تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


المُقَدَّمةُ

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

بعث رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن يحسن الكتابة في ارض الجزيرة قليلون جداً ، حتى لقد كان الكتّاب في مكة المكرمة يُعدون على الأصابع . ولذا فقد كانت مدة البعثة في مكة متخصصة ـ في الأعم الأغلب ـ لبناء الشخصية الاسلامية وتربية المسلمين القلائل الذين منّ الله عليهم بدينه .

وكانت هذه القلة القليلة من المسلمين المتعلمين تتحمل عبء كتابة الوحي على القراطيس والعسب والأحجار الخفاف والأدم ( الجلود ) .

ولما هاجر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إلى المدينة حث المسلمين على تعلم الكتابة ، وكتابة القرآن وحفظه ، فكان رجال من صحابته مختصّين بكتابة الوحي .

ولما وقعت غزوة بدر وأسر المسلمون فيها عدداً من المشركين كان فيهم من يعرف الكتابة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله فكاك أسرهم لقاء تعليمهم عشرة من صبيان المسلمين القراءة والكتابة .

فكان رسول الله صلى الله عليه وآله أول ناشر للكتابة في الاسلام في مدينته المنورة وبين أصحابه المسلمين .


بل كان جماعة في عهده صلى الله عليه وآله يحفظون القرآن وهو عندهم مكتوب ، كما يُروى ذلك عن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وعبد الله بن مسعود .

وهذا الأمر يتناقض مع ما ذهب اليه القائلون بالنهي عن تدوين الحديث ونسبة ذلك النهي الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فانا نقول حتى وان صح نهي النبي صلى الله عليه وآله عن تدوين حديثه الذي هو وحي يوحى ، وتفسير ما غمض وتفصيل ما اُجمل من القرآن الكريم ، فيمكننا أن نحمل هذا النهي على اوائل البعثة النبوية خوفاً من التباس القرآن بغيره ، إلّا انه ـ وهذا مما لا شك فيه ـ ان العرب وبعد فترة قليلة عرفوا بذوقهم اللغوي كلام القرآن الذي يعلو كل كلام .

وكيفما كان فقد سمح رسول الله صلى الله عليه وآله لاصحابه بكتابة حديثه في حياته بل كانت له صلى الله عليه وآله صحيفة كتبت باشرافه المباشر ، معلقة بقراب سيفه ، وهي التي اعطاها صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام فاشتهرت باسم صحيفة علي بن أبي طالب عليه السلام .

وقد روى عنها الشيعة والسنة احاديت .

وهذه الصحيفة صغيرة فيها العقل ومقادير الديات واحكام فكاك الاسير ، وغير ذلك وقد اخرج عنها من العامة : البخاري في صحيحه في كتاب الديات وباب الدية على العاقلة وابن ماجة في سننه (١) واحمد في مسنده (٢) .

وكتبت في عهده صلى الله عليه وآله صحائف اُخرى ، منها :

١ ـ صحيفة علي بن أبي طالب ، وهي كتاب ضخم ، افصح الائمة الاطهار عليهم السلام عن ضخامة حجمها فقالوا : انها صحيفة طولها سبعون ذراعا ، املاها رسول الله صلى الله عليه وآله على علي عليه السلام ، فكتبها علي بخطه .

__________________

(١) سنن إبن ماجة ٢ : ٨٨٧ / ٢٦٥٨ .

(٢) مسند أحمد ١ : ٧٩ .


وهو أول كتاب جمع فيه العلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله .

٢ ـ صحيفة أبي رافع المدني ( ـ ٣٥ هـ ) مولى رسول الله صلى الله عليه وآله

وقال النجاشي : لأبي رافع كتاب السنن والاحكام والقضايا (١) .

وكان ابن عباس يأتي أبا رافع فيقول : ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم كذا ؟ ما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم كذا ؟ ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها (٢) .

٣ ـ صحيفة عبد الله بن عمر والتي سماها بالصادقة . وقد اشتملت على الف حديث ، روى بعضها أحمد في مسنده .

وتعتبر احدى الوثائق التاريخية التي تثبت تدوين الحديث في زمن النبي صلى الله عليه وآله .

وروى عبد الله هذا فقال : كنت اكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) اُريد حفظه ، فنهتني قريش ، وقالوا : تكتب كل شيء سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا . فامسكت عن الكتاب ، وذكرت ذلك لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأومأ باصبعه الى فيه وقال : اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه الّا حق (٣) .

٤ ـ صحيفة سعد بن عبادة الانصاري ( ـ ١٥ ه ) فيها طائفة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله (٤) .

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤ ترجمة ١ .

(٢) طبقات إبن سعد ٢ : ٣٧١ ، والاصابة ٢ : ٣٣٢ .

(٣) تقييد العلم : ٧٤ ، سنن الدارمي ١ : ١٢٥ ، سنن أبي داود ٣ : ٣١٨ / ٣٦٤٦ .

(٤) علوم الحديث : ١٣ .


ويرى البخاري ان هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي أوفى الذي كان يكتب الاحاديث بيده وكان الناس يقرؤن عليه ما جمعه بخطه (١) .

٥ ـ صحيفة جابر بن عبد الله الانصاري ذكرها ابن سعد في طبقاته (٢) ، وعبد الرزاق في مصنفه (٣) ، والذهبي في تذكرته (٤) وروى مسلم في صحيحه انها كانت في مناسك الحج ، ويحتمل ان يكون فيها ذكر حجة الوداع التي القى فيها رسول الله صلى الله عليه وآله خطبته الجامعة ، وعين علياً عليه السلام وصياً وخليفة واماماً للناس بعده .

وكان قتادة بن دعامة السدوسي يكبر من قيمة هذه الصحيفة ويقول : لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة (٥) .

ويعتبر جابر من الصحابة البارزين الذين دعوا الى عملية التدوين فضلاً عن ممارستها ، فلم يقتصر على كتابة الصحيفة بل كان يملي الاحاديث على تلامذته من التابعين (٦) وكتب عنه جماعة منهم : محمد بن الحنفية ، وسليمان بن قيس اليشكري ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، وغيرهم .

ولم تتحدد كتابة الحديث النبوي بالاسماء التي ذكرنا بل كان لغير هؤلاء من الصحابة عمل مماثل ومصنفات اخرى كأبي ذر الغفاري ، ورافع بن خديج الانصاري وسلمان الفارسي وعبد الله بن عباس .

هذه الصحف وما ورد من اجازته ـ بل امره صلى الله عليه وآله ـ بالكتابة

__________________

(١) علوم الحديث : ١٣ ، والسنة قبل التدوين : ٣٤٢ .

(٢) طبقات ابن سعد ٧ : ٢٢٩ .

(٣) المصنف ١١ / ٢٠٢٧٧ .

(٤) تذكرة الحفاظ ١ : ١٢٣ .

(٥) التاريخ الكبير ٧ : ١٢٥ / ٨٢٧ .

(٦) تقييد العلم : ١٠٤ .


لعبد الله بن عمرو وغيره واحاديثه المتكثرة في ذلك والتي منها .

١ ـ اكتبوا ولا حرج (١) .

٢ ـ قيدوا العلم بالكتاب (٢) .

٣ ـ اكتبوا لابي فلان (٣) .

٤ ـ استعن بيمينك (٤) .

دليل واضح على اجازته لكتابة الحديث .

قال الدكتور عتر : وردت احاديت كثيرة عن عدد من الصحابة تبلغ بمجموعها رتبة التواتر ، في اثبات وقوع الكتابة للحديث النبوي في عهده صلى الله عليه وآله (٥) .

*       *      *      *

ولما وصل أبو بكر الى الخلافة أجمع على تدوين الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وجمع خمسائة حديث وكتبها . ولكنه ـ كما تروي عائشة ابنته ـ بات ليلته يتقلب ، قالت : فغمني تقلبه ، فلما أصبح قال لي : أي بنية هلمي الاحاديث التي عندك ، فجئته بها فأحرقها (٦) .

ثم منعهم من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله بشيء . فعن مراسيل ابن ابي مليكة ان ابا بكر جمع الناس وقال : انكم تحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله احاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشد اختلافاً ، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله

__________________

(١) تقييد العلم ٧٢ ـ ٧٣ ، مجمع الزوائد ١ : ١٥١ ، كنز العمال ١٠ : ٢٣٢ / ٢٩٢٢٢ .

(٢) محاسن الاصطلاح ٢٩٨ و٢٩٩ .

(٣) صحيح البخاري ١ : ٣٩ .

(٤) تقييد العلم : ٦٥ .

(٥) منهج النقد في علوم الحديث : ٤٠ .

(٦) تذكرة الحفاظ ١ : ٥ .


وحرموا حرامه (١) .

ولم تطل أيام أبي بكر ، ولذلك لم يصدر منه كلام كثير حول تدوين الحديث في عصره ، ولكن هناك اشارات الى ان الصحابة لم يبالوا بنهيه واستمروا على الكتابة .

وعندما استخلف عمر فكر في اول أمره ـ كما فكر قبله أبو بكر ـ في ان يكتب السنن ، تم لم يلبث ان عدل عن ذلك .

فعن عروة بن الزبير ، أن عمر بن الخطاب اراد أن يكتب السنن ، فاستفتى اصحاب النبي في ذلك ، فأشاروا عليه بأن يكتبها ، فطفق عمر يستخير الله شهراً ثم اصبح يوماً وقد عزم الله له ، فقال : اني كنت اُريد ان اكتب السنن ، واني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً ، فاكبوا عليها وتركوا كتاب الله ، واني والله لا اشوب كتاب الله بشيء أبداً (٢) .

وعن القاسم بن محمد بن ابي بكر قال : ان الاحاديث كثرت على عهد عمر ابن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها ، فلما أتوه بها أمر بتحريقها (٣) .

وهذا يدل على ان الصحابة استمروا على الكتابة ، ولم يبالوا برأيه فيها ـ كما مرّ في الحديث السابق ـ ولذا اضطر أن يناشدهم ليأتوه بما عندهم من مجاميع الحديث . وحرقها .

وبعد ذلك تشدد في المنع فكتب الى الامصار : من كان عنده شيء فليمحه (٤) .

واستمرت هذه السنة من سنن عمر ، كما استمرت غيرها من سننه ، وقد ساعد على بقائها طول المدة ، ودقة الخطة في المنع ، وشدة الأمر .

فمما يدلّك على دقة خطة المنع ما رواه قرظة بن كعب ، قال :

__________________

(١) تذكره الحفاظ ١ : ٣ .

(٢) جامع بيان العلم وفضله ١ : ٦٤ ، وتقييد العلم : ٥٠ .

(٣) طبقات إبن سعد ٥ : ١٨٨ ترجمة القاسم بن محمد بن ابي بكر .

(٤) جامع بيان العالم وفضله ١ : ٦٤ ـ ٦٥ .


لما سيرنا عمر الى العراق مشى معنا عمر الى صرار ، ثم قال : أتدرون لم شيعتكم ؟ قلنا : أردت أن تشيعنا وتكرمنا ، قال : ان مع ذلك لحاجة ، انك تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالاحاديث عن رسول الله وأنا شريككم ، قال قرظة : فما حدثت بعده حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله .

وفي رواية اخرى : فلما قدم قرظة بن كعب قالوا : حدثنا ، فقال : نهانا عمر (١) .

وروى الذهبي ان عمر حبس ثلاثة : ابن مسعود ، وأبا الدرداء ، وأبا مسعود الانصاري ، وقال لهم : أكثرتم الحديث عن رسول الله (٢) .

وكان يقول للصحابة : اقلوا الرواية عن رسول الله الّا في ما يعمل به (٣) .

وبالاضافة الى هذا كله فقد منع الصحابة من مغادرة المدينة المنورة الى الامصار الاخرى ، وبذلك فقد احكم الحصار حول التدوين وسدّ أي منفذ يمكن ان يؤدي اليه وكادت عملية التطويق هذه تفعل فعلها على مرور السنوات حتى جاء جيل من المسلمين لا يستحل كتابة الحديث ، وينهى عنها ، فهذا عبيده السلماني ( ـ ٧٣ هـ ) يقول لابراهيم بن زيد التميمي ( ـ ٩٣ هـ ) حين علم أنّه يكتب عنه : لا تخلدن عني كتاباً (٤) .

وكره ابراهيم النخعي أن تكتب الاحاديث في الكراريس ، وتشبه بالمصاحف (٥) .

وهذا عامر الشعبي ( ـ ١٠٣ ) يقول : ما كتبت سوداء في بيضاء ، ولا سمعت من رجل حديثاً فأردت أن يعيده عليّ (٦) .

__________________

(١) تذكرة الحفاظ ١ : ٧ .

(٢) تذكره الحفاظ ١ : ٧ .

(٣) البدايه والنهاية ٨ : ١٠٧ .

(٤) طبقات ابن سعد ٦ : ٩٤ .

(٥) جامع بيان العلم وفضله ١ : ٦٧ ، وتقييد العلم : ٤٨ .

(٦) جامع بيان العلم ١ : ٦٧ .


واما في عهد بني امية فان أمر عمر بقي ساري المفعول ، فقد جاء في الاخبار أن معاوية ـ في وقت تسلطه على الخلافة ـ استقدم عبيد بن شرية الجرهمي فكتب له كتاب ( الملوك واخبار الماضين ) (١) ، ولم يستقدم من يحدثه بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله .

*       *      *      *

ولنا هنا وقفة مع ادعاء الخليفة الثاني ان منعه لتدوين الحديث كان خوفاً من اختلاطه بالقرآن الكريم فيظن انه منه ، وقد صرح عمر بهذا لما فرض المنع الرسمي لتدوين الحديث ، كما مرّ .

وهو ادعاء غير مقبول ولا معقول ، لان القرآن متميز ببلاغة فائقة وبمسحة الهية تجعله فوق مستوى كلام البشر حتى كلام النبي صلى الله عليه وآله ، والقرآن له دليل عليه من نفسه ، فنسق كلامه والقرائن التي تحف به تميزه عن أي كلام غيره ، ولهذا انبهر العرب باعجازه بمجرد سماعه ، وكانوا يميزونه عن كل كلام .

وبالاضافة الى ذلك فقد أحاط النبي صلى الله عليه وآله القرآن بسياج من الاحكام الشرعية منها تحريم مس كتابته لغير المتطهر ، ووجوب الانصات له عند سماعه .

فكيف يختلط على الصحابة ـ الذين نزل القرآن بين أظهرهم ـ القرآن بغيره ؟

ومع ذلك كله فهل يمكن لمدع ان يدعي ان كتابة الحديث ـ الشارح للقرآن ـ محرمة ؟ !

أليس ذلك إلّا تعريضاً للحديث الشريف الى الاندراس والنسيان ؟ مع ما يترتب عليهما من آثار ونتائج ؟

واذا تم ذلك ـ وهو لم يتم ـ فان القرآن سيستبهم على المسلمين ، لان فيه ما لا يعرفه إلّا رسول الله صلى الله عليه وآله .

__________________

(١) فهرست النديم : ١٠٢ .


ولو صح هذا المنع لكان في اول الاسلام ، ولا شك انه ارتفع بعد نزول جملة من القرآن حددت خصائصه وأبانت معالمه وميزته عن كل كلام .

ومع ذلك فان من المقطوع به ان النبي صلى الله عليه وآله أمر بالكتابة ، وسمح لجماعة من الصحابة أن يكتبوا الحديث ، وكانت له صلى الله عليه وآله صحيفة معلقة بقراب سيفه ورثها عنه أمير المؤمنين علي عليه السلام .

والنبي صلى الله عليه وآله أولى من غيره بحياطة القرآن والحفاظ على سلامة نصه ، فلو كان التدوين يختلط بالقرآن لمنعه قبل غيره ، هذا اذا كانت كتابة الحديث مع القرآن في صفحة واحدة ، فكيف اذا كانت كتابة الحديث منفصلة ، وتسمى باسم خاص كصحيفة علي عليه السلام ، وصحيفة عبد الله بن عمرو ، فهل يمكن لمدع أن يدعي اختلاط الحديث بالقرآن ؟ !

لذلك لم ير الصحابة ان المنع يمثل الزاماً شرعياً يجب ان يخضعوا له بقدر ما اعتبروه رأياً ارتآه البعض لمصالح خاصة وكذلك جماعة من التابعين دعت ومارست عملية التدوين ولم يبالوا بأمر المنع ، ومنهم : محمد بن الحنفية ابن الامام أمير المؤمنين وميثم بن يحيى التمار وحجر بن عدي الكندي وعروة بن الزبير وسعيد بن جبير والحارث بن عبد الله الهمداني وأبو حمزة الثمالي وزيد بن وهب الجهني وسليم بن قيس العامري الهلالي والاصبغ بن نباتة والحسن بن محمد بن الحنفية وسالم بن أبي الجعد وعطاء بن ابي رباح والضحاك بن مزاحم .

ونعتقد ان المنع من التدوين يخفي اسباباً أعمق من التي علل بها ، فهذه تبطن غير ما تظهر ، ولا تثبت للنقد الصحيح بأي حال . فلم يكن يراد للحديث النبوي أن يأخذ مداه الطبيعي والصحيح بل اريد له أن يتشكل بحسب الصورة التي آلت اليها الاوضاع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ، وليس بحسب الحدود والمعالم التي رسمها الرسول صلى الله عليه وآله .

وبعبارة اخرى ، ان يساعد على اقصاء أهل البيت عن مركزهم الحقيقي ، وان يساعد على تثبيت السلطة القائمة ، والامران لم يكن للحديت النبوي فيهما أي


مصداق .

ويدلك على ذلك ما رواه الخطيب البغدادي بسنده عن عبد الرحمن بن الاسود عن أبيه قال : جاء علقمة بكتاب من مكة ـ أو اليمن ـ صحيفة فيها احاديث في أهل البيت ، بيت النبي صلى الله عليه وآله ، فاستأذنا على عبد الله فدخلنا عليه ، قال : فدفعنا اليه الصحيفة ، قال : فدعا الجارية ثم دعا بطست فيها ماء .

فقلنا له : يا أبا عبد الرحمن انظر فيها ، فأن فيها احاديت حساناً ، فجعل يميثها فيه ويقول : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـٰذَا الْقُرْآنَ ) (١) القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ، ولا تشغلوها بما سواه (٢) .

ولهذا ـ أيضاً ـ لم يشمل المنع الاحكام ، لان الاحكام لا تمس السلطة بشيء ، ولذلك نرى عمر يقول : اقلوا الرواية ضن رسول الله إلّا فيما يعمل به (٣) .

وكان هذا المنع ـ وما رافقه وجاء بعده من امور ـ سبباً لما عرف بـ ( وضع الحديث ) .

وإذا عرفنا معنى الوضع وانه الكذب بعينه ويندرج تحت عقوبة الحديث الشريف « من كذب منَّ متعمداً . . » امكننا القول ان الوضع بدأ منذ عصر الرسول صلى الله عليه وآله حيث أخرج الطحاوي في مشكل الآثار عن بريدة قال :

جاء رجل الى قوأ في جانب المدينة ، فقال : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمرني أن أحكم برأيي فيكم ، في كذا وكذا وقد كان خطب إمرأة منهم في الجاهلية ، فأبوا أن يزوجوه ، فبعث القوم الى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يسألونه ، فقال : « كذب عدو الله » . ثم أرسل رجلاً فقال : « إن أنت وجدته حيا فاضرب عنقه ، وما أراك تجده حياً ، وان وجدته ميتا فاحرقه » . فوجده قد لدغ فمات ، فحرقه ، فعند ذلك قال النبي :

__________________

(١) يوسف ١٢ : ٢ .

(٢) تقييد العلم : ٥٤ ، وقد توسّع السيد الحسيني الجلالي في البحث عن « تدوين الحديث » في كتاب مستقلّ ، وفّقه الله لنشره .

(٣) البداية والنهاية ٨ : ١٠٧ .


صلى الله عليه وآله ) : « من كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار » (١) .

ولكن هذا الوضع لم يقدّر له ان يستمر ويستحكم ويلبس لباس الصدق ، بفضل وجود الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ، فكان هذا الوضع ( الكذب ) لا يلبث ان يقبر وهو في مهده .

ويمكننا ان نعتبر بداية الوضع الحقيقي الذي صدقته ـ بعد زمان ـ جماعات من المسلمين ، هو ما حدث حين وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله .

فقد روى ابن عباس : لما حضرت النبي ( صلى الله عليه وآله ) الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال : « هلُمّ اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده » ، قال عمر : ان النبي غلبه الوجع وعندكم كتاب الله ، فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت فمنهم من يقول ما قال عمر ، فلما اكثروا اللغط والاختلاف قال : «قوموا عنّي ، لا ينبغي عندي التنازع » (٢) .

وكان هذا فتحاً لباب الوضع لغرض سياسي ، هدفه الاساسي اقصاء الخلافة عن صاحبها الحقيقي ، لتكون لمن غلب ، ولذا جاء بعدها رأساً حديث « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » المصادم للشرع الشريف ، والذي سمع أول ما سمع من الخليفة الاول حين طالبته الزهراء عليها السلام بارثها من أبيها .

وعلى هذا فقد فتح الباب على مصراعيه امام هذا الانحراف الخطير في أيام الخلفاء ، الذين جندوا لغرضهم هذا جماعة ممن لم يدخل الايمان في قلوبهم .

ومع الوضع كانت العوامل الهدامة الاُخرى تنخر في جسم الحديث الشريف ، وتجعل أمامه شرعاً آخر يجبر الناس على التمسك به وتطبيقه ، وكان من ذلك الاجتهاد في مقابل النص ، وتشريع أشياء لم تكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله .

فقد كان من ذلك في عهد الخليفة الاول تجويز قتل المسلمين المؤمنين بسبب

__________________

(١) مشكل الاثار ١ : ١٦٤ .

(٢) طبقات إبن سعد ٢ : ٢٤٤ ، وراجع بقيه مصادره في باب بعث اسامة في كتاب عبد الله بن سبأ ج ١ .


احقاد وعداوات جاهلية ، او بسبب عدم الخضوع للسلطة القائمة لأن المسلمين قد اعطوا بيعتهم للخليفة الحق الذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله .

ومع هذا التجويز كان التبرير وكان المدح المشعر بأنه حديث عن المعصوم ، فخرج الخلفاء بجملة اقوال تنطبق وما يريدون ، وتقف حائلاً وسداً منيعاً أمام الوضوح الشرعي ، والدليل القاطع في مسائل الدين المختلفة حتى وان قوبلت بالرفض والاستنكار كما حدث في قضية مالك بن نويرة وقول الخليفة الاول : ما كنت أغمد سيفاً سلّه الله .

وإليك تفصيل الواقعة :

عن ابن ابي عون وغيره ان خالد بن الوليد ادعى ان مالك بن نويرة ارتد بكلام بلغه عنه ، فانكر مالك ذلك ، وقال : أنا على الاسلام ما غيرت ولا بدلت ، وشهد له بذلك ابو قتادة ، وعبد الله بن عمر ، فقدمه خالد وأمر ضرار بن الازور الأسدي فضرب عنقه ، وقبض خالد امرأته ؟ فقال (١) لأبي بكر : انه قد زنا فارجمه ، فقال أبو بكر : ما كنت لارجمه تأول فاخطأ ، قال : فانه قد قتل مسلماً فاقتله : قال : ما كنت لأقتله تأول فأخطأ ، قال : فاعزله ، قال : ما كنت لاشيم سيفاً سلّه الله عليهم ابداً (٢) .

ورويت هذه الواقعة أيضاً بالشكل التالي :

قال الاستاذ هيكل في كتابه « الصديق أبو بكر » : ان أبا قتادة الأنصاري غضب لفعلة خالد ، اذ قتل مالكاً وتزوج امرأته ، فتركه منصرفاً إلى المدينة مقسماً ان لا يكون ابداً في لواء عليه خالد ، وان متمم بن نويرة أخا مالك ذهب معه ، فلما بلغا المدينة ذهب ابو قتادة ولا يزال الغضب آخذاً منه مأخذه فلقي ابا بكر فقص عليه أمر خالد ، وقتله مالكاً وزواجه من ليلى ، واضاف انه أقسم ان لا يكون أبداً في لواء عليه خالد . قال : لكن أبا بكر كان معجبا بخالد وانتصاراته ، ولم يعجبه أبو قتادة ، بل

__________________

(١) كذا في مطبوعة كنز العمال الاخيرة . ولكن في وفيات الأعيان ٥ : ١٦ تصريع بذكر القائل انه ( عمر ) في ترجمة وثيمة .

(٢) كنز العمال ٥ : ٦١٩ ح ١٤٠٩١ .


أنكر عليه منه أن يقول في سيف الاسلام ما يقوله !

قال هيكل : ترى الانصاري ـ يعني أبا قتادة ـ هاله غضب الخليفة فاسكته ؟ كلا ، فقد كانت ثورته على خالد عنيفة كل العنف ، لذلك ذهب الى عمر بن الخطاب فقص عليه القصة ، وصور له خالدا في صورة الرجل الذي يغلب هواه على واجبه ، ويستهين بأمر الله ارضاء لنفسه . قال : واقره عمر على رأيه وشاركه في الطعن على خالد والنيل منه ، وذهب عمر إلى أبي بكر وقد اثارته فعلة خالد أيّما ثورة ، وطلب اليه ان يعزله ، وقال ان في سيف خالد رهقاً (١) وحق عليه ان يقيده ولم يكن أبو بكر يقيد من عماله (٢) ، لذلك قال حين ألح عمر عليه غير مرة : هبه يا عمر ، تأول فاخطأ ، فارفع لسانك عن خالد .

ولم يكتف عمر بهذا الجواب ، ولم يكف عن المطالبة بتنفيذ رأيه فلما ضاق أبو بكر ذرعا بالحاح عمر ، قال : لا يا عمر ما كنت لاشيم (٣) سيفاً سلّه الله على الكافرين (٤) .

