك ما فعلت ولا استجزت الكذب ؛ لأني لم أجمعه له خاصّة بل لكلّ طالب ، فأعجب
لهمة هذا الرئيس وعلوّها ، وأعجب لنفس هذا العالم ونزاهتها.
ومنها كتاب أحمد
بن أبان بن سيد في اللغة المعروف بكتاب «العالم» نحو مائة سفر على الأجناس
في غاية الإيعاب ، بدأ بالفلك وختم بالذرة. وكتاب «النوادر» لأبي علي إسماعيل بن القاسم ، وهو مبار لكتاب «الكامل»
لأبي العباس المبرد ، ولعمري لئن كان كتاب أبي العباس أكثر نحوا وخبرا
فإنّ كتاب أبي علي لأكثر لغة وشعرا ، وكتاب «الفصوص» لصاعد بن الحسن الربعي ، وهو
جار في مضمار الكتابين المذكورين.
ومن الأنحاء تفسير
الجرفي لكتاب الكسائي ، حسن في معناه ، وكتاب ابن سيده في ذلك
المنبوز ب «العالم والمتعلّم» وشرح له لكتاب الأخفش.
__________________
ومما ألّف في
الشعر كتاب عبادة بن ماء السماء في «أخبار شعراء الأندلس» كتاب حسن ، وكتاب «الحدائق»
لأبي عمر أحمد بن فرج ، عارض به كتاب الزهرة لأبي محمد بن داود رحمه الله تعالى ،
إلّا أنّ أبا بكر إنما أدخل مائة باب في كل باب مائة بيت ، وأبو عمر أورد مائتي
باب في كل باب مائة بيت ليس منها باب تكرّر اسمه لأبي بكر ، ولم يورد فيه لغير
أندلسي شيئا ، وأحسن الاختيار ما شاء وأجاد ، فبلغ الغاية ، وأتى الكتاب فردا في
معناه ، ومنها كتاب «التشبيهات من أشعار أهل الأندلس» جمعه أبو الحسن علي بن محمد
بن أبي الحسن الكاتب ، وهو حيّ بعد.
وممّا يتعلّق بذلك
شرح أبي القاسم إبراهيم بن محمد بن الإفليلي لشعر المتنبي ، وهو حسن جدا.
ومن الأخبار
تواريخ أحمد بن محمد بن موسى الرازي في أخبار ملوك الأندلس وخدمتهم وغزواتهم
ونكباتهم ، وذلك كثير جدا ، وكتاب له في صفة قرطبة وخططها ومنازل الأعيان بها ،
على نحو ما بدأ به ابن أبي طاهر في أخبار بغداد وذكر منازل صحابة أبي جعفر المنصور
بها. وتواريخ متفرّقة رأيت منها : أخبار عمر بن حفصون القائم بريّة ووقائعه وسيره
وحروبه ، وتاريخ آخر في أخبار عبد الرحمن بن مروان الجليقي القائم بالحوف ، وفي أخبار بني قيس والتّجيبيين وبني الطويل والثغر ، فقد رأيت من ذلك
كتبا مصنّفة في غاية الحسن ، وكتاب مجزأ في أجزاء كثيرة في أخبار ريّة وحصونها
وحروبها وفقهائها وشعرائها تأليف إسحاق بن سلمة بن إسحاق الليثي ، وكتاب محمد بن الحارث الخشني في «أخبار القضاة بقرطبة
وسائر بلاد الأندلس ، وكتاب في أخبار الفقهاء بها ، وكتاب لأحمد بن محمد بن
موسى في «أنساب مشاهير أهل الأندلس» في خمسة أسفار ضخمة من أحسن كتاب في الأنساب
وأوسعها ، وكتاب قاسم بن أصبغ في «الأنساب» في غاية الحسن والإيعاب والإيجاز ،
وكتابه في «فضائل بني أمية» ، وكان من الثقة والجلالة بحيث اشتهر أمره ، وانتشر
ذكره ، ومنها كتب مؤلفة في أصحاب المعاقل والأجناد الستة بالأندلس ، ومنها كتب
كثيرة جمعت فيها أخبار شعراء الأندلس للمستنصر رحمه الله تعالى ، رأيت منها «أخبار
شعراء إلبيرة» في نحو عشرة أجزاء ، ومنها كتاب «الطوالع» في أنساب أهل الأندلس ،
ومنها كتاب «التاريخ الكبير في أخبار أهل الأندلس» تأليف أبي مروان بن حيّان نحو
عشرة أسفار من أجلّ كتاب ألّف في هذا
__________________
المعنى ، وهو في
الحياة بعد لم يتجاوز الاكتهال ، وكتاب «المآثر العامرية» لحسين بن عاصم في سير
ابن أبي عامر وأخباره ، وكتاب الأقشتين محمد بن عاصم النحوي في «طبقات الكتّاب بالأندلس» ، وكتاب
سكن بن سعيد في ذلك ، وكتاب أحمد بن فرج في «المنتزين والقائمين بالأندلس وأخبارهم»
، وكتاب «أخبار أطباء الأندلس» لسليمان بن جلجل.
وأما الطب فكتب
الوزير يحيى بن إسحاق وهي كتب حسان رفيعة ، وكتب محمد بن الحسن المذحجيّ أستاذنا رحمه الله تعالى!
وهو المعروف بابن الكتاني وهي كتب رفيعة حسان ، وكتب التصريف لأبي القاسم خلف بن
عياش الزهراوي ، وقد أدركناه وشاهدناه ، ولئن قلنا إنه لم يؤلّف في الطب أجمع منه
ولا أحسن للقول والعمل في الطبائع لنصدقنّ ، وكتب ابن الهيثم في الخواصّ والسموم
والعقاقير من أجلّ الكتب وأنفعها.
وأما الفلسفة فإني
رأيت فيها رسائل مجموعة وعيونا مؤلفة لسعيد بن فتحون السّرقسطي المعروف بالحمار
دالّة على تمكّنه من هذه الصناعة ، وأما رسائل أستاذنا أبي عبد الله محمد بن الحسن
المذحجيّ في ذلك فمشهورة متداولة وتامّة الحسن فائقة الجودة عظيمة المنفعة.
وأما العدد
والهندسة فلم يقسم لنا في هذا العلم نفاذ ، ولا تحقّقنا به ، فلسنا نثق بأنفسنا في
تمييز المحسن من المقصّر في المؤلفين فيه من أهل بلدنا إلّا أني سمعت من أثق بعقله
ودينه من أهل العلم ممّن اتّفق على رسوخه فيه يقول : إنه لم يؤلّف في الأزياج مثل
زيج مسلمة وزيج ابن السمح ، وهما من أهل بلدنا ، وكذلك كتاب «المساحة المجهولة» لأحمد بن نصر فما تقدّم إلى مثله في معناه.
وإنما ذكرنا
التآليف المستحقّة للذكر ، والتي تدخل تحت الأقسام السبعة التي لا يؤلّف عاقل عالم
إلّا في أحدها ، وهي إمّا شيء يخترعه لم يسبق إليه ، أو شيء ناقص يتمّه ، أو شيء مستغلق يشرحه ، أو شيء طويل
يختصره دون أن يخلّ بشيء من معانيه ، أو شيء متفرّق يجمعه ، أو شيء مختلط يرتّبه ،
أو شيء أخطأ فيه صاحبه يصلحه.
__________________
وأما التآليف المقصّرة عن مراتب غيرها فلم نلتفت إلى ذكرها ، وهي عندنا
من تأليف أهل بلدنا أكثر من أن نحيط بعلمها.
وأما علم الكلام
فإن بلادنا وإن كانت لم تتجاذب فيها الخصوم ، ولا اختلفت فيها النحل ، فقلّ لذلك
تصرّفهم في هذا الباب ، فهي على كل حال غير عريّة عنه ، وقد كان فيهم قوم يذهبون
إلى الاعتزال ، نظار على أصوله ، ولهم فيه تآليف : منهم خليل بن إسحاق ، ويحيى بن
السمينة ، والحاجب موسى بن حدير وأخوه الوزير صاحب المظالم أحمد ، وكان داعية إلى
الاعتزال لا يستتر بذلك. ولنا على مذهبنا الذي تخيّرناه من مذاهب أصحاب الحديث كتاب في هذا المعنى ، وهو وإن كان صغير الجرم قليل عدد
الورق يزيد على المائتين زيادة يسيرة فعظيم الفائدة لأنّا أسقطنا فيه المشاغب
كلّها ، وأضربنا عن التطويل جملة ، واقتصرنا على البراهين المنتخبة من المقدّمات
الصحاح الراجعة إلى شهادة الحسّ وبديهة العقل لها بالصحة. ولنا فيما تحقّقنا به تآليف
جمّة ، منها ما قد تمّ ، ومنها ما شارف التمام ، ومنها ما قد مضى منه صدر ويعين
الله تعالى على باقيه ، لم نقصد به قصد مباهاة فنذكرها ، ولا أردنا السمعة
فنسمّيها ، والمراد بها ربّنا جلّ وجهه ، وهو ولي العون فيها ، والمليّ بالمجازاة
عليها ، وما كان لله تعالى فسيبدو ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وبلدنا هذا ـ على
بعده من ينبوع العلم ، ونأيه من محلّة العلماء ـ فقد ذكرنا من تآليف أهله ما إن
طلب مثلها بفارس والأهواز وديار مضر وديار ربيعة واليمن والشام أعوز وجود ذلك على
قرب المسافة في هذه البلاد من العراق التي هي دار هجرة الفهم وذويه ومراد المعارف
وأربابها.
ونحن إذا ذكرنا
أبا الأجرب جعونة بن الصمّة الكلابي في الشعر لم نباه به إلّا جريرا والفرزدق ، لكونه في
عصرهما ، ولو أنصف لاستشهد بشعره ، فهو جار على مذهب الأوائل ، لا على طريقة
المحدثين ، وإذا سمّينا بقي بن مخلد لم نسابق به إلّا محمد بن إسماعيل البخاري
ومسلم بن الحجاج النيسابوري وسليمان بن الأشعث السجستاني وأحمد بن شعيب النسائي.
وإذا ذكرنا قاسم بن محمد لم نباه به إلّا القفّال ومحمد بن عقيل الفريابي ، وهو
__________________
شريكهما في صحبة
المزني أبي إبراهيم والتتلمذ له ، وإذا نعتنا عبد الله بن قاسم بن هلال ومنذر بن سعيد لم
نجار بهما إلا أبا الحسن بن المفلس والخلال والديباجي ورويم بن أحمد. وقد شاركهم
عبد الله في أبي سليمان وصحبته ، وإذا أشرنا إلى محمد بن عمر بن لبابة وعمّه محمد
بن عيسى وفضل بن سلمة لم نناطح بهم إلّا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ومحمد بن
سحنون ومحمد بن عبدوس ، وإذا صرحنا بذكر محمد بن يحيى الرياحي وأبي عبد الله محمد بن عاصم لم يقصّرا عن أكابر أصحاب محمد
بن يزيد المبرد.
ولو لم يكن لنا من
فحول الشعراء إلّا أحمد بن محمد بن دراج القسطلّي لما تأخّر عن شأو بشار بن برد
وحبيب والمتنبي ، فكيف ولنا معه جعفر بن عثمان الحاجب ، وأحمد بن عبد الملك بن
مروان ، وأغلب بن شعيب ، ومحمد بن شخيص ، وأحمد بن فرج ، وعبد الملك بن سعيد
المرادي ، وكلّ هؤلاء فحل يهاب جانبه ، وحصان ممسوح الغرّة.
ولنا من البلغاء
أحمد بن عبد الملك بن شهيد صديقنا وصاحبنا ، وهو حيّ بعد لم يبلغ سنّ الاكتهال ،
وله من التصرّف في وجوه البلاغة وشعابها مقدار يكاد ينطق فيه بلسان مركب من لساني
عمرو وسهل ومحمد بن عبد الله بن مسرة في طريقه التي سلك فيها ، وإن
كنّا لا نرضى مذهبه ، في جماعة يكثر تعدادهم.
وقد انتهى ما
اقتضاه خطاب الكاتب رحمه الله تعالى من البيان ، ولم نتزيد فيما رغب فيه إلّا ما
دعت الضرورة إلى ذكره لتعلّقه بجوابه ، والحمد لله الموفق لعلمه ، والهادي إلى
الشريعة المزلفة منه والموصلة ، وصلّى الله على محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبه
وسلّم ، وشرّف وكرّم ، انتهت الرسالة.
وكتب الحافظ ابن
حجر على هامش قوله فيها «وإنما سكن على الكوفة خمسة أعوام وأشهرا» ما نصّه : صوابه
أربعة أعوام ، انتهى.
وقال ابن سعيد ،
بعد ذكره هذه الرسالة ما صورته : رأيت أن أذيّل ما ذكره الوزير الحافظ أبو محمد بن
حزم من مفاخر أهل الأندلس بما حضرني والله تعالى ولي الإعانة.
__________________
أما القرآن فمن
أجلّ ما صنّف في تفسيره كتاب «الهداية ، إلى بلوغ النهاية» في نحو عشرة أسفار ،
صنّفه الإمام العالم الزاهد أبو محمد مكي بن أبي طالب القرطبي ، وله كتاب «تفسير إعراب القرآن» ، وعدّ ابن غالب في كتاب «فرحة
الأنفس» تآليف مكّي المذكور ، فبلغ بها ٧٧ تأليفا ، وكانت وفاته سنة ٤٣٧ ، ولأبي
محمد بن عطية الغرناطي في تفسير القرآن الكتاب الكبير الذي اشتهر وطار في الغرب
والشرق ، وصاحبه من فضلاء المائة السادسة.
وأما القراءات
فلمكي المذكور فيها كتاب «التبصرة» وكتاب «التيسير» لأبي عمرو الداني مشهور في
أيدي الناس.
وأما الحديث فكان
بعصرنا في المائة السابعة الإمام أبو الحسن علي بن القطان القرطبي الساكن بحضرة
مراكش ، وله في تفسير غريبه وفي رجاله مصنّفات ، وإليه كانت النهاية والإشارة في عصرنا
، وسمعت أنه كان اشتغل بجمع أمهات كتب الحديث المشهورة ، وحذف المكرّر ، وكتاب
رزين بن عمار الأندلسي في جمع ما يتضمّنه كتاب مسلم والبخاري والموطأ والسنن
والنسائي والترمذي كتاب جليل مشهور في أيدي الناس بالمشرق والمغرب ، وكتاب الأحكام»
لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي مشهور متداول القراءة ، وهي أحكام كبرى ، وأحكام صغرى
، قيل : ووسطى ، وكتاب «الجمع بين الصحيحين» للحميدي مشهور.
وأما الفقه
فالكتاب المعتمد عليه الآن الذي ينطلق عليه اسم الكتاب عند المالكية حتى
بالإسكندرية فكتاب «التهذيب» للبراذعي السرقسطي ، وكتاب «النهاية» لأبي الوليد بن
رشد ، كتاب جليل معظم معتمد عليه عند المالكية ، وكذلك كتاب «المنتقى» للباجي.
وأما أصول الدين
وأصول الفقه فللإمام أبي بكر بن العربي الإشبيلي من ذلك ما منه كتاب «العواصم
والقواصم» المشهور بأيدي الناس ، وله تصانيف غير هذا ، ولأبي الوليد بن رشد في أصول الفقه ما منه «مختصر
المستصفى».
وأما التواريخ
فكتاب ابن حيان الكبير المعروف «بالمتين» في نحو ستين مجلّدة وإنما ذكر ابن حزم
كتاب «المقتبس» وهو في عشر مجلّدات ، والمتين يذكر فيه أخبار عصره ، ويمعن فيها
ممّا شاهده ، ومنه ينقل صاحب الذخيرة ، وقد ذيل عليه أبو الحجاج البيّاسي أحد
معاصرينا ،
__________________
وهو الآن بإفريقية
في حضرتها تونس عند سلطانها تحت إحسانه الغمر ، وكتاب المظفر بن الأفطس ملك بطليوس
المعروف «بالمظفري» نحو كتاب «المتين» في الكبر ، وفيه تاريخ على السنين ، وفنون
آداب كثيرة ، وتاريخ ابن صاحب الصلاة في الدولة اللمتونية ، وذكر ابن غالب أن ابن
الصيرفي الغرناطي له كتاب في أخبار دولة لمتونة ، وأن أبا الحسن السالمي له كتاب «في
أخبار الفتنة الثانية بالأندلس» ، بدأ من سنة ٥٣٩ ، ورتّبه على السنين وبلغ به سنة
٥٤٧ ، وأبو القاسم خلف بن بشكوال له كتاب في «تاريخ أصحاب الأندلس» من فتحها إلى
زمانه ، وأضاف إلى ذلك من أخبار قرطبة وغيرها ما جاء في خاطره ، وله كتاب «الصلة» في تاريخ العلماء ، وللحميدي قبله «جذوة
المقتبس» وقد ذيّل كتاب الصلة في عصرنا هذا أبو عبد الله بن الأبّار البلنسي صاحب
كتاب سلطان إفريقية . وذكر ابن غالب أنّ الفقيه أبا جعفر بن عبد الحق الخزرجي
القرطبي له كتاب كبير بدأ فيه من بدء الخليقة إلى أن انتهى في أخبار الأندلس إلى
دولة عبد المؤمن ، قال : وفارقته سنة ٥٦٥ ، وأبو محمد بن حزم صاحب الرسالة
المتقدّمة الذكر له كتب جمّة في التواريخ ، مثل كتاب «نقط العروس ، في تواريخ
الخلفاء» وقد صنّف أبو الوليد بن زيدون كتاب «التبيين في خلفاء بني أمية بالأندلس»
على منزع كتاب «التعيين في خلفاء المشرق» للمسعودي. وللقاضي أبي القاسم صاعد بن
أحمد الطليطلي كتاب «التعريف ، بأخبار علماء الأمم من العرب والعجم» وكتاب «جامع
أخبار الأمم». وأبو عمر بن عبد البر له كتاب «القصد والأمم ، في معرفة أخبار العرب
والعجم». وعريب بن سعد القرطبي له كتاب «اختصار تاريخ الطبري» قد سعد باغتباط الناس به ،
وأضاف إليه تاريخ إفريقية والأندلس ، ولأحمد بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن
الفياض كتاب «العبر» وكتاب أبي بكر الحسين بن محمد الزبيدي في أخبار النحويين واللغويين بالمشرق والأندلس» ، وكتاب
القاضي أبي الوليد بن الفرضي في «أخبار العلماء والشعراء» وما يتعلّق بذلك ،
وليحيى بن حكم الغزال تاريخ ألّفه كلّه منظوما ، كما صنع أيضا بعده أبو طالب
المتنبي من جزيرة شقر في التاريخ الذي أورد منه صاحب الذخيرة ما أورد ، وكتاب «الذخيرة» لابن بسام في جزيرة الأندلس ليس هذا
مكان الإطناب في تفصيلها وهي كالذيل على حدائق ابن فرج ، وفي عصرها صنّف الفتح كتاب
«القلائد» وهو مملوء بلاغة ، والمحاكمة بين الكتابين ذكرت بمكان آخر ، ولصاحب
القلائد كتاب «المطمح» وهو ثلاث نسخ : كبرى ، ووسطى ، وصغرى ، يذكر فيها من الذين
__________________
ذكرهم في القلائد
ومن غيرهم الذين كانوا قبل عصرهم ، وكتاب «سمط الجمان ، وسقط المرجان» لأبي عمرو بن الإمام بعد الكتابين المذكورين ، ذكر من
أخلّا بتوفيته حقّه من الفضلاء ، واستدرك من أدركه بعصره في بقية المائة السادسة ،
وذيّل عليه ـ وإن كان ذيلا قصيرا ـ أبو بحر صفوان بن إدريس المرسي بكتاب «زاد المسافر»
ذكر فيه جماعة ممّن أدرك المائة السابعة ، وكتاب أبي محمد عبد الله بن إبراهيم
الحجاري المسمى ب «المسهب ، في فضائل المغرب» صنّفه بعد «الذخيرة» و «القلائد» من
أوّل ما عمرت الأندلس إلى عصره ، وخرج فيه عن مقصد الكتابين إلى ذكر البلاد
وخواصّها ممّا يختصّ بعلم الجغرافيا ، وخلطه بالتاريخ وتفنّن الأدب على ما هو
مذكور في غير هذا المكان ، ولم يصنّف في الأندلس مثل كتابه ، ولذلك فضّله المصنّف
له عبد الملك بن سعيد ، وذيّل عليه ، ثم ذيّل على ذلك ابناه أحمد ومحمد ثم موسى بن
محمد ثم علي بن موسى كاتب هذه النسخة ومكمّل كتاب «فلك الأدب ، المحيط بحلى لسان العرب» المحتوي على كتابي «المشرق ، في
حلى المشرق» و «المغرب ، في حلى المغرب» ؛ فيكفي الأندلس في هذا الشأن تصنيف هذا
الكتاب بين ستة أشخاص في ١١٥ سنة آخرها سنة ٦٤٥ ، وقد احتوى على جميع ما يذاكر به
ويحاضر بحلاه من فنون الأدب المختارة على جهد الطاقة في شرق وغرب على النوع الذي
هو مذكور في غير هذا الموضع ، ومن أغفلت التنبيه على عصره ، وغير ذلك من المصنّفين
المتقدّمي الذكر ، فيطلب الملتمس منهم في مكانه المنسوب إليه كابن بسام في شنترين
، والفتح في إشبيلية ، وابن الإمام في إستجة ، والحجاري في وادي الحجارة.
وأمّا ما جاء
منثورا من فنون الأدب فكتاب «سراج الأدب» لأبي عبد الله بن أبي الخصال الشقوري
رئيس كتّاب الأندلس ، صنّفه على منزع كتاب «النوادر» لأبي علي ، و «زهر الآداب»
للحصري ، وكتاب «واجب الأدب» لوالدي موسى بن محمد بن سعيد ، واسمه يغني عن المراد
به ، وكتاب «اللآلئ» لأبي عبيد البكري على كتاب «الأمالي» لأبي على البغدادي مفيد
في الأدب ، وكذلك كتاب «الاقتضاب ، في شرح أدب الكتّاب» لأبي محمد بن السيّد
البطليوسي ، وأما شرح «سقط الزند» له فهو الغاية ، ويكفي ذكره عند أرباب هذا الشأن
وثناؤهم عليه ، وشروح أبي الحجّاج الأعلم لشعر المتنبي والحماسة وغير ذلك مشهورة.
وأما «كتب» النحو فلأهل
الأندلس من الشروح على «الجمل» ما يطول ذكره ، فمنها
__________________
شرح ابن خروف ،
ومنها شرح الرّندي ، ومنها شرح شيخنا أبي الحسن بن عصفور الإشبيلي ، وإليه انتهت
علوم النحو ، وعليه الإحالة الآن من المشرق والمغرب ، وقد أتيت له من إفريقية
بكتاب «المقرب» في النحو فتلقّي باليمين من كل جهة ، وطار بجناح الاغتباط ،
ولشيخنا أبي علي الشلوبين كتاب «التوطئة» على الجزولية وهو مشهور ، ولابن السيّد
وابن الطراوة والسّهيلي من التقييدات في النحو ما هو مشهور عند أصحاب هذا الشأن
معتمد عليه ، ولأبي الحسن بن خروف شرح مشهور على كتاب سيبويه.
وأما علم الجغرافيا فيكفي في ذلك كتاب «المسالك والممالك» لأبي
عبيد البكري الأونبي وكتاب «معجم ما استعجم من البقاع والأماكن» ، وفي كتاب «المسهب»
للحجاري في هذا الشأن وتذييلنا عليه في هذا الكتاب الجامع ما جمع زبد الأولين
والآخرين في ذلك.
وأما «كتب علم» الموسيقى فكتاب أبي بكر بن باجة الغرناطي في ذلك فيه كفاية
وهو في المغرب بمنزلة أبي نصر الفارابي بالمشرق ، وإليه تنسب الألحان المطربة
بالأندلس التي عليها الاعتماد ، وليحيى الخدجّ المرسي كتاب «الأغاني الأندلسية» على منزع «الأغاني» لأبي
الفرج ، وهو ممّن أدرك المائة السابعة.
وأما «كتب» الطب فالمشهور بأيدي الناس الآن في المغرب ، وقد سار أيضا
في المشرق لنبله ، كتاب «التيسير» لعبد الملك بن أبي العلاء بن زهر ، وله كتاب «الأغذية»
أيضا مشهور مغتبط به في المغرب والمشرق ، ولأبي العباس بن الرومية الإشبيلي من
علماء عصرنا بهذا الشأن كتاب في الأدوية المفردة ، وقد جمع أبو محمد المالقي
الساكن الآن بقاهرة مصر كتابا في هذا الشأن حشر عليه ما سمع به فقدر عليه من
تصانيف الأدوية المفردة ككتاب الغافقي وكتاب الزهراوي وكتاب الشريف الإدريسي
الصقلي وغيرها وضبطه على حروف المعجم ، وهو النهاية في مقصده.
وأما «كتب» الفلسفة فإمامها في عصرنا أبو الوليد بن رشد القرطبي ، وله
فيها تصانيف جحدها لمّا رأى انحراف منصور بني عبد المؤمن عن هذا العلم ، وسجنه
بسببها ، وكذلك ابن
__________________
حبيب الذي قتله
المأمون بن المنصور المذكور على هذا العلم بإشبيلية ، وهو علم ممقوت بالأندلس لا
يستطيع صاحبه إظهاره ، فلذلك تخفى تصانيفه.
وأما «كتب» التنجيم فلابن زيد الأسقف القرطبي فيه تصانيف ، وكان
مختصّا بالمستنصر بن الناصر المرواني ، وله ألّف كتاب «تفصيل الأزمان ، ومصالح
الأبدان» وفيه من ذكر منازل القمر ، وما يتعلّق بذلك ما يستحسن مقصده وتقريبه ،
وكان مطرف الإشبيلي في عصرنا قد اشتغل بالتصنيف في هذا الشأن ، إلّا أنّ أهل بلده
كانوا ينسبونه إلى الزندقة بسبب اعتكافه على هذا الشأن فكان لا يظهر شيئا مما يصنّف.
ثم قال ابن سعيد :
أخبرني والدي قال : كنت يوما في مجلس صاحب سبتة أبي يحيى بن أبي زكريا صهر ناصر
بني عبد المؤمن ، فجرى بين أبي الوليد الشّقندي وبين أبي يحيى بن المعلم الطنجي
نزاع في التفضيل بين البرّين ، فقال الشقندي : لو لا الأندلس لم يذكر برّ العدوة ،
ولا سارت عنه فضيلة ، ولو لا التوقير للمجلس لقلت ما تعلم ، فقال الأمير أبو يحيى
: أتريد أن تقول كون أهل برّنا عربا وأهل برّكم بربر؟ فقال : حاش لله! فقال الأمير
: والله ما أردت غير هذا ، فظهر في وجهه أنه أراد ذلك ، فقال ابن المعلم : أتقول
هذا وما الملك والفضل إلّا من برّ العدوة ، فقال الأمير : الرأي عندي أن يعمل كل
واحد منكما رسالة في تفضيل برّه ، فالكلام هنا يطول ويمرّ ضياعا ، وأرجو إذا
أخليتما له فكر كما يصدر عنكما ما يحسن تخليده ، ففعلا ذلك.
فكانت رسالة
الشقندي ، الحمد لله الذي جعل لمن يفخر بالأندلس أن يتكلّم ملء فيه ، ويطنب ما شاء فلا يجد من يعترض عليه
ولا من يثنيه ، إذ لا يقال للنهار : يا مظلم ، ولا لوجه النعيم : يا قبيح : [البسيط]
وقد وجدت مكان
القول ذا سعة
|
|
فإن وجدت لسانا
قائلا فقل
|
أحمده على أن
جعلني ممّن أنشأته ، وحباني بأن كنت ممّن أظهرته ، فامتدّ في الفخر باعي ، وأعانني
على الفضل كرم طباعي ، وأصلّي على سيّدنا محمد نبيّه الكريم ، وعلى
آله وصحبه الأكرمين ، وأسلّم تسليما.
__________________
أمّا بعد ؛ فإنه
حرّك منّي ساكنا ، وملأ مني فارغا ، فخرجت عن سجيتي في الإغضاء ، مكرها إلى
الحميّة والإباء ، منازع في فضل الأندلس أراد أن يخرق الإجماع ، ويأتي بما لم تقبله
النواظر والأسماع ، إذ من رأى ومن سمع لا يجوز عنده ذلك ، ولا يضلّه من تاه
في تلك المسالك ، رام أن يفضل برّ العدوة على برّ الأندلس فرام أن يفضل على اليمين
اليسار ، ويقول: الليل أضوأ من النهار ، فيا عجبا كيف قابل العوالي بالزّجاج ، وصادم الصّفاة بالزّجاج ، فيا من نفخ في غير ضرم ، ورام
صيد البزاة بالرخم ، وكيف تتكثر بما جعله الله قليلا ، وتتعزّز بما حكم الله أن
يكون ذليلا؟ ما هذه المباهتة التي لا تجوز؟ وكيف تبدي أمام الفتاة العجوز؟ سل
العيون إلى وجه من تميل؟ واستخبر الأسماع إلى حديث من تصغي ؟ : [الطويل]
لشتّان ما بين
اليزيدين في
الندى
|
|
يزيد سليم
والأغرّ بن حاتم
|
اقن حياءك أيها
المغرّد بالنحيب ، المتزيّن بالخلف المتحبّب إلى الغواني بالمشيب الخضيب ،
أين عزب عقلك؟ وكيف نكص على عقبه فهمك ولبّك؟ أبلغت العصبية من قلبك ، أن تطمس على
نوري بصرك ولبّك؟ أما قولك «الملوك منّا» فقد كان الملوك منّا أيضا ، وما نحن إلّا
كما قال الشاعر : [المتقارب]
فيوم علينا ويوم
لنا
|
|
ويوم نساء ويوم
نسرّ
|
إن كان الآن كرسيّ
جميع بلاد المغرب عندكم بخلافة بني عبد المؤمن ـ أدامها الله تعالى! ـ فقد كان
عندنا بخلافة القرشيين الذين يقول فيهم مشرقيهم : [الطويل]
وإنّي من قوم
كرام أعزّة
|
|
لأقدامهم صيغت
رؤوس المنابر
|
خلائف في
الإسلام في الشّرك قادة
|
|
بهم وإليهم فخر
كلّ مفاخر
|
ويقول مغربيهم :
ألسنا بني مروان
كيف تبدّلت
|
|
بنا الحال أو
دارت علينا الدوائر
|
__________________
إذا ولد المولود
منّا تهلّلت
|
|
له الأرض
واهتزّت إليه المنابر
|
وقد نشأ في مدّتهم
من الفضلاء والشعراء ما اشتهر في الآفاق ، وصار أثبت في صحائف الأيام ، من الأطواق في أعناق الحمام : [الطويل]
وسار مسير الشمس
في كلّ بلدة
|
|
وهبّ هبوب الريح
في البرّ والبحر
|
ولم تزل ملوكهم في
الاتساق كما قيل : [البسيط]
إنّ الخلافة
فيكم لم تزل نسقا
|
|
كالعقد منظومة
فيه فرائده
|
إلى أن حكم الله
بنثر سلكهم ، وذهاب ملكهم ، فذهبوا وذهبت أخبارهم ، ودرسوا ودرست
آثارهم : [البسيط]
جمال ذي الأرض
كانوا في الحياة وهم
|
|
بعد الممات جمال
الكتب والسّير
|
فكم مكرمة أنالوها
، وكم عثرة أقالوها : [الرجز]
وإنّما المرء
حديث بعده
|
|
فكن حديثا حسنا
لمن وعى
|
وكان من حسنات
ملكهم المنصور بن أبي عامر ، وما أدراك الذي بلغ في بلاد النصارى غازيا إلى البحر
الأخضر ، ولم يترك أسيرا في بلادهم من المسلمين ، ولم يبرح في جيش الهرقل وعزمة
الإسكندر ، ولمّا قضى نحبه كتب على قبره : [الكامل]
آثاره تنبيك عن
أوصافه
|
|
حتى كأنّك
بالعيان تراه
|
تالله لا يأتي
الزمان بمثله
|
|
أبدا ولا يحمي
الثغور سواه
|
وقد قيل فيه من
الأمداح ، وألّف له من الكتب ، ما سمعت وعلمت ، حتى قصد من بغداد ، وعمّ خيره
وشرّه أقاصي البلاد ، ولمّا ثار بعد انتثار هذا النظام ملوك الطوائف وتفرّقوا في البلاد ، وكان في تفرّقهم اجتماع على النعم لفضلاء العباد ، إذ نفّقوا
سوق العلوم ، وتباروا في المثوبة على المنثور والمنظوم ، فما كان أعظم مباهاتهم
إلّا قول : العالم الفلاني عند
__________________
الملك الفلاني ،
والشاعر الفلاني مختصّ بالملك الفلاني ، وليس منهم إلّا من بذل وسعه في المكارم ،
ونبهت الأمداح من مآثره ما ليس طول الدهر بنائم ، وقد سمعت ما كان من الفتيان
العامريّة مجاهد ومنذر وخيران ، وسمعت عن الملوك العربية : بنو عباد وبنو صمادح
وبنو الأفطس وبنو ذي النون وبنو هود ، كلّ منهم قد خلّد فيه من الأمداح ، ما لو
مدح به الليل لصار أضوأ من الصباح ، ولم تزل الشعراء تتهادى بينهم تهادي النّواسم
بين الرّياض ، وتفتك في أموالهم فتكة البرّاض ، حتى إنّ أحد شعرائهم بلغ به ما رآه من منافستهم في
أمداحه أن حلف أن لا يمدح أحدا منهم بقصيدة إلّا بمائة دينار ، وأنّ المعتضد بن
عباد على ما اشتهر من سطوته وإفراط هيبته كلّفه أن يمدحه بقصيدة فأبى حتى يعطيه ما
شرطه في قسمه ، ومن أعظم ما يحكى من المكارم التي لم نسمع لها أختا أنّ أبا غالب
اللغوي ألّف كتابا ، فبذل له مجاهد العامري ملك دانية ألف دينار ومركوبا وكسا على
أن يجعل الكتاب باسمه ، فلم يقبل ذلك أبو غالب ، وقال : كتاب ألّفته لينتفع به
الناس ، وأخلّد فيه همّتي ، أجعل في صدره اسم غيري ، وأصرف الفخر له ، لا أفعل ذلك
، فلمّا بلغ هذا مجاهدا استحسن أنفته وهمّته ، وأضعف له العطاء ، وقال : هو في حلّ
من أن يذكرني فيه ، لا نصدّه عن غرضه. وإن كان كلّ ملوك الأندلس المعروفين بملوك
الطوائف قد تنازعوا في ملاءة الحضر ، فإني أخصّ منهم بني عباد ، كما قال الله تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ
(٦٨)) [سورة الرحمن ،
الآية : ٦٨] فإنّ الأيام لم تزل بهم كأعياد ، وكان لهم من الحنو على الأدب ، ما لم
يقم به بنو حمدان في حلب ، وكانوا هم وبنوهم ووزراؤهم صدورا في بلاغتي النظم
والنثر ، مشاركين في فنون العلم ، وآثارهم مذكورة ، وأخبارهم مشهورة ، وقد خلّدوا
من المكارم التامّة ، ما هو متردّد في ألسن الخاصّة والعامّة ، وبالله إلّا سمّيت
لي بمن تفخرون قبل هذه الدعوة المهدية ، أبسقوت الحاجب؟ أم بصالح البرغواطي؟ أم بيوسف بن تاشفين الذي لولا
توسّط ابن عباد لشعراء الأندلس في مدحه ما أجروا له ذكرا ، ولا رفعوا لملكه قدرا؟
وبعد ما ذكروه بوساطة المعتمد بن عباد فإنّ المعتمد قال له ، وقد أنشدوه : أيعلم
أمير المسلمين ما قالوه؟ قال : لا أعلم ولكنهم يطلبون الخبز ، ولمّا انصرف عن
المعتمد إلى حضرة ملكه كتب له المعتمد رسالة فيها : [البسيط]
__________________
بنتم وبنّا فما
ابتلّت جوانحنا
|
|
شوقا إليكم ولا
جفّت مآقينا
|
حالت لفقدكم
أيامنا فغدت
|
|
سودا وكانت بكم
بيضا ليالينا
|
فلمّا قرىء عليه
هذان البيتان قال للقارىء : يطلب منّا جواري سودا وبيضا ، قال : لا يا مولانا ، ما
أراد إلّا أنّ ليله كان بقرب أمير المسلمين نهارا ؛ لأنّ ليالي السرور بيض ، فعاد
نهاره ببعده ليلا لأنّ أيام الحزن ليال سود ، فقال : والله جيد ، أكتب له في جوابه : إنّ دموعنا تجري
عليه ، ورؤوسنا توجعنا من بعده ، فليت العباس بن الأحنف قد عاش حتى يتعلم من هذا
الفاضل رقة الشوق : [الطويل]
ولا تنكرن مهما
رأيت مقدّما
|
|
على حمر بغلا
فثمّ تناسب
|
فاسكتوا ، فلو لا
هذه الدولة ، لما كان لكم على الناس صولة : [الوافر]
وإنّ الورد يقطف
من قتاد
|
|
وإنّ النار تقبس
من رماد
|
وإنك إن تعرّضت
للمفاضلة بالعلماء فأخبرني : هل لكم في الفقه مثل عبد الملك بن حبيب الذي يعمل
بأقواله إلى الآن ، ومثل أبي الوليد الباجي ، ومثل أبي بكر بن العربي ، ومثل أبي
الوليد بن رشد الأكبر ، ومثل أبي الوليد بن رشد الأصغر؟ وهو ابن ابن الأكبر ، نجوم
الإسلام ، ومصابيح شريعة محمد عليه السلام ، وهل لكم في الحفظ مثل أبي محمد بن حزم
الذي زهد في الوزارة والمال ومال إلى رتبة العلم ، ورآها فوق كل رتبة ، وقال وقد
احترقت كتبه : [الطويل]
دعوني من إحراق
رقّ وكاغد
|
|
وقولوا بعلم كي
يرى الناس من يدري
|
فإن تحرقوا
القرطاس لا تحرقوا الذي
|
|
تضمّنه القرطاس
، إذ هو في صدري
|
ومثل أبي عمر بن
عبد البر صاحب «الاستيعاب» و «التمهيد» ومثل
أبي بكر بن الجد حافظ الأندلس في هذه الدولة ، وهل لكم في حفّاظ اللغة كابن سيده
صاحب كتاب «المحكم»
__________________
وكتاب «السماء
والعالم» الذي إن أعمى الله بصره فما أعمى بصيرته ، وهل لكم في النحو مثل أبي محمد
بن السّيد وتصانيفه؟ ومثل ابن الطراوة ، ومثل أبي علي الشلوبين الذي بين أظهرنا الآن
، وقد سار في المغارب والمشارق ذكره ، وهل لكم في علوم اللحون والفلسفة كابن باجة.
وهل لكم في علم النجوم والهندسة والفلسفة ملك كالمقتدر بن هود صاحب سرقسطة ، فإنه كان في ذلك آية؟
وهل لكم في الطب مثل ابن طفيل صاحب رسالة «حي بن يقظان» المقدم في علم الفلسفة ،
ومثل بني زهر أبي العلاء ثم ابنه عبد الملك ثم ابنه أبي بكر ثلاثة على نسق؟ وهل
لكم في علم التاريخ كابن حيّان صاحب «المتين» و «المقتبس»؟ وهل عندكم في رؤساء علم
الأدب مثل أبي عمر بن عبد ربه صاحب «العقد»؟ وهل لكم في الاعتناء بتخليد مآثر
فضلاء إقليمه والاجتهاد في حشد محاسنهم مثل ابن بسّام صاحب «الذخيرة»؟ وهب أنه كان
يكون لكم مثله فما تصنع الكيّسة في البيت الفارغ؟ وهل لكم في بلاغة النثر كالفتح
بن عبيد الله الذي إن مدح رفع ، وإن ذمّ وضع ، وقد ظهر له من ذلك في كتاب «القلائد»
ما هو أعدل شاهد ، ومثل ابن أبي الخصال في ترسّله ، ومثل أبي الحسن سهل بن مالك الذي بين أظهرنا الآن في
خطبه ، وهل لكم في الشعر ملك مثل المعتمد بن عباد في قوله : [الطويل]
وليل بسدّ النهر
أنسا قطعته
|
|
بذات سوار مثل
منعطف النهر
|
نضت بردها عن
غصن بان منعّم
|
|
فيا حسن ما
انشقّ الكمام عن الزهر
|
وقوله في أبيه : [البسيط]
سميدع يهب
الآلاف مبتدئا
|
|
وبعد ذلك يلفى
وهو يعتذر
|
له يد كلّ جبّار
يقبّلها
|
|
لو لا نداها
لقلنا إنها الحجر
|
ومثل ابنه الراضي
في قوله : [البسيط]
مرّوا بنا أصلا
من غير ميعاد
|
|
فأوقدوا نار
قلبي أيّ إيقاد
|
لا غرو أن زاد
في وجدي مرورهم
|
|
فرؤية الماء
تذكي غلّة الصادي
|
وهل لكم ملك ألّف
في فنون الأدب كتابا في نحو مائة مجلّدة مثل المظفر بن
__________________
الأفطس ملك بطليوس
ولم تشغله الحروب ولا المملكة عن همّة الأدب؟ وهل لكم من الوزراء مثل ابن عمار في
قصيدته التي سارت أشرد من مثل ، وأحبّ إلى الأسماع من لقاء حبيب وصل؟ التي منها : [الكامل]
أثمرت رمحك من
رؤوس ملوكهم
|
|
لمّا رأيت الغصن
يعشق مثمرا
|
وصبغت درعك من
دماء كماتهم
|
|
لمّا رأيت الحسن
يلبس أحمرا
|
ومثل ابن زيدون في
قصيدته التي لم يقل مع طولها في التشبيب أرقّ منها ، وهي التي يقول فيها : [البسيط]
كأنّنا لم نبت
والوصل ثالثنا
|
|
والسعد قد غضّ
من أجفان واشينا
|
سرّان في خاطر
الظّلماء يكتمنا
|
|
حتى يكاد لسان
الصبح يفشينا
|
وهل لكم من
الشعراء مثل ابن وهبون في بديهته بين يدي المعتمد بن عباد وإصابته الغرض حين
استحسن المعتمد قول المتنبي : [الطويل]
إذا ظفرت منك المطيّ
بنظرة
|
|
أثاب بها معيي
المطيّ ورازمه
|
فارتجل : [الطويل]
لئن جاد شعر ابن
الحسين فإنما
|
|
تجيد العطايا ،
واللها تفتح اللها
|
تنبّأ عجبا
بالقريض ولو درى
|
|
بأنك تروي شعره
لتألّها
|
وهل لكم مثل شاعر
الأندلس ابن درّاج الذي قال فيه الثعالبي «هو بالصقع الأندلسي كالمتنبي بصقع
الشام الذي إن مدح الملوك قال مثل قوله : [الطويل]
ألم تعلمي أنّ
الثواء هو التّوى
|
|
وأنّ بيوت
العاجزين قبور
|
__________________
وأنّ خطيرات
المهالك ضمّن
|
|
لراكبها أنّ
الجزاء خطير
|
تخوّفني طول
السّفار وإنّه
|
|
بتقبيل كفّ
العامريّ جدير
|
مجير الهدى
والدين من كلّ ملحد
|
|
وليس عليه
للضلال مجير
|
تلاقت عليه من
تميم ويعرب
|
|
شموس تلاقت في
العلا وبدور
|
هم يستقلّون
الحياة لراغب
|
|
ويستصغرون الخطب
وهو كبير
|
ولمّا توافوا
للسّلام ورفّعت
|
|
عن الشمس في أفق
الشروق ستور
|
وقد قام من زرق
الأسنّة دونها
|
|
صفوف ومن بيض
السيوف سطور
|
رأوا طاعة
الرحمن كيف اعتزازها
|
|
وآيات صنع الله
كيف تنير
|
وكيف استوى
بالبر والبحر مجلس
|
|
وقام بعبء
الراسيات سرير
|
فجاؤوا عجالا
والقلوب خوافق
|
|
وولّوا بطاء
والنواظر صور
|
يقولون والإجلال
يخرس ألسنا
|
|
وحازت عيون
ملأها وصدور
|
لقد حاط أعلام
الهدى بك حائط
|
|
وقدّر فيك
المكرمات قدير
|
وأنا أقسم بما
حازته هذه الأبيات ، من غرائب الآيات ، لو سمع هذا المدح سيد بني حمدان لسلا به عن مدح شاعره الذي ساد كل شاعر ، ورأى أن هذه
الطريقة أولى بمدح الملوك من كل ما تفنّن فيه كل ناظم وناثر .
[الكامل]
قالت وقد مزج
الفراق مدامعا
|
|
بمدامع وترائبا
بترائب
|
أتفرّق حتى
بمنزل غربة؟
|
|
كم نحن للأيام
نهبة ناهب
|
ولئن جنيت عليك
ترحة راحل
|
|
فأنا الزعيم لها
بفرحة آئب
|
هل أبصرت عيناك
بدرا طالعا
|
|
في الأفق إلّا
من هلال غارب
|
وإن شبّه قال : [الكامل]
__________________
كمعاقل من سوسن
قد شيّدت
|
|
أيدي الربيع
بناءها فوق القضب
|
شرفاتها من فضّة
وحماتها
|
|
حول الأمير لهم
سيوف من ذهب
|
وهل من شعرائكم من
تعرّض لذكر العفّة فاستنبط ما يسحر به السحر ، ويطيب به الزهر ، وهو أبو عمر بن
فرج في قوله : [الوافر]
وطائعة الوصال
عففت عنها
|
|
وما الشيطان
فيها بالمطاع
|
بدت في الليل
سافرة فباتت
|
|
دياجي الليل
سافرة القناع
|
وما من لحظة إلّا وفيها
|
|
إلى فتن القلوب
لها دواعي
|
فملّكت النّهى
جمحات شوقي
|
|
لأجري في العفاف
على طباعي
|
وبتّ بها مبيت
السّقب يظما
|
|
فيمنعه الكعام
من الرضاع
|
كذاك الروض ما
فيه لمثلي
|
|
سوى نظر وشمّ من
متاع
|
ولست من السوائم
مهملات
|
|
فأتّخذ الرياض
من المراعي
|
وهل بلغ أحد من
مشبّهي شعرائكم أن يقول مثل قول أبي جعفر اللمائي : [الرمل]
عارض أقبل في
جنح الدّجا
|
|
يتهادى كتهادي
ذي الوجى
|
بدّدت ريح
الصّبا لؤلؤه
|
|
فانبرى يوقد
عنها سرجا
|
ومثل قول أبي حفص
بن برد : [المديد]
وكأنّ الليل حين
لوى
|
|
ذاهبا والصبح قد
لاحا
|
كلّة سوداء
أحرقها
|
|
عامد أسرج
مصباحا
|
وهل منكم من وصف
ما تحدثه الخمرة من الحمرة على الوجنة بمثل قول الشريف الطليق : [الرمل]
أصبحت شمسا وفوه
مغربا
|
|
ويد الساقي
المحييّ مشرقا
|
__________________
وإذا ما غربت في
فمه
|
|
تركت في الخدّ
منه شفقا
|
بمثل هذا الشعر
فليطلق اللسان ، ويفخر كل إنسان .
وهل منكم من عمد
إلى قول امرئ القيس : [الطويل]
سموت إليها بعد
ما نام أهلها
|
|
سموّ حباب الماء
حالا على حال
|
فاختلسه اختلاس
النسيم لنفحة الأزهار ، واستلبه بلطف استلاب الشمس لرضاب طلّ الأسحار ، فلطفه تلطيفا يمتزج
بالأرواح ، ويغني في الارتياح عن شرب الراح ، وهو ابن شهيد في قوله : [المتقارب]
ولمّا تملّأ من
سكره
|
|
ونام ونامت عيون
الحرس
|
دنوت إليه على
رقبة
|
|
دنوّ رفيق درى
ما التمس
|
أدبّ إليه دبيب
الكرى
|
|
وأسمو إليه سموّ
النّفس
|
أقبّل منه بياض
الطّلى
|
|
وأرشف منه سواد
اللّعس
|
فبتّ به ليلتي
ناعما
|
|
إلى أن تبسّم
ثغر الغلس
|
وقد تناول هذا
المعنى ابن أبي ربيعة على عظم قدره وتقدّمه فعارض الصّهيل بالنّهاق ، وقابل العذب
بالزّعاق ، فقال وليته سكت : [الطويل]
ونفّضت عنّي
العين أقبلت مشية ال
|
|
حباب وركني خيفة
القوم أزور
|
وأنا أقسم لو زار
جمل محبوبة له لكان ألطف في الزيارة من هذا الأزور الركن المنفض للعيون ، لكنه إن
أساء هنا فقد أحسن في قوله : [السريع]
قالت لقد
أعييتنا حجّة
|
|
فأت إذا ما هجع
الساهر
|
واسقط علينا
كسقوط الندى
|
|
ليلة لا ناه ولا
زاجر
|
__________________
ولله درّ محمد بن
سفر أحد شعرائنا المتأخّرين عصرا ، المتقدّمين قدرا ، حيث نقل السعي إلى محبوبته
فقال وليته لم يزل يقول مثل هذا ، فبمثله ينبغي أن يتكلّم ، ومثله يليق أن يدوّن :
[الطويل]
وواعدتها والشمس
تجنح للنوى
|
|
بزورتها شمسا
وبدر الدجى يسري
|
فجاءت كما يمشي
سنا الصبح في الدجى
|
|
وطورا كما مرّ
النسيم على النهر
|
عطّرت الآفاق
حولي فأشعرت
|
|
بمقدمها والعرف
يشعر بالزهر
|
فتابعت بالتقبيل
آثار سعيها
|
|
كما يتقصّى
قارىء أحرف السطر
|
فبتّ بها والليل
قد نام والهوى
|
|
تنبّه بين الغصن
والحقف والبدر
|
أعانقها طورا
وألثم تارة
|
|
إلى أن دعتنا
للنوى راية الفجر
|
ففضّت عقودا
للتعانق بيننا
|
|
فيا ليلة القدر
اتركي ساعة النفر
|
وهل منكم من قيّد
بالإحسان فأطلق لسانه الشكر ، فقال وهو ابن اللّبّانة : [الطويل]
بنفسي وأهلي
جيرة ما استعنتهم
|
|
على الدهر إلّا
وانثنيت معانا
|
أراشوا جناحي ثم
بلّوه بالندى
|
|
فلم أستطع من
أرضهم طيرانا
|
ومن يقول وقد قطع
عنه ممدوحه ما كان يعتاده منه من الإحسان ، فقابل ذلك بقطع مدحه له ، فبلغه أنه
عتبه على ذلك ، وهو ابن وضّاح : [الكامل]
هل كنت إلّا
طائرا بثنائكم
|
|
في دوح مجدكم
أقوم وأقعد
|
إن تسلبوني
ريشكم وتقلّصوا
|
|
عنّي ظلالكم
فكيف أغرّد
|
وهل منكم شاعر رأى
الناس قد ضجّوا من سماع تشبيه الثغر بالأقاح ، وتشبيه الزهر بالنجوم ، وتشبيه
الخدود بالشقائق ، فتلطّف لذلك في أن يأتي به في منزع يصيّر خلقه في الأسماع جديدا
، وكليله في الأفكار حديدا ، فأغرب أحسن إغراب ، وأعرب عن فهمه بحسن تخيّله أنبل
إعراب ، وهو ابن الزقاق : [المنسرح]
وأغيد طاف
بالكؤوس ضحى
|
|
وحثّها والصباح
قد وضحا
|
والروض أهدى لنا
شقائقه
|
|
وآسه العنبريّ
قد نفحا
|
__________________
قلنا : وأين
الأقاح؟ قال لنا
:
|
|
أودعته ثغر من
سقى القدحا
|
فظلّ ساقي
المدام يجحد ما
|
|
قال فلمّا تبسّم
افتضحا
|
وقال : [الوافر]
أديراها على
الروض المندّى
|
|
وحكم الصبح في
الظّلماء ماضي
|
وكأس الريح تنظر
عن حباب
|
|
ينوب لنا عن
الحدق المراض
|
وما غربت نجوم
الأفق لكن
|
|
نقلن من السماء
إلى الرياض
|
وقال : [الخفيف]
ورياض من
الشقائق أضحت
|
|
يتهادى بها نسيم
الرياح
|
زرتها والغمام
يجلد منها
|
|
زهرات تروق لون
الراح
|
قل ما ذنبها؟
فقال مجيبا
|
|
سرقت حمرة
الخدود الملاح
|
فانظر كيف زاحم
بهذا الاختيال المخترعين؟ وكيف سابق بهذا المبتدعين؟
وهل منكم من برع
في أوصاف الرياض والمياه وما يتعلّق بذلك فانتهى إلى غاية السباق ، وفضح كل من طمع بعده في اللحاق ، وهو أبو إسحاق
بن خفاجة القائل : [الكامل]
وعشيّ أنس
أضجعتني نشوة
|
|
فيها يمهّد
مضجعي ويدمّث
|
خلعت عليّ بها
الأراكة ظلّها
|
|
والغصن يصغي
والحمام يحدّث
|
والشمس تجنح
للغروب مريضة
|
|
والرعد يرقي
والغمامة تنفث
|
والقائل : [الكامل]
لله نهر سال في
بطحاء
|
|
أشهى ورودا من
لمى الحسناء
|
متعطّف مثل
السّوار كأنه
|
|
والزهر يكنفه
مجرّ سماء
|
قد رقّ حتى ظنّ
قرصا مفرغا
|
|
من فضّة في بردة
خضراء
|
__________________
وغدت تحفّ به
الغصون كأنها
|
|
هدب تحفّ بمقلة
زرقاء
|
ولطالما عاطيت
فيه مدامة
|
|
صفراء تخضب أيدي
النّدماء
|
والريح تعبث
بالغصون وقد جرى
|
|
ذهب الأصيل على
لجين الماء
|
والقائل : [الكامل]
حثّ المدامة
والنسيم عليل
|
|
والظّلّ خفّاق
الرّواق ظليل
|
والروض مهتزّ
المعاطف نعمة
|
|
نشوان تعطفه
الصّبا فيميل
|
ريّان فضّضه
الندى ثم انجلى
|
|
عنه فذهّب
صفحتيه أصيل
|
والقائل : [الكامل]
أذن الغمام
بديمة وعقار
|
|
فامزج لجينا
منهما بنضار
|
واربع على حكم
الربيع بأجرع
|
|
هزج الندامى
مفصح الأطيار
|
متقسّم الألحاظ
بين محاسن
|
|
من ردف رابية
وخصر قرار
|
نثرت بحجر الروض
فيه يد الصّبا
|
|
درر الندى
ودراهم الأنوار
|
وهفت بتغريد
هنالك أيكة
|
|
خفّاقة بمهبّ
ريح عرار
|
هزّت له أعطافها
ولربما
|
|
خلعت عليه ملاءة
النوّار
|
والقائل : [المنسرح]
سقيا لها من
بطاح خزّ
|
|
ودوح نهر بها
مطلّ
|
إذ لا ترى غير
وجه شمس
|
|
أطلّ فيه عذار
ظلّ
|
والقائل : [الكامل]
نهر كما سال
اللّمى سلسال
|
|
وصبا بليل ذيلها
مكسال
|
ومهبّ نفحة روضة
مطلولة
|
|
في جانبيها
للنسيم مجال
|
غازلتها
والأقحوانة مبسم
|
|
والآس صدغ
والبنفسج خال
|
والقائل : [الطويل]
__________________
وساق كحيل اللحظ
في شأو حسنه
|
|
جماح وبالصبر
الجميل حران
|
ترى للصّبا نارا
بخدّيه لم يثر
|
|
لها من سوادي
عارضيه دخان
|
سقاها وقد لاح
الهلال عشية
|
|
كما اعوجّ في
درع الكميّ سنان
|
عقارا نماها
الكرم فهي كريمة
|
|
ولم تزن بابن
المزن فهي حصان
|
وقد جال من جون
الغمامة أدهم
|
|
له البرق سوط
والشّمال عنان
|
وصمّخ درع الشمس
نحر حديقة
|
|
عليه من الطلّ
السقيط جمان
|
ونمّت بأسرار
الرياض خميلة
|
|
لها النّور ثغر
والنسيم لسان
|
والقائل في وصف
فرس ولم يخرج عن طريقته : [السريع]
وأشقر تضرم منه
الوغى
|
|
بشعلة من شعل
الباس
|
من جلّنار ناضر
لونه
|
|
وأذنه من ورق
الآس
|
يطلع للغرّة في
شقرة
|
|
حبابة تضحك في
كاس
|
وهل منكم من يقول
منادما لنديمه وقد باكر روضا بمحبوب وكأس ، فألفاه قد غطّى محاسنه ضباب ، فخاف أن
يكسل نديمه عن الوصول إذا رأى ذلك ، وهو أبو الحسن بن بسّام: [الوافر]
ألا بادر فما
ثان سوى ما
|
|
عهدت الكأس
والبدر التمام
|
ولا تكسل برؤيته
ضبابا
|
|
تغصّ به الحديقة
والمدام
|
فإنّ الروض
ملتثم إلى أن
|
|
توافيه فينحطّ
اللثام
|
وهل منكم من تغزّل
في غلام حائك بمثل قول الرصافي : [البسيط]
قالوا وقد
أكثروا في حبّه عذلي
|
|
لو لم تهم بمذال
القدر مبتذل
|
فقلت لو كان
أمري في الصّبابة لي
|
|
لاخترت ذاك ولكن
ليس ذلك لي
|
علّقته حببيّ
الثّغر عاطره
|
|
حلو اللّمى ساحر
الأجفان والمقل
|
__________________
غزيّل لم تزل في
الغزل جائلة
|
|
بناته جولان
الفكر في الغزل
|
جذلان تلعب
بالمحواك أنمله
|
|
على السّدى لعب
الأيام بالأمل
|
ضمّا بكفّيه أو
فحصا بأخمصه
|
|
تخبّط الظبي في
أشراك محتبل
|
ومثل قوله في
تغلّب مسكة الظلام على خلوق الأصيل : [الرمل]
وعشيّ رائق
منظره
|
|
قد قطعناه على
صرف الشّمول
|
وكأنّ الشمس في
أثنائه
|
|
ألصقت بالأرض
خدّا للنزول
|
والصّبا ترفع
أذيال الرّبا
|
|
ومحيّا الجوّ
كالنهر الصقيل
|
حبّذا منزلنا
مغتبقا
|
|
حيث لا يطرقنا
غير الهديل
|
طائر شاد وغصن
منثن
|
|
والدّجى تشرب
صهباء الأصيل
|
وهل منكم من يقول
في موشّح فيما يجرّه هذا المعنى :
رداء الأصيل
|
|
تطويه كفّ
الظلام
|
وهو أبو قاسم بن
الفرس.
وهل منكم من وصف
غلاما جميل الصورة راقصا بمثل قول ابن خروف : [الكامل]
ومنزع الحركات
يلعب بالنّهى
|
|
لبس المحاسن عند
خلع لباسه
|
متأوّدا كالغصن
وسط رياضه
|
|
متلاعبا كالظبي
عند كناسه
|
بالعقل يلعب
مدبرا أو مقبلا
|
|
كالدهر يلعب كيف
شاء بناسه
|
ويضمّ للقدمين
منه رأسه
|
|
كالسيف ضمّ
ذبابه لرياسه
|
وهل منكم من وصف
خالا بأحسن من قول النشار : [الوافر]
ألوّامي على
كلفي بيحيى
|
|
متى من حبّه
ألقى سراحا
|
__________________
وبين الخدّ
والشفتين خال
|
|
كزنجيّ أتى روضا
صباحا
|
تحيّر في جناه
فليس يدري
|
|
أيجني الورد أم
يجني الأقاحا
|
وهل منكم الذي
اهتدى إلى معنى في لثم وردة الخدّ ورشف رضاب الثغر لم يهتد إليه أحد غيره ، وهو
أبو الحسن سلام بن سلام المالقي في قوله : [الكامل]
لمّا ظفرت بليلة
من وصله
|
|
والصّبّ غير
الوصل لا يشفيه
|
أنضجت وردة خدّه
بتنفّسي
|
|
وطفقت أرشف
ماءها من فيه
|
وهل منكم من هجا
من غير النطق بإقذاع فبلغ ما لم يبلغه المقذع ، وهو المخزومي في قوله:[مخلع البسيط]
يودّ عيسى نزول
عيسى
|
|
عساه من دائه
يريح
|
وموضع الداء منه
عضو
|
|
لا يرتضي مسّه
المسيح
|
ولمّا أقذع أتى
أيضا بأبدع ، فقال : [السريع]
يا فارس الخيل
ولا فارس
|
|
إلّا على متن
جواد الخصى
|
زدت على موسى
وآياته
|
|
تفجّر الماء
وتخفي العصا
|
وهل منكم من مدح
بمعنى فبلغ به النهاية من المدح ، ثم نقله إلى الهجاء فبلغ به النهاية من الذمّ ،
وهو البكي في قوله مادحا : [الكامل]
قوم لهم شرف
العلا في حمير
|
|
وإذا انتموا
لمتونة فهم هم
|
لمّا حووا أحراز
كلّ فضيلة
|
|
غلب الحياء
عليهم فتلثّموا
|
وفي قوله هاجيا : [الكامل]
إنّ المرابط
باخل بنواله
|
|
لكنه بعياله
يتكرّم
|
الوجه منه مخلّق
لقبيح ما
|
|
يأتيه فهو من
أجله يتلثّم
|
وهل منكم من هجا
أشتر العين بمثل قول أبي العباس بن حنون الإشبيلي : [الكامل]
__________________
يا طلعة أبدت
قبائح جمّة
|
|
فالكلّ منها إن
نظرت قبيح
|
أبعينك الشّتراء
عين ثرّة
|
|
منها ترقرق
دمعها المسفوح
|
شترت فقلنا :
زورق في لجّة
|
|
مالت بإحدى
دفّتيه الريح
|
وكأنما إنسانها
ملّاحها
|
|
قد خاف من غرق
فظلّ يميح
|
وهل منكم من حضر
مع عدوّ له جاحد لما فعله معه من الخير ، وأمامهما زجاجة سوداء فيها خمر ، فقال له
الحسود المذكور : إن كنت شاعرا فقل في هذه ، فقال ارتجالا ، وهو ابن مجبر: [الطويل]
سأشكو إلى
النّدمان أمر زجاجة
|
|
تردّت بثوب حالك
اللون أسحم
|
نصبّ بها شمس
المدامة بيننا
|
|
فتغرب في جنح من
الليل مظلم
|
وتجحد أنوار
الحميّا بلونها
|
|
كقلب حسود جاحد
يد منعم
|
وهل منكم من قال
لفاضل جمع بينه وبين فاضل ، وهو أبو جعفر الذهبي : [الخفيف]
أيها الفاضل
الذي قد هداني
|
|
نحو من قد حمدته
باختبار
|
شكر الله ما
أتيت وجازا
|
|
ك ولا زلت نجم
هدي لساري
|
أيّ برق أفاد
أيّ غمام
|
|
وصباح أدّى لضوء
نهار
|
وإذا ما غدا
النسيم دليلي
|
|
لم يحلني إلّا
على الأزهار
|
وهل منكم أعمى قال
في ذهاب بصره وسواد شعره ، وهو التّطيلي : [البسيط]
أما اشتفت منّي
الأيام في وطني
|
|
حتى تضايق فيما
عنّ من وطري
|
ولا قضت من سواد
العين حاجتها
|
|
حتى تكرّ على ما
طلّ في الشّعر
|
وهل منكم الذي طار
في مشارق الأرض ومغاربها قوله ، وهو أبو القاسم محمد بن هانىء الإلبيري : [الكامل]
__________________
فتقت لكم ريح
الجلاد بعنبر
|
|
وأمدّكم فلق
الصباح المسفر
|
وجنيتم ثمر
الوقائع يانعا
|
|
بالنصر من ورق
الحديد الأخضر
|
وقد سمعت فائيته
في النجوم ، ولو لا طولها لأنشدتها هنا ، فإنها أحسن ما قيل في معناها.
وهل منكم من قال
في الزهد مثل قول أبي وهب العباسي القرطبي : [الخفيف]
أنا في حالتي
التي قد تراني
|
|
إن تأمّلت أحسن
الناس حالا
|
منزلي حيث شئت
من مستقرّ ال
|
|
أرض أسقى من
المياه زلالا
|
ليس لي كسوة
أخاف عليها
|
|
من مغير ولن ترى
لي مالا
|
أجعل الساعد
اليمين وسادي
|
|
ثم أثني إذا
انقلبت الشمالا
|
ليس لي والد ولا
مولود
|
|
لا ولا حزت مذ
عقلت عيالا
|
قد تلذّذت حقبة
بأمور
|
|
فتأمّلتها فكانت
خيالا
|
ومثل قول أبي محمد
عبد الله بن لعسال الطليطلي : [مجزوء الرمل]
أنظر الدنيا فإن
أب
|
|
صرتها شيئا يدوم
|
فاغد منها في
أمان
|
|
إن يساعدك
النعيم
|
وإذا أبصرتها من
|
|
ك على كره تهيم
|
فاسل عنها
واطّرحها
|
|
وارتحل حيث تقيم
|
وهل نشأ عندكم من
النساء مثل ولّادة المروانية التي تقول مداعبة للوزير ابن زيدون ، وكان له غلام
اسمه «علي» : [السريع]
ما لابن زيدون
علي فضله
|
|
يغتابني ظلما
ولا ذنب لي
|
ينظرني شزرا إذا
جئته
|
|
كأنما جئت لأخصي
علي
|
ومثل زينب بنت
زياد المؤدّب ، الوادي آشية التي تقول : [الطويل]
ولمّا أبى
الواشون إلّا فراقنا
|
|
وما لهم عندي
وعندك من ثار
|
__________________
وشنّوا على
أسماعنا كلّ غارة
|
|
وقلّ حماتي عند
ذاك وأنصاري
|
غزوتهم من
مقلتيك وأدمعي
|
|
ومن نفسي بالسيف
والماء والنار
|
وأنا أختم هذه
القطع المتخيّرة بقول أبي بكر بن بقي ليكون الختام مسكا : [الكامل]
عاطيته والليل
يسحب ذيله
|
|
صهباء كالمسك
الفتيق لناشق
|
وضممته ضمّ
الكميّ لسيفه
|
|
وذؤابتاه حمائل
في عاتقي
|
حتى إذا مالت به
سنة الكرى
|
|
زحزحته شيئا
وكان معانقي
|
باعدته عن أضلع
تشتاقه
|
|
كيلا ينام على
وساد خافق
|
ويقول القاضي أبي
حفص بن عمر القرطبي : [الوافر]
هم نظروا
لواحظها فهاموا
|
|
وتشرب لبّ
شاربها المدام
|
يخاف الناس
مقلتها سواها
|
|
أيذعر قلب حامله
الحسام
|
سما طرفي إليها
وهو باك
|
|
وتحت الشمس
ينسكب الغمام
|
وأذكر قدّها
فأنوح وجدا
|
|
على الأغصان
تنتدب الحمام
|
وأعقب بينها في
الصدر غمّا
|
|
إذا غربت ذكاء
أتى الظلام
|
وبقوله أيضا : [الوافر]
لها ردف تعلّق
في لطيف
|
|
وذاك الرّدف لي
ولها ظلوم
|
يعذّبني إذا
فكّرت فيه
|
|
ويتعبها إذا
رامت تقوم
|
وقد أطلت عنان
النظم ، على أني اكتفيت عن الاستدلال على النهار بالصباح ، فبالله إلّا ما أخبرتني
: من شاعركم الذي تقابلون به شاعرا ممّن ذكرت؟ لا أعرف لكم أشهر ذكرا ، وأضخم شعرا
، من أبي العباس الجراوي ، وأولى لكم أن تجحدوا فخره ، وتنسوا ذكره ، فقد كفاكم ما
جرى من الفضيحة عليكم في قوله من قصيدة يمدح بها خليفة : [الطويل]
إذا كان أملاك
الزمان أراقما
|
|
فإنك فيهم دائم
الدهر ثعبان
|
__________________
فما أقبح ما وقع «ثعبان»
وما أضعف ما جاء «دائم الدهر» ولقد أنشدت أحد ظرفاء الأندلس هذا البيت ، فقال : لا
ينكر هذا على مثل الجراوي ، فسبحان من جعل روحه ونسبه وشعره تتناسب في الثقالة.
وإن أردت الافتخار
بالفرسان ، والتفاضل بالشجعان ، فمن كان قبلنا منهم في مدة المنصور بن أبي عامر
ومدة ملوك الطوائف أخبارهم مشهورة ، وآثارهم مذكورة ، وكفاك من أبطال عصرنا ما
سمعت عن الأمير أبي عبد الله بن مردنيش وأنه كان يدفع في مواكب النصارى ويشقّها
يمينا ويسارا منشدا : [الوافر]
أكرّ على
الكتيبة لا أبالي
|
|
أحتفي كان فيها
أم سواها
|
حتى أنه دفع يوما
في موكب من النصارى فصرع وقتل ، وظهر منه ما أعجبت به نفسه ، فقال لشيخ من خواصّه
، عالم بأمور الحرب مشهور بها : كيف رأيت؟ فقال له : لو رآك السلطان زاد فيما لك
في بيت المال ، وأعلى مرتبتك ، أمن يكون رأس جيش يقدم هذا الإقدام ، ويتعرّض بهلاك
نفسه إلى هلاكهم ، فقال له : دعني فإني لا أموت مرتين ، وإذا متّ أنا فلا
عاش من بعدي.
والقائد أبو عبد
الله بن قادوس الذي اشتهر من شجاعته ومواقعه في النصارى وحسن بلائه ما
صيّر النصارى من رعبه والإقرار بفضله في هذا الشأن أن يقول أحدهم لفرسه إذا سقاه
فلم يقبل على الماء : مالك؟ أرأيت ابن قادوس في الماء ، وهذه مرتبة عظيمة : [الكامل]
والفضل ما شهدت به الأعداء
ولقد أخبرني من
أثق به أنه خرج من عسكر في كتيبة مجرّدة برسم الغارة على بلاد النصارى ، فوقع في
جمع كبير منهم ، فجهد جهده في الخلاص منهم والرجوع إلى العسكر ، فجعل يقاتل مع
أصحابه في حالة الفرار إلى أن كبا بأحد جنده فرسه ، وفرّ عنه ، فناداه مستغيثا ،
فقال : اصبر ، ثم نظر إلى فارس من النصارى قد طرق فقال : اجر إلى هذا النصراني ، فخذ فرسه ، وركض نحوه ، فأسقطه
، وقال لصاحبه : اركب ، فركب ونجا معه سالما.
__________________
وأمثال هذا كثير ،
وإنما جئت بحصاة من ثبير .
وأمّا كرم النّفس
وشمائل الرياسة فأنا أحكي لك حكاية تتعجّب منها ، وهي ممّا جرى في عصرنا ، وذلك أن
أبا بكر بن زهر نشأت بينه وبين الحافظ أبي بكر بن الجد عداوة مفرطة للاشتراك في
العلم والرياسة وكثرة المال والبلدية ، فأجرى ابن زهر يوما ذكره في جماعة من
أصحابه ، وقال : لقد آذانا هذا الرجل أشدّ أذيّة ، ولم يقصر في القول عند أمير
المؤمنين وعند خواصّ الناس وعوامّهم ، فقال له أحد عوامّهم : إني أذكر لك عليه
عقدا فيه مخاصمة في موضع ممّا يعزّ عليه من مواضعه ، ومتى خاصمته في ذلك بلغت منه
في النكاية أشدّ مبلغ ، فخرج ابن زهر ، وأظهر الغضب الشديد ، والإنكار لذلك ، وقال
لوكيله : أمثلي يجازى على العداوة بما يجازى به السفل والأوباش؟ وإني أجعل ابن
الجد في حل من موضع الخصام ، وأمر بأن يحمل له العقد ، ثم قال : وإني والله ما
أروم بذلك أن أصالحه ، فإنّ عداوته من حسد ، وأنا أسأل الله تعالى أن يديمها ؛
لأنها مقترنة بدوام نعم الله عليّ.
وإن تعرضت إلى ذكر
البلاد ، وتفسير محاسنها ، وما خصّها الله تعالى به ممّا حرمه على غيرها ، فاسمع ما يميت الحسود كمدا :
أما إشبيلية فمن
محاسنها اعتدال الهواء ، وحسن المباني ، وتزيين الخارج والداخل ، وتمكن التمصّر ،
حتى أنّ العامّة تقول : لو طلب لبن الطير في إشبيلية وجد ، ونهرها الأعظم الذي
يصعد المدّ فيه اثنين وسبعين ميلا ثم يحسر ، وفيه يقول ابن سفر : [الكامل]
شقّ النسيم عليه
جيب قميصه
|
|
فانساب من شطّيه
يطلب ثاره
|
فتضاحكت ورق
الحمام بدوحها
|
|
هزأ فضمّ من
الحياء إزاره
|
وزيادته على
الأنهار كون ضفّتيه مطرّزتين بالمنازه والبساتين والكروم والأنسام متّصل ذلك اتّصالا لا يوجد على غيره.
وأخبرني شخص من
الأكياس دخل مصر وقد سألته عن نيلها أنه لا تتّصل بشطّيه البساتين
__________________
والمنازه اتّصالها
بنهر إشبيلية ، وكذلك أخبرني شخص آخر دخل بغداد ، وقد سعد هذا الوادي بكونه لا
يخلو من مسرّة ، وأنّ جميع أدوات الطرب وشرب الخمر فيه غير منكر لا ناه عن ذلك ولا
منتقد ، ما لم يؤدّ السكر إلى شرّ وعربدة ، وقد رام من وليها من الولاة المظهرين
للدين قطع ذلك ، فلم يستطيعوا إزالته ، وأهله أخفّ الناس أرواحا ، وأطبعهم نوادر ،
وأحملهم لمزاح بأقبح ما يكون من السّبّ ، قد مرنوا على ذلك ، فصار لهم ديدنا حتى
صار عندهم من لا يبتذل فيه ولا يتلاعن ممقوتا ثقيلا ، وقد سمعت عن شرف إشبيلية
الذي ذكره أحد الوشاحين في موشحة مدح بها المعتضد بن عباد :
إشبيليا عروس
وبعلها عبّاد
|
|
وتاجها الشرف
وسلكها الواد
|
أي شرف قد حاز ما
شاء من الشرف إذ عمّ أقطار الأرض خيره ، وسفر ما يعصر من زيتونه من الزيت حتى بلغ
الإسكندرية ، وتزيد قراه على غيرها من القرى بانتخاب مبانيها ، وتهمّم سكانها فيها
داخلا وخارجا ، إذ هي من تبييضهم لها نجوم في سماء الزيتون.
وقيل لأحد من رأى
مصر والشام : أيها رأيت أحسن هذان أم إشبيلية؟ فقال بعد تفضيل إشبيلية : وشرفها
غابة بلا أسد ، ونهرها نيل بلا تمساح. وقد سمعت عن جبال الرحمة بخارجها ، وكثرة ما
فيها من التين القوطي والشعري ، وهذان الصنفان أجمع المتجوّلون في أقطار الأرض أن
ليس في غير إشبيلية مثل لهما ، وقد سمعت ما في هذا البلد من أصناف أدوات الطرب
كالخيال والكريج والعود والروطة والرباب والقانون والمؤنس والكثيرة والفنار والزلامي والشقرة والنورة ـ وهما مزماران الواحد
غليظ الصوت والآخر رقيقه ـ والبوق ، وإن كان جميع هذا موجودا في غيرها من بلاد
الأندلس فإنه فيها أكثر وأوجد ، وليس في برّ العدوة من هذا شيء إلّا ما جلب إليه
من الأندلس ، وحسبهم الدفّ وأقوال واليرا وأبو قرون ودبدبة السودان وحماقي البرابر
، وأمّا جواريها ومراكبها برّا وبحرا ومطابخها وفواكهها الخضراء واليابسة فأصناف
أخذت من التفضيل بأوفر نصيب ، وأمّا مبانيها فقد سمعت عن إتقانها واهتمام أصحابها
وكون أكثر ديارها لا تخلو من الماء الجاري والأشجار المتكاثفة كالنارنج والليم
والليمون والزنبوع وغير ذلك ، وأمّا علماؤها في كل صنف رفيع أو وضيع جدا أو هزلا
فأكثر من أن يعدّوا ، وأشهر من أن يذكروا ، وأما ما فيها من الشعراء والوشّاحين
والزجّالين فما لو قسموا على برّ العدوة ضاق بهم ، والكل ينالون خير رؤسائها
ورفدهم ، وما من جميع ما ذكرت في هذه البلدة الشريفة إلّا وقصدي به العبارة عن
فضائل جميع الأندلس ، فما تخلو بلادها من
__________________
ذلك ، ولكن جعلت
إشبيلية ، بل الله جعلها أمّ قراها ، ومركز فخرها وعلاها ، إذ هي أكبر مدنها ،
وأعظم أمصارها.
وأما قرطبة فكرسي
المملكة في القديم ، ومركز العلم ومنار التقى ومحلّ التعظيم والتقديم ، بها
استقرّت ملوك الفتح وعظماؤه ، ثم الملوك المروانية ، وبها كان يحيى بن يحيى راوية
مالك ، وعبد الملك بن حبيب ، وقد سمعت من تعظيم أهلها للشريعة ، ومنافستهم في
السؤدد بعلمها ، وأنّ ملوكها كانوا يتواضعون لعلمائها ، ويرفعون أقدارهم ، ويصدرون
عن آرائهم ، وأنهم كانوا لا يقدّمون وزيرا ولا مشاورا لما لم يكن عالما ، حتى أنّ
الحكم المستنصر لمّا كره له العلماء شرب الخمر همّ بقطع
شجرة العنب من الأندلس ، فقيل له : فإنها تعصر من سواها ، فأمسك عن ذلك. وأنهم كانوا لا يقدمون أحدا للفتوى
ولا لقبول الشهادة حتى يطول اختباره ، وتعقد له مجالس المذاكرة ، ويكون ذا مال في
غالب الحال خوفا من أن يميل به الفقر إلى الطمع فيما في أيدي الناس فيبيع به حقوق
الدين ، ولقد أخبرت أن الحكم الربضي أراد تقديم شخص من الفقهاء يختصّ به للشهادة ،
فأخذ في ذلك مع يحيى بن يحيى وعبد الملك وغيرهما من أعلام العلماء ، فقالوا له :
هو أهل ، ولكنه شديد الفقر ، ومن يكون في هذه الحالة لا تأمنه على حقوق المسلمين ،
لا سيما وأنت تريد انتفاعه وظهوره في الدخول في المواريث والوصايا وأشباه ذلك ،
فسكت ولم ير منازعتهم ، وبقي مهموما من كونهم لم يقبلوا قوله ، فنظر
إليه ولده عبد الرحمن الذي ولي الملك بعده ، وعلى وجهه أثر ذلك ، فقال : ما بالك
يا مولاي؟ فقال : ألا ترى لهؤلاء الذين نقدمهم وننوّه عند الناس بمكانهم ، حتى إذا
كلفناهم ما ليس عليهم فيه شطط ، بل ما لا يعيبهم ، ولا ممّا هو يرزؤهم ، صدّونا عنه ، وغلقوا أبواب الشفاعة ، وذكر له ما كان
منهم ، فقال : يا مولاي ، أنت أولى الناس بالإنصاف ، إنّ هؤلاء ما قدمتهم أنت ولا
نوّهت بهم ، وإنما قدّمهم ونوّه بهم علمهم ، أو كنت تأخذ قوما جهالا فتضعهم في
مواضعهم؟ قال : لا ، قال : فأنصفهم فيما تعبوا فيه من العلم لينالوا به لذة الدنيا
وراحة الآخرة ، قال : صدقت ، ثم قال : وأمّا كونهم لم يقبلوا هذا الرجل لشدّة فقره
فالعلّة في ذلك تنحسم بما يبقي لك في الصالحات ذكرا ، قال : وما هو؟ قال : تعطيه
من مالك قدر ما يلحق به من الغنى ما يؤهّله لتلك المنزلة ، ويزيل عنك خجل ردّهم لك
، وتكون هذه مكرمة ما سبقك إليها أحد ، فتهلّل وجه الحكم وقال : إليّ إليّ ، إنها
والله شنشنة عبشمية وإنّ الذي قال فينا لصادق : [الطويل]
__________________
وأبناء أملاك
خضارم سادة
|
|
صغيرهم عند
الأنام كبير
|
ثم استدعى عبد
الملك بن حبيب وسأله عن قدر ما يؤهّله لتلك المرتبة من الغنى ، فذكر له عددا ،
فأمر له به في الحين ، ونبّه قدره بأن أعطاه من إصطبله مركوبا ، وكانت هذه أكرومة
لا خفاء بعظمها : [الكامل]
يفنى الزمان وما بنته مخلّد
ثم إنه إذا كان له
من الغنى ما يكفّه عن أموال الناس ، ومن الدين ما يصدّه عن محارم الله تعالى
، ومن العلم ما لا يجهل به التصرّف في الشريعة ، أباحوا له الفتوى والشهادة ،
وجعلوا علامة لذلك بين الناس القلانس والرداء.
وأهل قرطبة أشدّ
الناس محافظة على العمل بأصحّ الأقوال المالكية ، حتى أنهم كانوا لا يولّون حاكما
إلّا بشرط أن لا يعدل في الحكم عن مذهب ابن القاسم.
وقال ابن سارة
لمّا دخل قرطبة [البسيط] :
الحمد لله قد
وافيت قرطبة
|
|
دار العلوم
وكرسيّ السلاطين
|
وهي كانت مجمع
جيوش الإسلام ، ومنها نصر الله على عبدة الصليب.
يقال : إن المنصور
بن أبي عامر ـ حين تمّ له ملك البرّين ، وتوفّرت الجيوش والأموال ـ عرض بظاهر
قرطبة خيله ورجله ، وقد جمع من أقطار البلاد ما ينهض به إلى قتال العدوّ وتدويخ
بلاده ، فنيّف الفرسان على مائتي ألف ، والرّجّالة على ستمائة ألف. وبها حتى الآن
من صناديد المسلمين وقوادهم من لا يفتر عن محاربة ، ولا يملّ من مضاربة ، من أسماؤهم بأقاصي بلاد النصارى مشهورة ، وآثارهم فيها مأثورة
، وقلوبهم على البعد بخوفهم معمورة.
ويحكى أن العمارة
في مباني قرطبة والزهراء اتّصلت إلى أن كان يمشى فيها بضوء السّرج المتّصلة عشرة أميال ، وأمّا جامعها الأعظم فقد
سمعت أنّ ثريّاته من نواقيس النصارى ، وأنّ الزيادة التي زاد في بنائه ابن أبي
عامر من تراب نقله النصارى على رؤوسهم ممّا هدم من
__________________
كنائس بلادهم ،
وقد سمعت أيضا عن قنطرتها العظمى وكثرة أرحيّ واديها ، يقال : إنها تنيّف على خمسة
آلاف حجر ، وقد سمعت عن كنبانيّتها وما فضّل الله تعالى به تربها من بركة وما ينبت
فيها من القمح وطيبه ، وفيها جبال الورد الذي بلغ الربع منه مرات إلى ربع درهم ،
وصار أصحابه يرون الفضل لمن قطف بيده ما يمنحونه منه ، ونهرها إن صغر عندها عن
عظمه عند إشبيلية فإنّ لتقارب برّيه هنالك وتقطّع غدره ومروجه معنى آخر وحلاوة
أخرى ، وزيادة أنس ، وكثرة أمان من الغرق ، وفي جوانبه من البساتين والمروج ما
زاده نضارة وبهجة.
وأما جيّان فإنها
لبلاد الأندلس قلعة ، إذ هي أكثرها زرعا ، وأصرمها أبطالا ، وأعظمها منعة ، وكم
رامتها عساكر النصارى عند فترات الفتن فرأوها أبعد من العيّوق ، وأعزّ منالا من
بيض الأنوق ، ولا خلت من علماء ولا من شعراء ، ويقال لها «جيان الحرير» لكثرة
اعتناء باديتها وحاضرتها بدود الحرير.
وممّا يعدّ في
مفاخرها ما ببيّاسة إحدى بلاد أعمالها من الزعفران الذي يسفّر برّا وبحرا ، وما في
أبدة من الكروم التي كاد العنب لا يباع فيها ولا يشترى كثرة ، وما كان بأبدة من أصناف الملاهي
والرواقص المشهورات بحسن الانطباع والصنعة ، فإنهنّ أحذق خلق الله تعالى باللعب
بالسيوف والدك ، وإخراج القروى والمرابط والمتوجه.
وأما غرناطة فإنها
دمشق بلاد الأندلس ، ومسرح الأبصار ، ومطمح الأنفس ، لها القصبة المنيعة ذات
الأسوار الشامخة ، والمباني الرفيعة ، وقد اختصّت بكون النهر يتوزّع على ديارها
وأسواقها وحماماتها وأرحاها الداخلة والخارجة وبساتينها ، وزانها الله تعالى
بأن جعلها مرتّبة على بسيطها الممتدّ الذي تفرّعت فيه سبائك الأنهار بين زبرجد
الأشجار ، ولنسيم نجدها وبهجة منظر حورها في القلوب والأبصار ،
استلطاف يروق الطباع ، ويحدث فيها ما شاءه الإحسان من الاختراع والابتداع ، ولم
تخل من أشراف أماثل ، وعلماء أكابر ، وشعراء أفاضل ، ولو لم يكن لها إلّا ما خصّها
الله تعالى به من كونها قد نبغ فيها من الشواعر مثل نزهون القلاعية وزينب بنت زياد
، وقد تقدّم شعرهما ، وحفصة بنت الحاج ، وناهيك في الظرف والأدب ، وهل ترى أظرف
منها في جوابها للحسيب الوزير الناظم الناثر أبي جعفر بن القائد الأجلّ أبي مروان بن
سعيد ، وذلك أنهما باتا بحور مؤمّل على ما يبيت به الروض والنسيم ،
__________________
من طيب النفحة
ونضارة النعيم ، فلمّا حان الانفصال قال أبو جعفر : [الطويل]
رعى الله ليلا
لم يرع بمذمّم
|
|
عشيّة وارانا
بحور مؤمّل
|
وقد خفقت من نحو
نجد أريجة
|
|
إذا نفحت هبّت
بريّا القرنفل
|
وغرّد قمريّ على
الدّوح وانثنى
|
|
قضيب من الريحان
من فوق جدول
|
تريد الروض
مسرورا بما قد بدا له
|
|
عناق وضمّ
وارتشاف مقبّل
|
وكتبه إليها بعد
الافتراق ، لتجاوبه على عادتها في ذلك ، فكتبت له ما لا يخفى فيه قيمتهأ : [الطويل]
لعمرك ما سرّ
الرياض بوصلنا
|
|
ولكنّه أبدى لنا
الغلّ والحسد
|
ولا صفّق النهر
ارتياحا لقربنا
|
|
ولا صدح القمريّ
إلّا بما وجد
|
فلا تحسن الظّنّ
الذي أنت أهله
|
|
فما هو في كلّ
المواطن بالرّشد
|
فما خلت هذا
الأفق أبدى نجومه
|
|
لأمر سوى كيما
تكون لنا رصد
|
وأما مالقة فإنها
قد جمعت بين منظر البحر والبرّ بالكروم المتّصلة التي لا تكاد ترى فيها فرجة لموضع
غامر ، والبروج التي شابهت نجوم السماء ، كثرة عدد وبهجة ضياء ، وتخلّل الوادي
الزائر لها في فصلي الشتاء والربيع في سرر بطحائها ، وتوشيحه لخصور أرجائها ، وممّا اختصّت به من بين سائر البلاد التين الربي المنسوب
إليها ؛ لأنّ اسمها في القديم ربة ، ولقد أخبرت أنه يباع في بغداد على جهة
الاستطراف ، وأما ما يسفّر منه المسلمون والنصارى في المراكب البحرية فأكثر من أن
يعبر عنه بما يحصره ، ولقد اجتزت بها مرّة ، وأخذت على طريق الساحل من سهيل إلى أن
بلغت إلى بليش قدر ثلاثة أيام متعجّبا فيما حوته هذه المسافة من شجر التين ، وإنّ
بعضها ليجتني جميعها الطفل الصغير من لزوقها بالأرض ، وقد حوت ما يتعب الجماعة
كثرة ، وتين بليش هو الذي قيل فيه لبربري : كيف رأيته؟ قال : لا تسألني عنه ، وصبّ
في حلقي بالقفة ، وهو لعمر الله معذور ؛ لأنه نعمة حرمت بلاده منها ، وقد خصّت بطيب
الشراب الحلال والحرام ، حتى سار المثل بالشراب المالقي ، وقيل لأحد الخلعاء ،
__________________
وقد أشرف على
الموت : اسأل ربّك المغفرة ، فرفع يديه وقال : يا ربّ ، أسألك من جميع ما في
الجنّة خمر مالقة وزبيبيّ إشبيلية ، وفيها تنسج الحلل الموشيّة التي تجاوز أثمانها
الآلاف ذات الصور العجيبة المنتخبة برسم الخلفاء فمن دونهم ، وساحلها محطّ تجارة
لمراكب المسلمين والنصارى.
وأما المريّة
فإنها البلد المشهور الذكر ، العظيم القدر ، الذي خصّ أهله باعتدال المزاج ، ورونق
الديباج ، ورقّة البشرة ، وحسن الوجوه والأخلاق ، وكرم المعاشرة والصحبة. وساحلها
أنظف السواحل وأشرحها وأملحها منظرا ، وفيها الحصا الملوّن العجيب الذي يجعله
رؤساء مراكش في البراريد ، والرخام الصقيل الملوكي ، وواديها المعروف بوادي بجانة
من أفرج الأودية ، ضفّتاه بالرياض كالعذارين حول الثغر ، فحق أن ينشد فيها : [الكامل]
أرض وطئت الدّرّ
رضراضا بها
|
|
والتّرب مسكا
والرياض جنانا
|
وفيها كان ابن
ميمون القائد الذي قهر النصارى في البحر ، وقطع سفرهم فيه ، وضرب على بلاد
الرمانية ، فقتل وسبى ، وملأ صدور أهلها رعبا ، حتى كان منه كما قال أشجع : [الكامل]
فإذا تنبّه رعته
وإذا غفا
|
|
سلّت عليه سيوفك
الأحلام
|
وبها كان محطّ
مراكب النصارى ، ومجتمع ديوانهم ، ومنها كانت تسفّر لسائر البلاد بضائعهم ، ومنها
كانوا يوسقون جميع البضائع التي تصلح لهم ، وقصد بضبط ذلك بها حصر ما يجتمع في
أعشارهم ، ولم يوجد لهذا الشأن مثلها ، لكونها متوسطة ومتسعة قائمة بالوارد والصادر ، وهي أيضا مصنع
للحلل الموشية النفيسة.
وأما مرسية فإنها
حاضرة شرق الأندلس ، ولأهلها من الصّرامة والإباء ما هو معروف مشهور ، وواديها
قسيم وادي إشبيلية ، كلاهما ينبع من شقورة وعليه من البساتين المتهدبة الأغصان ،
والنواعير المطربة الألحان ، والأطيار المغرّدة ، والأزهار المتنضدة ، ما قد سمعت
، وهي من أكثر البلاد فواكه وريحانا ، وأهلها أكثر الناس راحات وفرجا لكون خارجها
معينا على ذلك بحسن منظره ، وهي بلدة تجهز منها العروس التي تنتخب شورتها لا تفتقر
في شيء من ذلك إلى سواها. وهي للمرية ومالقة في صنعة الوشي ثالثة ، وقد اختصّت
بالبسط التنتلية التي
__________________
تسفّر لبلاد
المشرق ، وبالحصر التي تغلّف بها الحيطان المبهجة للبصر ، إلى غير ذلك ممّا يطول ذكره ،
ولم تخل من علماء وشعراء وأبطال.
وأما بلنسية فإنها
لكثرة بساتينها تعرف بمطيب الأندلس ، ورصافتها من أحسن متفرّجات الأرض ، وفيها
البحيرة المشهورة الكثيرة الضوء والرونق ، ويقال إنه لمواجهة الشمس لتلك البحيرة
يكثر ضوء بلنسية إذ هي موصوفة بذلك ، وممّا خصّت به النسيج البلنسي الذي يسفّر
لأقطار المغرب ، ولم تخل من علماء ولا شعراء ، ولا فرسان يكابدون مضايقة الأعداء ، ويتجرعون فيها النعماء ممزوجة بالضرّاء ، وأهلها أصلح
الناس مذهبا ، وأمتنهم دينا ، وأحسنهم صحبة ، وأرفقهم بالغريب.
وأما جزيرة ميورقة
فمن أخصب بلاد الله تعالى أرجاء ، وأكثرها زرعا ورزقا وماشية ، وهي على انقطاعها
من البلاد مستغنية عنها ، يصل فاضل خيرها إلى غيرها ، إذ فيها من الحضارة والتمكّن
والتمصّر وعظم البادية ما يغنيها ، وفيها من الفوائد ما فيها ، ولها فضلاء وأبطال
اقتصروا على حمايتها من الأعداء المحدقة بها : [الكامل]
من كلّ من جعل
الحسام خليله
|
|
لا يبتغي أبدا
سواه معينا
|
هذا ـ زان الله
تعالى فضلك بالإنصاف ، وشرّف كرمك بالاعتراف! ـ ما حضرني الآن في فضل جزيرة
الأندلس ، ولم أذكر من بلادها إلّا ما كلّ بلد منها مملكة مستقلّة يليها ملوك بني
عبد المؤمن على انفراد ، وغيرها في حكم التبع.
وأمّا علماؤها
وشعراؤها فإني لم أعرض منهم إلّا لمن هو في الشهرة كالصباح ، وفي مسير الذكر كمسير
الرياح ، وأنا أحكي لك حكاية جرت لي في مجلس الرئيس الفقيه أبي بكر بن زهر ، وذلك أني كنت يوما بين يديه ، فدخل علينا
رجل عجميّ من فضلاء خراسان ، وكان ابن زهر يكرمه ، فقلت له : ما تقول في علماء
الأندلس وكتّابهم وشعرائهم؟ فقال : كبّرت ، فلم أفهم مقصده ، واستبردت ما أتى به ،
وفهم مني أبو بكر بن زهر أني نظرته نظر المستبرد المنكر ، فقال لي : أقرأت شعر
المتنبي؟ قلت : نعم ، وحفظت جميعه ، قال : فعلى نفسك إذن فلتنكر ، وخاطرك بقلّة
الفهم فلتتّهم ، فذكرني بقول المتنبي : [الكامل]
__________________
كبّرت حول
ديارهم لمّا بدت
|
|
منها الشموس
وليس فيها المشرق
|
فاعتذرت للخراساني
، وقلت له : قد والله كبرت في عيني بقدر ما صغرت نفسي عندي ، حين لم أفهم نبل
مقصدك ، فالحمد لله الذي أطلع من المغرب هذه الشموس ، وجعلها بين جميع أهله بمنزلة
الرءوس ، وصلّى الله على سيدنا محمد نبيّه المختار من صفوة العرب ، وعلى آله وصحبه
، صلاة متّصلة إلى غابر الحقب .
كملت رسالة
الشّقندي. وهو أبو الوليد إسماعيل بن محمد ، وشقندة المنسوب إليها : قرية مطلّة
على نهر قرطبة مجاورة لها من جهة الجنوب.
قال ابن سعيد : وهو ممّن كان بينه وبين والدي صحبة أكيدة ، ومجالسات أنس
عديدة ، ومزاورات تتّصل ، ومحاورات لا تكاد تنفصل ، وانتفعت بمجالسته ، وله رسالة
في تفضيل الأندلس يعارض بها أبا يحيى في تفضيل برّ العدوة ، أورد فيها من المحاسن
ما يشهد له بلطافة المنزع ، وعذوبة المشرع ، وكان جامعا لفنون من العلوم الحديثة
والقديمة ، وعني بمجلس المنصور ، فكانت له فيه مشاهد غير ذميمة. وولي قضاء بياسة وقضاء لورقة ، ولم يزل محفوظ الجانب ، محمود المذاهب ، سمعته ينشد والدي قصيدة في المنصور وقد
نهض للقاء العدوّ ، منها : [البسيط]
إذا نهضت فإنّ
السيف منتهض
|
|
ترمي السعود
سهاما والعدا غرض
|
لك البسيطة
تطويها وتنشرها
|
|
فليس في كلّ ما
تنويه معترض
|
قال : وسمعته يقول
له : أنشدت الوزير أبا سعيد بن جامع قصيدة أوّلها : [البسيط]
استوقف الركب قد
لاحت لك الدار
|
|
واسأل بربع
تناءت عنه أقمار
|
لا خفّف الله
عني بعد بينهم
|
|
فإنني سرت
والأحباب ما ساروا
|
ومنها :
__________________
ألا رعى الله
ظبيا في قبابهم
|
|
منه لهم في ظلام
الليل أنوار
|
وله : [الخفيف]
علّلاني بذكر من
همت فيه
|
|
وعداني عنه بما
أرتجيه
|
وإذا ما طربتما
لارتياحي
|
|
فاجعلا خمرتي
مدامة فيه
|
ليت شعري وكم
أطيل الأماني
|
|
أيّ يوم في خلوة
ألتقيه
|
وإذا ما ظفرت
يوما بشكوى
|
|
قال لي : أين
كلّ ما تدّعيه
|
لا دموع ولا
سقام فماذا
|
|
شاهد عنك بالذي
تدّعيه
|
قلت دعني أمت
بدائي فإنّي
|
|
لو براني الغرام
لا أبديه
|
وقال في عوّاده
لمّا مرض : [مجزوء الرجز]
إني مرضت مرضة
|
|
أسقط منها في
يدي
|
فكان في الإخوان
من
|
|
لم أره في
العوّد
|
فقلت في كلّهم
|
|
قول امرئ مقتصد
|
أير الذي قد
عادني
|
|
في است الذي لم
يعد
|
مات بإشبيلية سنة
٦٢٩ انتهى.
وقال ابن سعيد :
أنشدني والدي للحافظ أبي الطاهر السّلفي ، قال : وكفى به شاهدا ، وبقوله مفتخرا : [الطويل]
بلاد أذربيجان
في الشرق عندنا
|
|
كأندلس بالغرب
في العلم والأدب
|
فما إن تكاد
الدهر تلقى مميزا
|
|
من اهليهما إلّا
وقد جدّ في الطلب
|
وحكى غير واحد
كابن الأبار أنّ عباس بن ناصح الشاعر لمّا توجّه من قرطبة إلى بغداد ، ولقي أبا
نواس ، قال له : أنشدني لأبي الأجرب ، قال : فأنشدته ، ثم قال : أنشدني لبكر الكنانيّ
، فأنشدته ، وهذان شاعران من الأندلس.
__________________
واعلم أننا إن تتبّعنا كلام الأندلسيين وحكاياتهم الدالّة على سبقهم
طال بنا الكتاب ، ولم نستوف المراد ، فرأينا أن نذكر بعضا من ذلك بحسب ما اقتضاه
الحال وأبداه ، ليكون عنوانا دالا على ما عداه : [البسيط]
يكفي من الحلي ما قد حفّ بالعنق
ولنبدأ ما نسوقه
من أخبار الأندلسيين وأشعارهم وحكاياتهم في الجدّ والهزل ، والتولية والعزل ، بقول
الفقيه الزاهد أبي عمران موسى بن عمران المارتلي ، وكان سكن إشبيلية : [البسيط]
لا تبك ثوبك إن
أبليت جدّته
|
|
وابك الذي أبلت الأيام
من بدنك
|
ولا تكوننّ
مختالا بجدّته
|
|
فربما كان هذا
الثوب من كفنك
|
ولا تعفه إذا
أبصرته دنسا
|
|
فإنما اكتسب
الأوساخ من درنك
|
وقال أبو عمرو
اليحصبي اللوشي : [الخفيف]
شرّد النوم عن
جفونك وانظر
|
|
حكمة توقظ
النفوس النياما
|
فحرام على امرئ
لم يشاهد
|
|
حكمة الله أن
يذوق المناما
|
وقال أيضا : [الرمل]
ليس للمرء
اختيار في الذي
|
|
يتمنّى من حراك
وسكون
|
إنما الأمر لربّ
واحد
|
|
إن يشأ قال له :
كن فيكون
|
وقال أبو وهب
القرطبي : [الوافر]
تنام وقد أعدّ
لك السهاد
|
|
وتوقن بالرحيل
وليس زاد
|
وتصبح مثل ما
تمسي مضيعا
|
|
كأنك لست تدري
ما المراد
|
أتطمع أن تفوز
غدا هنيئا
|
|
ولم يك منك في
الدنيا اجتهاد
|
إذا فرّطت في
تقديم زرع
|
|
فكيف يكون من
عدم حصاد
|
__________________
وقيل : إنّ
الأبيات السابقة التي أولها : أنا في حالتي التي ـ إلى آخره ، وجدت في تركته بخطّه
في شقف ، وبعضهم ينسبها لغيره ، واسم أبي وهب المذكور عبد الرحمن ، وذكره ابن
بشكوال في الصّلة ، وأثنى عليه بالزهد والانقطاع ، وكان في أول أمره قد حسب عامة
الناس أنه مختلّ العقل ، فجعلوا يؤذونه ويرمونه بالحجارة ، ويصيحون عليه : يا
مجنون ، يا أحمق ، فيقول : [السريع]
يا عاذلي ، أنت
به جاهل
|
|
دعني به لست
بمغبون
|
أما تراني أبدا
والها
|
|
فيه كمسحور
ومفتون
|
أحسن ما أسمع في
حبّه
|
|
وصفي بمختلّ
ومجنون
|
وقال الخطيب أبو
محمد بن برطلة : [الطويل]
بأربعة أرجو
نجاتي وإنها
|
|
لأكرم مذخور
لديّ وأعظم
|
شهادة إخلاصي
وحبّي محمدا
|
|
وحسن ظنوني ثم
أني مسلم
|
وقال ابن حبيش : [البسيط]
قالوا تصبّر عن
الدنيا الدنيّة أو
|
|
كن عبدها واصطبر
للذلّ واحتمل
|
لا بدّ من أحد
الصّبرين ، قلت نعم
|
|
الصبر عنها بعون
الله أوفق لي
|
وقال ابن الشيخ : [الكامل]
أطلب لنفسك
فوزها واصبر لها
|
|
نظر الشفيق وخف
عليها واتّق
|
من ليس يرحم
نفسه ويصدّها
|
|
عمّا سيهلكها
فليس بمشفق
|
وقال أبو محمد
القرطبي : [الطويل]
لعمرك ما الدنيا
وسرعة سيرها
|
|
بسكانها إلّا
طريق مجاز
|
حقيقتها أنّ
المقام بغيرها
|
|
ولكنهم قد
أولعوا بمجاز
|
وقال الشميس : [السريع]
__________________
لله في الدنيا
وفي أهلها
|
|
معمّيات قد
فككناها
|
من بشر ، نحن
فمن طبعنا
|
|
نحبّ فيها المال
والجاها
|
دعني من الناس
ومن قولهم
|
|
فإنما الناس
أخلّاها
|
لم تقبل الدنيا
على ناسك
|
|
إلّا وبالرحب
تلقّاها
|
وإنما يعرض عن
وصلها
|
|
من صرفت عنه
محيّاها
|
وقال أبو القاسم
بن بقي : [الطويل]
ألا إنما الدنيا
كراح عتيقة
|
|
أراد مديروها
بها جلب الأنس
|
فلمّا أداروها
أثارت حقودهم
|
|
فعاد الذي راموا
من الأنس بالعكس
|
وقال أبو محمد عبد
الله بن العسال الطليطلي : [مجزوء الرمل]
انظر الدنيا فإن
أب
|
|
صرتها شيئا يدوم
|
فاغد منها في
أمان
|
|
إن يساعدك
النعيم
|
وإذا أبصرتها من
|
|
ك على كره تهيم
|
فاسل عنها
واطّرحها
|
|
وارتحل حيث تقيم
|
وقال ابن هشام
القرطبي : [الكامل]
وأبي المدامة لا
أريد بشربها
|
|
صلف الرقيع ولا
انهماك اللاهي
|
لم يبق من عهد
الشباب وطيبه
|
|
شيء كعهدي لم
يحل إلّا هي
|
إن كنت أشربها
لغير وفائها
|
|
فتركتها للناس
لا لله
|
وقال أبو محمد بن
السّيد البطليوسي مما نسبه إليه في «المغرب» : [الطويل]
أخو العلم حيّ
خالد بعد موته
|
|
وأوصاله تحت
التراب رميم
|
وذو الجهل ميت
وهو ماش على الثرى
|
|
يظنّ من الأحياء
وهو عديم
|
وقال أبو الفضل بن
شرف : [الوافر]
لعمرك ما حصلت
على خطير
|
|
من الدنيا ولا
أدركت شيّا
|
__________________
وها أنا خارج
منها سليبا
|
|
أقلّب نادما
كلتا يديّا
|
وأبكي ثم أعلم
أنّ مبكا
|
|
ي لا يجدي فأمسح
مقلتيّا
|
ولم أجزع لهول
الموت لكن
|
|
بكيت لقلّة
الباكي عليّا
|
وأنّ الدهر لم
يعلم مكاني
|
|
ولا عرفت بنوه
ما لديّا
|
زمان سوف أنشر
فيه نشرا
|
|
إذا أنا بالحمام
طويت طيّا
|
أسرّ بأنني
سأعيش ميتا
|
|
به ويسوءني أن
متّ حيّا
|
وقال الزاهد
العارف بالله سيدي أبو العباس بن العريف نفعنا الله تعالى به : [البسيط]
سلوا عن الشوق
من أهوى فإنّهم
|
|
أدنى إلى النفس
من وهمي ومن نفسي
|
فمن رسولي إلى
قلبي ليسألهم
|
|
عن مشكل من سؤال
الصّبّ ملتبس
|
حلّوا فؤادي فما
يندى ، ولو وطئوا
|
|
صخرا لجاد بماء
منه منبجس
|
وفي الحشا نزلوا
والوهم يجرحهم
|
|
فكيف قرّوا على
أذكى من القبس
|
لأنهضنّ إلى
حشري بحبّهم
|
|
لا بارك الله
فيمن خانهم ونسي
|
قلت : وقد زرت قبره
المعظم بمراكش سنة عشر وألف ، وهو ممّن يتبرّك به في تلك الديار ، ويستسقى به
الغيث ، وهو من أهل المرية ، وأحضره السلطان إلى مراكش فمات بها ، وله كرامات
شهيرة ومقامات كبيرة ، نفعنا الله تعالى به!.
واعلم أنّ أهل
الأندلس كانوا في القديم على مذهب الأوزاعي ، وأهل الشام منذ أول الفتح ، ففي دولة
الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ـ وهو ثالث الولاة بالأندلس من الأمويين ـ انتقلت
الفتوى إلى رأي مالك بن أنس وأهل المدينة ، فانتشر علم مالك ورأيه بقرطبة والأندلس
جميعا ، بل والمغرب ، وذلك برأي الحكم واختياره ، واختلفوا في السبب المقتضي لذلك
، فذهب الجمهور إلى أن سببه رحلة علماء الأندلس إلى المدينة ، فلما رجعوا إلى
الأندلس وصفوا فضل مالك وسعة علمه ، وجلالة قدره ، فأعظموه كما قدّمنا ذلك ، وقيل
: إن الإمام مالكا سأل بعض الأندلسيين عن سيرة ملك الأندلس ، فوصف له سيرته ، فأعجبت
مالكا لكون سيرة بني العباس في ذلك الوقت لم تكن بمرضية ، وكابد لما صنع أبو جعفر
المنصور
__________________
بالعلوية بالمدينة
من الحبس والإهانة وغيرهما على ما هو مشهور في كتب التاريخ ، فقال الإمام مالك ،
رضي الله تعالى عنه ، لذلك المخبر : نسأل الله تعالى أن يزين حرمنا بملككم ، أو
كلاما هذا معناه ، فنميت المسألة إلى ملك الأندلس ، مع ما علم من جلالة مالك ودينه
، فحمل الناس على مذهبه ، وترك مذهب الأوزاعي ، والله تعالى أعلم.
وحكي أنّ القاضي
الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن أبي يغمور لمّا ندبه أهل الأمر لولاية
القضاء بمدينة فاس استعفى ، فلم يقبل منه ، وخرج إلى تلك الناحية ، وخرج الناس
لوداعه ، فأنشد : [الطويل]
عليكم سلام الله
إني راحل
|
|
وعيناي من خوف
التفرّق تدمع
|
فإن نحن عشنا
فهو يجمع بيننا
|
|
وإن نحن متنا
فالقيامة تجمع
|
وأنشد أصحابه رحمه
الله تعالى ، ولا أدري هل هي له أو لغيره : [البسيط]
كنّا نعظّم
بالآمال قدركم
|
|
حتى انقضت
فتساوى عندنا الناس
|
لم تفضلونا بشيء
غير واحدة
|
|
هي الرجاء فسوّى
بيننا الياس
|
وأنشد أيضا : [الطويل]
لوتهم مذ كنت
طفلا فلم أجد
|
|
كما أشتهي منهم
صديقا وصاحبا
|
فصوّبت رأيي في
فراري منهم
|
|
وشمّرت أذيالي
وأمعنت هاربا
|
وأنشد لغيره في
الكتمان : [الكامل]
أخفى الغرام فلا
جوارحه
|
|
شعرت بذاك ولا
مفاصله
|
كالسيف يصحبه
الحمام ولم
|
|
يعلم بما حملت
حمائله
|
وأنشد : [الكامل]
قد كنت أمرض في
الشبيبة دائما
|
|
والموت ليس يمرّ
لي في البال
|
والآن شبت
وصحّتي موجودة
|
|
وأرى كأنّ الموت
في أذيالي
|
ولمّا أنشده تاج
الدين بن حمويه السّرخسي الوافد على المغرب من المشرق قول بعضهم : [المتقارب]
__________________
فلا تحقرنّ عدوا
رماك
|
|
وإن كان في
ساعديه قصر
|
فإنّ السيوف
تحزّ الرقاب
|
|
وتعجز عمّا تنال
الإبر
|
قال : حسن جيّد ،
ولكن اسمع ما قال شاعرنا القسطلّي ، وأنشد : [الطويل]
أثرني لكشف
الخطب والخطب مشكل
|
|
وكلني لليث
الغاب وهو هصور
|
فقد تخفض
الأسماء وهي سواكن
|
|
ويعمل في الفعل
الصريح ضمير
|
وتنبو
الرّدينيّات ، والطول وافر
|
|
ويبعد وقع
السّهم وهو قصير
|
وكان الوزير
الكريم أبو محمد عبد الرحمن بن مالك المعافري أحد وزراء الأندلس كثير الصنائع جزل
المواهب عظيم المكارم ، على سنن عظماء الملوك وأخلاق السادة ، لم ير بعده مثله في
رجال الأندلس ، ذاكرا للفقه والحديث ، بارعا في الآداب ، شاعرا مجيدا ، وكاتبا
بليغا ، كثير الخدم والأهل ، ومن آثاره الحمّام بجوفيّ الجامع الأعظم من غرناطة ،
وزاد في سقف الجامع من صحنه وعوّض أرجل قسيّه أعمدة الرخام ، وجلب الرءوس والموائد
من قرطبة ، وفرش صحنه بكدان الصخر . ووجّهه أميره علي بن يوسف بن تاشفين إلى طرطوشة برسم
بنائها ، فلمّا حلّها سأل قاضيها فكتب له جملة من أهلها ممّن ضعفت حاله وقلّ
تصرّفه من ذوي البيوتات ، فاستعملهم أمناء ، ووسّع أرزاقهم ، حتى كمل له ما أراد
من عمله ، ومن عجز أن يستعمله وصله من ماله ، فصدر عنها وقد أنعش خلقا ، رضي الله
تعالى عنه ورحمه!.
ومن شعره في مجلس
أطربه سماعه ، وبسطه احتشاد الأنس فيه واجتماعه ، فقال:[الخفيف]
لا تلمني إذا
طربت لشجو
|
|
يبعث الأنس
فالكريم طروب
|
ليس شقّ الجيوب
حقّا علينا
|
|
إنّما الحق أن
تشقّ القلوب
|
وقطف غلام من
غلمانه نوّارة ومدّ بها يده إلى أبي نصر الفتح بن عبيد الله ، فقال أبو نصر: [الطويل]
وبدر بدا
والطّرف مطلع حسنه
|
|
وفي كفّه من
رائق النّور كوكب
|
__________________
يروح لتعذيب
النفوس ويغتدي
|
|
ويطلع في أفق
الجمال ويغرب
|
فقال أبو محمد بن
مالك : [الطويل]
ويحسد منه الغصن
أيّ مهفهف
|
|
يجيء على مثل
الكثيب ويذهب
|
وقد سبق هذا.
وكتب إلى الفتح من
غير تروّ : يا سيدي ، جرت الأيام بفراقك ، وكان الله جارك في انطلاقك ، فغيرك من
روّع بالظّعن ، وأوقد للوداع جاحم الشّجن ، فإنك من أبناء هذا الزمن ،
خليفة الخضر لا يستقرّ على وطن ، كأنك ـ والله يختار لك ما تأتيه وما تدعه ـ موكل
بفضاء الأرض تذرعه ، فحسب من نوى بعشرتك الاستمتاع ، أن يعدّك من العواري
السريعة الارتجاع ، فلا يأسف على قلّة الثوا وينشد : [الطويل]
وفارقت حتى ما أبالي من النّوى
ومات رحمه الله
تعالى بغرناطة سنة ٥١٨ ، وحضر جنازته الخاصّة والعامّة ، وهو من محاسن الأندلس ،
رحمه الله تعالى!.
ومن نوادر الاتفاق
أن جارية مشت بين يدي المعتمد ، وعليها قميص لا تكاد تفرق بينه وبين جسمها ،
وذوائبها تخفي آثار مشيها ، فسكب عليها ماء ورد كان بين يديه ، وقال : [الكامل]
علّقت جائلة
الوشاح غريرة
|
|
تختال بين أسنّة
وبواتر
|
وقال لبعض الخدم :
سر إلى أبي الوليد البطليوسي المشهور بالنحلي ، وخذه بإجازة هذا البيت ، ولا
تفارقه حتى يفرغ منه ، فأجاب النحلي لأول وقوع الرقعة بين يديه : [الكامل]
راقت محاسنها
ورقّ أديمها
|
|
فتكاد تبصر
باطنا من ظاهر
|
وتمايلت كالغصن
في دعص النّقا
|
|
تلتفّ في ورق
الشباب الناضر
|
__________________
يندى بماء الورد
مسبل شعرها
|
|
كالطّلّ يسقط من
جناح الطائر
|
تزهى برونقها
وعزّ جمالها
|
|
زهو المؤيّد
بالثناء العاطر
|
ملك تضاءلت
الملوك لقدره
|
|
وعنا له صرف
الزمان الجائر
|
وإذا لمحت جبينه
ويمينه
|
|
أبصرت بدرا فوق
بحر زاخر
|
فلما قرأها
المعتمد استحضره ، وقال له : أحسنت ، أومعنا كنت؟ فقال له : يا قاتل المحل ، أما
تلوت (فِيهِما فاكِهَةٌ
وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)) [سورة النحل ،
الآية : ٦٨].
وأصبح المعتمد
يوما ثملا فدخل الحمّام ، وأمر أن يدخل النحليّ معه ، فجاء وقعد في مسلخ الحمام حتى يستأذن عليه ، فجعل المعتمد يحبق في الحمام وهو
خال وقد بقيت في رأسه بقيّة من السكر ، وجعل كلّما سمع دويّ ذلك الصوت يقول :
الجوز ، اللوز ، القسطل ، ومرّ على هذا ساعة ، إلى أن تذكّر النحلي ، فصادفه ، فلمّا دخل قال له : من أيّ وقت أنت هنا؟ قال : من أول ما
رتّب مولانا الفواكه في النصبة ، فغشي عليه من الضحك ، وأمر له بإحسان. والنصبة :
مائدة يصبون فيها هذه الأصناف.
ولمّا استحسن
المعتمد قول المتنبي : [الطويل]
إذا ظفرت منك
المطيّ بنظرة
|
|
أثاب بها معيي
المطيّ ورازمه
|
قال ابن وهبون
بديهة : [الطويل]
لئن جاد شعر ابن
الحسين فإنما
|
|
تجيد العطايا ،
واللها تفتح اللها
|
تنبّأ عجبا
بالقريض ولو درى
|
|
بأنك تروي شعره
لتألّها
|
وقد تقدّم ذكرهما ، فأمر له بمائتي دينار.
ولمّا قال ابن
وهبون المذكور : [البسيط]
غاض الوفاء فما
تلقاه في رجل
|
|
ولا يمرّ لمخلوق
على بال
|
__________________
قد صار عندهم
عنقاء مغربة
|
|
أو مثل ما
حدّثوا عن ألف مثقال
|
فقال له المعتمد :
عنقاء مغربة وألف مثقال يا عبد الجليل عندك سواء؟ فقال : نعم ، قال : قد أمرنا لك
بألف دينار وبألف دينار أخرى تنفقها.
