بسم الله الرحمن الرحيم

قال المصنّف رفع الله درجته

، المطلب العاشر في أنّا فاعلون (١)، اتّفقت الإمامية والمعتزلة على أنّا فاعلون ، وادّعوا الضّرورة في ذلك ، فإنّ كلّ عاقل لا يشكّ في الفرق بين الحركات الاختيارية والاضطراريّة ، وأنّ هذا الحكم مركوز في عقل كلّ عاقل ، بل قلوب

__________________

(١) اختلفت كلمة المتكلمين في خلق الاعمال وأن أفعالنا الارادية هل هي صادرة عنا باختيارنا وقدرتنا أو عن قدرته تعالى أو عن كلتيهما بالتشريك المتساوى أو المتفاوت أو الوجوه والمحتملات الأخر؟ وذهب الى كل منها قوم : فعزى الى جهم بن صفوان انه كان يقول : لا مؤثر في الوجود الا الله تعالى شأنه ، وأما العبد فليس له فعل أصلا احداثا ولا كسبا.

وذهبت النجارية والاشاعرة الى أن تلك الأفعال صادرة عنه تعالى وليس لاحداثها علة سواه ، نعم جعلوا للعبد الكسب ، وهذا هو الفارق بين مقالتهم ومقالة الجهم.

ثم الاشاعرة اختلفوا بحيث اضطربوا في معنى الكسب ، فذهب الشيخ أبو الحسن


الأشعري قدوتهم الذي اشتهروا به : الى أن معناه أن الله تعالى قد أجرى العادة بأن العبد متى اختار الطاعة أو المعصية فعلها الله تعالى فيه ، وفعل فيه القدرة عليها ، والعبد له الاختيار ، وليس لتلك القدرة في ذلك أثر ، بل القدرة والمقدور واقعان بقدرة الله تعالى. وقال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب التمهيد : ان معناه كون ذات الفعل من الله تعالى وكونه معنونا بعنوان الطاعة أو المعصية أو غيرهما من العناوين من العبد ، وذلك مناط التكليف وعليه يدور استحقاق الثواب والعقاب ، وذلك كلطمه اليتيم فإنها تقع تأديبا وتقع ظلما ، فذات اللطمة منه تعالى وكونه تأديبا أو ظلما من العبد.

وقال بعضهم : ان الاعتقاد بالكسب في أفعال العباد لازم ، ولكن حقيقته غير معلومة لنا الى غير ذلك من التفاسير التي ترى في كلمات الاشاعرة ، وهي في غاية الاضطراب والتشتت ، واكتفى بعضهم في تقريبه وتفسيره بإيراد الامثلة وزاد عيا على عي.

ثم ان من القائلين بالتشريك بين القدرتين في صدور الأفعال الشيخ أبو إسحاق الأسفراييني ، فيحكى عنه أنه ذهب الى أن الفعل واقع بقدرته تعالى وقدرة العبد معا. والحق الحقيق بالقبول الذي تساعده الأدلة العقلية والحجج السمعية ما ذهب اليه أصحابنا من الأمر بين الأمرين كما سبق شرحه «ج ١ من ص ٤٠٦ الى ٤٢٢» وسيأتي في محله إن شاء الله تعالى.

قال الشريف الآية الباهرة السيد محمد الباقر الطباطبائى الحائرى في منظومته (مصباح الظلام ص ٢٠):

ومن يضم قدرة الله انى

قدرته أنقص ما قد كملا

والكفر والفجور في العبيد

وما استحقوه من الوعيد

من العذاب باقتحام النار

ونحوه آية الاختيار

وهل ترى يخلق فيمن قد اثم

ما حصل الإثم به وينتقم

وليس يجديك حديث الكسب

ان كان موجودا بخلق الرب

واى مانع من التعدي

عنه إذا نسبته للعبد


الأطفال والمجانين ، فانّ الطفل لو ضربه غيره بآجرة (١) تؤلمه ، فانه يذمّ الرّامي دون تلك الآجرة ، ولو لا علمه الضّروري بكون الرّامي فاعلّا دون الآجرّة لما استحسن ذمّ الرّامي دون الآجرّة ، بل هو حاصل في البهائم ، قال أبو الهذيل (٢) حمار بشر أعقل من بشر ، لأنّ حمار بشر إذا أتيت به إلي جدول كبير ، فضربته لم يطاوع على العبور ، وإن أتيت به إلى جدول صغير جازه ، لأنّه فرّق بين ما يقدر عليه وبين ما لا يقدر عليه ، وبشر لم يفرّق بينهما ، فحماره أعقل منه ، وخالفت الأشاعرة في ذلك ، وذهبوا إلى أن لا مؤثر إلا الله ، فلزمهم من ذلك محالات «انتهى».

__________________

وقال العلامة السيد باقر الجائسى الهندي في منظومته :

للعبد في أفعاله اختيار

وبالضرورة انتفى الإجبار

وانما الوجوب للدواعي

لا يوجب الجبر للامتناع

مع أنه لو تم في المقام

لا وجب الإيجاب في العلام

فما الجواب فهو الجواب

وقد عرفت ما هو الصواب

وسيأتي في كلمات مولانا العلامة وسيدنا القاضي الشهيد وما علقنا عليها ما يزيح العلل ان شاء الله تعالى.

(١) آجرة بتشديد الراء المهملة جمعها آجر.

(٢) هو أبو الهذيل محمد بن عبد الله بن مكحول البصري المشتهر بالعلاف من زعماء المعتزلة وممن شيد أركان الاعتزال ، له تصانيف منها كتاب الملاس وكتاب في مناظراته مع على الميثمي ، أضر واطرش في أخريات عمره ، توفى ببلدة سر من رأى سنة ٢٢٦ وقيل ٢٢٧ وقيل ٢٣٥ وهو غير أبى الهذيل زفر بن هذيل الحنفي العنبري المتوفى سنة ١٥٨ فراجع الريحانة ج ٥ ص ١٩٤.


قال النّاصب خفضه الله

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرة الله وحدها ، وليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل الله سبحانه أجرى عادته بأنّه يوجد في العبد قدرةّ واختيارا فإذا لم يكن هناك مانع ، أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقا لله تعالى إبداعا وإحداثا ومكسوبا للعبد ، والمراد بكسبه إيّاه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلّا له ، وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري (١) ، فأفعال العباد الاختيارية على مذهبه تكون مخلوقة لله تعالى مفعولة للعبد ، فالعبد فاعل وكاسب ، والله خالق ومبدع ، هذا حقيقة مذهبهم ، ولا يذهب على المتعلّم أنّهم ما نفوا نسبة الفعل والكسب عن العبد ، حتّى يكون الخلاف في أنّه فاعل أولا ، كما صدّر الفصل بقوله : إنّا فاعلون ، واعترض الاعتراضات عليه ، فنحن أيضا نقول : إنّا فاعلون ، ولكن هذا الفعل الذي اتّصفنا به ، هل هو مخلوق لنا أو خلق الله فينا وأوجده مقارنا لقدرتنا واختيارنا؟ وهذا شيء لا يستبعده العقل ، فانّ الأسود هو الموصوف بالسّواد ، والسّواد مخلوق لله تعالى ، فلم لا يجوز أن يكون العبد فاعلا ويكون الفعل مخلوقا لله؟! ودليل الأشاعرة أنّ فعل العبد ممكن في نفسه ، وكلّ ممكن مقدور لله ، لشمول قدرته كما ثبت في محلّه (٢) ، ولا شيء ممّا هو مقدور لله بواقع بقدرة العبد لامتناع اجتماع قدرتين مؤثّرتين على مقدور واحد لما هو ثابت في محلّه ، وهذا دليل لو تأمّله المتأمّل يعلم أنّ المدّعى حقّ صريح ، ولا شكّ أنّ الممكن إذا صادفته القدرة القديمة المستقلّة توجده ، ولا مجال للقدرة الحادثة ، والمعتزلة اضطرّتهم الشّبهة إلى اختيار مذهب رديّ ،

__________________

(١) قد سبقت ترجمته في تعاليق ص ١١٨ من الجزء الاول وفي غيرها أيضا.

(٢) قد سبق في مبحث القدرة (ج ١ ص ١٦٣).


وهو إثبات تعدّد الخالقين غير الله في الوجود ، وهذا خطاء عظيم ، واستجراء كبير ، لو تأمّلوا قباحته لارتدعوا منه كلّ الارتداع كما سنبيّن لك إن شاء الله في أثناء هذه المباحثات ، ثمّ إنّ مذهب المعتزلة ومن تابعهم من الاماميّة أنّ أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرة العبد وحدها على سبيل الاستقلال ، بلا إيجاب بل باختيار ، ولهم في اختيار هذا المذهب طرق ، منها ما اختاره أبو الحسين (١) من مشايخهم وذكره هذا الرّجل وهو ادّعاء الضّرورة في إيجاد العبد لفعله ، ويزعم أنّ العلم بذلك ضروريّ لا حاجة به إلى الاستدلال وبيان ذلك أنّ كلّ عاقل يجد من نفسه التّفرقة بين حركتي المختار والمرتعش ، وأنّ الأوّل مستند إلى دواعيه واختياره ، وأنّه لو لا تلك الدّواعي والاختيار ، لم يصدر عنه شيء منه بخلاف حركة المرتعش ، إذ لا مدخل فيه لإرادته ودواعيه ، وجعل أبو الحسين ومن تابعه من الاماميّة إنكار هذا سفسطة مصادمة للضّرورة كما اشتمل عليه أكثر دلائل هذا الرّجل في هذا المبحث ، والجواب : أنّ الفرق بين الأفعال الاختياريّة وغير الاختياريّة ضروريّ لكنّه عائد إلى وجود القدرة ، منضمّة إلى الاختيار في الأولى ، وعدمها في الثانية لا إلى تأثيرها في الاختيارية ، وعدم تأثيرها في غيرها ، والحاصل أنّا نرى الفعل الاختياري مع القدرة والفعل الاضطراري بلا قدرة ، والفرق بينهما يعلم بالضّرورة ، ولكن وجود القدرة مع الفعل الاختياري لا يستلزم (٢) تأثيرها فيه ، وهذا محلّ النّزاع

__________________

(١) هو أبو الحسين بن محمد بن على البصري الولادة البغدادي المسكن والمدفن ، توفى سنة ٤٣٦ ببغداد وكان من زعماء الاعتزال ، له تآليف وتصانيف منها كتاب المعتمد في اصول الفقه وقد استفاد منه الرازي في كتابه المحصول ومنها كتاب غرر الأدلة وغيرهما من الآثار فراجع الريحانة (ج ٥ ص ٤١).

(٢) إذ لا يلزم من دوران الشيء كالفعل الاختياري مع غيره كالقدرة والاختيار وجودا وعدما كون المدار علة للدائر ، ولا من العلية ان يسلم ثبوتها الاستقلالى بها لجواز


فتلك التّفرقة التي تحكم بها الضرورة لا تجدي للمخالف نفعا. ثم إنّ دعوى الضرورة في إثبات هذا المدّعى باطل صريح ، لأنّ علماء السّلف كانوا بين منكرين لإيجاد العبد فعله ، ومعترفين مثبتين له بالدّليل ، فالموافق والمخالف له اتّفقوا على نفي الضّرورة عن هذا المتنازع فيه ، لا التّفرقة بالحسّ بين الفعلين فانّه لا مدخل له في إثبات المدّعى ، لأنّه مسلّم بين الطرفين فكيف يسمع نسبة كلّ العقلاء إلى إنكار الضّرورة فيه ، وأيضا أنّ كلّ سليم العقل إذا اعتبر حال نفسه ، علم أنّ إرادته للشّيء لا تتوقف على إرادته لتلك الإرادة وأنّه مع الإرادة الجازمة منه الجامعة (١) يحصل المراد ، وبدونها لا يحصل (٢) ، ويلزم منها (٣) أنّه لا إرادة منه ، ولا حصول الفعل عقيبها منه ، وهذا ظاهر للمنصف المتأمّل فكيف يدّعى الضرورة في خلافه؟ فعلم أنّ كلّ ما ادّعاه هذا الرّجل من الضّرورة في هذا المبحث فهو مبطل فيه «انتهى».

أقول

إثبات القدرة بدون التأثير من سخيف القول كما مرّ ، وسيجيء عن قريب إن شاء الله تعالى ، والتّمسك بجريان العادة قد أسبقنا في بيان فساده ما لا يحتاج إلى الإعادة ، وأمّا الكسب (٤) فقد اكتسب من السّخف والفساد ما اكتسبا وزيادة ، وأمّا ما ذكره بقوله : فنحن أيضا نقول : إنّا فاعلون إلخ فهو كاذب فيه ، كيف؟ وهم صرّحوا

__________________

أن يكون المدار جزءا أخيرا من العلة المستقلة.

(١) للشرائط وارتفاع الموانع.

(٢) بل يحصل له تلك الإرادة سواء أرادها او لم يردها.

(٣) اى من المقدمات التي علمتها بالوجدان.

(٤) فراجع ص ٣٩٩ من الجزء الاول حتى يتبين لك اضطراب القوم في معناه ان هذا المخترع لا يسمن ولا يغنى بل يلقى صاحبه في الحوالك.


بأنّ الفعل من الله تعالى والكسب من العبد ولو سلّم إطلاقهم الفاعل على العباد ، فإنّما يتجوّزون به عن معنى الكسب والمحلّيّة ، ولا يريدون به معناه الحقيقيّ الذي قصده المصنّف هاهنا ، وهو الإيجاد والإصدار الذي يتعارفه أهل اللّسان ، وأمّا ما ذكره من أنّ الأفعال التي يظهر صدورها عن العباد لا يستبعد العقل أن تكون صادرة في الحقيقة عن الله تعالى مقارنة لقدرتنا ، فيتوجّه عليه ، أنّه يتضمّن إنكار البديهيّ الظاهر المشاهد لكل أحد صدورها عن العباد ، وارتكاب نسبتها إلى الله تعالى على طريقة الرّجم بالغيب ، والرّمى في الظلام ، فكيف لا يكون مستبعدا؟ وأىّ دليل قطعيّ او إقناعيّ ظنيّ قام على خلاف المشاهد الظاهر حتى يكون رافعا لاستبعاد العقل؟ وبهذا يظهر فساد تمثيله بالأسود فانّ السّواد قائم عليه بمعنى وقوعه عليه ، فلا وجه لقياسه إلى الأفعال القائمة بالعباد بمعنى صدورها عنهم كالأكل والشّرب كما مرّ بيانه ، ولهذا ترى أهل العدل يحكمون بأنّ السّواد والبياض ونحوهما من الأعراض فعل الله تعالى ، والأكل والشّرب والزّنا والسّرقة ونحوها من فعل العبد ، وأما ما ذكره من دليل الأشاعرة فهو مع كونه مشهورا معتمدا عليه عندهم ولهذا أيضا خصّه النّاصب بالذّكر هاهنا مردود من وجوه ، أما أولا ، فلأنّ شمول قدرته تعالى لجميع المقدورات ممّا لم يثبت عند المعتزلة ، فانّهم يخصصون خلق الأجسام بقدرة الله تعالى ، وأفعال العباد بقدرتهم ، وأما ثانيا فلأنّه منقوض (١) باتّخاذ الولد ونحوه ، فانّه ممكن في نفسه مع استحالته على الله تعالى اتفاقا ، وما هو جوابكم عن هذا فهو جوابنا عن ذلك. وأما ثالثا ، فلأنّه إن أريد بشمول قدرته لجميع الممكنات تعلّقها به بالذّات ، فهو ممنوع وغير لازم ممّا استدلوا به على ذلك المطلوب ، بل يجوز أن يكون تعلّقها إلى بعض بالذّات وإلى بعض آخر بالواسطة ،

__________________

(١) وهذا النقض من خواص هذا التعليق ، لم أجده في كتاب ولا سمعته عن أحد. منه «قده».


وكلام الاصفهاني (١) في شرحه للطوالع يدلّ على ذلك حيث قال : والحقّ أن انتهاء كلّ الممكنات الموجودة إليه دليل على أنّه قادر على الكلّ ، وإن أريد تعلّقها به على وجه الأعمّ ، فهذا لا ينافي كون أفعال العباد مقدورة لهم بالذّات ، وأما رابعا فلأنّه إن أريد بشمولها للجميع (٢) تعلّقها به بالفعل فهذا غير لازم ممّا ذكروه في بيانه ، لجواز أن لا يكون الإمكان علّة لتعلّقها به بالفعل ، بل لإمكان التعلّق وفعليته يستند إلى ما ينضم إلى الإمكان ، وإن أريد به تعلّقها بالإمكان ، فذلك لا يستلزم الفعليّة في جميع الممكنات ، حتّى يلزم اجتماع قدرتين مؤثّرتين بالفعل في مقدور واحد ، والحاصل أنّ الإمكان كما حققه المحقق الطوسي (٣) طيّب الله مشهده ، علّة

__________________

(١) الطوالع للقاضي البيضاوي وشرحه الشهير للشيخ شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الاصفهانى المتوفى سنة ٧٤٩.

(٢) لا يقال : ان نسبة الفعل الى الله تعالى مقدورا له اولى من نسبته الى العبد لكونه مقدورا له ، لأنا نقول : ان هذه الأولوية ليست الا بمعنى كونه أقدر وأكبر وأعظم مقدورا ، وليس في ذلك ما يوجب الاولوية والترجيح بالنظر الى مقدور واحد ، وبالجملة بالنظر الى ما انحصر من مقدورات العبد الضعيفة كما وكيفا.

(٣) هو فيلسوف الإسلام وعلامة الحكماء شيخنا أبو جعفر محمد بن محمد بن الحسن الجهرودى الأصل المشتهر بالمحقق الطوسي ، نابغة الاعصار ، ويتيمة الدهر ، ومن يليق أن تفتخر به العلوم وأهلها ، ولد سنة ٥٩٥ ، وقيل ٥٩٧ ، أخذ العلوم عن جماعة ، منهم والده العلامة ، والشيخ سالم بن بدران ، والسيد فضل الله الراوندي ، وفريد الدين الداماد ، وقطب الدين المصري ، وغيرهم من فطاحل الفريقين ، وله كتب رائقة ورسائل فائقة تقرب من مائة وخمسين ، منها أساس الاقتباس في المنطق ، ومنها شرح الإشارات ، ومنها الفرائض النصيرية ، ومنها البارع في التقويم وأحكام النجوم ، ومنها جامع الحصى في التخت والتراب والكرة والأسطرلاب ، ومنها جام گيتى نما ، ومنها تحرير المجسطي ، ومنها تلخيص المحصل أو نقد المحصل ، ومنها تهافت الفلاسفة ، ومنها آغاز وانجام ، ومنها اوصاف الاشراف ، ومنها مساحة


__________________

الاشكال ، ومنها المعطيات ومنها أخلاق ناصري ، ومنها تحرير اصول الهندسة لاقليدس ، ومنها تحرير الأكر لما لا ناووس ، ومنها التقويم العلائى ، ومنها كليات الطب ، ومنها اثبات الواجب ومنها اثبات ان الفرقة الناجية هم الامامية ، ومنها خلق الاعمال ، ومنها تجريد الكلام في المنطق والكلام ، ومنها الجبر والتفويض الى غير ذلك من الآثار الممتعة ، وكان شاعرا مفلقا أديبا أريبا ومن شعره في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قوله :

لو أن عبدا أتى بالصالحات غدا

يود كل نبى مرسل وولى

وصام ما صام صوام بلا ملل

وقام ما قام قوام بلا كسل

وعاش في الدهر آلافا مؤلفة

عار من الذنب معصوم بلا زلل

فليس في الحشر يوم البعث ينفعه

الا بحب أمير المؤمنين على

ومن شعره بالفارسية قوله :

نظام بى نظام ار كافرم خواند

چراغ كذب را نبود فروغى

مسلمان خوانمش زيرا كه نبود

مكافات دروغى جز دروغى

توفى سنة ٦٧٣ وقيل ٦٧٥ ، والأشهر ٦٧٢ ببغداد ، ونقل بوصية منه الى مشهد الامام ابى ابراهيم موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، ودفن في قبر قد كان الناصر العباسي ادخره لنفسه قبله بسنين ، ولم يوفق بالدفن فيه فهيأه الله لهذا المولى الجليل ، وما أجدر أن يقال ،

دهقان بباغ بهر كفن پنبه كاشته

مسكين پدر ز زادن فرزند شادمان

ورثاه الشعراء بقصائد عربية وفارسية ومما قيل في تاريخ وفاته.

نصير ملت ودين پادشاه كشور فضل

يگانه كه چو او مادر زمانه نزاد

بسال ششصد وهفتاد ودو به ذى حجه

بروز هيجدهم در گذشت در بغداد

أحذ عنه جماعة أشهرهم وأنبلهم مولانا آية الله العلامة الحلي ، والشيخ محمد البحراني ، والسيد أبو محمد الوراميني ، وغيرهم.

يروى المترجم عن جماعة منهم والده العلامة المولى محمد بن الحسن الطوسي ومنهم الشيخ سالم بن بدران المصري ، وغيرهما.


مصحّحة لتعلّق القدرة لا موجبة له ، ولا يلزم من تحقّق العلّة المصححة لشيء تحققه بالفعل ، لجواز أن يكون هناك ما يمنعه ، وبهذا يندفع دليل آخر للأشاعرة وهو أنّ العبد لو كان موجدا لفعل نفسه ، لجاز أن يوجد الجسم لأنّ المصحّح لتعلّق الإيجاد بفعل نفسه هو الإمكان ، وهو متحقق في الجسم والتّالي باطل «انتهى». وأما ما ذكره من أن أهل العدل اختاروا مذهبا رديّا هو إثبات تعدّد الخالقين فهو كلام مبهم إذا كشف غطاؤه ، وظهر جودة ما اختاروه ، وذلك لأنّ الرّدي إثبات تعدّد الخالق القديم الذي لا يكون مخلوقا لله ابتداء ، أو بواسطة كما يلزم الأشاعرة من القول بزيادة الصّفات القديمة ، وأما اثبات الخالق الحادث الذي يكون ذاته وحياته وقدرته وتمكينه وسائر صفاته وكمالاته مخلوقة لله تعالى كما هو شأن العبد على رأى أهل العدل ، فلا رداءة فيه ، بل فيه جودة تنزيه الله تعالى عن كونه فاعلا للقبائح والفواحش المنسوبة الى العبد كما مرّ مرارا ، وأما ما ذكره من الجواب فهو ممّا ذكره صاحب المواقف (١) وقد ظنّ الناصب المرتاب أنّه عين الصّواب ، بل كأنّه وجد تمرة الغراب (٢) ، وفيه نظر ، أما أولا فلأنّ محصّل كلام أبي الحسين والمصنف ومن وافقهم في هذا المقام دعوى البداهة في مقدّمات ثلاث ، إحداها علّية القدرة والاختيار وتأثيرهما ، والثانية أنّ العبد فاعل لنحو الصعود إلى المنارة بقدرته دون السقوط منها ودون حركته الارتعاشية ، والثالثة أنه لو لم تؤثر قدرته في هذا الصعود لم يصعد ، لا أنهم جعلوا الاولى منها نظرية ، والثانيتين دليلا عليها حتى

__________________

ويروى عنه مولانا العلامة وغيره ، فراجع الريحانة (ج ١ ص ٤١٦ الى ٤٢٥)

(١) قد مرت ترجمته «ج ١ ص ٤٧».

(٢) يطلق هذه الكلمة على ثمر شجرة يقال لها البلوط وعلى عود يجعل على رأس المثقبة التي تستعملها النجارون ، ويضرب المثل في حق من أتى بشيء خسيس ردى زعما انه أتى بشيء نفيس.


يتوجه أنه دوران غير مفيد للعلية ، ثمّ لو جعل الدّوران تنبيها على المقدمة الأولي لكان له وجه ، ويضعف منع لزوم العلّية ، واما ما ذكره من أنّ علماء السلف كانوا بين منكرين لإيجاد العبد فعله ومعترفين مثبتين له بالدليل إلخ مدخول بأن ما ذكره السلف من أهل العدل بصورة الدليل إنما هو تنبيهات على المدعى الضروري ، قد حملها من خالفهم من الأشاعرة على الاستدلال ليمكنهم إيراد المنع والنقض والمعارضة (١) عليها ، فلا يلزم ما توهمه الناصب من نسبة كل العقلاء إلى إنكار الضرورة

__________________

(١) هذه مصطلحات في علم آداب البحث والمناظرة ، والفرق بينها يظهر مما أفاده الجرجاني في كتاب الحدود (ص ١٤٨ ط مصر) قال ما لفظه :

المعارضة لغة هي المقابلة على سبيل الممانعة ، واصطلاحا هي إقامة الدليل على خلاف ما أقام الدليل عليه الخصم.

ودليل المعارض ان كان عين دليل المعلل يسمى (قلبا) ،

والا فان كانت صورته كصورته يسمى (معارضة بالمثل) والا (فمعارضة بالغير) ، وتقديرها إذا استدل على المطلوب بدليل فالخصم ان منع مقدمة من مقدماته او كل واحدة منها على التعيين فذلك يسمى (منعا مجردا) (ومناقضة) (ونقضا تفصيليا) ، ولا يحتاج في ذلك الى شاهد ، فان ذكر شيئا يتقوى به يسمى (سندا للمنع) ، وان منع مقدمة غير معينة بأن يقول ليس دليلك بجميع مقدماته صحيحا ، ومعناه ان فيها خللا فذلك يسمى (نقضا اجماليا) ولا بد هاهنا من شاهد على الاختلال ، وان لم يمنع شيئا من المقدمات لا معينة ولا غير معينة بان أورد دليلا على نقض مدعاه فذلك يسمى (معارضة) «انتهى».

قال الشيخ زين الدين المرصفى في منظومته :

ان قلت قولا ذا تمام خبري

إذا نقلت فيه عن معتبر

فيطلب التصحيح للنقل إذا

لم تلتزم فيما نقلته لذا

او ادعيت يطلب الدليل

ان كان غير واضح ذا القيل

ثم ثلاث للدليل عارضة

(منع) ونقل مجمل معارضة


بل اللازم نسبة المعزولين عن العقل والشعور ، وهم الأشاعرة الذين هذا شأنهم في أكثر المسائل كما لا يخفى ، وأما ثانيا فلأن وجود القدرة من غير تأثيرها إنما يورث الفرق على تقدير تحققه في نفس الأمر ، لكنه غير متحقق بشهادة الوجدان (١) بتأثيرها ، ثم لو كان الفارق وجود قدرة غير مؤثرة ، لزم عدم الفرق فان الساقط من المنارة له قدرة إسقاط نفسه أيضا ولا شك أنه إذا سقط لم تؤثر قدرته في هذه الحركة نعم إنهم قالوا : بتعلّق تلك القدرة والإرادة بالصعود دون السقوط ، لكن إذا لم يكن

__________________

فأول جزء الدليل مورده

فان يكن مدللا لا يورده

والثاني إبطال الدليل كله

بشاهد ينبئ عن قبوله

وثالث إقامة الدليل

على خلاف قول ذى التعليل

الى آخر ما أفاد ، وأنت لو تأملت فيما نقلناه عن أرباب هذا العلم لظهر لك في غاية الظهور الفروق بين المنع والنقض والمعارضة المذكورة في الكتاب.

ومما يؤسف عليه ان هذا العلم وعدة فنون أخر قد تركت في زوايا الخمول ، مع أن السلف كانوا شديدي الاهتمام بها فكم لهم فيها كتب قيمة ورسائل نفيسة ، مطبوعة ومخطوطة ، كرسالة آداب البحث للفاضل السمرقندي وشروحها العديدة ، ومنظومة المرصفى وشروحها ، وكتاب آداب البحث للسيد حسين المعمائى ، وكتاب آداب المناظرة للقاضي عضد الإيجي ، وكتاب آداب البحث للسيد فخر الدين السماكى وغيرها من الزبر الممتعة ، وأرجو من فضله وكرمه العميم أن يوفقنا باقتناء الفضائل آمين آمين.

(١) قال بعض الأفاضل في تعاليقه على هوامش تفسير البيضاوي ما محصله : ان الفرق بين الوجدان بكسر الواو والوجدان بضمها : ان الاول يطلق على القوة المدركة والثاني على إدراكها هذا ، ونكن المتداول بين أهل الفضل اطلاق كل منهما على كل من المعنيين فلا تغفل.


لها نحو تأثير في الفعل ، غير أنها مقارنة لمحلّه ، فتعلّقها وعدم تعلّقها إنما يفيد في صحة إطلاق اللّفظ دون التّغاير في نفس الفعل ، وكونه أثرا للقدرة مع أنّ البديهيّ هو الثّاني ، وبالجملة من أنصف من نفسه علم الفرق بين الحركتين ، بأنّ القدرة مؤثرة في الأولى دون الأخرى ، وإثبات القدرة بدون التّأثير لا يكون له معنى محصّل ، بل غير معقول أصلا كإثبات الباصرة للأعمى بدون الأبصار ، وإثبات السّامعة للأصّم بدون الاستماع ، وكما أنّ إنكار قدرة العبد مكابرة كذلك إنكار تأثيرها في بعض أفعاله (١) مكابرة ، والاعتراف بأنّ الأوّل مكابرة (٢) دون الثّاني مكابرة

__________________

(١) قال بعض فضلاء السادة من الشافعية : البصير لا يصير بصيرا الى أن قال : لا أثر لقدرة العبد في فعله ، فان فيه قطع طلبات الشرائع ، فمن زعم أن لا اثر لقدرته الحادثة في المقدور كمالا أثر للعلم في المعلوم ، فوجه مطالبة الله تعالى العبد في أفعاله كوجه مطالبته أن يثبت في نفسه ألوانا او يجعل للمحالات اكوانا ، وهذا خروج عن حد الاعتدال الى التزام الباطل المحال ، وفيه إبطال للشرائع ورد ما جاء به النبيون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهذا الزاعم الذي يدعى أن لا اثر لقدرته أصلا إذا طولب بوجه طلب الله فعل العبد تحريما وفرضا أخذ بالجواب طولا وعرضا ، بان الله سبحانه (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) و (يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) جدير بان يقال له هذه كلمة حق أريد بها الباطل ، نعم (يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) و (يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) لكن يتقدس عن الخلف وتكليف المحال ، فانه الحكم العدل تعالى شأنه عن الظلم أوجب على نفسه الأقدس الرحمة على عباده عدلا لا لان إتيان الظلم منه كما قيل محال ، منه «قده».

(٢) الفرق بين المكابرة والتحكم بعد اشتراكهما في كون كليهما دعوى بلاد ليل : أن المكابرة هي الدعوى بلا بينة مقرونة باكبار النفس وتحقير الخصم بخلاف التحكم فانه أعم منها.


في مكابرة ، لأنّ بديهة العقول حاكمة بأنّ بعض الأفعال تصدر منّا بتأثير قدرتنا فيها ، فإنكار كون العبد موجدا لأفعاله الاختياريّة سفسطة مصادمة للضرورة ، ويوضحه أنّ تعلّق القدرة بالفعل لا على وجه التّأثير ، كما اخترعوه وسمّوه بالكسب أمر خفىّ لا يهتدي إليه العقل ، فانّه إذا لم يكن للقدرة تأثير ، لا يظهر وجه تعلّقها به ، فان قيل : تعلّقها به هو أن تكون موجودة عنده قلنا : من أين يعلم وجودها عنده؟ فان قيل : علم وجودها عنده من الفرق بين حركة المرتعش وحركة المختار بالبديهة ، قلنا : الفارق هو الإرادة لأنّ حركة المرتعش حصلت من غير إرادة وحركة المختار حصلت بها ، والإرادة غير القدرة لأنّها صفة مخصّصة لأحد المقدورين بالوقوع ، فان قيل : إذا كانت الإرادة مخصّصة لأحد المقدورين بالوقوع فلا بدّ لوجودها من وجود القدرة. قلنا : لم لا يجوز أن يكون مخصّصة لأحد مقدوري الله تعالى بالوقوع؟ فانّ عادة الله جرت بأنّها إذا تعلّقت بأحد طرفي الممكن ، حصل ذلك الطرف ، وبالجملة القدرة الحادثة أى قدرة العبد عند الأشاعرة صفة يوجد الفعل معها ، وبعبارة أخرى كيفيّة وجوديّة قائمة بالفاعل موجودة عند الفعل ، فإذا لم يكن لها تأثير يكون في معرض الخفاء ، حتّى يبرهن على ثبوته ، ولعمري أنّ القول : بكسب العبد وأنّ قدرته غير مؤثرة ، وإنّما المؤثر قدرة الله سبحانه ثمّ القول بثواب العبد ، أو عقابه من باب أن يقال : إنّ أحدا قادرا على الزّنا مثلا إذا كان معه قادر آخر ، تكون قدرته أشدّ من قدرته ، وليس له أن يمنعه من الزّنا إذا لم يرتكب الزّنا وارتكب مصاحبة الزّنا ، صار هذا الشخص الغير المرتكب له العاجز عن أن يمنع فاعله مستحقا للرجم ، دون المرتكب له وهو كما ترى ، والحاصل أنّ القول : بالقدرة غير المؤثرة ممّا لا طائل تحته ، لأنّ القدرة صفة مؤثرة على وفق الإرادة ، فلو لم تكن قدرة العبد مؤثرةّ تكون تسميتها قدرة مجرّد اصطلاح ، ويؤيده الفرق


بين القدرة والعلم بتأثير القدرة وعدم تأثير العلم. وأما ما ذكره العلامة الدواني (١) في شرحه للعقائد العضديّة ، من أنّ القدرة لا تستلزم التّأثير بل ما هو أعمّ منه ومن الكسب ، وأنّ الفرق بينهما وبين العلم بأنّ القدرة تستلزم هذا ، ولا يستلزمه العلم فمردود بأنّ هذا إنّما يتم لو كان لكسب العبد معنىّ محصل معقول ، وإنّما قالوا به عن فرط التعنّت والمحجوجيّة كما مرّ ، وسيجيء إن شاء الله تعالى ، نعم يتوجّه على العدليّة أنّ الضروريّ هو الفرق بتأثير القدرة في الاختياريّة دون غيرها ، وأمّا استقلال تأثير قدرة العبد فيها بالاختيار كما هو مطلوبهم ، فليس بضروريّ ، بل هو ممنوع لا بدّ له من دليل ، لجواز أن يكون المؤثّر مجموع القدرتين كما هو مذهب أبى إسحاق الأسفرايني (٢) ، أو يكون المؤّثر قدرة العبد فقط على سبيل الإيجاب كما هو مذهب الفلاسفة. ويندفع بأنّ المقصود هاهنا بيان مدخلية قدرة العبد في الجملة في بعض أفعاله ، ردّا لمذهب الأشاعرة ، لا بيان خصوص المذهب الحقّ كما لا يخفى على المتأمل ، على أنّ مذهب الفلاسفة قد ثبت بطلانه بالدّليل العقليّ ، وبإجماع المسلمين ، وما ذهب إليه الأسفرايني ، مع أنه قول بلا رفيق ، ولا دليل عليه ، مردود أيضا بأنه إن أراد جواز أن يكون متعلّق القدرتين شيئا واحدا هو نفس الفعل ، ويكون كلّ منهما مؤثّرا مستقلا فحينئذ يلزم اجتماع المؤّثرين على أثر واحد ، وإن أراد جواز أن يكون مجموعهما من حيث المجموع ، مؤثّرا واحدا مستقّلا في التأثير دون كلّ واحد منهما بانفراده فيلزم حينئذ عدم استقلال قدرته تعالى ، بل احتياجه إلى معاون ومشارك تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، وأما ما ذكره بقوله : وأيضا أنّ كلّ سليم العقل إلخ فهو أيضا كلام صاحب المواقف ، وقد دلّ على عدم سلامة عقله ، لأنّا لو سلّمنا

__________________

(١) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ٤٠).

(٢) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ١٠١).


أنّ موجد إرادة العبد لو كان نفسه فتتوقّف تلك الإرادة منه على إرادته لها ، فلمّا لم تتوقّف هي عليها كما يعلم بالوجدان ، فلا تكون هي صادرة عنه بل تكون مخلوقة لله تعالى إلا أنّا لا نسلّم أنّ حصول الفعل عقيبها ليس منه ، وكون الفعل يحصل عقيب تلك الإرادة الجازمة الجامعة للشرائط ، وارتفاع الموانع لا يدلّ على ذلك ، إذ لا مانع من أن تكون الإرادة مخلوقة لله تعالى ، والفعل الذي لا ينفكّ عنها على الشّرط المذكور مخلوقا للعبد (١) ، ولو قيل : إنّ مع تلك الإرادة المخلوقة لله تعالى عند تحقّق الشّرط المذكور يتحقّق الفعل ، ولو لم يكن إيجاد من العبد فهو ممنوع (٢) لجواز أن يكون إيجاد العبد أيضا لازما لها غير منفكّ عنها أصلا لا بالفعل ، ولا بالإمكان ، فلو فرض هذا المحال وهو انفكاك إيجاد العبد عن تلك الإرادة ، لجاز وقوع محال آخر هو انفكاك الفعل أيضا عنها ، إذ المحال جاز أن يستلزم المحال ، وخصوصا إذا كان بينهما علاقة ظاهرة كما فيما نحن فيه ، وأما أنّ الفعل لا يحصل بدون تلك الإرادة فلا يدلّ على المطلوب أيضا إلّا إذا ثبت أنّ فعل العبد إذا توقف حصوله على إرادة مخلوقة لله تعالى لا يمكن أن يكون مخلوقا للعبد ، وهذا مع أنّه ممنوع ليس مذكورا

__________________

(١) وتوضيح هذا ما سيجيء من أنه إذا حصل لنا العلم بنفع فعل يتعلق به الإرادة بلا اختيارنا ، لكن تعلق الإرادة به غير كاف في تحققه ما لم تصر جازمة ، بل لا بد من انتفاء كف النفس عنه حتى تصير الإرادة جازمة موجبة للفعل ، وهذا الكف أمر اختياري يستند وجوده على تقدير تحققه الى وجود الداعي اليه وهي الإرادة الجازمة الى آخر ما ذكرنا هناك وبالجملة ترك الكف الذي هو اختياري من جملة شرائط حصول الفعل. منه «قده».

(٢) والحاصل أن إرادة العبد بانجاد الله تعالى فيه او ناشئة عن ذات العبد لازمة له ، وهو لا ينافي كونه مختارا إذ المختار ما يكون فعله معللا بإرادته لا أن تكون إرادته أيضا باختياره. منه «قده».


في المقدّمات ، ولا لازما منها.

قال المصنّف رفع الله درجته

منها مكابرة الضّرورة فإنّ العاقل يفرّق بالضّرورة بين ما يقدر عليه كالحركة يمنة ويسرة ، والبطش باليد اختيارا وبين الحركة الاضطراريّة كالوقوع من شاهق ، وحركة الحيوان ، وحركة المرتعش ، وحركة النبض ، ويفرق بين حركات الحيوان الاختياريّة وحركات الجماد ، ومن شكّ في ذلك فهو سوفسطائي (١) ، إذ لا شيء أظهر عند العاقل من ذلك ولا أجلى منه «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت جواب هذا فيما مرّ ، وقد ذكر هذا الرّجل هذا الكلام. ثمّ كرّره كما هو عادته في التكرارات القبيحة الطويلة الخالية عن الجدوى ، والجواب ما سبق «انتهى».

أقول

لا تكرار فيما ذكره المصنّف ، فانّ ذكره لدعوى الضّرورة سابقا إنّما كان عند تقرير مذهب العدليّة ، وذكره لها هاهنا إنّما هو في بيان ما يلزم من مذهب الأشاعرة والفرق بين المقامين ظاهر ، وأما ما ذكره النّاصب هناك من كلام صاحب المواقف ممّا زعمه صالحا للجواب عن هذا فقد دمّرنا عليه ثمّة وأبطلناه.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها إنكار الحكم الضروريّ من حسن مدح المحسن ، وقبح ذمّه ، وحسن

__________________

(١) قد مر المراد بهم وبيان فرقهم (ج ١ ص ٧٨).


ذمّ المسيء ، وقبح مدحه ،فانّ كلّ عاقل يحكم بحسن مدح من يفعل الطاعات دائما ، ولا يفعل شيئا من المعاصي ويبالغ في الإحسان إلى النّاس ، ويبذل الخير لكلّ أحد ، ويعين الملهوف ويساعد الضعيف ، وأنّه يقبح ذمّه ، ولو شرع أحد في ذمّه باعتبار إحسانه عدّه العقلاء سفيها ، ولامه كل أحد ، ويحكمون حكما ضروريا بقبح مدح من يبالغ في الظلم والجور والتّعدي والغصب ونهب الأموال وقتل الأنفس ، ويمتنع من فعل الخير وإن قلّ ، وأنّ من مدحه على هذه الأفعال عدّ سفيها ولامه كلّ عاقل ويعلم ضرورة قبح المدح والذمّ على كونه طويلا أو قصيرا ، أو كون السّماء فوقه ، والأرض تحته ، وإنّما يحسن هذا المدح والذمّ أن لو كانا صادرين عن العبد فانّه لو لم يصدر عنه لم يحسن توجّه المدح والذمّ إليه ، والأشاعرة لم يحكموا بحسن هذا المدح والذم فلم يحكموا بحسن مدح الله تعالى على إنعامه ولا الثناء عليه ولا الشّكر له ، ولا بقبح ذمّ إبليس وسائر الكفّار والظلمة المبالغين في الظلم ، بل جعلوهما متساويين في استحقاق المدح والذمّ ، فليعرض العاقل المنصف من نفسه هذه القضية على عقله ويتبع ما يقوده عقله إليه ، ويرفض تقليد من يخطئ في ذلك ، ويعتقد ضدّ الصّواب ، فانّه لا يقبل منه غدا يوم الحساب وليحذر من إدخال نفسه في زمر الذين قال الله تعالى عنهم : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) (١) «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : حاصل ما ذكره في هذا الفصل : أنّ المدح والذمّ يتوجهان إلى الأمور الاختياريّة ، ويحسن مدح المحسن ويقبح ذمّه ، ويقبح مدح المسيء ويحسن ذمه ولو لا أن تكون الأفعال باختيار الفاعل وقدرته لما كان فرق بين الأعمال الحسنة

__________________

(١) مؤمن. الآية ٥٠.


والسيئة ولا يستحقّ صاحب الأعمال الحسنة المدح ولا صاحب الأعمال القبيحة الذّم فعلم أنّ الأفعال اختياريّة وإلا يلزم التساوي المذكور وهو باطل ، والجواب أنّ ترتّب المدح والذمّ على الأفعال باعتبار وجود القدرة والاختيار في الفاعل ، وكسبه ومباشرته للفعل ، وأمّا أنه لتأثير قدرته في الفعل فذلك غير ثابت وهو المتنازع فيه ، ولا يتوقف ترتّب المدح والذمّ على التأثير ، بل يكفي وجود المباشرة والكسب في حصول الترتّب المذكور ، ثمّ ما ذكر أنّ المدح والذمّ لم يترتّب على ما لم يكن بالاختيار فباطل مخالف للعرف واللّغة ، فانّ المدح يعمّ الأفعال الاختياريّة وغيره بخلاف الحمد ، واختلف في الحمد أيضا ، وأما قوله : الأشاعرة لم يحكموا بحسن هذا المدح ، إن أراد أنّهم لم يقولوا بالحسن العقليّ للمدح والذمّ المذكورين فذلك كذلك ، لأنّهم لم يقولوا بالحسن والقبح العقليّ أصلا (١) وإن أراد نفى الحكم بحسن مدح الله وثنائه مطلقا ، فهذا من مفترياته ، فإنهم يحكمون بحسن مدح الله تعالى لأنّ الشرع أمر به لا لأنّ العقل حكم به كما مرّ مرارا «انتهى».

أقول

الجواب الذي ذكره مردود ، بأنّ وجود القدرة والاختيار في الفاعل الذي هو العبد وكسبه ومباشرته للفعل ، إمّا أن يكون له مدخل في وجود الفعل أولا ، فعلى الثاني يلزم الجبر ، ضرورة أنّه إذا لم يكن لتعلّق قدرة العبد مدخل في الفعل أصلا لا يورث الفرق ، ولا تفاوت بين وجوده وعدمه وعلى الاول إن لم يكن هذا التعلّق مستلزما لوجود الفعل ، يتمّ الملازمات ، فانّ تعذيب العبد مثلا بفعل لا يكون منه قبيح بالضّرورة ، وهذا الفعل لم يجب من قدرة العبد على هذا الفرض

__________________

(١) قد أنطقه الله بالحق حيث قال : لأنهم لم يقولوا بالحسن والقبح العقلي اصلا منه «قده».


فلم يوجد منه ، إذ الشيء ما لم يجب لم يوجد ، وإن كان مستلزما فهو مذهب أهل العدل ، فانّ مرادهم باستقلال قدرة العبد في التّأثير استلزامها لفعله ، فانّ العلّة المستقلّة تطلق على العلّة المستلزمة أيضا ، وهذا القدر يكفيهم فيما ادّعوه ، ولا يطابق مذهب الأشاعرة حيث قالوا : بمحض مقارنة الفعل لقدرة العبد من غير تأثيرها فيه ، وأمّا ما نسبه إلى المصنّف ، من أنّه قال : إنّ المدح والذمّ لا يترتّب على ما لم يكن بالاختيار فليس كذلك ، وإنّما قال المصنف : إنّ الأفعال الصّادرة بغير الاختيار لا يترتّب عليها مدح فاعلها وذمّه ، لا أنّه لا يترتّب مدح أو ذمّ على نفس تلك الأفعال ، وكلام المصنّف صريح فيما ذكرنا ، حيث قال : فانّه لو لم يصدر عنه لم يحسن توجّه المدح والذمّ إليه أى إلى العبد ، لا إلى الفعل الصّادر بغير اختيار كما توهّمه النّاصب ، وما تعارف بين أهل العرف واللّغة إنّما هو تعلّق المدح أو الذمّ بنفس تلك الأفعال كحسن الوجه وقبحه لا بمحلّهما وهو العبد فيقال : رجل حسن الوجه ، أو قبيحه من باب وصف الشيء بحال متعلّقه (١) ولا يقال : رجل حسن أو رجل قبيح على الإطلاق ، وبالجملة هذا إنّما يصحّح مطلق المدح ولا يصحح المدح والذمّ الاستحساني ، والاعتراضيّ فتدبّر ، وأما ما ذكره من الترديد فقبيح جدّا ، لظهور أنّ كلام المصنّف في بيان أنّ الأشاعرة لا يحكمون بعقولهم بحسن هذا المدح فهم معزولون عن العقل ، وهذا يكفي في غرضه من تقبيح قولهم ، والتزام النّاصب لذلك لا يدفع التقبيح ، وإنّما يشهد على قبح التزامه وقلّة حيائه كما لا يخفى ، على ان في الشقّ الأوّل منه اعترافا بنفي الحسن العقلي أصلا ، وهو مناف لما ذكره النّاصب سابقا موافقا لما اختاره متأخّروا أصحابه من إثبات الحسن العقلي في الجملة ، وبالنّظر إلى بعض المعاني الذي استثنوه عن محلّ النزاع تفصّيا عن الاشكال كما أشرنا إليه سابقا فتذكّر.

__________________

(١) اى باعتبار المحلية.


قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يقبح منه تعالى حينئذ تكليفنا فعل الطاعات واجتناب المعاصي ، لأنّا غير قادرين على ممانعة القديم ، فإذا كان الفاعل للمعصية فينا هو الله تعالى ، لم نقدر على الطاعة ، لأنّ الله تعالى إن خلق فينا فعل الطاعة ، كان واجب الحصول ، وإن لم يخلقه كان ممتنع الحصول ، ولو لم يكن العبد متمكّنا من الفعل والتّرك كانت أفعاله جارية مجرى حركات الجمادات ، وكما أنّ البديهة حاكمة بأنّه لا يجوز أمر الجماد ونهيه ومدحه وذمّه وجب أن يكون الأمر كذلك في أفعال العباد ، ولأنّه تعالى يريد منّا فعل المعصية ويخلقها فينا ، فكيف نقدر على ممانعته؟ ولأنّه إذا طلب منّا أن نفعل فعلا ولا يمكن صدوره عنّا ، بل إنّما يفعله هو ، كان عابثا في الطلب مكلّفا لما لا يطاق ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : هذه الشّبهة اضطرّت المعتزلة إلى اختيار هذا المذهب ، وإلا لم يجزأ (١) أحد من المسلمين على إثبات تعدّد الخالقين في الوجود ، والجواب أنّ تكليف فعل الطاعات واجتناب المعاصي باعتبار المحلّية لا باعتبار الفاعليّة ، ولأنّ العبد لما كان قدرته واختياره مقارنا للفعل صار كاسبا للفعل ، وهو متمكّن للفعل والتّرك باعتبار قدرته واختياره الموجب للكسب والمباشرة ، وهذا يكفي في صحّة التّكليف ولا يحتاج إلى إثبات خالقيّته للفعل وهو محلّ النزاع ، وأما الثواب أو العقاب المترتّبان على الأفعال الاختياريّة فكسائر العاديات المترتبة على أسبابها بطريق العادة من غير لزوم عقليّ واتجاه سؤال ، وكما لا يصحّ عندنا أن يقال : لم

__________________

(١) بضم العين : اقدم وهجم.


خلق الله الإحراق عقيب مسيس النار ، ولم لا يحصل ابتداء؟ فكذا هاهنا لا يصحّ أن يقال: لم أثاب عقيب أفعال مخصوصة وعاقب عقيب أفعال أخرى؟ ولم لا يفعلها ابتداء ولم يعكس فيهما ، وأما التكليف والتأديب والبعثة والدعوة ، فإنها قد تكون دواعي العبد إلى الفعل واختياره فيخلق الله الفعل عقيبها عادة ، وباعتبار ذلك يصير الفعل طاعة ومعصية ويصير علامة للثّواب والعقاب ثم ما ذكره أنّه يلزم إذا كان الفاعل للمعصية فينا هو الله تعالى أنّا لم نقدر على الطاعة ، لأنّه إن خلق الطاعة كان واجب الحصول ، وإلّا كان ممتنع الحصول ، فنقول : هذا يلزمكم في العلم لزوما غير منفكّ عنكم ، لأنّ ما علم الله عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصّدور عن العبد وما علم الله وجوده فهو واجب الصّدور عن العبد ، ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنّه يبطل الاختيار إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فبطل حينئذ التكليف لابتنائه على القدرة والاختيار بالاستقلال كما ذكرتم ، فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال فقد لزمكم في مسألة علم الله تعالى بالأشياء «انتهى».

أقول

تسميته لذلك الدّليل القطعي شبهة اشتباه نشأ عن القول بالكسب بمعنى المحلية ، كما صرّح به ، وقد مرّ بيان فساد القول بالكسب مجملا ، وسيجيء إن شاء الله تعالى مفصلا ، ويتوجّه على ما ذكره في الجواب من أنّ التّكليف باعتبار المحلّية إلخ من الرّد وجوه ، الاول أنّ حاصل جوابه أنا لا نقول : إنّ العبد مكلف بإيجاد الفعل حتّى يتوجّه لزوم تكليف ما لا يطاق بل نقول : إنّه مكلف بالكسب والمحلّيّة وهو ممّا يطاق ، وفيه أنّ الكسب إن لم يكن بإيجاد العبد إيّاه فالتّكليف تكليف بما لا يطاق ، وإن كان بإيجاده إيّاه ثبت أنّ العبد فاعل موجد وهو المطلوب ، وأيضا لا اختيار للعبد في المحلّية على رأى الأشاعرة كما مرّ ، فلا يظهر وجه استحقاق


المدح والذّم باعتبارها ، فنقول في تقرير دليل المصنّف : لو لم يكن العبد فاعلا لبعض الأفعال ، بل كان فاعل الكل هو الله تعالى لم يكن الحسن والقبح شرعيّين كما زعمه الأشاعرة ، إذ لو كانا شرعيين لم يتحقّق قبيح ، إذ لا فاعل إلا الله ولا قبيح منه كما قرّروا ، والكسب المنسوب إلى العبد فعل الله أيضا ، والذّم باعتبار المحلّية غير معقول كما مرّ الثاني أنّ ما ذكره بقوله : وأمّا الثّواب والعقاب المترتّبان على الأفعال إلخ مبنيّ على نفى الأسباب الحقيقية وقد مرّ ما فيه فتذكر ، على أن الكلام هاهنا في ترتب استحقاق الثواب والعقاب لا في أنفسهما فافهم ذلك ، الثالث أنّ ما ذكره من مثال الإحراق عقيب مسيس النار لا يطابق الممثل أصلا ، إذ مع قطع النظر عن المغايرة بوجوه شتى يكابر فيها الأشاعرة لا ريب أنّ في المثال المذكور لم يقع أمر ونهى ووعد ووعيد في فعل الإحراق ، فلهذا لا يصح السؤال عنه ، وأيضا إنما لا يسئل عن فعل النار ، لأنّه جماد لا حياة له ولا إرادة ، لا لأنه ليس بسبب للإحراق حقيقة كما توهموه ، وبالجملة لو كان ترتب الثواب والعقاب على الأفعال كترتب الإحراق على مسيس النار من دون أن يكون له سببية حقيقية كما زعموه ، لم يكن للبعثة وما يتعلق بها من الترغيب والترهيب والحثّ على تحصيل الكمالات وإزالة الرّذائل ونحو ذلك فائدة ، إذ لا تظهر فائدة ذلك إلا إذا كان لقدرة العبد وإرادته تأثير في أفعاله ويتولى مباشرتهما بالاستقلال ، الرابع أنّ قوله : وكما لا يصح عندنا أن يقال إلخ مع أنه لا ارتباط له بكلام المصنف قدس‌سره مردود بما سبق من أنّ التصرف إن كان بطريق حسن ، فهو حسن ، وإلّا فهو قبيح ، فانا إذا وعدنا عبيدنا بالاعتاق والانعام بفعل ما يورث مشقة عظيمة عليهم ، وبالسياسة لتركه ففعله بعضهم على ما أردناه وتركه بعضهم مشتغلا بما يلتذ به مما كنا مانعين عنه ، ثم أعتقنا العاصي وأنعمنا عليه وعاقبنا المطيع المتحمل للمشقة انقيادا لأمرنا يحكم العقلاء بظلمنا البتة ، بخلاف ما لو أعتقنا بعض عبيدنا ابتداء ، وأمرنا بعضا آخر بخدمة شاقة لا يتجاوز طاقته ، فانه لا يعد ظلما واللازم على الأشاعرة نظير الأوّل دون الثاني ،


وظاهر أنه لو لم يجب استقلال العبد في فعله ، لزم رفع فائدة البعثة ويصح السؤال لكونه ظلما على التحقيق. الخامس أن ما ذكره من أنّ التكليف والتأديب والبعثة والدّعوة قد تكون دواعي العبد إلى الفعل إلخ مدخول بأنّ الإنسان مجبول على الفعل سواء بعث إليه النبيّ أولا ، فلا حاجة لهم في أصل الفعل إلى بعثة النبيّ الدّاعي لهم إلى ذلك كما لا يخفى ، ثم ما ذكره الناصب من الإلزام غير لازم لما سيجيء من أنّ علمه تعالى تابع للمعلوم ، لا علّة له ، فانتظر ، على أنه لو تمّ لزم أن تكون أفعاله تعالى أيضا اضطرارية لجريانه فيه بعينه ، فما لم يلزمنا في مسألة علم الله تعالى ، لزمكم في مسألة خلقه تعالى للأعمال المعللة بعلمه على ما زعمتموه فتدبر.

قال المصنف رفع الله درجته

ومنها أنه يلزم أن يكون الله تعالى أظلم الظالمين تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا لأنّه إذا خلق فينا المعصية ، ولم يكن لنا فيها أثر البتة ، ثمّ عذبنا عليها وعاقبنا على صدورها منه تعالى فينا ، كان ذلك نهاية الجور والعدوان ، نعوذ بالله من مذهب يؤدّي إلى وصف الله تعالى بالظلم والعدوان ، فأىّ عادل سوى الله تعالى وأىّ منصف سواه وأىّ راحم للعبد غيره؟ وأىّ مجمع الكرم والرحمة والإنصاف؟ مع أنه يعذبنا على فعل صدر عنه ، ومعصية لم تصدر عنا (١) ، بل منه «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : نعوذ بالله من نسبة الظلم والعدوان إلى الله المنان ، وخلق المعصية في العاصي

__________________

(١) وقد يجاب عن هذا بأن عذاب العبد ومعاقبته انما هو للكسب لا للإيجاد فلا يلزم الظلم ، وفيه أنه ان لم يكن للعبد هنا تأثير ، فالظلم لازم ، وان كان له تأثير في شيء سواء سمى كسبا او غيره ، فيكون العبد موجدا وهو المطلوب. منه «قده».


لم يستوجب الظلم ، والظلم تصرّف في حقّ الغير ، والله تعالى لا يظلم الناس في كلّ تصرّف يفعل فيهم ، وقد روي أنّ عمرو بن العاص سأل أبا موسى الأشعري رضي‌الله‌عنه ، فقال : يخلق فيّ المعصية ثمّ يعذّبني بها فقال : أبو موسى لأنّه لم يظلمك ، وتوضيح هذا المبحث أنّ النّظام الكلّي في خلق العالم يقتضي أن يكون فيه عاص ومطيع كالبيت الذي يبنيه حكيم مهندس ، فانّه يقتضي أن يكون فيه بيت الرّاحة ، ومحلّ الصلاة وإن لم يكن البيت مشتملا على المستراح كان ناقصا ، كذلك إن لم يكن في الوجود عاص لم يكمل النظام الكلّي ، ولم يملأ النّار من العصاة ، وكما أنّه لا يستحسن أن يعترض على المهندس إنّك لم عملت المستراح ولم لم تجعل البيت كلّه محلّ العبادة ومجلس الأنس؟ كذلك لم يحسن أن يقال : لخالق النظام الكلّي : لم خلقت العصاة؟ ولم لم تجعل العباد كلّهم مطيعين؟ لأنّ النّظام الكلّي كان يقتضي وجود الفريقين ، فالتّصرف الذي يفعل صاحب البيت في جعل بعضه مسجدا ، وبعضه مستراحا هل يقال : هو ظلم!؟ فكذلك تصرّف الحقّ سبحانه في الوجود بأىّ وجه يتفق لا يقال : إنّه ظلم ولكنّ المعتزليّ الأعمى يحسب أنّ الخلق منحصر فيه ، وهو مالك لنفسه والله ملك عليه لا يعلم أنّه مالك مطلق ، ألا ترى؟ أنّ الرّجل الذي يعمل عملا ويستأجر على العمل رجالا ويستعمل معهم بعض عبيده الأرقّاء ، فإذا تمّ العمل أعطى الاجراء أجرتهم ، ولم يعط العبيد شيئا هل يقال : إنّه ظلم العبد؟ لا شكّ أنّه لا يقول عاقل : إنّه ظلم العبد ، وذلك لأنّه تصرّف في حقّه بما شاء ، ثمّ إنّ هذا الرجل لو حمل العبد فوق طاقته ، أو قطع عنه القوت واللّباس يقال : إنّه ظالم ، وذلك لأنّه تجاوز عن حدّ ما يملكه من العبد وهو التّصرّف حسبما أذن الله تعالى فيه ، فإذا تجاوز من ذلك الحدّ ، فقد ظلم ، وذلك لأنه ليس بالمالك المطلق ، ولو كان هو المالك المطلق ، وكان له التّصرف حيثما شاء وكيفما أراد لكان كلّ تصرّفاته عدلا لا جورا وظلما ، كذلك الحقّ سبحانه هو المالك المطلق ، وله التّصرّف كيفما


شاء وحيثما أراد ، فلا يتصوّر منه ظلم بأيّ وجه تصرّف ، خذ هذا التّحقيق ولا تعد عن هذا «انتهى».

أقول

تحقيق المسألة على وجه يظهر به تمويه استعاذة النّاصب أنّه لا خلاف بين العلماء في أنّه تعالى عادل متفضّل محسن ، وإنّما الخلاف في معناه ، قالت الأشاعرة إنّ معنى كونه تعالى عادلا أنّه متصرّف في ملكه لا في ملك غيره كما مرّ ، وقالت العدليّة من الاماميّة والمعتزلة معناه أنّه يختار الحسن ويخلّ القبيح ، لكن من المعلوم أنّ التّصرف في الملك يمكن أن يكون على الوجوه الحسنة ، وأن يكون على الوجوه القبيحة ولا ريب في أنّ التصرف في الملك على الوجوه القبيحة ظلم وجور ليس بعدل فالقائلون بأن لا مؤثر إلا الله مع الاعتراف بحدوث الظلم والجور في العالم جاحدون لكونه تعالى عادلا في المعنى ، لأنّ فاعل الظلم والجور لا يكون عادلا ، وأما القائلون بأن العبيد محدثون لتصرّفاتهم ، فهم ينسبون الظلم إلى أنفسهم وينزّهون الله تعالى عمّا يقولون ويفترون يعني النّواصب القدريّة ، وجوابهم عمّا ذكره أهل العدل بأنّا لا نسلم أنّ خالق الظلم والجور ليس بعادل ، فانّ خلق جميع الأشياء ليس بقبيح بالنّسبة إليه ، وإنّما تصير الأشياء قبيحة بالنّسبة إلى الخلائق ، وباعتبار قيامها بهم ، مكابرة تسدّ باب المناظرة ثمّ إنّ النّاصب لم يجعل عمرو بن العاص هاهنا شريكا مع أبي موسى (١) في الدّعاء برضاء الله تعالى ، لأنّه وافق مذهب أهل

__________________

(١) هو أبو موسى عبد الله بن قيس بن سليمان بن حضار الأشعري قال الخزرجي في خلاصة التهذيب (ص ١٧٨ ط مصر) ما لفظه : هاجر الى الحبشة وعمل على زبيد وعدن وولى الكوفة لعمر والبصرة وفتح على يديه تستر ، له ثلاثمائة وستون حديثا ، اتفقا على خمسين ، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة وعشرين ، وعنه ابن المصيب وأبو وائل وأبو عثمان النهدي وخلق ، وقال الهيثم : توفى سنة ٤٢ ، انتهى وقيل توفى ٥٣ ، والرجل غير رشيد ، وكفى في حمقه قضيته مع عمرو بن العاص.


الاعتزال ، وغفل عن كونه من أعداء أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وإلا لوجّه إليه السّلام والتّحية أيضا ، وأما ما ذكره من التّمثيل بالبيت المشتمل على كيت وكيت فإنّما تمثّل به العلامة الدّواني في بعض رسائله لبيان القول بالأصلح بنظام الكلّ على ما ذهب إليه الحكماء والإمامية دون غيرهم من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية (١) ولا مطابقة فيه لمذهب الأشاعرة كما توهّمه النّاصب فانّ ما اشتمل عليه ذلك البيت من المستراح يظهر عند العقل السّليم مدخليّته في نظام مجموع البيت ، إذ لولاه لتلوّث جميع البيت وفزع أهله من الرّوائح المستقذرة ، بخلاف ما اشتمال عليه العالم من الأفعال المتنازع فيها كالزّناء واللّواطة والسّرقة والكذب والنّميمة ونحوها ، فانّها كما مرّ لا يظهر نفعها في نظام العالم ، بل يكون مخلّا فيها ، وأيضا الكلام في دعواهم حسن مطلق التّصرّف من الله تعالى ، والتّصرّف الذي ، مثّل به تصرّف خاصّ يستحسنه العقل ، بخلاف بعض التّصرفات الّتى تنسبه الأشاعرة إلى الله تعالى ويمنعه أهل العدل ، ثم ما ذكره من التّنوير (٢) المظلم ، لا مطابقة له ، مع المتنازع فيه ، لأنّ عدم إعطاء السّيّد للعبيد أجرة في الصّورة المذكورة ، إنّما لا يستقبحه العقل لأنّهم عياله وعليهم نفقته من المأكول والملبوس ، فلا يجب عليه عقلا ولا شرعا أن يعطيهم سوى ذلك ممّا اعطى الاجراء الأحرار ، وان أراد بقوله لم يعطهم شيئا انه لم يعطهم شيئا أصلا لا اجرة ولا قوتا ليسدّ رمقهم كان ظلما وهو ظاهر ، وأما ما ذكره بقوله : ثمّ إنّ هذا الرّجل لو حمل العبد فوق طاقته ، أو قطع عنه القوت واللّباس يقال إنّه ظالم إلخ فهو حجّة على النّاصب من حيث لا يشعر ، لدلالته على أنّ مطلق التصرّف لا يكون عدلا كما ادعاه أهل العدل ، وأما تعليل كون ذلك ظلما بأنّه ليس بمالك على الإطلاق فعليل ، وإنّما العلّة في كونه ظلما أنّه

__________________

(١) قد تقدم بيان طائفة الماتريدية ووجه تسميتهم بذلك (ج ١ ص ١٤٤).

(٢) المراد من التنوير قوله : الا ترى.


تصرّف يستقبحه العقل سواء صدر عن المالك على الإطلاق أو عن غيره كما لا يخفى وعلى ما حقّقناه ينبغي لأصحاب النّاصب تعدّيهم سريعا عما سماه بالتحقيق ، وإن كان باسم ضدّه حقيق ، والله ولي التوفيق.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم منه تجويز انتفاء ما علم بالضرورة ثبوته ، بيانه إنّا نعلم بالضرورة أنّ أفعالنا إنّما تقع بحسب قصودنا ودواعينا ، وتنتفي بحسب انتفاء الدواعي وثبوت الصوارف ، فانّا نعلم بالضّرورة أنّا متى أردنا الفعل ، وخلص الدّاعي إلى إيجاده وانتفى الصّارف فانّه يقع ، ومتى كرهنا لم يقع ، فانّ الإنسان متى اشتدّ به الجوع ، وكان تناول الطعام ممكنا ، فانّه يصدر منه تناول الطعام ، ومتى اعتقد أن في الطعام سمّا انصرف عنه ، وكذا نعلم من حال غيره ذلك ، فانّا نعلم بالضّرورة أنّ شخصا لو اشتدّ به العطش ولا مانع له من شرب الماء فانّه يشربه بالضرورة ، ومتى علم مضرّة دخول النّار لم يدخلها ، ولو كانت الأفعال صادرة من الله تعالى جاز أن يقع الفعل وإن كرهناه وانتفى الدّاعي إليه ، ويمتنع صدوره عنّا وإن أردناه وخلص الدّاعي إلى إيجاده على تقدير أن لا يفعله الله تعالى ، وذلك معلوم البطلان ، فكيف يرتضي العاقل لنفسه مذهبا يقوده إلى بطلان ما علم بالضرورة ثبوته؟ «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد سبق في تحرير المذهب أنّ الأفعال تقع بقدرة الله تعالى عقيب إرادة العبد على سبيل العادة فإذا حصلت الدّواعي وانتفت الصّوارف يقع فعل العبد وإن جاز عدم الوقوع عقلا كما في سائر العاديات التي يجوز عدم وقوعها عقلا ويستحيل عادة فكذا كلّ ما ذكره من تناول الطعام وشرب الماء ، فانّه يجوز أن لا يقع عقيب


إرادة الطعام ولكن العادة جرت بوقوعها ، أما قوله : ولو كانت الأفعال صادرة من الله تعالى جاز أن يقع الفعل وإن كرهناه ، فهذا أمر صحيح فانا كثيرا ما نفعل الأشياء ونكرهها ، وهذا الجواز مما لا ريب فيه ، وليس في إنكار هذا الجواز نفى ما علم بالضرورة «انتهى».

أقول

ما ذكره من جواز عدم الوقوع عقلا هو عين الدعوى المخالفة للضرورة التي يتكلّم المصنّف عليها ، فانّ العقل الصّحيح لا يجوز عدم وقوع شرب الماء عند العطش مع حصول الدّواعي وانتفاء الصّوارف ، فكيف تصير إعادتها جوابا ودفعا لما ذكره المصنّف؟! وأما ما ذكره بقوله : فانّا كثيرا مّا نفعل الأشياء ونكرهها إلخ فان أراد به أنّا كثيرا مّا نفعل الأشياء التي نكرهها قبل الفعل فوقوع هذا غير مسلّم ومخالف للضرورة وإن أراد أنّا كثيرا مّا نفعل الأشياء ونكرهها بعد الفعل لظهور قبحه وكراهته على العقل بعد ذلك فمسلّم ، لكن المصنف إنّما ادّعى الضّرورة في نفي وقوع الفعل مع كراهة العقل له قبل الفعل ، وأما قوله : وليس في إنكار هذا الجواز نفى ما علم بالضرورة فغلط ظاهر ، لأنّ المصنّف قدس‌سره قد ادّعى أنّ جواز وقوع الفعل مع كراهته مناف للضّرورة فهو قدس‌سره منكر لذلك الجواز ، لكونه منافيا للضّرورة ، فإيراد النّاصب عليه بأنه ليس في إنكار هذا الجواز نفى ما علم بالضرورة كما ترى ليس فيه طائل ، ولا يرجع إلى حاصل.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم تجويز ما قضت الضّرورة بنفيه ، وذلك لأنّ أفعالنا إنّما تقع على الوجه الذي نريده ونقصده ، ولا يقع منّا على الوجه الذي نكرهه ، فانّا نعلم بالضرورة


انّا إذا أردنا الحركة يمنة لم تقع يسرة ، وإذا أردنا الحركة يسرة لم تقع الحركة يمنة ، والحكم بذلك ضروريّ ، فلو كانت الأفعال صادرة من الله تعالى جاز أن تقع الحركة يمنة ونحن نريد الحركة يسرة بالعكس ، وذلك ضروريّ البطلان ، «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : جواب هذا ما سبق في الفصل السّابق أنّ هذه الأفعال تقع عقيب إرادة العبد عادة من الله تعالى وأنّ الله تعالى يخلق هذه الحركات عقيب إرادة العبد وهو يخلق الإرادة ، والضرورة إنّما تقضي على وقوع هذه الأفعال عقيب القصد والإرادة لا أنّها تقضي بأنّ هذه الإرادة مؤثّرة خالقة للفعل ، والعجب أنّ هؤلاء لا يفرّقون بين هذين المعنيين ، ثمّ من العجب كلّ العجب أنهم لا يرجعون إلى أنفسهم ولا يتأمّلون أنّ هذه الإرادة من يخلقها؟ أهم يخلقونها أم الله تعالى يخلقها؟ فالذي خلق الإرادة وإن لم يرد العبد تلك الإرادة وهو مضطرّ في صيرورته محلا لتلك الإرادة خالق الفعل ، فإذا بلغ أمر الخلق إلى الفعل رقدوا كالحمار في الوحل ونسبوا إلى أنفسهم خلق الأفعال وفيه خطر الشرك «انتهى».

أقول

ما ذكره من العجب ليس من جهله بعجب ويدفع تعجبه ما ذكرنا سابقا من أنّ القول بالقدرة والإرادة الغير المؤثرتين سفسطة باطلة ، وكذا ما أتى به من كل العجب فان أصل الإرادة وإن كانت مخلوقة لله تعالى ، لكن صرفها إلى الفعل من فعل العبد ، والحاصل أنّ المخلوق لله تعالى أصل الإرادة وهو الكيفية النفسانية التي من شأنها ترجيح الفعل أو الترك لكن فعليّة الترجيح وتعلّق القدرة والإرادة بالفعل أى جعلهما متعلقا به من العبد ، لا من الله تعالى ، ونمنع ما ذكره العلامة الدّواني في رسالته


من أن تعلق الإرادة منبعث عن مجرد تصوّر الملائم واعتقاد الملائمة التي لا يتخلف تحقق الفعل عن تحققها ، وجميع ذلك بقدرة الله تعالى ، وإرادته لم (فلم ظ) لا يجوز أن يكون منبعثا عن ذلك!؟ مع أنه أمر اعتباري كان منشأه العبد ، وهلّم جرا والتسلسل في الأمور الاعتبارية مما لا يبالي بارتكابه ، وكأنه لهذا قال شارح المقاصد : الحق أنّ مبنى المبادي القريبة لأفعال العباد على قدرتهم واختيارهم ، ومبنى المبادي البعيدة على إلجائهم واضطرارهم ، فلا يلزم من صيرورة العبد محلا لأصل تلك ـ الإرادة أن يكون مضطرا في التعيين والترجيح كما توهّمه الناصب الحمار ، وزعم أنه قد أخرج بذلك نفسه عن الوحل ، وسيأتي لهذا زيادة تحقيق وتوضيح في موضعه اللائق به إن شاء الله تعالى.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنه يلزم مخالفة الكتاب العزيز ونصوصه ، والآيات المتظاهرة فيه الدالة على استناد الأفعال إلينا ، وقد بيّنت في كتاب الإيضاح مخالفة أهل السنة لنصّ الكتاب العزيز والسنة بالوجوه التي خالفوا فيها آيات الكتاب العزيز حتى أنه لا تمضي آية من الآيات إلا وقد خالفوا فيها من عدّة أوجه ، فبعضها يزيد على بضع (١) وبعضها يزيد على العشرين ، ولا ينقص شيء منها عن أربعة ، ولنقتصر في هذا المختصر على وجوه قليلة دالة على أنهم خالفوا صريح القرآن ذكرها أفضل متأخّريهم وأكبر علمائهم فخر الدّين الرّازي (٢) ، وهي عشرة الاول الآيات الدّالة على إضافة الفعل إلى العبد ، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (٣) (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ

__________________

(١) البضع بفتح الباء وكسرها : ما بين الثلاث الى التسع.

(٢) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ١١٠).

(٣) مريم. الآية ٣٧.


بِأَيْدِيهِمْ) (١) ، (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) (٢) ، (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٣) ، (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) (٤) ، (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ) (٥) ، (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (٦) ، (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (٧) (ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) (٨) «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : اعلم أنّ النّصّ ما لا يحتمل خلاف المقصود ، فكلّما كان كذلك من كتاب الله وخالفه المكلّف عالما به يكون كافرا نعوذ بالله من هذا ، وكلّ ما يحتمل الوجوه ولا يكون بحيث لا يحتمل خلاف المقصود ، فالمخالفة له لا تكون كفرا ، بل هو محلّ للاجتهاد والترجيح لما هو الأنسب والأقرب إلى مدلول الكتاب ، والعجب من هذا الرّجل! أنّه جمع الآيات التي أوردها الامام الرّازي ليدفع عنها احتمال ما يخالف مذهب أهل السنّة ثمّ أتى على الآيات كلّها ووافق مذهب اهل السنّة لها ودفع عنها ما احتمل تطبيقه على مذهب المعتزلة ، وهذا الرّجل ذكر الآيات وجعلها نصوصا مؤيدة لمذهبه ولم يذكر ما ذكر الامام في تأويل الآيات وتطبيقها على مذهب أهل السنّة والجماعة ، وهذا يدلّ على غاية حمق الرّجل وحيلته وتعصّبه وعدم فهمه

__________________

(١) البقرة. الآية ١٧.

(٢) الانعام. الآية ١٤٨.

(٣) الأنفال. الآية ٥٣.

(٤) يوسف. الآية ١٨.

(٥) المائدة. الآية ٣٠.

(٦) النساء. الآية ١٢٣.

(٧) هود. الآية ٢١.

(٨) ابراهيم. الآية ٢٢.


أما كان يستحي من ناظر في كتابه ، ومثله (١) في هذا العمل كمثل من جمع السهام في وقعة حرب وكانت تلك السّهام قتلت طائفة من أهل عسكره فأخذ السهام من بطون أصحابه ، ومن صدورهم وأفخاذهم ، ثمّ يفتخر أنّ لنا سهاما قاتلة للرّجال ولم يعلم أنّ هذه السهام قتلت أحبابه وأعوانه ، نعوذ بالله من الجهل والتعصب ، ثمّ جعل هذه الآيات دليلا على مذهبهم الباطل من باب إقامة الدليل في غير محلّ النزاع فإنّا لا ننكر أنّ للفعل نسبة وإضافة إلى الفاعل ونسبة وإضافة إلى الخالق كالسواد فانّ له إضافة إلى الأسود لأنه محلّه وإلى الخالق الذي خلقه في الأسود حتّى صار به أسود ، فقوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فيه إضافة الكفر إلى العبد ، ولا شكّ أنه كذلك ، وليس لنا فيه نزاع أصلا والكلام في الخلق لا في الكسب والمباشرة وقوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) ، لا شكّ أنّ الكتابة تصدر من يد الكاتب وهذا محسوس لا يحتاج إلى الاستدلال ، والكلام في الخلق والتأثير فنقول : الكتابة كسب العبد وخلق الحقّ ألم يقرأ هذا الرّجل آخر هذه الآية؟ (ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) صرّح بالكسب وأنّ كتابتهم كسب لهم ، لا أنه خلق لهم ، وقس عليه باقي الآيات المذكورة «انتهى».

أقول

نعم هذا معنى النّص لكن لا يلزم أن يكون حصول التّنصيص على المقصود من مجرّد مفهوم اللّفظ مع قطع النّظر عن القرائن الدّاخلة والخارجة من مقتضيات الحال والمقال ، كما يفهم من كلام النّاصب موافقا بجماعة زعموا مثله وبنوا عليه الحكم بندور النص في الكتاب والسنّة ، فانّ هذا مردود عند المحقّقين منّا ومنهم فقد

__________________

(١) المثل ما شبه مضربه بمورده.


قال جلال الدّين السيوطي الشافعي (١) في كتاب الإتقان : (٢) إنّه بالغ إمام الحرمين (٣) وغيره في الرّد عليهم ، بأنّ الغرض من النّص الاستقلال بافادة المعنى على قطع مع انحسام جهات التأويل والاحتمال ، وهذا وإن عزّ حصوله بوضع الصيغ ردا إلى اللّغة لكنه كثير مع القرائن الحاليّة والمقالية «انتهى». وبالجملة كلّ ما يحتمل الوجوه بالنظر إلى مفهوم العبارة في بادي النظر ، ثمّ اندفع تلك الوجوه والاحتمالات بالنظر إلى القرائن الظاهرة داخل في النص ومخالفته إذا كان قرآنا أو حديثا يكون

__________________

(١) هو الشيخ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن الشافعي السيوطي المصري مولدا ومسكنا الشافعي فروعا الأشعري اصولا ، كان اعجوبة في اقتناء الفضائل والعلوم ، مشهورا بكثرة التصنيف والتأليف ، حتى يقال : انه صدرت من قلمه خمسمائة كتاب ورسالة ، منها كتاب طبقات الحفاظ ، وكتاب الإتقان ، وكتاب شرح الفية ابن مالك في النحو ، وكتاب الإكليل في استنباط التنزيل ، وكتاب الجامع الصغير في حديث البشير النذير ، وكتاب تاريخ الخلفاء ، وكتاب الخصائص الكبرى وغيرها.

أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ أبو العباس الشمنى صاحب الحاشية على المغني في النحو ومنهم الشيخ علم الدين المناوى ، ومنهم الشيخ محيي الدين الكافيجي ، ومنهم الشيخ علم الدين البلقينى وغيرهم.

كانت ولادته ليلة الأحد غرة رجب سنة ٨٤٩ ووفاته سنة ٩١١ وقيل ٩١٠ فراجع الريحانة ج ٢ ص ٢٧٧.

(٢) هو كتاب الإتقان في علوم القرآن ، ولعمري انه سفر نفيس قليل النظير في بابه ، وقد صرح بما ينقل عنه القاضي هنا في الجزء الثاني من الإتقان ص ٦ طبع مصر.

(٣) هو الشيخ عبد الملك أبو المعالي الجويني الشافعي أستاذ الغزالي صاحب الاحياء ، له كتب ورسائل ، منها الإرشاد في اصول الدين ، والاساليب في الخلاف الغيابى ، وغنية المسترشدين وغيرها ؛ ويروى عن الحافظ أبى نعيم توفى سنة ٤٧٠ فراجع الريحانة ج ١ ص ١٠٢.


كفرا ، وأما ما ذكره من العجب ، فليس من جهله بعجب! ويدفعه أنه لما ادّعى المصنف نصوصية تلك الآيات على مطلوبه فعلى تقدير تسليم أنّ الرازي ذكر لها تأويلات كان تعرّض المصنف لذكرها لغوا مستدركا وكفى في ضعف ارتكاب التأويل ما قيل : إنّ يوم التأويل ليل أليل ، سيما تأويل النصوص المعتضدة بدليل العقل ، وبالجملة تلك التأويلات صرف للآيات تصريف الأفعال في غير ما أنزلت فيه وإحالة لكلام الله ، وتحريف للكلم عن مواضعها وجعلها تابعة لهوى المذهب ، وإخراج للقرآن المبين عن أن يكون دليلا للمحققين وحجة على المبطلين ، وفتح لباب تأويلات الباطنية الملحدين ، وما ندري ، كيف يستجير من يعلم أنّ وعد الله حقّ مثل هذا في القرآن وفي دين الله المبين!؟ ، وأما ما ذكره من المثل ، ففيه من الخبط ما يليق أن يضرب به المثل ، وذلك لأنّ المصنف لما ادعى أنّ تلك الآيات كانت على مذهبه نصوصا ، فكانت على صدور الخصم نصولا ولها إليهم إصابة ووصولا ، فكيف يصدق أنه كان قبل ذلك لها في يد الخصم حصولا ، وأنهم جعلوا غيرهم بها مقتولا ، على أنا لو فرضنا أنّ الرازي أو غيره من أهل السنة كابروا على نصوص تلك الآيات واستدلوا بها على مذهبهم قبل استدلال أهل العدل بها ، فمثل المصنف في ذلك حينئذ مثل قوم من الأقوياء الرّماة لخصمهم من بعيد قد قابلهم من الحمق الشديد جماعة كان قسيهم من الضعف في النزع (١) ، وسهامهم خالية عن الأثر واللذع (٢) ، فقصرت سهامهم عن الوصول إلى الصدور والأصلاب ، ووقعت قدّام هؤلاء الأقوياء على التراب فالتقط من الأقوياء من كان له من الرّماية سهم وافر تلك السّهام القاصرة ورماها على رماتها تلك الجماعة الحمقى الخاسرة ، حتّى قتل بتلك السهام أحبارهم والبقيّة

__________________

(١) يقال : هو في النزع اى قلع الحياة. يقال : نزع في القوس اى مدها ، والمراد هنا المعنى الاول على وجه الاستعارة.

(٢) لذع الحب قلبه كمنع : آلمه.


ولوا أدبارهم ثمّ يفتخر ذلك الملتقط بأنّه قتل هؤلاء بسهامهم ونصولهم واستأصلهم بها عن أصولهم ، وأما ما ذكره من أنّا لا ننكر أنّ للفعل نسبة وإضافة إلخ ففيه أنّ الكلام ليس في مطلق النّسبة وإلا فللفعل إلى الزّمان والمكان أيضا نسبة مع أنّهما ليسا فاعلين له اتفاقا ، بل الكلام في نسبة الفاعليّة ولم يعهد في العرف ولغة القرآن تسمية المحلّ فاعلا وكاسبا ، بل الفاعل هو الخالق ، والفرق بين الخلق والكسب اصطلاح من الأشاعرة لا يفيد في مقابلة الخصم على أنّ الكسب الذي ينسبونه إلى العبد بمعنى صرف العبد القدرة ، أو بمعنى المباشرة والمقارنة والمحلّية ونحوها ، فخالق الصّرف ونحوه ، إمّا الله تعالى فلا شيء للعبد ، وإمّا العبد فيلزم أن يكون خالق بعض أفعاله ، ولا ينفع دعوى كونه اعتباريّا في إخراجه عن كونه مخلوقا للعبد ، لأنّ مسألة خلقه تعالى الأعمال تعمّ الأفعال الاعتباريّة كما يدلّ عليه جعلهم الكفر من المخلوقات ، وبما ذكرنا يندفع جميع ما ذكره النّاصب في تأويل الآيات الدّالة على إضافة الفعل إلى العباد ، لأنّ معنى كفروا في العرف واللغة الذين فعلوا الكفر لا من صار محلا للكفر ، وأما الكسب بمعنى المباشرة وصرف القدرة فراجع إلى الفعل كما أشرنا إليه ، فينا في ما ادّعوه من أنّه لا فاعل في الوجود إلا الله ، وإن جوّزوا صدور هذين الفعلين من العبد فليجوّزوا صدور الأفعال المتنازع فيها منه أيضا من غير احتياج إلى تمحّل اختراع الكسب المحال (١) وأما ما ذكره : من أنه لا شكّ أنه تصدر الكتابة من يد الكاتب ، وهذا محسوس لا يحتاج إلى الاستدلال ، والكلام في الخلق والتأثير إلخ ففيه ما مرّ من بطلان الفرق بين الخلق والفعل ، وبطلان القول بالقدرة الغير المؤثرة ، والحاصل أنّ هذه الآية صريحة فيما ادّعاه المصنف قدس‌سره غير قابلة للتأويل لأنّ مفادها إثبات الفعل لأحد ، ونفيه عن غيره ففيه إضافة الفعل إلى فاعله على أبلغ الوجوه ، وتوضيحه : أنّه تعالى عبّر فيها

__________________

(١) قد سبق ان لفظة المحال من اللغات المثلثة.


بالأيدي عن الأنفس لأنّ أكثر أعمالهنّ بها ، ولأنّ العادة قد جرت باضافة الأفعال التي يلابسها الإنسان إلى اليد وإن اكتسبها بجارحة أخرى ، فجرى خطاب الله تعالى على عادتهم ، ولأنّ ذكر اليد يحقّق ويؤيد إضافة الفعل إلى فاعله ، كما ورد في المثل (١) يداك اوكتا وفوك نفخ يعنى يداك لا يدا غيرك ، وفوك لا فو سواك يعنى أنت فعلت بآلتك ، لاستحالة أن يفعل أحد بجارحتك وأما قوله صرّح الله بالكسب في الآية المذكورة فمدخول بما أشرنا إليه سابقا : من أنّ لفظ الكسب في الآية بمعنى آخر غير ما اخترعه الأشاعرة ، لكنهم للفرار عن الجبر اضطروا إلى صرفه عن ظاهره ، وصرفه كصرف (٢) الأفعال تارة إلى صرف القدرة نحو الفعل ، وتارة إلى المقارنة والمباشرة ، وتارة إلى المحلّية وتارة إلى اتصاف الفعل بالطاعة أو المعصية ، وشيء من هذه المعاني لم يعهد في اللّغة ، ولا فهم من الكتاب والسنّة كما لا يخفى على من تأمل وأنصف.

قال المصنّف رفع الله درجته

الثاني ما ورد في القرآن من مدح المؤمن على إيمانه ، وذمّ الكافر على كفره ،

__________________

(١) قال في الأساس : اوكت السقاء شده بالوكاء ، وهو الرباط ، وفي المثل يداك اوكتا وفوك نفخ : قال في مجمع الأمثال : وقال المفضل : أصله ان رجلا كان في جزيرة من جزائر البحر فأراد أن يعبر على زق قد نفخ فيه فلم يحسن احكامه حتى إذا توسط البحر فخرجت منه الريح فغرق ، فلما غشيه الموت استغاث برجل فقال له : يداك اوكتا اه يضرب لمن يجنى على نفسه الحين.

(٢) هذه الوجوه التي تأولها زعماء الاشاعرة وصرفوا ظواهر الآيات الشريفة إليها وذهب الى كل وجه منها رجل من مشاهيرهم ، وان رمت الوقوف على تفاصيلها فعليك بالمراجعة الى الروضة البهية وشروح المواقف وأربعين الرازي.


ووعده بالثواب على الطاعة ، وتوعّده بالعقاب على المعصية كقوله تعالى (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (١) ، (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢) ، (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣) ، (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، (٤) (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) ، (٥) (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) ، (٦) (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ؛ (٧) (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) ؛ (٨) ، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) (٩) (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا) ، (١٠) و (الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) ، (١١) ، انتهى

قال النّاصب خفضه الله

أقول : مدح المؤمن وذمّ الكافر بكونهما محلّا للكفر والايمان ، كما يمدح الرّجل لحسنه وجماله وتمدح اللّؤلؤة بصفائها ، والوعد والوعيد لكونهما محلا للأعمال الحسنة والسّيئة كما يؤثر ، ويختار المسك ويحرق الحطب والحشيش ، والآيات المذكورة إنّما تدلّ على المدح للمؤمن والذّم للكافر ، وبيان ترتب الجزاء وليس النزاع

__________________

(١) غافر. الآية ١٧.

(٢) الطور. الآية ١٦.

(٣) النجم. الآية ٣٧.

(٤) النجم. الآية ٣٨.

(٥) طه. الآية ١٥.

(٦) الرحمن. الآية ٦٠.

(٧) النمل. الآية ٩.

(٨) الانعام. الآية ١٦٠.

(٩) طه. الآية ١٢٤.

(١٠) البقرة. الآية ٨٦.

(١١) آل عمران. الآية ٩٠.


في هذا لأنّ هذا مسلّم ، والكلام في أنّ الأعمال المجزيّة هل هي مخلوقة لله تعالى أو للعبد؟ وأما المباشرة للعمل والكسب الذي يترتّب عليه الوعد والوعيد والجزاء فلا كلام في أنها من العبد ، ولهذا يترتّب عليها الجزاء ، فعلم أنّ في الآيات ليس دليل لمذهبه «انتهى».

أقول

قد مرّ أنّ القول بسببية المحلّ والاتصاف الحاصل بدون الاختيار ضروريّ البطلان وينبه عليه بأنّ أفعال العباد ممّا يصح المدح والذم عليه اتفاقا ، والغرائز الحاصلة في محلّها ليست كذلك ، لما وقع فيها الاختلاف ، وبالجملة أنّا نعلم ضرورة قبح المدح والذّم على كون الشخص طويلا أو قصيرا ، أو كون السّماء فوقه والأرض تحته ، وإنما يحسن هذا المدح أو الذمّ لو كان للعبد فعل يصدر عنه ، واما تمثيله لذلك بمدح الرّجل بحسنه وجماله وبمدح اللّؤلؤة بصفائها فمردود ، بأنّ المدح وإنّ عمّ الاختياري وغيره ، لكن مدح المؤمن على إيمانه مثلا إنّما يقع من حيث اختياره في ذلك وإذ لا اختيار له فيه فينتفى المدح من تلك الحيثية ، وهذا هو مراد المصنّف وحينئذ الاستشهاد بمدح نحو اللّؤلؤة يكون خارجا عن المبحث كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع الله درجته

الثالث الآيات الدّالة على أنّ أفعال الله تعالى منزهة عن أن يكون مثل أفعال المخلوقين من التّفاوت والاختلاف والظلم ، قال الله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (١) (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (٢) والكفر والظلم ليس بحسن

__________________

(١) الملك. الآية ٣.

(٢) السجدة. الآية ٧.


وقوله : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) ، (١) والكفر ليس بحق وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (٢) ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، (٣) (وَما ظَلَمْناهُمْ) (٤) ، (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) ، (٥) ، (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٦) انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : مذهب جميع المليين أنّ أفعال الله تعالى منزهة عن أن يكون مثل أفعال المخلوقين فانّ أفعال المخلوقين مشتملة على التفاوت والاختلاف والظلم ، وأفعال الله تعالى منزّهة عن هذه الأشياء ، فالآيات الدّالة على هذا المعنى دليل جميع الملّيّين ولا يلزم الأشاعرة شيء منها ، لأنّهم لا يقولون : إنّ أفعال العباد أفعال الله تعالى حتّى يلزم المحذور ، بل إنّهم يقولون : أفعال العباد مخلوقة لله مكسوبة للعبد ، وهذا التّفاوت والاختلاف والظلم بواسطة الكسب والمباشرة ، فالتفاوت والاختلاف واقع في أفعال العباد كما في سائر الأشياء كالإنسان وغيره من المخلوقات ، فانّ الاختلاف والتّفاوت واقعان فيها لا محالة ، فهذا التّفاوت والاختلاف في تلك الأشياء بما ذا ينسب وبأىّ شيء ينسب فلينسب إليه اختلاف أفعال العباد (٧) وأمّا الاستدلال بقوله : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) على أنّ الكفر ليس خلقه فباطل ، لأنّ الكفر مخلوق لا خلق ،

__________________

(١) الحجر. الآية ٨٥.

(٢) النساء. الآية ٤٠.

(٣) فصلت. الآية ٤٦.

(٤) هود. الآية ١٠١.

(٥) غافر. الآية ١٧.

(٦) الاسراء. الآية ٧١.

(٧) فيه اعتراف الناصب بأن الله تعالى يخلق القبيح من الكفر وغيره ، وكفى ذلك في كفره وكفر أصحابه من الاشاعرة الفاجرة. منه «قده».


ولو كان كلّ مخلوق حسنا لوجب أن لا يكون في الوجود قبيح ، وهو باطل لكثرة المؤذيات والقبائح المتحققة بخلق الله تعالى على ما سيجيء ، وأما الاستدلال بقوله (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) على أنّ الكفر ليس مخلوقا لله تعالى لأنّه ليس بحقّ فباطل ، لأنّ معنى الآية : انّا ما خلقنا السّماوات والأرض إلا متلبّسين بالحقّ والصّدق والجدّ ، لا بالهزل والعبث كما قال : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) و (ما خَلَقْناهُما) إلا بالحق (١) ولو كان المعنى وما خلقنا السّماوات والأرض وما بينهما ، إلّا بكون كلّ مخلوق حقّا لأفاد أنّ الكفر حقّ ، وأنّى يفهم هذا المعنى من هذا الكلام ، نعم ربّما فهم ذلك الأعرابي الجافّ (٢) الحلّي الرّاطن ذلك المعنى من كلام الله «انتهى».

أقول

قد مرّ بيان أن نفي الأشاعرة الظلم عن الله تعالى إنّما هو بحسب اللّفظ دون المعنى والحقيقة ، وأنّ الكسب باطل بما مرّ مرارا وسيجيء في موضعه ، وأمّا قوله : فالتّفاوت والاختلاف واقع في أفعال العباد كما في سائر الأشياء كالإنسان وغيره من المخلوقات ، ففيه نظر من وجهين ، الاول : أنّه يشعر بأنّ في خلق الإنسان ونحوه من مخلوقات الله تفاوتا واختلافا أيضا ، وهذا مع مخالفته لنصّ الآية مناف أيضا لما قاله سابقا : من أنّ أفعال الله تعالى منزّهة عن التفاوت والاختلاف ، والثاني : أنّه فهم من نفي الاختلاف الواقع في الآية نفى الاختلاف بحسب الأنواع والأشخاص

__________________

(١) الدخان. الآية ٣٩.

(٢) قف على بذاءة لسان الرجل وقلة أدبه وسلوكه في سبيل العلميات مسلك المكارين والجمالين والحجامين ، فبالله عليك أهكذا سيرة العلماء وطريقة العقلاء عصمنا الله تعالى من العصبية الباردة الجاهلية.


ونحوها ، ولهذا وقع في ورطة مخالفة القرآن ومناقضة نفسه ، وليس كذلك بل المراد من التفاوت والاختلاف المنفيّ في الآية عدم التناسب والنّظام بحيث يقول الناظر الفهم : لو كان كذا لكان أحسن ، كذا في تفسير النيسابوريّ : ومن البيّن أنّ أكثر أفعال الإنسان بهذه الحيثيّة ، وأما ما ذكره : من أنّ الكفر مخلوق لا خلق فغير قادح في استدلال المصنّف بالآية لأنّها كما قصد المصنّف إنّما دلّ على حسن المخلوق لا الحلق لأنّ الحسن المفهوم من قوله تعالى : (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) ، إنّما يتعلّق بكلّ شيء خلقه ، بالخلق المفهوم من خلق الماضي في قوله : خلقه ، ولا ريب في أنّ الشيء الذي خلقه الله هو مخلوقه لا خلقه ، قوله : ولو كان كلّ مخلوق حسنا إلخ قلنا : بطلان اللازم ممنوع قوله : لكثرة المؤذيات والقبائح المتحققة قلنا : هذا مع كونه منافيا لإنكاره سابقا كون القبائح صادرة من الله تعالى مردود بأنّه إن أراد من المؤذيات والقبائح ما عدا الأفعال الصّادرة عن العباد كخلق الحيات والعقارب والسباع ونحوها فقد بيّنا سابقا أنّها ليست بقبيحة عند التأمّل في خواصّها ، وكون نفعها أكثر من ضررها ، وإن أراد به ما يشمل أفعال العباد كالسّرقة واللّواطة والزّنا فلا نسلّم أنّها صادرة من الله تعالى ، بل هو أوّل المسألة ، وأمّا ما ذكره من أنّ معنى الآية أنّا ما خلقنا السمّاوات والأرض إلّا متلبّسين بالحقّ والصّدق إلخ ففيه أنّه على تقدير تسليم أن يكون الحقّ والصدق والجدّ ، معان متقاربة كما يدلّ عليه ظاهر كلامه ، لا معنى للاية إلا أن تكون تلك

الأشياء حقّا لا أنّ الحقّ أمر آخر مباين لها متلبّس بها مصاحب لها كالحجر الموضوع بجنب الإنسان ، وبهذا علم أنّ قوله : وأنّى يفهم هذا المعنى من هذا الكلام دليل على اعوجاج فطرته المرّ المرواني ، وقصور فهمه عن إدراك واضحات المعاني ، فانّه لا يفهم أنّ ما ذكره من تفسير الآية هل هو مضمون كلام المصنّف أو يدفعه ويمنعه


ولا يدري أين يذهب رأسه؟ وبأيّ شيء يشتعل أو ينطفي نبراسه؟ (١) والحمد لله على خلاصنا من عظيم ما ابتلوا به من المجاهرة بالباطل ، ومعارضتهم الحقّ بأغث (٢) ما يكون من الكلام

قال المصنّف رفع الله درجته

الرابع : الآيات الدّالة على ذمّ العباد على الكفر والمعاصي كقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) (٣) والإنكار والتّوبيخ مع العجز عنه محال ، ومن مذهبهم أنّ الله تعالى خلق الكفر في الكافر وأراده منه ، وهو لا يقدر على غيره فكيف يوبّخه عليه!؟ وقال الله تعالى : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) (٤) وهو إنكار بلفظ الاستفهام ومن المعلوم أنّ رجلا لو حبس آخر في بيت بحيث لا يمكنه الخروج عنه ثمّ يقول : ما منعك من التّصرّف في حوائجي قبح منه ذلك ، وكذا قوله تعالى : (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا) (٥) (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ) (٦) وقوله : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا) (٧) ، (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (٨) (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٩) (عَفَا اللهُ

__________________

(١) النبراس بكسر النون وسكون الموحدة المصباح والجمع النبارس والنباريس ، وقد يطلق على السنان ، وعلى الأبار المتقاربة والمراد هنا المعنى الاول.

(٢) من غث وأغث الحديث : فسد :

(٣) البقرة. الآية ٢٨.

(٤) الكهف. الآية ٥١.

(٥) النساء. الآية ٣٩.

(٦) ص. الآية ٧٥.

(٧) طه. الآية ٩٢.

(٨) المدثر. الآية ٤٩.

(٩) الانشقاق. الآية ٢١.


عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (١) (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) (٢) وكيف يجوز أن يقول لم تفعل؟ مع أنّه ما فعله وقوله : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) (٣) ، (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٤)؟ قال الصاحب ابن عبّاد (٥) : كيف يأمر بالايمان ولم يرده؟ وينهى

__________________

(١) التوبة. الآية ٤٣.

(٢) التحريم. الآية ١.

(٣) آل عمران. الآية ٧١.

(٤) آل عمران. الآية ٩٩.

(٥) هو الوزير الأديب الفاضل الجليل ابو القاسم اسماعيل بن عباد بن عباس بن عباد ابن أحمد بن إدريس الديلمي المعروف بكافى الكفاة والصاحب والعلامة الوزير كان نابغة في العلوم سيما الأدب والكلام استوزره مؤيد الدولة وأخوه فخر الدولة من الملوك الديالمة البويهيين وكان من بيت الوزارة والفضل ، قال ابو سعيد الرستمي في حقه.

شعر

ورث الوزارة كابرا عن كابر

موصولة الاسناد بالاسناد

يروى عن العباس عباد وزا

رته واسماعيل عن عباد

وكان ره كثير البر والفضل على العلماء والسادات ، الألسن والأقلام قاصرة عن ذكر مكارمه ومحامده ، وكفى في نبله وعلو كعبه ما أورده المخالفون من فضائله في كتبهم وكان شديد الولاء في حق الذرية العلوية ، وله في مديحهم قصائد وأبيات رائقة ويحكى انه كان سبطه السيد الگلستانى جالسا ذات يوم في حجره وهو طفل فقال الصاحب ارتجالا.

الحمد لله حمدا دائما أبدا

إذ صار سبط رسول الله لي ولدا

وله تصانيف وتآليف ، منها : الا بانة عن مذهب أهل العدل بحجج من القرآن والعقل في الامامة واثبات حقية مذهب الشيعة ، وكتاب ديوان الرسائل وكتاب عنوان المعارف وكتاب جوهرة الجمهرة في تلخيص جمهرة ابن دريد وكتاب المحيط في اللغة وكتاب التذكرة وكتاب الأمثال ورسالة الفرق بين الضاد والظاء وكتاب الكشف عن مساوي شعر


عن الكفر وقد أراده؟ ويعاقب على الباطل وقدّره ، وكيف يصرفه عن الايمان ثمّ يقول (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (١) ، ويخلق فيهم الكفر ثمّ يقول : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ)؟ ، ويخلق فيهم لبس الحقّ بالباطل ثم يقول : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) ، وصدهم عن سواء السبيل ثمّ يقول: (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، وحال بينهم وبين الايمان ثم قال (وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا

__________________

المتنبي ونهج السبيل والقضاء والقدر وغيرها من الكتب والرسائل النفيسة.

ولد سنة ٣٢٤ وقيل ٣٢٦.

توفى سنة ٣٨٥ وقيل ٣٨٧ ببلدة رى ونقل نعشه الى أصفهان ودفن بمقبرته المعروفة الى الآن في باب (طوقچى).

قال أبو الحسن الهمداني في رثائه

يبكى الأنام سليل عباد العلا

والدين والقرآن والإسلام

مات المعالي والعلوم بموته

فعلى المعالي والعلوم سلام

فراجع الى الريحانة ج ٦ ص ٦٩ الى ٧٥.

ثم المطلب الذي ينقله مولانا المصنف العلامة موجود في رسالة الجبر والتفويض للصاحب وسمعت أن كلية دانشگاه طبعها او بصدد طبعها.

ثم ليعلم أن كافى الكفاة الوزير الصاحب أخذ علم النحو عن جماعة منهم أبو سعيد السيرافي وابن فارس اللغوي وأبو بكر بن كامل وأبو بكر بن مقسم وغيرهم بحيث صار من أعلام النحاة.

وأخذ اللغة عن ابن فارس وغيره من أعيان هذا العلم.

وأخذ الكلام عن أبى محمد الرازي كما في بعض المجاميع المخطوطة.

وأخذ التفسير والحديث عن جماعة من محدثي بغداد وغيرهم من علماء سائر الأمصار.

وممن أكثر الأخذ والرواية عنه على بن الحسين السعدآبادي والروياني وغيرهما.

(١) يونس. الآية ٣٢.


بِاللهِ) (١) ، وذهب بهم عن الرّشد ثمّ قال : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) (٢) وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا ثمّ قال (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) (٣) «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد سبق أنّ ذمّ العباد على الكفر لكونهم محلّ الكفر ، والكاسبين المباشرين له والإنكار والتوبيخ في قوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) لكسبهم الكفر ، وهم غير عاجزين عن الكسب لوجود القدرة على الكسب وإن كانوا عاجزين عن دفع الكفر عنهم بحسب الإيجاد والخلق ، والأوّل كاف في ترتّب التوبيخ على فعلهم ، وأما ما ذكره من أنّ مذهبهم أنّ الله تعالى خلق الكفر في الكافر وأراده منه وهو لا يقدر على غيره فكيف يوبّخه عليه فقد ذكرنا جوابه فيما سبق أنّ التوبيخ باعتبار الكسب والمحلّية لا باعتبار التّأثير والخالقيّة ، وقد ذكرنا فيما سبق : أنّ هذا يلزمهم في العلم بعينه وكذا حكم باقي ما ذكر من الآيات المشتملة على توبيخ الله تعالى عباده بالشّرك والمعاصي فانّ كلّ هذه التّوبيخات متوجهة إلى العباد باعتبار المحلّيّة والكسب ، لا باعتبار الخلق ، وأما ما ذكره من كلمات الصّاحب ابن عباد فهو كان رجلا وزيرا متشدّقا (٤) في الإنشاء معتزليّا ذكر الكلمات وسردها على وتيرة أرباب التّرسّلات والمراسلات ، وليس فيه دليل ، وما أحسن ما قيل في أمثال كلامه شعر :

كلامك يا هذا كبندق فارغ

خليّ عن المعنى ولكن يقرقر

«انتهى»

__________________

(١) النساء. الآية ٣٩.

(٢) التكوير. الآية ٢٦.

(٣) المدثر. الآية ٤٩.

(٤) من تشدق : توسع في الكلام من غير احتياط.