وخالد هذا الذي اصبح « سيفاً من سيوف الله » ! كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله فاتكاً غادراً يؤاخذ في الاسلام بأحن الجاهلية وعداواتها .

فقد ارسله ( صلى الله عليه وآله ) ، داعيا الى الاسلام (٥) ، ولم يبعثه مقاتلاً ، وكان بنو جذيمة قتلوا في الجاهلية عمه الفاكه بن المغيرة . فلما جاءهم بمن معه قال لهم : ضعوا أسلحتكم فان الناس قد أسلموا . فوضعوا اسلحتهم ، وأمر بهم فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل منهم مقتلة عظيمة (٦) . فلما انتهى الخبر الى النبي ( صلى الله

__________________

(١) الرهق السفه والخفة وركوب الشر والظلم وغشيان المحارم .

(٢) وهذا من اجتهاده مقابل النص فان الله تعالى يقول « وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ » ( الآية ) .

(٣) اشيم : اغمد والشيم يستعمل في كل من السَل والاغماد .

(٤) النص والاجتهاد ١٤٠ ـ ١٤١ ـ عن الصديق أبو بكر لمحمد حسين هيكل ١٤٧ فما بعد .

(٥) في ثلثمائة من المهاجرين والأنصار ، وكان ذلك في شوال بعد فتح مكة وقبل وقعة حنين .

(٦) لم يقتصر خالد هنا على مخالفة النص الصريح في عهد النبي اليه في بني جذيمة ، بل كان في بطشته

=


عليه وآله ) رفع يديه الى السماء فقال : اللّهم إني أبرأ اليك مما صنع خالد بن الوليد . مرتين (١) .

وفي عهد الخليفة الثاني كان النمو الحقيقي لأمرين : الوضع وما يترتب عليه من آثار اجتماعية وسياسية تخالف النص النبوي الشريف ، والاجتهاد في مقابل النص الذي يجعل من الرسول صلى الله عليه وآله مجتهداً يصح بحقه الخطأ ، وتتيح للرأي الآخر أن يقف مقابله ، فكانا بذلك ـ الوضع والاجتهاد مقابل النص ـ يرسمان الخطوات العملية للانحراف الاعمق الذي اصاب الامة الاسلامية .

اما الأمر الثاني فكان للخليفة الثاني فيه الباع الطويل ، ومن اجتهاداته المخالفة للقرآن الكريم ولنصوص رسول الله صلى الله عليه وآله ، ما جاء به في شأن متعة النساء ومتعة الحج .

فقد روى السيوطي في الدر المنثور عن سعيد بن المسيب قال : نهى عمر عن المتعتين متعة الحج ومتعة النساء (٢) .

وفي بداية المجتهد : روي عن عمر أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله انا انهى عنهما واعاقب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء (٣) .

هذا وقد نص القرآن على مشروعية متعة النساء حيث يقول « فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً » (٤) .

__________________

=

هذه بهم خارجاً على عدة من قواعد الاسلام الاساسية كهدر دماء الجاهلية ، وككون الاسلام يجب ما قبله . وكقوله عز من قائل في محكم فرقانه العظيم ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ) وقد اسرف هذا الرجل في القتل ، على أن عمه كان مهدور الدم لا قيمة له ، وعلى أنه لا ولاية له على عمه ، ففعله هذا مع كونه مرسلاً من قبل رسول الله ، من افحش المنكرات التي لا تنسى الى يوم القيامة ، ولا تقل عن منكراته يوم البطاح .

(١) تاريخ الطبري ٣ : ٦٧ حوادث سنة ٨ هـ .

(٢) الدر المنثور ٢ : ١٤١ .

(٣) بداية المجتهد ١ : ٣٤٦ .

(٤) سورة النساء ٤ : ٢٤ .


وقد كان المسلمون يتمتعون بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى عهد أبي بكر (١) .

ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أنه قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وابي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (٢) .

والأحاديث في تحليلها كثيرة معتبرة

وقد عارض الخليفة في اجتهاده هذا جماعة من الصحابة والتابعين منهم : عبد الله بن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، وابنه عبد الله بن عمر ، والزبير بن العوّام ، وخالد ابن مهاجر ، وعمرو بن حريث ، واُبّي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، وطاووس اليماني ، والسدي ، وزفر بن أوس المدني ، وجابر بن عبد الله الانصاري .

وعلى رأسهم سيدهم وأعلمهم أمير المؤمنين علي عليه السلام .

وكان عبد الله بن عباس متشدداً في تحليلها ، وكان حين يذكر تحريم الثاني لها يقول : ما كانت المتعة إلّا رحمة من الله تعالى رحم بها اُمة محمد صلى الله عليه وآله ، ولولا نهيه عنها لما احتاج الى الزنا إلّا شفي (٣) .

وفي مصنف عبد الرزاق : ان عليّاً قال بالكوفة : لولا ما سبق من رأي عمر ابن الخطاب ـ أو قال : رأي ابن الخطاب ـ لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلّا شقي (٤) .

أما تحريمه لمتعة الحج فقد كان اول المخالفين له ابنه عبد الله بن عمر ، ففي صحيح الترمذي ان عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج ، قال : هي حلال ، فقال له السائل : ان أباك قد نهى عنها ، فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله ، أأمر أبي نتبع أم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال الرجل : أمر رسول الله

__________________

(١) فتح الباري ٩ : ١٤١ .

(٢) صحيح مسلم ـ باب نكاح المتعة ـ ٢ : ١٠٢٣ ح ١٤٠٥ .

(٣) احكام القرآن للجصاص ٢ : ١٤٧ ، والشفي : القليل من الناس .

(٤) المصنف لعبد الرزاق ٧ : ٥٠٠ / ١٤٠٢٩ .


( صلى الله عليه وآله ) . قال لقد صنعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

الى كثير من أمثال هذه الصحاح الصراح في إنكار النهي عنها (١) .

وتوالت اجتهادات الخليفة الثاني وكثرت حتى أصبحت جملة كبيرة نذكر عدة منها :

١ ـ رجم المجنونة :

حيث حكم على مجنونة قد زنت فاُخذت ليقام عليها الحدّ ، فاجتاز عليهم علي عليه السلام فسألهم عن أمرها فأخبروه ، فأمر بارجاعها ، وقال للخليفة : أما تذكر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المعتوه حتى يبرأ ، وان هذه معتوهة بني فلان ، لعل الذي أتاها ، أتاها وهي في بلائها ، فخلّ سبيلها . فجعل عمر يكبّر ، وأمر باطلاق سراحها (٢) .

٢ ـ رجم من ولدت لستّة أشهر :

ومن غريب هذه الاجتهادات حكمه برجم امرأة ولدت لستة أشهر ، فردّ الامام علي عليه السلام حكمه وقال له : ان الله تعالى يقول ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ) (٣) ، وقال تعالى ( وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ) (٤) فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين ، فترك عمر رجمها وقال : لولا علي لهلك عمر (٥) .

٣ ـ إقامة الحدّ على جعدة بن سليم :

قدم بريد على الخليفة فنثر كنانته ، فبدرت صحيفة فقرأها الخليفة فاذا فيها :

__________________

(١) سنن الترمذي ١ : ١٥٧ .

(٢) ارشاد الساري ١٢ : ١٠١ ، وفيض القدير ٤ : ٣٥٧ .

(٣) الاحقاف ٤٦ : ١٥ .

(٤) لقمان ٣١ : ١٤ .

(٥) الدر المنثور ١ : ٢٨٨ ، والسنن الكبرى ٧ : ٤٤٢ .


ألا ابلغ ابا حفص رسولاً

فدا لك من أخي ثقة إزاري

قلائصنا هداك الله انا

شغلنا عنكم زمن الحصار

فما قلص وجدن معقلات

قفا سلع بمختلف البحار

قلائص من بني سعد بن بكر

وأسلم أو جهينة أو غفار

يعقلهن جعدة من سليم

معيداً يبتغي سقط العذار

فأمر عمر باحضار جعدة فجلده مائة معقولاً (١) .

ولم تقم البينة على انه ارتكب جريمة الزنى ، سوى هذه الابيات ، وهي لا تصلح للاعتماد عليها .

٤ ـ اجتهاده في حكم الطلاق :

فقد جعل التلفظ بالثلاثة في مجلس واحد ثلاثة تطليقات ، خلافاً لما كانت عليه سنة الرسول صلى الله عليه وآله (٢) .

٥ ـ تبديله ( حيّ على خير العمل ) ، في الاذان بـ ( الصلاة خير من النوم ) في صلاة الصبح (٣) .

٦ ـ حكمه في المتزوّجة في عدّتها :

وذلك ان امرأة تزوجت في عدتها ، فأمر الخليفة بالتفريق بينهما وجعل صداقها من بيت المال ، وبلغ ذلك عليّاً عليه السلام فأنكر عليه وقال : ما بال الصداق وبيت المال ، انهما جهلا ، وينبغي للامام أن يردهما الى السنة .

وسئل علي عليه السلام عن السنة فقال : الصداق بما استحل من فرجها ، ويفرق بينهما ، ولا جلد عليهما ، وتكمل عدتها من الاول (٤) .

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٣ : ٢٨٦ .

(٢) مسند احمد ١ : ٣١٤ ، مستدرك الحاكم ٢ : ١٩٦ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٣٦ .

(٣) موطأ مالك : كتاب الصلاة الباب الاول الحديث الثامن .

(٤) احكام القرآن للجصاص ١ : ٤٢٥ .


٧ ـ نقص حدّ شارب الخمر :

فقد جيء له بشارب خمر فبعث به الى مطيع بن الأسود ليقيم عليه الحدّ ، واجتاز عليه فرآه يضربه ضرباً شديداً فقال له : « قتلت الرجل ، كم ضربته ؟ » قال : « ستين » ، فقال الخليفة : انقص عنه بعشرين ، فجعل شدة الضرب قصاصاً بالعشرين التي بقيت من الحدّ (١) .

٨ ـ أقوال العلماء فيه وثنائهم عليه :

فقد اقام عمرو بن العاص عليه الحد حينما شرب الخمر في مصر ، وذلك بمحضر من أخيه عبد الله ، فلما بلغ الخليفة ذلك كتب الى ابن العاص ان يحمله على قتب بغير وطاء وان يشدّد عليه ، فأرسله عمرو بالحالة التي أمره بها ، وقد كتب اليه باقامة الحدّ عليه ، وبعث بالكتاب مع ولده عبد الله فلما انتهى الى عمر ـ وهو لا يستطيع المشي لمرضه وإعيائه ، وأبصره ، أمر باحضار السياط ، فقال له عبد الرحمن ابن عوف : انه قد اُقيم عليه الحدّ ، وشهد بذلك أخوه عبد الله فلم يلتفت اليه ، وأخذ السياط ، وجعل يضربه وهو يستغيث ، ويقول : « انا مريض ، وأنت والله قاتلي » .

وبعد ان أقام عليه الحدّ حبسه شهراً فمات (٢) .

فبأي وجه شرعي اقام الحد عليه ثانيا ، فالمريض ـ كما هو معلوم ـ لا يقام عليه الحد حتى يشفى من مرضه .

٩ ـ وقال في مجلسه يوماً : ما ترون في حد الخمر ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : أرى ان تجعله كأخف الحدود ، فجعله ثمانين (٣) .

١٠ ـ صلاة التراويح :

المعروف عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله ان صلاة نافلة شهر رمضان لم تشرع لها الجماعة ، وانما الجماعة في الفريضة وما شرعت له .

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٨ : ٣١٧ ، ٣١٨ .

(٢) إرشاد الساري ١٢ : ٥٣ ، والنصّ والاجتهاد : ٢٦٧ .

(٣) سنن البيهقي ٨ : ٣١٩ .


وكان الناس يصلون نافلة شهر رمضان فرادى واستمروا على ذلك مدة خلافة ابي بكر ، ولما جاء الخليفة الثاني استحسن ان يوحدهم بصلاة إمام واحد ، ففعل وعمم أمره الى سائر البلدان الاسلامية ، متحدياً السنة بالاستحسان وكان يقول نعمت البدعة هذه (١) .

نقول ان ما مر ذكره من اجتهادات الخليفة الثاني ليست إلّا غيضاً من فيض فمساهمة الخليفة الثاني بنفسه في تقوية هذا الوضع ، وتوهين أمر السنة الشريفة ، اكثر من ان يتم حصره في هذه الصفحات القليلة ، فلمزيد من الاطلاع يراجع كتاب النص والاجتهاد للامام شرف الدين ، والغدير للعلامة الكبير الاميني وغيرهما .

واما الأمر الأول ـ وضع الحديث ـ فلعلّ القاء اضواء يسيرة على حياة من اشتهروا بذلك ككعب ووهب كافية للتدليل على مدى المجال الذي فسح لهم في عهد الخليفة الثاني .

وأشهر من كوّنه الخليفة وربّاه على عينه كعب أحبار اليهود المعروف بكعب الاحبار (٢) .

فكعب قدم الى المدينة في خلافة عمر شيخاً شارف السبعين من عمره ، ولم يجئ اليها حين كان نور رسول الله صلى الله عليه وآله يغمر ارضها وقلوب الناس فيها ، ولا في خلافة أبي بكر ، بل جاء الى المدينة وقد أسلمت جزيرة العرب كلها ليدعي انه يريد أن يسلم . فأسلم ـ كما يقولون ـ على يد عمر ، واستبقاه عنده في المدينة ، وكان يسأله عن مبدأ الخلق وقضايا المعاد وتفسير القرآن وغير ذلك .

فأخذ كعب اليهودي يبث سمومه في المسلمين ، وقد بلغ من علو شأنه انه

__________________

(١) موطأ مالك ١ : ١١٤ ، كنز العمال ٨ : ٤٠٧ / ٢٣٤٦٦ .

(٢) هو كعب بن ماتع الحميري اليماني ، الذي كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر ، فجالس اصحاب محمد صلى الله عليه وآله : فكان يحدثهم عن الكتب الاسرائيلية ويحفظ عجائب ، توفى بحمص في اواخر خلافة عثمان . سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٨٩ فما بعد ترجمة ١١١ .


كان يلقي دروسه في المسجد ، فقد جاء في طبقات ابن سعد حكاية عن رجل دخل المسجد فاذا عامر بن عبد الله بن عبد القيس جالس الى كعب ، وبينهما سفر من اسفار التوراة ، وكعب يقرأ (١) .

وروى ابن سعد أيضاً في طبقاته الكبرى عن عبد الله بن شقيق أن أبا هريرة جاء الى كعب يسأل عنه ، وكعب في القوم ، فقال كعب : ما تريد منه ؟ فقال : أما اني لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله أن يكون أحفظ لحديث رسول الله مني ! ! فقال كعب : أما انك لم تجد طالب شيء إلّا سيشبع منه يوماً من الدهر إلّا طالب علم ، أو طالب دنيا ! فقال ابو هريرة : أنت كعب ؟ فقال : نعم ، فقال : لمثل هذا جئتك (٢) .

انني جئتك لأطلب عندك العلم ، وأستقي من معينك الغزير .

وقد وجد كعب بغيته في ابي هريرة الذي يزعم أنه أحفظ الناس لحديث رسول الله ، فكان نعم التلميذ النجيب الذي يحمل عنه ما يريد بثه مما يفسد عقائد المسلمين (٣) .

وقد بلغ من دهاء كعب الأحبار واستغلاله لسذاجة ابي هريرة وغفلته أن كان يلقنه ما يريد بثه في الدين الاسلامي من خرافات وأساطير حتى اذا رواها ابو هريرة ، عاد هو فصدق ابا هريرة ، ليؤكد هذه الاسرائيليات وليمكن لما في عقول المسلمين كأن الخبر قد رواه ابو هريرة عن النبي ، وهو في الحقيقة عن كعب الأحبار !

فمن الأحاديث التي رواها ابو هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي في الحقيقة من الاسرائيليات :

روى احمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن ( أبي هريرة ) أن رسول الله قال : « انّ في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام ولا يقطعها » اقرؤوا ان شئتم

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٧ : ١١٠

(٢) شيخ المضيرة : ٩٠ عن الطبقات ٤ : ٣٣٢ ، وقال الحاكم في المستدرك ١ : ٩٢ : صحيح على شرط الشيخين .

(٣) شيخ المضيرة أبو هريرة : ٩٠ .


« وظل ممدود » .

ولم يكد هذا الحديث يبلغ كعباً ! حتى أسرع فقال ـ كما روى ابن جرير ـ : صدق والذي أنزل التوراة على موسى ! والفرقان على محمد ، لو أن رجلا ركب ( حقة ) أو (جذعة ) (١) ثم دار بأعلى تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ! إن الله تعالى غرسها بيده ، ونفخ فيها من روحه ، وإن أفنانها لمن وراء ستار الجنة ، وما في الجنة نهر إلّا وهو يخرج من أصل هذه الشجرة (٢) .

ومن كيد كعب أنه كان يتكهن بالمغيبات ، ولنضرب لذلك ـ هنا ـ مثلاً واحداً نجتزئ به ، فعندما اشتعلت نيران الفتنة في زمن عثمان واشتد زفيرها ، حتى التهمت عثمان فقتلته وهو في بيته ، لم يدع هذا الكاهن الماكر هذه الفرصة تمرّ دون ان يهتبلها ، بل أسرع ينفخ في نارها ويسهم بكيده اليهودي فيها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وقد كان من كيده في هذه الفتنة أن أرهص ـ بيهوديته ـ بأن الخلافة بعد عثمان ستكون لمعاوية ! فقد روى وكيع عن الأعمش عن ابي الصباح (٣) أن الحادي كان يحدو بعثمان يقول :

إن الأمير بعده علي

وفي الزبير خلق رضي

فقال كعب الأحبار : بل هو صاحب البغلة الشهباء ! ( يعني معاوية ) وكان يراه يركب بغلة . فبلغ ذلك معاوية فأتاه فقال : يا ابا اسحاق ما تقول هذا ! وهاهنا علي والزبير واصحاب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ! قال : أنت صاحبها . ولعله أردف ذلك بقوله : إني وجدت ذلك في الكتاب الأول ! ! (٤) .

وفي زمان معاوية كان كعب في الشام ، وقد قربه وأدناه وكان يسأله عن اُمور

__________________

(١) الحقة من الابل هي إبنة ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ، والجذعة الناقة التي بلغت الخامسة .

(٢) أبو هريرة ١٠١ ـ ١٠٢ .

(٣) ص ٥١ من رسالة النزاع والتخاصم فيما بين بني اُمية وبني هاشم للمقريزي .

(٤) أضواء على السنة المحمدية : ١٨٠ .


المبدأ والمغيبات وتفسير القرآن ، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني في الاصابة : أن معاوية هو الذي أمر كعباً بأن يقص في الشام (١) ، وكان من ثمار ذلك ما وردنا من احاديث كثيرة موضوعة عن فضائل الشام وأهلها .

يقول الاُستاذ الفاضل الشيخ محمود أبو رية :

ان الأستاذ سعيد الأفغاني نشر مقالاً بمجلة الرسالة المصرية قال فيه : ان وهب بن منبه الصهيوني الأول ، فصححت هذا الرأي بمقال نشر في العدد ٦٥٦ من هذه المجلة أثبت فيه بالأدلة القاطعة أن كعب الاحبار هو الصهيوني الأول .

وما كاد هذا المقال ينشر حتى هب في وجهنا شيوخ الأزهر وأمطرونا وابلاً من طعنهم المعروف وقالوا : كيف تصف ( سيدنا كعباً ) بأنه الصهيوني الأول ، وهو من كبار التابعين وخيار المسلمين . ومما يؤسف له أنهم لا يزالون يذكرون اسمه بالسيادة إلى اليوم (٢) !

ويبرز الى جانب كعب اسم وهب بن منبه الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وآله مرسلاً ، وادرك عدة من الصحابة ، وقد كانت مادة حديثه التوراة والانجيل وشروحهما وحواشيهما ، فكانت المنبع الضخم للقصاص ، ودخلت في التفاسير وفي كتب الحديث .

ولذا قال الذهبي في سير أعلامه : وروايته ( أي وهب ) للمسند قليلة ، وانما غزارة علمه في الاسرائيليات ، ومن صحائف أهل الكتاب (٣) . وظل أثرها السيّئ يسري في فكر المسلمين إلى أن يشاء الله .

وكان لوهب تلامذة كثيرون : ولداه عبد الله وعبد الرحمن ، وعمرو بن دينار ، وسماك بن الفضل ، وهمام بن نافع أبو عبد الرزاق ، وجماعة كثيرون عد منهم الذهبي

__________________

(١) الاصابة ٣ : ٣١٦ .

(٢) شيخ المضيرة : ٩٣ .

(٣) سير أعلام النبلاء ٤ : ٥٤٥ .


في السير أكثر من عشرين ثم قال : وخلق سواهم (١) .

وثالثهم : تميم الداري الذي أسلم في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان يحدث بقصة الجساسة والدجال ونزول عيسى وغير ذلك . وقد روى حديث الجساسة مسلم في صحيحه من طريق فاطمة بنت قيس اُخت الضحاك بن قيس وكانت من المهاجرات الأوليات (٢) .

وكان تميم أول من قص ، وذلك في عهد عمر (٣) .

ورابعهم : عبد الله بن سلام أبو الحارث الاسرائيلي ، أسلم قديما بعد أن قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة ، وهو من أحبار اليهود ، روى عنه أبو هريرة وأنس ابن مالك وجماعة .

قال فيه وهب بن منبه ـ الأصل الثاني للاسرائيليات ـ : كان أعلم أهل زمانه ، ومات سنة ٤٠ هـ وقد كان أهل الكتاب هؤلاء ، البذرة الاولى للقصّاص الذين كانوا يجلسون في المساجد ، ويتكلمون بما يتناسب مع أذهان العامة ، وكانت مدرسة القصّاص مغضوبا عليها من قبل صالحي الصحابة ، فقد جاء في كتاب الاصابة : ان اول من قصّ في مسجد البصرة هو الاسود بن سريع التميمي السعدي ، ولكنه لم يجد قبولاً بين مجتمع لا يزال فيه ثلة من الصحابة الأتقياء الحافظين لعهد رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقد جلس ليقص فارتفعت الاصوات ، فجاء مجالد بن مسعود السلمي وله صحبة . فقال : أوسعوا له ، فقال : إني والله ما جئتكم لأجلس إليكم ، ولكني رأيتكم صنعتم شيئا أنكره المسلمون ، فاياكم وما انكره المسلمون (٤) .

ولكن هذا الأنكار وغيره بدا صفيقاً في نهاية الأمر امام توسع دائرة الوضع التي قويت باحتضان ورعاية بعض الخلفاء من جانب ، وغذتها عوامل وظروف

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤ : ٥٤٥ .

(٢) رواه ابن حجر في الاصابة ١ : ١٨٣ .

(٣) الاصابة ١ : ١٨٤ .

(٤) الاصابة ١ : ٤٤ ـ ٤٥ ترجمة الاسود بن سريع التميمي السعدي .


اجتماعية وسياسية من جانب آخر . ثم اتخذ الوضع بعد ذلك صورة اخرى صاغها الوضاعين الزنادقة كعبد الكريم بن ابي العوجاء ، وبيان بن سمعان المهدي فلقد وضعوا ما يفسدوا به الدين ويشوهوا كرامته لدى العقلاء والمثقفين ، ولينحدروا بعقيدة العامة الى درجة من السخف تثير سخرية الملحدين ، كما يقول الدكتور السباعي ، ومن امثلة هذه الاحاديث المكذوبة : « ينزل ربنا عشية عرفة ، على جمل أورق ، يصافح الركبان ، ويعانق المشاة » . « إن الله اشتكت عيناه فعادته الملائكة » . « النظر إلى الوجه الجميل عبادة » . . . ولسنا هنا بصدد الحديث عن الاثار التي ترتبت ـ سابقاً ولاحقاً ـ على عملية الدس والوضع ، ولكن يكفي أن نعرف أن ثاني مصدر تشريعي للاسلام يتعرض لكل هذا ضمن عملية غالبها الاعم الاستهداف والتنظيم ، لكي ندرك مدى جسامة وفداحة الأمر ، وما اصوب ما قاله احدهم ان وضع الحديث على رسول الله كان أشد خطراً على الدين وأنكى ضرراً بالمسلمين من تعصب أهل المشرقين والمغربين ، وإن تفرق المسلمين الى شيع وفرق ومذاهب ونحل لهو أثر من آثار الوضع في الدين (١) .

اما عثمان فكان دوره تواصلياً مع دور الخليفة الثاني في ترسيخ عملية الاجتهاد مقابل النص ، ومن ذلك :

١ ـ اتمام الصلاة في السفر :

فان السنة في الصلاة انها في السفر ركعتين وفي الحضر أربع (٢) .

ولكن عثمان في السنة السادسة من خلافته أتم الصلاة بمنى واتخذ ذلك سنة معتذراً بان الناس قد كثروا في عامهم فصلى اربعاً ليعلمهم ان الصلاة أربع (٣) . وهو اعتذار مهلهل كما ترى .

__________________

(١) اضواء على السنة : ١١٩ .

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٧٩ ، واحكام القرآن للجصاص ٢ : ٣٥١ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٥ .

(٣) سنن البيهقي ٣ : ١٤٤ .


٢ ـ تقديم الخطبة في صلاة العيدين :

فقد جرت السنة في صلاة العيدين أن يصلي الامام بالناس أولاً ثم الخطبة بعد ذلك (١) . ولكن عثمان خالف هذه السنة فقدم الخطبة وأخر الصلاة (٢) .

٣ ـ الجمع بين الاختين :

وهو من غريب الاحكام المصادمة لصريح قوله تعالى ( وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ) (٣) . وقد أجاز عثمان الجمع بين الاختين في النكاح اذا كانتا ملك يمين (٤) .

