

بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله رب
العالمين ، والصلاة والسّلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :
فقد نهجت دراسة
الظواهر النحوية والصرفية منهجين متكاملين يردف كل واحد منهما الآخر :
الأول : دراسة
الظاهرة وفق الأسس التي قدمها النحويون في كتبهم مع الاتصال بالدرس النحوي والصرفي
في صورته الحديثة ، وهذا المنهج يتمثل في قتل القديم بحثا واتخاذ الدرس الحديث آلة
من آلات فهم القديم ودراسته.
الثاني : تحقيق
المخطوطات العربية ودراستها وإخراجها إلى النور لكونها المادة الأساسية لأصحاب
المنهج الأول ورأيت أن أجمع بين المنهجين ، فآثرت أن أتناول في تجربتي الثانية تحقيق إحدى المخطوطات
ودراستها ، وبذلك أشارك أيضا في الجهود المبذولة لتحقيق جميع المخطوطات العربية
ونشرها.
وقد فضلت هذه
المخطوطة على غيرها لأربعة أسباب :
١ ـ أن أبا
الفداء ذو شهرة علمية عالمية واضحة ، قد نالها من نشر كتابيه : «المختصر في أخبار
البشر» و «تقويم البلدان» ، فقد حاز هذان الكتابان على مكانة سامية لدى الباحثين
العرب وغير العرب ، فطبعا مرارا ، وترجما إلى عدة لغات.
٢ ـ أن
الباحثين المحدثين لم يعرفوا أبا الفداء نحويا ، فلعل تحقيق «كنّاشه» ونشره يفيد
أنه لا يقل تمكّنا في النحو والصرف من تمكّنه في علمي التأريخ
__________________
والجغرافيا ، وبذلك نكشف عن جانب آخر من جوانب ثقافته المتنوعة ، مما يساعد
على جلاء شخصيته وبيان ملامحها بدقة.
٣ ـ أن هذه
المخطوطة تمثّل واحدا من كتب الكنّاش التي ما رأيت أحدا قد تناول تحقيق واحد منها
، ولعلّنا بتحقيقها ندفع الباحثين إلى الالتفات إلى تحقيق كتب الكنّاش المتفرقة في
مكتبات العالم ، وفي ذلك كثير من الفوائد المرجوة لدراستنا اللغوية والنحوية
والصرفية.
٤ ـ أن هذه
المخطوطة شرح لأجزاء مختارة من مفصل الزمخشري ، وأجزاء من كافية ابن الحاجب
وشافيته ، وهذه الكتب الثلاثة ذات قيمة معروفة بين المشتغلين بعلوم العربية ، وقد
أتى أبو الفداء من شرح هذه الأجزاء على جميع الأبواب النحوية والصرفية والإملائية.
٥ ـ أنها
مخطوطة نادرة وحيدة ، فمن الواجب العلمي تحقيقها ونشرها خوفا عليها من عوادي
الزمن.
من أجل ذلك كله
، عزمت على تحقيق هذه المخطوطة ، وجعلت عملي بابين :
الباب الأول :
الدراسة.
الباب الثاني :
النص المحقّق.
وقسمت الباب
الأول قسمين ، جعلت القسم الأول في ستة فصول :
الأول : اسمه
وأسرته وإمارته على مدينة حماة.
الثاني : حياته
العلمية وتكوينه الثقافي.
الثالث :
مصنّفاته وشعره.
الرابع : منهج
أبي الفداء في الكناش.
الخامس :
شواهده ومصادره.
السادس : مذهب
أبي الفداء النحوي ، وموقفه من النحاة.
وولي ذلك القسم
الثاني الذي أتى في خمسة فصول :
الأول :
التعريف بعنوان الكتاب «الكناش».
الثاني : توثيق
نسبة الكتاب إلى أبي الفداء.
الثالث : وصف
المخطوطة.
الرابع : منهج
التحقيق.
الخامس : طبعة
قطر والنخبة المتميّزة من السّرّاق.
ثم جاء الباب
الثاني للنص المحقّق «كتاب الكنّاش» ، وخدمته بصنع فهارس للآيات القرآنية ،
والأحاديث النبوية الشريفة ، والأشعار ، والأرجاز ، والأمثال والأقوال ، والألفاظ
اللغوية ، والأعلام ، والقبائل ، والبلدان ، والكتب والمصادر ، والموضوعات.
وبعد : فقد
جهدت في أن أخرج هذا الكناش على أحسن صورة أحسبها ترضي مؤلفه ـ رحمهالله ـ وفي أجمل حلّة أردتها له ، فلعلي قد وفّقت ، وإلا
فحسبي أني حاولت ، وقد قالوا : العجز عن درك الإدراك إدراك.
أسأل الله
سبحانه وتعالى أن يثبتنا بالقول الثابت ، وأن يرزقنا الصواب ، ويلهمنا الحكمة ،
وأن يجعل هذا العمل نافعا خالصا لوجهه الكريم ، وله الحمد والمنّة أولا وآخرا.
٦ / ١١ / ١٤١٧ ه
|
رياض بن حسن الخوّام
مكة المكرمة
|
الباب الأول
الدراسة
القسم الأول
الفصل الأول :
اسمه وأسرته وإمارته على مدينة حماة
الفصل الثاني :
حياته العلمية وتكوينه الثقافي
الفصل الثالث :
مصنفاته وشعره
الفصل الرابع :
منهج أبي الفداء في الكناش
الفصل الخامس :
شواهده ومصادره
الفصل السادس :
مذهب أبي الفداء النحوي وموقفه من النحاة
الفصل الأول
اسمه وأسرته وإمارته على مدينة حماة
هو الملك
المؤيد عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن الملك الأفضل نور الدين أبي الحسن علي بن
السلطان الملك المظفر تقي الدين أبي الفتح محمود بن السلطان الملك المنصور ناصر
الدين أبي المعالي محمد بن السلطان الملك المظفر تقي الدين أبي الخطاب عمر بن
شاهنشاه بن أيوب بن شادي .
وواضح من هذا
النسب الرفيع أن أبا الفداء ينتمي إلى الأسرة الأيوبية التي حكمت الشام ومصر
وتاريخها أشهر من أن يعرّف. وتجمع المصادر التي ترجمت له على أن مولده كان في دمشق
في شهر جمادي الأولى سنة ٦٧٢ ه لأن أهله كانوا قد غادروا حماة إلى دمشق خوفا من
التتار .
وأشار أبو
الفداء في كتابه المختصر إلى بعض الأخبار التي تلقي الضوء على
__________________
أحوال أسرته فذكر أن أباه الملك الأفضل علي بن الملك المظفر محمود بقي
يشارك أخاه صاحب حماة الملك المنصور أحمد في معاركه وفتوحاته ضد الصليبيين حتى توفي بدمشق سنة ٦٩٢ ه وأنّ والدته كانت على قدم كبير من العبادة والتقوى
وتوفيت سنة ٧٢٨ ه وأنّ له أخوين هما أسد الدين عمر ، وبدر الدين حسن الذي
توفي سنة ٧٢٦ ه وأنّ أبا الفداء رزق ولدا أسماه محمدا سنة ٧١٢ ه وذكر ابن الوردي أنّ محمدا استلم الملك بعد وفاة أبيه
وعمره عشرون عاما وأنّه توفي سنة ٧٤٢ ه .
والعجيب حقا
أنّ كتب التراجم لم تحدثنا الكثير عن طفولة أبي الفداء ونشأته الأولى ـ مع كونه
سليل ملوك وملكا بعد ذلك ـ سوى نصّها على أنه كان أميرا بدمشق من جملة أمرائها في حين ذكر أبو الفداء أيضا ما يدلنا على أنه بدأ حياته
العسكرية مبكرا ؛ فقد شارك عمّه وأباه في معاركهما ضد الصليبيين وفتح معهما قلعة
المرقب وكان عمره اثنتي عشرة سنة .
وتجمع المصادر
ـ مبيّنة كيف تولّى السلطنة على حماة ـ على أن أبا الفداء «خدم الملك الناصر ـ محمد
بن قلاوون ـ لمّا كان بالكرك وبالغ في ذلك فوعده بحماة
__________________
ووفّى له بذلك وأعطاه حماة بعد أن أمّر أسندمر ـ الذي كان أميرا عليها ـ على
حلب بعد موت نائبها قبجق ـ وجعله صاحبها ، سلطانا يفعل فيها ما يختار من إقطاع
وغيره ليس لأحد من الدولة بمصر من نائب ووزير معه فيها حكم ، اللهم إلّا إن جرّد
عسكر من مصر والشام جرّد منها ؛ وأركبه في القاهرة سنة ٧٢٠ ه بشعار الملك وأبّهة
السلطنة ، ومشى الأمراء والناس في خدمته حتى الأمير سيف الدين أرغون ، ولقبه الملك
الصالح ، ثم بعد قليل لقبه الملك المؤيّد وعاد أبو الفداء إلى حماه بعد أن جهّزه السلطان بسائر
ما يحتاج إليه .
وقد صوّرت لنا
المصادر أيضا تلك المنزلة الرفيعة والمكانة السامية التي نالها أبو الفداء لدى
الملك الناصر ، فقد تقدّم الملك الناصر إلى نوابه : «بأن يكتب إليه ـ يقبّل الأرض
وهذا لفظ يختصّ ـ كما يقول الشوكاني ، بالسلطان الأعظم ـ وكان الأمير سيف الدين تنكز رحمهالله يكتب إليه : يقبّل الأرض بالمقام الشريف العالي المولوي
السلطاني الملكي المؤيّدي العمادي ، وفي العنوان صاحب حماة ، ويكتب السلطان إليه (أخوه
محمد بن قلاوون) أعزّ الله أيضا المقام الشريف العالي السلطاني الملكي المؤيدي
العمادي بلا مولوي : وكان تاريخ التقليد في الثامن عشر من جمادى الأولى سنة
٧١٠ ه .
وقد قابل أبو
الفداء هذا الإكرام والتعظيم بالوفاء والولاء ، فكان يتوجه «إلى مصر في كلّ سنة
بأنواع من الخيل والرقيق والجواهر وسائر الأصناف الغريبة» .
وبقي أبو
الفداء ملكا على حماة حتى توفي فجأة في الثالث والعشرين من
__________________
المحرّم سنة ٧٣٢ ه عن ستين سنة إلا ثلاثة أشهر وأياما.
ودفن ضحوة عند
والديه بظاهر حماة وقد رثاه جمال الدين محمد بن نباتة بقصيدة أولها :
ما للندى لا
يلبّي صوت داعيه
|
|
أظنّ أنّ ابن
شاد قام ناعيه
|
ما للرجاء قد
استدّت مذاهبه
|
|
ما للزمان قد
اسودت نواحيه
|
نعى المؤيّد
ناعيه فيا أسفا
|
|
للغيث كيف
غدت عنّا غواديه
|
__________________
الفصل الثاني
حياته العلمية وتكوينه الثقافي
يعدّ أبو
الفداء موسوعة علمية ثقافية متنوعة ، فقد نهل من علوم كثيرة وأجاد في فنون متعدّدة
، فكان كما وصفته كتب التراجم «رجلا عالما جامعا لأشتات العلوم .. ماهرا في الفقه
والتفسير والأصلين والنحو وعلم الميقات والفلسفة والمنطق والطب والعروض والتاريخ
وغير ذلك من العلوم ، شاعرا ماهرا كريما ... وكان معتنيا بعلوم الأوائل اعتناء
كبيرا وله يد طولى في الهيئة» .
ولا ريب أنّ
هذا التنوع الثقافي قد قام على أسس متينة متنوعة ، غير أن كتب التراجم ضنّت علينا
بأخبار حياته العلمية الأولى ولم تذكر لنا أسماء شيوخه ومؤدّبيه.
وأحسب أن أبا
الفداء قد تردّد على العلماء والمؤدّبين ، أو جاء إليه المؤدبون والعلماء شأنه في
ذلك شأن أولاد الملوك والأمراء ، فأخذ عنهم ونهل من معينهم ، وتفتّق ذهنه عن
عبقرية مبدعة فأصبح «أعجوبة من عجائب الدنيا» وثمة إشارات وردت عرضا لدى أصحاب التراجم ، وفي كتابه
المختصر تبين لنا بعض سيرته العلمية وتكوينه الثقافي وهي :
__________________
١ ـ أن ابن
تغري بردي في كتابه المنهل الصافي ذكر أن أبا الفداء «حفظ القرآن العزيز وعدّة كتب»
وهذا القول يدلّ على أنّ أبا الفداء قد قرأه وحفظه على يدي عالم مقرىء ،
ويستتبع ذلك ـ فيما أظن ـ تعلّمه التجويد والتفسير والنحو والصرف ، لأنّ هذه
العلوم ـ قديما ـ مترافقة متكاملة يردف بعضها بعضا ، ومما يؤكد ذلك أن كتاب الكناش
الذي بين أيدينا هو كتاب نحوي صرفي ضمّنه أبو الفداء كثيرا من القراءات القرآنية
مبيّنا اختلاف القرّاء حولها ، واختلافهم مع النحويين أحيانا ، ولا ريب أنه لو لم
يكن متمكّنا من ذلك لما استطاع أن يتمثّل بهذه الشواهد.
٢ ـ أن أبا
الفداء في كتابه المختصر أخبرنا عن اسم شيخ له هو جمال الدين محمد بن سالم بن واصل
الشافعي المتوّفى ٦٩٧ ه الذي كان مبرّزا في علوم كثيرة وصاحب كتاب «مفرج الكروب
في أخبار بني أيوب» ، وبيّن بأنه «كان يتردّد عليه وعمره خمسة وعشرون عاما ، لأنّ
مولده كان سنة ٦٧٢ ه ـ وقرأ عليه شرحه لعروض ابن الحاجب وكان يعرض عليه ما لم
يحلّه من إشكال كتاب أقليدس ويستفيد منه ويصحّح عليه أسماء من له ترجمة في كتاب
الأغاني .
٣ ـ أن ابن حجر
في كتابه الدّرر الكامنة أشار إلى أن أبا الفداء كان يقتني «كتبا نفيسة ولم يزل
على ذلك إلى أن مات» وهذا الخبر يدلّ على اهتمام أبي الفداء بالعلم الذي كان
من نتيجته جمع هذه المكتبة النادرة ، ويؤكّد هذا الاهتمام أنّ أبا الفداء في كتابه
المختصر يوجّه عنايته ، حين يترجم للرجال ، إلى ما صنفوه وما اقتنوه من كتب وينصّ
على أماكن وجودها ، ففي ترجمته لأحمد بن يوسف المنازي المتوفى ٤٣٦ ه ذكر أنه كان
يقتني «كتبا كثيرة وأوقفها على جامع ميّافارقين وجامع آمد وهي ، إلى قريب ، كانت
موجودة بخزائن الجامعين» ومن ذلك ما رواه أيضا عن أبي علي
__________________
يحيى بن عيسى بن جذلة الطبيب المتوفى ٤٩٣ ه من أنه «أوقف كتبه قبل موته
وجعلها في مشهد أبي حنيفة رضياللهعنه » ومن مظاهر اهتمامه بالكتب والمؤلفات حرصه على معرفة
كتب اليونان المترجمة وغير المترجمة ، فقد نقل من تاريخ ابن القفطي أن «فلوطيس»
شرح كتب أرسطو ونقلت تصانيفه من الرومي إلى السرياني قال : ولا أعلم أن شيئا منها
خرج إلى العربي ، وذكر أيضا أن «مقسطراطيس» شرح كتب أرسطو أيضا وخرجت إلى العربي .
٤ ـ أنّ قصة
علاجه ومداواته لابنه محمد حين سافرا إلى مصر تكشف لنا ثقافة أبي الفداء المتنوعة
وتدلنا من جانب آخر على أنه كان طبيبا بارعا ، قال : «مرض ابني محمد مرضا شديدا
فأرسل لنا السلطان رئيس الأطباء وهو جمال الدين إبراهيم بن أبي الربيع المغربي
فحضر إلى سرياقوس وبقي يساعدني على العلاج ثم رحل السلطان من سرياقوس ودخل القلعة
وأرسل إليّ حرّاقة فركبت أنا وابني محمد فيها وكان إذ ذاك يوم بحرّانه يعني سابع
أيام المرض وهو يوم الخميس سادس ذي الحجة ونزلت بدار طقز تمر ، على بركة الفيل ،
وأصبح يوم الجمعة المرض منحطا ولله الحمد» ويؤكد ذلك ما رواه أيضا الإسنوي في طبقاته فقد ذكر أن
أبا الفداء حين قدم إلى الديار المصرية استدعاه إلى مجلسه فحضر «ـ الأسنوي ـ ومعه
الصلاح ابن البرهان الطبيب المشهور فوقع الكلام اتفاقا في عدد من العلوم فتكلم
كلاما محققا وشاركناه في ذلك ثم انتقل الكلام إلى علم النبات والحشائش فكلما وقع
ذكر نبات ذكر صفته الدالّة عليه والأرض التي ينبت فيها والمنفعة التي فيه واستطرد
من ذلك استطرادا عجيبا ، وهذا الفن الخاص هو الذي كان يتبجّح بمعرفته الطبيبان
الحاضران وهما ابن القوبع وابن البرهان فإن أكثر الأطباء لا يدرون ذلك فلما خرجا
تعجبا إلى الغاية ، وقال الشيخ ركن الدين ما أعلم من ملك من ملوك المسلمين وصل إلى
هذا العلم» .
__________________
٥ ـ أنّ
اهتمامه في مختصره بتراجم اللغويين والنحويين يدل على شدة اتصاله بهذا الفن وذلك بمعرفة رجاله
وأخبارهم ومصنّفاتهم ، فقد ترجم لكثير منهم تراجم وافية لم تخل من استطرادات علمية نافعة تكشف عن ثقافة واسعة
وعلوم متنوعة امتلكها أبو الفداء واستثمرها في مؤلفاته المتعددة ، فبعد أن ترجم
لابن الأعرابي قال ما نصّه «والأعرابي منسوب إلى الأعراب يقال : رجل أعرابي إذا
كان بدويا وإن لم يكن من العرب ، ورجل عربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدويا ،
ويقال : رجل أعجم وأعجمي إذا كان في لسانه عجمة ، وإن كان من العرب ، ورجل عجمي
منسوب إلى العجم وإن كان فصيحا ، هكذا ذكر محمد بن عزيز السجستاني في كتابه الذي
فسر فيه غريب القرآن .
ومن ذلك ذكره
في ترجمة المتنبي ـ سؤال أبي علي الفارسي له إذ سأله قائلا : «كم لنا من الجموع
على وزن فعلى فقال المتنبي في الحال : حجلى وظربى ، قال أبو علي : فطالعت كتب
اللغة ثلاث ليال على أن أجد لهما ثالثا ، فلم أجد» وعلّق أبو الفداء قائلا : «وحسبك من يقول في حقه أبو
علي هذه المقالة» ومن قبل أثنى أبو الفداء على المتنبي لكونه «من المكثرين لنقل
اللغة والمطلعين عليها وعلى غريبها لا يسأل عن شيء إلا واستشهد فيه بكلام العرب .
٦ ـ أن خطبة
كتاب الكناش تفيد عزمه على تأليف سبعة كتب في فنون متنوعة
__________________
كان الكناش سيحتويها ، وبدهيّ أنه لو لم يكن عالما بهذه الفنون لما عزم على
التأليف فيها ، يضاف إلى ذلك أن مؤلفاته التي خلّفها لنا تدل على ما كان يتمتع به
من ذهن وقّاد ، وذكاء حاد ، استطاع أن يجمع بين هذه العلوم المتفرقة ويؤلف فيها
مؤلفات علمية معتبرة ، كالمختصر وتقويم البلدان . وقد ذكر الكتبي بعد ذكره أن أبا الفداء قد نظم الحاوي
في الفقه ما نصه «ولو لم يعرفه لما نظمه» وذلك كله يفيد أن سيرورته العلمية قامت على أسس متينة ،
فاستطاع بها أن يلج أبواب التأليف بكل أنواعه وأشكاله وفنونه.
٧ ـ أن كتب
التراجم قد ذكرت أن أبا الفداء منذ أن تولى سلطنة حماة اهتم بالعلماء ، فقرّبهم
إليه وأجرى لهم الرواتب ، ومن هؤلاء أمين الدين عبد الرحمن الأبهري المتوفى ٧٣٣ ه
وعمر بن محمد المعروف بابن العديم المتوفى ٧٣٤ ه وكان أبو الفداء يأمر من يعجب به من العلماء بالإقامة
عنده فقد ذكر الإسنوي أن أخاه «عماد الدين رحمهالله لمّا رحل إلى الشام قصد حلب فاجتاز على حماة وكان قد
رتب ـ أبو الفداء ـ من يحضر بمجلسه العلماء المارّين عليه والقاصدين إليه فحضر
الأخ عنده وتكلم معه في علوم فأعجب به وأمره بالإقامة هناك وهيّأ له من الفرش
والآلات ما يحتاج إليه ورتّب له رواتب كبيرة وولّاه مدارس ولازمه في الخلوة» ولم يقتصر أبو الفداء على تقريبه العلماء بل آوى إليه
الشعراء كابن نباتة وصفي الدين الحلي وأجزل لهم العطاء فقد رتّب لشاعره «جمال
الدين محمد بن نباتة كل سنة عليه ستمائة درهم وهو مقيم بدمشق غير ما يتحفه به» .
وكان الشعراء
يثنون عليه كثيرا ، ويمدحونه بغرر القصائد ، حتى قال ابن حجر :
__________________
«ولا أعرف في أحد من الملوك من المدائح ما لابن نباتة والشهاب محمود
وغيرهما فيه إلا سيف الدولة وقد مدح الناس غيرهما من الملوك كثيرا ولكن اجتمع
لهذين من الكثرة والإجادة من الفحول ما لم يتفق لغيرهما» .
ومن ذلك كلّه
يتضح لنا أن أبا الفداء قد قضى حياته طالبا للعلم ، محبا لأهله ، كريما فاضلا ،
جامعا بين الحكم والعلم ، فكان بحق «من فضلاء بني أيوب الأعيان منهم» وأصبحت حماة في عهده «محطّ رجال أهل العلم من كل فن ،
ومنزلا للشعراء» .
__________________
الفصل الثالث
مصنفاته وشعره
كان من نتيجة
الثقافة المتنوعة التي حصّلها أبو الفداء أن ألّف في عدد من الفنون كتبا ذاع صيتها
ـ لأهميتها ـ وانتشر أمرها ـ لشهرة مؤلفها ، ـ وهي :
١ ـ في التاريخ :
أ ـ المختصر في
أخبار البشر وقد أرّخ فيه حتى سنة ٧٢٩ ه ويعدّ هذا الكتاب ـ بحق ـ سبب
شهرة أبي الفداء ، فقد أتمّه وذيّله من حيث وقف أبو الفداء إلى آخر سنة ٧٤٩ ه زين
الدين عمر المعروف بابن الوردي المتوفى سنة ٧٥٠ ه وسمى كتابه «تتمة المختصر في أخبار البشر» واختصر
القاضي أبو الوليد محمد بن محمد ابن الشحنة الحلبي المتوفى سنة ٨١٥ ه كتاب أبي
الفداء وذيله إلى زمانه واهتم المستشرقون أيضا بكتاب المختصر فترجموه إلى عدة
لغات ، وطبعوه مرارا .
ب ـ التّبر
المسبوك في تواريخ أكابر الملوك : وهو مخطوط بدار الكتب المصرية تحت رقم ٥٤٧ نظرت
فيه فوجدته يقع في ١٩ ورقة من الحجم الصغير سرد فيه أبو الفداء أسماء بعض الملوك
من غير أن يذكر شيئا عن أخبارهم.
ج ـ تاريخ
الدولة الخوارزمية : وقد انفرد بذكره الزركلي في كتابه الأعلام
__________________
وأضاف بأنه مطبوع أيضا ، غير أني لم أجد أحدا ممن ترجم لأبي الفداء ذكر له
هذا الكتاب ، ولم أستطع العثور على نسخة منه ، وأحسبه قطعة مطبوعة مأخوذة من كتاب
المختصر.
د ـ مختصر
اللطائف السنية في التواريخ الإسلامية ، وكتاب اللطائف السنية ألفه فخر الدين
إسماعيل بن علي المعروف بالعدولي الحمصي ، قيل عن هذا الكتاب إنه مختصر من كتاب
التاريخ الكبير له ، اختصره أبو الفداء في مجلّد صغير أوله الحمد لله مصور (مصرف)
الدهور ومقدر الأمور ... ذكر فيه أنه اختصره من تاريخ الذهبي وابن عساكر وابن كثير
وغيرهم إلى سنة ٧٢١ ه ـ ١٣٣٠ م .
ولعل أبا
الفداء قد أودع هذا الكتاب مختصره فقد ذكر في المختصر ما نصه «ومن هنا نشرع في
التواريخ الإسلامية» فلعل التشابه في جزء من العنوان مع وصف صاحب الكشف له
بأنه في مجلد صغير ، وكونه إلى سنة ٧٢١ ه ، إن صح هذا ـ كل ذلك يقوي ما زعمناه.
٢ ـ في الجغرافيا :
أ ـ تقويم
البلدان ، وقد طبع مرارا ، وترجم إلى عدة لغات ثم إن المولى محمد بن علي الشهير بسباهي زاده المتوفى
سنة ٩٩٧ ه. رتّبه على الحروف المعجمة ، وأضاف إليه ما التقطه من المصنفات ليكون
أخذه يسيرا ونفعه كثيرا وسماه .. «أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك» ،
وأهداه إلى السلطان مراد خان الثالث .
__________________
٣ ـ في الفقه :
أ ـ نظم أبو
الفداء كتاب الحاوي في الفقه الشافعي لنجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم القزويني الشافعي
المتوفى سنة ٦٧٥ ه وهو من الكتب المعتبرة بين الشافعية ، ولو لم يعرفه
معرفة جيدة ما نظمه وقد قام قاضي القضاة شرف الدين ابن البارزي بشرح النظم
شرحا حسنا في أربع مجلدات .
٤ ـ في الطب :
ذكر الدكتور
رمضان ششن في كتابه «نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا» أن لأبي الفداء «قطعة
من كتاب له في الطب في مكتبة مدينة مغنيسا تحت رقم ١٨٣٦ / ٢ كتب في آخرها : قرأت
جميع هذا الكتاب قراءة .. على مؤلفه مولانا السلطان الملك المؤيد عماد الدنيا
والدين أبي الفداء إسماعيل صاحب حماه المحروسة ..» وكتب أبو الفداء بخط يده أيضا : بلغت هذه النسخة قراءة
عليّ في شهور آخرها ثامن ذي القعدة سنة ثماني وعشرين وسبعمائة وكتبه إسماعيل بن
محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب .
ولعله الكتاب
الثالث من الكناش ، فقد أشار أبو الفداء في خطبة الكناش إلى أن الكتاب الثالث
سيكون معقودا للطب ، ومما يؤكد ذلك أن الدكتور حسن الساعاتي قد نقل عن رينو
والبارون ويسلان محققي كتاب تقويم البلدان أن لأبي الفداء عدة أجزاء في الطب
بعنوان الكناش .
__________________
٥ ـ في العروض :
أ ـ شرح قصيدة
ابن الحاجب (المقصد الجليل في علم الخليل) والشرح مخطوط في مكتبة جورليلي علي باشا
تحت رقم ٣٧١ ويقع في أربعين ورقة .
٦ ـ في النحو والصرف :
أ ـ شرح منظومة
الكافية لابن الحاجب ، أوله : الحمد لله الذي علّم بالقلم إلخ وهو شرح لطيف علقه
من شرح المصنف لهذه المنظومة ومن غيرها من شروح الكافية وفرغ من تعليقه في شعبان
سنة ٧٢٢ ه .
ولعل أبا
الفداء جعله ضمن كناشه فيما بعد ، فقد ألفيته في الكناش قد علق أكثر المباحث
النحوية من شرح الوافية نظم الكافية لابن الحاجب وهو ما صرح به صاحب الكشف بقوله «علقه
من شرح المصنف ... إلخ».
ب ـ كشف
الوافية في شرح الكافية : وهو شرح أبيات شواهد (المتوسط المسمى بالوافية في شرح
الكافية) للسيد ركن الدين حسن بن محمد الاستراباذي المتوفى سنة ٧١٥ ه ، وأول شرح
الأبيات لك الحمد يا من صرف قلوبنا نحو المعاني والبيان ... إلخ .
ج ـ الكناش :
وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
٧ ـ وله من الكتب :
أ ـ الموازين :
جوده وهو صغير ، ويشتمل على علوم كثيرة . وقيل هو نظم في الفلك منه نسخة في مكتبة بودليان في
اكسفورد .
__________________
ب ـ نوادر
العلم : ويقع في مجلدين .
ج ـ مجموع في
الأخلاق والآداب والزهد والوعظ يقع في ٧٠ ورقة تحت رقم ٦٧٩٤ ـ المغرب .
ذكره الأستاذ
قدري الكيلاني ، فلعله اطلع عليه ، ولعله قطعة من الكناش ، لأن أبا الفداء قد ذكر
في خطبته أن الكتاب الخامس منه ، هو في الأخلاق والسياسة والزهد.
تصويب :
ذكر البغدادي
في كتابه هدية العارفين أن لأبي الفداء إسماعيل بن علي المتوفى ٧٣٢ ه كتابا اسمه «الأحكام
الصغرى في الحديث» غير أني لم أجد أحدا ممن ترجم له ذكر له هذا الكتاب
والصحيح أنه لعماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي الشافعي
المتوفى سنة ٧٤٤ ه ، وذلك لأن صاحب كشف الظنون ذكره منسوبا لابن كثير المذكور ويبدو أن سبب وهم البغدادي هو التشابه في الكنية.
شعره :
رأينا فيما سبق
أن أبا الفداء نظم كتاب الحاوي في الفقه ، وبدهي أنه لو لم يكن شاعرا ماهرا ما
نظمه ، وقد تناثرت قطع من شعره في كتب التراجم ، ووصف أصحابها شعره بأنه بديع حسن والناظر في هذه القطع يلحظ أن أبا الفداء قد تناول في
شعره غرضين هما : الوصف والغزل. فمن شعره قطعة في وصف الفرس يقول فيها :
أحسن به طرفا
أفوت به الفضاء
|
|
إن رمته في
مطلب أو مهرب
|
__________________
مثل الغزالة
ما بدت في مشرق
|
|
إلا بدت
أنوارها في المغرب
|
وله في الغزل :
كم من دم
حلّلت وما ندمت
|
|
تفعل ما
تشتهي فلا عدمت
|
لو أمكن
الشمس عند رؤيتها
|
|
لثم مواطىء
أقدامها لثمت
|
وشارك أبو
الفداء في نظم الموشحات ، فقد ذكرت له كتب التراجم هذه الموشحة التي وصفها الصفدي
بقوله : وهذه الموشحة جيدة في بابها منيعة على طلابها ، وقد عارض بوزنها موشحة
لابن سناء الملك رحمهالله تعالى ومطلع موشحة أبي الفداء :
أوقعني العمر
في لعلّ وهل
|
|
يا ويح من قد
مضى بهل ولعل
|
والشيب واف
وعنده نزلا
|
|
وفرّ منه
الشباب وارتحلا
|
ما أوقح
الشيب الآتي
|
|
إذ حلّ لاعن
مرضاتي
|
أما مطلع موشحة
ابن سناء الملك فهو :
عسى ويا
قلّما تفيد عسى
|
|
أرى لنفسي من
الهوى نفسا
|
مذبان عني من
قد كلفت به
|
|
قلبي قد لجّ
في تقلّبه
|
وبي أذى شوق
عاتي
|
|
ومدمعي يوم
شات
|
__________________
الفصل الرابع
منهج أبي الفداء في كتاب «الكناش»
يتّضح لنا
منهجه في كنّاشه مما يأتي :
أ ـ قدّم أبو
الفداء لكناشه بخطبة موجزة بيّن فيها أنّ هذا «كناش مشتمل على عدة كتب : الأول :
في النحو والتصريف ، الثاني : في الفقه ، الثالث : في الطب ، الرابع : في التاريخ
، الخامس : في الأخلاق والسياسة والزهد ، السادس : في الأشعار ، السابع : في فنون
مختلفة » غير أنه لم يبيّن لنا فيها الهدف من تأليفه ، ولم يشر
إلى الكتب التي سيقوم بشرحها ، ولم يذكر الكتب التي اعتمد عليها في صنعه لكناشه
كما صنع في مقدمة «المختصر» حين ذكر في مقدمته كلّ الكتب التي أخذ عنها ، ولعله
كان عازما على كتابة خطبة طويلة يبين فيها ذلك بعد انتهائه من تأليف كل الكتب التي
ذكرها في خطبته الموجزة ، ولكنّ المنيّة حالت دون ذلك.
٢ ـ شرح أبو
الفداء في الكناش أجزاء من مفصل الزمخشري ، وأجزاء من كافية ابن الحاجب وشافيته
فأتى من ذلك على الموضوعات النحوية والصرفية والإملائية جميعها.
٣ ـ سار أبو
الفداء في تقسيم كناشه وراء تقسيم الزمخشري لمفصله فقسم الكناش إلى أربعة أقسام :
١ ـ الاسم
٢ ـ الفعل
٣ ـ الحرف
__________________
٤ ـ المشترك
وأنهى الكناش
بعقد فصل خاصّ عن الخط والإملاء ، التزم فيه بالشافية لابن الحاجب كما التزم في
القسم الرابع (المشترك) بالمفصل للزمخشري فقط .
وقد صدّر أبو
الفداء عناوين موضوعاته بكلمات (ذكر ـ فصل ـ القول على) فيقول مثلا : «ذكر الخبر ـ فصل في المقصور والممدود ـ القول
على إبدال الواو من غيرها ـ ثم يورد بعد ذكره العنوان «الحدّ» الذي يختاره من
الكتب الثلاثة (المفصل أو الكافية أو الشافية) ، من غير أن يشير إلى صاحبه صراحة ،
وكان أحيانا ينسبه إلى صاحبه باستعماله لفظة «وقوله» مثال ذلك ما ذكره عن التمييز
إذ قال «وهو الاسم النكرة الذي يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة أو مقدرة ...
وقوله : الإبهام المستقر ، احترز به عن الأسماء المشتركة ... وقوله : «الاسم
النكرة إنما هو على المختار وهو مذهب البصريين» غير أن طريقة إيراد الحد لم تطرد ففي القسم الرابع «المشترك»
اختلط كلام أبي الفداء بنصوص المفصل ، وفي الفصل العاشر المعقود للخط امتزج فيه
كلام ابن الحاجب في الشافية بكلام أبي الفداء ، ومثل ذلك نلمسه في عدد من
الموضوعات النحوية والصرفية المتفرقة .
٤ ـ تميز
أسلوبه في الكناش بسهولة التعبير ، وسلاسة الألفاظ ، وانتظامها في تراكيب واضحة ،
هادفا من ذلك بيان المسألة النحوية وإبرازها في أوضح صورة وأتمّ بيان ، فيسهب حين
يرى الإسهاب لازما ويوجز حين لا فائدة منه ، ويورد ما تتطلبه المسألة حين تكون
للمختصين ويعرضها مجردة مما يثقل فهمها حين تكون للمبتدئين ، فجاء الكناش كتابا
تعليميا من جهة ، تخصصيا من جهة ثانية.
٥ ـ اهتم أبو
الفداء بصنع دوائر وجداول لتوضيح بعض الأحكام النحوية والصرفية من ذلك الدائرة
التي رسمها للبدل والجدول الذي ضمّنه أمثلة نون
__________________
التأكيد جميعها .
٦ ـ أورد أبو
الفداء في كناشه عددا من الأبيات التعليمية التي يسهل حفظها من ذلك البيت الجامع
في أوائل كلمة أحرف الإخفاء مع النون وهو :
ترى جار دعد
قد ثوى زيد في ضنى
|
|
كما ذاق طير
صيد سوءا شبا ظفر
|
ومن ذلك أيضا
البيت الجامع للحروف التي تبدل الياء منها وهو : ـ
هل كان سرّ
بصدّي
|
|
أثمت عوّض
بحدّ
|
٧ ـ أكثر أبو
الفداء من الاستشهاد بالآيات القرآنية والأشعار لتوضيح الأحكام النحوية أو
لتعضيدها ، مثال ذلك قوله عن أن المصدرية والمخففة «وأن المصدرية لا تقع بعد العلم
، والمخففة تقع بعده ومثال المخففة مع حرف النفي : علمت أن لا يخرج زيد ، وكقوله
تعالى : (أَفَلا يَرَوْنَ
أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً) وقد استعملت معها «ليس» مكان «لا» لشبهها بها في النفي
كقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ
لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وقد عوضوا «لم» عنها قال الله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) وأما قوله تعالى : (وَقَدْ نَزَّلَ
عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها
وَيُسْتَهْزَأُ بِها) فلما في إذا من معنى الشرط المختص بالاستقبال صارت
بمنزلة السين وسوف ، ومثالها مع «قد» علمت أن قد خرج زيد ومثالها مع السين قوله
تعالى : (عَلِمَ أَنْ
سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى).
ومثال استكثاره
من الشعر قوله عن زيادة إن الخفيفة المكسورة بعد ما النافية :
__________________
«وإن المكسورة الخفيفة تزاد بعد ما النافية لتأكيد النفي ويبطل عمل ما
حينئذ كقول الشاعر :
فما إن طبّنا
جبن ولكن
|
|
منايانا
ودولة آخرينا
|
وكقول النابغة
:
ما إن أتيت
بشيء أنت تكرهه
|
|
إذن فلا رفعت
سوطي إليّ يدي
|
وكقول امرىء
القيس :
حلفت لها
بالله حلفة فاجر
|
|
لناموا فما
إن من حديث ولا صالي
|
٨ ـ يعيّن
أبو الفداء أحيانا موضع الشاهد في الأشعار التي يسوقها ويوضحه ، وأحيانا يعربه
ويشرح غريبه من ذلك قوله عن جرير :
تعدون عقر
النّيب أفضل مجدكم
|
|
بني ضوطرى لو
لا الكميّ المقنّعا
|
«فنصب الكميّ
بفعل مقدّر أي هلّا تعدّون الكميّ ، والضوطرى الضخم لا غناء عنده ومعنى البيت
تفتخرون بعقر النيب ـ وهو جمع ناب وهي المسنّة من الإبل ـ وليس لكم في الشجاعة
نصيب» .
ومثل ذلك قوله
على بيت لبيبد :
فأرسلها
العراك ولم يذدها
|
|
ولم يشفق على
نغص الدّخال
|
يصف حمار الوحش
بأنه أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة ، فالعراك وإن كان لفظه معرفة فمعناه التنكير أي
معتركة ، وقال أبو علي الفارسي : تأويله تعترك العراك ، فتعترك المقدّر هو الحال
والعراك منصوب على المصدر ، والعراك الزّحام» .
٩ ـ تأثر أبو
الفداء في عرضه ومناقشاته لبعض القضايا النحوية والصرفية بعلمي الكلام والمنطق ،
من ذلك قوله حين عرض خلاف النحويين حول تعريف المخصوص بالمدح أو الذم : «وقيل
تعريف الرجل في قولك : نعم الرجل ، هو تعريف الجنس لا
__________________
تعريف العهد لأنك إذا مدحت جنس الشيء لأجل ذلك الشيء بالغت في مدح ذلك
الشيء» .
ويندرج تحت ذلك
أيضا استعماله لمصطلحات أصحاب الكلام والمنطق كالفصول العدمية والماهية الاعتبارية
والعوارض والحقائق والمحكوم والمحكوم عليه ، والخاص والعام ... إلخ .
١٠ ـ نقل أبو
الفداء كثيرا من الآراء الخلافية غير أنه كان يعرضها غالبا من غير أن يبدي رأيه
فيها من ذلك عرضه للخلاف حول جواز تقديم خبر ليس عليها فقال : «وأما جواز تقديم
خبرها عليها نفسها فقد اختلف فيه ، فمنهم من ألحقها بكان لكونها فعلا محقّقا ،
ومنهم من ألحقها بما فتىء ، واستدلّ من ألحقها بكان بقوله تعالى (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ
مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) ووجه الاستدلال أن يوم يأتيهم معمول ل «مصروفا» وإذا
قدّم المعمول صحّ أن يقدّم العامل ، لأنّ المعمول فرع للعامل وأجيب عن ذلك أنه من
الجائز أن يكون تقديمه لاتساعهم في الظروف فلا يجوز تقديم غير الظرف» .
١١ ـ عرض أبو
الفداء كثيرا للخلاف بين النحويين والقرّاء ، وتردّد في تأييد أحد الطرفين ، فنراه
أحيانا يؤيد القراء كقوله : «وإدغام الراء في اللام لحن كذا قال في المفصل وهو
مذهب سيبويه والخليل قال السّخاوي وقد أدغم أبو عمرو الراء في اللام فيما يزيد عن
ثمانين موضعا في القرآن الكريم وأبو عمرو حجة فيما ينقل وفيما يقرأ فيجب الرجوع
إليه في ذلك» وأحيانا يؤيّد النحويين كقوله : وقد أدغمت الجيم في
التاء في قراءة أبي عمرو في قوله : ذي المعارج تعرج بإدغام جيم المعارج في تاء تعرج وليس بالقويّ لأنّ
الجيم قريبة من الشين فكما أنّ الشين لا تدغم لفضيلتها
__________________
فكذلك الجيم» .
هذه أبرز
المعالم التي تتضح منها خطة أبي الفداء في تأليفه لكناشه ومنهجه العام فيه ولعل
هذا المنهج يبدو أكثر وضوحا حين نرى شواهده ومصادره التي ضمّنها كناشه ، وذلك في
الفصل الآتي.
__________________
الفصل الخامس
شواهده ومصادره
أولا ـ شواهده :
نوّع أبو
الفداء شواهده ، فاستشهد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأشعار والأقوال
والأمثال.
١ ـ الآيات القرآنية
رأينا من قبل
أنّ أبا الفداء كان حافظا للقرآن الكريم فلا عجب حين يجعل غالب شواهده من القرآن الكريم
لتعضيد الظواهر النحوية والصرفية وتأصيلها ، مثال ذلك قوله : فالواو للجمع المطلق
ليس فيها دلالة على أنّ الأوّل قبل الثاني ولا العكس ولا أنهما معا بل كل ذلك جائز
، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (ما هِيَ إِلَّا
حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) فالموت بعد الحياة مع أنه قدّمه عليها ومثل ذلك أيضا قوله : وإي بكسر الهمزة حرف للتحقيق وهي
للإثبات بعد الاستفهام ويلزمها القسم ، قال الله تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ،
قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) فيلزم أن يقع قبلها الاستفهام وبعدها القسم .
وكان أبو
الفداء ينص كثيرا حين يورد القضايا النحوية ويوضحها على أنها قد وردت
__________________
في القراءات السبع مثال ذلك قوله : «والظروف المضافة إلى الجملة يجوز
بناؤها على الفتح ويجوز إعرابها كقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ
الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) بفتح يوم ورفعه في السبعة ، وكذلك الظرف المضاف إلى إذ
، نحو قوله تعالى : (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ
عَذابِ يَوْمِئِذٍ) بفتح ميم يوم وجره في السبعة ، وكذلك يجوز بناء غير
ومثل على الفتح إذا أضيفا إلى ما ، أو إلى أن المخففة أو المشددة كقوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) برفع مثل وفتحه في السبعة» .
ولم يقتصر أبو
الفداء على استشهاد بالقراءات السبع بل استشهد أيضا بالقراءات الشاذة فكان يوردها
إما لدعم رأي نحوي يورده كقوله : «وأجاز المازنيّ نصب الرجل في يا أيها الرجل
قياسا على صفة غير المبهم ، فإنّه أجرى صفة المبهم مجرى الظريف في قولك : يا زيد
الظريف فكما جاز نصب الظريف حملا على المحل جاز نصب المبهم نحو : الرجل في يا أيها
الرجل وقرىء في الشاذ قل يا أيها الكافرين وإما لبيان خروجها عن القياس كقوله وقرىء (لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) والقياس ...
مثابة .
٢ ـ الأحاديث النبوية الشريفة
أجاز أبو
الفداء الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف فأورده في كناشه لأمرين :
أ ـ للكشف عن
أصل بعض الألفاظ ذات الصلة بقضية نحويّة أو صرفيّة كقوله في النسب : «وإذا نسب إلى
اسم على حرفين وكان متحرك الوسط في الأصل والمحذوف منه لام ولم يعوض همزة وصل كأب
وأخ وست ، وجب ردّ المحذوف
__________________
فيقال : أبويّ وأخويّ وستهيّ إذ أصل ست ، سته بالتحريك ، وتحذف عينها فتبقى
«سه» ، وتحذف لامها فتبقى «ست» ، وفي الحديث «العين وكاء السّه» وجاء وكاء السّت» .
ب ـ لتوضيح بعض
الظواهر النحويّة والصرفيّة كذكره الحديث الشريف لبيان أنواع ما فيقول : «ومثال
الصفة قوله صلىاللهعليهوسلم أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما. وأبغض
بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ، أي أحبب حبيبك حبا قليلا ، وأبغض بغيضك
بغضا قليلا ، وقيل : ما هنا حرف يفيد التقليل وقيل زائدة للتأكيد» .
ويحاول أحيانا
تخريج الحديث على مقتضى القواعد النحوية كقوله في الجمع المؤنث السالم : «فإن قيل
قد جمع خضراء أخضر بالألف والتاء في قوله عليهالسلام : «ليس في الخضراوات صدقة» فالجواب : أنه مؤول بأنه جمع
لمسمى الخضراوات نحو البقل وغيره لا للصفة التي هي خضراء ، فإنّ مسمى الخضروات
مذكر غير عاقل ، وهو مما يجمع جمع السلامة أعني بالألف والتاء» .
٣ ـ الأشعار
أكثر أبو
الفداء من الشواهد الشعرية مراعيا ما وضعه البصريون من قواعد للاستشهاد بالشعر من
حيث الزمان والمكان وقد أورد بيتا لأبي نواس مخطئا استعماله فعلى تأنيث أفعل
التفضيل مجردة من أل التعريف والإضافة فقال : ومن ثمّ خطّىء أبو نواس في قوله :
كأنّ صغرى
وكبرى من فواقعها
|
|
حصباء درّ
على أرض من الذّهب
|
وأورد أيضا
بيتين لأبي العلاء المعري على سبيل اللغز وهما :
وخلّين
مقرونين لمّا تعاونا
|
|
أزالا قصيّا
في المحلّ بعيدا
|
__________________
وينفيهما إن
أحدث الدهر دولة
|
|
كما جعلاه في
الدّيار طريدا
|
يريد بذلك أن
الألف واللام إذا دخلا على الاسم طردا التنوين ، وأنّ التنوين إذا دخل على الاسم
طردهما كما طرداه.
٤ ـ الأقوال والأمثال
ساق أبو الفداء
في كناشه بعض أقوال الصحابة والتابعين ، فقد استشهد بقول عمر بن الخطاب : «لو أطيق
الأذان مع الخلّيفى لأذّنت» وبقول عمر بن عبد العزيز : لاردّيدى في الصدقة» ليؤكد
أن وزن فعّيلى يأتي مصدرا قياسيا واستخدم أبو الفداء الأمثال غالبا لتوضيح بعض الظواهر
الشاذة عن القياس من ذلك قوله في الندبة وقد شذّ حذف حرف النداء في قولهم : أصبح
ليل بمعنى : يا ليل وأطرق كرا أي يا كروان وفي أطرق كرا شذوذان ؛ حذف حرف النداء
والترخيم ، ويؤكد أبو الفداء دائما على أنّ الأمثال يجوز فيها من
الحذف والتخفيف ما لا يجوز في غيرها .
ثانيا ـ مصادره :
اعتمد أبو
الفداء في تصنيف كناشه على عدد كبير من المصادر ذكر منها ما يأتي :
١ ـ الكتاب
لسيبويه المتوفى ١٨٠ ه وقد أشار إليه في تقديمه لبعض الأبيات الشعرية بقوله :
ومثله بيت الكتاب أو من ذلك بيت الكتاب .
٢ ـ الجمل
للزجاجي المتوفى ٣٤٠ ه وقد ذكره في موضع واحد .
٣ ـ تاج اللغة
وصحاح العربية للجوهري المتوفى ٣٩٨ ه وقد أشار إليه في موضعين .
__________________
٤ ـ المفصل
للزمخشري المتوفى ٥٣٨ ه وقد أشار إليه ونقل منه في ستة عشر موضعا .
٥ ـ شرح المفصل
لابن يعيش المتوفى ٦٤٣ وقد أشار إليه في موضع واحد .
٦ ـ شرح المفصل
للسخاوي المتوفى ٦٤٦ ه وقد أشار إليه في ثلاثة أماكن .
٧ ـ شرح المفصل
الموسوم بالإيضاح لابن الحاجب المتوفى ٦٤٦ ه وقد أشار إليه في موضع واحد .
٨ ـ شرح
الشافية للسيد ركن الدين الاستراباذي المتوفى ٧١٥ ه وقد ذكره في موضع واحد .
٩ ـ شرح مقدمة
ابن الحاجب لتقي الدين النيلي من أهل القرن السابع ، وقد أشار إليه في موضع واحد .
وذكر أبي
الفداء لهذه المصادر الأصلية لا يعني أنه قد اقتصر عليها ، إذ يدلنا الكناش على أن
أبا الفداء قد اطّلع واعتمد على كثير من كتب النحو والقراءات واللغة والتفسير وإن
لم يذكرها صراحة ، ولقد وقفت على نصوص كثيرة جدا قد نقلها أبو الفداء من شرح
الوافية وشرح الكافية وإيضاح المفصل لابن الحاجب ، ومن شرح المفصل لابن يعيش ، ـ غير
تلك التي أشار إليها ـ ومن شرح التسهيل لابن مالك أيضا ، وقد ذكرنا أيضا في منهجه
أن المفصل والكافية والشافية هي المتون الثلاثة التي أدار عليها أبو الفداء كناشه
فكانت هي المادة الأولى عنده ، ومع ذلك لم يذكرها
__________________
صراحة ، ما عدا ذكره أن القسم الرابع «المشترك» خاص بالمفصل.
وأخيرا لا شك
أن ذكر أبي الفداء للأعلام اللغويين والنحويين والقراء والشعراء يبين لنا مدى
اعتماده على كتبهم ـ أو كتب من ذكرهم ـ ودواوينهم .
__________________
الفصل السادس
مذهب أبي الفداء النحوي وموقفه من النحاة
نستطيع أن
نقرّر على ضوء ما رأينا في كتاب الكناش أن أبا الفداء بصريّ المذهب والنزعة كغيره
من النحويين المتأخرين ، فقد أيد البصريين في عدد كبير من آرائهم ووافقهم في الأسس
التي قامت عليها مدرستهم يتّضح ذلك مما يأتي :
١ ـ العامل
أيد أبو الفداء
البصريين في نظرية العامل «اللفظي والمعنوي» ، فقد أورد في كناشه عددا من المسائل
تدل على اتجاهه هذا ، من ذلك :
أ ـ تقريره أن
العامل في الفاعل والمفعول به هو الفعل ، والدلالة على كون الفعل هو العامل في
الفاعل تتضح من قوله : «والضمير المرفوع المتصل خاصة يستتر في الفعل الماضي للمذكر
الغائب نحو : زيد ضرب ... وإنما استتر المتصل بخلاف المنصوب والمجرور المتصلين نحو
: إنه وله ، لشدة اتصال المرفوع بالعامل دونهما» وقال في موضع آخر : «والضمائر مع ثبوت عواملها لا تتغير
عن حالها ألا ترى أن الياء في تضربين والنون في تضربن والواو في تضربون ، والألف
في تضربان لا تتغير بوجه لأنها ضمائر» .
ودلّ في موضع
آخر على أن هذه الضمائر هي الفاعل فقال : «إن الألف في يفعلان اسم وهي ضمير الفاعل
... وهي في يضربان اسم وكذلك القول في واو يضربون ونحوه فإنها اسم وهو ضمير الفاعل
... وكذلك الياء في تضربين ضمير
__________________
الفاعل وهي اسم» ، وأفاد أن الفعل هو العامل في المفعول إذ ذكر أنه «قد
يحذف الفعل الناصب للمفعول به جوازا لقرينة تدل عليه كقولك : زيدا ، لمن قال : من
أضرب أي أضرب زيدا» وأكد على ذلك في موضع آخر فقال : «وقد يتقدم المفعول به
على الفعل العامل فيه لأن الفعل قوي في العمل» ومعلوم أن الكوفيين قد ذهب أكثرهم إلى أن العامل في
المفعول به هو الفعل والفاعل جميعا .
ب ـ نصه على أن
عامل الرفع في المبتدأ معنوي ، ذكر ذلك حين تحدث عن مواضع تعذر اتصال الضمير إذ
قال : «أو يكون العامل معنويا كالمبتدأ والخبر نحو : أنا زيد وأنا قائم لأنه إذا
كان معنويا تعذر الاتصال به» وما ذهب إليه أبو الفداء هو مذهب البصريين في حين ذهب
الكوفيون إلى أن المبتدأ يرفع الخبر ، والخبر يرفع المبتدأ فهما يترافعان .
ج ـ ذكره أن
عامل النصب في المفعول معه هو الفعل خلافا للكوفيين الذين رأوا أنه منصوب على
الخلاف ، وخلافا للجرجاني القائل بأن ناصبه الواو ، وخلافا للزجاج القائل بأن
ناصبه فعل مضمر بعد الواو . قال أبو الفداء «والفعل العامل في المفعول معه يكون
لفظا نحو : جئت وزيدا ويكون معنى نحو : ما لك وزيدا ، والمراد بالفعل لفظا الفعل
وشبهه من أسماء الفاعل والصفة المشبهة والمصدر ونحوها والمراد بالفعل معنى أي
تقديرا غير ما ذكر مما يستنبط فيه معنى الفعل نحو : ما لك وزيدا وما شأنك وعمرا ،
لأن التقدير ما تصنع وعمرا ، فأمّا إذا لم يكن في الكلام فعل ولا معنى فعل فلا
يجوز النصب فإذا قلت : ما أنت وعبد الله وكيف أنت وقصعة من ثريد فالوجه الرّفع
لانتفاء الناصب» .
__________________
٢ ـ السماع والقياس
وكلاهما حرص
على بيانه أبو الفداء في كناشه ، وفق الأساس العام الذي وضعته مدرسة البصرة
النحوية ، وقد ظهر حرصه وتشدّده فيهما في عدة صور :
أ ـ في ذكره
ومتابعته للمصطلحات التي جرى عليها البصريون فالمراد «بالمطرد جري الباب قياسا من
غير حاجة إلى سماع في كلّ فرد منه» ، والمراد «بالواجب ما لا يجوز غيره» ، والمراد
«بغير المطرد ما يتوقف كلّ فرد منه على السماع» والمراد «بالجائز ما يجوز فيه
الإبدال مثلا ـ وتركه» والمراد «بالقياسي ما يعرف بقاعدة معلومة من استقراء
كلامهم يرجع إليها فيه ، والسماعي ما ليس كذلك بل يفتقر كلّ اسم منه على سماع» والشاذ ـ عند أبي الفداء ـ لا يعتدّ به أمّا النادر فهو كالمعدوم .
ب ـ في ردّه
على الفراء القائل بأن وزن أشياء (أفعاء) لأن أصله أشيئاء على وزن أفعلاء جمع
لشيّء على وزن (فيعل) ذلك أن شيئا أصله شيّيء ثم خفّف كما خفّف ميت وجمع بحسب
الأصل على أشيئاء ثم حذفت الهمزة التي بين الياء والألف وهي لام الكلمة فصار وزنه
أفعاء» وقد رده أبو الفداء بقوله : «وهو مردود بأنه لم يسمع شيّىء ، فلو كان هو
الأصل لكان شائعا كميّت وبأنه حذف لام الفعل على غير قياس ، لأن الهمزتين إذا
توسطهما الألف لا تحذف إحداهما ولا هما» .
ح ـ في تأكيده
أنه لا يجوز القياس على القليل والنادر فهو لا يجوّز القياس على نحو : عبشمي
وعبدري وعبقسي لأنه «نادر في كلامهم لا يقاس عليه» .
٣ ـ العلة
اهتم بها
اهتماما كبيرا ، فأكثر من إيراد العلل لتفسير الأحكام النحوية ،
__________________
وللوقوف على الحكم الدقيقة من ورائها ، تلك التي أرادتها العرب من طرائق
أساليبها وهذه العلل ـ عموما ـ هي علل البصريين ومن أيدهم من النحويين المتأخرين ،
من ذلك تعليله لمنع ترخيم الاسم الثلاثي كزيد ، قال : «لئلا يحصل الإجحاف بالحذف
فيخرج عن أبنية الاسم» .
ومثله تعليله
لبناء المنادى المفرد المعرفة ـ على ما يرفع به نحو : يا زيد ، قال «وإنما بني
لشبهه بالمضمر ، لأنه لا ينفك في المعنى عن كونه مخاطبا معينا ، وحكم المخاطب أن
يكون مضمرا» .
ومن آرائه
الدالة على نزعته البصرية ما يأتي :
١ ـ نصّه على
أن الجزم بكيفما شاذ ، وذلك بقوله : «والجزم بكيفما شاذ خلافا للكوفيين فإنهم
يجزمون بكيف مع ما» .
٢ ـ عدم تجويزه
دخول ياء النداء على ما فيه أل ، واعتبار ما ورد من ذلك شاذا لا يعتدّ به ، قال «وأدخلوا
حرف النداء على اللّام في اسم الله خاصة ، نحو : يا ألله إما لكثرته وإمّا لأنّ
اللّام ليست للتعريف وقد ورد في الشعر :
من أجلك يا
التي تيّمت قلبي
|
|
...
|
وهو شاذ لا
يعتدّ به ولا بما يأتي من ذلك» وقد ذهب الكوفيون إلى جواز نداء ما فيه الألف واللام
نحو : يا الرجل ويا الغلام ومنعه البصريون .
٣ ـ تضعيفه
مذهب الكوفيين المجيزي العطف بلكن بعد الإيجاب في المفردات قال : «وأما لكن فإن
وقع بعدها مفرد كانت للاستدراك ، ولزم تقدّم النفي عليها نحو ما جاءني زيد لكن بكر
وأجاز الكوفيون العطف بعد الإيجاب في المفردات وهو
__________________
ضعيف» .
٤ ـ تأييده مذهب
البصريين في كون من الزائدة لا تزاد إلّا بعد غير الموجب حيث يقول : «وتقع من
زائدة وتعرف بأنك لو حذفتها لكان المعنى الأصلي على حاله ، ولا يفوت بحذفها سوى
التأكيد كقولك : ما جاءني من أحد ، وهي مختصة عند البصريين بغير الموجب ، وجوّز
الكوفيون والأخفش زيادتها في الواجب أيضا واستشهدوا بقولهم : قد كان من مطر ،
وتأويله قد كان شيء من مطر فتكون للتبعيض ، واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) وقد قال : (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعاً) والجواب أن من هاهنا أيضا للتبعيض أي يغفر لكم بعض ذنوبكم
وهو خطاب لقوم نوح» .
٥ ـ تقريره أنّ
خبر كان نصب تشبيها له بالمفعول ، وأنّ اسمها رفع تشبيها له بالفاعل في حين ذهب
الكوفيون إلى أن نصب خبرها جاء تشبيها له بالحال ، قال أبو الفداء : «وإنما رفعت ـ
كان ـ الأول لأنها تفتقر إلى اسم تسند إليه كسائر الأفعال فارتفع ما أسندت إليه
تشبيها له بالفاعل فلما رفعت الأول وجب نصب الثاني على التشبيه بالمفعول» .
٦ ـ منعه تقديم
خبر ما أوّله ما من أخوات كان ، قال : «ويجوز في الباب كله تقديم الخبر عليها
أنفسها نحو : قائما كان زيد ، إلّا ما أوّله ما ، فإنه لا يقدم عليها الخبر فلا
يقال : قائما ما فتىء زيد ، لأن ما إما نافية أو مصدرية ويمتنع تقديم ما في حيّز
النفي عليه ، وتقديم معمول المصدر على المصدر» وقد ذهب الكوفيون إلى جواز تقديم خبر ما زال عليها وما
كان بمعناها ومنع ذلك البصريون .
__________________
٧ ـ ذهابه إلى
أن وزن سيّد وميّت فيعل بكسر العين لا فعيل كما ذهب إليه الكوفيون ولا فيعل بفتح
العين كما ذهب إلى ذلك البغداديون قال : «والصحيح أنّ وزن سيّد وميّت فيعل بكسر
العين وهو بناء مختص بالمعتل لأنّ المعتلّ ضرب بذاته ولا حاجة إلى أن يقال إنه
فيعل بفتح العين ثم نقل إلى كسرها لعدم فيعل بكسر العين لأنه إنما هو معدوم في
الصحيح خاصة لا في المعتل» .
٨ ـ عدم تجويزه
جمع نحو : طلحة وحمزة وعلّامة ونسّابة مما فيه تاء التأنيث بالواو والنون في حين
أجازه الكوفيون مطلقا .
٩ ـ عدم تجويزه
ضم ما قبل الواو في حالة الرفع وكسر ما قبل الياء في حالتي النصب والجر في نحو :
مصطفون ومصطفين ، قال : «وإن كان آخره ألفا حذفت لالتقاء الساكنين وترك ما قبل
الياء مفتوحا لتدل الفتحة على الألف المحذوفة فيقال في الرفع : مصطفون بفتح الفاء
وفي النصب والجر : مصطفين بفتحهما أيضا ، وأجاز الكوفيون ضمّ ما قبل الواو وكسر ما
قبل الياء قياسا على المنقوص وهو ضعيف ، لأنّ النصّ في قوله تعالى (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)(وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ
الْمُصْطَفَيْنَ) على خلافه ، وأيضا فإن فتحة ما قبل الألف في نحو :
مصطفى لم يتعذر بقاؤها ، فلم يجب التغيير فبقيت الفتحة على حالها» .
١٠ ـ نصّه على
أن تعريف العدد المركب يكون بتعريف جزئه الأول فيقال : جاء الأحد عشر رجلا في حين
ذهب الكوفيون إلى جواز تعريف الجزأين فيقولون : الأحد العشر رجلا .
وبصريّة أبي
الفداء هذه لم تمنع عقله المتحرر من أن يؤيد الكوفيين في بعض
__________________
آرائهم من ذلك :
١ ـ تجويزه النصب
في نحو : زيدا دراكه لأنه على تقدير الرفع يلزم وقوع الطلب خبرا عن المبتدأ وهو
بعيد ـ كما يقول أبو الفداء ـ وأجاز الرفع على تقدير زيد مقول فيه ، وعلى تقدير
النصب لا يلزم إلا حذف الفعل وهو كثير غير بعيد . وقد ذهب الكوفيون إلى جواز النصب ومنعه البصريون .
٢ ـ تأييده
مذهب الكوفيين تبعا لابن الحاجب في كون كي هي الناصبة للفعل المضارع وليست أن
المضمرة كما ذهب إلى ذلك البصريون قال : «وكي تنصب أبدا ومعناها أن ما قبلها سبب
لما بعدها ... وهي ناصبة للفعل عند الكوفيين وهو اختيار ابن الحاجب ، وذهب بعضهم
إلى أنّ كي حرف جرّ فلا تدخل على الفعل إلّا بتقدير أن بعدها ، وردّ بأنّها لو
كانت حرف جر لما جاز الجمع بينهما وبين اللام في نحو قولك : قمت لكي تقوم» .
واتجاه أبي
الفداء العام نحو المذهب البصري رافقه اتجاه خاص نحو أعلام كثير من النحويين فقد
توقف أبو الفداء أمام آرائهم عالما ملك أصول وأطراف هذه الصناعة فبرزت مواقفه من
هذه الآراء على النحو الآتي :
١
ـ الخليل المتوفى ٧٥ ه وسيبويه المتوفى ١٨٠ ه.
أ ـ عرض أبو
الفداء ـ أحيانا ـ الخلاف بين الخليل وسيبويه من غير أن يرجّح رأيا على آخر من ذلك
قوله : «وأمّا قولهم ها أنذا ونحوه ، فحرف التنبيه داخل على الاسم المضمر عند
سيبويه لأنّ أنا في ها أنذا هو الذي يلي حرف التنبيه ، وأمّا عند الخليل فداخل على
المبهم أعني ذا والتقدير أنا هذا ، ففصل بالمضمر بين حرف التنبيه وبين المبهم» .
ب ـ رجح أبو
الفداء رأي سيبويه على رأي الخليل في كون ـ لن ـ حرفا برأسه
__________________
وليس مركّبا من ـ لا أن ـ كما قال بذلك الخليل قال أبو الفداء : «ولن
لتأكيد ما تعطيه ـ لا ـ من نفي المستقبل تقول : لا أبرح اليوم مكاني ، فإذا أكدت
قلت : لن أبرح ، والصحيح أنها حرف برأسها لا أنها من لا أن» .
٢
ـ سيبويه ويونس المتوفى ١٨٣ هـ
أ ـ نقل أبو
الفداء كثيرا من آراء يونس من غير أن يبدي رأيه فيها من ذلك قوله «وحكى يونس إيمن
بكسر الهمزة» .
ب ـ عرض أبو
الفداء ـ أحيانا ـ الخلاف بين سيبويه ويونس من غير أن يرجّح رأيا على آخر من ذلك
قوله في النسب : «وإذا نسبت إلى بنت وأخت قلت : بنويّ وأخويّ عند سيبويه ... ويونس
ينسب إليهما بغير تغيير فيقول : بنتيّ وأختيّ .
٣
ـ سيبويه والأخفش المتوفى ١٨٦ هـ
أ ـ أيد أبو
الفداء سيبويه في ذهابه إلى أن كلّ ياء هي عين ساكنة مضموم ما قبلها ، حكمها أن
تقلب الضمّة كسرة لتسلم الياء نحو : بيض جمع بيضاء ، والأصل بيض بضمّ الفاء مثل :
حمر جمع حمراء ، انقلبت الضمّة كسرة لتصحّ الياء ، وذهب الأخفش إلى قلب الياء واوا
فيقال على مذهبه بوض» وعلّق أبو الفداء بعد عرضه الخلاف بقوله : «ومذهب سيبويه هو
القياس لأنّ الضرورة ملجئة في اجتماع الياء والضمّة إلى تغيير إحداهما وتغيير
الحركة أولى من تغيير الحرف ، لأنّ المحافظة على الحرف أولى من المحافظة على
الحركة» .
ب ـ رجّح أبو
الفداء مذهب الخليل وسيبويه على مذهب الأخفش في كون واو المفعول هي المحذوفة في
نحو : مقول وليس عينه كما ذهب إلى ذلك الأخفش قال
__________________
أبو الفداء : «والمحذوف عند الخليل وسيبويه هو واو مفعول لزيادتها وأصالة
العين ، ولقولهم : مبيع إذ لو كان المحذوف هو الياء لقالوا : مبوع ، وعند الأخفش
أن المحذوف العين دون واو مفعول لمجيئها لمعنى وما كان لمعنى فهو أولى بالبقاء ،
وأمّا قولهم : مبيع دون مبيوع فلأنّ الضمّة لمّا نقلت عن الواو والياء قلبت كسرة
في باب مبيع إمّا للتنبيه على بنات الياء أو للياء التي سكّنت بعدها ثمّ حذفت فلما
قلبت كسرة في باب مبيوع انقلبت واو مفعول ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، ورجّح
مذهب الخليل وسيبويه لأنّه أقلّ تغييرا» .
غير أن هذا
التأييد لسيبويه لا يعني أنّ أبا الفداء لم يرجح رأيا للأخفش اقتنع به وارتضاه ،
من ذلك أنّ سيبويه والمتقدّمين أجازوا اشتقاق اسم الفاعل من اسم العدد للدلالة على
التصيير مما زاد على العشرة ، فأجازوا القول خامس أربعة عشر وردّ ذلك أبو الفداء
مؤيدا رأي الأخفش المانع لذلك بقوله : «ويشتقّ من اسم العدد اسم فاعل كقولك ثالث
ورابع وخامس ونحوه وله معنيان فالأول : أن يشتقّ اسم الفاعل باعتبار التصيير بمعنى
أن يكون زائدا على المذكور معه بواحد كقولك : ثاني واحد وثالث اثنين إلى عاشر تسعة
في المذكر وثانية واحدة وثالثة اثنين إلى عاشرة تسع في المؤنث أي هذا الذي صيّر الواحد
بانضمام نفسه إلى اثنين وصيّر التسعة عشرة بنفسه بمعنى أنه ثنّى الواحد وعشّر
التسعة ... ولا يتجاوز فيه عن العاشر والعاشرة فلا يقال : خامس عشر أربعة عشرة ،
وسيبويه والمتقدمون يجيزون خامس أربعة عشر ، والصحيح عدم جواز ذلك وهو مذهب الأخفش
والمبرد والمتأخرين ، لأنه مأخوذ من الفعل والتقدير كان واحدا فثنيّته أو اثنين
فثلّثتهما أو تسعة فعشّرتهم وليس لما بعد العشرة ما يمكن منه ذلك» .
٤
ـ المازني المتوفى ٢٤٧ هـ
أ ـ عرض أبو
الفداء آراء المازني ـ أحيانا ـ من غير تعليق ، من ذلك قوله : «واعلم أنّ الألف
الثالثة التي تكتب بالياء إن كانت تلك الألف في اسم منوّن نحو :
__________________
رحى ، فالمختار عند ابن الحاجب أن يكتب بالياء في الأحوال كلها ، وهو قياس
المبرد ، وأمّا قياس المازني فيكتب بالألف في الأحوال كلها أي في النصب والجر
والرفع ، وقياس سيبويه أن يكتب المنصوب بالألف والمرفوع والمجرور بالياء» .
ب ـ خالف أبو
الفداء المازنيّ حين ذهب إلى أنّ إبدال الهمزة من الواو المكسورة أولا هو إبدال
مطرد في حين نصّ أبو الفداء على كونه غير مطرد بقوله : «ومنها : إبدال الهمزة من
الواو التي هي غير مضمومة وهو أيضا إبدال غير مقيس عليه ، فقد أبدلوا الهمزة منها
إذا وقعت أولا إبدالا غير مطرد نحو : وشاح ووسادة فتقول إشاح وإسادة .. بهمز ذلك
كله ، وقد رأى المازني أنّ الإبدال من المكسورة خاصة مقيس مطرد» .
٥
ـ سيبويه والمبرّد المتوفى ٢٨٥ هـ
أبرز أبو
الفداء مواقف المبرد من آراء سيبويه في الصور الآتية :
أولا : كان ـ أحيانا
ـ يعرض خلافه مع سيبويه من غير أن يبدي رأيه ،من ذلك :
أ ـ أن
الكوفيين والمبرّد قد ذهبوا إلى أن الجرّ بالواو لا بربّ في حين ذهب سيبويه وغالب
البصريين إلى أنّ واو ربّ تجر بربّ المضمرة بعدها ، قال أبو الفداء : «وأما واو
ربّ فهي التي يبتدأ بها في أول الكلام بمعنى ربّ ، ولهذا تدخل على النكرة الموصوفة
وتحتاج إلى جواب مذكور أو محذوف ماض كما قيل في ربّ ، وهذا مذهب الكوفيين والمبرد فإن
الجرّ عندهم بالواو لا بربّ. والمذهب الآخر مذهب سيبويه وغالب البصريين أن واو ربّ
إنما تجر بربّ مضمرة بعدها» .
ب ـ عرضه
لخلافهما حول حاشا ، قال أبو الفداء : «وحاشا حرف جرّ وفيه معنى الاستثناء ـ وهذا
مذهب سيبويه ـ وهي فعل عند المبرد» .
ج ـ ذكره لرأيهما
حول عمل إن المكسورة الهمزة المخفّفة عمل ليس قال :
__________________
«ولا يجوز إعمالها عمل ليس عند سيبويه وأجازه المبرد» .
ثانيا : وكان ـ
أحيانا ـ يخالف رأي المبرد ويؤيد رأي سيبويه من ذلك : أ ـ أن سيبويه أجاز قولهم : «الله
لأفعلنّ» بالجرّ على إرادة الحرف المحذوف وردّ ذلك المبرد لأنّ حرف الجر لا يعمل
مضمرا ، وعلّق أبو الفداء قائلا : «وإنما يجوز الجرّ في اسم الله تعالى خاصة لكثرة
القسم به والنصب فيه وفي غيره» .
ب ـ أن المبرد
أجاز دخول حتّى على المضمر فيقال على مذهبه : حتّاه ، ومنع ذلك سيبويه وأيده أبو
الفداء بقوله : «وحتّى لا تدخل إلا على اسم ظاهر فلا يقال : حتّاه كما يقال : إليه
خلافا للمبرد» .
ج ـ ذهب المبرد
إلى أن : الدّار في قولنا : دخلت الدار نصب لأنّ دخل فعل متعدّ بنفسه والمنصوب
بعده مفعول به وليس ظرفا ، في حين نصبها سيبويه على الظرفية لكونها في تقدير في
وأضاف أبو الفداء قائلا : «والصحيح أنّ دخل لازم لأنّ مصدره فعول وهو من المصادر
اللازمة غالبا» .
د ـ أيد أبو
الفداء سيبويه في ذهابه إلى أن النسب إلى نحو : قريش قريشي ـ بإثبات الياء ـ في
حين نصّ المبرد على أنّ النسب إليها يجوز أن يكون قرشيّ ـ بحذف الياء ـ وأن ذلك
مطرد ينقاس عليه ، وقد عدّ أبو الفداء ذلك شاذا على خلاف القياس» .
ثالثا : وكان ـ
على قلة ـ يوافق المبرد على رأيه ، من ذلك :
أ ـ موافقته له
في جواز الجمع بين الفاعل الظاهر وبين النكرة المميزة لهذا الفاعل في نحو : نعم
الرجل رجلا زيد ، في حين أن سيبويه لا يجيز ذلك ، قال أبو الفداء : «واعلم أنه
يجوز الجمع بين الفاعل الظاهر وبين النكرة المميزة تأكيدا للفاعل
__________________
الظاهر فتقول : نعم الرجل رجلا زيد ، وهو جمع بين المفسّر والمفسّر ، لكن
جوّز لتأكيد الظاهر وللتنبيه على أنّ هذا هو الأصل» .
٦
ـ ابن كيسان المتوفى ٢٩٩ هـ
أ ـ قرر أبو
الفداء أن ألفاظ التوكيد المعنوي تأتي تالية لأجمع ، وقد ذهب ابن كيسان إلى جواز
الابتداء بكل واحد منها ، قال أبو الفداء عارضا رأي ابن كيسان في ذلك : «وللمعنوي
ألفاظ معدودة وهي نفسه وعينه وكلاهما وكلتاهما وكلّ وأجمع وأكتع وأبتع وأبصع وهي
تالية لأجمع لأنها لا تتقدّم عليه لكونها توابع لها خلافا لابن كيسان ، فإنه جوّز
الابتداء بكلّ واحد منها» .
٧
ـ الزجاج المتوفى ٣١١ هـ
أ ـ خالف أبو
الفداء الزجاج في رأيه القائل بأن زيدا منصوب على البدل من لفظ أحد في مثل قولنا :
لا أحد في الدار إلا زيدا ، والجمهور على رفع زيد على البدل من المحلّ ، قال أبو
الفداء : «لا أحد في الدار إلا زيد ولا إله إلّا الله بالرفع على البدل من المحلّ
ولا يجوز النصب على البدل من لفظ أحد وإله ، خلافا للزجاج ، وإنما تعيّن البدل من
المحلّ دون اللفظ لأنّ العامل لفظا لما كان (لا) وهي إنما تعمل للنفي وما بعد «إلّا»
إذا وقع في سياق النفي كان مثبتا ، والبدل في حكم تكرير العامل ، فلو قدّرت بعد «إلّا»
لزم الجمع بين المتناقضين لأنّ (لا) تقتضي نفي ما بعدها ، «إلّا» تقتضي إثباته» .
ب ـ غلب على
أبي الفداء عرض آراء الزجاج ، من ذلك نقله لرأيه المانع فيه تقديم حقا في نحو
قولنا : حقّا زيد قائم ، قال أبو الفداء : «قال الزجاج ولا يجوز تقديم حقا كقولك :
حقا زيد قائم قال : فإن وسطته فقلت : زيد حقا قائم جاز ذلك ... ولم يذكر سيبويه
امتناع تقديمه» .
__________________
٨
ـ ابن السراج المتوفى ٣١٦ هـ
ذكره في موضع
واحد بقوله : «قال ابن السراج : إنه لا زائد في كلام العرب لأن كلّ ما يحكم
بزيادته فإنه يفيد التوكيد فهو داخل في قسم المؤكد » غير أن بعض الآراء التي ذكرها أبو الفداء في بعض
المسائل هي في كتب النحو منسوبة إلى ابن السراج ، فبدت في الكناش على النحو الآتي
:
أ ـ وافق أبو
الفداء ابن السراج في إيجابه مجيء ربّ مختصة بنكرة موصوفة قال : «واختصّت بالنكرة
لعدم الاحتياج إلى المعرفة ووجب أن تكون النكرة موصوفة على الأصح ليتحقق التقليل
الذي هو مدلول ربّ ، لأنه إذا وصف الشيء صار أخص مما لم يوصف» .
ب ـ وخالفه في
ذهابه إلى حرفية ليس قال : «ومذهب بعض النحاة أنها حرف ... والصحيح أنها فعل
لاتصال الضمائر بها نحو : لست ولست وما أشبه ذلك ، وذلك من خواصّ الأفعال» .
٩
ـ الزجاجي المتوفى ٣٤٠ هـ
١ ـ نقل أبو
الفداء موافقة الزجاجي للكوفيين في تجويزهم الجزم بكيفما ، وحكم بشذوذ ذلك قال : «وقد
جازى بها الكوفيون واختاره الزجاجي في الجمل فتقول كيفما تكن أكن» وردّ أبو الفداء ذلك بقوله : «والجزم بكيفما شاذ خلافا
للكوفيين» .
١٠
ـ أبو سعيد السيرافي المتوفى ٣٦٨ هـ
لم يذكره صراحة
ولعله أراده حين تحدث عن سبب إمالة خاف فقد ذهب السيرافي إلى أن السبب هو الكسرة
العارضة في فاء الكلمة في حين نصّ أبو الفداء أن
__________________
من «الأولى أن يقال للكسرة التي كانت في عين الفعل إذ أصل خاف خوف» .
١١
ـ أبو علي الفارسي المتوفى ٣٧٧ هـ
وافق أبو
الفداء الفارسيّ في كون ألف «واو» منقلبة عن ياء وليست عن واو كما قال الأخفش قال
أبو الفداء : «ومنه أنّ الياء وقعت فاء ولاما معا نحو قولهم : يديت إليه يدا ومنه
أنّ الياء وقعت فاء وعينا ولاما إلا في الواو على قول الأخفش إنّ ألفها منقلبة عن
واو فهي على قوله موافقة للياء في ييت وقال الفارسيّ : إن ألف واو منقلبة عن ياء
فهي على قوله موافقة لها في يديت وهو أولى من قول الأخفش فإنه لم يسمع كلمة كلها
من حرف واحد إلّا ييت وهو شاذ ، ولكون العربية ليس فيها كلمة فاؤها ولامها واو ،
جعلوا كون الفاء واوا دليلا على أنّ اللام ياء واتفقوا على أنّ كلّ كلمة فاؤها واو
إنما تكتب لامها ياء فلذلك كتبوا الوغى بالياء .
١٢
ـ ابن جني المتوفى ٣٩٢ هـ
أجاز ابن جني
تقديم المفعول معه على الفاعل وقد منع ذلك أبو الفداء بقوله : «ولا يجوز تقديم
المفعول معه على الفعل ولا على الفاعل خلافا لابن جني فإنه يجوز جاء ـ والطيالسة ـ
البرد» .
١٣
ـ الزمخشري المتوفى ٥٣٨ هـ
ذكرنا من قبل
أبا الفداء قد جعل مفصل الزمخشري مادته الأولى في كناشه إذ شرح منه أجزاء كثيرة ،
واعتمد عليه اعتمادا كبيرا في القسم الرابع «المشترك» كما أشار إلى ذلك ، وهذا
الاعتماد جعل أبو الفداء ينقل كثيرا من المفصل ، وتكفي نظرة سريعة في إحالاتنا إلى
المفصل ، لتتضح هذه النقول وتظهر مواضع الشبه اللفظي بينهما ،
وتبع ذلك أن أبا الفداء قد أيد الزمخشري في كثير من آرائه من ذلك موافقته له في
مجيء بات بمعنى صار ، ولم يرتض الخالفون ذلك وقالوا لا حجة له على ذلك
__________________
ولا لمن وافقه .
ولكن ذاك النقل
للنصوص ، وهذا التأييد في الآراء لم يجعلا أبا الفداء أسير المفصل وصاحبه ، فخالفه
في عدد من آرائه غير أن هذه المخالفات هي في حقيقتها مآخذ ابن الحاجب على الزمخشري
، فكان أبو الفداء بنقلها وتقريرها ، موافقا فيها ابن الحاجب من جهة ، ومخالفا
الزمخشري من جهة ثانية ، من ذلك ردّه على قول الزمخشري في المفصل «وفي اقرأ آية
ثلاثة أوجه أن تقلب الأولى ألفا ، وأن تحذف الثانية وتلقى حركتها على الأولى ، وأن
تجعل معا بين بين وهي حجازية» فعلق أبو الفداء على الوجه الثالث ناقلا رأي ابن الحاجب
بقوله : «وسها في المفصل حيث قال وأن تجعلا معا بين بين ، لأن الأولى ساكنة ،
والساكنة لا تجعل بين بين أصلا لأن الغرض من بين بين تقريبها من السكون فتقرب إلى
الخفة وإذا كانت ساكنة فقد بلغت الغاية في الخفة فلا يصح أن تخفف حينئذ بالتقريب
من السكون» .
وفضّل أحيانا
حدّ ابن الحاجب على حد الزمخشري ، فقد عرّف الزمخشري اسم الآلة بقوله : والمراد
بها ما يعالج به وينقل» وأضاف أبو الفداء بعد ذكره ذلك ما يدل على ترجيح حد ابن
الحاجب لها فقال «والأولى أن يقال : هي اسم مشتق من فعل لما يستعان به في ذلك
الفعل» .
١٤
ـ السّخاوي المتوفى ٦٤٣ هـ
اقتصر أبو
الفداء في موقفه من السخاوي على نقل أقواله وآرائه مما يدلّ على موافقته له ، من
ذلك ما نقله أبو الفداء تعليقا على قول الزمخشري في مفصله : وإدغام الراء في
اللّام لحن فقال : «كذا قال في المفصل ، وهو مذهب سيبويه والخليل قال السخاوي :
وقد أدغم أبو عمرو الراء في اللام فيما يزيد عن ثمانين موضعا في القرآن
__________________
الكريم وأبو عمرو حجة فيما ينقل وفيما يقرأ فيجب الرجوع إليه في ذلك» .
١٥
ـ ابن يعيش المتوفى ٦٤٣ هـ
اعتمد أبو
الفداء على شرح المفصل لابن يعيش اعتمادا كبيرا ، بدا ذلك من :
أ ـ إشارته
إليه لتوثيق بعض الآراء وتقريرها من ذلك قوله «وأجاز الأخفش إعماله ـ أي إعمال اسم
الفاعل ـ من غير اعتماد على شيء نصّ عليه السخاوي وابن يعيش» .
ب ـ ونقله
نصوصا منه ، من ذلك قوله : «قال ابن يعيش في شرحه : «وكثرت هذه الكلمة ـ أي ـ امرؤ
ـ في كلامهم حتى صارت عبارة عن كل ذكر وأنثى من الناس» .
١٦
ـ ابن الحاجب المتوفى ٦٤٦ ه
تعدّ كتب ابن
الحاجب من أهم المصادر التي اعتمد عليها أبو الفداء لتأليف كناشه ، فقد علّق أكثره
منها ، وفق المنهج الذي رسمه لنفسه وهو ـ كما بدا لنا ـ على النحو الآتي :
أ ـ جاءت
الحدود والتعريفات من الكافية والشافية.
ب ـ أنه نقل
كثيرا من بقية كتب ابن الحاجب (شرح الكافية وشرح الوافية وإيضاح المفصل) وجاءت نقوله أحيانا نقلا حرفيا ، وأحيانا متصرّفا فيها .
ج ـ أنه أيد
ابن الحاجب في كثير من آرائه من ذلك نقله وتأييده تخريج ابن الحاجب لقراءة عاصم
لقوله تعالى : ويخشى الله ويتقه بإسكان القاف وكسر
__________________
الهاء فقال : «وأصله يتّقي فحذفت الياء للجزم ثم ألحقت هاء السكت صار يتّقه
ثم سكنت القاف تشبيها لتقه بكتف ، ثم حركت هاء السكت وهي الساكن الثاني لالتقاء
الساكنين قال ابن الحاجب وفيه تعسف مع الاستغناء عنه والأولى أن يقال : إن الهاء
ضمير عائد على اسم الله وسكنت القاف على ما ذكر بقي ويتّقه من غير اجتماع ساكنين
ومن غير تحريك هاء السكت وإثباتها في الوصل» .
د ـ أنه أخذ
عليه ـ أحيانا ـ في تعريفاته عدم الدقة ، مثال ذلك تعليقه على قول ابن الحاجب في
الكافية بأنه يجب تقديم المبتدأ إذا كان الخبر فعلا للمبتدأ نحو : زيد قام» قال أبو الفداء : «واعلم أنه لو قال : فعلا له مفردا
لكان أولى لئلا يرد عليه الزيدان قاما ، والزيدون قاموا ، فإنّ الفعل هنا للمبتدأ
ولا يجب تقديم المبتدأ عليه بل يجوز : قاما الزيدان وقاموا الزيدون على أن قاما
وقاموا ، خبران مقدّمان» .
١٧
ـ ابن مالك المتوفى ٦٧٣ ه
نقل أبو الفداء
رأي ابن مالك عقيب إيراده رأي ابن الحاجب القائل إن المفضل عليه في نحو قولنا :
زيد أفضل رجل محذوف وهو الجنس العام أي زيد أفضل رجل من جميع الرجال فأتبعه بالقول
«واختيار ابن مالك أن المفضل عليه مذكور وهو النكرة المضاف أفعل إليها والتقدير :
زيد أفضل من كل رجل قيس فضله بفضله فحذفت من وكلّ ، وأضيف أفعل إلى ما كان مضافا إليه
كل» .
١٨
ـ تقي الدين النيلي من أهل القرن السابع
أ ـ أورد أبو
الفداء رأي النيلي حول موضع أسماء الأفعال من الإعراب ، فقال : ولا بدّ لها من
موضع من الإعراب لوجود التركيب ، واختيار ابن الحاجب أنّ موضعها رفع بالابتداء
وفاعلها المستتر أغنى عن الخبر كما أغنى في : أقائم الزيدان عن الخبر ،
__________________
واختيار تقي الدين النيلي أن موضعها نصب على المصدر كأنه قيل في رويد زيدا
: أرود إروادا زيدا» .
ب ـ استغرب أبو
الفداء ما ذكره النيلي عن كاف الخطاب وأحوالها مع المخاطبين قال أبو الفداء : «وقد
نقل النيلي جواز فتح كاف الخطاب في ذلك كلّه وهو غريب ، قال : إن ذلك نقله الثقات
من غير إلحاق علامة تثنية ولا جمع ولا غير ذلك بل تفرد وتذكر على كلّ حال» .
١٩
ـ محمد بن الحسن بن محمد الاستراباذي المتوفى ٧١٥ ه
أ ـ اكتفى أبو
الفداء بنقل آراء السيد الاستراباذي من ذلك ما نقله عنه في المنادى المبني «والمراد
بالمفرد ما لم يكن مضافا ولا مشابها له وقال السيّد : ولا جملة أيضا نحو : يا زيد
ويا زيدان ويا زيدون» . ومن ذلك أيضا ما نقله عنه بأنهم «نقصوا الألف من
الحارث علما ومن السلم عليكم وعبد السلم ومن ملائكة وسماوات وصالحين ونحوها مما لم
يخش فيه لبس» .
وبعد : فلا
يخفى أن كل موافقة ومخالفة ينطوي تحتها حديث طويل للنحاة آثرنا عدم بسطه والخوض
فيه ، لأن غايتنا بيان الاتجاه النحوي العام لأبي الفداء ، فرأيناه ناظرا في آراء
النحويين نظرة العالم المتمكّن من هذه الصنعة المالك لأصولها الملمّ بطرقها ، يوجز
أحيانا ويسهب أخرى ، ويحاور النحاة في أحايين أخر ، فيضعف ، ويقوي ، ويرفض ، ويؤيد
، ويختار ما يعتقد أنه الأولى بالأخذ ، والأجدى بالتمسّك به ، وكل ذلك وفق أصول
هذه الصناعة ، وبما يتفق مع منهجه العام الذي اختطّه لكناشه وهو الجمع القائم على
الاصطفاء والاختيار للاستذكار والتعليم ليغنيه عن كثير من كتب النحو والصرف
المطولة.
__________________
القسم الثاني
١ ـ الفصل
الأول : التعريف بعنوان الكتاب (الكناش)
٢ ـ الفصل
الثاني : توثيق نسبة الكتاب إلى أبي الفداء
٣ ـ الفصل
الثالث : وصف النسخة
٤ ـ الفصل
الرابع : منهج التحقيق
٥ ـ الفصل
الخامس : طبعة قطر والنخبة المتميزة من السّرّاق
الفصل الأول
التعريف بعنوان الكتاب «الكنّاش»
كثرت المؤلفات
التي عنونها أصحابها بكناش أو كناشة في حين لم أجد أحدا قد تناول هذه اللفظة بدرس خاص بها
يكشف لنا عن أصلها ومدلولها ، سوى شذرات متناثرة في بعض الكتب والمعجمات العربية ،
لعلنا في عرضها نقدم مزيدا من البيان حولها. قال الدكتور العلامة عبد المجيد
عابدين ـ يرحمهالله ـ كاشفا عن أصلها التاريخي ما نصه : «إن لفظ كنش سامي
الأصل لوروده في عدد من اللغات السامية دالا في أشهر معانيه على الجمع ، فقد ورد
في اللغة الآرامية بالسين والشين :. وفي اللغة العربية بالسين كنس والشين كنش أيضا ، في حين ورد في اللغة العبرية والأثيوبية
الجعزيّة بالسين فقط ، .
وأحسب أن أول
استخدام لهذه الكلمة لدى العلماء المشتغلين بعلوم العربية قد ورد في كتاب الخصائص
على لسان أبي علي الفارسي المتوفى ٣٧٧ ه في قول ابن جني : وذاكرت يوما أبا علي
بنوادره ـ أي بنوادر اللحياني ـ فقال : كناش» وعلّق الأستاذ محمد علي النجار محقق الكتاب عليها بقوله
: وأبو علي يريد أنه ليس فيه
__________________
مسكة التصنيف وعرّف الفيروزآبادي والزبيدي الكناشات بالقول «والكنّاشات
بالضمّ والشدّ ، الأصول التي تتشعب منها الفروع ، ومنه الكناشة لأوراق تجعل
كالدفتر يقيّد فيها الفوائد والشوارد للضبط» ونص العنيسي على أن : «كناشة وكناش في قانون ابن سينا
مشتق من كنش الآرامي أي جمع ، والمراد به دفتر يدرج فيه ما يراد استذكاره» ونخلص من هذه النصوص إلى ما يأتي :
١ ـ أن «الكناش»
لفظ سامي الأصل ، والجمع من أكثر معانيه ، والغاية من هذا الجمع تقييد الشوارد
والفوائد للضبط والاستذكار غير أن هذا الجمع ليس فيه مسكة التصنيف والتأليف.
٢ ـ أنه أطلق
في العربية أيضا على الأصول التي تتشعب منها الفروع ، فإذا سحبنا ذلك على كناش أبي
الفداء لحظنا أن سمات كناشه يتفق بعضها مع ما ذكرناه حول الدلالة العامة للكناشات
، وبعضها لا يتفق ، وبيان ذلك :
أولا : أن فكرة
«الجمع» تلك التي تفيدها لفظة الكناش ، هي ظاهرة واضحة في كناش أبي الفداء ، وقد
بدا هذا الجمع في صورتين :
الأولى : أن
أبا الفداء قد عزم على أن يجمع في كناشه عددا من العلوم والفنون وقد أشار إلى ذلك
في خطبة الكناش حين قال : «فهذا كناش مشتمل على عدة كتب :
الأول : في
النحو والتصريف.
الثاني : في
الفقه.
الثالث : في
الطب.
الرابع : في
التاريخ.
الخامس : في
الأخلاق والسياسة والزهد.
السادس : في
الأشعار.
__________________
السابع : في
فنون مختلفة» .