أقول

قد سبق أنّ القول بالمحليّة والكسب لا محلّ له عند العقل ، ولا يكسب لهم خيرا ولا يصلح وجها لتوجّه الإنكار والتّوبيخ من الله تعالى إلى العباد ، ولا يكفي في ترتبهما على فعلهم ، وقد سبق أنّ مظنّة لزوم مثل ذلك علينا في العلم من قبيل (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (١) ، وكذا الكلام في باقي ما ذكر من الآيات وأما ما ذكره في دفع كلمات صاحب ابن عباد رحمه‌الله : من أنّه كان رجلا وزيرا متشدّقا معتزليا ، فلا يخفى ما فيه إذ لا يقدح شيء من الوزارة وبلوغ الفصاحة والبلاغة والاعتزال في فضل الرّجل وحسن مقاله ، انظر إلى ما قال ، ولا تنظر إلى من (٢) قال ، لكن النّاصب جعل ذلك وسيلة للهرب عن جوابه ، ولم يمنعه عنه ما كان له بنفسه من إعجابه ، ثم ما ذكر : انّه كان من أهل الاعتزال إنّما نشأ عن جهله بأحوال الرّجال وإنّما كان الصاحب رحمه‌الله شيعيا إماميا بالغا إلى نصابه (٣) نشأ في حجر التّشيع ، وأرضع من لبابه (٤) على رغم أنف النّاصب وأصحابه كما حقّقه أرباب التّاريخ في بابه ، وأما ما ذكره من الشعر المشعر بأنّه رغم كلام الصّاحب

__________________

(١) الحجرات. الآية ١٢.

(٢) الكلمة من درر الكلمات نسبت الى مولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام.

(٣) ولا يخفى لطف التعبير عن كونه شيعيا اثنى عشريا ببلوغ النصاب.

(٤) إشارة الى كون الصاحب كافى الكفاة عريفا في التشيع أصيلا في ولاء آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بحسب الآباء والأمهات ، كما أشرنا اليه عند التعرض لنبذ من ترجمته المنيفة.

ثم ان مولانا القاضي الشهيد قال في هامش الكتاب في هذا الموضع ما لفظه : هذه إشارة الى كونه اثني عشريا فانه لب التشيع ، وباقى طوائف الشيعة قشر باطل «انتهى».


خاليا عن المعنى فلينصف أولياء النّاصب أنّ الخالي عن المعنى هو الكسب الذي اضطربوا في تحصيل معناه كما بيّناه ، أو الكلام المنقول عن الصاحب الذي جلّ أن يوصف لفظه إلّا بالدّر المنظوم ، وكؤوس معانيه إلّا بالرحيق المختوم ، لكنّ الجاهل المعاند الذي ختم الله على قلبه فلا يتقي من الله تعالى ولا يستحي من النّاس ولا يبالي بما أطلق به لسانه لا يعجز عن الإتيان بمثل هذا الشعر الذي كلام شيخه الأشعري الخالي عن الشعور أولى به ، ولا غرو أنّ الحقّ ينكره الجهول سيّما الفضول (١) الذي هو على شفا (٢) جرف مهول كما قيل شعر :

الحقّ ينكره الجهول لأنّه

عدم التصوّر فيه والتصديقا

وهو العدوّ لكلّ ما هو جاهل

فإذا تصوّره يعود صديقا

قال المصنّف رفع الله درجته

الخامس الآيات التي ذكرها الله تعالى فيها تخيير العباد في أفعالهم ، وتعليقها بمشيتهم قال : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ، وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (٣) (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٤) ، (فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) (٥) (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (٦) (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) (٧) ، (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) (٨) ، (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ

__________________

(١) لا يخفى ما في التعبير بالفضول من الإيماء الى اسم الناصب وهو الفضل بن روزبهان

(٢) متخذ من قوله تعالى في سورة التوبة الآية ١٠٩.

(٣) الكهف. الآية ٢٩.

(٤) فصلت. الآية ٤٠.

(٥) التوبة. الآية ١٠٥.

(٦) المدثر. الآية ٤٣.

(٧) المدثر. الآية ٥٥ وعبس الآية ١٢.

(٨) المزمل. الآية ١٩.


مَآباً) (١) ، وقد أنكر الله تعالى على من نفى المشيّة عن نفسه وأضافها إلى الله تعالى بقوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) (٢) (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ)(٣) «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : هذه الآيات تدلّ على أنّ للعبد مشيئة وهذا شيء لا ريب فيه ، ولا خلاف لنا فيه ، بل النزاع في أنّ هذه المشيئة التي للعبد هل هي مؤثرة في الفعل موجدة إيّاه أو هي موجبة للمباشرة والكسب؟ فإقامة الدّليل على وجود المشيئة في العبد غير نافعة له ، وأما قوله : قد أنكر الله تعالى على من نفى المشيئة عن نفسه ، وأضافها إلى الله تعالى بقوله : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) ، فنقول : هذا الإنكار بواسطة إحالة الذّنب على مشيئة الله تعالى عنادا أو تعنّتا (٤) فأنكر الله عليهم عنادهم ، وجعل المشيئة الالهيّة علّة للذّنب ، وهذا باطل ، ألا ترى إلى قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) كيف نسب عدم الاشراك إلى المشية : ولو لا أنّ الإنكار في الآية الاولى لجعل المشيئة علّة للذّنب ، وفي الثانية لتعميم حكم المشيئة الموجبة للخلق ، لم يكن فرق بين الاولى والثّانية والحال أنّ

__________________

(١) النبأ. الآية ٣٩.

(٢) الانعام. الآية ١٤٨.

(٣) الزخرف. الآية ٢٠.

(٤) الفرق بين العناد والتعنت بعد اشتراكهما في كونهما دالين على اللجاج ، أن العناد يقال فيما كان صاحبه عالما بكون ما يذهب اليه مخالفا للحق بخلاف التعنت فانه أعم ، أو الفرق أن العناد حيثما كان صاحبه لجوجا ولدودا ، والتعنت حيثما يظهر اللداد أو غير ذلك.


الاولى واردة للإنكار على ذلك الكلام وهو منقول عنهم ، والثّانية من الله تعالى من غير إنكار فليتأمل المتأمّل ليظهر عليه الحقّ «انتهى».

أقول

قد مرّ بيان أنّ إثبات القدرة والمشيئة بدون التّأثير لا محصّل له ، وأنّ القول بالكسب لا أثر له في دفع الجبر ، وأما ما ذكره من أنّ هذا الإنكار بواسطة إحالة الذّنب على مشيئة الله تعالى إلخ ففيه أنّ صريح الآية اعتقادهم أنّ مشيئة الله تعالى علّة لشركهم وكون الشّرك ذنبا أو غيره غير مفهوم من لفظ الشّرك ، وإنّما فهم من خارج ، والقول بعلّيّة مشيئة الله تعالى وعلمه للشّرك وجميع أفعال العباد ممّا شارك فيه الأشاعرة مع المشركين ، وقد نفاها الله تعالى ، كما قرّره المصنّف فالعدول عن جعل مشيئة الله تعالى في الآية علّة لنفس الشّرك وجعله علّة لوصف كونه ذنبا صرف للآية عن ظاهرها والبناء على الكسب بالمعنى الذي ذكره القاضي أبو بكر الباقلاني وفخر الدين الرّازي (١) حيث قالا : إنّ حقيقة الكسب صفة تحصل بقدرة العبد بفعله الحاصل بقدرة الله تعالى ، فإنّ الصّلاة والقتل مثلا كلتاهما حركة وتتمايزان بكون إحداهما طاعة والأخرى معصية ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، فأصل الحركة لقدرة الله تعالى وخصوصيّة الوصف بقدرة العبد ، وأورد عليه أنّ امتياز المطلق عن مقيّداته إنّما هو في العقل دون الخارج ، وهو لا يصحّح كون كلّ من هذين التمايزين مقدورا بقدرة أخرى ، وأما ما ذكره من أنّه لو لا التأويل الذي ذكره في الآية الاولى ، لما فرق بينها وبين الآية الثّانية فدفعه هين والفرق بيّن ، لأنّ المراد بالمشيئة في الآية المشيئة المطلقة يعني أنّ الله تعالى لوشاء عدم الشّرك منّا لما أشركنا ، لكنّه لم يشأ ذلك ، وحاصل الإنكار أنّكم كاذبون في أنّ الله تعالى لم يشأ

__________________

(١) قد سبقت ترجمتهما في (ج ١ ص ٢٤٧ و ١١٠)


عدم شرككم ، لأنّه تعالى شاء ذلك بالمشيئة التكليفيّة الاختياريّة التفويضيّة ، بأن تختاروا عدم الشّرك بارادتكم ومشيئتكم فارتكبتم بسوء اختياركم الشّرك وتركتم التوحيد ، والمراد بالمشيئة في الآية التي ذكرها النّاصب المشيئة الاجبارية الاضطراريّة ، وحاصل هذه الآية أنّ الله تعالى لو أراد عدم شركهم بالمشيئة الاجبارية لما أمكنهم الشّرك ، لكن لم يشأ ذلك على هذا الوجه لمنافاته غرض التكليف كما مرّ ، ولا منافاة بين معنى الآيتين على هذا ، ولا تكلّف في التأويل كما ترى ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١) وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (٢).

قال المصنّف رفع الله درجته

السادس الآيات التي فيها أمر العباد بالأفعال (الإقبال خ ل) والمسارعة إليها قبل فواتها كقوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (٣) ، (أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ) (٤) ، (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) (٥) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) (٦) (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) (٧) (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) (٨) (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ (٩)

__________________

(١) الانعام. الآية ١٤٩.

(٢) الشورى. الآية ٨.

(٣) الانعام. الآية ١٣٣.

(٤) الأحقاف. الآية ٣١.

(٥) الأنفال. الآية ٢٤.

(٦) الحج. الآية ٧٧.

(٧) البقرة. الآية ٢١.

(٨) النساء. الآية ١٧٠.

(٩) الزمر. الآية ٥٥.


وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) (١) ، فكيف يصحّ الأمر بالطاعة والمسارعة إليها مع كون المأمور ممنوعا عاجزا عن الإتيان به؟ وكما يستحيل أن يقال للمقعد الزّمن قم ، ولمن يرمى من شاهق جبل احفظ نفسك فكذا هاهنا «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : أمر العباد بالمسارعة في الخيرات من باب التكليف ، وقد سبق فائدة التكليف وأنّه ربّما يصير داعيا إلى إقبال العبد إلى الله تعالى وخلق الثّواب والعقاب عقيب التكليف والبعثة ، وعمل العباد كخلق الإحراق عقيب النّار فكما أنّه لا يحسن أن يقال : لم خلق الله تعالى الإحراق عقيب النّار؟ كذلك لا يحسن أن يقال : لم خلق الثّواب والعقاب عقيب الطاعة والمعصية ، فانه تعالى مالك على الإطلاق ، ويحكم ما يريد ، وأمّا قوله : كيف يصحّ الأمر بالطاعة والمأمور به (٢) عاجز ، فالجواب ما سبق أنه ليس بعاجز عن الكسب والمباشرة ، والكلام في الخلق والتأثير لا في الكسب والمباشرة «انتهى».

أقول

قد سبق أنّ العبد بطبعه لا يخلو عن الفعل والترك ، فلا حاجة له في ذلك إلى التكليف فبقى أن يكون التكليف للحثّ على الخيرات والزّجر عن المعاصي كما ذكره المصنف قدس‌سره ، وقد سبق أيضا أنّ نفى السببيّة الحقيقيّة سفسطة لا يلتفت إليها ، وأنّ المالك على الإطلاق إنّما يحسن منه التّصرف على الوجه الحسن ، فإذا تصرّف لا على وجه يستحسنه العقل السّليم يذمّ ويحكم عليه بالسّفه ، وأما ما ذكره في الجواب

__________________

(١) الزمر. الآية ٥٤.

(٢) اى الشخص المأمور بالطاعة والامتثال واللام الداخلة على الوصف موصولة فلا تغفل.


من أنّه ليس بعاجز عن الكسب والمباشرة ، فقد مرّ وسيجيء دفعه بابطال الكسب بأىّ معنى كان إن شاء الله تعالى.

قال المصنّف رفع الله درجته

السابع الآيات التي حثّ الله تعالى فيها على الاستعانة به كقوله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(١)،(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٢) ،(اسْتَعِينُوا بِاللهِ)(٣)، فإذا كان الله تعالى خلق الكفر والمعاصي كيف يستعان به (يستفاد منه خ ل) وأيضا يلزم بطلان الألطاف والدّواعي ، لأنّه تعالى إذا كان هو الخالق لأفعال العباد فأىّ نفع يحصل للعبد من اللّطف الذي يفعله الله!؟ لكنّ الألطاف حاصلة كقوله تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) (٤) (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) (٥) (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) (٦) (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (٧) ، (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٨) انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : خلق الكفر والمعاصي لا يوجب أن لا يستعان من الخالق ، ولا يستعاذ به ،

__________________

(١) الحمد. الآية ٥.

(٢) النحل. الآية ٩٨.

(٣) الأعراف. الآية ١٢٨.

(٤) التوبة. الآية ١٢٦.

(٥) الزخرف. الآية ٣٣.

(٦) الشورى. الآية ٢٧.

(٧) آل عمران. الآية ١٥٩.

(٨) العنكبوت. الآية ٤٥.


فانّ الاستعانة والاستعاذة لأجل أن لا يخلق ما يوجب الاستعانة والاستعاذة ، ولو كان الأمر كما ذكروا لانسدّ باب الدعاء والطلب من الله تعالى ، لأنّه خالق الأشياء ، وهذا من التّرهات التي لا يتفوّه بها عاقل فضلا عن فاضل «انتهى».

أقول

يتوجّه عليه أنّ الخلق بدون كسب العبد لمّا لم يوجب عندهم ثوابا ولا عقابا ، فلا حاجة إلى الاستعاذة ، والقول بأنّ الاستعاذة عن الخلق يجوز أن تكون لئلا تؤدي الخلق إلى الكسب مردود ، بأنّ هذه التأدية إن كانت بالجبر فيلزم أن يكون الكسب أيضا بالجبر ، فيلزم الجبر المحض ، وإن كان باختيار العبد فلا وجه للاستعاذة فيه عن الله تعالى فتدبّر.

قال المصنّف رفع الله درجته

الثامن الآيات الدّالة على اعتراف الأنبياء بذنوبهم ، وإضافتها إلى أنفسهم كقوله تعالى حكاية عن آدم عليه‌السلام : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ، (١) وعن يونس عليه‌السلام : (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٢) وعن موسى عليه‌السلام (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي)(٣) ، وقال يعقوب عليه‌السلام لأولاده : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) (٤) وقال يوسف عليه‌السلام: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) ، (٥) وقال نوح عليه‌السلام : (رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) (٦) ، فهذه الآيات تدلّ على اعتراف الأنبياء بكونهم فاعلين

__________________

(١) الأعراف. الآية ٢٣.

(٢) الأنبياء. الآية ٨٧.

(٣) القصص. الآية ١٦.

(٤) يوسف. الآية ١٨.

(٥) يوسف. الآية ١٠٠.

(٦) هود. الآية ٤٧.


لأفعالهم «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : اعتراف الأنبياء بكونهم فاعلين لا يدلّ على اعتقادهم بكونهم خالقين والمدّعى هو هذا وفيه التنازع ، فانّ كلّ إنسان يعلم أنّه فاعل للفعل ، ولكنّ الكلام في الخلق والإيجاد فليس فيها دليل لمدّعاه «انتهى».

أقول

يدفعه أنّ الأصل في الإطلاق الحقيقة (١) والضّرورة قاضية بذلك أيضا ، وقد مرّ مرارا ما في احتمال الكسب من الهذر والفساد ، فما بقي لهم إلا العناد.

قال المصنّف رفع الله درجته

التاسع الآيات الدّالة على اعتراف الكفّار والعصاة ، بأنّ كفرهم ومعاصيهم كانت منهم كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٢) إلى قوله : (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) (٣) ، وقوله : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٤) ، (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) (٥) إلى قوله : فكذبنا وقوله : (أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٦) «انتهى».

__________________

(١) اى تكون أفعالنا صادرة عنا لان الأصل في الإطلاق الحقيقة.

(٢) السباء. الآية ٣١.

(٣) السباء. الآية ٣٢.

(٤) المدثر. الآية ٤٣.

(٥) الملك. الآية ٨.

(٦) الأعراف. الآية ٣٩.


قال النّاصب خفضه الله

أقول : اعتراف الكفّار يوم القيامة لظهور ما ينكره المعتزلة ، وهو أنّ الكسب من العبد والخلق من الله ، ألا ترى إلى قوله تعالى لهم يوم القيامة : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ، أي كان هذا الجزاء لكسبكم الأعمال السّيئة ، وكلّ هذا يدلّ على أن للعبد كسبا يؤاخذ به يوم القيامة ، ويجزى به ، ولا يدلّ على ما هو محلّ النّزاع وهو كونه خالقا لفعله وموجدا إيّاه فليس فيها دلالة على المقصود «انتهى».

أقول

يتوجّه عليه أنّ ما حكم به بديهة العقول السّليمة والبرهان العقليّ لا يظهر خلافه في الآخرة ، لما عرفت من إحكام قاعدة الحسن والقبح العقليّين ، وما ذكره من الآية لا تدلّ على إرادة ما اخترعوه من الكسب الذي لا محصل له ، لظهور أنّ الكسب في الآية ليس بالمعنى الذي اخترعوه فلا يصح الاستدلال بها على مذهبهم فهو في ذلك مطالب بالبيان ودونه خرط القتاد.

قال المصنّف رفع الله درجته

العاشر الآيات التي ذكر الله فيها ما يحصل منهم من التحسّر في الآخرة على الكفر وطلب الرّجعة ، قال الله تعالى : (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا) ، (١) قال : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً) (٢) (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، (٣) (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً) ، (٤) أو يقول :

__________________

(١) الفاطر. الآية ٣٧.

(٢) المؤمنون. الآية ٩٩.

(٣) السجدة. الآية ١٢.

(٤) السجدة. الآية ١٢.


(حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (١) «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : التّحسّر وطلب الرّجعة لاكتساب الأعمال السيّئة والاعتقادات الباطلة التي من جملتها اعتقاد الشّركاء لله تعالى كما هو مذهب المجوس ومن تابعهم من الملّيّين كالمعتزلة وتابعيهم ، وليس في هذه الآيات دليل على دعواهم «انتهى».

أقول

قد مرّ أنّ الكسب والاكتساب بالمعنى الذي اخترعوه بمعزل عن لغة القرآن. وأما ما نسبه إلى أهل العدل من اعتقاد شركاء لله تعالى فهو أولى بالأشعريّة المثبتين للصّفات الزّائدة القديمة كما سبق بيانه ، بل القول بالكسب وكونه مؤثّرا في وصف الطاعة والمعصية يستلزم ما هو أشدّ من الشّرك الذي توهّموه من قول أهل العدل باستناد أفعال العباد إليهم كما مرّ بيانه ، بل يلزمهم فيه مشاركة المجوس بل النصارى حذو النّعل بالنعل والقذّة بالقذّة (٢) كما سبق.

قال المصنّف رفع الله درجته

فهذه الآيات وأمثالها من نصوص الكتاب العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) ، (٣) ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، فما عذر فضلائهم؟ وهل يمكنهم الجواب عن

__________________

(١) الزمر. الآية ٥٨.

(٢) قال في النهاية : اى يقدر كل واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان وقد تكرر ذكرها في الحديث. أقول : قد سبق نقل بعض ما ذكر فيه هذا المثل من الحديث (ج ١ ص ٩).

(٣) فصلت. الآية ٤٢.


هذا السؤال كيف تركتم هذه النّصوص ونبذتموها (وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا)؟ (١) إلا بانا طلبنا الحياة الدّنيا وآثرناها على الآخرة ، وما عذر عوامهم في الانقياد إلى فتوى علمائهم واتّباعهم في عقائدهم؟ وهل يمكنهم الجواب عن هذا السؤال كيف تركتم هذه الآيات وقد جاءكم بها النّذير ، وعمرناكم ف (ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ)؟ (٢)؟ إلا بأنّا قلّدنا آبائنا وعلمائنا من غير فحص ولا بحث ولا نظر مع كثرة الحلاف وبلوغ الحجة إلينا ، فهل يقبل عذر هذين القبيلين؟ وهل يسمع كلام الفريقين؟ «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت فيما مضى أنّ النّص مالا يحتمل خلاف المقصود ، وقد علمت في كلّ الفصول من استدلالاته بالآيات أنّها دالة على خلاف مقصوده ، فهي نصوص مخالفة لمدّعاه ، والعجب أنّه يفتخر ويباهي بإتيانها ، ثم يقول : ما عذر علمائهم وعوامهم؟ فنقول : أمّا عذر علمائهم فإنهم يقولون يوم القيامة : إلهنا كنّا نعلم أنّ لا خالق في الوجود سواك ، وأنت خلقت كلّ شيء ، ونحن كسبنا المعصية أو الطاعة ، فان تعذّبنا فنحن عبادك ، وإن تغفر لنا فبفضلك وكرمك ، ولك التّصرف فينا كيف شئت ، وأما عذر عوامهم فانّهم يقولون : إلهنا إنّ نبيّك محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أمرنا بأن نكون ملازمين للسّواد الأعظم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : عليكم بالسّواد الأعظم(٣) ، ورأينا في أمته صلى‌الله‌عليه‌وآله السّواد الأعظم كان أهل السنة والجماعة ، فدخلنا فيهم واعتقدنا مثل اعتقادهم ، ورأينا أنّ المعتزلة ومن تابعهم من الشيعة كاليهود يخفون مذهبهم ويسمونه التقية ، ويهربون من كلّ شاهق إلى شاهق ، ولو نسب إليهم أنهم معتزليون ، أو شيعة ، يستنكفون عن

__________________

(١) إشارة الى قوله تعالى في سورة آل عمران. الآية ١٨٧.

(٢) إشارة الى قوله تعالى في سورة فاطر. الآية ٣٧.

(٣) رواه في كنز العمال (ج ١ ص ١٦٠) وتقدم ذكره في الجزء الاول من الكتاب.


هذه النسبة ، فعلمنا أنّ الحق مع السواد الأعظم فتبعناهم «انتهى».

أقول

قد بينا فيما سبق : أنّ النص ليس ما توهمه من ظاهر تعريفه المذكور ، بل هو ما لا يحتمل خلاف المقصود ولو بمعونة القرائن الواضحة ، وأما ما ذكره : من أنّ الآيات كانت دالة على خلاف مقصود المصنف فبناه في ذلك كما مرّ على أنّ لفظ الفعل المذكور في بعض تلك الآيات بمعنى الكسب الذي اخترعه الأشعري ، وكذا ما ذكر فيها بلفظ الكسب ، وأنت تعلم أنّ لفظ الفعل والكسب لم يجيء في اللّغة بالمعنى الذي اخترعه من المحلّية والمقارنة ونحوهما ، ولا يدلّ عليه بإحدى الدّلالات الثلاث ، فاحتمال إرادته الكسب بذلك المعنى كما هو خلاف مقصود المصنف مخالف لمقصود الله تعالى أيضا ، فلا يقدح في استدلال المصنف بها على مقصوده ، ولا يدفع كونها نصا في معناها الحقيقي ، وأما ما ذكره الناصب في تقرير عذر علماء نحلته ، فهو مما لا يبيض وجوههم ، إذ يكذّبهم الله تعالى في ذلك ويقول لهم : كيف يصح دعواكم أنه لا خالق في الوجود سواك وأنت خلقت كلّ شيء؟ مع أنكم أثبتم صفات سبعة زائدة قديمة ، وأنكرتم كونها مخلوقة لي وأنكم نسبتموني إلى الظلم والسفه حيث نفيتم عن أنفسكم الفعل وأثبتم الكسب بالمعنى الذي لا يوجب استحقاق العقاب والثواب ، وأما التضرع إلى الله بأنك إن تعذّبنا فنحن عبادك وإن تغفر لنا فبفضلك ، فمشترك بين قاطبة أهل الإسلام لا اختصاص له بالأشاعرة ، وأما التصرف كيف شاء ، فإن أراد به أنواعا وأصنافا من الثّواب أو العقاب التي يستحقها المكلّف في استحسان العقل فصادق ، لكن لا يفيده ، وان أراد به التصرّف الحسن والقبيح فهو سبحانه منزّه عن القبيح فيرد بذلك برى على (ردّ على خ ل) وجوه ضراعتهم ، وأمّا ما ذكره في عذر العوام ، فهو عذر غير مسموع ، إذ يقول الله تعالى لهم في ردّ ذلك : من أين علمتم أنّ معنى السّواد الأعظم ذلك؟


مع أنّ سواد الكفر أعظم من سواد جميع الإسلام ، ولم ما تتبعتم وما علمتم أنّ خوف الشّيعة والمعتزلة وتقيتهم إنّما كان منكم ومن كثرة سوادكم سوّد الله وجوهكم ولم ما تذكّرتم أنّ أهل الحقّ كانوا في زمان كلّ نبيّ قليلون؟ وأهل الباطل كثيرون وإنّما المعنىّ (١) بالسّواد الأعظم ما تركه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في أمّته من الثقلين كتاب الله تعالى

__________________

(١) وايضا السواد الأعظم هو ما يدرك فيه كل ما يحتاج اليه والإنسان الكامل كذلك وعليه الصوفية كما أشار اليه الشيخ العارف الشبسترى في قوله شعرا :

سواد الوجه في الدارين درويش

سواد أعظم آمد بى كم وبيش

(سوادش أعظم آمد نى كم وبيش خ ل)

وقال الشيخ العارف الكامل اللاهيجي «قده» مراد فناء في الله است وآنچه فرموده اند كه الفقر سواد الوجه في الدارين عبارت از آنست كه سالك في الجملة فانى في الله شود بحيثيتى كه او را در ظاهر وباطن ودنيا وآخرت وجود نماند وبعدم أصلي وذاتى راجع گردد واينست فقر حقيقى واز اين جهت فرموده اند إذا تم الفقر فهو الله زيرا كه اين مقام اطلاق ذات حقست واين سواد الوجه سواد أعظم است زيرا كه سواد أعظم آنست كه هر چه خواهند در او يابند وهر چه در تماميت در مراتب موجودات مفصل است در اين مرتبه مجمل است كالشجرة في النواة ومجموع عوالم تفصيل اين مرتبه اند وهيچ شيئى بيرون از اين مرتبه نيست در اين مقام هستى مطلق در نيستى مطلق نموده ميشود اين مرتبه غير از انسان كامل هيچ چيز ديگر را ميسر نيست واز اين جهت است كه انسان كامل اكمل از جميع موجودات است وسبب ايجاد عالم شده است «انتهى».

هكذا في هوامش بعض النسخ المخطوطة نقلا عن بعض العرفاء.

(١ مكرر) روى المتقى في كنز العمال ج ١ ص ١٨٥ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال ، اتبعوا السواد الأعظم ، يد الله على الجماعة ، وفي نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : عليكم بالسواد الأعظم ، وفي كنز العمال (ج ١ ص ١٦٠) حديث ٩١٠ عن النبي «ص» انه قال : عليكم بالسواد الأعظم ، لا يخفى ما في تعبير القاضي الشهيد بالسواد الأعظم من اللطف والمتانة.


وعترته ، ووصفه في الحديث المشهور بأنّ أحدهما أعظم من الآخر وإنّما عبّر عنهما بالسّواد لأنّهما قرتا أعين المؤمنين ، ونورا أبصار المستبصرين ، ولهذا قيل : النّور في السّواد ، ويؤيد ما ذكرنا ما رواه الطيبي (١) في شرح المشكاة عن سفيان الثوري (٢) في تفسير الجماعة حيث قال : لو أنّ فقيها على رأس جبل لكان هو الجماعة ، ويعضده قول بعض الحكماء : جلّ جناب الحقّ أن يكون شريعة لكلّ وارد ، وأن يطلع عليه (يطمع فيه) إلّا واحد ، وقال الشاعر.

__________________

(١) هو الشيخ شرف الدين الحسن أو الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي العلامة المحدث المفسر الفقيه المتكلم الأديب ، توفى سنة ٧٣٣ ، له تصانيف وتآليف ، منها كتاب التبيان في المعاني والبيان ، وكتاب الخلاصة في الدراية وكتاب شرح الكشاف وكتاب شرح المشكاة ، وكتاب شرح المصابيح للبغوي فراجع الريحانة ج ٣ ص ٣٨.

(٢) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الكوفي ، العارف المشهور الذي اليه تنتهي عدة سلاسل من الصوفية ، توفى سنة ١٦١ وقيل سنة ١٦٢ بالبصرة ، وكانت ولادته سنة ٩٥ وقيل سنة ٩٦ وقيل سنة ٩٧ ، نسبت اليه رسائل وكتب وكلمات في كتب المتصوفة ، منها كتاب الجامع الصغير وكتاب الجامع الكبير وكتاب الفرائض ، فراجع الريحانة ج ١ ص ٢٤٠.

ثم انى رأيت كرسي بعض المتصوفة وقد انهى سلسلته الى سفيان الثوري هذا

والمترجم غير ممدوح عند أصحابنا المحققين فلا اعتداد بما في بعض التصانيف من تجليله إذ صاحبه غير متثبت وغير نقاب ، أو ساقه الى ذلك مذاقه العرفانى وحب الشيء يعمى ويصم.


خليليّ (١) قطّاع الفيافي (٢) إلى الحمى

كثير وأمّا الواصلون قليل

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها مخالفة العلم الضّروريّ الحاصل لكلّ أحد يطلب من غيره أن يفعل فعلا ، فانّه يعلم بالضّرورة أنّ ذلك الفعل يصدر عنه ، ولهذا يتلطف في استدعاء الفعل منه بكلّ لطيفة ويعظه ويزجره عن تركه ويحتال عليه بكلّ حيلة ويعده ويتوعّده على تركه ، وينهاه عن فعل ما يكرهه ، ويعنفه على فعله ، ويتعجّب من فعله ذلك ويستطرفه ويتعجّب العقلاء من فعله : وهذا كلّه دليل على أنّه فعله ، ويعلم بالضّرورة الفرق الضّروري بين أمره بالقيام وبين أمره بإيجاد السّماء والكواكب ، ولو لا أنّ العلم الضّروري حاصل بكوننا موجدين لأفعالنا لما صحّ ذلك «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : الطلب من الغير للفعل ونهيه عن الفعل للحكم الضّروري بأنّه فاعل للفعل ، وهذا لا ينكره إلّا من ينكر الضروريّات ، وقد مرّ مرارا أنّ هذا ليس محلا

__________________

(١) جرت عادة الأدباء الأقدمين على تجريد الإنسان من نفسه شخصا آخر مثله في الصفات التي سيق الكلام ثم يخاطبه كقول الأعشى.

ودع هريرة ان الركب مرتحل

وهل تطيق وداعا ايها الرجل

وقد يجرد شخصين مثليه في الخصوصيات وجعل أحدهما جالسا من يمينه والآخر في يساره ثم مخاطبتهما فالباب باب التجريد وهو من القواعد المذكورة في البيان تارة وفي البديع أخرى ومن أطيب المحاضرات جلوس الشخص بين الحبيبين اللذين هما كنفسه في الخلال والخصال فهذا الخطاب في البيت قد اشتمل على لطافة التجريد وحلاوة المجالسة بين الخلين الخليلين وان شئت الوقوف على كيفية التجريد واقسامه ومحاسنه وشروطه فعليك بشروح التلخيص للتفتازاني والسبكى والسيالكوتى وغيرهم.

(٢) الفيفاء بالمد والفيفى بالقصر والفيفاة بالتاء المكان المستوي.


للنّزاع ، فانّ صدور الفعل عن أحدنا محسوس ولهذا نطلب منه ونتلطف ، ونزجر ونعد ونوعد ، وكلّ هذه الأمور واقعة وليس النّزاع إلا في أنّ هذا الفعل هل هو مخلوق لنا أو نحن نباشره؟ فالنّزاع راجع إلى الفرق بين المباشرة والخلق وأنّهما متحدان ، أو متغايران ، وهذا ليس بضروري ، ومن ادّعى ضرورية هذا فهو مكابر لمقتضى العقل ، فمخالفة الضرورة فيما ذكر ليس في محلّ النزاع ، فليس له فيه دليل «انتهى».

أقول

لمّا اعترف الناصب ، بأن صدور الفعل عن أحدنا محسوس ، فاحتمال صدوره عن غيره يكون سفسطة وإنكارا للمحسوسات وتشكيكا في البديهيّات ، ومكابرة على صريح العقل والتجاوز عن ظاهر النقل فتأمّل (١).

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها مخالفة إجماع الأنبياء والرّسل فإنه لا خلاف في أنّ الأنبياء أجمعوا على أنّ الله تعالى أمر عباده ببعض الأفعال ، كالصّلاة والصّوم ، ونهى عن بعضها كالظلم والجور ، ولا يصحّ ذلك إذا لم يكن العبد موجدا ، إذ كيف يصحّ أن يقال : ايت بفعل الايمان والصلاة ولا تأت بالكفر والزّنا مع أنّ الفاعل لهذه الأفعال والتارك لها هو غيره ، فانّ الأمر بالفعل يتضمن الاخبار عن كون المأمور قادرا عليه حتى أنه لو لم يكن المأمور قادرا على المأمور به لمرض أو سبب آخر ، ثمّ أمره غيره فانّ العقلاء يتعجّبون منه وينسبونه إلى الحمق والجهل والجنون ، ويقولون : إنّك تعلم أنّه لا يقدر على ذلك ثمّ تأمره به ، ولو صحّ هذا لصحّ أن يبعث الله رسولا إلى الجمادات مع الكتاب فيبلّغ إليها ما ذكرناه ، ثمّ إنه تعالى يخلق الحياة في تلك الجمادات ، ويعاقبها لأجل

__________________

(١) لعله إشارة الى أن الناصب قصد من الصدور المحلية كما صرح بذلك مرارا. «ج ٤».


أنّهم لم يمتثلوا أمر الله ورسوله وذلك معلوم البطلان ببديهة العقل «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : أمر الأنبياء عباد الله تعالى بالأشياء ونهيهم عن الأشياء لا يتوقّف على كون العبد موجدا للفعل ، نعم يتوقّف على كون العبد فاعلا مستقلا في الكسب والمباشرة ومختارا ، وهذا مذهب الأشاعرة ، وما ذكره لا يلزم من يقول بهذا ، بلى يلزم أهل مذهب الجبر وقد علمت أنّ الأشاعرة يثبتون اختيار العبد في كسب الفعل ، ويمنعون كون قدرته مؤثّرة في الفعل مبدعة موجدة إيّاه ، وشتّان بين الأمرين ، فكلّ ما ذكره لا يلزم الأشاعرة ، وليس في مذهبهم مخالفة لإجماع الأنبياء «انتهى».

أقول

قد علمت وستعلم أنّه لا محصّل للكسب الذي يرام به الأشعري مهربا عن الجبر ، فيتوجه عليه ما يتوجه على الجبرية سواء بسواء ، ولا يحصل له من كسبه سوى تطويل المسافة بلا طائل ، وقد مرّ أنّ القول بالقدرة الغير المؤثرة هذر ، فكلّ ما ذكره المصنف يلزم الأشاعرة لزوما لا سترة عليه.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم منه سدّ باب الاستدلال على كونه تعالى صادقا ، والاستدلال على العلم بإثبات الصانع ، والاستدلال على صحة النبوة ، والاستدلال على صحة الشريعة ، ويفضي إلى القول بخرق إجماع الامة ، لأنه لا يمكن إثبات الصانع إلا بأن يقال : العالم حادث فيكون محتاجا إلى المحدث قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا ، فمن منع حكم الأصل في القياس وهو كون العبد موجدا لا يمكنه استعمال هذه الطريقة فسدّ عليه باب إثبات الصانع وأيضا إذا كان الله تعالى خالقا للجميع من القبائح وغيرها لم يمتنع منه إظهار المعجز


على يد الكاذب ، ومتى لم يقطع بامتناع ذلك انسدّ علينا باب إثبات الفرق بين النبيّ والمتنبي ، وأيضا إذا جاز أن يخلق الله تعالى القبائح جاز أن يكذب في إخباره ، فلا يوثق بوعده ووعيده وإخباره عن أحكام الآخرة والأحوال الماضية والقرون الخالية ، وأيضا يلزم من خلقه القبائح أن يدعو إليها ، وأن يبعث عليها ويحثّ ويرغب فيها ، ولو جاز ذلك جاز أن يكون ما رغب الله تعالى فيه من القبائح ، فتزول الثقة بالشرائع ويقبح التّشاغل بها ، وأيضا لو جاز منه تعالى أن يخلق في العبد الكفر والضلال ويزيّنه له ويصدّه عن الحقّ ويستدرجه (١) بذلك إلى عقابه ، للزم في دين الإسلام جواز أن يكون هو الكفر والضلال ، مع أنه تعالى زينه في قلوبنا ، وأن يكون بعض الملل المتخالفة للإسلام هو الحقّ ، ولكنّ الله تعالى صدّنا عنهم ، وزيّن خلافه في أعيينا ، فإذا جوّزوا ذلك لزمهم تجويز كون ما هم عليه هو من الضلالة والكفر ، وكون ما خصمهم عليه هو الحقّ ، وإذا لم يمكنهم القطع بأنّ ما هم عليه هو الحقّ ، وما خصومهم عليه هو الباطل لم يكونوا مستحقّين للجواب «انتهى».

__________________

(١) يقال : استدرجه ، أى أمهله وافتتن ، روى في البحار عن مشكاة الأنوار بسنده الى سنان بن طريف ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : خشيت أن أكون مستدرجا قال : ولم؟ قلت : لأني دعوت الله تعالى أن يرزقني دارا فرزقني ودعوت الله أن يرزقني ألف درهم فرزقني ، ودعوته أن يرزقني خادما فرزقني خادما ، قال : فأي شيء تقول ، قال : أقول : الحمد لله ، قال : فما أعطيت أفضل مما أعطيت ، الخبر ، وقال مولانا أمير المؤمنين في نهج البلاغة يا ابن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع عليك نعمه وأنت تعصيه فاحذره ، وقال : أيها الناس ليراكم الله من النعمة وجلين ، كما يراكم من النقمة فرقين ، انه من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا ، ومن ضيق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيع مأمولا ، انتهى.

فراجع كتب الأحاديث في مسألتى الاستدراج والتمحيص ، ولتقفن هناك على فوائد جمة.


قال النّاصب خفضه الله

أقول : في هذا الفصل استدل بأشياء عجيبة ينبغي أن يتّخذه الظرفاء ضحكة لهم ، منها أنّه استدلّ بلزوم انسداد باب إثبات الصّانع وكونه صادقا والاستدلال بصحّة النبوّة على كون العبد موجد أفعاله ، وذكر في وجه الملازمة شيئا غريبا عجيبا وهو أنّا نستدلّ على حدوث العالم بكونه محتاجا إلى المحدث قياسا على أفعالنا المحتاجة إلينا ، فمن منع حكم الأصل في القياس وهو كون العبد موجدا لا يمكنه استعمال هذه الطريقة وإثبات هذه الملازمة من المضاحك ، أما أولا فلأنّه حصر حادثات العالم في أفعال الإنسان ، ولو لم يخلق الله الإنسان وأفعاله أصلا كان يمكن الاستدلال بحركات الحيوان وسائر الأشياء الحادثة بوجوب وجود المحدث ، وكأنّ هذا الرجل (١) لم يمارس قطّ شيئا من المعقولات ، والحقّ أنّه ليس أهلا لأن يباحث لدناءة رتبته في العلم ، ولكن ابتليت بهذا مرّة فصبرت ، وأما ثانيا فلأنّه استدلّ بلزوم عدم كونه صادقا على كون العبد موجد فعله ولم يذكر هذا في الملازمة ، لأنّ النّسبة

__________________

(١) ترى الرجل لا يملك نفسه من السباب والوقيعة في حق علم من أعلام الإسلام الذي أذعن الفريقان بجلالة قدره وعلو كعبه في العلوم العقلية والسمعية حتى نفس الناصب فراجع الجزء الاول من هذا الكتاب فكأنه أعمى او يتعامى ونسى ما قدمه فما أجدر في حقه أن يقال :

شعر

أترى القاضي أعمى ام تراه يتعامى

أكل الحق كأنه هي أموال اليتامى

ولعمري أن هذا الرجل قليل النظير بين المصنفين والمؤلفين في بذاءة اللسان وسوء الأدب فقد خرج من زمرة أهل الفضل بصنيعه هذا ، عامله الله بما يعامل به من لم يسلم المسلمون من يده ولسانه.


بينه وبين هذه الملازمة بعيدة جدّا ، وأما ثالثا فلأنّه استدلّ بلزوم انسداد باب إثبات صحّة النّبوّة وصحّة الشّريعة على كون العبد موجد فعله ، وأين يفهم هذا من الملازمة؟ ثمّ ادّعى الإفضاء إلى خرق الإجماع ، وكلّ هذه الاستدلالات خرافات وهذيانات لا يتفوّه به إلّا أمثاله في العلم والمعرفة ، ثمّ استدلّ على بطلان كونه خالقا للقبائح بلزوم عدم امتناع إظهار المعجز على يد الكاذب ، وقد استدلّ قبل هذا بهذا مرارا وأجبناه في محالّه ، وجواب هذا ، وما ذكر بعده من ترتّب الأمور المنكرة على خلق القبائح مثل ارتفاع الثّقة من الشّريعة والوعد والوعيد وغيرها ، أنا نجزم بالعلم العاديّ وبما جرى من عادة الله تعالى أنّه لم يظهر المعجزة على يد الكاذب فهو محال عادة كسائر المحالات العاديّة وإن كان ممكنا بالذّات ، لأنّه لا يجب على الله تعالى شيء على قاعدتنا ، فكلّ ما ذكره من لزوم جواز تزيّن الكفر في القلوب عوض الإسلام ، وأنّ ما عليه الأشاعرة من اعتقاد الحقيّة ، يمكن أن يكون كفرا وباطلا ، فلا يستحقّون الجواب ، فجوابه أنّ جميع هذه لا يقع عادة كسائر العاديّات ، ونحن نجزم بعدم وقوعه وإن جاز عقلا ، حيث لم يجب عليه تعالى شيء ، ولا قبيح بالنّسبة إليه «انتهى».

أقول

يناسب ما أظهره (ذكره خ ل) النّاصب من الضّحك على المصنّف قدس‌سره قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) (١) ، وسنريه الآن سرّ قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) (٢) وأما ما ذكره : من أنّ المصنّف حصر حادثات العالم في أفعال الإنسان ، فمطالب بأنّه من أين فهم هذا

__________________

(١) المطففين. الآية ٢٩.

(٢) المطففين. الآية ٣٤.


الحصر في قول المصنّف ، أفعالنا ، مع أنّ استعماله القياس الغائب على الشّاهد قرينة ظاهرة على أنّه أراد بقوله أفعالنا الشّاهدة مطلقا ، سواء كان إنسانا أو حيوانا عجما ، وعلى تقدير أن يكون المراد أفعال الإنسان ، لأنّ الكلام في المكلّفين فلا يقتضي الحصر أيضا ، لأنّه لو دلّ على ذلك لدلّ بمفهوم اللّقب الضّعيف ، مع أنّ المفهوم مطلقا إنّما يعتبر إذا لم يكن وجه التخصيص بالذكر ظاهرا ، وقد أشرنا إلى أنّ تخصيص الإنسان بالذكر يجوز أن يكون لأجل أنّهم هم المكلّفون بالأمر والنّهي والوعد والوعيد ، وهم المستدلون بحال الممكن على حال الواجب ، ومن الأثر على المؤثّر ، دون الثّور والحمار وغيرهما من الحيوانات العجم ، وبهذا يظهر فساد قوله : ولو لم يخلق الإنسان أفعاله أصلا كان يمكن الاستدلال بحركات الحيوان وسائر الأشياء الحادثة إلخ وذلك لما أشرنا إليه من أنّ الكلام في الاستدلال الواقع من المكلفين في دار التكليف ، لا استدلال الله تعالى من الحوادث على احتياجهم إلى ذاته ، بل هذا لغو من الكلام ، ولا استدلال الملائكة بها على الاحتياج إلى الله تعالى فإذا لم يكن في الدّنيا إنسان أصلا كما فرضه النّاصب الهالك ، فمن ذا الذي يستدلّ بهذا على ذلك ، وبالجملة هذا دليل على انسلاخ النّاصب عن الفطرة الانسانيّة وتمرّغه (١) في المراتع الحيوانيّة ، فليضحك قليلا وليبك كثيرا (٢) ، وأما ما ذكره ثانيا من أنّ المصنّف استدلّ بلزوم عدم كونه تعالى صادقا على كون العبد موجد فعله ، ولم يذكر الملازمة إلخ ففيه أنّ المصنّف ذكر بيان الملازمة لذلك بعيد هذا بقوله : وأيضا إذا جاز أن يخلق الله تعالى القبائح جاز أن يكذّب في إخباره إلخ وإذا لم يفهم النّاصب الجاهل ذلك بمجرّد أن النّشر وقع على غير ترتيب اللّف فلا

__________________

(١) تمرغ : تقلب في التراب وقد يقال على مطلق التقلب.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة. الآية ٨٢.


لوم على المصنّف قدس‌سره كما قيل :

علىّ نحت القوافي من معادنها

وما علىّ إذا لم تفهم البقر

وأما ما ذكره ثالثا من أنّه استدلّ بلزوم انسداد باب إثبات صحّة النبوّة وصحّة الشّريعة على كون العبد موجد فعله وأين يفهم هذه إلخ فمردود بأنّ هذا أيضا يدلّ على كثرة جهله وقلّة فهمه إذ كلّ من يترقّى أدنى درجة من العوام ، يفهم بقرينة محلّ النّزاع أنّ المراد هو أنّ العبد موجد لفعله دون الله تعالى ، ولتصريح المصنّف به أيضا في عنوان الدّعوى ، وفي أثناء بيان كثير من اللّوازم المذكورة سابقا ، وإنما أجمل هاهنا روما للاختصار اعتمادا على السّياق ، ثم من البين أنّ امتناع الاستدلال على المطالب الشرعيّة المذكورة الذي ألزمه المصنّف على الأشاعرة مخالف للإجماع بلا شبهة ، وقد بيّنا لزومه عن مذهبهم فلم يبق للنّاصب إلّا العناد والجمود على ما لا يليق إلّا بالحمار والجماد ، وأما ما ذكره في جواب باقي كلمات المصنّف وبنى فيه على علم العاديّ وعلى أنّه لا يجب على الله تعالى شيء ولا قبيح بالنسبة إليه ، فقد مرّ فيها مرارا ما يغنيك عن الاعادة ، والله وليّ الافادة.

قال المصنّف رفعه الله

ومنها تجويز أن يكون الله تعالى ظالما عابثا لاعبا ، لأنّه لو كان الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ومنها القبائح كالظلم والعبث لجاز أن يخلقها لا غير حتّى تكون أفعاله كلّها ظلما وعبثا ، فيكون الله تعالى ظالما عابثا لاعبا تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : نعوذ بالله من التّفوّه بهذه التّرهات ، وأنّى يلزم هذا من هذه العقيدة


والظلم والعبث من أفعال العباد ، ولا قبيح بالنّسبة إليه وخالق الشّيء غير فاعله ، وهذا الرّجل لا يفرق بين خالق الصّفة والمتّصف بتلك الصفة ، وكلّ محذوراته ناش من عدم هذا الفرق ، ألا يرى أن الله تعالى خالق السّواد ، فهل يجوز أن يقال هو الأسود؟ كذلك لو كان خالق الظلم والعبث ، هل يجوز أن يقال : إنّه ظالم وعابث نعوذ بالله من التعصب المؤدّي إلى الهلاك البحت ثم إنّ هذا الرّجل يحصر القبيح في أفعال الإنسان ، ويدّعي أن لا قبيح ولا شرّ في الوجود إلا أفعال الإنسان ، وذلك باطل ، فإنّ القبائح غير أفعال الإنسان في الوجود كثيرة كالخنزير والحشرات الموذية ، وهل يصحّ له أن يقول : إنّ هذه الأشياء غير مخلوقة لله؟ ، فإذا قال بانّها مخلوقة لله ، فهل يمنع قباحتها وشرّها؟ وذلك مخالف للضرورة والحسّ ، فإذا يلزم ما ألزم الأشاعرة من القول بخلق الأفعال القبيحة «انتهى».

أقول

قد مرّ مرارا بيان قبح ما قالوا : أن لا قبيح بالنّسبة إليه تعالى ، وأنّ الفرق بين الخالق والفاعل فاسد ، وما ذكره هاهنا في بيان الفرق من تنوير المظلم عين ما نقلناه سابقا عن شارح العقائد ، ويتوجّه عليه ما أوردناه ثمّة وحاصله : أنّ خلق الله تعالى للسّواد في الأجسام وصدورها عنه إنّما يقتضي اتّصافه تعالى بكونه مسوّدا ، لا بكونه أسود ، وكأنه اشتبه على النّاصب سوّد الله وجهه حال الفاعل الكلاميّ الذي نحن فيه بحال الفاعل النحويّ ، وهو مطلق ما أسند إليه الفعل ، فزعم أنّ الفاعل الحقيقي الكلاميّ في قولنا : اسودّ زيد هو زيد ، فلو كان اتّصافه بكونه أسود لأجل الفاعليّة لوجب اتّصاف الله تعالى أيضا بكونه أسود على تقدير القول بكونه فاعلا خالقا للسّواد ، ويندفع الاشتباه بأنّ زيدا في قولنا اسودّ زيد فاعل نحويّ لا فاعل كلاميّ بمعنى خالق السّواد ومصدره ، وإنما الخالق والفاعل الكلاميّ للسّواد في زيد هو الله تعالى ، فلا جرم يتّصف سبحانه وتعالى بكونه مسوّدا ويتصف


زيد الذي هو المفعول في الحقيقة بكونه أسود ، وبالجملة الفرق بين الظالم والعابث والآكل والشّارب والزّاني والسّارق ونحوها ، وبين الأسود والأبيض ونحوهما بين جدّا بحسب الصّدور وعدمه ، فانّ الظالم مثلا بمعنى فاعل الظلم ومصدره والأسود من وقع عليه السّواد ، أو قام به ، لا فاعله ومصدره ، وإن كان في المثال المذكور يكون فاعلا نحويّا كما قلناه ، فالسّواد والبياض كالحرارة والبرودة ونحوها من الصّفات التي أو جدها الله تعالى في محالها وفاقا ، ولا يتصف بها إلا تلك المحالّ ، فلا وجه لقياس الأفعال الصّادرة عن العباد عند أهل العدل إليها ، هذا ، وما زعمه من أنّ خلق الخنزير والكلب ونحوها من الحشرات المؤذية قبيحة ، وأوردها نقضا على أهل العدل فقد عرفت مرارا دفعه ، بابداء الفرق بين ما أورده نقضا وإلزاما وبين القبائح من أفعال العباد والله وليّ السّداد.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم إلحاق الله تعالى بالسّفهاء والجهال تعالى الله عن ذلك ، لأنّ من جملة أفعال العباد الشّرك بالله ووصفه بالأضداد والأنداد (١) والصّاحبة والأولاد وشتمه وسبّه ، فلو كان الله تعالى فاعلا لأفعال العباد ، لكان فاعلا للأفعال كلّها ، ولكلّ هذه الأمور ، وذلك يبطل حكمته ، لأنّ الحكيم لا يشتم نفسه ، وفي نفى الحكمة إلحاقه بالسّفهاء ، نعوذ بالله من هذه المقالات الرديّة «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : ونحن أيضا نعوذ بالله من هذه المقالات المزخرفة الباطلة ، وهذا أيضا نشأ له لعدم الفرق بين الخالق والفاعل ، فانّ الله تعالى يخلق الأشياء ، فالسّب والشّتم له

__________________

(١) الفرق بين الضد والند : أن الاول أعم من الثاني ، إذ هو يطلق على مخالف الشيء كان من ذوى العقول أو غيرهم بخلاف الثاني فانه يختص بذوي العقول.


إن كانا مخلوقين لله تعالى فيما فعل العبد والمذمة للفعل لا للخلق ، فلا يلزم كونه شاتما لنفسه ، وخلق هذه الأفعال ليس سفها حتّى يلزم إلحاقه تعالى بالسّفهاء ، نعوذ بالله من هذا ، لأنّ الله تعالى قدّر في الأزل شقاوة الشّاتم له والسّاب ، وأراد دخوله النّار ، فيخلق فيه هذه الأفعال لتحصل الغاية التي هي دخول الشّاتم النّار فأى سفه في هذا؟ «انتهى».

أقول

استعاذة النّاصب الشّقي من ذلك كإنكار الشّيطان لما يفعله من الإغواء ، والدّعوة إلى الشّرور كما أخبر عنه تعالى بقوله : (وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ، وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ، وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ ، فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) (١) الآية وقد علم بما ذكرنا قبيل ذلك أنّ ما ذكره النّاصب هاهنا كلّها سفه وحماقة وأسخفها تجويزه مؤاخذة الله تعالى للعبد بما جعله عليه في الأزل من الواجب الحتم ، فانّ القائل بذلك لا يستحقّ إلا الصّفع (٢) واللّعن والشّتم.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم مخالفة الضّرورة لأنّه لو جاز أن يخلق الزّنا واللّواط ، لجاز أن يبعث رسولا هذا دينه ، ولو جاز ذلك لجوّزنا أن يكون فيما سلف من الأنبياء من لم يبعث إلا للدّعوة إلى السّرقة والزّنا واللّواط وكلّ القبائح ومدح الشّيطان وعبادته والاستخفاف بالله تعالى والشّتم له والسّبّ لرسوله وعقوق الأبوين وذمّ المحسن ومدح المسيء «انتهى».

__________________

(١) ابراهيم. الآية ٢٢.

(٢) صفعه بالفاء : ضرب قفاه أو بدنه بكفه مبسوطة.


قال النّاصب خفضه الله

أقول : لو أراد من نفى جواز بعثة الرّسول بهذه الأشياء الوجوب على الله تعالى فنحن نمنعه ، لأنّه لا يجب على الله شيء ، وإن أراد بنفي هذا الجواز الامتناع عقلا فهو لا يمتنع عقلا ، وإن أراد الوقوع فنحن نمنع هذا ، لأنّ العلم العاديّ يفيدنا عدم وقوع هذا ، فهو محال عادة ، والتّجويز العقليّ لا يوجب وقوع هذه الأشياء كما عرفته مرارا ، ثم إنّه صدّر كلامه بلزوم مخالفة الضّرورة وأىّ مخالفة للضرورة في هذا البحث «انتهى».

أقول

نختار أولا الشّق الأوّل ، ونقول : قد بيّنا سابقا أنّ الوجوب بالمعنى الذي ذهب إليه أهل العدل لا يقبل المنع ، وثانيا الثاني فنقول : العقل السّليم إذا نظر إلى ذات الله المستجمع لجميع الصّفات الكمال المنزّه عن آثار النّقس والاختلال يحكم بامتناع أن يبعث رسولا دينه خلاف ما اقتضاه كماله ، وثالثا الشّق الثالث ونقول : إنّ ما ذكره من أنّ العلم العاديّ يفيدنا عدم وقوع هذا تهمة على العلم العادي ، أو على وجدانهم ، فانّ العادة كما ذكرنا سابقا لمّا جاز التّخلف فيها ، فلا يفيدهم ذلك إفادة قطعية يقتضيه ما نحن فيه من تقرير العقيدة الدينيّة ، وبما قرّرناه ظهر أنّ ما ادّعاه المصنّف عليهم من لزوم مخالفة الضّرورة ضروريّة ، فاستفهام النّاصب عن ذلك دليل على قلّة فهمه أو مكابرته وإنكاره للضّروريّات كما هو عادته وعادة أصحابه.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم أن يكون الله تعالى أشدّ ضررا من الشّيطان ، لأنّ الله تعالى لو خلق الكفر في العبد ، ثمّ يعذّبه عليه ، لكان أضرّ من الشّيطان لأن الشيطان لا يمكنه أن يلجئه إلى القبائح بل يدعوهم إليها ، كما قال الله تعالى : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا


أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) ، (١) ولأنّ دعاء الشيّطان هو أيضا من فعل الله تعالى وأمّا الله فانّه يضطرّهم إلى القبائح ولو كان كذلك لحسن من الكافر أن يمدح الشّيطان وأن يذم الله ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : نعوذ بالله من التفوّه بهذه المقالة والاستجراء على تصوير أمثال هذه التّرهات ، فانّ الله تعالى يخلق كلّ شيء ، والتعذيب مترتّب على المباشرة والكسب ، وخلق الكفر ليس بقبيح ، لأنّه غاية دخول الشقي في النار كما يقتضيه نظام عالم الوجود والتصرف في العبد بما شاء ليس بظلم ، لأنّه تصرّف في ملكه ، وقد عرفت أنّ تصرّف المالك في الملك بما شاء ليس بظلم ، والله تعالى وإن خلق الكفر في العبد ولكن العبد هو يباشره ويكسبه ، والله تعالى بعث الأنبياء وخلق أيضا قوّة النظر وبثّ دلائل الوحدانية في الآفاق والأنفس ، فهذه كلّها ألطاف من الله تعالى والشيطان يضرّ بالإغواء والوسوسة ، فأين نسبة اللّطيف النافع الهادي وهو الله تعالى بالشيطان الضار المضل؟ ومن أين لزم هذا؟ «انتهى».

أقول

قد مرّ مرارا وسيجيء أيضا أنّ الكسب لا محصل له ، وأنّ خلق الكفر قبيح ، ومن العجب استدلاله على عدم قبح الكفر بأنه غاية دخول الشقيّ في النار ، فانّ الكفر لو كان فعل الكافر كما قال به أهل العدل كان أولى بأن يجعل ذلك غاية لدخوله في النار كما لا يخفى ، وأما اقتضاء نظام عالم الوجود للكفر فهو دعوى كاذبة لا يعجز أحد عن مثلها إذا فقد الحياء ونهى النفس عن الوقاء (٢) ، وأما ما ذكره من أنّ

__________________

(١) ابراهيم. الآية ٢٢.

(٢) التعبير متخذ من قوله تعالى في سورة النازعات. الآية ٤٠.


تصرّف المالك في ملكه بما شاء ليس بظلم ، فقد مروجه الظلم فيه ، وأنّ التصرف ان كان على الوجه الحسن حسن وإلا فقبيح ، وأما ما ذكره من أن الله تعالى بعث الأنبياء وخلق أيضا قوة النظر ، وبث دلائل الوحدانية إلخ ففيه أن الكفر إذا كان مخلوقا لله تعالى بدون مدخلية للعبد فيه بناء على بطلان الكسب الذي ارتكبوا مهربا عن الجبر فأىّ أثر لبعثه الأنبياء وبث الدلائل في الهداية وأىّ مدخل لوسوسة الشيطان في الغواية.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم منه مخالفة العقل والنّقل ، لأنّ العبد لو لم يكن موجدا لأفعاله لم يستحقّ ثوابا ولا عقابا ، بل يكون الله تعالى مبتدئا بالثّواب والعقاب من غير استحقاق منهم ، ولو جاز ذلك لجاز منه تعذيب الأنبياء عليهم‌السلام وإثابة الفراعنة والأبالسة ، فيكون الله تعالى أسفه السّفهاء وقد نزّه الله تعالى نفسه عن ذلك في كتابه العزيز فقال : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١)؟ (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٢)؟ «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : جوابه أنّ استحقاق العبد للثّواب والعقاب بواسطة المباشرة والكسب وهو يستحقّ الثّواب والعقاب بالمباشرة ، لا أنّه يجب على الله تعالى إثابته ، فالله تعالى متعال عن أن يكون إثابة المطيع وتعذيب العاصي واجبا عليه ، بل جرى عادة الله تعالى بإعطاء الثّواب عقيب العمل الصّالح والتّعذيب عقيب الكفر والعصيان ، وجواز تعذيب الأنبياء وإثابة الفراعنة والأبالسة المراد به نفى الوجوب على الله وهو لا يستلزم

__________________

(١) القلم. الآية ٣٥.

(٢) ص. الآية ٢٨.


الوقوع ، بل وقوعه محال عادة كما ذكرناه مرارا ، فلا يلزم المحذور «انتهى».

أقول

ما ذكره هاهنا مدفوع بما ذكر مرارا سيّما في الفصلين المتّصلين بهذا ، وبالجملة أنّ العبد إنّما يستحقّ الثّواب أو العقاب بالكسب لو كان الكسب بالمعاني التي أرادوا منه فعلا وأثرا صادرا عن العباد ، وهم لا يقولون بذلك ، فيلزمهم الجبر المحض وما يلزم منه من عدم استحقاق الثّواب والعقاب كما ذكره المصنّف قدس‌سره.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم منه مخالفة الكتاب العزيز من انتفاء النّعمة عن الكافر لأنّه تعالى إذا خلق الكفر في العبد الكافر ، لزم أن يكون قد خلقه للعقاب في نار جهنّم ولو كان كذلك لم يكن له عليه نعمة أصلا ، فانّ نعمة الدّنيا مع عقاب الآخرة لا تعدّ نعمة كمن جعل لغيره سمّا في حلواء وأطعمه ، فإنّه لا تعدّ اللّذة الحاصلة من تناوله نعمة ، والقرآن قد دلّ على أنّه تعالى منعم على الكفّار قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) (١) ، (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) (٢) ، وأيضا قد علم بالضّرورة من دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه ما من عبد إلا ولله عليه نعمة كافرا كان أو مسلما (٣) «انتهى».

__________________

(١) ابراهيم. الآية ٢٨.

(٢) قصص. الآية ٧٧.

(٣) وقد دلت عليه عدة من الآيات الكريمة كقوله تعالى في سورة لقمان. الآية ١٩ : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وقوله تعالى في سورة فاطر. الآية ٣ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) وقوله تعالى في سورة ابراهيم. الآية ٢٨ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً).


قال النّاصب خفضه الله

أقول : هذا أيضا من غرائب الاستدلالات فانّ نعمة الله تعالى على الكافر محسوسة ، والهداية أعظم النّعم وإرسال الرّسل وبثّ الدّلائل العقليّة كلّها نعم عظام ، والكافر استحقّ دخول النّار بالمباشرة والكسب ، والخلق من الله تعالى ليس بقبيح ، ثم ما ذكر من لزوم عدم كون الكافر منعما عليه يلزمه أيضا بإدخاله النار فانّ الله تعالى يدخل الكافر النّار البتّة ، فيلزم أن لا يكون عليه نعمة ، فان قال : إدخاله لكونه آثر الكفر ورجحه واختاره. قلنا : في مذهبنا أيضا كذلك وإدخاله لكونه باشر الكفر وكسبه وعمل به ، ولو كان الواجب على الله تعالى أن ينعم على الكافر وهو المفهوم من ضرورة الدّين لكان الواجب عليه أن لا يدخل النار بأيّ وصف كان الكافر ، لأنه يلزم أن لا يكون منعما عليه وهو خلاف ضرورة الدّين ، وأمثال هذه الاستدلالات ترّهات (١) ومزخرفات «انتهى».

أقول

قد مرّ أنّ الكسب غير معقول ، أو غير مفيد في إثبات مدّعاهم ، واما ما ذكره ، من أنّ ما قاله المصنّف : من لزوم عدم كون الكافر منعما عليه يلزمه أيضا بإدخاله النّار ، ففيه أنّ المصنّف قد صرّح بالتزام ذلك حيث قال : ولو كان خلقه للعقاب في نار جهنّم لم يكن له عليه نعمة أصلا ، فانّ نعمة الدّنيا مع عقاب الآخرة لا تعدّ

__________________

وقوله تعالى في سورة النحل. الآية ٧٢ ، (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) وقوله تعالى في سورة النحل. الآية ٨٣ ، (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها) وقوله تعالى في سورة العنكبوت. الآية ٦٧ : (أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ).

(١) الترهات جمع الترهة بضم التاء المثناة الفوقانية وفتح الراء المشددة : الأباطيل والدواهي. الطرق الصغار.


نعمة إلخ فمع تصريح المصنّف بالالتزام كيف يصحّ ما ذكره الناصب من الإلزام ، واما ما ذكره بقوله : فإن قال إدخاله لكونه آثر الكفر إلخ فلا ارتباط له بما قبله من الإلزام ، فلا يقوله المصنّف في هذا المقام ، وإنّما ذكره الناصب واشتغل بجوابه صرفا لعنان تأمّل الناظرين عمّا في كلامه السّابق من الفساد وإيقاعه في أذهانهم أنّ ما يتراءى فيه من الفساد ليس سوى ما استدركه هو بقوله فان قال إلخ ، وأجاب عنه بقوله قلنا إلخ ، مع أنّ جوابه هذا مبنيّ على الكسب المهدوم كما لا يخفى ، واما ما ذكره من أنه لو كان الواجب على الله تعالى أن ينعم على الكافر وهو المفهوم من ضرورة الدّين لكان الواجب إلخ فدليل على سوء فهمه وبعده عن مرتبة ذوي التحصيل ، إذ لا يلزم من كون وجوب العلم بشيء وبداهته ناشئة من الدّين أن يكون ذلك الشيء المعلوم واجبا حتّى يلزم من علمنا بداهة ، أو وجوبا بشمول نعمة الله تعالى للمؤمن والكافر أن يكون واجبا عليه تعالى إنعامه للكافر ، على أن القول بوجوب ذلك على الله تعالى بالمعنى الذي عرفته سابقا مما لا فساد فيه ، واما ما ذكره من أنه لو كان الانعام واجبا على الكافر لكان الواجب عليه أن لا يدخله النار بأىّ وصف كان الكافر إلخ ، ففيه أنّ المصنف لم يدّع وجوب تعلّق كلّ نعمة بالكافر حتى يلزم أن لا يعذب بالنار مع كفرانه للنعمة ، بل قال : قد علم بالضرورة من الدّين أنه ما من عبد إلا ولله تعالى عليه نعمة إلخ ، وذلك لا يستلزم شمول جميع النعماء لشيء من العباد فضلا عن الكافر ، ثم ما ذكره من الملازمة المدلول عليها بقوله : لو كان الواجب على الله تعالى أن ينعم على الكافر لكان الواجب عليه أن لا يدخل النار بأىّ وصف كان الكافر غير مسلم ، لأنّ هذا إنّما يجب أن لو لم يخلقه الله تعالى على الفطرة الصحيحة ، ولم ينعم عليه بأصول النعم السابقة على الاستحقاق والنعم اللاحقة من الألطاف المقربة لتحصيل الثواب في الآخرة ، وفعل فيه ما يلجئه إلى فعل ما يورث عذاب الآخرة كخلق الكفر والضلالة فيه ، والله تعالى منزّه عن هذا ، وإذا كان العبد هو المفوّت بكفره لنعم الآخرة


تكون نعم الدنيا في حقّه معتدّة بها ، فلا يلزم عدم كونه تعالى منعما عليه أصلا كما توهمه الناصب الراسب (١) في العذاب الواصب.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها صحّة وصف الله تعالى بأنّه ظالم وجائر ومفسد ، لأنّه لا معنى للظالم إلا فاعل الظلم ، ولا الجائر إلا فاعل الجور ، ولا المفسد إلا فاعل الفساد ، ولهذا لا يصحّ إثبات أحدهما حال نفى الآخر ، ولأنّه لمّا فعل العدل سمّي عادلا فكذا لو فعل الظلم سمّى ظالما ، ويلزم أن لا يسمى العبد ظالما ولا سفيها لأنّه لم يصدر عنه شيء من هذه «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت أن خالق الشيء غير فاعله ومباشره ، فالفعل تارة يطلق ويراد به الخلق كما يقال : الله فاعل كلّ شيء ، وقد يطلق ويراد به المباشرة والاعتمال (٢) وعلى التقديرين فانّ الخالق للشيء لا يكون موصوفا بذلك الشيء الذي خلقه إن كان المخلوق من جملة الصفات كما قدّمنا ، فمن خلق الظلم لا يقال : أنّه ظالم وقد ذكرنا أنه لم يفرّق بين هذين المعنيين ولو فرّق لم يستدلّ بأمثال هذا «انتهى».

أقول

قد مرّ أن ذلك الفرق كالكسب اصطلاح منهم ، وأنّ إطلاق الفعل على الكسب والمباشرة بالمعنى الذي قصدوه لم يقع في لغة ولا قرآن ولا سنّة ، واما ما ذكره

__________________

(١) يقال : رسب في الماء رسوبا اى ذهب سفلا وسقط الى أسفله.

ووصب وصوبا اى دام وثبت.

(٢) يقال : اعتمل اى عمل بنفسه. «ج ٥»


من أنّ الخالق للشيء لا يكون موصوفا بذلك الشيء الذي خلقه فهو حقيقة منع للمقدّمة التي استدلّ المصنّف عليها بقوله : ولهذا لا يصحّ إثبات أحدهما حال نفى الآخر وبقوله : ولأنّه لما فعل العدل سمّي عادلا ، فكذا لو فعل الظلم سمّي ظالما فلا يلتفت إليه ، وأيضا يتوجّه على ما قدمه ما قدّمناه ، ونزيد عليه هاهنا أنّ نفيه لكون الخالق للشيء موصوفا بذلك الشيء مبنيّ على أنّ الوصف إنّما يترتب على الكسب ، وهو أوّل المسألة ، وبالجملة من لم يثبت عنده للصدور يعنى سوى الخلق ينحصر عنده أن يكون الاتّصاف بالأوصاف المذكورة من جهلة الخلق ، والمانع للحصر مكابر لا يلتفت إليه.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم منه المحال ، لأنّه لو كان هو الخالق للأفعال فاما أن يتوقّف خلقه لها على قدرنا ودواعينا أولا ، والقسمان باطلان ، أما الاول فلأنّه يلزم منه عجزه تعالى عمّا يقدر عليه العبد ، لأنّه يستلزم خلاف المذهب ، وهو وقوع الفعل منه والدّواعي من العبد ، إذ لو كان من الله تعالى لكان الجميع من عنده ، ولأنّ القدرة والداعي إن أثرتا فهو المطلوب ، وإلا كان وجودهما كوجود لون للإنسان وطوله وقصره ، ومن المعلوم بالضّرورة أنّه لا مدخل للّون والطول والقصر في الأفعال ، وإذا كان هذا الفعل صادرا عنه جاز وقوع جميع الأفعال المنسوبة إلينا منّا وأما الثاني فلأنّه يلزم منه أن يكون الله تعالى أوجد أى خلق تلك الأفعال من دون قدرهم ودواعيهم حتّى يوجد الكتابة والنساجة المحكمتان ممّن لا يكون عالما بهما ، ووقوع الكتابة ممّن لا يدله ولا قلم ، ووقوع شرب الماء من الجائع في الغاية الرّيان في الغاية ، مع تمكنه من الأكل ، ويلزم تجويز أن تنقل النّملة الجبال ، وأن لا يقوى الرّجل الشديد القوّة على رفع تبنة ، وأن يجوز من الممنوع المقعد


العدو ، وأن يعجز القادر الصّحيح من تحريك الأنملة ، وفي هذا زوال الفرق بين القويّ والضّعيف ، ومن المعلوم بالضرورة الفرق بين الزّمن والصّحيح «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : نختار القسم الثّاني وهو أنّ خلقه تعالى لأفعالنا لا يتوقّف على دواعينا وقدرنا ، وما ذكره من لزوم وجدان الكتابة بدون اليد وغيره من المحالات العادية ، فهي استبعادات ، والاستبعاد لا يقدح في الجواز العقليّ نعم عادة الله تعالى جرت على إحداث الكتابة عند حصول اليد والقلم ، وإن أمكن حصوله وجاز حدوثه عقلا بدون اليد والقلم ، ولكن هو من المحالات العادية كما مرّ غير مرّة ، وما ذكر أنه يلزم أن تكون القدرة والدّاعية إذا لم تكونا مؤثرتين في الفعل كاللّون والطول والقصر بالنسبة إلى الأفعال فهو ممنوع ، للفرق بأنّ الفعل يقع عقيب وجود القدرة كالاحراق الذي يقع عقيب مساس النار عادة ، ولا يقال : لا فرق بالنسبة إلى الإحراق بين النّار وغيره ، إذ لا تجري العادة بحدوث الإحراق عقيب مساس الماء ، فكذلك لم تجر عادة الله تعالى باحداث الفعل عقيب وجود اللّون ، بل عقيب حصول القدرة والدّاعية مع أنّهما غير مؤثّرتين «انتهى».

أقول

يتوجه عليه أنّ حاصل ما ذكره المصنف دعوى البداهة في امتناع وجود الكتابة ممن لا يدله ولا قلم لا مجرّد الاستبعاد ، وما ذكره الناصب من جريان العادة تشكيك في البديهيّ وسفسطة مبنية على نفى الأسباب الحقيقية فلا يستحقّ الجواب ، وقد كشفنا النقاب عن ذلك فيما سبق من الفصول والأبواب (١).

__________________

(١) كفصل اثبات الحسن والقبح العقليين (ج ١ ص ٣٦٠).


قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها تجويز أن يكون الله تعالى جاهلا أو محتاجا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، لأن في الشاهد فاعل القبيح إما جاهل أو محتاج مع أنه ليس عندهم فاعلا في الحقيقة فلا يكون كذلك في الغائب الذي هو الفاعل في الحقيقة أولى «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد مرّ أن الخالق غير الفاعل بمعنى الكاسب والمباشر ، وخالق القبيح لا يلزم أن يكون جاهلا أو محتاجا حيث لا قبيح بالنسبة إليه كما في خلقه تعالى لما هو قبيح بالنسبة إلى المخلوق فلا يلزم منه جهل ولا احتياج «انتهى».

أقول

قد سبق أنّ الفاعل بمعنى الكاسب بالمعنى الذي اخترعه الأشاعرة لم يجيء في اللّغة فلا يتمّ الفرق ، وأمّا قوله : خالق القبيح لا يلزم أن يكون جاهلا أو محتاجا حيث لا قبيح بالنّسبة إليه ، فكلام فاسد قبيح ، ضرورة أن القبيح قبيح سواء صدر من الواجب أو الممكن كما مرّ مرارا.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنّه يلزم منه الظلم ، لأنّ الفعل إمّا أن يقع من العبد لا غير ، أو من الله تعالى لا غير ، أو منهما معا بالشركة ، بحيث لا يمكن تفرّد كلّ منهما بالفعل ، أولا من واحد منهما ، والاول هو المطلوب ، والثاني يلزم منه الظلم حيث فعل الكفر ، وعذّب من لا أثر له فيه البتّة ، ولا قدرة موجدة له ولا مدخل له في الإيجاد وهو أبلغ أنواع المظالم ، والثالث يلزم منه الظلم ، لأنّه شريك في الفعل ، وكيف يعذّب شريكه على فعل فعله هو وإيّاه؟ وكيف يبرئ نفسه من المؤاخذة


مع قدرته وسلطنته ويؤاخذ عبده الضّعيف على فعل فعل هو مثله؟ وايضا يلزم منه تعجيز الله تعالى ، إذ لا يتمكّن من الفعل بتمامه ، بل يحتاج إلى الاستعانة بالعبد ، وأيضا يلزم المطلوب وهو أن يكون للعبد تأثير في الفعل ، وإذا جاز استناد أثر مّا إليه جاز استناد الجميع إليه ، فأىّ ضرورة تحوج إلى التزام هذه المحالات ، فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربّهم إلى هذه النقائص التي نزّه الله تعالى نفسه عنها وتبرّأ منها «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : نختار أنّ الفعل بمعنى الخلق يصدر من الله تعالى والعبد كاسب للفعل مباشر له ، ولا تأثير لقدرة العبد في الفعل ، قوله : يلزم منه الظلم ، قلنا : قد سبق أنّ الظلم لا يلزم أصلا (١) ، لأنّه يتصرّف في ما هو ملك له ، والتصرّف في الملك كيف ما شاء المالك لا يسمّى ظلما ، ثمّ إنّ تعذيب العاصي بواسطة كونه محلا للفعل الموجب للعذاب ، وأما قوله : فما ترى لهم ضرورة إلى ذلك سوى أن ينسبوا ربّهم إلى هذه النّقائص ، فنقول : إنّا نخبره بالذي دعاهم إلى تخصيص الخلق بالله تعالى وهو الهرب والفرار من الشّرك الصريح الذي لزم المخالفين ممّن يدّعون أنّ العبد خالق مثل الربّ وهذا فيه خطر الشرك وهم يهربون من الشرك «انتهى».

أقول

قد مرّ أن ليس في القول بالكسب إلّا كسب خطيئة ، وأنّ التّصرّف في الملك على الوجه القبيح

__________________

(١) قد سبقت منا (ج ١ ص ٤١٠) ذكر عدة من الآيات الدالة على أنه تعالى لو عذب أحدا بالسيئة بما يزيد على مثلها كان ظلما منه تعالى بالنسبة اليه كقوله تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الانعام. الآية ١٦٠) واما حديث الملكية فقد استقصينا الكلام فيها فيما مر (ج ١ ص ٤٦٦) فراجع.


قبيح وظلم ، وبهذا يعلم أيضا خطأ ما ذكره : من أنّ تعذيب العاصي بواسطة كونه محلا للفعل الموجب للعذاب ، إذ لا اختيار للعبد في المحليّة التي هو أحد معاني الكسب على رأى الأشاعرة ، فلا وجه لاستحقاق المدح والذمّ باعتبارها ، وأما ما أخبر به النّاصب من الأمر الدّاعي لأصحابه إلى تخصيص الخلق بالله تعالى فليس فيه عن الصحّة خبر ، ولا عين ولا أثر ، لما مرّ أنّ الشّرك ومماثلة العبد للربّ في الخالقية إنّما يلزم أهل العدل لو لم يقولوا : بأنّ العباد أنفسهم من مخلوقاته تعالى وأنّ قدرتهم وتمكّنهم منه تعالى ، وأنّ ما يخصّ بخلقه تعالى له من الجواهر الملكوتيّة والأجرام السماويّة والأجسام الأرضيّة صنعا وإبداعا أجلّ وأعلى ممّا يخصّ العباد بخلقهم له من بعض الأعراض التي أكثرها يليق بالنّفي والاعراض والذمّ والاعتراض ، ولو كان مجرّد مشاركة العبد مع الربّ تعالى في خلق بعض الأعراض والأفعال الضعيفة موجبا للشرك المهروب عنه لكان المشاركة في الوجود والشيئيّة والتعيّن والهويّة والصفات الزّائدة والرؤية على مذهب الخصم موجبا للشرك المهروب عنه ، فانّ المشاركة في هذه المذكورات أصرح من ذلك كما لا يخفى على المتأمّل.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنه يلزم مخالفة القرآن العظيم (الكتاب العزيز خ ل) والسنّة المتواترة والإجماع وأدلة العقل ، أما الكتاب فانه مملوّ من اسناد الأفعال إلى العبيد (١) ، وقد تقدّم بعضها ، وكيف يقول الله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٢) ولا خالق سواه ، وقوله : (إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٣) ، ولا

__________________

(١) وقد تقدم سرد تلك الآيات الشريفة (ج ١ ص ٤١٣).

(٢) المؤمنون. الآية ١٤.

(٣) طه. الآية ٨٢.


تحقّق لهذا الشّخص البتّة ، وقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) (١) (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا ، وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٢) (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٣) (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (٤) (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) (٥) (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٦) ، ولا وجود لهؤلاء ثمّ كيف يأمر وينهى ولا فاعل وهل هو إلا كأمر الجماد ونهيه؟ وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : اعملوا فكلّ ميسر لما خلق له (٧) ، نيّة المؤمن خير من عمله (٨) ، إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكلّ امرئ ما نوى (٩) ، والإجماع دلّ على وجوب الرّضا بقضاء الله تعالى فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب الرّضاء به ، والرضاء بالكفر حرام بالإجماع ، فعلمنا أنّ الكفر ليس من فعله تعالى فلا يكون من خلقه «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت فيما سبق أجوبة كلّ ما استدلّ به من آيات الكتاب العزيز ، ثم إنّ

__________________

(١) فصلت. الآية ٤٦.

(٢) النجم. الآية ٣١.

(٣) الكهف. الآية ٧.

(٤) الجاثية. الآية ٢١.

(٥) ص. الآية ٩٢.

(٦) ص. الآية ٢٨.

(٧) رواه في الجامع الصغير (ج ١ ص ١٥٦ الحديث ١٢٠٢ ط مصر).

(٨) رواه في كنز العمال (ج ٣ ص ٢٤٢ ، الحديث ٢١٤٣ و ٢١٤٢) وفي الجامع الصغير (ج ٢ ص ٥٨٥ ، الحديث ٩٢٩٥).

(٩) رواه في كنز العمال (ج ٣ ص ٢٤٣ ، الحديث ٢١٤٥).


كلّ تلك الآيات معارضة بالآيات الدالة على أنّ جميع الأفعال بقضاء الله تعالى وقدره وإيجاده وخلقه نحو : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (١) ، أى عملكم ، (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٢) وعمل العبد شيء (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (٣) وهو يريد الايمان إجماعا ، فيكون فعّالا له وكذا الكفر إذ لا قائل بالفصل وأيضا تلك الآيات معارضة بالآيات المصرّحة بالهداية والضّلال والختم نحو : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (٤) و (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (٥) وهي محمولة على حقائقها كما هو الظاهر منها ، وأنت تعلم أنّ الظواهر إذا تعارضت لم تقبل شهادتها خصوصا في المسائل النّقليّة ، ووجب الرّجوع إلى غيرها من الدلائل العقليّة القطعيّة ، وقد ذكرنا فيما سلف من الكلام ما يغني في إثبات هذا المقصد ، وأما ما استدلّ به على تعدّد الخالقين من قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (٦) ، فالمراد بالخالقين هناك ما يدّعي الكافرون من الأصنام ، فكأنّه يقول لهم : تبارك الله الذي هو أحسن من أصنامكم الّذين تجعلونهم الخالقين بزعمكم ، فانّهم لا يقدرون على خلق شيء ، والله يخلق مثل هذا الخلق البديع المعجب ، أو المراد من الخالقين المقدّرين للخلق كالمصوّرين ، لا أنه تعالى أثبت لنفسه شركاء في الخلق ، ولكنّ المعتزلة ومن تابعهم يناسب حالهم ما قال الله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ، وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٧).

__________________

(١) الصافات. الآية ٩٦.

(٢) الزمر. الآية ٦٢.

(٣) هود. الآية ١٠٧ والبروج. الآية ١٦.

(٤) البقرة. الآية ٢٦.

(٥) البقرة. الآية ٧.

(٦) المؤمنون. الآية ١٤.

(٧) الزمر. الآية ٤٥.


أقول

قد سبق (١) دفع أجوبة الناصب على التفصيل الذي يرتضيه أصحاب التحصيل فليراجع إليه ، وأما ما ذكره من معارضة تلك الآيات بالآيات الدالة على أن جميع الأفعال بقضائه وقدره ، فمردود بأنّ الآيات التي استدلّ بها المصنف من قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ونحوها خاص ، والتي استدلّ بها الأشاعرة عامّ ، فيجب حمل العام على الخاص كما تقرّر في الأصول بأن يراد من الآيات العامّة ما عدا أفعال العباد فلا معارضة ، وأيضا لما اختلّت الأدلة العقليّة للأشاعرة ، وقد أتممنا الدّلائل العقليّة الدالة على مذهب أهل العدل يجب حفظ ظواهر هذه الآيات بمطابقتها العقل وصرف الآيات التي تمسّك بها الأشاعرة عن ظواهرها لمخالفتها إيّاه ، وأما ما ذكره في تاويل قوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ، فمردود بما ذكرنا من وجوب حفظ ظاهره مع أنّ كلّا من التأويلين الذين ذكرهما أوهن من نسج العنكبوت (٢) ، وأسخف من تأويلات ملاحدة (٣) ألموت ، واما ما ذكره بقوله :

__________________

(١) الجزء الاول ص ٢٩١.

(٢) متخذ من قوله تعالى في سورة العنكبوت. الآية ٤١.

(٣) هؤلاء فرقة انتحلوا الى الإسلام ويعبر عنهم في كتب المذاهب والأديان تارة بالملاحدة وأخرى بالباطنية وثالثة بالاباحية ورابعة بالدعوتية وخامسة بالاسماعيلية ، وسادسة بالزنادقة وسابعة بالصباحية وبالجملة لهم مقالات منكرة جعلوا لكل آية من الكتاب تفسيرا ولكل خبر تأويلا ، قد خلطوا كلامهم ببعض كلام الفلاسفة فقالوا في حقه سبحانه هو ليس بموجود ولا لا موجود ، لا قادر ولا عاجز ، لا حادث ولا قديم ، لاحى ولا لاحى ، لا مريد ولا كاره ، لا بصير ولا لا بصير ، لا سميع ولا لا سميع ،

والتزموا بارتفاع التكاليف عن الخلق وقالوا : لا صلاة ولا صيام ، ولا حج ولا غيرها من العبادات ، والتزموا بنفي الحرمة عن المحرمات الالهية.

وقدوتهم الحسن بن صباح الملقب بالعباد ، وبالجملة هم قوم كفرهم علماء الإسلام من الخاصة


ولكن المعتزلة ومن تابعهم يناسب حالهم ما قال تعالى إلخ ففيه أنّ هذا خروج عن الإنصاف لأنّه إنّما يناسب حال من يسمّى بالصفاتيّة (١) القائلين بالصّفات الزائدة

__________________

والعامة ، وكان الحسن من جملة تلامذة ابن عطاش الطبيب الذي ملك قلعة أصفهان فساح الحسن وجال في بلاد خراسان ومصر والشام والجزيرة وديار بكر وما وراء النهر وأضل أقواما الى أن وصل قلعة ألموت وأخرج منها حاكمها العلوي الى دامغان ، وكانت مدة تملك الحسن تلك القلعة ستّا وعشرين سنة ، مبدئه من شعبان سنة ٤٨٣ ، مات سنة ٥١٨ كما في لسان الميزان الجزء الثاني الصفحة ٢١٤ طبع حيدرآباد.

وتاريخ ابن الأثير الجزء العاشر ص ١١٨ ط مصر.

وزاد تابعوه في الطنبور نغمة أخرى من الاتحاد والحلول والتناسخ وإباحة المحارم كما عزيت إليهم في كتب السير والتواريخ.

ثم ان ألموت بفتح الهمزة واللام وضم الميم قلعة في نواحي قزوين واقعة بينها وبين الديلم ، وكانت هذه النواحي في ضمان السيد شرفشاه الجعفري ، وقد استناب فيها رجلا علويا الى أن انتزعها من يده الحسن بن صباح ، ومن رام الوقوف على تفصيل سيرته وسير تابعيه فليراجع الى تاريخ ابن الأثير الجزء العاشر ص ١١٧ وما يليها.

(١) قال الشهرستاني في الملل والنحل (ج ١ ص ١٢٣) : اعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام والجلال والإكرام والجود والانعام والعزة والعظمة ، ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل بل يسوقون الكلام سوقا واحدا وكذلك يثبتون صفات جبرية مثل اليدين والرجلين والوجه ولا يؤولون ذلك الا أنهم يقولون بتسميتها صفات جبرية ولما كانت المعتزلة ينفون الصفات والسلف يثبتون سمى السلف صفاتية ، والمعتزلة معطلة ، الى آخر ما قال.

أقول : ويظهر من بعض الكتب المصنفة في بيان الملل وذوى الأهواء أن الصفاتية هم الذين مذهبون الى كون صفاته تعالى حادثة زائدة على ذاته وهناك إطلاقات أخر قد طوينا


المشاركة لذاته تعالى في القدم واستغنائها عن خلق الله تعالى إيّاها ، ولا يناسب حال من سمّى بأهل العدل والتوحيد لنفيهم مشاركة تلك الصّفات مع الله تعالى ، وأما المشاركة التي توهّمها النّاصب من القول بخلق العباد لأفعالهم ، فقد عرفت أنّه مجرّد توهّم لا حقيقة له أصلا.

قال المصنّف رفع الله درجته

المطلب الحادي عشر : في نسخ شبههم ، اعلم أنّ الأشاعرة احتجّوا على مقالتهم بوجهين ، هما أقوى الوجوه عندهم ، يلزم منهما الخروج عن العقيدة ونحن نذكر ما قالوا : ونبيّن دلالتهما على ما هو معلوم البطلان بالضرورة من دين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الأول قالوا : لو كان العبد فاعلا لشيء ما بالقدرة والاختيار فامّا أن يتمكّن من تركه أولا ، والثّاني يلزم منه الجبر لأنّ الفاعل الذي لا يتمكّن من ترك ما يفعله موجب لا مختار كما يصدر عن النّار الإحراق ولا يتمكّن من تركه ، والأوّل إمّا أن يترجّح الفعل على التّرك حالة الإيجاد أولا ، والثّاني يلزم منه ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجّح لأنهما لمّا استويا من كلّ وجه بالنسبة إلى ما في نفس الأمر وبالنسبة إلى القادر الموجد كان ترجيح القادر للفعل على التّرك ترجيحا للمساوي بغير مرجّح ، وان ترجح (١) فإن لم ينته إلى الوجوب أمكن حصول المرجوح مع تحقّق الرّجحان وهو محال ، أما أولا فلامتناع وقوعه (٢) حالة التساوي فحالة المرجوحية أولى ، وأما ثانيا فلأنّه مع قيد الرّجحان يمكن وقوع المرجوح فلنفرضه واقعا في وقت والرّاجح في آخر ، فترجيح أحد الوقتين بأحد الأمرين (٣) لا بدّ له

__________________

عنها كشحا وأعرضنا صفحا ثقة بتتبع الناظر وبحثه وتنقيبه.

(١) هذا في المعنى عديل لقوله والثاني يلزم منه إلخ.

(٢) أى وقوع أحد من الفعل والترك.

(٣) أى الراجح والمرجوح.


من مرجّح غير المرجّح الأوّل (١) ، وإلا لزم ترجيح أحد المتساويين بغير مرجّح ، فينتهي إلى الوجوب وإلا تسلسل ، وإذا امتنع وقوع الأثر إلا مع الوجوب ، والواجب غير مقدور ونقيضه ممتنع غير مقدور أيضا فيلزم الجبر والإيجاب فلا يكون العبد مختارا ، الوجه الثاني أنّ كلّ ما يقع فانّ الله تعالى قد علم وقوعه قبل وقوعه ، وكلّ ما لم يقع فانّ الله تعالى قد علم في الأزل عدم وقوعه ، وما علم الله تعالى وقوعه فهو واجب الوقوع ، ولو لم يقع لزم انقلاب علم الله تعالى جهلا وهو محال ، وما علم عدمه فهو ممتنع ، إذ لو وقع انقلب علم الله جهلا وهو محال أيضا ، والواجب والممتنع غير مقدورين للعبد ، فيلزم الجبر «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : اول ما ذكره من الدّليلين للأشاعرة قد استدلّ به أهل المذهب وهو دليل صحيح بجميع مقدّماته كما ستراه واضحا إن شاء الله تعالى ، وأما الثاني ممّا ذكره من الدّليلين فقد ذكره الإمام الرازي (٢) على سبيل النقض وليس هو من دلائل أئمة

__________________

(١) وهو الذي رجح اصل الفعل على الترك ، وفيه أن المفروض كفاية المرجح الاول لترجيح الوجود في جميع الأوقات على العدم فيه ، ولم يلزم من البيان الاحتياج الى مرجح آخر لهذا الترجيح ، بل انما يحتاج اليه لترجيح الوجود في بعض اوقات المرجح الاول على الوجود في بعض آخر منها ، وأين هذا من ذاك؟. فتأمل. منه «قده» ولو فرض لزومه نقول : يجوز أن يكون ذلك المرجح أمرا اعتباريا صادرا من العبد ولا يلزم عليه التسلسل المحال.

(٢) قال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير : الاول أن قدرة العبد اما ان تكون معينة لاحد الطرفين او صالحة للطرفين معا ، فان كان الاول فالجبر لازم وان كان الثاني فرجحان أحد الطرفين على الآخر اما ان يتوقف على المرجح أولا يتوقف ، فان كان الاول ففاعل ذلك المرجح ان كان هو العبد عاد التقسيم الاول فيه وان كان هو الله تعالى فعنه ما يفعل


الأشاعرة ، وقد ذكر الامام هذا النقض في شبهة فائدة التكليف والبعثة بهذا التقرير ، ثمّ إنّ هذا (١) الذي ذكروه في لزوم سقوط التكليف إن لزم القائل بعدم استقلال العبد في أفعاله فهو لازم لهم أيضا لوجوه ، الاول أنّ ما علم الله عدمه من أفعال العبد فهو ممتنع الصّدور عن العبد وإلا جاز انقلاب العلم جهلا ، وما علم الله وجوده من أفعاله فهو واجب الصّدور عن العبد وإلا جاز الانقلاب ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنّه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فيبطل حينئذ التكليف وأخواته لابتنائها على القدرة والاختيار بالاستقلال كما ذكرتم ، فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال فقد لزمكم في مسألة علم الله تعالى بالأشياء ، قال الامام الرازي (٢)

__________________

ذلك المرجح فيصير الفعل واجب الوقوع وحينئذ يلزم كل ما ذكرتموه ، واما الثاني فهو أن يقال : رجحان أحد الطرفين على الآخر لا يتوقف على مرجح فهذا باطل لوجهين «الاول» أنه لو جاز ذلك لبطل الاستدلال بترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر على وجود المرجح «والثاني» أنه على هذا التقدير يكون ذلك الرجحان واقعا على سبيل الاتفاق ولا يكون صادرا عن العبد ، وإذا كان الأمر كذلك فقد عاد الجبر المحض ، الوجه الثاني أنكم سلمتم كونه تعالى عالما بجميع المعلومات ووقوع الشيء على خلاف علمه يقتضى انقلاب علمه جهلا وذلك محال ، والمفضى الى المحال محال وكل ما أوردتموه علينا في القضاء والقدر لازم عليكم في العلم لزوما لا جواب عنه (انتهى).

(١) أى لزوم وجود المرجحات الغير المتناهية ، وفيه أن المرجحات لزمت بناء على الفروض المستحيلة حيث فرض احد جزئى وقت المرجح الاول وقت الوجود ففرض بعض من هذا الجزء وقت العدم ثم فصل في البعض الذي هو على الفرض الثاني وقت الوجود وهكذا ، وفعلية الوجود تناقض فعلية العدم سواء كانا على سبيل الوجوب او الاولوية ، والمحال جاز ان يستلزم المحال ، وايضا عدم صدور المرجحات عن العبد لا ينافي اختياره وفاعليته ، وايضا غير المتناهي يمكن ان يصدر عن العبد.

(٢) قال في تفسيره ما محصله : انه لو تظاهر الثقلان لم يتمكنوا من دفع هذه الشبهة.


ولو اجتمع جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا الوجه حرفا ، وقد أجابه شارح المواقف (١) كما سيرد عليك «انتهى».

أقول

الدليل الثاني أيضا ممّا ذكره صاحب المواقف وشارح التجريد (٢) بعنوان الاستدلال ولم نره فيما وصل إلينا من كتب فخر الرّازي بصورة النقص ، ولعله ان صح أنّه سمّاه نقضا فهو جرى منه على ما قيل : (٣) من أنّ محصّل المعارضة نقض (٤) بأن يقال : لو كان دليلكم صحيحا لما صدق نقيض مدلوله ، لكن عندنا دليل دلّ على صدقه فلا يكون صحيحا ، وعلى هذا فلا ينافي الاستدلال ، والظاهر أنّ النّاصب لما عجز عن إتمام ذلك الدّليل احتال في ذلك بتسميته نقضا لئلا يلزمه إثبات ما يتوجه على مقدماته من المنع والنقض ، ومثل هذه الحيلة لا تذهب إلا على من هو مثله في الجهل بأطراف كلام الأقوام واما ما زعمه من أنّ ما لزم الأشاعرة

__________________

(١) للمواقف شروح وإذا اطلق ينصرف الى شرح المحقق الشريف الجرجاني.

(٢) للتجريد شروح وعند إطلاقه ينصرف الى شرح المولى على القوشجي. وقد تقدم ذكره في (ج ١ ص ١٢٣ و ٤٦٣).

(٣) قد تقدم الفرق بين النقض والمعارضة والمنع في آداب المناظرة في أوائل هذا الجزء فراجع.

(٤) بل قد صرح ابن الحاجب في مختصره. بان الاعتراضات راجعة الى منع او معارضة ، وقال الشارح العضدي : اعلم أن المقدمة قد تمنع تفصيلا وذلك واضح وقد تمنع اجمالا ، وطريقته أن يقال : لو صحت مقدمات دليلك وهي جارية في الصورة الفلانية لوجب ان يثبت الحكم فيها وانه غير ثابت وهذا هو النقض ، وايضا فان المقدمة إذا منعت وانتهض المستدل لاقامة الدليل فللمعترض منع مقدمات دليله ومعارضة دليله عليها فمراد المصنف بالمنع والمعارضة ما يعم ذلك كله (انتهى). منه «قده».


يلزم مثله لأهل العدل في مسألة علم الله تعالى فمدفوع بما سبق وسيجيء من أنّ هذا إنّما يلزم لو قلنا بأنّ علمه تعالى علّة للمعلومات ، وأمّا إذا قلنا : إنّه تابع له كما هو التحقيق فلا كما لا يخفى ، ثمّ لا يذهب عليك أنّ النّاصب ادّعى أنّ ما يلزم الأشاعرة يلزم أهل العدل من وجوه ، ولم يذكر إلا وجها واحدا والظاهر أنّه أراد إظهار قدرته أو قدرة أصحابه على إبداء الوجوه المتعددة في ذلك وإن كانت تلك الوجوه بعد في بطن العدم ، فافهم.

قال المصنّف رفعه الله درجته

والجواب عن الوجهين من حيث النقض ومن حيث المعارضة أما النقض ففي الأوّل من وجوه ، الاول وهو الحق أنّ الوجوب من حيث الدّاعي والإرادة لا ينافي الإمكان في نفس الأمر ، ولا يستلزم الإيجاب وخروج القادر عن قدرته ، وعدم وقوع الفعل بها ، فانّا نقول : الفعل مقدور للعبد يمكن وجوده عنه ويمكن عدمه ، فإذا خلص الدّاعي إلى إيجاده وحصلت الشّرائط وارتفعت الموانع ، وعلم القادر خلوص المصالح الحاصلة من الفعل عن شوائب المفسدة البتّة وجب من هذه الحيثيّة إيجاد الفعل ولا يكون ذلك جبرا ولا إيجابا بالنّسبة إلى القدرة والفعل لا غير «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : هذا الوجوب يراد به الاضطرار المقابل للاختيار ، ومرادنا نفى الاختيار سواء كان ممكنا في نفس الأمر أولا ، وكلّ من لا يتمكّن من الفعل وتركه فهو غير قادر سواء كان منشأ عدم تمكّنه عدم الإمكان الذاتي لفعله أو عدم حصول الشّرائط ووجود الموانع ، فما ذكره من النّقض ليس بصحيح «انتهى».

أقول

ما ذكره مدفوع بأنّ نفى الاختيار على الوجه الأعم من الاختيار قبل الفعل وبعده


خروج عن المبحث ، لأنّ الكلام في الاختيار والقدرة قبل الفعل ، وأما عند اختيار الفعل فلا يقدح وجوبه في الاختيار المتنازع فيه ، لما تقرّر من أنّ الوجوب بالاختيار (١) يحقّق الاختيار ولا ينافيه ، والوجوب الحاصل من تحقّق الدّواعي ، والإرادة الجازمة من هذا القبيل ، والحاصل أنا نختار أنّ المرجح هو الإرادة وأنّ الفعل يجب بها ، وهذا الوجوب لا ينافي الاختيار والتمكن من التّرك بالنظر إلى نفس القدرة ، بل يحقّقه ، لأنّ القادر هو الذي يصحّ منه الفعل والتّرك قبل تعلّق الإرادة الجازمة له وإن وجب بعد تعلق الإرادة به ، وبالجملة أنّ كون الفعل واجبا بالغير لا ينافي كونه اختياريا في نفسه وأن لا يكون كحركة الجماد وهو المراد ، وأيضا من المقرر أن الشيء ما لم يجب لم يوجد ولا شبهة أنّ هذا الوجوب وجوب بالغير ، فلو كان منافيا للاختيار لما وجد قادر مختار أصلا ، إذ حين الوجوب لا يبقى التمكّن من الفعل والتّرك كما لا يخفى ، واما ما ذكره النّاصب في الحاشية بقوله : لمّا امتنع أن يكون إلخ فهو اعتراض مذكور في شرحي المواقف والتجريد ، وقد أجيب عنه بأنّ الفعل إنّما يجب بتعلّق إرادة العبد به وهو إنّما يحصل بعد العلم بالنّفع واختياره وهذا التعلّق أيضا إراديّ مسبوق بتعلّق آخر متعلّق إلى هذا التعلق وهكذا ، لكن هذه التعلّقات أمور انتزاعية اعتباريّة لا استحالة للتّسلسل فيها ، والحاصل أنّا نريد فعلا واحدا والعقل يجد بعد التأمل والتّفصيل أن قد صدر عنّا تعلّق الإرادة بهذا الفعل ، وتعلّقها بهذا التعلّق وهكذا ، وبالجملة الدّاعي وهو تعلّق الإرادة الجازمة على ما

__________________

(١) قال المحقق الطوسي في بعض رسائله : سؤال السائل أنه بعد حصول القدرة والإرادة هل يقدر على الترك كقول من يقول : الممكن بعد أن يوجد هل يمكن أن يكون معدوما حال وجوده (انتهى) فافهم.

(؟ مكرر) وسيعترف الناصب بذلك في الحاشية التي كتبها على المعارضة التي سيذكرها المصنف عن قريب «منه».


في الشّرح (١) القديم للتجريد ، ويستفاد من كلام الشّارح الجديد (٢) أيضا يوجب الفعل ، وحيث اخترنا أنّ التعلّق بالاختيار لا يستلزم الاضطرار ولكونه اعتباريّا لا يلزم التّسلسل المحال.

قال المصنّف رفع الله درجته

الثاني يجوز أن يترجح الفعل فيوجده المؤثّر أو العدم فيعدمه ولا ينتهى الرّجحان إلى الوجوب على ما ذهب إليه جماعة من المتكلّمين ، فلا يلزم الجبر ولا الترجيح من غير مرجح قوله مع ذلك الرجحان لا يمتنع النقيض فلنفرض واقعا في وقت فترجيح الفعل في وقت وجوده يفتقر إلى مرجح آخر ، قلنا : ممنوع بل الرجحان الأوّل كاف فلا يفتقر إلى رجحان آخر. «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول لا يصح أن يكون المرجّح في وقت ترجيح الفعل هو المرجّح الأوّل ولا بدّ أن يكون هذا المرجّح غير المرجح الأوّل لأنّ هذا المرجح موجود عند وقوع الفعل مثلا في وقت وقوعه ولهذا ترجّح الفعل ، فلو كان هذا المرجّح موجودا عند عدم الفعل ولم يترجح به الفعل فلا يكون مرجّحا ، وإذا ترجّح به الفعل فيكون

__________________

(١) هو كتاب تسديد القواعد في شرح تجريد العقائد ، اشتهر بين أهل العلم بالشرح القديم لتقدمه زمانا على الشرح الجديد ، ألفه الشيخ شمس الدين أبو السنان محمود بن عبد الرحمن الاصبهانى المتوفى بمصر سنة ٧٤٦ وقيل ٧٤٧ وقيل ٧٤٩ ، وله تصانيف كثيرة غير شرح التجريد منها شرح طوالع الأنوار للبيضاوى وشرح مختصر الأصول لابن حاجب وغيرها ، وهو الذي قال في حق مولانا العلامة : انه أول من شرح التجريد وانه لو لا شرحه لبقي التجريد في بوتقة الإجمال.

(٢) المراد به المولى على القوشجي وقد تقدم ذكره في (ج ١ ص ١٢٣ و ٤٦٣).


حكم الوقت مساويا ، فيلزم خلاف المفروض ، لأنّا فرضنا أنّ الفعل يوجد في وقت ويعدم في الآخر ، ولا بدّ من مرجّح غير المرجّح الأوّل (١) ليترجّح به الفعل في وقت وينتهي إلى الوجوب ، وإلا يتسلسل فيتمّ الدّليل بلا ورود نقض «انتهى».

أقول

قد صرّح المصنّف بأنّ الأوّل من وجوه النقض هو الحقّ إشارة إلى أنّ الوجوه الأخر ليست كذلك ، لكنّه ذكر ذلك تعجيزا للأشاعرة ، وبالجملة هذا الوجه كما صرّح به المصنّف مبنيّ على ما ذهب إليه جماعة (٢) من المتكلّمين من جواز وجود الممكن بالأولويّة الذاتيّة وما ذكره النّاصب في دفعه مأخوذ من الوجوه التي ذكرها طائفة أخرى من المتكلّمين والحكماء في نفي ذلك (٣) ، ولا يسلم شيء من ذلك عن مناقشة كما لا يخفى على من طالع هذا المقام من الشّرح الجديد للتجريد وحواشيه (٤) القديمة والجديدة وكان بعض مشايخنا رحمهم‌الله يبالغ في

__________________

(١) والحاصل أن ما فرض من المرجح لما كان مشتركا بين وقتى الفعل والترك فلا يكون هو وحده مرجحا للفعل والا امتنع ان يجتمع مع الترك إذ الترك حينئذ يكون وفي كلا الوقتين مرجوحا والمرجوح يمتنع ان يتحقق مع العلة المرجحة بجانب النقيض كما لا يخفى على احد. منه «خفضه الله».

(٢) وللاشارة الى هذا ايضا نسب القول بتلك المقدمة الى جماعة من المتكلمين ، وحيث كان «قده» هاهنا في مقام المنع يكفيه الاستناد بالمقدمة التي صارت مذهبا للبعض وان كان ضعيفا. منه «قده»

(٣) اى في نفى جواز وجود الممكن بالاولوية.

(٤) اشتهرت حاشية المولى جلال الدين محمد بن اسعد الدواني المتوفى في حدود سنة ٩٣٠ على شرح المولى على القوشجي على التجريد بالحاشية القديمة ثم لما كتب حاشية أخرى عليه اشتهرت هذه بالحاشية الجديدة الجلالية فكلتاهما للدوانى فلا تغفل.