٤ ـ حكمه في غسل الجنابة :

حيث سأل زيد بن خالد الجهني عثمان : أرأيت اذا جامع الرجل امراته ولم يُمن ؟ فقال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ، ونسبه الى انه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله (٥) . والحكم الذي لا يجهله مسلم ان غسل الجنابة واجب اذا التقى الختانان .

وبالإضافة الى هذا وذاك فقد استقبل خلافته بتعطيل القصاص ، وذلك بعفوه عن عبيد الله بن عمر ، الذي ثار لمقتل أبيه ، فقتل ـ بغير حق ـ الهرمزان وجفينة وبنت أبي لؤلؤة ، واراد قتل كل صبي في المدينة ، فانتهى أمره إلى سعد بن أبي وقاص فساوره وقابله بناعم القول حتى انتزع منه سيفه ، وأودعه في السجن كي ينظر الخليفة في أمره .

ولما تمت البيعة اعتلى الخليفة أعواد المنبر وعرض قصة عبيد الله على المسلمين فقال لهم : ان الهرمزان من المسلمين ، ولا وارث إلّا المسلمون عامة ، وأنا إمامكم وفد عفوت .

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٦٠٢ ، صحيح البخاري ٢ : ٢٢ ، ٢٣ ، فتح الباري ٢ : ٣٦٣ .

(٢) فتح الباري ٢ : ٣٦١ .

(٣) النساء ٤ : ٢٣ .

(٤) موطأ مالك ٢ : ١٨٠ والمحلي لابن حزم ٩ : ٥٢٢ ، تفسير القرطبي ٥ : ١١٧ .

(٥) صحيح مسلم ١ : ٢٧٠ / ٣٤٧ .


وأنكر عليه أمير المؤمنين علي عليه السلام ذلك وقال له : أقد هذا الفاسق فقد أتى عظيما ، قتل مسلماً بلا ذنب وثار أمير المؤمنين علي عليه السلام في وجه عبيد الله ، وقال له : لئن ظفرت بك لأقتلنك بالهرمزان (١) .

وقد أنكر على الخليفة أيضا خيار المسلمين وصلحاؤهم هذا العفو ، لأنه كان تعطيلا لحدود الله ، وكان زياد بن لبيد اذا لقي عبيد الله قال له :

الا يا عبيد الله مالك مهرب

ولا ملجأ من ابن أروى ولا خفر

أصبت دماً والله في غير حله

حراماً وقتل الهرمزان له خطر

على غير شيء غير أن قال قائل

اتتهمون الهرمزان على عمر

فقال سفيه والحوادث جمة

نعم اتهمه قد أشار وقد أمر

وكان سلاح العبد في جوف بيته

يقلبه والأمر بالأمر يعتبر

وشكاه عبيد الله الى عثمان فدعا زيادا ونهاه عن ذلك فلم ينته ، وتناول عثمان بالنقد فقال :

ابا عمرو عبيد الله رهن

فلا تشكك بقتل الهرمزان

فإنك ان غفرت الجرم عنه

واسباب الخطا فرسا رهان

اتعفو اذ عفوت بغير حق

فما لك بالذي تحكي بدان (٢)

وغضب عثمان على زياد وزجره حتى انتهى .

ثم اخرج عثمان عبيد الله من المدينة الى الكوفة ، وأنزله داراً فنسب الموضع اليه ، فقيل : كويفة ابن عمر (٣) .

وكان عمل الخليفة هذا مخالفاً لحكم الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله ، فان الشارع قد الزم الولاة باقامة الحدود وعدم التسامح فيها ، لصيانة النفوس وحفظ النظام ، وليس لحاكم أن يتهاون في هذا الأمر مهما عظم شأن المعتدي .

__________________

(١) أنساب الاشراف القسم الرابع ـ الجزء الأول : ٥١٠ / ١٣٢٢ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٤ ، تاريخ الطبري ٤ : ٢٤٣ ، والكامل في التاريخ ٣ : ٧٥ .

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٤ .


وتابع الخليفة الثالث سلفه في النهي عن متعة الحج ، فقد جاء في مسند أحمد عن عبد الله بن الزبير ، قال : والله إنا لمع عثمان بن عفان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام فيهم حبيب بن مسلمة الفهري اذ قال عثمان ، وذكر له التمتع بالعمرة الى الحج : ان اتم للحج والعمرة ان لا يكونا في اشهر الحج فلو اخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل ، فان الله تعالى قد وسع الخير . وعلي بن أبي طالب في بطن الوادي يعلف بعيراً له قال : فبلغه الذي قال عثمان فاقبل حتى وقف على عثمان فقال : اعمدت الى سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله ورخصة رخص الله تعالى بها للعباد في كتابه تضيق عليهم فيها وتنهى عنها وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار ، ثم أَهَلّ بحجة وعمرة معا . فأقبل عثمان على الناس فقال : وهل نهيت عنها ؟ إني لم أَنْهَ عنها ، إنما كان رأياً أشرت به فمن شاء أخذ به ومن شاء تركه (١) .

وراعى جانب اقربائه حتى لو كان فاسقاً أو شارب خمر ، فولّاهم على أمصار المسلمين ، ولم يولّ أجلة الصحابة الذين هم أبصر بالسياسة وبالشريعة والدين من اولئك الصبيان الفسقة .

وقد مهد لملك معاوية ولولاه لما اتيح لمعاوية نقل الخلافة ذات يوم الى آل أبي سفيان وتثبيتها في بني امية .

قال الدكتور طه حسين : والشيء الذي ليس فيه شك هو أن عثمان ولّى الوليد على الكوفة بعد عزل سعد بن ابي وقاص ، وولّى عبد الله بن عامر على البصرة بعد أن عزل أبا موسى الاشعري ، وجمع الشام كلها لمعاوية ، وبسط سلطانه عليها الى أبعد حد ممكن ، بعد أن كانت الشام ولايات تشارك في ادارتها قريش وغيرها من أحياء العرب ، وولّى عبد الله بن سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص ، وكل هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان ، منهم أخوه لامه ومنهم أخوه في الرضاعة ومنهم خاله ، ومنهم من يجتمع معه في نسبه الأدنى الى اُمية بن عبد شمس ، كل هذه حقائق لا

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٩٢ .


سبيل الى انكارها (١) .

وقد اتبع الخليفة الثالث اجتهاد سلفه في منع ذوي القربى من سهامهم من الخمس ، وأخذ يوزعه على أقاربه بدون حساب ، فاعطى خمس غزوة افريقيا الاولى الى عبد الله بن أبي سرح ابن خالته وأخيه من الرضاعة ، واعطى خمس الغزوة الثانية ابن عمه وصهره مروان بن الحكم ، اضافة الى اعطائه فدك .

وأقطع الحارث ابن عمه وصهره سوق المدينة ( المهزور ) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله تصدق به على المسلمين (٢) وأعطى عمه الحكم صدقات قضاعة . وكان اذا أمسى عامل الصدقة على سوق المسلمين أتى بها الى عثمان فيقول له عثمان : ادفعها الى الحكم (٣) .

وكان عثمان يقرب بني اُمية ويستخلصهم لنفسه ، فقرب مروان بن الحكم ، واختص به واتخذه لنفسه وزيراً ومشيراً وأمر له بمئة ألف ، وكان قد زوجه ابنته اُم أبان ثم أقطعه فدك التي كانت ملكاً للنبي ، وكانت فاطمة رضي الله عنها طلبتها من أبي بكر فدفعت عنها بحديث أوردوه ، ونصه كما قالوه « لا نورث ما تركناه صدقة » (٤) .

وللاُستاذ أبي رية كلام لطيف حول موضوع فدك جاء فيه :

كنا نشرنا كلمة بمجلة الرسالة المصرية عن موقف ابي بكر من الزهراء في هذا الميراث ننقل منها ما يلي « اننا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي ، وانه قد ثبت أن النبي قال : إنا لا نورث . وانه لا تخصيص في عموم هذا الخبر فان أبا بكر كان يسعه ان يعطي فاطمة رضي الله عنها بعض تركة أبيها كأن يخصها

__________________

(١) ص ١٣٥ من كتاب الفتنة الكبرى ( عثمان ) ، عن ابو هريرة ١٦٨ .

(٢) العقد الفريد ٥ : ٣٥ ، شرح نهج البلاغة ١ : ١٩٨ .

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٨ .

(٤) العقد الفريد ٥ : ٣٦ .


بفدك ، وهذا من حقه الذي لا يعارضه فيه أحد ، اذ يجوز للامام أن يخص من يشاء بما شاء ، وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي على ان فدك هذه التي منعها ابو بكر من فاطمة لم تلبث ان أقطعها عثمان لمروان » (١) .

أما عائشة فيحار الكاتب من أي قضاياها يبدأ ، ولكننا مضطرّون أن نبدأ من مخالفاتها القطعية للسنة النبوية .

١ ـ صلاتها تماماً في السفر :

أخرج مسلم من عدة طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة : أن الصلاة أول ما فرضت ركعتين ، قالت عائشة : فاقرت صلاة السفر واتمت صلاة الحضر (٢) .

ولكن المتواتر عن عائشة وعثمان ـ وحدهما من بين الاُمة ـ الاتمام في السفر .

٢ ـ تشكيكها بنبوة الرسول صلى الله عليه وآله .

وذلك أنها غضبت يوماً وكلمها رسول الله صلى الله عليه وآله فكان مما قالت له : أنت الذي تزعم انك نبي الله (٣) .

ثم اليك بعض عظائمها .

٣ ـ تهييجها الفتنة بين المسلمين .

وذلك بركبوها جملها الأدَبّ ( عسكر ) والتحاقها بطلحة والزبير الى البصرة خروجاً على إمام زمانها أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وقد تمت له البيعة من المسلمين

__________________

(١) مجلة رسالة الاسلام العدد ٥١٨ من السنة الحادية عشرة .

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٧٨ / ٦٨٥

(٣) احياء علوم الدين للغزالي ٢ : ٤٣ في آداب النكاح .


فضلاً عن نص الرسول الأمين عن رب العالمين وقد ظهرت الدلائل عند ماء الحوأب (١) ولكنها مرت على غلوائها ولم يردعها ذلك .

ولم تكتف بما فعلت بل أرسلت عائشة إلى حفصة وغيرها من اُمهات المؤمنين ( كما نص عليه غير واحد من اثبات أهل الأخبار ) تسألهن الخروج معها الى البصرة فما اجابها الى ذلك منهنّ إلّا حفصة ، لكن أخاها عبد الله أتاها فعزم عليها بترك الخروج ، فحطت رحلها بعد أن همت (٢) .

وكان ما كان يوم الجمل من دماء مسفوكة ، وحرمات مهتوكة ، فصلّها أصحاب الأخبار ، وكانت كما يقول العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين أساساً لصفين والنهروان ومأساة كربلاء وما بعدها حتى نكبة فلسطين في عصرنا هذا (٣) .

( وكان خروجها مخالفة لقوله تعالى ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَه ) (٤) ) .

ومخالفة لقوله صلى الله عليه وآله لنسائه بعد حجة الوداع : ( هذه ، ثم ظهور الحُصُر ) يعني الجلوس في البيوت .

وخلاصة القول في مسيرها قول سيد البلغاء في خطبة له :

أيها الناس ، إن عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير ، وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أما طلحة فابن عمها ، وأما الزبير فختنها ! والله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ، ولا تحل عقدة ، إلّا في معصية الله وسخطه (٥) .

__________________

(١) وذلك بتحذير رسول الله صلى الله عليه وآله لها أن تكون صاحبة الجمل الأدب وتنبحها كلاب الحوأب .

(٢) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٢٥ .

(٣) النص والاجتهاد : ٣١٢ .

(٤) الاحزاب : ٣٣ .

(٥) أبي هريرة : ١٧١ عن تاريخ أبي الفداء ١ / ٧٨ .


٤ ـ الوضع الصريح للحديث :

وروى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه قال : حدثتني عائشة ، قالت : كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي فقال : يا عائشة ان هذين يموتان على غير ملتي ! أو قال : ديني ! .

وروى عبد الرزاق عن عمر قال : كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي ، والحديث الثاني زعم فيه أن عائشة حدثته قالت : كنت عند النبي إذ أقبل العباس وعلي فقال : يا عايشة إن سرك أن تنظري الى رجلين من أهل النار ، فانظري الى هذين قد طلعا ، فنظرت فاذا العباس وعلي بن أبي طالب (١) .

وهذا مصادم للقرآن الكريم الناطق بتطهير أهل البيت ، وعلي اولهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد نزلت فيه سورة ( هل أتى ) باجماع المفسرين كما وان رسول الله صلى الله عليه وآله قد حدّث بفضل أخيه ووصيه وصهره وأبي ذريته علي عليه السلام بما جاوز حد الاحصاء .

٥ ـ موقفها في دفن الحسن عليه السلام :

لما توفي الحسن عليه السلام مسموماً وخرج به أخوه الحسين عليه السلام ليجدد به العهد بقبر جده صلى الله عليه وآله ، خرجت عائشة على بغلة شهباء يحف بها بنو اُمية وهي تصيح : لا تدخلوا بيتي من لا أُحب ، إن دفن الحسن في بيتي لتجز هذه ، وأومأت الى ناصيتها (٢) .

وليت شعري الم تسمع اُم المؤمنين ! ! قول جده رسول الله صلى الله عليه وآله في حقه : اللّهم إني اُحبه واُحب من يحبه (٣) .

وقوله صلى الله عليه وآله : اللّهم ان هذا ابني وانا احبه ، فاحبه واحب من

__________________

(١) أبو هريرة : ١٩٩ .

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٢٢٥ ، وشرح ابن أبي الحديد ١٦ : ٥٠ .

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨٨٢ / ٢٤٢١ ، تاريخ دمشق لابن عساكر ترجمة الامام الحسن : ٣٧ .


يحبه (١) .

وقوله صلى الله عليه وآله : من سره أن ينظر الى سيد شباب أهل الجنة فلينظر الى الحسن (٢) .

وهو أحد أصحاب آية التطهير وسورة هل أتى .

ولكن البغض يعمي ويصم ، وقد صدق فيها قول الشاعر :

حفظت أربعين ألف حديث

ومن الذكر آية تنساها

وقول الآخر :

نَسِيَتْ « قرن في بيوتكنّ » وكانت

تحفظ الذكر ، ما الذي أنساها ؟ !

ومن العجب أن عائشة لم تغير موقفها في تأييد معاوية مع أنه قتل أخويها محمد بن أبي بكر وعبد الرحمن ؟ وكان اخوها محمداً قد قتل في صورة بشعة ، حينما ولاه أمير المؤمنين علي عليه السلام على مصر ، فقتله معاوية بالسم ، ومثل به جلاوزته أبشع تمثيل فالقوه بعد قتله في جيفة حمار (٣) وأحرقوه ، لذا كانت عائشة لا تأكل الشواء بعد ذلك .

نعم أيدت عائشة معاوية بن ابي سفيان الذي استتب له الأمر بالخلافة بعد معركة صفين ووفاة أمير المؤمنين عليه السلام وصلح الحسن عليه السلام .

*       *      *

افتتح معاوية سلطته حين بلغه نعي أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وذلك في وقت الضحى فقام فصلى ست ركعات ، ثم أمر بني اُمية برواية الاحاديث في فضلها .

وهذه الصلاة لم يصلها النبي صلى الله عليه وآله ولا أبو بكر ولا عمر (٤) .

__________________

(١) كنز العمال ١٣ : ٦٥٢ / ٣٧٦٥٣ ، ومجمع الزوائد ٩ / ١٧٦ .

(٢) البداية والنهاية ٨ / ٣٥ .

(٣) شرح نهج البلاغة ٦ : ٨٧ .

(٤) صحيح البخاري ٢ : ٧٣ .


ولكن محدّث الدولة أبو هريرة لم يلبث أن وضع حديثاً فيها ، فقال : أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت : صوم ثلاثة أيام في كل شهر ، وصلاة الضحى ، ونوم على وتر (١) .

وكان أول عمل قام به بعد احتلاله كرسي الخلافة أمره بسب أمير المؤمنين علي عليه السلام على منابر المسلمين ، فقد روي أن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة ٤١ دعاه وقال له : أردت ايصاءك باشياء كثيرة ، فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني ، ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ، ولست تاركاً ايصاءك بخصلة ، لا تتحمّ ! ( أي لا تتجنب ) عن شتم علي وذمه ، والترحم على عثمان والاستغفار له ، والعيب على أصحاب علي ، والاقصاء لهم ، وترك الاستماع منهم ، وباطراء شيعة عثمان والادناء لهم والاستماع منهم . . . فاقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين واشهراً وهو من احسن شيء سيرة واشده حباً للعافية ، غير أنه لا يدع ذم علي والوقوع فيه . . . إلى آخره (٢) .

وروى الزبير بن بكار في الموفقيات ، عن المطرف بن المغيرة بن شعبة قال : دخلت مع أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه فيتحدث معه ، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله ، ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة ، وظننت أنه لأمر حدث فينا فقلت : ما لي أراك مغتماً منذ الليلة ؟ فقال : يا بني ، جئت من أكفر الناس واخبثهم . قلت : وما ذاك ؟ قال : قلت له وقد خلوت به : إنك قد بلغت سنّاً يا أمير المومنين فلو أظهرت عدلاً ، وبسطت خيراً فانك قد كبرت ، ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه ، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه ؟ فقال : هيهات هيهات ! أي ذكر أرجو بقاءه ؟ ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلّا أن يقول قائل :

__________________

(١) سنن النسائي ٣ : ٢٢٩ .

(٢) شيخ المضيرة : ٢٠٢ وانظر تاريخ الطبري ٤ : ١٣٢ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٤١٣ ، شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٩ .


أبو بكر . ثم ملك أخو عدي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلّا أن يقول قائل : عمر .

وان ابن أبي كبشة (١) ليصاح به كل يوم خمس مرات ( أشهد أن محمداً رسول الله ) فأي عمل يبقى ؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك ؟ لا والله إلّا دفناً دفناً (٢) .

وروى المدائني في كتاب الأحداث قال : كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته .

وكتب اليهم : أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم ، وقربوهم واكرموهم ، واكتبوا إليّ بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته . ففعلوا ذلك حتى اكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعث اليهم معاوية من الصِلات والكِساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثر ذلك وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه وقربه وشفعه ، فلبثوا بذلك حيناً .

ثم كتب الى عماله : ان الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية ، فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا واتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة فان هذا أحب إليّ ، وأقر لعيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله ، فقرئت كتبه على الناس ، فرويت اخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها .

وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وأُلقي إلى معلمي الكتاتيب فعلموا صبيانهم وغلمانهم حتى رووه وتعلموه كما

__________________

(١) يعني رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي من تسميات المشركين الحاقدين .

(٢) شرح ابن أبي الحديد ٥ / ١٢٩ ـ ١٣٠ عن الموفقيات للزبير بن بكار .


يتعلمون القرآن ، بل علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم ، فلبثوا بذلك ما شاء الله . فظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة .

وكان أعظم الناس في ذلك القراء المراؤون الذين يظهرون الخشوع والنسك ويفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل ، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث الى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها (١) .

وقد ورث معاوية عن أبيه قسوته وكيده ودهاءه ، ولم تكن اُم معاوية بأقل من أبيه تنكراً للاسلام وبغضاً لأهله وحفيظة عليهم ، وهم قد وتروها يوم بدر فثأر لها المشركون يوم اُحد ، ولكن ضغنها لم يهدأ وحفيظتها لم تسكن ، حتى فتحت مكة فاسلمت كارهة كما أسلم زوجها كارهاً وكما أسلم كذلك ابنها معاوية بعد اسلام أبيه كارهاً .

وهند هذه هي التي اغرت وحشياً بحمزة عم النبي حتى قتله ثم اعتقته ، ولما قتل حمزة بقرت بطنه ، ولاكت كبده ، وفعلت فعلاتها بجثته !

واذا كان معاوية قد ورث بغض علي عن آبائه ـ مما حدثناك عنه ـ فان هناك أسباباً اُخرى تسعّر من نار هذا البعض ، منها أن علياً قتل أخاه حنظلة يوم بدر ، وخاله الوليد بن عتبة وغيرهما كثيرين من أعيان وأماثل عبد شمس . ومن أجل ذلك كان معاوية أشد الناس عداوة لعلي يتربص به الدوائر دائماً ، ولا يفتأ يسعى في الكيد له سراً وعلانية ، قولاً وفعلاً (٢) .

قال أبو جعفر الاسكافي : إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ،

__________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ٣ / ١٥ ـ ١٦ .

(٢) شيخ المضيرة : ١٧٤ عن كتاب ( علي وبنوه ) للدكتور طه حسين : ٦١ .


وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم ابو هريرة وعمرو ابن العاص والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير (١) .

ومن الغريب اننا لا نجد لمعاوية فضيلة معترفاً بها ، وقد افرد له البخاري في صحيحه باباً عنونه بـ ( ذكر معاوية ) بينما عنون لغيره بـ ( فضائل ) فلان وفلان مع انه لم يأت في هذا الباب بأحاديث مرفوعة الى النبي صلى الله عليه وآله .

وحكى ابن الجوزي في الموضوعات عن اسحاق بن راهويه ـ شيخ البخاري ـ : إنه قال لم يصح في فضائل معاوية شيء .

وقد أكد العلماء المحققون جريمة معاوية الكبرى في حق الاسلام والمسلمين حين صرف الخلافة بحقده ومكره عن صاحبها الأصلي .

فقد قال ابن رشد الفيلسوف المعروف : إن معاوية أقام دولة بني اُمية وسلطانها الشديد ، ففتح بذلك باباً للفتن التي لا تزال إلى الآن قائمة قاعدة حتى في بلادنا هذه الأندلس (٢) .

*       *      *      *

واما عَلَم الوضاعين أبو هريرة الدوسي فقد قدم إلى المدينة المنورة كما قدم غيره من الدوسيين والاشعريين بعد إنتصار النبي صلى الله عليه وآله في وقعة خيبر سنة ٧ هجرية ، ثم ذهب إلى البحرين في ذي القعدة سنة ٨ هـ . ولم يرجع للمدينة بعد ذلك إلّا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله .

اذن فهو لم يصحب النبي صلى الله عليه وآله : إلّا سنة واحدة وتسعة أشهر (٣) ، وقيل ثلاث سنين ومع هذا كان أكثر الصحابة حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقد ذكر ابن حزم أن مسند بقي بن مخلد قد احتوى من حديث أبي هريرة على ٥٣٧٤ روى البخاري منها ٤٤٦ .

__________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ٤ / ٦٣ .

(٢) ابن رشد وفلسفته : ٦٠ .

(٣) اُنظر تحقيق ذلك في الاضواء على السنة المحمدية : ٢٠٠ .


وقد اعترف ابو هريرة بذلك فقال : ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله أحد أكثر حديثاً مني ، إلّا ما كان من عبد الله بن عمرو ، فقد كان يكتب ولا أكتب (١) . ولم يكن ابن عمرو أكثر منه حديثاً ، فقد أحصيت أحاديثه في مسند أحمد فبلغت ٧٢٢ حديثاً (٢) .

لقد كان أمير المؤمنين علي عليه السلام سيء الرأي في أبي هريرة ، فقد روي عنه أنه قال : لا أحد أكذب من هذا الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وآله (٣) .

حتى ان عمر تنبه إلى خطر أبي هريرة في ما ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فدعاه وزجره ونهاه عن الحديث وهدده بالنفي إلى أرض دوس (٤) .

قال ابن قتيبة :

لما أتى أبو هريرة عنه ( صلى الله عليه وآله ) ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة الصحابة والسابقين الأولين إليه ، اتهموه وانكروا عليه وقالوا : كيف سمعت هذا وحدك ومن سمعه معك ؟ وكانت عائشة أشدهم انكاراً عليه لتطاول الأيام بها وبه (٥) .

وروى حديثاً في المشي في الخف الواحد ، فبلغ عائشة فمشت في خف واحد ، وقالت : لأخالفن أبا هريرة .

وروى أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة ، فقالت عائشة رضي الله عنها : ربما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلي وسط السرير وأنا على السرير معترضة بينه وبين القبلة .

قال : وبلغ علياً أن أبا هريرة يبتدئ بميامنه في الوضوء وفي اللباس ، فدعا

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ : ١٠٦ ، اضواء على السنة المحمدية : ٢٠١ .

(٢) اضواء على السنة المحمدية : ٢٠٠ .

(٣) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٣٦٠ .

(٤) البداية والنهاية ٨ : ١٠٦ ، وسير أعلام النبلاء ٢ : ٤٣٣ .

(٥) تأويل مختلف الحديث : ٤١ .


بماء فتوضأ فبدأ بمياسره وقال : لأخالفن أبا هريرة (١) .

وكان من إنكار عائشة على أبي هريرة الذي ذكره ابن قتيبة آنفاً أنها قالت له يوماً : إنك لتحدّث حديثاً ما سمعته من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أجابها بجواب لا أدب فيه ولا وقار ! فقال لها ـ كما روى البخاري وابن سعد وابن كثير وغيرهم ـ شغلك عنه ( صلى الله عليه وآله ) المرآة والمكحلة ، وفي رواية : ما كانت تشغلني عنه المكحلة والخضاب ، ولكني أرى ذلك شغلك .

ورواية الذهبي أن عائشة قالت له : أكثر يا أبا هريرة على رسول الله ، فكان جوابه : ما كانت تشغلني عنه المرآة ولا المكحلة ، ولا المدهن (٢) .

وكان أبو هريرة في أول إسلامه وقبله وبعده إلى أيام عمر فقيراً لا يملك قوت بطنه ، ففي حديث رواه أحمد والشيخان عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن الأعرج قال : سمعت أبا هريرة يقول : إني كنت امرءاً مسكيناً أصحب رسول الله على ملء بطني (٣) .

