روي عن الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام وعن الامام الحسين الشّهيد عليه‌السلام

أنّهما قالا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا أبتاه ما جزاء من زارك؟.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يا بنيّ من زارني حيّاً وميتاً

أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك

كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة

فأخلصه من ذنوبه».

من لا يحضره الفقيه : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٤٤ ، ح ٧

فروع الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٤٨ ، ح ٦

بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٠٠ ، ص ١٤٠ ، ح ٧ وح ١٢

علل الشّرايع : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٤٦٠ ، ح ٥

ثواب الاعمال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٨٢.



مقدِّمة المؤلّف



بِسْمِ الله الرّحْمَنِ الرّحِيمِ.

مقدِّمة المؤلّف

الحمد لله الذي لا غاية لحمده ، الخالق الذي خصّ الإنسان عن سائر الموجودات بفهم الحقائق ، ودرك الدقائق ، ونوّر قلوب المؤمنين بأنوار ولاية أولياء الدّين ، وأتمّ الصّلاة وأكمل السّلام على الرّوح الطّاهرة لمختار الله تعالى وخلاصة أصفيائه محمّد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كشف باشراقة أنوار جماله الباهر حجب الظّلام والجهالة والضّلال عن القلوب ، وأحل محلّه العلم والهداية ، والصّلوات الزّاكيات الدّائمات على أرواح أوصيائه الكرام والنجوم الزّاهرة في سماء العلم ، وأزهار حديقة الهداية ، واللعنة الابدية على أعدائهم الذين صدّوا عن سبيل الحقيقة وكانوا أشواك طريق الشّريعة.

وبعد :

يقول العبد المذنب الغارق في بحر الخطايا الرّاجي عفو ربّه وكرمه ، محمّد بن رضي الحسيني الشّبستري ختم الله لهما بالحسنى ورزقهما خير الاخرة والاولى : إنّه لا يخفى على أصحاب البصيرة ، وأرباب الكمال والدّقة ، أنّ زيارة الجامعة الكبيرة من أعظم الزّيارات وأحسنها وتشهد فصاحة الفاظها وبلاغة فقارتها ، وعلوّ مضامينها وعباراتها أنها تنبع من عين صافية من يانبيع الوحي والالهام ، وتدل على أنها واردة من الأئمّة الدّين ومظاهر علوم ربّ العالمين عليهم‌السلام لأنّها دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.


وتشتمل فقراتها على إشارات لطيفة هي أدلة وبراهين متعلقة باصول الدّين ، وأسرار الأئمّة الطّاهرين عليهم‌السلام ، وتحتوي على لمحات من فضائل ومناقب أولياء الدّين ، وتتضمن بعض الحقوق الحقّة لاولى الامر الذين أمر الله عزّ وجلّ بطاعتهم ، وأهل البيت رغبّ ربّ العزّة والجلالة على متابعتهم ، وذوي القربى الذين أوجب مودّتهم ، وأهل الذكر الذين أكّد القرآن الكريم من بمسألتهم من خلال العديد الايات القرآنية ، والأحاديث النّبوية والاسرار الالهية ، والعلوم الغيبية ، والمكاشفات الحقيقة والحكم الرّبانية.

ولم اعثر لها شرحاً وافياً معانيها وألغازها وحقائقها السّامية لينتفع النّاس إلّا شرحاً مختصراً للعلّامة المجلسي الأوّل رحمه الله شرحه على «من لا يحضره الفقيه» (١).

ولذا أقدمت على ترجمتها وشرحها بمقدار ما اُوتيت من قلّة البضاعة ، وقلّة الدّراية في هذا الفن وحاولت توضيح المشكل ، وكشف المعضل ، فبذلت جهدي في الحاق وضم الاحديث الشّريفة ، والاخبار الطّريفة في حل متعصباتها ومجملاتها ، لأن في أحاديثهم حل معضلات كلامهم عليهم‌السلام.

واسأل الله ذو المن الهداية والتوفيق والارشاد.

وقد استلهمت غالب فوائد هذا الكتاب من إشارات شرح العلّامة المجلسي رحمه الله المختصر في «بحار الانوار» و «الانوار اللامعة» للعلّامة شبر رحمه الله.

وإعلم أن هذه الزّيارة الشّريفة منقولة من أساطين الدين وحملة علوم الائمّة الاطهار عليهم‌السلام ، واشتهرت بين العلماء وأخيار الشّيعة ، وتلقّوها بقبول حسنٍ وتدل معانيها الشّافية ، ومبانيها العالية ، ودلائلها الحقّة ، وشواهدها الصّادقة ، على

__________________

(١) وردت هذه الزّيارة المباركة في من لا يحضر الفقيه : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٧٠.


صدورها من عترة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه الزّيارة الشّريفة تحتوي على الفصاحة المضمونة والبلاغة المكنونة ، وما يغني عن ملاحظة سندها ، كسائر كلامهم عليهم‌السلام مثل «نهج البلاغة» و «الصّحيفة السّجادية» وأكثر الدّعوات والمناجاة المشهورة.

وقد نقلها شيخ الطّائفة الطّوسي رحمه الله في «التّهذيب» والشّيخ الصّدوق رحمه الله في كتابه «من لا يحضره الفقيه» و «عيون أخبار الرضا عليه‌السلام» عن محمّد بن اسماعيل البرمكي الثّقة عن موسى بن عبد الله النّخعي عن الإماام علي الهادي عليه‌السلام ، وذكر سندها في «العيون» عن الدّقاق عن الشّيباني عن الوارق والمكتب جميعاً عن الاسدي عن البرمكي عن النّخعي قال : قلت لعلي بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام : علّمني يابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم فقال الإمام عليه‌السلام :

«إذا صرت الى الباب فقف واشهد الشّهادتين وأنت على غسل ، فاذا دخلت ورأيت القبر ، فقف وقل : «الله أكبر» ثلاثين مرّة ثمّ إمش قليلاً وعليك السّكينة والوقار وقارب بين خطاك ، ثمّ قف وكبر الله عزّ وجلّ ثلاثين مرّة ، ثمّ اُدن من القبر وكبر الله أربعين مرّة تمام مأة تكبيرة ثمّ قل ... نقل الزّيارة الجامعة ...» (١).

وكذا نقلها في كتاب من لا يحضره الفقيه

يقول المؤلف : الأمر بالوقوف وقول الشّهادتين اشارة الى الآية الشّريفة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) (٢).

وكأن الزّائر عندما يتوقف يستأذن من صاحب القبر الشّريف والامام المزور ، وبقوله الشّهادتين يعرف نفسه أنه من المؤمنين والمحبّين لهم.

__________________

(١) عيون اخبار الرضا عليه‌السلام : للشّيخ الصدّوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٧٢.

(٢) الاحزاب : ٥٣.


ويحتمل أنّ يكون سبب الوقوف لأجل أن المشاهد المشرفة مدفن آيات واصفياء الله ، ومرقد الأجساد الطيبة لأئمّة الهدى عليهم‌السلام ، ومشهد المظاهر الالهية الكاملة ، وكأنّ المقام بعينه مقام الزّيارة في محضر الله عزّ وجلّ ، ولازم هذا المعنى الخشوع والخضوع والتّذلل والاضطراب للزائر ، ولا تحصل هذه الحالة النّفسية للانسان إلّا بوقوفه وعدم جرأته على الحركة.

كما ورد في زيارة سيّد الشّهداء عليه‌السلام : «من زار قبر الحسين بشطّ فرات كان كمن نار الله في عرشه». (١)

ويحتمل أيضاً ان يكون سبب الامر بالوقوف من باب والتهيوء ، لحضور القلب ، وتخليلص النيّة ، وصدق الطّوية ، كي يستفيد من بركات وفيوضات هذا المشهد الشّريف ولا يعود الى بلده خائباً صفر اليدين.

وعلّة الامر بالشّهادتين هي : أنّ هاتين الكلمتين هما الخطوة الاولى في جادة الاستقامة ، وروح الاعمال ، وفي طريق العبودية وجذور الدّيانة ، واساس الإسلام ، ولهذا السّبب أنّهما مقدّمان على جميع الاحكام والاعمال والاقوال رتبة وميمنة وتبركاً.

وأمّا سرّ الأمر بقول «الله اكبر» حين رؤية مشاهدهم عليهم‌السلام ، وجلال كبريائهم فهو عباة عن أنّ الله أكبر من كلّ كبير والكبرياء والعظمة حقيقة مختصة بذاته الرّبوبية المقدّسة وشرافة كلّ كبير وشريف من عطاياه ورشحة من رشحات كبريائه وعظمته ، أو لاستيلاء الخوف والرّعب على من يدخل ساحة كبريائهم عليهم‌السلام فكان التكبير في حالة الخوف والرّعب أمر مرغوب فيه ، والمراد من السّكينة هو اطمئناان القلب بذكر الله :

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٠١ ، ص ٧٠ ، ثواب الاعمال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٧٧.


(أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (١).

والمراد من الوقار هو اطمئنان البدن أو بالعكس. ان المراد من السّكينة اطمئنان البدن ومن الوقار اطمئنان القلب كما قيل.

وعلّة الامر بتقريب الخطوات ، إمّا لحصول كثرة الثّواب لان الزّائر يحصل في كلّ خطوة ثواباً وأجراً مقدّراً ، أو حصول الوقار ومراعاة الادب في مقام الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام.

وقبل الخوص في صلب الموضوع وبيان المطالب ، نذكر مقدّمة تشتمل على فصلين لأيضاح المراد وبيان المفاد.

الفصل الاوّل

ما ذكره الفاضل المتقي والعلّامة المجلسي رحمه الله الملا محمّد تقي والد العلّامة الباقر المجلسي رحمه الله المشهور صاحب «بحار الانوار» وما قدّمه من شرح هذه الزّيارة في شرحه الكتاب الشّريف «من لا يحضره الفقيه» فقال عند شرح هذه الزّيارة ما لفظة : «هذه زيارة جامعة لجميع الأئمّة عليهم‌السلام عند مشهد كلّ واحد ويزور الجميع قاصداً بها الامام الحاضر والباقي والبعيد ويلاحظ الجميع ولو قصد في كلّ مرّة واحداً بالترتيب والباقي بالتّبع لكان أحسن كما كنت أفعل ، ورأيت في الرؤيا الحقّة تثرير الامام أبي الحسن علي بن موسى الرّضا عليه‌السلام وتحسينه ، ولما وفقني الله قبل ثمانية وعشرون سنة لزيارة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخطر ببالي كي تتحقق الاتصال الحقيقي وتتمّ الزّيارة ، فشرعت في حوالي الرّوضة الشّريفة في المجاهدات وقضيت

__________________

(١) الرّعد : ٢٨.


أكثر أيّامي في مقام الامام صاحب الأمر عليه‌السلام حيث يقع خارج مدينة النّجف الأشرف وبعد عشرة أيّام فتح الله تعالى عليّ ببركة مولانا أبواب المكاشفات فاستقرت المحبّة المركبة من محبّة الله تعالى ومحبّة مولانا صاحب الامر عليه‌السلام وكنت في الليالي كالفراشة (كالمجنون) أطوف بباب الرّوضة المقدّسة وكنت أحياناً في رواق عمران. وفي النّهار في مقام مولانا صاحب الامر عليه‌السلام حتى أحصل على الرتبة المطلوبة ولم أمكث فيه أكثر من يومين أو ثلاثة ، وعزمت بين نفسي أن أبقى في الشّتاء في النّجف الاشرف فكانت تنفتح أبواب مكاشفات كثيرة ، بينما أنا بين النّوم واليقظة عندما كنت في رواق عمران جالساً كأنّي في حرم العسكريين عليهما‌السلام ورأيت مشهدهما في نهاية الارتفاع والزّينة وعلى ضريحها قطيفة خضراء من المخمل ورأيت مولاي ومولى الانام صاحب الامر عليه‌السلام جالساً وظهره على القبر ووجهه الى الباب ، فلمّا رأيته شرعت في هذه الزّيارة بالصّوت المرتفع كالمداحين ، فلمّا أئممتها قال عليه‌السلام : «نعمت الزّيارة».

قلت : مولاي روحي فداك زيارة جدّك وأشرت الى نحو القبر.

قال عليه‌السلام : نعم اُدخل ، فلمّا دخلت وقفت قريباً من الباب.

فقال عليه‌السلام : تقدم.

فقلت : مولاي أخاف أن أصير كافراً بترك الأدب.

فقال عليه‌السلام : لا بأس إذا كان بإذننا ، فتقدّمت قليلاً ، فكنت خائفاً مرتعشاً.

فقال عليه‌السلام : تقدم تقدم ، حتّى صرت قريباً منه عليه‌السلام قال : اُجلس.

قلت : أخاف يا مولاي.

قال عليه‌السلام : لا تخف ، فلمّا جلست جلسة العبد الذّليل بين يدي مولى الجليل ، قال عليه‌السلام : استرح واجس مربعاً فإنّك تعبت جئت ماشياً حافياً.

والحاصل : أنّه وقعت منه عليه‌السلام بالنّسبة الى عبده ألطاف عظيمة ومكالمات


لطيفة لا يمكن عدُّها ونسيت أكثرها ، وإنتبهت من تلك الرّؤيا ، وإنقلب عشق الامام عليّ عليه‌السلام الى العشق بصاحب الامر عليه‌السلام وحصل في ذلك اليوم أو بعده أسباب الزّيارة بعد أن كان الطّريق مسدوداً في مدّة طويلة وبعد ما حصلت ال موانع العظيمة ارتفعت بفضل الله وتيسّرت الزّيارة بالمشي والخفاء كما قال الصّاحب عليه‌السلام وكنت ذات ليلة في الروضة المقدّسة وزرت مكرراً بهذه الزّيارة وظهر لي في الطّريق والرّوضة كرامات عجيبة ، بل معجزات غريبة يطول ذكرها.

والحاصل : أنّه لا شك أنّ هذه الزّيارة من أبي الحسن الهادي بتقرير الصّاحب عليه‌السلام وأنّها أكمل الزّيارات وأحسنها ، بل بعد تلك الرؤيا كنت أكثر الأوقات أزور الأئمّة عليهم‌السلام بهذه الزّيارة في العتبات العاليات ما زرتهم إلّا بهذه الزّيارة.

وبغض النّظر عن هذه الرّؤيا ، فإنّ ما تشتمل عليها هذه الزّيارة من الفصاحة والبلاغة وشمولية الأوصاف فكلّ فقرة منها وردت في الاخبار والاحاديث عن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام فهو دليل قاطع على صحتها ، مع أنّ الشّيخ الجليل الصّدوق رحمه الله حكم بصحتها في كتاب «من لا يحضره الفقيه» وكتاب «عيون أخبار الرّضا» ورواتها ثقاة إلّا موسى الذي لم يرد فيه توثيق صريح ، والصّدوق رحمه الله أعرف بالرّجال من الآخرين.

إنتهى كلام العلّامة المجلسي رحمه الله وبهذا تمّ هذا الفصل وكان ذلك المرحوم عدلاً وصادقاً مصدقاً.

* * *


الفصل الثاني

شمّة من ثواب زيارة المعصومين عليهم‌السلام : واعلم أنّ الشّيخ الكليني رحمه الله في الكافي ، والشّيخ الصّدوق رحمه الله في الفقيه ، والشّيخ الطّوسي رحمه الله في التّهذيب والاستبصار نقلوا أحاديث كثيرة في ثواب وفضيلة زيارة الأئمّة عليهم‌السلام ونحن ننقل عدّة من هذه الاحاديث التي تبيّن لنا أهمية الزّيارة وثوابها وفضيلتها ، ولتحريض المحبين لزيارتهم والالتزام بها من القريب والبعيد ، فقد ورد بسند صحيح في هذه الكتب عن الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام وعن الحسين الشّهيد عليه‌السلام أنّهما قالا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبتاه ما جزاء من زارك؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا بنيّ من زارني حيّاً وميتاً أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة فأخلصه من ذنوبه». (١)

وكذا في حديث عن الامام الصّادق عليه‌السلام قال : بينا الحسين بن علي عليه‌السلام في حجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ رفع رأسه فقال : يا أبه ما لمن زارك بعد موتك؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا بنيّ من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة». (٢)

وكذلك في نفس الكتب الشّريفة في حديث كأثور عن الامام الرّضا عليه‌السلام قال :

«إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإن من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً فيما رغبوا فيه كان أئمّتهم شفعاؤهم يوم القيامة». (٣)

وكذلك روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ، للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٤٤ ، فروع الكافي ، للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٤٨ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٠٠ ، ص ١٤٠ ، علل الشّرايع ، ص ٤٦٠ ، ثواب الاعمال : ص ٨٢.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ١٠٠ ، ص ١٤٢ ، كامل الزيارات ، ص ١٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ، ج ٢ ، ص ٣٤٥ ، فروع الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٦٧.


«يا عليّ من زارني في حياتي أو بعد وفاتي أو زارك في حياتك أو بعد وفاتك أو زار إبنيك في حياتهما أو بعد وفاتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها وشدائدها حتى أصيّره معي في درجتي». (١)

وروي عن بشير الدّهان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربّما فاتني الحجُّ فأعرف (٢) عند قبر الحسين عليه‌السلام؟ قال الامام الصّادق عليه‌السلام :

«أحسنت يا بشير أيما مؤمن أتى قبر الحسين عليه‌السلام عارفاً بحقّه في ويم عيد كتبت له عشرون حجّة وعشرون عمرة مبرورات متقبلات ، وعشرون غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عادل ، ومن أتاه في يوم عيد كتبت له ألف حجّة وألف عمرة مبروات متقبلات وألف غزوة مع نبيّ مرسل أو إمام عادل».

قال بشير : قلت له عليه‌السلام : وكيف لي بمثل الموقف؟.

قال بشير : فنظر إليّ الامام شبه المغضب ، ثمّ قال عليه‌السلام : «يا بشير إنّ المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه‌السلام يوم عرفة فاغتسل بالفرات ثمّ توجه إليه كتب الله عزّ وجلّ له بكلّ خطوة حجّة بمناسكها ، ولا أعلم إلّا قال عليه‌السلام : وعمّرة». (٣)

وقد وردت الرّوايات الكثيرة في زيارة كلّ إمام من الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام وثوابها ، وتطرق إليها العلماء في كتب الزّيارة بصورة مفصلة ، ولاجل معرفة أهميّة زيارتهم عليهم‌السلام وثوابها ذكرنا في هذا الموجز شمّة منها تكميلاً للفائدة وتتميماً للعائدة ومن الله سبحانه التّوفيق وحسن الخاتمة.

السّيد محمّد الوحيدي

١٥ / جمادي الآخرة / ١٣٧٣ هـ. ق

__________________

(١) من لا يحضره الفقية : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٤٥ ، فروع الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٦٧.

(٢) أي أكون في يوم عرفة عند قبر الحسين عليه‌السلام.

(٣) من لا يحضره الفقيه : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٤٦.



شرح زيارة الجامعة الكبيرة



(السَّلامُ عَلَيكُمْ)

إعلم إنّهم اختلفوا في معنى هذا اللفظ ، فبعض قالوا : إنّه يدل على الدّعاء ـ يعني سلمتم من المكاره والآفات ـ ولذا سمّيت الجنّة «دار السّلام» (١) وأيضاً بهذه المناسبة فإنّها سالمة من المكاره والآفات ومشحونة بأنواع الافراح والسّعادة.

وقال بعضهم : معناه هو عليك إسم الله تعالى ، لأنّ السّلام من الأسماء الالهية ـ يعني أنت محروس بحفظ الله تعالى ويمكن أن يكون معنى السّلام الدّعاء بالسّلامة والعافية فعندما تلقي السّلام على أحدٍ تريد له السّلامة والنّجاة من آفات الدّنيا أو عذاب الآخرة أو كليهما ، ثمّ وضعه الشّارع المقدّس موضع التّحية والبشارة في مقام التّعارف واللقاء.

قد يستعمل النَّاس هذا الكلام عند لقاءهم في مقام التّحية.

(يَا أهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ)

يراد من أهل البيت هم الائمّة عليهم‌السلام (٢) ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم ، والرّسالة السّماوية نزلت في بيوتهم ، وأهل البيت أدرى وأعرف بما فيه. والأهل في اللغة بمعنى

__________________

(١) قوله تعالى : (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ) أي دار الله وهي الجنّة نسبها سبحانه إليه لشرفها.

(٢) كما أن القرآن الكريم أوصى بمودّة ذوي القربى كذلك الرّسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله كان دائماً يوصي أصحابه بحفظه في أهل بيته منها ما ورد في ذخائر العقبى : للطبري ، ص ١٨ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإنّي أخاصمكم عنهم غداً ، ومن أكن خصمه أخصمه ، ومن أخصمه دخل النّار» وابن حجر في الصّواعق : ص ٢٢٨ ، والشّبلنجي الشّافعي في نور الابصار : ص ١٠٥ ، الشّعراني في لطائف المنن : ص ١٢٩ ، بلفظ «الله الله في أهل بيتي». والقاضي عياض في كتابه الشّفاء : ج ٢ ، ص ٤٠٢ ، بلفظ : «أنشدكم الله أهل بيتي» ، والنبهاني في الشّرف المؤبد : ص ١٨٩. وغيرهم.


بما في حوزة الانسان من الاولاد ، ومن أنِسوا به وسكنوا في داره وهذا جارٍ على ألسنة العرب ، عند لقائهم يقولون : «أهلاً وسهلاً» يعني جئت أهلك الذين تأنس بهم ونزلت محل الرّاحة والاطمئنان لا نصب فيه ولا تعب.

وبما أن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام ممن ألفوا وأنسوا في بيت النّبوة والرّسالة قيل لهم أهل بيت النّبوة (١) ، وورد في كتاب معاني الاخبار عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام : من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال الإمام عليه‌السلام : ذرّيّته.

فقلت : من أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال الإمام عليه‌السلام : الأئمّة الاوصياء.

فقلت : من عترته صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

فقال الإمام عليه‌السلام : أصحاب العباء.

فقلت : من أمّته؟

قال الإمام عليه‌السلام : المؤمنون ... (٢)

قال المرحوم السيد شبر رحمه الله في الانوار اللامعة : قال بعض أرباب الكمال في تحقيق معرفة الآل ما ملخصه : أن آل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كل من يؤول إليه وهم قسمان :

الاوّل : من يؤول إليه مآلاً صورياً جسمانياً كأولاده ومن يحذو حذوهم من أقاربه الصَّوريين الذين يحرم عليهم الصّدقة في الشّريعة المحمّدية.

__________________

(١) ورد في كتاب الاحتجاج للشّيخ الطّبرسي رحمه الله قال الرّاوي كنت عند أمير المؤمنين عليه‌السلام فجاءه ابن الكوا فقال : يا أمير المؤمنين قول الله عزّ وجلّ : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا). فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى من أبوابها ، نحن أبواب الله وبيوته التي يؤتى منها فمن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها إن الله عزّ وجلّ لو شاء عرف النّاس نفسه ويأتوه من بابه ، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وبابه وسبيله الذي منه يؤتى ثمّ قال : فمن عدل عن ولايتنا وفضّل غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها وأنّهم عن الصّراط لناكبون» ، ج ١ ، ص ٥٤٠.

(٢) معاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، باب معنى الآل ، ص ٩٤ ، ح ٣.


الثّاني : من يؤول إليه مآلاً معنوياً روحانياً وهم أولاده الروحانيون من الأولياء الرّاسخين والعلماء الكاملين والحكماء المتألهين المقتبسين للعلوم من مشكاة أنوار خاتم النّبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ريب أن النسبة الثانية آكد من الأولى وإذا أجتمعت النسبتان كان نوراً على نور كما في الأئمّة المشهورين من العترة الطاهرين وكما أن الصدقة حرام على أولاده الصوريين ، فكذلك تحرم الصّدقة المعنوية على الأولاد المعنويين أعنى تقليد الغير في العلوم الالهية والمعارف الربانية الاحكام الشّرعية (١) ، بل يجب على الاخرين أخذ المعارف الكلية منهم عليهم‌السلام.

النّبوة ـ في الاصل يعني الرفعة ، ولذا يقال للمرسل من قبل الله «النّبي» لأنه له مقامه أرفع وأنبل عن مقام سائر النَّاس بسبب تحمَّله أعباء الرسّالة الالهية الشّريفة الرّفيعة.

فعلى هذا ، النّبوة أو النّبي «واوي الاصل» من ني ـ ينبو ـ نباوة ـ ويقال الذي إرتفع من الارض وأخضر ، والمعنى الاصطلاحي للنّبي يطلق على من أخبر عن الله عزّ وجلّ بغير واسطة بشر ، ويكون أعم من أن يكون له شريعة مثل «نبيّ الاسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله» أو ليس له شريعة مثل «النّبي يحيى عليه‌السلام» فأشتراكهما في وجه التسمية لأن كلاهما يخبران عن الله عزّ وجلّ ، فعليه يكون أصل معنى النّبوة من الانباء المهموز اللام فهو بمعنى الخبر.

وورد في الاخبار المنقولة عن الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام ، في الفرق بين النّبي والرّسول والامام ، أن لحسن بن العباس المعروفي كتب إلى الإمام الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرّسول والنّبي والإمام؟ قال : فكتب ـ الإمام عليه‌السلام ـ أو قال :

__________________

(١) الانوار اللامعة : للعلّامة شبر رحمه الله ، ص ٤٠.


«الفرق بين الرّسول والنّبي والإمام ، أنّ الرّسول الذي ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه بالوحي ، وربّما رأى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه‌السلام ، والنّبي ربّما سمع الكلام وربّما رأى الشخص ولم يسمع ، والإمام الذي يسمع الكلام ولا يرى الشّخص» (١).

(وَمَوْضِعَ الرِّسَالَةِ)

يقال موضع الرسالة لمن كان مخزن علوم ومعارف جميع أنبياء الله وموضع أسرار رسل الله عليهم‌السلام. أو معناه القوم الذين جعفل الله عزّ وجلّ الرّسالة منهم ولكن المعنى الأوّل أظهر. لأنّه ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال :

«كنت إذا دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أختلى بي وأقام عني نساءه فلا يبقي عنده غيري وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عنّي فاطمة ولا أحداً من بنييّ» (٢).

يعني لم يقم عنّي فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

(وَمُخْتَلَفَ المَلائِكَةِ)

موضع تردد الملائكة ونزولهم وعروجهم ، أمّا لأكتساب العلوم الالهية والمعارف الرّبانية ، والاسرار الملكوتية من مقامهم السّامي وشأنهم العظيم ، لانّهم أعلم وأفضل من الملائكة ، كما يدل على هذا العقل والنقل. ورد في الحديث الشّريف

__________________

(١) أصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٦ ، الاختصاص : ص ٣٢٨. وراجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٧٤ و ٧٥.

(٢) أصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٦٤ ، ح ١ باب : «اختلاف الحديث».


عن طريق الشّيعة والسنّة عن جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«إنّ الله خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين من نور ، فعصر ذلك النّور عصرة فخرج منه شيعتنا فسبَّحنا فسبَّحوا وقدَّسنا فقدَّسوا وهلّلنا فهلّلوا ومجّدنا فمجّدوا فوحَّدنا فوحّدوا ثم خلق الله السماوات والارضين وخلق الملائكة فمكثت الملائكة مائة عام لا تعرف تسبيحاً ولا تقديساً ولا تمجيداً فسبّحنا وسبّحت شيعتنا فسبّحت الملائكة لتسبيحنا ... وهكذا في البواقي ... فنحن الموحِّدون حيث لا موحِّد غيرنا ...» (١).

أو أنّ نزول وعروج الملائكة كان لأجل أنّ يتبركوا بهم ويتشرفوا بخدمتهم ، ويلتزموا بصحبتهم.

ووردت روايات كثيرة بهذا المعنى بنزول الملائكة في بيوتهم الشّريفة وبصورة دائمة ومستمرة ، وبسبب كثرة عروجهم ونزولهم لم يكن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتكيء على الوسادة ، ويتساقط شيء من زغبهم فيجمع الأئمّة عليهم‌السلام ذلك ويمسحون به على أعين أطفالهم ويعالجونهم من المرض ، كما عن أبي حمزة الثّمالي قال : ـ دخلت على علي بن الحسين عليه‌السلام فأحتبست في الدّار ساعة ، ثمّ دخلت البيت وهو يلتقط شيئاً وأدخل يده من وراء السّتر فناوله من كان في البيت ، فقلت : جعلت فداك هذا الذي أراك تلتقطه أيّ شيء هو؟

فقال الإمام عليه‌السلام : «فضلة من زغب الملائكة نجمعه إذا دخلونا ، نجعله سيحاً لأولادنا»

فقلت : فجعلت فداك وإنّهم ليأتونكم؟

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ٣٤٣ ، عن جامع الاخبار : ص ٩.


فقال الإمام عليه‌السلام : يا أبا حمزة إنّهم ليزاحمونا على تُكأتنا (١) (٢).

كان الملائكة ينقلون لهم أخبار السماء عن الله عزّ وجلّ ، ويحدثونهم ، ويطلعونهم بالعلوم الغيبية ، لان الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام كانوا محدّثين كما ورد ذلك في كثير من الرّوايات قالوا : نحن المحدثون (٣) يعني نحن من الذين ينزل علينا الملائكة من الله عزّ وجلّ بالاحاديث والعلوم الجديدة.

ويقال المحدَّث للذي يسمع صوت الملائكة ولا يراه.

(وَمَهْبِطَ الوَحْي)

محط نزول الوحي ، والمراد من الوحي إمَّا الالهام أو الإعلام أو الرّسالة ، فهم مهبط الوحي ، وإمّا باعتبار نزول الوحي على النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيوتهم ، فقد ورد في حديث صحيح عن يحيى بن عبد الله أبي الحسن صاحب الدّيلم (٤) قال : سمعت جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول وعنده أناس من أهل الكوفة :

«عجباً للنّاس إنّهم أخذوا علمهم كله عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فعملوا به ، وأهتدوا ويرون أنّ أهل بيته لم يأخذوا علمه ، ونحن أهل بيته وذرّيته في منازلنا نزل الوحي ، ومن عندنا خرج العلم إليهم ، أفيرون أنّهم علموا وأهتدوا وجهلنا نحن وضللنا ، إنّ هذا لمحال» (٥).

__________________

(١) تكأة بالضم كهمزة ما يعتمد عليه حين الجلوس.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٩٤ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٣٥٣ ، بصائر الدّرجات : ص ٢٦.

(٣) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ٦٦ الى ٨٥ ، وكذلك أمالي ابن الشّيخ : ص ١٥٤ ، وبصائر الدّرجات : ص ٩٣ ، الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٨٠.

(٤) الظّاهر هو يحيى بن عبد الله بن الحسن كما في كتب الرّجال.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٩٨ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٥٨ ، الامالي : للشّيخ المفيد رحمه الله : ص ٧١.


وقد يراد من كونهم مهبط الوحي بسبب نزول الوحي عليهم وحديث الملائكة معهم في غير الامور والاحكام الشّرعية ، مثل الاُمور الغيبية من قبيل الارزاق والآجال والسعادة والشقاوة المتعلقة بالنفوس (لان الشريعة مختصات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) حيث يتنزل الوحي على كل أمام في عصره بصورة الهام. أو أعم من الغيبيات والاحكام والامور الشرعية التي تتنزل في ليلة القدر ، وهذا المعنى لا يتنافى مع القول بأنّ الله تعالى أكمل الدّين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولّمه لوصية الكريم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وهو علّمه بدوره للأوصياء من بعده ـ لانّه على تقدير وقوع هذا الامر ، فانّ نزولهم بالشرائع والاحكام للتأكيد والتّبين.

وتدلّ على ذلك جملة من الاخبار ، منها ما ورد في الكتاب الشّريف «اصول الكافي» عن محمّد بن مسلم قال : ذكر المحدّث عند أبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام فقال : إنّه يسمع الصوت ولا يرى الشخص.

فقلت له عليه‌السلام : جعلت فداك ، كيف يعلم أنّه كلام الملك؟

قال الإمام عليه‌السلام : «إنّه يعطي السّكينة والوقار حتى يعلم أنّه كلام ملك» (١).

والمأثور عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنه قال :

«إنّ علمنا غابر ، ومزبور ، ونكت في القلوب ، ونقر في الأسماع» ثمّ قال عليه‌السلام : «أما الغابر ممّا تقدم من علمنا ، وأمّا المزبور فما يأتينا ، وأمّا النّكت في القلوب فإلهام ، وأمّا النّقر في الأسماع فأمر الملك» (٢).

(وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ)

ومعدِن ـ بكسر الدّال ـ على وزن مجلس ، بمعنى محل ومكان ، والأئمّة عليهم‌السلام معدن

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧١ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٦٨.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٦٤ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٦٠ ، عن بصائر الدرجات : ص ٩٤.


الرّحمة الالهية ، سواء كانت عامّة أو خاصّة تنزل على الموجودات والقوابل بسببهم وببركتهم ، حتى نزول الارزاق والامطار على الخلائق لأجلهم وتعظيماً لشأنهم كما ورد في الاخبار الشريفة ، ونحن سوف نشير إليها في فقرة «وبكم ينزل الغيث» ولعل كونهم معدن الرّحمة لأنّه لولاهم لساخت الارض بأهلها. كما ورد عن أبي حمزة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتبقى الأرض بغير أمام؟

قال الإمام عليه‌السلام : «لو بقيت الأرض بغير الإمام لساخت» (١).

يمكن أن يراد بها أنّهم مظاهر رحمة الله ، إذ رحمتهم للخلق وشفقتهم على اُمّة جدّهم سيما محبيهم وشيعتهم قد بلغت الغاية ، وتجاوزت النهاية كما ورد في الحديث ما معناه : «إنّ أعمال الشّيعة تعرض عليهم : في كل يوم جمعة وعشيتها ، فما كان من حسنة أسرَّتهم وطلبوا من الله الزّيادة وما كان من سيئة أحزنتهم واستغفروا الله عزّ وجلّ لهم» (٢).

ويمكن أن يراد بها مقام شفاعتهم في يوم القيامة ويوم الفزع الاكبر حيث ، أنّ النّاس يستفيدون من شفاعتهم ومحبّتهم ، وفي الحديث عن الامام الصّادق عليه‌السلام قال : «والله ما أخاف عليكم إلّا البرزخ ، فأمّا إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم» (٣).

(وَخُزَّانَ العِلْمِ)

فعندهم خزائن العلوم الالهية (٤) وقد أحاطوا بأسرارها الرّبانية ومعارفها

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٨.

(٢) وردت أحاديث كثير عنهم عليهم‌السلام بهذا المضمون اُنظر الى اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٩ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٣٣ الى ٣٥٣ ، وتفسير نور الثّقلين : لعلي بن جمعة العروسي الحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٦٣ الى ٢٦٥.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٢١٤ ، عن تفسير عليّ بن ابراهيم القمي : ص ٤٤٧ و ٤٤٩ ، وقريب من هذا المعنى في روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٦٦.

(٤) وكذلك خزان الاسرار النّبوية ، كما ورد عن محمّد بن منذر قال : كان علي إذا قال شيئاً لم يشكّ فيه ، وذلك إنّا سمعنا


الحقّة ، وكلّ ما ورد في الكتب السماوية من رموز حقائقها موجود عندهم ومخزون لديهم ، فصدورهم صدوق علم الله. وهم الرّاسخون في العلم ، العالمون بتأويل كتاب الله عزّ وجلّ. وقد اُوتوا فصل الخطاب ، وقد روى أبو بصير عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «نحن الرّاسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله» (١).

وعن عبد الله بن جندب أنه كتب إليه لرضا عليه‌السلام :

«أمّا بعد ـ فإنّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أمين الله في خلقه فلمّا قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كنّا أهل البيت ورثته ، فنحن أمناء الله في أرضه (٢) ، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ، ومولد الاسلام (٣) ، وإنّا لنعرف الرّجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان ، وحقيقة النّفاق ، وإنَّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ، ليس على ملّة الاسلام غيرنا وغيرهم ، نحن النّجباء (٤) ، النُّحاة (٥) ، ونحن أفراط الانبياء (٦) ونحن أبناء الأوصياء ، ونحن المخصوصون في كتاب الله عزّ وجلّ ونحن أولى الناس بكتاب الله ، ونحن أولى الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن الذين شرع الله لنا دينه فقال في كتابه (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا) وقد وصّانا بما وصى به نوحاً

__________________

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «خازن سرّي بعدي علي» أمالي ابن بابويه : ص ٤٩١ ط النّجف.

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٣.

(٢) أي على علومه وأحكامه ومعارفه.

(٣) لعل التّخصيص بهم لكونهم أشرف أو لكونهم في ذلك أهم وقد كان فيهم أولاد الحرام عادوا الأئمّة عليهم‌السلام ونصبوا لهم الحرب وقتلوهم أو مولد الاسلام أي يعلمون كلّ من يولد هل يموت على الاسلام أو على الكفر ، وقيل موضع تولده ومحل ظهوره.

(٤) النّجباء : جمع النّجيب وهو الفاضل الكريم السّخي.

(٥) النُّجاة : بضم النون جمع ناج كهداة وهادٍ.

(٦) ونحن أفراط الانبياء ، أي أولادهم أو مقدموهم في الورود على الحوض ودخول الجنّة أو هداتهم أو الهداة الذين أخبر الانبياء بهم. قال في النهاية : الفرط بالتحريك الذي يتقدم الواردة.

وفي الحديث : «أنا فرطكم على الحوض» ومنه قيل للطفل : اللهم أجعله لنا فرطاً أي أجراً بتقدمنا حتى نرد عليه وفي القاموس : الفرط العلم المستقيم يهتدي به ، والجمع أفرط ، وأفراط.


(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) يا محمّد (وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ) فقد علمنا وبلغنا علم ما علمنا وأستودعنا علمهم ، نحن ورثة أولي العزم من الرّسل (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) يا آل محمّد (وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وكونوا على جماعةٍ (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ) من أشرك بولاية عليّ (مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) من ولاية عليّ (إِنَّ اللَّـهَ) يا محمّد (يَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) (١) من يجيبك إلى ولاية عليّ عليه‌السلام» (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام :

«والله إنّي أعلم كتاب الله من أوّله إلى آخره كأنّه في كفي خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن قال الله عزّ وجلّ (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (٣) (٤).

وعنه عليه‌السلام : قال الله تعالى : (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) (٥).

ففرج أبو عبد الله عليه‌السلام بين أصابعه فوضعها في صدره ثم قال : «وعندنا والله علم الكتاب كلّه» (٦).

فائدة : عندما نتتبع الاخبار الشريفة ، ونتفحص الآثار الواردة عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام يظهر لنا مراتب علومهم العجيبة ، حيث لم يبخلوا بعلومهم على الناس سواء كانت علوم تكوينية أو علوم تشريعية ، ولكن العلماء العاملين الذين استطاعوا أن يستفيدوا من فيوضات بحار علومهم قد أصلحوا سريرتهم وطهروا

__________________

(١) الشّورى : ١٣.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٣) النّحل : ٨٩.

(٤) تفسير نور الثقلين للحويزي ، ج ٣ ، ص ٧٦ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٩.

(٥) النّمل : ٤٠.

(٦) تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٨٩ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٩.


نفوسهم ، وراقبوا أنفسهم ، وراعوا آداب التعليم والتعلم ، أمّا من لم يتمكن من تطهير نفسه من الرّذائل ، وقد غرق في المعاصي والاثام وابتلى في أمور الدنيا بالتّكبر ، ولم يغسل قلبه من الادران الظّلمات السّوداء ، فأستولت على صفحاته الاُمور الاعتبارية ، فقد انحرف عن الاسرار الالهية المخزونة في صدور الأئمّة عليهم‌السلام ، ورأيت في كلمات بعض الافاضل قال : من أراد أن يتعلم الحقائق من منبع الفيوضات الكاملة للعلماء وتكون له أرضية مستعدة لقبول ترشحات العلوم الحقيقية. فيجب عليه أن يراعي أموراً ثلاثة :

الاوّل : أن يُعلّم نفسه بالاجتناب عن الرّذائل ويظهّرها من الادران ، كما أن الفلّاح عندما يريد أن يزرع أيضاً ويلقي فيها بذراً يطهرها من الخبائث والآفات والنباتات الزّائدة ، لان الشيء الطّاهر ، والعلم النّافع لا يختار لنفسه مسكناً إلّا في أرض ومحل طاهرين ، وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب يعني أنّه اذا لم يطهر قلبه من الافات والمعاصي والصفات الرّذيلة لا يكون محلاً وموطناً للانوار الالهية ، ولا تشرق عليها شمس العلوم الحقّة ، ولا يكون صالحاً لالقاء بذر التوحيد والمعارف الرّبانية ، وهكذا اذا لم يطهر الإنسان زوايا قلبه من الكلاب والاهواء والنفس ووسواس الشّيطان فلا يكون محلاً لنزول الملائكة والالهامات الرّبانية.

الثّاني : يجب على المتعلم السعي الى ردع نفسه من الاشتغال بالامور الدّنيوية الفانية ، كي يتوفر له مجالاً أوسع في تحصيل العلوم الحقيقية ، قال الله تعالى : (مَّا جَعَلَ اللَّـهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (١) كي يستطيع أن يشتغل بالامور الدّنيوية وباحدهما ، ويسعى بالاخر الى تحصيل العلوم الاخروية!!.

عندما تتشتت أفكار الانسان في تحصيل الزخارف الدّنيوية ، فينقسم همّه

__________________

(١) الاحزاب : ٤.


كالجدول الذي يتفرق ماؤه في الجداول الاُخرى ، فتجذب الارض شيئاً من مائه ، ويجفّ قسم منه بسبب حرارة الجو ولا يبقى منه سوى شيء ضئيل غير نافع ، أمّا لو أجتمعت تلك المياه في جدول واحد ولم تتفرق فانها تصل إلى المزراع وترويها فتخضر وتثمر.

الثّالث : أن لا يتكبر المتعلم على معلمه ، بل يبقى دائماً خاضعاً له ولعلمه.

(وَمُنْتَهَى الحِلْمِ)

فإنهم عليهم‌السلام منتهى غاية الحلم ، بل كمال الصبر وكظم الغيظ ، أو أنّهم محل العقل الكامل ، والمعنى الاول أقرب ، لأن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام حازوا بهذه الصّفة أعلى مراتبها وأقصى درجاتها (١) ، إذا أردانا ذكر الاحداث المنقولة عنهم عليهم‌السلام في الصبر والحلم بالنسبة الى جهال هذه الامّة أو بالنسبة الى من بيوتهم من الحشم والخدم ، ومعاملتهم مع أعدائهم والمعاندين لخرج هذا المختصر عن طوره ، ولكن نكتفي بذكر عدّة روايات في هذا الباب ، فقد روي إنّ شامياً رآى الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام راكباً فجعل يلعنه والامام الحسن المجتبى عليه‌السلام لا يردّه ، فلمّا فرغ أقبل الامام فسلّم عليه‌السلام عليه وصبره وضحك بوجهه فقال :

«أيّها الشّيخ أضنك غريباً ولعلك شبهت ، فلو إستعتبتنا أعتبناك ، ولو سألتنا أعطيناك ، ولو أسترشدتنا أرشدناك ، ولو أستحملتنا أحملناك ، وإن كنت جائعاً أشبعناك ، وإن كنت عرياناً كسوناك ، وإن كنت محتاجاً أغنيناك ، وإن كنت طريداً آويناك ، وإن كان لك حاجة قضيناها لك ، فلو حركت رحلك إلينا ، وكنت ضيفنا الى وقت إرتحالك كان أعود عليك ، لانّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً

__________________

(١) أنّ الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام منتهى طرفي الحلم في الاصول والفروع في الغيب والفروع في الشّهادة ، انظر الى الكتب التي تفسر معنى الحلم وتذكر تشعباتها المأة ، منها ، الرّشد وتشعباتها ، ومنها ، المداومة على الخير تشعباتها وو ...


ومالاً كثيراً».

عندما لمس الشامي حلم الإمام عليه‌السلام ورأفته وصبره وأخلاقه وكرمه ندم ممّا صدر منه ، وأدرك الحق وعلو شأن الإمام عليه‌السلام.

وبكى ثم قال : أشهد أنك خليفة الله في أرضه ، والله أعلم حيث يجعل رسالته ، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ ، وحول رحله إليه ، وكان ضيفه إلى أن إرتحل ، وصار معتقداً لمحبتهم (١).

وروي المرحوم الكليني في كتابه الشريف «الكافي» : أن الإمام الصادق عليه‌السلام بعث غلاماً له في حاجة فأبطأ فخرج أبو عبد الله عليه‌السلام على أثره لما أبطأ فوجده نائماً ، فجلس عند رأسه يروحه حتى إنتبه فلمّا إنتبه قال له الصادق عليه‌السلام : «يا فلان والله ما ذلك لك تنام الليل والنّهار ، لك الليل ولنا النّهار» (٢).

وعن معتب قال : كان الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام في حائط له يصرم (٣) فنظرت إلى غلام له قد أخذ كارة من تمر فرمى بها وراء الحائط فأتيته فأخذته وذهبت به إليه فقلت : جعلت فداك أني وجدت هذا وهذه الكارة.

فقال الإمام عليه‌السلام للغلام : فلان ، قال : لبيك ،

قال عليه‌السلام : أتجوع ،

قال : لا يا سيّدي.

قال الإمام عليه‌السلام : فتعرى.

قال العبد : لا يا سيّدي.

قال الإمام عليه‌السلام : فلأي شيء أخذت هذا؟

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ٤٣ ، ص ٣٤٤ ، كشف الغمّة ، ج ٢ ، ص ١٣٥.

(٢) روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٨٧ ، وعنه في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٧ ، ص ٥٦ ، مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشهوب ، ج ٢ ، ص ٣٩٥.

(٣) الصّرم : هو القطع البائن ، وصرم فلان النّخل والشّجر جزّه.


قال العبد : أشتهيت ذلك.

قال الإمام عليه‌السلام : «أذهب فهي لك ، وقال خلوا عنه» (١).

وغيرها من الرّوايات في هذا الباب.

(وَأُصُولَ الكَرَمِ)

أي جذور الكرم ، يقال «كريم» لمن يتخلق بصفة الكرم والجود ويكون أهلاً له ، أو يقال لمن كان جامعاً تتسجد جميع للخيرات والشرف والفضائل فيه ، وقد تجسّد كلا المعنيين في أئمّة الشيعة عليهم‌السلام في أعلى مراحل الكمال.

وقد ورد في كرم أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه جاءه أعرابي فقال : يا أمير المؤمنين إنّي مأخوذ بثلاث علل ، علّة النفس وعلّة الفقر وعلّة الجهل ، فأجاب أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«يا أخا العرب علّة النفس تعرض على الطبيب ، وعلّة الجهل تعرض على العالم ، وعلّة الفقر تعرض على الكريم».

فقال الأعرابي : يا أمير المؤمنين أنت الكريم ، وأنت العالم ، وأنت الطّبيب.

فأمر أمير المؤمنين عليه‌السلام بأن يعطى من بيت المال ثلاثة آلاف درهم ، وقال : «تنفق ألفاً بعلّة النّفس وألفاً بعلّة الجهل ، وألفاً بعلّة الفقر» (٢).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٨ ، ص ١١٥ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٠٨.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤١ ، ص ٤٣ ، عن جامع الاخبار : ص ١٥٨ و ١٥٩.

وكذلك من لطائف ما ورد في كرم مولانا الامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، جاء في تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان ، وعلي بن حرب الطائي ، ومجاهد ، وبأسانيدهم ، عن ابن عباس ، عن أبي هريرة ، وروى جماعة هم عاصم بن كليب ، عن أبيه ، اللّفظ له : عن أبي هريرة أنّه جاء رجل إلى رسول الله ، فشكا إليه الجوع ، فبعث رسول الله إلى أزواجه : فقلن : ما عندنا إلّا الماء ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هذا الرجل الليلة؟ فقال علي : أنا يا رسول الله ، وأتى فاطمة وسألها : ما عندنا يا بنت رسول الله؟

فقالت : ما عندنا إلّا قوت الصّبية ، لكنّا نؤثر به ضيفنا.


وورد في كرم الإمام الحسن عليه‌السلام ، أنّه سأله رجل ، فأعطاه خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار (١) ، وقال له : إئت بحمّال يحمل لك ، فأتى بحمال فأعطاه طيلسانه فقال عليه‌السلام : «هذا كرى الحمّال» (٢).

وورد أيضاً في كرم الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام أنّه جاءه أعرابي سائلاً فقال عليه‌السلام : أعطوه ما في الخزانة ، فوجد فيها عشرون ألف دينار ، فدفعها إلى الاعرابي.

فقال الاعرابي : يا مولاي ألّا تركتني أبوح بحاجتي وأنشر مدحتي فأنشأ الحسن عليه‌السلام :

نَحْنُ أُناسٌ نَوالُنا خَضْلُ

يَرتَعُ فِيهِ الرّجاءُ والأمَلُ

تَجُودُ قَبْلَ السُّؤالِ أنفُسُنا

خَوفَاً عَلَى ماءِ وَجهِ مِنْ يَسلُ

لَو عَلِمَ البَحْرُ فَضلَ نائِلِنا

لغَاضَ مِنْ بَعْدِ فَيضِهِ خَجَلُ (٣)

ونقل في كرم الإمام الحسين عليه‌السلام أنّه جاءه رجل من الانصار يريد أن يسأله حاجة ، فقال عليه‌السلام :

«يا أخا الانصار صن وجهك عن بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة إنّي آت فيها ما سارك ان شاء الله».

__________________

فقال علي عليه‌السلام : يا بنت محمّد نوّمي الصّبية ، وأطفي المصباح ، وجعلا يمضغان بألسنتهما ، فلمّا فرغ من الاكل أتت فاطمة بسراج ، فوجدت الجفنة مملوءة من فضل الله.

فلمّا أصبح صلّى علي مع النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا سلّم من صلاته نظر إلى علي وبكى بكاءً شديداً ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أمير المؤمنين لقد عجب الرّب من فعلكم البارحة ، إقرأ : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) أي : مجاعة (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) يعني : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وبذلك اشار الحميري رحمه الله قائلاً :

وآثر ضيفه لمّا أتاه

فظلّ وأهله يتلمّظونا

فسمّاه الإله بما أتاه

من الإيثار باسم المفلحينا.

 (١) مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٦.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ج ٤ ، ص ١٦.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه ا لله ، ج ٤٣ ، ص ٣٤١ ، نقلاً عن مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٦.


فكتب : يا أبا عبد الله إن لفلان عليّ خمسمائة دينار وقد الح بي فكلمه ينظرني الى ميسرة ، فلما قرأ الحسين عليه‌السلام الرقعة دخل الى منزله فاخرج صرّة فيها ألف دينار وقال عليه‌السلام :

«أمّا خمسمائة فاقض بها دينك وأمّا خمسمائة فاستعن بها على دهرك ولا ترفع حاجتك إلّا الى ثلاثة : الى ذي دين ، أو مروة ، أو حسب ، فأمّا ذو الدين فيصون دينه وأمّا ذو المروة فإنّه يستحي لمروته وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك» (١).

أمّا في غير هذه المواضع فالانسان يرجع خائباً فشلاً.

ونقل عن كرم الإمام زين العابدين عليه‌السلام : لما حضرت اسامة بن زيد الوفاة فجعل يبكي ، فقال له علي بن الحسين عليهما‌السلام : «ما يبكيك».

قال اُسامة : يبكيني أنّ عليّ خمسة عشر ألف دينار ولم أترك لها وفاءً.

فقال الامام علي بن الحسين عليهما‌السلام : «لا تبك فهي عليّ ، وأنت منها بريء» فقضاها عنه (٢).

وهكذا كان لكلّ واحدٍ من الأئمّة عليهم‌السلام باعٌ كبير في الجود والكرم أكبر من أن يوصف ، فمن أراد المزيد من العلم والاطلاع ، فعليه مراجعة الكتب التاريخية المفصلة التي تذكر مناقبهم وفضائلهم عليهم‌السلام.

وقد يكون المراد من كونهم أصول الكرم هو أنّهم علل الكرم الالهي على سائر العباد حتى بالنّسبة ذلك الى الانبياء عليهم‌السلام أيضاً غير نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله كما ورد في

__________________

(١) تحف العقول : للشّيخ ابن شعبة الحراني رحمه الله من اعلام القرن الرّابع ، ص ١٧٦.

(٢) الارشاد : للشّيخ المفيد رحمه الله : ج ٢ ، ص ١٤٩ ، بحار الانوار : للعلّامة المجسي ج ٤٦ ، ص ٥٦ ، تذكرة الخواص : ص ٢٩٨ ، مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٦٣.


عبارات الخبر المأثور عن الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام :

«وأسباطنا خلفاء اليقين ومصابيح الامم ومفاتيح الكرم فالكليم أُلبس حلّة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصّاقورة (١) ذاق من حدائقنا الباكورة (٢) وشيعتنا الفئة النّاجية والفرقة الزاكية» (٣).

(وَقَادَةَ الأُمَمِ)

فانّهم عليهم‌السلام قادة الطّوائف والفرق المختلفة من العرب والعجم وغيرهم ، وإنّهم الوسيلة في دار الدّنيا لمعرفة الله تعالى وإطاعة أوامره سبحانه بأنوار هدايتهم ، وبشفاعتهم ينال المؤمن في يوم القيامة الدّرجات العالية في الجنّة ـ أو أنّهم قادة الأمم (٤) الماضية في الدّنيا والاخرة بالشفاعة الكبرى ، والوسيلة العظمى ، بل في الدنيا لأنّ الأنبياء عليهم‌السلام واُممهم قد اهتدوا بالتوسل بأنوارهم المقدّسة ، وبأشباحهم المعظمة فقد ورد في الرّوايات الشريفة :

«بعبادتنا عبد الله ولو لا نحن ما عبد الله» (٥).

كما أنّ جميع الانبياء العظام عليهم‌السلام كانوا في أحلك الشدائد والمصائب يتوسلون بأسمائهم الشريفة ، وأنوارهم المقدّسة ، فيكشف الله عزّ وجلّ لاجل أسمائهم وأنوار الطيبة المهم من أمورهم.

__________________

(١) في النسخة : الصّاغورة.

(٢) الباكورة : أوّل ما يدرك من الفاكهة.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٦٥.

(٤) أنّهم عليهم‌السلام يقودون النّاس بدعائهم وتعريفهم وأمرهم وترغيبهم الى المعرفة والدين ، فمن استجاب لهم اهتدى الى الله عزّ وجلّ ونحبى ونال سعادة الدّارين ، ومن لم يستجب وتخلف عنهم هلك وكان للشطيان فيه نصيب الوافر ، بل الرادّ عليهم كالرادّ على الله عزّ وجلّ وعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل صغيرة وكبيرة على حدّ الشرك بالله ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باب الله لا يؤتى إلّا منه وسبيله الذي أمن من سلكه ، وكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام من بعده وجرى للأئمّة عليهم‌السلام من بعدهما ما جرى لهما.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤٤.


(وأوْلِياءَ النِّعَمِ)

فإنهم عليهم‌السلام أصحاب النّعم الظاهرية والباطنية ، والدّنيوية والأخروية ، ولأنّه ببركاتهم تنزل السّماء أمطارها ، وتترشح النّعم الحقيقية مثل العلوم والكمالات والمعارف الحقة على الآخرين ، بل إنّهم النّعم الالهية العظيمة والآلاء الرّبانية الجسيمة على جميع النّاس.

عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أمير المؤمنين عليهم‌السلام ما بال أقوام غيّروا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعدلوا عن وصيّه؟ لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ، ثمّ تلا هذه الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ) (١) ثمّ قال عليه‌السلام :

«نحن النّعمة ا لتي أنعم اللهُ بها على عباده وبنا يفوز من فاز يوم القيامة» (٢).

وكذلك ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أنّه سأل أبا حنفية عن قوله تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٣).

فقال له : من النعيم عندك يا نعمان؟

قال أبو حنيفة : القوت من الطعام والماء البارد.

فقال الإمام عليه‌السلام : لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتى سألك عن كل أكلة أكلتها وشربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه.

قال أبو حنيفة : فما النّعيم جعلت فداك.

قال الإمام عليه‌السلام : «نحن أهل ال بيت النّعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا أئتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألّف الله بين قلوبهم فجعلهم إخواناً بعد أن

__________________

(١) إبراهيم : ٣٤.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٧.

(٣) التكاثر : ٨.


كانوا أعداءً وبنا هداهم الله للاسلام وهو النّعمة التي لا ينقطع والله سائلهم عن حق النّعيم الذي أنعم الله عليهم وهو النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته» (١).

(وَعَناصِرَ الأبْرَارِ)

فإنهم عليهم‌السلام أصول الاخيار والطيبين ـ أو لأنّهم أصل ومنبع كل خير وطيب من مكارم الاخلاق ، ومعالي الصّفات وأصول الكرم والسّخاء والوفاء والشجاعة (٢) والمتانة والزّهد (٣) والعبادة وغيرها.

أو لانّهم أصول الأبرار لانتساب الابرار إليهم ، واهتدائهم بأنوارهم الطيبة لأن النّاس تعلموا معنى الخير والاصلاح والطيب في مدرستهم المقدّسة.

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٦٦٣ ، ح ١٥ ، عن مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٥٣٤ ، ورواه العياشي في تفسيره أيضاً.

(٢) وقال دعبل الخزاعي في وصف شجاعة الامام الاوّل أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أبو تراب حيدرة

ذاك الإمام القسورة

مبيد كلّ الكفرة

ليس له مناضل

مبارز ما يهب

وضيغم ما يغلب

وصادق لا يكذب

وفارس محاول

سيف النّبي الصّادق

مبيد كلّ فاسق

بمهرهفٍ ذي بارق

أخلصه الصّياقل.

 (٣) كما كان الامام الاوّل أمير المؤمنين عليه‌السلام وسار على نهجه الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، فقد روى الامام أحمد بن حنبل في مسنده : ج ١ ، ص ٧٨ ، بسنده عن عبد الله بن زرير أنّه قال : دخلت على علي بن أبي طالب عليه‌السلام يوم الأضحى ، فقرّب إلينا حريرة فقلت : أصلحك الله لو قرّبت إلينا من هذا ال بط ـ يعني الوز ـ فإنّ الله عزّ وجلّ قد أكثر الخير.

فقال عليه‌السلام : يابن زرير إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يحل للخليفة من مال الله إلّا قصعتان ، قصعة يأكلها هو وأهله ، وقصعة يضعها بين يدي الناس»

والحريرة : دقيق يطبخ بابن أو دسم كما في المنجد.

أخي يا من تبحث عن رضا الله عزّ وجل ، وتبتغي التمسك بسنة النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترجو سعادة الدّارين ، فعليك أن تتأمّل في هذه الصور الجميلة من الزهد والامانة والحرص تجاه بيت المال ، في سيرة مولانا إمام المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثمّ تتأمل في سيرة الأخرين ممن سبقه أو تأخر عنه ، كيف بذلوا مال الله ومال المسلمين لنزواتهم الفاسدة ، وأغراضهم الخبيثة ، ولمن حارب الله ورسوله.

انظر في ذلك الى كتاب الغدير : للعلّامة الاميني رحمه الله ، والمقتطفات بمجلديه ، والبيان الجلي في أفضلية مولى المؤمنين علي عليه‌السلام : للعلّامة ابن رويش ، ص ١١٨ ، فصل ما دلّ على أزهديته عليه‌السلام ممّن سواه.


إذن فهم أصل وجذور الخير والطّيب في الصالحين والابرار ، أو أنّهم العلّة الغائية وسبب أصل خلقة العالم وخلقة الابرار ، لأنّه لولاهم ما كانت السماء ولا الارض ولا الشمس ولا القمر ولا الليل ولا النهار ، ولا خلق الله سبحانه الناس ولا الأخيار ، فهم أساس وحقيقة وعصارة الخلقة ووجود الأخيار ، وبهذا المعنى يدل الحديث المأثور : «لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك» (١).

يعني يا محمّد لولاك لما خلقت السماء والأرض.

أو لأنّ الشيعة الاخيار الأبرار (٢) خلقوا من فاضل طينتهم (٣) وينتمون الى ولايتهم ويقرون بأمامتهم ، كما ورد في رواية صحيحة عن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام : «شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا ، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا» (٤).

(وَدَعَائِمَ الأخْيَارِ)

الدّعائم : جمع الدِّعامة بكسر الدال ، وهي عماد البيت ، ومعناه أن الأئمّة عليهم‌السلام موطن أعتماد ، وموضع أتكاء الاخيار والأبرار ، فعليهم العول والمعتمد في الاحكام الالهية والمعارف الربانية عليهم‌السلام. وهم مرجع الصلحاء والاخيار في أنتقاء الفضائل الخلقية والعملية ، وكل من أعتمد وأستند في علوم التفسير والاحكام والمعارف الاسلامية على غيرهم فأنه ضال ومنحرف.

__________________

(١) الخصائص الفاطمية ، نقلاً عن مستدرك السفينة : ج ٣ ، ص ٣٣٥ ، وج ٨ ص ٣٣٩.

(٢) أنّ شيعتهم كانوا أبراراً ، لأنّهم تولوا بهم وتبرؤا من أعدائهم ، وأحبّوا أئمتهم وأطاعوهم في طريقتهم وردّوا الأمر إليهم وسلّموا لهم فيما علموا وما لم يعلموا ، فبذلك كانوا أبراراً لأنّهم من أصل هدايتهم في الحقيقة.

(٣) ولقد ورد عن رضي الدين ابن طاووس رحمه الله انه قال : سمعت القائم عليه‌السلام بسر من رآى يدعوا من وراء الحائط وأنا أسمعه ولا أراه وهو يقول : «اللهمّ إنّ شيعتنا خُلقوا منّا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا ، اللهمّ إغفر لهم الذّنوب ما فعلوا إتكالاً على حبّنا وولّنا يوم القيامة اُمورهم ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السّيئات إكراماً لنا ولا تقاصصهم يوم القيامة مقابل أعدائنا وإن خفّت موازينهم فثقّلها بفاضلٍ حسناتنا».

(٤) وردت روايات كثيرة في باب الطينة والميثاق اُنظر بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٢٥ الى ص ٢٧٦ ، ومشكاة الانوار : ص ٨٤ ، المحاسن : للشيخ البرقي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٣٢ الى ص ١٤١.


وورد في تفسير الآية الشّريفة : (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ) (١). إن الانسان لابدّ أن يتأمل في الطعام الذي يتناوله من أين حصل عليه ، من حلال أم حرام ، طاهر أم نجس ، خبيث أو طيب؟

وجاء في رواية ، أن المراد من الطعام هو الطعام الرّوحي والمعنوي ، والعلوم النافعة والمعارف الحقّة التي يجب أخذها من أهلها ومن الذين أوتوا أسرارها (٢).

عن محمّد بن مسلم قال : سمعت الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام يقول : «كلُّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول وهو ضالٌّ متحيّر والله شانيء لأعماله ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها فحنّنت إليها وأغترّت بها فباتت معها في مربضها ، فلمّا أن ساق الرّاعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها فهجّت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها وأغترّت بها فصاح بها الرّاعي : إلحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك ، فهجّت ذعرة متحيّرة تائهة لا راعي لها يرشدها الى مرعاها أو يردّها ، فبينا هي كذلك إذا أغتنم الذئب ضيعتها فأكلها.

وكذلك والله يا محمّد من أصبح من هذه الاُمّة لا أمام له من الله عزّ وجلّ ظاهر عادل أصبح ضالاً تائهاً ، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق ، وأعلم يا محمّد أن الأئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها كرماد أشتدّت به الرّيح في يوم عاصف لا

__________________

(١) عبس : ٢٤.

(٢) اُنظر الى تفسير الصّافي : للعلّامة الفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٨٧ في تفسير هذه الآية.


يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد» (١).

(وَسَاسَةَ العِبَادِ)

إنّ الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام هم أُمراء وملوك عباد الله عزّ وجلّ ، و «ساسة» جمع سايس وهو المدبّر لامر المسوس ، ويقال لمن يتولى أمور الرّعية ونهيها ، لأنّ أمر الامّة ونهيها موكولة إليهم فوجب طاعتهم والاقتداء بهم عليهم‌السلام.

ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام في تفسير الآية الشريفة : (وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) (٢)

قال الإمام عليه‌السلام : «الطّاعة المفروضة» (٣).

وجاء في رسالة الحقوق للامام السّجاد عليه‌السلام قال : «أمَّا حقّ سائسك بالملك فأن تطيعه ولا تعصيه» (٤).

(وَأرْكَانَ البِلادِ)

الاركان جمع ركن وهو الجانب والبلاد جمع بلدة ، فالأئمّة الاطهار عليهم‌السلام أركان الوجود ، فببركة وجود الامام يستقر نظام العالم ، ولو رفع وجوده المقدّس لحظة عن وجه الارض لساخت الارض بأهلها كما ذكرنا ذلك في حديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، وأيضاً يروي المفضل عن الإمام الصادق عليه‌السلام : في حديث طويل جاء فيه : «جعلهم أركان الأرض أن تميد بأهلها وحجّته البالغة على من فوق الارض

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٣.

(٢) النساء : ٥٤.

(٣) تفسير الميزان : للعلّامة محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣٨٧ ، وتفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٤٨ ، بحار الانوار للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٦١.

(٤) تحف العقول : ص ١٨٧.


ومن تحت الثرى» (١).

وعن الوشا قال : سألت الإمام علي الرضا عليه‌السلام هل تبقى الأرض بغير الامام؟

قال عليه‌السلام : لا.

قلت : أنا نروي أنها لا تبقى إلّا أن بسخط الله عزّ وجلّ على العباد.

قال الإمام عليه‌السلام : «لا تبقى إذاً لساخت» (٢).

فقد دلّت الاخبار الكثيرة على أنّ الارض لو خليت من أحد منهم ظاهراً كان أو مستتراً أو غائباً لا نخسف بأهلها ، لأنّهم أركانها وقوامها ، وبوجودهم الشرف يحفظ الله عزّ وجلّ العباد من الانحراف والبلاد من الانخساف.

(وَأبْوَابَ الأِيمَانِ)

أنّهم عليهم‌السلام أبواب الايمان ، لأن الايمان والاحكام لا تعرف إلّا بهم ، ومن أراد أن يفهم معنى حدود الإيمان ، ويعلم ما هو إيمان الجوارح وما هو إيمان الجوانح يجب عليه أن يلتمسه من أبواب علومهم الفيّاضة كما أشار سيّد الرّسل صلى‌الله‌عليه‌وآله بذلك عندما قال : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٣).

هذا الإمامُ لَكُمْ بَعدِي يُسددُكُم

رُشداً وَيُوسعُكُم عِلْمَاً وَاَدَبَاً

إنِّي مَدِينَةُ عِلْمِ اللهِ وَهُو با

بُها فَمَنْ رَامَها فَليَقْصُدِ البابا (٤).

وورد في الكتاب الشريف «اُصول الكافي» عن أبي بصير عن الإمام

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٦.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٨.

(٣) الغدير : للعلّامة الاميني رحمه الله : ج ٦ ، ص ٦١ ، ٨١ ، تذكرة الخواص : للسبط ابن الجوزي الحنفي ، ج ١ ، ص ٤٣ ، ينابيع المودة : للقندوزي الحنفي ، ص ٦٥ و ٢٧ ، كفاية الطالب : للكنجي الشافعي : ص ٢٢٠ و ٢٢١ ، وورد هذا الحديث الشريف في عشرات الكتب الشيعية والسنية ، فلتمسوها وتأملوا فيها دون تعصب ولا تعنت.

(٤) المقتطفات : لعيدروسي الاندلسي ، ج ٢ ، ص ١٤٠.


الصادق عليه‌السلام قال : «الأوصياء هم أبواب الله عزّ وجلّ التي يأتي منها ولولاهم ما عُرف الله عزّ وجلّ وبهم أحتجّ الله تبارك وتعالى على خلقه» (١).

وأمّا كونهم أبواب الايمان بمعنى أنّه لا يستقر الايمان عند أحد إلّا بولايتهم ، والجزء الاخيرة علّة تامّة في حصول الايمان ، كما ورد في ذيل رواية زرارة عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، قال :

«أمّا لو أن رجلاً قام ليلة وصام نهاره وتصدق بجميع امواله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالة منه إليه ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الايمان» (٢).

(وَأُمَنَاءَ الرَّحْمَنِ)

أنّهم عليهم‌السلام أمناء الله عزّ وجلّ على عباده ، وسفراءه في بلاده ، لان الله عزّ وجلّ وبسبب أخلاصهم وصدقهم ، فوض حفظ الاحكام والتفسير وعلوم القرآن وشرح رموزه وأسراره إليهم عليهم‌السلام ـ وأودعهم المعارف الالهية والعلوم الرّبانية عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام قال :

«أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسبابها ، فجعل لكلّ شيء سبباً وجعل لكلّ سبب شرحاً ، وجعل لكلّ شرح علماً وجعل لكلّ علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه وجهله من جهله ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن» (٣).

وورد عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«إني تاركُ فيكم الثّقلين كتاب الله وأهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى يردا

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٢٩٤ ، عن تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٥٩.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٣.


عليّ الحوض» (١).

يعلم من هاتين الرّوايتين ، أن علوم القرآن الكريم عند الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام لانّهم الامناء على الاسرار الالهية ، فأئتمنهم الرّحمن على دينه من التغيير والتبديل والاندارس لعلمه تعالى أنّهم يحفظونه (٢).

(وَسُلالَةَ النَبِيِّينَ)

الأئمّة عليهم‌السلام من سلالة الانبياء العظام عليهم‌السلام وذراريهم ، والسلالة تقال للشيء ينفصل من شيء آخر ، والمراد من السلالة هنا الاولاد ، لان الأبناء جزء من الآباء.

فعلى هذا ، أن الأئمّة عليهم‌السلام أولاد الانبياء أمثال : النّبيّ نوح عليه‌السلام والنّبيّ أبراهيم عليه‌السلام والنّبيّ أسماعيل عليه‌السلام فكانوا يتناقلون من الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة ، ولم يتلوث آباءهم الاطهار عليهم‌السلام بالشرك أبداً. بل كانوا في جميع سلسلة مراتبهم من أهل التوحيد والايمان ، كما ورد هذا المعنى في فقرات زيارة الوارث : «أشهد أنّك كنتَ نوراً في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة لم تنجسك الجاهليةُ بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها» (٣).