الثانية : جمع
المادة العلمية ، بعد اختيارها ، ثم تبويبها وتنظيمها ، وهذا يعني من جانب آخر أن
كتب الكناش تشارك غيرها من أنواع التأليف العلمي ، لأن كل من يريد أن يؤلف كتابا
لا بد له من أن يعتمد على كتب سالفيه فينقل آراءهم ويجمع أقوالهم ، وقد ذكرنا من
قبل مصادر أبي الفداء ومراجعه تلك التي أقام كناشه عليها فنقل منها ما يوافق منهجه
، واختار منها ما يتصل بموضوعاته ، وقد أشار إلى فكرة الاختيار والاصطفاء بقوله : «قد
أكثر النحاة في ذكر اللامات حتى صنف بعضهم فيها كتابا ، وقد أثبتنا منها ما اخترنا
إثباته» ثم لا شك أن قوله في القسم الرابع المشترك : «وهو ما
التقطناه من المفصل» ، يفيد أن هذا الالتقاط قد تمّ بدقة وروية لأنه للضبط
والاستذكار ، ولقد نظم أبو الفداء المادة العلمية المختارة تنظيما رائعا ، وفق
منهج دقيق ، وخطة محكمة ، وتبويب رائع ، لا يستبعد ممن يضع الدوائر والجداول
الهندسية لمسائل نحوية.
فرأيناه يعنون
موضوعاته ويربط بين فصوله وأقسامه فيكثر من الإحالات على مواضع في الكناش حتى لا
نقع في التكرار ، فإن عدل عن منهجه المتلئب الواضح ، بيّن سبب ذلك معتذرا ، من ذلك
حديثه عند ذكره إبدال الياء من النون إذ قال : «وأبدلت الياء من النون في التضعيف
أيضا وذكرناه هنا وإن كان التضعيف. يذكر في القسم الثاني ليجتمع الكلام في النون» .
ومثل ذلك
اعتذاره عن عقد ذكر للامات إذ قال : «وهي وإن كان تقدم ذكرها في
__________________
حروف الجر لكن إعادتها هنا لا تخلو من زيادة فائدة» وكرّر هذا الاعتذار صراحة مع الواو حين قال : «والاعتذار
في إعادة ذكرها كما تقدم في اللام» .
ووجدناه أحيانا
ينقد النحويين في تبويباتهم فيقول مثلا عن باب الإخبار بالذي : «والذي في هذه
الصور مبتدأ واجب التقديم ، والإسم المخبر عنه بالذي خبر واجب التأخير ، ومع ذلك
لم يذكرا في مواضع وجوب تقديم المبتدأ ووجوب تأخير الخبر» .
وألفيناه أيضا
يخالف أحيانا الترتيب الداخلي لبعض المسائل في المفصل والكافية والشافية ، فيشير
إلى ذلك ، قال تحت عنوان : «ذكر الأسماء المتصلة بالأفعال» ، وهي ثمانية المصدر
واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ، وأفعل التفضيل وهذه الخمسة هي المذكورة
في كتب النحو لكونها تعمل ، وأما الثلاثة الباقية من اسم الزمان واسم المكان واسم
الآلة وهذه الثلاثة من قسم التصريف لكونها لا تعمل وقد أثبتناها وغيرها من أبواب
التصريف ، في كتابنا هذا لكونه من كتب الكناش فأجري مجرى الكناش» فقوله : فأجري مجرى الكناش ، يفيد أنه خالف المألوف ،
وكأن الأصل ـ فيما يبدو ـ أن يسير شارح المتن وفق تنظيم وترتيب المتن الذي تصدّى
لشرحه ، وحين يعلن المؤلف أن كتابه هو «كناش» فهذا فيما أحسب يعفيه من الالتزام
بترتيب المتن الذي يشرحه ، فنقله اسم الزمان والمكان والآلة إلى المشتقات العاملة
فيه مخالفة يسيرة لترتيب بعض الموضوعات في المتون الثلاثة التي أدار كناشه عليها ،
فصاحب المفصل ذكر هذه الموضوعات بعد المصغّر والمنسوب في حين أن أبا الفداء قدّمها
عليها ، وصاحب الكافية لم يذكر هذه الموضوعات فيها لأنها موضوعات صرفية ، فجاء
ذكرها في الشافية متقدمة أيضا على المضمر والمنسوب ، وكل ذلك يعني أن أبا الفداء
حين جعل كتابه «كناشا» قد وسّع على نفسه وتحرّر هنا من سلطان الترتيب المتبع في
المتون الثلاثة ، ولعل هذا يفيد من جهة ثانية ،
__________________
أن كتب «الكناش» لا يلتزم فيها التقييد بترتيب ما ، وإدراك أبي الفداء لذلك
لم يدفعه إلى الفوضى والإضطراب بل رأيناه ملتزما كما ذكرنا بمنهج دقيق وترتيب محكم
ثم إن إشارته هنا إلى ما حصل في الترتيب تدل على مدى حرصه على ترتيب كناشه ،
والتزامه بمنهجه الصارم الذي وضعه حين عزم على تأليف كناشه هذا.
ومؤدّى ذلك كله
أن قول الأستاذ محمد علي النجار إن «الكناش» ليس فيه مسكة التصنيف» فيه بعد إذا
أريد سحبه على كناش أبي الفداء ، وذلك لأن هذا الكناش كما ذكرنا ـ قد أقيم على أسس
متينة ، وأركان ثابتة فعراه وثقى ، وأقسامه متصلة ، وفصوله محكمة ، كغيره من
المؤلفات العلمية الأخرى ، خدم فيه أبو الفداء المفصل والكافية والشافية ، فجاء
شرحا لأجزاء مختارة من ثلاثة متون معتبرة عند المشتغلين بعلوم العربية ، وهذا يعني
أيضا أن قول الفيروزآبادي والزبيدي إن الكناشات أصول ... إلخ لا ينطبق على كناش أبي الفداء لأنه ليس «متنا» كما يفهم
من كلامهما ، كما لا ينطبق عليه أن هذا الجمع هو «للشوارد والفوائد» فقط ، لأنه
حوى جميع المباحث النحوية والصرفية والإملائية فغدا شرحا لا تنقصه صفة من صفات
الكتب العلمية الأخرى. والغاية منه هو الاستذكار والمراجعة والضبط ويستغنى به عن
مراجعة كثير من الكتب المطوّلة.
والظاهر أن هذه
الغاية هي غاية عامة عند أبي الفداء هدف إليها في كثير من مؤلفاته ، فقد أشار
الدكتور حسن الساعاتي وهو بصدد حديثه عن غاية أبي الفداء من كتابيه المختصر وتقويم
البلدان إلى ذلك فقال : «إنه إنما يكتب مختصرات تكون بمثابة مذكرات يكون فيها الغناء
عن مطالعة الكتب الكبيرة في كل موضوع من الموضوعات التي عالجها» واستدلّ على ذلك بما أورده أبو الفداء في مقدمتي
الكتابين المذكورين فقد قال في مقدمة كتابه المختصر : «سنح لي أن أورد في كتابي
هذا شيئا من التواريخ القديمة والإسلامية يكون تذكرة لي يغنيني عن مراجعة الكتب
__________________
المطولة فاخترته واختصرته من الكامل ... وذكر في مقدمة تقويم البلدان ما نصه : «لما وقفنا على
ذلك وتأملناه جمعنا في هذا المختصر ما تفرق في الكتب المذكورة من غير أن ندّعي
الإحاطة» . وتلاقي الكتب الثلاثة في الغاية من تآليفها لا يعني
الاتفاق في طريقة عرض المادة العلمية فيها ، كما ذهب إلى ذلك الدكتور الساعاتي فقد
ذكر : «أن أغراض أبي الفداء من تأليف ما كتب كانت معلومة سواء في ميدان الجغرافية
، أو ميدان التاريخ أو الميادين الأخرى التي طرقها» ثم راح يعرض هدف أبي الفداء من كتبه التي وقف عليها
فقال : «فقد كان هدفه في ميدان الجغرافية وضع تقويم للبلدان في أقاليم شتى يمتاز
بدقته ووضوحه من ناحية ، وخلوه من النقائص التي شابت ما ألفه الجغرافيون قبله في
الموضوع نفسه من ناحية أخرى ، وكان هدفه في ميدان التاريخ جمع مادة تاريخية وفيرة
ذات دلالة وعرضها في إيجاز ووضوح» ثم عرّج إلى الكناش فقال : «وكان غرضه من الكناش عرض
مذكرات يجمل فيها أهم ما كان معروفا عن الموضوعات المختلفة التي تناولها دون
الدخول في التفاصيل» . وأنهى حديثه بالقول «وكان هدفه من وضع نظم الحاوي ونظم
الموازين تقديم المادة الأساسية في كل من الموضوعين ، في صورة ميسّرة لطلاب العلم
تسهل عليهم الحفظ من ناحية ، وسرعة تذكرها من ناحية أخرى» .
وإذا سلمنا
للدكتور الساعاتي بما ذكره حول منهج أبي الفداء في غير كتاب الكناش فإنا لا نسلم
له بأن غرض أبي الفداء من كناشه هو عرض مذكرات موجزة مختصرة سواء أراد د. الساعاتي
الكناش المتعدد العلوم الذي لم يتم بعد ـ وذلك لأننا لم نقف عليه فنحكم فيه ـ أم
أراد الكتاب الأول من الكناش الذي نحن بصدده .. لأن كناش أبي الفداء هنا هو شرح
لأجزاء مختارة من ثلاثة متون كما ذكرنا من قبل
__________________
وبضم هذه الأجزاء إلى بعضها استوفى أبو الفداء كل الأبواب النحوية والصرفية
والإملائية ، وهو في شرحه يفصّل إذا لزم الأمر التفصيل ، ويوجز حين لا فائدة من
التطويل ، وقد عرض كثيرا للخلافات النحوية وأدلى برأيه فيها لذا لا يمكننا القول
إن هذه المذكرات موجزة وأنه لا يدخل في التفاصيل كما ذكر د. الساعاتي .
ومجمل القول بعد
ذلك كله أن تصور أبي الفداء للكناش هو كونه كتاب معارف متنوعة يشبه الموسوعات
العلمية في عصرنا ، يكتبه المرء لنفسه ، فيختار له المادة العلمية من كتب كثيرة ،
ثم يصنفها ويرتبها ترتيبا جيدا ، والغاية منه هي المراجعة والضبط ، والاستذكار.
ويبدو لي ـ أخيرا
ـ أن أبا الفداء كان عازما على ضم بعض مؤلفاته إلى بعض ليتكوّن منها «الكناش»
يدفعنا إلى هذا الزعم ما يأتي.
١ ـ أن موضوعات
الكتب التي ذكرها في خطبة الكناش قد ألّف أبو الفداء فيها ، ومن المقارنة السريعة
بين مؤلفاته ، وخطبة الكناش يتضح ذلك الأمر.
٢ ـ أن صاحب
كشف الظنون قد صرّح بأن «شرح منظومة الكافية» قد علقه أبو الفداء من شرح ابن
الحاجب ومن شروح الكافية وقد ألفيت أن أكثر اعتماد أبي الفداء في المباحث النحوية
من كناشه كان على شرح ابن الحاجب (الوافية) ، فلا يستبعد أن يكون هذا الشرح نواة
الكناش ثم أتبعه بالمسائل الصرفية.
٣ ـ أن محققي
كتاب تقويم البلدان رينو والبارون ديسلان قد ذكرا في تصديرهما للكتاب أن أبا
الفداء ألف مجموعة من عدة أجزاء في الطب بعنوان الكناش أقول : لعل منها تلك القطعة التي ذكرها د. رمضان ششن
الموجودة في
__________________
مكتبة مغنيسا ، فقد فرغ أبو الفداء منها عام ٧٢٨ ه. أي بعد الانتهاء من
كناش النحو والصرف بعام واحد فقد انتهى منه عام ٧٢٧ ه. والمهم أن إطلاق لفظة «الكناش»
كانت في هذا العام ، فلعل هذه القطع والأجزاء الطبية التي أطلق عليها الكناش هي من
الكتب التي كان أبو الفداء سيجمعها في كناشه فيما بعد.
٤ ـ أن لدى أبي
الفداء إحساسا بأنه لن يعيش أكثر من ستين سنة ، قال الكتبي : «ومن الغريب أن
السلطان رحمهالله كان يقول ما أظن أني أستكمل من العمر ستين سنة فما في
أهلي يعني بيت تقي الدين من استكمله» (١) وحقا لقد مات أبو الفداء وعمره ستون عاما
فإذا كان أبو الفداء قد فرغ من كناش النحو والصرف عام ٧٢٧ ه وتوفي سنة ٧٣٢ ه ،
فهل يعقل ـ ما دام لديه هذا الإحساس ـ أن يصرح بأنه عازم على تأليف سبعة كتب خلال
خمس سنوات ، نعم يعقل إذا كانت هذه الكتب صغيرة الحجم ، ولا دليل على ذلك بل إن
كبر حجم الكناش الذي نقوم بتحقيقه ، ما يدفع ذلك ، ثم يجب علينا أن لا ننسى أن أبا
الفداء ملك على حماة ، وكثرة الصوارف والشواغل بشؤون الحكم لن تسمح له بتأليف مثل
هذه الكتب خلال خمس سنوات ، زد على ذلك أنه فرغ من تأليف الكناش ٧٢٧ ه وفرغ من
تأليف المختصر ٧٢٩ ه أي بعد سنتين من الكناش ، فإذا كان المختصر قد استغرق سنتين
، فكم ستستغرق بقية الكتب التي أشار إليها في خطبة الكناش ، كل ذلك يدفعنا إلى
القول إنّ أبا الفداء كان عازما على ضم ما ألّف من كتب في هذا الكناش ، ولا أستبعد
أن يكون المختصر واحدا منها لأنه قد انتهى منه كما ذكرنا ٧٢٩ ه ، أي بعد إطلاق
أبي الفداء للفظة الكناش بسنتين ، كما أني لا أستبعد أيضا أن أبا الفداء كان عازما
بعد جمع مؤلفاته ، في هذا الكناش أن يكتب مقدمة عامة لهذا الكناش غير أن المنيّة
قد حالت دون هذه الخطبة ، ودون هذا الجمع ، فبقيت هذه الكتب تحمل عناوينها
ومقدماتها الخاصة بها مستقلة منفردة عما كان متوقعا لها ..
والسؤال الذي
يتردّد في الذهن هو لم عزف النحويون الخالفون عن النقل من كناش أبي الفداء (النحو
والصرف) أو الإشارة إليه مع كونه يتعلق بمتون مهمّة كثرت
الشروح والحواشي عليها.
والجواب يتضح
مما يأتي.
١ ـ ندرة
الكتاب : فقد قال الشيخ أحمد الصابوني في كتابه «تاريخ حماة» بعد ذكره للكناش إنه
نادر عزيز الوجود» . ومما يؤكد قوله أننا لم نعثر إلا على هذه النسخة
الوحيدة.
٢ ـ أنه قد بات
في أذهان النحويين فيما يبدو أن كتب الكناش للاستذكار الشخصي تسجل فيها الفوائد
والشوارد ولا تتّسم بصفة التأليف العلمي لكون أصحابها يجمعون الآراء وينقلون
الأفكار من غير مناقشة أو نسبة أو تعليق أو تفضيل رأي على آخر ، وهذا التصور مردود
ـ إن كان ـ لأن الذي يكتب لنفسه لا شك أنه يطّلع على عدد كبير من كتب سالفيه ،
فيصطفي منها ويختار ما يقتنع به ويرضاه ، ولا ريب أن في ذلك فوائد قيمة ، فهي من
جهة تساعدنا على كشف جوانب كثيرة من ثقافة المصطفي ، وتغنينا أحيانا من جهة ثانية
عن الاطّلاع على كتب قد لا يتاح لنا أن نطلع عليها نتيجة فقدها أو ندروها.
__________________
الفصل الثاني
توثيق نسبة الكتاب إلى أبي الفداء
ثمة عدة دلائل
تدل على أن كتاب الكناش ألفه أبو الفداء وهي :
١ ـ أن عددا من
المصادر قد ذكرت أن أبا الفداء صنف كتاب الكناش ، ووصفت هذه المصادر الكتاب بأنه
يقع في مجلدات كثيرة .
٢ ـ أنه قد كتب
على الورقة الأولى من المخطوطة أن هذا «كتاب الكناش للملك المؤيد عماد الدين أبي
الفداء إسماعيل بن علي الشهير بصاحب حماة المتوفى ٧٣٢ ه» .
٣ ـ أن هناك
تشابها واضحا بين كتابيه المختصر في أخبار البشر وتقويم البلدان من جهة ، وكتابه
الكناش من جهة ثانية ، وذلك من حيث :
أ ـ استعماله
الزائجات والجداول فقد استعملهما في كتابيه المذكورين كما استعملهما في كتابه الكناش .
ب ـ استخدامه
لفظة «ذكر» لعنونة بعض الموضوعات في كتابيه السالفين
__________________
كما استخدمها أيضا في عنونة كثير من الموضوعات التي تحدث عنها في كتابه
الكناش.
ولا شك أن هذا
التشابه يدل على أن المصنف واحد ، ومن هذه الدلائل مجتمعة نجزم بأن كتاب الكناش هو
لأبي الفداء إسماعيل بن علي المتوفى ٧٣٢ ه.
الفصل الثالث
وصف النسخة
المخطوطة التي
بين أيدينا تقع في ١٦٤ ورقة من الحجم المتوسط ، وفي كلّ صفحة ٢٥ سطرا وفي كل سطر
١٥ كلمة. وقد عثرت على هذه النسخة الوحيدة في دار الكتب المصرية تحت رقم ٨٨٢ نحو ،
وقام بتصويرها معهد المخطوطات العربية (ميكرو فيلم) تحت رقم ١٢٩ ، وحاولت جاهدا أن
أعثر على نسخة ثانية فلم يتوفّر لي ذلك حتى هذا الوقت ، وأحسب أنه لا توجد لأني قد
اطّلعت على أكثر الفهارس العامة والخاصة فلم أجد اسما لهذا الكتاب أو ما يشير إلى
وجوده في أية مكتبة.
كتبت هذه
النسخة بيد ناسخ مجهول ، وبخطّ جميل أسود ، والعناوين بمداد أحمر. وضبط الناسخ بعض
الكلمات والأوزان الصرفية بالشكل. ويبدو أن هذه النسخة كتبت في عهد المؤلف وعرضت
عليه لأنه كتب عند رأس بعض العناوين عبارة (بلغ مقابلة بين يدي مؤلفه أدام الله
أيامه) مما يدل أن الناسخ كان يعرض على المؤلف ما كان ينسخه ، ويؤكد ذلك أن الناسخ
استعمل أيضا علامة الإلحاق وهي عبارة عن سهم كان يثبته بين الكلمات للتنبيه على
وجود كلمات ساقطة خارج سطور الكتاب وكان يسجل الكلمات الساقطة في الحاشية ويكتب
بجانبها كلمة (صح).
وسبقت المخطوطة
بورقتين أعطيت الأولى رمز (أ) وكتب على وجهها («كتاب الكناش للملك المؤيد عماد
الدين أبي الفداء إسماعيل بن الأفضل علي الأيوبي الشهير بصاحب حماة المتوفى ٧٣٢ ه
ذكره العلامة الكتبي في ذيل ابن خلكان في ترجمة الملك المذكور ، أما صاحب
كشف الظنون فقد ذكره إلا أنه قال لم أقف على
__________________
مؤلفه ويظهر أنّ هذه النسخة كانت ملكا لصاحب الكشف المذكور
كما يرشدنا إليه الخطّ الواقع عليها المشابه لخطه إذا قد عاينته في بعض مصنفاته
بدار الخلافة العثمانية العلية ولتعلم أن هذه النسخة هي نسخة المصنف وهي الكتاب الأول في فنّي النحو والصرف من الكتاب
المشار إليه بما أنه مرتّب على سبعة كتب كما تراه في الخطبة ولست أدري إن كان
المؤلف أتم الكتاب كله أو مات قبل ذلك والله أعلم ، غرة شعبان ١٣٠٦ كتبه الفقير
إليه سبحانه وتعالى خيري بن عمر المصري عفي عنهما» ولم يكتب شيء على ظهر هذه الورقة.
أما الورقة
الثانية فكان ظهرها ابتداء للكناش وكتب على وجهها من الأعلى ما يلي : «٦١ من كتب
أحمد حمدي أحمدية ١٢٤٤ مختار الصحاح». وفي وسطها «ملك أفقر الورى إليه سبحانه صالح
مصطفى عفى عنهما ..» وتحتها «مشترى من علي أفندي خيري ، رمضان في أول أكتوبر ١٨٨٩
نمرة ٨٠ يومية ٢٤١٥٧ عمومية ٨٨٢ خصوصية نحو» وكتب في وسط الورقة أمام ذلك ما يلي «مما
ساقه سائق التقدير إلى سلك ملك الفقير إليه سبحانه وتعالى مصطفى بن عبد الله
الداخل في زمرة المدرجين الداخلين ، رب يسر مراده في الدنيا والآخرة آمين بحرمة
رسولك الأمين ثم آمين عفي عنهما».
وكتب على
الورقة الأخيرة «وكان الفراغ من جمعه وتأليفه في العشر الأول من شهر شعبان سنة سبع
وعشرين وسبع مائة هجرية نبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسّلام بالمشيرفة من ظاهر
حمص الشرقي الشمالي الحمد لله رب العالمين.
__________________
الفصل الرابع
منهج التحقيق
تلخّص عملي في
تحقيق هذه المخطوطة بما يأتي :
١ ـ حرصت على
إخلائها من التصحيف والتحريف.
٢ ـ أشرت إلى
مواضع ما شرحه أبو الفداء من المفصل أو الكافية أو الشافية وذلك بوضع رقم إزاء
العناوين الرئيسة ـ وأحيانا ضمن الشرح ـ وأحلت في الهامش إلى رقم الصفحة من كل متن
، مراعيا في هذه النسبة مدى التشابه الحرفي بين نصوص هذه المتون وكلام أبي الفداء.
٣ ـ ذكرت من
قبل أن الناسخ استعمل علامة الإلحاق للتنبيه على بعض العبارات أو الكلمات الساقطة
من أصل النص ، وقد وضع بجانبها كلمة «صح» فجعلت ذلك من أصل النص.
٤ ـ سجلت أرقام
الآيات القرآنية ، واسم السورة ، وإذا كان ثمة آية وردت فيها قراءة فكنت أشير إلى
كتب القراءات التي وردت فيها القراءة وأدلّ على صاحبها.
٥ ـ قمت بتخريج
الأحاديث النبوية الشريفة ، وبيّنت مكانها في كتب الحديث.
٦ ـ ضبطت
الأبيات الشعرية بالشكل ، وأتممت أنصاف الأبيات في الهامش ونسبتها إلى أصحابها
وعينت أماكن وجودها ـ سواء في الديوان إن وقفت على ديوان الشاعر ـ أو في كتب اللغة
والنحو والمعاجم ، محددا إن كانت هذه المراجع قد نسبت البيت لقائله أم لا.
واعتمدت في ذلك
كله على كتاب معجم شواهد العربية للأستاذ محمد عبد السّلام هارون رحمهالله.
٧ ـ خرّجت
أقوال العرب وأمثالهم من الكتب المعنية بذلك.
٨ ـ أحلت ما
نقله أبو الفداء من نصوص نحوية أو صرفية أو لغوية إلى الكتب التي نقل عنها وحدّدت
أماكن وجودها في تلك الكتب وأرقام صفحاتها ، وكنت أشير دائما إلى أسماء الكتب التي
تتحدث عن المسألة التي يذكرها في كناشه ، وأسجل أرقام صفحاتها ليسهل الرجوع إليها
لمن يريد التوسع في دراستها ، وأشرت إلى الكتب التي رأيت أن أبا الفداء ينقل عنها
، وأتممت أحيانا بعض النصوص التي نقلها أبو الفداء من هذه الكتب ، لأن الفائدة
تكمل بذلك.
٩ ـ عرّفت
بالأعلام الواردة في النص وأشرت إلى أماكن ترجمتها وأخبارها في كتب التراجم.
١٠ ـ ضبطت النص
كلّه بالشكل ، وقد ضبط المصنف بعض الألفاظ الغريبة وشرحها ، وأحيانا كان يقع
التخالف بين ما ضبطه المؤلف وما ضبطته المعاجم فكنت أشير إلى ذلك.
١١ ـ عيّنت ما
ذكره المصنف من أسماء الأماكن والمواضع وحددت أماكن وجودها في معاجم البلدان.
١٢ ـ أنهيت
التحقيق بصنع فهارس فنية للآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية الشريفة ، والأمثال
، والأقوال ، والأشعار ، والأرجاز ، والألفاظ اللغوية ، والأعلام ، والقبائل
والطوائف والأمم والبلدان ، والمواضع والكتب.
أما فهرس
الموضوعات الواردة في الكناش فقد وضعت بجوار رقم الصفحة الحرف (م) ليدل على أن ما
يشرحه أبو الفداء فيه هو من المفصل والحرف (ك) ليدل على كافية ابن الحاجب ، والحرف
(ش) ليدل على الشافية ، وبذلك يسهل التمييز بين ما شرحه أبو الفداء من المفصل وما
شرحه من الكافية والشافية .
__________________
وختمت الفهارس
بثبت للمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في دراسة وتحقيق كتاب الكناش.
__________________
الفصل الخامس
طبعة قطر
والنخبة المتميّزة من السّرّاق
وقع إلي كتاب
الكنّاش في النحو والصرف لأبي الفداء المؤرخ إسماعيل بن علي المتوفى سنة ٧٣٢ ه ،
مطبوعا بتحقيق نخبة متميزة من الأساتذة كما ورد في المقدمة وهم : د. علي الكبيسي ،
ود. صبري إبراهيم السيد ومراجعة أ. د. عبد العزيز مطر.
وهذا الكتاب في
الأصل مخطوط انتهيت من دراسته وتحقيقه عام ١٩٨٤ م ، ونلت به درجة الدكتوراة بتقدير
«الشرف الأولى» وذلك من جامعة الإسكندرية ، بإشراف الأستاذ الدكتور طاهر حمودة ـ حفظه
الله ، ونوقشت الرسالة من قبل الأستاذ عبد السّلام هارون يرحمهالله. والأستاذ الدكتور عبده الراجحي ـ أمدّ الله في عمره ـ وقلت
لنفسي حين قرأت العنوان : لعل النخبة قد عثرت على نسخة أخرى غير النسخة الوحيدة
التي اعتمدت عليها ، تلك التي عثرت عليها في دار الكتب المصرية ، مما دفعها إلى
تحقيقه مرة ثانية ، وألفيت بعد المقارنة أن هذه النخبة قد اعتمدت على النسخة نفسها
، وقامت بالسطو على رسالتي بعجرها وبجرها وفق خطة محكمة حيكت بليل مظلم ، فأتت على
أركان الرسالة العلمية دون وازع من دين أو خلق ، وقد بيّنت النخبة في المقدمة دور
كل واحد منها ، فزعمت أن توزيع العمل قد تم على النحو الآتي :
١ ـ قام
الدكتور علي الكبيسي بكتابة ترجمة للمؤلف ، ونبذة عن الكتاب ، وحقق المخطوطة من
أولها إلى نهاية القسم الأول من أفعال المقاربة ، وصنع الفهرس الخاص بهذا القسم ،
شواهد وموضوعات.
٢ ـ وقام
الدكتور صبري إبراهيم السيد بنسخ المخطوطة كاملة ، وتحقيق الجزء
الذي يبدأ من أفعال المقاربة ، إلى آخرها ، وصنع الفهرس الخاص بهذا القسم ،
ونسقنا بين القسمين كما قالوا.
٣ ـ قام
الأستاذ الدكتور عبد العزيز مطر بمراجعة التحقيق والفهارس.
والذي وصلت
إليه بعد اطلاعي على عملهم ، ومقارنته بصنعي في الرسالة هو أن الجميع مشترك في هذه
الجريمة ، لأن أدلة السرقة تطولهم جميعا ، وتطوّق أعناقهم كلهم ، وقد نشرت هذه
الأدلة موجزة في جريدة المدينة (ملحق التراث) عام ١٤١٦ ه ـ ١٩٩٦ م ثم تقدمت بها
مفصّلة إلى دار المجد في الرياض ، التي عزمت على إنشاء موسوعة السرقات العلمية ،
مرفقا معها نماذج مصورة ، ونسخة من رسالة الدكتوراه ، وصورة من الكتاب المطبوع في
قطر ، وصورة من مخطوط الكناش ، وبعد عرض هذه الأدلة على أربعة محكمين ، فازت بالجائزة الثانية ، وارتأيت أن أنشرها فاختصرتها
على النحو الآتي :
الدليل الأول
أن ثمة اتفاقا
بيننا في أرقام الأجزاء والصفحات ، وذلك في المصادر التي اتفقنا في الإحالة إليها
، في حين أن طبعات هذه المصادر مختلفة ، مثال ذلك : أنني في الصفحة ٢ / ١١٥ من
الرسالة خرّجت بيت جرير :
تعدون عقر
النيب أفضل مجدكم
|
|
......
|
البيت فقلت :
البيت في ديوانه : ٣٣٨ ، ثم سردت بقية المصادر ، وفي الصفحة ٣٦٠
__________________
من الكتاب المطبوع قالوا بأنه روي في ديوانه : ٣٣٨ ، أي اتفقنا ، ومثل ذلك
بيته المشهور :
أقلّي اللوم
عاذل ...
|
|
......
|
البيت فقد ذكرت
في هامش الصفحة ٢ / ١٢٥ بأنه قد ورد في ديوانه : ٦٤ ، فألفيت ذلك عندهم أيضا في
الصفحة ٣٦٩ ، إذ نصوا على أنه في ديوانه ٦٤.
أقول : كيف
تتفق الأرقام مع أن الطبعتين مختلفتان ، فقد اعتمدت في عملي على طبعة الصاوي ، في
حين أنكم اعتمدتم على الطبعة المحققة من قبل د. نعمان محمد أمين طه (ينظر فهرس
المصادر عندهم).
وفي الصفحة ٢ /
١٠٣ من الرسالة عرض أبو الفداء رأي الأخفش المجيز وقوع الفاء زائدة في الخبر ،
فنقلت من المغني لابن هشام ، ١ / ١٦٥ ما نصه :
«وأجاز الأخفش
زيادتها في الخبر مطلقا ، وحكي «أخوك فوجد» ، وقيد الفراء والأعلم وجماعة الجواز
بكون الخبر أمرا أو نهيا ، قال ابن برهان : تزاد الفاء عند أصحابنا جميعا كقوله :
البيت وفي
الصفحة ٣٥٠ من كتابهم نقلوا النصّ الذي ذكرته إلى قول ابن هشام : «أو نهيا»
وأحالوا إلى المغني ، ١ / ١٦٥ ، وهذا يفيد أن الاتفاق قد حصل أيضا في رقم الجزء
والصفحة ، وما فطن القوم أن الطبعتين مختلفتان ، فقد اعتمدت على طبعة الشيخ محمد
محيي الدين عبد الحميد رحمهالله في حين أنهم اعتمدوا على طبعة الدكتور مازن المبارك
وزميليه ، فكيف حصل هذا الاتفاق والطبعتان مختلفتان؟؟
هل ستزعمون أن
طبعة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمهالله قد سقطت أيضا من قائمة مصادركم؟؟ لا أستبعد ذلك فذاك هو
الملجأ الذي يفزع إليه السّراق حين تضيق بهم السبل.
الدليل الثاني
أ ـ ذكرت في الهامش
(٤) من الصفحة ١ / ٣٨١ معنى لفظة «الخرنوب» ونقلت
من لسان العرب مادتي (صعفق وخرب) ما نصه : «الخرنوب والخرّوب بالتشديد نبت
معروف ، والفصحاء يضمونه ويشددونه مع حذف النون ، وإنما يفتحه العامة».
وفي كتابهم ٣٤٠
الهامش (٥) سجلوا ما يأتي : «الخرنوب شجر ينبت في جبال الشام ، ويسمى القثاء
الشامي ، وقد تحذف نونه وتضعف الراء فيقال له : الخرنوب». وأحالوا إلى لسان العرب
مادة (خرنب) فقط.
أقول : المذكور
في لسان العرب مادة (خرنب) هو إلى قولكم : «القثاء الشامي» أما تتمة القول : «وقد
تحذف ... الخ» فلم يذكره ابن منظور البتة ، فمن أين أتيتم بهذه التتمة؟؟
إنها من أدنى
تأمل ـ صياغة جديدة مزوّرة لما ذكرته في تعليقي ، ولم يفطن القوم أن تعليقي هو من
مادتين ، وأن قولي : والفصحاء يضمونه ... إلخ هو من مادة صعفق ، لقد حاولوا
التغيير والإبهام فذهبوا إلى مادة خرنب ، غير أنهم وقعوا فيما فروا منه.
الدليل الثالث
أحلت في الصفحة
٢ / ٧٠ الهامش (٧) من الرسالة إلى كتاب مجمع الأمثال ، وذلك لتوثيق المثل المشهور «إن
البغاث بأرضنا يستنسر» وذكرت أنه في ١ / ١٢ ، وفي الكتاب المطبوع ص : ٣٢٠ وجدت
الرقم نفسه وهو ١ / ١٢ ، والطبعة التي اعتمدت عليها هي من تحقيق الشيخ محمد محيي
الدين عبد الحميد ـ رحمهالله ـ وهي نفسها التي اعتمدوا عليها ، ولو أنهم حقا رجعوا
إلى المصدر المذكور لعلموا أن الرقم الصحيح هو ١ / ١٠ وليس ١ / ١٢ فبم يفسّرون ذلك؟؟
ب ـ ويندرج تحت
هذا أنني في الهامش (١) من ١ / ٢١٥ خرجت بيت ذي الرمة :
وهيل يرجع
التسليم ...
|
|
......
|
البيت فذكرت
بأنه قد روي من غير نسبة في المقتضب ٢ / ١٧٤ ، ٤ / ١٤٤ فاكتفوا
__________________
في الصفحة ٩٣ وعلى عادتهم حين أذكر موضعين ـ بالموضع الأول فقالوا : وبلا نسبة
في المقتضب ٢ / ١٧٤ وتركوا الموضع الثاني ، ولو أنهم رجعوا فعلا إلى المقتضب ٢ /
١٧٤ لألفوا أن المبرد قد نسبه إلى ذي الرمة في هذا الموضع ، ولم ينسبه إليه في
الموضع الثاني الذي تركوه تمويها.
ج ـ ويمكن أن
يندرج في هذا الدليل ما التقطناه عندهم حول الدائرة التي صنعها أبو الفداء لأحكام
الصفة المشبهة ، فقد جعل أبو الفداء نواتها دائرة صغيرة ، قسمها إلى قسمين بخط في
وسطها ، ذكر في القسم الأعلى منها : «الصفة مجردة عن اللام (حسن)» وذكر في القسم
الأسفل منها «الصفة باللام (الحسن)» قمت ـ لكوني طالبا ـ بتصويرها من المخطوط مع
تكبيرها ، ثم وضعتها في ورقة مستقلة ذات رقم (٢٧٠ من الرسالة) ، ١ / ٣٣٧ والذي حصل
أن «المجلّد» للرسالة جعل عاليها سافلها ، فلم تفطن النخبة المتميزة إلى ذلك ،
فرأيت هذا القلب عندهم أيضا وذلك في الصفحة ٢٠٠ ، لا ريب أنهم سيزعمون أن المجلّد
عندهم قد عكسها أيضا؟؟ ولم يفطنوا إلى ذلك.
الدليل الرابع
ثمة أخطاء وقعت
في عملي ، يرجع بعضها إلى قراءة غير سليمة لكلمات المخطوط ، وبعضها الآخر يعود إلى
سرعة الضبط والتشكيل وثالثها يعود إلى سرعة الطابع ، بعضها تنبّهت إليه فأشرت إليه
في الهامش ، وبعضها الآخر لم أتنبه إليه إلّا بعد مراجعتي للمخطوط ، ووجدت ذلك كله
عندهم بغثّه وسمينه من غير أن يشيروا إليه في الهامش وهذا جدول مجتزأ من جدول «كبير»
نتبين منه كل هذه الأنواع :

فهل يزعم زاعم
بعد وقوع هذا التشابه من تصحيف وتحريف وضبط غلط وزيادة حروف أو نقصها ، مع عدم
الإشارة في الهامش إلى ما في الأصل أن ذلك قد ثمّ اتفاقا إن المحققين الأثبات
يدركون بداهة من هذا التشابه أن إغارة قد حصلت على الرسالة ، وأن سرقة قد تمت ،
وأن لا حقا قد أخذ عن سابق.
الدليل الخامس
أنّ ثمة اتفاقا
قد حصل بيننا في الكلمات التي وضعت عندها الإحالات إلى المصادر والمراجع وهذه
المواضع التي سأسردها في الجدول ليست مما يجب أن يقع فيها التشابه ، إذ هي ليست
آية قرآنية كريمة ، ولا حديثا نبويا شريفا ، ولا قولا أو مثلا للعرب ، ولا رأيا
لعلم نحوي ذكره أبو الفداء فيراد توثيقه ، بل هي من نفل التحقيق إن ساغ هذا
التعبير ، لأنّها توثيق آراء نحوية عامة ، ومع ذلك فقد تم الاتفاق بيننا في وضع
أرقام الإحالات عند كلمات بعينها ، نتبين ذلك من جدولين اخترتهما من أربع جداول
تفيد بمجملها مدى التوافق الكائن بيننا في مواضع الإحالات :


وهذا جدول ثان
يؤكد ما ذكرناه :

وهكذا تتوالى
مواضع الشبه في الإحالات ، فلا تكاد تجد صفحة خالية من تشابه ، فهل تمّ ذلك وفق
قانون توارد الأفكار؟ أيتها النخبة المتميزة؟
ومن أعجب ما
وقفت عليه من تشابه في الإحالات أنني في الصفحة ١ / ١٩٤ من رسالتي وجدت إحالة عند
كلمة «أيضا» الواردة في سياق كلام أبي الفداء : «وإن كان فعلا فمذهب سيبويه أن لا
يتقدم عليه التمييز أيضا» والظاهر أن الطابع نتيجة سرعته قد وضع رقم الإحالة فوق
كلمة «التمييز» ، ولم يضعها فوق كلمة «أيضا» وهو موضعها المناسب لأنها في آخر
الجملة ، فرأيت ذلك عندهم تماما وذلك في الصفحة (٧٣) وهي برقم (٣) ، والسؤال : هل
ثمة وحي بين الطابعين أيضا؟ أم أن ذلك قد حدث اعتباطا أيضا؟!
هل يوجد مخطوط
حقّق مرتين من قبل اثنين ، لم يطلع أحدهما على عمل آخر ، فوقع بينهما مثل هذا
التشابه؟! ما أظن أن لدى النخبة المتميزة مثالا واحدا على ذلك. سوى ما نحن فيه.
الدليل السادس
اعتمدت في تخريج
الشواهد الشعرية على معجم الشواهد العربية للأستاذ عبد السّلام هارون ، ـ يرحمهالله ـ ولكي أشعر القارىء بأني رجعت إلى موضع البيت في
المصادر التي ذكرها الأستاذ عبد السّلام هارون ، قسمت هذه المصادر قسمين : قسم
ذكرت فيه المراجع التي نصت على اسم الشاعر ، وقسم ذكرت فيه المصادر التي ورد فيها
البيت من غير نسبة لقائله.
فكنت أذكر مثلا
: أن البيت ورد منسوبا للشاعر في كل من الكتاب والمقتضب .. إلخ ، وورد من غير نسبة
في كل من الهمع وشرح الأشموني ... إلخ ، هذا إن لم أقف على ديوانه ، فإن كان له
ديوان وقفت عليه فكنت أحيل إلى الديوان ، أولا ثم أسير وفق المنهج الذي ذكرته وعلى
هذا النحو سرت في تخريج الشواهد الشعرية ، وفوجئت بأنهم ساروا على هذا المنهج في
القسم الذي زعموا أن محققه هو الدكتور كبيسي أي استغرق ذلك نصف الكتاب ، مثال ذلك
:
أنني في الهامش
(٤) من الصفحة ١ / ٢٧٦ خرّجت الرجز :
قالت له ريح الصّبا قرقار
فذكرت ما نصه :
الرجز لأبي النجم ، وعجزه :
واختلط المعروف بالإنكار
وروي منسوبا له
في لسان العرب (قرر) ، وخزانة الأدب ، ٦ / ٣٠٧ ، وروي من غير نسبة في الكتاب ، ٣ /
٢٧٦ ، وشرح المفصل ، ٤ / ٥١ ، وشرح الكافية ، ٣ / ٧٦ ، وشرح الأشموني ، ٣ / ١٦.
وذكروا في
الهامش (١) من الصفحة ١٤٧ أن البيت من الرجز ، وتمامه :
واختلط المعروف بالإنكار
لأبي النجم
العجلي ، في لسان العرب (قرر) والخزانة ، ٣ / ٥٨ ، وبلا نسبة في الكتاب ، ٣ / ٢٧٦
، والمفصل ، ١٥٦ وشرح المفصل ، ٤ / ٥١ ، وشرح الكافية ، ٢ / ٧٦.
ومن المقارنة
يتضح :
١ ـ أنهم نهجوا
منهجنا في تقسيم المصادر إلى قسمين : مصادر نسبت البيت إلى قائله ، ومصادر لم
تنسبه.
٢ ـ أن المصادر
بيننا قد تزيد ، وقد تنقص وهو شيء طبيعي ، إذ لا يعقل أن يذكروا المصادر نفسها من
غير زيادة أو نقصان ؛ لأن ذلك يدمغهم بالجهل وهم في الحقيقة حذّاق مهرة في هذا
الفن ، وهي هنا متطابقة ما عدا نقصهم لشرح الأشموني غير أن النخبة المتميزة قد
خالفت هذا المنهج من حيث تقسيم المصادر إلى قسمين ، وذلك في القسم الثاني الذي
زعموا أن محققه هو الدكتور صبري ، فقد سردوا فيه المصادر في الهامش سردا بعد ذكرهم
اسم قائل البيت ، والظاهر أن هذا الخلف بينهم في المنهج كان ضمن الخطة المحكمة
التي وضعت لهم ، وهو لا قيمة له عندهم ـ مع أنه يشوه عملهم ـ ما دام فيه تغطية
للسرقة ، وإتعاب لمن يريد الإمساك بهم ، غير أن هذا المنهج وهو نسبة البيت لقائله
وتوثيقه من مصدر من هذه المصادر قد استهواهم ، فرجعوا إليه بأسلوب ماكر ، إذ راحوا
في كثير من المواضع ينصّون على أن مصدرا من المصادر التي ذكروها قد نسبت البيت إلى
قائله على نحو ما صنعنا ، وعلى نحو ما صنعوا في القسم الأول.
وكل هذا يدلّ
على مدى تأثرهم بالمنهج الذي سرنا عليه ، فهل حدث هذا التأثر وذاك التشابه اتفاقا
من غير أن يطلعوا على عملنا؟ وما أكثر حدوث الاتفاق فيما بيننا ثم أليس من الواجب
على المراجع أن يجعل منهج الاثنين واحدا؟ لم هذا التغاير؟
وما الهدف من
هذا التخالف؟
الدليل السابع (التعليقات
النحوية)
لم تسلم
التعليقات النحوية بأشكالها المختلفة من السلب والنهب ، ولحذق النخبة المتميزة في
هذا الفن ، فقد صاغوا هذه التعليقات صياغة جديدة هادفين تعمية السرقة ، غير أن
الاتفاق في مواضعها ومحتواها ، والمراد منها ، يدل على سرقتهم لهذه التعليقات من
الرسالة ، وهذه أمثلة توضح ذلك :
أولا : في ١ /
٣٥٤ من الرسالة ، نقل أبو الفداء حدّ اسم الآلة من المفصل إذ قال : «والمراد بها
ما يعالج به وينقل ، والأولى أن يقال : هي اسم مشتق من فعل لما
يستعان به في ذلك الفعل» ، قلت في الهامش (٨) : قول المصنف «فالأولى» هو
تفضيل حدّ ابن الحاجب على حدّ الزمخشري ، قال ابن الحاجب في الإيضاح الورقة (٢٩٧ /
ظ) : «اسم الآلة ... إلخ» وفي الصفحة ٢١٥ من الكتاب المطبوع وضعوا إحالتين ،
الأولى عند قول أبي الفداء : «وينقل» والثانية عند قوله «والفعل» ، وفي الهامش (٢)
قالوا : هذا ما حدّ به الزمخشري اسم الآلة ، المفصل ٢٣٩ ، وفي الهامش (٦) قالوا :
هذا قول ابن الحاجب في تعريف اسم الآلة ، الإيضاح ١ / ٦٦٨.
ويستفاد من
التعليقين ما يأتي :
١ ـ أنهم
تأثروا بكلمة (حدّ) تلك التي ذكرناها في تعليقنا ، وبكلمة (قول) حين قلنا : «قال
ابن الحاجب» لذلك استعملوا اللفظتين من غير أن يشعروا بذلك.
٢ ـ أن محتوى
التعليقين واحد ، إذ المراد أن أبا الفداء يفضل حدّ ابن الحاجب على حدّ الزمخشري ،
فانظر كيف صاغوا تعليقنا بأسلوب يتّسم بالحنكة والدهاء ... إنهم نخبة مميزة .. ثم
لا تغتر بذكرهم للمفصل لأني قد ذكرت نصّه بحروفه قبل هذا الهامش على نحو ما بينا
في منهج عملنا.
ثانيا : وفي ٢
/ ١٣٦ قال أبو الفداء عن هاء السكت : «وقد منع صاحب المفصل من تحريكها في الوصل ،
وأنكر ذلك» وضعت إحالة عند قوله : «ذلك» وقلت في الهامش (٢) : انظر المفصل ٣٣٢ ،
وقد قال : «وتحريكها لحن» ، أقول : مع أنني سجلت في الهامش نص المفصل غير أنني
أردت النص على عبارته في هذا الوضع ، فرأيت النخبة المتميزة في الصفحة ٣٧٨ تضع
إحالة عند كلمة «ذلك» أيضا ، وقالوا في الهامش (١) ما نصه : «وقال الزمخشري :
وتحريكها لحن ٣٣٢».
أقول : انظر
كيف قدّموا وأخّروا في عبارتنا وأتوا بالواو قبل الفعل (قال) تأثرا بقولي : «وقد قال».
ثم إذا كنتم
دائما تحيلون إلى المفصل في كل موضع سجلت فيه أنا نص المفصل ، فلم حرصتم في هذا
الموضع على ذكر عبارة الزمخشري ... لا شك أنكم رأيتموها في هامشنا فلم تستطيعوا
الفرار منها ، فصغتموها صياغة لعلها تنأى بكم عن الظن.
ثالثا : وثمة
مثال آخر يدل على مدى احتراف هذه النخبة لهذه الصنعة موضعه في ١ / ٣٤٢ من الرسالة
وذلك في حديث أبي الفداء عن حذف (من) بعد أفعل التفضيل : فقد قال : «وقد يحذف إذا
كان معلوما كقولهم : الله أكبر ، أي : من كل كبير» فزدت حرف الجر (من) بعد الفعل (يحذف)
وصار الكلام : «وقد يحذف (من) إذا كان ...» وقلت في الهامش : «قولنا : (من) زيادة
يتضح بها المعنى».
اصطادت النخبة
المتميزة .. ذلك فوضعوا إحالة عند الفعل (يحذف) ، وذكروا في الهامش (٤) من الصفحة
٢٠٥ ما نصه : «أي الجار (حرف الجر من) اهتدوا إلى هذا الموضع وتلقّفوه ، ووصلوا
إلى الغاية التي أردناها.
هذه نماذج من
سرقاتهم لتعليقاتنا النحوية التي تتصل بالنص المحقق ، فما من تعليق إلا نهبوه
ولاكوه ، ثم أعادوه بصياغة جديدة ، فهل يعقل أن يتم ذلك اتفاقا من غير نظر في
رسالتنا؟؟
رابعا : في ١ /
٢٤٣ قال أبو الفداء : «وينبغي أن يعلم أن الهمزة والنون في (أنا) هما الاسم عند
الأكثر» وضعت إحالة عند قوله : (الأكثر) ، وقلت في الهامش (٦) ما نصه : «هذا مذهب
البصريين ، وأصل (أنا) عندهم أن بفتح النون ، ولكون النون مفتوحة زيدت فيها الألف
في الوقف لبيان الحركة كهاء السكت ، ولذلك تعاقبها ، فيقال : أنه ، وإذا وصلت
حذفتها» شرح المفصل ، ٣ / ٧٩٣ وفي الهامش من الصفحة ١١٩ اختصروا ذلك بعد وضعهم
إحالة في الموضع الذي وضعناها فقالوا : «نسب إلى البصريين» وأحالوا إلى الهمع بدلا
من شرح المفصل.
خامسا : وفي ١
/ ٢٤٣ من الرسالة قال أبو الفداء : «وقال قوم (أنا) كله هو الاسم» ، وضعت إحالة» :
عند قوله الاسم وفي الهامش (١) قلت : «وهو مذهب الكوفيين ، واختاره ابن مالك في
التسهيل ، واحتجوا بإثبات الألف وصلا في لغة ، وقالوا : إن الهاء في (أنه) بدل من
الألف» انظر تسهيل الفوائد ، ٢٥ وهمع الهوامع ، ١ / ٦٠. وفي الصفحة ١١٩ وضعوا
إحالتهم عند كلمة قوم أي قدموها على موضع إحالتنا بكلمتين ثم ذكروا في الهامش (٢)
: «نسب إلى الكوفيين» وأحالوا إلى الهمع ، وكأنهم في هذين الموضعين حاولوا اختصار
ما ذكرناه ، ولكن لم يستطيعوا الإفلات
من أسر هذه التعليقات.
سادسا : في ١ /
٣٦٦ ـ ٣٦٧ ذكر أبو الفداء أن النسب إلى نحو : كريم وقريش وعجول هو : كريميّ
وقريشيّ وعجوليّ ، وما جاء بخلاف ذلك فهو شاذ كقولهم : «قرشيّ على خلاف القياس».
وضعت إحالة عند قوله : «عجولي» وأخرى عند قوله : «والقياس» وفي الهامش (٤) أحلت
إلى الكتاب ٣ / ٣٣٥ ، وفي الهامش (٥) قلت ما نصه : «وقد اعتبر المبرد ذلك مطردا
يجوز القياس عليه». انظر المقتضب ، ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، والخصائص ، ١ / ١١٦ ، وشرح
المفصل ، ٥ / ١٤٦.
فماذا فعل
السراق؟ في الصفحة ٢٢٧ وضعوا إحالة عند قوله : «قرشي» أي : قدموها بمقدار ثلاث
كلمات على موضع إحالتي ، وفي الهامش (٥) قالوا : «الكتاب ٣ / ٣٣٥ ، وأجازه المبرد.
المقتضب ، ٣ / ١٣٣ ، وانظر الخصائص ١ / ١٦ ، ومضمون صنيعهم أنهم جعلوا إحالتيّ (٤
ـ ٥) في إحالة واحدة (٥) ، ثم ذكروا المصادر التي أحلت إليها ، وخطفوا التعليق
الذي سجلته حول رأي المبرد في المسألة ، وجعلوه ضمن سردهم للمصادر؟ وكم هي رائعة
كلمة (وانظر الخصائص ، ١ / ١١٦) إذ تشعر بسرعة الخطفة التي خطفوها ، وكأنهم خافوا
من أن يفوتهم هذا المصدر ، فأمسكوا به ، وأحالوا إليه تاركين شرح المفصل الذي
أشاروا إليه في الهامش (٢) من الصفحة نفسها ، وهم يعلمون جيدا أنهم حين يريدون
الإحالة إلى مصدر ما ، لا يستعملون كلمة (انظر) على نحو ما استعملناها في منهجنا ،
فلم حرصوا عليها في هذا الموضع؟ هل لأني صدرت بها مصادري بعد ذكري للتعليق ، أم
أنهم خافوا من أن يفوتهم هذا المصدر فأمسكوا به ، وأحالوا إليه تاركين شرح المفصل
وهو المصدر الثالث عندي ؛ لأنهم سردوه في الهامش (٢) من الصفحة نفسها؟ أم إيهاما
لنا؟؟
سابعا : في ١ /
١٨٢ من الرسالة قال أبو الفداء : «وشرط الحال أن يكون نكرة وصاحبها معرفة» وضعت
إحالة عند قوله : «معرفة» ، وذكرت في الهامش (١) ما نصه : «انظر شرح المفصل ، ٢ /
٢٥ قال السيوطي في همع الهوامع ، ١ / ٢٢٩ : «جوز يونس والبغداديون تعريفها مطلقا ،
وقال الكوفيون : إذا كان في الحال معنى الشرط ، جاز أن يأتي على صورة المعرفة ،
وهي مع ذلك نكرة نحو : عبد الله المحسن أفضل
منه المسيء» وفي الكتاب المطبوع ٦٣ وضع السراق إحالة عند قوله «نكرة» أي
قبل موضع إحالتنا بكلمتين ، وذكروا في الهامش ما نصه : «جوّز يونس والبغداديون
تعريفها ، والكوفيون إذا كان فيها معنى الشرط» ، وأحالوا إلى الهمع أيضا ، تلقفوا
ما ذكرناه مصدرا ونصا مع بعض الإيجاز.
ثامنا : وفي ٢
/ ٩ من الرسالة قال أبو الفداء عند قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا
تَنْسى) ما نصه : «فيحتمل أن تكون لا نافية ، فيكون التقدير :
نقرئك قراءة لا تنساها» وضعت إحالة عند قوله : «لا تنساها» ، وذكرت في الهامش (٧)
ما قاله العكبري في التبيان ٢ / ١٤٨٣ : لا نافية أي : فما تنسى ، وقيل : هي للنهي
، ولم تجزم لتوافق رؤوس الآي ، وقيل : الألف ناشئة عن إشباع الفتحة» فوجدت ذلك كله
عندهم في الصفحة ٢٦٥ مع وضعهم الإحالة في الموضع الذي وضعناه ، هل كل ذلك تمّ من
غير نظر في رسالتنا ، لا أستبعد أن تزعم النخبة الممتازة ذلك؟
ولبيان مزيد من
نهب النخبة المتميزة للتعليقات والهوامش ننتقل إلى الألفاظ اللغوية وشرحها ، لقد
اعتمدت كثيرا في شرحي للألفاظ اللغوية على معجم لسان العرب لابن منظور ، وعلى
القاموس المحيط للفيروزأبادي ، فاعتمد المحققون كثيرا على هذين المعجمين ، فالأمر
الطبيعي حينئذ أن يقع التشابه الحرفي في النصوص المنقولة على نحو ما حصل في شرحنا
للعلاقة ، إذ نقلت في ١ / ٣٥٥ الهامش (٢) من اللسان (علق) قوله : «هي المعلاق الذي
يعلق به الإناء» والشرح بحروفه عندهم في الصفحة ٢١٧ الهامش (٢) ، وانظر على سبيل
المثال الأفعوان ١ / ٣٩٨ الهامش (٤) من الرسالة ، و ٢٢٥ الهامش (٢) من الكتاب
المطبوع ، وكذا الحبارج ١ / ٤٠٠ الهامش (٧) من الرسالة ، ٢٢٥ الهامش (٢) من الكتاب
المطبوع.
ومثل هذا النوع
من التشابه كثير يصعب حصره.
أما الأمر غير
الطبعي المفيد أنهم معتمدون على هوامشنا فقد بدا مما يأتي :
أولا : وقع
التشابه الحرفي في شرح بعض الألفاظ من غير أن يشيروا إلى المصدر الذي نقلوا منه من
ذلك :
أ ـ أنني في ٢
/ ٢١٢ الهامش (٥) نقلت من القاموس المحيط مادة (خفق) ما نصه : «والخنفقيق :
السريعة جدا من النوق والظلمان» فوجدتهم في الصفحة ٤٤٥ الهامش (١٠) ينقلون الشرح
بحروفه من غير أن يشيروا إلى المعجم والمادة ، ولعل مما يؤكد أنهم ناقلون من
الرسالة أن النص في القاموس هو «الخنفقيق : كقندفير : السريعة ... إلخ» فأسقطت
لفظة «القندفير» اعتمادا على ضبطها بالشكل ، فرأيت القوم قد أسقطوها.
ثانيا : أنهم
كانوا يحذفون من النص الموجود في الرسالة ، مع إشارتهم إلى المصدر حينا وإغفاله
أحيانا ، ومن أمثلة ذلك :
أ ـ أنني في ١
/ ٣٢٢ الهامش (٢) نقلت من اللسان (بغا) ما يأتي : «قال الأصمعي : بغى الرجل حاجته
أو ضالّته يبغيها بغاء وبغية وبغاية إذا طلبها» فحذف المحققون في الصفحة ١٨٧
الهامش (١) جملة «قال الأصمعي» وسردوا بقية النص بحروفه ، وأحالوا إلى اللسان مادة
(بغا) ، مع العلم أن ابن منظور في المادة نفسها قد ذكر قبل سوقه لقول الأصمعي ما
يفيد أن «بغاية» مصدر للفعل الثلاثي «بغى» إذ قال : «وبغى ضالته بغاء بالضم والمد
... وبغاية أيضا» فلم لم يقع اختيارهم إلا على النص الذي نقلناه عن الأصمعي ، ولقد
ظن القوم أن حذفهم لجملة «قال الأصمعي» تشعر أنهم غير ناظرين في النص الذي سجلناه.
وانظر أمثلة
لذلك :
١ / ٣٩٥ الهامش
(٢) من الرسالة ٣٥٢ الهامش (٣) من الكتاب أترج
١ / ٣٩٧ الهامش
(١١) من الرسالة ٣٥٤ الهامش (١) من الكتاب ذرحرح
١ / ٣٩٨ الهامش
(٧) من الرسالة ٣٥٥ الهامش (٢) من الكتاب إضحيان
١ / ٤٠٤ الهامش
(١٢) من الرسالة ٣٥٩ الهامش (١) من الكتاب عبوثران
ب ـ وفي ١ /
٣٩٣ هامش (٩) نقلت من القاموس المحيط أيضا مادة (عقل) :
«العاقول :
معظم البحر أو موجه ، ومنعطف الوادي ، والنهر ... إلخ» ، وإذ بهم في الصفحة ٤٧٦
الهامش (٤) يكتفون بالقول : «معظم البحر أو موجه» تاركين تتمة المعاني ، ولم
يشيروا إلى المصدر الذي نقلوا منه ، والطريف أنهم بعد هذا الموضع
بثلاث صفحات أي في الصفحة ٤٧٠ شرحوا معنى شنباء ، وأحالوا إلى القاموس
المحيط ، فلم لم يذكروا المصدر في شرحهم للعاقول؟؟
ومن حذقهم لفن
السرقة أنني في ١ / ٣٨١ الهامش (٢) نقلت من اللسان (نحر) ما نصه : «النّحرير :
الحاذق الماهر العاقل المجرّب» وفي الصفحة ٢٣٩ هامش (٢) قالوا : «النحرير : العالم
الحاذق في عمله» وأحالوا إلى لسان العرب (نحر) وبعد رجوعي إلى اللسان لم أجد فيه
ما ذكره «العالم الحاذق» بحروفه بل وجدت هذا الشرح في المعجم الوسيط (نحر) وفيه : «علمه»
بدل «عمله» ولعله خطأ طباعي.
ثالثا : أنهم
كانوا يصوغون التعليقات اللغوية التي سجلناها حول بعض الألفاظ ، صياغة جديدة ،
ومحتواها هو ما ذكرناه ، من أمثلة ذلك :
١ ـ أنني في ١
/ ٤٠١ الهامش (٤) قلت عن هندبى ما نصه : «هكذا ضبطها المصنف بالفتح ، وهي في
الكتاب ٤ / ٢٩٦ ، والممتع ، ١ / ٥٣ فعللى بالكسر» وفي الهامش (٥) نقلت من اللسان (هندب)
قوله : «الهندب والهندبا والهندباء والهندباء كل ذلك بقلة من أحرار البقول» والذي
ذكرته ضمن الهامشين سردوه تقريبا في هامش واحد ، إذ قالوا في كتابهم ٢٥٧ الهامش (١)
ما نصه : «بقلة من أحرار البقول» اللسان (هندب) ، ووردت في كتاب سيبويه على مثال
فعللى هندبى ، ٤ / ٢٩٦ ، وبذلك وصلوا إلى ما ذكرناه ، والعجيب أن الناسخ قبلها
بأسطر قد ضبط لفظة «صفرق» بفتح الصاد ، فلم يعلقوا عليها ؛ لأنهم لم يجدوا عندي
تعليقا حولها.
وقبل أن أنتهي
من هذا الجانب أود أن أشير إلى ظاهرة لجأوا إليها لتعبئة هوامشهم ، تتمثل هذه
الظاهرة في أنني كنت أشير في الهامش إلى المصدر الذي تناول مسألة ما ، من المسائل
التي ذكرها أبو الفداء ، فكانوا يرجعون إلى المصدر نفسه ، وينقلون منه النص ،
فكأني بذلك أرشدهم إليه ، مثال ذلك أنني في ٢ / ٥٠ أحلت في الهامش (٩) إلى الكتاب
لسيبويه ٤ / ٩٧ ، وذلك بعد وضع إحالة عند قول أبي الفداء عند صيغتي التعجب : «فلا
يبنيان إلا من فعل ثلاثي ليس بلون ولا عيب» فوجدتهم في الصفحة ٣٠٤ قد وضعوا إحالة
عند موضع إحالتنا ، وفي الهامش نقلوا نص سيبويه من ٤ / ٩٧ نقلا حرفيا ، وهذا جدول
صغير يتضح منه أن نصوصهم المنقولة هي من المصادر الذي ذكرناها :

الدليل الثامن
وتشتمله
الدراسة ، وأكتفي هنا ببيان المنهج العام الذي سلكوه في سرقتهم لهذه الدراسة وقد
جاء على النحو الآتي :
١ ـ أن ما
وزعناه على فصول جعلوه في فصل واحد ، فتحت عنوان ترجمة المؤلف سردوا فيه فصلين من
فصول دراستنا أولهما : اسمه ونسبه وثانيهما : حياته العلمية. ومما يؤكد ذلك أن
عنوان «الكناش» عندهم قد جعلوه خليطا من أكثر من فصل عندي ، كتوثيق نسبة الكتاب
إلى صاحبه ، والتعريف بلفظ الكناش ، والعجب منهم أنهم لم يجعلوا لتوثيق نسبة
الكتاب إلى صاحبه فصلا خاصا ، في حين أن طالب الدراسات العليا المبتدىء يعلم أن
ذلك يلزمه فصل خاص!! إنه اللف والدوران.
٢ ـ أن المصادر
التي اعتمدت عليها في الدراسة هي التي اعتمدوا عليها أيضا ، وما دام الأمر كذلك
فالنصوص المنقولة من هذه المصادر متشابهة أيضا ، والسؤال الآن : لم جاءت المصادر
في ترجمة المؤلف متشابهة لم تنسوا منها مصدرا ، ولم سرتم مع فقراتنا لم تفارقوها
قيد أنملة. أما توجد لديكم فكرة يمكن أن تضيفوها إلى ما ذكرناه؟ لماذا هذا
الالتزام الواضح بما هو أمامكم من نصوص منقولة؟؟ فأنتم نخبة
متميزة ، والمتوقع منكم أن تضيفوا جديدا إلى ما ذكرناه ...
٣ ـ أن المنهج
الذي سرنا عليه في ترتيب الفقرات الداخلية قد رأيناه عندهم ، على أن ذلك لم يطرد
في جميع دراستهم ، فقد رأيتهم في بعض المواضع يقدمون ويؤخرون في ترتيبها ، لونا من
الغش والتزوير ليس غير.
٤ ـ اعتمادهم
على إيجاز ما نفصّله على نحو ما رأيته عندهم حين راحوا يسردون أعلام النحويين
الذين لهم آراء في الكناش ، في حين أنني عقدت لذلك فصلا خاصا ...
٥ ـ أنهم
يسرقون الفكرة ، ثم يعيدونها بثوب جديد ، ولا نعدم في دراستهم تشابها يكاد يكون
حرفيا ، وتشابها باستعمالهم مرادفات للألفاظ التي كنت أستعملها في صياغتي للأفكار
، يبدو ذلك ويؤكد ما ذكرناه سابقا مما يأتي :
أولا : في
الصفحة الثانية من الرسالة عرضت إلى حياته العسكرية ، وذكرت في الهامش ما نصّه : «انظر
المختصر ، ٤ / ٢٢ ، ولمعرفة معاركه التي خاضها مذ كان صغيرا حتى وفاته انظر
المختصر ، ٤ / ٢٢ ـ ٢٥ ـ ٢٨ ـ ٣٦ ـ ٤٢ ـ ٤٨ ـ ٤٩ ـ ٥٠.
وفي الصفحة (أ)
الهامش ذكروا أربعة من هذه المواضع فقط وتركوا البقية ، فهل هناك وحي نزل عليكم
فأوحى إليكم بسلوك هذا الطريق الذي سلكته حتى في استقرائي لهذه المواضع ، هل لو
كنتم خاليّ الذهن ، غير مطلعين على الرسالة لكنتم قد سرتم على المنهج نفسه الذي
سرت عليه حتى في الرجوع إلى المختصر ، وتتبع المواضع التي تدل على معاركه؟! سبحان
الله .. والنكتة أن ثمة مصدرا هنا سقط عندنا سهوا فظنّت النخبة المتميزة أن هذا
مما تفرّدنا به في حين أن خمسة من الباحثين المحدثين قد أشاروا في هذا المصدر إلى
نحو ذلك ، هذا المصدر هو كتاب «أبو الفداء صاحب حماه في ذكرى مرور سبعمائة عام على
ولادته» فيه سلسلة من البحوث العلمية التي تناولت حياة أبي الفداء الشخصية
والعلمية.
ثانيا : ذكرت
في الصفحة (٢٧ ـ ٢٨) في الفصل الذي عقدته لمنهج أبي الفداء ما نصه : «سار أبو
الفداء في كناشه وراء تقسيم الزمخشري لمفصله ، فقسم الكناش إلى أربعة أقسام :
١ ـ الاسم.
٢ ـ الفعل.
٣ ـ الحرف.
٤ ـ المشترك.
فذكروا في صفحة
(ك) تحت عنوان الكناش ما نصه : «وقد رتبه مؤلفه على نحو ترتيب المفصل للزمخشري ،
فجعله أربعة أقسام :
القسم الأول في
الاسم.
والقسم الثاني
في الفعل.
والقسم الثالث
في الحرف.
والقسم الرابع
في المشترك.
وواضح من
المقارنة أن مضمون الفكرة واحد ، غير أن الصياغة اختلفت يسيرا مع استعمال بعض
المترادفات التي استعملناها فقد قلنا سار أبو الفداء فقالوا : وقد رتبه مؤلفه ، وقلنا
: وراء تقسيم الزمخشري لمفصله ، فقالوا : على نحو ترتيب المفصل للزمخشري ، وقلنا :
فقسم الكناش إلى أربعة أقسام ، فقالوا : فجعله أربعة أقسام. هكذا تفعل النخبة
الممتازة.
ثالثا : وفي
الصفحة (٢٨) من الفصل نفسه قلت : «اهتم أبو الفداء بصنع دوائر وجداول لتوضيح بعض
الأحكام النحوية والصرفية ، من ذلك الدائرة التي رسمها للبدل ، والجدول الذي ضمنه
جميع أمثلة نون التأكيد» وأحلت في الهامش إلى مواضع الدوائر والجداول.
فقالوا في
الصفحة (م) : يتميز هذا الكتاب بما فيه من دوائر وجداول توضيحية لما تكثر فيه
الأحكام كأمثلة البدل ، وأقسام الضمير ، ومسائل الصفة المشبهة ، وأمثلة نون
التوكيد».
ولا يغتر
القارىء بعد وقوفه على هذا الموضع من سردهم لمواضع الدوائر والجداول في هامشهم ،
فقد ذكرناها في هامش الصفحة التي عرضنا فيها الفكرة كما ذكرنا.
رابعا : قلت في
الصفحة (٣٧) من رسالتي في فصل التعريف بالكتاب : «ونخلص من ذلك إلى أن كناش أبي
الفداء يقوم على الجمع والاصطفاء ... فجاء الكتاب شاملا لجميع الأبواب النحوية
والصرفية والإملائية» .
وذكروا في
الصفحة (م) فصل (الكناش) ما نصه : «وبهذا كله تتضح أهمية الكناش في النحو والصرف
من كونه جامعا مسائل النحو والصرف».
والعجيب أنه في
الصفحة السابقة (ل) قالوا : استطاع الملك المؤيد أن يجمع في هذا الكتاب أهم مسائل
النحو والتصريف وفرق كبير بين «جامعا» و «أهم» إنهم غير واعين لما يكتبون ، لأن ما
يهمهم هو كيف يعيدون كلامنا بأسلوب مغاير لتراكيبنا.
خامسا : قلت في
توثيق نسبة الكتاب إلى أبي الفداء وذلك عند الرقم (١) ما لفظه : «أن عددا من
المصادر قد ذكرت أن أبا الفداء صنف كتاب الكناش ، ووصفت هذه المصادر هذا الكتاب
بأنه يقع في مجلدات كثيرة» ، وسردت في الهامش المصادر التي ذكرت ذلك ، فقالوا في
صفحة (ط) ابتداء بلا مقدمة : «أجمع أكثر الذين ترجموا للملك المؤيد على أن له
كتابا في مجلدات كثيرة اسمه الكناش في العلوم من النحو وغيره» ، وسردوا في الهامش
المصادر التي ذكرتها ، وقلت بعد ذلك عند الرقم (٢) : «أنه قد كتب على الورقة
الأولى من المخطوطة : أن هذا الكتاب الكناش للملك المؤيد ... إلخ ، فقالوا أيضا
بعد ذلك في الصفحة نفسها (ط) : وقد كتب على غلافه الأول : كتاب الكناش ... إلخ.
ومن كل ما
قدمناه نتبين كيف نهبت الفئة الباغية هذه الرسالة ، فالأدلّة كما يرى القارىء
كثيرة وكل دليل يحمل في طياته أدلة تنبىء أن القوم أغاروا على الرسالة سلبا ونهبا
، ونسوا أن حقوق العباد لا تغتفر فليتمتّعوا بمجد زائف وظلّ زائل وعند الله لا
تضيع الودائع.
ومما يؤسف له
أنهم أساتذة في جامعات معتبرة لها شهرة طيبة ومكانة بارزة بين الجامعات.
__________________
وننتقل الآن
إلى بيان بعض الطرق التي انتهجوها لتغطية سرقتهم ، وهي :
أولا : مرّ
معنا أن الفئة الباغية قد تأكدت أن هذه النسخة قد قوبلت على المؤلف ، وأنه قد كتب
بإزاء بعض العناوين عبارة «بلغ مقابلة على يدي مؤلفه أدام الله أيامه» ، ونقلت
الفئة الباغية ما ذكره خيري بن عمر المصري من القول : «ولتعلم أن هذه النسخة هي
نسخة المصنف» أقول : إذا كنتم على دراية بذلك كله فلماذا أثبتم في متن المخطوط ما
شطب عليه الناسخ ، وجعلتموه من الأصل ، مع أنه لا توجد أية إشارة تفيد أن المؤلف
يريده على أن منهجهم هذا لم يطرد فقد تركوا كثيرا مما شطب عليه الناسخ ولم يثبتوه
، ولينظروا على سبيل المثال اللوحات : ٦١ ظ ـ ٩٩ ب ـ ١٣٣ ظ إذ فيها ما هو مشطوب ،
ولم يثبتوه ، هذا التذبذب له دلالة واحدة وهي إشعاري بأنهم قد نظروا في المخطوطة
ونسخوها؟؟
أقول : إنكم
حقا نظرتم في المخطوطة ، غير أن نظركم إليها جاء بعد نسخ رسالتنا ، فأردتم بعد ذلك
إظهار المغايرة فلجأتم إلى إثبات بعض ما شطب ، وإلا فبم نفسر الأدلة الدالة على
هذه السرقة تلك التي ذكرناها؟؟ ثم هل هذه هي الأمانة العلمية نشوه المخطوطة لنخفي
السرقة.
ثانيا : ليت
الفئة الباغية اكتفت بذلك بل رأيناها تضع في الهامش ما كتب بجواره كلمة (صح) مع
وجود علامة إلحاقية تدل على أنه من الأصل ، من ذلك حديث أبي الفداء عن (لا سيما)
الورقة (٤٣) من المخطوطة (٧٩) من الكتاب ، فقد سجلوه في الهامش مع أن العلامة
الإلحاقية واضحة ، وكتب الناسخ في نهاية الحاشية كلمة (صح) مرتين واضحتين.
ومما يثير
الدهش والاستغراب أيضا ، ويدل على دجل هذه الفئة أنهم صوّروا الورقة الأولى من
المخطوطة ، ووضعوها في الكتاب قبل تحقيق النص ، وظهرت في النص العلامة الإلحاقية
الموجودة عند كلمة (كتب) من عبارة أبي الفداء : «فهذا الكناش مشتمل على عدة كتب»
وفي الحاشية ذكر أبو الفداء الكتب السبعة التي ينوي تأليفها ونفاجأ بالقوم أنهم قد
شطبوا هذه الحاشية من الصورة فلم تظهر البتّة ، وفي النص المحقق رأيتهم يثبتون هذه
الحاشية في الهامش بلا تعليق ، مع أنهم قرأوا في
صفحة الغلاف (أ) ما كتبه خيري بن عمر : «ولتعلم أن هذه النسخة هي نسخة
المصنف ، وهي الكتاب الأول في فنّي النحو والصرف من الكتاب المشار إليه ، بما أنه
رتّبه على سبعة كتب كما تراه في الخطبة».
إذن هذه هي
خطبة الكتاب أيتها النخبة المتميزة ، فلم وضعت في الهامش؟؟
يضاف إلى ذلك
أنكم في صفحة (ط) ذكرتم في الهامش حين قلتم في أعلى الصفحة : إنه مشتمل على عدة
كتب ، أقول : ذكرتم في الهامش ما نصّه : «عددها سبعة كما يظهر على الحاشية في خطبة
الكتاب» إذن أنتم تعترفون بأنها خطبة الكتاب ، وما دامت خطبة الكتاب ، فلم لم توضع
في المتن؟؟!
والأنكى من ذلك
كله أنهم في الهامش (٦) من الصفحة ١٨٩ أشاروا إلى سطرين أثبتوهما في المتن ،
وقالوا عنهما : إنهما من هامش المخطوط ، وبرجوعي إلى المخطوط الورقة (٥٤ و) وجدت
أن السطرين في متن المخطوط ، وقد شطب الناسخ عليهما. فهل بعد ذلك غشّ أكثر من هذا؟
وهل يستغرب شيء بعد كل ما عرفناه من طرائق خبيثة لجأتم إليها ... إن هذه الأفاعيل
من نحو إثبات ما شطب ، وترك ما هو مثبت ، وتسجيل ما هو من المتن في الحاشية ،
والإشارة إلى ما هو مشطوب عليه على أنه من الهامش هي طرق سلكتموها ومنهج دأبتم
عليه لتغطية سرقتكم ولا يعني هذا أنكم لم تنظروا في المخطوط فالحق أنكم قد نظرتم
في المخطوط ، غير أن نظركم فيه كان لأجل المخالفة ، أو لتلقّف بعض الأخطاء التي
ستتّكئون عليها للاستدلال على أنكم غير ناظرين في الرسالة وأقول لكم ابتداء إن هذا
الأمر لا يزحزح الحقيقة الثابتة وهي أنكم سرّاق ، فالأدلة دامغة ، والحقائق واضحة
، ومن المفيد هنا ، ما دمنا قد ذكرنا المقدّمة ، أن نشير إلى أن كتابهم قد خلا من
مقدّمة يوضحون فيها سبب اختيارهم لهذا المخطوط؟ ولم اختير دون غيره من مخطوطات
يمتلىء بها مركزهم ، أو يستطيعون الحصول عليها ، هل هذا منهج نخبة متميزة؟ أو هو
منهج نخبة من السراق؟؟
ثالثا : وضعت
بإزاء العناوين رسم المستطيل للدلالة على أن أبا الفداء يشرح متن المفصل ، ورسم
النجمة للدلالة على أنه يشرح من كافية ابن الحاجب أو من شافيته ، وكنت أسجل في الهامش نصّ المتن الذي يقوم أبو الفداء
بشرحه ، معتمدا
__________________
في ذلك على مدى التشابه الحاصل بين المتن وكلام أبي الفداء على نحو ما ذكرت
سابقا في منهج التحقيق فقام السراق بتغيير رسم المستطيل والنجمة وجعلوهما أرقاما ،
وأحالوا إلى شرح الكافية للرضي ، أو إلى شرح الوافية لابن الحاجب ، بدلا من نص
الكافية لابن الحاجب الذي كنت أسجل نصه في الهامش ، وكذا الحال مع المستطيل
والمفصل ، والإحالة إلى شرح الرضي للكافية بدلا من الكافية هو ضرب من الخداع أيضا
، خاصة إذا علمنا أنهم في الدراسة الصفحة (م) قد أشاروا إلى أن حدود أبي الفداء قد
اعتمد فيها على الكافية ، إذن لم لم ترجعوا إلى الكافية بدلا من شرحها للرضي؟؟ ولم
لم تعتمدوا على شرح الكافية المحقق بدلا من المصورة؟؟ ثم لم اعتمدتم إذن على
المفصل ، ولم تعتمدوا على شرح المفصل لابن يعيش؟؟
أليس من الأحسن
أن يظهر عملكم وفق منهج واحد ، بدلا من أن يسلك كل واحد منكم طريقا يختلف عن الآخر؟
هل هذا هو شأن فئة متميزة ينتظر الناس عملها بشغف؟؟
رابعا : وضعت
العناوين الداخلية في الجانب الأيمن من الصفحة ، وتحتها خط ، فرأيتهم في القسم
الأول يضعون العناوين وسط الصفحة ... وفي القسم الثاني اضطربوا ، فحاولوا السير
على المنهج الأول أحيانا حيث وضعوا بعضها في وسط الصفحة ، ثم شدّتهم السرقة
فرأيتهم يضعون العناوين في الجانب الأيمن كما فعلنا ، وذلك من الصفحة ٣٩٢ إلى
نهاية الرسالة أي إلى صفحة ٥٧٣.
إن هذا التذبذب
أيضا في وضع العناوين يدل على تأثرهم من حيث لا يشعرون بعملنا ، لأن من ينسخ
مخطوطا ، إن كان خالي الذهن من نسخ آخر ، فالواجب عليه أن يسير على منهج واحد حسب
خطة يعتقد أنها الأنسب والأيسر للقارىء ، فلم تغير الحال معكم؟ ولم فقد المنهج
عندكم في كثير من أركان التحقيق؟
فكثيرا ما
تسيرون وفق منهجنا ، وأحيانا تتخالفون فيما بينكم وتخالفوننا أيضا ، أو تظنون أن
في ذلك تغطية لسرقتكم ، وسترا لقبيح صنعكم؟؟ السارق مهما أوتي من حنكة ودهاء لا بد
أن يقع في يد الغفلات ، هكذا اقتضت الحكمة الإلهية أيتها الفئة الباغية؟؟
خامسا : ذكرت
عددا من المظاهر الدالة على سرقتهم من شرح المفردات ، وأشرت إلى أن هناك مظهرا قد
سلكوه محاولين تغطية هذه السرقة أيضا ، يتمثل هذا المظهر بأنهم كانوا يزيدون على
الشرح اللغوي لكلمة ما ، قمنا بشرحها ، من ذلك أنني نقلت في الهامش (٢) من الصفحة
١ / ٣٨١ من لسان العرب مادة (صعفق) معنى كلمة الصعفوق ، وسجلت ما نصه : «الصعفوق
اللئيم من الرجال ، ولم يجىء على فعلول شيء غيره» فرأيتهم بعد أن ذكروا هذا المعنى
أوردوا معنيين آخرين للصعفوق ، وليس لذلك تفسير إلا الإدّعاء بأنهم زادوا على ما
ذكرناه.
سادسا : أنهم
كانوا يتلاعبون بالمصادر التي أذكرها ، فيذكرون مثلا الجمل للزجاجي ، وشرحه لابن
عصفور بدل كتاب الحلل للبطليوسي ، وهو الذي نذكره في التخريج ، ويذكرون المفصل إلى جانب
شرح المفصل لابن يعيش ، ويكتفون بموضع واحد إذا ذكرنا للشاهد في المصدر موضعين ،
مثال ذلك.
أنني في الصفحة
١٢٤ الهامش (١) قلت في تخريج بيت ذي الرمة :
وهل يرجع التسليم ......
البيت ما نصه :
«البيت في ديوانه ٣٣٢ ، ويروى منسوبا له في كتاب الحلل ١٧ ، وشرح المفصل ، ٢ / ١١
ـ ١٢٢ ، وروي من غير نسبة في المقتضب ، ٢ / ١٧٤ ـ ٤ / ١٤٤ ، وهمع الهوامع ، ٢ / ١٥
، وشرح الأشموني ، ١ / ١٨٧.
وفي الهامش (٣)
من الصفحة ٩٣ من الكتاب المطبوع ، قالوا : لذي الرمة في ديوانه ، ٣٣٢ ، والجمل
للزجاجي ، ١٢٩ ، والمفصل ، ٨٤ ، وشرح المفصل ، ٢ / ١٤٢ ، والخزانة ، ١ / ١٠٣ ،
وبلا نسبة في المقتضب ، ٢ / ١٧٤ ، وشرح الجمل لابن عصفور ، ٢ / ٣٧ ، والهمع ، ٥ /
٣١٤.
ومن المقارنة
بين التخريجين نتبين ما ذكرناه آنفا ، وكنا قد ذكرنا من قبل أن المبرد ٢ / ١٧٤ نسب
البيت إلى ذي الرمة ، وأنه في الموضع الثاني ، ٤ / ١٤٤ لم ينسبه ، فاكتفوا بموضع
واحد مما ذكرناه ، ووقعوا في الغلط الذي وقعنا فيه من قبل.
__________________
ومما يدخل في
هذه التغطية أنهم في أول الكتاب قد اتبعوا طريقة مع بعض المصادر ، توهم أن عملهم
بعيد عن عملي ، فكانوا لا يحيلون إلى ديوان الشاعر في أول الكتاب ، ثم بعد ذلك
يحيلون إليه ، مثال ذلك ذو الرمة ، ففي الهامش (١) من الصفحة ٥٠ خرجوا بيت ذي
الرمة :
ديار مية إذ ميّ تساعفنا
فقالوا : لذي
الرمة ، في الكتاب .... إلخ ، ولم يرجعوا إلى الديوان ، ثم وجدتهم بعد ذلك الموضع
الذي ذكرناه يرجعون إليه انظر كتابهم ٤٨ ـ ١٧٦ ـ ٩٣ ـ ٣٠٢ ـ ٤١٦؟؟! ومثل ذلك فعلوا
مع الأخطل ففي الصفحة ١٣٣ لم يرجعوا إلى ديوانه في حين أنهم في الصفحة ٣٨٦ أحالوا
إليه.
هذه هي بعض
طرقهم التي سلكوها ذرّا للرماد في العيون ، ولقد مر معنا حين سردنا الأدلة الكثير
من الحيل التي استخدموها في السرقة ، غير أن هذه الطرق التي أفردناها قد حملت في
تضاعيفها أدلّة تنبىء على أنهم سرّاق أيضا ، وتوضح أن عملهم قائم على الكذب والدجل
والضلال ، وهم يحسبون أنهم بهذه السبل يسترون عوراتهم ، ويغطون سوآتهم ، وتأبى
الحقيقة إلا أن تظهر مهما حاول المرجفون والموتورون سترها بمثل هذه الألاعيب.
وأخيرا : رحم
الله القائل : «الحر من انتمى لمن أفاده لفظه» وما عساه يقول فيمن سرق رسالة علمية
تقرب من ألف صفحة .. شاهت وجوههم ، وخسرت تجارتهم ، والله ولينا وهو القادر
المنتقم.
الأخطاء العلمية
مر معنا عدد
كبير من الأخطاء التي أفدنا منها أيضا أن القوم نخبة من مدرسة شظاظ ، وبقي لدينا عدد آخر من الأخطاء نود أن نعرضها على
القارىء ليرى مدى الخراب الذي ألحقوه بهذا المخطوط ، وينظر إلى آثار الفساد الذي
خلفوه من إغارتهم على الرسالة ، وليدرك أن عملهم هو عمل نخبة من الكذبة الدجالين
الذين أضلّهم
__________________
الشيطان فعميت بصائرهم حتى باتوا لا يفرّقون بين ما هو آية قرآنية كريمة ،
وما هو كلام نثري بشري ، وارتأيت أن أقسم أخطاءهم إلى قسمين :
الأول : يتصل
بالنص المحقق.
والثاني : يتصل
بالخدمة التي كان من الواجب أن تقدّم إلى النص المحقق من نحو عزو الآيات القرآنية
إلى سورها ، وتخريج الأشعار من مصادرها ، ... إلخ ما تعارف عليه المحققون.
أولا : بدت
أخطاؤهم في النص المحقق على النحو الآتي :
١ ـ أقدموا على
تغيير بعض كلمات المخطوطة من غير حاجة تدعو إلى ذلك ولم يشيروا في الهامش إلى ما
في الأصل ، ولا إلى هذا التغيير ، من ذلك :
أ ـ ذكر أبو
الفداء في الورقة (٢٣ / أ) القول : اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن
الإصبغ» وفي الصفحة ٧٩ من كتابهم المطبوع جعلوها «أبا الإصبغ» ولا نعلم سببا لذلك.
ب ـ وفي الورقة
(٥٣ و) سجل أبو الفداء العنوان الآتي «ذكر جمع المؤنث الصحيح» ووجدتهم في الصفحة
١٨٤ يجعلونه «ذكر جمع المؤنث السالم» لم هذا التغيير أيتها النخبة المتميزة من
المزوّرين.
ج ـ وفي الورقة
(١٢٩ أ) تحدث أبو الفداء فيها عن إبدال الياء من الباء فقال «وكذلك ديباج ، الأصل
دباج عند من جمعه على دبابيج» وفي الصفحة ٤٦٤ ألفيتهم يسجلون «والأصل دباج لجمعه
على دبابيج» مع أن قراءة «عند من» لا تدفع إلى جعل «جمعه» «لجمعه» ولا داعي لإسقاط
«عند من» أيها القوم الخرّاب.
د ـ وفي الورقة
(٣٧ أ) قال أبو الفداء عن نون الوقاية «وكذلك هي لازمة في المضارع المعرّى عن نون
الإعراب» وفي الصفحة ١٣٠ جعلوها «العاري» عرّاهم الله من كل فضيلة.
ثانيا : امتد
فسادهم ، فوضعوا في الهامش ما هو من أصل المخطوط ومن قبل
__________________
أوردنا عددا من الأمثلة ، وتركنا هذا المثال ، ففي الورقة (٤٦ أ) أورد أبو
الفداء قول الشاعر :
على أطرقا
باليات الخيام
|
|
إلا الثمام
وإلا العصي
|
فوجدتهم في
الصفحة ١٦٣ يسقطون الشطر الثاني ويضعونه في الهامش (٤) وصدروه بالقول «من المتقارب
وتمامه :
إلا الثمام وإلا العصي
لأبي ذؤيب
الهذلي ما تفسير ذلك؟ لعل الناسخ المستأجر قد غشهم.
ثالثا : وتطاول
هذا الفساد فراحوا يزيدون كلمات من عندهم ليست في أصل المخطوط ، ولا حاجة تدعو
إليها ، ولم يشيروا أيضا في الهامش إلى ما في الأصل ، من ذلك :
أ ـ جاء في
الورقة (١٣٨ / أ) حديثا عن إعلال اسم المفعول نصه «وإنما يبنى على صيغة مفعول من
ثلاثي متعدّ نحو مقول ومبيع» فزادوا كلمة «اسم» قبل «مفعول» وأدخلوا «أل» على «مفعول
، وذلك في الصفحة ٤٩٧ ، وما فعلوه لا يفتقر إليه النص لوضوحه.
ب ـ قال أبو
الفداء ، في الورقة (١٧ / أ) عن الظرف المنصوب بعامل مضمر «وقام زيد واليوم سرت
فيه ، وما اليوم سرت فيه ، واليوم سر فيه فيختار النصب» وفي الصفحة ٥٩ ألفيتهم
يضيفون كلمة «أما» قبل «اليوم سر فيه» ولا داعي لها.
رابعا : وتوّج
ذلك كله بكثرة الأسقاط التي رأيناها عندهم من أمثلة ذلك :
أ ـ ما جاء في
الصفحة ٨٧ من المطبوع ونصه «نحو لا رجل ظريف لأن الموصوف كالشيء الواحد» وفي
المخطوط (٢٥ م) «لأن الموصوف والصفة كالشيء الواحد» وبذلك يتم المعنى.
ب ـ وجاء في
الصفحة ١٦٠ عند الحديث عن قطّ ما يأتي «تقول ما أفعله قطّ ، وهي من القطّ ، الذي
هو القطع ، لأن الماضي منقطع من المستقبل ، لأن من لغاتها قط بتخفيف الطاء» وفي
المخطوط (٤٥ / ب) «وبنيت لأن من لغاتها قط» وبذلك يستقيم الكلام.
ج ـ وورد في
الصفحة ٤٠٤ من المطبوع ، تعليق أبي الفداء على قول الشاعر :
لقد خشيت أن
أرى جدبا
|
|
في عامنا ذا
بعد ما أخصبا
|
ونصه : «فشدد
الشاعر أخصبا في الوصل تشبها بالوقف فإنه يقال في ألف الوصل ، فجمع في أخصبابين
الحركة والتشديد» والنص فيه سقط صوابه في الأصل (١١١ / ب) ونصه «فإنه يقال في
الوقف اخصبا بغير ألف الوصل».
د ـ وجاء في
الصفحة ٥٦١ من المطبوع في باب الإدغام عند حديث أبي الفداء عن حذف نون في بلعنبر ،
وعدم حذفها في نحو بني النمر ما نصه «فإنهم لا يحذفون النون لأنهم لو حذفوها
لجمعوا على الكلمة إعلالين حذف النون ، ومنها أنهم قالوا نزل بنو فلان ...» إلخ
وسقط الإعلال الثاني المسجل في المخطوط (١٥٨ / ب) إذ قال أبو الفداء : «لجمعوا على
الكلمة إعلالين ؛ حذف النون ، وإدغام اللام».
ه ـ وفي الصفحة
٤٤٦ ذكر لمواضع زيادة التاء جاء فيها «ثم التاء فيما سوى هذه المواضع أصل لها ، في
نحو ترتب» والصواب كما في حاشية الأصل (١٢٤ / أ) «إلا في نحو ترتب» والعجيب أنهم
وضعوا إحالة عند ترتب ، إلى المفصل وإلى الكتاب وفي المفصل إلا في نحو ترتب وتولج وسنبتة» فهل رجعتم حقا إلى
المفصل أم أنكم تلقّفتم رقم صفحة المفصل من هوامشنا من غير قراءة متأنّية لنصّ
المفصل المذكور عندنا.
خامسا : ولسرعة
غارتهم ، واعتمادهم التغيير تغطية لسرقتهم ، وقعوا في أخطاء كثيرة ، غمض ببعضها
المعنى ـ أحيانا وفسد الكلام ببعضها الآخر ـ من ذلك.
أ ـ ما وجدناه
في الصفحة ١٠٨ من المطبوع ، ففيها «تقول زيد نفسه والزيدان نفساهما ... والهندان
نفساهم» والصواب «والهندان نفساهما».
ب ـ وفي الصفحة
٣٤١ من المطبوع ، ذكرت مواضع كسر الهمزة ومنها «بعد ألا وأيا من حروف التنبيه»
والصواب «ألا وأما».
ج ـ وفي الصفحة
٢٣٨ حديث عن أوزان ألف التأنيث المقصورة والممدودة ، نصه «ومنها فعلى بضم الفاء
وفتح العين ...» والصواب «فعلاء» بالمد ، بدليل تمثيله بنفساء وعشراء ومثلها «فعلى
بفتح الفاء وسكون العين وفتح اللام» والصواب «فعلاء»
بدليل تمثيله ـ بعد ـ بحمراء.
د ـ وورد في
الصفحة ٤٧٠ حديث أبي الفداء عن إبدال الميم من النون إبدالا غير مطرد كما في نحو :
الشنب والعنب فقال : لأن النون تقوى بالحركة فلا يبدل منها لكن «جاز» ذلك في قول
الشاعر :
يا هال ذات ...
والصواب : «لكن
جاء ذلك» بدليل أنه قال بعد ذلك «وجاء أيضا : طامه الله على الخير».
ه ـ وفي الصفحة
٥٠٣ ذكر اعتلال ديار ورياح وفيه «لأن الجمع يعل لاعتلال الواو كما يعل المصدر
لاعتلال الفعل» والصواب «لأن الجمع يعل لاعتلال الواحد».
وـ وفي الصفحة
٤٥٩ ذكر لنون إذن نصه «ولم تجر نون غزوان مجراها في ذلك لكون إذن مشابهة للاسم
دونهما» والصواب «نون عن وان».
ز ـ وفي الصفحة
٥٧٠ حديث عن زيادة الواو ، نصه «ومنه أنهم زادوا في أولئك واوا للفرق بينه وبين
إليك وأجرى أولا على أولئك في زيادة الواو» والصواب «وأجرى أولاء على أولئك» هذا
كله بعض من الأخطاء التي تتصل بالنص المحقق.
ولننتقل إلى
النوع الثاني من الأخطاء تلك التي وقفنا عليها في خدمتهم لهذا النص ، وهي أخطاء لا
يقع فيها صغار الطلبة بله «نخبة متميزة من الباحثين» وهي على قسمين :
الأولى : تتصل
بالآيات القرآنية الكريمة.