وقد كان عمر بن الخطاب أول من أنعم على أبي هريرة حيث ولاه على البحرين سنة ٢٠ هـ ـ كما روى الطبري ـ وبعد ذلك بلغ عمر عنه أشياء تخل بأمانة الوالي فعزله وولى مكانه عثمان بن أبي العاص الثقفي ، ولما عاد وجد معه لبيت المال أربعمائة ألف درهم فقال له : أظلمت أحداً ؟ فقال : لا . قال : فما جئت لنفسك ؟ قال : عشرين ألفاً . قال : من اين أصبتها ؟ قال : كنت اتجر . قال : اُنظر رأس مالك ورزقك فخذه ، واجعل الآخر في بيت المال ؛ ثم أمر عمر بأن يقبض منه عشرة آلاف ، وفي رواية اثنا عشر ألفاً .

وفي رواية ابن سعد في طبقاته أن عمر قال له : عدواً لله وللاسلام . ـ وفي رواية عدواً لله ولكتابه ـ سرقت مال الله . وفي رواية : أسرقت مال الله ؟

__________________

(١) تأويل مختلف الحديث : ٢٨ .

(٢) سير أعلام النبلاء ٢ : ٦٠٤ .

(٣) سير أعلام النبلاء ٢ : ٥٩٥ ، الاصابة لابن حجر ٤ : ٢٠٧ .


وقد روى البلاذري مثل ذلك في فتوح البلدان .

وفي رواية أن عمر قال له : هل علمت من حين أني استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ، ثم بلغني أنك ابتعت افراساً بألف دينار وستمائة دينار .

قال : كانت لنا أفرس تناتجت وعطايا تلاحقت .

قال : قد حسبت لك رزقك ومؤونتك ، وهذا فضل فأدّه .

قال : ليس لك ذلك .

قال له عمر : بلى والله ، وأوجع ظهرك . ثمّ قام إليه بالدرة فضربه حتى أدماه .

ثم قال له : إيت بها .

قال : احتسبتها عند الله .

قال : ذلك لو اخذتها ( من حلال ! ) واديتها طائعاً ، أجئت من أقصى حجر بالبحرين يحيى الناس لك ؟ لا لله ولا للمسلمين ، ما رجعت بك اُميمة إلّا لرعية الحمر !

وما أجود ما قاله الاُستاذ ابو رية في كتابه أضواء على السنة المحمدية :

واذا كان قد بلغ من فاقة أبي هريرة وجوعه أن يخر مغشياً عليه ، فيضع الناس أرجلهم على عنقه ! فهل تراه يدع دولة بني اُمية ذات السلطان العريض والأطعمة الناعمة ، وينقلب إلى علي الزاهد الفقير الذي كان طعامه القديد ؟ إن هذا لمما تأباه الطباع الانسانية ، ولا يتفق والغرائز النفسية ! اللّهم إلّا من عصم ربك ، وقليل ما هم .

ولقد عرف بنو اُمية صنيعه معهم ، وقدروا موالاته لهم ، فأغدقوا عليه من افضالهم ، وغمروه برفدهم وأعطيتهم ! فلم يلبث أن تحول حاله من ضيق إلى سعة ، ومن شظف العيش إلى دعة ، ومن فقر إلى ثراء ، وبعد أن كان يستر جسمه بنمرة بالية صار يلبس الخز والكتان الممشق (١) .

ونعقب على كل ما مر بأن الفقر بذاته ليس عيباً ، وانما يكون الفقر عيباً اذا

__________________

(١) اضواء على السنة المحمدية : ١٩٨ عن ثمار القلوب ٨٦ ـ ٨٧ .


كان صاحبه يتوسل الى شبع بطنه ببيع دينه وكرامته .

وبعد هذا كله فان من الطبيعي أن يكيل أبو هريرة المدح للخلفاء ولمعاوية واشباهه ، ويناوئ أمير المؤمنين علياً عليه السلام ، وهو ولي نعمته في الدين ، واولئك اولياء نعمته في الدنيا !

وكانت طريقة أبي هريرة في حديثه أن يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم يسمعه منه ، وهذا هو التدليس ، وهو عيب يرد الحديث لأجله .

فقد قال بسر بن سعيد : اتقوا الله وتحفظوا في الحديث ، فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدث عن رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ) ويحدثنا عن كعب ، ثم يقوم فأسمع بعض من كان معنا ، يجعل حديث رسول الله عن كعب ، ويجعل حديث كعب عن رسول الله (١) .

وقد كان شعبة يقول : أبو هريرة كان يدلس .

فقد حدث أبو هريرة بحديث « من أصبح جنباً فلا صيام له » ولما حوقق عليه قال : أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله (٢) .

وأخرج الطحاوي عن أبي هريرة : « إذا حدثتم عني حديثاً تعرفونه ولا تنكرونه فصدقوا به ، قلته أم لم أقله ، فاني أقول ما يعرف ولا ينكر ، واذا حدثتم عني حديثاً تنكرونه ولا تعرفونه فكذبوا به ، فاني لا أقول ما ينكر ولا يعرف » (٣) .

نماذج من احاديث أبي هريرة :

كان أبو هريرة متحاملاً على علي عليه السلام ويتوسل بموضوعاته في الحديث لينفّس عن هذا الحقد .

فقد روى الأعمش قال : لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة

__________________

(١) سير اعلام النبلاء : ٢ : ١٠٦

(٢) البداية والنهاية : ٨ : ١٠٩ .

(٣) كنز العمال ١٠ : ٢٣٠ الحديث ٢٩٢١١ ، تاريخ بغداد ١١ : ٣٩١ .


( سنة ٤١ ) ( وهو في الحقيقة عام الفرقة ) جاء الى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه ، ثم ضرب صلعته مراراً وقال : يا أهل العراق ! اتزعمون أني ( أكذب ) على رسول الله وأحرق نفسي بالنار ! ( والله ) ! ! لقد سمعت رسول الله يقول : إن لكل نبي حرماً ، وإن حرمي المدينة ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيهما حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أن علياً أحدث فيها ، فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولاه إمارة المدينة (١) .

ومن أحاديثه في مدح أولياء نعمته أنه نظر إلى عائشة بنت طلحة ـ وكانت مشهورة بالجمال الفائق ـ فقال : سبحان الله ! ما احسن ما غذاك أهلك ! ( والله ) ما رأيت وجهاً احسن منك إلّا وجه معاوية على منبر رسول الله (٢) .

وهكذا فشا الوضع ، وكثر الوضاعون ، ودخل فيهم كل معاد للدين زنديق لم يخرج دينه الأول ـ يهودياً أو نصرانياً ـ من قبله . وكانت نتيجة ذلك ان كثر الحديث الموضوع كثرة فاحشة .

فقد روى عن سهل بن السري الحافظ انه قال : وضع أحمد بن عبد الله الجوبياري ، ومحمد بن عكاشة الكرماني ، ومحمد بن تميم الفارابي على رسول الله أكثر من عشرة آلاف حديث .

لذا يقول البخاري : احفظ مائة ألف حديث صحيح ، ومائتي ألف حديث غير صحيح (٣) .

وكان عبد الكريم بن أبي العوجاء يدس الاحاديث في كتاب جده لاُمه حماد ابن سلمة وجيء به الى محمد بن سليمان بن علي أمير البصرة ليقتله ، فلما ايقن بالموت قال : والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث ، اُحرم فيها الحلال ، وأحل فيها الحرام ،

__________________

(١) شرح ابن ابي الحديد ٤ : ٦٧ .

(٢) العقد الفريد ٧ : ١١٨ .

(٣) اضواء على السنة المحمدية : ١٤٤ عن تحذير الخواص للسيوطي .


ولقد فطرتكم في يوم صومكم ، وصومتكم في يوم فطركم .

وكان حماد بن زيد يقول : وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة عشر ألف حديث .

واشهر وضاعي الزنادقة عبد الكريم بن أبي العوجاء قتله محمد بن سليمان إبن علي أمير البصرة ، وبيان بن سمعان المهدي ، قتله خالد بن عبد الله القسري ، ومحمد بن سعيد المطلوب ، قتله أبو جعفر المنصور (١) .

وقد كان وضعهم الحديث لأسباب كثيرة ، منها كتاب معاوية الذي نقلناه قبل هذا ، ومنها التقرب للملوك ، ومنها بسبب العصبية المذهبية ، ومنها العداء القلبي للاسلام وأهله ، ومنها لأسباب تافهة .

قال ابن الصلاح : واشد هذه الاصناف ضرراً أهل الزهد ، لأنهم للثقة بهم وتوسم الخير فيهم يقبل موضوعاتهم كثيراً ممن هم على نمطهم في الجهل ورقة في الدين .

قال الحافظ ابن حجر : ويلحق بالزهاد في ذلك المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس الى النبي صلى الله عليه وآله (٢) .

لنستعرض نماذج مما وضعوه .

أخرج أبو يعلى عن أبي هريرة ، قال رسول الله : عرج بي الى السماء فما مررت بسماء إلّا وجدت فيها اسمي ( محمد رسول الله وأبو بكر الصديق خلفي ) .

وأخرج أبو يعلى كذلك عن ابن عمر أن النبي قال : ان الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحي من الله ورسوله (٣) .

وفي حديث أن رسول الله قال : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على

__________________

(١) مباحث في تدوين السنة المطهرة : ٣١ ـ ٣٢ .

(٢) مقدمة ابن الصلاح : ٢١٢ بتصرف .

(٣) اضواء على السنة المحمدية : ١٢٧ .


سائر الطعام (١) . . . وفي حديث أن صورتها قد جاءت النبي في سرقة من حرير مع جبريل وقال له : « هذه زوجتك في الدنيا والآخرة » (٢) ! !

وفي حديث آخر : خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء (٣) .

وفي رواية « خذوا شطر دينكم . . . » الى آخره (٤) .

ومن الاحاديث التي أملتها العصبية الحديث التالي :

« يكون في اُمتي رجل يقال له محمد بن ادريس أضر على اُمتي من ابليس ، ويكون في اُمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج اُمتي » ، قالوا : وفي اسناده وضاعان أحدهما مأمون بن أحمد السلمي والآخر أحمد بن عبد الله الخونباري . وقد رواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعاً ، واقتصر على ما ذكره في أبي حنيفة ، وقال ، مرفوع وضعه محمد بن سعيد المروزي البورقي ، ثم قال : هكذا حدث به في بلاد خراسان ثم حدث به في العراق وزاد فيه « وسيكون في اُمتي رجل يقال له محمد بن ادريس فتنته أضر على اُمتي من فتنة ابليس » (٥) .

وقد وضعت الشافعية مقابل هذا حديثاً في امامهم .

وأما الاحاديث التي املاها البعض للتقرب الى الملوك فكثيرة جداً نذكر منها المثال التالي : جيء الى المهدي بعشرة محدثين ، فيهم غياث بن ابراهيم ، وكان المهدي يحب الحمام ، فقيل لغياث : حدث أمير المؤمنين . فحدثه بحديث أبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله قال : ( لا سبق الا في نصل او خف او حافر ) : « أو جناح » . فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم ، فلما قام ، قال المهدي : اشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٣٦ ، سنن الترمذي ٥ : ٧٠٦ / ٣٨٨٧ .

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٧٠٤ / ٣٨٨٠ .

(٣) اضواء على السنة المحمدية : ١٢٧ .

(٤) النهاية لابن الاثير ١ : ٤٣٨ .

(٥) تاريخ بغداد ٥ : ٣٠٩ .


( صلى الله عليه وآله ) وإنما استجلبت ذلك انا . وامر بالحمام فذبحت (١) .

وقد بلغ من أمرهم انهم يضعون الحديث لأسباب تافهة ، ومن أمثلة ذلك ما اسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي قال : كنت عند سعد بن طريف فجاء ابنه من الكتاب يبكي ! فقال له مالك ؟ قال : ضربني المعلم . قال : لاخزينهم اليوم ! حدثنا عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً : « معلموا صبيانكم شراركم ، اقلهم رحمة لليتيم واغلظهم على المساكين » (٢) .

والاخبار في ذلك أكثر من أن تحصى .

ولعل أحسن ما يتبين فيه موقف الملوك والخلفاء والامراء المتأخرين هو قول الدكتور السباعي في كتابه السنة ومكانتها في التشريع : ما كان لتساهل الخلفاء والامراء مع الوضاعين من أثر سيء جر على الدين كثيراً من البلاء ، ولو وقفوا منهم موقف الجد وقضوا على رؤسائهم ، كما هو حكم الله في مثل هذه الحالة ، لما انتشرت هذا الانتشار ، بل راينا مع الأسف ان خليفة كالمهدي مع اعترافه بكذب غياث بن ابراهيم وزيادته في الحديث تقرباً الى هواه كافأه بعشرة آلاف درهم .

وما تقوله الرواية من أنه أمر بذبح الحمام لأنه كان سبباً في هذه الكذبة ، فهو مدعاة للعجب إذا كان خيراً للمهدي أن يؤدب هذا الكاذب الفاجر ويترك الحمام من غير ذبح بدلاً من أن يذبح الحمام ويترك من يستحق الموت حراً طليقاً ينعم بمال المسلمين .

بل نحن نرى للمهدي تساهلاً آخر مع كذاب آخر هو مقاتل بن سليمان البلخي ، فقد قال له مقاتل : إن شئت وضعت لك أحاديث في العباس وبنيه فقال له المهدي ؟ لا حاجة لي فيها ثم لم يفعل معه شيئاً (٣) .

__________________

(١) الموضوعات لابن الجوزي ٣ : ٧٨ ، مباحث في تدوين السنة المطهرة : ٣٩ .

(٢) اضواء على السنة المحمدية : ١٣٩ .

(٣) السنة ومكانتها في التشريع : ١٠٤ ، عن مباحث في تدوين السنة : ٥٩ .


عود على بدء :

انتهى القرن الأول والحديث يتناقل ـ في الأعم الأغلب ـ رواية ، وكانت الأحاديث ممزوجة بفتاوى الصحابة وقضاياهم .

ولما ولي عمر بن عبد العزيز ( ٩٩ ـ ١٠١ ه ) ، وكان المحذور الذي يخشاه الخلفاء قد زال ، فأمر بجمع الحديث وتدوينه رسمياً ، واصدر أمره بذلك لابن حزم الأنصاري أن يجمع حديث النبي صلى الله عليه وآله ، وكان محمد بن شهاب الزهري متولي عملية الجمع والتدوين .

فقد حدّث معمر عن الزهري قال : كنا نكره كتاب العلم حتى اكرهنا عليه هؤلاء الاُمراء فرأينا ألّا نمنعه أحداً من المسلمين (١) وقال ايضاً : استكتبني الملوك فاكتبتهم فاستحييت الله اذ كتبها الملوك ألا اكتبها لغيرهم .

ولكن لم يصلنا من هذا التدوين السلطاني أثر مكتوب ، غير ان الباب فتح على مصراعيه لمن شاء ، ان يكتب الحديث ـ غير اؤلئك الذين سبق ذكرهم وأنهم دونوا الحديث في أوج شدة المنع ـ فألف كثيرون وجمعوا من الحديث الشريف مجاميع ، ولكنها لا زالت تشمل الى جانب الحديث النبوي فتاوى الصحابة وقضاياهم .

وعلى هذا ، فان تكوين الحديث وجمعه لم يتطور تطوراً جدياً ، ولم يحقق تقدماً ملموساً إلّا بعد فتح باب التدوين ورفع المنع .

وقد وصلتنا اسماء جماعة ممن دوّن الحديث في القرن الثاني نذكر جملة منهم .

١ ـ أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج توفى سنة ١٥٠ هـ بمكة .

٢ ـ محمد بن اسحاق توفى سنة ١٥١ هـ بالمدينة .

٣ ـ معمر بن راشد توفى سنة ١٥٣ هـ باليمن .

٤ ـ سعيد بن أبي عروة توفى سنة ١٥٦ هـ بالمدينة .

__________________

(١) تقييد العلم : ١٠٧ .


٥ ـ أبو عمرو عبد الرحمن بن عمر الاوزاعي توفى سنة ١٥٦ هـ في بيروت من بلاد الشام .

٦ ـ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب توفى سنة ١٥٨ هـ بالمدينة .

٧ ـ الربيع بن صبيح توفى سنة ١٦٠ هـ بالمدينة .

٨ ـ شعبة بن الحجاج توفى سنة ١٦٠ هـ بالبصرة .

٩ ـ ابو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري توفى سنة ١٦١ هـ بالكوفة .

١٠ ـ الليث بن سعد توفى سنة ١٧٢ هـ بمصر .

١١ ـ ابو سلمة حماد بن سلمة بن دينار توفى سنة ١٧٦ هـ بالبصرة .

١٢ ـ الامام مالك بن أنس توفى سنة ١٧٩ هـ بالمدينة .

١٣ ـ عبد الله بن المبارك توفى سنة ١٨١ هـ بخراسان .

١٤ ـ هشيم بن بشير توفى ١٨٨ هـ بواسط .

١٥ ـ جرير بن عبد الحميد الضبي توفى سنة ١٨٨ هـ بالري .

١٦ ـ سفيان بن عيينة توفى سنة ١٩٨ هـ بمكة (١) .

وهؤلاء كلهم من رجال القرن الثاني ، ولم يصلنا من كتب هؤلاء إلّا القليل ، وأشهر ما وصلنا من هذه الفترة موطأ مالك ، ولذلك ذكر بعضهم انه اول كتاب دوّن في الحديث .

موطأ مالك

لأبي عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن ابي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي اليماني (٢) .

ولد سنة ٩٣ هـ على أصح الأقوال (٣) وتوفى سنة ١٧٩ هـ ونشأ في رفاهية

__________________

(١) مباحث في تدوين السنة : ١٤٧ .

(٢) سير اعلام النبلاء ٨ : ٤٨ .

(٣) الموطأ : طي .


وتجمل (١) .

ويذكر المؤرخون ان الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام كان من شيوخ مالك .

واذا صح ما رواه صاحب الديباج من ان لمالك عدة كتب في الفلك والرياضيات ، فلعله أخذ ذلك عن جعفر الصادق عليه السلام (٢) .

وقد جمع أبو بكر الخطيب البغدادي كتاباً كبيراً في الرواة عن مالك وشيء من روايتهم عنه (٣) .

والمعروف عن مالك انه كان يفضل عثمان على علي عليه السلام (٤) .

واما موطأه فهو من اقدم المؤلفات عند الجمهور والذي صنفه بأمر أبي جعفر المنصور .

قال الحافظ ابن عبد البر في كتاب الانتفاء : إن محمد بن سعد قال : سمعت مالك بن أنس يقول : لما حج أبو جعفر المنصور دعاني فدخلت عليه ، فحادثته وسألني فأجبته فقال : اني عزمت أن آمر بكتبك هذه التي وضعت ( يعني الموطأ ) فتنسخ نسخاً ، ثم أبعث الى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة ، وامرهم أن يعملوا بما فيها ولا يتعدوها الى غيرها ! فاني رأيت أصل العلم رواية أهل المدينة وعلمهم .

قال : فقلت : يا أمير المؤمنين لا تفعل هذا ، فان الناس قد سبقت اليهم أقاويل ، وسمعوا أحاديث ، ورووا روايات ، وأخذ كل قوم بما سبق اليهم وعملوا به ودانوا من أختلاف اصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وغيرهم ، وان ردهم عما اعتقدوه شديد فدع الناس وماهم عليه ، ومااختار أهل كل بلد لأنفسهم ، فقال لعمري ، لو طاوعتني علي ذلك لأمرت به .

__________________

(١) سير اعلام النبلاء ٨ : ٤٩ .

(٢) الموطأ : بك .

(٣) سير اعلام النبلاء ٨ : ٨٢ .

(٤) الموطأ : جك .


وفي رواية اخرى ان المنصور طلب منه ان يضع للناس كتاباً يتجنب فيه تشديدات ابن عمر ، ورخص ابن عباس ، وشواذ ابن مسعود (١) .

قال ابن معين : ان مالكاً لم يكن صاحب حديث ، بل كان صاحب رأي .

وقال الليث بن سعد : أحصيت على مالك سبعين مسألة وكلها مخالفة لسنة الرسول ، وقد اعترف مالك بذلك .

وقد ألف الدارقطني جزءاً فيما خولف فيه مالك من الأحاديث في الموطأ وغيره ، وفيه أكثر من عشرين حديثاً .

ومما يؤخذ على مالك أيضاً انه روى عن شيخه الصادق عليه السلام خمس روايات مسندة ، وأربعة منقطعة ، والروايات المسندة مرجعها الى حديث واحد مسند وهو حديث جابر ، والاربعة منقطعة .

ويمكننا هنا أن نقول : ان مالك لم يكن وفياً لاستاذه الصادق عليه السلام ، الذي أغنى بحديثه أربعة الآف رجل جمع اسماءهم الحافظ ابن عقدة في كتاب خاص ، والذي ألف من حديثه عن آبائه عن جده المصطفى صلوات الله عليهم أربعمائة كتاب .

وباحصائية بسيطة تبين لنا كثرة رواية مالك عن نافع مولى ابن عمر ، وعن الزهري ، وهما لا يصلان في العلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله عشر معشار علم الصادق عليه السلام به .

ويؤاخذ مالك أيضاً بعدم روايته عن أمير المؤمنين علي عليه السلام بينما يروي عن نافع وامثاله ؟ !

أليس هذا وذاك يدلان على حسيكة في نفس مالك لأهل البيت عليهم السلام ؟ !

*       *      *

__________________

(١) الانتقاء لابن عبد البر : ٤١ .


واتخذت طريقة تدوين الحديث بعد القرن الثاني صورة اخرى تعتبر متطورة عما سبقتها ، وذلك بافرادها الحديث النبوي خاصة بدون أن يلابسه شيء من فتاوى الصحابه او غيرها .

فصنف جماعة في ذلك ، ومن كتبهم :

١ ـ جامع عبد الله بن وهب ( ت ١٩٧ ه ) .

٢ ـ مسند الطيالسي ( ت ٢٠٤ ه ) .

٣ ـ مسند عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي ( ت ٢١٣ ه ) .

٤ ـ مسند عبد الله بن الزبير الحميدي ( ت ٢١٩ ه ) .

٥ ـ مسند مسدد بن مسرهد ( ت ٢٢٨ ه ) .

٦ ـ مصنف بن أبي شيبة ( ت ٢٣٥ ه ) .

٧ ـ مسند إسحاق بن راهويه ( ت ٢٣٨ ه ) .

٨ ـ مسند أحمد بن حنبل ( ت ٢٤١ ه ) .

٩ ـ مسند عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ( ت ٢٥٥ ه ) .

ولئن كانت هذه المسانيد والمصنفات قد افردت للحديث النبوي فقط ، ولم تخلط به أقوال الصحابة ، ولكنها كانت تجمع بين الصحيح والضعيف والموضوع من الحديث .

واستمر التأليف على هذا النمط الى ان ظهرت طبقة البخاري ، فدخل التدوين حينئذ مرحلة جديدة ، وخطى خطوة نحو الأمام ، ويمكن أن نسمي هذا الدور دور التنقيح والاختيار .

وفي هذه الفترة الفت عند الجمهور الكتب الستة المعروفة باسم الصحاح الستة ، وهي :

أ ـ صحيح البخاري ، تاليف محمد بن إسماعيل ( ت ٢٥٦ ه ) .

ب ـ صحيح مسلم تأليف مسلم بن الحجاج النيسابوري ( ت ٢٦١ ه ) .

ج ـ سنن ابن ماجة ، تأليف محمد بن يزيد القزويني ( ت ٢٧٣ ه ) .


د ـ سنن أبي داود ، تأليف سليمان بن الاشعث السجستاني ( ت ٢٧٥ ه ) .

هـ ـ سنن الترمذي ، تأليف محمد بن عيسى الترمذي ( ت ٢٧٩ ه ) .

و ـ سنن النسائي ، تأليف أحمد بن شعيب النسائي ( ت ٣٠٣ ه ) .

وبعضهم يستبدل الأخير بـ ( سنن الدارمي ) تأليف عبد الله بن عبد الرحمن ( ت ٢٥٥ ه ) من الصحاح الستة .

صحيح البخاري :

لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة بن بروز به ، ولد في ١٣ شوال سنة ١٩٤ هـ ببخارى ، وتوفي في ليلة عيد الفطر سنة ٢٥٦ هـ .

وقد خصّه الجمهور بمنزلة عالية لا يمكن لكتاب آخر أن يرقى اليها .

فقد قال عنه الحافظ الذهبي : وإما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الاسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى ، فلو رحل الرجل لسماعه من الف فرسخ لما ضاعت رحلته .

وقال ابن الصلاح في جزء له : ما اتفق البخاري ومسلم على اخراجه فهو مقطوع بصدق مخبره ثابت يقيناً ، لتلقي الامة ذلك بالقبول (١) .

ولكن مما يضعف هذه المنزلة في نفوسنا طريقة البخاري في كتابة الحديث .

فقد روى الخطيب البغدادي عنه انه قال رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر ! فقيل له : يا ابا عبد الله ، بكماله ؟ فسكت (٢) .

وقال أحيد بن أبي جعفر والي بخارى : قال لي محمد بن إسماعيل يوماً : رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر ! فقلت

__________________

(١) مقدمة ابي الصلاح : ١٠٠ .

(٢) تاريخ بغداد ٢ : ١١ .


له : يا ابا عبد الله بتمامه ؟ فسكت (١) .

ومما يؤكد ذلك أيضاً ان البخاري مات قبل ان يتم تبييض كتابه . فقد ذكر ابن حجر في مقدمة الفتح ، ان ابا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال : انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري ، فرأيت فيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة ، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض (٢) .

وأيضاً فان علماء الرجال قد تكلموا في ٨٠ رجلاً من رجالاته ، واتهموهم بالضعف (٣) ، وانتقدوا من أحاديثه نحو ٨٠ حديثاً (٤) .