وذكر القرطبي صاحب
«التذكرة» في كتابه «قمع الحرص بالزهد والقناعة» ما صورته: روينا أن الإمام أبا
عمر بن عبد البر ، رضي الله تعالى عنه ، بلغه وهو بشاطبة أنّ أقواما عابوه بأكل
طعام السلطان وقبول جوائزه ، فقال : [مجزوء الرمل]
قل لمن ينكر
أكلي
|
|
لطعام الأمراء
|
أنت من جهلك هذا
|
|
في محلّ
السّفهاء
|
لأنّ الاقتداء
بالصالحين ، من الصحابة والتابعين ، وأئمّة الفتوى من المسلمين ، من السلف الماضين
، هو ملاك الدين ، فقد كان زيد بن ثابت ـ وكان من الراسخين في العلم ـ يقبل جوائز
معاوية وابنه يزيد ، وكان ابن عمر ، رضي الله تعالى عنهما ـ مع ورعه وفضله ـ يقبل
هدايا صهره المختار بن أبي عبيد ، ويأكل طعامه ، ويقبل جوائزه ، وقال عبد الله بن
مسعود ـ وكان قد ملئ علما ـ لرجل سأله ، فقال : إنّ لي جارا يعمل بالربا ، ولا
يجتنب في مكسبه الحرام ، يدعوني إلى طعامه ، أفأجيبه؟ قال : نعم ، لك المهنأ وعليه
المأثم ، ما لم تعلم الشيء بعينه حراما ، وقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ـ
حين سئل عن جوائز السلاطين ـ : لحم ظبي ذكي ، وكان الشعبي ـ وهو من كبار التابعين
وعلمائهم ـ يؤدّب بني عبد الملك بن مروان ، ويقبل جوائزه ويأكل طعامه ، وكان
إبراهيم النخعي وسائر علماء الكوفة والحسن البصري ـ مع زهده وورعه ـ وسائر علماء
البصرة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبان بن عثمان والفقهاء السبعة بالمدينة ـ حاشا
سعيد بن المسيّب ـ يقبلون جوائز السلطان ، وكان ابن شهاب يقبلها ، ويتقلّب في
جوائزهم ، وكانت أكثر كسبه ، وكذلك أبو الزناد ، وكان مالك وأبو يوسف والشافعي
وغيرهم من فقهاء الحجاز والعراق يقبلون جوائز السلاطين والأمراء ، وكان سفيان
الثوري ـ مع ورعه وفضله ـ يقول : جوائز السلطان أحبّ إليّ من صلة الإخوان ؛ لأنّ
الإخوان يمنّون والسلطان لا يمنّ ، ومثل هذا عن العلماء والفضلاء كثير ، وقد جمع
الناس فيه أبوابا ، ولأحمد بن خالد فقيه الأندلس وعالمها في ذلك كتاب حمله على
وضعه وجمعه طعن أهل بلده عليه في قبوله جوائز عبد الرحمن الناصر ، إذ نقله إلى
المدينة بقرطبة ، وأسكنه دارا من دور الجامع قربه ، وأجرى عليه الرزق من الطعام
والإدام والناضّ ، وله ولمثله في بيت المال
__________________
حظّ ، والمسؤول عن
التخليط فيه هو السلطان ، كما قال عبد الله بن مسعود «لك المهنأ وعليه المأثم ، ما
لم تعلم الشيء بعينه حراما» ، ومعنى قول ابن مسعود هذا قد أجمع العلماء عليه ، فمن
علم الشيء بعينه حراما مأخوذا من غير حلّه كالجريمة وغيرها وشبهها من الطعام أو الدابة وما كان مثل ذلك كلّه
من الأشياء المتعيّنة غصبا أو سرقة أو مأخوذة بظلم بيّن لا شبهة فيه فهذا الذي لم
يختلف أحد في تحريمه ، وسقوط عدالة آكله ، وأخذه وتملّكه ، وما أعلم من علماء
التابعين أحدا تورّع عن جوائز السلطان ، إلّا سعيد بن المسيّب بالمدينة ، ومحمد بن
سيرين بالبصرة ، وهما قد ذهبا مثلا في التورّع ، وسلك سبيلهما في ذلك أحمد بن حنبل
وأهل الزهد والورع والتقشّف ، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين! والزهد في الدنيا من
أفضل الفضائل ، ولا يحلّ لمن وفّقه الله تعالى وزهد فيها أن يحرّم ما أباح الله
تعالى منها ، والعجب من أهل زماننا يعيبون الشبهات ، وهم يستحلّون المحرّمات ،
ومثالهم عندي كالذين سألوا عبد الله بن عمر ، رضي الله تعالى عنهما ، عن المحرم
يقتل الفراد والحلمة ، فقال للسائلين له : من أنتم؟ فقالوا : من أهل الكوفة ، فقال
: تسألونني عن هذا وأنتم قتلتم الحسين بن علي ، رضي الله تعالى عنهما؟ وروي ابن
عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما أتاك من غير مسألة فكله وتموّله»
، وروي هذا الحديث أيضا عن عبد الله بن عمر ، رضي الله تعالى عنهما «ما أتاك من
غير مسألة فكله وتموّله» ، وروى أبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله عن النبيّ صلى
الله عليه وسلم معناه ، وفي حديث أحدهما «إنما هو رزق رزقكه الله تعالى» ، وفي لفظ
بعض الرواة «ولا تردّ على الله رزقه» وهذا كله مركب مبني على ما أجمعوا عليه ، وهو الحقّ ، فمن عرف الشيء
المحرّم بعينه فإنه لا يحلّ له ، المسألة من كلام ابن عبد البرّ ، انتهى.
وحضر ابن مجبر مع عدوّ له جاحد لمعروفه ، وأمامهما زجاجة سوداء فيها خمر
، فقال له الحسود : إن كنت شاعرا فقل في هذه ، فقال ارتجالا :
«سأشكو إلى
الندمان» إلى آخر الحكاية.
وقد تقدّمت في
رسالة الشقندي رحمه الله تعالى.
__________________
وابن مجبر هو أبو
بكر يحيى بن عبد الجليل بن عبد الرحمن بن مجبر الفهري ، كان في وقته شاعر المغرب ،
ويشهد له بقوّة عارضته وسلامة طبعه قصائده التي صارت مثالا ، وبعدت على قربها
منالا ، وشعره كثير يشتمل على أكثر من تسعة آلاف وأربعمائة بيت ، واتّصل بالأمير
أبي عبد الله بن سعد بن مردنيش ، وله فيه أمداح ، وأنشد يوسف بن عبد المؤمن يهنيه
بفتح : [الخفيف]
إنّ خير الفتوح
ما جاء عفوا
|
|
مثل ما يخطب
الخطيب ارتجالا
|
وكان أبو العباس
الجراوي حاضرا ، فقطع عليه لحسادة وجدها ، وقال : يا سيدنا ، اهتدم بيت وضاح : [الرجز]
خير شراب ما كان
عفوا
|
|
كأنه خطبة
ارتجالا
|
فبدر المنصور ،
وهو حينئذ وزير أبيه وسنّه قريب العشرين ، وقال : إن كان اهتدمه فقد استحقّه لنقله
إيّاه من معنى خسيس إلى معنى شريف ، فسرّ أبوه بجوابه ، وعجب الحاضرون.
ومرّ المنصور أيام
إمرته بأونبة من أرض شلب ، فوقف على قبر الحافظ أبي محمد بن حزم ، وقال
: عجبا لهذا الموضع ، يخرج منه مثل هذا العالم ، ثم قال : كلّ العلماء عيال على
ابن حزم ، ثم رفع رأسه وقال : كما أنّ الشعراء عيال عليك يا أبا بكر ، يخاطب ابن
مجبر.
ومن شعر ابن مجبر
يصف خيل المنصور من قصيدة في مدحه : [الطويل]
له حلبة الخيل
العتاق كأنها
|
|
نشاوى تهاوت
تطلب العزف والقصفا
|
عرائس أغنتها
الحجول عن الحلى
|
|
فلم تبغ خلخالا
ولا التمست وقفا
|
فمن يقق كالطّرس
تحسب أنه
|
|
وإن جرّدوه في
ملاءته التفّا
|
وأبلق أعطى
الليل نصف إهابه
|
|
وغار عليه الصبح
فاحتبس النصفا
|
وورد تغشّى جلده
شفق الدّجى
|
|
فإذ حازه دلّى
له الذيل والعرفا
|
وأشقر مجّ الراح
صرفا أديمه
|
|
وأصفر لم يمسح
بها جلده صرفا
|
وأشهب فضّيّ
الأديم مدنّر
|
|
عليه خطوط غير
مفهمة حرفا
|
كما خطّر الزاهي
بمهرق كاتب
|
|
فجرّ عليه ذيله
وهو ما جفّا
|
__________________
تهبّ على
الأعداء منها عواصف
|
|
ستنسف أرض
المشركين بها نسفا
|
ترى كلّ طرف
كالغزال فتمتري
|
|
أظبيا ترى تحت
العجاجة أم طرفا
|
وقد كان في
البيداء يألف سربه
|
|
فربّته مهرا وهي
تحسبه خشفا
|
تناوله لفظ
الجواد لأنه
|
|
على ما أردت
الجري أعطاكه ضعفا
|
ولمّا اتّخذ
المنصور مقصورة الجامع بمراكش بدار ملكها ، وكانت مدبرة على انتصابها إذا استقرّ
المنصور ووزراؤه بمصلّاه ، واختفائها إذا انفصلوا عنها ، أنشد في ذلك الشعراء فقال
ابن مجبر من قصيدة أولها : [الكامل]
أعلمتني ألقي
عصا التسيار
|
|
في بلدة ليست
بدار قرار
|
إلى أن قال :
طورا تكون بمن
حوته محيطة
|
|
فكأنها سور من
الأسوار
|
وتكون حينا عنهم
محبوّة
|
|
فكأنها سرّ من
الأسرار
|
وكأنها علمت
مقادير الورى
|
|
فتصرّفت لهم على
مقدار
|
فإذا أحسّت
بالإمام يزورها
|
|
في قومه قامت
إلى الزّوّار
|
يبدو فتبدو ثم
تخفى بعده
|
|
كتكوّن الهالات
للأقمار
|
وممّن روى عنه أبو
علي الشلوبين وطبقته ، وتوفّي بمراكش سنة ٥٨٨ ، وعمره ٥٣ سنة ، رحمه الله تعالى!
وقد حكى الشريف
الغرناطي شارح المقصورة هذه الحكاية بأتمّ ممّا ذكرناه ، فقال عن الكاتب ابن عياش [كاتب
المنصور الموحدي] قال : كانت لأبي بكر بن مجير وفادة على المنصور في كل سنة
، فصادف في إحدى وفاداته فراغه من إحداث المقصورة التي كان أحدثها بجامعه المتّصل
بقصره في حضرة مراكش ، وكانت قد وضعت على حركات هندسية ترفع بها لخروجه وتخفض
لدخوله ، وكان جميع من بباب المنصور يومئذ من الشعراء والأدباء قد نظموا
__________________
أشعارا أنشدوه
إياها في ذلك ، فلم يزيدوا على شكره ، وتجزيته الخير فيما جدّد من معالم الدين
وآثاره ، ولم يكن فيهم من تصدّى لوصف الحال ، حتى قام أبو بكر بن مجبر فأنشد
قصيدته التي أولها : «أعلمتني ألقي عصا التسيار» واستمرّ فيها حتى ألمّ بذكر
المقصورة فقال يصفها «طورا تكون ـ إلخ» فطرب المنصور لسماعها ، وارتاح لاختراعها ،
انتهى.
وقد بطلت حركات
هذه المقصورة الآن ، وبقيت آثارها حسبما شاهدته سنة عشر وألف ، والله تعالى وارث
الأرض ومن عليها.
ومن نظم ابن مجبر
أيضا ما كتب به إلى السلطان ملك المغرب ـ رحمه الله تعالى! ـ وقد ولد له ولد ، أعني لابن مجبر : [الرمل]
ولد العبد الذي
إنعامكم
|
|
طينة أنشئ منها
جسده
|
وهو دون اسم
لعلمي أنه
|
|
لا يسمّي العبد
إلّا سيّده
|
وقوله : [الرمل]
ملك ترويك منه
شيمة
|
|
أنست الظمآن زرق
النّطف
|
جمعت من كلّ مجد
فحكت
|
|
لفظة قد جمّعت
من أحرف
|
يعجب السامع من
وصفي لها
|
|
ووراء العجز ما
لم أصف
|
لو أعار السّهم
ما في رأيه
|
|
من سداد وهدى لم
يصف
|
حلمه الراجح
ميزان الهدى
|
|
يزن الأشياء وزن
المنصف
|
وقال ابن خفاجة : [السريع]
صحّ الهوى منك
ولكنني
|
|
أعجب من بين لنا
يقدر
|
كأننا في فلك
دائر
|
|
فأنت تخفى وأنا
أظهر
|
وهما الغاية في
معناهما ، كما قاله ابن ظافر ـ رحمه الله تعالى! ـ
وقال الأعمى
التّطيلي : [البسيط]
أما اشتفت مني
الأيام في وطني
|
|
حتى تضايق فيما
عزّ من وطري
|
__________________
فلا قضت من سواد
العين حاجتها
|
|
حتى تكرّ على ما
طلّ في الشّعر
|
وقال القاضي أبو
حفص بن عمر القرطبي : [الوافر]
هم نظروا
لواحظها فهاموا
|
|
وتشرب لبّ
شاربها المدام
|
يخاف الناس
مقلتها سواها
|
|
أيذعر قلب حامله
الحسام
|
سما طرفي إليها
وهو باك
|
|
وتحت الشمس
ينسكب الغمام
|
وأذكر قدّها
فأنوح وجدا
|
|
على الأغصان
تنتدب الحمام
|
فأعقب بينها في
الصدر غمّا
|
|
إذا غربت ذكاء
أتى الظلام
|
وقال الحاجب عبد
الكريم بن مغيث : [السريع]
طارت بنا الخيل
ومن فوقها
|
|
شهب بزاة لحمام
الحمام
|
كأنما الأيدي
قسيّ لها
|
|
والطير أهداف
وهنّ السّهام
|
وقال أخوه أحمد : [السريع]
اشرب على
البستان من كفّ من
|
|
يسقيك من فيه
وأحداقه
|
وانظر إلى
الأيكة في برده
|
|
ولاحظ البدر
بأطواقه
|
وقد بدا السّرو
على نهره
|
|
كحائض شمّر عن
ساقه
|
وقال أبو العباس
أحمد بن أبي عبد الله بن أمية البلنسيّ : [الطويل]
إذا كان ودّي
وهو أنفس قربة
|
|
يجازى ببغض
فالقطيعة أحزم
|
ومن أضيع
الأشياء ودّ صرفته
|
|
إلى غير من تحظى
لديه وتكرم
|
ومن حكايات أهل
الأندلس في خلع العذار والطرب والظرف وغير ذلك كسرعة الارتجال ما حكاه صاحب «بدائع
البداءة» قال : أخبرني من أثق به بما هذا معناه ، قال : خرج الوزير أبو
بكر بن عمار والوزير أبو الوليد بن زيدون ومعهما الوزير ابن خلدون من إشبيلية إلى
منظرة لبني عباد بموضع يقال له لقنت تحفّ بها مروج مشرقة الأنوار ، متنسّمة الأنجاد والأغوار ،
متبسّمة عن ثغور النّوّار ، في زمان ربيع سقت الأرض السّحب فيه بوسميّها ووليّها ،
__________________
وجلتها في زاهر
ملبسها وباهر حليّها وأرداف الرّبا قد تأزّرت بالأزر الخضر من نباتها ، وأجياد
الجداول قد نظم النّوّار قلائده حول لبّاتها ، ومجامر الزهر تعطر أردية النسائم
عند هبّاتها ، وهناك من البهار ما يزري على مداهن النّضار ، ومن النرجس الريان ما
يهزأ بنواعس الأجفان ، وقد نووا الانفراد للهو والطرب ، والتنزّه في روضي النبات
والأدب ، وبعثوا صاحبا لهم يسمى خليفة هو قوام لذّتهم ، ونظام مسرّتهم ، ليأتيهم
بنبيذ يذهبون الهمّ بذهبه في لجين زجاجه ، ويرمونه منه بما يقضي بتحريكه للهرب عن
القلوب وإزعاجه ، وجلسوا لانتظاره ، وترقّب عوده على آثاره ، فلمّا بصروا به مقبلا
من أوّل الفجّ بادروا إلى لقائه ، وسارعوا إلى نحوه وتلقائه ، واتّفق أنّ فارسا من
الجند ركض فرسه فصدمه ووطئ عليه فهشم أعظمه وأجرى دمه ، وكسر قمعل النبيذ الذي كان معه ، وفرق من شملهم ما كان الدهر قد جمعه
، ومضى على غلوائه راكضا حتى خفي عن العين ، خائفا من متعلّق به يحين بتعلّقه
الحين ، وحين وصل الوزراء إليه ، تأسّفوا عليه ، وأفاضوا في ذكر الزمان وعدوائه ، والخطب وألوانه ، ودخوله بطوامّ المضرّات ، على تمام المسرّات ، وتكديره
لأوقات المنعمات ، بالآفات المؤلمات ، فقال ابن زيدون : [الوافر]
أتلهو والحتوف
بنا مطيفه
|
|
ونأمن والمنون
لنا مخيفه
|
فقال ابن خلدون : [الوافر]
وفي يوم وما
أدراك يوم
|
|
مضى قمعالنا
ومضى خليفه
|
فقال ابن عمار : [الوافر]
هما فخّارتا راح
وروح
|
|
تكسّرتا فأشقاف
وجيفه
|
وذكر ابن بسام ما
معناه أن أبا عامر بن شهيد حضر ليلة عند الحاجب أبي عامر بن المظفر بن المنصور بن
أبي عامر بقرطبة ، فقامت تسقيهم وصيفة عجيبة صغيرة الخلق ، ولم تزل تسهر في خدمتهم
إلى أن همّ جند الليل بالانهزام ، وأخذ في تقويض خيام الظلام ، وكانت تسمى أسيماء
، فعجب الحاضرون من مكابدتها السهر طول ليلتها على صغر سنها ، فسأله المظفر وصفها
، فصنع ارتجالا : [مخلع البسيط]
__________________
أفدي أسيماء من
نديم
|
|
ملازم للكؤوس
راتب
|
قد عجبوا في
السّهاد منها
|
|
وهي لعمري من
العجائب
|
قالوا تجافى
الرّقاد عنها
|
|
فقلت لا ترقد
الكواكب
|
وحكى ابن بسام ما
معناه أن ابن شهيد المذكور كان يوما مع جماعة من الأدباء عند القاضي ابن ذكوان ،
فجيء بباكورة باقلا ، فقال ابن ذكوان : لا ينفرد بها إلّا من وصفها ، فقال ابن
شهيد : أنا لها ، وارتجل : [المنسرح]
إنّ لآليك أحدثت
صلفا
|
|
فاتّخذت من
زمرّد صدفا
|
تسكن ضرّاتها
البحور وذي
|
|
تسكن للحسن روضة
أنفا
|
هامت بلحف
الجبال فاتّخذت
|
|
من سندس في
جنانها لحفا
|
شبّهتها بالثغور
من لطف
|
|
حسبك هذا من رمز
من لطفا
|
جاز ابن ذكوان
في مكارمه
|
|
حدود كعب وما به
وصفا
|
قدّم درّ الرياض
منتخبا
|
|
منه لأفراس مدحه
علفا
|
أكل ظريف وطعم
ذي أدب
|
|
والفول يهواه
كلّ من ظرفا
|
رخّص فيه شيخ له
قدر
|
|
فكان حسبي من
المنى وكفى
|
وقال ابن بسام : إن جماعة من أصحاب ابن شهيد المذكور قالوا له : يا أبا
عامر ، إنك لآت بالعجائب ، وجاذب بذوائب الغرائب ، ولكنك شديد الإعجاب بما يأتي
منك ، هازّ لعطفك عند النادر يتاح لك ، ونحن نريد منك أن تصف لنا مجلسنا هذا ، وكان الذي طلبوه
منه زبدة التعنيت ؛ لأنّ المعنى إذا كان جلفا ثقيلا على النفس ، قبيح الصورة عند
الحس ، كلّت الفكرة عنه وإن كانت ماضية ، وأساءت القريحة في وصفه وإن كانت محسنة ،
وكان في
__________________
المجلس باب مخلوع
معترض على الأرض ، ولبد أحمر مبسوط قد صففت خفافهم عند حاشيته ، فقال مسرعا : [مخلع البسيط]
وفتية كالنجوم
حسنا
|
|
كلّهم شاعر نبيل
|
متّقد الجانبين
ماض
|
|
كأنه الصارم
الصّقيل
|
راموا انصرافي
عن المعالي
|
|
والحدّ من دونها
فليل
|
فالشدّ في أمرها
فسيح
|
|
كلّ كثير له
قليل
|
في مجلس زانه
التصابي
|
|
وطاردت وصفه
العقول
|
كأنما بابه أسير
|
|
قد عرضت دونه
نصول
|
يراد منه المقال
قسرا
|
|
وهو على ذاك لا
يقول
|
ننظر من لبده
لدينا
|
|
بحر دم تحتنا
يسيل
|
كأنّ أخفافنا
عليه
|
|
مراكب ما لها
دليل
|
ضلّت فلم تدر
أين تجري
|
|
فهل على شطّه
تقيل
|
فعجب القوم من
أمره ، ثم خرج من عندهم ، فمرّ على بعض معارفه من الطرائفيين وبين يديه زنبيل ملآن
خرشفا ، فجعل يده في لجام بغلته ، وقال : لا أتركك أو تصف الخرشف فقد وصفه صاعد فلم
يقل شيئا ، فقال له ابن شهيد : ويحك! أعلى مثل هذه الحال؟ قال : نعم ، فارتجل : [الرجز].
هل أبصرت عيناك
يا خليلي
|
|
قنافذا تباع في
زنبيل
|
من حرشف معتمد
جليل
|
|
ذي إبر تنفذ جلد
الفيل
|
كأنها أنياب بنت
الغول
|
|
لو نخست في است
امرئ ثقيل
|
لقفّزته نحو أرض
النّيل
|
|
ليس يرى طيّ حشا
منديل
|
نقل السخيف
المائن الجهول
|
|
وأكل قوم نازحي
العقول
|
أقسمت لا أطعمها
أكيلي
|
|
ولا طعمتها على
شمول
|
__________________
وقال في «بدائع
البداءة» : دخل الوزير أبو العلاء زهر ابن الوزير أبي مروان عبد الملك بن زهر على
الأمير عبد الملك بن رزين في مجلس أنس ، وبين يديه ساق يسقي خمرين من كأسه ولحظه ،
ويبدي درّين من حبابه ولفظه ، وقد بدا خطّ عذاره في صحيفة خدّه ، وكمل حسنه باجتماع الضدّ منه مع ضدّه ، فكأنه بسحر لحظه
أبدى ليلا في شمس ، وجعل يومه في الحسن أحسن من أمس ، فسأله ابن رزين أن يصنع فيه
، فقال بديها : [الطويل]
تضاعف وجدي أن
تبدّى عذاره
|
|
ونمّ فخان القلب
منّي اصطباره
|
وقد كان ظنّي أن
سيمحق ليله
|
|
بدائع حسن هام
فيها نهاره
|
فأظهر ضدّ ضدّه
فيه إذ وشت
|
|
بعنبره في صفحة
الخدّ ناره
|
واستزاده ، فقال
بديها : [الخفيف]
محيت آية النهار
فأضحى
|
|
بدر تمّ وكان
شمس نهار
|
كان يعشي العيون
نورا إلى أن
|
|
شغل الله خدّه
بالعذار
|
وصنع أيضا : [المتقارب]
عذار ألمّ فأبدى
لنا
|
|
بدائع كنّا لها
في عمى
|
ولو لم يجنّ
النهار الظلا
|
|
م لم يستبن كوكب
في السّما
|
وصنع أيضا : [الكامل]
تمّت محاسن وجهه
وتكاملت
|
|
لمّا استدار به
عذار مونق
|
وكذلك البدر
المنير جماله
|
|
في أن يكنّفه
سماء أزرق
|
انتهى.
وحكى الحميدي وغيره أن عبد الله بن عاصم صاحب الشرطة بقرطبة كان أديبا
شاعرا سريع البديهة ، كثير النوادر ، وهو من جلساء الأمير محمد بن عبد الرحمن
الأموي ملك الأندلس ، وحكوا أنه دخل عليه في يوم ذي غيم ، وبين يديه غلام حسن
المحاسن ، جميل الزي ، ليّن الأخلاق ، فقال الأمير : يا ابن عاصم ، ما يصلح في يومنا هذا؟ فقال
: عقار ينفد
__________________
الدنان ، وتؤنس الغزلان ، وحديث كقطع الروض قد سقطت فيه مؤونة
التحفّظ ، وأرخي له عنان التبسّط ، يديرها هذا الأغيد المليح ، فاستضحك الأمير ،
ثم أمر بمراتب الغناء ، وآلات الصهباء ، فلمّا دارت الكأس ، واستمطر الأمير نوادره
، أشار إلى الغلام أن يلحّ في سقيه ، ويؤكّد عليه ، فلمّا أكثر رفع رأسه إليه وقال
على البديهة : [المنسرح]
يا حسن الوجه لا
تكن صلفا
|
|
ما لحسان الوجوه
والصّلف
|
تحسن أن تحسّن
القبيح ولا
|
|
ترثي لصبّ متيّم
دنف
|
فاستبدع الأمير
بديهته ، وأمر له ببدرة ، ويقال : إنه خيّره بينها وبين الوصيف ، فاختارها نفيا
للظّنّة عنه ، انتهى.
قلت : أذكرتني هذه
الحكاية ما حكاه علي بن ظافر عن نفسه إذ قال : كنت عند المولى الملك الأشرف بن
العادل بن أيوب سنة ٦٠٣ بالرّها ، وقد وردت إليه في رسالة ، فجعلني بين سمعه وبصره
، وأنزلني في بعض دوره بالقلعة بحيث يقرب عليه حضوري في وقت طلبتي أو إرادة الحديث
معي ، فلم أشعر في بعض الليالي وأنا نائم في فراشي إلّا به ، وهو قائم على رأسي ،
والسكر قد غلب عليه ، والشمع تزهر حواليه ، وقد حفّ مماليكه به ، وكأنهم الأقمار
الزواهر ، في ملابس كالرياض ذات الأزاهر ، فقمت مروّعا ، فأمسكني وبادر بالجلوس
إلى جانبي بحيث منعني عن القيام عن الوساد ، وأبدى من الجميل ما أبدلني بالنّفاق
بعد الكساد ، ثم قال : غلبني الشوق إليك ، ولم أرد إزعاجك والتثقيل عليك ، ثم
استدعى من كان في مجلسه من خواصّ القوالين ، فحضروا وأخذوا من الغناء فيما يملأ
المسامع التذاذا ، ويجعل القلوب من الوجد جذاذا ، وكان له في ذلك الوقت مملوكان
هما نيّرا سماء ملكه ، وواسطتا درّ سلكه ، وقطبا فلك طربه ووجده ، وركنا بيت سروره
ولهوه ، وكانا يتناوبان في خدمته ، فحضر أحدهما في تلك الليلة وغاب الآخر ، وكان
كثيرا ما يداعبني في أمرهما ، ويستجلب مني القول فيهما والكلام في التفضيل بينهما
، فقلت للوقت : [الكامل]
يا مالكا لم يحك
سيرته
|
|
ماض ولا آت من
البشر
|
اجمع لنا تفديك
أنفسنا
|
|
في الليل بين
الشمس والقمر
|
فطرب ، وأمر في
الحال بإحضار الغائب منهما ، فحضر والنوم قد زاد أجفانه تفتيرا،
__________________
ومعاطفه تكسيرا ،
فقلت بين يديه بديهة في وصف المجلس : [الوافر]
سقى الرحمن عصرا
قد مضى لي
|
|
بأكناف الرّها
صوب الغمام
|
وليلا باتت
الأنوار فيه
|
|
تعاون في مدافعة
الظلام
|
فنور من شموع أو
ندامى
|
|
ونور من سقاة أو
مدام
|
يطوف بأنجم
الكاسات فيه
|
|
سقاة مثل أقمار
التمام
|
تريك به الكؤوس
جمود ماء
|
|
فتحسب راحها ذوب
الضّرام
|
يميل به غصونا
من قدود
|
|
غناء مثل أصوات
الحمام
|
فكم من موصليّ
فيه يشدو
|
|
فينسي النفس
عادية الحمام
|
وكم من زلزل
للضرب فيه
|
|
وكم للزّمر فيه
من زنام
|
لدى موسى بن
أيوب المرجّى
|
|
إذا ما ضنّ غيث
بانسجام
|
ومن كمظفّر
الدين المليك ال
|
|
أجلّ الأشرف
النّدب الهمام
|
فما شمس تقاس
إلى نجوم
|
|
تحاكي قدره بين
الكرام
|
فدام مخلّدا في
الملك يبقى
|
|
إذا ما ضنّ دهر
بالدوام
|
فلما أنشدتها قام
فوضع فرجية من خاصّ ملابسه كانت عليه على كتفي ، ووضع شربوشه بيده على رأس مملوك
صغير كان لي ، انتهى.
ولابن ظافر هذا
بدائع : منها ما حكاه عن نفسه إذ قال : ومن أعجب ما دهيت به ورميت ، إلّا أنّ الله
بفضله نصر ، وأعطى الظّفر ، وأعان خاطري الكليل ، حتى مضى مضاء السيف الصقيل ،
أنني كنت في خدمة مولانا السلطان الملك العادل بالإسكندرية سنة إحدى وستمائة مع من
ضمّته حاشية العسكر المنصور من الكتّاب والحواشي والخدام ، ودخلت سنة اثنتين
وستمائة ونحن بالثغر مقيمون في الخدمة ، مرتضعون لأفاويق النعمة ، فحضرت في جملة
__________________
من حضر الهناء ،
من الفقهاء بالثغر والعلماء ، والمشايخ والكبراء ، وجماعة الديوان والأمراء ،
واتّفق أن كان اليوم من أيام الجلوس لإمضاء الأحكام والعرض لطوائف الأجناد ، فلم
يبق أحد من أهل البلد ولا من أهل المعسكر إلّا حضر مهنّيا ، ومثل شاكرا وداعيا ،
فحين غصّ المجلس بأهله ، وشرق بجمع السلطان وحفله ، وخرج مولانا السلطان إلى مجلسه
، واستقرّ في دسته ، أخرج من بركة قبائه كتابا ناوله للصاحب الأجلّ صفي الدين أبي
محمد عبد الله بن علي وزير دولته ، وكبير جملته ، وهو مفضوض الختام ، مفكوك الفدام
، ففتحه فإذا فيه قطعة وردت من المولى الملك المعظّم كتبها إليه يتشوّقه ويستعطفه
لزيارته ، ويرقّقه ويستحثّه على عود ركابه إلى بلاد الشام ، للمثاغرة بها ، وقمع عدوّها ، ويعرض بذكر مصر وشدّة حرّها ، ووقد
جمرها ، وذلك بعد أن كان وصل إلى خدمته بالثغر ثم رجع إليها ، والأبيات : [الكامل]
أروي رماحك من
نحور عداكا
|
|
وانهب بخيلك من
أطاع سواكا
|
واركب خيولا
كالثعالي شزّبا
|
|
واضرب بسيفك من
يشقّ عصاكا
|
واجلب من
الأبطال كلّ سميدع
|
|
يفري بعزمك كلّ
من يشناكا
|
واسترعف السّمر
الطوال وروّها
|
|
واسق المنيّة
سيفك السّفّاكا
|
وسر الغداة إلى
العداة مبادرا
|
|
بالضرب في هام
العدوّ دراكا
|
وانكح رماحك
للثغور فإنها
|
|
مشتاقة أن تبتني
بعلاكا
|
فالعزّ في نصب
الخيام على العدا
|
|
تردي الطّغاة
وتدفع الملّاكا
|
والنصر مقرون
بهمّتك التي
|
|
قد أصبحت فوق
السّماك سماكا
|
فإذا عزمت وجدت
من هو طائع
|
|
وإذا نهضت وجدت
من يخشاكا
|
والنصر في
الأعداء يوم كريهة
|
|
أحلى من الكأس
الذي روّاكا
|
والعجز أن تضحي
بمصر راهنا
|
|
وتحلّ في تلك
العراص عراكا
|
فأرح حشاشتك
الكريمة من لظى
|
|
مصر لكي نحظى
الغداة بذاكا
|
فلقد غدا قلبي
عليك بحرقة
|
|
شغفا ولا حرّ
البلاد هناكا
|
وانهض إلى راجي
لقاك مسارعا
|
|
فمناه من كلّ
الأمور لقاكا
|
__________________
وابرد فؤاد
المستهام بنظرة
|
|
وأعد عليه العيش
من رؤياكا
|
واشف الغداة
غليل صبّ هائم
|
|
أضحى مناه من
الحياة مناكا
|
فسعادتي بالعادل
الملك الذي
|
|
ملك الملوك
وقارن الأفلاكا
|
فبقيت لي يا
مالكي في غبطة
|
|
وجعلت من كلّ
الأمور فداكا
|
فلمّا تلا الصاحب
على الحاضرين محكم آياتها ، وجلا منها العروس التي حازت من المحاسن أبعد غاياتها ،
أخذ الناس في الاستحسان لغريب نظامها ، وتناسق التئامها ، والثناء على الخاطر الذي
نظم بديع أبياتها ، وأطلع من مشرق فكره آياتها ، فقال السلطان : نريد من يجيبه
عنّا بأبيات على قافيتها ، فالتفت مسرعا إليّ وأنا عن يمينه ، وقال : يا مولانا ،
مملوكك فلان هو فارس هذا الميدان ، والمعتاد للتخلّص من مضايق هذا الشان ، ثم قطع
وصلا من درج كان بين يديه ، وألقاه إليّ ، وعمد إلى دواته فأدارها بين يديّ ، فقال
له السلطان : أهكذا على مثل هذا الحال؟ وفي مثل هذا الوقت؟ فقال : نعم ، أنا قد
جرّبته فوجدته متّقد الخاطر ، حاضر الذهن ، سريع إجابة الفكر ، فقال السلطان :
وعلى كل حال قم إلى هنا لتنكفّ عنك أبصار الناظرين ، وتنقطع عنك ضوضاء الحاضرين ،
وأشار إلى مكان عن يمين البيت الخشب الذي هو بالجلوس فيه منفرد ، فقمت وقد فقدت
رجلي انخذالا ، وذهني اختلالا ، لهيبة المجلس في صدري ، وكثرة من حضره من
المترقّبين لي ، المنتظرين حلول فاقرة الشماتة بي ، فما هو إلّا أن جلست حتى ثاب إليّ خاطري ، وانثال الكلام على سرائري ، فكنت أتوهّم أنّ فكري كالبازي الصّيود لا يرى كلمة إلّا
أنشب فيها منسره ، ولا معنى إلّا شكّ فيه ظفره ، فقلت في أسرع وقت : [الكامل]
وصلت من الملك
المعظّم تحفة
|
|
ملأت بفاخر
درّها الأسلاكا
|
أبيات شعر
كالنجوم جلالة
|
|
فلذا حكت
أوراقها الأفلاكا
|
عجبا وقد جاءت
كمثل الروض إذ
|
|
لم تذوها بالحرّ
نار ذكاكا
|
جلت الهموم عن
الفؤاد كمثل ما
|
|
تجلو بغرّة وجهك
الأحلاكا
|
كقميص يوسف إذ
شفت يعقوب ري
|
|
ياه شفتني مثله
ريّاكا
|
قد أعجزت شعراء
هذا العصر كل
|
|
لهم فلم لا تعجز
الأملاكا
|
__________________
ما كان هذا
الفضل يمكن مثله
|
|
أن يحتويه من
الأنام سواكا
|
لم لا أغيب عن
الشآم وهل له
|
|
من حاجة عندي
وأنت هناكا
|
أم كيف أخشى
والبلاد جميعها
|
|
محميّة في جاه
طعن قناكا
|
يكفي الأعادي
حرّ بأسك فيهم
|
|
أضعاف ما يكفي
الوليّ نداكا
|
ما زرت مصر لغير
ضبط ثغورها
|
|
فلذا صبرت فديت
عن رؤياكا
|
أمّ البلاد علا
عليها قدرها
|
|
لا سيما مذ
شرّفت بخطاكا
|
طابت وحقّ لها
ولم لا وهي قد
|
|
حوت المعلّى في
القداح أخاكا
|
أنا كالسحاب
أزور أرضا ساقيا
|
|
حينا وأمنح
غيرها سقياكا
|
مكثي جهاد للعدوّ
لأنني
|
|
أغزوه بالرأي
السديد دراكا
|
لو لا الرباط
وغيره لقصدت بال
|
|
سّير الحثيث
إليك نيل رضاكا
|
ولئن أتيت إلى
الشآم فإنما
|
|
يحتثّني شوق إلى
لقياكا
|
إني لأمنحك
المحبة جاهدا
|
|
وهواي فيما
تشتهيه هواكا
|
فافخر فقد أصبحت
بي وببأسك ال
|
|
حامي وكلّ مملّك
يخشاكا
|
لا زلت تقهر من
يعادي ملكنا
|
|
أبدا ، ومن
عاداك كان فداكا
|
وأعيش أبصر ابنك
الباقي أبا
|
|
وتعيش تخدم في
السعود أباكا
|
ثم عدت إلى مكاني
وقد بيّضتها ، وحليت بزهرها ساحة القرطاس وروّضتها ، فلمّا رآني السلطان قد عدت
قال لي : هل عملت شيئا ؟ ظنّا منه أنّ العمل في تلك اللمحة القريبة معجز متعذّر ،
وبلوغ الغرض فيها غير متصوّر ، فقلت : قد أجبت ، فقال : أنشدنا ، فصمت الناس ، وحدّقت الأبصار ، وأصاخت الأسماع ، وظنّ
الناس بي الظنون ، وترقّبوا مني ما يكون ، فما هو إلّا أن توالى الإنشاد لأبياتها
حتى صفقت الأيدي إعجابا ، وتغامزت الأعين استغرابا ، وحين انتهيت إلى ذكر مولانا
الملك الكامل ، بأنه المعلّى في البنين إذا ضربت قداحهم ، وسردت أمداحهم ، اغرورقت عيناه دمعا لذكره ، وأبان صمته مخفي المحبّة حتى أعلن بسرّه ، وحين انتهيت
إلى آخرها فاض دمعه ، ولم يمكنه دفعه ، فمدّ يده مستدعيا للورقة ، فناولتها إلى يد
__________________
الصاحب ، فناولها
له ، وعند حصولها في يده قام من غير إشعار لأحد بما دار من إرادة القيام في خلده ،
سترا لما ظهر عليه من الرقة على الموالي الأولاد ، وكتما لما عليه من الوجد بهم
والمحبّة لهم ، وانفضّ المجلس.
وإنما حمل الصاحب
على هذا الفعل الذي غرّر بي فيه وخاطر بي بالتعريض له أشياء كان يقترحها عليّ
فأنفذ فيها من بين يديه ، ويخف الأمر منها عليّ لدالّتي عليه ، منها أنني كنت في
خدمته سنة ٥٩٩ بدمشق ، فورد عليه كتاب من الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر تقي
الدين صاحب حماة ، وقد بعث صحبته نسخة من ديوان شعره فتشاغل بتسويد جواب كتابه ،
فلمّا كتب بعضه التفت إليّ وقال : اصنع أبياتا أكتبها إليه في صدر الجواب ، واذكر
فيها شعره ، فقلت له : على مثل هذه الحال؟ فقال : نعم ، فقلت بقدر ما أنجز بقية
النسخة : [الطويل]
أيا ملكا قد
أوسع الناس نائلا
|
|
وأغرقهم بذلا
وعمّهم عدلا
|
فديناك هب للناس
فضلا يزينهم
|
|
فقد حزت دون
الناس كلّهم الفضلا
|
ودونك فامنحهم
من العلم والحجا
|
|
كما منحتهم كفّك
الجود والبذلا
|
إذا حزت أوفى
الفضل عفوا فما الذي
|
|
تركت لمن كان
القريض له شغلا
|
وما ذا عسى من
ظلّ بالشعر قاصدا
|
|
لبابك أن يأتي
به جلّ أو قلّا
|
فلا زلت في عزّ
يدوم ورفعة
|
|
تحوز ثناء يملأ
الوعر والسّهلا
|
ووقع لابن ظافر
أيضا من هذا النمط أنه دخل في أصحاب له يعودون صاحبا لهم ، وبين يديه بركة قد راق
ماؤها ، وصحت سماؤها ، وقد رصّ تحت دساتيرها نارنج فتن قلوب الحضّار ، وملأ
بالمحاسن عيون النظّار ، فكأنما رفعت صوالج فضّة على كرات من النّضار ، فأشار الحاضرون إلى وصفها ، فقال بديها : [الكامل]
أبدعت يا ابن
هلال في فسقيّة
|
|
جاءت محاسنها
بما لم يعهد
|
عجبا لأمواه
الدساتير التي
|
|
فاضت على
نارنجها المتوقّد
|
فكأنهنّ صوالج
من فضّة
|
|
رفعت لضرب كرات
خالص عسجد
|
ومن بديع الارتجال
ما حكاه المذكور عن ابن قلاقس الإسكندري رحمه الله تعالى إذ
__________________
قال : دخل الأعز
أبو الفتوح بن قلاقس على بلال بن مدافع بن بلال الفزاري ، فعرض عليه سيفا قد نظم
الفرند في صفحته جوهره ، وأذكى الدهر ناره وجمّد نهره ، وألبسه من سلخ الأفاعي
رداء وجسّمه ردى ، لا يمنع من برقه بدر مجنّ ولا ثريّا مغفر ، ولا يسلم من
حدّه من ثبت ولا ينجو لطوله من فرّ ، فهو يبكي للنفاق ويضحك ، ويرعد للغيظ ويفتك ،
وأمره بصفة شأنه ، فقال على لسانه : [الوافر]
أروق كما أروع
فإن تصفني
|
|
فإني رائق
الصفحات رائع
|
تدافع بي خطوب
الدهر حتى
|
|
نقلت إلى بلال
عن مدافع
|
وقال أيضا فيه : [الخفيف]
ربّ يوم له من
النّقع سحب
|
|
مالها غير سائل
الدم ودق
|
قد جلته يمنى
بلال بحدّي
|
|
فكأنّي في راحة
الشمس برق
|
وقال أيضا فيه : [الكامل]
أنا في الكريهة
كالشّهاب الساطع
|
|
من صفحة تبدو
وحدّ قاطع
|
فكأنما استمليت
تلك وهذه
|
|
من وصف كفّ بلال
بن مدافع
|
وقال أيضا فيه : [الكامل]
انظر لمطّرد
المياه بصفحتي
|
|
ولنار حدّي كم
بها من صالي
|
قد عاد شدّي في
المضايق شيمتي
|
|
كبلال بن مدافع
بن بلال
|
وسأله صاحب له وصف
مشط عاج قد أشبه الثريّا شكلا ولونا ، وشقّ ليلا من الشّعر جونا ، فقال : [الكامل]
ومتيّم بالآبنوس
وجسمه
|
|
عاج ومن أدهانه
شرفاته
|
كتمت دياجي
الشّعر منه بدرها
|
|
فوشت به للعين
عيّوقاته
|
__________________
وقال فيه : [الطويل]
وأبيض ليل
الآبنوس إذا سرى
|
|
تمزّق عن صبح من
العاج باهر
|
وإن غاص في بحر
الشعور رأيته
|
|
تبشّرنا أطرافه
بالجواهر
|
وقال فيه : [السريع]
ومشرق يشبه ضوء
الضحى
|
|
حسنا ويسري في
الدّجى الفاحم
|
وكلّما قلّب في
لمّة
|
|
أضحكها عن ثغره
الباسم
|
وجلس بمصر في دار
الأنماط يوما مع جماعة ، فمرّت بهم امرأة تعرف بابنة أمين الملك ، وهي شمس تحت
سحاب النّقاب ، وغصن في أوراق الشباب ، فحدّقوا إليها تحديق الرقيب إلى الحبيب ،
والمريض إلى الطبيب ، فجعلت تتلفّت تلفّت الظبي المذعور ، أفرقه القانص فهرب ، وتتثنّى تثني الغصن الممطور عانقه النسيم فاضطرب ،
فسألوه العمل في وصفها ، فقال : هذا يصلح أن يعكس فيه قول العطار الأزدي القيرواني
: [الكامل]
أعرضن لمّا أن
عرضن ، فإن يكن
|
|
حذرا فأين تلفّت
الغزلان
|
ثم صنع : [المتقارب]
لها ناظر في ذرا
ناضر
|
|
كما ركّب السنّ
فوق القناة
|
لوت حين ولّت
لنا جيدها
|
|
فأيّ حياة بدت
من وفاة
|
كما ذعر الظبي من
قانص
|
|
فمرّ وكرّر في
الالتفات
|
ثم صنع أيضا : [الكامل]
ولطيفة الألفاظ
لكن قلبها
|
|
لم أشك منه لوعة
إلّا عتا
|
كملت محاسنها
فودّ البدر أن
|
|
يحظى ببعض
صفاتها أو ينعتا
|
قد قلت لمّا
أعرضت وتعرضت
|
|
يا مؤيسا يا
مطمعا قل لي متى
|
قالت أنا الظبي
الغرير وإنما
|
|
ولّى وأوجس نبوة
فتلفّتا
|
قال علي بن ظافر :
وحضر يوما عند بني خليف بظاهر الإسكندرية في قصر رسا بناؤه
__________________
وسما ، وكاد يمزّق
بمزاحمته أثواب السما ، قد ارتدى جلابيب السحائب ، ولاث عمائم الغمائم ، وابتسمت ثنايا شرفاته ، واتسمت بالحسن حنايا غرفاته ،
وأشرف على سائر نواحي الدنيا وأقطارها ، وحبته الرياض بما ائتمنتها عليه السّحب من
ودائع أمطارها ، والرمل بفنائه قد نثر تبره في زبرجد كرومه ، والجوّ قد بعث بذخائر الطيب لطيمة نسيمه ، والنخل قد
أظهرت جواهرها ، ونشرت غدائرها ، والطّلّ ينثر لؤلؤه في مسارب النسيم ومساحبه ،
والبحر يرعد غيظا من عبث الرياح به ، فسأله بعض الحضور أن يصف ذلك الموضع الذي
تمّت محاسنه ، وغبط به ساكنه ، فجاشت لذلك لجج بحره ، وألقت إليه جواهره لترصيع
لبّة ذلك القصر ونحره ، فقال : [الوافر]
قصر بمدرجة
النسيم تحدّثت
|
|
فيه الرياض
بسرّها المستور
|
خفض الخورنق
والسّدير سموّه
|
|
وثنى قصور الروم
ذات قصور
|
لاث الغمام
عمامة مسكيّة
|
|
وأقام في أرض من
الكافور
|
غنّى الربيع به
محاسن وصفه
|
|
فافترّ عن نور
يروق ونور
|
فالدّوح يسحب
حلّة من سندس
|
|
تزهى بلؤلؤ
طلّها المنثور
|
والنخل كالغيد
الحسان تقرّطت
|
|
بسبائك المنظوم
والمنثور
|
والرمل في حبك
النسيم كأنما
|
|
أبدى غصون سوالف
المذعور
|
والبحر يرعد
متنه فكأنّه
|
|
درع تشنّ بمعطفي
مقرور
|
وكأننا والقصر
يجمع شملنا
|
|
في الأفق بين
كواكب وبدور
|
وكذاك دهر بني
خليف لم يزل
|
|
يثني المعاطف في
حبير حبور
|
ثم قال ابن ظافر :
وأخبرني الفقيه أبو الحسن علي بن الطوسي المعروف بابن السيوري الإسكندري النحوي
بما هذا معناه ، قال : كنت مع الأعز بن قلاقس في جماعة ، فمرّ بنا أبو الفضائل بن
فتوح المعروف بالمصري ، وهو راجع من المكتب ، ومعه دواته ، وهو في تلك الأيام قرّة
العين ظرفا وجمالا ، وراحة القلب قربا ووصالا ، كلّ عين إلى وجهه محدّقة ، ولمشهد
خدّيه بخلوق الخجل مخلّقة ، فاقترحنا عليه أن يتغزّل فيه ، فصنع بديها : [مجزوء
الكامل]
__________________
علّقته متعلّقا
|
|
بالخطّ معتكفا
عليه
|
حمل الدواة ولا
دوا
|
|
ء لعاشق يرجى
لديه
|
فدماء حبات
القلو
|
|
ب تلوح صبغا في
يديه
|
لم أدر ما أشكو
إلي
|
|
ه أهجره أم
مقلتيه
|
والحبّ يخرسني
على
|
|
أنّي ألكّع
سيبويه
|
ما لي إذا
أبصرته
|
|
شغل سوى نظري
إليه
|
وقد آن وقت الرجعة
إلى كلام الأندلسيين ، الذي حلا ، وأبعدنا عنه بما مرّ النّجعة فنقول:
ذكر الفتح في
قلائد العقيان ، كما قال ابن ظافر ، ما معناه : أخبرني الوزير أبو عامر بن بشتغير أنه حضر مجلس القائد أبي عيسى بن لبّون في يوم سفرت فيه
أوجه المسرّات ، ونامت عنه أعين المضرّات ، وأظهرت سقاته غصونا تحمل بدورا ، وتطوف
من المدام بنار مازجت من الماء نورا ، وشموس الكاسات تطلع في أكفّها كالورد في
السوسان ، وتغرب بين أقاحي نجوم الثغور فتذبل نرجس الأجفان ، وعنده الوزير أبو الحسن
بن الحاج اللورقي ، وهو يومئذ قد بذل الجهد ، في التحلّي بالزهد ، فأمر القائد بعض
السقاة أن يعرض عليه ذهب كاسه ، ويحييه بزبرجد آسه ، ويغازله بطرفه ، ويميل عليه
بعطفه ، ففعل ذلك عجلا ، فأنشد أبو الحسن مرتجلا : [الكامل]
ومهفهف مزج
الفتور بشدّة
|
|
وأقام بين تبذّل
وتمنّع
|
يثنيه من فعل
المدامة والصّبا
|
|
سكران سكر طبيعة
وتطبّع
|
أوما إليّ بكأسه
فكففتها
|
|
ورنا فشفّعها
بلحظ مطمع
|
والله لولا أن
يقال هوى الهوى
|
|
منه بفضل عزيمة
وتورّع
|
لأخذت في تلك
السبيل بمأخذي
|
|
فيما مضى ونزعت
فيها منزعي
|
وحكى الحميدي أنّ
عبد الملك بن إدريس الجزيري كان ليلة بين يدي الحاجب بن أبي عامر والقمر يبدو تارة
، ويخفيه السحاب تارة ، فقال بديها : [الوافر]
__________________
أرى بدر السماء
يلوح حينا
|
|
فيبدو ثم يلتحف
السّحابا
|
وذاك لأنه لمّا
تبدّى
|
|
وأبصر وجهك
استحيا فغابا
|
مقال لو نمى
عنّي إليه
|
|
لراجعني بتصديقي
جوابا
|
وكان صاعد اللغوي صاحب كتاب «القصوص» ـ وقد تكرّر ذكره في هذا الكتاب ـ كثيرا
ما يمدح بلاد العراق بمجلس المنصور بن أبي عامر ، ويصفها ، ويقرظها ، فكتب الوزير
أبو مروان عبد الملك بن شهيد والد الوزير أبي عامر أحمد بن شهيد صاحب الغرائب ،
وقد تقدّم بعض كلامه قريبا ، إلى المنصور في يوم برد ـ وكان أخصّ وزرائه به ـ بهذه
الأبيات : [المنسرح]
أما ترى برد
يومنا هذا
|
|
صيّرنا للكمون
أفذاذا
|
قد فطرت صحّة
الكبود به
|
|
حتى لكادت تعود
أفلاذا
|
فادع بنا
للشّمول مصطليا
|
|
نغذّ سيرا إليك
إغذاذا
|
وادع المسمّى
بها وصاحبه
|
|
تدع نبيلا وتدع
أستاذا
|
ولا تبالي أبا
العلاء زها
|
|
بخمر قطربّل
وكلواذا
|
ما دام من
أرملاط مشربنا
|
|
دع دير عمّي
وطيز ناباذا
|
وكان المنصور قد
عزم ذلك اليوم على الانفراد بالحرم ، فأمر بإحضار من جرى رسمه من الوزراء والندماء
، وأحضر ابن شهيد في محفّة لنقرس كان يعتاده ، وأخذوا في شأنهم ، فمرّ لهم يوم لم يشهدوا
مثله ، ووقت لم يعهدوا نظيره ، وطما الطرب وسما بهم ، حتى تهايج القوم ورقصوا ،
وجعلوا يرقصون بالنوبة ، حتى انتهى الدور إلى ابن شهيد ، فأقامه الوزير أبو عبد
الله بن عباس ، فجعل يرقص وهو متوكئ عليه ، ويرتجل ويومئ إلى المنصور ، وقد غلب
عليه السكر : [الرمل]
هاك شيخا قاده
عذر لكا
|
|
قام في رقصته
مستهلكا
|
لم يطق يرقصها
مستثبتا
|
|
فانثنى يرقصها
مستمسكا
|
__________________
عاقه عن هزّها
منفردا
|
|
نقرس أخنى عليه
فاتّكا
|
من وزير فيهم
رقّاصة
|
|
قام للسّكر
يناغي ملكا
|
أنا لو كنت كما
تعرفني
|
|
قمت إجلالا على
رأسي لكا
|
قهقه الإبريق
منّي ضاحكا
|
|
ورأى رعشة رجلي
فبكى
|
قال ابن ظافر :
وهذه قطعة مطبوعة ، وطرفها الأخير واسطتها ، وكان حاضرهم ذلك اليوم رجل بغدادي
يعرف بالفكيك ، حسن النادرة سريعها ، وكان ابن شهيد استحضره إلى المنصور
فاستطبعه ، فلما رأى ابن شهيد يرقص قائما مع ألم المرض الذي كان يمنعه من الحركة
قال : لله درّك يا وزير! ترقص بالقائمة ، وتصلّي بالقاعدة ، فضحك المنصور ، وأمر
لابن شهيد بمال جزيل ، ولسائر الجماعة ، وللبغدادي.
وقال ابن بسام : حدّث أبو بكر محمد بن أحمد بن جعفر بن عثمان المصحفي
قال: دخلت يوما على أبي عامر بن شهيد ، وقد ابتدأت علّته التي مات بها ، فأنس بي ،
وجرى الحديث إلى أن شكوت له تجنّي بعض أصحابي عليّ ، ونفاره عنّي ، فقال لي : سأسعى في إصلاح ذات البين
، فخرجت عنه ، واتّفق لقائي لذلك المتجني عليّ مع بعض أصحابي وأعزّهم عليّ ، فلمّا
رآني ذلك الصديق مولّيا عنه أنكر عليه ، وسأله عن السبب الموجب ، فأخبره ، وزادا
في مشيهما حتى لحقا بي ، وعزم عليّ في مكالمة صاحبي ، وتعاتبنا عتابا أرقّ من
الهواء ، وأشهى من الماء على الظّماء ، حتى جئنا دار أبي عامر ، فلما رآنا جميعا
ضحك وقال : من كان الذي تولّى إصلاح ما كنّا سررنا بفساده؟ قلنا : قد كان ما كان ،
فأطرق قليلا ثم أنشد:[المنسرح]
من لا أسمّي ولا
أبوح به
|
|
أصلح بيني وبين
من أهوى
|
أرسلت من كابد
الهوى فدرى
|
|
كيف يداوي مواقع
البلوى
|
ولي حقوق في
الحبّ ثابتة
|
|
لكنّ إلفي
يعدّها دعوى
|
وقد ذكرنا في هذا
الكتاب من غرائب أبي عامر بن شهيد في مواضع متفرّقة الغرائب ، وقدّمنا في الباب
الرابع حكايته مع المرأة الداخلة في رمضان لجامع قرطبة وحكيناها هناك بلفظ «المطمح»
فلتراجع.
__________________
وعبّر ابن ظافر عن
معناها بقوله : إنّ أبا عامر كان مع جماعة من أصحابه بجامع قرطبة في ليلة السابع
والعشرين من رمضان ، فمرّت امرأة به من بنات أجلّاء قرطبة ، قد كملت حسنا وظرفا ،
ومعها طفل يتبعها كالظبية تستتبع خشفا ، وقد حفّت بها الجواري ، كالبدر حفّ بالدراري ، فحين رأت
تلك الجماعة ، المعروفة بالخلاعة ، وقد رمقوا ذلك الظبي بعيون أسود رأت فريسة ، ارتاعت وتخوّفت أن تخطف منها تلك الدّرّة النفيسة ، فاستدنت إليها خشفها ، وألزمته
عطفها ، فارتجل ابن شهيد قائلا :
وناظرة تحت طيّ القناع إلخ
ومرّت في الباب
الرابع هذه الأبيات.
وقال الرئيس أبو
الحسن عبد الرحمن بن راشد الراشدي : لمّا نعيت أبا عامر بن شهيد إلى أبي عبد الله بن الخياط الشاعر ، وكان قد عرف ما بينهما من المنافسة ، فبكى
وأنشدني لنفسه بديهة : [السريع]
لمّا نعى الناعي
أبا عامر
|
|
أيقنت أني لست
بالصابر
|
أودى فتى الظّرف
وترب الندى
|
|
وسيّد الأول
والآخر
|
وقال ابن بسّام :
اصطبح المعتصم بن صمادح يوما مع ندمائه ، فأبرز لهم وصيفة مهدوية متصرفة في أنواع
اللعب المطرب من الدك ، وحضر أيضا هناك لاعب مصري ساحر فكان لعبه حسنا ، فارتجل
أبو عبد الله بن الحداد : [المتقارب]
كذا فلتلح قمرا
زاهرا
|
|
وتجني الهوى
ناظرا ناظرا
|
وسيبك سيب ندى
مغدق
|
|
أقام لنا هاميا
هامرا
|
وإنّ ليومك ذا
رونقا
|
|
منيرا كنور
الضّحى باهرا
|
__________________
صباح اصطباح
بإسفاره
|
|
لحظنا محيّا
العلا سافرا
|
وأطلعت فيه نجوم
الكؤوس
|
|
فما زال كوكبها
زاهرا
|
وأسمعتنا لاحنا
فاتنا
|
|
وأحضرتنا لاعبا
ساحرا
|
يرفرف فوق رؤوس
القيان
|
|
فننظر ما يذهل
الناظرا
|
ويحفظها ذيل
سرباله
|
|
فننظر طالعها
غائرا
|
فظاهرها ينثني
باطنا
|
|
وباطنها ينثني
ظاهرا
|
وثنّاه ثان
لألعابه
|
|
دقائق تثني
الحجا حائرا
|
وفي سورة الراح
من سحره
|
|
خواطر دلّهت
الخاطرا
|
إذا ورد اللحظ
أثناءها
|
|
فما الوهم عن
وردها صادرا
|
ومن حسن دهرك
إبداعه
|
|
فما انفكّ
عارضها ماطرا
|
وسعدك يجتلب
المغربات
|
|
فيجعل غائبها
حاضرا
|
قال : وحضر الأديب
أحمد بن الشقاق عند القائد بن درّي بجيان ، هو وأبو زيد بن مقانا الأشبوني ، فأحضر لهما عنبا أسود مغطّى بورق أخضر ، فارتجل ابن الشقاق : [الكامل]
عنب تطلّع من
حشا ورق لنا
|
|
صبغت غلائل جلده
بالإثمد
|
فكأنه من بينهنّ
كواكب
|
|
كسفت فلاحت في
سماء زبرجد
|
قال : وحضر ابن مرزقان ليلة عند ذي النون بن خلدون ، وبحضرته
وصيفة تحمل شمعة ، فاستحسنها ابن مرزقان ، فقال بديها : [السريع]
يا شمعة تحملها
أخرى
|
|
كأنها شمس علت
بدرا
|
امتحنت إحداكما
مهجتي
|
|
بمثل ما تمتحن
الأخرى
|
قال : دخل الأديب
غانم يوما على باديس صاحب غرناطة ، فوسّع له على ضيق كان في المجلس ، فقال بديها :
[البسيط]
__________________
صيّر فؤادك
للمحبوب منزلة
|
|
سمّ الخياط مجال
للمحبّين
|
ولا تسامح بغيضا
في معاشرة
|
|
فقلّما تسع
الدنيا بغيضين
|
وأخذه من قول
الخليل «ما تضايق سمّ الخياط بمتحابّين ، ولا اتّسعت الدنيا لمتباغضين».
وكان الخليل على
نمرقة صغيرة ، والمجلس متضايق ، فدخل عليه بعض أصحابه ، فرحّب به وأجلسه معه على
النمرقة ، فقال له الرجل : إنها لا تسعنا ، فقال ما ذكر.
وقال ابن بسام
أيضا : أمر الحاجب المنذر بن يحيى التّجيبي ، صاحب سرقسطة ، بعرض بعض الجند في بعض
الأيام ، ورئيسهم مملوك له رومي يقال له خيار في نهاية الجمال ، فجعل ينفخ في
القرن ليجتمع أصحابه على عادة لهم في ذلك ، فقال ابن هند الداني فيه ارتجالا : [الطويل]
أعن بابل أجفان
عينيك تنفث
|
|
ومن قوم موسى
أنت للعهد تنكث
|
أفي الحقّ أن
تحكي سرافيل نافخا
|
|
وأمكث في رمس
الصّدود وألبث
|
عساك ، نبيّ
الحسن ، تأتي بآية
|
|
فتنفخ في ميت
الصّدود فيبعث
|
قال : وكان بقرطبة
غلام وسيم ، فمرّ عليه ابن فرج الجيّاني ، ومعه صاحب له ، فقال صاحبه : إنه لصبيح
لو لا صفرة فيه ، فقال ابن فرج ارتجالا : [البسيط]
قالوا : به صفرة
عابت محاسنه
|
|
فقلت : ما ذاك
من عيب به نزلا
|
عيناه تطلب في
أوتار من قتلت
|
|
فلست تلقاه إلّا
خائفا وجلا
|
قال : وكان يوما
مع لمّة من أهل الأدب في مجلس أنس ، فاحتاج رب المنزل إلى دينار ، فوجّه إلى السوق
، فدخل به عليهم غلام من الصيارف في نهاية الجمال ، فرمى بالدينار إليهم من فيه
تماجنا ، فقال ابن فرج : [الكامل]
أبصرت دينارا
بكفّ مهفهف
|
|
يزهى به من كثرة
الإعجاب
|
أوما به من فيه
ثم رمى به
|
|
فكأنه بدر رمى
بشهاب
|
قال : وخرج الأديب أبو الحسن بن حصن الإشبيلي إلى وادي قرطبة
في نزهة ، فتذكّر إشبيلية ، فقال بديها : [المتقارب]
__________________
ذكرتك يا حمص
ذكرى هوى
|
|
أمات الحسود
وتعنيته
|
كأنك والشمس عند
الغروب
|
|
عروس من الحسن
منحوته
|
غدا النهر عقدك
والطود تاج
|
|
ك والشمس أعلاه
ياقوته
|
انتهى :
وعبّر بعضهم ، وهو
صاحب «بدائع البداءة» عن بعض حكايات
صاحب القلائد بما يقاربها في المعنى ، فقال : إن المستعين بن هود ملك سرقسطة
والثغور ركب نهر سرقسطة يوما لتفقّد بعض معاقله ، المنتظمة بجيد ساحله ، وهو نهر
رقّ ماؤه وراق ، وأزرى على نيل مصر ودجلة العراق ، قد اكتنفته البساتين من جانبيه
، وألقت ظلالها عليه ، فما تكاد عين الشمس أن تنظر إليه ، هذا على اتّساع عرضه ،
وبعد سطح مائه من أرضه ، وقد توسّط زورقه زوارق حاشيته توسّط البدر للهالة ،
وأحاطت به إحاطة الطّفاوة بالغزالة ، وقد أعدّوا من مكايد الصيد ما استخرج ذخائر الماء ،
وأخاف حتى حوت السماء ، وأهلّة الهالات طالعة من الموج في سحاب ، وقانصة من بنات الماء كلّ طائرة كالشهاب ، فلا ترى إلّا صيودا كقصد الصوارم ،
وقدود اللهازم ، ومعاصم الأبكار النواعم ، فقال الوزير أبو الفضل بن
حسداي والطرب استهواه ، وبديع ذلك المرأى قد استرقّ هواه : [البسيط]
لله يوم أنيق
واضح الغرر
|
|
مفضّض مذهب
الآصال والبكر
|
كأنّما الدّهر
لمّا ساء أعتبنا
|
|
فيه بعتبى فأبدى
صفح معتذر
|
نسير في زورق
حفّ السرور به
|
|
من جانبيه
بمنظوم ومنتثر
|
مدّ الشراع به
قدّا على ملك
|
|
بذ الأوائل في
أيامه الأخر
|
هو الإمام
الهمام المستعين حوى
|
|
علياء مؤتمن في
هدي مقتدر
|
__________________
تحوي السفينة
منه آية عجبا
|
|
بحر تجمّع حتى
صار في نهر
|
تثار من قعره
النّينان مصعدة
|
|
صيدا كما ظفر
الغوّاص بالدّرر
|
وللندامى به عبّ
ومرتشف
|
|
كالرّيق يعذب في
ورد وفي صدر
|
والشّرب في ودّ
مولى خلقه زهر
|
|
يذكو وبهجته
أبهى من القمر
|
ثم قال ما معناه :
وقوله «نينان» غير معروف ، فإنّ نونا لم يجيء جمعها على نينان ، وقد كان سيبويه
لحّن بشار بن برد في قوله في صفة السفينة : [الطويل]
تلاعب نينان
البحور وربّما
|
|
رأيت نفوس القوم
من جريها تجري
|
فغيّره بشار ب «تيار
البحور» وقد قال أبو الطيب يصف خيلا : [طويل]
فهنّ مع
السّيدان في البرّ عسّل
|
|
وهنّ مع
النّينان في البحر عوّم
|
انتهى.
والمستعين بن هود
هو أحمد بن المؤتمن على أمر الله يوسف بن المقتدر بالله أحمد بن المستضيء بالله
سليمان بن هود ، الجذامي ، رحم الله تعالى الجميع!.
وعبر المذكور عن
قضيّة ابن وهبون في هلال شوال بما نصّه : خرج ابن وهبون يوما لنظر هلال شوال ، وأبو بكر ابن
القبطرنة الوزير يسايره ، وهو يومئذ غلام يخجل البدر ، ويذوي الغصن النّضر ،
وصفحته لم يسطرها العذار بأنقاسه ، ووردة خدّه لم يسترها الشّعر بآسه ، فارتجل عبد الجليل :
[الخفيف]
يا هلال استتر
بوجهك عنّي
|
|
إنّ مولاك قابض
بشمالي
|
هبك تحكي سناه
خدّا بخدّ
|
|
قم فجئني لقدّه
بمثال
|
وقد ذكرنا هذه
الحكاية في غير هذا الموضع بلفظ الفتح في «القلائد» ولكنّا أعدناها هنا لتعبير
صاحب «البدائع» عنها محاكيا لطريقته.
وذكر ابن بسّام أن
الوزير أبا عبد الله بن أبي الخصال وقف بباب بعض القضاة ، واستأذن عليه ، فحجب عنه
، فكتب إليه بديها : [البسيط]
__________________
جئناك للحاجة
الممطول صاحبها
|
|
وأنت تنعم
والإخوان في بوس
|
وقد وقفنا طويلا
عند بابكم
|
|
ثم انصرفنا على
رأي ابن عبدوس
|
أشار به إلى قول
الوزير أبي عامر بن عبدوس : [مجزوء الوافر]
لنا قاض له خلق
|
|
أقلّ ذميمه
النّزق
|
إذا جئناه
يحجبنا
|
|
فنلعنه ونفترق
|
وهو تمليح مليح ،
سامح الله تعالى الجميع!.
وقال أبو جعفر
الكاتب القرطبي الربضي : [الكامل]
وأبي المدامة ما
أريد بشربها
|
|
صلف الرقيع ولا
انهماك اللاهي
|
لم يبق من عصر
الشباب وطيبه
|
|
شيء كعهدي لم
يحل إلّا هي
|
إن كنت أشربها
لغير وفائها
|
|
فتركتها للناس
لا لله
|
وبعضهم ينسبها
لأبي القاسم عامر بن هشام ، والصواب ـ كما قال ابن الأبار ـ الأوّل.
وقال أبو جعفر
المذكور في فوارة رخام كلّفه وصفها والي قرطبة : [المنسرح]
ما شغل الطّرف
مثل فائرة
|
|
تمجّ صرف الحياة
من فيها
|
إشرب بها
والحباب في جذل
|
|
يظهره حسنها
ويخفيها
|
كاد من رقّة
تضمّنها
|
|
تخطبها العين إذ
توافيها
|
كأنها درّة
منعّمة
|
|
زهراء قد ذاب
نصفها فيها
|
ومن شعره أيضا : [مجزوء
الكامل]
ضحك المشيب
برأسه
|
|
فبكى بأعين كاسه
|
رجل تخوّنه
الزّما
|
|
ن ببؤسه وبباسه
|
فجرى على غلوائه
|
|
طلق الجموح
بناسه
|
أخذا بأوفر حظّه
|
|
لرجائه من ياسه
|
__________________
وقال أحد بني
القبطرنة الوزراء : [المتقارب]
ذكرت سليمى ونار
الوغى
|
|
بقلبي كساعة
فارقتها
|
وأبصرت قدّ
القنا شبهها
|
|
وقد ملن نحوي
فعانقتها
|
وهذا معنى بديع ما
أراه سبق به.
وقال أبو الحسن بن
الغليظ المالقي : قلت يوما للأديب أبي عبد الله بن السراج المالقي ، ونحن على خرير
ماء : أجز : [الطويل]
شربنا على ماء كأنّ خريره
فقال مبادرا :
بكاء محبّ بان عنه حبيب
فمن كان مشغوفا
كئيبا بإلفه
|
|
فإني مشغوف به
وكئيب
|
وكتب أبو بكر
البلنسي إلى الأديب أبي بحر صفوان بن إدريس هذين البيتين يستجيزه القسيم الأخير
منهما : [الطويل]
خليلي أبا بحر
وما قرقف اللّمى
|
|
بأعذب من قولي
خليلي أبا بحر
|
أجز غير مأمور
قسيما نظمته
|
|
تأمّل على مجرى
المياه حلى الزّهر
|
فأجازه : [الطويل]
تأمّل على مجرى
المياه حلى الزّهر
|
|
كعهدك بالخضراء
والأنجم الزّهر
|
وقد ضحكت
للياسمين مباسم
|
|
سرورا بآداب
الوزير أبي بكر
|
وأصغت من الآس
النضير مسامع
|
|
لتسمع ما يتلوه
من سور الشعر
|
وقال ابن خفاجة : [الطويل]
وما الأنس إلّا
في مجاج زجاجة
|
|
ولا العيش إلّا
في صرير سرير
|
__________________
وإني وإن جئت
المشيب لمولع
|
|
بطرّة ظلّ فوق
وجه غدير
|
وقال ابن خفاجة
أيضا : [السريع]
وأسود يسبح في
لجّة
|
|
لا تكتم الحصباء
غدرانها
|
كأنها في شكلها
مقلة
|
|
وذلك الأسود
إنسانها
|
وكتب الوزير
الشهير أبو الوليد بن زيدون إلى الوزير أبي عبد الله بن عبد العزيز أثر صدوره عن
بلنسية : [مجزوء الكامل]
راحت فصحّ بها
السقيم
|
|
ريح معطّرة
النسيم
|
مقبولة هبّت قبو
|
|
لا فهي تعبق في
الشّميم
|
أفضيض مسك أم
بلن
|
|
سية لريّاها
نميم
|
إيه أبا عبد
الإل
|
|
ه نداء مغلوب
العزيم
|
إن عيل صبري من
فرا
|
|
قك فالعذاب به
أليم
|
أو أتبعتك
حنينها
|
|
نفسي فأنت لها
قسيم
|
ذكري لعهدك
كالعرا
|
|
ر سرى فبرّح
بالسّليم
|
مهما ذممت فما
زما
|
|
ني في ذمامك
بالذميم
|
زمن كمألوف
الرضا
|
|
ع يشوق ذكراه
الفطيم
|
أيام أعقد ناظري
|
|
في ذلك المرأى
الوسيم
|
وأرى الفتوّة
غضّة
|
|
في ثوب أوّاه
حليم
|
الله يعلم أنّ
حب
|
|
بك من فؤادي في
الصميم
|
ولئن تحمّل عنك
لي
|
|
جسم فعن قلب
مقيم
|
قل لي بأيّ خلال
سر
|
|
ك فيك أفتن أو
أهيم
|
ألمجدك العمم
الذي
|
|
نسق الحديث مع
القديم
|
أم ظرفك الغضّ
الجنى
|
|
أم عرضك الصافي
الأديم
|
__________________
أم برّك العذب
الجما
|
|
م وبشرك الغضّ
الجميم
|
إن أشمست تلك الطلا
|
|
قة فالندى منها
مغيم
|
أم بالبدائع
كاللآ
|
|
لي من نثير أو
نظيم
|
لبلاغة إن عدّ
أه
|
|
لوها فأنت بها
زعيم
|
فقر تسوغ بها
المدا
|
|
م إذا يكرّرها
النديم
|
إنّ الذي قسم
الحظو
|
|
ظ حباك بالخلق
العظيم
|
لا أستزيد الله
نع
|
|
مى فيك لا بل
أستديم
|
فلقد أقرّ العين
أن
|
|
ك غرّة الزمن
البهيم
|
حسبي الثناء
بحسن برّ
|
|
ك ما بدا برق
وشيم
|
ثم الدعاء بأن
ته
|
|
نّأ طول عيشك في
نعيم
|
ثم السلام
تبلّغن
|
|
ه فغيب مهديه
سليم
|
ولما ورد إشبيلية
نزل بدار الوزير الكاتب ذي الوزارتين أبي عامر بن مسلمة وهو يبني مجلسا ، فصنع
أبياتا كتبت فيه : [السريع]
عمّر ، من يعمر
ذا المجلسا
|
|
أطول عمر ، يبهج
الأنفسا
|
وبعد ذا عوّض من
داره
|
|
عدنا ومن ديباجه
السّندسا
|
ولقّي النور بها
والرضا
|
|
ووقّي الأسواء
والأبؤسا
|
ودام عبّاد لعضد
الهدى
|
|
يحرس حتى يفني
الأحرسا
|
معتضد بالله
إحسانه
|
|
جمّ إذا ما
الدهر يوما أسا
|
الملك الغمر
الندى المقتني
|
|
من كلّ حمد علقه
الأنفسا
|
إن رام يوما وصف
عليائه
|
|
مفوّه مقتدر
أخرسا
|
لا زال بدرا
طالعا نيّرا
|
|
يكشف عن آمالنا
الحندسا
|
__________________
وقال فيه أيضا : [المتقارب]
أدرها فقد حسن
المجلس
|
|
وقد آن أن تترع
الأكؤس
|
ولا تنس أنّ
أوان الربيع
|
|
إذا لم تجد فقده
الأنفس
|
فإنّ خلال أبي
عامر
|
|
بها يحقر الورد
والنرجس
|
وكتب إلى الوزير
أبي المعالي المهلب بن عامر يستدعيه : [السريع]
طابت لنا ليلتنا
الخاليه
|
|
فلنتبعنها هذه
الثانيه
|
أبا المعالي ،
نحن في راحة
|
|
فانقل إلينا
القدم العاليه
|
لأنها عاطلة إن
تغب
|
|
عنّا فزرنا كي
ترى حاليه
|
أنت الذي لو
تشترى ساعة
|
|
منه بدهر لم تكن
غاليه
|
كتب إليه ذو
الوزارتين أبو عامر المذكور معاتبا : [الوافر]
تباعدنا على قرب
الجوار
|
|
كأنّا صدّنا شطّ
المزار
|
تطلّع لي هلال
الهجر بدرا
|
|
وصار هلال وصلك
في سرار
|
وشاع شنيع قطعك
لي بوصلي
|
|
فهلّا كان ذلك
في استتار
|
أيجمل أن ترى
عنّي صبورا
|
|
فأصبح مولعا دون
اصطبار
|
وكنت أزيد سمعك
من عتابي
|
|
ولكن عاقني فرط
الخمار
|
فراع مودّتي
واحفظ جواري
|
|
فإنّ الله أوصى
بالجوار
|
وزرني منعما من
غير أمر
|
|
وآنس موحشا من
عقر داري
|
فكتب إليه ابن
زيدون : [الوافر]
هواي وإن تناءت
عنك داري
|
|
كمثل هواي في
حال الجوار
|
مقيم لا تغيّره
عواد
|
|
تباعد بين أحيان
المزار
|
__________________
رأيتك قلت إنّ
الهجر بدر
|
|
متى خلت البدور
من السرار
|
ورابك أنني جلد
صبور
|
|
وكم صبر يكون عن
اصطبار
|
ولم أهجر لعتب ،
غير أني
|
|
أضرّت بي معاقرة
العقار
|
وإنّ الخمر ليس
لها خمار
|
|
يبرّح بي فكيف
مع الخمار
|
وهل أنسى لديك
نعيم عيش
|
|
كوشي الخدّ طرّز
بالعذار
|
وساعات يجول
اللهو فيها
|
|
مجال الظل في
حدق النهار
|
وإن يك فرّ عنك
اليوم جسمي
|
|
فديت فما لقلبي
من فرار
|
وكنت على البعاد
أجلّ شيء
|
|
لديّ فكيف إذ
أصبحت جاري
|
وكان أبو العطّاف
إذ ورد إشبيلية رسولا قد سأله أن يريه شيئا من شعره ، فمطله به ، حتى كتب إليه
شعرا يستبطئه ، فأجابه ابن زيدون في العروض والقافية : [المنسرح]
أفدتني من نفائس
الدّرر
|
|
ما أبرزته غوائص
الفكر
|
من لفظة قارنت
نظائرها
|
|
قران سقم الجفون
للحور
|
وهي أكثر ممّا
ذكر.
وكتب رحمه الله
تعالى ـ أعني ذا الوزارتين ابن زيدون ـ إلى ولّادة : [البسيط]
أضحى التّنائي
بديلا من تدانينا
|
|
وناب عن طيب
دنيانا تجافينا
|
ألّا وقد حان
صبح الليل صبّحنا
|
|
حين فقام بنا
للحين ناعينا
|
من مبلغ
الملبسينا بانتزاحهم
|
|
حزنا مع الدهر
لا يبلى ويبلينا
|
أنّ الزمان الذي
ما زال يضحكنا
|
|
أنسا بقربهم قد
عاد يبكينا
|
غيظ العدا من
تساقينا الهوى فدعوا
|
|
بأن نغصّ فقال
الدهر آمينا
|
فانحلّ ما كان
معقودا بأنفسنا
|
|
وانبتّ ما كان
موصولا بأيدينا
|
بالأمس كنّا وما
يخشى تفرّقنا
|
|
واليوم نحن وما
يرجى تلاقينا
|
يا ليت شعري ولم
نعتب أعاديكم
|
|
هل نال حظّا من
العتبى أعادينا
|
__________________
لم نعتقد بعدكم
إلّا الوفاء لكم
|
|
رأيا ولم نتقلّد
غيره دينا
|
كنّا نرى اليأس
تسلينا عوارضه
|
|
وقد يئسنا فما
لليأس يغرينا
|
بنتم وبنّا فما
ابتلّت جوانحنا
|
|
شوقا إليكم ولا
جفّت مآقينا
|
نكاد حين
تناجيكم ضمائرنا
|
|
يقضي علينا
الأسى لولا تأسّينا
|
حالت لفقدكم
أيامنا فغدت
|
|
سودا وكانت بكم
بيضا ليالينا
|
إذ جانب العيش
طلق من تألّفنا
|
|
ومورد اللهو صاف
من تصافينا
|
وإذ هصرنا فنون
الوصل دانية
|
|
قطوفها فجنينا
منه ماشينا
|
ليسق عهدكم عهد
السرور فما
|
|
كنتم لأرواحنا
إلّا رياحينا
|
لا تحسبوا نأيكم
عنّا يغيّرنا
|
|
إن طال ما غيّر
النأي المحبّينا
|
والله ما طلبت
أهواؤنا بدلا
|
|
منكم ولا انصرفت
عنكم أمانينا
|
يا ساري البرق
غاد القصر فاسق به
|
|
من كان صرف
الهوى والودّ يسقينا
|
واسأل هنالك هل
عنّى تذكّرنا
|
|
إلفا تذكّره
أمسى يعنّينا
|
ويا نسيم الصّبا
بلّغ تحيّتنا
|
|
من لو على البعد
حيّا كان يحيينا
|
من لا يرى الدهر
يقضينا مساعفة
|
|
فيه وإن لم يكن
عنّا يقاضينا
|
من بيت ملك كأنّ
الله أنشأه
|
|
مسكا وقد أنشأ
الله الورى طينا
|
أو صاغه ورقا
محضا وتوّجه
|
|
من ناصع التّبر
إبداعا وتحسينا
|
إذا تأوّد آدته
رفاهية
|
|
توم العقود
وأدمته البرى لينا
|
كانت له الشمس
ظئرا في تكلّله
|
|
بل ما تجلّى لها
إلّا أحايينا
|
كأنما أثبتت في
صحن وجنته
|
|
زهر الكواكب
تعويذا وتزيينا
|
ما ضرّ أن لم
نكن أكفاءه شرفا
|
|
وفي المودّة كاف
من تكافينا
|
__________________
يا روضة طالما
أجنت لواحظنا
|
|
وردا جلاه
الصّبا غضّا ونسرينا
|
ويا حياة
تملّينا بزهرتها
|
|
منى ضروبا
ولذّات أفانينا
|
ويا نعيما خطرنا
من غضارته
|
|
في وشي نعمى
سحبنا ذيله حينا
|
لسنا نسقيك
إجلالا وتكرمة
|
|
وقدرك المعتلي
عن ذاك يغنينا
|
إذا انفردت وما
شوركت في صفة
|
|
فحسبنا الوصف
إيضاحا وتبيينا
|
يا جنّة الخلد أبدلنا
بسلسلها
|
|
والكوثر العذب
زقّوما وغسلينا
|
كأننا لم نبت
والوصل ثالثنا
|
|
والسعد قد غضّ
من أجفان واشينا
|
سرّان في خاطر
الظّلماء تكتمنا
|
|
حتى يكاد لسان
الصبح يفشينا
|
لا غرو في أن
ذكرنا الحزن حين نهت
|
|
عنه النّهى
وتركنا الصبر ناسينا
|
إنّا قرأنا
الأسى يوم النوى سورا
|
|
مكتوبة وأخذنا
الصبر تلقينا
|
أمّا هواك فلم
نعدل بمشربه
|
|
شربا وإن كان
يروينا فيظمينا
|
لم نجف أفق جمال
أنت كوكبه
|
|
سالين عنه ولم
نهجره قالينا
|
ولا اختيارا
تجنّبناك عن كثب
|
|
لكن عدتنا على
كره عوادينا
|
نأسى عليك إذا
حثّت مشعشعة
|
|
فينا الشّمول
وغنّانا مغنينا
|
لا أكؤس الراح
تبدي من شمائلنا
|
|
سيما ارتياح ولا
الأوتار تلهينا
|
دومي على العهد
ما دمنا محافظة
|
|
فالحرّ من دان
إنصافا كما دينا
|
فما استعضنا
خليلا عنك يحبسنا
|
|
ولا استفدنا
حبيبا عنك يغنينا
|
ولو صبا نحونا
من أفق مطلعه
|
|
بدر الدجى لم
يكن حاشاك يصبينا
|
أبلي وفاء وإن
لم تبذلي صلة
|
|
فالطيف يقنعنا
والذكر يكفينا
|
وفي الجواب متاع
لو شفعت به
|
|
بيض الأيادي
التي ما زلت تولينا
|
__________________
عليك مني سلام
الله ما بقيت
|
|
صبابة بك نخفيها
وتخفينا
|
وإنما ذكرت هذه
القصيدة ـ مع طولها ـ لبراعتها ؛ ولأن كثيرا من الناس لا يذكر جملتها ، ويظنّ أنّ
ما في القلائد وغيرها منها هو جميعها ، وليس كذلك ، فهي وإن اشتهرت بالمشرق
والمغرب لم يذكر جملتها إلّا القليل ، وقد كنت وقفت بالمغرب على تسديس لها لبعض
علماء المغرب ، ولم يحضرني منه الآن إلّا قوله في المطلع : [البسيط]
ما للعيون بسهم
الغنج تصمينا
|
|
وعن قطاف جنى
الأعطاف تحمينا
|
تألّف كان
يحيينا ويضنينا
|
|
تفرّق عاث في
شمل المحبّينا
|
|
أضحى التنائي
بديلا من تدانينا
|
|
وناب عن طيب
دنيانا تجافينا
|
ما أحسن قوله في
هذا التسديس : [البسيط]
ما للأحبّة
دانوا بالنوى ورأوا
|
|
تعريض عهد اللقا
بالبعد حين نأوا
|
رعاهم الله
كانوا للعهود رعوا
|
|
فغيّرتهم وشاة
بالفساد سعوا
|
غيظ العدا من
تساقينا الهوى فدعوا
|
|
بأن نغصّ فقال
الدهر آمينا
|
وقد ذكرنا في
الباب الرابع موشحة ابن الوكيل التي وطّأ فيها لنونية ابن زيدون هذه فلتراجع.
رجع : وقال ذو
الوزارتين ابن زيدون يتغزّل : [مجزوء الرمل]
وضح الصبح
المبين
|
|
وجلا الشكّ
اليقين
|
ورأى الأعداء ما
غر
|
|
رتهم منك الظنون
|
أمّلوا ما ليس يمنى
|
|
ورجوا ما لا
يكون
|
وتمنّوا أن يخون
ال
|
|
عبد مولى لا
يخون
|
فإذا الغيب سليم
|
|
وإذا العهد مصون
|
قل لمن دان
بهجري
|
|
وهواني إذ يدين
|
أرخص الحبّ
فؤادي
|
|
لك والعلق ثمين
|
__________________
يا هلالا تتراءا
|
|
ه نفوس لا عيون
|
عجبا للقلب يقسو
|
|
منك والعطف يلين
|
ما الذي ضرّك لو
سرّ
|
|
بمرآك الحزين
|
وتلطّفت بصبّ
|
|
حينه فيك يحين
|
فوجوه اللطف
شتّى
|
|
والمعاذير فنون
|
وقال أيضا : [الوافر]
إليك من الأنام
غدا ارتياحي
|
|
وأنت من الزمان
مدى اقتراحي
|
وما اعترضت هموم
النّفس إلّا
|
|
ومن ذكراك
ريحاني وراحي
|
فديتك ، إنّ
صبري عنك صبري ،
|
|
لدى عطشي عن
الماء القراح
|
ولي أمل لو
الواشون كفّوا
|
|
لأطلع غرسه ثمر
النّجاح
|
وأعجب كيف
يغلبني عدو
|
|
رضاك عليه من
أمضى سلاح
|
ولمّا أن جلتك
لي اختلاسا
|
|
أكفّ الدهر
للحين المتاح
|
رأيت الشمس تطلع
في نقاب
|
|
وغصن البان يرفل
في وشاح
|
فلو أسطيع طرت
إليك شوقا
|
|
وكيف يطير مقصوص
الجناح
|
على حالي وصال
واجتناب
|
|
وفي يومي دنوّ وانتزاح
|
وحسبي أن تطالعك
الأماني
|
|
بأفقك في مساء
أو صباح
|
فؤادي من أسى بك
غير خال
|
|
وقلبي من هوى لك
غير صاح
|
وأن تهدي السلام
إليّ شوقا
|
|
ولو في بعض
أنفاس الرياح
|
وقال : [مجزوء الكامل]
كم ذا أريد ولا
أراد؟
|
|
لله ما لقي
الفؤاد
|
أصفي الوداد إلى
الذي
|
|
لم يصف لي منه
الوداد
|
__________________
كيف السّلوّ عن
الذي
|
|
مثواه من قلبي
السواد
|
يقضي عليّ دلاله
|
|
في كلّ حين أو
يكاد
|
ملك القلوب
بحسنه
|
|
فلها إذا أمر
انقياد
|
يا هاجري كم
أستفي
|
|
د الصبر عنك فلا
أفاد
|
أفلا رثيت لمن
يبي
|
|
ت وحشو مقلته
السّهاد
|
إن أجن ذنبا في
الهوى
|
|
خطأ فقد يكبو
الجواد
|
كان الرضا
وأعيذه
|
|
أن يعقب الكون
الفساد
|
وقال : [المجتث]
متى أنبّيك ما
بي
|
|
يا راحتي وعذابي
|
متى ينوب لساني
|
|
في شرحه عن
كتابي
|
الله يعلم أني
|
|
أصبحت فيك لما
بي
|
فما يلذّ منامي
|
|
ولا يسوغ شرابي
|
يا فتنة
المتعزّي
|
|
وحجّة المتصابي
|
الشمس أنت توارت
|
|
عن ناظري
بالحجاب
|
ما النور شفّ
سناه
|
|
على رقيق
السّحاب
|
إلّا كوجهك لمّا
|
|
أضاء تحت
النّقاب
|
وقال : [مجزوء الرمل]
هل لداعيك مجيب؟
|
|
أم لشاكيك طبيب
|
يا قريبا حين
ينأى
|
|
حاضرا حين يغيب
|
كيف يسلوك محبّ
|
|
زانه منك حبيب
|
إنّما أنت نسيم
|
|
تتلقّاه القلوب
|
__________________
قد علمنا علم
ظنّ
|
|
هو لا شكّ مصيب
|
إنّ سرّ الحسن
ممّا
|
|
أضمرت تلك
القلوب
|
وقال :
أنّى تضيّع عهدك؟
|
|
أم كيف تخلف
وعدك
|
وقد رأتك
الأماني
|
|
رضا فعلم تتعدّك
|
يا ليت شعري
وعندي
|
|
ما ليس في الحب
عندك
|
هل طال ليلك
بعدي
|
|
كطول ليلي بعدك
|
سلني حياتي
أهبها
|
|
فلست أملك ردّك
|
الدهر عبدي لمّا
|
|
أصبحت في الحبّ
عبدك
|
وقال رحمه الله
تعالى ، وقد أمره السلطان أن يعارض قطعا كان يغنّى بها واستحسن ألحانها: [المتقارب]
يقصّر قربك ليلي
الطويلا
|
|
ويشفي وصالك
قلبي العليلا
|
وإن عصفت منك
ريح الصّدود
|
|
فقدت نسيم
الحياة البليلا
|
كما أنني إن
أطلت العثار
|
|
ولم يبد عذري
وجها جميلا
|
وجدت أبا القاسم
الظّافر الم
|
|
ؤيّد بالله مولى
مقيلا
|
لأقلامه فعل
أسيافه
|
|
يظلّ الصّرير
يباري الصّليلا
|
وقال يهنّيه
بالقدوم من السفر : [الرمل]
أيها الظافر
أبشر بالظّفر
|
|
واجتل التأييد
في أبهى الصّور
|
وتفيّأ ظلّ سعد
يجتنى
|
|
فيه من غرس
المنى أحلى الثمر
|
ورد النّجح فكم
مستوحش
|
|
شائق منك إلى
أنس الصّدر
|
كان من قربك في
عيش ند
|
|
عاطر الآصال
وضّاح البكر
|
__________________
فثوى دونك مثوى
قلق
|
|
يشتكي من ليله
مطل السّحر
|
قل لساقينا يجد
أكؤسه
|
|
ولشادينا يطل
قطع الوتر
|
ومنها :
لي فيه المثل
السائر في
|
|
جالب التّمر إلى
أرض هجر
|
ثم قد وفّق عبد
عظمت
|
|
نعمة المولى
عليه فشكر
|
لا عدا حظّك
إقبال يرى
|
|
قاضيا أبناءه
كلّ وطر
|
واصطبح كأس
الرّضا من ملك
|
|
سرت في إرضائه
أزكى السّير
|
حين صمّمت إلى
أعدائه
|
|
فانتحتهم منك
صمّاء الغير
|
فاض غمر للندى
من فوقهم
|
|
كان يروي شربهم
منه العمر
|
سبق الناس فصلّى
سابق
|
|
إذ رأى آثاره
مثل الزّهر
|
وهي طويلة.
وقال رحمه الله
تعالى : [الرمل]
لم يكن هجر
حبيبي عن قلا
|
|
لا ولا ذاك
التّجنّي مللا
|
سرّه دعوى
ادعائي ثم لم
|
|
يدر ما غاية
صبري فابتلى
|
أنا راض بالذي
يرضى به
|
|
لي من لو قال مت
ما قلت لا
|
مثل في كلّ حسن
مثل ما
|
|
صار حالي في
هواه مثلا
|
يا فتيت المسك
يا شمس الضحى
|
|
يا قضيب البان
يا ظبي الفلا
|
إن يكن لي أمل
غير الرّضا
|
|
منك لا بلّغت
ذاك الأملا
|
وقال رحمه الله
تعالى : [البسيط]
أذكرتني سالف
العيش الذي طابا
|
|
يا ليت غائب ذاك
الوقت قد آبا
|
إذ نحن في روضة
للوصل أنعمها
|
|
من السرور غمام
فوقها صابا
|
__________________
إني لأعجب من
شوق يطالبني
|
|
فكلّما قيل فيه
قد قضى ثابا
|
كم نظرة لك عندي
قد علمت بها
|
|
يوم الزيارة أنّ
القلب قد ذابا
|
قلب يطيل
معاصاتي لطاعتكم
|
|
فإن أكلّفه يوما
سلوة يابى
|
وقال رحمه الله
تعالى : [البسيط]
عاودت ذكر الهوى
من بعد نسياني
|
|
واستحدث القلب
بعد العشق سلواني
|
من حبّ جارية
يبدو بها صنم
|
|
من اللّجين
عليها تاج عقيان
|
غريرة لم
تفارقها تمائمها
|
|
تسبي القلوب
بساجي الطّرف وسنان
|
لأستجدّنّ في
عشقي لها زمنا
|
|
يحيي سوالف
أيامي وأزماني
|
حتّى يكون لمن
أحببت خاتمة
|
|
نسخت في حبّها
كفرا بإيمان
|
وقال رحمه الله
تعالى : [الخفيف]
أنت معنى الهوى
وسرّ الدموع
|
|
وسبيل الهوى
وقصد الولوع
|
أنت والشمس
ضرّتان ولكن
|
|
لك عند الغروب
فضل الطّلوع
|
ليس يا مؤنسي
نكلّفك العت
|
|
ب دلالا من
الرّضا الممنوع
|
إنما أنت
والحسود معنّى
|
|
كوكب يستقيم بعد
الرجوع
|
وقال رحمه الله
تعالى : [مجزوء الكامل]
يا ليل ، طل لا
أشتهي
|
|
إلا كعهدي قصرك
|
لو بات عندي
قمري
|
|
ما بتّ أرعى
قمرك
|
يا ليل ، خبّر
أنني
|
|
ألتذّ عنه خبرك
|
بالله قل لي هل
وفى؟
|
|
فقال : لا بل
غدرك
|
وقال رحمه الله
تعالى : [المتقارب]
لئن فاتني منك
حظّ النّظر
|
|
لأكتفين بسماع
الخبر
|
__________________
وإن عرضت غفلة
للرقيب
|
|
فحسبي بتسليمة
تختصر
|
أحاذر أن يتجنّى
الوشاة
|
|
وقد يستدام
الهوى بالحذر
|
فأصبر مستيقنا
أنه
|
|
سيحظى بليل
المنى من صبر
|
وقال أيضا رحمه
الله تعالى : [مجزوء الرمل]
أيها البدر الذي
يم
|
|
لأ عيني من
تأمّل
|
حمّل القلب
تباري
|
|
ح التّجنّي
فتحمّل
|
ثم لا تيأس فكم
قد
|
|
نيل أمر لم
يؤمّل
|
وقال أيضا رحمه
الله تعالى : [الطويل]
أجدّ ومن أهواه
في الحبّ عابث
|
|
وأوفي له بالعهد
إذ هو ناكث
|
حبيب نأى عنّي
مع القرب والأسى
|
|
مقيم له في مضمر
القلب ماكث
|
جفاني بألطاف
العدا وأزاله
|
|
عن الوصل رأي في
القطيعة حادث
|
تغيّرت عن عهدي
وما زلت واثقا
|
|
بعهدك لكن
غيّرتك الحوادث
|
وما كنت إذ
ملّكتك القلب عالما
|
|
بأني عن حتفي
بكفّي باحث
|
ستبلى الليالي
والوداد بحاله
|
|
مقيم وغضّ وهو
للأرض وارث
|
فلو أنني أقسمت
أنك قاتلي
|
|
وأني مقتول لما
قيل حانث
|
وقال رحمه الله
تعالى : [مجزوء الخفيف]
يا غزالا أصارني
|
|
موثقا في يد
المحن
|
إنني مذ هجرتني
|
|
لم أذق لذّة
الوسن
|
ليت حظّي إشارة
|
|
منك أو لحظة
تعنّ
|
شافعي يا معذّبي
|
|
في الهوى وجهك
الحسن
|
كنت خلوا من
الهوى
|
|
وأنا اليوم
مرتهن
|
__________________
كان سرّي مكتّما
|
|
وهو الآن قد علن
|
ليس لي عنك مذهب
|
|
فكما شئت لي فكن
|
وقال رحمه الله
تعالى : [الوافر]
أيوحش لي الزمان
وأنت أنسي
|
|
ويظلم لي النهار
وأنت شمسي
|
وأغرس في محبّتك
الأماني
|
|
وأجني الموت من
ثمرات غرسي
|
لقد جازيت غدرا
عن وفائي
|
|
وبعت مودّتي
ظلما ببخس
|
ولو أنّ الزمان
أطاع حكمي
|
|
فديتك من مكارهه
بنفسي
|
ومحاسن ابن زيدون
كثيرة ، وقد ذكرنا منها في غير هذا المحلّ جملة.
وسألت جارية من
جواري الأندلس ذا الوزارتين أبا الوليد بن زيدون أن يزيد على بيت أنشدته إيّاه ،
وهو : [البسيط]
يا معطشي من
وصال كنت وارده
|
|
هل منك لي غلّة
إن صحت : واعطشي
|
قال : وكانت
الجارية المذكورة تتعشّق فتّى قرشيّا ، والوزير يعلم ذلك ، وهي لا تعلم أنه يعلم ،
فقال : [البسيط]
كسوتني من ثياب
السّقم أسبغها
|
|
ظلما وصيّرت من
لحف الضّنى فرشي
|
أنّى بصرف الهوى
عن مقلة كحلت
|
|
بالسّحر منك وخدّ
بالجمال وشي
|
لمّا بدا الصّدغ
مسودّا بأحمره
|
|
أرى التشاكل بين
الروم والحبش
|
أوفى إلى الخدّ
ثم انصاع منعطفا
|
|
كالعقربان انثنى
من خوف محترش
|
لو شئت زرت وسلك
الليل منتظم
|
|
والأفق يختال في
ثوب من الغبش
|
جفا إذا التذّت
الأجفان طيب كرى
|
|
جفني المنام
وصاح الليل : يا قرشي
|
هذا وإن تلفت
نفسي فلا عجب
|
|
قد كان قتلي في
تلك الجفون حشي
|
وكان لابن الحاج
صاحب قرطبة ثلاثة أولاد من أجمل الناس صورة : رحمون ، وعزّون ، وحسون ، فأولع بهم
الحافظ الشهير أبو محمد بن السيد البطليوسي صاحب «شرح أدب الكاتب» وغيره وقال فيهم
: [البسيط]
__________________
أخفيت سقمي حتى
كاد يحفيني
|
|
وهمت في حبّ
عزّون فعزّوني
|
ثم ارحموني
برحمون وإن ظمئت
|
|
نفسي إلى ريق
حسّون فحسّوني
|
قال : ثم خاف على
نفسه ، فخرج عن قرطبة ، وهو القائل : [الكامل]
نفسي الفداء
لجؤذر حلو اللّمى
|
|
مستحسن بصدوده
أفناني
|
في فيه سمطا
جوهر يروي الظما
|
|
لو علّني ببروده
أحياني
|
وهذان البيتان
تخرج منهما عدة مقطعات كما لا يخفى.
وقال أبو بكر محمد
بن أحمد الأنصاري الإشبيلي المعروف بالأبيض ، في تهنئة بمولود ، قال ابن دحية :
وهذا أبدع ما قيل في هذا المعنى : [البسيط]
أصاخت الخيل
آذانا لصرخته
|
|
واهتزّ كلّ هزبر
عندما عطسا
|
تعشّق الدّرع مذ
شدّت لفائفه
|
|
وأبغض المهد
لمّا أبصر الفرسا
|
تعلّم الركض
أيام المخاض به
|
|
فما امتطى الخيل
إلّا وهو قد فرسا
|
وقال الوزير
الكاتب أبو عامر السالمي في غلام يرشّ الماء على خدّيه فتزداد حمرتهما : [البسيط]
لقد نعمت بحمّام
تطلّع في
|
|
أرجائه قمر
والحسن يكمله
|
أبصرته كلّما
راقت محاسنه
|
|
ونعمة الجسم
والأرداف تخجله
|
يرشّ بالماء
خدّيه فقلت له
|
|
صف لي لما أحمر
الياقوت تصقله
|
فقال طرفي سفّاك
بصارمه
|
|
دماء قوم على
خدّي فأغسله
|
وقال أيضا : [مجزوء
الرمل]
أوقد النار
بقلبي
|
|
ثم هبّت ريح
صدّه
|
فشرار النار
طارت
|
|
فانطفت في ماء
خدّه
|
وهو تخييل عجيب.
__________________
وقال ابن الحنّاط المكفوف الأندلسي في المعنى المشهور : [الكامل]
لم يخل من نوب
الزمان أديب
|
|
كلّا فشأن
النائبات عجيب
|
وغضارة الأيام
تأبى أن يرى
|
|
فيها لأبناء
الذكاء نصيب
|
وكذاك من صحب
الليالي طالبا
|
|
جدّا وفهما فاته
المطلوب
|
وكان ابن الزّقاق
الأندلسي الشاعر المشهور ـ وقد تكرّر ذكره في هذا الكتاب مرات كثيرة ـ يسهر في الليل ، ويشتغل بالأدب ، وكان أبوه
فقيرا جدا ، فلامه ، وقال له : نحن فقراء ، ولا طاقة لنا بالزيت الذي تسهر عليه ،
فاتّفق أن برع في الأدب والعلم ونظم الشعر ، فقال في أبي بكر بن عبد العزيز صاحب
بلنسية قصيدة أوّلها : [السريع]
يا شمس خدر ما
لها مغرب
|
|
أرامة خدرك أم
يثرب
|
ذهبت فاستعبر
طرفي دما
|
|
مفضّض الدّمع به
مذهب
|
ومنها :
ناشدتك الله
نسيم الصّبا
|
|
أنّى استقرّت
بعدنا زينب
|
لم نسر إلّا
بشذا عرفها
|
|
أو لا فماذا
النّفس الطّيّب
|
إيه وإن عذّبني
حبّها
|
|
فمن عذاب النّفس
ما يعذب
|
فأطلق له ثلاثمائة
دينار ، فجاء بها إلى أبيه وهو جالس في حانوته مكبّ على صنعته ، فوضعها في حجره ،
وقال : خذها فاشتر بها زيتا.
وقال رحمه الله
تعالى في غلام يرمي حجرا فشدخ وجهه : [المتقارب]
وأحوى رمى عن
قسيّ الحور
|
|
سهاما يفوّقهنّ
النظر
|
يقولون وجنته
قسّمت
|
|
ورسم محاسنه قد
دثر
|
وما شقّ وجنته
عابثا
|
|
ولكنّها آية
للبشر
|
جلاها لنا الله
كيما نرى
|
|
بها كيف كان
انشقاق القمر
|
__________________
وقال أيضا : [الكامل]
بأبي وغير أبي
أغنّ مهفهف
|
|
مهضوم ما خلف
الوشاح خميصه
|
لبس السواد
ومزّقته جفونه
|
|
فأتى كيوسف حين
قدّ قميصه
|
وقال أيضا : [الطويل]
سقتني بيمناها
وفيها فلم أزل
|
|
يجاذبني من ذا
ومن هذه سكر
|
ترشّفت فاها إذ
ترشّفت كأسها
|
|
فلا والهوى لم
أدر أيّهما الخمر
|
وقال : [البسيط]
رقّ النسيم وراق
الروض بالزّهر
|
|
فنبّه الكأس
والإبريق بالوتر
|
ما العيش إلّا
اصطباح الراح أو شنب
|
|
يغني عن الراح
من سلسال ذي أشر
|
قل للكواعب غضّي
للكرى مقلا
|
|
فأعين الزّهر
أولى منك بالسّهر
|
وللصباح ألا
فانشر رداء سنا
|
|
هذا الدّجى قد
طوته راحة السّحر
|
وقام بالقهوة
الصهباء ذو هيف
|
|
يكاد معطفه
ينقدّ بالنّظر
|
يطفو عليها إذا
ما شجّها درر
|
|
تخالها اختلست
من ثغره الخصر
|
والكأس من كفّه
بالراح محدقة
|
|
كهالة أحدقت في
الأفق بالقمر
|
وقال : [الطويل]
تضوّعن أنفاسا
وأشرقن أوجها
|
|
فهنّ منيرات
الصباح بواسم
|
لئن كنّ زهرا
فالجوانح أبرج
|
|
وإن كنّ زهرا
فالقلوب كمائم
|
وهو من بديع
التقسيم.
وقال السميسر : [الوافر]
تحفّظ من ثيابك
ثم صنها
|
|
وإلّا سوف
تلبسها حدادا
|
__________________
وميّز في زمانك
كلّ حبر
|
|
وناظر أهله تسد
العبادا
|
وظنّ بسائر
الأجناس خيرا
|
|
وأمّا جنس آدم
فالبعادا
|
أرادوني بجمعهم
فردّوا
|
|
على الأعقاب قد
نكصوا فرادى
|
وعادوا بعد ذا
إخوان صدق
|
|
كبعض عقارب رجعت
جرادا
|
وقال ابن رزين ،
وهو من رجال الذخيرة : [مجزوء الكامل]
لأسرّحنّ نواظري
|
|
في ذلك الروض
النضير
|
ولآكلنّك بالمنى
|
|
ولأشربنّك
بالضمير
|
وقال سلطان بلنسية
عبد الملك بن مروان بن عبد الله بن عبد العزيز : [الطويل]
ولا غرو بعدي أن
يسوّد معشر
|
|
فيضحي لهم يوم
وليس لهم أمس
|
كذاك نجوم الجوّ
تبدو زواهرا
|
|
إذا ما توارت في
مغاربها الشمس
|
وتحاكم إلى أبي
أيوب سليمان بن محمد بن بطال البطليوسي المعروف بالمتلمس غلامان جميلان لأحدهما
وفرة شقراء ، وللآخر سوداء : أيهما أحسن؟ والمتلمس المذكور هو صاحب كتاب «الأحكام
، فيما لا يستغني عنه الحكام» فقال : [البسيط]
وشادنين ألمّا
بي على مقة
|
|
تنازعا الحسن في
غايات مستبق
|
كأنّ لمّة ذا من
نرجس خلقت
|
|
على بهار وذا
مسك على ورق
|
وحكّما الصّبّ
في التفضيل بينهما
|
|
ولم يخافا عليه
رشوة الحدق
|
فقام يدلي إليه
الرّيم حجّته
|
|
مبيّنا بلسان
منه منطلق
|
فقال : وجهي بدر
يستضاء به
|
|
ولون شعري مصبوغ
من الغسق
|
وكحل عيني سحر
للنّهى وكذا
|
|
والسحر أحسن ما
يعزى إلى الحدق
|
فقال صاحبه :
أحسنت وصفك ل
|
|
كن فاستمع لمقال
فيّ متّفق
|
أنا على أفقي
شمس النهار ، ولم
|
|
تغرب وشقرة شعري
حمرة الشفق
|
وفضل ما عيب في
عينيّ من زرق
|
|
أنّ الأسنّة قد
تعزى إلى الزّرق
|
__________________
قضيت للّمّة
الشقراء حيث حكت
|
|
نورا كذا حبّها
يقضي على رمقي
|
فقام ذو اللّمّة
السوداء يرشقني
|
|
سهام أجفانه من
شدّة الحنق
|
وقال جرت فقلت
الجور منك على
|
|
قلبي ولي شاهد
من دمعي الغدق
|
فقلت عفوك إذ
أصبحت متّهما
|
|
فقال دونك هذا
الحبل فاختنق
|
وقال أبو محمد عبد
الله بن غالب : [الكامل]
ومهفهف خنث
الجفون كأنما
|
|
من أرجل النمل
استفاد عذارا
|
فتخاله ليلا إذا
استقبلته
|
|
وتخال ما يجري
عليه نهارا
|
وقال أبو القاسم
خلف بن فرج السميسر المتقدّم : [المجتث]
الناس مثل حباب
|
|
والدّهر لجّة
ماء
|
فعالم في طفوّ
|
|
وعالم في انطفاء
|
وقال أحمد بن برد
الأندلسي في النرجس ، وهو البهار عند الأندلسيين ، ويسمّى العبهر:[الطويل]
تنبّه فقد شقّ
البهار مغلّسا
|
|
كمائمه عن نوره
الخضل النّدي
|
مداهن تبر في
أنامل فضّة
|
|
على أذرع مخروطة
من زبرجد
|
وقال الوزير عبد
المجيد بن عبدون في دار أنزله بها المتوكل بن الأفطس وسقفها قديم ، فهطل عليه
المطر منه : [الطويل]
أيا ساميا من
جانبيه إلى العلا
|
|
(سموّ حباب الماء حالا إلى حال)
|
لعبدك دار حلّ
فيها كأنها
|
|
(ديار لسلمى عافيات بذي الخال)
|
يقول لها لمّا
رأى من دثورها
|
|
(ألا عم صباحا أيها الطلل البالي)
|
فقالت ولم تعبأ
بردّ جوابه
|
|
(وهل يعمن من كان في العصر الخالي)
|
فمر صاحب
الإنزال فيها بفاصل
|
|
(فإنّ الفتى يهذي وليس بفعّال)
|
قيل : وهو أبو
عذرة تضمين لامية امرئ القيس ، وقد أولع الناس بعده بتضمينها.
__________________
وقال أبو الفضل بن
حسداي ، وكان يهوديّا فأسلم ، ويقال : إنه من ولد موسى على نبيّنا وعليه وعلى سائر
الأنبياء الصلاة والسلام : [البسيط]
توريد خدّك
للأحداق لذّات
|
|
عليه من عنبر
الأصداغ لامات
|
نيران هجرك
للعشّاق نار لظى
|
|
لكن وصالك إن
واصلت جنّات
|
كأنما الراح
والراحات تحملها
|
|
بدور تمّ وأيدي
الشّرب هالات
|
حشاشة ما تركنا
الماء يقتلها
|
|
إلّا لتحيا بها
منّا حشاشات
|
قد كان من قبلها
في كأسها ثقل
|
|
فخفّ إذ ملئت
منها الزجاجات
|
وقد تبارى
المشارقة والمغاربة من المتقدّمين والمتأخّرين في هذا الوزن والقافية ، ولو لا خوف
السآمة لذكرت من ذلك الجملة الشافية الكافية.
ومن سرعة جواب أهل
الأندلس أنّ ابن عبد ربه كان صديقا لأبي محمد يحيى القلفاط الشاعر ، ففسد ما
بينهما بسبب أنّ ابن عبد ربه صاحب العقد مرّ به يوما وكان في مشيه اضطراب ، فقال :
أبا عمر ما علمت أنك آدر إلّا اليوم لمّا رأيت مشيك ، فقال له ابن عبد ربه : كذبتك
عرسك أبا محمد ، فعزّ على القلفاط كلامه ، وقال له : أتتعرّض للحرم؟ والله لأرينّك
كيف الهجاء ، ثم صنع فيه قصيدة أوّلها : [البسيط]
يا عرس أحمد ،
أني مزمع سفرا
|
|
فودّعيني سرّا
من أبي عمرا
|
ثم تهاجيا بعد
ذلك. وكان القلفاط يلقبه بطلاس لأنه كان أطلس اللحية ، ويسمّي كتاب «العقد» حبل
الثوم ، فاتّفق اجتماعهما يوما عند بعض الوزراء ، فقال الوزير للقلفاط : كيف حالك
اليوم مع أبي عمر؟ فقال مرتجلا : [السريع]
حال طلاس لي عن
رائه
|
|
وكنت في قعدد
أبنائه
|
فبدر ابن عبد ربه
وقال : [السريع]
إن كنت في قعدد
أبنائه
|
|
فقد سقى أمّك من
مائه
|
فانقطع القلفاط
خجلا. وعاش ابن عبد ربه ٨٢ سنة ، رحمه الله تعالى!
ومن الحكايات في
مروءة أهل الأندلس ما ذكره صاحب «الملتمس» في ترجمة الكاتب
__________________
الأديب الشهير أبي
الحسين بن جبير صاحب الرحلة ، وقد قدّمنا ترجمته في الباب الخامس من هذا الكتاب ،
وذكرنا هنالك أنه كان من أهل المروءات عاشقا في قضاء الحوائج والسعي في حقوق
الإخوان ، وأنشدنا هنالك قوله :
يحسب الناس بأني متعب
إلى آخره .
وقد ذكر ذلك كلّه
صاحب «الملتمس» ثم قال ـ أعني صاحب الملتمس ـ :
ومن أغرب ما يحكى
أني كنت أحرص الناس على أن أصاهر قاضي غرناطة أبا محمد عبد المنعم بن الفرس ، فجعلته ـ يعني ابن جبير ـ الواسطة حتى تيسّر ذلك ، فلم
يوفّق الله ما بيني وبين الزوجة ، فجئته وشكوت له ذلك ، فقال : أنا ما كان القصد
لي في اجتماعكما ، ولكن سعيت جهدي في غرضك ، وها أنا أسعى أيضا في افتراقكا ، إذ هو من غرضك ، وخرج في الحين ففصل القضية ، ولم أر في
وجهه أولا ولا آخرا عنوانا لامتنان ولا تصعيب ، ثم إنه طرق بابي ، ففتحت له ، ودخل
وفي يده محفظة فيها مائة دينار مؤمنية ، ثم قال : يا ابن أخي ، اعلم أني كنت السبب
في هذه القضية ، ولم أشكّ أنك خسرت فيها ما يقارب هذا القدر الذي وجدته الآن عند
عمّك ، فبالله إلّا ما سررتني بقبوله ، فقلت له : أنا ما أستحيي منك في هذا الأمر
، والله إن أخذت هذا المال لأتلفنّه فيما أتلفت فيه مال والدي من أمور الشباب ،
ولا يحلّ لك أن تمكنني منه بعد أن شرحت لك أمري ، فتبسّم وقال : لقد احتلت في الخروج
عن المنّة بحيلة ، وانصرف بماله ، انتهى.
ثم قال صاحب «الملتمس»
: وتذاكرنا يوما معه حالة الزاهد أبي عمران المارتلي ، فقال: صحبته مدّة فما رأيت
مثله ، وأنشدني شعرين ما نسيتهما ، ولا أنساهما ما استطعت ، فالأول قوله : [المتقارب]
إلى كم أقول فلا
أفعل
|
|
وكم ذا أحوم ولا
أنزل
|
وأزجر عيني فلا
ترعوي
|
|
وأنصح نفسي فلا
تقبل
|
وكم ذا تعلّل لي
ويحها
|
|
بعلّ وسوف وكم
تمطل
|
__________________
وكم ذا أؤمّل
طول البقا
|
|
وأغفل والموت لا
يغفل
|
وفي كلّ يوم
ينادي بنا
|
|
منادي الرحيل
ألا فارحلوا
|
أمن بعد سبعين
أرجو البقا
|
|
وسبع أتت بعدها
تعجل
|
كأن بي وشيكا
إلى مصرعي
|
|
يساق بنعشي ولا
أمهل
|
فيا ليت شعري
بعد السؤال
|
|
وطول المقام لما
أنقل
|
والثاني قوله : [مجزوء
الكامل]
اسمع أخيّ
نصيحتي
|
|
والنّصح من محض
الديانه
|
لا تقربنّ إلى
الشها
|
|
دة والوساطة
والأمانه
|
تسلم من ان تعزى
لزو
|
|
ر أو فضول أو
خيانه
|
قال : فقلت له :
أراك لم تعمل بوصيّته في الوساطة ، فقال : ما ساعدتني رقة وجهي على ذلك ، انتهى.
رجع إلى نظم
الأندلسيين :
وقال أبو الصلت أمية بن عبد العزيز : [المنسرح]
أفضل ما استصحب
النبيل فلا
|
|
تعدل به في
المقام والسّفر
|
جرم إذا ما
التمست قيمته
|
|
جلّ عن التّبر
وهو من صفر
|
مختصر وهو إذ
تفتّشه
|
|
عن ملح العلم
غير مختصر
|
ذو مقلة تستبين
ما رمقت
|
|
عن صائب اللحظ
صادق الخبر
|
تحمله وهو حامل
فلكا
|
|
لو لم يدر
بالبنان لم يدر
|
مسكنه الأرض وهو
ينبئنا
|
|
عن كلّ ما في
السماء من خبر
|
أبدعه ربّ فكرة
بعدت
|
|
في اللطف عن أن
تقاس بالفكر
|
فاستوجب الشكر
والثناء به
|
|
من كلّ ذي فطنة
من البشر
|
فهو لذي اللّبّ
شاهد عجب
|
|
على اختلاف
العقول والصّور
|
__________________
قلت : وهي من أحسن
ما سمعت في الاصطرلاب.