الثانية :
تتعلق بالأشعار وغير ذلك.
أما الآيات
القرآنية فقد أهملوا نسبة بعضها إلى سورها ، وأغفلوا تحديد أرقامها في هذه السور
وهذا جدول صغير بذلك :
الآية
|
رقم الصفحة في الكتاب المطبوع في قطر
|
(قِسْمَةٌ ضِيزى)
|
٥١٠
|
(وَعَتَوْا عُتُوًّا
كَبِيراً)
|
٥١٩
|
(وَجَبَتْ جُنُوبُها)
|
٥٤٦
|
(إِذْ جاؤُكُمْ)
|
٥٤٦
|
(إِنَّما إِلهُكُمُ
اللهُ)
|
٥٦٧
|
(أَصْطَفَى
الْبَناتِ)
|
٥٧٣
|
ومما يتصل بهذا
الجانب ما وقفت عليه في الصفحة ٥٥٤ إذ قال أبو الفداء ما لفظه : «كما قرأ بعضهم
مردفين بضم الراء إتباعا لضمة الميم».
فأغفل المحققون
عزو الآية إلى سورتها ، وتوثيق قراءتها ولأنهم مشغولون بالسرقة ، وما يتبعها من
لفّ ودوران جعلوا الآية الواحدة ، آيتين من سورتين مختلفتين ، ففي الصفحة ٤٢٤ قال
أبو الفداء : واعلم أن هو وهي إذا اتصلتا بالواو أو الفاء ... جاز إسكانهما ...
فمثال التسكين مع الواو قوله تعالى : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ ،) ومع الفاء (فَهُوَ يُخْلِفُهُ
وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) وفي الهامش جعلوا (فَهُوَ يُخْلِفُهُ) من الآية ٣٩ من سورة سبأ ، وجعلوا (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) من الآية ٧٢ من سورة المؤمنون ، لم وزعتم الآية على
سورتين ، ألم تروها كلها في سبأ ٣٩ ، إنكم شطار في لعبة السرقات ، ومهرة في توزيع
الأدوار أيضا ...
ب ـ أما
الأشعار وما يتصل بها من تخريج وتوثيق فقد وقفنا منها على ما يأتي :
١ ـ أنهم في
الصفحة ٤٧٥ ، الهامش (١) قالوا في تخريج البيت :
وقد رابني قولها : يا هناه
«إن قائله
مجهول ثم ذكروا لتخريجه مصدرا واحدا هو «شرح المفصل ، ١٠ / ٤٢ ـ ٤٣» وبعد رجوعي
إلى المصدر المذكور وجدت أن ابن يعيش قد نسبه إلى امرىء القيس ، وقلت : لعلّ
النخبة قد خطفته من معجم الشواهد العربية للأستاذ عبد السّلام هارون ـ رحمهالله تعالى ـ وفوجئت بأن الرجل يرحمهالله في الصفحة ١٣٦ قد نسبه إلى امرىء القيس أيضا ، مما يدل
على أن الفئة لا تتورّع عن الكذب والغش.
٢ ـ في الصفحة
٣٩٧ نقل أبو الفداء رأي الأخفش في صيغة «فعل» فقال : وأجازه الأخفش متمسكا بدئل
اسم قبيلة ، وضعت النخبة المتميزة إحالة وقالوا في الهامش (٥) ما نصه وأنشد الأخفش
لكعب بن مالك الأنصاري :
جاؤوا بجيش
لو قيس معرسه
|
|
ما كان إلا
كمعرس الدّئل
|
انظر شرح
الأشموني ، ٢ / ٥٤٦ نظرنا في هذا المرجع وفق الطبعة المثبتة عندهم في قائمة
المصادر فلم نظفر بالبيت ، ولم نجد إشارة إلى إنشاد الأخفش ، بل إن رقم الصفحة في
المصدر المذكور لم يصل إلى ٥٤٦؟؟
٣ ـ في الصفحة
٥٥٦ خرجوا الرجز :
تنحي على الشوك جرازا مقضبا
وسجلوا في
الهامش ما نصه : «قائله أبو حكاك ، ونسبه لأبي حكاك ابن يعيش في شرح المفصل ، ١ /
٤٩» والحقّ أن ابن يعيش لم ينسبه أيّها المدلّسون.
٤ ـ أيضا في
الصفحة ٣٥٦ خرجوا بيت النابغة :
ما إن أتيت
بشيء أنت تكرهه
|
|
........
|
البيت فقالوا
في الهامش (٣) : البيت في البحر البسيط ، وروي في الخصائص ، ١ / ٤٣ ، المختار من
شعر بشار ٢٤٨.
ورجعت إلى
الخصائص ، ١ / ٤٣ فلم أجد البيت ، بل وجدت فيه :
ودّعته
بدموعي يوم فارقني
|
|
ولم أطق جزعا
للبين مدّ يدي
|
وفي الهامش (٨)
قال الأستاذ النجار ـ رحمهالله ـ هذا البيت أول ثلاثة أبيات في المختار من شعر بشار
٢٤٨ ، علمت حينئذ أن القوم نظروا في فهرس الخصائص ، فوجدوا في قافية الدال (يدي)
فخطفوها ، ثم أعمى الله بصيرتهم فنقلوا من هامش الخصائص : المختار من شعر بشار ،
وسقط المختار من ثبت مصادرهم ، ولم يرجعوا إلى ديوان النابغة مع أنه مثبت في قائمة
مصادرهم فنعم صنيع النخبة المتميزة.
٥ ـ في الصفحة
٣٣٠ خرجوا بيت امرىء القيس :
فقالت يمين الله مالك حيلة
وسجلوا في
الهامش (٣) ما نصه : البيت من البحر الطويل ، وروي في ديوانه ص : ١٤ ، والمقتضب ٢٧
، وتمامه :
وما إن أرى عنك العماية تنجلي
هكذا ذكروا
المقتضب من غير جزء ، فرجعت إلى فهارس الشيخ عضيمة ـ
رحمهالله ـ للمقتضب فلم أجد هذا البيت البتّة ، ثم نظرت في معجم
الشواهد فوجدت أن الأستاذ عبد السّلام هارون ، ـ رحمهالله ـ قد رمز له ب (ق) ٢٧ ، فتبينت من ذلك أنهم قد ظنوا أن
الرمز (ق) هو المقتضب ، ولم يفطنوا أن المراد منه هو المقرب ، وهو ـ حقا ـ موجود
في المقرب والنكتة أن الأستاذ هارون ـ رحمهالله ـ قد اعتمد على مخطوطة في دار الكتب ، في حين أنهم
اعتمدوا على المطبوعة المحققة من قبل الجواري والجبوري والظاهر أن المحقّق أجنبي ،
والمراجع نائم ، وهم بعد ذلك كله نخبة متميزة من الأساتذة الباحثين كما ورد في
مقدمتهم.
٦ ـ خرجوا في
الهامش (٣) من الصفحة ٥١٦ البيت :
ألم يأتيك والأنباء تنمي
فقالوا : ونسبه
إليه ـ أي إلى قيس بن زهير ـ صاحب المغني ، ١ / ١٨٨ والحق أن صاحب المغني لم
ينسبه.
٧ ـ وفي الهامش
(٢) ، من الصفحة ٤١٨ قالوا عن بيتي المثقب العبدي :
وما أدري إذا
يممت أرضا
|
|
...
|
أألخير الذي
أنا أبتغيه
|
|
...
|
ما نصه «إن
البيتين مرويان في المغني ، ١ / ٦٩» ولن يجد القارىء هذين البيتين في المغني.
٨ ـ وفي الصفحة
٤١٦ خرجوا قول الشاعر :
حزق إذا ما القوم أبدوا فكاهة
فنصوا في
الهامش (٢) على أنه لجامع بن عمرو ، وسردوا في الهامش (٤) مصدرين فقط روي البيت
فيهما هما شرح المفصل ، ٩ / ١١٨ والهمع ، ١ / ١٥٥ وهذان المصدران لم ينسبا البيت
إلى قائله أيضا.
٩ ـ في الصفحة
٤٧٣ ورد ما نصه «ومما أبدلت فيه التاء من السين قول الشاعر عمرو بن يربوع :
شرار النات
وفي الهامش
قالوا : «ويروى أيضا لعلباء بن أرقم اليشكري» والظاهر أن الذي
استأجروه جاهل ، جعل الشاعر هو عمرو بن يربوع ، وهو متأكد من ذلك ، لذلك
قال : ويروى «أيضا» والظاهر أيضا أن المراجع قد فطن إلى هذا الخلط العجيب فحاول
استدراك ذلك فقال في الهامش نقلا عن شرح شواهد الشافية «وهي هجاء لبني عمرو بن
يربوع» ولا نعلم فلعل المراجع يريد أن الشاعر هو عمرو ، والرجل يهجو قومه ... لن
نستبعد شيئا يخطر بالبال من كثرة ما رأينا من فساد وخلط واضطراب عند «النخبة
المتميزة» ، غير أن المراجع قد وقع في غفلة أخرى حين لم يذكر لنا رقم الجزء ورقم
الصفحة في شرح الشواهد ، وأحسب أن هذا المصدر قد سقط من قائمة مصادرهم ، لذا أعتقد
أنه استدرك استدراكا أرادوا أن يقوموا ميلا واضحا ويستروا سوأة مكشوفة ، ولكن
هيهات هيهات فقد اتسع الخرق على الراقع.
١٠ ـ وفي
الصفحة ٥٥٨ جعلوا بيتا شعريا كلاما نثريا ، وهو بيت تعليمي في أوائله الحروف التي
تدغم فيها التاء وهو :
سرى طيف دعد
زائرا ذا ضنى
|
|
ثوى شفى ظمأ
جودا صفا فتعطفا
|
فذكر عندهم على
أنه كلام نثري ، والعجيب أن أبا الفداء صدّره بالقول «وتجمعها أوائل كلام هذا
البيت وهو» ، ثم ذكر البيت.
١١ ـ في الهامش
(١) من الصفحة (٦٤) نسبوا البيت :
لعزة موحشا
طلل
|
|
يلوح كأنه
خلل
|
لكثير عزة ،
ولم يرجعوا إلى ديوانه مع أنه مثبت في قائمة مصادرهم وفي الهامش (٤) من الصفحة ٣٦٩
لم يخرجوا الرجز :
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
من ديوان رؤبة
مع ذكرهم له في المصادر.
وأخيرا فقد
أحصيت لهم أكثر من ١٦ مصدرا سقطت من قائمة مصادرهم أذكر بعضا منها مع مكان ورودها
في كتابهم :
١ ـ الأغاني
١٨٠+ ٣٣٣.
٢ ـ إرتشاف
الضرب ١١٣.
٣ ـ الإصابة
٤٤.
٤ ـ إصلاح المنطق
٣٧٨.
٥ ـ التذييل
والتكميل ١١٣.
٦ ـ ديوان ابن
أحمر ٢٩٤.
٧ ـ ديوان أبي
نواس ٢١١.
٨ ـ ديوان
القطامي ٢٩٢.
وأترك البقية
لأنهم لا يستحقون هذه الخدمة. هذا هو صنيع نخبة من السراق المفضوحين الذين باتوا يطلبون السّترة ، (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ
وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ إِنْ هُمْ
إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) و (أُولئِكَ فِي
الْأَذَلِّينَ) و (إِنَّ مَعِي رَبِّي
سَيَهْدِينِ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى
بِاللهِ نَصِيراً ...) صدق الله العظيم.
__________________




بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله الذي
ليس لعلمه غاية ، ولا لجوده نهاية وصلّى الله على سيّدنا محمّد المبعوث بالهداية وعلى آله
وصحبه ، صلاة تنجي من الضّلالة والغواية وبعد :
فهذا كنّاش
مشتمل على عدّة كتب ، الأوّل : في النحو والتصريف ، الثاني : في الفقه الثّالث :
في الطب الرابع : في التاريخ ، الخامس : في الأخلاق والسّياسة والزهد ، السادس :
في الأشعار ، السابع : في فنون مختلفة.
__________________
الكتاب الأوّل في النحو
ذكر الكلمة وأنواعها
الكلمة لفظ
موضوع مفرد ، والمراد باللفظ : ما خرج من الفم حقيقة كاضرب أو حكما ، كالمستكن في
اضرب حرفا أو أكثر.
والوضع : تخصيص
لفظ بمعنى كرجل بمذكّر إنسان.
والمفرد : ما
لم يقصد بجزء لفظه الدلالة على جزء معناه كزيد مثلا.
والكلمة جنس
تحته ثلاثة أنواع : اسم وفعل وحرف ، لأنّها إن لم تدلّ على معنى في نفسها أي لا
تستقل الكلمة بالدلالة على معناها الإفرادي إلا بانضمام متعلقها إليها فهي الحرف
كقد وهل ، وإن دلّت على معنى في نفسها مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الفعل كقام
يقوم ، وإن دلّت على معنى في نفسها غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة فهي الاسم ،
كالصّبوح والغبوق ، فإنّه وإن دلّ على زمان لكنّه غير معيّن من الثّلاثة
، لأنّ الشرب بكرة مثلا ليس بماض ولا حال ولا مستقبل والاسم يكون مسندا ومسندا إليه ، والفعل يكون مسندا ولا
يكون مسندا إليه ، والحرف لا يكون مسندا ولا مسندا إليه.
والحدّ : معرّف
شامل لكلّ فرد من أفراد المعرّف فقط والحدود في النحو
__________________
إنّما هي للألفاظ باعتبار معناها الحقيقي ، وماهيات الكلم اعتبارية ولذلك جاز أن تكون فصولها عدمية.
ذكر الكلام
الكلام ما
تضمّن كلمتين أسندت إحداهما إلى الأخرى وقد خرج بقولنا أسندت إحداهما إلى الأخرى :
ما ليس كذلك مثل : غلام زيد ، فإنه كلمتان وليس بكلام لعدم الإسناد ، إذ الإسناد
نسبة أحد الجزأين إلى الآخر على وجه يحسن السكوت عليه.
والكلام قسمان
:
ليس إلّا اسم
واسم ، واسم وفعل وأمّا الاسم والحرف فلا يكون كلاما ، لأنّ الحرف لا
يكون حكما ولا محكوما عليه ، وكذلك لا يكون الفعل والفعل كلاما لفقد المحكوم عليه
، والفعل والحرف أبعد ، والحرف والحرف أبعد وأما نحو : يا زيد ، فإنّه مؤوّل
بأدعو أو أريد ، والكلام المركّب من اسمين يقال له : الجملة الاسميّة نحو : زيد
كاتب ، والمركّب من فعل واسم يقال له : الجملة الفعليّة نحو : قام زيد .
__________________
القسم الأول
في الاسم
وهو ما دلّ على
معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة وله خصائص ، منها : النّعت لأنّه حكم في المعنى على المنعوت ، ومنها : التصغير لأنّه في
معنى النّعت ومنها : تنوين التمكين ، والتنكير ، لدلالة الأوّل على أنّ المنوّن به
غير مشبّه بالفعل ، ولا يكون إلّا في الاسم ، وأما الثاني : فلأنّ الفعل وضعه
للتنكير فلا يحتاج إلى تنوين تنكير فوجب اختصاصه بالاسم ومنها : التثنية والجمع لأنّ الفعل / لا يثنّى ولا يجمع
على ما سنذكره إن شاء الله عند ذكر الفعل المضارع.
واعلم أنّ
الاسم يكون ، علما ، ومتواطئا ، ومشتركا ، ومشكّكا ومنقولا وحقيقة ، ومجازا ، أما
العلم فسيذكر في بابه وأمّا المتواطىء : فهو الذي يكون معناه واحدا كلّيا
حاصلا في الأفراد الذّهنية والخارجيّة على السّويّة كالحيوان الواقع على الإنسان
والفرس ، وكالإنسان الواقع على زيد وعمرو .
وأمّا المشترك
: فهو الذي يكون معناه أكثر من واحد ووضعه بإزاء تلك المعاني على السويّة كالعين
بالقياس إلى الفوارة والباصرة وقد يطلق على الضّدين كالقرء للطهر والحيض .
__________________
وأمّا المشكّك
: فهو الذي معناه واحد ، لكنّ حصوله في بعض أفراده أولى وأقدم من البعض الآخر ،
كالموجود بالقياس إلى الواجب لذاته ، والممكن لذاته ، فإنّ إطلاقه على الواجب
لذاته أولى وأقدم وكالبياض بالقياس إلى الثلج والعاج ، فإنّ إطلاقه على الثّلج
أولى ؛ لأنّ البياض فيه أقوى وسميّ مشكّكا لمشابهته المتواطىء من وجه وهو كونه
موضوعا لمعنى واحد كليّ ، والمشترك من وجه وهو كون حصوله في أفراده على وجه
الاختلاف فيشكّك الناظر في أنه متواطىء أو مشترك.
وأما المنقول :
فهو أن يكون وضع لشيء ثمّ نقل إلى غيره بسبب اشتراك المعنيين أو مناسبة أخرى بحيث
يترك استعماله فيما وضع له أولا كالدّابة ـ فإنّها وضعت لكلّ ما يدبّ على الأرض
ثمّ نقلها العرف العامّ إلى الفرس والحمار ، ـ وكالصّلاة فإنّها وضعت للدّعاء ثمّ
نقلها الشّرع إلى هذه العبادة .
وأما الحقيقة
والمجاز : فاعلم أنّ الاسم متى وضع لشيء ثمّ نقل لغيره بسبب اشتراك بين المعنيين
أو مناسبة أخرى ولم يترك استعماله فيما وضع له أولا ، فإنّه بالنسبة إلى المنقول
عنه حقيقة. وبالنسبة إلى المنقول إليه مجاز ؛ كالأسد بالقياس إلى الحيوان المفترس
، والرجل الشجاع ، فإنه وضع للحيوان المفترس فهو حقيقة بالنسبة إليه ثمّ نقل إلى
الرجل الشجاع لاشتراكهما في الشجاعة فهو مجاز بالنسبة إليه ، وأمّا الأسماء المترادفة فهي المتفقة حدا المختلفة
لفظا ، كالخمر والعقار والليث والأسد .
ذكر تقسيم آخر للاسم
وهو ينقسم أيضا
إلى معرب ومبنيّ ، وأصل الأسماء أن تكون معربة ولذلك
__________________
يقال في الاسم المبني : لم بني؟ ولا يقال في المعرب : لم أعرب ومن هنا نذكر الاسم المعرب حتى ينتهي ثم نذكر المبني.
والمعرب هو
الاسم المركّب الّذي لم يشبه مبنيّ الأصل لأنّه لا يستحق الاسم الإعراب إلّا بعد
التركيب لتتبيّن المعاني الحاصلة فيه بالتركيب ، وهي الفاعلية ، والمفعولية
والإضافة ، لأنّك إذا قلت : ما أحسن زيد ، ورفعت علمت الفاعلية ، وإن نصبت علمت
المفعولية ، وإن خفضت علمت الإضافة ، فتكون في الفاعل منفيا ، وفي المفعول مثبتا
له الحسن ، وفي الخفض مع رفع أحسن مستخبرا عن الأحسن منه ، ولو ذكرت / الكلمات من
غير تركيب لم يكن إعراب ، كقولك : واحد ، اثنان ، ونحو ذلك مما تعدّده تعديدا
من غير إسناد ، وأمّا إذا عطفت أسماء الأعداد بعضها على بعض ، كقولك
: واحد واثنان وثلاثة ، فإنّها تكون حينئذ مركّبة معربة واحترز بقوله لم يشبه
مبنيّ الأصل عن المانع من الإعراب مع وجود سببه الذي هو التركيب
فإنّ مشابهة مبني الأصل تمنع من الإعراب وإن وجد التركيب ، والمراد بمبنيّ الأصل ، الحرف والفعل الماضي ، وفعل
الأمر للمخاطب ، فإنّ الاسم إذا شابه أحدها بني ، فمشابهة الحرف نحو : من أبوك؟
ومشابهة الفعل الماضي نحو : أفّ ، أي تضجّرت ، ومشابهة فعل الأمر نحو : حيّ أي
أقبل ، والاسم المعرب المذكور يختلف آخره لفظا أو تقديرا لاختلاف العوامل .
والإعراب : هو
الحركات والحروف التي يختلف الآخر بها من الضمة والفتحة والكسرة ، والألف والواو
والياء.
وأنواع الإعراب
ثلاثة : رفع ونصب وجرّ ، فالرّفع علم الفاعلية ، أي للفاعل
__________________
وما أشبه الفاعل ، والنصب علم المفعوليّة أي للمفعول وما أشبه المفعول ،
والجرّ لا يكون إلّا علم الإضافة .
ذكر تقسيم آخر للمعرب
والمعرب ستة
أقسام ، ثلاثة بالحركات وثلاثة بالحروف ، أمّا الثلاثة الّتي بالحركات فالأوّل :
المفرد ، والجمع المكسّر المنصرفان ، والثاني : جمع المؤنّث السالم ، والثالث :
الاسم الذي هو غير منصرف ، وأمّا الثّلاثة التي هي بالحروف ، فالأوّل : الأسماء
الستة ، والثاني : المثنّى ، والثّالث : جمع المذكّر السالم.
ذكر إعراب الاسم المفرد ، والجمع المكسّر المنصرفين
كلّ اسم مفرد
منصرف وجمع مكسّر منصرف ، فرفعه بالضمّة ونصبه بالفتحة وخفضه بالكسرة ، وإنّما
أعرب هذا القسم بالحركات الثلاث لأنّه الأصل في الإعراب ولم يمنع مانع منه.
ذكر إعراب جمع المؤنّث الصحيح
كلّ جمع مؤنّث
سالم فرفعه بالضمّة ، ونصبه وخفضه بالكسرة ، وإنّما أعرب بالكسر في النّصب والجر
معا لأنّ جمع المذكّر السّالم حمل فيه النّصب على الجرّ ، فلم يجعل للمؤنّث على
المذكّر مزيّة ، فحمل فيه النّصب على الجرّ.
ذكر إعراب الاسم الغير المنصرف
كلّ اسم غير
منصرف مفردا كان أو مجموعا جمع تكسير ، فرفعه بالضّمة ونصبه
__________________
وخفضه بالفتحة ، وإنّما نقص الكسرة لأنّه أشبه الفعل بالعلّتين الفرعيتين
على ما سنذكره ، فقطع عمّا ليس في الفعل وأعرب بالفتح في موضع الجرّ.
ذكر إعراب الأسماء الستة
وهي : أخوك
وأبوك وحموك وذو مال ، وفوك وهنوك ، إذا أضيفت إلى غير ياء المتكلّم فرفعها بالواو
ونصبها بالألف وخفضها بالياء ، بشرط أن لا تكون مصغّرة ، ولا مكسّرة وإنّما أعربت هذه الأسماء بالحروف لأنّها لمّا كانت
أمورا إضافية نسبية يتوقّف فهم معناها على غيرها ، أشبهت / التثنية والجمع في
الكثرة فكانت فرعا على الواحد ، فجعل إعرابها فرعا على إعراب الواحد والأصل في إعراب الواحد أن يكون بالحركات ، والإعراب
بالحروف فرع عليه ، فجعل إعراب هذه الأسماء بالحروف مع أنّ أواخرها حروف تقبل أن
تتغيّر بتغيّر العامل .
ذكر إعراب المثنّى
المثنّى رفعه
بالألف ونصبه وخفضه بالياء ، وكذلك إعراب اثنين وكلا ، إذا أضيف إلى مضمر ، وإنّما
خصّصناهما بالذكر لأنّ المثنّى ، اسم زيد عليه ألف ونون أو ياء ونون ، ليدلّ على
أنّ معه مثله من جنسه ، وليس اثنان كذلك لأنّ «اثن» ليس موضوعا لشيء ، بل اثنان
اسم موضوع لمفردين فأعرب كالمثنّى لموافقته إيّاه في المعنى ولا يعرب كلا إعراب المثنّى إلّا إذا أضيف إلى مضمر ،
كقولك : جاءني كلاهما ، ورأيت كليهما ، ومررت بكليهما ومن العرب من يقول : كلاهما
في الأحوال
__________________
الثلاثة ، وأمّا إذا لم يضف إلى مضمر فهو كعصا ، تقول : جاءني
كلا الرّجلين ورأيت كلا الرجلين ، ومررت بكلا الرّجلين.
ذكر إعراب الجمع السّالم
كلّ جمع مذكّر
سالم فرفعه بالواو ونصبه وخفضه بالياء وكذلك إعراب عشرين وأخواته ، وأولو نحو :
أولي العلم ، وإنما أعرب المثنّى والجمع بالحروف ، إمّا لما قيل في الأسماء الستّة
، أو لأنّهما أكثر من الواحد فجعل إعرابهما بشيء أكثر من إعراب الواحد ، والحرف أكثر
من الحركة فجعل إعرابهما بالحرف .
ذكر الإعراب التقديري
الإعراب
التقديريّ في كلّ ما آخره ألف ، وفي كلّ ما أضيف إلى ياء المتكلّم نحو : عصا ،
وغلامي ، في الرفع والنّصب والجرّ ، وفي كلّ اسم منقوص في حال رفعه وجره خاصة.
والمنقوص : هو
ما في آخره ياء خفيفة قبلها كسرة نحو : القاضي ، واحترز بالخفيفة ، عن الياء الثقيلة في نحو : كرسيّ ، وبقوله : قبلها
كسرة ، من الياء التي قبلها ساكن نحو : ظبي ، فإنّ هذين القسمين من المعرب
بالحركات الثلاث. وإنّما أعرب المنقوص في الرفع والجرّ تقديرا لاستثقال الضمة
والكسرة على الياء فإن كان المنقوص منوّنا حذفت الياء لالتقاء الساكنين
نحو : قاض ، وإلّا ثبتت ساكنة
__________________
نحو : القاضي ، ويعرب في النصب لفظا بالفتحة لخفّتها ، تقول : هذا قاض ،
ومررت بقاض ، ورأيت قاضيا.
وأمّا نحو :
مسلميّ ، وهو كلّ جمع لمذكر سالم أضيف إلى ياء المتكلّم فإنه يعرب في الرفع تقديرا
بالواو ، فإنّك حذفت نون مسلمون للإضافة بقي مسلموي ، اجتمعت الواو والياء وسبقت
إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وكسر ما قبل الياء ،
حيث كان مضموما ، بقي مسلميّ ، ومصطفيّ ، كذلك إلّا أنّ ما قبل الياء بقي مفتوحا .
ذكر ما لا ينصرف
غير المنصرف ما
فيه علتان من تسع أو واحدة منها تقوم مقامها ، وهي : العدل والتأنيث / والجمع
والمعرفة والعجمة ووزن الفعل والصفة والألف والنون الزائدتان ، والتركيب ،
والذي يقوم منها مقام علّتين : الجمع وألفا التأنيث ، وإنّما يكون الجمع كذلك إذا
كان على صيغة منتهى الجموع على ما سيأتي ، وأمّا ألفا التأنيث فلأنّهما لمّا كانتا
لا تنفكان عن الاسم نزّل لزومهما منزلة تأنيث ثان ، وإنّما كانت هذه
الأسباب فروعا لأنّ أصل الاسم أن يكون مفردا مذكرا نكرة عربيّ الوضع غير وصف ولا
مزيد فيه ولا معدول ولا خارج عن أوزان الآحاد ولا مواطىء للفعل في وزنه ، فنقائض
هذه التسعة فروع ، ولنذكر لفرعيتها زيادة شرح.
أمّا كون
التعريف فرعا فلأنّ التنكير سابق عليه ، فالنكرة كالعام ، والمعرفة كالخاص ،
والعامّ سابق على الخاص لأنّ الخاصّ يتميّز عن العام بأمر زائد ، والزيادة فرع وأمّا التأنيث ، ففرع على التذكير إذ كلّ معيّن يصدق
عليه أنه «شيء» ومعلوم
__________________
ومذكور ، وهذه أسماء مذكرة فإذا عرف أنّ مسمّياتها مؤنثة وضع لها أسماء أو
علامات دالّة على تأنيثها ، وأمّا العدل ففرع على المعدول عنه لتوقّفه عليه ،
وأمّا العجمة ففرع على العربي إذ هي دخيلة في كلامهم ، وأمّا التركيب ففرع على
الإفراد لتوقّفه على المفردين ، وأمّا وزن الفعل ففرع على وزن الاسم في الاسم ،
وأما الألف والنون المزيدتان ففرع على المزيد عليه ، لأنّ الزائد يتوقّف على تحقق
المزيد عليه ، وأمّا الوصف ففرع على الموصوف لأنّه تابع للموصوف ، وأمّا الجمع
ففرع على الواحد لتوقّفه على الإفراد . فقد تبيّن أنّ هذه العلل فروع فإذا اجتمع منها في
الاسم سببان مؤثّران صار جانب الاسميّة مغلوبا بجانب الفرعية ، لأنّ الاثنين
يغلبان الواحد كما قيل :
فضعيفان يغلبان قويّا
فيشبه الاسم
بهما الفعل الذي هو فرع على الاسم من جهتين ، وأمّا كون الفعل فرعا على الاسم من
جهتين : فلأنّه مشتق من المصدر والمشتقّ فرع على المشتقّ منه ، ولأنّ الاسم مستغن عن
الفعل ، والفعل غير مستغن عنه فلما أشبه الاسم بهما الفعل قطع عمّا قطع عنه الفعل وهو
تنوين الصّرف ، والجرّ تابع ذهابه لذهاب التنوين عند الأكثر ويكون في موضع الجرّ مفتوحا إذا كان الكسر في الاسم
مخصوصا بالجر لو كان منصرفا ، فمن ثمّ لو سمّيت امرأة قائمات كان غير منصرف وهو
على ما كان عليه قبل العلّتين ، لأنّ الكسر ليس مخصوصا فيه بالجر لأنه لا يقبل
الفتح ، وكذلك لو سمّي مؤنّث بضاربان أو ضاربون.
__________________
ويجوز صرف ما
لا ينصرف لضرورة الشعر وللتناسب ، والتناسب على قسمين :
أحدهما : في
رؤوس الآي ك (/ قَوارِيرَا) الأول فإنه / إذا صرفه نوّنه فوقف عليه بالألف ،
فيتناسب مع بقية رؤوس الآي.
والثاني تناسب
لكلمات منصرفة انضمّت إليه (قَوارِيرَا) الثاني ، وك (سَلاسِلَ) لانضمامها إلى (أَغْلالاً وَسَعِيراً) وكثر صرف هذا الجمع للتناسب حتّى ظنّ قوم أنّ صرفه جائز في سعة الكلام ، وليس بسديد .
ذكر العدل
العدل ضربان :
حقيقيّ وتقديريّ.
فالحقيقيّ : هو
ما ثبتت معرفته كأحاد وموحد ، وثلاث ومثلث ، وهو خروج
__________________
عن اللّفظ والمعنى الأصليين ، لأنّ معنى أحاد وموحد وثلاث ومثلث ، جاء
القوم واحدا واحدا ، وثلاثة ثلاثة ، فعدل بثلاث عن لفظ ثلاثة وعن معناه الأصلي في
العدد ، إلى معنى انقسام الجملة إلى هذه الصفة من الثلاثية ونحوها ، والمتّفق عليه
استعمال هاتين الصيغتين ، إلى رباع ومربع. وأمّا ما بعد ذلك إلى تساع ومتسع ففيه
خلاف ، ومن العدل الحقيقي أخر جمع أخرى وأخرى تأنيث آخر ، وهو من باب أفعل
التفضيل ، وقياسه إذا قطع عن من والإضافة أن يستعمل باللّام فهو معدول عن الآخر
وعن معناه الأصلي في التأخّر الوجودي حتى صار المذكور ثانيا متقدّما كان في الوجود أو متأخرا .
وأمّا العدل
التقديري : فهو ما تتوقّف معرفته على منع صرفه فيقدّر العدل لئلا تنخرم قاعدة
معلومة ، وهو منع الصّرف من غير علّتين ، وذلك نحو : عمر فإنّه ليس فيه علّة ظاهرة
غير العلميّة ، فوجب تقدير العدل على استبعاده لئلا تنخرم القاعدة ، فقدّر كأنهم
عدلوه في اللفظ عن : عامر ، وفي المعنى عن اسم الجنس إلى العلميّة .
ذكر التأنيث
وهو لفظيّ
ومعنويّ ، أمّا اللفظيّ : فهو ما فيه ألف التأنيث أو تاء التأنيث ، أمّا الذي فيه
ألف التأنيث فنحو : سكرى وحمراء وحبلى وصحراء ، وامتنع من الصّرف للتأنيث ، ولزوم
التأنيث والمراد بلزوم التأنيث ، أن ألفي التأنيث المقصورة والممدودة لا تفارقان
الكلمة في جميع تصاريفها ، نحو : حبلى وحبالى ، وصحراء وصحارى ، وفي جمع السّلامة
أيضا نحو : حبليات وصحراوات ، وفي النّسب نحو : حبلويّ
__________________
وصحراويّ ، فصار مطلق التأنيث سببا لثقله ، وصار لزومه بمنزلة سبب آخر ، لثقل اللزوم أيضا
فصار كأن فيه تأنيثين ، وأمّا الذي فيه تاء التأنيث نحو : طلحة فشرطه العلمية لأنّ
التأنيث بالعلمية يصير لازما ، وتصير تاء التأنيث منه كالجزء.
وأمّا التأنيث
المعنويّ : فحكمه حكم التأنيث بالتاء في كون تأثيره في منع الصّرف مشروطا
بالعلميّة ولذلك يقولون : مررت بامرأة صبور وحائض ، فيصرفونه
لفوات العلمية ، ومعنى التأنيث المعنوي ، أنّ الاسم لم يوضع إلّا للمؤنّث في الأصل
وشرط تحتّم / تأثير المعنوي في منع الصرف ، الزيادة على ثلاثة أحرف كزينب ، أو
تحرك الوسط كسقر ، أو العجمة كماه وجور ، وإنّما كان تحتّم تأثيره مشروطا بهذه الأمور ، لأنّه
أخفّ من المؤنث بالتاء ، فيجري الحرف الرابع مجرى التاء ، وسقر كذلك لتنزّل الحركة
في وسطه منزلة الحرف الرابع فإن كان المؤنّث المعنويّ ثلاثيا ساكن الحشو كهند ودعد
، لم يجب منع صرفه ، وجاز فيه الصّرف ومنع الصّرف لمقاومة خفة السكون ثقل أحد السببين فإن انضمّ إلى ساكن
الوسط المذكور العجمة ، وجب منع صرفه نحو : ماه وجور وحمص وبلخ لمقاومة التأنيث أو العجمة السكون ، فيبقى سببان لا
معارض لواحد منهما فيمتنع للعلميّة والتأنيث المقوّى بالعجمة والمؤنّث المعنويّ إذا سمّيت به مذكرا فإن لم يكن على
أكثر من ثلاثة أحرف صرفته نحو : سقر ، وإن كان على أكثر من ثلاثة نحو : عقرب امتنع
من الصّرف لأنّ الحرف الزائد على ثلاثة ينزّل منزلة تاء التأنيث .
__________________
ذكر الجمع
شرط الجمع أن
يكون على صيغة منتهى الجموع بغير تاء التأنيث ، وهو كلّ جمع ثالثه ألف بعدها إمّا
حرفان ؛ كمساجد أو ثلاثة أوسطها ساكن كمصابيح ، أو حرف مشدّد كدوابّ ، وأمّا إذا
كان فيه الهاء كفرازنة فإنّه يخرج عن صيغة منتهى الجموع ويصير على زنة المفرد ،
ككراهية وطواعية ، فإذا جعل هذا الجمع علما كحضاجر علما للضّبع فالأكثر يمنعونه الصّرف اعتبارا لصيغة منتهى الجموع وبعضهم
لا يعتبر ذلك فيصرفه وأمّا سراويل وهو اسم جنس ، إذا لم يصرف وهو الأكثر ،
فإنّه لا يسوغ أن يقال فيه : إنّه منقول عن الجمع كما يقال في حضاجر علما للضّبع
لأنّ النّقل كثر في الأعلام بخلاف أسماء الأجناس ، ولكن يقدّر جمعا لسروالة ثمّ
نقل اسما لمفرده فبقي على ما كان عليه من منع الصرف كما قيل في حضاجر ، وأمّا نحو : جوار وغواش من الجمع الذي آخره ياء قبلها
كسرة فإنّ سيبويه والخليل قالا : إنّ هذا الجمع ثقّل فلزم فيه حذف الياء في حالتي الرفع
والجرّ لأنّ ذلك موضع الإعلال وجرى في حال الفتح مجرى الصحيح لخفّة الفتح ، فلمّا
حذفت الياء نقصت الكلمة عن المثال الممنوع من الصرف فجاء التنوين فكان بدلا من
__________________
الياء ، وقال المبرد : إنّ التنوين جاء بدلا من الحركة التي كانت على الياء وعوضا منها ، وليس
بعلم للصرف فلما جاء كذلك حذفت الياء لالتقاء الساكنين ، كما حذفت في قاض والتنوين على المذهبين للعوض لا للصّرف ، فلا يقال على
هذا : إنّه منصرف في حال الرفع والجر وقوله في المفصّل : بأنّه في الرفع والجر كقاض » هو مذهب المبرّد ، وهو أنّ الياء استثقلت عليها حركة
الرفع والجر / فحذفت الحركة فبقى جواري ساكن الياء ثمّ دخل التنوين عوضا من الحركة
فالتقى ساكنان الياء والتنوين فحذفت الياء وقال يونس ، وأبو زيد والكسائيّ ، بالفتح في جواري في حال الجر ، فقالوا : مررت بجواري كما يقال : رأيت جواري من أجل
أنّ المجرور في باب ما لا ينصرف إنّما يكون مفتوحا قالوا وإلى هذا ذهب الفرزدق في قوله :
فلو كان عبد
الله مولى هجوته
|
|
ولكنّ عبد
الله مولى مواليا
|
__________________
وهذا البيت عند
من تقدّم ذكره محمول على الضرورة ، وذلك أنّه اضطر إلى الحركة فأجراه مجرى الصحيح
كقولك : مررت بمساجد ، وذهب بعض النحاة إلى أنّ التنوين في جوار ونحوه للصّرف لأنّه للحذف الذي
نابه في الحالين نقص عن بناء ما لا ينصرف وصار بمنزلة رباع.
ذكر المعرفة
شرط المعرفة
العلميّة للزومها الاسم بسبب الوضع ، ولأنّ المعارف خمس اثنان منها مبنيان ، وهما
المضمرات والمبهمات واثنان منها باللام والإضافة وهما لا يلزمان الاسم ، وأيضا
يجعلان الاسم منصرفا ، أو في حكم المنصرف فتعيّن التعريف العلميّ ، وقد اعتبر قوم التعريف باللام
المقدّرة في نحو : سحر بعينه فإنّه لا ينصرف للتعريف والعدل عن السحر ، فتعريفه
ليس إلّا باللام التي عدل عنها كأخر .
ذكر العجمة
شرط العجمة
العلميّة في كلام العجم حتى لو جعل العجميّ غير العلم نحو : ديباج ، علما في كلام
العرب لم يعتدّ بعجمته وكان منصرفا ، لأنّ العجميّ الذي هو اسم جنس يتوغل في كلام
العرب بقبول لام التعريف وغيرها ، فتضعف عجمته بخلاف العلم في
العجميّة ، ويشترط للعلم الأعجميّ في منع الصّرف أن يكون أكثر من ثلاثة أحرف عند
سيبويه ، وقال قوم : شرطه إمّا الزيادة على الثلاثة أو تحرّك
__________________
الوسط ، فنوح ولوط منصرفان ، لفقد شرط منع الصرف ، لأنّ
عجمتهما غير مؤثّرة ، لانتفاء شرطها ، وهو الزيادة على ثلاثة ، أو تحرّك الوسط
فتبقى العلميّة وحدها فلا تؤثّر بخلاف ماه وجور للعلميّة والتأنيث المقوّى بالعجمة
.
ذكر وزن الفعل
شرط وزن الفعل
المانع من الصرف أحد أمرين :
أحدهما : أن
يختصّ بالفعل ولا يوجد في الاسم ، إلّا أن يكون منقولا إلى الاسم العلم : كضرب
وشمّر واحمرّ واستخرج واخشوشن وما أشبه ذلك ، أو يكون أعجميا كبقّم ولا يؤثّر هذا الضرب في منع الصرف إلا مع العلمية.
وثانيهما : أن
يكون في أوله زيادة كزيادة الفعل ، أي يكون أوله حرفا من حروف نأيت نحو : أفعل
ونفعل وتفعل ويفعل ثمّ هذا الضرب الثاني ، إمّا أن يكون صفة أو غير / صفة ، فإن
كان صفة فشرطه : أن يكون غير قابل للتاء ، نحو : أحمر فإنّه لا يقال فيه : أحمرة فيمتنع
من الصّرف للصفة ووزن الفعل ، وينصرف نحو : يعمل ، إذا لم يكن علما ، لقبوله تاء
التأنيث الحقيقي ، لقولهم : ناقة يعملة فإن سمّي به لم ينصرف لأنه حينئذ غير قابل للتاء وإن كان غير صفة نحو : أرنب وأفكل ، فشرطه العلميّة ،
وأمّا أفكل على وزن أفعل ، اسم للرّعدة فيقال : أخذه أفكل ، إذا ارتعد فحينئذ ، وزن الفعل الذي هو صفة نحو : أحمر ، ممتنع
لوزن الفعل والصّفة ، ووزن الفعل غير الصّفة ممتنع للعلميّة ووزن الفعل واعلم أنّه يشترط في الضّرب الأول ؛
__________________
أعني الوزن المختصّ بالفعل نحو : ضرب وشمّر ، أن لا يعلّ نحو : قيل ، ولا يدغم نحو : ردّ ، فإنّ ذلك منصرف ، ولو
كان علما لوجود نظير وزنه في الاسم نحو : قيل ، ومدّ ومما يمنع للصفة ووزن الفعل ، أفعل التفضيل ، كأفضل منك
فإنّه يمنع من الصّرف لما قيل في أحمر.
ذكر الوصف
شرط الوصف أن
يكون صفة في الأصل بمعنى أنه وضع للوصف ، واستعمل فيه فلا يضرّ إن صار اسما وخرج
عن الوصفية ، ولذلك امتنع أسود وأرقم اسما للحيّة ، وأدهم للقيد فإنّها لمّا كانت في الأصل صفة ثم خرجت عن الصفة وصارت
اسما لما ذكر لم يضرّ ذلك ، وامتنع صرفها للصّفة الأصليّة وأمّا إذا لم يكن في الأصل صفة ثم طرأت عليه الوصفيّة
فلا اعتبار به في منع الصّرف ، ولذلك انصرف أربع في قولك : مررت بنسوة أربع ، لأنّ
أربعا من أسماء الأعداد ، وليس بصفة في الأصل ، فلمّا استعمل صفة للنسوة لم تعتبر
الوصفية في منع الصرف ، وأمّا أفعى : للحيّة ، وأخيل : لطائر وأجدل للصقر فمنصرف عند الفصحاء لأنها ليست في الأصل صفة ، وممتنع
من الصّرف عند غيرهم لتوهّم الوصفية فيها حيث كان أخيل اسما لطائر فيه خيلان
، وحيث كان الجدل القوّة ، والصّقر من الطيور
__________________
القوية ، وحيث توهّم الخبث في أفعى ، لأنّه الحيّة .
ذكر الألف والنون
الألف والنون
إن كانت في اسم غير صفة فشرطها العلميّة لأنه إذا كان علما امتنع من قبول التاء
نحو : عثمان ، وإنما اعتبرت من العلل لشبهها بألفي التأنيث وإن كانت الألف والنون
في اسم هو صفة ، فالمعتبر فيه أن لا يكون له (فعلانة) لأنّ قبوله التاء يبعده عن
شبه ألفي التأنيث ، وقيل : المعتبر وجود (فعلى) ، فمن شرط وجود (فعلى) صرف (رحمن)
، إذ لا يقال فيه (رحمى) ، ومن شرط انتفاء (فعلانة) منعه من الصّرف لحصول الشّرط
وهو انتفاء (فعلانة) إذ لا يقال (رحمانة) وسكران ممتنع على القولين لوجود (فعلى)
وانتفاء (فعلانة) / وندمان منصرف على القولين لوجود ندمانة وعدم ندمى.
ذكر التركيب
التركيب في
الأعلام أنواع ، والمعتبر منها ، جعل الاسمين واحدا كبعلبك لا على جهة الإضافة
كأبي بكر إذا سمّي به ، ولا على جهة الإسناد كتأبّط شرّا ، ولا بأن يكون الثاني
صوتا أو متضمنا حرفا في الأصل نحو : سيبويه ، وخمسة عشر ، إذا جعل علما ، أمّا
الإضافة فإنها تجعل غير المنصرف في حكم المنصرف ، وأما الإسناد أو كون الثاني صوتا
أو متضمنا حرفا ، فلأنّه موجب للبناء وغير المنصرف نوع من المعرب ، فلا يستقيم أن
يكون التركيب بهما مانعا من الصّرف ، وشرط التركيب المعتبر العلميّة .
__________________
ذكر بقيّة الكلام على ما لا ينصرف
كلّ ما فيه
علميّة مؤثّرة إذا نكّر صرف ، واحترز بقوله : مؤثّرة ، عن صيغة منتهى الجموع نحو :
مساجد ، وعن ألفي التأنيث المقصورة والممدودة نحو : سكرى وصحراء علما ، فإنّ
المذكورات لم تمتنع من الصّرف للعلميّة بل لاستقلال كلّ من صيغة منتهى الجموع
وألفي التأنيث بمنع الصرف ، والعلميّة المؤثّرة تارة تكون شرطا لما جامعته وهو
التأنيث بالتاء ، والمعنويّ والعجمة والتركيب والألف والنون في اسم غير صفة ، وما
في أوله زيادة من حروف نأيت كأحمد ويزيد ، وتارة تكون مؤثّرة وليست شرطا وذلك في
العدل ووزن الفعل ، فإذا نكّر بقي الذي العلميّة شرط فيه بلا سبب ، وبقي الذي ليست
فيه شرطا أعني العدل ووزن الفعل على سبب واحد وأمّا نحو : أحمر فممتنع من الصّرف للصفة ووزن الفعل ، فإذا جعل علما كان المعتبر العلميّة
ووزن الفعل ، فإذا نكّر فالأخفش يصرفه وسيبويه يمنعه الصّرف اعتبارا للصفة الأصلية لزوال العلميّة المانعة من اعتبار الصفة ، وكذلك القول
في سكران وثلاث ونحوهما لو جعل علما وجميع ما لا ينصرف إذا أضيف أو دخلته الّلام
كأحمدكم وعمركم والأحمر ، انجرّ بالكسرة وهل هو منصرف حينئذ أم لا؟ فيه خلاف ، فمذهب سيبويه
أنّه لم ينصرف ، لأنّ الصرف عبارة عن التنوين ، ولا تنوين مع الإضافة ولام التعريف
، وذهب غيره إلى أنه منصرف
__________________
لأنه بدخول اللام والإضافة بعد عن شبه الفعل.
ذكر المرفوعات
المرفوع : هو
ما اشتمل على علم الفاعليّة ، وهي سبعة : الفاعل ثم مفعول ما لم يسمّ فاعله ثم
المبتدأ ثم الخبر ثم خبر إنّ ، ثم خبر لا التي لنفي الجنس ، ثم اسم ما ولا
المشبهّتين بليس.
ذكر الفاعل
الفاعل ما أسند
إليه الفعل أو شبهه وقدّم عليه على جهة قيامه به ، كزيد في قام زيد ، وإنما قال :
ما أسند إليه الفعل ، ولم يقل : اسم أسند الفعل إليه ، ليدخل فيه الفاعل / الذي هو
في تأويل الاسم نحو : أعجبني أن ضربت زيدا ، فأن مع الفعل ، فاعل أعجبني وليس باسم ، بل في تقدير الاسم ، وقوله : وقدّم عليه ،
يخرج نحو : زيد قام ، فإنّ الفاعل هو المضمر المستتر في قام لا زيد ، ولا يكون
الفاعل أبدا إلّا متأخرا عن فعله وقوله : أو شبه الفعل ، فيدخل نحو فاعل الصفة
المشبّهة كزيد حسن وجهه ، وفاعل اسم الفاعل في قولك : زيد قائم أبوه ، وفاعل اسم
الفعل ، نحو : هيهات زيد ، أي بعد ، والظرف نحو : زيد عندك أبوه والجار والمجرور
نحو : زيد عليه ثوب ، فثوب فاعل مرفوع بعليه ، وكذلك ، مررت برجل عليه ثوب وتحته
بساط ، فثوب وبساط فاعل مرفوع بما أسند إليه من شبه الفعل . وقوله : على جهة قيامه به ، يخرج مفعول ما لم يسمّ
فاعله ، نحو : ضرب زيد ، فإنّ الفعل قد أسند إلى زيد وقدّم عليه ولكن لا على طريقة
فعل يفعل بل على طريقة ما لم يسمّ فاعله ، وإنّما يحتاج إلى ذلك من أخرج مفعول ما
لم يسمّ فاعله من باب الفاعل .
__________________
والأصل في
الفاعل أن يلي فعله فإن قدّم على الفاعل غيره فهو في النية مؤخّر ، فلذلك
جازت مسألة ضرب غلامه زيد. وامتنع مسألة ضرب غلامه زيدا ، لأنّ ضمير الغائب لا
يجوز أن يعود إلى غير مذكور لفظا ولا معنى ، فجاز ضرب غلامه زيد لتقدم زيد معنى ،
فيعود الضمير المتصل بالمفعول ، في غلامه إلى زيد المتقدم معنى ، وامتنع ضرب غلامه
زيدا ، لأنّ الضمير لزيد ، وهو متأخر لفظا ومعنى ، أمّا تأخره لفظا فظاهر من
المثال المذكور ، وأمّا تأخره معنى ، فلأنه مفعول ، والمفعول متأخر معنى ولو كان
مقدما لفظا .
ذكر وجوب تقديم الفاعل
يجب تقديم
الفاعل إذا انتفى الإعراب لفظا فيهما والقرائن المعنويّة كضرب موسى عيسى ، بخلاف أكل
الكمّثرى موسى ، للقرينة التي تنفي اللّبس ، وكذلك يجب تقديمه إذا كان مضمرا متصلا
، نحو : ضربت زيدا وضربتك ، وكذلك يجب تقديمه إذا أثبت المفعول بعد النفي نحو : ما
ضرب زيد إلّا عمرا ومعناه حصر مضروبيّة زيد في عمرو أي لا ضارب لزيد سوى عمرو .
ذكر وجوب تقديم المفعول
يجب تقديم
المفعول لفظا ، وإن كان على خلاف القياس إذا أضيف الفاعل إلى ضمير المفعول كقوله
تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى
إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ). لأنّ الفاعل لو قدّم رجع الضمير إلى غير متقدّم لا
لفظا ولا معنى وهو مثل : ضرب غلامه زيدا ،
__________________
ومما يجب فيه تقديم المفعول أن يكون المفعول مضمرا متّصلا والفاعل ظاهر نحو
: ضربك زيد وضربني زيد ، ومما يجب فيه تقديم المفعول أيضا ، إن ثبت الفاعل بعد
النّفي كقولك : ما ضرب عمرا إلّا زيد ، أي لا ضارب / لعمرو غير زيد ، فلو قدّر
ضارب آخر لم يستقم المعنى ومنه قول الشّاعر :
قد علمت سلمى
وجاراتها
|
|
ما قطّر
الفارس إلّا أنا
|
ذكر حذف الفعل جوازا ووجوبا
حذف الفعل جائز
وواجب ، فالجائز ، قولك : زيد في جواب من قال : من قام؟ ونحوه أي قام زيد وكذلك يحذف الفعل جوازا في نحو قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ
وَالْآصالِ رِجالٌ) فيمن قرأ بفتح الباء من يسبح أي يسبّحه رجال ، فأنت مخيّر في ذلك إن شئت حذفت الفعل
لدلالة القرينة عليه ، وإن شئت أظهرته لزيادة البيان. فإن قيل من قام؟ قلت : عمرو
أو قام عمرو حسبما تقدم ، والفعل الواجب حذفه يفسّر بعد حذفه كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ
__________________
اسْتَجارَكَ) لأنّ التقدير وإن استجارك أحد من المشركين ، فلو ذهبت
لتذكر الفعل ، جمعت بين المفسّر والمفسّر وهو غير جائز .
ذكر تنازع الفعلين
المراد بتنازع
الفعلين أن كلّا منهما يصلح أن يكون عاملا في الظّاهر بعدهما وتنازعهما على أربعة أقسام :
الأوّل : أن
يكون الأوّل على جهة الفاعليّة والثاني على جهة المفعوليّة كقولك : ضربني وأكرمت
زيدا.
الثاني : عكسه
، كقولك : ضربت وأكرمني زيدا.
الثالث : أن
يكون تنازعهما على جهة المفعوليّة كقولك : ضربني وأكرمني زيد.
الرابع : أن
يكون تنازعهما على جهة المفعوليّة كقولك : ضربت وأكرمت زيدا .
والبصريون
يختارون إعمال الثاني ، لأنّ المعمول كالتتمّة للعامل ، فكان الثاني أولى لقربه ،
والكوفيون يختارون إعمال الأوّل ، لأنّ السّابق أولى فإن أعملت الثاني ، والأوّل يقتضي الفاعل أضمرت الفاعل في
الأوّل على وفق الظاهر ، كقولك : ضربني وضربت زيدا ، فتضمر في : ضربني ، ضميرا
وفقا لزيد ، ويستتر إذا كان مفردا كما في المثال المذكور ، ويظهر في التثنية
والجمع كقولك : ضرباني وضربت الزيدين ، وضربوني وضربت الزيدين ، والكسائيّ يجيزها
على حذف الفاعل فيقول : ضربني وضربت الزيدين ، فلا يبرز ضمير المثنّى في ضربني
لأنّ الفاعل عنده
__________________
محذوف ، والفرّاء يمنع من حذف الفاعل ومن الإضمار قبل الذّكر ، ويقول إذا
توجّه الفعلان إلى الظّاهر على جهة الفاعليّة مثل : قام وقعد زيد ، فزيد مرفوع
بهما وهو باطل ، لتعذّر أن يفعل الاسم الواحد الفعلين في حالة واحدة وتقول : ضربني وضربت زيدا هو ، فتجعل هو فاعل ضربني
لصّحة رجوعه إلى زيد ، لتقدّمه عليه لفظا ، وإن احتاج الأوّل إلى مفعول فاحذفه ،
لأنّه فضلة يستغنى عنه إلّا أن يكون هو المفعول الثاني من باب ظننت ، فإنّه لا
يحذف كقولك : ظنّني قائما / وظننت زيدا قائما فلو أضمرته وقلت : علّمني إياه وعلمت زيدا منطلقا ، لم
يجز لأنّ المفعول لا يضمر قبل الذّكر أصلا.
وإن أعملت
الأوّل على اختيار الكوفيين أضمرت الفاعل في الثاني ، نحو : ضربت وضرباني الزيدين
، وليس ذلك إضمارا قبل الذكر ، وإن احتاج الثاني إلى مفعول ، فالمختار إضماره نحو
: ضربني وضربته زيد ، وإن عسر إضماره ، أظهرته نحو : ظننت وظنّاني قائما الزيدين
قائمين ، لأنّك لو قلت : ظننت وظنّاني إياه الزيدين قائمين ، لم يستقم لرجوع إياه
وهو مفرد إلى قائمين وهو مثنّى ، وإن جعلت إياه مثنّى وقلت : ظننت وظنّاني إياهما
، لم يستقم أيضا ، لأنّه خبر عن مفرد ، وهو المفعول الأوّل في ظناني .
ذكر مفعول ما لم يسمّ فاعله
هو كلّ مفعول
لفعل حذف فاعله ورفع هو لإقامته مقام الفاعل ، وشرط فعله إن كان ماضيا أن ينقل من
فعل إلى فعل ، وإن كان مستقبلا أن ينقل من يفعل إلى يفعل ، عبّر ب «فعل» يفعل عن
جميع الأفعال التي ذكر معها فاعلها ، وب «فعل» يفعل عن
__________________
جميع الأفعال التي حذف فاعلها ، وصار ذلك كاللّقب لها . ولا يصحّ وقوع المفعول الثاني من باب علمت موقع الفاعل ، لأنّه مسند إلى الأوّل في
المعنى فلو أسند الفعل إليه لصار مسندا ، ومسندا إليه في حالة واحدة ، والثالث من
باب أعلمت كذلك ، والمفعول له كذلك أيضا ، لأنّ نصبه هو المشعر بالعلّيّة ،
وإقامته مقام الفاعل توجب رفعه فيتدافعان ، والمفعول معه كذلك ، لأنّ شرطه أن يكون
مع الفاعل ، وشرط مفعول ما لم يسمّ فاعله حذف الفاعل فيتدافعان ،
وإذا تعدّدت المفاعيل وفيها مفعول به تعيّن أن يقام مقام الفاعل دون غيره ، كزيدا
في قولك : ضربت زيدا ضربا شديدا يوم الجمعة أمام الأمير في داره خلافا للكوفيين فإنهم يجيزون إقامة غيره فيرفعونه
ويبقون المفعول به الصريح منصوبا ويستدلّون بقراءة أبي جعفر المدنيّ شيخ نافع ويخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ومثله في قراءته أيضا (لِيَجْزِيَ قَوْماً
بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) وبقول الشاعر :
__________________
ولو ولدت
قفيرة جرو كلب
|
|
لسبّ بذلك
الجرو الكلابا
|
فأقام الجار
والمجرور مقام الفاعل ونصب المفعول الصّريح ، والبصريون يتأولون ذلك .
واعلم أنّ
المفاعيل إذا تعدّدت وأقمت أحدها مقام الفاعل فلك الخيار في تقديمه وتأخيره عند
عدم اللّبس ، فإذا التبس وجب أن يلي المقام الفعل ، فقوله تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) المقام «يومئذ» ، وإذا تعدّدت المفاعيل التي تقام مقام
الفاعل ولم يكن فيها مفعول به / رفعت ما شئت لقيامه مقام الفاعل وتركت البواقي على
ما تقتضيه والأولى ؛ أن يقام المفعول الأول من باب أعطيت مقام
الفاعل دون الثاني ففي قولك : أعطيت زيدا درهما ، الأولى أن يقام زيد مقام
الفاعل دون الدّرهم ، لأنّ زيدا عاط أي متناول ففيه معنى الفاعليّة .
ذكر المبتدأ
وهو الاسم ـ أو
المؤول به ـ المجرّد عن العوامل اللفظيّة مسندا إليه أو الصّفة الواقعة بعد حرف
الاستفهام ، أو حرف النّفي ، رافعة لظاهر نحو : زيد قائم ،
__________________
و «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) أي سماعك وصومكم.
قوله : مجرّد
عن العوامل اللفظيّة ، احترز به عن أسماء إنّ وكان وما ولا المشبّهتين بليس ، وعن
المفعول الأوّل من باب علمت ، والثاني من باب أعلمت ، وعلم من احترازه عن العوامل
اللفظيّة خاصة أنّه لا يحترز عن العوامل المعنويّة ، فإنّ المبتدأ لم يتجرّد عنها
، وقوله : مسندا إليه ، احترز به عن الخبر ، لأنّه مجرّد ، ولكن غير مسند إليه ،
وعن مثل الأصوات نحو : غاق ، وألفاظ العدد ، وحروف التهجّي فإنّها مجرّدة ولكن
ليست مسندا إليها ، لأنّها غير معربة لفقد التركيب ، وقوله : أو الصفة الواقعة بعد
حرف الاستفهام أو حرف النفي رافعة لظاهر ، إنّما أفردها بالذكر لأنّها لم تدخل في
رسم المبتدأ لكونها غير مسند إليها ، ولم تدخل في رسم الخبر ، لأنّ فاعلها سدّ
مسدّ الخبر ، وذلك نحو قولك : أقائم الزيدان وقوله : رافعة لظاهر ، معناه أنّ هذه الصفة لا تقع
مبتدأ إلّا بشرط أن تتجرّد عن الضمير المستكنّ فيها ، لترفع الظاهر الذي بعدها ،
لأنّها كالفعل إذا رفع الظاهر واحترز بقوله : رافعة لظاهر عن الرافعة للمضمر نحو :
أقائمان الزيدان ، وأقائمون الزيدون ، فإنّ قائمان وقائمون متعيّن للخبر لأنّ كلّا منهما رافع لضمير متّصل مستقرّ فيه لا
للظّاهر الذي بعده لأنّ أقائمان وأقائمون لو كان مبتدأ ، لم يثنّ ولم يجمع ، لأنّ
الفعل وشبهه إذا أسند إلى الظّاهر لم يثنّ ولم يجمع على مذهب الأكثر ، لكن يجوز
ذلك على لغة أكلوني البراغيث وهي لغة ضعيفة ، فيجوز عليها أن يقع قائمان وقائمون مبتدأ مجرّدا عن
المضمر ، رافعا للظّاهر الذي بعده ويكون الزيدان والزيدون فاعلا سدّ مسدّ الخبر .
__________________
واعلم أنّه قد
قيل : ينبغي أن يزاد في رسم الصفة المذكورة لفظة مستغنى به فيقال : رافعة لظاهر
مستغنى به ، لئلا يرد النّقض بمثل : أقائم أبوه زيد ، فإنّها رفعت ظاهرا وهو أبوه
ومع ذلك ليست مبتدأ ، فإنّ المبتدأ في المثال المذكور هو زيد ، لا أبوه المرفوع
بالصّفة المذكورة ، وإذا طابقت الصفة المذكورة مفردا نحو : أقائم زيد وما
قائم زيد / جاز أن تكون الصّفة حينئذ مبتدأ وما بعدها فاعلها ، وجاز أن تكون خبرا مقدّما وما
بعدها المبتدأ ، وإذا كانت خبرا كان فيها ضمير مستكنّ ، وإنّما خصّص مطابقتها
للمفرد بذلك ، لأنّها إذا طابقت مثنّى أو مجموعا نحو : أقائمان الزيدان وما قائمون
الزيدون ، لم يجز الأمران عند الأكثر ، بل تتعين الصفة حينئذ للخبر وتكون رافعة
للمضمر المستتر فيها ، ويتعيّن الظاهر الذي بعدها للمبتدأ ، وأما على لغة أكلوني
البراغيث فلا يتعيّن ذلك ، وجاز أن تكون مبتدأ وتكون حينئذ مجرّدة عن الضّمير
المستتر رافعة لما بعدها حسبما تقدّمت الإشارة إليه ، وقد أشكل منع الشّيخ أبي
عمرو بن الحاجب تثنية الصّفة وجمعها في هذا الباب ، وتجويزه ذلك على
ضعف في النّعت حيث قال الشيخ : «وحسن قام رجل قاعد غلمانه وضعف قاعدون غلمانه»
فيتأمّل.
ذكر الخبر
وهو المجرّد
المسند به المغاير للصّفة المذكورة ، قوله : المجرّد ، احترز به عن
__________________
خبر إنّ وكان ونحوهما ، فإنّه مسند به وليس مجرّدا عن العوامل اللفظيّة ،
وإنما قال : المجرّد ، ولم يقل : الاسم المجرّد ، لأنّ خبر المبتدأ قد يكون غير
اسم ، وقوله : المسند به ، احترز به عن المبتدإ الذي هو المسند إليه ، وقوله :
المغاير للصّفة المذكورة ، احترز به عن الصّفة الواقعة بعد حرف الاستفهام وحرف
النفي المقدّمة الذكر مع المبتدإ نحو : أقائم أخواك ، والمراد بالمغايرة للصّفة
المذكورة إمّا أن لا يكون صفة ك «زيد غلامك» ، أو يكون صفة ولا
يكون بعد حرف النفي أو ألف الاستفهام ك «زيد قائم» ، أو يكون صفة واقعة بعد أحدهما
، ولا تكون رافعة لظاهر ، كأقائمان الزيدان.
ذكر أنّ أصل المبتدإ التقديم
الأصل أن يقدّم
المبتدأ على الخبر لأنّ المبتدأ محكوم عليه وحقّ المحكوم عليه أن يكون متقدّما على
المحكوم به ، ومن ثمّ جاز : في داره زيد ، لأنّ زيدا وإن كان متأخرا عن في داره
لفظا فهو متقدّم تقديرا ، وامتنع أن يقال : صاحبها في الدّار ، لأنّه إضمار قبل
الذكر لفظا ومعنى ، لأنّ الضمير في صاحبها يعود إلى الدّار وهو متقدّم على الدّار
لفظا ومعنى ، أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلأنّ صاحبها مبتدأ وحقّه أن يكون
متقدّما على الخبر .
ذكر وجوب تقديم المبتدأ
يجب تقديم
المبتدإ إذا تضمّن معنى الإنشاء نحو : من أبوك؟ وما صناعتك؟ وكذلك إذا كان الخبر
فعلا للمبتدأ نحو : زيد قام ، واعلم أنه لو قال : فعلا له مفردا لكان أولى ، لئلّا يرد عليه : الزيدان
قاما ، والزيدون قاموا ، فإنّ الفعل هنا
__________________
للمبتدإ ، ولا يجب تقديم المبتدأ عليه بل يجوز : قاما الزيدان وقاموا الزيدون
على أنّ قاما وقاموا خبران مقدّمان ، ويجب التّقديم أيضا إذا استوى المبتدأ والخبر
في المعنى نحو : زيد الأفضل .
ذكر وجوب / تقديم الخبر
يجب تقديم
الخبر إذا تضمّن معنى الإنشاء نحو : أين زيد؟ ومتى السّفر؟ وأما إذا كان الخبر
جملة نحو : زيد متى خروجه؟ فإنّه لا يجب تقديم الخبر حينئذ لكونه جملة وقد وقع
الاستفهام في صدرها على بابه ، وكذلك يجب تقديم الخبر إذا كان مصحّحا للمبتدإ نحو
: في الدّار رجل فإنّه لو قدّم المبتدأ حصل الابتداء بالنكرة من غير تخصيص ، وكذا
يجب تقديمه إذا كان المبتدأ أنّ المفتوحة مع ما في حيّزها نحو : عندي أنّك قائم ،
وفي ظنّي أنّك مسافر ، فلو قدّمت بقيت عرضة لدخول إنّ عليها ، وكذا يجب تقديمه إذا كان في المبتدأ ضمير راجع إلى شيء من الخبر نحو : على التّمرة
مثلها زبدا ، فلو قدّم المبتدأ الذي هو مثلها رجع الضمير إلى غير مذكور لا لفظا ولا
معنى .
ذكر الابتداء بالنّكرة
للمبتدإ والخبر
من جهة التعريف والتنكير أربعة أقسام : أحدها : أن يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة وهو الأصل نحو : زيد قائم ، والثاني : أن
يكونا معرفتين نحو :
__________________
زيد أخوك ، والثالث : أن يكونا نكرتين نحو : رجل حسن قائم ، والرابع : أن
يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة وهو عكس الأصل. كقول الشّاعر :
أهابك إجلالا
ومالك قدرة
|
|
عليّ ولكن
ملء عين حبيبها
|
فملء عين مبتدأ
وهو نكرة وحبيبها خبر وهو معرفة ، وقد جاء مثل ذلك مع العوامل ، كقول الشّاعر :
وربّ سبيئة
من بيت رأس
|
|
يكون مزاجها
عسل وماء
|
فعسل نكرة وهو
اسم كان ومزاجها معرفة وهو الخبر ، والظّاهر أنّ هذا القسم إنّما يجوز في ضرورة
الشعر .
ولا يجوز
الابتداء بالنكرة إلّا إذا تخصّصت بوجه ما ، لأنّها بالتخصيص تقارب المعرفة ، وتخصيصها بأحد أمور
عشرة :
١ ـ الوصف نحو
: رجل عالم في الدار.
٢ ـ الاستفهام
نحو : أرجل في الدار أم امرأة.
٣ ـ النفي نحو
: ما أحد خير منك.
٤ ـ أن تقع
النكرة بمعنى الفاعل المثبت بعد نفي نحو «شرّ أهرّ ذا ناب» ، أي : ما أهرّ ذا ناب
إلّا شر .
__________________
٥ ـ تقديم ظرف
هو الخبر نحو قولك : في الدار رجل.
٦ ـ الدعاء نحو
: سلام عليك ، وويل له ، وعزّ لمولانا.
٧ ـ الاستغراق
نحو : من يقم أقم معه.
٨ ـ الجواب نحو
: أن يقال لك : من عندك؟ تقول : رجل ، أي عندي رجل وهو راجع إلى تقديم الخبر وهو
ظرف.
٩ ـ التعجب نحو
: ما أحسن زيدا ، فعند سيبويه ما مبتدأ نكرة وهي بمعنى شيء خلافا للأخفش فإنّه
يقول إنّ ما في ما أحسن زيدا ، موصولة فتكون معرفة .
١٠ ـ الإضافة
نحو قوله صلىاللهعليهوسلم : «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد» وغلام رجل في الدار لتخصيصه بالإضافة ، والظاهر أنّ
التخصيص لا ينحصر في الأمور العشرة المذكورة فإنّ / التصغير مخصص نحو : رجيل عندك
، وليس هو من الأمور العشرة .
ذكر الجملة الخبرية
الكلام إن
احتمل الصّدق والكذب فهو الخبر كقولنا : زيد كاتب ، زيد ليس بكاتب ، وإن لم يحتمل
الصّدق والكذب فهو الإنشاء وهو الأمر ، والنّهي ، والسؤال والالتماس والتمني
والترجّي والقسم والنداء والتعجّب والاستفهام ، لأنّ الإنشاء إن دلّ على طلب الفعل
دلالة وضعية فهو مع الاستعلاء أمر نحو : اضرب ، ومع الخضوع سؤال : كاللهمّ اغفر لي
، ومع التساوي التماس نحو : تمهّل يا رفيقي ، وإنّ لم يدلّ على طلب الفعل دلالة
وضعية ، فإن دلّ على طلب ترك الفعل فهو النهي وإلّا فهو
__________________
التمني والترجّي والقسم والنّداء والتعجّب والاستفهام إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الجملة الخبريّة هي التي تقع
خبرا غالبا ، وأمّا الجمل الإنشائيّة فلا تقع خبرا للمبتدأ إلّا بتأويل نحو : زيد
أكرمه وزيد لا تضربه ، والتقدير زيد مقول فيه أكرمه ولا تضربه ، ولنرجع إلى الجملة الخبريّة فنقول : تكون إسميّة نحو
: زيد أبوه قائم ، وتكون فعليّة نحو : زيد قام ، ويلزم أن يكون في الجملة ضمير
يعود إلى المبتدأ ، إلّا أن تكون الجملة هي نفس المبتدأ في المعنى كما في ضمير
الشأن نحو : (هُوَ اللهُ أَحَدٌ) أو يقوم مقام العائد شيء كقوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) وقد يحذف العائد إذا كان معلوما نحو : السّمن منوان
بدرهم أي منوان منه بدرهم وكذلك البرّ الكرّبستين ، فالسّمن مبتدأ ومنوان مبتدأ ثان وبدرهم خبر عن منوين
والجملة خبر السمن ، و «منه» المحذوفة في موضع رفع صفة لمنوين ليصحّ الابتداء
بالنكرة ، وأما «منه» في قولهم : البرّ الكرّبستين ، ففي موضع نصب على الحال من
الكرّ المعرفة وما وقع من الظروف خبرا نحو : زيد في الدار ، زيد عندك
، والخروج يوم الجمعة ، فالأكثر ، أنّه مقدّر بجملة لأنّ الظرف معمول لغيره والأصل في العمل للفعل ،
والتقدير : زيد استقرّ أو حصل عندك فحذف الفعل للعلم به لاستحالة كون زيد عنده من
غير حصول واستقرار ، ونقل الضمير المستكنّ في ذلك الفعل إلى الظّرف ، فصار
__________________
الضمير مرفوعا بالظرف كما كان مرفوعا بالفعل ، وصار الظرف مع الضمير جملة
فلذلك قدّر بجملة وقال قوم : التقدير زيد مستقر في الدّار ، فيكون الخبر مفردا .
ذكر أمور مشتركة بين المبتدأ والخبر
قد يتضمّن
المبتدأ معنى الشّرط فيصحّ دخول الفاء في الخبر ، والذي يتضمّن ذلك من المبتدآت
الاسم الموصول بفعل أو ظرف ، والنكرة الموصوفة بأحدهما وإنّما يشتمل المبتدأ على
معنى الشّرط بأمرين : وهما العموم والإبهام ، لأنّ الموصول إذا لم يكن للعموم وكان
لشيء معهود امتنع دخول الفاء في خبره / فلو قلت : الذي بعته من عبيدي فله درهم
، لم يجز ، وكذا إذا لم تشتمل النكرة الموصوفة على العموم لم يجز دخول الفاء في
خبرها فلو قلت : رجل ظريف فله درهم ، لم يجز لفوات العموم ، فإذا قلت : كلّ رجل
يأتيني فله درهم صحّ لوجود العموم والإبهام ، أما العموم فظاهر لأنّ كلّ رجل عام
يصلح لكلّ واحد واحد من الناس ، وأمّا الإبهام فهو جواز أن يقع وأن لا يقع ،
وفائدة دخول هذه الفاء في الخبر أنّها تؤذن بأنّ ما بعدها مستحق بالفعل المتقدّم ، أو بالظّرف
المتعلّق بالفعل المقدّر ، وإذا لم تدخل الفاء لم يتعيّن ذلك ، مثاله قولك : الذي
يأتيني فله درهم ، فالدّرهم مستحقّ بالإتيان ، وهو سبب استحقاقه ، فإذا سقطت الفاء
لم يتعيّن أن يكون الدّرهم مستحقا بالإتيان ، بل يحتمل أن يكون الدّرهم ملكه على
الإطلاق كما في قولك : زيد له درهم ، فالذي مبتدأ ،
__________________
ويأتيني صلته ودرهم مبتدأ ثان وله خبره ، وهو متقدّم عليه ليصح الابتداء
بالنكرة ، والجملة خبر الذي ، والعائد من الجملة إلى المبتدأ هو الهاء في له ومثال الظرف : الذي في الدّار فله درهم ، ومثال النكرة
العامّة : كلّ رجل يأتيني فله درهم ومثال النّعت بالظرف : كلّ رجل عندي فله درهم وإذا دخلت ليت أو لعلّ على المبتدأ لم يصحّ دخول الفاء
في خبره باتفاق لأنّ ما تضمّن معنى الشّرط إخباري ، وخبر ليت ولعلّ
إنشائي وإن دخلت إنّ المكسورة فالصحيح ، جواز دخول الفاء في
الخبر إذا قصد معنى السببيّة كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ
يَحْزَنُونَ) وكقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ
الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) وجوّز الأخفش زيادة الفاء في الخبر وأنشد :
لا تجزعي إن
منفسا أهلكته
|
|
فإذا هلكت
فعند ذلك فاجزعي
|
أي فاجزعي عند
ذلك ، فالفاء الداخلة على عند زائدة ، وسيبويه يتأوّل ذلك .
__________________
ذكر جواز حذف المبتدإ والخبر
يجوز حذف كلّ
من المبتدأ والخبر عند قيام القرينة الدّالة على خصوصهما ، فمن أمثلة حذف المبتدأ
قول المستهلّ : الهلال والله ، والمعنى : هذا الهلال ، ومثال حذف الخبر ، خرجت
فإذا السبع ، والمعنى فإذا السبع موجود ، لأنّ هذه ، «إذا» للمفاجأة يحذف الخبر بعدها إذ لا يفاجأ الشيء إلّا بعد وجوده .
ذكر وجوب حذف الخبر
ويحذف الخبر
وجوبا في كلّ موضع ينضمّ إلى القرينة الدّالّة عليه لفظ يلتزم في موضعه نحو : لو
لا زيد لكان كذا ، فلو لا ، تدلّ على امتناع ما بعدها لوجود ما / قبلها فهي تدلّ
على الوجود المستلزم للخبر ، الذي هو موجود ، وقد التزم في موضع الخبر ، جواب لو
لا الذي هو لكان كذا ، فقد حصل الأمران ، القرينة الدّالة ، واللفظ الملتزم ، فلو
أثبتّ الخبر وقلتّ : لو لا زيد موجود لكان كذا ، لم يجز وكذلك : لعمرك لأفعلنّ ، فلعمرك تدلّ على أنه مقسم به ،
والمشعر بقسمي هو الخبر ، وجواب القسم الذي هو لأفعلنّ ، لفظ التزم موضع الخبر ،
فحصل الأمران فوجب الحذف فلو أثبتّ الخبر وقلت : لعمرك قسمي لأفعلنّ لم يجز وكذلك يحذف الخبر وجوبا في قولهم : ضربي زيدا قائما ،
فضربي في تقدير الرفع بالابتداء وقد أضيف إلى الفاعل ، وزيدا مفعول ضربي ، وقائما
، لفظ التزم موضع الخبر وتقديره ضربي زيدا حاصل إذا وجد قائما ، فحذف الخبر الذي
هو حاصل قياسا كما تحذف متعلّقات الظروف ثم حذف
__________________
الذي هو «إذا وجد» لدلالة معموله الذي هو «قائما» عليه فقائما دالّ على
الظرف ، والظرف دال على متعلّقه الذي هو «حاصل» والدّالّ على الدّال على الشيء ،
دال على ذلك الشيء فقائما دالّ على حاصل ، وهو أيضا اللّفظ الذي التزم موضعه وإذا كان الخبر بمعنى «مقترن» وحصل ما يدلّ عليه حذف
وجوبا ، نحو : كلّ رجل وضيعته ومعنى ضيعته : حرفته وقد علم أنّ كلّ رجل مقترن مع حرفته ، فحذف الخبر الذي
هو مقترن للعلم به ، ولأنّ الواو بمعنى مع فتدلّ على خصوصية الخبر ، وهي المقارنة
وضيعته لفظ التزم مع الخبر فحصلت القرينة واللفظ الملتزم ، فوجب الحذف .
ذكر وجوب حذف المبتدأ
وهو يحذف وجوبا
فيما قطع خبره عن الوصفيّة نحو : الحمد لله الحميد برفع الحميد ، فالمبتدأ المحذوف
«هو» لأنّ التقدير هو الحميد ، وكذلك يحذف إذا كان خبره مصدرا واقعا موضع الفعل
نحو قوله تعالى : (طاعَةٌ) أي أمرنا يطاع وكذلك يحذف إذا كان خبره هو المخصوص
بالمدح أو الذمّ نحو : نعم الرّجل زيد ، وبئس الرجل عمرو ، أي لما فيها من القرائن
الدّالة عليه والتزام ما في موضعه.
ذكر تعدّد الخبر
وقد يكون
للمبتدأ خبران فصاعدا نحو : هذا حلو حامض ، أي جامع للطعمين وتلخيصه : هذا حلو
بعضه ، وحامض بعضه ، وإلّا لزم التناقض في هذه المسألة
__________________
وقد يكون له ثلاثة أخبار ، وأربعة أخبار ، كقول الشاعر :
من يك ذا بتّ
فهذا بتّى
|
|
مقيّظ مصيّف مشتّى
|
فهذا مبتدأ ،
وبتّى خبر أول ، ومقيّظ خبر ثان ، ومصيّف خبر ثالث ، ومشتّى رابع ، وجاز ذلك لأنّ
الخبر حكم ، وجاز أن يحكم على شيء واحد بأحكام كثيرة ولكن إن كان الخبران متضادّين
/ فليس كلّ منهما خبرا مستقلا بل هما نائبان عن واحد جامع للمعنيين كما قلنا في :
هذا حلو حامض .
ذكر خبر إنّ
المراد بخبر
إنّ ، خبر اسم إنّ وهو المسند بعد دخول إنّ وأخواتها ، وشأن خبر إنّ كشأن خبر
المبتدأ في أصنافه وأحواله وشرائطه ، أما أصنافه ، فمثل كونه مفردا وجملة ، وأما
أحواله ، فمثل كونه نكرة ومعرفة ومشتقا وجامدا ومقدّما ومؤخّرا ومحذوفا ، وأمّا
شرائطه ، فمثل كونه يلزمه الضمير إذا كان جملة أو مشتقا ، ولا يحذف إلّا لقرينة ،
ولا يجوز أن يكون خبر اسم إنّ أمرا ولا نهيا ولا اسما مفردا في معنى الاستفهام
كأين وكيف لوجوب التقديم ، وخبر إنّ لا يجوز أن يتقدّم على اسمها إلّا إذا كان ظرفا
نحو : إنّ في الدّار زيدا للاتساع في الظروف ، لأنّه ما من اسم وفعل إلّا وهو في
زمان أو مكان .
ذكر خبر لا التي لنفي الجنس
وهو المسند بعد
دخول لا التي لنفي الجنس ، واحترز بقوله بعد «لا» التي لنفي
__________________
الجنس عن المسند بعد دخول «لا» المشبّهة بليس نحو : لا غلام خيرا منك برفع
غلام ونصب خيرا منك ، فإنّ خيرا منك ، مسند بعد دخول «لا» باعتبار لفظ «لا» وهما
أمران متميّزان ، وأما مثال خبر لا التي لنفي الجنس فنحو : قولك : لا غلام رجل
ظريف بنصب غلام ورفع ظريف ، والنحويون يمثّلون في هذا الموضع بقولهم : لا رجل ظريف
، وليس يحسن في التمثيل لاحتمال أن يكون ظريف صفة لرجل ، وقد رفعت حملا
على محلّه بخلاف : لا غلام رجل ظريف فإنّه لا يحتمل غير الخبريّة لأنّ المضاف
المنفي ، لا يوصف إلا بمنصوب فوجب أن لا يكون ظريف المرفوع صفة له ، ويتعيّن أن
يكون خبرا ليس إلّا وأهل الحجاز يحذفون خبر لا التي لنفي الجنس كثيرا نحو :
لا إله إلّا الله والتقدير : لا إله في الوجود إلّا الله وكذلك القول في :
لا سيف إلّا
ذو الفقار
|
|
ولا فتى إلّا
علي
|
وبنو تميم لا
يثبتونه لفظا في كلامهم ، فإذا قلت : لا رجل أفضل منك ورفعت أفضل تعيّن للخبر على
لغة أهل الحجاز ، وأمّا بنو تميم فلا يرفعونه أصلا ، لئلّا يتعين للخبريّة بل
ينصبونه على الصّفة ويكون الخبر محذوفا تقديره في الوجود .
__________________
ذكر اسم ما ولا المشبّهتين بليس
وهو المسند
إليه بعد دخولهما ، وهما يرفعان الاسم وينصبان الخبر كقوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) وقوله تعالى : (ما هُنَّ
أُمَّهاتِهِمْ) و «ما» أكثر مشابهة لليس من «لا» لكونها لنفي الحال كليس ، ولا للنفي
المطلق ، ولذلك تعمل «ما» في المعرفة والنكرة ، و «لا» ، لا تعمل إلّا في النكرة ولذلك كان عمل «لا» قليلا ، وقد جاء في الشعر .
من صدّ عن
نيرانها
|
|
فأنا ابن قيس
لا براح
|
أي ليس لي
براح.
ذكر المنصوبات
المنصوب ما
اشتمل على علم المفعوليّة وهي : المفعول المطلق ثم المفعول به ، وهو أربعة أقسام /
: ١ ـ السّماعيّ ، ٢ ـ المنادى ٣ ـ ما أضمر عامله على شريطة التفسير ٤ ـ التحذير ،
ثم بعد المفعول به ، المفعول فيه ، ثم المفعول له ، ثمّ الحال ، ثم التمييز ، ثم
المستثنى ثم خبر كان ، ثم اسم إنّ ، ثم منصوب لا التي لنفي الجنس ، ثمّ خبر ما ولا
المشبّهتين بليس.
__________________
ذكر المفعول المطلق
وإنّما سمّي
بذلك لأنّه غير مقيّد بحرف كالمفعول به وله ومعه وفيه ، ورسمه بأنّه اسم ما فعله
فاعل فعل مذكور بمعناه نحو : ضربت ضربا ، وقعد جلوسا ومات موتا ، واحترز بقوله :
اسم عمّا فعله فاعل فعل مذكور بمعناه وليس باسم نحو : ضرب الثاني في قولنا : ضرب
ضرب ، وبقوله : مذكور عن كرهت القيام ، فإنّ القيام ليس مفعولا مطلقا إذ ليس فعل
فاعل القيام مذكورا ، وبقوله : بمعناه ، عن مثل كرهت قيامي ، فقيامي وإن صدق عليه
أنّه بمعناه لأنّ معنى القيام غير معنى الكراهة والمفعول المطلق إن لم يكن مدلوله زائدا على مدلول
الفعل فهو للتأكيد كضرب ضربا ، وإن كان زائدا بأن دلّ على هيئة صدور الفعل فهو للنوع كجلست جلسة بكسر الجيم ، ومنه ما
يدلّ على النّوع باسم خاصّ نحو : رجع القهقرى ، والقهقرى الرجوع إلى خلف : فإذا
قلت : رجعت القهقرى فكأنّك قلت : رجعت الرجوع الذي يعرف بهذا الاسم ، ومن المفعول
المطلق ما يدلّ على النوع بالصفة نحو : ضربت ضربا شديدا وضربت أيّ ضرب ، أو الضّرب
الذي تعرفه ، أو ضربت ضرب الأمير ، وإن دلّ على مرة أو مرات صدور الفعل فهو للعدد
، كجلست جلسة بفتح الجيم وجلسات .
واعلم أنّ
المفعول المطلق الذي هو للتأكيد لا يثنّى ولا يجمع لأنّه للحقيقة المشتركة ولا كثرة فيها ، وأمّا
الذي للنوع فيثنّى ويجمع ، لأنّه يمكن اجتماع نوعين وأنواع نحو : جلست جلستين أي
على هيئتين من الجلوس وكذلك ضربت الضربتين اللذين تعرفهما ، وكذلك الذي للعدد
يثنّى ويجمع أيضا ، لأنّه إذا اجتمع مرّتان أمكن تثنيته وإذا اجتمع مرات أمكن جمعه
قولك : جلست جلستين بفتح الجيم ، أي جلست
__________________
دفعتين أو مرّتين.
ذكر جواز حذف الفعل
وقد يحذف الفعل
عند قيام قرينة دالّة عليه كقولك للقادم من سفره : خير مقدم ، أي قدمت خير مقدم .
ذكر وجوب حذف الفعل
ويجب حذف الفعل
الناصب للمفعول المطلق ، وذلك على ضربين : الأول : سماعي ، وهو مصادر كثر
استعمالها فحذفت أفعالها تخفيفا / نحو : حمدا وشكرا وسقيا ورعيا ، فإنه لو كان ذكر الفعل مع المصدر جائزا لوقع ، ولو وقع لنقل
ولمّا لم ينقل دلّ على أنّه لم يقع ، ولمّا لم يقع دلّ على أنّه غير جائز والثاني : قياسي في أبواب :
منها : أن يكون
المصدر مثبتا بعد نفي ، أو معنى نفي ، داخل على اسم بشرط ألّا يصحّ أن يكون خبرا
عن الاسم المتقدّم نحو : ما زيد إلّا سيرا ، فإذا وجد ذلك ، وجب حذف الفعل لحصول
القرينة على خصوص الفعل ، ووقوع لفظ إلّا أو ما يقوم مقامها في موضع الفعل المحذوف
، ومعلوم أنّ سيرا مصدر مثبت بعد نفي ، ولا يصحّ أن يكون خبرا عن الاسم المتقدم
الذي هو زيد ، ومثال الواقع بعد معنى النفي : إنّما أنت سيرا لأنّ معناه ما أنت
إلّا سيرا ، واحترز بقوله : مثبت عن مثل : ما زيد سيرا ، وبقوله : بعد نفي ، عن
زيد سيرا ، وبقوله : لا يصحّ أن يكون خبرا ، عن نحو : ما سيري إلّا سير .
__________________
ومنها : أن يقع
المفعول المطلق مكرّرا في موضع خبر عن اسم ولم يصلح أن يكون خبرا عنه ، نحو : زيد
سيرا سيرا والتقدير يسير سيرا ، ومعلوم أنّ سيرا لا يصلح أن يكون خبرا عن زيد
فالقرينة حاصلة والمصدر الأوّل لفظ التزم موضع الفعل المحذوف .
ومنها : أن
تتقدّم جملة لها آثار وتذكر الآثار بلفظ المصدر كقوله تعالى : (فَشُدُّوا الْوَثاقَ
فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) فشدّوا الوثاق ، جملة متقدّمة لها في الوجود آثار ، وهي
المنّ والفداء والاسترقاق والقتل ، فإذا ذكر هذه الآثار وجب حذف الفعل لأنّ الجملة تدلّ على آثارها
، وقد وقع لفظها في موضع الفعل فوجب حذفه .
ومنها : أن يقع
المفعول المطلق للتشبيه بعد جملة مشتملة على اسم بمعنى المفعول المطلق ، وعلى صاحب
ذلك الاسم كقولك : لزيد صوت صوت حمار واحترز بقوله : للتشبيه عن مثل : لزيد صوت صوت حسن ،
فإنّ الثاني مرفوع على البدل واحترز بقوله : بعد جملة ، عن مثل : الصوت صوت حمار ،
وبقوله : مشتملة على اسم بمعنى المفعول المطلق ، عن نحو : مررت بزيد فإذا له ضرب
صوت حمار ، فإنّ الضّرب ليس بمعنى الصوت. وبصاحب الاسم عن مثل : في الدار صوت صوت
حمار ، ووجب حذف الفعل لأنّ في الكلام قرينة تدلّ عليه ، والجملة لفظ التزم موضعه وتقديره : مررت فإذا هو يصوّت صوت حمار.
ومنها : أن يقع المفعول المطلق مضمون جملة لا احتمال لتلك
الجملة غير
__________________
ذلك المفعول المطلق ، أو يقع المفعول المطلق مضمون جملة لها احتمال غير ذلك
المفعول المطلق.
فمثال الأول :
له عليّ ألف درهم اعترافا ، فله عليّ ألف درهم جملة لا احتمال لها غير الاعتراف
ويسمّى هذا القسم توكيدا لنفسه ، لأنّه يؤكّد مضمون الجملة الذي / هو عين الاعتراف
ومثال الثاني : زيد قائم حقّا ، فحقّا وقع مضمون زيد قائم ، وهو يحتمل أن
يكون حقا وغير حقّ ، فحقّا أكّد أحد احتماليه ، ويسمّى هذا القسم توكيدا لغيره ،
وحقّا منصوب بفعل مضمر ، والتقدير أحقّ ذلك حقّا ، قال الزجاج : ولا يجوز تقديم حقّا ، كقولك : حقّا زيد قائم ، قال فإن
وسّطته فقلت : زيد حقّا قائم ، جاز وذلك لأنّك لما ذكرت الكلام الذي يجوز أن تكون
فيه شاكّا ، وأن تكون متيقنا ، جاز لك حينئذ أن تضمر اللّفظ الدّال على أحد
الأمرين وهو أحقّ حقّا ولم يذكر سيبويه امتناع تقديمه ومن التأكيد لغيره قولهم : قد فعل ذلك البتّة ، قال
سيبويه ولا يستعمل إلّا بالألف واللام ، وهو من بتّ كذا يبتّه
إذا قطعه.
ومنها : أن يقع
المفعول المطلق مثنّى للتكثير ، ومن أحكامه أنّه لا يستعمل إلّا مضافا غالبا نحو :
لبّيك وسعديك ودواليك وهذاذيك إذا كانت التثنية لغرض تأكيد الكثرة لا لقصد التثنية
المحقّقة ، أمّا لو قصدت التثنية من غير نظر إلى الكثرة نحو قوله
تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ
الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) لم يجب حذف الفعل ، ومما جاء مثنّى قولهم : حذ اريك أي
احذر حذرا بعد حذر ، وحواليك ، ومعناه الإحاطة من جميع الجهات وقد
__________________
استعملوا واحده فقالوا : حوالك ، ومنه : حنانيك أي تحنّنا بعد تحنّن ، قال
طرفة :
أبا منذر
أفنيت فاستبق بعضنا
|
|
حنانيك بعض
الشّرّ أهون من بعض
|
ولبّيك وسعديك
لا يفرد فيهما الواحد لأنّهما وضعا بلفظ التثنية للتكثير ، ولم يستعمل منهما مفرد
، ولبّيك مأخوذ من ألبّ على كذا ، إذا داوم عليه فكأنّه قال : دواما على طاعتك مرّة بعد مرّة ، وسعديك
معناه مساعدة لك بعد مساعدة ، فقام لبّيك وسعديك مقام دواما ومساعدة ، وإذا قال
الملبّي : لبّيك اللهمّ وسعديك فمعناه دواما على طاعتك ومتابعة لأمرك فهذا منصوب
بفعل من معناه ، لا من لفظه بخلاف سقيا ورعيا وبخلاف حنانيك أيضا ، فإنّ الفعل
يمكن تقديره من لفظه نحو : تحنّن أي ارحم وهذا مما يقوّي إفراده ودواليك من المداولة قال الشّاعر :
إذا شقّ برد
شقّ بالبرد مثله
|
|
دواليك حتّى
كلّنا غير لابس
|
وهو في موضع
الحال ، أي متداولين ، وهذا ذيك : معناه السّرعة ويقال ذلك في الضّرب قال الشّاعر :
__________________
ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا
أي هذّا بعد
هذّ من كلّ وجه أي إسراعا بعد إسراع ، وهذّ في القراءة وغيرها أي أسرع.