ذلك ويقول : إنّ هذا المطلب لا يتمّ بالاستدلال وإنّ المحقّق قدس‌سره أثبته في التجريد بدعوى البداهة حيث قال : ولا تتصوّر الأولويّة الذاتيّة وغفل عن ذلك الشّارحون وحملوا كلامه على إرادة الاستدلال ، وذكروا في تقرير ما استدلّ به من تقدّمه من العلماء ، فيتوجّه عليه ما يتوجّه عليهم ، ويتوجه عليه أيضا أنّ المفروض كفاية المرجّح الأوّل لترجيح الوجود في جميع أوقاته على العدم فيه ولم يلزم من البيان الاحتياج إلى مرجّح آخر لهذا التّرجيح ، بل إنّما يحتاج إليه لترجيح الوجود في بعض أوقات المرجّح الأوّل على الوجود في بعض آخر منها وأين هذا من ذاك؟ تأمّل.

قال المصنّف رفع الله درجته

الثالث ؛ لم لا يوقعه القادر مع التّساوي؟ فانّ القادر يرجّح أحد مقدوريه على الآخر من غير مرجّح ، وقد ذهب إلى هذا جماعة من المتكلّمين (١) وتمثّلوا في ذلك بصور وجدانيّة كالجائع يحضره رغيفان متساويان من جميع الوجوه ، فانّه يتناول أحدهما من غير مرجّح ولا يمتنع من الأكل حتّى يترجّح لمرجّح والعطشان بحضره إناءان متساويان من جميع الوجوه ، والهارب من السّبع إذا عنّ (٢) له طريقان متساويان فانّه يسلك أحدهما ، ولا ينتظر حصول المرجّح ، وإذا كان هذا الحكم وجدانّيا كيف يمكن الاستدلال على نقيضه!؟ الرابع أنّ هذا الدّليل ينافي مذهبهم فلا يصحّ لهم الاحتجاج به لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضدّين فالمتمكّن من الفعل يخرج عن القدرة (فالتمكّن من الفعل يخرجه عن القدرة خ ل) لعدم التمكّن من التّرك ، وإن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضدّين لزمهم وجود

__________________

(١) وهم قدماء المعتزلة كما في شرح قواعد العقائد.

(٢) عن : ظهر.


الضدّين دفعة واحدة ، لأنّ القدرة لا تتقدّم على الفعل المقدور عندهم ، وإن فرضوا للعبد قدرة موجودة حال وجود قدرة الفعل لزمهم إمّا اجتماع الضدّين أو تقدّم القدرة على الفعل ، فانظر إلى هؤلاء القوم الذين لا يبالون في تضادّ أقوالهم وتعاندها «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : اتّفق العقلاء على أنّ الممكن لا يترجّح أحد طرفيه على الآخر إلّا لمرجّح والحكم بعد تصوّر الطرفين أى تصوّر الموضوع الذي هو إمكان الممكن وتصوّر المحمول الذي هو معنى كونه محوجا إلى السّبب ضروري بحكم بديهة العقل بعد ملاحظة النسبة بينهما ، ولذلك يجزم به الصبيان الذين لهم أدنى تميز ، ألا ترى؟ أنّ كفّتي الميزان إذا تساوتا لذاتيهما وقال قائل : ترجّحت إحداهما على الأخرى بلا مرجّح من خارج لم يقبله صبيّ مميّز وعلم بطلانه بديهة فالحكم بأنّ أحد المتساويين لا يترجّح على الآخر إلا بمرجح مجزوم به عنده بلا نظر وكسب بل الحكم مركوز في طبائع البهائم ، ولهذا تراها تنفرّ من صوت الخشب ، وما ذكر من الأمثلة كالجائع في اختيار أحد الرّغيفين وغيره فانّه لما خالف الحكم البديهيّ يجب أن يكون هناك مرجّح لا يعلمه الجائع والعلم بوجود المرجح من القادر غير لازم بل اللّازم وجود المرجح ، وأما دعوى كونه وجدانيا مع اتّفاق العقلاء بأنّ خلافه بديهيّ دعوى باطلة كسائر دعاويه والله أعلم. وأما قوله في الوجه الرابع : أنّ هذا الدّليل ينافي مذهبهم فلا يصحّ لهم الاحتجاج به ، لأنّ مذهبهم أنّ القدرة لا تصلح للضّدين إلخ فنقول في جوابه : عدم صلاحيّة القدرة للضدّين لا يمنع صحّة الاحتجاج بهذه الحجّة ، فإنّ المراد من الاحتجاج نفى الاختيار عن العبد وإثبات أنّ الفعل واجب الصّدور عنه وليس له التّمكّن من التّرك وذلك يوجب نفى الاختيار ، فإذا كان المذهب أنّ القدرة لا تصلح للضدين وبلغ الفعل حدّ الوجوب لوجود المرجّح الموجب ، لم يكن العبد قادرا على


التّرك فيكون موجبا لا مختارا ، وهذا هو المطلوب ، فكيف يقول : إنّ كون القدرة غير صالحة للضّدين يوجب عدم صحة الاحتجاج بهذه الحجة فعلم أنّه من جهله وكودنيّته (١) لا يفرّق بين ما هو مؤيّد للحجّة وما هو مناف لها ثم ما ذكر أنّهم إن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضّدين لزمهم إمّا اجتماع النّقيضين أو تقدم القدرة على الفعل فهذا شيء يخترعه من عند نفسه ثمّ يجعله محذورا ، والأشاعرة إنّما نفوا هذا المذهب وقالوا : إنّ القدرة لا تصلح للضّدين ، لأنّ القدرة عندهم مع الفعل فيجب أن لا يكون صالحا للضّدين ، وإلا لزم اجتماع النّقيضين ، انظروا معاشر المسلمين إلى هذا السّارق (٢) الحلّي الذي اعتاد سرقة الحطب من شاطئ الفرات

__________________

(١) الكودن والكودنى البرذون الهجين. الفيل والجمع الكوادن كذا في المعاجم اللغوية وتطلق على الرجل البليد في الغاية.

(٢) بالله عليكم يا معاشر العقلاء وزمر أرباب الحجى ا هكذا سبيل المحاورة في العلميات والمطالب النظرية أسئلكم بكل ما تدينون به هل اطلعتم وهل رأيتم في أرباب التصنيف والتأليف مثل هذا الرجل البذي اللسان والذي نفسي بيده ان الرجل اخجل علماء القوم وطأطأ رؤسهم بصنيعه في هذه الأوراق كيف لا وقد سلك طريق السفلة الرعاع ولم يستحى عن ربه القهار الجبار وخالف قول سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (ان الله يبغض بذي اللسان) وترك شعار الحياء ودثاره مع أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله (الايمان عريان ولباسه الحياء).

الا أحد من علمائهم يسئل عن هذا الرجل كيف تنسب ما ذكرت الى مثل العلامة في كتابك أو ما تحذر من أن يقف عليه أهل الاطلاع بالسير والتراجم فيعرفونك ان مولانا العلامة ممن أكرمه ربه أصالة الآباء والأمهات وان بيته بيت جلالة ونبالة فهذا والده المحقق الشيخ سديد الدين يوسف.

وهذا خاله المحقق على الإطلاق وهذا ابن عم امه الشيخ يحيى بن سعيد الحلي صاحب كتابي نزهة الناظر والجامع وهذا اخوه الجليل وجده لأبيه كان من أجلة العلماء والفقهاء


حسب أنّ هذا الكلام حطب يسرق كيف أتى بالدّليل وجعله اعتراضا والحمد لله الذي فضحه في آخر الزّمان ، وأظهر جهله وتعصبّه على أهل الايمان «انتهى».

اقول(١)

نعم قد اتّفق العقلاء على ذلك لكن وجه كلام المصنّف (٢) من الأشاعرة المعزولين عن العقل ، وهم قد جوّزوا أن يرجّح القادر فعله لمجرّد الإرادة بلا داع يختصّ بها ، ومثلوا بما ذكره المصنّف من الأمثلة الوجدانيّة ، وممّن صرّح بنسبة ذلك إلى الشّيخ الأشعريّ أيضا سيف الدّين الأبهري (٣) الأشعري في مبحث الحسن والقبح

__________________

واسلافه من كرام الأسديين ولو لا مخافة الاطالة والسأم لعددنا عدة من أعيان هذا البيت الجليل.

والمظنون القوى المتاخم للعلم انه متى عجز عن الاعتراض السديد أخذته الحمية الجاهلة الباردة وجعل يتفوه بما هو فضل وفضول في الكلام والتمسك بالشتم والوقيعة طريق من حار في أمره وخلى عن لبه عصمنا الله تعالى من أمثال هذه الكلمات والترهات آمين آمين.

(١) وتحقيق الجواب أن من جوز الترجيح بلا مرجح للمختار يقول المرجح هو الإرادة التي هي عين ذاته تعالى أو صادر عنه بالإيجاب ومن لم يجوز يقول المرجح هو الوجود كما ذهب اليه الحكماء أو ملاحظة المصلحة المتدرجة بالفعل دون الترك وكون الفعل أصلح امر لازم له لا يتوقف اتصافه به على وجود الفعل بالفعل بل هو اتصاف تقديري كاتصاف المعدومات الممكنة بالإمكان والمقدورية من غير ان يقتضى وجود الموّصوف. منه «قده»

(٢) فيكون هذا البحث من المصنف «قده» إلزاما للاشاعرة. منه «قده».

(٣) هو المحقق الشيخ سيف الدين أحمد الأبهري الأصولي المتكلم النحوي قال الكاتب الجلبى في كشف الظنون (ج ٢ ص ١٨٥٣ طبع الآستانة) ان له حاشية على شرح المختصر لابن الحاجب أولها الحمد لله الذي شرع الاحكام إلخ.


من حاشيته على شرح المختصر فليطالع أصحاب النّاصب ذلك فيها ، ومن العجب أنّ النّاصب شتم القائل بذلك ولم يعلم أنّ ذلك الشّتم يرجع إلى شيخه ، وإمامه ولم يميّز من غاية البهت خلفه من أمامه ، ويؤيد تلك النّسبة الحديث الذي وضعه المحدّثون من الأشاعرة في شأن أبي بكر ، وهو قولهم : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (١) لو وضع أبي بكر في كفّة ميزان وجميع النّاس في كفّة أخرى لترجّحت الكفّة التي كان فيها أبو بكر ، ولا يلتفت إلى ما نقل عن البهلول (٢) في ردّ ذلك من أنّه لو صحّ

__________________

(١) روى في مجمع الزوائد (ج ٩ ص ٥٩ ط مصر) في حديث طويل عن أبى امامة : ثم اتى بابى بكر فوضع في كفة واتى بجميع أمتي فوضعوا فرجح. الحديث ، ثم ذكر في ضعف سنده بما هذا لفظه : رواه احمد والطبرانيّ بنحوه باختصار ، وفيهما مطرح بن زياد وعلى بن يزيد الالهانى وكلاهما مجمع على ضعفه ، ومما يدلك على ضعف هذا أن عبد الرحمن بن عوف (الذي وقع الطعن عليه في متن الحديث) احد أصحاب بدر والحديبية واحد العشرة وهم افضل الصحابة والحمد لله. انتهى كلامه.

(٢) هو وهب بن عمرو الكوفي المشتهر بالبهلول ، كان رجلا تقيا ورعا زاهدا عالما فقيها محدثا ، ذا أدب ومعرفة وتشيع ، استفاد من قدسي أنفاس الإمامين الهمامين الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، وله حكايات ومناظرات لطيفة في الفقه والكلام مع أبى حنيفة وغيره من المشاهير ، ويعد في كتب التراجم من عقلاء المجانين ، لأنه كان يتستر بجنة التجنن تقية وحقنا لدمه ، وفي بعض كتب التواريخ والسير أنه من أبناء عم الرشيد العباسي ، والحق أنه ليس من بنى العباس كما هو واضح لمن سبر في أحواله.

وله شعر رائق ، ومنه قوله في العظة والاعتبار بأحوال الموتى وأهل القبور.

شعر

تناديك أجداث وهن صموت

وأربابها تحت التراب خفوت

فيا جامع الدنيا حريصا لغيره

لمن تجمع الدنيا وأنت تموت

ومن شعره أيضا قوله لما رماه الصبيان بالحصا فأدمته حصاة فقال :


__________________

حسبي الله توكلت عليه

من نواصي الخلق طرا بيديه

ليس للهارب في مهربه

أبدا من راحة الا اليه

رب رام لي بأحجار الردى

لم أجد بدا من العطف عليه

فقيل له : يا بهلول تعطف عليهم وهم يرمونك بالأحجار؟ فقال : اسكت ، لعل الله يطلع على غمي ووجعي وفرح هؤلاء الصبيان ، فيسره فيهب بعضنا من بعض انتهى.

ومن شعره قوله :

ان كنت تهواهم حقا بلا كذب

فالزم جنونك في جد وفي لعب

إياك من أن يقولوا عاقل فطن

فتبتلى بطوال الكد والنصب

مولاك يعلم ما تطويه من خلق

فما يضرك ان سبوك بالكذب

ومن شعره أيضا :

حقيق بالتواضع من يموت

وحسب المرء من دنياه قوت

فما للمرء يصبح ذا اهتمام

وشغل لا يقوم له النعوت

صنيع مليكنا حسن جميل

وما أرزاقنا مما تفوت

فيا هذا سترحل عن قريب

الى قوم كلامهم السكوت

ومن مكارم أخلاقه أنه اجتمع عليه الصبيان ذات يوم ونهبوا ما كان معه ، وجعلوا يرمونه بالأحجار ، فهرب منهم وتحصن في مسجد كان هناك وأغلق عليهم الباب وصعد على السطح حتى أشرف عليهم منه ، وجعل يقرأ قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) ، فلما رأى محمد بن سليمان ذلك أمر بتفرقة الأطفال عنه وقال لا اله الا اله إلا الله لقد رزق الله على بن أبي طالب عليه‌السلام لب كل ذى لب.

ومن مكارم أخلاقه أيضا أنه اجتمع عليه ذات يوم عدة من الصبيان وجعلوا يرمونه ويضربونه فقال له رجل ألا تشكوهم الى آبائهم ، فقال اسكت فلعلي إذا مت يذكرون هذا الفرح فيقولون : رحم الله ذاك المجنون ، انتهى. فراجع في ترجمة حاله الى كتب التراجم ، منها الروضات ج ١ ص ٣٩.


هذا الحديث لكان في ذلك الميزان عيب البتّة ، لأنّه كان رافضيّا مجنونا لا يصير كلامه حجّة على الأشاعرة ، ثمّ من هذا القبيل أيضا قولهم بجواز تفضيل المفضول في باب الامامة وتصريحهم بتفضيل أبي بكر على علي عليه‌السلام مع روايتهم عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثّقلين ، اللهم إلا أن يقال : إنّ أبا بكر ليس من الثّقلين ، بل نقول : إنّ تجويزهم تعذيب الله تعالى للأنبياء والأولياء المطيعين وإكرامه للفسّاق والأشرار العاصين أيضا من باب ترجيح المرجوح كما لا يخفى ، فكيف يستبعد منهم تجويز التّرجيح بلا مرجّح؟ فافهم ، وبالجملة مخالفة صريح العقل شأن الأشعري وأصحابه المعزولين عن العقل (الحق خ ل) ، فلا وجه لاستدلال النّاصب على نفى قولهم بجواز الترجيح بلا مرجّح ، بكون ذلك مخالفا لاتفاق العقلاء ، وأما ما ذكره في جواب الوجه الرّابع فمدفوع بأنّ المصنّف قدس‌سره لم يمنع صحّة سوق المقدمات المذكورة في الدّليل ، وارتباط بعضها ببعض ، وتحقّق شرائط صورها واستلزامها لما قصدوه ، من نفي الاختيار ، بل أراد أن مادّة المقدمة المذكورة في الدّليل بقولهم : لو كان العبد فاعلا لشيء مّا بالقدرة والاختيار ، فاما أن يتمكّن من تركه أولا ، لا يصحّ بناء على ما أصّلوه من أنّ القدرة لا تصلح للضدّين لأنّ المتمكّن من الفعل على هذا الأصل لا يقدر على التّرك فيخرج عن أن يكون قادرا فلا يصحّ توصيفه بالقدرة وإجراء الترديد فيه بأنّه إما أن يتمكن من التّرك أولا ، وهذا نظير ما قيل : من أنّه على تقدير نظريّة كلّ من التّصورات والتّصديقات لا يمكن الاستدلال على بطلان نظريّتها ، لأنّ المستدلّ على الابطال إن سلّم نظرية مقدمات دليله لا يحصل مطلوبه ، وإن ادّعى بداهة بعضها فهو ينافي التّقدير ، والقول بأن ما ذكره الناصب من الفرض والترديد بجواز أن يكون على جهة إلزام أهل العدل مخالف لما اشتهر بينهم من كون ذلك الدّليل تحقيقيا لما ذكره النّاصب سابقا من أنّه دليل صحيح بجميع مقدّماته فتأمل ،


فعلم أنّ النّاصب لجهله بقواعد المنطق ، بل لخروجه عن ذوي النطق ومدركي المعقولات لم يفرّق بين فساد مادّة القياس وفساد صورته ، ولم يفهم أنّ لزوم النّتيجة المذكورة إنّما هو لتسليم النّاصب المقدّمة التي ذكرها في قياسه الفاسد وأنّ القياس وإن كان فاسد المقدّمات إذا سلّمت يلزم منها قول آخر ولم يعلم أنّ المصنّف لا يسلّم بعض المقدمات لا أنّه يسلّم المقدّمات ويمنع اللّزوم ، وأما ما ذكره من أنّ قول المصنّف : إن خالفوا مذهبهم من تعلّقها بالضّدين لزمهم إلخ شيء يخترعه من عند نفسه ، ثمّ يجعله محذورا ففيه أنّ كلام المصنّف هذا مع ما ذكره سابقا يرجع إلى إيراد ترديد على الدّليل المذكور ، ولا يلزم أن يكون كلا شقيّ التّرديد واقعيّا أو مطابقا لمذهب المستدلّ به ، بل يكفي فيه الغرض ، لأنّ الغرض من التّرديد حصر احتمالات الكلام والرّد على كلّ منها ، لئلا يرجع الخصم ، ويقول : إني أردت معنى لم تذكره أنت ولا يتوجّه عليه شيء ممّا ذكرت ، وكذا الكلام فيما ذكره من نفى الأشاعرة لذلك المذهب ، فانظروا معاشر العقلاء المؤمنين إلى هذا الفضول المهان الزّبّال (١) في أصبهان أنه لما اعتاد إصلاح فساد زرع شعيره بحمل الزّبل من المزابل واستعماله في اصول السّنابل حاول إصلاح ما زرعه شيخه في خبيث أرض تقريره بكلّ ما خرج من مزبلة فمه وبالوعة ضميره وقد قيل : شعر

وهل يصلح العطار ما أفسد الدّهر؟

فكيف بالزّبال الذي أنتن منه السرّ والجهر

وبالجملة أىّ ربط لسرقة الحطب بأهل الحلّة؟ وأىّ نسبة للحطب بالفرات الخالي عن الآجام المضلّة والمظلة وإنّما يناسب ذلك بحمّالة الحطب (٢) التي هي من

__________________

(١) ذكر بعض المؤلفين في التراجم ان الرجل كانت له زراعة بأصبهان زمن قضاوته.

(٢) هي ام جميل بنت حرب اخت أبى سفيان عمة معاوية ولا يخفى أن العمة تسمى اما. منه «قده».


امّهات بعض خلفاء النّاصب وبخليفة حمّال الحطب من سوق المدينة لاضرامه النّار في باب بيت صاحب السّكينة ، وقصد إحراق الذين هم لنجاتنا أكرم سفينة (١) والحمد لله الذي فضح النّاصب ورفع عنه الأمان ، وأوضح سوء عاقبته على أهل الايمان حيث طرده من إيران وأماته في النيران أعني مظهر القهر من بلاد ما وراء النّهر (٢) ووفّقنا لدفع شرّه الذي أورثه لأهل النّهر (٣) أعني نسخ كتابه الذي يشهد على أمه بالعهر (٤) بما لا يخفى (٥) وقعه على علماء الدّهر.

قال المصنّف رفع الله درجته

وفي الثاني من وجهين ، الاول العلم بالوقوع تبع الوقوع فلا تؤثّر (٦) فيه ، فانّ التابع

__________________

(١) إشارة الى قوله (ص) : مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تركها غرق.

(٢) إشارة الى أن القاضي ابن روزبهان توفى في قاشان من بلاد ما وراء النهر فلا يصغى الى كلام من قال : انه توفى ببيت المقدس أو بمصر او الحرمين كما تقدم تفصيل ذلك في المقدمة.

(٣) إشارة الى ذم أهل ما وراء النهر حيث اقتنوا نسخ كتاب ابن روزبهان وجعلوه موردا للاستفادة.

(٤) إشارة الى ما نقله الثقات من الفريقين من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يبغض عليا الا من لم تطب ولادته.

(٥) متعلق بقوله : وفقنا لدفع شره.

(٦) ألا ترى أن علمنا بطلوع الشمس غدا لا يؤثر في وجوب الطلوع وإمكانه قطعا كذلك علم الله تعالى بأفعالنا ، ولو صح الدليل المذكور يلزم أن لا يكون الله تعالى فاعلا لأفعاله ، لأنه عالم في الأزل بأفعاله وجودا وعدما ، فالأفعال اما واجبة أو ممتنعة ، فلو استلزم عدم المقدورية عدم الفعل لاستلزم ذلك عدم حدوث شيء من الموجودات.


إنّما يتبع متبوعه ، (١) ، ويتأخّر عنه بالذّات والمؤثّر متقدّم ، الوجه الثاني من وجهى النقض أنّ الوجوب اللاحق لا يؤثر في الإمكان الذّاتي ، (٢) ويحصل الوجوب باعتبار فرض وقوع الممكن فانّ كلّ ممكن على الإطلاق ، إذا فرض موجودا فانّه حالة وجوده يمتنع عدمه لامتناع اجتماع النقيضين وإذا كان ممتنع العدم كان واجبا ، مع أنه ممكن بالنظر إلى ذاته والعلم حكاية عن المعلوم ، ومطابق له إذ لا بدّ في العلم من المطابقة ، فالعلم والمعلوم متطابقان والأصل في هيئة التطابق هو المعلوم ، فانه لولاه لم يكن علما ، ولا فرق بين فرض الشيء وفرض ما يطابقه بما هو حكاية عنه وفرض العلم هو بعينه فرض المعلوم ، وقد عرفت أنّ مع فرض المعلوم يجب ، فكذا مع فرض العلم به ، وكما أنّ ذلك الوجوب لا يؤثر في الإمكان الذاتي كذا هذا الوجوب (٣) ، ولا يلزم من تعلّق علم الله به وجوبه بالنسبة إلى ذاته ، بل بالنسبة إلى العلم «انتهى».

__________________

(١) والحاصل أننا نمنع استحالة الايمان من الكافر مثلا وأن حصوله يفضى الى انقلاب علم الله جهلا ، وذلك لان العلم تابع للمعلوم متعلق به على ما هو عليه ، فان كان الشيء واقعا تعلق العلم بوقوعه ، وان كان غير واقع تعلق العلم بعدمه ، فالإيمان ان وقع علمنا أنه تعالى كان عالما بوقوعه ، وان فرضناه غير واقع لزم القطع بأنه تعالى علم عدم وقوعه ففرض الايمان بدلا عن الكفر لا يقتضى تغير العلم بعدمه ، بل يقتضى أن يكون الحاصل في الأزل هو العلم بالايمان بدلا عن العلم بالكفر.

(٢) وهو شرط التكليف.

(٣) يعنى أن الوجوب اللاحق حصل بعد فرض العلم فلا يؤثر في الإمكان الذاتي ولا في القدرة عليه كما أن فرض المعلوم يوجبه وجوبا لاحقا وهو لا يؤثر في الإمكان الذاتي للطرف الآخر ، وبالجملة لا فرق بين فرض الشيء وفرض مطابقه ولا ينافي ذلك تأخير المعلوم عن العلم فان العلم حكاية والحكاية قد يتقدم زمانا وقد يتأخر ، وهي متأخرة على التقديرين بالذات عن المحكي وكذا العلم السابق لان شرطه المطابقة والامتناع لا حق وهو لا يؤثر في الإمكان الذاتي الذي هو شرط التكليف.


قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد ذكرنا أنّ هذه الحجة أوردها الامام الرّازي على سبيل النّقض الاجمالي في مبحث التكليف والبعثة ، وهذا صورة تقريره : ما علم الله عدمه من أفعال العبد ، فهو ممتنع الصدور عن العبد وإلا جاز انقلاب العلم جهلا ، وما علم الله وجوده من أفعاله فهو واجب الصدور عن العبد وإلا جاز ذلك الانقلاب ولا مخرج عنهما لفعل العبد ، وأنه يبطل الاختيار ، إذ لا قدرة على الواجب والممتنع ، فيبطل حينئذ التكليف وأخواته (١) لابتنائها على القدرة والاختيار بالاستقلال ، كما ذكرتم ، فما لزمنا في مسألة خلق الأعمال فقد لزمكم في مسألة علم الله تعالى بالأشياء قال الامام الرّازي ، ولو اجتمع جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا حرفا إلا بالتزام مذهب هشام (٢) وهو أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها ، وقال شارح المواقف واعترض عليه ، بأنّ العلم تابع للمعلوم على معنى أنهما يتطابقان والأصل في هذه المطابقة هو المعلوم ألا ترى أن صورة الفرس مثلا على الجدار إنّما كانت على الهيئة المخصوصة ، لأنّ الفرس في حدّ نفسه هكذا ، ولا يتصوّر أن ينعكس الحال بينهما ، فالعلم بانّ زيدا سيقوم غدا مثلا إنّما يتحقق إذا كان هو في نفسه بحيث يقوم فيه دون العكس ، فلا مدخل للعلم في وجوب الفعل وامتناعه وسلب القدرة والاختيار والا لزم أن لا يكون تعالى فاعلا

__________________

(١) المراد بها الأمور التي تعتبر فيها القدرة والاختيار بحكم العقل السليم.

(٢) قال الشهرستاني في كتاب الملل والنحل (ج ١ ص ٩٧ ـ الطبع الجديد بمصر) ما لفظه : الهشامية أصحاب هشام بن عمرو الفوطي ومبالغته في القدر أشد واكثر إلخ ، وحكى عنه مقالات في بابى صفات الباري وما يتعلق بالأخرة ، فظهر أنهم اسرة تبعوا هشاما في هذه المقالات وهو غير هشام بن الحكم وغير هشام البصري وغير هشام الكوفي ، وكثيرا ما يقع الاشتباه في استناد المقالات الى هؤلاء فلا تغفل.


مختارا لكونه عالما بأفعاله وجودا وعدما انتهى كلام شارح (١) المواقف ، فظهر أنّ الرّجل السارق الحلّي سرق هذين الوجهين من كلام أهل السنة والجماعة وجعلهما حجّة عليهم ، وجواب الاول من الوجهين إنّا لا ندّعي تأثير العلم في الفعل كما ذكرنا ، حتى يلزم من تأخره عن المعلوم عدم تأثيره ، بل ندّعي انقلاب العلم جهلا ، والتابعية لا تدفع هذا المحذور لما ستعلم ، وجواب الثاني من الوجهين أنا نسلّم أنّ الفعل الذي تعلّق به علم الواجب في الأزل ممكن بالذات واجب بالغير والمراد حصول الوجوب الذي ينفي الاختيار ويصير به الفعل اضطراريا وهو حاصل سواء كان الوجوب بالذّات أو بالغير ، وأما جواب شارح المواقف فنقول : إنا لا نسلم أنّ العلم مطلقا تابع للمعلوم بل العلم الانفعالي الذي يتحقق بعد وقوع المعلوم وهو تابع للمعلوم ، وإن أراد بالتابعية التطابق فلا نسلم أنّ الأصل في المطابقة هو المعلوم في العلم الفعلي بل الأمر بالعكس عند التحقيق ، فانّ علم المهندس الذي يحصل به تقدير بناء البيت هو الأصل والعلّة لبناء البيت ، والبيت يتبعه ، فان خالف شيء من أجزاء البيت ما قدّره المهندس في علمه الفعلي لزم انقلاب العلم جهلا وأنت تعلم أنّ علم الله تعالى بالموجودات التي ستكون هو علم فعلي كعلم المهندس الذي يحصل من ذاته ، ثمّ يطابقه البيت ، كذلك علم الله تعالى هو سبب حصول الموجودات على النظام الواقع ويتبعه وجود الكائنات ، فان وقع شيء من الكائنات على خلاف ما قدّره علمه الفعلي في الأزل لزم انقلاب العلم جهلا وهذا هو التحقيق «انتهى».

أقول

لا حجّة فيما ينقله النّاصب لظهور خيانته في مثل ذلك مرارا ولو صحّ فلا ينافي

__________________

(١) هو المحقق السيد شريف الدين على الجرجاني.


إيراد الامام الرّازي لذلك على سبيل النقض إيراد غيره من الأشاعرة إيّاها على طريق الاستدلال كيف؟ وقد صرّح الشارح الجديد للتجريد في بحث العلم من الاعراض بأنّ الأشاعرة استدلوا بذلك ، حيث قال إنّ الأشاعرة لما استدلوا على كون أفعال العباد اضطرارية بأنّ الله تعالى عالم في الأزل بصدورها عنهم ، فيستحيل انفكاكهم عنها لامتناع خلاف ما علمه تعالى فكانت لازمة لهم ، فلا تكون اختياريّة وأجاب (١) المعتزلة بأنّ العلم تابع للمعلوم فلا يكون علّة له ، قال الأشاعرة : كيف يجوز أن يكون علمه الأزلي تابعا لما هو متأخّر عنه فانّه يستلزم الدّور؟ فأجابوا : بأنّا لا نعني بالتابعيّة هاهنا التأخّر حتى يلزم الدّور ، بل أصالة موازنة في التّطابق إلخ

__________________

(١) وقد أجاب بعض المدققين من مشاهير أصحابنا بأن الحق أن فعل العبد بقدرته واختياره ، لكن قدرته واختياره ليسا باختياره ، والا لزم التسلسل ، وهما أمران حادثان ما لم يجبا لم يوجدا ، وانما يوجدان وجوبا بارادة الله تعالى وإذا أوجدهما الله في العبد وجب أن يصدر عنه الفعل بهما ، وإرادته تعالى عين علمه الأزلي المتعلق بجميع ما وجد ، فعلمه موافق للمصلحة وأنه ينبغي وجوده وبه وجد جميع الموجودات ، ففي الأزل علم الله تعالى العبد وأنه يوجد هذه الإرادة لداع كذا ، وبهما يصدر الفعل عنه ، فعلمه أوجب وجود العبد في حين وجوده فأوجب وجود الإرادة فيه في زمان وجدت ، وبالارادة الواجبة بعلمه تعالى وجب وجود الفعل ، فإذا نزل الى المبدأ القريب للفعل وهو الإرادة القائمة بالعبد الصادرة عن إرادته تعالى صح القول : بان الفعل باختيار العبد وإرادته ، وإذا نظر الى أن الفعل وجب بعلمه تعالى الذي هو عين إرادته على التحقيق يميل الذهن الى الجبر ، وهذا سر ما نقل عن سبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو عن الوحى ناطق جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : انه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، واندفع الاشكال المذكور ، لا أن علم الله تعالى بفعل العبد في زمان معين وان لم يجب به الفعل بلا واسطة ، لكن يجب به بوسائط إذ يجب به وجود العبد وقدرته وإرادته ، وبها يجب الفعل. منه «قده».* وهو المولى المدقق العلامة أبو الحسن الكاشي «ره».


وإنّما جعله النّاصب نقضا ليصير أقلّ قبولا لورود أقسام البحث عليه فافهم (١) ، وبما قررناه من كلام شارح التجريد ظهر بطلان ما ذكره النّاصب من أنّ المصنّف سرق هذين الوجهين من كلام أهل السنّة والجماعة إلخ ، وأما ما ذكره في جواب الأوّل من الوجهين فمردود ، بأنّه لمّا كان المفروض أنّه تعالى إنّما يعلم المعلوم كالفعل مثلا على الوجه الذي سيقع ، فمن أين يحصل في المعلوم اختلاف يوجب انقلاب علمه تعالى جهلا ، وأما ما ذكره في جواب الثّاني منهما فمزيّف : بأنّه لو كان الوجوب اللّاحق نافيا لاختيار الفاعل لكان الله تعالى أيضا غير مختار فيما وجد من أفعاله : لأنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد وذلك وجوب لاحق ، فيكون الله تعالى مضطرّا غير مختار فيه ، وبطلانه ممّا لا يخفى ، وتحقيق الكلام في ذلك أنّ مدار (٢) معنى القدرة والاختيار على أنّ هذا الفعل بالنسبة إلى ذات هذا الفاعل بحيث إن شاء فعله وإن لم يشأ لم يفعله مع قطع النّظر عن الأمور العارضة الموجبة والمحيلة للطرف الآخر كما في الواجب ، والامتناع الحاصل من علمه تعالى بالفعل والتّرك خارج عن ذات الفاعل لاحق للفعل غير مؤثّر فيه ، فلا يوجب سلب اختياره بالنظر

__________________

(١) إشارة الى أنه حيث كان في مقام رد هذا الدليل ارتكب بما هو دابه من النقود الغير الدخيلة في تحقيق المطلب وجعله مناطا للفحش والسباب ، ونسبة السرقة ، وما أبعده من شأن أهل البحث والتحقيق ، والمشاحة في التعبير بالنقض أو الدليل لا يليق بهم فضلا عن جعله مناطا للوقيعة في حق المسلم وارتكاب ما هو فعل الأراجيف والأرذال السفلة.

(٢) لا يخفى على من سبر في كلمات المتكلمين أن لهم في تعيين مدار القدرة تعبيرين أحدهما أن المدار فيها صدق قضية ان شاء فعل وان شاء ترك بجعل كل واحد من الفعل والترك متعلقا للمشية والثاني ان المدار فيها صدق قضية ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل ، فما ذكره مولانا القاضي الشريف يوافق أحد القولين ، وهو التحقيق لدى أهله.


إلى أصل الفعل ولا عدم استحقاقه لشيء من الثّواب والعقاب ، ويوضح (١) ذلك أنّه إذا كان رجل حمّال مدار تعيّشه في كلّ يوم أن يأخذ أجرة معيّنة على حمل قدر معيّن من الخمر مثلا من مكان إلى مكان ، فأمره سلطان قاهر لا يعرفه هو بهذا الوصف ذات يوم بحمل شيء من ذلك بتلك الاجرة المقرّرة أو أزيد منها في تلك المسافة المعهودة بعينها فانّ قاهريّة السّلطان واقتداره في الواقع لا يوجب سلب اختيار المأمور المذكور في ذلك الفعل ، لأنّ الفرض أنّه كان يفعل ذلك بطيب قلبه دائما ولم يقع إجبار السلطان له فعلا (٢) في ذلك الفعل مع ظهور أنّه لم يمكنه التخلّف عن أمر ذلك السلطان ، فكما أنّ حصول القهر بالقوّة هاهنا لا يوجب سلب الاختيار ، لأنّه أمر لاحق ، كذلك الإيجاب الناشي من علمه تعالى بوقوع أحد طرفي الفعل من المكلّف لا يؤثر فيه ولا يوجب سلب اختياره ، وكونه معذورا في ذلك الفعل المحرّم (٣) فتدبر ، وأما ما أورده على الجواب المذكور في (شرح المواقف) أيضا فكلام منتحل مأخوذ عن بعض المتأخرين ، وقد أطال الناصب فيه بما لا طائل تحته لئلا يظهر انتحاله إيّاه لكلّ أحد ، بل أفسده حيث قرّره بطريق المنع ، وخرج به عن قانون المناظرة كما لا يخفى على من تأمل في المراتب التي نقلناها من كلام شارح التجريد ، ومع هذا يمكن أن يدفع بأنّ للامامية والمعتزلة أن يقولوا : سلّمنا أنّ علمه تعالى بما يصدر عنه فعليّ كعلم البنّاء بخصوصيات البناء قبل أن يصنعه لا انفعاليّ إلا أنّا لا نسلّم أنّ علمه بأفعال العباد كذلك ، وإنما يسلّم ذلك أن لو ثبت أنه فاعل لأفعالهم ولم يثبت عندنا ذلك بعد ، وإذا لم يكن علمه تعالى

__________________

(١) هذا التوضيح من خصائص هذا التعليق وهو أقوى وأوضح من جميع ما استوضحوا به المرام كما لا يخفى على المتتبع المصنف ، منه «قده».

(٢) اى بالفعل وفي الوقت الخاص.

(٣) وهو عمل الخمر بأمر السلطان من غير حصول الجبر.


بأفعالهم فعليّا فلا مدخل له في وجوب هذه الأفعال أو امتناعها كما توهّمه صاحب الشّبهة ، وهاهنا دفع آخر تركناه على ذوي الأفهام لضيق المقام.

قال المصنف رفع الله درجته

فإنهما آيتان في حقّ واجب الوجود تعالى فانا نقول في الأوّل : لو كان الله تعالى قادرا مختارا فامّا أن يتمكّن من الترك أولا ، فان لم يتمكّن من التّرك كان موجبا مجبرا على الفعل لا قادرا مختارا ، وإن تمكن فامّا أن ترجّح أحد الطرفين على الآخر أولا ، فان لم يترجّح لزم وجود الممكن المتساوي من غير مرجّح ، فان كان محالا في حقّ العبد كان محالا في حقّ الله لعدم الفرق ، وإن ترجّح فان انتهى إلى الوجوب لزم الجبر وإلا تسلسل أو وقع التّساوي من غير مرجّح ، فكلّ ما تقولونه هاهنا نقوله نحن في حقّ العبد انتهى.

قال الناصب خفضه الله

أقول : ذكر صاحب المواقف هذا الدّليل في كتابه ، وأورد عليه أنّ هذا ينفي كون الله تعالى قادرا مختارا لإمكان إقامة الدّليل بعينه (الدلالة بعينها خ ل) ، فيقال : لو كان تعالى موجدا لفعله بالقدرة استقلالا فلا بدّ أن يتمكن من فعله وتركه ، وان يتوقّف فعله على مرجّح إلى آخر ما مرّ تقريره وأجيب عن ذلك بالفرق بأنّ إرادة العبد محدثة أى الفعل يتوقف على مرجّح هو الإرادة الجازمة لكن إرادة العبد محدثة لكن ينتهي إلى إرادة يخلقها الله فيه بلا إرادة واختيار منه دفعا للتسلسل في الإرادات التي نفرض صدورها عنه ، وإرادة الله قديمة فلا تفتقر إلى إرادة أخرى ، فظهر الفرق واندفع النقض.


أقول

هذا الجواب من جملة تشكيكات إمام النّاصب فخر الدّين الرّازي وقد ردّه سلطان (١) المحقّقين قدس‌سره في التّجريد بما قرّره الشّارح (٢) الجديد بأنّ هذا الفرق لا يدفع التّسلسل المذكور إذ يقال : إن لم يكن التّرك (٣) مع الإرادة القديمة كان موجبا لا قادرا مختارا ، وإن أمكن فان لم يتوقّف فعله على مرجّح استغنى الجائز عن المرجّح ، وإن توقف عليه كان الفعل معه واجبا فيكون اضطراريّا ، والفرق الذي ذكرتموه في المدلول مع الاشتراك في الدّليل دليل على بطلان الدّليل ، وإنّما يندفع النّقض إذا بيّن عدم جريان الدّليل في صورة التّخلّف ، وقد أشار صاحب المواقف أيضا إلى الجواب المذكور في شرحه لمختصر ابن الحاجب حيث قال في مبحث الحسن والقبح منه إنّ تعلّق إرادته تعالى قديم (٤) لا يحتاج إلى مرجّح متجدّد ،

__________________

(١) اى المحقق الطوسي الخواجة نصير الملة والدين «قدس‌سره».

(٢) هو المحقق المولى على القوشجي.

(٣) وبعبارة أخرى نقول : وان كانت إرادة الباري تعالى قديمة فاما أن يصح معها الفعل بدلا عن الترك والترك بدلا عن الفعل أولا ، فان كان الاول فلا بد لاحد الطرفين من مرجح ، والكلام في ذلك المرجح كالكلام في الاول ، وهو تسلسل ممتنع ، وان كان الثاني لزم الجبر ولا مخلص عنه كما لا يخفى.

(٤) وقد تقرر بان كون إرادة الباري تعالى قديمة لا يدفع لزوم التسلسل الذي ذكره في جانب إرادة العبد ، لأنا نقول : ان المرجح القديم ان كان كافيا في الفعل من غير احتياج الى أمر حادث لزم قدم الفعل ، لامتناع تخلف المعلول عن العلة التامة ، وان لم يكف بل كان محتاجا الى أمر حادث كتعلق الإرادة ، فوقوع هذا التعلق يحتاج الى حادث آخر ويتسلسل الى غير النهاية أو تنتهي سلسلة الأسباب الحادثة الى أمر قديم ، فيلزم قدم تلك التعلقات فتأمل حق التأمل في المقام.


وردّ عليه سيّد المحقّقين (١) قدس‌سره في حاشيته بأنّه إن أراد بالتّعلق التعلّق الذي يترتّب عليه الوجود لم يكن قديما وإلا لزم قدم المراد ، وإن أراد التّعلق المعنوي فمعه يحتاج إلى مرجّح متجدّد وهو التّعلق الحادث الذي به الحدوث ، ولو قيل : بأنّ إرادته تعلّقت في الأزل بوجود زيد في زمان مخصوص فعنده يوجده ولا حاجة له إلى تعلّق آخر لم يتمّم أيضا لاحتياج وجوده في ذلك الزّمان إلى تعلّق حادث للقدرة يترتّب عليه حدوثه كما صرّح به فيما تقدّم «انتهى» ، وأيضا يتوجه عليه ما قيل : من أنّه لو اقتضى ذات الفاعل مع هذا التّعلق أن يحدث الحادث في زمان معين وذلك كان كافيا فيه يلزم وجود الحادث في هذا الزّمان في الأزل وأيضا على هذا التقدير كان محتاجا إلى حضور ذلك الزّمان ولم يكن كافيا في الاقتضاء فتأمل هذا ، وأما ما ذكره (٢) في حاشية هذا المقام من أنّ الكلام الذي ذكره المصنف نقض سمّاه معارضة لجهله بآداب البحث (٣) ، ففيه أنّ قضية الجهل منعكسة ، فإنّ التّعبير عن النّقض بالمعارضة اصطلاح آخر من أرباب المناظرة (٤)

__________________

(١) هو العلامة السيد صدر الدين الشيرازي وحاشيته هذه لم تتم ، فأتمها ابنه العلامة السيد غياث الدين منصور الحسيني الشيرازي المتوفى سنة ٩٤٩ صاحب المدرسة المنصورية بشيراز.

(٢) هذه الحاشية موجودة في بعض النسخ المخطوطة.

(٣) قد تقدم الفرق بين النقض والمعارضة بحسب اصطلاح علم آداب البحث والمناظرة في أوائل هذا الجزء.

(٤) علم المناظرة ويطلق عليه علم آداب البحث ايضا ، وعرف بتعاريف منها ما ذكره الجرجاني في كتاب الحدود (ص ٨ طبع مصر) حيث قال : آداب البحث صناعة نظرية يستفيد منها الإنسان كيفية المناظرة وشرائطها صيانة له عن الخبط في البحث وإلزاما الخصم وافحامه «انتهى». وعرفه صاحب أبجد العلوم (ص ٦٤٨ ط هند) بقوله : هو علم باحث عن أحوال المتخاصمين ليكون ترتيب البحث بينهما على وجه الصواب حتى يظهر الحق بينهما ، الى غير ذلك.


وقد استعمله (١) المحقّق الطوسي قدس‌سره أستاذ المصنّف رحمه‌الله في شرحه للاشارات ، فظهر أنّه جاهل بالاصطلاح غير مطالع لشرح الإشارات أو قاصر عن فهم ما فيه من الإشارات والبشارات.

قال المصنّف رفع الله درجته

ونقول في الثّاني : إنّ ما علمه الله تعالى إن وجب ولزم بسبب هذا الوجوب خروج القادر منّا عن قدرته وإدخاله في الموجب لزم في حق الله تعالى ذلك بعينه ، وإن لم يقتض سقط الاستدلال ، فقد ظهر من هذا أنّ هذين الدّليلين آتيان في حقّ الله تعالى ، وهما إن صحا لزم خروج الواجب تعالى عن كونه قادرا ويكون موجبا ، هذا هو الكفر الصّريح ، إذ الفارق بين الإسلام والفلسفة إنّما هو هذه المسألة ، والحاصل أنّ هؤلاء إن اعترفوا بصحّة هذين الدّليلين لزمهم الكفر وإن اعترفوا ببطلانهما سقط احتجاجهم بهما «انتهى».

__________________

ورأيت للعلماء في هذا الفن عدة رسائل وكتب كمنظومة الشيخ زين الدين المرصفى ورسالة السيد فخر الدين السماكى ورسالة آداب البحث للشيخ أبى محمد الرازي ورسالة المناظرة للمولى طاش كبرى زاده من علماء الدولة العثمانية الى غير ذلك من الرسائل والكتب مضافا الى ما أورده العلامة الاملى في نفائس الفنون فيه وصاحب مطلع العلوم ومجمع الفنون فيه ومؤلف كتاب مفتاح السعادة ونحوها من الزبر المؤلفة في الفنون المتنوعة فلله در القدماء حيث أراحوا الخلف بتأليفهم في كل علم ، ومن الأسف نبذ المحصلين أكثر هذه الكتب والآثار وراء الأظهر فما أجدر أن يقال في حقهم :

گر گدا كاهل بود

تقصير صاحب خانه چيست

(١) قد ذكر هذا أيضا المولى الفاضل الميرزا جان الشيرازي في بحث الحسن والقبح من حاشيته على الشرح العضدي : ولعل الوجه فيه ما قدمناه من أن محصل المعارضة يرجع الى النقض فتذكر. منه «قده».


قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت في كلام شارح المواقف أنّه ذكر هذا النّقض وليس هو من خواصه حتى يتبختر به ويأخذ بالارعاد والابراق والطامات (١) ، والجواب أما عن ما يرد على الدّليل الأوّل فهو أنّ فعل الباري محتاج إلى مرجح قديم يتعلق في الأزل (الأوّل) بالفعل حادث في وقت معين ، وذلك المرجح القديم لا يحتاج إلى مرجح آخر فيكون تعالى مستقلا في الفعل ولو قال قائل : إذا وجب الفعل مع ذلك المرجح القديم كان موجبا لا مختارا ، قلنا : إنّ الوجوب المترتب على الاختيار لا ينافيه بل يحققه ، فان قلت نحن نقول : اختيار العبد أيضا يوجب فعله ، وهذا الوجوب لا ينافي كونه قادرا مختارا ، قلت : لا شكّ أنّ اختياره حادث وليس صادرا عنه باختياره ، وإلا نقلنا الكلام إلى ذلك الاختيار وتسلسل ، بل عن غيره فلا يكون مستقلا في فعله باختياره ، بخلاف إرادة الباري فإنها مستندة إلى ذاته فوجوب الفعل بها لا ينافي استقلاله في القدرة عليه ، وأما عن ما يرد على الدّليل الثاني فهو أنّ علم الله تعالى في ذاته مقارن لصفة القدرة والإرادة ، فإذا علم الشيء وتعلّق به علمه تعلق به الإرادة والقدرة وخلق الموجودات ، وكل واحدة من الصفات الثلاث يتعلق بمتعلقه من الأشياء وكلّ ما تقتضيه ، فمقتضى العلم التعلق من حيث الانكشاف ومقتضى الإرادة الترجيح ومقتضى القدرة صحة وقوع الفعل والترك ، فلا يلزم الوجوب لأنّ صفة العلم لا تصادم صفة القدرة لأنهما قديمتان حاصلتان معا بخلاف القدرة الحادثة ، فإنّ العلم القديم يصادمها ومقتضى العلم القديم يسلب عنه القدرة ، وهذا جائز في الصفات الحادثة ، بخلاف الصفات القديمة ، فليس ثمة إيجاب تأمل فانّ هذا الجواب دقيق وبالتأمّل فيه حقيق ، وأما ما ذكره من لزوم الكفر فمن باب طاماته وترهاته

__________________

(١) جمع الطامة الداهية تفوق ما سواها.


وهذه مسائل علميّة يباحث النّاس فيها فهو من ضعف رأيه وكثرة تعصبه ينزله على الكفر والتّفسيق نعوذ بالله من جهل ذلك الفسيق (١) «انتهى».

أقول

من البيّن أنّ المصنّف قدس‌سره مقدّم على صاحب المواقف ، فذكر صاحب المواقف لذلك الدّليل لا يدلّ على أن لا يكون ذلك النقض من خواصّ المصنّف قدس‌سره ، فانّ ما في المواقف وسائر تصانيف القاضي العضدي (٢) من التحقيقات والتّدقيقات ملتقط من كلام من تقدّمه ومنتخب عنه ، وليس له سوى الالتقاط والجمع ، فقد كان معزولا عن العقل والسّمع على أنّ المصنّف لم يشعر بأنّ ذلك من خواص إفاداته والتّبختر في ذلك غير مفهوم من كلام المصنّف ، والارعاد والابراق لا يتوقف على كون ذلك من خواصّه بل يكفي فيه أن يكون من إفادات أصحابه ، واما ما اتى به النّاصب من الجواب عمّا يرد على الدّليل الأوّل فقد مرّ ما يدفعه في الفصل السّابق على هذا ، ونزيد عليه هاهنا ونقول : إن ما ذكره في المرتبة الأخيرة المتعلّقة

__________________

(١) الفسيق كشرير مبالغة من الفسق كما في كتب اللغة ، قال الفيروزآبادي في القاموس : هو كسكيت دائم الفسق «انتهى».

أقول : لا اله الا الله انا لله من بذاءة الرجل فتراه كأنه لم يشم رائحة الأدب والتقوى يتفوه بدلا عن العلميات بكل ما يخرج من فيه ، فض الله فاه ما أقل حيائه؟! وما أجرأه على الله بهتكه علماء الإسلام سيما مثل مولانا العلامة «قدس‌سره» الذي ينتهى اليه تدرس الرجل بالوسائط.

بالله عليكم يا معاشر إخواننا المسلمين ، أهكذا يظلم في حق رجل لم يزل أرباب الفضل مستفيدون من كلماته الى الآن؟ أخذ الله بحقه عن هذا الظالم يوم لا حكم الا حكمه وقد روى الفريقان عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : قوله : المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه عصمنا الله آمين آمين.

(٢) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ٤٧) فراجع.


بهذا الجواب من قوله : قلت لا شكّ انّ اختياره حادث إلخ مردود بأنّ كون اختيار العبد حادثا مسلّم ، لكن عدم كونه صادرا عنه باختياره غير مسلّم ، وبأنّ الاختيار في الفعل عبارة عن تعلّق إرادة العبد مثلا بالفعل ، وهذا التّعلّق إراديّ مسبوق بتعلّق آخر متعلّق إلى هذا التعلّق وهكذا ، وهذه التّعلقات امور انتزاعيّة اعتباريّة لا استحالة للتّسلسل فيها كما مرّ ، وأما ما أتى به من الجواب عمّا يرد على الدّليل الثّاني فيتوجّه عليه وجوه من الخلل ، منها منع قوله مقتضى العلم القديم يسلب القدرة عن ذي القدرة الحادثة ، فان ذلك إنّما يسلم لو كان العلم القديم علّة للمعلوم المقدور ، وكان مخالفا لما علمه الله تعالى في الأزل ، وكلتا المقدّمتين ممنوعتان مقدوحتان كما مرّت الاشارة إليه ، فظهر أنّ ما زعمه النّاصب الغريق من باب التّدقيق حقيق باسم الزّريق (١) ودليل على كونه من الجهل في بحر عميق ، وأما ما ذكره من أنّ لزوم الكفر من باب طاماته إلخ فلعله أراد به أنّ اللزوم غير الالتزام فإذا لزم الكفر من الدّليل بحيث لا يشعر به المستدلّ لا يلزمه الكفر ولا يحكم به عليه ، وأنت خبير بأنّ مراد المصنّف أنّ هؤلاء من أصحاب النّاصب إن اعترفوا بصحة الدّليلين بعد ما أوضحنا لهم ما يلزم منها يلزمهم الكفر ، إذ اللزوم حينئذ يقترن بالالتزام ولم يرد أنّه يلزمهم ذلك مع عدم شعورهم به حتى تكون من باب الطامات كما زعمه ، فغاية الأمر أن يخلص من الكفر من لم يصل إليه كلام المصنّف قدّس سره وإيضاحه للزوم ذلك ، وأمّا النّاصب المتورّط في العناد والعصبية فيلزمه التزام كفر أهل الجاهلية بعد اطلاعه على تلك الملازمة الجليّة أعاذنا الله من تلك البليّة.

قال المصنّف رفع الله درجته

فلينظر العاقل من نفسه هل يجوز له أن يقلد من يستدلّ بدليل يعتقد صحّته ويحتج به

__________________

(١) وفي بعض النسخ مكان لفظة الزريق (الزنديق) فبناء على هذا يكون مراده (قده) : أن ما زعمه الناصب من باب التدقيق فضول من الكلام وحقيق باسمه وهو الفضل فتأمل.


غدا يوم القيامة وهو يوجب الكفر والإلحاد ، وأىّ عذر لهم عن ذلك وعن الخروج عن الكفر والإلحاد؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ، (١) هذه حجّتهم تنطق بصريح الكفر على ما ترى ، وتلك الأقاويل التي قد عرفت أنّه يلزم منها نسبة الله تعالى إلى كلّ خسيسة ورذيلة تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، فليحذر المقلد وينظر كيف هؤلاء القوم الذين يقلدونهم ، فان استحسنوا لأنفسهم بعد البيان والإيضاح اتباعهم كفاهم بذلك ضلالا ، وإن راجعوا عقولهم وتركوا اتّباع الأهواء عرفوا الحقّ بعين الإنصاف وفقهم الله تعالى لاصابة الصّواب «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عثرت على ما فصّلناه في دفع اعتراضاته المسروقة المنحولة إلى نفسه من كتب الأشاعرة ومن فضلات المعتزلة ، ومثله مع المعتزلة في لحس فضلاتهم (٢)

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة النساء. الآية ٧٨.

(٢) الله اكبر من صنيع هذا الشقي ليت امه ولدت حية تسعى بدل هذا المولود الذي اخجل أهل الفضل والتصنيف ، بل طأطأ هامات المسلمين فكأنه غير معتقد بالمعاد والقضاء العدل هناك ، وكأنه لم يقرأ قوله تعالى في الكتاب العزير : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ، وقوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) وغيرهما من الآيات الشريفة.

وكأنه لم يسمع من محدثيهم ولم ير في كتبهم هذه الأحاديث.

روى الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن على بن حجر المكي الهيتمى في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر (ج ١ ص ١٠٩ طبع مصر) عن الترمذي وابن حبان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحياء من الايمان والايمام في الجنة ، والبذاء اى الفحش من الجفاء والجفاء في النار. وروى عن أحمد قوله صلعم : ان الفحش والتفحش ليسا من الإسلام في شيء إلخ وغيرهما من الآثار النبوية المودعة في زبرهم وصحفهم.

وانى مع كثرة اطلاعى على كتب المسلمين ووقوفي عليها لم أر الى الآن فيها مثل كتاب


كمثل الزبّال يمر على نجاسة رجل آكل بالليل بعض الاطعمة الرقيقة كماء الحمص فجرى في الطريق فجاء الزّبال وأخذ الحمص من نجاسته وجعل يلحسه ويتلذذ به ، فهذا ابن المطهر النجس كالزبال يمرّ على فضلات المعتزلة ويأخذ منها الاعتراضات ويكفر به سادات العلماء ينسبهم إلى أقبح أنواع الكفر يحسب أنّه يحسن صنعا ، نعوذ بالله من الضلال والله الهادي.

أقول

قد اطلعت على ما ذكرناه في دفع مدافعته المدخولة المموّهة التي زيّنها له الشّيطان (١) وأنّها هذيان ما أنزل (٢) الله به من سلطان ، وأنّه في أكثرها قد عدل لعجزه عن إتمام الكلام على وفق اصول أصحابه الأشاعرة إلى اختيار وضع الدّعاوي الأخرى الفاجرة القاصرة عن مرتبة تلك الأصول الخاسرة وتقويته للمقصود على وجه جعل الصبيان عليه ساخرة ، وما أشبهه في اختياره تلك الدّعاوى المزيّفة على تلك الأصول المموّهة إلا بكلب خلى عن عظم في فيه حرصا على ما رآه خياله في الماء فضيّع الموجود ولم ينل المقصود وأما تمثيله بالزّبّال فكما ذكرناه سابقا أنسب بحال أهل أصفهان وحملهم دائما للزّبل إلى الأرض الخبيث المهان ، وأمّا

__________________

هذا الناصب في احتوائه على منكر من القول والزور حتى في ما صنفوها في الرد على اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الكفار.

وبحق جدي طه المصطفى الامين (ص) كلما مررت في كتابه على أمثال هذه الترهات منعتني العفاف والأدب من ملاحظتها بالغور والدقة لعدم تعودنا بالفحش والسباب والتفوه بما يقبحها العقلاء من كل ملة ونحلة بل المجانين سيما ذوى الأدوار منهم.

فأرى الجدير لإخواننا أهل السنة أن يحذفوا اسم هذا الرجل من معاجم علمائهم لأنه ممن لوعد فيهم لكان عارا وشينا.

(١) متخذ من الآيات الكريمة كقوله تعالى في سورة الانعام. الآية ٤٦.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة النحل. الآية ١٠٠.


الفضلات فهي مشتقة من فضل بن روزبهان ، وعند الامتحان يكرم الرّجل أو يهان. (١).

قال المصنّف رفع الله درجته

المطلب الثاني عشر في إبطال الكسب ، اعلم أنّ أبا الحسن الأشعري وأتباعه لما لزمهم هذه الأمور الشنيعة والالتزامات الفضيحة والأقوال الهائلة من إنكار ما علم بالضرورة ثبوته وهو الفرق بين الحركات الاختياريّة والحركات الجماديّة وما شابه ذلك التجأ إلى ارتكاب قول توهّم هو وأتباعه الخلاص من هذه الشّناعات ، (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) (٢) فقال : مذهبا غريبا عجيبا لزمه بسببه إنكار المعلوم الضروريّة كما هو دأبه وعادته فيما تقدّم من إنكار الضروريّات ، فذهب إلى إثبات الكسب للعبد فقال الله تعالى موجد للفعل والعبد مكتسب له ، فإذا طولب بتحقيق الكسب وما هو؟ وأىّ وجه يقتضيه؟ وأىّ حاجة تدعو إليه؟ اضطرب هو وأصحابه في الجواب عنه فقال

__________________

(١) مقتبس من كلام مولانا أمير المؤمنين على عليه الصلاة والسلام ، ذكره الآمدي في كتاب الغرر والدرر في باب ما ورد من حكمه (ع) بلفظ (عند) فراجع وكذا ورد في كلماته القصار في نسخة قديمة مخطوطة يظن كونها من تأليف بعض العلماء في المائة الخامسة.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة ص. الآية ٢. قال القاضي في تفسيره (ج ٤ ص ٨٥ طبع مصر) اى ليس الحين حين مناص ، ولا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم ، وخصت بلزوم الأحيان وحذف أحد المعمولين.

وقيل هي النافية للجنس ، أى ولا حين مناص لهم وقيل للفعل والنصب بإضماره ، أى ولا أرى حين مناص وقرء بالرفع على أنه اسم لا أو مبتدأ محذوف الخبر ، أى ليس حين مناص حاصلا لهم أو لا حين مناص كائن لهم وبالكسر كقوله :

طلبوا صلحنا ولات أوار

فأجبنا أن لات حين بقاء

الى أن قال : والمناص المنجى من ناصه ينوصه إذا فاته «انتهى». وقال في القاموس : المناص الملجأ وناص مناصا ونويصا.


بعضهم : معنى الكسب خلق الله تعالى الفعل عقيب اختيار العبد الفعل وعدم الفعل عقيب اختياره العدم فمعنى الكسب إجراء العادة بخلق الفعل عند اختيار العبد ، وقال بعضهم معنى الكسب أنّ الله يخلق الفعل من غير أن يكون للعبد فيه أثر البتّة لكن العبد يؤثّر في وصف كون الفعل طاعة أو معصية ، فأصل الفعل من الله تعالى ، ووصف كونه طاعة أو معصية من العبد ، وقال بعضهم : إنّ هذا الكسب غير معقول ولا معلوم مع أنّه صادر عن العبد «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد مر أنّ مذهب الشّيخ أبي الحسن الأشعري أنّ أفعال العباد الاختياريّة مخلوقة لله تعالى مكسوبة للعبد ، والمراد بكسبه إيّاه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له ، هذا مذهب الشيخ ، ولو رجع المنصف إلى نفسه علم أنّه على متن الصراط المستقيم في التوحيد وتنزيه الله تعالى عن الشركاء في الخلق مع إثبات الكسب للعبد حتى تكون قواعد الإسلام ورعاية أحكام التكليف والبعثة والثّواب والعقاب محفوظة مرعيّة من غير تكلف إيجاد الشّركاء في الخلق ، ونحن إن شاء الله تعالى نفسّر كلام الشيخ ونكشف عن حقيقة مذهبه على وجه يرتضيه المنصف وينقاد لصحّته المتعسّف فنقول : يفهم من كلام الشيخ أنّه فسّر كسب العبد للفعل بمقارنة الفعل لقدرته وإرادته تارة وفسّره بكون العبد محلا للفعل تارة وتحقيقه أنّ الله تعالى خلق في العبد إرادة يرجّح بها الأشياء وقدرة يصحّ بها الفعل والترك ، ومن أنكر هذا فقد أنكر أجلى الضروريّات عند حدوث الفعل ، وهاتان الصفتان موجودتان في العبد حادثتان عند حدوث الفعل ، فإذا تهيّأ العبد بقبول هاتين الصّفتين لإيجاد الفعل وذلك الفعل ممكن والممكن إذا تعلّقت به القدرة والإرادة وحصل الترجيح فهو يوجد لا محالة


بقدم الإرادة القديمة الدّائمة الالهيّة والقدرة القديمة ، فأوجد الله بهما الفعل لكونهما أتمّ من الإرادة والقدرة الحادثة ، والصّفة القويّة تغلب الصّفة الضعيفة كالنّور القويّ يقهر النّور الضعيف ويغلبه ، فلمّا أوجد الله تعالى الفعل وكان قبل الإيجاد تهيّأت صفة اختيار العبد إلى إيجاد ذلك الفعل ، ولكن سبقت القدرة الالهيّة فأحدثته فبقى للفعل نسبتان نسبة إلى العبد وهي أنّ الفعل كان مقارنا لتهيئه الإرادة والاختيار نحو تحصيل الفعل وحصول الفعل عقيب تهيئه ، فعبّر الشيخ عن هذه النسبة بالكسب لأنّ الغالب في القرآن ذكر الكسب عند إرادة ترتب الجزاء والثواب والعقاب على فعل العبد ، ونسبة إلى الله تعالى وهو انه كان مخلوقا لله تعالى موجدا منه ، وهذا معنى كون الفعل مخلوقا لله تعالى مكسوبا للعبد ، ثمّ إنّ فعل العبد صفة للعبد فيكون العبد محلا له لأنّ كلّ موصوف هو محلّ لصفته كالأسود ، فإنّه محلّ السواد فيجوز أن يقال باعتبار كون الفعل صفة له إنه كسبه ، ومعنى الكسب كونه محلا له ، والثواب والعقاب يترتب على المحلية كالاحراق الذي يترتب على الحطب بواسطة كونه محلا له لليبوسة المفرطة ، وهل يحسن أن يقال : لم ترتب الإحراق على الحطب لسبب كونه محلا لليبوسة والحال أنّ الحطب لم يحصل بنفسه هذه اليبوسة ، وأىّ ذنب للحطب وهل هذا الإحراق إلا الظلم والجور والعدوان ، إن حسن ذلك حسن أن يقال لم جعل الله تعالى الكافر محلّ الكفر ثمّ أحرقه بالنار؟ والعاقل يعلم أنه لا يحسن الأوّل فلا يحسن الثاني ، فرّغ جهدك (١) لنيل ما حققناه في هذا المقام في معنى الكسب الأشعري لئلا تبقى لك شبهة فهذا نهاية التوضيح ، ولكنّ المعتزلي

__________________

(١) الجهد بضم الجيم : الطاقة والمشقة. والجهد بفتح الجيم من جهد كمنع بمعنى الجد والسعى. وكثيرا ما يشتبه الأمر في مقام التلفظ فلا تغفل.


عمى بصره فعظم ضرره ألقته الشبهة في مهواة (١) غائلة واغتاله (٢) الغول (٣) في مهمة (٤) هائلة (٥) ونعم ما قلت شعر

ظهر الحقّ من الأشعر (٦) والنّور جلى

طلع الشّمس ولكن عمى المعتزلي

__________________

(١) المهواة : ما بين الجبلين ، والغائلة : الشر.

(٢) اغتاله : أخذه بالخدعة ، وفي القاموس : غاله أهلكه كاغتاله.

(٣) في القاموس الغول : ساحرة الجن أو شيطان يأكل الناس ، أو دابة رأتها العرب وعرفتها وقتلها تابط شرا ، ومن يتلون ألوانا من السحرة والجن ، أو كل ما زال به العقل ويفتح وغاله غول : أهلكته إلخ ، أقول : هذا ما سمعته من أرباب اللغة ، والذي ظهر لي بعد الفحص الأكيد ان الغول هو الحيوان الشبيه بالإنسان في الخلقة ذو استواء القامة والبدن الشعراني ويوجد في قلل جبل «هيماليا» بالهند ويعبر عنه بالفارسية (آدم برفى) وهذه الدابة قد رآها في القديم رجال من السائحين والمسافرين (ثم زيد في الطنبور نغمة) والشاهد على اتحاد الغول مع ما ذكرنا الخصوصيات الخلقية المحكية عمن راه وعليه فلا يصغى الى كلام المشهور بأنه لا وجود له بل هو موهوم وعليك بالتنقيب.

(٤) المهمة والمهمهة : المفازة البعيدة ، البلد المقفر جمعها مهامة.

(٥) الهائلة : المفزعة.

(٦) الأشعر أي الأشعري ، قف أيها الأديب البارع في الشعر هل يستحسن طبعك الأريحي وذوقك الادبى هذا التعبير؟ فما ابرده وما اثلجه فهل هي إلا ثلجة في خيارة وظني انه حيث سمع ما هو المشهور من انه يسوغ للشاعر ما لا يجوز للناثر اتى بهذا الصنيع وما درى المسكين البائس بان التجويز ليس بهذه السعة التي تؤدى الى الوقوع في الشبهة إذ الأشعر كما في معاجم اللغة هو الرجل الشعراني بدنه فراجع وأبو الحسن رئيس الاشاعرة لم يكن هو ولا جده أبو موسى أشعر البدن.


فانظر الى هذا الحلي الجاهل (١) كيف افترى (٢) في معنى الكسب وخلط المذاهب والأقوال كالحمار الرّاتع في جنّة (٣) عالية قطوفها دانية والله تعالى يجازيه «انتهى».

أقول

قد مرّ بيان أنّ الأشعري في ذلك على شفا جرف هار ، وسيظهر عند انكشاف الغبار أنّه على متن فرس (٤) أم حمار ، وقد سبق أيضا ما يفيد أنّ الله تعالى لا يقبل عن الأشاعرة منّة هذا التمويه الذي سمّوه بالتنزيه ، وأنّه لا يلزم (٥) العدليّة

__________________

(١) تعسا لك أيها الرجل في اسنادك ما أنت متصف به الى علم من اعلام الإسلام الذي قد اعترف علمائكم بفضله وأنت بنفسك قد اعترفت به في أوائل الكتاب.

(٢) كيف تسند الافتراء اليه قدس‌سره ، مع ان المعنى الذي ذكره موجود في كتاب الأربعين للرازى والروضة البهية لأبي عذبة والابانة لأبي الحسن الأشعري والتمهيد للباقلانى والأصول للجوينى وغيرها.

(٣) مقتبس من قوله تعالى في سورة الحاقة. الآية ٢٣ ، والقطوف جمع القطف بكسر القاف : اسم للثمار المقطوفة المأخوذة ، والدانية من الدنو بمعنى القرب.

(٤) هذا من الأمثال المولدة.

(٥) كيف وهم لما أوردوا على قول ابى إسحاق الأسفرايني ، وهو أن أصل فعل العبد بمجموع القدرتين أجابوا بان تشريك قدرة العبد يجوز أن يكون باختيار منه تعالى بحكمة له تعالى في ذلك : كذا ذكره الفاضل البحرآبادى في حاشيته على شرح العقائد النسفية منه قدس‌سره.

أقول هكذا في هامش الكتاب ، ولعل الصحيح البحيرآبادي نسبة الى بحيرآباذ بالفتح ثم الكسر من قرى مرو وينسب إليها أبو المظفر عبد الكريم بن عبد الوهاب البحيرآبادى.

أو نسبة الى بحيرآباذ بالضم ثم الفتح من قرى جوين من نواحي نيسابور ، منها أبو الحسن


الشرك الذي توهّمه النّاصب السّفيه ، وأنه لا يتأتّى للأشاعرة بذلك رعاية احكام التكليف والترغيب والتخويف ، وأما ما ذكره من التحقيق فهو بالاعراض حقيق ، لأنّا نسلّم أنّ أصل القدرة والإرادة مخلوقتان في العبد ، لكنّ الفعل إنّما يتحقق بالارادة الجازمة الجامعة للشرائط وارتفاع الموانع كما سبق وهي اختياريّة ، بيان ذلك أنّه إذا حصل لنا العلم بنفع فعل يتعلّق به الإرادة بلا اختيارنا ، لكن تعلّق الإرادة به غير كاف في تحققه ما لم تصر جازمة بل لا بدّ من انتفاء كف النفس عنه حتى تصير الإرادة جازمة موجبة للفعل ، فانّا قد نريد شيئا ومع هذا نأبى ونكفّ نفسنا عنه لحياء وحميّة ، وذلك الكف أمر اختياريّ يستند وجوده على تقدير تحققه إلى وجود الدّاعي إليه ، فانّ عدم علّة الوجود علّة العدم ، وعدم الدّاعي إلى هذا الدّاعي (١) وهكذا ، وغاية ما يلزم منه التّسلسل في العدمات ولا استحالة فيه ، وبالجملة الإرادة الجازمة اختياريّة لاستناد عدم الكفّ المعتبر فيها بالاختيار وإن

__________________

على بن محمد بن حمويه الجويني المتوفى سنة ٥٣٠ ومنها حفيده الفاضل البحيرآبادي المتكلم صاحب التصانيف.

والنسفي هو الشيخ نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد المتوفى سنة ٥٣٧ صاحب كتاب العقائد المشهور لدى القوم وشرحه جماعة منهم المحقق التفتازاني وابن الهمام والعصام والسيالكوتى والخيالى والفنارى والقرمانى والقسطلاني وغيرهم وهو كتاب موجز مركز الافادة والاستفادة لديهم.

وللنسفى كتاب طلبة الطلبة في لغات فقه الحنفية يروى عنه السمعاني صاحب الأنساب ذكره القرشي في الجواهر المضية (ج ١ ص ٣٩٤ طبع حيدرآباد) وأبو الحسنات في الفوائد البهية (ص ١٤٩ طبع مصر) وغيرهما فراجع.

(١) والظاهر ان العبارة كانت هكذا : وعدم الداعي الى هذا أى الوجود هو الداعي اى الى العدم.


لم تكن نفسها إرادية ولا يلزم التسلسل المحال ، وأما ما ذكره من أنّ الممكن إذا تعلّقت به القدرة والإرادة وحصل الترجيح تقدّم الإرادة القديمة الدّائمة الالهيّة إلخ فمن قبيل الرّجم بالغيب والرّمي في الظلام ومخالف لبديهة عقلاء الأنام ، وأيضا يدلّ ذلك على أنّ إرادة الله تعالى اختياره لفعل من الأفعال فجاز أن يتقدّم على فعل العبد وليس كذلك ، لأنّك قد عرفت فيما سبق أنّ إرادته تعالى عبارة عن العلم بما في الفعل من المصلحة ، فلا معنى لقوله بقدم الإرادة القديمة إلى إيجاد الفعل ، وبهذا تندفع شبهة أخرى لهم في هذا المقام ، وهو أنّه لو أراد الايمان من الكافر والطاعة من العاصي وقد صدر الكفر من الكافر والمعصية من العاصي لزم أن لا يحصل مراد الكافر والعاصي ، فيلزم أن يكون الله تعالى مغلوبا والكافر والعاصي غالبين عليه ، بل يلزم أن يكون أكثر ما يقع من عباده خلاف مراده ، والظاهر أنّه لا يصبر على ذلك رئيس قربة من عباده انتهى ووجه الدفع أنّه إذا كان إرادته تعالى عبارة عن العلم بما في الفعل من المصلحة فلو علم الله أنّ في الفعل الفلاني مصلحة ولم يختر العبد ذلك الفعل بل اختار نقيضه لم يلزم قدح مغلوبيّته ولا نقصه ، إذ ليس بين علمه تعالى بالمصلحة في الفعل وبين عدم اختيار العبد إيّاه تنافي وتعارض حتى يلزم هناك المغلوبيّة ، نعم لو اختاره تعالى واختار العبد نقيضه وحصل مختار العبد دون مختاره تعالى للزم المغلوبية ، لكن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، وأما ما ذكره من أنّ الغالب في القرآن ذكر الكسب عند إرادة ترتّب الجزاء والثّواب والعقاب على فعل العبد فمدخول بأنّه كيف يحمل الكسب الواقع في القرآن على المعنى الذي ذكره الأشاعرة مع أنه لم يجيء في اللّغة التي نزل بها القرآن بشيء من المعاني التي ذكروها له ، وإنّما ذلك اختراع منهم من عند أنفسهم فرارا عن الجبر المحض كما مرّ ، ولهذا قيل : إنّ هرب الأشعري من الجبر المحض إلى الكسب


كالهرب من المطر إلى الميزاب (١) إذ قوله به مشتمل على جميع مفاسد الجبريّة مع ارتكاب أمر زائد غير معقول ، ثم اى دلالة لغلبة ذكر الكسب عند إرادة ترتّب الجزاء على كون المراد من الكسب المعنى الذي ذكره الأشاعرة دون الفعل بمعناه الحقيقي المساوق للخلق ، وهل هذا إلا وهما (٢) منهم على وهم؟ ، والحق أن معنى الخلق والفعل واحد وهو إيجاد ما لم يكن ، غاية الأمر أنه إذا كان ذلك الإيجاد بلا آلة كما في فعل الله تعالى يقال : إنّه خلقه ، وإذا كان بآلة كما في فعل العبد يقال : فعله ، وكذا الكلام في الكسب ، فانّه إنّما يطلق على فعل العبد ، لأنه يقصد بفعله إيصال نفع إليه أو دفع مضرة عنه ، ولمّا كان الله تعالى منزّها عن النفع والضرّ لا يطلق على فعله الكسب فاحفظ هذا (٣) ، وأما ما ذكره من أنّ الثواب والعقاب يترتّب على المحلية فهو كترتّب الذّمّ على الجماد باعتبار كونه محلّا للون كدر وهو غير معقول كما لا يخفى ، والقياس على الحطب واه لظهور انتفاء القدرة والإرادة فيه ، قوله : وهل يحسن أن يقال لم ترتّب الإحراق على الحطب إلخ قلنا : نعم لا يحسن قوله وهل هذا إلا الظلم والجور والعدوان ، قلنا : هاهنا أمران ، أحدهما خلق قوّة

__________________

(١) قال العلامة أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري الميداني المتوفى سنة ٥١٨ في كتابه النفيس (مجمع الأمثال ج ٢ ص ٢٥ ط مصر) ومن أمثال المولدين : فر من المطر وقعد تحت الميزاب.

أقول : ويظهر من بعض كتب الأمثال : أن المثل المذكور جاهلى بقي تراثا من العرب العرباء والله أعلم.

(٢) وهم يهم وهما بسكون الهاء : تخيل وتصور. وهم يوهم وهما بفتح الهاء : غلط.

(٣) إشارة الى نفاسة ما ذكره في وجه التعبير بالكسب في أمثال قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) ، أولها ما كسبت ونحوهما من الآيات المذكورة فيها الكسب وأن هذا الوجه مما لم يذكر في الكتب فلا تغفل.


الاحتراق في الحطب وثانيهما صرف الحطب نحو الإحراق بضمّ النّار إليه ، والأوّل ليس بظلم ولا عدوان ، لأنّ نفعه أكثر من ضرّه وخيره أعظم من شرّه كما لا يخفى والثاني ظلم وعدوان لكنّه فعل العبد دونه سبحانه ، وأما قوله : وإن حسن ذلك حسن أن يقال : لم جعل الله الكافر محلا للكفر ثمّ أحرقه بالنار فمدفوع ، بأنّ الله تعالى لم يجعل الكافر محلا للكفر وإنما جعله محلا للفطرة الصحيحة كما ورد في الحديث المشهور (١) وهو باختياره السوء جعل نفسه محلا للكفر فلهذا لا يحسن أن يقال لم جعل الله الكافر محلا للكفر لا للقياس الفاسد الذي ذكره الناصب ، وخلاصة الكلام في هذا المقام أنّ الكسب بأىّ معنى يرام لا يوجب خلاصهم عن الشّناعة والملام لما مرّ ، وسيجيء إليه الاشارة في كلام المصنّف قدس‌سره من أنّ العبد إن استقلّ بإدخال شيء في الوجود بطل ما قالوا : إن قدرة العبد لا تؤثّر وإن لم تستقلّ فلا يكون كاسبا ، ويكون الكلّ بقدرة الله تعالى وهو مخالف للضرورة

__________________

(١) المراد بالحديث المشهور قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه. منه «قده».

أقول : قد ورد هذا الحديث الشريف بعدة طرق في كتب الفريقين فمن كتب العامة في الجامع الصغير (ج ٢ ص ٢٤٢ الحديث ٣٥٦ ط مصر) ومتنه هكذا : كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه (ع طب ه ق) عن الأسود بن سريع (صح) وكتاب كنز العمال الجزء الاول ص ٢٣٧ وص ٢٣٨.

ومن كتب الخاصة في اصول الكافي (ج ٢ ص ١٣ باب الفطرة الحديث ٤ ط طهران) ومتنه : كل مولود يولد على الفطرة.


والبرهان ، وقال البزدوى الحنفي (١) في أصوله وشارحه (٢) الهندي : إنّ أفعال

__________________

(١) هو العلامة على بن محمد بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى البزدوى البخاري الحنفي الأصولي المتكلم الفقيه له كتب ، منها كتاب غناء الفقهاء في الفقه ، وكتاب كبير في اصول الفقه يعرف بأصول البزدوى وهو كتاب معروف لدى العامة شرحه جمع من أعلامهم كالمولى الحسن الجاربردى والشيخ علاء الدين عبد العزيز البخاري والشيخ عمر بن عبد المحسن الارزنجانى والشيخ شمس الدين محمد الفنارى والشيخ حميد الدين الضرير والمولى خسرو وغيرهم وبالجملة هو مورد الافادة والبحث لديهم.

ومن مصنفات البزدوى تفسير كبير في زها مائة وعشرين جزء والمجموع والمبسوط وغيرها ولد في حدود سنة ٤٠٠ وتوفى في خامس رجب سنة ٤٨٢ وحمل الى سمرقند ودفن بها بباب المسجد.

ثم البزدوى نسبة الى «بزده» قال ابن الأثير في اللباب (ج ١ ص ١١٨ ط مصر) ما لفظه «بزده» بفتح الباء الموحدة وسكون الزاء المعجمة وفتح الدال المهملة وفي آخرها الواو هذه النسبة الى «بزده» وهي قلعة حصينة على ستة فراسخ من نسف ينسب إليها أبو الحسن على بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم البزدوى الفقيه بما وراء النهر روى عنه صاحبه أبو المعالي محمد بن نصر المديني الخطيب بسمرقند إلخ.

وضبط السمعاني وفاته في سنة ٨٨٤ وخطأه بعض من ألف في طبقات الأحناف وتراجم علماء القوم.

ثم ان في اسرة المترجم جماعة من العلماء كوالده محمد وأخيه وعمه وبنى عمه ، وان شئت الوقوف على تراجمهم فراجع الفوائد البهية للشيخ أبى الحسنات محمد عبد الحي اللكنهوي الهندي طبع مصر ص ٣٩ وص ٦٣ وص ١٢٤.

(٢) هو القاضي شهاب الدين ملك العلماء الزاولي الدولت آباذي الدهلوي الهندي العلامة في النحو وعلوم القرآن والحديث والفقه الحنفي ، أخذ العلم عن القاضي عبد المقتدر والمولى خواجكي الدهلوي ، ولما توجه الأمير تيمور الى الهند خرج الشهاب في


العباد وإن كانت بقضاء الله وقدره ومشيته وإرادته وخلقه وإيجاده لكنه قضى وقدّر وشاء حصولها ووجودها بآلات العباد بعد خلق الاختيار منهم وجعلهم في صورة الفاعلين الكاسبين ، وهذا جبر بصورة الاختيار منهم وانفعال بصورة الفعل شعر :

فجبر بمعنى واختيار بصورة

فلا تترك المعنى ولا تهدر الصور

فمن أهدر الصورة فهو جبريّ

فمن ترك المعنى فهو قدريّ

والحقّ الجمع بينهما «انتهى» ، والإنصاف أنّ الاختيار الصوري والكسب المحلّي على تقدير تحصيل معناه يصلح لجعله سببا للثواب ، لأنّه تفضّل في المآل كما أشرنا إليه سابقا ، أما جعله سببا للعقاب ، فمشكل جدّا ، لأنّه إذا لم يكن فاعلا وكان كسبه وفعله صوريا كان جعله سببا للعقاب ، وبناء العقاب عليه باعتبار حقيقة الفعل

__________________

صحبة استاذه خواجكي الى «كالپى» فأقام هو بها وذهب الشهاب الى «جونفور» بلدة من صوبة إله آباد كانت دار السلطنة للسلاطين الشرقية فاغتنم السلطان ابراهيم قدومه ولقبه «بملك العلماء» فاشتغل بالتدريس والافادة والتصنيف ، فمن آثاره كتاب البحر المواج في تفسير القرآن بالفارسية ، والحواشي الشهيرة على الكافية في النحو تعرف بحاشية الهندي ، وكتاب بديع الميزان في علوم البلاغة ، وشرح كتاب البزدوى في اصول الفقه وشرح قصيدة بانت سعاد ، ورسالة في تقسيم العلوم ، ورسالة في مناقب السادات والعلويين وهي رسالة نفيسة ينقل عنها مولانا آية الله المجاهد السيد حامد حسين في العبقات ويعتمد عليها ، ومن تصانيفه كتاب الإرشاد في الفقه وغيرها ، وبالجملة الرجل من مشاهير علماء تلك الأقطار ويعبر عنه تارة بالدولت آبادي ، وأخرى بملك العلماء الجونفورى فلا تغفل.

توفى سنة ٨٤٩ ببلدة جونفور ودفن في الجانب الجنوبي من مسجد السلطان ابراهيم الشرقي ، فراجع الرحيق المختوم من أبجد العلوم للبحاثة السيد صديق حسن خان ص ٨٩٣ طبع بهوپال.


جورا وظلما تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، مع أنه لا يظهر وجه في خلق الاختيار في العبد وجعله كاسبا صورة ومأخوذا بحسبه فتأمل ، وأما وصية الناصب للناظرين بتفريغ جهدهم لنيل ما ذكره في تحقيق الكسب فهي كالكسب لا حقيقة ولا معنى له لأنه قد بذل جهده في إيراد السخف لترويج هذا المطلب المستخفّ بما يعجز عنه كسب غيره ولا يبلغ إليه أحد في سيره ، واما ما ذكره من البيت فمقابل ببيتين ارتجلت في نظمهما وهما شعر :

الأشعري عن الشعور بمعزل

عوج (١) مشاعره كضان أعزل (٢)

ما كسبه عند المشاعر غير ما

دون الشّعور (٣) تدار فلكة (٤) مغزل

فانظروا معاشر الاخوان إلى هذا النّاصب الشّقي كيف يبذل جهده وقواه في ترويج فاسد الأشعري الذي وافق هواه ، مع ما علم أنّه ذلك الشّيخ المبهوت الذي ورث الحماقة عن جدّه (٥) أبي موسى ، وكان عن العقل والشعور يئوسا فلم يكن له عن

__________________

(١) صفة مشبهة بمعنى كثير الاعوجاج ، وانما جمع المشاعر مع وحدة الرجل نظرا الى تعدد مواد شعوره ، وإشارة الى أن كل شعور حاصل له معوج ، وفي تشبيه اعوجاج ذلك بذنب طويل معوج لطافة لا تخفى ، لان الأشعري رئيس ذوى الاذناب. منه «قده».

(٢) قال الفيروزآبادي في القاموس : الأعزل من الدواب المائل الذنب عادة «انتهى» ومنه يظهر وجه التشبيه كما بينه مولانا القاضي في الحاشية.

(٣) شعر به كمنع ونصر وكرم شعرا وشعرة مثله علم به ، وفطن له وعقله ، والشعر غلب على القول المنظوم لشرفه بالوزن والقافية وان كان كل علم شعرا.

(٤) فلكة المغزل : هنة في أعلاه مستديرة ، جمعها فلك بكسر الفاء كذا في كتب اللغة.

(٥) نسب الشيخ أبى الحسن الأشعري ينتهى الى أبى موسى بوسائط هكذا : هو أبو الحسن على بن اسماعيل بن أبى بشر إسحاق بن سالم بن اسماعيل بن عبد الله بن موسى ابن بلال بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري كما في الأنساب للسمعاني.

توفى الشيخ أبو الحسن ببغداد سنة ٣٣٧ وقيل : ٣٣٠ وقيل غير ذلك.


الحماقة خلاص إلى أن لعب به عمرو بن العاص وأورده مورد طعن العام والخاصّ ، حتّى حكى أنّ رجلا راى في الطريق (السكّة خ ل) واحدا من أولاد أبي موسى المذكور يمشي في الأرض مرحا متبخترا ، فقال الرّجل لصاحب كان معه : انظروا إلى هذا الأحمق انّه يتبختر في المشي على وجه كأنه يظنّ أنّ أباه لعب بعمرو بن العاص ، وأنا أظنّ أنّ ذلك الماشي كان أبا الحسن شيخ هذه البهائم والمواشي والله كاشف الغواشي.

قال المصنّف رفع الله درجته

وهذه الأجوبة فاسدة ، أمّا الأوّل فلانّ الاختيار والإرادة من جملة الأفعال ، فإذا جاز صدورهما عن العبد فليجز صدور أصل الفعل منه ، وأىّ فرق بينهما ، وأىّ حاجة وضرورة إلى التمحّل بهذا ، وهو أن ينسب القبائح بأسرها إلى الله تعالى وأن ينسب الله تعالى إلى الظلم والجور والعدوان وغير ذلك وليس بمعلوم ، وأيضا دليلهم آت في نفس هذا الاختيار فان كان صحيحا امتنع إسناده إلى العبد وكان صادرا عن الله تعالى ، وإن لم يكن صحيحا امتنع الاحتجاج به ، وأيضا إذا كان الاختيار الصّادر عن العبد موجبا لوقوع الفعل كان الفعل مستندا إلى فاعل الاختيار إمّا العبد أو الله ، فلا وجه للمخلص (التخلّص خ ل) بهذه الواسطة ، وإن لم يكن موجبا لم يبق فرق بين الاختيار والأكل مثلا في نسبتهما إلى إيقاع الفعل وعدمه ، فيكون الفعل من الله تعالى لا غير من غير شركة للعبد فيه ، وأيضا العادة غير واجبة الاستمرار فجاز أن يوجد الاختيار ولا يخلق الله تعالى الفعل عقيبه ويخلق الله الفعل ابتداء من غير تقدّم اختيار فحينئذ ينتفي المخلص (التخلّص خ ل) بهذا العذر

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد علمت معنى الكسب كما ذكره الشّيخ ، وأمّا هذه الأقوال التي نقلها


عن الأصحاب فما رأيناها في كتبهم ، ولكن ما أورد على تلك الأقوال فمجاب. وأما ما أورد على القول الأوّل وهو أنّ الاختيار والإرادة من جملة الأفعال فباطل لأنهما من جملة الصّفات ، وهو يدّعي أنّهما من جملة الأفعال ، وأصحابه قائلون بأنّ الإرادة ممّا يخلقها الله تعالى في العبد والعبد بهما يرجّح الفعل ، فالحمد لله الذي أنطقه بالحقّ على رغم منه ، فانّه صار قائلا بأنّ بعض أفعال العبد ممّا يخلقه الله تعالى ، ولكن ربما يدفعه بأنّه من الأفعال الاضطراريّة ، وعين المكابرة أن يقال الاختيار فعل اضطراري ، وأما قوله دليلهم آت في نفس هذا الاختيار ، وبيانه أنّ الاختيار فعل من الأفعال فيكون مخلوقا لله ، لأنّه ممكن وكلّ ممكن فهو مقدور لله تعالى ، فالاختيار مقدور لله فيكون مخلوقا لله ، فكيف يقال : إنّ الفعل يخلقه الله تعالى عقيب الاختيار ، فجوابه أنّ الاختيار من الصّفات التي يخلقها الله تعالى أوّلا في العبد كسائر صفاته النفسانية وكيفيّاتها المعقولة والمحسوسة ، ثمّ يترتب عليه الفعل ، فلا يأتي ما ذكره من المحذور ، لأنّا نختار أنّ الدّليل صحيح وليس هو مسندا إلى العبد ، وهو صادر عن الله تعالى ، وأما قوله : وإذا كان الاختيار صادرا عن العبد موجبا لوقوع الفعل كان الفعل مستندا إلى فاعل الاختيار إلى آخر الدليل ، فجوابه به أنّا نختار أنّ الاختيار صادر عن الله تعالى لا عن العبد ، وأيضا نختار أنّ الاختيار ليس موجبا للفعل ، قوله : لم يبق فرق بين الاختيار والأكل مثلا في نسبتهما إلى إيقاع الفعل وعدمه ، قلنا : ممنوع لما مرّ من أنّ الاختيار صفة توجب العبد التّوجه نحو تحصيل الأفعال ويخلق الفعل عقيب توجّه العبد للاختيار والفعل مقارن لذلك الاختيار ، وليس الأكل كذلك فالفرق واضح ، وأما قوله العادة غير واجبة الاستمرار فجاز أن يوجد الاختيار ولا يخلق الله الفعل عقيبه فنقول : هذا هو المدّعى ، والمراد بالجواز هو الإمكان الذّاتي وإن خالفته العادة ، ونحن لا نريد مخلصا بإثبات وجوب خلق الفعل عقيب الاختيار «انتهى».


أقول

قد علم أيضا أنّ معنى الكسب كما ذكره شيخ النّاصب لا محصّل له ، وأما الأقوال الباقية فهي مذكورة في كتاب الطوالع للبيضاوي (١) وشرح المقاصد للتفتازاني (٢) وغيرهما من كتب أهل السنّة فليطالع ثمة ، وسيعترف الناصب بأنّ القول الثاني من هذه الأقوال مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني (٣) من الأشاعرة ، فعلم أنّ إنكاره لذلك عناد ، وأما ما ذكره من أنّ الإرادة من جملة الصفات دون الأفعال فسقوطه ظاهر ، لأنّ ما هو من جملة الصفات هو المريد ، وإطلاق الصفة على الإرادة مسامحة من باب إطلاق المصدر وإرادة المشتق ، وكذا الكلام في الكلام بل العلم والقدرة والحياة أيضا ، فإنّ من طالع صرف الزّنجاني (٤) ونحوه يعلم أنّ الإرادة بمعنى «خواستن» وكذا العلم بمعنى «دانستن» من الأفعال والمصادر فضلا عمّن يدّعي صرف عمره في متداولات العلوم والنّوادر ، وأماما زعمه النّاصب

__________________

(١) هو كتاب طوالع الأنوار في علم الكلام للعلامة القاضي عبد الله بن عمر البيضاوي المتوفى بتبريز سنة ٦٨٥ صاحب التفسير الشهير ، وعلى الطوالع شروح أشهرها شرح الشيخ شمس الدين محمود الاصفهانى المتوفى سنة ٧٤٩.

(٢) المقاصد في الكلام للعلامة سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني المتوفى سنة ٧٩٢ وعليه شروح أشهرها شرح نفسه وهو المراد هنا.

(٣) هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب البصري البغدادي المتوفى ٤٠٣.

(٤) المراد به كتاب العزى المشتهر عندنا بالتصريف للشيخ عز الدين أبى الفضائل ابراهيم ابن عبد الوهاب بن عماد الدين بن ابراهيم الزنجاني المتوفى بعد ٦٥٥ بقليل كما في كشف الظنون (ج ٢ ص ١١٣٩ طبع الآستانة) وشرحه جماعة منهم المحقق التفتازاني وهذا الشرح والمتن موجودان في ضمن جامع المقدمات الذي هو محط التدريس في ابتداء العلوم الالية.


المرتاب من أنّ المصنّف نطق بخلاف مذهبه في هذا الباب وارتاح بذلك كأنّه وجد تمرة الغراب فمدفوع رغما لأنفه بما أوضحناه سابقا من أنّ أصل الإرادة مخلوق لله تعالى والإرادة الجازمة فعل للعبد ، ثم القول بأنّ الاختيار فعل اضطراري انّما يكون مكابرة كما ذكره النّاصب لو أريد بذلك أنّ اختيار العبد مثلا فعل اضطر العبد نفسه إليه ، وأما إذا أريد أنّه فعل اضطر الله (١) تعالى أو غيره العبد إليه بأن قال له على سبيل الجبر والقسر : اختر هذا فلا ، وإنّما نشأ له هذا التّوهم من مقابلة الاختيار للجبر والاضطرار ولم يعلم أنّ أحد المتقابلين ربّما يتعلّق بالمقابل الآخر كتعلّق التّصوّر بالتّصديق مع كونهما قسمين متقابلين للعلم ، وأما ما ذكره من المترتبتين الآتيتين في الجواب فمبناهما على فهم أنّ مراد المصنّف من الاختيار والإرادة اللّذين حكم بكونهما فعل العبد أصل الاختيار والإرادة وقد علمت أنّ المراد الاختيار الجازم والإرادة الجازمة ، وأما قوله فنقول : هذا هو المدّعى والمراد بالجواز الإمكان الذّاتي إلخ فظاهر أنّه أراد به أنّ ما ذكره المصنّف من جواز أن يوجد الاختيار ولا يخلق الله الفعل عقيبه مدّعانا ، والمراد بالجواز المأخوذ في هذا المدّعى هو الإمكان الذّاتى الذي تخالفه العادة ، وأنت خبير بأنّه إذا سلّم إمكان أن يوجد الاختيار ولا يخلق الله الفعل عقيبه ، وسلّم أنّ العادة غير واجبة الاستمرار فما المانع من خروج الإمكان إلى الفعل ، وكيف يحصل الأمان من الوقوع بأن لا يخلق الله الفعل عقيب وجود الاختيار.

قال المصنّف رفع الله درجته

وأما الثاني فلأنّ كون الفعل طاعة أو معصية إمّا أن يكون نفس الفعل في الخارج أو أمرا زائدا عليه ، فان كان الأوّل كان أيضا من الله فلا يصدر عن العبد شيء البتة

__________________

(١) اضطر من الأفعال التي تعدى بنفسه ولا تعدى فلا تغفل.


فيبطل العذر ، وان كان الثاني كان العبد مستقلا بفعل هذا الزّائد ، وإذا جاز استناد هذا الفعل فليجز استناد أصل الفعل ، وأىّ ضرورة للتمحل (١) بمثل هذه المعاذير الفاسدة التي لا تنهض بالاعتذار ، وأى فارق بين الفعلين ، ولم كان أحدهما صادرا عن الله تعالى والآخر صادرا عن العبد؟ وأيضا دليلهم آت في هذا الوصف فان كان حقا عندهم امتنع استناد هذا الوصف إلى العبد وإن كان باطلا امتنع الاحتجاج به ، وأيضا كون الفعل طاعة هو كون الفعل موافقا لأمر الشريعة ، وكونه موافقا لأمر الشّريعة إنّما هو شيء يرجع إلى ذات الفعل إن طابق الأمر كان طاعة وإلّا فلا ، وحينئذ لا يكون الفعل مستندا إلى العبد لا في ذاته ولا في شيء من صفاته ، فينتفي هذا العذر أيضا كما انتفى عذرهم الأوّل ، وأيضا الطاعة حسنة والمعصية قبيحة ، ولهذا ذمّ الله تعالى إبليس وفرعون (٢) على مخالفتهما أمر الله ، وكلّ فعل يفعله الله فهو حسن عندهم ، إذ لا معنى للحسن عندهم سوى صدوره من الله تعالى ، فلو كان أصل الفعل صادرا من الله تعالى امتنع وصفه بالقبح وكان موصوفا بالحسن ، فالمعصية التي تصدر من العبد إذا كانت صادرة عنه تعالى امتنع وصفها بالقبح فلا تكون معصية فلا يستحق فاعلها الذّم والعقاب ، فلا يحسن من الله تعالى ذمّ إبليس

__________________

(١) التكلف بلا داع.

(٢) فرعون وفرعون وفرعون كان لقبا لكل من ملك مصر ، كالكسرى لملك العجم ، والقيصر لملك الروم ، والخاقان لملك الترك ، والنجاشي لملك الحبشة وهكذا والجمع الفراعنة ، وإذا اطلق فرعون ينصرف الى الملك الجائر المعاصر بمصر لنبي الله موسى الكليم فلا تغفل ، وقد حفظت دار الآثار القديمة ومتحف القاهرة عدة أجساد من فراعنة مصر كرعمسيس (خ ل رامسيس) وغيره وتلك الأجساد استخرجت من مدافنها تحت الاهرامات وحواليها بالتنقيب ، ومن رام الوقوف على خصوصياتها فعليه بالمراجعة الى مناشير دار الآثار.


وأبي لهب وغيرهما حيث لم يصدر عنهم قبيح ولا معصية ، فلا تتحقّق معصيته من العبد البتّة ، وايضا المعصية قد نهى الله تعالى عنها إجماعا والقرآن مملوّ من المناهي والتّوعد عليها ، وكلّ ما نهى الله عنه فهو قبيح ، إذ لا معنى للقبيح عندهم إلا ما نهى الله تعالى عنه مع أنّها قد صدرت من إبليس وفرعون وغيرهما من البشر ، وكل ما صدر من العبد فهو مستند إلى الله تعالى والفاعل له هو الله تعالى لا غير عندهم ، فيكون حسنا حينئذ وقد فرضناه قبيحا هف ، وأما الثالث فهو باطل بالضّرورة إذ إثبات ما لا يعقل غير معقول وكفاهم من الاعتذار الفاسد اعتذارهم بما لا يعلمونه ، وهل يجوز لعاقل منصف من نفسه المصير إلى هذه الجهالات والدّخول في هذه الظلمات والاعراض عن الحقّ الواضح والدّليل اللائح والمصير إلى القول بما لا يفهمه القائل ولا السّامع ولا يدري هل يدفع عنهم ما التزموا به أولا؟ فانّ هذا الدّفع وصف من الصّفات والوصف إنما يعلم بعد العلم بالذات فإذا لم يفهموه كيف يجوز لهم الاعتذار به ، فلينظر العاقل في نفسه قبل دخوله في رمسه (١) ولا يبقى للقول مجال ولا يمكن الاعتذار بمثل هذا المحال (٢) «انتهى»

قال النّاصب خفضه الله

أقول : القول الثاني الذي ذكره في معنى الكسب هو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني من الأشاعرة ، ومذهبه أنّ الأفعال الاختياريّة من العبد واقعة بمجموع القدرتين على أن تتعلّق قدرة الله تعالى بأصل الفعل وقدرة العبد بصفته أعني بكونه طاعة أو معصية إلى غير ذلك من الأوصاف التي لا يوصف بها أفعاله تعالى كما في لطم اليتيم تأديبا أو إيذاء ، فان ذات اللّطم واقعة بقدرة الله تعالى وتأثيره وكونه طاعة على الأوّل

__________________

(١) الرمس : القبر.

(٢) قد مر أنه من اللغات المثلثة التي يختلف معناها حسب اختلاف حركاتها فراجع (ص ١٠٧ ج ١).


ومعصية على الثّاني بقدرة العبد وتأثيره ، هذا مذهب القاضي وهو غير مقبول عند عامّة الأصحاب من الأشاعرة لشمول الأدلّة المبطلة لمدخليّة اختيار العبد في التأثير في أصل الفعل تأثيره في الصّفة بلا فرق ، وهذا الابطال مشهور في كتب الأشاعرة فليس من خواصّه ، وأما باقي ما أورده على معنى الكسب حسبما هو مذهب القاضي فغير وارد عليه ونحن نبطله حرفا بحرف فنقول : أمّا قوله : كون الفعل طاعة هو كون الفعل موافقا لأمر الشريعة وكونه موافقا لأمر الشريعة إنّما هو شيء يرجع إلى ذات الفعل إلى آخر الدّليل ، فجوابه أنّا لا نسلّم أنّ كونه موافقا لأمر الشريعة شيء يرجع إلى ذات الفعل ، فانّ المراد من رجوعه إلى ذات الفعل إن كان المراد أنّه ليس صفة للفعل بل هو ذات الفعل فبطلانه ظاهر ، وإن كان المراد أنّه راجع إلى الذّات بمعنى أنّه وصف للذّات فمسلّم ، لكن لا نسلّم عدم جواز استناده إلى العبد باعتبار الصّفة وهذا أوّل الكلام ، ثمّ ما ذكر أنّ الطاعة حسنة والمعصية قبيحة وكلّ فعل يفعله الله فهو حسن عندهم ، إذ لا معنى للحسن عندهم سوى صدوره من الله تعالى فلو كان أصل الفعل صادرا من الله تعالى امتنع وصفه بالقبح وكان موصوفا بالحسن إلخ ، فجوابه أنّ الطاعة حسنة والمعصية قبيحة عند الأشاعرة ولكن مدرك هذا الحسن والقبح هو الشّرع لا العقل ، فكلّ فعل يفعله الله تعالى فهو حسن بالنسبة إليه وربّما يكون قبيحا بالنسبة إلى المحلّ كالمعاصي قوله : فلو كان أصل الفعل صادرا من الله تعالى امتنع وصفه بالقبح ، قلنا : المعصية صادرة من العبد مخلوقة لله تعالى وكلّ ما كان صادرا من الله تعالى كالخلق امتنع وصفه بالقبح ، والمعصية صادرة من العبد ويجوز وصفها بالقبح فلا يلزم شيء ممّا ذكره بتفاصيله وأما قوله : وأمّا الثّالث فهو باطل بالضرورة إذ إثبات ما لا يعقل غير معقول ، فنقول : هذا القول إن صدر عن الأشاعرة يكون مراد القائل أنّ هناك شيء ينسب إليه أوصاف فعل العبد ولا بدّ من إثبات شيء لئلا يلزم بطلان التكليف والثّواب والعقاب ، ولكنّه غير معلوم الحقيقة ، وعلى هذا الوجه لا خلل في الكلام «انتهى».


أقول

لا يخفى أنّ القاضي إنّما عدل عن تفسير شيخه الأشعريّ إلى هذا لمّا رأى فساد ذلك فهو شاهد لنا على ما ادّعينا من ظهور فساد كلام الأشعري ، واعتراف الناصب بفساد كلام القاضي شهادة بأنّه ليس لهم للكسب تفسير له محصّل ، ولهذا قال بعضهم : إنّه غير معقول ولا معلوم كما نقله المصنّف قدس‌سره ، وكفى بذلك شناعة ، وأما ما ذكره من أنّ هذا الابطال مشهور مذكور في كتب الأشاعرة إلخ فنقول : نعم مذكور في كتب متأخري الأشاعرة لكنّه من تصرّفات الاماميّة لظهور انقراض المعتزلة قبل ذلك بستمائة سنة تقريبا ، ووضوح أنّ الأشاعرة لا يهتمّون بابطال مطالب أنفسهم بل هم قاصرون عن أمثال هذا الدّقيق من الإبطال ، ولم يدّع المصنّف أنّ ذلك من خواصّه حتّى يكون وجوده في كتب من تقدّمه من الأشاعرة أو الاماميّة مكذبا له ، وأما ما ذكره في أوّل الحرف من جوابه ، فانحرافه عن الحقّ ظاهر لأنّ غاية ما يلزم من جواز إسناد صفة الفعل إلى العبد أن يكون وصفا له بحال متعلّقة كحسن الغلام وهو وصف مجازي لا يصلح لبناء ثواب العبد وعقابه مثلا عليه ، وأما ما ذكره بقوله : فجوابه أنّ الطاعة حسنة إلخ فمردود بما عرفت من بطلان كون الحسن والقبح شرعيّين ، وبما مرّ من تقبيح قولهم : بأنّه لا قبيح بالنسبة إليه تعالى وتزييف مؤاخذة المحلّ بالقبح المخلوق فيه من الله تعالى. واما ما ذكره من أنّ مراد القائل إنّ هناك شيء تنسب إليه أوصاف الفعل إلخ ففيه أنّه إعادة لكلام القائل بعبارة أخرى ، ويتوجّه عليه ما يتوجّه على ذلك : من أنه رمى في الظلام فلا يصلح لبناء المذهب عليه والاحتجاج به على الأقوام ، وكفى هذا خللا وفسادا في الكلام.