وأمر رحمه الله
تعالى أن يكتب على قبره : [الطويل]
سكنتك يا دار
الفناء مصدّقا
|
|
بأني إلى دار البقاء
أصير
|
وأعظم ما في
الأمر أني صائر
|
|
إلى عادل في
الحكم ليس يجور
|
فيا ليت شعري
كيف ألقاه عندها
|
|
وزادي قليل
والذنوب كثير
|
فإن أك مجزيّا
بذنبي فإنني
|
|
بشرّ عقاب
المذنبين جدير
|
وإن يك عفو من
غنيّ ومفضل
|
|
فثمّ نعيم دائم
وسرور
|
وقال ابن خفاجة ، وهو مما أورده له صاحب الذخيرة : [الطويل]
لقد زار من أهوى
على غير موعد
|
|
فعاينت بدر
التّمّ ذاك التلاقيا
|
وعاتبته والعتب
يحلو حديثه
|
|
وقد بلغت روحي
لديه التراقيا
|
فلمّا اجتمعنا
قلت من فرحي به
|
|
من الشّعر بيتا
والدموع سواقيا
|
(وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
|
|
يظنّان كلّ
الظنّ أن لا تلاقيا)
|
ومن مجون
الأندلسيين هذه القصيدة المنسوبة لسيدي أبي عبد الله بن الأزرق ، وهي : [الرجز]
عم باتّصال
الزمن
|
|
ولا تبالي بمن
|
وهو يواسي
بالرضا
|
|
من سمج أو حسن
|
أو من عجوز
تحتظي
|
|
والظهر منها
منحني
|
أو من مليح مسعد
|
|
موافق في الزمن
|
مهما تبدّى خدّه
|
|
يبدو لك الورد
الجني
|
والغصن في
أثوابه
|
|
إذا تمشّى ينثني
|
لا أمّ لي لا
أمّ لي
|
|
إن لم أبرّد
شجني
|
وأخلعنّ في
المجو
|
|
ن والتصابي رسني
|
وأجعل الصبر على
|
|
هجر الملاح
ديدني
|
__________________
يا عاذلي في
مذهبي
|
|
أرداك شرب
اللّبن
|
أعطيت في البطن
سنا
|
|
نا إن تخالف
سنني
|
أيّ فتى خالفني
|
|
يوما ولمّا
يلقني
|
فإنني لناصح
|
|
وإنني وإنني
|
فلا تكن لي
لاحيا
|
|
وفي الأمور
استفتني
|
فلم أزل أعرب عن
|
|
نصحي لمن لم
يلحني
|
وإن تسفّه نظري
|
|
ومذهبي وتنهني
|
فالصفع تستوجبه
|
|
نعم ونتف الذّقن
|
والزبل في وجهك
يع
|
|
لو باتّصال
الزمن
|
وبعد هذا أشتفي
|
|
منك ويبرا شجني
|
وأضرب الكفّ أما
|
|
م ذلك الوجه
الدني
|
طقطق طق طقطق طق
|
|
أصخ بسمع الأذن
|
قحقح قح قحقح قح
|
|
الضحك يغلبنّني
|
قد كان أولى بك
عن
|
|
هذي المخازي
تنثني
|
النّفي تستوجبه
|
|
لواسط أو عدن
|
عرضت بالنفس كذا
|
|
إلى ارتكاب المحن
|
أفدي صديقا كان
لي
|
|
بنفسه يسعدني
|
فتارة أنصحه
|
|
وتارة ينصحني
|
وتارة ألعنه
|
|
وتارة يلعنني
|
وربّما أصفعه
|
|
وربما يصفعني
|
أستغفر الله فه
|
|
ذا القول لا
يعجبني
|
يا ليت هذا كلّه
|
|
فيما مضى لم يكن
|
أضحكت والله بذا
ال
|
|
حديث من يسمعني
|
__________________
دهر تولّى
وانقضى
|
|
عنّي كطيف الوسن
|
يا ليتني لم أره
|
|
وليته لم يرني
|
دنّست فيه جانبي
|
|
وملبسي بالدّرن
|
وبعت فيه عيشتي
|
|
لكن ببخس الثمن
|
كأنني ولست أد
|
|
ري الآن ما
كأنني
|
والله ما
التشبيه عن
|
|
د شاعر بهيّن
|
لكنه أنطقني
|
|
بالقول ضيق
العطن
|
وا حسرتي وا
أسفي
|
|
زلت وضاعت فطني
|
لو أنصف الدهر
لما
|
|
أخرجني من وطني
|
وليس لي من جنّة
|
|
وليس لي من مسكن
|
أسرّح الطّرف
وما
|
|
لي دمنة في
الدمن
|
وليس لي من فرس
|
|
وليس لي من سكن
|
يا ليت شعري
وعسى
|
|
يا ليت أن
تنفعني
|
هل أمتطي يوما
إلى ال
|
|
شرق ظهور السّفن
|
وأجتلي ما شئته
|
|
في المنزل
المؤتمن
|
حينئذ أخلع في
|
|
هذي القوافي رسني
|
وتحسن الفكرة
بال
|
|
عدوس والسمنسني
|
واللحم مع شحم
ومع
|
|
طوابق الكبش
الثني
|
والبيض في
المقلاة بالز
|
|
يت اللذيذ الدهن
|
وجلدة الفروج مش
|
|
ويّا كثير السمن
|
من منقذي أفديه
من
|
|
ذا الجوع
والتمسكن
|
وعلة قد استوى
|
|
فيها الفقير
والغني
|
__________________
هل للثريد عودة
|
|
إليّ قد شوقني
|
تغوص فيه أنملي
|
|
غوص الأكول
المحسن
|
ولي إلى الأسفنج
شو
|
|
ق دائم يطربني
|
وللأرزّ الفضل
إذ
|
|
تطبخه باللبن
|
وللشواء والرقا
|
|
ق من هيام أنثني
|
واسكت عن الجبن
فإنّ
|
|
بنته يذهلني
|
ظاهرها كالورد
أو
|
|
باطنها كالسوسن
|
أيّ امرئ أبصرها
|
|
يوما ولم يفتتن
|
تهيم فيها فكر
الأس
|
|
تاذ والمؤذن
|
لو كان عندي
معدن
|
|
لبعت فيها معدني
|
لكنني عزمت أن
|
|
أبيع كمّ البدن
|
والكمّ قد أكسبه
|
|
بعد ولا يكسبني
|
لا تنسبوا لي
سفها
|
|
فالجوع قد
أرشدني
|
وهات ذكر
الكسكسو
|
|
فهو شريف وسني
|
لا سيما إن كان
مص
|
|
نوعا بفتل حسن
|
أرفع منه كورا
|
|
بهنّ تدوي أذني
|
وإن ذكرت غير ذا
|
|
أطعمة في الوطن
|
فابدأ من
المثوّما
|
|
ت بالجبنّ
الممكن
|
من فوقها
الفرّوج قد
|
|
أنهي في التسمّن
|
وثنّ بالعصيدة
ال
|
|
تي بها تطربني
|
لا سيما إن صنعت
|
|
على يدي ممركن
|
كذلك البلياط
بالز
|
|
يت الذي يقنعني
|
تطبخه حتى يرى
|
|
يحمرّ في
التّلوّن
|
__________________
والزبزبنّ في
الصحا
|
|
ف حسب أهل البطن
|
فاسمع قضايا
ناصح
|
|
يأتي بنصح بيّن
|
من اقتنى النقي
مني
|
|
فهو نعم المقتني
|
وإنّ في شاشية
ال
|
|
فقير أنسا للغني
|
تبعدني عن وصلها
|
|
عن وصلها تبعدني
|
تؤنسني عن اللقا
|
|
عن اللقا تؤنسني
|
فأضلعي إن ذكرت
|
|
تهفو كمثل الغصن
|
كم رمت تقريبا
لها
|
|
لكنه لم يهن
|
وصدّني عن ذاك ق
|
|
لة الوفا بالثمن
|
إيه خليلي هذه
|
|
مطاعم لكنني
|
أعجب من ريقك إذ
|
|
يسيل فوق الذقن
|
هل نلت منها
شبعا؟
|
|
فذكرها أشبعني
|
وإن تكن جوعان
يا
|
|
صاح فكل بالأذن
|
فليس عند شاعر
|
|
غير كلام الألسن
|
يصوّر الأشياء
وه
|
|
ي أبدا لم تكن
|
فقوله يريك ما
|
|
ليس يرى بالممكن
|
فاسمح وسامح
واقتنع
|
|
واطوحشاك واسكن
|
ولننصرف فقصدنا
|
|
إطراف هذا
الموطن
|
وقال ابن خفاجة
رحمه الله تعالى : [الكامل]
درسوا العلوم
ليملكوا بجدالهم
|
|
فيها صدور مراتب
ومجالس
|
__________________
وتزهّدوا حتى
أصابوا فرصة
|
|
في أخذ مال
مساجد وكنائس
|
وهذا المعنى
استعمله الشعراء كثيرا.
وقال ـ فيما أظن ـ
الفقيه الكاتب المحدّث الأديب الشهير أبو عبد الله محمد بن الأبار القضاعي ، وقد
تكرّر ذكره في هذا الكتاب في مواضع : [الطويل]
لقد غضبت حتى
على السّمط نخوة
|
|
فلم تتقلّد غير
مبسمها سمطا
|
وأنكرت الشّيب
الملمّ بلمّتي
|
|
ومن عرف الأيام
لم ينكر الوخطا
|
وقال ابن سعيد في
القدح المعلى في حقّه : كاتب مشهور ، وشاعر مذكور ، كتب عن ولاة بلنسية ، وورد
رسولا حين أخذ النصارى بمخنّق تلك الجهات ، وأنشد قصيدته السينية : [البسيط]
أدرك بخيلك خيل
الله أندلسا
|
|
إنّ السبيل إلى
منجاتها درسا
|
وعارضه جمع من
الشعراء ما بين مخطئ ومحروم ، وأغري الناس بحفظها إغراء بني تغلب بقصيدة عمرو بن
كلثوم ، إلّا أنّ أخلاقه
لم تعنه على الوفاء بأسباب الخدمة ، فقلصت عنه تلك النعمة ، وأخر عن تلك العناية ،
وارتحل إلى بجاية ، وهو الآن بها عاطل من الرّتب ، خال من حلى الأدب ، مشتغل
بالتصنيف في فنونه ، متنفّل منه بواجبه ومسنونه ، ولي معه مجالسات آنق من الشباب ،
وأبهج من الروض عند نزول السحاب ، ومما أنشدنيه من شعره : [الكامل]
يا حبّذا بحديقة
دولاب
|
|
سكنت إلى حركاته
الألباب
|
غنّى ولم يطرب
وسقّى وهو لم
|
|
يشرب ومنه العود
والأكواب
|
لو يدّعي لطف
الهواء أو الهوى
|
|
ما كنت في
تصديقه أرتاب
|
وكأنه ممّا شدا
مستهزئ
|
|
وكأنه ممّا بكى
ندّاب
|
وكأنه بنثاره
ومداره
|
|
فلك كواكبه لها
أذناب
|
__________________
وقال أبو المعالي
القيجاطي : [السريع]
فقلت يا ربعهم
أين من
|
|
أحببته فيك وأين
النديم
|
فقال عهد قد غدا
شمله
|
|
كمثل ما ينثر
درّ نظيم
|
وقال أبو عمرو بن
الحكم القبطلي ، وقبطلة : من أعمال وادي إشبيلية : [مخلع البسيط]
كم أقطع الدهر
بالمطال؟
|
|
ساءت وحقّ الإله
حالي
|
رحلت أبغي بكم
نجاحا
|
|
فلم تفيدوا سوى
ارتحالي
|
وعدتم ألف ألف
وعد
|
|
لكنني عدت
بالمحال
|
وقال أبو عمران
القلعي : [الوافر]
طلعت عليّ
والأحوال سود
|
|
كما طلع الصباح
على الظلام
|
فقل لي كيف لا
أوليك شعري
|
|
وإخلاص التحيّة
والسلام
|
وقال أبو إسحاق
إبراهيم بن أيوب المرسي : [مجزوء الرمل]
أنا سكران ولكن
|
|
من هوى ذاك
الفلاني
|
كلّما رمت سلوّا
|
|
لم يزل بين
عياني
|
وقال : [الوافر]
حبيبي ما لصبّك
من مراد
|
|
سوى أن لا تدوم
على البعاد
|
وإن كان ابتعادك
بعد هذا
|
|
مقيما فالسلام
على فؤادي
|
قال ابن سعيد :
وكان المذكور إذا غنى هذه الأشعار اللطيفة على الأوتار ، لم يبق لسامعه عند الهموم
من ثار ، مع أخلاق كريمة ، وآداب كانسكاب الدّيمة ، انتهى.
وقال ابن سعيد :
في أبي بكر محمد بن عمار البرجي ، كاتب ابن هود ، القائل :
لمن يشهد حربا تحت
رايات ابن هود.
__________________
إلخ : [مجزوء
الرمل]
يا ابن عمار لقد
أح
|
|
ييت لي ذاك
السّميّا
|
في حلى نظم ونثر
|
|
علّقا في
مسمعيّا
|
ولقد حزت مكانا
|
|
من ذرى الملك
عليّا
|
مثل ما قد حاز
لكن
|
|
عش بنعماك هنيّا
|
وقال أبو بكر عبد
الله بن عبد العزيز الإشبيلي المعروف بابن صاحب الرد :[السريع]
يا أبدع الخلق
بلا مرية
|
|
وجهك فيه فتنة
الناظرين
|
لا سيما إذ
نلتقي خطرة
|
|
فيغلب الورد على
الياسمين
|
طوبى لمن قد
زرته خاليا
|
|
فمتّع النفس ولو
بعد حين
|
من ذلك الثغر
الذي ورده
|
|
ما زال فيه لذة
الشاربين
|
وما حوى ذاك
الإزار الذي
|
|
لم يعد عنه أمل
الزائرين
|
وهذه الأبيات
يقولها في غلام كان أدباء إشبيلية قد فتنوا به ، وكان مروره على داره.
وحكي عنه أنه أعطاه في زيارة خمسين دينارا ، ومرّت أيام ثم
صادفه عند داره ، فقال له : أتريد أن أزورك ثانية؟ فقال له : لا يلدغ المؤمن من
جحر مرتين ، وهذا الجواب ـ على ما فيه من قلة الأدب ، وهتك حجاب الشريعة ـ من أشدّ
الأجوبة إصابة للغرض ، والله تعالى يسمح له ، فقد قال ابن سعيد في حقّه : إن بيته
بإشبيلية من أجلّ البيوت ، ولم يزل له مع تقلّب الزمان ظهور وخفوت ، وكان أديبا
شاعرا ذوّاقا لأطراف العلوم ، انتهى.
ومن المشهورين
بالمجون والخلاعة بالأندلس ـ مع البلاغة والبراعة ـ أبو جعفر أحمد بن طلحة الوزير
الكاتب ، وهو من بيت مشهور من جزيرة شقر ، من عمل بلنسية ، وكتب
عن ولاة من بني عبد المؤمن ، ثم استكتبه السلطان ابن هود حين تغلّب على الأندلس ،
وربما استوزره في بعض الأحيان. وقال ابن سعيد : وهو ممّن كان والدي يكثر مجالسته ، ولم أستفد منه إلّا
ما كنت أحفظه في مجالسته ، وكان شديد التهوّر ، كثير الطيش ، ذاهبا بنفسه كلّ مذهب
، سمعته مرّة وهو في محفل يقول : تقيمون القيامة لحبيب والبحتري والمتنبي ،
__________________
وفي عصركم من
يهتدي إلى ما لم يهتدوا إليه؟ فأهوى له شخص له قحة وإقدام ، فقال : يا أبا جعفر ،
فأرنا برهان ذلك ، ما أظنك تعني إلّا نفسك ، فقال : نعم ، ولم لا؟ وأنا الذي أقول
ما لم يتنبّه إليه متقدّم ، ولا يهتدي لمثله متأخّر : [السريع]
يا هل ترى أظرف
من يومنا
|
|
قلّد جيد الأفق
طوق العقيق
|
وأنطق الورق
بعيدانها
|
|
مرقصة كلّ قضيب
وريق
|
والشمس لا تشرب
خمر الندى
|
|
في الأرض إلّا
بكؤوس الشقيق
|
فلم ينصفوه في
الاستحسان ، وردّوه في الغيظ إلى أضيق مكان ، فقلت له : يا سيدي ، هذا هو السحر
الحلال ، فبالله إلّا ما زدتني من هذا النمط ، فقال : [الوافر]
أدرها فالسماء
بدت عروسا
|
|
مضمّخة الملابس
بالغوالي
|
وخدّ الروض
حمّره أصيل
|
|
وجفن النهر كحّل
بالظّلال
|
وجيد الغصن يشرق
في لآل
|
|
تضيء بهنّ أكناف
الليالي
|
فقلت : زد وعد ،
فعاد والارتياح قد ملك عطفه ، والتّيه قد رفع أنفه ، فقال : [السريع]
لله نهر عندما
زرته
|
|
عاين طرفي منه
سحرا حلال
|
إذ أصبح الطّلّ
به ليلة
|
|
وجال فيه الغصن
شبه الخيال
|
فقلت : زد ، فأنشد
: [الوافر]
ولمّا ماج بحر الليل
بيني
|
|
وبينكم وقد
جدّدت ذكرا
|
أراد لقاءكم
إنسان عيني
|
|
فمدّ له المنام
عليه جسرا
|
فقلت : إيه ، فقال
: [الوافر]
ولمّا أن رأى
إنسان عيني
|
|
بصحن الخدّ منه
غريق ماء
|
أقام له العذار
عليه جسرا
|
|
كما مدّ الظلام
على الضياء
|
فقلت : أعد ، فأعاد
، وقال : حسبك لئلّا تكثر عليك المعاني ، فلا تقوم بحقّ قيمتها ، وأنشد : [الكامل]
__________________
هات المدام إذا
رأيت شبيهها
|
|
في الأفق يا
فردا بغير شبيه
|
فالصبح قد ذبح
الظلام بنصله
|
|
فغدت تخاصمه
الحمائم فيه
|
ثم قال : وكان قد
تهتّك في غلام لابن هود ، ولكثرة انهزام ابن هود ربما انهزم مع العلج ، وفيه يقول
: [الوافر]
ألفت الحرب حتى
علّمتني
|
|
مقارعة الحوادث
والخطوب
|
ولم أك عالما
وأبيك حربا
|
|
بغير لواحظ
الرشأ الرّبيب
|
فها أنا بين تلك
وبين هذي
|
|
مصاب من عدوّ أو
حبيب
|
ولمّا هرب العلج إلى سبتة أحسن إليه القائم بها أبو العباس الينشتي فلم يقنع بذلك الإحسان ، وكان يأتي بما يوغر صدره ، فقال
يوما في مجلسه : رميت مرة بقوس ، فبلغ السهم إلى كذا ، فقال ابن طلحة لشخص بجانبه
: لو كان قوس قزح ما بلغ إلى كذا ، فشعر بقوله ، فأسرّها في نفسه ، ثم بلغه أنه
هجاه بقوله : [الوافر]
سمعنا بالموفّق
فارتحلنا
|
|
وشافعنا له حسب
وعلم
|
ورمت يدا
أقبّلها وأخرى
|
|
أعيش بفضلها
أبدا وأسمو
|
فأنشدنا لسان الحال
فيه
|
|
يد شلا وأمر لا
يتمّ
|
فزاد في حنقه ، وبقي مترصدا له الغوائل ، فحفظت عنه أبيات قالها وهو في
حالة استهتار في شهر رمضان ، وهي : [الوافر]
يقول أخو الفضول
وقد رآنا
|
|
على الإيمان
يغلبنا المجون
|
أتنتهكون شهر
الصوم هلّا
|
|
حماه منكم عقل ودين
|
فقلت اصحب سوانا
، نحن قوم
|
|
زنادقة مذاهبنا
فنون
|
تدين بكل دين
غير دين الرّع
|
|
اع فما به أبدا
ندين
|
بحيّ على
الصّبوح الدّهر ندعو
|
|
وإبليس يقول لنا
أمين
|
__________________
فيا شهر الصيام
إليك عنّا
|
|
إليك ففيك أكفر
ما نكون
|
فأرسل إليه من هجم
عليه وهو على هذه الحال ، وأظهر أنه يرضي العامة بقتله ، فقتله ، وذلك سنة ٦٣١ ،
انتهى. وحاكي الكفر ليس بكافر ، والله سبحانه وتعالى للزلات غير الكفر غافر.
وقال محمد بن أحمد
الإشبيلي بن البناء : [الطويل]
كأنك من جنس
الكواكب كنت لم
|
|
يفتك طلوعا
حالها وتواريا
|
تجلّيت من شرق
تروق تلألؤا
|
|
فلما انتحيت
الغرب أصبحت هاويا
|
ولمّا أمر
المستنصر الموحّدي بضرب ابن غالب الداني ألف سوط وصلبه ، وضرب بإشبيلية خمسمائة ،
فمات ، وضرب بقية الألف حتى تناثر لحمه ، ثم صلب ، قال ابنه أبو الربيع يرثيه:[البسيط]
جهلا لمثلك أن
يبكي لما قدرا
|
|
وأن يقول أسى :
يا ليته قبرا
|
فاضت دموعك أن
قاموا بأعظمه
|
|
وقد تطاير عنه
اللحم وانتثرا
|
ومنها :
ضاقت به الأرض
ممّا كان حمّلها
|
|
من الأيادي
فملّت شلوه شلوه ضجرا
|
وعزّ جسمك أن
يحظى به كفن
|
|
فما تسربل إلّا
الشمس والقمرا
|
وقال أبو العلاء
عبد الحق المرسي رحمه الله تعالى : [الرمل]
يا أبا عمران
دعني والذي
|
|
لم يمل بي خاطري
إلّا إليه
|
ما نديمي غير من
يخدمني
|
|
لا الذي يجلسني
بين يديه
|
يرفع الكلفة
عنّي ويرى
|
|
أنها واجبة منّي
عليه
|
وقال ابن غالب
الكاتب بمالقة : [الكامل]
__________________
لا تخش قولا قد
عقدت الألسنا
|
|
وابعث خيالك قد
سحرت الأعينا
|
واعطف عليّ فإنّ
روحي زاهق
|
|
وانظر إليّ
بنظرة إن أمكنا
|
لا يخدعنّك أن
تراني لابسا
|
|
ثوبي فقد أصبحت
فيه مكفّنا
|
ما زال سحرك
يستميل خواطري
|
|
بأرقّ من ماء
الصفاء وألينا
|
حتى غدوت ببحر
حبّ زاخر
|
|
فرمت بي الأمواج
في شطّ الضّنا
|
وقال : [الكامل]
ما للنسيم لدى
الأصيل عليلا
|
|
أتراه يشكو زفرة
وغليلا
|
جرّ الذّيول على
ديار أحبّتي
|
|
فأتى يجرّ من
السّقام ذيولا
|
وقال أبو عبد الله
بن عسكر الغساني قاضي مالقة : [السريع]
أهواك يا بدر
وأهوى الذي
|
|
يعذلني فيك
وأهوى الرقيب
|
والجار والدار
ومن حلّها
|
|
وكلّ من مرّ بها
من قريب
|
ما إن تنصّرت
ولكنّني
|
|
أقول بالتثليث
قولا غريب
|
يطابق الألحان
والكاس إذ
|
|
تبسم عجبا
والغزال الربيب
|
وكان أبو أمية بن
عفير قاضي إشبيلية ـ مع براعته ، وتقدّمه في العلوم الشرعية ـ أقوى الناس بالعلوم
الأدبية المرعية ، وقد اشتهر بسرعة الخاطر في الارتجال ، وعدم المناظر له في ذلك
المجال ، قال ابن سعيد : رأيته كثيرا ما يصنع القصائد والمقطّعات ، وهو يتحدّث أو
يفصل بين الغرماء في أكثر الأوقات ، ومن شعره : [مخلع البسيط]
ديارهم صاح نصب
عيني
|
|
وليس لي وصلة إليها
|
إلّا سلامي لدى
ابتعاد
|
|
من بعد سكّانها
عليها
|
وقوله رحمه الله
تعالى : [الوافر]
ووجه تغرق
الأبصار فيه
|
|
ولكن يترك
الأرواح هيما
|
__________________
أتاني ثم حيّاني
حبيب
|
|
به وأباحني
الخدّ الرّقيما
|
فمرّ لنا مجون
في فنون
|
|
سلكت به الصراط
المستقيما
|
قلت : أما مجرّد
الارتجال فأمر عن الكثير صادر ، وأما كونه مع التحدّث أو فصل الخصومات فهو نادر ،
وقد حكينا منها في هذا الكتاب من القسم الأول موارد ومصادر.
ويعجبني من الواقع
لأهل المشرق من ذلك قضية علي بن ظافر ، إذ قال : بتّ ليلة والشهاب يعقوب ابن أخت نجم الدين في منزل
اعترفت له مشيّدات القصور ، بالانخفاض والقصور ، وشهدت له ساميات البروج ،
بالاعتلاء ، والعروج ، قد ابيضّت حيطانه ، وطاب استيطانه ، وابتهج به سكانه
وقطّانه ، والبدر قد محا خضاب الظّلماء ، محياه في زرقة قناع السماء ، وكسا الجدران ثيابا من فضّة ، ونثر
كافوره على مسك الثرى بعد أن سحقه ورضّه ، والروض قد ابتسم محيّاه ، ووشت بأسرار
محاسنه ريّاه ، والنسيم قد عانق قامات الأغصان فميّلها ، وغصبها مباسم نورها
فقبّلها ، وعندنا مغنّ قد وقع على تفضيله الإجماع ، وتغايرت على محاسنه الأبصار
والأسماع ، إن بدا فالشمس طالعة ، وإن شدا فالورق ساجعة ، تغازله مقلة سراج قد قصر على وجهه تحديقه ، وقابله
فقلنا البدر قابل عيّوقه ، وهو يغار عليه من النسيم كلّما خفق وهبّ ، ويستجيش عليه
بتلويح بارقه الموشّى بالذهب ، ويديم حرقته وسهده ، ويبذل في إلطافه طاقته وجهده ،
فتارة يضمّخه بخلوقه ، وتارة يحلّيه بعقيقه ، وآونة يكسوه أثواب شقيقه ، فلم نزل كذلك حتى نعس طرف المصباح ، واستيقظ نائم الصباح ، فصنعت
بديها في المجلس ، وكتبت بها إلى الأعز بن المؤيد رحمه الله تعالى أصف تلك الليلة
التي ارتفعت على أيام الأعياد ، كارتفاع الرءوس على الأجياد ، بل فضلت ليلات الدهر ، كفضل البدر على النجوم الزّهر :
[الخفيف]
غبت عني يا ابن
المؤيد في وق
|
|
ت شهيّ يلهي
المحبّ المشوقا
|
ليلة ظلّ بدرها
يلبس الجد
|
|
ران ثوبا مفضّضا
مرموقا
|
وغدا الطّلّ فيه
ينثر كافو
|
|
را فيعلو مسك
التراب السّحيقا
|
__________________
وتبدّى النسيم
يعتنق الأغ
|
|
صان لمّا سرى
عناقا رفيقا
|
بتّ فيها منادما
لصديق
|
|
ظلّ بين الأنام
خلّا صدوقا
|
هو مثل الهلال
وجها صبيحا
|
|
ومثال النسيم
ذهنا رقيقا
|
وغزال كالبدر
وجها وغصن ال
|
|
بان قدّا
والخمرة الصّرف ريقا
|
مظهر للعيون
ردفا مهيلا
|
|
وحشا ناحلا
وقدّا رشيقا
|
إن تغنّى سمعت ،
داود أو لا
|
|
ح تأمّلت يوسف
الصدّيقا
|
وإذا قابل
السراج رأينا
|
|
منه بدرا يقابل
العيّوقا
|
وأظنّ الصباح
هام بمرآ
|
|
ه فأبدى قلبا
حريقا خفوقا
|
هو نجم ما لاح
في الجدر كافو
|
|
ر بياض إلّا
كساه خلوقا
|
ما بدا نرجس
الكواكب إلّا
|
|
قام من نومه
يرينا الشقيقا
|
وإذا ما بدت
جواهرها في ال
|
|
جوّ أبدى في
الأرض منهم عقيقا
|
فغدونا تحت
الدجى نتعاطى
|
|
من رقيق الآداب
خمرا رحيقا
|
وجعلنا ريحاننا
طيب ذكرا
|
|
ك فخلناه عنبرا
مفتوقا
|
ذاك وقت لولا
مغيبك عنه
|
|
كان بالمدح
والثناء خليقا
|
قال : فأجاب عنها
من الوزن دون الروي : [الخفيف]
قد أتتني من
الجمال قصيد
|
|
يا لها من قصيدة
غرّاء
|
جمعت رقّة
الهواء وطيب ال
|
|
مسك في سبكها
وصفو الماء
|
فأرتنا طباعه
وشذاه
|
|
والذي حاز ذهنه
من ذكاء
|
سيدي هل جمعت
فيها اللآلي
|
|
يا أخا المجد أم
نجوم السماء
|
أفحمتني حسنا
وحقّ أيادي
|
|
ك التي لا تعدّ
بالإحصاء
|
فتركت الجواب
والله عجزا
|
|
فابسط العذر فيه
يا مولائي
|
هل يسامي الثرى
الثريّا وأنّى
|
|
يدّعي النجم فرط
نور ذكاء
|
__________________
رجع إلى أهل
الأندلس :
وقال ابن السماك : [البسيط]
إياك أن تكثر
الإخوان مغتنما
|
|
في كلّ يوم إلى
أن يكثر العدد
|
في واحد منهم
تصفي الوداد له
|
|
من التكاليف ما
يفنى به الجلد
|
وله : [الطويل]
تحنّ ركابي نحو
أرض وما لها
|
|
وما لي من ذاك
الحنين سوى الهمّ
|
وكم راغب في
موضع لا يناله
|
|
وأمسيت منه مثل
يونس في اليمّ
|
بهذا قضى الرحمن
في كلّ ساخط
|
|
يموت على كره
ويحيا على رغم
|
ولمّا قام الباجي
بإشبيلية وخلع طاعة ابن هود ، وأبدل شعاره الأسود العباسيّ في البنود ، قال أبو
محمد عبد الحق الزهري القرطبي في ذلك : [البسيط]
كأنما الراية
السوداء قد نعبت
|
|
لهم غرابا ببين
الأهل والولد
|
مات الهوى تحتها
من فرط روعته
|
|
فأظهر الدهر منها
لبسة الكمد
|
وأنشدهما القائم
الباجي في جملة قصيدة.
وقال الوزير أبو
الوليد إسماعيل بن حجاج الأعلم الإشبيلي : [الكامل]
أمسى الفراش
يطوف حول كؤوسنا
|
|
إذ خالها تحت
الدّجى قنديلا
|
ما زال يخفق
حولها بجناحه
|
|
حتى رمته على
الفراش قتيلا
|
وله : [الكامل]
لاموا على حبّ
الصّبا والكاس
|
|
لمّا بدا وضح
المشيب براسي
|
والغصن أحوج ما
يكون لسقيه
|
|
أيام يبدو
بالأزاهر كاسي
|
وله ، وقد رأى على
نهر قرطبة ثلاثين نفسا مصلوبين من قطّاع الطريق : [المتقارب]
ثلاثون قد
صفّفوا كلّهم
|
|
وقد فتحوا أذرعا
للوداع
|
__________________
وما ودّعوا غير
أرواحهم
|
|
فكان وداعا لغير
اجتماع
|
وله في فتى وسيم
عضّ كلب وجنته : [الطويل]
وأغيد وضّاح
المحاسن باسم
|
|
إذا قامر
الأرواح ناظره قمر
|
تعمّد كلب عضّ
وجنته التي
|
|
هي الورد إيناعا
وأبقى بها أثر
|
فقلت لشهب الأفق
كيف صماتكم
|
|
وقد أثّر
العوّاء في صفحة القمر
|
وقال الفقيه أبو
الحجاج يوسف بن محمد البياسي المؤرخ الأديب ، المصنّف الشهير ، وكان حافظا لنكت
الأندلسين حديثا وقديما ، ذاكرا لفكاهاتهم التي صيرته للملوك خليلا ونديما ، في صبيّ من أعيان الجزيرة الخضراء ، تهافت في حبّه جماعة
من الأدباء والشعراء.
وكان من القوم
الذين هاموا بالمذكور ، وقاموا فيه المقام المشهور ، أديب يقال له الفار ، فتسلّط
على البياسي حتى سافر من الجزيرة وكان يلقّب بالقط : [الطويل]
عذرت أبا
الحجّاج من ربّ شيبة
|
|
غدا لابسا في
الحب ثوبا من القار
|
وألجأه الفأر
المشارك للنوى
|
|
ولم أر قطّا
قبله فرّ من فار
|
وله : [الخفيف]
قد سلونا عن
الذي تدريه
|
|
وجفوناه إذ جفا
بالتّيه
|
وتركناه صاغرا
لأناس
|
|
خدعوه بالزّور
والتّمويه
|
لمضلّ يسوقه
لمضلّ
|
|
وسفيه يقوده
لسفيه
|
وله ، وقد كتب إلى
بعض أصحابه يذكّره بالأيام السوالف : [الوافر]
أبا حسن لعمرك
إنّ ذكري
|
|
لأيام النعيم من
الصواب
|
أمثلي ليس يذكر
عهد حمص
|
|
وقد جمحت بنا
خيل التصابي
|
ونحن نجرّ أثواب
الأماني
|
|
مطرّزة هنالك
بالشباب
|
وعهد بالجزيرة
ليس ينسى
|
|
وإن أغفلته عند
الخطاب
|
__________________
هو الأحلى لديّ
وإن حماني
|
|
عن العسل اجتماع
للذّباب
|
وسار إلى المحبوب ،
وكان كثير الاجتماع به في جنّة لوالده على وادي العسل ، فقال : [مجزوء الرجز]
جنّة وادي العسل
|
|
كم لي بها من
أمل
|
لو لم يكن
ذبابها
|
|
يمنع ذوق العسل
|
قال ابن سعيد :
ولمّا التقينا بتونس بعد إيابي من المشرق ، وقد ولج ظلام الشّعر على وجهه المشرق ، قلت لأبي الحجاج مشيرا إلى محبوبه ، وقد
غطى هواه عنده على عيوبه : [السريع]
خلّ أبا الحجّاج
هذا الذي
|
|
قد كنت فيه دائم
الوجد
|
وانظر إلى لحيته
واعتبر
|
|
ممّا جنى الشّعر
على الخدّ
|
والله سبحانه يسمح
للجميع ، في هذا الهزل الشنيع ، ويصفح عنّا في ذكره ، إنه مجيب سميع.
وقال صاحب «البدائع»
ركب الأستاذ أبو محمد بن صارة مع أصحاب له في نهر إشبيلية في عشية سال أصيلها
على لجين الماء عقيانا ، وطارت زواريقها في سماء النهر عقبانا ، وأبدى نسيمها من
الأمواج والدارات سررا وأعكانا ، في زورق يجول جولان الطّرف ، ويسودّ اسوداد
الطّرف ، فقال بديها : [الوافر]
تأمّل حالنا
والجوّ طلق
|
|
محيّاه وقد طفل
المساء
|
وقد جالت بنا
عذراء حبلى
|
|
تجاذب مرطها ريح
رخاء
|
بنهر كالسّجنجل
كوثريّ
|
|
تعبّس وجهها فيه
السماء
|
واتفق أن وقف أبو
إسحاق بن خفاجة على القطعة واستظرفها واستلطفها ، فقال يعارضها على وزنها ورويها
وطريقتها : [الوافر]
__________________
ألا يا حبّذا
ضحك الحميّا
|
|
بحانتها وقد عبس
المساء
|
وأدهم من جياد
الماء مهر
|
|
تنازح جلّه ريح
رخاء
|
إذا بدت الكواكب
فيه غرقى
|
|
رأيت الأرض
تحسدها السماء
|
وقال الأديب ابن
خفاجة في ديوانه : صاحبت في صدري من المغرب سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة أبا محمد
عبد الجليل بن وهبون شاعر المعتمد ، وكان أبو جعفر بن رشيق يومئذ قد تمنّع ببعض
حصون مرسية ، وشرع في النفاق ، فقطع السبيل ، وأخاف الطريق ، ولمّا حاذينا قلعته
وقد احتدمت جمرة الهجير ، وملّ الركب رسيمه وذميله ، وأخذ كلّ منّا يرتاد مقيله ، اتفقنا على أن لا نطعم طعاما ، ولا نذوق مناما ، حتى
نقول في صورة تلك الحال ، وذلك الترحال ، ما حضر ، وشاء الله أن أجبل ابن وهبون
واعتذر ، وأخذت عفو خاطري ، فقلت أتربّص به ، وأعرّض بعظم لحيته :
[الوافر]
ألا قل للمريض
القلب مهلا
|
|
فإنّ السيف قد
ضمن الشقاء
|
ولم أر كالنّفاق
شكاه حرّ
|
|
ولا كدم الوريد
له دواء
|
وقد دحي النجيع
هناك أرضا
|
|
وقد سمك العجاج
به سماء
|
وديس به انحطاطا
بطن واد
|
|
مذ اعشب شعر
لحيته ضراء
|
وقال ابن خفاجة أيضا
: حضرت يوما مع أصحاب لي ، ومعهم صبي متهم في نفسه ، واتّفق أنهم تحاوروا في تفضيل
الرمان على العنب ، فانبرى ذلك الصبي فأفرط في تفضيل العنب ، فقلت بديها أعبث به :
[السريع]
صلني لك الخير
برمّانة
|
|
لم تنتقل عن كرم
العهد
|
لا عنبا أمتصّ
عنقوده
|
|
ثديا كأني بعد
في المهد
|
وهل يرى بينهما
نسبة
|
|
من عدل الخصية
بالنّهد
|
فخجل خجلا شديدا
وانصرف.
__________________
قال : وخرجت يوما
بشاطبة إلى باب السّمّارين ، ابتغاء الفرجة على خرير ذلك الماء بتلك الساقية ،
وذلك سنة ٤٨٠ ، وإذ بالفقيه أبي عمران بن أبي تليد رحمه الله تعالى قد سبقني إلى ذلك ، فألفيته جالسا على
دكان كانت هناك مبنية لهذا الشأن ، فسلّمت عليه ، وجلست إليه ، مستأنسا به ، فجرى
أثناء ما تناشدناه ذكر قول ابن رشيق : [مجزوء الكامل]
يا من يمرّ ولا
تمرّ
|
|
به القلوب من
الفرق
|
بعمامة من خدّه
|
|
أو خدّه منها
استرق
|
فكأنّه وكأنّها
|
|
قمر تعمّم
بالشّفق
|
فإذا بدا وإذا
انثنى
|
|
وإذا شدا وإذا
نطق
|
شغل الخواطر
والجوا
|
|
نح والمسامع
والحدق
|
فقلت ، وقد أعجب
بها جدّا ، وأثنى عليها كثيرا : أحسن ما في القطعة سياقة الأعداد ، وإلّا فأنت
تراه قد استرسل فلم يقابل بين ألفاظ البيت الأخير والبيت الذي قبله فينزل بإزاء كل
واحدة منها ما يلائمها ، وهل ينزل بإزاء قوله «وإذا نطق» قوله «شغل الحدق» وكأنه
نازعني القول في هذا غاية الجهد ، فقلت بديها : [مجزوء الكامل]
ومهفهف طاوي
الحشا
|
|
خنث المعاطف
والنظر
|
ملأ العيون
بصورة
|
|
تليت محاسنها
سور
|
فإذا رنا وإذا
مشى
|
|
وإذا شدا وإذا
سفر
|
فضح الغزالة
والغما
|
|
مة والحمامة
والقمر
|
فجنّ بها استحسانا
، انتهى.
قال ابن ظافر :
والقطعة القافيّة ليست لابن رشيق ، بل هي لأبي الحسين علي بن بشر الكاتب أحد شعراء اليتيمة.
وكان بين السميسر
الشاعر وبين بعض رؤساء المريّة واقع لمدح مدحه فلم يجزه عليه ، فصنع ذلك الرجل
دعوة للمعتصم بن صمادح صاحب المرية ، واحتفل فيها بما يحتفل مثله في
__________________
دعوة سلطان مثل
المعتصم ، فصبر السميسر إلى أن ركب السلطان متوجّها إلى الدعوة ، فوقف له في
الطريق ، فلمّا حاذاه رفع صوته بقوله : [البسيط]
يا أيها الملك
الميمون طائره
|
|
ومن لذي مأتم في
وجهه عرس
|
لا تفرسنّ طعاما
عند غيركم
|
|
إنّ الأسود على
المأكول تفترس
|
فقال المعتصم :
صدق والله ، ورجع من الطريق ، وفسد على الرجل ما كان عمله.
ونظير هذه الحكاية
أن عبّاد بن الحريش كان قد مدح رجلا من كبار أصبهان أرباب الضيع والأملاك
والتبع الكثير ، فمطله بالجائزة ، ثم أجازه بما لم يرضه ، فردّه عليه ، وبعد ذلك
بحين عمل الرجل دعوة غرم عليها ألوف دنانير كثيرة لأبي دلف القاسم بن عيسى العجلي على
أن يجيء إليه من الكرج ، ووصل أبو دلف ، فلمّا وقعت عين عبّاد عليه وهو يساير بعض
خواصّه أومأ إلى ذلك السائر وأنشد بأعلى صوته : [مجزوء الخفيف]
قل له يا فديته
|
|
قول عبّاد : ذا
سمج
|
جئت في ألف فارس
|
|
لغداء من الكرج
|
ما على النّفس
بعد ذا
|
|
في الدناءات من
حرج
|
فقال أبو دلف ،
وكان أخوف الناس من شاعر : صدق والله ، أجيء من الكرج إلى أصبهان حتى أتغدّى بها؟
والله ما بعد هذا في دناءة النفس من شيء. ثم رجع من طريقه ، وفسد على الرجل كل ما
غرمه ، وعرف من أين أتي. وتخوف أن يعود عبّاد عليه بشرّ منها ، فسيّر إليه جائزة
سنيّة مع جماعة من أصحابه ، فاجتمعوا به ، وسألوه فيه ، وفي قبول الجائزة ، فلم
يقبل الجائزة ، ثم أنشد بديها : [السريع]
وهبت يا قوم لكم عرضه
فقالوا : جزاك
الله تعالى خيرا! فقال :
كرامة للشّعر لا للفتى
لأنه أبخل من
ذرّة
|
|
على الذي تجمعه
في الشّتا
|
انتهى.
وذكر أبو الصّلت
أمية بن عبد العزيز الأندلسي ما معناه : أنه عزم بمصر هو ورفقة له
__________________
على الاصطباح ،
فقصدوا بركة الحبش ، في وقت ولاية الغبش ، وحلّوا منها روضا بسم زهره ، ونسم عطره
، فأداروا كؤوسا ، تطلع من المدام شموسا ، وعاينوها نجوما ، تكون لشياطين الهموم
رجوما ، فطرب حتى أظهر الطرب نشاطه ، وأبرز ابتهاجه وانبساطه ، فقال : [المنسرح]
لله يومي ببركة
الحبش
|
|
والجوّ بين
الضياء والغبش
|
النّيل تحت
الرياح مضطرب
|
|
كصارم في يمين
مرتعش
|
ونحن في روضة
مفوّفة
|
|
دبّج بالنّور
عطفها ووشي
|
قد نسجتها يد
الغمام لنا
|
|
فنحن من نورها
على فرش
|
فعاطني الراح
إنّ تاركها
|
|
من سورة الهمّ
غير منتعش
|
وأسقني بالكبار
مترعة
|
|
فهنّ أروى لشدّة
العطش
|
فأثقل الناس كلّهم
رجل
|
|
دعاه داعي
الصّبا فلم يطش
|
وهذا أبو الصّلت
أمية من كبراء أدباء الأندلس العلماء الحكماء ، وقد ترجمناه في الباب الخامس في
المرتحلين من الأندلس إلى المشرق.
وقال رحمه الله
تعالى : كنت مع الحسن بن علي بن تميم بن المعز بن باديس بالمهدية في الميدان ، وقد
وقف يرمي بالنشاب ، فصنعت فيه بديها : [السريع]
يا ملكا مذ خلقت
كفّه
|
|
لم تدر إلّا
الجود والباسا
|
إنّ النجوم
الزّهر مع بعدها
|
|
قد حسدت في قربك
الناسا
|
وودّت الأملاك
لو أنها
|
|
تحوّلت تحتك
أفراسا
|
كما تمنّى البدر
لو أنه
|
|
عاد لنشّابك
برجاسا
|
وصنع الوزير أبو
جعفر أحمد الوقشي وزير الرئيس أبي إسحاق بن همشك صهر الأمير أبي عبد الله محمد بن
مردنيش في غلام أسود في يده قضيب نور بديها : [الوافر]
وزنجيّ أتى
بقضيب نور
|
|
وقد زقّت لنا
بنت الكروم
|
فقال فتى من
الفتيان صفها
|
|
فقلت الليل أقبل
بالنجوم
|
__________________
ولمّا أفرط أبو
بكر يحيى اليكي في هجاء أهل فاس تعسّفوا عليه ، وساعدهم واليهم مظفر الخصي من قبل أمير المسلمين علي بن
يوسف ، والقائد عبد الله بن خيار الجياني ، وكان يتولّى أمورا سلطانية بها ،
فقدّموا رجلا ادّعى عليه بدين ، وشهد عليه به رجل فقيه يعرف بالزناتي ، ورجل آخر
يكنى بأبي الحسين من مشايخ البلد ، فأثبت الحقّ عليه ، وأمر به إلى السجن ، فرفع
إليه ، وسيق سوقا عنيفا ، فلمّا وصل إلى بابه طلب ورقة من كاتبه ، وكتب فيها ،
وأنفذها إلى مظفر مع العون الذي أوصله إلى السجن ، فكان ما كتب : [الكامل]
ارشوا الزناتيّ
الفقيه ببيضة
|
|
يشهد بأنّ مظفرا
ذو بيضتين
|
واهدوا إليه
دجاجة يحلف لكم
|
|
ما ناك عبد الله
عرس أبي الحسين
|
وقال أبو الحسن علي بن عتيق بن مؤمن القرطبي الأنصاري : عمل والدي محملا
للكتب من قضبان تشبه سلّما ، فدخل عليه أبو محمد عبد الله بن مفيد ، فرآه ، فقال
ارتجالأ :[الخفيف]
أيها السّيّد
الذكيّ الجنان
|
|
لا تقسني بسلّم
البنيان
|
فضل شكلي على
السلالم أني
|
|
محمل للعلوم
والقرآن
|
حزت من حلية
المحبين ضعفي
|
|
واصفراري ورقّة
الأبدان
|
فادع للصانع
المجيد بفوز
|
|
ثم وال الدعاء
للإخوان
|
ثم عمل أيضا : [الخفيف]
أيها السّيّد
الكريم المساعي
|
|
التفت صنعتي
وحسن ابتداعي
|
أنا للنّسخ محمل
خفّ حملي
|
|
أنا في الشكل
سلّم الاطلاع
|
وقال أحمد بن رضى
المالقي : [البسيط]
ليس المدامة
ممّا أستريح له
|
|
ولا مجاوبة
الأوتار والنّغم
|
وإنّما لذّتي
كتب أطالعها
|
|
وخادمي أبدا في
نصرتي قلمي
|
وقال أبو القاسم
البلوي الإشبيلي : [الوافر]
__________________
لمن أشكو مصابي
في البرايا
|
|
ولا ألقى سوى
رجل مصاب
|
أمور لو تدبّرها
حكيم
|
|
لعاش مدى الزمان
أخا اكتئاب
|
أما في الدهر من
أفشي إليه
|
|
بأسراري فيؤنس
بالجواب
|
يئست من الأنام
فما جليس
|
|
يعزّ على نهاي
سوى كتابي
|
وقال أبو زكريا
يحيى بن صفوان بن إدريس ، صاحب كتاب «العجالة» و «زاد المسافر» وغيرهما : [مجزوء
الرمل]
ليت شعري كيف
أنتم
|
|
وأنا الصّبّ
المعنّى
|
كلّ شيء لم
تكونوا
|
|
فيه لفظ دون
معنى
|
وله في نصراني
وسيم لقيه يوم عيد : [المتقارب]
توحّد في الحسن
من لم يزل
|
|
يثلّث والقلب في
صدّه
|
يشفّ لك الماء
من كفّه
|
|
ويقتدح النار من
خدّه
|
وهذان البيتان
نسبهما له بعض معاشريه ، وأبوه صفوان سابق الميدان.
وقال ابن بسام : ساير ابن عمار في بعض أسفاره غلامان من بني جهور أحدهما
أشقر العذار والآخر أخضره ، فجعل يميل بحديثه لمخضرّ العذار ، ثم قال ارتجالا : [المتقارب]
تعلّقته جهوريّ
النّجار
|
|
حليّ اللّمى
جوهريّ الثنايا
|
من النّفر البيض
أسد الزمان
|
|
رقاق الحواشي
كرام السجايا
|
ولا غرو أن تغرب
الشارقات
|
|
وتبقى محاسنها
بالعشايا
|
ولا وصل إلّا
جمان الحديث
|
|
نساقطه من ظهور
المطايا
|
شنئت المثلّث
للزعفران
|
|
وملت إلى خضرة
في التفايا
|
ومعناه أنّ ابن
عمار أبغض المثلث لدخول الزعفران فيه لشبهه بعذار الأشقر منهما ، وأحبّ خضرة
التفايا ، وهو لون طعام يعمل بالكزبرة ، لشبهها بعذار الأخضر منهما.
__________________
وقال أبو العرب بن
معيشة الكناني السبتي : أخبرني شيخ من أهل إشبيلية كان قد أدرك دولة آل عباد ،
وكان عليه من أثر كبر السنّ ودلائل التعمير ما يشهد له بالصدق ، وينطق بأنّ قوله
الحقّ ، قال : كنت في صباي حسن الصورة ، بديع الخلقة ، لا تلمحني عين أحد إلّا
ملكت قلبه ، وخلبت خلبه ، وسلبت لبّه ، وأطلت كربه ، فبينا أنا واقف على باب دارنا
إذا بالوزير أبي بكر بن عمار قد أقبل في موكب زجل ، على فرس كالصخرة الصّمّاء قدّت من قنّة الجبل ، فحين حاذاني ورآني اشرأبّ إليّ ينظرني وبهت
يتأمّلني ، ثم دفع بمخصرة كانت بيده في صدري ، وأنشد : [مجزوء الكامل]
كفّ هذا النّهد
عنّي
|
|
فبقلبي منه جرح
|
هو في صدرك نهد
|
|
وهو في صدري رمح
|
وعبر في «البدائع»
على طريقة القلائد بما صورته : ذكر الفتح بن خاقان ما هذا معناه: أخبرني ذو
الوزارتين أبو المطرف بن عبد العزيز أنه حضر عند المؤتمن بن هود في يوم أجرى الجوّ
فيه أشقر برقه ، ورمى بنبل ودقه ، وحملت الرياح فيه أوقار السحاب على أعناقها ،
وتمايلت قامات الأغصان في الحلل الخضر من أوراقها ، والأزهار قد تفتّحت عيونها ،
والكمائم قد ظهر مكنونها ، والأشجار قد انصقلت بالقطر ، ونشرت ما يفوق ألوان البز
وبثّت ما يعلو العطر ، والراح قد أشرقت نجومها في بروج الراح ، وحاكت شمسها شمس الأفق فتلفّعت بغيوم الأقداح ، ومديرها
قد ذاب ظرفا فكاد يسيل من إهابه ، وأخجل خدّها حسنا فتكلّل بعرق حبابه ، إذا بفتى رومي من
أصبح فتيان المؤتمن قد أقبل متدرّعا كالبدر اجتاب سحابا ، والخمر اكتست حبابا ،
والطاووس انقلب حبابا ، فهو ملك حسنا إلّا أنه جسد ، وغزال لينا إلّا أنه في هيئة
الأسد ، وقد جاء يريد استشارة المؤتمن في الخروج إلى موضع كان عوّل فيه عليه ،
وأمره أن يتوجّه إليه ، فحين وصل إلى حضرته لمحه ابن عمار والسكر قد استحوذ على
لبّه ، وانبثّت سراياه في ضواحي قلبه ، فأشار إليه وقرّبه ، واستبدع ذلك اللباس واستغربه ، وجدّ
في أن يستخرج تلك الدّرّة من ماء ذلك الدّلاص ، وأن يجلي عنه كما يجلى الخبث عن
__________________
الخلاص ، وأن
يوفّر على ذلك الوفر نعمة جسمه ، ويكون هو الساقي على عادته القديمة ورسمه ، فأمره
المؤتمن بقبول أمره وامتثاله ، واحتذاء أمثاله ، فحين ظهرت تلك الشمس من حجبها ،
ورمت شياطين النفوس من كمت المدام بشهبها ، ارتجل ابن عمار : [الكامل]
وهويته يسقي
المدام كأنه
|
|
قمر يدور بكوكب
في مجلس
|
متناوح الحركات
يندى عطفه
|
|
كالغصن هزّته
الصّبا بتنفّس
|
يسقي بكأس في
أنامل سوسن
|
|
ويدير أخرى من
محاجر نرجس
|
يا حامل السّيف
الطويل نجاده
|
|
ومصرّف الفرس
القصير المحبس
|
إياك بادرة
الوغى من فارس
|
|
خشن القناع على
عذار أملس
|
جهم وإن حسر
القناع فإنما
|
|
كشف الظلام عن
النهار المشمس
|
يطغى ويلعب في
دلال عذاره
|
|
كالمهر يلعب في
اللجام المجرس
|
سلّم فقد قصف
القنا غصن النّقا
|
|
وسطا بليث الغاب
ظبي المكنس
|
عنّا بكأسك قد
كفتنا مقلة
|
|
حوراء قائمة
بسكر المجلس
|
وصنع فيه أيضا : [الوافر]
وأحور من ظباء
الروم عاط
|
|
بسالفتيه من
دمعي فريد
|
قسا قلبا وشنّ
عليه درعا
|
|
فباطنه وظاهره
حديد
|
بكيت وقد دنا
ونأى رضاه
|
|
وقد يبكي من
الطرب الجليد
|
وإنّ فتى تملّكه
برقّ
|
|
وأحرز حسنه لفتى
سعيد
|
وقال في «البدائع» مؤلّفه ما نصّه : خرج المعتصم بن صمادح صاحب
المرية يوما إلى بعض متنزهاته ، فحلّ بروضة قد سفرت عن وجهها البهيج ، وتنفّست عن
مسكها الأريج ، وماست معاطف أغصانها ، وتكلّلت بلؤلؤ الطلّ أجياد قضبانها ، فتشوّف
إلى الوزير أبي طالب بن غانم أحد كبراء دولته ، وسيوف صولته ، فكتب إليه
بديها بورقة كرنب بعود من شجرة : [مخلع البسيط]
أقبل أبا طالب
إلينا
|
|
واسقط سقوط
النّدى علينا
|
__________________
وجلس المعتصم بن
صمادح المذكور يوما وبين يديه ساقية قد أخمدت ببردهما حرّ الأوار ، والتوى ماؤها فيها التواء فضّة السوار ، فقال ارتجالا : [البسيط]
انظر إلى الماء
كيف انحطّ من صببه
|
|
كأنه أرقم قد
جدّ في هربه
|
وقال السميسر : [المتقارب]
بعوض شربن دمي
قهوة
|
|
وغنّينني بضروب
الأغاني
|
كأنّ عروقي
أوتارهنّ
|
|
وجسمي الرباب
وهنّ القناني
|
[وقيل : [الطويل]
بعوض وبرغوث
وبقّ لزمنني
|
|
حسبن دمي خمرا
فلذّ لها الخمر
|
فيرقص برغوث
لزمر بعوضة
|
|
وبقّهم سكت
ليستمع الزمر
|
ومنه : [مجزوء
الكامل]
بقّ وبرغوث أتوا
|
|
نحوي وقد شدّوا
عذابي
|
وأتى البعوض
بزمره
|
|
يا قوم أخرج من
ثيابي]
|
وأحسن منه قول ابن
شرف القيرواني : [الكامل]
لك مجلس كملت
بشارة لهونا
|
|
فيه ، ولكن تحت
ذاك حديث
|
غنّى الذباب
فظلّ يزمر حوله
|
|
فيه البعوض
ويرقص البرغوث
|
والسابق إلى هذا
المعنى أبو الحسن أحمد بن أيوب من شعراء اليتيمة إذ قال : [المنسرح]
لا أعذل الليل
في تطاوله
|
|
لو كان يدري ما
نحن فيه نقص
|
__________________
لي والبراغيث
والبعوض إذا
|
|
أجنّنا حندس
الظلام قصص
|
إذا تغنّى بعوضه
طربا
|
|
أطرب برغوثه
الغنا فرقص
|
ونحو هذا قول
الحصري فيما نسبه إليه ابن دحية : [المجتث]
ضاقت بلنسية بي
|
|
وذاد عنّي غموضي
|
رقص البراغيث
فيها
|
|
على غناء البعوض
|
رجع إلى أهل
الأندلس ، فنقول :
كان ابن سعد الخير
البلنسي الشاعر كثير الذهول ، مفرط النسيان ، ظاهر التغفّل ، على جودة نظمه ،
ورطوبة طبعه ، وكان كثيرا ما يسلك سكة الإسكافيين الذين يعملون الخفاف على بغلة له
، فاتّخذت البغلة النفور من أطراف الأدم وفضلات الجلود الملقاة في السكة عادة لها
، واتّفق أن عبر في السكة راجلا ، ومعه جماعة من أصحابه ، فلمّا رأى الجلود
الملقاة قفز ووثب راجعا على عقبيه ، فقال له أصحابه : ما هذا أيها الأستاذ؟ فقال :
البغلة نفرت ، فعجبوا من تغفّله كيف ظنّ مع ما يقاسيه من ألم المشي ونصب التعب أنه راكب؟
وأنّ حركته الاختيارية منه حركة الدابة الضرورية له ، فكان تغفّله ربما أوقعه في
تهمة عند من لم يعرفه ، فاقترح عليه بعض الأمراء أن يصنع بيتين أول أحدهما كتاب
وآخره ذئب ، وأول الآخر جوارح وآخره أنابيب ، فصنع بديها : [الطويل]
كتاب نجيع لاح
في حومة الوغى
|
|
وقارنه نسر
هنالك أو ذيب
|
جوارح أهليه
حروف وربّما
|
|
تولّته من نقط
الطعان أنابيب
|
وقال الحميدي : ذكر لي أبو بكر المرواني أنه شاهد محبوبا الشاعر النحوي
قال بديهة في صفة ناعورة : [الطويل]
وذات حنين ما تغيض
جفونها
|
|
من اللّجج الخضر
الصوافي على شطّ
|
وتبكي فتحيي من
دموع جفونها
|
|
رياضا تبدّت
بالأزاهر في بسط
|
__________________
فمن أحمر قان
وأصفر فاقع
|
|
وأزهر مبيضّ
وأدكن مشمطّ
|
كأنّ ظروف الماء
من فوق متنها
|
|
لآلي جمان قد
نظمن على قرط
|
وقال أبو الخطاب
بن دحية : دخلت على الوزير الفقيه الأجلّ أبي بكر عبد الرحمن بن
محمد بن مغاور السلمي ، فوقع الكلام في علوم لم تكن من جنس فنونه ، فقال بديهأ :[الخفيف]
أيها العالم
ادّركني سماحا
|
|
فلمثلي يحقّ منك
السماح
|
إن تخلني إذا
نطقت عييّا
|
|
فبناني إذا كتبت
وقاح
|
أحرز الشأو في
نظام ونثر
|
|
ثم أثني وفي
العنان جماح
|
فبهزل كما تأوّد
غصن
|
|
وبجدّ كما تهزّ
الصفاح
|
وقال : دخلت عليه منزله بشاطبة في اليوم الذي توفي فيه وهو يجود بنفسه ، فأنشد
بديها : [الخفيف]
أيها الواقف
اعتبارا بقبري
|
|
استمع فيه قول
عظمي الرّميم
|
أودعوني بطن
الضريح وخافوا
|
|
من ذنوب كلومها
بأديمي
|
ودعوني بما
اكتسبت رهينا
|
|
غلق الرهن عند
مولّى كريم
|
وقال ابن طوفان :
دعا أبي أبا الوليد النّحلي ، فلمّا قضوا وطرهم من الطعام سقيتهم ، وجعلت أترع
الكاسات ، فلمّا مشت في النّحلي سورة الحميّا ارتجل : [مجزوء الرمل]
لابن طوفان أياد
|
|
قلّ فيها مشبهوه
|
ملأ الكاسات حتى
|
|
قيل في البيت
أبوه
|
ونظيره قول
المتفتل من شعراء الذخيرة في الشاعر ابن الفراء : [مجزوء الرمل]
__________________
فإذا ما قال
شعرا
|
|
نفقت سوق أبيه
|
وذكر في «بدائع
البداءة» أن جماعة من الشعراء في أيام الأفضل خرجوا متنزهين إلى الأهرام ليروا
عجائب مبانيها ، ويتأمّلوا ما سطّره الدهر من العبر فيها ، فاقترح بعض من كان معهم
العمل فيها ، فصنع أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي : [الطويل]
بعيشك هل أبصرت
أعجب منظرا
|
|
على ما رأت
عيناك من هرمي مصر
|
أنافا بأعنان
السماء فأشرفا
|
|
على الجوّ إشراف
السّماك أو النّسر
|
وقد وافيا نشزا
من الأرض عاليا
|
|
كأنهما نهدان
قاما على صدر
|
وصنع أبو منصور
ظافر الحداد : [الوافر]
تأمّل هيئة
الهرمين وانظر
|
|
وبينهما أبو
الهول العجيب
|
كعمار يتّين على
رحيل
|
|
بمحبوبين بينهما
رقيب
|
وفيض البحر
عندهما دموع
|
|
وصوت الريح
بينهما نحيب
|
وظاهر سجن يوسف
مثل صبّ
|
|
تخلّف فهو محزون
كئيب
|
وقال ابن بسام :
كان للمتوكل بن الأفطس فرس أدهم أغرّ محجّل على كفله ست نقط بيض ، فندب المتوكل
الشعراء لصفته ، فصنع النّحلي أبو الوليد فيه بديها : [الرمل]
ركب البدر جوادا
سابحا
|
|
تقف الريح لأدنى
مهله
|
لبس الليل قميصا
سابغا
|
|
والثريّا نقط في
كفله
|
وغدير الصبح قد
خيض به
|
|
فبدا تحجيله من
بلله
|
كلّ مطلوب وإن
طالت به
|
|
رجله من أجله في
أجله
|
ثم انتدب الشعراء
بعد ذلك للعمل فيه ، فصنع ابن اللّبّانة : [الكامل]
لله طرف جال يا
ابن محمد
|
|
فحبت به حوباؤه
التأميلا
|
لمّا رأى أنّ
الظلام أديمه
|
|
أهدى لأربعه
الهدى تحجيلا
|
__________________
وكأنما في الردف
منه مباسم
|
|
تبغي هناك لرجله
تقبيلا
|
ويعني بعمر
المتوكل المذكور لأنّ اسمه عمر.
وقال أحمد بن عبد
الرحمن بن الصقر الخزرجي قاضي إشبيلية : [الكامل]
لله إخوان تناءت
دارهم
|
|
حفظوا الوداد
على النوى أو خانوا
|
يهدي لنا طيب
الثناء ودادهم
|
|
كالندّ يهدي
الطيب وهو دخان
|
وحكي أن أيوب بن
سليمان السهيلي المرواني حضر يوما عند ابن باجة ، والشاعر وأبو الحسن بن جودي هناك ، فتكلّم المرواني
بكلام ظهر فيه نبل وأدب ، فتشوّف أبو الحسن بن جودي لمعرفته ، وكان إذ ذاك فتيّ
السّنّ ، فقال له : من أنت أكرمك الله تعالى؟ فقال : هلا سألت غيري عني فيكون ذلك
أحسن لك أدبا ولي توقيرا ، فقال ابن جودي : قد سألت من المعرف عنك فلم يعرفك ،
فقال : يا هذا ، طالما مرّ علينا زمان يعرفنا من يجهل ، ولا يحتاج من يرانا فيه إلى أن يسأل ،
وأطرق ساعة ، ثم رفع رأسه وأنشد : [الطويل]
أنا ابن الألى
قد عوّض الدهر عزّهم
|
|
بذلّ وقلوا
واستحبّوا التنكّرا
|
ملوك على مرّ
الزمان بمشرق
|
|
وغرب دهاهم
دهرهم وتغيّرا
|
فلا تذكرنهم
بالسؤال مصابهم
|
|
فإنّ حياة
الرّزء أن يتذكّرا
|
ففطن ابن جودي أنه
من بني مروان ، فقام وقبّل رأسه ، واعتذر إليه ، ثم انصرف المرواني ، فقال ابن
باجة لابن جودي : أساء أدبك بعدما عهدت منك؟ كيف تعمد إلى رجل في مجلسي تجدني قد قربته وأكرمته وخصصته بالإصغاء إلى كلامه فتقدّم عليه
بالسؤال عن نفسه؟ فاحذر أن تكون لك عادة ، فإنها من أسوأ الأدب ، فقال ابن جودي :
لم نزل من الشيخ على ما قاله أبو تمام : [المنسرح]
نأخذ من ماله ومن أدبه
__________________
وحكي أن بكار
المرواني لمّا ترك وطنه وخرج في الجهاد وقتل ، قال صاحب السقط : إنه اجتمع به في
أشبونة فقال : قصدت منزله بها ، ونقرت الباب ، فنادى : من هذا؟ فقلت : رجل ممّن
يتوسّل لرؤياك بقرابة ، فقال : لا قرابة إلّا بالتقى ، فإن كنت من أهله
فادخل ، وإلّا فتنحّ عنّي ، فقلت : أرجو في الاجتماع بك والاقتباس منك أن أكون من
أهل التقى ، فقال : ادخل ، فدخلت عليه فإذا به في مصلّاه وسبحة أمامه ، وهو يعدّ
حبوبها ويسبح فيها ، فقال لي : ارفق عليّ حتى أتمّم وظيفتي من هذا التسبيح ، وأقضي
حقّك ، فقعدت إلى أن فرغ ، فلمّا قضى شغله عطف عليّ وقال : ما القرابة التي بيني
وبينك؟ فانتسبت له ، فعرف أبي ، وترحّم عليه ، وقال لي : لقد كان نعم الرجل ، وكان
لديه أدب ومعرفة ، فهل لديك أنت ممّا كان لديه شيء؟ فقلت له : إنه كان يأخذني
بالقراءة وتعلّم الأدب ، وقد تعلّقت من ذلك بما أتميّز به ، فقال لي : هل تنظم
شيئا؟ قلت : نعم ، وقد ألجأني الدهر إلى أن أرتزق به ، فقال : يا ولدي إنه بئسما
يرتزق به ، ونعم ما يتحلّى به إذا كان على غير هذا الوجه ، وقد قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : «إنّ من الشّعر لحكمة» ولكن تحلّ الميتة عند الضرورة ، فأنشدني
أصلحك الله تعالى ممّا على ذكرك من شعرك ، قال : فطلبت بخاطري شيئا أقابله به ممّا
يوافق حاله فما وقع لي إلّا فيما لا يوافقه من مجون ووصف خمر وما أشبه ذلك ،
فأطرقت قليلا ، فقال : لعلّك تنظم ، فقلت : لا ولكن أفكر فيما أقابلك به ، فقولي
أكثره فيما حملني عليه الصّبا والسخف ، وهو غير لائق بمجلسك ، فقال : يا بني ، ولا هذا كلّه ، إنّا لا نبلغ من تقوى
الله إلى حدّ نخرج به عن السلف الصالح ، وإذا صحّ عندنا أنّ عبد الله بن عباس ابن
عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومفسّر كتاب الله تعالى ينشد مثل قول القائل : [الرجز]
إن يصدق الطير ننك لميسا
فمن نحن حتى نأبى
أن نسمع مثل هذا؟ والله لا نشذّ عن السلف الصالح ، أنشدني ما وقع لك غير متكلّف ، فلم
يمدّني خاطري إلى غير قولي من شعر أمجن فيه : [المجتث]
أبطأت عنّي ،
وإني
|
|
لفي اشتياق شديد
|
وفي يدي لك شيء
|
|
قد قام مثل
العمود
|
لو ذقته مرّة لم
|
|
تعد لهذا الصدود
|
__________________
فتبسّم الشيخ وقال
: أما كان في نظمك أطهر من هذا؟ فقلت له : ما وفّقت لغيره ، فقال : لا بأس عليك ،
فأنشدني غيره ، ففكّرت إلى أن أنشدته قولي : [المتقارب]
ولمّا وقفت على
ربعهم
|
|
تجرّعت وجدي
بالأجزع
|
وأرسل دمعي شرار
الدموع
|
|
لنار تأجّج في
الأضلع
|
فقال عذولي ،
لمّا رأى
|
|
بكائي : رفقا
على الأدمع
|
فقلت له : هذه
سنّة
|
|
لمن حفظ العهد
في الأربع
|
قال : فرأيت الشيخ
قد اختلط ، وجعل يجيء ويذهب ، ثم أفاق وقال : أعد بحقّ آبائك الكرام ، فأعدت ،
فأعاد ما كان فيه وجعل يردّده ، فقلت له : لو علمت أنّ هذا يحرّكك ما أنشدتك إيّاه
، فقال : وهل حرّك منّي إلّا خيرا وعظة؟ يا بنيّ ، إنّ هذه القلوب المخلاة لله
كالورق التي جفت ، وهي مستعدّة لهبوب الرياح ، فإن هبّ عليها أقلّ ريح لعب بها كيف
شاء ، وصادف منها طوعه ، فأعجبني منزعه ، وتأنّست به ، ولم أر عنده ما يعتاد من
هؤلاء المتدينين من الانجماع والانكماش ، بل ما زال يبسطني ويحدّثني بأخبار فيها
هزل ، ويذكر لي من تاريخ بني أمية وملوكها ما أرتاح له ، ولا أعلم أكثره ، فلمّا
كثر تأنسي به أهويت إلى يده كي أقبّلها ، فضمّها بسرعة ، وقال : ما شأنك؟ فقلت :
راغبا لك في أن تنشدني شيئا من نظمك ، فقال : أما نظمي في زمان الصبا فكان له وقت
ذهب ، ويجب للنظم أن يذهب معه ، وأمّا نظمي في هذا الوقت فهو فيما أنا بسبيله ،
وهو يثقل عليك ، فقلت له : إن أنصف سيدي الشيخ نفعنا الله تعالى به أنشدني من نظم
صباه ، ومن نظم شيخوخته ، فيأخذ كلانا بحظّه ، فضحك وقال : ما أعصيك وأنت ضيف
وقريب ولك حرمة أدب ووسيلة قصد ، ثم أنشدني وقد بدا عليه الخشوع وخنقته العبرة
: [مجزوء الكامل]
ثق بالذي سوّاك
من
|
|
عدم فإنك من عدم
|
وانظر لنفسك قبل
قر
|
|
ع السّنّ من فرط
الندم
|
واحذر وقيت من
الورى
|
|
واصحبهم أعمى
أصمّ
|
قد كنت في تيه
إلى
|
|
أن لاح لي أهدى
علم
|
فاقتدت نحو
ضيائه
|
|
حتى خرجت من
الظّلم
|
__________________
لكن قناديل
الهوى
|
|
في نور رشدي
كالحمم
|
قال : فو الله لقد
أدركني فوق ما أدركه ، وغلب على خاطري بما سمعت من هذه الأبيات ، وفعلت بي من
الموعظة غاية لم أجد منها التخلّص إلّا بعد حين ، فقال لي الشيخ : إنّ هذه يقظة
يرجى معها خيرك ، والله مرشدك ومنقذك ، ثم قال لي : يا بني ، هذا ما نحن بسبيله
الآن ، فاسمع فيما مضى والله وليّ المغفرة ، وإنّا لنرجو منه غفران الفعل ، فكيف
القول ، وأنشد : [المتقارب]
أطلّ عذار على
خدّه
|
|
فظنّوا سلوّي عن
مذهبي
|
وقالوا غراب
لوشك النّوى
|
|
فقلت اكتسى
البدر بالغيهب
|
وناديت قلبي أين
المسير
|
|
وبدر الدّجى حلّ
بالعقرب
|
فقال ولو رمت عن
حبّه
|
|
رحيلا عصيت ولم
أذهب
|
قال : فسمعت منه ما يقصر عنه صدور الشعراء ، وشهدت له بالتقدّم ، وقلت له :
لم أر أحسن من نظمك في جدّ ولا هزل ، ثم قلت له : أأرويه عنك؟ فقال : نعم ، ما أرى
به بأسا بعد اطلاع من يعلم السرائر ، على ما في الضمائر ، فما قدر هذه الفكاهة في إغضاء
من يغفر الكبائر؟ ويغضي عن العظائم؟ قال : فقلت له : فإن أسبغت عليّ النعمة
بزيادة شيء من هذا الفن فعلت ما تملك به قلبي آخر الدهر ، فقال : يا بني ، لا ملك
قلبك غير حبّ الله تعالى! ثم قال : ولا أجمع عليك ردّ قول ومنعا ، وأنشد : [مجزوء الخفيف]
أيها الشادن
الذي
|
|
حسنه في الورى
غريب
|
لحظ ذاك الجمال
يط
|
|
فىء ما بي من
اللهيب
|
وعليه أحوم ده
|
|
ري ولكنّني أخيب
|
كلّما رمت زورة
|
|
قيّض الله لي
رقيب
|
قال : فمازج قلبي
من الرقّة واللطافة لهذا الشعر ما أعجز عن التعبير عنه ، فقلت له : زدني زادك الله
تعالى خيرا ، فأنشدني : [البسيط]
ما كان قلبي
يدري قدر حبّكم
|
|
حتى بعدتم فلم
يقدر على الجلد
|
__________________
وكنت أحسب أني
لا أضيق به
|
|
ذرعا فما حان
حتى فتّ في عضدي
|
ثم استمرّت على
كره مريرته
|
|
فكاد يفرق بين
الروح والجسد
|
عساكم أن تلاقوا
باللقا رمقي
|
|
فليس لي مهجة
تقوى على الكمد
|
ثم قال : حسبك ،
وإن كلفتني زيادة فالله حسبك ، فقلت له : قد وكلتني إلى كريم غفور رحيم ، فبالله
إلّا ما زدتني ، وأكببت لأقبّل رجليه ، فضمّهما وأنشد : [المجتث]
لله من قال لمّا
|
|
شكوت فيه نحولي
|
أمّا السبيل
لوصل
|
|
فما له من وصول
|
فقلت حسبي
التماح
|
|
بحسن وجه جميل
|
وجه تلوح عليه
|
|
علامة للقبول
|
فقال دعني فهذا
|
|
تعرّض للفضول
|
فقلت عاتب وخاطب
|
|
بالأمن أهل
العقول
|
فملأ سمعي عجائب ،
وبسط أنسي ، وكتبت كلّ ما أنشدني ، ثم قلت له : لولا خوفي من التثقيل عليك لم أزل
أستدعي منك الإنشاد حتى لا تجد ما تنشد ، فقال : إن عدت إن شاء الله تعالى إلى هنا
تذكرت ، وأنشدتك ، فما عندي ممّا أضيفك غير ما سمعته ، وما تراه ، ثم قام وجاء من بيت آخر في داره بصحفة فيها
حسا من دقيق وكسور باردة ، فجعل يفتّ فيها ، ثم أشار إليّ أن أشرب ، فشربت ، ثم
شرب إلى أن أتينا على آخرها ، ثم قال لي : هذا غذاء عمّك نهاره ، وإنه لنعمة من
الله تعالى أستديم بشكرها اتّصالها ، قال : فقلت له : يا عمّ ، ومن أين عيشك؟ فقال
: يا بني ، عيشتي بتلك الشبكة أصطاد بها في سواحل البحر ما أقتات به ، ولي زوجة
وبنت يعود من غزلهما مع ذلك ما نجد به معونة ، وهذا مع العافية والاستغناء عن الناس خير كثير ،
جعلنا الله تعالى ممّن يلقاه على حالة يرضاها ، وختم لنا بخاتمة لا يخاف معها
فضيحة! قال : فتركته وقمت وفي نيّتي أن أعود إلى زيارته ، ونويت أن يكون ذلك بعد
أيام خوف التثقيل ، فعدت إليه بعد ثلاثة أيام ، فنقرت الباب ، فكلمتني المرأة
بلسان عليه أثر الحزن ، وقالت : إنّ الشيخ خرج إلى الغزو ، وذلك بعد انفصالك عنه
بيوم ، ناله كالجنون ، فقلت له : ما شأنك؟ فقال : إني أريد أن أموت شهيدا في الغزو ، وهؤلاء جيران لي قد
__________________
عزموا على الغزو ،
وأنا إن شاء الله تعالى ماض معهم ، ثم احتال في سيف ورمح وتوجّه معهم ، وقال :
نفسي هي التي قتلتني بهواها ، أفلا أقتصّ منها فأقتلها؟ قال : فقلت لها : من خلّف
للنظر في شأنكم؟ فقالت : ليس ذلك لك ، فالذي خلفنا له لا نحتاج معه إلى غيره ، فأدركني من جوابها روعة ، وعلمت أنها مثله زهدا
وصلاحا ، فقلت : إني قريبه ، ويجب عليّ أن أنظر في حالكم بعده ، فقالت : يا هذا ،
إنك لست بذي محرم ، ولنا من العجائز من ينظر منّا ويبيع غزلنا ويتفقّد أحوالنا ،
فجزاك الله تعالى عنّا خيرا ، انصرف عنّا مشكورا ، فقلت لها : هذه دراهم خذوها
لتستعينوا بها ، فقالت : ما اعتدنا أن نأخذ شيئا من غير الله تعالى ، وما
كان لنا أن نخلّ بالعادة ، فانصرفت نادما على ما فاتني من الاستكثار من شعر الشيخ
والتبرّك بزيادة دعائه ، ثم عدت بعد ذلك لداره سائلا عنه ، فقالت لي المرأة : إنه
قد قبّله الله تعالى ، فعلمت أنه قد قتل ، فقلت لها : أقتل؟ فقرأت (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ) سورة آل عمران ،
الآية : ١٦٩] ـ الآية فانصرفت معتبرا من حاله ، رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا
به!.
وكانت للمروانيين
بالأندلس يد عليا ، في الدين والدنيا. انتهى.
وقال محمد بن أيوب
المرواني ، لمّا كلّف قوما حاجة له سلطانية فما نهضوا بها فكلّفها رأس بني مروان
القائد سعيد بن المنذر ، فنهض بها : [الوافر]
نهضت بما سألتك
غير وان
|
|
وقد صعبت
لسالكها الطريق
|
وليس يبين فضل
المرء إلّا
|
|
إذا كلّفته ما
لا يطيق
|
وعتبه يوما سعيد
بن المنذر في كونه يتعرّض لمدح خدام بني مروان ، فقال له : أعزّ الله تعالى القائد
الوزير! إنكم جعلتموني ذنبا وجعلوني رأسا ، والنفس تتوق إلى من يكرمها وإن كان
دونها أكثر منها إلى من يهينها وإن كان فوقها ، وإني من هذا وهذا في أمر لا يعلمه إلّا
الله الذي بلاني به ، ويا ويح الشجيّ من الخليّ ، وأنا الذي أقول فيما يتخلّل
هذا المنزع : [الطويل]
نسبت لقوم ليتني
نجل غيرهم
|
|
فلي نسب يعلو
وحظّي يسفل
|
أقطّع عمري
بالتعلّل والمنى
|
|
وكم يخدع المرء
اللبيب التّعلّل
|
فما لي مكان
أرتضيه لهمّة
|
|
ولا مال منه
أستعفّ وأفضل
|
__________________
ولكنني أقضي
الحياة تجمّلا
|
|
وهل يهلك
الإنسان إلّا التّجمّل
|
فقال له سعيد :
قصدنا لومك فعطفت اللائمة علينا ، ونحن أحقّ بها ، وسننظر ، إن شاء الله تعالى ،
فيما يرفع اللوم عن الجانبين ، ثم تكلّم مع الناصر في شأنه ، فأجرى له رزقا أغناه
عن التكفّف ، فكانت هذه من حسنات سعيد وأياديه.
وقال المطرف بن
عمر المرواني يمدح المظفر بن المنصور بن أبي عامر : [الكامل]
إنّ المظفّر لا
يزال مظفرا
|
|
حكما من الرحمن
غير مبدّل
|
وهو الأحقّ بكلّ
ما قد حازه
|
|
من رفعة ورياسة
وتفضّل
|
تلقاه صدرا
كلّما قلّبته
|
|
مثل السنان
بمحفل وبجحفل
|
وحضر يوما مع شاعر
الأندلس في زمانه ابن دراج القسطلّي ، فقال له القسطلي : أنشدني أبياتك التي تقول
فيها : [الطويل]
على قدر ما يصفو الخليل يكدّر
فأنشده : [الطويل]
تخيّرت من بين
الأنام مهذّبا
|
|
ولم أدر أني
خائب حين أخبر
|
فمازجني كالراح
للماء ، واغتدى
|
|
على كلّ ما
جشّمته يتصبر
|
إلى أن دهاني إذ
أمنت غروره
|
|
سفاها ، وأدّاني
لما ليس يذكر
|
وكدّر عيشي بعد
صفو ، وإنما
|
|
على قدر ما يصفو
الخليل يكدّر
|
فاهتزّ القسطلّي
وقال : والله إنك في هذه الأبيات لشاعر ، وأنا أنشدك فيما يقابلها لبلال بن جرير :
[الكامل]
لو كنت أعلم أنّ
آخر عهدهم
|
|
يوم الفراق فعلت
ما لم أفعل
|
ولكن جعل نفسه
فاعلا وعرّضت نفسك لأن يقال : إنك مفعول ، فقال : ومن أين يلوح ذلك؟ فقال القسطلي
: من قولك «وأدّاني لما ليس يذكر» فما يظنّ في ذلك إلّا أنه أداك إلى موضع فعل بك فيه ، فاغتاظ الأموي وقال : يا أبا
عمر ، ومن أين جرت العادة بأن تمزح معي في هذا الشأن؟ فقال له : حلم بني مروان
يحملنا على أن نخرق العادة في الحمل على مكارمهم ، فسكن غيظه.
__________________
وكتب المرواني
المذكور إلى صاحب له يستعير منه دابّة يخرج عليها للفرجة والخلاعة : أنهض الله
تعالى سيدي بأعباء المكارم ، إنّ هذا اليوم قد تبسّم أفقه ، بعد ما بكى ودقه ، وصقلت أصداء أوراقه ، وفتّحت حدائق أحداقه ، وقام نوره خطيبا على ساقه ، وفضّضت غدرانه ، وتوّجت
أغصانه ، وبرزت شمسه من حجابها ، بعد ما تلفّعت بسحابها ، وتنبّه في أرجاء الروض
أرج النسيم ، وعرف في وجهه نضرة النعيم ، وقد دعا كلّ هذا ناظر أخيك إن أن يجيله في
هذه المحاسن ، ويجدّد نظره في المنظر الذي هو غير مبتذل والماء الذي هو غير آسن ، والفحص اليوم أحسن ما ملح ، وأبدع ما حرن فيه وجمح ، فجد
لي بإعارة ما أنهض عليه لمشاهدته ويرفع عني خجل الابتذال ، بمناكب الأنذال ، لا زلت نهّاضا بالآمال ، مسعفا بمراد كلّ خليل غير
مقصّر ولا آل .
وكتب الأمير هشام
بن عبد الرحمن إلى أخيه عبد الله المعروف بالبلنسي حين فرّ كتابا يقول في بعض
فصوله : والعجب من فرارك دون أن ترى شيئا.
فخاطبه بجواب يقول
فيه : ولا تتعجّب من فراري دون أن أرى شيئا ؛ لأنني خفت أن أرى ما لا أقدر على
الفرار بعده ، ولكن تعجب مني أن حصلت في يدك بعد ما أفلتّ منك.
وقال له وزيره
أحمد بن شعيب البلنسي : أليس من العار أن يبلغ بك الخور من هذا الصبي أن تجعل بينك
وبينه البحر ، وتترك بلاد ملكك وملك أبيك؟ فقال : ما أعرف ما تقول ، وكل ما وقي به
إتلاف النفس ليس بعار ، بل هو محض العقل ، وأوّل ما ينظر الأديب في حفظ رأسه ،
فإذا نظر في ذلك نظر فيما بعده.
وقال عبد الله بن
عبد العزيز الأموي ويعرف بالحجر : [البسيط]
اجعل لنا منك
حظّا أيها القمر
|
|
فإنما حظّنا من
وجهك النظر
|
رآك ناس فقالوا
إنّ ذا قمر
|
|
فقلت كفّوا
فعندي منهما الخبر
|
البدر ليس بغير
النّصف بهجته
|
|
حتى الصباح وهذا
كلّه قمر
|
وقال أبو عبد الله
محمد بن محمد بن الناصر يرثي أبا مروان بن سراج : [الطويل]
__________________
وكم من حديث
للنبيّ أبانه
|
|
وألبسه من حسن
منطقه وشيا
|
وكم مصعب للنحو
قد راض صعبه
|
|
فعاد ذلولا بعد
ما كان قد أعيا
|
وحكي أنه دخل بعض
شعراء الأندلس على الفقيه سعيد بن أضحى ، وكان من أعيان غرناطة ، فمدحه بقصيدة ،
ثم بموشّحة ، ثم بزجل ، فلم يعطه شيئا ، بل شكا إليه فقرا ، حتى إنه بكى ، فأخذ
الدواة والقرطاس وكتب ووضع بين يديه : [البسيط]
شكا مثال الذي
أشكوه من عدم
|
|
وساءه مثل ما قد
ساءني فبكى
|
إنّ المقلّ الذي
أعطاك دمعته
|
|
نعم الجواد فتى
أعطاك ما ملكا
|
وقال ابن خفاجة : [الكامل]
نهر كما سال
اللّمى سلسال
|
|
وصبا بليل ذيلها
مكسال
|
ومهبّ نفحة روضة
مطلولة
|
|
فيها لأفراس
النسيم مجال
|
غازلته والأقحوانة
مبسم
|
|
والآس صدغ
والبنفسج خال
|
وقال : [الطويل]
وساق كحيل
الطّرف في شأو حسنه
|
|
جماح ، وبالصبر
الجميل حران
|
ترى للصّبا نارا
بخدّيه لم يثر
|
|
لها من سوادي
عارضيه دخان
|
سقاها وقد لاح
الهلال عشيّة
|
|
كما اعوجّ في
درع الكميّ سنان
|
عقارا نماها
الكرم فهي كريمة
|
|
ولم تزن بابن
المزن فهي حصان
|
وقد حان من جون
الغمامة أدهم
|
|
له البرق سوط
والعنان عنان
|
وضمّخ درع الشمس
نحر حديقة
|
|
عليك وفي الطّلّ
السقيط جمان
|
__________________
ونمّت بأسرار
الرياض خميلة
|
|
لها النّور ثغر
والنسيم لسان
|
وقال في وصف فرس
أصفر ، ولم يخرج عن طريقته : [السريع]
وأشقر تضرم منه
الوغى
|
|
بشعلة من شعل
الباس
|
من جلّنار ناضر
لونه
|
|
وأذنه من ورق
الآس
|
يطلع للغرّة في
شقرة
|
|
حبابة تضحك في
الكاس
|
وقال أبو بكر يحيى
بن سهل اليكي يهجو : [الكامل]
أعد الوضوء إذا
نطقت به
|
|
مستعجلا من قبل
أن تنسى
|
واحفظ ثيابك إن
مررت به
|
|
فالظّلّ منه
ينجّس الشّمسا
|
وقال ابن
اللّبّانة : [السريع]
أبصرته قصّر في
المشيه
|
|
لمّا بدت في
خدّه لحيه
|
قد كتب الشّعر
على خدّه
|
|
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ)
|
وقال الوزير
الكاتب أبو محمد عبد الغفور الإشبيلي في الأمير الكبير أبي بكر سير من أمراء المرابطين ، وكتب بها إليه في غزاة
غزاها : [الكامل]
سر حيث سرت
يحلّه النوّار
|
|
وأراك فيه مرادك
المقدار
|
وإذا ارتحلت
فشيّعتك سلامة
|
|
وغمامة لا ديمة
مدرار
|
تنفي الهجير
بظلّها وتنيم بال
|
|
رشّ القتام وكيف
شئت تدار
|
وقضى الإله بأن
تعود مظفّرا
|
|
وقضت بسيفك
نحبها الكفّار
|
هذا غير ما تمنّاه
الجعفي حيث قال : حيث ارتحلت وديمة ، وما تكاد تنفد معها عزيمة ، وإذا سفحت على ذي
سفر ، فما أحراها بأن تعوق عن الظفر ، ونعتها بمدرار ، فكان ذلك أبلغ في الإضرار ،
وما أحسن قول القائل : [الوافر]
__________________
فسر ذا راية
خفقت بنصر
|
|
وعد في جحفل بهج
الجمال
|
إلى حمص فأنت
بها حليّ
|
|
تغاير فيه ربّات
الحجال
|
وقال الحجاري في «المسهب»
: كتبت إلى القاضي أبي عبد الله محمد اللوشي أستدعي منه شعره لأكتبه في كتابي ،
فتوقّف عن ذلك وانقبض عني ، فكتبت إليه : [البسيط]
يا مانعا شعره
عن سمع ذي أدب
|
|
نائي المحلّ
بعيد الشخص مغترب
|
يسير عنك به في
كلّ متّجه
|
|
كما يمرّ نسيم
الريح بالعذب
|
إنّي وحقّك أهل
أن أفوز به
|
|
واسأل فديتك عن
ذاتي وعن أدبي
|
فكان جوابه : [البسيط]
يا طالبا شعر من
لم يسم في الأدب
|
|
ما ذا تريد بنظم
غير منتخب
|
إني وحقّك لم
أبخل به صلفا
|
|
ومن يضنّ على
جيد بمخشلب
|
لكنني صنت قدري
عن روايته
|
|
فمثله قلّ عن
سام إلى الرّتب
|
خذه إليك كما
أكرهت مضطربا
|
|
محلّلا ذمّ
مولاه مدى الحقب
|
قال : ثم كتب لي
ممّا أتحفني به من نظمه محاسن أبهى من الأقمار ، وأرقّ من نسيم الأسحار.
وقال صالح بن شريف
في البحر وهو من أحسن ما قيل فيه : [البسيط]
البحر أعظم ممّا
أنت تحسبه
|
|
من لم ير البحر
يوما ما رأى العجبا
|
طام له حبب طاف
على زرق
|
|
مثل السماء إذا
ما ملّئت شهبا
|
وقال أيضا : [السريع]
ما أحسن العقل
وآثاره
|
|
لو لازم الإنسان
إيثاره
|
يصون بالعقل
الفتى نفسه
|
|
كما يصون الحرّ
أسراره
|
لا سيّما إن كان
في غربة
|
|
يحتاج أن يعرف
مقداره
|
وقال ابن برطلة : [الطويل]
__________________
خطوب زماني
ناسبتني غرابة
|
|
لذلك يرميني
بهنّ مصيب
|
غريب أصابته
خطوب غريبة
|
|
(وكلّ غريب للغريب نسيب)
|
وهذا من أحسن
التضمين ، الذي يزري بالدّرّ الثمين.
ودخل ابن بقي
الحمّام وفيه الأعمى التّطيلي فقال له : أجز : [البسيط]
حمّامنا كزمان
القيظ محتدم
|
|
وفيه للبرد صرّ
غير ذي ضرر
|
فقال الأعمى : [البسيط]
ضدّان ينعم جسم
المرء بينهما
|
|
كالغصن ينعم بين
الشّمس والمطر
|
ولا يخفى حسن ما
قال الأعمى.
وقد ذكر في «بدائع
البداءة» البيتين معا منسوبين إلى ابن بقي ، ولنذكر كلامه برمّته
لما اشتمل عليه من الفوائد ، ونصّه : ذكر ابن بسام قال : دخل الأديبان أبو جعفر بن
هريرة التّطيلي المعروف بالأعمى وأبو بكر بن بقي الحمّام ، فتعاطيا العمل فيه ،
فقال الأعمى : [المنسرح]
يا حسن حمّامنا
وبهجته
|
|
مرأى من السّحر
كلّه حسن
|
ماء ونار حواهما
كنف
|
|
كالقلب فيه
السرور والحزن
|
ثم أعجبه المعنى
فقال : [مخلع البسيط]
ليس على لهونا
مزيد
|
|
ولا لحمّامنا
ضريب
|
ماء وفيه لهيب
نار
|
|
كالشمس في ديمة
تصوب
|
وابيضّ من تحته
رخام
|
|
كالثّلج حين
ابتدا يذوب
|
وقال ابن بقي :
حمّامنا فيه فصل القيظ
البيتين.
فقال الأعمى ، وقد
نظر فيه إلى فتى صبيح : [البسيط]
__________________
هل استمالك جسم
ابن الأمير وقد
|
|
سالت عليه من
الحمّام أنداء
|
كالغصن باشر حرّ
النار من كثب
|
|
فظلّ يقطر من
أعطافه الماء
|
قلت : تذكّرت هنا
عند ذكر الحمّام ما حكاه بدر الدين الحسن بن زفير الإربلي المتطبب إذ قال : رأيت
ببغداد في دار الملك شرف الدين هارون ابن الوزير الصاحب شمس الدين محمد الجويني
حمّاما متقن الصنعة ، حسن البناء ، كثير الأضواء ، قد احتفّت به الأزهار والأشجار
، فأدخلني إليه سائسه ، وذلك بشفاعة الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى المنشئ
الإربلي وكان سائس هذا الحمّام خادما حبشيّا كبير السّنّ والقدر ، فطاف بي عليه ،
وأبصرت مياهه وشبابيكه وأنابيبه المتّخذ بعضها من فضّة مطليّة بالذهب وغير مطليّة
وبعضها على هيئة طائر إذا خرج منها الماء صوّت بأصوات طيبة ، ومنها أحواض رخام
بديعة الصنعة والمياه تخرج من سائر الأنابيب إلى الأحواض ومن الأحواض إلى بركة
حسنة الإتقان ، ثم منها إلى البستان ، ثم أراني نحو عشر خلوات ، كلّ خلوة منها صنعتها
أحسن من صنعة أختها ، ثم انتهى بي إلى خلوة عليها باب مقفل بقفل حديد ، ففتحه ،
ودخل بي إلى دهليز طويل كلّه مرخم بالرخام الأبيض الساذج ، وفي صدر الدهليز خلوة مربعة تسع
بالتقريب نحو أربعة أنفس إذا كانوا قعودا وتسع اثنين إذا كانوا نياما ، ورأيت من
العجائب في هذه الخلوة أنّ حيطانها الأربعة مصقولة صقالا لا فرق بينه وبين صقال
المرآة ، يرى الإنسان سائر بشرته في أي حائط شاء منها ، ورأيت أرضها مصوّرة بفصوص
حمر وصفر وخضر ومذهّبة وكلّها متّخذة من بلّور مصبوغ بعضه أصفر وبعضه أحمر ، فأما
الأخضر فيقال إنه حجارة تأتي من الروم ، وأما المذهّب فزجاج ملبّس بالذهب ، وتلك
الصورة في غاية الحسن والجمال ، على هيئات مختلفة في اللون وغيره ، وهي ما بين
فاعل ومفعول به ، إذا نظر المرء إليها تحرّكت شهوته ، وقال لي الخادم السائس : هذا
صنع على هذه الصفة لمخدومي ، حتى أنه إذا نظر ما يفعل هؤلاء بعضهم مع بعض من المجامعة والتقبيل ووضع أيدي بعضهم
على أعجاز بعض تتحرّك شهوته سريعا ، فيبادر إلى مجامعة من يحبّه.
قال الحاكي : وهذه
الخلوة دون سائر الخلوات التي دخلت إليها هي مخصوصة بهذا الفعل ، إذا أراد الملك
شرف الدين هارون الاجتماع في الحمّام بمن يهواه من الجواري الحسان والصور الجميلة
والنساء الفائقات الحسن لم يجتمع به إلّا في هذه الخلوة ، من أجل أنه يرى
__________________
كل محاسن الصور
الجميلة مصوّرة في الحائط ومجسّمة بين يديه ، ويرى كلّ منهما صاحبه على هذه الصفة
، ورأيت في صدر الخلو حوض رخام مضلّع وعليه أنبوب مركب في صدره ، وأنبوب آخر برسم
الماء البارد ، والأنبوب الأول برسم الماء الفاتر ، وعن يمنة الحوض ويساره عمدان صغار منحوتة من البلور يوضع عليها مباخر
الندّ والعود ، وأبصرت منها خلوة شديدة الضياء مفرحة بديعة قد أنفق عليها أموال
كثيرة ، وسألت الخادم عن تلك الحيطان المشرقة المضيئة : من أي شيء صنعت؟ فقال لي :
ما أعلم.
قال الحاكي : فما
رأيت في عمري ولا سمعت بمثل تلك الخلوة ، ولا بأحسن من ذلك الحمّام ، مع أني ما
أحسن أن أصفهما كما رأيتهما ، فإنه لم تتكرّر رؤيتي لهما ، ولا اتّفق لي الظفر
بصناعتهما ومباشرتهما ، وفي الذي ذكرت كفاية ، انتهى.
ولمّا اتّصل أبو
القاسم علي بن أفلح البغدادي الكاتب بأمير المؤمنين المسترشد بالله العباسي ،
ولقبه جمال الملك ، وأعطاه أربع ديار في درب الشاكرية اشترى دورا أخرى إلى جانبها
، وهدم الكلّ ، وأنشأ داره الكبيرة ، وأعانه الخليفة في بنائها ، وأطلق له أموالا
وآلات البناء ، وكان في جملة ما أطلق له مائتا ألف آجرّة وأجريت الدار بالذهب ،
وصنع فيها الحمّام العجيب الذي فيه بيت مستراح فيه أنبوب إن فركه الإنسان يمينا
خرج ماء حار وإن فركه شمالا خرج ماء بارد ، وكان على إيوان الدار مكتوبا : [السريع]
إن عجب الراءون
من ظاهري
|
|
فباطني لو علموا
أعجب
|
شيّدني من كفّه
مزنة
|
|
يهمل منها
العارض الصّيّب
|
ودبّجت روضة
أخلاقه
|
|
فيّ رياضا نورها
مذهب
|
صدر كسا صدري من
نوره
|
|
شمسا على الأيام
لا تغرب
|
وكتب على الطرز : [مجزوء
الكامل]
ومن المروءة
للفتى
|
|
ما عاش دار
فاخره
|
فاقنع من الدنيا
بها
|
|
واعمل لدار
الآخره
|
هاتيك وافية بما
|
|
وعدت ، وهذي
ساخره
|
__________________
وكتب على النادي :
[المتقارب]
وناد كأنّ جنان
الخلود
|
|
أعارته من حسنها
رونقا
|
وأعطته من
حادثات الزما
|
|
ن أن لا تلمّ به
موثقا
|
فأضحى يتيه على
كلّ ما
|
|
بنى مغربا كان
أو مشرقا
|
تظلّ الوفود به
عكّفا
|
|
وتمسي الضّيوف
به طرّقا
|
بقيت له يا جمال
الملو
|
|
ك والفضل مهما
أردت البقا
|
وسالمه فيك ريب
الزمان
|
|
ووقّيت فيه الذي
يتّقى
|
وعلى ذكر الحمّام
فما أحكم قول ابن الوردي فيما أظنّ : [الطويل]
وما أشبه
الحمّام بالموت لامرىء
|
|
تذكر! لكن أين
من يتذكّر
|
يجرّد عن أهل
ومال وملبس
|
|
ويصحبه من كلّ
ذلك مئزر
|
وقال الشهاب بن
فضل الله : [المتقارب]
وحمّامكم كعبة
للوفود
|
|
تحجّ إليه حفاة
عراه
|
يكرّر صوت
أنابيبه
|
|
كتاب الطهارة
باب المياه
|
وقد تمثّل بهذين
البيتين البرهان القيراطي في جواب كتاب استدعاه فيه بعض أهل عصره إلى الحمّام ،
وافتتح الجواب بقوله : [الخفيف]
قد أجبنا وأنت
أيضا فصبّح
|
|
ت بصبحي سوالف
وسلاف
|
وبساق يسبي
العقول بساق
|
|
وقوام وفق
العناق خلافي
|
ووصله بنثر تمثّل
فيه بالبيتين كما مرّ.
ولبعضهم : [الخفيف]
إنّ حمّامنا
الذي نحن فيه
|
|
أيّ ماء به
وأيّة نار
|
قد نزلنا به على
ابن معين
|
|
وروينا عنه صحيح
البخاري
|
وألغز بعضهم في
الحمّام بقوله : [الطويل]
ومنزل أقوام إذا
ما تقابلوا
|
|
تشابه فيه وغده
ورئيسه
|
__________________
ينفّس كربي إذ
ينفّس كربه
|
|
ويعظم أنسي إذ
يقلّ أنيسه
|
إذا ما أعرت
الجوّ طرفا تكاثرت
|
|
على من به
أقماره وشموسه
|
رجع إلى ما كنّا
فيه من كلام أهل الأندلس ، فنقول :
وكان محمد بن خلف
بن موسى البيري متكلّما متحقّقا برأي الأشعرية ، وذاكرا لكتب الأصول في الاعتقاد ، مشاركا في الأدب ، مقدّما في الطب ، ومن نظمه يمدح إمام
الحرمين رحمه الله تعالى : [الخفيف]
حبّ حبر يكنى أبا
للمعالي
|
|
هو ديني ففيه لا
تعذلوني
|
أنا والله مغرم
بهواه
|
|
علّلوني بذكره
علّلوني
|
وكتب أبو الوليد
بن الجنان الشاطبي يستدعي بعض إخوانه إلى مجلس أنس بما صورته : نحن في مجلس أغصانه
النّدامى ، وغمامه الصهباء ، فبالله إلّا ما كنت لروض مجلسنا نسيما ، ولزهر حديثنا
شميما ، وللجسم روحا ، وللطيب ريحا ، وبيننا عذراء زجاجتها خدرها ، وحبابها ثغرها ، بل شقيقة حوتها كمامة ،
أو شمس حجبتها غمامة ، إذا طاف بها معصم الساقي فوردة على غصنها ، أو شربها مقهقهة
فحمامة على فننها ، طافت علينا طوفان القمر على منازل الحول ، فأنت وحياتك إكليلنا
وقد آن حلولها في الإكليل ، انتهى.
وقال أبو الوليد
المذكور : [مجزوء الكامل]
فوق خدّ الورد
دمع
|
|
من عيون السّحب
يذرف
|
برداء الشمس
أضحى
|
|
بعدما سال يجفّف
|
وتذكّرت هنا بذكر
الورد ما حكاه الشيخ أبو البركات هبة الله بن محمد النصيبي المعروف بالوكيل ، وكان
شيخا ظريفا فيه آداب كثيرة ، إذ قال : كنت في زمن الربيع والورد في داري بنصيبين ،
وقد أحضر من بستاني من الورد والياسمين شيء كثير ، وعملت على سبيل الولع دائرة من
الورد تقابلها دائرة من الياسمين ، فاتّفق أن دخل عليّ شاعران كانا بنصيبين أحدهما
يعرف بالمهذب والآخر يعرف بالحسن بن البرقعيدي ، فقلت لهما : اعملا في هاتين
الدائرتين ، ففكّرا ساعة ثم قال المهذب : [مجزوء الكامل]
__________________
يا حسنها دائرة
|
|
من ياسمين مشرق
|
والورد قد
قابلها
|
|
في حلّة من شفق
|
كعاشق وحبّه
|
|
تغامزا بالحدق
|
فاحمرّ ذا من
خجل
|
|
واصفرّ ذا من
فرق
|
قال : فقلت للحسن
: هات ، فقال : سبقني المهذب إلى ما لمحته في هذا المعنى ، وهو قولي : [مجزوء
الرمل]
يا حسنها دائرة
|
|
من ياسمين
كالحلي
|
والورد قد
قابلها
|
|
في حلّة من خجل
|
كعاشق وحبّه
|
|
تغامزا بالمقل
|
فاحمرّ ذا من
خجل
|
|
واصفرّ ذا من
وجل
|
قال : فعجبت من
اتفاقهما في سرعة الاتحاد ، والمبادرة إلى حكاية الحال ، انتهى.
وما ألطف قول
بعضهم : [الطويل]
أرى الورد عند
الصبح قد مدّ لي فما
|
|
يشير إلى
التقبيل في حالة اللّمس
|
وبعد زوال الشمس
ألقاه وجنة
|
|
وقد أثّرت في
وسطها قبلة الشمس
|
وقال ابن ظافر في «بدائع
البداءة» : اجتمع الوزير أبو بكر بن القبطرنة والأديب أبو العباس
ابن صارة الأندلسيان في يوم جلا ذهب برقه ، وأذاب ورق ودقه ، والأرض قد ضحكت
لتعبيس السماء ، واهتزّت وربت عند نزول الماء ، فقال ابن القبطرنة : [الكامل]
هذي البسيطة
كاعب أبرادها
|
|
حلل الربيع
وحليها النّوّار
|
فقال ابن صارة : [الكامل]
وكأنّ هذا الجوّ
فيها عاشق
|
|
قد شفّه التعذيب
والإضرار
|
ثم قال ابن صارة
أيضا : [الكامل]
وإذا شكا فالبرق
قلب خافق
|
|
وإذا بكى فدموعه
الأمطار
|
__________________
فقال ابن القبطرنة
: [الكامل]
من أجل ذلّة ذا
وعزّة هذه
|
|
يبكي الغمام
وتضحك الأزهار
|
وتذكّرت هنا ما
حكاه ابن ظافر في الكتاب المذكور أنه اجتمع مع القاضي الأعز يوما فقال له ابن ظافر
: أجز : [الرجز]
طار نسيم الروض من وكر الزّهر
فقال الأعز :
وجاء مبلول الجناح بالمطر
ويعجبني قول ابن
قرناص : [الطويل]
أظنّ نسيم الروض
والزهر قد روى
|
|
حديثا ففاحت من
شذاه المسالك
|
وقال دنا فصل
الربيع فكلّه
|
|
ثغور لما قال
النسيم ضواحك
|
رجع إلى
الأندلسيين ـ وما أرقّ قول ابن الزقاق : [الخفيف]
ورياض من
الشقائق أضحت
|
|
يتهادى بها نسيم
الرياح
|
زرتها والغمام
يجلد منها
|
|
زهرات تفوق لون
الراح
|
قلت ما ذنبها؟
فقال مجيبا
|
|
سرقت حمرة
الخدود الملاح
|
وقال أبو إسحاق بن
خفاجة : [الطويل]
تعلّقته نشوان
من خمر ريقه
|
|
له رشفها دوني
ولي دونه السّكر
|
ترقرق ماء
مقلتاي ووجهه
|
|
ويذكي على قلبي
ووجنته الجمر
|
أرقّ نسيبي فيه
رقّة حسنه
|
|
فلم أدر أيّ
قبلها منهما السّحر
|
وطبنا معا شعرا
وثغرا كأنما
|
|
له منطقي ثغر
ولي ثغره شعر
|
وقال أبو الصّلت
أمية بن عبد العزيز : [الطويل]
وقائلة : ما بال
مثلك خاملا
|
|
أأنت ضعيف الرأي
أم أنت عاجز
|
فقلت لها : ذنبي
إلى القوم أنني
|
|
لما لم يحوزوه
من المجد حائز
|
__________________
وما فاتني شيء
سوى الحظّ وحده
|
|
وأمّا المعالي
فهي عندي غرائز
|
وقال : [مجزوء
الرمل]
جدّ بقلبي وعبث
|
|
ثم مضى وما
اكترث
|
واحربا من شادن
|
|
في عقد الصّبر
نفث
|
يقتل من شاء بعي
|
|
نيه ومن شاء بعث
|
وقال الفاضل
البليغ يحيى بن هذيل أحد أعيان شعراء الأندلس : [الرمل]
نام طفل النبت
في حجر النّعامى
|
|
لاهتزاز الطّلّ
في مهد الخزامى
|
وسقى الوسميّ
أغصان النّقا
|
|
فهوت تلثم أفواه
الندامى
|
كحّل الفجر لهم
جفن الدّجى
|
|
وغدا في وجنة
الصبح لثاما
|
تحسب البدر
محيّا ثمل
|
|
قد سقته راحة
الصبح مداما
|
حوله الزهر كؤوس
قد غدت
|
|
مسكة الليل
عليهنّ ختاما
|
وتذكرت هنا قول
الآخر ، وأظنّه مشرقيّا : [الرمل]
بكر العارض
تحدوه النّعامى
|
|
فسقاك الريّ يا
دار أماما
|
وتمشّت فيك
أرواح الصّبا
|
|
يتأرّجن بأنفاس
الخزامى
|
قد قضى حفظ
الهوى أن تصبحي
|
|
للمحبّين مناخا
ومقاما
|
وبجرعاء الحمى
قلبي ، فعج
|
|
بالحمى واقرأ
على قلبي السلاما
|
وترحّل فتحدّث
عجبا
|
|
أنّ قلبا سار عن
جسم أقاما
|
قل لجيران الغضى
آها على
|
|
طيب عيش بالغضى
لو كان داما
|
حمّلوا ريح
الصّبا من نشركم
|
|
قبل أن تحمل
شيحا وثماما
|
__________________
وابعثوا أشباحكم
لي في الكرى
|
|
إن أذنتم لجفوني
أن تناما
|
وخرج بعض علماء
الأندلس من قرطبة إلى طليطلة ، فاجتار بحريز بن عكاشة ، الشجاع المشهور الذي ذكرنا
في هذا الباب ما يدلّ على شجاعته وقوّته وأيده ، بقلعة رباح ، فنزل بخارجها في بعض
جنباتها ، وكتب إليه : [مجزوء الرمل]
يا فريدا دون
ثان
|
|
وهلالا في
العيان
|
عدم الراح فصارت
|
|
مثل دهن
البيلسان
|
فبعث إليه بها ،
وكتب معها : [مجزوء الرمل]
جاء من شعرك روض
|
|
جاده صوب اللسان
|
فبعثناها سلافا
|
|
كسجاياك الحسان
|
وقال الوزير أبو
عامر بن شهيد يتغزّل : [الرمل]
أصباح شيم أم
برق بدا
|
|
أم سنا المحبوب
أورى أزندا
|
هبّ من مرقده
منكسرا
|
|
مسبلا للكمّ مرخ
للرّدا
|
يمسح النّعسة من
عيني رشا
|
|
صائد في كلّ يوم
أسدا
|
أوردته لطفا
آياته
|
|
صفوة العيش
وأرعته ددا
|
فهو من دلّ عراه
زبدة
|
|
من مريج لم
تخالط زبدا
|
قلت هب لي يا
حبيبي قبلة
|
|
تشف من عمّك
تبريح الصّدى
|
فانثنى يهتزّ من
منكبه
|
|
مائلا لطفا
وأعطاني اليدا
|
كلّما كلّمني
قبّلته
|
|
فهو إمّا قال
قولا ردّدا
|
كاد أن يرجع من
لثمي له
|
|
وارتشاف الثغر
منه أدردا
|
وإذا استنجزت
يوما وعده
|
|
أمطل الوعد وقال
اصبر غدا
|
__________________
شربت أعطافه ماء
الصّبا
|
|
وسقاه الحسن حتى
عربدا
|
فإذا بتّ به في
روضة
|
|
أغيد يغذو نباتا
أغيدا
|
قام في الليل
بجيد أتلع
|
|
ينفض اللّمّة من
دمع الندى
|
ومكان عازب عن
جيرة
|
|
أصدقاء وهم عين
العدا
|
ذي نبات طيّب
أعراقه
|
|
كعذار الشّعر في
خدّ بدا
|
تحسب الهضبة منه
جبلا
|
|
وحدور الماء منه
أبردا
|
وقال يرثي القاضي
ابن ذكوان ، نجيب ذلك الأوان ، وقد افتنّ في الآداب ، وسنّ فيها سنّة ابن داب ،
وما فارق ربع الشباب شرخه ، ولا استمجد في الكهولة عفاره ولا مرخه ، وكان لأبي عامر هذا قسيم نفسه ، ونسيم أنسه : [الطويل]
ظننّا الذي نادى
محقّا بموته
|
|
لعظم الذي أنحى
من الرّزء كاذبا
|
وخلنا الصباح
الطّلق ليلا وأننا
|
|
هبطنا خداريّا
من الحزن كاربا
|
ثكلنا الدّنا
لمّا استقلّ وإنما
|
|
فقدناك يا خير
البريّة ناعبا
|
وما ذهبت ، إذ
حلّ في القبر ، نفسه
|
|
ولكنما الإسلام
أدبر ذاهبا
|
ولمّا أبى إلّا
التحمّل رائحا
|
|
منحناه أعناق
الكرام ركائبا
|
يسير به النّعش
الأعزّ وحوله
|
|
أباعد كانوا
للمصاب أقاربا
|
عليه حفيف
للملائك أقبلت
|
|
تصافح شيخا ذاكر
الله تائبا
|
تخال لفيف الناس
حول ضريحه
|
|
خليطا تخطّى في
الشريعة هاربا
|
إذا ما امتروا
سحب الدموع تفرّعت
|
|
فروع البكا عن
بارق الحزن لاهبا
|
فمن ذا لفصل
القول يسطع نوره
|
|
إذا نحن ناوينا
الألدّ المناوبا
|
ومن ذا ربيع
المسلمين يقوتهم
|
|
إذا الناس
شاموها بروقا كواذبا
|
__________________
فيا لهف قلبي آه
ذابت حشاشتي
|
|
مضى شيخنا
الدّفّاع عنّا النوائبا
|
ومات الذي غاب
السرور لموته
|
|
فليس وإن طال
السّرى منه آئبا
|
وكان عظيما يطرق
الجمع عنده
|
|
ويعنو له ربّ
الكتيبة هائبا
|
وذا مقول عضب
الغرارين صارم
|
|
يروح به عن حومة
الدين ضاربا
|
أبا حاتم صبر
الأديب فإنني
|
|
رأيت جميل
الصّبر أحلى عواقبا
|
وما زلت فينا
ترهب الدهر سطوة
|
|
وصعبا به نعيي
الخطوب المصاعبا
|
سأستعتب الأيام
فيك لعلّها
|
|
لصحّة ذاك الجسم
تطلب طالبا
|
لئن أفلت شمس
المكارم عنكم
|
|
لقد أسأرت بدرا
لها وكواكبا
|
قال في «المطمح» : ودبّت إلى أبي عامر بن شهيد أيام العلويين عقارب ، برئت
بها منه أباعد وأقارب ، واجهه بها صرف قطوب ، وانبرت إليه منها خطوب ، نبا لها جنبه عن المضجع ، وبقي بها ليالي يأرق ولا يهجع ، إلى أن أعلقت
في الاعتقال آماله ، وعقلته في عقال أذهب ماله ، فأقام مرتهنا ، ولقي وهنا ، وقال
: [الطويل]
قريب بمحتلّ
الهوان مجيد
|
|
يجود ويشكو حزنه
فيجيد
|
نعى صبره عند
الإمام فيا له
|
|
عدوّ لأبناء
الكرام حسود
|
وما ضرّه إلّا مزاح
ورقّة
|
|
ثنته سفيه
الذّكر وهو رشيد
|
جنى ما جنى في
قبّة الملك غيره
|
|
وطوّق منه
بالعظيمة جيد
|
وما فيّ إلّا
الشّعر أثبته الهوى
|
|
فسار به في
العالمين فريد
|
أفوه بما لم آته
متعرّضا
|
|
لحسن المعاني
تارة فأزيد
|
فإن طال ذكري
بالمجون فإنها
|
|
عظائم لم يصبر
لهنّ جليد
|
وهل كنت في
العشّاق أول عاقل
|
|
هوت بحجاه أعين
وخدود
|
فراق وشجو
واشتياق وذلّة
|
|
وجبّار حفّاظ
عليّ عتيد
|
فمن يبلغ
الفتيان أنّي بعدهم
|
|
مقيم بدار
الظالمين وحيد
|
__________________
مقيم بدار
ساكنوها من الأذى
|
|
قيام على جمر
الحمام قعود
|
ويسمع للحيان في
جنباتها
|
|
بسيط كترجيع
الصّدى ونشيد
|
ولست بذي قيد
يرنّ ، وإنما
|
|
على اللّحظ من
سخط الإمام قيود
|
وقلت لصدّاح
الحمام وقد بكى
|
|
على القصر إلفا
والدموع تجود
|
ألا أيها الباكي
على من تحبّه
|
|
كلانا معنّى
بالخلاء فريد
|
وهل أنت دان من
محبّ نأى به
|
|
عن الإلف سلطان
عليه شديد
|
فصفّق من ريش
الجناحين واقعا
|
|
على القرب حتى
ما عليه مزيد
|
وما زال يبكيني
وأبكيه جاهدا
|
|
وللشوق من دون
الضّلوع وقود
|
إلى أن بكى
الجدران من طول شجونا
|
|
وأجهش باب
جانباه حديد
|
أطاعت أمير
المؤمنين كتائب
|
|
تصرّف في
الأموال كيف تريد
|
فللشمس عنها
بالنهار تأخّر
|
|
وللبدر شحنا
بالظلام صدود
|
ألا إنها الأيام
تلعب بالفتى
|
|
نحوس تهادى تارة
وسعود
|
وما كنت ذا أيد
فأذعن ذا قوى
|
|
من الدهر مبد
صرفه ومعيد
|
وراضت صعابي
سطوة علويّة
|
|
لها بارق نحو
الندى ورعود
|
تقول التي من
بيتها كفّ مركبي
|
|
أقربك دان أم
مداك بعيد
|
فقلت لها أمري
إلى من سمت به
|
|
إلى المجد آباء
له وجدود
|
ثم قال : ولزمته آخر عمره علّة دامت به سنين ، ولم تفارقه حتى
تركته يد جنين ، وأحسب أن الله أراد بها تمحيصه ، وإطلاقه من ذنب كان قنيصه ،
فطهره تطهيرا ، وجعل ذلك على العفو له ظهيرا ، فإنها أقعدته حتى حمل في المحفّة ،
وعاودته حتى غدت لرونقه مشتفّة ، وعلى ذلك فلم يعطل لسانه ، ولم
يبطل إحسانه ، ولم يزل يستريح إلى القول ، ويزيح
__________________
ما كان يجده من
الغول ، وآخر شعر قاله قوله : [الطويل]
ولمّا رأيت
العيش لوّى برأسه
|
|
وأيقنت أنّ
الموت لا شكّ لاحقي
|
تمنّيت أني ساكن
في عباءة
|
|
بأعلى مهبّ
الرّيح في رأس شاهق
|
أردّ سقيط
الطّلّ في فضل عيشتي
|
|
وحيدا وأحسو
الماء ثني المعالق
|
خليليّ ، من ذاق
المنيّة مرّة
|
|
فقد ذقتها خمسين
، قولة صادق
|
كأني ، وقد حان
ارتحالي ، لم أفز
|
|
قديما من الدنيا
بلمحة بارق
|
فمن مبلغ عنّي
ابن حزم وكان لي
|
|
يدا في ملمّاتي
وعند مضايقي
:
|
عليك سلام الله
إنّي مفارق
|
|
وحسبك زادا من
حبيب مفارق
|
فلا تنس تأبيني
إذا ما ذكرتني
|
|
وتذكار أيّامي
وفضل خلائقي
|
وحرّك له بالله
من أهل فنّنا
|
|
إذا غيّبوني كلّ
شهم غرانق
|
عسى هامتي في
القبر تسمع بعضه
|
|
بترجيع شاد أو
بتطريب طارق
|
فلي في ادّكاري
بعد موتي راحة
|
|
فلا تمنعوها لي
علالة زاهق
|
وإني لأرجو الله
فيما تقدّمت
|
|
ذنوبي به ممّا
درى من حقائق
|
وكان أبو مروان
عبد الملك بن غصن مستوليا على وزارة ابن عبيدة ولسانه ينشد : [الطويل]
وشيّدت مجدي بين
أهلي ولم أقل
|
|
ألا ليت قومي
يعلمون صنيعي
|
وهجا ابن ذي النون
بقوله : [الطويل]
تلقّبت بالمأمون
ظلما ، وإنني
|
|
لآمن كلبا حيث
لست مؤمّنه
|
حرام عليه أن
يجود ببشره
|
|
وأمّا النّدى
فاندب هنالك مدفنه
|
سطور المخازي
دون أبواب قصره
|
|
بحجّابه
للقاصدين معنونه
|
__________________
فلمّا تمكّن منه
المأمون سجنه ، فكتب إلى ابن هود من أبيات : [الطويل]
أيا راكب
الوجناء بلّغ تحيّة
|
|
أمير جذام من
أسير مقيّد
|
ولمّا دهتني
الحادثات ولم أجد
|
|
لها وزرا أقبلت
نحوك أعتدي
|
ومثلك من يعدي
على كلّ حادث
|
|
رمى بسهام للردى
لم ترصد
|
فعلّك أن تخلو
بفكرك ساعة
|
|
لتنقذني من طول
همّ مجدّد
|
وها أنا في بطن
الثرى وهو حامل
|
|
فيسّر على رقبى
الشفاعة مولدي
|
حنانيك ألفا بعد
ألف فإنني
|
|
جعلتك بعد الله
أعظم مقصدي
|
وأنت الذي يدري
إذا رام حاجة
|
|
تضلّ بها الآراء
من حيث يهتدي
|
فرقّ له ابن هود ،
وتحيّل حتى خلّصه بشفاعته ، فلمّا قدم عليه أنشده : [المتقارب]
حياتي موهوبة من
علاكا
|
|
وكيف أرى عادلا
عن ذراكا
|
ولو لم يكن لك
من نعمة
|
|
عليّ وأصبحت
أبغي سواكا
|
لناديت في الأرض
هل مسعف
|
|
مجيب فلم يصغ
إلّا نداكا
|
فطرب ابن هود ،
وخلع عليه ثوب وزارته ، وجعله من أعلام سلطنته وإمارته.