__________________

(١) فرائد السمطين : للحمويني الشافعي ، ج ٢ ، ص ١٤٣ ، عبقات الانوار : ج ١ ، ص ١٣١ ، وذكر هذا الحديث في عشرات المصادر والكتب الاسلامية من العامّة والخاصّة. ورواة الحديث بلغوا عشرات الاصحاب راجع كتاب الغدير : للعلّامة الاميني رحمه الله والمراجعات : للعلّامة شرف الدين رحمه الله.

(٢) قال الشّيخ الحسائي : لعدم ما ينافي فيهم ، لأنّهم معصومون مطهّرون من الرّجس فلا يظلمون بتضييع الامانة لشهوة أو تكبّر أو حسدٍ أو غير ذلك من الذّمائم النّفسانية ، ولا يجري عليهم السّهو والنّسيان وو ...

أقول : والعكس جائز في حقّ غيرهم من الذين تولوا اُمور المسلمين ظلماً وعتواً ... وكانت نتيجتها ما تقرؤها في التّاريخ وما نشاهدها اليوم من المصائب النّازلة على المسلمين ، أن أصبحت ثرواتهم ومقدراتهم بيد غيرهم وشعوبهم تئن تحت سياط الكفر الالحاد.

(٣) مفاتيح الجنان : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، ص ٤٢٥.


(وَصَفْوَةَ المُرْسَلِيْنَ)

بمعنى أنّهم عليهم‌السلام خلاصة الانبياء والرسل عليهم‌السلام ، بل أن مقامهم أفضل من مقام الانبياء والرسل عليهم‌السلام ما عدا جدّهم العظيم خاتم الانبياء والرسل محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «ما نبيء نبيّ قطّ إلّا بمعرفة حقّنا وتفضيلنا على من سوانا» (١).

وروي العالم الجليل الشيخ الصدوق رحمه الله في رواية مفصلة عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما خلق الله خلقاً أفضل منّي ولا أكرم مني.

قال : علي عليه‌السلام فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، أن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضلني على جميع النّبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ، يا علي وللأئمّة من بعدك ، وأن الملائكة لخدّامنا وخدام محبينا ،

يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ،

يا علي لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ، ولا الجنّة ولا النّار ، ولا السّماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه» (٢).

وسوف ننقل هذا الحديث مفصلاً مرّة ثانية في آخر الكتاب.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٨١ ، بصائر الدّرجات : ص ٥١.

روى الحموني في كتابه فرائد السمطين ، ج ٢ ، ص ٢٥٦ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النّار ، وحبّ آل محمّد جواز على الصّراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب» ورواه أيضاً القاضي عياض في كتاب الشفاء ، ج ٢ ، ص ٤١ ، والصفوري في نزهة المجالس : ج ٢ ، ص ١٥٠ ، وابن حجر في الصواعق : ٢٣ ط عبد اللطيف بمصر ، والشبراوي الشافعي في الإيحاف : ص ٤ ، واحقاق الحقّ : ج ٩ ، ص ٤٩٤ ـ ٤٩٧. وغيرهم.

(٢) علل الشّرايع : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٥ و ٦.


(وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ العَالَمِيْنَ)

إنّ أئمّة الهدى عليهم‌السلام هم الذّرية المنتخبة من قبل الله ربّ العالمين من خيرة وذريّة وعترة الانبياء عليهم‌السلام. وهم صفوة الخلق ، وخلاصة الوجود كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله اصطفى إسماعيل من ولد إبراهيم ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى هاشماً من قريش ، واصطفاني من هاشم» (١) الى آخر الحديث.

فالأئمّة الاطهار عليهم‌السلام هم عترة حبيب ربّ العالمين وكما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي مخلف فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي» (٢).

(وَرَحْمَةِ اللهِ)

عطف ورد بعد السّلام ، إمّا بياناً وتفسيراً له بنفس اللفظ ، أو مغايراً له وأنّ السلام لرفع المكاره والبلايا ، والرحمة بمعنى جلب الفضائل الدّينية والدّنيوية.

(وَبَرَكَاتُهُ)

البركات الدّنيوية ، أو الاُخروية أو أعم منهما ، إذاً يكون معنى «السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته» أنّه بعدت عنكم المكاره وقربت منكم الفضائل وبركات الدّنيا والآخرة.

* * *

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجسي رحمه الله ، ج ١٦ ، ص ٣٢٣ ، آمالي الشّيخ رحمه الله ، ص ١٥٤ ، المجالس : للشّيخ المفيد رحمه الله : ص ١٢٦.

(٢) قد تمّ الاشارة الى مآخذ هذا الحديث الشّريف.


(السّلامُ عَلَى أئمَّةِ الهُدَى)

المراد هو أنّ الهداية ملازمة ومتابعة لهم ولا تفصل عنهم فكأنهم ائمّة وقادة الحقّ والهداية. بل الحقّ والهداية يقتديان بهم أو يكون المراد ، أنّهم عليهم‌السلام قادة النّاس ، يهتدي بهم من أراد الهداية منهم وتبع سبيلهم ، وهلك من تخلف عنهم وأعرض عن طريقهم.

ورد في رواية الفضيل قال : سألت الامام الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١).

فقال عليه‌السلام : «كلّ إمام هاد للقرآن الذي هو فيهم» (٢).

وروى عبد الرحيم القصير عن الامام الباقر عليه‌السلام في قوله تبارك وتعالى :.

فقال عليه‌السلام : «رسول الله المنذر وعليّ الهادي ، أما والله ما ذهب منّا وما زالت فينا الى السّاعة» (٣).

فكانت فضائلهم في هداية النّاس تتناقل على ألسن أعدائهم أيضاً ، بل أذعنوا بها وصدقوها ، وفي كتب التاريخ أن الحسن البصري كتب الى الإمام الحسن عليه‌السلام : أمّا بعد فأنتم أهل بيت النّبوة ، وعدن الحكمة ، وأنّ الله جعلكم الفلك الجارية في اللّجج الغامرة يلجىء إليكم الّاجىء ، ويعتصم بحبلكم الغالي ، من اقتدى بكم اهتدى ونجا ، ومن تخلّف عنكم هلك وغوى ، وإنّي كتبت إليك عند الحيرة

__________________

(١) الرّعد : ٧.

(٢) تفسير الميزان : للعلّامة الطباطبائي رحمه الله ، ج ١١ ، ص ٣٢٨ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩١ ، وتفسير نور الثقلين : لابن جمعة العروسي الحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٨٢.

(٣) تفسير الميزان : للعلّامة الطباطبائي رحمه الله ، ج ١١ ، ص ٣٢٧ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٢ ، ومجمع البيان : للعلّامة الطبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٣٦٠ ، وبهذا المعنى ورد في شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني ، ج ١ ، ص ٢٩٣ ، وتفسير الطبرسي : ج ١٣ ، ص ١٠٨ ، وتفسير الفخر الرازي : ج ٥ ، ص ٢٧١ ، وتفسير فتح القدير : للشوكاني ، ج ٣ ، ص ٧٠ ، الدّر المنثور : للسيوطي ، ج ٤ ، ص ٣٠٧ ، وغيرها من الكتب التفاسير والكتب الروائية من العامّة والخاصّة.


واختلاف الاُمّة في القدر ، فتقضي إلينا ما أفضاه الله إليكم أهل البيت فنأخذ به ، فكتب إليه الامام الحسن عليه‌السلام :

«أمّا بعد فإنّا أهل بيت كما ذكرت عند الله وعند أوليائه ، فأمّا عندك وعند أصحابك فلو كنّا كما ذكرت ما تقدمتمونا ولا إستبدلتم بنا غيرنا ، ولعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) (١) هذا لأوليائك فيما سألوا ولكم فيما استبدلتم ، ولولا ما اُريد من الاحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبت إليك بشيء ممّا نحن عليه ، ولئن وصل كتابي إليك لتجدنّ الحجّة عليك وعلى أصحابك مؤكّدة ، حيث يقول الله عزّ وجلّ : (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢) فاتّبع ما كتبت إليك في القدر فإنّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر ، ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر ، إنّ الله عزّ وجلّ لا يطاع بإكراه ، ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد من الملكة ، ولكنّه المالك لما ملّكهم ، والقادر على ما أقدرهم ، فإنّ ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادّاً مثبّطاً ، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل ، وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها ولا كلّفهم إيّاها جبراً ، بل تمكينه إيّاهم وإعذاره إليهم طرّقهم ومكّنهم فجعل لهم السبيل الى أخذ ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه ، ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام» (٣).

البيان : إنّ مسألة القضاء والقدر من المسائل العويصة التي عجز العلماء

__________________

(١) البقرة : ٦١.

(٢) يونس : ٣٥.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٠ ، ص ١٣٦ و ١٣٧ ، وذكر نحوه ابن شعبة في تحف العقول : ص ٢٣١ ، مع اختصار واختلاف في الالفاظ ، والعدد القوية لدفع المخاوف اليومية : للعلّامة الحلّي رحمه الله ، ص ٣٢.


والحكماء عن حلّها وكشف حقيقتها ولذا أراد الحسن البصري أن يقدم الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام لها تفسيراً لكشف أسرار هذه المسألة.

وكتبوا في حالات الزّنديق ابن أبي العوجاء أنّه كان من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد ، فقيل له : تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة؟

قال : إنّ صاحبي كان مخلطاً يقول طوراً بالقدر وطوراً بالجبر فما أعلمه إعتقد مذهباً دام عليه (١).

(وَمَصَابِيْحِ الدُّجَى)

إنّهم عليهم‌السلام مصابيح الدّجى (٢) يهدون الخلق من ظلمات الشرك والكفر والضلالة والجهل الى نور الايمان والعلم والطاعة.

وروى سهل الهمداني عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية الشريفة من سورة نور : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣).

__________________

(١) الكنى والالقاب : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠١.

(٢) المصابيح ، جمع مصباح وهو سراج الذي ينصبه الناس يستضيؤن به في سيرهم ليكشف لهم ما خفي عليهم في ظلمات الليل ، فإنّ الائمّة الاطهار عليهم‌السلام يكشفون بدعوتهم الى الله عزّ وجلّ ظلمات الجهل والضلال عن قلوب الناس وأفكارهم ، فمن اقتدا بهم واستضاء بنورهم اهتدا الى سبيل الخير والبركة.

والدُّجى ، جمع دُجية بضم أوله وسكون الجيم وهي الظلمة ، ويراد بها ظلمات العدم والشك والجهل.

(٣) النور : ٣٥.


قال الإمام عليه‌السلام : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) فاطمة عليها‌السلام (فِيهَا مِصْبَاحٌ) الحسن عليه‌السلام (الْمِصْبَاحُ فِي الزُجَاجَةٍ) الحسين عليه‌السلام (الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) فاطمة عليها‌السلام كوكب درّي بين نساء أهل الدّنيا (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ) ابراهيم (زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ) لا يهودية ولا نصرانية (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) يكاد العلم يتفجر بها (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ) أمام منها بعد امام (يَهْدِي اللَّـهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) يهدي الله من يشاء للأئمّة عليهم‌السلام من يشاء (وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ) (١).

يقول المؤلف : المقصود من المصباح هنا هم الكناية عن هدايتهم وارشادهم للنّاس من ظلمة الجهل والكفر الى نور الايمان والعلم ، فعن بريد العجلي عن الإمام الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٢). أنّه قال عليه‌السلام :

«رسول الله المنذر ولكل زمان من هاد يهديهم الى ما جاء به نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ الهدات من بعده علي ثمّ الاوصياء واحداً بعد واحد» (٣).

(وَاعلامِ التُّقَى)

وهم سلام الله عليهم منار التّقى وأعلام الورع ، واعلم أن للتّقوى مراتب ثلاث :

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٥ ، وعنه تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٦٠٢ ، ح ١٦٩ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٠٤ ، ح ١.

(٢) الرعد : ٧.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٦٢ ، تفسير نور الثّقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٨٢.

ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره : ج ١٣ ، ص ٧٢ دار المعرفة بيروت لبنان ، والطبرسي في تفسيره ، وقال : لمّا نزلت قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) وضع رسول ال له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره وقال : أنا المنذر ، وأومأ الى منكب علي وقال : «أنت الهادي ن بك يا علي يهتدي المهتدون».

وقال الحميري في ذلك :

هما اخوان ذا هادٍ إلى ذا

وذا فينا لاُمّته نذير

أحمد منذر وأخوه هادٍ

دليل لا يضل ولا يحير.

المقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٢ ، ص ٣٢٩.


المرتبة الاولى : تقوى عوام الناس ، وهي عبارة عن اجتناب المحرمات.

المرتبة الثّانية : تقوى الخواص ، وهي الاجتناب عن المكروهات.

والمرتبة الثّالثة : تقوى خواص الخواص ، وهي اجتناب المباحات ، والاحتراز عن كل ما يمنع الإنسان عن ذكر الله ويشغله كما أشار الله تعالى الى ذلك في القرآن الكريم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ) (١).

والمراد في هذه الفقرة من الزّيارة من (أعلام التقى) هو أنّ الائمّة الأطهار عليهم‌السلام معروفون عند عامّة الناس بالتقوى والورع كالمنارة الذي لا تخفى على كل انسان.

وأمّا أنّ حدود التقوى والورع لا تعرف إلّا فيهم عليهم‌السلام ، ولا يصل أحد الى مقام التقوى إلّا بهم عليهم‌السلام ، وذلك لأ نّهم أتقى الاتقياء.

وخلاصة الكلام : إنّ كونهم أعلام التقوى ومنارة الهداية لان الناس بهم يهتدون ، ولولاهم عليهم‌السلام ، ما اهتدى أحد بل كانت البشرية في ضلال مبين.

عن الاسباط بن سالم قال : سأل الهيثم أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن قول الله عزّ وجلّ : (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (٢).

فقال عليه‌السلام : «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النّجم ، والعلامات هم الأئمّة عليهم‌السلام» (٣).

وروي عن الفضيل بن يسار عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام : «إنّ الله نصب عليّاً عليه‌السلام علماّ بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ، ومن جهله كان ضالاً ، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة» (٤).

__________________

(١) المنافقون : ٩.

(٢) النّحل : ١٠١.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٧ ، تفسير نور الثّقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٤٥.

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٣٧.


(وَذَوِي النُّهِى)

ذوي جمع ذي بمعنى صاحب إلّا أنّه أكثر ما يستعمل في مقام الشرف والصناء ، والنُّهى بضم النون جمع نهيه ، العقل وسمّيت تهية لأنّها تنهى صاحبها عن القبائح ، يعني أنّهم عليهم‌السلام أصحاب العقل النّافذ ، ووجه التسمية هو أن العقل يردع الإنسان وينهاه عن الرذائل والقبائح.

(وَأولِي الحِجَى)

الحجى على وزن الى أيضاً بمعنى العقل والفطنة يعني أصحاب العقل والفطنة ، فلو أخذنا الحجة بمعنى العقل ، فيكون هو وما قبله مترادفين ، وقد استعملا في معنى واحد ، أو متباينين فيدل كل من لفظ على معنى غير ما يدل عليه الثّاني. وذلك لأن للعقل اطلاقات كثيرة ومعان عديدة.

ويمكن أن يراد من أحدها عقل المعاش ، ويراد من الاخر عقل المعاد أو أمثال ذلك ما فيصح المعنى على كلا التقديرين لأنّهم عليهم‌السلام أصحاب العقول الكاملة كجدّهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان عقل الكلّ روي في الكافي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«ما قسم الله للعباد شيئاً أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل ، وإقامة العاقل أفضل من شخوص الجاهل ، ولا بعث الله نبيّاً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل ، ويكون عقله أفضل من جميع عقول أمته وما يضمر النّبي في نفسه أفضل من اجتهاد المجتهدين ، وما أدى العبد فرائض الله حتى عقل عنه ، ولا بلغ جميع العابدين في فضل عبادتهم ما بلغ العاقل ، والعقلاء هم أولو الألباب ، الذين قال الله تعالى : (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (١) (٢).

__________________

(١) البقرة : ٢٦٩.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٢.


بيان ذلك : سبب أفضلية نوم العاقل وعدم جهاده من الجاهل وجهاده يرجع الى أنّ العاقل يرجح النوم وعدم الجهاد على الشهرة ، كي يرتاح جسده من تعب النهار وثقله ، وهذا المعنى يؤدي الى زيارة عزمه في عبادة ربّه ، وأداء فرائضه والقيام بالاعمال الصالحة ، وفضيلة الاعمال مرتبطة بالنّيات الزّاكية ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّما الاعمالُ بالنّيات» (١).

وجمال العمل وروحه في نيل القرب من ربّ العالمين. ولا يحصل هذا المعنى للانسان إلّا بالمعرفة الكاملة بالله سبحانه ، وايمانه بأن ما وعده حقّ.

ولكن الجاهل غافل عن هذين المعنيين ، فقد يكون جهاد الجاهل وسهره لاجل جلب الشّهرة وكسب الثروة أو حصوله على إمرأة جميلة ، قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فمن كان هجرته الى الله ورسوله ، فهجرته الى الله ورسوله ، ومن كان هجرته الى دنيا يصيبها أو إمرأة ذات جمال ، فهجرته إليها» (٢).

(وَكَهْفِ الوَرى)

الكهف ، غار واسع في الجبل والمراد منه هنا الملجأ والمأوى وإن أئمّة الهدى عليهم‌السلام ملجأ ومأوى النّاس ، وقد ورد في بعض فقرات الادعية : «يا كهفي حين تعييني المذاهب» (٣).

بمعنى أنتم ملجاء ومأوى الناس في اُمورهم الدّنيوية والاخروية ، وورد في زيارة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «كنتَ للمؤمنين كهفاً» (٤).

__________________

(١) وسائل الشّيعة : للفقيه المحدّث الشّيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٩٠ ، الهداية : للشّيخ الصدوق رحمه الله ، ص ١٢ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٠ ، ص ٢١٢ ، ح ٤٠.

(٢) صحيح البخاري : ج ١ ، ص ١٢.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٦ ، ص ٣٣٥ ، عن بلد الامين : الشّيخ الكفعمي رحمه الله ، ص ٣١٦.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٢ ، ص ٣٠٥ ، عن كمال الدين : الشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٣١٨.


والحاصل : أنّ كلّ شيء يلجأ إليهم حتى الحيوانات والوحوش عندما تصاب بالاضطراب ويشهد بذلك ما ورد في التاريخ من الحوادث الجارية لهم.

(وَوَرَثَةِ الأنْبِياءِ)

لأنهم عليهم‌السلام ورثوا علوم جميع الانبياء عليهم‌السلام وآثارهم وممّا ورثوا : التّابوت والالواح ، وعصا موسى عليه‌السلام ، وخاتم سليمان عليه‌السلام وعمامة هارون عليه‌السلام وقميص يوسف عليه‌السلام ، روى حريز عن زرارة والفضيل ، عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال :

«إنّ العلم الذي نزل مع آدم عليه‌السلام لم يرفع ، والعلم يتوارث ، وكان علي عليه‌السلام عالم هذه الاُمّة ، وأنّه لم يهلك منّا عالم قطّ إلّا خلفه من أهله من علم مثل علمه ، أو ما شاء الله» (١).

وعن ضريس الكناسي قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده أبو بصير فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«إنّ داود ورث علم الانبياء ، وإن سليمان ورث داود ، وإنَّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث سليمان ، وإنا ورثنا محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّ عندنا صحف إبراهيم وألواح موسى».

فقال أبو بصير : إنّ هذا لهو العلم.

فقال الإمام الصادق عليه‌السلام : «يا أبا محمّد ليس هذا هو العلم ، إنّما العلم ما يحدث بالليل والنّهار ، يوماً بيوم وساعة بساعة» (٢).

ووردت عنهم عليهم‌السلام روايات وأحاديث اخرى بانّ عندهم كتاب علي عليه‌السلام

__________________

قال العوفي :

علي خير الورى بعد النّبي ومن

في الشّرق الغرب مضروب المثل

علي صام وصلّى القبلتين وكم

في الجاهلية قوم ربّهم هبل

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٣.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٥.


وصحيفة فاطمة عليها‌السلام ، والجفر ، والجامعة ، والتّابوت ، وعصا شعيب وموسى عليه‌السلام وسائر المواريث وودائع الانبياء عليهم‌السلام (١) وغيرها من الرّوايات أعرضنا عن ذكرها طلباً للايجاز ، فمن رغب في الوقوف عليها فعليه مراجعة الكتب المفصلة والمبسوطة.

(وَالمَثْلِ الأعْلَى)

ورد معنى المثل محركة بمعاني مختلفة مثل الحجّة أو الصّفة ، والحديث ، والشبيه وغيرها ، والجمع على مُثل بضم الفاء والعين ، ويمكن أن تقرأ بكلا الوجهين من الجمع والمفرد ، ولو أخذنا المثل بأي المعاني المذكور فالأئمّة عليهم‌السلام أهلها ومحلها ، لأنّه لو أخضناها بمعنى الحجّة ، فانّهم عليهم‌السلام حجج الله في الارض على عباد الله ، والله سبحانه يوم القيامة بهم عليهم‌السلام يحتج على مخلوقاته ، وإذا أخذناها بمعنى الحديث ، فصحيح أيضاً ، لأنّ صفاتهم وفضائلهم وأوصافهم تذكر في محافل الناس ، دائماً ، فهم عليهم‌السلام مظهر الآيات والاحاديث والعجائب.

وإذا أخذناها بمعنى الصفة ، فصحيح أيضاً ، لأنّهم عليهم‌السلام اتصفوا بالصفات الالهية ، بل أنهم صفات الله تعالى ومظاهر أسمائه وصفاته جل وعلا.

وورد في تفسير الآية : (٢).

قال المعصوم عليه‌السلام : «نحن الأمثال العليا».

وقد يراد من المثل الاعلى ، ما المثل الذي ضربه الله عزّ وجلّ نوره في الآية الكريمة الواردة في سورة النّور ، وذكرنا فيما مضى أنّ الآية الكريمة نزلت في حقّهم

__________________

(١) راجع اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٣٨ : باب «فيه ذكر الصّحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها‌السلام».

(٢) النّمل : ٦٠.


والمراد من (المشكاة) فاطمة عليها‌السلام ، (والمصباح) الإمام الحسن عليه‌السلام ، و (الزجاجة) الإمام الحسين عليه‌السلام ، ومن (النور) نور علي عليه‌السلام (١) والانوار المتعاقبة بعده اماماً بعد امام.

ولو قرأنا منفردة «المثل الأعلى» فانّه مثل لجميع أئمّة الهدى عليهم‌السلام أو أنّ نورهم عليهم‌السلام واحد ولا تعدد في أنورهم الطيبة (٢).

(وَالدّعوَةِ الحُسنَى)

والمراد إمّا أن يكون للمبالغة من باب «زيد عدل» يعني أنّهم عليهم‌السلام أهل الدعوة الحسنى والكلمة الطّيبة لأنّهم عليهم‌السلام يدعون النّاس الى الصّراط المستقيم وطريق النّجاة وسبيل الخيرات والحسنات ، وهم خير دعاة الى الله الواحد الاحد ، والدّعوة الحسنى من فضائلهم التي لا يشاركهم فيها أحد.

وأو يكون المراد أنّ أئمّة الهدى عليهم‌السلام أهل الدعاء والمناجات الشريفة ، كما كانت أكثر أوقاتهم تقضى في الدّعاء والذّكر والعبادة ، والمظهر الكامل لهذا المعنى الإمام سيّد السّاجدين عليه‌السلام ، وتعتبر الصّحيفة السّجادية وهي زبور آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله رشحة من رشحات مناجاته ودعواته العالية.

__________________

(١) وقد ورد عن مالك بن انس ، عن ابن شهاب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ) أي : أبو جهل (وَلَا الْبَصِيرُ) يعني : أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَلَا الظُّلُمَاتُ) أي : أبو جهل (وَلَا النُّورُ) أمير المؤمنين عليه‌السلام (وَلَا الظِّلُّ) يعني ظلّ أمير المؤمنين ... الى آخر الاحديث. الآية في سورة فاطر : ١٩ ـ ٢٠ ، المقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٢ ، ص ٣٢٦.

وقال ابن رزيك :

هو النّور نور الله والنّور مشرق

علينا ونور الله ليس يزول

سما بين أملاك السّماوات ذكره

نبيه فما أن يعتريه خمول.

مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب ، ج ٣ ، ص ٨٠ ـ ٨١.

(٢) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٠٤ الى ص ٣٢٥ ، باب ١٨ : «أنّهم أنوار الله عزّ وجلّ ...» واصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله : ج ١ ، ص ١٩٤.


وأو أنّ المراد بها أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانوا في مضان الاجابة في دعواتهم لله عزّ وجلّ ، ومن أراد أن يطلع على حسن الاجابة في دعواتهم في احيا الموتى ، وشفاء المرضى وسائر حوائج الخلق ، فليراجع الكتب المبسوطة ، وقد ورد مأثوراً عن الإمام الصّادق عليه‌السلام قال :

«ثلاثة لم يسأل الله عزّ وجلّ بمثلهم أن يقول : اللّهمّ فقّهني في الدّين ، وحببّني الى المسلمين ، واجعل لي لسان صدق في الآخرين» (١).

وقد يكون المراد من الدّعوة الحسنى أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم نتاج دعوات الانبياء عليهم‌السلام مثل إبراهيم عندما قال : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) (٢).

والمراد من الذّرية في الآية الشّريفة النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وآل النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

وورد في حديث عبد الله بن مسعود عن النّبي الاكرم قال : «أنا دعوة أبي إبراهيم» (٤).

وورد عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام أنه قال في تفسير الآية الشّريفة : (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٥) قال : «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والأوصياء من بعده عليهم‌السلام» (٦).

(وَحُجَجِ اللهِ)

فان الأئمّة من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله حجج الله عزّ وجلّ ، وبهم يحتج غداً على النّاس ،

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٩٥ ، ص ٣٥١ ، ح ٥ ، عن الامالي : الشّيخ الطّوسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٠٩.

(٢) ابراهيم : ٤٠.

(٣) راجع تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٥٤٩ ، في تفسير هذه الآية ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٢١٢ الى ٢٢٨ ، باب ١٢.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٢٠٠.

(٥) يوسف : ١٠٨.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ٥٢.


ويتمَّ نعمته على عباده ، وفي اصول الكافي ، عن داود الرّقي ، عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام قال : «إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلّا بإمام حتّى يعرف» (١).

وعن الحسن بن علي الوشاء قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الحجّة لا تقوم لله عزّ وجلّ على خلقه إلّا بامام حتّى يعرف» (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : «ما زالت الأرض إلّا ولله فيها الحجّة ، يعرف الحلال والحرام ويدعو النّاس إلى سبيل الله» (٣).

وعن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام : «والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه‌السلام إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجّته على عباده ، ولا تبقى الارض بغير إمام حجّة لله على عباده» (٤).

(عَلَى أهْلِ الدُنيَا)

يعني أن الأئمّة عليهم‌السلام حجج الله على أهل الدنيا ، مع ما ظهرت منهم عليهم‌السلام من المعاجز الباهرة والدّلائل الواضحة ، والعلامات البيّنة ، وتجلّت فيهم الاخلاق النفسانية السّامية ، والفضائل الملكوتية ، والاسرار الالهية ، ولو لقيهم العدو ورأى منهم هذه المشاهد والكمالات لأصبح لهم محبّاً ، أو لا أقل أنّه كان يقرّ بسمو مقاماتهم ومعاني صفاتهم : وكفى لله عزّ وجلّ في مقام الاحتجاج على العباد بهذه الحجج البيّنة.

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٧ ، باب (كتاب الحجّة).

وروى الخطيب البغدادي في تاريخه : ج ٢ ، ص ٨٨ ، عن أنس أنّه نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى علي ، فقال : «أنا وهذا حجّة الله على خلقه».

فتأمل أيّها الباحث عن الصّواب ، وعن الرّسالة المحمّدية الاصيلة ، فهل يعقل الاجتهاد في مخالفة حجّة الله على خلقه ، كما خالف فلان وفلان إمامهم وحجّة الله ، واعتبر اصحاب الاقلام المأجورة وخدام بلاط خلفاء الجور عملهم اجتهاداً منهم فأخطأ وافيؤجرون عليه.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٧ ، باب (كتاب الحجّة).

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٨ ، باب «أن الارض لا يخلو من حجّة».

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٧٩ ، باب «أن الارض لا يخلو من حجّة».


(والآخِرَةِ)

وأي الأئمّة عليهم‌السلام حجج الله تعالى على أهل الآخرة في عالم البرزخ وعند السؤال أو في القيامة وعند المواقف المخيفة والشّدائد النازلة وغيرها من مراحلها ومواقفها لأنّهم عليهم‌السلام نعمة الله عزّ وجلّ وحجّته على الناس في المواقف ، وما أعظم بركاتهم والطافهم الطّاف بالنسبة الى محبّيهم في ذلك اليوم ، وما يحل بأعدائهم نتيجة لبغضهم وعدائهم وعدم معرفتهم لهم.

روى اصبغ بن نباته قال : دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علي عليه‌السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم ... ـ في جملة ما قال له ـ اُبشرك يا حارث لتعرفني عند الممات ، وعند الصراط (١) ، وعند الحوض (٢) ، وعند المقاسمة.

قال الحارث : وما المقاسمة؟

قال الامام عليه‌السلام : مقاسمة النار اُقسمها قسمة صحيحة ، أقول هذا وليّي فاتركيه ، وهذا عدوّي فخذيه ... الى أن قال عليه‌السلام : أنت مع من أحببت ولك ما اكتسبت ـ يقولها ثلاثاً ـ فقام حارث يجرّ رداءه ويقول : ما اُبالي بعدها حتى لقيت الموت أو لقيني. قال جميل بن صالح ، وأنشدني أبو هاشم السيد الحميري رحمه الله فيما تضمّنه هذا الخبر :

يا حارَ هَمدَانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنِي

مِنْ مُؤمنٍ أو مُنافقٍ قُبلا

__________________

(١) أخرج الحاكم عن علي ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا جمع الله الاوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصراط على جسر جهنّم ، ما جازها أحد حتى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب» وذكر هذا الحديث في فرائد السمطين : ج ١ ، ص ٢٩٢ ، والرياض : ج ٢ ، ص ١٧٢.

(٢) وبهذا أشار الحِميَري بقوله :

يذبّ عنه ابن أبي طالب

ذبّك جربى إبل تشرع

إذا دنوا منه لكي يشربوا

قبل لهم تبّاً لكم فارجعوا

وراكم فالتمسوا منهلاً

يرويكم أو مطعماً يشبع

هذا لمن والى بني أحمد

ولم يكن غيرهم يتبع

مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٦٣.


يَعْرِفُنِي طَرفُهُ وأعرِفُهُ

بِعَينِهِ وَاسمهِ وَما عَمِلا

وأنْتَ عِنْدَ الصِّراطِ تَعرِفُنِي

فَلا تَخَفْ عَثْرَةً وَلا زَلَلا

أسقِيكَ مِنْ بارِدٍ عَلَى طَمَأ

تَخَالُهُ فِي الحَلاوَةِ عَسَلا

أقُولُ لِلنَّارِ حِينَ تُوقَفُ لِلعَرضِ

دَعِيهِ لا تَقْبَلي الرَّجُلا

دَعِيهِ لا تَقرَبِينِ إنَّ لَهُ

حَبلاً بِحَبلِ الوَصِي مُتَصِلا (١)

وعن عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي سمعتك وأنت تقول : كلّ شيعتنا في الجنّة على ما كان فيهم.

قال عليه‌السلام : صدّقتك ، كلّهم والله في الجنّة.

قلت : جعلت فداك إنّ الذنوب كثيرة وكبائر.

فقال عليه‌السلام : أمّا في القيامة فكلّكم في الجنّة بشفاعة النّبي المطاع أو وصيّ النّبي ، ولكنّي والله أتخوف عليكم في البرزخ :

قلت : وما البرزخ؟

قال عليه‌السلام : «القبر منذ حين موته الى يوم القيامة» (٢).

(والاُولى)

يراد بها الدّنيا ، ذكرت مرّة اخرى للتأكيد ، أو بعنوان تكرار لحفظ سجع وقافية الكلام ، أو يراد بها العلامات الأولى ، وهو عالم الذّر حيث أخرج الله جميع ذرّيه آدم عليه‌السلام من ظهره وصورة الذّر وأخذ منهم الميثاق والاقرار بربوبيته ، ونبوّة النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمامة الائمّة الاثني عشر عليهم‌السلام.

قال الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ١٧٨ و ١٧٩ ، المجالس : للشيخ المفيد رحمه الله ، ص ٤٢ و ٢٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٢٦٧ ، روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٦٦.


أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ) (١).

عن بكير بن أعين قال : كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : «إنّ الله أخذ ميثاق شيعتنا بالولاية لنا وهم ذر يوم أخذ الميثاق على الذّر والاقرار له بالرّبوبية ولمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنّبوة ...» (٢).

قال المحدّث الفيض الكاشاني رحمه الله في بيان هذه الرواية : إنّما أخذ الله المواثيق الثلاثة على النّاس أجمعين إلّا أنّهم أقرّوا بالرّبوبية جميعاً وأنكر النّبوة والولاية بقلبه من كان ينكره بعد خلقه في هذا العالم وإنّما خصّ أخذ ميثاق الولاية بالشيعة لاختصاص قبولهم بهم (٣).

(وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ)

هذه الفقرة الشريفة معطوفة على الفقرة التي ورد فيها السلام ، والمعنى هنا كالمعنى هناك.

* * *

(السَّلامُ عَلَى مَحَالِ مَعْرِفَةِ اللهِ)

السّلام على الأئمّة عليهم‌السلام الذين هم أماكن معرفة الله ، والمراد من هذه الجملة إمّا أنّه لم يعرف الله عزّ وجلّ أحد كمعرفتهم عليهم‌السلام ، فانّهم عليهم‌السلام عرفوا الله تعالى حقّ معرفته ، ولا يُعرف الله تعالى إلّا بهم ، ويكفي في إثبات هذا المعنى ما ورد عنهم عليهم‌السلام

__________________

(١) الاعراف : ١٧٢.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٩٣ ، ح ٣٤٠ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٢٠ ، بصائر الدّرجات ، ص ٢٥.

(٣) الوافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٤٩٢.


من الآثار والاخبار في بيان معنى التوحيد ، وبيان صفاته تعالى سواء كانت صفات الجلال أو الجمال ، الصفات الثبوتية والسلبية ، ووقد ورد في تفسير الفقرات الآنفة الذكر روايات تذكر في مضمونها أنّهم عليهم‌السلام عرفوا الله عزّ وجلّ ووحّدوه قبل جميع الكائنات ، وقد أخذت الملائكة وسائر الخلائق منهم مراتب المعرفة والتسبيح والتقديس والتهليل ، وقالوا في مقام المعرفة : «كيف أعبد رباً لم اره».

وعن الحسين بن علي عليه‌السلام قال : سُئل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقيل : هل رأيت ربَّك يا أمير المؤمنين؟

قال الإمام علي عليه‌السلام : «وكيف أعبد من لم أره؟ لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان» (١).

فتراه القلوب بعين البصيرة ، وإلّا فإنّ الجسيمة والمخلوقية من لوازم الرؤية وسبحانه منزّه عن ذلك.

والمراد من الفقرة في دعاء عرفة لسيّد الشهداء عليه‌السلام ، حينما يقول : «عميت عين لا تراك ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً» (٢). وهي رؤية القلب ومعرفته واشارة الى كمال مرتبة المعرفة ، وهذه الميزة لم تتوفر في غيرهم عليهم‌السلام بالمعنى الحقيقي.

أو يكون المراد ان الأئمّة عليهم‌السلام مظاهر أسماء الله الحسنى ، وصفاته العليا ، ومن عرف فيهم عليهم‌السلام العلم والجود والكرم والقدرة والاحسان وغيرها من الصفات الحميدة فقد عرف الله سبحانه وتعالى ، ومن لم يعرفهم عليهم‌السلام عجز عن معرفة الله تعالى أيضاً.

ولو أخذنا كلمة «محال» مفرداً كما جاءت في بعض الروايات بلفظ مفرد ، فهو

__________________

(١) نهج البلاغة : خطبة ، ١٧٩.

(٢) مفاتيح الجنان : دعاء العرفة.


أشارة الى أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كالنفس الواحدة في معرفة الله تعالى ، لأن هذه الصفة لا تقبل الاختلاف. خلافاً لبقية الصفات ، وورد هذا المعنى في الاخبار الشريفة ، أنهم عليهم‌السلام نور واحد ، ولا يخلو ذلك من تأييد ما قدمنا والله العالم.

(وَمَسَاكِنِ بَرَكَةِ اللهِ)

فإنّ أهل البيت عليهم‌السلام مواضع ومساكن خيرات وبركات الله عزّ وجلّ ، لانّهم عليهم‌السلام لهم اللياقة والقابلية لنزول البركات والخيرات عليهم وسرايتها الى النّاس بواسطتهم ، فترى في كثير من الموارد حصول البركة الكثيرة مع قلة الماء والزرع ببركة وجودهم الشريف ولا يمكن ان يتحقق ذلك إلّا بالاعجاز والامور الخارقة للعادة.

كما حلّت البركة في الطعام القليل ببركة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في موارد كثيرة منها : لما نزلت الآية الشّريفة : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١) جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بني عبد المطلب وهم يومئذ اربعون رجلاً ، الرجل منه يأكل المسنّة ويشرب العسن ، فأمر عليّاً عليه‌السلام برجل شاة فأدمها (٢) ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ادنو بِسم الله» فدنا القوم عشرة عشرة ، فأكلوا حتى صدروا ، ثمّ دعا بعقب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشربوا بسم الله» فشربوا حتى رووا ، فبدرهم ابو لهب فقال : ما سحركم به الرجل ، فسكت صلى‌الله‌عليه‌وآله يومئذ ولم يتكلّم (٣).

ومنها : نزول البركة على مزرعة أبي الغيث ببركة دعاء الإمام موسى بن جعفر

__________________

(١) الشعراء : ٢١٤.

(٢) أي جعلها إداماً ، والادام طبخ اللحم بالماء.

(٣) ذكره العلّامة الطّباطبائي رحمه الله في تفسيره الميزان : ج ١٥ ، ص ٣٣٥ ، واليعقوبي في تاريخه : ج ٣ ، ص ٢٧ ، بألفاظ اُخرى.


الكاظم عليه‌السلام (١).

وورد في معاجز الإمام الجواد عليه‌السلام أنّه لما توجه من بغداد منصرفاً من عند المأمون ومعه أُمّ الفضل قاصداً المدينة صار الى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيعونه ، فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس فنزل ودخل المسجد وكان في صحنه نبقة (٢) لم تحمل بعد ، فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة.

وقام عليه‌السلام وصلى بالناس صلاة المغرب ، فقرأ في الاُولى منها الحمد وإذا جاء نصر الله ، وقرأ في الثّانية الحمد وقل هو الله أحد ، وقنت قبل ركوعه فيها ، وصلّى الثّالثة وتشهّد وسلّم ، ثمّ جلس هُنيهة يذكر الله تعالى ، وقام من غير تعقيب فصلّى النّوافل أربع ركعات ، وعقّب بعدها وسجد سجدتي الشكر ثم خرج. فلمّا انتهى الى النّبقة رأها النّاس وقد حملت حملاً حسناً فتعجبوا من ذلك واكلوا منه فوجدوا نبقاً لا عجم له» (٣).

ونقل عن الشّيخ المفيد رحمه الله أنّه قال : وقد أكلت من ثمرها وكان لا عجم له أي لا نواه فيه (٤).

وقد يكون المراد من هذه الجملة «ومساكن بركة الله» أنّ الله عزّ وجلّ ينزل بركاته وارزاقه الدنيوية والمعارف والحقائق والعلوم الالهية على الناس والخلائق بواسطة الائمّة الطاهرين عليهم‌السلام.

يقول الإمام الباقر عليه‌السلام : «إن المؤمن بركة على المؤمن ، وأن المؤمن حجّة

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٨ ، ص ٣٩ ، نقلاً عن كشف الغمّة ج ٣ ، ص ١١ ، أعلان الشيعة : للعلامة السيد محسن الامين رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٧.

(٢) النّبقة : النبق ـ بفتح النون وكسر الباء ، وقد تسكّن : ثمر السّدر «النّهاية ـ نبق ـ ج ٥ ، ص ١٠».

(٣) الارشاد : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ح ٢ ، ص ٢٨٨ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٠ ، ص ٨٩ ، ومستدرك العوالم : للشّيخ عبد الله البحراني الاصفهاني رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٣٩.

(٤) الارشاد : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٨٩ ، مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام : لابن شهر اشوب ج ٤ ، ص ٣٩٠.


الله» (١).

وأهل البيت عليهم‌السلام أكمل الخلق إيماناً.

(وَمَعَادِنِ حِكْمَةِ اللهِ)

وردت كلمة الحكمة بمعنى العلم والقرآن والفقه والموعظة وغيرها ، وقال بعض العلماء : المراد من الحكمة علم يردع الإنسان من إرتكاب الرذائل ، ويرفع مكانته عند نفسه وعند الناس من الإقدام على المعاصي وقال آخرون : المراد من الحكمة الفهم والعقل كما قال الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) (٢).

خلاصة الكلام : الحكمة بأي معنىً كانت ، فان الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام هم أهل لها ولحملها ، لأن العلوم والحكم مأخوذة من الله عزّ وجلّ ، والائمّة الاطهار عليهم‌السلام معدن الحكم الالهية روي عن خيثمة قال : قال لي الإمام الصّادق عليه‌السلام :

«يا خيثمة نحن شجرة النّبوة ، وبيت الرّحمة ، ومفاتيح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرّسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع سر الله ، نحن وديعة الله في عباده ، ونحن حرم الله الأكبر ، ونحن ذمّة الله ، ومن خفرها (٣) فقد خفر ذمّة الله وعهده» (٤).

(وَحفَظَةِ سِرِّ اللهِ)

حفظ الاسرار الالهية أمر يعجز عن حمله إلّا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن امتحن الله قلبه للايمان أمثال سلمان الفارسي (المحمّدي) ، وكميل بن زياد ،

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٨٣.

(٢) لقمان : ١٢.

(٣) خفرها : أي خفر ذمتنا والخفر ، نقض العهد.

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢١.


وجابر الجعفي (عليهم رضوان الله جميعا).

روي عن جابر رحمه الله عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب لا يؤمن به إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان ، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد صلوات الله عليهم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه ، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرّسول وإلى العالم من آل محمّد وإنما الهالك ان يحدث أحدكم بشيء منه لا يحتمله ، فيقول : والله ما كان هذا والله ما كان هذا ، والانكار هو الكفر» (١).

ورد عن أبي الصامت قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ حديثنا صعب مستصعب ، شريف كريم ، ذكوان ذكيٌّ وعر ، لا يحتمله ملك مقرّبُ ، ولا نبيٌّ مرسل ، ولا مؤمن ممتحن».

قلت : فمن يحتمله فداك؟

قال عليه‌السلام : «من شئنا يا أبا الصامت».

قال أبو الصامت : فظننت أنّ لله عباداً هم أفضل من هؤلاء الثلاثة (٢).

توضيح ذلك : سبب عدم حمل الآخرين هذه الاحاديث سوى من اشارت إليهم الروايات ومنهم هؤلاء الثلاثة باستثناء نبيّنا الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله يرجع إلى أن المراد من هذه الاحاديث هو الاسرار الغيبية ، والامور العجيبة التي لا طاقة لأحد على حملها سواهم.

ورد عن جابر رحمه الله قال : حدثني أبو جعفر ـ الإمام الباقر ـ عليه‌السلام تسعين الف

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٠١ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٨٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ح ٢ ، ص ١٩٢.


حديث لم احدث بها أحداً قط ولا اُحدث بها أحداً (١).

قال جابر رحمه الله : فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام جعلت فداك أنّك قد حملتني وقراً عظيماً بما حدثني به من سرّكم الذي لا احدث به أحداً ، فربّما جاش في صدري حتى يأخذني شبه الجنون ، قال الإمام عليه‌السلام :

«يا جابر فاذا كان ذلك فاخرج الى الجبال فاحفر حفيرة ودل رأسك فيها ثمّ قل حدثني محمّد بن عليّ بكذا وكذا» (٢).

يقول المؤلف : المراد من جابر في هذه الروايات هو جابر بن يزيد الجعفي رحمه الله ، لا الانصاري رحمه الله واعتبره ابن شهر اشوب في مناقبه والكفعمي في جنّته وأنّه باب الامام الباقر عليه‌السلام والمراد من الباب بابهم عليهم‌السلام في علومهم واسرارهم.

ونقل عن اجبر الجعفي رحمه الله كرامات كثيرة :

منها : أنّه سأله قوم أن يعينهم في بناء مسجدهم ، قال لهم جابر رحمه الله : ما كنت بالذي اعين في بناء شيء وقع منه رجل مؤمن فيموت.

فلمّا أراد البنّاء بناء المسجد زلّت قدمه فوقع فمات (٣).

ومنها : أنّه أخبر عن نعجةٍ أنّها دعت حملها فلم يجيء فقال له : تنح عن ذلك الموضع فإنّ الذئب اخذ أخاك معه.

فسألوا من أهل المنطقة فيما إدعاه جابر فصدّقوه على قوله (٤).

__________________

(١) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤١ ، عن رجال الكشي ، وقريب منه في روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ١٥٧.

(٢) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤١ ، عن رجال الكشي ، وقريب منه في روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ١٥٧.

(٣) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤١ ، عن رجال الكشي ، وقريب منه في روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ١٥٧.

(٤) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤١ ، عن رجال الكشي ، وقريب منه في روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ١٥٧.


ومنها : أنّه أخذ خاتم رجل رمى به في الفرات ثم أقبل الماء يعلو بعضه على بعض حتى اذا قرب تناوله وأخذه (١).

ويظهر من بعض القرائن والاحوال أنّ من جملة الاسرار والعلوم التي كانت عند جابر رحمه الله عن الأئمّة عليهم‌السلام جانب من علم الطبيعة (الفيزياء ، والكيمياء) واسرار من عالم الطبيعة التي كانت غير مناسبة لدرك وفهم العصر الذي عاش فيه رحمه الله.

نقل أحد العلماء أنّه ذهب الى لندن عاصمة انكلترا وتفقد مكتبتها لندن فرأى فيها مجموعة من الكتب الخطية عن جابر الجعفي روى فيها المأثور من الاحاديث عن الإمام الباقر عليه‌السلام في العلوم الغريبة والصّنائع العجيبة تفتخر الامم الحضارية اليوم بسبب وجود هذه الذخائر الثمينة عندها على سائر الامم.

(وَخَزَانَةِ عِلْمِ اللهِ)

ورد عن سورة بن كليب قال : قال لي أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : «والله إنا لخزان الله في سمائه وأرضه ، لا على ذهب ولا على فضة إلّا على علمه» (٢).

وكذا عن سدير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك ما أنتم؟

قال الامام عليه‌السلام : «نحن خُزّان علم الله ، ونحن تراجمة وحي الله ، ونحن الحجّة البالغة على من دون السّماء ومن فوق الارض» (٣).

وعن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له : جعلت فداك إنّي

__________________

(١) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤١ ، عن رجال الكشي ، وقريب منه في روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ١٥٧. نفس المصدر.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ١٥٧ ، ج ١ ، ص ١٩٢ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٥ ، بصائر الدّرجات : ص ٢٩.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ خازن علمي» شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد ، ج ٢ ، ص ٤٤٨.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ١٥٧ ، ج ١ ، ص ١٩٢ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٥ ، بصائر الدّرجات : ص ٢٩.


أسألك عن مسألة ، ها هنا أحد يسمع كلامي؟ (١)

قال ابو بصير : فرفع الإمام الصادق عليه‌السلام ستراً بينه وبين بيت آخر فأطلع فيه ثم قال : «يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك».

قلت : جعلت فداك إنَّ شيعتك يتحدثون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله علّم عليّاً عليه‌السلام باباً يفتح له فيه ألف باب؟

فقال الإمام عليه‌السلام : «يا أبا محمّد علم رسول الله عليّاً عليه‌السلام ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب».

قلت : هذا والله العلم.

فنكت الإمام عليه‌السلام ساعة في الأرض ثم قال : «إنّه العلم وما هو بذاك» ثم قال عليه‌السلام : «يا أبا محمّد وإنّ عندنا الجامعة وما يدريهم مالجامعة».

قلت : جعلت فداك وما الجامعة؟

قال الإمام عليه‌السلام : «صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإملائه (٢) من فلق فيه (٣) وخط علي بيمينه ، فيها كلّ حلال وحرام وكل شيء يحتاج النّاس إليه حتى الأرش في الخدش وضرب بيده إليّ فقال : تأذن لي؟ (٤)

قلت : جعلت فداك إنّما أنا لك فافعل ما شئت.

قال أبو بصير : فعمزني بيده قال عليه‌السلام : «حتى أرش هذا» ، كأنّه مغضب.

قلت : هذا والله العلم.

قال الإمام عليه‌السلام : «إنّه العلم وليس بذاك».

ثم سكت ساعة ، ثم قال : «وإنّ عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟

__________________

(١) كأنه يريد أن يسأله عن أمرٍ ينبغي صونه عن الاجنبي.

(٢) إملائه : يعني كتبه الإمام علي عليه‌السلام بأملاء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) من فلق فيه : الى شق فمه.

(٤) تأذن لي : أي في غمزي إياك بيدي حتى تجد الوجع في بدنك.


قلت : وما الجفر؟

قال الإمام عليه‌السلام : «وعاء من أدم فيه علم النّبيّين والوصيين ، وعلم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل».

قلت : إن هذا هو العلم.

قال الإمام عليه‌السلام : «إنّه العلم وليس بذاك».

ثم سكت ساعة ثم قال : وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها‌السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها‌السلام؟

قلت : وما مصحف فاطمة عليها‌السلام؟

قال الإمام عليه‌السلام : «مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد» (١).

قلت : هذا والله العلم.

ثم سكت ساعة ثم قال عليه‌السلام : «إنّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة».

قلت : فداك هذا والله العالم.

قال الإمام عليه‌السلام : إنّه العلم وليس بذاك.

قلت : جعلت فداك فأي شيّ العلم؟

قال الإمام عليه‌السلام : «ما يحدث بالليل والنهار الأمر من بعد الأمر ، والشيء بعد الشيء ، الى يوم القيامة» (٢).

__________________

(١) يعني فيه اسرار إلهية اخرى وعلوم عجيبة لا يعلمها أحد.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٣٨ ـ ٣٤٠ ، الاختصاص : للشيخ المفيد رحمه الله ، ص ٢٨٣.


(وَحَمَلَةِ كِتابِ اللهِ)

فانّ الأئمّة الهدى عليهم‌السلام هم الحملة الواقعيون للقرآن الكريم وما جاء فيه من علم الاولين والاخرين ، ولأنّهم حملة علوم القرآن وأسراره ، ويعلمون ظاهره وباطنه ، ويقفون على خفايا أسراره ، ويحفظون ألفاظه دون زيادة ولا نقيصة ولا تغيير وتبديل ، ورد في رواية عبد الله بن بشير سمعوا الإمام الصادق عليه‌السلام يقول :

«إنّي لأعلم ما في السّموات وما في الأرض ، وأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النّار ، وأعلم ما كان وما يكون».

قال ابن بشير ، ثم سكت هنية ، فرأى أن ذلك كبر عليَّ من سمعه منه. فقال : «علمت ذلك من كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول : (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (١) (٢).

وعن محمّد بن الفضل قال سألت الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى عزّ وجلّ : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (٣).

قال الإمام عليه‌السلام : «هم الأئمّة عليهم‌السلام خاصّة» (٤).

وعن أبي ولّاد قال : سألت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام عن قوله الله عزّ وجلّ : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) (٥).

قال الإمام عليه‌السلام : «هم الائمّة عليهم‌السلام» (٦).

__________________

(١) النّحل : ٨٩.

(٢) تفسير نو الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٧٦ ، وبسند آخر في اصول الكافي وعيون اخبار الرضا عليه‌السلام.

وقد ورد عن علي عليه‌السلام أنه قال : «سلوني عن شيء يكون الى يوم القيامة إلّا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلّا وأنا أعلم ، أبليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل» الاتقان : ج ٢ ، ص ٣١٩ ، تهذيب التهذيب ، ج ٧ ، ص ٣٣٨ ، الباري ، ج ٨ ، ص ٤٨٥ ، كلاهما لابن حجر ، وعمدة القاري للعيني ، ج ٩ ، ص ١٦٧ ، ومفتاح السعادة : ج ١ ، ص ٤٠٠ ، وينابيع المودة : ص ٧٤ ، وابن سعد في الطبقات : ج ٢ ، ص ١٠١.

(٣) العنكبوت : ٤٩.

(٤) تفسير نور الثّقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٩٥ ـ تفسير الصافي : للشّيخ الفيض الكاشاني رحمه الله : ج ٤ ، ص ٥. ٣١ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ح ١ ، ص ٢١٤.

(٥) البقرة : ١٢١.

(٦) تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ١٢٠ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣١٥.


(وَأوْصِياءِ نَبِيَّ اللهِ)

أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم خلفاء واوصياء النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله من بعده ، لما ظهرت على ايديهم من المعاجز والامور الخارقة للطبيعة ، ودلت عليه النصوص المتواترة التي رويت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من طرق العامّة والخاصّة ، وأهل السنة والجماعة والتي بلغت ستين حديثاً ، وقد صرّحت بعض هذه الروايات بالاسماء المقدّسة للأئمّة عليهم‌السلام الى قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله روى جابر بن سمرة عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال سمعت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يكون بعدي اثنا عشر أميراً ، وقال كلمة لم اسمعها فقال القوم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كلّهم من قريش» (١).

وورد في صحيح البخاري مضمون هذا ال حديث عن جابر وطرق اُخرى ولكن ذكرت بدلاً عن اثنى عشر أميراً ، إثنى عشر خليفة (٢).

ونقل ابن عباس أنّه قال حين حضرته صلى‌الله‌عليه‌وآله الوفاة : إذا حدث ما نعوذ منه فالى من؟ فأشار صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ عليه‌السلام وقال :

«الى هذا فإنّه مع الحقّ والحقّ معه ، ثمّ يكون من بعده أحد عشر إماماً مفترضة طاعتهم كطاعته» (٣).

وروي عن المثنى أنّه سأل عائشة : كم خليفة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : أخبرني باثني عشر أسماؤهم عندي مكتوبة باملائه ، فقلت : اعرضيها عليَّ فأبت (٤).

ذكر المرحوم شبر رحمه الله في كتابه الشّريف «الانوار اللامعة» : ومن المعلوم أنّه لا يمكن حمل هذه الأخبار على خلفاء الجور لزيادة عددهم من قريش على ذلك

__________________

(١) الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٧ ، الجامع الصحيح المسمى بصحيح مسلم : ج ٦ ، ص ٣.

(٢) نفس المصدر : أخرجه البخاري : ج ٩ ، ص ٨١.

(٣) الصّراط المستقيم الى مستحقي التّقديم : للعلّامة المتكلم الشّيخ زين الدّين أبي محمّد علي بن يونس العاملي النّباطي البياضي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٢١.

(٤) نفس المصدر : ج ٢ ، ص ١٢٢.


أضعافاً مضاعفة مع أن جملة منها صريحة في اتصال الاثني عشر بآخر الزّمان ، وفي بعضها أنّ آخرهم المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) (١).

وذكر صاحب كتاب مستطرفات الآثار ما يحكي عن بعض الأمراء أنّه لمّا عثر على هذه الاخبار من طرقهم سأل علمائهم مورداً عليهم أنّه إن عنى مطلق قريش فعدد سلاطينهم فوق ذلك أضعافاً مضاعفة ، وإن أراد غير ذلك فبيّنوه فاستمهلوه عشرة أيّام فأمهلهم ، فلمّا حلّ الوعد تقاضاهم الجواب ، فحاروا وافتقد منهم رجلاً مبرزاً فطلب الامان فأعطاه ، فقال : هذه الأخبار لا تنطبق إلّا على مذهب الشيعة الاثنى عشرية ولكنّها أخبار آحاد لا توجب العمل فرضي بقوله وأنعم عليه «وهكذا أنطقه الله بالحقّ» : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) (٢).

ولعمري أنها أخبار متواترة قد إتفق عليها الفريقان وحفظتها كتبهم وصحاحهم مع اقتضاء الحال اخفائها واعدامها ، هذا أدل دليل واصدق شاهد على صدقها وصحتها ، وليتهم أتوا بخبر واحد يدل على حقيقة خلافة أئمّتهم وإن شهد الوجدان وقام البرهان على خلافه مع أنهم رووا بأسانيد عديدة عنه أنّه قال : «من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية» (٣).

وفيه أبين دلالة على بقاء الائمّة إلى إنقضاء التكليف وان الامامة من اصول الدين وهو لا ينطق إلا على مذهبنا وروي ان هذا الحديث صار سبباً لتشيع بعض

__________________

(١) علل الشرايع : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٦.

(٢) الملك : ١١.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٨٩ ، وورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأئمتنا : أيضاً بهذا النص : «من مات وليس له امام مات ميتة الجاهلية». وراجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ح ٢٣ ، ص ٨٨ ، واصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ٢٧٦ ، المقتطفات : ابن رويش ، ج ٢ ، ص ١١٨.

وفي ذلك قال الحِميري :

فمن لم لكن يدري إمام زمانه

ومات فقد لاقى المنية بالجهل


المخالفين» (١).

إنتهى كلام المرحوم العلّامة شبر رحمه الله.

(وَذُرِّيَةِ رَسُولِ اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)

وهل تشمل هذه الجملة أمير المؤمنين عليه‌السلام لجهة التّغليب أو هي مختصّة بغيره من الأئمّة عليهم‌السلام ، وعلى أيّ حال كون الأئمّة عليهم‌السلام من ذرّية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا شك فيه لانّهم أولاد فاطمة عليها‌السلام وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأولاد البنت أيضاً كأولاد الولد دون فرق كما عدّ الله عزّ وجلّ عيسى عليه‌السلام من ذراري نوح عليه‌السلام حيث قال عزّ وجلّ قائلاً :

(وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ) (٢).

وكما عدّ الله عزّ وجلّ في آية المباهلة الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما‌السلام من ابناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : (قُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ) (٣).

أجمع المفسرون في تفسير هذه الآية الشّريفة أن المراد من (ابناءنا) الامام الحسن والامام الحسين عليهما‌السلام ومن (نساءنا فاطمة) عليها‌السلام ومن أنفسنا (رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام).

ورد في ذيل رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه‌السلام في إستدلال أنّ الامام الحسن والإمام الحسين عليهما‌السلام من أولاد الرّسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه عليه‌السلام تلا هذه الآية

__________________

(١) الانوار اللامعة : للعلّامة السيد شبر رحمه الله ، ص ٨٥ ـ ٨٦.

(٢) الأنعام : ٨٤ ، ٨٥.

(٣) آل عمران : ٦١.


الشريفة :

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ ...) الآية الى أن أنتهى الى قوله تبارك وتعالى : (وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ ...) (١). فسلهم يا أبا الجارود هل كان يحلُّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نكاح حليلتهما؟ فان قالوا : نعم كذبوا وفجروا ، وإن قالوا : لا فَهُما إبناه لصلبه ...» (٢).

وورد في كتاب الاحتجاج : قال هارون الرّشيد للامام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام : جوزتم للعامّة والخاصّة أنّ ينسبوكم الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقولوا لكم : يا بني رسول الله ، وأنتم بنو علي ، وإنّما ينسب المرء الى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنّبي جدّكم من قبل اُمَّكم.

قال الإمام عليه‌السلام : «لو أنّ النّبي نشر فخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه؟».

قال هارون : سبحان الله ولم لا أجبه ، بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك؟

قال الإمام عليه‌السلام : «لكنّه لا يخطب إليّ ولا اُزوجه».

فقال هارون : ولم؟

قال الامام عليه‌السلام : «لأنّه ولدني ولم يلدك».

فقال هارون : أحسنت يا موسى! (٣).

والشواهد على ما ذكرنا في هذا الباب عقلاً ونقلاً كثيرة أعرضنا عنها طلباً للاختصار.

__________________

(١) النّساء : ٢٣.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٦١. روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣١٨.

(٣) الاحتجاج : للشّيخ الطبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ١٦٣.


(وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ)

ذكرنا ترجمتها وشرحها آنفاً.

* * *

(السَّلامُ عَلَى الدُّعَاةِ الى اللهِ)

فانّ الأئمّة الهدى عليهم‌السلام هم الدّعاة للناس الى معرفة الله وعبادته وطاعته ، لأنّ كل إمام منهم عليهم‌السلام لم يتوان لحظة واحدة في قيامه بهذه المهمّة الصعبة في دعوة الخلائق الى المعرفة ، والى آخر لحظة من عمره الشريف ، فقد قام بعضهم عليهم‌السلام بها بالجهاد في سبيل الله ، وقُتِلَ في سبيل الله. وقام الآخر ببيان مقامات توحيد الله عزّ وجلّ واسماء وصفاته ، وتبليغ الاحكام ، وتوسل البعض الآخر بالأدعية والمناجاة ، وغيّب بعضهم بالسّجون والمطامير المظلمة ، وبعضهم جعل إستتاره شعاراً لدعوة النّاس الى الله عزّ وجلّ ورسوله ودينه الخالد ، بل سعى كُلّهم عليهم‌السلام احياء هذا الامر بالاستقامة والصمود (١).

والى جانب الآخر. استعمل حكام الجور اعداء الله تعالى ودينه معهم أبشع الاساليب غير الانسانية ، فمضى منهم من مضى مقتولاً أو مسموماً قد تجرع كأس الشهادة لله تعالى ، إلّا صاحب الامر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) الذي غائب عن عيون حكام الجور ، وسيخرج يوماً ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً بعد جهاد مرير ينتقم من أعداء الله عزّ وجلّ وأعداء البشرية.

__________________

(١) كما ثبت سيّد الاوصياء عليه‌السلام في مواطن حساسة كان الامر يدور بين بقاء الاسلام أو غلبة الشّرك ، وكما ثبت عليه‌السلام وحده في بدر ، واُحد ، ويوم أحزاب ، ويوم حنين وقد فرّ الآخرين ، ويشهد بذلك التاريخ ، وكما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن ودٍ أفصل من عمل اُمّتي إلى يوم القيامة» رواه الواقدي ، والخطيب ، والخوارزمي.


ورد في تفسير الآية الشريفة : (قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١).

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين عليه‌السلام والاوصياء ، من بعده عليهم‌السلام» (٢).

وورد عن الإمام علي الرّضا عليه‌السلام في ضمن حديث يصف الإمام قائلاً : «الامام أمين الله في أرضه. حجّته على عباده وخليفته في بلاده الدّاعي الى الله والذاب عن حرم الله ... الحديث» (٣).

(وَالأدِلاءِ عَلَى مَرْضَاتِ اللهِ)

الحركات والسّكنات التي كانت تتجسد في أقوال وأفعال الائمّة عليهم‌السلام كلّها تدل أنها لاجل طلب مرضات الله عزّ وجلّ ، لانهم عليهم‌السلام يدلّون الناس الى المعارف الالهية والاحكام الشرعية والطاعات والاعمال الصالحة التي فيها ، وتكن مرضاة الله عزّ وجلّ بلا شك ورد في حديث عن النّبي موسى عليه‌السلام قال : يا ربّ أخبرني عن آية رضاك عن عبدك.

فأوحى الله تعالى إليه : إذا رأيتني اُهيىءُ عبدي لعبادتي وأصرفه عن معصيتي ، فذلك آية رضاي (٤).

وفي حديث عن الإمام الرضا عليه‌السلام في وصف الإمام قال : «الإمام الماء العذب على الظماء ، والدال على الهدى ، والمنجي من الرّدى» (٥).

__________________

(١) يوسف : ١٠٨.

(٢) تفسير نور الثلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٧٦.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ١٢٤ ، تحف العقول : ص ٣٢٦ ، الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٢٢٨.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٠ ، ص ٢٦ ، ح ٢٩.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ١٢٣ ، تحف العقول : لابن شعبة رحمه الله ، ٣٢٠ ، الاحتجاج : للعلّامة


(وَالمُسْتَقِرِّينَ فِي أمْرِ اللهِ)

المراد من هذه الفقرة الشريفة ، إمّا كمال الاستقامة والثبات في اجراء أمر الله عزّ وجلّ والعمل به ، وهي من أصعب الاُمور ، وذلك لان أمتثال أي أمر مرّة واحدة أو مرّتين يسهل على الإنسان ولكن الاستمرار والاستقامة والثّبات عليه دائماً وأبداً ممّا يعسر على الإنسان ويجلب له تعباً كبيراً. ولذا جاءت الآية الشريفة في مدحهم والتجليل من شأنهم :

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١).

وورد عن ابن عباس أنه ما نزلت على النّبي الاكرم آية كانت أشدّ من هذه الآية : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) (٢).

ولذلك قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لاصحابه حين قالوا له : أسرع إليك الشّيب يا رسول الله : «شيبتْني هود والواقعة» (٣).

وأو يكون المراد استقرارهم عليهم‌السلام في امر الخلافة ، لان الخلافة فوّض إليهم عليهم‌السلام من قبل الله تعالى بعد رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأثبتهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مقام الخلافة ، فاذاً فالأئمّة عليهم‌السلام هم الذين استقروا في مقام الخلافة من جانب الله سبحانه ورسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أن محلهم عليهم‌السلام من الخلافة محل القطب من الحى ، فيجب على جميع النّاس ان يبذلوا لهم السمع والطاعة ، فهم أعلى مرتبة ومقام وشأن من الآخرين ، بل إن سيل العلوم والاوامر تنحدر من مقامهم الشامخ الى سائر النّاس ولا يستطيع أحد من الناس أن يرقى الى مقامهم السّامي.

__________________

الطّبرسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٢٧.

(١) الاحقاف : ١٣.

(٢) هود : ١١١.

(٣) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ١٩٩ ، تفسير الصّافي : للشّيخ الفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٧٥.


كما اشار سيّد الاوصياء أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته الشّريفة الخطبة الشقيشقية الى هذا المقام وقال :

«لقد تقمّصها فلان وهو يعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرّحى ينحدر عن السيل ولا يرقى إليّ الطّير ... الخ» (١).

يعني بدون وجوده المقدس لا تكون الخلافة صالحة لأحدٍ من النّاس لأن الرحى لا تعمل بدون القطب ، فكذلك العلوم تسيل من صدري الشامخ الذي هو صندوق أسرار العلوم الالهية ، فلا تستطيع حتى النسور التي تحلق في آفاق السَّماء أن تصل الى ما وصلت إليه.

ووردت في بعض النسخ كلمة «المستوفرين» بدلاً عن «المستقرين» فان كلمة المستوفرين مشتقة من الوفور بمعنى الكثرة والزيادة وعلى هذا ، يكون المعنى أن الأئمّة عليهم‌السلام بأمر من الله سبحانه يعلمون أكثر من سائر النّاس وذلك في كثرة عباداتهم وزهدهم وتهجدهم وسخائهم واحسانهم وحسناتهم ، وهذا ما لا طاقة لغيرهم من نيله والوصول إليه.

(وَالتّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللهِ)

نال الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام أعلى مراتب الكمال واسماه في محبة الله سبحانه يقول المرحوم العلّامة السّيد شبر رحمه الله : وهذه الفقرة صريحة في الرّد على قوم من البهايم أنكروا محبّة الله ، بل أحالوها وقالوا لا معنى لها إلّا المواظبة على الطاعة لله عزّ وجلّ ، وأمّا حقيقة المحبّة فمحال إلّا مع الجنس والمثل ، والله تعالى منزّه عن التجانس وليس له شبيه وليس كمثله شيء ويلزم من هذا الانكار انكار الأنس

__________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ، ٣.


والشوق ولذّة والمناجاة وسائر لوازم الحب وتوابعه!!.

والتّحقيق : أنّ الحبّ عبارة عن الميل الى الشيء المستلذ وإنما يحصل بعد المعرفة بذلك الشيء وادراكه إمّا بالحواس «مثل ادراك العين للصّور المليحة ، والاذن للاصوات الجميلة ، والانف للرّوائح الطّيبة» أو بالقلب «كلذّة العلم والمناجاة الحقّة التي تعتبر غذاء الرّوح» ، وكلما كانت المعرفة به أقوى واللذة أشد وأكثر كانت المحبّة أشد والبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر إذ القلب أشد ادراكاً من العين ، وجمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصور الظاهرة ، فتكون لا محالة لذة القلوب بما تدركه الامور الشريفة الالهية التي تجمل أن تدركها الحواس أتم وأبلغ فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح اليه أقوى ، فلا ينكر إذاً حبّ الله تعالى إلّا من قعد به القصور في درجة البهائم فلم يجاوز ادراكه الحواس ، وكما أن الانسان يحب نفسه وبقاء نفسه ، فكذلك قد يحبّ غيره لذاته لحظٍّ يناله منه وراء ذاته ، بل تكون ذاته عين حظه وهذا الحبّ الحقيقي البالغ الذي يوثق به ، فهذا مع ان الكتاب والسنة قد نصت على حقيقة المحبّة قال الله تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (١) وقال الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّـهِ) (٢) وقال الله تعالى : (إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ) الى قوله : (أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ) (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحبّ اليه ممّا سواهم».

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعائه : «اللّهُمّ اُرزقني حُبّك وحُبّ من يحبّك وحبّ ما يقربني الى حبّك واجعل حبّك أحبّ اليّ من الماء البارد» (٤).

__________________

(١) المائدة : ٥٤.

(٢) البقرة : ١٦٥.

(٣) التوبة : ٢٤.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٦ ، ص ١٨٢ ، عن مصباح المتهجد : للشّيخ الطوسي رحمه الله ، ص ١٦٢ ـ ١٦٦.


وفي الحديث القدسي : يا ابن عمران كذب من زعم أنّه يحبّني فاذا جنّه الليل نام عنّي أليس كلّ محبّ يحبّ خلوة حبيبه ها أنا ذا يا ابن عمران مطلع على أحبائي إذا جنّهم الليل حولت أبصارهم اليّ من قلوبهم وتمثلت عقوبتي بين أعينهم يخاطبوني عن المشاهدة ويكلّموني عن المشاهدة ويكلّموني عن الحضور» (١).