قال المصنف رفع الله درجته

المطلب الثالث عشر في أنّ القدرة متقدّمة (١) ذهبت الاماميّة والمعتزلة كافة إلى أنّ القدرة التي للعبد متقدّمة على الفعل ، وقالت الأشاعرة هاهنا : قولا غريبا عجيبا وهو أنّ القدرة مع الفعل غير متقدّمة عليه لا بزمان ولا بآن (٢) ، فلزمهم من

__________________

(١) قد أسلفنا في ج ١ ص ٤٧٣ مقالات في مسألة القدرة ، وذكرنا أن فيها مباحث ومشاحات. كالنزاع في ان القدرة موجبة للفعل بذاتها أولا ، وكالنزاع في تعريف القدرة وتعيين الملاك فيها ، فبعضهم عبر بان القدرة ان يكون الشخص بحيث ان شاء فعل وان شاء ترك ، وبعض المتكلمين قال : انها بحيث ان يكون ان شاء فعل وان لم يشاء لم يفعل.

وكالنزاع في أنها لا بد أن تكون متقدمة على الفعل بمعنى ان الذات تكون متصفة بها قبل وقوع الفعل وصدوره منها أم لا ، ذهبت العدلية من الامامية والزيدية والمعتزلة وأكثر الحكماء الى الاول ، وأكثر الاشاعرة الى الثاني ، والاول هو الحق المحقق المؤيد بالعقل والمنصور بالنقل كما سيتضح ذلك ان شاء الله تعالى.

وكالنزاع في أنها هل تتعلق بالضدين أم لا الى غير ذلك من المسائل التي وقع فيها الخلاف ، طوينا عن ذكرها كشحا اقتناعا بما ذكر في شرح المواقف للشريف المحقق الجرجاني وغيره من المطولات.

(٢) قال ابن سينا في رسالة الحدود المطبوعة ببلدة بمبئى في مجموعة من آثاره ص ٥٩ ما لفظه : الزمان مقدار الحركة من جهة التقدم والتأخر والآن هو طرف موهوم يشترك فيه الماضي والمستقبل من الزمان وقد يقال : ان الزمان صغير المقدار عندهم متصل بالآن الحقيقي من جنسه (انتهى).

وقال بعض المتكلمين كما في الدستور (ج ٢ ص ١٩) : الزمان عبارة عن متجدد معلوم يقدر به متجدد آخر موهوم كما يقال آتيك عند طلوع الشمس معلوم متجدد ومجيئه موهوم ، فإذا قرن ذلك الموهوم بذلك المعلوم زال الإبهام ، وعند


ذلك محالات ، منها تكليف ما لا يطاق ، لأنّ الكافر مكلّف بالايمان إجماعا منّا ومنهم ، فإن كان قادرا عليه حال كفره ناقضوا مذهبهم من أنّ القدرة مع الفعل غير متقدّمة عليه ، وان لم يكن قادرا عليه لزمهم تكليف ما لا يطاق ، وقد نصّ الله تعالى على امتناعه فقال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١) ، والعقل دلّ عليه وقد تقدّم ، وإن قالوا انّه غير مكلّف حال كفره لزمهم خرق الإجماع من أنّ الله تعالى أمره بالايمان بل عندهم أنّه أمرهم في الأزل ونهاهم ، فكيف لا يكون مكلّفا «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ القدرة الحادثة مع الفعل وأنّها توجد حال حدوث الفعل وتتعلّق به في هذه الحالة ، ولا توجد القدرة الحادثة قبله فضلا عن تعلّقها به إذ قبل الفعل لا يمكن الفعل ، بل امتنع وجوده فيه وإن لم يمتنع وجوده قبله ، بل أمكن فلنفرض وجوده فيه فالحالة التي فرضناها أنّها حالة سابقة على الفعل ليست كذلك ، بل هي حال الفعل هذا خلف محال ، لأنّ كون المتقدّم على الفعل مقارنا له يستلزم اجتماع النقيضين أعني كونه متقدّما وغير متقدّم ، فقد لزم من وجود الفعل قبله محال فلا يكون ممكنا ، إذ الممكن لا يستلزم المستحيل بالذات ، وإذا لم يكن الفعل ممكنا قبله

__________________

الحكماء على ما ذهب اليه أرسطو الزمان هو مقدار حركة الفلك الأعظم وبعبارة أخرى هو كم متصل قائم بحركة الفلك المحدد الى غير ذلك من التعاريف التي ذكرت في كتب الحكمة والكلام والمصطلحات العلمية وجلها من قبيل شرح الاسم والتعريف اللفظي كما لا يخفى.

ثم ان في الزمان مباحث كالبحث عن كونه موجودا أو موهوما صرفا ، وكالبحث عن منشإ اعتباره ونحوهما تركناها اكتفاء بما ذكرت في مظان هذه الأمور فراجع إليها.

(١) البقرة. الآية ٣٨٦.


فلا تكون القدرة عليه موجودة حينئذ ، ولا شكّ أنّ وجود القدرة بعد الفعل ممّا لا يتصوّر ، فتعيّن أن تكون موجودة معه وهو المطلوب ، هذا دليل الأشاعرة على هذا المدّعى ، وأما ما ذكر من لزوم المحالات بأنّ الكافر مكلّف بالايمان بالإجماع فإن كان قادرا على الايمان حال الكفر لزم أن تكون القدرة متقدّمة على الفعل وهو خلاف مذهبهم وإن لم يكن قادرا لزم تكليف ما لا يطاق ، فجوابه أنّا نختار أنّه غير قادر على الايمان حال الكفر ولا يلزم وقوع تكليف ما لا يطاق ، لأنّ شرط صحّة التكليف عندنا أن يكون الشيء المكلّف به متعلقا للقدرة ، أو يكون ضدّه متعلّقا للقدرة ، وهذا الشرط حاصل في الايمان ، فانّه وإن لم يكن مقدورا له قبل حدوثه لكن تركه بالتّلبس بضدّه الذي هو الكفر مقدور له حال كونه كافرا «انتهى».

أقول

قد أجاب أصحابنا عن الدّليل الذي نقله عن الأشاعرة أوّلا بالنقض بالقدرة القديمة فان قيل : لا يلزم من وجود القدرة القديمة قبل الفعل وجود تعلّقها قبله ، فالقدرة القديمة تعلّقها مع الفعل ومقدورية الفعل إنّما تجب في زمان تعلّق القدرة به ، قلنا : فليجز مثل ذلك في القدرة الحادثة وهو أن تكون نفسها موجودة قبل الفعل وتعلّقها مقارنا للفعل ، وثانيا بالحل وهو تحقيق معنى قوله : حصول الفعل قبل وقوعه محال بانّه قد يراد به معنيان ، الاول أنّ حصول الفعل في زمان قبل زمان الفعل مشروطا بشرط كونه قبله محال ، والثاني أنّ حصول الفعل في زمان قبل زمان حصوله لكن غير مشروط بشرط كونه قبله محال ، ولا اشتباه في استحالة المعنى الأوّل لكنّه لا ينافي المقدورية وإمكان حصول الفعل من القادر ، لأنّ هذا المحال لم يلزم من وجود الفعل في ذلك الزّمان وحده حتّى يلزم امتناعه قبله فيه بل منه مع فرض كون


ذلك الزّمان قبل زمان الفعل مقارنا لعدمه ، فيكون هذا المجموع محالا دون الفعل وحده ، بل هو ممكن في ذاته قطعا ، فلا يتّصف بالامتناع الذّاتي ، بل الامتناع بالغير ، وذلك لا ينافي تعلّق القدرة به ، والمعنى الثّاني غير محال ، فإنّه يمكن أن يزول عن ذلك الزّمان وصف كونه قبل زمان وقوع الفعل ويحصل بدله وصف كونه زمان وقوع الفعل فلا يلزم اجتماع النّقيضين ، وهذا كما يقال : قعود زيد محال بشرط قيامه إذ يمتنع كونه قائما وقاعدا ، وليس بمحال في زمان قيامه ، إذ يمكن أن ينعدم القيام ويوجد بدله القعود هذا ، وأما ما ذكره في جواب لزوم المحالات : من أنّ شرط صحّة التّكليف عندنا أن يكون الشيء المكلف به متعلّقا للقدرة أو يكون ضدّه متعلّقا للقدرة إلخ فمردود بأنّه مبنيّ على أنّ القدرة متعلّقة بأحد الطرفين وقد مرّ ما فيه فتذكر.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها الاستغناء عن القدرة ، لأنّ الحاجة إلى القدرة ، إنّما هي لإخراج الفعل من العدم إلى الوجود وهذا إنّما يتحقّق حال العدم ، لأنّ حال الوجود هو حال الاستغناء عن القدرة ، لأنّ الفعل حال الوجود يكون واجبا فلا حاجة إلى القدرة ، على أنّ مذهبهم أنّ القدرة غير مؤثّرة البتّة ، لأنّ المؤثّر في الموجودات كلّها هو الله تعالى ، فبحثهم عن القدرة حينئذ يكون من باب الفضول ، لأنّه خلاف مذهبهم «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : الحاجة إلى القدرة اتصاف العبد بصفة تخرجه عن الاضطرار حتّى يصح كونه محلا للثّواب والعقاب ، إذ لو لم تكن هذه القدرة حادثة مع الفعل لا يتحقّق له صورة الاختيار ، والله تعالى حكيم يخلق الأشياء لمصالح لا تحصى ، ولا يلزم من عدم كون القدرة مؤثّرة في الفعل الاستغناء عنها من جميع الوجوه ، ولا يلزم أن


يكون البحث عنها فضولا «انتهى».

أقول

من البيّن أنّ الصّفة التي يخرج الاتّصاف بها العبد من الاضطرار في الفعل يجب أن تكون مؤثّرة في الفعل وإلّا لكانت لغوا ضائعا ، وأيضا إذا لم تكن القدرة مؤثّرة كيف يعلم حدوثها مع الفعل ، وكيف يتحقّق بها صورة الاختيار مع أنّ القول بالصّورة لا معنى له ، وأيضا قد مرّ أنّ القدرة صفة تؤثّر على وفق الإرادة ، وقال شارح العقائد (١) : إنّها صفة أزليّة تؤثّر في المقدورات عند تعلّقها بها ، فإذا لم تكن قدرة العبد مؤثّرة لم تكن قدرة ، وأما ما ذكره من أنّ الله تعالى حكيم يخلق الأشياء لمصالح لا تحصى ، ففيه أنّ المصنّف لم يقل : إنّ مصلحة خلق القدرة منحصرة في التأثير حتّى يتّجه أن يقال : يحتمل أن يكون للحكيم في خلقه مصالح أخرى لا تحصى ، بل الكلام في أنّ المصلحة في خلق القدرة في العبد كما يدلّ عليه مفهوما هو التّأثير في الفعل ، فإذا لم تكن مؤثّرة لم تكن حاجة في ذلك إلى خلقها ، ويكون البحث عنها من هذه الجهة فضولا ، وهذا لا ينافي اعتداد البحث عنها من جهة أخرى ولمصلحة أخرى ، وهل الذي ذكره النّاصب إلّا مثل أن يقال : مثله أنّ الفرس مخلوقة لمصلحة الكتابة ، فإذا قيل له : إنّ هذه المصلحة لا تظهر في الفرس ، فيكون القول بكون تلك مصلحة خلقه لغوا يجيب بأنّه يجوز أن يكون في خلق الفرس مصالح أخرى لا تحصى وفساده ممّا لا يخفى ، هذا. ويقال لهم : أليس تأثير القدرة في الفعل آكد من تأثير الآلة؟ فلا بدّ من بلى ، فيقال : إذا كان فاقد الآلة وتأثيرها عندكم يعذر في التّرك وجب مثله في فاقد القدرة وتأثيرها ، فيكون الكافر معذورا في ترك الايمان ، ويقال لهم؟ في قولهم : بعدم تقدّم القدرة على الفعل : متى يقدر

__________________

(١) المراد به شرح عقائد النسفي وإذا اطلق ينصرف الى شرح المحقق التفتازاني.


أحدنا على الانتقال من الشّمس إلى الظلّ إن قلتم يقدر وهو في الشّمس تركتم مذهبكم ، وإن قلتم : وهو في الظلّ فأىّ حاجة إلى القدرة حينئذ ، فان قالوا يقدر حالة الانتقال قلنا : ليس بين كونه في الشّمس وكونه في الظل حالة تسمى حالة الانتقال وتكون متقدّمة على أحدهما متأخرة عن الآخر ، ويقال لهم : ما عندكم في رجل قتل نفسه أقدر على قتلها وهو حىّ؟ فهو الذي نقول : أو وهو ميّت ، فكيف يقدر الميّت على أن يقتل؟ ثمّ إذا كان قد حصل الموت بالقتل فعلى أىّ شيء قدر؟.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها إلزام حدوث قدرة الله أو قدم العالم ، لأنّ القدرة مقارنة للفعل وحينئذ يلزم أحد الأمرين ، وكلاهما محال لأنّ قدرة الله تعالى تستحيل أن تكون حادثة ، والعالم يمتنع أن يكون قديما ، ولأنّ القدم مناف للقدرة ، لأنّ القدرة إنّما تتوجّه إلى إيجاد المعدوم ، فإذا كان الفعل قديما امتنع استناده إلى القادر ، ومن اعجب الأشياء بحث هؤلاء القوم عن القدرة للعبد ، والكلام في أحكامها مع أنّ القدرة غير مؤثّرة في الفعل البتّة ، وأنّه لا مؤثّر غير الله ، فأيّ فرق بين القدرة واللّون والمقدار وغيرها بالنسبة إلى الفعل إذا كانت غير مؤثّرة ولا مصحّحة لتأثيره ، وقال أبو علي بن سينا (١) ردّا عليهم : لعلّ القائم لا يقدر على القعود «انتهى».

__________________

(١) هو رئيس الحكماء فيلسوف المسلمين مجمع الفضائل والعلوم صاحب الأفكار الابكار في الفلسفة والطب والرياضيات الشيخ أبو على الحسين بن عبد الله بن الحسين بن على بن سينا البلخي البخاري ، كان من أعاجيب الدهر في العلم والذكاء والدهاء والأبصار والسماع والاستشمام ، وبالجملة هو ممن استفاد منه الحكماء والأطباء والفلكيون والمنطقيون وغيرهم من القدماء والمتأخرين من أهل المشرق والمغرب.

توفى في مستهل رمضان سنة ٤٢٧ وكانت ولادته ٣٩١.

وكان شاعرا بارعا ، وله منظومات معروفة في الطب وغيره رائقة نفيسة ، منها القصيدة


قال النّاصب خفضه الله

أقول : حاصل هذا الاعتراض أنّ كون القدرة مع الفعل يوجب حدوث قدرة الله تعالى أو قدم مقدوره تعالى ، إذ الفرض كون القدرة والمقدور معا ، فيلزم من حدوث مقدوره تعالى حدوث قدرته أو من قدم قدرته قدم مقدوره وكلاهما باطلان بل قدرته أزليّة إجماعا متعلّقة في الأزل بمقدوراته ، فقد ثبت تعلّق القدرة بمقدورها قبل حدوثه ، ولو كان ذلك ممتنعا في القدرة الحادثة لكان ممتنعا في القديمة أيضا ، وأجاب شارح المواقف عن هذا الاعتراض بأنّ القدرة القديمة الباقية مخالفة في الماهية للقدرة الحادثة التي لا يجوز بقاؤها عندنا (١) ، فلا يلزم من جواز تقدّمها على الفعل جواز تقدّم حادث عليه ، ثمّ إنّ القدرة القديمة متعلّقة في الأزل بالفعل تعلّقا معنويّا لا يترتّب عليه وجود الفعل ولها تعلّق آخر حال حدوثه تعلقا حادثا موجبا لوجوده ، فلا يلزم من قدمها مع تعلقها المعنويّ قدم آثارها ، فاندفع (٢) الاشكال بحذافيره (٣)

__________________

النفسية الشهيرة التي مطلعها.

هبطت إليك من المحل الأرفع

ورقاء ذات تعزز وتمنع

وشرحها جمع كثير بشروح شريفة.

وله تصانيف وتآليف منها القانون في الطب الإشارات في الميزان والحكمة الخطب التوحيدية لسان العرب في اللغة الشفاء النجاة في المنطق الحكمة المشرقية الحكمة العرشية الإنصاف المبدأ والمعاد المدخل في الموسيقى كتاب الحدود رسالة حي بن يقظان رسالة القولنج عيون الحكمة وغيرها من الآثار القلمية فراجع الريحانة (ج ٥ ص ٣٨١) والوفيات والروضات والشذرات واخبار الحكماء وغيرها.

(١) لان القدرة الحادثة عرض ، والعرض لا يبقى زمانين عندهم.

(٢) مذكور في شرح التجريد بلا إيراد عينه.

(٣) الحذافير جمع الحذفور بالضم والحذفار بالكسر : الجمع الكثير.


وأمّا ما ذكره من التعجّب من بحث الأشاعرة عن القدرة مع القول بأنّها غير مؤثّرة في الفعل ، فبالحرى أن يتعجّب من تعجّبه لأنّ القدرة صفة حادثة في العبد وهي من صفات الكمال ، فالبحث عنها لكونها من الاعراض والكيفيّات النفسانيّة وعدم كونها مؤثّرة في الفعل من جملة أحوالها المحمولة عليها ، فلم لم يباحث عنها؟ ، وأما قوله : أن لا فرق بينها وبين اللون فقد أبطلنا هذا القول فيما سبق مرارا بأنّ اللّون لا نسبة له إلى الفعل ، والقدرة تخلق مع الفعل ليترتّب على خلقها صورة الاختيار ويخرج بها العبد من الجبر المطلق ، ويترتّب على فعله الثّواب والعقاب والتّكليف والله أعلم ، قال الامام الرّازي (١) : القدرة تطلق على مجرّد القوّة التي هي مبدأ الأفعال المختلفة الحيوانيّة ، وهي القوّة العضليّة التي هي بحيث متى انضمّت إليها إرادة أحد الضدّين حصل ذلك الضد ، ومتى انضمّت إليها إرادة الضدّ الآخر حصل ذلك الآخر ، ولا شكّ أنّ نسبتها إلى الضدّين سواء ، وهي قبل الفعل والقدرة أيضا تطلق على القوّة المستجمعة لشرائط التأثير ، ولا شكّ أنّها لا تتعلّق بالضدّين معا وإلا اجتمعا في الوجود ، بل هي إلى كلّ مقدور غيرها بالنسبة إلى مقدور آخر ، وذلك لاختلاف الشّرائط ، وهذه القدرة مع الفعل ، لأنّ وجود المقدور لا يتخلّف عن المؤثر التامّ ، ولعلّ الشيخ الأشعري أراد بالقدرة القوّة المستجمعة لشرائط التأثير ولذلك حكم بأنّها مع الفعل وأنّها لا تتعلّق بالضدّين والمعتزلة أرادوا بالقدرة مجرّد القوة العضليّة فلذلك قالوا بوجودها قبل الفعل وتعلّقها بالأمور المضادّة ، فهذا وجه الجمع بين المذهبين ، وبهذا يخرج (٢) جواب أبي علي ابن سينا حيث قال : لعلّ القائم لا يقدر على القعود فانّه غير قادر بمعنى أنّه لم

__________________

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجلد من الكتاب. والجزء الاول ص ١١٠.

(٢) خرج المسألة ، بين لها وجها والتخريج المصطلح عند المحدثين مأخوذ منه.


يحصل له بعد القوّة المستجمعة لشرائط التأثير وهو قادر بمعنى أنّه صاحب القوّة العضليّة انتهى.

أقول

وبالله التوفيق : أنّ جواب شارح المواقف ممّا ذكر الشّارح (١) الجديد للتجريد أيضا من غير إيراد عليه ، وكنت أظنّه واردا إلى الآن ، وقد سنح (٢) لي عند النظر إلى هذا المقام أنّه مردود ، لأنّ كلام المصنّف مبنيّ على إلزام آخر للأشاعرة ، بيانه أنّهم لمّا ذهبوا إلى أنّ صفات الله تعالى موجودات زائدة قائمة به وقد صرّحوا بأنّها ليست جواهر حذرا عن أن يلزمهم شرك النصارى القائلين بالذّوات القديمة فلا بدّ أن تكون أعراضا لانحصار الموجود في الجوهر والعرض فالتزام التفرقة بين القدرة الالهيّة وقدرة العبد بكون أحدهما عرضا لا يجوز بقاؤها دون الأخرى تحكم قصدوا به الفرار عن الإلزام ، فظهر أنّ اللازم لهم في الحقيقة أمران ، إحداهما ما ذكرناه من التحكّم البارد ، والآخر ما ذكره المصنّف من الإلزام الوارد ، فحال النّاصب في استفادته من كلام شارح المواقف مع أداء ذلك إلى تقوية مطلوبه وتضعيف مهروبة كحال الحمار الذي أشار إليه الشاعر بقوله. شعر :

ذهب (٣) الحمار ليستفيد لنفسه

قرنا فآب وما له أذنان

وأما ما زعمه من أنّ كلام الرّازي يصير وجها للجمع بين المذهبين ففاسد ، إذ يتوجّه عليه ما اعترض به صاحب المواقف أيضا ، وحاصله أنّ الامام إن أراد بالقدرة

__________________

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا المجلد من الكتاب.

(٢) سنح الرأى : عرض.

(٣) أورد الميداني في ج ١ من مجمع الأمثال ص ١٩٣ المثل هكذا : ذهب الحمار يطلب قرنين فعاد مصلوم الأذنين.


القدرة القديمة فليست مستجمعة لشرائط التأثير ، وإن أراد الحادثة فليست مؤثّرة ، واما ما ذكره من أنّه يخرج بهذا جواب أبي عليّ بن سينا فهو مدخول بما يتّصل بذلك من كلام أبي علي لتصريحه فيه بأنّ القدرة ليست إلا القوّة التي يكون لها التأثير بالقوّة ، وردّه على من فسّره بالقوّة المستجمعة لشرائط التأثير ، فكيف يردّ عليه بهذا التفسير؟ وهو الحكيم الإسلامي المقنّن (١) للأوضاع والقوانين ، وقد بالغ في ذلك حتّى حكم بالعمى على القائل به من بعض الأوائل ، والذين وافقوهم من الأشاعرة حيث قال : في فصل القوّة والفعل والقدرة والعجز من إلهيّات الشّفا : وقد قال بعض الأوائل وغاريقون (٢) ، منهم أنّ القوّة تكون مع الفعل ولا تتقدّم وقال بهذا أيضا قوم من الواردين بعده بحين كثير ، فالقائل بهذا القول كأنّه يقول : إنّ القاعد ليس يقوى على القيام ، أى لا يمكن في جبلّته أن يقوم ما لم يقم ، فكيف يقوم؟ وأنّ الخشب ليس في جبلّته أن ينحت منه باب فكيف ينحت؟ وهذا القائل لا محالة غير قوي على أن يرى ويبصر في اليوم الواحد مرارا ، فيكون بالحقيقة أعمى انتهى ، وايضا ما اشتهر من أنّ القدرة صفة تؤثر (مؤثرة خ ل) على وفق الإرادة وكذا التفسير الذي نقلناه سابقا عن شارح (٣) العقائد يدفع وقوع إطلاقها على ما استجمع

__________________

(١) فيه لطف إيماء الى كتاب القانون للشيخ.

(٢) هو من فلاسفة يونان ويعبر في بعض الكتب عنه ب (افريطون) قبال في كتاب تاريخ سلاطين يونان وحكمائها الذي أصله انجليزى وترجم بالفارسية في (ص ٣٩ طبع بمبئى) ما حاصله : ان هذا الحكيم كان من أجلة الحكماء ومن أعيان تلاميذ سقراط الحكيم فائقا على سائر أصحابه ، شريك البحث مع أفلاطون ، فلما قتل سقراط انتقل افريطون مع عدة من تلاميذ أفلاطون الى بلدة اسن (اتن خ ل) وجعل يعلم الحكمة لأهلها الى آخر ما ذكره.

(٣) المراد التفتازاني حيثما يطلق ، وعليه فقد مرت ترجمته في ص ١٤٢ من الجزء الاول.


الشرائط ، ويشعر بأنّه اصطلاح جديد وتمحّل عنيد كحيل عمرو بن العاص ارتكبوه للخلاص عن تشنيع الخواصّ ولات حين مناص (١).

قال المصنّف رفع الله درجته

المطلب الرابع عشر في أنّ القدرة صالحة للضدّين (٢) ، ذهب جميع العقلاء إلى ذلك عدا الأشاعرة ، فانّهم قالوا القدرة غير صالحة للضدّين ، وهذا مناف لمفهوم القدرة فانّ القادر هو الذي إذا شاء أن يفعل فعل وإذا شاء أن يترك ترك ، فلو فرضنا القدرة على أحد الضدّين لا غير لم يكن الآخر مقدورا ، فلم يلزم من مفهوم القادر أنّه إذا شاء أن يترك ترك «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ القدرة الواحدة لا تتعلّق بالضدّين بناء على كون القدرة عندهم مع الفعل لا قبله ، بل قالوا : إنّ القدرة الواحدة لا تتعلّق بمقدورين مطلقا سواء كان متضادّين أو متماثلين أو مختلفين لا معا ولا على سبيل البدل بل القدرة الواحدة لا تتعلّق إلا بمقدور واحد ، وذلك لأنّها مع المقدور ولا شكّ أنّ ما نجده عند صدور أحد المقدورين مغاير لما نجده عند صدور الآخر ، ومذهب المعتزلة ومن تابعهم من الاماميّة أنّ قدرة العبد تتعلّق بجميع مقدوراته المتضادّة وغير المتضادّة وأنا أقول : ولعلّ النّزاع لفظيّ لا على الوجه الذي ذكره الامام الرّازي (٣) ، فإنّ الأشاعرة يجعلون كلّ فرد من أفراد القدرة الحادثة متعلقا بمقدور واحد وهو الكائن عند حدوث الفعل فكلّ فرد له متعلّق ، والمعتزلة يجعلون القدرة مطلقا متعلّقة بجميع المقدورات ، وهذا لا ينافي جعل كلّ فرد ذا تعلّق واحد ، والمعتزلي لا يقول

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة ص الآية ٣.

(٢) وسيأتي التفصيل في ذلك.

(٣) قد مرت ترجمته في أوائل هذا المجلد. والجزء الاول ص ١١٠.


إنّ الفرد من أفراد القدرة الحادثة إذا حدث وحصل منه الفعل فعين ذلك الفرد لا يتعلّق بضدّه بل يقول : إنّ القدرة الحادثة مطلقا تتعلّق بالضدّين ، وهذا لا ينفيه الأشاعرة ، فالنّزاع لفظيّ تأمّل وأما ما ذكره من أنّه يوجب عدم كون القادر قادرا لأنّه إذا لم تصلح القدرة للضدّين لا يكون الفاعل قادرا على عدم الفعل وهو الترك ، فيكون مضطرّا لا قادرا ، فالجواب عن ذلك أنّه إن أريد بكونه مضطرّا أنّ فعله غير مقدور له فهو ممنوع ، وإن أريد به أنّ مقدوره ومتعلّق قدرته متعيّن وأنّه لا مقدور له بهذه القدرة سواه ، فهذا عين ما ندّعيه ونلتزمه ولا منازعة لنا في تسميته مضطرّا ، فانّ الاضطرار بمعنى امتناع الانفكاك لا ينافي القدرة ، ألا ترى أنّ من أحاط به بناء من جميع جوانبه بحيث يعجز عن التقلب من جهة إلى أخرى فانّه قادر على الكون في مكانه بإجماع منّا ومنهم مع أنّه لا سبيل له إلى الانفكاك عن مقدوره «انتهى».

أقول

قد مرّ أنّ القول بأنّ القدرة مع الفعل مهدوم ، فالبناء عليه يكون ملوما مذموما ، وأمّا ما أظهر التفرّد به من جعل النّزاع لفظيّا فساقط جدّا ، وهو دليل كونه متفرّدا فيه وذلك لأنّ مبناه على ما خان فيه النّاصب أوّلا حيث قيّد القدرة بالواحدة وبدّل صلاحيّتها للضّدّين بتعلقها بهما ، فانّ المسألة على وجه عنون به المصنّف هاهنا وغيره في غيره هو أنّ القدرة صالحة للضدّين ، وقال النّاصب عند تقرير المبحث أقول : مذهب الأشاعرة أنّ القدرة صالحة للضدّين ، وقال النّاصب عند تقرير المبحث أقول : مذهب الاشاعرة أنّ القدرة الواحدة لا تتعلق بالضدّين ، ويدلّ على ما ذكرنا من أنّ الكلام في أصل القدرة بلا قيد الواحدة وفي صلاحيّتها دون تعلقها كلام شارح العقائد في مسألة الاستطاعة حيث قال : إنّ القدرة صالحة للضّدّين عند أبي حنيفة (١) حتّى أنّ القدرة المصروفة

__________________

(١) هو أبو حنيفة نعمان بن ثابت بن زوطى بن ماه ، وقيل هرمزد الفارسي الأصل والنسب


__________________

البغدادي المسكن والمدفن ، امام الحنفية أحد أئمة أهل السنة والجماعة ، ويعبر عنه في كتب الحنفية بالإمام الأعظم تارة والامام المعظم أخرى وامام العراق ثالثة ، أخذ الفقه والحديث عن مولانا الصادق عليه‌السلام روى عنه عليه‌السلام وعن عطاء ونافع والأعرج وفي سماعة عن الصحابة خلاف ، قال عبد القادر القرشي المتوفى سنة ٧٧٥ في الجواهر المضية (ص ٢٨ طبع حيدرآباد) ان أبا حنيفة سمع عن عبد الله بن أنيس وعبد الله بن جزء الزبيدي وانس بن مالك وجابر بن عبد الله ومعقل بن يسار ووائلة بن الأسقع وعائشة بنت عجرد «انتهى».

ولكن صديق حسن خان في ابجد العلوم (ص ٨٠٧) أنكره أشد النكير وقال : ما لفظه انه لم ير أحدا من الصحابة باتفاق أهل الحديث وان كان عاصر بعضهم على رأى الحنفية. إلخ أقول : وكذا أنكر كونه تابعيا جمع من اجلاء المؤرخين والمحدثين فليراجع الى المظان قال القرشي : الصحيح انه ولد سنة ٨٠ وقيل : سنة ٦١ وقيل : ٦٣.

وقال ، وقد اتفقوا انه توفى سنة ١٥٠ أقول : وقبره ببغداد معروف ونسبوا اليه عدة تصانيف منها الفقه الأكبر في العقائد ، والمسند والمقصود في علم الصرف ، وذكر الخطيب : عند ترجمته له في تاريخ بغداد غرائب وعجائب في شين المترجم والتشنيع عليه وأجاب عنها الملك عيسى الايوبى المتوفى سنة ٦٢٤ بكتاب سماه السهم المصيب في كبد الخطيب ، ولم يتمكن من دفع كلمات الخطيب كلها ويروى عن المترجم جماعة كحماد ، وزفر بن الهذيل التميمي ، وأبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن الشيباني وغيره.

وهو يروى عن عدة : منهم مولانا أبو عبد الله الامام الصادق سلام الله عليه وعطاء ونافع والأعرج وغيرهم.

ومن المأسوف عليه أن أكثر المترجمين له لم يذكروا تدرس المترجم وتعلمه عن مولانا الصادق عليه‌السلام مع انه من المسلمات لدى أهل السير والتراجم.

ونقل زميلنا العلامة الفقيد في الريحانة : نوادر وطرائف من فتاويه الفقهية ولم يذكر المستند ولعلنا ان شاء الله تعالى نتعرض لها مع ذكر المدارك والكتب التي نقلوها عنه والله الموفق.


إلى الكفر هي بعينها القدرة التي تصرف إلى الايمان لا اختلاف إلّا في المتعلّق وهو لا يوجب الاختلاف في نفس القدرة إلخ ، وهذا موافقة من أبي حنيفة مع المعتزلة في موضعين ، أحدهما المسألة التي نحن فيها وهو ظاهر ، والثاني مسألة بقاء الأعراض فانّ في قوله هي بعينها القدرة التي تصرف إلى الايمان تسليم لاستقامة بقاء الأعراض كما ذهبت إليه المعتزلة وهو معتزلي عند التّحقيق (١) ، ولهذا قلّده المتأخّرون من

__________________

(١) بل المعروف لدى عدة من أرباب التراجم انه كان يرى رأى الزيدية في الخروج. قال : أبو الفرج في المقاتل (ص ١٤٥ طبع مصر) ما لفظه حدثنا على بن الحسين قال : حدثني على بن العباس قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الله بن مروان بن معاوية ، قال : سمعت محمد بن جعفر بن محمد في دار الامارة يقول : رحم الله أبا حنيفة لقد تحققت مودته لنا في نصرته زيد بن على ، وفعل بابن المبارك في كتمانه فضائلنا ودعى عليه.

وقال الخطيب في تاريخ بغداد : (ج ١٣ ص ٣٨٤) أخبرنا ابن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، حدثنا يعقوب بن سفيان ، حدثني صفوان بن صالح ، حدثنا عمر بن عبد الواحد قال ، سمعت عن الأوزاعي يقول أتاني شعيب بن اسحق وابن أبى مالك ، وابن علاق وابن ناصح ، فقالوا : قد أخذنا عن أبى حنيفة شيئا فانظر فيه فلم يبرج بى وبهم حتى أريتهم فما جاءوني به عنه انه أحل الخروج على الأئمة.

وأورد عدة نقول : في رأى المترجم وفتواه بالخروج.

ولكن حكى الجرحانى في شرح المواقف (ج ٢ ص ٤٩١ طبع مصر ؛ عن الآمدي الأصولي المشهور ان اصحاب المقالات قد عدوا أبا حنيفة وأصحابه من مرجئة أهل السنة. إلخ.

وحكى الشهرستاني في الملل (ج ١ ص ٢٦٤ طبع مصر باهتمام محمد بدران) عن غسان قدوة الطائفة الغسانية من المرجئة ، انه كان يعد أبا حنيفة من المرجئة الى ان قال وعده كثير من أصحاب المقالات من جملة المرجئة إلخ.

وقال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ١٣ ص ٣٩٦) ما لفظه أخبرنا ابن رزق أخبرنا ابن


المعتزلة في الفروع الفقهيّة ومنهم الزّمخشري (١) الحنفي المعتزلي وبعد الاطلاع على

__________________

سلم حدثنا الأبار حدثنا ابو الأزهري النيسابوري حدثنا حبيب كاتب مالك بن أنس عن مالك بن انس قال : كانت فتنة أبى حنيفة أضر على هذه الامة من فتنة إبليس في الوجهين جميعا في الارجاء وما وضع من نقض السنن «انتهى».

الى غير ذلك من الكلمات في كتب السير والتواريخ والتراجم والرجال والفقه.

ومما يؤيد كونه باطنا زيديا كثرة عناية علماء الزيدية وفقهائهم بكلماته وذكر اسمه في إجازاتهم فراجع البحر الزخار ، والفلك السيار ، وشرح المجموع لزيد الشهيد والأمالي للديلمي ، وشرح مسند أبى حنيفة ، وشرح البحر الرائق ، وشرح امالى المرتضى من أئمتهم ، والدر الفريد في الأسانيد ، وغيرها من كتبهم.

ومما يؤيد ذلك كون فقههم مؤتلفا من فقهي الال وأبى حنيفة كما هو واضح لمن سبر أسفارهم الفقهية ، مضافا الى ما سمعته مشافهة عن العلامة المؤرخ نسابة اليمن السيد محمد بن محمد بن زبارة الحسنى اليمنى صاحب كتاب نيل الوطر ، وعن العلامة السيد محمد بن محمد بن زبارة الحسنى اليمنى صاحب كتاب نيل الوطر ، وعن العلامة السيد جمال الدين أحمد الكوكبانى اليماني الأصل الهندي المنشأ والولادة وغيرهما من اعلامهم.

وكذا أجاب لي العلامة الشيخ عبد الواسع الواسعى اليماني صاحب كتاب مزيل الحزن في تاريخ اليمن بعد ما سألت عنه كتبا عن فقه مذهبهم ومداركه.

وغير خفى على أرباب التتبع ان أكثر الزيدية معتزلة اصولا ، ومنهم من يذهب مذهب الامامية في تلك المسائل ، وعليه فما ذكره القاضي الشهيد من ان ابا حنيفة معتزلي عند التحقيق كلام حقيق بالقبول ، مؤيد بما يذكره قدس‌سره في الكتاب ، هذا ما رمت ذكره في المقام مع رعاية الاختصار ، وتركنا أمورا مناسبة لترجمة أبى حنيفة خوفا من الاطالة وايراث السأمة ولعل الله يوفقنا لإيرادها في محل آخر ان شاء سبحانه وتعالى.

(١) هو العلامة جار الله أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشرىّ المتكلم المفسر الأديب النحوي اللغوي ولد في قرية زمخشر من قرى بلدة خوارزم ٤٦٧


__________________

وتوفي ببلدة جرجانية عاصمة خوارزم سنة ٥٣٨ وقيل ٥٤٨ وله تصانيف وتآليف رائقة في فنون العلم منها الفائق في غريب الحديث ، وأساس البلاغة في اللغة ، والكشاف في التفسير ، وكتاب اسماء الجبال والامكنة ، واطواق الذهب في المواعظ والخطب ، والأنموذج في النحو ، واعجب العجب في شرح لامية العرب والأمالي ، وديوان التمثيل وديوان الرسائل ، والمفصل في النحو ، والقسطاس في العروض ، والمنهاج في الأصول ، والمستصفى في الأمثال ، والكلم النوابغ ، وسوائر الأمثال ، وضالة الناشد ، وشرح أبيات الكتاب لسيبويه ، ورؤس المسائل في الفقه الى غير ذلك من الآثار النفيسة التي هي موارد للاستفادة والافادة ، وكان شاعرا بارعا مفلقا فمن شعره ما نسب اليه في الريحانة (ج ٢ ص ١٢٧) نقلا عن ترجمته المذكورة في آخر الجزء الثاني من الكشاف المطبوع بمصر (قوله) :

إذا سئلوا عن مذهبي لم أبح به

وأكتمه كتمانه لي اسلم

فان حنفيا قلت قالوا بأنني

أبيح الطلا وهو الشراب المحرم

وان مالكيا قلت قالوا بأنني

أبيح لهم لحم الكلاب وهم هم

وان شافعيا قلت قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت والبنت محرم

وان حنبليا قلت قالوا بأنني

ثقيل حلولي بغيض مجسم

وان قلت من اهل الحديث وحزبه

يقولون تيس ليس يدرى ويفهم

تعجبت من هذا الزمان واهله

فما احد من السن الناس يسلم

وأخرني دهري وقدم معشرا

على انهم لا يعلمون واعلم

ومذ أفلح الجهال أيقنت اننى

انا الميم والأيام أفلح اعلم

ومن شعره قوله

كثر الشك والخلاف فكل

يدعى الفوز بالصراط السوى

فاعتصامى بلا اله سواه

ثم حبى لأحمد وعلى

فاز كلب بحب اصحاب كهف

كيف أشقى بحب آل نبى


هذه الخيانة التي ارتكبها النّاصب أوّلا في مقام الإجماع يظهر للنّاظر فساد ما فرّعها عليه في مقام التّفصيل ، ولعلّه أخذ ذلك من كلام نقله شارح العقائد بعد الكلام الذي نقلناه عنه قبيل ذلك ، ثمّ ردّ عليه ، والنّاصب غير ذلك الكلام نحو تغيير على وفق هواه ، وترك ردّه لمخالفته لما أهواه ، قال الشارح : فان أجيب بأنّ المراد أنّ القدرة وإن صلحت الضّدّين لكنّها من حيث التّعلّق بأحدهما لا تكون إلا معه حتّى أنّ ما يلزم مقارنتها للفعل هي القدرة المتعلقة بالفعل وما يلزم مقارنتها للتّرك هي القدرة المتعلّقة بالتّرك ، وأما نفس القدرة فقد تكون متقدّمة متعلّقة بالضّد ، قلنا : هذا لا يتصوّر فيه نزاع ، بل هو لغو من (١) الكلام انتهى ، وأما ما ذكره من الجواب عن إلزام المصنّف فمردود من وجهين ، أحدهما أنّ المصنّف قد استدلّ على ما ذكره بمنافاته لمفهوم القدرة والنّاصب لم يتعرّض له وحرّر كلام المصنّف على وجه آخر واعترض عليه بالتّرديد الذي ذكره ، وحيث كان الاعتراض على كلام نفسه فحصر الاعتراض فيما ذكره ممنوع بل يتوجّه عليه من الفساد والخلل ما لا يحصى ، وثانيهما أنّ ما ذكره من التنوير مظلم ، وذلك لأنّ من أحاط به البناء من جميع جوانبه إن كانت تلك الإحاطة المستلزمة لعدم الانفكاك بفعل نفسه فيصدق عليه أنّه كان قادرا قبل ذلك على الانفكاك من ذلك المضيق ، فتكون قدرته صالحة للضدّين وإن كان بإجبار غيره وإدخاله إياه في ذلك المضيق ، فحيث كان مسلوب القدرة عند الإيقاع في ذلك المضيق لا يصدق

__________________

والمترجم معروف بالاعتزال عند القوم متهم بالتشيع عند بعض المترجمين له فراجع الريحانة ذلك الجزء.

(١) والشاهد على اللغوية صريح الوجدان من دون افتقار الى الدليل إذ البرهان لمن فقد الذوق والوجدان قال : القاضي الشهيد في بيان اللغوية في الهامش ما لفظه : لأنه لا نزاع لاحد في ان القدرة المتعلقة بالايمان مع الايمان والقدرة المتعلقة بالكفر مع الكفر فهو كلام بلا فائدة.


عليه أنّه كان قادرا على شيء فلا يصدق عليه أنّه قادر على الكون في ذلك المضيق لأنّ العرف إنّما يحكم على قدرته إذا كان قبل ذلك قادرا على الكون وعدمه والمفروض خلافه ، فقوله إنّه قادر على الكون في مكانه كذب كما لا يخفى ، على أنّ دعوى الإجماع في ذلك مردود بما ذكره الرّازي في بعض كتبه حيث قال : عند عدّ الاختلافات الواقعة بين المعتزلة والأشاعرة في هذه المسألة ، الاختلاف الثّاني أنّ الممنوع من جميع أضداد الشّيء هل يكون ممنوعا من ذلك الشيء وذلك كمن أحاط به بناء محكم من جميع جوانبه مانع له من الحركة إلى جميع الجهات هل يكون ممنوعا من السكون في ذلك المكان؟ فالذي ذهب إليه الجبائي (١) المنع واستدلّ على ذلك بثلاثة مسالك ، الأوّل أنّه لو لم يكن المحاط به ممنوعا من السّكون لكان مع قدرته عليه متمكّنا منه ، واللازم ممتنع ، وبيان الملازمة أنّه إذا كان قادرا على السّكون وقد عدم كلّ مانع فالتمكّن لازم بالضّرورة ، أمّا بيان انتفاء اللازم فهو أنّ المتمكّن من فعل الشيء يستدعي عندنا أن يكون متمكنا من فعله وتركه ، والسكون غير متمكن من تركه بل هو مضطر إليه على ما لا يخفى «انتهى»

__________________

(١) هو الشيخ ابو على محمد بن ابى هاشم عبد السّلام بن محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان الجبائي ، كان من أكابر المتكلمين وقدوة للمعتزلة ، آرائه ومقالاته مشهورة في الكتب الكلامية ، أخذ العلم عن جماعة ، منهم والده أبو هاشم المذكور ، توفى سنة ٣٠٣ في البصرة وقيل في غيرها.

والجبائيان هما صاحب الترجمة ووالده المذكور ثم لا يخفى أن كثيرا ما يشتبه الأمر وتسند مقالات أبى هاشم هذا الى أبى هاشم العلوي من ذرية محمد بن الحنفية فلا تغفل.

وأبان جد أبى هاشم من موالي عثمان بن عفان على ما في الريحانة (ج ١ ص ٢٥٣)


قال المصنف رفع الله درجته

المطلب الخامس عشر في الإرادة ذهبت الاماميّة وجميع المعتزلة إلى أنّ الإنسان مريد لأفعاله ، بل كلّ قادر فانّه مريد لأنّ الإرادة صفة تقتضي التّخصيص وأنّها نفس الدّاعي ، وخالفت الأشاعرة في ذلك فأثبتوا صفة زائدة عليه وهذا من أغرب الأشياء وأعجبها ، لأنّ الفعل إذا كان صادرا عن الله ومستندا إليه وأنّه لا مؤثّر إلّا الله فأىّ دليل يدلّ حينئذ على ثبوت الإرادة وكيف يمكنهم ثبوتها لنا؟ لأنّ طريق الإثبات هو أنّ القادر كما يقدر على الفعل كذلك يقدر على التّرك ، فالقدرة صالحة للإيجاد والتّرك ، وإنّما يتخصّص أحد المقدورين بالوقوع دون الآخر بأمر غير القدرة الموجودة وغير العلم التّابع ، فالمذهب الذي اختاروه لأنفسهم سدّ عليهم ما علم وجوده بالضرورة ، وهو القدرة والإرادة فلينظر العاقل المنصف من نفسه هل يجوز له اتباع من ينكر الضّروريات ويجحد الوجدانيات وهل يشكّ عاقل في أنه قادر مريد؟ وأنه فرق بين حركاته الاختيارية (الارادية خ ل) وحركته الجمادية؟ وهل يسوغ لعاقل أن يجعل مثل هؤلاء وسائط بينه وبين ربه وهل تتمّ له المحاجة عند الله تعالى بأني اتبعت هؤلاء ولا يسئل يومئذ كيف قلّدت من تعلم بالضرورة بطلان قوله؟ وهل سمعت تحريم التقليد في الكتاب العزيز (١) مطلقا فكيف لأمثال هؤلاء؟ فما يكون جوابه غدا لربّه؟ (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ) (٢) ، وقد طوّلنا في هذا الكتاب ليرجع الضّال عن زلله ، ويستمر المستقيم على معتقده.

__________________

(١) والآيات الدالة على ذم التقليد في الاعتقاديات كثيرة ، منها قوله تعالى في سورة الزخرف. الآية ٢٣ : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ).

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة يس. الآية ١٧.


قال النّاصب خفضه الله

أقول : هذا المطلب لا يتحصّل مقصوده من عباراته الرّكيكة ، والظاهر أنّه أراد أنّ الأشاعرة لا يقدرون على إثبات صفة الإرادة لأنّ إسناد الفعل إلى الله وأنّه لا مؤثّر إلا هو يوجب عدم إثبات صفة الإرادة ، وقد علمت فيما سلف بطلان هذا ، فانّ وجود القدرة والإرادة في العبد معلوم بالضرورة ، وكونهما غير مؤثّرتين في الفعل لا يوجب عدم ثبوتهما في العبد كما مرّ مرارا والله أعلم ، وما ذكره من الطّامّات قد كرّره مرّات ، ومن كثرة التطويل الذي كلّه حشو حصل له الخجل وما احسن ما قلت في تطويلاته شعر :

وقد طوّلت والتطويل حشو

وفيما قلته نفع قليل

وقالوا الحشو لا التطويل لكن

كلامك كله حشو طويل

أقول

قد بيّنا سابقا بطلان ما ذكره الناصب فيما سلف على وجه لا مزيد عليه ولا تتوجّه مناقشة إليه فتذكر. وأما ما نسبه إلى المصنّف من الطامّات وإيراد الحشو في العبارات فهو إنّما يليق بأصحابه الحشو الملقّبين بالحشويّة (١) ، وحاشا عن أن يوجد في كلام المصنّف العلم العلّامة حشو أو تطويل لا يؤدّي إلى طائل كما لا يخفى على فصيح عن التعصّب مائل (٢) ، وإنّما نسبه الناصب إلى التطويل لبعده عن فهم كلام أهل التحصيل وكونه عن المصنّف في فزع وعويل مع أنّ في شعره المبرود

__________________

(١) قد مر المراد بهم في (ج ١ ص ١٧٥).

(٢) مال ان عديت ب (الى) أفادت التوجه الى الشيء وان عديت ب (عن) أفادت الاعراض عنه.


ما لا يخفى من الحشو المردود ، أما في البيت الأوّل فلأنّ قوله التطويل حشو غير صحيح لما حقّق (١) من مغايرتهما في علم المعاني ، فيكون تطويلا بلا حشوا وأما في البيت الثاني فلأنّ قوله طويل حشو لا يناسب مقصوده ، لأنّ المردود هو التطويل لا مطلق الكلام الطويل ، وها أنا أقول في مقابلة ما أنشده من شعره الحشو الذّميم مخاطبا إيّاه بما يستحقّه من الطعن والشّتم الأليم شعر :

أراك على شفا جرف عظيم

بما أوعيت جوفك من قضيم (٢)

لعلّك أنت لم ترزق أديبا

لكي يعركك عركا (٣) للأديم (٤)

وأنت الحشو تعزى الحشو جهلا

إلى عالى كلام من عليم

براعته (٥) كوحى من كلام

يراعته (٦) عصا ليد الكليم

أما أنت الذي أكثرت لحنا

وقد تنعق (٧) نعيقا كالبهيم

وكم ألفت من لفظ ركيك

وكم رتّبت من قول عقيم

لأوهن من بيوت العنكبوت (٨)

وأهون من قوى العظم الرّميم

__________________

(١) قال المحقق التفتازاني في شرحه المختصر على تلخيص المفتاح : التطويل ان يزيد اللفظ على الأصل المراد لا لفائدة ولا يكون اللفظ الزائد معينا. والحشو ان يزيد اللفظ على الأصل المراد لا لفائدة ويكون اللفظ الزائد معينا.

(٢) علف الدابة.

(٣) عرك الأديم : دلكه.

(٤) الجلد المدبوغ.

(٥) برع براعة : فاق علما أو فضيلة أو جمالا.

(٦) واحدة اليراع : القصب.

(٧) نعق نعيقا الغراب : صاح.

(٨) اقتباس من قوله تعالى في سورة العنكبوت. الآية ٤١.


لتبلع دائما من جوع جهل

فضولا قاءه (١) طبع اللّئيم

تعيد القول من سلف إلى من

مرارا ردّه ردّ المليم (٢)

كفاية أنّه في سالف الدّهر

جرى مجرى الكلام المستقيم

كمن يأكل خرى من غاية الحمق

لما قد كان خبزا في القديم

لقد أنشدت وأنشدنا جزاء

فذق ما أنت بالعزّ الكريم (٣)

جزاء عاجل هذا ولكن

ستصلى آجلا نار الجحيم (٤)

لقد هاجت لدين الله نفسي

فعذري واضح عند الكريم

وماج الطبع مع حلمي وحسبي

معاذ الله من غضب الحليم

قال المصنف رفع الله درجته

المطلب السادس عشر في المتولد ، ذهبت الامامية إلى أنّ المتولد (٥) من أفعالنا مستند إلينا ، وخالف أهل السنّة في ذلك وتشعبّوا في ذلك وذهبوا كلّ مذهب

__________________

(١) قاءه قيئا : ألقاه من فمه.

(٢) فعيل بمعنى المفعول من لام يلوم ملامة أى عذل.

(٣) اقتباس من قوله تعالى في سورة الدخان. الآية ٤٩ ،

(٤) هو بمعنى جهنم وكل مكان شديد الحر.

(٥) ونعم ما قال الشريف الحجة الآية محمد الباقر الطباطبائى قدس‌سره في المقام.

الفعل ان اولد فعلا انتسب

كلاهما الى مباشر السبب

ولا يريب من له شعور

في أنه كاصله مقدور

ولا ينافي كونه مقدوره

وجوبه العارض بالضرورة

وقال الشريف الجائسى «قده» :

وما من الأفعال قد تولدا

لقد غدا للفاعلين مسندا

لحسن مدحهم وحسن الذم

لهم عليه عند أهل الحلم


فزعم معمّر (١) أنّه لا فعل للعبد إلّا الإرادة وما يحصل بعدها فهو من طبع المحل وقال بعض المعتزلة : لا فعل للعبد إلا الفكر ، وقال النظام (٢) لا فعل للعبد إلّا ما يوجده في محلّ قدرته وما تجاوزها فهو واقع بطبع المحلّ ، وذهبت الاشاعرة إلى أنّ المتولد من فعل الله ، وقد خالف الكلّ ما هو معلوم بالضّرورة عند كلّ عاقل فانّا نستحسن المدح والذّم على المتولد كالمباشر للكتابة والبناء والقتل وغيرها ، وحسن المدح والذّم فرع على العلم بالصّدور عنّا ، ومن كابر في حسن مدح الكاتب والبناء المجيدين في صنعتهما المتبوعين فيهما (المتبرعين بها خ ل) فقد كابر

__________________

ويلحق الوجوب للمسبب

بالغير من بعد اختيار السبب

وليس في ذم الذي القى الصبى

فأحرقته النار ذات اللهب

للخصم ما يغنيه في الاملاق

إذ ذا على الإلقاء لا الإحراق

والاولى احالة المسألة الى وجدان العرف وفهم العقلاء حيث تراهم لا يتوقفون في استناد الأفعال التوليدية الى مباشرى أسبابها مع كون الدواعي والإرادات متوجهة غالبا الى المسببات وهي العلل الغائية لصدور الأسباب كما هو واضح عند من نبذ الشبهات هنيئة وتجرد عن شعار الاعتساف ودثار الجهل عصمنا الله منهما آمين.

(١) هو معمر بن عباد السلمى قال الشهرستاني في الملل (ج ١ ص ٨٩) ما لفظه : انه أعظم القدرية في تدقيق القول بنفي الصفات ونفى القدر خيره وشره من الله والتكفير والتضليل على ذلك وانفرد عن أصحابه بمسائل الى آخر ما قال.

وعد منها انكار قدمه تعالى

ومنها انه تعالى لم يخلق غير الأجسام

ومنها عدم تناهى الاعراض الى غير ذلك فراجع.

(٢) هو ابراهيم بن سيار بن هاني أبو إسحاق البصري من رؤساء المعتزلة ، أخذ عنه الجاحظ وهو عن خاله أبى الهذيل ، وله تصانيف في الكلام ومقالات مشهورة ، واليه تنسب الطائفة النظامية من المعتزلة ، قال في الريحانة (ج ٤ ص ٢٠٧) : انه توفى سنة ٢٣١ وعندي في ذلك نظر فتأمل.


مقتضى عقله «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : اعلم أنّ المعتزلة لمّا أسندوا أفعال العباد إليهم ورأوا فيها ترتّبا قالوا بالتّوليد : وهو أن يوجد فعل لفاعله فعلا آخرا نحو حركة اليد وحركة المفتاح والمعتمد في إبطال التّوليد عند الأشاعرة استناد جميع الممكنات إلى الله تعالى ابتداء وأمّا ترتّب المدح والذّمّ للعبد فلأنّه محل للفعل ومباشر وكاسب له وكذا ما يترتب على فعله ، وإن أحدثه الله تعالى بقدرته فلا يلزم مخالفة الضّرورة كما مرّ مرارا «انتهى».

أقول

ما اعتمد عليه مهدوم بما بيّنّاه مرارا من استناد بعض الممكنات كقبائح الأفعال إلى العبد دونه تعالى ، وبما أوضحناه من إبطال القول بالكسب وأنّه لا يؤدّي إلى طائل ولا يرجع إلى حاصل فتذكر واستقم (١) كما أمرت.

قال المصنف رفع الله درجته

المطلب السابع عشر : في التّكليف ، لا خلاف (٢) بين المسلمين في أنّ الله كلّف

__________________

(١) مأخوذ من قوله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ).

(٢) ونعم ما قال الشريف الجائسى الحائرى الهندي في المقام.

واعتبرت في حسنه شروط.

فحسنه بكلها مضبوط.

اى التكليف

خلوه عن جهة الفساد

لكونه ظلما على العباد

وان يكون قبل وقت العمل

ليمكن الإيجاد في المستقبل

وان يكون ممكنا إيجاده

كى يستتب خارجا مراده

وان يكون الفعل ذا رجحان

في الفعل أو في الترك لا سيان


عباده فعل الطاعات واجتناب المعاصي ، وأنّ التّكليف سابق على الفعل ، وقالت الأشاعرة هاهنا مذهبا غريبا عجيبا : وهو أنّ التّكليف بالفعل حالة الفعل لا قبله وهذا يلزم منه محالات «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : لمّا ذهبت الأشاعرة إلى أنّ القدرة مع الفعل والتّكليف لا يكون إلّا حال القدرة ، فيلزم أن يكون التكليف مع الفعل ، وهذا شيء لزم من القول الأوّل «انتهى».

أقول

قد عرفت إبطالنا للقول الأوّل ، فيلزم إبطال ما لزم منه من القول الثّاني والله المستعان.

قال المصنف رفع الله درجته

وهذا يلزم منه محالات ، المحال الاول أن يكون التّكليف بغير المقدور ، لأنّ الفعل حالة وقوعه يكون واجبا والواجب غير مقدور «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : لا نسلّم أنّ الواجب غير مقدور مطلقا ، بل ما أوجبته القدرة الحادثة فهو

__________________

وان يكون قادرا من كلفا

على الذي غدا به مكلفا

وعالما به ولو بالقوة

وواجدا لما يفيد القوة

الى آخر ما أفاد ، فلله دره حيث أشار الى شروط حسن التكليف ومنها تقدمه على المتعلق الذي هو مورد البحث فاحفظ وكن من الشاكرين.

ثم ان بعض المتكلمين من أصحابنا كشيخنا العلامة الفاضل المقداد قد نسب في كتابه ارشاد الطالبين (ص ١٣٦ ط هند) قبح التكليف حتى مع اجتماع شرائط حسنه الى البراهمة من الهند وغيره في غيره فلاحظ.


مقدور لتلك القدرة التي أوجبها ، وكذلك فعل العبد بعد الحصول ، فيكون مقدورا ، وإذا صار مقدورا تعلّق به التكليف ولا محذور فيه «انتهى».

أقول

هذا المنع مكابرة بل مخالف لإجماع العقلاء ، كيف ولو كان الواجب مقدورا لكان حركة المرتعش والسّاقط من المنارة مثلا مقدورا أيضا وهو سفسطة لا تخفى.

قال المصنف رفع الله

المحال الثاني يلزم أن لا يكون أحد عاصيا البتة ، لأنّ العصيان مخالفة الأمر ، فإذا لم يكن الأمر ثابتا إلا حالة الفعل وحالة العصيان هي حال عدم الفعل فلا يكون مكلّفا حينئذ وإلا لزم تقدّم التكليف على الفعل وهو خلاف مذهبهم ، لكنّ العصيان ثابت بالإجماع ونصّ القرآن ، قال الله تعالى : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) (١) (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) (٢) (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) (٣) ويلزم انتفاء الفسق الذي هو الخروج من الطاعة أيضا ، فلينظر العاقل لنفسه هل يجوز لأحد تقليد هؤلاء الذين طعنوا في الضّروريّات فانّ كلّ عاقل يعلم بالضّرورة من دين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم أنّ الكافر عاص وكذا الفاسق (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (٤) فأىّ سداد في هذا القول المخالف لنصوص القرآن «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : الأمر عندنا قديم أزليّ فكيف ينسب إلينا أنّ الأمر عندنا لم يكن ثابتا

__________________

(١) طه. الآية ٩٣.

(٢) الكهف. الآية ٦٩.

(٣) يونس. الآية ٩١.

(٤) الأحزاب. الآية ٧١.


إلا حالة الفعل ، وأما قوله : حالة العصيان حال عدم الفعل فنقول : ممنوع لأنّ الأمر إذا توجّه إلى المكلّف وتعلّق به فهو إمّا أن يفعل المأمور أو لا يفعل ، فان فعل المأمور فهو مطيع ، وإن فعل غيره فهو عاص ، فالطاعة والعصيان يكونان مع الفعل ، والتّكليف حاصل معه ، فكيف يصحّ أن يقال : إنّ العصيان حال عدم الفعل والعصيان صفة الفعل وحاصل معه؟ والحاصل أنّ عصيان الأمر مخالفة وإذا صدر الفعل عن المكلّف فان وافق الأمر فهو طاعة وإن خالفه فهو عصيان ، فالعصيان حاصل حال الفعل ولا يلزم أصلا من هذا الكلام أن لا يكون العصيان ثابتا ، وأما قوله : والعصيان ثابت وإقامة الأدلة على هذا المدّعي فهو من باب طامّاته وإقامته الدّلائل الكثيرة على مدّعى ضروري في الشّرع متّفق عليه «انتهى».

أقول

يظهر من كلام الناصب هاهنا أنّه جاهل بمذهبه أيضا ، فانّ الأمر الذي ذهب أصحابه إلى قدمه هو الأمر المعنوي الذي لا معنى له كما سيجيء تحقيقه في مسائل اصول الفقه دون الأمر التنجيزي ، والتكليف إنّما هو بالأمر التنجيزي لظهور أنّ المكلّف لا اطلاع له على الأمر المعنوي الأزلي ، وأما ما ذكره من منع ما زعمه قول المصنّف وهو أنّ حالة العصيان حالة عدم الفعل فهو منع وارد ، لكن نعلم قطعا أنّ الناصب خان في النّقل ، وإنّما قول المصنّف إنّ العصيان حال عدم الأمر ، وهذا هو الذي يرتبط به باقي كلام المصنّف ولم يقبل المنع كما لا يخفى ، وكيف يقول فاضل فضلا عن المصنّف العلّامة : إنّ العصيان حال عدم الفعل مع أنّ العصيان ليس إلا فعل المعصية كما ذكره الناصب أيضا ، وأما إقامة المصنّف الأدلّة الكثيرة على المدّعى الضّروري ، فضروريّ له لأنّ الكلام مع من كان من شأنّه المكابرة على


الضّروري ، فيلزمه سوق الكلام على قدر فهمه (١) ، والتكلّم معه على مقدار عقله لما قد قيل شعر :

صد پرده پست كرده ام آهنگ قول خويش

تا بو كه اين سخن بمذاق تو در شود

قال المصنف رفع الله درجته

الثالث : لو كان التكليف حالة الفعل خاصّة لا قبله لزم إمّا تحصيل الحاصل أو مخالفة التقدير ، والتّالي باطل بقسميه بالضرورة فالمقدّم مثله ، بيان الشرطيّة أنّ التكليف إمّا أن يكون بالفعل الثّابت حالة التكليف أو بغيره ، والأوّل يستلزم تحصيل الحاصل ، والثّاني يستلزم تقدّم التكليف على الفعل وهو خلاف الفرض ، وأيضا هو المطلوب وأيضا يستلزم التكرار «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : نختار أنّ التكليف بالفعل الثّابت حالة التكليف ، قوله يستلزم تحصيل الحاصل قلنا : تحصيل الحاصل بهذا التحصيل ليس بمحال وهاهنا كذلك ، لأنّ التكليف وجد مع القدرة والفعل فهو حاصل بهذا التحصيل ، فلا محذور «انتهى».

أقول

يكفي في إظهار عناد النّاصب كلام الفاضل البدخشي الحنفي (٢) في شرحه للمنهاج

__________________

(١) هذا المضمون قد ورد في عدة أحاديث من طرق الفريقين ، منها ما تقدم في الجزء الاول ص ٧٣ عن الجامع الصغير للسيوطي.

ومنها ما نقله المحدث الخبير والعالم النحرير حجة الإسلام الحاج الشيخ عباس القمي في كتاب سفينة البحار (ج ٢ ص ٢١٤ ط النجف الأشرف) في مادة عقل عن الصادق عليه‌السلام ما كلم رسول الله «ص» العباد بكنه عقله قط قال رسول الله (ص) انا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم.

(٢) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء.


حيث قال : أقول : والحقّ في هذه المسألة أنّ التّكليف قبل المباشرة وإلا لزم أن لا يكون الكافر حال كفره مكلّفا بالايمان وتارك الصّلاة بالصّلاة بعد دخول الوقت ، وأن لا يذمّ تارك المأمور به أصلا : وقال الشارح العضدي (١) فرارا عن الزّحف (٢) جاعلا المناقشة لفظيّة : لا خلاف في ثبوت التكليف بالفعل قبل حدوثه وينقطع بعد الفعل ، وإنّما الخلاف في أنّه هل هو باق حال حدوثه لا ينقطع أم لا إلخ ، وأما ما ألزمه المصنّف من لزوم تحصيل الحاصل فهو ممّا ذكره الشارح العضدي في هذا المقام بعبارة أخرى ، وهي لزوم إيجاد الموجود ، وأجاب عنه الفاضل التفتازاني (٣) والشارح البدخشي للمنهاج بما ذكره النّاصب هاهنا ظنّا منه أنّه وجد تمرة الغراب

__________________

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء.

(٢) ولا يخفى لطف التعبير بالزحف التي هي من الكبائر.

(٣) هو العلامة المتكلم الأصولي الأديب الشاعر البارع المولى سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله الهروي الشافعي المتوفى سنة ٧٩٢ وقيل ٧٩٣ ، أخذ العلوم واكتسب عن جماعة منهم العلامة المحقق قطب الدين الرازي ، ومنهم العلامة القاضي عضد الدين الإيجي الشيرازي وغيرهما ، له تصانيف وتآليف رائقة ككتاب المقاصد في علم الكلام والشرح على العقائد للنسفى ، وكتاب السعدية في شرح الشمسية في الميزان للكاتبى القزويني وشرح على العزية في الصرف لعز الدين الزنجاني وكتاب التهذيب في المنطق والكلام وشرح على أربعين حديثا للشيخ النووي ، والمطول في شرح تلخيص المفتاح وهو أشهر آثاره بحيث صار مركز الإفادة والاستفادة وعندي أنه أحسن من عروس الأفراح ونشأة الراح وغيرهما من شروح التلخيص من حيث التحقيق والتعمل والتدقيق ، وعلق العلماء من الفريقين تعاليق وحواشي عليه كحاشية العلامة الشريف الجرجاني وحاشية المولى حسن الچلبى وحاشية عبد الحكيم السيالكوتى وحاشية الخواجة أبى القاسم السمرقندي وحاشية شيخنا البهائى وحاشية سلطان العلماء السيد حسين الحسيني المرعشي وحاشية الفاضل الهندي وحاشية السيد عليخان المدني لم تتم ولنا تعليقة


أو مسّ عرب الأتراب (١) مع أنّه غير متوجّه على عبارة الكتاب ، وذلك لأنّ اللازم من كون التّكليف بالفعل الثابت الموجود حال التكليف كما ذكره المصنّف هو تحصيل الحاصل الثابت بتحصيل سابق على هذا التحصيل لا بنفس هذا التحصيل كما لا يخفى ، وسيجيء لهذا مزيد إيضاح في المسائل الاصولية إن شاء الله تعالى.

قال المصنف رفع الله درجته

المطلب الثامن عشر : في شرائط التكليف : ذهبت الإماميّة إلى أنّ شرائط التكليف

__________________

لطيفه مختصرة عليه سميناها بالمعول في امر المطول لم تتم ، وحاشية الميرزا محمد آل داود الهمداني نزيل مشهد الكاظمين عليهما‌السلام الى غير ذلك من الحواشي والشروح وللمترجم أشعار رائقة منها قوله في تعداد عدة من الاضداد في لغة العرب.

ده لفظ از نوادر ألفاظ بر شمر

هر لفظ را دو معنى وآن ضد يكدگر

جون وصريم وسدفه وظن است وشف وبين

قرء است وهاجد وجلل ورهوه اى پسر

ولا يخفى ان الجون مشترك بين الأبيض والأسود ، والصريم بين الصباح والمساء ، والسدفة بين النور والظلمة ، والظن بين الشك واليقين ، والشف بين القليل والكثير والبين بين الوصل والفصل ، والقرء بين الطهر والحيض ، والهاجد بين النائم واليقظان ، والجلل بين الصغير والكبير ، والرهوة بين الارتفاع والانخفاض.

ثم ان وفاة المترجم كانت بسرخس من بلاد خراسان وتفتازان قرية من قرى بلدة (نسا) وله عقب بتلك الديار نبغ بينهم جمع من العلماء والأدباء والأطباء والحكماء.

أشهرهم شيخ الإسلام المشتهر بالحفيد وهو المولى أحمد بن يحيى بن مسعود بن عمر المذكور له تآليف في الفنون المتنوعة منها كتاب أورد فيه من كل علم ما لا محيص عنه قتل سنة ٩١٦.

(١) متخذ من قوله تعالى في سورة الواقعة. الآية ٣٧.


ستّة الاول وجود المكلّف (١) لامتناع تكليف المعدوم ، فانّ الضرورة قاضية بقبح أمر الجماد وهو إلى الإنسان أقرب من المعدوم ، وقبح أمر الرّجل عبيدا يريد أن يشتريهم وهو في منزله وحده ويقول : يا سالم قم ، ويا غانم كل ، ويعدّه كلّ عاقل سفيها وهو إلى الإنسان الموجود أقرب ، وخالفت الاشاعرة في ذلك فجوّزوا تكليف المعدوم ومخاطبته والاخبار عنه فيقول الله تعالى : في الأزل (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (٢) ولا شخص هناك ويقول (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (٣) ولا نوح هناك ، وهذه مكابرة في الضرورة «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت جواب هذا في مبحث إثبات الكلام النفساني وأنّ الخطاب موجود في الأزل قبل وجود المخاطبين بحسب الكلام النفساني ويحدث التعلّق عند وجودهم ولا قبح في هذا ، فانّ من زوّر في نفسه كلاما ليخاطب به العبيد الذين يريد أن يشتريهم بأن يخاطبهم بعد الاشتراء لا يعدّ سفيها ، ثم ما ذكر أنّ الأشاعرة

__________________

(١) لا يخفى أن هناك مسائل وقع الخلاف فيها منها جواز مخاطبة المعدوم بإلقاء الكلام نحوه للتفهيم كالخطابات المتوجهة الى الموجودين. ومنها توجيه التكليف نحو المعدوم كالموجود ومنها إنشاء الكلام لا بداعي التفهيم ولا التكليف فعلا ، وأصحابنا معاشر الامامية وجماعة الزيدية وأكثر المعتزلة ذهبوا إلى الامتناع في المسألتين الأوليين وذهب أكثر الاشاعرة الى الجواز فيهما خالفهم أبو عذبة صاحب الروضة البهية فوافق أصحابنا والمعتزلة ، وأما الثالثة فقد ذهب عدة الى الجواز ، ومن رام تفصيل ذلك فليراجع الى مبحث الخطابات الشفاهية في علم الأصول يجد بها انشودته الضالة هناك.

(٢) متخذ من القرآن في سورة البقرة. الآية ٢١.

(٣) متخذ من القرآن في سورة نوح. الآية ١.


جوّزوا تكليف المعدوم ، فهذا ينافي ما أثبته في الفصل السابق ، أنهم يقولون : إنّ التكليف مع الفعل ، وليس قبله تكليف ، فإذا كان وجود التكليف عند الأشاعرة مع الفعل ، فهل يجوز عندهم أن يقولوا بتكليف المعدوم؟.

أقول

قد بينا عند إبطال الكلام النفساني أنّ الكلام النفسي يرجع إلى العلم كما يدلّ عليه أيضا قول الناصب هاهنا : فانّ من زوّر في نفسه كلاما ليخاطب به إلخ والكلام هاهنا في صحة الخطاب والأمر والنهي ، فإثبات الكلام النفسي على الوجه المذكور لا يدفع قبح الأمر والخطاب في الأزل ، ولو أريد بالكلام النفسي الأزلي ما يتحقق في ضمن الخطاب والأمر فهو كالخطاب والأمر قبيح غير معقول أيضا كما لا يخفى ، ثم ما ذكره من أنّ ما نسب المصنّف إلى الأشاعرة من جواز تكليف المعدوم ينافي ما نسبه إليهم سابقا من أنّ التكليف مع الفعل مردود ، بأنّ غاية ما يلزم من ذلك توجّه اعتراض آخر على الأشاعرة بتنافي أقوالهم لا على المصنّف ، نعم لو لم يثبت النقل في أحد الموضعين لتوجّه على المصنّف أنّه خان في النّقل ، وهو بحمد الله تعالى بريء عن ذلك كما لا يخفى على المتتبّع ، والله أعلم.

قال المصنّف رفع الله درجته

الثاني : كون المكلّف عاقلا فلا يصحّ تكليف الرّضيع ولا المجنون المطبق ، وخالفت الأشاعرة في ذلك ، وجوّزوا تكليف هؤلاء ، فلينظر العاقل هل يحكم عقله بأن يؤاخذ المولود حال ولادته بالصّلاة وتركها وترك الصّوم والحجّ والزّكاة ، وهل يصحّ مؤاخذة المجنون المطبق على ذلك انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : مذهب الأشاعرة أنّ القلم مرفوع عن الصّبي حتّى يبلغ الحلم وعن المجنون


حتّى يفيق ، وما ذكره افتراء محض كما هو عبادته في الافتراء والكذب والاختراع «انتهى».

أقول

ما ذكره مضمون الحديث (١) لا مذهب الأشاعرة والدّليل عليه أنّهم جوّزوا تكليف المعدوم كما مرّ قبيل ذلك ، فلا يستبعد منهم القول بجواز تكليف الصّبي والمجنون بل تكليفهما أولى بالجواز من تكليف المعدوم كما لا يخفى ، وكيف ينكر ذلك مع ذكر احتجاجهم والردّ عليهم في كتب الأصول فانّهم احتجّوا بأنّ الأمر بالمعرفة إن توجّه على العارف لزم تحصيل الحاصل ، وإلا ثبت المطلوب ، لاستحالة معرفة الأمر قبل معرفة الآمر وبأنّ الغرامة تجب على الصبي والمجنون ولقوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) والجواب أنّ المعرفة واجبة عقلا لا بالأمر وإيجاب الغرامة لا يستلزم الوجوب على المجنون والصّبي ، فانّ وجوب ضمان قيمة التّلف وثبوت الزكاة في أموالهم لا يتعلّقان بأفعالهم وليس ذلك تكليفا لهم ، بل هو من باب الأسباب والمكلّف بإخراجها الوليّ ، وصلاة المميّز غير مأمور بها من جهة الشّارع بل من جهة الولي ، وخطابه مفهوم للصبيّ بخلاف خطاب الشّارع ، وبأنّ المراد بالسّكران هاهنا من ظهرت منه مبادي الطرب ولم يزل عقله وهو الثّمل (٢) ، وأيضا قال الشّارح البدخشي للمنهاج عند قول المصنّف : المسألة الثانية

__________________

(١) رواه صاحب التاج الجامع الأصول (ج ١ ص ١٥٤ ط مصر) عن أبى داود والنسائي والحاكم بأسانيدهم المنتهية ، الى على عليه‌السلام عن النبي (ص) قال : رفع القلم عن ثلاثة ، عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ، وورد في الجامع الصغير للسيوطي (الجزء الاول ص ٦٠٠) عن على عليه‌السلام وعن عائشة.

(٢) بفتح الثاء المثلثة وكسر الميم : من أخذه شرب المسكر.


لا يجوز تكليف الغافل من أحال تكليف المحال : وأمّا القائلون بجواز التكليف بالمحال فقد اختلفوا فيه ، فالجمهور ذهبوا إلى جوازه ومنعه بعضهم إلخ ، ولا ريب أنّ المجوّزين للتكليف بالمحال هم الأشاعرة وتكليف الغافل يشمل تكليف الصبيان والمجانين ، فصحّ ما نسبه المصنّف هاهنا إليهم كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع الله درجته

الثالث فهم المكلّف ، فلا يصحّ تكليف من لا يفهم الخطاب قبل فهمه ، وخالفت الأشاعرة في ذلك ، فلزمهم التكليف بالمهمل وإلزام المكلّف معرفته ومعرفة المراد منه مع أنّه لم يوضع لشيء البتّة ولا يراد منه شيء أصلا ، فهل يجوز للعاقل أن يرضى لنفسه المصير إلى هذه الأقاويل؟ «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : مذهب الأشاعرة أنّه لا يصحّ خطاب المكلّفين بما لا يفهمونه ممّا يتعلّق بالأمر والنّهى ، وما لا يتعلّق به اختلف فيه ، فذهب جماعة منهم إلى جواز المخاطبة بما لا يفهمه المكلّف كالمقطّعات في أوائل السّور ، ولكن ليس هذا مذهب العامّة «انتهى».

أقول

كفى في صدق كلام المصنّف كون ذلك مذهبا لجماعة من الأشاعرة كما اعترف النّاصب وأمّا التشنيع في ذلك فراجع إلى الكلّ بدليل قول شاعرهم :

چه از قومي يكى بى دانشى كرد

نه كه را منزلت مانده نه مه را

قال المصنّف رفع الله درجته

الرابع : إمكان الفعل (١) من المكلّف فلا يصحّ التّكليف بالمحال ، وخالفت

__________________

(١) اعلم أن مخالفة الاشاعرة في هذه المسألة مبنية على ما أصلوه في باب العقليات من


الأشاعرة فيه ، فجوّزوا تكليف الزّمن الطيران إلى السماء ، وتكليف العاجز خلق مثل الله تعالى وضدّه وشريكه وولد له ، وأن يعاقبه على ذلك ، وتكليفه الصعود إلى السطح العالي بأن يضع رجلا في الأرض ورجلا على السطح ، وكفى من ذهب إلى هذا نقصا في عقله وقلّة في دينه وجرما عند الله تعالى ، حيث نسبه إلى إيجاد ذلك ، بل مذهبهم أنّه تعالى لم يكلّف أحدا إلا بما لا يطاق ، وترى ما يكون جواب هذا القائل إذا وقف بين يدي الله تعالى وسأله كيف ذهبت إلى هذا القول وكذّبت القرآن العزيز وأنّ فيه (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١) «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت في الفصل الذي ذكر فيه بيان تكليف مالا يطاق ، أنّ مالا يطاق على ثلاث مراتب ، ولا يجوز التّكليف بالوسطى دون الثالثة والاولى واقعة بالاتّفاق كتكليف أبي لهب بالايمان وهذا بحسب التّجويز العقلي ، والاستقراء يحكم بأنّ التكليف بما لا يطاق لم يقع ، ولقوله تعالى (٢) : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، هذا مذهب الأشاعرة ، والعجب من هذا الرجل أنه يفترى الكذب ثمّ يعترض عليه فكأنّه لم يتّفق له مطالعة كتاب في الكلام على مذهب الأشاعرة وسمع عقائدهم

__________________

انكار الحسن والقبح العقليين ، فارتكبوا خلاف بديهة العقل فتفرع عليه القول بالمناكير في كثير من المسائل كالمسألة المبحوثة عنها فيما نحن فيه والا فاشتراط إمكان الفعل من المكلف مما لا ينبغي البحث عنه ، وقد ألجأ المصنّف العلامة اليه ما ارتكبته الاشاعرة من مخالفة بديهة العقل.

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة البقرة. الآية ٢٨٦.

(٢) البقرة. الآية ٢٨٦.


من مشايخه من الشّيعة ، وتقرّر بينهم أنّ هذه عقائد الأشاعرة ، ثمّ لم يستحي من الله ومن النّاظر في كتابه وأتى بهذه التّرهات والمزخرفات «انتهى».

أقول

قد سبق في الفصل الذي ذكره النّاصب أنّ تفصيل المراتب على الوجه الذي ذكره لا يسمن ولا يغني من جوع ، وأنّ ما ظنّه افتراء من المصنّف عليهم من قبيل أنّ بعض الظنّ إثم ، لكنّ النّاصب العاجز المسكين حيث لا يقدر على إخراج نقد من كيسه يموّه للشّغب ، (١) فتارة يعيد المزيف من كلام أصحابه ، وتارة ينكر مذهبه ، وأخرى يطير من غصن إلى غصن ، ولا محيص له بشيء من ذلك إن شاء الله تعالى.

قال المصنّف رفع الله درجته

الخامس أن يكون الفعل ما يستحق به الثواب ، وإلا لزم العبث والظلم على الله تعالى ، وخالفت الأشاعرة فيه فلم يجعلوا الثّواب مستحقا على شيء من الأفعال ، بل جوّزوا التّكليف بما يستحقّ عليه العقاب وأن يرسل رسولا يكلّف الخلق فعل جميع القبائح وترك جميع الطاعات ، فلزمهم من هذا أن يكون المطيع المبالغ في الطاعة من أسفه النّاس وأجهل الجهلاء من حيث يتعب بماله وبدنه في فعله شيئا ربّما يكون هلاكه فيه ، وأن يكون المبالغ في المعصية والفسوق أعقل العقلاء ، حيث يتعجّل اللّذة ، وربّما كان تركها سبب الهلاك وفعلها سبب النّجاة ، فكان وضع المدارس والرّبط والمساجد من أنقص التّدبيرات البشريّة حيث يخسر الأموال فيما لا نفع له فيه ولا فائدة عاجلة ولا آجلة «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : شرط الفعل الذي يقع به التّكليف أن يكون ممّا يترتّب عليه الثّواب في

__________________

(١) تهييج الشر.


عادة الله تعالى لا أنّه يجب على الله تعالى إثابة المكلف المطيع ، لأنّه لا يجب عليه شيء ، بل جرى عادة الله تعالى بإعطاء الثواب عقيب العمل الصّالح ، وليس للمكلفين على الله دين يجب عليه قضاءه ، ولو كان الأمر كذلك للزم أن تكون العباد متاجرين (١) معاملين مع الله كالاجراء الذين يأخذون أجرتهم عند الفراغ من العمل ولو لم يعط الموجر أجرتهم لكان ظالما وجائرا ، وهذا مذهب باطل لا يذهب إليه من يعرف نعم الله تعالى على عباده ويعرف علوّ الشّان الإلهي ، وأنّ النّاس كلهم عبيد له ، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، وليس لهم عليه حق ولا استحقاق بل الثّواب بفضله وجرى عادته أن يعطي العبد المطيع عقيب طاعته كما جرى عادته بإعطاء الشبع عقيب أكل الخبز ، وهل يحسن أن يقال : إذا لم يجب على الله تعالى إعطاء الشّبع عقيب أكل الخبز يموت الناس من الجوع؟ كذلك لا يحسن أن يقال لو لم يجب على الله تعالى إثابة المطيع وجزاء العاصي لارتفع الفرق بين المطيع والعاصي ، ولكان فعل الخيرات وإثارة المبرّات ضائعا عبثا لأنّا نقول : جرت عادة الله التي لا تتخلّف إلّا بسبيل الخرق على إعطاء الثواب للمطيع من غير أن يجب عليه شيء ، فلم يرتفع الفرق بين المطيع والعاصي كما جرى عادته بإعطاء الشبع عقيب أكل الخبز ، فهل يكون من أكل الخبز فشبع كمن ترك أكل الخبز فجاع؟ «انتهى».

أقول

قد بيّنا سابقا انهدام البناء على العادة ، فلا حاجة إلى الاعادة ، وكذا سبق الكلام في أنّ الوجوب الذي يدّعيه أهل العدل ليس معناه ما زعمته الأشاعرة ، وإنّما المعنى به ما يحكم به صحيح العقل ويؤيده صريح النّقل ، ومنه قوله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ

__________________

(١) متاجرين جمع متاجر من تاجر يتاجر وفي بعض النسخ المخطوطة تاجرين.


فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ، ولا يلزم من الوجوب بالمعنى المشار إليه أن يكون الجزاء كالدّين وإن جاز أن يكون بعض العطايا في ذمّة همّة الجواد الحكيم كالدّين ، وأما لزوم كون العباد متاجرين معاملين ، فلا مانع من العقل والنّقل في التزامه لأنّ الله تعالى هو الذي أرشدهم إلى التجارة والمعاملة والقرض ، ووعدهم الجزاء في يوم العرض بقوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) ، (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣) (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٤) (وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٥) ، (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ ، وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦) ، (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ، وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ ، وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٧) الآية. وقوله تعالى : في سورة واحدة هي سورة الحديد : (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (٨) ، (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ

__________________

(١) الانعام. الآية ٥٤.

(٢) الواقعة. الآية ٢٤.

(٣) الطور. الآية ١٦.

(٤) البقرة. الآية ٢٧٢.

(٥) النحل. الآية ٩٥.

(٦) النحل. الآية ٩٦.

(٧) التوبة. الآية ١١١.

(٨) الحديد. الآية ٧.


بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (١) ، (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (٢) ، (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) (٣) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ (٤) مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) ، إلى غير ذلك من الآيات والرّوايات ، وأما قول الناصب : لو لم يعطهم لكان ظالما جائرا فمجاب ، بأنّا هكذا نقول ولا فساد فيه كما لا فساد في القول بأنّه تعالى لو أدخل الأنبياء في النار والأشقياء في الجنّة كان ظالما جائرا فافهم ، وأما ما ذكره من مثال الموت من الجوع فلا يغني من جوع ، لأنّ ذلك إنّما لا يحسن لأنه ليس بواجب على الله تعالى عند أهل العدل ، وإنما الذي أوجبوه على الله تعالى الألطاف المقرّبة وما وعدهم الله تعالى من الثواب بإزاء الطاعة ، والعقاب بإزاء المعصية ونحو ذلك ، وأما إعطاء الشّبع عقيب أكل الخبز ، فلم يقل أحد بوجوبه على الله تعالى ، لجواز أن يكون ذلك (٦) من قبيل سائر الأسقام والآلام الذي يمتحن الله تعالى به العبد ، فالذي يجب عليه تعالى حينئذ عوض تلك الآلام على التفصيل الذي سيأتي في كلام المصنّف عن قريب ، وحيث ظهر بهذا بطلان ما ذكره بقوله : وهل يحسن أن يقال إلخ؟ ظهر بطلان ما فرّعه عليه بقوله : كذلك لا يحسن أن يقال إلخ : فأحسن التأمّل ، وأما ما ذكره من أنّ عادة الله تعالى التي لا تتخلّف قد جرت على إعطاء

__________________

(١) الحديد. الآية ١١.

(٢) الحديد. الآية ١٨.

(٣) الحديد. الآية ٢٨.

(٤) الكفل بالكسر. النصيب والحظ.

(٥) الحديد. الآية ٢٩.

(٦) اى عدم الشبع عقيب الاكل. م.


الثواب إلخ ، ففيه ما مرّ من أنّ هذه العادة لما لم تكن واجبة الاستمرار ولو بطريق الخرق ، فجاز أن تنعكس القضيّة ، فلا يحصل الفرق ويرتفع الأمان عن الوعد والوعيد كما مرّ غير بعيد ، وبالجملة أنّ أصحاب النّاصب ييئسون العباد من رحمة الله وعدله بتجويزهم التخلّف في ترتّب الثواب والعقاب وأن يعذب الله تعالى من غير ذنب ، وأنّه خلق خلقا للنّار ، فلا تنفعهم الطاعة ، وآخر للجنّة فلا تضرّهم المعصية فلا تسكن نفس مطيع بطاعة ولا تخاف نفس عاص عن معصية ، بل هم يغرون بالمعاصي ويسهلونها بقولهم : ما قدّره الله كان وما لم يقدّره لم يكن ، فلا يبقى وجه للصّبر عن المعصية والتحفّظ عنها كما لا يخفى.

قال المصنّف رفع الله درجته

السادس أن لا يكون حراما لامتناع كون الشيء الواحد من الجهة الواحدة مأمورا به منهيّا عنه ، لاستحالة التكليف بما لا يطاق ، وأيضا أن يكون الشيء مرادا ومكروها في وقت واحد من جهة واحدة من شخص واحد ، وهذا مستحيل عقلا ، وخالفت أهل السنّة (الأشاعرة خ ل) في ذلك ، فجوّزوا أن يكون الشيء الواحد مأمورا به منهيّا عنه لإمكان تكليف ما لا يطاق عندهم «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : لا خلاف في أنّ المأمور به لا بدّ أن لا يكون حراما لأنّ الحرام ما نهى الله تعالى عنه ولا يكون الشيء الواحد مأمورا به منهيّا عنه في وقت واحد من جهة واحدة ، ولكن إن اختلف الوقت والجهة والشرائط التي اعتبرت في التناقض ، يجوز أن يتعلق به الأمر في وقت من جهة والنهى في وقت آخر من جهة أخرى (١) ، فهذا

__________________

(١) هذا على جواز الاجتماع وجعل الموجود في الخارج مركبا انضماميا من الفعلين اللذين أحدهما محبوب والآخر مبغوض ، وهو أول الكلام والحق الحقيق بالقبول المنصور


مذهب أهل السنّة ، وأمّا إمكان التكليف بما لا يطاق فقد سمعته غير مرّة ، وأنّه لا يقع ولم يقع «انتهى».

أقول

سيجيء تحقيق هذه المسألة في الموضع اللائق بها من مسائل اصول الفقه فانتظر.

قال المصنّف رفع الله درجته

والعجب أنّهم حرموا الصّلاة في الدار المغصوبة ومع ذلك لم يوجبوا القضاء وقالوا : إنّها صحيحة مع أنّ الصحيح هو المعتبر في نظر الشرع ، وإنّما يطلق على المطلوب شرعا ، والحرام غير معتبر في نظر الشّارع مطلوب الترك شرعا ، وهل هذا إلا محض التناقض؟ «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : الصّلاة الصّحيحة ما استجمعت شرائط الصّحة التي اعتبرت في الشّرع ، فالصّلاة في الدار المغصوبة صحيحة لأنّها مستجمعة لشرائط الصحة التي اعتبرت في الصّلاة في الشرع ، وليس وقوعها في مكان مملوك غير مغصوب من شرائط صحّة الصّلاة ، نعم من شرائطها أن تقع في مكان طاهر من النّجاسات ، ولو كان من شرائط الصحّة وقوعها في مكان غير مغصوب لكان الواقع في المكان المغصوب منها فاسدا وكان يجب قضاؤها لكونها غير معتبرة في نظر الشّرع لعدم استجماعها الشّرائط المعتبرة فيها ، وأما كونها حراما فلأجل أنّها تتضمن الاستيلاء على حقّ الغير عدوانا فهي بهذا الاعتبار حرام ، فالحرمة باعتبار والصحة باعتبار آخر ، فأين التناقض

__________________

المؤيد بالدليل كما سيأتي في التعرض للمسائل الاصولية هو القول بالامتناع ، وأن الباب باب الاتحاد لا الانضمام وأدلة القول بالاجتماع بجميع تقاريبه مدخولة فاصبر فان الصبر مفتاح الفرج.


والعجب أنه مشتهر بالدربة (١) في المعقولات ولا يعلم شرائط حصول التناقض «انتهى».

أقول

ستجيء هذه المسألة أيضا في مسائل اصول الفقه لكن نذكر هاهنا أنموذجا لئلا يظن الناظر في أوّل النظر أنه وعد بلا وفاء ، فنقول : إنّ ما ذكره من أنّ وقوع الصلاة في مكان مملوك غير مغصوب ليس من شرائط الصلاة إلخ مردود ، بأنّ الكلام في الصلاة الشخصية في الدّار المغصوبة ، وتحقق التلازم بين الغصب والصلاة فيها ظاهر ، والأمر بالشيء أمر بلوازمه كما حقق في الأصول ، فلو كانت هذه الصلاة مأمورا بها لكان الغصب مأمورا به مع كونه منهيا عنه (هف) ، والتعجب الحاصل للناصب من كلام المصنّف إنما نشأ من أنه أكبّ مدّة عمره على تقليد الأشعري البليد الذي به يسخر ولا يدري أىّ طرفيه أطول من الآخر ، فإذا ورد على سمعه قول يخالف رأى الأشعري يفزع ويتعجب منه ويردّه ولا يقبله بكل حيلة وينسب قائله إلى الجهل لجمود طبعه وإفناء عمره في التقليد الذي من خواصه أن يكون مقلّده بليدا في أضيق تقييد ، وقال الرّئيس (٢) المحقق في الحكمة اليونانية ، إنّ من تعوّد (٣) أن يصدّق من غير دليل فقد انسلخ عن الفطرة الانسانية.

__________________

(١) يقال درب دربا ودربة إذا كان عاقلا وحاذقا بصناعته ثم العجب من هذا الرجل البذي حيث يعبر عن مولانا العلامة مع انه صرح في أوائل الكتاب بمهارته في العلوم العقلية فكأنه نسى ما تقدم أو يتناسى عنادا ،

(٢) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء.

(٣) ويحكى عن الفخر الرازي نظير هذه العبارة وهي من تعود أن يقبل المسائل العلمية من غير دليل فهو عنين أهل العلم.


قال المصنّف رفع الله درجته

المطلب التاسع عشر : في الأعواض (١) ذهبت الامامية إلى أنّ الألم الذي

__________________

(١) عرف المتكلمون العوض بأنه النفع المستحق الخالي عن تعظيم وإجلال ، فالنفع بمنزلة الجنس شامل له ولغيره ، وبقيد المستحق يخرج التفضل ، وبقيد الخالي عن التعظيم يخرج الثواب ، وهو قسمان أحدهما مستحق علينا لا عليه تعالى ، وذلك يجب أن يكون مساويا للألم لا أزيد ولا أنقص ، والا لزم الظلم للمؤلم لو كان زائدا ، وللمتألم لو كان ناقصا ، وثانيهما مستحق عليه تعالى ، وذلك يجب أن يزيد على الألم الى حد الرضا عند كل شخص بحيث لو عرض عليه الألم والعوض الزائد لاختار الألم رغبة في ذلك العوض ، إذ لو لا الزيادة لقبح الألم إذ لا فائدة فيه (انتهى).

وفي مسألة الاعواض مباحث بين علماء الكلام طوينا عنها كشحا فلنكتف بأبيات في المقام تكميلا للفائدة.

قال الشريف الآية محمد الباقر الحجة الحائرى في منظومته.

فالبعث والزجر من اللطيف

لطف فلا بد من التكليف

ولا ينافي الكلفة المستتبعة

لما استحق من جزيل المنفعة

ولا تقس بالجرح والتداوى

فبالثواب ارتفع التساوي

وليس مثل الفوز بالجنان

شيء من العروض والأثمان

فلا يقاس ما يوف عوضا

يوم الجزا بما يناط بالرضا

إلخ وقال الشريف الجائسى الهندي الحائرى في باب الاعواض من نظمه :

وذاك نفع مستحق خال

عن جهة التعظيم والإجلال

وان دهى العبد إسى أو مرض

منه تعالى فعليه العوض

وهكذا تفويته المنافعا

مهما لأجل الغير كان واقعا

وهكذا انزاله للغم

ان يكن استناده للعلم


يفعله الله تعالى بالعبد إما أن يكون على وجه الانتقام والعقوبة وهو المستحق لقوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً

__________________

وان يكن ذاك باكتساب

والظن كالعلم بهذا الباب

لاما الى فعل العباد يستند

إذ ليس أجره على الفرد الصمد

وأمره العبد بما يضر

أو أن يبيح ما هو المضر

من ضرر في النفس أو في المال

فعوض الجميع في المآل

على الغنى العادل الجواد

إذ لم يكن بظالم العباد إلخ ما أفاد

هذا ما أهمنا الإيماء اليه في اعواض أفعال الإنسان العاقل واما العوض عن الآلام الصادرة عن الحيوانات العجم والمجانين من افراد البشر فمما اختلفت فيه كلمة العدلية من الامامية والمعتزلة ، وانه هل لها عوض عند الله تعالى لأنه خلقها ومكنها وجعل فيها ميلا الى الإيلام مع إمكان أن لا يخلقها ولم يجعل فيها ميلا الى الإيلام ومع ذلك لم يجعل لها عقلا مميزا بين الحسن والقبح ولا زاجرا مع إمكان أن يجعل لها ذلك فكان على هذا كالمغرى لها ، فلو لم يكن عوض الامها لقبح منه ذلك ، ومن المعتزلة من فصل بين كون الحيوان ملجئا الى الإيلام كما لو أجاعه أياما متعددة فالعوض عليه تعالى وان لم يكن فلا وتحقيق الحق وما ينبغي أن يقال موكول الى مجال أوسع قال الجائسى في تعداد موارد عدم العوض

أو ان يمكن الذي لا يعقل

عليه فيما منه حينا يحصل

(١ مكرر) اى عوض الآلام الصادرة عن الله تعالى ابتداء من غير سبق استحقاق كالامراض والغموم المستندة الى علم ضروري أو كسبي او يقيني أو ظني ، وتفويت المنافع لمصلحة الغير كالزكاة والمضار الصادرة عن العباد بأمره كالذبح في الهدى والاضحية أو إباحته كالصيد والمضار الصادرة عن غير العاقل بتمكينه كالالام الصادرة عن السباع المولمة ، وبالجملة كل ألم للعبد كان الله تعالى هو الباعث على حصوله ابتداء سواء كان لقدرة العبد واختياره مدخل فيه أولا ، فيجب عوضه عليه تعالى ، وأما ما كان الباعث على حصوله هو العبد عقلا أو شرعا ، كالاحراق عند إلقاء الإنسان في النار والقتل


خاسِئِينَ) (١) ، وقوله : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) ، (٢) ولا عوض فيه ، وإما أن يكون على وجه الابتداء وإنما يحسن فعله من الله تعالى بشرطين ، أحدهما أن يشتمل على مصلحة إما للمتألم أو لغيره ، وهو نوع من اللّطف ، لأنه لو لا ذلك لكان عبثا والله تعالى منزّه عنه ، الثاني أن يكون في مقابلته عوض للمتألم يزيد على الألم بحيث لو عرض على المتألم الألم والعوض اختار الألم وإلا لزم (٣) الظلم والجور من الله تعالى على عبيده ، لأنّ إيلام الحيوان وتعذيبه على غير ذنب ولا لفائدة تصل إليه ظلم وجور وهو على الله تعالى محال ، وخالفت الاشاعرة في ذلك فجوزوا أن يؤلم الله عبده بأنواع الألم من غير جرم ولا ذنب لا لغرض وغاية ولا يوصل إليه العوض ، ويعذّب الأطفال والأنبياء والأولياء من غير فائدة ، ولا يعوّضه على ذلك بشيء البتة ، مع أنّ العلم الضروري حاصل لنا بأنّ من فعل من البشر مثل هذا عدّه العقلاء ظالما جائرا سفيها ، فكيف

__________________

عنده شهادة الزور أو كان الباعث عليه هو الله تعالى ، لكن لسبق استحقاق المكلف له بارتكاب معصية كآلام الحدود ، فلا يجب عوضه عليه تعالى بل عوض الاول على العبد ولا عوض للثاني. م.

(١) البقرة. الآية ٦٥.

(٢) التوبة. الآية ١٢٦.

(٣) حاصل وجه الملازمة أن الإيلام بكل واحد من تلك الآلام على تقدير عدم إيصال العوض يكون إضرارا محضا من غير مستحق لكونه باعثا عليها ابتداء ، ولا شك في أن الإضرار المحض من غير استحقاق ظلم ، فيكون الإيلام بها على ذلك التقدير ظلما قطعا وإذا ثبت أن عدم إيصال العوض في تلك الآلام الى المتألم بها باطل ممتنع ثبت أن إيصال العوض فيها اليه واجب عليه تعالى وهو المطلوب. هذا خلاصة الكلام في هذا المقام على ما يستفاد من كلامهم في تقرير المرام. وأنت تعلم أن الفرق بين الغم المستند الى علم ضروري أو كسبي والإحراق عند إلقاء الشخص في النار بأن الباعث على حصول الاول هو الله تعالى وعلى حصول الثاني هو العبد الملقى مشكل جدا فليتأمل ابو الفتح.


يجوز لهؤلاء نسبة الله سبحانه إلى مثل هذه النقائص ولا يخشى ربه؟ وكيف لا يخجل منه غدا يوم القيامة إذا سألته الملائكة يوم الحساب هل كنت تعذّب أحدا من غير الاستحقاق ولا تعوضه على ألمه عوضا يرضى به؟ فيقول كلا ما كنت أفعل ذلك ، فيقال له : كيف نسبت ربك إلى هذا الفعل الذي لا ترضاه لنفسك «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول اعلم أنّ الأعواض مذهب المعتزلة ولهم على هذا الأصل اختلافات ركيكة تدلّ على فساد الأصل مذكورة في كتب القوم ، وأما الأشاعرة فذهبوا إلى أنّ الله تعالى لا يجب عليه شيء لا عوض على الألم ولا غيره ، لأنه يتصرف في ملكه ما يشاء ، والعوض إنّما يجب على من يتصرّف في غير ملكه (١) نعم جرت عادة الله تعالى على أنّ المتألم بالآلام إمّا أن يكفر عنه سيّئاته أو يرفع له درجاته إن لم تكن له سيّئات ولكن لا على طريق الوجوب عليه ، وأمّا حديث العوض في أفعال الله تعالى فقد مرّ بطلانه فيما سبق ، وأما تعذيب الأطفال والأنبياء والأولياء ففيه فوائد ترجع إليهم من رفع الدّرجات وحط السيّئات كما أشير إليه في الأحاديث الصّحاح ، ولكن على سبيل جرى العادة لا على سبيل الوجوب ، فلا يلزم منه جور ولا ظلم ، ثمّ ما ادّعى من العلم الضّروري بأنّ البشر لو عذّب حيوانا بلا عوض لكان ظالما ، فهذا قياس فاسد ، لأنّ البشر يتصرّف في الحيوان بما ليس له والله تعالى مالك مطلق يتصرّف كيف يشاء ، ونحن لا نمنع عدم وقوع الجزاء والمنافع ولكن نمنع

__________________

(١) لا يخفى عليك أن الرجل أخذ مسألة تسلط المالك على التصرف في ملكه سلاحا وجعله مبنى لقضية الحسن والقبح كما سبق في مبادي الكتاب ، وما درى المسكين في هذه الشئون أن هذه السلطنة هل هي مطلقة ومتسعة بهذه السعة بحيث يفعل كيف شاء ، وحيثما شاء وأين شاء ، وأنى شاء؟ أم محدودة عقلا وشرعا بحدود ومقيدة بقيود؟.


وجوب هذا ، ونحن نقول : من يعتقد أنّ الله تعالى يجب عليه الأعواض عن الآلام إذا حضر يوم القيامة عند ربّه ورأى الجلال الالهي والعظمة الرّبانيّة والتّصرف المطلق الذي حاصل له في الملك والملكوت سيّما في موقف القيامة التي يقال فيها : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ،؟ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١) أما يكون مستحييا من الله تعالى أن يعتقد في الدّنيا أنّه مع الله تعالى كالتّاجر والعامل أعطى الأعمال والآن يريد جزاء الواجب على الله تعالى فيدعي على الله في ذلك المشهد إنّك عذّبتني وألمتني في الدّنيا فالآن لا أخليك حتّى آخذ منك العوض لأنّه واجب عليك أن تعوّضني ، فيقول الله تعالى : يا عبد السّوء أنا خلقتك سويّا وأنعمت عليك كيت وكيت أتحسبني كنت متاجرا معك معاملا لك حتّى توجب علىّ العوض ، أدخلوا العبد السّوء النّار ، فيقول : هكذا علّمني ابن المطهر الحلّي وهو كان إمامي وأنا الآن بريء منه ، فيقول الله تعالى : ادخلوا جميعا النار ، (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (٢) والله أعلم وهو أصدق القائلين «انتهى».

أقول

نعم الأعواض مذهب المعتزلة ، لكن الأصل في ذلك الاماميّة والاختلاف بينهم ، واختلاف المعتزلة إنّما وقع لعدم تحقيقهم حقيقة ذلك الأصل على وجه حقّقه الامامية ، فاختلافهم في ذلك الأصل لا يدلّ على فساده عن أصله ، وإلا لكان الاختلاف في كلّ أصل من اصول الدّين كصفات الله وأفعاله وصفات النّبيّ والامام عليهم‌السلام كذلك ، وفساده أظهر من أن يخفى ، ولو سلم فاختلاف المعتزلة لا يقدح في مذهب

__________________

(١) الغافر. الآية ١٦.

(٢) البقرة. الآية ١٦٧.


الاماميّة (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (١) ، وأما ما ذهبت إليه الأشاعرة من نفى الوجوب عليه تعالى فقد مرّ أنّه مبنى على عدم فهمهم لمعنى الوجوب الذي أثبته العدليّة ، واما حديث التّصرف في الملك فقد مرّ أنّ التّصرف من المالك كائنا من كان إن كان على وجه حسن فحسن ، وإن كان على وجه قبيح فقبيح ، وحديث جريان العادة قد جرى عليه ما جرى ، وحثونا (٢) على رأس قائله تراب الثّرى ، وإثبات الفوائد في تعذيب الأطفال ونحوه بعد تجويز أن يعذبهم من غير جرم كما ترى ، وفي حكمه بفساد قياس المصنّف بناء على حديث التّصرف في الملك فساد لا يخفى على الورى ، وفي باقي المقدّمات سترى أنّه يأكل الخرى ، وبالجملة إنّ الله تعالى لمّا كتب على نفسه الرّحمة والإفضال ، وأوجب في حكمته وجوده إعطاء جزاء الأعمال وليس له فقر وحاجة أو كسالة وكلال ، يدعوه إلى التأخير والإهمال ، فلا يحصل للعبد في حضرته انتظار ، ولا يؤدّيه إلى الطلب والدّعوى اضطرار ، كما قال بعض الأبرار ظطنظم :

أرباب حاجتيم وزبان سؤال نيست

در حضرت كريم تقاضا چه حاجتست

وكما قلت في جملة قصيدة في مدح مولاي الرّضا عليه‌السلام نظم :

سؤال از تو چه حاجت كه جود ذات ترا

بود تقدّم بالذّات بر وجود سؤال

__________________

(١) الانعام. الآية ١٦٤.

(٢) حثا حثوا ، وحثى حثيا ، وتحثاء : التراب صبه.