وقال المنصور بن
أبي عامر للشاعر المشهور أبي عمر يوسف الرمادي : كيف ترى حالك معي؟ فقال : فوق
قدري ودون قدرك! فأطرق المنصور كالغضبان ، فانسلّ الرمادي وخرج وقد ندم على ما بدر
منه ، وجعل يقول : أخطأت ، لا والله ما يفلح مع الملوك من يعاملهم بالحقّ ، ما كان
ضرّني لو قلت له : إني بلغت السماء ، وتمنطقت بالجوزاء ، وأنشد : [الطويل]
متى يأت هذا
الموت لا يلف حاجة
|
|
لنفسي إلّا قد
قضيت قضاءها
|
لا حول ولا قوة
إلّا بالله. ولمّا خرج كان في المجلس من يحسده على مكانه من المنصور ، فوجد فرصة
فقال : وصل الله لمولانا الظفر والسعد! إنّ هذا الصنف صنف زور وهذيان لا يشكرون
نعمة ، ولا يرعون إلّا ولا ذمّة ، كلاب من غلب ، وأصحاب من أخصب ، وأعداء من أجدب
، وحسبك منهم أنّ الله جلّ جلاله يقول فيهم (وَالشُّعَراءُ
يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤))
__________________
[سورة الشعراء ،
الآية : ٢٢٤] ـ إلى (ما لا يَفْعَلُونَ) [سورة الشعراء ،
الآية : ٢٢٦] والابتعاد منهم أولى من الاقتراب ، وقد قيل فيهم : ما ظنّك بقوم
الصدق يستحسن إلّا منهم؟ فرفع المنصور رأسه ، وكان محبّا في أهل الأدب والشعر ،
وقد اسودّ وجهه ، وظهر فيه الغضب المفرط ، ثم قال : ما بال أقوام يشيرون في شيء لم
يستشاروا فيه ، ويسيئون الأدب بالحكم فيما لا يدرون ، أيرضى أم يسخط؟ وأنت أيّها
المنبعث للشّرّ دون أن يبعث ، قد علمنا غرضك في أهل الأدب والشعر عامة ، وحسدك لهم
؛ لأنّ الناس كما قال القائل : [مجزوء الرمل]
من رأى الناس له
فض
|
|
لا عليهم حسدوه
|
وعرفنا غرضك في
هذا الرجل خاصّة ، ولسنا إن شاء الله تعالى نبلّغ أحدا غرضه في أحد ، ولو بلّغناكم
بلغنا في جانبكم ، وإنك ضربت في حديد بارد ، وأخطأت وجه الصواب ، فزدت بذلك احتقارا
وصغارا ، وأني ما أطرقت من كلام الرمادي إنكارا عليه ، بل رأيت كلاما يجلّ عن الأقدار الجليلة ،
وتعجّبت من تهدّيه له بسرعة ، واستنباطه له على قلة من الإحسان الغامر ما لا يستنبطه غيره بالكثير ، والله لو
حكّمته في بيوت الأموال لرأيت أنها لا ترجح ما تكلّم به قلبه ذرة ، وإياكم أن يعود
أحد منكم إلى الكلام في شخص قبل أن يؤخذ معه فيه ، ولا تحكموا علينا في أوليائنا
ولو أبصرتم منا التغيّر عليهم ، فإنّنا لا نتغيّر عليهم بغضا لهم وانحرافا عنهم ،
بل تأديبا وإنكارا ، فإنّا من نريد إبعاده لم نظهر له التغيّر ، بل ننبذه مرّة
واحدة ، فإن التغيّر إنما يكون لمن يراد استبقاؤه ، ولو كنت مائل السمع لكلّ أحد
منكم في صاحبه لتفرّقتم أيدي سبا ، وجونبت أنا مجانبة الأجرب ، وإني قد أطلعتكم
على ما في ضميري فلا تعدلوا عن مرضاتي ، فتجنّبوا سخطي بما جنيتموه على أنفسكم ،
ثم أمر أن يردّ الرمادي وقال له : أعد عليّ كلامك ، فارتاع ، فقال : الأمر على
خلاف ما قدرت ، الثواب أولى بكلامك من العقاب ، فسكن لتأنيسه ، وأعاد ما تكلّم به
، فقال المنصور : بلغنا أنّ النعمان بن المنذر حشا فم النابغة بالدّرّ لكلام
استملحه منه ، وقد أمرنا لك بما لا يقصر عن ذلك ما هو أنوه وأحسن
عائدة ، وكتب له بمال وخلع وموضع يتعيّش منه ، ثم ردّ رأسه إلى المتكلّم في شأن الرمادي ، وقد كاد
يغوص في الأرض لو وجد لشدّة ما حلّ به ممّا رأى وسمع وقال : والعجب من قوم
__________________
يقولون الابتعاد
من الشعراء أولى من الاقتراب ، نعم ذلك لمن ليس له مفاخر يريد تخليدها ، ولا أياد
يرغب في نشرها ، فأين الذين قيل فيهم : [الطويل]
على مكثريهم رزق
من يعتريهم
|
|
وعند المقلّين
السماحة والبذل
|
وأين الذي قيل فيه
: [المديد]
إنما الدنيا أبو
دلف
|
|
بين مبداه
ومحتضره
|
فإذا ولّى أبو
دلف
|
|
ولّت الدنيا على
أثره
|
أما كان في
الجاهلية والإسلام أكرم ممّن قيل فيه هذا القول؟ بلى ، ولكن صحبة الشعراء والإحسان
إليهم أحيت غابر ذكرهم ، وخصّتهم بمفاخر عصرهم ، وغيرهم لم تخلّد الأمداح مآثرهم
فدثر ذكرهم ، ودرس فخرهم ، انتهى.
ومن حكاياتهم في
العدل أنه لمّا بنى المعتصم بن صمادح ملك ألمرية قصوره المعروفة بالصمادحية غصبوا
أحد الصالحين في جنّة وألحقوها بالصمادحية ، وزعم ذلك الصالح أنها لأيتام من
أقاربه ، فبينا المعتصم يوما يشرب على الساقية الداخلة إلى الصمادحية إذ وقعت عينه
على أنبوب قصبة مشمع ، فأمر من يأتيه به ، فلمّا أزال عنه الشمع وجد فيه ورقة فيها
«إذا وقفت أيها الغاصب على هذه الورقة فاذكر قول الله تعالى (إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ
وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي
فِي الْخِطابِ (٢٣)) [سورة ص ، الآية : ٢٣] لا إله إلّا الله ، أنت ملك قد وسّع
الله تعالى عليك ، ومكّن لك في الأرض ، ويحملك الحرص على ما يفنى أن تضمّ إلى
جنّتك الواسعة العظيمة قطعة أرض لأيتام حرّمت بها حلالها ، وخبثت طيبها ، ولئن
تحجّبت عني بسلطانك ، واقتدرت عليّ بعظم شأنك ، فنجتمع غدا بين يدي من لا يحجب عن
حقّ ، ولا تضيع عنده شكوى. فلمّا استوعب قراءتها دمعت عيناه ، وأخذته خشية خيف
عليه منها ، وكانت عادته رحمه الله تعالى ، وقال : عليّ بالمشتغلين ببناء
الصمادحية ، فأحضروا ، فاستفسرهم عمّا زعم الرجل ، فلم يسعهم إلّا صدقه ، واعتذروا
بأنّ نقصها من الصمادحية يعيبها في عين الناظر ، فاستشاط غضبا وقال : والله إنّ
عيبها في عين الخالق أقبح من عيبها في عين المخلوق ، ثم أمر بأن تصرف إليه ، واحتمل تعويرها لصمادحيته. ولقد مرّ بعض أعيان ألمرية
وأخيارها مع جماعة على هذا المكان الذي أخرجت منه جنّة الأيتام فقال أحدهم : والله
__________________
لقد عورت هذه
القطعة هذا المنظر العجيب ، فقال له : اسكت ، فو الله إنّ هذه القطعة طراز هذا
المنظر وفخره ، وكان المعتصم إذا نظر إليها قال : أشعرتم أن هذا المكان المعوجّ في
عيني أحسن من سائر ما استقام من الصمادحية؟ ثم إنّ وزيره ابن أرقم لم يزل يلاطف
الشيخ والأيتام حتى باعوها عن رضا بما اشتهوا من الثمن ، وذلك بعد مدة طويلة ،
فاستقام بها بناء الصمادحية ، وحصل للمعتصم حسن السمعة في الناس ، والجزاء عند
الله تعالى : ولمّا مات المعتصم بن صمادح ركب البحر ابنه وليّ عهده الواثق عزّ
الدولة أبو محمد عبد الله ، وفارق الملك كما أوصاه المعتصم والده وفي ذلك يقول : [الطويل]
لك الحمد بعد
الملك أصبحت خاملا
|
|
بأرض اغتراب لا
أمرّ ولا أحلي
|
وقد أصدأت فيها
الجذاذة أنملي
|
|
كما نسيت ركض
الجياد بها رجلي
|
فلا مسمعي يصغي
لنغمة شاعر
|
|
وكفّي لا تمتدّ
يوما إلى بذل
|
قال ابن اللبانة
الشاعر : ما علمت حقيقة جور الدهر حتى اجتمعت ببجاية مع عزّ الدولة بن المعتصم بن
صمادح فإني رأيت منه خير من يجتمع به ، كأنه لم يخلقه الله تعالى إلّا للملك
والرياسة وإحياء الفضائل ، ونظرت إلى همّته تنمّ من تحت خموله كما ينمّ فرند السيف
وكرمه من تحت الصدأ ، مع حفظه لفنون الأدب والتواريخ وحسن استماعه وإسماعه ،
ورقّة طباعه ولطافة ذهنه ، ولقد ذكرته لأحد من صحبته من الأدباء في ذلك المكان
ووصفته بهذه الصفات ، فتشوّق إلى الاجتماع به ، ورغب إليّ في أن أستأذنه في ذلك ،
فلما أعلمت عزّ الدولة قال : يا أبا بكر ، لتعلم أنّا اليوم في خمول وضيق لا يتّسع
لنا معهما ، ولا يحمل بنا الاجتماع مع أحد ، لا سيما مع ذي أدب ونباهة يلقانا بعين
الرحمة ، ويزورنا بمنّة التفضّل في زيارتنا ، ونكابد من ألفاظ توجّعه وألحاظ
تفجّعه ما يجدّد لنا همّا قد بلي ، ويحيي كمدا قد فني ، وما لنا قدرة على أن نجود
عليه بما يرضى به عن همّتنا ، فدعنا كأننا في قبر ، نتدرع لسهام الدهر بدرع الصبر
، وأما أنت فقد اختلطت بنا اختلاط اللحم بالدم ، وامتزجت امتزاج الماء بالخمر ،
فكأنّا لم نكشف حالنا لسوانا ، ولا أظهرنا ما بنا لغيرنا ، فلا تحمل غيرك محملك ،
قال ابن اللبانة : فملأ والله سمعي بلاغة لا تصدر إلّا عن سداد ونفس أبيّة متمكّنة
من
__________________
أعنّة البيان ،
وانصرفت متمثّلا : [الطويل]
لسان الفتى نصف
ونصف فؤاده
|
|
ولم يبق إلّا
صورة اللحم والدم
|
وكائن ترى من
صامت لك معجب
|
|
زيادته أو نقصه
في التكلّم
|
وكتب إليه ابن
اللبانة : [البسيط]
يا ذا الذي هزّ
أمداحي بحليته
|
|
وعزّه أن يهزّ
المجد والكرما
|
واديك لا زرع
فيه اليوم تبذله
|
|
فخذ عليه لأيام
المنى سلما
|
فتحيّل في قليل
برّ ووجّهه إليه وكتب معه : [البسيط]
المجد يخجل من
يفديك من زمن
|
|
ثناك عن واجب
البرّ الذي علما
|
فدونك النّزر من
مصف مودّته
|
|
حتّى يوفّيك
أيام المنى السّلما
|
ومن شعر عز الدولة
المذكور : [الطويل]
أفدّي أبا عمرو
وإن كان عاتبا
|
|
فلا خير في ودّ
يكون بلا عتب
|
وما كان ذاك
الودّ إلّا كبارق
|
|
أضاء لعيني ثم
أظلم في قلبي
|
وقال الشقندي في
الطرف : إنّ عزّ الدولة أشعر من أبيه. وأمّا أخوه رفيع الدولة الحاجب أبو زكريا
يحيى بن المعتصم فله أيضا نظم رائق ، ومنه ما كتب به إلى يحيى بن مطروح يستدعيه
لأنس : [الرمل]
يا أخي بل سيّدي
بل سندي
|
|
في مهمّات
الزمان الأنكد
|
لح بأفق غاب عنه
بدره
|
|
في اختفاء من
عيون الحسّد
|
وتعجّل فحبيبي
حاضر
|
|
وفمي يشتاق كأسي
في يدي
|
فأجابه ابن مطروح
، وهو من أهل باغة ، بقوله : [الرمل]
أنا عبد من أقلّ
الأعبد
|
|
قبلتي وجه بأفق
الأسعد
|
كلما أظمأني ورد
فما
|
|
منهلي إلّا بذاك
المورد
|
ها أنا بالباب
أبغي إذنكم
|
|
والظّما قد مدّ
للكأس يدي
|
__________________
وكان قد سلّط عليه
إنسان مختلّ إذا رآه يقول : هذا ألف لا شيء عليه ، يعني أنّ ملكه ذهب عنه وبقي
فارغا منه ، فشكا رفيع الدولة ذلك إلى بعض أصحابه ، فقال : أنا أكفيك مؤونته ،
واجتمع مع الأحمق ، واشترى له حلواء ، وقال له : إذا رأيت رفيع الدولة بن المعتصم
فسلّم عليه وقبّل يده ولا تقل هذا ألف لا شيء عليه ، فقال : نعم ، واشترط الوفاء
بذلك ، إلى أن لقيه فجرى نحوه وقبّل يده وقال : هذا هو باء بنقطة من أسفل ، فقامت
قيامة رفيع الدولة ، وكان ذلك أشدّ عليه ، وكان به علّة الحصا فظنّ أنّ الأحمق علم
ذلك وقصده ، وصار كلّما أحسّ به في موضع تجنّبه.
واستأذن يوما على
أحد وجوه دولة المرابطين فقال أحد جلسائه (أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) [سورة البقرة ، الآية : ١٣٤] استحقارا له واستثقالا للإذن
له ، فبلغ ذلك رفيع الدولة فكتب إليه : [الطويل]
خلت أمّتي لكنّ
ذاتي لم تخل
|
|
وفي الفرع ما
يغني إذا ذهب الأصل
|
وما ضرّكم لو قلتم
قول ماجد
|
|
يكون له فيما
يجيء به الفضل
|
وكلّ إناء بالذي
فيه راشح
|
|
وهل يمنح
الزنبور ما مجّه النّحل
|
سأصرف وجهي عن
جناب تحلّه
|
|
ولو لم تكن إلّا
إلى وجهك السّبل
|
فما موضع تحتلّه
بمرفّع
|
|
ولا يرتضى فيه
مقال ولا فعل
|
وقد كنت ذا عذل
لعلّك ترعوي
|
|
ولكن بأرباب
العلا يجمل العذل
|
وأما أخوهما أبو
جعفر بن المعتصم فله ترجمة في المسهب والمطرب والمغرب ، ومن شعره : [الطويل]
كتبت وقلبي ذو
اشتياق ووحشة
|
|
ولو أنه يسطيع
مرّ يسلّم
|
جعلت سواد العين
فيه سواده
|
|
وأبيضه طرسا
وأقبلت ألثم
|
فخيّل لي أني
أقبّل موضعا
|
|
يصافحه ذاك
البنان المسلّم
|
وأما أختهم أم
الكرم فذكرناها مع النساء فلتراجع.
وقال أبو العلاء
بن زهر : [الكامل]
تمّت محاسن وجهه
وتكاملت
|
|
لمّا بدا وعليه
صدغ مونق
|
وكذلك البدر
المنير جماله
|
|
في أن تكنّفه
سماء أزرق
|
__________________
وقال أبو الفضل بن
شرف : [السريع]
يا من حكى
البيدق في شكله
|
|
أصبح يحكيك
وتحكيه
|
أسفله أوسع
أجزائه
|
|
ورأسه أصغر ما
فيه
|
وقال ابن خفاجة : [السريع]
يا أيها الصّبّ
المعنّى به
|
|
ها هو لا خلّ
ولا خمر
|
سوّد ما ورّد من
خدّه
|
|
فصار فحما ذلك
الجمر
|
وقال أبو عبد الله
البياسي : [الرمل]
صغر الرأس وطول
العنق
|
|
شاهدا عدل بفرط
الحمق
|
ولمّا سمعه أبو
الحسن بن حريق قال : [الرمل]
صغر الرأس وطول
العنق
|
|
خلقة منكرة في
الخلق
|
فإذا أبصرتها من
رجل
|
|
فاقض في الحين
له بالحمق
|
وقال أبو الحسن بن
الفضل يذكر مقاما قامه سهل بن مالك وابن عيّاش : [الطويل]
لعمري لقد سرّ
الخلافة قائما
|
|
بخطبته الغرّاء
سهل بن مالك
|
وأما ابن عياش
وقد كان مثله
|
|
فضلّوا جميعا بين
تلك المسالك
|
ومات وماتوا
حسرة وحسادة
|
|
وغيظا فقلنا
هالك في الهوالك
|
وسهل بن مالك له
ترجمة مطوّلة ، رحمه الله تعالى!
ومن حكاياتهم في
الوفاء وحسن الاعتذار والقيام بحقّ الإخاء أنّ الوزير الوليد بن عبد الرحمن بن
غانم كان صديقا للوزير هاشم بن عبد العزيز ، ثابتا على مودّته ، ولمّا قضى الله
تعالى على هاشم بالأسر أجرى السلطان محمد بن عبد الرحمن الأموي ذكره في جماعة من
خدّامه ، والوليد حاضر ، فاستقصره ، ونسبه للطيش والعجلة والاستبداد برأيه ، فلم
يكن فيهم من اعتذر عنه غير الوليد ، فقال : أصلح الله تعالى الأمير! إنه لم يكن
على هاشم التخير في الأمور ، ولا الخروج عن المقدور ، بل قد استعمل جهده ، واستفرغ
نصحه ، وقضى حقّ
__________________
الإقدام ، ولم يكن
ملاك النصر بيده ، فخذله من وثق به ، ونكل عنه من كان معه ، فلم يزحزح قدمه عن
موطن حفاظه ، حتى ملك مقبلا غير مدبر ، مبليا غير فشل ، فجوزي خيرا عن نفسه
وسلطانه ، فإنه لا طريق للملام عليه ، وليس عليه ما جنته الحرب الغشوم ، وأيضا
فإنه ما قصد أن يجود بنفسه إلّا رضا للأمير ، واجتنابا لسخطه ، فإذا كان ما اعتمد
فيه الرضا جالب التقصير فذلك معدود في سوء الحظ ، فأعجب الأمير كلامه ، وشكر له
وفاءه ، وأقصر فيما بعد عن تفنيد هاشم ، وسعى في تخليصه ، واتّصل الخبر بهاشم ،
فكتب إليه : الصديق من صدقك في الشدّة لا في الرخاء ، والأخ من ذبّ عنك في الغيب
لا في المشهد ، والوفيّ من وفى لك إذا خانك زمان ، وقد أتاني من كلامك بين يدي
سيدنا ـ جعل الله تعالى نعمته سرمدا! ـ ما زادني بمودّتك اغتباطا ، وبصداقتك ارتباطا
، ولذلك ما كنت أشدّ يدي على وصلك ، وأخصّك بإخائي ، وأنا الآن بموضع لا أقدر فيه على جزاء غير الثناء
، وأنت أقدر مني على أن تزيد ما بدأت به بأن تتمّ ما شرعت فيه ، حتى تتكمّل لك
المنّة ، ويستوثق عقد الصداقة ، إن شاء الله تعالى ، وكتب إليه بشعر منه : [الطويل]
أيا ذاكري
بالغيب في محفل به
|
|
تصامت جمع عن
جواب به نصري
|
أتتني والبيداء
بيني وبينها
|
|
رقى كلمات
خلّصتني من الأسر
|
لئن قرّب الله
اللقاء فإنني
|
|
سأجزيك ما لا
ينقضي غابر الدّهر
|
فأجابه الوليد :
خلصك الله أيها البدر من سرارك! وعجّل بطلوعك في أكمل تمامك وإبدارك ! وصلني شكرك على أن قلت ما علمت ، ولم أخرج عن النصح
للسلطان بما زكنته من ذلك ، والله تعالى شاهد ، على أنّ ذلك في مجالس غير
المجلس المنقول لسيدي إن خفيت عن المخلوق فما تخفى عن الخالق ، ما أردت بها إلّا
أداء بعض ما أعتقده لك ، وكم سهرت وأنا نائم ، وقمت في حقي وأنا قاعد ، والله لا
يضيع أجر من أحسن عملا ، ثم ذكر أبياتا لم تحضرني الآن.
ومن حكاياتهم في
علوّ الهمّة في العلم والدنيا أنه دخل أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن باجة جامع
غرناطة ، وبه نحويّ حوله شباب يقرءون ، فنظروا إليه ، وقالوا له مستهزئين به : ما
__________________
يحمل الفقيه؟ وما
يحسن من العلوم؟ وما يقول؟ فقال لهم : أحمل اثني عشر ألف دينار ، وها هي تحت إبطي
، وأخرج لهم اثنتي عشرة ياقوتة ، كلّ واحدة منها بألف دينار ، وأمّا الذي أحسنه
فاثنا عشر علما أدونها علم العربية الذي تبحثون فيه ، وأما الذي أحسنه فاثنا عشر
علما أدونها علم العربية الذي تبحثون فيه ، وأما الذي أقول فأنتم كذا ،
وجعل يسبهم ، هكذا نقلت هذه الحكاية من خطّ الشيخ أبي حيان النحوي ، رحمه الله
تعالى!
ومن حكاياتهم في
الذكاء واستخراج العلوم واستنباطها أنّ أبا القاسم عباس بن فرناس ، حكيم الأندلس ،
أوّل من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة وأوّل من فكّ بها كتاب العروض
للخليل ، وأوّل من فكّ الموسيقى ، وصنع الآلة المعروفة بالمنقالة ، ليعرف الأوقات على غير رسم ومثال ، واحتال في تطيير
جثمانه ، وكسا نفسه الريش ، ومدّ له جناحين ، وطار في الجوّ مسافة بعيدة ، ولكنه
لم يحسن الاحتيال في وقوعه ، فتأذّى في مؤخره ، ولم يدر أنّ الطائر إنما يقع على
زمكّه ، ولم يعمل له ذنبا ، وفيه قال مؤمن بن سعيد الشاعر من أبيات : [الطويل]
يطمّ على
العنقاء في طيرانها
|
|
إذا ما كسا
جثمانه ريش قشعم
|
وصنع في بيته هيئة
السماء ، وخيّل للناظر فيها النجوم والغيوم والبروق والرعود ، وفيه يقول مؤمن بن
سعيد أيضا : [المنسرح]
سماء عباس
الأديب أبي ال
|
|
قاسم ناهيك حسن
رائقها
|
أمّا ضراط استه
فراعدها
|
|
فليت شعري ما
لمع بارقها
|
لقد تمنّيت حين
دوّنها
|
|
فكري في البصق
في است خالقها
|
وأنشد ابن فرناس
الأمير محمدا من أبيات : [الطويل]
رأيت أمير
المؤمنين محمدا
|
|
وفي وجهه بذر
المحبّة يثمر
|
فقال له مؤمن بن
سعيد : قبحا لما ارتكبته! جعلت وجه الخليفة محرثا يثمر فيه البذر ، فخجل وسبّه.
__________________
وأول من اشتهر في
الأندلس بعلم الأوائل والحساب والنجوم أبو عبيدة مسلم بن أحمد المعروف بصاحب
القبلة ؛ لأنه كان يشرّق في صلاته ، وكان عالما بحركات الكواكب وأحكامها ، وكان
صاحب فقه وحديث ، دخل المشرق ، وسمع بمكّة من علي بن عبد العزيز ، وبمصر من المزني
وغيره.
ومنهم يحيى بن
يحيى المعروف بابن السمينة ، من أهل قرطبة ، وكان بصيرا بالحساب والنجوم والنحو
واللغة والعروض ومعاني الشعر والفقه والحديث والأخبار والجدل ، ودخل إلى المشرق ،
وقيل : إنه كان معتزلي المذهب.
وأبو القاسم أصبغ
بن السمح ، وكان بارعا في علم النجوم والهندسة ، وله تآليف منها كتاب «المدخل إلى الهندسة في
تفسير أقليدس» ، وكتاب كبير في الهندسة ، وكتابان في الأسطرلاب ، وزيج على مذاهب
الهند المعروف بالسند هند.
وأبو القاسم بن
الصفار ، وكان عالما بالهندسة والعدد والنجوم ، وله زيج مختصر على مذاهب السند هند
، وله كتاب في عمل الأسطرلاب.
ومنهم أبو الحسن
الزهراوي ، وكان عالما بالعدد وبالطب والهندسة ، وله كتاب شريف في المعاملات على طريق البرهان.
ومنهم أبو الحكم
عمر الكرماني ، من أهل قرطبة ، من الراسخين في علم العدد والهندسة ، ودخل المشرق ،
واشتغل بحرّان ، وهو أوّل من دخل برسائل إخوان الصفا إلى الأندلس.
ومنهم أبو مسلم بن
خلدون من أشراف إشبيلية ، وكان متصرّفا في علوم الفلسفة والهندسة والنجوم والطب ،
وتلميذه ابن برغوث ، وكان عالما بالعلوم الرياضية ، وتلميذه أبو الحسن مختار
الرعيني ، وكان بصيرا بالهندسة والنجوم ، وعبد الله بن أحمد السرقسطي ، كان ناقدا في علم الهندسة والعدد والنجوم ، ومحمد بن الليث ، كان
بارعا في العدد والهندسة وحركات الكواكب ، وابن حيّ ، قرطبي بصير بالهندسة والنجوم
، وخرج عن الأندلس سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ، ولحق بمصر ، ودخل اليمن ،
واتّصل بأميرها الصّليحي القائم
__________________
بدعوة المستنصر العبيدي ، فحظي عنده ، وبعثه رسولا إلى بغداد إلى
القائم بأمر الله ، وتوفي باليمن بعد انصرافه من بغداد ، وابن الوقشي الطليطلي ، عارف بالهندسة والمنطق والزيوج ، وغيرهم ممّن
يطول تعدادهم.
وكان الحافظ أبو
الوليد هشام الوقشي من أعلم الناس بالهندسة وآراء الحكماء والنحو واللغة ومعاني
الأشعار والعروض وصناعة الكتابة والفقه والشروط والفرائض وغيرها ، وهو كما قال
الشاعر : [الوافر]
وكان من العلوم
بحيث يقضى
|
|
له في كلّ فنّ
بالجميع
|
ومن شعره قوله : [الكامل]
قد بيّنت فيه
الطبيعة أنها
|
|
بدقيق أعمال
المهندس ماهره
|
عنيت بمبسمه
فخطّت فوقه
|
|
بالمسك خطّا من
محيط الدائره
|
وعزم على ركوب
البحر إلى الحجاز فهاله ذلك ، فقال : [السريع]
لا أركب البحر
ولو أنني
|
|
ضربت فيه بالعصا
فانفلق
|
ما إن رأت عيني
أمواجه
|
|
في فرق إلّا
تناهى الفرق
|
وكان الوزير أبو
المطرف عبد الرحمن بن مهند مصنّف الأدوية المفردة آية الله تعالى في الطب وغيره ، حتى
أنه عانى جميع ما في كتابه من الأدوية المفردة ، وعرف ترتيب قواها ودرجاتها ، وكان
لا يرى التداوي بالأدوية ما أمكن بالأغذية أو ما يقرب منها ، وإذا اضطرّ إلى
الأدوية فلا يرى التداوي بالمركّبة ما وجد سبيلا إلى المفردة ، وإذا اضطرّ إلى
المركّب لم يكثر التركيب ، بل يقتصر على أقل ما يمكنه ، وله غرائب مشهورة في
الإبراء من الأمراض الصعبة والعلل المخوفة بأيسر علاج وأقربه.
ومنهم ابن البيطار
، وهو عبد الله بن أحمد المالقي الملقّب بضياء الدين ، وله عدّة
__________________
مصنّفات في
الحشائش لم يسبق إليها ، وتوفي بدمشق سنة ست وأربعين وستمائة ، أكل عقارا قاتلا
فمات من ساعته ، رحمه الله تعالى!.
ومن حكاياتهم في
الحفظ أن الأديب الأوحد حافظ إشبيلية ، بل الأندلس في عصره ، أبا المتوكل الهيثم
بن أحمد بن أبي غالب ، كان أعجوبة دهره في الرواية للأشعار والأخبار ، قال ابن
سعيد : أخبرني من أثق به أنه حضر معه ليلة عند أحد رؤساء إشبيلية فجرى ذكر حفظه ،
وكان ذلك في أول الليل ، فقال لهم : إن شئتم تختبروني أجبتكم ، فقالوا له : بسم الله ، إنّا نريد أن نحدّث عن
تحقيق ، فقال : اختاروا أيّ قافية شئتم لا أخرج عنها ، حتى تعجبوا ، فاختاروا القاف ، فابتدأ من أوّل الليل إلى أن طلع الفجر
، وهو ينشد وزن : [الكامل]
أرق على أرق ومثلي يأرق
وسمّاره قد نام
بعض وضجّ بعض ، وهو ما فارق قافية القاف.
وقال أبو عمران بن
سعيد : دخلت عليه يوما بدار الأشراف بإشبيلية ، وحوله أدباء ينظرون في كتب منها
ديوان ذي الرّمّة ، فمدّ الهيثم يده إلى الديوان المذكور ، فمنعه منه أحد الأدباء
، فقال : يا أبا عمران ، أواجب أن يمنعه مني وما يحفظ منه بيتا ، وأنا أحفظه؟
فأكذبته الجماعة ، فقال : اسمعوني وأمسكوه ، فابتدأ من أوّله حتى قارب نصفه ،
فأقسمنا عليه أن يكفّ ، وشهدنا له بالحفظ.
وكان آية في سرعة
البديهة ، مشهورا بذلك ، قال أبو الحسن بن سعيد : عهدي به في إشبيلية يملي على أحد
الطلبة شعرا ، وعلى ثان موشحة ، وعلى ثالث زجلا ، كلّ ذلك ارتجالا.
ولمّا أخذ الحصار
بمخنّق إشبيلية في مدة الباجي خرج خروج القارظين ، ولا يدري حيث ولا أين.
ومن شعره وقد نزل
بداره عبيد السلطان ، وكتب به إلى صاحب الأنزال : [الكامل]
كم من يد لك لا
أقوم بشكرها
|
|
وبها أشير إليك
إن خرست فمي
|
__________________
وقد استشرتك في
الحديث فهل ترى
|
|
أن يدخل الغربان
وكر الهيثم
|
وله : [البسيط]
يجفى الفقير
ويغشى الناس قاطبة
|
|
باب الغنيّ ،
كذا حكم المقادير
|
وإنما الناس
أمثال الفراش فهم
|
|
بحيث تبدو
مصابيح الدنانير
|
وله : [البسيط]
عندي لفقدك
أوجال أبيت بها
|
|
كأنني واضع كفّي
على قبس
|
ولا ملامة إن لم
أهد نيّره
|
|
حتى تمدّ إليها
كفّ مقتبس
|
قد كنت أودع سرّ
الشوق في طرس
|
|
لكنني خفت أن
يعدو على الطّرس
|
وأنشد له أبو سهل
شيخ دار الحديث بالقاهرة في إملائه : [الكامل]
قف بالكثيب
لغيرك التأنيب
|
|
إنّ الكثيب هوى
لنا محبوب
|
يا راحلين لنا
عليكم وقفة
|
|
ولكم علينا
دمعنا المسكوب
|
تخلى الديار من
المحبّة والهوى
|
|
أبدا وتعمر أضلع
وقلوب
|
وقال ارتجالا في
وصف فرس أصفر : [الوافر]
أطرف فات طرفي
أم شهاب
|
|
هفا كالبرق
ضرّمه التهاب
|
أعار الصبح
صفحته نقابا
|
|
ففرّ به وصحّ له
النقاب
|
فمهما حثّ خال
الصبح وافى
|
|
ليطلب ما استعار
فما يصاب
|
إذا ما انقضّ
كلّ النجم عنه
|
|
وضلّت عن مسالكه
السحاب
|
فيا عجبا له فضل
الدراري
|
|
فكيف أذال أربعه
التراب
|
سل الأرواح عن
أقصى مداه
|
|
فعند الريح قد
يلفى الجواب
|
وقال أبو عمر
الطلمنكي : دخلت مرسية ، فتشبّث بي أهلها يسمعون عليّ الغريب
__________________
المصنّف ، فقلت :
انظروا من يقرأ لكم ، وأمسكت أنا كتابي ، فأتوني برجل أعمى يعرف بابن سيده ، فقرأه
عليّ من أوّله إلى آخره ، فعجبت من حفظه ، وكان أعمى ابن أعمى.
وابن سيده المذكور
هو أبو الحسن علي بن أحمد بن سيده ، وهو صاحب كتاب «المحكم».
ومن نظمه ممّا كتب
به إلى ابن الموفّق : [الطويل]
ألا هل إلى
تقبيل راحتك اليمنى
|
|
سبيل فإنّ الأمن
في ذاك واليمنا
|
ومنها :
ضحيت فهل في برد
ظلّك نومة
|
|
لذي كبد حرّى
وذي مقلة وسنى
|
وتوفي ابن سيده
المذكور سنة ثمان وخمسين وأربعمائة ، وعمره نحو الستين ، رحمه الله تعالى!
ومن حكاياتهم في
حبّ العلم أنّ المظفر بن الأفطس صاحب بطليوس كان كما قال ابن الأبّار كثير الأدب ،
جمّ المعرفة ، محبّا لأهل العلم ، جمّاعة للكتب ، ذا خزانة عظيمة ، لم يكن في ملوك
الأندلس من يفوقه في أدب ومعرفة ، قاله ابن حيان.
وقال ابن بسام : كان المظفر أديب ملوك عصره غير مدافع ولا منازع ، وله
التصنيف الرائق ، والتأليف الفائق ، المترجم ب «التذكرة» والمشتهر أيضا اسمه
بالكتاب المظفّري ، في خمسين مجلّدا ، يشتمل على فنون وعلوم من مغاز وسير ومثل
وخبر وجميع ما يختصّ به علم الأدب ، أبقاه للناس خالدا ، وتوفي المظفر سنة ستين
وأربعمائة.
وكان يحضر العلماء
للمذاكرة ، فيفيد ويستفيد ، رحمه الله تعالى!
ومن التآليف
الكبار لأهل الأندلس كتاب «السماء والعالم» الذي ألّفه أحمد بن أبان صاحب شرطة
قرطبة ، وهو مائة مجلّد ، رأيت بعضه بفاس ، وتوفي ابن أبان سنة اثنتين وثمانين
وثلاثمائة ، رحمه الله تعالى!.
ولأهل الأندلس
دعابة وحلاوة في محاوراتهم ، وأجوبة بديهية مسكتة ، والظّرف فيهم والأدب كالغريزة ،
حتى في صبيانهم ويهودهم ، فضلا عن علمائهم وأكابرهم.
__________________
ولنذكر جملة من
ذكر الجلّة فنقول :
حكي عن عالم
ألمريّة القاضي أبي الحسن مختار الرعيني ، وكان فيه حلاوة ولوذعية ووقار وسكون ، أنه استدعاه يوما زهير ملك المريّة من مجلس
حكمه ، فجاءه يمشي مشية قاض قليلا قليلا ، فاستعجله رسول زهير ، فلم يعجل ، فلمّا
دخل عليه قال له : يا فقيه ، ما هذا البطء؟ فتأخّر إلى باب المجلس ، وطلب عصا ،
وشمّر ثيابه ، فقال له زهير : ما هذا؟ قال : هذا يليق باستعجال الحاجب لي ، فوقع
في خاطري أنه عزلني عن القضاء وولّاني الشرطة ، فضحك زهير واستحلاه ولم يعد إلى
استعجاله.
وهذا القاضي هو
القائل ـ وقد دخل حمّاما فجلس بإزائه عاميّ أساء الأدب عليه ـ : [الطويل]
ألا لعن الحمّام
دارا فإنه
|
|
سواء به ذو
العلم والجهل في القدر
|
تضيع به الآداب
حتى كأنها
|
|
مصابيح لم تنفق
على طلعة الفجر
|
وروي أنّ المقرئ
أبا عبد الله محمد بن الفراء إمام النحو واللغة في زمانه ـ وكانت فيه فطنة
ولوذعيّة ـ أبطأ خروجه يوما إلى تلامذته ، فطال بهم الكلام في المذاكرة فقال أحدهم
نصف بيت ، وكان فيهم وسيم من أبناء الأعيان ، وكان ابن الفراء كثير الميل إليه ،
فلمّا خرج قال له : يا أستاذ ، عملت نصف بيت ، وأريد أن تتمّه ، فقال : ما هو؟
فقال : [المتقارب]
ألا بأبي شادن أوطف
فقال الأستاذ ابن
الفراء بديها : [المتقارب]
إذا كان وردك لا
يقطف
|
|
وثغر ثناياك لا
يرشف
|
فأيّ اضطرار بنا
أن نقول
:
|
|
ألا بأبي شادن
أوطف
|
وهذا ابن الفراء
هو القائل : [مجزوء الخفيف]
قيل لي : قد
تبدّلا
|
|
فاسل عنه كما
سلا
|
لك سمع وناظر
|
|
وفؤاد فقلت : لا
|
__________________
قيل : غال وصاله
|
|
قلت : لمّا غلا
حلا
|
أيّها العاذل
الذي
|
|
بعذابي توكّلا
|
عد صحيحا مسلّما
|
|
لا تعيّر فتبتلى
|
وتذكّرت بهذا ما
أنشده لسان الدين في كتابه ، «روضة التعريف ، بالحب الشريف» :
[مجزوء الخفيف]
قلت للساخر الذي
|
|
رفع الأنف
فاعتلى
|
أنت لم تأمن
الهوى
|
|
لا تعيّر فتبتلى
|
ومن بديع نظم ابن
الفراء المذكور قوله : [المتقارب]
شكوت إليه بفرط
الدّنف
|
|
فأنكر من قصّتي
ما عرف
|
وقال الشهود على
المدّعي
|
|
وأمّا أنا فعليّ
الحلف
|
فجئنا إلى
الحاكم الألمعيّ
|
|
قاضي المجون
وشيخ الطّرف
|
وكان بصيرا بشرع
الهوى
|
|
ويعلم من أين
أكل الكتف
|
فقلت : له إقض
ما بيننا
|
|
فقال الشهود على
ما تصف
|
فقلت له شهدت
أدمعي
|
|
فقال إذا شهدت
تنتصف
|
ففاضت دموعي من
حينها
|
|
كفيض السحاب إذا
ما يكف
|
فحرّك رأسا
إلينا وقال
|
|
دعوا يا مهاتيك
هذا الصلف
|
كذا تقتلون
مشاهيرنا
|
|
إذا مات هذا
فأين الخلف
|
وأوما إلى الورد
أن يجتنى
|
|
وأوما إلى
الرّيق أن يرتشف
|
فلمّا رآه حبيبي
معي
|
|
ولم يختلف بيننا
مختلف
|
أزال العناد
فعانقته
|
|
كأني لام وحبّي
ألف
|
فظلت أعاتبه في
الجفا
|
|
فقال عفا الله
عمّا سلف
|
وحكي عن الزهري
خطيب إشبيلية ـ وكان أعرج ـ أنه خرج مع ولده إلى وادي إشبيلية ، فصادف جماعة في مركب ، وكان ذلك بقرب الأضحى ، فقال بعضهم له :
بكم هذا
__________________
الخروف؟ وأشار إلى
ولده ، فقال له الزهري : ما هو للبيع ، فقال : بكم هذا التيس ؟ وأشار إلى الشيخ الزهري ، فرفع رجله العرجاء وقال : هو
معيب لا يجزئ في الضحيّة ، فضحك كل من حضر ، وعجبوا من لطف خلقه.
وركب مرّة هذا
النهر مع الباجي يوم خميس ، فلمّا أصبحا وصعد الزهري يخطب يوم الجمعة ، والباجي
حاضر قدّامه ، فنظر إليه الباجي وأومأ إلى محلّ الحدث ، وأخرج لسانه ، فجعل الزهري
يلمس عصا الخطبة ، يشير بالعصا إلى جوابه على ما قصد ، رحمه الله تعالى!
ومرّ العالم أبو
القاسم بن ورد صاحب التآليف في علم القرآن والحديث بجنّة لأحد الأعيان فيها ورد ،
فوقف بالباب وكتب إليه : [الخفيف]
شاعر قد أتاك
يبغي أباه
|
|
عند ما اشتاق
حسنه وشذاه
|
وهو بالباب
مصغيا لجواب
|
|
يرتضيه النّدى
فماذا تراه
|
فعندما وقف على
البيتين علم أنه ابن ورد ، فبادر من جنّته إليه ، وأقسم في النزول عليه ، ونثر من
الورد ما استطاع بين يديه.
وحكي أن أبا
الحسين سليمان بن الطراوة نحويّ المرية حضر مع ندماء ، وإلى جانبه
من أخذ بمجامع قلبه ، فلمّا بلغت النوبة إليه استعفى من الشرب ، وأبدى القطوب ، فأخذ
ابن الطراوة الجام من يده وشربها عنه ، ويا بردها على كل كبده ، ثم قال بديها : [السريع]
يشربها الشيخ
وأمثاله
|
|
وكلّ من تحمد
أفعاله
|
والبكر إن لم
يستطع صولة
|
|
تلقى على البازل
أثقاله
|
ودخل عليه وهو مع
ندمائه غلام والكأس في يده فقال : [الوافر]
__________________
ألا بأبي وغير
أبي غزال
|
|
أتى وبراحه
للشرب راح
|
|
فقال منادمي في
الحسن صفه
|
|
فقلت الشمس جاء
بها الصباح
|
وقال فيمن جاء
بالراح : [الطويل]
ولمّا رأيت
الصبح لاح بخدّه
|
|
دعوتهم رفقا تلح
لكم الشمس
|
وأطلعها مثل
الغزالة وهو كال
|
|
غزال فتمّ الطيب
واكتمل الأنس
|
وقال ، وقد شرب
ليلة في القمر : [الطويل]
شربنا بمصباح السماء
مدامة
|
|
بشاطي غدير
والأزاهر تنفح
|
وظلّ جهول يرقب
الصبح ضلّة
|
|
ومن أكؤس لم
يبرح الليل يصبح
|
وكان عبد الله بن الحاج المعروف بمدغلّيس صاحب الموشّحات يشرب
مع ندماء ظراف في جنّة بهجة ، فجاءتهم ورقة من ثقيل يرغب في الإذن ، وكان له ابن مليح
فكتب إليه مدغليس : [مجزوء الرمل]
سيّدي هذا مكان
|
|
لا يرى فيه
بلحيه
|
غير تيس
مصفعانيّ
|
|
له بالصّفع كديه
|
أوله ابن شافع
في
|
|
ه فيلقى
بالتّحيّه
|
أيها القابل
أقبل
|
|
سائقا تلك
المطيّه
|
وكان مدغلّيس هذا
مشهورا بالانطباع والصنعة في الأزجال ، خليفة ابن قزمان في زمانه ، وكان أهل
الأندلس يقولون : ابن قزمان في الزجالين بمنزلة المتنبي في الشعراء ، ومدغلّيس
بمنزلة أبي تمام ، بالنظر إلى الانطباع والصناعة ، فابن قزمان ملتفت إلى المعنى ،
ومدغلّيس ملتفت للفظ ، وكان أديبا معربا لكلامه مثل ابن قزمان ، ولكنه لمّا رأى
نفسه في الزجل أنجب اقتصر عليه.
ومن شعره قوله : [المجتث]
ما ضرّكم لو
كتبتم
|
|
حرفا ولو
باليسار
|
__________________
إذ أنتم نور
عيني
|
|
ومطلبي واختياري
|
وقال الخطيب
الأديب النحوي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الفراء ـ المذكور قبل هذا بقريب ـ الضرير
، في صبيّ كان يقرأ عليه النحو ، اسمه حسن ، وهو غاية الجمال ـ بعد أن سأله : كيف
تقول إذا تعجّبت من حسنك؟ فقال أقول : ما أحسني ـ [السريع]
يا حسنا ما لك
لم تحسن
|
|
إلى نفوس بالهوى
متعبه
|
رقمت بالورد
وبالسوسن
|
|
صفحة خدّ بالسنا
مذهبه
|
وقد أبى صدغك أن
أجتني
|
|
منه وقد ألدغني
عقربه
|
يا حسنه إذ قال
ما أحسني
|
|
ويا لذاك اللفظ
ما أعذبه
|
ففوّق السهم ولم
يخطني
|
|
وإذ رآني ميّتا
أعجبه
|
وقال كم عاش وكم
حبّني
|
|
وحبّه إياي قد
عذّبه
|
يرحمه الله على
أنني
|
|
قتلي له لم أدر
ما أوجبه
|
وقد كان ابن الفراء من فضلاء المائة السادسة ، ذكره ابن غالب في «فرحة
الأنفس ، في فضلاء العصر من الأندلس» وكان شاعرا مجيدا ، يعلّم بألمرية القرآن
والنحو واللغة ، وكانت فيه فطنة ولوذعية ، وذكاء وألمعيّة ، خرق بها العوائد.
وحكي أنّ قاضي
المرية قبل شهادته في سطل ميزه في حمام باللمس ، واختبره في ذلك بحكاية طويلة.
وذكره صفوان في «زاد
المسافر» ووصفه بالخطيب.
وجدّه القاضي أبو
عبد الله ابن الفراء مشهور بالصلاح والفضل والزهد ، ومن العجائب أنه ليس له ترجمة
في «المغرب» ، ولمّا كتب أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى أهل ألمرية يطلب منهم
المعونة جاوبه بكتابه المشهور الذي يقول فيه [ما صورته :] فما ذكره أمير المسلمين من افتضاء المعونة وتأخّري عن ذلك
، وأنّ الباجي ، وجميع القضاة والفقهاء بالعدوة والأندلس أفتوا بأنّ عمر بن الخطاب
، رضي الله تعالى عنه ، اقتضاها ، وكان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وضجيعه في قبره ، ولا يشكّ في عدله ، فليس أمير المسلمين بصاحب
__________________
رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، ولا بضجيعه في قبره ، ولا من لا يشكّ في عدله ، فإن كان الفقهاء
والقضاة أنزلوك بمنزلته في العدل ، فالله تعالى سائلهم عن تقلّدهم فيك ، وما
اقتضاها عمر ، رضي الله تعالى عنه ، حتى دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحلف أن ليس عنده درهم واحد في بيت مال المسلمين ينفقه عليهم ، فلتدخل المسجد الجامع هنالك بحضرة من أهل العلم وتحلف أن ليس عندك
درهم واحد ولا في بيت مال المسلمين ، وحينئذ تستوجب ذلك ، والسلام ، انتهى.
وأمّا ابن الفراء
الأخفش بن ميمون الذي ذكره الحجاري في «المسهب» فليس هو من هؤلاء ، بل هو
من حصن القبداق من أعمال قلعة بني
سعيد ، وتأدّب في قرطبة ، ثم عاد إلى حضرة غرناطة ، واعتكف بها على مدح وزيرها
اليهودي ، وهو القائل : [البسيط]
صابح محيّاه تلق
النّجح في الأمل
|
|
وانظر بناديه
حسن الشمس في الحمل
|
ما إن يلاقي
خليل فيه من خلل
|
|
وكلّما حال صرف
الدهر لم يحل
|
وكان يهاجي
المنفتل شاعر إلبيرة ، ومن هجاء المنفتل له قوله : [مجزوء الرمل]
لابن ميمون قريض
|
|
زمهرير البرد
فيه
|
فإذا ما قال
شعرا
|
|
نفقت سوق أبيه
|
ولمّا وفد على
المرية مدح رفيع الدولة بن المعتصم بن صمادح بشعر ، فقال له بعض من أراد ضرّه : يا
سيدي ، لا تقرب هذا اللعين ، فإنه قال في اليهودي : [الطويل]
ولكنّ عندي
للوفاء شريعة
|
|
تركت بها
الإسلام يبكي على الكفر
|
فقال رفيع الدولة
: هذا والله هو الحرّ الذي ينبغي أن يصطنع ، فلو لا وفاؤه ما بكى كافرا بعد موته ،
وقد وجدنا في أصحابنا من لا يرعى مسلما في حياته. فقال فيه المنفتل : [المجتث]
إن كنت أخفش عين
|
|
فإنّ قلبك أعمى
|
فكيف تنثر نثرا
|
|
وكيف تنظم نظما
|
ومن شعر الأخفش
المذكور قوله : [الطويل]
__________________
إذا زرتكم غبّا
فلم ألق بالبرّ
|
|
وإن غبت لم أطلب
ولم أجر في الذّكر
|
فإني إذن أولى
الورى بفراقكم
|
|
ولا سيّما بعد
التجلّد والصّبر
|
ولمّا وفد على
المنصور بن أبي عامر الشاعر المشهور أبو عبد الله محمد بن مسعود الغسّاني البجالي اتّهم برهق في دينه ، فسجنه في المطبق مع الطليق القرشي ،
والطليق غلام وسيم ، وكان ابن مسعود كلفا به يومئذ وفيه يقول : [البسيط]
غدوت في السجن
خدنا لابن يعقوب
|
|
وكنت أحسب هذا
في التكاذيب
|
رامت عداتي
تعذيبي وما شعرت
|
|
أنّ الذي فعلوه
ضدّ تعذيبي
|
راموا بعادي عن
الدنيا وزخرفها
|
|
فكان ذلك إدنائي
وتقريبي
|
لم يعلموا أنّ
سجني لا أبا لهم
|
|
قد كان غاية
مأمولي ومرغوبي
|
وسجن ابن مسعود والطليق قبله ، ووقع بينه وبين الطليق ، وعاد المدح هجاء ،
فقال فيه : [السريع]
ولي جليس قربه
منّي
|
|
بعد الأماني
كذبا عنّي
|
قد قذيت من لحظه
مقلتي
|
|
وقرّحت من لفظه
أذني
|
هوّن لي في
السجن من قربه
|
|
أشدّ في السجن
من السجن
|
لو أنّ خلقا كان
ضدّا له
|
|
زاد على يوسف في
الحسن
|
إذا ارتمى فكري
في وجهه
|
|
سلّط إبطيه على
ذهني
|
كأنما يجلس من
ذا وذا
|
|
بين كنيفين من
النّتن
|
وقال يخاطب
المنصور من السجن : [السريع]
دعوت لمّا عيل
صبري فهل
|
|
يسمع دعواي
المليك الحليم
|
مولاي مولاي ،
ألا عطفة
|
|
تذهب عني
بالعذاب الأليم
|
إن كنت أضمرت
الذي زخرفوا
|
|
عنّي فدعني
للقدير الرحيم
|
فعنده نزّاعة
للشّوى
|
|
وعنده الفردوس
ذات النعيم
|
__________________
وركب بعض أهل
المريّة في وادي إشبيلية ، فمرّ على طاقة من طاقات شنتبوس ، وهو يغنّي:
خلين من واد ومن
قوارب
|
|
ومن نزاها في
شنتبوس
|
غرس الحبق الذي
في داري
|
|
أحبّ عندي من
العروس
|
فأخرجت رأسها
جارية وقالت له : من أي بلد أنت يا من غنّى؟ فقال : من ألمرية ، فقالت : وما أعجبك
في بلدك حتى تفضّله على وادي إشبيلية وهو بوجه مالح وقفا أحرش؟ وهذا من أحسن تعييب
، وذلك أنها أتته بالنقيض من إشبيلية ، فإنّ وجهها النهر العذب ، وقفاها بجبال
الرحمة أشجار التين والعنب ، لا تقع العين إلّا على خضرة في أيام الفرج ، وأين
إشبيلية من المرية. وفي ألمرية يقول السميسر شاعرها : [الخفيف]
بئس دار المرية
اليوم دارا
|
|
ليس فيها لساكن
ما يحبّ
|
بلدة لا تمار
إلّا بريح
|
|
ربّما قد تهبّ
أو لا تهبّ
|
يشير إلى أنّ
مرافقها مجلوبة ، وأن الميرة تأتيها في البحر من برّ العدوة ، وفيها يقول أيضأ :[المجتث]
قالوا المرية
فيها
|
|
نظافة قلت إيه
|
كأنها طست تبر
|
|
ويبصق الدم فيه
|
وحكى مؤرخ الأندلس
أبو الحجاج البياسي ، أنه دخل عليه في مجلس أنس شيخ ضخم الجثّة مستثقل ، فقال
البياسي : [مجزوء الخفيف]
اسقني الكأس
صاحيه
|
|
ودع الشيخ ـ ناحيه
|
فقال الكاتب أبو جعفر
أحمد بن رضي : [مجزوء الخفيف]
إن تكن ساقيا له
|
|
ليس ترويه ساقيه
|
وحكي أنّ العالي
إدريس الحمودي لمّا عاد إلى ملكه بمالقة وبّخ قاضيها الفقيه أبا
__________________
علي بن حسّون ،
وقال له : كيف بايعت عدويّ من بعدي وصحبته؟ فقال : وكيف تركت أنت ملكك لعدوّك؟
فقال : ضرورة القدرة حملتني على ذلك ، فقال : وأنا أيضا حصلت في يد من لا يسعني إلّا طاعته.
ومن نظم القاضي
المذكور : [السريع]
رفعت من دهري
إلى جائر
|
|
ويبتغي العدل
بأحكامي
|
أضحت به أملاكه
مثل أش
|
|
كال خيال طوع
أيامي
|
هذا لما أبرم ذا
ناقض
|
|
كأنّهم في حكم
أحلام
|
وكان الفقيه العالم
أبو محمد عبد الله الوحيدي قاضي مالقة جرى ـ كما قال الحجاري ـ في صباه طلق الجموح
ولم يزل يعاقب بين غبوق وصبوح ، إلى أن دعاه النذير ، فاهتدى منه بسراج منير ،
وأحلّته تلك الرجعة ، فيما شاء من الرفعة.
وقال بعض معاشريه
: كنت أماشيه زمن الشباب ، فكلّما مررنا على امرأة يدعو حسنها وشكلها إلى أن تحير
فيه الألباب ، أمال إليها طرفه ، ولم ينح عنها صرفه ، ثم سايرته بعد لمّا رجع عن
ذلك واقتصر ، فرأيته يغضّ البصر ، ويخلي الطريق معرضا إلى ناحية ، متى زاحمته
امرأة ولو حكت الشمس ضاحية ، فقلت له في ذلك ، فقال : [الخفيف]
ذاك وقت قضيت
فيه غرامي
|
|
من شبابي في
سترة الإظلام
|
ثم لمّا بدا
الصباح لعيني
|
|
من مشيبي ودّعته
بسلام
|
ومن شعره في صباه
: [البسيط]
لا ترتجوا رجعتي
باللوم عن غرض
|
|
ولتتركوني وصيدي
فرصة الخلس
|
طلبتم ردّ قلبي
عن صبابته
|
|
ومن يردّ عنان
الجامح الشرس
|
ولمّا أقصر باطله
، وعرّيت أفراس الصبا ورواحله ، قال : [الطويل]
__________________
ولمّا بدا شيبي
عففت عن الهوى
|
|
كما يهتدي حلف
السّرى بنجوم
|
وفارقت أشياع
الصبابة والطّلا
|
|
وملت إلى أهلي
علا وعلوم
|
ولمّا تألّب بنو
حسّون على القاضي الوحيدي المذكور صادر عنه العالم الأصولي أبو عبد الله بن الفخار
، وطلع في حقّه إلى حضرة الإمامة مراكش ، وقام في مجلس أمير المسلمين ابن تاشفين ،
وهو قد غصّ بأربابه ، وقال : إنه لمقام كريم ، نبدأ فيه بحمد الله على الدنوّ منه
، ونصلّي على خيرة أنبيائه محمد الهادي إلى الصراط المستقيم ، وعلى آله وصحابته
نجوم الليل البهيم ، أمّا بعد ، فإنا نحمد الله الذي اصطفاك للمؤمنين أميرا ، وجعلك للدين الحنيفي نصيرا وظهيرا ، ونفزع إليك ممّا
دهمنا في حماك ، ونبثّ إليك ما لحقنا من الضيم ونحن تحت ظلّ علاك ، ويأبى الله أن
يدهم من احتمى بأمير المسلمين ، ويصاب بضيم من ادّرع بحصنه الحصين ، شكوى قمت بها
بين يديك في حقّ أمرك الذي عضده مؤيّده ، لتسمع منها ما تختبره برأيك وتنقده ،
وإنّ قاضيك ابن الوحيدي الذي قدّمته في مالقة للأحكام ، ورضيت بعدله فيمن بها من
الخاصة والعوام ، لم يزل يدلّ على حسن اختيارك بحسن سيرته ، ويرضي الله تعالى
ويرضي الناس بظاهره وسريرته ، ما علمنا عليه من سوء ، ولا درينا له موقف خزي ، ولم
يزل جاريا على ما يرضي الله تعالى ويرضيك ويرضينا إلى أن تعرّضت بنو حسّون إلى
الطعم في أحكامه ، والهدّ من أعلامه ، ولم يعلموا أنّ اهتضام المقدّم ، راجع على
المقدّم ، بل جمحوا في لجاجهم فعموا وصمّوا ، وفعلوا وأمضوا ما به همّوأ : [الخفيف]
وإلى السّحب
يرفع الكفّ من قد
|
|
جفّ عنه مسيل
عين ونهر
|
فملأ سمعه بلاغة
أعقبت نصره ونصر صاحبه.
ومن شعر ابن
الفخار المذكور ، ويعرف بابن نصف الربض ، قوله : [الطويل]
أمستنكر شيب
المفارق في الصّبا
|
|
وهل ينكر النّور
المفتّح في الغصن
|
أظنّ طلاب المجد
شيّب مفرقي
|
|
وإن كنت في إحدى
وعشرين من سنّي
|
وقوله : [المتقارب]
__________________
أقلّ عتابك إنّ
الكريم
|
|
يجازي على حبّه
بالقلى
|
وخلّ اجتنابك
إنّ الزمان
|
|
يمرّ بتكديره ما
حلا
|
وواصل أخاك
بعلّاته
|
|
فقد يلبس الثوب
بعد البلى
|
وقلّ كالذي قاله
شاعر
|
|
نبيل وحقّك أن
تنبلا
|
إذا ما خليل أسا
مرّة
|
|
وقد كان فيما
مضى مجملا
|
ذكرت المقدّم من
فعله
|
|
فلم يفسد الآخر
الأوّلا
|
ولمّا وفد أبو
الفضل بن شرف من برجة في زي تظهر عليه البداوة بالنسبة إلى أهل حضرة
المملكة العظمى أنشده قصيدته القافية : [الرمل]
مطل الليل بوعد
الفلق
|
|
وتشكّى النجم
طول الأرق
|
ضربت ريح الصّبا
مسك الدّجى
|
|
فاستفاد الروض
طيب العبق
|
وألاح الفجر
خدّا خجلا
|
|
جال من رشح
النّدى في عرق
|
جاوز الليل إلى
أنجمه
|
|
فتساقطن سقوط
الورق
|
واستفاض الصبح
فيه فيضة
|
|
أيقن النجم لها
بالغرق
|
فانجلى ذاك
السنا عن حلك
|
|
وانمحى ذاك
الدجى عن شفق
|
بأبي بعد الكرى
طيف سرى
|
|
طارقا عن سكن لم
يطرق
|
زارني والليل
ناع سدفه
|
|
وهو مطلوب بباقي
الرّمق
|
ودموع الطّلّ
تمريها الصّبا
|
|
وجفون الروض
غرقى الحدق
|
فتأتّى في إزار
ثابت
|
|
وتثنّى في وشاح
قلق
|
وتجلّى وجهه عن
شعره
|
|
فتجلّى فلق عن
غسق
|
نهب الصبح دجى
ليلته
|
|
فحبا الخدّ ببعض
الشفق
|
سلبت عيناه حدّي
سيفه
|
|
وتحلّى خدّه
بالرونق
|
__________________
وامتطى من طرفه
ذا خبب
|
|
يلثم الغبراء إن
لم يعنق
|
أشوس الطرف علته
نخوة
|
|
يتهادى كالغزال
الخرق
|
لو تمطّى بين
أسراب المها
|
|
نازعته في الحشا
والعنق
|
حسرت دهمته عن
غرّة
|
|
كشفت ظلماؤها عن
يقق
|
لبست أعطافه ثوب
الدجى
|
|
وتحلّى خدّه
باليقق
|
وانبرى تحسبه
أجفل عن
|
|
لسعة أو جنّة أو
أولق
|
مدركا بالمهل ما
لا ينتهي
|
|
لاحقا بالرفق ما
لم يلحق
|
ذو رضا مستتر في
غضب
|
|
ذو وقار منطو في
خرق
|
وعلى خدّ كعضب
أبيض
|
|
أذن مثل سنان
أزرق
|
كلّما نصّبها
مستمعا
|
|
بدت الشّهب إلى
مسترق
|
حاذرت منه شبا
خطّيّة
|
|
لا يجيد الخطّ
ما لم يمشق
|
كلّما شامت
عذاري خدّه
|
|
خفقت خفق فؤاد
فرق
|
في ذرا ظمآن فيه
هيف
|
|
لم يدعه للقضيب
المورق
|
يتلقّاني بكفّ
مصقع
|
|
يقتفي شأو عذار
مفلق
|
إن يدر دورة طرف
يلتمح
|
|
أو يجل جول لسان
ينطق
|
عصفت ريح على
أنبوبه
|
|
وجرت أكعبه في
زئبق
|
كلّما قلّبه
باعد عن
|
|
متن ملساء كمثل
البرق
|
جمع السّرد قوى
أزرارها
|
|
فتآخذن بعهد
موثق
|
أوجبت في الحرب
من وخز القنا
|
|
فتوارت حلقا في
حلق
|
كلّما دارت بها
أبصارها
|
|
صوّرت منها مثال
الحدق
|
زلّ عنه متن
مصقول القوى
|
|
يرتمي في مائها
بالحرق
|
لو نضا وهو عليه
ثوبه
|
|
لتعرّى عن شواظ
محرق
|
أكهب من هبوات
أخضر
|
|
من فرند أحمر من
علق
|
__________________
وارتوت صفحاه
حتى خلته
|
|
بحيا منّ لكفّيك
سقي
|
يا بني معن لقد
ظلّت بكم
|
|
شجر لولاكم لم
تورق
|
لو سقي حسّان
إحسانكم
|
|
ما بكى ندمانه
في جلّق
|
أو دنا الطائيّ
من حيّكم
|
|
ما حدا البرق
لربع الأبرق
|
أبدعوا في الفضل
حتى كلّفوا
|
|
كاهل الأيام ما
لم يطق
|
فلما سمعها
المعتصم لعبت بارتياحه ، وحسده بعض من حضر ، وكان من جملة من حسده ابن أخت غانم ،
فقال له : من أي أنت؟ قال : أنا من الشرف في الدرجة العالية ، وإن كانت البادية
عليّ بادية ، ولا أنكر حالي ، ولا أعرف بخالي ، فمات ابن أخت غانم خجلا ، وشمت به
كلّ من حضر.
وابن شرف المذكور هو الحكيم الفيلسوف أبو الفضل جعفر ابن أديب إفريقية أبي
عبد الله محمد بن شرف الجذامي ؛ ولد ببرجة ، وقيل : إنه دخل الأندلس مع أبيه وهو
ابن سبع سنين ، ومن نظمه قوله : [الطويل]
رأى الحسن ما في
خدّه من بدائع
|
|
فأعجبه ما ضمّ
منه وحرّفا
|
وقال لقد ألفيت
فيه نوادرا
|
|
فقلت له لا بل
غريبا مصنّفا
|
وقوله : [مخلع
البسيط]
قد وقف الشكر بي
لديكم
|
|
فلست أقوى على
الوفاده
|
ونلت أقصى
المراد منكم
|
|
فصرت أخشى من
الزياده
|
وقوله : [المتقارب]
إذا ما عدوّك
يوما سما
|
|
إلى رتبة لم تطق
نقضها
|
فقبّل ولا تأنفن
كفّه
|
|
إذا أنت لم
تستطع عضّها
|
وقوله ، وقد تقدّم
به على كل شاعر : [البسيط]
__________________
لم يبق للجور في
أيامهم أثر
|
|
غير الذي في
عيون الغيد من حور
|
وأوّل هذه القصيدة
قوله :
قامت تجرّ ذيول
العصب والحبر
|
|
ضعيفة الخصر
والميثاق والنظر
|
وكان قد قصر
أمداحه على المعتصم ، وكان يفد عليه في الأعياد وأوقات الفرج والفتوحات ، فوفد
عليه مرّة يشكو عاملا ناقشه في قرية يحرث فيها ، وأنشده الرائية التي مرّ مطلعها
إلى أن بلغ قوله :
لم يبق للجور
البيت.
فقال له : كم في
القرية التي تحرث فيها؟ فقال : فيها نحو خمسين بيتا ، فقال له : أنا أسوّغك جميعها
لهذا البيت الواحد ، ثم وقّع له بها ، وعزل عنها نظر كلّ وال.
وله ابن فيلسوف
شاعر مثله ، وهو أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المذكور ، وهو القائل : [الخفيف]
وكريم أجارني من
زمان
|
|
لم يكن من خطوبه
لي بدّ
|
منشد كلّما أقول
تناهى
|
|
ما لمن يبتغي
المكارم حدّ
|
وابن أخت غانم هو
العالم اللغوي أبو عبد الله محمد بن معمر ؛ من أعيان مالقة ، متفنّن في علوم شتّى ، إلّا أنّ الغالب
عليه علم اللغة ، وكان قد رحل من مالقة إلى المرية ، فحلّ عند ملكها المعتصم بن
صمادح بالمكانة العلية ، وهو القائل في ابن شرف الطمذكور : [الكامل]
قولوا لشاعر
برجة هل جاء من
|
|
أرض العراق فحاز
طبع البحتري
|
__________________
وافى بأشعار
تضجّ بكفّه
|
|
وتقول : هل أعزى
لمن لم يشعر
|
يا جعفرا ، ردّ
القريض لأهله
|
|
واترك مباراة
لتلك الأبحر
|
لا تزعمن ما لم
تكن أهلا له
|
|
هذا الرّضاب
لغير فيك الأبخر
|
وذكره ابن اليسع
في معربه وقال : إنه حدثه بداره في مالقة وهو ابن مائة سنة ، وأخذ عنه عام أربعة
وعشرين وخمسمائة ، وله تآليف منها «شرح كتاب النبات» لأبي حنيفة الدّينوري ، في
ستين مجلّدا ، وغير ذلك.
وغانم خاله الذي
يعرف به هو الإمام العالم غانم المخزومي ، نسب إليه لشهرة ذكره ، وعلوّ قدره.
ولمّا قرأ العالم
الشهير أبو محمد بن عبدون في أول شبابه على أبي الوليد بن ضابط النحوي المالقي ،
جرى بين يديه ذكر الشعر ، وكان قد ضجر منه ، فقال : [المجتث]
الشعر خطّة خسف
فقال ابن عبدون
معرّضا به حين كان مستجديا بالشعر ، وكان إذ ذاك شيخا : [المجثت]
لكلّ طالب عرف
للشيخ عيبة عيب
|
|
وللفتى ظرف ظرف
|
وابن ضابط هو
القائل في المظفر بن الأفطس : [الطويل]
نظمنا لك الشعر
البديع لأننا
|
|
علمنا بأنّ
الشعر عندك ينفق
|
فإن كنت منّي
بامتداح مظفّرا
|
|
فإني في قصدي
إليك موفّق
|
ودخل غانم
المخزومي السابق ذكره ، وهو من رجال الذخيرة ، على الملك بن حبّوس صاحب غرناطة ،
فوسّع له على ضيق كان في المجلس ، فقال : [البسيط]
صيّر فؤادك
للمحبوب منزلة
|
|
سمّ الخياط مجال
للمحبّين
|
ولا تسامح بغيضا
في معاشرة
|
|
فقلّما تسع
الدنيا بغيضين
|
وهو القائل : [الطويل]
__________________
وقد كنت أغدو
نحو قطرك فارحا
|
|
فها أنا أغدو
نحو قبرك ثاكلا
|
وقد كنت في
مدحيك سحبان وائل
|
|
فها أنا من فرط
التأسّف باقلا
|
وله أيضا : [السريع]
الصبر أولى
بوقار الفتى
|
|
من ملك يهتك ستر
الوقار
|
من لزم الصبر
على حالة
|
|
كان على أيّامه
بالخيار
|
وكتب أبو علي
الحسن بن الغليظ إلى صاحبه أبي عبد الله بن السراج ، وقد قدم من سفر: [البسيط]
يا من أقلّب
طرفي في محاسنه
|
|
فلا أرى مثله في
الناس إنسانا
|
لو كنت تعلم ما
لقيت بعدك ما
|
|
شربت كأسا ولا
استحسنت ريحانا
|
فورد عليه من حينه
وقال : أردت مجاوبتك ، فخفت أن أبطئ ، وصنعت الجواب في الطريق : [البسيط]
يا من إذا ما
سقتني الراح راحته
|
|
أهدت إليّ بها
روحا وريحانا
|
من لم يكن في
صباح السبت يأخذها
|
|
فليس عندي بحكم
الظرف إنسانا
|
فكن على حسن هذا
اليوم مصطبحا
|
|
مذاكرا حسنا فيه
وإحسانا
|
وفي البساتين إن
ضاق المحلّ بنا
|
|
مندوحة لا عدمنا
الدهر بستانا
|
ووفد أبو علي
الحسن بن كسرين المالقي الشاعر المشهور على ملك إشبيلية السيد أبي إسحاق إبراهيم
ابن أمير المؤمنين يوسف ابن أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي ، فأنشده قصيدة طار
مطلعها في الأقطار ، كلّ مطار ، وهو : [الكامل]
قسما بحمص إنه
لعظيم
|
|
فهي المقام وأنت
إبراهيم
|
ووصف الشاعر عطاء
المالقي غادة جعلت على رأسها تاجا فقال : [السريع]
وذات تاج رصّعوا
دوره
|
|
فزاد في لألائها
باللآل
|
كأنها شمس وقد
توّجت
|
|
بأنجم الجوزاء
فوق الهلال
|
__________________
قد اشتكى
الخلخال منها إلى
|
|
سوارها فاشتبها
في المقال
|
وأجريا ذكر
الوشاح الذي
|
|
لمّا يزل من
خصرها في مجال
|
فقال : لم أرض
بما نلته
|
|
وليتني مثلكما
لا أزال
|
أغصّ بالخصر
وأعيا به
|
|
كغصّ ظمآن بماء
زلال
|
وإنما الدهر
بغير الرّضا
|
|
يقضي فكلّ غير
راض بحال
|
وهو القائل : [مجزوء
الخفيف]
سل بحمّامنا
الذي
|
|
كلّ عن شكره فمي
|
كم أراني بقربه
|
|
جنّة في جهنّم
|
وكان يحضر حلقة
الإمام السّهيلي وضيء الوجه من تلامذته ، فانقطع لعارض ، فخرج السهيلي مارّا في
الطريق الذي جرت عادته بالمشي فيه ، فوجد قناة تصلح ، فمنعته من المرور ، فرجع
وسلك طريقا آخر ، فمرّ على دار تلميذه الوضيء ، فقال له بعض أصحابه ممازحا بعبوره
على منزله ، فقال : نعم ، وأنشد ارتجالا : [المتقارب]
جعلت طريقي على
بابه
|
|
ومالي على بابه
من طريق
|
وعاديت من أجله
جيرتي
|
|
وآخيت من لم يكن
لي صديق
|
فإن كان قتلي
حلالا لكم
|
|
فسيروا بروحي
سيرا رفيق
|
وأبو القاسم
السّهيلي مشهور ، عرّف به ابن خلكان وغيره ، ويكنى أيضا بأبي زيد ، وهو صاحب كتاب «الروض
الأنف» وغيره.
واجتاز على سهيل
وقد خربه العدوّ لمّا أغار عليه وقتلوا أهله وأقاربه ، وكان غائبا عنهم ، فاستأجر
من أركبه دابّة ، وأتى به إليه ، فوقف بإزائه ، وأنشد : [الكامل]
يا دار ، أين
البيض والآرام؟
|
|
أم أين جيران
عليّ كرام
|
راب المحبّ من
المنازل أنه
|
|
حيّا فلم يرجع
إليه سلام
|
__________________
لمّا أجابني
الصّدى عنهم ولم
|
|
يلج المسامع
للحبيب كلام
|
طارحت ورق
حمامها مترنّما
|
|
بمقال صبّ
والدموع سجام
|
(يا دار ما فعلت بك الأيام
|
|
ضامتك والأيام
ليس تضام)
|
وجرى بين السهيلي
والرصافي الشاعر المشهور ما اقتضى قول الرصافي : [المتقارب]
عفا الله عنّي
فإنّي امرؤ
|
|
أتيت السلامة من
بابها
|
على أنّ عندي
لمن هاجني
|
|
كنائن غصّت
بنشّابها
|
ولو كنت أرمي
بها مسلما
|
|
لكان السهيليّ
أولى بها
|
وتوفي السهيلي
بمراكش سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، وزرت قبره بها مرارا سنة عشر وألف ، وسكن رحمه
الله تعالى إشبيلية مدّة ، ولازم القاضي أبا بكر بن العربي وابن الطراوة ، وعنه
أخذ لسان العرب ، وكان ضريرا.
ومن شعره أيضا لما
قال : «كيف أمسيت» مكان «كيف أصبحت» : [الطويل]
لئن قلت صبحا
كيف أمسيت مخطئا
|
|
فما أنا في ذاك
الخطا بملوم
|
طلعت وأفقي مظلم
لفراقكم
|
|
فخلتك بدرا
والمساء همومي
|
وحكي أنّ الوزير
الكاتب أبا الفضل بن حسداي الإسلامي السرقسطي ، وهو من رجال الذخيرة ، عشق جارية
ذهبت بلبّه ، وغلبت على قلبه ، فجنّ بها جنونه ، وخلع عليها دينه ، وعلم بذلك
صاحبها فزفّها إليه ، وجعل زمامها في يديه ، فتحامى عن موضعه من وصلها أنفة من أن يظنّ الناس أنّ إسلامه كان
من أجلها ، فحسن ذكره ، وخفي على كثير من الناس أمره ، ومن شعره قوله : [الطويل]
وأطربنا غيم
يمازج شمسه
|
|
فيستر طورا
بالسحاب ويكشف
|
ترى قزحا في
الجوّ يفتح قوسه
|
|
مكبّا على قطن
من الثّلج يندف
|
وكان في مجلس
المقتدر بن هود ينظر في مجلّد ، فدخل الوزير الكاتب أبو الفضل بن الدباغ
__________________
وأراد أن يندّر به
، فقال له ، وكان ذلك بعد إسلامه : يا أبا الفضل ، ما الذي تنظر فيه من الكتب ،
لعلّه التوراة؟ فقال : نعم ، وجلدها من جلد دبغه من تعلم ، فمات خجلا ، وضحك المقتدر.
وأراد الشاعر أبو
الربيع سليمان السرقسطي حضور نديم له ، فكتب إليه : [السريع]
بالراح والريحان
والياسمين
|
|
وبكرة الندمان
قبل الأذين
|
وبهجة الروض
بأندائه
|
|
مقلّدا منه بعقد
ثمين
|
ألا أجب سبقا
ندائي إلى ال
|
|
كأس تبدّت لذّة
الشاربين
|
هامت بها الأعين
من قبل أن
|
|
يخبرها الذوق
بحقّ اليقين
|
لاحت لدينا شفقا
معلنا
|
|
فكن لها بالله
صبحا مبين
|
وكتب علي بن خير
التطيلي إلى ابن عبد الصمد السرقسطي يستدعيه إلى مجلس أنس : أنا ـ أطال
الله تعالى بقاء الكاتب سراج العلم وشهاب الفهم! ـ في مجلس قد عبقت تفاحه ، وضحكت
راحه ، وخفقت حولنا للطرب ألوية ، وسالت بيننا للهو أودية ، وحضرتنا مقلة تسأل منك
إنسانها ، وصحيفة فكن عنوانها ، فإن رأيت أن تجعل إلينا القصد ،
لنحصل بك في جنّة الخلد ، صقلت نفوسا أصدأها بعدك ، وأبرزت شمسا أدجاها فقدك.
فأجابه ابن عبد الصمد : فضضت ـ أيها الكاتب العليم ، والمصقع الحبر الصميم ـ طابع كتابك ، فمنحني منه جوهر منتخب ، لا
يشوبه مخشلب ، هو السحر إلّا أنه حلال ، دلّ على ودّ حنيت ضلوعك عليه ، ووثيق عهد
انتدب كريم سجيّتك إليه ، فسألت فالق الحبّ ، وعامر القلب بالحبّ ، أن يصون لي حظي
منك ، ويدرأ لي النوائب عنك ، ولم يمنعني أن أصرف وجه الإجابة إلى مرغوبك ، وأمتطي
جواد الانحدار إلى محبوبك ، إلّا عارض ألم ألمّ بي فقيّد بقيده نشاطي ، وروّى
براحته بساطي ، وتركني أتململ على فراشي كالسليم ، وأستمطر الإصباح من الليل البهيم ، وأنا منتظر لإدباره.
__________________
ومن لطف أهل
الأندلس ورقّة طباعهم ما حكاه أبو عمرو بن سالم المالقي قال : كنت جالسا بمنزلي
بمالقة ، فهاجت نفسي أن أخرج إلى الجبّانة ، وكان يوما شديد الحرّ ، فراودتها على
القعود ، فلم تمكني من القعود ، فمشيت حتى انتهيب إلى مسجد يعرف برابطة الغبار ،
وعنده الخطيب أبو محمد عبد الوهاب بن علي المالقي ، فقال لي : إني كنت أدعو الله
تعالى أن يأتيني بك ، وقد فعل ، فالحمد لله ، فأخبرته بما كان مني ، ثم جلست عنده
، فقال : أنشدني ، فأنشدته لبعض الأندلسيين : [الكامل]
غصبوا الصباح
فقسّموه خدودا
|
|
واستوعبوا قضب
الأراك قدودا
|
ورأوا حصا
الياقوت دون نحورهم
|
|
فتقلّدوا شهب النجوم
عقودا
|
لم يكفهم حدّ
الأسنّة والظّبا
|
|
حتى استعاروا
أعينا وخدودا
|
فصاح الشيخ ،
وأغمي عليه ، وتصبّب عرقا ، ثم أفاق بعد ساعة ، وقال : يا بني ، اعذرني فشيئان
يقهراني ، ولا أملك نفسي عندهما : النظر إلى الوجه الحسن ، وسماع الشعر المطبوع ،
وانتهى .
وستأتي هذه
الأبيات في هذا الباب بأتمّ من هذا.
وعلى كل حال فهي
لأهل الأندلس ، لا لابن دريد كما ذكره بعضهم ، وسيأتي تسمية صاحبها الأندلسي ، كما
في كتاب «المغرب» لابن سعيد العنسي المشهور ، رحمه الله تعالى : وقال بعض الأدباء
ليحيى الجزار ، وهو يبيع لحم ضأن : [المنسرح]
لحم إناث الكباش مهزول
فقال يحيى :
يقول للمشترين مه زولوا
وقال التطيلي
الأعمى في وصف أسد رخام يرمي بالماء على بحيرة : [مجزوء الكامل]
أسد ولو أنّي
أنا
|
|
قشه الحساب لقلت
صخره
|
__________________
وكأنّه أسد
السما
|
|
ء يمجّ من فيه
المجرّه
|
وحضر جماعة من
أعيان الأدباء مثل الأبيض وابن بقي وغيرهما من الوشّاحين ، واتّفقوا على أن يصنع
كلّ واحد منهم موشّحة ، فلمّا أنشد الأعمى موشّحته التي مطلعها :
ضاحك عن جمان
|
|
سافر عن بدر
|
ضاق عنه الزمان
|
|
وحواه صدري
|
خرّق كلّ منهم
موشّحته.
وتحاكمت امرأة إلى
القاضي أبي محمد عبد الله اللّارديّ الأصبحي ، وكانت ذات جمال ونادرة ، فحكم
لزوجها عليها ، فقالت له : من يضيع قلبه كلّ طرف فاتر جدير أن يحكم بهذا ، تشير
إلى قوله : [الخفيف]
أين قلبي؟ أضاعه
كلّ طرف
|
|
فاتر يصرع
الحليم لديه
|
كلّما ازداد
ضعفه ازداد فتكا
|
|
أيّ صبر ترى
يكون عليه
|
وحضر أبو إسحاق بن
خفاجة مجلسا بمرسية مع أبي محمد جعفر بن عنق الفضّة الفقيه السالمي ، وتذاكرا ،
فاستطال ابن عنق الفضّة ، ولعب بأطراف الكلام ، ولم يكن ابن خفاجة يعرفه ، فقال له
: يا هذا ، لم تترك لأحد حظّا في هذا المجلس! فليت شعري من تكون؟ فقال : أنا
القائل : [الرمل]
الهوى علّمني
سهد الليال
|
|
ونظام الشعر في
هذي اللآل
|
كلّما هبّت شمال
منهم
|
|
لعبت بي عن يمين
وشمال
|
وأرقّت فكرتي
أرواحها
|
|
فأتت منهنّ
بالسحر الحلال
|
كان كالملح
أجاجا خاطري
|
|
وسحاب الحبّ
أبدته زلال
|
فاهتزّ ابن خفاجة
، وقال : من يكون هذا قوله لا ينبغي أن يجهل ، ولك المعذرة في جهلك ، فإنك لم
تعرّفنا بنفسك ، فبالله من تكون؟ فقال : أنا فلان ، فعرفه وقضى حقّه.
وحكى ابن غالب في «فرحة
الأنفس» أنّ الوزير أبا عثمان بن شنتفير وأبو عامر بن عبد شلب وفدا رسولين على المعتمد بن عباد ، عن إقبال الدولة بن
مجاهد والمعتصم بن صمادح والمقتدر بن هود ، لإصلاح ما كان بين المعتمد وبين ابن ذي
النون ، فسرّ المعتمد بهم
__________________
وأكرمهم ، ودعاهم
إلى طعام صنعه لهم ، وكان لا يظهر شرب الراح منذ ولي الملك ، فلمّا رأوا انقباضه
عن ذلك تحاموا الشراب ، فلمّا أمر بكتب أجوبتهم كتب له أبو عامر : [الخفيف]
بقيت حاجة لعبد
رغيب
|
|
لم يدع غيرها له
من نصيب
|
هي خيرية المساء
حديثا
|
|
وأنا في الصباح
أخشى رقيبي
|
فإذا أمس كان
عندي نهارا
|
|
لم تحفني عليه
بعد الغروب
|
وإذا الليل جنّ
حدّثت جلّا
|
|
سي بما كان من
حديث غريب
|
قيل إنّ الدّجى
لديك نهار
|
|
وكذاك الدّجى
نهار الأريب
|
فتمنّيت ليلة
ليس فيها
|
|
لذكا ذلك السّنا
من مغيب
|
حيث أعطيك في
الخلاء وتعطي
|
|
ني مداما كمثل
ريق الحبيب
|
تم أغدو كأنني
كنت في النو
|
|
م ، وأخفي
المنام خوف هزيب
|
والهزيب : الرقيب
العتيد في كلام أهل الأندلس ، فسرّ المعتمد وانبسط بانبساطه ، وضحك من مجونه ،
وكتب إليه : [الخفيف]
يا مجابا دعا
إلى مستجيب
|
|
فسمعنا دعاءه من
قريب
|
إن فعلت الذي
دعوت إليه
|
|
كنت فيما رغبت
عين رغيب
|
واستحضره فنادمه
خاليا ، وكساه ووصله ، وانقلب مسرورا ، وظنّ المعتمد أنّ ذلك يخفى من فعله عن ابن
شنتفير ، فأعلم بالأمر القائد ابن مرتين ، فكاد يتفطّر حسدا وكتب إلى
المعتمد : [الخفيف]
أنا عبد أوليته
كلّ برّ
|
|
لم تدع من فنون
برّك فنّا
|
غير رفع الحجاب
في شربك الرا
|
|
ح فماذا جناه أن
يتجنّى
|
وتمنّى شراب
سؤرك في الكأ
|
|
س فبالله أعطه
ما تمنّى
|
فسرته أبياته ،
وأجابه : [الخفيف]
__________________
يا كريم المحلّ
في كلّ معنى
|
|
والكريم المحلّ
ليس يعنّى
|
هذه الخمر
تبتغيك فخذها
|
|
أو فدعها أو
كيفيما شئت كنّا
|
وكان يقرأ في مجلس
ملك السهلة أبي مروان بن رزين ذي الرياستين ديوان شعر محمد بن هانىء ، وكان القارئ
فيه بله ، فلمّا وصل إلى قوله : [المتقارب]
حرام حرام زمان الفقير
اتّفق أن عرض
للملك ما اشتغل به ، فقال للقارىء : أين وقفت؟ فقال : في حرام ، فقام الملك وقال :
هذا موضع لا أقف معك فيه ، ادخل أنت وحدك ، ثم دخل إلى قصره ، وانقلب المجلس ضحكا.
وكان للملك
المذكور وزير من أعاجيب الدهر ، وهو الكاتب أبو بكر بن سدراي ، وذكره الحجاري في «المسهب» وقال : إنّ له شعرا أرقّ من
نسيم السّحر ، وأندى من الطّلّ على الزهر ، ومنه قوله : [المجتث]
ما ضرّكم لو
بعثتم
|
|
ولو بأدنى تحيّه
|
تهزّني من شذاها
|
|
إليكم الأريحيّه
|
خذوا سلامي إليكم
|
|
مع الرياح
النّديّه
|
في كلّ سحرة يوم
|
|
تترى وكلّ عشيّه
|
يا ربّ طال
اصطباري
|
|
ما الوجد إلّا
بليّه
|
غيلان بالشرق
أضحى
|
|
وحلّت الغرب
ميّه
|
وقوله : [الوافر]
سأبغي المجد في
شرق وغرب
|
|
فما ساد الفتى
دون اغتراب
|
فإن بلّغت مأمولا
فإني
|
|
جهدت ولم أقصّر
في الطلاب
|
وإن أنا لم أفز
بمراد سعيي
|
|
فكم من حسرة تحت
التراب
|
وقال ملك بلنسية
مروان بن عبد العزيز لمّا ولي مكانه من لا يساويه : [الطويل]
__________________
ولا غرو بعدي أن
يسوّد معشر
|
|
فيضحي لهم يوم
وليس لهم أمس
|
كذاك نجوم الجوّ
تبدو زواهرا
|
|
إذا ما توارت في
مغاربها الشمس
|
وقال ابن دحية :
دخلت عليه وهو يتوضّأ ، فنظر إلى لحيته وقد اشتعلت بالشيب اشتعالا ، فأنشد لنفسه ارتجالا : [الطويل]
ولمّا رأيت
الشّيب أيقنت أنه
|
|
نذير لجسمي
بانهدام بنائه
|
إذا ابيضّ مخضرّ
النبات فإنه
|
|
دليل على
استحصاده وفنائه
|
واعتلّ ابن ذي
الوزارتين أبي عامر بن الفرج ، وزير المأمون بن ذي النون ، وهو من رجال الذخيرة
والقلائد ، فوصف له أن يتداوى بالخمر العتيق ، وبلغه أنّ عند بعض الغلمان منها
شيئا ، فكتب إليه يستهديه : [المجتث]
ابعث بها مثل
ودّك
|
|
أرقّ من ماء
خدّك
|
شقيقة النّفس ،
فانضح
|
|
بها جوى ابني
وعبدك
|
وهو القائل معتذرا
عن تخلّفه عمّن جاءه منذرا : [الخفيف]
ما تخلّفت عنك
إلّا لعذر
|
|
ودليلي في ذاك
خوفي عليكا
|
هبك أنّ الفرار
من غير عذر
|
|
أتراه يكون إلّا
إليكا
|
وله من رسالة هناء
: [المتقارب]
أهنىء بالعيد من
وجهه
|
|
هو العيد لو لاح
لي طالعا
|
وأدعو لي الله
سبحانه
|
|
بشمل يكون لنا
جامعا
|
وكتب إلى الوزير
المصري يستدعيه أن يكون من ندمائه ، فكتب إليه الوزير المصري يستعمله اليوم ، فلمّا أراده كتب إليه : [الكامل]
ها قد أهبت بكم
وكلّكم هوى
|
|
وأحقّكم بالشكر
منّي السابق
|
__________________
كالشمس أنت وقد
أظلّ طلوعها
|
|
فاطلع وبين يديك
فجر صادق
|
وله في رئيس مرسية
أبي عبد الرحمن بن طاهر ، وكان ممتع المجالسة كثير النادرة : [الخفيف]
قد رأينا منك
الذي قد سمعنا
|
|
فغدا الخبر عاضد
الأخبار
|
قد وردنا لديك
بحرا نميرا
|
|
وارتقينا حيث
النجوم الدراري
|
ولكم مجلس لديك
انصرفنا
|
|
عنه مثل الصّبا
عن الأزهار
|
وشرب الأديب
الفاضل أبو الحسن علي بن حريق عشية مع من يهواه ، ورام الانفصال عنه لداره ، فمنعه سيل
حال بينه وبين داره ، فبات عنده على غير اختياره ، فقال ابن حريق : [مخلع البسيط]
يا ليلة جادت
الليالي
|
|
بها على رغم أنف
دهري
|
للسّيل فيها
عليّ نعمى
|
|
يقصر عنها لسان
شكري
|
أبات في منزلي
حبيبي
|
|
وقام في أهله
بعذر
|
فبتّ لا حالة
كحالي
|
|
ضجيع بدر صريع
سكر
|
يا ليلة القدر
في الليالي
|
|
لأنت خير من ألف
شهر
|
ومن حسنات ابن
حريق المذكور قوله : [الكامل]
يا ويح من
بالمغرب الأقصى ثوى
|
|
حلف النّوى
وحبيبه بالمشرق
|
لو لا الحذار
على الورى لملأت ما
|
|
بيني وبينك من
زفير محرق
|
وسكبت دمعي ثم
قلت لسكبه
|
|
من لم يذب من
زفرة فليغرق
|
لكن خشيت عقاب
ربّي إن أنا
|
|
أحرقت أو أغرقت
من لم أخلق
|
وله : [السريع]
لم يبق عندي
للصّبا لذّة
|
|
إلّا الأحاديث
على الخمر
|
وله : [المتقارب]
ققبّلت إثرك فوق
الثّرى
|
|
وعانقت ذكرك في
مضجعي
|
__________________
وله : [الرمل]
إنّ ماء كان في
وجنتها
|
|
وردته السّنّ
حتى نشفا
|
وذوى العنّاب من
أنملها
|
|
فأعادته الليالي
حشفا
|
وأورد له أبو بحر
في «زاد المسافر» قوله : [الكامل]
كلّمته فاحمرّ
من خجل
|
|
حتى اكتسى
بالعسجد الورق
|
وسألته تقبيل
راحته
|
|
فأبى وقال أخاف
أحترق
|
حتى زفيري عاق
عن أملي
|
|
إنّ الشّقيّ
بريقه شرق
|
وقوله في السواقي
: [الكامل]
وكأنما سكن
الأراقم جوفها
|
|
من عهد نوح مدّة
الطوفان
|
فإذا رأينا
الماء يطفح نضنضت
|
|
من كلّ خرق حيّة
بلسان
|
وقال الفيلسوف أبو
جعفر ابن الذهبي فيمن جمع بينه وبين أحد الفضلاء : [الخفيف]
أيها الفاضل
الذي قد هداني
|
|
نحو من قد حمدته
باختبار
|
شكر الله ما
أتيت وجازا
|
|
ك ولا زلت نجم
هدي لساري
|
أيّ برق أفاد
أيّ غمام
|
|
وصباح أدّى لضوء
نهار
|
وإذا ما النسيم
كان دليلي
|
|
لم يحلني إلّا
على الأزهار
|
وأنشد أبو عبد
الله محمد بن عبادة الوشاح المعتصم بن صمادح شعرا يقول فيه : [الطويل]
ولو لم أكن عبدا
لآل صمادح
|
|
وفي أرضهم أصلي
وعيشي ومولدي
|
لما كان لي إلّا
إليهم ترحّل
|
|
وفي ظلّهم أمسي
وأضحي وأغتدي
|
فارتاح ، وقال : يا
ابن عبادة ، ما أنصفناك بل أنت الحرّ لا العبد ، فاشرح لنا في أملك ، فقال : أنا
عبدكم كما قال ابن نباتة : [البسيط]
لم يبق جودك لي
شيئا أؤمّله
|
|
تركتني أصحب
الدنيا بلا أمل
|
__________________
فالتفت إلى ابنه
الواثق يحيى وليّ عهده وقال : إذا اصطنعت الرجال فمثل هذا فاصطنع ، ضمّه إليك
وافعل معه ما تقتضيه وصيّتي به ، ونبّهني إليه كل وقت ، فأقام نديما لوليّ العهد
المذكور.
وله فيهما
الموشحات المشهورة ، كقوله :
كم في قدود
البان
|
|
تحت اللمم
|
من أقمر
|
|
عواطي
|
بأنمل وبنان
|
|
مثل العنم
|
لم تنبري
|
|
للعاطي
|
ولمّا بلغ المعتصم
أنّ خلف بن فرج السميسر هجاه احتال في طلبه حتى حصل في قبضته ، ثم قال له : أنشدني
ما قلت فيّ ، فقال له : وحقّ من حصّلني في يدك ما قلت شرّا فيك ، وإنما قلت : [البسيط]
رأيت آدم في
نومي فقلت له
:
|
|
أبا البريّة ،
إنّ الناس قد حكموا
|
أنّ البرابر نسل
منك ، قال : إذن
|
|
حوّاء طالقة إن
كان ما زعموا
|
فأباح ابن بلقين صاحب غرناطة دمي ، فخرجت إلى بلادك هاربا فوضع
عليّ من أشاع ما بلغك عني لتقتلني أنت فيدرك ثأره بك ، ويكون الإثم عليك ، فقال :
وما قلت فيه خاصّة مضافا إلى ما قلته في عامة قومه؟ فقال : لمّا رأيته مشغوفا
بتشييد قلعته التي يتحصّن فيها بغرناطة قلت : [مخلع البسيط]
يبني على نفسه
سفاها
|
|
كأنه دودة
الحرير
|
فقال له المعتصم :
لقد أحسنت في الإساءة إليه ، فاختر : هل أحسن إليك وأخلي سبيلك أم أجيرك منه؟
فارتجل : [مجزوء الرجز]
خيّرني المعتصم
|
|
وهو بقصدي أعلم
|
وهو إذا يجمع لي
|
|
أمنا ومنّا أكرم
|
__________________
فقال : خاطرك خاطر
شيطان ، ولك المنّ والأمان ، فأقام في إحسانه بأوطانه ، حتى خلع عن ملكه
وسلطانه :
ولمّا أنشده عمر
بن الشهيد قصيدته التي يقول فيها : [الكامل]
سبط البنان كأنّ
كلّ غمامة
|
|
قد ركّبت في
راحتيه أناملا
|
لا عيش إلّا حيث
كنت ، وإنما
|
|
تمضي ليالي
العمر بعدك باطلا
|
التفت إلى من حضر
من الشعراء وقال : هل فيكم من يحسن أن يجلب القلوب بمثل هذا؟ فقال أبو جعفر بن
الخراز البطراني : نعم ، ولكن للسعادة هبّات ، وقد أنشدت مولانا قبل هذا
أبياتا أقول فيها : [الطويل]
وما زلت أجني
منك والدهر ممحل
|
|
ولا ثمر يجنى
ولا الزرع يحصد
|
ثمار أياد
دانيات قطوفها
|
|
لأغصانها ظلّ
عليّ ممدّد
|
يرى جاريا ماء
المكارم تحتها
|
|
وأطيار شكري
فوقهنّ تغرّد
|
فارتاح المعتصم ،
وقال : أأنت أنشدتني هذا؟ قال : نعم ، قال : والله كأنها ما مرّت بسمعي إلى الآن ،
صدقت للسعد هبّات ، ونحن نجيزك عليها بجائزتين : الأولى لها ، والثانية لمطل
راجيها وغمط إحسانها ، انتهى.
وقال بعض ذرّيّة
ملوك إشبيلية : [الخفيف]
نثر الورد
بالخليج وقد درج
|
|
أمواهه هبوب
الرياح
|
مثل درع الكميّ
مزّقها الطع
|
|
ن فسالت بها
دماء الجراح
|
وقال ابن صارة في
النارنج : [الطويل]
كرات عقيق في
غصون زبرجد
|
|
بكفّ نسيم الريح
منها صوالج
|
نقبّلها طورا
وطورا نشمّها
|
|
فهنّ خدود بيننا
ونوافج
|
وقال أبو الحسن بن
الزقاق ابن أخت ابن خفاجة : [المتقارب]
__________________
وما شقّ وجنته
عابثا
|
|
ولكنّها آية
للبشر
|
جلاها لنا الله
كيما نرى
|
|
بها كيف كان
انشقاق القمر
|
وقال : [الكامل]
ضربوا ببطن
الواديين قبابهم
|
|
بين الصوارم
والقنا الميّاد
|
والورق تهتف
حولهم طربا بهم
|
|
فبكلّ محنية
ترنّم شادي
|
يا بانة الوادي
كفى حزنا بنا
|
|
أن لا نطارح غير
بانة وادي
|
وقال : [الخفيف]
نحن في مجلس به
كمل الأن
|
|
س ولو زرتنا
لزاد كمالا
|
طلعت فيه من
كؤوس الحميّا
|
|
ومن الزهر أنجم
تتلالا
|
غيرنّ النجوم
دون هلال
|
|
فلتكن منعما
لهنّ الهلالا
|
وقال : [الكامل]
وهويتها سمراء
غنّت وانثنت
|
|
فنظرت من ورقاء
في أملودها
|
تشدو ووسواس
الحليّ يجيبها
|
|
مهما انثنت في
وشيها وعقودها
|
أو ليس من بدع
الزمان حمامة
|
|
غنّت فغنّى
طوقها في جيدها
|
وقال : [البسيط]
لئن بكيت دما
والعزم من شيمي
|
|
على الخليط فقد
يبكي الحسام دما
|
وقال أبو تمام
غالب بن رباح الحجام في دولاب طار منه لوح فوقف : [المنسرح]
وذات شدو وما
لها حلم
|
|
كلّ فتى بالضمير
حيّاها
|
وطار لوح بها
فأوقفها
|
|
كلمحة العين حين
جراها
|
وكان المذكور ربّي
في قلعة رباح غربي طليطلة ، ولا يعلم له أب ، وتعلّم الحجامة
__________________
فأتقنها ، ثم
تعلّق بالأدب حتى صار آية ، وهو القائل في ثريّا الجامع : [البسيط]
تحكي الثريّا
الثريّا في تألّقها
|
|
وقد عراها نسيم
فهي تتّقد
|
كأنها لذوي
الإيمان أفئدة
|
|
من التخشّع جوف
الليل ترتعد
|
وقال : [البسيط]
زرت الحبيب ولا
شيء أحاذره
|
|
في ليلة قد لوت
بالغمض أشفارا
|
في ليلة خلت من
حسن كواكبها
|
|
دراهما وحسبت
البدر دينارا
|
وقال في الثريا
أيضا : [البسيط]
انظر إلى سرج في
الليل مشرقة
|
|
من الزجاج تراها
وهي تلتهب
|
كأنها ألسن
الحيّات قد برزت
|
|
عند الهجير فما
تنفكّ تضطرب
|
وقال : [الطويل]
ترى النّسر
والقتلى على عدد الحصا
|
|
وقد مزّقت
أحشاءها والترائبا
|
مضرّجة ممّا
أكلن كأنها
|
|
عجائز بالحنّا
خضبن ذوائبا
|
وقال ، وقد أبدع
غاية الإبداع ، وأتى بما يحيّر الألباب ، وإن كان أبو نواس فاتح هذا الباب: [الطويل]
وكأس ترى كسرى
بها في قرارة
|
|
غريقا ولكن في
خليج من الخمر
|
وما صوّرته فارس
عبثا به
|
|
ولكنّهم جاؤوا
بأخفى من السّحر
|
أشاروا بما
كانوا له في حياته
|
|
فنومي إليه
بالسجود وما ندري
|
وما أحلى قوله : [الكامل]
الأقحوان رمى
عليك ظلامة
|
|
لمّا عنفت عليه
بالمسواك
|
لا يحمل النّور
الأنيق تمسّه
|
|
كفّ بعود بشامة
وأراك
|
وجلاؤه المخلوق
فيه قد كفى
|
|
من أن يراع
عراره بسواك
|
وقوله : [الوافر]
__________________
صغار الناس
أكثرهم فسادا
|
|
وليس لهم لصالحة
نهوض
|
ألم تر في سباع
الطير سرّا
|
|
تسالمنا ، ويأكلنا
البعوض
|
وقد بلغ غاية
الإحسان في قوله : [الوافر]
فما للملك ليس
يرى مكاني
|
|
وقد كحلت لواحظه
بنوري
|
كذا المسواك
مطّرحا مهانا
|
|
وقد أبقى جلاء
في الثغور
|
ومن حسناته قوله : [السريع]
لي صاحب لا كان
من صاحب
|
|
فإنه في كبدي
جرحه
|
يحكي إذا أبصر
لي زلّة
|
|
ذبابة تضرب في
قرحه
|
ولقيه أبو حاتم
الحجاري على فرس في غاية الضعف والرذالة قد أهلكها الوجى ، وكانا في جماعتين ، فقال له : يا أبا تمام ، أنشدني قولك
: [الطويل]
وتحتي ريح تسبق
الريح إن جرت
|
|
وما خلت أنّ
الريح ذات قوائم
|
لها في المدى
سبق إلى كلّ غاية
|
|
كأنّ لها سبقا
يفوق عزائمي
|
وهمّة نفسي
نزّهتها عن الوجى
|
|
فيا عجبا حتى
العلا في البهائم
|
فلمّا أنشده
إيّاها ردّ رأسه أبو حاتم إلى الجماعتين وقال : ناشدتكم الله أيجوز لحجّام على فرس
مثل هذه الرمكة الهزيلة العرجاء ، أن يقول مثل هذا؟ فضحك جميع من حضر ،
وأقبل أبو تمام من غيظه يسبّه.
ومن شعر الحجام
المذكور قوله : [البسيط]
لا يفخر السيف
والأقلام في يده
|
|
قد صار قطع سيوف
الهند للقصب
|
فإن يكن أصلها
لم يقو قوّتها
|
|
(فإنّ في الخمر معنى ليس في العنب)
|
وقال : [الكامل]
ثقلت على
الأعداء إلّا أنها
|
|
خفّت على
السّبّاب والإبهام
|
__________________
أخذت من الليل
البهيم سواده
|
|
وبدت تنمّق أوجه
الأيام
|
وقال : [الكامل]
نظر الحسود
فازدرى لي هيئة
|
|
والفضل منّي لا
يزال مبينا
|
قبحت صفاتي من
تغيّر ودّه
|
|
صدأ المراة
يقبّح التحسينا
|
وقال : [الطويل]
تصبّر وإن أبدى
العدوّ مذمّة
|
|
فمهما رمى ترجع
إليه سهامه
|
كما يفعل النحل
الملمّ بلسعه
|
|
يريد به ضرّا
وفيه حمامه
|
وقال : [البسيط]
وبارد الشّعر لم
يؤلم به ولقد
|
|
أضرّ منه جميع
الناس واعتزلا
|
كأنه الصّلّ لا
تؤذيه ريقته
|
|
حتى إذا مجّها
في غيره قتلا
|
وقال ابن الزقاق : [الطويل]
دعاك خليل
والأصيل كأنه
|
|
عليل يقضّي مدة
الرّمق الباقي
|
إلى شطّ منساب
كأنك ماؤه
|
|
صفاء ضمير أو
عذوبة أخلاق
|
ومهوى جناح
للصّبا يمسح الرّبا
|
|
خفيّ الخوافي
والقوادم خفّاق
|
على حين راح
البرق في الجوّ مغمدا
|
|
ظباه ودمع المزن
من جفنه راق
|
وقد حان منّي
للرياض التفاتة
|
|
حبست بها كأسي
قليلا عن الساقي
|
على سطح خيريّ
ذكرتك فانثنى
|
|
يميل بأعناق
ويرنو بأحداق
|
فصل زهرات منه
هذا كأنها
|
|
وقد خضلت قطرا
محاجر عشّاق
|
ولمّا مدح الحسيب
أبو القاسم بن مسعدة الأوسي أمير المؤمنين عبد المؤمن بقوله : [الطويل]
__________________
حنانيك مدعوّا
ولبّيك داعيا
|
|
فكلّ بما ترضاه
أصبح راضيا
|
طلعت على
أرجائنا بعد فترة
|
|
وقد بلغت منّا
النفوس التّراقيا
|
وقد كثرت منّا
سيوف لدى العلا
|
|
ومن سيفك
المنصور نبغي التقاضيا
|
وغيرك نادينا
زمانا فلم يجب
|
|
وعزمك لم يحتج
علاه مناديا
|
كتب اسمه وزير عبد
المؤمن في جملة الشعراء ، فلمّا وقف على ذلك عبد المؤمن ضرب على اسمه وقال : إنما
يكتب اسم هذا في جملة الحساب ، لا تدنّسوه بهذه النسبة ، فلسنا ممّن يتغاضى على غمط حسبه
، ثم أجزل صلته ، وأمر له بضيعة يحرث له بها ، يعني بذلك أنه من ذريّة ملوك ؛ لأنّ
جدّه كان ملك وادي الحجارة.
وقال أبو بكر محمد
بن أرزق : [السريع]
هل علم الطائر
في أيكه
|
|
بأنّ قلبي للحمى
طائر
|
ذكّرني عهد
الصّبا شجوه
|
|
وكلّ صبّ للصّبا
ذاكر
|
سقى الحيا عهدا
لهم بالحمى
|
|
دمع له ذكرهم
ناثر
|
وقال أبو جعفر بن
أرزق : [الطويل]
أراك ملكت
الخافقين مهابة
|
|
بها ما تلحّ
الشّهب بالخفقان
|
وتغضي العيون عن
سناك كأنها
|
|
تقابل منك الشمس
في اللّمعان
|
وتصفرّ ألوان
العداة كأنما
|
|
رموا منك طول
الدهر باليرقان
|
وقال أبو القاسم
بن أزرق : [مخلع البسيط]
ذاك الزمان الذي
تقضّى
|
|
يا ليته عاد منه
حين
|
بكلّ عمري الذي
تبقّى
|
|
وما أنا في
الشّرا غبين
|
وقال راشد بن عريف
الكاتب : [مخلع البسيط]
جمّع في مجلس
ندامى
|
|
تحسدني فيهم
النجوم
|
فقال لي منهم
نديم
|
|
مالك إذ قمت لا
تقوم
|
__________________
فقلت إن قمت كلّ
حين
|
|
فإنّ حظّي بكم
عظيم
|
وليس عندي إذن
ندامى
|
|
بل عندي المقعد
المقيم
|
وقال الحسيب أبو
جعفر بن عائش : [السريع]
ولي أخ أورده
سلسلا
|
|
لكنه يوردني
مالحا
|
ألقاه كي أبسطه
ضاحكا
|
|
ويلتقيني أبدا
كالحا
|
وليس ينفكّ عنائي
به
|
|
ما رمت من فاسده
صالحا
|
قال الحجاري :
وكتب إلى جدي إبراهيم في يوم صحو بعد مطر : [السريع]
إذا رأيت الجوّ
يصحو فلا
|
|
تصح ، سقاك الله
من سكر
|
تعال فانظر
لدموع الندى
|
|
ما فعلت في مبسم
الزهر
|
ولا تقل إنك في
شاغل
|
|
فليس هذا آخر
الدهر
|
تخلف ما فات سوى
ساعة
|
|
تقتضى فيها لذة
الخمر
|
فأجابه : [السريع]
لبّيك لبّيك ولو
أنني
|
|
أسعى على الرأس
إلى مصر
|
فكيف والدار
جواري وما
|
|
عندي من شغل ولا
عذر
|
ولو غدا لي ألف
شغل بلا
|
|
عذر تركت الكلّ
للحشر
|
وكلّما أبصرني
ناظر
|
|
ببابكم عظّم من
قدري
|
أنا الذي يشربها
دائما
|
|
ما حضرت في
الصّحو والقطر
|
وليس نقلي أبدا
بعدها
|
|
إلّا الذي تعهد
من شكري
|
[قال الحجاري : ولم يقصّر جدي في
جوابه ، ولكن ابن عائش أشعر منه في ابتدائه ، ولو لم يكن له إلّا قوله «تعال فانظر
ـ إلخ» لكفاه] ، قال : وفيه يقول جدي [إبراهيم] يمدحه: [الطويل]
ولو كان ثان في
الندى لابن عائش
|
|
لما كان في شرق
وغرب أخو فقر
|
يهشّ إلى الأمداح كالغصن للصّبا
|
|
وبشر محيّاه
ينوب عن الزهر
|
__________________
فيا ربّ زد في
عمره إنّ عمره
|
|
حياة أناس قد
كفوا كلفة الدهر
|
وقتله ابن مسعدة
ملك وادي الحجارة الثائر بها ، ولمّا قدّمه ليقتله قال : ارفق عليّ حتى أخاصم عن
نفسي ، فقال : على لسانك قتلناك ، فقال له : لا رفق الله عليك يوم تحتاج إلى رفقه!
فقال بجبروتيته : ما رهبنا السيوف الحداد ، ونرهب دعاء الحسّاد.
وقال أبو الحسن
علي بن شعيب : [الخفيف]
انزعي الوشي فهو
يستر حسنا
|
|
لم تحزه برقمهنّ
الثياب
|
ودّعيني عسى
أقبّل ثغرا
|
|
لذّ فيه اللّمى
وطاب الرّضاب
|
وعجيب أن تهجريني
ظلما
|
|
وشفيعي إلى صباك
الشباب
|
وقال أخوه أبو
حامد الحسين حين كبا به فرسه فحصل في أسر العدوّ : [الوافر]
وكنت أعدّ طرفي
للرزايا
|
|
يخلّصني إذا
جعلت تحوم
|
فأصبح للعدا
عونا لأني
|
|
أطلت عناءه فأنا
الظّلوم
|
وكم دامت
مسرّاتي عليه
|
|
وهل شيء على
الدنيا يدوم
|
وقال أبو الحسن
علي بن رجاء ، صاحب دار السكة والأحباس بقرطبة : [السريع]
يا سائلي عن
حالتي إنّني
|
|
لا أشتكي حالي
لمن يضعف
|
مع أنني أحذر من
نقده
|
|
لا سيما إن كان
لا ينصف
|
وأنشد له الحميدي
في «الجذوة» : [الخفيف]
قل لمن نال عرض
من لم ينله
|
|
حسبنا ذو الجلال
والإكرام
|
لم يزدني شيئا
سوى حسنات
|
|
لا ولا نفسه سوى
آثام
|
كان ذا منعة
فثقّل ميزا
|
|
ني بهذا فصار من
خدّامي
|
وقال أبو محمد
القاسم بن الفتح : [مجزوء الكامل]
أيام عمرك تذهب
|
|
وجميع سعيك يكتب
|
ثم الشهيد عليك
من
|
|
ك فأين أين
المهرب
|
__________________
وقال أبو مروان
عبد الملك بن غصن : [الوافر]
فديتك لا تخف
مني سلوّا
|
|
إذا ما غيّر
الشّعر الصّغارا
|
أهيم بدنّ خمر
صار خلّا
|
|
وأهوى لحية كانت
عذارا
|
وقال : [مخلع
البسيط]
قد ألحف الغيم
بانسكابه
|
|
والتحف الجوّ في
سحابه
|
قام داعي السرور
يدعو
|
|
حيّ على الدّنّ
وانتهابه
|
وتاه فيه النديم
ممّا
|
|
يزدحم الناس عند
بابه
|
وكان أحد الأعلام
في الآداب والتاريخ والتأليف.
ونقم عليه المأمون
بن ذي النون بسبب صحبته لرئيس بلده ابن عبيدة ، وبلغه أنه يقع فيه ، فنكبه أشرّ نكبة ، وحبسه ، فكتب
إليه من السجن : [الطويل]
فديتك هل لي منك
رحمى لعلّني
|
|
أفارق قبرا في
الحياة فأنشر
|
وليس عقاب المذنبين
بمنكر
|
|
ولكن دوام السخط
والعتب منكر
|
ومن عجب قول
العداة مثقّل
|
|
ومثلي في إلحاحه
الدّهر يعذر
|
وألّف للمأمون
رسالة «السجن والمسجون ، والحزن والمحزون» ورسالة أخرى سمّاها «بالعشر كلمات» ،
وقال : [مخلع البسيط]
يا فتية خيرة
فدتهم
|
|
من حادثات
الزمان نفسي
|
شربهم الخمر في
بكور
|
|
ونطقهم عندها
بهمس
|
أما ترون الشتاء
يلقي
|
|
في الأرض بسطا
من الدّمقس
|
مقطّب عابس
ينادي
|
|
يوم سرور ويوم
أنس
|
وأخبر عنه الحميدي في الجذوة أنه شاعر أديب ، دخل المشرق ، وتأدّب ،
وحجّ ، ورجع ، وشعره كثير. وله أبيات كتبها في طريق الحجّ إلى أحد القضاة : [الكامل]
يا قاضيا عدلا
كأنّ أمامه
|
|
ملك يريه واضح
المنهاج
|
__________________
طافت بعبدك في
بلادك علّة
|
|
قعدت به عن مقصد
الحجاج
|
واعتلّ في البحر
الأجاج فكن له
|
|
بحرا من المعروف
غير أجاج
|
وقال الزاهد الورع
المحدّث أبو محمد إسماعيل ابن الديواني : [المتقارب]
ألا أيها العائب
المعتدي
|
|
ومن لم يزل
مؤذيا ازدد
|
مساعيك يكتبها
الكاتبون
|
|
فبيّض كتابك أو
سوّد
|
وقال ابنه أبو بكر
: [مجزوء الكامل]
خاصم عدوّك
باللسا
|
|
ن وإن قدرت
فبالسّنان
|
إنّ العداوة ليس
يص
|
|
لحها الخضوع مدى
الزمان
|
وقال إبراهيم
الحجاري جدّ صاحب «المسهب» : [الطويل]
لئن كرهوا يوم
الوداع فإنني
|
|
أهيم به وجدا من
اجل عناقه
|
أصافح من أهواه
غير مساتر
|
|
وسرّ التلاقي
مودع في فراقه
|
وقال : [الخفيف]
كن كما شئت إنني
لا أحول
|
|
غير مصغ لما
يقول العذول
|
لك والله في
الفؤاد محلّ
|
|
ما إليه مدى
الزمان وصول
|
ومرادي بأن تزور
خفيّا
|
|
ليت شعري متى
يكون السبيل
|
وقال : [الخفيف]
قد توالت في
حالتينا الظنون
|
|
فلنصدّق ما
كذّبته العيون
|
ومرادي بأن تلوح
بأفقي
|
|
بدر تمّ وذاك ما
لا يكون
|
أنا قد قلت ما
دعاني إليه
|
|
كثرة اليأس ،
والحديث شجون
|
وإذا شئت أن
تسفّه رأيي
|
|
فمحلّي من
الرقيب مصون
|
وبه ما تشاء من
كلّ معنى
|
|
كلّ من لم يجب
له مجنون
|
وإلى كم تضلّ
ليل الأماني
|
|
ومن اليأس لاح
صبح مبين
|
__________________
وقال : [المجتث]
سألته عن أبيه
|
|
فقال خالي فلان
|
فانظر عجائب ما
قد
|
|
أتت به الأزمان
|
دهر عجيب لديه
|
|
عن المعالي حران
|
فما له غير ذمّ
|
|
كما تدين تدان
|
وقال الكاتب
العالم أبو محمد بن خيرة الإشبيلي صاحب كتاب «الريحان والريعان» يمدح السيد أبا حفص ملك
إشبيلية ابن أمير المؤمنين عبد المؤمن من قصيدة : [البسيط]
كأنما الأفق صرح
والنجوم به
|
|
كواعب وظلام
الليل حاجبه
|
وللهلال اعتراض
في مطالعه
|
|
كأنه أسود قد
شاب حاجبه
|
وأقبل الصبح
فاستحيت مشارقه
|
|
وأدبر الليل
فاستخفت كواكبه
|
كالسيد الماجد
الأعلى الهمام أبي
|
|
حفص لرحلته ضمّت
مضاربه
|
وأنشد له ابن
الإمام في «سمط الجمان» : [الكامل]
رعيا لمنزله
الخصيب وظلّه
|
|
وسقى الثرى
النجديّ سحّ ربابه
|
واها على ساداته
لا أدّعي
|
|
كلفا بزينبه ولا
بربابه
|
ويعرف رحمه الله
تعالى بابن المواعيني.