وروى الشّيخ الصدوق رحمه الله في علل الشرايع عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ شعيباً بكى من حبّ الله عزّ وجلّ حتى عمي فرد الله عليه بصره ثمّ بكى حتى عمي فرد الله بصره ، فلمّا كانت الرابعة أوحى الله إليه : «يا شعيب الى متى يكون هذا منك إن يكن هذا خوفاً من النار فقد أجرتك وإن يكن شوقاً الى الجنّة فقد أجبتك».

فقال شعيب عليه‌السلام : «الهي وسيّدي وأنت تعلم أنّي ما بكيت خوفاً من نارك ولا شوقاً الى جنّتك ، ولكن عقد حبّك على قلبي فلست أصبر أو أراك ، فاوحي الله إليه : أمّا إذا كان هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران» (٢).

والاخبار والاثار في ذلك أكثر من أن تحصى.

انتهى كلام العلّامة شبر رحمه الله. ويكفي في مقام شرح هذه الفقرة بهذا التفصيل المذكور الذي نقل عنه.

نفهم ممّا سلف أنّ الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام تامّون في محبّة الله تعالى أي لا يعملون إلّا بمحبّة الله تعالى وفي محبّة الله تعالى وأقوالهم وأفعالهم وما أضمروا وما أظهروا أو أوامرهم ونواهيهم ودعائهم في محبّة الله تعالى والاخلاص في العبودية.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٣ ، ص ٢١٩ ، ج ١٧ ، ص ١٤ ، ج ٨٧ ، ص ١٧٢.

(٢) علل الشرايع : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٥٧ ، باب ٥١.


(وَالمُخْلَصِينَ فِي تَوْحِيدِ اللهِ)

لو قرأنا المخلصين بكسر اللام وفتحها فهي تدل على أنّهم قد اختارهم الله واصطفاهم لتوحيده ، وكان الأئمّة عليهم‌السلام بهذا المعنى ، لانّهم عرفوا الله عزّ وجلّ بأعلى مراتب التوحيد ، ولم يرق أحد في معرفة الله وصفاته وافعاله ما رقى ائمتنا الاطهار عليهم‌السلام إلّا جدّهم الأعظم سيّد المرسلين وخاتم النّبيّين محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والاخلاص عبادة من تنزه النّية من الشوائب والاغراض الدنيوية بل الاخروية وتجريدها ، وبأن لا يقصد بالأعمال إلّا رضا الله رب العالمين ، ولذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«إنّ قوماً عبدوا الله رغبة ، فتلك عبادة التجارة ، وإنّ قوما عبدوا الله رهبة ، فتلك عبادة العبيد ، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً ، فتلك عبادة الاحرار» (١).

أشارة واضحة الى مقامات العبودية :

تارة : تكون العبودية تكون خوفاً من العقاب ، ونار جهنم ، كما أن العبيد يخافون من سيّدهم في عدم القيام بالاعمال الملقاة على عاتقهم ، ولذا اعتبر الإمام علي عليه‌السلام هذه الطائفة من العبادة عبادة العبيد.

وأخرى : تكون العبودية تكون طمعاً في نيل الملذّات والوصول الى الحياة الابدية والسّعادة وأن يمرح ويسرح في الجنان كما يشأ ويستفيد من ملذاتها فاعتبر الإمام عليه‌السلام عبادة هؤلاء عبادة التجار.

والثّالثة : طائفة لا تعبد الله خوفاً من ناره ، ولا طمعاً في جنّته ، بل يرى أحدهم نفس العبادة فيها من الفيوضات الالهية أكثر من تلك المعاني ، أي يرى الله سبحانه

__________________

(١) نهج البلاغة : الحكمة (٣٣٧) ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٦٨.


وتعالى أهلاً للعبادة والتجليل والتهليل والتسبيح ، فتعتبر عبادة هؤلاء ، من النّاس عبادة الاحرار.

ولم يصل أي هذه المرتبة من العبادة إلّا القلة القليلة من عباد الله سبحانه ، ويعتبر ائمّة الشيعة في أعلى مراتبها وأسمى مقاماتها إخلاصاً وسعياً وشوقاً.

وورد في حقيقة الاخلاص ، أن الاخلاص عبارة عن ان تقول ربّي الله ثمّ تستقيم في قولك كما أمرت ، وتعمل الصالحات لله سبحانه دون أن تبتغي من الآخرين ان يمدحوك عليها.

ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام في تفسير الآية الشريفة : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (١).

قال عليه‌السلام : لا يعني أكثر عملاً ولكن أصوبكم عملاً وانّما الاجابة خشية الله ، والنيّة الصّادقة ، ثم قال عليه‌السلام :

الإبقاء على العمل حتى يخلص شد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا الله عزّ وجلّ والنّية أفضل من العمل ألا وأنّ النّية هي العمل ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ) (٢) يعني نيّته (٣).

وطريق كسب الاخلاص يحصل في كسر الاهواء الحظوظ النفسانية ، وقطع الطمع عن أهل الدنيا وزخارفها ، والاستعداد للآخرة ، وأن لا يرى الدنيا شيئاً بالنسبة ما أعدّه الله عزّ وجلّ لعباده في النشاة الاخرى ، والزام النفس على تحصيل الاخرة بصورة لا يجد في قلبه سوى حبّ الله عزّ وجلّ ورضاه.

وكم من أعمال يُتعب الإنسان نفسه لها ويظن أنّها كانت لله عزّ وجلّ وخالصاً

__________________

(١) الملك : ٢ ، هود : ٧.

(٢) الاسراء : ٨٤.

(٣) تفسير الصّافي : للشّيخ الفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٠٠ ، وتفسير الميزان : للعلّامة الطباطبائي رحمه الله ، ج ١٩ ، ص ٣٥٥.


لوجهه ، وبسبب غروره وعجبه تذهب هباء منثوراً.

وعلّة ذلك يرجع الى عدم معرفته لآفات العمل وغفلته بمراصد الشيطان ومكائده ، وعندما يرى في الاخرة أن هذا الاعمال الحسنة قد تبدلت الى سيئات ينتبه من نومه وعندئذ لا تنفع النّدامة كما يقول الله تعالى : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (١).

لقد ساوى القرآن الكريم هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا مع الذين لم يقدموا لانفسهم فيها شيئاً.

والاخلاص في العمل علاوة على آثاره ونتائجه الحسنة في الاخرة ، لا يخلو من الثمار في الدنيا بل له فوائد كثيرة وورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ما أخلص عبد لله عزّ وجلّ أربعين صباحاً إلّا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه» (٢).

وفي مختصر الاحياء للشّيخ شرف الدّين يذكر في باب الاخلاص ويقول : إذا أخلص الانسان عمله فسوف تظهر آثار ذلك عليه وعلى أبنائه الى يوم القيامة ، كما ورد أنّه عندما نزل آدم عليه‌السلام الى الارض جاءت جميع الحيوانات والوحوش لزيارته والسلام عليه ، فأخذ آدم عليه‌السلام بالدعاء لكلّ طائفة منها بحسب حالها حتى جاءت طائفة من الغزلان فدعى لها ومسح بيده المباركة على ظهرها ، فلهذا صار المسك في بطن الغزال من بركة يد آدم عليه‌السلام ، فلمّا رجعت هذه الطائفة من الغزلان الى قومهم ، سألت الغزلان من أين لكن هذه الرّائحة العطرة ، فقلن : نحن ذهبنا لزيارة آدم صفوة الله فمسح على ظهرنا فظهرت آثار البركة فينا ، فجاءت بقية الغزلان الى آدم عليه‌السلام لأجل الحصول على هذه البركة فمسح عليهم ، ولكنه لم يحدث شيئاً إطلاقاً فقالوا : نحن ذهبنا الى آدم عليه‌السلام وسلّمنا عليه ومسح علينا ولكن لم يظهر أثر ذلك فينا.

__________________

(١) الكهف : ١٠٤.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٢٤٢ ، عيون أخبار الرضا : للشّيخ الصدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٦٩.


فقلن : أنّ عملكم لم يكن لله ولكن كان لغرض الاهواء النفسية ولتحصيل فأرة المسك ، ولكن اخوانكم من أوّل ذهبوا باخلاص لزيارة آدم عليه‌السلام فبذلك جعلت هذه البركة فيهم وسوف تبقى في أعقابهم الى يوم القيامة.

(والمُظْهَرِينَ لأمْرِ اللهِ ونَهْيِهِ)

يكفي في اثبات هذا المعنى لأئمّة الهدى عليهم‌السلام ، ما تركوا من تراث عظيم ، من نهج البلاغة لامير المؤمنين عليه‌السلام الذي هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق وما يتضمنه هذا الكتاب الشريف من بيان فلسفة التوحيد والمعارف الحقّة ، والاحكام الالهية ، والمواعظة المؤثرة التي لا تجدها في غيره سوى القرآن الكريم.

والصحيفة السّجادية للامام زين العابدين عليه‌السلام الإمام الرابع من ائمّة الشيعة ، التي تحتوي على العلوم الحقة والمناجات العالية والادعية العملية ، وبسبب علو مرتبة هذا الكتاب سمي بزبور آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وما وصلت إلينا من الاحاديث الكثير الغنية بالمفاهيم الاسلامية التي وردت عن أهل بيت العصمة والطهارة فأقدم علماؤنا ومحدثينا من المتقدمين من اصحابهم الى جمعها في اربعمأة كتاب سمّيت باسم «الاصول الاربعمأة» واحد رواة أحاديثهم أبان بن تغلب الذي روى عن الإمام الصادق عليه‌السلام ثلاثين الف حديثاً (١) وجابر الجعفي رحمه الله الذي روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام تسعين الف حديثاً (٢).

وهذا معنى كونهم عليهم‌السلام مظهرين لامر الله سبحانه ونهيه.

__________________

(١) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٧.

(٢) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٤١.


(وَعِبادَةِ المُكْرَمِينَ)

فانّ الله سبحانه وتعالى كرّمهم بالعصمة والطهارة والعلوم الحقة والمعارف الكاملة وفضلهم على الآخرين فقال عزّ اسمه : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (١).

بمعنى أنّه طهرهم عليهم‌السلام من الشرك والنّفاق ، وجعلهم معدن الطهارة والفضائل.

ولما اضاف الله سبحانه عبودية عبده إليه لكي يخصّه لنفسه ويظهر شرفه وفضائله كما قال عزّ وجلّ : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) (٢).

وقال سبحانه : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) (٣).

فأشار سبحانه بهذه الايات الشّريفة الى أعلى مراتب القرب والعلو وأكمل مظاهر العبودية تتجسد في أئمّة الهدى عليهم‌السلام ، ولعل سبب تكريمهم عليهم‌السلام بأنهم انصفوا بمكارم الاخلاف فقد روي عن الامام الصّادق عليه‌السلام أنه قال :

«إن الله تبارك وتعالى خصّ رسوله بمكارم الاخلاق ، فامتحنوا أنفسكم فإنّ كانت فيكم فاحمدوا الله عزّ وجلّ وارغبوا إليه في الزيادة منها ، فذكرها عشرة : اليقين ، والقناعة ، والصبر ، والشّكر ، والرّضا ، وحسن الخلق ، والسّخاء ، والغيرة ، والشّجاعة ، والمروة» (٤).

وفي بعض الروايات اضاف عليها «أداء الامانة».

ولا شك أن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام كانوا في مكارم الاخلاق نوادر عصرهم ، فان الله عزّ وجلّ منَّ بهم علينا ووفقنا أن نتبع مكارم أخلاقهم.

__________________

(١) الاحزاب : ٣٣.

(٢) الحجر : ٤٢.

(٣) ص : ٧٢.

(٤) الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، باب العشرة : ص ٤٣١ ، ح ١٢.


(الّذِينَ لا يَسْبِقُونَهُ بَالقَولِ)

ما نطق أئمّتنا الاطهار عليهم‌السلام بشيء إلّا واخذوه من الله عزّ وجلّ ومأخذ كلامهم كلامه جل شأنه لان كلامهم كلام الله عزّ وجلّ كما وصف الله سبحانه النّبي الكريم قال عزّ اسمه : (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) (١).

والأئمّة عليهم‌السلام أوصياء وخلفاء الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وكل ما ثبت له صلى‌الله‌عليه‌وآله ثابت لهم أيضاً عليهم‌السلام سوى مقام النّبوة ، ودلت على هذا المعنى اخبار كثيرة ومتواترة (٢).

(وَهُمْ بِأمْرِهِ يَعْمَلُونَ)

التزامهم عليهم‌السلام بأمره سبحانه في الاقوال والافعال والاحوال يختص بهم عليهم‌السلام دون الناس ، لأنّ تقدم الظّرف (وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) يفيد الاختصاص ، وكيف لا ، وأنى يتعجب المتعجبون من هذا الكلام وقد وصف الله سبحانه بهذا القول ملائكته وقال سبحانه : (بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٣).

وقد ثبت عقلاً ونقلاً تقدم الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام وافضليتهم على الملائكة ووردت في هذا المقام روايات أشرنا إليها آنفاً.

(ورحمة الله وبركاته)

* * *

__________________

(١) النّجم : ٣ الى ٤.

(٢) فراجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٣٥٢ الى ٤٦٤ ، باب ١٢ : «أنّه جرى لهم عليهم‌السلام من الفضل والطاعة مثل ما جرى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّهم في الفضل سواء».

(٣) الانبياء : ٢٦ الى ٢٧.


(السَّلامُ عَلَى الأئمَّةِ الدُّعَاةِ)

الائمّة جمع امام ، والامام هو الذي يُقتدى به (١) ، يعني السّلام على قادة النّاس الائمّة الدّعاة عليهم‌السلام الذين يهدون الناس الى الله سبحانه ويسوقونهم نحو طاعته وعبادته ـ كما مرّ الاشارة إليها.

(والقَادَةِ)

لانّهم عليهم‌السلام يقودون شيعتهم في الدنيا الى النجاة وفي الاخرة الى الجنة ، بل الى أعلى درجاتها.

روي محمّد الحنفية قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبيّنا وشيعتنا آخذون بحجزتنا».

فقلت : يا أمير المؤمنين وما الحجزة؟

فقال عليه‌السلام : «الله أعظم من أن يوصف بحجزة أو غير ذلك ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله آخذ بأمر الله ، ونحن آل محمّد آخذون بأمر نبيّنا ، وشيعتنا آخذون بأمرنا» (٢).

يقول المؤلف : الاخذ بالحجزة كناية عن التمسك بالسبب ، فجعله الناس في الدنيا سبب تقربهم الى الله سبحانه ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والاوصياء عليهم‌السلام ، وهذا السبب هو

__________________

(١) يطلق الامام تارة على الذي يهدي الانسان إلى الله عزّ وجلّ واُخرى على الذي يهدي الانسان الى الشّيطان أو الى طريق جهنّم لأنّهم إمّا أئمّة الايمان وإمّا أئمّة الكفر ، كما يعبر عنهم القرآن الكريم ، اذاً الانسان مخير في انتخابه لاحدهما فالعاقل البصير لا يختار إلّا الذي يهديه الى الله والى الجنّة دون أن يتعصب الى ما كان مذهبه ومذهب أبيه وعشيرته أو أهل بلده ، بل يختار ما فيه رضى الله عزّ وجلّ ورضى رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد ورد في كتب التفاسير أن المراد من أئمّة الكفر في الآية الشريفة : (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) أبو سفيان بن حرب والد معاوية ، والاية في سورة التّوبة : ١٢ ، وراجع في معنى الآية الشريفة الى تفسير الطبري ، ج ١٠ ، ص ٣٦٢ ، وتفسير ابن جزي ، ج ٢ ، ص ١٨ ، وتفسير السيوطي ، وتفسير الخازن ، ج ٢ ، ص ٢١٨ ، وتفسير الآلوسي : ج ١٠ ، ص ٥٩ ، وتاريخ ابن العساكر : ج ٦ ، ص ٢٩٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٤ ، ح ١ ، التّوحيد : للشّيخ الصدوق رحمه الله ، ص ١٦٥.


عبارة عن الطاعة والمتابعة الأوامرهم ، وتتحول هذه الاسباب الحسنة يوم القيامة الى أنوار فيضيء وينجو بها الانسان من الشّدائد والمهالك يوم القيامة ويهديه نحو الجنّة وأعلى العليين.

(الهُداةِ)

يهدون النّاس الى دين الحقّ.

روي عن بريد العجلي عن الإمام الباقر عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١). فقال الإمام عليه‌السلام :

«رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر ، ولكلّ زمانٍ منا هادٍ يهديهم الى ما جاء به نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ الهداة من بعده عليّ ثمّ الاوصياء واحداً بعد واحد» (٢).

(والسَّادَةِ)

السّادة جمع السّيد يقال لرئيس القوم وكبيرهم المطاع في عشيرته وقومه وكان مورد تجليل واحترام ولو كان غير هاشمي أو علوي.

فاذا كان منهم فقد إجتمع له أشرف الرّئاسة والهاشميّة والعلوية ، بل يكون نوراً على نور.

وقد تطلق كلمة السّيد ويراد بها المالك ، والكريم ، والحليم والذي يتعب نفسه لراحة النّاس ، ووجه المناسبة فيها واضحة ، في الحديث النبوي الشريف : قال : «أنا سيّد ولد آدم ولا فخر» (٣).

__________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) تفسير نور الثلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٨٣ ، وورد بهذا المعنى في الكافي ، ومعاني الاخبار ، والدر المنثور ، والثعلبي في تفسيره : وابن شهر آشوب في المناقب ، وشواهد التنزيل وغيرها.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٦ ، ص ٢٢٥ ، عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ،


بمعنى أن هذه النعمة الالهية العظمى وصلت إليّ من قبل ربّي عزّ إسمه وليس من عندي ولا نلته بقوتي حتى افتخر بها.

وورد في حديث آخر في فضيلة الحسنين عليهما‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة» (١).

لأنّ أبناء الجنّة جميعاً شبان لا كهل فيهم كما زعم بعضهم.

وروى مالك بن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نحن سبعة سادات أهل الجنّة : أنا وعلي أخي ، وعمي حمزة ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي» (٢).

(الوُلاةِ)

الولاة جمع الوالي بمعنى الأمير ، والذي يتولى تدبير اُمور الآخرين ، فهو احق بهم واولى من الاخرين فيقال لهم وليٌّ ، لانّ الأئمّة الهداة عليهم‌السلام اولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أشار الى ذلك الله سبحانه في قرآنه المجيد.

(النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (٣).

ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام في تفسير هذه الآية قال : «نزلت في الامرة ... الخ» (٤).

الامارة بهذا المعنى أن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أحق وأولى بالنّاس من أنفسهم ، مثلاً لو احتاج الرّسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله الى غلام أحد من المؤمنين وهو مورد حاجته أيضاً ، فالنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى بأخذه وبهذا المعنى ورد حديث يقول : «النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اولى بكل مؤمن

__________________

ص ٢٠٢ ، وبهذا المعنى عن الامالي : لابن الشّيخ : ص ١٧٠.

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٥ ، ص ١٣٣.

(٢) رواه الحافظ البغدادي في تاريخه : ج ٩ ، ص ٤٣٤ ، والطبري في ذخائره : ص ٨٩ ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ، ص ٢٧٦ ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ١٨١ ، والسيوطي في الحاوي للفتاوي : ج ٢ ، ص ٥٧ ، وابن حجر في صواعقه : ص ٢٣٢ ، غيرهم.

(٣) الاحزاب : ٦.

(٤) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٣٩.


من نفسه ، وكذا عليّ عليه‌السلام من بعده.

وقيل له : ما معنى ذلك.

فقال عليه‌السلام : قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من ترك دَيناً أو ضياعاً فعليَّ ومن ترك مالاً فلورثته إن الرجل ليست له على نفسه ولا ية إن لم يكن له مال وليس له على عياله أمر ولا نهي اذا لم يجر عليهم النفقة (١) والنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام ومن بعدها عزمهم هذا فمن هناك صاروا اولى بهم من أنفسهم» (٢).

يعني أن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله والاوصياء عليهم‌السلام من بعده لهم الولاية المطلقة سواء كان ذا ياسر أو اعسار ، فاذا أعسر الرجل فعلى النّبي والاوصياء صلوات الله عليهم ان يدفعوا نفقة عياله ، فعليه أنّهم عليهم‌السلام أولى بالمؤمنين من أنفسهم ويقول الله سبحانه :

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (٣).

نزلت هذه الآية الشّريفة في شأن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وقد أجمع على ذلك جميع فرق المسلمين من العامّة والخاصّة. ذلك عندما سأله سائل وهو راكع فأشار سلام الله عليه باصبعه الى السّائل فنزع السّائل الخاتم من يده عليه‌السلام. هذا ما نقله الثّعلبي في تفسيره (٤).

وقال الشّيخ أبو علي : وردت هذه الرواية مفصلة ثمّ قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللّهمّ

__________________

(١) فاذا امتنع عن نفقتهم أو كان معسراً تسقط ولايته عنهم.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٤٠.

(٣) المائدة : ٥٥.

(٤) مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه اله ، ج ٣ ، ص ٣ ، وكشف الغمة : ج ٩١ ، وكلاهما عن الثعلبي في تفسيره في رواية عن أبي ذر الغفاري رحمه الله ، بل رواه عن عنّه طرق فمنها ما رفعه الى عبابة بن ربعي ، وعبد الله بن الحسن انظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٥ ، ص ١٩٥.


فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أشدد به ظهري».

قال أبو ذر رحمه الله : فما إستتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كلامه حتى نزل جبرئيل من عند الله عزّ وجلّ فقال عليه‌السلام : يا محمّد إقرأ ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (١).

وقال أبو علي أيضاً : قال الزمخشري في الكشّاف والعلّامة جار الله في ذيل هذه الآية الشريفة : فإن قلتَ : كيف صحّ أن يكون لعلي رضي الله عنه واللفظة جماعة؟

قلتُ : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً (الامام علي عليه‌السلام) ، ليرغب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل ثوابه ، على أنّ سجية المؤمنين يجب أن يكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والاحسان وتفقد الفقراء ... (٢)

ثمّ قال أبو علي : وقع لفظ الجمع عن الواحد للتعظيم في اللغة أمر مشهور ومعروف ، إذاً لا يحتاج الى هذا الاستدلال.

يقول المؤلف : هذه الآية الشّريفة فيها دلالة واضحة على صحة امامة الامام علي بن أبي طالب عليه‌السلام بلا فصل بعد النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وورد أيضاً لما نزلت الآية الشريفة :

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٣ ، عن تفسير الثعلبي ، واجمعت الاُمّة أنّ هذه الآية نزلت في علي عليه‌السلام لمّا تصدّق بخاتمه وهو راكع ، ولا خلاف بين المفسرين في ذلك ذكره والزمخشري ، ج ٢ ، ص ٥٤٣ ، الطبري ، ج ٦ ، ص ١٦٥ ، الواحدي في تفسيره أسباب النزول ، ص ١٤٨ ، الرازي في تفسيره الكبير ، ج ٣ ، ص ٤٣١ ، والخازن تفسيره ، ج ١ ، ص ٩٦ ، والسيوطي ، في جمع جوامه ، ج ٦ ، ص ٣٩١ ، والآلوسي ، في تفسيره روح المعاني : ج ٢ ، ص ٣٢٩ والبيظاوي ، ج ١ ، ص ٣٤٥ ، ج ٢ ، ص ١٥٦ ، وعشرات التفاسير والكتب ال تاريخية الاُخرى ومن رواة أمثال عبد الله بن عباس ، وأبي ذر الغفاري ، وغالب بن عبد الله ، ومجاهد ، والحسن البصري ، والاعمش ، وقيس بن الربيع ، اضافة الى ما ورد عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام.

(٢) تفسير الكشّاف : للزمخشري ، ج ١ ، ص ٦٤٩.


(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) اجتمع نفر من اصحاب رسول الله في مسجد المدينة ، فقال بعضهم لبعض : ما تقولوا في هذه الآية ، فقال بعضهم : إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها وان آمنا فان هذا ذلٌّ حين يسلط علينا ابن أبي طالب.

فقالوا : قد علمنا أنّ محمّداً صادق فيما يقول ، ولكن نتولاه ولا نطيع عليّاً فيما أمرنا.

قال الرّاوي : فنزلت هذه الآية : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّـهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا). يعني يعرفون ولاية علي عليه‌السلام (وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) بالولاية (١).

وقال خزيمة بن ثابت في ذلك :

فديتُ عليّاً إمام الورى

سراج البريّة مأوى التقى

وصيّ الرسول وزوج البتول

إمام البرية شمس الضحى

تصدّق خاتمه راكعاً

فأحسِن بفعل إمام الورى

ففضّله الله ربّ العباد

وأنزل في شأنه هل أتى (٢)

وأنشد حسان بن ثابت :

عليٌّ أمير المؤمنين أخو الهدى

وأفضل ذي نعل ومَن كان حافياً

وأوّل من أدّى الزّكاة بكفّه

وأوّل مَن صلّى ومن صام طاوياً

فلمّا أتاه سائل مدّ كفّه

إليه ولم يبخل ولم يك جافياً

فدسّ إليه خاتماً وهو راكعٌ

وما زال أوّاها إلى الخير داعياً

فبشّر جبريل النّبي محمّداً

بذاك وجاء الوحي في حافياً (٣)

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : ج ٣ ، ص ٧٢ و ٧٣ ، ح ١٦٧ ، عن اصول الكافي : ج ١ ، ص ٤٢٧ ، ح ٧٧.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة الامجلسي رحمه الله ، ج ٣٥ ، ص ١٩١.

(٣) نفس المصدر.


وروي أيضاً عن أحمد بن منصور عن عبد الرزاق قال كان خاتم علي عليه‌السلام الذي تصدّق به وهو راكع حلقة فضّة فيها مثقال ، عليها منقوش : «الملك لله» (١).

اللّهمّ اُرزق جميع المسلمين ولاية ومحبّة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

(والذَّادَةِ)

الذادة جمع ذائد من ذود ، بمعنى المنع والدّفع كما أنّ الله عزّ وجلّ أشار في حكايته عن بنات شعيب عليه‌السلام وقال : (وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ) (٢).

اي تمنعان غنمهما من السقي حتى يتفرق النّاس ووجه المناسبة : أنّ أئمّة الهدى عليهم‌السلام يدفعون الباطل والانحراف من النفوذ والتغلغل في دين الله عزّ وجلّ ويمنعون الأُمّة من الهلاك والظلال.

(الحُمَاةِ)

الحماة جمع حام بمعنى الذي يحمي الإنسان من الاخرين لأنّ الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام يحمون شيعتهم من الاراء الفاسدة والمذاهب الكاسدة والبليات المهلكة. فخلاص الشيعة ونجاتهم من هذا البلايا بسبب حفظهم وحمايتهم وهدايتهم وشفاعتهم وحمايتهم ووساطتهم عليهم‌السلام وهذا مختص بمن تمسك بحبلهم من الشيعة والمحبين.

يقول المؤلف : دفاع الائمّة عن مواليهم والتابعين لهم في الدنيا ويوم الجزاء

__________________

ومدح حسان بن ثابت مولانا الامام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام في شعره أيضاً وقال :

من ذا بخاتمه تصدّق راكعاً

وأسرّها في نفسه اسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمّد أسرى يؤمّ الغارا

من كان في القرآن سمّي مؤمناً

في تسع آيات تلين غزازا

ذكره ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص : ص ١٠ ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ص ١٢٣.

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٥ ، ص ٢٠٣.

(٢) القصص : ٢٣.


أمر ينحصر بهم اي لا يشاركهم أحد في الدفاع عن الاخرين حيّاً وميّتاً سوى ربيعة بن مكدم الكناني المعروف بحامي الظعن واصبح يضرب به المثل عند العرب ، أنّه الوحيد عند العرب حام ظعينته حيّاً وميّتاً ولذا حكي : أنّه لقي نبيشة ابن السلمي من بني سليم مع جماعته وقد خرج غازياً ، فأراد إحتواء ظعن بني كنانة فمانعه بطعنه نبيشة في عضده ، فقال يخاطب اُمّه :

شُدي على العصبِ اُمّ سبّار

فقد رزئت فارساً كدينار

فأجابته :

أنا بني ربيعة بن مالك

مرزّأٌ أخبارنا كذلك

من بين مقتول وبين هالك

فاستسقاها ، فقالت : اذهب فقاتل القوم فإن الماء لا يفوتك فكَّر على القوم فكشفهم ، وقال للظعن (العائلة) : إنّي لمائت وسأحميكن ميّتاً كما حميتكن حيّاً فالنجباء كذلك فوقف بإزاء القوم على فرسه متكئاً على رمحه ونزف دمه فقضى والقوم محجمون عن الاقدام عليه ، فلمّا طال وقوفه رموا فرسه فقمص فخر لوجهه وطلبوا الظعن فلم يلحقوهن (١).

وبهذا أشار السيّد جعفر الحلي رحمه الله في قصيدة له مدح بها مولانا ابا الفضل العباس بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام.

بَطَلٌ تَوَرثَ مِنْ أبِيهِ شَجاعَةً

فِيها اُنُوفُ بَني الضَّلالةِ تُرْغَمُ

حامِي الظّعِينة أيْنَ مِنْهُ رَبِيعةُ

أم أينَ مِنْ عُليا أبِيهِ مكدَّمُ (٢)

وعندما يكون أبو الفضل العباس عليه‌السلام من هذا البيت بهذه الدّرجة من الحماية والدّفاع عن مخدرات الرّسالة ، فكيف بأكابر هذه البيت الشريف من أئمّة الهدى عليهم‌السلام في الدنيا والاخرة.

__________________

(١) المستصقى في أمثال العرب : ج ١ ، ص ٨٨ و ٨٩.

(٢) سحر بابل وشجع البابل : ديوان السّيد جعفر الحلّي رحمه الله ، ص ٤٣١.


(وَأهْلِ الذِّكْرِ)

كان الذكر ديدنهم عليهم‌السلام والذّكر إمّا عبارة عن القرآن الكريم حيث يقول : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ) (١).

وقال أيضاً : (أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا) (٢).

ولعل ووجه تسمية القرآن الكريم بالذكر لانّه مذكر للنّاس بمهام الامور اي يذكرهم بأمر الاخرة والدين.

أو أنّ يكون المراد من الذكر نفس النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله أو المراد من الذكر الكتب السماوية والانبياء عليهم‌السلام ، كما ذهب إليه المفسرون في تفسير هذه الآية الشريفة (٣).

(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (٤).

وقيل المراد من الذكر إمّا التوراة أو جميع الكتب السالفة ، وعلى الاحتمالات الثلاثة يعتبر أئمّة الهدى عليهم‌السلام أهل الذكر ، روي عن عبد الرحمن بن كثير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الآية الشّريفة ، (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (٥).

قال الإمام عليه‌السلام : «أهل الذّكر محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن المسئولون» (٦).

وروي الإمام الباقر عليه‌السلام عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير ههذ الآية : «الذكر أنا ، والائمّة عليهم‌السلام أهل الذّكر» (٧).

وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن قوله عزّ

__________________

(١) الزخرف : ٤٤.

(٢) ص : ٨.

(٣) المراد من هذه الآية الشريفة قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه.

(٤) الانبياء : ١٠٥.

(٥) النحل : ٤٥.

(٦) تفسير نور الثقلين : ج ٣ ، ص ٥٥ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٠.

(٧) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٥٢.


وجلّ : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ) (١).

ما الزبور وما الذكر؟

قال الإمام عليه‌السلام : «الذّكر عند الله ، الزبور الذي أنزل على داود ، وكل كتاب نزل من هو عند أهل العلم ونحن هم» (٢).

ولعل المراد من الذكر اللوح المحفوظ ولهذا قال الإمام عليه‌السلام : «الذكر عند الله ...» وقال الله تعالى : (وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) (٣) وهو اللّوح المحفوظ.

(وَأُولِي الأمْرِ)

فانّ أئمّة الهدى عليهم‌السلام اصحابُ أمر الإمامة والخلافة ، بمعنى أمر الله تعالى بطاعتهم في هذه الآية الشريفة :

(أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (٤).

عن الحسين بن أبي العلاء قال : ذكر لأبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام قولنا في الاوصياء أنّ طاعتهم مفترضة ، فقال الإمام عليه‌السلام :

«نعم ، هم الذين قال الله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ).

وهم الذين قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (٥) (٦).

__________________

(١) الانبياء : ١٠٥.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٣٦ ، تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٤٦٤.

(٣) الرعد : ٣٩.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) المائدة : ٥٥.

(٦) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٧ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٠٠ و ٣٠١ ، الاختصاص : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٢٧٧.


وما يجلب الانتباه في الآية الاخيرة هو ، أن هذه الآية نزلت في شأن الإمام عليه‌السلام عندما تصدق وهو راكع ، ونسبته الى سائر الائمّة عليهم‌السلام أمّا بالواسطة بمعنى عندما ينجز شخص من جماعة فإنّه تجوز نسبته الى الآخرين أيضاً ، أو أن هذا العمل قد صدر من كل واحد منهم. كما ورد هذا المعنى في بعض الروايات.

عن أبي الصّباح الكنانيّ قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«نحن قوم فرض الله عزّ وجلّ طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولن صفوا العمال ، ونحن الرّاسخون في العلم ، ونحن المحسودون الذين قال الله في كتابه : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ) (١) (٢).

البيان : الانفال ، الغنائم وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب من الارض بل فتحت صلحاً ، ومثل رؤوس الجيال وبطون الاودية ، والآجام وما هو مجرى ذلك.

والصّفو : من الغنيمة ما اختاره الرئيس لنفسه قبل القسمة أو خالص قيمة الشيء هي مختصّة بالرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام.

(وَبَقِيّةِ اللهِ)

فانّهم عليهم‌السلام بقايا الخلفاء والحجج الإلهية في الارض من الانبياء والاوصياء الماضين عليهم‌السلام كما ورد في روايات صحيحة أنّه لما يظهر الإمام القائم «عجّل الله تعالى فرجه الشريف» في مكّة المعظمة يسند ظهره على الكعبة ويقول :

«أنا بَقِيَّةُ اللهِ ، وَبَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُم» (٣).

__________________

(١) النساء : ٥٤.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٦ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٢١٩ ، مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٤٥ ، تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٢٤٧.

(٣) كما ورد في تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ٣٩٢ ، وتفسير الصافي : للشّيخ الفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٦٨ ، وكلاهما عن كمال الدين.


ولعل هذا الكلام أشار الى الآية الكريمة في قوله تعالى : (بَقِيَّتُ اللَّـهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (١).

واحياناً ورد بمعنى الرّحمة ، أي هم رحمة الله تعالى التي منَّ بها على عباده ، ولاجل ذلك ورد الحديث الذي ورد في وصفهم : «أنتم بقيّة الله في عباده».

ويحتمل أن يكون المعنى : الذين بوجودهم الشريف أبقى الله تعالى نعمه على عباد ورحمهم.

اذاً ، بهذه الصّورة يمكن حملها على المبالغة لقوله تعالى : (أُولُو بَقِيَّةٍ) (٢)

وقال بعضهم : أن المراد فيه «اُولو» تميز وطاعة ، بمعنى اصحاب الفهم والادراك والطاعة وغيرها.

(وَخِيَرَتِهِ)

أنّ الله عزّ وجلّ اختارهم لنفسه ، لأنّ الله عزّ وجلّ انتخبهم من بين الموجودات لمنصب الإمامة والوصية ، ولا يحق للنّاس أن يختاروا من أنفسهم أحداً لمنصب النّبوة والإمامة ، لانّه يجب أن يكون الإمام معصوماً وطيب الاصل والمنبت (٣) ، ولم يكن متلبساً بالظّلم والاجحاف ، ولا مطيعاً لهواه وأمياله وحتى يتمكن من الثبات والصمود في حفظ الدين والكتاب الكريم وان لا يطرأ عليه إعوجاج ، ولا يدرك هذا الامر سوى علام الغيوب وإلّا كان كمن ترك الاغنام

__________________

(١) هود : ٨٦.

(٢) هود : ١١٦.

(٣) لانّهم الشجرة الطيبة كما أسارة إليها النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله معبراً : «شجرة أنا أصلها ، وعلي فرعها والحسن والحسين ورقها ، فهل يخرج من الطيب إلّا الطيب ، وأنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب».

وفي لفظ الحاكم في المستدرك : ج ٣ ، ص ١٦٠ ، «أنا شجرة وفاطمة فرعها وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنّة عدن ، وسائر ذلك في الجنّة».


لهوى لذئب وفوض رئاسة العامة الى غير اهله علاوة على منافاته مع العدالة الالهية وبهذا المعنى تشير الآية الشريفة :

(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّـهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١).

وجاء في الكافي في الحديث الذي يصف الإمام عن الإمام الصّادق عليه‌السلام فقال :

«فلم يزال الله يختارهم لخلقه من ولد الحسين عليه‌السلام من عقب كل إمام ، يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ، ويرضى لهم لخلقه ويرتضيهم ، كلّ ما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقب إماماً ، علماً بيّناً ، وهادياً نيّراً ، وإماماً قيّماً ، وحجّة عالماً ، أئمّة من الله ، يهدون بالحقّ وبه يعدلون ، حجج الله ودعاته ورعاته على خلقه ...» (٢).

(وَحِزْبِهِ)

يعني حزب الله (٣) وجماعته وجنده وأنصاره على دينه ، فيُقرأ بالكسر والسكون ، بمعنى الطائفة والجماعة والجيش ، لانّ أئمّة الاخيار عليهم‌السلام كانوا دائماً من بين الناس من حزب الله وجنود الرحمان ، بل هم قادة حزب الله من الواقع ، ولقد وصف الله سبحانه حزبه في قرآنه المجيد بقوله :

(أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٤).

__________________

(١) القصص : ٦٨.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٣.

(٣) ان الائمّة الاطهار عليهم‌السلام هم حقيقة جند الله وحزبه ، لأنّهم أخلصوا الله عزّ وجلّ في الطاعة والعبودية ، فأصبحوا له جنداً خلصاً ، فمن آمن بهم وصدقهم نجى وكان في حزب الله ومن كفر بهم وكذبهم كان في حزب الشيطان ، بل جعل الله الثّواب في محبّتهم وولايتهم ، لأنّهم حجّة الله وخلفائه في أرضه وسمائه.

(٤) المجادلة : ٢٢.


(وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ)

أنّهم عليهم‌السلام مخازن علم الله عزّ وجلّ وهذه الجملة كناية عن كونهم عليهم‌السلام مخازن العلوم الالهية ، ومستودع الاسرار الرّبانية ، كما أشرنا إليه آنفاً من قبيل هذا الحديث المروي : «الانصار كرشي وعيبتي» (١).

ودلّت الاخبار المستفيضة عن العامّة الخاصّة أن العلم منهم لانّهم خزّانة علم الله تعالى وصدر إليهم لانّهم معدنه ومحلّه ، وفيهم مستقر ومنهم تعلّم من تعلّم ومن أخذ منهم بجدّ واخلاص سعُد في الدارين ومن أخذ منهم وأراد أن يتقدم عليهم هلك في الدّارين ، بل وأهلك معه كثيراً من الناس ، كالذين درسوا في مدرسة الامام الباقر والامام الصادق عليهما‌السلام ، ثمّ انقلبوا عليهما ابتغاءً لحطام الدنيا وزخارفها ، فكانت عاقبة أمرهم أن باعوا أنفسهم ودينهم للسلاطين والطغاة وأخذوا يلعسون بلاط حكام الجور ويحاربون من أوصى بهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونزلت في حقّهم عشرات الآيات وشهد به الكتاب (٢).

(وحجّتِهِ)

فانّ الله عزّ وجلّ بهم يحتج على العباد ، احتج بهم عليهم‌السلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على نصارى نجران فنزلت الآية الكريمة في حقّهم : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢١ ، ص ١٦٠.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ خازن علمي» شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد ، ج ٢ ، ص ٤٤٨ ، الجامع الصغير وجمع الجوامع كلاهما للسيوطي كما في تربيته : ج ٦ ، ص ١٥٣ ، ومصباح الظّلام : ج ٢ ، ص ٥٦ ، وشرح العزيزي : ج ٢ ، ص ٤١٧ ، وحاشية شرح العزيزي للحفني : ج ٢ ، ص ٤١٧.

(٢) إنّ ما ذكره المؤلف الجليل دام ظلّه له شواهد كثيرة في تاريخنا الاسلامي التمسه من كتب الشيعة والسنة وتجدها مستفيضة كما ذكر زاد الله تعالى في عمره.


لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (١).

ونقل في تفسير هذه الآية من السنة والشّيعة متواتراً : غدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخذ بيد علي عليه‌السلام والحسن والحسين عليهما‌السلام بين يديه وفاطمة عليها‌السلام تتبعه جاء الى المباهلة.

فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بعد فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الارض نصراني الى يوم القيامة ، فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا ، يكن لكم ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم فأبوا ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فإنّي أناجزكم.

قالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ، ولا تخيفنا ، ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي اليك كلّ عام ألفي حلّة ، ألف في صفر ، وألف في رجب وثلاثين درعاً عادية من حددي فصالحهم على ذلك.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ، ولا ضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولا ستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا (٢).

في هذا الآية الشريفة دلالة واضحة على فضل أصحاب الكساء خصوصاً ،

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢١ ، باب ٣٢ «المباهلة ...» وتفسير الميزان : للعلّامة الطّباطبائي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٢٣٣ ، والفصول المهمة : ص ٢١ ، المناقب : لابن المغازلي ، ص ٢٦٣ ، ح ٣١ ، تفسير الطّبري : ج ٣ ، ص ٢٢٩ و ٣٣٠ ، وتفسير الفخر الرازي : ج ٢ ، ص ٦٩٩ ، وعشرات المصادر الواردة من طرق الشيعة والسنة ، وقد رواه عشرات الرواة من الفريقين ، فراجع.


وعلى علو درجات سائر الائمّة عليهم‌السلام عموماً بالنسبة الى سائر الناس ، لمن كان من أهل الحقّ والانصاف ولم يكن من أهل العناد والاعتساف.

(وَصِرَاطِهِ)

فانّهم عليهم‌السلام صراط الله (١) ، والصّراط لغة بمعنى الطريق ، ولذا يقال للدين الحقّ صراط لانّه الطريق الوصول الى الثّواب ، والطريق الى الله ينحصر بذلك ، وبهذه المناسبة سمّيت ولاية الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام واولاده بـ «الصّراط» وأيضاً بهذا المناسبة قال مولى المتقين عليّ عليه‌السلام :

«أنا صراط الله المستقيم وعرته الوثقى التي لا انفصام لها» (٢) (٣).

وتفسير هذا الكلام هو أن معرفتهم طريق الوصول الى الله عزّ وجلّ ، قال المفضّل بن عمر : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصراط فقال عليه‌السلام :

«هو الطريق الى معرفة الله عزّ وجلّ وهي صراطان صراط في الدنيا وصراط في الاخرة ، فأمّا الصراط في الدنيا فهو الامام المفروض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة

__________________

(١) وكما في قوله تعالى : (وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) ـ الاية الكريمة في سورة الانعام : ١٥٣ ـ قال العلّامة شرف الدين رحمه الله في مراجعاته : ص ٣٩ ، عن الامامين العظيمين الباقر والصادق عليهما‌السلام كانا يقولان : «الصراط المستقيم هنا هو الامام ، ولا تتبعوا السبل أي أئمّة الضلال ، فتفرق بكم عن سبيله ، ونحن سبيله».

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٧٠ ، ح ١٩.

(٣) قال الحميري يمدحه عليه‌السلام :

سمّاهُ جبّار السّما

صراط حقّ فسما

فقال في الذّكر وما

كان حديثاً يفترى

هذا صراطي فاتّبعوا

وعنهم لا تخدعوا

فخالفوا ما سمعوا

والخلف ممّن شرعا

واجتمعوا واتّفقوا

وعاهدوا ثمّ التفوا

أن مات عنهم وبقوا

أن يهدموا ما قد بنى

مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب ، ج ٣ ، ص ٧٣ ، المقتطفات : لابن رويش ، ج ٢ ، ص ٣١٨.


ومَن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة فتردّى في نار جهنم» (١).

وبهذا المضمون وردت روايات كثيرة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم‌السلام وقد سطرت في الكتب الشيعة وبصورة مفصلة.

يقول العالم الجليل الشّيخ الصّدوق رحمه الله في كتابه الشريف «الاعتقادات» : إعتقادنا في الصراط أنّه الحقّ وأنّه جسر جهنم أنّه عليه ممر جميع الخلق قال الله عزّ وجلّ :

(وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا) (٢).

والصراط في وجه آخر اسم حجج الله تعالى مَن عرفهم في الدنيا واطاعهم اعطاه الله جوازاً على الصراط الذي هو جسر جهنم يوم القيامة ، قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام :

«يا علي إذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرائيل على الصراط فلا يجوز على الصراط إلّا مَن كانت معه براءة بولايتك» (٣).

(وَنُورِهِ)

وقيل في تعريف النّور : «النّور ظاهر بنفسه ومظهر لغيره» (٤).

والضياء أقوى ما بلغ من النور ، ولذا يضاف الضّياء الى الشمس ، والنور الى

__________________

(١) تفسير الميزان : للعلّامة السّيد محمّد حسين الطباطبائي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤١ ، عن معاني الاخبار : ص ٣٢ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ١١.

(٢) مريم : ٧١.

(٣) اعتقادات الصّدوق رحمه الله ، وعنه الانوار اللامعة : ص ١٠٥ ، معاني الاخبار : ص ٣٦.

(٤) فراجع تفسير الميزان : للعلّامة الطّباطبائي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٢ ، في تفسير هذه الآية الشريفة : (اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...) سورة النّور.


القمر.

وقال بعضهم : الفرق بينهما هو أنّ الضياء ذاتي والنور عارض ومكتسب ، ولعل ذلك هو وجه التّعبير في الآية الشّريفة :

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا) (١).

ويحتمل أن يكون المعنيين صحيحاً في تفسير الآية الشريفة ، ولا يبعد أن يكون تأويلها ناظر الى أن المراد بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام فالشمس تعبير عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن القمر عن الائمّة الاخيار عليهم‌السلام (٢).

وعلى أية حال أن المراد من كونهم نور الله هو هداية العالم بنور علمهم أو بنور وجودهم المقدّس. لانهم العلل الغائية لوجود الاشياء ، أو المراد كلاهما الوجود والعلم.

أو يكون المراد أنّهم أدلة واضحة وأنوار طاهرة تنير بصيرة وقلوب المؤمنين ، وعلى أثر ذلك النور يتبعهم المؤمنون في أقوالهم وأفعالهم وبذلك ينالوا الفوز والسّعادة الأبدية.

عن أبي الجارود قال : قلت لابي جعفر الباقر عليه‌السلام : لقد أتى الله أهل الكتاب خيراً كثيراً.

قال الإمام عليه‌السلام : وما ذاك؟

قلت : قول الله عزّ وجلّ : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ).

الى قوله : (أُولَـٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) (٣).

فقال الإمام عليه‌السلام : «وقد آتاكم الله كما آتاهم ، ثمّ تلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا

__________________

(١) يونس : ٥.

(٢) ورد عن الامام الباقر عليه‌السلام في حديث طويل أثبتنا منه موضع الحاجة ، فقال : «... فضرب الله مثل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالشمس ومثل الوصي بالقمر ...» روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٨٠ ، ح ٥٧٤.

(٣) القصص : ٢٨.


اللَّـهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) (١). يعني إماماً تأتمون به» (٢).

وعن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر الإمام الباقر عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) (٣).

قال عليه‌السلام : «النّور والله ، الأئمّة من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى يوم القيامة ، وهم والله نور الله الذي أنزل ، وهم والله نور الله في السموات والارض ، والله النور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار. وهم والله ينورون قلوب المؤمنين ويحجب الله عزّ وجلّ نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ... الى آخره» (٤).

فراجعوا الى ما أشرنا آنفاً من شرح آية النّور وتفسيرها نافع في هذا المقام ، ونقل محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله تبارك وتعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) (٥).

قال عليه‌السلام : «يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام بأفواههم».

قلت : قوله تعالى : (وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِهِ).

قال عليه‌السلام : «والله متمّ الامامة ، والامامة هي النور ولذلك قوله تعالى عزّ وجل : (فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا).

وقال : النّور هو الامام (٦).

__________________

(١) الحديد : ٢٨.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٥٢ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٤.

(٣) التغابن : ٨.

(٤) تفسير نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٣٥٠ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٤.

(٥) الصف : ٨.

(٦) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٦.


(وَبُرْهانِهِ)

البرهان بمعنى الحجّة فان الائمّة الهدى عليهم‌السلام برهان الله وحجته ، لان البراهين والآيات تدل على كمال الذات والصفات والافعال الالهية ومن هنا ورد عن امير المؤمنين علي عليه‌السلام قال :

«مالله عزّ وجلّ آية أكبر منّي ، ولا لله من نباءٍ أعظم منّي» (١).

ويمكن أن يكون المراد من كونه النباء العظيم هو ان الدلائل التّوحيد وبراهينه تبين بواسطة الأئمّة عليهم‌السلام وبذلك يردّون أباطيل أهل الشرك والكفر.

(وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ)

* * *

(أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ)

أشهد أنه لا معبود بالحقّ غير ذاته المقدّس ربّ العالمين الذي يجمع جميع الصّفات الكمالية ، وكمال وجلال الاخرين مقتبسين منه عزّ اسمه.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ١ ، تفسير فرات الكوفي : أبي القاسم فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي من أعلام الغيبة الصُغرى رحمه الله ، ص ٥٣٤.

وروى علقمة أنّه خرج يوم صفين رجل من عسكر الشّام وعليه سلاح ومصحف فوقه ، وهو يقول : عمّ يتساءلون ، فأرادتُ البراز ، فقال عليه‌السلام : مكانك ، وخرج بنفسه وقال : أتعرف النّبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون؟ قال : لا ، قال عليه‌السلام : والله إنّي أنا النّبأ العظيم ، الذي فيه اختلفتم ، وعلى ولايتي تنازعتم ، وعن ولايتي رجعتم بعدما قبلتم ، وببغيكم هلكتم بعدما بسيفي نجوتم ، ويوم غدير قد علمتم ويوم القيامة تعلمون ما علمتم ، ثمّ علاه بسيفه فرمى رأسه ويديه ثمّ قال :

أبى الله إلّا أنّ صفّين دارنا

وداركم مالاح في الاُفق كوكب

وحتّى تموتوا أو نموت وما لنا

وما لكم عن حومة الحرب مهرب

راجع مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب ، ج ٣ ، ص ٧٩ ـ ٨٠ ، والمقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٢ ، ص ٣٢٥.


ويشعر بيان هذه الشهادة ان جميع الاوصاف الكمالية والجلاليّة التي ذكرت لأئمّة الهدى عليهم‌السلام مقتبسين من فيض الوجود المقدّس لذلك الواحد الأحد ، وكانوا عليهم‌السلام بهذه المقامات العالية والمراتب السّامية من عباد الله عزّ وجل ، فهم يحتاجون في جميع الشؤون الى ساحته المقدّسة ، فهو المعبود جلّ إسمه وهم العباد عليهم‌السلام فهو خالق عظيم وهم عباد خاضعين ، وهو ربّ كريم وهم مربوبون له ، كما اشاروا عليهم‌السلام الى ذلك وقالوا :

«نزّهونا عن الرّبوبية وقولوا فينا ما شئتم» (١).

(وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ)

فهو اله واحد وملك لا شريك له ، فهذه الجملة تأكيد على الجملة السالفة.

(كَمَا شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَاُولُوا العِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ)

يعني كما شهدوا شهادةً حقيقية مخلصة بالاخلاص الواقعي لم تصل القدرة البشرية الى إدراك كنهه ، ولم تقف ادراكات الإنسان على حقيقته ، فعلى هذا نشهد على توحيد ذاته وصفاته كما شهد الله عزّ وجلّ على نفسه ، وكما ورد في حديث عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

__________________

(١) ورد هذا الحديث في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٢٨٣ ، ح ٣٠ ، عن بصائر الدّرجات ، عن الامام الصّادق عليه‌السلام بهذه الصّورة «يا كامل اجعل لنا ربّاً نؤب إليه وقولوا فينا ما شئتم» وفي ج ٤٧ ، ص ٦٨ ، ح ١٥ ، عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : «... اجعلنا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا ...» ، فتأمّل عزيزي القارئ ، أنّ الائمّة الاطهار عليهم‌السلام لم يدّعوا لأنفسهم الرّبوبيّة ولا الالوهيّة أبداً ، بل أن لهم مقام لا يدركه أحد ، لأنهم حقّاً كما هو موصُفون في هذه الزّيارة الشّريفة ، ولا تغريك أقلام الحاقدين الذين لا ديدن لهم إلّا إتهام الآخرين بالكفر والشّرك.


«سبحانك لا أصفك إلّا بما وصفت به نفسك» (١).

يعني سبحانك أنى يحيط فكر وقوة الإنسان أو عقله ووهمه وقياسه بذاتك وصفاتك المقدّسة ، وأنا لا أصفك إلّا بما وصفت به نفسك وفي جملة «كما شهد الله ...» إشارة الى الآية الشريفة (١٨) في سورة آل عمران :

(شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ) (٢).

بمعنى شهد الله عزّ وجلّ بوحدانيته ببدايع الحكمة وعجائبها والملائكة وأهل العلم من مخلوقاته من الانبياء والمرسلين والاولياء والصالحين والعلماء والعارفين.

وتتضمن هذه الآية بيان فضل العلم والعلماء ، لان الله عز وجل قرن ذكر العلماء بذكر الملائكة ، وشهادتهم بشهادتهم.

ومن الروايات الواردة في فضل العلم والعلماء رواية جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«ساعة من عالم يتكي على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاماً» (٣).

(لا إلهَ إلّا العَزِيزُ الحَكِيمُ)

جاء تكرار هذه الجملة إمّا للتأكيد ، أو وصف الله تعالى بصفة العزّة والمراد منها غلبته وقهره ، أو بالحكمة ، والمراد منها فعله وإيجاده للاشياء بصورة متقنة ومحكمة على حسب المصالح ، يعني كل ما يرى في عالم الخلق جاء بأبدع صورة واتقنها وحكمها ، وكل ما يرى من الجزئيات والكليات في خلقته كانت لمصلحة

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٤٠ ، ح ١٨ ، عن التّوحيد : للشيخ الصدوق رحمه الله ، ص ١١٣.

(٢) آل عمران : ١٨.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٣ ، نقلاً عن روضة الواعظين.


مودعة فيها ووفقاً لعدالة مقضية لها ، فإذا زاد على ذلك الموجود أو نقص منه شيئاً اختل نظام وجوده ، أذاً إن الله عزّ وجلّ يستوجب التّوحيد والتّمجيد لأن أفعاله جاءت وفقاً لحكمته ، ومظاهر قدرته مطابقة لشؤون المصلحة.

(وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمّدَاً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عَبْدُهُ)

ونشهد أنّ محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده الذي أدى حق العبودية بالحق ، أو قام بواجبات العبودية الى الحدّ الذي تتحمله القدرة البشرية ، والاضافة هنا اختصاصية وتشريفية من جهة وصوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى حقيقة العبودية.

وتوضيح هذا المقام يتم بذكر هذا المقال : قال العالم الكبير المحقق القدير الشيخ الخواجة نصير الدين الطوسي رحمه الله في كتابه الشريف «الاخلاق الناصري» : «أن الحكماء قالوا أنّ العبادات ثلاثة أقسام :

الاوّل : العبادات الواجبة على الابدان كالصّلاة والصّوم والسّعي بين الصّفا والمروى وأمثال ذلك.

الثّاني : العبادات الواجبة على النفوس كالاعتقادات الصّحيحة كالتّوحيد وما يستحقه الله عزّ وجلّ من الثّناء والتّمجيد والتّفكر في مخلوقات الله تعالى ونعمه والرّفعة في الحكم في خلقه ثمّ التّوسع في هذه المعارف الالهية.

الثّالث : الواجبات على الانسان من حيث أنّه اجتماعي والمشاركة مع الناس في بناء الحضارة من المعاملات والمزارعة والنّكاع وأداء الامانة والنّصيحة وخدمة الآخرين وطلب الخير لهم والمعاونة على البرّ والتّقوى وجهاد الأعداء والدّفاع عن حريم الدّين وصلة الرّحم وأمثال ذلك من الواجبات (١).

__________________

(١) الاخلاق النّاصري : للشّيخ نصير الدين الطّوسي رحمه الله ، ص ٢٧٣.


تمّ كلام المحقق المذكور رحمه الله الذي اشار الى حقيقة العبودية وأقسامها.

وحقيقة العبودية كما وردت في حديث عنون البصري ثلاث اُمور :

الأوّل : أن لا يعرف الإنسان ممّا آتاه الله تعالى من الملك والثّروة مالكاً لها حقيقة ، لان العبد لا يملك شيئاً بل كل ما يملك فهو لله سبحانه ، ويصرفه حيث أمره الله سبحانه.

الثّاني : أن لا يرى التّدبير من عنده نفسه ، بل يعلم أن المدبر الحقيقي هو الله سبحانه.

الثّالث : أن تكون أعماله منحصرة في إطار الاوامر الالهية ونواهيه ، وعندما يعلم العبد أنّه لا يملك شيئاً يسهل عليه الانفاق ، وعندما يفوض العبد تدبير اُموره الى الله تعالى تهون عليه مصائب الدنيا وشدائدها ، وعندما يشغل العبد نفسه بطاعة أوامر الله سبحانه وتعالى ونواهيه فلا يحصل له فرصة المباهات والجدال ومنافسة الناس على الدنيا ، إنتهى.

ولقد نال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على صعيد العبادات والحقائق الثّلاثة في العبودية غاية مراتب العبودية ، بل سبق الملاء الأعلى وعوالم الملائكة في نيل وسام العبودية ، وهذا المقام لا يقل شرفاً ومكانة من الرّسالة ، ولذا تأتي الرسالة في مرتبة متأخرة من العبودية ، كي يفهم الناس أن نبيّ الإسلام العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفتخر ويتباهى بعبوديته لله سبحانه وتعالى قبل أن يفتخر ويتباهى برسالته.

(المُنْتَجَبُ)

يقال لكل شيء متميز الذي ينتخب على الآخرين ، ورد في الخبر : «الانعام من نجائب القرآن» ، أي سورة الانعام من السور المنتخبة في القرآن الكريم ، وبما أنّ الانبياء عليهم‌السلام وبالاخص الرسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متميزون عن الناس ، فنتجبهم الله


عزّ وجلّ على الآخرين لحمل أعباء الرسالة وهداية البشرية (١).

(وَرَسُولُهُ المُرتَضَى)

فانّ الله سبحانه وتعالى رضي به رسولاً من عنده في حمل الرّسالة ، أو المراد أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرتضى في شفاعة العصاة من أمّته ، واذا شفع لاحد يوم القيامة فإن الله سبحانه يقبل شفاعته ، وفي هذه الفقرة المباركة من الزّيارة إشارة الى الآية الشّريفة : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) (٢).

يعني ، أن الله سبحانه يعطيك كرامة وساعة في شفاعة المذنبين من اُمّتك ما يرضيك.

(أرْسَلَهُ بِالهُدَى)

أرسله الله سبحانه لهداية النّاس بشيراً ونذيراً ، أي يُبشرهم بجنّة الخلد ، وينذرهم من العقوبة الخالدة.

وقد يراد من الهدى ، الكتاب والشريعة ، فجاء حاملاً شريعة غراء للبشرية.

وروي عن ابن عباس أنّه قال : ضمن الله سبحانه لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ) (٣) (٤).

__________________

(١) قال أحمد لن زين الدّين الحسائي صاحب شرح زيارة الجامعة : إنّ قوله عبده المنتجب ورسوله المرتضى بجعل المنتجب صفة للعبد والمرتضى صفة للرسول فيه نكتة وهي : ان الانتجاب أخصّ من الارتضاء ، إذ قد يرتضي الشخص شيئاً لأمر خاص وان لم يكن ذلك المرتضى خيرة الموجود لصلاحه لذلك الأمر الخاص والمرتضى وان كان هو منتجباً ممن لا يرتضى لهذه الاامر لكنه لا يلزم أن يكون منتجباً مكلّفاً بخلاف المنتجب ، فإنه مرتضى ولا كلّ مرتضى منتجب ، فلمّا كان المنتجب أخصّ وصف به العبد الاخص من الرسول ، ص ٩٣.

(٢) الضحى : ٥.

(٣) طه : ١٢٣.


(وَدينِ الحَقِّ)

أرسل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدين الحقّ (٥) ، دينه الذي إرتضاه لعباده ، لانّه من جملة أسماء الله المقدّسة وهو الحقّ ، أو أن المراد من الدّين دين الحقّ القائم الى يوم القيامة الذي لا يطرأ عليه النسخ والتبديل كما ورد في الحديث الشريف :

«دين محمّد مستمر الى يوم القيامة» (٦).

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلَّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)

الدين الذي يظهر على جميع أديان البشرية ولو كره المشركون ، وهذا الوعد من الله سبحانه وتعالى والظهور لدين الحق بصورة كاملة يتحقق عند ظهور قائم آل محمّد «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف».

(وَأشهَدُ أنّكُمْ الأئمّةُ الرّاشِدُونَ)

لأنهم عليهم‌السلام يرشدون (٧) النّاس الى طريق الحق والهداية وصراط الله المستقيم.

__________________

(٤) تفسير مجمع البيان : للشّيخ الطّبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣٤ ، في ذيل تفسير هذه الآية.

(٥) وقد وردت في رواية عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام قال : قلت : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ) قال عليه‌السلام : هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيّة ، والولاية هي دين الحق قلت : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ليظهره على جميع الاديان عند قيام القائم عليه‌السلام (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الآية في سورة التوبة : ٣٢ ، وسورة الصف : ٩.

(٦) كنز العمال : ج ١ ، ص ٢٢٥ ، ح ١١٥٣.

(٧) وردت تعبير الأئمّة الرّاشدون في رواية العامّة والخاصّة ، وفسّره كلُّ طائفة حسب ما يوافق مذهبها ، والحقّ ما ذهب اليه المذهب الحقّ الذين تولوا آل الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واتبعوهم ، وذلك عندما نتأمل في الاخبار الواردة عن الفريقين وبدقة كاملة نجدها جميعاً تنبع من عين واحدة ويكشف زلال مائها عن مكوث أسماء أئمّة الشيعة على الارض لأنّهم أنفع للبشرية في الهداية ، والزبد الذي يؤمن به غيرهم ، فيذهب جفاء لأنّه لم ينفع النّاس ، بل كان سبباً للشقاق والويلات طول التاريخ هذا من جانب وحرمان الاُمّة عن تلك العين الصّافية من جانب آخر.


(الهادُونَ)

ويهدونهم أيضاً الى شريعة سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أشرنا إليها آنفاً ، والمراد من الهداية في الآية الشّريفة المذكورة (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١) يعني الأئمّة الاطهار (٢).

(المَهْدِيُّونَ)

فانهم عليهم‌السلام مهتدون بهداية الهية ، لانّه الهداية الواقعية تأتي فقط من الله سبحانه الذي أعطى لكلّ شيءٍ هداه.

(المَعْصُومُونَ)

المحفوظون والممتنعون عن الذّنوب والمرتدعون عن الأرجاس والعيوب ، لان المصعوم يطلق على من يرتدع عن جميع المحارم الالهية ويجتنب عنها.

والعصمة : عبارة عن قوة العقل بحيث لا تتغلب عليه النّفس مع قدرته على إتيان المعاصي جميعاً ، فيتركها إختياراً وتطوعاً. وليس معنى العصمة أن الله سبحانه يجبره على العصمة ويزجره عن المعاصي ، بل يفيض على المعصوم ألطافاً بواسطتها يترك معها المعصوم المخالفة والعصيان باختياره مع قدرته عليها ولا يلوث نفسه بالارجاس كقوة العقل ، والكمال ، والذكاء والفطنة وصفاء النفس ، ويقضة الوجدان والضمير ، وكمال الاعتناء بطاعة الله جلّ جلاله ، فهذه العناصر هي الطاف الهية

__________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) راجع الى تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ٤٨٢ ، في تفسير ذيل هذه الآية وتفاسير اُخرى من الفريقين.

وروى الحاكم الحسكاني في شواهد التّنزيل : ج ١ ، ص ٣٠١ ، فيما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال أبو برزة : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالطّهور وعنده علي بن أبي طالب : فأخذ بيد علي بعدما تطهّر فألصقها بصدره ، ثمّ قال : إنّما أنا منذر ، ثمّ ردّها الى صدر علي بن أبي طالب ، ثمّ قال : ولكلّ قوم هاد ، ثمّ قال : أنت منار الأنام ، وراية الهدى ، وأمين القرآن ، وأشهد على ذلك انّك كذلك.


تفاض على المعصوم وبها يستطيع المعصوم ان يحفظ نفسه من المعاصي.

وإذا كان الإمام محفوظاً من المعاصي من جانب الله عزّ وجلّ وليس له قدرة على إتيان المعاصي لكان غير مكلف ، واللازم «وهوت عدم التّكليف» باطل ، فكذا الملزوم «وهو عدم القدرة على المعصية» باطل مثله.

وعلى أي حال إن هناك أدلة عقلية وبراهين نقلية كثيرة مذكورة في كتب الاصحاب تدل على عصمة الأئمة الاطهار عليهم‌السلام ونحن نحاول في هذه الوجيزة ان نذكر عدّة براهين عقلية مختصرة ورواية واحدة.

فمن جملة الادلة العقلية والبراهين النقلية أنّه :

منها : لو لم يكن النّبي أو الإمام معصوماً ، لانتفى الوثوق بقوله ووعده ووعيده فيأبى الناس اطاعته ، فيكون بعثه وإرساله لهم من قبل الباري تعالى عبثاً ولغواً.

ومنها : أنّه لو كان النّبي أو الوصي في الامور الشرعية مخطئاً لاحتاج الى من يسدده ويردعه عن أخطائه ، فإمّا أن يكون الرادع معصوماً فيثبت المطلوب أو غير معصوم فيلزم التسلسل. وبطلانه بديهي.

ومنها : أنه يقبح على الحكيم أن يكلّف النّاس بإتباع من يجوز عليه الخطأ.

ومنها : أنّه لو عصى وانحرف لأقيم عليه الحدّ ووجب إنكار الرعية هذا العمل المشين عليه فيسقط اعتباره وهيبته من القلوب.

وغير ذلك من الادلة.

وورد عن الإمام السّجاد عليه‌السلام أنّه قال :

«الامام منّا لا يكون إلّا معصوماً ، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ، فلذلك لا يكون إلّا منصوصاً».

فقيل له : يا ابن رسول الله فما معنى المعصوم؟

فقال عليه‌السلام : «هو المعتصم بحبل الله ، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان الى


يوم القيامة والامام يهدي الى القرآن والقرآن يهدي الى الامام ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (١) (٢).

وغيرها من الاحاديث المسطورة في الكتب المفصلة.

(المُكرَّمُونَ)

الذين كرّمهم (٣) الله تعالى وخلق جوهر ذاتهم من نوره ، وخلق طينتهم من عليين ، وجعلهم مظهر صفاته ، وجعلهم مقتدى الانام يقتدون بهم في الاقوال والافعال ، وأكرمهم بالكرامات الصّورية والمعنوية والدّنيوية والاخروية.

ولعل هذه الكلمة اشارة الى أن الله تعالى أكرم وجوههم وجباهم من السجود للاصنام ، وطهّر ذاتهم من الشّرك والنّفاق كما يعبر عن ذلك أهل السُّنة والجماعة عند ما يذكرون اسم امام المتقين علي بن أبي طالب عليه‌السلام فيقولون (كرم الله وجهه) لأنّه «عليه أفضل صلاة المصلّين» لم يسجد طرفة عين للاصنام ولم يشرك بالله سبحانه. بل آمن بالله وبرسوله وهو في نعومة أطفاره لم يتجاوز العشر سنين ، وكان أول من أسلم بين يدي نبيّ الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولكنّهم عندما يذكرون أسماء بقيّة الصّحابة يقولون رضي الله عنه ، لانّهم تلوثوا بعبادة الاصنام والشّرك.

(المُقَرَّبُونَ)

لأنّ لهم عند الله تعالى قرباً معنوياً ، فان لهم المحل الأعلى عنده بحيث لا يدانيهم

__________________

(١) الاسراء : ٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ١٩٤ ، ومعاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٤٤.

(٣) ورد في علل الشّرايع عن النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ الله تبارك وتعالى خلق آدم وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسّجود تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه ...» علل الشرايع.


ملك مقرب ولا نبي مرسل عدا جدّهم الاكرم خاتم الانبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانه أشرف المخلوقات وأقرب الموجودات الى الله عزّ اسمه من حيث الجلالة والفضيلة.

ويحصل القرب المعنوي ، بالاذكار الجميلة والاعمال الصالحة ، والاقوال الحسنة ، ولا يجوز القرب الذاتي والمكاني لذاته الاقدس ، لانّ ذلك من صفات الاجسام المادية ، والله عزّ وجلّ منزّه عن الجسم والمادة.

والمراد من قرب الله تعالى من العبد ، هو قرب النعم والالطاف ، ومن تقرّب الى الله عزّ وجلّ ، تقرّبه إليه بافاضة الاحسان والسنن والمواهب اليه ، وهذا هو المعنى الوارد في الحديث القدسي :

«من تقرب اليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً» (١).

يعني : أن العبد لو تقرب الى خالقه وربّه بالعمل الصالح القليل ، أفاض الله عزّ وجلّ عليه من الطافه واحسانه شيئاً كثيراً ، وكما ورد ذلك في فقراتٍ من الأدعية الرّجبية المباركة : «يَا مَنْ يُعطِي الكَثِيرَ بِالقَلِيلِ» (٢).

(المُتَّقُونَ)

التقوى في اللغة تأتي بمعني الحفظ والصّيانة ، وفي الاصطلاح بحفظ النفس وصيانتها من إصابتها بالأضرار الاُخروية ، وحملها على ما ينفعها ويسددها في الاخرة وللتّقوى مراتب ثلاث :

الأولى : حفظ نفس من العذاب الدّائمي ، بتصحيح العقائد الحقّة ، لانه من خرج من الدّنيا كافراً ، كان مخلداً في نار جهنم.