قال المصنّف رفع الله درجته

المسألة الرابعة في النبوة

وفيه مباحث المبحث الاول في نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اعلم أنّ هذا أصل عظيم في الدّين وبه يقع الفرق بين المسلم والكافر ، فيجب الاعتناء به وإقامة البرهان عليه ، ولا طريق في إثبات النبوّة على العموم ولا على الخصوص إلا بمقدّمتين ، إحداهما أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ادّعى رسالة ربّ العالمين له إلى الخلق كافة ، وأظهر المعجزة على وفق دعواه لغرض التصديق له ، والثانية أنّ كلّ من صدّقه الله فهو صادق ، وهاتان المقدمتان لا يقول بهما الأشاعرة ، أما الاولى فلأنّه يمتنع أن يفعل الله فعلا لغرض من الأغراض أو لغاية من الغايات ، فلا يجوز أن يقال : إنّه تعالى فعل المعجز على يد مدّعي الرّسالة لا لغرض تصديقه ولا لأجل تصحيح دعواه ، بل فعله مجّانا ومثل هذا لا يمكن أن يكون حجّة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّا لو شككنا في أنّ الله تعالى لو فعله لغرض التّصديق أو لغيره لم يمكن الاستدلال على صدق مدّعي النبوّة مع هذا الشكّ فكيف يحصل الجزم بصدقه مع الجزم بأنّه لم يفعله لغرض التصديق وأما الثانية فانّها لا تتمّ على مذهبهم ، لأنّهم يسندون القبائح كلّها إلى الله تعالى ويقولون : كلّ من ادّعى النبوّة سواء كان محقا أو مبطلا فانّ دعواه من فعل الله تعالى وأثره ، وجميع أنواع الشّرك والمعاصي والضلال في العالم من عند الله تعالى ، فكيف يصحّ مع هذا أن يعرف أنّ هذا الذي صدّقه صادق في دعواه ، فجاز أن يكذب في دعواه ويكون هذا الإضلال من الله تعالى كغيره من الأضاليل التي هو فعلها ، فلينظر العاقل هل يجوز له أن يصير الى مذهب لا يمكن إثبات نبوّة نبيّ من الأنبياء البتّة ولا يمكن الجزم بشريعة من الشّرائع؟ والله تعالى قد قطع أعذار المكلّفين بإرسال الرّسل


فقال : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (١) وأيّ حجّة أعظم من هذه الحجّة عليه تعالى؟ ، وأىّ عذر أعظم من أن يقول العبد لربّه تعالى : إنّك أضللت العالم وخلقت فيهم الشّرور والقبائح ، وظهر جماعة خلقت فيهم كذب ادّعاء النبوّة وآخرون ادّعوا النبوّة ولم تجعل لنا طريقا إلى العلم بصدقهم ، ولا سبيل لنا إلى معرفة صحّة الشرائع التي أتوا بها ، فيلزم انقطاع حجة الله تعالى ، وهل يجوز لمسلم أو من يخشى الله تعالى وعقابه أو يطلب الخلاص من العذاب ، المصير إلى هذا القول نعوذ بالله من الدّخول في الشّبهات «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : هذا الكلام المموّه الخارج عن طريق المعقول قد ذكره قبل هذا بعينه في مسألة خلق الأعمال وقد أجبنا عنه هناك ، ولمّا أعاد الكلام في هذا المقام لزمنا مؤنة الاعادة في الجواب فنقول ، أما المقدمة الاولى من المقدّمتين اللّتين ادّعى توقّف ثبوت النبوّة عليهما وهو أنّ النبيّ ادّعى الرّسالة وأظهر المعجزة على وفق دعواه لغرض التّصديق له فقد بيّنا قبل هذا أنّ غاية إظهار المعجزة والحكمة والمصلحة فيه تصديق الله تعالى النبيّ فيما ادّعاه ، وهذا يتوقّف على كون إظهار الله المعجزة مشتملا على الحكمة والمصلحة والغاية ، لا على إثبات الغرض والعلّة الغائية الموجبة للنقص والاحتياج ، فثبت المقدّمة الاولى على رأى الأشاعرة ، وبطل ما أورد عليهم ، وأما المقدمة الثانية وهي أنّ كلّ من صدّقه الله تعالى فهو صادق فهذا شيء تثبته الأشاعرة ، ويستدلون عليه بالدّلائل الحقّة الصّريحة ، ولا يلزم من خلق الله تعالى القبائح التي ليست بقبيحة بالنسبة إليه أن يكون كلّ مدّعي للنبوّة سواء كان

__________________

(١) النساء. الآية ١٦٥.


محقّا أو مبطلا دعواه من الله تعالى ، وما ذا يريد من أنّ دعوى المحقّ والمبطل من الله؟ إن أراد أنّه من خلق الله تعالى ، فلا كلام في هذا ، لأنّ كل فعل يخلقه الله تعالى ، وإن أراد أنّه مرضى من الله تعالى والله يرسل المحقّ والمبطل ، وهذا باطل صريح ، فانّه تعالى (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) والضّلال (١) وإن كان بخلقه وتقديره كما سمعت مرارا ، وكلّ من يدّعي النبوّة وهو مبعوث من الله فقد جرت عادة الله تعالى على إظهار المعجزة بيده لتصديقه ولم تتخلّف عادة الله عن هذا ، وجرت عادته التي خلافها جار مجرى المحال العادي بعدم إظهار المعجزة على يد الكذّاب ، والحاصل أنّ الأشاعرة يقولون : بعدم وجوب شيء على الله تعالى ، لأنّه المالك المطلق ، ولا يجب عليه شيء ، وما ذكره من أنّه كيف يعرف أنّ هذا الذي صدّقه صادق في دعواه ، فنقول : بتصديق المعجزة يعرف هذا ، قوله : يجوز أن يظهر المعجزة على يد الكاذب ، قلنا : ما ذا تريدون من هذا الجواز؟ ، الإمكان العقلي ، فنقول : يمكن هذا عقلا أم تريدون أنّه يجوزه العقل بحسب العادة ، فنقول : هذا ممتنع عادة ، ويفيدنا العلم العادي بأنّ هذا لا يجري في عادة الله تعالى كالجزم بأنّ الجبل الفلاني لم يصر الآن ذهبا ، فلا يلزم ما ذكر وأما ما أطال من الطامات والترهات فنعمل بقوله تعالى (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٢) انتهى.

أقول

أولا : إنّ تخصيصه لاعادة الكلام بهذا المقام ممّا لا وجه له ، لأنّ جميع مراتب كلامه إعادة منه لما نقلها المصنّف من كلام أقوامه ، غاية الأمر أنّه إعادة على

__________________

(١) كما يشهد له قوله تعالى في سورة الزمر. الآية ٧.

(٢) الأعراف. الآية ٩٩.


طريقه إعادة الثّورة لما قضمه مرّة بأن زاده هضما ومضرة ، وثانيا انّ ما ذكره في بيان اتّجاه المقدمة الاولى على رأى الأشاعرة غير موجّه ، لأنّ المصنف قدس‌سره عمّم في الكلام وقال لغرض من الأغراض وغاية من الغايات ، فيشتمل الغاية التي اعترف النّاصب باعتبارها في الأفعال فكيف يصير ذلك جوابا دافعا لكلام المصنّف ، نعم لو قال في الجواب : إنّ الأشعري لا ينفي مطلق الغاية لكان متجها لكنّه ناف لذلك كما شحنوا (١) به كتبهم ، فالقول بالغاية مطلقا من قبل الأشعري لدفع الإلزام عنه يكون وكالة فضوليّة ، والحاصل أنّ الأشعري ينفي مطلق الغاية والغرض ، سواء أخذ بمعنى العلّة الغائية أو الفائدة والمصلحة ، وكيف يكون قائلا بذلك مع تصريحه بنفي أن يكون للفعل جهة محسنة أو مقبحة في ذاته وفي صفاته اللازمة أو الجهات والاعتبارات كما مرّ في مبحث الحسن والقبح (٢) ، ولو كان قائلا بما اعترف به النّاصب من قبله لما خفى ذلك على الفاضل التفتازاني من اتباعه المتعصّبين له ، ولما قال في مقام الرّد عليه من شرحه على شرح المختصر : الحقّ أنّ تعليل بعض الأفعال سيّما شرعية الأحكام والمصالح ظاهر كإيجاب الحدود والكفّارات وتحريم المسكرات وما أشبه ذلك ، والنّصوص أيضا شاهدة بذلك كقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣) و (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (٤)

__________________

(١) فمن ذلك ما ذكره في شرح المواقف (ج ٢ ص ٤٠١ ط مصر) : المقصد الثامن في أن أفعال الله تعالى ليست معللة بالأغراض ، اليه ذهب الأشاعرة وقالوا لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائية.

(٢) في الجزء الاول ص ٣٤١.

(٣) الذاريات. الآية ٥٦.

(٤) المائدة. الآية ٣٢.


الآية (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (١) الآية ، ولهذا يكون القياس حجة إلا عند شرذمة ، وأما تعميم ذلك فمحلّ بحث انتهى كلامه ، وبالجملة لو كان النزاع في التعبير عن منشأ الحكم بالغرض والعلّة الغائية دون المصلحة والغاية كما ذكره النّاصب لما اضطرّ ذلك الفاضل إلى المحاكمة بتخصيص المبحث ، والملخص أنّ العلّة الغائية والغرض والمصلحة متقاربة في المعنى وتكلّف الفرق بينها والهرب من بعضها إلى بعض كما ارتكبه بعض المتأخّرين إنّما هو لضيق الخناق (٢) لا لقصد الاتّفاق ، وعلى التقديرين فمرحبا بالوفاق. وأيضا الدّليل الذي قاد الأشعري إلى نفى التّعليل وهو لزوم تأثّر الرّبّ عن شعوره بخلقه كما ينفي التعليل ينفي مراعاته للمصالح أيضا ، فلا وجه لنسبة إثبات المصالح في الأفعال إليه ، وقد ذكرنا هذا الدّليل مع ما فيه في أوائل الكتاب والله الموفق للصّواب ، وثالثا أنّ ما ذكره في توجيه المقدّمة الثّانية من التّرديد مردود قوله في الشّق الأول : لا كلام في هذا ، قلنا فيه كلام من وجوه ، منها ما مرّ في بحث خلق الأفعال ، ومنها أنّه إذا كان دعوى المحق والمبطل من خلق الله تعالى ولم يكن شيء من القبائح قبيحا بالنّسبة إلى الله تعالى (٣) فمن أين يعلم أنّ

__________________

(١) الأحزاب. الآية ٣٧.

(٢) قد مر شرح هذا التعبير في (ج ١ ص ٢٢٥).

(٣) قال الجرجاني في شرح قواعد العقائد : اعلم أن النظام من المعتزلة ذهب الى أن القبائح لا تصح أن تكون مقدورة لله تعالى ، وأهل السنة يوافقونه في هذا الإطلاق ، وان كان الخلاف باقيا من حيث المعنى ، فان النظام يريد به أنه تعالى غير قادر على خلق الجهل والكذب والألم الذي لا يكون مسبوقا بحياته ولا يكون مخلوقا بعوض ، وأما أهل السنة فقد اتفقوا على أنه تعالى قادر على خلق هذه الأشياء موجد لها ، ولكن إيجاده لها غير قبيح أصلا لان الحسن والقبح عندهم لا يثبتان الا بالشرع. انتهى. منه «قده».


هذا قبيح منهيّ عنه خلقه الله تعالى في مدّعي النّبوة ، وأجرى كسب العبد على وفقه حتّى لا نقبله أو حسن مرضى له تعالى حتّى نتبعه ، والاعتراف بكونه (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) والضّلال إنّما يفيد لو كان هناك ما يتميّز به عند العقل الكفر والضّلال عن غيره ، واما إذا كانت الأفعال سواسية (١) في عدم اتّصافها بالحسن والقبح الذاتي والوصفي والاعتباري كما ذهب إليه الأشعري فكيف يهتدي المكلف إلى أنّ ذلك المخلوق فيه حسن مرضي لله تعالى أو قبيح ليس بمرضي له ، وأما ما ذكره من التّرديد في الجواز بقوله : أتريدون الإمكان العقلي إلخ ، ففيه من التّمحل (٢) والتمويه ما لا يخفى ، لأنّه جعل الإمكان العقلي مقابلا للتجويز العقلي بحسب العادة ، مع أنّ المتقابلين في هذا المقام هما الإمكان العقلي والإمكان العادي ، وليت شعري ما معنى تجويز العقل بحسب العادة؟! وبالجملة انّا نختار الشّق الأوّل ونقول : المراد الإمكان العقلي بمعنى تجويز العقل وقوع الكذب ، فيصير حاصل دليل المصنّف أنّه على تقدير نفى القبح العقلي لا يمتنع الكذب عليه تعالى امتناعا عقليّا ، بمعنى أن يجزم العقل بسلب صدوره عنه تعالى ، إذ لا دليل على هذا الجزم إلّا أنّه يقبح عقلا صدور القبح عنه ، وإذا لم يجزم العقل بسلب صدور القبيح عنه تعالى فيجوز إظهار المعجزة على يد الكاذب وإذا جوّز العقل ذلك انسدّ باب إثبات النّبوّة ، فلا يثبت نبوّة نبي كما ذكره المصنّف «قده» والحاصل أنّهم إذا اعترفوا بجواز إظهار المعجزة على يد الكاذب وتصديقه تعالى إيّاه فمجرد الدّعوى في الجزم بعدمه غير كاف ، ضرورة أنّه ليس ببديهي ، بل لا بدّ من إثباته حتى يثبت

__________________

(١) السواء : العدل والوسط والمستوي ، والجمع أسواء وسواسى وسواسية وسواسوة على غير القياس ، ولا يخفى أنها من المجموع المولدة لا الاصلية المعهودة من عصر الجاهلية التي يستشهد بها في كلام العرب العرباء.

(٢) تمحل الشيء : احتال في طلبه.


به النّبوة ، ولا دليل عليه على طريقة الأشعري ، اما شرعا فلعدم ثبوت الشّرع قبل ثبوت النّبوة ، واما عقلا فلفرض أن ليس في الأفعال بحسب ذواتها وصفاتها واعتباراتها ما يحسنها أو يقبحها كما زعمه حتّى يستدلّ به العقل على حالها من الحسن والقبح والرّضا والسّخط ، واما عادة فلانّها كما مرّ عبارة عن تكرار (تكرّر خ ل) أمر من غير علاقة عقلية ، فلا يجري في معجزة النبي الأوّل بل الثّاني كما سبق ، بل ربما لا يفيد في معجزة نبيّنا خاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانّ من بعث نبيّنا إليهم من أهل الجاهليّة الذي نشئوا في أيّام فترة من الرّسل ربّما لا يكون لهم اطلاع على أحوال الأنبياء السّابقين ومعجزاتهم وكيفية جريان العادة فيها فكيف يحصل لهم العلم العادي بصدق مدّعي النبوة وكذبه ، فلا محالة يلزم الافحام وسدّ باب إثبات النبوّة ، وقد ظهر بما قرّرنا به الدّليل وأوضحنا به السبيل أن تشبيه ما في كلام المصنف من حقايق الإلهامات بالترهات والطامات تعصب فاسد وتمويه كاسد لا يروج إلا على من حرم التوفيق ولم ينعم النظر في أوّل ما يفجئونه من الزفير والشهيق والتيتال (١) المشتبه بالتدقيق وبالله التوفيق.

قال المصنف رفع الله درجته

المبحث الثاني في أنّ الأنبياء معصومون (٢) ذهبت الامامية كافّة إلى أنّ الأنبياء

__________________

(١) قد مر معنى هذه اللفظة المولدة في (الجزء الاول ص ٤٣٢) فراجع.

(٢) لا يذهب على اللبيب الخبير ان من المسائل المختلف فيها بين فرق المسلمين بل وغيرهم مسألة عصمة الأنبياء ، قال مولانا فخر آل الرسول سيدنا الشريف المرتضى ذو المجدين علم الهدى قدس لطيفه وأجزل تشريفه في كتابه المسمى بتنزيه الأنبياء (ص ٢ ط تبريز) ما لفظه : اختلف الناس في الأنبياء «ع» ، فقالت الشيعة الامامية لا يجوز عليهم شيء من المعاصي والذنوب كبيرا كان او صغيرا لا قبل النبوة ولا بعدها ، ويقولون في الأئمة مثل ذلك وجوز اصحاب الحديث والحشوية على الأنبياء الكبائر


__________________

قبل النبوة ومنهم من جوزها في حال النبوة سوى الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة. ومنهم من جوزها في حال النبوة بشرط الاستمرار دون الاعلام ، ومنهم من جوز على الأحوال كلها ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الأنبياء «ع» قبل النبوة وفي حالها. وجوزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغائر. ثم اختلفوا فمنهم من جوز على النبي الاقدام على المعصية الصغيرة على سبيل العمد ومنهم من منع ذلك وقال : انهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوبا بل على سبيل التأويل ، فحكى عن النظام وجعفر بن مبشر (بشر خ ل) وجماعة ممن تبعهما : ان ذنوبهم لا تكون الا على سبيل السهو والغفلة وانهم مؤاخذون بذلك وان كان موضوعا عن أممهم بقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم وجوزوا كلهم ومن قدمنا ذكرهم من الحشوية واصحاب الحديث على الأئمة الكبائر والصغائر الا انهم يقولون : ان بوقوع الكبيرة من الامام تفسد إمامته ويجب عزله والاستبدال به واعلم أن الخلاف بيننا وبين المعتزلة في تجويزهم الصغائر على الأنبياء عليهم‌السلام يكاد يسقط عند التحقيق لأنهم انما يجوزون من الذنوب ما لا يستقر له استحقاق عقاب وانما يكون حظه تنقيص الثواب على اختلافهم أيضا في ذلك لان أبا على الجبائي يقول : ان الصغير يسقط عقابه بغير موازنة ، فكأنهم معترفون بانه لا يقع منهم ما يستحقون به الذم والعقاب وهذه موافقة للشيعة في المعنى لان الشيعة انما تنفى عن الأنبياء عليهم‌السلام جميع المعاصي من حيث كان كل شيء منها يستحق به فاعله الذم والعقاب لان الإحباط باطل عندهم وإذا بطل الإحباط فلا معصية الا ويستحق فاعلها الذم والعقاب فإذا كان استحقاق الذنب والعقاب منفيا عن الأنبياء «ع» وجب ان ينفى عنهم سائر الذنوب ويصير الخلاف بين الشيعة والمعتزلة متعلقا بالإحباط فإذا بطل الإحباط فلا بد من الاتفاق على ان شيئا من المعاصي لا يقع من الأنبياء «ع» من حيث يلزمهم استحقاق الذم والعقاب لكنه يجوز ان نتكلم في هذه المسألة على سبيل التقدير فافرض ان الأمر في الصغائر والكبائر على ما تقوله المعتزلة ومتى فرضنا ذلك لم نجوز أيضا عليهم الصغائر لما سنذكره ونبينه إن شاء الله تعالى.


معصومون عن الصّغائر والكبائر منزّهون عن المعاصي قبل النّبوة وبعدها على سبيل العمد والنسيان وعن كل رذيلة ومنقصة ، وما يدلّ على الخسّة والضعة ، وخالفت أهل السّنة كافة (١) في ذلك وجوّزوا عليهم المعاصي وبعضهم (٢) جوّزوا الكفر عليهم قبل النّبوة وبعدها وجوّزوا عليهم السّهو (٣) والغلط (٤) ونسبوا (٥) رسول

__________________

(١) فإنهم اتفقوا على صدور المعصية عن الأنبياء وان اختلفوا في انحائه كما يستفاد من المواقف (ج ٢ ص ٤٢٩).

(٢) وهم الازارقة.

(٣) حيث ذهبوا كافة الى صدور الصغائر عن الأنبياء سهوا.

(٤) السهو زوال الصورة من النفس بحيث تمكن من ملاحظتها من غير تجشم ادراك جديد والنسيان زوال الصورة عن النفس بحيث لا يتمكن من الملاحظة ويحتاج الى الإدراك الجديد ، وبعبارة أخرى هو زوال الصورة عن الخزانة أيضا فالسهو حالة متوسطة بين الإدراك والنسيان. وعرفوا الغلط بانه خلاف الواقع سواء كان عن عمد أو سهو.

وقال في فروق اللغات : ان السهو والغفلة عبارة عن عدم التفطن للشيء وعدم عقليته بالفعل سواء بقيت صورته او معناه في الخيال او الذكر او انمحت عن أحدهما وهي أعم من النسيان ، لأنه عبارة عن الغفلة عن الشيء مع انمحاء صورته او معناه عن الخيال والذكر بالكلية ولذلك يحتاج الناسي الى تجشم كسب جديد وكلفة في تحصيله ثانيا انتهى.

(٥) روى في مجمع الزوائد (ج ٧ ص ١١٥ ط مصر) عن ابن عباس فيما يحسب سعيد بن جبير ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بمكة فقرأ سورة والنجم حتى انتهى الى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) فجرى على لسانه : تلك الغرانيق العلى الشفاعة منهم ترتجى ، قال : فسمع بذلك مشركو أهل مكة فسروا بذلك فاشتد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانزل الله تبارك وتعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ). رواه البزاز والطبرانيّ وزاد الى قوله (عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) يوم بدر.


الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى السهو في القرآن (القراءة خ ل) بما يوجب الكفر فقالوا : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى يوما الصبح وقرء في سورة النجم عند قوله تعالى ، (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) (١) : تلك الغرانيق (٢) العلى منها الشفاعة ترتجى وهذا اعتراف منه بأنّ تلك الأصنام ترتجى الشفاعة منهم نعوذ بالله من هذه المقالة التي نسب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إليها وهي توجب الشرك ، فما عذرهم غدا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قتل جماعة كثيرة من أهله وأقاربه على عبادة الأصنام ، ولم يأخذه في الله لومة لائم (٣) وينسب إليه هذا القول الموجب للكفر والشرك وهو في مقام إرشاد العام (العالم خ ل) وهل هذا إلا أبلغ أنواع الضلال ، وكيف يجامع هذا قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٤) وهل أبلغ من هذه الحجة وهو أن يقول العبد : إنك أرسلت إلينا رسولا يدعو إلى الشرك والكفر وتعظيم الأصنام وعبادتها ، ولا ريب أنّ القائلين بهذه المقالة صدق عليهم قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٥) انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : إنّ أهل الملل والشّرائع بأجمعهم أجمعوا على وجوب عصمة الأنبياء ، عن تعمّد الكذب فيما دلّ المعجز القاطع على صدقهم فيه كدعوى الرّسالة وما يبلغونه

__________________

(١) هذه الثلاثة هي أصنام كانت لهم ، والثالثة الأخرى صفتان للمناة ، وفائدتها التأكيد كقوله تعالى : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) والأخرى من التأخر في الرتبة.

(٢) الغرنيق بضم الغين وفتح الراء : من طير الماء طويل العنق. والجمع الغرانيق والغرانق والغرانقة.

(٣) اقتباس من قوله تعالى في سورة المائدة ، الآية ٥٤.

(٤) النساء. الآية ١٦٥.

(٥) الانعام. الآية ٩١.


(فيما يبلغونه خ ل) من الله تعالى إلى الخلائق ، إذ لو جاز عليهم التقوّل والافتراء في ذلك عقلا لأدّى إلى إبطال دلالة المعجزة وهو محال ، وفي جواز صدور الكذب عنهم فيما ذكر على سبيل السّهو والنسيان خلاف ، فمنعه الأستاذ أبو إسحاق (١) وكثير من الأئمّة الأعلام لدلالة المعجزة على صدقهم في الأحكام ، فلو جاز الخلف في ذلك لكان نقضا لدلالة المعجزة ، وهو ممتنع ، وأما سائر الذّنوب فهي إمّا كفر أو غيره ، أمّا الكفر فأجمعت الامّة (٢) على عصمتهم منه قبل النبوّة وبعدها ، ولا خلاف لأحد منهم في ذلك وجوّز الشيعة للأنبياء إظهار الكفر تقيّة عند خوف الهلاك ، وذلك باطل قطعا ، لأنّه يفضي إلى إخفاء الدّعوة بالكلّيّة وترك تبليغ الرّسالة ، إذ أولى الأوقات بالتقيّة وقت الدّعوة للضعف وكثرة المخالفين ، انظر إلى هؤلاء المتصلّفين (٣) يجوّزون إظهار الكفر على الأنبياء للتقيّة وحفظ أرواحهم وترك حقوق الله ، ثمّ يشنعون على أهل السنّة أنّهم يجوّزون السّهو على الأنبياء عليهم‌السلام ، وأمّا الصّغائر والكبائر كلّ منهما إمّا أن يصدر عمدا وإمّا أن يصدر سهوا ،

__________________

(١) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١٠١).

(٢) قال في المواقف (ج ٢ ص ٤٢٩ ط مصر) : اما الكفر فأجمعت الامة على عصمتهم منه غير أن الازارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب وكل ذنب عندهم كفر ، وقال في الشرح بل يحكى عنهم أنهم قالوا : بجواز بعثة نبى علم الله تعالى أنه يكفر بعد نبوته.

ولا يخفى على الفطن العارف بأساليب الكلام أن التعبير بالإجماع في كلام ابن روزبهان تبعا للمواقف لم يقع في محله مع هذا الاستثناء ، والإجماع الذي هو الأصل لهم وهم الأصل له هو اتفاق الكل بحيث يقدح فيه مخالفة طائفة من المسلمين ، اللهم الا أن يذهبوا الى خروج الازارقة من صف المسلمين وان انتحلوا الى الإسلام كما هو المختار لدينا معاشر الشيعة ، لكنهم لم يتفوهوا بذلك ولم أقف على من قال أو مال اليه.

(٣) التصلف : التملق.


أمّا الكبائر فمنعه الجمهور من المحقّقين ، والأكثر على أنّه ممتنع سمعا ، قال القاضي (١) والمحقّقون من الأشاعرة : إنّ العصمة فيما وراء التبليغ غير واجبة عقلا ، إذ لا دلالة للمعجزة عليه ، فامتناع الكبائر منهم عمدا يستفاد من السّمع وإجماع الامّة قبل ظهور المخالفين في ذلك ، واما صدورها سهوا أو على سبيل الخطأ في التأويل ، فالمختار عدم جوازه ، وأما الصّغائر عمدا فجوّزها الجمهور ، اما سهوا فهو جائز اتّفاقا بين أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة إلّا الصّغائر الخسيسة كسرقة حبّة أو لقمة ممّا ينسب فاعله إلى الدّناءة والخسة والرذالة ، وقالت الشيعة : لا يجوز عليهم صغيرة ولا كبيرة لا عمدا ولا سهوا ولا خطأ في التأويل ، وهم مبرّؤن عنها قبل الوحى فكيف بعد الوحى ، ودليل الاشاعرة على وجوب عصمة الأنبياء من الكبائر سهوا وعمدا من وجوه ، ونحن نذكر بعض الأدّلة لا للاحتجاج بها على الخصم ، لأنّه موافق في هذه المسألة ، بل لرفع افترائه على الأشاعرة في تجويز الكبائر على الأنبياء الاول لو صدر عنهم ذنب لحرم اتّباعهم فيما صدر عنهم ، ضرورة أنّه يحرم ارتكاب الذّنب ، واتباعهم واجب للإجماع عليه ، ولقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (٢) ، وهذا الدّليل يوجب وجوب عصمتهم عن الصّغائر والكبائر ، ذكره الأشاعرة وفيه موافقة للشيعة ، فعلم أنّ الأشاعرة يوافقونهم في وجوب عصمة الأنبياء من الصّغائر والكبائر ، لكن في الصغائر تجويز عقلي لدليل آخر كما سيأتي في تحقيق العصمة الثاني لو أذنبوا لردّت شهادتهم ، إذ لا شهادة للفاسق بالإجماع ، واللّازم باطل بالإجماع ، لأنّ ما لا يقبل شهادته في القليل الزّائل من متاع الدّنيا كيف تسمع شهادته في الدّين القيّم إلى يوم القيامة ، وهذا

__________________

(١) هو أبو بكر الباقلاني صاحب كتاب التمهيد وقد تقدمت ترجمته (ج ١ ص ٢٤٧) فراجع.

(٢) آل عمران. الآية ٣١.


الدّليل يدلّ على وجوب عصمتهم من الكبائر والإصرار على الصّغائر ، لأنّها توجب الردّ لا نفس صدور الصغيرة ، الثالث إن صدر عنهم ذنب وجب زجرهم وتعنيفهم لعموم وجوب الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر وإيذائهم حرام إجماعا ، وأيضا لو أذنبوا لدخلوا تحت قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (١) وتحت قوله تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢) ، وتحت قوله تعالى لوما ومذمّة : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) وقوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) (٣) فيلزم كونهم موعدين بعذاب جهنّم وملعونين ومذمومين ، وكل ذلك باطل إجماعا ، وهذا الدّليل أيضا يدلّ على عصمتهم من كلّ الذّنوب ، وغيرها من الدّلائل التي ذكرها الامام الرّازي (٤) ، والغرض أنّ كلّ ما ذكر هذا الرجل ممّا يترتّب على ذنوب الأنبياء من لزوم إبطال حجّة الله تعالى فمذهب الأشاعرة بريء عنه ، وهم ذكروا هذه الدّلائل ، وأمّا تجويز الصغائر التي لا تدلّ على الخسّة ، فلأنّ الصغيرة النّادرة عمدا معفوّة عن مجتنب الكبائر ، والنّبي بشر ولا يبعد من البشر وقوع هذا ، ثمّ اعلم أنّ تحقيق هذا المبحث يرجع إلى تحقيق معنى العصمة ، وهي عند الأشاعرة على ما يقتضيه أصلهم من استناد الأشياء كلّها إلى الفاعل المختار ابتداء أن لا يخلق الله فيهم ذنبا ، فعلى هذا تكون الأنبياء معصومين من الكفر والكبائر والصّغائر الدّالة على الخسّة والرّذالة ، وأمّا غيرها من الصّغائر فانّهم يقولون : لا تجب عصمتهم عنها لأنّها معفوّ عنها بنصّ الكتاب من تارك الكبيرة : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ

__________________

(١) الجن. الآية ٢٣.

(٢) هود. الآية ١٨.

(٣) البقرة. الآية ٤٤.

(٤) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١١٠).


هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (١) دلّت الآية على أنّ مجتنب الكبيرة والفاحشة معفوّ عنه ما صدر من الصّغائر عنه ، وفي الآية إشارة إلى أنّ الإنسان لما خلق من الأرض ونشأ منها فلا يخلو عن الكدورات الترابيّة التّي تقتضي الذّنب والغفلة فكان بعض الذنوب يصدر بحسب مقتضى الطبع ، ولمّا لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا مؤاخذة به ، وأما العصمة عند الحكماء فهي ملكة تمنع الفجور ، وتحصل هذه ابتداء بالعلم بمثالب (٢) المعاصي ومناقب الطاعات وتتأكّد في الأنبياء بتتابع الوحى إليهم بالأوامر الدّاعية إلى ما ينبغي والنّواهي الزّاجرة عمّا لا ينبغي ، ولا اعتراض على ما يصدر عنهم من الصّغائر سهوا أو عمدا عند من يجوّز تعمّدها من ترك الاولى والأفضل ، فانّها لا تمنع العصمة التي هي الملكة (٣) فانّ الصّفات النّفسانيّة تكون في ابتداء حصولها أحوالا (٤) ثمّ تصير ملكات بالتدريج ثمّ إنّ الأنبياء مكلفون بترك الذّنوب مثابون به ، ولو كان الذّنب ممتنعا عنهم لما كان الأمر كذلك إذ لا تكليف بترك الممتنع ولا ثواب عليه ، وأيضا فقوله : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ) (٥) يدلّ على مماثلتهم لسائر النّاس فيما يرجع إلى البشريّة والامتياز بالوحي لا غير ، فلا يمتنع صدور الذّنب عنهم كما في سائر البشر هذا حقيقة مذهب الأشاعرة ، ومن

__________________

(١) النجم. الآية ٣٢.

(٢) المثالب جمع المثلبة. العيب.

(٣) كيفية نفسانية راسخة حاصلة من كثرة الممارسة بشيء ، ومزيلها المداومة على خلافها ، ولها انقسامات باعتبارات ليس المجال متسعا لذكرها.

(٤) الحال كيفية نفسانية غير راسخة. ولها أيضا انقسامات كما يظهر لمن راجع كتب الفلسفة والكلام.

(٥) الكهف. الآية ١١٠ ،


تأمّل فيه علم أنّه الحقّ الصريح المطابق للعقل والنقل ، وكلّ ما ذكره هذا الرّجل على سبيل التشنيع فلا يأتي عليهم كما علمته مجملا وستعلمه مفصلا عند أقواله. وما ذكره من قصة سورة النجم وقراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يكن من القرآن فهذا أمر لم يذكر في الصحاح بل هو مذكور في بعض التفاسير ، وذكروا أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا اشتد عليه اعتراض قومه عن دينه تمنى أن يأتيه من الله تعالى ما يتقرّب إليهم ويستميل قلوبهم ، فأنزل الله عليه سورة النجم ولمّا اشتغل بقراءتها قرأ بعد قوله تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ، فلما سمعه قريش فرحوا به وقالوا قد ذكر آلهتنا بأحسن الذّكر فأتاه جبرئيل (١) بعد ما أمسى وقال له تلوت على النّاس ما لم أتله عليك ، فحزن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لذلك حزنا شديدا وخاف من الله خوفا عظيما ، فنزل لتسليته : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) الآية (٢) هذا ما ذكره بعض المفسّرين واستدلّ به من جوّز الكبائر على الأنبياء ، والأشاعرة أجابوا عن هذا بأنّه على تقدير حمل التمني على القراءة هو أنّه من إلقاء الشيطان يعني أنّ الشّيطان قرأ هذه الآية المنقولة وخلط صوته بصوت النّبي حتى ظنّ أنّه عليه‌السلام قرأها ، قالت الأشاعرة : وإن لم يكن من إلقاء الشّيطان بل كان النّبي صلّى الله عليه قاريا لها كان ذلك كفرا صادرا عنه وليس بجائز إجماعا ، وأيضا ربّما كان ما ذكر من العبارة قرآنا وتكون الاشارة بتلك الغرانيق إلى الملائكة فنسخ تلاوتها للايهام (٣)

__________________

(١) فيه لغات كجبرعيل ، وجزقيل ، وجبرعل ، وسمويل ، وجهراعل ، وخزعال ، وطربال ، وجبريل ، وجبريل بفتح الياء ، وجبرييل ، وجبرين ، والجبار بالتخفيف فاللفظة من باب (فالعبوا به) عند أهل الأدب ، أى كيفما تلفظت لم يكن لحنا ولا غلطا.

(٢) الأنبياء. الآية ٢٥.

(٣) الإيهام في الاصطلاح هو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد يراد به البعيد ، وبهذا المعنى يرادف التورية كما نص عليه أرباب البلاغة.


ومن قرأ سورة النّجم وتأمّل في تتابع آياتها علم أنّ هذه الكلمات لا يلتئم وقوعها بعد ذكر الأصنام ولا في أثنائها ولا يمكن للبليغ أن يتفوّه بها في مدح الأصنام عند ذكر مذمتها ، نعم يلتئم ذكرها عند ذكر الملائكة وهو قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (١) فهاهنا ما يناسب أن تقرأ تلك الغرانيق العلى وأنّ شفاعتهن لترتجى ، فعلم أنّه لو صحّ هذا لكان في وصف الملائكة ثم نسخ للايهام (٢) أو لغيره والله أعلم. هذه اجوبة الأشاعرة ، فعلم أنّ ما اعترض عليهم هذا الرّجل فهو من باب مفترياته وأما المغاربة (٣). فهم يمنعون صحّة هذا عن أصله ، وذكر الشيخ الامام القاضي أبو الفضل موسى بن عياض اليحصبي المغربي (٤) في كتاب الشّفا (٥) بتعريف حقوق المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذا من المفتريات وتعلّق بها الملاحدة (٦) ولا أصل له ، وبالغ في هذا كلّ المبالغة انتهى.

أقول

يتوجّه عليه وجوه من الكلام وضروب من الملام اما أولا فلأنّ قوله : فمنعه

__________________

(١) النجم. الآية ٢٦.

(٢) قد مر معناه المصطلح.

(٣) جمع المغربي أريد بهم محدثو بلاد الأندلس وافريقيا وغيرهما من أقطار المغرب وهم كابن حزم والقضاعي والطفيلي والقرطبي والطليطلى وخلق لا يحصون.

(٤) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء وستأتى.

(٥) ذكره في الشفاء (ج ٢ ص ١١٧ المطبوع بالاستانة في المطبعة العثمانية) في فصل عنونه بقوله : وقد توجهت علينا فراجع.

(٦) قد مر المراد بهم في أوائل هذا الجزء.


الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة الأعلام لا يخلو عن تمويه إذ جوّزه القاضي أبو بكر كما ذكر في المواقف وهو من أعلام الأشاعرة ، واما ثانيا فلأنّ دعواه الإجماع على عصمة الأنبياء من الكفر قبل النبوّة وبعدها كاذبة ، لأنّ ابن فورك (١) من الأشاعرة مخالف في ذلك وجوّز بعثة من كان كافرا ، ويدلّ عليه أيضا ما سنذكره من كلام الغزالي (٢) في المنخول ، وقال بعض الحشوية : إنّ نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كان كذلك لقوله تعالى (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٣) وهو غلط إذ الضّلال هاهنا عدم الرّشد فيما يتعلّق بالأمور الشرعيّة قبل البعثة ، واما ثالثا فلأنّ ما ذكره من أنّه جوز الشيعة إظهار الكفر تقية شيء ذكره صاحب المواقف وهو فرية بلا مرية (وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى) ، يدل على ذلك كلام الفاضل البدخشي الحنفي (٤) في بحث الأفعال من شرح

__________________

(١) هو محمد بن الحسن (الحسين خ ل) بن فورك ابو بكر الاصبهانى الأصولي المتكلم النحوي الأديب ، له كتب منها كتاب مشكل الحديث وقد طبع بعضه بالهند وغيره من الآثار في الفقه وأصوله والكلام والأدب نقل المحدث القمي في ص ٣٦٨ من كتاب الكنى كلاما له ، وهو أنه كان يقول : شغل العيال نتيجة متابعة الشهوة بالحلال فما ظنك بقضية شهوة الحرام ، توفى مسموما سنة ٤٠٦ وقيل ٤٤٦ ، والاول أقرب الى الصحة ، ونقل نعشه الى بلدة نيسابور ودفن في محلة الحيرة من محلاتها الكبيرة.

(٢) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ١٤٥) وكتابه المنخول مطبوع معروف.

(٣) الضحى. الآية ٧.

(٤) هو العلامة الشيخ نظام الدين الحنفي البدخشي ، قال العلامة السيد عبد الحي الحسيني في كتاب نزهة الخواطر (ج ٤ ص ٣٨١) ما لفظه : الشيخ نظام الدين الحنفي البدخشي (نواب غازيخان) كان من نسل الحسن بن أبى الحسن البصري ، ولد بخراسان وقرء العلم على مولانا محمد سعيد ، والعلامة عصام الدين ابراهيم الأسفراييني وعلى غيرهما من الاساتذة وتلقن الذكر عن الشيخ حسين الخوارزمي ، وقدم الهند سنة اثنتين وثمانين


منهاج الأصول حيث قال : الأكثر من المحقّقين على أنه لا يمتنع عقلا قبل النبوّة ذنب من كبيرة أو صغيرة خلافا للرّوافض (١) مطلقا وللمعتزلة في الكبائر ولا خلاف لأحد في امتناع الكفر عليهم إلا الفضيلية (٢) من الخوارج بناء على أصلهم من أنّ كلّ معصية كفر وقد قال تعالى (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) (٣) جوّز البعض عليهم عند خوف تلف

__________________

وتسعمائة ، فتقرب الى اكبر شاه التيمورى ، فلقبه بغازى خان وأدناه وأهله للعناية والقبول وولاه الاعمال الجليلة ، وقال البدايونى هو الذي اخترع السجدة للسلطان تحية له والله أعلم ، له مصنفات عديدة منها حاشية بسيطة على شرح العقائد ، ورسالة في اثبات الكلام وايمان التحقيق والتصديق.

مات سنة ٩٩٣ بأرض (اوده) وله سبعون سنة انتهى.

أقول : وله كتاب في الفقه وآخر في الكلام كبير وهو غير ذينك الكتابين المذكورين بعيد هذا ، و (اوده) محل معروف بالهند (وصوبة مشهورة) والعجب أن ترجمة هذا الرجل لم تذكر في المعاجم فكم أتعبنا أنفسنا في الوقوف على ترجمته حتى عثرنا في النزهة ، ثم هو غير البدخشي من علماء القوم وعرفائهم في المائة الحادية عشر وغير البدخشي من علمائهم في المائة السادسة وغير البدخشي منهم في المائة السابعة فلا تغفل.

(١) اشتهر التعبير بهذه الكلمة في كتب القوم وأنديتهم عن الامامية ، وأول من تفوه بها في حق أصحابنا هم الزيدية التي هي من فرق الشيعة ، وقالوا : ان الامامية رفضوا زيدا أى تركوه ، ثم سرى الى العامة وعبروا بالروافض عنهم لرفضهم الذين تقمصوا الخلافة وأخروا أمير المؤمنين سلام الله عليه عن حقه المسلم المنصوص عليه ، فإطلاق الزيدية الكلمة يغاير اطلاق القوم فلا تغفل.

(٢) الفضيلية فرقة من الازارقة ، وهم من الخوارج كما نص عليه الرازي في اربعينه طبع حيدرآباد ، وضبط محشى الأربعين الفضلية وقال انهم اتباع فضل بن عبد الله والمشهور ما ذكرنا أولا فتأمل.

(٣) طه. الآية ١٢١.


المهجة (١) إظهار الكفر وأمّا بعد النبوة فالإجماع على عصمتهم عن تعمد الكذب في الأحكام لدلالة المعجزة على صدقهم ، وأما الكذب غلطا فجوّزه القاضي ومنعه الباقون إلخ وقد علم من هذا أمران أحدهما أنّ من جوّز إظهار الكفر على الأنبياء خوفا جماعة مجهولة غير الشيعة وإلا لصرح بهم كما قال سابقا خلافا للروافض وثانيهما أنّ من جوّز ذلك إنما جوّزه قبل النبوّة لا بعدها حتى يتوجه عليه ما ذكره الناصب من أن ذلك يفضى إلى إخفاء الدعوة بالكلية وناهيك (٢) في ذلك أنّ الامامية قالوا إنّ إظهار التبري عن الأئمة عليهم‌السلام في مقام التّقية حرام ، واستدلوا عليه بقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : أمّا السبّ فسبوني فانه لي زكاة ولكم نجاة واما البراءة فمدّوا الأعناق (٣) ومن البين أنهم إذا لم يجوّزوا لأنفسهم الضعيفة إظهار البراءة عن أئمّتهم تقيّة فكيف يجوّزون إظهار الكفر للأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام مع تأيدهم بالنفوس القوية القدسية والقوى الرّبانية ثم لا يخفى ما في كلام الناصب من سماجة تكرار قوله : يفضي إلى إخفاء الدعوة بالكلية من غير طائل أصلا واما رابعا فلأنّ ما ذكره بقوله : واما الكبائر فمنعه الجمهور

__________________

(١) الدم ، دم القلب ، الروح.

(٢) في القاموس : ناهيك من رجل ونهاك منه بمعنى حسب.

(٣) وفي نهج البلاغة : من كلام له عليه‌السلام لأصحابه : أما انه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم منه حق البطن ، يأكل ما يجد فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وانه سيأمركم بسبي والبراءة منى ، أما السب فسبوني فانه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرءوا منى ، فانى ولدت على الفطرة وسبقت الى الايمان والهجرة. وقال ابن أبى الحديد في شرح النهج (ج ٤ من المجلد الاول ص ٣٧٤ ط مصر) : اما الامامية فتروي عنه «ع» انه قال : إذا عرضتم على البراءة منا فمدوا الأعناق ، ويقولون لا يجوز التبري عنهم.


من المحقّقين (١) مردود بأنّ المحققين منهم إنّما منعوا ذلك في زمان نبوّتهم لا قبله فظهر التّفاوت بين مذهبهم ومذهب الشّيعة تفاوت ما بين الأرض والسّماء ، وقد صرّح في المواقف وشرحه بما ذكرناه حيث وقع فيهما لنا على ما هو المختار عندنا وهو أنّ الأنبياء في زمان نبوّتهم معصومون عن الكبائر مطلقا وعن الصغائر عمدا وجوه (الاول) إلى آخره ، والظاهر أنّهم إنّما جوّزوا ذلك على الأنبياء ليدفعوا استبعاد خلافة خلفائهم الثّلاثة مع سبق كفرهم ، فكيف يرجع محققوهم عن ذلك ، واما خامسا فلأنّ قوله : فامتناع الكبائر منهم عمدا مستفاد من السّمع وإجماع الامّة قبل ظهور المخالفين في ذلك لا يدفع تشنيع المصنّف عنهم ، لأنّ المخالفين في ذلك إنّما هم جماعة من أهل السنّة والجماعة ، فيرجع وباله إلى جميعهم ، واما سادسا فلأنّ قوله : ونحن نذكر بعض الأدلة لا للاحتجاج بها على الخصم لأنّه موافق في هذه المسألة ، مدخول بأنّ الأشاعرة لم يوافقوا الخصم من المعتزلة والاماميّة إلا فيما بعد النبوة ، وأمّا قبلها فقد قال الأشاعرة : بجواز صدور الكبائر

__________________

(١) وممن وافقنا من المعدودين من أكابر اهل السنة في الحكم بعصمة الأنبياء قبل البعثة وبعدها الشيخ الفاضل الموحد ابن العربي في كتابه المسمى بالفتوحات المكية ، وذلك لأنه حكم بعصمة عموم آل النبي (ص) من الأئمة الاثني عشر وغيرهم من السادات بل حكم بعصمة سلمان الفارسي رضى الله عنه وأولاده ولدخوله في أهل البيت بمقتضى الحديث المشهور ، فيكون مراده بعصمة من عدا الأئمة (ع) من جملة الال عصمتهم من اول العمر الى آخره إذ لا مجال هاهنا للتخصيص بما قبل البعثة وبعدها او بما قبل الامامة وبعدها ، ومن البين أن حكمه بعصمة من عدا الأنبياء عليهم‌السلام والأئمة عليهم‌السلام في جميع العمر يستلزم حكمه بعصمتهم على هذا الوجه بطريق أولى ، وقد ذكرنا كلام الشيخ في هذا الباب في شرح ما سيجيء من كلام المصنف في توضيح الآية الثانية والعشرون في مناقب أمير المؤمنين (ع) فارجع اليه منه (قدس‌سره).


عنهم دون الشّيعة والمعتزلة كما مرّ ، ففي كلامه هذا أيضا تمويه وتلبيس كما لا يخفى وكذا الكلام فيما ذكره عند تقرير الدّليل الأوّل بقوله : فعلم أنّ الأشاعرة يوافقون في وجوب عصمة الأنبياء من الصّغائر والكبائر إلخ ، والحاصل أنّ الدلائل الّتى ذكرها إنّما استدلوا بها على وجوب عصمة الأنبياء عن الكبائر والصغائر بعد البعثة وهذا هو الذي ادّعاه الأشاعرة كما صرّح به السّيد (١) قدّس سره في هذا المقام في شرح المواقف وفخر الدّين الرّازي في تفسير سورة يوسف عليه‌السلام حيث قال : المعتبر عندنا عصمة الأنبياء في وقت حصول النّبوة ، فأمّا قبلها فذلك غير واجب انتهى ، فما ذكره الناصب من موافقة الأشاعرة مع الاماميّة والمعتزلة في ذلك لا يصحّ على إطلاقه ، وإنما الموافقة في حكم ما بعد البعثة فقط كما عرفت ، وما ذكره من أنّ نسبة تجويز الكبائر إلى الأشاعرة افتراء لا يصحّ مطلقا إذ التجويز منهم واقع قبل البعثة وبعدها كما دلّ عليه كلام المواقف ، (٢) على أنّه قد هدم صاحب المواقف دعوى العصمة عن اسّه (٣) حيث قال عند منع عصمة فاطمة المعصومة عليها‌السلام : إنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بضعة منّي مجاز لا حقيقة فلا يلزم عصمتها ، وايضا عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تقدّم ما فيه انتهى ، وقد سبقه في ذلك الغزالي بل القاضي أبو بكر (٤) ، قال الغزالي (٥) في بحث أفعال الرّسول من كتابه الموسوم بالمنخول في الأصول ، والمختار ما ذكره القاضي : وهو أنّه لا يجب عقلا عصمتهم إذ لا يستبان (يثبت خ ل) استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظره ، وليس هو مناقضا لمدلول

__________________

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء.

(٢) في الجلد الثاني من المواقف (ص ٤٦٩ ط مصر).

(٣) الاس بتثليث الهمزة : الأساس.

(٤) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١٧٢).

(٥) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١٤٥).


المعجزة ، فانّ مدلوله صدق اللهجة (وعدم كذبه ظ) فيما يخبر عن الله تعالى لا عمدا ولا سهوا ، ومعنى التنفير باطل ، فانّا نجوّز أن ينبّئ الله تعالى كافرا ويؤيّده بالمعجزة انتهى ، وظنّي أنّ هذا الاضطراب والاختلاف منهم إنّما هو لأنّهم إذا نظروا إلى علوّ شأن الأنبياء عليهم‌السلام قالوا بعصمتهم في الجملة ، وإذا نظروا إلى حال أبي بكر وعمر وعثمان وأنّه يلزم من عدم العصمة في الواقع عدم صلاحيتهم لأن يكونوا خليفة ونائبا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ندموا عمّا قالوا أوّلا ، وقالوا لحفظ حالهم وخلافتهم : إنّ الأنبياء أيضا ليسوا بمعصومين ، ويحتمل أن يكون الاختلاف لاختلاف طبائعهم في الاتّصاف بالحياء عن الخالق والخلائق وعدمه فتأمّل ، فانّ الفكر فيهم طويل (١) ، وأما سابعا فلأنّ ما ذكره بقوله : والغرض أنّ كلّ ما ذكر هذا الرّجل ممّا يترتب على ذنوب الأنبياء عليهم‌السلام من لزوم إبطال حجّة الله ، فمذهب الأشاعرة عنه بريء ، وهم ذكروا هذه الدّلائل إلخ مدفوع ، بأنّ غرضه هذا مشوب بالحيلة والتلبيس كغيره من المقدّمات السّابقة ، فانّ المصنّف إنّما رتّب إبطال حجة الله تعالى على ما نسبوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من اعترافه بحقية الأصنام وكون صدور مثل ذلك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله يبطل حجّته مما لا يمكن إنكاره ، وقد عرفت مما أسبقناه استعماله التمويه والتلبيس أيضا في قوله : وهم ذكروا هذه الدّلائل ، لما ذكرنا من أنّهم إنّما أقاموا هذه الدّلائل على عصمة الأنبياء بعد البعثة لا قبلها ، ولا نسلّم حجّية من صدر عنه الكفر وغيره من الكبائر قبل البعثة كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى واما ثامنا فلأنّ ما ذكره من أنّ الأشاعرة يقولون ، لا تجب عصمة الأنبياء عن الصغائر ، لأنّها معفوّة بنص الكتاب إلخ ، مردود بأنّ استعقاب بعض الذّنوب للعفو

__________________

(١) حيث انه لا يجوز صدور المعصية عن الأنبياء حفظا لمقام غيرهم الا من انسلخ عن الفطرة الانسانية وسلب دثار الحياء وشعاره مع أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : الايمان عريان ولباسه الحياء.


لا يدفع النفرة عن صاحبه وفتور الاعتقاد فيه ، فيسقط محلّه ورتبته عند العوام ، فلا ينقادون إلى إطاعته ، فتنتفي فائدة البعثة كما سيأتي في كلام المصنف ، واما تاسعا فلأنّ في قوله : وفي الآية إشارة إلى أنّ الإنسان لمّا خلق من الأرض إلخ ، كلام سنشير إليه إن شاء الله تعالى عن قريب ، واما عاشرا فلان قوله : ولمّا لم يكن خلاف ملكة العصمة فلا مؤاخذة فيه ، فيه مؤاخذتان ظاهرتان ، إحداهما أنّ الاعتبار بمخالفة ملكة العصمة وعدمها غير مفهوم من صريح القرآن ولا من إشارته ، بل هو صريح البطلان ، وكيف يقول عاقل : إنّ صدور الذنب لا ينافي ملكة العصمة وثانيتهما أن العصمة بمعنى الملكة من اصطلاحات الحكماء ، فعدم مخالفتها بذلك المعنى لا تصير حجة على العدلية كما سنوضحه عن قريب إن شاء الله تعالى ، واما الحادي عشر فلأنّ قوله : وأما العصمة عند الحكماء إلخ ، لغو من الكلام كما أشرنا إليه ، أو رجوع عما أنكره سابقا من الاستناد بكلام الفلاسفة ولحس فضلاتهم ، وبالجملة تشبثه بكلام الحكماء هاهنا دون كلام إحدى الطائفتين من المسلمين تلبيس وتمويه لا يخفى على المتأمل ، فانه لمّا رأى أن صدور الصغائر عن الأنبياء مخالف للعصمة بمعنى عدم خلق الله فيهم ذنبا كما ذهب الأشاعرة ، وكذا بمعنى اللّطف الذي يفعله الله فيهم بحيث لا يصدر عنهم ذنب ولا يبلغ إلى حدّ الإلجاء كما ذهب إليه أهل العدل ، خلط المبحث وعدل إلى التشبّث بمذهب الفلاسفة ، ومع ذلك لا يسمن ولا يغني من جوع كما ستطلع عليه ، واما الثاني عشر فلأنّ قوله : ولا اعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر سهوا أو عمدا عند من يجوز تعمّدها من ترك الأولى والأفضل ، فيه خلط وخبط (١) لا يخفى ، لأنّ خلاف الأفضل والأولى لا يسمّى صغيرة حقيقة ولا يعدّ من الذنوب التي وقع النزاع في نفيها وإثباتها ، واما ما هو صغائر حقيقة سيّما إذا وقع عمدا فهو في معرض الاعتراض ، بل الاعراض عنهم أيضا ، قوله : فانّها لا تمنع العصمة التي

__________________

(١) الخلط : المزج. والخبط : التصرف في الأمور عن غير بصيرة.


هي الملكة ، قلنا : عدم المنع ممنوع ، قوله : فانّ الصّفات النفسانيّة تكون في ابتداء حصولها أحوالا ثمّ تصير بالتدريج ملكة ، قلنا؟ نعم ، لكن ما لم تصر ملكة لا يسمّى صاحبها معصوما ، فيثبت المنع ، وسيجيء مزيد توضيح لذلك في مسألة عصمة الامام فانتظر ، واما الثالث عشر ، فلأنّ ما ذكره من أنّ الآية تدلّ على مماثلتهم لسائر النّاس فيما يرجع إلى البشريّة والامتياز بالوحي لا غير ، ففيه أنّ الدّلالة على المماثلة في سائر الأوصاف البشريّة ممنوعة ، وإنّما المراد المماثلة في القدرة على الذّنوب ليستحقّوا المدح والثواب على ذلك لكن يثبتهم الله تعالى على العصمة بلطفه ورحمته ، على أنّ القول بمثل هذه المماثلة سيّما مع ما ذكره النّاصب من التأكيد والحصر بقوله لا غير يخالف تصريحهم بنوريّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بل سائر الأنبياء عليهم‌السلام وتفضيلهم على الملائكة في الصفاة الفاضلة ، وقال (١) القاضي عياض في كتاب الشفا (٢) : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كان من البشر ويجوز على جبلّته ما يجوز على

__________________

(١) هو العلامة أبو الفضل القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عياض اليحصبى السبتي المغربي قال ابن خلكان في (ج ١ ص ٤٩٦) : انه كان امام وقته في الحديث والنحو واللغة وكلام العرب وايامهم وأنسابهم صنف التصانيف المفيدة كالإكمال في شرح كتاب مسلم ، ومشارق الأنوار في غريب الحديث وكتاب التنبيهات والغرائب ، الى أن قال وتوفى بمراكش يوم الجمعة ٧ جمادى الأخرى سنة ٥٤٤ ، وكانت ولادته سنة ٤٤٦.

أقول وأشهر تاليفه كتاب الشفاء بتعريف حقوق المصطفى رتبه على أقسام وكل قسم على أبواب وكل باب على فصول وهو من احسن الكتب في سيرته (ص) ، وشرحه جماعة أشهر الشروح شرح المولى على القاري وشرح صلاح الدين الصفدي وقد ترجم الشفاء بالفارسية والهندية والتركية أيضا ، وكان للمترجم ولد فاضل اسمه محمد أبو عبد الله القاضي.

(٢) (هذه الجمل مذكورة بعينها في الشفاء ج ٢ ص ٨٨ طبع الآستانة بالمطبعة العثمانية).


جبلة البشر فقد قامت البراهين القاطعة وتمّت كلمة الإجماع على خروجه عنهم وتنزيهه عن كثير من الآفات التي تقع على الاختيار وعلى غير الاختيار كما سنذكره إن شاء الله تعالى انتهى ، واما الرابع عشر فلأنّ ما ذكره من أنّ قصّة سورة النّجم لم تذكر في الصّحاح إلخ ففيه أنّه وإن لم تذكر في الجوامع التي سمّوها بالصّحاح تسمية للشيء باسم ضدّه لكن قال الشيخ شهاب الدين احمد بن محمد القسطلاني (١) في كتابه الموسوم بالمواهب اللّدنيّة : إنّ لهذه القصّة أصلا فقد خرّجها ابن أبي حاتم (٢) والطبري (٣)

__________________

(١) هو أحمد بن محمد بن أبى بكر بن عبد الملك بن أحمد بن الحسين ، المصري النشأة ، أبو العباس الكنية ، شهاب الدين اللقب ، شافعى المذهب ، كان من مشاهير علماء المائة العاشرة وحافظا للقرآن ، قليل النظير في الحديث والتجويد وقراءة القرآن والوعظ والخطابة ، وله شرح لصحيح البخاري سماه ارشاد الساري وهو من شروحه الحسان ، وله ايضا تأليفات أخر كالانوار المضية والمواهب اللدنية وغيرها. توفي سنة ٩٢٣ في القاهرة وقد مضى من عمره اثنتان وسبعون سنة ، ودفن في مدرسة العيني قرب جامع الأزهر ، وقد صادف يوم وفاته يوم تملك سليم خان العثمان المصر.

أخذ العلم عن خالد الأزهري وغيره فراجع الريحانة (ص ٢٩٨ من ج ٣ ط تهران) والى النور السافر للعبدروسى (ص ١١٣ ط مصر).

(٢) هو الشيخ عبد الرحمن ابن ابى حاتم محمد الحافظ الرازي أبو محمد المحدث الفقيه المتكلم صاحب التصانيف والتآليف الكثيرة ، منها كتاب الجرح والتعديل وهو كتاب نفيس في بابه وقد طبع بحيدرآباد ، ومنها كتاب التفسير الكبير وغيرها ، توفى سنة ٣٢٧ كما في الريحانة (ج ٥ ص ٢١٨).

(٣) هو العلامة ابو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن خالد بن غالب الاملى الفقيه المحدث المتكلم المورخ صاحب التصانيف والتآليف الشهيرة ، منها كتاب جامع البيان في تفسير القرآن في مجلدات ألفه للأمير منصور بن نوح الساماني وقد طبع بمصر ويعرف بتفسير


وابن المنذر (١) من طرق وكذا ابن مردويه (٢) والبزّاز (٣) وابن

__________________

الطبري وتفسير ابن جرير أيضا ، ومن كتبه تاريخ الأمم والملوك ويعرف بتاريخ الطبري وطبع مرات وله ذيول ككتاب الصلة بتاريخ الطبري لعريب بن سعيد القرطبي المطبوع بليدن سنة ١٨٩٧ الميلادى.

ومن كتب المترجم البسيط في الفقه وتاريخ الرجال من الصحابة والتابعين ، وكتاب في طرق حديث الغدير ، وطرق حديث الطير ، وكتاب الرد على الحرقوصية ، وكتاب اللطيف في الفقه ، وتهذيب الآثار في الحديث.

توفى يوم السبت ٢٦ شوال سنة ٣١٠ وقيل ٣١١ وقيل ٣١٦ ببغداد ، ورثاه عدة من العلماء منهم العلامة ابن دريد اللغوي الشهير بقوله.

أن المنية لم تتلف به رجلا

بل اتلفت علما للدين منصوبا

كان الزمان به تصفو مشاربه

والآن أصبح بالتكدير مقطوبا

أخذ عن جماعة منهم خاله ابو بكر الخوارزمي وغيره ثم ان تفسيره المذكور تفسير بالمأثور والروايات ، وقد استمد منه العلامة السيوطي في الدر المنثور فلاحظ.

وليعلم ان المترجم هذا غير العلامة محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي الامامى المعاصر لشيخنا النجاشي وكثيرا ما يشتبه الأمر فلا تغفل ، فراجع الريحانة (ج ٣ ص ٢٢) (وج ٢ طبقات الشافعية ص ١٣٥ طبع مصر) وتاريخ الخطيب (ج ٢ ص ١٦٢ طبع مصر).

(١) هو العلامة أبو بكر محمد بن ابراهيم بن المنذر النيسابوري الشافعي الفقيه المحدث صاحب الكتب الكثيرة منها كتاب الاشراف على مذاهب الاشراف ، وكتاب الأوسط في السنن والإجماع ، وكتاب تفسير القرآن ، وكتاب المبسوط ، وغيره.

توفى سنة ٣٠٩ وقيل ٣١٠ وقيل ٣١٨ فراجع الريحانة (ج ٦ ص ١٧٢) وتذكرة النوادر ص ٥٢ طبع حيدرآباد.

(٢) هو العلامة أبو بكر أحمد بن موسى الاصبهانى المحدث الفقيه الشهير صاحب كتاب تاريخ أصفهان والتفسير الكبير توفى سنة ٤١٠ كما في الريحانة (ج ٦ ص ١٤٨).

(٣) هو أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري ، قال الذي في تذكرة الحفاظ (ج ٢


إسحاق (١) في السيرة وموسى بن عقبة (٢) في المغازي وأبو معشر (٣) في السيرة كما نبّه عليه الحافظ عماد الدين (٤) بن كثير وغيره ، وكذا نبّه على ثبوت أصلها

__________________

ص ٢٠٤ طبع حيدرآباد) ما لفظه : صاحب المسند المعلل سمع هدبة بن خالد ، وعبد الاعلى بن حماد ، والحسن بن على بن راشد ، وعبد الله بن معاوية الجمحي ، ومحمد بن يحيى ابن فياض الرماني وطبقتهم ، روى عنه عبد الباقي بن قانع ومحمد بن العباس بن نجيح ، وأبو بكر الختلي وعبد الله بن الحسن وأبو الشيخ وخلق ، فانه ارتحل في آخر عمره الى أصبهان والى الشام والى النواحي الى ان قال توفى بالرملة سنة اثنتين وتسعين ومأتين ٢٩٢ إلخ أقول ومسنده مشهور معول عليه لدى القوم وقد طبع.

(١) هو أبو عبد الله المدني محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولى قيس بن مخرمة العلم الشهير في السير والمغازي والتاريخ.

يروى عن أبيه وعن عطاء والزهري وخلق ، وعنه يحيى الأنصاري وعبد الله بن عون وشعبة والحمادان ، توفى ١٥١ فراجع خلاصة التذهيب للخزرجى ص ٢٧٨.

(٢) هو موسى بن عقبة الأسدي مولاهم المدني المحدث الفقيه المتكلم ، يروى عن ام خالد بنت خالد وعروة وعلقمة بن وقاص ، وعنه يحيى الأنصاري وابن جريح ومحمد بن فليح توفى سنة ١٤١ (كما في خلاصة التذهيب للخزرجى ص ٣٣٦ طبع مصر).

(٣) هو ابو معشر حمدويه بن الخطاب بن ابراهيم البخاري الضرير ، قال الذهبي في التذكرة (ج ٢ ص ٢٢١ طبع حيدرآباد) : انه سمع محمد بن سلام البيكندى وأبا جعفر المسندى ويحيى بن جعفر وأبا قدامة السرخسي وما أحسبه رجلا ، روى عنه أبو بكر محمد ابن أحمد بن حامد السعداني وأهل بخارى انتهى.

(٤) هو العلامة الشيخ ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القرشي البصري عماد الدين المؤرخ المفسر المحدث ، له كتب شهيرة ، منها البداية والنهاية في التاريخ في مجلدات وقد طبع بمصر ، وكتاب طبقات الشافعية وتفسير القرآن في مجلدات وقد طبع بمصر ، وجامع المسانيد وغيرها توفى بدمشق ٧٧٤ ودفن قريبا من قبر شيخه ابن تيمية فراجع الريحانة (ج ٦ ص ١٢٤).


شيخ الإسلام والحفّاظ أبو الفضل القسطلاني فقال : أخرج أبو حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة (١) عن أبي بشر (٢) عن سعيد (٣) بن جبير ذلك ، وأخرج البزّاز وابن مردويه من طريق أميّة (٤) بن خالد عن شعبة ، فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس (٥) فيما أحسب ، ثمّ ساق الحديث ، قال البزّاز لا يروي متّصلا

__________________

(١) هو شعبة بن الحجاج بن الورد أبو بسطام الأزدي العتكي مولاهم الواسطي نزيل البصرة سمع عن الحسن ومعاوية بن قرة وعمرو بن مرة والحكم وسلمة بن كهيل وخلق ، وعنه أيوب السختياني وابن إسحاق وابن المبارك وخلق ، فراجع التذكرة للذهبى (ج ١ ص ١٨٢ طبع حيدرآباد).

(٢) هو أبو بشر سهل بن بكار الدارمي البرجمي القيسي الضرير ، روى عن وهب ، والسرى بن يحيى ، ويزيد بن ابراهيم وخلق ، وعنه الذهلي ويعقوب الفسوي وعثمان بن خرذاذ وأبو زرعة. وثقة أبو حاتم توفى سنة ٢٢٧ كما في التذكرة للذهبى (ج ١ ص ٣٦٠ طبع حيدرآباد).

(٣) هو سعيد بن جبير الوالبي التابعي الفقيه المقري الجليل الشيعي ، روى عن ابن عباس وعدى بن حاتم وغيرهما وعنه جعفر بن أبى المغيرة والأعمش وعطاء ابن السائب وخلق ، قتله الحجاج الثقفي الشقي لولائه أمير المؤمنين عليه‌السلام وتشيعه ، وكان مقتله سنة ٩٥ ، وبالجملة الرجل من أجلاء المسلمين ، قال الذهبي في التذكرة (ج ١ ص ٧٣ طبع الهند) ما لفظه : انه لما قتل سعيد قال ميمون بن مهران مات سعيد بن جبير وما على الأرض رجل الا وهو يحتاج الى علمه انتهى.

(٤) هو أمية بن خالد بن الأسود القيسي ابو عبد الله البصري ، يروى عن شعبة ومعمر ابن سليمان ، وعنه محمد بن بشار ومحمد بن المثنى وعمرو بن على ، توفى سنة ٢٠١ قاله الخزرجي في التذهيب (ص ٣٤ طبع مصر).

(٥) هو أبو العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المفسر الفقيه ترجمان القرآن جبر الامة تلميذ مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وهو أول من نشر التفسير بين المسلمين بعد ما استفاده من الامام ، وكلماته في كتب التفاسير منقولة ، ولله در صاحب قاموس اللغة


إلا بهذا الاسناد ، وتفرد بأصل أميّة بن خالد وهو ثقة مشهور قال : وإنّما يروي هذا من طريق الكلبي (١) عن أبي صالح (٢) عن ابن عبّاس انتهى ، والكلبي متروك (٣)

__________________

حيث جمعها في كتاب مستقل سماه (تنوير المقباس في تفسير ابن عباس) ، يروى عنه خلق كثير منهم سعيد بن جبير وابن المسيب وعطاء بن يسار ، قال الخزرجي في التذهيب ص ١٧٢ نقلا عن أبى نعيم : أنه توفى سنة ٦٨ بالطائف وصلى عليه محمد بن الحنفية ، وبالجملة المترجم جليل القدر عظيم المنزلة لدى الفريقين ، والمقام لا يسع بسط المقال في المقام ، ومن رام الوقوف على تفصيل حاله فليراجع كتب التراجم والرجال والسير.

(١) هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي المحدث النسابة المؤرخ الحافظ ، يروى عن أبيه وعن خلق ، وعنه خلق منهم ابو الأشعث وخليفه ابن الخياط ومحمد بن أبى السرى ومحمد بن سعد ، قال الذهبي في التذكرة (ج ص ٣١٣ طبع حيدرآباد) انه كان اخباريا علامة نسابة توفى سنة ٢٠٦ انتهى.

أقول المترجم جليل القدر عظيم المنزلة وهو شيعى من أصحابنا له كتب نفيسة نافعة في الأنساب وغيرها ، منها كتاب جمهرة نسب عدنان ، وكتاب جمهرة نسب قحطان ، وكتاب أنساب قريش وغيرها ، واوردنا ترجمته مع البسط في كتابنا الوحيد في موضوعه (طبقات النسابين) المجلد الاول في علماء النسب في المائة الثالثة ، ومن رام الوقوف على جلالة الرجل فعليه بالمراجعة الى ذلك الكتاب الذي أصبح كناسقه جليس البيت والغريب في وطنه ، أخذ الله عمن ظلمه من بعض أبناء نوعه وأخزاه لدى سيد المرسلين يوم لا حكم الا حكمه.

(٢) الظاهر ان المراد أبو صالح ذكوان المدني السمان التابعي المتوفى سنة ١٠١ كما في (ج ١ من تذكرة الذهبي ص ٨٣) قال الخزرجي في التذهيب انه يروى عن سعد وأبى الدرداء ، وعنه بنوه سهيل وصالح ، وعطاء بن أبى رباح والأعمش ونقل عن أحمد أنه ثقة ثقة إلخ.

(٣) قف على عصبية القسطلاني الباردة بالنسبة الى الكلبي النسابة وما ذنبه الا اختصاصه


لا يعتمد عليه ، وكذا أخرجه النخّاس (١) بسند آخر فيه الواقدي (٢) ، وذكرهما ابن إسحاق (٣) في السيرة المطوّلة وأسندهما عن محمّد (٤) بن الكعب ، وكذلك

__________________

بالعلويين وحفظه وضبطه أنسابهم وولائه لهم ، وقد سبق القسطلاني في هذا الصنيع السيئ الذهبي في تذكرة الحفاظ مع أن أمر الرجل في الجلالة معروف حتى لديهم (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).

(١) المراد به بشر بن سليمان الأزدي أو بشر بن آدم بن يزيد البصري أبو عبد الرحمن المحدث الراوي الشهير الذي استند اليه الكثير من محدثي القوم.

(٢) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد القاضي الأسلمي المدني البغدادي المنشأ والمدفن ، صاحب التآليف الكثيرة في السير والتواريخ ككتاب المغازي ومقتل الحسين ، وفتوح الأمصار ، وفتوح العجم ، وضرب الدنانير والدراهم واخبار مكة ، وفتوح مصر والإسكندرية ، واخبار الحبشة والفيل وفتوح الافريقية وغيرها ، وبالجملة الرجل ممن اعتمد عليه أرباب السير والمؤرخون والمحدثون ، بل الفقهاء في مسألة الأراضي الخراجية وتعيين المفتوحة عنوة منها عن غيرها ، وقال العلامة الجليل ابن النديم في كتاب الفهرست : ان الواقدي كان شيعيا حسن المذهب متقيا من المخالفين ، وكان مقربا في الغاية لدى المأمون العباسي ، توفى يوم الاثنين ١١ ذى القعدة او ذى الحجة سنة ٢٠٦ ، وقيل ٢٠٧ ، وقيل ٢٠٨ ، وقيل ٢٠٩ ، وكانت وفاته ببغداد ودفن بمقبرة خيزران ، فراجع الريحانة ج ٤ ص ٢٧١.

(٣) هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني مولى قيس بن مخرمة القدوة في بابى المغازي والسير ، روى عن أنس والزهري وعطاء وخلق ، وعنه يحيى الأنصاري وشعبة وعبد الله بن عون والحمادان وغيرهم ، توفى سنة ١٥١ كما في التذهيب للخزرجى ص ٣٧٨.

(٤) الظاهر أن المراد به محمد بن كعب القرظي المدني ثم الكوفي المتوفى سنة ١١٩


موسى بن عقبة في المغازي عن ابن (١) شهاب الزهري ، وكذا أبو معشر في السيرة له عن محمّد بن كعب القرظي ومحمد وموسى (٢) بن قيس ، وأورده من طريق الطبري وأورده ابن حاتم من طريق أسباط (٣) عن السدي (٤) ، ورواه ابن مردويه عن طريق عبادة (٥) بن صهيب عن يحيى (٦) بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح وعن

__________________

وقيل سنة ١٢٠ ، يروى عن فضالة بن عبيد ، وعنه يزيد بن الهاد وابن المكندر وخلق كما في التذهيب للخزرجى ص ٣٠٥.

(١) هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث ابن زهرة بن كلاب القرشي الزهري المدني الشامي المحدث الحافظ بين القوم ، ولد سنة خمسين يروى عن سهل بن سعد ، وأنس بن مالك ، ومحمود بن الربيع ، وسعيد ابن المسيب ، وأبي امامة بن سهل وغيرهم ، وعنه عقيل ، ويونس ، والزبيدي ، وصالح ابن كيسان ومعمر وشعيب بن حمزة والأوزاعي وغيرهم ، والرجل موثق في كتبهم ويعرف بابن شهاب الزهري توفى في شهر رمضان سنة ١٢٤ ، فراجع تذكرة الحفاظ للذهبى (ج ١ ص ١٠٤ طبع حيدرآباد).

(٢) هو موسى بن قيس الحضرمي الكوفي الشهير ب (عصفور الجنة) يروى عن سلمة بن كهيل وغيره ، وعنه أبو نعيم ، قال الخزرجي في التهذيب : وثقة ابن معين وابو حاتم وقال النفيلى كان من الروافض انتهى فراجع الكتاب (ص ٣٣٦ طبع مصر).

(٣) الظاهر ان المراد به أسباط بن محمد بن عبد الرحمن مولى السائب بن يزيد أبو محمد الكوفي الذي عن الأعمش وعنه أحمد وأبو الأزهر.

(٤) هو أبو ذويب اسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الكوفي القرشي التابعي المتوفى سنة ١٢٧ وقيل سنة ١٢٨ ، ويروى عن ابن عباس ، وأبي سعيد الخدري وخلق ، وعنه جماعة وفي بعض الكتب أنه يروى عن مولانا الحسين الشهيد والسجاد وأبي جعفر عليهم‌السلام وأقواله محكية في كتب التفسير ، وصرح بتشيعه بعض الاجلة فراجع الريحانة (ج ٢ ص ١٧٧).

(٥) هكذا في أكثر النسخ وفي نسخة عبادة بن الصامت ، وعليه فهو عبادة بن الصامت بن قيس بن اصرم بن فهر بن ثعلبة بن قوقل الخزرجي أبو الوليد في دمشق.

(٦) هو يحيى بن كثير صاحب البصري يروى عن أيوب ، وعنه ابنه وشيبان


أبي بكر (١) الهذلي وأيّوب (٢) عن عكرمة (٣) وسليمان (٤) التميمي عمّن حدّثه ، ثلاثتهم عن ابن عبّاس ، وأورده الطبري أيضا من طريق العوفي (٥) عن ابن عبّاس ، ومعناهم كلّهم في ذلك واحد ، وكلّها سوى طريق سعيد بن جبير إمّا ضعيف وإمّا منقطع ، لكن كثرة الطرق تدلّ على أنّ للقصة أصلا مع أنّ لنا طريقين

__________________

ابن فروخ كذا في (التذهيب ص ٣٦٧ طبع مصر).

(١) قال الخزرجي في التذهيب (ص ٣٨٣ ط مصر) ما لفظه : أبو بكر الهذلي البصري اسمه (سلمى) بضم أوله وسكون اللام أو (روح) عن الشعبي ، وعنه وكيع ضعفه أبو زرعة ، مات سنة سبع وستين ومائة.

(٢) هو أبو بكر أيوب ابن أبي تميمة كيسان السختياني البصري ، سمع عن عمرو بن سلمة الجرمي ، وعكرمة وابن شقيق ، توفى بالطاعون في سنة ١٣١ كما في التذكرة للذهبى (ج ١ ص ١٢٤ طبع مصر).

(٣) الظاهر ان المراد به عكرمة البربري مولى ابن عباس ابو عبد الله ، يروى عن مولاه وعن أبي قتادة وعنه الشعبي وابراهيم النخعي وخلق ، توفى كما في التذهيب للخزرجى ص ١٢٩ سنة ١٠٥.

(٤) الظاهران المراد به سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى بن ميمون التميمي أبو أيوب الدمشقي ، ابن بنت شرجيل ، يروى عن حاتم بن اسماعيل ويحيى بن حمزة وخلق ، وعنه جماعة ذكره الخزرجي في التذهيب ص ١٣٠.

(٥) هو عطية بن سعد بن جنادة الكوفي العوفى الجدلي ابو الحسن التابعي الجليل ، يروى عن عدة كابن عباس وابى سعيد ، وعنه ابناه عمر والحسن ، واسماعيل بن خالد ومسعر والأعمش وخلق ، قال الخزرجي في التذهيب ص ١٢٦ نقلا عن مطين : انه مات سنة ١١١ وقال في الريحانة (ج ٣ ص ١٤٠) : انه هو الذي كان مصاحبا لجابر بن عبد الله الأنصاري في زيارة قبر الحسين عليه‌السلام يوم الأربعين ، وانه كان يعرف بالبكالى) أيضا نسبة الى بكال قبيلة باليمن.


مرسلين ، رجالهما على شرط الصحيح ، أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس ابن يزيد (١) عن ابن شهاب ، والثاني ما أخرجه أيضا من طريق المعمّر بن (٢) سليمان ، قال الحافظ بن حجر (٣) : وقد تجرّأ ابن العربي (٤) كعادته ، فقال : ذكر

__________________

(١) هو يونس بن يزيد أبو يزيد الأموي الأيلي بالفتح ، يروى عن عكرمة ونافع والقاسم ، وعنه الأوزاعي والليث وغيرهما ، نقل الخزرجي في التذهيب ص ٣٨٠ عن البخاري والذهبي عن ابن حبان أنه مات سنة ١٥٩.

(٢) هو معمر بالتشديد ابن سليمان النخعي أبو عبد الله الرقى ، يروى عن خصيف وغيره وعنه أحمد وداود بن رشيد ، قال الخزرجي في التذهيب ص ٣٢٩ نقلا عن ابى حاتم : انه مات سنة ١٩١.

(٣) هو العلامة أبو الفضل أحمد بن على بن محمد بن على بن محمود بن أحمد بن أحمد ابن حجر العسقلاني المصري الشافعي المحدث الحافظ المؤرخ الرجالي الفقيه ، ولد بمصر ١٣ شعبان سنة ٧٧٣.

أخذ العلم عن جماعة ، منهم زين الدين العراقي صاحب المنظومة في الدراية ، ومنهم عفيف الدين النيسابوري المتوفى سنة ٧٩٠ ، ومنهم الشيخ أبو حامد محمد بن ظهيرة ، ومنهم الشيخ سراج الدين البلقينى ، ومنهم الشيخ ابن الملقن ، ومنهم ابن الابناسى ومنهم ابن جماعة وعنهم يروى أيضا.

أخذ جماعة عنه ، منهم تلميذه الخصيص به العلامة الشيخ شمس الدين السخاوي المصري صاحب كتاب الضوء اللامع صرح بذلك في ذاك الكتاب وغيره ، ومنهم. الشيخ برهان الدين البقاعي ، ومنهم الشيخ تقى الدين ابن فهد ، ومنهم الشيخ زكريا شيخ الإسلام الأنصاري وغيرهم ، صنف وألف وأجاد في أكثرها ، قيل : ان كتبه زادت على مائة وخمسين ، منها الاصابة في تمييز الصحابة وقد طبع مرات ، وتهذيب التهذيب في مجلدات وقد طبع ، وفتح الباري في شرح البخاري طبع ، واتحاف المهرة بأطراف العشرة ولسان الميزان طبع ، ونخبة الفكر طبع ، والدرر الكامنة طبع ، ونزهة الألباب طبع ، ورفع الإصر عن قضاة مصر وغيرها توفى ليلة الغدير من ذى الحجة سنة ٨٥٢ كما قاله السخاوي ، ثم اعلم ان ابن حجر متى اطلق في كتب الرجال والسير والدراية والتراجم ينصرف الى المترجم كما انه في الفقه ينصرف الى ابن حجر المكي صاحب الصواعق فلا تغفل.

(٤) هو الشيخ أبو عبد الله محيي الدين محمد بن علي بن محمد عربي بن أحمد بن عبد الله


الطبري في ذلك روايات كثيرة لا أصل لها ، وهو إطلاق مردود عليه ، وكذا قول القاضي عياض : هذا الحديث لم يخرجه أهل الصحّة ، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع اسناده ، وكذا قوله : ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية ، قال وقد بيّن البزّاز أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلّا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشكّ الذي وقع في وصله ، واما الكلبي فلا تجوز الرّواية عنه ، لقوّة ضعفه ثم ردّه من طريق النظر بأنّ ذلك لو وقع لارتدّ كثير ممن أسلم ولم ينقل ذلك «انتهى» ، وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد فانّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دلّ ذلك على أنّ لها أصلا ، وقد ذكرنا أنّ ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح مراسيل يحتجّ بمثلها من يحتجّ بالمرسل ،

__________________

المالكي المذهب الطائي القبيلة ، الحاتمي النسب ، المعروف بابن العربي ومحيي الدين والشيخ الأكبر ، العارف السالك الأديب المفسر الشهير ، ولد سنة ٥٦٠ ، أخذ العرفان عن الشيخ أبي الحسن على بن جامع من خلفاء الشيخ الجيلاني ، له كتب شهيرة منها كتاب الفتوحات المكية طبع مرات ، والفصوص طبع وعليه شروح ، وشجرة الكون طبع ، ومحاضرة الأبرار ، وقرعة الطيور ، والتفسير طبع وغيرها ، وله ديوان شعر معروف ، توفى سنة ٦٣٤ وقيل ٦٣٧ وقيل ٦٣٨ بدمشق وقبره معروف فيها ، ومن شعره قوله :

رأيت ولائى آل طه وسيلة

على رغم أهل البعد يورثني القربى

فما طلب المبعوث اجرا على الهدى

بتبليغه الا المودة في القربى

ومن شعره

يقولون أبدان المحبين نضوة

وأنت سمين لست إلا مرائيا

فقلت لان الحب خالف طبعهم

ووافقه طبعي فصار غذائيا

فراجع الريحانة (ج ٣ ص ٤٩٨) وشذرات الذهب والطرائق وبستان السياحة وغيرها.


وكذا من لا يحتجّ به لاعتضاد بعضها ببعض «انتهى كلامه» ، ثم أقول إنّ من اللّطائف التي ينبغي أن تذكر في هذا المقام ما روى (١) في كتاب عيون أخبار الرّضا عن المأمون العباسي أنه قال مخاطبا لواحد (٢) من علماء أهل السنة : وإني لأتعجب من روايتكم : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : دخلت الجنة فسمعت حس (خفق خ ل) نعلين فإذا بلال مولى (٣) أبي بكر وقد سبقني إلى الجنة ، وذلك لأنّ الشيعة قالت (وانما قالت الشيعة خ ل) عليّ خير من أبي بكر فقلتم في روايتكم هذه عبد أبي بكر خير من الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ السابق أفضل من المسبوق وهذا نظير ما رويتم أيضا أنّ الشيطان يفرّ من حسّ عمر وألقى على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنهنّ الغرانيق العلى ففرّ من عمر وألقى على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الكفر «انتهى» أقول : لا أدري أنّ من قال بصحّة هذه القصة ووقوع كلمة الكفر على لسان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كيف يجمع بينه وبين قوله تعالى في شأنه في صدر هذه السورة : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (٤) اللهمّ إلا أن يقال : إنّ هذه الآية نزلت بعد وقوع تلك القصة وجوّز صدور كلمة الكفر عنه قبل ذلك ، وليس بمستبعد منهم القول به ، إذا قالوا بوقوع أصل القصة التي هي أفسد وأشنع كما لا يخفى ، واما الخامس عشر فلأنّ الجواب الذي نسبه إلى الأشاعرة بقوله : والأشاعرة أجابوا إلخ قد نقل القاضي عياض (٥) في الشفا أصله عن الكلبي حيث قال : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حدّث نفسه فقال

__________________

(١) رواه في عيون أخبار الرضا (ص ٣١٤ ط طهران).

(٢) وهو يحيى بن أكثم.

(٣) رواه صاحب البيان والتعريف هكذا : رأيت شياطين الانس والجن فروا من عمر(ج ٢ ص ٥٥).

(٤) النجم. الآية ٣.

(٥) قد مرت ترجمته قبيل ذلك فراجع.


ذلك الشيطان على لسانه وأوضح منه ما نقله عن موسى بن عقبة حيث قال : حكى عن موسى بن عقبة في مغازيه أنّه قال : إنّ المسلمين لم يسمعوها وإنما ألقى الشيطان ذلك في أسماع المشركين وقلوبهم «انتهى» وكلّ من الكلبي وصاحب المغازي (١) متقدّم على وجود شيخ الأشاعرة بمائة سنة أو أكثر فكيف ينسب الناصب ذلك الجواب إلى الأشاعرة ، نعم قد أوضحه من تأخر عنهما بما ذكر في كتب الأشاعرة كالمواقف وغيره من غير نسبة إلى الأشاعرة ، ومن جهالات الناصب وعدم معرفته بأساليب الكلام أنّ الجواب المذكور قد وقع في المواقف (٢) بقوله : والجواب على تقدير حمل التمني على القراءة هو أنه من إلقاء الشيطان إلخ ولم يعلم الناصب إذا غير لفظ الجواب بقوله : أجابوا يلغو قوله : هو أنه ، وهذا دليل على أنه إنما وقع في هذا الغلط لو بان حرصه على الكذب والتعصب بنسبة الجواب إلى الأشاعرة وكسب فضيلة لهم حيث قال : والأشاعرة أجابوا إلخ فافهم ، واما السادس عشر فلأن قوله فعلم أنه لو صحّ هذا لكان في وصف الملائكة ثمّ نسخ للايهام (٣) أو لغيره إن أراد به أنه لو صحّ وقوع تلك الكلمات بعد ذكر الأصنام ، وفي أثنائها لكان في وصف الملائكة فهذا يناقض ما قرّره قبيل ذلك في ردّ الجواب المصدّر بقوله : وأيضا إلخ من بطلان كونه في وصف الملائكة وعدم مناسبته ، وإن أراد أنه لو صحّ وقوع ذكرها عند ذكر الملائكة بعد ذلك بقوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) (٤) الآية كما احتمله سابقا فهو مع أنه احتمال بعيد غير مناسب أيضا ، مردود بأنه على هذا لا تظهر حاجة إلى نسخه ، إذ لا إيهام عند ذكر

__________________

(١) قد مرت ترجمته آنفا فراجع.

(٢) في الجلد الاول ص ٤٣٥.

(٣) قد مر بيان المعنى المصطلح له.

(٤) النجم. الآية ٢٦.


ذلك في هذا الموضع حتى يجوز النسخ لأجله ، واما السابع عشر فلأنّ ما نسبه إلى القاضي عياض : من أنه قال في كتاب الشفا : إنّ هذا من مفتريات الملاحدة إلخ افتراء على القاضي المذكور ، لأنه لم يقل : إنّ ذلك من مفتريات الملاحدة بل قال : ذكره المفسرون وتعلّق به الملحدون إلخ ولو سلّم أنّ ذلك من مفتريات الملاحدة فهذا يوجب مزيد الشناعة على طائفة من أهل السنة ذكروا هذه القصة في كتبهم ولم يفهموا فساد اسناده ومتنه ، حتى شنع به غيرهم عليهم فاضطربوا في التفصي عنه بما لا يؤدّي إلى طائل ولا يرجع إلى حاصل.

قال المصنف رفع الله درجته

ورووا (١) عنه عليه‌السلام أنّه صلّى الظهر ركعتين فقال أصحابه أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله فقال كيف ذلك فقالوا إنّك صلّيت ركعتين فاستشهد على ذلك رجلين فلمّا شهدا بذلك قام فأتم الصّلاة ورووا (٢) في الصحيحين أنه عليه‌السلام صلّى بالناس صلاة العصر ركعتين ودخل حجرته ثمّ خرج لبعض حوائجه فذكره بعض أصحابه فأتمها وأىّ نسبة أنقص من هذه وأبلغ في الدناءة فإنها تدلّ على إعراض النبي عليه‌السلام من عبادة ربه وإهمالها والاشتغال عنها بغيرها والتكلم في الصلاة وعدم تدارك السهو من نفسه لو كان نعوذ بالله من هذه الآراء الفاسدة انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : ما رووا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة حتى قال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فلما علم وقوع السهو عنه تدارك وأى نقص ودناءة في السهو

__________________

(١) ويقرب منه ما رواه في سنن أبي داود (ج ١ ص ٣٦٦ ط مصر) ايضا في البخاري (ج ٢ ص ٦٨ ط مصر).

(٢) رواه مسلم بسنده عن ابى هريرة في (ج ٢ ص ٨٧ مصر).


وقد قال الله تعالى في القرآن (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ) (١) وهذا تصريح بجواز السهو والنسيان عليه والسر والحكمة فيه أن يصير هذا تشريعا للسهو في الصلاة وأنّ الكلام القليل الذي يتعلّق بأمر الصلاة لا يضر وكذا الحركة المتعلّقة بالصلاة فيمكن أن الله تعالى أوقع عليه هذا السهو وأنساه الصلاة لتشريع هذه الأمور التي ذكرناها ، ولا يقدح السهو الذي ذكرنا فوائده في العصمة ، وأىّ دناءة ونقص في هذا؟ فانّ الله تعالى أنساه لوقوع التشريع ، وقد قال تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) (٢) فانّ الإنساء في أحد المعنيين هو إيقاع النسيان عليه ، وقد قال تعالى في حقّ يوسف وهو من الأنبياء المرسلين : (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) (٣) وكما أنه يجب أن يقدر الله تعالى حقّ قدره لقوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (٤) كذلك يجب أن يقدّر الأنبياء حقّ قدرهم ويعلم ما يجوز عليهم وما لا يجوز ، وقد قال تعالى : (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٥) وقد عاب الله الكفار بالمبالغة في تنزيه الأنبياء عن أوصاف البشر بقوله : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) (٦) وقال تعالى : (سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) (٧) انتهى.

__________________

(١) الانعام. الآية ٦٨.

(٢) البقرة. الآية ١٠٦.

(٣) يوسف. الآية ٤٢.

(٤) الانعام. الآية ٩١.

(٥) الكهف. الآية ١١٠.

(٦) الفرقان. الآية ٧.

(٧) الاسراء. الآية ٩٣.


أقول

قد وقع في رواية مسلم (١) عن أبي سفيان عن أبي هريرة صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ركعتين فقام ذو اليدين فقال : أقصرت الصّلاة أم نسيت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ ذلك لم يكن ، فقال : قد كان بعض ذلك يا رسول الله وفي رواية بل قد نسيت ، وقد يقدح في صحّة هذه الرّواية أوّلا كون راويها أبا هريرة ، والله أعلم بحال الوسائط وسيجيء في المبحث الخامس من مباحث الامامة وجه القدح في رواية أبي هريرة إن شاء الله تعالى ، وثانيا أنّها تنافي ما علم من إخلاص ذى الشّهادتين واعتقاد كون النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منزّها عن الجور والبهتان والسهو والنسيان حتى شهد للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قضيّة دعوى الأعرابي بمجرّد علمه بعصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وصدقه من غير أن يكون له اطلاع على أصل القضيّة ومن غير أن يحتمل في شأنه عليه‌السلام شيئا من السّهو والنسيان في ذلك ، وثالثا أنّه لمّا كان ذو الشهادتين عدلا بل حكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بقيام شهادته مقام شهادة العدلين كيف لم يقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خبره بانفراده واحتاج معه إلى استشهاد غيره من الرّجلين ، وقال المصنّف رفع الله درجته في كتاب تذكرة الفقهاء (٢) : خبر ذي اليدين عندنا باطل ، لأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز عليه السّهو مع أنّ جماعة من أصحاب الحديث طعنوا فيه ، لأنّ راويه أبو هريرة وكان إسلامه بعد موت ذي اليدين

__________________

(١) رواه في التاج الجامع للأصول (ج ١ ص ٢٣٣ ط مصر) وتتمته : فاقبل رسول الله ص على الناس فقال : أصدق ذو اليدين فقالوا : نعم يا رسول الله ، فأتم رسول الله ما بقي من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم. رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

(٢) فراجع كتاب الصلاة من التذكرة باب أحكام السهو. وكذا فيه قبل الشروع بأحكام صلاة الجمعة بقليل.


بسنين ، (١) فانّ ذا اليدين قتل يوم بدر وذلك بعد الهجرة بسنتين ، وأسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين ، قال المحتجون به : إنّ المقتول يوم بدر هو ذو الشمالين واسمه عبد الله بن عمرو بن فضلة الخزاعي وذو اليدين عاش بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ومات في أيّام معاوية عليه ما عليه وقبره بذي خشب ، واسمه الخرباق ، لأنّ عمران بن الحصين روى هذا الحديث فقال فيه فقام الخرباق فقال : أقصرت الصّلاة ، وأجيب بأن الأوزاعى (٢) قال فقام ذو الشمالين فقال : أقصرت الصّلاة وذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة ، وروي في هذا الخبر أنّ ذا اليدين قال أقصرت الصّلاة أم نسيت يا رسول الله فقال : كلّ ذلك لم يكن وروى أنّه قال إنّما أسهو لابيّن لكم ، وروى أنّه قال لم أنس ولم تقصر الصّلاة ، وروي (٣) من طريق الخاصة عن الصادق عليه‌السلام أنّ ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين انتهى ، وأما ما استدل به على عدم الدناءة

__________________

(١) ذكره ابن حجر في الاصابة (ج ٣ ص ٢٠٤ طبع صبيح بمصر) وابن عبد البر في الاستيعاب المطبوع بهامش الاصابة في تلك المطبعة ص ٢٠٦.

(٢) هو الشيخ أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي الفقيه المحدث المتكلم ، ولد سنة ٨٨ وقيل ٩٣ ببلدة بعلبك ، وسكن (بيروت) الى أن توفى ، يروى عن عطاء والزهري وأحنف بن قيس وصعصعة بن صوحان وعن ابن عباس بواسطتين ، وعنه يروى سفيان الثوري بلا واسطة والخطيب البغدادي بواسطتين وغيره ، توفى سنة ١٥٧ ، ١٥٩ ، ودفن بجنب المسجد في قرية حنتوس من قراء بيروت ، والأوزاعي نسبة الى اوزاع قرية قريبة من دمشق ، وقيل نسبة الى قبيلة من همدان او ذى الكلاع من قبايل اليمن ، ويعرف الأوزاعي بمحدث الشام ، واليه تنتمى الطائفة الاوزاعية التي كانت إحدى المذاهب بين العامة قبل استقرارها في الأربعة ، فراجع تاريخ بغداد ج ٦ والريحانة ج ١ ص ١٠٦.

(٣)رواه في الوسائل كتاب الصلاة (ج ١ ص ٥١٠ الحديث ١٦ من الطبع الجديد) عن سعيد الأعرج عن الصادق «ع»


والنّقص في السّهو والنسيان بقوله تعالى : (وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (١) فمردود بتصريح المحقّقين من المفسّرين بأنّ المراد إن أنساك الشيطان قبل النّهى قبح مجالستهم فلا تقعد معهم بعد أن ذكرناك قبحها ونبّهناك عليه ، وكيف لا يكون السّهو نقصا مع ما يحصل منه الوهن في الإسلام والتنفير عن اتباع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمّ ، وأيضا ينافي جواز مثل هذا السّهو على النبيّ ما روى البخاري (٢) من قوله عليه الصّلاة والسّلام سوّوا صفوفكم فانّى أرى من ورائي كما أرى من أمامي فافهم. وقد فهم هذا بعض المتأخّرين من أهل السنّة على ما ذكره ابن همام الحنفي في كتاب المسايرة (٣) فمنع السّهو عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ،

__________________

وروى من طريق العامة بعدة طرق منها ما نقله ابن حجر في الاصابة بإسناده عن الزهري) ج ١ ص ٤٧٤ ط مصر) وروى ابن عبد البر أيضا في الاستيعاب (ج ١ ص ٤٧٩ ط مصر) عن الزهري : انه قال : ان ذا اليدين هو ذو الشمالين وكذا في الجزء الثاني بإسناده عنه (ص ٤٢٢ ط مصر).

(١) الانعام. الآية.

(٢) هو أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن مغيرة بن أحنف الجعفي البخاري المحدث الشهير صاحب الصحيح ، يروى عن خلق كثير ، وعنه يروى جماعة ، له كتب ، منها التاريخ الكبير وقد طبع بحيدرآباد ، ومنها الجامع الصحيح عندهم ، وعليه شروح وتعاليق كفتح الباري وارشاد الساري وتميم الداري والساري وعمدة القاري وغيرها ، ومن تآليفه كتاب السنن في الفقه ، وكتاب الأسماء والكنى والتاريخ الأوسط والتاريخ الصغير وكتاب الأدب المفرد وغيرها ، توفى سنة ٢٥٣ ، ٢٥٦ ، فراجع الريحانة (ج ١ ص ٤٧) وتاريخ بغداد وطبقات الشافعية وغيرها.

(٣) هو كتاب المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة للعلامة الشيخ كمال الدين محمد بن همام الدين عبد الواحد الحنفي الشهير بابن همام المتوفى سنة ٨٦١ ، والمسايرة مفاعلة من السير وهو ان يسير الاثنان متحاذيين اطلق هنا مجازا على محاذاة كتابه لكتاب الغزالي ،


وصرّح بأنّ سلامه على الركعتين حديث ذي اليدين كان قصدا منه وأبيح له ذلك ليبيّن للنّاس حكم السّهو (انتهى) ، لكن يتوجه عليه وعلى ما ذكره النّاصب من السرّ الذي ليس فيه برّ انّ هذا من قبيل الرّجم بالغيب والرّمى في الظلام ، وأىّ حديث صحيح أو أثر (١) صريح دلّ على تعليل ذلك بما ذكروه من السّر حيلة للتخلّص عن شناعة الأنام؟ وأىّ ضرورة داعية في إظهار تشريع ذلك إلى إيقاع مثل هذه البليّة على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع وقوع حديث (٢) رفع القلم عن السّهو والنّسيان ، وأمّا الذي منع من التنصيص على اختصاص النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلمّ بالتنزّه عن السّهو والنّسيان دونهم كما في سائر خواصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلمّ ، مع أنّ ما ذكر في المسايرة متناقض

__________________

ثم ان جماعة شرحوا كتاب المسايرة ، منها كتاب المسامرة في شرح المسايرة للشيخ كمال الدين محمد بن محمد المقدسي ، ومنها شرح ابن قطلوبغا وكتاب ابن همام عليه تعويل أكثر علماء القوم في هذا العصر على ما رأيت وسمعت.

(١) الحديث ما حكى قول المعصوم أو فعله أو تقريره ، والأثر أعم إذ يطلق على ما يحكى قول غيره أيضا ، نص على ذلك في كتب علم الدراية.

(٢) حديث الرفع من الأحاديث المهمة تمسك بها الفقهاء في أبواب الفقه ، ويستخرج منه قواعد كلية ينتفع بها الفقيه ، وقد اختلفت فقراتها في الأسانيد المختلفة بحسب الزيادة والنقيصة ، ومن جملة الفقرات التي ذكرت في أكثرها رفع السهو والنسيان ، وبالجملة الحديث مذكور في عدة من كتب الفريقين نذكر بعضها.

فمن كتب العامة الجامع الصغير للسيوطي (ج ١ ص ٦٠٠ ط مصر) نقلا عن ثوبان عن النبي قال ص : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ومنها المستدرك للعلامة أبي عبد الله الحاكم النيسابوري (ج ١ ص ٢٥٨ ط حيدرآباد دكن) قال : حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه وعبد الله بن محمد بن موسى ، قالا : أنبا محمد ابن أيوب ، أنبأ أحمد بن موسى المصري ، أنبأ ابن وهب ، أخبرنى جرير بن حازم عن سليمان بن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس ، قال مر على بن أبي طالب بمجنونة بنى فلان


المقاصد لا يحلى منه بطائل كما ذكره صاحب الشّفاء (١) لاستلزامه اجتماع العمد والسّهو في حال كما لا يخفى ، وأما ما استدل به من آية سورة يوسف فسقوطه ظاهر لأنّ تمام الآية هكذا ، (وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ

__________________

وقد زنت وأمر عمر بن الخطاب برجمها ، فردها على وقال لعمر : يا أمير المؤمنين : أترجم هذه ، قال : نعم ، قال : أو ما تذكر أن رسول الله ص قال : رفع القلم عن ثلاث ، عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبى حتى يحتلم ، قال صدقت فخلى عنها ثم قال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

ومنها التلخيص للذهبى ذكره بعين ما نقلناه عن المستدرك في ذيل الصفحة المذكورة عنه ومنها الجامع الصغير أيضا في (ج ١ ص ٦٠٠ ط مصر) قال قال النبي ص رفع القلم عن ثلاثة ، عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبى حتى يكبر.

ومن كتب الخاصة كتاب الكافي لثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (ج ٢ ص ٤٦٢ ط الجديد بطهران) باب ما رفع عن الامة بسنده عن عمرو بن مروان قال : سمعت أبا عبد الله ع يقول : قال رسول الله ص : رفع عن أمتي أربع خصال ، خطاها ونسيانها وما اكرهوا عليه وما لم يطيقوا ، وذلك قول الله عزوجل : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) ، وقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).

وبسنده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وضع عن أمتي تسع خصال ، الخطأ ، والنسيان ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا اليه ، وما استكرهوا عليه ، والطيرة ، والوسوسة في التفكر في الخلق ، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد.

(١) انما قلنا كما ذكر صاحب الشفاء لان التناقض مندفع عند التأمل ، فتأمل منه «قده».

أقول قد ذكره صاحب الشفاء في ج (٢ ص ١٤٦) من الكتاب ، وجملة لا يحلى منه بطائل من عبارة الشفا أى لا فائدة فيه حتى تحلى الذائقة العلمية بها.


فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) الآية والمعنى الظاهر الذي اختاره أرباب التنزيه هو أنّ ضمير أنساه راجع إلى الشرابي ، والحاصل أنّه أنسى الشرابي أن يذكر لربّه ، وعلى هذا تكون الآية عليه لاله ، نعم النّاصب وأصحابه لعدم حسن ظنّهم بالأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام فسّروه بما يوافق مذهبهم وقالوا : المراد أنّه أنسى الشيطان يوسف ذكر ربّه في تلك الحال حين وكل أمره إلى غيره حيث استغاث بمخلوق ـ واما ما تمسك به من قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فقد مر أن المراد المماثلة في النوع (١) والصنّف كما صرّح به المفسّرون أو المماثلة في القدرة على الذّنوب ، لكن ميزهم الله تعالى عمّن عداهم بأن ثبّتهم على العصمة بلطفه وفضله ، وقد وقع النّصّ على ذلك في سورة إبراهيم حيث قال تعالى : (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (٢) الآية (٣) وقال النيسابوري (٤) في تفسيره : إنّه تعالى أمر نبيّه أن يسلك سبيل التواضع وهو أنّ حاله مقصور على البشريّة لا يتخطاها إلى الملكيّة إلا أنّه امتاز بنعت الإيحاء وكفى به بونا ومباينة.

__________________

(١) النوع عند المنطقي هو الكلى المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة ، والصنف هو النوع المقيد بقيد عرضي كالإنسان الرومي.

(٢) بالنبوة ولا يخصهم بتلك الكرامة الا بخصائص فيهم ليست في أبناء جنسهم.

(٣) ابراهيم. الآية ١١.

(٤) هو العلامة الشيخ نظام الدين حسن الأعرج بن محمد بن حسين القمي الأصل النيسابوري المسكن ، المحدث الفقيه المفسر المتكلم الأديب ، له تصانيف وتآليف ، منها التفسير طبع في مجلدات وسماه غرائب القرآن ، وشرح الشافية لابن الحاجب في الصرف ، ولب التأويل وغيرها ، توفى سنة ٧٢٨ وقيل ٧٣٠ وقيل غير ذلك ، وقد حكى عن العلامة المجلسي الاول تشيعه كما في الريحانة ج ٤ ص ٢٠٩ فلاحظ.


قال المصنف رفع الله درجته

ونسبوا إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا من النّقص ، فروى (١) الحميدي (٢) في الجمع بين الصحيحين عن عائشة قالت : كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت لي صواحب يلعبن معي وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دخل تقمعن (ينقمعن خ ل) منه فيشير إليهن (فيسرّ بهن خ ل) فيلعبن معي ، وفي الحديث عن الحميدي أيضا كنت ألعب بالبنات في بيته ، وهي اللّعب (٣) مع أنّهم رووا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحاح الأحاديث أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة مجسّمة أو تماثيل ، وتواتر النقل عنه بإنكار عمل الصورة والتماثيل فكيف يجوز لهم نسبة هذا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلى زوجته من عمل الصورة في بيته الذي قد اسّس للعبادة؟ وهو محل هبوط الملائكة والرّوح الأمين في كلّ وقت ولمّا راى النّبي الصّور في الكعبة لم يدخلها حتّى محيت مع أنّ الكعبة بيت الله تعالى فإذا امتنع من دخوله مع شرفه وعلوّ مرتبته فكيف يتخذ في بيته وهو أدون من الكعبة صورا ويجعلها محلا لها انتهى.