ولم يرو البخاري في صحيحه عن الامام الصادق عليه السلام ، وقد أجاد العلامة الكبير السيد عبد الحسين شرف الدين في نقد هذه المسألة حيث قال :

وأنكى من هذا كله عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي ، اذ لم يرو شيئاً عن الصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والزكي العسكري وكان معاصراً له ، ولا روى عن الحسن بن الحسن ، ولا عن زيد بن علي ابن الحسين ، ولا عن يحيى بن زيد ، ولا عن النفس الزكية محمد بن عبد الله الكامل بن الحسن الرضا بن الحسن السبط ، ولا عن أخيه إبراهيم بن عبد الله ، ولا عن الحسين الفخي بن علي بن الحسن بن الحسن ، ولا عن يحيى بن عبد الله بن الحسن ، ولا عن اخيه ادريس بن عبد الله ، ولا عن محمد بن جعفر الصادق ، ولا عن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا ، ولا عن اخيه القاسم الشرسي ، ولا عن محمد بن زيد بن علي ، ولا عن محمد بن القاسم بن علي بن عمر الاشرف بن زين العابدين صاحب الطالقان المعاصر للبخاري ـ ولا

__________________

(١) هدى الساري : ٤٨٧ .

(٢) مقدمة فتح الباري : ٨ .

(٣) اضواء على السنة المحمدية : ٣٠٢ .

(٤) اضواء على السنة المحمدية : ٣٠٢ .


عن غيرهم من أعلام العترة الطاهرة وأغصان الشجرة الزاهرة ، كعبد الله بن الحسن وعلي بن جعفر العريضي وغيرهما . ولم يرو شيئاً من حديث سبطه الأكبر وريحانته من الدنيا أبي محمد الحسن المجتبى سيد شباب أهل الجنة مع احتجاجه بداعية الخوارج وأشدهم عداوة لأهل البيت ( عمران بن حطان ) القائل في ابن ملجم وضربته لامير المؤمنين عليه السلام :

ياضربة من تقي ما اراد بها

الا ليبلغ من ذي العشر رضوانا

اني لأذكره يوماً فاحسبه

اوفى البرية عند الله ميزانا (١)

هذا ، وقد روى عن اناس متهمين بالكذب ، كاسماعيل بن عبد الله بن اويس ابن مالك المتوفى عام ٢٢٦ وزياد بن عبد الله العامري المتوفى ٢٨٢ هجرية ، لكنه لم يرو عن الامام الصادق الذي أجمع الكلّ على صدق حديثه ودرايته بكلّ شيء ، والأخذ باقواله وآرائه ، حيث كان في الكوفة وحدها ألف شيخ محدث ، كلّ يقول : حدثني جعفر ابن محمّد .

وروى عن الضعفاء ، ويعدونهم بـ ( ثمانين ) منهم الحسن بن ذكوان البصري ، وأحمد بن أبي الطيب البغدادي ، وسلمة بن رجاء التميمي ، وبسر بن آدم الضرير ، وعبد الله بن أبي لبيد ، وعبد الله بن أبي نجيح المكي ، وكهمس بن منهال السدوسي ، وهارون بن موسى الازدي ، وسفيان بن سليمان ، وعبد الوارث بن سعيد ، وغيرهم .

كما وروى عن اناس مشهورين بعدائهم ونصبهم لأهل بيت العصمة والطهارة ، كالسائب بن فروخ ، واسحاق بن سويد العدوي ، ويهز بن أسد ، وحريز بن عثمان ، وحصين بن نمير الواسطي ، وخالد بن سلمة بن عاص بن هشام المعروف بالفأفاء ، وعبد الله بن سالم الاشعري أبي يوسف الحمصي ، وقيس بن أبي حازم (٢) .

*       *      *

__________________

(١) الفصول المهمة : ٣٣٩ ـ ٣٤٠ .

(٢) تدريب الراوي ـ للسيوطي ـ : ٢٢٩ .


صحيح مسلم :

لأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري ، أحد الحفاظ ، ولد بنيسابور سنة ٢٠٤ هـ ، وتوفي عشية يوم الأحد لخمس ـ وقيل : لست ـ من شهر رجب سنة ٢٦١ هـ بنيسابور ، وعمره خمس وخمسون سنة .

ولما وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي ، فأنكر عليه وتغيظ وقال : سميتَهُ الصحيح ! فجعلت سلماً لأهل البدع وغيرهم فاذا روى لهم المخالف حديثاً يقولون : هذا ليس في صحيح مسلم .

وقد جرد مسلم الصحاح ولم يتعرض للاستنباط ونحوه ، وفاق البخاري في جمع الطرق وحسن الترتيب .

وفي رجال مسلم ١٦٠ رجلاً تكلم فيها علماء الرجال بالضعف .

وانتقد عليه نحو ١٣٠ حديثاً .

كما ويروي عن رجال تركهم البخاري لشبهة في نفسه .

وهنا كلام لا بد أن يذكر ، فابو زرعة ـ وهو العلم المشهور في الجرح والتعديل يراه سلماً لأهل البدع ، فليس من المعقول في كتاب كهذا ان ننسب كل ما فيه الى رسول الله صلى الله عليه وآله ونحكم عليه بالصحة المطلقة ، فلو خيّرنا بين ما يشين مقام الرسول الكريم صلى الله عليه وآله ، أو تضعيف راوٍ او حديث او كتاب فلا نتردد في ان نختار الثاني .

ولا بد أن الذين جعلوا كتاب مسلم في هذه المرتبة العاليه غافلون عن هذه المحاذير التي هي ملازمة للكتاب ملازمة الظل لاصله .

ستن الترمذي :

لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الضرير ولد سنة ٢٠٩ هـ


بترمذ وتوفي سنة ٢٧٩ هـ تتلمذ وتخرج على يد البخاري ، ومنه أخذ علم الحديث وتفقه فيه وتمرن بين يديه .

يقول ابن الاثير : في سنن الترمذي ما ليس في غيرها من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال ، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح والحسن والغريب .

وعلى كل حال فقد اتخذت سنن الترمذي مكانتها بين الصحاح الستة ، وقد سماه بعضهم بـ ( صحيح الترمذي ) .

سنن النسائي :

لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر بن سنان بن دينار النسائي ، ولد سنة ٢١٥ هـ بنساء من بلاد خراسان .

وامتحن في دمشق محنة كانت فيها وفاته .

فقد خرج النسائي من مصر سنة اثنتين وثلاثمائة الى دمشق فسأله اصحاب معاوية من اهل الشام تفضيله على علي عليه السلام فقال : الا يرضى معاوية راساً براس حتى يفضل ؟

سألوه ايضا عما يرويه لمعاوية من فضائل ، فقال : ما اعرف له فضيلة الا « لا اشبع الله بطنه » .

فما زال به اهل الشام يضربونه في خصييه بارجلهم حتى اخرجوه من المسجد ، ثم حمل الى الرملة فتوفى بها (١) .

وقد قال الحافظ ابو الحسن الدارقطني : لما امتحن الامام النسائي بدمشق طلب ان يحمل الى مكة فحمل اليها وتوفى بها (٢) .

وقد كانت وفاته سنة ٣٠٣ وهكذا مضى النسائي الى ربه يشكو النواصب

__________________

(١) شذرات الذهب ٢ : ٢٤٠ .

(٢) اضواء على السنة المحمدية : ٣١٩ .


من أعداء اهل بيت نبيه صلوات الله عليهم اجمعين .

ولم يرع النواصب حرمة شيخ نيف على الثمانين ، وهو من رجالهم الذين يعدونهم من الثقات ، وكان إماماً من ائمتهم في الحديث ، ولا يزال كتابه احد الصحاح الستة التي عليها المدار عند الجمهور في الاعتماد والوثاقة .

فقد نقل التاج السبكي عن والده وعن شيخه الذهبي ان النسائي احفظ من مسلم صاحب الصحيح ، وان سننه اقل السنن حديثا ضعيفا بعد الصحيحين .

سنن أبي داود :

لابي داود سليمان بن الاشعث الازدي السجستاني ، ولد سنة ٢٠٢ هـ ، وتوفى سنة ٢٧٥ هـ .

وقال الخطابي : لم يصنف في علم الحديث مثل سنن ابي داود وهو احسن وضعاً واكثر فقهاً من الصحيحين ، حدث عنه الترمذي والنسائي ، وقال ابن كثير في مختصر علوم الحديث : ان الروايات لسنن أبي داود كثيرة ، في بعضها ما ليس في الاخرى .

ومن اشهر رواة السنن عنه ابو سعيد ابن الاعرابي ، وابو علي اللؤلؤي وابو بكر ابن داسة .

سنن ابن ماجة :

لأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني ، ولد سنة ٢٠٩ هـ ، وتوفي في رمضان سنة ٢٧٣ (١) .

أما كتابه ( السنن ) فهو مؤلف من ٣٢ كتاباً ، ضمّها ١٥٠٠ باب ، تشتمل على أربعة آلاف حديث كما ذكره الذهبي (٢) .

ولكن مجموع أحاديث كتاب السنن الذي حققه محمد فؤاد عبد الباقي بلغ

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٧ .

(٢) تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٣٦ .


٤٣٤١ حديثاً .

وقد أفرد زوائد السنن أحمد بن زين الدين البوصيري في كتاب وخرّجها ، وتكلم على اسانيدها بما يليق بها من صحة وحسن وضعف .

قال ابن حجر : إن في كتابه ـ يعني السنن ـ أحاديث ضعيفة جداً ، حتى بلغني أن السري كان يقول : مهما انفرد بخبر فهو ضعيف غالباً (٣) . بينما قدمه بعضهم على موطأ مالك .

*       *      *

الشيعة والتدوين :

وهكذا بعد أن تتبعنا تاريخ التدوين عند العامة ، من منعه إلى إباحته ، بعد نحو مائة سنة ، وبعد أن عرجنا على كتبهم الحديثية ، وانتهينا إلى الصحاح الستة المعتمدة عندهم ، ننتقل بعد هذا الى تدوين الحديث عند الشيعة فنقول :

إن الشيعة لم يكونوا بحاجة فعلية إلى التدوين كما احتاج الجمهور إليه ، لان فترة منع او اباحة التدوين عندهم كانت تمثل عندنا استمراراً لعصر النص فلم ينقطع بموت الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله ، وانما استمر الى عصر غيبة الامام الثاني عشر عجل الله فرجه وكنا طول هذه الفترة نستقي العلم من معينه ـ من المعصوم ـ الذي لا ينضب .

ويعتبر الامام علي امير المؤمنين عليه السلام اول من دون الحديث في مدرسة اهل البيت عليهم السلام بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث كتب الصحيفة التي علقت بقراب سيف رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ورثها منه علي عليه السلام ، كما تقدم .

وكتب أمير المؤمنين ـ أيضاً ـ صحيفة كبيرة تسمى عند أهل البيت عليهم

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٤٦٨ ترجمة محمد بن يزيد بن ماجة .


السلام بـ ( الجامعة ) .

ففي الكافي عن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله فقلت له : جعلت فداك إني أسألك عن مسألة ، فهل ها هنا أحد يسمع كلامي ؟ قال : فرفع أبو عبد الله عليه السلام ستراً بينه وبين بيت آخر فاطلع فيه ، ثم قال : يا أبا محمّد ، سل عما بدا لك .

قال : قلت جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله علم علياً عليه السلام باباً يفتح منه ألف باب ـ إلى قوله ـ : فقال : يا أبا محمد ! إن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة !

قال : قلت : جعلت فداك وما الجامعة ؟

قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله ، وأملائه من فلق فيه وخط عليّ بيمينه ، فيها كل حلال وحرام وكل شيء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش ، وضرب بيده إليّ ، فقال : تأذن لي يا أبا محمد !

قال : قلت : جعلت فداك ، إنما أنا لك فاصنع ما شئت .

قال : فغمزني بيده وقال : حتى أرش هذا ـ كأنه مغضب ـ .

قال : قلت : هذا والله العلم . . الحديث (١) .

ولا عجب فقد كانت لأمير المؤمنين علي عليه السلام عند رسول الله منزلة رفيعة ، وكان أخاه ونجيه وصفيه وحبيبه وصهره وأبا ذريته ، فكان يغرّه العلم غرّاً . والشواهد في ذلك اكثر من ان تحصى فقد روى ابن سعد في طبقاته .

عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، قال : قيل لعلي : ما لَكَ أكثر اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله حديثاً ؟ فقال : إني كنت إذا سألته أنبأني ، وإذا سكت ابتدأني .

وعن سليمان الأحمسي ، عن أبيه ، قال : قال علي : والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت في ما نزلت ، وأين نزلت ، وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً

__________________

(١) اُصول الكافي ١ : ١٨٥ / ١ .


طلقاً .

وعن أبي الطفيل ، قال : قال عليّ : سلوني عن كتاب الله فانه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار ، في سهل نزلت أم في جبل (١) .

وقد بقيت الجامعة عند أهل البيت عليهم السلام يتوارثونها ، وفي أيام السجاد عليه السلام احتفل بتسليمها إلى ولده الامام الباقر عليه السلام أمام إخوته ، حيث نظر السجاد عليه السلام إلى ولده ـ وهم مجتمعون عنده ـ ثم نظر إلى ابنه محمد الباقر عليه السلام فقال : يا محمد ، خذ هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك . وقال : أما إنه لم يكن دينار ولا درهم ، ولكن كان مملوءاً علماً .

وفي أيام الباقر عليه السلام لما احتج عليه الحكم بن عتيبة ـ من أهل الرأي ـ في مسألة فقال لابنه الصادق عليه السلام : يا بني قم ، فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً ، وجعل ينظر حتى أخرج المسألة فقال : هذا خط عليّ وإملاء رسول الله ، وأقبل على الحكم وقال : يا أبا محمد ! أذهب أنت وسلمة وأبو المقدام حيث شئتم يميناً وشمالاً ، فو الله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل !

وقد ذكرها صاحب كشف الظنون فقال :

الجفر والجامعة كتابان جليلان أحدهما ذكره الامام علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وهو يخطب بالكوفه على المنبر ، والآخر أسرّه رسول الله صلى الله عليه وآله وأمره بتدوينه ، فكتبه علي ( رضي الله عنه ) حروفاً متفرقة على طريقة سفر آدم في جفر ، يعني ، في رق قد صنع من جلد البعير ، فاشتهر بين الناس به لأنه وجد فيه ما جرى للأولين والآخرين (٢) .

وذكرت لأمير المؤمنين عليه السلام كتب اُخرى ، منها كتاب الديات المنسوب إلى ظريف بن ناصح ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قد كتبه بخطه ـ أو أملاه ـ

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٢ : ٣٣٨ .

(٢) كشف الظنون ١ : ٥٩١ .


وأرسله إلى عماله على البلاد ليعملوا بمقتضاه ، وكتبه شيعته وتوارثوه يداً عن يد ، حتى إذا انتهى الأمر إلى الصادق عليه السلام عرضوه عليه فقال : نعم هو حق وقد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك .

ثم عرضوه بعد فترة على الامام الرضا عليه السلام فقال لأحدهم : نعم هو حق ، قد كان أمير المؤمنين يأمر عماله بذلك .

وقال للثاني : هو صحيح .

وقال للثالث : ارووه فانه صحيح .

وقد فرق الكليني في الكافي أحاديثه على أبواب الديات ، وأورده الصدوق كله في باب واحد في كتاب الفقيه ، واورده الشيخ الطوسي كله في التهذيب .

وقد مارس أصحاب أمير المؤمنين وشيعته التدوين ـ كأبي ذر وسلمان الفارسي وغيرهم ـ ولم يبالوا بأمر المنع .

واستمر أمر الشيعة على إباحة التدوين حتى جاء عصر الامام الصادق عليه السلام ، فقد ألقت إليه الاُمة المسلمة بأفذاذ أكبادها ليرتووا من معين علمه .

وبلغ عدد طلاب مدرسته أكثر من أربعة آلاف شخص ، جمع أسماءهم ابن عقدة في كتاب مستقل (١) .

وكتبوا من حديث جده رسول الله صلى الله عليه وآله أربعمائة كتاب عرفت عند الشيعة بالاُصول (٢) الأربعمائة ، وقد تضمنتها الموسوعات الحديثية المؤلفة بعد هذه

__________________

(١) الارشاد للمفيد : ٢٧١ .

(٢) الأصل : عنوان صادق على بعض كتب الحديث خاصة ، كما أن الكتاب عنوان يصدق على جميعها .

وإطلاق الأصل على هذا البعض ليس بجعل حادث من العلماء ، بل يطلق عليه الأصل بحالة من المعنى اللغوي ، ذلك لأن كتاب الحديث إن كانت جميع أحاديثه سماعاً من مؤلفه عن الامام عليه السلام ، أو سماعاً عمن سمع من الامام عليه السلام ، فوجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع مؤلفها وجود أصلي بدوي ارتجالي غير متفرع من وجود آخر ، فيقال له الأصل لذلك ، وإن كان جميع أحاديثه أو بعضها منقولاً عن كتاب آخر سابق وجوده عليه ، ولو كان هو أصلاً ، وذكر صاحبه لهذا المؤلف أن مروياته عن الامام عليه السلام ، وأذن له كتابتها وروايتها عنه

=


الفترة ، وبقيت جملة منها إلى هذا الزمان .

وفي عصر الامام الكاظم عليه السلام كان جماعة من أصحابه وشيعته يحضرون مجلسه وفي أكمامهم ألواح آبنوس لطاف وأميال ، فاذا نطق أبو الحسن الكاظم عليه السلام بكلمة أو أفتى في نازلة دونوها .

وقد بلغ ما دونته الشيعة من الحديث الشريف منذ عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عهد الحسن العسكري عليه السلام ستة آلاف كتاب .

وفي عصر الغيبة بدأ علماء الشيعة المدونات الحديثية السابقة من الكتب الستة آلاف والاُصول الأربعمائة ، فظهرت الكتب الجامعة . والتي سميت باسماء مختلفة ـ كما سيأتي ـ ولكنها لم تسمّى بـ ( الصحاح ) ولم يضفى عليها صفة قداسة خاصة بخلاف العامة .

فمدرسة اهل البيت عليهم السلام لا تلتزم بصحة جميع ما في هذه الكتب ، بل ولم تلتزم بالصحة المطلقة لأي كتاب ما عدا كتاب الله العزيز فهذه الكتب معرّضة كغيرها للنقد والتمحيص في السند والمتن . . .

وسنتناول بشيء من التفصيل الكتب التي سميت بالكتب الاربعة ، والتي اصبحت منذ تأليفها والى اليوم مدار البحث في الحلقات التدريسية في الحوزات العلمية ، وعليها المعوّل في الفتيا والاستنباط .

__________________

=

لكنّه لم يكتبها عن سماع الأحاديث عنه بل عن كتابته وخطه ، فيكون وجود تلك الأحاديث في عالم الكتابة من صنع هذا المؤلف فرعاً عن الوجود السابق عليه وهذا مراد الأستاذ الوحيد البهبهاني . من قوله : الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن الراوي عنه .

من الواضح أن احتمال الخطأ والغلط والنسيان والسهو وغيرها في الأصل المسموع شفاهاً عن الامام أو عمن سمع عنه أقل منها في الكتاب المنقول عن كتاب آخر ، لتطرق احتمالات زائدة في النقل عن الكتاب ، فالاطمئنان بصدور عين الألفاظ المندرجة في الاُصول اكثر والوثوق آكد ، فاذا كان مؤلف الأصل من الرجال المعتمد عليهم الواجدين لشرائط القبول يكون حديثه حجة لا محالة وموصوفاً بالصحة كما عليه بناء القدماء . الذريعة ٢ : ١٢٦ .


الكافي :

للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة ٣٢٩ هـ . اشتهر لوثاقته عند الفريقين بثقة الاسلام .

قال فيه ابن الاثير : الامام على مذهب أهل البيت ، عالم في مذهبهم كبير ، فاضل مشهور ، وعد من مجددي مذهب الامامية على رأس المائة الثالثة (١) .

والكافي اول موسوعة حديثية جامعة اُلفّت بمدرسة اهل البيت حاول مؤلفه أن يجمع فيه الاصول والمدونات الحديثية الصغيرة ، فجمع فيه ستة عشر الفاً ومائة وتسعين حديثاً ، بعد تفحص استمر عشرين سنة ، قضاها متنقلاً بين البلاد طلباً للحديث وأهله .

ويمتاز الكافي بقربه من الاُصول المعتمدة المعول عليها ، وبدقة ضبطه ، وجودة ترتيبه ، وحسن تبويبه ، وإيجاز عناوينه ، فلا تجد فيه حديثاً ذكر في غير بابه ، كما أنه لم ينقل الحديث بالمعنى أصلاً ولم يتصرف فيه .

ومع جلالة الكاتب وعلوّ شأن الكتاب لم يقل أحد بوجوب الاعتقاد بكل ما فيه ، ولم يسم صحيحاً كما سمي البخاري ومسلم . وغاية ما قيل فيه أنه استخرج أحاديث كتابه من الاُصول المعتبرة .

قال الفيض الكاشاني في معرض ثنائه على الكتب الاربعة : الكافي أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها لاشتماله على الاُصول من بينها ، وخلوه من الفضول وشينها .

قال العلامة الطهراني عنه : وهو أجل الكتب الاربعة الاُصول المعتمدة عليه ، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول . مشتمل على أربعة وثلاثين كتاباً ، وثلاثمائة وستة وعشرين باباً ، وأحاديثه حصرت في ستة عشر ألف حديث (٢) ، وقد بلغ من شهرة

__________________

(١) جامع الاصول ١١ : ٣٢٣ .

(٢) الذريعة ١٧ : ٢٤٥ / ٩٦ .


الكافي أنه كان يقرأ في المساجد ، فقد قال النجاشي :

كنت اتردد إلى مسجد اللؤلؤي أقرأ القرآن على صاحب المسجد ، وجماعة من أصحابنا يقرأون الكافي على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب (١) .

ويقول المولى محمد أمين الاسترابادي : سمعنا عن مشايخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الاسلام كتاب يوازيه أو يدانيه .

من لا يحضره الفقيه :

لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق ، والمتوفى سنة ٣٨١ هـ بالري .

نشأ بقم ورحل إلى الري واستراباد وجرجان ونيشابور ، ومشهد الرضا عليه السلام ومرو الروذ وسرخس وإيلاق وسمرقند وبلاد ما وراء النهر وهمدان وبغداد والكوفة ومكة والمدينة وفيد .

أخذ عن كثير من المشايخ يبلغ عددهم ٢٦٠ شيخاً . وروى عنه أكثر من ٢٠ رجلاً .

الف الكثير من الكتب ، من اشهرها واهمها كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) الذي احصيت احاديثه فكانت خمسة آلاف وتسعمائة وثلاثة وستين حديثاً ، منها ألفان وخمسون حديثاً مرسلاً . وهو المنقول عن الشيخ البهائي في شرحه للكتاب ، والمولى مراد التفريشي في ( التعليقة السجادية ) .

وقال المحدث البحراني في اللؤلؤة ( قال بعض مشايخنا : أما الفقيه فيشتمل مجموعه على أربع مجلدات يشتمل على ستمائة وستة وستين باباً ) (٢) .

وقال الشيخ سليمان الماحوزي في البلغة : رأيت جمعاً من الأصحاب يصفون

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٧٧ .

(٢) لولؤة البحرين : ٣٩٥ .


مراسيله بالصحة ، ويقولون : إنها لا تقصر عن مراسيل محمّد بن أبي عمير ، منهم العلامة في المختلف ، والشهيد في شرح الارشاد ، والمحقق الداماد .

التهذيب والاستبصار :

لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي ولد في شهر رمضان ٣٨٥ هـ . وتوفي في ٢٢ محرم الحرام سنة ٤٦٠ هـ .

تجاوز عدد مشايخه الخمسين من اعلام الفريقين ، واما تلامذته ففيهم ثلاثمائة فقيه .

وبلغ من جلالته ان جعل له الخليفة العباسي القائم بامر الله بن القادر بالله كرسي الكلام والافادة ، وهو منصب ما كان يمنح إلّا لوحيد عصره .

وقد ثقل وجوده على خصومه فوشوا به الى الخليفة القادر بالله ، فاحضره الخليفة واستفهمه عن الوشاية فاجابه بما رفع منزلته عنده .

وعندما اثار المتعصبون والجهلة الفتن اضطر الشيخ ان يرحل من بغداد ، وهبط الى النجف الاشرف على طرف البادية سنة ٤٤٨ هـ ، حيث أسّس حوزة النجف العلمية التي استمرت قائمة الى اليوم .

ومن اهم كتبه الحديثية كتابان من الكتب الاربعة المعتمدة هما التهذيب والاستبصار : وهما من المكانة والجلالة بمكان يسمو بهما عن التعريف والوصف ولكنا نجتزئ هنا بما افاض به يراع السيد بحر العلوم ـ قدس سره ـ في الثناء على المؤلف وكتابيه :

واما الحديث فاليه تشد الرحال وبه تبلغ رجاله غاية الآمال وله فيه من الكتب الأربعة التي هي أعظم كتب الحديث منزلة واكثرها منفعة كتاب تهذيب الاحكام وكتاب الاستبصار ، ولهما المزية الظاهرة باستقصاء ما يتعلق بالفروع من الاخبار خصوصاً ( التهذيب ) فانه كان للفقيه فيما يبتغيه من روايات الاحكام مغنٍ عما سواه في الغالب ولا يغني عنه غيره في هذا المرام مضافاً الى ما اشتمل عليه الكتابان


من الفقه والاستدلال والتنبيه على الاصول والرجال والتوفيق بين الأخبار والجمع بينهما بشاهد النقل والاعتبار . وكتاب التهذيب شرح فيه الشيخ الطوسي رحمه الله كتاب ( المقنعة ) تأليف استاذه الشيخ المفيد رحمه الله وابتدأ بتأليفه وهو ابن خمس وعشرين سنة . انجز منه في حياة استاذه تمام كتاب الطهارة الى اول الصلاة ، ثم أكمل بقيته بعد وفاته .