الثّانية : إجتناب المعاصي جميعاً سواءً كانت فعلاً مثل القمار والشراب

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣١٤ ، ح ٦ ، باب ١٤.

(٢) مفاتيح الجنان : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، أدعية الأيام الرّجبية.


والكذب ، أو تركاً ، مثل : ترك الصلاة والصوم والحج وأمثالها.

الثالثة : حفظ النفس بما يشغلها عن الحق وذكر الله تعالى وإن كان مباحاً ، إلّا بمقدار الضرورة أو عند الاضطرار إليه ، وورد عن بعض النّاكسين عندما سئل عن التقوى فضرب مثال وقال : كيف تعمل لو دخلت أرضاً أو صحراءً ملئت بالاشواك.

فقال السّائل : أحفظ نفسي واحتاط في المشي بصورة كاملة كي لا تدخل الاشواك في قدمي.

قال الناسك : هكذا إعمل في الدّنيا ، وهذا هو التقوى.

وسئل عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن تفسير التّقوى قال : «أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك» (١).

ووردت حكمة التقوى في القرآن الكريم بمعنى الخوف والخشية والطاعة والعبادة أيضاً. وبأي معنىً كان لو فسّرنا التقوى فان أئمّة الهدى عليهم‌السلام أتقى المتقين ، وقد أخذ الاخرون مراتب وحقيقة التقوى منهم لأنّهم أئمّة المتقين حقّاً صلوات الله عليهم أجمعين.

(الصَّادِقُونَ)

فهم عليهم‌السلام الصادقون في جميع أقوالهم وأفعالهم وأموالهم الذين قال الله تعالى فيهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٢).

إذ ليس المراد بالصّادقين الصادقين في الجملة ، إذ ما من أحدٍ إلّا وهو صادق في الجملة حتى الكافر لأنّه قد يسرق مرّة واحدة ويعمل عملاً صحيحاً مرّةً اُخرى ،

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٠ ، ص ١٨٥.

(٢) التوبة : ١١٩.


فانّ الله سبحانه لا يأمر النّاس ان يكونوا معه ، وأن يتبعوا أقواله وأعماله ، بل المراد بهم الصادقون في إيمانهم وعهودهم ومقاصدهم وأقوالهم واخبارهم واعمالهم وشرائعهم ، بل وفي جميع أحوالهم وأزمانهم.

ولم تتحقق هذه الصّفات في غير الائمّة عليهم‌السلام إتفاقاً بين المسلمين كافة من السُّنة والشيعة الاثنى عشرية ، إذ كل من سواهم لا يخلو من الكذب في اجملة ، فيتعين أن تكون الآية الشريفة نزلت في شأنهم ، وتدل على عصمتهم ، إذ يقبح الامر بمتابعة غير المعصوم كما قررنا آنفاً ولا يصدر القبيح من الله تعالى.

روى بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله عزّ وجلّ : (اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

قال الامام عليه‌السلام : «أيّانا عنى» (١).

وروى البزنطي عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).

قال الإمام عليه‌السلام : «الصّادقون هم الائمّة والصّديقون بطاعتهم» (٢).

اذاً المراد من الصّديقين هم أيضاً ، لانه لم يصل في درجة العبادة أحد الى هذه الدرجة إلّا هم والانبياء عليهم‌السلام.

(المُصطَفُونَ)

الذين اصطفاهم الله واجتباهم واختارهم على العالمين ، وهم مصطفى آل ابراهيم في قوله تعالى :

__________________

(١) تفسير نور الثّقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٨.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٨ ، تفسير نور الثّقلين : ج ٢ ، ص ٢٨٠.


(إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (١).

وفي تفسير الآية الشريفة : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) (٢).

وعن الصّادقين عليهما‌السلام : «هي لنا خاصّة وايّانا عنى» (٣).

وفي تفسير علي بن ابراهيم : ثمّ ذكر آل محمّد فقال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ...).

قال : هم الأئمّة عليهم‌السلام ، (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ) من آل محمّد غير الأئمّة ، وهو الجاحد للامام (مِنْهُم مُّقْتَصِدٌ) وهو المقرُّ بالامام (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ) وهو الامام» (٤).

(المُطِيعُونُ للهِ)

الذين يطيعون الله تعالى في جميع أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم الى حدٍّ يبذلون أنفسهم وأحوالهم وأرواحهم في سبيله ، يصبرون في جميع هذه الحالات طلباً لمرضاته.

ويكفي في عبادة علي بن أبي طالب عليه‌السلام قول الراوي : رأيت عليّاً عليه‌السلام ليلة في النخيلات وقد صلى ألف ركعة ، فكان يصلي عند كلّ نخلة ركعتين وهو يتمليل تململ السليم ويبكي بكاء الحزين حتى أغمي عليه ... الى آخر الحديث (٥).

__________________

(١) آل عمران : ٣٣.

(٢) فاطر : ٢٩.

(٣) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣٦٤.

(٤) تفسير القمي : لعلي بن ابراهيم القمي رحمه الله ، ص ٥٤٦.

(٥) اُنظر الى عبادته ٧ في بحار الانوار : ج ٤١ ، ص ١١ الى ٢٤ ، باب ١١ ، والامالي : للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ص ٣٧١ ، الخصال : ج ١ ، ص ١٦٤ ، حلية الابرار ، ج ١ ، ص ١ ، باب ٢٠.


وفي عبادة الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام ، قيل أنّه عليه‌السلام كان أعبد أهل زمانه وأزهد وأفضل أهل عصره فقد روي أنّ الإمام الحسن بن علي عليه‌السلام كان اذا توضأ ارتعدت مفاصله ، واصفرّ لونه فقيل له في ذلك فقال عليه‌السلام : «حقّ على من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفر لونه ، وترتعد مفاصله».

وكان عليه‌السلام : إذا بلغ باب المسجد رفع راسه ويقول : «إلهي ضيفك ببابك ، يا محسن قد أتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم» (١).

وفي عبادة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه‌السلام قال الإمام السجاد عليه‌السلام لما قيل له : ما أقل ولد أبيك؟

فقال عليه‌السلام : «العجب كيف ولدت له كان يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة متى كان يتفرغ للنساء؟» (٢).

وفي عبادة الإمام علي بن الحسين السجاد عليه‌السلام ما لقب به من الالقاب الشريفة مثل سيد الساجدين ، وزين العابدين ، وذو الثفنات (٣).

وورد في بعض الرّوايات : كان في موضع سجوده آثار ناتئة وكان يقطعها في السنة مرّتين في كلّ مرّة خمس ثفنات ، فسمّي ذا الثفنات لذلك (٤).

وفي رواية اخرى : أنّه عليه‌السلام كان قائماً يصلّي حتى وقف إبنه محمّد عليهما‌السلام وهو طفل الى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها فنظرت إليه اُمّه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول الله غرق ولدك محمّد ، هو لا ينثني عن صلاته ، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر ، فلمّا

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٣ ، ص ٣٣٩ ، المناقب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٨ ، ص ١٤.

(٢) العقد الفريد : ج ٤ ، ص ١٧١ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٩٦.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ٢ الى ٦ ، باب ١ ، مناقب آل أبي طالب : ج ٤ ، ص ١٧٥ ، الفصول المهمة : لابن الصباغ المالكي ، ص ١٨٧.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ٦ ، عن علل الشّرايع : الشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٨٨.


طال عليها ذلك ، قالت : ـ حزناً على ولدها ـ ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله؟.

أقبل الامام على صلاته ولم يخرج منها إلّا بعد إكمالها وإتمامها ، ثمّ أقبل وجلس على أرجاء البئر ومدّ يده الى قعرها ، وكانت لا تنال إلّا برساء (١) طويل فأخرج إبنه محمّداً عليهما‌السلام على يديه يناغي ويضحك ، لم يبتل له ثوب ولا جسدٌ بالماء.

فقال عليه‌السلام : هاك يا ضعيفة اليقين بالله ، فضحكت لسلامة ولدها ، وبكت لقوله عليه‌السلام يا ضعيفة اليقين بالله.

فقال عليه‌السلام : «لا تثريب عليك اليوم لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي ، فمن يُرى راحماً بعده» (٢).

وهكذا الحال في عبادة وطاعة سائر الائمّة الاطهار عليهم‌السلام ، حيث لا تسعنا هذه الوجيزة ان نتطرق إليها ، ولو أردنا أن نكتب عن طاعهم عليهم‌السلام لكانت مجلدات.

(القَوَّامُونَ بأمْرِهِ)

الذين يقومون (٣) بأمر الله تعالى ، الذي هو اُمر الامامة ، أو المراد منها الاستقامة في طاعة الله تعالى ، أو المراد منها الذين يحثون الاخرين على طاعة امر الله تعالى.

__________________

(١) الرشاء : ككساء هو الحبل (القاموس).

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ٣٤ ، مناقب آل أبي طالب : ج ٤ ، ص ١٣٥.

(٣) التّاريخ يشهد بأنّ أئمّتنا عليهم‌السلام : قاموا بأمر الله عزّ وجلّ على أكمل الوجه وأحسنها ، وإن كنت طالباً لذلك اُنظر الى سيرة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وحفظه للاسلام وسكوته عن حقّه ، والامام الحسن المجتبى عليه‌السلام وصلحه مع معاوية ومع كون معاوية من الشجرة الملعونة في القرآن الكريم ، الامام الشهيد بكربلاء وثورته التي علّم الاُباة طريق النّضال ، ثمّ واحداً تلو الآخر الى أن تأتي دولة قائمهم عليه‌السلام ـ إن شاء الله تعالى ـ فيملأ الارض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظُلماً وجوراً ، وهذا ما أخبر به الرّسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.


(العَامِلُونَ بِإرَادَتِهِ)

الذين تكون أعمالهم وفق إرادته تعالى ، فتأتى أعمالهم وأفعالهم مطابقةً لمشية الله تعالى لا يصدر منهم أمر خلافاً لارادته تعالى ، بل ليس لهم ارادة إلّا إرادته تعالى ، ولذا لا يعتبرون أنفسهم أصحاب إرادة في مقابل عظمة وجبروت الباري تعالى.

(الفَائِزُونَ بِكَرَامَتِهِ)

منحهم الله تعالى هذه الكرامة في الدّنيا بوجوب إطاعة الناس وانقيادهم اليهم ، وكونهم مخزن العلم ومعدن الحكمة ، وفي الاخرة اكرمهم بالشفاعة للعصاة والمتحيرين ، والرّضا والقرب من الله في جنات النّعيم ورضي عنهم ، فهذا كمال الفوز بالكرامة الالهية التي تختصُّ بهم دون غيرهم.

(إصْطَفَاكُمْ بِعِلْمِهِ)

الذين اختارهم الله لموضع علمه ، مع علمه بأنكم أهل لذلك الاصطفاء ، أو المراد اصطفاكم بأن جعلكم خزّان علمه ، ومحل أسراره ، ويؤيد هذا الاحتمال ما في بعض النسخ من وجود اللام بدل الياء.

(وَارتَضَاكُمْ لِغَيْبِهِ)

أي رضي أن يجعلكم مخازن غيبه ، سأل حمران بن أعين عن الامام الباقر عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن


رَّسُولٍ) (١). فقال عليه‌السلام :

«(إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ) وكان والله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ارتضاه ، وأمّا قوله : (عَالِمُ الْغَيْبِ) فانّ الله عزّ وجلّ عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ويقتضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يقضيه الى الملائكة ، فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأمّا العلم الذي يقدره الله عزّ وجلّ ويقضيه ويمضيه فهو العلم الذي إنتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ الينا» (٢).

وقال علي بن ابراهيم في تفسير هذه الآية : (إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ).

يعني علياً المرتضى ثمّ الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...» (٣).

وورد عن معمر بن الخلاد قال : سأل أبا الحسن عليه‌السلام رجل من أهل فارس فقال له : أتعلمون الغيب؟

فقال الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام :

«يبسط عنّا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم ، وقال : سسرّ الله عزّ وجلّ أسرّه الى جبرائيل وأسرّه جبرئيل عليه‌السلام الى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسرّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى من يشاء الله» (٤).

والمراد الى من يشاء مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال : «أي امام لا يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير فليس ذلك بحجّة الله على خلقه» (٥).

__________________

(١) الجن : ٢٦.

(٢) تفسير الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٤٤٣ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٥٦.

(٣) تفسير البرهان : لعلي بن ابراهيم القمي ، ج ٢ ، ص ٣٩٠.

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٥٦ ، والانوار اللامعة : للعلّامة السيد شبر رحمه الله ، ص ١١٧.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٥٨.


وأيضاً عن عمران بن أعين عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال :

«إنّ جبرئيل اتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برمانتين فأكل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احداهما وكسر الاخرى بنصفين فأكل نصفاً وأطعم علياً عليه‌السلام نصفاً ، ثم قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يا أخي هل تدري ما هاتان الرمانتان؟»

قال الإمام علي عليه‌السلام : لا.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا الاولى فالنّبوة ليس لك فيها نصيب ، وأمّا الاُخرى فالعلم أنت شريكي فيه».

فقلت : اصلحك الله كيف يكون شريكه فيه؟.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «لم يعلم الله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علماً إلّا وأمره أن يعلمه عليّاً» (١).

وورد في رواية محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال في ذيل هذه الرّواية :

«فلم يعلم والله رسول الله حرفاً ممّا علمه الله عزّ وجلّ إلّا وقد علمه عليّاً ثمّ إنتهى العلم إلينا ، ثمّ وضعه يده على صدره» (٢).

يقول المؤلف : وردت في مقابل هذه الاحاديث أحاديث كثيرة تؤكد أنّ علم الغيب لا يعلمه سوى الله تعالى ، فاذا أردنا أن نجمع بين هاتين الطائفتين من الاحاديث ونوفق بينهما فتكون بهذه الصورة :

المراد من الاحاديث التي تنفي علم الغيب عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام هو أن الله عزّ وجلّ اذا لم يرد لا يعلمون ، وتكون لسان الاحاديث التي أثبتت علم الغيب لهم عليهم‌السلام فانّه أراد الله عزّ وجلّ أن يعلمون ، كما وردت برواية عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام تؤيد

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٤٤٣ ، نقلاً عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٦٣.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٦٣.


هذا الجمع قال عليه‌السلام : «يبسط عنّا العلم فنعلم ويقبض عنّا فلا نعلم ...» (١).

وذكر المرحوم العلّامة الطّبرسي رحمه الله في تفسيره «مجمع البيان» في تفسير هذه الآية الشريفة : (وَلِلَّـهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (٢).

حاصل كلامه : ولا نعلم أحداً منهم ـ من الشيعه ـ إستجاز الوصف بعلم الغيب لأحد من الخلق فانّما يستحق الوصف بذلك من يعلم جميع المعلومات لا بعلم يستفاد وهذه صفة القديم سبحانه العالم لذاته لا يشركه فيها أحد من المخلوقين ومن اعتقد أن غير الله سبحانه يشركه في هذه الصفة فهو خارج عن ملّة الإسلام ، فأمّا ما نقل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وما رواه عنه الخاص والعام من الاخبار بالغائبات في خطب الملاحم وغيرها مثل : قوله ، يومي به الى صاحب الزنج ... وغير ذلك ممّا روى عنهم عليهم‌السلام فان جميع ذلك مُتلقى عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا اطلعه عليه (٣).

إنتهى كلام العلّامة الطبرسي رحمه الله.

وقال العلّامة المجلسي رحمه الله بعد عرضه لما ذكره العلّامة الطّبرسي رحمه الله وبعض الرّوايات :

التّحقيق : قد عرفت مراراً أنّ نفي علم الغيب عن أئمّة الهدى عليهم‌السلام معناه أنّهم لا يعلمون ذلك من أنفسهم بغير تعليمه تعالى بوحي أو إلهام ، وإلّا فالظّاهر أنّ عمدة معجزات الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام من هذا القبيل ، وأحد وجوه إعجاز القرآن أيضاً اشتماله على الاخبار بالمغيبات ، ونحن أيضاً نعلم كثيراً من المغيبات باخبار الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام كالقيامة وأحوالها والجنّة والنّار والرجعة وقيام القائم عليه‌السلام ونزول عيسى عليه‌السلام وغير ذلك من أشراط السّاعة ، والعرش والكرسي

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٦٣.

(٢) هود : ١٢٣.

(٣) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٢٠٥ ، في ذيل تفسير هذه الآية.


والملائكة ... الى آخر كلامه رحمه الله (١).

يعني أنّ نفي علم الغيب عنهم عليهم‌السلام بصورة مطلقة يستلزم نفي وإنكار المعجزات ، وهذا بديهي البطلان.

(وَاخْتَارَكُمْ لِسرِّهِ)

اختار الله سبحانه أئمّة الهدى عليهم‌السلام من بين خلقه لسرّه وجعلهم خزانة اسراره ، عن أبي الجارود عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال :

«إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليًاً في المرض الذي توفي فيه ، فقال : «يا علي أدن منّى حتى أسرّ إليك ما أسرَّ الله إلي وائتمنك على ما أتمنني الله عليه ، ففعل ذلك رسول الله بعلي وفعله علي بالحسن وفعله الحسن بالحسين وفعله الحسين بأبي وفعله أبي بي. (صلوات الله عليهم اجمعين)» (٢).

(واجتَبَاكُم بِقُدرَتِهِ)

هذه الفقرة المباركة من الزّيارة تشير الى علو مرتبه اجتبائهم حيث نسب ذلك الى قدرته تعالى مومياً الى أن مثل ذلك من غرائب قدرته تعالى ، أو يحتمل أن يكون المراد أعطاكم قدرته بكرمه وأظهر بأيديكم المباركة الاُمور التي هي فوق طاقة البشر ، وخارجة عن حدود قدرة الإنسان مثل قلع باب خيبر وسائل المعاجز العظيمة التي تحققت بوجودهم الشريف.

كما روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه رؤي بيده كسرة خبز من شعير يابسة يريد أن يكسرها فلا تنكسر ، فقيل له يا أمير المؤمنين أين تلك القوّة التي قلعت بها باب خيبر فقال الإمام عليه‌السلام : «تلك قوة ربانيّة ، وهذه قوة جسمانية».

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ١٠٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٧٤.


(وَأعَزَّكُمْ بِهُدَاهُ)

اي جعلكم أعزة أن منَّ الله عليكم هداية الناس ، دون غيركم ، كما روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام :

«محنة الناس علينا عظيمة ، إن دعوناهم لم يجيبونا ، وإن تركناهم لم يهتتدوا بغيرنا» (١).

أو أن يكون المراد منها أنّ الله عزّ وجلّ أكرمكم بقبولكم الهداية منه تعالى ، فهداكم إليه. وفي النتيجة أنّه بهدايته جلّ شأنه أصبحتم نجمة ساطعة في عالم الهداية وفي محفل الخلقة ، وهذه العزّة مختصّة بهم ، ولهذا وقعوا محل حسد الحاسدين ، وغضب الخائنين.

(وَخصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ)

وبرهان الله هو القرآن الكريم وعلومه ، كما يتبين من كلمات الإمام الحسن عليه‌السلام للحسن البصري حيث قال : «فليذهب الحسن يميناً وشمالاً والله لا يوجد العلم إلا فينا أهل البيت» (٢).

أو أن المراد من البرهان ، الحجج والبراهين التي بها دحضوا تشكيكات أعداء الدين.

أو أن يكون المراد المعجزات الباهرات التي ظهرت منهم عليهم‌السلام ومن الكثرة ما ألف بها علماء الإمامية كتباً منصفات أو أن يكون المراد كل هذه الامور وأعم من ذلك ، لانّهم عليهم‌السلام البحر مواج المتلاطم لعلم الله وقدرته ومعرفته.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٠١ ، ح ٧ ، عن الاحتجاج : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ص ١٨٠.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٥١ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٦٤ و ٩٠ ، ج ٤٢ ، ص ١٤٢ ، وقد ورد هذا المعنى عن الامام الباقر عليه‌السلام أيضاً عن بحار الانوار : للعلّامة الملجسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٠١ ، ح ٧ ، الاحتجاج : للعلّامة الطبرسي رحمه الله ، ص ١٨٠ ..


(وَانْتَجَبَكُمْ بِنُورِهِ)

والنور هنا الهداية الرّبانية والعلوم القرآنية والكلمات القدسية ، فاهتدى النّاس بأنوارهم وعلومهم وكمالاتهم كما ذكرنا أنفاً أنّهم أنوار الله عزَّ وجلّ في الأرض ، ويمكن أن تكون الباء «بنوره» بمعنى «من» وعندها يتغير معنى الجملة ـ أي أجتباكم وأوجدكم من نوره ، كما روي محمّد بن مروان عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال ، سمعته يقول :

«خلقنا الله من نور عظمته ، ثمّ صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النّور فيه فكنّا نحن خلقاً بشراً نورانيين لم يجعل لأحد في الذي خلقنا منه نصيباً ، وخلق أرواح شيعتنا من أبداننا (١) ، أبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطّينة ولم يجعل لأحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيباً إلّا الانبياء والمرسلين ، فلذلك صرنا نحن وهم النّاس (٢) وسائر الناس همجاً في النار وإلى النار» (٣).

(وَأيَدِكُمْ بِرُوحِهِ)

أي الروح الذي اختاره وهو روح القدس الذي هو معهم دائماً ويسددهم وذلك غير الارواح التي افاضها على المؤمنين وسائر النّاس ، وروي عن جابر الجعفي قال : قال لي الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام :

«يا جابر أنّ الله تبارك وتعالى خلق الخلق ثلاثة اصناف ، وهو قوله عزّ وجلّ :

__________________

(١) أي من فاضل طينة أبداننا.

(٢) في المصدر : وصار سائر الناس.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ١٣ ، عن بصائر الدرجات : ص ٧.


(وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَـٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١).

فالسابقون (٢) هم رسل الله عليه‌السلام ، وخاصّة الله من خلقه (وهم الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام) ، جعل فيهم خمسة أرواح أيدهم بروح القدس فيه عرفوا الاشياء ، وأيدهم بروح الايمان فبه خافوا الله عزّ وجلّ ، وأيدهم بروح القوة فبه قدروا على طاعة الله ، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عزّ وجلّ وكرهوا معصيته ، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب النّاس وبجيئون ، وجعل في المؤمنين واصحاب الميمنة روح الإيمان فبه خافوا الله وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا على طاعة الله ، وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون» (٣).

وفي رواية المفضل عن الإمام الصادق عليه‌السلام بعد ذكره الارواح الخمسة قال : «وروح القدس فبه حمل النّبوة ، فاذا قبض النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتقل روح القدس فصار الى الإمام ، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو (٤) والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو ، وروح القدس كان يرى به» (٥).

وروي عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى :

__________________

(١) الواقعة : ٧ الى ١١.

(٢) وروي عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : «السّابقون : ابن آدم المقتول (هابيل) وسابق أمّة موسى وهو مؤمن آل فرعون ، وسابق أمّة عيسى وهو حبيب ، والسّابق في أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام» تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣١٥.

ورواه الشوكاني في تفسيره فتح القدير : ج ٥ ، ص ١٥١ ، بهذه الصورة ، إنّ الآية نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب النّجار الذي ذكر في يس ، وعلي بن أبي طالب ، وكلّ رجل منهم سابق اُمّته ، وعلي أفضلهم.

(٣) تفسير نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٢٠٥ ، نقلاً عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٢.

(٤) الزهو : الرجاء ، الباطل ، الكذب والاستحقاق ، مرآة العقول : للمجلسي رحمه الله.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٢ ، ـ ويعني بـ (يرى به) ما غاب عنه في اقطار الارض وما في أعنان السماء وبالجملة ما دون العرش الى ما تحت الثرى ، الوافي : للفيض الكاشاني رحمه الله.


(وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) (١).

قال الإمام عليه‌السلام : «خلق من خلق الله عزّ وجلّ أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره ويسدده وهو مع الأئمّة عليهم‌السلام من بعده» (٢).

وغيرها من الاخبار التي وردت في كتب الاحاديث.

وفي خبر آخر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «أنَّه غير الملائكة» (٣).

ويدل على ذلك أيضاً مضافاً الى التصريح للحديث ، أنّه أعظم من جبرئيل وميكائيل ولم يثبت أنّ أحداً من الملائكة أعظم منهما ولأن الملائكة لم يعلموا جميع الاشياء كما اعترفوا به حيث قالوا : (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا) (٤) وهذا الخلق عالم بجميعها ، ويقول العلّامة شبر رحمه الله بعد نقله هذا الحديث عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وذكره لبعض المؤيدات : «أن يكون نوراً إلهياً مجرداً عن الخلائق عارفاً بالله وصفاته ومعلولاته إلى آخرها ، متعلقاً بالنفوس البشرية إذا وصفت وتخلصت من الكدورات كلّها ، واتصفت بالقوة القدسية المذكورة تعلقاً تاماً يوجب اشراقها وانطباع ما فيه من العلوم الكلية الجزئية فيها والمراد بانزاله إليه وهو هذا التّعلق وبتسديده وهو هذا الاشراق أو ان يكون عبارة عن تنوير نفوسهم القدسية وعقولهم الملكوتية بالعوالم الالهية والأسرار الرّبانية والافاضات العلوية ، إلّا أنّه لا حاجة الى هذا الحمل ولا بُعد في إبقائه على ظاهره من كونه خلقاً من خلق الله متصفاً بتلك الصّفات والنّعوت» (٥).

__________________

(١) الشّورى : ٥٢.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٣ ، نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٩٨.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٦٤ ، عن بصائر الدرجات : ص ١٣٧ ، وردت بهذا المعنى روايات كثيرة في كتب التفسير في تفسير الآية (٤) من سورة القدر : (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ ...) فانظر الى تفسير نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٦٣٣ الى ٦٤٢.

(٤) البقرة : ٣٢.

(٥) الانوار اللامعة : للعلّامة السيد شبر رحمه الله ، ص ١٢١ ـ ١٢٢.


انتهى كلام العلّامة شبر رحمه الله ، وبملاحظة الرّوايات التي ذكرنا بعضها ، يكون هذا الكلام من العلّامة أقرب الى الصّواب.

(وَرَضِيَكُمْ خُلَفَاءَ فِي أرْضِهِ)

كما قال الله تعالى في هذه الآية الشّريفة :

(وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) (١).

وكمال الاستخلاف الذي وعد الله به يكون في زمن الإمام مولانا القائم عليه‌السلام.

روي عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله الصّادق عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...) الآية.

قال الإمام عليه‌السلام : «هم الائمّة عليهم‌السلام» (٢).

وعن الجعفري قال سمعت أبا الحسن الرّضا عليه‌السلام يقول : «الائمّة خلفاء الله في أرضه» (٣).

وفي المناقب عن عبد الله بن مسعود قال : الخلفاء أربعة آدم عليه‌السلام (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٤) وداود عليه‌السلام (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (٥) وهارون قال موسى عليه‌السلام : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٦) وعلي عليه‌السلام (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا

__________________

(١) النّور : ٥٥.

(٢) تفسير نور الثقلين : ج ٣ ، ص ٦١٦ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٣.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٣.

(٤) البقرة : ٣٠.

(٥) ص : ٢٦.

(٦) الاعراف : ١٤٢.


الصَّالِحَاتِ ...) (١) (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «من لم يقل إنّي رابع الخلفاء فعليه لعنة الله» (٣).

وجاء في حديث آخر :

«إنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عن هذا الدين تحريف الضّالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (٤).

(وَحُجَجَاً عَلَى بَرِيَّتِهِ)

نصبهم الله تعالى حججاً على خلقه ، والفرق بين الخلق والبرية عموم وخصوص ، حيث لا يستعمل لفظ البرية إلّا في ذي روح والحيوان ويقلُّ إستعماله في غير الحيوان ، مثلاً بَرَءَ اللهُ النَّسَمَةَ وَخَلَقَ السّماوَاتِ وَالأرْضَ.

وعلى أي حال أن أئمّة الهدى عليهم‌السلام حجج الله على الخلق كما ذكرنا ذلك آنفاً. ولانّهم عليهم‌السلام خير البريّة ولا يكون أحد حجّة الله على خلقه إلّا أن يكون أفضل خلق الله عزّ وجلّ.

عن يزيد بن شراحيل الانصاري كاتب علي عليه‌السلام قال : سمعت عليّاً عليه‌السلام يقول :

«قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنا مسنده الى صدري فقال : «يا علي ألم تسمع قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَـٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٥) هم شيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا اجتمعت الامم للحساب يدعون غراً

__________________

(١) المناقب : ج ٣ ، ص ٦٣.

(٢) النّور : ٥٥.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٦٣.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٥١ ، وج ٢٣ ، ص ١١٨ ، المقتطفات : لابن رويش : ج ٢ ، ص ١١٨.

(٥) البيّنة : ٧.


محجلين» (١).

وورد عن ابن عباس : ان هذه الآية الشّريفة نزلت في عليّ عليه‌السلام وأهل بيته الطّاهرين عليهم‌السلام (٢).

(وَأنْصَارَاً لِدينِهِ)

لأن أئمّة الهدى عليهم‌السلام نصروا دين الله تعالى قولاً وعملاً حتى بذلوا مهجهم ونفوسهم وارواحهم في سبيل اعلاء حكمة التوحيد.

(وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ)

إن الله تعالى جعل أئمّة الهدى عليهم‌السلام حفظة سرّه عزّ اسمه ، روى محمّد بن عبد الخالق قال : قال أبو عبد الله الصّادق عليه‌السلام :

«يا أبا محمّد إنّ عندنا والله سرّاً من سرِّ الله ، وعلماً من علم الله ، والله ما يحتمله ملك مقرّباً ولا نبيّ مُرسل ولا مؤمن إمتحن اللهُ قلبه للايمان ، والله ما كلّف الله ذلك أحداً غيرنا ولا إستعبد بذلك أحداً غيرنا ...» (٣).

وفي حديث آخر قال الإمام عليه‌السلام : «أنَّ أمرنا سرّ مستور في سرِّ مقنع

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٦٤٤ ، نقلاً عن تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٥٢٤ ، وكفاية الطالب : الكنجي الشافعي ، ص ١١٩.

وفي رواية الطبري في تفسيره ج ٣٠ ، ص ١٧١ ، أنت وشيعتك ، وأمّا في رواية ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ، ص ١٢٢ ، فعن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة ، أنت وهم راضين ومرضيين ، ويأتي أعداؤك غضباناً مقمحين. وكان أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل علي قالوا : قد جاء خير البرية. وذكرها ابن حجر في الصواعق : ص ٩٢ ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ٣٧٩ ، وأمّا ما وقف عليه العلّامة الأميني رحمه الله في غديره ، ج ٢ ، ص ٥٨ ، وج ٣ ، ص ٤٩ الى ٥٨ ، عشرات المنابع.

(٢) تفسير مجمع البيان : للشّيخ الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٥٢٤.

(٣) اصول الكافي : لمحمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٠٣.


بالميثاق من هتكه أذله الله» (١).

يقول المؤلف : المراد من السرّ والأمر هو ولايتهم عليهم‌السلام حيث أخذ الله تعالى على ذلك ميثاقاً في عالم الذّر ، فالذين انصاعوا وقبلوا بذلك العهد والميثاق في عالم الذّر اصبحوا في الدّنيا من أهل الولاية وصدقوا بسرّهم.

والذين أبوا أن يبقوا في عالم الذّر بالعهد والميثاق تخلفوا في الدنيا عن ولايتهم عليهم‌السلام.

والمراد من كون أمر الولاية مستوراً هو أن الولاية ثبتت في قلوب فئة قليلة من الناس ، وامّا اكثر الناس فهم غافلون عنها ، بل إذا أظهر أحد حقيقة المراتب العالية للولاية عند من مخالفيهم فسوف يصاب بالذلة والاهانة كما أشار اليه الحديث الاخير.

بل مراد منه ما لو علمه أبو ذر رحمه الله من سلمان رحمه الله لرماه بالكفر ، فان عبارة كنه الولاية المطلقة سر مستتر ما يحتمله نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.

وروي في حديث : «وإنّما صار سلمان من العلماء لأنّه منّا أهل البيت» (٢).

وقد ورد هذا المنع كراراً في الاحاديث وان المراد من العلماء هم أئمّة الهدى عليهم‌السلام ، واعتبارهم سلمان رحمه الله منهم يدلّ على علمو مقامه.

(وَخَزَنَةَ عِلْمِهِ)

روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أنّه قال :

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، للعلّامة محمّد باقر المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٧١.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٢ ، ص ٣٤٣ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٠١ ، واُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٢ ، باب / ١٠ فضائل سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار «رضوان الله عليهم أجمعين».


«والله إنّا لخزان الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا فضّة إلّا على علمه» (١).

(وَمُسْتَودَعَاً لِحِكْمَتِهِ)

فإنّهم عليهم‌السلام هم الذين اُوتوا الحكمة وفصل الخطاب ، وذكرنا آنفاً معنى كونهم حملة كلمة الله ، وهنا نتطرق الى تفسيرها وشرحها ببيان آخر. ونقول :

من الممكن أن يكون المراد من الحكمة في هذه الفققرة الشّريفة الخير الكثير كما قال الله تعالى في قرآنه المجيد : (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) (٢).

حيث أن الحكمة ذلك الايمان الذي اشار إليه الله تعالى في هذه الآية الشريفة قال عزّ اسمه : (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (٣).

وقد يكون المراد من الحكمة ما ذكره العلماء من التّعريف في أقوالهم وجاء في كتبهم مثل : «الحكمة صيرورة الإنسان علماً عقلياً مضاهياً للعالم العيني»

وتحقيق هذا الموضوع هو أن لكلّ شيء في الوجود مثل النّار والنملة وأمثال ذلك أطواراً من الوجود.

١ ـ الوجود العيني : الخارجي ، وبهذا يترتب آثار النار والنملة فيه ، مثل الاحراق والحركة وغير ذلك من الآثار.

٢ ـ الوجود الحسي : وبه يكون ذلك الشيء محسوساً ، وهذا نوع من التّحقيق والثبوت في الجلدية أو مورد تلاقي العصبين في العين أو في الحسّ المشترك.

٣ ـ الوجود الخيالي : وهو عالم المثال والخيال.

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٢.

(٢) البقرة : ٢٦٩.

(٣) البقرة : ٢٨٥.


٤ ـ الوجود العقلي : فان الشيء يكون فيه كلياً ، والشيء في جميع هذه الموجودات هو ذلك الشيء بعينه وفي العقل شيء متحدّ مع الوجود الحقيقي للشيء المعقول ، وبهذا المعنى فان وجود المعقول بمنزلة ظل لوجود العاقل.

إذاً فان الإنسان عندما يتعقل الشيء ، فإنّه يرجع في الحقيقة الى حال يكون عين ذلك الشيء بنفسه موجوداً بوجود عقلي ، بل يرجع ذلك الشيء فيكون موجوداً بوجود الإنسان في مرتبة القوة العاقلة.

فيصح إذاً عند تعقل مهيات الاشياء أن نقول أن هذا العاقل عين هذه الأشياء في مرتبة التّعقل والحال أن العاقل يعقل تمام العالم ، فنقول أنّ هذا الانسان العاقل يصير عالماً عقلانياً ، مثل العالم العيني بعنوان الوحدة في الكثرة. الكثرة في الوحدة.

وقيل ان الحكمة أفضل العلوم بأفضل معلوم ، أمّا كونها أفضل العلوم فيرجع الى كونها علم يقيني لا يجوز فيها التّقليد ، بل خلافاً لسائر العلوم حيث تنتهي نتيجتها الى النقل الذي هو تقليد للمنقول عنه.

وأمّا لجهة أفضلية موضوعها ، أو لجهة وثاقة أدلتها ، حيث أن أدلتها جميعاً براهين يقينية تنتهي الى الشكل الأول في المنطق فهو بديهي الانتاج.

أو لجهة شرافة غايتها وهي عبارة عن صيرورة الإنسان عالم عقلاني بواسطة الحكمة كما ذكرنا.

وإمّا أن معلومها أفضل المعلومات ، فهو بسبب كون علومها تتعلق بالحق سبحانه وتعالى وصفاته وأفعاله بمعنى أن المعرفة الكاملة لله عزّ وجلّ وصفاته وأفعاله تنشأ من علم الحكمة وورد في كتاب الانوار اللامعة عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :


«أنا مدينة الحكمة العلم وعليّ بابها» (١).

يقول المؤلف : ذكرت في هذا المقام ما حصلت عليه من كتب العلماء واقوال الحكماء ، وفهم هذه المفاهيم صعب لي ولأمثالي ، ولكن من الممكن أن يكون هناك رجال قد اتصلوا بمنابع الحكمة للعترة الطّاهرة عليهم‌السلام فسهل لهم هضم هذه المعاني وادراكها ، ولذا ورد عن الإمام الصّادق عليه‌السلام قال : قال عيسى بن مريم عليه‌السلام لبني اسرائيل :

«يا بني اسرائيل لا تحدّثوا الجهّال الحكمة فتظلموها ولا تمنعوا أهلها فتظلموهم» (٢).

وعلى أي حال فان أئمّة الهدى عليهم‌السلام أوتوا الحكمة وفصل الخطاب.

(وتَرَاجَمَةً لِوَحيهِ)

التّرجمان يقال لتفسير الكلام بلسان آخر ، والمراد من الوحي في هذه الفقرة المباركة إمّا القرآن الكريم أو سائر ما ، اُوحي الى النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو سائر ما أوحي الى سائر الانبياء عليهم‌السلام ولابدّ أن يكون الإمام عليه‌السلام على معرفة كاملة بجميع الالسن واللغات الموجودة في العالم حتى ألسنه الحيوانات ولغاتهم ، وبجميع الكتب السالفة التي نزلت على الانبياء الماضيين سواءً كانت بلسان عربي أو غيره ، ولذا قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل القرآن بالقرآن حتّى يزهو الى الله ، ولحكمت بين أهل التّوراة بالتوراة حتّى يزهو الى الله ، ولحكمت بين أهل

__________________

(١) الانوار اللامعة : للعلّامة السيد شبر رحمه الله ، ص ٧٧ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٢٣٥ ، وكذلك ورد دار الحكمة في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٠ ، ص ٢٠٣ ، عن كشف الغمّة : ص ٣٣ ، والامالي : للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ص ٢٣٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٦٦ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٢.


الانجيل بالإنجيل حتّى يزهو الى الله ، ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتّى يزهو الى الله : ولولا آية في كتاب الله لأنبأتكم بما يكون حتّى تقوم السّاعة» (١).

وفي حديث آخر منقول عن الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام قال :

«إنّ لله مدينتين : إحداهما بالمشرق والاخرى بالمغرب ، عليهما سور من حديد ، وعلى كلّ مدينة ألف ألف باب مصراعين من ذهب وفيها سبعون ألف ألف لغة يتكلّم كلّ لغة بخلاف لغة صاحبتها وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما وما بينهما ، وما عليهما حجّة غيري وغير أخي الحسين» (٢).

ووردت أحاديث كثيرة تدلّ على أن الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام كانوا يعرفون جميع اللّغات (٣).

(وأركَانَاً لِتَوحيدِهِ)

إنّهم عليهم‌السلام أساس التّوحيد وأركانه ، والمراد هنا انه لا يقبل الله تعالى التوحيد من أحد إلّا إذا كان مقروناً باعتقاد ولايتهم كما ورد في جملة من الاخبار وأن كلمة التوحيد في القيامة تسلب من غير شيعتهم ، فولايتهم بمنزلة الركن للبيت الذي لا قوام له إلّا به.

وإمّا المراد منها فهو أنّهم لو لم يكونوا لم يتبين توحيده تعالى ، اذن هم أركانه كما

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٨٢ ، بصائر الدّرجات : ص ٦.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٩٣ ، الاختصاص : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٢٩١.

(٣) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٩٠ الى ١٩٣ ، باب ١٤ «أنّهم يعلمون جميع الالسن واللغات ويتكلمون بها» واصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٧ ، باب «إنّ الأئمّة عليهم‌السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عزّ وجلّ وأنّهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها».


قالوا : «بِنَا وُحِدَ الله وبِنَا عُبِدَ الله» (١).

وإمّا أن يكون المراد أن الله تعالى جعلهم أركاناً للأرض لأجل أن الخلق يعرفوه ويوحدوه ، ويقومون بعبادته ، لأنه لولاهم لساخت الارض بأهلها كما ذكرنا ذلك أنفاً.

وسُئل الإمام الصّادق عليه‌السلام عن وصف الائمّة قال :

«جعلهم الله أركان الأرض ان تميد بأهلها وحجّته البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثّرى» (٢).

(وَشُهَدَاء عَلَى خَلقِهِ)

الذين جعلهم الله تبارك وتعالى شهداء على الخلق في الدنيا لبيان احكام الدين ، فهم سبيل الهداية لما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأدّاه للعباد ، وفي الاخرة شهداء أيضاً على الخلق وسائر الانبياء عليهم‌السلام.

ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل يذكر فيه أحوال أهل الموقف :

«فيقام الرسل فيسألون عن تادية الرّسالات التي حملوها الى اُممهم فأخبروا أنّهم أدّوا ذلك الى اُممهم ، وتسال الاُمم فجحدوا كما قال الله : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٣). فيقولون : (مَا جَاءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ) (٤).

فيشهد الرّسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيشهد بصدق الرسل وبكذب من جحدها من الاُمم ...» (٥).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٠٣ ، عن بصائر الدرجات ، ص ١٩.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٧.

(٣) الاعراف : ٦.

(٤) المائدة : ١٩.

(٥) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٨٣ ، الاحتجاج : للعلّامة الطبرسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٦٠.


وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «إن الله تعالى إيانا عنى بقول : (تَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ...) (١) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه ، وحجته في ارضه ، ونحن الذين قال الله تعالى : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) (٢)» (٣).

وورد في تفسير الآية عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (٤).

«نحن الامة الوسطى ونحن شهداء الله على خلقه وحججه في أرضه ، ثم قال عليه‌السلام ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشهيد علينا بما بالغنا عن الله عزّ وجلّ ونحن الشهداء على الناس فمن صدّق صدّقناه يوم القيامة ، ومن كذّب كذّبناه يوم القيامة» (٥).

والاحاديث في هذا المقام بكثرة ، فنحن اكتفينا بهذا القليل تحاشياً عن الاطناب.

(وَأعْلامَاً لِعِبَادَه)

بوجودهم الشّريف عليهم‌السلام يعلم العباد اُمور دنياهم وآخرتهم ومعاشهم ومعادهم.

(وَمَنَارَاً فِي بِلادِه)

أي يهتدي بهم أهل البلاد ، ويخرجونهم من الظّلمات الى نور الهداية ، ولان

__________________

(١) البقرة : ١٤٣.

(٢) البقرة : ١٤٣.

(٣) تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ١٣٣ ، تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطبرسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٤.

(٤) البقرة : ١٤٣.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٠ ـ تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ١٣٣.


المنار في اللغة يقال على ما ينصب على الطريق من عَلَم ليدل النّاس على الطريق ويقيهم من الانحراف ، فشبّه الله تعالى أهل البيت عليهم‌السلام بمنار لهداية أهل البلاد ، وتنير أخبارهم قلوب العباد.

ورد في المجمع البحرين قال : «والمنار بفتح الميم على الطريق ، والمنار الموضوع المرتفع الذي يوقد في اعلاه النّار ، ثم ساق الحديث» (١).

ورد في حديث : «جعلتهم أعلاماً لعبادك ومناراً في بلادك يهتدي بهم» (٢).

ومثله عن الإمام : «يرفع له في كل بلدة منار ينظر فيه الى اعمال العباد»

وفي حديث يونس : قد كثر ذكر العمود.

فقال عليه‌السلام : «يا يونس ما تراه أتراه عموداً من حديد».

قلت : لا أدري.

قال الإمام عليه‌السلام : «لكنه ملك موكّل بكلّ بلدةٍ يرفع الله به أعمال تلك البلدة» (٣).

فعليه يكون المراد من الفقرة المباركة ، أنتم أئمَّة الهدى صاحب المنار في البلد.

(وَالادِلاءَ عَلَى صِرَاطِهِ)

الأدلاء ، جميع دليل ، والصّراط ، هنا هو الطريق المؤدي لعباد الله تعالى المخلّصين له الى الجنّة (٤) ، فإنّ الائمّة الطاهرين عليهم‌السلام أدلاء في الدّنيا بصراط الدّين وفي

__________________

(١) مجمع البحرين : ص ٢٩١.

(٢) مجمع البحرين : ص ٢٩١.

(٣) مجمع البحرين : ص ٢٩١.

(٤) عن الامام الصّادق عليه‌السلام : في تفسير قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال : «أرشدنا الى صراط المستقيم ، أرشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبّتك والمبلغ الى دينك (جنّتك) والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا فنهلك» تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢ ، ح ٩٦.


الاخرة بصراط المعروف ، فمن تبعهم هُدي الى الجنّة ، ومن تخلف عنهم زلتْ به قدماه الى النّار (١).

(عَصَمَكُم اللهُ مِنَ الزَّلَلِ)

العصمة ، لغة المنع وفي الاصطلاح اللطف من الله عزّ وجلّ المانع للمكلّف من ترك الواجبات وفعل المحرمات مع قدرته عليها ، فعصم الله تعالى الائمّة الطّاهرين عليهم‌السلام من الخطأ والسهو والنّسيان لطهارتهم الأصلية وأنفسهم القدسية ولكونهم مخلوقين من نور الله ومؤيدين بروح القدس ـ الذي ذكرناه آنفاً ـ وصفاء قلوبهم ، وشدّة عزمهم على عبادة الله تعالى وطاعته فكلّ هذه المعاني التي ذكرناها مانعة من الخطأ وعاصمة من الزّلل.

(وَآمَنَكُم مِنَ الفِتَنِ)

وردت كلمة الفتن بمعنى ، الامتحان ، العقوبة ، الشر ، الفساد ، وتقع في الدّين كما تقع في الدنيا ، مثل الارتداد والمعاصي والبلايا والمصائب والقتل والعذاب وغيرها. وبأي معنىً أخذنا الفتن فان الله سبحانه أمّن أئمّة الهدى عليهم‌السلام من كلّ ذلك ولأن أئمّة الهدى عليهم‌السلام نجحوا في الامتحان الالهي في العبادات وإمتثال الاوامر والنواهي وفي

__________________

(١) وورد في رياض النضرة : ج ٢ ، ص ٧٧ ، قال : عن قيس بن حازم ، قال : التقى أبو بكر وعلي ، فتبسّم أبو بكر في وجه علي عليه‌السلام ، فقال له : مالك تبسّمت؟ قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يجوز أحد على الصراط ، إلّا من كتب له علي عليه‌السلام الجواز» وبهذا المعنى في تاريخ بغداد : ج ٣ ، ص ١٦١ ، كنوز الحقائق للمناوي : ص ٦٢ ، وكنز العمال : ج ١١ ، ص ٦٢١ ، والصواعق : ص ١٢٤ ، وينابيع المودة : ص ١١٢ ، وغيرهم.

وقال الحميري :

ولَدى الصراط ترى عليّاً واقفاً

يدعو إليه وليّه المنصوراً

الله أعطى ذا عليّاً كلّه

وعطاه ربّي لم يكن محظوراً

البيان الجلي في أفضلية مولى المؤمنين علي عليه‌السلام : العلّامة ابن رويش ، ص ٢٩.


الاموال والانفس ، سواء بما نزلت عليهم من المصائب أو اصيبوا بالقتل بالسّم السيف ، هذا ما اجمعوا عليه.

وأمّا في الدين فهم مبرؤون من صدور صغيرة أو كبيرة أو اختلاج شك وشبهة ، ولم يصدر منهم شر ولا فساد ، فأمّنهم الله عزّ وجلّ من عقوبات وبلايا الاخرة ، بل اصبحوا مَأمَن خلاص الاخرين من المواقف الشديدة يوم القيامة بشفاعتهم.

(وَطَهَرَكُم مِنَ الدَّنَسِ)

فأصل الدّنس بمعنى الوسخ ، وهو هنا كناية عما يدنّس القلب من الاعمال الرّدية التي توجب وتلوّث القلب وكدورته.

(وَأذْهَبَ عَنْكُم الرّجْسَ)

أي أبعدكم من الشّرك والشّك والمعاصي كلّها صغيرها وكبيرها.

(أهْل البَيْتِ)

المقصود أهل بيت النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحدهم ، ومنصوب على الاختصاص. بمعنى أنّ هذه الكرامة والفضيلة خاص بهم ولا يشاركهم بها احد ولا نصيب لهم.

(وَطَهَّرَكُمْ تَطْهِيرَاً)

فان الله سبحانه طهر أئمّة الهدى عليهم‌السلام من الرّجس والادران لأنّه تعالى خلقهم من نوره وطينتهم من أعلى عليين وأدّبهم بآدابه ، كما ورد ذلك في الحديث النّبوي


الشريف قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أدّبني ربي فأحسن تأديبي» (١).

فبسبب طهارة طينتهم وذواتهم ، طهّرهم الله سبحانه من الرجس والدنس ، وهذه الفقرة المباركة اشارة الى الآية الكريمة : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٢).

والآية من التأكيدات على الطهارة من الرجس ما لا يخفى على علماء اللغة وآدب حيث أكّد ذلك بـ «أنّما» و «اللام» ، والاختصاص وتقدم الجار ونصب المصدر والتعبير بالاذهاب وكل هذه الموارد توجب التأكيد والانحصار.

والتعبير بالإرادة وان كانت غير مستلزمه لوقوع المراد في غيره تعالى ، إلّا أنّ إرادة الله تعالى مستلزمة للوقوع (أي إطلاق السبب وارادة المسبب).

ودلالة الآية الشّريفة على عصمة أئمّة الهدى عليهم‌السلام واضحة ، لأنا نقول أنّ للرجس ميعنيان لا ثالث لهما.

الاوّل : ما يُستخبث من النجاسات والأقذار.

الثّاني : ما يُستخبث من الأقوال والافعال ، والشّق الاوّل غير مراد قطعاً فتعيّن الثّاني.

و «اللام» في الرّجس للطبيعة والماهية ، وذهاب الماهية إنّما يتحقق بذهاب جميع افرادها وأخباثها من الأقوال الأفعال وبذلك تتضح الاستفادة من معنى العصمة من الآية الشريفة ، ونحن لا نريد من عصمتهم عليهم‌السلام إلّا هذا البيان المتقدم.

وعلى أي حال ، وفقد تواترت الاخبار من الشيعة والسُّنة أن المراد من أهل البيت هم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وروى الثعلبي وغيره في كتبهم عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٦ ، ص ٢١٠ ، تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٣٣.

(٢) الاحزاب : ٣٣.


«نزلت فيّ وفي علي وفاطمة والحسن والحسين» (١).

وروي ابن حنبل في مسنده بثمانية طرق متفقة المعنى أنها نزلت في الخمسة (٢).

وكذلك روى في مسنده عن أنس والحميدي ، وفي الجمع بين الصحيحين والثّعلبي : أن رسول الله كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج الى الصّلاة الفجر يقول الصّلاة يا أهل البيت : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ ...) (٣) (٤). وكذا روي الثعلبي في تفسيره في تفسير قوله تعالى «طه» عن الإمام الصادق عليه‌السلام :

«طه ، طهارة أهل بيت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قرأ : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٥).

وأمّا ما ذهب إليه بعض المعاندين والمناوئين لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأهل بيته عليهم‌السلام من أن المراد بأهل البيت زوجات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقرينة صدر الآية ، فيجب أن تكون ذيل الآية أيضاً نازلة في حقهنّ. فهذا خرق للاجماع وردٌّ على الله ورسوله بعد تواتر الاخبار في إختصاص الآية الشريفة بأهل بيت العصمة عليهم‌السلام عن الفريقين.

ولو قيل : أن صدر الآية نزلت في حقهنّ.

نقول في جوابهم : لا يخفى على من له أدنى معرفة وبصيرة بكلام البلغاء والفصحاء أن الشايع في كلامهم العدول منه الى كلام آخر أو من موضوع الى موضوع آخر ، وكذا القرآن الكريم يحتوى على كثير من هذه المعاني وكذا كلام العرب وأشعارهم ، فلو كان الخطاب لزوجات النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقال (عنكن) على

__________________

(١) العمدة : لابن البطريق ، ص ٣٨ ، عن تفسير الثعلبي المخطوط : ص ١٣٩.

(٢) راجع مسند احمد بن خليل : ج ١ ، ص ٢٥٩ ، ٢٨٥ ، ج ٤ ، ص ٢٩٢ ، وو ...

(٣) الاحزاب : ٣٢.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٢٣٧ ، كشف الغمّة : ص ١٤ الى ١٦.

(٥) عُمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب امام الابرار : للحافظ يحيى بن الحسن الاسدي الحلّي المعروف بابن البطريق : ص ٣٨ ، عن تفسير الثعلبي المخطوط : ص ٤١.


النمط السّابق واللاحق.

ولو قيل : أن (عنكم) ورد لجهة التّغليب.

قلنا : إنّما يحسن ذلك وقع هذا في صدر الآية كذلك ، أمّا بعد أن يكون الكلام في زوجات النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فغير صحيح.

مضافاً الى ذلك ما روي عن أهل السنة وعن طرقنا أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا أخذ كساءه الخيبرية ووضعه عليه وعلى علي وفاطمة والحسن والحسين قال : «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيراً» (١).

فقالم اُمّ سلمة رحمها الله فقلت : يا رسول الله ألست من أهل بيتك؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّكِ على خير ، أو الى خير».

فنزل عليه جبرائيل عليه‌السلام فقال : إقرأ يا رسول الله : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (٢).

بعد كل هذا التصريح لا يشك في شأن نزول الآية إلّا كل منافق مرتاب.

(فَعَطَّمْتُمْ جَلالَهُ)

جلال الله عظمته ، والجلال في اللغة بمعنى العظمة والجليل من اسمائه تعالى وكناية عن كمال الصفات كما ان الكبير راجع الى كمال الذات ، والعظيم راجع الى كمال لاذات والصفات.

والمراد هنا : أنّكم عظمتم عظمة الله بمعرفتكم وقولكم وعملكم.

__________________

(١) صحيح التّرمذي : ج ٥ ، ص ٣١ ، ج ٣٣٥٨ ، الفصول المهمة ، لابن الصباغ المالكي ص ٨ ، تفسير الفخر الرازي : ج ٢ ، ص ٧٠٠ ، وعشرات من المصادر الاخرى من الفريقين.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٢٤٠.


(وأكبَرْتُمْ شَأنَهُ)

ورد الشأن في اللغة بمعنى الأمر ، يعني ببيانكم رفعتم أمر الله تعالى ، أو المراد أنّكم نزّهتم الله عزّ وجلّ ممّا ذهب إليه اليهود وباقي الفرق الباطلة من التعطيل وأنّ الله تعالى ترك الكائنات بعد خلفها أو رفع يده عن الخلق في أيّام خاصّة حتى اتخذت اليهود يوم السبت عطلة لهم.

وبهذا المعنى تسير الجملة «اكبرتم شأنه» الى الآية الشّريفة :

(يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (١).

قال مقاتل : نزلت في اليهود حين قالوا : إن الله لا يقضي يوم السبت شيئاً (٢).

اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية الكريمة ، فذهب بعضهم أن شأنه سبحانه إحياء قوم وإمانة آخرين وعافية قوم ومرض آخرين وغير ذلك من الاهلاك والانجاء والحرمان والإعطاء والاُمور الاُخرى التي لا تحصى (٣).

وروى أبو الدّرداء عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) قال :

«من شأنه أن يغفر ذنباً ، ويفرّج كرباً ، ويرفع قوماً ، ويضع آخرين» (٤).

وورد عن ابن عباس والامام السجاد عليه‌السلام :

«إن ممّا خلق تعالى لوحاً من درّةٍ بيضاء دواته ياقوتة حمراء قلمه نور وكتابه نور ينظر الله فيه كلّ يوم ثلاثمائة وستين نظرة يخلق ويرزق ويحيي

__________________

(١) الرحمن : ٢٩.

(٢) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٢.

(٣) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٢.

(٤) تفسير الميزان : للعلّامة الطّباطبائي رحمه الله ، ج ١٩ ، ص ١٠٤ ، عن التفسير الكبير : للفخر الرازي : ج ٢٩ ، ص ١٠٩ ، ومجمع البيان : للطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٢.


ويميت ويعزّ ويدل ويفعل ما يشاء فذلك قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (١).

وقال بعض المفسرين : «شأنه جلّ ذكره أن يُخرج من كل يوم وليلة ثلاثة عساكر عسكراً من أصلاب الآباء الى الارحام ، وعسكراً من الارحام الى الدّنيا ، وعسكراً من الدّنيا الى القبر ثم يرتحلون جميعاً الى الله تعالى» (٢).

(وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ)

أي عظمتم كرامته التي أكرمكم بها من النّعم الدّنيوية والاخروية ، فعرفتم قدرها وعظمتم مقدارها وشكراً له تعالى.

أو المراد أدّيتم حقّ شرفه بتقديسكم وتعظيمكم لذاته الكريمة المشتملة على الصفات المجيدة.

(وأدَمْتُمْ ذِكْرَهُ)

أي كنتم مداومين ودائبين على ذكره ، وهو من الادمان وهو المداومة لانّ لسانهم عليهم‌السلام كان دائماً يلهج بذكره جل شأنه وكذا قلبهم صلوات الله عليهم ، ورد عن الإمام الصّادق عليه‌السلام :

«ما من شيء إلّا ولد حدّ ينتهي إليه إلّا الذّكر فليس له حدّ ينتهي إليه ، ثم قال عليه‌السلام : وكان أبي كثير الذّكر لقد كنت أمشي معه وأنّه يذكر الله وآكل معه الطعام وأنّه ليذكر الله ، ولقد كان يحدث القوم ما يشغله ذلك عن ذكر الله عزّ وجلّ ولقد كنت أرى لسانه لازقاً بحنكته يقول : (لا إله إلّا الله) وكان يجمعنا فيأمرنا بالذّكر حتّى تطلع الشّمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا ومن كان لا

__________________

(١) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٣٠٢.


يقرأ أمره بالذّكر» (١).

وتشير هذه الفقرة الى الآية الشّريفة : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ) (٢).

ورد في تفسير هذه الآية مرفوعاً في مجمع البيان أنّه سُئل النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قرأ الآية : أي بيوت هذه؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بيوت الانبياء».

فقام أبو بكر فقال : يا رسول الل ههذا البيت منها يعني بيت علي وفاطمة عليهما‌السلام.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نعم من أفاضلها» (٣).

يقول المؤلف : يستفاد من هذه الرواية الشريفة أن المراد من «الرجال» الذين لا تمنعهم التجارة عن ذكر الله هو الإمام علي عليه‌السلام وأولاده الطاهرين عليهم‌السلام.

(وَوَكَّدْتُمْ مِيْثَاقَهُ)

أي الميثاق الذي اخذه الله سبحانه على الارواح في عالم الذر لربوبيته وتوحيده وقال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (٤).

واوّل من قال (بلى) أنتم ، لانّه ورد في روايات كثيرة أنّ أوّل من قال في جواب (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (بلى) هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام والائمّة الاطهار عليهم‌السلام» (٥).

__________________

(١) الانوار البهية : للمحدّث القمي رحمه الله ، ص ٢١٤ و ٢١٥ ، كشف الغمّة : ج ١ ، ص ٣١٩ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ٢٩٧ ـ ٣٩٨.

(٢) النور : ٣٧ ـ ٣٨.

(٣) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٤٤ ، وفي تفسير الكشف والبيان للثعلبي بسنده عن أنس بن مالك ، كما في الاحقاق : ج ٩ ، ص ١٣٧.

(٤) الأعراف : ١٧٣.

(٥) تفسير نور الثّقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٩٢.


ويحتمل أن يراد بالميثاق ، الميثاق المأخوذ عليهم من تبليغ الاحكام وإعلاء كلمة التوحيد كما قال الله عزّ وجلّ : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ...) (١).

أي تبليغ الرسالة والدعاء الى التوحيد.

(وَأحْكَمْتُمْ عَقْدَ طَاعَتِهِ)

بالمواعظ الشافية والنصائح الكافية وباظهار الدين المبين وإعلان شريعة سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتّرغيب في ثوابه والتّخويف والتّهديد من عقابه.

(ونَصَحْتُمْ لَهُ فِي السِّرِّ العلانِيَةِ)

أي نصحتم لله تعالى عبده في السرّ والعلانية ، والنّصيحة تستعمل لمعان عديدة :

أوّلاً : النّصح لله تعالى التحقيق بتوحيده ورؤية عدله والقيام بأوامره والاجتناب لنواهيه والاخلاص النّية في عبادته وخدمته ونصرة الحقّ فيه بمحبّة من أحبّ له وبغض من أبغض له.

ثانياً : النّصح لكتاب الله تعالى التّصديق والايمان بمحكمه ومتشابهه وما جاء فيه من الاوامر والنواهي وو ...

ثالثاً : النّصح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الايمان به وبنبوته ورسالته وبما جاء به من ربّه من أحوال النشأتين والانقياد لما أمر به ونهى عنه ، والاتباع له في أقواله وأفعاله وأعماله.

رابعاً : النّصح لأئمّة الهدى عليهم‌السلام والاخلاص في محبّتهم والاحتمال لعلمهم

__________________

(١) الاحزاب : ٧.


والمتابعة لهم في أفعالهم وأقوالهم وأعمالهم وعدم الشّك فيهم والاستقامة على ولايتهم ، ومولاة وليّهم ومحبّتهم وإن كان أبعد بعيد ، ومعادات عدوّهم وإن كان أقرب قريب ، ولله در دعبل الخزاعي حيث يقول :

أحبّ قصي الرّحم من أجل حبّكم

وأهجر فيكم زوجتي وبناتي

(وَدَعَوتُمْ اِلَى سَبِيلِهِ بِالحِكْمَةِ)

أي دعوتم الخلق الى الدين القويم بالحكمة ، والمراد من الدّعوة بالحكمة يعني كلّمتم النّاس بما يوافق عقولهم وأفهامهم ، لانّهم يكلّمون النّاس على قدر عقولهم كما ورد في الحديث الشريف : «اُمرنا معاشر الانبياء أن نكلم الناس على قدر عقولهم» (١).

ويحتمل أن يكون المراد منها : أنّكم دعوتم الناس الى الله والدين بالكلمات الحكيمة المشتملة على المواعظ القيّمة والنصائح المؤثرة.

قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلمة الحكمة يسمعها المؤمن خير من عبادة سنة» (٢).

(والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ)

أي الموعظة التي تجذب قلوب المستمعين ، ويقرّبهم الى المطلوب كما قال الله عزّ وجلّ :

(ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٣)

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٣ ، الامالي : ص ٤١٩ ، تحف العقول : ص ١٣٧ ، المحاسن : ص ١٤٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٧ ، ص ١٧٤ ، عن أعلام الدين المخطوط : لابي محمّد الحسن بن الحسن محمّد الديلمي صاحب إرشاد القلوب.

(٣) النحل : ١٢٥.


وقال تعالى : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...) (١).

ورأيت في التفاسير أن المراد من : «الحكمة» النبوة والإمامة ، والمراد من «الموعظة الحسنة» مواعظ القرآن الكريم والمراد من «جادلهم» المجادلة بالرّفق وحسن الخلق ونزاهة الكلام. لان الدّعوة بهذه الصّورة أقرب الى الصواب ، وأقرب الى القبول ، وإذا تبدلت المجادلة الى السفاهة والغلظة تكون سبباً الى تنافر القلوب واضلال الاخرين» (٢).

(وَبَذَلْتُمْ أنْفُسَكُمْ فِي مَرَضَاتِهَ)

أي بذلتم أنفسكم في أعمالٍ فيها رضا الله عزّ وجلّ وذلك بالمداومة على العبادة وباظهار العبودية والطاعة في ابداء الشّريعة الحقّة وتعليم الفرقة المحقّة وإعلاء كلمة الله وتشييد دين الله سرّاً وجهراً ، وعندما أصابكم ما أصابكم من القتل والأسر وغيرهما ، اذاً صبرتم في جميع هذه المواقف ، ولم تنحرفوا عن جادة الصبر أبداً.

(وَصَبَرْتُمْ عَلَى ما أصَابَكُم)

صبرتم على ما أصابكم من الاهانة والخفو والقتل والأسر ، لأن كل واحد منهم كان يتحمل العذاب في عصره من حكام الجور ، انظر الى حياة مولانا الإمام علي الهادي عليه‌السلام حيث هذا الدّعاء مؤثور منه ـ الذي عاصر الخليفة المتغطرس العباسي المتوكل.

روي عن زرارة (الزرافة) حاجب المتوكل قال : أراد المتوكل أن يمشي الإمام

__________________

(١) العنكبوت : ٤٦.

(٢) راجع تفسير التبيان : للشّيخ الطوسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٤٤٠ ، وتفسير مجمع البيان : للشّيخ الطبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٣٩٢.


الهادي عليه‌السلام يوم «عيد السّلام» يريد بذلك أن يحطّ من شأن الإمام عليه‌السلام وكان الإمام عليه‌السلام بديناً وكان ذلك في حرّ الصيف فتعب الإمام تعباً شديداً فتأثر من هذا الاستخفاف بشدّة وقال : «أنا أكرم على الله من ناقة صالح تمتعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب» ولمّا كان الثالث وثب عليه باغزو ويغلون وتامش وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة بعده (١).

كتب المسعودي في «مروج الذهب» سعى المنافقون الى المتوكل بالإمام الهادي عليه‌السلام أنّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم ، وأنّه عازم على الوثوب بالدّولة ، فبعث إليه المتوكل جماعة من الأتراك وأمرهم أن يهجموا على دار الإمام عليه‌السلام ليلاً.

فهجموا دار الإمام الهادي عليه‌السلام ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً ووجدوه في بيت مغلق عليه ، وعليه مدرعة من صوف ، وهو جالس على الرّمل والحصا وهو متوجه الى الله تعالى يتلو آيات من القرآن ، فحمل على حاله تلك الى المتوكّل وقالوا له : لم نجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة وكان المتوكّل جالساً في الشرب فدخل عليه والكأس في يد المتوكل.

فما رأى المتوكل الإمام الهادي عليه‌السلام هابه وعظمه وأجلسه الى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده.

فقال الإمام عليه‌السلام : «والله ما يخامر لحمي ودمي قطّ فاعفني» فأعفاه.

فقال المتوكل : أنشدني شعراً.

فقال الإمام عليه‌السلام : إنّي قليل الرّواية للشعر.

فقال المتوكل : لابدّ فأنشده عليه‌السلام وهو جالس عنده.

__________________

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٠ ، ص ١٤٧ ـ ١٤٨ ، واعلام الورى : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ٦ ، ص ٣٤٦.


باتُوا عَلَى قُللِ الاجْبَالِ تَحْرُسُهُم

غُلُبُ الرِّجالِ فَلَمْ تَنْفَعْهُم القُلَلُ

واُستُنزِلُوا بَعْدَ عِزَّ عنْ مَعَاقِلهِم

واُسكِنُوا حُفَراً يا بِئسَما نَزَلُوا

نَاداهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ ما دَفْنِوا

أين أسِرَتُ وَالتِّيجانُ والحُللُ

أينَ الوُجودِ الّتِي كَانَتْ مُنَعَمَةً

مِنْ دُونِها تُضْرَبُ الاسْتَارُ وَالكُلَلُ

فَافْصَحَ القَبْرُ عَنْهُمْ حِينَ سائَلَهُم

تِلْكَ الوجوهُ عَلَيْها الدودُ تَقْتَتِلُ

قَدْ طَالَما أكَلُوا دَهْرَاً وَما شَرِبُوا

وَاصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الأكْلِ قَدْ اُكِلُوا

قال الراوي : فبكى المتوكل حتى بلت لحيته ودموع عينية وبكى الحاضرون ، وأمر المتوكل أن يرفع بساط الشراب ثم قال : يا أبا الحسن : هل عليك دين؟

قال الإمام عليه‌السلام : أربعة آلاف دينار.

فأعطاه المتوكل ذلك وردّه الى منزله مكرّماً (١).

وقال الكراجكي في «كنز» فضرب المتوكل بالكأس على الأرض وتنغص عيشه في ذلك اليوم وتبدل عيشه ولهوه الى عزاء (٢).

(فِي جَنْبِهِ)

أي في أمره أو رضاء أو قربه وأجواره أو طاعته أو حقّه كما قيل في تفسير قوله تبارك وتعالى : (٣).

(وَأقَمْتُمْ الصَّلاةَ)

وأقامة الصّلاة عبارة عن تهذيب أركانها وحفظها من أن يقع في أفعالها زيغ

__________________

(١) مرآة الجنان : ج ٢ ، ص ١٦٠ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٠ ، ص ٢١١ ـ ٢١٢.

(٢) وكنز العمال وكذلك تذكرة الخواص : للسبط بن الجوزي ، ص ٢٠٣.

(٣) الزمر : ٥٦.


وفساد يوجب بطلانها ، وأصلها مأخوذ من إقامة العود ـ يعني اعوجاج الشجرة عندما يريدون أن تقويم عودها ، وقيل من اقامة السوق إذا راج واصبح فعّالاً ، ومعنى إقامة الصلاة عبارة عن ترايجها بسبب المحافظة عليها واقامة حدودها الظاهرية والباطنية ، لأنّه في هذه الصورة تكون كالمتاع الرائج وسوق فعّال يرغبون إليها ، ولكن عند تضييعها وعدم حفظ حدودها وشرائطها كالمتاع والسوق الكاسد لا يرغب فيها احد.

وقيل أنّ إقامتها عبارة عن التشمير لادائها من غير فتور ولا كسل ، وهذا المعنى مأخوذ من قولهم : إن فلان قام بالامر إذا جدّ فيه ولم يتوان عنه ، وكما أنّه يقال لضده : قعد الفلاني وتقاعد عنه.

وعلى كلّ حال فالمراد أنكم أقمتموها حق إقامتها من الخضوع والخشوع والاخلاص وحضور القلب وجميع ما هو شرط للقبول والكمال ، قال الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام :

«للصّلاة أربعة آلاف حدود ، وفي رواية ، أربعة آلاف باب» (١).