__________________

(١) رواه في البخاري (ج ٨ ص ٣١ ط مصر) واحمد بن حنبل (ج ٦ ص ٢٣٤ ط مصر) ولكن في المسند بدل يتقمعن ينقمعن.

(٢) هو العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن حميد الأزدي الأندلسي القرطبي المحدث الحافظ الشهير ، يروى عن ابن حزم وعن ابن عبد البر ، سكن بغداد ، له كتب منها كتاب الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم ، وعليه شروح كثيرة ، أدرك الخطيب أبا بكر بدمشق وروى عنه ، وروى الخطيب أيضا عنه ، فالاجازة بينهما مدبجة ، توفى ببغداد سنة ٤٨٨ فراجع الكنى والألقاب للمحدث القمي ج ٢ ص ١٧٧ طبع النجف الأشرف.

(٣) جمع اللعبة بضم اللام وهي ما يلعب بها ، والبنات هي اللعبات التي على هيئة البنات والصبيات يلعبن بها ولهن الوله فيها.


قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد صحّ أن عائشة كانت تلعب باللّعب وكان هذا لكونها صغيرة غير مكلفة ، فقد صحّ أنّه دخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي بنت تسع سنين ، وهذه اللّعب ما كانت مصوّرة بصورة الإنسان بل كانت على صورة الفرس لما روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأى عند عائشة أفراسا لها أجنحة ، فقال : الفرس يكون له جناحان فقالت عائشة أما سمعت أنّ خيل سليمان كانت لها أجنحة : فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهيئة الفرس لا تسمى صورة لأنّ الأطفال لا يقدرون على تصوير الصورة وإنّما يكون مشابها للصورة ، ولا حرمة في عمل اللّعبة على هيئة الخيل بل هذا في الإنسان ، وقيل في ما عبد من الحيوانات والملائكة والإنسان ، وايضا يحتمل أن يكون هذا قبل تحريم الصّور فان تحريم الصور كان عام الفتح على ما ثبت ، ولعب عائشة كانت في أوائل الهجرة ، وللصّور شرائط إنّما تحرم عند وجودها وربّما لم يكن شرط من الشرائط موجودا ، ولمّا صحّ الأخبار وجب التأويل والجمع وليس أخبار الصحاح (١) الستة مثل أخبار الرّوافض ، فقد وقع إجماع الأئمة على صحتها انتهى.

__________________

(١) ليت شعري كيف يحكى الإجماع على صحتها مع أن فيها روايات في طرقها الاباضية والازارقة والمرجئة والمتهمون بالوضع والتدليس في المتون والأسانيد ، وان كنت في ريب من ذلك فلاحظ الأسانيد وطبقها مع ما ذكره الخطيب صاحب التاريخ وكتب ابن حجر العسقلاني وطبقات المدلسين ، وكتاب المغني في الرجال ، وتقريب التهذيب وتهذيب التهذيب وكتاب العتب الجميل للعلامة مجيزنا في الرواية السيد محمد بن عقيل العلوي الحضرمي المتوفى سنة ١٣٥٠ ، وكتاب أبي هريرة للعلامة الشريف آية الله السيد عبد الحسين شرف الدين أدام الباري بركته ، وكتاب الغدير للعلامة المجاهد الآية الظاهرة الشيخ عبد الحسين الأميني متع الله الشيعة ببقائه وغيرها ، وبعد ما أحطت خبرا لا ترى قيمة لكلام الرجل ابدا ، فكم له من أمثال هذه ، ثم اجماع علماء مذهب هل يصير


أقول

قد يتوجه عليه أنّ كلام المصنف إنما هو في تجويز تمكين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللّعب باللّعب والصور ، والاشارة إلى الإتيان بها دون المنع عنها ، لا في تجويز لعب عائشة بها حتى يجاب بأنها كانت حينئذ غير مكلفة مع ظهور الكذب فيه ، وأما ما ذكره من أنّ هذه اللعب ما كانت مصوّرة بصورة الإنسان إلخ ففيه : أنّ البنات لا تطلق إلا على ما يعملونه من اللعب بصورة البنات من الإنسان وهو المتبادر الظاهر من البنات دون الأفراس ومن جملة خياناته الظاهرة المنشورة في كتابه ما استدلّ به على أنّ لعب عائشة كانت منحصرة في الأفراس من الرواية التي وضعها بالتّصرف في حديث مذكور (١) في جامع الأصول يدلّ بصريحه على أنّ عائشة كانت تلعب بالبنات المصوّرة بصورة الإنسان وبينها ما هو في صورة فرس له جناحان حيث قال : ولأبى داود في رواية أخرى أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدم من غزوة تبوك او خيبر وفي سهوتها (٢) ستر فهبّت ريح فانكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة تلعب بها (لعب خ ل) فقال : ما هذه يا عائشة قلت بناتي ورأى وسطهن (بينهن خ ل) فرسا له جناحان من رقاع فقال : وما هذا الذي أرى وسطهنّ؟ قالت : فرس قال : وما هذا الذي عليه قالت : جناحان ، قال : فرس يكون له جناحان ، قالت : أما سمعت أنّ لسليمان خيلا لها أجنحة ، فضحك حتّى رأيت نواجذه انتهى ومن العجب استدلاله على الجزم بأنّ عائشة ما كانت تلعب بالبنات المصوّرة بصورة الإنسان بالرّواية الدّالة على أنّها قد لعبت مرة بما كان في صورة الأفراس ، وايضا حكمه هاهنا

__________________

دليلا ملزما لخصمهم كلا ثم كلا؟ وكأنه من شدة التعصب غير مبال بقانون آداب البحث والنظر عصمنا الله من الزلل.

(١) ذكره في جامع الأصول (ج ١١ ص ٣٢١ ط الاولى بمصر).

(٢) السهوة قدام فناء البيت.


بعدم حرمة اللّعب بما هو في صورة الخيل ينافي ما سيذكره في مسائل الشّهادات من المسائل الفقهية من أنّ عدم حرمة اللّعب بالشطرنج عند الشافعي مشروط بشروط أربعة (١) منها أن لا تكون أسبابه مصوّرة بصورة الحيوانات ، ثم ما ذكره من أنّ هيئة الفرس لا تسمّى صورة ففيه مكابرة على العرف واللغة ، قال في القاموس ، الصّورة بالضّم الشكل جمعه صور وصور وصور بالثّلاث انتهى ، ومن المضحكات استدلاله على ذلك بقوله لأنّ الأطفال لا يقدرون على تصوير الصورة ، فانّ لعب الأطفال بذلك لا يستدعي إقدارهم على تصوير الصّورة بأنفسهم بل ربّما يعمل ذلك لهم غيرهم من امّهاتهم وأخواتهم وخالاتهم وأمثالهنّ مع أن عائشة لم تكن طفلا عند اللّعب ، بل قد بلغ عمرها تسع سنين كما اعترف به النّاصب قبل ذلك ، والطّفل لا يطلق إلا على الولد الرّضيع ، ثم إذا فطم يقال له فطيم أو فطيمة

__________________

(١) وقال ابن روزبهان في مسألة حرمة اللعب بالشطرنج : والشرائط الأربعة هي (١) عدم تفويت الصلاة عن وقتها بسبب الاشتغال به (٢) أن يخلو عن القمار (٣) أن لا يصير سببا للنزاع والكذب (٤) أن لا تكون أسبابه مصورة بصور الحيوانات ، قال فان فقد شيء من هذه الشرائط صار حراما ، وذهب الغزالي من أصحاب الشافعي الى إباحته انتهى أقول وقال الشافعي في كتاب الام (ج ٦ ص ٢١٣ طبع مصر) ما لفظه : ولا نحب اللعب بالشطرنج وهو أخف من النرد ، ويكره اللعب (بالحزه) والقرق وكل ما لعب الناس به الى أن قال : ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم ترد شهادته ، وان غفل به عن الصلوات فأكثر حتى يعود له حتى تفوته رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة إلخ. وفي فقه النووي ان إباحة اللعب بالشطرنج مشروط بان تكون الآلات مصورة ، وفي كتاب الروض لبعض الشافعية أن اللعب به غير محرم الا أن تكون الآلات مجسمة انتهى ، وبالجملة فمن سبر في كتبهم قطع بأن الأمر كما أفاده مولانا القاضي الشهيد ، والله نعم المعين والناصر.


أو وليد أو وليدة كما ذكره الثعالبي (١) في كتابي فقه (٢) اللّغة وسرّ العربيّة ، بل كانت بالغة على مذهب بعض الفقهاء كما لا يخفى ، ثمّ قوله ولا حرمة في عمل اللعبة على هيئة الخيل ممنوع بل الظّاهر من الصّور والتماثيل المذكورة في حديث التحريم ما يعم كلّ صورة لإطلاق الحديث ، وقد صرّح (٣) بذلك البغوي في المصابيح والبيضاوي في شرحه ، وأمّا ما ذكره من التّاريخ المضحك فلعله مأخوذ من تاريخه الفارسي المشتمل على الأكاذيب ، فالاولى أن يدعه في مخلات جهالاته ، وأما ما ذكره من أن أخبار الصّحاح السّتة ليس مثل أخبار الرّوافض ، فهو مسلّم فكيف تكون أخبار أهل سنّة معاوية وجماعة يزيد مثل أخبار الرّافضين للباطل المتمسّكين بالكتاب والعترة ، واما قوله : فقد وقع إجماع الأئمة على

__________________

(١) هو العلامة الشيخ أبو منصور عبد الملك بن محمد بن اسماعيل الثعالبي الامام في الأدب والبلاغة واللغة والإنشاء ، ووحيد عصره في هذه الفنون ، له كتب منها يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر طبع مرات وله ذيول كالدمية والخريدة وزينة الدهر وغيرها ، ومنها كتاب برد الأكباد في الاعداد ، وسحر البلاغة ، وفقه اللغة وطبع مرات ، وثمار القلوب في المضاف والمنسوب ، وشمس الأدب في استعمال العرب ، وأحاسن المحاسن وسر الأدب وقد طبع وغيرها توفى ٤٢٩ فراجع الريحانة (ج ١ ص ٢٣٢) وغيره من المعاجم.

(٢) قال في فقه اللغة (ص ١٤١ طبعه الصغير الحجم) ما لفظه : في ترتيب سن الغلام عن أبي عمرو عن أبي العباس ثعلب عن ابن الأعرابي ، يقال للصبي إذا ولد رضيع وطفل ، ثم فطيم ، ثم دارج ، ثم حفر ، ثم يافع ، ثم شرخ ، ثم مطبخ ، ثم كوكب انتهى.

(٣) أورد البغوي في المصابيح (ج ٢ ص ٨٩ ط مصر) عدة روايات صريحة في الإطلاق بأسانيد موثقة مختلفة ، منها ما رواه في ذلك الجزء (ص ٩٠) عن ابن عباس رضى الله عنهما ، قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم.


صحّتها فمردود بأنّ مراده من الأئمّة الأئمّة الدّعاة إلى النّار ، (١) فإجماعهم خارج عن درجة الاعتبار ، وسيأتي تحقيق الكلام في أخبار الفريقين في موضعه اللائق إن شاء الله تعالى.

قال المصنف رفع الله درجته

وروى (٢) الحميدي أيضا في الجمع بين الصحيحين قالت عائشة : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر وروى الحميدي (٣) عن عائشة قالت دخل علىّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث (٤) فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة (٥) الشيطان عند النبّي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأقبل عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال دعها ،

__________________

(١) إشارة الى قوله تعالى في سورة القصص. الآية ٤١.

(٢) رواه في جامع الأصول عن البخاري ومسلم والنسائي (ج ١١ ص ٣٢٢ ط مصر).

(٣) رواه في جامع الأصول عن البخاري ومسلم (ج ٩ ص ٣١٢ ط مصر).

(٤) قال في القاموس : بعاث بالعين والغين ويثلث معروف بقرب المدينة ويومه معروف وقال في حيوة النبي وفي كتاب حيوة النبي ص للأخ البحاثة التقى الحجة الشيخ قوام الدين الوشنوي نقلا عن سيرة الحلبي ما لفظه : بعاث بضم الموحدة ثم العين المهملة والمخففة وفي آخره ثاء مثلثة وقيل بفتح الموحدة وبدل المهملة المعجمة ، قيل ذكر المعجمة تصحيف فعن ابن دريد صحف الخليل بن أحمد ليوم البغاث بالغين المعجمة ، وانما هو بالمهملة والبعاث مكان قريب من المدينة على ليلتين منها عند بنى قريظة ويقال : انه حصن للأوس وكان به القتال قبل قدومه ص المدينة بخمس سنين بين الأوس والخزرج ،.

(٥) غناء زمير أى حسن ، يقال : زمر إذا غنا ، والقصبة التي يتزمر بها زمارة قصبة ، حديث أبي بكر مزمورة الشيطان عند النبي وفي رواية مزمارة الشيطان في بيت رسول الله.

المزمورة بفتح الميم وضمها والمزمارة سواء ، وهي الآلة التي يزمر فيها. م.


فلمّا غفل غمزتهما ، فخرجتا ، وكيف يجوز للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصبّر على هذا مع أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نص على تحريم اللّعب واللهو والقرآن مملو منه ، وبالخصوص مع زوجته ، وهلا دخلته الحميّة والغيرة مع أنّه عليه الصّلاة والسّلام أغير النّاس وكيف أنكر أبو بكر وعمر ومنعهما عليه الصّلاة والسّلام ، فهل كانا أفضل منه وأكمل؟ وقد رووا عنه أنه لما قدم إلى المدينة من سفره خرجن إليه نساء المدينة يلعبن بالدّف فرحا بقدومه وهو يرقص باكمامه هل يصدر مثل هذا عن رئيس أو من له أدنى وقار؟! نعوذ بالله من هذه السقطات ، مع أنّه لو نسب الشخص أحدهم إلى مثل هذا قابله بالسبّ والشتم وتبرّأ منه ، فكيف يجوز نبسة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى مثل هذه الأشياء التي يتبرّأ منها انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : ضرب الدفّ ليس بحرام مطلقا ، وكذا اللهو كما ذكر في موضعه ، وما ذكر من ضرب الجاريتين بالدّف عند عائشة كان أيّام عيد ، واتّفق العلماء على جواز اللهو وضرب الدّف في أوقات السّرور كالأعياد والختان والاملاك ، (١) وأمّا منع أبي بكر عنه فانّه كان لا يعلم جوازه في أيّام العيد ، وتتمّة الحديث أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأبي بكر : دعهما فانّها أيّام عيد فلذلك منعه أبو بكر ، فعلمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ضرب الدفّ والغنا ليس بحرام في أيّام العيد وما ذكران نساء المدينة خرجن إليه في عوده من السفر فذلك كان من خصال نساء المدينة ولم يمنعهنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّها كانت قبل نزول الحجاب ولأنّهنّ كنّ يظهرن السّرور بمقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عبادة ، وان ترك المروّة في أمثال هذه الأمور التي توجب الالفة والموافقة وتطييب الخواطر وتشريح المسائل جائز ولكن نعم ما قيل شعر :

__________________

(١) أملكه إياها : زوجه.


وعين الرّضا عن كلّ عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

أقول

استدلال النّاصب وأصحابه على عدم الحرمة منحصر في هذه الرّواية وما يشاكلها ممّا شنع عليه الخصم فان استند في الحكم بعدم الحرمة بهذه الرّواية كان مصادرة (١) ، وإن كان له دليل آخر من القرآن والإجماع فليذكر حتّى ينظر في دلالته على أنّ قول أبي بكر مزمارة الشيطان صريح في أنّه فعل الشيطان ولم ينكر عليه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله هذا ، ولعلّه أراد بجواز اللّعب المذكور في موضعه قوله تعالى : (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ) (٢) الآية كما استدلّ به عبيد (٣)

__________________

(١) المصادرة على المطلوب عبارة عن جعل المدعى عين الدليل أو جزئه وهي على أربعة أقسام (١) أن يكون المدعى عين الدليل (٢) أن يكون جزئه (٣) أن يكون موقوفا عليه صحة الدليل (٤) أن يكون موقوفا عليه صحة جزء الدليل ، والكل باطل للزوم الدور الباطل ، وتجمع المصادرة بالمصادرات و (ح) كثيرا ما يشتبه الأمر على الناظر ، ولا يميز المصادرات جمع المصادرة باصطلاح آداب البحث والمناظرة عن المصادرات المصطلحة في الميزان وهي عبارة عن المبادي التصديقية التي غير بينة بنفسها ، وأخذها المتعلم من المعلم بالإنكار والشك فلا تغفل.

(٢) الحديد. الآية ٢٠.

(٣) هو العلامة المولى نظام الدين عبيد الله الزاكانى القزويني ، الفقيه المحدث الشاعر الأديب الرياضي الفلكي من مشاهير بلاد العجم في المجون والظرائف ، أورده العلامة البحاثة المتتبع الميرزا عبد الله أفندى في باب العين من كتابه النفيس رياض العلماء وأثنى عليه وقال ستر علمه هزله.

وكذا ذكره المؤرخ حمد الله المستوفى القزويني في تاريخ گزيده ص ٨٤٥ وقال ما محصله : انه من طائفة (زاكان) فرع من بنى خفاجة نزلوا بلدة قزوين إلخ وله آثار لطيفة ،


الزّاكانى في رسالة الأخلاق (١) من جانب أصحاب مذهب المختار فليضحك وليّه قليلا (٢) ، واما ما احتمله من أنّ أبا بكر لم يعلم جواز ذلك في العيد فكفى نقصا له حيث جهل ما علمته طفلته الصغيرة والجاريتان واما ما ذكره من تتمّة الحديث فهو من إضافاته ومخترعاته التي لا تروج إلّا على جاهل مثله ، مع ما فيه من لزوم جهل أبي بكر بما علمه الأطفال والسوقية كما مرّ واما ما ذكره من أنهنّ كنّ يظهرن السّرور بمقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو عبادة مدفوع بأنّ السّرور عبادة ، لكن ما قرنوه به من اللّعب مع الدّف معصية ، والكلام فيه وفي رقص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واما ما ذكره من أنّ ترك المروءة في أمثال هذه الأمور التي توجب الالفة والموافقة وتطييب الخواطر وتشريع المسائل جائز مردود بأن كثيرا ممّا يعدّ من ترك المروءة ويقدح في العدالة اتفاقا ربّما يوجب الالفة والموافقة مع جماعة لا يبالون بترك المروءة والتقوى ، فعلى قياس ما ذكره يلزم أن يكون

__________________

منها المنظومة الشهيرة السائرة (موش وگربه) أى الفارة والهرة وقد طبعت مرات ، وترجمت بالالسنة المختلفة ، وخمست وسدست وسبعت وكتاب المنتخبات في الظرائف ، ورسالة أخلاق الاشراف ، ورسالة دلگشا ، ورسالة التعريفات وكتاب في الفقه ، وأكثر تآليفه وتصانيفه على سبيل الدعابة والهزل وما ذلك الا لأغراض عقلائية في ذلك ، وحتى يتمكن من افشاء الحق وشرح حال أبناء الزمان في سترة وبالجملة الرجل من النوابغ في الأدب.

توفى سنة ٧٧٢ وقيل سنة ٧٧١ وقيل غير ذلك ، وكان ولده المولى إسحاق الزاكانى أيضا من الأدباء والبلغاء ، فراجع المقدمة التي كتبها المرحوم فقيد التاريخ الميرزا عباس خان اقبال الآشتياني على الكليات للمترجم وطبع بطهران سنة ١٣٣٤.

(١) فراجع رسالة أخلاق الاشراف للزاكانى (ص ١٨ طبع طهران).

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة التوبة الآية ٨٢.


جائزا وهو ممّا لا يقول به عاقل مسلم ، وأما إرادة تشريع المسائل فقد علمت ما فيه.

قال المصنف رفع الله درجته

وفي الصحيحين (١) أن ملك الموت لما جاء ليقبض روح موسى عليه‌السلام لطمه موسى فقلع (ففقأ خ ل ظ) عينه فكيف يجوز لعاقل أن ينسب موسى مع عظمته وشرف منزلته وطلب قربه من الله تعالى والفوز بمجاورة عالم القدس إلى هذه الكراهة؟ وكيف يجوز منه أن يوقع بملك الموت عليه‌السلام ذلك وهو مأمور من قبل الله تعالى انتهى.؟

قال النّاصب خفضه الله

أقول الموت بالطبع مكروه للإنسان وكان موسى عليه‌السلام رجلا حادّا كما جاء في الأخبار والآثار ، فلمّا صحّ الحديث وجب أن يحمل على كراهته للموت ، وبعثته الحدة على أن لطم ملك الموت كما أنّه ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه ، وهذا الاعتراض وارد على ضرب هارون وكسر ألواح التوراة التي أعطاه الله تعالى إيّاها هدى ورحمة ، ويمكن أن يقال : كيف يجوز أن ينسب إلى موسى إلقاء الألواح وطرح كتاب الله تعالى وكسر لوحه إهانة لكتاب الله ، وكيف يجوز له ضرب هارون وهو نبيّ مرسل ، وكلّ هذه عند أهل الحقّ محمول على ما يعرض البشر من الصّفات البشرية ، وليس فيه قدح في ملكة عصمة الأنبياء ، وأمّا عند ابن المطهر فهي محمولة على ذنوب الأنبياء ولو لم يكن القرآن متواترا ، ونقل لابن المطهر الحلي أن موسى ألقى الألواح وأخد برأس أخيه يجرّه إليه لكان ينكر هذا ويعترض بمثل هذه

__________________

(١) رواه البخاري في (ج ٤ ص ١٥٧ ط مصر) باب وفات موسى (ع) ورواه مسلم في (ج ٧ ص ١٠٠ ط مصر صبيح).


الاعتراضات ، فلو أنّه أنصف من نفسه يعلم أنّ ما نقول في تعصبّه حقّ انتهى.

أقول

وقد حكم القاضي عياض المالكي أيضا بصحّة الحديث ، لأنّه مذكور في كتابين سمّاهما مؤلّفاهما بالصّحيح ، وأجاب عمّا يتضمّنه من نسبة الذّنب إلى موسى عليه‌السلام بأنّ الحديث ليس فيه ما يحكم على موسى بالتعدّي وفعل ما لا يجب له إذ هو ظاهر الأمر بين الوجه جائز الفعل ، لأنّ موسى دافع من نفسه مدافعة من أتاه لإتلافها ، وقد تصوّر له في صورة آدمي ولا يمكن أنّه علم حينئذ أنّه ملك الموت فدافعه عن نفسه مدافعة أدّت إلى ذهاب عين تلك الصورة التي تصوّر له فيها الملك امتحانا من الله فلمّا جاءه بعد وأعلمه الله أنّه رسوله إليه استسلم انتهى ، وفيه ما فيه أمّا أولا فلأنّ عدم إمكان الاستعلام ممنوع إذ كثيرا ما تتصوّر الملائكة للأنبياء بصورة غيرهم ويعلمون بهم (١) على أنّ في الحديث أنّ ملك الموت لما رجع إلى ربّه ، وقال : أرسلتنى إلى عبد لا يريد الموت ، قال : ارجع إليه وقل له يضع يده إلخ ، وهذا قرينة شعوره بالملك ، واما ثانيا فلأنّه لا وجه للاختيار والامتحان بعد القول بأنّه فعل الواجب من المدافعة فافهم ، وقد يجاب بحمل فقأ عينه على المجاز من قولهم فقأ عين حجّته ، فالمراد صكّه ولطمه بالحجّة وفقأ عين حجّته ، وفيه أنّه لا يلائم ما وقع في

الحديث بقوله : فرد الله عليه عينه ، وايضا فما المباحثة الواقعة مع ملك الموت عند قبض روحه حتّى يحتاج إلى إيراد حجّته وإبطاله ، وأجاب بعضهم بأنّه يحتمل أن يكون هذا الفعل وقع منه من غير اختيار ، لأنّ للموت سكرات انتهى ، وأقول : هذا الجواب الخارج عن الصّواب مأخوذ عمّا سيجيء من قول الثاني في شأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الرّجل ليهجر أو ليهذو على اختلاف الرّوايتين ، فانظروا أيّها الاخوان بنظر الإنصاف والعناية أنّ سعة ميدان الغواية إلى أى غاية؟ ثمّ ليس الكلام في مجرّد نسبة الذنب إلى

__________________

(١) كما ورد في كتب الفريقين من تصور جبرائيل بصورة (دحية الكلبي) فراجع المظان.


موسى عليه‌السلام بل في سخافة اعتقادهم أيضا أنّ ملك الموت مع تلك القدرة والتأييد من الله تعالى يعجز عن مقاومة موسى عليه‌السلام في حال مرضه وضعفه بحيث يتلف عينه ويحتاج إلى الشكاية عند ربّه إلى غير ذلك من المضحكات التي يتلهى بها الصبيان فتأمل فان الفكر فيهم طويل ، واما ما ذكره الناصب من المعارضة بقصّة غصّة موسى عليه‌السلام في إلقاء الألواح وجرّ رأس أخيه فلا يصلح للمعارضة أصلا ، لأنّ له محملا صحيحا وتأويلا جميلا قد ذكره السّيد الشريف المرتضى علم الهدى رضي‌الله‌عنه (١) واستحسنه فخر الدّين الرّازى (٢) وذكره في تفسيره الكبير ، وهو أنّ بنى إسرائيل كانوا في نهاية سوء الظن بموسى عليه‌السلام حتّى أنّ موسى عليه‌السلام لما غاب عنهم غيبته قالوا لهارون عليه‌السلام : أنت قتلته ، فلما وعد الله موسى عليه‌السلام بثلاثين ليلة وأتمّها بعشرة وكتب له في الألواح من كلّ شيء فرجع فرأى في قومه ما رأى ، فأخذ برأس أخيه ليدنيه من نفسه ويتفحص عن كيفية الواقعة فخاف هارون عليه‌السلام أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له فقال إشفاقا على موسى عليه‌السلام (لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) لئلا يظن القوم انك تريد أن تضربني وتؤذيني انتهى ، وأقول لا يخفى أنّ أخذ اللّحية والرأس عند الملاقاة والمشاورة عادة جارية بين العرب إلى الآن ، ولو كان ذلك للاهانة لقارنت لطمة واحدة ولنقل وإذ ليس فليس ، ثم أقول : يجوز أن يكون ذلك الاعتراض والتعرض من باب قولهم : إياك أعني واسمعي يا جاره (٣) بل قيل إن أكثر أساليب

__________________

(١) مذكور في كتاب تنزيله الأنبياء (ص ٨٣ طبع تبريز).

(٢) مرت ترجمته في (ج ١ ص ١١٠).

(٣) هو مثل مشهور قال المفضل بن سلمة بن عاصم الكوفي في كتاب الفاخر (ص ١٢٩ طبع ليدن) : ان أول من قال ذلك سهل بن ملك الفزاري وذلك أنه خرج يريد النعمان فمر ببعض أحياء طي فسئل عن سيد الحي ، فقيل له حارثة بن لام فأم رحله فلم يصبه شاهدا ، فقالت له أخته انزل في الرحب والسعة فنزل فأكرمته وألطفته (ولاطفته ظ) ،


الإنذارات المتوجّهة إلى الأنبياء عليهم‌السلام كقوله تعالى : (١) (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) الآية من هذا القبيل ، والحاصل أنّ إلقاء الألواح (٢)

__________________

ثم خرجت من خبائها فرأى أجمل أهل دهرها وكانت عقيلة قومها وسيدة نسائها ، فوقع في نفسه منها شيء فجعل لا يدرى كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك فجلس بفناء الخباء يوما وهي تسمع كلامه وهو ينشد :

يا اخت خير البدو والحضارة

كيف ترين في فتى فزاره

أصبح يهوى حرة معطاره

إياك أعنى واسمعي يا جاره

فلما سمعت قوله عرفت انه إياها يعنى فقالت ما ذا يقول ذى عقل أريب ، ولا رأى مصيب ولا أنف نجيب ، فأقم ما أقمت مكرما ، ثم ارتحل إذا شئت مسلما ، فاستحى من قولها وقال ما أردت منكرا وا سوأتاه ، قالت صدقت وكأنها استحيت من تسرعها الى تهمته ، فارتحل فأتى النعمان فحباه وأكرمه ، فلما رجع نزل على أخيها فبينما هو مقيم عندهم تطلعت اليه نفسها وكان جميلا ، فأرسلت اليه أن اخطبنى ان كان لك في يوما من الدهر حاجة فانى سريعة الى ذلك ، فخطبها وتزوجها وسار بها الى قومه انتهى.

وأورده الميداني في المجمع بعين هذه القصة وألفاظها ، وقال بعد تمامها : انه يضرب به مثلا لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئا غيره انتهى فراجع ص ٣٢ من ج ١ من الكتاب.

(١) الحاقة. الآية ٤٤.

(٢) وبالجملة حكم الأفعال يختلف باختلاف النيات والمصالح فجاز أن يكون إلقاء الألواح أو كتاب الله في الأرض اهانة مستلزمة للذنب والارتداد في بعض الأحوال دون بعض ، وذلك كما أن مولانا أمير المؤمنين (ع) أمر أصحابه في حرب الصفين أن يرموا أصحاب معاوية حين رفعوا المصاحف على رأس الرماح إظهارا للاستشفاع به مع ظهور أن الرمي كان يلحق المصاحف أيضا ، فقال (ع): لا تتوقفوا عن الحرب والرمي ، فان هذا قرآن صامت وأنا قرآن ناطق ، فان هذا يدل على أن رمى المصحف جائز لمصلحة الدين وهذا الكلام منه (ع) قد نقله عنه أهل السنة أيضا في مؤلفاتهم ولم يطعنوا فيه فافهم منه «قده».


انّما كان لمصلحة إظهار الغضب على القوم وانزجارهم عمّا صدر عنهم من الغواية ولا مصلحة دينيّة في لطم ملك الموت وفقأ عينه ، بل كان المصلحة في تمكينه كما مرّ ، واما ما ذكره من كسر الألواح وقصة إهانة كتاب الله تعالى فذلك من إضافات النّاصب عدوّ الله وعدوّ أنبيائه وأوليائه كما لا يخفى ، ومن أين علم أن قصد موسى من إلقاء الألواح كان إهانة كتاب الله تعالى دون ما ذكرناه من المصلحة ، ولو صحّ قصده لذلك لكفى قدحا في عصمته سواء دعاه الحدّة إلى ذلك أو غيرها ، وأما قوله وكلّ هذه عند أهل الحقّ محمول على ما يعرض البشر إلخ فيوجب خروج إمامه فخر الدّين الرّازي (١) وشيخه صاحب المواقف (٢) عن أهل الحقّ حيث حملوا ذلك على ما حمله عليه ابن المطهّر طهّر الله رمسه ممّا لا ينافي طهارة الأنبياء عليهم‌السلام ، فالعجب أنّ النّواصب يحملون الآيات التي ظاهرها عتاب الأنبياء عليهم‌السلام على ترك الأولى والأفضل على ظواهرها ويحكمون عليهم بالمعاصي والخطاء مع دلالة العقل على وجوب تنزيههم عن ذلك ، ومع وجود المحامل لظواهر تلك الآيات ، ويحملون هذيانات عمر بن الخطاب وكلماته التي ظاهرها منكر ومرتبته أقلّ من مراتب الأنبياء عليهم‌السلام بأضعاف لا تحصى على خلاف ظاهرها ويمنعون من جواز حملها على ظواهرها مع أنّ كلامه لا محمل له ويتركون العمل بظاهره بغير تأويل واضح وتوجيه بين ، وهلّا ساووا بينه وبين الأنبياء الذينهم في محلّ التعظيم؟ وما ذاك إلا من قلّة الإنصاف وشدّة العصبية والاعتساف ، وأما قوله : ولو لم يكن القرآن متواترا ونقل لابن المطهّر أنّ موسى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه لكان ينكر هذا إلخ ، فرجم بالغيب ورمى في الظلام كما لا يخفى ، ومن أين علم أنّه لم يكن يحمله على ما ذكرناه من المحمل الذي ارتضاه مرتضى الشّيعة

__________________

(١) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١١٠).

(٢) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ٤٧).


ووافق فيه فخر الدّين الرّازي وغيره.

قال المصنف رفع الله درجته

وفي الجمع بين الصحيحين (١) أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في صفة حال الخلق يوم القيامة : وأنّهم يأتون آدم ويسألونه الشفاعة فيعتذر إليهم فيأتون نوحا فيعتذر إليهم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربّك أما ترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم : إنّ ربّي قد غضب غضبا لم يغضب قبله ولن يغضب بعده مثله ، وإنّي قد كذبت ثلاث كذبات نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري ، وفي الجمع بين الصحيحين (٢) انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لم يكذب إبراهيم النبيّ عليه‌السلام قط إلا ثلاث كذبا ، كيف يحلّ لهؤلاء نسبة الكذب إلى الأنبياء وكيف يبقى الوثوق بشرائعهم مع الاعتراف بتعمّد كذبهم انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد عرفت فيما مضى أنّ الإجماع واقع على وجوب عصمة الأنبياء عن الكذب واما الكذبات المنسوبة إلى إبراهيم لمّا صحّ الحديث فالمراد منه صورة الكذب لا حقيقته كما قال : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (٣) ، وكان مراده إلزامهم ، ونسبة الفعل إلى كبيرهم ، لأنّ الفاس الذي كسر به الأصنام وضعه على رقبة كبير الأصنام فالكذب المأوّل ليس كذبا في الحقيقة ، بل هو صورة الكذب إذا كان التأويل ظاهرا وهذا لا بأس به عند وقوع الضرورة انتهى.

__________________

(١) رواه المسلم في رواية طويلة (ج ١ ص ٨ ـ ١٢٧ ط مصر) والبخاري (ج ٤ ص ١٤١ ط مصر).

(٢) رواه في صحيح البخاري بسندين عن أبي هريرة (ج ٤ ص ١٤٠ ط مصر) وفي صحيح مسلم (جزء ٧ ص ٩٨ طبع صبيح.)

(٣) الأنبياء الآية ٦٣.


أقول

قد مرّ أنّ الإجماع لم ينعقد على العصمة عن الكذب على إطلاقه ، بل خصّها الأشاعرة بما بعد النبوّة ، واما ما ذكره من أنّ المراد بكذبات إبراهيم ما كان في صورة الكذب لا حقيقته فممّا يأبى عنه استعذار إبراهيم عليه‌السلام عن شفاعة النّاس بأنّه كذب ثلاث كذبات فلا يليق بطلب الشّفاعة من الله تعالى ، وايضا يأبى عنه قوله عليه‌السلام في الرّواية الثانية : إنّ إبراهيم لم يكذب قطّ إلا ثلاث كذبات فانّ ما يفيده سوق الكلام من الحصر والتأكيد بقوله قطّ يدلّ على أنّه أراد حقيقة الكذب كما لا يخفى ، والحاصل أنّا نعلم أنّ الكذب الذي يتراءى في الآية ليس بكذب بل هو من المعاريض (١) التي يقصد بها الحقّ وهو إلزام الخصم وتبكيته كما لو قال صاحبك

__________________

(١) قال المحقق التفتازاني في شرح التلخيص طبع الآستانة ص ٣٧٤ ما لفظه : ان الكناية إذا كانت عرضية مسوقة لأجل موصوف غير مذكور كان المناسب أن يطلق عليها اسم التعريض يقال عرضت لفلان وبفلان إذا قلت وأنت تعنيه ، فكأنك أشرت به الى جانب. وتريد جانبا آخر ومنه (المعاريض) في الكلام وهي التورية بالشيء عن الشيء ، وقال صاحب الكشاف الكناية أن نذكر الشيء بغير لفظ الموضوع له ، والتعريض أن تذكر شيئا تدل به على شيء لم تذكره كما يقول المحتاج للمحتاج اليه جئتك لأسلم عليك فكأنه امالة الكلام الى عرض يدل على المقصود ويسمى (التلويح) لأنه يلوح منه ما يريده ، وقال ابن الأثير في المثل السائر : التعريض هو اللفظ الدال على معنى لا من جهة الوضع الحقيقي او المجازى بل من جهة التلويح والاشارة ، ويختص بالمركب كقول من يتوقع صلة : والله انى محتاج فانه تعريض بالطلب مع أنه لم يوضع له حقيقة ولا مجازا وانما فهم المعنى من عرض اللفظ أى جانبه ، وفي الخبر عنهم عليهم‌السلام ان لكلامنا معاريض ، ومن ثم ترى المحققين من علمائنا الكرام يؤكدون الجد والجهد في فقه الحديث وكانت كتب الروايات المأثورة عن الأئمة (ع) مركز الافادة والاستفادة والإجازة والمناولة والعرض


وقد كتبت كتابا بخطّ في غاية الحسن أنت تكتب هذا وصاحبك امّيّ لا يحسن الخط ، فقلت له : بل كتبته أنت كان قصدك بذلك الجواب تقريره ذلك مع الاستهزاء لا نفيه عنك وإثباته للامّي ، لكن الكلام في الكذب المذكور في الحديث المنقول ، فانّه إذا لم يكن ذلك الكذب كذبا حقيقة كما ذكر أوّلا لم يكن به بأس كما ذكره ثانيا فما وجه ما وصف في متن الحديث من شدّة غضبه تعالى في ذلك حتّى يئس إبراهيم عن قبول شفاعته وعدل إلى الاعتذار.

قال المصنف رفع الله درجته

وفي الجمع بين الصحيحين (١) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : نحن أحق بالشك من إبراهيم (إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٢) (ويرحم الله لوطا لقد كان يأوى إلى ركن شديد) (٣) ولو لثبت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الدّاعي (٤) كيف يجوز؟! لهؤلاء القوم الاجتراء على النبيّ

__________________

والقراءة اهتماما بشأن الأثر ، والأسف كل الأسف في نبذها وراء الأظهر والاشتغال بما حاكته حيكة يونان ونسجته أرباب العرفان ، فترى الرجل المتوغل في وليدات تلك الادمغة راجلا في فهم الخبر ، كيف والاستفادة من كلامهم عليهم‌السلام والاستنارة من انوار بياناتهم تحتاج إلى انس بتلك الدراري واليواقيت بعد كون المستفيد صيرفيا في الرجال والدراية ، وأرجو من فضله تعالى أن يوقظنا من سنة الغفلة حتى نصرف الأعمار العزيزة فيما أومأنا اليه والله المعين.

(١) رواه البخاري في الصحيح (ج ٤ ص ١٤٧ ط صبيح مصر) ورواه مسلم في (ج ٧ ص ٩٨ ط مصر).

(٢) البقرة. الآية ٢٦٠.

(٣) هود. الآية ٨٠.

(٤) رواه في صحيح البخاري (ج ٤ ص ١٤٧ ط مصر) وفي صحيح مسلم (ج ٧ ص ٩٨).


صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشك في العقيدة انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : كان من عادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التواضع مع الأنبياء كما قال لا تفضلوني على يونس بن متى وقال لا تفضلوني على موسى قد ذكر في هذا الحديث فضائل الأنبياء عليهم‌السلام ، فذكر ثبات إبراهيم في الايمان ، والمراد من الحديث أنّ إبراهيم مع ثباته في الايمان وكمال استقامته في إثبات الصانع والحشر كان يريد الاطمئنان ويقول ولكن ليطمئنّ قلبي فغيره أحقّ بهذا التردّد الذي يوجب الاطمئنان ، وأمّا التّرحّم على لوط فهو أمر واقع ، فانّ لوطا كان يأوي إلى ركن شديد كما قال : أو آوي إلى ركن شديد فترحّم له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنّه كان ضعيفا ، وليس فيه الدلالة على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاب لوطا في اويه إلى ركن شديد ، واما قوله : لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الدّاعي ففيه وصف يوسف عليه‌السلام بالصّبر والتثبّت في الأمور وأنّه صبر مع طول السّجن حتّى تبيّن أمره ، فانظروا معاشر النّاظرين هل في هذه الأمور يرجع عيب وشين إلى الأنبياء مع أنّ الحديث صحّ وهو بطعن في قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله نعوذ بالله من رأيه الفاسد انتهى.

أقول

لا دلالة للجملة الاولى من الحديث على إرادة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله للتواضع مع إبراهيم ، وأىّ تواضع في إثباته له الشكّ الذي هما بريئان عنه في الواقع؟ مع صراحة كلامه المحكي في القرآن على أنّه لم يزد الشك ، بل قال ذلك لزيادة الاطمئنان ولاعتضاد النّقل بالعقل ، وبهذا ظهر أنّ ما ذكره الناصب من المراد بالحديث لا يرتبط بالشك قطعا هذا ، وقد نقل القسطلاني (العسقلاني خ ل) شارح البخاري عن الشافعي أنّه قال : معنى الحديث أنّ الشكّ يستحيل في حقّ إبراهيم ولو كان الشكّ متطرّقا


إلى الأنبياء عليهم‌السلام لكنت أحقّ به من إبراهيم وقد علمتم أنّ إبراهيم لم يشك فإذا لم أشكّ أنا ولم أرتب في القدرة على الاحياء فإبراهيم أولى بذلك انتهى ، وأقول : هذا التأويل الطويل العليل المشتمل على التمويه والتسويل يوجب إلحاق الحديث بالتعمية والالغاز (١) فكان يجب على الشّافعي أن يسأل الله تعالى طول عمره

__________________

(١) لا يذهب عليك ان المتقدمين من أرباب الكتب قد يعبرون بعلم الاحاجى والاغاليط وقد يذكرون علم الالغاز او التعمية وكثيرا ما يشتبه الأمر على الراجل في ضروب الكمالات ويظن ان الثلاثة مترادفة ، وليس كذلك بحسب المصطلح لدى أهلها ، فالاحاجى جمع احجية كالاضحية ، وهو علم يبحث فيه عن الألفاظ المخالفة لقواعد العربية بحسب الظاهر وتطبيقها عليها ، إذ لا يتيسر ادراجها فيها بحسب القواعد المشهورة ، وموضوع هذا العلم الألفاظ المذكورة من الحيثية المذكورة ، والغرض منه تحصيل ملكة تطبيق الألفاظ التي تتراءى بحسب الظاهر مخالفتها لقواعد لسان العرب ، والاحتياج الى هذا العلم من حيث ان ألفاظ العرب قد يوجد فيها ما يخالف قواعد العلوم العربية بحسب الظاهر بحيث لا يتيسر ادراجه فيها بمجرد معرفة تلك القواعد فاحتيج الى هذا الفن ، وقد صنفت في المحاجات عدة كتب منها كتاب المحاجات لأبي المعالي سعد بن على الوراق الحطيرى المتوفى سنة ٥٦٨ ، ومنها كتاب المحاجات لجار الله الزمخشرىّ المتوفى سنة ٥٣٨ ، وشرحه للشيخ علم الدين على بن محمد السخاوي الدمشقي المتوفى سنة ٦٤٣ وقد سلك الحريري في المقامة السادسة والثلاثين المسماة بالملطية مسلك المحاجات فراجع واما علم الالغاز فهو علم يتعرف منه دلالة الألفاظ على المراد دلالة خفية في الغاية لكن لا بحيث تنبو عنها الأذهان السليمة بل تستحسنها وتنشرح إليها بشرط أن يكون المراد من الألفاظ الذوات الموجودة في الخارج ، وبهذا يفترق عن المعمى لأن المراد في باب الالغاز من الألفاظ اسم شيء من الإنسان وغيره ، والحاصل أن هذا المدلول الخفي ان لم يكن ألفاظا وحروفا بلا قصد دلالتهما على معان آخر بل ذوات موجودة يسمى اللغز وان كان ألفاظا وحروفا دالة على معان مقصودة يسمى معمى ، وبهذا يعلم ان اللفظ


ليصحب هذا الحديث أينما سار ويذكر تأويله لمن تلقى ظاهره بالإنكار ، ونقل عن الزركشي(١)

__________________

الواحد يمكن أن يكون معمى ولغزا باعتبارين ، لان المدلول إذا كان ألفاظا ، فان قصد بها معان أخر يكون معمى ، وان قصد ذوات الحروف على أنها من الذات يكون لغزا ، ويحتاج حلهما الى لطف قريحة وذوق سليم تدرك بها المناسبة بين الدال والمدلول الخفي ، على وجه مقبول لدى ذوى الأذواق السليمة والأذهان المستقيمة ، وقد الفت وصنفت فيهما عدة كتب ورسائل ونبعت نوابع ، فمن ذلك كتاب المعميات للعلامة المير سيد حسين المعمائى ، ورسالة المعميات لسام ميرزا ابن السلطان المؤيد الغازي (شاه اسماعيل) الماضي الموسوي الصفوي ، وكتاب الالغاز للسيد عز الدين حمزة الصادقي النسب الدمشقي المتوفى سنة ٨٧٤ ، وكتاب الذخائر الاشرفية للقاضي عبد البر بن شحنة المتوفى سنة ٩٢١ ، وكتاب الشيخ عبد الرحيم بن الحسن الاسنوى المتوفى سنة ٧٧٢ ، وكتاب الشيخ عبد الوهاب السبكى المتوفى سنة ٧٧١ ، ورسالة أستاذي العلامه الشيخ محمد الحسين الشيرازي النجفي المتوفى ببلدة (سرمن رأى) الى غير ذلك ، ومن الامثلة الشهيرة في اللغز قول الشاعر في القلم

وما غلام راكع ساجد

أخو نحول دمعه جارى

ملازم الخمس لأوقاتها

منقطع في خدمة الباري

وقال آخر في الميزان

وقاضى قضاة يفصل الحق ساكتا

وبالحق يقضى لا يبوح فينطق

قضى بلسان لا يميل وان يمل

على احد الخصمين فهو مصدق

هذا ملخص ما يستفاد من كشف الظنون والدستور ، ومفتاح السعادة ، والا بجد ، والمدائن.

(١) هو العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله التركي المصري المنهاجى العالم الأصولي الأديب الشاعر كان أبوه بهادر مملوكا لبعض الأكابر وتعلم ابنه محمد في صغره صنعة (الزركش) ثم حفظ المنهاج في الفقه فقيل له المنهاجى ، أخذ العلم عن الاسنوى ومغلطاي والبلقينى ، له كتب منها كتاب تشنيف المسامع في شرح


أنّه قال ذكر صاحب (١) الأمثال السائرة أنّ أفعل يأتي في اللغة لنفى المعنى عن الشيئين نحو الشيطان خير من زيد أى لا خير فيهما وكقوله تعالى (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) (٢) أى لا خير في الفريقين ، وعلى هذا فمعنى قوله : نحن أحق بالشك من إبراهيم لا شك عندنا جميعا وهو أحسن ما يتخرج عليه هذا الحديث انتهى ، وأقول : قبحه ظاهر إذ قياس ما نحن فيه على العبارتين السابقتين يقتضي أن يكون معناها نفي الأحقية بالشكّ لا نفي الشكّ وهذا ظاهر لا يشكّ فيه المتأمّل ، واما ما ذكره من أنّ في الجملة الثالثة وصف يوسف عليه‌السلام بالصبر والتثبّت في الأمور إلخ فمدفوع بأنّه مع ذلك يتضمّن إظهار النبيّ عليه‌السلام عدم صبره على ذلك في سبيل الله وأنّه لو كان في مقام يوسف لأجاب دعوة زليخا وهذا هو محط التشنيع الذي ينبغي براءة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عنه وهذا ما أراده المصنّف قدس‌سره ، واما الجملة الثانية فهي وإن كانت في نفسها ظاهرة فيما ذكره الناصب ، لكن مجموع ما ذكره من الجمل

__________________

جمع الجوامع في اصول الفقه للتاج السبكى ، وكتاب يقظة العجلان في الأصول أيضا وكتاب العريش في حكم الحشيش ، توفى بالقاهرة سنة ٧٩٤ هكذا في الكنى وو الألقاب للمحدث القمي (ج ١ ص ٢٦٦) ، أقول ويعرف أصوله لدى الفريقين بأصول الزركشي وينقل عنه العلامة الصالح المازندراني «قده» في شرح الزبدة كثيرا ، وهناك زركشى آخر وهو الشيخ شهاب الدين صاحب كتاب تلخيص شرح الهداية في الفقه الحنفي والشرح للسغناقى ، توفى الزركشي هذا سنة ٧٣٨ كما في الفوائد لعبد الحي الهندي أبي الحسنات طبع مصر ص ١٦ والمراد هنا هو الاول فلا تغفل.

(١) المراد به اللغوي المحقق الأديب النحوي ، ابو عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة ٢٢٤ كما في كشف الظنون (ج ١ ص ١٦٧ طبع الآستانة) وعليه شروح كثيرة ، منها شرح البكري المتوفى سنة ٤٨٧ وغيره.

(٢) الدخان. الآية ٣٧.


الثلاثة حديث واحد مذكور في صحيح البخاري (١) والاولى والثالثة صريحتان في الشكّ وعدم الصبر ، فيلزم أن تكون الثّانية أيضا واقعة على ما يناسبه سياقهما بأن فهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منها أنّ الباعث للوط عليه‌السلام على الالتجاء لركن شديد ضعف اعتقاده وفتور اعتماده ، واتّكاله على الله تعالى ، ولهذا أوّله القسطلاني بانّ المعنى لو أراد لآوى إليه ولكن آوى إلى الله انتهى ، ويؤيد ما ذكرناه ما ذكره (٢) البخاري بعيد ذلك من قوله باب قصّة لوط عليه‌السلام حدّثنا أبو اليمان (٣) أخبرنا شعيب (٤) حدثنا أبو الزناد (٥) عن الأعرج (٦)

__________________

(١) فراجع البخاري (ج ٤ ص ١٤٨ ط مصر).

(٢) أورده في البخاري (ج ٤ ص ١٤٨ ط مصر).

(٣) قال الخزرجي في الخلاصة (ص ٧٦ ط مصر) ما لفظه : الحكم بن نافع القضاعي الهزاني أبو اليمان الحمصي عن حريز بن عثمان وشعيب بن أبي حمزة وطائفة : وعنه عبد الله الدارمي ورجاء بن المرجا وأبو زرعة الدمشقي وخلق ، الى أن قال : انه مات سنة ٢٢٢ ، وقيل سنة ٢٢١.

(٤) قال الخزرجي في الخلاصة (ص ١٤١ ط مصر) ما لفظه : شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي أحد الإثبات المشاهير عن نافع وابن المنكدر والزهري وعنه أبو اسحق الفزاري وعثمان بن سعيد بن كثير وأبو اليمان الى أن قال : مات سنة ١٦٣.

(٥) عبد الله بن ذكوان الأموي مولاهم ، أبو الزناد المدني يكنى أبا عبد الرحمن كان أحد الأئمة ، عن أنس وابن عمر وعمر بن أبي سلمة مرسلا وعن الأعرج فأكثر وابن المسيب وطائفة ، وعنه موسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر ومالك والليث والسفيانان وخلق ، قال البخاري أصح الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج ، مات فجأة سنة ١٣٠ ، وقيل سنة ١٣١ ، كما في الخلاصة للخزرجى (ص ١٦٦ ط مصر).

(٦) قال الذهبي في التذكرة (ج ١ ص ٩١ ط حيدرآباد) ما لفظه : ابو داود عبد الرحمن ابن هرمز مولا ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني كاتب المصاحف ، سمع


عن أبي هريرة (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يغفر الله للوط أن كان ليأوى إلى ركن شديد انتهى ، فان فيه دلالة على أن لوطا يحتاج أن يستغفر له إن قال ذلك وقصر في الصبر على أذى القوم والله المستعان.

__________________

أبا هريرة وأبا سعيد الخدري وعبد الله بن بحينة وجماعة ، حدث عنه الزهري وأبو الزناد وصالح بن كيسان ويحيى بن سعيد وعبد الله بن لهيعة وآخرون ، الى أن قال : فتوفى في سنة ١١٧.

(١) هو عبد الرحمن وقيل : عبد الله ، والاول أشهر ، ابن عدنان بن عبد الله الأزدي الدوسي الصحابي المشهور الذي عده عدة من أكابر القوم في وضاعى الحديث ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج. ٢ ص ٦٩٨ ط حيدرآباد) انه أسلم عام خيبر ، وتوفى سنة ٥٧ وقيل ٥٨ ، وقال الواقدي ٥٩ ، وقال بعض : انه مات بالعقيق ، وصلّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكان أميرا يومئذ على المدينة وحكى في سفينة البحار (ج ٢ ص ٧١٣ ط النجف) عن كتاب ربيع الأبرار للزمخشري أنه قال : وكان يعجبه أى أبا هريرة المضيرة جدا فيأكلها مع معاوية ، وإذا حضرت الصلاة صلّى خلف على ، فإذا قيل له : قال : مضيرة معاوية أدسم وأطيب ، والصلاة خلف على أتم فكان يقال له : شيخ المضيرة. ويقول : اللهم ارزقني ضرسا طحونا ومعدة هضوما ودبرا نثورا ، ثم الرجل وان اعتمد عليه إخواننا أهل السنة الا أن الحق الحقيق بالقبول أنه لا قيمة لمروياته وكونه من الوضاعين حسب ميول أرباب السلطة والنفوذ كما أشرنا اليه في أوائل المجلد الاول ، ولله در العلامة المجاهد الآية الباهرة السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي أدام الله بركته حيث أنار المحجة وأتم الحجة في كتابه النفيس (ابو هريرة) ومن لاحظه من القوم متجنبا عن الاعتساف والعصبية الباردة تراث الجاهلية ، نبذ مرويات المترجم وراء الظهر وشاركنا في عدم الاعتماد عليها عصمنا الله وإياهم من الزلل آمين آمين.


قال المصنّف رفع الله درجته

وفي الصحيحين (١) وقال بينما الحبشة يلعبون عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بحرابهم (٢) فدخل عمر فأهوى إلى الحصى (الحصباء) فحصاهم بها فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعهم يا عمر ، وروى الغزالي (٣) في إحياء علوم الدّين أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان جالسا وعنده جوار يتغنّين ويلعبن فجاء عمر فاستأذن ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للجواري : اسكتن فسكتن فدخل عمر وقضى حاجته ثمّ خرج ، فقال لهن : عدن فعدن إلى الغناء ، فقلن يا رسول الله : من هذا الذي كلما دخل قلت اسكتن وكلّما خرج قلت عدن إلى الغناء ، فقال هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل ، كيف يحلّ لهؤلاء القوم رواية مثل ذلك عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أيرى عمر أشرف من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث لا يؤثر سماع الباطل والنبيّ يؤثره انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : أمّا لعب الحبشة بالحراب فانه كان يوم العيد وقد ذكرنا أنّه يجوز اللهو يوم العيد بالاتفاق ، ويمكن أن يكون تجويز ذلك اللّعب بالحراب لأنّه ينفع في الحرب ، وفيه المهارة من طعن الحربة وكيفيّة تعليمه وإلقائه في الحرب ، وكلّ ما كان من أمر الحرب فلا بأس به ، ويمكن أن يكون عمر لم يعلم جوازه ، فعلّمه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واما ما روى عن الغزالي فان صحّ يمكن حمله على جواز اللّعب مطلقا وفي أيّام الأعياد ، وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمعه لضرورة التشريع حتّى يعلم أن اللهو ليس بحرام ، وربّما كان عمر يمتنع منه ومكّنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عدم السّماع ليعلم أنّ الأولى تركه ، وسمع هو كما ذكرنا لضرورة التشريع ، فهل يلزم من هذا أن يكون عمر أشرف من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعمر من

__________________

(١) أورده في صحيح البخاري (ج ٤ ص ٣٨ ط مصر) باب اللهو بالحراب

(٢) الحراب جمع الحربة : آلة للحرب من الحديد قصيرة محددة.

(٣) قد مرت ترجمته في المجلد الاول ص ١٤٥ فراجع.


امّته وممّن يتعلّم منه الشريعة انتهى.

أقول

ما ذكره من أنّ ذلك اللّعب كان يوم العيد رجم بالغيب كما مرّ ، وما ذكره من أنّه يجوز اللهو يوم العيد دعوى من غير دليل ، ودعواه الاتّفاق على جواز ذلك ممنوع ، لظهور مخالفة الشيعة ومن وافقهم في ذلك ، اللهم إلّا أن يريد اتّفاق الفسّاق من أهل النّصب والنفاق عليه ، وليس في اتفاقهم رواج ونفاق (١) كما لا يخفى ، ومن هذا يعلم أيضا بطلان قوله : ويمكن أن يكون تجويز ذلك إلخ ، وقد علم بطلان قوله : ويمكن أن يكون عمر إلخ ، بما ذكرناه في بعض الفصول السابقة فتذكر ، وأما قوله وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمعه لضرورة التّشريع إلخ فيقال في جوابه : ثبت العرش ثمّ انقش (٢) ، وهل كون ذلك شرعيا إلّا أوّل البحث والنزاع ، وكذا الكلام في توجيهه لما روى الغزالي ، وبالجملة ما ذكره النّاصب من التأويلات الباردة الشبيهة بتأويلات الباطنيّة من الملاحدة الماردة ممّا يأبى عنها ما نسب في الرّواية إليه عليه‌السلام من قوله : هذا رجل لا يؤثر سماع الباطل ، فانّ ما هو جائز أو مكروه لا يوصف بالباطل ، فيلزم منه أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مريد لسماع الباطل دون عمر ، وهذا كفر محض ممّن يعتقده كما لا يخفى علي من آمن بالله ورسوله فضلا عن استلزامه أشرفيّة عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه ، على أنّ ما يكون تشريعه ضروريّا لا يكون تركه أولى فتأمّل

قال المصنّف رفع الله درجته

وفي الصّحيحين (٣) عن أبي هريرة قال : أقيمت الصلاة وعدلت الصّفوف قياما قبل

__________________

(١) النفاق بفتح النون : رواج البيع

(٢) العرش من البيت سقفه والكلام من الأمثال المولدة يضرب فيما لو ادعى شخص دعوى تتوقف على مبنى غير مسلم الثبوت.

(٣) رواه في صحيح البخاري (ج ١ ص ٥٩ ط مصر).


أن يخرج إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فخرج إلينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا قام في مصلاه ذكر أنّه جنب ، فقال لنا : مكانكم ، فلبثنا على هيأتنا قياما ثمّ رجع فاغتسل ثمّ خرج إلينا ورأسه يقطر فكبّر فصلّينا ، فلينظر العاقل هل يحسن منه وصف أدنى النّاس بأنّه يحضر في الصّلاة ويقوم في الصّف وهو جنب؟ وهل ذلك إلا من تقصيره في عبادة ربّه وعدم المسارعة إليها؟ وقد قال الله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (١) (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (٢) فأىّ مكلّف أجدر بقبول هذا الأمر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي الجمع بين الصحيحين (٣) عن أبي هريرة قال صلّى بنا رسول الله (النبيّ) صلى‌الله‌عليه‌وآله إحدى صلاتي العشى قال محمّد وأكثر ظني أنّها العصر ركعتين ، ثمّ سلّم ثمّ قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر ، فهاباه أن يكلّماه وخرج سرعان النّاس وقالوا : أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعى ذا اليدين قال يا نبيّ الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال لم أنس ولم أقصر ، وقال بلى قد نسيت ، قال : صدق ذو اليدين فقام فصلّى ركعتين ثمّ سلّم ، فلينظر العاقل هل يجوز نسبة هذا الفعل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكيف يجوز منه عليه‌السلام أن يقول ما نسيت؟ ، فان هذا سهو في سهو ومن يعلم أن أبا بكر وعمر حفظا ما نسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مع أنّهما لم يذكرا ذلك للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد مرّ فيما سبق جواز السّهو والنسيان على الأنبياء ، لأنّهم بشر سيّما إذا

__________________

(١) آل عمران. الآية ١٣٣.

(٢) المائدة. الآية ٤٨.

(٣) رواه في صحيح البخاري (ج ٢ ص ٦٨ ط ١٣١٤ مصر) وفي صحيح مسلم (ج ٢ ص ٧٦ ط مصر) بأدنى تغاير في بعض الألفاظ والتعابير بما لا يهم نقله.


كان السّهو موجبا للتشريع ، فانّ التشريع في الأعمال الفعلية آكد وأثبت من الأقوال فما ذكر من حديث تذكر الجنابة فمن باب النسيان وفيه تشريع العمل بعد النسيان إذا تذكر ، ولهذا ترجم (١) البخاري الباب الذي ذكر فيه هذا الحديث بقوله : باب إذا ذكر في المسجد أنّه جنب يخرج كما هو ولا يتيمّم ، ولا يلزم من هذا نقص ، وما ذكر من سهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصّلاة فهو سهو يتضمّن التشريع فلا بأس به ، وما ذكره من نسيانه السّهو فهذا أيضا يتضمّن التشريع لأنّه شرّع بذلك النسيان جواز وقوع الفعل المتعلّق بالصّلاة في أثناء الصلاة وكذا الكلام القليل ، والعجب أنّه قال : كيف يجوز أن يحفظ أبو بكر وعمر مانسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأىّ عجب في هذا؟ فان الامام كثيرا مّا يسهو والمأمومون لا يسهون ، فلا يلزم من هذا تفضيل المأموم على الامام ، وهل هذه الكلمات إلا ترّهات ومزخرفات انتهى.

أقول

قد سبق الكلام منّا أيضا على ما ارتكبه من الجواز وعلى ما استدلّ عليه من أنّ النبيّ بشر وعلى جعل السّهو والنسيان وسيلة إلى التّشريع ، واما ما خصّ هذا المقام به من أنّ التشريع في الأعمال الفعليّة آكد فممنوع بل القضية منعكسة لجواز أن يكون التشريع الفعلي مخصوصا به بخلاف الأمر القولي العام ، وبهذا يعلم ضعف ما التزم صحته من التشريعات الفعلية المتتالية ، واما قوله : لأنه شرع بذلك النسيان جواز وقوع الفعل المتعلّق بالصلاة في أثناء الصلاة ففساده ظاهر ، لأنّ ظهور تشريع النسيان لم يكن متوقفا على أن يقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الصلاة قائما على خشبة المسجد واضعا يديه عليها ، ثمّ يدخل الحجرة ثمّ يخرج فيسأل عنه فيجيب بأربع كلمات ثمّ يسأل عنه فيجيب بمثل الأوّل مع أنّ التكلم بكلام الآدميين والفعل الكثير مبطل

__________________

(١) في (ج ١ ص ٥٩ ط مصر) والمراد انه عنوان الباب كذا.


للصلاة عند الفقهاء الأربعة أيضا ، اما الاول فلما في كتاب الينابيع (١) أنّ مما يتوقف عليه صحة الصلاة ترك الكلام لقوله (٢) عليه الصلاة والسّلام : لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، قال الشارح الأنصاري (٣) : المراد بكلام الناس ما يتخاطب به الناس وما من جنسه ، وفي التتمة (٤) وغيره هو المسموع المتهجى (المهجي خ ل) سواء كان مفهما أم لا ، هذا هو مذهب الفقيه وعليه اللغوي والاصولي ، وأما النحوي فلا يطلق الكلام إلا على المفهم ، فلما شرط فيها ترك الكلام فتبطل بالنطق بحرفين وحرف مفهم ولو ممدودا ، إذ المدّ حرف «انتهى» نعم قال الشافعي : إنه لا تبطل الصّلاة بالكلام الصّادر نسيانا أو جهلا إن لم يكثر ذلك الكلام بحسب العادة على الصحيح الذي في الامّ (٥) وقطع به جمهور الشافعيّة ، وعند أبي حنيفة (٦) على ما في الهداية (٧)

__________________

(١) هو كتاب ينابيع الاحكام للشيخ أبي عبد الله محمد أبي عبد الله بن محمد بن زنكي الأسفرايني الساوي وقد رتبه كما في كشف الظنون على أربعة أقسام.

(٢) رواه أحمد في المسند (ج ٥ ص ٤٤٧)

(٣) لعل المراد الشيخ عبد الله بن محمد الأنصاري الشافعي أولا الحنفي ثانيا ، إذ هو أحد من شرح كتاب الينابيع المذكور في المتن.

(٤) المراد بها كتاب تتمة الفتاوى لبرهان الدين محمود بن أحمد عبد العزيز الحنفي صاحب كتاب المتوفى سنة ٦١٦.

(٥) فراجع كتاب الام للشافعي (ج ١ ص ١٠٨ و ١٠٩ طبع مصر) فانه أورد فيه مناظرته مع خصمه في هذه المسألة وأطال واختار ما أشار اليه القاضي الشهيد فراجع.

(٦) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء فراجع.

(٧) هو كتاب في الفقه معتمد عليه عند الحنفية ، مصنفه شيخ الإسلام برهان الدين على بن أبي بكر المرغينانى الحنفي المتوفى سنة ٥٩٣ وهو شرح على متن له سماه بداية المبتدي ، وعليه شروح كثيرة.


وغيرها تبطل بالنسيان والجهل لعموم ما مرّ من الحديث ، وبهذا ظهر أنّ ما زعمه النّاصب من أنّ ما نسب إلى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من مراتب الجواب داخل في الكلام القليل باطل مخالف لمذهب أصحابه أيضا ، واما الثاني فلما قال في الينابيع وشرحه أيضا : إنّه تبطل الصّلاة بغير فعل مجانس لأفعال الصلاة إن فحش ذلك الفعل كوثبة المصلّي وإن لم يكن كثيرا أو فعل غير مجانس صادر للّعب مثل ضرب إحدى الرّاحتين بالاخري أو أن يفعل غير (زائد ظ) مجانس كثير ذلك الفعل بحسب العادة فتبطل الصّلاة علي أظهر الوجوه الذي عليه الأكثرون ، والفعل الكثير مثل ضربات ثلاث وخطوات ثلاث متوالية كلّ واحدة فلا تبطل بأقلّ من ثلاث ولا بثلاث وأكثر عن غير متوالية والقلّة والكثرة بحسب العرف والعادة على الأصحّ الّذي عليه الجمهور انتهى ، واما ما ذكره في مقام دفع التعجّب من أنّ الامام كثيرا مّا يسهو والمأمومون لا يسهون إلخ فقد سهى فيه عن علوّ شأن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانّ الكلام سهوا ليس في إمام الصّلاة الذي جوّز أهل السّنة أن يكون عاميا جاهلا فاجرا ، بل في الامام النبيّ المعصوم المؤيّد بالنفس القدسي والوحى الالهي الذي يتوقع ببركته صيانة المأمومين عن السهو والنسيان والخطأ والطغيان كما قال مادح أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام بالفارسيّة نظم :

زهي إمام كه پاسش نگاه ميدارد

بوقت نيّت از انديشه خاطر مأموم

مگر حجاب نماند وگرنه از در وصف

بصد كتاب نگردد مقام او معلوم

ولقد علم بما قررناه وأوضحناه أنّ ما ذكره المصنّف مزخرفات بمعنى المحبّرات والمزيّنات وبالمعنى الآخر لا يصدق إلّا على أمثال ما أتى به النّاصب من ركيك الهفوات.

قال المصنّف رفع الله درجته

وفي الصحيحين (١) عن عبد الله بن عمر أنّه كان يحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه لقى

__________________

(١) رواه في صحيح البخاري (ج ٧ ص ٩١ ط مصر).


زيد (١) بن عمرو بن نفيل بأسفل بلد ح وذلك قبل أن ينزل الوحى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقدم إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سفرة فيها لحم ، فأبى أن يأكل منها ، ثمّ قال : إنّي لا آكل ممّا تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا ممّا ذكر اسم الله عليه ، فلينظر العاقل هل يجوز له أن ينسب نبيّه عليه الصّلاة والسّلام إلى عبادة الأصنام والذبح على الأنصاب ويأكل منه؟ وأنّ زيد بن عمرو بن نفيل كان أعرف بالله منه وأتمّ حفظا ورعاية لجانب الله ، نعوذ بالله من هذه الاعتقادات الفاسدة انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : من غرائب ما يستدلّ به على ترك أمانة هذا الرّجل وعدم الاعتماد والوثوق على نقله رواية هذا الحديث فقد روى بعض الحديث ليستدلّ به على مطلوبه وهو الطعن في رواية الصّحاح وما ذكر تمامه ، وتمام الحديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما قال زيد بن عمرو بن نفيل هذا الكلام قال : وأنا أيضا لا آكل من ذبيحتهم وممّا لا يذكر عليه اسم الله تعالى فأكلا معا ، وهذا الرّجل لم يذكر هذه التتمّة ليتمكّن من الطعن في الرّواية نسأل الله العصمة من التعصّب فانّه بئس الضجيع انتهى.

أقول

من بدائع حيل هذا الناصب الفاجر الكاذب الخائن أنّه لمّا أراد التفصّي عن التشنيع المتوجّه على أصحابه في هذه الرّواية بضمّ بعض ما اخترعه من العبارات أرعد وأبرق أوّلا وتشدّد في إظهار التعجّب والغرابة ونسبة المصنّف قدس‌سره إلى الخيانة والتقصير وختم ذلك بسؤال العصمة عن التعصّب ليسدّ بذلك باب رجوع الناظرين

__________________

(١) هو زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رياح العدوى ، قال الذهبي في التجريد (ص ٢١٥ طبع الهند) ما لفظه بعد سرد نسبه : هو والد أحد العشرة سعيد بن زيد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يبعث أمة وحده ، مات قبل المبعث.


إلى مأخذ الرّواية فلا يظهر خيانته فيها بالزّيادة عليها ، والحاصل انّا قد راجعنا صحيح البخاري فكان الحديث كما نقله (١) المصنّف قدس‌سره ولم يكن من الاضافة التي ذكرها هذا الناصب الخائن الشقيّ عين ولا أثر ، ومن أبي لحسن ظنّه في هذا الشقي السّقيم فليراجع ذلك الصحيح ليتّضح له ما أتى به من الكذب الصريح ، ومن هنا أيضا يظهر صدق ما أشرنا إليه في بعض المراتب من أنّ أصحاب النّاصب بعد ما نبّههم الشّيعة على شناعة بعض أحاديثهم يزيدون على ذلك أو ينقصون عنه على حسب ما عرض لهم من ضيق الخناق ، فلا يعتدّ بما يرويه أهل الشّقاق.

قال المصنّف رفع الله درجته

وفي الصحيحين (٢) عن حذيفة (٣) بن اليمان قال : كنت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فانتهى إلى

__________________

(١) فراجع صحيح البخاري (ج ٧ ص ٩١ ط مصر).

(٢) رواه في صحيح مسلم (ج ١ ص ١٥٧ ط مصر) وفي صحيح البخاري (ج ١ ص ٥١) بسندين مع تفاوت.

(٣) قال الذهبي في التجريد (ص ١٣٢ طبع حيدرآباد) ما لفظه ، حذيفة بن اليمان اسم أبيه (حسل) ويقال (حسيل) بن جابر بن عمرو أبو عبد الله العبسي. وقيل اليمان لقب جدهم جروة بن الحارث ، قال الكلبي لأنه أصاب دما في قومه فهرب الى المدينة وحالف بنى عبد الأشهل فسماه قومه اليمان ، توفى سنة ٣٦ في دمشق انتهى ، وقال الخزرجي في الخلاصة ص ٦٣ ما لفظه : أبو عبد الله الكوفي حليف بنى عبد الأشهل صحابى جليل من السابقين أعلمه رسول الله «ص» بما كان وما يكون الى يوم القيامة من الفتن والحوادث الى أن قال : افتتح الدينور وما سبذان وهمذان والري ، روى عنه أبو الطفيل والأسود بن يزيد وزيد بن وهب إلخ أقول وهذا الرجل الجليل ممدوح عند أصحابنا في كتب الرجال والمعروف أنه مات بالكوفة ، وقيل بالمدائن ، والمشهور لدى الناس أنه مقبور قريبا من قبر سلمان الفارسي وعليه فلا مساغ لما ذكره الذهبي كما لا يخفى والله الهادي.


سباطة (١) قوم فبال قائما ، فتنحّيت ، فقال : ادن ، فدنوت ، حتّى قمت عند عقيبه فتوضّأ ومسح على خفّيه ، فكيف يجوز أن ينسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله البول قائما مع أنّ أرذل النّاس لو نسب إليه هذا تبرّأ عنه ، ثم المسح على الخفّين ، والله يقول : (وَأَرْجُلَكُمْ) (٢) فانظروا إلى هؤلاء القوم كيف جوّزوا الخطاء والغلط على الأنبياء وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يجوز أن يسرق درهما ويكذب في أخس الأشياء وأحقرها «انتهى».

قال النّاصب خفضه الله

أقول : اختلف في جواز البول قائما ، فالذي يجوّزه يستدلّ بهذا الحديث ، وعن الأطبّاء أنّ البول قائما ينفع الكلية والمخصر (٣) ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عمل هكذا ليشرع

__________________

(١) السباطة بضم السين : الموضع الذي تطرح فيه الأوساخ.

(٢) المائدة. الآية ٦.

(٣) العجب من الرجل كيف ينسج من عنده ويتداخل في الطب ونحوه من الشئون التي ليس أهلها ، فنقول : عليك أيها الرجل بكلمات المهرة الحذقة من الأطباء وإذا راجعت إليها تراهم ينادون بان البول قائما يضر المثانة ويورث الضعف والحجر فيها ، فلاحظ كلمات العلامة الشيرازي في شرح القانون وتعليقة علاء الدين القرشي على القانون ، وشرح قانونجه ، وكتاب الطب لابن هبل وغيرها وقد ورد عن أئمة الهدى سادات المسلمين النهى عن البول قائما الا في حالة واحدة وهي في حال تلطخ عورتيه بالنورة عدة روايات منها ما أورده المحقق المحدث الكاشاني في الوافي (ج ٤ ص ١٨) وفي غيره من كتب الحديث سيما المدونة في الآداب والسنن والمكروهات ، قال استأذنا العلامة الفقيه النابغة آية الباري الحاج الشيخ عبد الله المامقاني قدس‌سره وجزاه الله عنى خير الجزاء في كتابه مرآة الكمال (ص ٦٣ طبع النجف الأشرف) ما لفظه : ومنها أى من المكروهات في التخلي البول والتغوط قائما من غير علة فانه من الجفاء الا أن يكون مطليّا للنورة ، فانه


جواز البول قائما ، وأىّ منقصة يتصوّر من البول قائما سيّما إذا كان متضمّنا للتشريع وطلب الدّنوّ من حذيفة ربّما يكون لتشريع جواز البول قائما بقرب من النّاس بخلاف الغائط لغلظته ولتقذره ، ولهذا كان يبعد من الناس في الغائط دون البول ، واما المسح على الخف فهو جائز بالإجماع من أهل السنّة كما سيأتي في مباحث الفقه إن شاء الله تعالى والله أعلم. ثم ما ذكر أنّهم جوّزوا الخطأ والغلط على الأنبياء والنبيّ يجوز أن يسرق درهما فقد ذكرنا أنّ هذا افتراء محض ووجب تنزيه الأنبياء من الصغيرة الدالة على الخسّة انتهى.

أقول

لا يخفى أنّ نفع الكلية عند الأطبّاء لا ينحصر في البول قائما

__________________

يبول قائما ، لأنه يخاف عليه إذا بال جالسا الفتق انتهى ، وهذه الجمل متخذة من أخبار أهل البيت عليهم‌السلام وان شئت فراجعها.

واما من طرق العامة فالروايات في النهى عنه كثيرة ، وقد عقد الشيخ عبد السلام بن تيمية الحراني في كتاب المنتقى بابا في ذلك سننقل عنه روايتين صريحتين في النهى مرويتين عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرقهم فلاحظ ، هذا ما تلونا عليك من كلمات اهل الطب اليوناني وأحاديث الفريقين وما هي الا النبذ القليل ، واما الأطباء من أبناء العصر فتكلمت مع جماعة منهم في هذا الباب ورأيتهم مذعنين على كون البول قائما مضرا حتى أن المرحوم فقيد الطب (لقمان الدولة الأدهم) كان يعد له آثار سوء وتوالى فاسدة ، ومن كان واقفا على علم التشريح وكيفية بدن الإنسان لصدقنا بأن البول قائما مضر ، ويلزمه عدم نقاء المثانة من البول وبقاء أجزاء من (درديها).

وبعد هذا فالاسف كل الأسف من شبان العصر حيث جرت سيرتهم على البول قياما غير مبالين بنواهى الشرع الشريف ولا بكلمات الأطباء الشامخين في علمهم الحاذقين في فنهم هداهم الله الى سواء الصراط وبصرهم بما هو خير لهم آمين.


ولا هو من المعالجات التي يحصل بها سرعة البرء حتى هذا يعارض قبحه الظاهر ويضطرّ معه إلى تشريعه ، ولو تنزلنا عن ذلك فنورد عليهم مثل ما أورده القفّال الشافعي (١) على الحنفيّة من أنّا نعلم ببديهة العقل أنّ الله سبحانه لم يرسل رسولا لأجل تشريع مثل هذا الحكم ، وتحقيق وجه ابتلاء القوم بهذه الرّواية الموضوعة (٢) أنّه لما قال الثاني وبعض أصحابه : إنّ البول قائما أحصن للدّبر وفعلوه لذلك كما ذكره النووي في شرح هذا الحديث من صحيح مسلم ورأوا أنّ فيه قباحة وشناعة وشرّكوا معه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بوضع هذا الحديث لئلا يجترئ أحد على تشنيعه ، ويؤيد (٣) هذا ما نقل عن عائشة في هذا المقام أنها قالت من حدثكم أنّ

__________________

(١) هو العلامة أبو بكر عبد الله بن أحمد المروزي الشافعي من أجلاء الشافعية في الفقه والكلام والحديث ، وهو الذي صلّى بحضرة السلطان محمود سبكتكين صلاة على طريقة الحنفية وأخرى على مذهب الشافعية فاستحسن الملك صلاة الشوافع وانتقل من مذهبه الحنفي وصار شافعيا ، وتفصيل تلكما الصلاتين مذكور في حياة الحيوان وتاريخ ابن خلكان ، توفى المترجم سنة ٤١٧ وقيل ٤٢٩ بسجستان كما في طبقات الشافعية (ج ٣ ص ١٩٨ والريحانة ج ٣ ص ٣١٥).

(٢) نص على عدم صحته الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية الحراني في كتابه (المنتقى من أخبار المصطفى الجزء ١ ص ٥٥ الطبعة الاولى بمصر) قال ما لفظه : باب ما جاء في البول قائما.

١٤٣ ـ عن عائشة رضى الله عنها قالت : من حدثكم أن رسول الله (ص) بال قائما فلا تصدقوه ، ما كان يبول الا جالسا. رواه الخمسة الا أبا داود وقال الترمذي : هو أحسن في هذا الباب وأصح.

١٤٤ – وعن جابر قال : نهى النبي (ص) أن يبول الرجل قائما رواه ابن ماجة.

(٣) هذا موجود في كتاب شرح الهداية وهو مخطوط في خزانة كتبنا ويظهر ان الشارح أتمه ببلدة بخارى.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبول قائما فلا تصدّقوه ، ما كان يبول إلا قاعدا ، ثم نقل (١) عن ابن المنذر (٢) في الاشراف انه قال : اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت (٣) وابن عمر (٤) وسهل بن سعد (٥) أنّهم بالوا قياما انتهى هذا (٦) ، واما ما ذكره من أنّ نسبة تجويز سرقة الدّرهم على الأنبياء إلى أهل السنّة افتراء فمكابرة ومراء ، لما سيجيء في مباحث الحدود والجنايات من المسائل

__________________

(١) قال ابن قدامة الحنبلي في كتاب المغني : قال الترمذي : هذا أصح شيء في الباب انتهى. منه (قده).

(٢) هو الشيخ أبو بكر محمد بن ابراهيم المشتهر بابن المنذر النيسابوري المتوفى سنة ٣١٨ وله كتب كتاب الاشراف على مذاهب الاشراف في الفقه على المذاهب الأربعة.

(٣) هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمر البخاري المدني كاتب الوحى وهو الذي جمع المصحف في عهد أبي بكر على ما ذكره الخزرجي في التذهيب ص ١٠٨ وقسم غنائم اليرموك ، روى عنه أنس وابنه خارجة بن زيد وسليمان بن يسار ، توفى سنة ٤٥ وقيل ٤٨ وقيل ٥١.

(٤) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن المكي عنه سالم وحمزة وابن المسيب ومولاه نافع ، توفى سنة ٧٤ كما في التذهيب ص ١٧٦.

(٥) هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري أبو العباس المدني الصحابي الجليل ، عنه الزهري وأبو حازم ، وأبو سهل ، الأصبحي ، توفى على ما في التذهيب للخزرجى ص ١٣٣ سنة (٩١) عن مائة سنة ونقل عن ابن مطين أنه آخر من مات من الصحابة بالمدينة ، ثم ان المعروف والمذكور في بعض كتب المقاتل انه كان هذا الصحابي مقيما بالشام زمن ورود أهل البيت عليهم‌السلام في اسارة يزيد عليه اللعنة إياهم ومجيئه الى السجاد (ع) والله العالم.

(٦) يوجد في بعض النسخ هنا بعض الكلمات وحيث لم نتيقن بكونها من الكتاب تركناها.


الفقهيّة أنّهم قالوا : إنّ الدّرهم ليس بمال ، لأنّه لا قطع فيه فسرقته لا تكون كبيرة وقد مرّ أن الصغيرة جائزة على الأنبياء عند جماعة من أهل السّنة فظهر تجويزهم لسرقة الدّرهم عليهم كما ذكره المصنّف.

قال المصنّف رفع الله درجته

وقد لزمهم من ذلك محالات منها جواز الطعن على الشرائع وعدم الوثوق بها ، فانّ المبلغ إذا جوّزنا عليه الكذب وسائر المعاصي جاز أن يكذب عمدا أو نسيانا أو يترك شيئا مما اوحي إليه أو يأمر من عنده فكيف يبقى اعتماد على أقواله انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد علمت فيما سبق مذهب الأشاعرة وأنّهم لا يجوّزون الكذب عمدا على الأنبياء ولا سهوا ، وهذا مذهبهم ، وأمّا السّهو في غير الكذب فيجوّزونه ولا بأس فيه ، لأنّ الله تعالى هو الذي يوقع عليه السّهو ليجعله سببا للتّشريع انتهى.

أقول

الكلام مع من أجاز من أهل السّنة وقوع الكذب وغيره من المعاصي عن إبراهيم وغيره من الأنبياء في حال النّبوة كما مرّ ، ولا يدفع ذلك القول بأنّ خصوص الأشاعرة منهم لا يجوّزون الكذب إلخ ، على أنّ الأشاعرة حيث يجوّزون عليهم الكذب وسائر الكبائر قبل البعثة فلا يبقى اعتماد على أقوالهم بعدها أيضا كما سنوضحه إن شاء الله تعالى ، واما ما ذكره من أنّ الله تعالى يجعل السهو على النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سببا للتشريع فقد مرّ أنّ الله متعال عن هذا التشريع الشنيع.

قال المصنّف رفعه الله

ومنها أنّه إذا فعل المعصية فامّا أن يجب علينا اتباعه فيها فيكون قد وجب علينا فعل ما وجب تركه ، واجتمع الضدّان وإن لم يجب انتفت فائدة البعثة انتهى.


قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد ذكرنا هذا الدّليل فيما مضى من قبل الأشاعرة وهو حجّة على من يجوّز المعاصي على الأنبياء ، وهذا ليس مذهب الأشاعرة ، والصّغائر التي يجوّزونها على الأنبياء ما يقع على سبيل النّدرة ولا يقدح هذا في ملكة العصمة كما قد قدّمناه ، ويجب أن يكون في محلّ يعلم أنّها واقعة منه على سبيل النّدرة ، والنّبي يبيّن أنّ هذا ليس محل المتابعة ، وبالجملة قد قدّمنا أنّ تجويز المعصية على الأنبياء مطلقا محلّ تأمّل لهذا البرهان والله أعلم.

أقول

ما ذكره هاهنا مدفوع ، بمثل ما دفعنا جوابه عن الفصل السّابق فعليك بالتّأمّل في التطبيق وبالله التوفيق.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها أنه لو جاز أن يعصي لوجب إيذائه والتبري منه ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، لكنّ الله تعالى قد نصّ على تحريم إيذاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (١) انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد ذكرنا هذا الدّليل من قبل الأشاعرة وهو حجّة على من يجوّز الكبائر ، وأمّا الصّغائر فمن لم يباشر الكبيرة فهي معفوّة عنه فلا زجر ولا تعنيف ولا إيذاء «انتهى».

أقول

يندفع هذا أيضا بمثل ما ذكرناه في الفصل السابق وقد مرّ أنّ الأشاعرة يجوّزون

__________________

(١) الأحزاب. الآية ٥٧.


الكذب في غير ما يتعلّق بالرسالة وغيرها من الكبائر فهذا الدّليل حجّة على الأشاعرة أيضا.

قال المصنّف رفع الله درجته

ومنها سقوط محلّه ورتبته عند العوام فلا ينقادون إلى طاعته ، فتنتفى فائدة البعثة ، ومنها أنّه يلزم أن يكون أدون حالا من آحاد الامّة ، لأنّ درجات الأنبياء في غاية الشرف ، وكلّ من كان كذلك كان صدور الذنب عنه أفحش كما قال الله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) (١) والمحصن يرجم وغيره يحدّ وحدّ العبد نصف حدّ الحرّ ، والأصل فيه أنّ علمهم بالله أكثر وأتمّ وهم مهبط وحيه ومنازل ملائكته ، ومن المعلوم أنّ كمال العلم يستلزم كثرة معرفته والخضوع والخشوع ، فينافي صدور الذّنب لكنّ الإجماع دلّ على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يجوز أن يكون أقلّ حالا من آحاد الامّة ، ومنها أنه يلزم أن يكون مردود الشهادة لقوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (٢) فكيف يقبل عموم شهادته في الوحى؟ ويلزم أيضا أن يكون أدنى حالا من عدول الامّة وهو باطل بالإجماع ، ومنها أنّه لو صدر عنه الذّنب لوجب الاقتداء به لقوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (٣) (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فاتبعوني (٤) والتالي باطل بالإجماع وإلا اجتمع الوجوب والحرمة انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : قد سبق أنّ هذه الدّلائل حجّة على من قال بجواز صدور الكبائر عنهم

__________________

(١) الأحزاب. الآية ٣٠.

(٢) الحجرات. الآية ٦.

(٣) النساء. الآية ٥٩

(٤) الأحزاب. الآية ٢١.


والإكثار من الصّغائر حتّى يصير سببا لحطّ منزلتهم عند النّاس وموجبا للإيذاء والتعنيف وترجيح الامّة عليه ، وأمّا صدور الصغائر التي عفا الله عنها إذا كان على سبيل الندرة فغير ممتنع ، ولا تدلّ المعجزة على وجوب انتفاء شيء منها عنهم ، وكلّ هذه الدّلائل قد ذكرناها فيما سلف وأنّ الأشاعرة ذكروها على سبيل الاستدلال على من يقول بجواز الكبائر ، وقد قدمنا أنّ بعض تلك الأدلة يدلّ على وجوب نفي الذنب عن الأنبياء مطلقا والله تعالى أعلم انتهى.

أقول

ما ذكره النّاصب هاهنا يدلّ على بهته واضطرابه واشتباه حقيقة مذهبه عليه ونسيانه لما ذكره سابقا ، فإنّه لم يقل سابقا ، إنّ هذه الدلائل حجّة على من قال : بجواز صدور الكبائر عن الأنبياء ، ولو اعترف بذلك فقد تمّ لنا الدست (١) وقامت الحجة عليه وعلى أصحابه ، لأنّ النزاع بين الفريقين إنّما كان في أنّ المخلّ بالنبوّة والمانع من امتثال أمر الأنبياء هل هو وقوع الكبائر والصغائر أو جواز وقوعهما؟ فالاشاعرة كانوا يقولون : إنّ مجرّد الجواز لا يخلّ بذلك ، والامامية كانوا قائلين باخلاله ، وبالجملة الأشاعرة قائلون بجواز وقوع الكبائر عنهم ، غاية الأمر أنّهم يقولون : إنّ العقل والسمع دلّ على عدم وقوع بعض الكبائر المخل بالمعجزة كالكذب ، وكيف ينكر هذا؟ وعنوان أدلته ثمة صريحة فيه حيث قال : الأول أنه إن صدر عنهم الكذب إلخ والثاني أنّهم لو أذنبوا إلخ والثالث أنّه إن صدر عنهم ذنب إلخ وحاصل اللّوازم التي ذكرها المصنّف إذا افرغ في قالب الدليل يصير أنه لو جاز صدور الذنب عنهم لكان كذا ، ولو جاز وقوع الكبائر عنهم لكان كذا ، والفرق بين العنوانين لفظا ومعنى ظاهر جدّا ، وايضا قد سبق منّا أيضا أن هذه اللّوازم التي

__________________

(١) الحيلة والخديعة والتمكن. (ج ١٧)


سماها الناصب دلائل إنما أوردها المصنّف على من قال بجواز صدور الكبائر والصغائر عن الأنبياء عليهم‌السلام مطلقا قبل البعثة وصدور بعض منها بعدها لا على خصوص الأشاعرة فلا يفيد في دفعها إظهار تنزيه الأشاعرة عن ذلك مع أنّ الأشاعرة بأجمعهم ليسوا برآء عن ذلك كما مرّ أيضا ، ان قيل : حاصل ما ذكر في المقام من الدّليلين الأوّلين أنّ تجويز صدور المعاصي عن الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام يقدح فيما هو الغرض من بعثة الأنبياء ونصب الامام أعني قبول أقوالهم وامتثال أوامرهم ونواهيهم ، فبيّنوا لنا وجه القدح في ذلك وسقوط مرتبتهم عند الناس ، إذ هو خفي جدّا ، ولهذا طال الكلام في المسألة بين الفريقين قلت : وجهه أنّ من يجوز عليه الكبائر والمعاصي فانّ النّفس لا تسكن ولا تطمئن إلى قبول قوله مثل (كما تسكن وتطمئن خ ل) ما تطمئنّ إلى قول من لا يجوز عليه شيء من ذلك جزما قال (١) الشريف المرتضى رضي‌الله‌عنه وهذا هو معنى قولنا : إنّ وقوع الكبائر والمعاصي ينفر عن القبول والامتثال والمرجع فيما ينفر ولا ينفر إلى العادات (٢) وليس ذلك ممّا يستخرج بالدّليل ، ومن رجع إلى العادة علم صدق ما ذكرناه فانّ الكبائر في باب التنفّر لا تنحطّ عن المباحاة التي تدلّ على خسّة صاحبها وعن المجون (٣) والسّخافة ولا خلاف في أنّها ممتنعة عنهم ، فان قيل : أو ليس قد جوز كثير من النّاس الكبائر على الأنبياء والأئمّة ومع ذلك لم ينفروا عن قبول أقوالهم وامتثال أوامرهم؟ وهذا يناقض قولكم إنّ الكبائر منفرة ، قلنا : هذا من لا يعرف معنى التنفير ، إذ لم نرد به ارتفاع التصديق والامتثال رأسا ، بل ما ذكرناه من عدم سكون النّفس وحصول

__________________

(١) في كتاب تنزيه الأنبياء (ص ٤ ط تبريز).

(٢) عبارة التنزيه الى هنا.

(٣) قلة الحياء.


الاطمئنان ، ولا يشكّ عاقل في أنّ النّفس حال عدم تجويز الكبائر أقرب منها إلى ذلك عند تجويزها ، وقد يبعد الأمر عند الشيء ولا يرتفع كما يقرب من الشيء ولا يقع عنده ، ولا يرى أنّ عبوس (١) الدّاعي إلى طعامه وتضجّره منفر في العادة عن حضور دعوته وتناول طعامه ، وقد يقع مع ما ذكرناه الحضور والتّناول ولا يخرجه من أن يكون منفرا ، وكذلك طلاقة وجهه واستبشاره وتبسّمه يقرب من الحضور والتّناول وقد يرتفع عند ذلك ، لا يقال : هذا يقتضي أن لا تقع الكبائر عنهم حال النبوّة والامامة ، وأمّا قبلها فلا لزوال حكمها بالتّوبة المسقطة للعقاب والذمّ ولم يبق وجه يقتضي التنفير ، لأنا نقول : إنّا لم نجعل المانع عن ذلك استحقاق العقاب والذّمّ فقط ، بل ولزوم التنفير أيضا ، وذلك حاصل بعد التّوبة ، ولهذا نجد ذلك من حال الواعظ الدّاعي إلى الله وقد عهدنا منه الاقدام على كبائر الذّنوب وإن تاب عنها ، بخلاف من لم يعهد منه ذلك (٢) ، والضرورة فارقة بين الرّجلين فيما يقتضي القبول والنفور ، وكثيرا ما نشاهد أنّ النّاس يعيّرون من عهد منه القبائح المتقدّمة وإن حصلت منه التّوبة والنزاهة ويجعلونها نقصا وعيبا وقدحا ، غاية ما في الباب أنّ الكبائر بعد التّوبة أقلّ تنفيرا منها قبل التّوبة ولا يخرج بذلك عن كونها منفرة ، فان قلت فلم قلتم : إنّ الصغائر لا تجوز عليهم مطلقا ولا تنفير فيها؟ قلت : بل التنفير حاصل فيها أيضا عند التّأمّل ، لأن اطمئنان النفس وسكونها إنّما هو مع الأمن عن ذلك لا مع تجويزها ، والفرق بأنّ الصغائر لا توجب عقابا وذمّا ساقط ، لأنّ المعتبر التنفير كما ذكرنا مرارا ، الا ترى أنّ كثيرا من المباحات منفرة ولا ذم ولا عقاب فيها

__________________

(١) بضم العين ، التقطب.

(٢) ومن هذا الباب ما يذكر في الفقه في باب الصلاة حيث يشترط اكثر الاصحاب : أن لا يكون الامام محدودا بالحد الشرعي وان لا يكون مبتلى بامراض منفرة للقلوب ولا يكون غير طاهر المولد ونحوها من الأمور التي يتنفر الناس من المتصف بها.


بل نقول : إنّه ربّما يحصل التنفير عمّا يورث لفاعله ثوابا أيضا باعتراف الخصم ، فانّهم أيضا ربّما حكموا على بعض الاجتهادات البعيدة عن قانون العقل والنّقل بكونه منفرا للعوام مع تصريحهم بأنّ المجتهد المخطئ مثاب ، قال أبو المعالي الجويني (١) الملقّب بإمام الحرمين في رسالته المعمولة في بيان حقيّة (أحقيّة خ ل) مذهب الشافعيّ ، فان قيل : قد اتّفق للشافعي أصل (٢) مقطوع ببطلانه على وجه أجمعت الامّة شارقة وغاربة أرضا فأرضا طولا وعرضا على بطلان ذلك الأصل ، وهو أنّه لم يجوز نسخ السنة بالكتاب ولم يجوز نسخ الكتاب بالسنّة وهذا من أمحل المحالات والعاصي إذا سمع هذا يستنفر طبعه وينزوي من تقليده والاقتداء به ، الجواب قلنا : هذا الأصل غير مقطوع ببطلانه ، فانّه إنّما لم يجوز نسخ السنّة المتواترة بالكتاب لأنّ الله تعالى إلخ ، وتقرير الكلام على هذا التفصيل والتدقيق من نفائس هذا التعليق فاحفظه فانّه بذلك حقيق.

قال المصنّف رفع الله درجته

المبحث الثالث في أنّه يجب أن يكون منزّها عن دناءة (٣) الآباء وعهر الامّهات ،

__________________

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء.

(٢) قاعدة عدم جواز نسخ السنة بالكتاب ونسخ الكتاب بالسنة مذكورة في مقدمات كتاب الام للشافعي ، واختلفت كلمة الشافعية ، فمنهم من تبعه في كلا الأمرين ومنهم من خالفه فيهما ، ومنهم من فصل ، ومن رام التفصيل فليراجع الى اصول المزي وكتاب النووي والسبكى والجويني وغيرها من كتبهم الاصولية.

(٣) مسألة طهارة آباء النبي وأمهاته من الدناءة والكفر والعهر مما اختلفت الكلمة فيها اما نحن معاشر شيعة آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مجمعون على الطهارة منها ووافقنا اكثر الشيعة الزيدية كما يفصح عن ذلك كلمات الشريف المرتضى اليماني الحسنى صاحب كتابي ايثار الحق على الخلق ، والروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ، وكذا


__________________

وافقنا أكثر المعتزلة من العامة والأدلة السمعية والعقلية والاعتبار تساعدنا كما سيتضح لك ذلك.

ولله در الحافظ جلال الدين السيوطي حيث ألف رسائل في هذا الباب وأثبت ما نحن عليه وكذا صرح به الحافظ أبو نعيم الاصفهانى في كتاب سيرته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وعقد السيوطي بابا في ذلك في كتابه الخصائص الكبرى (ج ١ ص ٣٧ طبع حيدرآباد).

قال ما لفظه : أخرج ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح ، واخرج الطبرانيّ عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء وما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام ، واخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرجت من نكاح غير سفاح ، واخرج ابن سعد وابن أبى شيبة في المصنّف عن محمد بن على بن الحسين أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال انما خرجت من نكاح ولم اخرج من سفاح من لدن آدم لم يصبني من سفاح الجاهلية شيء ولم اخرج الا من طهرة ، واخرج أبو نعيم من طرق عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يلتق أبواى قط على سفاح لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة الى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تتشعب شعبتان الا كنت في خيرهما ، واخرج البزاز والطبرانيّ وأبو نعيم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) قال ما زال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته امه ، الى أن قال : وقال أبو نعيم : وجه الدلالة على نبوته من هذه الفضيلة أن النبوة ملك وسياسة عامة والملك في ذوى الاحساب والاخطار من الناس ، لان ذلك أدعى الى انقياد الرعية له وأسرع الى طاعته ، ولذلك سأل هرقل أبا سفيان كيف نسبه فيكم؟ قال هو فينا ذو نسب ، قال هرقل : وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها انتهى.

وفي حيوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نقلا عن سيرة العلامة زيني دحلان المفتي أنه قال قال الفخر الرازي : ان أبوي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانا على الحنيفية دين ابراهيم


ذهبت الامامية إلى أنّ النبيّ يجب أن يكون منزّها عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات (١)

__________________

كما كان زيد بن عمرو بن نفيل وأضرابه ، بل ان آباء الأنبياء كلهم ما كانوا كفارا تشريفا لمقام النبوة ، وكذلك أمهاتهم وان آزر لم يكن أبا لإبراهيم بل كان عمه ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) ، مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لم أزل انقل من أصلاب الطاهرين الى أرحام الطاهرات الى أن قال : وقد ارتضى كلامه هذا أئمة محققون منهم العلامة المحقق السنوسى والتلمسانى محشى الشفاء ، فقالا لم يتقدم لوالديه شرك وكانا مسلمين لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم انتقل من الأصلاب الكريمة الى الأرحام الطاهرة ، ولا يكون ذلك الا مع الايمان بالله تعالى ، وقد أيد الجلال السيوطي كلام الفخر الرازي بأدلة كثيرة وألف في ذلك رسائل الى أن قال زيني دحلان : وقد صحت الأحاديث في البخاري وغيره وتظافرت نصوص العلماء بأن العرب من عهد ابراهيم كانوا على دينه لم يكفر منهم أحد الى أن جاء عمرو بن عامر الخزاعي الذي يقال له عمرو بن الحي فهو أول من عبد الأصنام وغير دين ابراهيم إلخ انتهى وهذا نبذ من كلماتهم في المقام ولعمري ما اقل حياء رجل يذهب الى عدم اشتراط الطهارة من الدناءة وغيرها وما أساء أدبه بالنسبة الى ساحة النبي الأكرم ، فأكرم بما اخترناه من التقديس والتنزيه في نسبه وحسبه وقد ورد في زيارة مولانا الحسين الشهيد سبط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (اشهد انك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها).

ثم ان ما اخترناه من الطهارة والتنزيه في اصول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو مختارنا في اصول اوصيائه وخلفائه الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام كيف وهم فرع من تلك الشجرة المباركة الزكية الطيبة الطاهرة.

(١) العهر بفتح العين وكسرها : السفاح والزناء ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الولد للفراش وللعاهر الحجر.


بريئا من الرّذائل والأفعال الدّالة على الخسّة كالاستزراء (١) به (كالاستهزاء خ ل) والسخريّة والضحك عليه ، لأنّ ذلك يسقط محلّه عن القلوب وينفرّ الناس عن الانقياد له ، فانّه من المعلوم بالضرورة الذي لا يقبل الشكّ والارتياب ، وخالفت السنّة فيه ، أمّا الأشاعرة فباعتبار نفي الحسن والقبح فلزمهم أن يذهبوا إلى جواز بعثة من ولد من الزّنا المعلوم لكلّ أحد ، وأن يكون أبوه فاعلا لجميع أنواع الفواحش وأبلغ أصناف الشرك ، وهو ممّن يتمسخر به ويضحك عليه ويصفع (٢) في الأسواق ويستهزئ به قوّادا ، تكون امّه في غاية الزّناء والقيادة والافتضاح بذلك لا ترديد لا مس ، ويكون هو عليه‌السلام في غاية الدناءة والسقاطة حال النبوّة وقبلها يصفع في الأسواق ويعتمد المناكير ويكون قوّادا بصّاصا (بطاطا خ ل. بطالا خ ل) فهؤلاء يلزمهم القول بذلك حيث نفوا التحسين والتقبيح العقليين ، وأنّ ذلك ممكن ، فيجوز وقوعه من الله تعالى وليس هذا أبلغ من تعذيب الله لمن لا يستحق العذاب بل يستحقّ الثّواب طول الأبد انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : نعوذ بالله من هذه الخرافات والهذيانات وذكر هذه الفواحش عند ذكر الأنبياء والدّخول في زمرة (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) (٣) وكفى به إساءة للأدب أن يذكر عند ذكر الأنبياء عليهم‌السلام أمثال هذه الترهات ، ثم يفتري على مشايخ السنّة وعلماء الإسلام مالا يلزم من قولهم شيء منه ، وقد علمت أنّ الحسن والقبح يكون بمعاني ثلاثة ، أحدها

__________________

(١) من زرى ، بمعنى استخف واحتقر.

(٢) أى يضرب قفاء بالكف المبسوطة.

(٣) النور : الآية ١٩.


وصف النقص والكمال ، والثاني الملائمة والمنافرة ، وهذان المعنيان عقليّان لا شكّ فيه ، فإذا كان مذهب الأشاعرة أنّهما عقليان فأىّ نقص أتمّ من أن يكون صاحب الدعوة الالهيّة موصوفا بهذه القبائح التي ذكرها هذا الرّجل السوء الفحّاش وكأنّه حسب أنّ الأنبياء أمثاله من رعاع الحلة الذين يفسدون على شاطئ الفرات بكل ما ذكره نعوذ بالله من التعصّب فانّه أورده النار انتهى.

أقول

الخرافة الظاهرة ما ظهر عن هذا النّاصب الفاجر العاجز المبهوت الذي ينسج عليه أمورا واهية كنسج العنكبوت ، فمقصود المصنّف عنه يفوت ، فانّه لم يفهم مقصود المصنّف قدس سرّه مع ظهوره كالنّور على شاهق الطور فأتى بما شاء من الفتور والفطور ، وذلك لأنّ كلام المصنّف قدس‌سره في فعل الله وهو البعثة كما صرّح به بقوله : فلزمهم أن يذهبوا إلى جواز بعثة من ولد من الزناء إلخ ولزوم (١) ما ذكره مع القول بالحسن والقبح بالمعنيين المذكورين وتجويز صدور القبائح عنه تعالى ظاهر لا خفاء فيه ، اما بالنظر إلى المعنى الأوّل فلأنّ الكمال والنقصان مخصوصان بالصفات كما صرّحوا به فيما نقل سابقا ، والبعثة من الأفعال فلا يجريان فيها ، واما بمعنى الملائمة والمنافرة فلأنّ بعثة من يفعل به كل شنيع قد يلائم غرض الفاعلين فجاز أن يبعث الله تعالى مثل هذا الشخص لملاءمته غرض هؤلاء ، إذ هو حاكم على الإطلاق ولا يجب عليه شيء ولا يقبح منه شيء بل كلّ قبيح يصير حسنا بفعله كما قال به الأشعري ، فكيف يحكم العقل بأحد المعنيين على عدم جواز ذلك على الله تعالى ، وقد أشار المصنّف إلى انضمام باقي المقدّمات التي ذكرناها بقوله : وإنّ ذلك

__________________

(١) على أن الناصب قد صرح في جرح المطلب العاشر بأن الاشاعرة لم يقولوا بالحسن العقلي أصلا ، فكيف يبنى هاهنا على ذلك تامل. منه «قده».