ذكر المفعول به
وحدّه بأنّه
الذي يقع عليه فعل الفاعل ، والمراد بالوقوع التعلّق / ليدخل نحو : ما ضربت زيدا ،
والمراد بالتعلّق هو تعلّق الفعل بشيء لا يعقل الفعل إلّا بعد أن يعقل ذلك الشيء واحترز بقوله : يقع عليه ، من باقي المفاعيل فإنّ الفعل
يقع في الظرف أي يحدث فيه ، ويقع لأجل المفعول له ، ومع المفعول معه ، وأما
المفعول المطلق فهو نفس المعنى الواقع من الفاعل ، وقد يتقدّم المفعول به على
الفعل العامل فيه ، لأنّ الفعل قوي في العمل ، نحو : زيدا ضربت ، وقد
يحذف المفعول به وهو مراد نحو : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ
مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) أي رحمه ، وقد يجعل نسيا نحو : فلان يعطي ويمنع ويصل
ويقطع ، وقد يحذف الفعل الناصب للمفعول به جوازا لقرينة تدلّ عليه كقولك : زيدا ،
لمن قال : من أضرب؟ أي : اضرب زيدا .
ذكر ما يجب حذفه من الأفعال
ويجب حذف الفعل
النّاصب للمفعول به في أربعة أبواب الأول : سماعيّ ، والثلاثة الباقية قياسية وهي
: المنادى ، وما أضمر عامله على شريطة التفسير ، والتحذير.
__________________
ذكر السّماعي
وهو نحو قولهم
: امرأ ونفسه ، أي اترك امرأ ونفسه وأهلا وسهلا ، أي أتيت مكانا مأهولا ومكانا سهلا ، وكقوله تعالى : (انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ) أي انتهوا عن التثليث واقصدوا خيرا لكم فالفعل المحذوف
المقدّر اقصدوا .
ذكر المنادى
المنادى هو
القسم الثاني من أقسام المفعول به الذي حذف فعله الناصب له بضابط قياسي ، وحدّ
المنادى : أنه المطلوب إقباله بأحد الحروف النائبة مناب أدعو لفظا نحو : يا زيد ،
معناه أدعو زيدا ، فهو مفعول به بفعل مقدّر لا يجوز إظهاره ووجب الحذف للقرينة
الدّالّة ، ولوقوع حرف النداء موقع الفعل أو تقديرا كقوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ) والمنادى يبنى على ما يرفع به إن كان مفردا معرفة ،
وإنّما بني لشبهه بالمضمر ، لأنّه لا ينفكّ في المعنى عن كونه مخاطبا معيّنا ،
وحكم المخاطب أن يكون مضمرا والمراد بالمفرد ما لم يكن مضافا ولا مشابها
__________________
له ، وقال السّيد : ولا جملة أيضا ، نحو : يا زيد ، ويا زيدان ويا زيدون ، وقال النّيليّ وحركة بنائه تشبه حركة الإعراب في كون كلّ منهما طارئة
، فلذلك ثبت تنوينه حال بنائه في قول الشّاعر :
أمحمّد ولأنت
صنو نجيبة
|
|
من قومها
والفحل فحل معرق
|
وإن كان
المنادى مضافا نحو : يا عبد الله أو مشبّها بالمضاف نحو : يا طالعا جبلا ، أو نكرة
نحو : يا رجلا لغير معيّن ، بطل البناء لزوال مقتضيه ، وأعربت بالنّصب
لأنّ كلّ واحد منها مفعول به ، وأمّا إذا قلت : يا رجل ، لمعيّن فإنك تبنيه على
الضم أيضا مثل : يا زيد ، لأنّه يتعرّف بالقصد (٧) / وإن جئت بلام الاستغاثة في
المنادى (٨) خفضته لأنّ حرف الجرّ لا يلغى في مثله ، كقولك : يا لزيد ، ولام
__________________
الاستغاثة تكون مفتوحة لما ذكرنا من مشابهة المنادى للمضمر ، ففتحت معه كما
تفتح مع المضمر في نحو : لك وله فإن عطفت على المستغاث به نحو : يا لزيد ولعمرو ،
كسرت لام المعطوف لأنّه يجوز في التوابع ما لا يجوز في المتبوعات والاستغاثة
استدعاء مدعوّ طلبا للنصرة والمعونة ، فإن أتيت بألف الاستغاثة نحو : يا زيداه
فتحت آخره ، ولا يجمع بين ألف الاستغاثة والّلام فلا يقال : يا لزيداه ، لأنّ
اللام توجب كسر آخره والألف توجب فتحه فتدافعا .
ذكر إعراب توابع المنادى
توابع المنادى
المبنيّ إذا كانت مفردة ، أو في حكم المفردة نحو : يا زيد العاقل ، ويا زيد الحسن
الوجه ، ترفع حملا على لفظه ، وتنصب حملا على محلّه ، فتقول : يا تميم أجمعون
وأجمعين ونحو ذلك ، وأمّا توابع المعرب نحو : يا عبد الله الظريف فهو بنصب الظريف ، ليس إلّا ،
لأنّك إن حملته على اللّفظ فهو منصوب ، وإن حملته على الموضع فهو كذلك ، وأمّا
توابع المبنيّ المضافة ؛ فإنّها إن كانت مضافة إضافة حقيقيّة ، نحو : يا زيد غلام
عمرو ، وجب نصبها حتما ، وأمّا إذا لم تكن الإضافة حقيقيّة نحو : يا زيد الحسن
الوجه فإنّه يجوز فيه الرّفع والنصب ، وإن عطفت على المنادى المبنيّ ما يلزمه
الّلام نحو : الصّعق فنصبه عند المبرّد أوجه ، نحو : يا زيد والرجل والصّعق بنصبهما ، وإن كان
المعطوف فيه اللام ولكن غير لازمة نحو : الحسن فرفعه عنده أوجه ، لأنّه يمكن انتزاع
اللام منه وتقدير حرف النّداء فيه فيكون وجود الّلام فيه كعدمه ، بخلاف ما لم يجز
انتزاع الألف والّلام فيه
__________________
نحو : الصّعق والنّجم فإنّه إذا لم يجز انتزاع الّلام منه لم يجز تقدير حرف
النداء فيه فلذلك اختار رفع الحسن دون الصّعق ، والخليل يختار في المعطوف الرفع سواء كان مما يلزمه الّلام كالصّعق أو لم يلزمه كالحسن
، وأمّا أبو عمرو فإنّه يختار النصب فيهما لأنّه تابع وتابع المبنيّ يكون تابعا لمحلّه ، دون لفظه
، وأمّا إن كان المعطوف بغير لام نحو : يا زيد وعمرو ، أو كان تابع المبنيّ بدلا
نحو : يا رجل زيد كان هذا التابع كالمستقلّ ، بحيث يعطى حكم المنادى ، فيضمّ إن
كان مفردا ، وينصب إن كان مضافا .
ذكر المنادى المعرّف باللام
وإذا نودي
المعرّف بالّلام لم يجز أن يباشر بحرف النّداء ولكن يتوصّل إليه بالاسم المبهم ،
فيقال في ندائه : يا أيّها الرجل أو هذا ، أو ذا الرجل فالمنادى هو الاسم المبهم ،
والرجل صفة للمبهم المنادى المذكور ، كأنّهم كرهوا ن يدخلوا حرف / تعريف على حرف
تعريف ، وأمّا الهاء في أيّها ، فحرف تنبيه زادوه عوضا عمّا تستحقّه أيّ من الإضافة ، ويجوز الجمع بين أيّ وبين اسم الإشارة نحو : يا
أيّهذا الرجل ، فالرجل نعت هذا ، وهذا نعت أيّ ، واسم الإشارة وأيّ ، كلّ منهما
مبهم ، وأيّ أوغل في الإبهام لوقوعها على الواحد والجمع بلفظ واحد
__________________
والتزموا رفع المعرّف بالّلام المذكور لأنّه هو المقصود بالنّداء فجعلوا
حركة إعرابه الحركة التي يستحقّها ، لو باشره حرف النداء ، وقيل : التزموا رفعة
للفرق بين الصّفة الّلازمة وغير اللازمة ، وعند الأخفش أيّ موصولة بمعنى الذي ،
والرجل خبر مبتدأ محذوف ، ويجوز تأنيث أيّ فيقال : يا أيّتها المرأة ، وأجاز
المازنيّ نصب الرجل ، في : يا أيّها الرجل قياسا على صفة غير
المبهم ؛ فإنّه أجرى صفة المبهم مجرى الظريف في قولك : يا زيد الظريف ، فكما جاز
نصب الظريف حملا على المحلّ جاز نصب صفة المبهم ، نحو : الرجل في يا أيّها الرجل وقرىء في الشّاذ : قل يا أيها الكافرين وإذا أتيت بتوابع لهذا المعرّف بالّلام فلا تكون إلّا
مرفوعة لأنه معرب ، والمعرب لا يكون تابعة إلّا على وفق إعرابه. فإذا قلت : يا هذا
الرجل ذو المال ، لم يجز في ذو المال إلّا الرفع لأنّه صفة لمرفوع معرب ، مثل : جاءني
زيد ذو المال ، ومنه :
يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي
فرفع الصّفة
المضافة ، أعني ذو التنزّي ، وأدخلوا حرف النّداء على الّلام
__________________
في اسم الله خاصة نحو : يا الله ، إمّا لكثرته وإمّا لأنّ اللام ليست
للتعريف ، وقد ورد في الشعر :
من أجلك يا
الّتي تيّمت قلبي
|
|
...
|
وهو شاذّ لا
يعتدّ به ولا بما يأتي من ذلك .
ذكر بقيّة الكلام على المنادى
إذا نودي العلم
الموصوف بابن مضاف إلى علم نحو : يا زيد بن عمرو ، فالمختار فتحه مع جواز الضمّ ومنهم من يقول : يجب فتحه لكثرته في كلامهم ، فجعلت الفتحة عوضا من
الضّمة لخفتها وإذا نودي المفرد ثمّ كرّر مضافا نحو :
يا تيم تيم
عديّ لا أبالكم
|
|
لا يلقينّكم
في سوأة عمر
|
فالثاني ليس
فيه إلّا النصب ، وأمّا الأول ؛ فيجوز ضمّه لأنّه منادى مفرد ، ونصبه على تقدير :
يا تيم عديّ تيم عديّ ، فحذف عديّ الأول لدلالة الثاني عليه ، وإذا
__________________
نودي المضاف إلى ياء المتكلّم نحو : يا غلامي ، فلهذه الياء في النّداء
أربعة أوجه : إثباتها مفتوحة وهو الأصل كقولك : يا غلامي أقبل وقرىء (يا عِبادِيَ) بالفتح وإنّما كان كذلك لأنّها اسم على حرف واحد ، فقويت
بالحركة ، كما فعلوا بالكاف في غلامك والتاء في رأيت ، والثاني : إسكانها / ،
تخفيفا نحو : يا غلامي وقد قرىء : يا عبادي لا خوف عليكم والثالث : حذفها مع بقاء كسر ما قبلها كقولك : يا غلام
بحذف ياء الإضافة ، وإنّما حذفت تخفيفا لكثرته في كلامهم والرابع : قلبها ألفا لأنّ الألف أخفّ من الياء ،
وليحصل بالألف زيادة مدّ في الصوت نحو : يا ربّا تجاوز عنّي ، ويا غلاما أقبل ، قال
الشّاعر :
وحديثها
كالغيث أبصره
|
|
راعي سنين
تتابعت جدبا
|
فرآه يبسط
راحتيه له
|
|
ويقول يا
ربّاه يا ربّا
|
وإذا وقفت
ألحقتها الهاء ، تبيّنا للألف فقلت : يا ربّاه ويا غلاماه ، وإذا نودي ابن المضاف إلى العمّ أو الأمّ المضافين إلى المتكلّم كقولك : يا
بن عميّ يا بن أميّ جاز فيهما جميع ما ذكر في المضاف إلى ياء المتكلّم ، فتفتح
الياء من عمّي
__________________
وأمّي ، وتسكّنها وتحذفها وتبدلها ألفا كما قيل في : يا غلامي ، ويجوز
فيهما وجه آخر خامس : وهو حذف الألف وإبقاء الفتحة كقولك : يا بن عمّ ويا بن أمّ
بفتحهما ، ولا يجوز في غيرهما شيء من ذلك نحو : يا بن غلامي وما أشبهه وإذا كان
المنادى المضاف إلى المتكلّم أبا أو أما ، جاز فيه ما ذكر في المضاف إلى المتكلم
حسبما قيل في يا غلامي وجاز فيه وجوه أخر ، وهي : يا أبت وأمت بكسر التاء
المنقلبة عن الياء ، وفتح التاء فيهما ، وأبتا وأمتا بإثبات الألف والتاء فيهما
معا ، ولم يجز : يا أبتي ويا أمتي بإثبات التاء والياء معا ، لأنّ التاء عوض عن
ياء المتكلّم ، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوّض منه بخلاف أبتا وأمتا فإنّ التاء والألف معا بدل عن الياء وجاز في (يا بُنَيَ) كسر الياء وهو الكثير ، والفتح لاستثقال الكسرة والسكون
مع التخفيف وقرىء في السّبعة بالجميع .
ذكر التّرخيم
الترخيم من
خصائص المنادى ، وهو حذف في آخر المنادى تخفيفا لا لعلّة ، ويجوز لضرورة الشعر
ترخيم غير المنادى كقول الشّاعر :
ديار ميّة إذ
ميّ تساعفنا
|
|
ولا يرى
مثلها عجم ولا عرب
|
__________________
حذف هاء ميّة ،
ولا يجوز ترخيم المستغاث نحو : يا لجعفر لأنّهم يزيدون فيه لغرض رفع الصّوت للمستغاث به ، وكذا
لا يرخّم المضاف كعبد الله ولا الجملة المسمّى بها كشاب قرناها ، لأنّهم لو حذفوا
من الثاني حذفوا من غير المنادى ، ولو حذفوا من الأول حذفوا من وسط الكلمة ، وهو
غير جائز ، ولأنّ الجملة تحكى على إعرابها الأصلي .
وشرط المنادى في الترخيم أن يكون الاسم المرخّم إمّا بتاء التأنيث
نحو ثبة ، وإمّا علما زائدا على ثلاثة أحرف كجعفر وحارث لا كزيد ، والحكم ، لأنّ تاء التأنيث زائدة فلا يلزم من حذفها
الإجحاف / بالاسم لبقائه على حرفين ، ولذلك شرط في العلم الزيادة على ثلاثة ،
لئلّا يحصل الإجحاف بالحذف فيخرج عن أبنية الاسم ، وكلّ اسم آخره زيادتان في حكم زيادة واحدة نحو : أسماء وعثمان فإنّه يحذف منه في الترخيم حرفان
فتقول : يا أسم ويا عثم ، بحذف ألف التأنيث الممدودة ، والألف والنون ، وكذلك يحذف حرفان مما في آخره حرف صحيح قبله مدّة ،
وهو على أكثر من أربعة أحرف مثل : عمار ومنصور ومسكين ، وقد علم أن ثمود ليس من
باب منصور فيحذف من منصور حرفان ، ومن ثمود حرف واحد لعدم زيادته على أربعة .
وإن كان
المنادى مركّبا نحو : بعلبكّ فإنّه يحذف منه الاسم الأخير للترخيم
لأنّه بمنزلة تاء التأنيث فيقال : يا بعل ، وإن كان المنادى المرخّم غير ما ذكر ،
فيحذف
__________________
منه حرف واحد ، لأنّه الأصل فإنّ الزيادة على حرف كانت بسبب عارض ، وذلك
مثل : ثمود وحارث وحامد وفي المرخّم وجهان ؛ أفصحهما : أنّ يقدّر المحذوف
موجودا فيبقى ما قبله على ما كان عليه من حركة أو واو أو غير ذلك ، كقولك : يا حار
بكسر الراء في ترخيم حارث ، وإذا رخّمت كروان على أفصح الوجهين قلت : يا كرو ، وفي ثمود يا ثمو ،
وأمّا الوجه الثاني : فهو أن يجعل المحذوف نسيا منسيا ، ويعامل الباقي معاملة ما
لم يحذف منه شيء ، فتقول : يا حار بالضم ، ويا كرا بالألف لتحرّك الواو وانفتاح ما
قبلها ، ويا ثمي فتبدل الضمة كسرة ، والواو ياء ، إذ ليس في كلامهم اسم تام معرب
آخره واو قبلها ضمّة .
ذكر المندوب
المندوب هو
المتفجّع عليه بيا أو واو ، والتفجّع إظهار الحزن والجزع للمصيبة ، ويختصّ بوا ،
نحو : وا زيد ، وهو كالمنادى في الإعراب والبناء وأجري مجراه لأنّ كلا منهما مخصوص من بين قومه ، ولك أن
تزيد في المندوب ألفا فتقول :وا زيدا ، ولك أن تلحقها هاء السّكت في الوقف فتقول :
وا زيداه ، فإن جاء اللّبس من الألف في مثل ندب غلام المخاطبة ، عدلت عن الألف إلى
زيادة حرف مجانس لتلك الحركة فتقول : وا غلامكيه لأنّك لو زدت ألفا وقلت : وا غلامكاه لالتبس بغلام رجل
مخاطب فألحق الياء المناسبة لحركة الكاف وهي الكسرة وفي غلام جماعة مذكرين تلحق واوا فتقول : وغلامكموا ،
لأنّك لو ألحقت ألفا وقلت : وا غلامكما ، التبس بغلام اثنين مخاطبين فألحقت الواو
المناسبة للجمع ، ولا يندب
__________________
إلّا المعروف لا المنكّر فلا يقال : وا رجلاه لأنّ الندبة إما للإعلام بمن
يتفجّع عليه ، أو لتمهيد العذر للمتفجّع / ولا يكون ذلك إلّا أن يكون المندوب
معروفا ، وإذا وصفت المندوب فلا تلحق الصفة علامة الندبة فلا تقول : وا زيد
الظريفاه ، لأنّ الظريف ليس هو المندوب وهو مذهب الخليل خلافا ليونس فإنّه يجيز وا زيد الظريفاه ويجوز حذف حرف النداء من ثلاثة أشياء وهي : العلم نحو : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ
هذا) أي يا يوسف والمضاف نحو : عبد الله افعل كذا أي : يا
عبد الله ، وأيّ نحو : أيّها الرجل افعل كذا أي : يا أيّها الرجل ، ولا يجوز حذف
حرف النداء من اسم الجنس ، والمراد باسم الجنس اسم يصحّ إدخال اللّام عليه وجعله
صفة لأي ، نحو : رجل فلا يقال : رجل بمعنى يا رجل وكذلك لا يجوز حذفه من الإشارة نحو : هذا بمعنى : يا
هذا ولا من المندوب ، ولا من المستغاث فلا يقال : زيداه بمعنى وا زيداه ، ولا زيدا
أو لزيد مستغيثا به لأنّ كلا من المندوب والمستغاث يناسب التطويل ، فلا يحسن الحذف
مع مناسبة التطويل ، وقد شذّ حذف حرف النّداء في قولهم : «أصبح ليل» ، بمعنى يا ليل وأطرق كرا ، أي يا كروان ، وفي أطرق كرا شذوذان : حذف حرف النداء
، والترخيم ، لأن الأمثال يجوز فيها من الحذف والتخفيف ما لا يجوز في غيرها ،
فقالوا : «أطرق كرا إنّ النّعام في القرى» ، ويجوز حذف المنادى نفسه للقرينة الدّالة عليه كقولك :
يا إضرب أي : يا هذا
__________________
إضرب ، ومنه قراءة الكسائي : ألا يا اسجدوا أي : ألا يا هؤلاء اسجدوا .
ذكر المفعول به الذي أضمر عامله
على شريط التفسير
وهو القسم
الثالث من أقسام المفعول الذي يجب حذف فعله بضابط قياسي وحدّه : أنّه كلّ اسم بعده
فعل أو شبهه مشتغل عنه بضميره أو بمتعلّقه لو سلّط عليه هو أو مناسبه لنصبه ، نحو
: زيدا ضربته ، فزيد اسم بعده فعل مشتغل عن زيد بضمير زيد ، وتقديره : ضربت زيدا
ضربته ، فالثاني مفسّر للأوّل ، ولا يجمع بين المفسّر والمفسّر ولذلك وجب الحذف . ومثال ما يسلّط عليه مناسب الفعل : زيدا حبست عليه ،
وزيدا مررت به ، فإنّه في هاتين الصورتين لو سلّط الفعل المشتغل أعني حبست ومررت
على الاسم لم ينصبه لكنّ مناسبه وهو جاوزت ولازمت ، لأنّ من حبست عليه فقد لازمته
، ومن مررت به فقد جاوزته ، ومثال ما هو مشتغل عنه بمتعلّقه : زيدا ضربت غلامه
لأنّ الفعل مشتغل بمتعلّق زيد وهو غلامه وتقديره أهنت زيدا ، لأنّ من تضرب غلامه
فقد أهنته وإذا تقدّم عليه جملة فعليّة كقولك : قام زيد وعمرا أكرمته ، جاز رفع عمرو / والنّصب
أحسن لأنّه على تقدير النّصب يلزم عطف جملة فعلية على جملة فعلية ، وهو أنسب من
الرّفع ، لأنه يلزم عطف جملة اسميّة على جملة فعليّة ، ولذلك يختار النصب بعد حرف الاستفهام نحو : أزيدا
ضربته ، لأنّ الاستفهام غالبا إنما يكون عن الفعل ، وبعد إذا الشرطيّة لأنّ الأولى
أن يليها الفعل
__________________
بخلاف التي للمفاجأة ، وبعد حيث ، لأنّها مثل إذا في اقتضائها الفعل بعدها وبعد حرف النفي ، فإنّك إذا قلت : ما زيدا ضربته ،
فالنفي لضرب زيد لا لذاته فلما كان الفعل بعده كان النّصب أولى . وإذا وقع بعده فعل معناه الطّلب كان أقواها سببا في
اختيار النّصب ، وكذلك شبه الفعل نحو : زيدا دراكه ، لأنّه على تقدير
الرفع يلزم وقوع الطلب وهو الأمر والنهي والدعاء خبرا عن المبتدأ وهو بعيد ، لأنّ
الخبر ما يحتمل الصّدق والكذب ، والإنشاء لا يحتمل ذلك ، وإنّما جاز على تأويل ،
وهو أن يقدّر زيد مقول فيه اضربه أو لا تضربه ، وعلى تقدير النّصب لا يلزم إلّا
حذف الفعل وهو كثير غير بعيد للمبتدأ المرفوع ، وكأنّك قلت : زيد أنت مأمور بضربه
أو زيد مقول فيه اضربه وكذلك المصدر الذي بمعنى الطّلب فإنّ حكمه حكم الطّلب
الصريح في اختيار النّصب نحو : أمّا زيدا فجدعا له ، وأما جعفرا فسقيا له ، لأنّك
تريد : جدعه الله جدعا ، وسقاه الله سقيا ، وإذا كان الدّعاء بغير فعل ولا في
تقدير الفعل لم ينصب الاسم الأول نحو : أمّا زيد فسلام عليه ، وأمّا الكافر فويل له
ويختار الرّفع عند عدم قرينة خلافه كقولك : زيد ضربته ، لأنّه يرتفع بالابتداء فيكون غير
محتاج إلى تقدير ، والنصب يحتاج إلى تقدير الفعل الناصب فكان الرّفع أولى ، وكذلك يختار الرّفع مع أمّا وهي تغلب غير الطلب من
قرائن النّصب فيكون الرفع بعدها أولى لاقتضائها المبتدأ بعدها غالبا ، فإن جاء
الطلب معها ، قدّم اعتباره عليها فيصير النّصب أولى ، وكذلك إذا التي للمفاجأة
كقولك : قام زيد وإذا عبد الله تضربه لاقتضائها المبتدأ بعدها غالبا ومثال غلبة أمّا مع قرينة النّصب قولك : قمت وأمّا جعفر
فقد
__________________
ضربته ، ولو لا أمّا لكان النّصب أولى ليكون عطف جملة فعليّة ، على
جملة فعليّة فقدّم اعتبار أمّا فكان الرّفع أولى ومثال غلبة الطلب قولك : قمت وأمّا عمرا فاضربه ، بنصب
عمرو ، وإنّما قدّم الطلب على قرينة الرفع التي هي : أمّا وإذا لأنّك إذا رفعت وجب
رفعه على الابتداء ووقع الطّلب خبرا وهو لا يقع خبرا إلّا بتأويل كما تقدّم ،
وأمّا النّصب فلا بعد فيه ، لأنّه ينصب بفعل مقدّر مثله فلا يحتاج إلى تأويل
ويستوي / الرّفع والنّصب إذا تقدمت جملة ذات وجهين نحو : زيد قام وعمرو أكرمته ،
فجاز في عمرو الرفع والنّصب من غير ترجيح لأنّه إن رجّح النصب لقرب المعطوف عليه وهو الجملة
الصغرى أعني قام ، رجّح الرفع لعدم حذف العامل فيتعارضان .
واعلم أنّ نصب
وعمرا أكرمته عطفا على الجملة الصغرى لا يستقيم إلّا أن يقدّر في الجملة المعطوفة
ضمير يعود إلى زيد ، نحو : عنده أو في داره ، بحيث يصير التقدير : زيد قام ، وعمرا
أكرمته في داره لأنّ الجملة المعطوفة إذا لم يكن فيها ضمير يعود إلى
المبتدأ ، لا تصحّ أن تكون خبرا عنه ، وإذا لم تصحّ أن تكون خبرا ، لا يصحّ عطفها
على خبره لوجوب أن يتحقّق للمعطوف ما يجب ويمتنع للمعطوف عليه ، والأخفش يمنع من
جواز هذه المسألة ، لأنّ الجملة الصغرى المعطوف عليها ، لها موضع من الإعراب
لوقوعها موقع المفرد ، وموضعها الرّفع لأنّها خبر المبتدأ ، والجملة المعطوفة أعني
وعمرا أكرمته ، لا موضع لها من الإعراب ، لأنّ الجمل لا موضع لها من الإعراب ،
إلّا إذا كانت في تأويل المفرد ، فلا يصحّ عطف ما لا موضع له على ما له موضع من
الإعراب ، وأجاب أبو علي الفارسي : أنّه لمّا كان
__________________
إعراب الجملة الصغرى غير ظاهر في اللفظ صارت بمنزلة ما لا موضع له من
الإعراب ، فصحّ أن يعطف عليها ما لا موضع له من الإعراب .
ويجب النّصب
بعد حرف التحضيض ، وحرف الشّرط لأنّهما مخصوصان بالأفعال إذ لا يحضّ إلا على الفعل ، ولأنّ الشرط إمّا للماضي أو للمستقبل ولا يكون إلّا
فعلا كقولك : هلّا زيدا ضربته أو إن زيدا ضربته ضربته ، وإذا وجب تقدير الفعل وجب
النّصب ونحو : أزيد ذهب به ، ليس من هذا الباب ، لأنّ الفعل لم
يعمل في ضمير زيد نصبا ، فلو سلّط ذهب على زيد لم ينصبه ولا مناسبه أعني أذهب ،
فرفع زيد لازم حينئذ على الابتداء ، والجملة التي بعد خبره ، وقد أجاز السيرافي فيه النصب على تقدير : زيد ذهب الذّهاب به ، لأنّك لمّا
أسندت الفعل إلى مصدره بقي الجار والمجرور في محلّ النّصب وهو ضعيف ، لأنّ المصدر لا يقوم مقام الفاعل إلّا إذا
تخصّص بوصف أو بغيره لعدم الفائدة في إقامته مقام الفاعل بدون ذلك ، فالقائم مقام
الفاعل هو الجار والمجرور حينئذ لا المصدر وأمّا قوله تعالى (وَكُلُّ شَيْءٍ
فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) فليس من هذا الباب لأنّك لو حذفت الهاء من فعلوه ،
وسلطت الفعل على كلّ ، صار إنّهم فعلوا كلّ شيء في الزّبر ، وهو خلاف المقصود ،
لأن المعنى أنّ كلّ شيء يفعلونه فهو في الزّبر ، والزّبر الكتب ، أي إن فعلوا حسنا
كتب لهم حسن ، وإن فعلوا قبيحا / كتب كذلك ، ففعلوه صفة
__________________
لشيء ، ولا يجوز أن تقدّر ناصبة لما قبل الموصوف .
ذكر التّحذير
وهو القسم
الرابع من أقسام المفعول به الذي يجب حذف فعله الناصب له قياسا ، والتحذير قسمان :
أحدهما : معمول
بتقدير اتّق ، تحذيرا مما بعده كقولك : إيّاك والأسد ، وإيّاك من الأسد ، وإيّاك
وأن تحذف ، وإيّاك من أن تحذف ، فإيّاك ضمير منصوب ، والمعطوف على إياك هو المفعول
الذي أضمر الفعل الناصب له المحذوف لفظا والمعنى باعد نفسك عن الأسد والأسد عنك ،
واتّق أن تحذف ، واتّق الحذف أن يتعرّض لك وإنّما لزم حذف الفعل الناصب له ، لأنّ إيّاك لما كثر
في استعمالهم ، جعلوه نائبا عن الفعل الناصب الذي هو اتّق أو باعد ، وأقاموه مقامه
فلم يجز إظهاره لذلك.
والثاني : معمول
بتقدير اتّق أيضا لكن المحذّر منه مكرّر ، كقولك : الأسد الأسد ، والصبيّ الصبيّ ،
والمعنى احذر الأسد احذر الأسد ، واحذر إيطاء الصبي إحذر إيطاء الصبي ، ومعنى
إيطاء الصبي : إيطاء الدّابة الصبيّ ، فأقيم الأوّل مقام احذر ، فلزم إضمار احذر ، لأنّه لو
أظهر لكان قد أدخل الفعل على ما قام مقامه ، وكان كإدخال الفعل على الفعل ولك في : إياك من أن تحذف ، عبارة أخرى وهي : إياك أن
تحذف ، بحذف من لأن حروف الجر تحذف مع أن وأنّ كثيرا ، لطولهما بالصلة ولا يجوز أن
يقال : إياك الأسد ، بتقدير : إيّاك والأسد ، ولا بتقدير إياك من الأسد ، لامتناع
حذف حرف العطف ، وامتناع حذف حرف الجرّ من الأسماء الصريحة في مثل هذا الباب لكن حذف في غير هذا الباب توسّعا في الكلام إذا
__________________
علمت تعديته في مثل قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى
قَوْمَهُ سَبْعِينَ).
ذكر المفعول فيه
وهو ما فعل فيه
فعل مذكور من زمان أو مكان ، فيخرج نحو : يوم الجمعة مبارك ، فإنّه وإن كان يقع
فيه فعل ، لكنّه غير مذكور فلا يكون مفعولا فيه ، وشرط نصبه أن تكون «في» مقدّرة
فيه ، لأنّها لو كانت ملفوظة امتنع نصبه ووجب خفضه ولو لم تكن مقدّرة كان اسما
صريحا ولم يكن مفعولا فيه ، وظرف الزمان معيّنا كان أو مبهما فإنّه يقبل النّصب
بتقدير «في» وظرف المكان إن كان مبهما قبل النّصب بتقدير «في» خلاف المعيّن مثل :
المسجد والسّوق وإنّما كان كذلك لأنّ الفعل يدلّ على الزمان الخاصّ أي
المعيّن من ماض ومستقبل ، وكلّ ما دلّ على الخاصّ دلّ على العامّ لوجوب استلزام
الخاصّ العامّ من غير عكس ، وأمّا المكان فالفعل يستلزم مكانا من الأمكنة مبهما ،
والعامّ لا دلالة له على الخاصّ فلم يقبل تقدير «في» ، في غير المكان المبهم والمكان المبهم : هو الجهات : أمام وفوق / وتحت ويمنة ويسرة ، وكذلك ما كان بمعناها ، أو
ملحقا بها كالميل والفرسخ وحمل على المكان المبهم : عند ولدى وشبههما ، لإبهامها
نحو : دون ومع ، وحمل أيضا على المكان المبهم لفظ مكان في قولك : جلست مكانك مع
كونه معيّنا لكثرة استعماله ، أو أنّه
__________________
كالجهات لكثرة الأمكنة ، وحملت الأمكنة المعيّنة التي تقع بعد «دخلت» في
قولك : دخلت الدّار على الأمكنة المبهمة فنصبت بتقدير «في» على الأصحّ . لأنّ المبرّد والجرميّ ذهبا إلى أنّ دخل متعدّ بنفسه ، فيكون المنصوب بعده
مفعولا به لا ظرفا ، والصحيح أنّ دخل لازم لأنّ مصدره فعول ، وهو من
المصادر اللّازمة غالبا وقد ينصب الظرف بعامل مضمر عند قيام القرينة كقول القائل : متى سرت؟ فتقول : يوم
الجمعة وكذا كم سرت؟ فتقول : يومين ، أي : سرت يوم الجمعة وسرت يومين ، وقد ينصب
الظرف بعامل مضمر على شريطة التفسير ، مثل باب : زيدا ضربته نحو : اليوم سرت ،
فيختار رفعه ، وقام زيد ، واليوم سرت فيه ، وما اليوم سرت فيه ، واليوم سر فيه ،
فيختار النّصب وقس على ذلك ما في الباب في استواء الأمرين فيه ، ووجوب نصبه إذا وقع بعد حرف الشّرط والتحضيض .
واعلم أنّه قد
يجعل المصدر حينا لسعة الكلام فيقال : كان ذلك مقدم الحاجّ ، وخفوق النّجم وخلافة
فلان وصلاة العصر ، فخفوق النّجم بمعنى مغيبه ، والخلافة والصّلاة مصدران أيضا جعلا حينا توسّعا
وإيجازا ، أمّا التوسّع فإنّه جعل المصدر حينا ، وليس من أسماء الزمان ، وأمّا
الإيجاز فلحذف المضاف إذ التقدير ، وقت خفوق النّجم ، ووقت صلاة العصر فحذف المضاف
، وأقيم المضاف إليه مقامه .
__________________
ذكر المفعول له
وهو ما فعل
لأجله فعل مذكور ، مثل : ضربته تأديبا ، وقعد عن الحرب جبنا ، فالتأديب فعل لأجله
فعل مذكور ، وهو الضّرب ، فالمفعول له هو السّبب الحامل للفاعل على الفعل ، والفعل قد يكون سببا للمفعول له في الخارج نحو : ضربته تأديبا ، وقد لا يكون
نحو : قعد عن الحرب جبنا ، فإنّ القعود ليس سببا للجبن في الخارج.
وشرط نصبه : أن تكون اللّام مقدّرة ، لأنّها لو كانت ملفوظة لكان
مجرورا ، وإنّما يجوز حذف اللّام بشرطين :
أحدهما : أن
يكون المفعول له فعلا لفاعل الفعل المعلّل ، كما أنّ التأديب وهو المفعول له فعل
لفاعل الضّرب وهو الفعل المعلّل ، والثاني : أن يكون المفعول له مقارنا للفعل في
الوجود فإن لم يكن فعلا له لم يجز حذف اللام ، نحو : جئتك للسّمن ، وكذلك إن لم
يقارنه ، نحو : جئتك اليوم لمخاصمتك زيدا أمس .
ذكر / المفعول معه
وهو مذكور بعد
الواو لمصاحبة معمول فعل لفظا أو معنى ، واحترز بقوله : بعد الواو ، مما يذكر بعد
الفاء وثمّ وغيرهما من حروف العطف لانتفاء معنى المصاحبة منهنّ ، واحترز بقوله :
لمصاحبة معمول فعل ، عن المذكور بعد الواو وليس كذلك مثل : زيد وعمرو أخواك ، وكلّ
رجل وضيعته ، فإنّه مذكور بعد الواو للمصاحبة لكن لا لمصاحبة معمول فعل ، وعن
المذكور بعد معمول فعل ولكن لا للمصاحبة مثل جاءني زيد وعمرو قبله أو بعده فعمرو
مذكور بعد الواو وبعد معمول فعل لكن لا
__________________
للمصاحبة لتخصيصه بالمجيء قبله أو بعده . والفعل العامل في المفعول معه يكون لفظا نحو : جئتك
وزيدا ، ويكون معنى نحو : ما لك وزيدا والمراد بالفعل لفظا : الفعل وشبهه من أسماء الفاعل ،
والصفة المشبّهة ، والمصدر ونحوها ، والمراد بالفعل معنى ، أي تقديرا غير ما ذكر
مما يستنبط فيه معنى الفعل نحو : ما لك وزيدا ، وما شأنك وعمرا ، لأنّ التقدير ما
تصنع وعمرا فأمّا إذا لم يكن في الكلام فعل ولا معنى فعل فلا يجوز
النّصب ، فإذا قلت : ما أنت وعبد الله ، وكيف أنت وقصعة من ثريد ، فالوجه الرفع لانتفاء الناصب وهو الفعل أو معناه بواسطة الواو بخلاف
قولك : قام زيد وعمرا ، بنصب عمرو لوجود الفعل لفظا ، وإن كان لازما لأنّ الواو هي
المعدّية له حتى نصبه ، فالواو هنا بمعنى الباء ، والباء تعدّي الفعل فكذلك الواو ، والمفعول معه قياسيّ كسائر المفاعيل ، وبعضهم
يقصره على السّماع فلا يكون قياسيّا والفعل العامل في المفعول معه إن كان لفظيّا وصحّ العطف
جاز النّصب والرفع نحو : قمت أنا وزيد وزيدا ، فالرفع عطف على المضمر ،
لوجود المؤكّد المسوّغ للعطف على المضمر ، والنّصب على أنه مفعول معه لمصاحبة
الفعل ، قال الشّاعر :
وكونوا أنتم
وبني أبيكم
|
|
مكان
الكليتين من الطّحال
|
فنصب بني أبيكم
على المفعول معه ، وإن لم يصحّ العطف نحو : جئت وزيدا ، تعيّن النّصب على المفعول
معه على الأصحّ لعدم المؤكّد المنفصل المسوّغ للعطف
__________________
لأنّ المضمر المتصل لا يعطف عليه إلّا بعد توكيده بمنفصل ، فلمّا تعذّر عطف
زيد على التاء في جئت ، تعيّن النّصب على المفعول معه ، وإن كان الفعل معنوّيا فإن صحّ العطف تعيّن ، نحو :
ما لزيد وعمرو ، وما شأن زيد وعمرو ، لأنّه لم يتقدمه فعل ، والإضمار خلاف الأصل
فكان جرّه متعيّنا ، ومنهم من يجوّز النصب فيه ، ويجعل العطف راجحا لا واجبا وإن لم يصحّ العطف تعيّن / النصب نحو : ما شأنك وزيدا ،
وما لك وزيدا ، وإنّما تعيّن النصب لامتناع العطف على المضمر المجرور من غير إعادة
الجار لتنزل المضمر مع الجار منزلة جزء الكلمة الواحدة ولا يجوز تقديم المفعول معه على الفعل ولا على الفاعل ، خلافا لابن جني فإنه يجوّز : جاء والطيالسة البرد .
ذكر الحال
وهي الأولى من
المشبّهات بالمفعول ، ووجه شبهها به أنها فضلة ، والحال يذكّر ويؤنّث ، وسمّيت حالا لعدم ثبوتها
لأنّها من حال يحول إذا تغيّر ، ويدلّ على ذلك أنّ الحال لا يجوز أن يكون خلقة ،
ولا يكون إلّا صفة غير لازمة غالبا ، فلذلك لا تقول : جاء زيد طويلا ولا أحمر ،
وحدّها : أنها ما يبيّن هيئة الفاعل والمفعول لفظا أو معنى ، حالة الفاعلية
والمفعولية فقولنا : ما يبيّن ، كالجنس ، وهيئة الفاعل أو المفعول فصل ، فخرج
بالهيئة غير مبيّن الهيئة سواء كان مبيّنا للذات كالتمييز ، أو لم يكن كالنّعت ،
وخرج بإضافة الهيئة إلى الفاعل أو المفعول ، النعت نحو : جاءني
__________________
زيد الراكب ، لأنّ الراكب مبيّن لهيئة زيد لا بالنظر إلى كونه فاعلا أو
مفعولا ، وكذلك خرج القهقرى في قولك : رجع القهقرى ، فإنها مبيّنة لهيئة الفعل
الذي هو الرجوع لا لهيئة الفاعل أو المفعول ، وإنّما قال : ما يبيّن ولم يقل : اسم
يبيّن لأنّ الحال قد يكون جملة وقوله : لفظا أو معنى ، أي : الفاعل الذي هو صاحب
الحال يكون فاعلا لفظا وفاعلا معنى ، وكذا المفعول الذي هو صاحب الحال يكون مفعولا
لفظا ومفعولا معنى ، فمثال الفاعل لفظا أو المفعول لفظا ، قولك : ضربت زيدا قائما
، فإن جعلت قائما حالا من التاء في ضربت فهو حال من الفاعل لفظا ، وإن جعلته حالا
من زيد فهو حال من المفعول لفظا ، ومثال الفاعل معنى : زيد في الدار قائما ، لأنّ
التقدير استقرّ في الدار وكذلك : ما لك واقفا ، فواقفا حال من الضمير المجرور
وهو الكاف ، وهو فاعل لأنّه بمعنى ما تصنع ، ومثال المفعول معنى (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) وهذا زيد قائما أي : نبّهت عليه وأشرت إليه شيخا أو
قائما ، وقد يكون الحال من الفاعل والمفعول بلفظ واحد إذا اتّفقا فيها نحو : لقيته
راكبين ، ولقيته مسلّمين ، وأمّا إذا اختلفا فيها نحو : لقيته مصعدا منحدرا ففيه
مذهبان : أحدهما : جواز تقديم أيّهما شئت ، والثاني : تقديم حال المفعول .
وشرط الحال
أن يكون نكرة ،
وصاحبها معرفة غالبا لأنّه محكوم عليه ، وحقّ المحكوم عليه أن يكون
معرفة وقال : غالبا لأنّه قد يكون نكرة كما سيأتي ، وإنّما كانت الحال نكرة لعدم
الاحتياج إلى تعريفها ، ولأنّها لو كانت معرفة لالتبست / بالصفة في
__________________
بعض الصور وأمّا ما ورد منها غير منكّر فمؤوّل ، ومنه قول لبيد :
فأرسلها
العراك ولم يذدها
|
|
ولم يشفق على
نغص الدّخال
|
يصف حمار الوحش
أنّه أرسل الأتن إلى الماء مزدحمة ، فالعراك وإن كان لفظه معرفة فمعناه التنكير ،
أي معتركة ، وقال أبو علي الفارسي : تأويله تعترك العراك ، فتعترك المقدّر هو الحال ،
والعراك منصوب على المصدر ، والعراك الزحام ، وكذلك قولهم : مررت به وحده ، حال مع
كونه معرفة ، وقد أوّلوه أنّه بمعنى منفرد ، كأنّه قال : مررت به منفردا ، ويجوز
نصبه على المصدر كما مرّ في العراك ، وتقديره يتوحّد توحّدا ، ثم حذف الفعل فبقي
توحّدا ثم حذفت زوائد المصدر بقي وحده وكذلك القول في : فعله جهده أي مجتهدا أو يجتهد جهده فإن كان صاحب الحال نكرة وجب تقديمها عليه في المفرد نحو : جاءني راكبا رجل ، وأنشدوا عليه :
__________________
لأنّها لو
أخّرت لالتبست بالصفة ، في نحو قولك : ضربت رجلا مجرّدا من ثيابه ، لأنّ الحال
يتقدّم على ذي الحال ، والصفة لا تتقدّم على الموصوف.
وعامل الحال
إمّا فعل أو
شبه فعل أو معنى فعل ، لتحقّق الفاعل والمفعول بها ، أمّا الفعل فنحو : ضربت ،
وأمّا شبه الفعل فهو : الصفات المشتقّة من الفعل الحقيقي الذي هو المصدر ، نحو :
زيدا قائما ، والمراد بالصفات المشتقّة من الفعل ؛ اسم الفاعل ، نحو : زيد ضارب
عمرا قائما ، واسم المفعول نحو : زيد مضروب قائما ، وأفعل التفضيل نحو : هذا
بسرا أطيب منه رطبا والصفة المشبّهة باسم الفاعل ، نحو : مررت بالحسن وجها
قائما ، وأمّا معنى الفعل فهو : ما أقيم مقام الفعل من غير الصفات والحروف واستنبط
فيه معنى الفعل نحو اسم الإشارة مثل (هذا بَعْلِي شَيْخاً) وقد تقدّم ، ونحو التمني مثل : ليت زيدا قائما ، أي
أتمنّاه قائما ونحو التشبيه مثل : كأنّ زيدا قائما أسد أي : أشبّهه في
حال قيامه بالأسد ، ونحو الظرف مثل : زيد في الدار قائما وقد تقدّم ونحو التنبيه
مثل : ها هو زيد قائما ، ونحو الجار والمجرور مثل : ما لك واقفا ، وقد تقدّم أيضا
، فهذه وشبهها استنبط فيها معنى الفعل وليست مشتقة من فعل ، فالفعل وشبهه يعملان
في الحال متقدّمة نحو : قائما ضرب زيد ، وقائما زيد ضارب ، بخلاف معنى الفعل فإنّه
لا يجوز : قائما هذا زيد ، لضعف
__________________
معنى الفعل وقوّة الأوّلين بخلاف الظّرف نحو : أكلّ يوم لك ثوب ، وإنّما لم تجر الحال / مجرى
الظّرف في جواز تقدّمها على الفعل المعنوي لاتساعهم في الظروف ، ولا يتقدّم حال
المجرور عليه ، فإذا قلت : مررت قائما بعمرو ، كان الحال من الضمير الفاعل في :
مررت لا من عمرو ، ويتبيّن بمثل : مررت قائمة بهند ، فيتعيّن للمنع ، ومررت قائما
بهند ، فيتعيّن للجواز ، هذا قول الأكثرين .
ويكون الحال
جملة خبريّة لأنّ الحال خبر عن ذي الحال ، فكما جاز الإخبار عن
الشيء بالجملة كذلك جاز وقوع الحال جملة وكما أنّ الجملة الإنشائيّة لا تقع خبرا
فكذلك لا تقع حالا ، والجملة الخبريّة التي تقع حالا تكون اسميّة ، وتكون فعليّة ،
والفعليّة بفعل مضارع وماض ، وكلّ منهما يكون مثبتا ومنفيّا كما سنمثله ، والجملة
الاسميّة إذا وقعت حالا لزمها الواو ، كقولك : جاء زيد ويده على رأسه ، وحذف الواو
معها استغناء بالضمير شاذّ ، وحذف الضمير استغناء بالواو فصيح كقولك : جاءني زيد وعمرو منطلق ، وقد وردت بالضمير وحده
كقولك : كلّمته فوه إلى فيّ وهو شاذّ وأما قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ
تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) وهو وقوع الجملة الاسميّة حالا بغير واو ، فيحتمل أن
تكون وجوههم مسودّة مفعولا ثانيا لترى ، أو تكون حالا وحذفت الواو كراهة
__________________
اجتماع الواوين كما حذفت واو العطف من قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) تخفيفا لاجتماع الواوين إذ المعنى ، ووجوه يومئذ ناعمة
، وتحذف الواو من الجملة الفعليّة إذا كان فعلها مضارعا مثبتا كقولك جاء زيد يقرأ
، ولا يقال في مثله ويقرأ ، لأنّه في معنى قارئا معنى وزنة وإن لم يكن المضارع مثبتا أو كان الفعل ماضيا مثبتا ،
أو منفيّا ، جاز أن تأتي بالواو والضمير معا ، وبالواو وحدها ، وبالضمير وحده ،
ولا بدّ في الماضي من قد ظاهرة أو مقدّرة فذلك تسعة أقسام ، ثلاثة مع الواو والضمير ، وهي : مضارع
منفيّ مثل : جاءني زيد وما يتكلّم غلامه ، وماض مثبت مثل : جاءني زيد وقد تكلّم
غلامه ، وماض منفيّ مثل : جاءني زيد وما خرج غلامه ، وثلاثة بالواو فقط وهي مضارع
منفيّ ، مثل جاءني زيد ولم يتكلّم عمرو ، وماض مثبت مثل : جاءني زيد وقد تكلّم
عمرو ، وماض منفيّ مثل : جاءني زيد وما تكلّم عمرو ، وثلاثة بالضمير فقط ، مضارع
منفيّ مثل : جاءني زيد ما يتكلّم غلامه ، وماض مثبت مثل : جاءني زيد قد تكلّم
غلامه ، وماض منفيّ مثل : جاءني زيد ما تكلّم غلامه .
وكلّ ما دلّ
على هيئة صحّ وقوعه حالا سواء كان مشتقّا أو لم يكن نحو : هذا بسرا أطيب منه
رطبا ، أي هذا حال كونه بسرا أطيب / منه حال كونه رطبا ، فالبسر والرّطب حالان مع
أنّهما ليسا بمشتقّين ولكن لدلالتهما على الهيئة صحّ وقوعهما حالا. والعامل في
رطبا هو أطيب بالاتفاق ، وفي بسرا خلاف ؛ فقال الفارسي : هو هذا أي اسم الإشارة أو
حرف التنبيه ، وقال ابن الحاجب : هو أطيب ، وجوّز عمل أفعل التفضيل فيما قبله لأنه
مثل قولك : تمر نخلتي بسرا أطيب منه رطبا. مع أنّ العامل في بسرا هو أفعل التفضيل
بالاتفاق .
__________________
ويجوز حذف عامل
الحال إذا دلّت عليه قرينة كما جاز حذف غيره كقولك للمسافر : راشدا ومرشدا مهديّا
أي اذهب راشدا مرشدا ، ويجب حذف العامل في الحال المؤكّدة وهي التي لا ينتقل ذو الحال عنها ما دام موجودا غالبا ،
كقولهم : زيد أبوك عطوفا فإنّ الأب لا ينفكّ عن العطف غالبا ، ووجب حذف العامل
لأنّ الأب يشعر بالعطف فاستغني عن التصريح بالعامل الذي هو أحقّه أو أثبته ، فحصلت
القرينة ، وعطوفا لفظ التزم موضعه فوجب الحذف ، وشرط هذه الحال أن تكون مؤكّدة ومقرّرة وتابعة لمضمون
جملة اسميّة نحو : زيد أبوك عطوفا فإنّ عطوفا مقرّر لمضمون زيد أبوك
، وقال : اسميّة لأنّها لو كانت مقرّرة لمضمون جملة فعليّة لم يكن فعلها واجب
الحذف . ومعنى كونها مؤكّدة ، أنها تعلم قبل ذكرها فيكون ذكرها توكيدا لها وهل هي
من الفاعل أو من المفعول؟ فالجواب : أنّك إن قدّرت ثبت أو تحقّق عطوفا فهي من
الفاعل ، وإن قدّرت أحقّه أو أثبته عطوفا فهي من المفعول .
ذكر التمييز
وهو ثاني
المنصوبات المشبّهة بالمفعول ، ووجه الشّبه أنّ نحو : طاب زيد نفسا ، يشبه ضرب زيد
عمرا ، وعشرون درهما مثل : ضاربون زيدا ، والتمييز تفعيل
__________________
من ميّزت ، وهو الاسم النكرة الذي يرفع الإبهام المستقرّ عن ذات مذكورة أو
مقدّرة والإبهام : الإجمال وهو ضدّ الإيضاح وقوله : الإبهام المستقرّ ، احتراز به
عن الأسماء المشتركة فإنّك إذا قلت : رأيت عينا مبصرة أو جارية ، لم ترفع عن تلك
العين إبهاما مستقرّا بالوضع بل إبهاما عارضا للسّامع ، فإنّها وضعت لشيء بعينه
معلوم للمتكلم بخلاف عشرين ، فإنّها وضعت مبهمة لا لدنانير ولا لدراهم وقوله : عن ذات ، احتراز به عن نحو المصادر الدّالة على
الهيئات نحو : جلست جلسة ، وعن الحال نحو : جاء زيد راكبا ، فإنّه إنّما يرفع
الإبهام عن صفة المجيء لا عن ذات زيد ، لأنّ ذات زيد لا إبهام فيها ، وقوله :
الاسم النكرة ، إنّما هو على المختار وهو مذهب البصريين ، فإنّ المميّز عندهم لا يكون إلا نكرة ، والكوفيون يجيزون أن يكون التمييز
نكرة ومعرفة ويستشهدون بمثل قوله :/
النازلين
بكلّ معترك
|
|
والطيّبون
معاقد الأزر
|
ويجوز أن
يدفعوا بأنّ الإضافة إلى الأجناس لا تفيد التعريف ، ويستشهدون أيضا بمثل : غبن
رأيه ، ووجع ظهره ، وفي التنزيل : (سَفِهَ نَفْسَهُ) والبصريون يقولون : إنّ ذلك منصوب على التشبيه بالمفعول
ويستشهد الكوفيّون أيضا بقول الشاعر :
__________________
رأيتك لمّا
أن عرفت جلادنا
|
|
رضيت وطبت
النّفس يا بكر عن عمرو
|
فأراد طبت نفسا
، والبصريون يردّونه بأنه لضرورة الشعر . وقوله : مذكورة أو مقدّرة ، تفصيل للذّات التي تميّز ،
فالمقدّرة ما تقدّر في مثل : زيد طيّب أبا ، وطاب زيد نفسا ، وحسن زيد علما ،
ومعناه أنّ الفعل الذي هو حسن مسند في اللفظ إلى زيد ، وفي المعنى إلى مقدّر لزيد
به تعلّق ، وتقديره : حسن علم زيد علما ، فالذّات المقدّرة التي لا تذكر في اللفظ
هي علم زيد ومميزها قولك علما ، وكذا التقدير أبو زيد ، في طيّب أبا ، وطابت نفس
زيد نفسا ، وكذلك جميع أمثلة الذّات المقدّرة فافهمه.
وأمّا الذات
المذكورة فهي المفردة : وتنقسم إلى غير مقدار كباب وثوب وخاتم ، وإلى مقدار غالبا ، وهو إمّا عدد كعشرين درهما وسيأتي بيانه في باب العدد
وإمّا غير عدد وهو إمّا موزون نحو : منوان سمنا ، أو مكيل نحو : فقيزان
برّا ، أو ممسوح نحو : ما في السماء قدر راحة سحابا ، وعلى التمرة مثلها زبدا ،
والمراد على التمرة مثل مقدارها زبدا فحذف المضاف الذي هو المقدار وأقيم المضاف
إليه الذي هو الضمير مقامه .
ذكر تمييز الذّات المذكورة التي هي مقدار وهي غير عدد
المقدار الذي
هو غير عدد سواء كان موزونا أو مكيلا أو ممسوحا. إن كان
__________________
مميزه من أسماء الأجناس فيفرد حال التثنية والجمع ، والمراد بالجنس هنا ،
كلّ معنى عام يقع بلفظ واحد على القليل والكثير كالتمر والزيت والخبز فتقول : عندي
رطلان جبنا ، وقفيزان برّا ، والقفيز مكيال وهو ثمانية مكاكيك وصاعان عسلا ، وعلى التمرة مثلاها زبدا ، بإفراد اسم
الجنس الذي هو نحو : الخبز أو العسل أو الزبد ، وإنما أفرد اسم الجنس لعدم احتياجه
إلى التثنية والجمع لوقوع الجنس على القليل والكثير ولذلك تقول : عندي زيت قليل وزيت كثير ، وإذا كان صادقا
على الكثير فلا يحتاج إلى تكثرة مرة أخرى بالتثنية والجمع إلّا أن يقصد الأنواع
المختلفة فيطابق بالتمييز ما قصد لعدم دلالته عليها ، فتقول : عندي رطل زيتا ، ورطلان زيتين وأرطال زيوتا /
وإن كان المميّز اسم جنس ولكن لا يقع على القليل والكثير بلفظ واحد كالثوب ، فيجمع
وجوبا كقولك : عندي قنطار أثوابا ، وملء بيت كتبا ، لأنّ ذكره مجموعا أدلّ منه على
الجنس لتقديره بمن الجنسيّة ، فيقدّر حينئذ قنطار من ثياب كما يقدّر قنطار من عسل وكلّ ما جاء من المقادير بالتنوين أو نون التثنية فحذف
التنوين والنون ، وخفض التمييز بالإضافة أولى ، فتقول : رطل زيت ، ورطلا زيت ، وجاز ذلك لأنّه كما
يرفع الإبهام بالنّصب ، يرفع بالإضافة ، وأمّا إذا كانت النون شبيهة بنون الجمع
كما في نحو : عشرين فإنّ الحذف والإضافة إلى التمييز كعشري درهم لا يجوز لأنّ نون
نحو : عشرين من نفس الكلمة فلا يجوز حذفها للإضافة ولا تجوز الإضافة مع هذه النون لشبهها بنون الجمع ،
وأمّا حذفها والإضافة إلى غير التمييز فجائز بالاتفاق نحو : عشريك وعشري رمضان ،
وفي تعليل ثبوت النون في
__________________
التمييز وحذفها في نحو : عشروك وعشرو الشهر ، نظر ؛ وقد قيل في ذلك : إنّما لم تجز إضافة العشرين إلى المميّز وجازت في غيره
أعني في نحو : عشروك ، لأنّ العشرين في الأصل صفة لمميّزها لأنّ أصل عشرين درهما
دراهم عشرون ، وصفة الشيء لا تضاف إليه ، ولا يضاف الموصوف إلى صفته ، وليس كذلك
عشروك فافترقا.
ذكر تمييز الذات التي هي غير مقدار
وهي نحو : باب
وخاتم وثوب كقولك : باب ساجا ، وخاتم حديدا ، وثوب خزّا ، وهو كلّ نوع أضيف إلى
جنسه ويجوز فيه الإضافة وهي الأكثر فتقول : باب ساج بخفضه مع إفادة التخفيف.
ذكر تمييز الذات المقدّرة
قد تقدّم أنّ
الذات التي تميّز تنقسم إلى مذكورة كما تقدّم شرحه ، وإلى مقدّرة كما شرحناه في
حدّ التمييز أيضا ، وإنّما تقدّر في النّسب الإسناديّة وفي النّسب المشابهة للنسب
الإسنادية ، وفي النّسب الإضافية فذلك ثلاث أمور :
أحدها : الذّات
المقدّرة في نسبة في جملة إسناديّة ، نحو : طاب زيد نفسا وتصبّب عرقا وامتلأ
الإناء ماء ، وقوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْباً).
ثانيها :
الذّات المقدّرة في نسبة فيما يشابه الجملة ، والمراد بمشابه الجملة ، الصفة
المشبّهة واسم الفاعل والمفعول نحو : زيد طيّب أبا وأبّوة وعلما ودارا ، وزيد مكرم
أبا وأبّوة وعلما ودارا.
ثالثها :
الذّات المقدّرة في نسبة في إضافة نحو : أعجبني طيب زيد أبا وأبوّة وعلما ودارا ،
ومن هذا الباب لله درّه فارسا ، وحسب زيد بطلا ، فإنّه من تمييز الذات
__________________
المقدّرة لا الذات المذكورة كما توهمه بعضهم وتعلّق فارسا في : لله درّه فارسا وشبهه بمن هو له ،
إنّما هو تعلّق الوصف بالموصوف ، فالتمييز في هذه الأمور الثلاثة / إنّما هو عن
ذات مقدّرة ، لأنّ المقصود إنّما هو نسبة الفعل أو ما أشبهه إلى ما هو متعلّق
بالاسم المنتصب عنه التمييز ، لأنّ الفعل الذي هو طاب في نحو : طاب زيد أبا ، مسند
في اللفظ إلى زيد ، وهو في المعنى مسند إلى شيء آخر مقدّر متعلّق بزيد غير مذكور ،
وهو مبهم لاحتمال جميع متعلّقات زيد ، فإذا قلت أبا ، فقد رفعت به الإبهام عن
الذّات المقدّرة كما رفعت بالدرهم الإبهام عن عشرين في الذات المذكورة ، والتقدير
: طاب أبو زيد أبا ، وطاب علم زيد علما وتصبّب عرق زيد عرقا ، وكذلك ما أشبه ذلك ،
فالذات المقدّرة هي أبو زيد أو علمه ونحوهما ، فالفعل منسوب في اللفظ إلى زيد ،
وفي المعنى إلى أبيه أو إلى علمه ونحوهما إذا قصد ذلك ، والإبهام إنّما نشأ من
نسبة الطيب مثلا إلى متعلّق زيد ، لأنّ قولك : طاب زيد ، لا إبهام في واحد منهما ،
وإنّما الإبهام في نسبة الطيب إلى أمر يتعلّق بزيد ، ولو لا ذلك لم يكن ثمّ ما
يحتاج إلى تمييز ، ومتعلقاته تحتمل وجوها كثيرة فاحتيج إلى تفسير المقصود منها
فجيء بالتمييز ، وكذلك الحال في الإضافة فإنّه قد يضاف الشيء إلى أمر ، والمراد
إضافته إلى متعلّقه مثلما قيل في الجملة فيأتي التمييز أيضا.
واعلم أنّ
الاسم المنصوب على التمييز قد يكون صالحا أن يرجع إلى من انتصب عنه وإلى متعلّقه ،
وذلك نحو : أبا في طاب زيد أبا ، فجائز أن يكون الأب هو زيد ، وجائز أن يكون الأب
هو والد زيد وكذا الأبّوة أيضا ، فإنّها تصلح لكلّ واحد منهما ، فإن كان المقصود
في قولك : طاب زيد أبا ، بالطيب هو زيد نفسه كان التقدير طاب الأب زيدا أبا ،
فتكون الذات المقدّرة هي الأب وإن كان المقصود والد زيد ، كان التقدير : طاب أبو
زيد أبا ، فالذات المقدّرة هي أبو زيد ، وكذا القول في الأبوّة وغيرهما مما يأتي
في هذا الباب. فإن لم يصلح أن يرجع إليهما فهو لمتعلّقه خاصة نحو : طاب زيد علما
ودارا ، فليس يحتمل علما ودارا جهتين كما احتمله أبا وأبّوة بل إنما يحتمل جهة
__________________
واحدة وهي علم زيد وداره ، لأنّ التقدير طاب علم زيد علما وطابت دار زيد دارا
لا غير ذلك ، والذي يحتمل الرجوع إليهما ـ أعني إلى من انتصب عنه التمييز وإلى
متعلّقه ـ تجب فيه المطابقة أعني إفراد التمييز ، وتثنيته وجمعه وتذكيره وتأنيثه
على وفق من هو له إلّا إن كان التمييز اسم جنس كالأبّوة والعلم فإنّه لا يثنّى
ولا يجمع إلا أن يقصد الأنواع فيطابق به حينئذ ، فإذا قصدت إلى أنّ الأب هو زيد
نفسه ، قلت طاب زيد أبا ، فلو ثنّيت زيدا أو جمعته على هذا المعنى قلت : طاب
الزيدان أن أبوين وطاب الزيدون آباء وكذلك تجب المطابقة إذا قصدت إلى متعلّق زيد ، وهو والده مثلا
، فإن قصدت أباه وجدّه قلت : طاب زيدا ، وإن قصدت أباه وأمّه أو أبا وجدّا له ،
قلت : طاب زيد أبوين ، وإن قصدت إلى جماعة من آبائه قلت : طاب زيد آباء ، فيطابق
بالأب من هو له بخلاف ما إذا كان التمييز اسم جنس كالأبّوة / والعلم ، فإنّك تأتي
به مفردا ، فتقول : طاب الزيدان أو الزيدون أبّوة وعلما ، ونحو ذلك إلا أن يقصد
الأنواع فيطابق حينئذ ، فتقول : طاب زيد علمين إذا كان المراد به طاب بسبب علمين
مختلفين ، وطاب زيد علوما ، إذا كان المراد به بسبب علوم كثيرة ، وتقديره طابت
علوم زيد علوما ، وكذلك التقدير في التثنية وغيرها وكذلك تجب المطابقة في التمييز الذي هو صفة ، فيقال :
حسن زيد فارسا والزيدان فارسين والزيدون فرسانا ، وكذلك لله درّه فارسا ودرّهما
فارسين ودرّهم فوارس ، وإذا كان التمييز صفة احتمل أن يكون حالا لكنّ التمييز أولى
لأنّ المراد مدحه مطلقا سواء كان حال كونه فارسا وهذا يفهم من التمييز دون
الحال ، لأنه إذا كان حالا اختصّ بالمدح فيتقيّد ، فيتغيّر المعنى المقصود ، والفرق بين تمييز الذات المقدّرة في قولنا : لله درّه فارسا وبين تمييز
الذات المذكورة في قولنا : على التمرة مثلها زبدا ، أنّ الفارس يرفع الإبهام عن
نسبة الدّرّ إلى الضمير لا عن نفس الدّرّ ، وأنّ الزبد يرفع
__________________
الإبهام عن نفس المثل إذ لا إبهام في إضافة المثل إلى الضمير بل في نفس
المثل.
ولا يتقدّم
التمييز على العامل لأنّ العامل إن كان غير فعل كان ضعيفا ، فلا يعمل في
التمييز المتقدّم عليه بالاتفاق وإن كان فعلا فمذهب سيبويه أن لا يتقدم عليه التمييز أيضا ، لأنّ التمييز في المعنى فاعل فكما لا يتقدّم
الفاعل على الفعل ، لا يتقدّم التمييز على الفعل ، لأنّ الأصل في قولنا : طاب زيد
نفسا طاب نفس زيد ، فعدل عن ذلك ليكون مبهما أوّلا ثم يفسّر ، فيكون أبلغ موقعا
عند السّامع ، والمازنيّ أجاز تقديم التمييز على عامله إذا كان فعلا خاصة كقولنا :
نفسا طاب زيد ، ووافق في غير الفعل .
ذكر الاستثناء
المستثنى هو
ثالث المنصوبات المشبّهات بالمفعول ، وهو ضربان : متصل ومنقطع ، فالمتصل : هو
المخرج من حكم على متعدّد لفظا أو تقديرا بإلّا وأخواتها ، فاللفظ نحو : قام القوم
إلّا زيدا ، والتقدير نحو : ما قام إلّا زيد ، لأنّ معناه ما قام أحد إلا زيد ،
وقال : بإلّا وأخواتها ، ليخرج عنه المخرج عن متعدّد بالصفة نحو : أكرم بني تميم
العلماء ، فإنّ الجهال مخرجة منه لعدم اتصافهم بالعلم ، وكذلك المخرج بالبدل كقوله
تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) وكذلك المخرج بالشّرط نحو : أكرم القوم إن دخلوا الدّار
، وبالجملة المخرج بغير إلّا وأخواتها لا يسمّى استثناء ، وأخوات إلّا : غير وخلا
وعدا وما خلا وما عدا وليس ولا يكون
__________________
وسوى وسواء ، والمنقطع : هو المذكور بعد إلّا وأخواتها غير مخرج نحو : جاء
الناس إلّا حمارا ، وسمّي بذلك لانقطاعه عمّا قبله .
فصل : وإذا
تعقّب الاستثناء جملا بالواو عاد إلى كلّ منها عند عدم القرينة على الأصحّ نحو أكرم / ربيعة ، وأكرم مضر إلّا الطوال ، وقول من
قال باختصاصه بالأخيرة تحكّم ، والترجيح بالقرب قياسا على تنازع العاملين منع
للخلاف فيه ، والقول بالاشتراك فيه أو بالوقف يوجب التعطيل .
ذكر وجوب نصب المستثنى
ويجب نصبه إذا
كان مستثنى بعد إلّا غير الصّفة في كلام موجب نحو : قام القوم إلّا زيدا ، لامتناع
البدل فيه ، لأن البدل يقوم مقام المبدل منه ، فلو قلت : قام إلّا زيد ، على البدل
من القوم لم يصحّ ، وكذلك يجب نصبه إذا تقدّم المستثنى على المستثنى منه نحو قوله
:
وما لي إلّا
آل أحمد شيعة
|
|
وما لي إلّا
مشعب الحقّ مشعب
|
فآل أحمد
مستثنى قدّم على المستثنى منه الذي هو شيعة ، وكذلك مشعب
__________________
الحقّ ، وإنّما وجب نصبه لأنّه لا يصلح أن يكون بدلا ولا صفة ، لامتناع
تقدّم البدل على المبدل منه ، وتقدّم الصفة على الموصوف .
وكذلك يجب نصب
المستثنى المنقطع على الأكثر نحو : ما جاءني أحد إلّا حمارا في لغة أهل الحجاز ،
لأنّ بني تميم لا يوجبون نصبه ، وعلى لغة بني تميم قول الشّاعر :
وبلدة ليس
بها أنيس
|
|
إلّا
اليعافير وإلّا العيس
|
فاليعافير
والعيس ليست من الأنيس فهو مستثنى منقطع بعد إلّا مع رفعه على البدل ، وقد أجابوا
عن هذا البيت بأنّ المراد بالأنيس ما يؤانس ويلازم المكان فهو أعمّ من الإنسان ،
واليعافير والعيس بدل من الأنيس بدل البعض من الكلّ فلا يكون مستثنى منقطعا ،
وإنّما أوجب أهل الحجاز نصب المستثنى المنقطع لامتناع البدل فيه ، وليكون مخالفا
للمستثنى منه في الإعراب كما خالفه في الحكم والنّوع .
وكذلك يجب نصب
المستثنى بعد خلا وعدا عند الأكثرين نحو : جاءني القوم عدا زيدا أي عدا بعضهم زيدا ، وخلا
بعضهم زيدا بمعنى جاوز وجانب ، وقال بعضهم : إنّهما حرفا جرّ فيكون ما بعدهما مخفوضا ، والنّصب بخلا
وعدا هو المشهور.
ويجب نصب
المستثنى بعد ليس وما عدا وما خلا ولا يكون ، لأنّ ما مصدريّة
__________________
لا تدخل إلّا على الفعل فوجب أن يكون خلا وعدا فعلين وفاعلهما مضمر ،
والمستثنى مفعول به فوجب نصبه ، وأما ليس ولا يكون فلأنّهما فعلان ناقصان اسمهما
مضمر فيهما ، والمستثنى خبرهما فيجب نصبه ، كقولك : جاءني القوم ليس بعضهم زيدا
ولا يكون بعضهم عمرا . وكان القياس أن تورد هذه المفاعيل في المفعول به وفي
خبر كان وأخواتها ، لا في الاستثناء ولكن ذكرناها فيه حسبما ذكرها غيرنا .
ذكر جواز نصب المستثنى
يجوز نصب
المستثنى ويختار إبداله ، إذا وقع بعد إلّا في كلام غير موجب وذكر المستثنى منه
نحو : ما قام أحد إلّا زيد وزيدا ، برفعه على البدل من المستثنى منه ، ونصبه على
الاستثناء ، والمراد بغير الموجب الكلام الواقع في سياق النفي ، أو النهي ، أو
الاستفهام ، وخرج / بقوله : بعد إلّا ، ما هو بعد أخواتها لتعذّر البدل فيما
بعدهنّ ، وإنّما اشترط أن يكون في غير موجب ، لأنّه لو كان في كلام موجب لم يجز
البدل ، ووجب النّصب كما تقدّم ، وفي جعله بدلا إشكال من وجهين :
أحدهما : أنه
بدل البعض من الكل لعموم النكرة في سياق النفي أعني أحدا وبدل البعض لا بدّ فيه من
ضمير نحو : ضربت زيدا يده أو يدا له ، ولا ضمير إذا جعل بدلا ، إذ تقديره : ما قام
إلّا زيد ، فلا يصحّ البدل.
وثانيهما : أن
زيدا مثبت والمبدل منه منفيّ ، فيباين البدل المبدل منه وقد أجابوا عن ذلك بما لا يخلو من تكلّف ، فقالوا : أما
الضمير في زيد فهو محذوف مراد ، إذ التقدير : ما قام إلّا زيد منهم ، وإن اختلاف
الحكم نفيا وإثباتا لا يمنع البدليّة
__________________
قياسا على جواز اختلاف الصّفة والموصوف في الحكم كقولهم : مررت برجل لا
صالح ولا طالح .
ذكر الاستثناء المفرّغ
وهو المستثنى
الذي لم يذكر المستثنى منه معه ، وكان في كلام غير موجب غالبا ، ويعرب على حسب
العوامل نحو : ما جاءني إلّا زيد ، وما ضربت إلّا زيدا وما مررت إلّا بزيد ،
وإنّما كان في كلام غير موجب ليفيد أنّ المستثنى منه المحذوف عامّ ، لأنّ النكرة
تعمّ في سياق النفي ، فإنّ التقدير في نحو : ما ضربت إلّا زيدا ، ما ضربت أحدا
إلّا زيدا ، فلو جاء في كلام موجب وقال : ضربت إلّا زيدا لم يستقم ، لعدم جواز
تقدير : ضربت كلّ أحد إلّا زيدا فيستحيل تقدير المستثنى منه المحذوف عامّا فيمتنع
، فأمّا إذا أمكن تقدير المستثنى منه المحذوف عامّا في كلام موجب فإنّه يجوز وقوع
المفرغ في الموجب حينئذ نحو : قرأت إلّا سورة كذا ، وصمت إلّا يوم العيد ، لإمكان
قراءة القرآن كلّه إلّا تلك السورة ، وصوم كلّ الأيام إلّا يوم العيد فأمكن تقدير
المستثنى منه المحذوف عامّا ، فاستقام المعنى بخلاف : ضربت إلّا زيدا ، لاستحالة
تقدير ضرب جميع الناس ، وسمّي مفرّغا لأنّ العامل فرّغ له ، بحذف المستثنى منه ،
ومن جهة أنّ المعنى لا يستقيم في المفرغ إلّا في غير الموجب لم يجز : ما زلت إلّا
قائما ؛ لأنّ «ما» للنفي ، و «زال» للنفي ونفي النّفيّ ، إثبات ، فيؤدي إلى أن
يكون قائما مثبتا ـ لأنّه في سياق ما زال ـ منفيّا لأنّه بعد إلّا في كلام مثبت ؛
فيمتنع .
ذكر البدل على المحلّ
إذا تعذّر
البدل على اللفظ أبدل على المحلّ : والمذكور هنا لذلك ثلاثة أمثلة :
أحدها : ما
جاءني من أحد إلّا زيد ، فيجوز نصب زيد على الاستثناء ورفعه على البدل من محل أحد
، لأنّ محلّه الرفع بأنه فاعل جاءني ، ويمتنع البدل من لفظه ، لأنه
__________________
لو أبدل من لفظه كان التقدير : جاءني من زيد ، فتزاد من في الإثبات وهو غير
جائز عند سيبويه .
ثانيها : لا
أحد في الدار إلّا زيد ، ولا إله إلّا الله بالرفع على البدل من المحلّ ولا يجوز النّصب على البدل من لفظ أحد وإله خلافا
للزجاج ، وإنّما تعيّن البدل من المحلّ دون اللفظ ، لأنّ العامل لفظا لمّا كان لا
ـ وهي إنّما تعمل للنفي / وما بعد إلّا إذا وقع في سياق النفي كان مثبتا ، والبدل
في حكم تكرير العامل فلو قدّرت بعد إلّا ، لزم الجمع بين المتناقضين ، لأنّ «لا»
تقتضي نفي ما بعدها و «إلّا» تقتضي إثباته.
ثالثها : ما
زيد شيئا إلّا شيء لا يعبأ به ، فلا يجوز نصب شيء الثاني على البدل من لفظ شيئا
الأول الذي هو خبر ما ، إذ يبقى التقدير : ما زيد إلّا شيئا ، فيلزم تقدير ما
عاملة بعد إلّا وهي لا تعمل بعدها لانتقاض النفي ، فيتعذّر البدل على اللفظ ، فيجب
حمله على المحل ، ومحلّه رفع في الأصل قبل دخول ما بخلاف ليس فإنه يجب النصب في
مثل قولك : ليس زيد إلّا شيئا لا يعبأ به ، لأنّ ليس إنما عملت للفعليّة لا للنفي
، فهي مثل : ما كان زيد إلّا قائما ، وأما ـ ما ولا ـ فإنّهما إنما عملا للنفي ،
فإذا انتقض بنحو «إلّا» ، بطل عملهما ، فلذلك وجب النصب في قولك : ليس زيد إلّا
قائما وامتنع النصب في : ما زيد إلّا قائما .
والمستثنى بغير
وسوى وسواء لا يكون إلّا مخفوضا لأنّه مضاف إليه ، وكذلك حاشا على الأكثر وقلّ النصب بها نحو : اللهمّ اغفر لي ولمن سمع حاشا
الشيطان وابن الأصبغ . لأنّه حرف جرّ غالبا ، ومنهم من ينصب بحاشا على أنه
__________________
فعل بمعنى جانب بعضهم زيدا ، أي : فاعل من الحشا وهو الجانب
وسوى بكسر السين وضمّها مع القصر وبفتحها مع المدّ ظرف مكان عند سيبويه وإعرابها النّصب على الظرفيّة ، فتقول : جاء القوم سوى
زيد ، ومعناه جاء القوم مكان زيد ، وقال قوم حكمها حكم غير وعليه قوله :
ولم يبق سوى
العدوا
|
|
ن دنّاهم كما
دانوا
|
فسوى فاعل لم
يبق ، أي : لم يبق غير العدوان [ومما يذكر مع أدوات الاستثناء لا سيّما ، وإن لم تكن في الحقيقة أداة
استثناء لأنّ الاستثناء يثبت للمستثنى حكما ضدّ حكم المستثنى منه وليست لا سيّما كذلك ، لأنّها
تثبت للثاني حكم الأول بطريق الزيادة فإذا قلت : أحسن إليّ القوم لا سيّما زيد ، كان في
الكلام إيذان بأنّ زيدا كان أوفر القوم إحسانا ، ووجه ذكرها مع أدوات الاستثناء
أنّ ما بعدها يخالف ما قبلها في الإخراج من المساواة إلى الترجيح بإثبات الزيادة
له ، وكان حكمه غير حكم الأول ، واعلم أنّ لا سيّما ثلاث كلمات ، وهنّ : لا ، وسيّ
، وما. أما «لا» ، فعند أكثر النحويين هي التي لنفي الجنس وأما «سيّ» بكسر السين فهو المثل
__________________
وأما «ما» ، فقيل هي حرف زائد ، وقيل : هي اسم بمعنى الذي فإذا قلنا : إنّ لا في لا سيّما هي التي لنفي الجنس ،
كانت سيّ إمّا نكرة مبنية معها على الفتح ، أو معربة منصوبة مضافة إلى زيد مثلا ،
وما زائدة ، والخبر محذوف أي حاصل أو موجود ، والتقدير : لا مثل زيد موجود ، ويجوز
في الاسم الواقع بعد لا سيّما الرفع والنّصب والجرّ ، لكنّ الجرّ هو الكثير ،
والرّفع قليل والنّصب أقلّ .
وقد روي
بالوجوه الثلاثة قول امرىء القيس :
ألا ربّ يوم
لك منهنّ صالح
|
|
ولا سيّما
يوم بدارة جلجل
|
فالجرّ على أن
تكون ما زائدة والاسم مجرور بإضافة سي إليه ، والتقدير : لا مثل يوم ، والرّفع على
أن تكون ما موصولة مجرورة بإضافة سيّ إليها ، والاسم بعدها خبر مبتدأ محذوف ،
والتقدير : لا مثل الذي هو يوم بدارة جلجل. وهذه الجملة لا موضع لها من الإعراب ،
لأنّها صلة الموصول والنّصب على وجهين :
الأول : أن
يكون منصوبا بفعل محذوف ، وما زائدة أي لا مثل أعني يوما.
والثاني : على
أن تجعل لا سيّما بمنزلة إلّا فينتصب ما بعدها وهذا ضعيف ، لما بيّنّا من كونها
ليست بمنزلة إلّا في صدر هذا الكلام ، ويجوز تخفيف لا سيّما ، ويجوز أيضا حذف لا
منها للعلم بها كقولك : أكرمه النّاس سيّما زيد].
__________________
ذكر إعراب غير
وغير اسم
متمكّن يعرب إعراب المستثنى بإلّا ، فينصب في الموجب وفي التقديم وجوبا نحو : جاء
القوم غير زيد ، وما جاءني غير زيد أحد ، ويجب أيضا فيه النصب في المنقطع على لغة
أهل الحجاز نحو : ما جاءني أحد غير حمار ، ويختار فيه البدل في غير الموجب نحو :
ما جاءني أحد غير زيد ، ويعرب على حسب العوامل في المفرغ نحو : ما جاءني غير زيد ،
وما ضربت غير زيد ، وما مررت بغير زيد وما بعد غير مخالف لما قبلها في النفي والإثبات فهي
تشابه إلّا بذلك وغير أصل في باب الصّفة ، وهي دخيلة ومحمولة على إلّا في
الاستثناء ، وإلّا أصل في الاستثناء وهي دخيلة ومحمولة على غير في الصفة لكون إلّا
حرفا ، وأصل الحرف ألّا يقع صفة ، والفرق بين غير إذا استثني بها ، وبينها إذا
كانت صفة ، أنّها إذا استثني بها تقتضي إخراج ما بعدها ، وإذا كانت صفة دلّت على
المغايرة من غير إخراج ، فإنّه إذا قال : عليّ مائة درهم غير درهم ، بنصب غير لزمه
تسعة وتسعون : إذ التقدير له عليّ مائة إلّا درهما ، ولو قال : له مائة
غير درهم بالرفع لزمه المائة لعدم الإخراج ، إذ التقدير له عليّ مائة مغايرة لدرهم
ولا يجوز وقوع إلّا صفة / إلّا إذا تعذّر الاستثناء بها وذلك إنّما يكون
إذا كانت تابعة لجمع منكور غير محصور كقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما
آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فإلّا وقعت تابعة لآلهة وهي جمع منكور غير محصور فهي
صفة وإنما اشترط أن تكون تابعة ، لأنّها لو وقعت غير تابعة نحو : قام إلّا زيد
؛ بحذف الموصوف بمعنى ؛ قام رجال إلّا زيد ، لم يجز ذلك ، بخلاف قام غير زيد ،
فإنّه يجوز وإنّما افتقرت إلّا إلى وجود الموصوف دون غير لكون إلّا حرفا وهو
__________________
لا يقبل أن يلي العوامل فلا يجوز أن يقام مقام الموصوف كما جاز ذلك في غير
، لأنّه اسم متمكن ، ولذلك شبّه سيبويه إلّا إذا وقعت صفة بأجمعين في كونها لا تلي
العوامل فكما لا يقال : قام أجمعون بمعنى قام القوم أجمعون كذلك
لا يقال : قام إلّا زيد ، بمعنى قام رجال إلّا زيد ، وإنّما اشترط أن تكون إلّا
تابعة لجمع منكور نحو : جاءني رجال إلّا زيد ، لأنّها حينئذ تتعيّن للصّفة لامتناع
الاستثناء ، لأنّ شرط الاستثناء أن يدخل المستثنى وجوبا في المستثنى منه لو سكت
عنه ، ولا يدخل ما بعد إلّا هنا في رجال ، لأنّ رجالا نكرة في سياق الإثبات فلا تعمّ فلا يدخل المستثنى الذي هو زيد فيها ، لعدم العموم
بخلاف ما لو كانت إلّا تابعة لجمع معرّف نحو : جاء الرجال إلّا زيدا ، فإنّها لا
تكون حينئذ صفة لصحّة الاستثناء ، وإنّما اشترط أن يكون الجمع المنكور غير محصور ،
لأنّه لو كان محصورا لجاز الاستثناء نحو : له عليّ عشرة إلّا درهما وإنّما قلنا : إن إلّا في قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ
لَفَسَدَتا) صفة ، ولا يجوز أن تكون للاستثناء ، لأنّ الجمع المنكور
ليس بعامّ لما تقدّم ، لأنّه نكرة في سياق الإثبات فليس بعامّ ، ولذلك يصحّ إخراجه
من الجمع المعرّف نحو : جاءني رجال من الرجال دون العكس ، وإذا كان آلهة جمعا
منكرا لم يعمّ جميع الأفراد ، فلم يكن اسم الله مخرجا عنها ، وإذا لم يكن مخرجا لم
يكن استثناء فيتعيّن للصفة ، ومعنى وقوعها صفة أنّ ما بعدها مغاير لما قبلها دون
إخراجه ، ومنهم من جوّز وقوع إلّا صفة مع جواز الاستثناء نحو قوله :
__________________
وكلّ أخ
مفارقه أخوه
|
|
لعمر أبيك
إلّا الفرقدان
|
فإلّا الفرقدان
صفة لكل أخ ، وتقديره : وكلّ أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه ، وفيه شذوذان : أمّا أولا فلأنه وصف المضاف وهو كل ، والقياس وصف
المضاف إليه كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ
الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) وأمّا ثانيا فلأنّه فصل بين الصّفة والموصوف بالخبر
الذي هو مفارقه أخوه وهو ضعيف ، وكان قياسه إلّا الفرقدين نصبا على الاستثناء.
ذكر خبر كان وأخواتها
وهو رابع
المنصوبات المشبّهات بالمفعول ، وهو المسند بعد دخول كان أو إحدى أخواتها ، فقولنا
: المسند ، يشمل خبر المبتدأ وخبر إنّ وما / ولا ، وغيرها وقولنا : بعد دخول كان
أو إحدى أخواتها ، يخرج ذلك جميعه وذلك نحو : كان زيد قائما ، فقائما هو المسند
بعد دخول كان ، ويجوز تقديم خبر كان على الاسم ، وإن كان معرفة لعدم اشتباهه
بالاسم ، لاختلافهما في الإعراب تقول : كان أخاك زيد ، بخلاف خبر المبتدأ ، فإنّه
إذا كان معرفة لم يجز تقديمه ، ولكن إذا التبس خبر كان باسمها لم يجز تقديمه أيضا نحو : كانت الحبلى السّكرى ، ويجوز حذف عامل خبر كان في
مثل «النّاس مجزيّون بأعمالهم إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ» ، وفي مثله أربعة أوجه :
نصب الأوّل
ورفع الثاني : وهو أقواها لقلّة الحذف وتقديره ، إن كان عمله خيرا
__________________
فجزاؤه خير.
والثاني : رفع
الأول ونصب الثاني ؛ وهو أضعفها ، لكثرة الحذف وتقديره : إن كان في عمله خير ، كان
جزاؤه خيرا.
والثالث :
رفعهما وتقديره : إن كان في عمله خير ، فجزاؤه خير.
والرابع :
نصبهما والتقدير : إن كان عمله خيرا كان جزاؤه خيرا .
وتحذف كان
وجوبا في مثل : أمّا أنت منطلقا انطلقت وتقديره : لأن كنت منطلقا انطلقت فحذفت
اللام الجارة من «أن» على المألوف في كلامهم ثمّ حذفت «كان» لجواز حذفها في كلامهم
، فوجب العدول من الضمير المتّصل إلى المنفصل ، فصار : أن أنت منطلقا ، فزادوا «ما»
على «أن» للتأكيد ، وليكون كالبدل عن كان فصار : أن ما أنت منطلقا ثم قلبت النون
ميما وأدغمت الميم في الميم فصار : أمّا أنت منطلقا انطلقت. ووجب حذف كان ، لأنّ «ما»
عوض عنها ، فلو ذكرت لزم اجتماع العوض والمعوّض وهو غير جائز
وقد تحذف كان
جوازا مع الاسم كقولك : فقيها ، لمن قال : كان زيد ، ومع الخبر كقولك : زيد ، لمن
قال : من كان صاحبك ، ومع الاسم والخبر ، كقولك : نعم لمن قال : هل كان زيد قائما.
ذكر اسم إنّ وأخواتها
وهو خامس
المنصوبات المشبّهات بالمفعول ، وهو المسند إليه بعد دخول إنّ أو إحدى أخواتها ،
ومثاله : إنّ زيدا قائم ، فزيد هو المسند إليه بعد دخول إنّ ، وحكمه حكم المبتدأ
إلّا في تأخيره ، إلّا إذا كان الخبر ظرفا ، نحو : إنّ في الدّار زيدا
__________________
ذكر منصوب لا التي لنفي الجنس
وهو سادس
المنصوبات المشبّهات بالمفعول ، ومنصوب لا التي لنفي الجنس ، هو المسند إليه بعد
دخولها ، يليها نكرة ، مضافا أو مشبّها به ، وإنّما اشترط أن يليها ، لأنّه إذا
فصل بين الاسم وبين لا ، لم ينصبه كما يجيء ، واشترط أن يكون نكرة ، لأنّه إذا كان
معرفة لم ينصب كما سيجيء ، واشترط أن يكون مضافا أو مشبّها به لأنه لو كان نكرة
مفردة ، كان مبنيّا كما يجيء ، ومثال المضاف : لا غلام رجل في الدّار ، ومثال
المشبّه بالمضاف : لا عشرين درهما لك ، ومشابهته للمضاف من حيث إنّ ما بعدهما /
متمّم ومخصص لهما ، وتحقيق المشبّه بالمضاف أن تكون لا داخلة على اسم عامل فيما
بعده نصبا أو رفعا ، مثال الناصب نحو : لا ضاربا زيدا عندك ، ومثال الرافع نحو :
لا حسنا وجهه عندك لأنّ الاسم إن عمل فيما بعده جرّا فهو مضاف ، وإن عمل
غير الجرّ فهو مشابه للمضاف.
وإن كان الاسم
الذي يليها مفردا بني على ما ينصب به ، والمراد بالمفرد ما لا يكون مضافا ولا
مشبها به فإن كان نصبه بالفتح بني على الفتح ، نحو : لا غلام في
الدّار ، وإن كان نصبه بالياء بني على الياء نحو ؛ لا غلامين لك ، ولا مسلمين لك وإن كان نصبه بالكسر بني على الكسر نحو : لا مسلمات في
الدّار ، وإنّما بني الاسم المذكور لتضمّنه معنى حرف الجرّ لأنّ قولك : لا رجل في
الدّار ، جواب سؤال مقدّر ، كأنّه قال : هل من رجل في الدّار فكان من الواجب أن يقال : لا من رجل في الدّار ، ليطابق
الجواب السؤال فحذف «من» ، وقيل : لا رجل في الدّار ، فبني لتضمّنه معنى «من»
وأفاد تضمّن الاسم معنى من بعد النفي ، الاستغراق والعموم ، وإذا كان الاسم معرفة ، أو فصل بينه وبين لا ، وجب
رفعه على الابتداء وتكريره تقول : لا زيد في الدار ولا عمرو ، ولا في الدار رجل
ولا امرأة ، وإنّما وجب رفع المعرفة ، لأنّ لا
__________________
لا تعمل إلا في النكرات لكونها لنفي الجنس وأما وجوب رفع المفصول فلبطلان عملها بالفصل ، ووجب
التكرير لأنّه جواب أزيد في الدّار أم عمرو ، وأفي الدّار رجل أم امرأة ، فوجب
التكرير في الجواب ليكون مطابقا للسؤال ، فإن قيل : فقد ورد قولهم : قضيّة ولا أبا حسن لها ، فأبا حسن معرفة من غير رفع ولا
تكرير ، فالجواب : أنه متأوّل والتقدير : قضيّة ولا مثل أبي حسن لها ، فحذف المضاف
وأقيم المضاف إليه مقامه ولا شكّ أنّ مثل أبي حسن نكرة لأنّ «مثل» ، لا تكتسب من
المضاف إليه التعريف كما يجيء .
وإذا كرّرت «لا»
من غير فصل نحو : لا حول ولا قوّة ، جاز في الاسم خمسة أوجه :
أحدها : بناء
الاسمين معا على الفتح نحو : لا حول ولا قوّة فكلّ واحد منهما جملة مستقلّة ،
وخبرها محذوف أي لا حول إلّا بالله ولا قوّة إلّا بالله.
وثانيها : بناء
الأول على الفتح ونصب الثاني عطفا على لفظ الأوّل ولا زائدة قال :
__________________
لا نسب اليوم
ولا خلّة
|
|
اتّسع الخرق
على الرّاقع
|
وثالثها : بناء
الأول على الفتح ورفع الثاني ؛ إمّا بالعطف على موضع لا مع اسمها ، لأنّهما في
محلّ الابتداء ، أو إنها بمعنى ليس أي لا حول لنا وليس قوّة إلّا بالله ، قال :
...
|
|
لا أمّ لي إن
كان ذاك ولا أب
|
ورابعها :
رفعهما معا كقولك : لا حول ولا قوّة ، وذلك إمّا ليكون الجواب مطابقا للسؤال وهو :
أحول لك أم قوّة ، أو على أنّها بمعنى ليس فيهما .
وخامسها : رفع
الأول على أنّها بمعنى ليس وهو / ضعيف وفتح الثاني على انّه بني على الفتح ، إمّا لأنّ شرط
رفع ما يليها التكرير ، ولا تكرير هنا ، أو لأنّ استعمال لا بمعنى ليس ضعيف.
وإذا دخلت
الهمزة على لا التي لنفي الجنس لم يبطل عملها لأنّ همزة الاستفهام لا تغيّر عمل العامل كما في لم
كقولك : ألم يقم زيد ، قال الشّاعر :
__________________
حار بن كعب
ألا أحلام تزجركم
|
|
...
|
ببناء أحلام
على الفتح ، ويكون معناها مع الهمزة حينئذ الاستفهام نحو : ألا رجل في الدّار ،
والعرض : ألا نزول عندنا ، والتمنّي نحو : ألا ماء أشربه ، فيبنى رجل ونزول وماء في هذه المواضع مع لا على الفتح
، كما كان قبل دخول الهمزة ، وأمّا قول الشاعر :
ألا رجلا
جزاه الله خيرا
|
|
يدلّ على
محصّلة تبيت
|
فرجل منصوب
بفعل مضمر ، أي ألا ترونني رجلا ، وألا في هذا الموضع للتحضيض بمنزلة هلّا ، أي
هلّا ترونني رجلا .