وقال ابنه أبو
جعفر أحمد : [الخفيف]
يا أخي ، هاتها
وحجّب سناها
|
|
عن مثير بها
جنونا وسخفا
|
هذه الشمس إن بدت
لضعيف ال
|
|
عين زادت في ذلك
الضعف ضعفا
|
إنّما يشرب
المدامة من إن
|
|
خشنت كفّه جفاها
وكفّا
|
وكتب الوزير أبو
الوليد إسماعيل بن حبيب الملقب بحبيب إلى أبيه : لمّا خلق الربيع من أخلاقك الغرّ
، وسرق زهره من شيمك الزّهر ، حسن في كلّ عين منظره ، وطاب في كل سمع خبره ، وتاقت
النفوس إلى الراحة فيه ، ومالت إلى الإشراف على بعض ما يحتويه ، من النور الذي بسط
على الأرض حللا ، لا ترى في أثنائها خللا ، سلوك نثرت على الثرى ، وقد
__________________
ملئت مسكا وعنبرا
، إن تنسّمتها فأرجة ، أو توسّمتها فبهجة : [البسيط]
فالأرض في بزّة
من يانع الزّهر
|
|
تزري إذا قستها
بالوشي والحبر
|
قد أحكمتها أكفّ
المزن واكفة
|
|
وطرّزتها بما
تهمي من الدّرر
|
تبرّجت فسبت
منّا العيون هوى
|
|
وفتنة بعد طول
السّتر والخفر
|
فأوجد لي سبيلا
إلى إعمال بصري فيها ، لأجلو بصيرتي بمحاسن نواحيها ، والفصل على أن يكمل أوانه ،
ويتصرّم وقته وزمانه فلا تخلني من بعض التشفي منه ، لأصدر نفسي متيقّظة عنه ،
فالنفوس تصدأ كما يصدأ الحديد ، ومن سعى في جلائها فهو الرشيد السديد.
ومن شعره يصف وردا
بعث به إلى أبيه : [الكامل]
يا من تأزّر
بالمكارم وارتدى
|
|
بالمجد والفضل
الرفيع الفائق
|
انظر إلى خدّ
الربيع مركّبا
|
|
في وجه هذا
المهرجان الرائق
|
ورد تقدّم إذ
تأخّر واغتدى
|
|
في الحسن
والإحسان أول سابق
|
وافاك مشتملا
بثوب حيائه
|
|
خجلا لأن حيّاك
آخر لاحق
|
وله : [الطويل]
أتى الباقلاء
الباقل اللون لابسا
|
|
برود سماء من
سحائبها غذي
|
ترى نوره يلتاح
في ورقاته
|
|
كبلق جياد في
جلال زمرّذ
|
وقال : [المتقارب]
إذا ما أدرت
كؤوس الهوى
|
|
ففي شربها لست
بالمرقل
|
مدام تعتّق
بالناظرين
|
|
وتلك تعتّق
بالأرجل
|
وكان وهو ابن سبع
عشرة سنة ينظم النظم الفائق ، وينثر النثر الرائق ، وأبو جعفر بن الأبّار هو الذي
صقل مرآته ، وأقام قناته ، وأطلعه شهابا ثاقبا ، وسلك به إلى فنون الآداب طريقا
لاحبا ، وله كتاب سماه ب «البديع ، في فصل الربيع» جمع فيه أشعار أهل الأندلس خاصّة
،
__________________
أعرب فيه عن أدب
غزير ، وحظّ من الحفظ موفور ، وتوفي وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ، واستوزره داهية
الفتنة ، ورحى المحنة ، قاضي إشبيلية عبّاد جدّ المعتمد ، ولم يزل يصغي إلى مقاله ، ويرضى بفعاله ،
وهو ما جاوز العشرين إذ ذاك ، وأكثر نظمه ونثره في الأزاهر ، وذلك يدلّ على رقّة
نفسه ، رحمه الله تعالى!
وقال الوزير
الكاتب أبو الحسن علي بن حصن ، وزير المعتضد بن عباد : [المجتث]
عليّ أن أتذلّل
|
|
له وأن يتدلّل
|
خدّ كأنّ
الثّريّا
|
|
عليه قرط مسلسل
|
وقال : [مخلع
البسيط]
طلّ على خدّه
العذار
|
|
فافتضح الآس
والبهار
|
وابيضّ ذا
واسودّ هذا
|
|
فاجتمع الليل
والنهار
|
وقال الوزير أبو
الوليد بن طريف في المعتمد بعد خلعه : [السريع]
يا آل عباد ألا
عطفة
|
|
فالدهر من بعدكم
مظلم
|
من الذي يرجى
لنيل العلا
|
|
ومن إليه يفد
المعدم
|
ما أنكر الدهر
سوى أنه
|
|
بجودكم في فعله
يزعم
|
وله : [السريع]
من حلقت لحية
جار له
|
|
فليسكب الماء
على لحيته
|
وقد أجرينا في هذا
الكتاب ذكر جملة من أخبار المعتمد بن عباد ونظمه في أماكن متعدّدة فلتراجع.
ومن نظمه : [البسيط]
ثلاثة منعتها عن
زيارتها
|
|
خوف الرقيب وخوف
الحاسد الحنق
|
__________________
ضوء الجبين ،
ووسواس الحليّ ، وما
|
|
تحوي معاطفها من
عنبر عبق
|
هب الجبين بفضل
الكمّ تستره
|
|
والحلي تنزعه ،
ما حيلة العرق
|
وقال : [المنسرح]
يوم يقول الرسول
قد أذنت
|
|
فأت على غير
رقبة ولج
|
أقبلت أهوي إلى
رحالهم
|
|
أهدى إليها
بريحها الأرج
|
وقال : ويستدلّ
على الملوكية بالطيب في المواطن التي يكون الناس فيها غير معروفين كالحمام ومعارك
الحرب ومواسم الحجّ.
رجع إلى ما كنّا
فيه :
وقال أبو العباس
أحمد الخزرجي القرطبي : [الوافر]
وفي الوجنات ما
في الروض لكن
|
|
لرونق زهرها
معنى عجيب
|
وأعجب ما
التعجّب منه أنّي
|
|
أرى البستان
يحمله قضيب
|
وقال الوزير أبو
سليمان بن أبي أمية يخاطب رئيسا قد بلغه عن بعض أصحابه كلام فيه
غضّ منه : [مجزوء الكامل]
هوّن عليك كلامه
|
|
واسمح له فيمن
سمح
|
ما ذا يسوؤك إن
هجا
|
|
ما ذا يسرّك إن
مدح
|
أو ما علمت بلى
جهل
|
|
ت بأنه غلّ طفح
|
وخفيّ حقد كامن
|
|
دأبوا له حتى
اتّضح
|
هذا بمستنّ
الوقا
|
|
ر فكيف لو دار
القدح
|
فاشكر عوارف ذي
الجلا
|
|
ل بما وقى وبما
منح
|
وقال أبو علي عمر
بن أبي خالد يخاطب أبا الحسن علي بن الفضل : [الوافر]
أبا حسن وما
قدمت عهود
|
|
لنا بين المنارة
والجزيره
|
أتذكر أنسنا
والليل داج
|
|
بخمر في زجاجتها
منيره
|
__________________
إذا الملّاح ضلّ
رنا إليها
|
|
فأبصر في مناحيه
مسيره
|
وقال الكاتب عبد
الله المهيريس ، وكان حلو النادرة ، لما شرب عند الوزير أبي العلاء ابن
جامع وقد نظر إلى فاختة فأعجبه حسنها ولحنها : [الوافر]
ألا خذها إليك
أبا العلاء
|
|
حلى الأمداح
ترفل في الثناء
|
وهبها قينة تجلى
عروسا
|
|
خضيب الكفّ
قانية الرّداء
|
لأجعلها محلّ
جليس أنسي
|
|
وأغنى بالهديل
عن الغناء
|
وحكي أنه ناوله
ليمونة وأمره بالقول فيها فقال : [الكامل]
أهدى إليّ بروضة
ليمونة
|
|
وأشار بالتشبيه
فعل السيد
|
فصمتّ حينا ثم
قلت : كجلجل
|
|
من فضّة تعلوه
صفرة عسجد
|
وقال الكاتب أبو
بكر بن البناء يرثي أحد بني عبد المؤمن ، وقد عزل من بلنسية وولي إشبيلية فمات بها
: [الطويل]
كأنك من جنس
الكواكب كنت لم
|
|
تفارق طلوعا
حالها وتواريا
|
تجلّيت من شرق
تروق تلألؤا
|
|
فلما انتحيت
الغرب أصبحت هاويا
|
وكان محمد بن
مروان بن زهر ـ كما في المغرب والمسهب والمطرب ، وقد قدّمنا بعض أخباره ـ منشأ
الدولة العبّادية وأوّل من تثنى عليه الخناصر ، وتستحسنه البواصر ، فضاقت الدولة
العبادية عن مكانه ، وأخرج عن بلده ، فاستصفيت أمواله ، فلحق بشرق الأندلس ، وأقام
فيه بقيّة عمره ، ونشأ ابنه الوزير أبو مروان عبد الملك بن محمد ، فما بلغ أشدّه ،
حتى سدّ مسدّه ، ومال إلى التفنّن في أنواع التعليم من الطبّ وغيره ، ورحل إلى المشرق لأداء الفرض ، فملأ
البلاد جلالة ، ونشأ ابنه أبو العلاء زهر بن عبد الملك ، فاخترع فضلا لم يكن في
الحساب ، وشرع نبلا قصرت عنه نتائج أولى الألباب ، ونشأ بشرق الأندلس والآفاق
تتهادى عجائبه ، والشام والعراق تتدارس بدائعه وغرائبه ، ومال إلى علم الأبدان فلو
لا جلالة قدره ، لقلنا جاذب هاروت طرفا من سحره ، ولو لا أنّ الغلوّ آفة المديح ،
لما اكتفى فيه بالكناية عن التصريح ، ولم يزل مقيما بشرق الأندلس إلى أن كان من غزاة أمير
المسلمين يوسف بن تاشفين ومن
__________________
انضمّ إليه من
ملوك الطوائف ما علم ، وشخص أبو العلاء معهم ، فلقيه المعتمد بن عباد ، واستماله
واستهواه ، وكاد يغلب على هواه ، وصرف عليه أملاكه فحنّ إلى وطنه ، حنين النّيب إلى عطنه ، والكريم إلى سكنه ، ونزع إلى مقرّ سلفه ، نزوع الكوكب
إلى بيت شرفه ، إلّا أنه لم يستقرّ بإشبيلية إلّا بعد خلع المعتمد ، وحلّ عند يوسف
بن تاشفين محلّا لم يحلّه الماء من العطشان ، ولا الروح من جسد الجبان ، ولما كتب
إليه حسام الدولة بن رزين مالك السهلة بقوله :[الكامل]
عاد اللئيم فأنت
من أعدائه
|
|
ودع الحسود
بغلّه وبذائه
|
لا كان إلّا من
غدت أعداؤه
|
|
مشغولة أفواههم
بجفائه
|
أأبا العلاء لئن
حسدت لطالما
|
|
حسد الكريم
بجوده ووفائه
|
فخر العلاء فكنت
من آبائه
|
|
وزها السناء
فكنت من أبنائه
|
كن كيف شئت
مشاهدا أو غائبا
|
|
لا كان قلب لست
في سودائه
|
أجابه بقوله : [الكامل]
يا صارما حسم
العدا بمضائه
|
|
وتعبّد الأحرار
حسن وفائه
|
ما أثّر العضب
الحسام بذاته
|
|
إلّا بأن سمّيت
من أسمائه
|
وكلّفه الحسام
المذكور القول في غلام قائم على رأسه ، وقد عذّر ، فقال : [الخفيف]
محيت آية النهار
فأضحى
|
|
بدر تمّ وكان
شمس نهار
|
كان يعشي العيون
نارا إلى أن
|
|
أشغل الله خدّه
بالعذار
|
وقال : [المتقارب]
عذار ألمّ فأبدى
لنا
|
|
بدائع كنّا لها
في عمى
|
ولو لم يجنّ
النهار الظلا
|
|
م لم يستبن كوكب
في السّما
|
وقال : [البسيط]
__________________
يا راشقي بسهام
ما لها غرض
|
|
إلّا الفؤاد وما
منه له عوض
|
وممرضي بجفون
لحظها غنج
|
|
صحّت وفي طبعها
التمريض والمرض
|
امنن ولو بخيال
منك يؤنسني
|
|
فقد يسدّ مسدّ
الجوهر العرض
|
وهذا معنى في غاية
الحسن.
وكان بينه وبين
الإمام أبي بكر بن باجة ـ بسبب المشاركة ـ ما يكون بين النار والماء ، والأرض
والسماء ، ولما قال فيه ابن باجة : [مخلع البسيط]
يا ملك الموت
وابن زهر
|
|
جاوزتما الحدّ
والنهايه
|
ترفّقا بالورى
قليلا
|
|
في واحد منكما الكفايه
|
قال أبو العلاء : [السريع]
لا بد للزنديق
أن يصلبا
|
|
شاء الذي يعضده
أو أبى
|
قد مهّد الجذع
له نفسه
|
|
وسدّد الرمح
إليه الشّبا
|
والذي يعضده مالك
بن وهيب جليس أمير المسلمين وعالمه.
وأمّا حفيده أبو
بكر محمد بن عبد الملك بن زهر فهو وزير إشبيلية وعظيمها وطبيبها وكريمها ، ومن
شعره : [الطويل]
رمت كبدي أخت
السماء فأقصدت
|
|
ألا بأبي رام
يصيب ولا يخطي
|
قريبة ما بين
الخلاخيل إن مشت
|
|
بعيدة ما بين
القلادة والقرط
|
نعمت بها حتى
أتيحت لنا النوى
|
|
كذا شيم الأيام
تأخذ ما تعطي
|
وتوفي سنة خمس
وتسعين وخمسمائة ، وأمر أن يكتب على قبره : [المتقارب]
تأمّل بفضلك يا
واقفا
|
|
ولا حظ مكانا
دفعنا إليه
|
تراب الضريح على
صفحتي
|
|
كأني لم أمش
يوما عليه
|
أداوي الأنام
حذار المنون
|
|
فها أنا قد صرت
رهنا لديه
|
رحمه الله تعالى ،
وعفا عنه!
وفي هذه الأبيات
إشارة إلى طبّه ومعالجته للناس ، رحمه الله تعالى! وقد ذكرت بعض أخباره في غير هذا
الموضع.
__________________
وقال أبو الوليد
بن حزم : [البسيط]
مرآك مرآك لا
شمس ولا قمر
|
|
وورد خدّيك لا
ورد ولا زهر
|
في ذمة الله قلب
أنت ساكنه
|
|
إن بنت بان فلا
عين ولا أثر
|
وقال : [الكامل]
لله أيام على
وادي القرى
|
|
سلفت لنا والدهر
ذو ألوان
|
إذ نجتني في
ظلّه ثمر المنى
|
|
والطير ساجعة
على الأغصان
|
والشمس تنظر من
محاجر أرمد
|
|
والطّلّ يركض في
النسيم الواني
|
فلثمت فاه
والتزمت عناقه
|
|
ويد الوصال على
قفا الهجران
|
وقال ابن عبد ربه
: [البسيط]
يا قابض الكفّ
لا زالت مقبّضة
|
|
فما أناملها
للناس أرزاق
|
وغب إذا شئت حتى
لا ترى أبدا
|
|
فما لفقدك في
الأحشاء إقلاق
|
وقال في المدح : [الطويل]
وما خلقت كفّاك
إلّا لأربع
|
|
عقائل لم تخلق
لهنّ يدان
|
لتقبيل أفواه ،
وإعطاء نائل
|
|
وتقليب هنديّ ،
وحبس عنان
|
وقال الكاتب أبو
عبد الله بن مصادق الرّندي الأصل : [الرمل]
صارمته إذ رأت
عارضه
|
|
عاد من بعد
الشباب أشيبا
|
قلت ما ضرّك شيب
فلقد
|
|
بقيت فيه فكاهات
الصّبا
|
هو كالعنبر غال
نفحه
|
|
وشذاه أخضرا أو
أشهبا
|
وقال : [البسيط]
ووردة وردت في
غير موقتها
|
|
والسّحب قد هملت
أجفانها هطلا
|
وإنما الروض
لمّا لم يفد ثمرا
|
|
يقريكه انفتحت
في خدّه خجلا
|
وله : [البسيط]
لم أحتفل لقدوم
العيد من زمن
|
|
قد كان يبهجني
إذ كنت في وطني
|
__________________
لم ألق أهلي ولا
إلفي ولا ولدي
|
|
فليت شعري سروري
واقع بمن
|
وقال : [السريع]
يقول لي العاذل
تب عن هوى
|
|
من ليس يدنيك
إلى مطلب
|
وكيف لي والدين
دين الهوى
|
|
فلا أرى أرجح من
مذهبي
|
أليس باب التّوب
قد سدّه
|
|
طلوعه شمسا من
المغرب
|
وله : [الكامل]
امنع كرائمك
الخروج ولا
|
|
تظهر لذلك وجه
منبسط
|
لا تعتبر منهنّ
مسخطة
|
|
نيل الرضا في
ذلك السخط
|
أو لسن مثل
الدّرّ في شبه
|
|
والدّرّ من صدف
إلى سفط
|
وقال المعتمد بن
عباد : [مخلع البسيط]
تمّ له الحسن
بالعذار
|
|
واختلط الليل
بالنهار
|
أخضر في أبيض
تبدّى
|
|
فذاك آسي وذا
بهاري
|
فقد حوى مجلسي
تماما
|
|
إن يك من ريقه
عقاري
|
وقال ابن فرج
الجيّاني رحمه الله تعالى : [الوافر]
وطائعة الوصال
صدرت عنها
|
|
وما الشيطان
فيها بالمطاع
|
بدت في الليل
سافرة فباتت
|
|
دياجي الليل
سافرة القناع
|
وما من لحظة
إلّا وفيها
|
|
إلى فتن القلوب
لها دواعي
|
فملّكت الهوى
جمحات قلبي
|
|
لأجري في العفاف
على طباعي
|
كذاك الروض ما
فيه لمثلي
|
|
سوى نظر وشمّ من
متاع
|
ولست من السوائم
مهملات
|
|
فأتّخذ الرياض
من المراعي
|
__________________
وقال : [الوافر]
بأيّهما أنا في
الشّكر بادي
|
|
بشكر الطّيف أم
شكر الرقاد
|
سرى فازداد لي
أملي ولكن
|
|
عففت فلم أنل
منه مرادي
|
وما في النوم من
حرج ولكن
|
|
جريت مع العفاف
على اعتيادي
|
وقال الرصافي : [الكامل]
وعشيّ أنس
للسرور وقد بدا
|
|
من دون قرص
الشمس ما يتوقّع
|
سقطت فلم يملك
نديمك ردّها
|
|
فوددت يا موسى
لو أنّك يوشع
|
وقال ابن عبد ربه
: [البسيط]
يراعة غرّني
منها وميض سنا
|
|
حتّى مددت إليها
الكفّ مقتبسا
|
فصادفت حجرا لو
كنت تضربه
|
|
من لؤمه بعصا
موسى لما انبجسا
|
كأنما صيغ من
لؤم ومن كذب
|
|
فكان ذاك له
روحا وذا نفسا
|
وقال ابن صارة في
فروة : [الكامل]
أودت بذات يدي
فريّة أرنب
|
|
كفؤاد عروة في
الضّنى والرّقّة
|
يتجشّم الفرّاء
من ترقيعها
|
|
بعد المشقّة في
قريب الشّقّة
|
لو أنّ ما أنفقت
في ترقيعها
|
|
يحصى لزاد على
رمال الرّقّة
|
إن قلت بسم الله
عند لباسها
|
|
قرأت عليّ (إذا
السماء انشقّت)
|
وقال الغزال : [الكامل]
والمرء يعجب من
صغيرة غيره
|
|
أيّ امرئ إلّا
وفيه مقال
|
لسنا نرى من ليس
فيه غميزة
|
|
أيّ الرجال
القائل الفعّال
|
وقال أبو حيّان : [البسيط]
لا ترجونّ دوام
الخير من أحد
|
|
فالشرّ طبع وفيه
الخير بالعرض
|
ولا تظنّ امرأ
أسدى إليك ندى
|
|
من أجل ذاتك بل
أسداه للغرض
|
__________________
وقال ابن شهيد : [الطويل]
ولمّا فشا
بالدمع ما بين وجدنا
|
|
إلى كاشحينا ما
القلوب كواتم
|
أمرنا بإمساك
الدموع جفوننا
|
|
ليشجى بما نطوي
عذول ولائم
|
أبى دمعنا يجري
مخافة شامت
|
|
فنظّمه بين
المحاجر ناظم
|
وراق الهوى منّا
عيون كريمة
|
|
تبسّمن حتى ما
تروق المباسم
|
وقال في الانتحال
: [الطويل]
وبلّغت أقواما
تجيش صدورهم
|
|
عليّ وإني فيهم
فارغ الصدر
|
أصاخوا إلى قولي
فأسمعت معجزا
|
|
وغاصوا على سرّي
فأعجزهم أمري
|
فقال فريق ليس
ذا الشّعر شعره
|
|
وقال فريق أيمن
الله ما ندري
|
فمن شاء فليخبر
فإني حاضر
|
|
ولا شيء أجلى
للشكوك من الخبر
|
وينظر إلى مثل هذا
قصة أبي بكر بن بقي حين استهدى من بعض إخوانه أقلاما فبعث إليه بثلاث من القصب ،
وكتب معها : [البسيط]
خذها إليك أبا
بكر العلا قصبا
|
|
كأنما صاغها
الصّوّاغ من ورقه
|
يزهى بها الطّرس
حسنا ما نثرت بها
|
|
مسك المداد على
الكافور من ورقه
|
فأجابه أبو بكر : [البسيط]
أرسلت نحوي
ثلاثا من قنا سلب
|
|
ميّادة تطعن
القرطاس في درقه
|
فالخطّ ينكرها
والحظّ يعرفها
|
|
والرّقّ يخدمها
بالرّق في عنقه
|
فحسده عليه بعض من
سمعه ، ونسبه إلى الانتحال ، فقال أبو بكر يخاطب صاحبه الأول:[البسيط]
وجاهل نسب
الدعوى إلى كلمي
|
|
لمّا رماه بمثل
النّبل في حدقه
|
فقلت من حنق لما
تعرّض لي
|
|
من ذا الذي أخرج
اليربوع من نفقه
|
__________________
ما ذمّ شعري
وأيم الله لي قسم
|
|
إلّا امرؤ ليست
الأشعار من طرقه
|
والشعر يشهد أني
من كواكبه
|
|
بل الصباح الذي
يستنّ من أفقه
|
وقال ابن شهيد
أيضا في ضيف : [الطويل]
وما انفكّ معشوق
الثناء يمدّه
|
|
ببشر وترحيب
وبسط بنان
|
إلى أن تشهّى
البين من ذات نفسه
|
|
وحنّ إلى
الأهلين حنّة حاني
|
فأتبعته ما سدّ
خلّة حاله
|
|
وأتبعني ذكرا
بكلّ مكان
|
وقال : [الطويل]
وبتنا نراعي
الليل لم يطو برده
|
|
ولم يجل شيب
الصّبح في فوده وخطا
|
تراه كملك الزنج
من فرط كبره
|
|
إذا رام مشيا في
تبختره أبطا
|
مطلّا على
الآفاق والبدر تاجه
|
|
وقد جعل الجوزاء
في أذنه قرطا
|
وقال بعضهم في
لباس أهل الأندلس البياض في الحزن ، مع أنّ أهل المشرق يلبسون فيه السواد : [الوافر]
ألا يا أهل
أندلس فطنتم
|
|
بلطفكم إلى أمر
عجيب
|
لبستم في مآتمكم
بياضا
|
|
فجئتم منه في
زيّ غريب
|
صدقتم فالبياض
لباس حزن
|
|
ولا حزن أشدّ من
المشيب
|
وقال أبو جعفر بن
خاتمة : [الخفيف]
هل جسوم يوم
النوى ودّعوها
|
|
باقيات لسوء ما
أودعوها
|
يا حداة القلوب
ما العدل هذا
|
|
أتبعوها أجسامها
أو دعوها
|
وقال القسطلّي يصف
هول البحر : [الطويل]
إليك ركبنا
الفلك تهوي كأنها
|
|
وقد ذعرت عن
مغرب الشمس غربان
|
على لجج خضر إذا
هبّت الصّبا
|
|
ترامى بها فينا
ثبير وثهلان
|
__________________
مواثل ترعى في
ذراها مواثلا
|
|
كما عبدت في
الجاهلية أوثان
|
مقاتل موج البحر
والهمّ والدّجا
|
|
يموج بها فيها
عيون وآذان
|
ألا هل إلى
الدنيا معاد وهل لنا
|
|
سوى البحر قبر
أو سوى الماء أكفان
|
وقال الرمادي يهنئ
ابن العطار الفقيه بمولود : [البسيط]
يهنيك ما زادت
الأيام في عددك
|
|
من فلذة برزت
للسعد من كبدك
|
كأنما الدهر دهر
كان مكتئبا
|
|
من انفرادك حتى
زاد في عددك
|
لا خلّفتك
الليالي تحت ظلّ ردى
|
|
حتى ترى ولدا قد
شبّ من ولدك
|
وقال ابن صارة في
النار : [الكامل]
هات التي للأيك
أصل ولادها
|
|
ولها جبين الشمس
في الأشماس
|
يتقشّع الياقوت
في لبّاتها
|
|
بوساوس تشفي من
الوسواس
|
أنس الوحيد وصبح
عين المجتلي
|
|
ولباس من أمسى
بغير لباس
|
حمراء ترفل في
السواد كأنما
|
|
ضربت بعرق في
بني العباس
|
وقال فيها أيضا : [الخفيف]
لابنة الزّند في
الكوانين جمر
|
|
كالدراري في
الليلة الظلماء
|
خبروني عنها ولا
تكذبوني
|
|
ألديها صناعة
الكيمياء
|
سبكت فحمها
سبائك تبر
|
|
رصّعته بالفضّة
البيضاء
|
كلّما ولول
النسيم عليها
|
|
رقصت في غلالة
حمراء
|
سفرت عن جبينها
فأرتنا
|
|
حاجب الليل
طالعا بالعشاء
|
لو ترانا من
حولها قلت قوم
|
|
يتعاطون أكؤس
الصّهباء
|
وقال فيها الفقيه
الأديب ابن لبال : [مخلع البسيط]
فحم ذكا في حشاه
جمر
|
|
فقلت مسك
وجلّنار
|
__________________
أو خدّ من قد
هويت لمّا
|
|
أطلّ من فوقه
العذار
|
وكان أبو المطرف
الزهري جالسا في باب داره مع زائر له ، فخرجت عليهما من زقاق ثان جارية سافرة الوجه كالشمس الطالعة فحين نظرتهما على حين غفلة منها نفرت خجلة ، فرأى الزائر ما أبهته فكلّفه وصفها
، فقال مرتجلا : [البسيط]
يا ظبية نفرت
والقلب مسكنها
|
|
خوفا لختلي بل
عمدا لتعذيبي
|
لا تختشي فابن
عبد الحقّ أنحلنا
|
|
عدلا يؤلف بين الظبي
والذيب
|
وقال ابن شهيد : [الرمل]
أصباح لاح أم
بدر بدا
|
|
أم سنا المحبوب
أورى زندا
|
هبّ من نعسته
منكسرا
|
|
مسبل للكمّ مرخ
للرّدا
|
يمسح النعسة من
عيني رشا
|
|
صائد في كلّ يوم
أسدا
|
قلت هب لي يا
حبيبي قبلة
|
|
تشف من حبّك
تبريح الصّدى
|
فانثنى يهتزّ من
منكبه
|
|
قائلا لا ثم
أعطائي اليدا
|
كلّما كلّمني
قبّلته
|
|
فهو ما قال
كلاما ردّدا
|
قال لي يلعب صد
لي طائرا
|
|
فتراني الدهر
أجري بالكدى
|
وإذا استنجزت
يوما وعده
|
|
قال لي يمطل
ذكّرني غدا
|
شربت أعضاؤه خمر
الصّبا
|
|
وسقاه الحسن حتى
عربدا
|
رشأ بل غادة
ممكورة
|
|
عمّمت صبحا بليل
أسودا
|
أخجلت من عضّه
في نهدها
|
|
ثم عضت حرّ وجهي
عمدا
|
فأنا المجروح من
عضّتها
|
|
لا شفاني الله
منها أبدا
|
وقال محمد بن
هانىء في الشيب : [الكامل]
__________________
بنتم فلو لا أن
أغبّر لمّتي
|
|
عبثا وألقاكم
عليّ غضابا
|
لخضبت شيبا في
مفارق لمّتي
|
|
ومحوت محو
النّقس عنه شبابا
|
وخضبت مبيضّ الحداد عليكم
|
|
لو أنني أجد
البياض خضابا
|
وإذا أردت على
المشيب وفادة
|
|
فاجعل مطيّك
دونه الأحقابا
|
فلتأخذنّ من
الزمان حمامة
|
|
ولتدفعنّ إلى
الزمان غرابا
|
وكتب ابن عمار إلى
ابن رزين وقد عتب عليه أن اجتاز ببلده ولم يلقه : [البسيط]
لم تثن عنك
عناني سلوة خطرت
|
|
ولا فؤادي ولا
سمعي ولا بصري
|
لكن عدتني عنكم
خجلة خطرت
|
|
كفاني العذر
منها بيت معتذر
|
(لو اختصرتم من الإحسان زرتكم
|
|
والعذب يهجر
للأفراط في الخصر)
|
وقال ابن الجدّ : [الطويل]
وإني لصبّ
للتلاقي وإنما
|
|
يصدّ ركابي عن
معاهدك العسر
|
أذوب حياء من
زيارة صاحب
|
|
إذا لم يساعدني
على برّه الوفر
|
وقال ابن عبد ربه
: [البسيط]
يا من عليه حجاب
من جلالته
|
|
وإن بدا لك يوما
غير محجوب
|
ما أنت وحدك
مكسوّا ثياب ضنى
|
|
بل كلّنا بك من
مضنى ومشحوب
|
ألقى عليك يدا
للضّرّ كاشفة
|
|
كشّاف ضرّ نبيّ
الله أيوب
|
وقال النّحلي في
مغنّية : [الوافر]
ولاعبة الوشاح
كغصن بان
|
|
لها أثر بتقطيع
القلوب
|
إذا سوّت طريق
العود نقرا
|
|
وغنّت في محبّ
أو حبيب
|
فيمناها تقدّ
بها فؤادي
|
|
ويسراها تعدّ
بها ذنوبي
|
وقال ابن شهيد : [البسيط]
كلفت بالحبّ حتى
لو دنا أجلي
|
|
لما وجدت لطعم
الموت من ألم
|
__________________
وعاقني كرمي
عمّن ولهت به
|
|
ويلي من الحبّ
أو ويلي من الكرم
|
وكان صوفيّ بشريش حافظ للشعر ، فلا يعرض في مجلسه معنى إلّا وهو ينشد عليه ،
فاتّفق أن عطس رجل بمجلسه ، فشمّته الحاضرون ، فدعا لهم ، فرأى الصوفي أنه إن شمّته قطع إنشاده بما لا
يشاكله من النظم ، وإن لم يشمته كان تقصيرا في البرّ ، فرغب حين أصبح من الطلبة
نظم هذا المعنى ، فقال الوزير الحسيب أبو عمرو بن أبي محمد : [السريع]
يا عاطسا يرحمك
الله إذ
|
|
أعلنت بالحمد
على عطستك
|
ادع لنا ربّك
يغفر لنا
|
|
وأخلص النّيّة
في دعوتك
|
وقل له يا سيّدي
رغبتي
|
|
حضور هذا الجمع
في حضرتك
|
وأنت يا ربّ
الندى والنوى
|
|
بارك ربّ الناس
في ليلتك
|
فإن يكن منكم
لنا عودة
|
|
فأنت محمود على
عودتك
|
وهذا الوزير
المذكور كان يصرّف شعره في أوصاف الغزلان ، ومخاطبات الإخوان ، وكتب إلى الشريشي
شارح المقامات يستدعي منه كتاب العقد : [الطويل]
أيا من غدا سلكا
لجيد معارفه
|
|
ومن لفظه زهر
أنيق لقاطفه
|
محبّك أضحى عاطل
الجيد فلتجد
|
|
بعقد على لبّاته
وسوالفه
|
ووعك في بعض
الأعياد ، فعاده من أعيان الطلبة جملة ، فلمّا همّوا بالانصراف أنشدهم ارتجالا : [الكامل]
لله درّ أفاضل
أمجاد
|
|
شرف النّديّ
بقصدهم والنادي
|
لمّا أشاروا
بالسلام وأزمعوا
|
|
أنشدتهم وصدقت
في الإنشاد
|
في العيد عدتم
وهو يوم عروبة
|
|
يا فرحتي بثلاثة
الأعياد
|
قال الشريشي في
شرح المقامات : ولقد زرته في مرضه الذي توفي فيه رحمه الله تعالى أنا وثلاثة فتيان
من الطلبة ، فسألني عنهم وعن آبائهم ، فلمّا أرادوا الانصراف ناول أحدهم محبرة ،
وقال له : اكتب ، وأملى عليه ارتجالا : [الطويل]
__________________
ثلاثة فتيان
يؤلّف بينهم
|
|
نديّ كريم لا
أرى الله بينهم
|
تشابه خلق منهم
وخليقة
|
|
فإن قلت أين
الحسن فانظره أين هم
|
وزيّنهم أستاذهم
إذ غدا لهم
|
|
معلّم آيات فتمم
زينهم
|
فإن خفت من عين
ففي الكلّ فلتقل
|
|
وقى الله ربّ
الناس للكلّ عينهم
|
وقال الشريشي : حدّثنا شيخنا أبو الحسين بن زرقون ، عن أبيه أبي عبد
الله ، أنه قعد مع صهره أبي الحسن عبد الملك بن عيّاش الكاتب على بحر المجاز ، وهو
مضطرب الأمواج ، فقال له أبو الحسن : أجز : [الوافر]
وملتطم الغوارب
موّجته
|
|
بوارح في
مناكبها غيوم
|
فقال أبو عبد الله
: [الوافر]
تمنّع لا يعوم
به سفين
|
|
ولو جذبت به
الزّهر النجوم
|
وكان لابن عبد ربه
فتى يهواه ، فأعلمه أنه يسافر غدا ، فلمّا أصبح عاقه المطر عن السفر ، فانجلى عن
ابن عبد ربه همّه ، وكتب إليه : [البسيط]
هلّا ابتكرت
لبين أنت مبتكر
|
|
هيهات يأبى عليك
الله والقدر
|
ما زلت أبكي
حذار البين ملتهبا
|
|
حتى رثى لي فيك
الريح والمطر
|
يا برده من حيا
مزن على كبد
|
|
نيرانها بغليل
الشوق تستعر
|
آليت أن لا أرى
شمسا ولا قمرا
|
|
حتى أراك فأنت
الشمس والقمر
|
وقال ابن عبد ربه
: [البسيط]
صل من هويت وإن
أبدى معاتبة
|
|
فأطيب العيش وصل
بين إلفين
|
واقطع حبائل خدن
لا تلائمه
|
|
فقلّما تسع
الدنيا بغيضين
|
وقال أبو محمد
غانم بن الوليد المالقي : [البسيط]
صيّر فؤادك
للمحبوب منزلة
|
|
سمّ الخياط مجال
للمحبّين
|
ولا تسامح بغيضا
في معاشرة
|
|
فقلّما تسع
الدنيا بغيضين
|
وكان المتوكل صاحب
بطليوس ينتظر وفود أخيه عليه من شنترين يوم الجمعة ، فأتاه يوم السبت ، فلمّا لقيه
عانقه وأنشده : [الوافر]
__________________
تخيّرت اليهود
السبت عيدا
|
|
وقلنا في
العروبة يوم عيد
|
فلمّا أن طلعت
السبت فينا
|
|
أطلت لسان محتجّ
اليهود
|
وقال أبو بكر بن
بقي : [البسيط]
أقمت فيكم على
الإقتار والعدم
|
|
لو كنت حرّا
أبيّ النّفس لم أقم
|
فلا حديقتكم
يجنى لها ثمر
|
|
ولا سماؤكم تنهل
بالدّيم
|
أنا امرؤ إن نبت
بي أرض أندلس
|
|
جئت العراق
فقامت بي على قدم
|
ما العيش بالعلم
إلّا حيلة ضعفت
|
|
وحرفة وكلت
بالقعدد البرم
|
وقال الأبيض في
الفقهاء المرائين : [الكامل]
أهل الرّياء
لبستم ناموسكم
|
|
كالذئب يدلج في
الظلام العاتم
|
فملكتم الدنيا
بمذهب مالك
|
|
وقسمتم الأموال
بابن القاسم
|
وركبتم شهب
البغال بأشهب
|
|
وبأصبغ صبغت لكم
في العالم
|
وقال : [الكامل]
قل للإمام سنا
الأئمة مالك
|
|
نور العيون
ونزهة الأسماع
|
لله درّك من
همام ماجد
|
|
قد كنت راعينا
فنعم الراعي
|
فمضيت محمود
النقيبة طاهرا
|
|
وتركتنا قنصا
لشرّ سباع
|
أكلوا بك الدنيا
وأنت بمعزل
|
|
طاوي الحشا
متكفّت الأضلاع
|
تشكوك دنيا لم
تزل بك برّة
|
|
ما ذا رفعت بها
من الأوضاع
|
وقال ابن صارة : [البسيط]
يا من يعذّبني
لمّا تملّكني
|
|
ما ذا تريد
بتعذيبي وإضراري
|
تروق حسنا وفيك
الموت أجمعه
|
|
كالصقل في السيف
أو كالنور في النار
|
وقال عبدون
البلنسي : [البسيط]
__________________
يا من محيّاه
جنّات مفتّحة
|
|
وهجره لي ذنب
غير مغفور
|
لقد تناقضت في
خلق وفي خلق
|
|
تناقض النار
بالتدخين والنّور
|
وقال الوزير ابن
الحكيم : [الكامل]
رسخت أصول علاكم
تحت الثرى
|
|
ولكم على خطّ
المجرّة دار
|
إنّ المكارم
صورة معلومة
|
|
أنتم لها
الأسماع والأبصار
|
تبدو شموس
الدّجن من أطواقكم
|
|
وتفيض من بين
البنان بحار
|
ذلّت لكم نسم
الخلائق مثل ما
|
|
ذلّت لشعري فيكم
الأشعار
|
فمتى مدحت ولا مدحت
سواكم
|
|
فمديحكم في مدحه
إضمار
|
وقال القاضي أبو
جعفر بن برطال : [الكامل]
أستودع الرحمن
من لوداعهم
|
|
قلبي وروحي آذنا
بوداع
|
بانوا وطرفي
والفؤاد ومقولي
|
|
باك ومسلوب
العزاء وداع
|
فتولّ يا مولاي
حفظهم ولا
|
|
تجعل تفرّقنا
فراق وداع
|
وقال ابن خفاجة : [الطويل]
وما هاجني إلّا
تألّق بارق
|
|
لبست به برد
الدّجنّة معلما
|
وهي طويلة :
وقال من أخرى : [الكامل]
جمعت ذوائبه
ونور جبينه
|
|
بين الدّجنّة
والصباح المشرق
|
وقال ذو الوزارتين
أبو الوليد ابن الحضرمي البطليوسي في غلام للمتوكل ابن الأفطس يرثيه: [المجتث]
غالته أيدي
المنايا
|
|
وكنّ في مقلتيه
|
وكان يسقي
الندامى
|
|
بطرفه ويديه
|
__________________
غصن ذوى وهلال
|
|
جار الكسوف عليه
|
وقال الفقيه
العالم أبو أيوب سليمان بن محمد بن بطال البطليوسي عالمها في المذهب المالكي ، وقد
تحاكم إليه وسيمان أشقر وأكحل فيمن يفضل بينهما : [البسيط]
وشادنين ألمّا
بي على مقة
|
|
تنازعا الحسن في
غايات مستبق
|
كأنّ لمّة ذا من نرجس خلقت
|
|
على بهار وذا
مسك على ورق
|
وحكّما الصّبّ
في التفضيل بينهما
|
|
ولم يخافا عليه
رشوة الحدق
|
فقام يبدي هلال
الدّجن حجّته
|
|
مبيّنا بلسان
منه منطلق
|
فقال وجهي بدر
يستضاء به
|
|
ولون شعري مقطوع
من الغسق
|
وكحل عينيّ سحر
للنّهى وكذا
|
|
ك الحسن أحسن ما
يعزى إلى الحدق
|
وقال صاحبه
أحسنت وصفك ل
|
|
كن فاستمع لمقال
فيّ متّفق
|
أنا على أفقي
شمس النهار ولم
|
|
تغرب وشقرة شعري
شقرة الشّفق
|
وفضل ما عيب في
العينين من زرق
|
|
أنّ الأسنّة قد
تعزى إلى الزّرق
|
قضيت للّمّة
الشقراء حيث حكت
|
|
نورا كذا حبّها
يقضي على رمقي
|
فقام ذو اللّمّة
السوداء يرشقني
|
|
سهام أجفانه من
شدّة الحنق
|
وقال جرت فقلت
الجور منك على
|
|
قلبي ولي شاهد
من دمعي الغدق
|
وقلت عفوك إذ
أصبحت بينهما
|
|
فقال دونك هذا
الحبل فاختنق
|
وكان فيه ظرف وأدب
، وعنوان طبقته هذه الأبيات.
وقال : [الطويل]
وغاب من الأكواس
فيها ضراغم
|
|
من الراح ألباب
الرجال فريسها
|
قرعت بها سنّ
الحلوم فأقطعت
|
|
وقد كاد يسطو
بالفؤاد رسيسها
|
وله رحمه الله
تعالى «شرح البخاري» وأكثر ابن حجر من النقل عنه في «فتح الباري» وله كتاب «الأحكام»
وغير ذلك ، وترجمته شهيرة.
__________________
وقال الأديب
النحوي المؤرخ أبو إسحاق إبراهيم بن الأعلم البطليوسي صاحب التآليف التي بلغت نحو
خمسين : [المجتث]
يا حمص ، لا زلت
دارا
|
|
لكلّ بؤس وساحه
|
ما فيك موضع
راحه
|
|
إلّا وما فيه
راحه
|
وهو شيخ أبي الحسن
بن سعيد صاحب «المغرب» وأنشده هذين البيتين لما ضجر من الإقامة بإشبيلية أيام فتنة
الباجي.
وقال الأديب
الطبيب أبو الأصبغ عبد العزيز البطليوسي الملقب بالقلندر : [المتقارب]
جرت منّي الخمر
مجرى دمي
|
|
فجلّ حياتي من
سكرها
|
ومهما دجت ظلم
للهموم
|
|
فتمزيقها بسنا
بدرها
|
وخرج يوما وهو
سكران ، فلقي قاضيا في نهاية من قبح الصورة ، فقال : سكران خذوه ، فلما أخذه
الشرطة قال للقاضي : بحقّ من ولّاك على المسلمين بهذا الوجه القبيح عليك إلّا ما
أفضلت عليّ وتركتني ، فقال القاضي : والله لقد ذكرتني بفضل عظيم ، ودرأ عنه الحدّ.
وقال ابن جاخ
الصباغ البطليوسي ، وهو من أعاجيب الدنيا ، لا يقرأ ولا يكتب : [المتقارب]
ولمّا وقفنا
غداة النّوى
|
|
وقد أسقط البين
ما في يدي
|
__________________
رأيت الهوادج
فيها البدور
|
|
عليها البراقع
من عسجد
|
وتحت البراقع
مقلوبها
|
|
تدبّ على ورد
خدّ ندي
|
تسالم من وطئت
خدّه
|
|
وتلدغ قلب
الشّجي المكمد
|
وقال في المتوكل ،
وقد سقط عن فرس : [البسيط]
لا عتب للطّرف إن زلت قوائمه
|
|
ولا يدنّسه من
عائب دنس
|
حمّلت جودا
وبأسا فوقه ونهى
|
|
وكيف يحمل هذا
كلّه الفرس
|
وقال الشاعر
المشهور بالكميت البطليوسي : [الرمل]
لا تلوموني فإني
عالم
|
|
بالذي تأتيه
نفسي وتدع
|
بالحميّا
والمحيّا صبوتي
|
|
وسوى حبّهما
عندي بدع
|
فضّل الجمعة
يوما وأنا
|
|
كلّ أيامي
بأفراحي جمع
|
وقال أبو عبد الله
محمد بن البين البطليوسي ، وهو ممن يميل إلى طريقة ابن هانىء : [الكامل]
غصبوا الصباح
فقسّموه خدودا
|
|
واستنهبوا قضب
الأراك قدودا
|
ورأوا حصا
الياقوت دون محلّهم
|
|
فاستبدلوا منه
النجوم عقودا
|
واستودعوا حدق
المها أجفانهم
|
|
فسبوا بهنّ
ضراغما وأسودا
|
لم يكفهم حمل
الأسنّة والظّبا
|
|
حتى استعاروا
أعينا وقدودا
|
وتضافروا بضفائر
أبدوا لنا
|
|
ضوء النهار
بليلها معقودا
|
صاغوا الثغور من
الأقاحي بينها
|
|
ماء الحياة لو
اغتدى مورودا
|
__________________
وكان عند المتوكل
مضحك يقال له الخطّارة ، فشرب ليلة مع المتوكل ، وكان في السقاة وسيم ، فوضع عينه
عليه ، فلمّا كان وقت السحر دبّ إليه ، وكان بالقرب من المتوكل ، فأحسّ به ، فقال
له : ما هذا يا خطارة؟ فقال له : يا مولاي ، هذا وقت تفريغ الخطارة الماء في الرياض ، فقال له : لا تعد لئلّا يكون
ماء أحمر ، فرجع إلى نومه ، ولم يعد في ذلك كلمة بقيّة عمره معه ،
ولا أنكر منه شيئا ، ولم يحدّث بها الخطارة حتى قتل المتوكل ، رحمه الله تعالى!
والخطارة : صنف من
الدواليب الخفاف يستقي به أهل الأندلس من الأودية ، وهو كثير على وادي إشبيلية ، وأكثر ما يباكرون
العمل في السحر.
وقال الوزير أبو
زيد عبد الرحمن بن مولود : [مجزوء الرمل]
أرني يوما من
الده
|
|
ر على وفق
الأماني
|
ثم دعني بعد هذا
|
|
كيفما شئت تراني
|
وقال أديب الأندلس
وحافظها أبو محمد عبد المجيد بن عبدون الفهري اليابري ، وهو من رجال الذخيرة
والقلائد ، وشهرته مغنية عن الزيادة ، يخاطب المتوكل وقد أنزله في دار وكفت عليه :
[الطويل]
أيا ساميا من
جانبيه كليهما
|
|
(سموّ حباب الماء حالا على حال)
|
لعبدك دار حلّ
فيها كأنها
|
|
(ديار لسلمى عافيات بذي خال)
|
يقول لها لمّا
رأى من دثورها
|
|
(ألا عم صباحا أيها الطّلل البالي)
|
فقالت وما عيّت
جوابا بردّها
|
|
(وهل يعمن من كان في العصر الخالي)
|
فمر صاحب
الإنزال فيها بعاجل
|
|
(فإنّ الفتى يهذي وليس بفعّال)
|
وقال في جمع حروف
الزيادة حسبما ذكره عنه في «المغرب» : [الطويل]
سألت الحروف
الزائدات عن اسمها
|
|
فقالت ولم تكذب
: أمان وتسهيل
|
__________________
قلت : وعلى ذكر
حروف الزيادة فقد أكثر الناس في انتقاء الكلمات الضابطة لها ، وقد كنت جمعت فيها
نحو مائة ضابط ، ولنذكر الآن بعضها ، فنقول : منها «أهوى تلمسانا» ونظمتها فقلت : [البسيط]
قالت حروف
زيادات لسائلها
|
|
هل هويت بلدة :
أهوى تلمسانا
|
وجمعها ابن مالك
في بيت واحد بأربعة أمثلة من غير حشو ، وهو : [الطويل]
هناء وتسليم ،
تلا يوم أنسه ،
|
|
نهاية مسئول ،
أمان وتسهيل
|
ومنها «هويت
السمان» وحكي أن أبا عثمان المازني سئل عنه فأنشد : [المتقارب]
هويت السّمان
فشيّبنني
|
|
وقد كنت قدما
هويت السّمانا
|
فقيل له : أجبنا ،
فقال : أجبتكم مرتين ، ويروى أنه قال : سألتمونيها ، فأعطيتكم ثلاثة أجوبة ، هكذا
حكاه بعض المحققين ، وهو أرقّ ممّا حكاه غير واحد على غير هذا الوجه ، ومنها : «سألتمونيها»
، ومنها : اليوم تنساه ، الموت ينساه ، أسلمني وتاه ، هم يتساءلون ، التناهي سموّ
، تنمي وسائله ، أسلمي تهاون ، تهاوني أسلم ، التمس هواني ، ما سألت يهون ، مؤنس
التياه ، لم يأتنا سهو ، يا أويس هل نمت ، نويت سؤالهم ، نويت مسائله ، سألتم
هواني ، تأمّلها يونس ، أتاني وسهيل ، هوني مسألتها ، سألت ما يهون ، وسليمان أتاه
، تسأل من يهوى ، استملاني هو ، أسلمت وهناي ، هو استمالني ، سايل وأنت هم ، يا
هول استنم ، أتاه وسليمان.
قلت : وليس هذا
تكرارا مع السابق الذي هو «وسليمان أتاه» ؛ لأنّ التقديم والتأخير يصيرهما شيئين.
ومنها : الوسمي
هتّان ، أوليتم سناه ، واليتم أنسه ، أمسيت وناله ، أنله توسيما ، أملتني سهوا ،
أتوسّل يمنها ، سألتهنّ يوما ، سألت يومنها ، سألت ما يوهن ، نهوي ما سألت ، يهون
ما سألت ، وقد سبق «سألت ما يهون» وعدّهما شيئين من أجل التقديم والتأخير كما مرّ
نظيره ، ألا تنس يومه ، ليتأس ماؤه ، سله موتي أنا ، أنسته اليوم ، سألتم هوينا ،
آوي من تسأله ، وهين ما سألت ، وهني ما سألت ، مسألتي نواه.
ومنها : مسألتي
هاون ، سهوان يتألّم ، أيلتم سهوان ، أو يلتم ناسه ، مسألتي أهون ، أو ميت تنساه ،
سموتن إليها ، أمليت سهوان ، وسألتم هينا ، يهون ما تسأل ، أتلومن سهيا ، أسلم
وانتهى ، يتأمّل سهوان ، يتأمّل ناسوه ، يتأملن سواه ، أيتأمل نسوه ، الهوى أتنسّم
، وليت ماه آسن ، تولين أسهما ، أتلوا سهمين ، أول ساهمتني ، أسماؤه تنيل ،
يتأمّلنه سوا ، أو لم يتسنّاه ،
آمن ويتساهل ،
أمسيتن لهوا ، توسميه لناء ، هو ما تسألين ، لأيها نتوسم ، أيهما نتوسّل ، أتاني لسموه ، سميتهن أولا ، أولاهن سميت ، سلمتني أهوا
، أسلمتني هوا ، أو نستميلها ، أيستمهلونا ، هنأت الموسى ، سليم انتهوا ، وأنت
سائلهم ، ساءلته ينمو ، تهنأ لا يسمو ، اسألي مؤنته ، سألتني موهنا ، التمسي هونا
، استملي أهون ، التناه موسى ، الهواء يتسنّم ، نهوى ما تسأل ، ماؤه ليتأسن ،
تنسمي الهواء ، تلومي إن سها ، ألمتني سهوا ، ستولينا أمه ، يتمهّلون أسا ،
أمهلتني سوا ، التناسي وهم ، أهويت سلمان ، هويت المأنس ، المأنس تهوي ، هويت أم
ناسل ، أو ليس تم هنا ، استوهن أملي ، استهون ألمي ، استملن وهيّأ ، أتسلمونيها ، أيتسلمونها ، ألا يتسمونه ، أليس
توهمنا ، ألا يتسنموه.
فهذه مائة وأربعة وثلاثون تركيبا ، منها ما هو متين ، ومنها ما هو غير متين ، وقد جمع ابن خروف فيها اثنين
وعشرين تركيبا محكيا وغير محكيّ ، وأحسنها بيت ابن عبدون السابق ، ويليه بيت ابن
مالك ، وقال الطغمي جامعا لها أربع مرات : [الكامل] :
آلمتني سهوا ،
تلومي إن سها
|
|
أو ليس تمّ هنا
، الهوا يتسنّم
|
هكذا بخطّه يتسنّم
، ولو قال يتنسّم لكان أنسب ، وقال أيضا : [الكامل]
وليت ما سناه
والتمسي هنا
|
|
ما تسألين هو
الهنا يتوسّم
|
قلت : وقد جمعت في
المغرب زيادة على ما تقدّم ، وكنت قدرت رسالة فيها أسميها «إتحاف أهل السيادة ،
بضوابط حروف الزيادة».
وقال أبو محمد عبد
الله بن الليث يستدعي الوزير أبا الحسن اليابري في يوم غيم : [الكامل]
رقم الربيع
بروضنا أزهاره
|
|
فجرى على صفحاته
أنهاره
|
__________________
فعسى تشرفنا
ببهجة سيّد
|
|
ألقى على ليل
الخطوب نهاره
|
تتمتّع الآداب
من نفحاته
|
|
فيشمّ منها ورده
وبهاره
|
يا سيّدا بهر
البرية سؤددا
|
|
أبدى إلينا سرّه
وجهاره
|
يوم أظلّ الغيم
وجه ضيائه
|
|
فعليك يا شمس
العلا إظهاره
|
وقال أبو القاسم
بن الأبرش : [الوافر]
أدر كاس المدام
فقد تغنّى
|
|
بفرع الأيك
طائره الصّدوح
|
وهبّ على الرياض
نسيم صبح
|
|
يمرّ كما دنا
سار طليح
|
ومال النهر يشكو
من حصاه
|
|
جراحات كما أنّ
الجريح
|
وقال : [المتقارب]
حلفت ويشهد دمعي
بما
|
|
أقاسيه من هجرك
الزّائد
|
فإن كنت تجحد ما
أدّعي
|
|
وحاشاك تعرف
بالجاحد
|
فإنّ النبيّ
عليه السّلام
|
|
قضى باليمين مع
الشاهد
|
وقال أبو الحسن
علي بن بسّام الشنتريني صاحب الذخيرة ، وشهرته تغني عن ذكره ، ونظمه دون نثره ،
يخاطب أبا بكر بن عبد العزيز : [المتقارب]
أبا بكر المجتبى
للأدب
|
|
رفيع العماد
قريع الحسب
|
أيلحن فيك
الزمان الخؤون
|
|
ويعرب عنك لسان
العرب
|
وإن لم يكن
أفقنا واحدا
|
|
فينظمنا شمل هذا
الأدب
|
وقد ذكرنا له في
غير هذا المحلّ قوله : [الوافر]
ألا بادر فلا
ثان سوى ما
|
|
عهدت الكأس
والبدر التمام
|
الأبيات.
وتأخّرت وفاته إلى
سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ، وهو منسوب إلى «شنترين» من الكور الغربية البحرية
من أعمال بطليوس.
__________________
وقال أبو عمر يوسف
بن كوثر : [الطويل]
مررت به يوما
يغازل مثله
|
|
وهذا على ذا
بالملاحة يمتنّ
|
فقلت اجمعا في
الوصل رأيكما فما
|
|
لمثلكما كان
التغزّل والمجن
|
عسى الصّبّ يقضي
الله بينكما له
|
|
بخير فقالا لي
اشتهى العسل السّمن
|
وقال أبو محمد بن
سارة : [الطويل]
أعندك أنّ البدر
بات ضجيعي
|
|
فقضّيت أوطاري
بغير شفيع
|
جعلت ابنة
العنقود بيني وبينه
|
|
فكانت لنا أمّا
وكان رضيعي
|
وقال : [الوافر]
أيا من حارت
الأفكار فيه
|
|
فلم تعلم له
الأقدار كنها
|
بجيد النيل منّا عقد أنس
|
|
أقام بغير واسطة
فكنها
|
وقال أبو الحسن بن
منذر الأشبوني : [الطويل]
فديتك إني عن
جنابك راحل
|
|
فهل لي يوما من
لقائك زاد
|
وحسبك والأيام
خون غوادر
|
|
فراق كما شاء
العدا وبعاد
|
وقال خلف بن هارون
القطيني : [البسيط]
من أنبت الورد
في خدّيك يا قمر
|
|
ومن حمى قطفه إذ
ليس مصطبر
|
الزهر في الروض
مقرون بأزمنة
|
|
وروض خدّك موصول
به الزّهر
|
وكان لابن الحاج
صاحب قرطبة ثلاثة أولاد من أجمل الناس ؛ حسّون وعزّون ورحمون ، فأولع بهنّ الإمام
أبو محمد بن السّيد النحوي ، وقال فيهم : [البسيط]
أخفيت سقمي حتّى
كاد يخفيني
|
|
وهمت في حبّ
عزّون فعزّوني
|
ثم ارحموني
برحمون فإن ظمئت
|
|
نفسي إلى ريق
حسّون فحسّوني
|
ثم خاف على نفسه
فخرج من قرطبة ، هكذا رأيته بخطّ بعض المؤرخين انتهى ، والله أعلم.
__________________
وقال ابن خفاجة
يداعب من بقل عذاره : [مجزوء الرمل]
أيها التائه
مهلا
|
|
ساءني أن تهت
جهلا
|
هل ترى فيما ترى
|
|
إلّا شبابا قد
تولّى
|
وغراما قد تسرّى
|
|
وفؤادا قد تسلّى
|
أين دمع فيك يجري
|
|
أين جنب يتقلّى
|
أين نفس بك تهذي
|
|
وضلوع فيك تصلى
|
أيّ باك كان لو
لا
|
|
عارض وافى فولّى
|
وتخلّى عنك إلّا
|
|
أسفا لا يتخلّى
|
وانطوى الحسن
فهلّا
|
|
أجمل الحسن
وهلّا
|
أمّا بعد ، أيها
النبيل النبيه ، فإنه لا يجتمع العذار والتيه ، قد كان ذلك وغصن تلك الشبيبة رطب ،
ومنهل ذلك المقبّل عذب ، وأما والعذار قد بقل ، والزمان قد انتقل ، والصّبّ قد صحا
فعقل ، فقد ركدت رياح الأشواق ، ورقدت عيون العشّاق ، فدع عنك من نظرة التجنّي ، ومشية التثنّي ، وغضّ من عنانك ، وخذ في تراضي إخوانك ، وهشّ عند اللقاء هشّة أريحيّة ، واقنع بالإيماء
رجع تحيّة ، فكأني بفنائك مهجورا ، وبزائرك مأجورا ، والسلام.
وقال الرصافي لمّا
بعث إليه من يهواه سكينا : [الطويل]
تفاءلت بالسكين
لمّا بعثته
|
|
لقد صدقت مني
العيافة والزّجر
|
فكان من السكين
سكناك في الحشا
|
|
وكان من القطع
القطيعة والهجر
|
وحضر الفقيه أبو
بكر بن حبيش ليلة مع بعض الجلّة وطفىء السراج ، فقال ارتجالأ :[البسيط]
أذك السراج
يرينا غرّة سفرت
|
|
فباتت الشمس
تستحيي وتستتر
|
أو خلّه فكفانا
وجه سيدنا
|
|
لا يطلب النجم
من في بيته قمر
|
__________________
وقصد أحد الأدباء
بمرسية أحد السادة من بني عبد المؤمن ، فأمر له بصلة خرجت على يد ابن له صغير ،
فقال المذكور ارتجالا : [الطويل]
تبرّك بنجل جاء
باليمن والسّعد
|
|
يبشّر بالتأييد
طائفة المهدي
|
تكلّم روح الله
في المهد قبله
|
|
وهذا براء بدّل
اللام في المهد
|
وخرج الأستاذ أبو
الحسن بن جابر الدباج يوما مع طلبته للنزهة بخارج إشبيلية ، وأحضرت مجبّنات ما خبا نارها ، ولا هدأ أوارها ، فما حاد عنها ولا كفّ ، ولا صرف حرّها عن اقتضابها البنان ولا الكفّ ، فقال : [الكامل]
أحلى مواقعها
إذا قرّبتها
|
|
وبخارها فوق
الموائد سام
|
إن أحرقت لمسا
فإنّ أوارها
|
|
في داخل الأحشاء
برد سلام
|
وقال أبو بكر أحمد
بن محمد الأبيض الإشبيلي يتهكّم برجل زعم أنه ينال الخلافة : [الوافر]
أمير المؤمنين ،
نداء شيخ
|
|
أفادك من نصائحه
اللطيفه
|
تحفّظ أن يكون
الجذع يوما
|
|
سريرا من أسرّتك
المنيفه
|
أفكّر فيك
مصلوبا فأبكي
|
|
وتضحكني أمانيك
السّخيفه
|
وقال صفوان : [الكامل]
ونهار أنس لو
سألنا دهرنا
|
|
في أن يعود
بمثله لم يقدر
|
خرق الزمان لنا
به عاداته
|
|
فلو اقترحنا
النجم لم يتعذر
|
في فتية علمت
ذكاء بحسنهم
|
|
فتلفّعت من
غيمها في مئزر
|
والسرحة الغنّاء
قد قبضت بها
|
|
كفّ النسيم على لواء
أخضر
|
وكأنّ شكل الغيم
منخل فضّة
|
|
يلقي على الآفاق
رطب الجوهر
|
__________________
واجتاز بعض
الغلمان على أبي بكر بن يوسف ، فسلّم عليه بأصبعه ، فقال أبو بكر في ذلك وأشار في
البيت الثالث إلى أنّ والد الغلام كان خطيب البلد : [الكامل]
مرّ الغزال بنا
مروعا نافرا
|
|
كشبيهه في القفر
ريع بصائده
|
لثم السّلامى في
السلام تسترا
|
|
ثم انثنى حذر
الرقيب لراصده
|
هلّا تكلّف وقفة
لمحبّه
|
|
ولو انها قصرا
كجلسة والده
|
وقال أبو القاسم
القبتوري : [البسيط]
وا حسرتا لأمور
ليس يبلغها
|
|
مالي وهنّ منى
نفسي وآمالي
|
أصبحت كالآل لا
جدوى لديّ وما
|
|
آليت جدّا ولكن
جدّي الآلي
|
وقال أبو الحسن بن
الحاج : [الطويل]
كفى حزنا أنّ
المشارع جمّة
|
|
وعندي إليها
غلّة وأوام
|
ومن نكد الأيام
أن يعدم الغنى
|
|
كريم وأنّ
المكثرين لئام
|
وقال أحمد بن أمية
البلنسي : [السريع]
قال رئيسي حين
فاوضته
|
|
وما درى أنّ
مقامي عسير
|
أقم فقلت الحال
لا تقتضي
|
|
فقال سر قلت
جناحي كسير
|
وقال ابن برطلة : [السريع]
لله ما ألقاه من
همّة
|
|
لا ترتضي إلّا
السّها منزلا
|
ومن خمول كلّما
رمت أن
|
|
أسمو به بين
الورى قال لا
|
وكتب ابن خروف
لبعض الرؤساء : [المجتث]
يا من حوى كلّ
مجد
|
|
بجدّه وبجدّه
|
أتاك نجل خروف
|
|
فامنن عليه
بجدّه
|
__________________
وكتب أيضا لبعضهم
يستدعي فروة : [مجزوء الوافر]
بهاء الدين
والدنيا
|
|
ونور المجد
والحسب
|
طلبت مخافة
الأنوا
|
|
ء من جدواك جلد
أبي
|
وفضلك عالم أني
|
|
خروف بارع الأدب
|
حلبت الدهر أشطره
|
|
وفي حلب صفا
حلبي
|
وبعد كتبي لما ذكر
خشيت أن يكون لابن خروف المشرقي لا الأندلسي ، والله تعالى أعلم.
وركب محبوب أبي
بكر ابن مالك كاتب ابن سعد بغلة رديف رجل يعرف بالدب ، فقال أبو بكر في ذلك : [مخلع
البسيط]
وبغلة ما لها
مثال
|
|
يركبها الدّبّ
والغزال
|
كأنّ هذا وذا
عليها
|
|
سحابة خلفها
هلال
|
وخرج محبوب لأبي
الحسن بن حريق يوما لنزهة وعرض سيل عاقه عن دخول البلد ، فبات ليلة عند أبي الحسن
، فقال في ذلك : [مخلع البسيط]
يا ليلة جادت
الأماني
|
|
بها على رغم أنف
دهري
|
تسيل فيها عليّ
نعمى
|
|
يقصر عنها لسان
شكري
|
أبات في منزلي
حبيبي
|
|
وقام في أهله
بعذر
|
وبتّ لا حالة
كحالي
|
|
صريع سكر ضجيع
بدر
|
يا ليلة القدر
في الليالي
|
|
لأنت خير من الف
شهر
|
وقال أبو الحسن بن
الزقاق : [الوافر]
عذيري من هضيم
الكشح أحوى
|
|
رخيم الدّلّ قد
لبس الشّبابا
|
أعدّ الهجر
هاجرة لقلبي
|
|
وصيّر وعده فيها
سرابا
|
__________________
وقال أبو بكر بن
الجزار السرقسطي : [الطويل]
ثناء الفتى يبقى
ويفنى ثراؤه
|
|
فلا تكتسب
بالمال شيئا سوى الذكر
|
فقد أبلت الأيام
كعبا وحاتما
|
|
وذكرهما غضّ
جديد إلى الحشر
|
وقال الأديب أبو
عبد الله الجذامي : كان لشخص من أصحابنا قينة ، فبينما هو ذات يوم قد رام تقبيلها
على أثر سواك أبصره بمبسمها إذ مرّ فوّال ينادي على فول يبيعه ، قال : فكلّفني أن
أقول في ذلك شيئا ، فقلت : [الطويل]
ولم أنس يوم
الأنس حين سمحت لي
|
|
وأهديت لي من
فيك فول سواك
|
ومرّ بنا
الفوّال للفول مادحا
|
|
وما قصده في
المدح فول سواك
|
وشرب يوما أبو عبد
الله المذكور عند بعض الأجلّة وذرعه القيء ، فارتجل في العذر : [الطويل]
لا تؤاخذ من
أخلّ به
|
|
قهوة في الكاس
كالقبس
|
كيف يلحى في
المدام فتى
|
|
أخذته أخذ مفترس
|
دخلت في الحلق
مكرهة
|
|
ضاق عنها موضع
النّفس
|
خرجت من موضع
دخلت
|
|
أنفت من مخرج
النجس
|
وجلس سلمة بن أحمد
إلى جنب وسيم يكتب من محبرة فانصبّ الحبر منها على ثوب سلمة ، فخجل الغلام ، فقال
سلمة : [الكامل]
صبّ المداد وما
تعمّد صبّه
|
|
فتورّد الخدّ
المليح الأزهر
|
يا من يؤثّر
حبره في ثوبنا
|
|
تأثير لحظك في
فؤادي أكبر
|
وكان لأبي الحسن
بن حزمون بمرسية محبوب يدعى أبا عامر ، وسافر أبو الحسن ، فبينما هو
بخارج ألمرية إذ لقي فتى يشبه محبوبه ، وسأله عن اسمه ، فأخبره بأنه يدعى أبا عامر
، فقال أبو الحسن في ذلك : [المتقارب]
إلى كم أفرّ
أمام الهوى
|
|
وليس لذا الحبّ
من آخر
|
وكيف أفرّ أمام
الهوى
|
|
وفي كلّ واد أبو
عامر
|
__________________
وحضر أبو بكر ابن
مالك كاتب ابن سعد مع محبوبه لارتقاب هلال شوّال ، فأغمي على الناس ورآه محبوبه ،
فقال أبو بكر في ذلك : [الطويل]
توارى هلال
الأفق عن أعين الورى
|
|
ولاح لمن أهواه
منه وحيّاه
|
فقلت لهم لم
تفهموا كنه سرّه
|
|
ولكن خذوا عني
حقيقة معناه
|
بدا الأفق
كالمرآة راق صفاؤه
|
|
فأبصر دون الناس
فيه محيّاه
|
وكتب أبو بكر بن
حبيش لمن يهواه بقوله : [الطويل]
متى ما ترم شرحا
لحالي وتبيينا
|
|
فصحّف على قلبي «علومك
تحيينا»
|
أرادني «إنّي
بحبّك مولع».
وكتب القاضي ابن
السليم إلى الحكم المستنصر بالله : [البسيط]
لو أنّ أعضاء
جسمي ألسن نطقت
|
|
بشكر نعماك عندي
قلّ شكري لك
|
أو كان ملّكني
الرحمن من أجلي
|
|
شيئا وصلت به يا
سيدي أجلك
|
ومن تكن في
الورى آماله كثرت
|
|
فإنما أملي في
أن ترى أملك
|
وقال الوزير ابن
أبي الخصال : [الطويل]
وكيف أؤدّي شكر
من إن شكرته
|
|
على برّ يوم
زادني مثله غدا
|
فإن رمت أقضي
اليوم بعض الذي مضى
|
|
رأيت له فضلا
عليّ مجدّدا
|
وقال الرصافي : [الكامل]
قلّدت جيد الفكر
من تلك الحلى
|
|
ما شاءه المنثور
والمنظوم
|
وأشرت قدّامي
كأنّي لاثم
|
|
وكأنّ كفّي ذلك
الملثوم
|
__________________
وقال : [الوافر]
ويا لك نعمة
رمنا مداها
|
|
فما وصل اللسان
ولا الضمير
|
عجزنا أن نقوم
لها بشكر
|
|
على أنّ الشّكور
لها كثير
|
وقال ابن باجة : [الكامل]
قوم إذا انتقبوا
رأيت أهلّة
|
|
وإذا هم سفروا
رأيت بدورا
|
لا يسألون عن
النّوال عفاتهم
|
|
شكرا ولا يحمون
منه نقيرا
|
لو أنهم مسحوا
على جدب الرّبا
|
|
بأكفّهم نبت
الأقاح نضيرا
|
وقال ابن الأبار
يمدح أبا زكريا سلطان إفريقية : [الطويل]
تحلّت بعلياك
الليالي العواطل
|
|
ودانت لسقياك
السحاب الهواطل
|
وما زينة الأيام
إلّا مناقب
|
|
يفرّعها أصلان :
بأس ونائل
|
إذ الطّول
والصّول استقلّا براحة
|
|
ترقّت لها نحو
النجوم أنامل
|
وقال أيضا في سعيد
بن حكم رئيس منرقة : [الخفيف]
سيّد أيّد رئيس
بئيس
|
|
في أساريره صفات
الصباح
|
قمر في أفق
المعالي تجلّى
|
|
وتحلّى بالسؤدد
الوضّاح
|
سلم البحر في
السماحة منه
|
|
لجواد سمّوه بحر
السماح
|
وقال أبو العباس
أحمد الإشبيلي : [البسيط]
يا أفضل الناس
إجماعا ومعرفتي
|
|
تغني وما الحسن
في ريب ولا ريب
|
ورثت عن سلف ما
شئت من شرف
|
|
فقد بهرت بموروث
ومكتسب
|
__________________
وقال ابن زهر
الحفيد : [الكامل]
يا من يذكّرني
بعهد أحبّتي
|
|
طاب الحديث
بذكرهم ويطيب
|
أعد الحديث عليّ
من جنباته
|
|
إنّ الحديث عن
الحبيب حبيب
|
ملأ الضلوع وفاض
عن أحنائها
|
|
قلب إذا ذكر
الحبيب يذوب
|
ما زال يخفق
ضاربا بجناحه
|
|
يا ليت شعري هل
تطير قلوب
|
وقال في زهر
الكتاب : [الكامل]
أهلا بزهر
اللّازورد ومرحبا
|
|
في روضة الكتّان
تعطفه الصّبا
|
لو كنت ذا جهل
لخلتك لجّة
|
|
وكشفت عن ساق
كما فعلت سبا
|
ولما قال الموشحة
المشهورة التي أولها :
صادني ولم يدر ما
صادا قال أبو بكر بن الجدّ : لو سئل عمّا صاد لقال : تيس بلحية حمراء!.
ولمّا قال الموشحة
التي أوّلها :
هات بنت العنب
واشرب
إلى قوله :
وفدّه بأبي ثم بي
سمعها أبوه فقال :
يفديه بالعجوز السّواء ، وأما أنا فلا.
وهنالك أبو بكر بن
زهر الأصغر ، وهو ابن عمّ هذا الأكبر.
ومن نظم الأصغر : [الكامل]
والله ما أدري
بما أتوسّل
|
|
إذ ليس لي ذات
بها أتوصّل
|
__________________
لكن جعلت مودّتي
مع خدمتي
|
|
لعلاك أحظى شافع
يتقبّل
|
إن كنت من أدوات
زهر عاطلا
|
|
فالزّهر منهنّ
السّماك الأعزل
|
وهذه الأبيات خاطب
بها المأمون بن المنصور صاحب المغرب.
وقال الأديب أبو
جعفر عمر ابن صاحب الصلاة : [الطويل]
وما زالت الدنيا
طريقا لهالك
|
|
تباين في
أحوالها وتخالف
|
ففي جانب منها
تقوم مآتم
|
|
وفي جانب منها
تقوم معازف
|
فمن كان فيها
قاطنا فهو ظاعن
|
|
ومن كان فيها
آمنا فهو خائف
|
وقال أبو بكر محمد
ابن صاحب الصلاة يخاطب أخيل لمّا انتقل إلى العدوة : [المجتث]
لا تنكرنّ زمانا
|
|
رماك منه بسهم
|
وأنت غاية مجد
|
|
في كلّ علم وفهم
|
هذي دموعي حتى
|
|
يراك طرفي تهمي
|
يا ليت ما كنت
أخشى
|
|
عليك عدوان همّ
|
وإنما الدهر
يبدي
|
|
ما لا يجوز بوهم
|
ما زال شيهم مسّ
|
|
لكلّ يقظان شهم
|
ولمّا وفد أهل
الأندلس على عبد المؤمن قام خطيبا ناثرا وناظما ، فأتى بالعجب ، وباهى به أهل
الأندلس في ذلك الوقت.
وله في عبد المؤمن
: [البسيط]
هم الألى وهبوا
للحرب أنفسهم
|
|
وأنهبوا ما حوت
أيديهم الصّفدا
|
ما إن يغبّون
كحل الشمس من رهج
|
|
كأنما عينها
تشكو لهم رمدا
|
__________________
وقال ابن السيّد
البطليوسي في أبي الحكم عمرو بن مذحج بن حزم ، وقد غلب على لبّه ، وأخذ بمجامع
قلبه : [الطويل]
رأى صاحبي عمرا
فكلّف وصفه
|
|
وحمّلني من ذاك
ما ليس في الطّوق
|
فقلت له : عمرو
كعمرو فقال لي
:
|
|
صدقت ، ولكن ذاك
شبّ عن الطّوق
|
وفيه يقول ابن
عبدون : [الكامل]
يا عمرو ، ردّ
على الصّدور قلوبها
|
|
من غير تقطيع
ولا تحريق
|
وأدر علينا من
خلالك أكؤسا
|
|
لم تأل تسكرنا
بغير رحيق
|
وفيه يقول أحدهم :
[مجزوء الخفيف]
قل لعمرو بن
مذحج
|
|
جاء ما كنت
أرتجي
|
شارب من زبرجد
|
|
ولمى من بنفسج
|
وكتب إليه ابن
عبدون : [الطويل]
سلام كما هبّت
من المزن نفحة
|
|
تنفّس عند الفجر
من وجهها الزّهر
|
ومنها :
أبا حسن أبلغ
سلام فمي يدي
|
|
أبي حسن وارفق
فكلتاهما بحر
|
ولا تنس يمناك
التي هي والندى
|
|
رضيعا لبان لا
اللّجين ولا التّبر
|
فأجابه من أبيات :
[الطويل]
تحيّر ذهني في
مجاري صفاته
|
|
فلم أدر شعر ما
به فهت أم سحر
|
أرى الدهر أعطاك
التقدّم في العلى
|
|
وإن كان قد وافى
أخيرا بك الدّهر
|
لئن حازت الدنيا
لك الفضل آخرا
|
|
ففي أخريات
الليل ينبلج الفجر
|
__________________
ولعمرو في أبي
العلاء بن زهر : [الطويل]
قدمت علينا
والزمان جديد
|
|
وما زلت تبدي في
الندى وتعيد
|
وحقّ العلا لو
لا مراتبك العلا
|
|
لما اخضرّ في
أفق المكارم عود
|
فلوحوا بني زهر
فإنّ وجوهكم
|
|
نجوم بأفلاك
العلاء سعود
|
وقوله لأبي الوليد
ابن عمّه : [البسيط]
إنّي لأعجب أن
يدنو بنا وطن
|
|
ولا يقضّى من
اللّقيا لنا وطر
|
لا غرو إن بعدت
دار مصاقبة
|
|
بنا وجدّ بنا
للحضرة السّفر
|
فمحجر العين لا
يلقاه ناظرها
|
|
وقد توسّع في
الدنيا به النظر
|
وقال ابن عمّه أبو
بكر محمد بن مذحج يخاطب ابن عمّه أبا الوليد : [الطويل]
ولمّا رأى حمص
استخفّت بقدره
|
|
على أنها كانت
به ليلة القدر
|
تحمّل عنها
والبلاد عريضة
|
|
كما سلّ من غمد
الدّجى صارم الفجر
|
وقال أبو الوليد
المذكور : [الطويل]
أتجزع من دمعي
وأنت أسلته
|
|
ومن نار أحشائي
وأنت لهيبها
|
وتزعم أنّ
النّفس غيرك علّقت
|
|
وأنت ولا منّ
عليك حبيبها
|
إذا طلعت شمس
عليّ بسلوة
|
|
أثار الهوى بين
الضلوع غروبها
|
وله أيضا : [الكامل]
لمّا استمالك
معشر لم أرضهم
|
|
والقول فيك ،
كما علمت ، كثير
|
داريت دونك
مهجتي فتماسكت
|
|
من بعد ما كادت
إليك تطير
|
فاذهب فغير
جوانحي لك منزل
|
|
واسمع فغير
وفائك المشكور
|
وقال : [المتقارب]
يقول وقد لمته
في هوى
|
|
فلان وعرّضت
شيئا قليلا
|
أتحسدني؟ قلت :
لا والذي
|
|
أحلّك في الحبّ
مرعى وبيلا
|
__________________
وكيف وقد حلّ
ذاك الجناب
|
|
وقد سلك الناس
ذاك السبيلا
|
وله مما يكتب على
قوس : [الكامل]
إنّا إذا رفعت
سماء عجاجة
|
|
والحرب تقعد
بالرّدى وتقوم
|
وتمرّد الأبطال
في جنباتها
|
|
والموت من فوق
النفوس يحوم
|
مرقت لهم منّا
الحتوف كأنما
|
|
نحن الأهلّة
والسّهام نجوم
|
وقال أبو الحسين
بن فندلة في كلب صيد : [الطويل]
فجعت بمن لو رمت
تعبير وصفه
|
|
لقلّ ولو أني
غرفت من البحر
|
بأخطل وثّاب
طموح مؤدّب
|
|
ثبوت يصيد
النّسر لو حلّ في النسر
|
كلون الشباب
الغضّ في وجهه سنى
|
|
كأنّ ظلاما ليس
فيه سوى البدر
|
إذا سار والبازي
أقول تعجّبا
|
|
ألا ليت شعري
يسبق الطير من يجري
|
ولا يلتفت إلى قول
أبي العباس بن سيد فيه : [السريع]
الموت لا يبقي
على مهجة
|
|
لا أسدا يبقي
ولا نعثله
|
ولا شريفا لبني
هاشم
|
|
ولا وضيعا لبني
فندله
|
وكان ابن سيد
مسلّطا على هذا البيت ، قال ابن سعيد : وإنما ينبح الكلب القمر.
قال أبو العباس
النجار : كان أبو الحسين يلقّب بالوزغة ، فوصلت إلى بابه يوما ، فتحجّب عني ،
فكتبت على الباب : [مخلع البسيط]
تحجّب الفندليّ
عني
|
|
فساء من فعله
ضميري
|
ينفر من رؤيتي
كأني
|
|
مضمّخ الجيب
بالعبير
|
قال : ومن عادة
الوزغة أن تكره رائحة الزعفران وتهرب منه.
وقال أبو القاسم
بن حسان : [الطويل]
ألا ليتني ما
كنت يوما معظّما
|
|
ولا عرفوا شخصي
ولا علموا قصري
|
__________________
أكلّف في حال
المشيب بمثل ما
|
|
تحمّلته والغصن
في ورق نضر
|
فما عاش في
الأيام في حرّ عيشة
|
|
سوى رجل ناء عن
النّهي والأمر
|
وقال أبو بكر بن
مرتين : [البسيط]
صحبت منك العلا
والفضل والكرما
|
|
وشيمة في الندى
لا ترتضي السأما
|
مودّة في ثرى
الإنصاف راسخة
|
|
وسمكها فوق
أعناق السماء سما
|
وقال : [الكامل]
أنصفتني فمحضتك
الودّ الذي
|
|
يجزى بصفوته
الخليل المنصف
|
لا تشكرنّ سوى
خلالك إنها
|
|
جلبت إليك من
الثنا ما يعرف
|
وقال : [مجزوء
الرمل]
يا هلالا يتجلّى
|
|
وقضيبا يتثنّى
|
كلّ أنس لم تكنه
|
|
فهو لفظ دون
معنى
|
وقال القاضي أبو
عبد الله محمد بن زرقون : [الخفيف]
ذكر العهد
والديار غريب
|
|
فجرى دمعه ولجّ
النّحيب
|
ذكر العهد
والنوى من حبيب
|
|
حبّذا العهد
والنوى والحبيب
|
إذ صفاء الوداد
غير مشوب
|
|
بتجنّ وودّنا
مشبوب
|
وإذا الدهر
دهرنا وإذا الدا
|
|
ر قريب وإذ يقول
الرقيب
|
ومنها :
أسأل الله عفوه
فلئن سا
|
|
ء مقالي لقد
تعفّ القلوب
|
قد ينال الفتى
الصغائر ظرفا
|
|
لا سواها
وللذّنوب ذنوب
|
وأخو الشّعر لا
جناح عليه
|
|
وسواء صدوقه
والكذوب
|
وقال : [السريع]
__________________
يا معدن الفضل
وطوى الحجا
|
|
لا زلت من بحر
العلا تغترف
|
عبدك بالباب فقل
منعما
|
|
يدخل أو يصبر أو
ينصرف
|
وقال الخطيب أبو
عبد الله محمد بن عمر الإشبيلي : [المتقارب]
وكلّ إلى طبعه
عائد
|
|
وإن صدّه المنع
عن قصده
|
كذا الماء من
بعد إسخانه
|
|
يعود سريعا إلى
برده
|
وقال إمام اللغة
أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي الإشبيلي : [الخفيف]
ما طلبت العلوم
إلّا لأني
|
|
لم أزل من
فنونها في رياض
|
ما سواها له
بقلبي حظّ
|
|
غير ما كان
للعيون المراض
|
وقال : [مجزوء
الرمل]
أشعرن قلبك ياسا
|
|
ليس هذا الناس
ناسا
|
ذهب الإبريز
منهم
|
|
فبقوا بعد نحاسا
|
سامرييّن يقولو
|
|
ن جميعا لا
مساسا
|
وكان كتاب «العين»
للخليل مختلّ القواعد ، فامتعض له هذا الإمام ، وصقل صدأه كما يصقل الحسام ،
وأبرزه في أجمل منزع ، حتى قيل : هذا ممّا أبدع واخترع ، وله كتاب في النحو يسمّى «الواضح»
وصيّره الحكم المستنصر مؤدّبا لولده هشام المؤيد ، وبالجملة فهو في المغرب بمنزلة
ابن دريد في المشرق.
وقال النحوي أبو
بكر محمد بن طلحة الإشبيلي ، وشعره رقيق خارج عن شعر النحاة ، ومنه : [الطويل]
إلى أيّ يوم
بعده يرفع الخمر
|
|
وللورق تغريد
وقد خفق النّهر
|
وقد صقلت كفّ الغزالة
أفقها
|
|
وفوق متون الروض
أردية خضر
|
وكم قد بكت عين
السماء بدمعها
|
|
عليها ولو لا
ذاك ما بسم الزهر
|
__________________
وقال : [المجتث]
بدا الهلال
فلمّا
|
|
بدا نقصت وتمّا
|
كأنّ جسمي فعل
|
|
وسحر عينيه «لمّا»
|
وكان لا يملك نفسه
في النظر إلى الصّور الحسان ، وأتاه يوما أحد أصحابه بولد له فتّان الصورة ،
فعندما دخل مجلسه قصر عليه طرفه ، ولم يلتفت إلى والده ، وجعل والده يوصيه عليه
وهو لا يعلم ما يقوله [ولم يلتفت إلى والده] وقد افتضح في طاعة هواه ، فقال له الرجل : يا أبا بكر ،
حقّق النظر فيه لعلّه مملوك ضاع لك ، وقد جبره الله تعالى عليك ، ولكن على من
يتركه عندك لعنة الله ، هذا ما عملت بمحضري ، والله إن غاب معك عن بصري لمحة
لتفعلنّ به ما اشتهر عنك ، وأخذ ولده وانصرف به ، فانقلب المجلس ضحكا.
وقال أبو جعفر
أحمد بن الأبّار الإشبيلي ، وهو من رجال «الذخيرة» : [الخفيف]
زارني خيفة
الرقيب مريبا
|
|
يتشكّى منه
القضيب الكثيبا
|
رشأ راش لي سهام
المنايا
|
|
من جفون يسبي
بهنّ القلوبا
|
قال لي ما ترى
الرقيب مطلّا
|
|
قلت دعه أتى
الجناب الرحيبا
|
عاطه أكؤس
المدام دراكا
|
|
وأدرها عليه
كوبا فكوبا
|
واسقنيها من خمر
عينيك صرفا
|
|
واجعل الكأس منك
ثغرا شنيبا
|
ثم لمّا أن نام
من نتّقيه
|
|
وتلقّى الكرى
سميعا مجيبا
|
قال لا بدّ أن
تدبّ عليه
|
|
قلت أبغي رشا
وآخذ ذيبا
|
قال فابدأ بنا
وثنّ عليه
|
|
قلت عمري لقد
أتيت قريبا
|
فوثبنا على
الغزال ركوبا
|
|
وسعينا على
الرقيب دبيبا
|
فهل ابصرت أو
سمعت بصبّ
|
|
ناك محبوبه وناك
الرّقيبا
|
وأنشد له ابن حزم
: [الكامل]
أو ما رأيت
الدهر أقبل معتبا
|
|
متنصّلا بالعذر
ممّا أذنبا
|
بالأمس أذبل في
رياضك أيكة
|
|
واليوم أطلع في
سمائك كوكبا
|
__________________
وقيل : إنه خاطب
بهما ابن عبّاد ملك إشبيلية وقد ماتت له بنت وولد له ابن ، وبعضهم ينسبهما لغيره.
ودخل الأديب أبو
القاسم بن العطار الإشبيلي حمّاما بإشبيلية ، فجلس إلى جانبه وسيم خمريّ العينين ،
فافتتن بالنظر إليه والمحادثة إلى أن قام وقعد في مكانه أسود ، فقال : [الطويل]
مضت جنّة المأوى
وجاءت جهنّم
|
|
فها أنا أشقى
بعد ما كنت أنعم
|
وما كان إلّا
الشمس حان غروبها
|
|
فأعقبها جنح من
الليل مظلم
|
وقال الأديب
المصنّف أبو عمرو عثمان بن علي بن عثمان بن الإمام الإشبيلي ، صاحب «سمط الجمان» :
[الطويل]
عذيري من الأيام
لا درّ درّها
|
|
لقد حمّلتني فوق
ما كنت أرهب
|
وقد كنت جلدا ما
ينهنهني النوى
|
|
ولا يستبيني
الحادث المتغلّب
|
يقاسي صروف
الدهر مني مع الصّبا
|
|
جذيل حكاك أو
عذيق مرجّب
|
وكنت إذا ما
الخطب مدّ جناحه
|
|
عليّ تراني تحته
أتقلّب
|
فقد صرت خفّاق
الجناح يروعني
|
|
غراب إذا أبصرته
وهو ينعب
|
وأحسب من ألقى
حبيبا مودعا
|
|
وأنّ بلاد الله
طرّا محصّب
|
وقد امتعض للآداب
في صدر دولة بني عبد المؤمن ، فجمع شمل الفضلاء الذين اشتملت عليهم المائة السابعة
إلى مبلغ سنّه منها في ذلك الأوان ، واستولى بذلك على خصل الرهان ، وانفرد بهذه
الفضيلة التي لم ينفرد بها إلّا فلان وفلان.
وكان الأديب
العالم الصالح أبو الحسن علي بن جابر الدباج الإشبيلي إماما في فنون العربية ،
ولكن شهر بإقراء كتب الآداب كالكامل للمبرد ونوادر القالي وما أشبه ذلك ، وكان ـ مع
زهده ـ فيه لوذعيّة ، ومن ظرفه أن أحد تلامذته قال لغلام جميل الصورة : بالله
أعطني قبلة تمسك رمقي ، فشكاه إلى الشيخ وقال له : يا سيدي ، قال لي هذا كذا ،
فقال له الشيخ : وأعطيته ما طلب؟ فقال : لا ، فقال له : ما هذه الثقالة؟ ما كفاك
أن حرمته حتى تشتكي به أيضا؟ وحسبك من جلالة قدره أنّ أهل إشبيلية رضوا به إماما
في جامع العديس .
__________________
وله : [البسيط]
لمّا تبدّت وشمس
الأفق بادية
|
|
أبصرت شمسين من
قرب ومن بعد
|
من عادة الشمس
تعشي عين ناظرها
|
|
وهذه نورها يشفي
من الرّمد
|
وقال مالك بن وهيب
: [الطويل]
أراميتي بالسحر
من لحظاتها
|
|
نعيذك كيف الرمي
من دون أسهم
|
ألا فاعلمي أن
قد أصبت ، فواصلي
|
|
سهامك أو كفّي
فلست بمسلم
|
فإنسان عين
الدهر أصميت فاحذري
|
|
مطالبة بالقلب
واليد والفم
|
أما هو في غيل
غدا غابه القنا
|
|
تحفّ به آساد
كلّ ملثّم
|
ولو أنّ لي ركنا
شديدا بنجدة
|
|
أويت له من بأس
لحظك فارحمي
|
وهو إشبيلي ، كان
من أهل الفلسفة كما في «المسهب» ؛ قال : وهو فيلسوف المغرب ، ظاهر الزهد والورع ،
استدعاه من إشبيلية أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين إلى حضرة مرّاكش ، وصيّره
جليسه وأنيسه ، وفيه يقول بعض أعدائه : [الخفيف]
دولة لابن
تاشفين عليّ
|
|
طهّرت بالكمال
من كلّ عيب
|
غير أنّ الشيطان
دسّ إليها
|
|
من خباياه مالك
بن وهيب
|
وأمره علي بمناظرة
محمد بن تومرت الملقب بالمهدي الذي أنشأ دولة بني عبد المؤمن.
وقال أبو الصلت
أمية بن عبد العزيز المذكور في غير هذا الموضع من هذا الكتاب يستدعي بعض إخوانه : [مجزوء
الرمل]
بمعاليك وجدّك
|
|
جد بلقياك لعبدك
|
حضر الكلّ ولكن
|
|
لم يطب شيء
لفقدك
|
__________________
وقال : [المنسرح]
وراغب في العلوم
مجتهد
|
|
لكنّه في القبول
جلمود
|
فهو كذي عنّة به
شبق
|
|
ومشتهي الأكل
وهو ممعود
|
وقال : [الوافر]
لئن عرضت نوى
وعدت عواد
|
|
أدالت من دنوّك
بالبعاد
|
فما بعدت عن
اللّقيا جسوم
|
|
تدانت بالمحبّة
والوداد
|
ولكن قرب دارك
كان أندى
|
|
على كبدي وأحلى
في فؤادي
|
وله في مجمرة : [الطويل]
ومحرورة الأحشاء
لم تدر ما الهوى
|
|
ولم تدر ما يلقى
المحبّ من الوجد
|
إذا ما بدا برق
المدام رأيتها
|
|
تثير غماما في
النّديّ من النّدّ
|
ولم أر نارا
كلّما شبّ جمرها
|
|
رأيت الندامى
منه في جنّة الخلد
|
وقوله من قصيدة : [البسيط]
وإن هم نكصوا
يوما فلا عجب
|
|
قد يكهم السيف
وهو الصارم الذكر
|
العود أحمد
والأيام ضامنة
|
|
عقبى النجاح
ووعد الله منتظر
|
وقال : [السريع]
تقريب ذي الأمر
لأهل النّهى
|
|
أفضل ما ساس به
أمره
|
هذا به أولى وما
ضرّه
|
|
تقريب أهل اللهو
في النّدره
|
عطارد في جلّ
أوقاته
|
|
أدنى إلى الشمس
من الزّهره
|
وقوله : [الطويل]
تفكّر في نقصان
مالك دائما
|
|
وتغفل عن نقصان
جسمك والعمر
|
__________________
ويثنيك خوف
الفقر عن كلّ بغية
|
|
وخيفة حال الفقر
شرّ من الفقر
|
وقوله : [المنسرح]
يا ليلة لم تبن
من القصر
|
|
كأنها قبلة على
حذر
|
لم تك إلّا «كلا»
ولا ومضت
|
|
تدفع في صدرها
يد السّحر
|
وقال فيمن نظر
إليه فأعرض عنه : [البسيط]
قالوا ثنى عنك
بعد البشر صفحته
|
|
فهل أصاخ إلى
الواشي فغيّره
|
فقلت لا بل درى
وجدي بعارضه
|
|
فردّ صفحته عمدا
لأبصره
|
وقال : [مجزوء
الكامل]
حكت الزمان
تلوّنا
|
|
لمحبّها العاني
الأسير
|
فوصالها برد الأص
|
|
يل وهجرها حرّ
الهجير
|
وقال يستدعي : [الخفيف]
هو يوم كما تراه
مطير
|
|
كلب القرّ فيه
والزّمهرير
|
وأرانا الغمام
والبرد ثوبي
|
|
ن علينا كلاهما
مجرور
|
ولدينا شمسان
شمس من الرا
|
|
ح وشمس تسعى بها
وتدور
|
فمن الرأي أن
تشبّ الكواني
|
|
ن بأجذالها
وترخى الستور
|
فاترك الاعتذار
فيه فترك ال
|
|
شّرب في مثل
يومنا تغرير
|
وقال : [الطويل]
هو البحر غص فيه
إذا كان ساكنا
|
|
على الدّرّ
واحذره إذا كان مزبدا
|
__________________
وقال : [الخفيف]
غبت عنّا فغاب
كلّ جمال
|
|
ونأى إذ نأيت
كلّ سرور
|
ثم لمّا قدمت
عاودنا الأن
|
|
س وقرّت قلوبنا
في الصدور
|
فلو أنّا نجزي
البشير بنعمى
|
|
لوهبنا حياتنا
للبشير
|
وقال : [السريع]
كم ضيّعت منك
المنى حاصلا
|
|
كان من الأحزم
أن يحفظا
|
فالفظ بها عنك
فمن حقّ ما
|
|
يخفي صواب الرأي
أن يلفظا
|
فإن تعلّلت
بأطماعها
|
|
فإنما تحلم
مستيقظا
|
وقال : [الطويل]
يقولون لي صبرا
وإني لصابر
|
|
على نائبات
الدهر وهي فواجع
|
سأصبر حتى يقضي
الله ما قضى
|
|
وإن أنا لم أصبر
فما أنا صانع
|
وقال : [مجزوء
الرمل]
بأبي خود شموع
|
|
أقبلت تحمل شمعه
|
فالتقى نوراهما
واخ
|
|
تلفا قدرا ورفعه
|
ومسير الشمس
تسته
|
|
دي بضوء النجم
بدعه
|
وقال في فرس أشهب
: [مخلع البسيط]
وأشهب كالشّهاب
أضحى
|
|
يلوح في مذهب
الجلال
|
قال حسودي وقد
رآه
|
|
يخبّ تحتي إلى
القتال
|
من ألجم الصبح
بالثريّا
|
|
وأسرج البرق
بالهلال
|
وقال : [الطويل]
رمتني صروف
الدهر بين معاشر
|
|
أصحّهم ودّا
عدوّ مقاتل
|
وما غربة
الإنسان في غير داره
|
|
ولكنها في قرب
من لا يشاكل
|
__________________
وقال : [السريع]
أصبحت صبّا دنفا
مغرما
|
|
أشكو جوى الحبّ
وأبكي دما
|
هذا وقد سلّم إذ
مرّ بي
|
|
فكيف لو مرّ وما
سلّما
|
وقال : [الوافر]
وقفنا للنّوى
فهفت قلوب
|
|
أضرّ بها الجوى
وهمت شؤون
|
يناجي بعضنا
باللّحظ بعضا
|
|
فتعرب عن
ضمائرنا العيون
|
فلا والله ما
حفظت عهود
|
|
كما ضمنوا ولا
قضيت ديون
|
ولو حكم الهوى
يوما بعدل
|
|
لأنصف من يفي
ممّن يخون
|
أمرّ بداركم
وأغضّ طرفي
|
|
مخافة أن تظنّ
بي الظنون
|
ولمّا رأى عبد
الرحمن بن سبلاق الحضرمي الإشبيلي في النوم أنه مرّ على قبر وقوم يشربون
حوله وسط أزاهر فأمروه أن يرثي صاحب القبر ، وهو أبو نواس الحسن بن هانىء ، قال : [السريع]
جادك يا قبر
انسكاب الغمام
|
|
وعاد بالروح
عليك السلام
|
ففيك أضحى
الظّرف مستودعا
|
|
واستترت عنّا
عيون الظلام
|
وقال أبو بكر محمد
بن نصر الإشبيلي : [الكامل]
وكأنما تلك
الرياض عرائس
|
|
ملبوسهنّ معصفر
ومزعفر
|
أو كالقيان لبسن
موشيّ الحلى
|
|
فلهنّ في وشي
اللباس تبختر
|
وقال أحمد بن محمد
الإشبيلي : [البسيط]
أما ترى النرجس
الغضّ الذكيّ بدا
|
|
كأنه عاشق شابت
ذوائبه
|
أو المحبّ شكا
لمّا أضرّ به
|
|
فرط السّقام
فعادته حبائبه
|
وقال : [الخفيف]
ربّ نيلوفر غدا
مخجل الرا
|
|
ئي إليه نفاسة
وغرابه
|
__________________
كمليك للزنج في
قبّة بي
|
|
ضاء يدنو الدّجا
فيغلق بابه
|
وقال أبو الأصبغ
بن سيد : [السريع]
كأنما النرجس في
منظر ال
|
|
حسن الذي أمثاله
تبتغى
|
أنامل من فضّة
فوقه
|
|
كأس من التبر به
أفرغا
|
وقال أبو إسحاق
إبراهيم بن خيرة الصباغ ممّا أنشده له أبو عامر بن سلمة في كتاب «حديقة الارتياح» : [مجزوء الكامل]
يوم كأنّ سحابه
|
|
لبست عماميّ
المصامت
|
حجبت به شمس
الضّحى
|
|
بمثال أجنحة
الفواخت
|
فالغيث يبكي
فقدها
|
|
والبرق يضحك مثل
شامت
|
والرعد يخطب
مفصحا
|
|
والجوّ كالمحزون
ساكت
|
والروض يسقيه
الحيا
|
|
والنّور ينظر
مثل باهت
|
فاشرب ولذّ
بجنّة
|
|
واطرب فإنّ
العمر فائت
|
وله : [الرمل]
ربّ ليل طال لا
صبح له
|
|
ذي نجوم أقسمت
أن لا تغور
|
قد هتكنا جنحه
من فلق
|
|
من خمور ووجوه
كالبدور
|
إن بدت تشبهها
في كأسها
|
|
نار إبراهيم في
برد ونور
|
صرعتنا أن علونا
ظهرها
|
|
في ميادين
التصابي والسرور
|
وكأنّا ، حين
قمنا ، معشر
|
|
نشروا بعد ممات
من قبور
|
وقال أبو بكر بن
حجاج : [السريع]
لمّا كتمت الحبّ
لا عن قلى
|
|
ولم أجد إلّا
البكا والعويل
|
__________________
ناديت والقلب به
مغرم
|
|
يا حسبي الله
ونعم الوكيل
|
وقال : [الطويل]
يقولون إنّ
السّحر في أرض بابل
|
|
وما السّحر إلّا
ما أرتك محاجره
|
وما الغصن إلّا
ما انثنى تحت برده
|
|
وما الدّعص إلّا
ما طوته مآزره
|
وما الدّرّ إلّا
ثغره وكلامه
|
|
وما الليل إلّا
صدغه وغدائره
|
وهذه الأبيات من
قصيدة في محمد بن القاسم بن حمّود ، ملك الجزيرة الخضراء ، أعادها الله تعالى!
وقال الرصافي أبو
عبد الله الشاعر المشهور ، وهو ابن روميّ الأندلس ، في حريري : [الخفيف]
وبنفسي من لا
أسمّيه إلّا
|
|
بعض إلمامة وبعض
إشاره
|
هو والظبي في
المجال سواء
|
|
ما استعار
الغزال منه استعاره
|
أغيد يمسك
الحرير بفيه
|
|
مثل ما يمسك
الغزال العراره
|
وهو القائل يمدح
أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي : [البسيط]
لو جئت نار الهدى
من جانب الطّور
|
|
قبست ما شئت من
علم ومن نور
|
ولأبي جعفر أحمد
بن الجزار : [الطويل]
وما زلت أجني
منك والدهر ممحل
|
|
ولا ثمر يجنى
ولا زرع يحصد
|
ثمار أياد
دانيات قطوفها
|
|
لأوراقها ظلّ
عليّ ممدّد
|
يرى جاريا ماء
المكارم تحتها
|
|
وأطيار شكري
فوقهنّ تغرّد
|
ولمّا نفي أبو
جعفر ابن البني من ميورقة ، وأقلع في البحر ثلاثة أميال ، ونشأت ريح ردّته
، لم يتجاسر أحد من إخوانه على إتيانه ، فكتب إليهم : [الوافر]
__________________
أحبّتنا الألى
عنتوا علينا
|
|
وأقصونا وقد أزف
الوداع
|
لقد كنتم لنا
جذلا وأنسا
|
|
فما بالعيش بعدكم
انتفاع
|
أقول وقد صدرنا
بعد يوم
|
|
أشوق بالسفينة
أم نزاع
|
إذا طارت بنا
حامت عليكم
|
|
كأنّ قلوبنا
فيها شراع
|
وله : [الطويل]
غصبت الثّريّا
في البعاد مكانها
|
|
وأودعت في عينيّ
صادق نوئها
|
وفي كلّ حال لم
تزالي بخيلة
|
|
فكيف أعرت الشمس
حلّة ضوئها
|
وله في غلام يرمي
الطيور : [البسيط]
قالوا تصيب طيور
الجوّ أسهمه
|
|
إذا رماها فقلنا
عندها الخبر
|
تعلّمت قوسها من
قوس حاجبه
|
|
وأيّد السهم من
أجفانه الحور
|
يلوح في بردة
كالنّقس حالكة
|
|
كما أضاء بجنح
الليلة القمر
|
وربما راق في
خضراء مونقة
|
|
كما تفتّح في
أوراقه الزّهر
|
وقال الأديب
الكاتب القاضي أبو المطرف ابن عميرة المخزومي ، لمّا قصّ شعر ملك شرق الأندلس زيان
بن مردنيش مزين ، في يوم رفع فيه أبو المطرف شعرا ، فخرجت صلة المزين ، ولم تخرج
صلة أبي المطرف : [الوافر]
أرى من جاء
بالموسى مواسى
|
|
وراحة من أذاع
المدح صفرا
|
فأنجح سعي ذا إذ
قصّ شعرا
|
|
وأخفق سعي ذا إذ
قصّ شعرا
|
واسم أبي المطرف
أحمد ، وهو من جزيرة شقر ، من كورة بلنسية.
وكان الكاتب
الحسيب أبو جعفر أحمد بن طلحة يعشق علجا من علوج ابن هود ويماشيه في غزواته ، وفيه
يقول : [مخلع البسيط]
__________________
ما أحضر الغزو
من صلاح
|
|
كلّا ولا رغبة
الجهاد
|
لكن لكيما يكون
داع
|
|
لقربنا خيرة
الجياد
|
وقد تقدمت حكايته
فلتراجع.
وكان صنوبري
الأندلس أبو إسحاق بن خفاجة ، وهو من رجال الذخيرة والقلائد والمسهب والمطرب
والمغرب ، وشهرته تغني عن الإطناب فيه ، مغرى بوصف الأنهار والأزهار وما يتعلّق
بها ، وأهل الأندلس يسمّونه الجنّان ، ومن أكثر من شيء عرف به ، وتوفي سنة ثلاث
أو خمس وثلاثين وخمسمائة ، وولد سنة خمسين وأربعمائة ، ومن نظمه قوله : [الخفيف]
ربما استضحك
الحباب حبيب
|
|
نفضت لونها عليه
المدام
|
كلّما مرّ قاصرا
من خطاه
|
|
يتهادى كما
تهادى الغمام
|
سلّم الغصن
والكثيب علينا
|
|
فعلى الغصن
والكثيب السلام
|
وبات مع بعض
الرؤساء فكاد ينطفئ السراج ثم تراجع نوره ، فقال : [الكامل]
وأغرّ ضاحك وجهه
مصباحه
|
|
فأنار ذا قمرا
وذلك فرقدا
|
ما إن خبا تلقاء
نور جبينه
|
|
حتى ذكا بذكائه
فتوقّدا
|
وله : [الطويل]
كتبت وقلبي في
يديك أسير
|
|
يقيم كما شاء
الهوى ويسير
|
وفي كلّ حين من
هواك وأدمعي
|
|
بكلّ مكان روضة
وغدير
|
وله : [البسيط]
كتابنا ولدينا
البدر ندمان
|
|
وعندنا أكؤس
للراح شهبان
|
والقضب مائسة
والطير ساجعة
|
|
والأرض كاسية
والجوّ عريان
|
ولمّا سئل أبو بكر
محمد بن أحمد الأنصاري المعروف بالأبيض عن لغة فعجز عنها بمحضر من خجل منه أقسم أن
يقيّد رجليه بقيد حديد ، ولا ينزعه حتى يحفظ «الغريب
__________________
المصنّف» ، فاتّفق
أن دخلت عليه أمّه في تلك الحال ، فارتاعت ، فقال : [الكامل]
ريعت عجوزي أن
رأتني لابسا
|
|
حلق الحديد ومثل
ذاك يروع
|
قالت جننت؟ فقلت
: بل هي همّة
|
|
هي عنصر العلياء
والينبوع
|
سنّ الفرزدق
سنّة فتبعتها
|
|
إني لما سنّ
الكرام تبوع
|
وكان شاعرا وشّاحا
وطاح دمه على يد الزبير أمير قرطبة لمّا هجاه بمثل قوله : [الكامل]
عكف الزبير على
الضلالة جاهدا
|
|
ووزيره المشهور
كلب النار
|
ما زال يأخذ
سجدة في سجدة
|
|
بين الكؤوس
ونغمة الأوتار
|
فإذا اعتراه
السّهو سبّح خلفه
|
|
صوت القيان
ورنّة المزمار
|
ولمّا بلغ الزبير
عنه ذلك وغيره أمر بإحضاره ، فقرعه ، وقال : ما دعاك إلى هذا؟ فقال : إني لم أر
أحقّ بالهجو منك ، ولو علمت ما أنت عليه من المخازي لهجوت نفسك إنصافا ، ولم تكلها
إلى أحد ، فلما سمع الزبير ذلك قامت قيامته ، وأمر بقتله.
وأنشد له ابن غالب
في «فرحة الأنفس» قوله في حلقة حائط : [البسيط]
وحلقة كشعاع
الشمس صافية
|
|
لو قابلت كوكبا
في الجوّ لالتهبا
|
تأنّق القين في
إحكام صنعتها
|
|
حتى أفاض على
أطرافها الذهبا
|
كأنها بيضة قد
قدّ قونسها
|
|
وكلّ جنب لها
بالطعن قد ثقبا
|
وقال فيمن يحدّث
نفسه بالخلافة : [الوافر]
أمير المؤمنين ،
نداء شيخ
|
|
أفادك من أماليه
اللطيفه
|
تحفّظ أن يكون
الجذع يوما
|
|
سريرا من أسرّتك
المنيفه
|
وأذكر منك
مصلوبا فأبكي
|
|
وتضحكني أمانيك
السخيفه
|
وهاجى ابن سارة ،
فقال فيه ابن سارة : [الكامل]
ومن العجائب أن
يكون الأبيض
|
|
بحماره بين
السوابق يركض
|
__________________
وقال إمام النحاة
بالأندلس أبو علي عمر الشلوبين فيمن اسمه قاسم : [الطويل]
وممّا شجا قلبي
وفيّض مدمعي
|
|
هوى قدّ قلبي إذ
كلفت بقاسم
|
وكنت أظنّ الميم
أصلا فلم تكن
|
|
وكانت كميم
ألحقت بالزراقم
|
والزراقم :
الحيّات ، مشتقّة من الزرقة ، والميم زائدة ، يريد أن ميم قاسم كميمها ، فهو قاس ،
وهو منسوب إلى حصن سلوبينية على ساحل غرناطة ، وله من الشهرة والتآليف ما يغني عن
الإطناب في وصفه ، وله «التوطئة» و «شرح الجزولية» وغيرهما ، وكان مغفلا ، ومع ذلك
فهو آية الله تعالى في العربية ، وكان في لسانه لكنة ، ولمّا أراد مأمون بني عبد
المؤمن التوجّه إلى مرسية ، وقد ثار بها ابن هود ، وأنشده الشعراء ، وتكلّم في
مجلسه الخطباء ، قام الشلوبين وقال دعاء منه : ثلّمك الله ونثرك ، يريد سلّمك الله
ونصرك ؛ لأنه بلكنته يبدل السين والصاد ثاء ، فكان كما قال : عاد المأمون وقد ثلم
عسكره ونثر.
ولمّا مرض الفقيه
الزاهد أبو إسحاق إبراهيم الإلبيري دخل عليه الوزير أبو خالد هاشم بن رجاء ، فرأى
ضيق مسكنه ، فقال : لو اتخذت غير هذا المسكن لكان أولى بك ، فقال وهو آخر شعر قاله
: [مخلع البسيط]
قالوا ألا
تستجيد بيتا
|
|
تعجب من حسنه
البيوت
|
فقلت ما ذلكم
صوابا
|
|
عشّ كثير لمن
يموت
|
لو لا شتاء ولفح
قيظ
|
|
وخوف لصّ وحفظ
قوت
|
ونسوة يبتغين
سترا
|
|
بنيت بنيان
عنكبوت
|
وقال أبو بكر بن
عبادة القزاز الموشّح في ابن بسّام صاحب «الذخيرة» : [الخفيف]
يا منيفا على
السّماكين سام
|
|
حزت خصل السباق
عن بسّام
|
إن تحك مدحة
فأنت زهير
|
|
أو تشبّب فعروة
بن حزام
|
أو تباكر صيد
المها فابن حجر
|
|
أو تبكي الديار
فابن جذام
|
__________________
أو تذمّ الزمان
وهو حقيق
|
|
فأبو الطيب
البعيد المرامي
|
ولمّا انتثر سلك
نظام ملك لمتونة تفرّق ملك الأندلس رؤساء البلاد ، وكان من جملتهم الأمير أبو
الحسن بن نزار لما له من الأصالة في وادي آش ، فحسده أهل بلده ، وقصدوا تأخيره عن
تلك المرتبة ، فخطبوا في بلدهم لملك شرق الأندلس محمد بن مردنيش ، ووجّه لهم
عمّاله وأوصالهم أن يخرج هذا الأسد من غيله ، ويفرّق بينه وبين تأميله ، ورفعوا له
أشعارا كان يستريح بها على كاسه ، ويبثّها بمحضر من يركن إليه من جلّاسه ، ومنها
قوله ، وقد استشعر من نفسه أنها أهل للتقديم ، مستحقّة لطلب سلفه القديم : [البسيط]
الآن أعرف قدر
النّفع والضّرر
|
|
فكيف أصدر ما
للملك من صدر
|
وكيف أطلع في
أفق العلا قمرا
|
|
ويستهلّ بكفّي
واكف الدرر
|
وكيف أملأ صدر
الدهر من رعب
|
|
وأستقلّ بحمل
الحادث النّكر
|
وأستعدّ لما
ترمي الخطوب به
|
|
وأستطيل على
الأيام بالفكر
|
لكنني ربما
بادرت منتهزا
|
|
لفرصة مرقت
كاللمح بالبصر
|
في أمّ رأسي ما
يعيا الزمان به
|
|
شرحا فسل بعدها
الأيام عن خبري
|
فعندما وقف ابن
مردنيش على هذا القول وجّه إلى وادي آش من حمله إليه ، وقيّده ، وقدم به إلى مرسية
أسيرا ، بعدما كان مرتقبا أن يقدم أميرا ، فلمّا وقعت عين ابن مردنيش عليه قال له
: أمكن الله منك يا فاجر ، فقال : أنت ـ أعزّك الله! ـ أولى بقول الخير من قول
الشّرّ ، ومن أمكنه الله من القدرة على الفعل فما يليق به أن يستقدر بالقول ،
فاستحيا منه ، وأمر به للسجن ، فمكث فيه مدّة ، وصدرت عنه أشعار في تشوّقه إلى
بلاده ، منها قوله : [المتقارب]
لقد بلغ الشوق
فوق الذي
|
|
حسبت فهل
للتلاقي سبيل
|
فلو أنني متّ من
شوقكم
|
|
غراما لما كان
إلّا قليل
|
تعلّلني
بالتداني المنى
|
|
وينشدني الدهر :
صبر جميل
|
فقل لبثينة إن
أصبحت
|
|
بعيدا فلم يسل
عنها جميل
|
أغضّ جفوني عن
غيرها
|
|
وسمعي عن اللوم
فيها يميل
|
__________________
ولم يزل على حاله
من السجن إلى أن تحيّل في جارية محسنة للغناء حسنة الصوت وصنع موشحته التي أولها :
نازعك البدر
اللياح
|
|
بنت الدنان
|
فلم يدع لك
اقتراح
|
|
على الزمان
|
وفيها يقول :
يا هل أقول
للحسود
|
|
والعيس تحدى
|
يا لائمي على
السراح
|
|
كانت أماني
|
أخرجها ذاك
السماح
|
|
إلى العيان
|
وجعل يلقيها على الجارية حتى حفظتها ، وأحكمت الغناء بها ، وأهداها إلى
ابن مردنيش بعد ما أوصاها أنها متى استدعاها إلى الغناء وظفرت به في أطرب ساعة وأسرّها غنّته
بهذه الموشحة ، وتلطّفت في شأن رغبتها في سراح قائلها ، فلعلّ الله تعالى يجعل في
ذلك سببا ، واتّفق أن ظفرت بما أوصاها به ، وأحسنت غناء الموشحة ، فطرب ابن مردنيش
لسماع مدحه ، وأعجبه مقاصد قائلها ، فسألها : لمن هي؟ فقالت : لمولاي عبدك ابن
نزار ، فقال : أعيدي عليّ قوله «يا لائمي على السراح» فأعادته ، فداخلته عليه
الرأفة والأريحية بما أصابه ، فأمر في الحين بحلّ قيده ، واستدعى به إلى
موضعه في ذلك الوقت ، فلمّا دخل خلع عليه وأدناه وقال له : يا أبا الحسن ، قد
أمرنا لك بالسّراح على رغم الحسود ، فارجع إلى بلدك مباحا لك أن تطلب الملك بها
وبغيرها إن قدرت ، فأنت أهل لأن تملك جميع الأندلس ، لا وادي آش ، فقال له : والله
يا سيدي بل ألتزم طاعتك والإقرار بأنك بعثتني من قبر رماني فيه الحسّاد والوشاة ،
ثم شربا حتى تمكّنت بينهما المطايبة ، فقال له : يا ابن نزار ، الآن أريد أن
أسألك عن شيء ، قال : وما هو يا سيدي؟ قال : عمّا في أمّ رأسك حين قلت : [البسيط]
في أمّ رأسي ما
يعيا الزمان به
|
|
شرحا فسل بعدها
الأيام عن خبري
|
فقال له : يا سيدي
، لا تسمع إلى غرور نفس ألقته على لسان نشوان لعبت بأفكاره
__________________
الأماني وغطّت على
عقله الآمال ، والله لقد بقيت في داري أروم الاجتماع بجارية مهينة قدر سنة فما
قدرت على ذلك ، ومنعتني منها زوجتي ، فكيف أطلب ما دونه قطع الرءوس ونهب النفوس؟
فضحك ابن مردنيش ، وجدّد له الإحسان ، وجهّزه إلى بلده ، وأمر عمّاله أن يشاركوه
في التدبير ، ويستأذنوه في الصغير والكبير ، فتأثّل به مجده ، وعظم سعده.