ممكن فيجوز وقوعه من الله وليس هذا أبلغ من تعذيب الله تعالى من لا يستحق العذاب بل يستحق الثّواب وفصّل ذلك فيما سيجيء بعيد ذلك متّصلا به عند الكلام على المعتزلة فلا تغفل. ولقد اتضح بما ذكرناه أنّه لا يرتبط بما ذكره المصنّف قدس‌سره ما ذكره هذا النّاصب بقوله : فان كان مذهب الأشاعرة أنّهما عقليّان فاىّ نقص أتمّ من أن يكون صاحب الدعوة الالهيّة موصوفا بهذه القبائح إلخ ، وذلك لظهور أنّه لا يلزم من إدراك العقل بأحد المعنيين قبح اتّصاف صاحب الدّعوة بذلك إدراكه قبح إرسال الله تعالى لمثل هذا الشّخص ، وكيف يدرك ذلك مع أنّه على قاعدة القوم لا يقبح شيء عن الله تعالى ، فيجوز عليه بعثة مثل ذلك الشّخص كما جوّزوا عليه صدور غيره من القبائح والظلم حسب ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره ويؤكده ما في المواقف وشرحه (١) من أنّ النّبوة عند أهل الحقّ من الأشاعرة من قال له الله : أرسلتك إلى قوم كذا ولا يشترط في الإرسال شرط من الأعراض والأحوال المكتسبة بالرّياضات والمجاهدات في الخلوات والانقطاعات ، ولا استعداد ذاتي من صفاء الجوهر وذكاء الفطرة كما يزعمه الحكماء ، بل الله سبحانه (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده ، (٢) فالنبوّة رحمة وموهبة متعلّقة بمشيئته فقط انتهى ، هذا ، واما الآيات التي ذكرها في توبيخ المصنّف قدس‌سره فانّما تناسب بحال أسلاف النّاصب حيث أشاعوا تلك الرّوايات الفاحشة وذكروها في صحاحهم وغيرها من جوامعهم وتداولوها بينهم في أنديتهم ومجالسهم قرنا بعد قرن ، فانّ كون قصدهم في ذلك تشييع الفاحشة ظاهر لا مجال للمناقشة فيه ، وأمّا المصنّف فليس قصده في هذا المقام إلا استقباح أمر السّلف في إشاعة تلك الفواحش ليرتدع الخلف عن اتباعهم. بل الذي فعله المصنّف من قبيل الجرح والتعديل الذي قد أوسعوا له السّبيل ،

__________________

(١) ذكره في (ج ٢ ص ٤٠٨ ط مصر).

(٢) البقرة. الآية ١٠٥.


وفي تفسير النيسابوري أنّ بعضهم حمل الفاحشة على الزّنا وخصّص من يحب شيوع الفاحشة بعبد الله بن أوفي ، فعلى هذا لا ترتبط الآية بما نقله القوم أيضا فضلا عن المصنّف قدس‌سره ، واما ما ذكره من أنّ المصنّف أساء الأدب بذكر تلك القبائح والمعايب عند ذكر الأنبياء عليهم‌السلام فهذا أيضا من بركة البرامكة ، (١) فانّ الأشاعرة وهم الذين قالوا : بجواز صدور الفواحش عنهم ، فيلزم النّاقل لكلامهم ما لزمهم من المقارنة في الذّكر ونقل الكفر ليس بكفر بالاتّفاق ، وأيضا كثيرا ما يفرض الحكماء والمتكلمون عند الاستدلال على وجود الواجب أو على وحدته : مثلا عدمه أو تعدده المستلزم لكفر قائله أو شركه ، ولم يتوجّه عليهم إلى الآن مؤاخذة عن عاقل فضلا عن فاضل بأنّ ذلك إساءة أدب أو كفر أو شرك ، فكذا فيما أتى به المصنّف هاهنا لاتّحاد أسلوب الكلامين ، وإنّما الذي حمل النّاصب على هذا التشنيع عجزه عن الجواب أو انحرافه عن سمت الحق والصّواب ، كما حكى (٢) أنّ رجلا رأى فقيها ناقصا كالنّاصب في مسجد فسأله عن مسألة من مسائل الحيض أو الاستحاضة ولما رأى الفقيه أنّه عاجز عن جواب مسألته اضطرب وقال ساخطا عليه ، اخرج هذه القاذورات من بيت الله وموّه عليه جهل نفسه ، فلينظر أولياء النّاصب أنّ هذه

__________________

(١) هي من الأمثال المولدة قالها رجل من الشعراء والوافدين لما أعطاه الرشيد العباسي مالا جزيلا فقال بدل ان يشكر للمنعم : وهذا من بركة البرامكة فصارت الكلمة مثلا شايعا سائرا يضرب به في من لم يشكر لمنعمه بل شكر غيره وأسند النعمة اليه وهذه الصفة مذمومة من جهة وغير مذمومة من أخرى كما لا يخفى.

(٢) ونظيره ما يحكى من أنه سأل سائل عن فلسفي متوغل في الحكمة غير عالم بالفقه عن مقدار النزح لو وقع غراب في البئر ومات ، فلما رأى المسئول عنه عجزه عن الجواب الفقهي أجاب لا وقع لسؤالك لان الغراب طائر لا يقع في البئر ، لأنه يضرب به المثل في الحذاقة والكياسة والحذر.


الحيل والتّمويهات أفسد أو ما يصدر (١) من رعاع الحلّة على شاطئ الفرات.

قال المصنّف رفع الله درجته

واما المعتزلة فانّهم حيث جوّزوا صدور الذّنب عنهم لزمهم القول بجواز ذلك أيضا ، واتّفقوا على وقوع الكبائر منهم قبل البعثة كما في قصة إخوة يوسف ، فلينظر العاقل بعين الإنصاف هل يجوز المصير إلى هذه الأقاويل الفاسدة والآراء الرديّة؟ وهل يبقى مكلف ينقاد إلى قبول قول من كان يفعل به الفاحشة طول عمره إلى وقت نبوته وأنه يصفع ويستهزئ به حال النبوّة ، وهل يثبت بقول مثل هذا حجة على الخلق ، واعلم أنّ البحث مع الأشاعرة في هذا الباب ساقط وأنهم إن بحثوا في ذلك فقد استعملوا الفضول لأنّهم يجوّزون تعذيب المكلف على أنه لم يفعل ما أمره الله تعالى به من غير أن يعلم ما أمره به ولا أرسل إليه رسولا البتّة ، بل على امتثال ما أمره به وأنّ جميع القبائح من عنده تعالى وأنّ كلّ ما هو واقع في الوجود فانه من فعله تعالى وهو حسن ، لأن الحسن هو الواقع والقبيح هو الذي لم يقع ، فهذه الصفات المذكورة الخسيسة في النبيّ وأبويه تكون حسنة لوقوعها من الله تعالى ، فأىّ مانع حينئذ من البعثة باعتبارها ، فكيف يمكن للأشاعرة منع كفر النبيّ وهو من الله وكل ما يفعله تعالى فهو حسن ، وكذا أنواع المعاصي وكيف يمكنهم مع هذا المذهب التنزيه للأنبياء ، نعوذ بالله من مذهب يؤدّي إلى تحسين الكفر وتقبيح الايمان وجواز بعثة من اجتمع فيه كلّ الرّذائل والسقطات ، وقد عرفت من هذا أنّ الأشاعرة في هذا الباب قد أنكروا الضروريات انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : استدلال المعتزلة على وقوع الكبائر من الأنبياء قبل البعثة بقصة إخوة يوسف

__________________

(١) ولا يصدر بل هو افتراء محض وسوء الظن بالمسلم.


استدلال قوي ، لأنّ الإجماع واقع (١) على أنّ إخوة يوسف صاروا أنبياء بعد إلقاء يوسف في الجبّ وغيره من الذّنوب التي لا شك أنّها كبائر ، وهذا الرّجل ما تعرّض بجوابه إلا بالفحش والخزعبلة (٢) واللوذعية (٣) كالرّعاع (٤) والأجلاف (٥) السوقيّة ، والمعتزلة يثبتون الوقوع وهو لا يقدر على الدفع ويبحث معهم في الجواز ، وهذا من غرائب أطواره في البحث ، ثم ما ذكر أنّ البحث مع الأشاعرة ساقط لأنّهم يجوّزون تعذيب المكلف وغيره من الطامات ، وقد عرفت فيما سبق جواب كلّ ما ذكر وأن الحسن والقبح شرعيان بمعنى وعقليّان بمعنيين آخرين ، وعلمت أنّ كل ما ذكره ليس بمذهبهم ولا يرد عليهم شيء وأنّهم لا يخالفون ضرورة العقل انتهى.

أقول

دعوى الإجماع ممنوع ، وإنما ذهب من ذهب إلى كونهم أنبياء من تفسيره الاجتباء بالنبوّة في قوله تعالى (٦) : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) ، الآية وليس الاجتباء صريحا ولا ظاهرا في هذا المعنى كما يشعر به قوله تعالى : (وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ) ، فانّ معناه على ما ذكره فخر الدّين الرّازي في تفسيره كما

__________________

(١) العجب من هذا الرجل حيث يدعى أمورا لا يوجد لها مستند تاريخي ولا نقلته النقلة من الفريقين ، وظني أنه كلما عجز عن الجواب عن الاعتراض نسج من عنده حبرا فضلية يريد بها التمويه والاغفال.

(٢) الخز عبلة : المزاح.

(٣) اللوذع واللوذعي الخفيف كما في القاموس.

(٤) الرعاع : سفلة الناس.

(٥) جمع الجلف بالفتح : الأحمق.

(٦) يوسف. الآية ٦.


اجتباك بمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعزّ وكبرياء شأن كذلك يجتبيك لأمور عظام ، قال الزّجاج (١) : الاجتباء مشتقّ من جبيت الشيء إذا أخلصته لنفسك ومنه الماء في الحوض ، وأيضا قال الرازي (٢) واختلفوا في المراد بهذا الاجتباء فقال الحسن : يجتبيك ربك بالنبوّة ، وقال آخرون : المراد به إعلاء الدّرجة وتعظيم المرتبة ، فأمّا تعيين النبوّة فلا دلالة في اللّفظ عليه ، ثم قال : واعلم أنّا لمّا فسرنا هذه الآية بالنبوّة لزم الحكم بأنّ أولاد يعقوب كلّهم كانوا أنبياء ، وذلك لأنه قال : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) ، وهذا يقتضي حصول تمام النعمة لآل يعقوب فلما كان المراد من تمام النعمة هو النبوّة لزم حصولها لآل يعقوب وترك العمل به في حقّ من عدا من أبنائه وجب أن يبقى معمولا به في حقّ أولاده انتهى ، وكلّ ذلك صريح في عدم الإجماع ، وأصرح من ذلك ما في الشفاء للقاضي عياض (٣) حيث قال : وأما قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف منها تعقب (فيها تعتب خ ل) وأما إخوته فلم تثبت نبوّتهم فيلزم الكلام على أفعالهم وذكر الأسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الأنبياء ليس صريحا في كونهم من أهل

__________________

(١) هو العلامة أبو إسحاق ابراهيم بن محمد بن سرى بن سهل البحري من مشاهير أئمة النحو واللغة ، أخذ عنه جماعة ، منهم أبو على الفارسي النحوي اللغوي الشهير ، وللمترجم عدة تصانيف وتآليف ، منها الأمالي ، ولعل ما نقله مولانا القاضي في معنى الاجتباء منقول عنه ، وكتاب الأنواء ، وما ينصرف وما لا ينصرف ومعاني القرآن وشرح أبيات سيبويه والنوادر وغيرها ، توفى يوم الجمعة ١٩ جمادى الثانية سنة ٣١٠ وقيل ٣١١ وقيل ٣١٦ ببغداد في سلطنة المعتضد العباسي ، فراجع الريحانة (ج ٢ ص ١١٧) والبغية للسيوطي ، وشذرات الذهب وابن خلكان وتحفة الالباء وغيرها من معاجم التراجم.

(٢) قد تقدمت ترجمته في (ج ١ ص ١١٠).

(٣) المجلد الثاني (ص ١٥٩ ط الآستانة).


الانباء قال المفسرون يريد من نبئ من أبناء الأسباط (انتهى) وكيف ينعقد الإجماع في ذلك مع اتفاق أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وعلماء شيعتهم على خلاف ذلك وأنهم لم ينالوا عهد النبوة والامامة ، على أنّ الشارح الجديد للتجريد ذكر أنّ كثيرا من المعتزلة ذهبوا إلى نفى الكبائر قبل البعثة أيضا ، فكيف يتأتى بالنظر إليهم دعوى الإجماع على إخوة يوسف ، مع أنّ قولهم فيما حكى الله عنهم في كتابه : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) (١) محض الحسد ، والحسد من امّهات الكبائر ، لا سيّما وقد أقدموا بسبب ذلك الحسد على تضييع ذلك الأخ الصّالح وإلقائه في غيابة الجبّ وذلّ العبودية وتبعيده عن الأب المشفق ، وألقوا أباهم في الحزن الدائم والأسف العظيم ، وأقدموا على الكذب ، فما بقيت خصلة مذمومة ولا طريقة في الشر والفساد إلا وقد أتوا بها ، وكلّ ذلك يقدح في العصمة والنبوّة ، وأما قول الناصب : إن المصنّف ما تعرض بجواب استدلال المعتزلة إلا بالفحش ، فمجاب بأنّ من يكابر ضرورة العقل لا يستحق من الجواب إلا مثل ذلك كما مرّ وأما قوله : والمعتزلة يثبتون الوقوع ففيه أن إثبات وقوع نبوة إخوة يوسف مما دونه خرط القتاد ، لأن هذا الناصب زعم ثبوته بالإجماع وقد أوضحنا بطلانه ، ولنعم ما فعل من جعل الطامات بيانا لما ذهبت إليه الأشاعرة في قوله : ثمّ ما ذكر أنّ البحث مع الأشاعرة ساقط لأنهم يجوزون تعذيب المكلف وغيره من الطامات إلخ فافهم ، وأما ما أحال جوابه إلى ما ذكر فيما سبق فقد دمّرنا عليه نحن فيما سبق فتذكر.

__________________

(١) يوسف. الآية ٨


في مباحث الامامة

قال المصنّف رفع الله درجته

المسألة الخامسة في الامامة (١) وفيها مباحث الاول في أن الامام يجب أن

__________________

(١) اعلم أن الامامة والولاية من المناصب الالهية التي من الله بها سبحانه على عباده وجعلها تالية لمرتبة النبوة ، وقد قامت الأدلة العقلية والشواهد السمعية على اعتبار شروط فيها من العصمة والطهارة والافضلية وغيرها مما سيأتي ذكرها تباعا إن شاء الله تعالى والذي يهمنا في المقام تمهيدا للمرام تقديم امور.

الاول كون مسألة الامامة من اصول الدين لا من فروعها كما يقول به الناصب ويسنده الى الاشاعرة ونتعرض لذلك في التعليقة الثانية.

الثاني التكلم في شئون الامام وكرائمه حسب ما اعتقدته الشيعة الامامية وسنشير اليه أيضا في التعليقة الثالثة.

الثالث وجوب كون الامام منصوبا من قبله تعالى بواسطة النبي ، والأدلة الدالة على اثبات ذلك تذكر في ضمن ثلاث مطالب حسبما يسعها المقام الاول أن الشريعة المقدسة الإسلامية مستمرة إلى يوم القيامة ، حلاله حلال إلى يومها وحرامه حرام كذلك كما شهدت به الأدلة القطعية ، ولا شبهة بين الفريقين أن نبى الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله خاتم الأنبياء وليس بعده نبى من قبله تعالى فعلى ذلك لا بد وأن يكون ذلك الشرع شريعة كاملة مشتملة على جميع ما يبتلى به الناس حسب احتياجاتهم من القوانين والاحكام الشاملة على جميع أفراد المكلفين على نحو القضية الحقيقية طول الأزمان المتتالية والقرون المتمادية إلى يوم القيامة وأن لا يحتاج تكميلها بشريعة أخرى لمكان كمالها وشموخ مقامها وسمو مرتبتها بين الشرائع والأديان وهل نقص فيها كى يفتاق إلى التكميل حاشا ثم حاشا.


__________________

فالإسلام شريعة كاملة كافلة لتعليم المعارف الالهية على مراتبها ودرجاتها التي يمكن للإنسان وصولها ونيلها حتى المرتبة القصوى والدرجة العليا منها التي ينتهى إليها استعداده ويستعد لتلقيها بعد فعلية جميع الكمالات التي جبلت شأنا في فطرته وتعليم أنحاء العبادات والتخضعات الكاملة إلى خالقهم وبارئهم بالجوارح والجوانح التي هي مرقاة الوصول إلى مقامات العبودية ، وتعبية الملكات الفاضلة في نفوسهم وتوليد المحابة والمواصلة فيما بينهم وحسم مادة الظلم والفساد عنهم وإيصالهم إلى التمدن الصحيح والمدينة الفاضلة.

جامعة لجميع ما يحتاج اليه الناس في القرون المتعاقبة إلى يوم القيامة فيما يتفق الابتلاء به طول تلك القرون من تفاصيل الاحكام بالنسبة إلى جميع شئون الاجتماع كتفاصيل أحكام المعاشرة ، وحدود المحاورات والروابط الاجتماعية ، وحقوق الرجال والنسوان ، وحقوق الوالدين والأولاد ، وحقوق الأرحام والجيران ، وحقوق الأطفال والشيوخ ، وحقوق الأكابر والأصاغر ، وحقوق العالم والجاهل والمعلم والمتعلم ، وحقوق الاخلة والاخوان بعضهم على بعض ، وكذا حقوق الحيوانات الاهلية وغيرها على الإنسان واحكام الاطعمة والاشربة وأقسامها من المحرمات والمحللات ، وآدابها ، وأحكام الذبائح والصيود وغيرها. واحكام انواع المعاملات من البيع مما يترتب عليه من الآثار الوضعية والتكليفية وأقسامه من الصرف والسلم والمساومة والمرابحة والرباء وغيرها ، والاجارة والجعالة ، والشركة ، والشفعة ، والوكالة ، والمضاربة ، والمزارعة ، والمساقاة والكفالة ، والضمان ، والحجر ، والدين ، والرهن ، وأحكامها وأقسامها. واحكام انواع الالتزامات ، من الوصايا ، والعطايا ، والنذور ، والأوقاف ، واحكام انواع الانكحة من النكاح الدائم والمتعة والتحليل ، والمحرمات بسببها ، وأحكام العيوب ، والمهور ، والقسم ، وأحكام الأولاد ، والنفقات ، ومن أحكام الطلاق واقسامه ، والعدد والخلع ، والمباراة ، والظهار ، والإيلاء ، واللعان ، وغيرها. واحكام المواريث كتقدير الفرائض وطبقات الوراث وأحكام الحجب والعول والتعصيب وغيرها.

واحكام انواع الأراضي عامرها ومواتها وأحكام المشتركات واللقطات وغيرها ،


__________________

واحكام انواع السياسات مما تتعلق بباب القضاء ، والشهادات ، والاقارير ، والحدود والعقوبات ، والاروش ، والديات ، والاحكام الجارية في روابط المسلمين مع الكفار على اختلاف صنوفهم ومذاهبهم ، وأحكام القتال ، والغنائم ، والحرب والذمة ، وغيرها واحكام انواع الخراجات كالزكوات والأخماس ، والمقاسمات ، وغيرها.

واحكام انواع العبادات كالصلاة ، والصيام ، والحج ، والعمرة وأقسامها وأجزائها ، وشرائطها ، وموانعها ، وقواطعها ، وخللها.

واحكام مقدمات العبادات كمسائل النجاسات ، والطهارات ، الحدثية والخبثية ، واحكام الأموات ، الى غير ذلك من الاحكام التي يحتاج إليها الإنسان حسب اقتضاء الفطرة واستدعاء تكميل المراتب الانسانية إليها.

المطلب الثاني

أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضاقت عليه الفرصة ولم يسعه المجال لتعليم جميع أحكام الدين والمعارف الالهية ، حيث ان مدة رسالته من اول البعثة إلى أن ارتحل الى رضوان الله كانت ثلاثا وعشرين سنة ، وكان اظهار الدعوة من السنة الرابعة بعد البعثة ووقع في السنة التالية لها هجرة الاصحاب إلى الحبشة ، وقد توقف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثماني سنوات بعدها بمكة في ضغطة شديدة من الكفار وإيذائهم له عليه الصلاة والسلام بانحاء الإيذاء ، والمسلمون في شدة التقية والخوف منهم بحيث هاجر إلى المدينة الشريفة وأقام فيها عشر سنوات إلى أن زين الملاء الاعلى وزفت الجنة بميامن قدومه ، وانقضى أكثر أيامه في مدة إقامته بتلك البلدة المقدسة التي انتشر الإسلام منها وقام عموده ، وعلا مناره ، وزكا ناره ، في الحروب والمنازعات مع الكفار ، وقد شهد بنفسه النفيسة غزوة أبواء أو الودان ، وغزوة بواط ، وغزوة ذى العشيرة ، وغزوة بدر الكبرى وغزوة بنى قيقاع ، وغزوة قرقرة الكدر ، وغزوة سويق ، وغزوة غطفان ، وغزوة نجران ، وغزوة أحد ، وغزوة حمراء الأسد ، وغزوة بنى النضير ، وغزوة مريسيع ، وغزوة الخندق ، وغزوة بنى قريظة ، وغزوة دومة الجندل ، وغزوة بنى لحيان ، وغزوة


__________________

ذى قرد ، وغزوة خيبر ، وغزوة فتح مكة ، وغزوة حنين ، وغزوة تبوك ، الى غير ذلك من الحروب التي أرسل إليها البعوث والسرايا.

وقد قدم الاشتغال بالحروب على التمحص ببيان تفاصيل الاحكام لتحكيم أركان الإسلام وتشييد مبانيه وتعميم الدعوة إلى الإسلام لئلا تهدمه الفتن بعده ، وإعلاء كلمة التوحيد ، وقد كان أعظم الأمور بعد الدعوة إلى التوحيد الذي اهتم به رسول الله (ص) هو إلقاء القرآن الذي هو قطب رحى الإسلام وآية صدقه ، ودليل حقانيته ، وهو معجزته الباقية التي تنادى ملل الدنيا إلى عجزهم عن معارضته بقوله تعالى شانه : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (البقرة الآية ٢٣٠) وقوله تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء الآية ٨٨) وبالجملة لم يسعه صلى‌الله‌عليه‌وآله لتعليم تفاصيل الاحكام للناس وبسط المعارف الالهية بينهم بنفسه لا سيما مع عدم كفاية استعداد الناس في زمنه لتلقى جميع ما يحتاج اليه طول قرون متمادية.

المطلب الثالث

أن المنصوب من قبله تبارك وتعالى لا بلاغ الشريعة إلى الناس وحفظها عن التغيير والتحريف بعد النبي تكون السلطنة والزعامة بيده لا محالة ، ولا يسوغ تفويضه تعالى أمر السلطنة والزعامة إلى آراء الناس ، وتجويز أن ينصبوا من اختاروه بآرائهم سلطانا على أنفسهم ، فان ناموس إلقاء الشريعة إلى الناس لا تكون مصونة عن سيطرته وسلطنته وتعرضه لمنع انتشار أحكام الشريعة ، وزجره حجة الله عن القيام بهذا الشأن الخطير ، وإلزامه على الانزواء في زاوية الخمول ، وإخفاء ما أودع عنده من العلم الراسخ المستفاد من المشكاة النبوي ، والتستر بالتقية ، وتحذير المسلمين عن الرجوع اليه في دينهم وأخذ معالمهم ، وربما تقتضي أهوائه الدس في الشريعة ، وتطميع وضاعى الحديث في جعلها عن لسان رسول الله ، واتخاذ الدين لعبة تلعب بها الأيادي المرتزقة منهم ، المتسمة بسمة العلماء ، بل هم الضالون المضلون ، تبعة أهوية آراء الملوك وميول الزعماء على شنشنة الرهبة والقسيسين بالنسبة إلى قياصرة الروم وهراقلة المغرب


__________________

وبالجملة تفويض أمر نصب السلطان إلى آراء الناس يؤدى الى محق الدين وتضييع الشريعة ، وهو مناف لغرض التشريع لمكان الشهوات والأهواء كما مر.

فان قلت المحذور انما يلزم إذا كان تفويض أمر نصب الامام الى آراء الناس كيفما أرادوا من غير اشتراط العدالة في الزعيم ، وأما لو اعتبر في المنصوب للزعامة وصف العدالة لم يصدر منه ما ينا في مصلحة الشرع ، بل يكون مقبلا على ترويج الدين وتسهيل مقدمات نشر الشريعة ويهدى الناس إلى باب حجة الله ، فيكون أمر الدين متقسما بينهما يكون أمر تعليم الشريعة وبيان حقائقها إلى حجة الله القائم بأمره والمنصوب من قبله ؛ ويكون ترويج الدين ومنع المدلسين ودفع من تعرض لتحريف الشريعة ودس الاحكام بيد السلطان العادل المنصوب من قبل الناس. قلت هيهات ثم هيهات فكم من شواهد لم تكن صادقة وأمارات قد تخلفت كيف لا ولا يعلم السرائر والضمائر الا علام الغيوب الواقف عليها ، سلمنا أن من نصبوه اماما وقائدا وجعلوا بيده أمر دينهم ودنيا هم كان عادلا صائنا لنفسه عن الكبائر ، فمن أين الوثوق والاطمينان ببقائه على تلك الحالة ، فكيف يجعل زمام رياسة الدين بيد من لا يعرف أحد كيف يكون منقلب أحواله بعد تقمص الخلافة وتقلد الزعامة ، فربما ينخلع بعد ركوبه لمسند الخلافة وقبضة القدرة عن العدالة وتنقلب حاله إلى ضدها وهتك جلباب التقى ، ولا يؤمن معه على دماء المسلمين واعراضهم وأموالهم من تعديه وتعدى عماله ويقع الدين في معرض الزوال والاضمحلال ، ويحولون عن وصول الناس إلى حجة الله ومن أودع عنده ودائع الدين حذرا عن تمايل الناس الى طاعته ، ويمنعونه عن اظهار ما عنده من العلم حذرا عن الفضيحة وانكشاف قبايح أعمالهم ولا تقدر الرعية على دفعه بعد تحكيمه لمبانى سلطنته وتشديد سلطته وقدرته ، بل تتبعه في الاشتغال بالفسوق والمعاصي فان الناس على دين ملوكهم ، ومن راجع إلى تاريخ الخلفاء يعلم ما ذكرنا بالعين والشهود سيما ماجريات نوادى يزيد والوليد ومروان والمتوكل ، ومما يترتب على احالة أمر السلطنة والخلافة إلى اختيار الناس أن السلطان المنصوب بآرائهم ربما لا يرد أمر زعامة الناس وسلطنتهم بعده إليهم ليختاروا لها من شاءوا بل يستقل في تعيين من أراده للسلطنة والزعامة كما وقع ذلك من اكثر الخلفاء


__________________

بعضهم بعد بعض وتعاطوه يدا بيد بحسب أهوائهم الضالة فالمنصوب من قبل الناس للزعامة والسلطنة وان كان عادلا ولم تنقلب حاله بعد ركوب السلطنة إلى الفسق والفجور لكنه ربما يتبادر إلى نصب نائب له في الخلافة والزعامة بزعم صلوحه لها فينكشف بعد ارتحاله وصيرورته سلطانا على الناس وزعيما لهم خبث باطنه وسوء سريرته أو ينصب من أسر السوء في نفسه وأبطن الخبث في زوايا قلبه واليا وحاكما على بعض النواحي ، فلما اشتد وقوى في سلطته لم يخضع لمن كان حقه الخلافة والزعامة بين الناس بل رفع راية الخلاف وأشعل نار الحرب بين المسلمين حتى تمكن بالقهر والتطميع على سرير الخلافة ونقلها من أهله إلى أسرته حتى توارثوا واحدا بعد واحدا ، وفيهم من استهدف القرآن الشريف بالسهام وهدم بيت الله الحرام ومن استناب لامامة الناس في الصلاة جاريته المعروفة وقس عليه فعلل وتفعلل ، بخلاف المنصوب من قبل الله تعالى من النفوس القدسية التي أودع سبحانه عزوجل فيها القوانين البشرية والملكوتية التي بها يعلم السر المستسر فانه رجل الهى وبشر سماوي لا ينصب من كان مختفيا في انقياد هواه متظاهرا بالعدالة والتقى عند من يتبعه ويتولاه ، فكيف بمن كان معلنا بصنوف الفجور ، وبالجملة ما صدر عن الخلفاء من الظلم والفواحش تجاوز عن حد الإحصاء فما بقي حق الا وقد أضاعوه ، ولا موبقة إلا فعلوها ، أعلنوا على المآذن والمنابر بسب صنو الرسول سيف الله المسلول الذي به قام الدين وكفى في ذلك ما نقله بن الأثير أن معاوية كان إذا قنت سب عليا والحسن والحسين والأشتر ، وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد : لما مات الحسن بن على حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله فقيل له ان هاهنا سعد بن أبى وقاص ولا نراه يرضى بهذا إلخ.

ونقل أبو عثمان الجاحظ عنه في هذا الباب أمورا فراجع إلى كتاب النصائح الكافية للشريف الأجل السيد محمد بن عقيل العلوي الصادقي الحضرمي (ص ٧١ ط بغداد في مطبعة النجاح) ومنهم من هدم دور من جعلت مودتهم أجرا للرسالة وأثاروا الفتنة الكبرى وأوقدوا النار في قلوب المسلمين بصنيعه في الطف وما برز منه من قتل سلالة سيد الأنبياء وسوق حريمه


يكون معصوما (١) ، ذهب الامامية إلى أنّ الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن

__________________

سبايا على أقطاب المطيات تلفح وجوههم حر الهاجرات ، ورفعوا رأس ريحانة الرسول على القناة وهو رأس زهري قمرى طاف به في البلدان والبراري والديارات ، وبالجملة فعلوا ما تقشعر منه الأبدان وتتفتت القلوب والأكباد ، مظالم أبكت عيون الورى حتى اليهود والنصارى ، فكيف بمن انتحل إلى الإسلام. فبالله عليك أيها القاري الكريم هل يسوغ أن تكون أمثال هؤلاء زعيما بين المسلمين متمكنا على عريشة الخلافة فكيف يمكن أن تكون هؤلاء هم المعنيون من اولى الأمر في كلامه جل شأنه الذي قد فرض طاعتهم وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله بقوله عز من قائل : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) هذه إحدى الشواهد والأدلة العقلية الدالة على وجوب كون رئيس الدين وامام المسلمين منصوبا من قبله تعالى ولم نورد غيرها رعاية للاختصار ، أيقظ الله إخواننا عن سنة الغفلة ونومتها آمين آمين.

(١) اعلم ان جميع الوجوه العقلية وغالب الوجوه النقلية التي أقيمت على عصمة النبي حتى الأدلة التي أوردها فخر الدين الرازي في الأربعين للاستدلال على ما ذهب اليه من العصمة تدل بعينها على عصمة الامام أيضا وقد اقام أصحابنا لاشتراط العصمة في الامام عدة من الأدلة غير ما افاده المصنّف ونحن لا نذكر منها هاهنا الا وجهين.

أحدهما قوله تعالى في (سورة النساء الآية ٥٩) (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) ، قد أوجب الله فيها طاعته وطاعة رسوله وطاعة اولى الأمر ، وهذا يدل على عصمة اولى الأمر فان غير المعصوم ربما يأمر بما يخالف الشرع وليس المراد من وجوب طاعة اولى الأمر طاعتهم فيما امر الله به بل مطلقا فانه يستغنى عن إيجاب طاعتهم بإيجاب طاعة الله وبالجملة كيف يلائم الأمر المطلق بطاعة اولى الأمر الواقعين في معرض مخالفة الشرع وتفويض امر الدين إليهم مع غرض حفظ ناموس الشرع وهل يكون خطر أعظم عليه من ذلك.


جميع القبائح والفواحش من الصّغر إلى الموت عمدا وسهوا ، لأنهم حفظة الشرع والقوامون به ، حالهم في ذلك كحال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولأنّ الحاجة إلى الامام إنما هي للانتصاف من المظلوم عن الظالم ورفع الفساد وحسم مادّة الفتن ، وأنّ الامام لطف يمنع القاهر من التّعدّي ويحمل النّاس على فعل الطاعات واجتناب المحرّمات ويقيم الحدود والفرائض ويؤاخذ الفسّاق ويعزّر من يستحق التعزير ، فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر وتسلسل ، وخالفت السنة في ذلك وذهبوا إلى جواز إمامة الفساق والعصاة والسّراق كما قال الزّمخشري (١) وهو من أفضل علمائهم : لا كالدوانيقى المتلصّص يشير به إلى

__________________

قال فخر الدين الرازي في تفسيره (ج ١٠ ص ١٤٤ ، الطبع الجديد بمصر) : ان الله تعالى امر بطاعة اولى الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن امر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وان يكون معصوما عن الخطأ إذ لو لم يكن معصوما عن الخطأ يكون قد امر الله بمتابعته فيكون ذلك امرا بفعل ذلك الخطأ والخطأ لكونه خطأ منهى عنه فهذا يفضى الى اجتماع الأمر والنهى في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وانه محال فثبت ان الله تعالى امر بطاعة اولى الأمر على سبيل الجزم وثبت ان كل من امر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب ان يكون معصوما عن الخطاء فثبت قطعا ان اولى الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وان يكون معصوما انتهى.

والثاني قوله تعالى في (سورة البقرة. الآية ١٢٤) : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). فانه لا إشكال في ان المعصية كبيرة كانت او صغيرة ظلم بلا إشكال وان كان يعفو الله عن الصغائر بعد ارتكابها الا انها مبغوضة منهية عنها والا لم تكن معصية اصلا وقد قال تعالى شأنه في (سورة البقرة : الآية ٢٢٩) (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء.


المنصور (١) ، فأى عاقل يرتضى (يرضى خ ل) لنفسه الانقياد الدّيني والتقرب إلى الله بامتثال أوامر من كان يفسّقونه طول وقته وهو غائض في القيادة وأنواع الفواحش ويعرض عن المطيعين المبالغين في الزّهد والعبادة ، وقد أنكر الله تعالى بقوله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢) فالأشاعرة لا يتمشى هذا على قواعدهم حيث جوّزوا صدور القبائح عنه تعالى ، ومن جملتها الكذب فجاز الكذب في هذا القول تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، واما الباقون فانّهم جوّزوا تقديم المفضول على الفاضل فلا يتمشى هذا الإنكار على قولهم أيضا فقد ظهر أنّ الفريقين خالفوا الكتاب العزيز انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : اعلم أنّ مبحث الامامة عند الأشاعرة ليس من اصول (٣) الدّيانات والعقائد،

__________________

(١) هو أبو جعفر عبد الله المنصور العباسي ابن محمد بن على بن عبد الله بن العباس عم النبي (ص) ، ولد سنة ٩٥ وهو الذي مصر بغداد ، وله حكايات وأقاصيص فراجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٦ طبع الهند.

(٢) الزمر. الآية ٩.

(٣) اصول الدين هي التي يبتنى عليها الدين ، واصول دين الإسلام على قسمين قسم منها ما يترتب عليه جريان حكم المسلم في الفقهيات ، وهو الشهادة بالوحدانية والشهادة بالرسالة وقسم منها يتوقف عليه النجاة الأخروي فقط ، والتخلص عن عذاب الله والفوز برضوانه والدخول في الجنة ، فيحرم دخولها على من لم يعترف به ويساق إلى النار في زمرة الكفار دون العاصين والمرتكبين للذنب في الفروع ، فإنهم لا يحرم عليهم الجنة وان دخلوا النار ووقعوا في العذاب بل يعود مآل أمرهم إلى النجاة ان ارتحلوا عن هذه الدنيا بالعقائد الصحيحة وهذا القسم من الأصول يسمى أيضا بأصول الايمان ومن القسم الثاني الاعتقاد بالامامة


__________________

والاعتراف بالإمام ، فان الامامة مرتبة تالية للنبوة ونسبتها إلى النبوة نسبة العلة المبقية الى العلة المحدثة وقد وافقنا على كونها من الأصول جمع من المخالفين كالقاضي البيضاوي في مبحث الاخبار وجمع من شارحي كلامه ، ونحن نذكر له من الشواهد والأدلة وجوها منها الاخبار الدالة على ارتداد جماعة ورهط من الصحابة والامة بعد ارتحال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الكفر ، ومن المعلوم : أنه لم يصدر بعد ارتحال النبي من الصحابة ما يصلح أن يكون موجبا للارتداد إلى الكفر ولم يعدلوا عن الشهادة بالوحدانية والنبوة غير أنهم أنكروا الامامة ومن تلك الاخبار أحاديث الحوض التي ذكرت في كتب القوم بأسانيد عديدة صحيحة ومتون صريحة ، فمن جملتها ما رواه البخاري في صحيحه (ج ٨ ص ١٢٠) بسنده عن أبى هريرة أنه كان يحدث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يرد على يوم القيامة رهط من أصحابى فيحلئون عن الحوض فأقول يا رب أصحابى ، فيقول ، انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (انتهى) وبسنده عن ابن المسيب أنه كان يحدث عن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : يرد على الحوض رجال من أصحابى فيحلئون (فيجلون خ ل) عنه ، فأقول يا رب أصحابى فيقول : انك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ، وبسند آخر عن أبى هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم ، فقلت أين؟ قال إلى النار والله ، قلت وما شأنهم ، قال انهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم.

وبسنده عن أسماء بنت أبى بكر ، قال قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انى على الحوض حتى أنظر من يرد على منكم وسيؤخذ ناس دوني ، فأقول يا رب منى ومن أمتي ، فيقال هل شعرت ما عملوا بعدك ، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم فكان ابن أبى مليكة إلخ وفي صحيح مسلم (ج ٧ ص ٦٦) بسنده عن عمرو بن العاص قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء وماؤه أبيض من الورق وريحه أطيب من


__________________

المسك وكيزانه كنجوم السماء ، فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا ، قال وقالت أسماء بنت أبى بكر قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انى على الحوض حتى أنظر من يرد على منكم وسيؤخذ أناس دوني فأقول يا رب منى ومن أمتي ، فيقال أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم ، قال فكان ابن أبى مليكة يقول اللهم انا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا.

وبسنده عن عائشة تقول سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه : انى على الحوض انتظر من يرد على منكم ، فو الله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن أى رب منى ومن أمتي ، فيقول : انك لا تدرى ما أحدثوا بعدك ما زالوا يرجعون على أعقابهم ويؤيد ذلك ما عن كتاب المواهب لمحمد بن جرير الطبري الشافعي عن أبى علقمة عن سعد بن عبادة قال أبو علقمة : قلت لابن عبادة : وقد مال الناس إلى بيعة أبى بكر ألا تدخل ما دخل فيه المسلمون ، قال إليك منى فو الله لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : إذا أنا متّ تضل الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم فالحق يومئذ مع على وكتاب الله بيده ولا تبايع أحدا غيره.

ومنها قوله تعالى شأنه العزيز (١٤٤ : آل عمران) (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) توضيحه : أن همزة الاستفهام في الآية لم تستعمل لداعي الاستفهام الحقيقي لامتناعه في حقه تعالى شأنه لاستلزامه الجهل ، فلا بد أن تكون لغيره من دواعي إنشاء الاستفهام ، وهي كما في المغني لابن هشام ، والمغني لابن فلاح اليمنى ، والكليات لأبي البقاء ثمانية ، الاول التسوية ، وهي إذا وقعت بعد كلمة سواء وما في معناها نحو (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ) ، ومن الواضح أن الهمزة في الآية ليست منها ، الثاني الإنكار التوبيخي وهي بهذا المعنى تقتضي أن ما بعدها واقع وأن فاعلها ملوم نحو (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ، الثالث الإنكار الابطالى وبهذا المعنى تقتضي أن ما بعدها غير واقع ، ولم تذكر الهمزة فيها بهذا الداعي لكونه مقتضيا لعدم انقلابهم عن الدين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مدح مع أن الآية في مقام الذم دون المدح ، الرابع


__________________

التقرير ومعناه حملك المخاطب على الإقرار والاعتراف ، ولم تذكر الهمزة في الآية بهذا الداعي ايضا لعدم وقوع موت النبي أو قتله وانقلاب القوم على أدبارهم حين نزول الآية حتى يراد بها حمل القوم على الاعتراف والإقرار على انقلابهم على أدبارهم أو عدمه ، الخامس التهكم والاستهزاء نحو أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ، ولا يليق هذا المعنى لشأنه تعالى عنه علوا كبيرا ، السادس الأمر نحو أأسلمتم أى أسلموا ، ومن البديهي أن الله تعالى لا يأمر بالانقلاب والارتداد ، السابع التعجب نحو ألم تر إلى ربك كيف مد الظل والتعجب لا يكون الا عن أمر محقق في موطنه ، الثامن الاستبطاء وهو طلب البطوء والعجلة نحوا ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم ، ومن المعلوم أن الله تعالى لا يأمر بالبدار الى الانقلاب عن الدين فتعين كون الاستفهام في الآية بداعي الإنكار التوبيخي على التعيين أو هو والتعجب على الترديد وكلاهما يقتضى تحقق ما بعدها.

ومنها قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) المائدة : الآية ٣)» دل على نقص الدين بدون الولاية وحصول كماله بها ، وحيث نزلت في غدير خم بعد تبليغ رسول الله لولاية امير المؤمنين إلى الناس ، وقد رواه جم غفير من العامة كما سيجيء عند تعرض المصنّف لذكرها.

ومنها قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة : الآية ٦٧) ، حيث نزلت في غدير خم لتبليغ ولاية امير المؤمنين علي عليه‌السلام وقد دلت الآية على أن تبليغ الولاية كان في الاهمية بمثابة لو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تركه لكان في قوة تركه لأمر الرسالة كما اعترف به الامام الرازي في تفسيره (ج ١٢ ص ٤٩ ط مصر) ، فدلت على ان الدين غير حاصل بدون الولاية دل على نقص الدين بدون الولاية وحصول كماله بها.

ومنها الروايات الدالة على أن نفى الامامة يستلزم الكفر ، فمن تلك الروايات ما رواه في مجمع الزوائد (ج ٥ ص ٢١٨) عن معاوية قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مات بغير امام مات ميتة جاهلية ، وفي رواية من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.


__________________

وما رواه في (ج ٥ ص ٢٢٣) عن عامر بن ربيعة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مات وليس عليه طاعة مات ميتة جاهلية ،

وما رواه في (ج ٥ ص ٢٢٤) عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من مات وليس عليه امام فميتته ميتة جاهلية ، وما رواه في (ج ٥ ص ٣٢٥) بسند آخر عن معاوية بن ابى سفيان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من مات وليس عليه امام مات ميتة جاهلية.

ومنها الاخبار الدالة على اناطة الايمان بحب آل محمد والكفر ببغضهم ، للملازمة بين حبهم الحقيقي والاعتراف بحقهم ، فمن تلك الاخبار ما رواه في كنز العمال (ج ٦ ص ١٥٤) عن ابن عباس و (ج ٦ ص ١٥٥) عن ابن عمر : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعلى يوم المواخاة : أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبى بعدي ، ألا من أحبك حق (حف خ ل) بالأمن والايمان ومن أبغضك أماته الله ميتة الجاهلية ، ومن تلك الاخبار ما رواه في كنز العمال أيضا (ج ٧ ص ١٠٣) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أساس الإسلام حبى وحب أهل بيتي ، ومن ذلك ما رواه في تفسير الزمخشرىّ (ج ٣ ص ٤٠٣ ط مصر) في ذيل قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الا من مات على حب آل محمد مات شهيدا الا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ، ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ، الا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الايمان ، الا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، الا ومن مات على حب آل محمد يزف الى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، الا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، الا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، الا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، الا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ، الا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا ، الا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة.


__________________

ومنها ما دل على السؤال في القبر عن ولاية على بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهي كثيرة (فمنها) على ما نقله آية الله العلامه فيما سيجيء ما رواه الحافظ محمد بن موسى الشيرازي من علماء الجمهور في قوله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) بإسناده إلى السدى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ان ولاية على يتساءلون عنها في قبورهم فلا يبقى في مشرق ولا مغرب ولا بر ولا بحر الا ومنكر ونكير يسألانه عن ولاية امير المؤمنين عليه‌السلام بعد الموت يقولون للميت : من ربك وما دينك ومن نبيك ومن امامك.

ومنها ما دل على انه لا يجوز عن الصراط يوم القيامة الا من كانت معه براءة بولاية على عليه‌السلام (فمنها) ما رواه في ينابيع المودة عن المناقب عن ثمامة عن عبد الله بن انس عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم لم يجز عنه الا من كانت معه براءة بولاية على بن أبي طالب (ع) ، وذلك قوله تعالى : (قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) عن ولاية على.

(ومنها) ما رواه (ج ١ ص ٨٤ ط بيروت) عن موفق بن احمد عن ابن مسعود من طريقين وعن ابن عباس من طريق ، وايضا عن المغازلي عن ابن عباس من طريقين وعن ابى سعيد من طريق وعن انس من طريق ،

(ومنها) ما نقل عن ميزان الاعتدال بترجمة ابراهيم بن عبد الله الصاعدي عن ذى النون عن مالك الحديث.

وقد ذكره السيوطي في اللئالى المصنوعة (ص ١٢٥ ج ١ طبع الهند) نقلا عن الحاكم بسنده عن على عليه‌السلام وذكر له طريقا آخر ونسبه إلى ابى على الحداد في معجمه ومنها الروايات الدالة على ان الجنة لا يدخلها الا من جاء بجواز من على.

(فمنها) ما رواه الخوارزمي عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): على يوم القيامة على الحوض لا يدخل الجنة الا من جاء بجواز من على (وعنه) قال : قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم لم يجز عليه الا من معه براءة من على عليه‌السلام.


بل هي عند الأشاعرة من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلفين ، والامامة (١) عند الاشاعرة

__________________

ومنها ما دل على أن الأنبياء السابقين بعثوا على شهادة ان لا آله الا الله وعلى الإقرار بنبوة محمد (ص) والولاية لعلى بن أبي طالب (ع) فإنها تدل على كون بعثة نبى الإسلام عليها بطريق اولى.

(فمنها) ما ذكره شيخنا العلامه المصنّف قدس‌سره في منهاج الكرامة نقلا عن ابن عبد الله عن ابى نعيم وعن جماعة أخرى عن الثعلبي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله (ص) أتاني ملك فقال يا محمد واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا قلت على ما بعثوا؟ قال على ولايتك وولاية على بن أبي طالب.

(ومنها) ما في ينابيع المودة في الباب الخامس عشر (ج ١ ص ٨٠ طبع بيروت) عن ابى نعيم والحموينى وموفق بن احمد والحافظ بأسانيدهم عن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص) لما عرج بى الى السماء انتهى بى السير مع جبرئيل الى السماء الرابعة فرأيت بيتا من ياقوت احمر فقال جبرئيل هذا البيت المعمور قم يا محمد فصل اليه ، قال النبي (ص) جمع الله النبيين فصفوا ورائي صفا فصليت بهم فلما سلمت أتاني آت من عند ربى فقال يا محمد ربك يقرئك السّلام ويقول سل الرسل على ما أرسلتهم من قبلك ، فقلت معاشر الرسل : على ما بعثكم ربكم قبلي؟ فقالت الرسل على نبوتك وولاية على بن أبي طالب وهو قوله تعالى (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) الآية.

وقال في الينابيع في الصفحة المذكورة رواه ايضا الديلمي عن ابن عباس رضى الله عنهما

(١) واما عند الشيعة فهي منصب الهى حائز لجميع الشئون الكريمة والفضائل الا النبوة وما يلازم تلك المرتبة السامية ، فالإمام حجة من قبل الله تعالى على الامة وواسطة بينهم وبين النبي في إلقاء تفاصيل الاحكام وتعليم المعارف الربانية وتفاسير القرآن الكريم وارقاء الناس الى مدارج العبودية درجة بعد درجة ، وإيصالهم الى مراتب العلم والفضيلة مرتبة بعد مرتبة ، مظهر بشراشر وجوده للعبودية والطاعة ، يكون ما يصدر


__________________

عنه من الأفعال والأقوال والتقارير سندا وتبيانا لأحكام الشرع ومقياسا وميزانا لحدود الدين ، آية رحمانية مؤيدة من عند الله بالكرامات والمعاجز وصنوف الخوارق ، وكل ذلك باذنه سبحانه ، ملجأ الناس في مهامهم الاخروية والدنيوية يهتدون بهداه ويستضيئون بنوره ، كيف وهو الرحمة الموصولة والآية المخزونة والامانة المحفوظة والباب المبتلى به الناس ، راع للامة يتصدى لتدبير أمورهم وانتظام معايشهم يحكم بينهم بالعدل يجرى الحدود ، يكون عزا للمؤمنين وذلا للكافرين ، خصما للظالمين وعونا للمظلومين ، حافظا لبيت المال باذلا له في مصارفه المقررة الشرعية ممتنعا عن صرف حبة منه في سبيل الأهواء والميول قائم بنشر الإسلام والدعوة اليه بالقول والعمل ، علم بين الامة تجسم فيه العلم والتقوى والفضيلة ، فهو بكل وجوده وتمام هويته يسوق الرعية الى مدارج الفضل والتقى ، ويدعوهم الى دار السّلام سوقا تقتضيه الفطرة فان الطبائع مجبولة على اتباع قائدها وسائقها في الأفعال والآداب ، وهو يدعو ملل الدنيا بأبلغ دعوة وأوفى بيان الى حقانية الإسلام والدين الذي يدان به الله عزوجل ، وكم فرقا بين الدعوة بالفعل والعمل وبين الدعوة بالقول واللسان ، وبالجملة الامام المنصوب من قبل الباري تعالى شأنه العزيز ذو صفات فاضلة وكرائم شريفة.

شريف النسب كريم الحسب منهاج الهدى والمحجة البيضاء والطريقة الوسطى ، مقتدى الورى ، ومصباح الدجى ، وعلم التقى وصاحب الحجى وكهف الورى ، ووارث الأنبياء والمثل الاعلى ، والدعوة الحسنى ، وحجة الله على أهل الآخرة والاولى ، محل معرفة الله ومسكن بركته ، ومعدن حكمته وحافظ سره ، وحامل كتابه والدليل على مرضاته ، المستقر في أمره والمخلص في توحيده ، عبده المكرم الذي لا يسبقه بالقول ويعمل بأمره ، أهل الذكر وعيبة العلم ، جرثومة الفضل الذي كان يسئل عنه في المعاضل ولا يسئل عن غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الصراط الواضح والنجم اللائح والقوام بأمر الله الذي اصطفاه بعلمه وارتضاه لغيبه ، واختاره لسره واجتباه بقدرته ، أعزه بهديه وخصه ببرهانه ، انتجبه لنوره ، وأيده بروحه ، رضيه خليفة في ارضه ، وجلله بكرامته ، غشاه برحمته ورباه بنعمته غذاه بحكمته ، وألبسه نوره ، رفعه في ملكوته ، حفظه بملائكته ، وجعله ناصرا لدينه و


__________________

حافظا لسره وخازنا لعلمه ، مستودعا لحكمته وترجمانا لوحيه ، منارا في بلاده ، دليلا على صراطه ، ومفزعا لمظلوم عباده ، ناصرا لمن لا يجد ناصرا ، مشيدا لاعلام الدين ، يشعب الصدع ويرتق الفتق ، ويميت الجور ويظهر العدل ، يقتل جبابرة الكفر وعمده ودعائمه ، ويقصم رؤس الضلالة ، يعظم جلال الله ويكبر شأنه ، يمجد كرمه ويديم ذكره ، يؤكد ميثاقه ويحكم عقد طاعته ، وينصح له في السرو العلانية ويدعو الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويبذل نفسه في مرضاته. ويصبر على ما أصابه في جنبه ، يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويجاهد في الله حق جهاده حتى يعلن دعوته ويبين فرائضه ويقيم حدوده وينشر شرايع أحكامه ، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال والخلال ، سعد والله من والاه واتخذه مولاه ، وخاب من اعرض عنه وعاداه ، خسرت صفقة عبد أعرض عنه ونأى بجانبه ، شقى من آثر واختار غيره عليه ، ضل وأضل من تجمل وتبغل ومن حزب الأحزاب والجموع وصف الصفوف بصفين والأنبار ومن قسط ونكث ومرق ، ومن كانت كمية علمه بالقرآن الشريف بحيث لم يعرف معنى لفظي الكلالة والأب ، ومن رام حد المجنونة والزانية الحامل ، ومن كان مبلغ بلاغته وذوقه قوله (تمرة خير من جرادة) ، ومن كانت فظاظته وقساوته في حد دفن بناته في الجاهلية وهن أحياء ، فأنشدك بالله العلى العظيم وبحق الرسول الأكرم أيها الأخ المسلم المتمسك بالكتاب والسنة هل يجوز لدى العقل الذي أودعه الباري سبحانه متابعة هؤلاء واتخاذهم أئمة ونبذ من اجتمعت فيه تلك الكرائم الفاضلة ، وحتى متى الرقود والى متى التقليد على عمياء ، اللهم تعلم انه قد تمت الحجة عليهم وبانت المحجة ، فمن اهتدى فلنفسه ومن عمى فعليها ، وليت شعري ما عذر مسلم متمسك بالإسلام في تركه التأمل والفحص والتنقيب حتى يتبين له الحق ، ولا يؤخر من قدمه النقل والعقل ، فلنختم الكلام بأبيات لشاعر اهل البيت حسان العراق ، نابغة الأدب الشيخ محمد الكاظم الازرى وتخميسها للشيخ جابر الكاظمي حشرهما الله مع ساداتهما الأمجاد ، حتى يكون الختام مسكيا

كم له في العلى مقام على

وفخار من كل فضل ملي


__________________

حيث فيه قد جاء نص جلى

لا فتى في الوجود الا على

ذاك شخص بمثله الله باها

ممكن غير ممكن بعيان

وصفه في بديع كل بيان

ان من كل عنه كل لسان

لا ترم وصفه ففيه معان

لم يصفها الا الذي سواها

هو خدن العلى وللعلم مأوى

كل فضل عنه مدى الدهر يروى

مذ سواه العلياء لم تر كفوا

ألفته بكر العلى فهي تهوى

حسن أخلاقه كما يهواها

ذاك للمصطفى الحبيب حبيب

وعلى شرعه القويم رقيب

ولسقم الدين الحنيف طبيب

عائد للمؤملين مجيب

سامع ما تسر من نجواها

ملكا النشأتين دنيا وأخرى

ملاء العالمين يمنا ويسرى

فهما راحتا الفيوضات طرا

وهما مقلتا العوالم يسرا

ها على وأحمد يمناها

ما له في العلا سواه مماثل

وأخ ناصر له في الزلازل

وابن عم في الخطب للروح باذل

من غدى منجدا له في حصار

الشعب إذ جد من قريش جفاها

قد رأى صورة الهدى من رآه

وأتى باب العلم من قد أتاه

من عن الغيب قد أماط غطاه

كم عرى مشكل فحل عراه

ليس للمشكلات الا فتاها

آية كل منحة تحتويها

آية كل مدحة لا تفيها

آية قد سمت علا بذويها

آية جاءت الولاية فيها

لثلاث يعدو الهدى من عداها


هي خلافة الرّسول في إقامة الدّين وحفظ حوزة الملّة بحيث يجب اتّباعه على كافة الأمّة وشروط الامام الذي هو أهل للامامة ومستحقّها أن يكون مجتهدا في الأصول والفروع ليقوم بأمر الدّين ذا رأي وبصارة بتدبير الحرب وترتيب الجيوش ، شجاعا قوى القلب ليقوى على الذّب من الحوزة ، عدلا لئلا يجور ، فانّ الفاسق ربّما يصرف الأموال في أغراض نفسه ، والعدل عندنا من لم يباشر الكبائر ولم يصرّ على الصّغائر ، عاقلا ليصلح للتصرّفات الشرعيّة بالغا لقصور عقل الصّبي ذكرا إذ النّساء ناقصات العقل والدّين حرا قرشيا فمن جمع هذه الصفات فهو أهل للامامة والزّعامة الكبرى ، واما العصمة فقد شرطها الشيعة الاماميّة والاسماعيليّة ، واستدلّ عليها هذا الرّجل بأنّ الحاجة إلى الامام بالأمور المذكورة ، ولو جازت المعصية عليه وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد ، ونقول : ما ذا يريد من العصمة؟ ان أراد وجوب الاجتناب في جميع أحواله عن الصّغائر والكبائر فلا نسلّم لزوم ذلك ، لأنّ صدور بعض الصغائر المعفوّ عنها مع اجتنابه عن الكبائر لا يوجب أن لا يكون منتصفا من الظالم للمظلوم ، وباقي الأمور المذكورة ، وان أراد وجود ملكة مانعة من الفجور فنحن أيضا نقول بهذه العصمة ووجوبها للإمام ، لأنّا شرطنا أن يكون عدلا والعدل من له ملكة العصمة المانعة من الفجور ، وصدور بعض الصغائر عنه في بعض الأوقات لا يبطل ملكة العصمة لأنّ الملكة كيفية راسخة في النفس متى يراد صدور الفعل عنه صدر بلا مشقّة وروية وكلفة ، وصدور خلاف مقتضى الملكة لا ينفى وجود الملكة لعوارض لا يخلو الإنسان عنها كصاحب الملكة الخلقية من العفّة والشّجاعة قد يعرض له ما يعرضه إلى إصدار خلاف الملكة ، ومع ذلك لا تزول عنه الملكة ، فالعصمة بمعنى الملكة حاصلة للمجتنب عن الكبائر المصر في تركها وإن صدر عنه نادرا بعض الصغائر ، فاندفع هذا الاشكال ولم يلزم التسلسل كما ذكره ، وأما ما قال : إنّ أهل السّنة خالفوا ذلك وذهبوا إلى جواز إمامة السّراق والفساق


فأنت تعلم أنّ هذا من مفترياته ، لأنّ كتب أهل السنّة مشحونة بالقول بوجوب عدالة الأئمة (١) ، فالفاسق كيف يجوز عندهم أن يكون إماما والحال أنّه ضد العدل فعلم انه مفتر كذاب ونعم ما قلت فيه شعر :

إذا ما رأى طيبا في الكلام

بقاذورة الكذب قد دنّسه

يخلط بالطهر أنجاسه

فابن المطهر ما أنجسه

والباقي من الكلام قد علمت أجوبته غير مرّة انتهى.

أقول

فيه نظر من وجوه اما أولا فلأنّ ما ذكره من أنّ مبحث الامامة عند الأشاعرة ليس من اصول الدّيانات بل من الفروع المتعلّقة بأفعال المكلفين إلخ دليل على عدم ديانتهم أو عدم اطلاعهم على حقائق اصول الدّين ، فانّ إنكارهم لأصالته مكابرة مردودة بما ذكره المصنّف : من أنّ الأئمّة حفظة الشرع والقوّامون به ، حالهم كحال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم ولقوّة هذا الدّليل أغمض عنه النّاصب ولم يتعرّض له بل تعرّض لما ذكره المصنّف بعد ذلك بقوله : ولأنّ الحاجة إلى الامام إلخ حيث قال : واستدلّ عليه هذا الرّجل بأن الحاجة إلى الامام إلخ فافهم ، ومن العجب أنّهم بالغوا في فرعيّة هذه المسألة حتّى قالوا : لا يجب البحث عنها ولا طلب الحقّ فيها بل يكفي فيها التقليد ، ولهذا لا يكفر مخالفها بل لا يفسق في ظاهر أقوالهم ، وإنّما التزموا ذلك لتحصل الغفلة عمّا اقترحوه من ثبوت الامامة بالاختيار دون النّص والاعتبار ، ولئلا يحصل الظفر بفساد ما انتحله خلفائهم من حقوق الأئمّة الأعلام واختلقوه (٢) من الأحاديث التي

__________________

(١) الا انهم وسعوا وتصرفوا في معنى العدالة التي هي من الكيفيات النفسانية الشريفة الفاضلة بحيث سوغوا الاقتداء بكل بر وفاجر ، وقبول الشهادة وإسماع الطلاق كذلك ، فراجع كلماتهم حتى تطمئن بصدق ما نقلناه من أقوالهم وشاهدناه من أفعالهم.

(٢) الاختلاق : في الاصطلاح الوضع والجعل.


أسندوها (١) إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم ، ثمّ ناقضوا ذلك وصرّحوا بأنّ حقوق النبوّة من حماية بيضة الإسلام وحفظ الشّرع ونصب الألوية والأعلام في جهاد الكفّار والبغاة والانتصاف للمظلوم وإنفاذ المعروف وإزالة المنكر وغير ذلك من توابع منصب النبوّة ثابتة للامامة ، لأنّها خلافة عنها ، ولقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٢) وهو الامام بالاتّفاق ، فيجب معرفته أصالة لا من باب المقدمة ولما رووه في كتبهم كالحميدي في الجمع بين الصحيحين (٣) من أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم قال من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة ، وهو نصّ صريح في أنّ الامامة من الأصول للعلم الضروريّ بأنّ الجاهل بشيء من الفروع وإن كان واجبا لا تكون ميتته ميتة جاهليّة ، إذ لا يقدح ذلك في إسلامه ، وليس المراد من إمام زمانه القرآن المجيد كما زعموا وإلا لكان تعلّمه واجبا على الأعيان ، ولان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم أضاف الامام إلى الزّمان وفيه دليل على اختصاص أهل كلّ زمان بإمام يجب عليهم معرفته ومع القول بأنّه القرآن أو بعضه كالفاتحة لا يبقى لهذا التخصيص فائدة أصلا ، سيّما على مذهب الحنفي الذي لا يوجب تعلّم القرآن ولا الفاتحة ولا بعضا آخر منه ، بل يحكمون بكفاية أن يقال (٤) بالفارسية (دو برك سبز) كما هو المشهور بين الجمهور

__________________

(١) فقد تحقق من ذلك أن الامامة خلافة عن النبوة وقائمة مقامها ، وإذا كان كذلك كان كل ما استدللنا به على وجوب النبوة في حكمة الله تعالى فهو بعينه دال على وجوب الامامة في حكمته أيضا ، لأنها سادة مسدها قائمة مقامها لا فرق بينها وبينها الا في تلقى الوحى الإلهي بلا واسطة بشر ، وكذا الكلام في الشرائط ، وسيأتي تحقيق الكلام فيها إن شاء الله تعالى.

(٢) النساء. الآية ٩٥.

(٣) رواه في كنز العمال (ج ١ ص ١٨٦ ط حيدرآباد).

(٤) كما يدل عليه ما نقله السرخسي عن أبي حنيفة في المبسوط (ج ١ ص ٣٧ ط مصر).


فلا يكون هذا التأويل مطابقا لمقتضى الحديث قطعا بل قد صرح القاضي البيضاوي في مبحث الأخبار من كتاب المنهاج وجمع من شارحي كلامه بأنّ مسألة الامامة من أعظم مسائل اصول الدّين الذي مخالفته توجب الكفر والبدعة ، وقال الاسروشنى (١) من الحنفيّة في كتابه المشهور بينهم بالفصول الاسروشني بتكفير من لا يقول بامامة أبي بكر ، بل هم يناقضون ذلك بفعلهم أيضا حيث يتصدّون لقتل (٢) من ظنّ أنّ

__________________

وكذا ما في كتاب الفتاوى العالمگيرية (ج ١ ص ٦٤ طبع الآستانة) وكذا ما فيه أيضا في (ص ٦٥) وغيرها من كتبهم ، ومن الموارد التي صرح فيها بما ذكره مولانا القاضي من قضية (دو برك سبز) كتاب حيوة الحيوان للفاضل الدميري في مسألة مناظرة الحنفية مع الشافعية بحضرة السلطان فراجع.

(١) هو العلامة أبو الفتح مجد الدين محمد بن محمود بن حسين الحنفي المتوفى سنة ٦٣٢ أخذ عن أبيه وعن أستاذ أبيه صاحب الهداية وعن السيد ناصر الدين القتيل وغيرهما ، وله تصانيف وتآليف ، منها كتاب الفصول في الفقه وغيره والاسروشنى بالفتح ثم السكون وضم الراء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة ونون مكسورة قال ياقوت في المعجم (ج ١ ص ١٧٦ طبع بيروت) ان الأعرف أن بعد الهمزة شينا معجمة انتهى وكذا ضبطه السمعاني فراجعه ، وراجع الى الفوائد البهية لعبد الحي الهندي (ص ٢٠٠ طبع مصر) وكثيرا تزاد التاء المثناة الفوقانية بعد السين ويقال استروشنى وهو وهم وزلل فلا تغفل

(٢) ويكفى في ذلك أن تراجع الى كتب التراجم فتراها مشحونة بالشهداء من علماء الشيعة ولله در العلامة المجاهد الآية الأميني دامت بركاته في تأليفه كتاب شهداء الفضيلة وعليك بالنظر فيه فتجد أن المذكورين فيه هم علماء الشيعة الذين قتلوا في سبيل التشيع ومنهم الشيخان السعيدان الشهيدان الاول والثاني ومنهم مولانا الشريف القاضي مصنف الكتاب وممن قتل في هذا الشان جدي العلامة السيد أبو المجد الحسيني المرعشي وقد أشرنا في المقدمة أنه قتلته أكراد الشافعية باشارة من علمائهم وقد أضفنا على الكتاب أسامي عدة من الشهداء بعنوان الاستدراك فلاحظ.


أبا بكر ليس بإمام أو قال أنا أعتقد أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام خليفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم بلا واسطة لظنّ أدّاني إليه أو تقليد لبعض المجتهدين ، وبالجملة لو كانت هذه المسألة من الفروع لكفي فيها ظنّ المجتهد أو تقليد الغير ، فلا يكون سبيل إلى تخطئة المجتهد الذي ظنّ أو قال شيئا ممّا تقدّم فضلا عن قتله والحال أنّ فتواهم بل فعلهم بخلاف ذلك هذا ، واستدل (١) في المواقف وشرحه على أنّها من الفروع بأنّ نصب الامام واجب على الامّة سمعا لوجهين الاول أنّه تواتر اجماع المسلمين في الصدر الأوّل بعد وفات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم على امتناع خلوّ الوقت (٢) عن إمام حتّى قال أبو بكر ألا إنّ محمّدا قد مات ولا بدّ لهذا الدّين ممّن يقوم به فبادر الكلّ إلى قبوله وتركوا أهمّ الأشياء وهو دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم والصّلاة عليه والتعزية لأهل البيت عليهم‌السلام وتسليتهم ، ولم يزل الناس بعد الخلفاء على ذلك في كلّ عصر إلى زماننا هذا من نصب إمام متّبع ، الثاني أنّ فيه دفع ضرر مظنون وأنّه واجب إجماعا ، وبيانه أنّا علمنا علما يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع إنّما هو مصالح عائدة إلى الخلق معاشا ومعادا انتهى ، وأقول : فيه وجوه من الخلل وصنوف من الزّلل ، أمّا في استدلاله على ذلك بأن نصب الامام واجب على الامّة إلخ ، فلانّه مصادرة على المطلوب لأنّ وجوب النصب على الامة متفرع على كونها من الفروع مع أن الوجوب السمعي

__________________

(١) شرح المواقف (ج ٢ ص ٤٦٤ ط مصر).

(٢) وذلك لا يتم الا بإمام من قبل الشارع يرجعون اليه فيما يعن لهم ، فإنهم مع اختلاف الأهواء وتشتت الآراء وما بينهم من الشحناء قل ما ينقاد بعضهم لبعض ، فيقضى ذلك الى التنازع والتواثب وانما يؤدى الى هلاكهم جميعا وتشهد له التجربة والفتن القائمة عند موت الولاة الى نصب آخر بحيث لو تمادى لعطلت المعاش وصار كل أحد مشغولا بحفظ ماله ونفسه تحت قائم سيفه ، وذلك يودى الى رفع الدين وهلاك جميع المسلمين. كذا في المواقف.


منحصر في الكتاب والسّنة والإجماع ، والكلّ مفقود هاهنا باعتراف الخصم كما سيظهر لك قريبا ، وأيضا وجوب نصبه على الامّة يقتضي أنّهم إذا لم يتّفقوا لم يحصل انعقاد الامامة ، بل يجب إعادة النّظر مرّة بعد أخرى ، وقد لا يثمر شيئا من ذلك اتفاقهم لاختلاف الآراء غالبا وهو يبطل تعليقها على رأى الامّة وإلا لزم تعذّر نصب الامام أو جواز عمل كلّ فريق برأيه فيكون منصوب كلّ فريق إماما عليهم خاصّة وهو خلاف المطلوب ، واما قوله : تواتر إجماع المسلمين على امتناع خلوّ الوقت عن إمام إلخ فلأنّ امتناع خلوّ الزّمان (الوقت خ ل) عن الامام أعمّ من أن يكون منصوبا من الله ورسوله أو من قبل الامّة ، ولا دلالة للعامّ على الخاص ، فلا يستلزم المطلوب مع أنّ الإجماع المذكور حجّة عليهم ، لأنّا نجد كثيرا من الزّمان خاليا عن إمام جامع للشرائط المعتبرة عندهم وهي القرشيّة عندهم بالاتفاق ، والعدالة والاجتهاد على الخلاف ، والقول بوجوده في ناحية غير معلومة مكابرة ، واما قوله : فبادر الكلّ ، فلأنّ هذا الكلّ كان بعضا من الكلّ باتّفاق الكلّ فلا يكون حجّة على الكل عند الكل ، ولأنّه يحتمل أن تكون المبادرة للتفحص عن إمام منصوب من الله تعالى ورسوله ، واما قوله : وتركوا أهمّ الأشياء فلأنّ الذي ترك الامام ودفن الرّسول كان جائرا جاهلا زنديقا (١) لا عالما عادلا صديقا ، فليس ذلك مستلزما للمطلوب لقيام الاحتمال المذكور ، والشيعة يستدلون بفعلهم الشّنيع هذا على عصيانهم بل عدم ايمانهم واختيارهم الدّنيا على الآخرة وذلك لأنّهم يذكرون حديثا وهو أنّه من صلّى علىّ مغفور غفر له ذنوبه (٢) فلو كانوا مصدّقين بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أعرضوا عن هذه السعادة الكبرى والمغفرة العظمى مع أنّ المصلحة والمشورة في امور الدّين والدّنيا ما يفوت بيوم أو يومين ، فلو كان لهم ايمان ومروّة لصبروا للصّلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتعزية لأهل البيت عليهم‌السلام وإدخالهم في المشورة ، إذ النزاع كان معهم

__________________

(١) الزندقة الكفر باطنا مع التظاهر بالايمان.

(٢) رواه في مجمع الزوائد (ج ١٠ ص ١٦٠ ط مصر).


ولذلك قال عليّ عليه‌السلام كيف الشورى والمشيرون غيّب (١) وليت شعري كيف صار ذلك واجبا فوريّا مع أنّه حين أراد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم أن يكتب في مرضه كتابا في هذا الباب منع منه عمرو قال : (٢) حسبنا كتاب الله كما سيجيء ، واما قوله ولم يزل النّاس إلخ

__________________

(١) وقال في خطبة له ع في نهج البلاغة (ص ٢٥٠ ط القديم بطهران): ولعمري لئن كانت الامامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس ما الى ذلك سبيل ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد ان يرجع ولا للغائب أن يختار ، وقال ايضا في النهج (ص ٥٦١ ط القديم بطهران) في كلماته القصار في الحكم والآثار :

فان كنت بالشورى ملكت أمورهم

فكيف بهذا والمشيرون غيب

(٢) ذكر في صحيح البخاري (الجزء الاول ص ٣٠ ط الاميرية بمصر) وفي صحيح مسلم (الجزء الخامس ص ٧٦ ط الصبيح بمصر) وفي مجمع الزوائد (الجزء التاسع ص ٣٦ ط مصر) وفيه رواية عن عمر بن الخطاب غير ما رواه صاحب الصحيحين ، وفي حياة النبي (ج ٣ ص ٣٣٩ مخطوط) محمد بن سعد في الطبقات (ج ٤ باب مرض النبي) عن ابن عباس ، فقال عمر : ان رسول الله قد غلبه الوجع : حسبنا كتاب الله ، وفي رواية عن جابر بعد ذكر ما رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فكان في البيت لغط وكلام وتكلم عمر بن الخطاب فرفضه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي رواية عن عمر بن الخطاب ان النسوة قلن اعطوا رسول الله بحاجته ، قال : عمر قلت : اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن اعينكن وإذا صح أخذتن بعنقه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هن خير منكم (انتهى ما في الطبقات على سبيل التلخيص) الى آخر ما نقل.

وروى الخطيب الكازروني في كتاب مولد النبي (باب مرض النبي مخطوط) فقال عمر : ان رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله.

وقال الحلبي في السيرة (ج ٣ ص ٣٨٢ ط مصر) باب مرض النبي : ما لفظه فقال بعضهم وهو سيدنا عمر ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلّم قد غلبه الوجع وعندكم القرآن.


فلأنّه مكابرة وخلافه ظاهر لا يخفى على أحد ، واما قوله : لأنّ فيه دفع ضرر فلأنّ في نصب الامام بعد النبيّ وخلفه ضرر مظنون بل مجزوم به ، وكذا بعد ذلك في بعض الأوقات : واما قوله : لأنّا نعلم إلخ فلأنّ هذا القول مع عدم دلالته على المقصود اعتراف منه بأنّ أفعال الله تعالى معلّلة بالأغراض لعدم الفرق بين المقصود والغرض ، والقول بأنّ مقصوده أو غرضه جلّ جلاله لا يكون باعثا على فعله مكابرة

__________________

وروى احمد في المسند (ج ١ ص ٣٢٥ الطبع المصري القديم) بهذا المضمون وروى سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (ص ٩٨ ط النجف الأشرف) عن أبي حامد الغزالي في كتاب سر العالمين : أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل وفاته بيسير : أعطوني بدوات وبياض لأكتب لكم كتابا لا تختلفون فيه بعدي ، فقال عمر : دع الرجل انه ليهجر وفي شرح المواقف (ج ٢ ص ٤٧٩ ط مصر) قال عمر ان النبي قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله.

ويظهر من المناقب المرتضوية للمولى محمد صالح الترمذي الكشفى الحنفي من مشاهير علماء القوم في القرون المتأخرة : أن صدور تلك المقالة من الثاني في مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبمحضره من المسلمات لديهم وانه تجاسر بقوله : ان هذا الرجل اشتد وجعه حسبنا كتاب الله ، وقال الترمذي بعد نقل هذه القضية : انها مما اتفق عليه ، والكتاب فارسي مشهور طبع مرات بالهند.

وفي كتاب مدارج النبوة للمحدث الشهير المولوى شاه عبد العزيز الدهلوي الهندي (ص ٥٣٢ طبع كان پور) وقد نقل ما هو صريح في ذلك.

ونص على ذلك المولى شمس الدين الهروي في كتاب السيرة (ص ٣٩ طبع بمبئى) وكذا في صحيح البخاري (ج ١ ص ٣٠ الطبع الجديد بمصر)

وفي صحيح مسلم (ج ٥ ص ٧٦ الطبع الجديد بمصر)

وفي مجمع الزوائد (ج ٩ ص ٣٤ طبع مصر) عدة روايات غير ما في الصحيحين فراجع


صريحة كما لا يخفى ، وقد تحقق بما فصّلناه أنّ الامامة خلافة عن النّبوة قائمة مقامها كما أشار إليه المصنّف ، فإذا كان كذلك فكلّ ما استدللنا به على وجوب النبوّة في حكمة الله تعالى فهو بعينه دالّ على وجوب الامامة في حكمته أيضا ، لأنّها سادة مسدّها لا فرق بينها وبينها إلا في تلقي الوحى الإلهي بلا واسطة ، وكذا الكلام في الشرائط المعتبرة عندنا ، واما ما ذكره الناصب من اشتراط الاجتهاد فمردود بأنّ رتبة الامام أجل وأعلى من ذلك كما أنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك لما سيجيء في مباحث اصول الفقه من الأدلة الدّالة على ذلك : ومنها أنّ الاجتهاد قد يخطئ ووقوع الخطاء من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندنا كان محالا لثبوت عصمته كما مرّ ، فكذا الامام القائم مقامه كما سبق ، ولأنّ الامام وإن لم يكن مؤيّدا بالوحي لكنّه متمكّن من الإلهام ومطالعة اللوح المحفوظ كما يدلّ عليه كلام الشّيخ (١) ابن حجر العسقلاني في شرح ما رواه البخاري من حديث اعتراض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الحسن عليه‌السلام أيام رضاعه عند وضع بعض تمرات الصّدقة في فمه بقوله : كخ كخ (٢) أما تعلم أن الصدقة حرام علينا ، فانّ الشيخ المذكور أجاب عن قول من استبعد اعتراض النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم على الحسن في حال رضاعه وعدم كونه مكلفا بعدم استواء حال الحسن عليه‌السلام وحال غيره ، لأنّ الحسن عليه‌السلام في تلك الحال كان يطالع اللّوح المحفوظ ، على أنّه لو بنى على كفاية اشتراط الاجتهاد في الامام فربّما لزم إفحامه ، لأنّه يقول له المكلف : لا يجب علىّ اتباعك حتّى أعرف أن ما تقوله صواب غير ناش عن حال غلبة القوّة الشهويّة ولا أعرفه إلّا بقولك وقولك ليس بحجّة دائما بل حال غلبة القوّة العقلية المساوقة للعصمة ، ولا أعرف أنّ هذه الحال هي تلك الحال فينقطع الامام ، لا يقال : لم لا يجوز

__________________

(١) قد مرت ترجمته في أوائل هذا الجزء فليراجع.

(٢) رواه أيضا في البيان والتعريف (ج ٢ ص ١٣٩ ط مصر) عن الصحيحين ولكن بدل اما تعلم اما شعرت وروى البخاري نظير ذلك فراجع ثم كلمة كخ اسم فعل بمعنى (الق)


معرفة صحّة قوله بكونه مجتهدا ، سلمنا لكن لم لا يجب قبول قوله كقبول قول المفتي فانّه يجب على المقلّد قبول قوله دائما وإن لم يكن معصوما ، لأنا نقول : أمّا مدّعي الاجتهاد فيلزم إفحامه أيضا لأنّه إذا ألزمه (١) المكلّف له أن يقول : إنّي اجتهدت فادّى اجتهادي إلى عدم وجوب قبول قولك في هذه الحالة فينقطع ، وأما وجوب قبول قوله كالمفتي فهو باطل لوجوه ، منها : أن قبول قول المفتي إنّما هو على العامي المحض الذي لا يتمكّن من معرفة الصّواب عن الخطاء بالاجتهاد ، أما من يتمكّن فلا يجب عليه قبول اجتهاد آخر (٢) ، ومنها ما هو مذكور في كتاب الألفين (٣) للمصنّف قدس‌سره فليرجع إليه من أراد زيادة الإفادة ، وأمّا اشتراطهم للبصارة بتدبير الحروب فهي من لوازم اشتراط العصمة ، إذا المعصوم مؤيّد ضرورة بالعقل والبصارة في ضروريّات الدّين وكذا الشجاعة ، ولعلّ النّاصب لما رأى أنّ دعوى الشجاعة المقرونة بصدور الآثار للثلاثة الذين فرّوا مرارا (٤) وذهبوا (٥) عريضا في غزوات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما سيجيء مشكلة أردفها بقوله : قوي القلب ليكون

__________________

(١) هذا مبنى على أن يكون المجتهد مجتهدا مطلقا ، والمكلف المناظر معه مجتهدا متجزيا.

(٢) هذه المقدمة مذكورة في الرسالة التي عملها فخر الدين الرازي لبيان تفضيل مذهب الشافعي على غيره من المذاهب.

(٣) فراجع الألفين (ص ٤٩ طبع طهران سنة ١٢٩٦) وسماه بالالفين لاحتوائه على الفى دليل في امامة مولانا على عليه‌السلام وبطلان خلافة غيره.

(٤) فراجع مجمع الزوائد (ج ٢ ص ١ ـ ١٥٠ ط مصر) وشرح المواقف (ج ٢ ص ٤٧٥ ط مصر) وحياة محمد (ص ٢٩١) وتاريخ الطبري في غزوة احد (ج ٢).

(٥) إشارة الى ما سيجيء من خطابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعثمان حيث فر من الغزوة قد ذهبت (عريضا) وهو بفتح العين بمعنى طويلا.


مهربا له عند اعتراض أحد عليه في دعوى الشّجاعة لهم ، بأن يقول له على طريقة الرّجم بالغيب والرّمي في الظلام : إنّ قوّة القلب التي هي منشأ الشّجاعة أمر غيبي لا يعلمه إلا الله كانت حاصلة فيهم وإن لم يظهر فيهم لوازمها وآثارها ، وفيه ما فيه ، وأما العدالة فقد أغنى الامام ما اشترطنا فيه من العصمة عن اشتراط التي دونها في المرتبة فلا يخفى ما في استدلاله على اشتراط العدالة وعدم الجور بقوله : فانّ الفاسق ربّما يصرف الأموال في أغراض نفسه ، فانّه أخصّ من المدّعى كما لا يخفى ، واما اشتراط الحرية فهو ممّا لا كلام فيه ، وأما القرشية فليس بشرط لكنّه قد اتّفق كون أئمّتنا المعصومين الاثني عشر عليهم‌السلام من قريش من بني هاشم ثمّ من بني عبد المطلب ثمّ من آل النبيّ صلوات الله عليه وآله ، واما ثانيا فلأن قوله : واستدلّ عليه هذا الرّجل بأنّ الحاجة إلى الامام إلى آخر ما ذكره من الإيراد والتّرديد مردود أولا بأنّ ما أتى به من منع اللزوم منع للمدعى المستدلّ عليه ، فيكون خارجا عن قانون المناظرة ، وثانيا أنّا نختار أوّلا الشق الأوّل ونقول : إنّ المنع الذي ذكره بقوله لا نسلّم لزوم ذلك اما منع لوجوب الاجتناب عن الصغائر كما يدلّ عليه قوله : لأنّ صدور بعض الصغائر إلخ او منع لوجوب الاجتناب في جميع الأحوال أيضا ، والثاني ظاهر البطلان ، إذ من الأحوال حال الكهولة والشيخوخة والسّفر والحضر وحال القعود والقيام وحال كونه راكبا أو راجلا إلى غير ذلك ، ومن البين أنّ عدم انتصافه للمظلوم عن الظالم في بعض هذه الأحوال يخلّ بفائدة إمامته وكذا الأوّل ، لأنّ الكلام ليس في صدور الصغائر وفي إيجاب ذلك عدم الانتصاف عن الظالم للمظلوم بل في جواز صدور الصغائر والكبائر عنه واستلزام ذلك جواز أن يخطأ ولا ينتصف فيحتاج إلى إمام آخر وهكذا فيلزم التسلسل والحاصل أنّ الغرض من نصب الامام أن يبعّد المكلّفين عن الخطأ والعصيان ويقرّبهم إلى الطاعة والرّضوان ، فلو كان هو أيضا جائز الخطأ لاحتاج إلى إمام آخر ، وذلك


الآخر أيضا لو لم يكن معصوما لاحتاج إلى ثالث وهكذا فلو لم يكن في شيء من المراتب إمام معصوم يلزم التسلسل ، وقد شابه هذا الدّليل دليل وجوب انتهاء الممكنات إلى الواجب تعالى دفعا للتّسلسل كما لا يخفى هذا ، وربما يكابر المخالف ويقول : ليس الغرض من الامام ما ذكرتم من التبعيد والتقريب ، بل الغرض منه حفظ أهل الإسلام وترتيب أمورهم على وجه النّظام حتّى لا ينتهي إلى الفتنة والفساد واختلال أحوال العباد ، وفي كلام النّاصب إشعار بهذا أيضا ، ودفعه ظاهر لأنّ نظام الأمور على الوجه المخالف للشريعة ليس بمطلوب للشارع ، فيجب أن يكون الامام معصوما وإلا لما كان نظام الأمور مع وجوده على الوجه الشّرعي ولا أقلّ من جهة معصيته فيحتاج إلى آخر يحصل منه الانتظام الشّرعي ويتسلسل ، وثالثا أنّا نختار الشقّ الثّاني ونقول : إنّ أكثر ما ذكره من أحكام الملكة باطل مخترع من عند نفسه سيّما ما ذكره بقوله : وصدور بعض الصغائر عنه في بعض الأوقات لا يبطل ملكة العصمة فانّه دعوى كاذبة باطلة ، وما استدلّ عليه بقوله : لأنّ الملكة كيفيّة راسخة في النّفس متى يراد صدور الفعل إلخ أكذب منه ، وإنّما المذكور في الكتب المتداولة في تعريف الملكة ما أخذ فيه قيد الدّوام والضبط قال العلامة الدواني (١) في رسالته الفارسيّة المشهورة المعمولة في تحقيق معنى العدالة ما هذه عبارته : وچون نفس متمرّن بملكات ثلاث حكمت وعفّت وشجاعت گردد بر وجهى كه على الدّوام أفعال بر قانونى مضبوط ونهجى مقرّر از او صدور يابد بى تجشم رويّتى جديد وسعى مستأنف آن ملكه عدالت باشد» انتهى ، وقد عرّف ابن الحاجب (٢) في مختصره وغيره في غيره العدالة بأنّها كيفيّة راسخة تبعث المتّصف بها على ملازمة التّقوى والمروّة ، والرّسوخ والملازمة يقتضيان الدّوام وعدم التخلّف كما لا يخفى ،

__________________

(١) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ٤٠ وج ٢ ص ١١)

(٢) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ١٧٠)


وهل يقول عاقل : إنّ الكتابة إذا صارت ملكة لا ينافيها وقوع الغلط فيها بعد ذلك؟ بل الذي نقله هذا الناصب سابقا في شرح مسألة عصمة الأنبياء من تعريف الأشاعرة وهو أن لا يخلق الله فيهم ذنبا يقتضي الدّوام واللّزوم أيضا ، بل ما نقله من تعريف الحكماء ثمّة يستدعي ذلك أيضا ، فما ذكره من أنّ صدور خلاف مقتضى الملكة لا ينفي وجود الملكة مقدّمة فاسدة مخالفة للعقل والنّقل ، نعم يمكن وقوع خلاف ملكة العدالة ظاهرا لعارض كالجبر بأن أوجر (١) الخمر في حلق صاحب تلك الملكة أو كوجوب الكذب لانقاذ النبيّ الذي قصده الأعداء فانّ ارتكاب الكذب هاهنا إنّما هو لكونه أقل القبيحين وقد قال الشارع عليه‌السلام : من ابتلى ببليّتين فليختر أيسرهما وحيث لا مخالفة للشّرع حقيقة في هاتين الصّورتين وما يحذو حذوها فلا يكون الإتيان بهما قادحا في ملكة العدالة ، ومن هذا الباب ما يصدر في حال التقيّة كما لا يخفى ، واما ثالثا فلأنّ إنكاره لما نسبه المصنّف إلى أصحابه من تجويزهم إمامة الفسّاق والسرّاق حيلة لا تفي بإصلاح ما أفسده أسلافه ، فقد قال الأسفرايني الشافعي (٢) في كتاب الجنايات من الينابيع : وتنعقد الامامة ببيعة أهل الحلّ والعقد من العلماء والرّؤساء ووجوه النّاس الذين يتيسّر حضورهم الموصوفين بصفات الشهود كامامة (٣)

__________________

(١) يقال : أوجره ايجارا إذا جعل الوجور في فيه والوجور : الدواء وكل ما يكرهه الشخص

(٢) قد مرت ترجمته ج ١ ص ١٠١ فراجع.

(٣) فبالله عليك أيها المنصف هل لم يكن في المدينة من اهل الحل والعقد الا نفر قليل وهم الذين اجتمعوا في السقيفة كلا ثم كلا أو لم يكن هناك عباس عم النبي وأولاده وعقيل وأولاده وبنو الحارث بن عبد المطلب وبنو مخزوم وغيرهم من كبراء بنى هاشم سادات الحرم وسائر الأكابر من المهاجرين والأنصار من أهلهما؟ ا ولم يكن حضورهم متيسرا؟ او لم يكونوا متصفين بصفات الشهود؟ وعليه فكيف تم أمر الامامة في حق أبي بكر ، وهل كان الا بالتمسك بلطائف الحيل في اذهاب حق من كان ثابت الحق الذي يدور معه حيثما دار؟


الصدّيق واستخلاف من قبله ولو لبعضهم كامامة (١) الفاروق وبجعله الشّورى كامامة (٢) عثمان وبقبول المولى من عهد المولى إلى موته بالقهر والاستيلاء ولو فاسقا أو جاهلا أو عجميا انتهى ، وقال شارح العقائد النسفيّة (٣) : إنّه لا ينعزل الامام بالفسق والجور (٤) لأنّه قد ظهر الفسق وانتشر الجور من الأئمّة والأمراء بعد الخلفاء ، والسّلف كانوا

__________________

(١) فيا معاشر العقلاء أنصفوا في الحكومة ؛ فلو كان أمر الخلافة شورى بين المسلمين فما معنى استخلاف شخص لشخص ، فهل هذا الا التهافت والتحكم الجدير بالتهكم واعتقادي المصيب الذي يوافقه كل لبيب منقب في استخراج علل القضايا أن المستخلف بالكسر أراد مكافئة المستخلف بالفتح على بيعته إياه فالأمر من باب (اطعم تطعم) فما جواب إخواننا أهل السنة والجماعة عند الله تعالى يوم فصل الخطاب في الغميضة عن هذه الشئون.

(٢) لو كانت الخلافة بالشورى فلم اختصت بست نفرات مع الشرط بمتابعة العدة التي أحدها عبد الرحمن بن عوف أولم يكن في المدينة من أهل الحل والعقد غيرهم أولم يكن الوصول الى غيرهم متيسرا ولا نرى على مبناهم حقا للخليفة أن يفعل كذلك ويجعل كبار الصحابة وسادات المسلمين ممنوعين من الدخول في هذه الجلسة الشورية ، واعتقادي في مسألة جعل الشورى بين الستة مع ذاك الشرط أن الثاني كان واقفا على بغض ابن عوف لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان مقصده ومقصوده حرمانه ع عن الخلافة وهذا ظاهر لمن سبر وغار في السير وأحوال الصحابة.

(٣) هو المحقق التفتازاني وقد مرت ترجمته (ج ١ ص ١٤٢).

(٤) وقال صاحب الكتاب المسمى بفصل الخطاب من الحنفية «ونزديك ما حكم سلطان جائر همچو سلطان عادل بود وطاعت وى هر چه نه در معصيت بود بايد داشتن واز پس وى بايد نماز گزاردن وخروج بر وى روا نبود» منه «قده».


ينقادون لهم ويقيمون الجمع (١) والأعياد بإذنهم انتهى ، وقال شارح الوقاية (٢) في فقه الحنفيّة لا يحدّ الامام حدّ الشرب ، لأنّه نائب من الله تعالى انتهى ، وإنّما تكلّفوا هذه الخرافات ليتيسّر لهم حفظ صحّة إمامة معاوية ويزيد وأمثالهم ، ومن قال منهم : إنّ الامام يشترط أن يكون من أهل العدالة فالظاهر أنّه شرط استحساني عنده لا شرط لازم (٣) كما قال في المطول (٤) : إنّ اعتقاد التنافي في شرط حسن قصر القلب ، وقال (٥) عليه الصّلاة والسّلام لا صلاة إلا بحضور القلب أي لا كمال

__________________

(١) الجمع : جمع الجمعة والمراد بها صلاة الجمعة.

(٢) الوقاية في فقه الحنفية لبرهان الشريعة محمود بن صدر الشريعة الاول الحنفي البخاري وشرحه جماعة وأشهر شروحها شرح المولى يوسف بن الحسين الكرماستى المتوفى سنة ٩٠٠ ثم شرح صدر الشريعة الثاني عبيد الله بن مسعود المتوفى سنة ٧٥٠ قال الفاضل الجلبى في الكشف : انه أشهر شروحه والمنسبق الى الأذهان.

(٣) والا لزم التناقض وكيف يقولون بذلك مع أن الامامة تحصل عندهم بالبيعة ، وقد وقعت البيعة على معاوية ويزيد وأضرابهما أكثر من المتقدمين من تيم وعدى. منه «قده»

(٤) في المختصر (ص ٨١ ط الجديد بطهران) (وفي المطول طبع عبد الرحيم ص ٦١٥).

(٥) وروى الحافظ السيوطي في الجامع الصغير (ج ١ ص ٤٨١ ط مصر) ما يشتمل على مضمونه ، وروى الغزالي في الاحياء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ان العبد ليصلى الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها وانما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها.

وفي كتاب عين العلم وزين الحلم لمحمد بن عثمان بن عمر البلخي (ص ٤٩ طبع بمبئى في مطبعة الدت پرشاد) (حديث) لا ينظر الله الى صلاة لا يحضر الرجل فيها قلبه مع بدنه وقال المولى على القاري في توضيحه اى لا ينظر نظر قبول ورحمه وعناية.

وقال البلخي في الكتاب المذكور (ص ٤٩) أيضا ما لفظه.

(حديث) ان العبد ليصلى الصلاة وانما يكتب ما عقل منها انتهى.


إلا بها فتدّبر ، واما ما قاله نظما فمقابل بما قلت ارتجالا شعر :

إذا ما رأى فاضلا في الأنام

بفضلة فيه لقد دنّسه

يلوث المطهّر بما فضله

فضول اصفهاني ما انجسه

قال المصنف رفع الله درجته

المبحث الثاني في أنّ الامام يجب أن يكون أفضل من الرعيّة ، اتّفقت الامامية (١) على ذلك وخالف فيه الجمهور فجوّزوا تقديم المفضول على الفاضل ، وخالفوا مقتضى العقل(٢)

__________________

(١) وكذا الزيدية وأبو عذبة من الماتريدية.

(٢) قد بينا في التعاليق السابقة شئون الامام والمراد منه ودلالة العقل على وجوب نصبه من قبل الله تعالى وكون الاعتقاد به من اصول الإسلام ، فيكون تصدى الناس لنصب امام آخر قياما في قباله تعالى شأنه العزيز ، فلا تصل النوبة الى وجوه الترجيح في انتخاب الامام ومع ذلك تعرض المصنف للبحث فيه مما شاة لهم فذكر مخالفة الاشاعرة لمقتضى حكم العقل بعدم جواز تقديم المفضول على الفاضل وتوضيحه أن جهات الفضيلة تنحصر في قسمين أحدهما الفضائل الناشئة من المولد كالحسب والشرف والنسب وثانيهما الفضائل الشخصية الغير المنوطة بالمولد وجامعها ما يحصل به ارتقاء النفس الى مدارج الكمال فمنه ما يحصل للنفس بلا واسطة الجوارح ومدخلية الاعمال الصادرة عنها فيه ومنه ما يحصل للنفس من ناحية الاعمال الصادرة عن الجوارح والأعضاء ، ولا يحصل الكمال العملي الحاصل من ناحية العمل الا بأمور الاول القوة الورعية الشديدة الباعثة للنفس الى طاعة الله والملزمة لها عليها الثاني الشجاعة المانعة عن تأثير أهواء النفوس الأخر في ردعه عن ملازمة التقوى والطاعة الثالث العلم بالمعارف الحقة والاحكام الشرعية كلياتها وتفاصيلها ودقائقها الرابع العلم بكيفية تطبيقها على الخارجيات من المعرفة بجزئيات الأمور لتتشخص موضوعات الاحكام عنده والا لا يكون عاملا بالحق بمجرد العلم بالكبريات بل يتوقف على العلم بالصغريات لتترتب عليهما فعلية تلك الكليات


ونصّ الكتاب ، فانّ العقل يقبح تعظيم المفضول وإهانة الفاضل ورفع مرتبة المفضول وخفض مرتبة الفاضل ، والقرآن نصّ على إنكار ذلك فقال تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١) وقال الله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢) وكيف ينقاد الأعلم الأزهد الأشرف حسبا ونسبا للأدون في ذلك كلّه انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : المراد من كون الامام أفضل من الرّعيّة إن كان كونه أحسب وأنسب وأشرف وأعرف وأعفّ وأشجع وأعلم فلا يلزم وجوبه عقلا كما ادّعاه على تقدير القول بالوجوب العقليّ ، لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الامامة على حفظ الحوزة والعلم بالرئاسة

__________________

وتعينها وتحققها في الخارج ، إذا عرفت ذلك فنقول : الامام انما يكون افضل من غيره إذا كان حائزا للفضائل المولدية والكمالات النفسانية والعملية المتوقفة على كونه عالما بالدين والمعارف الحقة والحقائق الالهية والاحكام الشرعية ، عارفا بالمصالح الواقعية وباهمها ومهمها وما يحفها من المفاسد ورجحان أية مصلحة على أية مفسدة واى مفسدة على اى مصلحة ، ويكون له من الورع الشديد والتقوى الأكيد ما يحجزه عن الاقدام على خلاف مصلحة من المصالح الشرعية ويلزمه على العمل بجميع ما تقتضيه على دقائقها ، ومن قوة النفس والشجاعة ما لا يهاب معها في سلوك طريق الحق عن الناس ولو تظاهروا عليه بأجمعهم ومن هذه حاله يكون اعلم وأقدر وأعمل بأمور الدين ونشره وترويجه واجراء أحكامه ونصب القضاة والحكام والولاة واعرف بمواقعها وكيفية العمل بها من المعرفة بأحوال الاشخاص وكيفية إنفاذ المصالح الشرعية فيهم فيكون ترجيح الغير عليه مخالفا لبديهة العقل.

(١) يونس. الآية ٣٥.

(٢) الزمر. الآية ٩.


وطريق التعيّش مع الرعيّة بحيث لا يكون فظّا غليظا (١) منفرا ولا سهلا ضعيفا يستولي عليه الرّعية (٢) ، ويكون حامي الذمار ويكفيه من العلم ما يشترط القوم من الاجتهاد ، وكذا الشجاعة والقرشية في الحسب والنسب ، وإن وجد في رعيّته من كان في هذه الخصال أتمّ ولا يكون مثله في حفظ الحوزة فالذي يكون أعلم بتدبير حفظ الحوزة فالعقل يحكم بأنّه هو الأولى بالامامة ، وكثير من المفضولين يكونون أصلح للامامة من الفاضلين ، إذ المعتبر في ولاية كلّ أمر والقيام به معرفة مصالحه ومفاسده وقوّة القيام بلوازمه ، وربّ مفضول في علمه وعمله وهو بالزّعامة والرياسة أعرف وبشرائطها أقوم وعلى تحمّل اعبائها أقدر ، وان أراد بالأفضل أن يكون أكثر ثوابا عند الله فهذا أمر يحصل له الشرف والسعادة ولا تعلّق له بالزعامة والرئاسة وان أراد بالأفضل الأصلح للامامة لكونه أعلم بحفظ الحوزة وتدبير المملكة فلا شكّ أنّه أولى ، ولا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون ، بل الأولى والأنسب تقديم هذا إذا لم يسبق له عقد بيعة ، فان سبق وكان في تغييره مظنّة فتنة فلا يجوز التغيير ، هذا جواب ما استدلّ به على هذا المطلب من لزوم القبح العقلي مع أنّا غير قائلين به ، واما ما استدلّ به من الآية فهو يدلّ على عدم استواء العالم والجاهل

__________________

(١) وفي الصواعق (ص ٨٧ ط عبد الوهاب بمصر) روايات ناصة على كون الثاني فظّا غليظا ، وكذا يظهر من الناصب تسلم هذا المعنى فراجع كلماته في الكتاب (ص ٢٢٨ الطبع القديم بطهران) مضافا الى ما مر في المجلد الاول من كتابنا هذا (ص ٥٣) فقد نقلنا هناك عن شرح ابن ابى الحديد وصحيح البخاري ، وعلى ما ذكره الناصب هنا كيف يكون الثاني جديرا بالخلافة.

(٢) ويكفى في ضعف الثالث ما شوهد من سلطة بنى أمية عليه وتمكنهم من رقاب المسلمين حتى آل الأمر الى حصاره وقتله في الدار وصيرورته هدفا للملام ، فمن كان رشده وقوة قلبه وحزمه بهذه المثابة كيف يكون جديرا لزعامة الدين وخلافة سيد المرسلين.


وعدم استواء الهادي والمضلّ والمهتدي والضالّ (١) وهذا أمر مسلّم ، فذلك الفاضل الذي لم يصر إماما وصار المفضول إماما يترجح على المفضول بالعلم والشرف ، ولكنّ المفضول إذا كان أحفظ لمصالح الحوزة وأصلح للامامة فهو أحقّ بالامامة ، والفاضل على فضله وشرفه ولا محذور في هذا ، ومن الاشاعرة من فصّل في هذه المسألة وقال : نصب الأفضل إن أثار فتنة لم يجب كما إذا فرض أنّ العسكر والرّعايا لا ينقادون للفاضل بل للمفضول وإلا وجب انتهى.

أقول

مراد المصنّف قدس‌سره أنّه يجب أن يكون الامام أفضل وأكمل من الرعيّة في جميع أوصاف المحامد كالعلم والزّهد والكرم والشّجاعة والعفّة وغير ذلك من الصّفات الحميدة والأخلاق المرضيّة ، وبالجملة يجب أن يكون أشرفهم نسبا وأعلاهم قدرا وأكملهم خلقا وخلقا كما وجب ذلك في النّبي بالنّسبة إلى امّته ، وهذا الحكم متّفق عليه من أكثر العقلاء إلا أنّ أهل السنّة خالفوا في أكثره كالأعلميّة والأشجعية والأشرفيّة لأنّ أبا بكر لم يكن كذلك مع أنّ عمر وأبا عبيدة نصباه إماما ، وكذا عمر لم يكن كذلك وقد نصبه أبو بكر إماما ، ولم يتفطنوا بأنّ هذا الاختيار السوء قد وقع مواضعة ومخادعة من القوم حبّا لجاه الخلافة وعداوة لإمام الكافّة كما يكشف عنه قول طلحة حين كتب أبو بكر وصية لعمر بالولاية والخلافة حيث قال (٢) مخاطبا لعمر : وليته أمس ولّاك اليوم إلى غير ذلك من

__________________

(١) وأنت خبير أن الآية الثانية ليست في مقام منع مجرد الاستواء بين الهادي والمضل بل في مقام بيان الاحق بالتبعية ، وأن الاحق بها هو الهادي الى الحق دون من يحتاج في الاهتداء الى غيره.

(٢) ذكره ابن قتيبة في السياسة والامامة (ص ٢٠ المطبوعة بمصر سنة ١٣٥٦) في كتاب لأبي بكر بإملاء عثمان المتضمن لاستخلافه عمر ثم قوله لعمر خذ هذا الكتاب


المكايد والحيل والخديعة التي استعملوها في غصب الخلافة عن أهلها ، وكذلك فريق من المعتزلة منهم عبد الحميد بن أبي الحديد (١) المدايني قالوا بجواز تقديم المفضول على الفاضل لمصلحة مّا ، وقالوا : إنّ عليّا أفضل من أبي بكر وجاز تقديم أبي بكر عليه لمصلحة ، وهذا القول غير مقبول : إذ يقبح من اللّطيف الخبير أن يقدّم المفضول والمحتاج

__________________

واخرج به الى الناس وأخبرهم أنه عهدي وسلهم عن سمعهم وطاعتهم ، فخرج عمر بالكتاب وأعلمهم ، فقالوا : سمعا وطاعة ، فقال له رجل ما في الكتاب يا أبا حفص ، قال لا أدرى ولكني أول من سمع وأطاع ، قال ولكني والله أدرى ما فيه (امرته العام الاول وآمرك العام.)

(١) هو العلامة الشيخ عبد الحميد عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن حسين بن ابى الحديد المدائني المولد البغدادي المسكن المعتزلي الأصول الشافعي الفروع ، كان فقيها محدثا أديبا شاعرا لبيبا أصوليا حكيما ، توفى سنة ٦٥٥ ، يروى عنه جماعة منهم المحقق الفقيه الشيخ سديد الدين يوسف الحلي والد مولانا العلامة وغيره ، له تصانيف نفيسة منها كتاب شرح نهج البلاغة في زهاء مجلدات وقد طبع بمصر وبيروت ، ولعمري أنه أحسن شرح الحسن كتاب ، وينقل فيه عن السيد أبي جعفر النقيب غالبا ، ومن تصانيفه كتاب العبقري الحسان في منشآته ومنظوماته ، وكتاب الفلك الدائر في رد المثل السائر لابن الأثير طبع ببلدة بمبئى وكتاب الاعتبار على كتاب الذريعة في اصول الفقه لسيدنا المرتضى علم الهدى وشرح المحصل لفخر الدين الرازي وغيرها ، ومن آثاره القصائد السبع العلويات الشهيرة التي شرحها العلامة صاحب المدارك وقد طبعت منضمة بشرح المعلقات السبع ومستقلة في بيروت ، وهي قصائد رائقة شهية ، وتنسب اليه هذه الأبيات :

فيك يا اعجوبة الكون غدا الفكر كليلا

أنت حيرت ذوى اللب وبلبلت العقولا ـ إلخ

وهو رجل منصف بين العامة وكثيرا ما يقضى بالحق وله عقب طويل الذيل الى يومنا هذا في العراق وغيره.