وفسر المرحوم الشّهيد الاوّل رحمه الله الأبواب والحدود لواجبات الصلاة ومندوباتها وجعل الواجبات الفاً تقريباً وصنف لها الألفية ، وجمع المندوبات ثلاثة الاف وألف لها «نفلية» (٢).

وقال المجلسي الاوّل (٣) : «لعل المراد بالأبواب والحدود والمسائل المعلقة بها ، وهي تبلغ أربعة الآف بلا تكلّف» (٤).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٢ ، ص ٣٠٣ ، عن مناقب آل أبي طالب : ج ٤ ، ص ٢٤٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٢ ، ص ٣٠٣.

(٣) المرحوم الشّيخ محمّد تقي المجلسي رحمه الله ، والد العلّامة الشّيخ محمّد باقر المجلسي رحمه الله ، صاحب كتاب الشريف بحار الانوار.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٢ ، ص ٣٠٣.


وورد في الحديث النّبوي الشّريف عن سيّدة نساء العالمين فاطمة الزّهراء عليها‌السلام عن أبيها سيّد الانبياء صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها ، أنها سألت أباها محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : «يا أبتاه وما لمن تهاون بصلاته من الرّجال والنّساء؟».

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا فاطمة من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ، إبتلاه الله بخمسة عشر خصلة ، ست منها في دار الدنيا ، وثلاث عند موته ، وثلاث في قبره ، وثلاثة في القيامة اذا خرج من قبره».

فأما اللواتي تصيبه في دار الدنيا :

الاولى : يرفع الله البركة من عمره.

الثّانية : يرفع الله البركة من رزقه.

الثّالثة : يمحو الله عزّ وجلّ سيماء الصالحين من وجهه.

الرّابعة : كل عمل يعمله لا يؤجر عليه.

الخامسة : لا يرتفع دعاؤه الى السماء.

السّادسة : ليس له حظ في دعاء الصالحين.

وأمّا اللواتي تصيبه عند موته :

الاولى : أنّه يموت ذليلاً.

الثّانية : يموت جائعاً.

الثّالثة : يموت عطشاناً فلو سقي من أنهار الدّنيا لم يرد عطشه.

وأما اللواتي تصيبه في قبره :

الاولى : يوكّل الله به ملكاً يزعجه في قبره.

الثّانية : يضيق عليه قبره.

الثّالثة : تكون الظلمة في قبره.

وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة اذا خرج من قبره :


الاولى : أن يوكّل الله به ملكاً يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه.

الثّانية : يحاسبه حساباً شديداً.

الثّالثة : لا ينظر الله إليه ، ولا يزكيه ، وله عذاب أليم» (١).

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «إمتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة ، كيف محافظتهم عليها؟» (٢).

يعني : في غير هذه الصورة ليسوا من شيعتنا.

(وآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَأمَرْتُمْ بِالمَعْرُوفِ وَنَهَيتُمْ عَنْ المُنْكَرِ وَجَاهَدْتُم فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ)

ذلك باللسان واليد والجوارح والجنان ، وعملتم بالاركان ، ولا يستطيع احد من النّاس أن يقوم بهذه الاعمال كما قام بها أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام.

(حَتّى أعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ وَبَيّنْتُمْ فَرَائِضَهُ)

واظهرتموها على الملأ ، وبيّنتم الواجبات والاحكام الهيّة التي قدرها أو المراد بالفرائض والمواريث والمسائل المتعلقة بالارث.

(وَأقَمْتُمْ حُدُودَهُ)

وذلك ببيان الحدود وتعليمها ، والمراد من الحدود المناهي والمحارم الالهية ، كما

__________________

(١) فلاح السّائل : لابن طاووس ، ص ٢٢ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨٣ ، ص ٣٩ ، مستدرك الوسائل : ج ١ ، ص ٣٢.

(٢) وسائل الشيعة : للشّيخ الحر العاملي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١١٤ ، طبعة آل البيت عليهم‌السلام ، عن قرب الاسناد : ص ٣٨.


تشير الآية الشريفة الى ذلك قال تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا) (١).

أو المراد من الاقامة حدود المناهي مثل : الزنا ، وشرب الخمر ، والسرقة وغيرها نعوذ بالله ، وهذا المعنى توفر لسيّد المتقين الإمام علي عليه‌السلام في زمن حكومته ، وأما سائر الأئمَّة عليهم‌السلام فلم يتوفر بسبب المنع وعدم بسط اليد أن يقوموا بها ، وتتحقق كمال هذه الاقامة والتطبيق في زمان مولانا قائم آل محمّد (روحي وأرواح العالمين له الفداء).

ورد في الحديث الشريف : «إقامة الحدّ لله أنفع في الارض من القطر أربعين صباحاً» (٢).

لأن قوام المجتمع وحفظ النفوس والحقوق مرتبط بأقامة الحدود.

أو المراد من الحدود هو حدود الايمان ويجمعها كلمة الشهادتين والاقرار بما جاء به النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلوات الخمس والزّكاة والصيام وحج بيت الله وولاية أهل البيت عليهم‌السلام فان أئمّة اهل البيت أقاموا جميع هذه الحدود بأحسن صورتها وأدق معانيها.

(وَنَشَرْتُمْ شَرائِعَ أحْكَامِهِ)

لأنّ الاحكام الالهية انتشرت ببركة وجودهم الشريف وإن كان من الصادقين عليهم‌السلام اكثر.

ذكر الشّيخ الجليل المفيد رحمه الله في الارشاد ، وابن شهر آشوب في معالم العلماء ، والشّيخ الطبرسي رحمه الله في اعلام الورى وغيرهم :

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) فروع الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٧ ، ص ١٧٤ ، وسائل الشيعة : للشّيخ الحر العاملي رحمه الله ، ج ٢٨ ، ص ١٢ ، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.


«إنّ الذين رووا عن الامام الصّادق عليه‌السلام خاصّة من الثّقات على اختلافهم في الاراء والمذاهب كانوا أربعة الآف رجل» (١).

وذكر المحقق رحمه الله في أوائل المعتبر في حقّ جعفر بن محمّد عليه‌السلام : أنّه روي عنه من الرجال ما يقارب أربعة الاف رجل وبرز بتعليمه من الفضلاء الافاضل جمٌّ غفير ، كزرارة بن أعين وأخويه بكير وحمران ، وجميل بن دراج ، ومحمّد بن مسلم ، ويزيد بن معاوية والهشامين وأبي بصير وعبد الله ومحمّد وعمران الحلبيين وعبد الله بن سنان وأبي الصباح الكناني وغيرهم من أعيان الفضلاء حتى كتبت من اجوبة مسائله اربعمائة مصنف سموها الاصول الاربعمائة.

ونقل بعضهم : «أن أبان بن تغلب وحده روي أكثر من ثلاثين ألف حديث» (٢).

وأشرنا آنفاً أن جابر الجعفي رحمه الله روى عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام تسعين الف حديث.

وأمثال هذه الاحاديث وروي أحاديث كثيرة عن الإمام الرّضا والامام الجواد عليهما‌السلام وسائر الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام ، ورد طائفة منها مع أسماء كتبوها في الكتب الأربعة. أعرضنا عنها خوفاً من التطويل.

(وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ)

ويعني أنّكم أوضحتم صريقه وسنته ، يعني دين الله عزّ وجلّ : أو يكون المراد أنّ عملكم ومنهجكم كان موافقاً ومنطبقاً مع دينه واحكامه ولم ينتهجوا صراطاً غير الصّراط المستقيم.

__________________

(١) الارشاد : للشيخ المفيد رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٧٩ ، مناقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٤٧ ، أعلام الورى : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ص ٣٣٥.

(٢) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٧.


(وَصِرْتُمْ فِي ذَلِكَ)

أي في الجهاد أو في كلّ من الاُمور المذكورة.

(مِنْهُ الى الرّضا)

أي من الله تعالى ورضاه عنكم ورضاكم عنه كما قال تعالى : (رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (١).

والمراد أنّ الائمّة عليهم‌السلام وصلوا في مرتبه العبودية والعبادة الى محل توفر لهم الرضا الشديد بمقدار ما وسعته طاقاتهم من امتثال أوامره. وكذلك رضى الله عنكم لأنّكم عملتم باحكام دينه كما هو حقه وكما هو أهله.

(وَسَلَمْتُمْ لَهُ القَضَاءَ)

في جميع الاُمور حتى في القتل ، روى حمران بن اعين عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : قلت له جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهما‌السلام وخروجهم وقيامهم بدين من الله عزّ ذكره وما أصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظّفر بهم حتى قتلوا وغلبوا ، فقال الإمام عليه‌السلام :

«يا حمران (إن الله تبارك وتعالى) قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه بهم وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم اجراه فيتقدم علم إليهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام علي والحسن والحسين عليهم‌السلام وبعلم صمت من صمت منّا ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله عزّ وجلّ واظهار الطواغيت عليهم (سألوا) الله عزّ وجلّ أن يدفع عنهم ذلك والحوا عليه في طلب إزالة تلك

__________________

(١) البيّنة : ٨.


الطواغيت وذهاب ملكهم اسرع من سلك منظوم إنقطع فتبدو وما كان ذلك الذي أصابهم لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله أراد أن يبلغوها فلا تذهبن بك المذاهب فيهم» (١).

يعني أنّ الحكمة كانت فيما اصابهم تنحصر فقط في نيل الكرامات الالهية (٢).

(وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضَى)

أي صدقتم جميع الانبياء الذين ارسلهم الله عزّ وجلّ قبل نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعنى جميع الانبياء السلف عليهم‌السلام واحوالاتهم وايمانهم بشرائعهم وتصديقهم ، بالصّورة التي أخبر الله عزّ وجلّ عنها مفصلاً ، وبهذا المعنى تشير هذه الآية الشّريفة :

(وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) (٣).

(فالرَّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ)

أي الذي يعرض عنكم خارج عن دين الله وعن طريقة وشريعة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منحرف بالرغم من ظهور كل هذه الاوصاف وبروز كل هذه الاحوال منكم.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٥٠ ، عن الخرائج والجرائح : ص ٢٥٥.

(٢) وروى سفيان بن عيينة ، عن الزّهري ، عن أنس بن مالك في قوله تعالى (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ) قال : نزل في علي ، كان أوّل من أخلص وجهه لله (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي مؤمن مطيع (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) أي قول : لا إله إلّا الله (وَإِلَى اللَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) والله ما مات علي بن أبي طالب إلّا عليها.

الآية الكريمة في سورة لقمان : ٢٢ ، وراجع مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٧٦ ، المقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٢ ، ص ٣٢٠.

(٣) البقرة : ٣٨٥.


(وَاللازِمُ لَكُمْ لاحِقُ)

الذين لم ينفصلوا عنكم ، واعتقدوا بإمامتكم وثبتوا على حبّكم ، وأخذوا بأقوالكم ، واتَّبعوا أعمالكم ، فهم لاحقون بكم في الدنيا والاخرة ، أن أن المراد أنّهم يصلون الى الدّرجات العالية والمقامات الرّاقية.

(وَالمُقَصِّرُ فِي حَقِّكُمْ زَاهِقٌ)

والمقصّرون في حقّ امامتكم والمنكرون لها ، أو المراد المقصّرون في تصديق رتبتكم العالية أو في متابعتكم ، أو المراد جميع ذلك ومضمحل عن الحقّ اذا تجاوز عن الحقيقة ، ويقال لمن ضل عن الهدف أو أخطأه ، كيف يمكن اطفاء مصباح الهداية الالهية التي أضاء الله عزّ وجلّ بيد قدرته؟ وكيف يمكن استصغار عظمة قوم أراد الله بهم الرّفعة والعلو ، بل يسعى من نوى ذلك الهلاك نفسه وهلاكها.

(وَالحَقُّ مَعَكُمْ)

كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ يدور معه حيثما دار» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم أدر الحقّ معه حيثما دار» (٢).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٨ ، ص ٢٩ ، وورد هذا المعنى في أكثر كتب الفريقين من الخاصّة والعامّة ، فتأمل أيّها الباحث عن الحقيقة في هذا الحديث الشريف وما بعده ، كي تهتدي الى طريق الصواب وتختار ما اختاره الله عزّ وجلّ ورسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لك ، وما فيه صلاح دنياك واُخراك.

وكما ورد أنّه سلّم محمّد بن أبي بكر على عائشة يوم الجمل فلم تكلّمه ، فقال : أسألك بالله لا إله إلّا هو ، سمعتك تقولين : الزم علي بن أبي طالب عليه‌السلام فإنّي سمعت رسول الله يقول : الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ لا يفترقان أو لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، قالت : بلى سمعت ذلك منه. مناقب آل أبي طالب : ج ٢ ، ص ٢٦٠.

أقول هلا تمسكت أمّ المؤمنين بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم تقتل أبناءها ، ولم تحارب الحقّ يوم الجمل.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٨ ، ص ٣٨.


(وَفِيْكُمْ)

يعني الحق في إتّباعكم واقوالكم.

(وَمِنْكُمْ)

فإنّ كلّ كلام لم يخرج منهم فهو باطل ، وكلّ ما صدر منهم فهو الحقّ ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر الصادق عليه‌السلام :

«أمّا أنّه ليس عند أحد من النّاس حقّ ولا صواب إلّا شيء أخذوه منّا أهل البيت ، ولا أحد من النّاس يقضي بحق وعدل وصواب إلّا مفتاح ذلك القضاء وبابه وأوّله وسببه عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فإذا اشتبهت عليهم الاُمور كان الخطأ من قبلهم إذا أخطأوا ، والصّواب من قبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام» (١).

عن أبي مريم قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام لسلمة بن كميل والحكم بن عتيبة : «شرقا وغربا لن تجدا علماً صحيحاً إلّا شيئاً يخرج من عندنا أهل البيت» (٢).

وفي رواية أخرى :

«فليشرق الحكم وليغرب ، أمّا والله لا يصيب العلم إلا من أهل البيت نزل عليهم جبرئيل» (٣).

(وَإلَيكُمْ)

أي كلّ حقّ في أيدي النّاس فمرجعه إليكم لأنّه منكم أخذ ، أو أنكم الباعث

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٩٤ ، الامالي : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٩٦.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٩٢ ، لانّهم : معدن علم الله وخزّانه وما عند النّاس من صحيح علمٍ ، منهم إقتبسوه وما لم يقتبس منهم فهو الباطل.

(٣) نفس المصدر.


على وصوله الى الخلق وكلمات الحكمة التي توجد في كلام المخالفين كالحسن البصري ومن يحذو حذوه كلّها مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وسائر الأئمّة الهدى عليهم‌السلام كما لا يخفى على الماهر البصير والمتتبع الخبير.

(وَأنْتُمْ أهْلُهُ)

فأنتم أهل لذلك الحقّ والصواب ، لأنّ جميع علوم الانبياء عليهم‌السلام والاوصياء انتهت الى نبيّنا محمّد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنه إنتهت الى أهل بيت العصمة والطهارة بأجمعها.

(وَمَعْدِنَهُ)

كما تقدم الاشارة إليه.

(وَمِيرَاثُ النُّبُوَّةِ عِنْدَكُمْ)

اي ما تركه الانبياء عليهم‌السلام من ميراث فهو عندكم كألواح موسى وعصاه وحجره ، وصحف ابراهيم وموسى ، وسلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر مواريث الانبياء عليهم‌السلام أمثالها ، عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

«إنّ سليمان ورث داود ، وإنّ محمّداً ورث سليمان ، وإنّا ورثنا محمّداً ، وإنّ عندنا علم التّوراة والانجيل والزّبور ، وتبيان ما في الألواح ...» (١).

عن أبي بصير ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام قال : خرج أمير المؤمنين عليه‌السلام ذات ليلة بعد عتمة (٢) وهو يقول همهمة همهمة (٣) ، وليلة مظلمة ، خرج عليكم الإمام ، عليه

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٤ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٨٧.

(٢) العتمة محركة الثلث الاول من الليل بعد غيبوبة الشفق.


قميص آدم ، وفي يده خاتم سليمان ، وعصا موسى عليهم‌السلام (٤).

وفي رواية اُخرى ، عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام قال :

«إنّ القائم «عجل الله تعالى فرجه الشريف» إذا قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى منادي : ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً ، ويحمل حجر موسى بن عمران وهو وقر بعير ، فلا ينزل منزلاً؟ إلّا انبعث عين منه ، حتى ينزلوا النّجف من ظهر الكوفة» (٥).

ووردت أخبار كثيرة أن عند الائمّة الهدى عليهم‌السلام درع ولامة ومقفر وسيف وسائر سلاح وامتعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

وعشرات الاحاديث اُخرى اعرضنا عن ذكرها رجاء للاختصار.

(وإيابُ الخَلْقِ إلَيكُمْ)

فرجوع النّاس إليكم في الدّنيا لاُمور دينهم ودنياهم ولأخذ معالم دينهم وأحكام شرائعهم ، واصلاح معادهم ومعاشهم أو في الاخرة لأجل الحساب والشّفاعة في يوم الجزاء.

أو أن المراد منها ، أن النّاس يرجعون الى أقوالكم في نيل المقامات العلمية واستنباط الاحكام الدّينية ، ويلتجؤون الى حرمكم الشّريف ومراقدكم الطّاهرة عند الشّدائد والابتلاء.

__________________

(٣) الهمهمة : الكلام الخفي.

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٣١.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٣١.

(٦) نفس المصدر : اُنظر باب ما عند الأئمّة من سلاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومتاعه : ص ٢٣٢ ، وبحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٠١ الى ٢٢٢ ، الارشاد : الشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٢٥٧ و ٢٥٨ ، الاحتجاج : للشّيخ الطبرسي رحمه الله ، ص ٢٠٢ و ٢٠٣.


(وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ)

تشير هذه الفقرة المباركة الى كلام الله العظيم حيث يقول عزّ من قائل : (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم) (١).

يعني أنّ حساب الخلائق والناس في الشفاعة وانتظار الرحمة مفوّض الى أولياء الله تعالى ، كما يشعر به صيغة الجمع ، ولا استبعاد ولا شك في ذلك ، لان الله عزّ وجلّ وكّل بالعذاب والحساب والكتاب جمعاً من الملائكة ، والائمّة الهدى عليهم‌السلام أفضل من الملائكة.

عن سماعة قال : كنت قاعداً مع أبي الحسن الاوّل عليه‌السلام (٢) والنّاس في الطّواف في جوف الليل فقال لي عليه‌السلام :

«يا سماعة إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين الله عزّ وجلّ حتمنا على الله عزّ وجلّ في تركه لنا ، فأجابنا الى ذلك ، وما كان بينهم وبين النّاس استوهبناه منهم فأجوبوا الى ذلك وعوضهم الله عزّ وجلّ» (٣).

وعن قبيصة عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم).

قال عليه‌السلام : فينا.

قال قبيصة : قلت : إنّما اسألك عن التفسير.

قال الإمام عليه‌السلام : «نعم يا قبيصة إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شيعتنا إلينا فما كان بينهم وبين الله استوهبه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الله ، وما كان فيما بينهم

__________________

(١) الغاشية : ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) المقصود من أبي الحسن الاوّل الامام موسى الكاظم عليه‌السلام.

(٣) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٥٦٨ ، عن روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ص ١٦٢ ، ح ١٦٧.


وبين النّاس من المظالم أداه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنهم وما كان فيما بيننا وبينهم وهبناه لهم حتّى يدخلوا الجنة بغير حساب» (١).

وعن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «يا جابر إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والاخرين لفصل الخطاب ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعا أمير المؤمنين عليه‌السلام فيكسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلّة خضراء تضيء ما بين المشرق والمغرب ، ويكسى عليّ عليه‌السلام مثلها ثمّ يدعى بنا فيدفع إلينا حساب النّاس ، فنحن والله نُدخل أهل الجنّة الجنّة ونُدخل أهل النّار النّار» (٢).

(وَفَصْلُ الخِطَابِ عِنْدَكُمْ)

فعندكم الخطاب الفاصل والكلام القاطع بين الحقّ والباطل ، أو عندكم الخطاب والكلام المفصول الواضح الدّلالة على المقصود.

ورد عن الإمام الرّضا عليه‌السلام في فصل الخطاب أن المراد منه معرفة اللغات ومعرفة الألسنة ، لانّهم يعرفون جميع اللغات والالسنة كما تقدم (٣).

(وَآياتُ اللهِ لَدَيكُمْ)

إمّا أن يكون المراد منها معرفة آيات الله عزّ وجلّ عندكم ، فأنهم أهل الذكر العالمون بتنزيله وتأويله ومحكمه ومتشابهه كما تقدم أو المعجزات التي أعطيت

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٢٧٢ ، عن تفسير فرات الكوفي : ص ٢٠٧ ، والآيتان ٢٥ و ٢٦ من سورة الغاشية.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي ، ج ٥ ، ص ٥٦٨ ، وبحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٣١٦ ، عن المناقب رفعه الى جابر الجعفي رحمه الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ارشاد القلوب : للديلمي : ص ٢٥٦.

(٣) راجع اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٧ ، وبحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٩٠ ، باب ١٤.


جميع الانبياء عليهم‌السلام لديكم ، أو أن مطلق براهين الله وآياته مخزونة لديكم.

عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه‌السلام يقول في هذه الآية : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (١) فأومى بيده الى صدره» (٢).

وفي رواية اُخرى ، قال عليه‌السلام : هم الائمّة (٣).

وعن أبي حمزة الثّمالي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «ألواح موسى عندنا وعصا موسى عندنا ونحن ورثنا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٤).

(وَعَزَائِمُهُ فِيْكُمْ)

وهي أنّ العزم والجد والاجتهاد والاهتمام في التّبليغ والصّبر على المكاره ، وإظهار الحقّ فيكم وردت ، وعليكم وجبت ، أو المراد منها أن الواجبات اللازمة التي لا يرخص في تركها عباد الله سبحانه ، إنما هي واجبة من واجبات حقّكم كوجوب متابعتكم والاعتقاد بامامتكم وجلالتكم وعصمتكم حيث لا يعذر النّاس في ترك واحدةٍ منها ، أو يراد منها العزائم التي أقسم الله سبحانه بها في القرآن كالشّمس والقمر والضحى والليل والتين والزّيتون والبلد الامين ونحوها إنما هي فيكم ، وأنتم المقصودون بها ، أو السّور العزائم أو سائر الأديان في المدح نزلت فيكم ، أو المعنى أنتم الآخذون بالعزائم دون الرخص (يعني لم ترتكبوا المحرمات والمكروهات) أو المعنى أن قبول الواجبات من الناس مشروط بمتابعتكم ومولاتكم ، وغيرها من الاحتمالات لا تسعها هذه الوجيزة.

__________________

(١) العنكبوت : ٤٩.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٦٥ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٣.

(٣) راجع اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٢٧ ، بحار الانوار : للعلّامة الجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٩٠ ، باب ١٤.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢١٨ ، بصائر الدرجات : ص ٥٠.


(وَنُورُهُ وَبُرْهانُهُ عِنْدَكُمْ)

من العلوم الالهية ، والمعارف الرّبانية ، والهدايات السّبحانية ومن الدّلائل الظّاهرة والمعجزات الباهرة ، كلّ ذلك عندكم ، لأنّكم مظاهر آيات الله ومواضع أسراره وعلومه الرّبانية ، كما تقدمت الاشارة إليها.

(وَأمْرُهُ إلَيكُمْ)

وأمر الله سبحانه بالامامة أو أظهار العلوم (اليكم) يعني أن اختيار اظهار العلوم ونشر الحق وكتمانه إليكم ، كما ورد في جملة من الاخبار قال عليه‌السلام :

«أنّ الله فرض عليكم السّؤال ولم يفرض علينا الجواب» (١).

عن الوشاء قال : سألت الرضا عليه‌السلام فقلت له : جعلت فداك : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (٢).

فقال عليه‌السلام : «نحن أهل الذّكر ونحن المسؤولون».

قلت : فأنتم المسؤولون ونحن السّائلون.

قال عليه‌السلام : نعم.

قلت : حقّ عليكم أن تجيبونا.

قال عليه‌السلام : لا ذاك إلينا إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل أما تسمع قول الله تبارك وتعالى : (هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (٣) (٤).

والاخبار بهذا المضمون كثيرة.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٧٦ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١١.

(٢) النحل : ٣٤.

(٣) سور ص : ٣٩.

(٤) وردت هذه الرواية بهذه الصورة في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٧٧ ، عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٠.


يقول صاحب الانوار اللامعة في ذيل هذا الحديث : «وكان السر في ذلك أن بعض السائلين قد يكون منكراً لفضلهم وراداً لقولهم ، فقد يكون ترك الجواب أولى من الجواب ، وقد يكون الجواب على وجه التّقية متعيناً وبعضهم قد يكون مقراً بفضلهم ولكن في ترك جوابه ومصلحة يعرفها الإماام دون غيره ، فيجوز لهم ترك الجواب تحصيلاً لتلك المصلحة كما ورد في سؤالهم عن تعيين ليلة القدر والاسم الاعظم والقضاء والقدر وغيرها من المسائل التي امتنعوا عن الاجابه عليها لمصلحة كان فيه» (١).

(مَنْ وَلاكُمْ فَقَدْ وَالى اللهَ وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادَ اللهِ وَمَنْ أحَبَّكُمْ فَقَدْ أحَبَّ اللهَ وَمَنْ أبْغَضَكُمُ فَقَدْ أبْغَضَ اللهَ وَمَنْ اعتَصَمَ بِكُمُ فَقَدْ إعْتَصَمَ بِاللهِ)

السر في هذا المطلب هو أن الله تعالى هو الآمر بمولاتهم ومحبتهم (٢) والاعتصام بهم ، والناهي عن معاداتهم وبغضهم ، فالموالي الحقيقي لهم موالٍ لله تعالى وهكذا.

وأيضاً يمكن أن يكون سر المطلب هو أنّ الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام كانوا متخلقين بأخلاق الله ومتصفين بصفاته ، فكل ما ثبت للحقّ تعالى من الاشياء المذكورة ونحوها ثبت لهم ، كما قال الله تعالى في كتابه : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٣).

اذاً في هذه الآية الشريفة جعل الله البيعة لرسوله بمنزلة البيعة له سبحانه.

__________________

(١) الانوار اللامعة : للعلّامة السيد شبر رحمه الله ، ص ١٣٩.

(٢) يمتحن العباد غداً بحبهم ، كما يقول ابن حماد :

يا أهل بيت النّبي حبّكم

تجارة الفوز للاُولى اتّجروا

يا أهل بيت النّبي حبّكم

يبلي به ربُّنا ويختبر

(٣) الفتح : ١٠.


وقال عزّ اسمه أيضاً : (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١).

فقد إعتبر الله سبحانه في هذه الآية الظلم الى أولياءه بمنزلة الظلم له ، وصيغة الجمع تشعر هذا المعنى أيضاً.

وقال عزّ اسمه أيضاً : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ) (٢).

جعل غضب أوليائه بمثابة غضبه لأن الغضب لا يتصور في ذاته الأقدس.

وقال تعالى في الحديث القدسي : «من أهان لِي ولياً فقد بارزني بالمحاربة» (٣).

وقال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من رآني فقد رأى الحق» (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي حربك حربي وحربي حرب الله» (٥).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وحرب علي حرب الله» (٦).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» (٧).

__________________

(١) البقرة : ٥٧.

(٢) الزخرف : ٥٥.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٢٨٣ ، وج ٦٧ ، ص ٦٥ ، وج ٧٠ ، ص ١٦.

(٤) ورد في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦١ ، ١٧٦ ، «من رآني في منامه فقد رآني» ورد في ص ٢١١ ، «من رآني فقد رآني فان الشيطان لا يتشبه بي» وكذلك : «من رآني نائماً رآني يقظاناً» ووردت هذه الرواية في كتب العامّة والخاصّة ، وبمختلف الالفاظ.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٦ ، ص ٣٤٨ ، عن كفاية الاثر : ٢٥.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وقد خيّم خيمة وفيها علي وفاطمة والحسن والحسين : سالم أهل الخيمة ، وحرب لمن حاربهم ، ووليّ لمن والاهم ، ولا يحبّهم إلّا سعيد الجدّ طيب المولد ، ولا يبغضهم إلّا شقي الجدّ رديء المولد» المقتطفات : للعلّامة عيد روس بن أحمد الشقاف العلوي الحسيني الاندونيسي المعروف بابن رويش ، ج ١ ، ص ٢٩٢.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٨ ، ٩٥ ، ح ١١ ، عن الامالي : للشّيخ الصدوق رحمه الله ، ص ٥٥.

(٧) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٣ ، ص ١٩٨ ، العوالم : ج ٦ ، ص ٥٥ ، وويلٌ لمن سنّ ظلمها واذاها من الاولين والاخرين. وهي القائلة عندما دخلت عليها اُمّ سلمة فقالت لها : كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله؟

قالت عليها‌السلام : «أصبحت بين كمدٍ وكربٍ ، فقد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وظلم الوصي ، وهتك والله حجبه ، أصبحت إمامته مقتصّةً على


وعن حمزة بن يزيع عن أبي عبد الله الصّادق عليه‌السلام في تفسير قوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ).

إنّ الله عزّ وجلّ لا يأسف ولكنّه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضاء الله وسخطهم سخط الله لانّه جعلهم الدعاة إليه والادلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس إن ذلك يصل الى الله كما خلقه لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال : «من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها ، وقال الله تعالى : (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ) (١).

وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٢).

وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، وهكذا الرّضا والغضب وغيرها من الاشياء ممّا يشاكل ذلك ... الحديث» (٣).

يعني أنّ الرضا والغضب والاهانة والايذاء والبيعة وسائر الاشياء من هذا

__________________

غير ما شرع في التّنزيل ، وسنّها في التّأويل ، ولكنّها أحقاد بدريّة ، وتراث اُحديّة ، كانت عليها قلوب النّفاق مكتمنة لإمكان الوشاة ، فلمّا استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الاثار من مخيلة الشّقاق ، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها ، وليس على ما وعد الله من حفظ الرّسالة وكفالة المؤمنين ، واُحرزوا عائدهم غرور الدّنيا بعد انتصار ، ممّن فتك بآبائهم في مواطن الكروب ومنازل الشّهادات».

يا تُرى لمن تقصد سيدة النساء عليها‌السلام بكلامها هذا ، ولماذا بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد فقدان أباها بين كمد وكرب؟ وأين كان المسلمون من مواساتها في حزنها على أبيها ، ومن هم الذين ظلموا الوصي؟ ومن هم الذين هتكوا حجب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وهجموا على بيت الوحي والرّسالة ، ولماذا أصبحت الامامة مقتصة على غير ما شرع الله في التّنزيل ، وسنّها النّبي في التأويل؟ وماذا فعلت الاحقاد البدرية الاُحديّة؟ ومن كان وراء هذه الاحقاد؟ ومن تقصد عليها‌السلام من قلوب النّفاق والشّقاق؟ وما هو وتر الايمان؟ والى من وعد الله حفظ الرّسالة وكفالة المؤمنين؟ ومن الذي فتك بآبائهم في مواطن الكروب؟ وغيرها من التّساؤلات الكثيرة في هذا الكلام الذي يقرح القلب حزناً على سيدة نساء العالمين عليها‌السلام ، مع علمنا أنّها معصومة وطاهرة ومطهّرة وصادقة بالتنزيل والكتاب المبين ، ولا تنطق إلّا الحقّ والصّدق وما علمها أبوها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن الكتاب والحكمة وأسرار النّبوّة والامامة ، فتأمل يا أخي المسلم الباحث عن الحقيقة.

(١) النساء : ٨.

(٢) الفتح : ١٠.

(٣) معاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٢٠ ـ ٢١.


القبيل ، نسبتها الى أولياء الله عين نسبتها الى ذات الله الأقدس ، ففي رضاهم رضا الله وفي غضبهم غضب الله تعالى.

وعن زرارة عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام فقال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ : (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١).

قال الإمام عليه‌السلام : «إنّ الله أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم ولكن خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته حيث يقول : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) (٢). يعني الأئمّة منّا» (٣).

يعني المقصود من (وَالَّذِينَ آمَنُوا) في الآية الشريفة الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام.

(أنْتُمْ السَّبِيلُ الأعْظَمُ)

اي جادة الهداية ، من سلكه نجا من المهالك والمخاوف ، ومن تخلف أو انحرف عنها ضل عن الصراط المستقيم.

(وَالصِّرَاطُ الأقْوَمُ)

يعني أنتم الصراط المستقيم والقويم في الدّنيا كما تقدم ، وطريق متابعتهم في العقائد والمعارف والافعال والاحوال والاقوال أقوم الطّرق وأمتنها وأحكمها في إيصال السّالك الى مراده.

(وَشُهَدَاءُ دَارِ الفَنَاءِ)

أي شهداء الله على خلقه في دار الدنيا كما اسلفنا في تفسير قوله تعالى : (فَاكْتُبْنَا

__________________

(١) البقرة : ٥٧.

(٢) المائدة : ٥٥.

(٣) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٦٤٦.


مَعَ الشَّاهِدِينَ) (١).

ورد عن الإمام الكاظم عليه‌السلام في قوله تعالى : (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) قال : «نحن هم ، نشهد للرّسل على اُممها» (٢).

وقال بعضهم إن المراد من الشّهداء أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد من الأمّة هم الأئمّة عليهم‌السلام (٣) في الآية الشريفة : (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (٤).

ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «إن الله تعالى إيانا عنى بقوله : (لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) فرسول الله شاهد علينا ، ونحن شهداء الله على خلقه ...» (٥).

(وشُفَعاءُ دَارِ البَقَاءِ)

يعني يوم القيامة. وهذه الفقرة المباركة أشارة الى الآية الشّريفة : (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ) (٦).

كما ان هذا المعنى مأثور عن الإمام الرضا عليه‌السلام وعن الامامين الهمامين الصادقين الباقر والصادق قالا عليهما‌السلام :

«والله لنشفعن والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتى تقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك : (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ

__________________

(١) آل عمران : ٥٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٣٦ ، من مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٤٠٣ ، مجمع البيان : ج ١ ، ص ٤٤٨.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة الملجسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٣٦.

(٤) البقرة : ١٤٣.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٣٤ ، ومجمع البيان : للعلّامة الطبرسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٢٤.

(٦) الانبياء : ٣٨.


الْمُؤْمِنِينَ ...) (١) (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام في قول الله تعالى : (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) فقال : «الشّافعون الأئمّة ، والصديق من المؤمنين» (٣).

والمأثور عن هذا الإمام العظيم عليه‌السلام أنّه قال : «للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفاعة في امَّته ، ولنا شفاعة في شيعتنا ، ولشيعتنا شفاعة من أهل بيتهم» (٤).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من أهل بيت يدخل واحد منهم الجنّة إلّا دخلوا أجمعين الجنّة».

قالوا : وكيف ذلك؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يشفع فيهم فيشفع حتى يبقى الخادم فيقول : يا ربّ خويدمتي قد كانت تقيني الحرّ والقرّ (٥) فيشفع فيها» (٦).

الروايات بهذا المضمون كثيرة ، بل أن المنكر للشفاعة مرتد خارج عن الدين.

وقال صادق آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا ، المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشّفاعة» (٧).

واختلفوا في معنى الشفاعة وكيفيتها : قال العلّامة الحلّي رحمه الله في شرحه التجريد : اتفق العلماء على ثبوت الشّفاعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى : (عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا

__________________

(١) الشعراء : ١٠٠ و ١٠١.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٧ ، المحاسن : ج ١ ، ص ١٨٤.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٤٢ عن المحاسن : ج ١ ، ص ١٨٤.

(٤) نفس المصدر : بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٤٢ ، المحاسن : ج ١ ، ١٨٤.

ورد عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شفاعتي لأمّتي إلى من أحبّ أهل بيتي وهم شيعتي» رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : ج ٢ ، ص ١٤٦ طـ القاهرة ، والسيوطي في الجامع الصغير : ج ٢ ، ص ١٨٠ ، القندوزي في ينابيع المودة : ص ١٨٥ ، إحقاق الحقّ : ج ٩ ، ص ٤٢٢ ـ ٤٢٣ ، وغيرهم.

(٥) القرَّ : البرد.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٥٦.

(٧) بحار الانوار : للعلّامة الجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٦ ، عن الامالي : للشيخ الصدوق رحمه الله : ص ١٧٧.


مَّحْمُودًا) (١) (٢).

وكذلك اختلفوا في معناها فقالت الوعيدية والمعتزلة : إنّها عبارة عن طلب زيادة المنافع للمؤمنين المستحقّين للثواب ، بمعنى أنّ الشفاعة ثابتة في حقّ أهل الجنّة لرفع درجاتهم وذهبت التفضلية إلى : أنّ الشفاعة للفساق من هذه الاُمّة في اسقاط عقوبتهم ثمّ قالوا : وهو الحق (٣).

وقال الشّيخ الجليل الصدوق رحمه الله : المؤمن هو الذي تسرّه حسنته وتسؤوه سيئته لقول النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن ...» (٤).

ومتى ساءته ندم عليها ، والندم توبة ، والتّائب مستحق للشفاعة والغفران ، ومن لم تسؤه سيئته فليس بمؤمن ، وإذا لم يكن مؤمناً لم يستحق الشفاعة لأن الله غير مرتضٍ لدينه (٥).

يقول المؤلف : هذا الموضوع اشارة الى الآية الشّريفة السّابقة الذّكر : (لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ) حيث قال الإمام الرضا عليه‌السلام : «لا يشفعون إلّا لمن ارتضى الله لدينه» (٦).

ونظراً الى ما اسلفناه ، نعلم أن الشّفاعة واردة في أهل الذّنوب والخطايا من الاُمّة الذين ارتضى الله عزّ وجلّ دينهم ، فبالشفاعة تتساقط عنهم الذّنوب ، وينجون من نار جهنم.

__________________

(١) الاسراء : ١١٢.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٦١.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة الملجلسي رحمه الله ، ج ٩ ، ص ٦٢.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٦ ، ح ٥ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٢٢.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٤ ، عن عيون اخبار الرضا عليه‌السلام : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٧٨.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٤.


وهذا المعنى من الشفاعة موافق مع مقام الامتنان من الله عزّ وجلّ على رسله وأوليائه ، فيمنحهم منصب الشفاعة منَّةً عليهم وهكذا يكون الكشف عن علو مقام وعظمة مراتب أولياء الدّين بما أثبت لهم من الشفاعة ، رزقنا الله شفاعتهم في الاخرة.

(وَالرَّحْمَةُ المَوصُولَةُ)

اي المتصلة بالرحمة الالهية الغير المنقطعة ، لأنّ كلّ إمام منهم متصل بالامام الذي قبله وكلّ منهم رحمة للعالمين كجدّهم خاتم النّبيين وسيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبذلك فسّر قوله تعالى : (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (١).

ورد في بعض الرّوايات أنّ المراد من الاتصال هو : اتصال الائمّة الاطهار عليهم‌السلام ، إمام بعد إمام (٢).

(وَالآيَةُ المَخْزُونَةُ)

أي هم علامات وآيات قدرة الله تعالى في الارض ، ولكن معرفة ذلك كما يليق وينبغي مخزونة ومستورة إلّا عن خواصّ أوليائهم الذين كانوا موضع أسرارهم وودائع حكمهم أمثال : كميل بن زياد ، وسلمان المحمّدي ، وجابر الجعفي (رضوان الله عليهم جميعا) وغيرهم وفي هذه الفقرة المباركة اشارة الى أنّ الآيات هم الائمّة الهداة عليهم‌السلام (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «ما لله تعالى آية أكبر منّي ولا لله من نباء أعظم منّي» (٤).

__________________

(١) القصص : ٥١.

(٢) تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ١٣٢ ، عن اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤١٥ ، ح ١٨.

(٣) اصول الكافي : ج ١ ، ص ٢٠٧.

(٤) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٧.


وفسروا بالآية الشّريفة : (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) (١) أنّه أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

(وَالأمَانَةُ المَحْفُوظَةُ)

إمَّا أن يكون المراد منها أن الله عزّ وجلّ حفظهم حتى يحفظوا دينه ويصونوا شريعته ، أو المراد أن حفظ الأمانة ، وهم الائمّة عليهم‌السلام واجبة على العالمين ولو بذلوا الأنفس والاموال في حراستها وحفظها ، لانّ قوام العالم والناس بها ونظام اُمور دينهم ودنياهم بها ، أو المراد نفس الائمّة أقوالهم محفوظة من الاندارس والاضمحلال وتبقى مصونة في جميع الازمنة ومقبولة عند جميع الاُمم ، ومقدرة ومحترمة كالشيء المطبوع حديثاً ، أو المراد أنّهم أصحاب الامانة المحفوظة بتقدير «ذو» وبهذا المعنى أنّ ولايتهم في (الامانة المحفوظة) المعروضة على السموات والارض في الآية الشريفة : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (٣) ففسروا الامانة بولايتهم (٤) ، أو المراد أن أمانة كل امام من لاحق محفوظة عند الامام السابق يؤديها إليه عند وفاته ، والمراد من الامانة بهذا المعنى الكتب والعلم والسلاح وسائر مواريث الانبياء عليهم‌السلام.

وروي عن أحمد بن عمر قال : سألت الرّضا عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) (٥) قال : «هم الأئمّة من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن

__________________

(١) النبأ : ١ و ٢.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٧.

(٣) الاحزاب : ٧٢.

(٤) راجع تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٣١١ ـ ٣١٤ ، في تفسير ذيل هذه الآية الشّريفة.

(٥) النساء : ٦٢.


يؤدي الامام الأمانة الى من بعده ولا يخط بها غيره ولا يزوّيها عنه» (١).

وفي رواية اُخرى عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال : «إيّانا عنى ، أن يؤدي الأوّل إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح ...» (٢).

أو المراد ما عندهم من ودايع وامانات النّاس تحفظ عندهم كما هو حقّه ، وأنّهم في حفظها وأدائها نالوا الدرجة العالية عن أبي حمزة الثمالي عن الإماام علي بن الحسين السّجاد عليه‌السلام قال : سمعته يقول لشيعته :

«عليكم بأداء الأمانة ، فوالذي بعث محمّداً أبالحقِّ نبيّاً لو أنّ قاتل أبي الحسين بن علي عليهما‌السلام ائتمنني على السيف الذي قتله له لأدَّيته إليه» (٣).

أو المراد منها أن الائمّة الهداة عليهم‌السلام في حفظ حدود العبادات وطاعة الله عزّ وجلّ في مثل الصلاة وغيره من الزيادة والنقيصة والشك والاثبات وملاحظة الاخلاص ومراتب الخشوع والخضوع يؤدونها ، لان الامانة فسرّت بالطاعة والعبادة في الآية الشّريفة : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ) وورد في رواية صحيحة :

«أن علياً عليه‌السلام اذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ...» (٤).

والاخبار في باب خضوع الأئمّة عليهم‌السلام وخضوعهم في طاعة الله والصلاة والوضوء وصلت الى ذروتها وتواترت والكتب الاسلامية مستفيضة من العمّة الخاصّة.

(وَالبَابُ المُبْتَلَى بِهِ النّاسُ)

لانّ الله عزّ وجلّ امتحن الناس بولايتهم ومتابعتهم ومن دخل باب ولايتهم

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٦.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٦.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٥ ، ص ١١٤ ، الامالي للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ص ١٤٨.

(٤) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣١٣ ، عن كتاب عوالي اللئالي.


ومتابعتهم نجى ومن تخلف هلك ، كما قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«مثل أهل بيتي مثل باب حطّة من دخله نجى ومن لم يدخله هلك» (١). وبهذا اشارت الآية الشّريفة :

(وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ) (٢).

وهذا الأمر بالإستغفار هو أمر الله تعالى بني اسرائيل بالدّخول من ذلك الباب وبنطقهم هذا الكلام امتحنهم ، فمن دخلها نجى ، ومن لم يدخلها وقال بدل الحطّة حنطة هلك.

وبهذا المعنى تشير الآية الشّريفة : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) (٣).

يعني الذين قالوا بدل الحطّة ـ التي تأتي بمعني الاستغفار ـ حنطة.

وعن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام قال : «نحن باب حطّتكم» (٤).

ويمكن أن يكون اشارة الى كلام النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب» (٥).

ومن جملة اللطائف الواردة في هذا الموضوع : هو أنّ أعرابياً دخل مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فابتدأ بالسّلام على الامام علي عليه‌السلام ثمّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فضحك منه الحضّار واعترضوا عليه ذلك وأنّه لماذا لم تسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ١٠٤ ، بشارة المصطفى : ص ٤٧ ، الامالي : لابن الشّيخ ، ص ٣٧ ، وورد بالفاظ اُخرى في ينابيع المودة : ج ١ ، ص ١٧ ، والحلبي في سيرته : ج ٣ ، ص ١١ ، وإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، لنور الله الحسيني : ج ٩ ، ص ٣٨٥ ، ٣٨٦.

(٢) البقرة : ٥٨.

(٣) البقرة : ٥٨.

(٤) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٤٥ ، عن تفسير البرهان : ج ١ ، ص ١٠٤ ، وبحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٢٦ ، وج ٢٣ ، ص ١٢٢.

(٥) اُسد الغابة : ج ٤ ، ص ٢٢ ، كفاية الطّالب : ص ٢٢٠ ، المناقب : للخوارزمي ، ص ٤٠ ، وينابيع المودة : للقندوزي الحنفي ، ص ٦٥ و ٧٢.


أولاً.

فقال الاعرابي : لقد سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وقد عملت كما أوصى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ويمكن أن يكون إشارة الى كلام الله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) (١).

(مَنْ آتاكُمْ فَقَدْ نَجَى وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ فَقَدْ هَلَكَ)

أي أنّ طريق النّجاة منحصر فيكم (٢) ، ولا باب رحمة سوى باب رحمتكم ، لان الرّحمة من الله وأنتم أبواب رحمته.

(إلى اللهِ تَدْعُونَ وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ)

تدعون الناس الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتدلّونهم الى المعارف الحقّة والبراهين النورانية.

(وَبِهِ تُؤمِنُونَ)

تؤمنون بالله تعالى إيماناً حقيقاً خالياً من شوائب الشّرك الجلي والخفي ، ولا تعبدون غيره في كل الحالات والازمان قولاً وعملاً ، وقلباً ولساناً.

(وَلَهُ تُسْلِّمُونَ)

تسلمون أموركم إليه لا لغيره ، وفي الاعمال تفوضون إليه.

__________________

(١) البقرة : ١٨٩.

(٢) وقد روى العلّامة ابن قتيبة الدينوري في كتابيه : عيون الأخبار : ج ١ ، ص ٢١١ ط مصر دار الكتب ، والمعارف : ص ٨٦ ، ط مصر ، عن حنش بن المغيرة : جئت وأبو ذر آخذ بحلقة الكعبة ، وهو يقول : أنا أبو ذر من لم يعرفني فأنا جندب صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمعت رسول الله يقول : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا».


(وَبِأمْرِهِ تَعْمَلُونَ)

لا بارادتكم بل لا أمر إلّا أمره ولا إرادة إلّا إرادته تعالى.

(وَإلى سَبِيلِهِ تَرْشُدُونَ)

ترشدون الخلق الى سبيله القويم وصراطه المستقيم كما الارشاد والهداية.

(وَبِقَولِهِ تَحْكُمُونَ)

تحكمون بقول الله سبحانه لا بآراءكم وبالاستحسانات والقياسات التي تمسك بها العامّة وأئمّتهم ، بل تحكمون عن طريق الالهام أو قول الملك والنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير القرآن الكريم وبيان الاحكام الشّرعية في مقام القضاء والحكم وتبيّنونه وفقاً لما جاءكم.

(سَعُدَ وَاللهِ مِنْ وَالاكُمْ)

اي أحبّكم وتمسك بكم ، سعد في الدّارين ، في الدنيا بواسطة علومكم ومعارفكم وفي الاخرة بالمقام المحمود وشفاعتكم.

(وَهَلَكَ مَنْ عَدَاكُمْ)

أي من نصب لكم العداوة بسبب خلوده في نار جهنم وبعيداً عن النعم الالهية في نشأة الآخرة.

(وَخَابَ مَنْ جَحَدَكُم)

أي خسر وهلك من أنكر مقامكم الرّفيع ولم يؤمن بإمامتكم (١).

__________________

(١) إذا امعن الانسان الخبير في صفحات التأريخ الاسلامي امعاناً جيداً وجرد نفسه عن التعصب المذهبي لوقف على


(وَضَلَّ مَنْ فَارَقَكُمْ)

وترك متابعتكم والتمسك بحبل ولايتكم ، في هذه ال فقرة المباركة من الزّيارة اشارة الى حديث النّبوي الشّريف قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم الثّقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض» (١).

(وَفَازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ)

يفوز بخير الدّنيا والآخرة من تمسك بكم وتربى في مدرستكم (٢).

(وَأمِنَ مَنْ لَجأ إلَيكُمْ)

أي من التجأ إليكم وجد نفسه في أمن وأمان ، سواءً كان ذلك في الدّنيا أو في الاخرة ، أمّا في الدنيا من التجيء في حياته الى قبورهم الشّريفة تخلّص من كثير من

__________________

علّة جحد الجاحد لامامتهم وولايتهم عليهم‌السلام واليك هذا المثال : ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ١ ، ص ٣٥٩ ، عن أبي جعفر الإسكافي ورواية الأعمش : أنّه لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء مسجد الكوفة. فلمّا رأى كثرة من إستقبله من الناس جثا على ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مراراً ، وقال : يا أهل العراق ، أتزعمون أنّي أكذب على الله وعلى رسوله ، وأحرق نفسي بالنّار؟ والله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّ لكلّ نبيّ حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير الى ثور ، فمن أحدث فيها حدثاً ، فعليه لعنه الله والملائكة والناس وأجمعين ، وأشهد بالله أنّ عليّاً أحدث فيها ، فلمّا بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولّا إمارة المدينة.

علق صاحب المقتطفات العلّامة ابن رويش على هذا الكلام في ج ١ ، ص ٣٧٣ ، قائلاً : فيالها من رواية! لقد أعطت المعتبر اللبيب درساً لمعرفة المبدأ الذي كان عليه أبو هريرة ، ... الى أن قال : ولعلّ من له أدنى إلمام بالتاريخ لا يخفى عليه شخصيّته ونفسانيّته أن الوقيعة في العترة النّبوة الطّاهرة أحبّ مأدبه اليه ، وأشهى طعام له ، كما أخبرنا عن ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج : ج ١ ، ص ٣٧٠ ، وغيره من علماء التاريخ.

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ٣ ، ص ١٧ و ٢٦ ، المناقب : للخوارزمي الحنفي : ص ٢٢٣ : ذخائر العقبى : ص ١٦ ، محمّد وعلي وحديث الثقلين للعسكري : ص ١ ـ ١٢٧ ، ينابيع المودة : ص ٤١ ، الغدير للأميني رحمه الله : ج ١ ، ص ٢٤ ، كنز العمال : ج ١ ، ص ١٦٨ ، ح ٩٥٨.

(٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وأهل بيتي شجرة في الجنّة ، وأغصانها في الدّنيا ، فمن تمسّك بنا اتّخذ الى ربّه سبيلاً» ذخائر العقبى : ص ١٦.


الشّدائد والمحن وتفتح له أبواب الفيوضات الالهية والسعادة ، وأمّا في الممات من شملته السّعادة أن يدفن الى جوارهم وفي تربتهم كان في مأمن من عذاب القبر ومحاسبة نكير ومنكر ، كما وردت هذه الخواص في تربة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في النّجف الاشرف ، فورد هذا المعنى في الرّوايات الصّحيحة عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ، وكما ورد :

«إنّ لله حرماً وهو مكّة وإنّ للرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرماً وهو المدينة وان لأمير المؤمنين عليه‌السلام حرماً وهو الكوفة وان لنا حرماً وهو بلدة قم وستدفن فيها إمرأة من أولادي تسمى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنّة» (١).

ومأثور عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «أن أهل قم مغفور لهم» (٢).

وكذلك وردت أخبار كثيرة عن حضور الأئمَّة عليهم‌السلام عند المحتضرين تدل على التجاء الموتى إليهم ، وقولهم لملك الموت إرفق به إنّه من شيعتنا (٣).

وأمّا في الآخرة ، فالناس يلجؤون إليهم ليفوزوا بالشفاعة كما تقدم ان شفاعة للعصاة والمذنبين في المحشر بعهدتهم ، فالناس من هول وفزع يوم الحشر يلتجئون إليهم فيأمنون تحت ظل عنايتهم وتوجهاتهم الخاصة من المهالك والمخاوف.

(وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقُكُمْ)

سلم من الهلاك والعذاب من صدقكم في أمر الامامة وولاية (٤) وغيرها من

__________________

(١) سفينة البحار : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٤٦.

(٢) سفينة البحار : للمحدّث القمي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٤٦.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ١٦٢ ، تفسير فرات ابن ابراهيم : ص ٢١٠.

(٤) فإن لم يكن سلماً كان من الذين قال الله تعالى في حقهم : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) ـ الاية الكريمة في سورة الصّافات : ٢٤ ـ فيسألون عن ولاية علي وأهل البيت عليهم‌السلام ، كما رواه الواحدي في تفسيره أسباب النزول ، وابن الجوزي في تذكرته : ص ١٠ ، وقال المجاهد : وقفوهم إنهم مسؤولون أي عن حبّ علي عليه‌السلام وعدّه ابن حجر في الآيات


خصائصكم ومعاجزكم.

(وَهُدَي مَنْ اعْتَصَمَ بِكُم)

هدى الى طريق النجاة من إعتصم بكم كما قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا) (١).

ويراد من حبل الله المتين هم الائمّة الهداة عليهم‌السلام كما ورد ذلك في الاخبار (٢).

(مَنْ إتَّبَعَكُم فَالجَنَّةُ مَأوَاهُ وَمَنْ خَالَفَكُمْ فَالنَّارُ مَثْوَاهُ)

من آمن بإمامتكم فله الجنّة ، ومن خالف إمامتكم فالنّار مثواه (٣).

(وَمَن جَحَدَكُم كَافِرٌ)

أي من أنكر إمامتكم وجحد بها فهو خارج عن الدّين وهو في زمرة الكفرة ،

__________________

النازلة في أهل البيت عليهم‌السلام ، راجع الصواعق : ص ٨٩ ، ومناقب آل أبي طالب : ج ٢ ، ص ٤ ، وتفسير روح المعاني : ج ٢٣ ، ص ٨٠ وغيرهم.

(١) آل عمران : ١٠٣.

(٢) راجع تفسير الميزان : للعلّامة الطّباطبائي ، ج ٣ ، ص ٣٧٨ ، عن تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٩٤ ، عن الامام الباقر عليه‌السلام : «آل محمّد هم حبل الله الذي أمر الله بالاعتصام به» فقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٨٥.

(٣) ورد عن جميل بن الدّراج عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «في الجنّة ثلاث درجات ، وفي النّار ثلاث دركات ، فأعلى درجات الجنّة لمن أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه ويده ، وفي الدّرجة الثّانية من أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه ، وفي الدّرجة الثالثة من أحبّنا بقلبه.

وفي أسفل الدّرك من النّار من أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده ، وفي الدّرك الثّانية من أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ، وفي الدّرك الثّالثة من النّار من أبغضنا بقلبه» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٩٣ ، عن المحاسن ، ص ١٥٣.

وورد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو أنّ عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف عام وألف عام ، حتى يكون كالشن البالي ولقي الله مبغضاً لآل محمّد ، أكبّه الله على منخريه في نار جهنّم» رواه الخطيب البغدادي في تأريخ بغداد : ج ٣ ، ص ١٢٢ ط ـ السعادة بمصر ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ص ١٧٨ ، الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٧١ ، والطبري في ذخائر العقبى : ص ١٨ ، والقندوزي في ينابيع المودة : ص ٩٢. وغيرهم.


فلا يحقّ له أن يدعي الايمان والاسلام ، بل نفهم من بعض الرّوايات أن الجاحد للائمّة وأمامتهم أسوء من الجاحد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانكار نبوّته.

عن ضريس قال : تمارى النّاس عند أبي جعفر الإمام الباقر عليه‌السلام فقال بعضهم : حرب عليّ عليه‌السلام شرّ (١) من حرب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسل. فسمعهم الإمام الباقر عليه‌السلام فقال : ما تقولون؟

فقالوا : أصلحك الله تمادينا في حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي حرب عليّ عليه‌السلام فقال بعضنا : حرب عليّ عليه‌السلام شرّ من حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال بعضنا ، حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرّ من حرب عليّ عليه‌السلام.

فقال الإمام عليه‌السلام : «لا بل حرب علي عليه‌السلام شرّ من حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

فقلت له : جعلت فداك أحرب عليّ شرّ من حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قال الإمام عليه‌السلام : «نعم وسأخبرك عن ذلك ، إنّ حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقروا بالاسلام وإنّ حرب علي عليه‌السلام أقروا بالاسلام ثمّ جحدوه» (٢).

يقول المؤلف : الجحود في اللغة يقال للانكار المرافق للعلم ، بمعنى أن يعرف الإنسان شيئاً حق المعرفة ويجحده وينكره ، فهذه الفقرة الشّريفة ظاهرة في الذين يخالفون ويجحدون الائمّة الهداة عليهم‌السلام ، وأمّا مع معرفتهم الكاملة بأحقّيتهم فإنّهم حينئذ يكونوا كفاراً.

وهنكا روايات جمّة في هذا الباب تدل على كفر من خالفهم فجمعها يحتاج الى كتاب مفردٍ والجمع بينها وبين ما علم من أقوالهم عليهم‌السلام من عاشرتهم ومواكلتهم ومجالستهم ومخالطتهم يقتضي الحكم بكفرهم وخلودهم في النار في الآخرة وجريان حكم الإسلام عليهم في الدّنيا رأفة ورحمةً بالطائفة المحقّة لعدم امكان

__________________

(١) أي محاربوه عليه‌السلام.

(٢) روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٢٥٢.


الاجتناب عنهم.

وأيضاً تشير هذه الفقرة الى حال المستضعفين واستثنائهم عن هذا الحكم ، حيث ابتعدوا عنهم وأنكروا إمامتهم دون أن ينصبوا لهم العداوة أو تكون عداوتهم ناشئة عن اللجاجة والعناد. فإنّ أمرهم الى الله عزّ وجلّ إن شاء عذبهم وان شاء عفا عنهم كما هو مأثور عن ائمّة الهدى (١).

(وَمَنْ حَارَبَكُم مُشْرِكٌ)

مشرك بالله تعالى ، وقد قال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي حربك حربي» (٢) ومن حاربه فقد حارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن حاربه فقد حارب الله تعالى ، ويجري لأخرهم ما يجري لأولهم (٣). لانّهم نور واحد وهم مشتركون في مقام الامامة والطاعة.

(وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُم)

أي ردّ شيئاً من أقوالكم وأخباركم وأفعالكم (٤).

__________________

(١) معاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٢٠٠ ، باب «المستضعف» تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٥٣٧.

(٢) المناقب : للخوارزمي ، ص ٧٦ ، وورد بهذا المعنى أحاديث مستفيضة من العامّة والخاصّة وفي بعضها قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطباً لاهل البيت عليهم‌السلام : «إنّي حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم» رواه جماعة من أعلام القوم عن أبي هريرة.

(٣) السّرائر : ص ٤٧١ ، وعنه في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ١٤٩.

(٤) كما ردّ القوم كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسألة الغدير وكلام فاطمة عليها‌السلام في مسألة فدك وشهادة علي عليه‌السلام عِدْلَ القرآن والحسن والحسين سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيدي شباب أهل الجنّة وشهادة اُمّ أيمن التي شهد لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّها امرأة من أهل الجنّة ، عندما شهدوا بأنّ فدك لفاطمة عليها‌السلام لم ترث ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل كان ملكها في أيّام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله وهبها إياها عليها‌السلام في حياته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ورد عن أبي سعيد قال : لم نزلت : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وأعطاها فدك. الدّر المنثور : ج ٢ ، ص ١٣٠ ، إذن غصبوا ملكها وما وهبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليها.


(فِي أسْفَل دَرَكٍ مِنَ الجَحِيْم)

فهو في أسوء مكان من نار جهنم ، ولأن جهنم سبع طبقات ، والطّبقة السّابعة مقعد من رد على أهل بيت العصمة عليهم‌السلام ورد في حديث عن الإمام جعفر الصّادق عليه‌السلام : فيه ذكر مقاعد العلماء في الدّرك الاسفل من الجحيم ـ قال :

١ ـ إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه ، فهو في الدّرك الاوّل من النّار.

٢ ـ ومن العلماء من إذا وُعظ أنف ، وَعّظ عنّف فذاك في الدّرك الثّاني من النّار.

٣ ـ ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة ولا يرى له في المساكين ، فذاك في الدّرك الثّالث من النّار.

٤ ـ ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن ردّ عليه شيء من قوله أو قصّر في شيء من أمره غضب ، فذاك في الدّرك الرّابع من النّار.

٥ ـ ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ويكثر به حديثه ، فذاك في الدّرك الخامس من النّار.

٦ ـ ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ولعله لا يصيب حرفاً

__________________

وقال ابن رويش في المقتطفات : ج ١ ، ص ٣٢١ :

وإن قيل : لِمَ كان ابن عباس وأبو سعيد وغيرهما من الصحابة لم يشهدوا أو تقاعدوا عن الشهادة؟

يقال : لأنّهم علموا وعرفوا ورأوا بأعينهم أنّ شهادة هؤلاء قد ردّت ورفضت ، فأي شهادة يا ترى تقبل ولا ترد بعد ما ردّ القوم شهادتهم.

أقول : علاوة على ذلك الظّروف السّياسية التي لعبت دوراً مهماً في قمع الصّحابة المخلصين لآل الرسول وابعادهم عن الميادين السياسية ، ومع ذلك لو فرضنا أن فدك كان إرث من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن أين قالوا أن الزّهراء عليها‌السلام لا ترث ، وقد ردّت الزهراء عليها‌السلام هذا الادعاء بنفسها وقالت لابي بكر : «يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً».

فلذلك هجرت فاطمة عليها‌السلام أبا بكر بعدما احتجت عليه بحجج دامغة ، راجع شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد ، ج ٣ ، ص ٧٨ ، وكتاب بلاغات النساء : ص ٢٤ ، وغيرهما من مؤرخي الأمّة الذين جاءوا بذكر أخبار السقيفة وفدك


واحداً والله لا يحب المتكلفين ، فذاك في الدّرك السّادس من النّار.

٧ ـ ومن العلماء من يتخذ علمه مروة وعقلاً فذاك في الدّرك السّابع من النّار (١).

يقول العلّامة المجلسي رحمه الله في معنى هذه الجملة : أي يطلب العلم ويبذله ليعدّه الناس من أهل المروءة والعقل».

(أشْهَدُ أنَّ هَذَا سَابِقٌ لَكُم فِيْمَا مَضَى)

يعني وجوب متابعتكم أو كل واحد من المذكروات ، وسار وجار لكم فيمن مضى وتقدم منكم ، يعني هذا الفرض والطّاعة ووجوب المتابعة وسائر الفضائل المذكورة على للأئمَّة كان جارياً لكم.

(وَجَارٌ لَكُمْ فِيمَا بَقِي)

اي جار لكم فيمن بقي منكم ، وهو مولانا الإمام صاحب الزّمان «عجل الله تعالى فرجه الشريف» ويستعمل لفظ «ما» في اولي العقول كثيراً ، واذا استعمل «ما» هنا في اولي العقول يكون المعنى ، إن هذه المعاني كانت ثابتة في حقكم وجارية فيكم فيما مضى من الأزمنة السّالفة أو الكتب المتقدمة وجارٍ لكم فيما بقي منها ، كما يستفاد ذلك من الاحاديث الكثيرة.

(وأشْهَدُ أنّ أرْوَاحَكُمْ ونُورَكُمْ وطِينَتِكُمْ واحِدَةٌ)

فان أرواحهم مخلوفة من أعلا عليين وأبدانهم من عليين وعلومهم وكمالاتهم واحدة لانّها مأخوذة من الوحي وعالم الغيب ، روى مرازم عن الامام

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣١٠ ، عن الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٥٢.


الصّادق عليه‌السلام قال :

قال الله تعالى : «يا محمّد إنّي خلقتك وعليّاً نوراً ـ يعني روحاً ـ بلا بدن قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي وبحري ، فلم تزل تهلّلني وتمجّدني ، ثمّ جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة ، فكانت تمجّدني وتقدّسني وتهلّلني ، ثمّ قسّمتها ثنتين ، وقسّمت الثّنتين ثنتين ، فصارت أربعة : محمّد واحد ، وعلي واحد ، والحسن والحسين ثنتان ، ثمّ خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحاً بلا بدن ، ثمّ مسحنا بيمينه (١) فأفضى نوره فينا» (٢).

توضيح ذلك : أن المراد من «بعد» في هذا الحديث ليس معنى التراخي في الزمان ، بل تراخي في الرّتبة ، ومراد من «امتداد النور» اتساع النّور.

عن أبي يحيى الواسطي عن بعض الاصحاب عن الإمام الصّادق عليه‌السلام : «خلقنا من عليّين ، وخلق أرواحنا من فوق ذلك ، وخلق أرواح شيعتنا من عليين ، وخلق أجسادهم من دون ذلك ، فمن أجل تلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم نحن إلينا» (٣).

وقال المرحوم الفيض الكاشاني رحمه الله في ذيل هذا الحديث : «لعل المراد من علّيين هو عالم الملكوت ، والمراد بما فوقه هو عالم الجبروت ، والمراد من دون ذلك هو عالم المادة والشّهادة ، والمراد من التّعليل بكلمة (من أجل ...) أن أصل أجساد الأئمّة الاطهار عليهم‌السلام وأرواح شيعتهم واحد ، يعني من علّيين والميل والحنان إليهم يعود الى هذه الجهة» (٤).

__________________

(١) مسح الله باليمين كناية عن جعلهم ذا اليُمن والبركة.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨ و ١٩ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٤٠.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ١٢ ، عن بصائر الدرجات : ص ٧٠ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٨٩.

(٤) فراجع للوافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٣ ، ص باب الطّينة.


(طابَتْ طَهُرَتْ)

أي تلك الارواح ، طهرت تلك الأبدان.

(بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ)

يعن أنّهم عليهم‌السلام من طينة واحدة مخلوقة من نور عظمته تعالى كما قال الله تعالى ذكره (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ) (١).

وروي في التّفاسير يراد من هذه الآية آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

(خَلَقَكُمْ اللهُ أنْوارَاً فَجَعَلَكُمْ بِعَرشِهِ مُحْدِقيْنَ)

والمراد بالعرش إمّا الملك وعلم الله عزّ وجلّ حيث أنّهم عليهم‌السلام مستفيضون أو وهم مستنهوضون من علمه تعالى وقدرته ، أو المراد به الجسم المحيط بالسّموات والارض ، فانّ الله إمتحن ملائكته بحمله وجعله وسيلة الى تعبدهم كما جعل بيته في الارض وسيلة عبادة العباد وابتلائهم ، وكان الائمَّة الاطهار عليهم‌السلام أشباحاً أو أجساداً مثالية يطوفون بعرشه أو هم الآن كذلك.

وقد وردت اخبار كثيرة أن الله تعالى خلق أنوارهم وهم بعرشه محدقون وطائفون (٣).

__________________

(١) آل عمران : ٣٤.

(٢) راجع تفسير الثّقلين : ج ١ ، ص ٣٢٨ ، في تفسير هذه الآية ، وتفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٦٨.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٨٧ و ٨٨ ، باب ٣٢ ، تفسير القمي : ص ٥٦٠ و ٥٦١ ، وكنز الفوائد : للشّيخ محمّد بن علي الكراجكي ، ص ٢٦١.

ما رواه جماعة من الحفاظ ، عن أبي موسى الاشعري ، قال سمعت النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين في قبّة تحت العرش» الحموني في فرائد السمطين : ج ١ ، ص ٤٩ ، وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان : ج ٢ ، ص ٩٤ ، الهيثمي في مجمع الزوائد : ج ٩ ، ص ١٧٤ ، وغيرهم ، وقريب منه عن عمر بن الخطاب ، انظر الى احقاق الحق : ج ٩ ، ص ١٩٦.


(حتّى مَنَّ عَلَينا بِكُمْ)

بأن جعلكم أئمّتنا وسادتنا وقادتنا في الدّنيا والاخرة.

(فَجَعَلَكُمْ فِي بِيُوتٍ أذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيْها إسْمُهُ)

والمراد بالبيوت التي (أَذِنَ اللَّـهُ أَن تُرْفَعَ) إمّا البيوت المعنوية التي هي بيوت العلم والحكمة والمراد من الذّكر حينئذٍ هو استفاضتهم عليهم‌السلام من تلك الانوار ، أي أنوار العلم والحكمة أو البيوت الصورية التي هي بيوت الانبياء عليهم‌السلام وبيوت النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بيوت الائمّة الهداة عليهم‌السلام في حياتهم ومشاهدهم بعد مماتهم.

والمراد من الذّكر استفاضة هذه الانوار منهم يعني أنوار العلم والحكمة وسائر الكمالات.

ورد في حديث أنّه عندما قرأ الرّسول الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية فقام إليه رجل فقال : أي بيوت هذه يا رسول الله؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بيوت الانبياء.

فقال أبو بكر : يا رسول الله هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما‌السلام.

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم أفضلها (١).

الفضيلة التي تجري لأوّلهم تجري لآخرهم (٢).

(وَجَعَل صَلَوَاتُنَا عَلَيْكُم وَمَا خَصَّنَا بِهِ مِن وِلايَتِكُم طَيِّبَاً لِخَلْقِنَا)

إشارة الى ما استفاض في الرّوايات من أنّ ولايتهم وحبّهم عليهم‌السلام علّامة على

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٢٥ ، عن كنز جامع الفوائد : للشّيخ محمّد بن علي الكراجكي ، ص ١٨٥.

(٢) اُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، باب «أنّه جرى لهم من الفضل والطّاعة مثل ما جرى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّهم في الفضل سواء».


طيب الولادة (١) ، وعداوتهم عليهم‌السلام علامة على خبث الولادة.