أما طريقته في تأليفه فقد وصفها بنفسه ـ قدس سره ـ فقال : ( كنا شرطنا في أول هذا الكتاب ان نقتصر على ايراد شرح ما تضمنته الرسالة المقنعة ، وان نذكر مسألة مسألة ونورد فيها الاحتجاج من الظواهر والأدلة المفضية الى العلم ، ونذكر مع ذلك طرفا من الأخبار التي رواها مخالفونا ، ثم نذكر بعد ذلك ما يتعلق بأحاديث اصحابنا ـ رحمهم الله ـ ونورد المختلف في كل مسألة منها المتفق عليها ووفينا بهذا الشرط في اكثر ما يحتوي عليه كتاب الطهارة ثم انا رأينا له انه يخرج بهذا البسط عن الغرض ويكون مع هذا الكتاب مبتورا غير مستوف فعدلنا عن هذه الطريقة الى ايراد احاديث اصحابنا رحمهم الله المختلف فيه والمتفق ، ثم راينا بعد ذلك ان استيفاء ما يتعلق بهذا المنهاج اولى من الاطناب في غيره فرجعنا واوردنا من الزيادات ما كنا اخللنا به ، واقتصرنا من ايراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي اخذنا الخبر من كتابه او صاحب الاصل الذي اخذنا الحديث من اصله ) .

وقد بلغت ابواب التهذيب ٣٩٠ باباً واحاديثه ١٣٥٩٠ حديثاً .

وأما الاستبصار فقد احصيت ابوابه في ٩٢٥ أو ٩١٥ باباً ، واحاديثه ٥٥١١ حديثاً .

وفي القرن الحادي عشر برزت كذلك مجاميع حديثية ضخمة لها أهميتها الخاصة ومكانها المتميز ألفها المحمدون الثلاثة : محمد الفيض الكاشاني ، ومحمد باقر المجلسي ، ومحمد بن الحسن الحر العاملي . وعاشوا في عصر واحد تقريباً .

*       *      *


الوافي :

لمحمد بن مرتضى بن محمود المدعو بالمولى محسن الكاشاني والملقب بالفيض ، ولد في رابع عشر صفر سنة ١٠٠٧ هجرية ، وتوفي في الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة ١٠٩١ هجرية ، كما صرح به ولده العلامة علم الهدى وهو أول المحمدين الثلاثة المتأخرين وقد أخذ عن عدة من المشائخ العظام ، منهم :

١ ـ والده الشاه مرتضى المتوفى سنة ١٠٩١ .

٢ ـ المولى صدر الدين الشيرازي المتوفى سنة ١٠٥٠ .

٣ ـ السيد مير محمد باقر الداماد المتوفى سنة ١٠٤١ .

٤ ـ الشيخ بهاء الدين العاملي المتوفى سنة ١٠٣٠ .

٥ ـ الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد الثاني المتوفى سنة ١٠٣٠ .

٦ ـ المولى خليل القزويني المتوفى سنة ١٠٨٩ .

٧ ـ المولى محمد صالح المازندراني المتوفى سنة ١٠٨١ .

وروى عنه تلامذة كثيرون ، منهم :

١ ـ المولى محمد باقر المجلسي المتوفى سنة ١١١٠ هـ .

٢ ـ السيد نعمة الله الجزائري .

وقد ألف موسوعته الكبيرة الموسومة بـ ( الوافي ) جمع فيها أحاديث الكتب الأربعة ، ورتبها على مقدمة وأربعة عشر كتاباً وخاتمة ، وجملتها في خمسة عشر جزءاً يبدأ كل جزء بخطبة وينتهي بخاتمة .

وصدّر الكتاب بثلاث مقدمات وثلاثة تمهيدات وذيله بخاتمة رجالية في بيان أسانيده .

وقد علق على الأحاديث ببيانات نافعة حتى أن أحدهم جرد من بياناته على


اُصول الكافي كتاباً مستقلاً جعله بمثابة الشرح لاُصول الكافي (١) .

بحار الأنوار :

للشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي المجلسي ، شيخ الاسلام وكبير المحدثين ولد سنة ١٠٣٧ هـ .

وتوفي قدس سره في ١١١٠ هـ

وقد تخرج ـ قدس سره ـ في الدرس على ايدي مشايخ كبار ، منهم :

١ ـ ابو الحسن المولى حسن علي التستري ابن عبد الله الاصفهاني .

٢ ـ القاضي أمير حسين .

٣ ـ المولى خليل بن الغازي القزويني .

٤ ـ الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني .

٥ ـ السيد علي خان ابن السيد نظام الدين احمد بن محمد معصوم الحسيني الشيرازي المدني ، شارح الصحيفة والصمدية .

٦ ـ والده المعظم الشيخ محمد تقي المجلسي .

٧ ـ شيخ المحدثين محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة .

٨ ـ الشيخ محمد بن مرتضى المشتهر بالفيض الكاشاني صاحب كتاب الوافي .

وتتلمذ عليه عدة كثيرة من علماء الطائفة ، وكان مجلس درسه مجمعاً للفضلاء ، وكان يحضره على ما قيل ألف رجل أو أكثر ، أورد العلامة النوري في الفيض القدسي جمعاً ممن تتلمذ عليه او استجازه ، واهم هؤلاء هم :

١ ـ الشيخ احمد ابن الشيخ محمد بن يوسف الخطّيّ البحرانيّ ، مؤلف رياض

__________________

(١) الذريعة ٣ : ١٨٤ رقم ٦٥٦ .


الدلائل وحياض المسائل .

٢ ـ الشيخ سليمان بن عبد الله بن علي بن الحسن بن احمد بن يوسف بن عمار الماحوزي البحراني .

٣ ـ آغا ميرزا عبد الله ابن العالم الجليل عيسى بن محمد صالح الجيرائي التبريزي ثم الاصفهاني ، الشهير بالافندي . مؤلف كتاب رياض العلماء .

٤ ـ الشيخ عبد الله بن نور الدين صاحب العوالم .

٥ ـ صدر الدين السيد علي خان الشيرازي .

٦ ـ الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة .

٧ ـ المولى محمد بن علي الأردبيلي مؤلف كتاب جامع الرواة .

٨ ـ السيد نعمة الله الجزائري .

أما كتابه بحار الأنوار فهو غني عن المدح والثناء ، فقد حاول مؤلفه قدس سره جمع ما امكن جمعه من الأحاديث النبوية والولوية التي لم تتعرض لها الكتب الأربعة ليصونها من الضياع والاندراس ، ورتبه ترتيباً بديعاً حيث استهل الباب بذكر الآيات التي لها علاقة بعنوان الباب ثم شرحها ، وأردف ذلك بالأحاديث ، وله في بيان غوامضها وحل مشكلاتها ، والجمع بينها بيانات شافية .

قال في مقدمة الكتاب متحدثاً عن هدفه ومنهجه في تصنيفه :

« ثم بعد الاحاطة بالكتب المتداولة المشهورة ، تتبعت الاُصول المعتبرة المهجورة التي تركت في الأعصار المتطاولة والأزمان المتمادية . . . فطفقت أسال عنها في شرق البلاد وغربها حينا ، والح في الطلب لدى كل من اظن عنده شيئاً من ذلك وان كان به ضنينا .

ولقد ساعدني على ذلك جماعة من الاخوان ضربوا في البلاد لتحصيلها وطلبوها في الاصقاع . والأقطار طلباً حثيثاً ، حتى اجتمع عندي بفضل ربي كثير من الاُصول المعتبرة التي كان عليها معول العلماء في الأعصار الماضية فالفيتها مشتملة على فوائد جمة خلت عنها الكتب المشهورة المتداولة ، واطلعت فيها على مدارك كثير


من الأحكام ، اعترف الاكثرون بخلو كل منها عما يصلح أن يكون مأخذاً له ، فبذلت غاية جهدي في ترويجها وتصحيحها وتنسيقها وتنقيحها . ولما رايت الزمان في غاية الفساد ، ووجدت أكثر أهلها حائرين عما يؤدي الى الرشاد خشيت أن ترجع عما قليل الى ما كانت عليه من النسيان والهجران ، وخفت أن يتطرق اليها التشتت لعدم مساعدة الدهر الخوّان ، ومع ذلك كانت الأخبار المتعلقة بكل مقصد منها متفرقاً في الأبواب ، متبدداً في الفصول ، قلما يتيسر لأحد العثور على جميع الأخبار المتعلقة بمقصد من المقاصد منها ، ولعل هذا أيضاً كان أحد أسباب تركها وقلة رغبة الناس في ضبطها .

فعزمت بعد الاستخارة من ربي . . . على تأليفها ونظمها وترتيبها وجمعها في كتاب متّسقة الفصول والأبواب مضبوطة المقاصد والمطالب ، على نظام غريب ، وتأليف عجيب ، لم يعهد مثله . . . فجاء بحمد الله كما أردت . . . » (١) .

وقد طبع الكتاب طبعتين ، أولها حجري في ٢٥ مجلداً ، وثانيها حروفي في ١١٠ مجلداً بالحجم الوزيري باشراف جمع من المحققين الفضلاء .

وقد شاع في الآفاق ، واستفاد منه الكثيرون ، وما ذاك إلّا ببركة النية الخالصة لخدمة شريعة سيد المرسلين وآله المعصومين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين .

وسائل الشيعة :

لمحمد بن الحسن بن علي المعروف بالحر العاملي .

وهو كتابنا ـ الماثل بين يديك ـ الذي نتشرّف بتحقيقه وتصحيحه ونشره ثانية ، لذا سنتحدث عنه بشيء من التفصيل ، تسبقه ترجمة واسعة للمؤلف .

__________________

(١) بحار الأنوار ١ : ٤ .




تَرْجمةُ المُؤَلِّف

هو المحدث الكبير والفقيه النحرير ، صاحب التأليفات القيّمة والآثار الحميدة ، شيخ الاسلام وزعيم الشيعة في عصره ، محمد بن الحسن بن علي بن محمد ابن الحسين ، المعروف بالحر العاملي ، أحد المحمدين الثلاثة المتأخرين الجامعين لأحاديث الأئمة المعصومين .

نسبه :

محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين بن عبد السلام بن عبد المطلب ابن علي بن عبد الرسول بن جعفر بن عبد ربه بن عبد الله بن مرتضى بن صدر الدين بن نور الدين بن صادق بن حجازي بن عبد الواحد بن الميرزا شمس الدين ابن الميرزا حبيب الله بن علي بن معصوم بن موسى بن جعفر بن الحسن بن فخر الدين بن عبد السلام بن الحسين بن نور الدين بن محمد بن علي بن يوسف بن مرتضى بن حجازي بن محمد بن باكير بن الحر الرياحي ، المستشهد مع الامام السبط الشهيد يوم الطف ، سلام الله عليه وعلى أصحابه .


ولادته :

ولد في قرية مشغرة (١) ـ إحدى قرى جبل عامل (٢) ـ ليلة الجمعة ثامن شهر رجب المرجب ، عام ثلاث وثلاثين بعد الألف من الهجرة النبوية .

اُسرته :

نشأ الحر وترعرع في أحضان العلم والمعرفة ، فبيت آل الحر من البيوت الكبيرة العريقة الأصيلة ، التي غذت الطائفة بثلة من أعاظم الفقهاء والمجتهدين .

فقد كان والده عالماً ، فاضلاً ، ماهراً ، صالحاً ، أديباً ، فقيهاً ، ثقة ، حافظاً ، عارفاً بفنون العربية والفقه والأدب ، مرجوعاً إليه في الفقه وخصوصاً المواريث ، قرأ عليه نجله الحر جملة من كتب العربية والفقه وغيرها ، دفن في مشهد الرضا عليه السلام ، حيث توفى وهو في طريقه اليه سنة ١٠٦٢ ورثاه ابنه بقصيدة طويلة .

يقول عنه ولده الحر العاملي : سمعت خبر وفاته في منى ، وكنت حججت في تلك السنة ، وكانت الحجة الثانية ، ورثيته بقصيده طويلة .

ومنهم عمه الفاضل وشيخه الكامل الباذل ، الشيخ محمد بن علي بن محمد

__________________

(١) مشغرة : قرية من قرى دمشق من ناحية البقاع . معجم البلدان ٥ : ١٣٤ .

(٢) جبل عامل وفي الأصل يقال : جبال عاملة ، ثم لكثرة الاستعمال قيل : جبل عامل : نسبة إلى عاملة بن سبأ ، وسبأ هو الذي تفرق أولاده بعد سبيل العرم حتى ضرب بهم المثل ، فقيل : تفرقوا أيدي سبأ ، كانوا عشرة تيامن منهم ستة : الأزد ، وكندة ، ومذحج ، والأشعرون ، وأنمار ، وحمير . وتشاءم أربعة : عاملة ، وجذام ، ولخم ، وغسان . فسكن عاملة بتلك الجبال ، وبقي فيها بنوه ، ونسبت إليهم .

وفي أعيان الشيعة ، عن تاريخ المغربي ، ان جبل عامل واقع على الطرف الجنوبي من بلدة دمشق الشام ، في سعة ثمانية عشر فرسخاً من الطول ، في تسعة فراسخ من العرض . والصواب أنه في الجانب الغربي من دمشق لا الجنوبي .


الحر العاملي ، ابن بنت الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ، ذكره الحر في « الأمل » بمثل هذا العنوان ثم قال : وله كتاب سماه « الرحلة » في ذكر ما اتفق له في أسفاره ، وحواش وتعليقات وفوائد وديوان شعر كبير .

ومنهم ابن عمه الشيخ حسن بن محمد بن علي ، وهو من الفضلاء في العربية وغيرها .

ومنهم جده الشيخ علي بن محمد الحر العاملي ، الذي وصفه ـ أيضاً ـ في « الأمل » بالعلم والفضل والعبادة وحسن الأخلاق ، وجلالة القدر والشأن ، والشعر والأدب والإنشاء . ثم قال : قرأ على الشيخ حسن والسيد محمد وغيرهما ، أروي عن والدي عنه ، وله شعر لا يحضرني الآن منه شيء ، وتوفي بالنجف مسموماً .

ومنهم جد والده الشيخ محمد بن الحسين الحر العاملي ، الذي قال ـ في « الأمل » أيضاً ـ في حقه : كان أفضل أهل عصره في الشرعيّات ، وكان ولده الشيخ محمد بن محمد الحر العاملي أفضل أهل عصره في العقليات ، تزوج الشهيد الثاني بنته وقرأ عند الشهيد الثاني ، وله منه إجازة .

موطنه ( جبل عامل ) :

جبل عامل من البلاد العريقة في التشيع ، فمنذ الكلمة الطيبة التي غرسها أبا ذر في جبل عامل ـ عندما نفي الى الشام بأمر عثمان ومنها اليها بأمر معاوية ـ والى الآن ما زالت هذه البلده تؤتي اكلها كل حين باذن ربها .

فكان أبو ذر رضوان الله عليه مصباحاً من مصابيح الهداية ، صنعه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله على عينه فجاء على قدر ، وصدّق آمال رسول الله صلى الله عليه وآله فيه . . فكان . . « ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر » .

فحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وجد في جبل عامل أرضاً خصبة وعقولاً سليمة وفطراً لم تلوث . فكان لهم سراجاً وهاجاً يحمل لهم ذكرى نديّة من نور النبوة الكريم فنشر الحديث الصحيح والاسلام الخالص والولاء الحق لآل رسول الله ، كما


قرره النبي صلى الله عليه وآله بقوله : « إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي » .

وبارك الله في جبل عامل فاستمر فيها التشيع إلى يومنا هذا ، مع ما مر به الجبل وساكنوه من ظلم الطواغيت وحكم الجزارين ، فكان الجبل البقعة الملقية قيادها لأهل البيت ( عليهم السلام ) ولكن الكلمة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء .

نعم خرّج الجبل أعاظم الرجال من الهداة إلى الحق والمجاهدين دونه ، أمثال الشهيدين العظيمين اللذين لا زالت الحوزات العلمية تدرس كتابيهما اللمعة الدمشقية والروضة البهية في مرحلة السطوح .

وخرّج أيضاً قبل الشهيدين وبعدهما المئات من العلماء الذين لم يقتصر جهادهم ـ في سبيل مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ونشر علومهم ـ على بلاد لبنان ، بل تعداها إلى البلد الكبير الواسع إيران ، فكانوا علماءه العاملين ، وشيوخ الاسلام فيه المثبتين لدعائم التشيع ، كالمحقق الكركي والشيخ البهائي وشيخنا الحر العاملي . ولو أراد الكاتب أن يجرد منهم قائمة طويلة الذيل لفعل .

قال الحر في كتابه أمل الآمل : سمعت من بعض مشايخنا أنه اجتمع في جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهداً في عصر الشهيد الثاني رحمه الله (١) .

وقال العلامة صاحب الأعيان : خرج من جبل عامل من علماء الشيعة الامامية ما ينيف عن خمس مجموعهم ، مع أن بلادهم بالنسبة إلى باقي البلدان أقل من عشر العشير .

ففي مثل هذا البلد العابق بالولاء للاسلام ولنبيه صلى الله عليه وآله ولآله الكرام عليهم السلام . . هذا البلد المعروف بالعطاء العلمي الزاخر ، فتح شيخنا الحر عينيه ليرى أين سيكون موقعه فيه !

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١٥ .


دراسته ومشايخه :

قرأ الشيخ الحر في وطنه ( جبل عامل ) المقدمات عند أساتذة كانت لهم اليد الطولى في التدريس ، وقد تركوا الأثر الطيب في نشوئه ونموه إلى أن استوى عوده عالماً مجتهداً .

فقرأ على أبيه ( المتوفى ١٠٦٢ ه ) وعمه الشيخ محمد بن علي الحر ( المتوفى ١٠٨١ ه ) وجده لاُمه الشيخ عبد السلام بن محمد الحر ، وخال أبيه الشيخ علي بن محمود العاملي وغيرهم .

وقرأ في قرية جبع على عمه ـ أيضاً ـ وعلى الشيخ زين الدين بن محمد بن الحسن صاحب المعالم ابن زين الدين الشهيد الثاني ، وعلى الشيخ حسين الظهيري وغيرهم .

ويروي الشيخ الحر بالاجازة عن أبي عبد الله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي ، وعن العلامة المجلسي ، وهو آخر من أجاز له حين مروره بأصفهان ، وقد أنس أحدهما بالآخر واستجازه ، والاجازة بينهما مدبجة (١) ـ على اصطلاح المحدثين ـ .

وقال رحمه الله : وهو آخر من أجاز لي وأجزت له . وذكر المجلسي رحمه الله نظير ذلك في مجلد الاجازات من البحار .

تلامذته والمجازون منه :

كان مجلس درس الشيخ مجلساً عامراً بالطلبة المخلصين المجدين في طلب علوم آل البيت ( عليهم السلام ) وقد لقوا اُستاذا ًرفيقاً بهم حانياً عليهم ، وهو أحد حملة هذه العلوم الأوفياء لها ، وكان بحراً من بحار العلوم فاغترفوا من نميره ما وسعته أفكارهم .

__________________

(١) الاجازة المدبجة : هي أن يجيز كل من العالمين للآخر مروياته ، وتقع غالباً بين أكابر العلماء .


وكان من المجازين منه ـ كما سبق ـ الشيخ المجلسي صاحب البحار .

والشيخ محمد فاضل بن محمد مهدي المشهدي .

والسيد نور الدين بن السيد نعمة الله الجزائري ، وتأريخ إجازته له سنة ١٠٩٨ هـ .

والشيخ محمود بن عبد السلام البحراني ، كما في مستدرك الوسائل (١) .

أسفاره :

أقام الشيخ الحر في بلده جبل عامل أربعين سنة ، ثم سافر إلى العراق لزيارة المراقد المقدسة ، ومن ثم الى إيران لزيارة مرقد ثامن الحجج الامام الرضا عليه السلام بطوس ، عام ١٠٧٣ كما صرح هو ـ قدس سره ـ بذلك ، وطابت له مجاورة الامام الثامن الضامن ، فحط رحله هناك ، وكانت طوس مأنس نفسه ومجلس درسه ، فتجمع حوله طلاب العلم وعمر بهم مجلسه الشريف ، وخرّج جماعات كانوا رسل هدى في البلدان والقرى ، ينشرون العلم والهدى والخير .

ومر في سفره بأصفهان ، والتقى فيها بالعلامة المجلسي وأجاز أحدهما الآخر .

هذا وقد حج الحر العاملي إلى بيت الله الحرام مرتين عامي ١٠٨٧ و١٠٨٨ كما في خلاصة الاثر .

وفي حجته الثانية مر باليمن لحادثة سيأتيك نبؤها .

من طرائف ما حدث له :

حياة طويلة عريضة كحياة شيخنا الحر ، وأسفار واسعة جال فيها أقطاراً كثيرة من البلاد الاسلامية فيها مختلف المذاهب والألسن والقوميات . . . لا يخلوان بطبيعة الحال من طرائف الحوادث .

__________________

(١) خاتمة مستدرك الوسائل ٣ : ٣٩٠


فقد حكي أنه ذهب ـ اثناء إقامته باصفهان ـ إلى مجلس الشاه سليمان الصفوي ، فدخل بدون استئذان ، وجلس على ناحية من المسند الذي كان الشاه جالساً عليه ، فسأل عنه الشاه فاُخبر أنه عالم جليل من علماء العرب ، يدعى محمد بن الحسن الحر العاملي ، فالتفت إليه وقال : « فرق ميان حر وخر چقدر است » أي : كم هو الفرق بين حر وخر ؟ وخر بالفارسية معناها الحمار .

فقال له الشيخ على الفور : « يك متكى » أي مخدة واحدة ، فعجب الشاه من جرأته وسرعة جوابه (١) .

وبعد مضي زمان على توطنه المشهد المقدس اُعطي منصب قاضي القضاة وشيخ الاسلام في تلك الديار ، وصار بالتدريج من أعاظم علمائها (٢) .

ونقل من غريب ما اتفق في بعض مجامع قضائه أنه شهد لديه بعض طلبة العصر في واقعة من الوقائع ، فقيل له : إن هذا الرجل يقرأ زبدة شيخنا البهائي في الاُصول ، فرد رحمه الله شهادته من أجل ذلك (٣) .

ومما نقل ـ أيضاً ـ من شدة ذكائه ، ما نقله المحبي في خلاصة الأثر أنه قال :

قدم مكة في سنة ١٠٨٧ أو ١٠٨٨ ، وفي الثانية منها قتلت الأتراك بمكة جماعة من الفرس لما اتّهموهم بتلويث البيت الشريف حين وجد ملوثاً بالعذرة ، وكان صاحب الترجمة قد أنذرهم قبل الواقعة بيومين وأمرهم بلزوم بيوتهم ، فلمّا حصلت المقتلة فيهم خاف على نفسه فالتجأ إلى السيد موسى بن سليمان أحد اشراف مكة الحسنيين ، وسأله أن يخرجه من مكة إلى نواحي اليمن ، فأخرجه مع أحد رجاله إليها فنجا (٤) .

__________________

(١) و (٢) اعيان الشيعة ٩ : ١٦٧ .

(٣) روضات الجنات ٧ : ١٠٤ .

(٤) خلاصة الأثر : ٣ : ٢٣٤ .


أقوال العلماء فيه وثناؤهم عليه :

لقد عرفنا ـ من خلال ما مر ـ أنّ الشيخ الحر أحد الشخصيات العلمية الكبيرة ، التي أغدقت على الطائفة الكثير من العطاء . وتركت في سجلاتها الواسعة آثاراً تستحق الثناء والتقدير .

فقد تمكن شيخنا المترجم ـ بفضل ثقته العالية بنفسه وبعقيدته ، وتبحره في العلوم ـ أن يخلّف آثاراً عظمى ، فكان حلقة من حلقات مشايخ الاجازات التي تصل الخلف بالسلف ، إلى أن تصل إلى أهل البيت عليهم السلام .

وتمكن ـ أيضاً ـ من تدوين مؤلفات كانت غرراً في جبين الدهر ، حفظ بها حديث النبي الأكرم وآله الميامين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين ، منها كتابنا هذا والذي أصبح منذ عهد مؤلفه إلى الآن مورد اعتماد الفقهاء ، ومرجع استنباطهم للأحكام .

ولذا فقد حظي الشيخ الحر بثناء الكثيرين من الأعلام البارعين الذين يعتبر ثناؤهم شهادة علمية راقية لم ينالها إلّا القليل ، وهذا الأمر ليس بمستغرب لشيخنا الحر ، وهو الذي سهر على حفظ آثار المعصومين عليهم السلام ، وضحى بكل غال ورخيص في سبيل عقيدته ومبدئه .

فآثاره ماثلة للعيان ، ولأياديه البيضاء مآثر خالدة تذكر ويذكر معها صاحبها ويُتحرم عليه ، وما عند الله خير .

وممن أثنى عليه معاصره ، السيد علي خان شارح الصحيفة السجادية حيث قال في السلافة :

الشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد الحر الشامي العاملي ، عَلَم عِلم لا تباريه الأعلام ، وهضبة فضل لا يفصح عن وصفها الكلام ، أرَّجت أنفاس فوائده أرجاء الأقطار ، وأحيت كل أرض نزلت بها فكأنها لبقاع الأرض أمطار . تصانيفه في جبهات الأيام غرر ، وكلماته في عقود السطور درر .


وهو الآن قاطن بأرض العجم ، ينشد لسان حاله :

أنا إبن الذي لم يخزني في حياته

ولم أخزه لمّا تغيب في الرجم

ويحيي بفضله مآثر أسلافه ، وينتشي مصطحباً ومغتبقاً برحيق الأدب وسلافه ، وله شعر مستعذب الجنى ، بديع المجتلى والمجتنى (١) .