ونعت المبني إذا كان نعتا أوّلا مفردا يلي المنعوت يجوز فيه بناؤه على الفتح ، نحو : لا رجل ظريف ، لأنّ الموصوف
والصفة كالشيء الواحد ، ويجوز إعرابه بالرّفع حملا على محلّ المبني ، نحو : لا رجل
ظريف لأنّ لا مع المبني في محلّ الرفع بالابتداء ، ويجوز إعرابه بالنصب حملا على
لفظ المبني ، نحو : لا رجل ظريفا واحترز بقوله : نعت المبني ، عن نعت المعرب ؛ فإنّه لا
يكون إلّا معربا منصوبا. نحو : لا غلام رجل ظريفا في الدار ، وبقوله : أوّلا ، عن
النّعت الثاني وما بعده لأنّه لا يكون إلّا معربا نحو : لا رجل ظريف عاقلا
وعاقل في الدار ، وبقوله : مفردا ، عن
__________________
النّعت المضاف نحو : لا رجل ذو مال وذا مال ، لأنّ اسم لا إذا كان مضافا
تعيّن إعرابه فنعته إذا كان مضافا كان أولى بالإعراب ، وبقوله : يلي المنعوت ، عن
النعت الذي يفصل بينه وبين المنعوت فاصل ، نحو : لا رجل في الدار ظريف وظريفا ،
فإنّه لا يكون فيه إلّا الإعراب ، ويجوز أن يعطف على لفظ المبنيّ وعلى محلّه نحو :
لا غلام وجارية ، برفع جارية على محلّ لا غلام ، وبنصبها على لفظه ، ومما حمل على
اللّفظ قول الشّاعر :
فلا أب وابنا
مثل مروان وابنه
|
|
...
|
مع جواز رفعه
عطفا على المحلّ ، ولا فرق في ذلك بين أن تكرّر لا أو لا تكرّرها كلا أب وابنا ولا أب ولا ابنا ، فإنّ الحكم واحد في
جواز رفعه ونصبه ، وكان القياس يقتضي وجوب البناء في المعطوف على اسم لا ، مثل :
يا زيد ويا عمرو ، فإنّ المعطوف الذي هو عمرو مبنيّ على الضمّ ليس إلّا ، لكونه
معطوفا على المنادى المضموم ، فالمعطوف على اسم لا مع تكريرها ، كان ينبغي أن يكون
كذلك والنّكرة المفردة إذا ذكر بعدها ما يصحّ إضافتها إليه وفصل بينهما باللام
المضيفة نحو : لا أب لزيد ، ولا غلامين لك ففيه لغتان :
فالأولى : وهي
الفصيحة أن تبقى النكرة على بنائها ، فتقول : لا أب لك ولا غلامين لك ، بثبوت نحو
: نون التثنية ، وحذف الألف من أب.
واللّغة
الثانية : أن تعطى حكم المضاف لمشاركتها للمضاف في أصل المعنى فيقال : لا غلامي له
، بسقوط النون وما أشبهها ، تشبيها لهذه النكرة بالمضاف لمشاركتها له في أصل معناه
، لأنّ معنى قولك : غلام زيد ، غلام لزيد ، فلمّا شبّهت /
__________________
به أجّريت مجراه في الأحكام المذكورة.
واعلم أنّ نحو
: لا أبا له ولا غلامي له ، ليس بمضاف إلى الضمير كما ذهب إليه سيبويه من أنّه مضاف إلى الهاء واللّام زائدة لتأكيد الإضافة ،
لفساد المعنى ، إذ يبقى معناه لا أباه ، فتبقى لا ، بلا خبر ، وتعمل في المعارف
وهو غير جائز وعلى هذه اللغة الثانية يأتي لفظ هذه النكرة مثل لفظ
المضاف في أي موضع وجد ، لكن يظهر أثر هذه اللغة الثانية في الأسماء الخمسة وهي :
أبوه وأخوه وحموه وهنوه وفوه ، وأمّا ذو فلا تجري هذا المجرى ، ويظهر أيضا في
التثنية ، والجمع الصحيح لأنّ إعراب الأسماء الخمسة مضافة في النصب بالألف وفي
الإفراد بالفتح وإعراب التثنية والجمع الصحيح المذكّر في الإضافة بسقوط نونه ، وفي
الإفراد بثبوتها ، قال ابن الحاجب : والظاهر أنّ جمع المؤنّث الصحيح كذلك ؛ فإنّ تنوينه
يحذف في الإضافة كقولك : ضارباتك ، ويثبت في الإفراد نحو : لا ضاربات في الدار
فتقول على هذه اللغة الثانية : لا أبا لزيد ، وكذلك لا أخا ، ولا هنا ، ولا حما ،
ولا فا ، لزيد ، ولا ناصحي لخالد ، ولا ضاربات لزيد ، فتثبت الألف في الأسماء
الخمسة كما تقول : رأيت أبا زيد وأخاه إلى آخرها وتسقط نون التثنية في قولك : لا
ناصحي لخالد ، كما تقول : رأيت ناصحي خالد وكذلك تسقط نون الجمع ، في قولك : لا
ناصحي لخالد ، كما تقول : رأيت ناصحي خالد ، وكذلك يسقط تنوين جمع المؤنّث في قولك
: لا ضاربات لزيد ، كما تقول : رأيت ضارباتك ، وغير الأسماء الخمسة والتثنية
والجمع السّالم ، لا يختلف لفظه في اللغتين ؛ ألا ترى أنّك إذا قلت : لا غلام لزيد
، وقدّرته مفردا ، وجبت له الفتحة لوجوب بنائه على ما ينصب به ، وإذا شبّهته
بالمضاف أعربته بالنصب وهو مضاف فلم يكن له غير الفتحة ، ولكن تقدّر في لغة
الإفراد الفتحة للبناء ، وفي لغة التشبيه بالمضاف فتحة إعراب بالنّصب ، وإن ذكر
بعد النكرة ما لم يصحّ إضافتها إليه نحو : لا أب فيها ، ولا رقيبين عليها ، لم يكن
فيه إلّا البناء وسقطت
__________________
لغة التشبيه بالمضاف لزوال اللّام المقتضية للتشبيه بالمضاف .
واعلم أنّه
يجوز حذف اسم لا في مثل : لا عليك أي لا بأس عليك .
ذكر خبر ما ولا المشبّهتين بليس
وهو سابع
المنصوبات المشبّهات بالمفعول ، وهو الذي يخبر به بعد دخولهما ، وينصب في لغة أهل
الحجاز ، قال الله تعالى : (وَقُلْنَ حاشَ
لِلَّهِ ما هذا بَشَراً) وبنو تميم لا يعملونهما لعدم اختصاصهما ، أي لدخولهما على الاسم والفعل ، ويبطل عمل ما ولا في
أشياء :
أحدها : إذا
انتقض النفي بإلّا نحو : ما زيد إلّا قائم ، ولا رجل إلا أفضل منك لفقد ما عملتا لأجله وهو النّفي.
وثانيها : إذا
تقدّم خبرها على اسمها نحو : ما قائم زيد ، لضعفها في العمل .
وثالثها : إذا
زيدت إن بعد ما نحو : ما إن زيد قائم ، لضعف عملها بالفصل بينها وبين معمولها ومنه قوله :
__________________
وما إن طبّنا
جبن ولكن
|
|
منايانا
ودولة آخرينا
|
وإذا عطف على
خبر ما ولا بحرف عطف موجب نحو : بل ولكن ، بطل عملهما في المعطوف ، لبطلان النفي
الذي هو سبب عملهما ، ووجب الرّفع حملا على محلّ خبر ما ولا من حيث هو خبر
المبتدإ في الأصل نحو : ما أنت مخالفا بل طائع ولكن طائع ، وما زيد قائما
بل قاعد.
ذكر المجرورات
المجرور ما
اشتمل على علم المضاف إليه وهو قسمان : أحدهما : مجرور بحرف الجرّ وسيأتي في قسم
الحرف والثاني : المضاف إليه وهو كلّ اسم ملفوظ أو مقدّر ، نسب إليه شيء بواسطة
حرف جرّ لفظا أو تقديرا مرادا ، فمثال الاسم الملفوظ زيد في : غلام زيد ، والمقدّر
في نحو قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ
الرُّوحُ) إذ تقديره يوم قيام الروح ، وقوله : نسب إليه شيء
بواسطة حرف الجرّ ، احتراز عن الإضافة اللفظيّة مثل : زيد ضارب عمرو ، فإنّ المضاف
إليه فيها نسب إليه المضاف الذي هو الصّفة لا بواسطة حرف جرّ ، وقوله : لفظا أو
تقديرا تفصيل لحرف الجر ، فاللفظيّ نحو : مررت بزيد ، وأنا مار بزيد ، والتقديريّ نحو اللام في : غلام زيد ، ومن في : خاتم فضّة وشرط المضاف إليه المجرور بواسطة حرف الجرّ التقديري أن
يكون مضافه اسما حذف تنوينه أو ما يقوم مقام التنوين لأجل الإضافة ، وقوله : مرادا احتراز عن الظّرف نحو : صمت يوم الجمعة
، لأنّ يوم الجمعة نسب إليه
__________________
شيء وهو صمت بواسطة حرف الجر وهو في ، وليس ذلك الحرف مرادا ، وإلّا كان
يوم الجمعة مجرورا لا يقال : قولكم : إنّ المضاف إليه لا يكون إلّا اسما لفظا أو
تقديرا وقد أضيف نحو : حيث وإذا ، إلى الجمل في قولهم : جلست حيث جلس زيد ، وليست
الجملة اسما لا لفظا ولا تقديرا ، لأنّا نقول : إنّ هذه الجملة مؤوّلة بالاسم
المفرد ، إذ تقديره : جلست حيث جلوس زيد ، أي مكان جلوسه ، والإضافة نوعان :
معنوية ولفظية.
ذكر الإضافة المعنويّة
وهي أن يكون
المضاف غير صفة مضافة إلى معمولها ، وهو على ثلاثة أضرب : أحدها : بمعنى من ،
وشرطها : أن يكون المضاف نوع المضاف إليه نحو : خاتم فضّة ، وباب ساج.
وثانيها :
بمعنى في ، وشرطها : أن يكون المضاف اسما مضافا إلى ظرفه نحو ضرب اليوم و (مَكْرُ اللَّيْلِ) وهو قليل .
وثالثها :
بمعنى اللّام وهو ما عدا هذين القسمين نحو : غلام زيد ، وغلامه ، والفرق بين
الإضافة بمعنى اللّام ، ومعنى من ، أنّ التي بمعنى اللّام لا يصحّ الإخبار بأحد
الاسمين عن الآخر ، ولا يكون المضاف نوعا من المضاف إليه ، ولا يجوز أن ينتصب
المضاف إليه على التمييز من المضاف ، والتي بمعنى من على العكس من ذلك كلّه وشرط الإضافة أن يكون المضاف خاليا عن التعريف ، وأجاز الكوفيون : الخمسة الأثواب ونحوه من العدد
ومنعه البصريون كغيره لأنّه لو أضيف المعرّف
__________________
إلى معرفة كان جمعا بين تعريفين ، وإن أضيف إلى نكرة حصل من المعرفة تعيين
المسمّى ، ومن النكرة ، عدم / تعيينه فيتنافيان.
قال ذو الرمة :
وهل يرجع
التسليم أو يكشف العمى
|
|
ثلاث الأثافي
والدّيار البلاقع
|
وكذلك حكم
إضافة العدد ، تقول : مائة الدّرهم ومائتا الدينار ، وثلاثة مائة الدّرهم ، وألف
الرجل ، وثلاثة آلاف الرجل ، وعلى ذلك جميع ما هو من هذا الباب.
ذكر الإضافة اللفظيّة
وهي أن يكون
المضاف صفة مضافة إلى ما كان معمولا لها ، مثل : عمرو ضارب زيد ، وعظيم الحظّ ،
وحسن الوجه ، وأصله ضارب زيدا ، وعظيم حظّه وحسن وجهه ، والمعنى في الإضافة
اللفظيّة على ما كان عليه لو لم يضف لأنّها لا تفيد غير تخفيف اللفظ وهو حذف التنوين أو ما يقوم مقامه ، واحترز بقوله : صفة مضافة إلى معمولها ، من الصفة
المضافة إلى غير معمولها نحو : مصارع مصر ، فإنّ إضافته معنويّة ، لأنّ مصر ليس
بمعمول مصارع ، وكذلك المصدر المضاف إلى الفاعل أو المفعول إضافته معنويّة ، لأنّ المصدر ليس بصفة نحو : دقّ القصّار
__________________
الثوب أو دقّ الثوب القصّار ، وكذلك نحو : هذا مضروب زيد وضارب زيد أمس ، وزيد أفضل
القوم ، فإنّ ذلك كلّه إضافة معنويّة ، لأنّ المراد بالصفة المضافة إلى معمولها ،
أنّ المضاف كان رافعا أو ناصبا للمضاف إليه قبل الإضافة ، ومعلوم أنّ هذه الصفة
ليست كذلك ، لأنّ ضارب شرط عمله أن يكون للحال أو للاستقبال ، فإذا قلت : أمس
انتفى عمله وأما مضروب وأفضل فإنّهما أيضا لم يكونا رافعين ولا ناصبين للمضاف إليه
قبل الإضافة .
والإضافة
اللفظيّة لا تفيد تعريفا لأنه يجوز جعل المضاف إضافة لفظيّة صفة للنكرة دون
المعرفة ، نحو : مررت برجل حسن الوجه ، وبرجل ضارب زيد ، فلو لا أنّه نكرة لما وصف به النكرة ، ويمتنع أن توصف
به المعرفة فلا يقال : مررت بزيد ضارب عمرو ، على أن يكون صفة ولو كان معرفة لوصف
به المعرفة ويجوز : الضاربا زيد ، والضاربو زيد ، وفي التنزيل (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) لإفادته التخفيف وهو حذف النون ، ويمتنع : الضارب زيد ،
لعدم وجود التخفيف بهذه الإضافة والفرّاء جوّزه ، قالوا : وللفرّاء أن يحتجّ بأنّ التنوين حذف للإضافة
، وأنّ الألف واللام ، دخلتا بعد الإضافة ، فإن قيل : فالواجب أن يمتنع الضارب الرجل كما امتنع
الضارب زيد ، لعدم التخفيف ، فالجواب : أنّ الضارب الرجل مشبّه بالحسن الوجه ، من
حيث إنّ المضاف في الصورتين صفة ، والمضاف إليه معرّف باللام ، وكذا إن
__________________
قيل : إن الضار بك جائز وهو مضاف إلى المضمر مع عدم التخفيف ، فهو كالضارب
زيد ، فيجاب : بأنّه محمول على ضاربك ، وضاربك مضاف باتفاق ، وتخفيفه تقديري ، إذ
لم ينطق باسم فاعل عامل نصبا في مضمر متصل ، لأنّ اسم الفاعل لا يعمل نصبا إلا إذا كان منوّنا /
ولو كان منوّنا لامتنع اتصال الضمير به ، ولكن يقدّر أنّ أصله كان ضاربنك ، بتنوين
اسم الفاعل ، ثمّ حذف التنوين وأضيف إضافة لفظيّة فبقي : ضاربك ، فقد أفاد تخفيفا
تقديريا ، ولمّا كان لم ينطق به لم ينظر إلى التخفيف فيه .
ذكر ما يمتنع إضافته
لا يجوز إضافة
الصفة إلى موصوفها فلا يقال في رجل قائم : قائم رجل ، لأنّ الصفة اسم منسوب إلى ما
قبله ، والمضاف منسوب إلى ما بعده فيتنافيان ، وكذلك عكسه فلا يضاف الموصوف إلى
صفته لأنّ المضاف مقصود به الذات والصفة مقصود بها المعنى فيتنافيان ، وأيضا فلا
يستقيم في الصورتين تقدير حرف الجرّ ، وما ورد في إضافة الصفة إلى الموصوف في
قولهم : أخلاق ثياب ، فموّؤل عند البصريين وهو أنّهم قالوا : ثياب أخلاق ، فحذفوا
الموصوف فبقي أخلاق محتملا أن يكون ثيابا أو غيرها ، فأضافوه إلى ما يبيّنه كإضافة
ثوب إلى خزّ وكذلك ما أشبهه نحو : سحق عمامة وجرد قطيفة وقولهم : مسجد الجامع ظاهر في إضافة الموصوف إلى صفته
وتأويله : بالوقت أي مسجد الوقت الجامع ، فحذف الوقت وأضيف الجامع إلى صفة الوقت وكذلك ما أشبهه مثل : جانب الغربي ، وبقلة الحمقاء ،
موؤّل بجانب المكان الغربي ، وبقلة الحبّة الحمقاء ، لأنّه كما توصف البقلة
بالحمقاء ، توصف الحبّة
__________________
التي تنبتها ولا يضاف أحد الاسمين المماثلين في العموم والخصوص إلى
الآخر ، لعدم الفائدة نحو : ليث أسد في الأعيان ، وحبس منع في المعاني ، وكذلك
المتساويان كالإنسان والناطق بخلاف : كلّ الدراهم فإنّهما ليسا بمتماثلين لأنّ
المضاف إليه وهو الدراهم أخصّ من المضاف الذي هو كلّ ، فيكون ذلك من قبيل إضافة
العامّ إلى الخاصّ ، فيختصّ المضاف بالمضاف إليه فيفيد ، وكذلك عين الشيء فإنّ ذلك
الشيء المضاف إليه العين أخصّ من العين ، لأنّه إما ذهب أو شخص أو معنى أو غير ذلك
، نحو : عين الذّهب ، وعين الشّخص وعين الصّواب ، لأنّ الشيء عبارة عمّا ذكرناه ،
فيصحّ ، لأنّه من باب إضافة العامّ إلى الخاصّ كما ذكرنا.
ذكر إضافة الاسم الصحيح والملحق به
الاسم الصحيح
هو ما لم يكن حرف إعرابه ألفا ولا ياء خفيفة قبلها كسرة ، والملحق بالاسم الصحيح
ما آخره واو ، أو ياء قبلها ساكن نحو : دلو وظبي ، أو ياء مشدّدة نحو : كرسيّ
وبختيّ وإنّما أجريت الواو والياء إذا سكّن ما قبلهما مجرى
الصحيح ، لأنّ ما قبلهما ساكن والساكن موقوف عليه ، فوجب تحريك الياء والواو بعده
لأنّهما في حكم المبدوء به ولا يبدأ بالساكن ، فإذا أضيف الصحيح أو الملحق به إلى
ياء المتكلّم ، كسر آخره للمجانسة التي بين الكسرة والياء ، وجاز في ياء المتكلّم
حال الإضافة : الفتح والسكون ، أمّا فتحها فقيل : لأنّها اسم على حرف وسكونه إجحاف
فحرّك قياسا على أكثر الضمائر نحو : كاف الخطاب ، وأما سكونها / فلأنّ الأصل في
البناء السكون فتقول : غلامي ودلوي وظبيي بفتح الياء ، وسكونها ،
__________________
وأما الأسماء التي ليست صحيحة ولا ملحقة بالصحيحة فهي الأسماء المقصورة
والمنقوصة كما سنذكر.
ذكر إضافة المقصور والمنقوص
اعلم أنّ الاسم
إمّا أن يكون صحيحا أو ملحقا به ، أو لا يكون صحيحا ولا ملحقا به ، وقد مرّ حكم
الصحيح والملحق به ، وأمّا الذي لم يكن صحيحا ولا ملحقا به ، فآخره إمّا ألف أو
ياء أو واو ، أما ما آخره ألف ويقال له : المقصور ، فإذا أضيف إلى ياء المتكلّم
ثبتت الألف فتقول في عصا ورحى ومعلى ونحو ذلك : عصاي ورحاي ومعلاي ، قال الله تعالى : (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) وهذيل تقلب الألف في الإضافة إلى أصلها وتدغمها في ياء
المتكلّم فتقول : عصيّ ورحيّ ، قال أبو ذؤيب الهذليّ من قصيدة يرثي بها أولاده :
سبقوا هويّ
وأعنقوا لهواهم
|
|
فتخرّموا
ولكلّ جنب مصرع
|
إلّا أن تكون
الألف للتثنية فلا تقلبها وتثبت بالاتفاق نحو : غلاماي لما فيها من الدلالة على التثنية والرفع ،
وهذا الحكم إنّما هو جار في المعرب ، وأمّا المبنيّ نحو : لدى وعلى ، فألفه تقلب
ياء مطلقا ، وأمّا ما آخره ياء والمراد به ما آخره ياء
__________________
خفيفة قبلها كسرة ويقال له : المنقوص ، فإذا أضيف إلى ياء المتكلّم أدغمت
ياؤه في ياء المتكلم ، فتقول في قاضي ونحوه : قاضيّ وكذا في مثنّاه ومجموعه ، لأنّ
نون التثنية والجمع تسقط في الإضافة فإن لم تكن الياء الأولى ساكنة ، سكّنت ثمّ
أدغمت في ياء المتكلّم ، وأما ما آخره واو ولا يكون إلّا في رفع جمع المذكّر
السّالم نحو : مسلمون وقاضون ، فإذا أضيف إلى ياء المتكلّم بقي : مسلموي اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما فقلبت
الواو ياء ، وأدغمت الياء في ياء المتكلّم وأبدلت ضمّة الميم كسرة ، بقي مسلميّ
وقاضيّ وإنّما خصّصنا جمع المذكّر السّالم المرفوع بالذكر ،
لأنّه ليس في كلامهم اسم معرب آخره واو قبلها ضمّة لازمة ، واحترز بقوله لازمة عن «ذو» لزوالها مع الألف في النصب ومع الياء في الجرّ.
وإذا أضيفت
الأسماء الخمسة إلى المتكلّم ، قيل : أبي ، وأخي ، وحمي ، وهني وفي ،
وأجاز المبرّد أخيّ وأبيّ بتشديد الياء لأنّه ردّ المحذوف من أخ وأب فصار : أخوي وأبوي ،
استثقلت الكسرة على الواو فحذفت فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت
الواو ياء وأدغمت في ياء المتكلّم واستشهد بقول الشّاعر :
...
|
|
وأبيّ مالك
ذو المجاز بدار
|
__________________
وردوه بأنّ
أخيّ وأبيّ بالتشديد جمع سلامة وأصله : أخون وأبون فحذفت النون للإضافة وقلبت واو
الجمع ياء وأدغمت في ياء المتكلّم على القياس كما فعلوا في مسلميّ ، واستشهدوا على
ذلك بقول الشاعر :
ضربت أخيك
ضربة لا جبان
|
|
ضربت بمثلها
قدما أبيكا
|
أراد أخينك
وأبينك / فحذف النون للإضافة فبقي : أخيك وأبيك ، وأمّا «ذو» فإنّها لا تضاف إلى
مضمر ولا تقطع عن الإضافة ، وإنّما لم تضف ذو إلى المضمر ، لأنّها جعلت وصلة إلى
الوصف باسم الجنس نحو : مال وعلم كما جعلوا الذي وصلة إلى وصف المعارف
بالجمل ، وهمزة الوصل وصلة إلى النطق بالساكن ، والفاء وصلة إلى المجازاة بالجملة
الإسميّة ، وأيا وصلة إلى نداء ما فيه اللام ، والوصل في كلامهم كثير ، فلمّا كان
ذو وصلة إلى الوصف لم تكن وصفا بل ما بعدها هو الوصف ، والمضمر لا يوصف به ولا
يوصف ، فلم يدخل على المضمر إلّا شاذّا نادرا نحو : صلّ على محمّد وذويه ، وكذا ما روي :
إنّما يعرف
ذا الفض
|
|
ل من النّاس
ذووه
|
وإنّما لم تقطع
ذو عن الإضافة لأنّها وصلة إلى ما بعدها ، وهو المقصود لا هي ، فلو قطعت لخرجت عن
وضعها ، وفي إضافة الفم لغتان :
إحداهما : فمي
، لأنّه في الإفراد فم ، والثانية : فيّ وهو الفصيح ، لأنّ ميم الفم أبدلت من
الواو في الإفراد على ما سنذكره في قسم التصريف وإذا زال الإفراد بالإضافة رجعت الواو فصار فوي ،
فاجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في
الياء وكسر ما قبل الياء للمجانسة فصار
__________________
فيّ ، وإذا قطعت هذه الأسماء عن الإضافة كان إعرابها
بالحركات الثلاث ، فتقول : هذا أخ وأب وحم وهن وفم ، ورأيت أبا وأخا وحما وهنا ،
ومررت بأخ وأب وحم وهن وفم بفتح الفاء من فم على الأفصح ، ويجوز كسرها ، وضمّها
بتشديد الميم ، وتخفيفها وفي حم لغات غير ما تقدّم منها : أن تجري مجرى خبء ،
تقول حمء وحمؤك بالهمز فيهما كما تقول خبؤك ، والخبء ما خبيء ، وخبء السموات ،
القطر ، وخبء الأرض. النّبات ومنها : أن تجرى مجرى دلو وعصا تقول : حمو وحموك مثل
: دلو ودلوك ، وحما وحماك مثل : عصا وعصاك ، ويجوز في هن ، أن تجري مجرى يد ، تقول
: هنك كما تقول يدك فتخالف اللغة الأولى في الإضافة ، لأنّ الأولى في الإضافة هنوك
، وأمّا في الإفراد فمتّفقتان في اللفظ ، لأنّ كلّا منهما هن .
ذكر بقيّة الكلام على الإضافة
وهي عدّة مسائل
:
منها : أنّ
الإضافة المعنويّة بمعنى في لم يثبتها صاحب المفصّل ، ولذلك شرط إذهاب تقدير في حتّى تبقى نسيا منسيا ،
وزعم أنّ الاسم يضاف إلى ظرفه بدون تقدير في ويؤوّل نحو :
يا سارق الليلة أهل الدّار
بأنّه سرق
الليلة نفسها على سبيل المبالغة.
__________________
ومنها : أن
الإضافة المعنويّة تفيد تعريفا مع معرفة المضاف إليه إلّا إذا توغّل المضاف في الإبهام نحو : غير وشبه ومثل
، إلّا إذا اشتهر المضاف بمغايرة المضاف إليه نحو : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ) أو بمماثلته نحو : مررت بزيد مثل عمرو إذا اشتهر
بمماثلته .
ومنها : أنّ
شرط الإضافة المعنويّة تجريد المضاف من التعريف بأن تزال اللام من المعرّف باللام
، ويؤوّل العلم بواحد من الأمة المسمّاة به نحو : ربيعة الفرس .
ومنها / ما ورد
من إضافة الاسم إلى مماثله نحو : سعيد كرز ، وزيد بطة ، بإضافة الاسم إلى اللّقب ،
وهو مؤوّل بأنّ اللقب لمّا كان أشهر من الاسم تنزّل الأوّل منزلة المجهول ،
والثاني منزلة المعلوم فتغايرا .
ومنها ، أنّ
العامل في المضاف إليه هو المضاف لا الحرف ولا معناه ليشمل القبيلين أعني المعنويّة
واللفظيّة.
ذكر التّوابع
وهي كلّ ثان
بإعراب سابقه من جهة واحدة ، قوله : من جهة واحدة ، يخرج خبر المبتدأ والمفعول
الثاني من علمت وأعطيت ، والثالث من أعلمت ، والمراد باتّحاد الجهة اشتراك التابع
والمتبوع في الجملة التي تنسب إلى المتبوع ، لأنّك إذا قلت : ضرب زيد الجاهل عمرا
العاقل ، كانت الصفة مشاركة للموصوف في جهة
__________________
الفاعلية والمفعوليّة .
ذكر النّعت
وهو تابع يدلّ
على معنى في متبوعه أو متعلّقه مطلقا قوله : تابع ، كالجنس لأنّه يشمل جميع
التوابع ، وقوله : يدلّ على معنى في متبوعه كالفصل ، فإنّه يخرج جميع التوابع سوى
النّعت لأنّ جميعها لا تدلّ على معنى في متبوعها ، وقوله : مطلقا ، احترز به عن الحال من المنصوب ،
لأنّها من غير المنصوب لا تشتبه لأنّها ليست تابعة لذي الحال في الإعراب وذلك نحو
: ضربت زيدا قائما ، فإنّ قائما وإن توهم فيه أنّه تابع يدل على معنى في متبوعه ،
لكن لا يدلّ عليه مطلقا بل حال صدور الفعل عنه والنّعت والوصف والصّفة ألفاظ مترادفة ومثال النّعت : جاءني رجل عالم ، فعالم يدلّ على معنى ،
وهو العلم في متبوعه الذي هو رجل ، واشترط بعضهم أن يكون النعت مشتقّا والصحيح أنّه لا يجب ذلك لأنّ نحو : جاءني رجل تميميّ
أو علويّ أو ذو مال ، نعت لرجل وليس بمشتقّ إلّا بتأويل ، نحو أن يقال في تميمي وعلوي
: منسوب ، وفي ذو مال : صاحب مال.
والنعت يفيد
التخصيص إن كان للنكرة نحو : جاءني رجل طويل ، ويفيد التوضيح إن كان للمعرفة
نحو : جاءني زيد الطويل ، ويكون لمجرّد الثناء نحو :
بسم الله الرّحمن الرّحيم ، ولمجرّد الذمّ نحو : من الشيطان الرجيم ، ويكون النّعت أيضا للترحمّ
__________________
نحو : بزيد المسكين ، واعلم أنه يجيء أيضا للتوكيد كقوله تعالى : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ).
وتوصف النكرة
بالجمل الخبريّة ويلزم الضمير ، والخبريّة هي التي تحتمل الصدق والكذب ، وهي
اسميّة وفعليّة وشرطيّة وظرفيّة نحو : مررّت برجل أبوه قائم ، ورجل قام أبوه ،
ورجل إن قام أبوه قمت ، ورجل في الدّار واختصت النكرة بذلك دون المعرفة لكون الجملة نكرة ووجوب
مطابقة الموصوف الصفة في التعريف والتنكير ، ولا تكون الجملة الإنشائيّة صفة
للنكرة لأنّها لا تكون خبرا إلّا بتأويل نحو قول الشّاعر :
حتّى إذا جاء
الظّلام المختلط
|
|
جاؤوا بمذق
هل رأيت الذئب قطّ
|
/ فهل رأيت
الذئب قط جملة إنشائيّة وهي صفة لمذق في موضع جرّ ، والمعنى جاؤوا بمذق لونه مثل
لون الذئب لغبرته ، والمذق اللّبن الممزوج ، وقيل التقدير : جاؤوا بمذق مقول فيه
عند رؤيته هذا القول .
واعلم أنّ
الموصوف يوصف تارة باعتبار حاله نحو : مررت برجل عالم ، وتارة باعتبار متعلّقه نحو :
مررت برجل حسن غلامه ، ومنيع جاره ، ومؤدّب غلمانه ، ومعنى وصف الشيء باعتبار حاله
، أن يوصف بالمعنى القائم به ، ففي المثال المذكور العلم معنى قائم بذات رجل ،
وأما وصفه بحال متعلّقه ، فحال متعلّقه هي المعنى
__________________
القائم بذات متعلّقه ، ومتعلّق الموصوف هو أن يكون فاعل الصفة مضافا إلى
ضمير الموصوف نحو : غلامه في مررت برجل حسن غلامه ، فحسن صفة لرجل في اللفظ وهو في
المعنى للغلام وصار الغلام من متعلّقات الرجل بإضافته إلى ضميره العائد عليه ،
أعني على الرجل ، وقد يكون المتعلّق المذكور مفعولا للصفة نحو : مررت برجل مخالط
أباه داء ، فالمتعلّق وهو أباه مفعول للصفة التي هي مخالط .
والنعت الذي هو
حال الموصوف يتبع الموصوف في عشرة أشياء : وهي الرفع والنصب والجرّ والتعريف
والتنكير والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، أي تجب موافقة الصفة
للموصوف في هذه الأشياء ، ولا يعنون أنّ العشرة تجتمع ، لأنها متضادّة وإنّما
يعنون أنّه لا بدّ من واحد من كلّ نوع فتجتمع أربعة من الرفع والنصب والجرّ ، أحدها
، ومن التعريف والتنكير أحدهما ، ومن الإفراد والتثنية والجمع ، أحدها ، ومن
التذكير والتأنيث أحدهما ، والنعت الذي هو بحال متعلّق الموصوف يتبع الموصوف في
الخمس الأول : أعني في اثنين من الخمس الأول : وهي الرفع والنّصب والجرّ والتعريف
والتنكير ، ولم يجعل تابعا للموصوف في الخمس الباقية وهي : الإفراد والثنية والجمع
والتذكير والتأنيث بل كأنّ حكم النّعت بالنّظر إلى المتعلّق حكم الفعل ، لأنّه
مسند إلى الظاهر الذي بعده ، وكما أنّ الفعل إذا أسند إلى الظاهر الذي بعده يجب
إفراده ، وإذا كان الفاعل مذكرا يجب تذكيره ، وإذا كان الفاعل مؤنّثا حقيقيّا يجب
تأنيثه ، فكذلك الصفة لأنّها واقعة موقع الفعل وعاملة عمله فتقول : مررت بامرأة قائم أبوها ، وبرجل قائمة امرأته ،
ومررت برجل قاعد غلامه وبرجلين قاعد غلامهما ، وبرجال قاعد غلمانهم بإفراد قاعد مع
كون فاعله جمعا ، وضعف قام رجل قاعدون غلمانه ، لأنّ «قاعدون» مثل يقعدون لفظا
ومعنى ، فكما ضعف : قام رجل يقعدون غلمانه ، ضعف قام رجل قاعدون غلمانه ، ولكن يجوز من غير ضعف أن يقال : قام رجل / قعود
غلمانه ، لأنّ قعود ليس مثل يقعدون لفظا .
__________________
فصل
والنّظر في
الوصف على أربعة أضرب لأنّ اللفظ منه ما لا يوصف ولا يوصف به وهو المضمر كما سيذكر
، ومنه ما يوصف ولا يوصف به وهو العلم ، ومنه ما يوصف به ولا يوصف وهو الجملة
الخبريّة ، ومنه ما يوصف ويوصف به وهو المعرّف باللام والمضاف والإشارة ، وإنّما
لم يوصف المضمر لأنّ بعض المضمرات وهو أنا في غاية الوضوح فلا يحتاج إلى توضيحه
بالصفة ، وكذلك المخاطب يوضحه الحضور والمشاهدة فلا اشتراك فيما هذا شأنه ، وإذا
انتفى موجب الوصف وهو الاشتراك انتفى الوصف ، لأنّ الوصف إنّما هو للإيضاح وقد ثبت
إيضاح المضمر بدونه وحمل باقي المضمرات على ذلك وإنّما لم يوصف بالمضمر ؛ لأنّ الصفة تدلّ على معنى في
الموصوف ، والمضمر وضع ليدلّ على الذات ، ويجب أن يكون الموصوف أخصّ من الصفة أي
أعرف منها أو مساويا لها ، ولا يجوز أن تكون الصفة أخصّ منه أي أعرف منه ؛ لأنّه
المقصود بالنسبة المفيدة والصفة غير مقصودة بذلك فلا يوصف المعرّف باللام باسم
الإشارة لأنّه أخصّ من المعرّف باللام فلا يقال : مررت بالرجل هذا ، وتراد الصّفة ، ويلزم أن
يوصف اسم الإشارة بالمعرّف باللّام لأنّ اسم الإشارة مبهم الذات ، واسم الجنس يدلّ
على حقيقة الذّات وتعريفه بالألف واللام ، فمن ثمّ وجب أن توصف أسماء الإشارة بما
فيه الألف واللام لدلالته على حقيقة الذّات فيتّضح به اسم الإشارة لكونه مبهم
الذات .
والعلم يوصف
بثلاثة أشياء ، بالمبهم ، وبالمعرّف باللام ، وبالمضاف ، لكون
__________________
العلم أخصّ من هذه الثلاثة ، لأنّه في أوّل أحواله وضع لشخص معيّن بخلاف
المبهم فإنّه لا يستقرّ على مسمّى ، وبخلاف المعرّف باللام فإنّ تعريفه لا بذاته
بل بالألف واللام ، ولذلك يزول عنه التعريف بزوالهما ، وكذلك تعريف المضاف بغيره
فالعلم أخصّ منها.
واعلم أنّ اسم
الإشارة نحو : هذا ، لمّا كان مبهم الذّات احتاج إلى ما يبيّن حقيقته وذلك لا يكون
إلّا بأحد أمرين : إمّا باسم الجنس نحو : الرجل لدلالته على حقيقة الذات ، أو بوصف
يختصّ بالذات التي يراد بيانها كالعالم والكاتب بالنسبة إلى ذات الإنسان ، فلذلك
قالوا : جاءني هذا الرجل ، ومررت بهذا العالم ، لأنّ العلم وصف خاص بذات الرجل لا
يوجد إلّا في نوعه ، بخلاف قولك : هذا الأبيض لعدم اختصاصه بنوع دون نوع وبسبب ما
شرح ، حسن مررت بهذا العالم وضعف : مررت بهذا الأبيض .
فصل
واعلم أنّ
المصدر يقع صفة نحو : رجل عدل ورجال صوم أو فطر ، وشبه ذلك وفائدة الوصف بالمصدر
الاختصاص لأنّ تقديره : ذو عدل ، فلمّا وصف به بتوسط ذو وعرف مكانه ، حذفت تخفيفا
لأنّه لا يلتبس ، لأنّ الرجل ليس هو الصوم وكذلك رجل / خصم فإنّه أخصّ من
مخاصم ، وأكثر ما يوصف بالمصدر الثلاثي ، وإنّما ساغ الوصف بالمصدر ، لأنّ الصفة
في الأصل مأخوذة من المصدر ، لأنّ تأويل ضارب ، ذو ضرب ، وإذا وصف بالمصدر فالأحسن
الأكثر أن لا يثنّى ولا يجمع ولا يؤنّث كقولك : مررت برجلين صوم ، ورجال صوم ، ونساء صوم إلّا
ما دخله كثرة الاستعمال نحو : رجل عدل ورجلين عدلين.
__________________
ذكر العطف
وحدّه : تابع
مقصود ينسب إليه مع متبوعه ، يتوسّط بينه وبين متبوعه أحد الحروف العشرة التي
ستذكر ، وقد خرج بذلك التوابع كلّها لأنّها ليست مقصودة بالنسبة غير البدل فإنّه
وإن كان مقصودا بالنسبة لكنّ متبوعه ليس مقصودا بالنسبة ومثاله : قام زيد وعمرو ، فعمرو تابع مقصود بنسبة
القيام مع زيد ، وشرط صحّة العطف على المضمر المرفوع المتّصل أن يؤكّد بمنفصل كقولك : قمت أنا وزيد ، أمّا إذا وقع الفصل بين المضمر
المذكور ، وبين المعطوف فإنّ العطف عليه حينئذ يجوز من غير تأكيد سواء وقع الفاصل
قبل حرف العطف نحو : ضربت اليوم وزيد ، أو بعد ، كقوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) وإذا عطف على الضمير المجرور ، أعيد الجارّ حرفا كان أو
مضافا نحو : مررت بك وبزيد ، وجلس بيني وبين زيد ، لأنّ الضمير المجرور صار
كالجزء من الجار فكرهوا أن يعطفوا المستقلّ على ما هو كالجزء ، أمّا قراءة حمزة واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام بالخفض فغير متعيّن للعطف لاحتمال القسم .
__________________
وقول الشاعر :
...
|
|
فاذهب فما بك
والأيّام من عجب
|
فشاذ ، وحكم
المعطوف مثل حكم المعطوف عليه فيما جاز له ، ووجب وامتنع فإذا قلت : زيد قائم وعالم ،
فلا بدّ من ضمير في عالم المعطوف ، كما لا بدّ منه في قائم المعطوف عليه ، وكذلك :
جاءني الذي قام أبوه وسافر غلامه ، فلا بدّ من ضمير في الجملة الثانية كما في
الأولى ، فالمعطوف على الخبر يجب أن يصحّ كونه خبرا ، وكذلك المعطوف على الصّلة
يجب أن يصحّ كونه صلة ، وكذا لا يعطف على الحال إلّا ما يصحّ أن يكون حالا فإن أبى الثاني حكم العطف ، أي لم يستقم لفوات المصحّح
، فاجعله مستقلا لا معطوفا نحو منطلق في قولك : ما أنت قائما ولا منطلق عمرو ، فلو
جعلت منطلق منصوبا عطفا على خبر ما ، الذي هو قائم لم يستقم لوجود الضمير في
المعطوف عليه وهو قائم وامتناعه في المعطوف وهو منطلق لكون عمرو فاعلا له ، فيجعل
قوله : ولا منطلق عمرو جملة معطوفة على الأولى ، كأنه قيل : ما أنت قائما ولا عمرو
منطلق فإن أورد في هذا الباب قولهم : الذي يطير فيغضب زيد الذباب ، من حيث كان
يطير صلة للذي ، وفيه ضمير عائد ، وقد عطف فيغضب عليه وليس فيه ضمير يعود ،
فالجواب : أنّ هذه فاء السببيّة لا فاء العطف ، لأنّك لو قدّرت موضعها حرف عطف /
وقلت : الذي يطير ويغضب زيد أو ثمّ يغضب
__________________
زيد ، لم يستقم وتقديره : الذي يطير فبسببه يغضب زيد الذباب .
وقد اختلف في
صحّة العطف بعاطف واحد على معمولي عاملين مختلفين والمختار جوازه لا مطلقا ، بل إذا كان المجرور متقدّما
على المرفوع أو المنصوب في المعطوف والمعطوف عليه نحو : في الدار زيد والحجرة عمرو
، فالحجرة معطوفة على الدار ، والعامل في الدار لفظة في ، وعمرو معطوف على زيد ،
والعامل فيه الابتداء ، والمجرور متقدّم على المرفوع في المعطوف والمعطوف عليه ،
أمّا لو كان المتقدم منصوبا نحو : إنّ زيدا قائم وعمرا منطلق لم يكن عطفا على
معمولي عاملين بل على معمولي عامل واحد وهو جائز باتفاق والشاهد على صحّة العطف
على معمولي عاملين مختلفين بالشرائط المذكورة قوله تعالى في سورة الجاثية : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ
السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، وَتَصْرِيفِ
الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) فعطف واختلاف على قوله وفي خلقكم ، وآيات وآيات
الأخيرتين في قراءة حمزة والكسائي على آيات .
وقول الشّاعر :
أكلّ امرىء
تحسبين امرأ
|
|
ونار توّقّد
في الليل نارا
|
وقولهم في
المثل : «ما كلّ سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة» ، فبيضاء معطوفة
__________________
على سوداء ، والعامل فيهما كلّ ، وشحمة معطوفة على تمرة والعامل فيهما «ما» وقد منع ذلك سيبويه مطلقا ، وتأوّل آيات الثاني والثالث
بأنهما توكيد ، وهو تأويل بعيد ، وأجاز الفرّاء العطف على عاملين مطلقا .
ذكر التأكيد
وهو لفظيّ
ومعنويّ ، فاللفظيّ أن يكرّر اللفظ الأوّل بعينه وهو جار في الاسم والفعل والحرف ،
والجملة ، نحو : زيد زيد ، وضرب ضرب وإلى إلى ، والله أكبر الله أكبر ، والمعنويّ
: تابع يقرّر أمر المتبوع في النسبة أو الشمول ، فبقوله : يقرر أمر المتبوع ، خرج
العطف بالحرف والبدل ، وبقوله : في النسبة ، خرج النّعت وعطف البيان ، فإنّهما
يقرّران أمر المتبوع لكن لا في النّسبة ومثال التأكيد الذي يقرر أمر المتبوع في النسبة قولك :
جاءني زيد نفسه ، وما أشبهه ، والذي يقرّره في الشمول ، نحو : جاء القوم كلّهم ،
وللمعنويّ ألفاظ معدودة ، وهي : نفسه وعينه وكلاهما وكلتاهما ، وكلّ وأجمع وأكتع
وأبصع وأبضع ، وهي تالية لأجمع ، لأنّها لا تتقدّم عليه لكونها توابع له ، خلافا
لابن كيسان فإنّه جوّز الابتداء بكلّ واحد منها والنفس / والعين مختلفة صيغهما ، ويأتي الضمير معهما
لمن هما له تقول : زيد نفسه والزيدان نفساهما وأنفسهما وهو الأكثر ، والزيدون
أنفسهم وهند نفسها والهندان نفساهما أو أنفسهما وهو الأكثر كما في المذكّر ، والهندات أنفسهنّ ولا يجري
__________________
كلا ، إلّا على المثنّى خاصّة كما أنّ كلّه لا يجري إلّا على غير المثنّى ،
وكذلك أجمع وما بعده يقع تأكيدا لغير المثنّى ، سواء كان مفردا أو مجموعا مذكرا أو
مؤنثا كما سنمثله ، وليس في صيغتي كلا وكلتا اختلاف بل الاختلاف في الضمير الذي
أضيفتا إليه فإنّهما يضافان إلى ضمير من هما له كقولك : كلاهما كلتاهما ، والباقي
من ألفاظ التأكيد لغير المثنّى باختلاف الضمير نحو : كلّها وكلّه وكلّهم وكلّهنّ
وباختلاف الصيغ في الباقي كما سنذكره.
واعلم أنّ أجمع
لا ينصرف للتعريف ووزن الفعل ، وجمعاء لا ينصرف للتأنيث ولزوم التأنيث ، وأجمع
وبابه يختلف باختلاف الصيغ لا بضمير ، فإنّه لا يضاف تقول : اشتريت العبد كلّه
أجمع أكتع أبتع أبصع ، وجاءني القوم كلّهم أجمعون أكتعون أبتعون أبصعون واشتريت
الجارية كلّها جمعاء كتعاء بتعاء بصعاء ، وجاءتني النسوة كلّهنّ كتع بتع بصع ،
وأجمعون يختصّ بالمذكرين العقلاء ولا يؤكّد بكلّ وأجمع وبابه إلّا ذو أجزاء يصحّ
افتراقها حسا أو حكما ، لأنّها وضعت لمعنى الشمول ، نحو : جاءني القوم كلّهم
، لأنّ للقوم أجزاء ولكن يصحّ افتراقها حسا وهي : زيد وعمرو وغيرهم فإن لم يكن
للشيء أجزاء أو كان له أجزاء ولكن لا يصح افتراقها حسا ولا حكما لم يجز تأكيده بكل
وأجمع ، لأنّهما للشمول كما تقدّم ، فيصحّ قولك : اشتريت العبد كلّه ، لأنّ أجزاءه
يصحّ افتراقها حكما لأنّه يجوز أن يكون المشترى نصف العبد ، أو أقلّ أو أكثر ولم يصحّ : قام زيد أو جاء زيد كلّه والمراد بالشمول ما
يشمل الشيء أي ما يحيط به ، وقد استعملت حروف كل في معنى الشمول كثيرا فمنه :
الإكليل لاحاطته بالرأس ، والكلال لإحاطة التّعب بالبدن وغير ذلك ، وإذا أكّد بالنفس والعين ضمير متصل مرفوع
فلا بدّ أن يفصل بينهما بضمير منفصل مطابق للمؤكّد
__________________
كقولك : ضربت أنت نفسك ، فالضمير المرفوع المتصل المؤكّد هو التاء في ضربت
، والمنفصل المطابق للمؤكّد هو أنت ، وكذلك المضمر المتكلّم ضربت أنا نفسي وبابه ،
والمضمر الغائب نحو ضرب هو نفسه وجاءا هما أنفسهما ، وجاؤوا هم أنفسهم وبابه ،
وإنّما وجب تأكيده بمنفصل لكون المرفوع المتصل كالجزء ، فكرهوا أن يؤكّدوا ما هو
كجزء الكلمة بالمستقل فأتوا بالضمير المنفصل ليجري المستقلّ على المستقلّ وما سوى
المرفوع المتصل وهو المنصوب المتصل والمجرور المتصل ، والمرفوع غير المتصل يؤكّد
بغير شريطة كقولك : ضربتك نفسك ومررت بك نفسك ، وأنت / نفسك فعلت ،
وغير النفس والعين يؤكّد به من غير شريطة كقولك : جاؤوا كلّهم وخرجوا أجمعون إلى
آخرها ، واختصّ النفس والعين بذلك لكونهما يستعملان مستقلّين دون غيرهما وألفاظ
التأكيد المعنويّ كلّها معارف ، لأنّها توكيد للمعرفة ، وتعريفها من قبيل تعريف
علم الجنس ، ولمّا كانت ألفاظ التوكيد معارف ، لم يجوّز البصريون أن تؤكّد غير
المعرفة لئلّا يؤدي إلى الجمع بين متنافيين ، لأنّ مدلول النكرة
غير معيّن ، ومدلول المعرفة معيّن ، والكوفيون أجازوا تأكيد النكرة بشرط أن تكون
محدودة قالوا : لأنّها حينئذ تشابه المعرفة من حيث إنّها
معلومة ممتازة ، واستشهدوا بقول الشاعر :
قد صرّت البكرة يوما أجمعا
فأكّد يوما وهو
نكرة بأجمع ، والبصريون يؤولون ذلك وشبهه لخروجه عن القياس واستعمال الفصحاء .
__________________
ذكر البدل
وهو تابع مقصود
بما نسب إلى المتبوع من غير توسّط حرف العطف فخرج بقوله : مقصود بما نسب إلى
المتبوع ، التوابع كلّها إلّا المعطوف بالحرف فإنّه خرج بقوله : من غير توسّط حرف
العطف والبدل في اللغة : هو العوض تقول : اجعل هذا بدلا من ذاك أي اجعله عوضا
منه ، والبدل أربعة أقسام :
بدل الكلّ من
الكلّ ، وبدل البعض من الكلّ ، وبدل الاشتمال ، وبدل الغلط فبدل الكلّ هو أن يكون
مدلوله مدلول الأوّل ، نحو : جاءني زيد أخوك ، وبدل البعض هو أن يكون مدلوله بعض
مدلول الأوّل ، نحو : ضربت زيدا رأسه ، وبدل الاشتمال : هو أن يكون بينه وبين
الأول ملابسة بغير البعضيّة والكليّة ، نحو : سلب زيد ثوبه ، وبدل الغلط : هو أن
تقصد إليه بعد أن غلطت بغيره نحو : مررت بزيد حمار ، أردت أن تقول : بحمار فسبقك
لسانك فقلت بزيد ، ثمّ استدركته وقلت : حمار ، ومعناه بدل الشيء من الغلط ، قال
ابن الحاجب : البدل هو المقصود بالنسبة دون الأوّل ، لأنّ منه بدل البعض فإذا قلت
: مررت بالرجال بعضهم ، فالمخبر عنه بالمرور هو البعض ، وكذا بدل الاشتمال فإذا
قلت : سلبت زيدا ثوبه ، فالمخبر عنه بالسّلب هو الثوب ، وأما بدل الغلط فالأمر فيه
ظاهر أنّ الأوّل غير مقصود ، وأمّا بدل الكلّ ؛ فيشكل الفرق بينه وبين عطف البيان
، ويفرّق بينهما في نحو : قام أخوك زيد ، أنّ الأوّل إن كان أشهر من الثاني أو
كانا في الشهرة على السواء ، فالثاني بدل ، وإلّا فهو عطف بيان ، وأيضا ؛ فعطف
البيان لا يكون إلّا مظهرا والبدل يكون مظهرا ومضمرا ثم
__________________
البدل والمبدل منه يكونان معرفتين نحو : (اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ ، صِراطَ الَّذِينَ) ونكرتين نحو (رِزْقٌ مَعْلُومٌ /
فَواكِهُ) ومعرفة ونكرة نحو : (لَنَسْفَعاً
بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) ونكرة ومعرفة نحو : (إِلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ) وهذه الأمثلة في بدل الكلّ ، وتقع كذلك في كلّ واحد من
بدل البعض والاشتمال والغلط ، فذلك ستة عشر قسما ، ويجيء البدل والمبدل منه مظهرين
ومضمرين ومختلفين ، فيكون في كلّ قسم من أقسام البدل أربعة أقسام أيضا فتكون
الجملة ستة عشر ، وإذا ضممنا إليها أقسام المعرفة والنكرة وهي ستة عشر أيضا ، صار
جميع أمثلة البدل اثنين وثلاثين مثالا ، وقد رتّبناها في هذه الزائجة التي اقترحناها ترتيبا لم يسبق إليه ، لتتضحّ منها :
__________________
ومنه
على حالة لو
أن في القوم حاتما
|
|
على جوده
لضنّ بالماء حاتم
|
فجرّ حاتما على
البدل من هاء جوده.

__________________
/ وإذا أبدلت
النكرة من المعرفة لزمت الصفة لئلا يترجّح غير المقصود على المقصود في البيان كقوله تعالى (لَنَسْفَعاً
بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) وهو مذهب الكوفيين واختاره الزمخشري وابن الحاجب وأجاز جمهور البصريين ذلك بدون الصفة محتجّين بأنّه
تحصل من اجتماعهما فائدة لم تحصل في الانفراد نحو : مررت بصاحبيك عاقل وجاهل ،
ومنه قول الشاعر :
فلا وأبيك
خير منك إنّي
|
|
ليؤذيني
التّحمحم والصّهيل
|
فأبدل خير منك
وهو نكرة من أبيك وهو معرفة ، ولا يجوز في بدل الكلّ أن يبدل الظاهر من المضمر من
غير ضمير الغائب نحو : ضربته زيدا ، وأمّا ضمير المتكلّم والمخاطب فلا
يجوز أن يجعل الظاهر بدلا منهما فإنك لو قلت : رأيتك زيدا ، وقمت زيد ، وجعلت زيدا
بدلا من كاف رأيتك وتاء قمت لم يجز ذلك ، لأنّ ضمير الغائب يحتمل أن يكون لكلّ
غائب سبق ذكره ، فإذا أبدلت الظاهر منه حصلت الفائدة ، بخلاف ضمير المخاطب
والمتكلّم فإنّه لا يحتمل أن تكون الكاف في مررت بك لغير الذي تخاطبه ، ولا التاء
في : كلّمتك لغير المتكلّم ، وأيضا فإنّ ضمير المخاطب والمتكلم أعرف من الظاهر وفي
البدل والمبدل ، الثاني منهما هو المقصود بالنسبة ، فلو جعل الظاهر بدلا من ضمير
المتكلّم والمخاطب ، وهما أعرف منه ، لكان لغير المقصود مزيّة على المقصود ، وأجازه بعضهم محتجّا بقولهم : رأيتكم أوّلكم وآخركم وصغيركم وكبيركم
، فأوّلكم وما بعده بدل من الكاف في رأيتكم ، وأمّا بدل البعض والاشتمال
__________________
والغلط ؛ فإنّه يجوز فيها كلّها إبدال الظاهر من المضمر مطلقا ، لاختلاف
البدل والمبدل منه في المعنى ، فتقول في بدل البعض ، اشتريتك نصفك واشتريتني نصفي
، فالنصف فيهما وهو ظاهر بدل من كاف المخاطب في اشتريتك ومن ياء ضمير المتكلّم
وتقول في بدل الاشتمال : مدحتك علمك ومدحتني علمي ، وفي بدل الغلط ضربتك الحمار
وضربتني الحمار.
ذكر عطف البيان
وحدّه : بأنّه تابع غير صفة يوضّح متبوعه ، فقال : غير صفة
ليخرج الصفة ، ووجه تغايرهما ؛ أنّ عطف البيان لا يدلّ على معنى في متبوعه زائد
على الذّات ، بخلاف الصفة وقوله : يوضّح متبوعه ليخرج التأكيد والبدل فإنّهما لا
يوضّحان متبوعهما ومثاله :
أقسم بالله أبو حفص عمر
فعمر موضّح
لأبي حفص ، لأنّ أبا حفص كنية عمر رضياللهعنه ، ولما كان في الكنية اشتراك أتي بعمر ليوضّح الكنية ،
ومما ينفرد به عطف البيان عن البدل قول المرّار :
أنا ابن
التارك البكريّ بشر
|
|
علية الطّير
ترقبه وقوعا
|
لأنّ البدل في
حكم تكرير العامل ، فيمتنع جرّ بشر على البدل ؛ لأنّه يصير التقدير أنا ابن التارك
بشر فيمتنع لما ذكرنا من امتناع الضارب زيد ، ويتعيّن أن
__________________
يكون عطف بيان ، وقد أجاز أبو علي أن يكون عطف البيان نكرة لقوله تعالى : (يُوقَدُ) مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ فقال : زيتونة ، عطف بيان لشجرة ، وينفرد عطف البيان عن
البدل أيضا في باب النّداء نحو : يا أخانا زيدا ، بالنصب ولو جعل بدلا لقيل : يا
أخانا زيد ، بالبناء على الضمّ لأنّ البدل في حكم تكرير العامل.
ذكر المبنيّ
المبنيّ ما
ناسب مبنيّ الأصل أو وقع غير مركّب ، وقال ناسب : ولم يقل شابه لكون المناسبة أعمّ
من المشابهة ، ومبنيّ الأصل الفعل الماضي وأمر المخاطب والحرف ، وأحد سببي البناء
وجوديّ ، وهو مناسبة مبنيّ الأصل نحو : من أبوك؟ والآخر عدميّ وهو انتفاء موجب
الاعراب الذي هو التركيب ، نحو : واحد ، اثنان ، و ، أ ، ب ، ت ، ث ، وقوله في
الحدّ : أو وقع غير مركّب ، ليست أو هنا للشكّ لأنّ المراد هاهنا ما كان على أحد
هذين الأمرين اللذين هما مشابهة مبنيّ الأصل ، وعدم التركيب وحكم المبنيّ أن لا يختلف آخره باختلاف العوامل في أوله
لكونه مقابلا للمعرب فجعل حكمه مقابل حكم المعرب وألقاب البناء : ضمّ نحو منذ :
وفتح نحو : أين ، وكسر نحو : جير ، ووقف نحو : من ، وألقاب الإعراب الرفع والنّصب
والخفض والجزم ، فخالفوا بين ألقاب المبنيّ والمعرب ليمتاز كلّ واحد منهما عن
الآخر لأنّهما لمّا افترقا في المعنى من حيث إنّ الإعراب لا يكون إلّا بعامل ولا
يكون لازما ، والبناء بخلافه ، افترقا في اللّقب .
والمبنيّات هي
: المضمرات ، وأسماء الإشارة ، والموصولات ، والمركّبات ، والكنايات ، وأسماء
الأفعال والأصوات ، وبعض الظروف.
والبناء في
الأسماء على وجهين : لازم وغير لازم ، فاللازم كبناء : من وأين ، وكم وكيف ونزال
ومنذ في قولك : ما رأيته منذ يومان ، والعارض خمسة أشياء : الأول :
__________________
ما أضيف إلى ياء المتكلّم عند بعضهم نحو : غلامي ، والثاني ، المنادى المفرد نحو : يا زيد ،
والثالث : النكرة المنفيّة بلا التي لنفي الجنس ، كقولك : لا غلام في الدار ،
وكقوله تعالى : (لا تَثْرِيبَ
عَلَيْكُمُ) والرابع : ما قطع من الظروف عن الإضافة فصار غاية ، نحو
: قبل وبعد ، أو ضمّن الحرف نحو : أمس ، والخامس : المركّبات نحو : خمسة عشر وهو
جاري بيت بيت.
ذكر المضمرات
المضمر ما وضع
لمتكلّم نحو : أنا أو لمخاطب نحو : أنت أو لغائب متقدم قطعا ، ولا بدّ أن يكون
متقدّما ، إمّا لفظا تحقيقا ، نحو : زيد ضربته أو تقديرا نحو : ضرب غلامه زيد ، أو
يكون / متقدّما معنى يفهم من اللّفظ نحو : (اعْدِلُوا هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي العدل هو أقرب ، فإنّ لفظ اعدلوا يدلّ على العدل ،
أو يفهم من سياق الكلام ، نحو : (وَلِأَبَوَيْهِ
لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) أي لأبوي الميّت الموروث ، لأنّه لمّا كان الكلام في
الميراث لم يكن بد من موروث يعود الضمير إليه ، أو يكون متقدّما حكما وله عدّة صور :
الأولى : ما
يعود إليه ضمير الشّأن نحو : (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ) أي الحديث الذي في ذهني هو كذا ، والمراد من ذكره مبهما
أولا ، التعظيم والتفخيم لأنّ الشيء إذا ذكر مبهما ثمّ فسّر كان أوقع في النّفس.
الثانية : ما
يعود إليه الضمير في نعم وبابه ، نحو : نعم رجلا زيد ، ففي نعم ضمير يعود إلى
معهود ذهني ذي حقائق مختلفة ، واسم الجنس يدلّ على حقيقة الذّات ، فأتي به لتمييز
الجنس المقصود ـ أعني المضمر في نعم ـ فقالوا : نعم رجلا ، ونعم ضاربا زيد ، أي
نعم الرجل رجلا زيد ، ولهذا لو قلت : نعم زيد لم يجز.
__________________
الثالثة : ما
يعود إليه الضمير في ربّ نحو : ربّه رجلا ، لما قيل في نعم واعلم أنّ ربّ دخلت هنا
على الضمير ، وهي لا تدخل على المعارف ؛ لأنّ الضمير لمّا لم يعد على مذكور جرى
مجرى الظاهر النكرة ومن أجل ذلك احتاج هذا الضمير إلى التفسير بالنكرة المنصوبة ،
ولو كان كسائر المضمرات لم يحتج إلى تفسير.
الرابعة : ما
يعود إليه الضمير في : ضرباني وضربت الزيدين ، وإنّما جوّزوا فيه الإضمار قبل
الذكر ، لأنّه لمّا ذكر المفسّر بعده كان مقدّما حكما.
وبني المضمر
لشبهه بالحرف في افتقاره إلى ما يرجع إليه كافتقار الحرف إلى أمر غيره ، لا يتمّ
معناه إلّا به إنّ وقيل : إنّ صيغها المختلفة لمّا كانت دالة على أنواع الإعراب
أغنى ذلك عن إعرابها .
ذكر تقسيم المضمر
المضمر إمّا
متصل أو منفصل ، أمّا المتصل فهو الذي لا يستقلّ بنفسه أي لا ينفك عن كلمة أخرى
يتصل بها ، وينقسم إلى بارز وإلى مستتر ، فالبارز ، إمّا أن يتصل باسم كالكاف في
غلامك أو بفعل كالتاء في ضربت أو بحرف كالكاف في لك ، والمستتر نحو ما في ضرب في
قولنا ، زيد ضرب كما سيأتي شرحه. وأمّا المنفصل فهو ما استقلّ بنفسه نحو : أنا ،
ونحن ، والمضمر يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا ، لانّه اسم واقع موقع الظاهر ،
والظاهر على أحد هذه الأمور ، لكنّ المرفوع متصل ومنفصل ، والمنصوب أيضا متصل
ومنفصل ، وأمّا المجرور فلا يكون إلّا متصلا ، لامتناع الفصل بين الجار والمجرور ،
فالمضمرات حينئذ خمسة أنواع .
ذكر الضمير المرفوع المتّصل
وهو يقع لكلّ
واحد من المتكلم والمخاطب والغائب على ستّة معان ، لأنّ كلّا من المتكلّم والمخاطب
والغائب إمّا مفرد ، أو مثنّى ، أو مجموع ، وكلّ واحد منها إمّا مذكر أو مؤنث ،
وضعوا للمتكلّم لفظين : ضربت وضربنا ، فضربت للمفرد المذكّر والمؤنث فالتاء ضمير
الفاعل ، وحرّك لأنّه اتصل بالفعل فلو سكّن اجتمع ساكنان على
__________________
غير حدّه وضربنا للاثنين / وللجماعة فيهما ، فضربت حينئذ مشترك
في معنيين وضربنا مشترك في أربعة .
ووضعوا للمخاطب
خمسة ألفاظ : أربعة نصوص ، وهي ضربت للمذكّر وضربت للمؤنث ، وضربتم للجمع المذكّر
وضربتنّ للجمع المؤنث ، وواحد مشترك بين المذكّرين والمؤنّثين وهو ضربتما ، فالميم
إيذان بأنك جاوزت الواحد ، والألف للتثنية وإنّما ضمّت تاء ضربتما وكانت في المفرد
مفتوحة لئلا يتوهم المخاطب أن ضربت كلمة وما كلمة أخرى ، ووضعوا للغائب خمسة على
مثال المخاطب أربعة نصوص وهي : ضرب وضربت وضربوا وضربن وواحد مشترك وهو : ضربا ضربتا وهو مشترك باعتبار ألف
الضمير وإن اختلفت الصيغة بزيادة التاء ، فإنّ التاء في ضربتا جيء بها علامة
للتأنيث وليست بضمير.
ذكر الضمير المرفوع المنفصل
وهو للمتكلّم
والمخاطب والغائب على ما شرح في المرفوع المتصل من النصّ والمشترك ، وهو : أنا
ونحن للمتكلّم ، وينبغي أن يعلم أنّ الهمزة والنون في أنا هما الاسم عند الأكثر وزيدت الألف لبيان حركة النون ، وقد تبيّن بالهاء كقولك
أنه ، وقال قوم أنا كلّه هو الاسم ومنه قول الأعشى :
__________________
فكيف أنا
وانتحالي القوافي
|
|
...
|
وهي لغة ربيعة
وبعض قيس ، وأنت وأنت وأنتما وأنتم وأنتنّ للمخاطب ، وهو وهي وهما وهم وهنّ للغائب
، وينبغي أن يعلم أنّ الهمزة والنون في أنت هما الاسم وأمّا التاء فللخطاب وفتحت لخفّة الفتحة وكسرت في
المؤنّث للفرق.
ذكر المنصوب المتّصل
وهو للمتكلّم
والمخاطب والغائب على ما شرح ، تقول في المتكلّم : ضربني ، فالياء هي الاسم
المنصوب المتصل وهي ضمير المتكلّم والنون قبلها نون الوقاية كما سيذكر وتقول إذا
أخبرت عن نفسك ومعك غيرك : ضربنا وفي المخاطب : ضربك ، وضربك ، وضربكما ، وضربكم ،
وضربكنّ ، وفي الغائب ضربه وضربها وضربهما ، وضربهم وضربهنّ ، ويتصل الضمير
المنصوب بالحرف أيضا ، نحو : إنّني إنّنا إلى إنّهنّ ، واعلم أنّ الهاء وحدها في
ضربه هي الاسم عند الزجاج وهي ضمير الغائب ، وإنّما زيدت الواو تقوية للهاء
لتخرجها من الخفاء إلى الظهور ، وكذلك في رأيتها ، الهاء وحدها هي الاسم ، وزيدت
الألف للفرق بين المذكّر والمؤنّث .
ذكر المنصوب المنفصل
وهو أيضا كما
تقدّم تقول : إيّاي إيّانا للمتكلّم وإيّاك إيّاك إيّاكما إيّاكم إيّاكنّ للمخاطب
وإيّاه إيّاها إيّاهما إيّاهم إيّاهنّ للغائب ، وينبغي أن يعلم أنّ إيّا وحده هو
الاسم المضمر ، وما لحق به في إيّاي وإيّانا وإيّاك إلى إياكنّ دلائل على من ترجع
إليه من مخبر أو مخاطب أو غائب وكما أنّ الهمزة والنون في أنت هي الاسم المضمر والتاء
علامة للخطاب ، فكذلك الكاف في إيّاك للخطاب وكذلك أخوات الكاف مما
__________________
هو للخطاب تارة وللغيبة أخرى ، قال آخرون / إيّا وما بعده الكلّ اسم واحد ، وهذا لا يصحّ ؛ لأنّه
لا يعرف اسم على هذا النحو يجيء آخره بحروف مختلفة ، فصحّ أنّ إيّا هو الاسم
المضمر ، وليست الحروف اللواحق بأسماء وإنّما اختلفت لاختلاف عدد المضمرين وأحوالهم.
ذكر الضمير المجرور
ولا يكون إلّا
متصلا ، تقول : غلامي غلامنا للمتكلّم وغلامك غلامك غلامكما غلامكم غلامكنّ
للمخاطب ، وغلامه غلامها غلامهما وغلامهم غلامهنّ للغائب ، ولا يتصل المجرور إلّا
باسم نحو : غلامي أو بحرف جر نحو : لي لنا لك لك لكما لكم لكنّ ، له لها لهما لهم
لهنّ ، وإنّما اتصل كذلك ، ضرورة أنّ الجرّ في الكلام إمّا بالإضافة أو بحرف
الجرّ.
واعلم أنّ
الأصل في جمع المذكّر أن تقول : مررت بكمو وهذا غلامكمو ؛ فالميم والواو للجمع ،
وقد تحذف الواو وتسكّن الميم للتخفيف كما تقدّم في قولنا : غلامكم ، وتقول في
جماعة المؤنّث غلامكنّ ومررت بكنّ وهذا لكنّ ، بنون مشدّدة ليكون بإزاء حرفي جمع
المذكّر ، وتقول للغائب غلامهو وهذا لهو ومررت بهي فتكسر الهاء إذا كان قبلها كسرة
، وإنّما أصلها الضمّ ، وكذلك تكسرها إذا كان قبلها ياء ساكنة نحو : فيهي وعليهي ،
وإنّما كسرتها كراهة الخروج من كسر إلى ضمّ ، وإذا تحرّك ما قبل هذه الهاء نحو :
له وبه ، فلا يجوز عند البصريين حذف ما يتصل بها من الواو والياء لأنّها لخفائها
قويت بذلك . وقد حذفت هذه الصلة في الشّعر نحو قوله :
__________________
ومنه :
وما له من
مجد طريف وماله
|
|
...
|
قال سيبويه :
فأمّا إذا كان قبل الهاء حرف لين فإنّ حذف الواو والياء في الوصل حسن ومنه : (نَزَّلْناهُ
تَنْزِيلاً) و (إِنْ تَحْمِلْ
عَلَيْهِ يَلْهَثْ)
(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ).
واعلم أن عدّة
أقسام المضمرات بحسب القسمة العقليّة تسعون قسما ؛ لأنّ المضمرات ثلاثة للمتكلّم
والمخاطب والغائب ، والمتكلّم إمّا مفرد أو مثنّى أو مجموع ، والمخاطب مثله ،
والغائب مثله ، فذلك تسعة ، وكلّ واحد منها إمّا مذكّر أو مؤنث ، فذلك ثمانية عشر
قسما ، وكلّ واحد من الثمانية عشر يكون مرفوعا متصلا ومرفوعا منفصلا ومنصوبا متصلا
ومنصوبا منفصلا ، ومجرورا ولا يكون إلّا متصلا فهذه خمسة أنواع ، وإذا ضربنا فيها
ثمانية عشر كان الحاصل تسعين قسما ؛ إلّا أنهم سوّوا بين مذكّر المتكلّم وبين
مؤنّثه ، وبين مثنّاه ومجموعه ، فسقط منه أربعة وسوّوا بين المثنّى المذكر والمؤنث
في المخاطب والغائب فسقط اثنان أيضا فسقط من ثمانية عشر ستة ؛ أربعة من المتكلم
واثنان من المثنى المخاطب فبقي من ثمانية عشر ، اثنا عشر ، ضربت في الخمسة ، وهي
المرفوع المتصل والمنفصل والمنصوب المتصل والمنفصل والمجرور المتصل فبلغت ستين
لفظا واعلم أنّ قولهم إنّه قد سوّي بين
__________________
مثنّى المذكّر والمؤنّث في الغائب إنّما هو باعتبار الضمير / لا باعتبار
علامة التأنيث ؛ فإنّك تقول للمذكرين قاما وللمؤنّثتين قامتا ؛ فقامتا مغايرة
لقاما ، وأمّا باعتبار ألف الضمير فلا تغاير بينهما ، وقد أشار تقيّ الدين النيلي
في شرحه لمقدّمة ابن الحاجب إلى ذلك في تفسير قوله : الخامس : غلامي ولي إلى
غلامهنّ ولهنّ فإنه فسّر ذلك ، وأتبعه بذكر أقسام المضمرات وقال في
جملة ذلك وسوّوا بين مثنّى المذكّر والمؤنّث في المخاطب والغائب
في غير غائب المرفوع المتصل ، فأراد عدم التسوية باعتبار اللفظ لا باعتبار الضمائر
، فإنّهم قد أجمعوا على أنّ المضمرات ستون ، والساقط ثلاثون ، ويتبيّن ذلك من هذه
الدائرة التي اقترحناها :
__________________

/ ذكر الضمير المستتر
وهو كلّ مضمر
محتاج إليه لم يضعوا له لفظا يخصّه ، واستغنوا بدلالة سياق الكلام عليه نحو : زيد
قام ، زيد منطلق ، فلا بدّ في قام ومنطلق من ضمير يعود على زيد وهو ضمير لم يضعوا
له لفظا ، فلا يقال إنّه محذوف ، بخلاف قولك : جاءني الذي ضربت ، فإنّه لا بدّ من
ضمير مفعول لضربت يعود على الذي ؛ لكنّه محذوف لأنّ له لفظا يخصّه ، ويجوز ذكره
فكان المحذوف فيه محققا بخلاف الضمير في زيد منطلق لما ذكر .
والضمير
المرفوع المتصل خاصة يستتر في الفعل الماضي للمذكّر الغائب نحو : زيد ضرب ،
وللغائبة بقرينة تاء التأنيث الساكنة نحو : هند ضربت ، وإنما استتر المرفوع المتصل
بخلاف المنصوب والمجرور المتصلين نحو : إنّه وله ، لشدّة اتصال المرفوع بالعامل
دونهما ، ويستتر الضمير المذكور أيضا في المضارع للمتكلّم مطلقا ، للمفرد وغيره
لقيام القرينة ، إذ الهمزة قرينة المفرد المتكلّم ، والنون قرينة غيره مطلقا ،
ويستتر أيضا في المضارع للمخاطب نحو : أنت تقوم ، وللغائب نحو : زيد يقوم ، ويستتر
أيضا في فعل الأمر للمخاطب نحو : قم وللمؤنّث الغائبة نحو : هند تقوم ، بخلاف
المخاطبة والمخاطبين المذكّرين والمخاطبتين المؤنّثتين والمخاطبات ، فإنّه أبرز في
ذلك لرفع الالتباس نحو : تضربين فالياء ضمير المؤنّث ، وزعم الأخفش أنها علامة
التأنيث وأنّ الضمير مستكنّ كما في المذكّر ، وهو مردود ؛ لأنّ
الياء في نحو : تقومين وتضربين لو كانت للتأنيث لما فارقت في التثنية ، وكان يلزم
أن يقال ؛ تقوميان لكنّها فارقت ، فهي ضمير متصل بارز ، وكذلك ألف تضربان ونون
تضربن ، وتضربان مشترك بين المخاطبين المذكّرين والمخاطبتين المؤنّثتين ، ويستتر
الضمير
__________________
المذكور أيضا في الصفة مطلقا ، مفردا كان أو مثنّى أو مجموعا ومذكّرا كان
أو مؤنّثا ، سواء كانت الصفة اسم فاعل أو مفعول أو غيرهما ، نحو : زيد ضارب وهند
ضاربة والزيدان ضاربان والهندان ضاربتان والزيدون ضاربون والهندات ضاربات ، وكذلك
مضروب ومضروبة ومضروبين ومضروبين ومضروبتين ومضروبات فالألف في ضاربان والواو في
ضاربون ، إنّما هما علامتا الإعراب ، ودالّتان على التثنية والجمع ، وليستا
بضميرين ، لأنّهما لو كانا ضميرين لم يتغيّرا في النصب والجرّ ، والضمائر مع ثبوت
عواملها لا تتغيّر عن حالها ، ألا ترى أنّ الياء في تضربين ، والنون في تضربن
والواو في تضربون والألف في تضربان ، لا تتغيّر بوجه ، لأنّها ضمائر ، فلو كانت ألف ضاربان وواو ضاربون
وياء ضاربين ضمائر لما تغيّرت.
ذكر أحكام الضمير المنفصل
لا يعدلون إلى
الضمير المنفصل إلّا عند تعذّر المتصل لأنّه أخصر ، فالتزموه ما لم يمنع مانع ، ويتعذّر الاتصال إمّا بتقديم الضمير على عامله نحو : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ / وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ) وإمّا بالفصل بين الضمير وبين عامله لغرض مثل : ما ضربت
إلّا إيّاك ، وما ضربك إلّا أنا ، بخلاف ضربك أنا ؛ فإنّه فصل لغير غرض ، لأن ضربك
أنا ، وضربتك لا يختلف في المعنى ، وإمّا بأن يحذف العامل في الضمير فإنّه إذا حذف
تعذّر إتصال الضمير به فيجب انفصاله نحو : أن يقال من أكرمت؟ فتقول : إيّاك ، ولو
قلت : أكرمتك لأتيت بالضمير متصلا ، أو يكون العامل معنويّا كالمبتدإ أو الخبر نحو : أنا
زيد وأنت قائم ، لأنّه إذا كان معنويّا تعذّر الاتصال به ، إذ لا يتصل لفظ بما ليس
بلفظ ، فيمتنع اتصال الضمير لامتناع اتصال الملفوظ بما ليس بملفوظ ، وكذلك يتعذّر
الاتصال إذا كان العامل في الضمير حرفا والضمير مرفوع مثل : ما هو قائما ، لأنّه
لو اتصل ب «ما» مضمر لاستتر في مثل : ما هو قائما والحروف لا استتار فيها ،
__________________
وإنّما قال : والضمير مرفوع ، ليخرج نحو : إنّ وأخواتها ، وحروف الجر ،
فإنّها حروف ويتصل بها الضمير بارزا ، لأنّه إمّا منصوب مثل : إنّه أو مجرور مثل :
له فلا يؤدي إلى استتار ، وكذلك يجب إنفصال الضمير على ما يقتضيه من هو له إذا
كان الضمير مرفوعا بصفة جرت على غير من هي له نحو : زيد عمرو ضاربه هو ، فتفصل
الضمير خوف اللّبس لأنك لو اقتصرت على الضمير المتصل لم يعلم الضارب من هو ،
وبالمنفصل علم أنه زيد ؛ لكون الضارب يقع للضمائر بلفظ واحد ، تقول : أنا ضارب
وأنت ضارب وهو ضارب ، بخلاف الفعل نحو : أنا زيد أضربه ، فإنه يعلم بالهمزة أنّ
الفعل للمتكلّم وكذلك : أنا زيد يضربني ، يعلم بياء المضارعة أنّ الفعل لزيد ،
ولمّا التبس في باب ضارب التزموا إبرازه أيضا فيما لا يلتبس نحو : هند زيد ضاربته
هي ، طردا للباب ، فهند مبتدأ وزيد مبتدأ ثان ، وضاربته خبر المبتدإ الثاني ،
والضمير المنفصل أعني هي فاعل ضاربته ، ووجب انفصاله لأنّ ضاربته التي هي الصفة قد
جرت على غير من هي له ، لأنّها خبر زيد ، وهي في المعنى هند ، والجملة في محل
الرفع لأنّها خبر المبتدإ الأول والكوفيون لا يشترطون انفصال الضمير في مثل ذلك ،
ويجرونه مجرى الفعل ، فكما تقول : هند زيد تضربه تقول : هند زيد ضاربته ، وكذلك :
الهندان الزيدان ضاربتاهما كما تقول : تضربانهما .
ذكر الضمائر التي يجوز فيها الاتصال والانفصال
وهي عدّة ضمائر
:
منها :
المضمران إذا لم يكن أحدهما مرفوعا ، وكان أحدهما أعرف وقدّمته جاز في الثاني
الاتصال والانفصال سواء كانا منصوبين نحو : الدرهم أعطيتكه أو
__________________
أحدهما منصوبا والآخر مجرورا نحو : ضربيك ففي أعطيتكه ضميران الكاف والهاء ، وليس أحدهما مرفوعا
، وكاف الخطاب متقدّمة وهي أعرف من الهاء التي للغائب فجاز أعطيتكه وأعطيتك إيّاه
، وكذلك جاز ضربيك وضربي إيّاك ، أما وجه الاتصال فلإمكانه مع عدم الاستثقال ،
وأمّا وجه الانفصال فلإيهام / ثلاث كلمات كواحدة فإن لم يكن أحدهما أعرف أو كان ،
ولكن لم يقدّم الأعرف وجب الانفصال ، وقد جاء ذلك في الغائبين قالوا : أعطاهاه ،
وأعطاهوها ، وهو شاذ وإنّما لم يجز ذلك إذا كان أحدهما مرفوعا لأنّه إذا أتى
الضمير متصلا نحو : ضربتك ، تعيّن الاتصال ولم يجز الانفصال.
ومنها : المضمر
الواقع خبرا لكان ، فإنّ فيه لغتين ؛ المختار منهما أن يكون منفصلا نحو : زيد عالم
وكان عمرو إيّاه ، لأنّ خبر كان وأخواتها في الأصل إنما هو خبر مبتدأ ، وخبر
المبتدأ إذا كان ضميرا لم يقع إلّا منفصلا قال الشّاعر :
ليت هذا
الليل شهر
|
|
لا نرى فيه
عريبا
|
ليس إيّاي
وإيّا
|
|
ك ولا نخشى
رقيبا
|
وعريب بالعين
المهملة بمعنى أحد ، وأمّا على غير الأشهر فيجوز أن يقع متصلا تشبيها له بالمفعول
فكما يتصل ضمير المفعول نحو : ضربته ، فكذلك يتصل خبر كان فتقول : كنته ، ومنه قول
أبي الأسود الدؤلي :
__________________
ذر الخمر
يشربها الغواة فإنّني
|
|
رأيت أخاها
مجزيا بمكانها
|
فإن لا يكنها
أو تكنه فإنّه
|
|
أخوها غذته
أمّها بلبانها
|
ولو فصل لقال :
فإلّا يكن إيّاها أو تكن إيّاه.
ومنها : المضمر
الواقع بعد لو لا ، فإنّ فيه لغتين أيضا ، أكثرهما أن يكون مرفوعا منفصلا نحو : لو لا أنت
ولو لا نحن إلى لولاهنّ ، قال الله تعالى : (لَوْ لا أَنْتُمْ
لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) وأما وجوب رفعه فلأنّ الضمير كناية عن المظهر ، ولم يأت
المظهر بعد لو لا إلّا مرفوعا ، فوجب أن يكون المضمر كذلك ورفعه بالابتداء عند
البصريين ، وبفعل مضمر عند الكوفيين وأمّا وجوب مجيئه منفصلا ، فلأنّه عند البصريين مبتدأ ،
فوجب فصله لعدم ما يتصل به ، وأمّا عند الكوفيين فيجب فصله لحذف الفعل الرافع له
وهو مثل قولك : إن أنت قمت قمت ، وأمّا لغة إتصاله فستذكر مع عسى.
ذكر المضمر الواقع بعد عسى
اعلم أنّ
المضمر الواقع بعد عسى لا يكون إلّا متصلا ولكن فيه لغتان ، باعتبار كونه ضميرا
مرفوعا ، أو غير مرفوع فاللغة الكثيرة منها أن يكون مرفوعا متصلا نحو : عسيت عسينا للمتكلّم ، وعسيت عسيتما عسيتم عسيت
عسيتنّ للمخاطب ، وعسى عسيا عسوا عست عسين للغائب. كما تقول : رميت رمينا إلى رمين
، وأمّا اللغة التي ليست بكثيرة فهو أنّه جاء بعد لو لا ضمير مجرور ، وبعد عسى
ضمير
__________________
منصوب متصل بها ، نحو : لولاي لولاك لولاه وعساي عساك عساه إلى لو لا هنّ
وعساهنّ ، قال الشّاعر :
وكم موطن
لولاي طحت كما هوى
|
|
بأجرامه من
قلّة النّيق منهوى
|
وقال ابن أبي
ربيعة :
أومت بكفّها
من الهودج
|
|
لولاك هذا
العام لم أحجج
|
وقد اختلف في
الضمير المذكور المتصل بلو لا وعسى ، فعند سيبويه أنّ الياء في لولاي والكاف في لولاك في موضع جرّ لبطلان
الرفع والنّصب ، أما بطلان الرفع فلكون الكاف والياء ليسا من ضمائر / المرفوع
وأمّا النصب فلعدم النّاصب ، فيتعيّن الجرّ قال سيبويه : ويكون للولا مع المضمر
حال ليس لها مع المظهر كما أنّ للدن حالا مع غدوة ليست لها مع غيرها ، لأنّها تجرّ ما بعدها وتنصب غدوة فقط ، فكذلك لو لا
تجرّ المضمر المتصل فقط ، فحالها معه مخالف لحالها مع غيره وأمّا عسى فعند سيبويه محمولة على لعلّ فينصب الاسم ، كما حملت لعلّ على عسى
__________________
في دخول أن في خبرها قال الشاعر :
لعلّك يوما
أن تلمّ ملمّة
|
|
...
|
وقد قيل : إنّ
عسى في مثل هذا حرف لا فعل ، فتقول : عساك أن تقوم كما تقول : لعلّك أن تقوم ،
وقال :
يا أبتا علّك أو عساكا
فلو أنّ عسى
فعل لم يصحّ عطفها على لعلّ ، لأنّها حرف وأمّا الأخفش فيرى أنّ الياء والكاف في
قولك : لولاي لولاك في موضع رفع وقد أوقعوا الضمير المجرور موقع الضمير المرفوع ، وكذلك
الضمير بعد عسى في موضع رفع واحتجوا لسيبويه ، أنّ تغيير لو لا أقل من تغيير
الضمير الذي بعدها ، لأنّه اثنا عشر مضمرا ، للمتكلّم اثنان ولكلّ من المخاطب
والغائب خمسة ، فتغيير المضمر على رأي الأخفش يؤدّي إلى اثني عشر تغييرا على سبيل
الاستقلال ، وتغيير لو لا على رأي سيبويه تغيير واحد على سبيل الاستقلال ،
واحتجّوا للأخفش أن وقوع الضمائر بعضها موضع بعض كثر في
__________________
كلامهم ، نحو : أنا كأنت ، ومررت بك أنت وضربته هو : فأكّد المضمر المنصوب
بالضمير المرفوع ، فقد وقع المرفوع موقع المنصوب .
ذكر نون الوقاية
وهي لازمة مع
ياء ضمير المتكلّم في الفعل الماضي مطلقا ، نحو : ضربني وضرباني وضربوني ، وشذّ
حذف نون الوقاية من الماضي المتصل به ضمير جماعة الإناث نحو : النساء ضربني ، قال
الشاعر :
تراه
كالثّغام يعلّ مسكا
|
|
يسوء
الفاليات إذا فليني
|
أراد فلينني ،
فحذف نون الوقاية تخفيفا ، وكذلك هي لازمة أيضا في الأمر قولك أكرمني ، وأمّا قولك
: اضربي يا هند ، فلا مدخل للنون مع هذه الياء ، لأنّ نون الوقاية مشروطة بضمير
المفعول لا بضمير الفاعل ، لأنّ ضمير الفاعل بمنزلة الجزء من الفعل فأشبهت هذه
الياء الياء التي من نفس الفعل نحو : يرمي ، وكذلك هي لازمة في المضارع العري عن نون الإعراب نحو : يضربني ، وسمّيت نون الوقاية
لأنّها وقت الفعل الكسر الذي هو أخو الخفض وأمّا الفعل المضارع الذي يلحقه نون الإعراب فأنت مخيّر
بين إثباتها وحذفها استغناء بنون الإعراب ، فتقول : يضرباني ويضربانني ، ويضربوني
ويضربونني ، وتضربيني وتضربينني ، وتجب نون الوقاية في قولك : النساء يضربنني ،
ولا يجوز يضربني ، لأنّ نون الإعراب في يضربوني ، خارجة عن الفعل ، فأمكن جعلها
وقاية ، ونون يضربن فاعل متصل كالجزء من الفعل ، فلم تجعل وقاية
__________________
كذلك وأنت مع لدن مخيّر في إثبات نون الوقاية لحفظ بنائها
على السكون ، وفي حذفها / قال الله تعالى (قَدْ بَلَغْتَ مِنْ
لَدُنِّي عُذْراً) قرىء في السّبعة بالتشديد والتخفيف وكذا أنت مخيّر بين الإثبات والحذف في : إنّ وأنّ وكأنّ
ولكنّ كقولك : إنّي وإنني ، وكذلك أخواتها الثلاث ويختار إثباتها في ليت كقولك :
ليتني ، لشبهها بالفعل ولا يختار في لعلّ ، لأنّ بعض لغاتها لعنّ فحذفت منها
كراهة اجتماع النونات ، وحملت لعلّ عليها ، ويختار إثباتها في : من وعن وقد وقط ،
لحفظ سكونها نحو : مني وعني وقدني وقطني وقال الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قطني
أي حسبي.
ذكر الفصل
ويتوسّط بين
المبتدإ والخبر قبل دخول العوامل وبعد دخولها صيغة ضمير مرفوع منفصل ، نحو : زيد
هو المنطلق ، وكان زيد هو المنطلق وإنما قال : صيغة
__________________
ضمير مرفوع ولم يقل : ضمير ، لعدم تحقق كونه ضميرا ، وتسمّى هذه الصيغة
فصلا عند البصريين وعمادا ضد الكوفيين وهو يفصل بين الصفة والخبر ، لأنّ ما بعده يتعيّن للخبر
، وتمتنع الصفة لامتناع الفصل بين الصفة والموصوف ، فإنّك إذا قلت : زيد القائم ،
صلح القائم أن يكون صفة للمبتدإ فيتوقّع السامع الخبر ، وصلح أن يكون خبرا فيبقى
السامع متردّدا ، فإذا أدخلت هو وقلت : زيد هو القائم ، علم أنّه لم يبق من
المبتدأ بقيّة ، وتعيّن ما بعد «هو» للخبر ، وشرط إثبات هذه الصيغة أن يكون الخبر
معرفة نحو : زيد هو القائم ، أو أفعل من كذا نحو : كان زيد هو أفضل من عمرو ،
وكذلك إذا كان الخبر مشابها للمعرفة لفظا نحو : مثل وغير والاسم المضاف إلى معرفة
إضافة لفظيّة ، وكذلك إذا كان الخبر فعلا مضارعا نحو : زيد هو يقوم ، قال الله تعالى : (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) ولا بدّ أن تكون هذه الصيغة مطابقة للمبتدإ في الإفراد
والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث والخطاب والتكلّم والغيبة تقول : زيد هو القائم ، والزيدان هما القائمان ،
والزيدون هم القائمون ، وهند هي القائمة ، قال تعالى حكاية عن عيسى عليهالسلام (فَلَمَّا
تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) ولا موضع لهذه الصيغة من الإعراب عند الخليل مع قوله بأنّه اسم لأنّه إنّما دخل للفصل كالكاف في أولئك ، والتاء في أنت
فكما أنّ هذه لا محلّ لها من
__________________
الإعراب ، لا يكون لصيغة الضمير المذكور محلّ من الإعراب ، وبنو تميم
يجعلونه مبتدأ فيرفعون ما بعده على أنه خبره ، والجملة خبر عن كان أو
غيره على حسب ما معه من العوامل ، وخصّ بصيغة المرفوع لأنّه في معنى التأكيد ، كما
تقول في التأكيد ضربتك أنت ونحو ذلك .
ذكر ضمير الشّأن
ويتقدّم قبل
الجملة ضمير يسمّى ضمير الشّأن يفسّر بالجملة التي بعده لأنّ كلّ جملة هي شأن وأمر
وقصّة وإذا قلت : هو زيد قائم ، فكأنّك / قلت : الواقع والشأن زيد قائم ثمّ أضمرت
الشّأن وقلت : هو زيد قائم ، واحترز بقوله : يتقدّم قبل الجملة ، عن الضمير في نعم
رجلا زيد ، وربّه رجلا ؛ فإنّه متقدّم على المفسّر له لكن تقدّمه على المفرد لا
على الجملة ، ويكون مرفوعا منفصلا ومستترا ، ومنصوبا متصلا بارزا ، فالمرفوع
المنفصل نحو : هو زيد قائم والمستتر نحو : كان زيد قائم وليس زيد قائم ، والمنصوب
المتصل : إنه زيد قائم ، وإذا وقع مبتدأ انفصل نحو : هو زيد قائم ، لأنّ عامل
المبتدأ الابتداء ، وهو معنى ، واستحال اتصال الضمير بالمعنى الذي هو الابتداء
لكونه غير لفظ ، وكذا إذا وقع بعد ما الحجازية نحو : ما هو زيد قائم ، لتعذر
اتصاله مرفوعا بغير الفعل ، وحذف ضمير الشأن إذا كان منصوبا ضعيف قال الله تعالى :
(إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ
رَبَّهُ مُجْرِماً) وجاء حذفه في الشعر نحو قوله :
إذا هبّت
رياحك فاغتنمها
|
|
فإنّ لكلّ
خافقة سكون
|
فسكون مبتدأ
ولكلّ خافقة خبره ، واسم إنّ هو ضمير الشأن محذوف والتقدير فإنّه لكلّ خافقة.