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : «إنّما يحبّنا من العرب والعجم أهل البيوتات وذو الشّرف وكلّ مولود صحيح ، وإنّما يبغضنا من هؤلاء وهؤلاء كلّ مدنس مطرد» (٢).

وورد في رواية علوية عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام عن أبيه الامام الباقر عليه‌السلام قال : جاء رجل إلى عليّ عليه‌السلام فقال : جعلني الله فداك إنّي لاحبّكم أهل البيت ، قال : وكان فيه لين ، قال : فأثني عليه عدّه.

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «كذبت ما يحبّنا مخنث ولا ديّوث ولا ولد زنا ولا من حملت به أمّه في حيضها».

قال الإمام الباقر عليه‌السلام : فذهب الرّجل فلمّا كان يوم صفين قتل مع معاوية (٣).

(وَطَهَارَةً لأنْفُسِنَا)

لان نفوسنا وأرواحنا بولايتهم ومحبّتهم عليهم‌السلام تبتعد عن الرذائل وتتحلى بالفضائل والكمالات المعنوية.

__________________

(١) وورد عن الامام الباقر عليه‌السلام قال : من أصبح يجد برد حبّنا على قلبه فليحمد الله على بادي النّعم ، قيل : وما بادي النعم ، قال عليه‌السلام :

طيب المولد. علل الشّرايع : ج ١ ، ص ١٤١.

ودرّه من قال :

حبّ النبي محمّد ووصيّه

ينبيك عن أصلي وطيب المولد

من طاب مولده وصحّ ولاده

صحّت ولايته لآل محمّد

وكذلك ورد عن أبي الزّبير المكي قال : رأيت جابراً ـ يعني جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله ـ متوكياً على عصاه وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم وهو يقول : «عليٌّ خير البشر فمن أبى فقد كفر يا معشر الأنصار أدبوا أولادكم على حبّ علي فمن أبى فنظروا في شأن اُمّه». علل الشّرايع : ج ١ ، ص ١٤٢.

(٢) السّرائر : ص ٤٧١ ، وعنه في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ١٤٩.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ١٤٨ ، عن قرب الاسناد : ص ٢٦ ، ح ٨٥.


(وَتِزْكِيَةً لَنَا)

بابتعادها عن الاعتقادات الفاسدة والمذاهب الباطلة والكاسدة.

(وَكُفَّارَةً لِذُنُوبِنَا)

كفارة للكبائر والصغائر من الذنوب ، ومن الاحاديث المعروفة المسلمة حديث الوارد عن معاذ عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«حبُّ عليّ حسنة لا يضرّ معها سيئة وبغض عليّ سيئة لا تنفع معها حسنة» (١).

وما أجمل ما أشار الشاعر الى حبّه صلوات الله عليه.

عَليٌّ حُبُّهُ جُنَّةٌ

قَسِيمُ النَّارِ وَالجَنَّةِ

وَصِيُّ المُصْطَفَى حَقّاً

إمامُ الإنْسِ وَالجَنَّةِ

وقال أبو الحسن بن جبير :

اُحبُّ النّبي المُصطفى وابن عمّهِ

عليّاً وسِبطيهِ وفاطمة الزّهراء

هُم أهل بيتٍ اُذهب الرّجس عنهم

وطلعهم اُفق الهدى أنجماً زهرا

موالاتهم فرض على كلِّ مُسلم

وحُبُّهم أسنى الذّخائر للاُخرى

وما أنا للصحب الكرام بمبغضٍ

فإنّي أرى البغضاء في حقّهم كفراً (٢)

(فَكُنّا عِنْدَهُ مُسْلِمِين بِفَضْلِكُم)

أي كُنّا في علمه تعالى مسلمين بالتسليم الحقيقي بفضلكم على العالمين ، وفي بعض النسخ ورد «مسمّين» بدلاً عن «مسلّمين» وهو الأظهر والاولى يعني نحن

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٩ ، ص ٣٠٤.

(٢) المقطفات : ج ٢ ، ص ٤٧٣ ، عن نور الابصار : ص ١٣ ، الغدير : للعلّامة الاميني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣١١.


كتب الله تعالى أسماءنا في اللوح المحفوظ في زمرة شيعتكم والمقرّين بولايتكم ، ففي هذه الصورة تشير الفقرة الشّريفة الى رواية وردت عنهم عليهم‌السلام :

«أنّ عندهم كتاباً فيه أسماء شيعتهم واسماء آبائهم وبلدانهم» (١).

عن عبد الله بن عامر بن سعد بن عبد الرحمن بن أبي نجران قال : كتب أبو الحسن الرضا عليه‌السلام وأقرأنيه رسالة الى بعض اصحابه :

«إنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وبحقيقة النفاق ، وان شيعتنا مكتوبون بأسمائهم واسماء آبائهم ...» (٢).

(وَمَعْرُوفِيْنَ بِتَصْدِيْقَنَا إيَّاكُم)

تصديقنا لامامتكم وفضليتكم (٣) وفرض طاعتكم في السموات وكتب الانبياء عليهم‌السلام وبين النّاس حتى عرفنا بالرّافضة (٤) ، أو معروفين عند الاُمم الماضية بذلك ، أو في كتبهم فإنّها نزلت من السّماء بوصف محبّيهم ووصف أعدائهم ، والمعروفين عند أهل السماء من الملائكة المستغفرين لشيعتهم ومحبّيهم ولا يحصي عدد استغفارهم إلّا الله سبحانه وتعالى.

دخل سماعة بن مهران على الصّادق عليه‌السلام فقال له : يا سماعة من شر الناس؟

__________________

(١) اُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١١٧ الى ١٣٢ ، بصائر الدرجات : ص ٥٢.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١١٨ ـ ١٢٣ ، عيون اخبار الرضا : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٣٤٣ ، وبصائر الدرجات : ص ٤٧.

(٣) أيها الموالي هذه فضيلة لنا في الواقع يجب أن نشكر الله تعالى عليها ونتحدث بها ، ولا نخاف في ذلك لومة لائم ولا أراجيف المتهورين الذين انسلخوا عن الحقّ ودخلوا في مداخل أعدائهم ، إمّا طلباً للشهرة أو حبّاً للدنيا أو الرئاسة ، وإرضاءً للاخرين ، فإنّ لأئمّتنا علينا حقّاً لا تحصى ولا تعدُّ.

إنّ كان حبّي خمسة

زكت به فرائضي

وبغض من عاداهم

رفضا فإنّي رافضي

ينابيع المودة : ص ٤ ط ، اسلامبول نقلاً عن الثّعلبي في تفسيره عقيب ذكر حديث الخمسة أهل الكساء.


قال سماعة : نحن يا بن رسول الهل.

قال فغضب يعني ـ الامام ـ حتى احمرت وجنتاه ، ثمّ استوى جالساً وكان متكئاً فقال : يا سماعة من شرّ الناس عند الناس.

فقلت : والله ما كذبتك يا بن رسول الله ، نحن أشرّ الناس عند الناس لأنّهم يسمونا كفاراً ورافضة ، فنظر الي ثم قال عليه‌السلام :

«كيف إذا سيق بكم الى الجنّة ، وسيق بهم الى النّار ، فينظرون إليكم فيقولون : (مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ) (١).

يا سماعة بن مهران ، أنّه من أساء منكم إساءةً ، مشينا الى الله يوم القيامة بأقدامنا فنشفع فيه ، فنشفّع ، والله لا يدخل النّار منكم عشرة رجال ، والله لا يدخل النار منكم خمسة رجال ، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال ، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد ، فتنافسوا في الدّرجات ، والكمدوا عدوكم بالرّوع» (٢).

واعلم أن جملة «وجعل ... صلواتنا عليكم» الى آخر الفقرة الشريفة يحتمل أن تكون خبرية وأن تكون إنشائية دُعائية وأيما كانت فهي معطوفة على إذان ، وعطف الجمل الانشائية على الخبرية جائز سيما اذا كان بصورتها كما في قوله تعالى : (حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (٣).

(فَبَلَغَ اللهُ بِكُم أشْرَفَ مَحلِّ المُكرَّمِينُ)

«فبلغ» جملة دعائية ، وهي أنّ الله يوصلكم الى أفضل مراتب الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام ، وأعلى منازلهم ودرجاتهم وهي درجات نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيلزم منه

__________________

(١) ص : ٦٢.

(٢) تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٤٦٨ ، عن الامالي : للشّيخ الطوسي رحمه الله.

(٣) آل عمران : ١٧٣.


أفضليتهم على الانبياء ، كما فسّروا الآية الشّريفة : (وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ...) بأنه لا تزال الشيعة قديماً وحديثاً يستدلون بها على أفضلية الامام علي عليه‌السلام على جميع الانبياء لانّه نفس النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

(وَأعْلا مَنَازلِ المُقَرَّبِيْنَ)

وأعلى مراتبهم عند الله عزّ وجلّ.

(وَأرْفَعَ دَرَجَاتِ المُرْسَلِينَ)

وهي درجات نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيلزم من هذه الجملة أفضليتهم عليهم‌السلام على الانبياء عليهم‌السلام كما يدل عليه قوله تعالى : (وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ) (٢).

وأنّ علي عليه‌السلام بمنزلة نفس النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تقدم تفسير هذه الآية آنفاً.

نقل الشيخ الجليل الصّدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رسول الله قال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي».

قال علي عليه‌السلام : فقلت : يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرائيل؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضلني على جميع النّبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمّة من بعدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا ...» (٣).

__________________

(١) انظر الى المناظرة التي جرت بين حجاج بن يوسف الثقفي السفّاك مع إمرأة شجاعة إسمها «حرّة» من أحفاد حليمة السعدية مرضعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ١٣٦ ، وفضائل ابن شاذان : ص ١٢٢.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٣٣٥ ، اكمال الدين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ١٤٧ ، عيون اخبار الرّضا : ص ١٤٤ ، علل الشرائع : ص ٥.


ونفهم من بعض الاحاديث الواردة أفضلية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام على انبياء اولو العزم.

وورد عن عبد الله بن وليد السّمان قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : أي شيء تقول الشّيعة في موسى وعيسى وأمير المؤمنين عليه‌السلام.

قلت : يزعمون أن موسى وعيسى أفضل من أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قال الإمام عليه‌السلام : «أيزعمون أن أمير المؤمنين علم ما علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قلت : نعم ولكن لا يقدمون على اولي العزم من الرسل أحداً.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فخاصهم بكتاب الله».

قلت : في أي موضوع منه.

قال عليه‌السلام : قال الله تعالى لموسى : (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ) (١).

وقال الله لعيسى : (لِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) (٢).

وقال تبارك وتعالى لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) (٣). وقال (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (٤) (٥).

وورد في حديث نبوي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من أراد أن ينظر الى آدم في علمه والى نوح في عبادته والى إبراهيم في خلّته والى موسى في هيبته والى عيسى في زهده والى يحيى في ورعه فلينظر الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فإنّ فيه سبعين خصلة من خصال

__________________

(١) الاعراف : ١٤٥.

(٢) الزخرف : ٦٣.

(٣) النساء : ٤١.

(٤) النحل : ٨٩.

(٥) كامل الزيارات : ص ، ومثله في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ١٩٤ ـ ١٩٨ ، عن بصائر الدّرجات : ص ٦٣ ، والخرائج والجرائح : ص ٢٤٨.


الانبياء» (١).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام قال :

«إن الله خلق اولي العزم من الرّسل وفضلهم بالعلم وأورثنا علمهم وفضلنا عليهم في علمهم وعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يعلموا وعلمنا علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلمهم» (٢).

وغير ذلك من الاخبار ، والفقرات الآتية مسوقة لذلك وهي قوله :.

لا يلحقه حسن فكلّها دونكم مقاماً ومرتبةً ، ولا يفوقه متفوّق بين النّاس بأنبياء اُولي العزم عليهم‌السلام الذين تفوّقوا على سائر الانبياء واستثناء النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام وأفضليتهما صلوات الله عليهما على سائر الائمّة عليهم‌السلام وكذلك على سائر انبياء اولي العزم مستثنيان بالادلة المستفيضة من الآيات والاخبار التي تدل على أشرفية خاتم الانبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جميع الموجودات وافضلية الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام بعده على جميع الانبياء حتى اولي العزم عليه‌السلام وسائر الائمّة الهداة عليهم‌السلام أجمعين ، فهذا المختصر لا يسمح لنا أن نخوض أكثر من هذا في هذا الموضوع.

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٩ ، ص ٣٥ ، باب ٧٣ ، «أنّ فيه خصال الانبياء ...». وأخرجه بهذا المعنى الامام أحمد كما في الغدير : ج ٣ ، ص ٣٥٥ ، والخوارزمي في المناقب : ص ٤٩ ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ٢٣٦ ، والحافظ الكنجي الشافعي في كتابه كفاية الطالب : ص ٤٥ ، والطبري في كتابه الرياض النظرة : ج ٢ ، ص ٢١٨ ، والقاضي عضد الدين الأيجي الشافعي في كتابه المواقف : ج ٣ ، ص ٢٧٦ ، والتفتازاني الشافعي في كتابه شرح المقاصد : ج ٢ ، ص ٩٩ ، الصفوري في كتابه نزهة المجالس : ج ٢ ، ص ٢٤٠ ، وغيرهم.

والى ذلك أشار المفجع أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن عبد الله الكاتب النحوي المصري المشهور بأشعاره ومؤلفاته القيّمة ، المذكور اسمه في أعلام الأئمّة ، قائلاً ، كما في الغدير : ج ٣ ، ص ٣٥٣ :

أيّها اللأيمي بحبّي عليّاً

قم ذميماً إلى الجحيم خزيّا

أبخير الأنام عرضت لا زلت

مذوداً عن الهُدى مزوِيًا

أشبه الأنبياء كهلاً وزولاً

وفطيماً وراضعاً وغذيًا

كان في علمه كآدم إذ عُـ

ـلّم شرح الأسماء والمكنيّا

وكنوح نجا من الهلك من سـ

ـير في الفلك إذ علا الجوديّا

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٧ ، ص ١٤٥ ، بصائر الدرّجات : ص ٦٢.


(حَيثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ ولا يَفُوقُهُ فَائِقٌ وَلا يَسْبِقُهُ سَابِقٌ)

وذلك في فضيلة من الفضائل ، لأنّهم بلغوا أعلى مراتب القرب عند الله عزّ وجلّ ، فلا يدانيهم فيها لا نبي مرسل ولا ملك مقرّبٌ ، والاخبار مستفيضة بذلك.

(وَلا يَطْمَعُ فِي إدْرَاكِهِ طَامِعٌ)

أي لا يطمع طامع من الانبياء أو الاوصياء أو الملائكة عليهم‌السلام في الوصول الى ذلك المقام وادراك المقام الذي وصلتموه ، لأنّهم يعلمون أنّها موهبة خاصّة من الله تبارك وتعالى لكم ولا يمكن الوصول إليها بالسعي والاجتهاد واكتساب الفضائل ، فهاتان الفقرتان أيضاً استثنيا النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام بالادلة أيضاً.

(حَتَّى لا يَبْقَى)

أي حتى لا يبق أحد في عالم الارواح ولا في عالم الاجساد.

(مَلِكٌ مُقَرَبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا صَدِّيْقٌ وَلا شَهِيْدٌ وَلا عَالِمٌ وَلا جَاهِلٌ وَلا دَنيٌّ فَاضلٌ وَلا مُؤْمِنٌ صَالِحٌ وَلا فَاهِرٌ طَالِحٌ وَلا جَبَّارٌ عَنِيْدٌ وَلا شَيْطَانٌ مَريدٌ وَلا خَلَقٌ فِيْمَا بَيْنَ ذَلِكَ شَهِيْد)

والمراد من «الخلق الشّهيد» هم الإئمّة عليهم‌السلام (١).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٧٤ ، عن معاني الاخبار : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ١١٥ ، واصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٩٠.


(إلّا عَرَّفَهُم)

أي عرفكم (١) في الكتب الالهية والصّحف السّماوية ، أو على ألسنة الانبياء والمرسلين وبالنّسبة إليهم بالوحي والالهام.

(جَلالَةَ أمْرِكُم وَعِظَمَ خَطَرِكُم)

خطر الرّجل «بالتّحريك» ، قدرة ومنزلته ، أشارة الى جلالة قدر الائمّة الهداة عليهم‌السلام وعلو مقامهم.

(وَكِبَرَ شأنِكُم)

بكسر الكاف وفتح الباء الموحدة في أمركم وحالكم على حقيقة ما أنتم عليه في حقّكم ، ولم يشرككم في ذلك شيء من خلق الله عزّ وجلّ.

(وَتَمَامَ نُوْرِكُم وَصِدْقَ مَقَاعِدِكُم)

أي أنكم نور مخلوق من نور الله ، وأنكم في دعواكم هذه صادقون في هذه المرتبة وأنّها حقّكم ، ولعل هذه الفقرة المباركة تشير الى قوله تعالى : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (٢).

أو المراد من النّور حقائقهم وصفاتهم وأفعالهم وأعمالهم وكلّ ما لهم وإليهم ومنهم وعنهم وبهم ، وكلّ ذلك بطبيعة الحال تحتاج الى المدد الله عزّ وجلّ أبداً منه

__________________

(١) وأخرج القاضي عياض في كتابه الشفاء عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «معرفة آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم براءة من النّار ، وحبّ آل محمّد جوار على الصراط ، ولاية لآل محمّد أمان من العذاب» وذكره ابن حجر في كتابه الصواعق : ص ١٣٩ ، والشّبراوي في الإتحاف : ص ١٥ ، والحضرمي في كتابه رشفة الصادي : ص ٤٥٩.

(٢) القمر : الآية الاخيرة.


دائماً في زيادة وتمام النور (١).

(وَثَبَاتَ مَقَامِكُم وَشَرَفَ مَحَلِّكُم)

أي في مقام استقامتكم في أمر الله تعالى وطاعته ومعرفته ، لأنّ أوّل هذه المقامات وأشرفها مقام النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أعرف الخلق بالله تعالى.

(وَمَنْزِلَتَكُم عَنْدَهُ وَكَرَامَتَكُم عَلَيْهِ وَخَاصَّتَكُم لَدَيْهِ وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُم مِنْهُ)

أي المكانة ورتبة ، فإنّ الله تعالى عرّف كلّ خلقه علو ورفعة مقامهم ومنزلهم وبذلك نطقت الكتب السماوية وألسنة أنبياء السلف عليهم‌السلام مع جميع الموجودات بمقامكم الشامخ ودرجاتكم الراقية ، وكلّ ذلك لكرامتهم عليه ، لانّهم عنده ليس لهم مثل ولا نظير ، (وخاصّكم به) لانّه الله عزّ وجلّ قد استخلصهم له في القدم من بين سائر الامم ، وقرب منزلتكم منه حتى قال من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني.

(بِأبي أنْتُم وَأمّي وَأهْلِي وَمَالِي وَأُسْرَتِي)

أي أفديكم بنفسي وأبي وأمّي واولادي وثروتي وقبيلتي وجميع أقاربي ، الاُسرة بالضم يقال من الرّجل بالرّهط الأدنون الاقربون.

(أُشْهِدُ اللهَ تَعَالَى وَأُشْهِدُكُم أنِّي مُؤمِنٌ بِكُم)

أي مؤمن بامامتكم ووجوب طاعتكم وفضلكم ، ولمّا أراد مخاطبتهم

__________________

(١) كما ورد عنهم : قال الامام الصادق عليه‌السلام : «لو لا نزداد لأنفذنا» اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٥٤.


بالشهادة فداهم بأبيه واُمّه وأشهدهم كما هو المتعارف عند العرف ، وكما وردت في الاخبار الصحيحة أنّه قال : إنّي مؤمن بالأئمّة وليس لي شنان بالمخالفين أنّه ليس بمؤمن ، بل هو من أعدائنا فإنّ المحبّ من يحبّ أولياء المحبوب ويبغض أعداءه.

(وَبِمَا آمَنْتُم بِهِ)

أي بكلّ ما أمنتم به أنتم ولو بصورة مجملة دون أن يكون لي علمٌ تفصيلٌ بذلك.

(كَافِرٌ بِعَدُوِّكُم وَبِمَا كَفَرْتُم بِهِ)

وهذا بشكل مجمل أيضاً وإن لم أعرف تفصيله ، ففي هذه الفقرة الشريفة إشارة الى أن الايمان بهم عليهم‌السلام لا يتمُّ إلّا مع الكفر بعدوّهم والبراءة منهم (لعنهم الله) ولأنّ حبّ الأئمّة المعصومين عليهم‌السلام لا يجتمع مع حبّ أعدائهم ، فان المحبّ من يحبّ أولياء المحبوب ويبغض أعداءه وبهذا المعنى أشار الله تعالى في قرآنه المجيد :

(لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ...) (١).

وقال تعالى أيضاً :

(فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) (٢).

(مُسْتَبْصِرَاً بِشَأنِكُم وَبِضَلالَةِ مَن خَالَفَكُم)

أي أطلب البصيرة بمعرفة أمركم وحالكم ، وفي هذه الفقرة المباركة إشارة الى

__________________

(١) المجادلة : ٢٢.

(٢) البقرة : ٢٥٦.


الاعتراف بالعجز عن إدعاء البصيرة في معرفة مراتبهم العالية ، لأنَّ القوة البشرية لا تطيق الاحاطة بمعرفتها ومقاماتها الرّفيعة إذ هم أنوار الله جلّ جلاله ومظاهر صفاته ويمتنع الاحاطة بمعرفة كنه صفاته تعالى.

(مُوالٍ لَكُم وَلأولِيائِكُم مُبْغِضٌ لأعْدَائِكُم وَمَعَادٍ لَهُم سِلْمٌ لِمَن سَالَمَكُم وَحَرْبٌ لِمَن حَارَبَكُم)

إنّي منقاد ومطيع لمن إنقاد لكم ، ومصالح من صالحكم ، أو أنّي محبّ لمن أحبّكم ، ومبغض (١) لمن عاداكمم وتحارب لمن حاربتكم ، كما وردت ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

(مُحَقِّقٌ لِمَا حَقَّقْتُم مُبْطِلٌ لِمَا أبْطَلْتُم)

أي أعتقد أنّ ما إعتبرتموه حقّاً حقّ ، أو أسعى في بيان حقيقة ما حقّقتموه وأنكر كلّ ما اعتبرتموه باطلاً أو أسعى في إبطاله ، وهذا ثابت لهم بالادلة القاطعة والبراهين الجلية ، لأنّهم عليهم‌السلام معصومون عالمون مسدّون حكماء وذاكرون ومن تجمعت فيه هذه الصفات الباهرة والفضائل الزاهرة ثبت ان الحقّ ما حققوه والباطل ما أبطلوه ولا يشك في شيء من أقواله وأفعاله وأعماله.

__________________

(١) وقد ورد عن ابن عباس أنّه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ليلة عرج بي إلى السّماء ، رأيت على باب الجنّة مكتوباً : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علي ولي الله ، والحسن والحسين صفوة الله ، على مبغضيهم لعنة الله» رواه الخيب والخوارزمي فيم ناقبه : ص ٢٤٠.

(٢) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم». رواه جماعة من أعلام العامّة منهم ، الامام أحمد في مسنده عن أبي هريرة : ج ٢ ، ص ٤٤٢ ، وابن الكثير صاحب التفسير في البداية والنهاية : ج ٨ ، ص ٢٠٥ ، الترمذي في صحيحه : ج ١٢ ، ص ٢٤٨ ، ابن العساكر في تاريخه : ج ٤ ، ص ٢٠٧ ، ابن حجر في صواعقه : ص ١٥٨ وغيرهم.

وعن أبي بصير عن الامام الصّادق عليه‌السلام : ... الى أن قال : أتدري ما السّلم ، لتُ : لا أعلم ، قال عليه‌السلام : ولاية علي عليه‌السلام والائمّة الاوصياء من بعده ... وقال وخطوات الشّيطان والله ولاية فلان وفلان ...» يعني أعداءهم من الاولين والاخرين ، راجع تفسير العياشي في تفسير ذيل هذه الآية.


(مُطِيْعٌ لَكُم)

في الجملة أو معترف بوجوب إطاعتكم وإن صدر منّي مخالفة لكم في بعض الأحيان.

(عَارِفٌ بِحَقِّكُم مُقِرٌ بِفَضْلِكُم)

الواجب عليَّ من معرفة إمامتكم معترفٌ بفضلكم وكمالاتكم ، وحقّهم أن نعتقد أنّهم أولياء الله على جميع خلقه وأوصياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفائه على اُمّته والقوّامون بدينه بعده وحفظة شريعته القائمون مقامه في كلّ شيء اقامه الله تعالى فيه لخلقه ما عدا النّبوة ، ومن لم يعرف حقّهم حتماً أطاع بما ينافي حقّهم ، بل اتبع غيرهم ، ولا شك أنّ غيرهم خطوات الشيطان ، أمّا العارف بحقهم فهو المقرّ بفضلهم لا بدّ بعد ذلك لا يساويهم بغيرهم.

(مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُم)

أي لا أردّ ما ورد عنكم إليَّ من أخباركم وأحاديثكم وإن لم يحتمله عقلي القاصر ، وأعلم أنّه حقّ وإن لم يصل إلهي فكري الفاتر الناقص ، ولم تسعه خزانة قلبي.

عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : أتى الحسين عليه‌السلام أناس فقالوا له : يا أبا عبد الله حدثنا بفضلكم الذي جعل الله لكم.

فقال الإمام عليه‌السلام : إنّكم لا تحتمولنه ولا تطيقونه.

قالوا : بل نحتمل.

قال عليه‌السلام : إن كنتم صادقين فليتنح اثنان وأحدث واحداً فان احتمله حدثتكم.


فنتحى اثنان وحدث عليه‌السلام واحداً فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وكلّمه صاحباه فلم يرد عليهما شيئاً وانصرفوا (١).

وفي رواية اُخرى : فحدّثه بحديث فما فرغ الحسين عليه‌السلام من حديثه حتى ابيضّ رأس الرّجل ولحيته وأُنسي الحديث.

فقال ال حسين عليه‌السلام : «أدركته رحمة الله اُنسي الحديث» (٢).

(مُنْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُم مُعْتَرِفٌ بِكُم)

محتجب بذمتكم ، أي احتجب عن شرور الدّارين بالدّخول في حماكم وعهدكم ، لأنّكم قادة وأولياء الدّارين (بكم) أي بإمامتكم وولايتكم وفضلكم.

(مُؤمِنٌ بِإيَابِكُم)

أي معتقد برجوعكم الدّنيا لإعلاء كلمة الدّين والانتقام من الكافرين والمنافقين وقصم شوكة المعاندين قبل يوم القيامة والدّين.

(مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُم)

هذه الفقرة المباركة تفسير لما قبلها وهاتان الفقرتان تدلان على رجعة جميع الائمّة الهداة عليهم‌السلام وقد تظافرت الأخبار وتواترت الآثار وأجمعت الشّيعة الأبرار

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٣٧٨ ، عن الخرائج والجرائح : ص ٢٤٧ وفيه : فلم يرد عليها جواباً.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٥ ، ص ٣٧٩ ، عن الخرائج والجرائح : ص ٢٤٧ ـ ٢٤٨ : فحدثه الحسين وفيه : نسي الحديث ، وهذا لا يخفى على العارفين بحقيقة أمرهم وعظيم خطرهم وأنّ حديثهم صعب مستصعب ... كما مرّ


على الرّجعة في الجملة ، وأنّهم يرجعون إلى الدّنيا في زمان الإمام المهدي «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» ويرجع جماعة من خلّص المؤمنين وأشقياء المخالفين ، ولكنّ أهل السنة والجماعة أنكروا ذلك علينا أشد إنكار وشنعوا بذلك علينا ، مع أن الايات القرانية الشريفة والأحاديث النبوية الشريفة ناطقة بذلك.

فقد ذكر الله تعالى رجعة عزير وأصحاب الكهف والملأ من بني إسرائيل قال تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّـهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) (١).

قيل أنّهم كانوا سبعين ألف بيت وكان يقع فيهم الطّاعون كلّ سنة فيخرج الأغنياء لقوّتهم ويبقى الفقراء لضعفهم ، فيقلّ الطاعون في الذين خرجوا ويكثر في الذين يقيمون ، فيقول المقيمون لو خرجنا لما أصابنا الطاعون ، ويقول الخارجون لو أقمنا لأصابنا كما أصابهم ، فخرجوا بأجمعهم فنزلوا على ساحل بحر فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله موتوا ، فماتوا جميعاً فكنستهم المارة عن الطريق ، فبقوا بذلك ما شاء الله ثم مرّ بهم أرمينيا النّبي عليه‌السلام فقال : لو شئت يا رب لأحييتهم فيعمروا بلادك ويلدوا عبادك ويعبدوك مع من عبدك. فأوحى الله إليه ، أفتحب أن أحييهم.

قال أرمينيا عليه‌السلام : «نعم ، فأحياهم الله له ، وبعثهم معه ، فهؤلاء ماتوا ورجعوا الى الدّنيا ثمّ ماتوا بآجالهم» (٢).

وقال تعالى أيضاً :

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَـٰذِهِ اللَّـهُ بَعْدَ

__________________

(١) البقرة : ٢٤٣.

(٢) تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٢٤١ ، عن روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ص ١٩٨ ، وتفسير الصافي : ص ٢٤٩ ، تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٣٠.


مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّـهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) (١).

وهو النّبي عزير عليه‌السلام حيث مات مئة عام ثمّ رجع إلى الدّنيا وعاش فيها إلى أن وافاه الأجل (٢).

وقال الله تعالى في قصّة أصحاب الكهف :

(وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) (٣).

قصّتهم مشهورة أنّهم رجعوا إلى الدّنيا بعد أن لبثوا في الكهف (٣٠٩) سنوات (٤).

وذكر في قصة المختارين من قوم موسى عليه‌السلام :

(ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥).

وكانت هذه الحادثة لمّا سمعوا كلام الله لموسى ، وقالوا لموسى عليه‌السلام (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ ...) وقالوا : (حَتَّىٰ نَرَى اللَّـهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ...) (٦).

فماتوا فقال موسى عليه‌السلام : يا ربّ ما أقول لبني اسرائيل إذا رجعت إليهم ، فأحياهم الله له فرجعوا إلى الدّنيا فأكلوا وشربوا ونكحوا النساء وولدوا الأولاد ثم ماتو بآجالهم (٧).

وقد تظافرت الرّوايات بأسانيد مختلفة من أهل السنة عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

__________________

(١) البقرة : ٢٥٩.

(٢) راجع : بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٥٨ ، تفسير البرهان : ج ١ ، ص ٢٤٨ ، تفسير الصافي : ج ١ ، ص ٢٢٢ ، تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٢٦٩ ، وتفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٤٠.

(٣) الكهف : ٢٥.

(٤) راجع تفاسير العامّة والخاصّة ، فقد ورد في بعضها أن أمير المؤمنين عليه‌السلام يملك ثلاثمأة ويزداد تسعاً ، اُنظر الى تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٣٢٦ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٣ ، ص ٢٣٦.

(٥) البقرة : ٥٦.

(٦) البقرة : ٥٥.

(٧) تفسير الصّافي : ج ١ ، ص ١١٨ ، وتفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٨١ ، في تفسير ذيل هذه الآية وتفاسير اُخرى.


«لتكوننّ على سنن من مضى حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة حتى أنّهم لو دخلوا حجر ضبّ لدخلتموه» (١) (٢).

فحسب هذا الحديث يجب أن يكون في هذه الاُمّة الرّجعة كما كان في الاُمم السالفة.

ووردت أحاديث أكثر عن طريق الخاصة من أئمَّة الشيعة الاثني عشرية عليهم السالم لا يسعنا ذكرها في هذه الوجيزة.

وقد ألّف علماء الامامية في هذا الباب كتباً مبسوطة ومشحونة بالأخبار والرّوايات فطلباً للتبرك والتيمن نشير هنا إلى حديثين فقط عن كتاب الاختصاص للشّيخ المفيد رحمه الله.

عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «أوّل من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدّنيا الحسين بن علي عليه‌السلام وإنّ الرّجعة ليست بعامّة ، وهي خاصّة لا يرجع إلّا من محض الايمان محضاً أو محض الشرك محضاً» (٣).

وعن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام قال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلياً سيرجعان» (٤).

يكفي هذا المقدار في شرح هذه الفقرة المباركة ومن أراد مزيداً من التفصيل

__________________

(١) ورد هذا المعنى في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٨ ، ص ١٠ ، واكمال الدين : ص ٥٧٦ ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام عن جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذلك عن طرق العامّة في مسند أحمد : ج ٣ ، ص ٩٤ ، صحيح البخاري كتاب الانبياء : ج ٢ ، ص ١٧١ ، وكنز العمال : ج ١١ ، ص ١٣٣ ، المجمع الزوائد : ج ٧ ، ص ٣٦١ ، ووردت أحياناً بلفظ : ليأتين ، واُخرى ، لتركبن ، وثالثة ، لتتبعن ، وكذلك بلفظ النعل بالنعل : شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، وباعاً بباع وثالثة : حذو القذة بالقذة ، وكذلك : اُمم السابقة : واُخرى : بني اسرائيل ، راجع كتاب مائة وخمسون صحابي مختلق ، للسّيد مرتضى العسكري : ج ٢ ، ص ١٨.

(٢) وكذلك ورد الامام الصادق عليه‌السلام : «إنّ أوّل من يكرُّ الى الدنيا الحسين بن علي عليهما‌السلام وأصحابه ويزيد بن معاوية وأصحابه ، فيقتلهم حذو القذّة بالقذّة ، ثمّ قال عليه‌السلام : (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٣ ، ص ٧٦ ، عن تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٢٨٢.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٣ ، ص ٣٩.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٣ ، ص ٣٩.


والاطلاع فعليه أن يلتمس ذلك في الكتب المطولة للاصحاب «رضوان الله عليهم أجمعين».

(مُنْتَظَرٌ لأمْرَكُم)

أي غَلَبَتكم على الأعداء في زمن مولانا الإمام المهدي «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» أو منتظر لظهور إمامتكم ، بحيث أن إمامتكم وقدومكم مسلم وواضح لجميع أهل العالم.

واعلم أن انتظار الأمر وفرج آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أحبّ الأعمال وأفضل الأعمال (١) والعبادة (٢) لله عزّ وجلّ كما ورد ذلك عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام قال : «إعلموا أنّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم» (٣).

وورد عن الإمام السجاد عليه‌السلام قال :

«... يا أبا خالد إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلِّ زمان ، لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزّمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسيف ، اُولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً ، والدّعاة الى دين الله عزّ وجلّ سرَّاً وجهراً» (٤).

وفي الرّسالة التي كتبها الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام مخاطباً فيها علي بن بابويه جاء فيها : «وعليك بالصّبر وإنتظار الفرج فان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أفضل أعمال

__________________

(١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أفضل أعمال أُمّتي إنتظار فرج الله عزّ وجلّ» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٢ ، ص ١٣٣.

(٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أفضل عبادة المؤمن إنتظار فرج الله» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٢ ، ص ١٣١.

(٣) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٢٢ ، باب الكتمان.

(٤) كمال الدين واتمام النعمة : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٢٠ ، ح ٢ ، باب ٣١.


أمّتي إنتظار الفرج» (١).

(مُرْتَقِبٌ لِدَولَتِكُمْ)

أي أنتظر دولتكم الحقّة في الرّجعة ، وقد وردت أحاديث كثيرة ومتظافرة ومتواترة عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت عليهم‌السلام في موضوع الرّجعة تشير الى عودتهم الى دار الدنيا وظهور دولتهم والانتقام من أعدائهم ويرجع معهم جماعة من خلّص المؤمنين وجماعة من أعدائهم لا سيما قاتلي الحسين بن علي عليهم‌السلام (٢) وكما اشارت الاخبار أنّ أوّل من يرجع هو الامام الحسين عليه‌السلام (٣) ثمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ثمّ الائمّة عليهم‌السلام وينتقمون لفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممن ظلمها وآذاها وغصب فدكها وكسر ضلعها وأسقط جنينها سلام الله تعالى عليها وعلى أبيها وعلى بعلها وعلى بنيها.

(آخِذٌ بِقَوْلِكُم عَامِلٌ بِأمْرِكُم)

في الجملة ، أو معناه أعتقد بأقوالكم وأوامركم ، وملتزم بالعمل ، لأنّ اعتقادي لما أثبتم ومعرفتي بما عرفتم وعلمي بما علمتم وقولي عن قولكم ، فحمدت الله تعالى بالثّناء والصلاة عليكم ، وإذا وقع منّي ما لا يطابق ما عنكم استغفرت الله ، والحاصل أنا رهن اشارتكم في كل أحوالي ان شاء الله تعالى.

(مُسْتَجِيرٌ بِكُم)

أي بولايتكم أو محبتكم أو بزيارتكم وأعمُّ من ذلك ، فاستجير بكم لتجيروني

__________________

(١) معادن الحكمة : ج ٢ ، ص ٢٦٤ ، ماقب آل أبي طالب : لابن شهر آشوب رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٤٢٥ ـ ٤٢٩.

(٢) وقد مرّ الاشارة اليها في عنوان «مصدق برجعتكم».

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٣ ، ص ٣٩.


من مكاره الدارين ، أمّا في الدنيا فمن الذنوب والاعداء ، وأمّا عند الموت والقبر من سوء الموقف ، وأمّا في الاخرة من هول المطلع والنّار.

(زَايِرٌ لَكُم عَائِذٌ بِكُم لآئِذٌ بِقُبُورِكُم)

أي راجياً بذلك الفوز بالثّواب والنجاة من العقاب ، ولأنّ من زارهم عليهم‌السلام بعد موتهم زاروه يوم القيامة وإن كان في النّار أخرجوه وتشفعوا له عند الله سبحانه (١).

(مُسْتَشْفَعٌ إلَى الله عَزّ وَجَلّ بِكٌ)

أي أجعلكم شفعائي إلى الله تعالى في قضاء حوائج الاخرة وغفران الذنوب والمعاصي التي صدرت منّي.

(وَمُتَقَرِّبُ بِكُم إلَيهِ وَمُقَدِّمُكُم أمَامَ طَلِبَتِي وَحَوَائِجِي وَإرَادَتِي فِي كُلِّ أحُوالِي وَأمُورِي)

أي أسال الله تعالى بحقّكم وأستشفع بكم إلى الله في طلب حوائجي كي تلبس أعمالي وحوائجي ثوب الحقيقة والواقع كما كانت الاُمم السالفة والانبياء يتوجهون ويتشفعون بهم ، أو المراد إنا نقدم صلواتنا قبل ذلك ليستجاب الدعاء ، لأنّ الأخبار والأحاديث الكثيرة المستفيضة الواردة عنهم أناطت استجابة دعواتنا الصلاة على محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

«لا يزال الدعاء محجوباً حتّى يصلي على محمّد وآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام : «من دعا ولم يذكر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفرف الدعاء على

__________________

(١) سبق الاشارة الى ذلك في مقدمة الكتاب.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٩١.


رأسه فاذا ذكر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع الدّعاء» (١).

وعن مرازم عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ رجلاً أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إنّي جعلت ثلث صلواتي لك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : خيراً.

فقال الرجل : يا رسول الله إنّي جعلت نصف صلواتي لك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : ذاك أفضل.

فقال الرجل : إنّي جعلت كل صلواتي لك.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذن يكفيك الله عزّ وجلّ ما أهمّك من أمر دنياك وآخرتك.

فقال له الرجل : أصلحك الله كيف يجعل صلواته له.

فقال الإمام عليه‌السلام : «لا يسأل الله عزّ وجلّ إلّا بدأ بالصّلاة على محمّد وآله» (٢).

(مُؤمِنٌ بِسرِّكُم وَعَلانِيَتِكُم)

أي بما استتر عن أكثر الخلق من غرائب أحوالكم وبما أعلن منها ، أو مؤمن باعتقاداتكم السرّية وبأعمالكم وأقوالكم العلانية ، أو المراد إنّي مؤمن حاضركم الظاهر وبغائبكم المستتر ، وهو الإمام المهدي «روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء».

(وَشَاهِدِكُم وَغَائِبِكُم)

شاهدكم الائمَّة أحد عشر عليهم‌السلام ، وغائبكم المهدي الموعود «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» فعلى هذا أن تكون إشارة إلى الاحتمال الثّالث في الفقرة الاولى ، فهذه الفقرة المباركة تفسير للفقرة الاولى.

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٩١.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤٧١.


(وَأوّلِكُم وَآخِرِكُم)

والاوّل منهم هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام وآخركم وهو الإمام قائم آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا كما يقول العامّة بامامة أوّلكم دون الأخير ، ولا كما يقول الواقفة الذين يعتقدون بعدّة منكم دون العدّة.

(وَمُفَوِضٌ فِي ذَلِك كُلُّهُ إلَيْكُم)

أي لا أعترض عليكم في شيء من اُموركم ، بل أعلم أنّ كلما تقولونه وتأتون به وتؤمرون ، فهو بأمره تعالى.

روي عن حريز قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ما أقلّ بقاءكم أهل البيت ، وأقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة الناس إليكم؟ فقال عليه‌السلام :

«إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدّته ، فإذا انقضى ما فيها ممّا اُمر به عرف أنّ أجله قد حضر فأتاه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينعى إليه نفسه (١) وأخبره بما له عند الله وإنّ الحسين عليه‌السلام قرأ صحيفته التي اُعطيها ، وفسّر له ما يأتي بنعي وبقي فيها أشياء لم تقض فخرج للقتال وكانت تلك الاُمور التي بقيت أنّ الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لها ومكثت تستعدُّ للقتال وتتأهّب لذلك حتى قتل فنزلت وقد انقظت مدّته وقتل عليه‌السلام ، فقالت الملائكة : يا ربّ أذنت لنا في الانحدار وأذنت لنا في نصرته ، فانحدرنا وقد قبضته ، فأوحى الله إليهم : أن الزموا قبره حتى تروه وقد خرج (٢) فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته فإنّكم قد خُصصتم بنصرته وبالبكاء عليه ، فبكت الملائكة تعزّياً وحزناً ما فاتهم من نصرته : فإذا خرج يكونون

__________________

(١) أي يخبره بموته.

(٢) إشارة الى رجعته عليه‌السلام في زمان القائم عليه‌السلام.


أنصاره» (١).

أو المراد من التفويض أسلم جميع اموري أو ديني إليكم كي تصلحوا خللها وفاسدها كما عرض عبد العظيم الحسني رحمه الله دينه على امام زمانه الإمام علي الهادي عليه‌السلام ، وهذه الزيارة المباركة مأثور منه عليه‌السلام فعرض دينه والامام عليه‌السلام أيده (٢) ولذا ورد في فقرات من زيارته هذه المعنى «السّلام على من عرض دينه على إمام زمانه فصدّقه به» (٣).

عن حماد الرّازي قال : دخلت على الإمام الهادي عليه‌السلام في سامراء فسألته عن أشياء من حلالي وحرامي فأجابني فلمّا ودعته قال لي :

«يا حماد إذا اشكل شيء من اُمور دينك بناحيتك أي بلدة «الري» فسل عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني وإقرأه منّي السلام» (٤).

وروي أنه دخل رجل على أبي الحسن الهادي عليه‌السلام من أهل الرّي ، فقال الإمام عليه‌السلام له : أين كنت؟

قال الرّجل : زرت الإمام الحسين عليه‌السلام.

قال الإمام الهادي عليه‌السلام : «أمّا إنّك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين بن علي عليه‌السلام» (٥).

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٨٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦٩ ، ص ١ ، كمال الدين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٣٧٩ ، الامالي : للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ص ٢٠٤.

(٣) مفاتيح الجنان : ص ٥٦٤.

(٤) منتقى الدّرر : للشّيخ محمّد المحمّدي الاشتهاردي ، ج ٣ ، ص ١٥٦ ، وسفينة البحار : للمحدّث الشّيخ عباس القمي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٢١ ، في باب حرف العين.

(٥) ثواب الاعمال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٢٢٢.


(وَمُسْلِّمٌ فِيهِ مَعَكُم)

أي في اُموري كلّها ومسلّمها لله تعالى فلا إعتراض على الله تعالى في عدم إستيلائكم وغيبتكم وغير ذلك ، بل اُسلّم لأمر الله تعالى وأرضى بقضائه معكم أي كما سلمتم أنتم لأمره ورضيتم بقضائه ، ولا يكمل ايمان المؤمن إلّا بالتسليم فيما علم وفيما لم يعلم.

(وَقَلْبِي لَكُمْ مُسْلِّمٌ)

أي منقاد مطيع مذعن لاُموركم وأفعالكم وأحوالكم لا يختلج ذلك شيء يخالفه ، بل لا يخطر ببالي مخالفتكم والاعتراض عليكم ، لأنّي أعلم يقيناً أنّ كلّ ما صدر منكم فهو لله تعالى ومن الله تعالى.

(وَرَأيِي لَكُم تَبَعٌ)

أي رأي تابع لرأيكم ولا رأي لي مع رأيكم ، كما أنّ من أعداءكم من يقول قال : علي ، وأقول أنا.

(وَنُصْرَتِي لَكُم مُعَدِّةٌ)

أي نصرتي بكم مهيأة ، فها أنا منتظر لخروجكم والجهاد في خدمتكم مع أعدائكم ، أو المراد نصرتي معدّة للبيان وتبليغ دينكم واعلاء كلمتكم باليد واللسان والقلب وبالبراهين والأدلة والخطابة والمواعظ بحسب الامكان.

(حَتَّى يُحْيِي اللهُ تعالى دينه بِكُم)

أي يحيي الله الدين بوجودكم الشريف بعد الاندراس والانطماس بتمكنكم


وظهوركم واستيلائكم وغلبتكم.

ورد عنهم عليهم‌السلام : «إذ خرج القائم يقوم بأمر جديد ، وكتاب جديد ، وسنّة جديدة ، وقضاء جديد» (١).

(ويَرُدَّكُم فِي أيَّامِهِ)

أي في أيّام ظهور دينه واستيلاء كلمته في أيّام الرّجعة ، وفي هذه الفقرة المباركة اشارة الى ما ورد في جملة من الاخبار في تفسير قوله تعالى : (وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّـهِ) (٢).

أو أن المراد بها أيّام قيام القائم «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف».

عن مثنى الحناط قال سمعت الإمام الباقر عليه‌السلام يقول : «أيّام الله ثلاثة يوم يقوم القائم «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» ويوم الكرّة ، ويوم القيامة» (٣).

أو المراد من ردّهم في أيّامه أي ردّهم الى الدّنيا على ما هم عليه من ظهورهم يرفع الله تعالى الموانع عنهم ويذل أعداءهم الغاصبين لحقّهم ويمكينهم من مراتبهم التي خلقهم فيها وخلقها لهم فهم في أيّام الله تعالى ومنه قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) (٤).

(وَيُظهِرَكُم لِعَدْلِهِ)

أي لإقامة عدله (٥) بين عباده وإظهاره في أيّام رجعتكم الى الدّنيا ، بعد ذهاب

__________________

(١) إثباة الهداة : للشّيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٨٣ ـ ٨٤ ، وقريب منه في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٥٢ ، ص ٣٥٢ فراجع.

وفي بعض الروايات أساس الدين حبّهم ، كما ورد في كتاب لسان الميزان لابن حجر العسقلاني : ج ٥ ، ص ٣٨٠ ، وفي حديث طويل بالاسناد عن جابر ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لكلّ شيء أساس ، وأساس الدّين حبّنا أهل البيت» وورد أيضاً في كنز العمال : ج ٦ ، ص ٢١٨ ، والنبهاني في الشرف المؤبد : ص ١٧٨.

(٢) ابراهيم : ٥.

(٣) تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ٥٢٦ ، الخصال : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٠٨ ، باب الثلاثة.

(٤) القصص : ٥.

(٥) كما قام به جدّهم أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا تولّى الامامة والخلافة ، وضرب بذلك أروع مثال في العدالة والامانة ، ورد


دولة الباطل وتمكنهم من إقامة العدل والحقّ والشرع ، وبذلك استقامت الامور لهم وبهم على كمال ما ينبغي ، وكلّ ذلك بعون الله عزّ وجلّ وإمداده لهم.

(وَيُمَكِّنَكُم فِي أرْضِهِ)

يمكنكم في أرضه بالسّلطنة الحقّة وأنتم مبسوطو اليد كما قال الله تعالى :

(وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ...) (١).

(فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ)

أي معكم بالقلب واللسان ، أو في الدّنيا والرّجعة ، أو في الدّنيا والآخرة ، أو كرّر لمجرد التأكيد.

(لا مَعَ عَدُوّكُم)

أي لا أكون مع عدوّكم والمخالفين لكم من الاوّلين والآخرين ، بل أنا عدوٌّ لهم

__________________

في الخطبة : ، حيث يقول عليه‌السلام : ولقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى استماحني من برّكم صاعاً ، وعاودني في وسقٍ من الشعيركم يقضمه جياعه ، وكاد يطوي ثالث أيّامه ، خامصاً ما استطاعه ، ولقد رأيت أطفاله شعث الألوان من صرّهم كأنّما اشمأزت وجوهم من قترهم ، فلمّا عاودني في قوله وكره أصغيت إليه سمعي فغره ، وظنني أبيعه ديني وأتّبع ما أسرّه ، أحميت له حديدة لينزجر إذ لا يستطيع مسّها ولا يصبر ، ثمّ أدنيتها من جسمه فضّج من ألمه ، ضجيج دنفٍ يئن من سقمه ، وكاد يسبّني سفهاً من كظيمه ، ولحرقة في لظى أدنى له من عدمه ، فقلت له : ثكلتك الثواكل ، أنتن من أذى ، ولا أئنّ من لظى

نعم هذا سيّد الوصيين وإمام المتّقين الذي يجب على المسلمين أن يتبعه في عدالته وأمانته في بيت المال المسلمين دون غيره من الذين هضموا مال الله وأموال المسلمين هضم الابل نبتت الرّبيع حتى وصل الامر الى الشّجرة الملعونة في القرآن الكريم ، بني اُميّة ومن رضي بافعالهم وتبع سيرتهم وبرء ساحتهم من تلك الجرائم بقوله أنّهم اجتهدوا فأخطأوا.

(١) النّور : ٥٥.


كما أنتم عدوُّ لهم.

(آمَنْتُ بِكُم)

آمنت بكم قلباً ولساناً ، وفي عالم الذّر يوم دعانا الله عزّ وجلّ بالاقرار بولايتكم وفي هذا العالم.

(وَتَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ أوّلَكُمْ)

أي أتولى وأعتقد بآخركم وهو الإمام المهدي (١) «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» بنحو ما كنت أتولّى أوّلكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، أو أتولى كلّ واحد منكم بنحو ما كنت أتولى به أوّلكم ، فإنّ كلّ واحدٍ منهم عليهم‌السلام آخر بالنّسبة الى سابقه.

(وَبَرَئتُ الى الله عزّ وجلّ مِن أعْدَائِكُم)

أي برئت من الضّالين والنّاصبين الجاحدين والمعاندين من أعدائكم.

(وَمِن الجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ)

ومن كلّ معبود باطل وكافر ومتجاوز ، أو من الاصنام والسّحرة ، أو الكهنة والشّياطين ، وكلّ رأس ضلالة وكلّ ما عبد من دون الله تعالى أو من فلان وفلان ،

__________________

(١) وما ذهب اليه العامّة من أنّه يراد من القائم هو عيسى بن مريم عليهما‌السلام كما نقله ابن حجر في الصواعق ونقلوا عليه روايات وفسروا قوله تعالى : (إِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) وان ضمير به وموته يعودان الى عيسى عليه‌السلام وأنه المنتظر ولان الله تعالى يقول : (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ) وقال تعالى : (بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ) أو المهدي العباسي من خلفاء بني العباس ، والحقّ كما دلّت الآيات والروايات المستفيضة وما ورد عن الفريقين واجماع أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم أنّ القائم هو الامام محمّد بن الحسن العسكري «عجل الله تعالى فرجه الشريف» وأن الله تعالى بدقرته وحكمته قد أطال عمره الشريف كما أطال عمر الخضر عليه‌السلام.


كما ورد في حديث الإمام الباقر عليه‌السلام (١).

(وَالشَّيَاطِين)

سواء كانوا من شياطين الانس أو الجن ، أو المراد من الشياطين سائر خلفاء الجور والسلاطين (٢).

(وَحِزْبِهِم)

أي أتباعهم الذين حاربوا أمير المؤمنين عليه‌السلام وحملوا قومهم على رقاب الناس

__________________

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٥٤ الى ٣٩٠ ، وكنز الفوائد : ص ٢٧٧ ، فإنّ أئمّتنا الأبرار عليهم‌السلام أمرونا أن نبتعد عن كلّ وليجة دونهم واعتبروه طاغوتاً. فقال الامام الباقر عليه‌السلام ، «إيّاكم الولائج فإن كلّ وليجة دوننا فهي طاغوت أو قال ند». راجع تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ١٩١ ، ح ٧٠. وبهذا المعنى عنه عليه‌السلام في بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٥٩ ، ح ١٦ ، عن غيبة النعماني : ص ٦٤ ، كنز الفوائد : ٢٧٨.

وكذلك ورد عن بريدة العجلي ، قال : سألت أبا جعفر محمّداً الباقر عليه‌السلام عن قوله عزّ وجلّ : (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) فكان جوابه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَـٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا) ويقولون لأئمّة الضلال والدّعاة إلى النّار : هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلاً : (أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّـهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّـهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ)؟ يعني الإمامة والخلافة (فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ) قال : ونحن المحسودون على ما آتانا الله من الامامة دون خلقه (فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) يقول : جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمّة ، فكيف يقرّون به في آل إبراهيم وينكرونه في آل محمّد؟ (فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) وذكره العلّامة الطّبرسي رحمه الله في تفسيره مجمع البيان ج ٢ ، ص ٦٤.

(٢) وهم بني أمية ومن سار على نهجهم من الاولين والآخرين الذين حملوا راية العداء لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم الشّجرة الملعونة في كتاب الله عزّ وجلّ : (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) وقد ورد عن عائشة أنّها قالت لمروان : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لأبيك وجدّك ـ أبي العاص بن اُميّة ـ : «إنّكم الشجرة الملعونة في القرآن» الدّر المنثور : للسيوطي ، ج ٤ ، ص ١٩١ ، واليرة الحلبية : جج ، ص ٣٣٧ ، والآلوسي في تفسيرة : ج ١٥ ، ص ١١٧ ، والقرطبي في تفسيره : ج ١٠ ، ص ٢٨٦ ، وغيرهم.

وقال أبو ذر الغفاري : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إذا بلغت بنو أميّة أربعين ، اتّخذوا عباد الله خولاً ، ومال الله نِحلاً ، وكتاب الله دغلاً» أخرجه الحاكم في المستدرك : ج ٤ ، ص ٤٧٩ طـ دار الفكر بيروت لبنان.

نعم هؤلاء الذين طردهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مدينته وآواهم بعده من كان مخالفاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى في حياته من طردهم ، ثمّ تولى إمرة ظلماً وعدوناً بمؤامرة من عبد الرحمن بن عوف وغيره ، وكان عاقبة أمرهم أن حمل بني اُميّة وبني العاص وبني أبي معيط على رقاب الاُمّة فاتخذوا دين الله دغلاً ، وعباد الله خولاً ، ومال الله دولاً ، وخرج ابن عوف من الدنيا بأوزار المسلمين نادماً متأوهاً على ما جنت يداه في حق الاُمة.


وسلطوا جهالهم وأبناء الطّلقاء على الانصاري والمهاجرين واووا الطّرداء واللعناء على لسان رسول ربّ العالمين حتى تولى خلافة خلافة المسلمين أمثال : وأبو سفيان ومعاوية ويزيد الذين حقدوا على الاسلام والنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الاطهار عليهم‌السلام والذين نفاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المدينة حتى أواهم شيخ بني معيط (١).

(الظّالِمِينَ لَكُمْ الجَاجِدِيْنَ لِحَقِّكُمْ والمارِقِينَ مِنْ ولايَتِكُم وَالغَاصِبِينَ لارْثِكُمْ)

أي الذين أنكروا حقّكم وهو الإمامة وغصبوا إرثكم وهو الفيء ، وفدك ، والعوالي ، والخمس ، والانفال وصفو المال وغيرها ، والذين خرجوا عن الدين وحاربوا امامهم في صفين (٢).

__________________

(١) تتجسد حزب الشّيطان في أكمل معانيه في بني اُمية ومن حاماهم ونصرهم ومن آواهم وأيدهم وبذل عليهم من أموال المسلمين من الاولين والآخرين الى أن يقوم قائم آل محمّد فيقطع الله تعالى حينئذ دابر الكافرين والمنافقين.

وقد راى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا سفيان مقيلاً على حمار ومعاوية يقود به وابنه يزيد يسوق به ، قال : «لعن الله القائد والراكب والسائق». تاريخ الطبري : ج ١١ ، ص ٣٥٧.

وأخرج الامام أحمد في مسنده : ٤ ، ص ٤٢١ ، وأبو يعلي ، وابن مزاحم في كتاب صفين : ص ٢٤٦ طـ مصر ، من طريف أبي برزة اتلأسلمي ، والطبرسي من طريق ابن عباس : كنّا مع رسول الله في سفر ، فسمع رجلين يتغنّيان وأحدهما يجيب الآخر وهو يقول :

لا يزال حواري تلوح عظامه

زوي الحب عنه أن يجنّ فيقبرا

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انظروا من هما؟ قال : فقالوا : معاوية وعمرو بن العاص ، فرفع رسول الله يديه ، فقال : «اللّهم اركسهما ركساً ، ودعّهما الى النّار دعّاً».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً : «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»

راجع : كتاب صفين : ص ٢٤٣ ـ ٢٤٨ طـ مصر ، تاريخ الطبري : ج ١١ ، ص ٣٥٧ ، وتاريخ الخطيب : ج ١٢ ، ص ١٨١ ، وكنوز الحقائق للمناوي : ص ١٠ ، وتهذيب التهذيب : لابن حجر : ج ٢ ، ص ٤٢٨.

(٢) انظر الى ما كتبه الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام للمأمون العباسي في رسالة طويلة جمع فيها كثيراً من الاصول والفروع وقال : «والبراءة من الذين ظلموا آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهمّوا باخراجهم وسنوا ظلمهم وغيروا سنة نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين الذين هتكوا حجاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونكثوا بيعة امامهم واخرجوا المرأة


(الشَّاكِّينَ فِيْكُمْ وَالمُنْحَرِفِيْنَ عَنْكُمْ)

أي الذين يشكّون في إمامتكم وأنكم حجج الله ، والمنحرفون العادلون عن إمامتكم من بعد ما تبين لهم الهدى إلى غيركم من أعداء الدين ومردة المنافقين.

(وَمِنْ كُلِّ وَلِيْجَةٍ دُونَكُم)

يعني كلّ من دخل في أمر الخلافة والإمامة معكم من غير حقّ له بها ، والوليجة (١) في اللغة يقال لكلّ داخل في أمرٍ ليس منه ، ويقال لمن يكون في جماعة وهو ليس منهم.

والمراد منه إنّي لا أعتقد بإمامة غيركم ، ولا أعتمد في اُمور الدّين وسائر الاُمور للآخرين ، وأبرأ من كلّ من اُدخل معكم في زمرتكم في أمر الخلافة والامامة من غير حقّ وفي نفس الوقت هو ليس منكم.

وهذه الفقرة المباركة إشارة الى أن المؤمنين في الآية الشّريفة وهم الائمّة

__________________

وحاربوا أمير المؤمنين عليه‌السلام وقتلوا الشيعة المتقين رحمة الله عليهم واجبة ، والبراءة ممن نفى الاخيار وشردهم وآواى الطرداء واللعنا وو ...» عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ١٢٧.

وورد عن أبي سعيد الخدري ، قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، قلنا : يا رسول الله أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «مع علي بن أبي طالب». كفاية الطالب : للكنجي ، ص ٧٢ ، وابن كثير في تاريخه : ج ٧ ، ص ٣٠٥.

وانظر الى ما يقوله عبد الله بن بديل يوم صفين : «إنّ معاوية إدّعى ما ليس له ، ونازع الأمر أهله ومن ليس مثله ، وجادل بالباطل ليدحض به الحقّ ، وصال عليكم بالاعراب والاحزاب ، وزيّن لهم الضلالة ، وزرع في قلوبهم الفتنة ، ولبس عليهم الأمر ، وزادهم رجساً إلى رجسهم ، وأنتم والله على نور من ربّكم وبرهان مبين إلى ... أن قال : قاتلوا الفئة الباغية الذين نازعوا الأمر أهله ، وقد قاتلتهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله ما هم في هذه بأزكى ولا أنقى ولا أبرّ ، قوموا إلى عدوّ الله وعدوّكم رحمكم الله» الغدير للعلّامة الاميني رحمه الله ، ج ١٠ ، ص ١٦٣ ، تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٩ ، كتاب صفين : ص ٢٦٣ ، الاستيعاب في ترجمة عبد الله بن بديل ، شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ، ج ١ ، ص ٤٨٣ ، جمهرة الخطب : ج ١ ، ص ١٧٦.

(١) وقال العلّامة الطبرسي رحمه الله ، والوليجة الدخيلة في القوم مَن ليس منهم ، والبطانة مثله وليجة الرجل من يختص بدخلة أمره دون الناس الواحد والجمع فيه سواء وكلّ شيء دخل في شيء ليس معه فهو وليجة. تفسير البيان : ج ٣ ، ص ١٢.


الهداة عليهم‌السلام (١) لقوله تعالى : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) (٢).

كما ورد في الاخبار (٣).

(وَمِنْ كُلّ مُطَاعٍ سِوَاكُم وَمِنْ الائِمَّةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ إلَى النَّارِ)

إشارة الى قوله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) (٤).

أي إلى الاعتقادات الباطلة والأعمال الكاسدة الموصلة إلى نار جهنم وعذاب محتّم ، لأنّ هؤلاء اتخذوا الههم أهواءهم ويحكمون بما يوافق أغراضهم وشهوات أنفسهم وعلى مقتضى حوائجهم (٥).

(فَثَبَّتَنِي اللهُ أبَدَاً مَا حَيَيْتُ عَلَى مُوَالاتِكُم وَمَحَقَّتِكُم وَدِينْكُم)

وهذه الفقرة جملة دعائية ، يعني ثبتني الله على موالاتكم ومحبّتكم ودينكم مدّة حياتي (٦).

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : ج ٢ ، ص ١٩٢.

(٢) التّوبة : ١٦.

(٣) فراجع كتاب اصول الكافي ، وتفسير القمي ، وكتاب الخصال ، وروضة الكافي ، وغيرها من الكتب والتفاسير العامّة والخاصّة ، وقد ورد عن أبي الجارود ، عن الامام الباقر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) يعني بالمؤمنين آل محمّد ، والوليجة البطانة ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٢٤٧.

(٤) القصص : ٤١.

(٥) قال الصادق عليه‌السلام : إنّ الامام في كتاب الله امامان قال الله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) لا يأمر الناس يقدّمون أمر الله تبارك وتعالى وحكم الله قبل حكمهم ، وقال (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) يقدّمون أمرهم قبل أمر الله ، وحكمهم قبل حكم الله ، ويأخذون بأهوائهم خلا ما في كتاب الله عزّ وجلّ. اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٢١ ، ص ٢١٦.

(٦) إنّ الشيطان ليأتي الرّجل من أولياء الائمّة : ليغويه ويضله عن الحقّ كما ورد في من لا يحضره الفقيه ، قال الامام الصادق عليه‌السلام : إنّ الشّيطان ليأتي الرّجل من أوليائنا عند موته عن يمينه وعن شماله ليضلّه عمّا هو عليه ، فيأبى الله عزّ وجلّ له ذلك ، وذلك قول الله (يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).


(وَوَفَقَنِي لِطَاعَتِكُم وَرَزَقَنِي شَفَاعَتَكُم)

أي يوفقني الله تعالى لطاعتكم في الدّنيا في الأقوال والأعمال ، ورزقني شفاعتكم في الاخرة ، وكما يوفقني لطاعتكم بحيث لا أعصيكم في شيء من أقوالكم ولا اخالف في شيء من أعمالكم.

(وَجَعَلَنِي مِنْ خِيارِ مَوالِكُم التّابِعِينَ لِما دَعَوتُم إلَيهِ)

الاخيار يعني الموالين المحبّين الذين ورد ذكرهم في الرّوايات بمعنى الابدال وهم النّقباء والنّجباء الذين بذلوا السّمع والطّاعة لساداتهم وأئمّتهم عليهم‌السلام أمثال ، سلمان المحمّدي ، وأبو ذر الغفاري ، ومقداد بن الاسود ، وعمّار بن ياسر ، ومالك الاشتر النّخعي ، وميثم التمّار ، وجابر بن عبد الله الانصاري ، وحجر بن عدي ، وو ... من أصحاب الائمّة الهداة عليهم‌السلام حيث لا يسع المجال في هذه الوجيزة أن نذكرهم.

وأنّ الاخيار من مواليهم قد يختلفون بحسب مراتبهم ودرجاتهم من حيث القرب والعلم والدراية وفي معرفة الامام وقاماته السّامية ، ولذا ورد : لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله (١). لانّ سلمان رحمه الله كان له من المعرفة في مسائل الامامة ما لا يتحملها أبو ذر رحمه الله.

والتّابعين لما دعوتم إليه يا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت دعوتكم الى الله عزّ وجلّ ومعرفته ومعرفة أنبياءه وحججه وملائكته وكتبه ومعرفة الاوامر والنواهي ، ونحن الموالين والتّابعين نستجيب لكم ونبذل لكم السّمع والطّاعة في كل ما دعوتم إليه وفيه قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٩٠.


يُحْيِيكُمْ ...) (١).

(وَجَعَلَنِي مِنَّنْ يَقْتَصُّ آثَارَكُم وَيَسْلُكُ سَبِيْلَكُم)

أي يتبع آثاركم قولاً وفعلاً ويسلك طرقكم الذي تسلكوه ، أو المراد من السبيل في الظّاهر هو الدين من أحكام الاسلام والايمان في الدّنيا والآخرة ، وفي الباطن هو الامام وولايته وإتباعه في جميع ما جعله الله له في الامامة في الدّنيا والاخرة من المحبّة لهم ولأوليائهم والبغض لأعدائهم والتّابعين لهم.

(وَيَهْتَدِي بِهُديكُم وَيُحْشَرُ فِي زُمْرَتِكُم)

الهداية بمعنى الارشاد والولاء الموصلة الى المطلوب الذي هو هدى الله ويحشر في فوجكم وزمرتكم يوم القيامة.

(وَيَكِرُّ فِي رَجْعَتِكُم)

أي جعلني الله من خواص شيعتكم حتى أكر وأرجع في رجعتكم.

(وَيُمْلكُ فِي دَوْلَتِكُم)

أي جعلني الله ممن يصير ملكاً في دولتكم فانّ خواصّ شيعتهم يصيرون ملوكاً في دولتهم (٢).

(وَيُشْرفُ فِي عَافِيَتِكُم)

__________________

(١) الانفال : ٢٤.

(٢) الخصال : للشيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٥٤١ ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام قال : «إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شيعتنا العاهة ، وجعل قلوبهم كزُبُر الحديد ، وجعل قوّة الرّجل منهم قوّة أربعين رجلاً ، ويكونون حكّام الارض وسنامها».


أي في عصر دولتكم وأيّام ظهوركم وهي أيّام سلامتكم من الأعادي معززين مكرمين.

(وَيُمَكِّنُ فِي أيّامِكُم)

أي يجعل لي القدرة والتّمكين ، وذلك في أيّام ظهوركم بعد الغلبة والنصر.

(وَتَقِرُّ عَيْنُهُ غَدَاً بِرُؤيَتِكُم)

يفهم من هذه الفقرة المباركة أن ظهور أيّامهم ـ إن شاء الله ـ في غاية القرب كما أشار تعالى إلى نهاية قرب يوم القيامة فقال : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا) (١).

والحاصل : لا تحصل قرّة العين إلّا إذا استجيب للانسان الموالي جميع دعواته في حقّهم بأن يراهم في مقاماتهم السّاميّة التي أعطاهم الله في تحقق دولتهم الانتقام من أعدائهم ، فاذا كان كذلك حصل له كمال السّرور ونهاية الفرح وغاية قرّة العين لأنه إذا بقي من طلباته شيئاً كان عند رؤيتهم مغموماً ، اللّهم افتح لهم فتحاً يسيراً وفرج عنهم فرجاً عاجلاً قريباً حتى تقرّ أعينهم وأعين شيعتهم.

(بِابِي أنْتُم وَأمِّي وَنَفْسِي وَأهْلِي وَمَالِي)

أي أفديكم بأبي ...

(مَنْ أرَادَ اللهَ بَدَأَ بِكُم)

أي من لم يبدأ بكم ولم يتبع أقوالكم وعقائدكم فلم يرد الله تعالى ، بل أراد الشّيطان ، إذن لا يمكن الوصول إلى معارفه ومرضاته إلّا بأتباعكم وهدايتكم.

__________________

(١) المعارج : ٦ و ٧.


(ومَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُم)

أي توحيد الله عزّ وجلّ في قبول أقوالكم أو أن حقيقة التّوحيد إنّما عرفت منكم ، إذن فمن لم يقبل علوم التوحيد منكم لم يعرف التّوحيد ، وكلّ من يقول بتوحيد الله تعالى يقبل منكم لأنّ البرهان كما يدل على التّوحيد يدل على وجوب نصب الخليفة المعصوم.

(وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُم)

لأنّكم وجه الله وسبيله وطريقه الذي يتوجه به وباب الله تعالى الذي منه يؤتى.

روي عن خيثمة قال : سألت أبا عبد الله الصّادق عليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (١). قال الإماام عليه‌السلام :

«دينه وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام دين الله ووجهه وعينه في عباده ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه ، ولن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية».

قلت : وما الرّوية؟

قال الامام عليه‌السلام : «الحاجة فاذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب» (٢).

(مَوالِيَّ لا أُحْصِي ثَنَائَكُم)

__________________

(١) القصص : ٨٨.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ١٩٧ ، تفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ١٤٦ ، التّوحيد : للشيخ الصدوق رحمه الله ، ص ١٤٠.