ومن شعره قوله : [السريع]
انظر إلى الروض سحيرا
وقد
|
|
بثّ به الطّلّ
علينا العيون
|
يرقب منّا يقظة
للمنى
|
|
فقل لها أهلا
بداعي المجون
|
وحثّها شمسا إلى
أن ترى
|
|
شمس الضحى تطرق
تلك الجفون
|
وقوله : [الطويل]
تنبّه لمعشوق
وكأس وقينة
|
|
وروض ونهر ليس
يبرح خفّاقا
|
فقد نبّهت هذي
الحدائق ورقها
|
|
وفتّح فيها
الصبح بالطّلّ أحداقا
|
ومهما تكن في
ضيقة فأدر لها
|
|
كؤوس الطّلا
فالسّكر يوسع ما ضاقا
|
وقوله : [الكامل]
عطف القضيب مع
النسيم تميّلا
|
|
والنهر موشيّ
الخمائل والحلى
|
تركته أعطاف
الغصون مظلّلا
|
|
ولنا عن النهج
القويم مضلّلا
|
أمسى يغازلنا
بمقلة أشهل
|
|
والطرف أسحر ما
تراه أشهلا
|
وقال بعضهم :
استدعاني أبو الحسن بن نزار لمجلس أنس بوادي آش ، فلمّا احتفل مجلسنا ، وطابت
لذّتنا قال : والله ما تمام هذه المسرّة إلّا حضور أبي جعفر بن سعيد وهو الآن
بوادي آش ، فوافقناه على ذلك لما نعلم من طيب حالتنا معهما ، وأنهما لا يأتيان
إلّا بما يأتي به اجتماع النسيم والروض ، فخلا في موضع وكتب له : [الكامل]
يا خير من يدعى
لكاس دائر
|
|
ووجوه أقمار
وروض ناضر
|
إنّا حضرنا في
النديّ عصابة
|
|
معشوقة من ناظم
أو ناثر
|
__________________
كلّ مخلّى للذي
يختاره
|
|
في الأمن من ناه
له أو زاجر
|
ما إن لهم شغل
بفنّ واحد
|
|
بل كلّ ما يجري
بوفق الخاطر
|
شدو ورقص
واقتطاف فكاهة
|
|
وتعانق وتغامز
بنواظر
|
وهم كما تدري
بأفقي أنجم
|
|
لكن لنا شوق
لبدر زاهر
|
سيدي ، لا زلت
متقدّما لكل مكرمة! هل يجمل التخلّف عن ناد قام فيه السرور على ساق ، وضحك فيه
الأنس بملء فيه ، وانسدل به ستر الصون ، وفاء عليه ظلّ النعيم ، وسفرت فيه وجوه
الطرب ، وركضت خيل اللهو ، وثار قتام الند ، وهطلت سحاب ماء الورد ، وجليت الكؤوس ، كالعرائس على كراسي العروس ، المثقلة بالعاج والآبنوس ،
وكأنّ قطع النهار ممتزجة بقطع الظلام ، أو بني حام قد خالطت بني سام وعلى رؤوس
الأقداح ، تيجان نظمها امتزاج الماء بالراح ، فطورا تستحيي فيبدو خجلها ، وطورا تمتزج فيظهر وجلها ، والعود ترجمان
المسرّة قد جعلته أمّه في حجرها ، كولد ترضعه بدرّها ، وساقي الشّرب كالغصن الرطيب
، أوراقه أردية الشرب ، وأزهاره الكؤوس ، التي لا تزال تطلع وتغرب كالشموس ، ساق
يفهم بالإشارة ، حلو الشمائل عذب العبارة ، ذو طرف سقيم ، وخدّ كأنه من خفره لطيم
، ولدينا من أصناف الفواكه والأزاهر ، ما يحار فيه الناظر ، وهل تكمل لذة دون
إحضار خدود الورد ، وعيون النرجس ، وأصداغ الآس ، ونهود السفرجل ، وقدود قصب السكر
، ومباسم قلوب الجوز ، وسرر التفاح ، ورضاب ابنة العنب؟ فقد اكتمل بهذه الأوصاف
المختلسة من أوصاف الحبائب الطرب : [الطويل]
فطر بجناح الشوق
عند وصولها
|
|
إليك ولا تجعل
سواك جوابها
|
فلا عين إلّا
وهي ترنو بطرفها
|
|
إليك فيسّر في
المطال حسابها
|
فقد أصبحت تعلو
عليها غشاوة
|
|
لبعدك فاكشف عن
سناها ضبابها
|
قال أبو جعفر :
فجعلت وصولي جواب ما نظم ونثر ، وألفيت الحالة يقصر عن خبرها
__________________
الخبر ، فانغمسنا
في النعيم ، انغماس عرف الزهر في النسيم ، ومرّ لنا يوم غضّ الدهر عنه جفنه ، حتى حسبناه عنوانا
لما وعد الله تعالى به في الجنّة.
وشرب يوما مع أبي
جعفر بن سعيد والكتندي الشاعر في جنة بزاوية غرناطة ، وفيها صهريج ماء قد أحدق به
شجر نارنج وليمون وغير ذلك من الأشجار ، وعليه أنبوب ماء تتحرّك به صورة جارية
راقصة بسيوف وطيفور رخام يصنع في أنبوبة الماء صورة خباء ، فقالوا : نقتسم هذه الأوصاف الثلاثة ، فقال أبو جعفر يصف الراقصة : [الطويل]
وراقصة ليست
تحرّك دون أن
|
|
يحرّكها سيف من
الماء مصلت
|
يدور بها كرها
فتنضى صوارما
|
|
عليه فلا تعيا
ولا هو يبهت
|
إذا هي دارت
سرعة خلت أنها
|
|
إلى كلّ وجه في
الرياض تلفّت
|
وقال ابن نزار في
خباء الماء : [الطويل]
رأيت خباء الماء
ترسل ماءها
|
|
فنازعها هبّ
الرياح رداءها
|
تطاوعه طورا
وتعصيه تارة
|
|
كراقصة حلّت
وضمّت قباءها
|
وقد قابلت خير
الأنام فلم تزل
|
|
لديه من العلياء
تبدي حياءها
|
إذا أرسلت جودا
أمام يمينه
|
|
أبي العدل إلّا
أن يردّ إباءها
|
وقد قيل : إنّ هذه
الأبيات صنعها بمحضر الأمير أبي عبد الله بن مردنيش ملك شرق الأندلس ، وإنه لمّا
ألجأته الضرورة أن يرتجل في مثل ذلك شيئا ، وكانت هذه عنده معدّة ، فزعم أنه
ارتجلها ، قال أبو عمر بن سعيد : وهذا هو الصحيح ، فإنه ما كانت عادته أن يخاطب عمي أبا
جعفر بخير الأنام ؛ فإنّ كلّ واحد منهما كفؤ الآخر.
وقال الكتندي : [الوافر]
وصهريج تخال به
لجينا
|
|
يذاب وقد يذهّبه
الأصيل
|
كأنّ الروض
يعشقه فمنه
|
|
على أرجائه ظلّ
ظليل
|
__________________
وتمنحه أكفّ
الشمس عشقا
|
|
دنانيرا فمنه
لها قبول
|
إذا رفع النسيم
القضب عنها
|
|
فحينئذ يكون لها
سبيل
|
وللنارنج تحت
الماء لمّا
|
|
تبدّى عكسها جمر
بليل
|
وللّيمون فيه
دون سبك
|
|
جلاجل زخرف بصبا
تجول
|
فيا روضا به
صقلت جفوني
|
|
وأرهف متنه
الزهر الكليل
|
تناثر فيك أسلاك
الغوادي
|
|
وقبّل صفح جدولك
القبول
|
ولا برحت تجمّع فيك شملا
|
|
من الأكياس
والكاس الشّمول
|
بدور تستنير بها
نجوم
|
|
مع الإصباح ليس
لها أفول
|
يهيم بهم نسيم
الروض إلفا
|
|
فمن وجد له جسم
عليل
|
وروي أنّ الوزير
أبا الأصبغ عبد العزيز بن الأرقم وزير المعتصم بن صمادح رأى راية خضراء فيها صنيفة
بيضاء في يد علج من علوج المعتصم نشرها على رأسه ، فقال : [الكامل]
نشرت عليك من
النعيم جناحا
|
|
خضراء صيّرت
الصباح وشاحا
|
تحكي بخفق قلب
من عاديته
|
|
مهما يصافح
صفحها الأرواحا
|
ضمنت لك النعمى
برأي ظافر
|
|
فترقّب الفأل
المشير نجاحا
|
وكان هذا الوزير
آية الله تعالى في الوفاء ، وأرسله المعتصم إلى المعتمد بن عبّاد ، فأعجبت المعتمد
محاولته ، ووقع في قلبه ، فأراد إفساده على صاحبه ، وأخذ معه في أن يقيم عنده ،
فقال له : ما رأيت من صاحبي ما أكره فأوثر عند غيره ما أحب ، ولو رأيت ما أكره لما كان من الوفاء تركي له في حين فوّض
إليّ أمره ، ووثق بي ، وحمّلني أعباء دولته ، فاستحسن ذلك ابن عباد ، وقال له :
فاكتم عليّ ، فلما عاد إلى صاحبه سأله عن جميع ما جرى له ، فقال له في أثناء ذلك :
وجرى لي معه ما إن أعلمتك به خفت أن تحسب فيه كالامتنان والاستظهار ، وتظنّ أنّ
خاطري فسد به ، وإن كتمتك لم أوف النصيحة حقّها ، وخفت أن تطّلع عليه من غيري ،
فيحطّني ذلك من عينك ، وتحسب فيه كيدا ، فحمل عليه في أن يعلمه ، فأعلمه
__________________
بعد أن تلطّف هذا
التلطّف ، وهو من رجال الذخيرة والمسهب ، وابنه الوزير أبو عامر من رجال القلائد.
ومن نظم أبي عامر
: [المتقارب]
فتى الخيل
يقتادها ذبّلا
|
|
خفافا تباري
القنا الذّابلا
|
ترى كلّ أجرد
سامي التّليل
|
|
وتحسبه غصنا
مائلا
|
وللوزير الكاتب
أبي محمد بن فرسان واسمه عبد البرّ ، وهو حسنة وادي آش ، يخاطب يحيى الميورقي : [الكامل]
أنعم بتسريح
عليّ فعلّه
|
|
سبب الزيارة
للحطيم ويثرب
|
ولئن تقوّل كاشح
أنّ الهوى
|
|
درست معالمه
وأنكر مذهبي
|
فمقالتي ما إن
مللت وإنما
|
|
عمري أبى حمل
النّجاد بمنكبي
|
وعجزت عن أن
أستثير كمينها
|
|
وأشقّ بالصّمصام
صدر الموكب
|
وهذه الأبيات كتب
بها إليه وقد أسنّ وملّ من الجهد معه ، يرغب في سراحه إلى الحجاز ، رحمه الله
تعالى ، وتقبّل نيّته بمنّه ويمنه!
وقال حاتم بن حاتم
بن سعيد العنسي وكان صاحب سيف وقلم ، وعلم وعلم : [الكامل]
يا دانيا مني
وما أنا زائر
|
|
لا أنت معذور
ولا أنا عاذر
|
ما ذا يضرّك إذ
ظللت بظلمة
|
|
أن لا يطالع منك
بدر زاهر
|
وتوفي المذكور
بغرناطة سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
وقال التطيلي
الأعمى في أسد نحاس يقذف الماء : [مجزوء الكامل]
__________________
أسد ولو أني أنا
|
|
قشه الحساب لقلت
صخره
|
فكأنه أسد السما
|
|
ء يمجّ من فيه
المجرّه
|
قال ابن ظافر :
صرنا في بعض العشايا على البساتين المجاورة للنيل ، فرأينا فيه بئرا عليها دولابان
متحاذيان ، قد دارت أفلاكهما بنجوم القواديس ، ولعبت بقلوب ناظريهما لعب الأماني
بالمفاليس ، وهما يئنّان أنين الأشواق ، ويفيضان ماء أغزر من دموع
العشّاق ، والروض قد جلا للأعين زبرجده ، والأصيل قد راقه حسنه فنثر عليه عسجده ، والزهر قد نظم جواهره في أجياد الغصون ، والسواقي قد
أذابت من سلاسل فضّتها كلّ مصون ، والنبت قد اخضرّ شاربه وعارضه ، وطرف النسيم قد
ركضه في ميادين الزهر راكضه ، ورضاب الغيث قد استقرّ من الطين في لمى ، وحيّات
المجاري حائرة تخاف من زمرّد النبات أن يدركها العمى ، والبحر قد صقل النسيم درعه
، وزعفران العشي قد ألقى في ذيل الجوّ ردعه ، فأوسعنا ذلك المكان حسنا وقلوبنا
استحواذا ، وملأ أبصارنا وأسماعنا مسرّة والتذاذا ، وملنا إلى الدولابين شاكّين
أزمرا حين سجعت قيان الطير بألحانها ، وشدت على عيدانها ، أم ذكرا أيام
نعما وطابا ، وكانا أغصانا رطابا ، فنفيا عنهما لذيد الهجوع ، ورجّعا النوح وأفاضا
الدموع طلبا للرجوع ، وجلسنا نتذاكر ما في تركيب الدواليب ، من الأعاجيب ، ونتناشد
ما وصفت به من الأشعار ، الغالية الأسعار ، فأفضى بنا الحديث الذي هو شجون ، إلى
ذكر قول الأعمى التّطيلي في أسد نحاس يقذف الماء :
أسد ولو أني ـ إلخ
فقال لي القاضي
أبو الحسن علي بن المؤيد رحمه الله تعالى : يتولّد من هذا في الدولاب معنى يأخذ
بمجامع المسامع ، ويطرب الرائي والسامع ، فتأمّلت ما قاله بعين بصيرتي البصيرة ، واستمددت
مادة غريزتي الغزيرة ، فظهر لي معنّى ملأني أطرابا ، وأوسعني إعجابا ،
__________________
وأطرق كلّ منّا ما
جاش به مدّ بحره ، وأنبأه به شيطان فكره ، فلم يكن إلّا كنقرة العصفور ، الخائف من
الناطور ، حتى كمل ما أردنا من غير أن يقف واحد منّا على ما صنعه
الآخر ، فكان الذي قال : [الخفيف]
حبّذا ساعة
العشيّة والدو
|
|
لاب يهدي إلى
النفوس المسرّه
|
أدهم لا يزال
يعدو ولكن
|
|
ليس يعدو مكانه
قدر ذرّه
|
ذو عيون من
القواديس تبكي
|
|
كل عين من فائض
الدمع ثرّه
|
فلك دائر يرينا
نجوما
|
|
كل نجم يبدي
لدينا المجرّه
|
وكان الذي قلت : [الوافر]
ودولاب يئنّ
أنين ثكلى
|
|
ولا فقدا شكاه
ولا مضرّه
|
ترى الأزهار في
ضحك إذا ما
|
|
بكى بدموع عين
منه ثرّه
|
حكى فلكا تدور
به نجوم
|
|
تؤثّر في
سرائرنا المسرّه
|
يظلّ النجم يشرق
بعد نجم
|
|
ويغرب بعدما
تجري المجرّه
|
فعجبنا من اتفاقنا
، وقضى العجب منه سائر رفاقنا ، انتهى.
رجع : وكان لأبي
محمد عبد الله بن شعبة الوادي آشي ابن شاعر ، فعرض عليه شعرا ، نظمه ، فأعجبه ، فقال : [السريع]
شعرك كالبستان
في شكله
|
|
يجمع بين الآس
والورد
|
فاصنع به إن كنت
لي طائعا
|
|
ما يصنع الفارس
بالبند
|
ولشاعر الأندلس
أبي عبد الله بن الحداد الوادي آشي ، وهو من رجال الذخيرة : [الوافر]
__________________
لزمت قناعتي
وقعدت عنهم
|
|
فلست أرى الوزير
ولا الأميرا
|
وكنت سمير
أشعاري سفاها
|
|
فعدت بها
لفلسفتي سميرا
|
وله في العروض
تأليف مزج فيه بين الأنحاء الموسيقية ، والآراء الخليلية ، وردّ فيه على السرقسطي
المنبوز بالحمار.
وله في المعتصم بن
صمادح : [الطويل]
لعلّك بالوادي
المقدّس شاطىء
|
|
فكالعنبر
الهنديّ ما أنا واطئ
|
وإنّي في ريّاك
واجد ريحهم
|
|
فجمر الأسى بين
الجوانح ناشئ
|
ولي في السّرى
من نارهم ومنارهم
|
|
هداة حداة
والنجوم طوافىء
|
لذلك ما حنّت
ركابي وحمحمت
|
|
عرابي وأوحى
سيرها المتباطىء
|
فهل هاجها ما
هاجني؟ ولعلّها
|
|
إلى الوخد من
نيران قلبي لواجىء
|
رويدا فذا وادي
لبينى وإنه
|
|
لورد لباناتي
وإني لظامىء
|
موارد تهيامي
ومسرح ناظري
|
|
فللشّوق غايات
بها ومبادئ
|
واعترض عليه بعضهم
بأنه همز في هذه القصيدة ما لا يهمز ، فقال : [الطويل]
عجبت لغمّازين
علمي بجهلهم
|
|
وإنّ قناتي لا
تلين على الغمز
|
تجلّت لهم آيات
فهمي ومنطقي
|
|
مبيّنة الإعجاز
ملزمة العجز
|
ولاحت لهم
همزيّة أو حديّة
|
|
وويل بها ويل
لذي الهمز واللّمز
|
رموها بنقص
بيّنت فيه نقصهم
|
|
ومن لمس الأفعى
شكا ألم النّكز
|
فإن أنكرت
أفهامهم بعض همزها
|
|
فقد عرفت
أكبادهم صحّة الهمز
|
__________________
وله وهو مما
يتغنّى به بالأندلس : [الكامل]
فذر العقيق
مجانبا لعقوقه
|
|
ودع العذيب عذيب
ذات الخال
|
أفق محلّى
بالقواضب والقنا
|
|
للأغيد المعطار
لا المعطال
|
حجبوك إلّا من
توهّم خاطري
|
|
وحموك إلّا من
تصوّر بالي
|
والقارظان جميل
صبري والكرى
|
|
فمتى أرجّي منك
طيف خيال
|
ومن بدائعه قوله : [الكامل]
سامح أخاك إذا
أتاك بزلّة
|
|
فخلوص شيء قلّما
يتمكّن
|
في كلّ شيء آفة
موجودة
|
|
إنّ السّراج على
سناه يدخّن
|
وأنشد أحد الأدباء
هذين البيتين متمثّلا ، فأعجبا المعتصم ، وسأل عن قائلهما ، فأخبر ، فتبسّم وقال :
أتعرف إلى من أشار بهذا المعنى؟ قال : ما أعرف إلّا أنه مليح ، فقال المعتصم : كنت
في الصّبا وهو معي ، ألقّب بسراج الدولة ، فقاتله الله ما أشعره ، فسلوه ، فلمّا
باحثوه في ذلك أقرّ بحسن حدس المعتصم. واكتنفته سعايات ، وكان ممّن يغلب لسانه على
عقله ، ففرّ من المريّة ، وحبس أخوه بها ، فقال : [الكامل]
الدهر لا ينفكّ
من حدثانه
|
|
والمرء منقاد
لحكم زمانه
|
وعلمت أنّ
السّعد ليس بمنجح
|
|
ما لا يكون
السّعد من أعوانه
|
والجدّ دون
الجدّ ليس بنافع
|
|
والرّمح لا يمضي
بغير سنانه
|
وبلغت الأبيات
المعتصم فقال : شعره أعقل منه ، صدق فإنه لا يتهيّأ له صلاح عيش إلّا بأخيه ، وهو
منه بمنزلة السّنان من الرمح ، ثم أمر بإطلاقه ولحاقه به.
ولمّا قال في
المعتصم : [الكامل]
يا طالب المعروف
دونك فاتركن
|
|
دار المريّة
وارفض ابن صمادح
|
رجل إذا أعطاك
حبّة خردل
|
|
ألقاك في قيد
الأسير الطائح
|
لو قد مضى لك
عمر نوح عنده
|
|
لا فرق بينك
والبعيد النازح
|
__________________
اغتاظ عليه ،
وأبعده ، ففرّ من بلده .
ومن المنسوب إليه
في النساء : [البسيط]
خن عهدها مثل ما
خانتك منتصفا
|
|
وامنح هواها
بنسيان وسلوان
|
فالغيد كالروض
في خلق وفي خلق
|
|
إن مرّ جان أتى
من بعده جان
|
وله : [الخفيف]
حيثما كنت ظاعنا
أو مقيما
|
|
دم رفيعا وعش
منيعا سليما
|
وقال ابن دحية في «المطرب»
: إنّ من المجيدين في الجدّ والهزل ، ورقيق النظم والجزل ، صاحبنا الوزير أبا
بلال ، وقال لي : إنه كان وبرد شبابه قشيب ، وغصن اعتداله رطيب ، بقميص النّسك متقمّص ، وبعلم الحديث
متخصّص ، فاجتاز يوما وبيده مجلّد من صحيح مسلم بقصر بعض الملوك الأكابر ، ومن بعض
مناظره ناظر ، ومجلسه بخواصّ ندمائه حال ، وصوت المثاني والمثالث عال ، فقال :
أطلعوا لنا هذا الفقيه ، فلعلّنا نضحك منه. فلما مثل بين يديه وحيّا ، أمر الساقي
بمناولته كأس الحميّا ، فتقبّض متأففا ، وأبدى تمعرا وتقشفا ، والسلطان يستغرب ضحكا بما هجم عليه ، ويد الساقي
ممدودة إليه ، واتّفق أن انشقّت من ذاتها الزجاجة ، فظهر من السلطان التطيّر من
ذلك ، فأنشد الفقيه مرتجلا : [المنسرح]
ومجلس بالسرور
مشتمل
|
|
لم يخل فيه
الزجاج من أدب
|
سرى بأعطافه
يرنّحه
|
|
فشقّ أثوابه من
الطرب
|
فسرّ السلطان
وسرّي عنه ، واستحسن من الفقيه ما بدا منه ، وأمر له بجائزة سنيّة ، وخلعة رائقة
بهيّة .
وما أحسن قول ابن
البراق : [مخلع البسيط]
__________________
يا سرحة الحيّ
يا مطول
|
|
شرح الذي بيننا
يطول
|
ولي ديون عليك
حلّت
|
|
لو أنه ينفع
الحلول
|
وقوله : [الكامل]
انظر إلى الوادي
إذا ما غرّدت
|
|
أطياره شقّ
النسيم ثيابه
|
أتراه أطربه
الهديل وزاده
|
|
طربا وحقّك أن
حللت جنابه
|
وله في غلام على فمه
أثر المداد : [مخلع البسيط]
يا عجبا للمداد
أضحى
|
|
على فم ضمّن
الزّلالا
|
كالقار أضحى على
المحيّا
|
|
والليل قد لامس
الهلالا
|
وكتب أبو محمد عبد
الله في معذرة إلى بعض أصحابه من الأسر في طليطلة : [مجزوء الكامل]
لو كنت حيث
تجيبني
|
|
لأذاب قلبك ما
أقول
|
يكفيك منّي أنني
|
|
لا أستقلّ من
الكبول
|
وإذا أردت رسالة
|
|
لكم فما ألفي
رسول
|
هذا وكم بتنا
وفي
|
|
أيماننا كأس
الشّمول
|
والعود يخفق
والدخا
|
|
ن العنبريّ به
يجول
|
حال الزمان ولم
يزل
|
|
مذ كنت أعهده
يحول
|
ولأبي الحسن علي
بن مهلهل الجلياني في أبي بكر بن سعيد صاحب أعمال غرناطة في دولة الملثّمين :
[الكامل]
لو لا النّهود
لما عراك تنهّد
|
|
وعلى الخدود
القلب منك يخدّد
|
يا نافذا قلبي
بسهم جفونه
|
|
مالي على سهم
رميت به يد
|
وقال أبو زكريا
يحيى بن مطروح في غلام كاتب أطلّ عذاره : [البسيط]
__________________
يا حسنه كاتبا
قد خطّ عارضه
|
|
في خدّه حاكيا
ما خطّ بالقلم
|
لام العذول عليه
حين أبصره
|
|
فقلت دعني فزين
البرد بالعلم
|
وانظر إلى عجب
ممّا تلوم به
|
|
بدر له هالة
قدّت من الظّلم
|
قولوا عن البحر
ما شئتم ولا عجب
|
|
من عنبر الشّحر
أو من درّ مبتسم
|
وله ، وقد عزل عن
مالقة وال غير مرضيّ ، ونزل المطر على إثره ، وكان الناس في جدب : [السريع]
وربّ وال سرّنا
عزله
|
|
فبعضنا هنّأه
البعض
|
قد واصلتنا
السّحب من بعده
|
|
ولذّ في أجفاننا
الغمض
|
لو لم يكن من
نجس شخصه
|
|
ما طهّرت من
بعده الأرض
|
وكان الكاتب أبو
بكر محمد بن نصر الأوسي مختصّا بوزير عبد المؤمن أبي جعفر بن عطية ، فقال فيه : [الطويل]
أبا جعفر نلت
الذي نال جعفر
|
|
ولا زلت بالعليا
تسرّ وتحبر
|
عليك لنا فضل
وبرّ وأنعم
|
|
ونحن علينا كلّ
مدح يحبّر
|
وحدّث من حضر مجلس
الوزير ابن عطية وقد أحسّ من عبد المؤمن التغير الذي أفضى إلى قتله ، وقد افتتح
ابن نصر مطلع هذه القصيدة ، فتغيّر وجه أبي جعفر ؛ لأنّ جعفر بن يحيى كان آخر أمره
الصلب ، فكأنّ هذا عمّم الدعاء ، والعجب أنه قتل مثل جعفر بعد ذلك.
وهذا الشاعر هو
القائل : [الطويل]
وما أنا عن ذاك
الهوى متبدّل
|
|
وذا الغدر
بالإخوان غير كريم
|
بغيرك أجري ذكر
فضلك في الندى
|
|
كما قد جرى
بالروض هبّ نسيم
|
وإن كان عندي
للجديد لذاذة
|
|
فلست بناس حرمة
لقديم
|
ولأبي عبد الله
محمد بن علي اللوشي يخاطب صاحب «المسهب» : [الخفيف]
__________________
بي إليكم شوق
شديد ولكن
|
|
ليس يبقى مع
الجفاء اشتياق
|
إن يغيّركم
الفراق فودّي
|
|
لو خبرتم يزيد
فيه الفراق
|
وله : [مجزوء
الكامل]
لو أنّ لي قلبا
كقل
|
|
بك كنت أهجر
هجركا
|
يكفيك أنك قد
نسي
|
|
ت ولست أنسى
ذكركا
|
ومن العجائب
أنني
|
|
أفنى وأكتم
سرّكا
|
كن كيفما تختاره
|
|
فالحبّ يبسط
عذركا
|
وله : [الكامل]
هل عندكم علم
بما فعلت بنا
|
|
تلك الجفون
الفاتكات بضعفها
|
نصحا لكم أن
تأمنوها أنها
|
|
سحر النّهى ما
تبصرون بطرفها
|
ولابنه أبي محمد
عبد المولى ، وكان ماجنا ، لمّا نعي إليه وهو على الشراب أحد أصحابه مرتجلا : [مجزوء
الرمل]
إنّما دنياك أكل
|
|
وشراب وقحاب
|
ثم من بعد صراخ
|
|
ووداع وتراب
|
وله : [مجزوء
الرمل]
يا نديم اشرب
على أف
|
|
ق صقيل وحديقه
|
واسقني ثم اسقني
|
|
ثمّ اسقني خمرا
وريقه
|
من غزال تطلع
الشم
|
|
س بخدّيه أنيقه
|
لا تفوّت ساعة
من
|
|
كأس خمر وعشيقه
|
واجتنب ما سخرت
جه
|
|
لا له هذي
الخليقه
|
رغبوا في باطل
زو
|
|
ر بزهد في
الحقيقه
|
__________________
ليس إلّا ما
تراه
|
|
أنا أدرى
بالطريقه
|
قال أبو عمران
موسى بن سعيد : قلنا له : ما هذا الاعتقاد الفاسد الذي لا ينبغي لأحد أن يصحبك به؟
فقال : هذا قول لا فعل ، وقد قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ
أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا
يَفْعَلُونَ (٢٢٦)) [سورة الشعراء ،
الآية : ٢٢٥ ـ ٢٢٦].
ثم قال ابن سعيد :
ولو لا أنّ حاكي الكفر ليس بكافر ما ذكرتها ، وهذا منزع من قال من المجوس : [مجزوء
الرمل]
خذ من الدنيا
بحظّ
|
|
قبل أن ترحل
عنها
|
فهي دار لا ترى
من
|
|
بعدها أحسن منها
|
وهذا كفر صراح ،
وقائله قد تقمّص كفرا ، اللهم غفرا!
وطلب منه بعض
الأرذال ، أن يكتب له شفاعة عند أحد العمّال ، فكتب له رسالة فيها هذه الأبيات : [السريع]
كتبته مولاي في
طالع
|
|
ما طار فيه طائر
اليمن
|
وفكرة حائلة
والحشا
|
|
ينهب بالهمّ
وبالحزن
|
كلّفنيه ساقط
أخرق
|
|
مشتهر بالطحن
والقرن
|
أكذب خلق الله
أرداهم
|
|
أخوفهم في الخوف
والأمن
|
يكفر ما يسدى
إليه ولا
|
|
يعذر خلقا سيء
الظنّ
|
فإن صنعت الخير
ألفيته
|
|
شرا وأضحى المجد
ذا غبن
|
وانتقد الناس
عليك الذي
|
|
تسدي له في أيّ
ما فنّ
|
فافعل به ما هو
أهل له
|
|
واسمعه تفسيرا
ولا أكني
|
أهنه واصفعه ولا
تترك ال
|
|
بوّاب يكرمه لدى
الإذن
|
واقطع بفيه
القول واحرمه من
|
|
ردّ جواب أنسه
يدني
|
وكلّما استنبط
رأيا فس
|
|
فّهه ودعه مسخن
الجفن
|
__________________
فهو إذا أكرمته
فاسد
|
|
وصالح بالهون
واللّعن
|
شفاعتي في مثله
هذه
|
|
فلا سقاه هاطل
المزن
|
ودفع إليه الكتاب
مختوما ، فسرّ به ، وحمله إلى العامل ، وسافر إليه أياما ، فلمّا دفعه إليه قرأه
وضحك ، ودفعه إلى من يشاركه في ذلك من أصحابه ، فوعده بخير وأخرجه إلى شغل لم يرضه
، فلمّا عاد منه قال له : أخرجتني لأرذل شغل وأخسّه فما فائدة الشفاعة إذن؟ فقال له : أو تريد أن
أفعل معك ما تقتضيه شفاعة صاحبك؟ قال : لا أقلّ من ذلك ، فأمر من يأتيه بالأبيات ،
فقرئت عليه ، فانصرف في أسوإ حال ، فلما دخل عليه غرناطة ـ وكان عبد المولى تزوّج فيها امرأة اغتبط بها ـ فتزيّا
هذا الرجل بزي أهل البادية ، وزوّر كتابا على لسان زوجة لعبد المولى في بلدة
أخرى ، وقال في الكتاب : وقد بلغني أنك تزوّجت غيري ، وأردت أن أكتب إليك في أن
تطلقني ، فوصلني كتابك تعرفني فيه أن الزوجة الجديدة لم توافق اختيارك ، وأنك ناظر
في طلاقها ، فردّني ذلك عمّا عزمت عليه ، فانظر في تعجيل ما وعدت به من طلاقها ،
فإنك إن لم تفعل لم أبق معك أبدا ، فلمّا مرّ بدار عبد المولى رأى جارية زوجته
فقال لها : أنا رجل بدوي أتيت من عند فلانة زوجة أبي محمد عبد المولى ، فعندما
سمعت ذلك أعلمت ستها ، وأخذت الكتاب ، فوقفت على ما فيه غير شاكّه في صحّته ،
فلمّا دخل عبد المولى وجدها على خلاف ما فارقها عليه ، فسألها عن حالها ، فقالت :
أريد الطلاق ، فقال : ما سبب هذا وأنا أرغب الناس فيك؟ فألقت إليه الكتاب ، فلمّا
وقف عليه حلف لها أن هذا ليس بصحيح ، وأنّ عدوّا له اختلقه عليه ، فلم يفد ذلك
عندها شيئا ، ولم يطب له بعد ذلك معها عيش ، فطلّقها ، وعلم أن ذلك الرجل هو الذي
فعل ذلك ، فقال له : لا جزاك الله خيرا ، ولا أصلح لك حالا! فقال : وأنت كذلك ،
فهذه بتلك ، والبادي أظلم ، فما كان ذنبي عندك حين كتبت في حقّي ما كتبت؟ فقال له
: مثلك لا يقول «ما ذنبي» أنت كلّك ذنوب : [الوافر]
ألست بألأم
الثّقلين طرا
|
|
وأثقلهم وأفحشهم
لسانا؟
|
فمهما تبغ برا
عند شخص
|
|
تزد منه بما
تبغي هوانا
|
فانصرف عنه عالي
اللسان بلعنته.
وكان أحد بني عبد
المؤمن قد ألزمه أن ينسخ له كتابا بموضع منفرد ، فخطر له يوما جلد
__________________
عميرة ، واتّفق أن
مرّ السيد يوما بذلك الموضع ، فنظر إليه في تلك الحال ، فقال له السيد : ما تصنع؟ فقال : الدواة جفّت ، ولم أجد ما أسقيها به إلّا ماء ظهري ، فضحك السيد ، وأمر له بجارية ، فقال : [المجتث]
قل للعميرة طلّق
|
|
ت بعد طول زواج
|
قد كان مائي
ضياعا
|
|
يمرّ في غير حاج
|
حتى حباني بحسنا
|
|
ء قابل للنتاج
|
فكان ناقل خمر
|
|
من حنتم لزجاج
|
كانت تمرّ ضياعا
|
|
فأصبحت كالسراج
|
وقال حاتم بن سعيد
: [الخفيف]
جنّبوني عن
المدامة إلّا
|
|
عند وقت الصباح
أو في الأصيل
|
واشفعوها بكلّ
وجه مليح
|
|
ودعوني من كلّ
قال وقيل
|
وإذا ما أردتم
طيب عيشي
|
|
فاحجبوني عن كلّ
وجه ثقيل
|
وقال مالك بن محمد
بن سعيد : [الوافر]
أتاني زائرا
فبسطت خدّي
|
|
له ويقلّ بسط
الخدّ عندي
|
فقلت له أيا
مولاي ألفا
|
|
فقال وأنت ألفا
عبد عبدي
|
وعانقني وقبّلني
ونادى
|
|
بلطف منه كيف
رأيت وعدي
|
وقال في استهداء
مقص : [الطويل]
ألا قل نعم في
مطلب قد حكاه لا
|
|
يفصّل إذ نبغي
الوصال موصّلا
|
نشقّ به صدر
النهار وقد بدا
|
|
ظلاما بأمثال
النجوم مكلّلا
|
__________________
وقال : [البسيط]
سارت كبدر وليل
الخدر يسترها
|
|
ولو بدا وجهها
جاءتك بالفلق
|
ودونها من صليل
اللامعات حمّى
|
|
فالبرق والرعد
دون الشمس في الأفق
|
واجتمع بغرناطة
محمد بن غالب الرصافي الشاعر المشهور ومحمد بن عبد الرحمن الكتندي الشاعر وغيرهما من الفضلاء والرؤساء ، فأخذوا يوما في أن
يخرجوا لنجد أو لحوز مؤمل ، وهما منتزهان من أشرف وأظرف منتزهات غرناطة ،
ليتفرجوا ويصقلوا الخواطر بالتطلّع في ظاهر البلد ، وكان الرصافي قد أظهر الزهد
وترك الخلاعة ، فقالوا : ما لنا غنى عن أبي جعفر ابن سعيد ، اكتبوا له ، فصنعوا
هذا الشعر وكتبوه له ، وجعلوا تحته أسماءهم : [الطويل]
بعثنا إلى ربّ
السماحة والمجد
|
|
ومن ما له في
ملّة الظرف من ندّ
|
ليسعدنا عند
الصبيحة في غد
|
|
لنسعى إلى الحور
المؤمّل أو نجد
|
نسرّح منّا
أنفسا من شجونها
|
|
ثوت في شجون هنّ
شرّ من اللحد
|
ونظفر من بخل
الزمان بساعة
|
|
ألذّ من العليا
وأشهى من الحمد
|
على جدول ما بين
ألفاف دوحة
|
|
تهزّ الصّبا
فيها لواء من الرّند
|
ومن كان ذا شرب
يخلّى بشأنه
|
|
ومن كان ذا زهد
تركناه للزهد
|
وما ظرفه يأبى
الحديث على الطّلى
|
|
ولا أن يديل
الهزل حينا من الجدّ
|
تهزّ معاني
الشعر أغضان ظرفه
|
|
ويمرح في ثوب
الصبابة والوجد
|
وما نغّص العيش
المهنّأ غير أن
|
|
يمازجه تكليف ما
ليس بالود
|
نظمنا من
الخلّان عقد فرائد
|
|
ولمّا نجد إلّاك
واسطة العقد
|
فماذا تراه لا
عدمناك ساعة
|
|
فنحن بما تبديه
في جنّة الخلد
|
ورشدك مطلوب
وأمرك نحوه ار
|
|
تقاب وكلّ منك
يهدي إلى الرشد
|
__________________
فكان جوابه لهم : [الطويل]
هو القول منظوما
أو الدرّ في العقد
|
|
هو الزّهر نفّاح
الصبا أم شذا الودّ
|
أتاني وفكري في
عقال من الأسى
|
|
فحلّ بنفث
السّحر ما حلّ من عقد
|
ومن قبل علمي
أين مبعث وجهه
|
|
علمت جناب الورد
من نفس الورد
|
وأيقنت أنّ
الدهر ليس براجع
|
|
لتقديم عصر أو
وقوف على حدّ
|
فكلّ أوان فيه
أعلام فضله
|
|
ترادف موج البحر
ردا إلى ردّ
|
فكم طيّها من
فائت متردّم
|
|
يهزّ بما قد
ضمرت معطف الصّلد
|
فيا من بهم تزهى
المعالي ومن لهم
|
|
قياد المعالي ما
سوى قصدكم قصدي
|
فسمعا وطوعا
للذي قد أشرتم
|
|
به لا أرى عنه
مدى الدهر من بدّ
|
فقوموا على اسم
الله نحو حديقة
|
|
مقلّدة الأجياد
موشيّة البرد
|
بها قبّة تدعى
الكمامة فاطلعوا
|
|
بها زهرا أذكى
نسيما من النّدّ
|
وعندي ما يحتاج
كلّ مؤمّل
|
|
من الراح
والمعشوق والكتب والنرد
|
فكلّ إلى ما
شاءه لست ثانيا
|
|
عنانا له إنّ
المساعد ذو الودّ
|
ولست خليّا من
تأنّس قينة
|
|
إذا ما شدت ضلّ
الخليّ عن الرشد
|
لها ولد في
حجرها لا تزيله
|
|
أوان غناء ثم
ترميه بالبعد
|
فيا ليتني قد
كنت منها مكانه
|
|
تقلّبني ما بين
خضر إلى نهد
|
ضمنت لمن قد قال
إني زاهد
|
|
إذا حلّ عندي أن
يحول عن الزهد
|
فإن كان يرجو
جنّة الخلد آجلا
|
|
فعندي له في
عاجل جنّة الخلد
|
فركبوا إلى جنّته
، فمرّ لهم أحسن يوم على ما اشتهوا ، وما زالوا بالرصافي إلى أن شرب لمّا غلب عليه
الطرب ، فقال الكتندي : [الطويل]
__________________
غلبناك عمّا
رمته يا ابن غالب
|
|
براح وريحان
وشدو وكاعب
|
فقال أبو جعفر : [الطويل]
بدا زهده مثل
الخضاب فلم يزل
|
|
به ناصلا حتى
بدا زور كاذب
|
فلمّا غربت الشمس
قالوا : ما رأينا أقصر من هذا اليوم ، وما ينبغي أن يترك بغير وصف ، فقال أبو جعفر
: أنا له ، ثم قال بعد فكرة ، وهو من عجائبه التي تقدم بها المتقدّمين وأعجز
المتأخّرين : [مجزوء الكامل]
الله يوم مسرّة
|
|
أضوا وأقصر من
ذباله
|
لمّا نصبنا
للمنى
|
|
فيه بأوتار
حباله
|
طار النهار به
كمر
|
|
تاع فأجفلت
الغزاله
|
فكأننا من بعده
|
|
بعنا الهداية
بالضلاله
|
والنهار : ذكر
الحبارى ، وإليه أشار بقوله «طار النهار» والغزالة : الشمس ، ولا يخفى حسن
التوريتين ، فسلّم له الجميع ، تسليم السامع المطيع.
وعلى ذكر الغزالة
في هذا الموضع فلأبي جعفر أيضا فيها ، وهو من بدائعه ، قوله : [الطويل]
بدا ذنب
السّرحان ينبئ أنه
|
|
تقدّم سبت
والغزالة خلفه
|
ولم تر عيني
مثله من متابع
|
|
لمن لا يزال
الدهر يطلب حتفه
|
وقوله : [الخفيف]
اسقني مثل ما
أنار لعيني
|
|
شفق ألبس الصباح
جماله
|
قبل أن تبصر
الغزالة تستد
|
|
رج منه على
السماء غلاله
|
وتأمّل لعسجد
سال نهرا
|
|
كرعت فيه ، أو
تقضّى ، غزاله
|
__________________
ومن نظم أبي جعفر
قوله : [الكامل]
لو لم يكن شدو
الحمائم فاضلا
|
|
شدو القيان لما
استخفّ الأغصنا
|
طرب ثنى حتى
الجماد ترنّحا
|
|
وأفاض من دمع
السحائب أعينا
|
وقوله : [الكامل]
في الروض منك
مشابه من أجلها
|
|
يهفو له طرفي
وقلبي المغرم
|
الغصن قدّ ،
والأزاهر حلية ،
|
|
والورد خدّ ،
والأقاحي مبسم
|
وقوله : [الطويل]
ألا حبّذا نهر
إذا ما لخظته
|
|
أبى أن يردّ
اللحظ عن حسنه الأنس
|
ترى القمرين
الدهر قد عنيا به
|
|
يفضّضه بدر
وتذهبه شمس
|
وقوله ، وقد مرّ
بقصر من قصور أمير المؤمنين عبد المؤمن وقد رحل عنه : [البسيط]
قصر الخليفة لا
أخليت من كرم
|
|
وإن خلوت من
الأعداد والعدد
|
جزنا عليك فلم
تنقص مهابته
|
|
والغيل يخلو
وتبقى هيبة الأسد
|
وقوله من أبيات : [الكامل]
سرّح لحاظك حيث
شئت فإنه
|
|
في كلّ موقع
لحظة متأمّل
|
وقوله أيضا : [الخفيف]
ولقد قلت للذي
قال حلّوا
|
|
ههنا : سر فإننا
ما سئمنا
|
لا تعيّن لنا
مكانا ولكن
|
|
حيثما مالت
اللواحظ ملنا
|
وقال : [الطويل]
ألا هاتها إنّ
المسرّة قربها
|
|
وما الحزن إلّا
في توالي جفائها
|
مدام بكى
الإبريق عند فراقها
|
|
فأضحك ثغر الكاس
عند لقائها
|
__________________
وقال : [السريع]
عرّج على الحور
وخيّم به
|
|
حيث الأماني
ضافيات الجناح
|
واسبق له قبل
ارتحال الندى
|
|
ولا تزره دون
شاد وراح
|
وكن مقيما منه
حيث الصّبا
|
|
تمتار مسكا من
أريج البطاح
|
والقضب مال
البعض منها على
|
|
بعض كما يثني
القدود ارتياح
|
وشقّ جيب الصبر
قصف إذا
|
|
شقّت جيوب
الطّلّ منها الرياح
|
لم أحص كم
غاديته ثابتا
|
|
واسترقصتني
الراح عند الرواح
|
وقوله : [الطويل]
ألا حبّذا روض
بكرنا له ضحى
|
|
وفي جنبات الروض
للطلّ أدمع
|
وقد جعلت بين
الغصون نسيمة
|
|
تمزّق ثوب
الطّلّ منها وترقع
|
ونحن إذا ما
ظلّت القضب ركّعا
|
|
نظلّ لها من
هزّة السكر نركع
|
وكان ابن الصابوني
في مجلس أحد الفضلاء بإشبيلية ، فقدّم فيما قدّم خيار ، فجعل أحد الأدباء
يقشرها بسكين ، فخطف ابن الصابوني السكين من يده ، فألحّ عليه في استرجاعها ، فقال
له ابن الصابوني : كفّ عنّي وإلّا جرحتك بها ، فقال له صاحب المنزل : اكفف عنه
لئلّا يجرحك ويكون جرحك جبارا ، تعريضا بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «جرح العجماء
جبار» فاغتاظ ابن الصابوني ، وخرج من الاعتدال ، وأخطأ بلسانه ، وما كفّ إلّا بعد
الرغبة والتضرّع.
ومن نظم ابن
الصابوني : [الطويل]
بعثت بمرآة إليك
بديعة
|
|
فأطلع بسامي
أفقها قمر السّعد
|
لننظر فيها حسن
وجهك منصفا
|
|
وتعذرني فيما
أكنّ من الوجد
|
فأرسل بذاك
الخدّ لحظك برهة
|
|
لتجني منه ما
جناه من الورد
|
مثالك فيها منك
أقرب ملمسا
|
|
وأكثر إحسانا
وأبقى على العهد
|
__________________
وقوله في لابس
أحمر : [المنسرح]
أقبل في حلّة
مورّدة
|
|
كالبدر في حلّة
من الشّفق
|
تحسبه كلّما
أراق دمي
|
|
يمسح في ثوبه
ظبا الحدق
|
ورحل إلى القاهرة
والإسكندرية فلم يلتفت إليه ، ولا عوّل عليه ، وكان شديد الانحراف ، فانقلب على
عقبه يعضّ يديه ، على ما جرى عليه ، فمات عند إيابه إلى الإسكندرية كمدا ، ولم
يعرف له بالديار المصرية مقدار.
وحضر يوما بين يدي
المعتضد الباجي ملك إشبيلية وقد نثرت أمامه جملة من دنانير سكّت باسمه ، فأنشد : [السريع]
قد فخر الدينار
والدّرهم
|
|
لمّا علا ذين
لكم ميسم
|
كلاهما يفصح عن
مجدكم
|
|
وكل جزء منه فرد
فم
|
ومرّ فيها إلى أن
قال في وصف الدنانير : [السريع]
كأنها الأنجم
والبعد قد
|
|
حقق عندي أنها
الأرجم
|
فأشار السلطان إلى
وزيره ، فأعطاه منها جملة ، وقال له : بدّل هذا البيت لئلا يبقى ذما.
وكان يلقّب
بالحمار ، ولذا قال فيه ابن عتبة الطبيب : [السريع]
يا عير حمص
عيّرتك الحمير
|
|
بأكلك البرّ
مكان الشعير
|
وهو أبو بكر محمد بن
الفقيه أبي العباس أحمد بن الصابوني شاعر إشبيلية الشهير الذكر ، والذي أظهره
مأمون بني عبد المؤمن ، وله فيه قصائد عدّة ، منها قوله في مطلع : [الكامل]
استول سبّاقا
على غاياتها
|
|
نجح الأمور يبين
في بدآتها
|
وله الموشحات
المشهورة ، رحمه الله تعالى!
__________________
ومن حكايات
الصبيان أن ابن أبي الخصال ، وهو من شقورة ، اجتاز بأبدة وهو صبيّ صغير يطلب الأدب ،
فأضافه بها القاضي ابن مالك ، ثم خرج معه إلى حديقة معروشة ، فقطف لهما منها
عنقودا أسود ، فقال القاضي : [مجزوء الرجز]
انظر إليه في
العصا
فقال ابن أبي
الخصال :
كرأس زنجيّ عصى
فعلم أنه سيكون له
شأن في البيان.
وحدّث أبو عبد
الله بن زرقون أن أبا بكر ابن المنخل وأبا بكر الملاح الشّلبيين كانا
متواخيين متصافيين ، وكان لهما ابنان صغيران قد برعا في الطلب ، وحازا قصب السبق
في حلبة الأدب ، فتهاجى الابنان بأقذع الهجاء ، فركب ابن المنخل في سحر من الأسحار مع ابنه عبد الله ،
فجعل يعتبه على هجاء بني الملاح ويقول له : قد قطعت ما بيني وبين صديقي وصفيي أبي
بكر في إقذاعك في ابنه ، فقال له ابنه : إنه بدأني والبادي أظلم ، وإنما يجب أن
يلحى من بالشرّ تقدم ، فعذره أبوه ، فبينما هما على ذلك إذ أقبلا على واد تنقّ فيه
الضفادع ، فقال أبو جعفر لابنه : أجز : [الهزج]
تنقّ ضفادع الوادي
فقال ابنه :
بصوت غير معتاد
فقال الشيخ :
كأنّ نقيق مقولها
فقال ابنه :
بنو الملاح في النادي
__________________
فلما أحسّت
الضفادع بهما صمتت ، فقال أبو بكر :
وتصمت مثل صمتهم
فقال ابنه :
إذا اجتمعوا على زاد
فقال الشيخ :
فلا غوث لملهوف
فقال الابن :
ولا غيث لمرتاد
ولا خفاء أنّ هذه
الإجازة لو كانت من الكبار لحصلت منها الغرابة ، فكيف ممّن هو في سنّ الصّبا؟
ومن حكايات
النصارى واليهود من أهل الأندلس ـ أعادها الله تعالى إلى الإسلام عن قريب ، إنه
سميع مجيب ـ ما حكي أنّ ابن المرعزي النصراني الإشبيلي أهدى كلبة صيد للمعتمد بن عبّاد وفيها
يقول : [مخلع البسيط]
لم أر ملهى لذي
اقتناص
|
|
ومكسبا مقنع
الحريص
|
كمثل خطلاء ذات
جيد
|
|
أتلع في صفرة
القميص
|
كالقوس في شكلها
ولكن
|
|
تنفذ كالسّهم
للقنيص
|
إن تخذت أنفها
دليلا
|
|
دلّ على الكامن
العويص
|
لو أنها تستثير
برقا
|
|
لم يجد البرق من
محيص
|
ومنها في المديح :
يشفع تنويله
بودّ
|
|
شفع القياسات
بالنصوص
|
__________________
وقال : [الكامل]
الله أكبر أنت
بدر طالع
|
|
والنّقع دجن
والكماة نجوم
|
والجود أفلاك
وأنت مديرها
|
|
وعدوّك الغاوي
وهنّ رجوم
|
وقال : [البسيط]
نزلت في آل
مكحول وضيفهم
|
|
كنازل بين سمع
الأرض والبصر
|
لا تستضيء بضوء
في بيوتهم
|
|
ما لم يكن لك
تطفيل على القمر
|
وسببهما أنه نزل
عندهم فلم يوقدوا له سراجا.
وقال نسيم الإسرائيلي
: [المجتث]
يا ليتني كنت
طيرا
|
|
أطير حتى أراكا
|
بمن تبدّلت غيرا
|
|
ولم نحل عن
هواكا
|
وهو شاعر وشّاح من
أهل إشبيلية ، وذكره الحجاري في المسهب.
وقال إبراهيم بن
سهل الإسرائيلي في أصفر ارتجالا : [السريع]
كان محيّاك له
بهجة
|
|
حتى إذا جاءك
ماحي الجمال
|
أصبحت كالشمعة
لمّا خبا
|
|
منها الضياء
اسودّ فيها الذّبال
|
وهو شاعر إشبيلية
ووشّاحها ، وقرأ على أبي علي الشلوبين وابن الدباج وغيرهما.
وقال العز في حقّه
، وكان أظهر الإسلام ما صورته : كان يتظاهر بالإسلام ، ولا يخلو مع ذلك من قدح
واتّهام ، انتهى.
وسئل بعض المغاربة
عن السبب في رقة نظم ابن سهل ، فقال : لأنه اجتمع فيه ذلّان : ذلّ العشق ، وذل
اليهودية.
ولما غرق قال فيه
بعض الأكابر : عاد الدّرّ إلى وطنه.
ومن نظم ابن سهل
المذكور قوله : [الطويل]
__________________
وألمى بقلبي منه
جمر مؤجّج
|
|
تراه على خدّيه
يندى ويبرد
|
يسائلني : من أي
دين؟ مداعبا
|
|
وشمل اعتقادي في
هواه مبدّد
|
فؤادي حنيفيّ ،
ولكنّ مقلتي
|
|
مجوسيّة من خدّه
النار تعبد
|
ومنه قوله : [الكامل]
هذا أبو بكر
يقود بوجهه
|
|
جيش الفتور
مطرّز الرايات
|
أهدى ربيع عذاره
لقلوبنا
|
|
حرّ المصيف
فشبّها لفحات
|
خدّ جرى ماء
النعيم بجمره
|
|
فاسودّ مجرى
الماء في الجمرات
|
وذكر الحافظ أبو
عبد الله محمد بن عمر بن رشيد الفهري في رحلته الكبيرة القدر والجرم المسماة ب «ملء
العيبة ، فيما جمع بطول الغيبة ، في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة» خلافا
في إسلام ابن سهل باطنا ، وكتب على هامش هذا الكلام الخطيب العلامة سيدي أبو عبد
الله بن مرزوق ما نصّه : صحّح لنا من أدركناه من أشياخنا أنه مات على دين الإسلام
، انتهى.
ورأيت في بعض كتب
الأدب بالمغرب أنه اجتمع جماعة مع ابن سهل في مجلس أنس ، فسألوه لمّا أخذت منه
الراح عن إسلامه : هل هو في الظاهر والباطن أم لا؟ فأجابهم بقوله : للناس ما ظهر ،
ولله ما استتر ، انتهى.
واستدلّ بعضهم على
صحّة إسلامه بقوله : [الطويل]
تسلّيت عن موسى
بحبّ محمد
|
|
هديت ولو لا
الله ما كنت أهتدي
|
وما عن قلى قد
كان ذاك ، وإنما
|
|
شريعة موسى
عطّلت بمحمد
|
وله ديوان كبير
مشهور بالمغرب ، حاز به قصب السّبق في النظم والتوشيح.
وما أحسن قوله من
قصيدة : [الطويل]
تأمّل لظى شوقي
وموسى يشبّها
|
|
(تجد خير نار عندها خير موقد)
|
__________________
وأنشد بعضهم له
قوله : [الطويل]
لقد كنت أرجو أن
تكون مواصلي
|
|
فأسقيتني بالبعد
فاتحة الرعد
|
فبالله برّد ما
بقلبي من الجوى
|
|
بفاتحة الأعراف
من ريقك الشهد
|
وقال الراعي رحمه
الله تعالى : سمعت شيخنا أبا الحسن علي بن سمعة الأندلسي ، رحمه الله تعالى ، يقول
: شيئان لا يصحّان : إسلام إبراهيم بن سهل ، وتوبة الزمخشري من الاعتزال ، ثم قال
الراعي : قلت : وهما من مروياتي ، أما إسلام إبراهيم بن سهل فيغلب علي ظنّي صحّته
لعلمي بروايته ، وأما الثاني ـ وهو توبة الزمخشري ـ فقد ذكر بعضهم أنه رأى رسما
بالبلاد المشرقية محكوما فيه يتضمّن توبة الزمخشري من الاعتزال فقوي جانب الرواية ،
انتهى باختصار.
وقال الراعي أيضا
ما نصّه : وقد نكت الأديب البارع إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الأندلسي على الشيخ
أبي القاسم في تغزّله حيث قال : [الطويل]
موسى ، أيا بعضي
وكلّي حقيقة
|
|
وليس مجازا قولي
الكلّ والبعضا
|
خفضت مكاني إذ
جزمت وسائلي
|
|
فكيف جمعت الجزم
عندي والخفضا
|
وفي هذا دليل على
أن يهود الأندلس كانوا يشتغلون بعلم العربية ، فإنّ إبراهيم قال هذين البيتين قبل
إسلامه ، والله تعالى أعلم.
وقد روينا أنه مات
مسلما غريقا في البحر ، فإن كان حقا فالله تعالى رزقه الإسلام في آخر عمره
والشهادة ، انتهى.
ومن نظم ابن سهل
في التوجيه باصطلاح النحاة قوله :
رقّت عوامله
وأحسب رتبتي
|
|
بنيت على خفض
فلن تتغيّرا
|
ومنه :
تنأى وتدنو
والتفاتك واحد
|
|
كالفعل يعمل
ظاهرا ومقدّرا
|
وقوله : [الطويل]
إذا كان نصر
الله وقفا عليكم
|
|
فإنّ العدا
التنوين يحذفه الوقف
|
__________________
وقوله : [الخفيف]
وقرأنا باب
المضاف عناقا
|
|
وحذفنا الرقيب
كالتنوين
|
وقوله : [الطويل]
بنيت بناء الحرف
خامر طبعه
|
|
فصرت لتأثير
العوامل جازما
|
وقوله : [البسيط]
لك الثناء فإن
يذكر سواك به
|
|
يوما فكالرابع
المعهود في البدل
|
يعني الغلط ،
وقوله : [الطويل]
إذ اليأس ناجى
النفس منك بلن ولا
|
|
أجابت ظنوني
ربما وعساني
|
وقوله : [الطويل]
وقلت عساه إن
أقمت يرقّ لي
|
|
وقد نسخت «لا»
عنده ما اقتضت«عسى»
|
وقوله : [السريع]
ينفي لي الحال
ولكنه
|
|
يدخل لا في كلّ
مستقبل
|
وقوله : [الطويل]
خفضت مقامي إذ
جزمت وسائلي
|
|
فكيف جمعت الجزم
عندي والخفضا
|
وقوله في غلام
شاعر : [السريع]
كيف خلاص القلب
من شاعر
|
|
رقّت معانيه عن
النّقد
|
يصغر نثر الدّرّ
عن نثره
|
|
ونظمه جلّ عن
العقد
|
وشعره الطائل في
حسنه
|
|
طال على النابغة
الجعدي
|
__________________
وحدّث أبو حيّان
عن قاضي القضاة أبي بكر محمد بن أبي النصر الفتح بن علي الأنصاري الإشبيلي بغرناطة أنّ إبراهيم بن
سهل الشاعر الإشبيلي كان يهوديّا ثم أسلم ، ومدح رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ،
بقصيدة طويلة بارعة ؛ قال أبو حيان : وقفت عليها ، وهي من أبدع ما نظم في معناها ،
وكان سنّ ابن سهل حين غرق نحو الأربعين سنة ، وذلك سنة تسع وأربعين وستمائة ، وقيل
: إنه جاوز الأربعين ، وكان يقرأ مع المسلمين ويخالطهم ، وما أحسن قوله: [الطويل]
مضى الوصل إلّا
منية تبعث الأسى
|
|
أداري بها همّي
إذا الليل عسعسا
|
أتاني حديث
الوصل زورا على النوى
|
|
أعد ذلك الزور
اللذيذ المؤنسا
|
ويا أيها الشوق
الذي جاء زائرا
|
|
أصبت الأماني خذ
قلوبا وأنفسا
|
كساني موسى من
سقام جفونه
|
|
رداء وسقّاني من
الحبّ أكؤسا
|
ومن أشهر موشّحاته
قوله :
ليل الهوى يقظان
|
|
والحبّ ترب
السّهر
|
والصبر لي خوّان
|
|
والنوم عن عيني
بري
|
وقد عارضه غير
واحد فما شقّوا له غبارا.
وأما إبراهيم بن
الفخار اليهودي فكان قد تمكّن عند الأذفونش ملك طليطلة النصراني ، وصيّره
سفيرا بينه وبين ملوك المغرب ، وكان عارفا بالمنطق والشعر ؛ قال ابن سعيد : أنشدني
لنفسه أديبا مسلما كان يعرفه قبل أن تعلو رتبته ويسفر بين الملوك ، ولم يزده على
ما كان يعامله به من الإذلال ، فضاق ذرع ابن الفخار وكتب إليه : [الطويل]
أيا جاعلا أمرين
شبهين ما له
|
|
من العقل إحساس
به يتفقّد
|
جعلت الغنى
والفقر والذلّ والعلا
|
|
سواء فما تنفكّ
تشقى وتجهد
|
وهل يستوي في
الأرض نجد وتلعة
|
|
فتطلب تسهيلا
وسيرك مصعد
|
وما كنت ذا ميز
لمن كنت طالبا
|
|
بما كنت في حال
الفراغ تعوّد
|
__________________
وقد حال ما بيني
وبينك شاغل
|
|
فلا تطلبنّي
بالذي كنت تعهد
|
فإن كنت تأبى
غير إقدام جاهل
|
|
فإنك لا تنفكّ
تلحى وتطرد
|
ألا فأت في
أبوابه كلّ مسلك
|
|
ولا تك محلا
حيثما قمت تقعد
|
قال ابن سعيد :
وأنشدني لنفسه : [الطويل]
ولمّا دجا ليل
العذار بخدّه
|
|
تيقّنت أنّ
الليل أخفى وأستر
|
وأصبح عذّالي
يقولون صاحب
|
|
فأخلو به جهرا
ولا أتستّر
|
وقال يمدح
الأذفونش لعنهما الله تعالى : [المديد]
حضرة الأذفنش لا
برحت
|
|
غادة أيامها عرس
|
فاخلع النّعلين
تكرمة
|
|
في ثراها إنها
قدس
|
قال : وأدخلوني
إلى بستان الخليفة المستنصر ، فوجدته في غاية الحسن كأنه الجنّة ، ورأيت على بابه
بوّابا في غاية القبح ، فلمّا سألني الوزير عن حال فرجتي قلت : رأيت الجنّة إلّا
أني سمعت أنّ الجنّة يكون على بابها رضوان ، وهذه على بابها مالك ، فضحك وأخبر
الخليفة بما جرى ، فقال له : قل له إنّا قصدنا ذلك ، فلو كان رضوان عليها بوّابا
لخشينا أن يردّه عنها ، ويقول له : ليس هذا موضعك ، ولمّا كان هناك مالك أدخله
فيها ، وهو لا يدري ما وراءه ، ويخيّل أنها جهنّم ، قال: فلمّا أعلمني الوزير بذلك
قلت له : (اللهُ أَعْلَمُ
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [سورة الأنعام ،
الآية : ١٢٤].
وكان في زمان
إلياس بن المدور اليهودي الطبيب الرّندي طبيب آخر كان يجري بينهما من المحاسدة ما
يجري بين مشتركين في صنعة ، فأصلح الناس بينهما مرارا ، وظهر لإلياس من ذلك الرجل
الطبيب ما ينفّر الناس منه فكتب إليه : [الكامل]
لا تخدعنّ فما
تكون مودّة
|
|
ما بين مشتركين
أمرا واحدا
|
انظر إلى
القمرين حين تشاركا
|
|
بسناهما كان
التلاقي واحدا
|
يعني أنهما معا
لما اشتركا في الضياء وجب التحاسد بينهما والتفرقة : هذا يطلع ليلا وهذه تطلع
نهارا ، واعتراضهما يوجب الكسوف.
__________________
وكتب أيوب بن
سليمان المرواني إلى بسام بن شمعون اليهودي الوشقي في يوم مطير : لمّا كنت
ـ وصل الله تعالى إخاءك وحفظك! ـ مطمح نفسي ، ومنتزع اختياري من أبناء جنسي ، على جوانبك أميل ، وأرتع في رياض خلقك الجميل ، هزّتني خواطر الطرب
والارتياح ، في هذا اليوم المطير ، الداعي بكاؤه إلى ابتسام الأقداح ، واستنطاق
البمّ والزير ، فلم أر معينا على ذلك ، ومبلغا إلى ما هنالك ، إلّا حسن
نظرك ، وتجشّمك من المكارم ما جرت به عادتك ، وهذا يوم حرم الطرف فيه الحركة ،
وجعل في تركها الخير والبركة ، فهل توصل مكرمتك أخاك إلى التخلّي معك في زاوية؟.
متّكئا على دنّ مستندا إلى خابية ، ونحن خلال ذلك نتجاذب أهداب الحديث
التي لم يبق من اللذات إلّا هي ، ونجيل الألحاظ فيما تعوّدت عندك من المحاسن والأسماع في
أصناف الملاهي ، وأنت على ذلك قدير ، وكرمك بتكلّفه جدير : [السريع]
ولا يعين المرء
يوما على
|
|
راحته إلّا كريم
الطباع
|
وها أنا والسمع
مني إلى ال
|
|
باب وذو الشوق
حليف استماع
|
فإن أتى داع
بنيل المنى
|
|
ودّع أشجاني
ونعم الوداع
|
وهذا المرواني من
ذرّيّة عبد العزيز أخي عبد الملك بن مروان ، وهو من أهل المائة السادسة.
وكانت الأندلس
شاعرة من اليهود يقال لها قسمونة بنت إسماعيل اليهودي ، وكان أبوها شاعرا ، واعتنى
بتأديبها ، وربما صنع من الموشحة قسما فأتمتها هي بقسم آخر ، وقال لها أبوها يوما
: أجيزي : [الكامل]
لي صاحب ذو بهجة
قد قابلت
|
|
نعمى بظلم
واستحلّت جرمها
|
__________________
ففكرت غير كثير
وقالت : [الكامل]
كالشمس منها
البدر يقبس نوره
|
|
أبدا ويكسف بعد
ذلك جرمها
|
فقام كالمختبل ،
وضمّها إليه ، وجعل يقبّل رأسها ، ويقول : أنت والعشر كلمات أشعر مني.
ونظرت في المرآة
فرأت جمالها وقد بلغت أوان التزوّج ولم تتزوّج فقالت : [الطويل]
أرى روضة قد حان
منها قطافها
|
|
ولست أرى جان
يمدّ لها يدا
|
فوا أسفا يمضي
الشباب مضيّعا
|
|
ويبقى الذي ما
إن أسمّيه مفردا
|
فسمعها أبوها ،
فنظر في تزويجها.
وقالت في ظبية
عندها : [الكامل]
يا ظبية ترعى
بروض دائما
|
|
إني حكيتك في
التوحّش والحور
|
أمسى كلانا
مفردا عن صاحب
|
|
فلنصطبر أبدا
على حكم القدر
|
واستدعى أبو عبد
الله محمد بن رشيق القلعي ثم الغرناطي بعض أصحابه إلى أنس ، بقوله : [مجزوء الرمل]
سيدي عندي أترج
|
|
ج ونارنج وراح
|
وجنى آس وزهر
|
|
وحمانا لا يباح
|
ليس إلّا مطرب
يس
|
|
لي النّدامى ،
والملاح
|
ومكان لانهتاك
|
|
قد نأى عنه
الفلاح
|
لا يرى يطلع فيه
|
|
دون أكواس صباح
|
فيه فتيان لهم
في
|
|
لذّة العيش جماح
|
طرحوا الدنيا
يسارا
|
|
فاستراحت
واستراحوا
|
لا كقوم أوجعتهم
|
|
لهم فيها نباح
|
وله : [المجتث]
قال العذول :
إلى كم
|
|
تدعو لمن لا
يجيب
|
فقلت : ليس
عجيبا
|
|
أن لا يجيب حبيب
|
هوّن عليك فإني
|
|
من حبّه لا أتوب
|
__________________
قال أبو عمران بن
سعيد : دخلت عليه وهو مسجون بدار الأشراف بإشبيلية ، وقد بقي عليه من مال السلطان
اثنا عشر ألف دينار قد أفسدها في لذّات نفسه ، فلمّا لمحني أقبل يضحك ويشتغل
بالنادر والحكايات الظريفة ، فقلت له : قالوا : إنك أفسدت للسلطان اثني عشر ألف دينار
، وما أحسبك إلّا زدت على هذا العدد لما أراك فيه من المسرّة والاستبشار ، فزاد
ضحكا ، وقال : يا أبا عمران ، أتراني إذا لزمت الهمّ والفكر يرجع عليّ ذلك العدد
الذي أفسدت؟ ثم فكر ساعة وأنشدني : [الخفيف]
ليس عندي من
الهموم حديث
|
|
كلما ساءني
الزمان سررت
|
أتراني أكون للدهر
عونا
|
|
فإذا مسّني بضرّ
ضجرت
|
غمرة ثم تنجلي
فكأني
|
|
عند إقلاع همّها
ما ضررت
|
وقال النحوي
اللغوي أبو عيسى لب بن عبد الوارث القلعي : [الطويل]
بدا ألف التعريف
في طرس خدّه
|
|
فيا هل تراه بعد
ذاك ينكّر
|
وقد كان كافورا
فهل أنا تارك
|
|
له عند ما حيّاه
مسك وعنبر
|
وما خير روض لا
يرفّ نباته
|
|
وهل أفتن
الأثواب إلّا المشهّر
|
وقال : [الوافر]
أبى لي أن أقول
الشعر أني
|
|
أحاول أن يفوق
السحر شعري
|
وأن يصغي إليه
كلّ سمع
|
|
ويعلق ذكره في
كلّ صدر
|
قال الحجاري :
أخبرني أنه أحبّ أحد أولاد الأعيان ممّن كان يقرأ عليه ، فلمّا خلا به شكا إليه ما
يجده ، فقال له : الصبيان يفطنون بنا ، فإذا أردت أن تقول شيئا فاكتبه لي في ورقة
، قال : فلمّا سمعت ذلك منه تمكّن الطمع منّي فيه ، وكتبت له : [الكامل]
__________________
يا من له حسن
يفوق به الورى
|
|
صل هائما قد ظلّ
فيك محيّرا
|
وامنن عليّ
بقبلة أو غيرها
|
|
إن كنت تطمع في
الهوى أن تؤجرا
|
وكتبت بعدها من الكلام ما رأيته ، فلمّا حصلت الورقة عنده كتب إليّ في
غيرها : أنا من بيت عادة أهله أن يكونوا اسم فاعل لا اسم مفعول ، وإنما أردت أن
يحصل عندي خطك شاهدا على ما قابلتني به لئلّا أشكوك إلى أبي فيقول لي : حاش لله أن
يقع الفقيه في هذا ، وإنما أنت خبيث ، رأيته يطالبك بالتزام الحفظ فاختلقت عليك
لأخرجك من عنده ، فأبقى معذّبا معك ومعه ، وإن أنا أوقفته على خطّك صدّقني واسترحت
، ولكن لا أفعل هذا إن كففت عني ، وإن انتهيت فلا أخبر به أحدا ، قال ابن عبد الوارث :
فلمّا وقفت على خطّه علمت قدر ما وقعت فيه ، وجعلت أرغب إليه في أن يردّ الرقعة
إليّ ، فأبى وقال : هي عندي رهن على وفائك بأن لا ترجع تتكلّم في ذلك الشأن ، قال
: فكان والله يبطل القراءة فلا أجسر أكلّمه : لأني رأيت صيانتي وناموسي قد حصل في يده ، وتبت
من ذلك الحين عن هذا وأمثاله.
وقال جابر بن خلف
الفحصي ـ وكان في خدمة عبد الملك بن سعيد ، وقرأ مع أبي جعفر بن سعيد وتهذّب معه ـ
يخاطبه حين عاثت الذئاب في غنمه : [المتقارب]
أيا قائدا قد
سما في العلا
|
|
وساد علينا بذات
وجد
|
غدا الذئب في
غنمي عائثا
|
|
وقد جئت مستعديا
بالأسد
|
وكثر عليه الدين ،
فكتب إليه أيضا : [مجزوء الوافر]
أفي أيامك الغرّ
|
|
أموت كذا من
الضّرّ
|
وأخبط في دجى
همّي
|
|
ووجهك طلعة
الفجر
|
فضحك وأدّى دينه.
ولمّا خلع أهل المرية
طاعة عبد المؤمن ، وقتلوا نائبه ابن مخلوف ، قدّموا عليهم أبا
__________________
يحيى بن الرميمي ، ثم كان عليه من النصارى ما علم ، ففرّ إلى مدينة فاس ،
وبقي بها ضائعا خاملا ، يسكن في غرفة ، ويعيش من النسخ ، فقال : [السريع]
أمسيت بعد الملك
في غرفة
|
|
ضيّقة الساحة
والمدخل
|
تستوحش الأرزاق
من وجهها
|
|
فما تزال الدّهر
في معزل
|
النسخ بالقوت
لديها ولا
|
|
تقرعها كفّ أخ
مفضل
|
وأنشدها لبعض
الأدباء ، فبينما هو ليلة ينسخ بضوء السراج وإذا بالباب يقرع ، ففتحه ، فإذا شخص متنكّر لا يعرفه ، وقد مدّ يده
إليه بصرّة فيها جملة دنانير ، وقال : خذها من كف أخ لا يعرفك ولا تعرفه ، وأنت
المفضل بقبولها ، فأخذها ، وحسن بها حاله.
وقال له بعض : هذا
شعرك أيام خلعك ، فهل قلت أيام أمرك؟ قال : نعم ، لمّا قتل أهل المرية ابن مخلوف
عامل عبد المؤمن وأكرهوني أن أتولّى أمرهم قلت : [الوافر]
أرى فتنا تكشّف
عن لظاها
|
|
رماد بالنّفاق
له انصداع
|
وآل بها النظام
إلى انتثار
|
|
وساد بها
الأسافل والرعاع
|
سأحمل كل ما
جشّمت منها
|
|
بصدر فيه للهول
اتّساع
|
وأصل بني الرميمي
من بني أمية ملوك الأندلس ، ونسبوا إلى رميمة قرية من أعمال قرطبة.
وقال أبو بحر يوسف
بن عبد الصمد : [الكامل]
فوصلت أقطارا
لغير أحبّة
|
|
ومدحت أقواما
بغير صلات
|
أموال أشعاري
نمت فتكاثرت
|
|
فجعلت مدحي
للبخيل زكاتي
|
وهذا من غريب
المعاني.
__________________
وفي بني عبد الصمد
يقول بعض أهل عصرهم ، لمّا رأى من كثرة عددهم ، والتئامهم بالسلطان : [الرمل]
ملأت قلبي هموما
مثل ما
|
|
ملأ الدنيا بنو
عبد الصّمد
|
كاثر الشيخ
أبوهم آدما
|
|
فغدا أكثر نسلا
وولد
|
كلّهم ذئب إذا
آمنته
|
|
والرعايا بينهم
مثل النّقد
|
وكان الوزير
الكاتب أبو جعفر أحمد بن عباس وزير زهير الصقلي ملك ألمرية بذّ الناس في وقته بأربعة أشياء : المال ،
والبخل ، والعجب ، والكتابة ؛ قال أبو حيان : وكان قبل محنته صيّر هجّيراه أوقات لعب الشطرنج أو ما يسنح له هذا البيت : [المتقارب]
عيون الحوادث
عنّي نيام
|
|
وهضمي على الدهر
شيء حرام
|
وذاع هذا البيت في
الناس حتى قلب له مصراعه الأخير بعض الأدباء فقال :
سيوقظها قدر لا ينام
وكان حسن الكتابة
، جميل الخطّ ، مليح الخطاب ، غزير الأدب ، قوي المعرفة ، مشاركا في الفقه ، حاضر
الجواب ، جمّاعا للدفاتر ، حتى بلغت أربعمائة ألف مجلّد ، وأمّا الدفاتر المخرومة
فلم يوقف على عددها لكثرتها ، وبلغ ماله خمسمائة ألف مثقال جعفرية سوى غير ذلك ،
وكان مقتله بيد باديس بن حبّوس ملك غرناطة ، وكفى دليلا على إعجابه قوله : [الخفيف]
لي نفس لا ترتضي
الدّهر عمرا
|
|
وجميع الأنام
طرا عبيدا
|
لو ترقّت فوق
السّماك محلّا
|
|
لم تزل تبتغي
هناك صعودا
|
أنا من تعلمون
شيّدت مجدي
|
|
في مكاني ما بين
قومي وليدا
|
وكان يتهّم بداء
أبي جهل فيما ينقل ، حتى كتب بعض الأدباء على برجه بالمرية : [السريع]
__________________
خلوت بالبرج فما
الذي
|
|
تصنع فيه يا
سخيف الزمان
|
فلما نظر إليه أمر
أن يكتب :
أصنع فيه كلّ ما
أشتهي
|
|
وحاسدي خارجه في
هوان
|
وكان الأعمى
التطيلي شاعرا مشهورا ، وكان الصبيان يقولون له «تحتاج كحلا يا أستاذ» فكان ذلك
سبب انتقاله من مرسية ، وقيل له : يا أبا بكر ، كم تقع في الناس؟ فقال : أنا أعمى
، وهم لا يبرحون حفرا فما عذري في وقوعي فيهم؟ فقال له السائل : والله لا كنت قطّ حفرة لك ، وجعل
يواليه برّه ورفده.
ومن شعره : [المتقارب]
وجوه تعزّ على
معشر
|
|
ولكن تهون على
الشاعر
|
قرونهم مثل ليل
المحبّ
|
|
وليل المحبّ بلا
آخر
|
وله : [مخلع
البسيط]
زنجيّكم بالفسوق
داري
|
|
يدلي من الحرص
كالحمار
|
يخلو بنجل
الوزير سرا
|
|
فيولج الليل في
النهار
|
ومن شعر أبي جعفر
أحمد بن الخيال الإستبي كاتب ابن الأحمر فيمن اسمه «فضل الله»:[الطويل]
من الناس من
يؤتى بنقد ، ومنهم
|
|
بكره ، ومنهم من
يناك إذا انتشى
|
ومنهم فتى يؤتى
على كل حالة
|
|
وذلك فضل الله
يؤتيه من يشا
|
ولعبد الملك بن
سعيد الخازن : [الخفيف]
ما حمدناك إذ
وقفنا ببابك
|
|
للذي كان من
طويل حجابك
|
قد ذممنا الزمان
فيك فقلنا
|
|
أبعد الله كلّ
دهر أتى بك
|
__________________
وقال في «المسهب»
: كنت بمجلس القاضي ابن حمدين ، وقد أنشده شعراء قرطبة وغيرها ، وفي الجملة هلال
شاعر غرناطة ، ومحمد بن الإستجي شاعر إستجة الملقب بزحكون ، فقام الإستجي وأنشده قصيدة ، منها : [الطويل]
إليك ابن حمدين
انتخلت قصائدا
|
|
بها رقصت في
القضب ورق الحمائم
|
أنا العبد لكن
بالمودّة أشترى
|
|
إذا كان غيري
يشترى بالدراهم
|
فشكره ابن حمدين ،
ونبّه على مكان الإحسان ، فحسده هلال البياني على ذلك ، فلمّا فرغ من القصيدة قال
له هلال : أعد عليّ البيت الذي فيه «رقص الحمام» فأعاده ، فقال له : لو أزلت
النقطة عن الخاء كنت تصدق ، فقال له في الحين : ولو أزلت النقطة عن العين كنت تحسن.
وكانت على عين
هلال نقطة فكان ذلك من الاتفاق العجيب والجواب الغريب ، وعمل فيه.
ولما قال المقدم
بن المعافى في رثاء سعيد بن جودي : [السريع]
من ذا الذي يطعم
أو يكسو
|
|
وقد حوى حلف
الندى رمس
|
لا اخضرّت الأرض
ولا أورق ال
|
|
عود ولا أشرقت
الشمس
|
بعد ابن جوديّ
الذي لن ترى
|
|
أكرم منه الجنّ
والإنس
|
فقيل له : أترثيه
وقد ضربك؟ فقال : إنه نفعني حتى بذنوبه ، ولقد نهاني ذلك الأدب عن مضار جمّة كنت أقع
فيها على رأسي ، أفلا أرعى له ذلك؟ والله ما ضربني إلّا وأنا ظالم له ، أفأبقى على
ظلمي له بعد موته؟
وقيل له : لم لا
تهجو مؤمن بن سعيد؟ فقال : لا أهجو من لو هجا النجوم ما اهتدى أحد بها.
وقال أبو مروان
عبد الملك بن نظيف : [المجتث]
لا أشرب الراح إلّا
|
|
مع كلّ خرق كريم
|
__________________
ولست أعشق إلّا
|
|
ساجي الجفون
رخيم
|
ومدح هلال البياني
ابن حمدين بقصيدة أولها : [الكامل]
عرّج على ذاك
الجناب العالي
|
|
واحكم على
الأموال بالآمال
|
فيه ابن حمدين
الذي لنواله
|
|
من كلّ أرض شدّ كلّ
رحال
|
فقال له القاضي :
ما هذا الوثوب على المدح من أوّل وهلة ، ألا تدري أنهم عابوا ذلك ، كما عابوا
الطول أيضا؟ وأن الأولى التوسّط؟ فقال له : يا سيدي ، اعذرني بما لك في قلبي من الإجلال والمحبّة ، فإني كلّما
ابتدأت في مدحك لم يتركني غرامي في اسمك إلى أن أتركه عند أول بيت ، فاستحسن ذلك
منه ، وأحسن إليه.
ومن هذه القصيدة :
قاض موال برّه
ونواله
|
|
فله جميع
العالمين موالي
|
وكان يهوى وسيما
من متأدّبي قرطبة ، فصنع فيه شعرا أنشده منه : [البسيط]
وكّلت عيني برعي
النجم في الظّلم
|
|
وعبرتي قد غدت
ممزوجة بدم
|
فقال له الغلام :
أنت لا تبرح بكوكب من عينك ليلا ولا نهارا ، وعاشقا وغير عاشق ، فخجل هلال ، وكان
على عينه نقطة.
وحكى ابن حيان أنّ الأمير عبد الرحمن عثرت به دابته وهو سائر في بعض
أسفاره ، وتطأطأت ، فكاد يكبو لفيه ، ولحقه جزع ، وتمثّل أثره بقول الشاعر : [الطويل]
وما لا ترى ممّا يقي الله أكثر
وطلب صدر البيت
فعزب عنه ، وأمر بالسؤال عنه فلم يوجد من يحفظه إلّا الكاتب محمد بن سعيد الزجالي
، وكان يلقّب بالأصمعي لذكائه وحفظه ، فأنشد الأمير :
ترى الشيء ممّا يتّقى فتهابه
فأعجب الأمير ،
واستحسن شكله ، فقال له : الزم السرداق. وأعقب ابنا يسمى حامدا.
وحضر مع الوزير
عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني في مجلس فيه رؤساء ، فعرض عليهم
__________________
فرس مطهّم ، فتمثّل فيه عبد الواحد بقول امرئ القيس : [الطويل]
بريد السّرى بالليل من خيل بربرا
ففهم الزجالي بأنه
عرض بأنه من البربر ، فلم يحتمل ذلك وأراد الجواب ، فقال مدبّجا لما أراده ومعرّضا
: أحسن عندي من ليل يسري بي فيه على مثل هذا يوم على الحال التي قال فيها القائل :
[الطويل]
ويوم كظلّ الرمح
قصّر طوله
|
|
دم الزّقّ عنّا
واصطفاق المزاهر
|
وإنّما عرّض
للإسكندراني بأنه كان يشهد مجالس الراحات في أول أمره ومعرفة الغناء ، فقلق الوزير
، وشكاه إلى الحاجب عيسى بن شهيد ، فاجتمع مع الزجالي وأخذ معه في ذلك ، فحكى له
الزجالي ما جرى من الأول إلى الآخر ، وأنشد : [الطويل]
وما الحرّ إلّا
من يدين بمثل ما
|
|
يدان ومن يخفي
القبيح وينصف
|
هم شرعوا
التعريض قذفا فعندما
|
|
تبعناهم لاموا
عليه وعنّفوا
|
ومن نوادر ابنه
حامد أنه غلط أمامه في قوله تعالى (الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي) [سورة النور ،
الآية : ٢] بأن قال «فانكحوهما» فأنشده حامد : [مجزوء الرمل]
أبدع القارئ
معنى
|
|
لم يكن في
الثّقلين
|
أمر الناس جميعا
|
|
بنكاح الزانيين
|
وقال لبعض أصحابه
حينئذ : أما سمعت ما أتى به إمامنا من تبديل الحدود؟ وتضاحكا.
وكتب الوزير أبو
عبد الله بن عبد العزيز إلى المنصور صاحب بلنسية ، ويعرف بالمنصور الصغير ، قطعة
أولها : [البسيط]
يا أحسن الناس
آدابا وأخلاقا
|
|
وأكرم الناس
أغصانا وأوراقا
|
ويا حيا الأرض لم
نكّبت عن سنني
|
|
وسقت نحوي
إرعادا وإبراقا
|
__________________
ويا سنى الشمس
لم أظلمت في بصري
|
|
وقد وسعت بلاد
الله إشراقا
|
من أيّ باب سعت
غير الزمان إلى
|
|
رحيب صدرك حتى
قيل قد ضاقا
|
قد كنت أحسبني
من حسن رأيك لي
|
|
أني أخذت على
الأيام ميثاقا
|
فالآن لم يبق لي
بعد انحرافك ما
|
|
آسى عليه وأبدي
منه إشفاقا
|
فأجابه بهذه
القطعة : [البسيط]
ما زلت أوليك
إخلاصا وإشفاقا
|
|
وأنثني عنك مهما
غبت مشتاقا
|
وكان من أملي أن
أقتنيك أخا
|
|
فأخفق الأمل
المأمول إخفاقا
|
فقلت غرس من
الإخوان أكلؤه
|
|
حتى أرى منه
أثمارا وأوراقا
|
فكان لمّا زها
أزهاره ودنا
|
|
إثمارها حنظلا
مرا لمن ذاقا
|
فلست أوّل إخوان
سقيتهم
|
|
صفوي وأعلقتهم
بالقلب إعلاقا
|
فما جزوني
بإحساني ولا عرفوا
|
|
قدري ولا حفظوا
عهدا وميثاقا
|
والوزير المذكور
قال في حقه في المطمح : إنه وزير المنصور بن عبد العزيز ، وربّ السبق في ودّه
والتبريز ، ومنقض الأمور ومبرمها ، ومحمد الفتن ومضرمها ، اعتقل بالدّهي ، واستقلّ بالأمر والنهي ،
على انتهاض بين الأكفاء ، واعتراض المحو لرسومه والإعفاء ، فاستمرّ غير مراقب ،
وأمر ما شاء غير ممتثل للعواقب ، ينتضي عزائم تنتضى ، فإن ألمت من الأيام مظلمة
أضا ، إلى أن أودى ، وغار منه الكوكب الأهدى ، فانتقل الأمر إلى ابنه أبي بكر ،
فناهيك من أي عرف ونكر ، فقد أربى على الدّهاة ، وما صبا إلى الظبية والمهاة ، واستقلّ بالهول يقتحمه ، والأمر يسديه ويلحمه ، فأيّ ندى
أفاض ، وأيّ أجنحة بمدى هاض ، فانقلاب
__________________
إليه الآمال بغير
خطام ، ووردت من نداه ببحر طام ، ولم يزل بالدولة قائما ، وموقظا من بهجتها ما كان
نائما ، إلى أن صار الأمر إلى المأمون بن ذي النون أسد الحروب ، ومسدّ الثغور
والدروب ، فاعتمد عليه واتّكل ، ووكل الأمر إلى غير وكل ، فما تعدّى الوزارة إلى
الرياسة ، ولا تردّى بغير التدبير والسياسة ، فتركه مستبدا ، ولم يجد من ذلك بدا.
وكان أبو بكر هذا
ذا رفعة غير متضائلة ، وآراء لم تكن آفلة ، أدرك بها ما أحبّ ، وقطع غارب كل منافس
وجبّ ، إلى أن طلّحه العمر وأنضاه ، وأغمده الذي انتضاه ، فخلّى الأمر إلى ابنيه ، فتلبّدا
في التدبير ، ولم يفرقا بين القبيل والدّبير ، فغلب عليهما القادر بن ذي النون ،
وجلب إليهما كل خطب ما خلا المنون ، فانجلوا ، بعد ما ألقوا ما عندهم وتخلّوا ،
وكان لأبي عبد الله نظم مستبدع ، يوضع بين الجوانح ويودع ، انتهى المقصود من
الترجمة.
وكان للوزير أبي
الفرج ابن مكبود قد أعياه علاجه ، وتهيّأ للفساد مزاجه ، فدلّ على خمر
قديمة ، فلم يعلم بها إلّا عند حكم ، وكان وسيما ، وللحسن قسيما ، فكتب إليه :
[المجتث]
أرسل بها مثل
ودّك
|
|
أرقّ من ماء
خدّك
|
شقيقة النّفس
فانضح
|
|
بها جوى ابني
وعبدك
|
وكتب رحمه الله
تعالى معتذرا ، عما جناه منذرا : [الخفيف]
ما تغيّبت عنك
إلّا لعذر
|
|
ودليلي في ذاك
حرصي عليكا
|
هبك أنّ الفرار
من عظم ذنب
|
|
أتراه يكون إلّا
إليكا
|
وقال في المطمح في
حقّ أبي الفرج : من ثنيّة رياسة ، وعترة نفاسة ، ما منهم إلّا من تحلّى بالإمارة ،
وتردّى بالوزارة ، وأضاء في آفاق الدول ، ونهض بين الخيل والخول ، وهو
__________________
أحد أمجادهم ،
ومتقلّد نجادهم ، فاقهم أدبا ونبلا ، وباراهم كرما تخاله وبلا ، إلّا أنه بقي وذهبوا ، ولقي من الأيام ما رهبوا ، فعاين
تنكرها ، وشرب عكرها ، وجال في الآفاق ، واستدرّ أخلاف الأرزاق ، وأجال للرّجاء قداحا متواليات الإخفاق ، فأخمل قدره ، وتوالى عليه جور
الزمان وغدره ، فاندفنت آثاره ، وعفت أخباره ، وقد أثبتّ له بعض ما قاله وحاله قد
أدبرت ، والخطوب إليه قد انبرت ، أخبرني الوزير الحكيم أبو محمد المصري وهو الذي
آواه ، وعنده استقرّت نواه ، وعليه كان قادما ، وله كان منادما ، أنه رغب إليه في
أحد الأيام أن يكون من جملة ندمائه ، وأن لا يحجب عنه وتكون منّة من أعظم نعمائه ،
فأجابه بالإسعاف ، واستساغ منه ما كان يعاف ، لعلمه بعلته ، وإفراط خلّته ، فلما كان ظهر ذلك اليوم كتب إليه : [الكامل]
أنا قد أهبت بكم
وكلّكم هوى
|
|
وأحقّكم بالشكر
منّي السابق
|
فالشمس أنت وقد
أظلّ طلوعها
|
|
فاطلع وبين يديك
فجر صادق
|
وقال الوزير أبو
عامر بن مسلمة : [الكامل]
حجّ الحجيج مني
ففازوا بالمنى
|
|
وتفرّقت عن خيفه
الأشهاد
|
ولنا بوجهك حجّة
مبرورة
|
|
في كلّ يوم
تنقضي وتعاد
|
وقال الفتح في
حقّه ما صورته : نبتة شرف باذخ ، ومفخر على ذوائب الجوزاء شامخ ، وزروا للخلفاء
، فانتجعتهم الأدباء واتّبعتهم العظماء ، وانتسبت لهم النعماء ، وتنفست عن نور
بهجتهم الظّلماء ، وأبو عامر هذا هو جوهرهم المنتخل ، وجوادهم الذي لا يبخل ، وزعيمهم المعظّم ، وسلك مفخرهم المنظّم ، وكان فتى
المدام ، ومستفتي النّدام ، وأكثر من النعت للراح والوصف ، وآثر الأفراح والقصف ، وأرى قينات السرور مجلوّة ، وآيات الحسن
متلوّة ، وله كتاب سماه «حديقة الارتياح ، في وصف حقيقة الراح» ، واختصّ بالمعتضد
اختصاصا جرّعه رداه ، وصرعه في مداه ، فقد كان في المعتضد من عدم تحفّظه للأرواح ، وتهاونه
باللّوّام في ذلك واللّواح ، فاطمأن إليه أبو عامر واغترّ ، وأنس إلى ما بسم له من
مؤانسته وافترّ ، حتى أمكنته في اغتياله فرصة ، لم يعلق بها حصّة ، ولم يضيق عليه إلّا أنه زلّت به قدمه فسقط
__________________
في البحيرة وانكفا
، ولم يعلم به إلّا بعدما طفا ، فأخرج وقد قضى ، وأدرج منه في الكفن حسام المجد
منتضى ، فمن محاسنه قوله يصف السوسن ، وهو ممّا أبدع فيه وأحسن : [البسيط]
وسوسن راق مرآه
ومخبره
|
|
وجلّ في أعين
النظار منظره
|
كأنه أكؤس
البلّور قد صنعت
|
|
مسندسات تعالى
الله مظهره
|
وبينها ألسن قد
طوّقت ذهبا
|
|
من بينها قائم
بالملك يؤثره
|
إلى أن قال :
واجتمع بجنّة خارج إشبيلية مع أخدان له علية ، فبينما هم يديرون الراح ، ويشربون من كأسها
الأفراح ، والجوّ صاح ، إذ بالأفق قد غيّم ، وأرسل الدّيم ، بعدما كسا الجوّ
بمطارف الرذاذ ، وأشعر الغصون زهر قباذ ، والشمس منتقبة بالسحاب ، والرعد
يبكيها بالانتحاب ، فقال : [مجزوء الكامل]
يوم كأنّ سحابه
|
|
لبست عمامات
الصوامت
|
حجبت به شمس
الضّحى
|
|
بمثال أجنحة
الفواخت
|
والغيث يبكي
فقدها
|
|
والبرق يضحك مثل
شامت
|
والرعد يخطب
مفصحا
|
|
والجوّ كالمحزون
ساكت
|
وخرج إلى تلك
الخميلة والربيع قد نشر رداءه ، ونثر على معاطف الغصون أنداءه ، فأقام بها وقال : [الكامل]
وخميلة رقم
الزمان أديمها
|
|
بمفضّض ومقسّم
ومشوب
|
رشفت قبيل الصبح
ريق غمامة
|
|
رشف المحبّ
مراشف المحبوب
|
وطردت في
أكنافها ملك الصّبا
|
|
وقعدت واستوزرت
كلّ أديب
|
وأدرت فيها
اللهو حقّ مداره
|
|
مع كلّ وضّاح
الجبين حسيب
|
وقال الوزير
الكاتب أبو حفص أحمد بن برد : [الكامل]
قلبي وقلبك لا
محالة واحد
|
|
شهدت بذلك بيننا
الألحاظ
|
__________________
فتعال فلنغظ
الحسود بوصلنا
|
|
إنّ الحسود بمثل
ذاك يغاظ
|
وقال : [الكامل]
يا من حرمت
لذاذتي بمسيره
|
|
هذي النوى قد
صعّرت لي خدّها
|
زوّد جفوني من
جمالك نظرة
|
|
والله يعلم إن
رأيتك بعدها
|
وقال في المطمح في
ابن برد المذكور : إنه غذي بالأدب ، وعلا إلى أسمى الرتب ، وما من أهل بيته إلّا
شاعر كاتب ، ملازم لباب السلطان مراقب ، ولم يزل في الدولة العامرية بسبق يذكر ، وحقّ لا ينكر ،
وهو بديع الإحسان ، بليغ القلم واللسان ، مليح الكتابة ، فصيح الخطابة ، وله «رسالة
السيف والقلم» ، وهو أوّل من قال بالفرق بينهما ، وشعره مثقف المباني ، مرهف
كالحسام اليماني ، وقد أثبتّ منه ما يلهيك سماعا ، ويريك الإحسان لماعا ، فمن ذلك
قوله يصف البهار : [الطويل]
تأمّل فقد شقّ
البهار كمائما
|
|
وأبرز عن نوّاره
الخضل الندي
|
مداهن تبر في
أنامل فضّة
|
|
على أذرع مخروطة
من زبرجد
|
وله يصف معشوقا ،
أهيف القدّ ممشوقا ، أبدى صفحة ورد ، وبدا في ثوب لازورد : [مجزوء الكامل]
لمّا بدا في
لازور
|
|
ديّ الحرير وقد
بهر
|
كبّرت من فرط الجما
|
|
ل وقلت : ما هذا
بشر
|
فأجابني : لا
تنكرن
|
|
ثوب السماء على
القمر
|
وقال الوزير
الكاتب أبو جعفر بن اللمائي : [المتقارب]
ألمّا فديتكما
نستلم
|
|
منازل سلمى على
ذي سلم
|
منازل كنت بها
نازلا
|
|
زمان الصّبا بين
جيد وفم
|
أما تجدنّ الثرى
عاطرا
|
|
إذا ما الرياح
تنفسن ثم
|
__________________
وقال في المطمح
فيه : إمام من أئمه الكتابة ومفجّر ينبوعها ، والظاهر على مصنوعها بمطبوعها ، إذا
كتب نثر الدّرّ في المهارق ، ونمّت فيه أنفاسه كالمسك في المفارق ، وانطوى ذكره على
انتشار إحسانه ، مع امتداد لسانه ، فلم تطل لدوحته فروع ، ولا اتّصل لها من نهر الإحسان
كروع ، فاندفنت محاسنه من الإهمال في قبر ، وانكسرت الآمال بعدم بدائعه كسرا بعد
جبر ، وكان كاتب علي بن حمود العلوي وذكر أنه كان يرتجل بين يديه ولا يروّي ،
فيأتي على البديه ، بما يتقبّله المروّي ويبديه ، فمن ذلك ما كتب به متفننا من ضمن رسالة : روض القلم في فنائك مونق ، وغصن الأدب بمائك مورق ، وقد قذف بحر
الهند درره ، وبعث روض نجد زهره ، فأهدى ذلك على يدي فلان الجاري في جهده ، على
مباني قصده .
وقال الوزير حسان
بن مالك بن أبي عبدة في المهرجان : [المتقارب]
أرى المهرجان قد
استبشرا
|
|
غداة بكى المزن
واستعبرا
|
وسربلت الأرض
أمواجها
|
|
وجللت السندس
الأخضرا
|
وهزّ الرياح
صنابيرها
|
|
فضوّعت المسك
والعنبرا
|
تهادى به الناس
ألطافه
|
|
وسامى المقلّ به
المكثرا
|
وقال في حقّه في
المطمح : من بيت جلالة ، وعترة أصالة ، كانوا مع عبد الرحمن الداخل ، وتوغّلوا معه في متشعبات
تلك المداخل ، وسعوا في الخلافة حتى حضر مبايعها وكثر مشايعها ، وجدّوا في الهدنة
وانعقادها ، وأخمدوا نار الفتنة عند اتّقادها ، فانبرمت عراها ، وارتبطت أولاها وأخراها ، فظهرت البيعة واتّضحت ، وأعلنت
الطاعة وأفصحت ، وصاروا تاج مفرقها ، ومنهاج طرقها ، وهو ممّن بلغ الوزارة [من] بعد ذلك وأدركها ، وحلّ مطلعها
__________________
وفلكها ، مع
اشتهار في اللغة والآداب ، وانخراط في سلك الشعراء والكتّاب ، وإبداع لما ألّف ،
وانتهاض بما تكلّف ، ودخل على المنصور وبين يديه كتاب ابن السري وهو به كلف ،
وعليه معتكف ، فخرج وعمل على مثاله كتابا سماه ربيعة وعقيل» جرّد له من ذهنه أيّ
سيف صقيل ، وأتى به منتسخا مصوّرا في ذلك اليوم من الجمعة الأخرى ، وأبرزه والحسن
يتبسّم عنه ويتفرّى ، فسرّ به المنصور وأعجب ، ولم يغب عن بصره ساعة ولا حجب ،
وكان له بعد هذه المدة حين أدجت الفتنة ليلها وأزجت إبلها وخيلها ، اغتراب كاغتراب
الحارث بن مضاض ، واضطراب بين القواني والمواضي ، كالحيّة النضناض ، ثم اشتهر بعد ، وافترّ له السعد ، وفي تلك المدة يقول
يتشوّق إلى أهله : [الطويل]
سقى بلدا أهلي
به وأقاربي
|
|
غواد بأثقال
الحيا وروائح
|
وهبّت عليهم
بالعشي وبالضحى
|
|
نواسم برد
والظّلال فوائح
|
تذكرتهم والنأي
قد حال دونهم
|
|
ولم أنس لكن
أوقد القلب لافح
|
وممّا شجاني
هاتف فوق أيكة
|
|
ينوح ولم يعلم
بما هو نائح
|
فقلت اتّئد
يكفيك أني نازح
|
|
وأنّ الذي أهواه
عني نازح
|
ولي صبية مثل
الفراخ بقفرة
|
|
مضى حاضناها
فاطّحتها الطوائح
|
إذا عصفت ريح
أقامت رؤوسها
|
|
فلم يلقها إلّا
طيور بوارح
|
فمن لصغار بعد
فقد أبيهم
|
|
سوى سانح في
الدهر لو عنّ سانح
|
واستوزره المستظهر
عبد الرحمن بن هشام أيام الفتنة فلم يرض بالحال ، ولم يمض في ذلك الانتحال ،
وتثاقل عن الحضور في كل وقت ، وتغافل في ترك الغرور بذلك المقت ، وكان المستظهر
يستبدّ بأكثر تلك الأمور دونه ، وينفرد مغيّبا عنه شؤونه ، فكتب إليه : [الطويل]
إذا غبت لم أحضر
وإن جئت لم أسل
|
|
فسيّان منّي
مشهد ومغيب
|
__________________
فأصبحت تيميا
وما كنت قبلها
|
|
لتيم ولكنّ
الشبيه نسيب
|
وله : [الطويل]
رأت طالعا للشيب
بين ذوائبي
|
|
فباحت بأسرار
الدموع السواكب
|
وقالت أشيب؟ قلت
: صبح تجاربي
|
|
أنار على أعقاب
ليل نوائبي
|
ولمّا مات رثاه
الوزير أبو عامر ابن شهيد بقوله : [الطويل]
أفي كلّ عام
مصرع لعظيم؟
|
|
أصاب المنايا
حادثي وقديمي
|
وكيف اهتدائي في
الخطوب إذا دجت
|
|
وقد فقدت عيناي
ضوء نجوم
|
مضى السّلف
الوضّاح إلّا بقيّة
|
|
كغرّة مسودّ
القميص بهيم
|
فإن ركبت منّي
الليالي هضيمة
|
|
فقبلي ما كان
اهتضام تميم
|
أبا عبدة إنّا
غدرناك عندما
|
|
رجعنا وغادرناك
غير ذميم
|
أنخذل من كنّا
نرود بأرضه
|
|
ونكرع منه في
إناء علوم
|
ويجلو العمى
عنّا بأنوار رأيه
|
|
إذا أظلمت ظلماء
ذات غيوم
|
كأنك لم تلقح
بريح من الحجا
|
|
عقائم أفكار
بغير عقيم
|
ولم نعتمر مغناك
غدوا ولم نزر
|
|
رواحا لفصل
الحكم دار حكيم
|
وقال الوزير
الفقيه أبو أيوب ابن أبي أمية : [البسيط]
أمسك دارين
حيّاك النسيم به
|
|
أم عنبر الشّحر
أم هذي البساتين
|
بشاطئ النهر حيث
النّور مؤتلق
|
|
والراح تعبق أم
تلك الرياحين
|
وحلاه في المطمح
بقوله : واحد الأندلس الذي طوّقها فخارا ، وطبّقها بأوانه افتخارا ، ما شئت من
وقار لا تحيل الحركة سكونه ، ومقدار يتمنّى مخبر أن يكونه ، إذا لاح رأيت المجد
__________________
مجتمعا ، وإذا فاه
أضحى كلّ شيء مستمعا ، تكتحل منه مقل المجد ، وتنتحل المعالي أفعاله انتحال ذي كلف
بها ووجد ، لو تفرّقت في الخلق سجاياه لحمدت الشّيم ، ولو استسقيت بمحيّاه لما
استمسكت الديم ، ودعي للقضاء فما رضي ، وأعفي عنه فكأنه ما استقضي ، لديه تثبت
الحقائق ، وتنبت العلائق ، وبين يديه يسلك عين الجدد ، ويدع اللّدد اللّدد ، وله أدب إذا حاضر به فلا البحر إذا عصف ، ولا أبو عثمان إذا وصف ، مع حلاوة مؤانسة تستهوي الجليس ، وتهوي حيث شاءت
بالنفوس ، وأمّا تحبيره وإنشاؤه ، ففيهما للسامع تحييره وانتشاؤه ، وقد أثبتّ له
بدعا ، يثني إليها الإحسان جيدا وأخدعا ، فمن ذلك قوله في منزل حلّه متنزها :
[البسيط]
يا منزل الحسن
أهواه وآلفه
|
|
حقا لقد جمعت في
صحنك البدع
|
لله ما اصطنعت
نعماك عندي في
|
|
يوم نعمت به
والشمل مجتمع
|
وحلّ منية صهره
الوزير أبي مروان بن الدب بعدوة إشبيلية المطلّة على النهر ، المشتملة على بدائع
الزهر ، وهو معرّس ببنته ، فأقام بها أياما متأنّسا ، ولجذوة السرور مقتبسا ،
فوالى عليه من التّحف ، وأهدى إليه من الطّرف ، ما غمر كثرة ، وبهر نفاسة وأثرة ،
فلمّا ارتحل وقد اكتحل من حسن ذلك الموضع بما اكتحل ، كتب إليه : [البسيط]
قل للوزير وأين
الشكر من منن
|
|
جاءت على سنن
تترى وتتّصل
|
غشيت مغناك
والروض الأنيق به
|
|
يندى وصوب الحيا
يهمي وينهمل
|
وجال طرفي في
أرجائه مرحا
|
|
وفق اجتيازي
يستعلي ويستفل
|
ندعو بلفتته حيث
ارتمى زهر
|
|
عليه من منثني
أفنانه كلل
|
محلّ أنس نعمنا
فيه آونة
|
|
من الزمان
وواتانا به الأمل
|
وحلّ بعد ذلك
متنزها بها على عادته ، فاحتفل في موالاة ذلك البرّ وإعادته ، فلمّا رحل كتب إليه
: [مجزوء الكامل]
__________________
يا دار ، أمّنك
الزما
|
|
ن صروفه ونوائبه
|
وجرت سعودك
بالذي
|
|
يهوى نزيلك آيبه
|
فلنعم مأوى
الضيف أن
|
|
ت إذا تحاموا
جانبه
|
خطر شأوت به
الديا
|
|
ر وأذعنت لك
قاطبه
|
وصنع له ابن عبد الغفور رسالة سماها ب «الساجعة» حذا بها حذو أبي
العلاء المعري في «الصاهل والساجح» وبعث بها إليه ، فعرضها عليه ، فأقامت عنده أياما ثم
استدعاها منه فصرفها إليه ، وكتب معها : بكر زففتها أعزّك الله تعالى نحوك ، وهززت
بمقدمها سناك وسروك ، فلم ألفظها عن شبع ، ولا جهلت ارتفاعها عمّا يجتلى من نوعها ويستمع
، ولكن لما أنسته من أنسك بانتجاعها ، وحرصك على ارتجاعها ، دفعت في صدر
الولوع ، وتركت بينها وبين مجاثمها بتلك الربوع ، حيث الأدب غضّ ، وماء البلاغة مرفضّ ، فأسعد أعزّك الله
بكرتها ، وسلّها عن أفانين معرّتها ، بما تقطفه من ثمارك ، وتغرفه من بحارك ، وترتاح له
ولإخوانه من نتائج أفكارك ، وإنها لشنشنة أعرفها فيكم من أخزم ، وموهبة حزتموها
وأحرزتم السبق فيها منذ كم. انتهى.
وابن عبد الغفور
هو الوزير أبو القاسم الذي قال فيه الفتح : فتى زكا فرعا وأصلا ، وأحكم البلاغة معنى وفصلا ، وجرّد
من ذهنه على الأعراض نصلا ، قدّها به وفراها ، وقدح زند المعالي حتى أوراها ، مع
صون يرتديه ، ولا يكاد يبديه ، وشبيبة ألحقته بالكهول ، فأقفرت منه ربعها المأهول
، وشرف ارتداه ، وسلف اقتفى أثره الكريم واقتداه ، وله شعر بديع السّرد ، مفوّف
البرد ، وقد أثبتّ له منه ما ألفيت ، وبالدلالة عليه اكتفيت ، فمن ذلك قوله : [الطويل]
تركت التصابي
للصواب وأهله
|
|
وبيض الطّلى
للبيض والسّمر للسّمر
|
مدامي مدادي
والكؤوس محابري
|
|
وندماي أقلامي
ومنقلتي سفري
|
__________________
وله : [البسيط]
لا تنكروا أنّنا
في رحلة أبدا
|
|
نحثّ في نفنف
طورا وفي هدف
|
فدهرنا سدفة
ونحن أنجمها
|
|
وليس ينكر مجرى
النّجم في السّدف
|
لو أسفر الدهر
لي أقصرت عن سفري
|
|
وملت عن كلفي
بهذه الكلف
|
وله من قصيدة : [الطويل]
رويدك يا بدر
التمّام فإنني
|
|
أرى العيس حسرى
والكواكب ظلّعا
|
كأنّ أديم الصبح
قد قدّ أنجما
|
|
وغودر درع الليل
فيها مرقّعا
|
فإني وإن كان
الشباب محبّبا
|
|
إليّ وفي قلبي
أجلّ وأوقعا
|
لآنف من حسن
بشعري مفترى
|
|
وآنف من حسن
بشعري قنّعا
|
وقال الوزير أبو
الوليد بن حزم : [الطويل]
إليك أبا حفص وما
عن ملالة
|
|
ثنيت عناني
والحبيب حبيب
|
مقالا يطير
الجمر عن جنباته
|
|
ومن تحته قلب
عليك يذوب
|
مضت لك في أفياء
ظلّي صولة
|
|
لها بين أحناء
الضّلوع دبيب
|
ولكن أبى إلّا
إليك التفاته
|
|
فزاد عليه من
هواك رقيب
|
وكم بيننا لو
كنت تحمد ما مضى
|
|
إذ العيش غضّ
والزمان قشيب
|
وتحت جناح الغيم
أحشاء روضة
|
|
بها لخفوق
العاصفات وجيب
|
وللزهر في ظلّ
الرياض تبسّم
|
|
وللطير منها في
الغصون نحيب
|
وقال في الزهد : [المتقارب]
ثلاث وستون قد
جزتها
|
|
فماذا تؤمّل أو
تنتظر
|
وحلّ عليك نذير
المشيب
|
|
فما ترعوي أو
فما تزدجر
|
__________________
تمرّ لياليك مرا
حثيثا
|
|
وأنت على ما أرى
مستمر
|
فلو كنت تعقل ما
ينقضي
|
|
من العمر لاعتضت
خيرا بشر
|
فما لك لا
تستعدّ إذن
|
|
لدار المقام
ودار المقر
|
أترغب عن فجأة
للمنون
|
|
وتعلم أن ليس
منها مفرّ
|
فإمّا إلى جنّة
أزلفت
|
|
وإمّا إلى سقر
تستعر
|
وقال ابن أبي
زمنين : [البسيط]
الموت في كلّ
حين ينشر الكفنا
|
|
ونحن في غفلة
عمّا يراد بنا
|
لا تطمئنّ إلى
الدنيا وبهجتها
|
|
وإن توشّحت من
أثوابها الحسنا
|
أين الأحبة
والجيران؟ ما فعلوا؟
|
|
أين الذين هم
كانوا لنا سكنا
|
سقاهم الموت
كأسا غير صافية
|
|
فصيّرتهم لأطباق
الثرى رهنا
|
تبكي المنازل
منهم كلّ منسجم
|
|
بالمكرمات وترثي
البرّ والمننا
|
حسب الحمام لو
ابقاهم وأمهلهم
|
|
أن لا يظنّ على
معلوّة حسنا
|
وقال في المطمح :
الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبي زمنين فقيه متبتّل ، وزاهد لا منحرف إلى الدنيا
ولا منفتل ، هجرها هجر المنحرف ، وحلّ أوطانه فيها محلّ المعترف ، لعلمه بارتحاله
عنها وتفويضه ، وإبداله منها وتعويضه ، فنظر بقلبه لا بعينه ، وانتظر
يوم فراقه وبينه ، ولم يكن له بعد ذلك بها اشتغال ، ولا في شعاب تلك المسالك إيغال
، وله تآليف في الوعظ والزهد وأخبار الصالحين تدلّ على تخليته عن
الدنيا واتّراكه ، والتفلّت من حبائل الاغترار وأشراكه ، والتنقّل من حال إلى حال
، والتأهّب للارتحال ، ويستدلّ به على ذلك الانتحال ، فمنها قوله : [البسيط]
الموت في كلّ حين ينشر الكفنا
فذكر الأبيات ،
انتهى.
وقال خلف بن هارون
يمدح الحافظ أبا محمد بن حزم : [المتقارب]
__________________
يخوض إلى المجد
والمكرمات
|
|
بحار الخطوب
وأهوالها
|
وإن ذكرت للعلا
غاية
|
|
ترقّى إليها
وأهوى لها
|
وقال في المطمح
فيه : فقيه مستنبط ، ونبيه بقياسه مرتبط ، ما تكلّم تقليدا ، ولا عدا اختراعا وتوليدا ، ما تمنّت به الأندلس أن تكون كالعراق ، ولا حنّت
الأنفس معه إلى تلك الآفاق ، أقام بوطنه ، وما برح عن عطفه ، فلم يشرب ماء الفرات ، ولم يقف عيشة الثمرات ، ولكنه أربى على من من ذلك غذي ، وأزرى على من هنالك نعل
وحذي ، تفرّد بالقياس ، واقتبس نار المعارف أيّ اقتباس ، فناظر بها أهل فاس ،
وصنّف وحبّر حتى أفنى الأنقاس ، ونابذ الدنيا ، وقد تصدّت له بأفتن محيّا ، وأهدت إليه
أعبق عرف وريّا ، وخلع الوزارة وقد كسته ملاها ، وألبسته حلاها ، وتجرّد للعلم
وطلبه ، وجدّ في اقتناء نخبه ، وله تآليف كثيرة ، وتصانيف أثيرة ، منها «الإيصال ،
إلى فهم كتاب الخصال» وكتاب «الإحكام ، لأصول الأحكام» وكتاب «الفصل في الأهواء والملل والنّحل» وكتاب «مراتب العلوم» وغير ذلك
ممّا لم يظهر مثله من هنالك ، مع سرعة الحفظ ، وعفاف اللسان واللحظ ، وفيه يقول
خلف بن هارون : [المتقارب]
يخوض إلى المجد والمكرمات
ولابن حزم في
الأدب سبق لا ينكر ، وبديهة لا يعلم أنه روّى فيها ولا فكّر ، وقد أثبتّ من شعره
ما يعلم أنه أوحد ، وما مثله فيه أحد ، ثم ذكر جملة من نظمه ذكرناها في غير هذا
الموضع.
وكتب أبو عبد الله
بن مسرة إلى أبي بكر اللؤلؤي يستدعيه في يوم طين ومطر ، لقضاء أرب
من الأنس ووطر : [الرجز]
أقبل فإنّ اليوم
يوم دجن
|
|
إلى مكان
كالضمير مكني
|
__________________
لعلّنا نحكم
أشهى فنّ
|
|
فأنت في ذا
اليوم أمشى منّي
|
وقال في المطمح :
إنّ ابن مسرّة كان على طريق من الزهد والعبادة سبق فيها ، وانتسق في سلك مقتفيها ،
وكانت له إشارات غامضة ، وعبارة عن منازل الملحدين غير داحضة ، ووجدت له مقالات
ردية ، واستنباطات مردية ، نسب بها إليه رهق ، وظهر له فيها مزحل عن الرشد ومزهق ، فتتبّعت مصنّفاته
بالحرق ، واتّسع في استباحتها الخرق ، وغدت مهجورة ، على التالين محجورة ، وكان له
تنميق في البلاغة وتدقيق لمعانيها ، وتزويق لأغراضها وتشييد لمبانيها ، انتهى. وهو
من نمط الصوفية الذين تكلّم فيهم ، والتسليم أسلم ، والله تعالى بأمرهم أعلم.
ومن حكايات أهل
الأندلس في الانقباض عن السلطان ، والفرار من المناصب ، مع العذر اللطيف : ما حكاه
في المطمح في ترجمة الفقيه أبي عبد الله الخشني إذ قال : كان فصيح اللسان ، جزيل البيان ، وكان أنوفا
منقبضا عن السلطان ، لم يتشبّث بدنيا ، ولم ينكث له مبرم عليا ، دعاه الأمير محمد
إلى القضاء فلم يجب ، ولم يظهر رجاءه المحتجب ، وقال : أبيت عن إمامة هذه الديانة ، كما أبت السماوات والأرض عن حمل الأمانة ، إباية إشفاق ،
لا إباية عصيان ونفاق ، وكان الأمير قد أمر الوزراء بإجباره ، أو حمل السيف إن
تمادى على تأبّيه وإصراره ، فلمّا بلغه قوله هذا أعفاه ، قال : وكان الغالب عليه
علم النسب ، واللغة والأدب ، ورواية الحديث ، وكان مأمونا ثقة ، وكانت القلوب على
حبّه متّفقة ، وله رحلة دخل فيها العراق ، ثم عاد إلى هذه الآفاق ، وعندما اطمأنّت
داره ، وبلغ أقصى مناه مداره ، قال : [الطويل]
كأن لم يكن بين ولم تك فرقة
الأبيات ، انتهى.
وهذه الأبيات
قدّمناها في الباب الخامس في ترجمة القاضي ابن أبي عيسى.
فأنت ترى كلام
الفتح قد اضطرب في نسبتها ، فمرة نسبها إلى هذا ، ومرة نسبها إلى ذاك ، وهي قطعة
عرفها ذاك .
ومن دعابات أهل
الأندلس وملحهم : ما يحكى عن ابن أبي حلّى ، وهو علي ابن أبي
__________________
حلّى المكناسي أبو الحسن ، قال لسان الدين : كان شيخا مليح الحديث ،
حافظا للمسائل الفقهية ، قائما على المدوّنة ، مضطلعا بمشكلاتها ، كثير الحكايات ، يحكي أنه شاهد غرائب
وملحا فينمقها عليه بعض الطلبة ، ويتعدون ذلك إلى الافتعال والمداعبة ، حتى جمعوا
من ذلك جزءا سمّوه «السالك والمحلّى ، في أخبار ابن أبي حلّى» فمن ذلك أنه كانت له
هرة فدخل البيت يوما فوجدها قد بلت إحدى يديها وجعلتها في الدقيق حتى علق بها
ونصبتها بإزاء كوّة فأر ورفعت اليد الأخرى لصيده ، فناداها باسمها ، فزوت رأسها ، وجعلت إصبعها على فمها ، على هيئة المشير بالصمت ،
وأشباه ذلك ، وتوفي المذكور سنة ٤٠٦ ، قاله في الإحاطة.