__________________
ومنه قول
الشّاعر :
إنّ من يدخل
الكنيسة يوما
|
|
يلق فيها
جآذرا وظباء
|
فمن مبتدأ ،
ويدخل خبره ، ولا يجوز أن يكون من هو اسم إنّ ، لأنّ من شرط ، والشّرط له صدر
الكلام ، واسم إنّ ليس له صدر الكلام ، فالمبتدأ والخبر في موضع رفع بأنه خبر إن ،
واسم إنّ ضمير الشأن ، وهو محذوف ، وتقديره : إنّه من يدخل ، وكذلك يضعف : وجدت
زيد قائم بحذف الضمير ، لأنّه مراد ، لكونه جزء الجملة وليس على حذفه دليل ، وأمّا
ضمير الشأن مع أنّ المفتوحة إذا خفّفت فإنّ حذفه لازم ، لأنّهم لو لم يقدّروا ذلك
لكان للمخفّفة المكسورة على المخفّفة المفتوحة مزيّة في العمل ، والمفتوحة أقرب
إلى الفعل ، وقد جوّزوا إعمال المخفّفة المكسورة ، قال الله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ
رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ولم يجيزوا إعمال المخفّفة المفتوحة قال الشاعر :
...
|
|
أن هالك كلّ
من يحفى وينتعل
|
فلم تنصب هالك
، فوجب تقدير عملها في ضمير الشأن لكونها أشبه بالفعل من المكسورة ، ألا ترى أنّ قولك :
أنّ على لفظ أنّ الذي مضارعه يئن من الأنين.
ولم يأت ضمير
الشأن مجرورا كما جاء مرفوعا ومنصوبا ، لأنّه كناية عن
__________________
الجملة ، والجملة لا مدخل لحرف الجرّ عليها.
ذكر أسماء الإشارة
وهي ثاني أقسام
المبنيّات ، وأسماء الإشارة ما وضع لمشار إليه وهي بدون الصفة مبهمة لصلاحيّتها
لكلّ مشار إليه وبنيت لمشابهتها الحرف من حيث احتياجها إلى ما يبيّن ذات المشار إليه ، وهي :
ذا للمذكّر ، وذان لمثنّاه رفعا ، وذين نصبا وجرا ، وللمفرد المؤنث عدّة ألفاظ
مترادفة وهي : تاوتي وته وتهي وذه وذهي ، ولمثنّاه تان رفعا وتين نصبا وجرا ،
وأولاء مقصورا وممدودا مشترك بين جمع المذكّر والمؤنّث لا يختلف / فيهما ، وذا
أصله ذوي متحرك العين على وزن فعل فحذفت اللام لتأكيد إبهام هذه الأسماء ، وقلبت الواو
ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها فصار ذا ، ويلحق أوائل أسماء الإشارة حرف التنبيه
نحو : هذا ، ويلحق أواخرها حرف الخطاب بحسب من تخاطبه وألفاظ
الإشارة خمسة ، وحروف الخطاب خمسة ، وإذا ضربت خمسة في خمسة كانت خمسة وعشرين ،
فإذا خاطبت مفردا مذكّرا مشيرا إلى مفرد مذكّر ، قلت : ذاك بفتح الكاف ، وإن خاطبت
مفردا مؤنّثا مشيرا إلى المفرد المذكّر المذكور قلت : ذاك بكسر الكاف ، وإن أشرت
إلى المفرد المذكور وخاطبت مثنّى مذكّرا أو مؤنّثا ، قلت : ذاكما ، وإن خاطبت جمع
المذكّرين قلت ذاكم ، وإن خاطبت جمع المؤنّث ، قلت : ذاكنّ ، قال الله تعالى : (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي
فِيهِ) الإشارة إلى يوسف والخطاب مع النّسوة ، وذلك هو ذاك
زيدت فيه اللام ، ومثال المفرد المؤنّث مشارا إليه مع المخاطبين المذكورين ؛ تاك ،
تاك ، تاكما ، تاكم ،
__________________
تاكنّ ، ومثال المثنّى المذكّر مشارا إليه معهم : ذانك ، ذانك ، ذانكما ،
ذانكم ، ذانكنّ ، وفي النصب والجر : ذينك ذينك ذينكما ذينكم ذينكنّ ، ومثال
المثنّى المؤنّث : تانك ، تانك ، تانكما ، تانكم ، تانكنّ ، وفي حالة النصب والجرّ
، تقول : رأيت تينك ، تينك ، تينكما تينكم تينكنّ ، ومررت بتينك إلى تينكنّ ومثال
مجموع المذكّر والمؤنّث ، مشارا إليهما مع المخاطبين المذكورين ، أولاك أولاك
أولاكما أولاكم أولاكنّ وقد نقل النيليّ جواز فتح كاف الخطاب في ذلك كلّه وهو غريب
قال : إنّ ذلك نقله الثقات من غير إلحاق علامة تثنية ولا جمع ولا غير ذلك بل يفرد
ويذكّر على كل حال واعلم أنّهم لم يقولوا : ذاه ذاهما ذاهم لأنّ الهاء
للغائب ، والغائب لا يصحّ تنبيهه على الحاضر ، بل الحاضر ينبّه على الغائب.
واعلم أنّ قولك
في التثنية ذان ليس بتثنية ذابل هو صيغة تفيد التثنية كأنتما فكما أنّ أنتما ليس بتثنية أنت فكذلك ذان ليس بتثنية ذا
لأنّه لو كان تثنية ذا ، لقيل : ذوان ، لأنّ التثنية من شأنها أن تردّ ما كان
محذوفا من المفرد نحو : أبوان وأخوان ودميان ورحيان ، ولأنّ تثنية المعرفة توجب
تنكيرها غالبا ، وذان معرفة ، ومنهم من يجعل مثنّى أسماء الإشارة على كلّ حال بألف
وعليه قوله تعالى : (قالُوا : إِنْ هذانِ
لَساحِرانِ) واعلم أنّ قولنا : يلحق بأوائلها حرف التنبيه ليس على
إطلاقه ،
__________________
فإنّه يلحق البعض دون البعض ، إذ لا يقال : هذا لك بالاتفاق ، وجعلوا ذا
للقريب ليكون الاسم المجرّد من الزيادة للقريب المجرّد من زيادة المسافة ، وذاك
للمتوسّط بزيادة حرف الخطاب لتشعر الزيادة في اللفظ بالزيادة في المسافة ، وذلك
بزيادة اللام للبعيد لتشعر زيادة الحرفين على البعد في المسافة ، وهو رأي بعض
النحويين وإذا قصدوا البعيد في المثنّى شدّدوا النون من ذانك
وتانك وفي الواحدة المؤنّثة استعملوا تلك ، وفي المجموع زادوا اللّام وقصروا
فقالوا : أولالك فهؤلاء للجماعة القريبة ، وأولئك للمتوسّطة ، وأولالك
للبعيدة واعلم أنّهم قد وضعوا أسماء يشيرون بها إلى الأمكنة.
خاصة وهي : ثمّ وهنا ، فثمّ يشيرون به إلى ما بعد من الأمكنة ، وهنا وهاهنا إلى
المكان القريب ، وهناك إلى المتوسط ، وهنالك إلى البعيد ، وفي هنا ثلاث لغات ،
إحداها : ضمّ الهاء مع تخفيف النون ، والثانية : فتحها مع تشديد النون ، والثالثة
: كسرها مع تشديد النون أيضا لكنّ الفتح أكثر .
ذكر الموصولات
وهي ثالث أقسام
المبنيّات ، والموصول مبهم بدون صلته ، كما أنّ اسم الإشارة مبهم بدون صفته ، فإن
قيل الموصولات وأسماء الإشارة معارف فكيف يجتمع الإبهام والتعريف ، فالجواب : أنّ
إبهامها إنّما هو بحسب الوضع لا بحسب الاستعمال ، فإنّها معارف بحسبه كما في
الضمائر من مثل : أنا وأنت وهو ، وإنّما يبنى الموصول لمشابهته الحرف من حيث
احتياجه إلى الغير في إيضاحه وهو الصّلة وحدّ الموصول : اسم لا يتم جزءا من الكلام من مسند
ومسند إليه ، ومضاف إليه وتابع ،
__________________
إلّا مع صلة وعائد ، فقولنا : اسم كالجنس / وقولنا : لا يتم جزءا إلّا بصلة
، يخرج ما يتمّ جزءا بدون الصلة نحو : زيد ورجل وقولنا : وعائد ، يخرج مثل : إذ
وإذا ، لأنّه وإن لم يتمّ جزءا من الكلام إلّا بصلة فإنّه بلا عائد ، فمثال
الموصول مسندا قولك : زيد الذي قام أبوه ، ومثاله مسندا إليه : الذي قام أبوه زيد
، ومثاله مضافا إليه : غلام الذي قام أبوه عمرو ، ومثاله تابعا : مررت بزيد الذي
أبوه قائم ، ويجب أن تكون صلة الموصول جملة خبريّة ولا موضع لها من الإعراب لكونها كالجزء من الموصول ، وإنّما وجب أن تكون جملة ،
لأنّ «الذي» وضع وصلة إلى وصف المعارف بالجمل التي هي نكرات في الأصل ، ووجب أن
تكون خبريّة لأنّ الموصول يخبر به وعنه ، ولو كانت الجملة الإنشائيّة جزءا منه لما
صحّ منه ذلك ، ولأنّ الصلة يجب أن تكون موضّحة للموصول ، وما عدا الخبريّة كالأمر
والنهي وغيرهما. من الجمل الإنشائيّة غير موضّح ، ويشترط في الصلة أيضا ، أن تكون معلومة للمخاطب ،
لأنّها لو كانت مجهولة لم تكن موضّحة ، ويشترط أن يكون فيها عائد وهو ضمير في الصلة يعود إلى الموصول ، لأنّ الصلة جملة
مستقلّة فافتقرت إلى العائد ، ليحصل به ربط الصلة بالموصول ، والضمير العائد
المذكور يجوز حذفه إذا كان مفعولا ، نحو قوله تعالى : (فيها ما تشتهي
الأنفس) أي ما تشتهيه ، لحصول العلم به مع كونه فضلة ، ولم يجز
ذلك في الضمير المرفوع والمجرور لكون المرفوع فاعلا وامتناع حذف الفاعل ، واستلزام
حذف المجرور ، كثرة الحذف أعني الجار والمجرور .
__________________
ذكر تعدّد الموصولات
منها : الذي
للمفرد المذكّر ، والألى والذين لجمع المذكّرين ، واللّذان للمثنّى المذكر بالألف
إذا كان في موضع رفع واللذين بالياء إذا كان في موضع نصب أو جرّ وهذه العبارة أولى
من أن يقال : رفعه بالألف ، ونصبه وجرّه بالياء ، لأنّ هذه الصيغ ليست معربة حقيقة
لأنّها من المبنيّات ، ولعدم تحقّق التثنية فيها ، فإنّ اللذان واللذّين اسم وضع
للمثنّى ، وكذلك اللتان واللتين ، كما قيل في أسماء الإشارة ولذلك حذفت الياء في
تثنية الذي والتي كما حذفت ألف «ذا» ولو كان مثنّى حقيقة لما حذف ذلك ، وكذلك
الذين ليس جمعا للذي ، لأنّه على اللغة الفصيحة بصيغة واحدة في الرفع والنصب والجر
، ولو كان جمعا محقّقا لوجب أن يقال : الذون رفعا ، ولكن هو اسم وضع للجميع ،
وأمّا جمع المؤنّث ، ففيه لغات ، وهي اللاتي واللواتي واللّات واللّوات واللّائي
بهمزة وياء بعدها ، واللّاء بهمزة وحدها واللّاي بياء مكسورة ، وساكنة أيضا بغير
همز ومن الموصولات ذو الطائيّة بمعنى الذي ، كقوله :
...
|
|
وبئري ذو
حفرت وذو طويت
|
__________________
/ وذو هذه ،
بالواو في الأحوال كلها.
ومنها : ما ومن
وهما مفردان بكل حال وإنما تقع التثنية والجمع والتذكير والتأنيث في صلاتهما لا
فيهما.
ومنها : أيّ
للمذكّر بمعنى الذي وأيّة للمؤنّث بمعنى التي ، وذا بعد ما للاستفهام خاصة كقولك : ماذا ، وهي بمعنى الذي ، عند البصريين.
ومنها : الألف
واللام مع اسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبّهة بمعنى الذي والتي وسيأتي الكلام
على هذه الموصولات.
ذكر الإخبار بالذي وبابها
ويخبر بها عن
كلّ اسم في جملة معلوم من وجه غير معلوم من وجه آخر ، ما لم يمنع مانع من الإخبار
بها كما سنذكر ، سواء كان ذلك الاسم في الجملة الاسميّة أو الفعليّة ، أعني إذا
كان الإخبار بالذي خاصة ، فإنها تعمّ الجملتين ، وأما الألف واللّام فلا يخبر بهما
إلّا في الجملة الفعليّة خاصة ، لأنّ صلة الألف واللّام لا تكون إلا اسم فاعل أو
مفعول أو صفة مشبّهة لكراهتهم أن يدخلوا صيغة الألف واللّام على الجملة ، لكون
صيغتهما مثل صيغة لام التعريف ، فسبكوا من الجملة الفعليّة اسم فاعل أو مفعول
ليصحّ دخول اللّام عليهما كقولك : الضارب زيد ، والمضروب عمرو ، بمعنى الذي ضرب
والذي ضرب ، ولا يبنى ذلك إلّا من الفعليّة ، فلذلك خصّت اللام بالفعليّة وعمّ «الذي»
الجملتين الاسميّة والفعليّة وطريق الإخبار أن يصدّر «الذي» ويؤخّر الاسم خبرا ،
ويجعل مكانه ضمير عائد على «الذي» مطابق للظاهر المخبر عنه إعرابا وتذكيرا وتأنيثا
وتثنية وجمعا ، ويكون مستترا وبارزا متصلا ومنفصلا ، فإذا أخبرت عن التاء في :
ضربت زيدا بالذي قلت : الذي ضرب زيدا أنا ، فإنّك صدّرت «الذي» وجعلت موضع الضمير البارز الذي هو
تاء ، ضربت
__________________
ضميرا ، فلزم أن يستتر في ضرب الذي هو الفعل الماضي ، وأخّرت الضمير البارز
المتصل الذي هو تاء ضربت فلزم انفصاله فالذي مبتدأ ، وأنا خبره وما بينهما صلة
الذي ، وإذا أخبرت عن زيد في ضربت زيدا ، قلت : الذي ضربته زيدا ، فجعلت موضع
المخبر عنه ضميرا للذي وهو الهاء في ضربته وأخّرت زيدا ، فالذي مبتدأ ، وزيد خبره
، وما بينهما صلة الذي ، وإذا أخبرت عن زيد في قولك : زيد قائم قلت : الذي هو قائم
زيد ، والأمر فيه كما ذكرنا ، والذي في هذه الصور مبتدأ واجب التقديم ، والاسم
المخبر عنه بالذي خبر واجب التأخير ومع ذلك لم يذكرا في مواضع وجوب تقديم المبتدإ
ووجوب تأخير الخبر ، وإذا أخبرت بالألف واللّام عن التاء في ضربت زيدا ، قلت :
الضارب زيدا أنا ، فالألف واللّام مبتدأ بمعنى الذي وأنا خبره ، وما
بينهما صلة الألف واللّام ، والعائد مستكنّ في الضارب لأنّ اسم الفاعل قد جرى على
من هو له ، وإذا أخبرت عن الكاف في ضربتك ، قلت : الضاربه أنا أنت فاللّام مبتدأ ،
وأنت خبره وما بينهما صلة اللام ، والعائد الهاء في الضاربه وأنا فاعل ، ووجب
إبراز الضمير ؛ لأنّ الألف واللام لمخاطب الذي هو أنت ، والفعل لضمير / المتكلّم
فقد جرى اسم الفاعل على غير من هو له ، فوجب إبراز الضمير كما ذكر في بابه .
واعلم أنّ
المراد بقولهم : أخبر بالذي ، إنّما هو إخبار عن الذي بذلك الاسم لا إخبار بالذي
حقيقة ، فتكون الباء في أخبر بالذي ، إمّا بمعنى الاستعانة أي استعن على هذا
الإخبار المخصوص بالذي ، وإمّا بمعنى عن فيكون تقدير أخبر بالذي ، أخبر عن الذي ،
وكما أوّلنا الباء بأنّها بمعنى عن كذلك تؤوّل عن بأنّها بمعنى الباء فيصير أخبر
عن الذي تريد وإنّما لزم تأويل هذا اللفظ لأنّ الذي في هذا الباب
مبتدأ مخبر
__________________
عنه لا به ، والاسم المخبر عنه بالذي خبر مخبر به لا عنه.
واعلم أنّ
قولهم : إنّ الألف واللام لا توصل إلّا بالجملة الفعليّة ليس على إطلاقه بل لا بدّ
من قيد آخر ، وهو أن يقال : الجملة الفعليّة التي لها تصرّف ، ليمكن سبك اسم
الفاعل والمفعول منها ، فإنّ الأفعال الجامدة لا يمكن ذلك منها لأنها لا تتصرف وهي ستة : ليس ، وعسى ، ونعم وبئس وفعل التعجب وحبّذا ،
وإذا تعذّر في الإخبار بالذي أحد الأمور الثلاثة ، وهي : إمّا تصدير الذي ، أو
إقامة الضمير العائد مقام الاسم المخبر عنه ، أو تأخير المخبر عنه خبرا ، تعذّر
الإخبار بالذي ، فلا يصحّ الإخبار عن ضمير الشأن لأنّ له صدر الكلام فلا يؤخّر ولا عن الوصف بدون الموصوف ، لأنّه يلزم وقوع الصفة
مضمرة ، والمضمر لا يجوز أن يوصف به ، فلو أخبرت عن الكريم في قولك : رأيت زيدا
الكريم ، وقلت : الذي رأيت زيدا إيّاه الكريم لم يجز ، وكذلك لا يخبر عن الموصوف
بدون صفته ، لأنّه يلزم أن يقع المضمر موصوفا وذلك غير جائز ، فلو أخبرت عن زيد ،
في قولك : رأيت زيدا الكريم وقلت : الذي رأيت إياه الكريم زيد لم يجز ذلك وكذلك الحال والتمييز لامتناع وقوع الضمير حالا أو
تمييزا ؛ لأنّ الضمير معرفة ويمتنع أن يكون شيء منهما معرفة ، وكذلك المصدر العامل
في نحو : أعجبني ضربي زيدا ، لامتناع جعل الضمير عاملا مكان المصدر ، لأنّ
الضمير لا يعمل ، وإن قدرت المصدر عاملا وقلت : الذي أعجبني هو زيدا ضربي ، لم يجز
أيضا ، لأن المصدر لا يعمل مؤخرا ، وإنّما قيّد المصدر بالعامل ، لجواز الإخبار عن
المصدر الغير العامل نحو : أن يقال في رأيت ضربك : الذي رأيته ضربك ، وكذلك لا
يخبر عن الضمير المستحق لغير الموصول ، ولا عن الاسم المشتمل عليه ، أمّا الضمير
المستحق لغير الموصول فنحو الهاء في : زيد ضربته وأمّا الاسم المشتمل على الضمير المستحق لغير الذي
__________________
فنحو : زيد ضربت أخاه ، فلا يجوز أن تخبر عن الهاء في ضربته ولا عن أخاه ،
فإنك إن أعدت الهاء على زيد الذي هو المبتدأ بقي الموصول بلا عائد ، وإن أعدتها
على الذي بقي المبتدأ الذي هو زيد ، بلا عائد ، / وكذلك لا يصحّ الإخبار عن المجرور بربّ ومذ ومنذ ،
وكاف التشبيه ، وواو القسم وتائه ، وحتّى ، والمضاف بدون المضاف إليه لامتناع
إضمار هذه الأشياء.
ذكر أنواع ما
وذكرت أقسامها
هاهنا للاختصار ، لئلّا يفرد لها باب آخر ، وهي تستعمل غالبا فيما لا يعقل ، وقد
جاءت لمن يعقل في قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما
بَناها) وهي مشتركة بين ستة معان ، فإنّها تأتي : موصولة ،
واستفهاميّة ، وشرطيّة ، وموصوفة ، وصفة ، وتامّة ، وهي في جميع أقسامها مبنيّة ،
فمثال الموصولة قوله تعالى : (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ
خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) أي الذي عند الله وهي معرفة لكن لا توصف بها المعرفة ، كما توصف بالذي ، لأنّ ما
الموصولة تتضمّن الصفة والموصوف جميعا ، فإذا قلت : أعجبني ما صنعته فمعناه :
أعجبني الشيء الذي صنعته ، لأنّ الشيء موصوف والذي صنعته صفته ، ومثال
الاستفهاميّة قوله تعالى : (وَما تِلْكَ
بِيَمِينِكَ يا مُوسى) وهي هنا نكرة ومثال الشرطيّة قوله تعالى :
__________________
(وَما تَفْعَلُوا مِنْ
خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) وهي نكرة أيضا ، ومثال الموصوفة قول الشّاعر :
ربّما تكره
النفوس من الأم
|
|
ر له فرجة كحلّ
العقال
|
وهي نكرة أيضا
، لدخول ربّ عليها ، وإنّما كانت موصوفة ، لأنّ المجرور بربّ لا بدّ من وصفه ، وهي
هنا موصوفة بالجملة ، وهي نكرة أيضا ، والتقدير ، ربّ شيء تكرهه النفوس أي مكروه ،
وأمّا الموصوفة بالمفرد فنحو قوله تعالى : (هذا ما لَدَيَّ
عَتِيدٌ) أي هذا شيء لديّ عتيد ، فعتيد صفة لما ، ومثال الصفة قوله صلىاللهعليهوسلم «أحبب حبيبك هونا ما ، عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ،
عسى أن يكون حبيبك يوما ما» أي ، أحبب حبيبك حبّا قليلا ، وأبغض بغيضك بغضا قليلا ،
وقيل : «ما» هنا حرف يفيد التقليل ، وقيل : زائدة للتأكيد وهو الأصحّ ، وهي أيضا
نكرة ، ومثال التامّة ، وهي أن تكون بمعنى شيء قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا
الصَّدَقاتِ
__________________
فَنِعِمَّا
هِيَ) أي فنعم شيئا إبداؤها فحذف المضاف وهو إبداء ، وأقيم
المضاف إليه مقامه وهو الضمير المجرور الراجع إلى الصّدقات فصار مرفوعا ، ومعنى
كونها تامة أنّها غير محتاجة إلى صلة ولا صفة ، وهي هنا منصوبة على التمييز ،
ومفسّرة لفاعل نعم ، أي نعم الشيء شيئا هي الصدقات .
ذكر أنواع من
والاعتذار عن
ذكر باقي أقسامها مع الموصولات ، وكذلك غيرها هو ما تقدّم في ذكر أنواع ما ،
وأنواع من كأنواع ما ، إلّا في التمام والصفة ، فإنّ من لا تكون تامّة ، ولا يوصف بها ، فالموصولة نحو : جاءني من أبوه
طيّب ، وهي خاصة معرفة ، ونكرة في باقي أقسامها ، والاستفهاميّة : نحو : من عندك / والموصوفة بالمفرد نحو قوله :
وكفى بنا
فخرا على من غيرنا
|
|
حبّ النبيّ
محمّد إيّانا
|
وبالجملة نحو
قوله :
__________________
ربّ من أنضجت
غيظا صدره
|
|
قد تمنّى لي
موتا لم يطع
|
فإنّ من هنا
بمعنى شخص أو إنسان موصوف بما ذكر ، والشرطيّة نحو : من يكرمني أكرمه ، ومن تستعمل
غالبا فيمن يعقل ، وقد تستعمل في غير من يعقل ، نحو قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ
ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ).
ذكر أنواع أيّ وأيّة
وهي كأنواع ما
إلّا في التمام ، فإنّ أيّا وأيّة لا يقعان تامّين ، فالاستفهاميّة نحو : أيّهم
وأيّتهم عندك؟ والشرطيّة : أيّهم تكرمه أكرمه ، والموصوفة : يا أيّها الرجل ويا
أيّتها المرأة ، والموصولة (لَنَنْزِعَنَّ مِنْ
كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) أي الذي هو أشدّ والصفة نحو : مررت برجل أيّ رجل.
واعلم أنّ أيّا
وأيّة خاصة تعربان في الأقسام المذكورة إلّا في قسمين منها : أحدهما : إذا حذف صدر
صلتها نحو : (أَيُّهُمْ أَشَدُّ
عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) أي أيّهم هو أشدّ ، وبنيت لمشابهة الحرف في افتقارها إلى ذلك المحذوف وثانيهما : إذا كانت موصوفة نحو قولك : يا أيّها الرجل
ويا أيتها المرأة ، وبنيا لقطعهما عن الإضافة وجعلهما مفردين والمنادى المفرد المعرفة مبنيّ أبدا كما تقدّم في بابه وأمّا
__________________
وجوب إعرابهما في باقي الأقسام المذكورة فلانتفاء موجب البناء.
ذكر ما ذا
وهي تستعمل على
وجهين :
أحدهما : أن
يكون معناها ما الذي نحو ما ذا صنعت؟ ما للاستفهام وهي مبتدأ ، وذا بمعنى الذي ،
وصنعت صلته ، والعائد محذوف أي : ما الذي صنعته؟ والموصول مع صلته خبر المبتدأ ،
وجوابه مرفوع ليطابق السؤال فتقول : خير بالرفع ، ويجوز نصبه بتقدير الفعل المذكور
فتقول : خيرا بالنّصب ، أي صنعت خيرا ، ولكنّ الرفع أولى.
وثانيهما : أن
تكون ما ذا بمنزلة كلمة واحدة مركّبة من كلمتين بمعنى أيّ شيء فيصير المعنى ، أيّ
شيء صنعت ، ويحكم على موضعه بحسب ما يقتضيه العامل وهو هنا في محلّ النصب ، بأن
يكون مفعولا لصنعت ، فيكون الجواب منصوبا ، فتقول : خيرا بالنصب لتطابق السؤال وقد يجوز فيه الرفع على تقدير ؛ أن يكون خبر مبتدأ
محذوف ، وإنّما قدّم ما ذا لتضمّنه معنى الإنشاء وقد أجمع القرّاء على نصب خيرا في قوله تعالى : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا
أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ، قالُوا : خَيْراً) تنبيها على أنّهم قصدوا خلاف ما قصد من كان قبلهم من
الكفّار إذ قيل لهم : (ما ذا أَنْزَلَ
رَبُّكُمْ قالُوا : أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) فهذا لا يستقيم فيه إلّا الرفع على معنى : هي أساطير
الأولين ، عدولا منهم عن الجواب ، إذ لا يستقيم أن يكون المعنى أنزل ربّنا أساطير
الأولين .
ذكر أسماء الأفعال
وهي ما كان
بمعنى الأمر ، أو الماضي ، وهي رابع المبنيّات ومسميّاتها ألفاظ ؛
__________________
فرويد اسم ومسمّاه / لفظ أمهل ، وأمهل لفظ ومدلوله طلب المهلة ، وكذلك جميع
أسماء الأفعال نحو : هيهات ، فإنّها اسم للفظ بعد ، وبعد موضوع للمعنى الذين هو
البعد ، وكذلك صه اسم ل : اسكت ، واسكت موضوع للمعنى الذي هو طلب
السكوت لأنّ رويد مثلا لو كان اسما لطلب المهلة ، لكان رويد
وأمهل مترادفين ولم يكن اسما له ، وكذلك القول في جميع هذا الباب ، وفائدة أسماء
الأفعال ؛ الاختصار والمبالغة لأنّها للمذكّر والمؤنّث والمثنّى والمجموع ، بلفظ
واحد ، فتقول : صه يا زيدان ويا زيدون ، فلا تلحقها علامة تثنية ولا جمع ، بخلاف
اسكتا واسكتوا ، وأمّا المبالغة فإنّ معنى : هيهات زيد ، بعد جدا ، فهيهات معدولة
عن قولك : بعد بعد مكرّرا ، وكذلك القول في مه وغيرها من هذا الباب وإنّما بنيت
هذه الأسماء لأنها نائبة عن الجملة ، والجمل محكيّة لا تعرب ، أو لشبهها بما هي
بمعناه وهو فعل الأمر والماضي ولا بدّ لها من موضع من الإعراب لوجود التركيب ،
واختيار ابن الحاجب أنّ موضعها رفع بالابتداء وفاعلها المستتر فيها أغنى عن الخبر
كما أغنى في : أقائم الزيدان عن الخبر واختيار تقي الدين النيلي ، أنّ موضعها نصب على المصدر
كأنه قيل في رويد زيدا : أرود إروادا زيدا .
__________________
فصل
وأسماء الأفعال
تنقسم إلى مرتجل ، ومشتقّ ، ومنقول ، فالمرتجل نحو : صه ومه وهيهات ، والمشتقّ نحو
: نزال ومناع ، والمنقول نحو : عليك زيدا ، ودونك عمرا ، أي خذه ، وعندك بكرا أي
إلزمه ، فإنّ ذلك منقول عن الجار والمجرور والظرف وما أضيف إليه ، فإنّ عليك مثلا
كان جارا ومجرورا ثم صار اسم فعل هنا ، وكذا دونك وعندك ، كلّ واحد منهما كان ظرفا
مضافا إلى كاف المخاطب ثمّ استعمل اسم فعل حسبما ذكر وينقسم قسمة أخرى ؛ إلى لازم نحو : صه وهيهات وإلى
متعدّ بنفسه نحو : رويد زيدا ، وإلى متعدّ بحرف الجرّ نحو قول المؤذن : حيّ على
الصّلاة أي أقبلوا على الصلاة .
فصل
ومذهب سيبويه ،
أنّ كلّ فعل ثلاثي لك أن تبني منه فعال بمعنى افعل كقولك : ضراب اسم اضرب ، وقعاد اسم اقعد ، وقوام اسم قم
، ونزال اسم انزل ، وعند غيره يؤخذ سماعا كما في الرباعي بالاتفاق إذ لم يأت منه إلّا قرقار وعرعار قال الشّاعر :
__________________
قالت له ريح الصّبا قرقار
أي قالت الريح
للسّحاب : قرقر يا رعد ، فهو اسم لقولك أرعد ، وأمّا عرعار ، فحكاية صوت الصبي إذا
خرج فلم يجد من يلعب معه فينادي : عرعار فيخرجون إليه ، فكأنه اسم لقولك اخرجوا
للّعب ، قال الشاعر :
...
|
|
يدعو وليدهم
بها عرعار
|
وقيل : لو كان
كذلك لكان من باب الأصوات ، بل هو اسم للعب معيّن للصبيان .
فصل
ومن أسماء
الأفعال ، ها بمعنى خذ ، وتلحقها الكاف فيقال هاك ، فيتصرف مع الكاف في أحواله :
هاك وهاك وهاكما إلى هاكنّ.
واعلم أنّ هلمّ
/ من أسماء الأفعال وهي عند الخليل مركّبة من لمّ من قولهم : لمّ الله شعثه
إذا جمعه ، ومن ها التنبيه فأصلها ها لمّ ثمّ حذفت الألف لكثرة الاستعمال ، وقال الكوفيون : هي
مركبّة من هل بمعنى أسرع وأمّ بمعنى اقصد
__________________
ثم حذفت الهمزة وجعلا اسما واحدا للفعل بمنزلة باقي أسماء الأفعال نحو : رويد ، ونزال ، وهي
عند الحجازيين على لفظ واحد في التثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، وبنو تميم
يقولون : هلمّا هلمّوا هلممن ، ويلحقونها نون التأكيد أيضا نحو : هلمّنّ وهلمنّ يا
هذه وهلمانّ وهلمنّ يا هؤلاء ، وهلممنانّ يا نساء واعلم أنّ هلمّ على وجهين : متعديّة وغير متعديّة ، فالمتعديّة بمعنى أحضر وقرّب
نحو قوله تعالى : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) فإنّه من القسم المتعدي أي : أحضروا شهداءكم ، وغير
المتعدي بمعنى : تعال وأقبل نحو قوله تعالى : (هَلُمَّ إِلَيْنا) فإنّه من القبيل الذي لا يتعدّى أي : تقرّب إلينا .
فصل
ومن المبنيّات
ما يوافق فعال في الصيغة فذكروه هنا وإن لم يكن من أسماء الأفعال لئلا يطول بإفراد
باب له وهو على ثلاثة أضرب :
الضرب الأول :
ما هو اسم للمصدر المعرفة نحو : فجار علما للفجور ، وهو مبنيّ لمشابهته فعال ـ الذي
هو اسم الفعل ـ من حيث الزنة والعدل ؛ لأنّ فجار معدولة عن الفجور لفظا ومعنى .
الضرب الثاني :
ما هو في معنى الصفة في النّداء ، مثل : يا فساق ويا خباث وهو أيضا مبنيّ للزنة
والعدل ، لأنّ فساق مثلا معدول عن فاسقة وهو معرفة أيضا ، لجواز وصفه بالمعرفة
كقولك : يا فساق الخبيثة.
__________________
الضرب الثالث :
ما وضع علما للأعيان المؤنّثة نحو : قطام وغلاب وإنّما قال : علما ليخرج باب فساق
، وإنّما قال : للأعيان ليخرج باب فجار ، لأنّه وإن كان علما لكنه علم للمعنى الذي
هو المصدر لا للأعيان ولم يقع هذا الضرب الثالث إلّا مؤنّثا ، وهي مبنيّ أيضا في
لغة أهل الحجاز وعلّة بنائه ما قيل في : فجار من العدل والزنة ، وغلاب
معدول عن غالبة ، وقطام عن قاطمة لفظا ومعنى . واعلم أنّ قولنا في غلاب وقطام ونحوهما : إنّه معدول
عن غالبة وقاطمة ، إنّما هو عدل تقديريّ لا تحقيقي وإنّما وجب المصير إليه للعلم بأنهم لا يبنون إلّا
لمانع من الإعراب ، ولا مانع سوى ما قدّر من العدل ومشابهة فعال المبنيّ في الزنة
، وفي هذا الضرب الثالث خاصة خلاف أعني علم الأعيان فإنّه مبنيّ في لغة الحجاز
معرب في لغة بني تميم إعراب ما لا ينصرف ، إلّا ما كان في آخره راء نحو : حضار اسم
كوكب يطلع قدّام سهيل ويشتبه به فإنّ بني تميم يوافقون الحجازيين في بنائه إلّا القليل
منهم فإنّهم يعممون الإعراب في جميع هذا الضرب الثالث وقد جرى القليلون على القياس
في ذلك ، إذ لا فرق بين ما آخره راء وغيرها .
ذكر الأصوات
وهي خامس
المبنيّات ، وهي : كلّ لفظ حكي به صوت نحو : غاق ، حكاية صوت الغراب ، وطق ، حكاية
صوت الحجر ، أو صوّت به للبهائم ليحصل منها ما يقصده المصوّت من إناخة وغيرها كنخ
وجوت وبني هذا النّوع / لعدم التركيب لأنّ وضعه على أن ينطق به مفردا وقد جاء إعرابه مركّبا قليلا.
__________________
قال ذو الرمة :
تداعين باسم
الشّيب في متثلّم
|
|
جوانبه من
بصرة وسلام
|
والشّيب بالكسر
، حكاية أصوات مشافر الإبل عند الشّرب وصف إبلا تشرب في حوض متثلّم جوانبه ، وأصوات مشافرها
شيب شيب ، والأصل : أن تحكى الأصوات على ما هي عليه ، ولا يعتبر تركيبها كما لا
يعتبر تركيب قد وضرب ونحوه في الإعراب.
ذكر المركّبات
وهي سادس
المبنيّات ، والمركّب المبنيّ : كلّ اسم مركّب من كلمتين ليس بينهما نسبة ، اعلم
أنّ المراد بالمركّب هنا ما سبب بنائه التركيب ، وإنّما قال : المركّب من كلمتين ،
ليشمل المركّب من الاسم والفعل والحرف نحو : سيبويه ، وقوله : ليس بينهما نسبة ،
أي ليس أحدهما محكوما عليه بالآخر ، ولا عاملا فيه ، وما كان من تركيب هذا شأنه
فهو موجب للبناء فيخرج مثل : غلام زيد ، وتأبّط شرّا ، ونحوهما لوجود النسبة فيهما
، وتأبّط شرّا وإن كان مبنيّا ، فليس بناؤه للتركيب بل لكونه محكيّا على أصله ،
والمركّب المبنيّ على ضربين ، أحدهما : أن يكون الأول والثاني مبنيين معا ،
وثانيهما : أن يكون الأول مبنيا والثاني معربا كما سنذكر.
أما الضرب
الأول : وهو الذي بني فيه الأول والثاني معا.
فمنه : أحد عشر
إلى تسعة عشر خلا الجزء الأول من اثني عشر فإنّه خاصة معرب كما سيأتي ، وبني الأول
من الأعداد المذكورة لشبهه بصدر الكلمة ، لأنّ خمسة من خمسة عشر مثل جع من جعفر ،
وبني الثاني من أحد عشر واثني عشر إلى تسعة
__________________
عشر لتضمّنه معنى الحرف أعني الواو ، لأنّ أصل أحد عشر ، أحد وعشر ، وكذا القول
في اثني عشر في بناء الثاني خاصة إلى تسعة عشر ، وبنيا على حركة ، لأنّ لهما أصلا
في التمكين قبل التركيب ، وكانت فتحة طلبا للخفّة.
ومنه : اسم
الفاعل المصوغ من الأعداد المذكورة وهو حادي عشر وثاني عشر إلى تاسع عشر ، واطّرد
البناء فيه ولم يعرب الجزء الأول من ثاني عشر كما أعرب من اثني عشر لاستوائه مع
إخوته في علّة البناء لأنّ اسم الفاعل المذكور جرى في البناء مجرى أصله ؛ فحادي
عشر وثاني عشر ، مبنيّان كبناء أحد عشر وعلى ذلك حتى يكون تاسع مبنيّا كبناء تسعة
عشر ، وأما اثنا عشر فبني الثاني خاصة لتضمّنه معنى الحرف ، وأعرب الأوّل ، لأنّهم
لمّا حذفوا النون من اثنين لكونها تدلّ على الانفصال ، أشبه المضاف وصار الاسم
الثاني كالمضاف إليه ، فأجروا الاسم الأول مجرى الكلمة المستقلّة المضافة فأعربوه
بالألف في الرفع وبالياء في النصب والجر فقالوا : جاءني اثنا عشر ورأيت اثني عشر
ومررت باثني عشر ، بإعراب الأول وبناء الثاني على الفتح ، ومن هذا الضّرب قولهم ، «وقعوا في حيص بيص» وتقديره في حيص وبيص أي في فتنة
تموج بأهلها متأخّرين ومتقدّمين / وعلّة بنائه ما تقدّم أعني ، لتضمّن الثاني معنى
الحرف ولكون الأول كصدر الكلمة ، ومثله : هو جاري بيت بيت والتقدير : هو جاري بيتا إلى بيت أي متلاصقان ، والعامل
فيه جاري ؛ لأنّه بمعنى مجاوري ، ومن ذلك : سقطوا بين بين أي بين كذا وبين كذا .
وأمّا
الضّرب الثاني :
وهو أن يكون
الأول مبنيّا والثاني معربّا ف : كحضرموت وبعلبكّ ، بني الأوّل لكونه كصدر الكلمة
، وبقي الثاني على ما يستحقّه من الإعراب فيقال : هذا بعلبكّ
__________________
ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ ، فلا ينصرف للعلّتين وهذا هو الفصيح ، ومن
العرب من يعرب الأوّل بالرفع والنّصب والجرّ كالمضاف ، ويعرب الثاني إعراب المضاف
إليه الغير المنصرف ، ومن هؤلاء من يعرب الثاني إعراب المضاف إليه المنصرف فيقول :
هذا بعلبكّ بجرّ الثاني في الأحوال الثلاث وأمّا نحو : : «ذهبوا أيدي سبا» فقد عدّه المحققون من باب المبنيّات وهو مشكل ؛ فإنّ معناه ذهبوا مثل أيدي
سبا في تشتّتهم ، فحذف المضاف الذي هو مثل ، وأعرب المضاف إليه بإعرابه ثم حقّقت
الهمزة من سبأ ، وسكّنت الياء من أيدي على التخفيف وذلك لا يوجب بناء .
ذكر الكنايات المبنيّات
وهي سابع
المبنيّات ، والكناية من كنيت إذا سترت ومنه كنية الشّخص ؛ سمّيت بذلك لكونها تستر
اسمه وتكون الكناية معربة نحو : فلان ، ويسمّى الضمير مكنيّا أيضا ، وليس ذلك
بمراد هاهنا ، وإنّما المراد الكنايات المبنيّة ، وهي : كلّ لفظ مجمل يعبّر به عن
مفصّل ، ويكون إجماله إمّا لنسيانه أو لقصد إبهامه على السّامعين ، بحيث لا يعلم
معناه إلّا من يعرف ذلك التفصيل نحو : عندي كذا كذا درهما ، فكذا كذا درهما ، مجمل
وله تفصيل من نحو : عشرين أو خمسين أو غير ذلك ، وقد عبّر عنه بهذا اللفظ المجمل ،
أعني كذا كذا درهما ، إمّا للنسيان أو للإبهام على السّامعين وألفاظ الكنايات كم وكذا للعدد ، وكيت وذيت للحديث وقد
قيل : إنّ كم الاستفهامية ليست من الكنايات ، لأنّها وضعت للاستفهام عن العدد
فلا تكون بهذا
__________________
الاعتبار من الكنايات وإلّا لزم أن يكون أين ومتى ، كنايتين عن مكان وزمان
مبهمين ، لأنّ كم كما يفيد الاستفهام والعدد فكذلك أين يفيد الاستفهام والمكان ، وقال السخاوي في شرح المفصل ما معناه : إنّ كم الاستفهامية من
الكنايات أيضا ، قال : لأنّها في الاستفهام سؤال عن عدد مبهم فلا شيء من العدد
إلّا ويصلح أن يكون جوابا ، وبنيت الاستفهامية لتضمنها همزة الاستفهام ، والخبريّة
لكونها مثل الاستفهاميّة في الصيغة وبني «كذا» لكونه منقولا عن مبنيّ لأنّ أصله «ذا» ودخلت
عليه كاف التشبيه فبقي على ما كان عليه وأما كيت وكيت وذيت وذيت ، فكنايتان عن الحديث ، وبنيا
لكونهما واقعين موقع المبنيّ وهو الجملة أعني الحديث الذي كني عنه بهما /.
ومميّزكم
الاستفهامية مفرد منصوب نحو : كم رجلا ضربت ، لأنّ كم للعدد فجعل
مميّزها كمميّز الأعداد المتوسطة أعني من أحد عشر إلى تسعة وتسعين ولم يجعل كمميّز
طرفي العدد أعني العشرة وما دونها والمائة وما فوقها ، لئلا يلزم الترجيح بلا
مرجّح ، ويدخل «من» في مميّزها فيخفض نحو : كم من رجل ضربت ، ومميّزكم الخبريّة
مجرور مفرد ، ومجموع كقولك : كم درهم وهبت ، وكم دراهم وهبت ، أما كونه مجرورا ،
فلأنّها للتكثير ، والعدد الصريح الكثير ، مميّزه مجرور كمائة وألف ، وأما كونه
مفردا ، فلأنّ مميّز العدد الكثير كذلك ، وأمّا كونه جاء مجموعا فلأنّ العدد
الكثير ، فيه ما ينبيء عن كميّته صريحا كالمائة والألف ، ولما كان
__________________
هذا ليس مثله في التصريح جعل كأنّه نائب عن معنى التصريح وتدخل «من» في مميّز الخبريّة كثيرا نحو قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) ولكم الاستفهامية والخبريّة صدر الكلام لكون الاستفهاميّة لإنشاء الاستفهام ، والخبريّة لإنشاء
التكثير ، والكوفيون لا يوجبون لهما صدر اللام ويستشهدون بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا
مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ) ويزعمون أنّ كم فاعل يهد والبصريون يتأولونه ويقفون على يهد لهم ويبتدئون بقوله
: كم أهلكنا لكن إن كان قبلهما مضاف أو حرف جرّ وجب تقديمه وكانا في
موضع خفض كقولك : غلام كم رجلا ضربت ، وبكم رجلا مررت ، لأنّ المضاف وحرف الجرّ لا
يتأخّر عن معموله ، فلذلك اغتفر تقديمه على ماله صدر الكلام ، ليتنزّل المضاف وحرف
الجرّ منزلة الجزء من الكلمة ، ويكون إعراب المضاف نحو الغلام في : غلام كم رجلا ،
كإعراب كم ، ولذلك نصبت غلام كم رجلا ضربت ، والاستفهاميّة والخبريّة كلاهما يقع
مرفوعا ومنصوبا ومجرورا أما جرّهما فبالمضاف أو حرف الجرّ حسبما تقدّم ، وأمّا
النصب فبما بعدهما من الفعل ، إن كان متسلّطا عليهما ، أي غير مشتغل بضميرهما أو
متعلّق ضميرهما على حسب ما يقتضيه ، أعني ؛ إن اقتضى مفعولا به كان مفعولا به نحو
: كم رجلا أو رجل ضربت ، بنصب رجل مع الاستفهاميّة ، وجرّه مع الخبريّة ، وإن
اقتضى مفعولا مطلقا كان مفعولا مطلقا نحو : كم ضربة وضربة ضربت ، وإن اقتضى
__________________
ظرفا كان ظرفا نحو : كم يوما وكم يوم صمت ، وأمّا الرفع فعلى أن يكونا
مبتدأين أو خبرين ، وذلك إذا لم يكن بعدهما فعل متسلّط عليهما ولا قبلهما اسم مضاف
ولا حرف جرّ فيكونان حينئذ مجرّدين من العوامل اللفظيّة ، فيتعيّن أن يكونا في
موضع رفع على الابتداء أو على الخبر ، ولا يكونان فاعلين لاقتضائهما صدر الكلام ،
والفاعل ليس له صدر الكلام ، وأمّا تعينهما للابتداء دون الخبر أو للخبر دون
الابتداء ، فإذا وقعا غير ظرف تعيّنا للابتداء كقولك : كم رجلا إخوتك ، وكم رجلا
قام ، وإن وقعا ظرفا تعيّنا للخبر ، كقولك : كم يوما سفرك / لأنك لو جعلت كم مبتدأ
وهي للزمان تعذّر أن يكون خبرها السّفر كما يتعذّر ذلك في : متى سفرك ، فيجب أن
يقدّر السّفر ونحوه مبتدأ ، ويكون ما تقدّم ظرفا في موضع رفع على الخبر .
واعلم أنّ
إعراب أسماء الاستفهام والشّرط نحو : من وما ، استفهاميتين وشرطيّتين مثل إعراب كم
فإن كان بعدهما فعل متسلّط عليهما كان محلّهما النصب نحو : من ضربت ، ومن تضرب
أضرب وإن كان قبلهما حرف جرّ أو اسم مضاف فمحلّهما الجرّ نحو : بمن مررت وبمن مررت
أمرر ، وغلام من ضربت ، وغلام من تضرب أضربه ، فإن لم يكن بعدهما فعل ، شأنه ما
ذكرناه ، ولا قبلهما مضاف ولا حرف جرّ فهما في محلّ الرفع بالابتداء ، نحو : من
ضربته ، ومن تضربه ، أضربه وفي مميّزكم في مثل قول الفرزدق يهجو جريرا.
كم عمّة لك
يا جرير وخالة
|
|
فدعاء قد
حلبت عليّ عشاري
|
__________________
ثلاثة أوجه :
نصب عمة ، وجرّها ، ورفعها ، فالنصب بأن تكون كم للاستفهام والجرّ بأن تكون خبريّة
، وكم مبتدأ في الصورتين ، والرفع بأن تكون عمة مبتدأ نكرة موصوفة بقوله : لك ،
وقد حلبت ، خبرها وكم في هذا الوجه في محلّ النصب على أنّها مصدر أو ظرف
، والتقدير كم حلبة أو حلبة عمة لك وخالة قد حلبت ، أو كم وقت أو وقتا عمة لك
وخالة قد حلبت ، فالمميّز أعني حلبة أو وقت محذوف ، ومحلّهما إمّا الجرّ على أنّ
كم خبريّة ، أو النصب على أنها استفهامية ، وبعد ذلك عمة وهي نكرة موصوفة مرفوعة
بالابتداء ، وقد حلبت الخبر.
ويحذف المميّز للعلم به نحو : كم مالك؟ في الاستفهاميّة أي : كم درهما
مالك؟ وكم هنا ، في محل الرفع على الابتداء ، ونحو : كم ضربت في الخبريّة ، أي كم
ضربة أو مرة ضربت وكم في محل النصب على المصدر أو الظّرف.
ذكر الظروف المبنيّة
وهي ثامن
المبنيّات ، والظرف يكون معربا كما تقدّم في المنصوبات ومبنيا وهو المراد هاهنا ، والبناء في الظروف إمّا
بقطعها عن الإضافة كما سنمثل ، وإمّا بالإضافة إلى غير المتمكّن كيومئذ ، وشرط
بناء ما قطع عن الإضافة أن يكون المضاف إليه مرادا ، فإن قطع ولم يكن المضاف إليه
مرادا أعرب.
نحو قوله :
__________________
فساغ لي
الشّراب وكنت قبلا
|
|
أكاد أغصّ
بالماء الفرات
|
فأعرب قبلا ،
ونصبه على الظّرف ، لأنّ المضاف إليه غير مقدّر فيه ، وبنيت الظروف المقطوعة
لافتقارها إلى المنويّ كافتقار الحرف إلى الغير ، وبنيت على الضم ، لأنّ ذلك لا
يوهم إعرابا ، لأنّ الضمّ لا يدخلها مضافة ، ومثال الظروف المقطوعة المبنيّة على
الضمّ ، فوق وتحت وقبل وبعد وما أشبهها من الظروف المبهمة نحو : أمام ووراء وخلف
وأسفل وأول في قولك : ابدأ بهذا أوّل وتسمّى هذه الظروف الغايات ، لأنّها لمّا
قطعت عن الإضافة جرت مجرى بعض الكلمة وصارت حدودا وغايات ينتهى إليها وأجري مجراها / غير وحسب في قولك : لا غير وليس غير ،
فلما قطع عن الإضافة غير وحسب بنيا على الضّمّ ، وإن لم يكونا ظرفين لكون المضاف
إليه منويا فيهما ، فإن أضيفا أعربا.
ومن الظروف
المبنيّة «حيث» وبنيت لافتقارها إلى جملة تبيّن معناها كافتقار الموصول إلى الصلة
، وبنيت على الضمّ تشبيها بقبل وبعد ، وقد جاء فيها الفتح والكسر وتستعار للزمان كقوله :
للفتى عقل
يعيش به
|
|
حيث تهدي
ساقه قدمه
|
أي مدّة حياته
، ولا تضاف إلّا إلى الجملة ، وشذّ إضافتها إلى المفرد ، نحو قول الشاعر :
__________________
...
|
|
أما ترى حيث
سهيل طالعا
|
بنصب حيث لأنّ
الموجب لبنائها قد زال وجرّ سهيل بإضافتها إليه ونصب طالعا حالا من حيث.
ومنها : إذا
الشرطية وإنّما بنيت لتضمّنها معنى حرف الشرط ولا يجازى بها في غير الشعر ، ولا يقع بعدها إلّا
الجملة الفعليّة غالبا ، إمّا ظاهرة نحو : إذا جاء زيد فأكرمه ، أو مقدّرة نحو
قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ
انْشَقَّتْ) أي إذا انشقّت السّماء انشقّت ، وقد تتجرّد عن معنى
الشّرط وتبقى للزّمان فقط كقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشى) إذ التقدير أقسم بالليل حاصلا في وقت غشيانه.
ومنها : إذا
التي للمفاجأة نحو : خرجت فإذا السبع ، أي فاجأت زمان وجود السبع ، وقد تقع جوابا للشرط كالفاء لما بين التعقيب
والمفاجأة من المناسبة كقول تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ
سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) أي فهم يقنطون ، وهي ظرف معمول لما دلّ عليه من معنى
فاجأت ، ويلزم المبتدأ بعدها غالبا ، لأنّه لا بدّ من إضافتها إلى جملة ، فإنّك
إذا قلت : خرجت فإذا زيد ، فزيد مبتدأ وخبره محذوف أي فإذا زيد مفاجىء ، فحذف
لدلالة المعنى عليه.
__________________
ومنها : إذ ، وهي للزمان الماضي وعلّة بنائها ما قيل في إذا الشرطيّة ولا يختصّ بجملة
معيّنة كما اختصّت إذا بالجملة الفعليّة بل يقع بعد «إذ» الجملتان ؛ الفعليّة
والاسميّة نحو : جئتك إذ قام زيد ، وإذ زيد قائم ، وإذ زيد يقوم ، ولم يستفصحوا :
إذ زيد قام لأنّ إذ لما مضى من الزّمان وقام فعل ماض ، فكان الأولى
ألّا يفصل بينهما ، لأنّها تطلب الفعل ، إذا وجدته في الخبر كما تطلبه الهمزة في
قولك : أزيدا لقيته بخلاف إذ زيد يقوم ، لأنّ يقوم مضارع للاسم ، لأنّه مثل : زيد
قائم ، فيحتمل فيه ذلك بخلاف قام لكونه غير مضارع للاسم ، وقد تكون «إذ» للمفاجأة كإذا وعليه قوله :
...
|
|
فبينما العسر
إذ دارت مياسير
|
ومنها : أين
وأنّى وهما للمكان سواء كانا للاستفهام أو للشّرط نحو : أين زيد ، وأين تكن أكن
، وأنّى تقعد أقعد ، وبنيا لتضمّنهما حرف الاستفهام أو حرف الشّرط ، وقد استعملت أنّى
للزمان والحال كمتى وكيف .
ومنها : متى
وهي ظرف زمان في الاستفهام والشّرط ، نحو : متى القتال ومتى تأتني
أكرمك ، والفرق / بينها وبين إذا ، أنّ متى للزّمان المبهم ، وإذا للمعيّن.
__________________
ومنها : أيّان
، وهي ظرف زمان كمتى في الاستفهام كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ
يَوْمُ الدِّينِ).
ومنها : كيف ،
لزمان الحال تقول : كيف زيد أي على أيّ حال هو ، ولا يجازى بها في
الأفصح وإن دخلت ما عليها فتقول : كيف ما تكون أكون ، وقد جازى
بها الكوفيون مع ما ، واختاره الزّجاجي في الجمل فتقول : كيفما تكن أكن.
ومن الظروف
المبنيّة مذ ومنذ وهما بمعنيين :
أحدهما : بمعنى
أوّل المدّة فيليهما المفرد المعرفة ، وهو الزمان الذي يصلح أن يكون جوابا لمتى
ليدلّ على أول المدّة الذي هو المطلوب ، كقولك : متى كان ابتداء رؤية زيد ، فتقول
في الجواب : منذ أو مذ يوم الجمعة ، لأنّ جواب متى بتعيين الوقت ، فلذلك وليهما
المفرد المعرفة أعني قولك : مذ يوم الجمعة وشبهه.
والثاني : أن
يكونا بمعنى جميع المدّة ، فيليهما المقصود بالعدد لبيان جميع المدّة التي هي
المقصودة ، وهي الزمان الذي يصلح أن يكون جوابا لكم ، نحو : ما رأيته مذ أو منذ
يومان ، وبنيا لشبههما بمن لأنّهما لابتداء الغاية في الزمان كما أنّ من الابتداء
لغاية في المكان وقد يقع بعدهما أن أو الفعل أو المصدر نحو : ما رأيته
مذ أن سافر ، أو مذ أنّه سافر ، أو مذ سافر أو مذ سفره ، فيجب تقدير زمان مضاف إلى
كلّ واحد ممّا ذكر ، فيكون تقدير ذلك ، ما رأيته مذ زمان أن سافر ومذ زمان سافر
ومذ زمان سفره ، ووجب ذلك لأنّ منذ ومذ لابتداء غاية الزّمان ، فإذا
__________________
وليهما غيره وجب تقديره ليتوفّر عليهما ما يقتضيانه من الزّمان ، ومذ ومنذ
في هذه الصور المذكورة مبتدأ وما بعدهما خبرهما وهما معرفتان ، لأنّهما في تأويل الإضافة لأنّهما بمعنى
أوّل المدّة أو بمعنى جميع المدّة خلافا للزّجاج ، فإنّهما عنده خبران ، والمبتدأ
ما بعدهما أي يوم الجمعة أول المدة ، ويومان جميع تلك المدّة .
ومنها : لدى وهي من الظروف المبنيّة ، وفيها ثماني لغات أربع مع ثبوت النون ، وأربع مع حذفها ، فالأربع التي مع
ثبوت النون ، لدن بفتح اللام والدال ، ولدن بفتح اللام وضم الدال ، ولدن بفتح
اللام وسكون الدال ، ولدن بضم اللام وسكون الدال ، والأربع التي مع حذف النون لد
بفتح اللام وسكون الدّال ، ولد بضم اللّام وسكون الدال ، ولد بفتح اللّام وضمّ
الدّال ، ولدى بفتح اللّام وفتح الدّال ، وإنّما بنيت لأنّ وضع لد ولد وضع الحرف ،
وأجريت بقية اللغات مجراها ومعناها أخصّ من معنى عند ، لأنّك تقول : عندي كذا ،
لما كان في حوزك سواء حضرك أو لم يحضرك ، ولدى لما حضرك ولم يتجاوزك. وحكمها أن
يجرّ بها على الإضافة ، فتجرّ ما تضاف إليه ، نحو : المال لدى زيد ، لكن نصب العرب
بلدن غدوة خاصة كأنّهم شبّهوا نونها بالتنوين فنصبوا بها غدوة كما
نصبوا زيتا في قولهم : رطل زيتا قال الشاعر :
لدن غدوة
حتّى أروح وصحبتي
|
|
عصاة على
التّاهين شمّ المناخر
|
بنصب غدوة.
__________________
ومنها : / قطّ
، وهي للماضي المنفي تقول : ما فعلته قطّ ، ولا تقول : ما أفعله قطّ ، وهي
من القطّ الذي هو القطع ، لأنّ الماضي منقطع من المستقبل ، وبنيت لأنّ من لغاتها
قط بتخفيف الطّاء وهو وضع الحروف وأجريت أختها المشدّدة الطاء مجراها.
ومنها : عوض ،
وهي ظرف للزمان المستقبل المنفي ، تقول : لا أفعله عوض أي أبدا إلّا أنّ أبدا
يستعمل في النفي والإثبات ، وعوض تختصّ بالنفي ، وبنيت لقطعها عن الإضافة إذ
المعنى عوض العائضين كدهر الدّاهرين .
ومنها : أمس ،
وبنيت لتضمّنها معنى لام التعريف لأنّها بمعنى الأمس ، وبنو تميم يمنعونها الصّرف .
والظروف المضافة
إلى الجملة يجوز بناؤها على الفتح ويجوز إعرابها كقوله تعالى : (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ
صِدْقُهُمْ) بفتح يوم ورفعه في السّبعة وكذلك الظرف المضاف إلى إذ ، نحو قوله تعالى : (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) بفتح ميم يوم وجرّه في السبعة وكذلك يجوز بناء غير ومثل على الفتح إذا أضيفا إلى ما
أو إلى أن المخفّفة أو المشدّدة ، كقوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ
مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)
__________________
برفع مثل وفتحه في السبعة .
وقال الشاعر :
لم يمنع
الشّرب منها غير أن نطقت
|
|
حمامة في
غصون ذات أو قال
|
بفتح غير مع
أنّها فاعل يمنع ، لإضافتها إلى أن المصدرية وتقول : قيامي مثل ما أنّك
تقوم ، وهو فاضل غير أنّك أفضل منه ، بفتح مثل وغير مع جواز رفعهما فقد جاز بناء
غير ومثل على الفتح تشبيها بالظروف المضافة وجاز إعرابهما لأنّهما يستحقّان
الإعراب.
ذكر اسم الجنس
وهو ما علّق
على شيء وعلى كلّ ما أشبهه فإنّك تجد مثل ثوب ودار وما أشبههما موضوعا لواحد ولما
ماثله بخلاف زيد وعمرو ، فإنّه لواحد بعينه ولا يدخل فيه مماثلة ولا مخالفة ،
وينقسم اسم الجنس إلى اسم عين : إمّا غير صفة كرجل وفرس وثوب ، وإمّا صفة كراكب
وجالس ، وإلى اسم معنى : إمّا غير صفة كعلم وجهل ، وإمّا صفة كمفهوم ومضمر نحو :
أتيت بكلام مفهوم ، وفي النّفس سرّ مضمر .
__________________
ذكر المعرفة
وهي ما وضع
لشيء بعينه ، قوله : بعينه ، فصل ، خرجت به النّكرة فإنّها موضوعة لشيء لا بعينه ،
والمعرفة مصدر ، من عرفت الشيء عرفانا ، ووصف بها الاسم كما قالوا : رجل عدل.
والمعارف خمسة
أنواع : الأول : المضمرات وقد تقدّم ذكرها.
الثاني :
المبهمات وهي شيئان : أسماء الإشارة ، والموصولات ، وقد تقدّما أيضا .
الثالث :
المعرّف ، وهو شيئان معرّف بالنّداء نحو : يا رجل ، ومعرّف باللام نحو : الرجل ،
والمعرّف باللّام تكون اللّام فيه لتعريف الماهيّة نحو : الإنسان حيوان ناطق ،
وتكون لتعريف الجنس نحو : الرجل خير من المرأة أي جنس الرجل خير من جنس المرأة ،
وتكون لتعريف استغراق الجنس وهي أن تدخل على جمع كقوله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) وقيل : هي التي تصحّ أن تقع موقع كل كقولك : الإنسان قابل لصناعة الكتابة ، وتكون للعهد وهي
لمعنيين ، أحدهما : أن يكون لمعهود في الخارج ، وهو أن يذكر منكورا ثم يعاد
المنكور معرّفا كقوله تعالى : (كَما أَرْسَلْنا إِلى
فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) / والثاني : أن يكون لمعهود في الذهن كقولك : ادخل
السوق ، وليس بينك وبين المخاطب سوق وجوديّ معهود ، وتكون بمعنى الذي نحو : الضارب
والمضروب وقد مرّ وأمّا ألفاظ التوكيد ، فقد قيل : تعريفها بالإضافة
المنويّة إذ تقدير أجمعون ، أجمعهم وأمّا عند
__________________
المحققين فتعريفها من قبيل تعريف علم الجنس كتعريف فعلان وأفعل ، وأسامة فإنّ ألفاظ التواكيد موضوعة لماهيّة التواكيد ، وأمّا
القول بالإضافة المنويّة فيلزم منه صرفها ولذلك عدل عنه .
الرابع : العلم
وهو ما وضع لشيء بعينه غير متناول غيره بوضع واحد. ويكون اسما : كزيد ،
وكنية : كأبي عمر وأم كلثوم ، ولقبا ، كبطة.
وينقسم إلى مفرد : كزيد ، وإلى مركّب ، وهو إمّا جملة كتأبّط
شرا ، وإمّا مزجيّ : كبعلبكّ وإمّا مضاف ومضاف إليه : كعبد مناف ، وكالكنى ، وينقسم العلم أيضا ، إلى منقول وإلى مرتجل ، فالمنقول
هو ما نقل عن نكرة ، وصار علما بالنّقل لا بالوضع ، وهو إمّا منقول عن اسم
عين : كثور أو عن معنى : كفضل ، أو عن صفة : كمالك أو عن فعل وهو إما ماض كشمّر قال الشاعر :
...
|
|
وهل أنا لاق
حيّ قيس بن شمّرا
|
أو إمّا مضارع
كيزيد ، وإما أمر كأطرقا قال الشّاعر :
على أطرقا
باليات الخيام
|
|
إلّا الثّمام
وإلّا العصيّ
|
__________________
والمرتجل ما وضع للشيء أولا من غير نقل ولا اشتقاق ، بل اخترع
عند التسميّة ، وهو إمّا قياسيّ ، وهو ما كان جاريا على قياس كلامهم نحو : غطفان
وعمران فإنّ نظيرهما في كلامهم نزوان وسرحان ، وإمّا غير قياسيّ وهو ما كان مخالفا
للأصول ، نحو : محبب وموهب وحيوة أمّا محبب فقياسه الإدغام لأنّ كلّ مفعل عينه ولامه من
جنس واحد يجب إدغامه ، فكان يجب أن يقال : محبّ ، وأمّا موهب فكان ينبغي أن يقال :
بكسر الهاء لأنّه ليس في كلامهم مفعل بفتح العين ، فاؤه واو ، وأمّا حيوة فكان
ينبغي أن يقال حيّة ، لأنّ الواو والياء إذا اجتمعا وسبقت إحداهما بالسكون قلبت
الواو ياء وأدغمت الياء في الياء والمرتجل مشتق من الرّجل كأنّه قال ذلك وهو قائم على
رجله.
والخامس :
المضاف إضافة معنويّة إلى المضمر ، أو إلى المبهم أو إلى المعرّف باللام أو إلى
العلم وقد تقدّم أيضا .
ومن أقسام
العلم ، أعلام الأجناس وهي أنواع : علم جنس الوحوش ، وعلم المعاني ، وعلم الأوقات
، وعلم الأعداد ، وعلم الكنى ، وعلم الأوزان.
أمّا علم جنس
الوحوش : فالعلم فيه لحقيقة الجنس ، فإنّ الوحوش التي جنسها
واحد ، لمّا كانت صورها غير متميّزة بحيث يستحضرها الرائي ، نزّل الجنس بمنزلة
الواحد من الأناسي فكأنّ الواضع أخذ الجنس دفعة وسمّاه نحو : أسامة وأبي الحرث ،
فإنّ كلّا منهما علم لجنس الأسد ، وثعالة وأبي الحصين علم لجنس الثّعلب ، وقد يكون
كنيته اسمه نحو : أبي براقش ، لطائر يتلوّن وابن دأية للغراب ، وإنّما حكم لها
بالعلمية لانتصاب الحال عنها ، وامتناع دخول لام التعريف عليها وامتناع إضافتها وقد يفرّق بين علم / الجنس ، وعلم الشخص بأنّ علم الجنس
__________________
يقال على الواحد والكثير بلفظ واحد ، فتقول عن أسد واحد وعن جماعة أسود ،
هذا أسامة مقبلا ، وعلم الشخص ليس كذلك ، فإنّك تقول عن الواحد : زيد ، وعن
الجماعة زيدون ، والفرق بين علم الجنس واسم الجنس ، أنّ اسم الجنس يقبل اللّام ،
فتقول : أسد وعسل وماء ، والأسد والعسل والماء ، وعلم الجنس لا يقبل اللّام فلا
يقال الأسامة وكذلك ما أشبهه من أعلام المعاني وغيرها.
وأمّا علم
المعاني : فإنّهم كما وضعوا للأعيان أعلاما وضعوا للمعاني أيضا أعلاما وهي في المعنى بمنزلتها في باب أسامة ، فسمّوا التسبيح
سبحان ، والذي يدلّ على أنه علم أنّه ورد في كلامهم غير منصرف ، ومنه قول
الشّاعر :
...
|
|
سبحان من
علقمة الفاخر
|
وليس فيه غير
الألف والنون ، وهما في غير الصفات لا يمنعان الصرف إلّا مع العلميّة ، فوجب القول
بها ، ولا يستعمل سبحان علما إلّا قليلا فإن أكثر استعماله مضافا ، وإذا كان مضافا فلا يكون علما ، لأنّ الأعلام لا تضاف
وهي أعلام ، لأنّ المعرفة لا تضاف ، وسمّوا الفجور بفجار ، والذي يدلّ على أن فجار
علم ، أنّ مدلوله الفجرة ، والفجرة معرفة فوجب أن يكون فجار معرفة ، وتعريفه إنّما
هو بالقصد ، والقصد هو الذي نعني به العلميّة .
__________________
وأمّا علم
الأوقات : فإنّهم وضعوا لها أعلاما كما وضعوا للمعاني فمنها : غدوة وهي علم على ما بين صلاة الغداة وطلوع
الشمس ، والدليل على علميّتها ، ورودها في كلامهم غير منصرفة ، وليس فيها غير
التأنيث بالتاء ، وهو لا يمنع إلّا مع العلميّة وذلك إذا أردت غدوة يومك المعيّن ،
وتستعمل معرفة ونكرة ، وإذا نكّرت وعرّفت ، عرّفت باللّام كغيرها ، ويتصرّف فيها
بمعنى أنها تستعمل ظرفا وغير ظرف .
ومن أعلام
الأوقات سحر : وهو علم لقبيل الصبح إذا أردت به سحر ليلتك والذي يدلّ على أنه علم
وروده غير منصرف كقولك ؛ خرجت يوم الجمعة سحر ، غير منصرف وليس فيه ما يمنعه
الصّرف ، غير أن تقدّر فيه العلميّة مع العدل عن الألف واللّام وورد معرفة ونكرة ، وإذا نكّر صرف كقوله تعالى : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ
بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) وحينئذ لا يكون لسحر ليلتك على التعيين لتنكّره.
ومنها بكرة :
ووردت غير منصرفة للتأنيث والعلميّة ، كما قيل في غدوة إلّا أن بكرة لا تكون إلا
ظرفا فلا يتصرّف فيها كما تصرّف في غدوة .
وأمّا علم
الأعداد : فالقول بعلميّتها ضعيف ، لأنهم صاروا إليه لئلّا
يبتدئوا بنكرة غير مخصصّة ، وذلك في نحو قولك : ستة ضعف ثلاثة وأربعة نصف ثمانية ،
فستة ونحوها في مثل ذلك مبتدأ ، فلو لم تجعل علما للزم منع الصّرف بعلة واحدة ،
ولزم الابتداء بالنكرة من غير تخصيص ، وأيضا فالمراد بها كلّ ستة ، فلو لا أنّها
علم للزم استعمال مفرد النكرة في الإثبات للعموم ، ووجه ضعفه أنه يؤدي إلى أن تكون
أسماء الأجناس كلها أعلاما ، إذ ما من نكرة إلّا ويصلح استعمالها كذلك مثل رجل
__________________
خير من امرأة ، وهو باطل والأولى أن يقال في أعلام ، الأعداد / إنّها نكرات لا
أعلام وإنّما جاز الابتداء بها على تقدير حذف المضاف ، ويكون المضاف المقدّر «كلّ»
وشبهه ، بحيث يكون التقدير ، كلّ ستّة ضعف ثلاثة ، كما في كلّ نكرة قامت قرينة على
أن حكمها غير مختص في جنسها مثل : تمرة خير من جرادة لكونه بمعنى كلّ تمرة ، بناء
على أنّ الخيريّة ليست مخصوصة بتمرة واحدة والمحققون من المتأخرين قالوا : الحقّ أن يقال إنّ
أعلام الأعداد أعلام لماهيّاتها لأنّها من أعلام الجنس التي هي أعلام لماهيّاتها
المخصوصة الغير المتناولة لغيرها ، والماهيّة لا تقدّر بالكلّ ولا توصف به ، لأنّه
شيء واحد ، وحينئذ لا يلزم الابتداء بنكرة ، ولا منع الصّرف بعلّة واحدة ، ولا
عموم النكرة في الإثبات ، لكونها أعلاما للماهيّات على ما ذكر آنفا فالقول
بعلميتها حينئذ هو الأولى.
وأمّا علم
الكنى : فمنه ما يكنى به عن أعلام الأناسي ، نحو : فلان وفلانة وأبو فلان وأمّ
فلان ، والدليل على علميته امتناع إضافته ، وامتناع دخول لام التعريف عليه ، إلّا
أنّ وضعه ليس كوضع العلم الشخصي في الدلالة على مسمّى معيّن بل كوضع العلم الجنسي
، لإطلاقه كناية على كلّ علم ، ومدلوله الاسم لا نفس المسمّى ، ومنه ما يكنى به عن
البهائم ، لكن يلزمه اللّام لنقصانه عن علم الأناسي نحو : الفلان والفلانة وأمّا هن وهنة فليسا كنايتين عن الأعلام على الأصحّ
وإنّما يكنى بهما عن أسماء الأجناس .
وأمّا علم
الأوزان : أي علم الأمثلة التي توزن بها الكلم ، فهي إنّما وقعت
__________________
في اصطلاح النحويين ، فإنّهم وضعوها أعلاما لماهيّات الأوزان المعهودة ، وهذه الأعلام تنقسم
إلى أمثلة تختصّ بوزن الأفعال نحو قولهم : فعل ماض ، ويفعل مستقبل ، وإلى أمثلة لا
تختصّ بالأفعال سواء كانت للأسماء وحدها ، أولها وللأفعال نحو قولهم : فعلان الذي
مؤنّثة فعلى وأفعل ، صفة لا ينصرف ، أمّا الأمثلة المختصّة بوزن الأفعال ، فحكمها
حكم موزونها ، بحيث إن كان الموزون معربا كان المثال معربا ، وإن كان الموزون
مبنيا كان المثال مبنيّا وأمّا الأمثلة الغير المختصّة بالأفعال ففيها مذهبان :
الأول : وهو
اختيار الأكثر أن يجعل حكم المثال حكم نفسه لا حكم موزونه ، بحيث إن كان في المثال
ما يمنع من الصّرف منع وإلّا فلا.
والثاني : أن
يجعل حكمه حكم موزونه كما قيل في الأمثلة المختصّة بالأفعال ، فعلى الأول وهو
أن يجعل حكم المثال حكم نفسه ، تقول : وزن قائمة فاعلة فلا يصرف المثال الذي هو
فاعلة ، للعلميّة والتأنيث ، وعلى الثاني ، وهو أن يجعل حكم المثال حكم موزونه
تقول : وزن قائمة فاعلة مصروفا ، لأنّ موزونه أعني قائمة مصروف .
ومن أقسام
العلم : الأعلام التي تدخلها لام التعريف وهي على ضربين :
أحدهما : ما
يلزمه اللّام وهو كلّ اسم ليس بصفة ولا مصدر سمّي باللام نحو : النجم
للثّريّا والدّبران ، أو غلبت عليه اللّام نحو الصّعق لخويلد بن نفيل / وإنّما اشترط أن لا يكون صفة ولا مصدرا لأن العلم إذا
كان صفة أو مصدرا لم يكن
__________________
من هذا القسم ، لأن اللام تكون فيه جائزة لا لازمة كما سيذكر هو.
ثانيها : ما لا
تكون فيه اللام لازمة ، وهو كل اسم كان صفة في الأصل أو مصدرا نحو : الحارث والفضل
.
ومن أقسام
العلم : الأعلام التي يجوز إضافتها ، وإدخال لام التعريف عليها لا من قبيل أنّها صفة أو مصدر بل من قبيل وقوع العلم
مشتركا بين جماعة من الأمة المسمّاة به نحو : مضر الحمراء وربيعه الفرس ، وقول الشّاعر :
باعد أمّ
العمرو من أسيرها
|
|
حرّاس أبواب
على قصورها
|
ومن أقسام
العلم ، العلم بالغلبة وهو ما كان عن غير قصد من واضع ، ويلزمه أحد أمرين :
إما الإضافة نحو : ابن عباس وابن عمر ، فإنّ ذلك غلب عليهما واختصّا به دون
إخوتهما ، وإمّا اللّام كالصّعق حسبما تقدّم.
والمعارف
تترتّب في المعرفة ، فأعرف المعارف المضمر المتكلّم ثمّ المخاطب ثمّ الغائب ثمّ
الأعلام ثمّ المبهمات ثمّ الداخل عليه حرف التعريف والمنادى ، والمضاف إلى أحدها
إضافة معنوية ، وقيل في ترتيبها غير ذلك وما ذكرنا ، هو الأكثر .
ذكر النّكرة
وهي ما وضع
لشيء لا بعينه ، وعلامات النكرة كثيرة ، منها : أن يقبل الاسم لام التعريف أو يصحّ
إضافته أو يقبل ربّ أو يدخل عليه كم الخبرية أو يكون حالا ،
__________________
أو تمييزا ، وتترتّب النكرات كما ترتّبت المعارف ، فأنكر النكرات أعمّها
كموجود ثمّ جسم ثمّ جسم نام ثمّ حيوان ثم إنسان ثمّ رجل ثمّ رجل كريم ابن فلان ثم لا يزال الاسم يقترب بكثرة الصفات من المعرفة ، حتّى
يتعرّف فيوضع له اسم ينوب عن جميعها وهو العلم.
ذكر اسم العدد
والعدد عند
المحققين هو الكميّة المتألّفة من الوحدات ، فعلى هذا لا يكون الواحد عددا بل مبدأ
العدد . واختلف في الاثنين فعند الأكثر أنّه عدد ، وأمّا عند النحويين فالواحد
والاثنان من العدد لدخولهما تحت الكميّة والمراد بدخولهما تحت الكميّة أنه لو قيل : كم عندك؟
صحّ أن تقول في الجواب : واحد واثنان ، واعلم أنّ العدد معلوم الكميّة مجهول الجنس
، ولذلك احتاج إلى المميّز ، وهو بخلاف الجمع فإنّ الجمع معلوم الجنس مجهول
الكميّة ، وأصول الأعداد اثنتا عشرة كلمة واحد إلى عشرة ، ومائة وألف ، ويتولّد منها أعداد غير
متناهية ، والتولّد ، إمّا تثنية نحو : مئتين وألفين ، أو جمع في المعنى نحو :
عشرين ومئات وألوف ، أو عطف نحو : أحد وعشرين ، أو تركيب نحو : أحد عشر ، وأمّا استعماله بحسب التذكير والتأنيث : فواحد واثنان
للمذكر ، وواحدة واثنتان للمؤنّث وهو جار على القياس في كون المذكّر للمذكر ،
والمؤنّث للمؤنث ، وثلاثة للمذكّر نحو : ثلاثة رجال ، وثلاث للمؤنّث نحو : ثلاث
نسوة ، وثلاث ليال إلى عشرة رجال ، وعشر نسوة ، وعشر ليال ، وهو غير جار على
القياس / المشهور وأمّا قوله تعالى : (مَنْ جاءَ
بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
__________________
أَمْثالِها) فإنّ الأمثال هي الحسنات في المعنى ، فاكتسبت التأنيث
من المضاف إليه وقد يحذف المميّز استغناء عنه بالصيغة الدّالّة عليه ،
فتقول : سرت ثلاثا وعشرا ، المراد ثلاث ليال ، وعشر ليال قال تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) أي وعشر ليال ، ويجوز أن تقول : ثلاث دوابّ حملا على
ظاهر لفظة دابّة ، وثلاثة دوابّ بتقدير ثلاثة أشياء ، وإذا جاوزت عشرة قلت للمذكّر
: أحد عشر رجلا ، واثنا عشر رجلا ، وللمؤنّث إحدى عشرة واثنتا عشرة امرأة ، وثلاثة
عشر إلى تسعة عشر للمذكّر وثلاث عشرة إلى تسع عشرة للمؤنّث ، والعين في ثلاثة عشر
إلى تسعة عشر مفتوحة على الأفصح والسكون جائز والشين في المؤنّث من ثلاث عشرة إلى تسعة عشر ، ساكنة
على الأفصح ، وبنو تميم يكسرونها فيقولون : ثلاث عشر ، ولك في ثماني عشر للمؤنّث فتح الياء وجاء إسكانها وحذفها بكسر النون ، وشدّ حذفها
بفتح النون. وعشرون وأخواتها ، أي ثلاثون وأربعون إلى تسعين في المذكّر والمؤنّث
بلفظ واحد نحو : عشرون رجلا وامرأة إلى تسعين رجلا وامرأة ، وإذا عطفت عشرين إلى
تسعين على واحد إلى تسعة ، فتسعمل ما دون العشرة على ما عرفت ، وتعطف عليها عشرين
بتغيير لفظ واحد إلى أحد ، وتغيير لفظ واحدة إلى إحدى ، فتقول للمذكّر : أحد
وعشرون رجلا ، وللمؤنث : إحدى وعشرون امرأة ، ثمّ تأخذ ما بعد الواحد على ما شرح ،
وتعطف عليه ، فتقول : اثنان وعشرون رجلا ، واثنتان وعشرون امرأة إلى تسعة وتسعين
رجلا ، وتسع وتسعين امرأة ، وإنّما لم تركّب الآحاد مع عشرين وأخواتها كما ركّبت
مع العشرة ، لأنّ الواو في عشرون والياء في عشرين وأخواتها علامة للإعراب ،
والتركيب موجب للبناء فتعذّر ، وتقول في المذكّر
__________________
والمؤنث : مائة ومائتان وألف وألفان بلفظ واحد ، ونحو : مائة رجل ومائة
امرأة وألف رجل وألفا امرأة ، وإذا جاوزت المائة تستعمله على ما عرفت من واحد إلى
تسعة وتسعين ، وتعطفه على مائة ، فتقول : مائة وخمسة رجال ، ومائة وخمس نسوة ومائة
وأحد عشر واثنا عشر رجلا ، وإحدى عشرة ، واثنتا عشرة امرأة ، ومائة وثلاثة وعشرون
رجلا ، وثلاث وعشرون امرأة إلى مائة وتسعة وتسعين رجلا ، وتسع وتسعين امرأة ،
وكذلك تعطف على المائتين إلى الألف.
ذكر تمييز الثلاثة إلى العشرة
تمييز الثلاثة
إلى العشرة مخفوض ومجموع إمّا لفظا نحو : ثلاثة رجال أو مجموع معنى نحو : تسعة رهط
، إذ هو اسم جمع وليس بجمع ، لأنّه لا واحد له من لفظه ، أمّا خفضه فلإضافة العدد
إلى المميّز المذكور ، وإنّما أضيف إلى المميّز ، لأنّ ما بعده هو المقصود وأمّا
كونه / جمعا ؛ فليوافق العدد المعدود ، لكونه إيّاه في المعنى ، لكن إذا ميزت من
الثلاثة إلى العشرة بالمائة ، فإنّه يكون بمفرد مخفوض ، ولا تجمع المائة فتقول :
ثلاثمائة إلى تسعمائة ، وكان القياس أن يقال : ثلاث مئات ، أو ثلاث مئين وقد أتى به الشّاعر على الأصل فقال :
ثلاث مئين
للملوك وفى بها
|
|
...
|
لكنه شاذّ في
الاستعمال ، وإنّما أفردوه لأنهم استثقلوا اجتماع الجمع ، أعني مئات والتأنيث ،
وليس كذلك ثلاث نساء ، لأنّ مئات يلزمه الإضافة إلى ما بعده ولا يلزم إضافة نساء
إلى ما بعده.
__________________
ذكر تمييز أحد عشر إلى تسعة وتسعين
ومميّز أحد عشر
إلى تسعة وتسعين منصوب مفرد أمّا نصبه فلتمام الاسم قبله بتقدير التنوين من أحد
عشر إلى تسعة عشر ، لأنّ كلّ تنوين حذف لغير اللّام والإضافة فهو في تقدير الثبوت وأمّا ما فيه نون كالعشرين إلى التسعين فإنّه يتعذّر
إضافته مع وجود النون المشبهة لنون الجمع ، ولو حذفت كان حذف حرف من كلمة ليست
بجمع محقّق ، فلمّا تعذّرت الإضافة وجب نصبه ، وقد تقدّم في باب التمييز من تحقيق عدم إضافة عشرين وأخواتها إلى المميّز ، ما
أغنى عن الإعادة ، وأمّا إفراده ، فلحصول الغرض به مع كونه أخف من الجمع .
ذكر تمييز المائة وما فوقها
ومميّز المائة
والألف ومميّز تثنية المائة والألف ، ومميّز جمع الألف ، مخفوض مفرد ، نحو : مائة
رجل ومائتا رجل ، وثلاثة آلاف رجل ، أما خفضه فللإضافة ، وأمّا إفراده فلحصول
الغرض به وهو أخفّ من الجمع .
ذكر ما لا يميّز وغير ذلك
لا يميّز
الواحد والاثنان ، فلا يقال : اثنا رجل للاستغناء بلفظ معدودهما عنهما ، فإنّ رجلا
يدل على الواحد ، ورجلين على الاثنين بخلاف الجمع نحو : رجال ، فإنّه لا يدلّ على العدد
المعيّن ، فاحتيج فيه إلى ذكر العدد والمعدود ، وأمّا قولهم : رجل
__________________
واحد ورجلان اثنان فللتأكيد ، وإذا كان المعدود مؤنثا ولفظه مذكّرا ، أو
بالعكس ، جاز تذكير العدد وتأنيثه ، فتقول : ثلاث أشخص ، نظرا إلى المعنى ، لأنّ
الشّخص يطلق على المرأة أيضا ، وثلاثة أشخص نظرا إلى اللفظ ؛ لأنّ لفظ الشخص مذكّر
وكذلك عكسه أعني أن يكون المعدود مذكّرا ولفظه مؤنّثا نحو : ثلاثة أنفس ، نظرا إلى
المعنى ، لأنّ النفس تطلق على الرجل أيضا ، وثلاث أنفس نظرا إلى اللفظ ، لأنّ لفظ
النفس مؤنث ، واعتبار اللفظ أقيس لأنّه أظهر ومن ذلك قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ
نَفْسٍ واحِدَةٍ) والمراد آدم.
ذكر التصيير والحال
ويشتقّ من اسم
العدد ، اسم فاعل كقولك : ثالث ورابع وخامس ونحوه ، وله معنيان :
فالأول : أن
يشتقّ اسم الفاعل باعتبار التصيير ؛ بمعنى أن يكون زائدا على المذكور معه بواحد ،
كقولك : ثاني واحد ، وثالث اثنين إلى عاشر / تسعة في المذكّر ، وثانية واحدة
وثالثة اثنين إلى عاشرة تسع في المؤنّث ، أي هذا الذي صيّر الواحد بانضمام نفسه
إليه اثنين ، وصيّر التسعة عشرة بنفسه ، بمعنى أنه ثنّى الواحد ، وعشّر التسعة قال تعالى : (ما يَكُونُ مِنْ
نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) أي إلّا هو مصيّر الثلاثة أربعة ، ولا يتجاوز فيه عن
العاشر والعاشرة ، فلا يقال : خامس عشر أربعة عشر ، وسيبويه والمتقدمون يجيزون
خامس أربعة عشر والصحيح عدم جواز ذلك ، وهو مذهب الأخفش والمبرّد
والمتأخرين لأنّه مأخوذ من الفعل ، والتقدير كان واحدا فثنّيته أو
اثنين فثلّثتهما أو تسعة فعشّرتهم ، وليس لما بعد العشرة ما يمكن
__________________
منه ذلك ، وأما خامس أربعة عشر ، فليس هو اسم فاعل من العدد المركّب.
والثاني : أن
يشتقّ اسم الفاعل باعتبار حاله من غير أن يتعرّض فيه إلى أنه مصيّر ، كما اعتبر في
المعنى الأول ، وهذا الاسم المذكور الذي لا يعتبر فيه التصيير ، يضاف إلى عدد
موافق له في اللفظ نحو : ثاني اثنين وثالث ثلاثة ، قال الله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ
اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) لأنّ ثالث ثلاثة لو أضفته إلى أقل أو أكثر فسد ، لأنّ
الثالث في هذا المعنى ليس واحدا من الاثنين ، ولا من الأربعة ، وإنّما هو أحد
ثلاثة ، وهذا القسم الذي هو باعتبار الحال يجوز استعماله فيما زاد على العشرة
لارتفاع المانع المذكور في القسم الأول ، لأنّ اسم الفاعل فيه ليس مشتقّا من الفعل
بل هو مثل لابن وتامر ، فتقول : حادي عشر ، أحد عشر إلى تاسع عشر ، تسعة عشر وبفتح الياء من حادي عشر وثاني عشر مع جواز سكونها أيضا
، وكما تجب المطابقة بين الاسم المذكور وبين ما أضيف إليه في العدد ، كذلك تجب
المطابقة بينهما في التذكير والتأنيث ، كقولك للمذكّر : حادي عشر أحد عشر إلى تاسع
عشر تسعة كما تقدّم ، وللمؤنّث : حادية عشرة إحدى عشرة إلى تاسعة عشرة تسع عشرة ،
فيجيء فيه تأنيثان ، أعني تاء حادية وتاء عشرة ، وألف إحدى وتاء عشرة وحادي عشر
أحد عشر ، وحادية عشرة إحدى عشرة مركّب مبنيّ على الفتح ، لأنّ الأصل حادي وعشرة ،
ويجب فيه تسكين شين عشرة ، لئلا يتوالى أكثر من أربع متحركات ، ويجوز أن يقال :
ثالث ثلاثة عشر ، إذ لا لبس ، لأنّ المراد : ثالث عشر ثلاثة عشر ، إلّا أنك تعربه
لفوات التركيب المقتضي للبناء .
ذكر تعريف الأعداد
تعريف العدد
المركّب ؛ هو أن تعرّف الاسم الأول بانفراده نحو : الأحد عشر رجلا ، والاثنتا عشرة
امرأة إلى التسعة عشر لأنّه لمّا تنزّل بالتركيب منزلة الكلمة
__________________
الواحدة لم يدخل التعريف إلّا على الجزء الأول ، وأمّا العدد المعطوف
فيتعرّف الاسمان معا نحو : الأحد والعشرون رجلا ، والإحدى والعشرون امرأة إلى
التسعة والتسعين رجلا والتسع والتسعين امرأة / وأمّا المميّز المجرور فإنّما يعرّف
الاسم الأخير فقط نحو : ثلاثة الرجال وثلاث النسوة ، وثلاثمائة الدرهم ،
وثلاثة آلاف الرجل ، وكذلك جميع هذا الباب وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في باب
الإضافة .
ذكر المذكّر والمؤنّث
المؤنّث ما فيه
علامة تأنيث لفظا أو تقديرا ، والمذكّر بخلافه ، وعلامة التأنيث التاء نحو : طلحة
، والألف المقصورة نحو : حبلى ، وسلمى ، ودفلى ، والألف الممدودة نحو : نفساء
وكبرياء وخنفساء ، وحمراء وعاشوراء ، والمؤنّث ينقسم إلى لفظي كما ذكرنا وإلى معنوي ،
ويقال له : التقديري أيضا ، وهو ما يكون علامة التأنيث فيه مقدرة ولا يقدّر غير
التاء ، بدليل ظهورها في الاسم الثلاثي عند التصغير ، نحو : عيينة وأذينة وأريضة ،
وأمّا الزائد على ثلاثة أحرف نحو : عناق ، وهي الأنثى من ولد المعز وعقرب ، فإنّ الحرف الرابع فيه قام مقام التاء ، ولذلك
لا تأتي التاء في تصغيره .
وكلّ من
اللفظيّ والمعنويّ وهو التقديريّ ، ينقسم إلى حقيقي ، وهو ما بإزائه ذكر من
الحيوان ، وإلى غير حقيقي ، وهو ما كان بخلافه ، أمّا اللفظيّ الحقيقيّ فكامرأة
وناقة وسعدى ، وأمّا اللفظي الغير الحقيقي ، فكذكرى وحمزة علما على رجل ، وأمّا
المعنويّ وهو التقديري ، فالحقيقيّ منه كهند وزينب وأتان ، والغير الحقيقي منه
كقدم
__________________
وأذن ، وكذلك كلّ عضو زوج غير الخدّين وذلك كاليد ، فإنّه مؤنث معنويّ أعني
تقديريّا ويستدلّ على المؤنّث المعنوي بأمور منها الإشارة ، نحو
: هذه قدر ، وعود الضمير ، نحو : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) والنّعت ، كدار واسعة ، والحال ، كأبصرت الشمس مشرقة ،
والخبر : كالشمس طالعة ، ولحوق علامة التأنيث في الفعل ، كقوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ).
ويجب أن يسند
الفعل المتصرّف أو شبهه إلى المؤنّث الظاهر الحقيقي بالتاء كقولك : قامت هند ، وزيد قائمة جاريته ، وأنت في ظاهر
غير الحقيقي بالخيار إن شئت ألحقت التاء ، وإن شئت لم تلحق ، كقولك : جاءت البيّنة
وجاء البينّة ، وأمّا تأنيث الأعلام فالمعتبر فيه المعنى دون اللفظ ،
لأنّها نقلت من معناها إلى مدلول آخر ، فاعتبر فيها المدلول الثاني دون الأول ،
فلا يقال : جاءت طلحة وأعجبتني طلحة خلافا لبعض الكوفيين ، واعلم أنّه يجوز حذف التاء من
المسند إلى الحقيقي إذا فصل بين الفعل والمؤنّث فاصل ، ولم يلبس ، كقولهم : حضر
القاضي اليوم امرأة وكقول الشاعر :
لقد ولد
الأخيطل أمّ سوء
|
|
...
|
وإذا أسند
الفعل إلى ضمير المؤنّث ، لزمت التاء ، سواء كان مؤنّثا حقيقيّا أو غير حقيقي ،
كقولك : هند قامت ، والشمس طلعت ، لأنّ المضمر لمّا كان أشدّ اتصالا
__________________
بالفعل ، لزمت العلامة للفعل وأمّا قول الشّاعر :
فلا مزنة
ودقت ودقها
|
|
ولا أرض أبقل
إبقالها
|
بحذف العلامة
من أبقل / وهو مسند إلى ضمير الأرض ، فكان يجب أن يقول : أبقلت ، فمؤوّل بأنّه
أراد بالأرض : المكان والموضع ، لا يقال ما ذكرتموه يلزم منه وجوب : طلحة جاءتني ،
وجواز : جاءتني طلحة مع كونه اسم رجل لكونه مؤنّثا لفظيّا ، وهو خلاف المشهور ،
لأنّا نقول : إنّه قد تقدّم أن المعتبر في تأنيث الأعلام المعنى دون اللفظ ،
فحينئذ لا يرد.
وحكم الجمع إذا
أسند الفعل إلى ظاهر كحكم المؤنّث غير الحقيقي ـ سواء كان جمع المؤنّث السالم أو
الجمع المكسّر ـ مطلقا في جواز تذكير الفعل وتأنيثه ، نحو : قام الرجال
والزينبات ، وقامت الرجال والزينبات خلا جمع المذكر السالم ، فإنّه لم يجز إلحاق التاء
بفعله ، لأن لفظ المذكّر الحقيقي موجود فيه فتقول : جاء المسلمون ليس إلّا وإلحاق هذه التاء إنّما هو للإيذان بأنّ الفاعل مؤنث
وليس بضمير أصلا.