كما أنه لا يمكن إحصاء الثّناء على الله عزّ وجلّ ، كذلك لا يمكن إحصاء الثّناء عليكم مواليَّ (١) لانّهم مظاهر أسماء الله وصفاته ولا يمكن لغيرهم معرفة كمالاتهم ، كما روي عن النّبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «يا عليّ ما عرف الله إلّا أنا وأنت وما عرفني إلّا الله وأنت وما عرفك إلّا الله وأنا» (٢).

وكذا الكلام في الجمل الآتية.

(وَلا أبْلُغُ مِنْ المَدْحِ كُنْهَكُم وَلا مِن الوَصْفِ قَدْرَكُم)

أي مهما أسعى في مدحكم (٣) لا أبلغ حقيقتكم ، ومهما أصفكم لا أقدر أن

__________________

(١) والائمّة الهداة عليهم‌السلام موالي البشرية جمعاء كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غدير خم مخاطباً المسلمين في حقّ أوّلهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «من كنت مولاه فعلي مولاه ...» ثم أمر النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس بمبايعة علي عليه‌السلام بأمرة المؤمنين وأنه والائمّة من بعده هم موالي المؤمنين وكما أقرّ بذلك الخليفة الثاني وكان يقول : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب ، أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة.

ورواه الامام أحمد بن حنبل في مسنده : ج ٤ ، ص ٢٨١ ، والطبري في تفسيره : ج ٣ ، ص ٤٢٨ ، والحافظ ابن السمّان في الرياض النظرة : ج ٢ ، ص ١٦٩ ، والحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد : ج ٨ ، ص ٢٩٠ ، والشهرستاني في الملل والنحل : ج ١ ، ص ٢٠٢ ، وغيرهم في عشرات المصادر الشيعية والسنية فراجع تهتدي ان شاء الله تعالى.

(٢) تأويل الآيات ص ١٤٥ وص ٢٢٧ ، وقريب منه بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٩ ، ص ٨٤ ، مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ٢٦٧.

(٣) كيف اقوى أنا ومن في مقامي أن أمدحكم حقّ مدحكم والحال أن الله قرن طاعتكم بطاعته ، بل وصف في كتابه وأذهب عنكم الرّجس وطهركم تطهيراً وكما يصف أولكم وسيّدكم الامام الاوّل علي بن أبي طالب عليه‌السلام نفسه في جواب رسالة الى معاوية بن أبي سفيان ، لمّا فاخره ـ طبعاً ومن هوان الدّهر أن يفاخر معاوية الطَّليق ابن الطّليق ثمرة الشّجرة الملعونة في كتاب الله تعالى سيد الاوصياء وامام الاتقياء ـ بقوله : كان أبي سيداً في الجاهلية ـ نعم سيد الشرك والكفر الى أن مات ـ وصرت ملكاً في الاسلام ـ بمحاربة أخي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبغصب الخلافة من ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام وقتلهم سيد الشّهداء الامام الحسين عليه‌السلام وبما سفكوا من دماء الاتقياء والمخلصين من الانصاري والمهاجرين ـ الى آخر كلامه ...

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام اكتب يا غلام :

محمّد النّبي أخي وصهري

وحمزة سيّد الشّهداء عمّي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن اُمّي

وبنت محمّد سكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبا أحمد ولداي منها

فأيّكم له سهم كسهمي


أصف فضيلة واحدة من فضائلكم كما هو حقّه وقد عجز العقلاء والعلماء والحكماء والبلغاء والشّعراء في هذا المقام.

روي عن الإمام الرّضا عليه‌السلام في وصف الإمام فقال : «الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ، أو يمكنه اختياره ، هيهات هيهات ، ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت (١) العيون وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشّعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضاشئله ، وأقرّت بالعجز والتّقصير ، وكيف يوصف بكلّه ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم شيء من أمره ، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ، لا كيف وأنّى؟ وهو بحيث النّجم من يد المتناولين ، ووصف الواصفين ... الحديث» (٢).

(وَأنْتُمْ نُورُ الأخْيَارِ)

__________________

فأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خمّ

فويل ثمّ ويل ثمّ ويل

لمن يلقى الإله غداً بظلمي

رواه جمع من أعلام الاُمّة : العلّامة الاميني رحمه الله ، في الغدير : ج ٢ ، ص ٢٧ ، وسبط الجوزي الحنفي ، في تذكرة الخواص ص ٦٢ ، وابن أبي الحديد : في شرح نهج البلاغة : ج ٢ ، ص ٣٧٧ ، وأبو اسحاق الحموئي ، في فرائد السمطين : ج ١ ، ص ٤٢٧ ، وابن كثير الشافعي ، في البداية والنهاية : ج ٨ ، ص ٨ ، وابن الصباغ المالكي ، في الفصول المهمة : ص ٣٢ و ٣٣ ، وغيرهم ...

(١) خسئت : كلت.

(٢) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠١ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٥ ، ص ١٢٠ ـ ١٢٨ ، الكمال الدين : ص ٣٨٠ ـ ٣٨٣ ، معاني الاخبار : ص ٣٣ ـ ٣٤. الامالي : ص ٣٩٩ ، عيون أخبار الرّضا : ص ١٢٠ الى


أي كيف اُحصي ثناءكم وأبلغ من المدح كنهكم ، وأصف قدركم ومنزلتكم والحال أنّكم نور الاخيار : يعني أنّكم معلمو وهادو الأخيار ، مع أنّه لا يمكن معرفة الأخيار من النّبيين والمرسلين والملائكة المقرّبين حقّ معرفتهم ، أنّى لهم معرفتكم وأنتم معلموهم سوى جدّكم الكريم سيّد المرسلين صلى لله عليه وآله وسلم ، أو المراد أنتم كالشمس من بينهم ، فكما أنّ البصر عاجز عن رؤية الشمس كذلك البصيرة عاجزة عن إدراك مراتب شمس كمال صفاتكم.

(وَهُداةُ الأبْرَارِ)

أي مشعل الصلحاء والأبرار ، وبكم يهتدى ، والهداية والبراءة فيهم (الابرار) نتيجة لهدايتكم وفي أثر علوم الحقّة والمعارف الالهية التي خصوصتم بها.

(وَحُجَجُ المَلِكِ الجَبَّار ، بِكُم فَتَح اللهُ)

أي أنتم حجج الملك الجبار الذي بكم خلق الوجود أو الخلافة أو جميع الخيرات والافاضات ، أو بكم خلق الله المخلوقات ، إذ لولاكم لما خُلقتْ سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا شمس مضيئة ولا قمر منير ولا الانسان ولا الحيوان ولا غير ذلك (١) ، كما ورد في روايات كثيرة ، ونقرأ ذلك في فقرات حديث الكساء :

__________________

(١) قال أبو محمّد طلحة بن عبد الله أبي العون الغساني يمدحهم :

يا آل أحمد لولاكم لما طلعت

شمس ولا ضحكت أرض من العشب

يا آل أحمد لا زال الفؤاد بكم

صبّا بوادره تبكي من الندب

يا آل أحمد أنتم خير من وخدت

به المطايا فأنتم منتهى الارب

أبوكم خير من يُدعى لحادثة

فيستجيب بكشف الخطب والكُرب

عدل القرآن وصي المصطفى وأبو الـ

سبطين أكرم به من والد وأب

بعل المطهرة الزّهراء والحسب الطـ

هر الذي ضمّه شفعاً الى النسب

المقتطفات : لابن رويش ، ج ٢ ، ص ٤٨٢.


«وعزتي وجلالي ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا قمراً مُنيراً ولا شمساً مُضيئةً ولا فلكاً يدور ولا بحراً يجري ولا فلكاً يسري إلّا لأجلكم ومحبّتكم» (١).

(وَبِكُمْ يَخْتِمُ)

أي أنّ دولتكم آخر الدّول ، أو المراد بدعائكم يرجع الله العالم إليه ، أو يكون المراد قبل يوم القيامة يرفع الله عزّ وجلّ وجود المعصوم من الارض كما وردت في الاخبار قال الإمام عليه‌السلام : «فاذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب» (٢).

أو معناها الدّولة في الآخرة أيضاً لكم.

(وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الغَيثَ)

أي أنّ الله عزّ وجلّ وببركة وجودكم الشريف ينزل أمطار الرّحمة ، كما ورد ذلك في الاخبار ، أو بدعاءهم ورد عن الإمام السّجاد عليه‌السلام قال :

«بنا ينزل الغيث وتنشر الرّحمة وتخرج بركات الارض» (٣).

أو يكون المراد منها غيث العلم والمعارف الله سحبانه ينزلها على اراضي قلوب مستعدة روي عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«إنّ مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً ، وكان

__________________

(١) آخر مفاتيح الجنان : حديث الكساء.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ١٩٧ ، تفسير نور الثّقلين : ج ٤ ، ص ١٤٦ ، التّوحيد للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ص ١٤٠.

(٣) اكمال الدّين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٧.


منها طائفة طيبة فقبلت الماء فأنبتت الكلأ (١) والعشب (٢) الكثير ، وكان منها أجادب (٣) أمسكت الماء فنفع الله بها الناس وشربوا منها ، وسقوا ووزعوا ، وأصاب طائفة اُخرى إنّما هي قيعان (٤) لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، وتفقّه ما بعثني الله به ، فعلم وعلّم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي اُرسلت به» (٥).

(وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ أنْ تَقَعَ عَلَى الأرضِ)

وذلك مع حصول أسبابه من أقوال الخلق وأفعالهم الموجبة لسقوط السموات وانشقاق الأرض في نسبة الولد والصاحبة لله عزّ وجلّ واتخاذ الالهة الباطلة وسائر الاقوال الفاسدة والاعمال الكاسدة ، كما قال تعالى :

(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدًا) (٦).

روي العالم الجليل الشّيخ الصّدوق رحمه الله في اكمال الدين بسنده عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال الإمام :

«نحن حجج الله في أرضه وخلفائه في عباده وأمنائه على سرّه ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته ، بنا يمسك السّموات والأرض أن تزولا وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة لا تخلو الأرض من

__________________

(١) الكلأ : نبات الارض مما ترعاه الانعام رطبة ويابسة.

(٢) العُشب : الضم ماالسكوت هو الملأ الرطب.

(٣) الاجادب : الاراضي التي لا نبت فيها.

(٤) بكسر القاف جمع القاع وهي أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال والاكام ، ويأتي جمعها أيضاً قبع وقبعة بكسر القاف فيهما وعلى أقواع وأقوع.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٤.

(٦) مريم : ٩٠ ـ ٩١.


قائم منّا ظاهر أو خافٍ ، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها ما يموج البحر بأهله» (١).

(إلّا بِإذْنِهِ)

أي عند قيام القيامة أو في كل وقت يريده الله تعالى وبأذن منه في فناء الاشياء.

(وَبِكُم يُنَفِّسُ الهَمَّ وَيَكْشِفُ الغَمَّ وَيَرْفَعُ الضُّرَّ)

كما فرّج الله سبحانه بهم الضّر والبلية عن آدم ونوح وأيوب ويعقوب عليهم‌السلام وقبل توبة آدم عليه‌السلام بهم.

عن الإمام السّجاد عليه‌السلام قال :

«نحن أئمّة المسلمين وجج الله على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالى المؤمنين ونحن امان أهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلّا بأذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تموج بأهلها ، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرّحمة وتخرج بركان الارض ... الحديث» (٢).

(وَعِنْدَكُمْ مَا نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ وَهَبَطَتْ بِهِ مَلائِكَتُهُ)

من الصّحف الالهية والكتب السّماوية والعلوم الرّبانية والاسرار الحقّانية (٣).

__________________

(١) كمال الدين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٠٢.

(٢) كمال الدين : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٠٧.

(٣) ورد عن عبد الله بن سنان عن الامام الصّادق عليه‌السلام قال : أنّه سأله عن قول الله عزّ وجلّ : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ) ما الزّبور وما الذّكر؟


(وَإلَى جَدُّكُم بُعِثَ الرُوحُ الأمِين)

أي نزل جبرائيل الأمين عليه‌السلام ، وإن كانت الزّيارة لأمير المؤمنين عليه‌السلام فعوض الى جدّكم قل : «والى أخيك بُعث الرّوحُ الأمينُ».

(آتَاكُمُ الله)

من العلوم الرّبانية ، والمعارف الحقّانية والاسرار الالهية والفضائل النّفسانية والاخلاق الملكوتية.

(مَا لَم يُؤتِ أحَدَاً مِن العَالَمِينَ)

أو المقدار الذي لم يؤت الاخرون من تلك المعاني إلّا جدكم سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن لم يكن داخلاً في الخطاب فهيم.

روي عن الزّيارات وكان مكيناً عند الإمام الرضا عليه‌السلام قال : قلت للرّضا عليه‌السلام : اُدع الله لي ولأهل بيتي.

فقال عليه‌السلام : «أو لست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض عليَّ في كل ّ يوم وليلة».

قال الزّيارات : فاستعظمت ذلك.

فقال الإمام عليه‌السلام : «أما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (١).

وقال عليه‌السلام : وهو والله علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

__________________

قال عليه‌السلام : «الذّكر عند الله ، والزّبور الذي اُنزل على داود ، وكلّ كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم» اصول الكافي : ج ١ ، ص ٢٢٥ ح ٦ ، والآية الشّريفة في سورة الانبياء : ١٠٥.

(١) التوبة : ١٠٥.

(٢) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٩٥ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ٢١٩.


والمراد من المؤمنين أيضاً : الائمّة الاطهار عليهم‌السلام (١).

ومأثور عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام أنّه قال :

«إنّ إسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً ، وإنما عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس ، ثمّ تناول السّرير بيده ثمّ عادت الارض كما كانت أسرع من طرفة عين ، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفاً ، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم» (٢).

وعن ابن جبل عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام قال : كنّا ببابه فخرج علينا أقوام شبه الزّط (٣) عليهم ازر واكيسة فسألنا أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : هؤلاء إخوانكم من الجن (٤).

وفي رواية اُخرى قال عليه‌السلام : «... يأتونا فيسألونا عن حلالهم وحرامهم ومعالم دينهم» (٥).

إذن ، يعتبر عرض الاعمال عليهم ، ومجيء الجن وسؤالهم عن الحلال والحرام والآفا الفضائل الاخرى من مختصاتهم عليهم‌السلام ، وما كان لغيره نصيب منها.

(طَأطَأ كُلُّ شَرِيفٍ لِشَرَفِكُم (٦))

أي خضع وخفض جناحه كل شريف لشرفكم ومقامكم ، أي لأجله إذا لم

__________________

(١) تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٢٩٣ ، ح ٣٢٠ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٢٥ ، بصائر الدّرجات : ص ٥٧.

(٣) الزّط : بضم الزاء صنف من الهنود.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة الملجسي رحمه الله ، ج ٤٧ ، ص ١٥٨ ، اصول الكافي : ج ١ ، ص ٣٩٥ ، ح ٢.

(٥) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣٩٥ ، ح ٣.

(٦) في بعض نسخ الزيارة ورد «شرف لكم» بدلاً عن «لشرفكم».


يصل إليه أحد.

(وَبَخَعَ كَلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطَاعَتِكُم)

(بخع) بالباء الموحدة والخاء المعجمة أي خضع ، والمعنى ، إنّ المتكبرين يقرّون بطاعتكم لله تعالى ويقرّون بتفردكم في العبودية الخالصة والطاعة الكاملة لله سبحانه.

(وَخَضَعَ كُلُّ جَبَارٍ لِفَضْلِكُم)

أي خضع كل سلطان متجبر لمقامكم الشّامخ وعلومكم الباهرة ، وما ذكره الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلس معاوية ، واقرارهم بما ذكره الإمام عليه‌السلام (١). أو ما ذكره المأمون العباسي من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلسه وقد حضره جمع غفير من علماء المخالفين واذعانهم بها (٢).

أو ما ذكره الاعرابي من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجلس الوليد بن يزيد بن عبد الملك بكلام بليغ وفصاحة فائقة ، فإغتم وليد وامتلئ قلبه غيضاً وهو يغص بريقة وقد تغير لونه ، فأغمي عليه يوماص وليلة أجمع (٣) ، وهذه صوراً حيّة من التّاريخ لمن أراد أن يتذكر أو يؤمن.

ورد ذكر آل أبي طالب عليهم‌السلام يوماً في مجلس الرّشيد قال هارون : بلغني أن العامّة (٤) يظنون فيّ بغض عليّ بن أبي طالب ، والله ما أحبّ أحداً حبّي له ، ولكن

__________________

(١) فراجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٤ ، ص ٧٠ الى ٨٦ ، والاحتجاج : للشّيخ الطّبرسي رحمه الله ، ص ١٣٧ الى ١٤٣.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٩ ، ص ١٨٩ الى ٢٠٨ ، عيون أخبار الرضا : ج ٢ ، ص ٢٨٥ الى ٢٠٠.

(٣) بحار الانوار ج ٤٦ ، ص ٣٢١ الى ٣٢٣.

(٤) يعني سواد الناس.


هؤلاء أشدّ النّاس بغضاً لنا ، وطعنا علينا ، وسعياً في فساد ملكنا بعد أخذنا بثأرهم ، ومساهمتنا إياهم ما حويناه ، حتى إنّهم لأميل إلى بني اُميّة منهم إلينا ، فأمّا ولده لصلبه منهم سادة الأهل ، والسّابقون الى الفضل ...» (١).

وكذلك مشهور أنّه لما دخل الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام على هارون وتكريمه له غاية الاكرام ، حتى أجلسه على مسنده ، فسأله إبنه المأمون بعد خروج الإمام عليه‌السلام قائلاً : يا أمير المؤمنين من هذا الرّجل الذي قد عظمته وأجللته ، وقمت من مجلسك إليه فاستقبلته ...

قال هارون : هذا إمام الناس ، حجّة الله على خلقه وخليفته على عباده وهو موسى بن جعفر.

قلت : يا أبة لماذا لا تردَّ الحقّ الى نصابه.

قال هارون : فانّ الملك عقيم ، ووالله لو نازعتني هذا الامر لاخذت الذي فيه عيناك (٢).

(وَذَلَّ كُلُّ شَيءٍ لَكُم)

أي بقدرة الله تعالى وخضوع الخلفاء الجبابرة لهم وتذلل الجمادات (٣)

__________________

(١) مراده من هؤلاء : الشيعة والموالين لاهل البيت عليهم‌السلام.

تاريخ الخلفاء : للسيوطي ، ص ٣٩٣ ، لا يشك البصير المتتبع في مراوغة هارون فيما يدعيه من حبّه لعلي وآل علي عليهم‌السلام مع سفك الدّماء خيرة ابناء هذا البيت الشريف ، ولكنّه فراراً من ذمّ الناس يتحجج بهذه الحجج الواهية وهذا ديدن سلاطين الجور على مرّ العصور ، وما ارتكبه خلفاء بني العباس قد ملئت صفحات التاريخ الاسلامي الموالي والمعادي لهم عليهم‌السلام.

(٢) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٨ ، ص ١٢٩ الى ١٣٣ ، عيون اخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٨٨.

(٣) هناك شواهد كثيرة في تاريخ أهل البيت عليهم‌السلام تذكر انقياد الموجودات اليهم واطاعتهم منهم كما حدث ذلك لامير المؤمنين عليه‌السلام في حياة النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما ردّ الله الشّمس له ، ورد عن ابن عباس بطرق كثيرة : أنّه لم ترُدّ الشمس إلّا لسليمان وصي داود ، وليوشع وصيّ موسى ، ولعلي بن أبي طالب وصيّ محمّد صلوات الله عليهم أجمعين.


والنباتات والحيوانات بين أيديهم ، ورد ذلك في الكتب والاثار مشهورة والاخبار مسطورة.

ورد عن الإمام الحسن عليه‌السلام أنه قال : «فما مرّ ـ يعني البدن الطّاهر لأمير المؤمنين عليه‌السلام ـ بشيء على وجه الارض إلّا إنحنى له ساجداً ...» (١).

وكذلك ورد في خبر ما روي أن الرّشيد لما أراد قتل موسى الكاظم عليه‌السلام أرسل الى عماله في الأطراف ، فقال : التمسوا لي قوماً لا يعرفون الله استعين بهم في مهم لي ، فارسلوا إليه قوماً يقال لهم العبدة ، فلما قدموا عليه وكانوا خمسن رجلاً أنزلهم في بين من داره قريب من المطبخ ثم حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والحدم ثم استدعاهم وقال : من ربّكم.

فقالوا : ما نعرف ربّاً وما سمعنا بهذه الكلمة ، فخلع عليهم ثمّ قال للترجمان : قل لهم إن لي عدواً في هذه الحجرة فادخلوا إليه وقطعوه.

فدخلوا بأسلحتهم وخروا سجداً فجعل الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام يمر يده على رؤوسهم وهم منكسون وهو يخاطبهم بألسنتهم ، فلما رأى الرّشيد ذلك غشي عليه وصاح بالتّرجمان اخرجهم فأخرجهم يمشون القهقري إجلالاً للامام موسى الكاظم عليه‌السلام ثمّ ركبوا خيولهم واخذوا الأموال ومضوا (٢).

__________________

وفي ذلك قال قدامة السعدي :

ردّ ال وصيّ لنا الشمس التي غربت

حتّى قضينا صلاة العصر في مهل

لا أنسه حين يدعوها فتتبعه

طوعاص بتلبية هاها على عجل

فتلك آيته فينا وحجّته

فهل له في جميع الناس من مثل

أقسمت لا أبتغي يوماً به بدلاً

وهل يكون لنور الله من بدل

حسبي أبو حسنٍ مولىً أدين به

ومن به دان رسل الله في الاوّل

انظر الى كتاب المقتطفات : للعلّامة ابن رويش ، ج ٤٢ ، ص ٢٤٥.

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٢ ، ص ٢٩٥.

(٢) جلاء العيون : للعلّامة محمّد باقر المجلسي رحمه الله ، ص ٢٤٢.


(وَأشْرَقَتْ الأرْضُ بِنُورِكُم)

أي بنور وجودكم ، فانه لولاكم لما وجدت الارض وغيرها من الموجودات ، أو أشرقت قلوب أهل الأرض بنور هدايتكم ، وأفرد النّور دون أن يأتي به جمعاً ، لأنهم نور واحد ، أو اشارة الى قوله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) (١).

فانّهم نور الله تعالى كما سبق.

(وَفَازَ الفَائِزُونَ بِوِلايَتِكُم)

أي لسبب إعتقاد طائفة من النّاس بامامتكم ومحبّتكم ومتابعتكم ، أشارت هذه الفقرة المباركة الى أن حقيقة ولايتهم كنور الشمس يبصره جماعة من الّذين هموا في الاستضاءة به ، وحرم الاكثرية الذين هم كالخفافيش فلا يستطعيون أن يروا جمال حقيقهم وواليتهم ، لأن الخفاش محروم من نور الشّمس الوهّاج.

فعليه ، من آمن بولايتكم فقد فاز وظفر بمطلوبه ومحبوبه وهو محبّتكم في الدّنيا ، وشفاعتكم في الاخرة ومنه قوله تعالى : (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (٢) أي فقد نجى ممّا كان يخاف ويحذر.

(بِكُم يُسْلَكُ إلَى الرِّضْوَانِ)

أي بهدايتكم ومتابعتكم فيما أمرتم وفيما نهيتم ، يسلك الموالين لكم طريق رضا الله تعالى الذي هو أعظم الدرجات كما قال تعالى : (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ) (٣).

__________________

(١) الزمر : ٦٩.

(٢) آل عمران : ١٨٥.

(٣) التوبة : ٧٢.


(وَعَلَى مَنْ جَحَدَ وِلايَتَكُم غَضَبُ الرَّحْمَنِ)

أي أنكر أمامتكم وخلافتكم ووجوب طاعتكم غضب الرحمن الذي هو أعظم أنواع العذاب (١) قال المرحوم الفيض الكاشاني في كتابه الشريف «الوافي» في باب جحود بني اُمية وكفرها ، عن الكافي بسند متصل عن عبد الله بن طلحة فقال : سألت أبا عبد الله عن الوزغ.

قال عليه‌السلام : «هو الرجس ، مسخ ، فإذا قتله فاغتسل ـ يعني شكراً ـ وقال : إنّ أبي كان قاعداً في الحجر ومعه رجل يحدّثه فإذا هو الوزغ يولول بلسانه ، فقال أبي عبد الله للرجل : أتدري ما يقول هذا الوزغ؟

قال الرجل : لا أعلم ما يقول.

قال عليه‌السلام : فإنّه يقول : لئن ذكرت عثمان لأسبّنّ عليّاً ، وقال : إنّه ليس يموت من بني اُميّة ميّت إلّا مسخ وزغاً ، وقال عليه‌السلام : إنّ عبد الملك لمّا نزل به الموت مسخ وزغاً فكان عنده ولده ولم يدروا كيف يصنعون ، وذهب ثم فقدوه ، فأجمعوا على أن أخذوا جذعاً فصنعوا كهيئة رجل ففعلوا ذلك ، وألبسوا الجذع ، ثمّ كفّنوه في الاكفان ، لم يطلع عليه أحدٌ من الناس إلّا ولده وأنا» (٢).

وعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه‌السلام يقول : «لمّا ولد مروان عرضوا به لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو هل ، فأرسلوا به إلى عائشة ليدعو له ، فلمّا قربته منه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أخرجوا عني الوزغ ابن الوزغ».

__________________

(١) عن جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي لو أن اُمّتي صاموا حتى صاروا كالاوتار وصلوا حتى صاروا كالحنايا ، ثم أبغضوك لاكبهم الله على مناخرهم في النار».

وروى مثله جمع من الاعلام منهم : لسان الميزان : لابن حجر العسقلاني ، ج ٦ ، ص ٢٤٣ ، ميزان الاعتدال : العلّامة الذهبي ، ج ٢ ، ص ٢٨١ ، نزهة المجالس : للصفوري ، ج ٢ ، ص ٢٢٢. وغيره أعرضنا عن ذكرها خوفاً من الاطالة.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ٢٣٥.


قال زرارة : ولا أعلم إلّا أنّه قال : ولعنه (١).

أمّا العامّة فهكذا نقلوا الحديث : «الوزغ ابن الوزغ والملعون بن الملعون» (٢).

(بِأبِي أنْتُم وَأمِي وَنَفْسِي وَأهْلِي وَمَالِي)

أي أفديكم بأبي وأمّي ونفسي وأهلي ومالي ، وهم رهط الانسان وأعزّ ما لديه.

(ذِكْرُكُم فِي الذّاكِرِين وأسْمَاءُكُم فِي الأسْمَاءِ وأجْسَادُكُم فِي الأجْسَادِ وَأرْوَاحُكُم فِي الأرْوَاحِ وَأنْفُسُكُم فِي النُّفُوسِ وآثَارُكُم فِي الآثَارِ وَقُبُورُكُم فِي القُبُورِ)

هذه الفقرات تحتمل معانٍ.

الاوّل : أن يكون المعنى أنّ ذكركم وإن كان في الظّاهر مذكوراً بين الذّاكرين أو يذكروكم بالسنتهم ويذكروا غيركم ، وتذكر أسماؤكم في أسمائهم بأن يقولوا ، محمّد وعلي وكذا البواقي إلّا أنّه لا نسبة بين ذكركم وذكر غيركم ، ولا بين أسمائكم واسماء غيركم ، وكذا البواقي بقرينة الفقرة الآتية في قوله بعد ذلك.

(فَمَا أحْلَى أسْمَاءُكُم وَأكْرَمُ أنْفُسَكُم وَأعْظَمُ شَأنَكُم وَأجَلُ خَطَرَكُم)

أي وإن كانت أسماؤكم وأنفسكم وأرواحكم تذكر ضمن سائر الاسماء

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣١ ، ص ٥٣٣ ، روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٢٣٨.

(٢) وقد ورد عن عبد الرحمن بن عوف ، قال : كان لا يولد لأحد مولود ، إلّا أتي به إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا له ، فاُدخل عليه مروان بن الحكم ، فقال : «هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون» أخرجه الحاكم في المستدرك : ج ٤ ، ص ٤٧٩. وتأمل في الروايات الواردة في هذا الباب في الإصابة : لابن حجر ، ج ١ ، ص ٣٤٥ ، وتاج العروس : للزبيدي ، ج ٦ ، ص ٣٥ ، والسيرة الحلبية : ج ١ ، ص ٣٣٧ ، الانساب : للبلاذري ، ج ٥ ، ص ٢٧ ، والفائق : للزمخشري ، ج ٢ ، ص ٣٠٥.


والنّفوس والارواح ، إلّا أنّه ما أحلى أسماءكم من بين الاسماء وأعظم وأكرم نفوسكم وأرواحكم.

وعلى أي حال ، فحاصل المعنى أن ما يذكر ويسمى ويتكلم به تدور حوله الألسن فهو غير خارج من هذين الشّقين : إمّا خالق أو مخلوق ، وأسماؤكم وأنفسكم وأخلاقكم وأجسادكم وسائر أفعالكم وأحوالكم وأطواركم وإن كانت في ضمن المخلوقات وداخلة في جملتها ، إلّا أن لها كمال الامتياز والسّمو والعلو والرّفعة والقدر والمنزلة بحيث لا نسبة بينها وبين سائر الاسماء والنفوس والأرواح ، فهي مصداق المثل المعروف : اين الثرى من الثريا ، فهناك جملة من الاُمور المنسوبة إليهم وإلى غيرهم ، وهذا لا يقضي مساواتها ولا انطباقها كما قال من قال.

فإنْ تَفِقِ الأنام وأنْتَ مِنْهُم

فإنَّ المِسكَ بَعْضُ دَمُ الغَزَالِ

وهذا المعنى أحسن المعاني واوضحها.

الثّاني : أن يكون المعنى : إذا ذكر الله الذّاكرون بمدح أو ثناء فأنتم داخلون فيهم ، لأنكم سادات الذاكرين ، وكذا إذا ذكرت الاسماء الشريفة والأوصاف المنيعة والارواح الطّيبة والأجساد الطّاهرين والأنفس السّليمة والعقول المستقيمة ونحو ذلك ، فأسماؤكم وأرواحكم وأجسادكم ونفوسكم داخلة في هذا التّعريف ، لأنّكم سادة السّادة وقادة الهداة وأشرف الشّرفاء ، ويدل على هذا المعنى الاحاديث الواردة ومدلولها ، أن كلّ آية مدح وثناء تشتمل على فضيلة وكمال فإنّ المراد منها الائمَّة المعصومين عليهم‌السلام ، وكلّ آية قدح وعذاب تشتمل على الذّم والتّفريع فالمراد منها أعداء أهل البيت عليهم‌السلام (١).

المأثور عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة : (وَلَا تَسْتَوِي

__________________

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٤ ، ص ٤١ الى ٤٨ و ٣٨٦ الى ٣٠٤.


الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) (١) فقال الإمام عليه‌السلام : «نحن الحسنة ، وبنو اُميّة السيئة» (٢).

الثّالث : أن يكون المعنى أنّه ينبغي أن يكون ذكركم مذكوراً في ألسنة الذّاكرين وكذا أسماؤكم ، والباقي بمعنى أن من أراد أن يذكر أحداً بمدح فينبغي أن لا يذكر سواكم ، ومن أراد الثناء على الأسماء والأرواح والأجساد والنّفوس فليس له أن يتجاوزكم إلى غيركم قال من قال :

إلَيْكُمْ وَإلّا لا تُشَدُّ الرَّكائب

وَمِنْكُمْ وَإلّا لا تَصُحُّ المَواهِبُ

وَفِيْكُمْ وَإلّا فَالحَدِيثُ مُزَخْرَفٌ

وَعَنْكُمْ وَإلّا فَالمُحَدِّثُ كاذِبُ

الرّابع : أن يكون المعنى أن ذكركم واسماؤكم وأرواحكم وسائر ما ذكر بمنزلة المظروف ، وجميع ذلك من غيركم بمنزلة الظّرف ، فشرافة هذه الاشياء منكم كشرافة المظروف على الظرف وامتيازه ، ولا يخلو هذا المعنى من بعد.

الخامس : يحتمل أن يكون المعنى أن هذه المذكورات من غيركم بمنزله القشر ومنكم بمنزلة اللب ، لأنّ الله سحبانه اشتق أسماءكم من أسمائه القدّسة ، وأمَّا أسماء غيركم فهي من صنع أنفسهم أو يُنسبون الى عبّاد الاصنام والمشركين ، ولأن أسماءكم محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، واسماء غيركم بهرام وعبد العزّى وآذر ميدخت وغيرها أخذت من اسماء عبّاد الاصنام أو عبّاد النّار.

وذكركم بتمام الجوارح والاعضاء ، والذّكر على ألسنتكم ممزوج بالذكر في قلوبكم ، وذكر غيركم في الظّاهر واللّسان فقط ، وأن أرواحكم وأبدانكم من العليين وما فوق ذلك ، وأبدان شيعتكم دون ارواحكم من العليين وما دون ذلك ،

__________________

(١) فصلت : ٣٤.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٤ ، ص ٤٧ ، عن كنز الفوائد : ص ٢٨٢.

وكما ورد عن الامام علي عليه‌السلام في حديث الى أن قال : «الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا» رواه الحموني في فرائد السمطين : ج ٢ ، ص ٢٢٩ ، القندوزي في ينابيع المودة : ص ٩٨ ، والثعلبي الشافعي في تفسيره ، كما في الاحقاق : ج ٩ ، ص ١٣٥ ، البدخشي في مفتاح النجا : ص ٦ ـ مخطوط ، وغيرهم.


وأبدان وأرواح أعدائكم من السّجين وما دون ذلك.

وآثاركم تحوى على المطالب العالية والمعارف الالهية الجليلة ، وآثار غيركم إمّا سالبة بأنتفاء الموضوع أو عندما تحتوي على فائدة فهي مقتبسة من آثاركم. وهكذا قبوركم وبيتكم التي عظمها الله سبحانه وجللها وجعل استجابة الدّعاء فيها وجعلها ملجاءً ومأمناً لاهل الدّنيا وأمّا قبور غيركم فهي خالية من هذه الخصائص ، واذا وجد فهي من بركات قبوركم.

السّادس : أن يقرأ فقرات أسمائكم وأرواحكم الى آخره ... مجروراً ، معطوفاً على ضمير الخطاب المجرور في ذكركم ، فيكون المعنى هكذا : يذكركم الله في جنب الذّاكرين ، فيكون من قبيل الاضافة الى المفعول ، بمعنى : اذا ذكر النّاس الذّاكرين بالمدح والثّناء وجرت أسماؤهم على السنتهم وكذا أرواحهم واجسادهم ، ذكركم الله سبحانه وتعالى في جنبهم وذكر أسماءكم ومدحها وكذا أرواحكم وأجسادكم في جنب ذكرهم لها بعلو المرتبة والدّرجة عند الملأ الاعلى وأهل السّماء والأرض كما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَلَذِكْرُ اللَّـهِ أَكْبَرُ) (١).

أي ذكر الله عبده أكبر من ذكر العبد ربّه وهو العبد (٢).

والدّليل على ما ذكرنا الآيات والروايات الكثيرة المستفيضة الواردة في مباهات الله سبحانه وتعالى بملائكته في علو مقامهم وعبادتهم وأعمالهم وسائر شؤونهم ، لأنّهم من أخصّ المقرّبين الى الحضرة القدسية الالهية ، ويمكن ان تكون لها معاني اُخرى ، فان الله عزّ وجلّ أعرف وأعلم بحقائق كلام أوليائه واصفيائه عليهم‌السلام.

__________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

(٢) راجع تفسير مجمع البيان : للشّيخ الطبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٨٧ ، وتفسير التبيان : للشّيخ الطّائفة الطوسي رحمه الله ج ٨ ، ص ٢١٢ و ٢١٣ ، وتفسير الصافي للفيض الكاشاني رحمه الله : ج ٤ ، ص ١١٨ ، نقلاً عن تفسير القمي ، عن الامام الباقر عليه‌السلام يقول : «ذكر الله لأهل الصّلاة أكبر من ذكرهم إيّاه ألا ترى أنّه يقول : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).


(وَأوْفَى عَهْدَكُمْ وَأصْدَقَ وَعْدَكُمْ)

هذه الفقرة المباركة عطفاً على ما سبقها ، فيكون المعنى : كم أنتم أوفياء في عهدكم وميثاقكم ، وكم أنتم صادقون في كلامكم ، الفقرة الاولى : «وأوفى عهدكم» إشارى الى قوله تعالى :

(رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (١).

ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «فِينا نزلت رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ... فأنا والله المنتظر ما بدلت تبديلاً» (٢).

وورد في كتب تفاسير الشّيعة والسّنة عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والائمّة الاطهار عليهم‌السلام أن المراد من الذين و «منهم من قضى ...» ، عمّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمزة بن عبد المطلب ومن استشهد معه في غزوة احد (٣).

والفقرة الثانية «وأصدَقَ وَعدُكُم» أشارة الى الآية الشريفة في قوله تعالى : (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٤).

وورد في تفسير هذه الآية أن الصّادقين هم الأئمّة عليهم‌السلام (٥).

وكذلك ورد عن الإمام الرّضا عليه‌السلام قال : «إنّا أهل بيت نرى ما وعدنا علينا ديناً كما صنع رسول الله» (٦).

__________________

(١) الاحزاب : ٢٣.

(٢) تفسير مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣٤٩ ، وتفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٢٥٩.

(٣) انظر الى مجمع البيان : للشيخ الطبرسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٣٤٩ ، وتفسير الكشاف : للزمخشري : ج ٣ ، ص ٥٣٢ ، وتفسير الجامع لاحكام القرآن : ج ١٤ ، ص ١٦٠ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٣٠.

(٤) التوبة : ١١٩.

(٥) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٣٠ ، باب ٣٦ ، نقلاً عن جابر بن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ...) قال : مع آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتفسير مجمع البيان : ج ٥ ، ص ٨٠ ، وتفسير نور الثقلين : ج ٤ ، ص ٢٥٩ ، وتفاسير الشّيعة والسّنة.

(٦) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧٥ ، ص ٩٧.


(كَلامُكُمْ نُورٌ)

أي علم وهداية من الله ، أو المراد منها أن لكلامكم امتياز على غيره كامتياز النّور على الظلمة ، فان كلامكم دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

أو المراد منها كلامكم نور وهداية لمن أراد الهداية ، لأن النّور هو الدّليل والبرهان الذي به تثبت حقائق الاشياء ، كما قيل أنّ القرآن الكريم نو لاثبات الحقائق التي جاء به النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكذلك من اقتدى بكلامهم اهتدى الى الله عزّ وجلّ وسلك طريقاً الى الجنّة ، ومن خالفهم ضلّ سعيه في الحياة الدنيا وسلك طريقاً الى النّار ، كما ورد أن الامام الحجّة مولانا صاحب الزّمان «عجل الله تعالى فرجه الشريف» نهى علي بن محمد بن علان عن الحج فخالف ومضى الى الحج فقتل (١).

وقال العلّامة شبر رحمه الله في كتابه الشّريف «الانوار اللامعة» : وما ترى في كثير من الرّوايات من عدم سلاسة الألفاظ وجزالة المعاني والتّكرار ونحو ذلك ، فإمّا لأنّه نقل بالمعنى أو لأنّهم يكلّمون النّاس على قدر عقولهم وأفهامهم (٢).

(وَأمْرُكُم رُشْدٌ)

المراد من أمركم رشد إمّا أن ولايتكم وامامتكم واضحة للجميع ، والمنكرون مع علمهم بدرجتكم ومقامكم أنكروكم ، أو أن المعنى هو أن عملكم هداية النّاس الى الصواب والحقيقة ، وعمل اعدائكم الدعوة الى الباطل فهو كالسراب قال الله تعالى :

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً) (٣).

__________________

(١) شرح الجامعة الكبيرة : للشيخ الاحساني رحمه الله ، ص ٣٨٥.

(٢) الانوار اللامعة : للعلّامة السيد شبر رحمه الله ، ص ١٩٠.

(٣) النور : ٣٩.


(وَوَصَيّتُكُمُ التَّقْوى)

كانت وصية الائمّة الهداة عليهم‌السلام في مواعظهم وخطبهم وكلماتهم للنّاس ومن يلوذ بهم التقوى ، وكذا كانت وصيّة كل واحد منهم الى حين الوفاة لأهل بيته وذرّيته أن تقوا الله سبحانه كما نلاحظ الاخبار الواردة (١).

(وَفِعْلُكُمُ الخَيْرُ)

أي فعل الخير منحصر بكم فلا يصدر منكم الشّر أبداً (٢).

(وَعادَتُكُمُ الإحْسَانُ)

أي عادتكم الإحسان أي الى البر والفاجر والصديق والعدو (٣).

(وَسَجِتَّتُكُمُ الكَرَمُ)

أي طبيعتكم الكرم والاحسان لأنّهم عليهم‌السلام أكرم الخلائق ، وقد أصبح الكرم لهم طبيعة وسجيّة ، يقول الفرزدق الشّاعر في مدح الامام السّجاد عليه‌السلام.

__________________

(١) لاحظوا وصاياهم في كتاب بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ١٥ الى ج ٥٣ ، وعلى سبيل المثال وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنائه وخصّ منه الامام الحسن والامام الحسين عليهما‌السلام : «اُوصيكما وجميع ولدي ... بتقوى الله ونظم امركم» نهج البلاغة ، رسائله عليه‌السلام ٤٧.

(٢) وفعل الشرّ من أعداءكم ولا يصدر منه الخير أبداً ، فهم وأعدائهم من أبرز مصاديق الحديث القدسي الوارد في قوله تعالى : «وأنا الله لا إله إلّا أنا خليقت الخير فطوبى لمن أجريته على يديه ، وأنا الله لا إله إلّا أنا خلقت الشّر فويل لمن أجريته على يديه» فأجرى الله تعالى الخير على يد الائمّة الهداة من آل محمّد عليهم‌السلام وأجرى الشّر على يد أعدائهم من بني اُمية والشّجرة الملعونة في القرآن الكريم ومعاوية وأبيه وإبنه يزيد ومروان وآل مروان وزياد وآل زياد ، ومن لعنهم النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطردهم من المدينة ومن آواهم وسلطهم على رقاب المسلمين.

(٣) إذا نظرت الى سيرتهم : لوجدت كم لهم من إحسان الى من أساء اليهم وآذاهم هذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعفو عن أبي سفيان وأهل مكة مع إساءتهم إليه ومؤامرتتهم على قتله ، مع كل ذلك قال لهم اذهبوا أنتم الطلقاء ، وهذا أمير المؤمنين عليه‌السلام يوصي بقاته أن يطعم من طعامه وأن يحسنوا معاملته ، وهكذا الامام الحسن والامام الحسين عليهما‌السلام وبقيت الائمّة عليهم‌السلام ، لأنّهم تخلقوا جميعاً بصفات الله عزّ وجلّ. راجع في ذلك كتب التّاريخية من العامّة والخاصّة.


مُشْتَقَّةُ مِنْ رَسُولُ اللهِ نَبْعَتُهُ

طابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالشّيمُ

عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحسانِ فَانْقَشَعَتْ

عَنْها العِمَايَةُ وَالامْلاقُ وَالظُّلَمُ

كِلَتَا يَدَتْهِ غِيَاتُ عَمّ نَفْعُهُمَا

يَستَوَكفَانِ وَلا يَعْرُوهُمَا عَدَمُ

سَهْلُ قَالَ قَطُّ إلّا فِي تَشَهُدِهِ

لو لا التَّشَهُدُ كَانَتْ لاؤُمُ نَعَمُ (١)

يعني لو لم يكن قول «لا» واجباً في التشهد كان دائماً وأبداً يتفوه بنعم ، وهذه الجملة كناية عن كثرة عطاياه عليه‌السلام وكناية عن عدم خيبة السّائل من باب داره.

(وَشَأنُكُمُ الحّقّ والصّدْقُ والرّفْقُ)

أي الحقّ في المعارف والأحوال ، والصّدق في الأقوال والرّفق في المعاشرات والأفعال (٢).

(وَقَولُكُمُ حُكْمُ)

أي كلامكم قاطع ، أو يراد منها أن كلامكم حكمة لأنكم أهل الحكمة ، ومنكم تصدر الحكمة ، وأنّكم لم تتقولوا على الله عزّ وجلّ بعض الاقاويل ، وإنّما قولكم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الله تعالى وعن الملك المحدِّث لكم ، لانّه يجري لهم ما يجري لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعهم روح القدس يسدّدهم (٣).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤٦ ، ص ١٢٤ ، عن المناقب : ج ٣ ، ص ٣٠٦ ، حلية الاولياء : ج ٣ ، ص ١٣٩ ، الاغاني : ج ١٤ ، ص ٧٥ وج ١٩ ، ص ٤٠ ، وورد في عشرات الكتب الشيعية والسنية.

(٢) وشأنهم الحقّ والصّدق والرّفق باعتبار ولايتهم وعبوديتهم وأحوالهم وأقوالهم وكلّ صفة ربانيّة وخلق إلهية آثارها ومظاهرها وشئونها ومصاديقها هم وحدهم لا يشاركهم فيها أحد من الناس ، لأنّهم سرّ الله عزّ وجلّ كما قالوا : أمرنا هذا سر مستور بالميثاق من هتكه أذله الله ... راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٧١.

(٣) اُنظر الى اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٧٣ ، باب «الرّوح التي تسدد الله بها الائمّة عليهم‌السلام»


(وَحَتْمٌ)

أي واجب الاتباع ، لأنّ الله سبحانه فرض طاعتكم وأوجبها على الخلق ، قال عزّ اسمه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (١).

والمراد منها ـ كما وردت في الاخبار وتناقلها المفسرون لهذه الآية ـ علي بن أبي طالب عليه‌السلام والائمّة الهداة من أولاده عليهم‌السلام (٢).

دلّت الادلة القطعية عقلاً نقلاً أنّهم عليهم‌السلام لا يقولون عن الله عزّ وجلّ وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا على سبيل الحتم والقطع ، لانّهم عاينوا ذلك عياناً وعرفوه شهوداً.

(وَرَأيُكُمُ عِلْمٌ)

أراؤكم قائمة على الاُسس العلميّة والبرهانيّة ، بل رأيكم إلهي مأخوذ من الوحي ، وليس كأهل الرأي المعولون على الظنون والقياسات والاستحسانات والتّخمين وغيره (٣).

(وَحِلْمٌ)

أي عقلاني لا سفاهة فيه ، أو صادر عن عقل سليم ، يعني رأيكم رأي أولي

__________________

وكذلك ورد في بحار الانوار عن هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبد الله الصّادق عليه‌السلام يقول : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) قال : «خلق أعظم من خلق جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممّن مضى غير محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مع الائمّة يوفّقهم ويسدّدهم ، وليس كلّ ما طلب وجد» ج ٢٥ ، ص ٦٧.

(١) النساء : الآية ٥٩.

(٢) اُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٣ ، ص ٢٨٦ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٣٧٢ ، أعلام ال ورى : ٣٧٥ ، وكذلك تفاسير الفريقين تجدون فيها ما يغنيكم عن البيان.

(٣) مرّ الاشارة أنّهم : ورثة الانبياء والنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أنزل الله عزّ وجلّ من الكتب والصحف ، وأنهم لا يخطئون أبداً لانّهم معصومون ومسدّدون ، فيكون رأيهم علماً أي جازماً قاطعاً وثابتاً ومطابقاً للواقع تماماً.


العلم وذوو العلوم والعقول (١).

(وَحَرْمٌ)

أي موافق للاحتياط ، أو مضبوط ومتقن بمعنى أنّكم في أموالكم محتاطين ومضبوطين ولا تقولون إلّا ما أخذتموه من الله عزّ وجلّ والنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(إنْ ذُكِرَ الخَيْرُ كُنْتُمْ أوَّلَهُ)

لأن الابتداء بالخير سواءً كان بمعنى الاحسان أو مطلق الوجود كان لأجلكم ، كما سلف في شرح الفقرة المباركة «وبكم فتح الله» فأنتم منبع الخيرات والفضائل.

(وَأصْلُهُ)

وأصل الوجود الذي هو مبدأ الخيرات جميعاً ولولاكم لما خلقت الموجودات.

(وَفَرْعَهُ)

لان الله عزّ وجلّ بفضله ورأفته على العباده جعلكم الثّمرة الكاملة لشجرة الوجود ، يتزود الناس في الدنيا والاخرة من بركة وجودكم.

وبعبارة آخر : إن الهدف المنشود من غرس الشّجرة هو النّيل من ثمرتها الحقيقية ، فأنتم تلك الثّمرة ، أو أن الكمالات العالية والافعال المرضية فرع وجودكم الذي هو الاصل وانتم الأصل والفرع.

__________________

(١) ورد عن الامام الصادق عليه‌السلام قال : «لا والله ما فوّض الله أمره أحد من خلقه إلّا رسول الله والائمّة «صلوات الله عليه وعليهم» قال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ) وهي جارية في الاوصياء» اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢٦٨ ، والآية في سورة النساء : ١٦.


(وَمَأواهُ)

أي أنتم منازل الخير ، ولا يوجد إلّا عندكم ولا يصدر إلّا منكم.

(ومُنْتَهَاهُ)

لان كلّ خير وفضل يرجع بالآخرة إليكم ، لأنّكم سببه ، أو أن عالم الدّنيا القائم على الخير لا ينطوي إلّا بانتهاء خيركم من العالم ، كما مرّ الاشارة اليها في شرح الفقرة المباركة «وبكم يختم» ، أو أن الخيرات الكاملة النازلة من الله تعالى تنتهي إليكم وتنزل عليكم كما قال الباري عزّ وجلّ في سورة القدر :

(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) (١).

تنزّل الملائكة والرّوح على مولانا صاحب الزمان «عجّل الله تعالى فرجه الشّريف» في ليلة القدر بكلّ أمر ويخر من قبل ربّ العالمين ، كما ورد هذا المعنى في التفاسير عن أهل بيت العصمة عليهم‌السلام (٢).

(بِأبي أنْتُم وأمّي وَنَفْسِي كَيْفَ أصِفُ حُسْن ثَنَائكُمْ)

أي كيف أقدر على وصف حسنكم بأن يكون اضافة الحسن الى الثّناء ، من باب إضافة الصّفة إلى الموصوف ، فعليه تكون الجملة كيف أصف ثنائكم الحسن ، أو يكون المعنى كيف أصف حسن ثنائكم على الله وتمجيدكم وتقديسكم له.

(وأحْصِي جَمِيْلَ بَلائكُمْ)

المراد من هذه الفقرة المباركة إمّا أن الابتلاءات والامتحانات التي ابتلاكم وأمتحنكم الله عزّ وجلّ بها قد خرجتم منها مكرمين ، وأن الله عزّ وجلّ ابتلاكم

__________________

(١) القدر : ٤.

(٢) فراجع تفسير نور الثقلين : ج ٥ ، ص ٦٣٨ ، اصول الكافي : ج ١ ، ص ٢٤٢ ، باب في شأن نزول (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) تفاسير اُخرى.


بنعمه كي يمتحن شكركم وابتلاكم بشدائد المكروهات للنفس البشرية كي يمتحن صبركم ، وفي كلتا الحالتين استقمتم وخرجتم من الامتحان الالهي مكرمين ومعززين ، ولذا فإنّ إبتلإتكم جميلة لانّ من البلاء والامتحان ما هو جميل وحسن وهو الامتحان الذي يخرج العبد منه مكرماً مرضياً ، ومن الامتحان والبلاء ما هو قبيح وهو الذي يخرج العبد منه مهاناً غير مرضياً.

أو يراد منها نعمتكم التي أنعم الله عزّ وجلّ بها علينا ، لأنّ نعم الآخرة والدنيا ينزل علينا بوجوده الشريف ، وعلى هذا يكون معنى البلاء النعمة ، كما ورد في الحديث الشريف : «الحمد لله على ما أبلانا» (١).

(بِكُمْ أخْرَجَنا اللهُ مِنَ الذُّلِّ)

أي بسببكم وبسبب وجودكم أو إمامتكم وخلافتكم ـ والفقرات الاتية تشير الى بعض النعم الجميلة التي أنعم الله عزّ وجلّ علينا بهم سلام الله عليهم ـ «أخرجنا» أي من ذلِّ الكفر والجهل إلى عزِّ الاسلام والايمان والعلم والهداية ، أو من ذلّ العذاب الدّنيوي والاُخروي ، أو ا لخلاص من ذلّ النفس والمال والأهل ويتخلص من ذل التمسك بالباطل وحزبه بواسطة الايمان والاسلام ، ووصل الاسلام والايمان بواسطتكم إلينا.

__________________

(١) وروى ابن ماجة في كتابه سنن المصطفى : ج ٢ ، ص ٥١٧ ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم ، فلمّا رآهم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اغرورقت عيناه ، وتَغيّر لونه ، فقلت : ما نزال نرى في وجهك ما نكرهه.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وانّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً ، وحتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود ، فيسألون الخير فلا يعطونه ، فيقاتلون وينصرون ، فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها الى رجل من أهل بيتي ، فيملؤها قسطاً كما ملأوها جوراً ، فمن أدرك ذلك منكم ، فليأتهم ولو حبواً على الثلج» الكنجي الشافعي في البيان في آخر الزمان : ص ٣١٤ ، والطبري في ذخائر العقبى : ص ١٢ ، المناوي في كنوز الحقائق : ص ٣٥ ، ابن حجر في صواعقه : ص ٢٣٧ ، الزرندي في نظم درر السمطين : ص ٢٣٦ ، احقاق الحق : ج ٩ ، ص ٣٨٩ ، وغيرهم.


أو يراد بها أن من أجل تعاليمكم العالية ضحّى النّاس بأنفسهم لأنّهم رجّحوا السيوف الصّارمة على الحياة في الذّل والفرار من العدو ، وكانت مدرستكم مدرسة الشّجعان والاباة والشهامة ، ومن تخرج من مدرستهم نزع عن نفسه ثوب الذلة وحصل على وسام الحرية لأنّهم عليهم‌السلام سادة الأباة والحميّة ، كما إشار الى هذا المعنى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عندما تطرق الى الاُباة الذين لم يقبلوا الظّلم والذّل وامتنعوا عن الرّضوخ فقال :

«سيّد أهل الأباء الذي علّم النّاس الحميّة والموت تحت ظلال السّيوف اختياراً له على الدّنية هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب الذي عرض عليه الامان وأصحابه فأنف من الذّل وقال : ألا وأن الدّعي ابن الدّعي قد ركز بين اثنتين بين السّلة والذّلة وهيهات منّا الذّلة يأبى اللهُ ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حميّة ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام» (١).

(وَفَرَّجَ عَنَّا غَمْرَاتِ الكُرُوب)

أي بكم فرج الله عنّا شدائد الغصص وتراكم الهموم والاحزان ، ورفع عنّا مزدحمات الكفر والظلم والجهل والحيرة وعذاب الدنيا والآخرة ، أو المراد منها غمرات وسكرات الموت وهو إشارة الى الآية الشّريفة :

(وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (٢).

__________________

(١) ابن أبي الحديد للمعتزلي : ج ٢ ، ص ٢٤٩ ، باب ٥١.

(٢) الانعام : ٩٣.


وقلنا في شرح الفقرات آنفة الذّكر أن الائمّة عليهم‌السلام عند احتضار شيعتهم يأتون إليهم ويوصون قابض الارواح وملائكة العذاب بالرّفق بشيعتهم (١).

(وَأنْقَذَنَا مِنْ شَفَا جُرُفٍ الهَلكَاتِ وَمِنَ النَّارِ)

الشفا على وزن النوى ـ بالشين المعجمة والالف المقصورة ـ بمعنى الطرف والجانب ، والجرف ـ بضم الجيم الراء ـ الموضع الذي تجرفه السيول ، أي أكلت ما تحته ، والمراد من الهلكات هنا الكفر والظلال والفسق.

فعليه يكون المعنى : أنقذنا الله عزّ وجلّ بكم حين كنا مشرفين على المهالك من الكفر والضّلال والفسق فهدانا بكم وخلّصنا من تبعاتها ، (ومن النار) أي أن الخلاص من نار جهنم كان بمحبّتكم وولايتكم (٢).

(بِأبِي أنْتُم وأُمّي ونَفْسِي بِموالاتِكُم عَلَّمنَا اللهُ مَعالِمَ دِينِنَا)

أي بسبب محبتكم عليمنا الله أخباركم وآثاركم وأقوالكم وأفعالكم ومعالم ديننا ، وكلّ ما لم يخرج من التعاليم الدينية من بيوتكم ومن عندكم فهو باطل وعاطل ، لان الدين والكتاب نزلا في بيوتكم.

(وأصْلَحَ ما كَانَ فَسُدَ مِنْ دُنْيَانا)

فإن معرفة اُمور الدّين التي تتعلق بالمعاملات والمعاشرات والحكومات والحدود والدّيات التي بها ينتظم اُمور الخلق والمجتمع وأُمور المعاش ، فضلاً عن

__________________

(١) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٦ ، ص ١٤٥ الى ٢٠٨ ، باب ٨.

(٢) ورد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ولايتي وولاية أهل بيتي أمان من النّار» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٨٨ ، عن الامالي : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ٢٨٤.


المعاد والعقبى التي يكون نظر الدين الحقيقي إليها ، والدين واحكامه تحصل ، بمحبتهم وولايتهم.

(وَبِمُوالاتِكُم تَمَّتْ الكَلِمةُ)

أي كلمة التوحيد ، كما روي عن الإمام علي الرضا عليه‌السلام قال : «من قال لا إله إلا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي فلمّا مرّت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها» (١).

يعني أنا شرط لكلمة التّوحيد ، أو المراد منها كلمة الايمان واشارة الى قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٢).

والكلمة سواءً كانت يراد بها التوحيد أو الاسلام لابدّ أن يكون معها الولاية والاخذ عنهم وتفويض الامر إليهم والتّسليم لهم والاعتقاد أن الاعمال لا تقبل إلّا بولايتهم كما قال الامام الرّضا عليه‌السلام بشروطها وولايتهم شروط كلمة التوحيد (٣).

(وَعَظُمَتْ النعمَةُ عَليْنَا)

إن الايمان والاعتقاد بولايتكم وامامتكم نعمة كبيرة وكرامة من الله عزّ وجلّ علينا ، وفي هذه الفقرة المباركة اشارة الى نصب النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصيّه بالخلافة دون فصل بعده ، وذلك في يوم غدير خم بأمر من الله عزّ وجلّ حينما نزلت الآية المباركة :

__________________

(١) عيون أخبار الرّضا : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٣٥ ، ينابيع المودة : ص ٣٦٤.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) وكذلك ورد عن الامام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن جبرئيل عن ميكائيل عن اسرافيل عن اللوح عن القلم ، قال : قال الله عزّ وجلّ : «ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي» عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ٢ ، ص ١٣٦.


(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) (١).

وقال تعالى أيضاً :

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (أي بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام) وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (٢).

ووردت في الاخبار الكثيرة أن المراد من «النعمة» هي نعمة إمامة وولاية الائمّة الهداة عليهم‌السلام (٣).

وورد عن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (٤).

فقال الإمام عليه‌السلام : «النّعمة الظّاهرة الامام الظّاهر والباطنة الامام الغائب» (٥).

وكذلك ورد في تفسير الآية الشريفة : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا) (٦).

قال الإمام عليه‌السلام : «نحن والله نعمة الله التي أنعم بها على عبادة ...» (٧).

وفي كتاب الإحتجاج عن الإمام الصادق عليه‌السلام قوله لأبي حنيفة في تفسير الآية

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) تفسير الصّافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٠ ، ومجمع البيان في تفسير القرآن : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٠٩ ، وتفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٥٨٩ ، خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام هي خطبة الوسيلة يقول فيها عليه‌السلام بعد ذكر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله حين تكلمت طائفة فقالوا : نحن موالي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى حجّة الوداع ثمّ صار الى غدير خم ، فأمر فاصلح له شبه المنبر ثمّ علاء وأخذ بعضدي حتّى رأى بياض إبطيه رافعاً صوته قائل في محفله : من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وكانت على ولايتي ولاية الله وعلى عداوتي عداوة الله ، وأنزل الله عزّ وجلّ في ذلك (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرّبّ جلّ ذكره.

(٤) لقمان : ٢٠.

(٥) تفسير الصّافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٤ ، ص ١٤٨ ، عن الاكمال : ص ٢٠٩ ، والمناقب : ج ٣ ، ص ٣١٤ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٥٣.

(٦) ابراهيم : ٢٨.

(٧) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٣٤ ، ص ٥١ ، تفسير القمي : لعلي بن ابراهيم رحمه الله ، ص ٣٦٣ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٣١٧.


الشريفة : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (١).

قال الإمام عليه‌السلام : «نحن أهل البيت النّعيم الذي انعم الله بنا على العباد وبنا إئتلفوا بعد أن كانوا مختلفين» (٢).

(وَائتَلفَتٍ الفِرقَةُ)

أي بوجودكم الشريف تبدلت الفرقة الى الأئتلاف والإتحاد ، ولأنّ الله سبحانه بجدّكم العظيم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رفع الاختلاف من قلوب النّاس ، وأوجد بقوّة الايمان بين القلوب التآلف والمحبّة بالاخص بين قلوب قبائل العرب حين كانت هذه القبائل تتنابذ لأتفه الاسباب سنين متمادية وعندئذ لا يرتدعون من ارتكاب أبشع الجرائم في حقّ الآخرين من القتل والتعذيب والنهب والغارات.

كما وقع ذلك بين قبيلتين الاوس والخزرج ونقلوا في حالات هاتين القبيلتين ، أنّ الاوس والخزرج كانا أخوين ولدا توأمين متلاصقين ففرقوا بينهما بالسيف ، ولذا بقي السيف بينهما سنين متمادية ، فأصلح الله عزّ وجلّ بينهما بنبيّه وألّف بين قلوبهم ورفع الشّقاق عن الاُمّة ، وكذلك الائمّة الاطهار عليهم‌السلام فكلّ واحد منهم كان له دور مهم في رفع الخلاف والشّقاق عن الاُمّة الاسلاميّة.

وكما أن أمير المؤمنين وسيّد الوصيين عليه‌السلام وحّد الاُمّة بسكوته عن حقّه خمسة وعشرون سنة كاملة حفاظاً على بيضة الاسلام (٣) ، أو صلح مولانا الإمام الحسن

__________________

(١) التّكاثر : ٨.

(٢) تفسير الصّافي : للفيض الكاشاني رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٣٠٧ ، بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٤ ، ص ٤٩ ، عن تفسير العياشي ، تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٥ ، ص ٦٦٥ ، عن الامالي : للشّيخ الطوسي رحمه الله.

(٣) أيّها الباحث العزيز : إذا أردت البحث عن الحقيقة لرأيت أنّ صفحات الكتب التّاريخية مليئة بهذا المعنى وأنّها تشير بصورة جليّة أنّ الامام أمير المؤمنين وسيّد الوصيين عليه‌السلام سكت عن حقّه الذي لا يعتريه الشك ولا الشّبهة حفاظاً على الاسلام العزيز وعدم ارتداد الناس الحديثوا العهد بالاسلام عن دينهم وأن لا يندرس معالمه سنين طويلة


المجتبى عليه‌السلام مع معاوية عليه اللعنة والهاوية لنفس الهدف (١).

ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام : «ان عليّاً عليه‌السلام لم يمنعه من أن يدعو الى نفسه إلّا انّهم يكونوا ضلالاً ويرجعون عن الاسلام أحبّ إليه من أن يدعوهم فيأبوا عليه فيصيرون كفّاراً كلّهم» (٢).

أو المراد منها أن الفرقة الحاصلة بالاراء الفاسدة والمذاهب الكاسدة فحصل الائتلاف والاتفاق بوجوب الرجوع اليكم وبأخذ معالم الدين منكم ، ورّد الاُمور إليكم ، ومتابعتكم في الاقوال والافعال وبذلك ظهر الاتحاد والائتلاف بيننا.

ويمكن أن تكون الفرقة بكسر الفاء ، فيكون المعنى أن الطائفة الحقّة ائتلفت بتعاليمكم العالية ، وعرفوا حقوق الاخوة وعملوا بها.

(وَبِمُوالاتِكُم تُقْبَلُ الطّاعَةُ المُفْتَرضَةُ)

أي أن بولايتكم تكون الطاعات الواجبة مقبولة ، لان الولاية شرط قبول الاعمال وأن طاعتهم وموالاتهم من اصول الدين ، ولا يقبل الفرع بدون الأصل كما ورد عن الإمام الباقر عليه‌السلام قال :

«كلّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا امام له من الله عزّ

__________________

وكم له من شكوى تؤلم القلوب وتبكي العيون حتى قضى مظلوماً وقد جرعوه غصصاً وآلاماً. راجع نهج البلاغة وكتاب معالم المدرستين للعلّامة السيد مرتضى العسكري وكتاب المراجعات للعلّامة السّيد شرف الدّين العالمي رحمه الله وكتب الاستاذ التّيجاني وكتاب الشّريف الغدير للعلّامة الشّيخ الاميني رحمه الهل ، وبحار الانوار : ج ٥٢ الى ج ٣٢ ، الكامل في التاريخ وغيرها عشرات الكتب التاريخية من العامّة والخاصّة. ولا بأس هنا بنقل رواية تكشف لنا جانباً من هذه المسألة التاريخية التي طالما كانت موضع تساؤل : عن زرارة بن أعين ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : ما منع أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يدعو النّاس الى نفسه ويجرّد في عدوّه سيفه؟ فقال عليه‌السلام : «لخوف أن يؤتدّوا : فلا يشهدوا أنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

(١) راجع كتاب صلح الامام الحسن المجتبى عليه‌السلام للعلّامة السيد مرتضى العاملي.

(٢) اُنظر الى بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٩ ، ص ٤١٨ ، ٤٩٦ ، علل الشرايع : للشّيخ الصدوق رحمه الله : ج ١ ، ص ١٤٦.


وجلّ غير مقبول وهو ضالٌّ متحيّر والله شانيء لعمله» (١) الحديث.

وورد عن الإمام أبي الحسن عليه‌السلام في تفسير الآية الشّريفة : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّـهِ) (٢). قال عليه‌السلام :

«يعني من اتّخذ دينه هواه بغير هدى من أئمّة الهدى» (٣).

(وَلَكُم المَوَدَّةُ الوَاجِبَةُ)

أي أنّ مودّتكم واجبة (٤) على النّاس وفي هذا اشارة الى قوله تعالى : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) (٥) (٦).

خطب الإمام الحسن المجتبى عليه‌السلام بعد ليلة من رحلة أبيه أمير المؤمنين عليه‌السلام شهيداً الى الله ، فقال : بعد الحمد والثناء ، والصّلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... أنا من أهل بيت إفترض الله حبّهم في كتابه فقال عزّ وجلّ : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ

__________________

(١) اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٨٣.

(٢) القصص : ٥.

(٣) تفسير الميزان : للعلّامة الطباطبائي ، ج ١٦ ، ص ٥٦ ، عن البصائر :

(٤) قال الشّيخ ابن عربي فيما ذكره ابن حجر في صواعقه : ص ٦٨.

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربى

وما طلب المبعوث أجراً على الهدي

بتبليغه إلّا المودّة في القربى

 (٥) الشورى : ٢٣. عندما نتفحص تفاسير العامّة والخاصّة في تفسير هذه الآية نجدها قد أجمعت أنّ هذه الآية نزلت في شأن الامام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وكذا الكتب الرّوائية والتّاريخية ولقد روى صاحب تفسير الكشاف الزمخشري وقال : نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسُئل من القربى يا رسول الله قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي وفاطمة والحسن والحسين» ج ٤ ، ص ١٧٢.

وإليكم بعض المصادر العامّة التي ذكرت هذا المعنى ، الطبري في الذخائر : ص ٢٥ ، والزمخشري في تفسيره الكشّاف : ج ٢ ، ص ٣٣٩ ، والحموني في السمطين : ج ٢ ، ص ١٣ ، والتفتازاني في شرح المقاصد : ج ٢ ، ص ٢١٩ ، والسيوطي في الدّر المنثور : ج ٦ ، ص ٧ ، وابن حجر في الصواعق : ص ١٠١ ، والطبراني في المعجم الكبير : ص ١٣١ ، وغيرهم.

(٦) وروى الثّعلبي عن ابن عباس أنّه قال : لمّا نزلت : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ ...) قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي وفاطمة والحسن والحسين» رواه الطبراني في المعجم الكبير : ص ١٣١ ، والزمخشري في تفسيره : ج ٣ ، ص ٤٠٣ ط القاهرة ، والطبري في ذخائر العقبى : ص ٢٥ ط مصر ، والتفتازاني الشافعي في شرح المقاصد : ج ٧ ، ص ٢ ، وغيره.


فِي الْقُرْبَىٰ ...).

ثم قال سلام الله عليه : «فالحسنة مودتنا أهل البيت» (١).

وورد في تفسير الآية الشريفة : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـٰنُ وُدًّا) (٢).

قال : «أنّها نزلت في علي عليه‌السلام» (٣).

ومعناه أن الله عزّ وجلّ جعل حب علي عليه‌السلام في قلوب المؤمنين ، لا يكون أحد مؤمناً إلّا اذا وجد في قلبه محبّة علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٤).

وقال الإمام الصّادق عليه‌السلام : «لا تستصغروا مودّتنا فإنّها من الباقيات الصّالحات» (٥).

(والدَّرجاتُ الرَّفِيْعَةُ)

أي في العلم والمحامد والاخلاق والفضائل النّفسانية في الدنيا ، وأمّا في الآخرة

__________________

(١) الارشاد : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ج ٢ ، ص ٤ ـ ٥ : منتقى الدّرر : للشيخ محمّد المحمدي الاشتهاردي : ج ١ ، ص ٣٩٤.

(٢) مريم : الآية ٩٦.

(٣) تفسير الميزان : للعلّامة الطّباطبائي رحمه الله ، ج ١٦ ، ص ١١٥ ، مجمع البيان : للعلّامة الطّبرسي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٥٢٢ ، تفسير نور الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ٣٦٢.

(٤) تؤيد هذا الكلام ما ورد عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق» رواها الفريقين.

وفيما رواه ابن بطة في «الابانة» الامام أحمد في «الفضائل» وابن عقدة قال جابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري : كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليّاً.