ومن أجوبة ملوك
الأندلس : أنّ نزارا العبيدي صاحب مصر ، كتب إلى المرواني صاحب الأندلس كتابا
يسبّه فيه ويهجوه ، فكتب إليه المرواني : أمّا بعد ، فإنك عرفتنا فهجوتنا ، ولو
عرفناك لأجبناك ، والسلام ، فاشتدّ ذلك على نزار وأفحمه عن الجواب ، وحكي أنه كتب
إلى العبيدي ملك مصر مفتخرا : [الطويل]
ألسنا بني مروان
كيف تبدّلت
|
|
بنا الحال أو
دارت علينا الدوائر
|
إذا ولد المولود
منّا تهلّلت
|
|
له الأرض
واهتزّت إليه المنابر
|
ومن غريب ما يحكى
من قوة أهل الأندلس وشجاعتهم : أنّ الأمير حريز بن عكاشة من ذرّيّة عكاشة بن محصن صاحب رسول الله ، صلى الله عليه
وسلم ، لمّا نزل بساحة أذفونش ملك [ملوك] الروم ، فبدأهم بخراب ضياعها وقطع الشجر ، فكتب إليه حريز : ليس من أخلاق القدير ،
الفساد والتدمير ، فإن قدرت على البلاد أفسدت ملكك ، ولو كان الملك في عشرة أمثال
عددي لم ينزل لي بساحة ، ولا تمكن منها براحة ، فلمّا وصلته الرسالة عفّ ، وأمر
بالكفّ ، وبعث الملك يرغبه في الاجتماع به ، فاسترهنه في نفسه عدة من ملوك الروم ،
فأجاب إلى ما ارتهن ، ولمّا ساروا إلى المدينة البيضاء ـ وهي قلعة رباح غربي طليطلة ـ خرج حريز لابسا
لأمة حربه ، يرمق الروم منه شخصا أوتي بسطة في الجسم والبسالة
يتحدثون بآلات حربه ، ويتعجّبون من شجاعة قلبه . ولمّا وصل فسطاط الملك تلقته الملوك بالرحب والسعة ،
ولمّا أراد النزول عن فرسه ركز رمحه ، فأبصر الملك منه هيئة تشهد له بما عنه حدّث
، وهيبة يجزع
__________________
للقائها الشجاع
ويكترث ، فدعاه إلى البراز عظيم أبطالهم ، فقال له الملك : يا حريز ، أريد أن أنظر
إلى مبارزتك هذا البطل ، فقال له حريز : المبارز لا يبارز إلّا أكفاءه ، وإنّ لي
بيّنة على صدق قولي أن ليس لي فيهم كفء ، هذا رمحي قد ركزته ، فمن ركب واقتلعه
بارزته ، كان واحدا أو عشرة ، فركب عظيمهم فلم يهزّ الرمح من مكانه حين رامه ، ثم
فعل ذلك مرارا ، فقال له الملك : أرني يا حريز كيف تقلعه ، فركب وأشار بيده
واقتلعه ، فعجب القوم ، ووصله الملك وأكرمه ، انتهى.
وكان حريز هذا
شاعرا ، ولمّا اجتاز به كاتب ابن ذي النون الوزير أبو المطرف ابن المثنى كتب إليه
: [مجزوء الرمل]
يا فريدا دون
ثان
|
|
وهلالا في
العيان
|
عدم الراح فصارت
|
|
مثل دهن
البلّسان
|
فجاوبه حريز ، وهو
يومئذ أمير قلعته : [مجزوء الرمل]
يا فريدا لا
يجارى
|
|
بين أبناء
الزمان
|
جاء من شعرك روض
|
|
جاده صوب البيان
|
فبعثناها سلافا
|
|
كسجاياك الحسان
|
وكان لحريز كاتب
يقال له عبد الحميد بن لاطون فيه تغفل شديد ، فأمره أن يكتب إلى المأمون بن ذي
النون في شأن حصن دخله النصارى ، فكتب : وقد بلغني أنّ الحصن الفلاني دخله النصارى
إن شاء الله تعالى ، فهذه الواقعة التي ذكرها الله تعالى في القرآن ، بل هي
الحادثة الشاهدة بأشراط الزمان ، فإنّا لله على هذه المصيبة التي هدّت قواعد
المسلمين ، وأبقت في قلوبهم حسرة إلى يوم الدين. فلمّا وصل الكتاب للمأمون ضحك حتى
وقع للأرض ، وكتب لابن عكاشة جوابه ، وفيه : وقد عهدناك منتقيا لأمورك ، نقّادا
لصغيرك وكبيرك ، فكيف جاز عليك أمر هذا الكاتب الأبله الجلف ، وأسندت إليه الكتب عنك دون أن تطّلع عليه ، وقد علمت أن
عنوان الرجل كتابه ، ورائد عقله خطابه ، وما أدري من أيّ شيء يتعجّب منه ، هل من
تعليقه إن شاء الله تعالى بالماضي؟ أم من حسن تفسيره للقرآن ووضعه مواضعه؟ أم من
تورّعه عن تأويله إلّا بتوقيف من سماع عن إمام ؟ أم من تهويله لما طرأ على من يخاطبه؟ أم
__________________
من علمه بشأن هذا
الحصن الذي لو أنه القسطنطينية العظمى ما زاد عن عظمه وهوله شيئا؟ ولو أنّ حقيرا يخفى عن علم الله تعالى لخفي
عنه هذا الحصن! ناهيك عن صخرة حيث لا ماء ولا مرعى ، منقطع عن بلاد الإسلام ، خارج
عن سلك النظام ، لا يعبره إلّا لصّ فاجر ، أو قاطع طريق غير متظاهر ، حرّاسه لا
يتجاوزون الخمسين ، ولا يرون خبز البر عندهم إلّا في بعض السنين ، باعه أحدهم
بعشرين دينارا ، ولعمري إنه لم يغبن في بيعه ولا ربح أرباب ابتياعه ، وأراح من
الشين بنسبته والنظر في خداعه ، فليت شعري ما الذي عظمه في عين هذا الجاهل ، حتى
خطب في أمره بما لم يخطب به في حرب وائل ؟
فلمّا وقف حريز
على الكتاب كتب لابن ذي النون جوابا منه : وإنّ المذكور ممّن له حرمة قديمة ،
تغنيه عن أن يمتّ بسواها ، وخدمة محمود أولاها وأخراها ، ولسنا ممّن اتّسعت مملكته
، وعظمت حضرته ، فنحتاج إلى انتقاء الكتّاب ، والتحفّظ في الخطاب ، وإنما نحن
أحلاس ثغور ، وكتّاب كتائب لا سطور ، وإن كان الكاتب المذكور لا يحسن فيما يلقيه على
القلم ، فإنه يحسن كيف يصنع في مواطن الكرم ، وله الوفاء الذي تحدّث به فلان وفلان
، بل سارت بشأنه في أقصى البلاد الرّكبان ، وليس ذلك يقدح عندنا فيه ، بل زاده
لكونه دالّا على صحّة الباطن والسذاجة في الإكرام والتنويه ، انتهى.
ولهذا الكاتب شعر
يسقط فيه سقوط الأغبياء ، وقد يتنبّه فيه تنبّه الأذكياء ، فمنه قوله من قصيدة
يمدح حريزا المذكور مطلعها : [المتقارب]
يذكّرني بهم
العنبر
|
|
وظلم ثناياهم
سكّر
|
إلى أن قال :
ولو لا معاليك
يا ذا النّدى
|
|
لما كان في
الأرض من يشعر
|
فلا تنكرنّ
زحاما على
|
|
ذراك وفي كفّك
الكوثر
|
ومشى في موكبه وهم
في سفر ، وكان في فصل المطر والطين ، فجعل فرسه في ذنب فرس ابن عكّاشة ، فلمّا
أثارت يدا فرسه طينا جاء في عنق أميره ، ففطن لذلك الأمير ، فقال له :
__________________
يا أبا محمد ،
تقدّم ، فقال : معاذ الله أن أسيء الأدب بالتقدّم على أميري ، فقال : فإن كان كذلك
فتأخّر مع الخيل ، فقال : مثلي لا يزال على ركابك في مثل هذه المواضع ، فقال له : فقد والله أهلكتني
بما ترمي يدا فرسك عليّ من الطين ، فقال : أعزّ الله الأمير ! فو الله ما علمت أنّ يد فرسي تصل إلى عنقك ، فضحك ابن
عكاشة حتى كاد يسقط عن مركوبه.
وكان بسرقسطة غلام
اسمه يحيى بن يطفت من بني يفرن ، قد نشأ عند ملكها المقتدر بن هود ، وتخلّق
بالركوب والأدب ، وكان في غاية الجمال والحلاوة والظّرف فعلق بقلب ابن هود ، وكتم
حبّه زمانا فلم ينكتم ، فكتب له : [المجتث]
يا ظبي ، بالله
قل لي
|
|
متى ترى في
حبالي
|
يمرّ عمري وحالي
|
|
من خيبتي منك
خالي
|
فكتب له الغلام في
ظهر الرقعة : [المجتث]
إن كنت ظبيا
فأنت ال
|
|
هزبر تبغي
اغتيالي
|
وليس يخطر يوما
|
|
حلول غيل ببالي
|
ثم كتب بعدهما :
هذا ما اقتضاه حكم الجواب في النظم ، وأنا بعد قد جعلت رسني بيد سيدي ، فعسى أن
يقودني إلى ما أحبّ ، لا ما أكره ، والذي أحبّه أن يكون بيننا من المحبة ما يقضي
بدوام الإخلاص ، ونأمن في مغبّته من العار والقصاص ، فتركه مدة ، ثم كتب له يوما
على الصورة التي ذكرها : [الكامل]
ما ذا ترى في
يوم أمن طرّزت
|
|
حلل السّحاب به
البروق المذهبه
|
وأنا وكاسي لا
جليس غيره
|
|
ملآن لا يخلو
إلى أن تشربه
|
والأنس إن
يسّرته متيسّر
|
|
ومتى تصعّبه فيا
ما أصعبه
|
فأجابه : [الكامل]
يا مالكا بذّ
الملوك بعلمه
|
|
وخلاله وعلوّه
في المرتبه
|
وافى نداك فحرت
عند جوابه
|
|
إذ ما تضمّن
ريبة مستغربه
|
إنّا إذا نخلو ،
تقوّل حاسد
|
|
وغدا بهذا الأمر
ينصر مذهبه
|
__________________
هبني إلى يوم تطيش
به النّهى
|
|
والبيض تنضى
والقنا متأشبه
|
وهناك فانظرني
بعين بصيرة
|
|
فالشّبل يعرف
أصله من جرّبه
|
ثم أعلاه إلى درجة
الوزارة والقيادة ، إلى أن قتل في جيش كان قدّمه عليه ، فقال فيه من قصيدة : [المجتث]
يا صارما أغمدته
|
|
عن ناظريّ
الصوارم
|
وزهرة غيّبتها
|
|
من الطيور كمائم
|
يا كوكبا خرّ من
أن
|
|
جمي وأنفي راغم
|
بكت عليّ وشقّت
|
|
جيوبهنّ الغمائم
|
قل للحمائم إنّي
|
|
أصبحت أحكي
الحمائم
|
وأنثر الدمع
مهما
|
|
رأيت للزهر باسم
|
تالله لا لذّ
عيش
|
|
لمترف لك عادم
|
ولمّا رحل الوزير
عبد البر بن فرسان من وادي آش إلى علي الميورقي صاحب فتنة إفريقية أقبل عليه ، ثم
ولي أخوه يحيى الإمارة بعده ، فأسند جميع أموره إليه ، فقال يخاطبه : [الطويل]
أجبنا ورمحي
ناصري وحسامي
|
|
وعجزا وعزمي
قائدي وإمامي
|
ولي منك بطّاش
اليدين غضنفر
|
|
يحارب عن أشباله
ويحامي
|
ألا غنّياني
بالصّهيل فإنه
|
|
سماعي ورقراق
الدماء مدامي
|
وحطّا على
الرمضاء رحلي فإنها
|
|
مهادي وخفّاق
البنود خيامي
|
وكان الأمير أبو
عبد الله ابن مردنيش ملك شرق الأندلس من أبطال عصره ، وكان يدفع في المواكب ،
ويشقّها يمينا وشمالا منشدا : [الوافر]
أكرّ على
الكتيبة لا أبالي
|
|
أحتفي كان فيها
أم سواها
|
__________________
حتى إنه دفع مرة
في موكب النصارى ، فصرع منهم وقتل ، وظهر منه ما أعجبت به نفسه ، فقال لشخص من
خواصّه عالم بأمور الحرب : كيف رأيت؟ فقال : لو رآك السلطان لزاد فيما لك في بيت
المال ، وأعلى مرتبتك ، أمن يكون رأس جيش يقدم هذا الإقدام ، ويتعرّض بهلاك نفسه
إلى هلاك من معه ، فقال له : دعني فإني لا أموت مرتين ، وإذا متّ أنا فلا عاش من
بعدي.
ومن حكاياتهم في
الظرف : أنّ القاضي أبا عبد الله محمد بن عيسى من بني يحيى بن يحيى خرج إلى حضور
جنازة ، وكان لرجل من إخوانه منزل بقرب مقبرة قريش ، فعزم عليه في الميل إليه ،
فنزل وأحضر له طعاما ، وغنّت جارية : [الكامل]
طابت بطيب لثاتك
الأقداح
|
|
وزها بحمرة وجهك
التفاح
|
وإذا الربيع
تنسّمت أرواحه
|
|
نمّت بعرف نسيمك
الأرواح
|
وإذا الحنادس
ألبست ظلماءها
|
|
فضياء وجهك في
الدّجى مصباح
|
فكتبها القاضي
طربا على ظهر يده.
قال الراوي : فلقد
رأيته يكبّر على الجنازة والأبيات على ظهر يده.
ومن حكاياتهم في
البلاغة : ما ذكره في «المطمح» أن أبا الوليد بن عيال لمّا انصرف من الحجّ اجتمع مع أبي الطيب في مسجد عمرو بن
العاص بمصر ، ففاوضه قليلا ، ثم قال له : أنشدني لمليح الأندلس ، يعني ابن عبد ربه
، فأنشده : [الكامل]
يا لؤلؤا يسبي
العقول أنيقا
|
|
ورشا بتعذيب
القلوب رفيقا
|
ما إن رأيت ولا
سمعت بمثله
|
|
درّا يعود من
الحياء عقيقا
|
وإذا نظرت إلى
محاسن وجهه
|
|
أبصرت وجهك في
سناه غريقا
|
يا من تقطّع
خصره من رقّة
|
|
ما بال قلبك لا
يكون رقيقا
|
فلما كمل إنشادها
استعادها ، ثم صفّق بيديه وقال : يا ابن عبد ربه ، لقد تأتيك العراق حبوا ، انتهى.
__________________
وقال مؤلف كتاب «واجب
الأدب» : مما يجب حفظه من مخترعات الأندلسيين قول ابن عبد ربه : [الكامل]
يا ذا الذي خطّ
العذار بخدّه
|
|
خطّين هاجا لوعة
وبلابلا
|
ما كنت أقطع أنّ
لحظك صارم
|
|
حتى حملت من
العذار حمائلا
|
وحكي أنّ الوزير
أبا الوليد بن زيدون توفيت ابنته ، وبعد الفراغ من دفنها وقف للناس عند منصرفهم
من الجنازة ليتشكّر لهم ، فقيل : إنه ما أعاد في ذلك الوقت عبارة قالها لأحد ، قال
الصّفدي : وهذا من التوسّع في العبارة ، والقدرة على التفنّن في أساليب الكلام ،
وهو أمر صعب إلى الغاية ، وأرى أنه أشقّ ممّا يحكى عن واصل بن عطاء أنه ما سمعت
منه كلمة فيها راء ؛ لأنه كان يلثغ بحرف الراء لثغة قبيحة ، والسبب في تهوين هذا
الأمر وعدم تهويله أنّ واصل بن عطاء كان يعدل إلى ما يرادف تلك الكلمة ممّا ليس
فيه راء ، وهذا كثير في كلام العرب ، فإذا أراد العدول عن لفظ فرس قال جواد أو ساع أو صافن ، أو العدول عن رمح
قال قناة أو صعدة أو يزني أو غير ذلك ، أو العدول عن لفظ صارم قال حسام أو لهذم أو
غير ذلك ، وأمّا ابن زيدون فأقول في حقّه إنه أقلّ مما كان في تلك الجنازة ، وهو
وزير ، ألف رئيس ممّن يتعيّن عليه أن يتشكّر له ، ويضطر إلى ذلك ، فيحتاج في هذا
المقام إلى ألف عبارة مضمونها الشكر ، وهذا كثير إلى الغاية ، لا سيما من محزون ، فقد قطعة من
كبده : [الطويل]
ولكنه صوب
العقول إذا انبرت
|
|
سحائب منه أعقبت
بسحائب
|
وقد استعمل
الحريري هذا في مقاماته عندما يذكر طلوع الفجر ، وهو من القدرة على الكلام ، وأرى
الخطيب بن نباتة ممن لا يلحق في هذا الباب ، فإنه أملى مجلدة معناها من أوّلها إلى
آخرها «يا أيها الناس اتّقوا الله واحذروه فإنكم إليه راجعون» ، وهذا أمر بارع
معجز ، والناس يذهلون عن هذه النكتة فيه ، انتهى كلام الصّفدي ملخّصا.
وقال في الوافي ،
بعد ذكره جملة من أحوال ابن زيدون ما نصّه : وقال بعض الأدباء : من
__________________
لبس البياض ،
وتختّم بالعقيق ، وقرأ لأبي عمرو ، وتفقّه للشافعي ، وروى شعر ابن زيدون ، فقد
استكمل الظّرف. وكان يسمّى بحتريّ المغرب لحسن ديباجة نظمه ، وسهولة معانيه ، انتهى.
رجع إلى كلام أهل
الأندلس :
وكان الأديب
المحدّث أبو الربيع سليمان بن علي الشلبي الشهير بكثير يهوى من يتجنّى عليه ويقول
: إنه أبرد من الثلج ، فخاطبه كثير بقوله : [الخفيف]
يا حبيبا له
كلام خلوب
|
|
قلّبت في لظى
هواه القلوب
|
كيف تعزو إلى
محبّك بردا
|
|
ومن الحبّ في
حشاه لهيب
|
أنت شمس وقلت
إني ثلج
|
|
فلهذا إذا طلعت
أذوب
|
وقال ابن مهران
ممّا يشتمل على أربعة أمثال : [الكامل]
المال زين ،
والحياة شهيّة ،
|
|
والجود يفقر ،
والشجاعة تقتل
|
والبخل عيب ،
والجبان مذمّم ،
|
|
والقصد أحكم ،
والتوسّط أجمل
|
وقال ابن السّيد
البطليوسي متغزّلا : [الكامل]
نفسي الفداء
لجؤذر حلو اللّمى
|
|
مستحسن بصدوده
أضناني
|
في فيه سمطا
جوهر يروي الظما
|
|
لو علّني ببروده
أحياني
|
ويخرج من هذه
القطعة عدة قطع .
وقال ابن صارة
مضمّنا : [الوافر]
إلى كم ينفد
الدينار مني
|
|
ويطلب كفّ من
عنه يحيد
|
__________________
ألم أنشده في
وادي هيامي
|
|
به لو كان يعطفه
النشيد
|
حبيبي أنت تعلم
ما أريد
|
|
ولكن لا ترقّ
ولا تجود
|
وكم غنّيت حين
تنكّبتني
|
|
منى شيطانها
أبدا مريد
|
(يريد المرء أن يؤتى مناه
|
|
ويأبي الله إلّا
ما يريد)
|
وقال ذو الرياستين
أبو مروان عبد الملك بن رزين : [مجزوء الكامل]
بالله إن لم
تزدجر
|
|
يا مشبه البدر
المنير
|
لأسرّحنّ نواظري
|
|
في ذلك الورد
النضير
|
ولآكلنّك بالمنى
|
|
ولأشربنّك
بالضمير
|
وقال ابن عبد ربه : [مخلع البسيط]
اشرب على المنظر
الأنيق
|
|
وامزج بريق
الحبيب ريقي
|
واحلل وشاح
الكعاب رفقا
|
|
خوفا على خصرها
الرقيق
|
وقل لمن لام في
التصابي
|
|
خلّ قليلا عن
الطريق
|
وسيأتي إن شاء
الله تعالى قريبا من بلاغة أهل الأندلس في الجدّ والهزل ما فيه مقنع لمن اقتصر
عليه.
ومن حكاياتهم في
عدم احتمال الضيم والذلّ والوصف بالأنفة : أنه لمّا ثار أيوب بن مطروح في المائة
الخامسة في الفتنة على ملك غرناطة عبد الله بن بلقين بن حبّوس وخاض بحار الفتنة
حتى رماه موجها فيمن رمى على الساحل ، وحصل فيما بثّ عليهم يوسف بن تاشفين من
الحبائل ، وكانت له همّة وأنفة عظيمة ، وخلع عن إمارته ، وحصل في حبالته ، أدخل
رأسه تحته ، فانتظر من حضر معه أن يتكلّم أو يخرج رأسه ، فلم يكن إلّا قليل حتى
وقع ميتا ، رحمه الله تعالى!.
ولمّا ثار
الميورقي بإفريقية على بني عبد المؤمن الثورة المشهورة ، وخدمه جملة من أعيان أهل
الأندلس ، وكان من جملتهم مالك بن محمد بن سعيد العنسي ، كتب عنه من رسالة : وبعد ، فإنّا لا نحتاج لك إلى برهان
على أمير لسانه الحسام ، وأيّده التأييد الرباني الذي
__________________
لا يرام ، قد نصب
خيامه بالبراح ، ولم يتّخذ سورا غير سمر القنا وبيض الصّفاح ، له من العزم ردء ومن
الحزم كمين : [الوافر]
إذا صدق الحسام
ومنتضيه
|
|
فكلّ قرارة حصن
حصين
|
وهو من القوم
الذين لا يجورون على جار ، ولا يرحلون بخزية ولا يتركون من عار ، دينهم دين التقوى
، وإن كنت من ذلك في شكّ فأقدم علينا حتى يصحّ لك اختبار الذهب بالسّبك ، وأنت
بالخيار في الظعن والإقامة ، فإن حللت نزلت خير منزل ، وإن رحلت ودّعت أفضل وداع ،
وسرت في كنف السلامة ، إذ قد شهرنا بأنّا لا نقيّد إلّا بالإحسان ، وأن ندع
لاختياره كل إنسان.
ومن حكايات أهل
الأندلس في الجود والفضل ومكارم الأخلاق : أنّ أبا العرب
الصقلي حضر مجلس المعتمد بن عباد ، فأدخلت عليه جملة من دنانير السّكّة ، فيمر له
بخريطتين منها ، وبين يديه تصاوير عنبر من جملتها صورة جمل مرصّع بنفيس الدّرّ ،
فقال أبو العرب : ما يحمل هذه الدنانير إلّا جمل ، فتبسّم المعتمد وأمر له به ،
فقال : [البسيط]
أعطيتني جملا
جونا شفعت به
|
|
حملا من الفضّة
البيضاء لو حملا
|
نتاج جودك في
أعطان مكرمة
|
|
لا قدّ تعرف من
منع ولا عقلا
|
فاعجب لشأني
فشأني كلّه عجب
|
|
رفّهتني فحملت
الحمل والجملا
|
ومن نظم أبي العرب
المذكور : [الطويل]
إلام اتّباعي للأماني
الكواذب
|
|
وهذا طريق المجد
بادي المذاهب
|
أهمّ ولي عزمان
: عزم مشرّق
|
|
وآخر يثني همّتي
للمغارب
|
ولا بدّ لي أن
أسأل العيس حاجة
|
|
تشقّ على
أخفافها والغوارب
|
إذا كان أصلي من
تراب فكلّها
|
|
بلادي وكلّ
العالمين أقاربي
|
وذكر الحافظ الحجاري
في «المسهب» أنه سأل عمّه أبا محمد عبد الله بن إبراهيم عن
__________________
أفضل من لقي من
أجواد تلك الحلبة ، فقال : يا ابن أخي ، لم يقدر أن يقضى لي الاصطحاب بهم ، في شباب أمرهم ، وعنفوان رغبتهم في المكارم ، ولكن
اجتمعت بهم وأمرهم قد هرم ، وساءت بتغير الأحوال ظنونهم ، وملّوا الشكر ، وضجروا
من المروءة ، وشغلتهم المحن والفتن ، فلم يبق فيهم فضل للإفضال وكانوا كما قال أبو
الطيب : [البسيط]
أتى الزمان بنوه
في شبيبته
|
|
فسرّهم وأتيناه على الهرم
|
فإن يكن أتاه على
الهرم فإنّا أتيناه وهو في سياق الموت ، ثم قال : ومع هذا فإن الوزير أبا بكر بن
عبد العزيز ـ رحمه الله تعالى ـ! كان يحمّل نفسه ما لا يحمله الزمان ، ويبسم في
موضع القطوب ، ويظهر الرضا في حال الغضب ، ويجهد ألّا ينصرف عنه أحد غير راض ، فإن
لم يستطع الفعل عوّض عنه القول.
قلت له : فالمعتمد
بن عباد كيف رأيته؟ فقال : قصدته وهو مع أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين في غزوته للنصارى المشهورة ، فرفعت له
قصيدة منها : [البسيط]
لا روّع الله
سربا في رحابهم
|
|
وإن رموني
بترويع وإبعاد
|
ولا سقاهم على
ما كان من عطش
|
|
إلّا ببعض ندى
كفّ ابن عباد
|
ذي المكرمات
التي ما زلت تسمعها
|
|
أنس المقيم وفي
الأسفار كالزاد
|
يا ليت شعري ما
ذا يرتضيه لمن
|
|
ناداه يا موئلي
في جحفل النادي
|
فلما انتهيت إلى
هذا البيت قال : أما أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه ، ولكن خذ ما ارتضى لك
الزمان ، وأمر خادما له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن ، فإني انصرفت به إلى
المرية ، وكان يعجبني سكناها والتجارة بها ، لكونها مينا لمراكب التجار من مسلم
وكافر ، فتجرت فيها فكان إبقاء ماء وجهي على يديه ، رحمة الله تعالى عليه! ثم أخذ
البطاقة وجعل يجيل النظر والفكر في القصيدة ، وأنا مترقّب لنقده ، لكونه في هذا
الشأن من أئمته ، وكثيرا ما كان الشعراء يتحامونه لذلك إلّا من عرف من نفسه
التبريز ، ووثق بها ، إلى أن انتهى إلى قولي : [البسيط]
ولا سقاهم على
ما كان من عطش
|
|
إلّا ببعض ندى
كفّ ابن عبّاد
|
__________________
فقال : لأي شيء
بخلت عليهم أن يسقوا بكفّه؟ فقلت : إذن كان يلحقني من النقد ما لحق ذا الرمة في
قوله : [الطويل]
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر
وكان طوفان نوح
أهون عليهم من ذلك ، فتألّقت غرّته ، وبدت مسرّته ، وقال : إنّا لله على أن لم
يعنّا الزمان على مكافأة مثلك.
قال : وكنت ممّن
زاره بسجنه بأغمات ، وحملتني شدّة الحميّة له والامتعاض لما حلّ به أن كتبت على حائط سجنه متمثّلا : [الطويل]
فإن تسجنوا
القسريّ لا تسجنوا اسمه
|
|
ولا تسجنوا
معروفه في القبائل
|
ثم تفقدت الكتابة
بعد أيام ، فوجدت تحت البيت : لذلك سجنّاه : [الطويل]
ومن يجعل
الضّرغام في الصّيد بازه
|
|
تصيّده الضّرغام
فيما تصيّدا
|
فما أدري من جاوب
بذلك ، ثم عدت له ووجدته قد محي ، وأعلمت بذلك ابن عبّاد ، فقال : صدق المجاوب ،
وأنا الجاني على نفسه ، والحافر بيده لرمسه ، ولمّا أردت وداعه أمر لي بإحسان على
قدر ما استطاع ، فارتجلت : [السريع]
آليت لا أقبل
إحسانكم
|
|
والدّهر فيما قد
عراكم مسي
|
ففي الذي أسلفتم
غنية
|
|
وإن يكن عندكم
قد نسي
|
قال : وفيه أقول
من قصيدة : [السريع]
يا طالب الإنصاف
من دهره
|
|
طلبت أمرا غير
معتاد
|
فلو يكون العدل
في طبعه
|
|
لما عدا ملك ابن
عبّاد
|
وللحجاري المذكور
كتاب في البديع سماه «الحديقة» وأنشد لنفسه فيه : [السريع]
وشادن ينصف من
نفسه
|
|
أمّنني من سطوة
الدهر
|
__________________
ينام للشّرب على
جنبه
|
|
ويصرف الذّنب
إلى الخمر
|
وله في فرس : [الوافر]
ومستبق يحار
الطّرف فيه
|
|
ويسلم في الكفاح
من الجماح
|
كأنّ أديمه ليل
بهيم
|
|
تحجّل باليسير
من الصباح
|
إذا احتدم
التسابق صار جرما
|
|
تقلّب بين أجنحة
الرياح
|
وكتب أبو العلاء
إدريس بن أزرق إلى ابن رشيق ملك مرسية ، وقد طالت إقامته عند ابن عبد العزيز : [الطويل]
ألا ليت شعري هل
أعود إلى الذي
|
|
عهدت من النّعمى
لديكم بلا جهد
|
فو الله مذ
فارقتكم ما تخلّصت
|
|
من الدهر عندي
ساعة دون ما كدّ
|
فمنّوا بإذن كي
أطير إليكم
|
|
فلا عار في شوق
إلى المال والمجد
|
ووقف بعض أعدائه
على هذه الأبيات ، فوشى بها إلى ابن عبد العزيز قاصدا ضرره ، وكان ذلك في محفل
ليكون أبلغ ، فقال : والله لقد ذكرتني أمره ، ولقد أحسن الدلالة على حاله ، فإنّ
الرجل كريم ، وعلينا موضع اللوم ، لا عليه ، وو الله لأوسعنّه مالا ووجدا بقدر
وسعي ، ثم أخذ في الإحسان إليه حتى برّ يمينه رحمه الله تعالى : [الخفيف]
هكذا هكذا تكون
المعالي
|
|
طرق الجدّ غير
طرق المزاح
|
ولنذكر جملة من
بني مروان بالأندلس ، فنقول :
قال محمد بن هشام
المرواني صاحب كتاب «أخبار الشعراء » : [البسيط]
وروضة من رياض
الحزن حالفها
|
|
طلّ أطلّت به في
أفقها الحلل
|
|
كأنما الورد
فيما بينها ملك
|
|
موف ونوّارها من
حوله خول
|
__________________
وكان في مدة
الناصر ، وأدخل عليه يوما ليذاكره ، فاستحسنه ، وأمره بالتزام بنيه ليؤدّبهم بحسن
أدبه ، ويتخلّقوا بخلقه ، فاستعفى من ذلك ، وقال : إنّ الفتيان لا يتعلّمون إلّا
بشدّة الضبط والقيد والإغلاظ ، وأنا أكره أن أعامل بذلك أولاد الخليفة فيكرهوني ،
وقد يحقد لي بعضهم ذلك إلى أن يقدر على النفع والضرر.
قالوا : وكان
يتعشّق المستنصر بالله ولي عهد الناصر وهو غلام ، وله فيه : [المجتث]
متّع بوجهك جفني
|
|
يا كوكبا فوق
غصن
|
يا من تحجّب حتى
|
|
عن كلّ فكر وأذن
|
وخامر الخوف فيه
|
|
فما يمر بذهن
|
فليس للطّرف
والقل
|
|
ب غير دمع وحزن
|
فإنني ذو ذنوب
|
|
وأنت جنّة عدن
|
وقال أخوه أحمد بن
هشام : [الطويل]
قطعت الليالي
بارتجاء وصالكم
|
|
وما نلت منكم
غير متّصل الهجر
|
وما كنت أدري ما
التصبّر قبلكم
|
|
فعلّمتموني كيف
أقوى على الصبر
|
وما كنت ممّن
يعلق الصبر فكره
|
|
ولكن خشيت الصبر
يذهب بالعمر
|
ومن حكاياتهم في
علوّ الهمة : أنه كان سبب قراءته واجتهاده أنه حضر مجلسا فيه القائد أحمد بن أبي
عبدة ، وهو غلام ، فاستخبره القائد ، فرآه بعيدا من الأدب والظّرف ، ورأى له ذهنا
قابلا للصلاح ، فقال : أيّ سيف لو كانت عليه حلية؟ فقامت من هذه الكلمة قيامته ،
وثابت له همّة ملوكيّة عطف بها على الأدب والتعلّم ، إلى أن صار ابن أبي عبدة عنده كما كان هو عند ابن أبي
عبدة أولا ، فحضر بعد ذلك معه ، وجالا في مضمار الأدب ، فرأى ابن أبي عبدة جوادا
لا يشقّ غباره ، فقال : ما هذا؟ أين هذا مما كان؟ فقال : إن كلمتك عملت
في فكري ما أوجب هذا ، فقال : والله إنّ هذه حلية تليق بهذا السيف ، فجزاك الله عن
همّتك خيرا!.
ثم قال له : سر ،
إنّ لي عليك حقا إذ بعثتك على التأدّب والتميز ، فإذا حضرنا في جماعة فلا تتطاول
على تقصيري ، وحافظ على أن لا أسقط من العيون بإرباء غيري عليّ ، فقال : لك ذلك وزيادة.
__________________
وكان المنذر ابن
الأمير عبد الرحمن الأوسط سيىء الخلق في أول أمره ، كثير الإصغاء إلى أقوال الوشاة
، مفرط القلق ممّا يقال في جانبه ، معاقبا على ذلك من يقدر على معاقبته ، مكثر التشكّي ممّن لا يقدر عليه لوالده
الأمير عبد الرحمن ، فطال ذلك على الأمير ، فقال لوكيل خاصّ به عارف بالقيام بما
يكلّفه به : الموضع الفلاني الذي بالجبل الفلاني المنقطع عن العمران تبني فيه الآن بناء أسكن فيه ابني المنذر ، وأوصاه بالاجتهاد
فيه ، ففرغ منه ، وعاد إليه ، فقال له : تعلم المنذر أني أمرته بالانفراد فيه ،
ولا تترك أحدا من أصحابه ولا أصحاب غيره يزوره ، ولا يتكلّم معه البتّة ، فإذا ضجر
من ذلك وسألك عنه فقل له : هكذا أمر أبوك ، فتولّى الثقة ذلك على ما أمر به ،
ولمّا حصل المنذر في ذلك المكان وبقي وحده ، وفقد خوله ومن كان يستريح إليه ، ونظر إلى ما سلبه من الملك ضجر ، فقال للثقة : عسى أن
يصلني غلماني وأصحابي أتأنّس بهم ، فقال له الثقة : إنّ الأمير أمر أن لا يصلك أحد
وأن تبقى وحدك لتستريح ممّا يرفع لك أصحابك من الوشاية ، فعلم أن الأمير قصد محنته
بذلك وتأديبه ، فاستدعى دواة وكتب إلى أبيه : أني قد توحّشت في هذا الموضع توحّشا
ما عليه من مزيد ، وعدمت فيه من كنت آنس إليه ، وأصبحت مسلوب العزّ فقيد الأمر
والنهي ، فإن كان ذلك عقابا لذنب كبير ارتكبته وعلمه مولاي ولم أعلمه فإني صابر
على تأديبه ، ضارع إليه في عفوه وصفحه : [الطويل]
وإنّ أمير
المؤمنين وفعله
|
|
لكالدهر ، لا
عار بما فعل الدهر
|
فلمّا وقف الأمير
على رقعته ، وعلم أنّ الأدب بلغ به حقّه ، استدعاه فقال له : وصلت رقعتك تشكو ما
أصابك من توحّش الانفراد في ذلك الموضع ، وترغب أن تأنس بخولك وعبيدك وأصحابك ،
وإن كان لك ذنب يترتّب عليه أن تطول سكناك في ذلك المكان ، وما فعلت ذلك عقابا لك
، وإنما رأيناك تكثر الضجر والتشكي من القال والقيل ، فأردنا راحتك بأن نحجب عنك سماع كلام من يرفع لك وينمّ ، حتى تستريح منهم ، فقال
له : سماع ما كنت أضجر منه أخفّ عليّ من التوحّد والتوحّش والتخلّي ممّا أنا فيه
من الرفاهية والأمر والنهي ، فقال له : فإذ قد عرفت وتأدبت فارجع إلى ما اعتدته ،
وعوّل على أن تسمع كأنك لم تسمع ،
__________________
وترى كأنك لم تر ،
وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «لو تكاشفتم ما تدافنتم» ، واعلم أنك أقرب
الناس إليّ وأحبّهم فيّ ، وبعد هذا فما يخلو صدرك في وقت من الأوقات عن إنكار عليّ
، وسخط لما أفعله في جانبك أو جانب غيرك ، مما لو أطلعني الله تعالى عليه لساءني ، لكن الحمد لله الذي
حفظ ما بين القلوب بستر بعضها عن بعض فيما يجول فيها ، وإنك لذو همّة ومطمح ، ومن
يكن هكذا يصبر ويغض ويحمل ، ويبدل العقاب بالثواب ، ويصير الأعداء من قبيل الأصحاب
، ويصبر من الشخص على ما يسوء ، فقد يرى منه بعد ذلك ما يسر ، ولقد يخف عليّ اليوم
من قاسيت من فعله وقوله ، ما لو قطعتهم عضوا عضوا لما ارتكبوه مني ما شفيت منهم غيظي ، ولكن رأيت الإغضاء والاحتمال ، لا سيما عند الاقتدار ،
أولى ، ونظرت إلى جميع من حولي ممّن يحسن ويسيء فوجدت القلوب متقاربة بعضها من بعض
، ونظرت إلى المسيء يعود محسنا ، والمحسن يعود مسيئا ، وصرت أندم على من سبق له
منه عقاب ، ولا أندم على من سبق له مني ثواب ، فالزم يا بنيّ معالي الأمور ، وإن
جماعها في التغاضي ، ومن لا يتغاضى لا يسلم له صاحب ، ولا يقرب منه جانب ، ولا
ينال ما تترقى إليه همّته ، ولا يظفر بأمله ، ولا يجد معينا حين يحتاج إليه ،
فقبّل المنذر يده ، وانصرف ، ولم يزل يأخذ نفسه بما أوصاه والده حتى تخلق بالخلق
الجميل ، وبلغ ما أوصاه به أبوه ، ورفع قدره.
ومن شعره في ابن
عمّ له : [الطويل]
ومولى أبى إلّا
أذاي وإنني
|
|
لأحلم عنه وهو
بالجهل يقصد
|
توددته فازداد
بعدا وبغضة
|
|
وهل نافع عند
الحسود التودّد
|
وقوله : [المجتث]
خالف عدوّك فيما
|
|
أتاك فيه لينصح
|
فإنما يبتغي أن
|
|
تنام عنه فيربح
|
ومن كرم نفسه أنّ
أحد التجار أهدى له جارية بارعة الحسن ، واسمها طرب ، ولها صنعة في الغناء حسنة ،
فعندما وقع بصره على حسنها ثم أذنه على غنائها أخذت بمجامع قلبه ، فقال
__________________
لأحد خدّامه : ما
ترى أن ندفع لهذا التاجر عوضا عن هذه الجارية التي وقعت منّا أحسن موقع؟ فقال :
تقدّر ما تساوي من الثمن وتدفع له بقدرها ، فقوّمت بخمسمائة دينار ، فقال المنذر
للخديم : ما عندك فيما ندفع له؟ فقال : الخمسمائة ، فقال : إن هذا للؤم ، رجل أهدى
لنا جارية ، فوقعت منّا موقع استحسان ، نقابله بثمنها ، ولو أنه باعها من يهودي
لوجد عنده هذا ، فقال له : إن هؤلاء التجار لؤماء بخلاء ، وأقلّ القليل يقنعهم ،
فقال : وإنّا كرماء سمحاء ، فلا يقنعنا القليل لمن نجود عليه ، فادفع له ألف دينار
، واشكره على كونه خصّنا بها ، وأعلمه بأنها وقعت منّا موقع رضا.
وفيها يقول : [المنسرح]
ليس يفيد السرور
والطرب
|
|
إن لم تقابل
لواحظي طرب
|
أبهت في الكأس
لست أشربها
|
|
والفكر بين
الضلوع يلتهب
|
يعجب مني معاشر
جهلوا
|
|
ولو رأوا حسنها
لما عجبوا
|
وقال له أبوه يوما
: إنّ فيك لتيها مفرطا ، فقال له : حقّ لفرع أنت أصله أن يعلو ، فقال له : يا بنيّ
، إن العيون تمجّ التّيّاه ، والقلوب تنفر عنه ، فقال : يا أبي ، لي من العزّ والنسب وعلوّ المكان والسلطان
ما يجمّل عن ذلك ، وإني لم أر العيون إلّا مقبلة عليّ ، ولا الأسماع إلّا مصغية
إليّ ، وإنّ لهذا السلطان رونقا يرنّقه التبذل ، وعلوا يخفضه الانبساط ، ولا يصونه ويشرفه إلّا
التيه والانقباض ، وإنّ هؤلاء الأنذال لهم ميزان يسبرون به الرجل منّا ، فإن رأوه راجحا عرفوا له قدر رجاحته ، وإن
رأوه ناقصا عاملوه بنقصه ، وصيّروا تواضعه صغرا ، وتخضّعه خسّة ، فقال له أبوه :
لله أنت! فابق وما رأيت.
وكان له أخ أديب
أيضا اسمه المطرف بن عبد الرحمن الأوسط ، ومن شعره : [المجتث]
أفنيت عمري في
الشّر
|
|
ب والوجوه الملاح
|
ولم أضيّع أصيلا
|
|
ولا اطلاع صباح
|
__________________
أحيي الليالي
سهدا
|
|
في نشوة ومراح
|
ولست أسمع ما ذا
|
|
يقول داعي
الفلاح
|
والعياذ بالله من
هذا الكلام ، وحاكي الكفر ليس بكافر.
وعتبه أحد إخوانه
على هذا القول فقال : إني قلته وأنا لا أعقل ، ولا أعلم أنه يحفظ عني ، وأنا
أستغفر الله تعالى منه ، والذي يغفر الفعل أكرم من أن يعاقب على القول.
ومن جيد شعره له :
[الخفيف]
يا أخي ، فرّقت
صروف الليالي
|
|
بيننا غير زورة
الأحلام
|
فغدونا بعد
ائتلاف وقرب
|
|
نتناجى بألسن
الأقلام
|
وقال أخوهما
الثالث هشام بن عبد الرحمن فيمن اسمه ريحان : [الطويل]
أحبّك يا ريحان
ما عشت دائما
|
|
ولو لامني في
حبّك الإنس والجان
|
ولولاك لم أهو
الظلام وسهده
|
|
ولا حبّبت لي في
ذرا الدار غربان
|
وما أعشق
الريحان إلّا لأنه
|
|
شريكك في اسم
فيه قلبي هيمان
|
على أنه لم يكمل
الظرف مجلس
|
|
إذا لم يكن فيه
مع الراح ريحان
|
وله فيه : [الطويل]
إذا أنا مازحت
الحبيب فإنما
|
|
قصدت شفاء الهمّ
في ذلك المزح
|
فما العيش إلّا
أن أراه مضاحكا
|
|
كما ضحك الليل
البهيم عن الصبح
|
وقال أخوهم الرابع
يعقوب بن عبد الرحمن : [الوافر]
إذا أنا لم أجد
يوما وقومي
|
|
لهم في الجود
آثار عظام
|
فمن يرجى لتشييد
المعالي
|
|
إذا قعدت عن
الخير الكرام
|
ومدحه بعض الشعراء
، فأمر له بمال جزيل ، فلما كان مثل ذلك الوقت جاءه بمدح آخر ، فقال أحد خدام
يعقوب : هذا اللئيم له دين عندنا جاء يقتضيه؟ فقال الأمير : يا هذا ، إن كان الله
تعالى خلقك مجبولا على كره ربّ الصنائع فاجر على ما جبلت عليه في نفسك ، ولا تكن
__________________
كالأجرب يعدي غيره
، وإنّ هذا الرجل قصدنا قبل ، فكان منّا له ما أنس به وحمله على العودة ،
وقد ظنّ فينا خيرا ، فلا نخيب ظنّه ، والحديث أبدا يحفظ القديم ، وقد جاءنا على
جهة التهنئة بالعمر ، ونحن نسأل الله تعالى أن يطيل عمرنا حتى يكثر ترداده ، ويديم
نعمنا حتى نجد ما ننعم به عليه ، ويحفظ علينا مروءتنا حتى يعيننا على التجمل معه ،
ولا يبلينا بجليس مثلك يقبض أيدينا عن إسداء الأيادي ، وأمر الشاعر بما كان أمر له به قبل ، وأوصاه بالعود عند
حلول ذلك الأوان ما دام العمر.
وقال أخوهم الخامس
الأمير محمد بن الأمير عبد الرحمن لأخيهم السادس أبان وقد خلا معه على راحة : هل لك أمل
نبلغك إياه؟ فقال : لم يبق لي أمل إلّا أن يديم الله تعالى عمرك ويخلد ملكك ،
فأعجب ذلك الأمير ، وقال : ما مالت إليك نفسي من باطل ، وكان كل واحد منهما يهيم
بالآخر ، وفي ذلك يقول أبان : [البسيط]
يا من يلوم ولا
يدري بمن أنا مف
|
|
تون لو ابصرته
ما كنت تلحاني
|
من مازجت روحه
روحي وشاطرني
|
|
يا حسنه حين
أهواه ويهواني
|
وكان للأمير محمد
بن الأمير عبد الرحمن ثلاثة أولاد نجباء : القاسم ، والمطرف ، ومسلمة ، ولهم أخ
رابع اسمه عثمان.
فمن نظم القاسم في عثمان أخيه ، وقد زاره فاستسقاه ماء ، فأبطأ عليه غلامه
لعلّة لم يقبلها القاسم : [البسيط]
الماء في دار
عثمان له ثمن
|
|
والخبز شيء له
شأن من الشّان
|
فاسلح على كل
عثمان مررت به
|
|
غير الخليفة
عثمان بن عفان
|
وله : [مخلع
البسيط]
شغلت بالكيمياء
دهري
|
|
فلم أفد غير كلّ
خسر
|
إتعاب فكر ،
خداع عقل
|
|
فساد مال ، ضياع
عمر
|
__________________
وقال شقيقه المطرف
، ويعرف بابن غزلان ، وهي أمه ، وكانت مغنية بديعة محسنة عوّادة أديبة : [المنسرح]
هل أتّكي مشرفا
على نهر
|
|
أرمي بطرفي إليه
من قصري
|
عند أخ لو دهته
حادثة
|
|
أعطيته ما أحبّ
من عمري
|
وقال أخوهما مسلمة
: [الخفيف]
إنّ شيبا وصبوة
لمحال
|
|
أو لم يأن أن
يكون زوال
|
فدع النفس عن
مزاح ولهو
|
|
تلك حال مضت
وجاءتك حال
|
وكان يقول : إني
لا أفارق إلّا من اختار مفارقتي ، ومن خادعني انخدعت له ، وأريته أني غير فطن
بخداعه ، ليعجبه أمره ، وأدخل عليه مسرّة بنفسه ورأيه.
وقال محمد بن الأمير
المنذر بن الأمير محمد في جاريته الأراكة : [المجتث]
قل للأراكة قد
زا
|
|
د بالدنوّ
اشتياقي
|
وهاج ما بي
إليها
|
|
تمثّلي للعناق
|
وإنني وبقلبي
|
|
جمر جرى في
المآقي
|
طويت ما بي ليوم
|
|
يكون فيه
التلاقي
|
فإن أعد لاجتماع
|
|
حرّمت يوم افتراق
|
لا يعرف الشوق
إلّا
|
|
من ذاق طعم
الفراق
|
وقال عبد الله بن
الناصر ، وقد أهدى له سعيد بن فرج ياسمينا أبيض وأصفر ، وكتب معه
: [الكامل]
مولاي قد أرسلت
نحوك تحفة
|
|
بمراد ما أبغيه
منك تذكّر
|
من ياسمين
كاللّجين تبرّجت
|
|
بيضا وصفرا
والسّماح يعبّر
|
فأجابه بما نصّه :
[السريع]
__________________
أتاك تفسيري
ولمّا يحل
|
|
منّي على أضغاث
أحلام
|
اجعله رسما
دائما زائرا
|
|
مني ومنك غرّة
العام
|
وبعث إليه بهذين
البيتين مع ملء الطبق دنانير ودراهم ، فقال ابن فرج : [الخفيف]
قد سمعنا بجود
كعب وحاتم
|
|
ما سمعنا جودا
مدى العمر لازم
|
فدعائي بأن تدوم
دعاء
|
|
لي ما زال طول
ما عشت دائم
|
ما سمعنا كمثل
هذا اختراعا
|
|
هكذا هكذا تكون
المكارم
|
تشبه هذه الحكاية
حكاية اتّفقت لبعض ملوك إفريقية ، وذلك أنّ رجلا أهدى لي في قادوس وردا أحمر وأبيض
، فأمر أن يملأ له دراهم ، فقالت له جارية من جواريه : إن رأى الأمير أن يلوّن ما
أعطاه ، حتى يوافق ما أهداه ، فاستحسن ذلك الأمير ، وأمر أن يملأ دنانير ودراهم.
وكان المرواني
المذكور يساير أحد الفقهاء الظرفاء ، فمرّا بجميل ، فمال عبد الله بطرفه إلى وجهه ، وظهر ذلك لمسايره ، فتبسّم ، ففهم عبد الله تبسمه ، فقال : إنّ هذه الوجوه الحسان خلّابة ، ولكنّا لا نتغلغل
في نظرها ، ولا ندّعي العفّة عنها بالجملة ، وفيها اعتبار وتذكار بالحور العين
التي وعد الله تعالى ، فقال له الفقيه : احتجّ لروحك بما شئت ، فقال : أو ما هي
حجّة تقبل؟ فقال الفقيه : يقبلها من رقّ طبعه ، وكاد يضيق عن الصبر وسعه ، فقال :
وأراك شريكا لي ، فقال : ولو لا ذلك للمتك ، فأطرق عبد الله ساعة ثم أنشد : [المنسرح]
أفدي الذي مرّ
بي فمال له
|
|
لحظي ولكن ثنيته
غصبا
|
ما ذاك إلّا
مخاف منتقد
|
|
فالله يعفو
ويغفر الذّنبا
|
فقال له الفقيه :
إن كنت ثنيت لحظك خوف انتقادي فإني أدعوه إليك حتى تملأ منه ، ولا تنسب إليّ ما
نسبت ، فتبسّم عبد الله وقال : ولا هذا كلّه ، وقال له : إنّ مثلك في الفقهاء
لمعدوم ، فقال له : ما كنت إلّا أديبا ، ولكنّي لمّا رأيت سوق الفقه بقرطبة نافقة
اشتغلت به ، فقال له : ومن عقل المرء أن لا يفني عمره فيما لا ينفقه عصره.
وكان عبد الله المذكور
يسمّى الزاهد ، فبايع قوما على قتل والده الناصر وأخيه الحكم
__________________
المستنصر ولي
العهد ، فأخذ يوم عيد الأضحى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ، فذبح بين يديه رحمة الله
تعالى!.
وقال أخوه أبو
الأصبغ عبد العزيز بن الناصر ، وقد دخل ابن له الكتّاب ، فكتب أول لوح ، فبعثه إلى أخيه
الحكم المستنصر ملك الأندلس ، ومعه : [مجزوء الرمل]
هاك يا مولاي
خطّا
|
|
مطّه في اللوح
مطّا
|
ابن سبع في سنيه
|
|
لم يطق للوح
ضبطا
|
دمت يا مولاي
حتى
|
|
يلد ابن ابنك
سبطا
|
وله : [الرمل]
زارني من همت
فيه سحرا
|
|
يتهادى كنسيم
السّحر
|
أقبس الصبح ضياء
ساطعا
|
|
فأضا والفجر لم
ينفجر
|
واستعار الروض
منه نفحة
|
|
بثّها بين
الصّبا والزّهر
|
أيها الطالع
بدرا نيرا
|
|
لا حللت الدهر
إلّا بصري
|
وكان مغرى مغرما
بالخمر والغناء ، فقطع الخمر ، فبلغه أنّ المستنصر لمّا بلغه تركه للخمر قال : الحمد
لله الذي أغنانا عن مفاتحته ، ودلّه على ما نريد منه ، ثم قال : لو ترك الغناء
لكمل خيره ، فقال : والله لا تركته حتى تترك الطيور تغريدها ، ثم قال : [الخفيف]
أنا في صحّة
وجاه ونعمى
|
|
هي تدعو لهذه
الألحان
|
وكذا الطير في
الحدائق تشدو
|
|
للذي سرّ نفسه
بالقيان
|
وقال أخوه محمد بن
الناصر لمّا قدم أخوهما المستنصر من غزوة : [الطويل]
قدمت بحمد الله
أسعد مقدم
|
|
وضدّك أضحى
لليدين وللفم
|
__________________
لقد حزت فيها
السّبق إذ كنت أهله
|
|
كما حاز «بسم
الله» فضل التقدّم
|
وأما أخوهما محمد
بن عبد الملك بن الناصر فقال الحجاري فيه : إنه لم يكن في ولد الناصر ممّن لم يل
الملك أشعر منه ومن ابن أخيه ، وكتب إلى العزيز صاحب مصر : [الطويل]
ألسنا بني مروان
كيف تبدّلت
|
|
بنا الحال أو
دارت علينا الدوائر
|
إذا ولد المولود
منّا تهلّلت
|
|
له الأرض
واهتزّت إليه المنابر
|
وكان جواب العزيز
له : أمّا بعد ، فإنك عرفتنا فهجوتنا ، ولو عرفناك لهجوناك .
وله في الصّنوبر :
[المجتث]
إنّ الصنوبر حصن
|
|
لديه حرز وباس
|
خفّت من اجل
إرها
|
|
ب من عداه تراس
|
كأنما هو ضدّ
|
|
لما حواه الرياس
|
وبعض سيوف الأندلس
محفور صدر الرياس على صورة قشور الصنوبر إلّا أنّ تلك ناتئة وهذه محفورة ، وقال : [الطويل]
أتاني وقد خطّ
العذار بخدّه
|
|
كما خطّ في ظهر
الصحيفة عنوان
|
تزاحمت الألحاظ
في وجناته
|
|
فشقّت عليه
للشقائق أردان
|
وزدت غراما حين
لاح كأنما
|
|
تفتّح بين الورد
والآس سوسان
|
وقال : [الطويل]
لئن كنت خلّاع
العذار بشادن
|
|
وكأس فإني غير
نزر المواهب
|
وإنّي لطعّان
إذا اشتجر القنا
|
|
ومقحم طرفي في
صدور الكتائب
|
وإني إذا لم ترض
نفسي بمنزل
|
|
وجاش بصدري
الفكر جمّ المذاهب
|
__________________
جليد يؤود
الصّخر لو أنّ صبره
|
|
كصبري ، على ما
نابني ، للنوائب
|
وأسري إلى أن
يحسب الليل أنني
|
|
لطول مسيري فيه
بعض الكواكب
|
وأمّا ابن أخيه
مروان بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن الناصر فكان في بني أمية شبه عبد الله بن
المعتز في بني العباس ، بملاحة شعره وحسن تشبيهه.
ومن شعره القصيدة
المشهورة : [الرمل]
غصن يهتزّ في
دعص نقا
|
|
يجتني منه فؤادي
حرقا
|
سال لام الصّدغ
في صفحته
|
|
سيلان التّبر
وافى الورقا
|
فتناهى الحسن
فيه إنما
|
|
يحسن الغصن إذا
ما أورقا
|
ومنها :
أصبحت شمسا وفوه
مغربا
|
|
ويد الساقي
المحيّي مشرقا
|
فإذا ما غربت في
فمه
|
|
تركت في الخدّ
منه شفقا
|
ومنها :
وكأنّ الورد
يعلوه النّدى
|
|
وجنة المحبوب
تندى عرقا
|
قالوا : وهذا
النمط قد فاق به أهل عصره ، ويظنّ أنه لا يوجد لأحد منهم أحلى وأكثر أخذا
بمجامع القلوب من قوله : [الكامل]
ودّعت من أهوى
أصيلا ، ليتني
|
|
ذقت الحمام ولا
أذوق نواه
|
فوجدت حتى الشمس
تشكو وجده
|
|
والورق تندب
شجوها بهواه
|
وعلى الأصائل
رقّة من بعده
|
|
فكأنها تلقى
الذي ألقاه
|
وغدا النسيم
مبلّغا ما بيننا
|
|
فلذاك رقّ هوى
وطاب شذاه
|
ما الروض قد
مزجت به أنداؤه
|
|
سحرا بأطيب من
شذا ذكراه
|
والزهر مبسمه
ونكهته الصّبا
|
|
والورد أخضله
الندى خدّاه
|
__________________
فلذاك أولع
بالرياض لأنها
|
|
أبدا تذكّرني
بمن أهواه
|
ولله قوله : [الخفيف]
وعشيّ كأنه صبح
عيد
|
|
جامع بين بهجة
وشحوب
|
هبّ فيه النسيم
مثل محبّ
|
|
مستعيرا شمائل
المحبوب
|
ظلت فيه ما بين
شمسين هذي
|
|
في طلوع وهذه في
غروب
|
وتدلّت شمس
الأصيل ولكن
|
|
شمسنا لم تزل
بأعلى الجنوب
|
ربّ هذا خلقته
من بديع
|
|
من رأى الشمس
أطلعت في قضيب
|
أي وقت قد أسعف
الدهر فيه
|
|
وأجابت به المنى
عن قريب
|
قد قطعناه نشوة
ووصالا
|
|
وملأناه من كبار
الذنوب
|
حين وجه السعود
بالبشر طلق
|
|
ليس فيه أمارة
للقطوب
|
ضيّع الله من
يضيّع وقتا
|
|
قد خلا من مكدّر
ورقيب
|
وبات عند أحد
رؤساء بني مروان ، فقدّم إليه ذلك الرئيس قدحا من فضّة فيه راح أصفر ، وقال : اشرب وصف فداك ابن عمك ، فقام إجلالا وشرب صائحا
بسروره ، ثم قال:الدواة والقرطاس ، فأحضرا ، وكتب : [السريع]
اشرب هنيئا لا
عداك الطرب
|
|
شرب كريم في
العلا منتخب
|
وافاك بالراح
وقد ألبست
|
|
برد أصيل معلما
بالحبب
|
في قدح لم يك
يسقى به
|
|
غير أولي المجد
وأهل الحسب
|
ما جار إذ سقّاك
من كفّه
|
|
في جامد الفضّة
ذوب الذهب
|
فقم على رأسك
برا به
|
|
واشرب على ذكراه
طول الحقب
|
ويحكى أنه لمّا
قتل أباه وقد وجده مع جارية له كان يهواها سجنه المنصور بن أبي عامر مدة ، إلى أن
رأى في منامه النبيّ ، صلى الله عليه وسلم ، يأمره بإطلاقه ، فأطلقه ، فمن أجل ذلك
عرف بالطليق.
وقال أحمد بن
سلمان بن أحمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر في ابن حزم لمّا
__________________
عاداه علماء عصره : [المجتث]
لمّا تحلّى بخلق
|
|
كالمسك أو نشر
عود
|
نجل الكرام ابن
حزم
|
|
وقام في العلم
عودي
|
فتواه جدّد ديني
|
|
جدواه أورق عودي
|
وله في أبي عامر
بن المظفر بن أبي عامر من قصيدة يمدحه بها : [الخفيف]
بأبي عامر وصلت
حبالي
|
|
فزماني به زمان
سعيد
|
فمتى زدت فيه
ودا وشكرا
|
|
فنداه وقد تناهى
يزيد
|
كيف لي وصفه وفي
كلّ يوم
|
|
منه في المكرمات
معنى جديد
|
وقال أبو عبد الله
محمد بن محمد بن الناصر يرثي أبا مروان بن سراج : [الطويل]
وكم من حديث
للنبيّ أبانه
|
|
وألبسه من حسن
منطقه وشيا
|
وكم مصعب للنحو
قد راض صعبه
|
|
فعاد ذلولا بعد
ما كان قد أعيا
|
وقال عبيد الله بن
محمد المهدي ، وهو من حسنات بني مروان ، ويعرف بالأقرع : [الطويل]
أقول لآمالي
ستبلغ إن بدا
|
|
محيّا ابن عطّاف
ونعم المؤمّل
|
فقالت دعاني كلّ
يوم تعلّل
|
|
فقلت لها إن لاح
يفنى التعلّل
|
لئن كان مني كلّ
حين ترحّل
|
|
فإني إن أحلل به
لست أرحل
|
فتى ترد الآمال
في بحر جوده
|
|
وليس على نعمى
سواه المعوّل
|
وقال هذه في
الوزير ابن عطّاف ، فضنّ عليه حتى برجع الجواب ، فكتب إليه بقصيدة منها : [الرمل]
أيها الممكن من
قدرته
|
|
لا يراك الله
إلّا محسنا
|
__________________
إنما المرء بما
قدّمه
|
|
فتخيّر بين ذمّ
وثنا
|
لا تكن بالدهر ،
غرا وإذا
|
|
كنت فانظر فعله
في ملكنا
|
كلّ ما خوّلت
منه ذاهب
|
|
إنما تصحب منه
الكفنا
|
مدّ كفا نحو كفّ
طالما
|
|
أمطرت منه
السحاب الهتنا
|
أو أرحني بجواب
مؤيس
|
|
فمطال البرّ من
شرّ العنا
|
فلم يعطه شيئا ،
وكان له كاتب فتحيّل في خمسين درهما فأعطاها له ، فلما سمع الوزير بذلك طرده ،
وقال له : من أنت حتى تحمّل نفسك هذا وتعطيه؟ قال : فو الله ما لبث إلّا قليلا حتى
مات الوزير ، وتزوّج الكاتب بزوجته ، وسكن في داره ، وتخوّل في نعمته ، فحملني ذلك
على أن كتبت بالفحم في حائط داره : [الطويل]
أيا دار ، قولي
أين ساكنك الذي
|
|
أبى لؤمه أن
يترك الشّكر خالدا
|
تسمّى وزيرا
والوزارة سبّة
|
|
لمن قد أبى أن
يستفيد المحامدا
|
وولّى ولكن ليس
يبرح ذمّه
|
|
فها هو قد أرضى
عدوّا وناقدا
|
وأضحى وكيل كان
يأنف فعله
|
|
نزيلك في الحوض
الممنّع واردا
|
جزاء بإحسان لذا
وإساءة
|
|
لذاك ، وساع
ورّث الحمد قاعدا
|
والمثل السائر في
هذا «ربّ ساع لقاعد».
وقال سليمان بن
المرتضى بن محمد بن عبد الملك بن الناصر ، وكان في غاية الجمال ، ويلقّب بالغزال :
[الكامل]
قدم الربيع عليك
بعد مغيب
|
|
فتلقّه بسلافة
وحبيب
|
فصل جديد
فلتجدّد حالة
|
|
يأتي الزمان بها
على المرغوب
|
الجوّ طلق فالقه
بطلاقة
|
|
وإذا تقطّب
فالقه بقطوب
|
لله أيام ظفرت
بها ومن
|
|
أهواه منقاد
بغير رقيب
|
__________________
وله : [الكامل]
لي في كفالات
الرماح لو أنها
|
|
وفّت ضمان يبلغ
الآمالا
|
وكّلت دهري في
اقتضاء ضمانها
|
|
ضنّا به أن لا
يحول فحالا
|
وكان مولعا
بالفكاهة والنادر ، محبّا للظرفاء ، وكان يلتزم خدمته المضحك المشهور بالزرافة ، ويحضر معه ،
ولعبوا في مجلس سليمان لعبة أفضوا فيها إلى أن تقسّموا اثنين اثنين ، كل شخص
ورفيقه ، فقال سليمان : ومن يكون رفيقي؟ فقال له المضحك : يا مولاي ، وهل يكون رفيق
الغزال إلّا الزرافة؟ فضحك منه على عادته.
ودخل عليه وهو
قاعد في رحبة قصره ، وقد أطلّ عذاره ، فقال له : ما تطلب الزرافة؟ فقال : ترعى
الحشيش ، وأشار إلى عذاره ، فقال له : اعزب لعنك الله!
ومرّ سليمان به
يوما وهو سكران ، وقد أوقف ذكره وجعل يقول له : ما ذا رأيت في القيام في هذا
الزمان؟ أما رأيت كل ملك قام كيف خلع وقتل؟ والله إنك سيىء الرأي! فقال له سليمان
: وبم لقبت هذا الثائر؟ فقال : يا مولاي ، بصفته القائم ، فقال : ويحتاج إلى خاتم؟
فقال : نعم ، ويكون خاتم سليمان ، فقال له : أخزاك الله! إنّ الكلام معك لفضيحة.
وقال سعيد بن محمد
المرواني ، وقد هجره المنصور بن أبي عامر مدّة لكلام بلغه عنه ،
فدخل والمجلس غاصّ ، وأنشد : [السريع]
مولاي مولاي ،
أما آن أن
|
|
تريحني بالله من
هجركا
|
وكيف بالهجر
وأنّى به
|
|
ولم أزل أسبح في
بحركا
|
فضحك ابن أبي عامر
على ما كان يظهره من الوقار ، وقام وعانقه ، وعفا عنه ، وخلع عليه .
__________________
وله : [الكامل]
والبدر في جوّ
السماء قد انطوى
|
|
طرفاه حتى عاد
مثل الزّورق
|
فتراه من تحت
المحاق كأنما
|
|
غرق الكثير
وبعضه لم يغرق
|
وهو مأخوذ من قول
ابن المعتز : [الكامل]
وانظر إليه
كزورق من فضّة
|
|
قد أثقلته حمولة
من عنبر
|
وقال قاسم بن محمد
المرواني يستعطف المنصور بن أبي عامر ، وقد سجنه لقول صدر عنه : [الكامل]
ناشدتك الله
العظيم وحقّه
|
|
في عبدك
المتوسّل المتحرّم
|
بوسائل المدح
المعاد نشيدها
|
|
في كلّ مجمع
موكب أو موسم
|
لا تستبح مني
حمى أرعاكه
|
|
يا من يرى في
الله أحمى محتمي
|
وقال الأصم
المرواني يمدح أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي بجبل الفتح معارضا
بائية أبي تمام : [البسيط]
السيف أصدق أنباء من الكتب
بقصيدة طويلة منها
: [البسيط]
ما للعدا جنّة
أوقى من الهرب
|
|
أين المفرّ وخيل
الله في الطلب
|
وأين يذهب من في
رأس شاهقة
|
|
إذا رمته سماء
الله بالشّهب
|
ومنها :
وطود طارق قد
حلّ الإمام به
|
|
كالطّور كان
لموسى أيمن الرّتب
|
لو يعرف الطّود
ما غشّاه من كرم
|
|
لم يبسط النور
فيه الكفّ للسّحب
|
ولو تيقّن بأسا
حلّ ذروته
|
|
لصار كالعين من
خوف ومن رهب
|
منه يعاود هذا
الفتح ثانية
|
|
أضعاف ما حدّثوا
في سالف الحقب
|
ويلبس الدين غضا
ثوب عزّته
|
|
كأنّ أيام بدر
عنه لم تغب
|
__________________
وقال في نارنجة : [البسيط]
وبنت أيك دنا من
لثمها قزح
|
|
فصار منه على
أرجائها أثر
|
يبدو لعينيك
منها منظر عجب
|
|
زبرجد ونضار
صاغه المطر
|
كأنّ موسى نبيّ
الله أقبسه
|
|
نارا وجرّ عليها
كفّه الخضر
|
وقال : [السريع]
وشادن قلت له صف
لنا
|
|
بستاننا هذا
ونارنجنا
|
فقال لي بستانكم
جنّة
|
|
ومن جنى النارنج
نارا جنى
|
وقال في زلباني : [الكامل]
لله سفّاح بدا
لي مسحرا
|
|
فأفاد علم
الكيميا بيمينه
|
ذهّبت فضّة خدّه
بلواحظي
|
|
وكذاك تفعل ناره
بعجينه
|
وقال ، وقد نزل في
فندق لا يليق بمثله : [مخلع البسيط]
يا هذه لا
تفنّديني
|
|
أن صرت في منزل
هجين
|
فليس قبح المحلّ
ممّا
|
|
يقدح في منصبي
وديني
|
فالشمس علويّة
ولكن
|
|
تغرب في حمأة
وطين
|
وقال أحمد
المرواني : [الوافر]
حلفت بمن رمى
فأصاب قلبي
|
|
وقلّبه على جمر
الصدود
|
لقد أودى تذكّره
بقلبي
|
|
ولست أشكّ أنّ
النفس تودي
|
فقيد وهو موجود
بقلبي
|
|
فواعجبا لموجود
فقيد
|
__________________
وقال الأصبغ
القرشي يرثي ابن شهيد وهو من أصحابه : [الطويل]
نأى من به كان
السرور مواصلا
|
|
وأسلم قلبي
للصّبابة والفكر
|
ومنها :
لعمرك ما يجدي
النعيم إذا نأت
|
|
وجوههم عني ولا
فسحة العمر
|
وقال سليمان بن
عبد الملك الأموي : [الوافر]
وذي جدل أطال
القول منه
|
|
بلا معنى وقد
خفي الصواب
|
فقلت أجيبه
فازداد ردا
|
|
فقلت له قد
ازدحم الجواب
|
ولم أر غير صمتي
من مريح
|
|
إذا ما لم يفد
فيه الخطاب
|
وقال أبو يزيد بن
العاصي : [الخفيف]
عابه الحاسد
الذي لام فيه
|
|
أن رأى فوق خدّه
جدريّا
|
إنما وجهه هلال
تمام
|
|
جعلوا برقعا
عليه الثّريّا
|
وله : [الطويل]
إذا شئت أن يصفو
صديقك فاطّرح
|
|
نزاع الذي يبديه
في الهزل والجدّ
|
وإن كنت من
أخلاقه في جهنّم
|
|
فأنزله من مثواك
في جنّة الخلد
|
إلى أن يتيح
الله من لطف صنعه
|
|
فراقا جميلا
فاجعل العذر في البعد
|
وليكن هذا آخر ما
نورده من كلام بني مروان رحمهم الله تعالى!.
ولنرجع إلى أهل
الأندلس جملة ، فنقول :
أمر أبو الحجاج
المنصفي أن يكتب على قبره : [السريع]
قالت لي النّفس
أتاك الرّدى
|
|
وأنت في بحر
الخطايا مقيم
|
هلا ادّخرت
الزاد قلت اقصري
|
|
لا يحمل الزاد
لدار الكريم
|
وقد ذكرنا هذين
البيتين في غير هذا الموضع.
__________________
وقال ابن مرج الكحل
: اجتمعنا في حانوت بعض الأطباء بإشبيلية فأضجرناه بكثرة جلوسنا عنده ، وتعذّرت
المنفعة عليه من أجلنا ، فأنشدنا : [مجزوء الرمل]
خفّفوا عنّا
قليلا
|
|
ربّ ضيق في براح
|
هل شكوتم من
سقام
|
|
أو جلسنا للصحاح؟
|
فأضفت إليهما
ثالثا ، وأنشدته إياه على سبيل المداعبة : [مجزوء الرمل]
إن أتيتم ففرادى
|
|
ذاك حكم
المستراح
|
ودخل أبو محمد
غانم بن وليد مجلس باديس بن حبوس ، فوسّع له على ضيق كان فيه ، فقال : [البسيط]
صيّر فؤادك
للمحبوب منزلة
|
|
سمّ الخياط مجال
للمحبّين
|
ولا تسامح بغيضا
في معاشرة
|
|
فقلّما تسع
الدنيا بغيضين
|
ودخل على أبي جعفر
اللمائي بعض أصحابه عائدا في علّته التي مات فيها ، وجعل يروّح
عليه بمروحة ، فقال أبو جعفر على البديهة : [المنسرح]
روّحني عائدي
فقلت له
|
|
لا لا تزدني على
الذي أجد
|
أما ترى النار
وهي خامدة
|
|
عند هبوب الرياح
تتّقد
|
وقال الأعلم :
ليكن محفوظك من النظم مثل قول ابن القبطرنة : [المتقارب]
دعاك خليلك
واليوم طل
|
|
وعارض وجه
الثّرى قد بقل
|
لقدرين فاحا
وشمّامة
|
|
وإبريق راح ونعم
المحل
|
ولو شاء زاد
ولكنه
|
|
يلام الصديق إذا
ما احتفل
|
وقال أبو عامر بن
ينّق الشاطبي : [البسيط]
ما أحسن العيش
لو أنّ الفتى أبدا
|
|
كالبدر يرجو
تماما بعد نقصان
|
إذ لا سبيل إلى
تخليد مأثرة
|
|
إذ لا سبيل إلى
تخليد جثمان
|
__________________
وقال أبو الحسن
اللورقي : [مجزوء الكامل]
عجبا لمن طلب
المحا
|
|
مد وهو يمنع ما
لديه
|
ولباسط آماله
|
|
للغير لم يبسط
يديه
|
لم لا أحبّ
الضّيف أو
|
|
أرتاح من طرب
إليه
|
والضّيف يأكل
رزقه
|
|
عندي ويحمدني
عليه
|
وقال أبو عيسى بن
لبّون ، وهو من قواد المأمون بن ذي النون : [البسيط]
نفضت كفّي من
الدنيا وقلت لها
|
|
إليك عني فما في
الحقّ أغتبن
|
من كسر بيتي لي
روض ومن كتبي
|
|
جليس صدق على
الأسرار مؤتمن
|
أدري به ما جرى
في الدهر من خبر
|
|
فعنده الحقّ
مسطور ومختزن
|
وما مصابي سوى
موتي ويدفنني
|
|
قوم ومالهم علم
بمن دفنوا
|
وقال أبو عامر بن
الحمارة : [الطويل]
ولي صاحب أحنو
عليه وإنه
|
|
ليوجعني حينا
فلا أتوجّع
|
أقيم مكاني ما
جفاني وربما
|
|
يسائلني الرّجعى
فلا أتمنّع
|
كأني في كفّيه
غصن أراكة
|
|
تميل على حكم
النسيم وترجع
|
وقال أبو العباس
بن السعود [البسيط]
تبّا لقلب عن
الأحباب منصرف
|
|
يهوى أحبّته ما
خالس النظرا
|
مثل السّجنجل
فيه الشخص تبصره
|
|
حتى إذا غاب لم
يترك به أثرا
|
ومرض أبو الحكم بن
غلندة ، فعاده جماعة من أصحابه فيهم فتى صغير السنّ ، فوفّاه من برّه ما أوجب
تغيّرهم ، ففطن لذلك وأنشد ارتجالا : [الطويل]
__________________
تكثّر من
الإخوان للدهر عدّة
|
|
فكثرة درّ العقد
من شرف العقد
|
وعظّم صغير
القوم وابدأ بحقّه
|
|
فمن خنصري كفّيك
تبدأ بالعقد
|
ثم نظر إليهم
وأنشدهم ارتجالا قوله : [البسيط]
مغيث أيوب
والكافي لذي النون
|
|
يحلّني فرجا
بالكاف والنون
|
كم كربة من كروب
الدّهر فرّجها
|
|
عني ولم ينكشف
وجهي لمن دوني
|
وقال القاضي أبو
موسى بن عمران : [مجزوء الكامل]
ما للتجارب من
مدى
|
|
والمرء منها في
ازدياد
|
قد كنت أحسب ذا
العلا
|
|
من حاز علما
واستفاد
|
فإذا الفقيه
بغير ما
|
|
ل كالخيام بلا
عماد
|
شرف الفتى
بنضاره
|
|
إنّ الفقير أخو
الجماد
|
ما العلم إلّا
جوهر
|
|
قد بيع في سوق
الكساد
|
وقال أبو بكر بن
الجزار السّرقسطي : [الكامل]
إيّاك من زلل
اللسان فإنما
|
|
عقل الفتى في
لفظه المسموع
|
والمرء يختبر
الإناء بنقره
|
|
ليرى الصحيح به
من المصدوع
|
وقال أبو عامر
أحمد بن عبد الملك بن شهيد : تناول بعض أصحابنا نرجسة ، فركّبها في وردة ، ثم
دفعها إليّ وإلى صاعد ، وقال : قولا ، فأبهمت دوننا أبواب القول ، فدخل الدميري ، وكان أمّيا لا يذكر من الكلام إلّا ما علق بنفسه في
المجالس ، وينفذ مع هذا في المطوّلات من الأشعار ، فأشعر بأمرنا ، فجعل يقول دون
روية : [السريع]
ما للأديبين قد
اعيتهما
|
|
مليحة من ملح
الجنّة
|
نرجسة في وردة
ركّبت
|
|
كمقلة تطرف في
وجنه
|
وقال أبو محمد بن
حزم في «طوق الحمامة» : [الطويل]
__________________
خلوت بها والراح
ثالثة لنا
|
|
وجنح ظلام الليل
قد مدّ واعتلج
|
فتاة عدمت العيش
إلّا بقربها
|
|
فهل في ابتغاء
العيش ويحك من حرج
|
كأني وهي والكأس
والخمر والدّجا
|
|
حيا وثرى
والدّرّ والتبر والسبج
|
قال : وهذه خمس
تشبيهات لا يقدر أحد على أكثر منها إذ تضيق الأعاريض عنه.
قال أبو عامر بن
مسلمة : ولا أذكر مثلها إلّا قول بعض : [البسيط]
فأمطرت لؤلؤا من
نرجس فسقت
|
|
وردا وعضّت على
العنّاب بالبرد
|
إلّا أنه لم يعطف
خمسة على خمسة كما صنع ابن حزم ، بل اكتفى بالعلم في التشبيهات.
قال : ومن أغرب ما
وقع لي من التشبيهات في بيت قول ابن برون الأكشوني الأندلسي يصف فرسا وردا أغرّ
محجّلا : [الكامل]
فكأن غرّته وتحجيلاته
|
|
خمس من السّوسان
وسط شقائق
|
قال : وهذا على
التحقيق ستة على ستة ، ولم أسمع بمثله لأحد .
قال ابن الجلاب :
وكلام أبي عامر هذا لا يخلو من النقد.
وقال ابن صارة : [السريع]
انظر إلى البدر
وإشراقه
|
|
على غدير موجه
يزهر
|
كمشحذ من حجر
أخضر
|
|
خطّ عليه ذهب
أحمر
|
وقال أبو القاسم
بن العطار الإشبيلي : [الطويل]
ركبنا سماء
النّهر والجوّ مشرق
|
|
وليس لنا إلّا
الحباب نجوم
|
وقد ألبسته
الأيك برد ظلالها
|
|
وللشمس في تلك
البرود رقوم
|
__________________
وقال ابن صارة : [الكامل]
والنّهر قد رقّت
غلالة صبغه
|
|
وعليه من ذهب
الأصيل طراز
|
تترقرق الأمواج
فيه كأنها
|
|
عكن الخصور
تضمّها الأعجاز
|
وقال سهل بن مالك
: [البسيط]
وربّ يوم وردنا
فيه كلّ منى
|
|
وقلّ في مثل ذاك
اليوم أن نردا
|
في روضتين بشطّي
سلسل شبم
|
|
كما اجتليت من
المحبوب مفتقدا
|
يبدّد القطر في
أثنائه حلقا
|
|
فتنظم منها فوقه
زردا
|
وقال ابن صارة : [الخفيف]
انظر النهر في
رداء عروس
|
|
صبغته بزعفران
العشيّ
|
ثم لمّا هبّ
النسيم عليه
|
|
هزّ عطفيه في
دلاص الكميّ
|
ولبعضهم في شكل
يرمي الماء مجوفا مثل الخباء وتمزّقه الريح أحيانا : [الكامل]
ومطنّب للماء ما
أوتاده
|
|
إلّا نتائج فكر
طبّ حاذق
|
لعبت به أيدي
الصبا فكأنها
|
|
أيدي الصبابة
بالفؤاد العاشق
|
وقال صفوان بن
إدريس يصف تفاحة في ماء :
ولم أر فيما
تشتهي العين منظرا
|
|
كتفاحة في بركة
بقرار
|
يفيض عليها
ماؤها فكأنها
|
|
بقيّة خدّ في
اخضرار عذار
|
وقال أبو جعفر بن
وضاح في دولاب : [الطويل]
وباكية والروض
يضحك كلّما
|
|
ألحّت عليه
بالدموع السواجم
|
يروقك منها إن
تأمّلت نحوها
|
|
زئير أسود
والتفاف أراقم
|
تخلّص من ماء
الغدير سبائكا
|
|
فتنبتها في
الروض مثل الدراهم
|
__________________
وقال الوزير بن
عمار : [الكامل]
يوم تكاثف غيمه
فكأنّه
|
|
دون السماء دخان
عود أخضر
|
والطّلّ مثل
برادة من فضّة
|
|
منثورة في تربة
من عنبر
|
والشمس أحيانا
تلوح كأنها
|
|
أمة تعرّض نفسها
للمشتري
|
وقال أبو الحسن بن
سعد الخير : [الكامل]
لله دولاب يفيض
بسلسل
|
|
في روضة قد
أينعت أفنانا
|
قد طارحته بها
الحمائم شجوها
|
|
فيجيبها ويرجّع
الألحانا
|
فكأنه دنف يدور
بمعهد
|
|
يبكي ويسأل فيه
عمّن بانا
|
ضاقت مجاري طرفه
عن دمعه
|
|
فتفتّحت أضلاعه
أجفانا
|
وقال ابن أبي
الخصال : [الطويل]
وورد جنيّ
طالعتنا خدوده
|
|
ببشر ونشر
يبعثان على السكر
|
وحفّ ترنجان به
فكأنه
|
|
خدود العذارى في
مقانعها الخضر
|
وقال ابن صارة : [البسيط]
يا ربّ نارنجة
يلهو النديم بها
|
|
كأنها كرة من
أحمر الذهب
|
أو جذوة حملتها
كفّ قابسها
|
|
لكنها جذوة
معدومة اللهب
|
وقال الخفاجي : [الطويل]
وميّاسة تزهو
وقد خلع الحيا
|
|
عليها حلى حمرا
وأردية خضرا
|
يذوب بها ريق
الغمامة فضّة
|
|
ويجمد في
أعطافها ذهبا نضرا
|
وقال ابن صارة
أيضا : [المتقارب]
__________________
ونارنجة لم يدع
حسنها
|
|
لعيني في غيرها
مذهبا
|
فطورا أرى لهبا
مضرما
|
|
وطورا أرى شفقا
مذهبا
|
وقال ابن وضاح في
السرو : [الطويل]
أيا سرو ، لا
يعطش منابتك الحيا
|
|
ولا يدعن أعطافك
الخضل النضر
|
فقد كسيت منك
الجذوع بمثل ما
|
|
تلفّ على
الخطّيّ راياته الخضر
|
وقال أبو إسحاق
الخولاني : [مخلع البسيط]
نيلوفر شكله
كشكلي
|
|
يعوم في أبحر
الدموع
|
قد ألبست عطفه
دروعا
|
|
خوذ لريح الصّبا
شموع
|
يلوح إذ لونه
كلوني
|
|
من فوق فضفاضة
هموع
|
مثل مسامير
مذهبات
|
|
في حلقات من
الدروع
|
وقال ابن الأبّار
: [البسيط]
وسوسنات أرت من
حسنها بدعا
|
|
ولم يزل عصر
مولانا يري بدعه
|
شبيهة بالثّريّا
في تألّفها
|
|
وفي تألّقها
تلتاح ملتمعه
|
هامت بيمناه
تبغي أن تقبّلها
|
|
واستشرفت تجتلي
مرآه مطّلعه
|
ثم انثنى بعضها
من بعضها غلبا
|
|
على البدار
فوافت وهي مجتمعه
|
ورفع هذه الأبيات
إلى الأمير أبي يحيى زكريا.
وقال حازم : [البسيط]
لا نور يعدل نور
اللوز في أنق
|
|
وبهجة عند ذي
عدل وإنصاف
|
نظام زهر يظلّ
الدّرّ منتثرا
|
|
عليه من كلّ
هامي القطر وكّاف
|
بينا ترى وهي
أصداف لدّرّ حيا
|
|
بيض غدت دررا في
خضر أصداف
|
__________________
وقال ابن سعد
الخير في رمّانة : [المتقارب]
وساكنة في ظلال
الغصون
|
|
بروض يروقك
أفنانه
|
تضاحك أترابها
فيه إذ
|
|
غدا الجوّ تدمع
أجفانه
|
كما فتح الليث
فاه وقد
|
|
تضرّج بالدم
أسنانه
|
وقال ابن نزار
الوادي آشي : [الطويل]
ورمانة قد فضّ
عنها ختامها
|
|
حبيب أعار البدر
بعض صفاته
|
فكسّر منها نهد
عذراء كاعب
|
|
وناولني منها
شبيه لداته
|
وقال بعضهم في
القراسيا ، ويقال له بالمغرب «حبّ الملوك» : [المتقارب]
ودوح تهدّل
أشطانه
|
|
رعى الدهر من
حسنه ما اشتهى
|
فما احمرّ منه
فصوص العقيق
|
|
وما اسودّ منه عيون
المها
|
وقال بعضهم : [الوافر]
وأين معاهد
للحسن فيها
|
|
وللأنس التقاء
البهجتين
|
وللأوتار
والأطيار فيها
|
|
لدى الأسحار
أطرب ساجعين
|
فكم بدر تجلّى
من رباها
|
|
ومن بطحائها في
مطلعين
|
وأغيد يرتعي من
تلعتيها
|
|
ومن ثمر القلوب
بمرتعين
|
إذا أهوى لسوسنة
يمينا
|
|
عجبت من التقاء
السوسنين
|
وكم يوم توشّح
من سناه
|
|
ومن زهراتها في
حلتين
|
وراح أصيله ما
بين نهر
|
|
ودولاب يدور
بمسمعين
|
بنهر كالسماء
يجول فيه
|
|
سحائب من ظلال
الدوحتين
|
تدرّع للنّواسم
حين هزّت
|
|
عليه كلّ غصن
كالرّديني
|
ملاعب في غرامي
عند ذكري
|
|
صباه وغصنه
المتلاعبين
|
__________________
وقال الوزير محمد
بن عبد الرحمن بن هانىء : [السريع]
يا حرقة البين
كويت الحشا
|
|
حتى أذبت القلب
في أضلعه
|
أذكيت فيه النار
حتى غدا
|
|
ينساب ذاك
الذّوب من مدمعه
|
يا سؤل هذا
القلب حتى متى
|
|
يؤسى برشف الريق
من منبعه
|
فإنّ في الشهد
شفاء الورى
|
|
لا سيما إن مصّ
من مكرعه
|
والله يدني منكم
عاجلا
|
|
ويبلغ القلب إلى
مطمعه
|
ولو لم يكن
للأندلسيين غير كتاب «شذور الذهب» لكفاهم دليلا على البلاغة ، ومؤلّفه هو علي بن
موسى بن علي بن محمد بن خلف أبو الحسن الأنصاري ، الجيّاني ، نزيل فاس ، وولي
خطابتها ، ولم ينظم أحد في الكيمياء مثل نظمه بلاغة معان وفصاحة ألفاظ ، وعذوبة
تراكيب ، حتى قيل فيه : إن لم يعلّمك صناعة الذهب علّمك الأدب. وفي عبارة بعضهم : إن فاتك ذهبه ، لم يفتك
أدبه. وقيل فيه : إنه شاعر الحكماء ، وحكيم الشعراء. وتوفي رحمه الله تعالى سنة
ثلاث وتسعين وخمسمائة.
ولنذكر هنا نبذة
من سرعة بديهة أهل الأندلس ، وإن مرّت من ذلك جملة ، وستأتي أيضا زيادة على الجميع
، فنقول :
قال في «بدائع
البداءة» ما صورته : روى عبد الجبار بن حمديس الصقلي قال : صنع عبد الجليل بن
وهبون المرسي الشاعر لنا نزهة بوادي إشبيلية ، فأقمنا فيه يومنا ، فلما دنت الشمس
للغروب هبّ نسيم ضعيف غضّن وجه الماء ، فقلت للجماعة : أجيزوا : [الرمل]
حاكت الريح من الماء زرد
فأجازه كلّ منهم
بما تيسّر له ، فقال له أبو تمام غالب بن رباح الحجاج كيف قلت يا أبا محمد؟ فأعدت
القسيم له ، فقال :
أيّ درع لقتال لو جمد
وقد ذكرنا في هذا
الكتاب ما يخالف هذا فليراجع في محلّه.
ثم قال صاحب «بدائع
البداءة» بعد ما سبق ما صورته : وقد نقله ابن حمديس إلى غير هذا الوصف ، فقال : [الرمل]
نثر الجوّ على
الترب برد
|
|
أيّ درّ لنحور
لو جمد
|
__________________
فتناقض المعنى
بذكر البرد ، وقوله «لو جمد» إذ ليس البرد إلّا ما جمده البرد ، اللهمّ إلّا أن
يريد بقوله «لو جمد» دام جموده ، فيصحّ ، وينعقد عن التحقيق .
ومثل هذا قول
المعتمد بن عباد يصف فوّارة : [الكامل]
ولربّما سلّت
لنا من مائها
|
|
سيفا وكان عن
النواظر مغمدا
|
طبعته لجيّا
فزانت صفحة
|
|
منه ولو جمدت
لكان مهنّدا
|
وقد أخذت أنا هذا
المعنى فقلت أصف روضا : [الطويل]
فلو دام ذاك
النبت كان زبرجدا
|
|
ولو جمدت أنهاره
كنّ بلّورا
|
وهذا المعنى مأخوذ
من قول علي التونسي الإيادي من قصيدته الطائية المشهورة : [البسيط]
ألؤلؤ قطر هذا
الجوّ أم نقط؟
|
|
ما كان أحسنه لو
كان يلتقط
|
وهذا المعنى كثير
للقدماء ، قال ابن الرومي من قطعة في العنب الرازقي : [الرجز]
لو أنه يبقى على
الدهور
|
|
قرّط آذان
الحسان الحور
|
قال علي بن ظافر : وأخبرني من أثق به قال : ركب المعتمد على الله أبو
القاسم ابن عبّاد للنزهة بظاهر إشبيلية في جماعة من ندمائه ، وخواصّ شعرائه ، فلمّا
أبعد أخذ في المسابقة بالخيول ، فجاء فرسه بين البساتين سابقا ، فرأى شجرة تين قد
أينعت وزهت وبرزت منها ثمرة قد بلغت وانتهت ، فسدّد إليها عصا كانت في يده فأصابها
، وثبتت على أعلاها ، فأطربه ما رأى من حسنها وثباتها ، والتفت ليخبر به من لحقه
من أصحابه ، فرأى ابن جاخ الصباغ أول من لحق به فقال : أجز : [مجزوء الرجز]
كأنها فوق العصا
فقال :
هامة زنجيّ عصى
__________________
فزاد طربه وسروره
بحسن ارتجاله ، وأمر له بجائزة سنيّة.
قال علي بن ظافر :
وأخبرني أيضا أنّ سبب اشتهار ابن جاخ هذا أنّ الوزير أبا بكر بن عمار كان كثير
الوفادة على ملوك الأندلس ، لا يستقرّ ببلدة ، ولا يستفزّه عن وطره وطن ، وكان كثير التطلّب لما يصدر عن أرباب المهن ، من
الأدب الحسن ، فبلغه خبر ابن جاخ هذا قبل اشتهاره ، فمرّ على حانوته
وهو آخذ في صناعة صباغته ، والنيل قد جرّ على يديه ذيلا ، وأعاد نهارهما ليلا ،
فأراد أن يعلم سرعة خاطره ، فأخرج زنده ويده بيضاء من غير سوء ، وأشار إلى يده ،
وقال : [المجتث]
كم بين زند وزند؟
فقال :
ما بين وصل وصدّ
فعجب من حسن
ارتجاله ، ومبادرة العمل واستعجاله ، وجذب بضبعه ، وبلغ من الإحسان إليه غاية
وسعه.
وبلغني أيضا أنه
دخل سرقسطة فبلغه خبر يحيى القصّاب السرقسطي ، فمرّ عليه ، ولحم خرفانه بين يديه ، فأشار ابن عمار إلى اللحم ، وقال : [المنسرح]
لحم سباط الخرفان مهزول
فقال :
يقول للمفلسين مه زولوا
__________________
ولمّا صنع المتوكل
على الله بن الأفطس صاحب بطليوس هذا القسيم : [المجتث]
الشّعر خطّة خسف
أرتج عليه ،
فاستدعى أبا محمد عبد المجيد بن عبدون صاحب الرائية التي أوّلها : [البسيط]
الدهر يفجع بعد العين بالأثر
وقد تكرّر ذكره في
هذا الكتاب ، وهو أحد وزراء دولته ، وخواصّ حضرته ، فاستجازه إيّاه ، فقال : [المجتث]
لكلّ طالب عرف
للشيخ عيبة عيب
|
|
وللفتى ظرف ظرف
|
وذكر ابن بسّام في
الذخيرة أنّ قائل القسيم الأوّل الأستاذ أبو الوليد بن ضابط ، وأنّ عبد المجيد
أجازه ارتجالا ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وقد ذكرنا ما يقرب من ذلك في هذا الكتاب.
وقال ابن الغليظ
المالقي : قلت يوما للأديب أبي عبد الله بن السراج المالقي ، ونحن
على جرية ماء : أجز : [الطويل]
شربنا على ماء كأنّ خريره
فقال بديها :
بكاء محبّ بان عنه حبيب
فمن كان مشغوفا
كئيبا بإلفه
|
|
فإني مشغوف به
وكئيب
|
وذكر ابن بسّام في
الذخيرة أنه اجتمع ابن عبادة وابن القابلة السبتي بألمرية ، فنظر إلى وسيم يسبح في
البحر ، وقد تعلّق بسكّان بعض المراكب ، فقال ابن عبادة : أجز : [السريع]
انظر إلى البدر الذي لاح لك
__________________
فقال ابن القابلة
: [السريع]
في وسط اللجّة تحت الحلك
قد جعل الماء
سماء له
|
|
واتّخذ الفلك
مكان الفلك
|
وقال أبو عامر بن
شهيد : لمّا قدم زهير الصقلبي إلى حضرة قرطبة من المرية وجّه وزيره أبو جعفر ابن عباس
إلى لمّة من أصحابنا منهم ابن برد وأبو بكر المرواني وابن الحناط والطبني ، فحضروا إليه ، فسألهم عنّي ، وقال : وجّهوا إليه
، فوافاني رسوله مع دابة بسرج محلّى ثقيل ، فسرت إليه ، ودخلت المجلس ،
وأبو جعفر غائب ، فتحرّك المجلس لدخولي ، وقاموا جميعا لي ، حتى طلع أبو جعفر علينا
ساحبا ذيلا لم أر أحدا سحبه قبله ، وهو يترنّم ، فسلمت عليه سلام من يعرف قدر
الرجال ، فردّ ردا لطيفا ، فعلمت أنّ في أنفه نعرة لا تخرج إلّا بسعوط الكلام ،
ولا تراض إلّا بمستحصد النظام ، ورأيت أصحابي يصيخون إلى ترنّمه.
فقال لي ابن
الحناط ، وكان كثير الإنحاء عليّ ، جالبا في المحافل ما يسوء إليّ : إنّ الوزير حضره قسيم ،
وهو يسألنا إجازته ، فعلمت أني المراد ، فاستنشدته ، فأنشد : [الكامل]
مرض الجفون ولثغة في المنطق
فقلت لمن حضر : لا
تجهدوا أنفسكم ، فما المراد غيري ، ثم أخذت الدواة فكتبت : [الكامل]
سببان جرّا عشق من لم يعشق
من لي بألثغ لا
يزال حديثه
|
|
يذكي على
الأحشاء جمرة محرق
|
ينبي فينبو في
الكلام لسانه
|
|
فكأنه من خمر
عينيه سقي
|
لا ينعش الألفاظ
من عثراتها
|
|
ولو انها كتبت
له في مهرق
|
ثم قمت عنهم ، فلم
ألبث أن وردوا عليّ ، وأخبروني أنّ أبا جعفر لم ترض بما جئت
__________________
به من البديهة ،
وسألوني أن أحمل مكاوي الهجاء على حتاره ، فقلت : [المتقارب]
أبو جعفر كاتب
محسن
|
|
مليح سنا الخطّ
حلو الخطابه
|
تملّأ شحما
ولحما وما
|
|
يليق تملّؤه
بالكتابه
|
له عرق ليس ماء
الحياء
|
|
ولكنه رشح ماء
الجنابه
|
جرى الماء في
سفله جري لين
|
|
فأحدث في العلو
منه صلابه
|
وذكر الوزير أبو
بكر بن اللبّانة الداني في كتابه «سقيط الدرر ، ولقيط الزهر» أنّ المعتمد بن عباد
صنع قسيما في القبّة المعروفة بسعد السعود فوق المجلس المعروف بالزاهي ، وهو : [الكامل]
سعد السعود يتيه فوق الزاهي
ثم استجاز
الحاضرين فعجزوا ، فصنع ولده عبد الله الرشيد : [الكامل]
وكلاهما في حسنه متناهي
ومن اغتدى سكنا
لمثل محمد
|
|
قد جلّ في
العليا عن الأشباه
|
لا زال يبلغ
فيهما ما شاءه
|
|
ودهت عداه من
الخطوب دواهي
|
وخرج القاضي
الفقيه أبو الحسن علي بن القاسم بن محمد بن عشرة أحد رؤساء المغرب الأوسط في جماعة
من أصحابه منهم محمد بن عيسى بن سوار الأشبوني ورجل يسمى بأبي موسى خفيف الروح ،
ثقيل الجسم ، فجعل يعبث بالحاضرين بأبيات من الشعر يصنعها فيهم ، فصنع القاضي أبو
الحسن معاتبا له : [السريع]
وشاعر أثقل من جسمه
ثم استجاز ابن
سوار ، فقال :
تأتي معانيه على حكمه
يهجو فلا يهجى
فهل عندكم
|
|
ظلامة تعدي على
ظلمه
|
__________________
لسانه في هجوه
حيّة
|
|
منيّة الحيّة في
سمّه
|
يصيب سرّ المرء
في رميه
|
|
كأنما العالم في
علمه
|
أمّا أبو موسى
ففي كفّه
|
|
عصا ابنه والسحر
في نظمه
|
وفي «المقتبس ، في
تاريخ الأندلس» أن الأمير عبد الرحمن خرج في بعض أسفاره فطرقه خيار جاريته
طروب أمّ ولده عبد الله ، وكانت أعظم حظاياه عنده ، وأرفعهنّ لديه ، لا يزال كلفا
بها ، هائما بحبّها ، فانتبه وهو يقول : [السريع]
شاقك من قرطبة
الساري
|
|
في الليل لم يدر
به الداري
|
ثم أنبه عبد الله بن الشمر نديمه فاستجازه كمال البيت ، فقال : [السريع]
زار فحيّا في
ظلام الدّجى
|
|
أحبب به من زائر
ساري
|
وصنع الأمير عبد
الرحمن المذكور في بعض غزواته قسيما ، وهو : [الطويل]
نرى الشيء ممّا يتّقى فنهابه
ثم أرتج عليه ،
وكان عبد الله بن الشمر نديمه وشاعره غائبا عن حضرته ، فأراد من يجيزه ، فأحضر بعض
قوّاده محمد بن سعيد الزجالي ، وكان يكتب له ، فأنشده القسيم ، فقال : [الطويل]
وما لا نرى ممّا يقي الله أكثر
فاستحسنه وأجازه ،
وحمله استحسانه على أن استوزره.
وذكر ابن بسّام أن المعتمد بن عباد أمر بصياغة غزال وهلال من ذهب ، فصيغا
، فجاء وزنهما سبعمائة مثقال ، فأهدى الغزال إلى السيدة ابنة مجاهد ، والهلال إلى
ابنه الرشيد ، فوقع له إلى أن قال : [الوافر]
بعثنا بالغزال
إلى الغزال
|
|
وللشمس المنيرة
بالهلال
|
__________________
ثم أصبح مصطبحا ،
وجاء الرشيد فدخل عليه ، وجاء الندماء والجلساء ، وفيهم أبو القاسم بن المرزقان فحكى لهم المعتمد البيت ، وأمرهم بإجازته ، فبدر ابن
المرزبان فقال : [الوافر]
فذا سكني أبوّئه
فؤادي
|
|
وذا نجلي أقلّده
المعالي
|
شغلت بذا الطلا
خلدي ونفسي
|
|
ولكني بذاك رخيّ
بال
|
دفعت إلى يديه
زمام ملكي
|
|
محلّى بالصوارم
والعوالي
|
فقام يقرّ عيني
في مضاء
|
|
ويسلك مسلكي في
كلّ حال
|
فدمنا للعلاء
ودام فينا
|
|
فإنا للسماح
وللنزال
|
ولما أنشد أبو
القاسم ابن الصير في قول عبد الله بن السمط : [مجزوء الخفيف]
حار طرف تأمّلك
|
|
ملك أنت أم ملك
|
قال بديها : [مجزوء
الخفيف]
بل تعاليت رتبة
|
|
فلك الأرض
والفلك
|
وذكر ابن بسام في
الذخيرة أنه غنّي يوما بين يدي العالي بالله الإدريسي بمالقة بيت
لعبد الله بن المعتز : [المديد]
هل ترين البين
يحتال
|
|
أن غدت للحي
أجمال
|
فأمر الفقيه أبا
محمد غانم بن الوليد المالقي بإجازته ، فقال بديها : [المديد]
إنما العالي
إمام هدى
|
|
حليت في عصره
الحال
|
ملك أقيال دولته
|
|
لذوي الأفهام
إقبال
|
قل لمن أكدت
مطالبه
|
|
راحتاه الجاه
والمال
|
__________________
وغنّى أبو الحسن
زرياب يوما بين يدي الأمير عبد الرّحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل
بهذين البيتين ، وهما لأبي العتاهية : [الكامل]
قالت ظلوم سميّة
الظّلم
|
|
مالي رأيتك ناحل
الجسم
|
يا من رمى قلبي
فأقصده
|
|
أنت الخبير
بموقع السّهم
|
فقال عبد الرحمن :
هذان البيان منقطعان ، فلو كان بينهما ما يوصلهما لكان أبدع ، فصنع عبيد الله بن فرناس بديها : [الكامل]
فأجبتها والدمع
منحدر
|
|
مثل الجمان وهى
من النّظم
|
فاستحسنه ، وأمر
له بجائزة.
وذكر ابن بسام
أيضا أن المعتمد بن عباد غنّي بين يديه بقول ابن المعتز : [المتقارب]
وخمّارة من بنات
المجوس
|
|
ترى الزقّ في
بيتها شائلا
|
وزنّا لها ذهبا
جامدا
|
|
فكالت لنا ذهبا
سائلا
|
فقال بديها يجيزه
: [المتقارب]
وقلت خذي جوهرا
ثابتا
|
|
فقالت خذوا عرضا
زائلا
|
وركب المعتمد في
بعض الأيام قاصدا الجامع ، والوزير أبو بكر بن عمار يسايره ، فسمع أذان مؤذن ،
فقال المعتمد : [الكامل]
هذا المؤذن قد بدا بأذانه
فقال ابن عمار :
يرجو بذاك العفو من رحمانه
فقال المعتمد :
طوبى له من شاهد بحقيقة
__________________
فقال ابن عمار :
إن كان عقد ضميره كلسانه
وقال عبد الجبار
بن حمديس الصقلي : أقمت بإشبيلية لمّا قدمتها على المعتمد بن عباد مدّة لا
يلتفت إليّ ولا يعبأ بي ، حتى قنطت لخيبتي مع فرط تعبي ، وهممت بالنكوص على عقبي ،
فإني لكذلك ليلة من الليالي في منزلي إذا بغلام معه شمعة ومركوب ، فقال لي : أجب
السلطان ، فركبت من فوري ، ودخلت عليه ، فأجلسني على مرتبة فنك ، وقال لي : افتح
الطاق التي تليك ، ففتحتها فإذا بكور زجاج على بعد ، والنار تلوح من بابيه ،
وواقدة تفتحهما تارة وتسدّهما أخرى ، ثم دام سدّ أحدهما وفتح الآخر ، فحين
تأمّلتهما قال لي : أجز : [المنسرح]
انظرهما في الظلام قد نجما
فقلت :
كما رنا في الدّجنّة الأسد
فقال :
يفتح عينيه ثمّ يطبقها
فقلت :
فعل امرئ في جفونه رمد
فقال :
فابتزّه الدهر نور واحدة
فقلت :
وهل نجا من صروفه أحد؟
فاستحسن ذلك ،
وأمر لي بجائزة سنيّة ، وألزمني خدمته.
وقد ذكرنا هذه
الحكاية في هذا الكتاب ، ولكن ما هنا أتمّ مساقا فلذلك نبّهت عليه.
وذكر صاحب «فرحة
الأنفس ، في أخبار أهل الأندلس» أنّ أمير المؤمنين عبد الرحمن
__________________
الناصر جلس في
جماعة من خواصه ومعهم أبو القاسم لب ، وكان يعدّه للمجون والتطايب ، فقال له : اهج
عبد الملك بن جهور ، يعني أحد وزرائه ، فقال : أخافه ، فقال لعبد الملك : فاهجه
أنت ، فقال : أخاف على عرضي منه ، فقال : أهجوه أنا وأنت ، ثم صنع : [السريع]
لبّ أبو القاسم
ذو لحية
|
|
طويلة أزرى بها
الطول
|
فقال عبد الملك : [السريع]
وعرضها ميلان إن
كسّرت
|
|
والعقل مأفون
ومخبول
|
فقال الناصر للبّ
: اهجه فقد هجاك ، فقال بديها : [السريع]
قال أمين الله
في عصرنا
|
|
لي لحية أزرى
بها الطول
|
وابن جهير قال
قول الذي
|
|
مأكله القرضيل
والفول
|
لو لا حيائي من
إمام الهدى
|
|
نخست بالمنخس شو ...
|
ثم سكت ، فقال له
الناصر : هات تمام البيت ، فامتنع ، فقال له «قولو» تمام البيت ، كلمة قالها
الناصر مسترسلا غير متحفّظ من زيادة الواو وإبدال الهاء واوا ، إذ صوابها «قله»
على حكم المشي مع الطبع والراحة من التكلّف ، فقال لب : يا مولانا ، أنت هجوته ،
ففطن الناصر والحاضرون ، وضحكوا ، وأمر له بجائزة.
والقرضيل : شوك له
ورق عريض تأكله البقر ، وقوله «شو» اسم لذكر الرجل بالرومية ، و «قولو» اسم للاست
بها ، فكأنه قال : لو لا حيائي من إمام الهدى نخست بالمنخس ـ الذي هو الذّكر ـ استه.
وقال ابن ظافر : أخبرني من أثق به قال : اجتمع الوزير أبو بكر بن
القبطرنة والأستاذ أبو العباس ابن صارة في يوم جلا ذهب برقه ، وأذاب ورق ودقه ، والأرض قد ضحكت لتعبيس السماء ، واهتزّت وربت عند نزول
الماء ، فترافدا في صفتها ، فقال ابن صارة : [الكامل]
هذي البسيطة
كاعب أبرادها
|
|
حلل الربيع
وحليها النوّار
|
__________________
فقال ابن القبطرنة
: [الكامل]
وكأنّ هذا الجوّ
فيها عاشق
|
|
قد شفّه التعذيب
والإضرار
|
فقال ابن صارة : [الكامل]
فإذا شكا فالبرق
قلب خافق
|
|
وإذا بكى فدموعه
الأمطار
|
فقال ابن القبطرنة
: [الكامل]
فمن اجل عزّة ذا
وذلّة هذه
|
|
تبكي الغمام
وتضحك الأزهار
|
وقال أبو بكر محمد
بن الحسن الزبيدي النحوي صاحب الشّرطة يخاطب الوزير أبا الحسن جعفر بن عثمان
المصحفي لمّا كتب كتابا له فيه «فاضت نفسه» بالضاد ـ مبينا له الخطأ دون تصريح : [المنسرح]
قل للوزير
السنيّ محتده
|
|
لي ذمّة منك أنت
حافظها
|
عناية بالعلوم
معجزة
|
|
قد بهظ الأوّلين
باهظها
|
يقرّ لي عمرها
ومعمرها
|
|
فيها ونظّامها
وجاحظها
|
قد كان حقا قبول
حرمتها
|
|
لكنّ صرف الزمان
لافظها
|
وفي خطوب الزمان
لي عظة
|
|
لو كان يثني
النفوس واعظها
|
إن لم تحافظ
عصابة نسبت
|
|
إليك قدما فمن
يحافظها
|
لا تدعن حاجتي
بمطرحة
|
|
فإنّ نفسي قد
فاظ فائظها
|
فأجابه المصحفيّ :
[المنسرح]
خفّض فواقا فأنت
أوحدها
|
|
علما ونقّابها
وحافظها
|
كيف تضيع العلوم
في بلد
|
|
أبناؤها كلّهم
يحافظها
|
ألفاظهم كلّها
معطّلة
|
|
ما لم يعوّل
عليك لافظها
|
من ذا يساويك إن
نطقت وقد
|
|
أقرّ بالعجز عنك
جاحظها
|
__________________
علم ثنى
العالمين عنك كما
|
|
ثنى عن الشمس من
يلاحظها
|
وقد أتتني فديت
شاغلة
|
|
للنفس أن قلت
فاظ فائظها
|
فأوضحنها تفز
بنادرة
|
|
قد بهظ الأوّلين
باهظها
|
فأجابه الزبيدي ،
وضمّن شعره الشاهد على ذلك : [الطويل]
أتاني كتاب من
كريم مكرّم
|
|
فنفّس عن نفس
تكاد تفيظ
|
فسرّ جميع
الأولياء وروده
|
|
وسيء رجال آخرون
وغيظوا
|
لقد حفظ العهد
الذي قد أضاعه
|
|
لديّ سواه
والكريم حفيظ
|
وباحثت عن فاظت
وقبلي قالها
|
|
رجال لديهم في
العلوم حظوظ
|
روى ذاك عن
كيسان سهل وأنشدوا
|
|
مقال أبي الغياظ
وهو مغيظ
|
وسميت غياظا
ولست بغائظ
|
|
عدوّا ولكن
للصديق تغيظ
|
فلا رحم الرحمن
روحك حيّة
|
|
ولا هي في
الأرواح حين تفيظ
|
قلت : وفي خطاب
الوزير بهذا البيت وإن حكي عن قائله ما لا يخفى أن اجتنابه المطلوب ، على أنه قد
يقال «فاضت نفسه» بالضاد ، كما ذكره ابن السكيت في خلل «الألفاظ» له ، والله أعلم.
وكتب الزبيدي
المذكور إلى أبي مسلم بن فهد : [الطويل]
أبا مسلم ، إنّ
الفتى بجنابه
|
|
ومقوله ، لا
بالمراكب واللبس
|
وليست ثياب
المرء تغني قلامة
|
|
إذا كان مقصورا
على قصر النفس
|
وليس يفيد العلم
والحلم والحجا
|
|
أبا مسلم طول
القعود على الكرسي
|
وقال ، وقد استأذن
الحكم المستنصر في الرجوع إلى أهله بإشبيلية ولم يأذن له ، فكتب إلى جاريته سلمى :
[مخلع البسيط]
ويحك يا سلم ،
لا تراعي
|
|
لا بدّ للبين من
زماع
|
__________________
لا تحسبيني صبرت
إلّا
|
|
كصبر ميت على
النّزاع
|
ما خلق الله من
عذاب
|
|
أشدّ من وقفة
الوداع
|
ما بينها
والحمام فرق
|
|
لو لا المناحات
والنواعي
|
إن يفترق شملنا
وشيكا
|
|
من بعد ما كان
ذا اجتماع
|
فكلّ شمل إلى
افتراق
|
|
وكلّ شعب إلى
انصداع
|
وكلّ قرب إلى
بعاد
|
|
وكلّ وصل إلى
انقطاع
|
واجتمع جماعة من
الأدباء فيهم أبو الحسن سهل بن مالك والمهر بن الفرس وغيرهما بمدينة سبتة سنة ٥٨١
، فتذاكروا محبوبا لهم يسكن الجزيرة الخضراء أمامهم ، فقالوا : ليقل كلّ واحد منكم
شيئا فيه ، فقال سهل بن مالك : [الكامل]
لمّا حططت بسبتة
قتب النّوى
|
|
والقلب يرجو أن
يحوّل حاله
|
والجوّ مصقول
الأديم كأنما
|
|
يبدي الخفيّ من
الأمور صقاله
|
عاينت من بلد
الجزيرة مكنسا
|
|
والبحر يمنع أن
يصاد غزاله
|
كالشكل في
المرآة تبصره وقد
|
|
قربت مسافته
وعزّ مناله
|
فقال الجماعة :
والله لا يقول أحد منا بعد هذا شيئا.
ولمّا قرأ أبو
محمد عبد الله بن مطروح البلنسي صداق إملاك ، وغيّر فيه حال القراءة لفظة «غير»
برفع ما كان منصوبا أو بالعكس ، أنشد بديها بعد الفراغ معتذرا عن لحنه :
[مخلعالبسيط]
غيرت غيرا فصرت
عيرا
|
|
وهكذا من يجدّ
سيرا
|
فأجابه الحافظ أبو
الربيع بن سالم الكلاعي ، وكان إلى جانبه ، بديهة : [مخلع البسيط]
ما أنت مما يظنّ
فيه
|
|
بذاك جهل فظنّ
خيرا
|
__________________
ووقف أبو أمية بن
حمدون بباب الأستاذ الشلوبين ، فكتب في ورقة «أبو أمية بالباب» ودفع الورقة لخادم
الأستاذ ، فلمّا نظر إليها الأستاذ نوّن تاء أمية ، ولمن يزد على ذلك ، وأمر
الخادم بدفع الورقة إليه ، فلمّا نظر فيها أبو أمية انصرف ، علما منه أن الأستاذ
صرفه ، فانظر إلى فطنة الشيخ والتلميذ ، مع أنّ الشيخ منسوب إلى التغفّل في غير
العلم.
ومن حكايات أهل
الأندلس في العفو أنّ المعتصم بن صمادح كان قد أحسن للنّحلي البطليوسي ، ثم إنّ
النّحلي سار إلى إشبيلية ، فمدح المعتضد بن عباد بشعر قال فيه : [المتقارب]
أباد ابن عبّاد
البربرا
|
|
وأفنى ابن معن
دجاج القرى
|
ونسي ما قاله ،
حتى حلّ بالمريّة ، فأحضره ابن صمادح لمنادمته ، وأحضر للعشاء موائد ليس فيها غير
دجاج ، فقال النّحلي : يا مولاي ، ما عندكم في المرية لحم غير الدجاج؟ فقال :
إنما أردنا أن
نكذبك في قولك :
وأفنى ابن معن دجاج القرى
فطار سكر النحلي ،
وجعل يعتذر ، فقال له : خفّض عليك ، إنما ينفق مثلك بمثل هذا ، وإنما العتب على من
سمعه فاحتمل منك في حقّ من هو في نصابه ، ثم أحسن إليه ، وخاف النّحلي
، ففرّ من المرية ، ثم ندم فكتب إلى المعتصم : [المتقارب]
رضا ابن صمادح
فارقته
|
|
فلم يرضني بعده
العالم
|
وكانت مريّته
جنّة
|
|
فجئت بما جاءه
آدم
|
فما زال يتفقّده
بالإحسان على بعد دياره ، وخروجه عن اختياره ، انتهى.
وقال في بلنسية
أبو عبد الله الرصافي ، وقد خرج منها صغيرا : [الطويل]
بلادي التي ريشت
قويدمتي بها
|
|
فريخا وآوتني
قرارتها وكرا
|
مهادي ولين
العيش في ريّق الصّبا
|
|
أبى الله أن
أنسى اعتيادي بها خيرا
|
__________________
وقال أبو بكر محمد
بن يحيى الشلطيشي : [الوافر]
وفاة المرء سرّ
لم يكاشف
|
|
ولم تثبت حقيقته
درايه
|
سيفنى كلّ ذي
شبح ونفس
|
|
وتلتحق النهاية
بالبدايه
|
وينصدع الجميع
إلى صدوع
|
|
تعود به البريّة
كالبرايه
|
كأنّ مصائب
الدنيا سهام
|
|
لها الأيام
أغراض الرمايه
|
فنل ما شئت إنّ
الفقر بدء
|
|
وعش ما شئت إنّ
الموت غايه
|
وقال أبو بكر محمد
بن العطار اليابسي ، وهو من رجال الذخيرة : [البسيط]
أمطيت عزمك منه
متن سابحة
|
|
خلت الحباب على
لبّاتها لببا
|
تبدو على الموج
أحيانا ويضمرها
|
|
كالعيس تعتسف
الأهضاب والكثبا
|
وقال محمد بن
الحسن الجبلي النحوي : [الطويل]
وما الأنس
بالناس الذين عهدتهم
|
|
بأنس ولكن فقد
رؤيتهم أنس
|
إذا سلمت نفسي
وديني منهم
|
|
فحسبي أنّ العرض
مني لهم ترس
|
وقال محمد بن حرب : [مجزوء الكامل]
طوبى لروضة جنّة
|
|
لك قد نويت
ورودها
|
نظمت على
لبّاتها
|
|
أيدي الغمام
عقودها
|
وسقت بماء الورد
وال
|
|
مسك الفتيت
صعيدها
|
والطير تشدو في
الغصو
|
|
ن المائدات
قصيدها
|
وتعير سمع
المستعي
|
|
ر نظيمها
ونشيدها
|
__________________
وكان في دار محمد
بن اليسع شاعر الدولة العامرية وردة ، وكان يهدي وردها كلّ عام إلى عارض الجيش أحمد بن سعيد ،
فغاب العارض سنة ، فقال : [مجزوء الرمل]
قال لي الورد
وقد لا
|
|
حظته في روضتيه
|
وهو قد أينع
طيبا
|
|
جمع الحسن لديه
|
أين مولاي الذي
قد
|
|
كنت تهديني إليه
|
قلت غاب العام
فايأس
|
|
أن ترى بين يديه
|
فبدا يذبل حتى
|
|
ظهر الحزن عليه
|
وقال أحمد بن أفلح
: [البسيط]
ما أستريح إلى
حال فأحمدها
|
|
بالبين قلبي
وقبل البين قد ذهبا
|
|
إن كان لي أرب
في العيش بعدكم
|
|
فلا قضيت إذن من
حبّكم أربا
|
وقال أحمد بن تليد
الكاتب : [السريع]
لم أرض بالذّلّ
وإن قلّا
|
|
والحرّ لا يحتمل
الذّلّا
|
يا ربّ خلّ كان
لي خامل
|
|
صار إلى العزّة
ماخلا
|
حرّمت إلمامي
على بابه
|
|
ووصله لم أره
حلّا
|
تأبى عليّ النفس
من أن أرى
|
|
يوما على مستثقل
كلّا
|
وقال إسحاق بن
المنادي ، وقد أهدى له من يهواه تفاحة : [الوافر]
مجال العين في
ورد الخدود
|
|
يذكّر طيب جنّات
الخلود
|
وآرجة من التفاح
تزهو
|
|
بطيب النشر
والحسن الفريد
|
أقول لها فضحت
المسك طيبا
|
|
فقالت لي بطيب
أبي الوليد
|
__________________
وقال غالب بن عبد
الله الثّغري : [البسيط]
يا راحلا عن
سواد المقلتين إلى
|
|
سواد قلب عن
الأضلاع قد رحلا
|
غدا كجسم وأنت
الروح فيه فما
|
|
ينفكّ مرتحلا ما
دمت مرتحلا
|
وللفراق جوى لو
مرّ أبرده
|
|
من بعد فرقتكم
بالماء لاشتعلا
|
وقال الوزير أبو
الحسن ابن الإمام الغرناطي يهجو مراكش المحروسة : [البسيط]
يا حضرة الملك
ما أشهاك لي وطنا
|
|
لو لا ضروب بلاء
فيك مصبوب
|
ماء زعاق وجوّ
كلّه كدر
|
|
وأكلة من بذنجان
ابن معيوب
|
وابن معيوب هذا
كان من خدام أبي العلاء بن زهر ، يزعم الناس أنه سمّ ابن باجة لعداوته لابن زهر في
باذنجان.