ثم ذكر قطعة من شعره التي تلوح فيه آثار التدين والحث على مكارم الأخلاق .

وقال صاحب مقابس الأنوار : العالم الفاضل ، الأديب الفقيه ، المحدث الكامل ، الأديب الوجيه ، الجامع لشتات الأخبار والآثار ، المرتب لأبواب تلك الأنوار والأسرار ، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي المشغري الطوسي ، عامله الله بفضله القدوسي (٢) .

وقال العلامة الأميني في كتابه الغدير بعد كلام طويل في ترجمته :

فشيخنا المترجم له درة على تاج الزمن ، وغرة على جبهة الفضيلة ، متى استكنهته تجد له في كل قدر مغرفة ، وبكل فن معرفة ، ولقد تقاصرت عنه جمل المدح وزمر الثناء ، فكأنه عاد جثمان العلم وهيكل الأدب وشخصية الكمال البارزة ، وإن من آثاره أو من مآثره تدوينه لأحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام في مجلدات كثيرة ، وتأليفه لهم بإثبات إمامتهم ونشر فضائلهم ، والاشادة بذكرهم ، وجمع شتات أحكامهم وحكمهم ، ونظم عقود القريض في إطرائهم ، وإفراغ سبائك المدح في بوتقة الثناء عليهم ، ولقد ابقت له الذكر الخالد كتبه القيمة (٣) .

وممن أثنى عليه أيضاً ، ثلة من أفاضل العلماء من الطائفتين ـ الشيعة والسنّة ـ

__________________

(١) سلافة العصر : ٣٥٩ .

(٢) مقابس الانوار : ١٧ .

(٣) الغدير : ١١ / ٣٣٦ .


ومن هؤلاء الأعلام : الافندي في رياض العلماء (١) ، والأردبيلي في جامع الرواة (٢) ، والنوري في خاتمة مستدركه (٣) ، والبغدادي في هدية العارفين (٤) ، والزركلي في الأعلام (٥) ، وكحالة في معجم المؤلفين (٦) ، وغيرهم .

شعره :

امتلك شيخنا الحر عدة الشاعر وسلاحه ، فمن خلفية فكرية استوعبت القرآن الكريم والحديث الشريف الى مشاعر قلب نابض وفياض تركّز بحب النبي وآله عليهم السلام الى لسان اتقن لغة الضاد ، فانطلق شاعراً مبرزاً يجول في ميادين الشعر المختلفة فتجمعت لديه ما يقارب عشرين الف بيت ضمّها ديوانه واكثرها في مدح أو رثاء النبي والائمة عليهم السلام . ويحتوي ديوانه ايضاً منظومة في المواريث والزكاة والهندسة ، وتواريخ النبي والأئمة عليهم السلام . ويتميز شعره بطول النفس في النظم بحيث تجد له قصائد كثيرة في مدح النبي وآله عليهم السلام جاوزت كل منها مائة بيت ، ومنها همزيّته التي نيفت على الأربعمائة بيت ، ومنها قوله :

كيف تحظى بمجدك الاوصياء

وبه قد توسل الأنبياء

ما لخلق سوى النبي وسبطيه

السعيدين هذه العلياء

فبكم آدم استغاث وقد مسّـ

ـته بعد المسرة الضراء

يوم أمسى في الأرض فرداً غريباً

ونأت عنه عرسه حواء

__________________

(١) رياض العلماء ٥ : ٦٧ .

(٢) جامع الرواة ٢ : ٩٠ .

(٣) مستدرك الوسائل ٣ : ٣٩٠ .

(٤) هدية العارفين ٦ : ٣٠٤ .

(٥) الأعلام للزركلي ٦ : ٩٠ .

(٦) معجم المؤلفين ٩ : ٢٠٤ .

(٧) أمل الآمل ١ : ١٤٥ .


وبكى نادماً على ما بدا منـ

ـه وجهد الصب الكئيب البكاء

فتلقى من ربه كلمات

شرفتها من ذكركم أسماء

وقد حوت هذه الهمزية معاجز جمة من معاجز النبي صلى الله عليه وآله ، وجملة وافرة من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي نطق بها القرآن الكريم أو جاء ذكرها في الحديث الشريف .

وكذا طرق فنوناً من الشعر صعبة المرتقى قل أن يبرز فيها غير الشاعر المجيد ، فمن ذلك تسع وعشرون قصيدة محبوكة الطرفين على ترتيب حروف المعجم في مدح الآل ( عليهم السلام ) ، فمن أحداها وهي في قافية الهمزة .

أغير أمير المؤمنين الذي به

تجمع شمل الدين بعد ثناء

أبانت به الأيام كل عجيبة

فنيران بأس في بحور عطاء

ومن اُخرى محبوكة الأطراف الأربعة يقول :

فإن تخف في لوصف من اسراف

فلذ بمدح السادة الأشراف

فخر لهاشمي أو منافي

فضل سما مراتب الآلاف

فعلمهم للجهل شافٍ كافي

فضلهم على الأنام وافي

فاقوا الورى منتعلا وحافي

فضل به العدو ذو اعتراف

فهاكها محبوكة الأطراف

فن غريب ما قفاه قاف

وله من قصيدة ( ثمانين بيتاً ) خالية من الألف في مدحهم عليهم السلام :

وليي عليٌّ حيث كنت وليه

ومخلصه بل عبد عبد لعبده

لعمرك قلبي مغرم بمحبتي

له طول عمري ثم بعد لولده

وهم مهجتي هم منيتي هم ذخيرتي

وقلبي بحبهم مصيب لرشده

وكل كبير منهـم شمس منـير

وكل صغير منهم شمس مهده

وكـل كمي منهـم ليـث حربه

وكل كريم منهم غيث وهده

بـذلـت له جهدي بمدح مهذب

بليغ ـ ومثلي ـ حسبه ـ بذل ـ جهده


ويدلك على شدة تعلقه بأهل البيت عليهم السلام قوله :

أنا حرٌّ عبدٌ لهـم فإذا ما

شرفوني بالعتق عدت رقيقا

إنا عبدٌ لهم فلـو اعتـقوني

ألف عتق ما صرت يوماً عتيقا

ومن لطيف شعره مزجه المدح بالغزل حيث يقول :

لئن طاب لي ذكر الحبائب إنني

أرى مدح أهل البيت أحلى واطيبا

فهن سلبن العلم والحـلم في الصبا

وهم وهبونا العلم والحلم في الصبا

هواهن لي داء هواهم دواؤه

ومن يك ذا داء يرد متطببا

لئن كان ذاك الحسن يعجب ناظراً

فانّا رأينا ذلك الفضل أعجبا

وله يصور صدق التوكل على الله تعالى :

كـم حازم ليس له مطمع

إلّا من الله كما قد يجب

لأجل هذا قد غدا رزقـه

جميعه من حيث لا يحتسب

وهو يشير بهذا الى قوله تعالى ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) (١) وهو ـ كما ترى ـ تضمين بديع .

ومن حكمياته اللطيفة قوله :

يا صاحب الجاه كن على حذر

لاتك ممن يغتر بالجاه

فان عزّ الدنيا كـذلـتها

لا عزّ إلّا بطاعة الله

ونكتفي بهذا المقدار من أشعاره ، ومن شاء الزيادة فليراجع ديوانه الذي سيطبع قريباً إن شاء الله تعالى .

مؤلّفاته :

كان الشيخ الحر قدس سره عالماً عاملاً دأب طول عمره الشريف على خدمة الشريعة الغراء ، فمع المشاغل التي تتطلبها منه مشيخته للاسلام ، ومع انشغاله

__________________

(١) الطلاق ٦٥ : ٢ .


بالتدريس وتربية العلماء ، فقد أثرى المكتبة الاسلامية بكتب كثيرة يكفيك أن أحدها ، وسائل الشيعة الذي أصبح بعد تأليفه إلى الآن مورد استنباط الاحكام عند فقهاء أهل البيت عليهم السلام .

ولنذكر كتبه كما ذكرها هو رحمه الله في أمل الآمل ، وكما ذكرها المترجمون له :

١ ـ تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة : وهو كتابنا الذي نقدم له وسيأتي الكلام حوله مفصلاً .

٢ ـ فهرست وسائل الشيعة : يشتمل على عناوين الأبواب ، وعدد أحاديث كل باب ، ومضمون الأحاديث ، ولاشتماله على جميع ما روي من فتاواهم ( عليهم السلام ) سماه كتاب من لا يحضره الامام .

٣ ـ هداية الاُمة إلى أحكام الأئمة ( عليهم السلام ) : منتخب من وسائل الشيعة الكبير مع حذف الأسانيد والمكررات .

٤ ـ الفوائد الطوسية : مجموع فوائد بلغت المائة فائدة في مطالب متفرقة .

٥ ـ إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات : ويبحث في الدلائل على النبوة الخاصة والامامة لكل إمام إمام حتى الامام الثاني عشر عجل الله فرجه ، بلغت مصادره من كتب الشيعة والسنة اكثر من أربعمائة وتسعة وثلاثين مصدراً .

٦ ـ أمل الآمل في علماء جبل عامل : قسمه إلى قسمين : الأول خاص بعلماء جبل عامل ، والثاني عام لعلماء الشيعة في سائر الأقطار .

٧ ـ الفصول المهمة في اُصول الأئمة ( عليهم السلام ) : يشتمل على القواعد الكلية المنصوصة في اُصول الدين واُصول الفقه وفروع الفقه . . .

٨ ـ العربية العلوية واللغة المروية .

٩ ـ « الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة » : فيها أكثر من ستمائة حديث وأربع وستين آية . . .

١٠ ـ رسالة الاثنى عشرية في الرد على الصوفية : فيها نحو ألف حديث في الرد عليهم عموماً وخصوصاً في كل ما اختص بهم .


١١ ـ رسالة في خلق الكافر ومايناسبه .

١٢ ـ « كشف التعمية في حكم التسمية » . وهي رسالة في تسمية المهدي عليه السلام .

١٣ ـ رسالة الجمعة : وهي جواب من ردّ أدلة الشهيد الثاني في رسالته في الجمعة .

١٤ ـ رسالة « نزهة الأسماع في حكم الاجماع » .

١٥ ـ رسالة تواتر القرآن .

١٦ ـ رسالة الرجال .

١٧ ـ رسالة أحوال الصحابة .

١٨ ـ تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان .

١٩ ـ رسالة بداية الهداية في الواجبات والمحرمات المنصوصة من أول الفقه الى آخره ، وهي في غاية الاختصار ، انتهى فيها إلى أن الواجبات ( ١٥٣٥ ) والمحرمات ( ١٤٤٨ ) .

٢٠ ـ الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ، وهو أول من جمع هذه الاحاديث كما يقول صاحب الاعيان (١) .

٢١ ـ الصحيفة السجادية الثانية ، جمع فيها الأدعية المنسوبة إلى الامام السجاد عليه السلام ، والتي لا توجد في الصحيفة الكاملة .

٢٢ ـ ديوان شعر يقارب عشرين ألف بيت ، أكثره في النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام . ويتضمن كذلك بالاضافة الى الشعر النظم التعليمي ، ففيه :

منظومة في المواريث ،

منظومة في الزكاة .

__________________

(١) أعيان الشيعة ٩ : ١٦٨ .


منظومة في الهندسة .

منظومة في تواريخ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام .

٢٣ ـ إجازات كثيرة لتلامذته .

٢٤ ـ كان عازماً على أن يشرح وسائل الشيعة بكتاب اسمه تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة (١) ، ولكن الأجل لم يمهله لتنفيذ ما عزم عليه فلم يصدر منه إلّا جزء واحد .

وفاته :

قال أخوه الشيخ أحمد الحر في كتابه الدر المسلوك :

في اليوم الحادي والعشرين ، من شهر رمضان ، سنة ١١٠٤ هـ كان مغرب شمس الفضيلة والافاضة والافادة ، ومحاق بدر العلم والعمل والعبادة ، شيخ الاسلام والمسلمين ، وبقية الفقهاء والمحدثين ، الناطق بهداية الاُمة وبداية الشريعة ، الصادق في النصوص والمعجزات ووسائل الشيعة ، الامام الخطيب الشاعر الاديب ، عبد ربه العظيم العلي ، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الحر العاملي ، المنتقل الى رحمة باريه عند ثامن مواليه :

في ليلة القدر الوسطى وكان بها

وفاة حيدر الكرار ذي الغيرِ

يامن له جَنة المأوى غدت نزلاً

ارقد هناك فقلبي منك في سعرِ

طويـت عنا بسـاط العلم معتلياً

فاهنأ بمقعدِ صدق عند مقتدرِ

تاريخ رحلـته عاماً فجعت به

أسرى لنعمة باريه على قدرِ

وهو أخي الأكبر ، صلّيت عليه في المسجد تحت القبة جنب المنبر ، ودفن في إيوان حجرة في صحن الروضة الملاصق لمدرسة ميرزا جعفر ، وكان قد بلغ عمره اثنين وسبعين ، وهو أكبر مني بثلاث سنين إلا ثلاثة أشهر (٢) .

__________________

(١) أمل الآمل ١ : ١٤٥ .

(٢) الفوائد الرضوية : ٤٧٦ .


وسائل الشيعة :

هو الكتاب الضخم الفخم الذي رسم المؤلف منهجيته بكتاب مستقل ، ثم كتبه جامعاً له من مصادر معتمدة كل منها مرجع في حديث آل البيت عليهم السلام عن جدهم صلى الله عليه وآله .

فهو كتاب جامع للأحاديث الفقهية التي يعتمد عليها الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية ، وقد جمع من الأحاديث النبوية والولوية جملة وافرة تنيف على عشرين ألف حديث ، استقاها من أهم المراجع الحديثية المعتبرة كالكتب الأربعة : الكافي ، الفقيه ، التهذيب ، الاستبصار ، وجملة وافرة من الكتب المعتمدة الاُخرى زادت على سبعين كتاباً .

وقد استهلّ الكتاب باحاديث في مقدمة العبادات ، ثم قسّمه على كتب الفقه المعروفة من الطهارة الى الديات ، ثم فصلّ لكل منها أبواباً عنونها بأحكام شرعية بحيث استوعب جزءاً كبيراً مما يمكن حصره من احكام الكتاب ، ثم ادرج تحت كل باب أو عنوان أهم الاحاديث ذات الدلالة الواضحة عليه بتمام سندها ، ثم وبعد ان يدرج الحديث عن مصدر أساسي واحد يذيله اما بذكر طرقه الاُخرى ان روي باكثر من طريق او يذكر اختلافات صيغ الرواية ان وجدت أو كلا الأمرين معاً .

ثم ذيل اكثر الابواب بما اصطلح عليه بـ ( تقدم ) و ( يأتي ) يشير فيها الى أي حديث سابق أو متأخر على هذا الباب ، ذا دلالة جانبية أو يستفاد منه بشكل أو آخر في الحكم الشرعي للباب المعني ، فلو كان الباب المعني في الجزء الثامن مثلاً ، فأي حديث له علاقة بهذا الباب من الاجزاء السبعة المتقدمة يعيّنه بقوله : ( تقدم ما يدل عليه ) أو أي حديث آخر سيأتي في الجزء التاسع وما بعده يعينه بقوله ( يأتي ما يدلّ عليه ) .

فإذا علمنا أن الكتاب حدود الثلاثين مجلداً في طبعته الحديثة ، لامكننا أن


نتصور مقدار الجهد المبذول فيه والذي يحتاج إلى علم واسع واستحضار لكل الاحاديث ، وصبر على طول التفتيش والتنقير .

وقد رزق هذا الكتاب ما لم يرزق غيره فكان عليه معول مجتهدي الشيعة من عصر مؤلفه الى اليوم ، وما ذاك إلّا لحسن ترتيبه وتبويبه (١) .

يقول الشيخ العلامة الاميني في غديره :

وأنت لا تقرأ في المعاجم ترجمة لشيخنا الحر إلّا وتجد جمل الثناء على كتابه الحافل ( وسائل الشيعة ) مبثوثة فيها ، وقد أحسن وأجاد أخوه العلامة الصالح في تقريظه بقوله :

هذا كتاب علا في الديـن مرتبة

قد قصّرت دونها الأخبار والكتبُ

ينير كالشّمس في جوِّ القلوب هدى

فتنتحي منه عن أبصارنا الحجبُ

هذا صراط الهدى ما ضلّ سالكه

إلى المقامة بل تسمو به الرُتبُ

إن كان ذا الديـن حقّاً فهو متّبع

حقّاً إلى درجات المنتهى سببُ (٢)

ولما كان كتاب الوسائل موضع عناية الفقهاء ، فقد كثرت حوله المؤلفات من شروح وتعليقات ، أو إيضاحات لبعض ما أجمله .

فمن ذلك شرح المؤلف نفسه وأسماه « تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة » ذكر العلامة الشيخ آغا بزرك انه خرج منه مجلد واحد في شرح جملة من مقدماته (٣) .

ولمؤلفه ـ أيضاً ـ شرح آخر على نحو التعليق ، فيه بيان اللغات ، وتوضيح العبارات ، أو دفع الاشكال عن متن الحديث أو سنده ، أو غير ذلك ، ذكره العلامة الطهراني أيضاً (٤) .

__________________

(١) أعيان الشيعة ٩ : ١٦٨ .

(٢) الغدير ١١ : ٣٣٦ .

(٣) الذريعة ٣ : ٣٩٣ / ١٤١٢ .

(٤) الذريعة ٤ : ٣٥٣ .


وشرحه بعد مؤلفه جمع من الأعلام ، ولكن لم يتجاوزوا كتب العبادات ، منهم :

الشيخ محمد بن علي بن عبد النبي المقابي المعاصر لصاحب الحدائق .

والحاج المولى محمد رضي القزويني الشهيد في فتنة الأفاغنة .

والشيخ محمد بن سليمان المقابي المعاصر للشيخ عبد الله السماهيجي ، واسم شرحه مجمع الاحكام .

والعلامة المحقق السيد حسن الصدر .

وألف آخرون في حل بعض مغلقاته ، منهم :

العلامة الشيخ عبد الصاحب حفيد صاحب الجواهر ( المتوفى ١٣٥٣ ه ) له كتاب ( الاشارات والدلالات إلى ما تقدم أو تأخر في الوسائل ) . وطبع بالنجف الاشرف عام ١٣٥٦ هـ .

وسماحة آية الله العظمى السيد الخوئي له كتاب في بيان ما تقدم وما تأخر ، وبيان ما يستفاد من أحاديث الباب زائداً على ما استفاده صاحب الوسائل ، وذكر حديث آخر لم يذكره الحر في الباب مع انه يستفاد منه ما في عنوان الباب .

هذا وقد استدرك عليه العلامة النوري كتاباً كبيراً سماه مستدرك الوسائل (١) ، أورد في خاتمته فوائد نافعة .

وقد اهتم بعض العلماء بجرد حواشي الحر ـ رحمه الله ـ على نسخته التي بخط يده ، منهم العلامة المقدس الشيخ علي القمي ، لكنه فاته تشخيص مواضع الحواشي من المتن .

ودونها ثانياً الميرزا محمد الطهراني نزيل سامراء .

وقد ذكرت هذه الحواشي كلها في هوامش طبعتنا هذه بتوقيع « منه رحمه الله » .

*       *      *

__________________

(١) حقق ونشر سنة ١٤٠٧ هـ من قبل مؤسسة آل البيت لاحياء التراث .


منهج المؤلف :

صرّح المؤلف بما انتهجه في الكتاب في المقدمة بنحو إجمالي ، فقال : « . . ولم أنقل فيه الأحاديث إلّا من الكتب المشهورة المعوّل عليها التي لا تعمل الشيعة إلّا بها ، ولا ترجع إلّا إليها .

مبتدئاً باسم من نقلتُ الأحاديث من كتابه .

ذاكراً للطرق ، والكتب ، وما يتعلق بها في آخر الكتاب » (١) .

وفصّل القول عن النهج الذي سار عليه ، في آخر الكتاب ، فقال :

وصرّحْتُ بأسم الكتاب الذي نقلتُ الحديثَ منه ، وابتدأتُ بإسم مَؤلّفِه ، وعطفتُ ما بعدَه عليه ، إلّا الكُتب الأربعة ، فإنّي ابْتدأْتُ في أَحاديثها بأسماء مُؤَلّفيها ، ولم اُصَرّح بأَسْمائها :

فما كانَ مبدوءاً باسم « محمّد بن يَعقُوب » فهو من ( الكافي ) وكذا ما كانَ معطوفاً عليه .

وما كانَ مبدوءاً بإسم « محمّد بن عليّ بن الحُسين » فهو من ( كتاب منْ لا يحضُره الفقيه ) .

وما كانَ مبدوءاً بإسم « محمّد بن الحَسن » فهو من ( التهذيب ) أو من ( الاستبصار ) ، وكذا ما كان معطوفاً عليهما ، ولا فرقَ بينهما ، بل ( الاستبصار ) قطعةٌ من ( التهذيب ) (٢) .

وقد خفي منهج المؤلف في ترتيب كتابه على المبتدئين ، أو على من لا خبرة له بالعلم ، فلم يعرف أغراض المؤلف مما بنى عليه أساس عمله ، فاقتضى توضيحه ، فنقول : إنّ الشيخ الحر رحمه الله قد التزم في هذا الكتاب منهجاً بديعاً ، يتميز بميزات

__________________

(١)كتابنا هذا ، ١ / ٧ .

(٢) كتابنا هذا ، الجزء الأخير ، نهاية الكتاب .


فائقة ، هي التي سببت له الرواج بين العلماء ، نشير الى بعضها :

١ ـ تسهيل الأمر على طالبي الحديث ، لسرعة العثور على المطلوب ، وذلك بترتيب الكتاب على ترتيب الكتب الفقهية بما فيها من الأبواب ، وحسب تسلسل المواضيع المطروحة في الكتب المتداولة بين الفقهاء ، والتي يتعلمها الطلبة في المدارس الابتدائية ، ويزوالها العلماء في المراحل النهائية .

وبذلك يتمكن الجميع ، وعلى أساس ما يحفظونه من تسلسل المواضيع الفقهية المدروسة ، من العثور على الحديث في الباب المعيّن .

٢ ـ ضمّ الحديث الى ما يناسبه في باب واحد ، بحيث يتمكن الطالب من الوقوف على جميع ما يرتبط بالباب من الأحاديث الموحّدة في الدلالة ، او المتحدة في الاسناد والمتن ، في مكان واحد ، مجتمعة أمامه .

وهذا يمكّنه بسهولة ويُسْر من المقارنة بين الأحاديث ، سنداً ومتناً ، او دلالة ومفهوماً ، وبذلك تنكشف للطالب اُمور عديدة ، اضافة على ما في كل حديث من زيادة او نقصان ، بنظرة واحدة ، من دون حاجة الى مراجعة المصادر المتعددة .

٣ ـ الجمع بين شتات الأحاديث المرتبطة بباب واحد ، من مختلف المصادر ، أو من مواضع متباعدة من مصدر واحد .

وهذا لم يتيسر للطالب إلّا ببذل كثير من الجهد والطاقة .

وفي كل هذه الامور ، وغيرها من المزايا ، توفير الوقت العزيز ، على العلماء والباحثين ، بما لا يخفى أثره على تقدم العلم وسرعة التوصل الى النتائج .

ان كل هذه الآثار انما ترتبت على ما التزمه المؤلف العظيم من المنهج القويم .

ان الشيخ مع سعة دائرة عمله يبدو شديد الحرص على ضبط ما ينقله عن المصادر بدقة تامة ، فأثبت ما فيها بشكل كامل بما في ذلك اختلافات النسخ وتفاوتاتها بحذافيرها ، وذكرها كلها في هوامش الكتاب ، حتى في الحروف ، والكلمات ، فضلاً عن الجمل ، والفقرات .

فنجده كثيرا ما يضع على همزة ( أو ) علامة ( نخ ) للدلالة على أن بعض


النسخ لم ترد فيه الهمزة بل وردت فيه ( و ) فقط .

وكذلك في ضبط اسماء رجال السند ، فقد أثبت ـ كذلك ـ كل ما جاء في النسخ من اختلافات ، واشار اليها بوضع علامة ( نخ ) كلما خلت نسخة من كلمة ، أو اختلفت مع أخواتها .

وكذلك ، يستعمل هذا الاسلوب ، عند اختلاف المصادر ، وهنا يشير الى اسم المصدر الذي ورد فيه الخلاف باختصار .

ولم يحاول في أيّ مورد من موارد الاختلاف سواء في السند أو المتن الاشارة الى ما هو المختار عنده ، او الذي يجب أن تكون عليه اصول المصادر ، من الصواب والصحيح . ولا الى ما هو في النسخ المنقول عنها من التصحيف والسهو .

والسبب في ذلك كما يبدو لنا ، هو :

اولاً : هدفه من التاليف .

ان غرض المؤلف من الاقدام على تاليف هذا الكتاب هو ما ذكره في المقدمة بقوله :

« إن من طالع كتب الحديث ، واطلع على ما فيها من الأحاديث ، وكلام مؤلفيها ، وجدها لا تخلو من التطويل ، وبعد التأويل ، وصعوبة التحصيل ، وتشتت الاخبار ، واختلاف الاختيار ، وكثرة التكرار ، واشتمال الموسوم منها بالفقه على ما لا يتضمن شيئاً من الاحكام الفقهية ، وخلوّه عن كثير من أحاديث المسائل الشرعية ، وان كانت بجملتها كافية لاُولي الالباب » (١) .

فنجد ان الهدف الاساس للمؤلف ، انما الجمع الكامل ، والتنسيق والتهذيب ، دون الشرح والتعليق والتصحيح ، فتوقّع مثل ذلك في غير محله والاعتراض عليه باي شيء من ذلك ، خارج عن المنهج العلمي ، ولا يقدم عليه إلّا من جهل اساليب العلماء ، وابتعد عن أهدافهم .