واعلم أنّه يجب
تأنيث الفعل إذا أسند إلى ظاهر المثنّى الحقيقي ، فتقول : قامت المسلمتان ليس إلّا
، بخلاف ما إذا أسند إلى ظاهر جمع المؤنّث الحقيقي حيث جاز فيه الأمران ، أعني
تذكير الفعل وتأنيثه ، كما تقدّم ، وإنّما كان كذلك ، لأنّ تاء التأنيث سقطت من
الواحدة في جمع المؤنّث السالم لئلا يجتمع تأنيثان ، وثبتت في المثنّى ،
__________________
فوجب تأنيث الفعل حيث ثبتت ، ولم يجز حيث سقطت ، وإذا أسند الفعل إلى ضمير
جمع من يعقل غير المذكّر السّالم جاز فيه : فعلت وفعلوا ، نحو : الرجال خرجت باعتبار
الجماعة ، وخرجوا باعتبار الجمع ، وأمّا جمع المذكّر السّالم فلا يجوز في ضميره
إلّا الواو فقط كقولك : المسلمون قدموا ، ولا يجوز أن يقال : الزيدون قدمت ، وكذلك
ما أشبهه. وإذا أسند الفعل إلى ضمير جمع غير المذكّر العاقل جاز فيه فعلت وفعلن ،
وغير المذكّر العاقل ثلاثة أنواع وهي : جمع المؤنّث اللفظي ، وجمع المؤنّث
التقديري ، وجمع المذكّر غير العاقل ، فإنّ هذه الجموع إذا أسندت الفعل إلى ضمائرها ، جاز فيه الأمران تقول : [المسلمات
والليالي والهندات والعيون والأيام حسنت وحسنّ] وأمّا حكم الضمائر ، فيجوز في ضمير جمع المذكّر العاقل
المكسّر نحو : الرجال ، أن تقول ضربتهم وضربتها ، وفي ضمير جمع غير المذكّر العاقل
وهو الأنواع الثلاثة المذكورة أعني المؤنث اللفظيّ والمؤنث التقديري ، والمذكّر
الغير العاقل ، أن تقول : المسلمات والليالي والهندات والعيون والأيام أكرمتهنّ
وأكرمتها ، وأما في ضمير جمع المذكّر السالم ، نحو : المسلمين والزيدين فلا يجوز
أن تقول غير أكرمتهم فقط ، فحاصل ذلك ، أنّ أكرمتهنّ تختصّ بالأنواع الثلاثة
المذكورة ، وأكرمتها مشترك بين الأنواع الثلاثة ، وبين الجمع المكسّر للمذكّر
العاقل ، وأكرمتهم مشترك بين جمع المذكّر السّالم والجمع المكسّر للمذكّر العاقل
المذكور .
ذكر التثنية
اعلم أن
التثنية أصلها العطف بدليل أنّ الشّاعر إذا اضطر راجع الأصل كقوله :
__________________
كأنّ بين
فكّها والفكّ
|
|
فأرة مسك
ذبحت في سكّ
|
وإنّما عدل عنه
إيجازا واختصارا ، والمثنّى في الاصطلاح ، هو ما لحق آخره ألف في حال الرفع ، أو
ياء مفتوح ما قبلها في حال النصب والجر ونون مكسورة ، ليدلّ على أنّ معه مثله من
جنسه ، واعلم أنّه لا بدّ في التثنية من اتحاد اللفظين فإذا ثنّيت مختلفي اللفظ ،
فالوجه أن تغلّب أحد اللفظين على الآخر / كالقمرين والعمرين وأمّا تثنية الاسم المشترك باعتبار مدلوليه كقولك :
عينان وأنت تريد بهما العين الباصرة والعين الفوّارة ، فممنوع عند الأكثر ، وأجازه
بعضهم محتجّا بأنّ نسبة الاسم المشترك إلى مسميّاته كنسبة العلم المشترك إلى
مسميّاته وتثنية العلم المشترك جائزة بالاتفاق فكذلك المشترك .
ذكر تثنية الملحق بالصحيح ، والمقصور والممدود
أمّا الملحق
بالصحيح ، وهو نحو : ظبي والقاضي ، فيثنّى كالصحيح ، فتقول : ظبيان وقاضيان ،
وظبيين وقاضيين ، وأمّا المقصور وهو : ما في آخره ألف ؛ فهو إن كان ثلاثيّا وألفه
بدل عن واو ، فيثنّى بقلب ألفه واوا نحو : عصوين ، وإن لم يكن كذلك فهو على خمسة
أقسام :
الأول :
الثلاثيّ الذي ألفه بدل عن الياء ، نحو : فتى.
الثاني :
الثلاثي الذي ألفه ليست بدلا عن الواو ولا عن الياء وسمع فيه الإمالة نحو : متى ،
لو سمّي به.
__________________
الثالث : الذي
لا يكون ثلاثيّا وألفه بدل عن واو نحو : ملهى.
الرابع : الذي
لا يكون ثلاثيّا وألفه بدل عن ياء نحو : أعشى.
الخامس : الذي
لا يكون ثلاثيّا وألفه ليست بدلا عن واو ولا عن ياء ، نحو حبارى ، فإنّ ألف هذه
الأقسام كلها تقلب ياء في التثنية ، فتقول : فتيان ومتيان ، وملهيان ، وأعشيان ،
وحباريان ، لكون الياء أخفّ من الواو .
وأما الممدود
وهو ما كان في آخره همزة ، قبلها ألف زائدة فهو أربعة أقسام :
أحدها : أن
تكون همزته أصلية كقّراء بضم القاف وهو المتنسّك .
ثانيها : أن
تكون همزته زائدة للإلحاق نحو : حرباء ملحقا بسرداح ، فيثنّى هذان القسمان بثبوت
الهمزة فيهما لكونها أصلية أو في حكم الهمزة الأصليّة ، فتقول : قرّاءان ،
وحرباءان ، ومنهم من يقلب الهمزة التي للإلحاق ياء فيقول في حرباء : حربايان ،
كأنّ الزائد عنده للإلحاق هو الياء ثمّ قلبت همزة لوقوعها بعد ألف زائدة .
ثالثها : أن
تكون همزته زائدة للتأنيث ، فيثنّى بقلب همزته واوا ، إيذانا بزيادتها ، وفرقا
بينها وبين الأصليّة فتقول في صحراء وحمراء : صحراوان وحمراوان ، ـ.
رابعها : أن
تكون همزته لا أصلية ولا للإلحاق ولا للتأنيث بل تكون منقلبة عن أصل ، فيثنّى على
الوجهين بردّها إلى أصلها ، وإثباتها على حالها ، لمشابهتها الأصليّة من حيث كونها
غير زائدة فتقول في كساء ورداء : كساوان وردايان ، وكساءان ورداءان وتحذف نون المثنّى لإضافته نحو : ضاربا زيد ، لكون الإضافة تدلّ على الاتصال وثبوت
النون يدلّ على الانفصال ، وقد تحذف في غير الإضافة لضرورة
__________________
الشعر كقول الشّاعر :
هما خطّتا
إمّا إسار ومنّة
|
|
وإمّا دم
والقتل بالحرّ أجدر
|
فيمن رفع فيه
إسار ، وأمّا من جرّه ، فإنّه فصل بين المضاف والمضاف إليه بإمّا ، وقد تحذف ألف
التثنية إذا لقيها ساكن / بعدها نحو : غلاما الرجل ، وأمّا ياؤها فإن لاقت متحركا
بقيت ساكنة نحو : غلامي زيد وإن لاقت ساكنا كسرت كقوله تعالى : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) وتثبت تاء المؤنّث في التثنية لئلا يلتبس المؤنّث
بالمذكّر نحو : مسلمتان ، وحذفت على خلاف القياس في خصية وألية ، عند تثنيتهما ،
فيقال : خصيان وأليان ، وخصيين وأليين ، قال :
ترتجّ ألياه ارتجاج الوطب
لعدم التباس
المذكّر بالمؤنّث فيه ، وقد جاء إثباتها فيهما ، وهو القياس والحذف أكثر استعمالا .
ذكر الجمع
الجمع ما دلّ
على آحاد مقصودة بحروف مفردة بتغيير ما . فقوله : ما دلّ على آحاد ، يخرج به المفرد والتثنية ،
وقوله : مقصودة بحروف مفردة ، يخرج به أسماء
__________________
الجموع نحو : رهط فإنّه ليس له مفرد ويدخل نحو : رجال ، فإنه دال على آحاد بحروف مفرده ،
وقوله بتغيير ما ، يعني أي تغيير فرضيّ ، ولو في التقدير كما سنذكر في فلك وهجان.
واعلم أنّ نحو
: تمر وركب ليس بجمع على الأصحّ وأجاز الكوفيون في تمر ونحوه ، والأخفش في ركب ونحوه ،
أن يكونا جمعين والصحيح الأوّل ، لأنّ وزن تمر وركب فعل ، وفعل ليس من أبنية
الجموع ، ولأنّ تمرا اسم جنس ، كعسل وأسماء الأجناس ليست بجمع ، والفلك والهجان جمع عند جماعة ويقولون : إنّ ضمّة فلك في المفرد كضمّة قفل ، وضمّة
فلك في الجمع كضمّة أسد وسقف ، وإنّ كسرة هجان في المفرد ككسرة كتاب وحمار ، وكسرة
هجان في الجمع ككسرة رجال ، وهجان يقع على الواحد والجمع ، تقول : ناقة هجان ونوق
هجان ، والهجان الإبل البيض.
واعلم أنّه قد
اختلف في أقلّ الجمع فذهب الأكثرون إلى أنّه ثلاثة لأنّ لفظ التثنية مغاير للفظ
الجمع ، فوجب أن يكون معنى التثنية مغايرا لمعنى الجمع ، فلا تصدق التثنية على أقل
الجمع ، وذهب بعضهم إلى أنّ أقلّ الجمع اثنان لعود ضمير الجمع على الاثنين كقوله
تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) وأيضا فلاشتراك تثنية المتكلّم وجمعه في الضمير نحو :
قمنا ، والجمع إمّا صحيح ؛ وهو ما
__________________
سلم فيه بناء الواحد ونظمه ، وإمّا مكسّر ؛ وهو ما لم يسلم فيه ، والصحيح
إمّا لمؤنّث ويأتي بيانه ، وإمّا لمذكّر.
ذكر جمع المذكّر السّالم
وهو ما لحقته
واو مضموم ما قبلها رفعا ، أو ياء مكسور ما قبلها نصبا وجرّا ونون مفتوحة ، ليدلّ
على أنّ معه أكثر من جنسه ، نحو : هؤلاء الزيدون ، ورأيت الزيدين ومررت بالزيدين ،
والنون فيه عوض من حركة الواحد وتنوينه ، وحرّكت لالتقاء الساكنين فتحا طلبا
للتخفيف ، وللفرق بينها وبين نون التثنية ، وشرط هذا الجمع في الاسم أن يكون
مذكّرا علما عاقلا فيجمع نحو : زيد وعمرو ولا يجمع نحو : لا حق وشذقم ، لكونه لغير عاقل ، وعلم بقوله : مذكّر ، أنّ ما فيه
تاء التأنيث لا يجمع كذلك ، نحو : طلحة وحمزة / فإنّه يجمع بالألف والتاء نحو :
طلحة وطلحات وإن كان صفة ، فشرطه أن يكون مذكّرا عالما ، وإنّما قال
: عالما ، ولم يقل عاقلا ؛ ليدخل فيه صفات البارىء تعالى نحو : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)
__________________
(وَنَحْنُ
الْوارِثُونَ) لأنّه لا يوصف بالعقل في العرف ، ويوصف بالعلم ، وشرط
الجمع الصحيح في الصفة أن لا يكون فعلان فعلى نحو : سكران ، ولا أفعل فعلاء نحو :
أحمر وأبيض ، ولا مستويا فيه المذكّر والمؤنّث نحو : جريح وصبور ، أمّا فعلان فعلى
، فلأنّ فعلان فعلانة جمع هذا الجمع نحو : ندمان وندمانون ، فلو جمع سكران كذلك
لالتبس به . وأما باب أحمر فللفرق بينه وبين أفعل التفضيل ، فإنّ
أفعل التفضيل جمع به ، نحو : أفضل وأفضلون ، وأمّا جريح وهو فعيل بمعنى مفعول ،
فللفرق بينه وبين فعيل بمعنى فاعل ، فإنّه جمع مصحّحا نحو : سميع وسميعون ، وأمّا
صبور فإنّه لمّا وافقوا بين المذكّر والمؤنّث في المفرد ، لم يخالفوا بينهما في
الجمع ، فلم يقولوا : صبورون ولا صبورات بل صبر فيهما ، ومن شرط جمع الصفة أيضا ،
أن لا تكون بتاء تأنيث مثل : علّامة ونسّابة خلافا للكوفيين فإنّهم يجيزون في علّامة ونسّابة ،
علّامون ونسّابون ، وفي طلحة وحمزة ، طلحون وحمزون ، وكذلك ما أشبه ذلك.
واعلم أنّ
الاسم إن كان ملحقا بالصحيح فيجمع جمع الصحيح ، فتقول في دلو وظبي : دلوون وظبيون
علمين وإن كان معتلّا ؛ فإن كان آخره ياء قبلها كسرة حذفت الياء وضمّ ما قبل الواو
، نحو قاض ، فيقال : قاضون في الرفع ، وقاضين في النصب والجر ، لأنّ أصل ذلك
قاضيون فحذفت الضمّة استثقالا لها على الياء بعد الكسرة ، فالتقى ساكنان الياء
وواو الجمع ، فحذفت الياء ثم قلبوا الكسرة التي على الضّاد ضمة ، ليمكن النطق
بالواو ، وأصل قاضين قاضيين كرهوا الكسرة على الياء بعد الكسرة فحذفوها فالتقى
ساكنان ، ياء القاضي وياء الإعراب ، فحذفت الأولى وبقي ما قبل ياء الإعراب مكسورا
على ما كان عليه.
وإن كان آخره
ألفا حذفت لالتقاء الساكنين وترك ما قبل الياء مفتوحا لتدلّ الفتحة على الألف
المحذوفة ، فيقال في الرفع : مصطفون بفتح الفاء ، وفي النصب
__________________
والجر : مصطفين بفتحها أيضا ، وأجاز الكوفيون ضمّ ما قبل الواو وكسر ما قبل
الياء قياسا على المنقوص وهو ضعيف لأنّ النصّ في قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)(وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ
الْمُصْطَفَيْنَ) على خلافه ، وأيضا فإنّ فتحة ما قبل الألف في نحو :
مصطفى لم يتعذّر بقاؤها ، فلم يجب التغيير ، فبقيت الفتحة على حالها ، وكذلك القول في جميع ما هو من هذا الباب نحو : يحيى
وما أشبهه ، وتحذف نون جمع المذكّر السّالم بالإضافة ، لأنّها عوض عن حركة الواحد وتنوينه ، كقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ
حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وأمّا ما ورد من نحو : أرضين وسنين من كونه جمع جمع
سلامة وهو غير / مذكّر عاقل فشاذ فلا يرد نقضا ، وقد ثبتت نونه في الإضافة تنبيها
على أنّ ذلك ونحوه ليس من جموع السّلامة القياسيّة ، كقول الشّاعر :
دعاني من نجد
فإنّ سنينه
|
|
لعبن بنا
شيبا وشيّبننا مردا
|
ذكر جمع المؤنّث الصحيح
وهو ما في آخره
تاء زائدة بعد ألف زائدة ، كقولك : قائمات ومسلمات وقال زائدة لئلا يتوهّم أنّ أبياتا وأصواتا ونحو ذلك منه ، فإنّ
التاء في نحو : الأبيات
__________________
والأصوات ، أصليّة لا زائدة ، والمؤنّث إن كان صفة وله مذكر ، فشرط جمعه
بالألف والتاء أن يكون مذكّره جمع بالواو والنون لئلا يلزم مزية للفرع على الأصل
في جمع السّلامة فلا يجمع نحو : سكرى وحمراء وجريح ، هذا الجمع لامتناع جمع مذكره
بالواو والنون ، فلا يقال : حمراوات وسكريات لامتناع أحمرون وسكرانون فإن قيل : قد جمع خضراء أخضر بالألف والتاء في قوله عليهالسلام : «ليس في الخضراوات صدقة» فالجواب : أنه مؤوّل بأنه جمع لمسمّى الخضراوات نحو : البقل
وغيره ، لا للصفة التي هي خضراء ، فإنّ مسمّى الخضراوات مذكّر غير عاقل ، وهو مما
يجمع جمع السّلامة أعني بالألف والتاء كما سنذكره الآن. وإن كان صفة وليس له مذكّر
نحو : حائض وحامل مما حذف منه تاء التأنيث ، فيجمع مكسرا كقولك : حوائض وحوامل ،
وأما إذا لم يحذف منه التاء فيجمع بالألف والتاء ، كقولك في حائضة وحاملة : حائضات
وحاملات لأنّه لو كان لهما مذكّر لجمع مصحّحا . وأما إن كان اسم المؤنّث غير صفة فيجمع بالألف والتاء
من غير شريطة ، نحو : بيضات وطلحات وزينبات ، وقد جمع بالألف والتاء مذكّر غير
عاقل نحو : بوقات وحمامات وسرادقات .
ذكر جمع التكسير
وهو ما تغيّر
فيه بناء واحده ، نحو : رجال وأفراس ، وقد يكون بزيادة نحو : رجل ورجال وبنقصان :
ككتاب وكتب ، وقد يكون تغير البناء تقديريا نحو : فلك
__________________
وهجان كما مرّ ، وجمع التكسير يعمّ من يعقل وغيرهم في أسمائهم وصفاتهم
كرجال وأفراس وكرام وحمر وشقر ، والجمع ينقسم إلى جمع قلّة ، وجمع كثرة ، فجمع
القلّة : هو الذي يطلق على العشرة فما دونها إلى الثلاثة وأقسامه : أفعل كأكلب
، وأفعال كأجمال ، وأفعلة كأرغفة ، وفعلة كغلمة ، والجمع الصحيح ، وهو نوعان : المذكّر السّالم كزيدين
، والمؤنّث السالم كمسلمات ، وجمع الكثرة ما عدا ذلك ، ويستعار كلّ واحد منهما
للآخر ، كقوله تعالى : (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) موضع أقراء .
ذكر الأسماء المتصلة بالأفعال
وهي ثمانية :
المصدر ، واسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصفة المشبّهة ، وأفعل التفضيل ، وهذه
الخمسة هي المذكورة في كتب النحو لكونها تعمل ، وأمّا الثلاثة الباقية فهي : اسم
الزمان واسم المكان واسم الآلة ، وهذه / الثلاثة من قسم التصريف ، لكونها لا تعمل
، وقد أثبتناها وغيرها من أبواب التصريف في كتابنا هذا لكونه من كتب الكنّاش ،
فأجري مجرى الكنّاش ، ومعنى كون هذه الأسماء متصلة بالأفعال ، أنّها لا تنفكّ عن
معنى الفعل ، لأنّ المصدر اسم الفعل واسم الفاعل ، اسم لما قام به الفعل ، وكذلك البواقي
على ما سيأتي.
ذكر المصدر
وهو اسم الحدث
الجاري على الفعل ، والمراد بهذا الحدث الجاري ، المعنى
__________________
الصادر من الفاعل المجرّد عن الزمان ، ومعنى الجاري على الفعل ، أنّ كلّ
مصدر لا بدّ له من فعل لفظا أو تقديرا ، يذكر المصدر بيانا لمعنى ذلك الفعل نحو :
ضربا في قولك ضربت ضربا واعلم أنّ المفعول المطلق أعمّ من المصدر ، لأنّ كلّ
مصدر لا بدّ له من فعل من لفظه ، وليس كلّ مفعول مطلق كذلك ، نحو : ويحه وويله ،
واعلم أنّ مصدر الفعل الثلاثي المجرد من الزيادة سماعي والمشهور أنه اثنان وثلاثون :
١ ـ فعل : كحمد
وضرب.
٢ ـ فعل كعلم
وفسق.
٣ ـ فعل : كشكر
وشرب.
٤ ـ فعلة :
كرحمة وكثرة.
٥ ـ فعلة :
كحمية ونشدة.
٦ ـ فعلة :
كعجمة وكدرة.
٧ ـ فعلى :
بفتح الفاء كدعوى.
٨ ـ فعلى
بكسرها : كذكرى.
٩ ـ فعلى بضمها
: كبشرى.
١٠ ـ فعلان
بالفتح : مختلف فيه كليّان وأنكره المبرّد ، وقال أصله ضم أوّله ، وإنّما فتح
للتخفيف.
١١ ـ فعلان
بالكسر : كحرمان ورضوان.
١٢ ـ فعلان
بالضم : كغفران.
١٣ ـ فعلان
بفتحهما : كغليان وهيجان.
__________________
١٤ ـ فعل :
كعمل وغضب.
١٥ ـ فعل :
كلعب وكذب.
١٦ ـ فعل :
كشبع وكبر.
١٧ ـ فعل :
كهدى وسرى.
١٨ ـ فعلة :
كغلبة.
١٩ ـ فعلة :
كسرقة.
٢٠ ـ فعال :
كسماع ونبات.
٢١ ـ فعال :
ككذاب وإياب.
٢٢ ـ فعال
بالضم : كنعاس وهو كثير في الأصوات كصراخ .
٢٣ ـ فعالة :
كنصاحة وجهالة.
٢٤ ـ فعالة
بالكسر كحماية وسراية .
٢٥ ـ فعول :
كقعود.
٢٦ ـ فعول وهو
ثلاثة : قبول وولوع ووقود .
٢٧ ـ فعيل :
كصهيل.
٢٨ ـ فعولة :
كسهولة وصعوبة.
٢٩ ـ مفعل بفتح
الميم والعين : كمدخل.
٣٠ ـ مفعل بفتح
الميم وكسر العين : كمرجع ومنبت.
٣١ ـ مفعلة
بالفتح : كمرحمة.
٣٢ ـ مفعلة :
كمحمرة ومعصية.
__________________
فهذه مصادر
الثلاثي السماعية ، وقد زادوا على ذلك ثلاثة أخر : فعالية : كطواعية وكراهية ، وفعالة بضم الفاء : كبغاية ، وتفعال بكسر التاء كتبيان وتلقاء ، وأمّا غير ذلك من نحو : التّفعال بفتح التاء ، والفعّيلى بتشديد العين فللمبالغة .
وأمّا الفعل
الغير الثلاثي وهو الرباعي فصاعدا ، فمصدره قياسيّ ، وهو رباعيّ وخماسيّ وسداسيّ ،
والرباعيّ منه ما حروفه كلها أصول ، ومنه ما أحد حروفه زائد ، ويكون من فعلل فعللة وفعلا لا نحو
: دحرج دحرجة ودحراجا ، ومن فعول فعولة ، نحو : عنون عنونة ، ومن فعيل فعيلة نحو :
عذيط عذيطة ، ومن فيعل فيعلة ، نحو بيطر بيطرة ، ومن فوعل فوعلة / نحو : حوقل
حوقلة ، ومن فعّل تفعيلا وتفعلة ، نحو : كرّم تكريما وتكرمة وكلّم تكليما ، فزادوا
التاء في أول هذه المصادر عوضا من تضعيف عين الفعل فإن كان آخره معتلا رجع التفعيل إلى تفعلة نحو : ولّى
تولية ، وسمّى تسمية ، وإن كان آخره مهموزا جاز التفعيل والتّفعلة ، نحو : نبّأ
تنبيئا وتنبئة ، ومن أفعل إفعالا نحو : أكرم إكراما ، فإن كان أفعل
معتلّ العين رجع إفعال إلى إفالة ، نحو : أشار إشارة وأقال إقالة والتزمت التاء في الأكثر ، لأنّها
__________________
جعلت عوضا من العين المحذوفة إذ كان الأصل إفعالة كما سنذكر له زيادة شرح ،
ومن فاعل مفاعلة وفعالا ، نحو : ضارب مضاربة وضرابا ، وجاء في معتلّه فعاليا ، مثل : ترامى تراميا ، ومن
انفعل انفعالا ، نحو : انطلق انطلاقا ، ومن افتعل افتعالا ، نحو : اختصم اختصاما ،
واقتتل اقتتالا ، وجاء قتالا وقيتالا على البدل ومن استفعل استفعالا ، نحو : استخرج استخراجا فإن كان استفعل معتلّ العين ، رجع الاستفعال إلى
استفالة ، مثل : استعان استعانة واستكان استكانة ، ومن افعلّ افعلالا نحو : احمر
احمرارا ، ومن تفعّل تفعّلا نحو : تلبّث تلبّثا ومن تفاعل تفاعلا نحو : تطاول تطاولا ، ومن تفعلل تفعللا نحو : تدحرج
تدحرجا ومن تفوعل تفوعلا نحو : تجوهر تجوهرا ، ومن تفعّل تفعّالا نحو : تحمّل
تحمّالا ، ومن افعنلل افعنلالا نحو : احرنجم احرنجاما ، ومن
افعوعل افعيلالا نحو : اغدودن اغديدانا ، ومن افعوّل افعوّالا نحو : اعلوّط
اعلوّاطا ومن افعللّ افعلالا نحو : اقشعرّ اقشعرارا وإذا تقارب معنى فعلين جاز أن يستعمل مصدر أحدهما للآخر
نحو : انطويت تطويا وتطويت انطواء.
واعلم أنّ أفعل
معتل العين نحو : أقام وأجاز وأطاق ، مصدره بحسب الأصل إفعالا ، لأنّ مصدر أفعل من
الصحيح إفعالا كما تقدّم من أكرم إكراما ، فمصادر هذه الأمثلة المذكورة بحسب الأصل
إقواما ، وإجوازا وإطواقا ، إلّا أنهم أعلّوا المصدر كما أعلوا فعله فنقلوا الحركة
عن حرف العلّة إلى الساكن قبله ، وبعد الساكن ألف ولا يكون ما قبل الألف إلا
مفتوحا ، فينقلب حرف العلة ألفا ، فاجتمعت ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين
وعوض عنها الهاء في الآخر ، فقيل : إقامة وإجازة وإطاقة .
__________________
واعلم أنّ
المصدر قد يرد على وزن اسمي الفاعل والمفعول سماعا لا قياسا فوروده على وزن اسم الفاعل نحو : قم قائما بمعنى قياما
ومنه قول الشّاعر :
أقاتل حتّى
لا أرى لي مقاتلا
|
|
...
|
أي لا أرى
قتالا ، ومنه العافية في عافاه الله عافية ، ووروده على وزن المفعول نحو : الميسور
والمعسور والمرفوع والموضوع بمعنى اليسر والعسر والرّفع والوضع وكما جاء اسم الفاعل في موضع المصدر جاء أيضا المصدر في
موضع اسم الفاعل. نحو جاء ركضا / ومشيا أي راكضا وماشيا ، ومنه قوله تعالى (ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْياً) أي ساعيات ، وهذا السّماعي إنّما هو في الفعل الثلاثي
المجرّد ، وأمّا المزيد فيه والرباعي ، فيجيء منه اسم المفعول في موضع المصدر
قياسا ، كأخرجته مخرجا ، وانطلق منطلقا ، ومن المصادر ما جاءت لتكثير الفعل
والمبالغة نحو : ما جاء على تفعال سماعا مثل : التّهدار ، والتّرحال والتّرداد بمعنى الهدر والرحيل والتردّد ، ونحو : ما جاء على
تفعيل وهو قياسي مثل : التقطيع ونحو :
__________________
فعّيلى كقول عمر رضياللهعنه : «لو أطيق الأذان مع الخلّيفى لأذّنت» وقول عمر بن عبد العزيز : «لا ردّيدى في الصّدقة» أي لا تردّ.
والمصدر يعمل
عمل فعله سواء كان المصدر بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال ،
لأنّ عمله لكونه في تقدير «أن» مع الفعل سواء كان ماضيا أو غيره ، وإنّما يعمل
المصدر إذا لم يكن مفعولا مطلقا ، أي إذا لم يكن منصوبا بفعله المذكور معه لفظا أو
تقديرا ، ولا يضمر الفاعل في المصدر كما سيأتي وإنّما سمّي المصدر مصدرا لأنّ الأفعال صدرت عنه ، أي
أخذت منه تشبيها بمصدر الإبل ، وهو المكان الذي ترده الإبل ثم تصدر عنه ولا يتقدّم معمول المصدر عليه فلا يقال : أعجبني زيدا
ضرب عمرو ، لكون المصدر في تقدير أن مع الفعل ، فكما لا يتقدّم ما في حيّز صلة أن
عليها ، فكذلك لا يتقدّم ما في حيّز صلة المصدر عليه ، ولا يلزم ذكر فاعل المصدر بل يجوز أن تقول : أعجبني ضرب
زيدا ، ولم يذكر الفاعل ، وإنّما لم يلزم ذكر الفاعل لأن التزامه كان يؤدي إلى
الإضمار فيه عند ما يكون لغائب متقدم ذكره ، ولا يضمر فيه الفاعل وإنّما لم يضمر
فاعل المصدر فيه ، فرقا بينه وبين الفعل والصفة ، حيث يضمر فاعلهما فيهما ، لأنّ
الفعل خبر أو وصف جار مجرى الخبر في اقتضائه مسندا إليه ، وكذلك الصفات فلو قدّر
خلوّهما من الضمير لم ترتبط الصفة بالموصوف ولا الخبر بالمبتدأ ، والمصدر اسم على
كل حال ، وليس بصفة ، والاسم لا يلزم أن يكون مسندا إلى شيء ، فلذلك لم يضمر فيه
فرقا بينه وبين ما وجب فيه الإضمار ، ويجوز إضافة المصدر إلى الفاعل ،
__________________
فيبقى المفعول منصوبا نحو : أعجبني دقّ القصّار الثوب ، وقد يضاف إلى المفعول فيبقى الفاعل أكثر.
واعلم أن عمله
منونا أولى ، لأنّه حينئذ أكثر مشابهة للفعل لكونه نكرة حينئذ ، كالفعل ثم عمله
مضافا أولى ، وإعماله / باللّام قليل وإن كان المصدر مفعولا مطلقا ، فإمّا أن يكون مما التزم
فيه حذف الفعل وصار المصدر بدلا عنه نحو : سقيا ، أو لم يكن كذلك. فإن كان نحو :
سقيا ، ففيه وجهان : أحدهما : أن يكون الفعل عاملا ، والثاني : أن يكون المصدر
عاملا من حيث إنّه نائب عن الفعل فإذا قلت : سقيا زيدا ، فزيدا منصوب بسقيا من حيث
قام مقام سقى الله ، لا من حيث كونه مصدرا ، وإن لم يكن المصدر بدلا من الفعل ، بل
كان الفعل مذكورا نحو : ضرب ضربا زيدا أو محذوفا غير لازم نحو قولك لمن رفع السّوط
: ضربا زيدا ، فالعمل للفعل ، لأنّه مراد لفظا أو تقديرا ، وليس المصدر بدلا عنه .
ذكر اسم الفاعل
اسم الفاعل ما
اشتقّ من فعل لمن قام به بمعنى الحدوث ، قوله : ما اشتقّ من فعل كالجنس يدخل فيه
المحدود وغيره من اسم المفعول والصفة المشبّهة وغير ذلك ، وقوله : لمن قام به ،
يخرج به نحو اسم المفعول ، وقوله : بمعنى الحدوث يخرج الصّفة المشبّهة ، لأنّ
وضعها أن تدلّ على معنى ثابت ، ولو قصد بها الحدوث ردّت إلى صيغة اسم الفاعل كما سيأتي في الصفة المشبّهة.
ذكر اسم الفاعل من الفعل الثلاثي المجرّد
وهو إن كان على
فعل بفتح العين فيطرد منه اسم الفاعل على صيغة فاعل ،
__________________
مثل : ضرب فهو ضارب وقعد فهو قاعد وأمّا ما جاء من الفعل الثلاثي المذكور على خلاف ذلك
فمسموع ولا يقاس عليه ، وذلك نحو عتق العبد فهو عتيق.
ذكر اسم الفاعل من غير الثلاثي
ويأتي منه على
صيغة المضارع وهو أن يحذف حرف المضارعة ويجعل موضعه ميم ، مثل : مكرم من يكرم ،
ومنطلق من ينطلق ، ومدحرج من يدحرج ، ومستخرج من يستخرج ، وهذه الميم في اسم
الفاعل لا تكون إلا مضمومة سواء كان حرف المضارعة مضموما نحو : يخرج ،
أو مفتوحا : نحو يستخرج فإنك تقول : مخرج ومستخرج بضم الميم فيهما ، وما قبل آخر
اسم الفاعل المذكور لا يكون إلّا مكسورا نحو كسرة اللام في منطلق ، والراء في
مدحرج ومستخرج فرقا بينه وبين المفعول ، وأمّا ما جاء من أسماء
الفاعلين من هذا الباب على صيغة اسم الفاعل من الفعل الثلاثي فشاذ يؤخذ بالسّماع ،
وذلك نحو : وارق من أورق العود ، وما حل من محل البلد ، وعاشب من أعشب المكان ،
ويافع من أيفع الغلام ، فإنّ قياس ذلك ، أن يكون اسم الفاعل منه على مفعل لا على
فاعل.
ذكر عمل اسم الفاعل
وهو يعمل عمل
فعله المضارع المبنيّ للفاعل ، لكن يشترط لعمله أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال
مع اعتماده على صاحبه ، أو على همزة استفهام ، أو ما النافية ، أما اشتراط كون اسم
الفاعل المذكور بمعنى الحال أو الاستقبال ، فلأنّه إنّما عمل لمشابهة الفعل
المضارع في الموازنة والدلالة على المصدر فضارب
__________________
موازن يضرب ، ومكرم موازن يكرم ، فلمّا / انعقد هذا الشبه بينهما عمل عمله
، ولهذه المشابهة أيضا أعطيت الأفعال المضارعة الإعراب ، وليس بين اسم الفاعل
والفعل الماضي هذه الموافقة ، فإنّ ضاربا مثل يضرب لا مثل ضرب ، فإذا شرط فيه معنى
الحال أو الاستقبال قوي شبهه به لفظا ومعنى ، سواء كان الحال أو الاستقبال تحقيقا
أو حكاية كقوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ
ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) فإنّ باسطا ها هنا ، وإن كان ماضيا لكنّ المراد به
حكاية الحال والمراد بقولنا : يعمل عمل فعله : أنه يعمل عمله في
التقديم والتأخير ، والإظهار والإضمار ، وفي اللزوم والتّعدي إلى مفعول أو إلى
اثنين أو ثلاثة ، وإنّ الفعل كما يتعدّى إلى الحال والمصدر والمفعول له والمفعول
معه وسائر الفضلات ، فكذلك اسم الفاعل منه ، فمثال عمله في التقديم : زيد ضارب
غلامه عمرا ، وفي التأخير : زيد عمرا مكرم ، فتنصب عمرا بمكرم ، وفي الإظهار
المثال المتقدّم ، وفي الإضمار : زيد ضارب بكر وعمرا ، بخفض بكر ونصب عمرا ، أي
ضارب عمرا لأنّ بكرا مخفوض فلما نصب عمرا ، عطفا عليه لم يكن نصبه إلّا على تقدير
وضارب عمرا ومثاله في اللزوم : زيد قائم أبوه ، وفي التعدي إلى واحد : زيد ضارب عمرا وإلى مفعولين : زيد معط عمرا
درهما ، وظانّ خالدا منطلقا ، وإلى ثلاثة نحو : زيد معلّم أباه عمرا منطلقا وأمّا اشتراط اعتماد اسم الفاعل على صاحبه أو على
الهمزة أو على ما النافية ، فالمراد بصاحب اسم الفاعل ، اسم قبله محكوم عليه فلو
قلت : ضارب زيد عمرا من غير اعتماد لم يجز ، لأنّ اسم الفاعل صفة في المعنى ، فلا
بدّ من موصوف نحو : مررت برجل ضارب أبوه عمرا ، وقد يكون ذا حال نحو : جاءني الرجل
ضاربا عمرا.
__________________
وأما الهمزة
وما النافية فنحو : أقائم زيد ، وما قائم زيد ، فلوقوعهما موقعا هو بالفعل أولى ، واعلم أنه لا يختصّ ذلك بالهمزة
وما ، بل جميع أدوات الاستفهام أسماء كانت أو حروفا وجميع حروف النفي في ذلك سواء
، وأجاز الأخفش ، إعماله من غير اعتماد على شيء نصّ عليه السّخاوي ، وابن يعيش .
وإن كان اسم
الفاعل بمعنى الماضي وجبت إضافته إلى معموله إضافة معنوية فتقول : زيد ضارب عمر أمس ، خلافا للكسائي فإنه قال :
لا يجب إضافته لأنه يعمل عنده سواء كان بمعنى الماضي أو الحال أو الاستقبال ،
واستدلّ الكسائيّ بقوله تعالى : فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا فيقول : لا ناصب لسكنا سوى جاعل ، وهو بمعنى الماضي ،
وإذا نصب المفعول الثاني فلأن ينصب الأول أقرب ، وردّ بأنّ نصبه يكون بفعل مقدّر ، وتقديره : وجاعل
الليل جعله سكنا واعلم أنه يجوز أن يقوّى اسم الفاعل المتعدي بدخول حرف
الجرّ فتقول : زيد ضارب
__________________
عمرا وضارب لعمرو / وإنّما كان كذلك لأنّ أصل العمل إنّما هو للأفعال كما
أنّ أصل الإعراب إنما هو للأسماء ، فكلّ منهما فرع على الآخر فيما هو أصل فيه ،
والفروع أبدا منحطة عن الأصول ، فلذلك جاز تقوية اسم الفاعل بحرف الجرّ ، ولم يجز
في الفعل لكون اسم الفاعل أضعف منه ، هذا إذا تأخّر المفعول عن الفعل ، فإن تقدّم
عليه جاز إدخال اللّام تقوية لهما تقول : لزيد عمرو ضارب ، ولزيد ضربت قال الله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) وإذا جاءت اللّام في اسم الفاعل نحو : الضارب والقاتل ،
عمل ، وإن كان بمعنى المضي ، لأنّها موصولة ، وأصل صلتها صريح الفعل وإنّما سبك اسم فاعل ليناسب اللّام التي معناها معنى لام التعريف ،
فمن ثمّ قوي إعمال اسم الفاعل معها وإن كان بمعنى المضيّ .
ذكر أبنية المبالغة
وهي : فعول
كضروب ، وفعّال كضرّاب ، وفعيل كسميع ، وفعل كحذر ، ومفعال كمضراب ، وهي مثل اسم
الفاعل في العمل نحو : زيد ضرّاب أبوه عمرا ، وإنّما عملت هذه ، وإن فات
ما ذكرناه من الزنة ، لأنّ فيها من معنى المبالغة ما يقوم مقام ذلك الشّبه ، مع
أنها لم تعمل بدون اللّام إلّا إذا كانت بمعنى الحال أو الاستقبال . ومثنّى اسم الفاعل ومجموعه مثل مفرده في العمل تقول :
الزيدان ضاربان عمرا ، والزيدون ضاربون عمرا الآن أو غدا ، ويجوز حذف نوني تثنية
اسم الفاعل وجمعه السّالم المعرّفين مع العمل أي مع نصب ما بعدهما نحو قول الشّاعر
:
__________________
الحافظو عورة
العشيرة لا
|
|
يأتيهم من
ورائهم نطف
|
فحذف النون من
الحافظون تخفيفا واستطالة لصلة اللام التي هي بمعنى الذي ، مع نصب عورة ، وليعلم
أنّه لا يجوز حذف النون مع العمل من غير تعريف ، لأنّه لا يكون صلة حينئذ فلا يقال
: ضاربو عمرا بنصب عمرو بل بالجر .
ذكر اسم المفعول
وهو ما اشتقّ
من فعل لمن وقع عليه ، فقوله : ما اشتقّ من فعل كالجنس ، وقوله : لمن وقع عليه
فصله ، واسم المفعول يعمل عمل الفعل الذي لم يسمّ فاعله ، إذ معنى زيد مضروب غلامه
، زيد يضرب غلامه ، وكذلك مستخرج ومكرم بمعنى يستخرج ويكرم ، وتقول فيما يتعدّى
بحرف الجر : زيد منطلق به ، كما تقول ينطلق به. واسم المفعول لا يبنى إلّا من فعل
متعدّ ثلاثي لكون اسم المفعول جاريا على فعل ما لم يسمّ فاعله فإن عدّي اللازم
بحرف الجرّ جاز بناء اسم المفعول منه ، وفي التنزيل : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
عَلَيْهِمْ) فعدّاه بقوله : «عليهم» ، وهو إن كان من الثلاثي فصيغته
على مفعول كمضروب وكان قياسه أن يأتي على مفعل كمضرب إذ قياسه أن يكون
على زنة مضارعه المبني للمفعول ، كما أنّ أصل اسم الفاعل أن يكون على زنة مضارعه
المبني للفاعل. لكنه عدل لئلّا يلتبس باسم المفعول والفاعل من أفعل نحو : مكرم من
أكرم ، وأمّا مسعود فهو اسم مفعول من الفعل الثلاثي أي من سعده ،
__________________
لأنّه يجوز أن يقال : سعده الله بمعنى أسعده الله وكذلك محبوب ومحزون فإنه / جاء أحبّه وحبّه ، وأحزنه وحزنه بمعنى ، وأمّا اسم المفعول من الزائد على الثلاثي مطلقا
فصيغته مثل صيغة اسم الفاعل ، إلّا أنّ اسم المفعول يفتح ما قبل آخره فرقا بينه
وبين اسم الفاعل نحو : مستخرج ومدحرج بفتح الرّاء فيهما ، وشذّ في هذا الباب ما
ورد بخلاف ذلك نحو : أزكمه البرد فهو مزكوم وأحمّه الله فهو محموم ، وأجنّه فهو
مجنون ، فإنّ قياس هذه المفاعيل أن يقال : مزكم ومحمم ومجنّ على مفعل مثل مكرم ،
لا على مفعول ، لأنها ليست من الثلاثي وكما شذت هذه المفاعيل كذلك شذّ في أفعالها بناؤها لما
لم يسم فاعله من هذه الأفعال كما شذّت أسماء المفاعيل منها ، وأمّا اسم المفعول من
الفعل الثلاثي المعتل نحو : قال وباع فسيأتي في المشترك في فصل الإعلال .
واعلم أنه قد
يجيء المفعول من الثلاثي على صيغة المصدر نحو : هذا الدرهم ضرب الأمير ، وهذا
الثوب نسج اليمن أي مضروب الأمير ومنسوج اليمن ، وقد جاء للمبالغة قليلا على وزن
فعلة بضم الفاء وسكون العين نحو : زيد ضحكة غلامه.
واعلم أنّ نحو
: محمرّ اسم مفعول ، ومختار اسم مفعول ، موافق في اللفظ لاسم الفاعل ، وهما في
التقدير مختلفان ، فاسم الفاعل في التقدير : محمرر بكسر ما قبل آخره ، واسم
المفعول في التقدير : محمرر بفتح ما قبل الآخر ، وكذلك تقدير مختار فيهما ، أعني
مختير ومختير ، فلمّا جاء الإدغام في محمرّ والإعلال في مختار استوى لفظهما في
البابين ، وأمر اسم المفعول في عمله عمل فعله وفي اشتراط
__________________
الزمانين ، والاعتماد كأمر اسم الفاعل ثم إن كان فعله يتعدّى إلى مفعول ارتفع وبطل نصبه نحو :
زيد مضروب غلامه ، وإن تعدّى إلى اثنين ارتفع الأول وبقي الثاني منصوبا نحو : زيد
معلوم قائما ، ومعطى درهما ، وكذلك يرفع الأول فقط إذا تعدّى إلى ثلاثة نحو : زيد
معلّم عمرا منطلقا ، ولا يثنّى ولا يجمع إذا رفع به الظاهر نحو : أمضروب الزيدان
وقد يستوي اسم المفعول من الزائد عن الثلاثي وظرف الزمان والمكان والمصدر
في الصيغة ، تقول : هذا مقامك أي موضع إقامتك أو زمن إقامتك ، وهذا مقامك أي
إقامتك ، قال الشّاعر :
أظليم إنّ
مصابكم رجلا
|
|
يهدي السّلام
تحيّة ظلم
|
يريد : إنّ
إصابتكم رجلا ، فرجل منصوب بالمصدر الذي هو مصاب وهو على زنة المفعول من الرباعي.
ذكر الصّفة المشبّهة
وهي ما اشتقّ
من فعل لازم لمن قام به على معنى الثبوت قوله : الصفة المشبّهة أي المشبهة باسم الفاعل ، وقوله
: ما اشتقّ من فعل لازم ، يخرج به اسم المفعول واسم الفاعل من الفعل المتعدي ،
وقوله : لمن قام به ، يخرج نحو : المجلس والمقام من أسماء المكان ، والمطلع
والمغرب من أسماء الزمان ، لأنّ هذه وإن كانت مشتقة من الأفعال اللازمة لكن ليست
لمن قام / به ، أي ليست صفات لموصوفات ،
__________________
وقوله : بمعنى الثبوت ، أي بمعنى بقائها زمانا ثابتا ، ليخرج به اسم الفاعل
من الفعل اللّازم نحو : قائم وقاعد إن قصدت الحدوث بهذه الصفة جئت بها على لفظ اسم
الفاعل كقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ
بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) ولم يقل ضيّق ليدل على أنّ الضيق عارض في بعض الأحوال
غير ثابت وإنّما عدلوا بهذه الصفات عن صيغة اسم الفاعل لأنّهم أرادوا أن يصفوا موصوفاتها بالمعنى الثابت ،
الذي ليس هو لاسم الفاعل ، فقالوا : حسن وشديد وصعب وظريف وضيّق وكريم ، أي إنّ
هذه المعاني ثابتة للموصوف ومستقرة له. زمانا ثابتا فإذا أرادوا الحدوث أتوا
بالصفة على صيغة الفاعل كما قلنا في ضيّق وضائق ، ومثل ذلك غضبان وغاضب وطويل
وطائل وما أشبه ذلك.
ذكر التشابه والاختلاف بين الصّفة المشبّهة وبين اسم الفاعل
وهي تشابهه في
التذكير والتأنيث والتثنية والجمع ، فحسن كضارب وحسنة كضاربة وحسنان كضاربان ، وحسنون كضاربون وأمّا مخالفتها لاسم الفاعل فمن وجوه :
منها : الصيغة
وصيغها سماعيّة وتجيء على فيعل كسيّد ، وعلى فعل كعم وعلى فعلان كعطشان ، وتأتي
صيغها في الألوان على أفعل قياسا ، كأحمر وأبيض وأسود وأحور وحوراء وأهيف وأغيد.
ومنها : أنّها
لا يتقدّم معمولها عليها فلا يقال : زيد وجها حسن كما يقال : زيد عمرا ضارب.
ومنها : أنها
لا تكون إلّا ثابتة أي باقية زمانا ثابتا واسم الفاعل لا يكون ثابتا أي ليس باقيا
زمانا ثابتا.
__________________
ومنها : أنها
لا تكون إلّا من فعل لازم.
ومنها : أنها لا
يجوز أن يعطف على المجرور بها بالنّصب كما في اسم الفاعل فلا يقال : زيد كثير
المال والعبيد ، بنصب العبيد وجرّ المال ، كما يقال : زيد ضارب عمرو وبكرا ، بجرّ
عمرو بالإضافة ونصب بكر ، لأنّ بكرا عطف على موضع عمرو وهو النصب ، وليس معمول
الصفة المشبّهة كذلك بل هو مرفوع في المعنى ، لأنّ أصل كثير المال ، كثير ماله ،
وتعمل عمل فعلها المشتقة هي منه مطلقا من غير اشتراط الحال أو الاستقبال لكونها بمعنى الثبوت فحسن مثل حسن ، لكنّ عمل هذه الصفات أوسع من عمل
أفعالها ، فإنّها تنصب معمولها على التشبيه باسم الفاعل المتعدّي.
واعلم أنّ هذه
الصفة المشبّهة وإن لم يشترط فيها معنى الحال أو الاستقبال كما اشترط في اسم
الفاعل ، فلا بدّ من اعتمادها على صاحبها أو الهمزة أو النفي كما قيل في اسم
الفاعل ، لما تبيّن من أنّ مطلق الصفة محتاجة إلى الاعتماد ، وهذه الصفة إمّا أن تكون باللام نحو : الحسن وإمّا أن تكون مجردة
عن اللام نحو : حسن ومعمولها إمّا مضاف ، وإمّا بلام التعريف ، وإمّا مجرّد عنهما
، وإذا ضربنا اثنين في ثلاثة ، كان الحاصل ستة ، وهي : الصفة باللام ومعمولها
مثلها ، ومضاف ومجرّد ، والصفة مجردة ومعمولها مثلها ، وباللّام ومضاف ، وإعراب
معمولها المذكور ، رفع ونصب وجرّ ، وإذا ضربت الستة في أقسام الإعراب / وهو ثلاثة
كان الحاصل ثماني عشرة مسألة.
ذكر مسائلها الثماني عشرة
وهي : الصفة
مجرّدة ومعمولها مضاف ، نحو : رجل حسن وجهه ، برفع وجهه ونصبه وجرّه ، والصفة
مجردة ومعمولها معرّف باللام ، نحو : رجل حسن الوجه برفع
__________________
الوجه ونصبه وجره ، والصفة مجردة ومعمولها مجرّد عنهما نحو : رجل حسن وجه
برفع وجه ونصبه وجرّه ، فالمجموع تسعة ، وكذلك تجيء الصفة باللّام على تسعة أقسام
: فمثالها باللام ومعمولها مضاف ، الرجل الحسن وجهه بالرفع والنصب والجرّ ،
ومثالها باللّام ومعمولها مجرّد ، الرجل الحسن وجه بالرفع والنصب والجرّ ، ومثالها
ومعمولها باللّام ، الرجل الحسن الوجه ، بالرفع والنّصب والجر فذلك ستة ، وهي مع التسعة الأولى ثماني عشرة ، اثنتان
من هذه الثماني عشرة ممتنعتان ، إحداهما : الحسن وجهه ، والثانية : الحسن وجه
بخفضهما على الإضافة لعدم إفادة الإضافة فيهما خفة . واختلف في صحّة مسألة واحدة وهي : حسن وجهه بالإضافة ،
فقال قوم : إنّها لا تصحّ لاستلزامها إضافة الشيء إلى نفسه لأن الوجه هو الحسن ،
وقال قوم : إنها تصحّ ، ومنعوا استلزامها إضافة الشيء إلى نفسه لكون الحسن أعمّ من
الوجه والبواقي من الثماني عشرة على ثلاثة أقسام أحدها : أحسن ، وهو ما كان فيه ضمير واحد لتحقّق ما
يحتاج إليه من غير زيادة. والثاني : حسن ، وليس بأحسن ، وهو ما كان فيه ضميران ،
أما حسنه فلوجود المحتاج إليه ، وأمّا عدم أحسنيته فلوجود الزائد على المحتاج ،
والثالث : قبيح وهو ما لا ضمير فيه وقد بيّنا في هذه الدائرة التي اقترحناها
المسائل الثماني عشرة ، وبيّنا الأحسن والحسن والقبيح والممتنع والمختلف فيه وهذه
صورتها /:
__________________

ذكر الرّافع والنّاصب والجارّ لمعمول الصّفة المشبّهة
إنّما يرفع
معمولها على الفاعليّة وهو الأصل في عمل هذه الصفة ، إذ لا تقتضي إلّا مرفوعا
كفعلها اللازم ، والمختار في النّصب التفصيل ؛ وهو إن كان المعمول معرفة فنصبه على
التشبيه بالمفعول ، وهو الحسن الوجه ، لئلا يقع التمييز معرفة ، وإن كان نكرة
فنصبه على التمييز نحو : الحسن وجها ومنهم من يقول : إنّ نصب معمول الصفة سواء كان معرفة أو
نكرة إنّما هو على التشبيه بالمفعول لا على التمييز عكس مذهب الكوفيين ، فإنّ نصب معمولها عندهم على
التمييز ، سواء كان معرفة أو نكرة لجواز أن يكون التمييز معرفة عندهم ، وأما جرّ
معمولها فبإضافتها هي إليه ليس إلّا .
ذكر الصفة التي فيها ضمير أو ضميران ، أو لا ضمير فيها أصلا
وهو أن الصفة
إذا نصبت ما بعدها ، أو جرّته كان فيها ضمير ، لاحتياج الصفة إلى الفاعل فتونّث
وتذكّر وتثنّى وتجمع بحسب الضمائر المستكنّة فيها / وتطابق من هي له ، فيقال :
مررت بهند الحسنة الوجه ، ومررت برجلين حسني الوجهين ، وبرجال حسني الوجوه ، وإذا
رفعت ما بعدها لم يكن فيها ضمير ، لأنّ الضمير إنّما يكون حيث لم يكن الظاهر فاعلا
، فإذا لم يكن فيها ضمير ، وجب أن تكون مفردة لأنّها كالفعل رافعا ما بعده فلا
تثنّى ولا تجمع فيقال في التثنية : مررت برجلين حسن وجهاهما ، ومررت برجلين حسنة
جاريتهما ، كما يقال : حسنت جاريتهما ومررت برجال حسن غلمانهم ولا يقال : حسنين
غلمانهم إلّا على ضعف ، لكن يقال : حسان غلمانهم ، على أنه جمع تكسير ليطابق
مرفوعه وإذا عرفت أن الصفة ليس فيها ضمير إذا كان
__________________
ما بعدها مرفوعا ، وأنّه يجب أن يكون فيها ضمير إذا كان ما بعدها منصوبا أو
مجرورا ، فاعلم أنّه إذا لم يكن في معمولها المرفوع ضمير نحو : الحسن الوجه برفع
الوجه ، فهو قبيح لعدم الضمير فيها ، وإن كان فيه ضمير نحو : الحسن وجهه برفعه
أيضا فهو الأحسن ، لوجود ضمير واحد ، وأمّا المنصوب أو المجرور ، فإن كان فيه ضمير
نحو : حسن وجهه أو وجهه فهو حسن ، لوجود ضميرين ، أحدهما : ضمير الفاعل المستكنّ
في الصفة ، والثاني : الضمير المضاف إليه الوجه ، وإن لم يكن في المعمول المنصوب
أو المجرور ضمير نحو : حسن وجها وحسن وجه فهو الأحسن لوجود ضمير واحد ، أعني في
الصفة فقط.
واسم الفاعل
اللّازم والمفعول غير المتعدي إلى مفعولين مثل الصفة المشبّهة فيما ذكر من المسائل الست عشرة ، لأنّ الصفة إذا شبّهت
في ذلك باسم الفاعل ، فاسم الفاعل والمفعول أولى بالشبه به فتقول : زيد قائم الأب
ومضروب الأب برفع الأب ونصبه وجرّه ، إذا نونت قائم ومضروب في الرفع والنصب ،
وأضفته في الجرّ ، وكذلك ضامر البطن ، وجائلة الوشاح ، ومعمور الدار ، ومؤدّب
الخدّام ، يعرب كلّ واحد من هذه / الأمثلة بالحركات الثلاث على الوجه المذكور .
ذكر اسم التفضيل
وهو ما اشتقّ
من فعل لموصوف بزيادة على غيره ، وإنّما قال : اسم التفضيل ولم يقل أفعل التفضيل ليتناول صيغ التفضيل مثل : خير وشرّ ،
وفضلى وفضليان
__________________
وغيرها من الصّيغ وقوله : ما اشتقّ من فعل ، كالجنس يدخل فيه سائر
المشتقّات قوله لموصوف ، يخرج به أسماء الزمان والمكان فإنّها مشتقات ولكن ليست
بصفات ، فلم يكن لموصوف وقوله : بزيادة على غيره ، يخرج اسم الفاعل والمفعول
والصفة المشبّهة.
والأصل في
صيغته أن تكون على أفعل ، إلّا أن يكون قد حذف منه شيء نحو : خير وشرّ
، فإنّ أصل خير أخير ، وأصل شرّ أشرّ ، على وزن أفعل فنقلت حركة العين إلى الفاء
وحذفت الهمزة وأدغم في شرّ الراء الأولى في الثانية
ذكر بناء أفعل التفضيل
وهو لا يبنى
إلّا من فعل ثلاثيّ مجرّد ليس بلون ولا عيب أمّا امتناع بنائه من الثلاثي المزيد
فيه أو الرباعي ، فلما فيه من الحذف المخلّ ، ألا ترى أنك لو أردت بناءه من استخرج
لم يكن إلّا بحذف يخرجه عن معناه وأمّا امتناعه من اللون والعيب فلأنّ منهما أفعل لا
للتفضيل ، فلو بني منهما أفعل التفضيل حصل اللّبس فإنّك لو قلت : زيد الأسود وأنت تريد به التفضيل كما
تقول : زيد الأكرم لم يعلم أنك أردت بذلك أنه ذو سواد ، أو أنك فضّلته في السّواد
على غيره وأجاز الكوفيون بناء أفعل من السّواد والبياض خاصّة وأنشدوا على ذلك .
جارية في
درعها الفضفاض
|
|
أبيض من أخت
بني إباض
|
وردّ بأنّه شاذ
، وأمّا قوله تعالى : (مَنْ كانَ فِي هذِهِ
أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى
__________________
وَأَضَلُّ
سَبِيلاً) فاعلم أنّ العيوب التي يمتنع أن يبنى منها أفعل التفضيل
إنّما هي العيوب الظاهرة خاصّة ، لا الباطنة ، فقوله : أعمى ، هو من عمى القلب
والبصيرة لا البصر ، ألا ترى أنّهم يقولون : زيد أجهل من عمرو ، لكونه من العيوب
الباطنة ، وإنّما جاز بناؤه من العيوب الباطنة لكونها تقبل الزيادة والنّقص فأمكن بناؤه منها بخلاف العيوب الظّاهرة ، فإنّها لا
تقبل ذلك ، قال الخليل الألوان والعيوب الظاهرة تجري مجرى الخلق الثابتة كاليد
والرجل ، وكذلك الحلي نحو : أقنى الأنف وأبلج فلم تقبل الزيادة والنقصان ، وأفعل التفضيل لا يبنى
إلّا ممّا يقبلهما ، قال ابن الحاجب : إنّ اللون والعيب إن لم يكن لهما أفعل لغير التفضيل ،
جاز أن يبنى منهما أفعل التفضيل ، وأمّا استعمال أحمق للتفضيل في قولهم : أحمق من
رجلة مع وجود أحمق لغيره في قولهم : رجل أحمق ، فإنّه ليس من العيوب الظاهرة ،
قال سيبويه : ما أحمقه بمعنى ما أجهله /.
ذكر كيفية استعماله من الزائد على الثلاثيّ ومن الألوان والعيوب
إذا قصد بناء
أفعل التفضيل من الزائد على الثلاثي أو من الألوان والعيوب الظاهرة ، توصّل إلى
بنائه من فعل ثلاثيّ يصحّ بناؤه منه كأشدّ وأسرع ونحوهما ، ثم يؤتى بمصادر تلك
الأفعال فتنصب على التمييز ، فيقال : زيد أشدّ من عمرو استخراجا
__________________
وبياضا وعمى وانطلاقا ، وأجود منه إدراكا ، وقد شذّ أفعل من الرباعي في نحو قولهم : هو أعطاهم للدرهم وأولاهم للمعروف ،
وأنت أكرم لي من زيد ، وهذا المكان أقفر من غيره ، وفي الحديث «جوف اللّيل أجوب
دعوة» أي أشدّ إجابة .
ذكر استعماله للفاعل والمفعول
قياس أفعل
التفضيل أن يبنى للفاعل ، كما أنّ فعل التعجّب لا يكون إلّا للفاعل ، لأنّ الفاعل
هو المقصود بالنسبة إليه في المعنى ، والمفعول فضلة ، فوجب أن يبنى لما هو المقصود
، وقد يجيء أفعل التفضيل للمفعول كقولهم : هو أعذر وأشغل وأشهر ، أي يعذر كثيرا أو
معذور كثيرا وكذلك مشغول ومشهور .
ذكر الأمور الثلاثة التي لا يستعمل أفعل إلّا بأحدها
لا يستعمل أفعل
التفضيل إلّا مضافا ، أو بمن ، أو باللّام كقولك : زيد أفضل القوم ، وزيد أفضل من
عمرو ، وقد يحذف من إذا كان معلوما كقولهم : الله أكبر ، أي من كلّ كبير وأمّا استعماله باللام فنحو : زيد الأفضل وإنّما وجب ذلك لأنّ الغرض بوضعه الزيادة على المفضّل
عليه وذلك ، لا يتأتّى إلّا بأحد هذه الثلاثة ، أمّا
__________________
من والإضافة ، فظاهر ، لأنّ المفضّل عليه مذكور معهما ، وأمّا اللام
فلأنّها تفيد تعريف المعهود على الصّفة التي هو عليها ، وهي تلك الزيادة ، فتدخل
الزيادة في المعهود واعلم أنّه لا يجوز اجتماع اثنين من هذه الثلاثة فلا
يقال : زيد الأفضل من عمرو وأمّا قول الأعشى :
ولست بالأكثر
منهم حصى
|
|
وإنّما
العزّة للكاثر
|
فمؤول بأنّ
المراد بقوله : منهم ؛ من بينهم ، وإذا أضيف أفعل التفضيل فله معنيان :
الأول : وهو ما
حدّ باعتباره أن يقصد به الزيادة على من أضيف إليه ، فيشترط أن يكون المفضّل داخلا في جملة من أضيف إليه ،
أعني أن يشترك المفضّل والمفضّل عليه فيما اشتقّ منه أفعل ليتميز بالتفضيل نحو :
زيد أفضل الناس ، وقد توهّم بعضهم امتناع ذلك ، لأنّ زيدا مفضّل على من أضيف إليه أفضل ،
ومن جملة الناس زيد ، فيلزم تفضيل زيد على نفسه ، وليس بجيّد ، لأنّ لأفعل جهتين ،
الأولى : ثبوت أصل المعنى للمفضّل والمفضّل عليه ، والجهة الثانية : ثبوت الزيادة
في ذلك المعنى للمفضّل ، فزيد إنّما ذكر في الناس للتشريك معهم في أصل الفضل
المشترك فيه ، لأنّه مشارك للمفضّل عليه في أصل الصفة ، ولم يشاركه المفضّل عليه
في أصل
__________________
الزيادة ، فهو مفضّل عليهم باعتبار الزيادة على أصل الفضل .
والمعنى الثاني
: أن يقصد به زيادة مطلقة أي غير مقيّدة بأصل مشترك فيه ، بل هو زائد على من أضيف إليه / مجموع
تلك الصّفة ، أي هو منفرد بها ، ويضاف للتوضيح لا للتفضيل ، أي ليتضح أنّ الصفة
مخصوصة به دون المضاف إليهم ، كما يضاف ما لا تفضيل فيه نحو حسن قريش وإذا أضيف أفعل التفضيل بالمعنى الأوّل وهو أن يقصد به
الزيادة على من أضيف إليه ، يمتنع : يوسف أحسن إخوته ، لأنّ شرط هذه الإضافة أن
يكون المفضّل بعضا من المفضّل عليه ويوسف ليس هو بعض إخوته ، فيمتنع كما امتنع :
زيد أفضل الحجارة ، لأنّه ليس منها بخلاف الياقوت أفضل الحجارة ، والتحقيق أن يقال
: إنّ يوسف خرج حينئذ عن الحسن بإضافة إخوته إلى ضميره ، إذ القاعدة أنّ المعنى
إذا قصد ثبوته للمضاف عند الإضافة خرج المضاف إليه عن ذلك المعنى ، بدليل قولهم :
جاءني إخوة يوسف ، فإنّ يوسف خرج عن المجيء الذي قصد ثبوته للإخوة ، لكن يجوز يوسف
أحسن إخوته إذا أضيف أفعل التفضيل بالمعنى الثاني وهو أن يقصد بإضافته الزيادة من
غير نظر إلى أصل مشترك كما ذكرنا . أعني أن يضاف للتوضيح لا للتفضيل فقولك : يوسف أحسن
إخوته ، معناه حسن إخوته مثل : حسن قريش ، ومنه قولهم لنصيب «أنت أشعر أهل بلدتك» أي شاعرهم ، لأنّ نصيبا كان حبشيّا ولم يعلم في الحبش
شاعر سواه ، ومنه قولهم : النّاقص والأشجّ أعدلا بني مروان» أي عادلا بني مروان واعلم
__________________
أنه يجوز في أفعل إذا أضيف بالمعنى الأول الإفراد والمطابقة مثال الإفراد قولك : الزيدان والزيدون أفضل القوم
بإفراد أفضل ومنه قوله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) فأفرد أحرص مع أنّ المفعول الأول لتجدنّهم جمع ، ووجهه
؛ أنّ أفعل هنا لمّا كان بعضا من المضاف إليه أشبه لفظة بعض ، وبعض لا يثنّى ولا
يجمع نحو قولك : الزيدون بعض القوم وأمّا المطابقة فنحو : زيد أفضل القوم ، والزيدان أفضلا
القوم ، والزيدون أفاضل القوم ، ومنه قوله تعالى : (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) وكذلك هند ، وإنّما جازت المطابقة فيه لأنّ الإضافة
تشبه المعرّف باللام من جهة اختصاص كلّ منهما بالأسماء ، فحمل المضاف في المطابقة على المعرّف
بالّلام ، والمعرّف بالّلام يلزم فيه المطابقة ، فجازت المطابقة والإفراد في
المضاف لما ذكرنا.
وأما المضاف
بالمعنى الثاني والمعرّف باللام فلا بدّ فيهما من المطابقة وإنّما وجبت المطابقة فيهما لتجرّد أفعل عن شبه الفعل
بتجرّده عن من المعديّة له إلى المذكور بعده فلمّا خرج أفعل عن شبه الفعل
باستغنائه عن تعدية من ، وجب فيه ما يجب في سائر الصفات من المطابقة لموصوفه ومثال المطابقة في المعرّف باللام : زيد الأفضل
والزيدان الأفضلان ، والزيدون الأفضلون ، وهند الفضلى ، والهندان الفضليان
والهندات الفضل.
وأمّا إن أتى
ما يضاف إليه أفعل التفضيل نكرة نحو : زيد أفضل رجل ، فيطابق
__________________
بين النكرة والمفضّل نحو قولك : زيد أفضل رجل ، والزيدان أفضل رجلين ،
والزيدون / أفضل رجال وهند كزيد ، كأنّ جنس العدد المفضّل عليه وهو الرجل في
مثالنا هذا ، قد قسّم رجلا رجلا ورجلين رجلين ورجالا رجالا ، ثم فضّل ذلك على
مطابقه .
واختيار ابن
الحاجب أن المفضّل عليه في هذه الصور محذوف وهو الجنس العامّ ويكون التقدير في زيد أفضل رجل : زيد أفضل رجل من جميع
الرّجال ، وفي الزيدون أفضل رجال ، الزيدون أفضل رجال من جميع الرجال.
واختيار ابن
مالك أنّ المفضّل عليه مذكور ، وهو النكرة المضاف أفعل إليها والتقدير : زيد
أفضل من كلّ رجل قيس فضله بفضله ، فحذفت من وكلّ وأضيف أفعل إلى ما كان مضافا إليه
كل .
واعلم أنّ
إضافة أفعل التفضيل عند الأكثرين لا تفيد تعريفا في نحو قولك : أفضل القوم ، وهو
اختيار أبي على الفارسي بل هي إضافة لفظيّة في تقدير الانفصال ، وقال بعضهم :
إنّها تفيد التعريف كسائر المضافات إلى المعارف ، وهو اختيار البصريين فتكون إضافة
معنويّة وقال بعضهم : ما أضيف والتقدير فيه معنى اللّام فهو معرفة ، وما أضيف
والتقدير فيه معنى من فهو نكرة وهو مذهب الكوفيين والحقّ أنه إن أضيف إلى معموله نحو : ما رأيت رجلا أحسن
الكحل في عينه من عين زيد ، فهي إضافة لفظيّة لا تفيد التعريف ، وإن لم يضف إلى
معموله نحو : زيد أفضل القوم ، فهي إضافة معنويّة تفيد التعريف لأنّه من باب إضافة
الصفة إلى غير معمولها نحو : مصارع مصر.
__________________
ذكر أفعل المستعمل بمن
المستعمل بمن
مفرد مذكّر لا غير ، نحو : الزيدان والزيدون والهندات أفضل من عمرو ، لأنه أشبه
فعل التعجب لفظا ومعنى ، ولذلك لا يصاغ إلّا مما يصاغ منه فعل التعجب ، والفعل لا
يثنّى ولا يجمع فكذلك ما أشبهه ، ويلزمه التنكير أيضا ، فلا يقبل التعريف كما لا
يقبله الفعل ، وأمّا كونه مذكّرا فلشبه الفعل أيضا .
ذكر عمل أفعل التفضيل
اعلم أنّ اسم
التفضيل لمّا كان أضعف شبها باسم الفاعل من الصفة المشبّهة من قبيل أنّ الصفة
المشبّهة جرت مجراه في التذكير والتأنيث والتثنية والجمع ، ولم يجر اسم التفضيل
إذا صحبته من وهو أقوى أحواله هذا المجرى ، انحطّت رتبة اسم التفضيل عن رتبة الصفة
المشبّهة كانحطاطها عن رتبة اسم الفاعل ، لأنّه يجوز في اسم الفاعل أن يتقدّم
معموله عليه كقولك : زيد عمرا ضارب بنصب عمرو ، ولم يجز في الصفة المشبّهة أن
يتقدّم معمولها عليها ، فلو قلت : زيد الوجه حسن ، لم يجز ، فلما انحطت رتبة اسم
التفضيل عن الصفة المشبّهة لم يستوف عملها فلم يرفع الظاهر إلّا بشروط ستذكر ، ولكن نصب النكرة على التمييز وارتفع به المضمر
، فمثال انتصاب النكرة عنه : زيد أفضل منك أبا ومثال ارتفاع المضمر به / : زيد أفضل منك ، فزيد مبتدأ
، وأفضل منك خبره ، وفي أفضل ضمير فاعل عائد على زيد ، وأمّا الظاهر بغير الشروط
التي ستذكر فلا يرتفع به ، فلا يجوز : زيد أفضل منك أبوه ، كما جاز في الصفة
المشبّهة : زيد حسن وجهه ، لأنّ أفضل منك أبوه ليس بمعنى الفعل ، كالصفة المشبّهة
، والقاعدة في عمل الصفات ، أنّها لا تعمل إلّا إذا كانت
__________________
بمعنى الفعل ، فأبوه حينئذ في المثال المذكور لا يجوز رفعه على الفاعليّة
بدون الشروط التي ستذكر ، فقد ظهر أنّ اسم التفضيل إنّما يرفع المضمر وينصب النكرة
من غير شرط ولكن يرفع الظاهر بشروط : وهو أن يكون أفعل التفضيل صفة لشيء لفظا وهو
في المعنى لمتعلّق ذلك الشيء ، بشرط أن يكون ذلك المتعلّق مفضّلا على نفسه باعتبار
ذلك الشيء ، الذي هو الموصوف مفضّلا باعتبار غيره في حال يكون الأفعل منفيّا . نحو : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد
، فإنّ أفعل التفضيل في المثال المذكور «أحسن» ، وقد وقع منفيّا وهو صفة لشيء لفظا
الذي هو «الرجل» وهو في المعنى لمتعلّق الرجل الذي هو «الكحل» والمتعلّق المذكور
مفضّل على نفسه باعتبار الأول الذي هو الموصوف ؛ أعني الرجل ، ومفضّل أيضا باعتبار
غيره الذي هو «عين زيد» ، وإنّما رفع الظاهر بالشروط المذكورة لإمكان تقدير أفعل
بمعنى الفعل الذي هو حسن ، فيصير التقدير : ما رأيت رجلا حسن في عينه الكحل حسنه
في عين زيد ، بخلاف ما إذا فقد أحد الشروط المذكورة ، فإنّ تقدير فعل بمعناه حينئذ
يمتنع ، وإنّما تعيّن رفع الكحل بأفعل لا بالابتداء ، لأنّه لو رفع الكحل على
الابتداء ، لوجب أن يكون أحسن خبرا مقدّما عليه وهو غير جائز للفصل بين أحسن وبين
معموله الذي هو «منه» بأجنبي وهو الكحل الذي هو المبتدأ ، وإذا تعذّر رفع الكحل
على الابتداء ، تعيّن رفعه على أنه فاعل أحسن ، ولك في هذه المسألة أن تنكّر فاعل
أفعل ، فتنكر الكحل ، ولك فيها عبارة أخرى أخصر من الأولى فتحذف الضمير من «منه»
مع حذف «في» ، فيبقى : ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد. ولك فيها
عبارة أخرى ؛ وهي أن تقدّم ذكر العين على اسم التفضيل من غير ذكر «من» معها كقولك
: ما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل .
واعلم أنّه لا
تستعمل فعلى تأنيث أفعل التفضيل إلّا مضافة أو معرّفة باللّام ،
__________________
ومن ثمّ خظّىء أبو نواس في قوله :
كأنّ صغرى
وكبرى من فواقعها
|
|
حصباء درّ
على أرض من الذّهب
|
وأما استعمالهم
دنيا وجلّى ونحوهما بدون ذلك فمؤوّل. أمّا دنيا وهي تأنيث الأدنى ، فإنّها غلبت
عليها الاسميّة بعد أن كانت صفة وصارت اسما لهذه الحياة الأولى ، وأمّا جلّى فكانت
صفة تأنيث الأجل ، ثم غلبت عليها الإسميّة فجرّدت عن الألف واللام وصارت اسما
للحرب / قال الشاعر :
وإن دعوت إلى
جلّى ومكرمة
|
|
يوما سراة
كرام النّاس فاد عينا
|
ذكر اسم الزمان والمكان
والمراد باسم
الزمان والمكان الاسم المشتقّ لزمان الفعل أو مكانه والغرض من الإتيان بذلك ضرب من
الإيجاز والاختصار ، فإنه لولاهما للزم الإتيان بلفظ الفعل ولفظ الزمان والمكان
نحو : هذا الزمان أو هذا المكان الذي قتل فيه زيد فاشتقّ اسم الزمان أو المكان على مثال الفعل المضارع ،
وأوقعوا ميما موقع حرف المضارعة فقالوا : هذا مقتل زيد.
وكيفية بنائه
على مثال المضارع أن ينظر إلى حركة عين الفعل المضارع فإن
__________________
كانت مضمومة أو مفتوحة ، فتحت عين مفعل ، وإن كانت مكسورة كسرت مثاله مما عين مضارعه مضمومة ، مصدر ومقتل ومدخل ومقعد
ومقام ونحو ذلك ، ومقام أصله مقوم على وزن مفعل ، فقلبت واوه ألفا ، لأنه لمّا وقع
حرف العلّة منه في الموضع الذي أعلّ من الفعل ، أعلّ كما أعلّ في فعله ، ومثاله
مما عين مضارعه مفتوحة ، مشرب وملبس ومذهب ، واستثني أحد عشر اسما مما عين فعله
المضارع مضمومة ، جاء مفعل منها مكسور العين وكان قياسه الفتح وهي : المنسك ، والمجزر وهو الموضع الذي ينحر فيه الجزور ، يقال :
جزر الجزور يجزرها بالضم والمنبت وهو موضع النّبات وهو من ينبت بالضم ، والمطلع موضع الطلوع ، والمشرق والمغرب لموضع الشروق والغروب ، وهما من فعل
يفعل بالضم ، والمفرق اسم للموضع الذي يفرق فيه الشعر من وسط الرأس
، وهو من يفرق بالضم ، والمسقط ، موضع السقوط ، ومنه مسقط الرأس ، موضع الولادة ، والمسكن ، موضع السكنى ، والمرفق موضع الرفق ، ومنه مرفق اليد
وهو موضع الاتصال بالعضد والمسجد وهو البيت ، فأمّا المصدر ومكان السجود فهو
مسجد
__________________
بالفتح ، وروي عن بعض العرب مسكن ومطلع بالفتح ، وينبغي أن يزاد المنخر : وهو
موضع النخير من نخر ينخر ، فتكون الأسماء الشاذة اثني عشر ، قال في الصحاح : والفتح في كله جائز وإن لم يسمع به وكان القياس يقتضي أن يجىء المفعل من مضموم العين بضمّ
العين ليكون على مثال مضارعه ، ولكن عدلوا عنه إلى مفتوح العين لأنّه ليس في كلامهم
مفعل بالضم إلّا أن تلحقه هاء التأنيث كالمقبرة كما سيأتي ، وأمّا مفعل بكسر العين
من الذي عين مضارعه مكسورة فنحو : المجلس لأنّ مضارعه يجلس ، وكذلك المحبس
والمصيف ومضرب الناقة ومنتجها ، فالفعل منه مكسور العين ، إن كان للموضع أو للزمان
، وأمّا إن كان مصدرا فمفتوح العين للفرق بين المصدر والاسم تقول : نزل منزلا بفتح
الزاي أي نزل نزولا ، وهذا منزله بكسر الزاي إذا أردت الدار ، ولم يفرّق بينهما في
غير المكسور العين ، لأنّ المفتوح العين ومضمومها يأتي المفعل منهما بفتح العين
سواء كان اسما أو مصدرا.
ذكر مفعل من معتلّ الفاء
وهو يأتي /
مكسور العين أبدا سواء كان عين فعله المضارع مكسورة أو مفتوحة ، أما الذي عين
مضارعه مكسورة نحو : موعد من يعد ، ومورد من يرد ، وكان الأصل يوعد ويورد ، فسقطت
الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، وقد جرى اسم الزمان والمكان أعني المفعل في ذلك على
القياس وأمّا الذي عين مضارعه مفتوحة
__________________
فنحو : الموحل والموجل والموضع فتقول من وحل يوحل بالفتح هذا موحله بالكسر وكذلك وجل يوجل هذا موجله ، أمّا وضع يضع فكان أصله
يوضع بالكسر فحذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، ثم فتح يضع بعد حذف الواو ، فقيل
هذا موضعه بالكسر ، ومن العرب من يقول : موحل وموجل بالفتح فيجيء به على القياس ، وسمع الفرّاء موضع بالفتح .
ذكر مفعل من معتلّ اللّام
وهو يأتي مفتوح
العين أبدا ، وتقلب الواو والياء فيه ألفا سواء انكسرت عين فعله المضارع أو انضمّت
نحو : المرمى والمأتى والمثوى والمأوى والمدعى والمغزى ، من يرمي ويأتي ويثوي ويأوي ويدعو ويغزو .
فصل
وقد تدخل على
بعض أسماء المكان تاء التأنيث نحو : المزلّة وهو موضع الزّلل ، والمظنّة وهو
الموضع الذي يظنّ كون الشيء فيه ، والمقبرة والمشرقة بفتح عين مفعلة في ذلك كله ، ودخول الهاء في ذلك للمبالغة ، وأمّا ما جاء على
مفعلة بضمّ العين كالمقبرة والمشرقة ، فليست أسماء لمكان الفعل ، وإنّما هي أسماء
__________________
للمواضع ، فإنّ مقبرة بالفتح اسم مكان الفعل ، ومقبرة بالضم اسم للبقعة
التي من شأنها أن يقبر فيها ، وكذلك القول في جميع ما يأتي مضموما من هذا الباب ،
وإنّما جاء مضموما ليعلم أنه لم يذهب به مذهب الفعل فجاءت صيغه مضمومة على خلاف
هذا الباب ليدلّ خروج الصيغة على خروجها عنه .
ذكر اسم الزمان والمكان من الزائد على الثلاثي
أما مفعل ، إذا
بني من الثلاثي المزيد فيه والرباعي ، فعلى صيغة اسم المفعول لا يختلف كالمدخل
والمخرج بضم الميم ، من أدخل يدخل ، وأخرج يخرج ؛ ويأتي منه المفعول والمصدر واسم
الزمان والمكان بلفظ واحد لا يختلف ، لأنّ مضارع ما جاوز الثلاثة لا يختلف بخلاف مضارع
الثلاثي فإنّه مختلف ، ولذلك اختلف فيه المفعل فمدخل بالضم اسم مفعول أدخل واسم
مصدره إذا كان بمعنى الإدخال ، واسم مكان الفعل أو زمانه ومنه قوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ
صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) وجاء ذلك كله على زنة يخرج مضارع ما لم يسمّ فاعله ،
ليكون على لفظ المفعول ، لأنّه مفعول فيه كما أنّ مفعول ما لم يسمّ فاعله مفعول به
، ومنه المضطرب موضع الاضطراب وهو الحركة ، ويجوز أن يكون مصدرا ، وكذلك المنقلب /
.
ذكر ما جاء فيه مفعلة
إذا كثر الشيء
في المكان قيل فيه مفعلة بفتح ميم مفعلة وعينها ، فيقال : أرض
__________________
مسبعة ، ومأسدة ، ومذأبة ومحياة ، للكثيرة السباع والذئاب والحيّات ، ومفعأة
لكثيرة الأفاعي ، ومقثأة لكثيرة القثّاء ، ومبطخة لكثيرة البطّيخ ، وجاء مبطخة
بضمّ الطاء واعلم أنّ هذا الضرب من الأسماء الذي لزمته التاء ليس
اسما لمكان الفعل بل هو صفة للأرض التي يكثر فيها ذلك ، والأرض مؤنّثة
فكانت صفتها كذلك ، ولم يأتوا بمثل ذلك فيما جاوز الثلاثة نحو : الثعلب والضفدع
استثقالا له ، لأنّهم يستغنون عن قولهم : مثعلبة مثلا بأن يقولوا : كثيرة الثّعالب
،
ذكر اسم الآلة
والمراد بها ما
يعالج به وينقل ، والأولى أن يقال : هي اسم مشتقّ من فعل لما يستعان به في ذلك
الفعل ويجيء على مفعل ومفعلة ومفعال بكسر الميم كالمقصّ والمحلب والمكسحة ،
والمصفاة والمقراض والمفتاح كأنهم أرادوا الفرق بين اسم الآلة وبين ما يكون مصدرا
ومكانا ، فالمقصّ بكسر الميم ما يقصّ به ، والمقصّ بالفتح المصدر والمكان ، ومن ذلك منجل الحصاد ، ومسلّة للإبرة العظيمة ،
ومطرقة ومخدّة ومصباح ، وقيل . إن مفعل مقصور عن مفعال ، والمراد بذلك أنّ كلّ ما جاز
فيه مفعل جاز فيه مفعال أيضا نحو : مقرض ومقراض ومضرب ومضراب ومفتح ومفتاح ، وزيدت
الألف للمبالغة قال الشاعر :
__________________
إذا الفتى لم
يركب الأهوالا
|
|
فابغ له
المرآة والمكحالا
|
واسع
له وعدّه عيالا
|
وليس كلّ ما
جاز فيه مفعال جاز فيه مفعل وقد جاء بعض أسماء الآلة مضموم الميم والعين نحو : المسعط والمنخل والمدقّ والمدهن والمكحلة ، ومن
ذلك أيضا محرضة ومما جاء بالضم أيضا الملاءة وجاء بالفتح المنارة والمنقل وهو الخفّ ، وفي الحديث : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم النساء عن الخروج إلّا عجوزا في منقليها» أي في خفّيها ، وجميع ما جاء من ذلك مضموما لم يذهب به
مذهب الفعل ، ولكنّها جعلت أسماء لهذه الأوعية فإنّها شذّت عن مقتضى القياس ، لكونهم لم يراعوا فيها
معنى الفعل والاشتقاق ، ومما لم يذهب به مذهب الفعل اسم الآلة الذي ليس في أوله
ميم ، وهو زائد على ثلاثة أحرف وثالثه ألف ، فإنّه جاء بكسر أوله نحو : العلاقة والجراب والوسادة والعمامة ونحو ذلك ، وشذّ من ذلك
بالفتح القباء ولا يعمل شيء من هذه الأسماء ، لأنّه موضوع لآلة مشتقّة
من الفعل المشتقّ منه من غير قيد ، فلو عمل تقيّد وخرج عن موضوعه ، ومما ألحقناه
بقسم الاسم المصغّر والمنسوب.
__________________
ذكر المصغّر
/ ويسميّه
البصريون المحقّر ، والتصغير من خواصّ الأسماء ، وهو اسم مزيد فيه ياء
ليدلّ على تقليل مسمّاه ، فالاسم المتمكّن إذا صغّر ضمّ صدره وفتح ثانيه ، وألحق ياء ساكنة ثالثة ، وله أمثلة ثلاثة
، فعيل كفليس ، وفعيعل كدريهم وفعيعيل كدنينير وأما ما خالف ذلك فثلاثة أشياء ، تصغير أفعال كأجيمال وتصغير ما في آخره ألف التأنيث كحبيلى وتصغير ما فيه ألف ونون مضارعتان لألفي التأنيث كسكيران
ولا يصغّر إلّا الثلاثي والرباعي ، وأمّا الخماسي فتصغيره مستكره كتكسيره
، لسقوط خامسه ، فإن صغّر قيل في فرزدق : فريزد ، وفي سفرجل : سفيرج ، بحذف الخامس
لكونه نشأ منه الثقل ، ومنهم من يقول : فريزق .
فصل
وكلّ اسم على
حرفين فإنّ التصغير يردّه إلى أصله حتى يصير إلى أمثال فعيل والذي هو كذلك على
ثلاثة أضرب ، ما حذف فاؤه أو عينه أو لامه ، فالذي حذفت فاؤه نحو : عدة فتقول في
تصغيرها : وعيدة ، فتردّ الواو المحذوفة التي هي فاء الكلمة وأمّا ما حذفت عينه فمثل : مذ ، فإذا سمّيت به وصغّرته
قلت : منيذ ، فتردّ النون المحذوفة لأنّ الأصل منذ ، وأمّا ما حذفت لامه فنحو : دم وفم فتقول :
__________________
دميّ بردّ الذاهب منه وهو الياء وتقول في فم : فويه بردّ لامه المحذوفة
التي هي الهاء ، لأنّ أصله فوه وتقول في حر : حريح ، لأنّ أصله حرح فتردّ لامه
المحذوفة وأمّا الاسم الذي حذف منه ، وبقى بعد الحذف على أكثر من
حرفين فإنّ التصغير لا يردّه إلى أصله ، لأنّ الردّ ثمّ إنّما وجب ليحصل مثال
التصغير ، فإذا حصل من غير ردّ فلا حاجة إلى الردّ ، فعلى هذا تقول في تصغير ميّت
وهيّن : مييت وهيين بالتخفيف .
فصل
وإذا صغّرت نحو
ابن واسم ، رددته إلى أصله وصغّرته فقلت : بنيّ وسميّ بردّ اللام الذاهبة لأنّ أصل ابن بنو كجمل ثم قلبت الواو ياء ، وأدغمت فيها
ياء التصغير لأنّ الواو والياء إذا اجتمعتا وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء
وأدغمت الياء في الياء فبقي ، بنيّ ، وأمّا اسم فأصله سمو مثل جذع فإذا صغّر عادت الواو وقلبت ياء وأدغمت كما قيل في ابن
، وإذا صغّر أخت وبنت وهنت قيل : أخيّة وبنيّة وهنيّة ، بردّ الّلامات المحذوفة ،
لأنّ أصلهنّ أخوة وبنوة وهنوة على وزن صدقة ، ثم حذفوا هاءات التأنيث من أخوة
وبنوة وهنوة ، وأبدلوا من الواوات تاءات لغير التأنيث ، فإنّ التاء في أخت وبنت
وهنت بدل من الواو وليست للتأنيث لأنّ تاء التأنيث لا يكون ما قبلها ساكنا بل مفتوحا ،
إلّا أن يكون ما قبلها ألفا نحو : قطاة ، فلما ردّ إلى أخت وبنت وهنت الواو
الأصليّة صار أخيوة فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء
وأدغمت فيها ياء التصغير ثم ردت هاء
__________________
التأنيث / الأصليّة التي كانت في أخوة وبنوة وهنوة لذهاب التاء التي كانت
في أخت وبنت وهنت ، لأنّها كانت تدلّ على التأنيث بحسب الصيغة وإن لم تكن تاء
تأنيث ، فصار تصغير ذلك أخيّة وبنيّة وهنيّة .
فصل
وكلّ اسم فيه
حرف بدل من حرف آخر ، فتصغيره ينقسم إلى تصغير يردّ الاسم إلى أصله ، وإلى تصغير
لا يردّ الاسم إلى أصله : أما التصغير الذي يردّ الاسم إلى أصله فهو تصغير كلّ اسم
فيه البدل غير لازم.
والمراد بالبدل
الغير اللازم بدل حرف بحرف ، أوجب قلبه علّة تزول في التصغير أو الجمع وذلك نحو :
ميزان وباب وناب ، فتقول في تصغيرها : مويزين وبييب ونييب بردّها إلى أصلها ، لأنّ الميزان من الوزن وأصله موزان
بكسر الميم وسكون الواو ، فاستثقل ذلك فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها فصار
ميزان ، فلمّا صغّر ضمّت الميم فعادت الواو فصار تصغيره مويزين. وذلك القول في
ميقات وميعاد.
وأصل باب بوب
لأنّ جمعه أبواب فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، ولم يجز بقاء الألف
في التصغير لزوال الفتح وانضمام ما قبلها فوجب ردّ الواو.
وأصل ناب نيب
لجمعه على أنياب ، ويجمع النّاب من الإبل على نيب فلما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا ، ولم يمكن
بقاء الألف في التصغير فردّت إلى أصلها وقيل : نييب .
وأمّا التصغير
الذي لا يردّ الاسم إلى أصله فهو تصغير كلّ اسم فيه البدل لازم والبدل اللازم ؛ هو
البدل الذي علّته تلزم في المصغّر كما تلزم في المكبّر ، وذلك نحو : تخمة وتراث ،
فإنّ أصل تخمة وخمة لأنّه من وخم وأصل تراث من ورث
__________________
فأصله وراث ، ولكنّهم استثقلوا الضمّة على الواو فقلبوها تاء لأنّ التاء
أجلد على الضمّة من الواو ، وهذه العلّة لازمة في التصغير فلذلك قيل : تخيمة وتريث
، وتقول في تصغير عيد : عييد ، وكان حقّه أن يردّ إلى أصله لأنّه من عاد يعود ،
لكنّهم لمّا قالوا في الجمع أعياد ، والجمع والتصغير من واد واحد ، قيل في تصغيره
: عييد ، وإنّما جمعوه بالياء دون الواو ؛ ليفرّقوا بين جمع عيد ، وجمع عود .
فصل
وإذا صغّر ما
ثالثه واو نحو : أسود فأجود الوجهين أن يقال : أسيّد لأنّ الواو والياء إذا اجتمعتا وسبقت إحداهما بالسكون
قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء ، ومنهم من يظهر فيقول : أسيود . وكلّ ما وقعت واوه لاما ، وسواء صحّت نحو : عروة ورضوى أو اعتلّت نحو واو عصا وجب قلبها وإدغام ياء التصغير
فيها فتقول : عريّة ورضيّة وعصيّة ، وإذا صغّرت نحو : معاوية قلت : معيّة لأنّ ألفه تحذف لأجل ياء التصغير فتبقى معيوية فيجتمع
الواو وياء التصغير وتسبق الواو بالسكون فتقلب / الواو ياء وتدغم فيها ياء التصغير
وتحذف ياء معيوية الأخيرة لاجتماع ثلاث ياءات ، ووقوعها طرفا فيبقى معيّة
على مثال دريهم ، وهذا على مذهب من يقول : أسيّد ، أمّا على مذهب يقول : أسيود
فيقول : معيوية .
__________________
فصل
وإذا كان في
الاسم تاء التأنيث فهي إمّا ظاهرة وإمّا مقدّرة ، فالظاهرة تثبت ولا تحذف ، وطريق
تصغيره أن تصغّر ما قبل علامة التأنيث ولا تعتدّ بها من حروف الكلمة ثم تضمّ إليها
العلامة كما تفعل بالمركّب لأنّها بمنزلته ، فيقال في طلحة طليحة والمقدّرة تثبت ظاهرة ، في كل ثلاثي نحو : شميسة إلّا ما شذّ من نحو : عريس ولا تثبت في الرباعي فما فوقه فرارا من الثقل لكثرة
حروف الكلمة ، ولأنّ الحرف الرابع قد نزّل منزلة تاء التأنيث فتقول في عقرب :
عقيرب بغير تاء التأنيث إلّا ما شذّ من نحو : قديديمة في تصغير قدّام وأمّا ألف التأنيث فإذا كانت مقصورة رابعة ثبتت كقولك :
حبيلى في تصغير حبلى وسقطت خامسة فصاعدا كقولك : قريقر في تصغير قرقرى ، وهو اسم موضع وأمّا نحو : خنفساء فتصغيرها خنيفساء بثبوت الألف لقوتها بالحركة .
فصل
وإذا صغّرت ما
رابعه حرف زائد من حروف المدّ واللين نحو : مصباح
__________________
وكردوس وقنديل قلبت الألف أو الواو ياء ، وقرّرت الياء بحالها
وقلت : مصيبيح وكريديس وقنيديل على مثال دنينير .