وقال الحميري في ذلك :

وجاء عن ابن عبد الله أنا

به كنّا نميز مؤمنينا

فنعرفهم بحبّهم عليّاً

وإنّ ذوي النفاق ليعرفونا

ببغضهم علي ألا فبعداً

لهم ماذا عليه ينقمونا

وممّا قالت الأنصار كانت

مقالة عارفين مجرّبينا

ببغضهم علي الهادي عرفنا

وحقّقنا نفاق منافقينا

مناقب آل أبي طالب : ج ٣ ، ص ١٠ ط نجف وج ٣ ، ص ٢٠٧ ط ايران.

(٥) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٧٥ ، الاختصاص : للشّيخ المفيد رحمه الله ، ص ٨٥.


فهي الوصول الى المدارج العالية في الجنّة والمقامات السّامية بالشّفاعة وتقسيم النّعيم والجحيم.

(وَالمَقَامُ المَحمُودُ)

أي المقام الذي يحمد جميع خلائق النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تعجيل الحساب ، والخلاص من طول الوقوف في الحشر ، وفي هذا أشارة الى قوله تعالى : (عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) (١).

وهو الشّفاعة الكبرى ، كما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخر ساجداً في القيامة فيمكث ما شاء فيقول الله أرفع رأسك وشفع تشفع واسأل تعط وذلك قوله : (عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) (٢).

وكذلك عن الإمام الصادق عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا قمت المقام المحمود تشفعت في اصحاب الكبائر من اُمّتي فيشفعني الله فيهم ، والله لا تشفعت فيمن آذى ذرّيتي» (٣).

أو المراد منها المنبر الذي ينصب للنّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الإمام الصادق قال : قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به ، فاذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني جبرائيل عليه‌السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي ... ويأتي رضوان بمفاتيح الجنة ... ويأتي مالك خازن النار ... بمفاتيح النار فأضها ـ

__________________

(١) الاسراء : ٧٩.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٤٨.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣٦ ، الامالي : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ص ١٧٧.


جميعاً في يد علي عليه‌السلام فهي قول الله تعالى : (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (١) (٢).

(وَالمَكانُ المَعْلُومُ عند الله)

ويراد منها الرّتبة العظيمة أو الوسيلة (٣) أو الشفاعة.

(والجَاةُ العَظِيمُ والشَّأنُ الكَبيرُ والشَّفاعَةُ المَقْبولَةُ)

أي في يوم القيامة ان الشفاعة الكبرى والمقام العظيم والمرتبة العالية لكم عن سماعة قال : كنت قاعداً مع أبي الحسن الاول عليه‌السلام والناس في الطّواف في جوف الليل فقال عليه‌السلام :

«يا سماعة إلينا إيات الخلق وعلينا حسابهم ، فما كان لهم من الذنب بينهم وبين الله عزّ وجلّ حتمنا على الله في تركه لنا فأجابنا إلى ذلك ، وما كان بينهم وبين النّاس استوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك وعوضهم الله عزّ وجلّ» (٤).

ووردت اخبار كثيرة ان ساقي الكوثر وحامل لواء الحمد وقسيم الجنة والنار علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٥) ، بل وشأنهم أعظم من ذلك ، وورد عن الإمام الرضا عليه‌السلام

__________________

(١) ق : ٢٤.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٣٣٥ ، تفسير الفرات : ص ١٦٧ الى ص ١٦٨.

كذلك ورد أنّ لواء الحمد يوم القيامة بيده عليه‌السلام في الطبري في رياض النضرة : ج ٢ ، ص ٢٠١ ، وج٢ ، ص ٢٠٣ ، وذخائر العقبى : ص ٧٥ ، وفضائل الخمسة : ج ٣ ، ص ٩٥ ، وكنز العمال : ج ٦ ، ص ٣٩٣ ، وج ٦ ، ص ٤٠٠. وبأسانيد أمثال : ابن عباس عن عمر بن الخطّاب ، وأبي سعيد الخدري ، ومخدوج بن زيد الباهلي ، جميعاً عن النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغيرهم.

(٣) وقد ورد عن علي عليه‌السلام عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «في الجنّة درجة تدعى الوسيلة ، فإذا سألتم الله تعالى فاسألوا لي الوسيلة : قالوا : يا رسول الله من يسكن فيها معك؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «علي وفاطمة والحسن والحسين» وفي حديث مثله رواه النبهاني في الأنوار المحمّدية : ص ٦٢٩ ط الأدبية بيروت ، ابن المغازي في مناقبه : ص ٢٤٧ ، المتقى الهندي في منتخب الكنز هامش مسند الامام أحمد : ج ٥ ، ص ٩٤.

(٤) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه ال له ، ج ٨ ، ص ٥٧ ، روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ص ١٦٢.

(٥) راجع بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٧ ، ص ٣٦٦ ، الى ٣٤٠.


عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

«يا علي أنت أوّل مَن يدخل الجنّة وبيدك لواء الحمد ، وهو سبعون شقّة الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ... الخبر» (١).

عن ابن عباس عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أتاني جبرائيل وهو فرح مستبشر ، فقلت : حبيبي جبرائيل مع ما أنت فيه من الفرح ما منزلة أخي وأبن عمي علي بن أبي طالب عليه‌السلام عند ربّه.

فقال جبرائيل عليه‌السلام : والذي بعثك بالنّبوة واصطفاك بالرّسالة ما هبطت في وقتي هذا إلّا لهذا يا محمّد ، الله العلي الأعلى يقرئكما السّلام وقال عزّ وجلّ : «محمّد نبيّ رحمتي وعلي مقيم حجّتي لا أعذب من والاه وإن عصاني ، ولا أرحمن من عاداه وإن أطاعني».

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرائيل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة والشقّة منه أوسع من الشمس والقمر وأنا على كرسي من كراسي الرضوان فوق منبر من منابر القدس فأخذه وأدفعه الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام».

فوثب الثّاني (٢) وقال : يا رسول الله وكيف يطيق علي حمل لواء وقد ذكرت أنّه سبعون شقّة الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ، فقال النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إذا كان يوم القيامة يعطي الله عليّاً من القوة مثل قوة جبرائيل ومن النور مثل نور آدم ومن الحلم مثل حلم رضوان ومن الجمال مثل جمال يوسف ومن الصوت ما ياني صوت داود لو لا أن يكون داود خطيباً لعلي في الجنان لاُعطي مثل صوته وأن عليّاً أوّل من يشرب من السبيل والزنجبيل لا يجوز لعليّ قدم

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٤ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ص ١٦٨.

(٢) الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.


على الصراط إلّا وثبتت له مكانها اخرى وأنّ لعلي وشيعته من الله مكاناً يغبطه به الأولون والاخرون» (١).

(رَبَّنَا آمَنَّا بِما أنْزَلْتَ)

أي بما أنزلت في حق علي عليه‌السلام وأولاد عليّ عليه‌السلام من الولاية وابلاغ الخلافة ، ونصب الامامة وكأن هذه الفقرة المباركة إشارة إلى قوله تعالى : (بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) (٢).

أو المراد منها كلّ ما نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشرائع وأحكام الدّين والقرآن.

(واتَّبَعْنَا الرَّسُولَ)

إتبعناه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما أمرنا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من إطاعتكم والتمسك بولايتكم (٣) ، أو في كلّ أوامره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(فَاكتُبْنا مَعَ الشّاهِدِيْنَ)

أي اُكتبنا في زمرة الحاضرين والشاهدين يعني الذين آمنوا بهذا الامر عندما نصبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو اكتبنا مع ائمّتنا عليهم‌السلام لانّهم شهداء الله سبحانه على خلقه كما تقدم ، أو اكتبنا مع الانبياء عليهم‌السلام لانّهم شهداء على أممهم كما تقدم في تفسير الآية الشّريفة : (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (٤).

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٣ ، عن الخصال : للشيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٣٩ و ١٤٠.

(٢) المائدة : ٦٧.

(٣) وذلك في غدير خم وعشرات مواقف اُخرى لا ينكرها من المسلمين إلّا من أعمى الله قلبه وتاه في غيه وعناده.

(٤) ال عمران : ٥٣.


(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذ هَدَيْتَنَا)

أي لا تمل قلوبنا الى الباطل بعد ان هديتنا إلى الحق.

ذكر في تفسير هذه الآية الشريفة وجوهاً ، أحسنها ، أن هذا الدعاء لتثبيت الهداية والاستمرار بالالطاف التي معها الاستمرار بالايمان الحاصل كأنهم يقولون : ربّنا لا تفرق بيننا وبين نفوسنا ولا تمنع الطافك في حقّنا كي لا نميل الى الباطل ونضل عن الحقّ.

فان هذه الفقرة المباركة اشارة الى الميل الى الباطل الذي ظهر في الاُمّة بعد وفاة النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم روي سدير عن الإمام الباقر عليه‌السلام : «كان الناس أهل ردّة (١) بعد النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا ثلاثة :

فقلت : ومن الثلاثة؟

فقال عليه‌السلام : «المقداد بن الاسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي رحمه الله ، ثمّ عرف اُناس بعد يسير ، وقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحاء ...» (٢).

وكذلك روي عنه عليه‌السلام قال : «إرتد النّاس إلّا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد».

قلت : فعمار.

قال الإمام عليه‌السلام : «كان جاض جيضة ثمّ رجع» (٣).

__________________

(١) يعني ارتدوا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بان تركوا الوصيّة وخالفوا الثّقلين في خلافة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام. وهذا المعنى غير ما ذكر في التّاريخ عن حروب الردّة ، لأنها كانت مسألة سياسية طرحت من قبل خالقي السقيفة لقمع من يظن بهم أنّهم من الموالين لآل الرّسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبها قتل ذلك الصّحابي الجليل مالك بن نويرة رحمه الله وعشيرته ، ودخل خالد بن الوليد الفاسق على إمرأته بعد مقتله مباشرة ، انظر الى تاريخ حروب الردّة بعين البصيرة وتأمل فيها جيداً.

(٢) تفسير نور الثقلين : ج ١ ، ص ٣٩٦ ، عن روضة الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ص ٢٤٥ ، ح ٣٤١ ، تفسير الصافي : ج ١ ، ص ٣٥٩ ، تفسير العياشي : ج ١ ، ص ١٩٩ ، ح ١٤٨.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٢ ، ص ٤٤٠ ، عن رجال الكشي : ص ٨.


(وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً)

أي هب لنا من رحمتك في الدنيا والاخرة وإن كنا غير مستوجبين لذلك ولما في الاخرة ولا نستوجب ما في الدنيا لقلة بضاعتنا وشكرنا وطاعتنا.

(إنَّكَ أنْتَ الوهَّابُ)

أي أنت الكريم الوهاب وان لم يستحق العباد كرمك وجودك.

(سُبْحَانَ رَبَّنَا)

أي منزه ربنا تنزيهاً عما لا يليق به.

(إنْ كَانَ وَعْدُ رَبَّنا لَمَفْعٌولاً)

انْ مخففة ، أي ما وعده ربّنا لنا من اجابة الدّعوات وتضعيف المثوبات المنجزة العملية لان الله لا يخلف وعده.

(يا وَليَّ اللهِ)

المخاطب هو الامام الحاضر الذي يزوره أو يقصد بالزيارة ، أو المراد جميع الائمّة عليهم‌السلام بشمول الجنس للجميع ، ويؤيد هذا الحتمال الاتيان بلفظ الجمع في ضمائر الخطاب مثل «رضاكم» و «أئتمنكم» وغيره.

(إنّ بَيْنِي وَبَينَ الله عزّ وجلّ ذُنُوباً لا يَأتِي عَلَيْها إلّا رِذاكُم)

أي لا يذهبها إلّا رضاكم عنّا ولا يمحوها إلّا شفاعتكم لنا (١).

__________________

(١) ورد عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «من أحبّنا نفعه الله بذلك ولو كان أسيراً في يد الدّيلم ، ومن أحبّنا لغير


(فَبِحَقِّ مَنْ ائتَمَنَكُم عَلَى سِرِّهِ)

أي بحقّ الله الذي أئتمنكم على سرّه وجعلكم اُمناء ، والمراد من الأسرار العلوم الالهية والمعارف والمكاشفات الغيبية الحقائق الحقّانية.

(وَاسْتَرعَاكُم أمْرَ خَلقِهِ)

أي جعلكم أئمّة رعاة لأُمور الناس وجعل الخلق رعية لكم تحكمون فيهم كيف ما تشاؤون وتحفظونهم من تجاوز الاعداء وأقاويل الباطلة ، وتراعونهم من اضلال الضالين.

(وَقَرنَ طاعَتَكُم بِطاعَتِهِ)

وذلك في محكم الكتاب وجليل خطاب : (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ) (١).

وقال عزّ اسمه : (أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) (٢).

ومن المعلوم أنّ الله سبحانه لا يأمر المؤمنين وسيما العلماء الفضلاء الاتقياء والصلحاء باطاعة كل ذي أمر وحكم لأنّ فيهم الفساق والظلمة وفيهم من يأمر بمعاصي الله وينهي عن طاعته ، فيلزم أن يكون المراد باولي الأمر من أمر الله بطاعتهم من الائمّة المعصومين عليهم‌السلام من الزّلل والضلال والمحفوظين من الخلل والاهواء الذين هم مثل النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المراتب الروحانية ، فمثل هؤلاء الاشخاص لا يكون منصوباً إلّا من الله العالم بالسّرائر المطلع عن الضمائر وليس ذلك متحققاً في غيرهم بالاتفاق سواء كانت نفوسهم ظلمانية أو نورانيّة.

__________________

الله فانّ الله يفعل به ما يشاء ، إنّ الله حبّنا أهل البيت ليحطّ الذّنوب عن العباد كما تحطّ الرّيح الشديدة الورق عن الشّجر» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٧ ، ص ٧٧.

(١) النّساء : ٨٠.

(٢) النساء : ٥٩.


(لَمَّا إستَوهَبتُم ذُنُوبي)

كلما «لمّا» يحتمل أن تكون مشددة ايجابية بمعنى إلّا ، إذن يكون المعنى اسألكم وأقسم عليكم في جميع الأحوال إلّا حال استيهاب الذّنوب عند وقت حصول المطلوب ووصول النتيجة ، ويحتمل أن تكون مخففة واللام لتأكيد القسم وما زائدة للتأكيد ، وعلى آيّ حال أن طلب استيهابهم واستغفارهم لذنوبنا من الله تعالى سبب حصول الغفران ومحو ذنوبنا في الدنيا بحضور الائمّة المعصومين عليهم‌السلام ، فإنّهم صلوات الله عليهم يطلبون المغفرة للعصاة في الاخرة بشفاعتهم ، والشفاعة ذخيرة لأهل الكبائر من الناس وبها ينجو المذنبون من العذاب.

ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حياتي خير لكم ومماتي خير لكم.

قالوا : يا رسول الله وكيف ذلك؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا حياتي فإن الله عزّ وجلّ يقول : (وَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) (١).

وأمّا مفارقتي إيّاكم فان أعمالكم تعرض عليَّ كلّ يوم فما كان من حسن استزدت الله لكم ، وما كان من قبيح استغفرت الله لكم.

قالوا : قود رممت يا رسول الله (يعنون صرت رميماً تراباً).

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلا ، إن الله تبارك وتعالى حرم لحومنا على الارض أن تطعم شيئاً منها (٢).

وكذلك روى أبو بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أبا الخطاب كان يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعرض عليه اعمال أمّته كل خميس فقال أبو عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الانفال : ٣٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : للشّيخ الصّدوق رحمه الله ، ج ١ ، ص ١٢١ ، تفسير الثقلين : للحويزي رحمه الله ، ج ٣ ، ص ١٥٣.


ليس هكذا ، ولكن رسول الله يعرض عليه أعمال أمته كل صباح أبرارها وفجارها فاحذروا وهو قول الله عزّ وجلّ : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) (١) وسكت (٢).

توضيح ذلك ، يقول الراوي قرأ الإمام عليه‌السلام هذه الآية الى «المؤمنين» ثم سكت سلام الله عليه ، والعلة في ذلك إمّا يرجع الى التقية مما أراد الإمام ان يعرض الاعمال على الائمّة عليهم‌السلام لأنّه روى يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)

قال عليه‌السلام : ها هنا المؤمنون الائمّة الطّاهرين عليهم‌السلام (٣).

(وَكُنْتُم شُفَعَائِي)

أي في الدّنيا والآخرة (٤).

(فإنِي لَكُم مُطِيعُ)

أي إطاعتي لكم في الجملة ، أو مثرٌّ بوجوب طاعتكم ومعتقد بفضلكم كما أن لكلّ امام على الأُمّة والرّعية حقوقاً وهي الاعتقاد والاقرار والطاعة له ، وهكذا للرعية والمأمومين على الإمام حقوق وهي صيانتهم وحفظهم من حيل ومكر

__________________

(١) التوبة : الآية ١٠٥.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢٣ ، ص ٣٤٠ ، معاني الاخبار : ص ١١١ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٩.

(٣) بحار الانوار : للعلّامة الملجسي رحمه الله ، ج ٣٣ ، ص ٣٤٠ ، تفسير القمي : ٣٧٩ الى ٣٨٠ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٢١٩.

(٤) ورد عن النّبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي لأشفع يوم القيامة فاُشفّع ، ويشفع علي فيُشّع ، ويشفع أهل بيتي فيُشفّعون» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٨ ، ص ٤٣.

وورد عن علي عليه‌السلام قال : «لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة» بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه ا لله ، ج ٨ ، ص ٣٤ ، عن الخصال : ج ٢ ، ص ١٦٣.


الضالين وطلب المغفرة لهم وشفاعتهم في يوم القيامة عند الخالق المنان ، بسبب اطاعتهم وانقيادهم من للائمّة الطّاهرين (١).

(مَنْ أطاعَكُم فَقَدْ أطاعَ اللهَ وَمَنْ عَصَاكُم فَقَدْ عَصى اللهَ وَمَنْ أحَبَّكُم فَقَدْ أحَبَّ اللهَ وَمَنْ أبغَضَكُم فَقَدْ أبغَضَ اللهَ)

مرّ شرح هذه الفقرات بالتفصيل وتكرارها لأجل الاستشعار لأهمية موضوعها.

(اللَّهُمَّ إنِّي لَو وَجَدتُ شُفعاءَ أقربَ إلَيكَ مِنْ مُحَمّدٍ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهلِ بَيْتِهِ المُصْطَفِينَ الأخْيارَ الائِمَّةَ الأبرَارَ لَجَعَلتُهُم شُفَعَائِي)

ولكن لم أجد أحداً من العالمين أفضل عندك من محمّد وآل محمّد ولا أقرب منهم لديك ، لا من ملك مقرّب ولا من نبي مرسل ، فلهذا أقدمهم أمام طلبتي وحاجتي وجعلتهم شفعائي ووسيلتي في غفران ذنوبي وآثامي دون غيرهم ، روى العالم الجليل الشّيخ الصّدوق رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«ما خلق الله خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي.

قال : علي عليه‌السلام : فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرائيل؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، أن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النّبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ، يا علي وللأئمّة من بعدك ، وإنّ الملائكة لخدامنا وخدام محبّينا.

يا علي ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربّهم

__________________

(١) راجع رسالة الحقوق لمولانا الإمام السجاد عليه‌السلام في حقوق الراعي والرعية تحف العقول : لابن شعبة رحمه الله ، ص ١٨٣ ، اصول الكافي : للشّيخ الكليني رحمه الله ، ج ١ ، ص ٤٠٥.


ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا.

يا علي ، لو لا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ، ولا الجنّة ولا النّار ، ولا السّماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ، لأن أوّل ما خلق الله عزّ وجلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده ، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً أستعضموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون ، وانه منزّه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا ، لتعلم الملائكة أن لا إله إلّا الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلّا الله ، فلمّا شاهدوا كبر محلنا كبرنا لتعلم الملائكة ان الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلّا به ، فلمّا شاهدوا ما جعله الله لنا من العزّ والقوّة قلنا لا حول ولا قوة إلّا بالله ، فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد لله ، لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته ، فقالت الملائكة : الحمد لله فبنا أهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ، ثمّ أن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسّجود له تعظيماً لنا وأكراماً. وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبودية ولأدم أكراماً وطاعة لكوننا في صلبه ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لأدم كلّهم أجمعون ، وإنّه لمّا عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى ، وأقام مثنى مثنى ، ثمّ قال لي : تقدّم يا محمّد ، فقلت له : يا جبرئيل أتقدم عليك؟

فقال : نعم ، لأن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين ، وفضّلك خاصّة ، فتقدمت فصليت بهم ولا فخر ، فلمّا أنتهيت إلى حجب النّور ، قال لي جبرئيل تقدّم يا محمّد وتخلف عنّي ، فقلت : يا جبرئيل في مثل هذا الموضع


تفارقني؟

فقال : يا محمّد إن إنتهاء حدّي الذي وضعني الله عزّ وجلّ فيه الى هذا المكان فإن تجاوزته أحترقت أجنحتي بتعدي حدود ربّي جلّ جلاله ، فزج بي في النّور زجّة حتى أنتهيت إلى حيث ما شاء الله من علو ملكه فنوديت يا محمّد أنت عبدي وأنا ربّك فإياي فأعبد وعلي فتوكل ، فأنك نوري في عبادي ورسولي إلى خلقي وحجتي على بريتي ، لك ولمن أتبعك خلقت جنّتي ، ولمن خالفك خلقت ناري ، ولأوصيائك أوجبت كرامتي ، ولشيعتهم أوجبت ثوابي.

فقلت : يا ربّ ومن أوصيائي؟

فنوديت : يا محمّد أوصياؤك المكتوبون على ساق عرشي ، فنظرت وأنا بين يدي ربّي جلاله إلى ساق العرش فرأيت أثني عشر نوراً ، في كلّ نور سطر أخضر عليه إسم وصيي من أوصيائي ، أولهم : علي بن أبي طالب ، وآخرهم مهدي أمّتي ،

فقلت : يا رب هؤلاء أوصيائي من بعدي؟

فنوديت : يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك ، وعزتي وجلالي ، لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي ، ولأمكننه مشارق الارض ومغاربها ، ولأسخرن له الرّياح ، ولأذللن له السحاب الصعاب ، ولأرقينه في الأسباب ، ولأنصرنه بجندي ولأمدنه بملائكتي حتى تعلو دعوتي ويجتمع الخلق على توحيدي ، ثمّ لأديمن ملكه ، ولأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة» (١).

__________________

(١) علل الشّرايع : للشّيخ الصّدوق رحمه الله : ج ١ ، ص ٥ و ٦ ، بحار الانوار : للعلّامة الملجسي رحمه الله ، ج ٢٦ ، ص ٢٣٥ ، اكمال الدين : ص ١٤٧ ، عيون أخبار الرضا : ص ١٤٤.


وكذلك روي عنهم عليهم‌السلام قال : «نزهونا عن الربوبية وادفعوا عنا حظوظ البشرية يعني الحظوظ التي تجوز عليكم فلا يقارس بنا أحد من النّاس ، فإنّا نحن الأسرار الالهية والمودعة في الهياكل البشرية والحكنة الرّبانية النّاطقة في الاجساد الترابية وقولوا بعد ذلك ما استطعتم فإنّ البحر لا ينزف وعظمة الله لا توصف» (١).

(فَبِحَقِّهِم الذِي أوجبْتَ لَهُم عَلَيْكَ)

أي إلهي نقسم عليك بحقّ أئمّة الدّين الذي أوجبت لهم عليك من عدم رد شفاعتهم ومن استجابة دعائهم ، بل استجابة دعاء من توسّل واستشفع بهم.

(أسألُكَ أن تُدْخِلَنِي فِي جُمْلَةِ العارِفِينَ بِهِم)

أي تدخلني في كمال المعرفة لإمامتهم ومراتب ولايتهم وشرافتهم وعظمتهم ورد في حديث مفصلٍ في بيان معرفة الإمام عن معاوية بن وهب عن الإماام جعفر الصادق عليه‌السلام أنّه قال :

«... وأدنى معرفة الامام أنّه عدل النّبي إلّا درجة النّبوة ، ووراثه ، وان إطاعته طاعة الله وطاعة رسول الله والتسليم له في كلّ أمر ، والرّد إليه ، والاخذ بقوله ، ويعلم أنّ الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّ بن أبي طالب ، وبعده الحسن ، ثمّ الحسين ثمّ عليّ بن الحسين ، ثم محمّد بن عليّ ، ثمّ أنا ، ثمّ بعدي موسى ابني ، وبعده عليّ ابنه ، وبعد علي محمّد ابنه ، وبعد محمّد عليّ ابنه ،

__________________

(١) مرّ الاشارة الى هذا الحديث.


وبعد عليّ الحسن ابنه ، والحجّة من ولد الحسن ...» (١).

وكذلك عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : قال الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام :

«يا بنيّ اعرف منازل الشّيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ، فان المعرفة هي الدّراية للرواية ، وبالدّرايات للرّوايات يعلو المؤمن الى أقصى درجات الايمان ، وإنّي نظرت الى كتاب لعلي عليه‌السلام فوجت في الكتاب : أنّ قيمة كلّ اُمرىءٍ وقدره معرفته ، إن الله تبارك وتعالى يحاسب النّاس على قدر ما اتاهم من العقول في دار الدّنيا» (٢).

(وَبِحَقِّهِم)

أي أدخلنا في جملة العارفين بحقّهم من وجوب المتابعة والمحبّة والطّاعة وغيرها من حقوقهم على رقاب وذمّة النّاس.

(وَفِي زُمرَتِهِم)

أي في جماعتهم.

(المَرْحَومِينَ بِشَفَاعَتِهِم)

أي من الذين شملهم لطفك ورحمتك بشفاعتهم.

(إنّكَ أرحَمُ الرَّاحِمِينَ)

__________________

(١) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٤ ، ص ٥٥ ، ج ٣٦ ، ص ٤٠٧ ، عن كفاية الاثر : ص ٣٥.

(٢) بحار الانوار : للعلّامة المجلسي رحمه الله ، ج ٢ ، ص ١٨٤.


مرّت الاشارة الى هذه الفقرة المباركة ، والمراد أن اجابة حوائجي كان بلطفك وشفقتك وإلّا ليس واجباً عن استحقاق ، بل هذا هو المؤمل من رحمتك وكرمك.

(وَصَلى الله على مُحَمّدٍ وآله الطّاهِرِينَ

وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَبِيراً وَحَسْبُنا الله وَنِعمَ الوَكِيلُ)

أنتهى شرح هذه الزّيارة المباركة

في خمسة عشر من شهر جمادي الآخرة

لسنة الف وثلاثمأة وثلاث وسبعون

للهجرة النّبوية صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشّريفة

المطابقة لثلاثين من شهر بهمن سنة ألف وثلاثمائة

واثنين وثلاثين للسنة الشّمسية

حررّة

أقل خدام العلم والمعرفة

السّيد محمّد الوحيدي الشّبستري

وإنتهت ترجمة وتحقيق

هذا السفر الجليل بعون الله تعالى

في المؤسّسة الاسلاميّة للتّرجمة

في الثّالث عشر من شهر رجب

سنة ألف وأربعمائة وثمانية عشر



متن زيارة الجامعة الكبيرة



زيارة الجامعة الكبيرة

روى الصّدوق أيضاً في الفقيه والعيون عن موسى بن عبد الله النخعي انّه قال للامام عليّ النّقي عليه‌السلام علّمني يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولاً اقوله بليغاً كاملاً اذا زرت واحداً منكم فقال اذا صرت الى الباب فقف واشهد الشّهادتين اي قل اَشهَد اَنْ لا اِلهَ اِلَّا اللهُ َحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ واَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَالِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وانت على غسل فاذا دخلت ورأيت فقف وقل الله اَكْبَرُ ثلاثين مرّة ثم امش قليلاً وعليك السّكينة والوقار وقارب بين خطاك ثم قف وكبّر الله عزّ وجلّ ثلاثين مرّة ثم ادن من القبر وكبّر الله اربعين مرّة تمام مائة تكبيرة ولعلّ الوجه في الامر بهذه التكبيرات هو الاحتراز عمّا قد تورثه امثال هذه العباير الواردة في الزّيارة من الغُلوّ والغفلة عن عظمة الله سبحانه وتعالى فالطّباع مائلة الى الغلوّ أو غير ذلك من الوُجُوه ثمّ قل :

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا اَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ، وَمَوْضِعَ الرِّسالَةِ ، وَمُخْتَلَفَ الْمَلائِكَةِ ، وَمَهْبِطَ الْوَحْىِ ، وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ ، وَخُزّانَ الْعِلْمِ ، وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ ، وَاُصُولَ الْكَرَمِ ، وَقادَةَ الاْمَمِ ، وَاَوْلِياءَ النِّعَمِ ، وَعَناصِرَ الاْبْرارِ ، وَدَعائِمَ الاْخْيارِ ، وَساسَةَ الْعِبادِ ، وَاَرْكانَ الْبِلادِ ، وَاَبْوابَ الاْيمانِ ، وَاُمَناءَ الرَّحْمنِ ، وَسُلالَةَ


النَّبِيّينَ ، وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلينَ ، وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعالَمينَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَلسَّلامُ عَلى اَئِمَّةِ الْهُدى ، وَمَصابيحِ الدُّجى ، وَاَعْلامِ التُّقى ، وَذَوِى النُّهى ، وَاُولِى الْحِجى ، وَكَهْفِ الْوَرى ، وَوَرَثَةِ الاْنْبِياءِ ، وَالْمَثَلِ الاْعْلى ، وَالدَّعْوَةِ الْحُسْنى ، وَحُجَجِ اللهِ عَلى اَهْلِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَالاْولى وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَلسَّلامُ عَلى مَحالِّ مَعْرِفَةِ اللهِ ، وَمَساكِنِ بَرَكَةِ اللهِ ، وَمَعادِنِ حِكْمَةِ اللهِ ، وَحَفَظَةِ سِرِّ اللهِ ، وَحَمَلَةِ كِتابِ اللهِ ، وَاَوْصِياءِ نَبِىِّ اللهِ ، وَذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ اَلسَّلامُ عَلَى الدُّعاةِ اِلَى اللهِ ، وَالاْدِلاّءِ عَلى مَرْضاة اللهِ ، وَالْمُسْتَقِرّينَ فى اَمْرِ اللهِ ، وَالتّامّينَ فى مَحَبَّةِ اللهِ ، وَالْمخْلِصينَ فـى تَوْحيدِ اللهِ ، وَالْمُظْهِرينَ لاِمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ ، وَعِبادِهِ الْمُكْرَمينَ الَّذينَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِاَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَلسَّلامُ عَلَى الاْئِمَّةِ الدُّعاةِ ، وَالْقادَةِ الْهُداةِ ، وَالسّادَةِ الْوُلاةِ ، وَالذّادَةِ الْحُماةِ ، وَاَهْلِ الذِّكْرِ وَاُولِى الاْمْرِ ، وَبَقِيَّةِ اللهِ وَخِيَرَتِهِ وَحِزْبِهِ وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ وَحُجَّتِهِ وَصِراطِهِ وَنُورِهِ وَبُرْهانِهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَشْهَدُ


اَنْ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ كَما شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ وَشَهِدَتْ لَهُ مَلائِكَتُهُ وَاُولُو الْعِلْمِ مِنْ خَلْقِهِ ، لا اِلـهَ اِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ ، وَاَشْهَدُ اَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ الْمُنْتَجَبُ ، وَرَسُولُهُ الْمُرْتَضى ، اَرْسَلَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وَاَشْهَدُ اَنَّكُمُ الاْئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْـمَهْدِيُّونَ الْمَعْصُومُونَ الْمُكَرَّمُونَ الْمُقَرَّبُونَ الْمُتَّقُونَ الصّادِقُونَ الْمُصْطَفَوْنَ الْمُطيعُونَ للهِ ، الْقَوّامُونَ بِاَمْرِهِ ، الْعامِلُونَ بِاِرادَتِهِ ، الْفائِزُونَ بِكَرامَتِهِ ، اصْطَفاكُمْ بِعِلْمِهِ ، وَارْتَضاكُمْ لِغَيْبِهِ ، وَاخْتارَكُمْ لِسِرِّهِ ، وَاجْتَباكُمْ بِقُدْرَتِهِ ، وَاَعَزَّكُمْ بِهُداهُ ، وَخَصَّكُمْ بِبُرْهانِهِ ، وَانْتَجَبَكُمْ لِنُورِهِ ، وَاَيَّدَكُمْ بِرُوحِهِ ، وَرَضِيَكُمْ خُلَفاء فى اَرْضِهِ ، وَحُجَجاً عَلى بَرِيَّتِهِ ، وَاَنْصاراً لِدينِهِ ، وَحَفَظَةً لِسِرِّهِ ، وَخَزَنَةً لِعِلْمِهِ ، وَمُسْتَوْدَعاً لِحِكْمَتِهِ ، وَتَراجِمَةً لِوَحْيِهِ ، وَاَرْكاناً لِتَوْحيدِهِ ، وَشُهَداءَ عَلى خَلْقِهِ ، وَاَعْلاماً لِعِبادِهِ ، وَمَناراً فى بِلادِهِ ، وَاَدِلاّءَ عَلى صِراطِهِ عَصَمَكُمُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ ، وَآمَنَكُمْ مِنَ الْفِتَنِ ، وَطَهَّرَكُمْ مِنَ الدَّنَسِ ، وَاَذْهَبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَكُمْ تَطْهيراً ،


فَعَظَّمْتُمْ جَلالَهُ ، وَاَكْبَرْتُمْ شَأْنَهُ ، وَمَجَّدْتُمْ كَرَمَهُ ، وَاَدَمْتُمْ ذِكْرَهُ ، وَوَكَّدْتُمْ ميثاقَهُ ، وَاَحْكَمْتُمْ عَقْدَ طاعَتِهِ ، وَنَصَحْتُمْ لَهُ فِى السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ ، وَدَعَوْتُمْ اِلى سَبيلِهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَبَذَلْتُمْ اَنْفُسَكُمْ فى مَرْضاتِهِ ، وَصَبَرْتُمْ عَلى ما اَصابَكُمْ فى جَنْبِهِ ، وَاَقَمْتُمُ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ ، وَاَمَرْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ، وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَجاهَدْتُمْ فِى اللهِ حَقَّ جِهادِهِ حَتّى اَعْلَنْتُمْ دَعْوَتَهُ ، وَبَيَّنْتُمْ فَرائِضَهُ ، وَاَقَمْتُمْ حُدُودَهُ ، وَنَشَرْتُمْ شَرايِعَ اَحْكامِهِ ، وَسَنَنْتُمْ سُنَّتَهُ ، وَصِرْتُمْ فى ذلِكَ مِنْهُ اِلَى الرِّضا ، وَسَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضاءَ ، وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى فَالرّاغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ ، وَاللاّزِمُ لَكُمْ لاحِقٌ ، وَالْمُقَصِّرُ فى حَقِّكُمْ زاهِقٌ ، وَالْحَقُّ مَعَكُمْ وَفيكُمْ وَمِنْكُمْ وَاِلَيْكُمْ وَاَنْتُمْ اَهْلُهُ وَمَعْدِنُهُ ، وَميراثُ النُّبُوَّةِ عِنْدَكُمْ ، وَاِيابُ الْخَلْقِ اِلَيْكُمْ ، وَحِسابُهُمْ عَلَيْكُمْ ، وَفَصْلُ الْخِطابِ عِنْدَكُمْ ، وَآياتُ اللهِ لَدَيْكُمْ ، وَعَزائِمُهُ فيكُمْ ، وَنُورُهُ وَبُرْهانُهُ عِنْدَكُمْ ، وَاَمْرُهُ اِلَيْكُمْ ، مَنْ والاكُمْ فَقَدْ والَى اللهَ ، وَمَنْ عاداكُمْ فَقَدْ عادَ اللهَ ، وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ ، وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ فَقَدِ اعْتَصَمَ بِاللهِ ،


اَنْتُمُ الصِّراطُ الاْقْوَمُ ، وَشُهَداءُ دارِ الْفَناءِ ، وَشُفَعاءُ دارِ الْبَقاءِ ، وَالرَّحْمَةُ الْمَوْصُولَةُ ، وَالآيَةُ الْمخْزُونَةُ ، وَالاْمانَةُ الْمحْفُوظَةُ ، وَالْبابُ الْمُبْتَلى بِهِ النّاسُ مَنْ اَتاكُمْ نَجا ، وَمَنْ لَمْ يَأتِكُمْ هَلَكَ ، اِلَى اللهِ تَدْعُونَ ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّونَ ، وَبِهِ تُؤْمِنُونَ ، وَلَهُ تُسَلِّمُونَ ، وَبِاَمْرِهِ تَعْمَلُونَ ، وَاِلى سَبيلِهِ تُرْشِدُونَ ، وَبِقَوْلِهِ تَحْكُمُونَ ، سَعَدَ مَنْ والاكُمْ ، وَهَلَكَ مَنْ عاداكُمْ ، وَخابَ مَنْ جَحَدَكُمْ ، وَضَلَّ مَنْ فارَقَكُمْ ، وَفازَ مَنْ تَمَسَّكَ بِكُمْ ، وَاَمِنَ مَنْ لَجَأ اِلَيْكُمْ ، وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ ، وَهُدِىَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ ، مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّةُ مَأواهُ ، وَمَنْ خالَفَكُمْ فَالنّارُ مَثْواهُ ، وَمَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ ، وَمَنْ حارَبَكُمْ مُشْرِكٌ ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيْكُمْ فى اَسْفَلِ دَرْك مِنَ الْجَحيمِ اَشْهَدُ اَنَّ هذا سابِقٌ لَكُمْ فيما مَضى ، وَجارٍ لَكُمْ فيما بَقِىَ ، وَاَنَّ اَرْواحَكُمْ وَنُورَكُمْ وَطينَتَكُمْ واحِدَةٌ ، طابَتْ وَطَهُرَتْ بَعْضُها مِنْ بَعْض ، خَلَقَكُمُ اللهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ ، فَجَعَلَكُمْ فى بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ ، وَجَعَلَ صَلَواتِنا عَلَيْكُمْ وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ طيباً لِخَلْقِنا ، وَ


طَهارَةً لاِنْفُسِنا ، وَتَزْكِيَةً لَنا ، وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا فَكُنّا عِنْدَهُ مُسَلِّمينَ بِفَضْلِكُمْ ، وَمَعْرُوفينَ بِتَصْديقِنا اِيّاكُمْ ، فَبَلَغَ اللهُ بِكُمْ اَشْرَفَ مَحَلِّ الْمُكَرَّمينَ ، وَاَعْلى مَنازِلِ الْمُقَرَّبينَ ، وَاَرْفَعَ دَرَجاتِ الْمُرْسَلينَ ، حَيْثُ لا يَلْحَقُهُ لاحِقٌ ، وَلا يَفُوقُهُ فائِقٌ ، وَلا يَسْبِقُهُ سابِقٌ ، وَلا يَطْمَعُ فى اِدْراكِهِ طامِعٌ ، حَتّى لا يَبْقى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلا نَبِىٌّ مُرْسَلٌ ، وَلا صِدّيقٌ وَلا شَهيدٌ ، وَلا عالِمٌ وَلا جاهِلٌ ، وَلا دَنِىٌّ وَلا فاضِلٌ ، وَلا مُؤْمِنٌ صالِحٌ ، وَلا فِاجِرٌ طالِحٌ ، وَلاجَبّارٌ عَنيدٌ ، وَلا شَيْطانٌ مَريدٌ ، وَلا خَلْقٌ فيما بَيْنَ ذلِكَ شَهيدٌ اِلاّ عَرَّفَهُمْ جَلالَةَ اَمْرِكُمْ ، وَعِظَمَ خَطَرِكُمْ ، وَكِبَرَ شَأنِكُمْ وَتَمامَ نُورِكُمْ ، وَصِدْقَ مَقاعِدِكُمْ ، وَثَباتَ مَقامِكُمْ ، وَشَرَفَ مَحَلِّكُمْ وَمَنْزِلَتِكُمْ عِنْدَهُ ، وَكَرامَتَكُمْ عَلَيْهِ ، وَخاصَّتَكُمْ لَدَيْهِ ، وَقُرْبَ مَنْزِلَتِكُمْ مِنْهُ بِاَبى اَنْتُمْ وَاُمّى وَاَهْلى وَمالى وَاُسْرَتى ، اُشْهِدُ اللهَ وَاُشْهِدُكُمْ اَنّى مُؤْمِنٌ بِكُمْ وَبِما آمَنْتُمْ بِهِ ، كافِرٌ بَعَدُوِّكُمْ وَبِما كَفَرْتُمْ بِهِ ، مُسْتَبْصِرٌ بِشَأنِكُمْ وَبِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكُمْ ، مُوالٍ لَكُمْ وَلاِوْلِيائِكُمْ ، مُبْغِضٌ لاِعْدائِكُمْ وَمُعادٍ لَهُمْ ، سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، مُحَقِّقٌ لِما حَقَّقْتُمْ ،


مُبْطِلٌ لِما اَبْطَلْتُمْ ، مُطيعٌ لَكُمْ ، عارِفٌ بِحَقِّكُمْ ، مُقِرٌّ بِفَضْلِكُمْ ، مُحْتَمِلٌ لِعِلْمِكُمْ ، مُحْتَجِبٌ بِذِمَّتِكُمْ ، مُعْتَرِفٌ بِكُمْ ، مُؤْمِنٌ بِاِيابِكُمْ ، مُصَدِّقٌ بِرَجْعَتِكُمْ ، مُنْتَظِرٌ لاِمْرِكُمْ ، مُرْتَقِبٌ لِدَوْلَتِكُمْ ، آخِذٌ بِقَوْلِكُمْ ، عامِلٌ بِاَمْرِكُمْ ، مُسْتَجيرٌ بِكُمْ ، زائِرٌ لَكُمْ ، لائِذٌ عائِذٌ بِقُبُورِكُمْ ، مُسْتَشْفِعٌ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ بِكُمْ ، وَمُتَقَرِّبٌ بِكُمْ اِلَيْهِ ، وَمُقَدِّمُكُمْ اَمامَ طَلِبَتى وَحَوائِجى وَاِرادَتى فى كُلِّ اَحْوالي وَاُمُورى ، مُؤْمِنٌ بِسِرِّكُمْ وَعَلانِيَتِكُمْ وَشاهِدِكُمْ وَغائِبِكُمْ وَاَوَّلِكُمْ وَآخِرِكُمْ ، وَمُفَوِّضٌ فى ذلِكَ كُلِّهِ اِلَيْكُمْ وَمُسَلِّمٌ فيهِ مَعَكُمْ ، وَقَلْبى لَكُمْ مُسَلِّمٌ ، وَرَأيى لَكُمْ تَبَعٌ ، وَنُصْرَتى لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يُحْيِىَ اللهُ تَعالى دينَهُ بِكُمْ ، وَيَرُدَّكُمْ فى اَيّامِهِ ، وَيُظْهِرَكُمْ لِعَدْلِهِ ، وَيُمَكِّنَكُمْ فى اَرْضِهِ فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ غَيْرِكُمْ ، آمَنْتُ بِكُمْ وَتَوَلَّيْتُ آخِرَكُمْ بِما تَوَلَّيْتُ بِهِ اَوَّلَكُمْ ، وَبَرِئْتُ اِلَى اللهِ عَزَّوَجَلَّ مِنْ اَعْدائِكُمْ وَمِنَ الْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَالشَّياطينِ وَحِزْبِهِمُ الظّالِمينَ لَكُمُ ، الْجاحِدينَ لِحَقِّكُمْ ، وَالْمارِقينَ مِنْ وِلايَتِكُمْ ، وَالْغاصِبينَ لاِرْثِكُمُ الشّاكّينَ فيكُمُ وَالْمُنْحَرِفينَ عَنْكُمْ ، وَمِنْ كُلِّ وَليجَةٍ دُونَكُمْ وَ


كُلِّ مُطاعٍ سِواكُمْ ، وَمِنَ الاْئِمَّةِ الَّذينَ يَدْعُونَ اِلَى النّارِ فَثَبَّتَنِىَ اللهُ اَبَداً ما حَييتُ عَلى مُوالاتِكُمْ وَمَحَبَّتِكُمْ وَدينِكُمْ ، وَوَفَّقَنى لِطاعَتِكُمْ ، وَرَزَقَنى شَفاعَتَكُمْ ، وَجَعَلَنى مِنْ خِيارِ مَواليكُمْ التّابِعينَ لِما دَعَوْتُمْ اِلَيْهِ ، وَجَعَلَنى مِمَّنْ يَقْتَصُّ آثارَكُمْ ، وَيَسْلُكُ سَبيلَكُمْ ، وَيَهْتَدى بِهُداكُمْ ، وَيُحْشَرُ فى زُمْرَتِكُمْ ، وَيَكِرُّ فى رَجْعَتِكُمْ ، وَيُمَلَّكُ فى دَوْلَتِكُـمْ ، وَيُشَـرَّفُ فى عافِيَتِكُمْ ، وَيُمَكَّنُ فى اَيّامِكُمْ ، وَتَقِرُّ عَيْنُهُ غَداً بِرُؤْيَتِكُمْ ، بِاَبى اَنْتُمْ وَاُمّى وَنَفْسى وَاَهْلى وَمالى ، مَنْ اَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ ، وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ مَوالِىَّ لا اُحْصـى ثَناءَكُمْ وَلا اَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ كُنْهَكُمْ وَمِنَ الْوَصْفِ قَدْرَكُمْ ، وَاَنْتُمْ نُورُ الاْخْيارِ وَهُداةُ الاْبْرارِ وَحُجَجُ الْجَبّارِ ، بِكُمْ فَتَحَ اللهُ وَبِكُمْ يَخْتِمُ ، وَبِكُمْ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ ، وَبِكُمْ يُمْسِكُ السَّماءَ اَنْ تَقَعَ عَلَى الاْرْضِ اِلاّ بِاِذْنِهِ ، وَبِكُمْ يُنَفِّسُ الْهَمَّ وَيَكْشِفُ الضُّرَّ ، وَعِنْدَكُمْ ما نَزَلَتْ بِهِ رُسُلُهُ ، وَهَبَطَتْ بِهِ مَلائِكَتُهُ وَاِلى جَدِّكُمْ.إن كانت الزّيارة لأمير المؤمنين (عليه‌السلام) فعوض وَاِلى جَدِّكُمْ قُل : وَاِلى اَخيكَ بُعِثَ الرُّوحُ الاْمينُ ، آتاكُمُ اللهُ ما لَمْ


يُؤْتِ اَحَداً مِنَ الْعالَمينَ ، طَأطَاَ كُلُّ شَريفٍ لِشَرَفِكُمْ ، وَبَخَعَ كُلُّ مُتَكَبِّرٍ لِطاعَتِكُمْ ، وَخَضَعَ كُلُّ جَبّارٍ لِفَضْلِكُمْ ، وَذَلَّ كُلُّ شَىْءٍ لَكُمْ ، وَاَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِكُمْ ، وَفازَ الْفائِزُونَ بِوِلايَتِكُمْ ، بِكُمْ يُسْلَكُ اِلَى الرِّضْوانِ ، وَعَلى مَنْ جَحَدَ وِلايَتَكُمْ غَضَبُ الرَّحْمنِ ، بِاَبى اَنْتُمْ وَاُمّى وَنَفسى وَاَهْلى وَمالى ، ذِكْرُكُمْ فِى الذّاكِرينَ ، وَاَسْماؤُكُمْ فِى الاْسْماءِ ، وَاَجْسادُكُمْ فِى الاْجْسادِ ، وَاَرْواحُكُمْ فِى اْلاَرْواحِ ، وَاَنْفُسُكُمْ فِى النُّفُوسِ ، وَآثارُكُمْ فِى الاْثارِ ، وَقُبُورُكُمْ فِى الْقُبُورِ ، فَما اَحْلى اَسْمائَكُمْ ، وَاَكْرَمَ اَنْفُسَكُمْ ، وَاَعْظَمَ شَأنَكُمْ ، وَاَجَلَّ خَطَرَكُمْ ، وَاَوْفى عَهْدَكُمْ ، وَاَصْدَقَ وَعْدَكُمْ كَلامُكُمْ نُورٌ ، وَاَمْرُكُمْ رُشْدٌ ، وَوَصِيَّتُكُمُ التَّقْوى ، وَفِعْلُكُمُ الْخَيْرُ ، وَعادَتُكُمُ الاْحْسانُ ، وَسَجِيَّتُكُمُ الْكَرَمُ ، وَشَأنُكُمُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ وَالرِّفْقُ ، وَقَوْلُكُمْ حُكْمٌ وَحَتْمٌ ، وَرَأيُكُمْ عِلْمٌ وَحِلْمٌ وَحَزْمٌ ، اِنْ ذُكِرَ الْخَيْرُ كُنْتُمْ اَوَّلَهُ وَاَصْلَهُ وَفَرْعَهُ وَمَعْدِنَهُ وَمَأواهُ وَمُنْتَهاهُ ، بِاَبى اَنْتُمْ وَاُمّى وَنَفْسى كَيْفَ اَصِفُ حُسْنَ ثَنائِكُمْ ، وَاُحْصى جَميلَ بَلائِكُمْ ، وَبِكُمْ اَخْرَجَنَا اللهُ مِنَ الذُّلِّ وَفَرَّجَ عَنّا


غَمَراتِ الْكُرُوبِ ، وَاَنْقَذَنا مِنْ شَفا جُرُفِ الْهَلَكاتِ وَمِنَ النّارِ ، بِاَبى اَنْتُمْ وَاُمّى وَنَفْسى ، بِمُوالاتِكُمْ عَلَّمَنَا اللهُ مَعالِمَ دِينِنا ، وَاَصْلَحَ ماكانَ فَسَدَ مِنْ دُنْيانا وَبِمُوالاتِكُمْ تَمَّتِ الْكَلِمَةُ ، وَعَظُمَتِ النِّعْمَةُ ، وَائْتَلَفَتِ الْفُرْقَةُ ، وَبِمُوالاتِكُمْ تُقْبَلُ الطّاعَةُ الْمُفْتَرَضَةُ ، وَلَكُمُ الْمَوَدَّةُ الْواجِبَةُ ، وَالدَّرَجاتُ الرَّفيعَةُ ، وَالْمَقامُ الْمحْمُودُ ، وَالْمَكانُ الْمَعْلُومُ عِنْدَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ ، وَالْجاهُ الْعَظيمُ ، وَالشَّأنُ الْكَبيرُ ، وَالشَّفاعَةُ الْمَقْبُولَةُ ، رَبَّنا آمَنّا بِما اَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدينَ رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ اِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً اِنَّكَ اَنْتَ الْوَهّابُ ، سُبْحانَ رَبِّنا اِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ، يا وَلِىَّ اللهِ اِنَّ بَيْنى وَبيْنَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ ذُنُوباً لا يَأتى عَلَيْها اِلاّ رِضاكُمْ ، فَبِحَقِّ مَنِ ائْتَمَنَكُمْ عَلى سِرِّهِ وَاسْتَرْعاكُمْ اَمْرَ خَلْقِهِ وَقَرَنَ طاعَتَكُمْ بِطاعَتِهِ ، لَمَّا اسْتَوْهَبْتُمْ ذُنُوبى وَكُنْتُمْ شُفَعائى ، فَاِنّى لَكُمْ مُطيعٌ ، مَنْ اَطاعَكُمْ فَقَدْ اَطاعَ اللهَ ، وَمَنْ عَصاكُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ ، وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ ، وَمَنْ اَبْغَضَكُمْ فَقَدْ اَبْغَضَ اللهَ اَللّـهُمَّ اِنّى لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ اَقْرَبَ اِلَيْكَ مِنْ مُحَمِّدٍ وَاَهْلِ بَيْتِهِ الاْخْيارِ


الاْئِمَّةِ الاْبْرارِ لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعائي ، فَبِحَقِّهِمُ الَّذى اَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ اَسْاَلُكَ اَنْ تُدْخِلَنى فى جُمْلَةِ الْعارِفينَ بِهِمْ وَبِحَقِّهِمْ ، وَفى زُمْرَةِ الْمَرْحُومينَ بِشَفاعَتِهِمْ ، اِنَّكَ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطّاهِرينَ وَسَلَّمَ تَسْليماً كَثيراً ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْـمَ الْوَكيلُ.



الفهرس

المقدمة

٥

(ودعائم الأخيار)

٣٨

الفصل الأوّل

١١

(وساسة العباد)

٤٠

الفصل الثّاني

١٤

(وأركان البلاد)

٤٠

(السلام عليكم)

١٩

(وأبواب الأيمان)

٤١

(يا أهل بيت النبوة)

١٩

(وأمناء الرحمن)

٤٢

(وموضع الرسالة)

٢٢

(وسلالة النبيين)

٤٣

(ومختلف الملائكة)

٢٢

(وصفوة المرسلين)

٤٤

(ومهبط الوحي)

٢٤

(وعترة خيرة رب العالمين)

٤٥

(ومعدن الرحمة)

٢٥

(ورحمة الله)

٤٥

(وخزان العلم)

٢٦

(وبركاته)

٤٥

(ومنتهى الحلم)

٣٠

(السلام على أئمة الهدى)

٤٦

(وأصول الكرم)

٣٢

(ومصابيح الدجى)

٤٨

(وقادة الأمم)

٣٥

(واعلام التقى)

٤٩

(وأولياء النعم)

٣٦

(وذوي النهى)

٥١

(وعناصر الأبرار)

٣٧

(وأولي الحجى)

٥١


(وكهف الورى)

٥٢

(والمخلصين في توحيد الله)

٨١

(وورثة الأنبياء)

٥٣

(والمظهرين لأمر الله ونهيه)

٨٤

(والمثل الأعلى)

٥٤

(وعباده المكرمين)

٨٥

(والدعوة الحسنى)

٥٥

(الذين لا يسبقونه بالقول)

٨٦

(وحجج الله)

٥٦

(وهم بأمره يعملون)

٨٦

(على أهل الدنيا)

٥٧

(ورحمة الله وبركاته)

٨٦

(والآخرة)

٥٨

(السلام على الأئمة الدعاة)

٨٧

(والاُولى)

٥٩

(والقادة)

٨٧

(ورحمة الله وبركاته)

٦٠

(الهداة)

٨٨

(السلام على محال معرفة الله)

٦٠

(والسادة)

٨٨

(ومساكن بركة الله)

٦٢

(الولاة)

٨٩

(ومعادن حكمة الله)

٦٤

(والذادة)

٩٣

(وحفظة سر الله)

٦٤

(الحماة)

٩٣

(وخزنة علم الله)

٦٧

(وأهل الذكر)

٩٥

(وحملة كتاب الله)

٧٠

(وأولي الأمر)

٩٦

(وأوصياء نبي الله)

٧١

(وبقية الله)

٩٧

(وذرية رسول الله ٦)

٧٣

(وخيرته)

٩٨

(ورحمة الله وبركاته)

٧٥

(وحزبه)

٩٩

(السلام على الدعاة الى الله)

٧٥

(وعيبية علمه)

١٠٠

(والادلاء على مرضات الله)

٧٦

(وحجته)

١٠٠

(والمستقرين في أمر الله)

٧٧

(وصراطه)

١٠٢

(والتامين في محبة الله)

٧٨

(ونوره)

١٠٣


(وبرهانه)

١٠٦

(المطيعون لله)

١١٩

(ورحمة الله وبركاته)

١٠٦

(القوامون بأمره)

١٢١

(أشهد أن لا إله إلا الله)

١٠٦

(العاملون بإرادته)

١٢٢

(وحده لا شريك له)

١٠٧

(الفائزون بكرامته)

١٢٢

(كما شهد الله لنفسه وشهدت له ملائكته واولوا العلم من خلقه)

١٠٧

(إصطفاكم بعلمه)

١٢٢

(لا إله إلا العزيز الحكيم)

١٠٨

(وارتضاكم لغيبه)

١٢٢

(وأشهد أن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده)

١٠٩

(واختاركم لسره)

١٢٦

(المنتجب)

١١٠

(واجتباكم بقدرته)

١٢٦

(ورسوله المرتضى)

١١١

(وأعزكم بهداه)

١٢٧

(أرسله بالهدى)

١١١

(وخصكم ببرهانه)

١٢٧

(ودين الحق)

١١٢

(وانتجبكم بنوره)

١٢٨

(ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)

١١٢

(وأيدكم بروحه)

١٢٨

(وأشهد أنكم الأئمة الراشدون)

١١٢

(ورضيكم خلفاء في أرضه)

١٣١

(الهادون)

١١٣

(وحججنا على بريته)

١٣٢

(المهديون)

١١٣

(وأنصارا لدينه)

١٣٢

(المعصومون)

١١٣

(وحفظة لسره)

١٣٣

(المكرمون)

١١٥

(وخزنة علمه)

١٣٤

(المقربون)

١١٥

(ومستودعا لحكمته)

١٣٥

(المتقون)

١١٦

(وتراجمة لوحيه)

١٣٧

(الصادقون)

١١٧

(وأركانا لتوحيده)

١٣٨

(المصطفون)

١١٨

(وشهداء على خلقه)

١٣٩

(وأعلاما لعباده)

١٤٠


(ومنارا في بلاده)

١٤٠

(وأقمتم حدوده)

١٥٧

(والادلاء على صراطه)

١٤١

(ونشرتم شرائع أحكامه)

١٥٨

(عصمكم الله من الزلل)

١٤٢

(وسننتم سنته)

١٥٩

(وآمنكم من الفتن)

١٤٢

(وصرتم في ذلك)

١٦٠

(وطهركم من الدنس)

١٤٣

(منه الى الرضا)

١٦٠

(واذهب عنكم الرجس)

١٤٣

((وسلمتم له القضاء)

١٦٠

(أهل البيت)

١٤٣

(وصدقتم من رسله من مضى)

١٦١

(وطهركم تطهيرا)

١٤٣

(فالراغب عنكم مارق)

١٦١

(فعظمتم جلاله)

١٤٦

(واللازم لكم لاحق)

١٦٢

(وأكبرتم شأنه)

١٤٧

(والمقصر في حقكم زاهق)

١٦٢

(ومجدتم كرمه)

١٤٨

(والحق معكم)

١٦٢

(وأدمتم ذكره)

١٤٨

(وفيكم)

١٦٣

(ووكدتم ميثاقه)

١٤٩

(ومنكم)

١٦٣

(وأحكمتم عقد طاعته)

١٥٠

(وإليكم)

١٦٣

(ونصحتم له في السر العلانية)

١٥٠

(وأنتم أهله)

١٦٤

(ودعوتم الى سبيله بالحكمة)

١٥١

(ومعدنه)

١٦٤

(والموعظة الحسنة)

١٥١

(وميراث النبوة عندكم)

١٦٤

(وبذلتم أنفسكم في مرضاته)

١٥٢

(وإياب الخلق إليكم)

١٦٥

(وصبرتم على ما أصابكم)

١٥٢

(وحسابهم عليكم)

١٦٦

(في جنبه)

١٥٤

(وفصل الخطاب عندكم)

١٦٧

(وأقمتم الصلاة)

١٥٤

(وآيات الله لديكم)

١٦٧

(حتى أعلنتم دعوته وبيتم فرائضه)

١٥٧

(وعزائمه فيكم)

١٦٨


(ونوره وبرهانه عندكم)

١٦٩

(وخاب من جحدكم)

١٨٢

(وأمره إليكم)

١٦٩

(وضل من فارقكم)

١٨٣

(من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عاد الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله)

١٧٠

(وفاز من تمسك بكم)

١٨٣

(وأمن من لجأ إليكم)

١٨٣

(وسلم من صدقكم)

١٨٤

(أنتم السبيل الأعظم)

١٧٣

(وهدي من اعتصم بكم)

١٨٥

(والصراط الأقوم)

١٧٣

(من إتبعكم فالجنة مأواه ومن خالفكم فالنار مثواه)

١٨٥

(وشهداء دار الفناء)

١٧٣

(وشفعاء دار البقاء)

١٧٤

(ومن جحدكم كافر)

١٨٥

(والرحمة الموصولة)

١٧٧

(ومن حاربكم مشرك)

١٨٧

(والآية المخزونة)

١٧٧

(ومن رد عليكم)

١٨٧

(والأمانة المحفوظة)

١٧٨

(في أسفل درك من الجحيم)

١٨٨

(والباب المبتلى به الناس)

١٧٩

(أشهد أن هذا سابق لكم فيما مضى)

١٨٩

(من آتاكم فقد نجى ومن لم يأتكم فقد هلك)

١٨١

(وجار لكم فيما بقي)

١٨٩

(وأشهد أن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة)

١٨٩

(إلى الله تدعون وعليه تدلون)

١٨١

(وبه تؤمنون)

١٨١

(طابت طهرت)

(بعضها من بعض)

١٩١

١٩١

(وله تسلمون)

١٨١

(وبأمره تعملون)

١٨٢

(خلقكم الله أنوارا فجعلكم بعرشه محدقين)

١٩١

(وإلى سبيله ترشدون)

١٨٢

(حتى من علينا بكم)

(فجعكم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها إسمه)

١٩٢

١٩٢

(وبقوله تحكمون)

١٨٢

(وجعل صلواتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طيباً

(سعد والله من والاكم)

١٨٢

(وهلك من عاداكم)

١٨٢


لخلقنا)

١٩٢

(ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه وقرب منزلتكم منه)

٢٠٢

(وطهارة لأنفسنا)

١٩٣

(بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي)

٢٠٢

(وتزكية لنا)

١٩٤

(أشهد الله تعالى وأشهدكم أني مؤمن بكم)

٢٠٢

(وكفارة لذنوبنا)

١٩٤

(وبما آمنتم به)

٢٠٣

(فكنا عنده مسلمين بفضلكم)

١٩٤

(كافر بعدوكم وبما كفرتم به)

٢٠٣

(ومعروفين بتصديقنا إياكم)

١٩٥

(مستبصرا بشأنكم وبضلالة من خالفكم)

٢٠٣

(فبلغ الله بكم أشرف مخل المكرمين)

١٩٦

(موال لكم ولأوليائكم مبغض لأعدائكم ومعاد لهم سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم)

٢٠٤

(وأعلا منازل المقربين)

١٩٧

(محقق لما حققتم مبطل لما أبطلتم)

٢٠٤

(وأرفع درجات المرسلين)

١٩٧

(مطيع لكم)

٢٠٥

(حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يشبقه سابق)

٢٠٠

(عارف بحقكم مقر بفضلكم)

٢٠٥

(ولا يطمع في إدراكه طامع)

٢٠٠

(محتمل لعلمكم)

٢٠٥

(حتى لا يبقى)

٢٠٠

(محتجب بذمتكم معترف بكم)

٢٠٦

(ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دني فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاهر طالح ولا جبار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد)

٢٠٠

(مؤمن بأيابكم)

٢٠٦

(مصدق برجعتكم)

٢٠٦

(منتظر لأمركم)

٢١٠

(مرتقب لدولتكم)

٢١١

(إلا عرفهم)

٢٠١

(آخذ بقولكم عامل بأمركم)

٢١١

(جلالة أمركم وعظم خطركم)

٢٠١

(مستجير بكم)

٢١١

(وكبر شأنكم)

٢٠١

(زاير لكم عائذ بكم لائذ بقبوركم)

٢١٢

(وتمام نوركم وصدق مقاعدكم)

٢٠١

(مستشفع إلى الله عزّ وجلّ بكم)

٢١٢

(وثبات مقامكم وشرف محلكم)

٢٠٢


(ومتقرب بكم إليه ومقدمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في كل أحوالي وأموري)

٢١٢

(الظالمين لكم الجاحدين لحقكم والمارقين من ولايتكم والغاصبين لارثكم)

٢٢١

(مؤمن بسركم وعلانيتكم)

٢١٣

(الشاكين فيكم والمنحرفين عنكم)

٢٢٢

(وشاهدكم وغائبكم)

٢١٣

(ومن كل وليجة دونكم)

٢٢٢

(وأولكم وآخركم)

٢١٤

(ومن كل مطاع سواكم ومن الائمة الذين يدعون إلى النار)

٢٢٣

(ومفوض في ذلك كله إليكم)

٢١٤

(فثبتني الله أبدا ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم)

٢٢٣

(ومسلم فيه معكم)

٢١٦

(ووفقني لطاعتكم ورزقني شفاعتكم)

٢٢٤

(وقلبي لكم مسلم)

٢١٦

(وجعلني من خيار موالكم التابعين لما دعوتم إليه)

٢٢٤

(ورأيي لكم تبع)

٢١٦

(وجعلني ممن يقتص آثاركم ويسلك سبيلكم)

٢٢٥

(ونصرتي لكم معدة)

٢١٦

(ويهتدي بهديكم ويحشر في زمرتكم)

٢٢٥

(حتى يحيي الله تعالى دينه بكم)

٢١٦

(ويردكم في أيامه)

٢١٧

(ويكر في رجعتكم)

٢٢٥

(ويطهركم لعدله)

٢١٧

(ويملك في دولتكم)

٢٢٥

(ويمكنكم في أرضه)

٢١٨

(ويشرف في عافيتكم)

٢٢٥

(فمعكم معكم)

٢١٨

((ولا يمكن في أيامكم)

٢٢٦

(لا مع عدوكم)

٢١٨

(وتقر عينه غدا برؤيتكم)

٢٢٦

(آمنت بكم)

٢١٩

(بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي)

٢٢٦

(وتوليت آخركم بما توليت به أولكم)

٢١٩

(وبرئت الى الله عزّ وجلّ من أعدائكم)

٢١٩

(من أراد الله بدأ بكم)

٢٢٦

(ومن الجبت والطاغوت)

٢١٩

(ومن وحده قبل عنكم)

٢٢٧

(والشياطين)

٢٢٠

(ومن قصده توجه بكم)

٢٢٧

(وحزبهم)

٢٢٠

(موالي لا أحصي ثنائكم)

٢٢٧


(ولا أبلغ من المدح كنهكم ولا من الوصف قدركم)

٢٢٨

(بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي)

٢٤١

(وأنتم نور الأخيار)

٢٢٩

(ذكركم في الذاكرين وأسماءكم في الأسماء وأجسادكم في الأجساد وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس وآثاركم في الآثار وقبوركم في القبور)

٢٤١

(وهداة الأبرار)

٢٣٠

(وحجج الملك الجبار ، بكم فتح الله)

٢٣٠

(وبكم يختم)

٢٣١

(وبكم ينزل الغيث)

٢٣١

(فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم وأعظم شأنكم وأجل خطركم)

٢٤١

(وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض)

٢٣٢

(وأوفى عهدكم وأصدق وعدكم)

٢٤٥

(إلا بإذنه)

٢٣٣

(كلامكم نور)

٢٤٦

(وبكم ينفس الهم ويكشف الغم ويرفع الضر)

٢٣٣

(وأمركم رشدا)

٢٤٦

(وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته)

٢٣٣

(ووصيتكم التقوى)

٢٤٧

(وإلى جدكم بعث الروح الأمين)

٢٣٤

(وفعلكم الخير)

٢٤٧

(أتاكم الله)

٢٣٤

(وعادتكم الإحسان)

٢٤٧

(ما لم يؤت أحدا من العالمين)

٢٣٤

(وسجتتكم الكرم)

٢٤٧

(طأطأ كل شريف لشرفكم)

٢٣٥

(وشأنكم الحق والصدق والرفق)

٢٤٨

(وبخع كل متكبر لطاعتكم)

٢٣٦

(وقولكم حكم)

٢٤٨

(وخضع كل جبار لفضلكم)

٢٣٦

(وحتم)

٢٤٩

(وذل كل شيء لكم)

٢٣٧

(ورأيكم علم)

٢٤٩

(وأشرقت الأرض بنوركم)

٢٣٩

(وحلم)

٢٤٩

(وفاز الفائزون بولايتكم)

٢٣٩

(وحزم)

٢٥٠

(بكم يسلك إلى الرضوان)

٢٣٩

(إن ذكر الخير كنتم أوله)

٢٥٠

(وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن)

٢٤٠

(وأصله)

٢٥٠

(وفرعه)

٢٥٠


(ومأواه)

٢٥١

(فاكتبنا مع الشاهدين)

٢٦٤

(ومنتهاه)

٢٥١

(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)

٢٦٥

(بأبي أنتم وأمي ونفسي كيف أصف حسن ثنائكم)

٢٥١

(وهب لنا من لدنك رحمة)

٢٦٦

(وأحصي جميل بلائكم)

٢٥١

(إنك أنت الوهاب)

٢٦٦

(بكم أخرجنا الله من الذل)

٢٥٢

(سبحان ربنا)

٢٦٦

(وفرج عنا غمرات الكروب)

٢٥٣

(إن كان وعد ربنا لمفعولا)

٢٦٦

(وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار)

٢٥٤

(يا ولي الله)

٢٦٦

(بأبي أنتم وأمي ونفسي بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا)

٢٥٤

(إن بيني وبين الله عزّ وجلّ ذنوبا لا يأتي عليها إلا رضاكم)

٢٦٦

(وأصلح ما كان فسد من دنيانا)

٢٥٤

(فبحق من ائتمنكم على سره)

٢٦٧

(وبموالاتكم تمت الكلمة)

٢٥٥

(واسترعاكم أمر خلقه)

٢٦٧

(وعظمت النعمة علينا)

٢٥٥

(وقرن طاعتكم بطاعته)

٢٦٧

(وائتلفت الفرقة)

٢٥٧

(لما إستوهبتم ذنوبي)

٢٦٨

(وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة)

٢٥٨

(وكنتم شفعائي)

٢٦٩

(ولكم المودة الواجبة)

٢٥٩

(فإني لكم مطيع)

٢٦٩

(والدرجات الرفيعة)

٢٦٠

(من أطاعكم فقد أطاع الله ومن عصاكم فقد عصى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله)

٢٧٠

(والمقام المحمود)

٢٦١

(اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب إليك من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته المصطفين الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي)

٢٧٠

(والمكان المعلوم عند الله)

٢٦٢

(والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة)

٢٦٢

(ربنا آمنا بما أنزلت)

٢٦٤

(واتبعنا الرسول)

٢٦٤

(فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك)

٢٧٣


(أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم)

٢٧٣

(إنك أرحم الراحمين)

٢٧٤

(وبحقهم)

٢٧٤

(وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل)

٢٧٥

(وفي زمرتهم)

٢٧٤

(المرحومين بشفاعتهم)

٢٧٤

انوار الولاية الساطعة في شرح الزيارة الجامعة

المؤلف:
الصفحات: 300