ولمّا بنى الفقيه
أبو العباس ابن القاسم قصره بسلا وشيّده وصفته الشعراء ، وهنّته به ، ودعت له ،
وكان بالحضرة حينئذ الوزير أبو عامر بن الحمارة ، ولم يكن أعدّ شيئا ، فأفكر قليلا
ثم قال : [البسيط]
يا أوحد الناس
قد شيّدت واحدة
|
|
فحلّ فيها حلول
الشمس في الحمل
|
فما كدارك في
الدنيا لذي أمل
|
|
ولا كدارك في
الأخرى لذي عمل
|
وفيهم يقول ابن
بقي في موشحته الشهيرة التي آخرها :
إن جئت أرض سلا
|
|
تلقاك بالمكارم
فيدان
|
هم سطور العلا
|
|
ويوسف بن القاسم
عنوان
|
وكان محمد بن
عبادة بالمرية ، ومعه ابن القابلة السبتي ، فنظر إلى غلام وسيم يسبح ، وقد تعلّق
بسفينة ، فقال ابن عبادة : [السريع]
انظر إلى البدر الذي لاح لك
__________________
فقال ابن القابلة
: [السريع]
في وسط اللّجّة تحت الحلك
قد جعل الماء
مكان السما
|
|
واتّخذ الفلك
مكان الفلك
|
وقال ابن خروف ،
ويروى لغيره : [السريع]
أيتها النفس
إليه اذهبي
|
|
فحبّه المشهور
من مذهبي
|
مفضّض الثغر له
شامة
|
|
مسكيّة في خدّه
المذهب
|
أيأسني التوبة
من حبّه
|
|
طلوعه شمسا من
المغرب
|
واجتمع في بستان
واحد ثلاثة من شعراء الأندلس ، وهم : ابن خفاجة ، وابن عائشة وابن الزقاق ، فقال
ابن خفاجة يصف الحال هنالك : [مخلع البسيط]
لله نوريّة
المحيّا
|
|
تحمل ناريّة
الحميّا
|
درنا بها تحت
ظلّ دوح
|
|
قد راق مرأى
وطاب ريّا
|
تجسّم النّور
فيه نورا
|
|
فكلّ غصن به
ثريّا
|
وقال ابن عائشة : [مخلع
البسيط]
ودوحة قد علت
سماء
|
|
تطلع أزهارها
نجوما
|
هفا نسيم الصّبا
علينا
|
|
فخلتها أرسلت
رجوما
|
كأنما الأفق غار
لمّا
|
|
بدت فأغرى بها
النسيما
|
وقال ابن الزقاق : [الخفيف]
ورياض من
الشقائق أضحت
|
|
يتهادى بها نسيم
الرياح
|
زرتها والغمام
يجلد منها
|
|
زهرات تفوق لون
الراح
|
قلت ما ذنبها؟
فقال مجيبا
|
|
سرقت حمرة
الخدود الملاح
|
وقال الأديب أبو
الحسن بن زنون : وقع بيدي ـ وأنا أسير بقيجاطة ، أعادها الله تعالى
__________________
دار إسلام! ـ كتاب
ترجمته «كتاب التحف والطرف» لابن عفيون فوجدت فيه : قال الحسين بن الضحاك : [البسيط]
ما كان أحوجني
يوما إلى رجل
|
|
في وسطه ألف
دينار على فرس
|
في كفّه حربة
يفري الدروع بها
|
|
وصارم مرهف
الحدّين كالقبس
|
فلو رجعت ولم
أظفر بمهجته
|
|
وقد خضبت ذباب
الصارم الشكس
|
فلا اغتبطت بعيش
وابتليت بما
|
|
يحول بيني وبين
الشادن الأنس
|
ووقف على هذه
القطعة أبو نواس فقال : [البسيط]
ما كان أحوجني
يوما إلى خنث
|
|
حلو الشمائل في
باق من الغلس
|
في كفّه قهوة
يسبي النفوس بها
|
|
محكّم الطّرف
للألباب مختلس
|
فلو رجعت ولم
أظفر بتكّته
|
|
وقد رويت من
الصهباء كالقبس
|
فلا هنيت بعيش
وابتليت بما
|
|
يكون منه صدود
الشادن الأنس
|
هذا ألذّ وأشهى
من منى رجل
|
|
في وسطه ألف
دينار على فرس
|
ووقف على ذلك
الوزير أبو عامر بن ينّق فقال : [البسيط]
ما كان أحوجني
يوما إلى رجل
|
|
يردّد الذكر في
باق من الغلس
|
في حلقه غنّة
يشفي النفوس بها
|
|
وفي الحشا زفرة
مشبوبة القبس
|
فلو رجعت ولم
أوثر تلاوته
|
|
على سماع غناء
الشادن الأنس
|
فلا حمدت إذن
نفسي ولا اعتمدت
|
|
بي النجائب قصد
البيت ذي القدس
|
ولا أسلت لقبر
المصطفى مقلا
|
|
تبكي عليه بهامي
الدمع منبجس
|
قال ابن زنون :
فوقفت على ذلك ، فقلت : وكلّ ينفق ممّا عنده ، ومن عجائب صنعه تعالى أنه عند فراغي من كتب هذه القطعة وصل الفكاك إليّ ، وحلّ قيودي
، وأخرجني إلى بلاد المسلمين ، وهي : [البسيط]
__________________
ما كان أحوجني
يوما إلى رجل
|
|
يأتي فينبهني في
فحمة الغلس
|
يفكّ قيدي وغلّي
غير مرتقب
|
|
ولا مبال من
الحجّاب والحرس
|
وقوله لي تأنيسا
وتسلية
|
|
هذا سلاحي
فالبسه وذا فرسي
|
فلو جبنت ولم
أقبل مقالته
|
|
وأمتطي الطّرف
وثبا فعل مفترس
|
إذن خلعت لباس
المجد من عنقي
|
|
وصار حظّي منه
حظّ مختلس
|
وأخلفتني أمانيّ
التي طمحت
|
|
نفسي إليها
وإحساني لكلّ مسي
|
وقال أبو بكر بن
حبيش ، وقد زاره بعض أودّائه في يوم عيد فطر : [السريع]
أكلّ ذا الإجمال
في ذا الجمال
|
|
الله أستحفظ ذاك
الكمال
|
يا مالكا بالبرّ
رقّي أما
|
|
يكفيك أن تملكني
بالوصال
|
سرت إلى ربعي
زورا كما
|
|
سرى إلى المهجور
طيف الخيال
|
العيد لي وحدي
بين الورى
|
|
حقا لأني قد
رأيت الهلال
|
صومي مقبول
وبرهانه
|
|
أني أدخلت جنان
الوصال
|
وقال أبو بكر بن
يوسف اللخمي ، وقد عاده في شكاية فتى وسيم من الأعيان كان والده خطيب البلد : [مخلع
البسيط]
يا عائدي وهو
أصل ما بي
|
|
أفديك من ممرض
طبيب
|
أصميت لمّا رميت
قلبي
|
|
بسهم ألحاظك
المصيب
|
وجئتني منكرا
لسقمي
|
|
وتلك من عادة
الحبيب
|
يا ساعة قد غفرت
فيها
|
|
ما كان للدهر من
ذنوب
|
ما كان في فضلها
مثال
|
|
لو لم تكن جلسة
الخطيب
|
وخاطب أبو زيد بن
أبي العافية أبا عبد الله بن العطار القرطبي بقصيدة منها هذا البيت : [الوافر]
وكيف يفيق ذو
صبر قصير
|
|
حليف وساوس حول
طوال
|
يعرّض له بطوله وحوله
، ولصاحبه أبي محمد بن بلال بقصره ، فراجعه أبو عبد الله
__________________
المذكور بهذه
الأبيات يعرض له فيها بجربه ، وكان أبو زيد أصابه جرب كثير : [الوافر]
أجل يا نافث
السّحر الحلال
|
|
أتاني منك نظم
كاللآلي
|
يروقك أوّلا
لفظا ومعنى
|
|
ويلدغ آخرا لدغ
الصّلال
|
تعرّض فيه أنك
ذو مطال
|
|
حليف وساوس حول
طوال
|
كأنك لم تجرّب
قطّ خلقا
|
|
ولم تعرف بتجربة
الليالي
|
أأنسيت التجارب
إذ تجاري
|
|
بهنّ الجربياء
مع الشمال
|
فلا تغفل عن
التجريب يوما
|
|
ولو أعطيت فيه
جراب مال
|
وجرّب جار بيتك
واختبره
|
|
وجرّ برجله إن
كان قالي
|
وجار بنيك لا
تستحي منه
|
|
ومن نجّار بابك
لاتبال
|
وأجر ببالك
الجرباء تبصر
|
|
نجوم الأفق تجري
بانتقال
|
وجرّب أهل جربة
تلف قوما
|
|
أبوا لبس
الجوارب والنعال
|
تجارا باعة
تجروا بزيت
|
|
تسمّوا بالتّجار
بغير مال
|
إذا سمعوا بتمر
في جريب
|
|
جروا ببطالة
التمر البوالي
|
إذا جرّبت هذا
الخلق أبدى
|
|
لك التجريب
أجربة خوالي
|
ترى بالنّجح
دهرا جرّ بؤسا
|
|
عليك وجار
بالنّوب الثقال
|
وخرج ثلاثة أدباء
لنزهة خارج مرسية ، وصلّوا خلف إمام بمسجد قرية ، فأخطأ في قراءته ، وسها في صلاته
، فلمّا خرج أحدهم كتب على حائط المسجد : [المجتث]
يا خجلتي لصلاة
|
|
صلّيتها خلف خلف
|
فلما خرج الثاني
كتب تحته :
أغضّ عنها حياء
|
|
من المهيمن طرفي
|
فلما خرج الثالث
كتب تحته :
فليس تقبل منّا
|
|
لو أنها ألف ألف
|
__________________
وقال أبو إسحاق بن
خفيف الأندلسي في أحدب أخذ مع صبي في خلوة فضربا ، وطيف بهما ، والأحدب على عنق
الصبي : [مجزوء الوافر]
رأيت اليوم
محمولا
|
|
وأعجب منه من
حمله
|
جمال الناس
تحملهم
|
|
وهذا حامل جمله
|
وقال أبو الصلت
الأندلسي : [الطويل]
وقائلة : ما بال
مثلك خاملا
|
|
أأنت ضعيف الرأي
أم أنت عاجز
|
فقلت لها : ذنبي
إلى القوم أنني
|
|
لما لم يحوزوه
من المجد حائز
|
وكتب بعض المغاربة
لأبي العباس بن مضاء يذكره بحاله : [مخلع البسيط]
يا غارسا لي
ثمار مجد
|
|
سقيتها العذب من
زلالك
|
أخاف من زهرها
سقوطا
|
|
إن لم يكن سقيها
ببالك
|
وكتب الكاتب أبو
عبد الله القرطبي مستنجزا وعدا : [الوافر]
أبا عبد الإله
وعدت وعدا
|
|
فأنجز تربح
الشكر الجزيلا
|
ولا تمطل فإنّ
المطل يمحو
|
|
من الإحسان
رونقه الصقيلا
|
إذا كان الجميل
يحبّ طبعا
|
|
فإني أكره الصبر
الجميلا
|
وكتب ابن هذيل
الفزاري للغني بالله سلطان لسان الدين بن الخطيب : [الرمل]
ليس يا مولاي لي
من جابر
|
|
إذ غدا قلبي من
البلوى جذاذا
|
غير صكّ أحمر
تكتب لي
|
|
فيه يمناك
اعتناء صحّ هذا
|
وقال أبو الحسن بن
الزقاق في غلام يهودي كان يجلس معه وينادمه يوم سبت : [الطويل]
وحبّب يوم السبت
عندي أنني
|
|
ينادمني فيه
الذي أنا أحببت
|
ومن أعجب
الأشياء أني مسلم
|
|
حنيف ولكن خير
أيامي السبت
|
__________________
وقال أبو حيان : [المتقارب]
ويعجبني رشف تلك
الشفاه
|
|
وعضّ الخدود
وهصر القوام
|
محاسن فاقت قضيب
الأراك
|
|
وورد الرياض
وكأس المدام
|
وكتب أحد الأدباء
بمرسية إلى فتى وسيم من أعيانها كان يلازم حانوت بعض القضاة بها للتفقّه عليه ،
بأبيات في غرض ، فراجعه عنه أبو العباس بن سعد بقوله : [الكامل]
ما للمحبّ لديّ
غير صبابة
|
|
تقضي عليه ولوعة
وغرام
|
فدع الطماعة
واسترح باليأس من
|
|
وصل عليك إلى
الممات حرام
|
وقال السميسر : [مخلع
البسيط]
قرابة السوء شرّ
داء
|
|
فاحمل أذاهم تعش
حميدا
|
ومن تكن قرحة
بفيه
|
|
يصبر على مصّه
الصديدا
|
وقال ابن خفاجة : [الرمل]
إنّ للجنّة
بالأندلس
|
|
مجتلى عين وريّا
نفس
|
فسنا صبحتها من
شنب
|
|
ودجا ليلتها من
لعس
|
فإذا ما هبّت
الريح صبا
|
|
صحت : واشوقي
إلى الأندلس
|
وقال بعض
الأندلسيين ممّن لم يحضرني اسمه الآن : [الطويل]
إذا صال ذو ودّ
بودّ صديقه
|
|
فيا أيها الخلّ
المصاحب لي صل بي
|
فإني مثل الماء
لينا لصاحبي
|
|
وناهيك للأعداء
من رجل صلب
|
وقال أبو يحيى بن
هشام القرطبي : [مخلع البسيط]
وخائط رائع
جمالا
|
|
وصاله غاية
اقتراحي
|
تنعم منه الخيوط
فتلا
|
|
بين أقاح وبين راح
|
تراه في السلم
ذا طعان
|
|
بنافذات بلا
جراح
|
__________________
حلّته أشبهت
فؤادي
|
|
لكثرة الوخز في
النواحي
|
تقطّع الثوب
راحتاه
|
|
كصنع ألحاظه
الملاح
|
فقبله ما رأيت
بدرا
|
|
ممزّقا بردة
الصباح
|
وقال أبو جعفر
أحمد بن عبد الولي البلنسي : [الطويل]
غصبت الثريّا في
البعاد مكانها
|
|
وأودعت في عينيّ
صادق نوئها
|
وفي كلّ حال لم
تزالي بخيلة
|
|
فكيف أعرت الشمس
حلّة ضوئها
|
قال ابن الأبار :
أنشد مؤلف «قلائد العقيان» هذين البيتين لأبي جعفر البني اليعمري ، وأحدهما غالط
من قبل اشتباه نسبهما ، والتفرقة بينهما مستوفاة في تأليفي المسمى ب «هداية المعتسف ، في المؤتلف والمختلف» انتهى.
وأبو جعفر بن عبد
الولي المذكور أحرقه القنبيطور ـ لعنه الله تعالى! ـ حين تغلّبه بالروم على
بلنسية. قال ابن الأبار : وذلك في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة ، وقيل : إنّ إحراقه
كان سنة تسعين وأربعمائة ، انتهى.
وقال أبو العباس
القيجاطي فيما أنشده له ابن الطيلسان : [المجتث]
ليس الخمول بعار
|
|
على امرئ ذي
جلال
|
فليلة القدر
تخفى
|
|
وتلك خير
الليالي
|
وقال أبو محمد بن
جحاف المعافري البلنسي : [المتقارب]
أقول وقد
خوّفوني القران
|
|
وما هو من شرّه
كائن
|
ذنوبي أخاف
وأمّا القران
|
|
فإني من شرّه
آمن
|
وأبوه أبو أحمد هو
المحرّق ببلنسية كما ذكرناه في غير هذا الموضع.
وقال أبو العباس
المالقي . [الطويل]
وبين ضلوعي
للصبابة لوعة
|
|
بحكم الهوى تقضي
عليّ ولا أقضي
|
جنى ناظري منها
على القلب ما جنى
|
|
فيا من رأى بعضا
يعين على بعض
|
__________________
ودخل أبو القاسم
بن عبد المنعم ، وكان أزرق وسيما ، ومعه أبو عبد الله الشاطبي وأبو عثمان سعيد بن
قوشترة ، على صاحب كتاب «مشاحذ الأفكار ، في مآخذ النّظّار» فقال ابن قوشترة : [الكامل]
عابوه بالزّرق
الذي بجفونه
|
|
والماء أزرق
والسّنان كذلكا
|
فقال الشاطبي : [الكامل]
والماء يهدي
للنفوس حياتها
|
|
والرمح يشرع
للمنون مسالكا
|
فقال أبو بكر بن
طاهر صاحب كتاب «المشاحذ» : [الكامل]
وكذاك في أجفانه
سبب الردى
|
|
لكن أرى طيب
الحياة هنالكا
|
وهذا من بارع
الإجازة ، وكم لأهل الأندلس من مثل هذا الديباج الخسرواني ، رحمهم الله تعالى
وسامحهم!
وكتب الشيخ الإمام
العالم العلامة أبو عبد الله محمد بن الصائغ الأندلسي النحوي عند قول الحريري «آمنا
أن يعززا بثالث» ما نصّه : قد جيء لهما بثالث ورابع في قافيتهما ،
وهو قول بعض الفضلاء : [السريع]
ما الأمة
اللّكعاء بين الورى
|
|
كمسلم حرّ أتى
ملأمه
|
فمه إذا استجديت
من قول لا
|
|
فالحرّ لا يملأ
منها فمه
|
ثم قال : وبخامس
وسادس :
انقدّ مهوى أزره
فانثنى
|
|
مه يا عذولي في
الذي انقدّ مه
|
مندمة قتل
المعنّى فلا
|
|
ترسل سهام اللحظ
تأمن دمه
|
قلت : رأيت في
المغرب في هذا المعنى ما ينيّف على سبعين بيتا كلّها مساجلة لبيتي الحريري ، رحمه
لله تعالى!
__________________
وقال أبو بكر بن
عبادة الشاعر في أبي بكر والد الوزير أبي الوليد بن زيدون : [الخفيف]
أيّ ركن من
الرياسة هيضا
|
|
وجموم من
المكارم غيضا
|
حملوه من بلدة
نحو أخرى
|
|
كي يوافوا به
ثراه الأريضا
|
مثل حمل السحاب
ماء طبيبا
|
|
لتداوي به مكانا
مريضا
|
وكان المذكور توفي
في ضيعة له ، ونقل تابوته إلى قرطبة فدفن في الرّبض سنة ٤٠٥ ، وولد سنة ٣٠٤.
وقال أبو بكر بن
قزمان صاحب الموشحات : [الوافر]
وعهدي بالشباب
وحسن قدّي
|
|
حكى ألف ابن
مقلة في الكتاب
|
فصرت اليوم
منحنيا كأني
|
|
أفتّش في التراب
على شبابي
|
وقال : [السريع]
يا ربّ يوم
زارني فيه من
|
|
أطلع من غرّته
كوكبا
|
ذو شفة لمياء
معسولة
|
|
ينشع من خدّيه
ماء الصبا
|
قلت له هب لي
بها قبلة
|
|
فقال لي مبتسما
مرحبا
|
فذقت شيئا لم
أذق مثله
|
|
لله ما أحلى وما
أعذبا
|
أسعدني الله
بإسعاده
|
|
يا شقوتي يا
شقوتي لو أبى
|
قال لسان الدين :
كان ابن قزمان نسيج وحده أدبا وظرفا ولوذعية وشهرة ؛ قال ابن عبد الملك : كان
أديبا بارعا ، حلو الكلام ، مليح النثر ، مبرزا في نظم الزجل ، قال لسان الدين : وهذه الطريقة
الزجلية بديعة تتحكّم فيها ألقاب البديع ، وتنفسح لكثير ممّا يضيق على الشاعر
سلوكه ، وبلغ فيها أبو بكر ، رحمه الله تعالى ، مبلغا حجره الله عمّن سواه ، فهو
آيتها المعجزة ، وحجّتها البالغة ، وفارسها المعلم ، والمبتدىء فيها والمتمّم.
وقال الفتح في
حقّه : مبرز في البيان ، ومحرز للسّبق عند تسابق الأعيان ، اشتمل عليه
__________________
المتوكل على الله
فرقّاه إلى مجالس ، وكساه ملابس ، فامتطى أسمى الرتب وتبوّأها ، ونال أسنى الخطط
وما تملأها ، وقد أثبتّ له ما يعلم به رفيع قدره ، ويعرف كيف أساء له الزمان بغدره
، كقوله : [الكامل]
ركبوا السيول من
الخيول وركّبوا
|
|
فوق العوالي
السّمر زرق نطاف
|
وتجلّلوا
الغدران من ماذيّهم
|
|
مرتجّة إلّا على
الأكناف
|
والماذي : العسل ،
والنّطاف : جمع النّطفة وهي الماء الصافي قل أو كثر.
وقال الفقيه أبو
بكر بن القوطية صاحب «الأفعال» في اللغة والغريب ، في زمن الربيع : [الكامل]
ضحك الثرى وبدا
لك استبشاره
|
|
فاخضرّ شاربه
وطرّ عذاره
|
ورنت حدائقه
وزرّر نبته
|
|
وتعطّرت أنواره
وثماره
|
واهتز ذابل كل
ماء قرارة
|
|
لما أتى متطلعا
آذاره
|
وتعمّمت صلع
الرّبا بنباته
|
|
وترنّمت من
عجبها أطياره
|
وقال في المطمح في
حقّ ابن القوطية المذكور : إنه ممّن له سلف. وثنيّة كلّها شرف ، وهو أحد المجتهدين
في الطلب ، والمشتهرين بالعلم والأدب ، والمنتدبين للعلم والتصنيف ، والمرتّبين له
بحسن الترتيب والتأليف ، وكان له شعر نبيه ، وأكثره أوصاف وتشبيه ، انتهى.
وقال القاضي
الأجلّ يونس بن عبد الله بن مغيث : [الطويل]
أتوا حسبة إذ
قيل جدّ نحوله
|
|
فلم يبق من لحم
عليه ولا عظم
|
فعادوا قميصا في
فراش فلم يروا
|
|
ولا لمسوا شيئا
يدلّ على جسم
|
طواه الهوى في
ثوب سقم من الضنى
|
|
وليس بمحسوس
بعين ولاوهم
|
وقال في المطمح
فيه : إنه قاضي الجماعة بقرطبة ، فاضل ، ورع ، مبرز في النسّاك والزهّاد ، دائم
الأرق في التخشّع والسّهاد ، مع التحقّق بالعلم والتميز بحمله ، والتحيز إلى فئة
__________________
الورع وأهله ، وله
تآليف في التصوّف والزهد ، منها «كتاب المنقطعين إلى الله» و «كتاب المجتهدين»
وأشعار في هذا المعنى ، منها قوله : [الوافر]
فررت إليك من
ظلمي لنفسي
|
|
وأوحشني العباد
وأنت أنسي
|
قصدت إليك
منقطعا غريبا
|
|
لتؤنس وحدتي في
قعر رمسي
|
وللعظمى من
الحاجات عندي
|
|
قصدت وأنت تعلم
سرّ نفسي
|
ولمّا أراد
المستنصر بالله غزو الروم تقدّم إلى أبي محمد والده بالكون في صحبته ، ومسايرته في
غزوته ، فاعتذر بعذر يجده ، وألم لا ينجده ، فقال له الحكم : إن ضمن له أن يؤلف في
أشعار خلفائنا بالمشرق والأندلس مثل كتاب الصولي في أشعار خلفاء بني العباس أعفيته
من الغزاة ، وجازيته أفضل المجازاة ، فأجابه إليه على أن يؤلفه بالقصر ، فزعم أنه
رجل مزور ، وأن ذلك الموضع ممتنع على من يلمّ به ويزور ، فألفّه بدار الملك
المطلّة على النهر ، وأكمله فيما دون شهر ، وتوفي والمستنصر بعد في غزاته .
وقال ابن سيده
صاحب «المحكم» يخاطب إقبال الدولة : [الطويل]
ألا هل إلى
تقبيل راحتك اليمنى
|
|
سبيل؟ فإنّ
الأمن في ذاك واليمنا
|
قال في المطمح :
الفقيه أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بابن سيده إمام في اللغة والعربية ، وهمام
في الفئة الأدبية ، وله في ذلك أوضاع ، لأفهام أخلافها استدرار واسترضاع ، حرّرها
تحريرا ، وأعاد طرف الذكاء بها قريرا ، وكان منقطعا إلى الموفّق صاحب دانية ، وبها
أدرك أمانيه ، ووجد تجرّده للعلم وفراغه ، وتفرّد بتلك الإراغة ، ولا سيما كتابه المسمى بالمحكم ، فإنه أبدع
كتاب وأحكم ، ولمّا مات الموفّق رائش جناحه ، ومثبت غرره وأوضاحه ، خاف من ابنه
إقبال الدولة ، وأطاف به مكروها بعض من كان حوله ، إذ أهل الطلب كحيات مساورة ،
ففرّ إلى بعض الأعمال المجاورة ، وكتب إليه منها مستعطفا : [الطويل]
ألا هل إلى
تقبيل راحتك اليمنى
|
|
سبيل؟ فإنّ
الأمن في ذاك واليمنا
|
فتنضى هموم
طلّحته خطوبها
|
|
ولا غاربا يبقين
منه ولا متنا
|
__________________
غريب نأى أهلوه
عنه وشفّه
|
|
هواهم فأمسى لا
يقرّ ولا يهنا
|
فيا ملك الأملاك
، إني محلأ
|
|
عن الورد لا عنه
أذاد ولا أدنى
|
تحققت مكروها
فأقبلت شاكيا
|
|
لعمري أمأذون
لعبدك أن يعنى
|
وإن تتأكّد في
دمي لك نيّة
|
|
فإني بسيف لا
أحبّ له جفنا
|
إذا ما غدا من
حرّ سيفك باردا
|
|
فقدما غدا من
برد نعماكم سخنا
|
وهل هي إلّا
ساعة ثم بعدها
|
|
ستقرع ما عمّرت
من ندم سنّا
|
ومالي من دهري
حياة ألذّها
|
|
فتجعلها نعمى
عليّ وتمتنّا
|
إذا ميتة أرضتك
عنا فهاتها
|
|
حبيب إلينا ما
رضيت به عنّا
|
وقال الفقيه أبو
محمد غانم بن الوليد الأندلسي المخزومي المالقي : [البسيط]
صيّر فؤادك
للمحبوب منزلة
|
|
سمّ الخياط مجال
للمحبّين
|
ولا تسامح بغيضا
في معاشرة
|
|
فقلّما تسع
الدنيا بغيضين
|
وله : [السريع]
الصبر أولى
بوقار الفتى
|
|
من قلق يهتك ستر
الوقار
|
من لزم الصبر
على حالة
|
|
كان على أيامه
بالخيار
|
وقال في المطمح
فيه : إنه عالم متفرّس ، وفقيه مدرّس ، وأستاذ متجرد ، وإمام لأهل الأندلس مجوّد ، وأما الأدب فكان جلّ شرعته ،
وهو رأس بغيته ، مع فضل وحسن طريقة ، وجدّ في جميع الأمور وحقيقة ، انتهى.
وقال المحدّث
الحافظ أبو عمر بن عبد البر يوصي ابنه بمقصورة : [الطويل]
تجاف عن الدنيا
وهوّن لقدرها
|
|
ووفّ سبيل الدين
بالعروة الوثقى
|
وسارع بتقوى
الله سرّا وجهرة
|
|
فلا ذمّة أقوى
هديت من التقوى
|
ولا تنس شكر
الله في كلّ نعمة
|
|
يمنّ بها فالشكر
مستجاب النّعمى
|
__________________
فدع عنك ما لا
حظّ فيه لعاقل
|
|
فإنّ طريق الحق
أبلج لا يخفى
|
وشحّ بأيام بقين
قلائل
|
|
وعمر قصير لا
يدوم ولا يبقى
|
ألم تر أنّ
العمر يمضي مولّيا
|
|
فجدّته تبلى
ومدته تفنى
|
نخوض ونلهو غفلة
وجهالة
|
|
وننشر أعمالا
وأعمارنا تطوى
|
|
تواصلنا فيه
الحوادث بالردى
|
|
وتنتابنا فيه النوائب
بالبلوى
|
عجبت لنفس تبصر
الحقّ بيّنا
|
|
لديها وتأبى أن
تفارق ما تهوى
|
وتسعى لما فيه
عليها مضرّة
|
|
وقد علمت أن سوف
تجزى بما تسعى
|
ذنوبي أخشاها
ولست بآيس
|
|
وربّي أهل أن
يخاف وأن يرجى
|
وإن كان ربي
غافرا ذنب من يشا
|
|
فإني لا أدري أأكرم
أم أخزى
|
وقال في المطمح :
الفقيه الإمام العالم الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر ، إمام الأندلس
وعالمها ، الذي التاحت به معالمها ، صحّح المتن والسند ، وميّز المرسل من المسند ، وفرّق بين
الموصل والقاطع ، وكسا الملّة منه نور ساطع ، حصر الرواة ، وأحصى
الضعفاء منهم والثقات ، وجدّ في تصحيح السقيم ، وجدد منه ما كان كالكهف والرّقيم ،
مع معاناة العلل ، وإرهاف ذلك العلل ، والتنبيه والتوقيف ، والإتقان
والتثقيف ، وشرح المقفل ، واستدراك المغفل ، وله فنون هي للشريعة رتاج ، وفي مفرق
الملّة تاج ، أشهرت للحديث ظبا ، وفرعت لمعرفته ربا ، وهبّت لتفهّمه شمال وصبا ، وشفت منه وصبا ، وكان ثقة ، والأنفس على تفضيله
متّفقة ، وأما أدبه فلا تعبر لجّته ، ولا تدحض حجّته ، وله شعر لم نجد منه إلّا ما
نفث به أنفة ، وأقصى فيه عن معرفة ، فمن ذلك قوله ـ وقد دخل إشبيلية فلم يلق فيها
مبرّة ، ولم يلق من أهلها تهلل أسرّة ، فأقام بها حتى أخلقه مقامه ، وأطبقه
اغتمامه ، فارتحل وقال : [الطويل]
تنكّر من كنّا
نسرّ بقربه
|
|
وعاد زغاقا
بعدما كان سلسلا
|
__________________
وحقّ لجار لم
يوافقه جاره
|
|
ولا لاءمته
الدار أن يتحوّلا
|
بليت بحمص
والمقام ببلدة
|
|
طويلا لعمري
مخلق يورث البلى
|
إذا هان حرّ عند
قوم أتاهم
|
|
ولم ينأ عنهم
كان أعمى وأجهلا
|
ولم تضرب
الأمثال إلّا لعالم
|
|
وما عوتب
الإنسان إلّا ليعقلا
|
وقال الفقيه أبو
بكر بن أبي الدوس : [الطويل]
إليك أبا يحيى
مددت يد المنى
|
|
وقدما غدت عن
جود غيرك تقبض
|
وكانت كنور
العين يلمع بالدجا
|
|
فلمّا دعاه
الصبح لبّاه ينهض
|
وقال في المطمح :
إنه من أبدع الناس خطّا ، وأصحهم نقلا وضبطا ، اشتهر بالإقراء ، واقتصر بذلك على
الأمراء ، ولم ينحطّ لسواهم ، ومطل الناس بذلك ولواهم ، وكان كثير التحوّل ، عظيم
التجوّل ، لا يستقرّ في بلد ، ولا يستظهر على حرمانه بجلد ، فقذفته النوى ، وطردته
عن كل ثوى ، ثم استقرّ آخر عمره بأغماث ، وبها مات ، وكان له شعر
بديع يصونه أبدا ، ولا يمدّ به يدا.
أخبرني من دخل
عليه بالمريّة فرآه في غاية الإملاق ، وهو في ثياب أخلاق ، وقد توارى في منزله تواري المذنب ، وقعد عن الناس قعود
مجتنب ، فلمّا علم ما هو فيه ، وترفّعه عمّن يجتديه ، عاتبه في ذلك الاعتزال ،
وآخذه حتى استنزله بغيض الإنزال ، وقال له : هلا كتبت إلى المعتصم ، فما في ذلك ما يصم ، فكتب إليه : إليك أبا يحيى مددت يد المنى ـ البيتين ،
انتهى.
وقال الفقيه
القاضي الفاضل أبو الفضل بن الأعلم ، حين أقلع وأناب ، وودع ذلك الجناب ، وتزهد
وتنسّك ، وتمسّك من طاعة الله بما تمسّك ، وتذكّر يوما يتجرّد من أمله ، وينفرد
فيه بعمله: [مجزوء الكامل]
الموت يشغل ذكره
|
|
عن كلّ معلوم
سواه
|
__________________
فاعمر له ربع
ادّكا
|
|
رك في العشيّة
والغداه
|
واكحل به طرف
اعتبا
|
|
رك طول أيام
الحياه
|
قبل ارتكاض
النفس ما
|
|
بين الترائب
واللهاه
|
فيقال هذا جعفر
|
|
رهن بما كسبت
يداه
|
عصفت به ريح
المنو
|
|
ن فصيّرته كما
تراه
|
فضعوه في أكفانه
|
|
ودعوه يجني ما
جناه
|
وتمتّعوا بمتاعه
الم
|
|
حزون واحووا ما
حواه
|
يا منظرا
مستبشعا
|
|
بلغ الكتاب به
مداه
|
لقّيت فيه بشارة
|
|
تشفي فؤادي من
جواه
|
ولقيت بعدك خير
من
|
|
نبّاه ربي
واجتباه
|
في دار خفض ما
اشتهت
|
|
نفس المقيم بها
أتاه
|
وقال في المطمح :
إنه كهل الطريقة ، وفتى الحقيقة ، تدرّع الصيانة ، وبرع في الورع والديانة ،
وتماسك عن الدنيا عفافا ، وما تماسك التماسا بأهلها والتفافا ، فاعتقل النّهى ، وتنقّل في مراتبها حتى استقرّ فيها في السّها ، وعطّل أيام الشباب ، ومطل فيها سعاد وزينب والرّباب ،
إلّا ساعات وقفها على المدام ، وعطفها إلى النّدام ، حتى تخلّى عن ذلك واتّرك ،
وأدرك من المعلومات ما أدرك ، وتعرّى من الشبهات ، وسرى إلى الرشد مستيقظا من تلك
السّنات ، وله تصرّف في شتى الفنون ، وتقدّم في معرفة المفروض
والمسنون ، وأمّا الأدب فلم يجاره في ميدانه أحد ، ولا استولى على إحسانه فيه حصر
ولا حدّ ، وجدّه أبو الحجاج الأعلم هو خلّد منه ما خلّد ، ومنه تقلّد ما تقلّد ،
وقد أثبتّ لأبي الفضل هذا ما يسقيك ماء الفضل زلالا ، ويريك سحر البيان حلالا ،
فمن ذلك ما كتب به إليّ ، وقد مرت على شنت مرية بعد ما رحل عنها وانتقل ، واعتقل
من نوانا وبيننا ما اعتقل ، وشنت مرية هذه داره ، وبها
__________________
كمل خلاله وإبداره
، وفيها استقضي ، وشيم مضاؤه وانتضي ، فالتقينا بها على ظهر ، وتعاطينا ذكر ذلك
الدهر ، فجددت من شوقه ، ما كان قد شبّ على طوقه ، فرامني على الإقامة ، وسامني على ذلك بكلّ كرامة ،
فأبيت إلّا النوى ، وانثنيت عن الثّوى ، فودعني ، ودفع إليّ تلك القطعة حين شيّعني
: [الكامل]
بشراي أطلعت
السعود على
|
|
آفاق أنسي بدرها
كملا
|
وكسا أديم الأرض
منه سنا
|
|
فكست بسائطها به
حللا
|
إيه أبا نصر ،
وكم زمن
|
|
قصر ادكارك عندي
الأملا
|
هل تذكرن والعهد
يخجلني
|
|
هل تذكرن أيامنا
الأولا
|
أيام نعثر في
أعنّتنا
|
|
ونجرّ من
أبرادنا خيلا
|
ونحلّ روض الأنس
مؤتنقا
|
|
وتحلّ شمس
مرادنا الحملا
|
ونرى ليالينا
مساعفة
|
|
تدعو رفاقتنا
لنا الجفلى
|
زمن نقول على
تذكره
|
|
ما تمّ حتى قيل
قد رحلا
|
عرضت لزورتكم
وما عرضت
|
|
إلّا لتمحق كلّ
ما فعلا
|
ووافيته عشية من
العشايا أيام ائتلافنا ، وعودنا إلى مجلس الطلب واختلافنا ، فرأيته مستشرفا
متطلّعا ، يرتاد موضعا يقيم به لثغور الأنس مرتشفا ولثديه مرتضعا ، فحين مقلني ، تقلّدني إليه واعتقلني ، وملنا إلى روضة قد سندس الربيع
في بساطها ، ودبّج الزهر درانك أوساطها ، وأشعرت النفوس فيها بسرورها وانبساطها ،
فأقمنا بها نتعاطى كؤوس أخبار ، ونتهادى أحاديث جهابذة وأحبار ، إلى أن نثر زعفران
العشي ، وأذهب الأنس خوف العالم الوحشي ، فقمت وقام ، وعوّج الرعب من ألسنتنا ما
كان استقام ، وقال : [الكامل]
وعشيّة كالسيف
إلّا حدّه
|
|
بسط الربيع بها
لنعلي خدّه
|
عاطيت كأس الأنس
فيها واحدا
|
|
ما ضرّه إن كان
جمعا وحده
|
__________________
وتنزّه يوما
بحديقة من حدائق الحضرة قد اطّرد نهرها ، وتوقّد زهرها ، والريح يسقطه فينظم بلبّة
الماء ، ويتبسّم به فتخاله كصفحة خضرة السماء ، فقال : [الكامل]
انظر إلى الأزهار
كيف تطلّعت
|
|
بسماوة الروض
المجود نجوما
|
وتساقطت فكأنّ
مسترقا دنا
|
|
للسّمع فانقضّت
عليه رجوما
|
وإلى مسيل الماء
قد رقمت به
|
|
صنع الرياح من
الحباب رقوما
|
ترمي الرياح لها
نثير أزاهر
|
|
فتمدّه في
شاطئيه رقيما
|
وله يصف قلم يراعة
، وبرع في صفته أعظم براعة : [الكامل]
ومهفهف ذلق صليب
المكسر
|
|
سبب لنيل المطلب
المتعذّر
|
متألّق تنبيك
صفرة لونه
|
|
بقديم صحبته لآل
الأصفر
|
ما ضرّه أن كان
كعب يراعة
|
|
وبحكمه اطّردت
كعوب السّمهري
|
وله عندما شارف
الكهولة ، واستأنف قطع صبوة كانت موصولة : [الكامل]
أمّا أنا فقد
ارعويت عن الصّبا
|
|
وعضضت من ندم
عليه بناني
|
فأطعت نصّاحي
وربّ نصيحة
|
|
جاؤوا بها فلججت
في العصيان
|
أيام أسحب من
ذيول شبيبتي
|
|
مرحا وأعثر في
فضول عناني
|
وأجلّ كأسي أن
ترى موضوعة
|
|
فعلى يدي أو في
يدي ندماني
|
أيام أحيا
بالغواني والغنا
|
|
وأموت بين الراح
والريحان
|
في فتية فرضوا
اتّصال هواهم
|
|
فمناهم دنّ من
الأدنان
|
هزّت علاهم
أريحيّات الصّبا
|
|
فهي النسيم وهم
غصون البان
|
من كلّ مخلوع
الأعنّة لم يبل
|
|
في غيّه بمصارف
الأزمان
|
إلى أن قال : ومن
نثره يصف فرسا : انظر إليه سليم الأديم ، كريم القديم ، كأنما نشأ بين الغبراء
واليحموم ، نجم إذا بدا ، ووهم إذا عدا ، يستقبل بغزال ، ويستدبر
برال ، ويتحلّى
__________________
بشيات تقسيمات الجمال.
وله يصف سرجا :
بزة جياد ، ومركب أجواد ، جميل الظاهر ، رحيب ما بين القادمة والآخر ، كأنما قدّ
من الخدود أديمه ، واختصّ بإتقان الحبك تقويمه.
وله في وصف لجام :
متناسب الأشلاء ، صريح الانتماء ، إلى ثريّا السماء ، فكلّه نكال ، وسائره جمال.
وله في وصف رمح :
مطّرد الكعوب ، صحيح اتّصال الغالب والمغلوب ، أخ ينوب كلّما استنيب ويصيب.
وله في وصف قميص :
كافوريّ الأديم ، بابليّ الرسوم ، تباشر منه الجسوم ، ما يباشر الروض من النسيم.
وله في وصف بغل :
مترف النسب ، مستخبر الشرف ، آمن الكبب ، إن ركب امتنع اعتماله ، أو
وكب استقلّ به أخواله.
وله في وصف حمار :
وثيق المفاصل ، عتيق النهضة إذا ونت المراسل ، انتهى ببعض اختصار.
وقال الأديب
الشاعر أبو عمر يوسف بن هارون الكندي ، المعروف بالرمادي : [الكامل]
أومى لتقبيل
البساط خنوعا
|
|
فوضعت خدّي في
التراب خضوعا
|
ما كان مذهبه
الخنوع لعبده
|
|
إلّا زيادة قلبه
تقطيعا
|
قولوا لمن أخذ
الفؤاد مسلّما
|
|
يمنن عليّ بردّه
مصدوعا
|
العبد قد يعصي ،
وأحلف أنني
|
|
ما كنت إلّا
سامعا ومطيعا
|
مولاي يحيى في
حياة كاسمه
|
|
وأنا أموت صبابة
وولوعا
|
لا تنكروا غيث
الدموع فكلّ ما
|
|
ينحلّ من جسمي
يكون دموعا
|
__________________
والرمادي المذكور
عرّف به غير واحد ، منهم الحافظ أبو عبد الله الحميدي في كتابه «جذوة المقتبس»
وقال : أظن أن أحد آبائه كان من أهل الرمادة وهي موضع بالمغرب ، وهو قرطبي ، كثير
الشعر ، سريع القول ، مشهور عند الخاصّة والعامة هنالك ، لسلوكه في فنون من
المنظوم والمنثور مسالك ، حتى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون : فتح الشعر
بكندة ، وختم بكندة ، يعنون امرأ القيس والمتنبي ويوسف بن هارون ، على أنّ في كون
المتنبي من كندة القبيلة كلاما مشهورا .
وأخذ أبو عمر بن
عبد البر عن الرمادي هذا قطعة من شعره ، وضمّنها بعض تأليفه.
قال ابن حيان :
توفي الرمادي سنة ٤٠٣ ، وذكر ابن سعيد في «المغرب» أن الرمادي اكتسب صناعة الأدب
من شيخه أبي بكر يحيى بن هذيل الكفيف عالم أدباء الأندلس ، وهو القائل رحمه الله
تعالى : [الخفيف]
لا تلمني على
الوقوف بدار
|
|
أهلها صيّروا
السقام ضجيعي
|
جعلوا لي إلى
هواهم سبيلا
|
|
ثم سدّوا عليّ
باب الرجوع
|
وروى الرمادي عن
أبي عليّ كتاب «النوادر» ومدح أبا علي بقصيدة كما أشرنا إليه في غير هذا الموضع.
وقال في المطمح : إنه شاعر مفلق ، انفرج له من الصناعة المغلق ، وومض له
برقها المؤتلق. وسال بها طبعه كالماء المندفق ، فأجمع على تفضيله المختلف والمتّفق
، فتارة يحزن وأخرى يسهل ، وفي كلتاهما بالبديع يعلّ وينهل ، فاشتهر عند الخاصّة والعامّة
بانطباعه في الفريقين ، وإبداعه في الطريقين ، وكان هو وأبو الطيب متعاصرين ، وعلى
الصناعة متغايرين ، وكلاهما من كندة ، وما منها إلّا من اقتدح في الإحسان زنده ،
وتمادى بأبي عمر ، طلق العمر ، حتى أفرده صاحبه ونديمه ، وهريق شبابه
واستشن أديمه ، ففارق تلك الأيام وبهجتها ، وأدرك الفتنة فخاض لجّتها ، وأقام فرقا
من هيجانها شرقا بأشجانها ، ولحقته فيها فاقة
__________________
نهكته ، وبعدت عنه الإفاقة حتى أهلكته ، وقد أثبتّ من محاسنه ما
يعجبك سرده ، ولا يمكنك نقده ، فمن ذلك قوله : [البسيط]
شطّت نواهم بشمس
في هوادجهم
|
|
لو لا تلألؤها
في ليلهنّ عشوا
|
شكت محاسنها
عيني وقد غدرت
|
|
لأنها بضمير
القلب تنخمش
|
شعر ووجه تبارى
في اختلافهما
|
|
بحسن هذا وذاك
الروم والحبش
|
شككت في سقمي
منها أفي فرشي
|
|
منها تنكست
وإلّا الطيف والفرش
|
إلى أن قال : وكان
كلفا بفتى نصراني استسهل لباس زنّاره ، والخلود معه في ناره وخلع بروده لمسوحه ،
وتسوغ الأخذ عن مسيحه ، وراح في بيعته ، وغدا من شيعته ، ولم يشرب نصيبه ، حتى
حطّ عليه صليبه ، فقال : [الوافر]
أدرها مثل ريقك
ثم صلّب
|
|
كعادتهم على
وهمي وكاسي
|
فيقضي ما أمرت
به اجتلابا
|
|
لمسروري وزاد
خضوع راسي
|
وله في مثله : [مجزوء
الكامل]
ورأيت فوق
النّحر در
|
|
عا فاقعا من
زعفران
|
فزجرته لونا سقا
|
|
مي بالنوى والزّجر
شاني
|
يا من نأى عنّي
كما
|
|
تنأى العيون
الفرقدان
|
فأرى بعيني
الفرقدي
|
|
ن ولا أراه ولا
يراني
|
لا قدّرت لك
أوبة
|
|
حتى يؤوب
القارظان
|
هل ثم إلّا
الموت فر
|
|
دا لا تكون
منيّتان
|
وله أيضا : [الخفيف]
__________________
اشرب الكاس يا
نصير وهات
|
|
إنّ هذا النهار
من حسناتي
|
بأبي غرّة ترى
الشخص فيها
|
|
في صفاء أصفى من
المرآة
|
تنزح الناس
نحوها بازدحام
|
|
كازدحام الحجيج
في عرفات
|
هاتها يا نصير
إنّا اجتمعنا
|
|
بقلوب في الدين
مختلفات
|
إنما نحن في
مجالس لهو
|
|
نشرب الراح ثم
أنت مواتي
|
فإذا ما انقضت
ديانة ذا الله
|
|
واعتمدنا مواضع
الصلوات
|
لو مضى الدهر
دون راح وقصف
|
|
لعددنا هذا من
السيئات
|
وشاعت عنه أشعار
في دولة الخلافة وأهلها ، سدّد إليهم صائبات نبلها ، وسقاهم كؤوس نهلها ، أوغرت
عليه الصّدور ، ونعرت عليه المنايا ولكن لم يساعدها المقدور ، فسجنه الخليفة
دهرا ، وأسكنه من النكبة وعرا ، فاستعطفه أثناء ذلك واستلطفه ، وأجناه كل زهر من
الإحسان وأقطفه ، فما أصغى إليه ، ولا ألغى موجدته عليه ، وله في السجن أشعار صرّح فيها ببثّه ، وأفصح فيها عن جلّ
الخطب لفقد صبره ونكثه ، فمن ذلك قوله : [الطويل]
لك الأمن من شجو يزيد تشوقي
ومنها :
فوافوا بنا
الزهراء في حال خالع ال
|
|
أئمّة
لاستيفائهم في التوثّق
|
وحولي من أهل
التأدّب مأتم
|
|
ولا جؤذر إلّا
بثوب مشقّق
|
فلو أنّ في عيني
الحمام كروضها
|
|
وإن كان في
ألوانه غير مشفق
|
ونادى حمامي
مهجتي لتقلقلت
|
|
فهلّا أجابت وهو
عندي بمحنق
|
أعينيّ إن كانت
لدمعك فضلة
|
|
تثبّت صبري ساعة
فتدفّقي
|
فلو ساعدت قالت
أمن قلّة الأسى
|
|
تنقت دموعي أم
من البحر تستقي
|
__________________
ومنها :
وقالت تظنّ
الدهر يجمع بيننا
|
|
فقلت لها من لي
بظنّ محقّق
|
ولكنني فيما
زجرت بمقلتي
|
|
زجرت اجتماع
الشمل بعد التفرّق
|
فقد كانت
الأشفار في مثل بعدنا
|
|
فلمّا التقت
بالطيف قالت سنلتقي
|
أباكية يوما ولم
يأت وقته
|
|
سينفد قبل اليوم
دمعك فارفقي
|
إلى أن قال : وله
أيضا : [الطويل]
على كمدي تهمي
السحاب وتذرف
|
|
ومن جزعي تبكي
الحمام وتهتف
|
كأنّ السحاب
الواكفات غواسلي
|
|
وتلك على فقدي
نوائح هتّف
|
ألا ظعنت ليلى
وبان قطينها
|
|
ولكنني باق
فلوموا وعنّفوا
|
وآنست في وجه
الصباح لبينها
|
|
نحولا كأنّ
الصبح مثلي مدنف
|
وأقرب عهد رشفة
بلّت الحشا
|
|
فعاد شتاء باردا
وهو صيّف
|
وكانت على خوف
فولّت كأنها
|
|
من الرّدف في
قيد الخلاخل ترسف
|
وله : [السريع]
قبّلته قدّام
قسّيسه
|
|
شربت كاسات
بتقديسه
|
يقرع قلبي عند
ذكري له
|
|
من فرط شوقي قرع
ناقوسه
|
وسجن معه غلام من
أولاد العبيديّ فيه مجال ، وفي نفس متأمّله من لوعته أوجال ، فكتب يخاطب
الموكل بالسجن بقطعة منها : [الطويل]
حبيسك ممّن أتلف
الحبّ عقله
|
|
ويلذع قلبي حرقة
دونها الجمر
|
هلال وفي غير
السماء طلوعه
|
|
وريم ولكن ليس
مسكنه القفر
|
تأمّلت عينيه
فخامرني السكر
|
|
ولا شكّ في أنّ
العيون هي الخمر
|
أناطقه كيما
يقول ، وإنما
|
|
أناطقه عمدا
لينتثر الدّرّ
|
أنا عبده وهو
المليك كما اسمه
|
|
فلي منه شطر
كامل وله شطر
|
انتهى باختصار.
__________________
وقال محمد بن
هانىء : [الخفيف]
قد مررنا على
مغانيك تلك
|
|
فرأينا بها
مشابه منك
|
عارضتنا المها
الخرائد سربا
|
|
عند أجراعها فلم
نسل عنك
|
لا يرع للمها
بذكرك سرب
|
|
أشبهتك في الوصف
إن لم تكنك
|
كن عذيري لقد
رأيت معاجي
|
|
يوم تبكي بالجزع
ولهى وأبكي
|
بحنين مرجّع
وتشكّ
|
|
وأنين موجع
كتشكّي
|
وقال صاحب المطمح
في حقّه : الأديب أبو القاسم محمد بن هانىء ، ذخر خطير ، وروض أدب مطير ، غاص في
طلب الغريب حتى أخرج درّه المكنون ، وبهرج بافتنانه فيه كلّ الفنون ، وله نظم
تتمنّى الثريا أن تتوّج به وتتقلّد ، ويودّ البدر أن يكتب ما اخترع فيه وولّد ،
زهت به الأندلس وتاهت ، وحاسنت ببدائعه الأشمس وباهت ، فحسد المغرب فيه المشرق ، وغصّ به من بالعراق وشرق
، غير أنه نبت به أكنافها ، وشمخت عليه آنافها ، وبرئت منه ، وزويت الخيرات فيها عنه ، لأنه سلك مسلك المعرّي ، وتجرّد من التدين وعري
، وأبدى الغلوّ ، وتعدّى الحقّ المجلوّ ، فمجّته الأنفس ، وأزعجته الأندلس ، فخرج
على غير اختيار ، وما عرّج على هذه الديار ، إلى أن وصل الزاب واتّصل بجعفر بن
الأندلسية ، مأوى تلك الجنسية ، فناهيك من سعد ورد عليه فكرع ، ومن باب ولج فيه
وما قرع ، فاسترجع عنده شبابه ، وانتجع وبله وربابه ، وتلقّاه بتأهيل ورحب ، وسقاه
صوب تلك السّحب ، فأفرط في مدحه فيه في الغلوّ وزاد ، وفرّغ عنده تلك المزاد ، ولم يتورّع ، ولا ثناه ذو ورع ، وله
بدائع يتحيّر فيها ويحار ، ويخال لرقّتها أنها أسحار ، فإنه اعتمد التهذيب
والتحرير ، واتّبع في أغراضه الفرزدق مع جرير ، وأما تشبيهاته فخرق فيها المعتاد ،
وما شاء منها اقتاد ، وقد أثبتّ له ما تحنّ له الأسماع ، ولا تتمكّن منه الأطماع ،
فمن ذلك قوله : [الطويل]
__________________
أليلتنا إذ
أرسلت واردا وحفا
|
|
وبتنا نرى
الجوزاء في أذنها شنفا
|
وبات لنا ساق
يقوم على الدّجى
|
|
بشمعة صبح لا
تقطّ ولا تطفا
|
أغنّ غضيض خفّف
اللّين قدّه
|
|
وثقّلت الصهباء
أجفانه الوطفا
|
ولم يبق إرعاش
المدام له يدا
|
|
ولم يبق إعنات
التثنّي له عطفا
|
نزيف نضاه السكر
إلّا ارتجاجة
|
|
إذا كلّ عنها
الخصر حمّلها الرّدفا
|
يقولون حقف فوقه
خيزرانة
|
|
أما يعرفون
الخيزرانة والحقفا
|
جعلنا حشايانا
ثياب مدامنا
|
|
وقدّت لنا
الأزهار من جلدها لحفا
|
فمن كبد توحي
إلى كبد هوى
|
|
ومن شفة تؤوي
إلى شفة رشفا
|
ومنها :
كأنّ السّماكين
اللّذين تراهما
|
|
على لبدتيه
ضامنان له حتفا
|
فذا رامح يهوي
إليه سنانه
|
|
وذا أعزل قد عضّ
أنمله لهفا
|
كأنّ سهيلا في
مطالع أفقه
|
|
مفارق إلف لم
يجد بعده إلفا
|
كأنّ بني نعش
ونعشا مطافل
|
|
بوجرة قد أضللن
في مهمه خشفا
|
كأنّ سهاها عاشق
بين عوّد
|
|
فآونة يبدو
وآونة يخفى
|
كأنّ قدامى
النّسر والنّسر واقع
|
|
قصصن فلم تسم
الخوافي له ضعفا
|
كأنّ أخاه حين
حوّم طائر
|
|
أتى دون نصف
البدر فاختطف النصفا
|
كأنّ ظلام الليل
إذ مال ميلة
|
|
صريع مدام بات
يشربها صرفا
|
كأنّ عمود الصبح
خاقان معشر
|
|
من الترك نادى
بالنجاشيّ فاستخفى
|
__________________
كأن لواء الشمس
غرة جعفر
|
|
رأى القرن
فازدادت طلاقته ضعفا
|
وله أيضا : [الكامل]
فتقت لكم ريح
الجلاد بعنبر
|
|
وأمدّكم فلق
الصباح المسفر
|
وجنيتم ثمر
الوقائع يانعا
|
|
بالنصر من ورق
الحديد الأخضر
|
أبني العوالي
السمهريّة والسيو
|
|
ف المشرفيّة
والعديد الأكثر
|
من منكم الملك
المطاع كأنه
|
|
تحت السوابغ
تبّع في حمير
|
جيش تعدّ له الليوث
وفوقها
|
|
كالغيل من قصب
الوشيج الأخضر
|
وكأنما سلب
القشاعم ريشها
|
|
ممّا يشقّ من
العجاج الأكدر
|
لحق القبول مع
الدّبور وسار في
|
|
جمع الهرقل
وعزمة الإسكندر
|
في فتية صدأ
الحديد لباسهم
|
|
في عبقريّ البيض
جنّة عبقر
|
وكفاه من حبّ
السماحة أنه
|
|
منها بموضع مقلة
من محجر
|
ومنها :
نعماؤه من رحمة
، ولباسه
|
|
من جنّة ،
وعطاؤه من كوثر
|
وله أيضا من قصيدة
في جعفر بن علي : [الطويل]
ألا أيها الوادي
المقدّس بالندى
|
|
وأهل الندى قلبي
إليك مشوق
|
ويا أيها القصر
المنيف قبابه
|
|
على الزاب لا
يسدد إليك طريق
|
ويا ملك الزاب
الرفيع عماده
|
|
بقيت لجمع المجد
وهو فريق
|
فما أنس لا أنس
الأمير إذا غدا
|
|
يروع بحور ملكه
ويروق
|
__________________
فللجود مجرى من
صفيحة وجهه
|
|
إذا كان من ذاك
الجبين شروق
|
وهزّته للمجد
حتى كأنما
|
|
جرت في سجاياه
العذاب رحيق
|
أما وأبي تلك
الشمائل إنها
|
|
دليل على أنّ
النّجار عتيق
|
فكيف بصبر النفس
عنه ودونه
|
|
من الأرض مغبّرّ
الفجاج عميق
|
فكن كيف شاء
الناس أو شئت دائما
|
|
فليس لهذا الملك
غيرك فوق
|
ولا تشكر الدنيا
على نيل رتبة
|
|
فما نلتها إلّا
وأنت حقيق
|
وله من أخرى : [الطويل]
خليليّ ، أين
الزاب مني وجعفر
|
|
وجنّات عدن بنت
عنها وكوثر
|
فقبلي نأى عن
جنّة الخلد آدم
|
|
فلما راقه من
جانب الأرض منظر
|
لقد سرّني أني
أمرّ بباله
|
|
فيخبرني عنه
بذلك مخبر
|
وقد ساءني أني
أراه ببلدة
|
|
بها منسك منه
عظيم ومشعر
|
وقد كان لي منه
شفيع مشفّع
|
|
به يمحص الله
الذنوب ويغفر
|
أتى الناس
أفواجا إليك كأنما
|
|
من الزاب بيت أو
من الزاب محشر
|
فأنت لمن قد
مزّق الله شمله
|
|
ومعشره والأهل
أهل ومعشر
|
وله أيضا : [الطويل]
ألا طرقتنا
والنجوم ركود
|
|
وفي الحيّ أيقاظ
ونحن هجود
|
وقد أعجل الفجر
الملمّع خطوها
|
|
وفي أخريات
الليل منه عمود
|
سرت عاطلا غضبى
على الدّرّ وحده
|
|
ولم يدر نحر ما
دهاه وجيد
|
فما برحت إلّا
ومن سلك أدمعي
|
|
قلائد في
لبّاتها وعقود
|
ويا حسنها في
يوم نضّت سوالفا
|
|
تروغ إلى
أترابها وتحيد
|
ألم يأتها أنّا
كبرنا عن الصّبا
|
|
وأنا بلينا
والزمان جديد
|
ولا كالليالي ما
لهنّ مواثق
|
|
ولا كالغواني ما
لهنّ عهود
|
__________________
ولا كالمعزّ ابن
النبيّ خليفة
|
|
له الله بالفخر
المبين شهيد
|
وله من قصيدة يمدح
بها يحيى بن علي بن رمان : [الطويل]
قفا بي فلا مسرى
سرينا ولا نسري
|
|
وإلّا نرى مشي
القطا الوارد الكدر
|
قفا نتبيّن أين
ذا البرق منهم
|
|
ومن أين تأتي
الريح طيبة النّشر
|
لعلّ ثرى الوادي
الذي كنت مرّة
|
|
أزورهم فيه
تضوّع للسّفر
|
وإلّا فما واد
يسيل بعنبر
|
|
وإلّا فما تدري
الركاب ولا ندري
|
أكلّ كناس
بالصريم تظنّه
|
|
كناس الظباء
الدّعج والشّدن العفر
|
وهل عجبوا أني
أسائل عنهم
|
|
وهم بين أحناء
الجوانح والصّدر
|
وهل علموا أني
أيمّم أرضهم
|
|
ومالي بها غير
التعسّف من خبر
|
ولي سكن تأتي
الحوادث دونه
|
|
فيبعد عن عيني
ويقرب من فكري
|
إذا ذكرته النفس
جاشت بذكره
|
|
كما عثر الساقي
بجام من الخمر
|
فلا تسألاني عن
زماني الذي خلا
|
|
فوالعصر إني قبل
يحيى لفي خسر
|
|
وآليت لا أعطي الزمان
مقادتي
|
|
على مثل يحيى ثم
أغضي على الوتر
|
حنيني إليه
ظاعنا ومخيّما
|
|
وليس حنين الطير
إلّا إلى الوكر
|
وله من قصيدة : [الكامل]
فتكات طرفك أم
سيوف أبيك
|
|
وكؤوس خمرك أم
مراشف فيك
|
أجلاد مرهفة
وفتك محاجر
|
|
لا أنت راحمة
ولا أهلوك
|
يا بنت ذي السيف
الطويل نجاده
|
|
أكذا يجوز الحكم
في ناديك
|
عيناك أم مغناك
موعدنا ، وفي
|
|
وادي الكرى
ألقاك أم واديك
|
__________________
وله أيضا : [الكامل]
أحبب بهاتيك
القباب قبابا
|
|
لا بالحداة ولا
الركاب ركابا
|
فيها قلوب
العاشقين تخالها
|
|
عنما بأيدي
البيض أو عنّابا
|
والله لو لا أن
يعنّفني الهوى
|
|
ويقول بعض
العاذلين تصابى
|
لكسرت دملجها
بضيق عناقها
|
|
ورشفت من فيها
البرود رضابا
|
بنتم فلو لا أن
أغيّر لمّتي
|
|
عبثا وألقاكم
عليّ غضابا
|
لخضبت شيبا في
مفارق لمتي
|
|
ومحوت محو
النّقس عنه شبابا
|
وخضبت مبيضّ
الحداد عليكم
|
|
لو أنني أجد
البياض خضابا
|
وإذا أردت على
المشيب وفادة
|
|
فاحثث مطيّك
دونه الأحقابا
|
فلتأخذنّ من
الزمان حمامة
|
|
ولتدفعنّ إلى
الزمان غرابا
|
ومنها :
قد طيّب الأقطار
طيب ثنائه
|
|
من أجل ذا نجد
الثغور عذابا
|
لم تدنني أرض
إليك وإنما
|
|
جئت السماء
ففتحت أبوابا
|
ورأيت حولي وفد
كلّ قبيلة
|
|
حتّى توهّمت
العراق الزبا
|
أرض وطئت الدّرّ
من رضراضها
|
|
والمسك تربا
والرياض جنابا
|
ورأيت أجبل
أرضها منقادة
|
|
فحسبتها مدّت
إليك رقابا
|
سدّ الإمام بك
الثغور وقبله
|
|
هزم النبيّ
بقومك الأحزابا
|
وقال ابن هانىء
يصف الأسطول : [الطويل]
معطّفة الأعناق
نحو متونها
|
|
كما نبّهت أيدي
الحواة الأفاعيا
|
__________________
إذا ما وردن
الماء شوقا لبرده
|
|
صدرن ولم يشربن
غرفا صواديا
|
إذا أعملوا فيها
المجاذيف سرعة
|
|
ترى عقربا منها
على الماء ماشيا
|
وقال الأديب أبو
عمر أحمد بن فرج الجيّاني رحمه الله تعالى : [الوافر]
وطائعة الوصال
عدوت عنها
|
|
وما الشيطان
فيها بالمطاع
|
بدت في الليل
ساترة ظلام ال
|
|
دّياجي منه
سافرة القناع
|
وما من لحظة
إلّا وفيها
|
|
إلى فتن القلوب
لها دواعي
|
فملّكت النّهى
جمحات شوقي
|
|
لأجري بالعفاف
على طباعي
|
وبتّ بها مبيت
الطفل يظما
|
|
فيمنعه الفطام
عن الرّضاع
|
كذاك الروض ليس
به لمثلي
|
|
سوى نظر وشمّ من
متاع
|
ولست من السوائم
مهملات
|
|
فأتّخذ الرياض
من المراعي
|
وقال : [مخلع
البسيط]
للروض حسن فقف
عليه
|
|
واصرف عنان
الهوى إليه
|
أما ترى نرجسا
نضيرا
|
|
يرنو إليه
بمقلتيه
|
نشر حبيبي على
رباه
|
|
وصفرتي فوق
وجنتيه
|
وقال : [الطويل]
بمهلكة يستهلك
الحمد عفوها
|
|
ويترك شمل العزم
وهو مبدّد
|
ترى عاصف
الأرواح فيها كأنها
|
|
من الأين تمشي
ظالع أو مقيّد
|
وقال في المطمح :
محرز الخصل ، مبرّز في كل معنى وفصل ، متميز بالإحسان ، منتم إلى فئة البيان ، ذكي
الخلد مع قوة العارضة ، والمنّة الناهضة ، حضر مجلس بعض القضاة وكان مشتهر الضّبط ، منتصرا لمن انبسط فيه بعض البسط ، حتى إنّ أهله لا يتكلّمون فيه
إلّا
__________________
رمزا ، ولا
يخاطبون إلّا إيماء فلا تسمع لهم ركزا ، فكلّم فيه خصما له كلاما استطال به عليه
لفضل بيانه ، وطلاقة لسانه ، ففارق عادة المجلس في رفض الأنفه ، وخفض الحجّة
المؤتنفة ، وهزّ عطفه وحسر عن ساعده ، وأشار بيده ، مادا بها لوجه خصمه ، خارجا عن
حدّ المجلس ورسمه ، فهمّ الأعوان بتقويمه وتثقيفه ، ووزعهم رهبة منه وخشية ، حتى
تناوله القاضي بنفسه ، وقال له : مهلا ، عافاك الله ، اخفض صوتك ، واقبض يدك ، ولا
تفارق مركزك ، ولا تعد حقّك ، وأقصر عن إدلالك ، فقال له : مهلا يا قاضي ، أمن
المخدّرات أنا فأخفض صوتي وأستر يدي ، وأغطي معاصمي لديك؟ أم من الأنبياء أنت فلا يجهر بالقول
عندك؟ وذلك لم يجعله الله تعالى إلّا لرسوله عليه الصلاة والسلام ، لقول الله
تعالى (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) [سورة الحجرات ،
الآية : ٢] ـ إلى قوله : (تَشْعُرُونَ) [سورة الحجرات ،
الآية : ٢] ولست به ولا كرامة ، وقد ذكر الله تعالى أنّ النفوس تجادل في القيامة
في موقف الهول الذي لا يعدله مقام ، ولا يشبه انتقامه انتقام ، فقال تعالى (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ
عَنْ نَفْسِها) [ورة النحل ، الآية : ١١١] ـ إلى قوله تعالى : (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [سورة النحل ،
الآية: ١١١] لقد تعديت طورك ، وعلوت في منزلك ، وإنما البيان ، بعبارة اللسان ،
وبالنطق يستبين الحقّ من الباطل ، ولا بدّ في الخصام ، من إفصاح الكلام. وقام
وانصرف. فبهت القاضي ، ولم يحر جوابا ، وكان في الدولة صدرا من أعيانها ، وناسق
درر تبيانها ، نفق في سوقها وصنّف ، وقرّط محاسنها وشنّف ، وله الكتاب الرائق
، المسمّى بالحدائق ، وأدركه في الدولة سعي ، ورفض له فيها الرّعي ، واعتقله
الخليفة وأوثقه في مكان أخيه فلم يومض له عفو ، ولم يشبّ كدر حاله صفو ، حتى قضى
معتقلا ، ونعي للنائبات نعيا مثكلا ، وله في السجن أشعار كثيرة ، وأقوال مبدعات
منيرة ، فمن ذلك ما أنشده ابن حزم يصف خيالا طرقه ، بعد ما أسهره الوجد وأرّقه : [الوافر]
بأيّهما أنا في
الشّكر بادي
|
|
بشكر الطّيف أم
شكر الرقاد
|
سرى وازداد في
أملي ولكن
|
|
عففت فلم أجد
منه مرادي
|
وما في النوم من
حرج ولكن
|
|
جريت من العفاف
على اعتيادي
|
وقال الشاعر
المشهور أبو عبد الله محمد بن الحدّاد : [البسيط]
يا غائبا ،
خطرات القلب محضره
|
|
الصّبر بعدك شيء
لست أقدره
|
__________________
تركت قلبي
وأشواقي تفطّره
|
|
ودمع عيني
وأحداقي تحدّره
|
لو كنت تبصر في
تدمير حالتنا
|
|
إذن لأشفقت مما
كنت تبصره
|
فالعين دونك لا
تحلى بلذّتها
|
|
والدّهر بعدك لا
يصفو تكدّره
|
أخفي اشتياقي
وما أطويه من أسف
|
|
عن البرية
والأنفاس تظهره
|
قال في المطمح :
هو شاعر مادح ، وعلى أيك الندى صادح ، لم ينطقه إلّا معن أو صمادح ، فلم يرم
مثواهما ، ولم ينتجع سواهما ، واقتصر على المرية ، واختصر قطع
المهامه وخوض البرّيّة ، فعكف فيها ينثر درره في ذلك المنتدى ، ويرشف أبدا ثغور
ذلك النّدى ، مع تميّزه بالعلم ، وتحيّزه إلى فئة الوقار والحلم ، وانتمائه إلى
آية سلف ، ومذهبه مذاهب أهل الشّرف ، وكان له لسن ورواء يشهدان له بالنباهة ، ويقلّدان كاهله ما شاء من الوجاهة ،
وقد أثبتّ له بعض ما قذفه من درره ، وفاه به من محاسن غرره ؛ فمن ذلك قوله : [الطويل]
إلى الموت رجعى
بعد حين فإن أمت
|
|
فقد خلّدت خلد
الزمان مناقبي
|
وذكراي في
الآفاق طيبا كأنها
|
|
بكلّ لسان طيب
عذراء كاعب
|
ففي أيّ علم لم
تبرّز سوابقي
|
|
وفي أيّ فنّ لم
تبرّز كتائبي
|
وحضر مجلس المعتصم
بحضور ابن اللبّانة فأنشد فيه قصيدا أبرز به من عرا الإحسان ما لم ينفصم واستمرّ
فيها يكمل بدائعها وقوافيها ، فإذا هو قد أغار على قصيد ابن الحداد
الذي أوّله : [الكامل]
عج بالحمى حيث الظّباء العين
فقال ابن الحداد
مرتجلا : [الكامل]
حاشا لعدلك يا
ابن معن أن يرى
|
|
في سلك غيري
درّي المكنون
|
وإليكها تشكو
استلاب مطيّها
:
|
|
عج بالحمى حيث
الظّباء العين
|
__________________
فاحكم لها واقطع
لسانا لا يدا
|
|
فلسان من سرق
القريض يمين
|
وله : [مجزوء
الكامل]
إنّ المدامع
والزّفير
|
|
قد أعلنا ما في
الضّمير
|
فعلام أخفي
ظاهرا
|
|
سقمي عليّ به
ظهير
|
هب لي الرّضا من
ساخط
|
|
قلبي بساحته
الأسير
|
وله أيضا : [مجزوء
الرمل]
أيّها الواصل
هجري
|
|
أنا في هجران
صبري
|
ليت شعري أيّ
نفع
|
|
لك في إدمان
ضرّي
|
وله أيضا : [البسيط]
يا مشبه الملك
الجعديّ تسمية
|
|
ومخجل القمر
البدريّ أنوارا
|
وله : [الطويل]
تطالبني نفسي
بما فيه صونها
|
|
فأعصي ، ويسطو
شوقها فأطيعها
|
ووالله ما يخفى
عليّ ضلالها
|
|
ولكنها تهوى فلا
أستطيعها
|
وقال : [الطويل]
بخافقة القرطين
قلبك خافق
|
|
وعن خرس القلبين
دمعك ناطق
|
وفي مشرق
الصّدغين للبدر مغرب
|
|
وللفكر إظلام
وللعين شارق
|
وبين حصا
الياقوت ماء وسامة
|
|
محلّأة عنه
الظّباء السوابق
|
وحشو قباب
الرّقم أحوى مقرطق
|
|
كما آس روض عطفه
والقراطق
|
انتهى باختصار.
وقال الأسعد بن
بليطة : [الطويل]
__________________
برامة ريم زارني
بعدما شطّا
|
|
تقنّصته بالحلم
في الشّطّ فاشتطّا
|
رعى من أفانين
الهوى ثمر الحشا
|
|
جنيا ولم يرع
العهود ولا الشرطا
|
خيال لمرقوم
غرير برامة
|
|
تأوبني
بالرقمتين لدى الأرطى
|
فألثمني من
خدّها روضة الجنى
|
|
وألذعني من
صدغها حية رقطا
|
وباتت ذراعاها
نجادا لعاتقي
|
|
إذا التقتا
بالحلي غنى لها لغطا
|
وسلّ اهتصاري
غصنها من مخصّر
|
|
طواه الضنى طيّ
الطوامير فامتطّا
|
وقد غاب كحل
الليل في دمع فجره
|
|
إلى أن تبدّى
الصبح في اللّمّة الشمطا
|
ومنها في وصف
الديك :
وقام لها ينعى
الدجى ذو شقيقة
|
|
يدير لنا من عين
أجفانه سقطا
|
إذا صاح أصخى
سمعه لأذانه
|
|
وبادر ضربا من
قوادمه الإبطا
|
كأنّ أنوشروان
أعلاه تاجه
|
|
وناطت عليه كفّ
مارية القرطا
|
سبى حلّة
الطاووس حسن لباسها
|
|
ولم يكفه حتى
سبى المشية البطّا
|
ومن غزلها :
غلاميّة جاءت
وقد جعل الدجى
|
|
لخاتم فيها فصّ
غالية خطّا
|
فقلت أحاجيها
بما في جفونها
|
|
وما في الشفاه
اللّعس من حسنها المعطى
|
مخمرة العينين
من غير سكرة
|
|
متى شربت ألحاظ
عينيك إسفنطا
|
أرى نكهة
المسواك في حمرة اللّمى
|
|
وشاربك المخضرّ
بالمسك قد خطّا
|
عسى قزح قبّلته
فإخاله
|
|
على الشفة
اللمياء قد جاء مختطّا
|
وقال في المطمح في
تحلية الأسعد : إنه سرد البدائع أحسن السّرد ، وافترس المعاني كالأسد الورد وأبرز درر المحاسن من صدفها ، وحاز من فخر الإجادة وشرفها ، ومدح ملوكا طوّقهم من مدائحه قلائد ، وزفّ إليهم منها
خرائد ، وجلاها عليهم كواعب ، بالألباب
__________________
لواعب ، فأسالت
العوارف ، وما تقلّص له من الحظوة ظلّ وارف ، وقد أثبتّ له ما يعترف بحقّه ، ويعرف
به مقدار سبقه ، فمن ذلك قوله : [الكامل]
لو كنت شاهدنا
عشية أمسنا
|
|
والمزن يبكينا
بعيني مذنب
|
والشمس قد مدّت
أديم شعاعها
|
|
في الأرض تجنح
غير أن لم تغرب
|
وقوله : [الكامل]
وتلذّ تعذيبي
كأنّك خلتني
|
|
عودا فليس يطيب
ما لم يحرق
|
وهو مأخوذ من قول
ابن زيدون : [الطويل]
تظنوني كالعود
حقّا وإنما
|
|
تطيب لكم أنفاسه
حين يحرق
|
انتهى ببعض اختصار
.
وقال الأديب أبو
بكر عبادة بن ماء السماء ، وهو كما في المطمح : من فحول الشعراء ، وأئمتهم الكبراء
، وكان منتجعا بشعره ، مسترجعا من صرف دهره ، وكانت له همّة أطالت همّه ، وأكثرت كمده وغمّه : [الطويل]
يؤرّقني الليل
الذي أنا نائمه
|
|
فتجهل ما ألقى
وطرفك عالمه
|
وفي الهودج
المرقوم وجه طوى الغشا
|
|
عن الحسن فيه
الحسن قد حار راقمه
|
إذا شاء وقفا
أرسل الحسن فرعه
|
|
يضلّهم عن منهج
القصد فاحمه
|
أظلما رأوا
تقليده الدّرّ أم زروا
|
|
بتلك اللآلي
أنهنّ تمائمه
|
__________________
فهرس الرسائل والخطب والمراجعات للجزء الرابع
من كتاب نفح الطيب
رسالة
ابن حزم في فضائل الأندلسيين............................................................ ٤
/ ٧
رسالة الشقندي في فضل الأندلس
والأندلسيين.................................................. ٤
/ ٢٧
ابن الجفان ، أبو الوليد رسالة يستدعي
فيها بعض إخوانه......................................... ٤
/ ١٦
ابن الربيب : رسالته إلى أبي المغيرة
ابن حزم حول إهمال الأندلسيين لتراثهم............................ ٤
/ ٧
ابن سعيد ، أبو الحسن : تذييله على
رسالة ابن حزم في فضل الأندلس.............................. ٤
/ ٢٢
ابن الفخار ، أبو عبد الله خطبته في
الدفاع عن القاضي التوحيدي............................... ٤
/ ١٩٢
ابن الفراء ، أبو عبد الله : رسالته إلى
يوسف بن تاشفين......................................... ٤
/ ١٨٧
ابن غانم : جوابه على رسالة وصلته من
هاشم بن عبد العزيز..................................... ٤
/ ١٧٦
أبو محمد عبد الرحمن المعافري الوزير :
رسالة منه إلى الفتح بن خاقان............................... ٤
/ ٦٣
أبو الوليد حبيب : رسالته إلى أبيه........................................................... ٤
/ ٢٢٠
ابن خفاجة ، أبو إسحاق رسالة إلى من بقل
عذاره............................................ ٤
/ ٢٤٧
ابن اللمائي : قطعة من رسالة له............................................................ ٤
/ ٣٢٠
أبو أمية : رسالة إلى ابن عبد الغفور.......................................................... ٤
/ ٣٢٥
أبو الفضل ابن الأعلم : نماذج من نثره........................................................ ٤
/ ٤٠٣
أيوب المرواني : رسالته إلى بسام بن
شمعون الوشقي............................................. ٤
/ ٣٠٦
حريز بن عكاشة : رسالة منه إلى الأذفونش.................................................... ٤
/ ٣٣١
مراجعة لابن ذي النون حول رسالة منه....................................................... ٤
/ ٣٣٢
عبد الحميد بن لاطون : رسالة له على
لسان حريز بن عكاشة................................... ٤
/ ٣٣١
المأمون بن ذي النون : ردّه على رسالة
كتبها عبد الحميد بن لاطون على لسان حريز................. ٤
/ ٣٣١
المنذر المرواني : رسالته إلى أبيه............................................................... ٤
/ ٣٤٦
يحيى بن يطفت : رسالته إلى ابن هود......................................................... ٤
/ ٣٣٣
علي بن خير التطيلي : رسالته إلى أبي
عبد الصمد السرقسطي................................... ٤
/ ٢٠١
فهرس
موضوعات الجزء الرابع
من
كتاب نفح الطيب
من
غصن الأندلس الرطيب للمقرّي
الباب السابع في
نبذة مما منّ الله به على أهل الأندلس
|
٣
|
من شعر ابن
يغمور
|
٦١
|
ابن غالب يذكر
فضائل الأندلس والأندلسيين في كتابه «فرحة الأنفس». ابن غالب يذكر فضائل الأندلس
والأندلسيين في كتابه «فرحة الأنفس».
|
٤
|
الوزير أبو محمد
عبد الرحمن بن مالك المعافري
|
٦٢
|
ابن سعيد يذكر
محاسن الأندلس والأندلسيين
|
٥
|
بين المعتمد
والبطليوسي النحلي
|
٦٤
|
الحميدي يذكر
محاسن الأندلس والأندلسيين
|
٥
|
ابن عبد البر
يفتي بجواز أكل طعام الأمراء
|
٦٥
|
ابن بسام
والحجاري يذكران محاسن الأندلس والأندلسيين
|
٦
|
أبو بكر يحيى بن
مجير الفهري
|
٦٧
|
رسالة ابن حزم
في فضائل الأندلسيين
|
٧
|
من شعر
الأندلسيين
|
٦٩
|
تذييل ابن سعيد
على رسالة ابن حزم
|
٢٢
|
سرعة ارتجال
الأندلسيين
|
٧٠
|
رسالة الشقندي
في فضل الأندلس والأندلسيين
|
٢٧
|
بين ابن شهيد
وابن أبي عامر
|
٧١
|
شمائل أهل
الأندلس
|
٤٧
|
ابن شهيد عند
القاضي ابن ذكوان
|
٧٢
|
فضائل البلاد
|
٤٧
|
بين ابن شهيد
وجماعة من أصحابه
|
٧٢
|
إشبيليته
|
٤٧
|
بين أبي العلاء
بن زهر وابن رزين
|
٧٤
|
قرطبة
|
٤٩
|
عبد الله بن
عاصم صاحب الشرطة في قرطبة
|
٧٤
|
جيان
|
٥١
|
بين ابن ظافر
والملك الأشرف الأيوبي
|
٧٥
|
غرناطة
|
٥١
|
بعض بدائع ابن
ظافر
|
٧٦
|
مالقة
|
٥٢
|
من ارتجال ابن
قلاقش الاسكندري
|
٨٠
|
المرية
|
٥٣
|
عود إلى كلام
أهل الأندلس
|
٨٤
|
مرسية
|
٥٣
|
البطليوسي
وأولاد ابن الحاج
|
١٠٧
|
بلنسية
|
٥٤
|
من ملح أشعار
الأندلسيين
|
١٠٨
|
جزيرة ميورقة
|
٥٤
|
من ملح ابن
الزقاق
|
١٠٩
|
بعض حكايات
الأندلسيين
|
٥٦
|
من ملح السميسر
|
١١٠
|
مذهب الأندلسيين
|
٦٠
|
لابن رزين
|
١١١
|
|
|
لسلطان بلنسية
|
١١١
|
|
|
للبطليوسي
المتلمس
|
١١١
|
|
|
لابن غالب
|
١١٢
|
|
|
لابن خرج
السميسر
|
١١٢
|
لابن برد
|
١١٢
|
في وصف الأهرام
|
١٤٤
|
لابن عبدون
|
١١٢
|
في وصف فرس
|
١٤٤
|
لأبي الفضل بن
حسداي
|
١١٣
|
بكار المرواني
|
١٤٦
|
بين ابن عبد ربه
ويحيى القلفاط
|
١١٣
|
محمد بن أيوب
المرواني
|
١٥٠
|
من مروءة ابن
جبير الرحالة
|
١١٤
|
للمطرف بن عمر
المرواني
|
١٥١
|
من شعر أبي
عمران المارتلي الزاهد
|
١١٤
|
بين الأمير هشام
بن عبد الرحمن وأخيه
|
١٥٢
|
من شعر أبي
الصلب أمية بن عبد العزيز
|
١١٥
|
بين سعيد بن
اضحى وبعض الشعراء
|
١٥٣
|
من شعر ابن
خفاجة
|
١١٦
|
لابن خفاجة
|
١٥٣
|
من مجون أهل
الأندلس
|
١١٦
|
لأبي بكر محمد
بن سهل
|
١٥٤
|
من شعر ابن
خفاجة
|
١٢٠
|
لابن اللبانة
|
١٥٤
|
لابن الأبار
|
١٢١
|
بين الحجاري
والقاضي اللوشي
|
١٥٥
|
ترجمة ابن
الأبار
|
١٢١
|
بين ابن بقي
والتطيلي الأعمى
|
١٥٦
|
لجماعة من شعراء
الأندلس
|
١٢٢
|
وصف حمام
|
١٥٧
|
أبو جعفر أحمد
بن طلحة الوزير
|
١٢٣
|
وصف دار جمال
الملك البغدادي
|
١٥٨
|
عود إلى ملح أهل
الأندلس
|
١٢٦
|
بعض ما قيل في
الحمام
|
١٥٩
|
أبو أمية بن
عفيرة قاضي إشبيلية
|
١٢٧
|
عود إلى ملح أهل
الأندلس
|
١٦٠
|
علي بن ظافر
ويعقوب
|
١٢٨
|
لابن الزقاق
|
١٦٢
|
من محاسن أبي
الحجاج البياسي
|
١٣٢
|
لابن خفاجة
|
١٦٢
|
ابن صارة وإخوان
له
|
١٣٢
|
لأبي الصلت
|
١٦٢
|
بين ابن خفاجة
وابن وهبون
|
١٣٣
|
ليحيى بن هذيل
|
١٦٣
|
ابن خفاجة
وأصحاب له
|
١٣٣
|
لمهيار الديلمي
|
١٦٣
|
بين السميسر
وبعض رؤساء المرية
|
١٣٥
|
لأبي عامر بن
شعيد
|
١٦٤
|
عباد بن الحريش
ورجال من سراة أصبهان
|
١٣٥
|
لابن شهيد يرثي
القاضي ابن ذكوان
|
١٦٥
|
أبو الصلت
وإخوان له
|
١٣٦
|
لابن شهيد يشكو
دهره
|
١٦٦
|
للوزير الوقشي
في غلام أسود
|
١٣٦
|
مرض ابن شهيد
وآخر شعر قاله
|
١٦٨
|
أبو يحيى اليكي
|
١٣٧
|
بين ابن غصن
وابن ذي النون وابن هود
|
١٦٨
|
من شعر ابن مفيد
|
١٣٧
|
بين أبي عامر
والرمادي
|
١٦٩
|
لجماعة من أهل
الأندلس
|
١٣٧
|
من عدل المعتصم
بن صمادح
|
١٧١
|
ابن عمار
وغلامان من بني جهور
|
١٣٨
|
عز الدولة بن
المعتصم بن صمادح
|
١٧٢
|
ابن عمار وابن
معيشة الكناني
|
١٣٩
|
بين ابن اللبانة
وعز الدولة بن المعتصم
|
١٧٣
|
ابن عمار وغلام
لابن هود
|
١٣٩
|
من شعر عز
الدولة بن المعتصم
|
١٧٣
|
المعتصم بن صمادح
|
١٤٠
|
من شعر رفيع
الدولة بن المعتصم بن صمادح
|
١٧٣
|
بعض ما قيل في
البعوض
|
١٤١
|
من شعر أبي جعفر
بن المعتصم
|
١٧٤
|
عود إلى أهل
الأندلس
|
١٤٢
|
|
|
لابن زهر
|
١٧٤
|
من شعر الحكيم
الفيلسوف أبي الفضل الجذامي
|
١٩٥
|
لابن شرف
|
١٧٤
|
أبو عبد الله
محمد بن معمر ابن أخت غانم
|
١٩٦
|
لابن خفاجة
|
١٧٤
|
بين أبن عبدون
وابن ضابط
|
١٩٧
|
للبياسي
|
١٧٤
|
من شعر غانم
المخزومي
|
١٩٧
|
لابن حريق
|
١٧٥
|
بين ابن الغليظ
وابن السراج
|
١٩٨
|
لأبي الحسن بن
الفضل
|
١٧٥
|
العطاء المالقي
في وصف غادة
|
١٩٨
|
قصة في الوفاء
والقيام بحق الإخاء
|
١٧٥
|
أبو القاسم
السهيلي
|
١٩٩
|
قصة في علو الهمة
|
١٧٦
|
بين السهيلي
والرصافي
|
٢٠٠
|
عباس بن فرناس
حكيم الأندلس
|
١٧٧
|
أبو الفضل بن
حسداي الوزير الكاتب
|
٢٠٠
|
أول من اشتهر في
الأندلس بالحساب والنجوم
|
١٧٨
|
أبو الربيع
السرقسطي
|
٢٠١
|
المشهورون في
الأندلس بالطب والمعالجات
|
١٧٨
|
بين علي بن خير
وابن عبد الصمد السرقسطي
|
٢٠١
|
مثل من حفظ أهل
الأندلس
|
١٨٠
|
قصة من رقة طباع
الأندلسيين
|
٢٠٢
|
ابن سيده وشيء
من شعره
|
١٨٢
|
بين ابن خفاجة
وابن عنق الفضة
|
٢٠٣
|
المظفر بن
الأفطس وحبه للعلم
|
١٨٢
|
من شعر أبي بكر
بن سدراي الوزير
|
٢٠٥
|
من كبار مؤلفات
أهل الأندلس
|
١٨٢
|
من شعر مروان بن
عبد العزيز ملك بلنسية
|
٢٠٥
|
من دعابات أهل
الأندلس
|
١٨٢
|
من شعر أبي عامر
بن الفرج الوزير
|
٢٠٦
|
من شعر ابن
الفداء
|
١٨٣
|
من شعر أبي
الحسن علي بن حريق
|
٢٠٧
|
من ملح الزهري
خطيب إشبيلية
|
١٨٤
|
لأبي جعفر بن
الذهبي
|
٢٠٨
|
ابن ورد وأحد
الأعيان
|
١٨٥
|
بين المعتصم بن
صمادح وخلف السميسر
|
٢٠٨
|
من ملح ابن
الطراوة نحوي المرية
|
١٨٥
|
لابن صارة
|
٢١٠
|
مدغليس صاحب
الموشحات والأزجال
|
١٨٦
|
لابن الزقاق
|
٢١٠
|
لابن الفراء
وترجمته
|
١٨٧
|
من شعر أبي تمام
غالب بن رباح الحجام
|
٢١١
|
جد ابن الفراء
|
١٨٧
|
لابن زقاق وابن
مسعدة
|
٢١٤
|
ابن الفراء
الأخفش بن ميمون
|
١٨٨
|
ابن أزرق
|
٢١٥
|
ابن مسعود
والطليق القرشي
|
١٨٩
|
لأبي جعفر بن
أزرق وأبي القاسم بن أزرق
|
٢١٥
|
بين جارية وشاعر
من المرية
|
١٩٠
|
لراشد بن عريف
|
٢١٥
|
البياسي وشيخ
ثقيل
|
١٩٠
|
لابن عائش
|
٢١٦
|
أبو علي بن حسون
قاضي مالقة
|
١٩١
|
لأبي الحسن بن
شعيب
|
٢١٧
|
موقف لابن
الفخار
|
١٩٢
|
لأبي حامد بن
شعيب
|
٢١٧
|
لابن شرف
|
١٩٣
|
لأبي الحسن بن
رجاء
|
٢١٧
|
ابن شرف الجذامي
|
١٩٥
|
|
|
لأبي محمد بن
الفتح
|
٢١٧
|
بين ابن عبد ربه
وفتى يهواه
|
٢٣٦
|
لأبي مروان بن
غصن
|
٢١٨
|
لغانم المالقي
|
٢٣٦
|
لإبراهيم
الحجاري
|
٢١٩
|
ابن بقي والأبيض
|
٢٣٦
|
لابن خيرة
|
٢٢٠
|
لابن صارة
وعبدون البلنسي
|
٢٣٧
|
لأبي جعفر
الإشبيلي
|
٢٢٠
|
الوزير ابن
الحكيم
|
٢٣٨
|
للوزير أبي
الوليد بن حبيب
|
٢٢٠
|
لابن جعفر بن
برطال
|
٢٣٨
|
للوزير أبي
الحسن بن حصن
|
٢٢٢
|
لابن خفاجة
|
٢٣٨
|
للوزير ابن طريف
|
٢٢٢
|
لأبي الوليد بن
الحضرمي
|
٢٣٨
|
لأبي العباس
الخزرجي
|
٢٢٣
|
لأبي أيوب
البطليوسي
|
٢٣٩
|
للوزير أبي
سليمان بن أبي أسية
|
٢٢٣
|
أيوب سليمان بن
محمد بن بطال البطليوسي
|
٢٤٠
|
لأبي علي عمر بن
أبي خالد
|
٢٢٣
|
من شعر إبراهيم
البطليوسي
|
٢٤٠
|
للكاتب عبد الله
المهيريس
|
٢٢٤
|
من شعر القلندر
البطليوسي
|
٢٤٠
|
للكاتب أبي بكر
بن البناء
|
٢٢٤
|
من شعر ابن جاخ
الصباغ
|
٢٤٠
|
حديث عن بني زهر
|
٢٢٤
|
من شعر الكميت البطليوسي
|
٢٤٠
|
أبو بكر محمد بن
عبد الملك بن زهر
|
٢٢٦
|
من شعر محمد بن
البين البطليوسي
|
٢٤١
|
لأبي الوليد بن
حزم
|
٢٢٦
|
بين المتوكل
ومضحك يدعى «الخطارة»
|
٢٤٢
|
لابن عبد ربه
|
٢٢٧
|
من شعر أبي زيد
بن مولود الوزير
|
٢٤٢
|
لأبي عبد الله
الرندي
|
٢٢٧
|
من شعر عبد
المجيد بن عبدون الفهري اليابري
|
٢٤٢
|
للمعتمد بن عباد
|
٢٢٨
|
ضوابط لحروف
الزيادة
|
٢٤٣
|
لأبي الفرج
الجياني
|
٢٢٨
|
من شعر عبد الله
بن الليث
|
٢٤٤
|
للرصافي وابن
عبد ربه وابن صارة وغيرهم
|
٢٢٩
|
من شعر أبي
القاسم بن الأبرشي
|
٢٤٥
|
لابن شهيد
|
٢٣٠
|
من شعر أبي
الحسين علي بن بسام الشنتريني
|
٢٤٥
|
في لبس
الأندلسيين البياض في الحزن
|
٢٣١
|
من شعر عمر بن
كوثر
|
٢٤٦
|
لأبي جعفر بن
خاتمة
|
٢٣١
|
من شعر أبي محمد
بن سارة
|
٢٤٦
|
للقسطلي يصف
البحر
|
٢٣١
|
من شعر منذر
الأشبوني
|
٢٤٦
|
للرمادي يهنئ
بمولود
|
٢٣٢
|
من شعر خلف
القطيني
|
٢٤٦
|
لابن صارة يصف
النار
|
٢٣٢
|
من شعر أبي محمد
بن السيد النحوي
|
٢٤٦
|
لابن لبال وابن
شهيد
|
٢٣٣
|
من شعر ابن
خفاجة
|
٢٤٧
|
لابن هانىء
|
٢٣٣
|
من شعر الرصافي
|
٢٤٧
|
من ابن عمار إلى
ابن رزين
|
٢٣٤
|
من شعر أبي بكر
بن حبيش
|
٢٤٧
|
لابن الجد وابن
عبد ربه والنحلي
|
٢٣٤
|
من شعر أبي
الحسن بن جابر
|
٢٤٨
|
لابن شهيد
|
٢٣٤
|
من شعر أبي بكر
أحمد بن محمد الأبيض الإشبيلي
|
٢٤٨
|
أبي عمر بن أبي
محمد الوزير
|
٢٣٥
|
|
|
بين ابن عياش
وابن زرقون
|
٢٣٦
|
|
|
من شعر صفوان
|
٢٤٨
|
من شعر أبي
الحسين بن فندلة
|
٢٥٨
|
من شعر أبي بكر
بن يوسف
|
٢٤٩
|
من شعر أبي
العباس بن سيد في ابن فندلة
|
٢٥٨
|
من شعر أبي
القاسم القبتوري
|
٢٤٩
|
من شعر أبي القاسم
بن حسان
|
٢٥٨
|
من شعر أبي
الحسن بن الحاج
|
٢٤٩
|
من شعر أبي بكر
بن مرتين
|
٢٥٩
|
من شعر أحمد بن
أمية البلنسي
|
٢٤٩
|
من شعر القاضي
ابن زرقون
|
٢٥٩
|
من شعر ابن
برطلة
|
٢٤٩
|
من شعر أبي عبد
الله محمد بن عمر الإشبيلي
|
٢٦٠
|
من شعر ابن خروف
|
٢٤٩
|
من شعر أبي بكر
الزبيدي
|
٢٦٠
|
من شعر أبي بكر
بن مالك
|
٢٥٠
|
من شعر أبي بكر
بن طلحة الإشبيلي
|
٢٦٠
|
من شعر أبي
الحسن بن حريق
|
٢٥٠
|
من شعر أبي جعفر
بن الأبار الإشبيلي
|
٢٦١
|
من شعر أبي
الحسن بن زقاق
|
٢٥٠
|
من شعر أبي
القاسم العطار الإشبيلي
|
٢٦٢
|
من شعر أبي بكر
بن الجزار السرقسطى
|
٢٥١
|
من شعر أبي عمرو
الإشبيلي
|
٢٦٢
|
من شعر أبي عبد
الله الجذامى
|
٢٥١
|
أبو الحسن علي
بن جابر الدباج الإشبيلي
|
٢٦٢
|
من شعر سلمة بن
أحمد
|
٢٥١
|
من شعر مالك بن
وهيب الإشبيلي
|
٢٦٣
|
من شعر أبي
الحسن بن حزمون
|
٢٥١
|
من شعر أبي
الصلت أمية بن عبد العزيز
|
٢٦٣
|
من شعر أبي بكر
بن مالك
|
٢٥٢
|
من شعر عبد
الرحمن بن سبلاق
|
٢٦٧
|
من شعر أبي بكر
بن مالك
|
٢٥٢
|
من شعر أبي بكر
محمد بن نصر الإشبيلي
|
٢٦٧
|
من شعر القاضي
ابن السليم
|
٢٥٢
|
من شعر أحمد بن
محمد الإشبيلي
|
٢٦٧
|
من شعر الوزير
ابن أبي الخصال
|
٢٥٢
|
من شعر ابن
الأصبغ بن سيد
|
٢٦٨
|
من شعر الرصافي
|
٢٥٢
|
من شعر إبراهيم
بن خيرة الصباغ
|
٢٦٨
|
من شعر ابن باجة
|
٢٥٣
|
من شعر أبي بكر
بن حجاج
|
٢٦٨
|
من شعر أبي
العباس أحمد الإشبيلي
|
٢٥٣
|
من شعر أبي عبد
الله الرصافي
|
٢٦٩
|
من شعر ابن زهر
الحفيد
|
٢٥٤
|
من شعر أبي جعفر
بن الجزار
|
٢٦٩
|
من شعر أبي بكر
بن زهر الأصغر
|
٢٥٤
|
من شعر أبي جعفر
بن البني
|
٢٦٩
|
من شعر أبي جعفر
عمر ابن صاحب الصلاة
|
٢٥٥
|
من شعر أبي
المطرف أحمد بن عميرة
|
٢٧٠
|
من شعر أبي بكر
محمد ابن صاحب الصلاة في عمرو بن مذحج
|
٢٥٥
|
من شعر أبي جعفر
أحمد بن طلحة
|
٢٧٠
|
من شعر ابن
السيد البطليوسي في عمرو بن مذحج
|
٢٥٦
|
من شعر أبي
إسحاق بن خفاجة
|
٢٧١
|
من شعر ابن
عبدون
|
٢٥٦
|
من شعر أبي بكر
محمد بن أحمد الأنصاري المعروف بالأبيض
|
٢٧١
|
جواب عمرو بن
مذحج
|
٢٥٦
|
من شعر أبي علي
عمر الشلوبين النحوي
|
٢٧٣
|
لعمرو بن مذحج
في أبي العلاء بن زهر
|
٢٥٧
|
من شعر أبي
إسحاق إبراهيم الإلبيري
|
٢٧٣
|
من شعر محمد بن
مذحج
|
٢٥٧
|
من شعر أبي بكر
بن عبادة القزاز
|
٢٧٣
|
من شعر أبي
الوليد بن مذحج
|
٢٥٧
|
من شعر أبي
الحسن بن نزار وخبره
|
٢٧٤
|
|
|
بين ابن نزار
وأبي جعفر بن سعيد
|
٢٧٧
|
بين ابن نزار
وابن سعيد والكتندي
|
٢٧٨
|
بين الياس بن
المدور اليهودي وطبيب آخر
|
٣٠٥
|
من شعر أبي
الأصبغ عبد العزيز بن الأرقم
|
٢٧٩
|
قسمونة بنت
إسماعيل الشاعرة
|
٣٠٦
|
من شعر أبي عامر
بن أبي الأصبغ
|
٢٧٩
|
من شعر أبي عبد
الله بن رشيق القلعي
|
٣٠٧
|
من شعر أبي محمد
عبد البر بن فرسان
|
٢٨٠
|
حديث عن ابن
رشيق القلعي
|
٣٠٨
|
من شعر حاتم بن
حاتم العنسي
|
٢٨٠
|
من شعر أبي عيسى
لبّ بن عبد الوارث القلعي
|
٣٠٨
|
من شعر التطيلي
الأعمى
|
٢٨٠
|
من شعر جابر بن
خلف الفحصي
|
٣٠٩
|
ابن ظافر
والقاضي المؤيد
|
٢٨١
|
من شعر أبي يحيى
بن الرميمي
|
٣١٠
|
من شعر ابن شعبة
الوادي آشي
|
٢٨٢
|
من شعر أبي بحر
يوسف بن عبد الصمد
|
٣١٠
|
من شعر ابن
الحداد الوادي آشي
|
٢٨٢
|
من شعر أبي جعفر
أحمد بن عباس الوزير
|
٣١١
|
الوزير الفقيه
أبو بلال
|
٢٨٥
|
من شعر أبي بكر
التطيلي الأعمى
|
٣١٢
|
من شعر ابن
البراق
|
٢٨٥
|
من شعر أبي جعفر
أحمد بن الخيال الإستبي
|
٣١٢
|
من شعر أبي محمد
عبد الله
|
٢٨٦
|
من شعر عبد
الملك بن سعيد الخازن
|
٣١٢
|
من شعر علي بن
مهلهل الجلياني
|
٢٨٦
|
من شعر محمد بن
الأستجي (زحكون)
|
٣١٣
|
من شعر يحيى بن
مطروح
|
٢٨٦
|
من شعر المقدم
بن المعافى
|
٣١٣
|
من شعر أبي بكر
محمد بن نصر الأوسي
|
٢٨٧
|
من شعر عبد
الملك بن نظيف
|
٣١٣
|
من شعر أبي عبد
الله محمد بن علي اللوشي
|
٢٨٧
|
من شعر هلال
البياني بن حمدين
|
٣١٤
|
من شعر أبي محمد
عبد المولى اللوشي وأخباره
|
٢٨٨
|
بين الزجالي
والاسكندراني الوزير
|
٣١٥
|
من شعر حاتم بن
سعيد
|
٢٩١
|
بين الزجالي
وابنه حامد
|
٣١٥
|
من شعر مالك بن
محمد بن سعيد
|
٢٩١
|
من شعر الوزير
أبي عبد الله بن عبد العزيز وترجمته
|
٣١٦
|
بين محمد بن
غالب والكتندي وأبي جعفر بن سعيد
|
٢٩٢
|
من شعر الوزير
أبي الفرج
|
٣١٧
|
من شعر أبي جعفر
بن سعيد
|
٢٩٤
|
ترجمة الوزير
أبي الفرج
|
٣١٧
|
بين ابن
الصابوني وأحد الأدباء
|
٢٩٦
|
من شعر الوزير
أبي عامر بن مسلمة
|
٣١٨
|
من شعر ابن
الصابوني وبعض أخباره
|
٢٩٧
|
ترجمة الوزير
أبي عامر بن مسلمة
|
٣١٨
|
بين ابن الخصال
والقاضي ابن مالك
|
٢٩٨
|
من شعر الوزير
أبي حفص أحمد بن برد وترجمته
|
٣١٩
|
بين أبي بكر بن
المنخل وابنه
|
٢٩٨
|
من شعر الوزير
أبي جعفر اللمائي
|
٣٢٠
|
من شعر ابن
المرغوي
|
٢٩٩
|
ترجمة الوزير
حسان بن مالك وبعض شعره
|
٣٢١
|
من شعر نسيم
الإسرائيلي
|
٣٠٠
|
ترجمة الوزير
أبي أيوب بن أبي أمية
|
٣٢٣
|
من شعر إبراهيم
بن سهل الإسرائيلي
|
٣٠٠
|
ترجمة الوزير
أبي القاسم بن عبد الغفور
|
٣٢٥
|
ترجمة إبراهيم
بن سهل الإسرائيلي
|
٣٠٠
|
من شعر الوزير
أبي الوليد بن حزم
|
٣٢٦
|
من توجيهات ابن
سهل باصطلاحات النحاة
|
٣٠٢
|
|
|
إبراهيم بن
الفخار اليهودي
|
٣٠٤
|
|
|
من شعر ابن أبي
زمنين وترجمته
|
٣٢٧
|
المطرف بن عبد
الرحمن الأوسط
|
٣٤٦
|
من شعر خلف بن
هارون يمدح بن حزم
|
٣٢٧
|
من شعر هشام بن
عبد الرحمن الأوسط
|
٣٤٧
|
ترجمة الحافظ
ابن حزم
|
٣٢٨
|
من شعر يعقوب بن
عبد الرحمن الأوسط
|
٣٤٧
|
ترجمة أبي عبد
الله بن مسرة
|
٣٢٩
|
بين الأميرين
محمد وأبان ابني عبد الرحمن الأسط
|
٣٤٨
|
فرار أبي عبد
الله الخشني من المناصب
|
٣٢٩
|
أبناء محمد بن عبد
الرحمن وشيء من شعرهم
|
٣٤٨
|
من دعابات أهل
الأندلس
|
٣٢٩
|
من شعر محمد بن
المنذر بن محمد
|
٣٤٩
|
من أجوبة ملوك
الأندلس
|
٣٣٠
|
من شعر عبد الله
بن الناصر
|
٣٤٩
|
من شجاعة
الأندلسيين
|
٣٣٠
|
من جود بعض ملوك
إفريقية
|
٣٥٠
|
ترجمة حريز بن
عكاشة
|
٣٣١
|
بين عبد الله
المرواني وصديق
|
٣٥٠
|
بين المقتدر
وغلام نشأ عنده
|
٣٣٣
|
مقتل عبد الله
بن الناصر
|
٣٥٠
|
الأمير أبو عبد
الله بن مردنيش
|
٣٣٤
|
من شعر عبد
العزيز بن الناصر
|
٣٥١
|
من ظرف أهل
الأندلس
|
٣٣٥
|
من شعر محمد بن
الناصر
|
٣٥١
|
من شعر ابن عبد
ربه
|
٣٣٦
|
من شعر محمد بن
عبد الملك بن الناصر
|
٣٥٢
|
من سعة اطلاع ابن
زيدون
|
٣٣٦
|
من شعر مروان بن
عبد الرحمن بن عبد الملك
|
٣٥٣
|
من شعر أبي
الربيع سليمان بن علي الشلبي
|
٣٣٧
|
من شعر أحمد بن
سليمان بن أحمد
|
٣٥٤
|
من شعر ابن
مهران
|
٣٣٧
|
من شعر أبي عبد
الله محمد بن محمد بن الناصر
|
٣٥٥
|
من شعر ابن
السيد البطليوسي
|
٣٣٧
|
من شعر عبد الله
بن محمد المهدي (الأقرع)
|
٣٥٥
|
من شعر ابن صارة
|
٣٣٧
|
من شعر سليمان
بن المرتضى بن محمد (الغزال)
|
٣٥٦
|
من شعر عبد
الملك بن رزين
|
٣٣٨
|
من شعر سعيد بن
محمد المرواني
|
٣٥٧
|
من شعر ابن عبد
ربه
|
٣٣٨
|
من شعر القاسم
بن محمد المرواني
|
٣٥٨
|
من أنفة
الأندلسيين
|
٣٣٨
|
من شعر الأصم
المرواني
|
٣٥٨
|
من كرم
الأندلسيين
|
٣٣٩
|
من شعر أحمد
المرواني
|
٣٥٩
|
من شعر أبي
العرب الصقلي
|
٣٣٩
|
من شعر الأصبغ
القرشي
|
٣٦٠
|
من كرم الوزير
أبي بكر بن عبد العزيز
|
٣٤٠
|
من شعر سليمان
بن عبد الملك الأموي
|
٣٦٠
|
من كرم المعتمد
بن عباد
|
٣٤٠
|
من شعر أبي يزيد
بن العاصي
|
٣٦٠
|
من شعر الحجاري
|
٣٤١
|
من شعر أبي
الحجاج المنصفي
|
٣٦٠
|
من شعر أبي
العلاء إدريس بن أزرق
|
٣٤٢
|
بين ابن مرج
الكحل وطبيب
|
٣٦١
|
من شعر محمد بن
هشام المرواني
|
٣٤٢
|
من شعر أبي محمد
غانم بن وليد
|
٣٦١
|
من شعر أحمد بن
هشام المرواني
|
٣٤٣
|
|
|
علو همة أحمد بن
هشام
|
٣٤٣
|
|
|
المنذر بن عبد
الرحمن الأوسط
|
٣٤٤
|
|
|
من شعر المنذر
بن عبد الرحمن
|
٣٤٥
|
|
|
من كرم نفس
المنذر بن عبد الرحمن
|
٣٤٥
|
|
|
من شعر أبي جعفر
اللمائي
|
٣٦١
|
بين الوزير ابن
عمار وابن جاخ الصباغ
|
٣٧٠
|
من شعر أبي عامر
بن نيق
|
٣٦١
|
بين الوزير ابن
عمار ويحيى القصاب
|
٣٧١
|
من شعر أبي
الحسن اللورقي
|
٣٦٢
|
بين المتوكل
وابن عبدون
|
٣٧٢
|
من شعر أبي عيسى
بن لبون
|
٣٦٢
|
بين ابن الغليظ
وابن السراج
|
٣٧٢
|
من شعر أبي عامر
بن الحمارة
|
٣٦٢
|
بين ابن عبادة
وابن القابلة
|
٣٧٢
|
من شعر أبي
العباس بن السعود
|
٣٦٢
|
بين ابن شهيد
وأبي جعفر وزير الصقلبي
|
٣٧٣
|
من شعر الحكم بن
علندة
|
٣٦٢
|
بين ابن عباد
وابنه الرشيد
|
٣٧٤
|
من شعر القاضي
أبي موسى بن عمران
|
٣٦٣
|
بين الفقيه علي
بن القاسم وجماعة من أصحابه
|
٣٧٤
|
من شعر أبي بكر
بن الجزار السرقسطي
|
٣٦٣
|
بين الأمير عبد
الرحمن وعبد الله بن الشمر
|
٣٧٥
|
من شعر أبي محمد
بن حزم
|
٣٦٣
|
بين الأمير عبد
الرحمن ومحمد بن سعيد الزجالي
|
٣٧٥
|
من شعر ابن صارة
|
٣٦٤
|
بين ابن عباد
وابن المرزبان
|
٣٧٦
|
من شعر أبي
القاسم بن العطار
|
٣٦٤
|
ابن الصيرفي
يزيد على بيت لابن السمط
|
٣٧٦
|
من شعر سهل بن
مالك
|
٣٦٥
|
في حضرة العالي
بالله الإدريسي
|
٣٧٦
|
من شعر ابن صارة
|
٣٦٥
|
في حضرة عبد
الرحمن بن الحكم
|
٣٧٧
|
من شعر صفوان بن
إدريس
|
٣٦٥
|
في حضرة المعتمد
بن عباد
|
٣٧٧
|
من شعر أبي جعفر
بن وضاح
|
٣٦٥
|
بين المعتمد
والوزير ابن عمار
|
٣٧٨
|
من شعر الوزير
ابن عمار
|
٣٦٦
|
بين المعتمد بن
عباد وابن حمديس الصقلي
|
٣٧٨
|
من شعر أبي
الحسن بن سعد الخير
|
٣٦٦
|
بين عبد الرحمن
الناصر وجماعة من خواصه
|
٣٧٨
|
من شعر ابن أبي
الخصال
|
٣٦٦
|
بين ابن صارة
وابن القبطرنة
|
٣٨٠
|
من شعر ابن صارة
|
٣٦٦
|
بين أبي بكر بن
الزبيدي وأبي الحسن المصحفي
|
٣٨٠
|
من شعر الخفاجي
|
٣٦٦
|
من شعر أبي بكر
بن الزبيدي
|
٣٨٠
|
من شعر ابن وضاح
|
٣٦٧
|
بين سهل بن مالك
وجماعة من الأدباء
|
٣٨٢
|
من شعر ابى
اسحاق خولانى
|
٣٦٧
|
بين ابن مطروح
البلنسي وأبي الربيع الكلاعي
|
٣٨٢
|
من شعر ابن
الابار
|
٣٦٧
|
بين ابن حمدون
والشلوبين
|
٣٨٣
|
من شعر حازم
|
٣٦٧
|
من عفو المعتصم
بن صمادح
|
٣٨٣
|
من شعر ابن سعد
الخير
|
٣٦٨
|
من شعر أبي عبد
الله الرصافي
|
٣٨٣
|
من شعر ابن نزار
الوادي آشي
|
٣٦٨
|
من شعر أبي بكر
محمد بن يحيى الشلطيشي
|
٣٨٤
|
من شعر بعضهم في
القراسيا
|
٣٦٨
|
|
|
من شعر بعضهم
يصف معاهد أنسه
|
٣٦٨
|
|
|
من شعر الوزير
محمد بن عبد الرحمن بن هانىء
|
٣٦٩
|
|
|
كتاب شذور الذهب
لعلي بن موسى
|
٣٦٩
|
|
|
مثل من سرعة
بديهة الأندلسيين
|
٣٦٩
|
|
|
بين المعتمد بن
عباد وابن جاخ الصباغ
|
٣٧٠
|
|
|
من شعر أبي بكر
بن العطار اليابسي
|
٣٨٤
|
من شعر السميسر
|
٣٩٢
|
من شعر محمد بن
الحسن الجيلي
|
٣٨٤
|
من شعر ابن
خفاجة
|
٣٩٢
|
من شعر محمد بن
حرب
|
٣٨٤
|
من شعر بعض
الأندلسيين
|
٣٩٢
|
من شعر محمد بن
اليسع
|
٣٨٥
|
من شعر يحيى بن
هشام القرطبي
|
٣٩٢
|
من شعر أحمد بن
أفلح
|
٣٨٥
|
من شعر أبي جعفر
البلنسي
|
٣٩٣
|
من شعر أحمد بن
تليد
|
٣٨٥
|
من شعر أبي
العباس القيجاطي
|
٣٩٣
|
من شعر إسحاق بن
المنادى
|
٣٨٥
|
من شعر أبي
العباس المالقي
|
٣٩٣
|
من شعر غالب بن
عبد الله الثغري
|
٣٨٦
|
إجازة بين أبي
القاسم بن عبد المنعم وأبي عبد الله الشاطبي وأبي بكر بن طاهر
|
٣٩٤
|
من شعر الوزير
أبي الحسن الغرناطي
|
٣٨٦
|
من شعر أبي بكر
بن عبادة
|
٣٩٥
|
من شعر الوزير
أبي عامر بن الحمارة
|
٣٨٦
|
من شعر أبي بكر
بن قزمان وترجمته
|
٣٩٥
|
من شعر ابن بقي
|
٣٨٦
|
من شعر أبي بكر
بن القوطية
|
٣٩٦
|
بين ابن عبادة
وابن القابلة
|
٣٨٦
|
من شرع القاضي
يونس بن عبد الله بن مغيث
|
٣٩٦
|
من شعر ابن خروف
|
٣٨٧
|
ترجمة القاضي
ابن مغيث
|
٣٩٦
|
بين ابن خفاجة
وابن عائشة وابن الزقاق
|
٣٨٧
|
من شعر أبي محمد
غانم بن الوليد المالقي
|
٣٩٨
|
من شعر أبي بكر
بن حبيش
|
٣٨٩
|
ابن عبد البر ـ ترجمته
وشعره
|
٣٩٨
|
من شعر أبي بكر
اللخمي
|
٣٨٩
|
من شعر أبي بكر
بن أبي الدوس وأخباره
|
٤٠٠
|
بين أبي زيد بن
أبي العافية وابن العطار
|
٣٨٩
|
من شعر أبي
الفضل بن الأعلم وأخباره
|
٤٠٠
|
بين ثلاثة أدباء
|
٣٩٠
|
الرمادي :
ترجمته وبعض شعره
|
٤٠٤
|
من شعر أبي
إسحاق بن خفيف
|
٣٩١
|
ابن هانىء :
ترجمته وبعض شعره
|
٤٠٩
|
من شعر أبي
الصلت
|
٣٩١
|
أبو أحمد بن فرج
الجياني : ترجمته وبعض شعره
|
٤١٥
|
من شعر بعض
المغاربة
|
٣٩١
|
أبو عبد الله
محمد بن الحداد : ترجمته وبعض شعره
|
٤١٦
|
من شعر عبد الله
القرطبي
|
٣٩١
|
الأسعد بن بليطة
: ترجمته وبعض شعره
|
٤١٨
|
من شعر ابن هذيل
الفزاري
|
٣٩١
|
|
|
من شعر ابن
الزقاق
|
٣٩١
|
|
|
من شعر أبي حيان
|
٣٩٢
|
|
|
من شعر أبي العباس
بن سعيد
|
٣٩٢
|
|
|
|