فصل
وإذا صغّرت ما
فيه ثلاثة أصول وزيادتان ، بقّيت التي حذفها يخلّ بالمعنى كالميم في منطلق ، مع
النون ، فإنّك تبقي الميم في التصغير وتحذف النون فتقول : مطيلق ، لأنّك لو حذفت
الميم لذهّبت معنى الفاعلية لأنّ الميم زيدت لمعنى الفاعليّة وليست النون كذلك فإن لم تفضل إحدى الزيادتين الأخرى حذفت أيّهما شئت نحو
: قلنسوة ، فإنّ النون والواو فيهما زائدتان لا تفضل إحداهما الأخرى ، فإن حذفت
النون قلت : قليسية وإن حذفت الواو قلينسة .
فصل
والزيادة إن كانت رابعة ألفا أو واوا أو
ياء ثبتت ولم تحذف ،
ولكن تقلب ياء إن لم تكن إيّاها ، كما قلنا في مصباح وكردوس وقنديل ، وأمّا الذي
زوائده ليست كذلك فتحذف كلّ زوائده في التصغير ، فتقول في سرادق : سريديق بحذف
الألف لأنّها زائدة وهي غير رابعة وتقول في عنكبوت : عنيكب ، بحذف الواو والتاء
لأنّهما زيادتان في غير الموضع المذكور ، ويجوز التعويض وتركه فيما حذفت منه هذه
الزوائد ، فإذا حذفت وصارت الكلمة على مثال : دريهم فأنت مخيّر في التعويض ليصير
على مثال : دنينير وفي التّرك ، فإن شئت قلت : مطيلق وإن شئت قلت : مطيليق ، وإن
شئت قلت : عنيكب ، وإن شئت قلت : عنيكيب لأنّك في التعويض / وتركه لا تخرج عن مثال
__________________
التصغير .
فصل
وجمع القلّة
يصغّر على بنائه كقولك في أكلب وأجربة وأجمال وغلمة : أكيلب وأجيربة وأجيمال
وغليمة .
وأمّا جمع
الكثرة ففيه مذهبان :
أحدهما : أن
يردّ إلى واحده ، ويصغّر عليه ثم يجمع على ما يستوجبه من الواو والنون أو الألف
والتاء.
وثانيهما : أن
يردّ إلى بناء جمع قلّته إن وجد له ، ثمّ يصغّر كما في نحو : غلمان فيقال : إمّا
غليّمون أو غليمة لاستكراههم صيغة واحدة تدلّ على التكثير والتقليل ، وقد
شذّ من المصغّرات ما جاء على غير واحده كأنيسيان في إنسان ، وعشيشية في عشيّة ، وأصيبيّة في صبية ، وأغيلمة في
غلمة ، ورويجل في رجل ، وقولهم أيضا : أصيغر منك ، ودوين هذا ، فإنّه لتقليل
ما بينهما من التفاوت ، لا للذّات الموضوع لها اللفظ .
__________________
فصل
وتصغير الفعل
ليس بقياس ، وأمّا نحو : ما أميلحه ، فإنّما يعنون الذي يوصف بالملح ، ومن الأسماء
ما جرى في كلامهم مصغّرا وترك تكبيره نحو : كميت وهو حمرة يخالطها سواد.
فصل
والأسماء
المركّبة نحو : بعلبكّ وحضرموت وخمسة عشر ، يصغّر الصّدر منها ويضمّ إلى الآخر
فيقال : بعيلبكّ وحضيرموت وخميسة عشر وثنّيا عشر وثنيّتا عشرة ولم يجز تصغير الاسمين جميعا ، لأنّ
الثاني زيد في الأول كزيادة هاء التأنيث.
فصل
وتصغير الترخيم
أن تحذف كلّ شيء زيد في بنات الثلاثة والأربعة حتى تصير الكلمة على حروفها الأصول
ثم تصغّر كقولك في حارث : حريث وفي أسود : سويد ، وفي قرطاس : قريطس .
فصل
وأمّا تصغير
الغير المتمكّن فمنه الأسماء المبهمة ، وقد خولف بتصغيرها تصغير ما سواها بأن تركت
أوائلها غير مضمومة ضمّ تصغير ، وألحقت بأواخرها ألفات ، وزيد قبل آخرها ياء
التصغير ، وفتح ما قبل ياء التصغير ، فقالوا في ذا ، وتا : ذيّا وتيّا ،
__________________
وفي الذي والتي : اللذيّا واللتيّا ومن الأسماء ما لا يصغّر وهي المصغّر نحو : الكميت والمعظّم شرعا كاسم الله
تعالى ، والضمائر ، وبعض المبنيّات ما لم تجعل أعلاما نحو : أين ومتى ، وحيث ،
وعند ، ومنذ ، ومع ، ومن ، وما ، وأمس ، وكذلك غدا ، وأول من أمس ، والبارحة وأيام الأسبوع ، والاسم عاملا عمل الفعل كحسبك ، وضارب زيدا ، ومن ثمّ
جاز ، ضويرب وامتنع ضويرب زيدا .
ذكر المنسوب
اعلم أنّ
النسبة لغة هي إضافة الشيء إلى غيره مطلقا واصطلاحا هي إضافة الشيء إلى غيره بإلحاق الياء
المشدّدة المكسور ما قبلها بآخر المضاف إليه ، للدلالة على النسبة ، ويسمّى المضاف
منسوبا ، والمضاف إليه منسوبا إليه ، والغالب في المنسوب إليه أن يكون قبيلة
كقرشيّ أو أبا كهاشميّ أو بلدا كمكيّ أو صناعة كنحويّ ، والنسبة من خواصّ الاسم وألحقت ياء
النسب بآخر الاسم علامة للنسبة إليه ، كما ألحقت التاء علامة للتأنيث / وكما انقسم
التأنيث إلى حقيقيّ وغير حقيقيّ فكذلك النسب حقيقيّ وغير حقيقي ، فالحقيقيّ : ما كان مؤثّرا في المعنى كهاشميّ ، فإنّه
نقل المنسوب إليه عن الاسميّة إلى الصّفة ، وعن التعريف إلى التنكير ، وغير
الحقيقيّ : ما جاء على لفظ المنسوب لا غير نحو : كرسيّ ، وكما جاءت التاء
__________________
فارقة بين الجنس وواحده نحو : تمرة وتمر ، فكذلك ياء النسبة فارقة بين
الواحد والجنس كمجوسيّ ومجوس وروميّ وروم ، ويجب أن تحذف من المنسوب إليه تاء
التأنيث نحو : فاطميّ ، وإنّما حذفت لئلا يجمع بين زيادتين
متنافيتين ؛ لأنّ التاء تشعر بعدم الوصف وياء النسب تشعر بالوصف وإذا نسب إلى مثنّى أو إلى جمع سواء كان جمعا سالما أو
مكسّرا ، وجب أن تحذف من ذلك علامة التثنية والجمع ، وتردّ المنسوب إليه إلى واحده
ثم تنسب إليه فتقول في النسبة إلى زيدان وزيدين : زيديّ ، وإلى
مسلمين أو مسلمين : مسلميّ ، وإلى مسلمات : مسلميّ ، وإلى فرائض : فرضيّ بفتح
الراء ، وإلى رجال : رجليّ ، لحصول الغرض بذلك لأنّ الغرض النسبة إلى مسمّى ذلك
اللفظ ، واغتفر اللّبس في ذلك وأما إذا كان الجمع المكسّر علما نحو : كلاب ومدائن
فتقول : كلابيّ ومدائنيّ وأما إذا كان المثنّى علما نحو : أبانين أو الجمع السالم علما نحو : قنّسرين فالنسبة إليهما مترتّبة على إعرابهما فمن أعربهما
بالحركة وهم الأكثر نسب إليهما من غير ردّهما إلى الواحد فيقول : هذا أبانينيّ
ورأيت أبانينيا ومررت بأبانينيّ ، وهذا قنّسريني ورأيت قنّسرينيا ومررت بقنّسرينيّ
، ومن أعربهما علمين بالحرف حذف علامة التثنية والجمع في النسبة فيقول : هذا أبانيّ وقنّسريّ ، على أنّ إعرابهما بالحرف
كما كان قبل العلميّة ، وقس على ذلك ، وأمّا جمع المؤنّث السالم نحو : أذرعات فيقول على الأكثر : أذرعاتيّ ، وعلى القول الآخر :
أذرعيّ .
__________________
فصل
وإذا نسبت إلى
ثلاثيّ مكسور العين كنمر ، وجب فتح عينه فتقول : نمريّ بفتح الميم استثقالا لتوالي
كسرتين مع ياءين ، ولا فرق في ذلك بين المذكّر والمؤنّث فتقول في شقرة بكسر القاف
وهي قبيلة : شقريّ بالفتح ، وكذلك النسبة إلى إبل بالفتح استيحاشا من توالي الكسرات هذا هو الذي عليه الجمهور ،
قال السخاوي في شرح المفصّل : إنه بالكسر ؛ لأنّ جميع حروفه مكسورة فيخفّ على
اللسان ، وأمّا الحرف المكسور في الزائد على الثلاثي مع سكون ما قبله نحو راء يثرب
ولام تغلب. فلك فيه وجهان : الفتح وإبقاؤه على الكسرة ، والشائع الكسر ، لانجبار ثقل
الكسرتين ، بخفّة سكون ما قبلهما فتقول : يثربيّ ويثربيّ بفتح الراء وكسرها.
فصل
وينسب إلى
فعيلة بفتح الفاء وكسر العين نحو : حنيفة حنفيّ فتحذف ياء حنيفة وجوبا ، وكذلك
تحذف الياء من فعيلة بضمّ الفاء وفتح العين نحو : جهينة وعقيلة فتقول : جهنيّ
وعقيليّ ، وكذلك تحذف الواو من فعوله / بفتح الفاء وضمّ العين نحو : شنوءة فتقول :
شنئيّ ، وإنما حذفت الياء والواو من فعيلة وفعيلة وفعولة
المذكورات للفرق بينها وبين فعيل وفعيل وفعول المذكّرين نحو : كريم وقريش وعجول ،
فإنّك تنسب إليها بغير حذف الياء والواو فتقول : كريميّ وقريشيّ
__________________
وعجوليّ وما جاء بخلاف ذلك فهو شاذ كقولهم : قرشيّ على خلاف
القياس وإنما تحذف حرف العلّة من فعيلة وفعولة إذا لم تكن
مضاعفة ولا معتلّة العين ، فأمّا إذا كانت فعيلة مضاعفة نحو : شديدة فإنّك تنسب
إليها بغير حذف الياء فتقول : شديديّ وكذلك تقول في فعيلة المعتلّة العين نحو :
طويلة طويليّ بإثبات الياء .
فصل
وإذا نسبت إلى نحو : أسيّد وسيّد وحميّر
وهو كلّ اسم
قبل آخره ياءان مدغمة إحداهما في الأخرى فإنّه يجب حذف الياء المتحركة منهما ، وهي
المدغم فيها وإبقاء الساكنة التي كانت مدغمة فتقول : أسيديّ وسيديّ وحميريّ وكان يلزم أن يقال في طيء : طيئيّ مثل طيعيّ قال سيبويه
: ولكنّهم جعلوا الألف مكان الياء فقالوا : طائيّ على خلاف القياس ، وينسب إلى فعيل وفعيلة ، بفتح الفاء منهما من معتلّ اللام نحو : غنيّ ، وهو
حيّ من أحياء العرب ، وضريّة وهي قرية بحذف الياء الساكنة وقلب الثانية واوا ، وإبدال الكسرة
التي قبلها فتحة فيما هي فيه فتقول : غنويّ وضرويّ ، على وزن فعلي بفتح الفاء ،
وتقول في فعيل وفعيلة بضمّ الفاء منهما من معتلّ اللّام نحو : قصي وأمّية : قصويّ
وأمويّ ، على وزن فعليّ بضم الفاء ، وتقول في نحو : تحيّة : تحويّ ، وفي فعول :
فعوليّ كقولك في عدوّ : عدوّيّ ، وأما مؤنثه
__________________
فبحذف الواو وفتح ما قبل الآخر على قول سيبويه كعدويّ في عدوّة إجراء له مجرى الصحيح ، والمبرّد خالفه
في عدم التغيير كعدوّيّ بالتشديد كمذكّره إجراء للمشدّد مجرى الحرف الواحد .
فصل
وإذا نسبت إلى
ما في آخره ألف فإن كانت ثالثة أو رابعة وكانت منقلبة عن حرف أصلي قلبتها في
النّسب واوا سواء كان أصلها الواو كعصا وأعشى أو الياء كرحى ومرمى فتقول : عصويّ
وأعشويّ ورحويّ ومرمويّ وإن كانت ألف التأنيث نحو ألف حبلى ودنيا فالقياس أن
تحذف كما تحذف هاء التأنيث ، فتقول : حبليّ ودنييّ وفي سكرى سكريّ وفي بصرى بصريّ ويجوز أيضا : حبلويّ ودنيويّ وحبلاويّ ودنياويّ وليس في الألف الخامسة فصاعدا إلّا الحذف فتقول في
حبارى : حباريّ ، وفي قبعثرى وهو العظيم الشديد قبعثريّ .
فصل
وإذا كان آخر
الاسم ياء قبلها كسرة وكان على ثلاثة أحرف نحو : الشجي فتحت العين في النسب كما
تفتح في نمري ، فتنقلب الياء ألفا لانفتاح ما قبلها ثمّ تقلبها واوا كما تقلب ألف
عصا فتقول : شجويّ وإن كانت الياء رابعة وقبلها كسرة نحو : القاضي والحاني
ففيه وجهان :
__________________
أحدهما / حذف
الياء التي هي لام الكلمة وهو الأجود ثم تنسب إليه فتقول : قاضيّ وحانيّ.
والثاني : ،
قلبهما واوا نحو : قاضويّ وحانويّ والحانيّ منسوب إلى الحانة وهو بيت الخمّار ، ووجه
قاضويّ أنهم أبدلوا من الكسرة فتحة ، ومن الياء ألفا ، بقي قاضايّ ثم انقلبت الألف
واوا مع ياء النسب فصار : قاضويّ ، وليس في الياء الخامسة فصاعدا إلّا الحذف كقولك
في مشتري ومستسقي : مشتريّ ومستسقيّ وإذا نسبت إلى محيّ اسم فاعل من حيّاه الله ، قلت :
محويّ بحذف الياء الأولى من محييّ ، فتقلب الياء الثانية ألفا لتحركها وانفتاح ما
قبلها ثم تنقلب الألف واوا مع ياء النسب فيبقى : محويّ مثل أمويّ ، وفيه وجه آخر
وهو : محيّيّ فيجمع بين أربع ياءات لسكون الأولى والثالثة .
فصل
وإذا كان آخر
الاسم واوا أو ياء قبلها ساكن نحو : غزو وظبي فالنسبة إليهما كالنسبة إلى موازنهما
من الصحيح نحو : بكر ، فكما تقول : بكريّ كذلك تقول في غزو : غزويّ بسكون الزاي ،
وفي نحو : نحويّ ، وفي ظبي : ظبييّ ، فتجمع بين ثلاث ياءات وكذلك فيما لحقته تاء التأنيث من ذلك عند الخليل
وسيبويه نحو : ظبية فتقول في النسبة إليها ظبييّ ، كما تنسب إلى ظبي ، وقال يونس :
ظبويّ وعلى مذهبه جاء قولهم : قرويّ في النسبة إلى قرية وهو شاذ عند الخليل
وسيبويه ، فإنّ النسبة إلى قرية على مذهبهما كالنسبة إلى ظبية :
وتقول في النسبة إلى حيّة : حيويّ
__________________
وكذلك الحكم في فعلة بضم الفاء ، نحو : عروة ورشوة وفي فعلة بكسر الفاء نحو : فتية .
فصل
وإذا نسبت إلى
منسوب نحو : تميميّ وهجريّ وشافعيّ لم تقل إلّا ذلك .
فصل
وما في آخره
ألف ممدودة ينقسم إلى منصرف وغير منصرف ، أما المنصرف فتبقيه على حاله وتنسب إليه
، سواء كانت الهمزة فيه أصليّة كقرّاء ، أو مبدلة من حرف أصلي ككساء ، أو كانت
للإلحاق كحرباء ، فتقول : قرّائيّ وكسائيّ وحربائيّ والقلب في ذلك كله جائز وهو أن تجعل مكان الهمزة واوا فتقول : قرّاويّ وكساويّ
وحرباويّ ، وأمّا غير المنصرف ، وهو ما كانت فيه الهمزة للتأنيث نحو : حمراء فليس
فيه إلّا القلب فتقول : حمراويّ ، وإنّما لم تحذف كما حذفت ألف حبلى ،
لأنّ الهمزة قوية حية بالحركة فجرت لذلك مجرى الحروف الأصلية في عدم الحذف فلم
تحذف ، وألف حبلى ضعيفة ميّتة بالسكون فحذفت وتقول في زكرياء : زكرياويّ لأنّهم لمّا عرّبوه أجروه مجرى كلامهم والهمزة في مثله
للتأنيث فكان مثل حمراء ، وتقول في خنفساء : خنفساويّ ، لأنّ همزتها للتأنيث ، وإن
لم تكن الهمزة للتأنيث ولكنّ الاسم مؤنّث نحو : السماء ففيه وجهان ، القلب والإبقاء
فتقول :
__________________
سمائيّ وسماويّ ، والإبقاء أجود للفرق بينه وبين حمراء وكذلك لك فيما لامه ياء وهو على مثال سقاية إن تقول : سقائيّ بالهمز ، وأمّا ما لامه واو وهو على
هذا المثال نحو : شقاوة فإنّه لا يغير فتقول شقاويّ / وفي نحو : راية وآية وجهان ، الإبقاء والقلب إلى الهمزة
وإلى الواو فتقول : راييّ وآييّ ورائيّ وآئيّ ، وراويّ وآويّ .
فصل
وإذا نسب إلى
اسم على حرفين وكان متحرك الوسط في الأصل والمحذوف منه لام ، ولم يعوّض همزة وصل ،
كأب وأخ وست وجب ردّ المحذوف فيقال : أبويّ وأخويّ وستهيّ إذ أصل ست ، سته بالتحريك وتحذف عينها فتبقى سه وتحذف
لامها فتبقى ست وفي الحديث «العين وكاء السّه» وجاء «وكاء السّت» .
وإن كان
المحذوف فاء ، فهو إما معتل اللام أو ، لا ، أما معتل اللام فنحو
شية : إذ أصلها وشي فحذفت فاؤها وعوّضت التاء ، بقي شية ، فيجب ردّ المحذوف
__________________
أيضا لأنّ التاء تحذف في النسب فيبقى الاسم على حرفين ثانيهما حرف لين ولا
يكون ذلك في الأسماء المعرّبة المستقلّة فوجب الرّدّ ، ولا يشكل بمثل عدة في النسبة إليه بغير ردّ ، لأنّ ثاني الحرفين
ليس حرف لين ، ولا بذو مال ، لأنّه ليس بمستقلّ ، فتقول في النسبة إلى شية : وشويّ
بفتح الشين وقلب الياء واوا وقال الأخفش وشييّ بردّ الفاء كما قلنا ، وخالف بإبقاء الياء وسكون الشين على الأصل
مع وجود الموجب لحذف الواو وهو حركة الشين التي سكّنها على غير قياس وأمّا ما ليس بمعتلّ اللام والمحذوف فاء أو عين نحو :
عدة وسه ومذ ، أسماء إذ أصل سه : سته ، ومذ : منذ ، فإنك لا تردّ المحذوف فتقول :
عديّ وسهيّ ومذيّ وأمّا ما ورد في النسبة إلى عدة : عدويّ فليس بردّ ، لأنّ المحذوف هو الفاء لكن زيد فيه حرف
كالعوض من الفاء وما سوى هذين البابين الذي يجب في أحدهما الردّ والآخر
ممتنع ، سائغ فيه الأمران إن شئت رددت ، وإن شئت لم تردّ نحو : غديّ وغدويّ ودميّ ودمويّ ، ويديّ ويدويّ وحريّ
وحرحيّ ، والأخفش يسكّن ما أصله السكون فيقول : غدويّ ومن
__________________
ذلك ابن واسم فينسب إليهما بالحذف ، وبالردّ فتقول : ابنيّ وبنويّ واسميّ وسمويّ
بتحريك الميم بالفتح وقياس قول الأخفش إسكانها.
فصل
وإذا نسبت إلى
بنت وأخت قلت : بنويّ وأخويّ عند سيبويه لأنّ أصلهما بنوة وأخوة فحذفت الواو منهما ، وعوّض عنها
التاء فقيل : بنت وأخت ، وكما ردّت الواو في التصغير فقالوا : بنيّة وأخيّة ،
فكذلك ردّت الواو في النسب وحذفت التاء لشبه هذه التاء أعني تاء بنت وأخت بتاء
التأنيث وهم يحذفون تاء التأنيث في النسب ، ويونس ينسب إليهما بغير تغيير فيقول :
بنتي وأختي .
فصل
وينسب إلى
الصدر من الأسماء المركّبة / فتقول في نحو : معدي كرب وحضرموت وخمسة عشر إذا كان
اسما : معديّ ومعدويّ وخمسيّ وحضريّ وحضّرميّ لأنّ الاسم الثاني من المركبين مثل هاء التأنيث في
انضمامه إلى الأول .
__________________
فصل
وإذا نسبت إلى
اسم مضاف فالمضاف إليه إن كان يتناول مسمّى على حياله كابن الزّبير ، فإنما تنسب
إلى الاسم دون الأول لأنّ الثاني هو الذي اشتهر به الأول فتقول : زبيريّ ،
وكذلك الكنى كأبي بكر وأبي مسلم فتقول : مسلميّ وبكريّ وإن كان المضاف إليه لا
يتناول مسمّى على حياله نحو : امرىء القيس فتحذف الثاني ، لأنه زائد على الأول
وتنسب إلى الأول فتقول : امرئيّ ، وقد خرجوا عن هذا القياس في عبد مناف ، فقالوا :
منافيّ خشية الإلتباس وقد يلفّق من حروف الاسمين اسم وينسب إليه كقولهم في
نحو عبد الدار وعبد القيس وعبد شمس : عبدريّ وعبقسيّ وعبشميّ وهو نادر في كلامهم لا يقاس عليه.
فصل
وقد جاءت أسماء
منسوبة خارجة عن القياس وذلك نحو : بدويّ نسبة إلى البادية وكان قياسه باديّ ،
وكذلك بصريّ بكسر الباء الموحدة والقياس الفتح وكذلك دهريّ بضمّ الدال للذي أتت عليه الدهور للفرق بينه وبين الذي يقول بالدهر ، فإنه دهريّ بفتح
الدال ، وكذلك أمويّ بفتح الهمزة وكان القياس الضمّ ، وكذلك ثقفيّ وقرشيّ وهذليّ ،
والقياس ثقيفيّ وقريشيّ وهذيليّ بإثبات الياء وكذلك جلوليّ في النسبة إلى جلولاء اسم بقعة والقياس جلولاويّ ، وكذلك
__________________
نحو : صنعانيّ في النسبة إلى صنعاء والقياس : صنعاويّ ، وكذلك شتويّ في
النسبة إلى الشتاء والقياس شتائيّ وشذّ في لغة الأزد سليقيّ وسليميّ ، نسبة إلى سليقة
وسليمة ، والقياس : سلقيّ وسلميّ ، وشذّ في لغة كلب عميريّ نسبة إلى عميرة والقياس : عمريّ ، وشذّ : عبديّ وجذمي
بضمّ الفاء فيهما نسبة إلى عبيدة وجذيمة والقياس : عبديّ وجذميّ .
فصل
وقد يقوم مقام
ياء النسب في إفادة معنى النسبة صيغتان وهما فعّال وفاعل ، وكثر ذلك في الحرف :
لأنّ فعّالا لما كان بناء للتكثير جعل لصاحب الحرفة المديم لها كالخيّاط والنجّار
والعطّار ، وأمّا فاعل فإنّه صاحب شيء كدارع ونابل وطاعم وكاس أي ذو درع وذو نبل وذو
طعام وذو كسوة ، وكذلك تامر ولابن أي صاحب تمر وصاحب لبن ، فإن كان يديم بيعهما
فهو : تمّار ولبّان .
فصل في المقصور والممدود
فالمقصور في
آخره ألف ليس بعدها همزة نحو : عصا والممدود ما في آخره همزة قبلها ألف نحو : كساء
وكلاهما منه ما طريق معرفته القياس ومنه ما لا يعرف إلا بالسّماع ،
والمراد بالقياسيّ : ما يعرف بقاعدة معلومة من استقراء كلامهم يرجع إليها فيها ،
والسّماعي ما ليس / كذلك بل يفتقر كلّ اسم منه إلى سماع قصره أو مدّه.
__________________
أما المقصور
القياسيّ : فهو كلّ اسم قبل آخر نظيره من الصحيح فتحة ، ولامه ياء أو واو ، ويأتي
من أسماء المفاعيل والمصادر ومن الجمع كما سنذكره.
فمن ذلك : كلّ اسم مفعول لامه ياء أو واو وفعله يزيد على ثلاثة
أحرف وله نظير من الصحيح قبل آخره فتحة ، فمتى وقع المعتلّ كذلك تحرّكت فيه الياء
أو الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، فيجب أن يكون مقصورا وذلك نحو : مشترى ومعطى ، لأن لام مشترى ياء وفعله
اشترى وهو يزيد عن ثلاثة ، ونظيره من الصحيح مشترك ، وهو مفتوح ما قبل الآخر وأصل
مشترى : مشتريّ مثل مشترك فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فمشترى مقصور
لحصول الشرائط المذكورة ، وبمثل ذلك بعينه انقلبت ياء معطى ألفا لكون نظيرة مخرج.
ومنه : اسم
الزمان والمكان والمصدر الميمي إذا كان فيها معتلّ اللّام وهو على وزن مفعل أو مفعل
نحو : مغزى وملهى لأنّ نظيرهما مقتل ومخرج إذ الأصل فيهما مغزي وملهو بالضم فقلبتا
ألفا لتحركّها وانفتاح ما قبلهما.
ومنه : المصدر
المعتلّ اللام لفعل يفعل إذا كان اسم الفاعل منه على أفعل أو فعل أو فعلان نحو :
العشا والصّدى والطّوى إذ نظيرها الحول والفرق والعطش ، فعشي يعشى فهو أعشى نظيره
حول يحول فهو أحول ، وصدي يصدى فهو صد ، نظيره فرق يفرق فهو فرق ، وطوي يطوي فهو
طيّان نظيره عطش يعطش فهو عطشان والغراء بالمد شاذّ ، لأنّه من غري فهو غر ، والأصمعيّ قصره على القياس .
__________________
ومنه : جمع
فعلة وفعلة ، كعرى جمع عروة ، وجزى جمع جزية لأن نظائرهما ظلم جمع ظلمة ، وكسر جمع كسرة ، وشذّ من
المقصور قرى بالقصر جمع قرية ، لأن قرية فعلة بفتح الفاء مثل جفنة وجمعها جفان ،
فقياس نظيره من المعتل أن يكون ممدودا لا مقصورا .
وأمّا الممدود
القياسي : فهو كلّ اسم معتلّ لامه ياء أو واو ، وقبل آخر نظيره من
الصحيح ألف ، ويأتي المعتلّ المذكور على وجوه :
منها : أن يكون
مصدرا لأفعل أو فاعل ويكون في آخر ذلك المصدر الواو والياء طرفا بعد ألف زائدة ،
ويكون قبل آخر نظيره من الصحيح ألف نحو : الإعطاء والرّماء إذ نظيرهما الإكرام والطلاب ، لأنّ أعطيت إعطاء مثل
أكرمت إكراما ، وراميت رماء مثل طالبت طلابا ، والأصل الإعطاو والرماي فوقعت الواو
والياء طرفين بعد ألف فقلبتا همزة ، وكذلك حكم الألفين إذا وقعا طرفين ، فإنّ الثانية تقلب همزة
كما ستعلم ذلك في الفصل السّادس في الإبدال من قسم المشترك ، وهكذا الكلام في جميع
ما يأتي في هذا الفصل من الممدود القياسي فاعلم ذلك.
ومنها : أن
يكون مصدرا لافتعلت افتعالا نحو : الاشتراء ، لأن اشتريت اشتراء مثل افتتحت افتتاحا
، والأصل الاشتراي فوقعت الياء بعد ألف زائدة في الاشتراء كوقوع الحاء بعد الألف
الزائدة في الافتتاح ، فقلبت الياء همزة فحصلت الهمزة طرفا بعد ألف زائدة وهو
الممدود.
__________________
ومنها : أن
يكون مصدرا لافعنليت نحو : الاحبنطاء لأنّه من احبنطيت احبنطاء مثل احرنجمت احرنجاما.
ومنها : أن
يكون مصدرا مضموم الأول ، ويكون للصوت نحو : العواء والبغاء والرّغاء لأنّ نظيرها من الصحيح الصّراخ والنّباح /
والصّياح ، وأما البكاء فيمدّ ويقصر ، فمن مدّ ذهب به مذهب الأصوات ، ومن قصر ذهب
به مذهب الحزن .
ومنها : أن
يكون مصدرا للعلاج فإنه أجري مجرى الصوت نحو : النّزاء وهو الوثوب ، لأن نظيره
القماص وهو جمز البعير .
ومنها : الواحد
الذي يجمع على أفعلة نحو : قباء وكساء لجمعهما على أقبية وأكسية ، لأن أفعلة
واحدها ، إمّا فعال بفتح الفاء أو فعال بكسرها أو فعال بضمها ، كقذال وأقذلة ، وحمار وأحمرة ، وغراب وأغربة ، وأمّا مجيء ندى مقصورا
فشاذ لأنّه مثل قباء مفردا وجمعا ، لأنّه يجمع على أندية ، فكان قياسه المدّ .
ومنها : الجمع
الذي واحده على وزن فعل بضم الفاء وسكون العين مثل عضو وأعضاء لأنه مثل : قفل
وأقفال.
ومنها : الجمع
الذي واحده على وزن فعل بكسر الفاء وسكون العين كشلو
__________________
وأشلاء ، لأنه مثل عدل وأعدال .
ومنها : الجمع
أيضا الذي واحده على فعل بكسر الفاء وفتح العين كمعى وأمعاء ، لأنه مثل عنب
وأعناب.
ومنها : فعلاء
بضم الفاء وفتح العين إذا كان مفردا فإنه يكون ممدودا في الأكثر كنفساء وعشراء.
ومنها : فعلاء
بفتح الفاء وسكون العين وفتح اللّام ، إذا كان مؤنّثا ومذكّره أفعل كحمراء أحمر .
ومنها : كلّ
اسم على وزن فعّال في معنى النّسب نحو : غزّاء للكثير الغزو ، وسقّاء وشّواء وما
أشبهها .
وأمّا السّماعي
: فالمقصور منه نحو : عصا ورحى ، والممدود منه نحو : السّماء والخفاء من خفي عليه
الأثر ، والإباء من أبيت الشيء إباء.
فصل في الوزن
وإنّما ذكرناه
في قسم الاسم لأنّا لمّا أردنا أن نذكر فيه أبنية الأسماء على نحو ما ذكره في
المفصّل ، لم يكن لنا بدّ من ذكر الأوزان لتوقّف معرفة الأبنية الأصول والمزيد
فيها عليها ، والغرض بالوزن بيان كيفية وزن الأبنية في الاصطلاح وأبنية الاسم الأصول ثلاثية كرجل ، ورباعية
كجعفر وخماسية كسفرجل ، وأبنية الفعل الأصول ثلاثية كضرب ورباعية كدحرج ، وقد نقصت
الأفعال عن الأسماء بدرجة لثقلها وخفة الأسماء ، ويعبّر عن الحروف الأصول بالفاء
والعين واللام ، فيقال نصر على وزن فعل ، نونه فاء الفعل ، وصاده عين الفعل ،
وراؤه لام الفعل ، لمقابلتهم
__________________
الأصول في الوزن بهذه الحروف ، ويعبّر عن الحرف الأصلي الزائد على الثلاثة
بلام ثابتة فيقال : جعفر فعلل ، وعن الأصلي الزائد على الأربعة بلام ثالثة فيقال : جحمرش فعلل بثلاث لا مات ، ويعبّر عن الزائد بلفظه كقولك في
ضارب فاعل وفي مضروب مفعول إلا المبدل من تاء الافتعال نحو : ازدجر واضطرب فلا
يقال في زنته افدعل ولا افطعل ، ولكن افتعل تبيينا للأصل ، وكذلك المكرّر
سواء كان للإلحاق أو لغيره ، فإنّه لا يوزن بلفظه بل بما يوزن به الحرف
الأصلي الذي قبله سواء فصل بين ذلك الأصلي / وبين المكرّر الذي بعده حرف زائد
كنحرير أو لم يفصل كجلبب ، فالمكرّر في نحرير الراء الثانية
وقد فصل بينها وبين الرّاء الأصليّة الياء ، وفي جلبب الباء الثانية فيقولون : وزن
نحرير فعليل لا فعلير ، وجلبب فعلل لا فعلبب ، وأحمرّ افعلّ لا افعلر ، وعلّم فعّل
لا فعلل ولا فلعل ، وإنّما عبر عن المكرّر بما عبّر به عن الحرف الأصلي الذي قبله ، لأنّه إن كان للإلحاق فهو جار
مجرى الأصلي ، وإن كان لغير الإلحاق فالمقصود بهذه الزيادة هو تكرير ما قبلها الذي
هو الأصلي ، فلذلك قوبل بما يقابل به الأصلي الذي قبله ، بخلاف الزيادة التي ليست
لقصد التكرير بل قصدوا زيادة حرف واتّفق موافقته لما قبله ، فإنّه إذا كان كذلك لم
يعبّر عنه بما يعبّر عما قبله بل يعبّر عنه بلفظه ولا يجعل الحرف لغير التكرير
والإلحاق إلا بدليل ، على أنه لم يقصد به التكرار ولا الإلحاق ، لأنّ الظاهر قصد
التكرار ومن ثمّ كان حلتيت فعليلا لا فعليتا ، لأنّه لم يذكر دليل على عدم قصد
التكرار فيجب الحمل على التكرار ،
__________________
وسحنون وعثنون فعلول لا فعلون ، لما قيل في حلتيت ، ولعدم فعلون ،
لأنّه إذا تردّد الوزن بين أن يكون على زنة ما ثبت في كلامهم ، وبين أن يكون على
خلافه فحمله على ما ثبت في كلامهم هو الوجه .
ذكر ما جاء فيه دليل على أنه لم يقصد به التكرار
بل زيد واتّفق موافقة الزائد لما قبله
فمنه : سحنون
بالفتح فهو فعلون لعدم فعلول في كلامهم ، وكثرة فعلون كحمدون ، وهو مختصّ بالعلم ،
لا يقال : قد جاء فعلول بالفتح لورود صعفوق لأنّا نقول : إنه نادر والنادر كالمعدوم ، وأمّا خرنوب بالفتح ، فضعيف ، والفصيح الضمّ .
ومنه : سمنان وهو فعلان لا فعلال ، لكثرة فعلان وعدم فعلال من غير
المضاعف كزلزال وأمّا خزعال فنادر ، وبهرام وشهرام عجميّان.
ومنه : بطنان
بالضمّ وهو فعلان لمجيئه في كلامهم كعثمان وعدم فعلال مع أنه نقيض ظهران وهو فعلان
، إذ بطنان اسم لباطن الريش ، وظهران اسم لظاهره .
__________________
وأمّا قرطاس بضم القاف فضعيف والفصيح قرطاس بالكسر .
ذكر كيفية وزن الكلمة المقلوبة
وهو يتوقّف على
معرفة الأصلي والزائد ، فالأصليّ ما ثبت في تصاريف الكلمة لفظا أو تقديرا كفاء
ضربت وعينه ، لثبوتهما في ضرب يضرب فهو ضارب ومضروب ، والزائد بخلافه كميم مضروب
وواوه إذا عرفت ذلك فنقول : إنّه متى وقع في الموزون قلب وهو جعل أحد الأصول موضع
الآخر ، قلبت الزنة كما قلب الموزون ، إذ فائدة الزنة التنبيه على الفاء والعين
واللام ، فتقول في قسيّ : فليع ، لأنّ الأصل قوس ، قافه فاء ، وواوه عين وسينه لام
، فوقعت العين التي هي واو قوس في قسيّ موضع اللام فاجتمع في الآخر واوان مع ضمّتين فقلبتا ياءين وأدغمت إحداهما في الأخرى ، وكسرت السين
ثم القاف للتبعيّة وكما وقعت الواو في قسيّ موضع اللّام ، وقعت لام قوس وهي السين
موضع العين فصار وزن قسيّ فليع .
ذكر ما يتعرّف به القلب
وذلك أشياء
أحدها : / أنّه يتعرّف بأصل المقلوب نحو : ناء فإنّه مقلوب من
نأي ينأى ، وهو من النّأي الذي هو الأصل ، ونأي ؛ نونه فاء وهمزته عين وياؤه لام ،
فجعلت العين التي هي الهمزة لاما ، والّلام التي هي الياء عينا ، بقي نيأ فقلبت
__________________
الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها بقي ناء وزنه فلع .
وثانيها :
بثبوت الحروف التي من الأصل في أمثلة اشتقاقه أي برجوع تلك الكلم المشتقّة إلى أصل
واحد ، كرجوع الجاه والوجيه والتوّجيه والتوجّه إلى الوجه ، فهو أصل لهذه الكلم
المشتقّة منه ، فواو الوجه فاء والجيم عين والهاء لام ، فوقعت الجيم التي هي عين
موضع الفاء في جاه ، ووقعت فيه الواو التي هي فاء موضع العين فصار جوه ، تحركت
الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فصار جاه على وزن عفل .
وكذلك الحادي
والواحد والتوحيد والتوحّد راجع إلى أصل واحد ، وهو الوحدة ، الواو فاء والحاء عين
والدّال لام ، فجعل في الحادي العين وهي الحاء موضع الفاء ، واللام ، وهي الدال
موضع العين ، والفاء وهي الواو موضع اللام ، صارت الكلمة بألف فاعل حادو ، وليس
لهم اسم متمكّن آخره واو قبلها ضمّة فقلبت ياء ، وأبدل من الضمة كسرة ، فصار حادي
على وزن عالف .
وثالثها : بصحة
حرف العلّة مع تحركّه ، وانفتاح ما قبله نحو : أيس فإنه لو لم يكن مقلوبا من يئس لوجب أن يقال فيه : آس
لتحرّك عين الكلمة وانفتاح ما قبلها ، فلمّا لم تنقلب علم أنه قد جعلت فيه الفاء
عينا وبالعكس ، فوزن أيس عفل ، لا يقال :
قد صحّت الواو
في عور مع تحركها وانفتاح ما قبلها ومع ذلك ليس بمقلوب ، لأنّا نقول : ما قبل
الواو في عور ساكن حكما لأنّه بمعنى أعور فالعين ساكنة ، وحركتها عارضة للابتداء ،
وأمّا ما قبل الياء في أيس فإنه متحرّك لفظا وحكما .
ورابعها :
بقلّة استعماله مع آخر كثير الاستعمال وهما من أصل واحد لكن اختلف ترتيبهما نحو :
آرام وأرآم جمعي رئم وهو الظبيّ الأبيض وأرام أكثر استعمالا فهو أصل فآرام مقلوب منه لقلّة
استعماله وكره استعمال أرآم ، وأرآم أفعال ،
__________________
راؤه فاء وهمزته عين وميمه لام ، فقلب بأن جعلت فاؤه عينا وعينه فاء لأرآم
أعني بأن جعلت فاء أرآم وهي الراء عينا ، وجعلت عين أرآم وهي الهمزة الثانية فاء
فانقلبت ألفا فصار آرام أعفال.
وخامسها : بأنه
إذا لم يجعل مقلوبا أدّى إلى منع الصّرف بغير علّة كأشياء فإنّها غير منصرفة
بالاتفاق ، والمختار أنّها لفعاء مقلوبة من شيئاء : فمنع صرفها لألف التأنيث قال في الصّحاح عن شيئاء إنه
جمع على غير واحده كما أن الشّعراء جمع على غير واحده ، لأنّ فاعل لا يجمع على
فعلاء انتهى كلام صاحب الصّحاح وشيئاء فعلاء ، الشين فاء والياء عين والهمزة الأولى
لام ، فجعلت اللام وهي الهمزة الأولى فاء ، والفاء وهي الشين عينا ، والعين وهي
الياء لاما ، فصار أشياء على وزن لفعاء وقال الكسائي أشياء أفعال جمع شيء لأنّ
فعلا معتلّ العين يجمع على أفعال ، كقيل وأقيال وهو مردود / لاستلزامه منع الصّرف
بغير علّة ، وأمّا القلب فكثير في كلامهم فوجب المصير إليه ، وقال
الفرّاء : أصل أشياء أشيئاء على وزن أفعلاء ، جمع لشيّء على وزن فيعل ، ورأى أنّ
شيئا أصله شيّء ثم خفّف كما خفّف ميت من ميّت وجمع بحسب الأصل على أشيئاء ، كما
جمع بيّن على أبيناء ثم حذفت الهمزة التي بين الياء والألف وهي لام الكلمة تخفيفا
كراهة لهمزتين بينهما ألف فصار وزنه عنده أفعاء ، وهو مردود بأنه لم يسمع شيّء فلو
كان هو الأصل لكان شائعا كميّت ، وبأنه حذف لام الفعل على غير قياس ، لأنّ
الهمزتين إذا توسّطهما الألف لا تحذف إحداهما ولا هما .
ذكر كيفيّة وزن الكلمة المحذوفة
اعلم أنّ الحذف
كالقلب أي إن كان حذف في الموزون حذفت الزنة مثله ،
__________________
فتقول في وزن قاض : فاع ، لأنّ لامه التي هي الياء حذفت للتنوين ، وفي يمق يعل ، لأنّ أصله يومق على وزن يفعل فحذفت فاء الفعل وهي
واو يومق لوقوعها بين ياء وكسرة ، لأنها بعد ياء المضارعة فصار وزن يمق يعل ، بحذف
الفاء لكن إن قصد في المقلوب والمحذوف تبيين القلب والحذف فيهما جاز أن تأتي
بالزنة حينئذ على الأصل كما تقول أشياء على مذهب سيبويه وزنها في الأصل فعلاء ،
وقاض وزنه في الأصل فاعل.
فصل في الأبنية
والكلام في هذا
الفصل على تقسيم الأبنية ، وعلى أبنية الاسم الأصول المجرّدة عن الزيادة ، وأما
أبنية المزيد فيه فتأتي في فصل بعد هذا الفصل.
ذكر تقسيم الأبنية الأصول
وهي تنقسم إلى
صحيح ومعتلّ ومضاعف ومهموز.
أمّا الصحيح : فهو ما سلمت أصوله من حروف العلّة والهمزة والتضعيف وإنما خصّص الأصول بالسلامة لجواز وقوع ذلك في غير
الأصول كحرف العلّة في يضرب وضارب.
وأمّا المعتلّ
: فهو ما كان أحد أصوله حرف علة وهو الواو والألف والياء وذلك الأصل إمّا فاء كوعد
ويسر أو عين كقال وباع أو لام كغزا ورمى ، وسمّي معتلّ الفاء في اصطلاح المتقدّمين
مثالا لمماثلته الصحيح في صحّته وعدم إعلاله ومعتلّ العين أجوف لكون حرف العلّة في وسطه ، وهو
كالجوف ويقال له أيضا : ذو الثلاثة لكونه مع ضمير الفاعل المتحرّك على ثلاثة أحرف
في المتكلّم والمخاطب المذكّر والمؤنّث نحو : قلت وبعت بضم التاء وفتحها وكسرها ،
ويسمّى معتلّ اللام منقوصا لنقصان
__________________
الحركة منه حال الرفع نحو : يغزو ويرمي أو لنقصان الّلام منه في الاسم نحو
: قاض وفي الفعل في الجزم نحو : لم يغز ، ويقال له أيضا ذو الأربعة لأنه مع ضمير المتكلمّ
والمخاطب المذكّر والمؤنّث على أربعة أحرف كقولك : غزوت وشريت بضم التاء وفتحها
وكسرها ويسمى / معتلّ الفاء والعين معا نحو : يوم ، ومعتلّ العين والّلام معا نحو
: طوى لفيفا مقرونا ، لالتفاف حرفي العلّة واقترانهما ، ويسمّى معتلّ الفاء
والّلام نحو : ولي ، لفيفا مفروقا لافتراق حرفي العلّة بغيرهما.
وأمّا المضاعف
: فالثلاثي ما كان عينه ولامه من جنس واحد نحو : مدّ وشدّ ، والرباعي ما كان أوله
وثالثه من جنس واحد ، وثانيه ورابعه من جنس واحد نحو : صلصل.
وأمّا المهموز
: فهو ما كان أحد أصوله همزة فإن كانت فاء سمّي البناء قطعا ، ومهموز الفاء نحو :
أكل ، وإن كانت عينا فيقال له : نبر ومهموز العين نحو : سأل ، وإن كانت لاما فيقال
له : همز ، ومهموز اللام كقرأ ، فلا يقاس وعدت على رميت في التسمية بذي الأربعة ،
ولا مهموز العين على مهموز الّلام في التسمية بالهمز ، ولا مهموز الّلام على مهموز
العين في التسمية بالنبر ، لأنّ الصحيح أن لا قياس في اللغة.
ذكر أبنية الاسم الثلاثي المجرّد
وأبنيته أكثر
من أبنية الرباعي والخماسي وهي عشرة ، والقسمة تقتضي اثني عشر ، من ضرب ثلاث حركات
، الأول في أربع حالات الثاني ، وسقط فعل بضمّ الفاء وكسر العين ، وفعل بكسر الفاء
وضمّ العين استثقالا للخروج من الضمّة إلى الكسرة وبالعكس وأمّا الدّئل بضمّ أوله وكسر ثانيه ، فعلم منقول من فعل
ما لم يسمّ فاعله ، وأمّا الحبك بكسر أوله وضمّ ثانيه إن ثبت فعلى تداخل اللّغتين
__________________
لأنّه ورد حبك بكسرهما ، وحبك بضمهما ، فركّب الحبك من كسرة فاء أحدهما
وضمّة عين الآخر ، وأمّا العشرة الباقية فأربعة بفتح الفاء مع سكون العين وفتحها وكسرها وضمّها
، كفلس وفرس وكتف وعضد ، وثلاثة بكسر الفاء مع سكون العين وفتحها وكسرها ، كحبر
وعنب وإبل ، وثلاثة بضمّ الفاء مع سكون العين وفتحها وضمّها ، كقفل وصرد وعنق ، وبعض هذه الأمثلة قد يردّ إلى بعض فيكون الوزن الثاني
فرعا من الأول فلفعل بفتح الفاء وكسر العين ممّا ثانيه حرف حلق مثل فخذ ، له فروع
ثلاثة : فعل كفخذ ، وفعل كفخذ ، وفعل كفخذ وكذلك القول فيما أشبهه ، والفعل في ذلك كالاسم أعني أنّ الفعل إذا كان أوله
مفتوحا وثانيه حرف حلق مكسور كشهد فله ثلاثة فروع فعل كشهد ، وفعل كشهد بفتح الشين
وكسرها مع سكون الهاء ، وفعل كشهد بكسرهما ، فإن لم يكن ثاني فعل حرف حلق نحو :
كتف فله فرعان فقط ، كتف وكتف على فعل وفعل بفتح الفاء وكسرها مع سكون العين ، ولم
يجز فيه كتف بكسرهما ، لأنّ كسرة التاء ليست بقوية مثل قوّة كسرة حرف الحلق التي
ناسبت لقوّتها أن تتبع بكسرة أخرى ، ولفعل بفتح الفاء وضمّ العين مثل : عضد فرع
واحد وهو عضد ، بفتح فاء الفعل وسكون العين ، ولفعل بضمّ الفاء والعين مثل : عنق
فرع واحد أيضا وهو عنق بضمّ الفاء وسكون العين ، ولفعل بكسر الفاء والعين / مثل :
إبل فرع واحد أيضا وهو : إبل بكسر الفاء وسكون العين ، إلّا أنّ إسكان عين الفعل
في عنق أفصح من إسكانها في إبل وفي فعل بضم الفاء وسكون العين كقفل : خلاف ،
فبعضهم يجوّز فيه فعل بضمهما لمجيء عسر ويسر في عسر ويسر ، والأكثر يمنعون منه ،
ويمنعون من أن يكون عسر فرعا لعسر بل هما أصلان ، وهو الأجدر لئلا يلزم الانتقال
من الخفّة إلى الثقل.
__________________
ذكر أبنية الاسم الرباعي المجرّد
وهي خمسة
بالاستقراء :
أحدها : فعلل
بفتح الفاء والّلام وسكون العين نحو : جعفر.
ثانيها : فعلل
بكسر الفاء والّلام وسكون العين نحو : زبرج وهو من أسماء الذهب.
ثالثها : فعلل
بضمّ الفاء والّلام وسكون العين نحو : برثن .
رابعها : فعلل
بكسر الفاء وسكون العين وفتح الّلام نحو : درهم.
خامسها : فعلل
بكسر الفاء وفتح العين وسكون الّلام الأولى . نحو : قمطر وزاد الأخفش بناء سادسا وهو : فعلل بضمّ الفاء وسكون العين وفتح
الّلام نحو : جخدب وسيبويه يرويه بضمّ الدّال وأمّا ما ورد من الرباعي على خلاف ذلك وهو نحو : جندل بفتح الفاء والعين وكسر اللام ، وعلبط بضمّ الفاء وفتح العين وكسر الّلام ، فلا يعتدّ به
لندوره ، لأنّ كلامهم لا يجتمع فيه أربع
__________________
حركات متوالية في كلمة واحدة ، فحملا على أنّ الأصل جنادل وعلابط .
ذكر أبنية الاسم الخماسي المجرّد
وهي أربعة :
أحدها : فعلّل
بفتح الفاء والعين وسكون الّلام الأولى وفتح الثانية نحو سفرجل .
ثانيها : فعللّ
بكسر الفاء وسكون العين وفتح الّلام الأولى وسكون الّلام الثانية نحو قرطعب وهي الخرقة.
ثالثها : فعللل
بفتح الفاء وسكون العين وفتح الّلام الأولى وكسر الّلام الثانية نحو : قهبلس وهو الذكر.
رابعها : فعللل
بضمّ الفاء وفتح العين وسكون الّلام الأولى وكسر الّلام الثانية نحو : قذعمل وهو الشيء القليل انتهى الكلام على الأبنية
الأصول.
فصل في أبنية المزيد فيه
والمراد
بالمزيد فيه ما زيد على أصوله بعض حروف الزيادة التي يجمعها اليوم تنساه حسبما
نذكر هذه الحروف مفصلة في فصل الزيادة من المشترك إن شاء الله ، والمذكور هنا إنما
هو أبنية الاسم المزيد فيه الثلاثي ثم الرباعي ثم الخماسي ، وقبل ذكر الثلاثي
المزيد فيه لا بدّ من تقديم كلام على الزيادة.
فنقول :
الزيادة تنقسم إلى زيادة من جنس حروف الكلمة ويقال لها الزيادة
__________________
من موضعها كدال مهدد وإلى زيادة من غير جنس حروف الكلمة كهمزة أحمر ، وتكون
الزيادة للإلحاق ولغير الإلحاق ؛ والزيادة التي من جنس حروف الكلمة ، إنّما تكون
بتكرير حرف أصلي من العين أو الّلام ؛ بأن يزاد على العين مثلها أو على الّلام
مثلها فيحصل العين أو الّلام مضاعفة ؛ إمّا بإدغام أو بغير إدغام ، فمثال مضاعفة
العين بغير إدغام ، خفيفد وهو الظّليم وبإدغام تبّع ومثال مضاعفة اللام بغير إدغام خفيدد ، وهو الظليم أيضا
وأصلهما من الخفد وهو الإسراع ، وبإدغام خدبّ وهو الضخم وأما الفاء فلا تضاعف وحدها فإنّه لم يأت ففعل ، وإنما
تضاعف / مع العين نحو : مرمريس وهو من أسماء الدّاهية ووزنه : فعفعيل ، ولم تضاعف
الفاء مع الّلام فلم يأت ففعلل ، وجاءت العين مضاعفة من الّلام نحو : صمحح وهو
الشديد ووزنه فعلعل .
ذكر أبنية الاسم الثلاثي المزيد فيه
والزيادة كثرت
في الثلاثي لسهولته وكثرة استعماله ، وتقع الزيادة الواحدة فيه في أربعة مواضع ؛
ما قبل الفاء ، وما بين الفاء وبين العين ، وما بين العين وبين الّلام ، وما بعد
الّلام ، وتقع في هذه المواضع زيادة واحدة واثنتان وثلاث وأربع وهي غاية الزيادة
كما سنذكر.
__________________
ذكر الزيادة الواحدة بحسب المواضع الأربعة المذكورة
أمّا قبل الفاء
، فتقع فيه أحد أحرف أربعة ، وهي : الهمزة ، والميم ، والتاء ، والياء نحو : أجدل ومقتل ، وتتفل ويرمع ، وزاد الأخفش الهاء أيضا نحو : هبلع .
وأمّا ما بين
الفاء والعين ، فأحد حروف خمسة ، وهي : الألف والهمزة والياء والنون
والواو ، نحو : خاتم وشأمل وضيغم وقنبر وعوسج .
وأمّا ما بين
العين والّلام ، فزيادته إمّا أحد الحروف الخمسة المزيدة بين الفاء
والعين نحو : شمأل وغزال وحمير وترنج وقعود ، وإمّا من موضعها نحو : قنّب وسلّم.
وأمّا ما بعد
الّلام ، فهي إمّا حرف من حروف الزيادة نحو ألف الإلحاق في
__________________
نحو : معزى ، أو ألف التأنيث في نحو : حبلى أو النون . في نحو : رعشن ، أو من موضعها بغير إدغام نحو : قردد ، وهو الغليظ ،
أو بإدغام نحو : معدّ وأما الزيادتان ، فعلى قسمين : مفترقتين ومجتمعتين.
ذكر الزيادتين المفترقتين
وهو أن يقع في
الاسم الثلاثي زيادتان يفصل بينهما إمّا أحد الأصول أعني الفاء والعين واللّام ،
أو اثنان منها أو جميعها ، وتقع الزيادتان بحسب ذلك على ستة أوجه : أحدها : أن
تقعا قبل الفاء وبعدها بحيث تصير الفاء فاصلة بينهما فمن ذلك أن تكون الأولى التي
قبل الفاء همزة وتكون الثانية إمّا نونا نحو : ألنجج أو ألفا نحو : أجادل ، ومنه : أن تكون الأولى ميما
والثانية ألفا نحو : مساجد ، ومنه : أن تكون الأولى تاء والثانية ألفا نحو : تناضب
وهو شجر ومنه أن تكون الأولى ياء والثانية ألفا أيضا نحو :
يرامع ، والفاء الفاصلة بين الزيادتين المذكورتين في ذلك كلّه هي لام ألنجج ، وجيم
أجادل وسين مساجد ، ونون : تناضب وراء يرامع ، فوزن ألنجج أفنعل ، وأجادل أفاعل ،
ومساجد مفاعل وتناضب تفاعل ، ويرامع يفاعل ، وعلى نحو ذلك تأتي باقي أقسام هاتين
الزيادتين المفترقتين .
ثانيها : أن تقع الأولى بين الفاء والعين والثانية بين العين
واللّام فتصير العين فاصلة بينهما ؛ فمنه : أن تكون الأولى ألفا
والثانية واوا نحو : عاقول وهو
__________________
ما يستدير في البحر ومنه : عكس ذلك نحو : طومار وهو السجلّ ومنه : أن تكون الأولى ياء والثانية إمّا ألفا نحو :
ديماس أو واوا نحو : قيصوم ومنه : أن تكون الأولى واوا والثانية ألفا نحو : توراب
وهو التراب.
ثالثها : أن تقع الأولى بين العين واللّام ، والثانية بعد اللّام
فتصير اللّام فاصلة بينهما فمنه : أن تكون الأولى ياء والثانية ألفا نحو : قصيرى
وهي الضلع / السّفلى ، ومنه : أن تكون الأولى نونا والثانية ألفا نحو : قرنبى ،
وقرنبى مقصور بفتح القاف والراء ، دويبة مثل الخنفساء وأعظم ، ومنه : أن تكون
الأولى ألفا والثانية ألفا نحو : حبارى ومنه : أن تكون الأولى ياء والثانية من موضعها نحو :
خفيدد ، ومنه : أن تكون الأولى نونا والثانية هاء التأنيث نحو : جرنبة اسم مكان .
رابعها : أن تقع الأولى قبل الفاء والعين ، والثانية بين العين
واللّام فتصير الفاء والعين معا فاصلتين بينهما ، فمنه : أن تكون الأولى همزة
والثانية ألفا وذلك في ما هو على وزن إفعال نحو : إعصار ، ومنه : أن تكون الأولى
همزة والثانية ياء نحو : إخريط وهو نبت ، ومنه : أن تكون الأولى تاء والثانية إمّا
ياء نحو : تنبيت على تفعيل أو واوا نحو : تذنوب. على تفعول وهو البسر
الذي بدأ فيه الإرطاب
__________________
أو واوا من موضعها نحو : تنوّط على تفعّل بضمّ العين جمع تنوّطة وهو طائر مثل التكسّر والتقطّع في المصادر ، ومنه : أن تكون
الأولى تاء أيضا والثانية من موضعها ، إمّا شين نحو : تبشّر على تفعّل بضمّ التاء
وكسر العين ، وهو اسم طائر يسمّى الصّفراية وإمّا باء نحو : تهبّط بكسر التاء والهاء وتشديد العين
المكسورة وهو طائر أيضا ومنه : أن تكون الأولى همزة والثانية واوا نحو : أسلوب
ومنه : أن تكون الأولى ميما ، والثانية إمّا ألفا نحو : مفتاح أو واوا نحو : مضروب
، أو ياء نحو منديل ، ومنه : أن تكون الأولى تاء والثانية ألفا نحو : تمثال ومنه :
أن تكون الأولى ياء ، والثانية إمّا واوا نحو : يربوع أو ياء نحو : يعضيد وهو نبت.
خامسها : أن تقع الأولى قبل العين والثانية بعد اللّام فتصير
العين واللّام معا فاصلتين بينهما فمنه : أن تكون الأولى ياء والثانية ألفا نحو : خيزلى ،
وهي مشية .
سادسها : أن تقع الأولى قبل الفاء والثانية بعد اللّام فتصير الفاء
والعين واللّام فاصلة بينهما فمنه : أن تكون الأولى همزة والثانية ألفا نحو : أجفلى وهو الدّعوة العامّة ومنه : أن تكون الأولى
همزة والثانية من موضعها نحو : أترجّ
__________________
الجيم الثانية أيضا زائدة لقولهم في معناه : ترنج ، ومثله إرزبّ وهو القصير
الباء الثانية زائدة مثل أترجّ.
ذكر الزيادتين المجتمعتين
وتقعان في المواضع الأربعة كما وقعت الزيادة الواحدة أعني قبل
الفاء وبين الفاء والعين ، وبين العين واللّام ، وبعد اللّام ، فذلك أربعة أوجه :
أحدها : أن
تقعا قبل الفاء ولا يكون ذلك إلّا في الأسماء الجارية على الفعل نحو : الميم
والنون ، والميم والسين ، والميم والهاء في منطلق ومستطيع ومهراق ، ولم تقع في غيرها إلّا في قولهم للشيخ : إنقحل وانقحر فالهمزة والنون زائدتان .
ثانيها : أن تقعا بين الفاء والعين ، وأكثر ما يكون ذلك في جمع
التكسير فمنه : حواجر وغيالم وجنادب فالواو والياء والنون مع الألفات الثلاث زوائد وقد جاء
في الإفراد قولهم : جمل دواسر .
__________________
ثالثها : أن تقعا بين العين واللّام ، وتقعان على فعّال كخطّاف الطاء الثانية والألف زائدتان ، ومنه : كلّاء وهو موضع السفن من السّاحل فالهمزة هي لام الكلمة
وقبلها / الزيادتان ، وهما اللّام الثانية المدغم فيها والألف ، ومثله بالشرح
حنّاء وكذلك صوّام ونسّاف اسم طائر ، وتقعان أيضا على فعوال كقرواش وعلى فعيال كجريال وعلى فعيول كهليون ، وعلى فعّيل كبطّيخ ، وعلى فعنعل كعقنقل النون والقاف الثانية زائدتان وعلى فعامل نحو دلامص .
رابعها : أن تقعا بعد اللّام فمنه : الألف والهمزة أخيرا فيما
جاء على وزن
__________________
فعلاء نحو : ضهياء وحمراء ، وعلى فعلاء بالكسر نحو : علباء ومنه : الألف والنون في نحو : كروان ومرجان وعثمان
وسلطان ومنه : الواو والتاء في نحو : جبروت والألف والطاء الأخيرة في نحو : فسطاط ومنه : الميم والحاء الأخيرتان في صمحمح ووزنه فعلعل بالفتح ، والرّاء والحاء الأخيرة في ذرحرح ووزنه فعلعل بالضمّ ، وأمّا الزيادات الثلاث فتقع مفترقة ومجتمعة.
ذكر الزيادات الثّلاث المفترقة
فمن ذلك أن تقع
الأولى قبل الفاء والثانية بين العين واللّام ، والثالثة بعد اللّام نحو اهجيرى الهمزة ثمّ الياء ثمّ الألف الأخيرة زوائد ، ومنه : أن تقع الأولى قبل الفاء والثانية بين الفاء
وبين العين ، والثالثة بين العين وبين اللام فمنه : مخاريق فالزوائد المتفرقة الميم ثمّ الألف ثمّ الياء ومنه : تماثيل ، التاء ثمّ الألف ثم الياء زوائد ومنه : يرابيع الياء ثمّ الألف ثم الياء الثانية
__________________
زوائد .
ذكر الزيادات الثّلاث المجتمعة
ويقعن في ثلاثة
مواضع ، قبل الفاء ، وبين العين واللّام ، وبعد اللّام ، أمّا وقوعهنّ قبل الفاء
فلا يكون إلّا في اسم جار على الفعل وذلك في مستفعل نحو : مستخرج الميم والسين
والتاء زوائد ، وأمّا وقوعهنّ بين العين واللّام فنحو : سلاليم الألف ثمّ اللّام
ثمّ الياء زوائد وأمّا وقوعهنّ بعد اللّام فنحو : ما جاء على فعليان
كصلّيان الياء ثمّ الألف ثم النون زوائد ، أو على فعلوان نحو : عنفوان ، الواو ثم الألف ثم النون زوائد ، أو على
فعلياء نحو : كبرياء ، الياء ثمّ الألف ثمّ الهمزة زوائد .
ذكر الزيادات الثّلاث على وجه تنفرد واحدة وتجتمع ثنتان
فمنه : أن تقع
واحدة منفردة قبل الفاء ، وثنتان مجتمعتان بعد اللّام نحو : أفعوان فالهمزة قبل الفاء منفردة والألف والنون بعد اللّام
مجتمعتان ووزنه أفعلان ومن ذلك : إضحيان وأربعاء ومنه : أن تقع المنفردة بين الفاء
__________________
والعين والمجتمعتان بعد اللّام ويجيء على فنعلاء نحو : خنفساء النون بين الفاء والعين منفردة ، والألف والهمزة بعد
اللّام مجتمعتان ، ويجيء كذلك على فيعلان كهيّبان أي هيوب ومنه : أن تقع المنفردة بين العين
واللام نحو : فساطيط وسراحين ، فالألف زائدة منفردة فيهما بين العين واللام
، والياء والطاء الأخيرة مجتمعتان بعد اللام ، والياء والنون في سراحين كذلك ، ومن ذلك قلنسوة على فعنلوة النون منفردة بين العين واللّام ، والواو والهاء
مجتمعتان بعد اللّام.
ذكر الزيادات الأربع
وهي تقع في
الثلاثي المذكور في مصدر افعيلال نحو : اشهيباب ففيه أربع زيادات ، الهمزة أولا للنطق بالساكن ، ثم
الياء لأنّها بدل من ألف اشهابّ / قلبت في المصدر ياء لانكسار ما قبلها ، ثمّ
الألف التي بين الباءين ثم الباء الأخيرة لأنّها مكررة ألا ترى أنها ليست موجودة
في الشهبة ، وهذه غاية ما تنتهي إليه بنات الثلاثة ، وكذلك احميرار ، الهمزة ثمّ الياء ثمّ الألف
ثم الراء الأخيرة زوائد وكذلك تقع الزوائد الأربع في الاستفعال نحو : استخراج ،
الهمزة ثم السين ثم التاء ثم الألف زوائد ، وفي عاشوراء الألف ثم الواو ثم الألف
الأخرى ثم الهمزة زوائد .
ذكر أبنية الاسم الرباعي المزيد فيه
وتقع في
الرباعي زيادة وثنتان وثلاث.
__________________
ذكر الزيادة الواحدة في الرباعي
وهي تقع فيه
قبل الفاء ، وبين الفاء والعين ، وبين العين واللّام الأولى ، وبين اللّام الأولى
والثانية ، وبعد اللام الأخيرة ، أما ما قبل الفاء فلا تلحقه الزيادة إلّا أن يكون
اسما جاريا على الفعل نحو : مدحرج وأمّا ما بين الفاء والعين فتزاد فيه النون نحو : قنفخر
وهو الضخم ، وكنتأل بضمّ الكاف وهو القصير ، وكنهبل وهو شجر . وأمّا ما بين العين واللام الأولى فتزاد الألف والياء
والواو والنون ، أمّا الألف فتقع في المفرد كعذافر وهو الجمل العظيم ، وفي الجمع كحبارج وأمّا الياء فنحو : سميدع وهو السيد ، وأما الواو فنحو : فدوكس وهو من أسماء الأسد ، وأمّا النون فتختصّ بالصفات نحو :
حزنبل وهو القصير ، وأمّا ما بين اللّامين فتزاد فيه الياء والواو والألف
واللّام من موضعها ، والراء من موضعها أمّا الياء فتزاد على فعليل بكسر الفاء كقنديل وعلى فعليل بالضمّ كغرنيق وأمّا الواو فعلى فعلول كزنبور ، وعلى فعلول كفردوس ، وعلى
__________________
فعلول مثل كنهور وهو السحاب ، وعلى فعلول بفتح الفاء والعين كقربوس ، وأمّا الألف فعلى فعلال بفتح الفاء وسكون العين كصلصال وعلى فعلال بكسرها كسرداح وهي النّاقة العظيمة ، وأمّا اللّام من موضعها
فعلى فعلّل كشفلّح وهو ثمر الكبر والراء من موضعها نحو : زمرّد وصفرّق ، وهو ضرب من النبات ، وأمّا ما بعد اللّام الأخيرة
فتزاد الألف واللّام والباء من موضعها ، أمّا الألف فتزاد آخرا فيما جاء على وزن
فعلّى نحو : حبركى وهو الطويل الظّهر القصير الرجلين ، وعلى فعللى نحو : قرقرى اسم أرض وعلى فعللى نحو : هندبى وعلى فعلّى نحو : سبطرى وهي مشية فيها تبختر ، وأمّا اللّام من
موضعها فتزاد على فعلّل نحو : سبهلل وهو الفارغ ، وأمّا
__________________
الباء من موضعها فتزاد على فعللّ نحو قرشبّ وهو المسنّ من الرجال ، وعلى فعللّ نحو : طرطبّ وهو الثدي العظيم ، وأمّا الزيادتان في
الرباعي فعلى قسمين : مفترقتين ومجتمعتين.
ذكر الزيادتين المفترقتين
وتقعان في
الرباعي على أوجه :
أحدها : أن تقع
الأولى بين العين واللّام الأولى ، وتقع الثانية أخيرا بعد اللّام الثانية بحيث
تفصل اللّامان بين الزيادتين ، فمن ذلك أن تكون الأولى واوا والثانية ألفا نحو
: حبوكرى من أسماء الداهية على فعوللى .
ثانيها : أن
تقع الأولى بين الفاء والعين ، والثانية بين اللّامين بحيث / تفصل العين واللّام
الأولى بين الزيادتين ، فمنه : أن تكون الأولى ياء والثانية واوا نحو : خيتعور وهو
كلّ شيء لا يدوم على حالة واحدة كالسّراب ووزنه فيعلول ومنه : أن تكون الأولى نونا والثانية واوا نحو : منجنون
ووزنه فنعلول .
ثالثها : أن
تقع الأولى بين العين واللّام ، والثانية بين اللّامين بحيث تصير اللّام الأولى
فاصلة بين الزيادتين ، فمنه : أن تكون الأولى ألفا والثانية ياء نحو : كنابيل
__________________
على وزن فعاليل ، وهو من أسماء الأرض ، ومنه أن تكون الأولى نونا والثانية
ألفا نحو : جحنبار وهو القصير على وزن فعنلال.
ذكر الزيادتين المجتمعتين
وتقعان في
الرباعي على أوجه :
أحدها : أن
تقعا مجتمعتين بين اللّامين ، فمنه : أن تكون الأولى واوا والثانية ياء نحو :
قندويل وهو الجمل العظيم الرأس ووزن فعلويل .
ثانيها : أن
تقعا طرفا بعد اللّام الثانية ، فمنه : أن تكون الأولى واوا والثانية هاء نحو :
قمحدوة وهي خلف الرأس ووزنها فعلّوة وزعم الجوهري أنّ الميم هي الزائدة ومنه : أن تكون الأولى ياء والثانية هاء نحو : سلحفية ، ومنه : أن تكون الأولى واوا والثانية تاء نحو :
عنكبوت ووزنه فعللوت ومنه : أن تكون الأولى ياء والثانية لاما نحو : عرطليل وهو الطويل والزائد الياء واللّام الأخيرة لأنّها
مضاعفة ومنه : ألف التأنيث الممدودة وألف المدّ قبلها على فعللاء بالفتح نحو : عقرباء وهي اسم بلد وعلى فعللاء بالكسر
__________________
نحو : هندباء ومنه : أن تكون الأولى ألفا والثانية نونا ، على فعللان بالفتح نحو : شعشعان وهو الطويل وعلى فعللان بالضمّ نحو : عقربان في الاسم ، وقردمان في الصفة وهو القباء المحشوّ كالكبر وعلى فعللان بالكسر نحو : حندمان اسم قبيلة .
ثالثها : أن
تقع الزيادتان بين اللّامين ، فمنه : أن تكون الأولى ميما مدغما فيها والثانية
ألفا نحو : طرمّاح على فعلّال الزيادة الأولى هي الميم المدغم فيها لأنّها مضاعفة
والثانية الألف.
ذكر الزيادات الثلاث في الرباعي
وذلك غاية
زيادة الرباعي وتقعن فيه على أوجه :
أحدها : أن تقع
فيه واحدة بين العين واللّام وثنتان آخرا فمنه : أن تكون الأولى واوا والأخيرتان
ألفا ونونا نحو : عبوثران على فعوللان ومنه : أن تكون الأولى ياء والأخريان ألفا ونونا نحو :
عبيثران لغة في عبوثران ونحو
__________________
عريقصان ، اسم نبت على فعيللان ومنه : أن تكون الأولى ألفا والأخيرتان ألفا وهمزة نحو
: جخادباء على فعاللاء وهو ضرب من الجراد .
ثانيها : أن
تكون الأولى بين اللّامين والأخريان آخرا ، فمنه : أن تكون الأولى ألفا والأخريان
ألفا وهمزة نحو : برناساء وهو النّاس على فعلالاء .
ثالثها : أن
تقع الثلاث مجتمعات في الآخر ، فمنه : أن تكون الأولى باء والثانية ألفا والثالثة
نونا نحو : عقربّان بتشديد الباء لغة في عقربان المخفّف ووزن عقربّان فعللّان بضمّ الفاء وسكون / العين وضمّ اللّام الأولى وتضعيف
اللّام الثانية ، وزوائده الباء الثانية للتضعيف والألف والنون.
ذكر أبنية الاسم الخماسي المزيد فيه
ولا تكون زيادته إلّا واحدة ، إمّا ياء أو واوا أو ألفا ومحلّها
بين اللّام الثانية والثّالثة ، أمّا الياء فجاءت في مثالين : خندريس على فعلليل وخزعبيل وهو الأباطيل على فعلّيل وأمّا الواو ففي مثالين أيضا عضرفوط على فعللول وهو ذكر العظاء ، ويستعور اسم بلد بالحجاز وهو بوزن عضرفوط وحكموا بأصالة ياء يستعور لكونه غير
جار على الفعل ، لأنّ الزّيادة لا تلحق أوّل بنات الأربعة إلّا أن
__________________
يكون جاريا على الفعل فتعيّنت الواو للزيادة ، ومثلهما زنة قرطبوس وأمّا الألف فنحو : قبعثرى ووزنه فعلّلى وهو الجمل الضخم الكثير الوبر ، وزيدت الألف آخرة
لتكثير الكلمة وليست للتأنيث لأنه سمع منوّنا ، ولا للإلحاق لأنّه ليس في الأصول
ما هو على هذه العدة ليلحق به. انتهى قسم الاسم ولله الحمد والمنّة.
[بعونه تعالى ،
تم الجزء الأول من كتاب الكناش
ويليه الجزء
الثاني وأوله
القسم الثاني
في الفعل]
__________________
فهرس موضوعات الجزء الأول
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
المقدمة
|
٥ ـ ٧
|
ـ
|
الباب الأول
: (الدراسة)
|
٨ ـ ١٠٨
|
ـ
|
القسم الأول
:
|
|
|
الفصل الأول
: اسم المؤلف وأسرته وإمارته على مدينة حماة
|
١١ ـ ١٤
|
ـ
|
الفصل الثاني
: حياته العلمية
|
١٥ ـ ٢٠
|
ـ
|
الفصل الثالث
: مصنفاته وشعره
|
٢١ ـ ٢٦
|
ـ
|
الفصل الرابع
: منهج أبي الفداء في الكناش
|
٢٧ ـ ٣٢
|
ـ
|
الفصل الخامس
: شواهده ومصادره
|
٣٣ ـ ٣٨
|
ـ
|
الفصل السادس
: مذهب أبي الفداء النحوي وموقفه من النحاة
|
٣٩ ـ ٥٦
|
ـ
|
القسم الثاني
:
|
٥٧ ـ ١٠٨
|
ـ
|
الفصل الأول
: التعريف بعنوان الكتاب
|
٥٩ ـ ٦٧
|
ـ
|
الفصل الثاني
: توثيق نسبة الكتاب
|
٦٨ ـ ٦٩
|
ـ
|
الفصل الثالث
: وصف النسخة
|
٧٠ ـ ٧١
|
ـ
|
الفصل الرابع
: منهج التحقيق
|
٧٢ ـ ٧٤
|
ـ
|
الفصل الخامس
: طبعة قطر ، والنخبة المتميزة من السّرّاق
|
٧٥ ـ ١٠٨
|
ـ
|
الباب الثاني
: (النص المحقق)
|
|
|
خطبة الكتاب
|
١١٣
|
|
الكتاب الأول
: في النحو
|
١١٤
|
|
ذكر الكلمة
وأنواعها
|
١١٤
|
م
|
ذكر الكلام
|
١١٥
|
م
|
القسم الأول
في الاسم
|
١١٦
|
ك
|
__________________
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
ذكر تقسيم
آخر للاسم
|
١١٧
|
ك
|
ذكر تقسيم
آخر للمعرب
|
١١٩
|
ك
|
ذكر إعراب
الاسم المفرد والجمع المكسر المنصرفين
|
١١٩
|
ك
|
ذكر إعراب
جمع المؤنث الصحيح
|
١١٩
|
ك
|
ذكر إعراب
الاسم الغير المنصرف
|
١١٩
|
ك
|
ذكر إعراب
الأسماء الستة
|
١٢٠
|
ك
|
ذكر إعراب
المثنى
|
١٢٠
|
ك
|
ذكر إعراب
الجمع السالم
|
١٢١
|
ك
|
ذكر الإعراب
التقديري
|
١٢١
|
ك
|
ذكر ما لا
ينصرف
|
١٢٢
|
ك
|
ذكر العدل
|
١٢٤
|
ك
|
ذكر التأنيث
|
١٢٥
|
ك
|
ذكر الجمع
|
١٢٧
|
ك
|
ذكر المعرفة
|
١٢٩
|
ك
|
ذكر العجمة
|
١٢٩
|
ك
|
ذكر وزن
الفعل
|
١٣٠
|
ك
|
ذكر الوصف
|
١٣١
|
ك
|
ذكر الألف
والنون
|
١٣٢
|
ك
|
ذكر التركيب
|
١٣٢
|
ك
|
ذكر بقية
الكلام على ما لا ينصرف
|
١٣٣
|
ك
|
ذكر
المرفوعات
|
١٣٤
|
ك
|
ذكر الفاعل
|
١٣٤
|
ك
|
ذكر وجوب
تقديم الفاعل
|
١٣٥
|
ك
|
ذكر وجوب
تقديم المفعول
|
١٣٥
|
ك
|
ذكر حذف
الفعل جوازا ووجوبا
|
١٣٦
|
ك
|
ذكر تنازع
الفعلين
|
١٣٧
|
ك
|
ذكر مفعول ما
لم يسم فاعله
|
١٣٨
|
ك
|
ذكر المبتدأ
|
١٤٠
|
ك
|
ذكر الخبر
|
١٤٢
|
ك
|
ذكر أن أصل
المبتدأ التقديم
|
١٤٣
|
ك
|
ذكر وجوب
تقديم المبتدأ
|
١٤٣
|
ك
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
ذكر وجوب
تقديم الخبر
|
١٤٤
|
ك
|
ذكر الابتداء
بالنكرة
|
١٤٤
|
ك
|
ذكر الجملة
الخبرية
|
١٤٦
|
ك
|
ذكر أمور
مشتركة بين المبتدأ والخبر
|
١٤٨
|
ك
|
ذكر جواز حذف
المبتدأ والخبر
|
١٥٠
|
ك
|
ذكر وجوب حذف
الخبر
|
١٥٠
|
ك
|
ذكر وجوب حذف
المبتدأ
|
١٥١
|
ك
|
ذكر تعدد
الخبر
|
١٥٠
|
م
|
ذكر خبر إن
|
١٥٢
|
م
|
ذكر خبر لا
التي لنفي الجنس
|
١٥٢
|
م
|
ذكر اسم ما
ولا المشبهتين بليس
|
١٥٤
|
م
|
ذكر
المنصوبات
|
١٥٤
|
م
|
ذكر المفعول
المطلق
|
١٥٥
|
م
|
ذكر جواز حذف
الفعل
|
١٥٦
|
م
|
ذكر وجوب حذف
الفعل
|
١٥٦
|
م
|
ذكر المفعول
به
|
١٦٠
|
م
|
ذكر ما يجب
حذفه من الأفعال
|
١٦٠
|
م
|
ذكر السماعي
|
١٦١
|
م
|
ذكر المنادى
|
١٦١
|
ك
|
ذكر إعراب
توابع المنادى
|
١٦٣
|
ك
|
ذكر المنادى
المعرف باللام
|
١٦٥
|
ك
|
ذكر بقية
الكلام عن المنادى
|
١٦٦
|
ك
|
ذكر الترخيم
|
١٦٨
|
ك
|
ذكر المندوب
|
١٧٠
|
ك
|
ذكر المفعول
به الذي أضمر عامله على شريطة التفسير
|
١٧٢
|
ك
|
ذكر التحذير
|
١٧٦
|
ك
|
ذكر المفعول
فيه
|
١٧٧
|
ك
|
ذكر المفعول
له
|
١٧٩
|
ك
|
ذكر المفعول
معه
|
١٧٩
|
ك
|
ذكر الحال
|
١٨٢
|
ك
|
ذكر التمييز
|
١٨٧
|
ك
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
ذكر تمييز
الذات المذكورة التي هي مقدار
|
١٨٩
|
ك
|
ذكر تمييز
الذات التي هي غير مقدار
|
١٩١
|
ك
|
ذكر تمييز
الذات المقدرة
|
١٩١
|
ك
|
ذكر
الاستثناء
|
١٩٥
|
ك
|
فصل : وإذا
تعقب الاستثناء جملا بالواو
|
١٩٥
|
|
ذكر وجوب نصب
المستثنى
|
١٩٥
|
ك
|
ذكر جواز نصب
المستثنى
|
١٩٧
|
ك
|
ذكر
الاستثناء المفرغ
|
١٩٨
|
ك
|
ذكر البدل
على المحل
|
١٩٨
|
ك
|
ذكر إعراب
غير
|
٢٠٣
|
ك
|
ذكر خبر كان
وأخواتها
|
٢٠٤
|
ك
|
ذكر اسم إن
وأخواتها
|
٢٠٥
|
ك
|
ذكر منصوب لا
التي لنفي الجنس
|
٢٠٦
|
ك
|
ذكر خبر ما
ولا المشبهتين بليس
|
٢١٢
|
ك
|
ذكر
المجرورات
|
٢١٣
|
ك
|
ذكر الإضافة
المعنوية
|
٢١٤
|
ك
|
ذكر الإضافة
اللفظية
|
٢١٥
|
ك
|
ذكر ما تمتنع
إضافته
|
٢١٧
|
ك
|
ذكر إضافة
الاسم الصحيح والملحق به
|
٢١٨
|
ك
|
ذكر إضافة
المقصور والمنقوص
|
٢١٩
|
ك
|
ذكر بقية
الكلام على الإضافة
|
٢٢٢
|
ك
|
ذكر التوابع
|
٢٢٣
|
ك
|
ذكر النعت
|
٢٢٤
|
ك
|
فصل : والنظر
في الوصف على أربعة ضروب
|
٢٢٧
|
ك
|
فصل : واعلم
أن المصدر يقع صفة
|
٢٢٨
|
م
|
ذكر العطف
|
٢٢٩
|
ك
|
ذكر التأكيد
|
٢٣٢
|
ك
|
ذكر البدل
|
٢٣٥
|
ك
|
ذكر عطف
البيان
|
٢٣٩
|
ك
|
ذكر المبني
|
٢٤٠
|
ك
|
ذكر المضمرات
|
٢٤٠
|
ك
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
ذكر تقسيم
المضمر
|
٢٤٢
|
ك
|
ذكر الضمير
المرفوع المتصل
|
٢٤٢
|
ك
|
ذكر الضمير
المرفوع المنفصل
|
٢٤٣
|
ك
|
ذكر المنصوب
المتصل
|
٢٤٤
|
ك
|
ذكر المنصوب
المنفصل
|
٢٤٤
|
ك
|
ذكر الضمير
المجرور
|
٢٤٥
|
ك
|
ذكر الضمير
المستتر
|
٢٤٩
|
ك
|
ذكر أحكام
الضمير المنفصل
|
٢٥٠
|
ك
|
ذكر الضمائر
التي يجوز فيها الاتصال والانفصال
|
٢٥١
|
ك
|
ذكر المضمر
الواقع بعد عسى
|
٢٥٣
|
ك
|
ذكر نون
الوقاية
|
٢٥٦
|
ك
|
ذكر الفصل
|
٢٥٧
|
|
ذكر ضمير الشأن
|
٢٥٩
|
ك
|
ذكر أسماء
الإشارة
|
٢٦١
|
ك
|
ذكر
الموصولات
|
٢٦٤
|
ك
|
ذكر تعدد
الموصولات
|
٢٦٥
|
ك
|
ذكر الإخبار
بالذي وبابها
|
٢٦٦
|
ك
|
ذكر أنواع ما
|
٢٦٩
|
ك
|
ذكر أنواع من
|
٢٧١
|
ك
|
ذكر أنواع أي
وأية
|
٢٧٢
|
ك
|
ذكر ما ذا
|
٢٧٣
|
ك
|
ذكر أسماء
الأفعال
|
٢٧٣
|
ك
|
فصل : أسماء
الأفعال تنقسم إلى مرتجل ومشتق ومنقول
|
٢٧٥
|
|
فصل : ومذهب
سيبويه أن كلّ فعل ثلاثي يبنى منه فعال بمعنى أفعل
|
٢٧٥
|
|
فصل : ومن
أسماء الأفعال ها بمعنى خذ
|
٢٧٦
|
م
|
فصل : ومن
المبنيات ما يوافق فعال في الصيغة
|
٢٧٧
|
ك
|
ذكر الأصوات
|
٢٧٩
|
ك
|
ذكر المركبات
|
٢٧٩
|
ك
|
ذكر الكنايات
المبنيات
|
٢٨١
|
ك
|
ذكر الظروف
المبنية
|
٢٨٥
|
ك
|
ذكر اسم
الجنس
|
٢٩٢
|
م
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
ذكر المعرفة
|
٢٩٣
|
ك
|
ذكر النكرة
|
٣٠٠
|
ك
|
ذكر اسم
العدد
|
٣٠١
|
ك
|
ذكر تمييز
الثلاثة إلى العشرة
|
٣٠٣
|
ك
|
ذكر تمييز
أحد عشر إلى تسعة وتسعين
|
٣٠٤
|
ك
|
ذكر تمييز
المائة وما فوقها
|
٣٠٤
|
ك
|
ذكر ما لا
يميز وغير ذلك
|
٣٠٤
|
ك
|
ذكر التصيير
والحال
|
٣٠٥
|
ك
|
ذكر تعريف
الأعداد
|
٣٠٦
|
ك
|
ذكر المذكر
والمؤنث
|
٣٠٧
|
ك
|
ذكر التثنية
|
٣١٠
|
ك
|
ذكر تثنية
الملحق بالصحيح والمقصور والممدود
|
٣١١
|
ك
|
ذكر الجمع
|
٣١٣
|
ك
|
ذكر جمع
المذكر السالم
|
٣١٥
|
ك
|
ذكر جمع
التكسير
|
٣١٨
|
ك
|
ذكر الأسماء
المتصلة بالأفعال
|
٣١٩
|
|
ذكر المصدر
|
٣١٩
|
ك
|
ذكر اسم
الفاعل
|
٣٢٦
|
ك
|
ذكر اسم
الفاعل من الفعل الثلاثي
|
٣٢٧
|
ك
|
ذكر اسم
الفاعل من غير الثلاثي
|
٣٢٧
|
ك
|
ذكر عمل اسم
الفاعل
|
٣٢٧
|
ك
|
ذكر أبنية
المبالغة
|
٣٣٠
|
ك
|
ذكر اسم
المفعول
|
٣٣١
|
ك
|
ذكر الصفة
المشبهة
|
٣٣٣
|
ك
|
ذكر التشابه
والاختلاف بين الصفة المشبهة واسم الفاعل
|
٣٣٤
|
|
ذكر مسائلها
الثماني عشرة
|
٣٣٥
|
ك
|
ذكر الرافع
والناصب والجار لمعمول الصفة المشبهة
|
٣٣٨
|
ك
|
ذكر الصفة
التي فيها ضمير أو ضميران أو لا ضمير فيها أصلا
|
٣٣٨
|
ك
|
ذكر اسم
التفضيل
|
٣٣٩
|
ك
|
ذكر بناء
أفعل التفضيل
|
٣٤٠
|
ك
|
ذكر كيفية
استعماله من الزائد على الثلاثي ومن الألوان والعيوب
|
٣٤١
|
ك
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
ذكر استعماله
للفاعل والمفعول
|
٣٤٢
|
ك
|
ذكر الأمور
الثلاثة التي لا يستعمل أفعل إلا بأحدها
|
٣٤٢
|
ك
|
ذكر أفعل
المستعمل بمن
|
٣٤٧
|
ك
|
ذكر عمل أفعل
التفضيل
|
٣٤٧
|
ك
|
ذكر اسم
الزمان والمكان
|
٣٤٩
|
م
|
ذكر مفعل من
معتل الفاء
|
٣٥١
|
م
|
ذكر مفعل من
معتل اللام
|
٣٥٢
|
م
|
فصل : وقد
تدخل تاء التأنيث على بعض أسماء المكان
|
٣٥٢
|
م
|
ذكر اسم
الزمان والمكان من الزائد على الثلاثي
|
٣٥٣
|
م
|
ذكر ما جاء
فيه مفعلة
|
٣٥٣
|
م
|
ذكر اسم
الآلة
|
٣٥٤
|
م
|
ذكر المصغر
|
٣٥٦
|
ش
|
فصل : وكل
اسم على حرفين فإن التصغير يرده إلى أصله
|
٣٥٦
|
م
|
فصل : وإذا
صغرت نحو : ابن واسم
|
٣٥٧
|
م
|
فصل : وكل
اسم فيه حرف بدل من حرف آخر
|
٣٥٨
|
م
|
فصل : وإذا
صغر ما ثالثه واو نحو : أسود
|
٣٥٩
|
م
|
فصل : وإذا
كان في الاسم تاء التأنيث فهي إما ظاهرة وإما مقدرة
|
٣٦٠
|
م
|
فصل : وإذا
صغرت ما رابعه حرف زائد من حروف المد واللين. نحو : مصباح
|
٣٦٠
|
م
|
فصل : وإذا
صغرت ما فيه ثلاثة أصول وزيادتان
|
٣٦١
|
م
|
فصل :
والزيادة إن كانت رابعة ألفا أو واوا أو ياء ثبتت ولم تحذف.
|
٣٦١
|
م
|
فصل : وجمع
القلة يصغر على بنائه
|
٣٦٢
|
م
|
فصل : وتصغير
الفعل ليس بقياس
|
٣٦٣
|
م
|
فصل :
والأسماء المركبة نحو : بعلبك
|
٣٦٣
|
م
|
فصل : وتصغير
الترخيم
|
٣٦٣
|
م
|
فصل : وأما
تصغير الغير المتمكن فمنه : الأسماء المبهمة
|
٣٦٣
|
م
|
ذكر المنسوب
|
٣٦٥
|
م
|
فصل : إذا
نسبت إلى ثلاثي مكسور العين
|
٣٦٦
|
م
|
فصل : وينسب
إلى فعيلة بفتح الفاء وكسر العين نحو : حنيفة
|
٣٦٦
|
م
|
فصل : وإذا
نسبت إلى نحو : أسيّد وسيد
|
٣٦٧
|
م
|
فصل : وإذا
نسبت إلى ما في آخره ألف
|
٣٦٨
|
م
|
فصل : وإذا
كان آخر الاسم ياء قبلها كسرة
|
٣٦٨
|
م
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
فصل : وإذا كان آخر الاسم واوا أو ياء
قبلها ساكن نحو : غزو وظبي
|
٣٦٩
|
م
|
فصل : وإذا نسبت إلى منسوب
|
٣٧٠
|
م
|
فصل : وما في آخره ألف ممدودة
|
٣٧٠
|
م
|
فصل : وإذا نسب إلى اسم على حرفين
وكان متحرك الوسط كأب وأخ
|
٣٧١
|
م
|
فصل : وإذا نسبت إلى بنت وأخت
|
٣٧٣
|
م
|
فصل : وينسب إلى الصدر من الأسماء
المركبة
|
٣٧٣
|
م
|
فصل : وإذا نسبت إلى اسم مضاف كابن
الزبير
|
٣٧٤
|
م
|
فصل : وقد جاءت أسماء منسوبة خارجة عن
القياس
|
٣٧٤
|
م
|
فصل : وقد يقوم مقام ياء النسب صيغتان
فعال وفاعل
|
٣٧٥
|
م
|
فصل في المقصور والممدود
|
٣٧٥
|
م
|
فصل في الوزن
|
٣٧٩
|
ش
|
ذكر ما جاء فيه دليل على أنه لم يقصد
به التكرار بل زيد واتفق موافقة الزائد لما قبله
|
٣٨١
|
ش
|
ذكر كيفية وزن الكلمة المقلوبة
|
٣٨٢
|
ش
|
ذكر ما يتعرف به القلب
|
٣٨٢
|
ش
|
ذكر كيفية وزن الكلمة المحذوفة
|
٣٨٤
|
ش
|
فصل في الأبنية
|
٣٨٥
|
|
ذكر تقسيم الأبنية الأصول
|
٣٨٥
|
ش
|
ذكر أبنية الاسم الثلاثي المجرد
|
٣٨٦
|
ش
|
ذكر أبنية الاسم الرباعي المجرد
|
٣٨٨
|
ش
|
ذكر أبنية الاسم الخماسي المجرد
|
٣٨٩
|
ش
|
فصل : في أبنية المزيد فيه
|
٣٨٩
|
م
|
ذكر أبنية الاسم الثلاثي المزيد فيه
|
٣٩٠
|
م
|
ذكر الزيادة الواحدة
|
٣٩١
|
م
|
ذكر الزيادتين المفترقتين
|
٣٩٢
|
م
|
ذكر الزيادتين المجتمعتين
|
٣٩٥
|
م
|
ذكر الزيادات الثلاث المفترقة
|
٣٩٧
|
م
|
ذكر الزيادات الثلاث المجتمعة
|
٣٩٨
|
م
|
ذكر الزيادات الثلاث على وجه تنفرد
واحدة وتجتمع اثنتان
|
٣٩٨
|
م
|
ذكر الزيادات الأربع
|
٣٩٩
|
م
|
ذكر أبنية الاسم الرباعي المزيد فيه
|
٣٩٩
|
م
|
الموضوع
|
الصفحة
|
الرمز
|
ذكر الزيادة
الواحدة في الرباعي
|
٤٠٠
|
م
|
ذكر
الزيادتين المفترقتين
|
٤٠٢
|
م
|
ذكر
الزيادتين المجتمعتين
|
٤٠٣
|
م
|
ذكر الزيادات
الثلاث في الرباعي
|
٤٠٤
|
م
|
ذكر أبنية
الاسم الخماسي المزيد فيه
|
٤٠٥
|
م
|
|