__________________

(١) كتابنا هذا ، ١ / ٥ .


فإن المؤلف اذا رسم لنفسه منهجا معيناً ، فعليه أن يلتزم به إلى آخر الكتاب ، ولو خالف ذلك لاستحق الاعتراض .

وثانياً : ان ديدن المحدّثين ـ كما هو المشهور بينهم ، وعليه عمل الكبار منهم ـ هو إثبات ما في النسخ التي ينقلون عنها ، من دون تصرّف ، بل يعتبرون الذي يتصرف في النسخ على اساس من ظنّه ، غير أمينٍ في عمله وفنّه .

نعم منهم من يشترط تعريف الناقل بمواقع السهو المعلوم ، كما هو مشروح في كتب الدراية والمصطلح .

أما من التزم بايراد ما في النسخ كما هي ، من دون تصرف فلا اعتراض عليه خاصة ، اذا كان من أهل الورع والاحتياط في الدين ، فان الواجب الشرعي يفرض عليه النقل كما بلغه من دون تغيير أو تصحيح ، وإلّا لكان ناسباً الى الراوي له ، ما لم يقله .

والمؤلف وامثاله من أعلامنا منزهّون عن التعدي على النصوص ، ولو على اساس من اجتهادهم أو ظنونهم فلا يحق للجاهل بعرفهم أن يعترض عليهم ، ولا أن ينسب اليهم ما يجده في المؤلفات الحاوية على النصوص المنقولة من اختلافات .

نعم ، لو كانوا بصدد الشرح أو التصحيح ، فانهم يتعرضون لكل ما ورد من اختلافات ، لاختيار الصواب ، وهذا شأن كتب الشروح لا كتب النصوص .

وثالثاً : ان المؤلف قام بعملية جمع هذا الكتاب وتأليفه في مدة ثمانية عشر سنة (١) متنقلاً بين جبل عامل ومدينة مشهد المقدسة ، وأتمّ تاليفه سنة ( ١٠٨٨ ) ، واعاد النظر فيه ثلاث مرّات على الأقل .

فقدم به الى العلماء خدمة عظيمة ، وهو من الموسوعات القلائل التي تتوّجت بالاتمام ، بالرغم من سعة العمل وكبره ، وصعوبة المهمة وخطورتها وقد وفى بكل ما وعد به ، من اغراض تأليفه ، وأودع فيه كل ما تمنّاه وأراده ، ولو بعد طول المدّة ، وتحمل كل شدة ، حتى قام بكتابته ثلاث مرّات . ليتم ما أراد على أحسن وجه .

__________________

(١) هذا الكتاب ، الخاتمة ، الفائدة ١٢ ، ترجمة المؤلف « محمَّد بن الحسن » .


هذا كله ، مع انه اقتصر على إيراد النصوص ونقلها وتنظيمها فقط !

ولو أنّه كان تصدى لكل تلك الاختلافات الواقعة في الأسانيد أو المتون ، لما أنجز من الكتاب إلّا معشاره ، لما يقتضيه ذلك من الوقت والمدة . وهو مع ذلك لم يغفل هذا الجانب بالكلية ، فلقد قام في فترة تأليفه للكتاب بالتعليق على موارد ضرورية من الكتاب ، سواء في السند ، أو المتن ، بتعاليق قيّمة ، وجدت في النسخة الثالثة التي قام بكتابتها بخط يده رضوان الله عليه .

ولقد كان من مَنّ الله علينا أن وقعت في أيدينا فنقلنا جميع تلك التعاليق في هامش طبعتنا هذه وفي مجال التحقيق في كل واحد واحد من الأحاديث والبحث عن مشكلاتها السندية أو المتنية ، وإبداء رأيه فيها ، وكذلك البتّ في مفاداتها فقد تصدى له المؤلف في شرحه العظيم الذي سماه « تحرير وسائل الشيعة » الذي لم يخرج منه إلّا جزؤه الأول (١) .

ولو تمّ عمله هذا ، لتكوّن بذلك حَجَر يُلْقَمُ به مَنْ عوى ، وأراد التناول من قدسية المؤلف ، والحطّ من شأنه .

وان من الجفاء ـ بل الغباء ـ ان نتهم الشيخ المحدث العظيم الحرّ العاملي ، بوقوفنا على ما نراه في كتابه من اختلافات النسخ التي وصلت اليه .

فإنا نجده في مواضع عديدة يورد نصّاً فيه تصحيف واضح في السند أو المتن .

لكنه لا يتصرف فيه ولا يعلق عليه ، بل يورد بعده مباشرة ، نفس النص والسند ، من مصدر آخر ، أو موضع آخر من نفس المصدر الأول ، بشكله الصائب خالياً من التحريف أو التصحيف !

أفيتصور في حق علم محدّث أمين ، قضى عمره في هذا الفن ، وكتب الوسائل ـ ثلاث مرات ـ على الاقل ، وصرف عمره فيه تأليفاً وتدريساً وشرحاً وتحقيقاً ، وهو يكتب بخط يده الشريفة نصاً بصورتين ، مصحفاً ، وصواباً .

أفيتصوّر في حقه أنه تخفى عليه نكتة التصحيف أو يخفى عليه وجه الصواب ،

__________________

(١) الذريعة ٣ / ٣٩٣ و ٤ / ٣٥٣ و ١٦ / ٣٢٨ .


أو يعجز عن تصويب الخطأ .

إن ايراده للنص الصحيح بعد النص المصحف مباشرة ، في مواضع عديدة ، ومكرراً ، لدليل واضح على كمال تنبُّهه الى ما ورد في المورد الأول ، وأن تركه على حاله انما كان عن معرفة وفطنة ، لكنها الأمانة العلمية ، والورع الديني ، وإتباع الحق في أداء الحق الذي التزمه على نفسه .

ثم إن انجاز العمل إنما تمّ بهذه السرعة في ( ١٨ ) سنة ، بعد التزامه العملي بترك البحث في كل حديث حديث ، مع قيامه باختزال الكتابة ، كما يلي :

١ ـ فهو يختصر الاسانيد الواردة في المصادر ، كلها إلى حدّ كبير ، لا يخلّ بالمقصود ، وذلك بحذف ألفاظ الاداء والتحمل ، وتبديلها كلها بالحرف ( عن ) ، وحذف الالقاب والكنى واعمدة النسب ، كلما ذكرت في الأسانيد ، والاقتصار على الأسماء ، أو الألقاب المعروفه ، مثلاً يكتفي بكلمة ( الحميري ) عن ذكر ( عبد الله بن جعفر الحميري ) .

٢ ـ الجمع بين الأسانيد ، إذا وردت بنص واحد عن مصدر واحد ، فيما إذا إختلفت مواضعها ، أو عن أكثر من مصدر ، بالدمج والتلفيق .

فيظن من لا خبرة له بالفنّ وقوع سهو منه ، لما يراه من زيادة في السند .

٣ ـ عند إختلاف المصادر المتعددة في نص بشكل طفيف ، فإنّه ينقل النص من مصدر واحد ثم يعقبه بالمصدر الآخر قائلاً « إلّا انه زاد . . . كذا » أو « قال : كذا . . . » .

إنّ الشيخ الحر قدس الله روحه تمكن بهذا الاُسلوب من جمع كل ما ورد من الحديث مما يتعلق بجميع أبواب الفقه في هذه الموسوعة القيمة ، وفي المدة المذكورة ، بل تمكن من إعادة النظر فيه .

ولولا ذلك لما تمّ هذا العمل الضخم قطعاً فلو لم يختزل ، ولم يدمج ، ولم يختصر ، لبلغت مجلدات كتابه العشرات .

ولو بدا له أن يتكلم في كل حديث حديث متناً وسنداً لبلغت مجلداته المئات .

ولو أطال في ذلك ، لما تم إنجاز هذا العمل لما يتطلبه الشرح من وقت ومدة تقصر عنه أعمار البشر !


ولا يدرك مغزى هذه الحقيقة إلّا أهل التحقيق والعلم والفقه ، ممن يزاول البحوث العلمية ، فيجدون أن مسألة واحدة من المسائل الفقهية كم تستوعب من الوقت والجهد ، وكم تتشعب فيه البحوث اللغوية ، والاصولية ، وتحقيق المتون ونقد الأسانيد ، وملاحظة المعارضات والترجيحات ، ودفع المناقضات وما الى ذلك من جهود جبارة يبذلها الفقهاء العظام ، لتحديد معالم الاُمة في العلم والعمل ، ببلورة المسائل واستنباطها .

رابعاً ـ وأخيراً ـ :

إنّ في ما قدّمه المؤلّف على وضعه بإثباته ما في النسخ ، وعدم تصرفه في المنقولات ، فسحُ المجال للعلماء الذين يقفون على النصّ بنسخه المختلفة ليتمكنوا من ابداء آراءهم ، وإعمال خبراتهم في انتخاب ما تؤدّي إليه أفكارهم ، دون ان يحمّلهم اختياره للنصّ الذي أدى اليه نظره فقط ، فيسد باب الانتخاب والاجتهاد عليهم .

ورحم الله شيخنا الحر ، فقد أدّى واجبه بأفضل ما يمكن ، في تبليغ ما حمل من العلم حسب النسخ المتوفرة لديه والتي احتاط في التوصل اليها بأحوط ما لديه من طرق وقد ذكر جميع ذلك في الفائدة الرابعة من الخاتمة بالاجمال .

ثم ان المؤلف الحر رحمه الله قد عقد الفائدة الرابعة من خاتمة الكتاب ، لذكر مصادر الكتاب التي قسمها إلى مصادر نقل عنها بلا واسطة وهي ٨٢ كتاباً والى مصادر نقل عنها بالواسطة وهي ( ٩٦ ) كتاباً وذكر في مقدمة هذه الفائدة ما يدل على عنايته الفائقة بانتخاب النسخ الجيدة ، حسب الامكانات المتوفرة له ، بالطبع .

وهذا ، وحده ، كاف للحكم ببراءة ذمته عما ورد في الكتاب من التصحيف المستند الى تلك النسخ .

ولكن الاخفاق الذي لحق بالحديث لفترة مديدة في مدارسه حيث لم تجد لها بين المسلمين ذلك الاندفاع الذي كان في عصر الازدهار بقيام الدروس لسماع الحديث وقراءته ، اثر في إهمال هذا العلم من حيث الرعاية والمحافظة على النسخ وفقدان النسخ الاصيلة للمؤلفات القديمة ، والتي تعتبر اُصول الحديث ، من جهة اُخرى والتي


قام بتأليفها جهابذة الفن ممن كانت لهم الكلمة في حل مشكلاته ، ولا بد أن الاصول تلك لا تشوبها شائبة ، لما تدل عليه سائر آثار اولٰئك من رسوخ القدم في كل ما تعرضوا له .

ان فقدانها بلا ريب يؤثر في وقوع كل هذا الاختلاف في النسخ .

إلّا ان وجود هذا الكتاب بخط المؤلف ، وما اشبهه من المؤلفات التي تتميز بالصحة والضبط ، وتشهد بذلك ما فيها من بلاغات السماع والقراءة على علماء أعلام يخفّف من وطأة تلك الاختلافات ، ويهون من أثر مضاعفاتها .

كما أن خبرة الفقهاء وبذلهم الجهود في دروسهم العميقة بامكانها حل المشاكل العالقة ، بالحديث الشريف ، ونقاء المصادر مما خلّفته الأيام من آثار غير مقبولة .

فرحم الله شيخنا المؤلف حيث أتعب نفسه المقدسة في تهيئة هذا الكنز الثمين ، ووفّر لنا هذه الجوهرة الغالية ، فأدّاها الينا كما بلغه بأمانة ودقة .

وبقي علينا أن نحسن رعايتها والاستفادة منها .

ونشكر الله على أن وفقنا للوقوف على نسخة خط يد المؤلّف رضوان الله عليه ومكّننا من أداء الواجب العلمي بتقديمنا نصّ ما أثبته رضوان الله عليه بشكل تام ومتقن .

*       *      *


عملنا في الكتاب :

ان الجهود التي بذلها اصحاب السماحة محققا الوسائل في طبعته الحروفية الاولى كانت بلا شك جهوداً مباركة ، حيث أضنيا أنفسهما في تصحيح الكتاب وتخريج احاديثه والتعليق عليه ، فأخرجاه من عالم الطباعة الحجرية الثقيل الظل الى حيث يمكن تداوله وقراءته بسهولة ويسر .

ونحن اذ نقدم لهذا الكتاب في طبعته الحروفية الثانية لا بد لنا أولاً من تثمين دور من سبقنا في العمل وذلك من باب عدم بخس الناس اشياؤهم .

ولا بد لنا ثانياً من تقديم مبررات منطقية لاستئناف العمل بهذا الكتاب مرة ثانية ، ويمكن حصرها فيما يلي .

أولاً : لقد كان الخلل الاساسي في الطبعة الاولى هو عدم الاعتماد على نسخة بخط المؤلف مع تواجد جلّ الكتاب في مكتبات ايران ، فقد اعتمد المحققان في تصحيح نسختهما على نسخة العلامة الطباطبائي ـ صاحب تفسير الميزان ـ الذي طابقها على نسخة سماحة الشيخ محمد الخمايسي ، والذي طابقها بدوره مع نسخة المؤلف الشيخ الحر العاملي .

بينما اعتمدنا في عملنا على نسخة بخط المؤلف شملت أقساماً كبيرة من الكتاب ، أي اننا اختصرنا المسافة بالاعتماد على نسخة الاُم ، وذلك يؤدي بطبيعة الحال الى ضبط المتن بشكل أدق وأصح .

ثانياً : كتب المصنف على هوامش نسخته شروحاً وبيانات تتعلق بتوضيح عبارة أو تعريف مفردة لغوية أو دفع اشكال عن سند الحديث أو متنه لم تدرج كلها في الطبعة الاولى ، بينما ادرجت في هذه الطبعة في الهوامش وذيلت بـ ( منه قدس سره ) .

ثالثاً : ان التطور الذي أصاب جوانب الحياة المختلفة . . وتلك سنة الله عز وجل ، قد شمل فيما شمل فني التحقيق والاخراج ، ومن المؤسف اننا نجد أغلب مصنفاتنا ما بين مخطوط قابع في زوايا النسيان ينظر بحنان الى أيدي تخرجه الى عالم


النور ، وما بين طبعات قديمة أصبحت بمرور الزمن غير ملائمة لمستوى العصر .

ولم يكن هدف وطموح المؤسسة يقتصر على الجانب الاول فقط ، لذا أقدمت على العمل ثانية بتحقيق كتاب ( وسائل الشيعة ) كما هي عاكفة على العمل بتحقيق ( التبيان في تفسير القرآن ) للشيخ الطوسي مع العلم انه قد طبع حروفياً في النجف الاشرف قبل أكثر من عشرين عاماً .

رابعاً : ان الطبعة المتداولة لا تخلو من اخطاء واشتباهات ، ولعل ذلك قد زاد في بعض المواضع عن الحد المعتاد ، وقد توزعت هذه على اشكال مختلفة منها :

١ ـ الزيادة والنقصان في مفردات الحديث الواحد :

أ ـ الحديث ٥ من الباب ٤٢ من أبواب الحيض . . . قال : لا ، ليس به بأس .

والصواب : قال : ليس به بأس .

ب ـ الحديث ١٢ من الباب ١١ من أبواب لباس المصلي . . . قال : لا بأس .

والصواب قال : لا .

ج ـ الحديث ٧ من الباب ٢٨ من أبواب الصوم المندوب فيه تكرار وزيادة واضحة في الطبعة السابقة وغير واردة في النسخة الخطية .

٢ ـ عدم ضبط سند الحديث من حيث الاسم الصحيح للرواة أو غير ذلك .

أ ـ الحديث ١ من الباب ١٢ من ابواب مقدمة العبادات كان سابقاً محمد بن يحيى العمركي الخراساني ، والصحيح محمد بن يحيى ، عن العمركي الخراساني كما في المخطوطة .

ب ـ الحديث ٤ من الباب ٣٢ من ابواب المواقيت كان . . . سفيان بن عيينة ، عن الزبير . .

والصواب . . . عن ابي الزبير . كما في المخطوطة .


ج ـ الحديث ٦ من الباب ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة كان سابقاً محمد بن علي بن محبوب ، عن عبد الرحمن بن أبي الهاشم .

والصواب محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن ابن أبي الهاشم . كما في المخطوطة .

٣ ـ عدم تخريج بعض الاحاديث التي نص المصنف انها رويت في الكتاب الفلاني مثلاً واعتراف المحقق بعدم وجودها .

أ ـ الحديث ٧ من الباب ١٦ من أبواب القبلة عن المقنعة وذكر المحقق عبارة : لم نجده فيه .

في حين وجدناه في المقنعة .

ب ـ الحديث ٣ من الباب ٦ من أبواب الشفعة ذكر المصنف في ذيل الحديث : ورواه الكليني . . . الى آخره . وذكر المحقق في الهامش : ليس هذا الحديث في النسخ المطبوعة من الكافي . في حين انه موجود سنداً ومتناً .

٤ ـ الزيادة والنقصان في أحاديث الباب الواحد .

أ ـ الباب ٢٨ من ابواب الاذان والاقامة ذكر المصنف في الفهرست ان فيها ٣ أحاديث .

وكان الموجود في الطبعة السابقة اربعة احاديث علماً بان النسخة الخطية فيها ثلاثة أحاديث .

ب ـ الحديث ١ من الباب ١٤ من أبواب المواقيت كان المذكور في الطبعة السابقة حديث ملفق من حديثين في حين أن المصنف حذفه في النسخة الخطية .

٥ ـ تقديم أو تأخير بعض الاسطر عن مواقعها .

أ ـ الحديث ١٠ و ١١ من الباب ٣ من أبواب آداب الصائم هناك تكرار واضح غير مذكور في النسخة الخطية .

ب ـ الحديث ٤ من الباب ١٣ من أبواب أحكام الدواب ، وردت عبارة في ذيله . . . ورواه البرقي . . . .


في حين ان هذه العبارة تعود للحديث رقم ٣ حسب النسخة الخطية .

ج ـ الحديث ٢ من الباب ٢٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة . وردت في ذيله عبارة . . . ورواه الكليني عن علي بن ابراهيم . . . . إلى آخره . في حين ان هذه العبارة تعود للحديث رقم ١ .

نعرض كل هذا مع تقديرنا وتثميننا لصاحبي العمل الأول .

مراحل العمل :

اوّل ما قامت به المؤسسة هو تجميع النسخ الخطية بمعونة العلامة المحقق سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد عبد العزيز الطباطبائي والذي تفضّل مشكوراً بإرشادنا لمظانّها وهي كالتالي .

١ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران برقم ( ١٧٧٦ ) وهذه النسخة تبدأ من أول كتاب الوسائل ( ابواب مقدمة العبادات ) إلى آخر ( كتاب الصلاة ) . تقع هذه النسخة في ٥٤٩ صفحة ، وهي بخط المصنف قدس سره .

٢ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة ملك برقم ( ٨٠٦٩ ) وهذه النسخة تبدأ من أول الكتاب الى الباب الثالث من أبواب النفساء . وهي ليست بخط المصنف .

وقد أفادتنا هذه النسخة في قراءة تعليقات المصنف وحواشيه التي كانت مطموسة في النسخة الاُولى .

٣ ـ النسخة المحفوظة في المكتبة الرضوية برقم ( ٨٠٥ ) وهي تبدأ من اول كتاب الزكاة إلى آخر كتاب الحج . وعدد صفحاتها ٤١٩ صفحة . وهي ليست بخط المصنف أيضاً .

وقد شرع في كتابة هذه النسخة في ٦ من ذي القعدة ١١١٢ هـ وتم الفراغ منها في ٩ / ربيع الآخر / ١١١٤ هـ .

وقد نسخ القسم الأول منها ـ وهو من بدايتها الى الباب الثاني والأربعين


من ابواب ما يمسك عنه الصائم من كتاب الصيام ـ على المسودة الثانية التي اصلها بخط غير خط المؤلف ، وتصحيحاتها وإلحاقاتها بخطه قدس سره .

واما القسم الثاني من هذه النسخة ، وهو من الباب الثاني والاربعين من ابواب ما يمسك عنه الصائم إلى آخر كتاب الحج ، فقد نسخ من النسخة الثالثة التي هي بخط المصنف رحمه الله .

٤ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي ، وهى مكتوبة بخط المصنف رحمه الله .

وتبدأ من كتاب الجهاد الى آخر كتاب الوصايا .

وهي غير مرقمة الصفحات ، والظاهر أنها من ممتلكات المرحوم السيد الحجة .

٥ ـ النسخة المحفوظة في المكتبة الرضوية برقم ( ٨٩٨٧ ) .

وهي في ٢٥٥ صفحة ، بخط المصنف رحمه الله ، وقد تم الفراغ منها في أوائل شهر ربيع الأول سنة ١٠٧٢ هـ .

٦ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله السيد المرعشي النجفي برقم ( ١١٩١ ) وهي بخط المصنف قدس سره ، تقع في ٢٢٢ صفحة ، وقد تم الفراغ من نسخها في منتصف شهر رجب سنة ١٠٨٢ هـ .

٧ ـ نسخة كتاب من لا يحضره الامام ، وهو فهرست للوسائل ، صنفه المصنف رحمه الله .

ونسخته محفوظة في المكتبة الرضوية برقم ( ١٠٠٦ ) وعدد صفحاته ٢٧٠ صفحة .

وقد شرع الحر رحمه الله في تأليفه في اوائل شهر ربيع الاول سنة ١٠٨٨ هـ ، وكان فراغه منه في ليلة الجمعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ١٠٨٨ هـ .

وبهذه المخطوطات توفر لنا كتاب الوسائل كله .

وتوجد في النسخ المخطوطة شروح وتعليقات وبيان للغات المشكلة وتوضيح للعبارات ورفع الإشكالات عن متن الحديث او سنده ، وزعها الحر قدس سره في


هوامش النسخ المخطوطة ، ولم تذكر في المطبوع سابقاً من الوسائل ، وقد أدرجناها كلها في هامش هذه الطبعة . علماً بأنّا التزمنا بالرسم الإملائي للكلمة حسبما انتهجه المؤلف في كتابه .

وقد تبين لنا من مراجعة النسخ المخطوطة ، والتمرس بها عند مقابلتها أن الكتاب قد مر خلال تأليفه في ثلاث مراحل :

الاُولى : مرحلة الجمع والتأليف والاضافة والحذف ، وقد تم هذا كله في سنة ١٠٧٢ هـ .

الثانية : مرحلة التهذيب والاخراج من المسودة الى المبيضة الثانية ، وقد تمت في سنة ١٠٨٢ هـ .

الثالثة : مرحلة الدقة في التهذيب والتصحيح والامعان في المقابلة ، وقد تمت هذه المرحلة في سنة ١٠٨٨ هـ .

وبهذا يظهر ان المؤلف قدس سره صرف من عمره الشريف عشرين عاماً في تأليف هذا السفر النفيس .

وكانت منهجية العمل الجماعي الذي اختطتها المؤسسة تستدعي تشكيل عدة لجان تختص كل منها بعمل معين من فضلاء الحوزة ، ومن الشباب المؤمن الجامع بين الثقافة الدينية والدراسة العصرية . وكانت كالآتي :

١ ـ لجنة المقابلة النسخ الخطية ـ التي مر وصفها ـ ، وتثبيت الاختلافات ان وجدت . وتشكلت من الاخوة الاماجد الحاج عز الدين عبد الملك ومحمد عبد علي وعبد الرضا كاظم كريدي والسيد مظفر الحسن الرضوي ومحمد حسين الجبوري .

٢ ـ لجنة تخريج الاحاديث : عنيت بتخريج الاحاديث وعزوها الى مصادرها الاولية مع مقابلة تلك النصوص مع المصادر وتثبيت اختلافاتها وتشكلت من الاخوة الافاضل الشيخ شاكر آل عبد الرسول السماوي واسعد هاشم والسيد غياث طعمة وفاضل الجواهري وحيدر الجواهري والسيد جواد التوسلي والسيد عبد الامير احمد الشرع وعلي موسى الكعبي .


٣ ـ لجنة تخريج ما اصطلح عليه الحر قدس سره بـ ( تقدم ) و ( يأتي ) وهم أصحاب السماحة حجج الاسلام الشيخ محمد الباقري والسيد محمد علي الطباطبائي والشيخ جعفر المجاهدي والشيخ محمد الكاظمي والشيخ محمد الرسولي والشيخ الرباني .

٤ ـ لجنة ضبط اسماء رجال الاسانيد وتشكلت من اصحاب السماحة حجج الاسلام الشيخ الآهري والشيخ حليم البهبهاني .

٥ ـ لجنة ضبط النص وتقويمه : عملها السعي لتثبيت نص اقرب ما يكون لما تركه المؤلف وتعيين المصحف من الصحيح وتشكلت من سماحة الاخ المحقق حجة الاسلام السيد علي الخراساني والاُستاذ الفاضل المحقق اسد مولوي والاخ الفاضل المحقق السيد مرتضى الحيدري .

٦ ـ لجنة صياغة الهوامش : وتشكلت من صاحب الفضيلة السيد مصطفى الحيدري والاخوة الاماجد مشتاق المظفر واحمد عبد الكريم .

٧ ـ مهمة الاشراف النهائي على الكتاب كان على عاتق سماحة حجة الاسلام العلامة المحقق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي الذي أسبر الغور في زوايا الكتاب ومراجعته بدقّة للتأكد من سلامته وتسجيل ملاحظاته القيّمة عليه ، فقد أجاد فيما أفاد ، فللّه درّه وعليه أجره .

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

جواد الشهرستاني

قم المقدسة


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي


تفصيل وسائل الشيعة الجزء الأوّل ـ الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي

تفصيل وسائل الشيعة - -١

المؤلف:
الصفحات: 112