إلى التكميل على الفاضل الكامل عقلا ونقلا كما تقدّم في النبوّة ، ومنشأ شبهتهم في هذا التجويز أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدّم عمرو بن العاص على أبي بكر وعمر ، وكذا قدّم أسامة بن زيد عليهما مع أنّهما أفضل من كلّ منهما ، والجواب بعد تسليم أفضليتهما والإغماض عن أنّ هذه الأفضليّة إنّما توهّم لهما بعد غصبهما الخلافة انهما إنّما قدّما عليهما في أمر الحرب فقط ، وقد كانا أعلم منهما فيه قطعا ، كما دلّ عليه الأخبار والآثار ، هذا إن جعلنا التقديم والتأخير منوطا باختيار الله تعالى وإن جعلناه منوطا باختيار الامّة كما هو مذهب جمهور النّاصبة فهو أيضا غير مقبول لأنّه يقبح في العقول أيضا أن يجعل المفضول المبتدي في الفقه مقدّما على ابن عباس وذلك بين عند كلّ عاقل والمخالف فيه مكابر ، ومن العجائب أنّ عبد الحميد بن أبي الحديد نسب هذا التقديم الذي ذهب إليه إلى الله عزوجل فقال في خطبة شرحه لنهج البلاغة (١) : وقدّم المفضول على الفاضل لمصلحة اقتضاها التكليف ، وهذا القول في غاية ما يكون من السخف ، لأنّه نسب ما هو قبيح عقلا إلى الله عزوجل مع أنّه عدليّ المذهب وقد خالف مذهبه ، ولهذا حمل الشكايات الواردة من عليّ عليه‌السلام عن الصّحابة والتّظلم منهم في الخطبة الموسومة بالشقشقيّة (٢) على ذلك ، ولا يخفى أنّ الحمل على ذلك ممّا لا وجه له سوى التحامل على عليّ عليه‌السلام ، لأنّ هذا التّقديم إن كان من الله تعالى لم يصح من علي عليه‌السلام الشكاية مطلقا ، لأنّها حينئذ تكون ردّا على الله والرّد عليه على حدّ الكفر ، وإن كان من الخلق فان كان هذا التقديم لمصلحة المكلّفين علم بها جميع الخلق غير عليّ عليه‌السلام ، فقد نسبه عليه‌السلام إلى الجهل بما عرفه عامة الخلق ، وإن كان لا لمصلحة كان تقديما بمجرّد التشهّي فلم تكن

__________________

(١) فراجع (ص ١ ج ١ شرح النهج ط مصر).

(٢) وجه تسميتها بذلك أنه عليه‌السلام لما أنشأ هذه الخطبة تنفس الصعداء وقال عليه‌السلام شقشقة هدرت ثم قرت.


الشكاية على الوجه الذي توهّمه ، فلا وجه لحملها عليه فتوجّه ، ثم أقول : يمكن أن يستدلّ على عدم جواز تفضيل المفضول بقول (١) أبي بكر : أقيلوني أقيلوني فانى لست بخيركم وعلى فيكم وهذا من خواصّ هذا التّعليق فاحفظه فانّه به حقيق ، ثمّ هذا الذي أجبنا به عن جانب المصنّف اختيار للأعمّ من الاحتمالات التي ذكرها النّاصب في ترديده الثلاثي ، وتتضح صحّته وإفادته في المقصود عند القدح التفصيلي على مقدّمات ترديده المردود فنقول وبالله التّوفيق : أما ما ذكره الأعرف مع الأعلم في الشّق الأوّل فمحلّ تامّل ، لأنّه إن أراد به الأعلم فيلزم الاستدراك ، وإن أراد به الأعرف لقواعد الرئاسة وحفظ الحوزة كما ذكره في الشّق الثالث فلا وجه لمنع وجوبه عقلا هاهنا وإثباته هناك ، واما قوله : لأنّ صريح العقل يحكم بأنّ مدار الامامة على حفظ الحوزة إلخ فمردود بأنّا سلمنا أنّ المدار على حفظ الحوزة لكن ذلك الحفظ يعتبر أن يكون على الوجه الشّرعي الخالي عن شوائب الجور والظلم الذي لا يحصل إلّا ممّن اتّصف بالعلم والفقه والزّهد والشجاعة بل بالعصمة كما مرّدون الوجه العرفي السّياسي الحاصل من

__________________

(١) ذكرت هذه الجملة مسندة الى أبي بكر في التجريد للمحقق الطوسي «قده» وقرره الفاضل القوشچى في شرح الجديد بقوله : بيان ذلك : أنه ان كان صادقا لهذا الكلام لم يصلح للامامة ، وان كان كاذبا لم يصلح أيضا لاشتراط العصمة فلا اقل من العدالة في الامامة «انتهى» ولم يجب عنه بشيء ويظهر منه : أنه جازم بصدوره ، كيف وهو مصر على رد ما ينقله من التجريد في باب الامامة فلاحظ الشرح.

وكذا يظهر من الناصب تسلم صدور هذه الجملة من ابى بكر فراجع كلامه في مقام الجواب عن مطاعن الاول عند قول مولانا العلامة قده ومنها انه طلب هو وعمر إحراق بيت أمير المؤمنين (ع)

وكذا في كتاب الأموال لأبي عبيد وقد طبع.


معاوية الباغي وجروه يزيد والوليد الأموي الجبّار العنيد الذي استهدف المصحف المجيد ، والحجّاج الظالم الفاتك الشّديد ، واللّص المتغلّب الدوانيقي ونحوهم من كلّ شيطان مريد ، فانّهم كانوا يدفعون الفتنة المتوهّمة على الحوزة بل على خصوص سلطنتهم وجاههم بقتل كلّ متهم (١) وصلب كلّ عدوّ متوهم (٢) وإحراق بيوت أقوامهم وجيرانهم (٣) وضرب أعناقهم (٤) إلى غير ذلك من العذاب والنكال بلا ثبوت ذنب منهم على وجه شرعي ، وبالجملة أنّ حفظ الحوزة على الوجه المشتمل على الانتظام الظاهري ودفع الهرج والمرج (٥) ودفع تطاول بعض الآحاد على بعض قد يترتّب على وجود الخلفاء المجازيّة والملوك الجائرة بل بوجود الشحنة والعسس (٦) بل ربّما يحصل هذا القسم من الانتظام دون غيرهم من الخلفاء الحقيقيّة فانّهم بموجب سياساتهم العرفيّة المذكورة ربّما يدفعون تطاول آحاد النّاس على غيرهم من العباد بوجه لا يتيسّر لغيرهم من الخلفاء الأمجاد ، لكنّهم أنفسهم وأولياء دولتهم يعملون من ضعفاء العباد ما يشاؤن من الجور والفساد ، ولو وقع خلل في أحكام الدّين القويم واعوجاج في أركان الطريق المستقيم عجزوا عن الإصلاح والتقويم كما أشار إليه عبيد الله بن (٧) الحرّ في جملة قوله شعر :

__________________

(١) كسعيد بن جبير وعمرو بن الحمق الخزاعي ورشيد الهجري.

(٢) كميثم التمار وزيد بن على بن الحسين عليهما‌السلام.

(٣) كبيوت بنى هاشم في المدينة في عهد يزيد.

(٤) كمسلم بن عقيل وهاني بن عروة.

(٥) الهرج : الوقوع في الفتنة ، والمرج : الاضطراب والفساد.

(٦) الشحنة بالكسر : من أقامهم الملك لضبطها ، والعسس : الذين يطوفون بالليل يحرسون الناس ويكشفون أهل الريبة.

(٧) قال في ذخيرة الدارين (ص ٢٢٨ ط النجف الأشرف) ما لفظه :


تبيت النشاوى (١) من أميّة نوّما

وبالطفّ قتلى ما ينام حميمها

وما ضيّع الإسلام إلّا قبيلة (عصابة خ ل)

تأمّر نوكاها (٢) ودام نعيمها

فاضحت قناة الدّين في كفّ ظالم

إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها

__________________

أقول : قال الشيخ أبو العباس النجاشي في رجاله : عبيد الله بن الحر الجعفي الفارس الفاتك الشاعر له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين (ع) ، وقد ذكر ذلك البخاري فقال : اسماعيل بن جعفر بن أبي حفصة عن سليمان بن يسار ، وقال شريك عن عمر بن حبيب عن عبيد الله بن الحر حديثه في الكوفيين إلخ ، وقال العلامة الشيخ عبد القادر البغدادي في كتاب خزانة الأدب في ترجمة عبيد الله بن الحر ما لفظه : بعد ما ندم على تركه إجابة الحسين عليه‌السلام يوم دعاه الى نصرته بقصر بنى مقاتل فلم ينصره قال شعرا يرثى به الحسين عليه‌السلام :

فيا لك حسرة ما دمت حيا

تردد بين صدري والتراق

حسين حين يطلب بذل نصرى

على أهل العداوة والشقاق

ولو أنى أواسيه بنفسي

لنلت كرامة يوم التلاق

مع ابن المصطفى روحي فداه

فيا لله من ألم الفراق

فما أنسى غداة يقول حزنا

أتتركني وتزمع لانطلاقي

فلو فلق التلهف قلبي (قلب حي خ)

لهم القلب منى بانفلاق

فقد فاز الاولى نصروا حسينا

وخاب الآخرون أولو النفاق إلخ

وأورد هذه الأبيات العلامة أخطب خطباء خوارزم أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي المتوفى سنة ٥٦٨ في مقتله (ج ٢ ص ١٩١ ط النجف الأشرف) ويظهر منه أنه أنشدها على قبره عليه‌السلام فضج من معه بالبكاء والعويل والنجيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم يصلون ويبكون ويتضرعون.

(١) النشاوى جمع النشوان ، يقال النشوان والنشيان : كالسكران لفظا ومعنى.

(٢) النوكى كسكرى جمع الأنوك : الأحمق.


وليتأمل ذو الرّأي السّديد أنّ فيما وقع أيّام تغلب يزيد عليه من اللعنة ما يربو ويزيد من قتل الحسين عليه‌السلام شيء من حفظ حوزة الإسلام؟! أو في قتله لأهل المدينة (١) وافتضاض ألف بكر من أولاد الصّحابة والتّابعين الكرام (٢) رعاية حقوق الأنام؟! أو في رمى المناجيق على الكعبة (٣) وتخريب بيت الله الحرام (٤) عمارة لما اختلّ من النظام أو دعوة لمن دخلها إلى دار السّلام؟! وأمّا ما اشترط النّاصب من عدم كون الامام فظا غليظا (٥) فيشكل بحال إمامه عمر ، فانّه كان مذكورا على لسان الصحّابة بهاتين الصّفتين كما سيجيء بيانه ، واما كفاية اشتراط العلم الاجتهادي فقد مرّ ما فيه وسيجيء بيان الخطايا الفاحشة الصادرة عن اجتهاد عمر التي اعترف فيها بقوله : لو لا علي عليه‌السلام لهلك عمر (٦) وقوله : كلّ الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال (٧) واما ما فرض بقوله : وإن وجد في رعيته من كان بهذه

__________________

(١) ذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة (ص ٢٩٩ ط طهران).

وابن عبد ربه في العقد الفريد (ج ٣ ص ١٤٢ ط مصر).

(٢) ذكره أيضا ابن الجوزي في التذكرة (ص ٢٩٩ ط طهران) وسائر أرباب السير والتواريخ.

(٣) ذكره في العقد الفريد (ج ٣ ص ١٤٣ ط قديم مصر) وفي تذكرة الخواص (٢٩٩ ط طهران) وفي غيره من الكتب.

(٤) ذكره في عقد الفريد (ج ٣ ص ١٤٤ ط قديم مصر) وفي غيره من كتبهم.

وفي تذكرة الخواص (ص ٢٩٩ ط طهران) وفي غيره من الكتب.

(٥) نص على ذلك البخاري في صحيحه (ج ٥ ص ١١ ط مصر).

والخطيب في مشكاة المصابيح (ص ٥٥٦ ط الهند).

(٦) قد مر في (ج ١ ص ٥٣) نقل بعض الموارد التي ذكرت هذه الكلمة فيها وسيجيء استقصائها في المطاعن من كتب القوم.

(٧) قد مر في (ج ١ ص ٥٣) نقله منا عن كتب القوم.


الخصال إلخ. ففرض محال ؛ إذ لا يعقل كون الشخص متصفا بالأحسبية والأنسبية والأشرفية والأعرفية والأعلمية والأشجعية ويكون غيره أعلم بحفظ الحوزة على الوجه المطابق للقانون الشرعي ، ولعلّهم زعموا أنّ أبا بكر وعمر كانا كذلك بالنسبة إلى علي عليه‌السلام وبطلانه ظاهر ، لما اشتهر من أنّ أكثر (١) ما استعمله عمر من تدبير فتح العجم ونشر الإسلام في بلادهم إنما كان باشارة علي عليه‌السلام ، ومن أعظم ذلك وأشهره أنّه لمّا وصل إلى المدينة خبر انتكاس راية أهل الإسلام في مقابل راية أهل العجم المسمّاة بالدّرفش الكاوياني بخاصيّة ما كتب عليها بعض أهل الطلسمات من الجدول المشتمل (٢) على مائة بيت في مائة بيت ، رسم أمير المؤمنين عليه‌السلام بقواعد علم

__________________

(١) منها ما ذكره عند استشارة عمر بن الخطاب إياه في غزوة الفرس بنفسه.

فقال بعد كلام له عليه‌السلام : فكن قطبا واستدر الرحى ، وأصلهم دونك نار الحرب فإنك ان شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع ورائك من العورات أهم إليك مما بين يديك إلخ (نهج البلاغة ص ١٩٧ ط طهران) ومنها ما ذكره خواند مير في روضة الصفا (ج ٢ ص ٢٤٣ ط الهند) وغيره من المؤرخين في كتبهم فراجع.

ومنها عند استشارة عمر بن الخطاب إياه في غزوة الروم بنفسه فقال بعد كلام له ع : انك متى تحير الى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمين كأنفة دون أقصى بلادهم ليس بعدك مرجع يرجعون اليه فابعث إليهم رجلا مجربا ، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة إلخ ونقل تفصيله ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج ٢ ص ٣٩٠ ط مصر).

(٢) وهذا الجدول يعبر عنه عندنا ب (صد اندر صد) وهو قسمان عددي وحرفى ولكتابته شروط عند أهل الفن بحسب الزمان والمكان والتبخيرات وطهارة الكاتب والاستقبال وحضور القلب وخلوص النية وحلية المأكل والمشرب والتختم بالعقيق المنقوش عليه من أسمائه تعالى الحسنى ما كان مناسبا للمقصود وكونه صائما وكون المداد المكتوب به الجدول مزعفرا مسكيا معنبرا الى غير ذلك من الأمور المعتبرة عند علماء الحروف والاعداد والطلاسم والادعية والأوراد وهذه نموزج وشطر من صورته حررناها تتميما للفائدة وتعميما للعائدة فخذها وكن من الشاكرين.



الجفر المختص به على راية أهل الإسلام جدولا مشتملا على مائة وواحد حتّى أبطل خاصيّة ذلك الطلسم وانكسرت راية العجم عند المقابلة في المرّة الثانية من الحرب نعم كان عليه‌السلام محترزا عن استعمال الغدر والمكيدة والحيلة والخديعة التي يعدّ العرب مستعملها من الدهات ، وكانوا يصفون معاوية بذلك ، فقد حكى أنّه لمّا بلغ علي عليه‌السلام أن جماعة من عسكره يقولون : إنّ معاوية صاحب الدهاء دون علي عليه‌السلام ، قال لهم : لو لا الدين لكنت من أدهى العرب (١) وكذا الكلام في الشق الثّاني من ترديده ، إذ لا يعقل أن يكون من هو أكثر ثوابا عند الله من جميع أهل عصره خاليا عن العلم بقوانين الامامة والرئاسة مفضولا فيه عن سائر أهل عصره ، واما ما ذكره في الشق الثالث من أنّه لا يجب التقديم إذا حصل حفظ الحوزة بالأدون ، ففيه أن هذا عين الاعتراف بجواز تقديم المفضول من حيثيّة يصلح للامامة على الفاضل من تلك الحيثيّة ، وتقديم المفضول على الفاضل الذي أنكره العقل والنقل وجعله المصنّف شناعة على القائل به

__________________

ثم ان صاحب كتاب تاريخ روضة الصفاء قد أشار في (ص ٢٤٢ ج ٢ ط لكهنو) الى تسمية لواء العجم (بالدرفش الكاويانى) وكيفيتها وأنها كانت ثمانية أذرع عرضا واثنا عشر ذرعا طولا وأن جنسها كان من جلود النمر الى آخر ما نقله عن كتاب الغنية فراجع.

ولله در شيخنا الازرى حيث يقول في قصيدته الهائية التي خمسها الشيخ جابر :

كم له باختراع حرب نكات

وباذلال غلبها ملكات

وله باصطيادهم شبكات

وله يوم خيبر فتكات

كبرت منظرا على من رآها

عزمات عن دركها الوهم يخطى

وعقول الأنام فيها بخبط

ان يوما أوحى منى كل رهط

يوم قال النبي انى لاعطى

رايتي ليثها وحامى حماها

(١) ذكره السيد سليمان القندوزى في كتاب ينابيع المودة في الباب الحادي والخمسين وهذا لفظه : لو لا الدين والتقى لكنت أدهى العرب.


هو هذا ، فكان الواجب على النّاصب أن يقصّر المسافة على نفسه ويقول إنّ تفضيل المفضول جائز إذا انتظمت الرئاسة بالمفضول أيضا لئلا يصير باقي المقدّمات لغوا مستدركا ، وايضا سيصرّح النّاصب المردود أنّه في هذا الجواب المردود بصدد المماشاة مع الخصم في المحافظة على قاعدة الحسن والقبح العقليّين مع ان ما ذكره في هذا الشق مخالف لما ذكره أعقل (١) الحكماء ورئيسهم في إلهيات الشّفا حيث قال بعد اشتراط النّصّ والأفضليّة ونحوها من الصفات في الخليفة والمعوّل الأعظم العقل وحسن الايالة ممّن كان متوسّطا في الباقي بعد أن لا يكون غريبا في البواقي ولا يكون بمنزلته في هذين ، فيلزم أعلمهما أن يشارك أعقلهما ويلزم أعقلهما أن يعتضد به ويرجع إليه مثل ما فعل عمر وعلي انتهى ، إذ يفهم من عبارته أنّ الغريب من العلم الصائر إلى الجهل مع كونه عارفا بحسن الايالة وقانون العدالة لا ينبغي للخلافة ، وأنّ الأعرف بالسياسة إنّما كان أولى من الأعلم إذا لم يكن الأعلم بمنزلته في العدالة والايالة ، فلا يكون عمر على تقدير كونه أعرف بالسياسة أولى من علي عليه‌السلام ، لأنّ عليّا عليه‌السلام كان في الأمرين على منزلة رفيعة كما اعترف به الخصم أيضا هذا ، وفي تمثيل الشيخ لذلك بحال علي وعمر دقيقة ذكرناها في كتاب مجالس المؤمنين (٢) ، ولعلّ النّاصب زعم أنّ مضمون هذا الشق منطبق على حال خلفائه الثلاثة وأنّهم كانوا مفضولين عن علي عليه‌السلام في العلم بحفظ الحوزة أيضا ، لكنّ المفضول في ذلك يجوز نصبه مع وجود الفاضل فيه ، وفيه أنّه لو كان لهم علم بحال الرّياسة والقيادة لما أمّر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم عليهم عمرو بن العاص مرة وزيد بن حارثة مرة وأسامة بن زيد أخرى ، وإنما حصل ما حصل في زمان تقمصهم الخلافة من بعض النظام بمعاضدة غيرهم من أصحاب الأشرار كما لا يخفى على من تتبع الآثار والأخبار ، واما ما ذكره من أنّ هذا جواب ما

__________________

(١) هو الرئيس ابن سينا وقد مرت ترجمته في هذا المجلد.

(٢) فراجع مجالس المؤمنين (ص ٣٢٢ ط تبريز).


استدلّ به على هذا المطلب من لزوم القبح العقلي مع أنا غير قائلين به ، ففيه أنّ المصنّف لم يستدل على ذلك بالحسن والقبح العقلي بالمعنى المتنازع فيه ، بل تمسّك بغيره من الملائمة والمنافرة والنقص والكمال كما تمسّك به النّاصب سابقا في الفصل المعقود لبيان تنزيه الأنبياء عن عهر الامّهات ونحوه ، ولا ريب في أنّ الفاضلية والمفضولية من باب الكمال والنقص والملائمة والمنافرة الذي يستقل بادراكه العقل ويحكم بترجيح أحدهما علي الآخر ، واما ما ذكره من أنّ ما استدلّ به المصنف من الآية فهو يدلّ على عدم استواء العالم والجاهل وعدم استواء الهادي والمضل إلخ ففيه إغماض وتجاهل عن تتمّة الآية وهو قوله تعالى : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) ، فانّه صريح في أنّ من يحتاج في الهداية إلى أمر إلى غيره لا يليق بالاتباع وهذا هو محطّ استدلال المصنّف بالآية ، فصار جلّ ما ذكره النّاصب لغوا لا طائل تحته كما لا يخفى ، ولو سلّم دلالته على مجرّد عدم استواء العالم والجاهل لكن نفى الاستواء يقتضي العموم كما تقرّر في الأصول فيدل على عدم جميع وجوه المساواة فيلزم عدم استواء الجاهل مع العالم في الامامة أيضا وهو المطلوب ، لا يقال : المذكور في الأصول أنّ نفى المساواة في نفى قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) يقتضي العموم ، وكلمة النّفى غير موجودة فيما نحن فيه من الآية ، فلا يحصل المطلوب ، لأنا نقول : المراد من النّفى ما هو أعمّ من المفهوم من كلمة لا ومعناها ، وكلمة هل في قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) الآية استفهام إنكاري يدلّ على المبالغة في النّفى فضلا عن أصل النفي فافهم ، وأما من فصل من الأشاعرة في هذه المسألة بما ذكره النّاصب فالظاهر أنّه أشار بذلك إلى أنّ عليّا عليه‌السلام وإن كان أفضل وأكمل ، لكن عساكر قريش وهم الصّحابة في ذلك الزمان لم يكونوا ينقادون له لما في قلوبهم من الأضغان الجاهليّة والأحقاد البدرية الناشئة من هلاك صناديدهم وأولادهم وإخوانهم بسيفه عليه‌السلام ، ويؤول حاصل هذا الكلام إلى أنهم لم يستخلفوا عليا مع


استحقاقه للخلافة ، لأنهم لو استخلفوه لما انقادوا له وأثاروا الفتنة كما أثاروها عند وصول الخلافة إليه بعد الثلاثة وفساده ظاهر.

قال المصنف رفع الله درجته

البحث الثالث في طريق تعيين الامام ذهبت الامامية كافة إلى أنّ الطريق إلى تعيين الامام أمران النص من الله تعالى أو نبيه أو إمام ثبتت إمامته بالنص عليه أو ظهور المعجزات على يده ، لأنّ شرط الامام العصمة وهي من الأمور الخفية الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى ، وخالفت السنة في ذلك وأوجبوا إطاعة أبي بكر على جميع الخلق في شرق الأرض وغربها باعتبار مبايعة عمر بن الخطاب له برضاء أربعة : أبي عبيدة (١) وسالم مولى حذيفة (٢) وبشير بن سعد (٣) وأسيد بن حضير أبو الحصين (٤)

__________________

(١) قال في الاستيعاب (ج ٢ ص ٦٦٩ ط حيدرآباد) أبو عبيدة بن الجراح ، قيل اسمه عامر بن الجراح ، وقيل عبد الله بن عامر بن الجراح ، والصحيح أن اسمه عامر بن عبد الله ابن الجراح بن هلال الى أن قال : شهد بدرا مع النبي «ص» ، وقال أبو بكر يوم السقيفة : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، يعنى عمر وأبا عبيدة ، توفى وهو ابن ثمان وخمسين سنة في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة بالأردن من الشام ، وبها قبره وصلى عليه معاذ بن جبل.

(٢) قال في الاستيعاب : سالم بن معقل مولا أبى حذيفة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، يكنى أبا عبد الله وكان من أهل فارس من إصطخر ، وقيل : انه من عجم الفرس من كرمد ، الى أن قال : قتل يوم اليمامة هو ومولاه أبو حذيفة فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر وذلك سنة اثنتي عشرة من الهجرة.

(٣) هو بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاص بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأنصاري ، يكنى أبا النعمان ، شهد العقبة ، ثم شهد بدرا ، وهو أول من بايع أبا بكر يوم السقيفة ، وقتل هو مع خالد بن الوليد بعين التمر في خلافة أبى بكر ، فراجع الاستيعاب (ج ١ ص ٦٢ ط حيدرآباد).

(٤) قال في الاستيعاب (ج ١ ص ٢٨ ط حيدرآباد) : هو أسيد بن حضير بن سماك بن


لا غير ، فكيف يحلّ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر إيجاب اتباع من لم ينصّ الله ولا رسوله ولا اجتمعت الامة عليه على جميع الخلق لأجل مبايعة أربعة أنفار ، بل قد ذهب الجويني (١) وكان من أكثرهم علما وأشدّهم عنادا لأهل البيت عليهم‌السلام إلى أن البيعة تنعقد بشخص واحد من بني هاشم إذا بايعه رجل واحد لا غير ، فهل يرضى العاقل لنفسه الانقياد إلى هذا المذهب وأن يوجب على نفسه الانقياد وبذل الطاعة لمن لا يعرف عدالته أيضا ولا يدري حاله من الايمان وعدمه ، ولا عاشره ليعرف جيّده من رديّه وحقّه من باطله لأجل أنّ شخصا لا يعرف عدالته أيضا بايعه ، وهل هذا إلا محض الجهل والحمق والضلال عن سبيل الرّشاد؟ نعوذ بالله من اتّباع الهوى وغلبة حبّ الدّنيا ، ومن أغرب الأشياء وأعجبها بحث الأشاعرة عن الامامة وفروعها وعن الفقه وتفاصيله مع تجويز أن يكون جميع الخلق على الخطاء والزّلل وأن يكون الله قد قصد إضلال العبيد بهذه الشرائع والأديان ، فانّهم غير جازمين بصدقها بل ولا ظانّين ، فانّ مع غلبة الإضلال والكفر وأنواع العصيان الصّادرة منه تعالى كيف يظنّ عاقل أو يشك في صحّة الشرائع؟ بل يظن بطلانها عندهم حملا على الغالب ، إذ الصّلاح في العالم أقلّ من القليل ، ثمّ مع تجويزهم أن يحرم الله تعالى علينا التّنفّس في الهوى مع الضرورة والحاجة إليه وعدم المفاسد عنه من كلّ وجه ويحرم علينا شرب الماء السّائغ مع شدة العطش والانتفاع بذلك الماء وعدم التضرر

__________________

عتيك بن رافع بن إمرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأشهلي ، اختلف في كنيته ، فقيل فيها خمسة أقوال ، أبا عيسى وأبا يحيى وأبا عتيك وأبا الحصين ، والأشهر أبو يحيى الى أن قال : وكان أسيد بن حضير أحد العقلاء من أهل الرأى ، ومات في شعبان سنة عشرين ، وقيل سنة إحدى وعشرين ، ودفن بالبقيع وصلى عليه عمر بن الخطاب.

(١) هو امام الحرمين أبو المعالي الجويني ، وقد تقدمت ترجمته (ج ١ ص ١٢٦)


به وانتفاء المفاسد كلها كيف يحصل الجزم بأنّه يفعل اللّطف بالعبد والمصلحة في إيجاب اتّباع هذا الامام انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : اعلم أنّ الشخص بمجرد صلوحه للامامة وجمعه لشرائطها لا يصير إماما ، بل لا بدّ في ذلك من أمر آخر ، وإنّما يثبت بالنّص من الرّسول ومن الامام السابق بالإجماع ، ويثبت أيضا ببيعة أهل الحلّ والعقد عند أهل السّنة والجماعة والمعتزلة والصّالحية من الزّيدية خلافا للامامية من الشّيعة ، فانّهم قالوا لا طريق إلا النّص ، لنا ثبوت إمامة أبي بكر ببيعة أهل الحل والعقد كما سيأتي بعد هذا مفصلا إن شاء الله في محاله ، وأما ما ذكر أن خلافة أبي بكر انعقدت ببيعة عمر ورضاء أربعة لا غير ، فهذا أمر باطل يكذبه النّقول المتواترة وإجماع الأمّة ، فانّ خلافة أبي بكر انعقدت يوم السّقيفة بمحضر من أرباب الحلّ والعقد ، وهم كانوا ذلك اليوم جماعة الأنصار سيّما الخزرج ، لأنّ المراد من أهل الحلّ والعقد أمراء العساكر ومن لم يتم أمر الامارة والخلافة بغير رضاهم ، وكانت في ذلك الوقت جماعة الأنصار أهل الحلّ والعقد بهذا المعنى ، وهل اختلف رجل واحد من زمان الصّحابة إلى اليوم من أرباب التواريخ أنّ أبا بكر لم يفارق السقيفة حتى بايعه جميع الأنصار إلّا سعد بن عبادة وهو كان مريضا ومات بعد سبعة أيّام؟ ، فكيف يقول : إنّ خلافته انعقدت ببيعة عمر ورضاء أربعة من الصحابة ، وهل هذا إلا افتراء باطل يكذبه جميع التواريخ المثبتة في الإسلام ، نعم البادي في البيعة كان عمر بن الخطاب وتتابع الأنصار وبايعوه بعد تلجلج وتردّد ومباحثة ، ولو كان الأنصار سمعوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النص على خلافة على عليه‌السلام فلم لم يجعلوه حجة على أبي بكر؟ ولم لم يدفعوا خلافته بهذه


الحجّة ، أكانوا يخافون من أبي بكر وعمر وهم كانوا في عقر (١) دارهم؟ وقد اجتمعوا لنصب الامام من قومهم وكانوا زهاء (٢) ألف أو زيادة وقالوا بعد المباحثة : منّا أمير ومنكم أمير ، فلم لم يقولوا : يا أبا بكر يا عمر إنّ العهد لم يطل وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم في غدير خم نصّ بخلافة علي عليه‌السلام فلم تبطلون قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم لا تنقادون بقوله؟ وكان أقل فائدة هذه المباحثة دفع البيعة عن أنفسهم ، ولم يجترئ أحد من الاماميّة أن يدّعى أنّ الأنصار قالوا يوم السّقيفة هذا القول ، فيا معشر العقلاء تأمّلوا هل يمكن وجود النّص في محضر جميع الناس ولم يحضر الأنصار؟ ، وهل يمكن أن الأنصار الذين نصروا الله ورسوله وتبوّءوا الدّار والايمان وارتكبوا عداوة العرب وقتل الأشراف في نصرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا ساكتين في وقت المعارضة ولم يذكروا النّص أصلا؟ مع أنّ عمر وأبا عبيدة ألزماهم بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمة من قريش ، فلم لم يقولوا الامامة لعلي بنصّ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم غدير خم ، والعاقل المسلم المنصف لو تأمّل فيما قلنا من سكوت الأنصار وعدم الاستدلال في دفع بيعة أبي بكر بالنّص على عليّ عليه‌السلام لجزم بعدم النّص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أحد ، ويعلم أنّ خلافة أبي بكر ثبتت ببيعة أرباب الحلّ والعقد ، ثمّ ما ذكر هذا الرّجل من أنّ الأشاعرة لا يقدرون على هذا المبحث وتعجب عن بحثهم في الامامة لقولهم : بأنّ الله خالق كلّ شيء فهذا شيء ذكره مرارا وهو لا يعرف غير هذا ، وتصوير المحالات على رأيه الباطل الفاسد ، وقد بيّنا لك أنّ شيئا ممّا ذكره لا يلزم الأشاعرة ، وكثرة التّكرار من شأن الكوزيّين وأمثالهم انتهى.

أقول

فيه وجوه من الجهل وضروب من التّجاهل ، أما أولا فلما في قوله : إنّ الشخص

__________________

(١) العقر بالفتح : وسط الدار.

(٢) الزهاء بضم الزاء المعجمة والالف الممدودة : المقدار.


بمجرّد صلوحه للامامة وجمعه لشرائطها لا يصير إماما إلخ أنّ هذه المقدّمة لا تفيد في إثبات مطلوبة ، لأنّ مجرّد استجماع الشرائط وإن لم يوجب كون الشخص إماما لكن من البيّن أنّ الشّخص لا يصير إماما منصوصا (١) عليه من الله تعالى ما لم يكن مستجمعا للشرائط ، والكلام في أنّ غير عليّ عليه‌السلام هل كان مستجمعا لها أم لا فافهم؟ ، وأما ثانيا فلأنّ حكمه ببطلان ما ذكره المصنّف من أنّ إمامة أبي بكر انعقدت ببيعة عمر ورضاء أربعة لا غير جهل أو تجاهل ظاهر لظهور أنّه حق جرى على لسان باطل من أصحابه وهو صاحب المواقف وشرحه الشّارح قدس‌سره الشّريف على منواله حيث قال : وإذا (٢) ثبت حصول الامامة بالاختيار والبيعة فاعلم أنّ ذلك

__________________

(١) اعلم أن كلامنا في وجوب النص واثبات أنه لا بد منه ولا يقوم غيره في الامامة مقامه كاف في فساد الاختيار ، لان كل شيء أوجب النص فهو بعينه مبطل للاختيار فلا حاجة الى تكلف كلام آخر في فساد الاختيار.

(٢) في شرح المواقف للسيد الشريف قدس‌سره (ج ٢ ص ٤٦٧ ط دار الطباعة القاهرة) وقال السيد الأجل الشريف المرتضى أيضا رضى الله عنه في كتاب الشافي : ان الذي يعتمد في فساد اختيار الامام هو بيان صفاته التي لا دليل للمختارين عليها ولا يمكن اصابتها بالنظر والاجتهاد ، ويختص علام الغيوب تعالى بالعلم بها كالعصمة والفضل في الثواب والعلم على جميع الامة ، لأنه لا شبهة في أن هذه الصفات لا تدرك بالاختيار ولا يوقف عليها الا بالنص ، وهذا ما تقدم شرحة وبيانه وبينا أيضا أنه لا يمكن أن يقال بصحة الاختيار مع اعتبار هذه الصفات بأن يعلم الله تعالى المكلفين أنه لا يتفق منهم الا اختيار من هذه صفاته ، وقلنا ان ذلك تكليف قبيح من حيث كان مكلفا لما لا دلالة عليه ولا امارة تميز الواجب عن غيره ، وبينا أنه يلزم على ذلك جواز تكليف اختيار الأنبياء والشرائع بأن يعلم الله تعالى أن المختارين لا يتفق لهم الا اختيار النبي دون غيره ومن الشرائع المصلحة دون غيرها ، وكيف يكون الاختيار كاشفا لنا عن وجوب


الحصول لا يفتقر إلى الإجماع من جميع أهل الحلّ والعقد إذ لم يقم عليه أى على هذا الافتقار دليل من العقل والسّمع ، بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد كاف في ثبوت الامامة ووجوب اتّباع الامام على أهل الإسلام ، وذلك لعلمنا بأنّ الصّحابة مع صلابتهم في الدّين وشدّة تحافظهم على امور الشرع كما هو حقّها

__________________

الفعل؟ وانما يجب أن نختاره إذا علمنا وجوبه ، والاختيار تابع فكيف نجعله متبوعا وكيف يتميز الواجب من غيره والقبيح من الحسن بعد الفعل وانما يجب أن يتميزا قبل الفعل ليكون الاقدام على ما يعلم حسنه ويؤمن قبحه ، ومما يمكن أن يعتمد عليه في فساد الاختيار خارجا عن الجملة التي عقدناها أن يقال : ان العاقدين للامامة يجوز أن يختلفوا فيرى بعضهم أن الحال تقتضي أن يعقد فيها للفاضل ويرى آخرون أنها تقتضي العقد للمفضول ، وهذا مما لا يمكن دفع جوازه ، لان الاجتهاد يجوز أن يقع فيه الاختلاف بحسب الأمارات التي تظهر للمجتهدين فلن تخلو حالهم إذا قدرنا هذا الاختلاف من امور ، اما أن يقال يجب أن يقفوا عن العقد حتى يتناظروا ويتفقوا على كلمة واحدة وهذا يؤدى الى إهمال أمر الامامة ، لأنه غير ممتنع أن يمتد الزمان باختلافهم ، بل جاز أن يقفوا مختلفين أبدا ، أو يقال يجب أن يعقد كل فريق لمن يراه ، وهذا يؤدى الى امامة إمامين مع العلم بفساده ، او يقال : يجب المصير الى قول من يعقد للفاضل ، لأنه أولى ، ويحرم على الباقين المخالفة وهذا فاسد لأنه الزام للمجتهد أن يترك اجتهاده الى اجتهاد من يجرى مجراه ، فكيف يكون العقد للفاضل أولى على كل حال ، وبعض من لا يتم العقد الا به يرى أن ولايته مفسدة وولاية غيره هي المصلحة ، وانما فرضنا أن يكون هذا الاختلاف من العدد الذي لا يتم عند مخالفتها أمر الامامة الا به حتى لا يقولوا متى عقد واحد لغيره برضاء الأربعة فهو امام كان مفضولا أو فاضلا ولا يلتفت الى من يعتقد من باقى الامة ان العقد لغيره أولى ، لأنا إذا فرضنا الاختلاف بين هذا العدد المخصوص لم يستقم هذا الانفصال. انتهى. منه «قده»


اكتفوا في عقد الامامة بذلك المذكور من الواحد والاثنين كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبد الرّحمن بن عوف لعثمان ولم يشترطوا في عقدها اجتماع من في المدينة من أهل الحلّ والعقد فضلا عن إجماع الامّة من علماء أمصار الإسلام ومجتهدي جميع أقطارها هذا كما مضى ولم ينكر عليهم أحد ، وعليه أى وعلى الاكتفاء بالواحد والاثنين في عقد الامامة انطوت الأعصار بعدهم إلى وقتنا هذا «انتهى» ومن العجب أنّ هذا النّاصب أخذ جلّ ما ذكره في هذا القسم من الكتاب من المواقف وشرحه ولم يصل هذا الذي نقلناه إلى نظره ، ثم نقول على تقدير أن يكون أهل البيعة أناسا كثيرين لا خفاء في أنّهم تابعون لتصرّف الشّرع فيهم لا تصرّف لهم في أنفس غيرهم من آحاد الامّة ، وفي أقلّ مهمّ من مهمّاتهم فكيف يولّون الغير على أنفس الخلائق منهم ومن غيرهم ، فانّ من لا يعقل له التّصرف في أقلّ الأمور لأدنى الأشخاص كيف يكون له قدرة على جعل الغير متصرّفا في نفوس أهل الشرق والغرب وفي دمائهم وأموالهم وفروجهم ، هذا على أنّ ادعائه النقول المتواترة على دعواه الباطلة المذكورة ينافي ما سيذكره عند ذكر مناقب عليّ عليه‌السلام من إنكار وجود النقل المتواتر في العالم سوى واحد ، وأما ثالثا فلأنّ قوله : أهل الحلّ والعقد كانوا ذلك اليوم جماعة الأنصار يدلّ بظاهر الحصر المفهوم منه على أنّ عمر وأبا عبيدة الذين كانا عمدة أهل البيعة خارجان عن أهل الحلّ والعقد غير متّصفين بالاجتهاد وهذا إزراء بجلالة قدر الرّجلين عندهم كما لا يخفى ، ثم استدلاله على هذا الحصر بقوله : لأنّ المراد من أهل الحلّ والعقد أمراء العساكر إلخ مدخول من وجهين : أحدهما أنّ تفسير أهل الحلّ والعقد بامراء العساكر اختراع من النّاصب لا يوجد في شيء من كتب أصحابه ولا غيرهم ، وانما الذي صرّح به ابن الحاجب (١) في مختصره والعضد الإيجي (٢) في شرحه وغيرهما في غيرهما أن الإجماع اتفاق المجتهدين من أمّة

__________________

(١) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ١٧٠).

(٢) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ٤٧).


محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عصر على أمر ديني أو دنيوي ، وثانيهما أنّ تفسير أمراء العساكر وحصرها في الأنصار يوجب خروج أمير المؤمنين وأبي بكر وعمر وعثمان وأسامة بن زيد الذي كان أميرا على الثلاثة وغيرهم عند وفات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم ، فانّ هؤلاء كلّهم أمراء مهاجرون كما لا يخفى ، نعم قال بعض المتكلّفين من أهل السّنّة : إنّه وإن لم يتحقّق الإجماع على خلافة أبي بكر في يوم السقيفة ، لكنّه بعد ذلك إلى ستّة أشهر قد تحقّق اتّفاق الكل على خلافته ورضوا بإمامته فتمّ الإجماع حينئذ ، وفيه أنّ ذلك أيضا ممنوع بعدم بيعة عليّ عليه‌السلام وأصحابه له ولو بعد ستّة أشهر ، ولو سلّم أنّه صفق على يده كما يفعله أهل البيعة فلا ريب في أنّ سعد بن عبادة وأولاده لم يتفقوا على ذلك ولم يبايعوا أبا بكر ولا عمر كما سنبيّنه ، ولو سلّم فنقول : قد اعتبر في تعريف الإجماع اتفاق أهله على أمر واحد في وقت واحد ، إذ لو لم يقع ذلك في وقت واحد احتمل رجوع المتقدّم قبل موافقة المتأخّر ، فلا معنى لحصول الإجماع على خلافة أبي بكر تدريجا وبالجملة إن ادّعوا اتفاق الكلّ في وقت واحد على خلافة أبي بكر فهو خلاف الواقع بالاتفاق ، وإن ادّعوا حصول الاتفاق في أوقات متعدّدة فإثباته أصعب من خرط القتاد كما عرفت ، والظاهر أنّ هذا النّاصب في عدم مبالاته بالكذب وإكثاره من الافتراء على الكتاب والسنّة والتّاريخ قد اعتمد على ظنّ منه أنّ كتابه هذا ممّا لا يمكن أن يصل إلى أيدي علماء الاماميّة ومن ضاهاهم من أهل العلم والبصيرة ولا يبعد ذلك ، لأنّه كتب هذا الكتاب في بلدة قاسان من بلاد ما وراء النّهر عند فراره عن السّلطان الأعظم شاه إسماعيل الحسيني الصّفوي (١) أنار الله برهانه كما قرره

__________________

(١) هو السلطان المؤيد المسدد الغازي المجاهد أبو المظفر شاه إسماعيل بهادر خان الموسوي الصفوي الذي أحيا مذهب الامامية ببلاد العجم ونشر آثار أجداده الطاهرين ولد يوم الثلاثاء ٢٥ رجب سنة ٨٩٣ وتوفى سنة ٩٣٠ المطابق لكلمة (ظل) أعقب أربعة ، السلطان شاه طهماسب ، ألقاص ميرزا ، سام ميرزا الشاعر الجليل صاحب


__________________

«تحفه سامى» ، ابو الفتح ميرزا ، ودفن بجنب قبر جده الشيخ صفى الدين إسحاق الأردبيلي ، وقال بعض الشعراء من أسلافنا في تاريخه :

شاه گردون پناه اسماعيل

آنكه چون مهر در نقاب شده

از جهان رفت و «ظل» شدش تاريخ

ساية تاريخ آفتاب شده

وكان شاعرا بليغا يتخلص في شعره بالخطائى ، وبالجملة جلالة بيته وأصالته وأن أسرته من أغصان الدوحة النبوية ومن أزهار الروضة العلوية وخدماتهم الدينية مما لا ينكر ، وقد أثبتنا في كتابنا (مشجرات آل رسول الله الأكرم) بدلائل قوية وأسانيد متينة شرفهم وانتسابهم الى أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن الشواهد ما ذكره صاحب تاريخ القدس عند ترجمة السيد صدر الدين موسى بن الشيخ صفى الدين الأردبيلي المتوفى هناك قريبا من المسجد الأقصى والمؤلف من علماء القوم وزمانه قبل ظهور الدولة الصفوية بسنين متطاولة.

ومنها كتاب السلطان سليم العثماني الى المترجم مع شدة عناده مع الصفوية وقد أورده فريدون بيك العثماني في كتاب مجموعة المنشآت العثمانية (ج ٢ ص ٣٣٨ طبع الآستانة)

ومنها كتاب الكتاب الذي كتبه السلطان يعقوب الى السلطان با يزيد من ملوك آل عثمان يخبر فيه بقتله الشريف الأجل السلطان حيدر والد المترجم والكتاب موجود في ذلك المجلد من تلك المجموعة (ص ٣٠٢) فراجع.

واما شجاعة المترجم فلا تسأل عنه ، وقد حكى المورخون من الفريقين بل وغيرهم من أرباب الملل غرائب في هذا الباب حتى رأيت بعضهم يقول في كتابه أنه قدس‌سره كان يدخل المعركة بنفسه النفيسة ويشتغل بالحرب مع العدو قبل جيشه وبعضهم يعبر كذا : أنه كل من راه في القتال يتذكر شجاعة جده أمير المؤمنين سلام الله عليه الى غير ذلك من التعابير ، وكان قدس الله لطيفه شديد الولاء لأهل البيت النبوي كما تفصح عن ذلك كلمات المورخين ، ومن سعادته انسلاك جماعة من العلماء والفقهاء في سلك أمرائه ووزرائه وقواد جيشه وقضاة عسكره ، ومنهم من قتل في محاربته مع السلطان سليم العثماني في (چالدران في سنة ٩٢٠) كالعلامة السيد محمد آل كمونه الحسيني


في أوّل الكتاب متحفا لكتابه إلى شاه بيك خان (١) والى تلك البلاد ، وقرّر على

__________________

الأعرجي النجفي ، والعلامة المير عبد الباقي ، والعلامة المير سيد شريف الصدر وغيرهم.

قال المورخ الجليل إسكندر بيك المنشى التركمانى في كتابه النفيس (عالم آرا ج ١ ص ٤٤ الطبع الجديد بطهران) ما محصله انه لما توفى المترجم وكان يتخلص في شعره بالخطائى وكان معاصرا للسلطان سليم العثماني انشد المولى اميدى الشاعر الشهير هذا البيت

قضا در كارگاه كبريائي

فكنده طرح اسليمى خطائى

ومما يجب التنبيه عليه أنه وقفت في مجموعة فريدون بيك العثماني (ج ٢ ص ٣٦٧) على قصيدتين للناصب الشقي فضل بن روزبهان الذي رد القاضي عليه يحرض السلطان سليم العثماني بعد قضية (چالدران) على قتل المترجم والشيعة إحداهما بالفارسية والأخرى بالتركية حيث يقول :

الا اى قاصد فرخنده منظر

نيازم بر سوى شاه مظفر

بگو اى پادشاه جمله عالم

توئى امروز در مردى مسلم

ومن أبيات تلك القصيدة

فكندى تاجش از سراى مظفر

فكن اكنون بمردى از تنش سر

قزل برك است هم چون ما رافعى

سرش را تا نكوبى نيست نفعى

إلخ وبالجملة استيفاء الكلام في سيرة السلطان المؤيد المترجم يحتاج الى بسط المقال وسعة المجال.

(١) هو محمد المشتهر بشيبك خان تارة وشاه بيك خان أخرى ابن بوداغ (بوداق) سلطان ابن أبي الخير خان الاوزبكى المغولى من أحفاد جنكيزخان الشهير ، وكان المترجم رجلا فاتكا سفاكا للدماء هجم على ما وراء النهر وتصرف بلادها ، ثم على خراسان واستولى عليها وأراق دماء المسلمين ونهب الأموال ، وكان ذلك بعد وفاة السلطان المؤيد شاه اسماعيل الصفوي المتقدم ذكره ، فراجع تاريخ عالم آرا (ج ٢ ص ٥٠ وص ٩٠) وتاريخ حبيب السير وغيرهما.


نفسه أنّ أحدا من علماء الامامية لا يمكن أن يوجد هناك خوفا عن الهلاك ، وكوادن أهل ما وراء النّهر لا معرفة لهم بما عدا فقه أبي حنيفة وأصوله وطرف من ظاهر العربيّة فلا يطلع أحد منهم أيضا على الأكاذيب المودعة في كتابه ، والحق أنّه قد أصاب المخطي في ذلك ، ولهذا قد رأيت في ظهر نسخته الميشومة بخط بعض قضاة ما وراء النّهر سطورا بالغ فيها في مدح هذا الكتاب والثّناء على مؤلّفة قاتلهم الله ، وأما رابعا فلأنّ ما ذكره من أنّ أبا بكر لم يفارق السّقيفة حتّى بايعه جميع الأنصار إلا سعد بن عبادة (١) فكاذب من وجوه كما يدلّ عليه كلام ابن عبد البرّ (٢) في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب حيث قال في ترجمة أبي بكر : إنّه بويع له بالخلافة في اليوم الذي قبض (مات خ ل) فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سقيفة بني ساعدة ثمّ بويع بيعة العامّة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم وتخلّف عن بيعته سعد بن عبادة وطائفة من الخزرج وفرقة من قريش إلخ وكذا ما ذكره من أنّ سعد

__________________

(١) هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة بن أبي حليمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج ابن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي يكنى أبا ثابت ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج ٢ ص ٥٤٨ ط حيدرآباد) : انه كان نقيبا شهد العقبة وبدرا وكان سيدا جوادا ، قال أبو عمرو كان سيدا في الأمصار مقدما وجيها ، له رياسة وسيادة يعترف قومه له بها الى آخر ما ذكره.

(٢) هو الحافظ المحدث الرجالي أبو عمرو يوسف بن عبد الله الأندلسي المغربي كان قدوة ببلاد المغرب في الحديث والرجال والتاريخ ، له تصانيف وتآليف منها كتاب الاستيعاب في معرفة الاصحاب ومنها كتاب المختصر الجامع في بيان العلم وفضله وشرائطه وآداب تعلمه ومنها كتاب في الفقه ، ومنها كتاب في الحديث توفى ببلدة شاطبة سنة ٤٦٣.


ابن عبادة مات بعد سبعة أيام من خلافة أبي بكر كذب صريح يكشف عنه ما ذكره ابن عبد البرّ في كتابه المذكور وابن حجر العسقلاني في كتابه الاصابة في معرفة الصحابة حيث قالا : (١) إنّ سعدا لم يبايع أحدا من أبي بكر وعمر ولم يقدروا على إلزامه كإلزامهم لغيره لكثرة أقوامه من الخزرج ، فاحترزوا عن فتنتهم ولمّا وصل حكومة أهل الإسلام إلى عمر مرّ ذات يوم سعد على سوق المدينة فوقع عليه نظر عمر وقال له ادخل يا سعد في بيعتنا أو اخرج من هذا البلد ، فقال سعد حرام عليّ أن أكون في بلد أنت أميره ، ثمّ خرج من المدينة إلى الشّام وكان له قبيلة كثيرة في نواحي دمشق كان يعيش في كلّ أسبوع عند طائفة منهم ، ففي تلك الأيّام كان يذهب يوما من قرية إلى أخرى فرموه من وراء بستان كان على طريقه بسهم فقتل رضي‌الله‌عنه ، وقال (٢) صاحب روضة الصّفا ما معناه : أنّ سعدا لم يبايع أبا بكر وخرج من المدينة إلى جانب الشّام وقتل بعد مدّة فيها بتحريك بعض العظماء ، وقال البلاذري (٣)

__________________

(١) ذكره في الاستيعاب (ج ١ ص ٣٣٣ ط حيدرآباد الدكن) وفي الاصابة (ج ٢ ص ٢٧ ط مصر) ، وقال فيه بعد كلام طويل ما لفظه : وقصته في تخلفه عن بيعة أبي بكر مشهورة ، وخرج الى الشام فمات بحوران سنة خمسة عشر وقيل ستة عشر.

(٢) هو المورخ الجليل المولى محمد بن برهان الدين محمد خاوند شاه بن السيد كمال الدين محمود البلخي الملقب بمير خان وقيل أمير خان ، كان مؤرخا جليلا توفى سنة ٩٠٣ ، ٩٠٤ ، له كتب منها كتاب روضة الصفا في سير الأنبياء والملوك والخلفاء بالفارسية ، طبع مرات بايران وهند وهو جد صاحب كتاب حبيب السير من قبل امه ، فراجع الريحانة (ج ٤ ص ١١٦ ط طهران) وشذرات الذهب (ص ٢٥٢ ط مصر) ودرر التيجان وغيرها ثم انه ذكر عدم بيعة سعد في كتابه الروضة (ج ٢ ص ٢١٩).

(٣) هو ابو جعفر احمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ الشهير وكان من ندماء المتوكل والمستعين والمعتز العباسيين له تآليف كثيرة ومنها كتاب انساب الاشراف وقد طبع باروبا أولا ثم بمصر.


في تاريخه : إنّ عمر بن الخطاب أشار إلى خالد بن الوليد (١) ومحمّد بن مسلمة الأنصاري (٢) بقتل سعد فرماه كل واحد بسهم فقتل ، ثمّ أوقعوا على أوهام النّاس أنّ الجنّ قتلوه لأجل خاطر عمر ووضعوا هذا الشّعر على لسانهم :

قد قتلنا سيّد الخزرج سعد بن عبادة

فرميناه بسهمين فلم يخطئ فؤاده (٣)

__________________

ومنها كتاب البلدان الكبير وكتاب البلدان الصغير وكتاب فتوح البلدان وغيرها توفى سنة ٢٧٩ في مارستان بغداد فراجع الريحانة (ج ١ ص ١٧١ طبع طهران).

(١) هو خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي أبو سليمان ، وقيل أبو الوليد امه لبابة الصغرى ، وقيل بل هي لبابة الكبرى والأكثر على أن امه لبابة الصغرى بنت الحارث بن حزن الهلالية ، اختلف في وقت إسلامه وهجرته ، فقيل هاجر خالد بعد الحديبية. وقيل بل كان إسلامه بين الحديبية وخيبر ، مات بحمص وقيل بالمدينة سنة إحدى وعشرين او اثنتين وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب ، فراجع الاستيعاب (ج ٢ ص ١٥٣ ط حيدرآباد) والرجل من المتحاملين على مولانا على عليه‌السلام والمبغضين له وتحكى عنه أقاصيص وجنايات وخيانات دالة على سوء حاله ومآله كدخوله بالمعتدة بعدة الوفاة والعجب من إخواننا اهل السنة في تبجيلهم إياه حتى عبروا عنه بسيف الله وسيف رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا ارى لتكريمهم وجها سوى بغضه لأمير المؤمنينعليه‌السلام.

(٢) قال في الاستيعاب (ج ٢ ص ٢٣١ ط حيدرآباد) ما لفظه : محمد بن مسلمة الأنصاري الحارثي ، يكنى أبا عبد الرحمن ، وقيل يكنى أبا عبد الله ، وهو محمد بن مسلمة بن سلمة ابن خالد بن عدى بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس شهد بدرا والمشاهد كلها ومات بالمدينة ، وكانت وفاته بها في صفر سنة ثلاث وأربعين ، وقيل سنة ست وأربعين ، وقيل سنة سبع وأربعين ، وصلّى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ أمير على المدينة.

(٣) وفي هامش نسخة مخطوطة ما لفظه : قال بعض الشعراء :


وأما خامسا فلأنّ قوله : فلو كان الأنصار سمعوا إلخ غير مسموع ، لأنّهم سمعوا ذلك النّص وتذاكروه فيما بينهم ، لكنّهم لم يجعلوه ذلك اليوم حجّة على أبي بكر لشبهة أوقعها أولياء أبي بكر وغيره في قلوب النّاس من أنّ عليّا عليه‌السلام قد تقاعد عن تصدّي الخلافة والتزم البيت وأمسك عن إحياء هذا (١) الميت ، فانّ المذكور في المعتبر من كتب السّير والتواريخ أنه لمّا توفّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتغل عليّ عليه‌السلام مع أصحابه من بني هاشم وغيرهم بتجهيز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعزيته معتقدا أنّ أحدا لا يطمع في هذا الأمر مع وجوده عليه‌السلام أوقع بعض (٢) المنحرفين عن عليّ عليه‌السلام في قلوب الناس أنّه عليه‌السلام قد تقاعد عن تصدّي الخلافة لشدّة ما أصابه من مصيبة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسكن قعر بيته مشتغلا بالحزن والتعزية ، فجاء خزيمة بن ثابت الأنصاري (٣) وقال

__________________

يقولون سعد شقت الجن بطنه

الا ربما حققت أمرك بالغدر

وما ذنب سعد انه بال قائما

ونكن سعدا لم يبايع ابا بكر

(١) الميت : مخففة الميت.

(٢) قال في كتاب الاحتجاج : قيل أيضا : ان محمد بن مسلمة الأنصاري تولى ذلك بجعل جعلت له عليه ، وروى انه تولى ذلك المغيرة بن شعبة ، انتهى. منه «قده».

(٣) هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن الثعلبة الخطمي الأنصاري الأويسي من بنى خطمة صحابى جليل ، يعرف بذي الشهادتين لجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهادته مقام شهادة رجلين ، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج ١ ص ١٥٧ ط حيدرآباد) ما لفظه : نه شهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، وكانت راية خطمة بيده يوم الفتح ، وكان مع على رضى الله عنه بصفين ، فلما قتل عمار جرد سيفه فقاتل حتى قتل رضى الله عنه ، وكانت صفين سنة سبع وثلاثين ، روى عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت من وجوه قد ذكرتها في كتاب (الاستظهار) في حديث عمار قال ما زال جدي خزيمة بن ثابت مع على بصفين كافا بسلاحه وكذلك فعل يوم الجمل ، فلما قتل عمار بصفين ، قال خزيمة سمعت رسول الله (ص) يقول تقتل عمارا الفئة الباغية ، ثم سل سيفه فقاتل حتى قتل انتهى. ومن أراد


لقومه من الأنصار ما سمعه من حال عليّ عليه‌السلام وذكر أنه لا بدّ ممن يلي هذا الأمر وليس سواه قرشي يليق بذلك ، فخاف الأنصار أن تشتد عليهم البلية ويلي هذا الأمر قرشي فظ غليظ ينتقم منهم للثارات الجاهلية والأضغان البدرية ، فتوجهوا إلى سعد بن عبادة سيد الأنصار وحضروا السقيفة ملتمسين منه قبول الخلافة ، فأبى سعد عن ذلك لمكان عليّ عليه‌السلام وأنه المنصوص بالخلافة عن الله تعالى ورسوله عليه‌السلام ، فلما سمع قريش بذلك وكانوا منتهزين للفرصة دلسوا في الأمر وعجّلوا في البيعة لأبي بكر ، فبادروا إلى السقيفة لتسكين نائرة الأنصار والتمسوا بيعة أبي بكر عنهم بالطوع والإجبار فقال لهم الأنصار إذا تركتم نصّ الله تعالى ورسوله عليه الصّلاة والسّلام فليس أحد منّا ومنكم بعد عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أولى من غيره ، فمنّا أمير ومنكم أمير ، فأبى أبو بكر وأصحابه عن ذلك محتجّين في ذلك بأنّ الأئمة من قريش ، وأبي سعد عن قبول إمارتهم متمسّكا بأنّ المنصوص لذلك غيرهم ، فاضطرب الحال إلى أن مال قلب بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري (١) رغما لابن عمّه سعد بن عبادة إلى ترجيح جانب قريش وموافقتهم ، فقوى أمر قريش وبادر عمر إلى صفق يده على يد أبي بكر وبايعه هو وجماعة من أضرابه فلتة كما أخبر عنه هو بعد ذلك بقوله : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها عن المسلمين ، وفي كتاب المواهب لمحمّد بن جرير الطبري الشافعي عن أبي علقمة ، عن سعد بن عبادة قال أبو علقمة : قلت لابن عبادة وقد مال النّاس إلى بيعة أبي بكر : ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون ، قال : إليك عنّي فو الله لقد سمعت

__________________

الوقوف على ترجمته بأزيد من هذا فليراجع كتب الرجال لأصحابنا والاصابة واسد الغابة والخلاصة للقوم.

(١) هو بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاص بن زيد بن مالك الخزرجي الأنصاري أبو النعمان قال في الاستيعاب (ج ١ ص ٦٢ طبع حيدرآباد) انه قتل هو وخالد بعين التمر في زمن أبي بكر يروى عنه جابر بن عبد الله إلخ.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا أنا متّ تضل الأهواء ويرجع النّاس على أعقابهم ، فالحق يومئذ مع عليّ وكتاب الله بيده لا تبايع أحدا غيره ، فقلت له هل سمع هذا الخبر أحد غيرك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال أناس في قلوبهم أحقاد (١) وضغائن ، قلت بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس كلّهم ، فحلف أنّه لم يهمّ بها ولم يردها وأنّهم لو بايعوا عليّا كان أوّل من بايع سعد (٢) انتهى ، وروى الشّيخ الفاضل أبو السّعادات (٣) الحلّي رحمة الله تعالى عليه في شرح دعاء صنمي قريش أنّه اجتمع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وإخوانهم في سقيفة بني ساعدة يطلبون الحكم والبيعة من غير اكتراث (٤) من أهل البيت وبني هاشم وكلّ واحد من هؤلاء الثلاثة يرجو الأمر والحكم لنفسه ويعطفه على (عن خ ل) (٥) صاحبه فأنكر عليهم الأنصار

__________________

(١) يدل عليه ما رواه صاحب كتاب الاحتجاج عن فاطمة عليها‌السلام في جملة كلام لها في مرض موتها ، وهي قولها : وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا والله منه بكسر سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة ووطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله. منه. «قده».

(٢) ويدل على ما ذكره سعد رضى الله عنه : أن أكثر العرب كانوا يتوقعون بيعة على عليه‌السلام بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد نطق بذلك ما ذكره ابن اعثم في الفتوح في باب قصة أهل حضرموت وما جرى بين زياد بن لبيد الأنصاري عامل الصدقات في أول خلافة أبي بكر وبين حارث بن سراقة ، وبعد ذلك بينه وبين بنى زبيد وما جرى بين أبي بكر ومالك بن نويرة الحنفي الى غير ذلك.

(٣) الظاهر أن المراد به العلامة أبو السعادات صاحب كتاب رشح الولاء في شرح هذا الدعاء وعليه فقد مرت ترجمته في (ج ١ ص ٣٣٧) فراجع ولكن الذي يبعده توصيفه بالحلى كما في أكثر نسخ الكتاب وصاحب الرشح اصفهانى فتدبر.

(٤) المبالاة والاعتناء.

(٥) معنى العبارة على تقدير تعدية يعطفه ب (على) أن كل واحد منهم يذكر صاحبه ثم


وأصرّوا على الدّفاع والامتناع ، واحتجوا عليهم بما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عليّ من التّوكيد في إمامته في مواطن شتّى وأمره إيّاهم بالتّسليم عليه بامرة المؤمنين فقال أبو بكر قد كان ذلك لكن نسخه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : إنا أهل بيت كرمنا الله واصطفانا بالنّبوة ولم يرض لنا بالدّنيا وأنّ الله لا يجمع لنا النبوّة والخلافة فصدّقاه عمر وأبو عبيدة في ذلك وعللا قعود علي في بيته والاشتغال بتجهيز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دون تصدّي أمر الخلافة بعلمه بتحويل الأمر عنه ، فقالت الأنصار إذا لا نرضى بأمارة غيرنا علينا منّا أمير ومنكم أمير ، وذكروا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأئمة من قريش وشبّهوا الأمر على الأنصار وسائر الامة وقطعوا بذلك حجّتهم وأخذوا بيعتهم ، ولمّا فرغ علي وأصحابه عن تجهيز النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودفنه وتكلموا في ذلك اعتذروا تارة بأنّ النّاس بايعوا ولم يكن لهم علم بأنّك تنازعهم في الأمر. ونكث البيعة الواقعة يورث مفاسد بين المسلمين وخللّا في أركان الدين ، وتارة بأنّهم ظنوا أنّك بشدة مصيبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرحت الخلافة والأمارة ، فاتّفق أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تفويض الأمر إلى أبي بكر إلى غير ذلك من الأعذار التي ستجيء مع أجوبتها في الموضع اللائق بها ، ومما يقلع عرق إنكارهم ويوضح رجوعهم على إدبارهم ما ذكره ابن (١) قتيبة وهو من أكبر شيوخ

__________________

يذكر نفسه بالعطف عليه دفعا للتهمة وعلى تقدير تعديته ، (عن) أن كل واحد منهم يذكر للخلافة نفسه وينفيها عن صاحبه فان كلمة العطف إذا تعدى بعن يفيد معنى الاعراض.

(١) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة المروزي الأصل الكوفي الباهلي القبيلة ، الأديب المؤرخ الكاتب الشاعر ، له كتب منها كتاب أدب الكاتب طبع مرارا ومنها كتاب السياسة والامامة طبع مرارا ، ومن الأسف أنه قد دس وحرف في طبعاته الاخيرة بمصر ، ومن ثم زال الاعتماد عليها ، فكم له من نظير ومنها كتاب دلائل النبوة ، ومنها كتاب طبقات الشعراء ، ومنها كتاب عيون الاخبار ، ومنها كتاب


أهل السنّة وله عدّة مصنفات في إمامة أبي بكر وغيرها من الكتب ، قال (١) في كتاب السّياسة في باب إمامة أبي بكر وإباء عليّ عن بيعته : ما هذه صورته ، وذكروا أنّ عليّا اتى به أبو بكر وهو يقول أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له بايع أبا بكر ، فقال أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم ، وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأخذونه منّا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر لمكان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منكم ، فأعطوكم المقادة (٢) وسلّموا إليكم الأمارة فأنا أحتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار ، نحن أولى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيّا وميتا فأنصفونا إن كنتم تخافون من أنفسكم وإلا تبوّءوا بالظلم وأنتم تعلمون ، فقال له عمر : أنت لست متروكا حتّى تبايع ، فقال له عليّ احلب حلبا لك شطره اشدده له اليوم ليرده عليك غدا ، ثمّ قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه ، فقال له أبو بكر : فان لم تبايعني فلا أكرهك ، فقال عليّ : يا معشر المهاجرين الله الله لا تخرجوا سلطان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ، ما كان فيه القاري لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، انتهى ما قصدنا إيراده من كلامه ، وفيه كما قال بعض الفضلاء عدّة شواهد على ما تدعيه الشيعة من قوله :

__________________

المعارف ، ومنها كتاب مشكل الحديث ، ومنها كتاب مشكل القرآن ، وغيرها من الآثار التي سردها ابن النديم في الفهرست ، توفى سنة ٢٧٠ ، وقيل ٢٧١ ، وقيل ٢٧٦ فراجع الريحانة (ج ٦ ص ١١٤ ط طهران).

(١) هذه العبارات مذكورة بعينها في كتاب الامامة والسياسة تأليف الامام الفقيه أبي محمد عبد الله بن مسلم (ص ١١ ط مصر).

(٢) المشي امام الشيء آخذا بقياده.


أنا أحق بهذا الأمر منكم ، وقوله : تأخذونه منا أهل البيت غصبا ، وقوله : لنحن أولى برسول الله حيا وميتا ، وقوله : لا تخرجوا سلطان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرب من داره وقعر بيته وتدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فو الله لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم (١) ، ونحن معاشر الامامية نقول : صدق عليّ في جميع ذلك ، والنواصب يلزمهم أن يقولوا كذب ، وليت شعري أين محبتهم لأهل البيت وكيف يجعلونه كاذبا في جميع ذلك وهو عندهم إمام؟ أم كيف يجعلونه صادقا فيلزم تكذيب إمامهم الأوّل؟ وكيف يجمع ابن قتيبة بين هذا الحديث وبين قوله بأيهم (٢) اقتديتم اهتديتم ، (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٣)، وأما سادسا فلأن ما ذكروه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمة من قريش صحيح ويؤيده قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحاح الأحاديث (٤): إنّ الإسلام لا يزال عزيزا ما مضى فيهم اثنا عشر خليفة كلّهم

__________________

(١) مع ضم هذه المقدمة أنهم لم ينكروا هذه الجمل حيث سمعوها عنه ع وسكوتهم في المقام من أقوى المؤيدات لإذعانهم بما خاطبهم بها.

(٢) قد مر في الجزء الاول (ص ٢٤) أن هذا الحديث من الموضوعات مع عدم دلالته على فرض الصدور.

(٣) اقتباس من قوله تعالى في سورة الصف. الآية ٨.

(٤) وقد ذكرت عدة منها في جامع الأصول (ج ٤ ص ٤٤٠ ط مصر) فروى عن جابر بن سمرة رضى الله عنه ، قال سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يكون بعدي اثنا عشر أميرا ، فقال : كلمة لم اسمعها ، فقال أبي : انه قال كلهم من قريش.

وفي رواية قال : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ، ثم تكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلمة خفيت على ، فسألت أبي : ما ذا قال رسول الله؟ فقال : كلهم من قريش. هذه رواية البخاري ومسلم.

وفي رواية أخرى لمسلم أورده في (ج ص ١٠٨ طبع مصر القديم) انطلقت الى رسول الله صلّى


__________________

الله عليه وآله وسلّم ومعى أبي فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثنى عشر خليفة ، فقال كلمة صمنيها الناس فقلت لأبي : ما قال؟ قال : كلهم من قريش.

وفي رواية أخرى له أورده في (ج ٢ ص ١٠٧ طبع مصر) قال : دخلت مع ابى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول : ان هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيه اثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلم بكلام خفى على فقلت لأبي ما قال؟ قال كلهم من قريش.

وفي رواية أخرى لا يزال الإسلام عزيزا الى اثنا عشر خليفة ، ثم ذكر مثله.

وفي رواية الترمذي قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يكون من بعدي اثنا عشر أميرا. قال : ثم تكلم بشيء لم أفهمه ، فسألت الذي يليني ، فقال : كلهم من قريش.

وفي رواية ابى داود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الامامة. فسمعت كلاما من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم أفهمه ، فقلت لأبي : ما تقول؟ قال : كلهم من قريش.

وفي أخرى قال : لا يزال هذا الدين عزيزا الى اثنى عشر خليفة ، قال : فكبر الناس وضجوا : ثم قال كلمة خفيفة ؛ وذكر الحديث.

وفي أخرى بهذا الحديث : وزاد فلما رجع الى منزله أتته قريش ، فقالوا : ثم يكون ما ذا؟ قال : ثم يكون الهرج.

وفي مفتاح المسند نقلا عن المسند انه روى الحديث في (ج ٥ ص ٨٦ طبع مصر القديم) وص ٨٧ وص ٩٢ وص ٩٦ وص ٩٧ وص ٩٨ وثلاثة أسانيد في ص ٩٩ وص ١٠٠ وص ١٠٦ وص ١٠٧ مجموعها اثنا عشر سندا فراجع.

وفي مقتل الحسين لا خطب خطباء خوارزم (ج ١ ص ٩٥ طبع النجف الأشرف) وانهى الرواية الى ابى سلمى راعى ابل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي فرائد السمطين للحموينى في آخر الجزء الثاني وانهى الحديث الى ابى سلمى راعى ابل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى غير ذلك من الروايات المودعة في كتب القوم أضف


من قريش وكان المراد من الخليفة الأوّل القرشي عليّ عليه‌السلام لكن لمّا أوقعوا في القلوب أنّه عليه‌السلام تقاعد عن تصدّي الخلافة كما ذكرنا سابقا موّهوا ذلك بجواز العدول إلى قرشي آخر ، وأما سابعا فلأنّ قوله : فلم لم يقولوا : الإمامة لعليّ بنصّ من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلخ مدفوع بما مرّ وسيجيء من أنّهم قالوا ذلك ، لكن شبّهوا الأمر على الناس بتقاعد عليّ عليه‌السلام ومع هذا قد أصرّ بعض أهل السقيفة في التّخلّف عن بيعة أبي بكر وقالوا : لا نبايع أحدا غير عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كما مرّ أيضا ، وقد صرّح به سيّد

__________________

على ذلك كلمات فطاحلهم وهي في غاية الكثرة ولنسرد بطريق الفهرست أسماء بعضهم ممن وقفنا حال تحرير هذه التعليقة على كتابه.

(١) الماوردي في كتاب الاحكام السلطانية ص ٤.

(٢) الباقلاني في كتاب التمهيد ص ١٨١.

(٣) البلخي القندوزى في الينابيع في الباب السابع والسبعين.

(٤) ابن بطريق الحلي في كتاب العمدة.

(٥) السيد على العارف الهمداني في كتاب مودة القربى في المودة العاشرة.

(٦) الترمذي في السنن.

(٧) الفراء صاحب المصابيح.

(٨) ابو داود في السنن.

(٩) الثعلبي في الكشف والبيان على نقل الثقاة.

(١٠) البخاري في صحيحه بإسناده الى جابر بن سمرة وعيينة عن ابن عمر.

(١١) مسلم في صحيحه.

(١٢) ابن المغازلي الشافعي في المناقب.

(١٣) أخطب خطباء خوارزم في المناقب.

(١٤) ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة.


المحدثين (١) في روضة الأحباب ، وبما قررناه يعلم أيضا بطلان ما ذكره النّاصب آخرا من سكوت الأنصار ، واما ثامنا فلأنّ ما ذكره أنّ شيئا ممّا ذكره المصنّف لا يلزم الأشاعرة حقّ وصدق لكن من حيث إنّهم ذهبوا إلى أنّ الله تعالى خالق كلّ شيء فان لزم شيء فهو لازم لله على مذهبهم فافهم هذا فانّه لطيف جدّا. (٢)

قال المصنّف رفع الله درجته

المبحث الرابع في تعيين الامام ذهبت الاماميّة كافة إلى أنّ الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وقالت السّنة : إنّه أبو بكر بن أبي قحافة ، ثمّ عمر بن الخطاب ثمّ عثمان بن عفّان ثمّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وخالفوا المعقول والمنقول ، مّا المعقول فهي الأدلّة الدّالة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام من حيث العقل وهي من وجوه الوجه الاول الامام يجب أن يكون معصوما على ما تقدّم وغير عليّ من الثلاثة لم يكن معصوما بالإجماع ، فتعيّن أن يكون هو الامام ، الثاني شرط الامام أن لا يسبق منه المعصية على ما تقدّم والمشايخ قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام فلا يكونون

__________________

(١) هو العلامة السيد الأمير عطاء الله جمال الدين بن المير فضل الله الحسيني الدشتكي الشيرازي النيسابوري ، المحدث الفقيه المتكلم الخطيب له تآليف كثيرة ، منها. كتاب روضة الأحباب في سيرة النبي والال والاصحاب ، قد طبع بالهند وترجم بالتركية وطبعت بالاستانة ألفه بأمر الوزير الأمير على شير النوائى ، ومن تآليفه كتاب تحفة الأحباء وكتاب الأربعين حديثا في فضائل أمير المؤمنين على عليه‌السلام وكتاب في أحوال اولاد أمير المؤمنين عليه‌السلام وغيرها ، توفى سنة ٩١٧ ، وقيل سنة ٩٢٦ ، وقيل سنة ١٠٠٠ وله ولد فاضل جليل وهو الأمير نسيم الدين محمد ميرك شاه ، فراجع الريحانة (ج ٢ ص ٤٢٦ ط تهران).

(٢) الى هنا تم ما طبع من الكتاب بمصر سنة ١٣٢٦ تحت اشراف العلامة المرحوم الشيخ حسن دخيل النجفي طاب ثراه.


أئمة فتعيّن عليّ عليه‌السلام لعدم الفارق (١) ،الثالث الامام يجب أن يكون منصوصا عليه على ما تقدّم وغير علي عليه‌السلام من الثلاثة لم يكن كذلك فتعيّن هو ، الرابع الامام يجب أن يكون أفضل من الرّعيّة وغير عليّ من الثلاثة لم يكن كذلك فتعيّن عليّ عليه‌السلامالخامس الامامة رياسة عامّة وإنّما تستحقّ بأوصاف الزّهد والعلم والعبادة والشجاعة والايمان وسيأتي أنّ عليّا عليه‌السلام هو الجامع لهذه الصفات على الوجه الأكمل الذي لم يلحقه غيره فيكون هو الامام انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : مذهب أهل السنّة والجماعة أنّ الامام بالحقّ بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر الصدّيق وعند الشّيعة عليّ المرتضى عليه‌السلام كرّم الله وجهه ورضي عنه ودليل أهل السنّة وجهان الاول أنّ طريق ثبوت الامامة إمّا النص أو الإجماع بالبيعة ، أما النص فلم يوجد لما ذكرناه ولما سنذكر ونفصل بعد هذا إنشاء الله تعالى ، وأما الإجماع فلم يوجد في غير أبي بكر اتّفاق من الامة الوجه الثاني أنّ الإجماع منعقد على حقيّة إمامة أحد الثلاثة أبي بكر وعلي والعباس ، ثمّ إنهما لم ينازعا أبا بكر ولو لم يكن على الحقّ لنازعاه كما نازع عليّ عليه‌السلام معاوية ، لأنّ العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك ، ولأنّ ترك المنازعة مع الإمكان مخلّ بالعصمة إذ هو معصية كبيرة توجب انثلام العصمة ، وأنتم توجبونها في الامامة وتجعلونها شرطا لصحة إمامته ، فان قيل لا نسلّم الإمكان أى إمكان منازعتهما أبا بكر ، قلنا : قد ذهبتم وسلّمتم أنّ عليا عليه‌السلام كان أشجع من أبي بكر وأصلب منه في الدّين وأكثر منه قبيلة وأعوانا وأشرف منه نسبا وأتمّ منه حسبا ، والنص الذي تدّعونه لا شك أنّه كان بمرئى من الناس وبمسمع منه ، والأنصار لم يكونوا يرجحون أبا بكر على عليّ عليه‌السلامو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكر في آخر

__________________

(١) أى الاحتمال الثالث وهو كون الغير اماما.


عمره على المنبر وقال : إنّ الأنصار كرشي وعيبتي (١) وهم كانوا الجند الغالب والعسكر وكان ينبغي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى الأنصار بامداد عليّ عليه‌السلام في أمر الخلافة وأن يحاربوا من يخالف نصه في خلافة عليّ ، ثمّ إنّ فاطمة عليها‌السلام مع علوّ منصبها زوجته والحسن والحسين مع كونهما سبطي رسول الله ولداه والعباس مع علوّ منصبه عمه ، فانه روي أنه قال لعلي عليه‌السلام : امدد يدك أبايعك حتى يقول الناس بايع عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن عمه فلا يختلف فيك اثنان والزّبير مع شجاعته كان معه حتى قيل : إنه سلّ السيف وقال لا أرضى بخلافة أبي بكر ، وقال أبو سفيان : أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي عليكم تيمي والله لأملان الوادي خيلا ورجلا ، وكرهت الأنصار خلافة أبي بكر فقالوا : منا أمير ومنكم أمير كما ذكرنا ، ولو كان على إمامة عليّ نصّ جلي لأظهروه قطعا ولأمكنتهم المنازعة جزما كيف لا وأبو بكر عندهم شيخ ضعيف جبان لا مال له ولا رجال ولا شوكة ، فأنى يتصور امتناع المنازعة معه ، وكلّ هذه الأمور يدلّ على أنّ الإجماع وقعت على خلافة أبي بكر ولم يكن نصّ على خلافة غيره ، وبايعه عليّ عليه‌السلام حيث رآه أهلا للخلافة عاقلا صبورا مداريا شيخا للإسلام ، ولم يكن غرض بين الصحابة لأجل السلطنة والزّعامة ، بل غرضهم كان إقامة الحق وتقويم الشريعة ليدخل الناس كافة في دين الإسلام ، وقد كان يحصل هذا من خلافة أبي بكر فسلموا إليه الأمر وكانوا أعوانا له في إقامة الحقّ ، هذا هو المذهب الصحيح والحقّ الصريح الذي عليه السواد الأعظم من الامة ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليكم بالسواد الأعظم ، وأما ما استدل به من الوجوه العقلية على خلافة علي عليه‌السلام فالأول وجوب كون الامام معصوما وقد قدّمنا عدم وجوبه لا عقلا ولا شرعا ، وجواب الثاني عدم اشتراط أن لا يسبق منه معصية كما قدّمنا ، وجواب الثالث عدم وجوب النصّ لأنّ الإجماع في هذا كالنصّ ، وجواب الرابع عدم وجوب

__________________

(١) قد مر نقل هذا الحديث وبيان محله في الجزء الاول (ص ٢٤).


كون الامام أفضل من الرّعية كما ذكر إذا ثبت أفضلية علي كرم الله وجهه ، وجواب الخامس أنّ أوصاف الزّهد والعلم والعبادة والشجاعة والايمان كانت موجودة في المشايخ الثلثة ، وأما الأكملية في هذه الأوصاف فهي غير لازمة إذا كانوا أحفظ للحوزة انتهى.

أقول

مواقع الإيراد في كلامه مما لا يحصى ، أما أولا فلأنّ إنكاره للنصّ باطل بما ذكرناه وسنذكره إن شاء الله تعالى مفصلا ، واما ثانيا فلأنّ انعقاد الإجماع على إمامة أبي بكر ممنوع بل محقّق العدم كما مرّ بيانه مفصلا ونزيد عليه هاهنا ، ونذكر ملخّص ما أفاده بعض أعلام علمائنا قدس‌سرهم من أنّ الإجماع على ما في منهاج البيضاوي (١) ومختصر ابن الحاجب (٢) وشروحه عبارة عن اتفاق جميع أهل الحلّ والعقد يعني المجتهدين وعلماء المسلمين على أمر من الأمور في وقت واحد ، والجمهور أنفسهم قد تكلموا على تحقق الإجماع وشرائطه حسبما ذكر في الشرح العضدي وغيره بأنّ الإجماع أمر ممكن أو محال ، وعلى تقدير إمكانه هل له تحقق أولا ، وعلى التقادير كلّها هل هو حجة ودليل على شيء أم لا؟ وعلى تقدير كونه حجة ودليلا هل هو كذلك ما لم يصل ثبوته إلى حدّ التواتر أولا؟ وفي كلّ ذلك اختلاف بين علمائهم فلا بدّ لهم من إثبات ذلك كلّه حتى يثبت إمامة أبي بكر ، وليت شعري أنّ من لم يقل منهم بذلك كلّه كيف يدعي حقية إمامة أبي بكر ويتصدّي لإثباتها ، ثم بعد ذلك خلاف آخر وهو أنه هل يشترط في حقيقة الإجماع أن لا يتخلّف ولا يخالف أحد من المجمعين

__________________

(١) قد مرت ترجمته في (ج ٢ ص ١٣٦) وكتابه المسمى بالمنهاج في اصول الفقه وقد طبع.

(٢) قد مرت ترجمته في (ج ١ ص ١٧٠) وكتابه المختصر في اصول الفقه وقد طبع.


إلى أن يموت الكلّ وايضا قد اختلفوا في أنّ الإجماع وحده حجة أوّلا أو لا بدّ له من سند هو الحجة حقيقة ، والسند الذي قد ذكروه في دعوى إجماعهم على خلافة أبي بكر هو قياس فقهي قاسوه فقالوا : إنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مرضه أمر أبا بكر أن يصلي إماما للجماعة ، وإذا جعله إماما في أمر الدّين ورضي به فيكون أرضى لإمامته في أمر الدّنيا وهو الخلافة فقد قاسوا أمر الخلافة على إمامة الصلاة (١) وزعموه سندا وقد عبروا عن ذلك بعبارات متقاربة مذكورة في شرح التجريد (٢) والمواقف (٣) والطوالع (٤) والكفاية (٥) للصابوني الحنفي والصواعق (٦) المحرقة لابن حجر المتأخر الشافعي

__________________

(١) وفي تحرير اصول الفقه لابن همام الحنفي وشرحه لبعض أهل ما وراء النهر ووقع قياس الامامة الكبرى للصديق على امامة الصلاة منه بإجماع الصحابة عليها فانه عين أبا بكر لامامة الصلاة كما في الصحيحين وغيرهما وقال ابن مسعود : لما قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قالت الأنصار : ألستم تعلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر ابا بكر أن يصلى بالناس حديث حسن أخرجه أحمد والدارقطني عن النزال بن سيرة منه «قده».

(٢) هو للفاضل القوشجي ويعرف بالشرح الجديد وقد مرت ترجمة مصنفه.

(٣) هو للقاضي الإيجي وقد مرت ترجمته في الجزء الاول.

(٤) هو للعلامة القاضي البيضاوي صاحب التفسير وقد مرت ترجمته.

(٥) هو كتاب الكفاية في الكلام للشيخ أبي المحامد وقيل أبي بكر نور الدين أحمد ابن محمود بن أبي بكر الصابوني البخاري الحنفي المتوفى سنة ٥٨٠ فراجع كشف الظنون ج ٢ ص ١٤٩٩ الطبع الجديد الذي انتشر بالاستانه.

(٦) هو كتاب الصواعق المحرقة للشيخ أحمد بن محمد بن على بن حجر الهيتمى المكي السعدي الشافعي الصوفي المحدث ، أخذ عن الشهاب الرملي وشمس الدين اللقاني والشمس السمهودي والشمس المشهدي والطبلاوى والشهاب بن البخار وغيرهم ، له كتب كثيرة :

منها الصواعق المحرقة وفيه الغث والثمين ومواقع للنظر وأرجو منه تعالى


والرّسالة الفارسية في العقائد لأحمد (١) الجندي الحنفي وغيرها أشهرها ما ذكرناه (٢)

__________________

التوفيق للتعرض بدفع كلماته في خلال المجلدات التالية وقد رد عليه مولانا القاضي الشهيد صاحب الكتاب بكتاب سماه الصوارم المهرقة وهو مطبوع والرجل من المعروفين بترك سلوك مهيع الإنصاف وركوب مراكب الاهوية والميول ، ويستمل غالبا بكتاباته ومقالاته قلوب ملوك آل عثمان وولاتهم كما هو لائح لمن جاس خلال تلك الديار وذلك لأنهم كانوا يحرضون المسلمين على سفك دماء شيعة آل رسول الله حتى لا يتم الأمر للسادة الملوك الصفوية وأمثال المترجم كانوا من المرتزقة منهم على تأييد هذا الصنيع جزاهم الله جزاء من شتت المسلمين وفرق جموعهم ومن تآليف المترجم كتاب تحفة المحتاج في شرح المنهاج ، والزواجر عن اقتراف الكبائر ، والفتاوى الحديثية والامداد في شرح الإرشاد وشرح المشكاة وكف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع وغيرها من الكتب والرسائل وقد طبعت جلها ، ثم الهيتمى نسبة الى محلة أبي الهيتم من مديرية الغربية بمصر ويقال النسبة إليها بالثاء المثلثة ، هكذا في المقدمة التي كتبها الأستاذ الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ اللطيف للصواعق ، والأشهر بين ارباب التراجم كونه بالتاء المثناة نسبة الى ما ذكر توفى المترجم سنة ٩٧٤ بمكة كما في النور السافر والشذرات وغيرهما ، ثم التوصيف في عبارة الكتاب لئلا يذهب الوهم الى ابن حجر العسقلاني صاحب الاصابة وهو متقدم زمانا والكلام الذي يشير اليه مولانا القاضي الشهيد مذكور في الصواعق.

(١) هو المحقق المولى أحمد الجندي او الجندارى الحنفي من علماء المائة الثامنة ، وله تآليف وتصانيف ، منها الرسالة الاعتقادية التي يحيل إليها مولانا القاضي الشهيد قدس‌سره وفي بعض النسخ وصفه بالجنيدى ولا يبعد كونه جنيدى الطريقة في التصوف والعرفان فلاحظ وتدبر.

(٢) وهو عبارة شرح التجريد ومن وافقه وأما عبارة المواقف وشرحه فهي قوله :الثامن أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم استخلف أبا بكر في الصلاة حال مرضه واقتدى به وما


__________________

عزله فيبقى اماما فيها ، وكذا في غيرها إذ لا قائل بالفصل ثم لم يرض بذلك حتى كذب على على عليه‌السلام أنه قال مخاطبا لأبي بكر قدمك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمر ديننا أفلا نقدمك لأمر دنيانا (انتهى) وأقول : وهنه ظاهر ، اما أولا فلما ستعرف أنا لا نسلم الأصل أصلا ، وأما ثانيا فلان دعوى عدم العزل فبمعزل عن الصدق كما يدل عليه رواية شارح المواقف عن البخاري وغيره ، واما ثالثا فلان القائل بالفصل موجود وهم الامامية وهو القول الفصل ، وأما رابعا فلان عدم القول بالفصل ليس قولا بعدم الفصل حتى يلزم من القول بالفصل خرق الإجماع المركب ، وقال ابن حجر في صواعقه : ان وجه ما يقرر من الأمر بتقديم أبي بكر في الصلاة كما ذكر فيه الاشارة أو التصريح باحقيته بالخلافة ، وأن القصد الذاتي من نصب الامام العام ، إقامة شرايع الدين على الوجه المأمور من أداء الواجبات وترك المحرمات واحياء السنن واماتة البدع ، وأما الأمور الدنيوية وتدبيرها كاستيفاء الأموال من وجوهها وإيصالها الى مستحقها ودفع الظلم ونحو ذلك فليس مقصودا بالذات بل ليتفرغ الناس لأمور دينهم ، إذ لا يتم تفرغهم الا إذا انتظمت امور معاشهم بنحو الأمر على الأنفس والأموال ، ووصول كل ذى حق الى حقه ، فلذلك رضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمر الدين وهو الامامة العظمى أبا بكر بتقديمه للامامة في الصلاة كما ذكرناه ومن ثم أجمعوا على ذلك كما مر (انتهى) وأقول : سقوطه ظاهر أما أولا ، فلان احتمال الاشارة والتصريح فيما ذكره يدل على تحقق النص الخفي والجلى على امامة أبي بكر ، وقد اتفق القوم على فقدان النص في شأن الكل واما ثانيا فلان ما ذكره من أن القصد الذاتي من نصب الامام إقامة شرائع الدين إلخ ان أراد به أن المقصود الذاتي من نصب الامام ذلك والأمور الدنيوية المذكورة تبع له فلو سلم لا يفيد في مطلوبه ، وانما يفيد لو لم يكن مقصودا بالذات في الدين وهذا غير لازم من ذاك ، وكيف لا تكون الأمور الدنيوية كاقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيوش للجهاد وكثير من الأمور المتعلقة بحفظ النظام وحماية بيضة الإسلام وإنفاذ المعروف وإزالة المنكر واصلاح المعاش والمعاد مقصودا اصليا في الدين ، وان أراد به أن المقصود الذاتي في الدين من نصب الامام ذلك


ولا يخفى فساده على من له أدنى معرفة بالأصول لأنّ إثبات حجية القياس في غاية الاشكال وعلماء أهل البيت عليهم‌السلام والظاهرية (١) من أهل السنة وجمهور المعتزلة ينفون حجيته ويقيمون على قولهم حججا عقلية ونقلية وسيجيء نبذ منها في بحث القياس من مسائل اصول الفقه ، ولغيرهم أيضا في أقسامه وشرائطه اختلاف كثير ، وعلى تقدير ثبوت ذلك الذي دونه خرط القتاد إنما يكون القياس فيما إذا كان هناك علّة في الأصل ويكون الفرع مساويا للأصل في تلك العلّة ، وهاهنا العلّة مفقودة بل الفرق ظاهر لأنّ الصلاة خلف كلّ برّ وفاجر جايز عندهم بخلاف الخلافة إذ شرطوا فيها العدالة والشجاعة والقرشية وغيرها ، وأيضا أمر إمامة الجماعة أمر واحد لا يعتبر فيه العلم الكثير ولا الشجاعة والتدبير وغيرها مما يشترط عندهم في الخلافة فإنها لمّا كانت سلطنة وحكومة في جميع امور الدين والدنيا يحتاج إلى علوم وشرائط كثيرة لم يكن شيء منها موجودا في أبي بكر وأخويه فلا يصح قياس هذا بذاك وقول بعضهم : إنّ الصلاة من امور الدّين والخلافة من امور الدنيا غلط ظاهر ، لأنّ المحققين

__________________

وما عداه مقصود بالتبع فيه فغير مسلم ، بل الكل مقصود بالذات من الدين كما أوضحناه هذا ، ولا يخفى أن قوله آخرا : ومن ثم اجمعوا على ذلك صريح أيضا فيما ذكرناه من أنهم جعلوا ذلك القياس الفقهي سندا للإجماع فاحفظه فانه نافع في المباحث الآتية.

(١) هم فرقة من المسلمين تركوا الاقيسة والاستحسانات والآراء في الاحكام وحصروا المستند في الكتاب والسنة آخذين بالظواهر المحضة ولكنهم افرطوا في ذلك بحيث ذهبوا الى اسناد التجسم اليه تعالى واثبات الأعضاء له أخذا بظاهر يبصر ويبطش واستوى ونحوها ، ورئيسهم داود الاصفهانى ، ومن عظمائهم ابن حزم الأندلسي كما يفصح عن ذلك كتاباه المحلى والفصل وغيرهما ، وقد مرت ترجمتهما وما يتعلق بهؤلاء في أوائل الكتاب فراجع.


منهم كالشارح الجديد (١) للتجريد عرّفوا الامامة بالحكومة العامة في الدّين والدّنيا وظاهر أنّه كذلك مع أنّ الأصل ليس بثابت ، لأنّ الشيعة ينكرون ذلك كمال الإنكار ويقولون : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر النّاس في مرضه بالصّلاة ، فقالت عائشة بنت أبي بكر لبلال (٢) ، إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أن يؤمّ أبو بكر النّاس في الصّلاة فلمّا اطلع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) فراجع شرح الفاضل القوشجي والى شرح المواقف (ج ٢ ص ٤٦٩ طبع مصر).

(٢) وبالجملة الاتفاق واقع على أن الأمر الذي خرج الى بلال لم يكن مشافهة من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن قال له : يا بلال قل : لأبي بكر أن يصلّى بالناس أو قل للناس : يصلون خلف أبي بكر بل كان واسطة بينهما ؛ لان بلالا لم يحصل له الاذن في تلك الحالة بالدخول على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاشتغال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمرض وحضور عائشة عنده ، فإذا كان بواسطة يحتمل ان يكذب الواسطة ، لأنه غير معصوم ، وإذا احتمل كذبه لم تبق في هذا الأمر حجة ، لاحتمال أن يكون بغير أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويدل على ذلك خروجه عليهم في الحال وعزل أبي بكر ، متوليا للصلاة بنفسه كما مر.

وايضا لو كان بأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كما زعموا ، لكان خروجه في ذلك الحال مع ضعفه بالمرض وتنحية أبي بكر عن المحراب وتولية الصلاة بنفسه بعد صدور الأمر به أولا مناقضة صريحة لا يليق بمن لا ينطق عن الهوى ، ولو سلمنا ذلك كله ، لكان خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعزله له مبطلا لهذه الامارة لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله نسخها بعزله عنها ، فكيف يكون ما نسخه صلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه حجة على ثبوته ، بل نقول ان عزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد تقدمته كما زعمتم انما كان لإظهار نقصه عند الامة وعدم صلاحيته للتقديم في شيء ، فان من لا يصلح أن يكون اماما للصلاة مع أنه اقل المراتب عندكم لصحة تقديم الفاسق فيها ، فكيف يصلح أن يكون اماما عاما ورئيسا مطاعا لجميع الخلق ، وانما كان قصده صلى‌الله‌عليه‌وآله ان كان وقع هذا الأمر منه


على هذا الحال المورث للفساد وضع يده المباركة على منكب عليّ عليه‌السلام وأخرى على منكب الفضل بن عبّاس وخرج إلى المسجد ونحى أبا بكر عن المحراب ، فصلى بالنّاس حتّى لا تصير إمامة أبي بكر موجبة للخلل في الدّين ، ويعضد ذلك ما رواه (١) البخاري بإسناده إلى عروة فوجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من نفسه خفّة فخرج إلى المحراب فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنّاس يصلّون بصلاة أبي بكر أى بتكبيره انتهى ، ولقد ضحك (٢) السّيد الشّريف الجرجاني على لحية القوم في شرحه للمواقف فانّه ذكر هذه الرّواية وحيث رأى أنّها مخالفة لأصل ما وضعوه واخترعوه من رواية ايتمام النّاس بأبي بكر فضلا عن رواية ايتمام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به حملها على أنّه كان في وقت آخر وفيه ما فيه ، وأيضا لو كان خبر تقديم أبي بكر في الصلاة صحيحا كما زعموا وكان مع صحته دالا على إمامته لكان ذلك نصّا من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالامامة ومتى حصل النّص لا يحتاج معه إلى غيره ، فكيف لم يجعل أبو بكر وأصحاب السقيفة ذلك دليلا على إمامة أبي بكر وكيف لم يحتجّوا به على الأنصار؟ وكيف بنوا الخلافة على المبايعة التي حصل عليهم فيها الاختلاف والاحتياج إلى اشتهار السيوف وعدلوا عن الاحتجاج بالنّص المذكور؟ مع ظهور أنّ العاقل لا يختار الأعثر الأصعب مع وجود الأسهل

__________________

اظهار نقص أبي بكر وعدم صلاحيته للتقديم في ذلك للناس ، فيكون حجة عليهم لا لهم.

وما أشبه هذه القصة بقصة براءة وعزله عنها وإنفاذه بالراية في يوم خيبر فان ذلك كله كان بيانا لإظهار نقصه وعدم صلاحيته لشيء من الأمور الدينية ، يعرف ذلك من له أدنى دراية. منه نور الله مرقده.

(١) قد ذكرت في جامع الأصول (ج ص ٤٣٦ الى ص ٤٣٩) عدة روايات بهذا المضمون منها ما نقله عن البخاري بسنده الى عروة وغيره فراجع.

(٢) فراجع شرح المواقف ج ٢ ص ٤٦٩ طبع الآستانة.


إلا لعجزه عنه ، (١) فعلم أنّ ذلك ليس فيه حجة أصلا ، وأيضا الظاهر أنّ الامامة من الأصول ولهذا ذكر في الأصول وقد مرّ الكلام في اصالتها مستقصى ، فلا يصحّ إثباته بالقياس على تقدير تحقّق القياس الصّحيح ، لأنّ القياس الفقهي إنّما يجري في الفروع كما لا يخفى ، وما ذكر في المواقف من نفى كون الامامة من الأصول ظاهر البطلان ، وكيف يكون ذلك مع أنّه صنو النّبوّة كما مرّ ، ولو كان ظنّ المجتهد كافيا في مسألة الامامة كما في مسائل الفروع الفقهيّة فيكون تخطئة المجتهد الذي ظنّ أنّ أبا بكر لم يكن إماما باطلا وكان تقليد ذلك المجتهد جائزا ، مع أنّه لو قال أحد عندهم : إنّي أعتقد إمامة عليّ عليه‌السلام لظنّ غلب علىّ أو تقليدا للمجتهد الفلاني يخطئونه بل يقتلونه ، وأيضا الاستخلاف لا يقتضي الدّوام إذ الفعل لا دلالة له على التّكرار والدّوام إن ثبتت خلافته بالفعل ، وإن ثبتت بالقول فكذلك كيف وقد جرت العادة بالتّبعيّة مدّة غيبة المستخلف والانعزال عند مجيئه ، وايضا ذلك معارض بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استخلف عليا عليه‌السلام في غزوة تبوك في المدينة وما عزله ، وإذا كان خليفة على المدينة كان خليفة في سائر وظائف الامّة لأنّه لا قائل بالفصل والترجيح معنا ، لأنّ استخلافه على المدينة أقرب إلى الامامة الكبرى ، لأنّه متضمّن لأمور الدّين والدنيا بخلاف الاستخلاف في الصّلاة كما مرّ ، وبعد تسليم ذلك كلّه نقول : إنّ إجماع الامّة بأجمعهم على إمامة أبي بكر لم يتحقق في وقت واحد وهذا واضح جدا مع قطع النظر عن عدم حضور أهل البيت عليهم‌السلام وسعد بن عبادة سيّد الأنصار وأولاده وأصحابه (٢)

__________________

(١) بمثل هذا قد استدلوا على أن القرآن معجزة حيث لم يعارضه فصحاء قريش واختاروا الحرب. منه «قده».

(٢) وكذا سلمان وأبو ذر والمقداد وبنو شيبة وبنو الحارث بن عبد المطلب والعباس وبنوه وعقيل وبنوه وبنو جعفر الطيار وغيرهم من بنى هاشم سادات الحرمين وعظماء المسلمين ، فعليه كيف يتحقق الإجماع ، سواء فسر الإجماع باتفاق الكل كما حكى عن


ولهذا طوى صاحب المواقف دعوى ثبوت خلافة أبي بكر بالإجماع ، واكتفى في إثباته بالبيعة كما مرّ ، والحاصل أنّ الناصب وأصحابه ان أرادوا بوقوع الإجماع على خلافة أبي بكر حصول الاتّفاق على ذلك بعد النبيّ بلا فصل أو في زمان قليل فهو معلوم البطلان بالاتفاق ، وإن أرادوا بعد تطاول المدّة ، فهو وإن كان مخالفا لما اعتبر في حقيقة الإجماع من اتّحاد الوقت كما مرّ وممنوعا أيضا لما مرّ ، لا يقوم حجّة إلا إذا دخل الباقون طوعا ، اما إذا استظهر الأكثر وخاف الأقلّ ، ودخل فيما دخل فيه الأكثر خوفا وكرها فلا ، ولا شكّ أنّ الحال كان كذلك ، فانّ بني هاشم لم يبايعوا أوّلا ، ثمّ قهروا فبايعوا بعد ستة أشهر ، وامتنع عليّ عليه‌السلام ولزم بيته ولم يخرج إليهم في جمعة ولا جماعة إلى أن وقع ما نقله أهل الأحاديث والأخبار واشتهر كالشّمس في رابعة (١) النهار حتّى أنّ معاوية بعث

__________________

المنخول ، او اتفاق أهل الحل والعقد كلهم كما عرفه به أكثرهم ، أو اتفاق أهل المدينة كما في اصول الخفري أو اتفاق الأعاظم من المسلمين كما فسره به صاحب كتاب النقود والردود من علمائهم او اتفاق العلماء كما عرفه به بعضهم الى غير ذلك من التعاريف والتعابير التي يقف عليها البحاثة في كتبهم الاصولية فأنشدك بالله هل الذين ذكرنا أسمائهم وأشرنا الى نبوغهم لم يكونوا مسلمين أو لم يكونوا من أهل الحل والعقد او لم يكونوا من اهل المدينة أو لم يكونوا من العلماء أو لم يكونوا من الأعاظم؟ فما معنى هذه الغميضة في حقهم وعدم الالتفات إليهم؟ وهل هذا الا الجفاء والشقاء بالنسبة الى هؤلاء النبلاء؟ واعمال العصبية الباردة تراث الجاهلية والعجب كل العجب من أفاضلهم وكتابهم في هذا العصر حيث ان الكتب من الفريقين على تنوعها تصل إليها الأيدي وأكثرها قد طبعت وهي بمرئى منهم ومسمع كيف لم يتعمقوا ولم يمعنوا النظر حتى يتبين الأمر بحيث لا تبقى لهم شبهة وريب فيا إخواني الى متى وحتى متى التقليد من غير روية عصمنا الله وإياكم من الزلل آمين آمين.

(١) قد تقدم معناه في المجلد الاول.


إلى عليّ عليه‌السلام (١) في كتاب كتبه إليه يقول فيه : إنك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش (٢) حتّى تبايع يعيّره ويؤنبه بأنّه لم يبايع طوعا (٣) ولم يرض ببيعة

__________________

(١) ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج (ج ٣ ص ٤٤٨ طبع مصر).

(٢) الخشاش بالكسر ما يدخل في عظم أنف البعير من خشب.

(٣) ويدل عليه ما قاله ابن قتيبة في كتاب الامامة والسياسة (ص ١١ المطبوع بمصر سنة ١٣٥٦) ما هذا لفظه : ثم ان عليا كرم الله وجهه اتى به الى ابى بكر وهو يقول : انا عبد الله وأخو رسوله فقيل له بايع ابا بكر فقال انا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم ، وأنتم اولى بالبيعة لي ، الى ان قال : فقال : ابو عبيدة بن الجراح لعلى يا ابن عم انك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ولا ارى ابا بكر الا أقوى على هذا الأمر منك وأشد اهتماما واضطلاعا به فسلم لأبي بكر هذا الأمر إلخ.

فيستفاد منه انه عليه‌السلام لم يكن راضيا بسلطة أبي بكر.

وقال الطبري في تاريخه (ج ٢ ص ٤٤٣ الطبع القديم بمصر) : ما لفظه : حدثنا حميد قال حدثنا جرير عن مغيرة عن زياد بن كليب قال أتى عمر بن الخطاب منزل على وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن الى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه.

وقال في ذلك الكتاب (ج ٢ ص ٤٤٣) بعد ما نقل ما لفظه فقالت الأنصار لا نبايع الا عليا.

ويقرب منه ما في الكامل لابن الأثير.

وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد (ج ٣ ص ٦٣ طبع مصر) ما لفظه : الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر على والعباس والزبير وسعد بن عبادة.

وأما على والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة ، وقال له ان أبوا فقاتلهم فأقبل بقبس من نار على


أبي بكر حتّى استكره عليها خاضعا ، ذليلا كالجمل إذا لم يعبر على قنطرة وشبهها ، فانّه يكره ويخشّ بالرّماح وغيرها ليعبر كرها ، فكتب إليه بالجواب عنه ما ذكر في نهج البلاغة (١) المتواتر نقله عنه عليه‌السلام ، وهذا لفظه : وقلت إنّى كنت أقاد كما يقاد

__________________

أن يضرم عليهم الدار فلقته فاطمة فقال يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا ، قال نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الامة فخرج إلخ وكذا عن الزهري عن عروة عن عائشة إلخ.

وكذا في تاريخ أبي الفداء (ج ١ ص ١٥٦) طبع المطبعة الحسينية بمصر).

وكذا ما نقله الشهرستاني عن النظام في كتاب الملل والنحل (ص ٨٣ طبع محمد فتح الله بدران).

الى غير ذلك من كلماتهم الصريحة في ذلك ، مضافا الى ما تواتر عن الأئمة من عترته والعلماء في ذريته فقد اتفقت كلمتهم على ذلك وأهل البيت أدرى بما فيه وما حل من المصاب عليهم ، فترى الروايات تنادى بعليا صوتها أنه عليه‌السلام كان يبكى ويستغيث برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقول (يا ابن العم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني إلخ)

وذلك بعد ما تجرأ الطغاة بجعل الحبل او نجاد السيف في عنقه الشريف ، وكانوا يجرونه الى المسجد ليبايع المتقمص الاول.

(شعر)

والقائدين امامهم بنجاده

والطهر تدعو خلفهم برنين

خلوا ابن عمى أو لأكشف بالدعا

رأسي وأشكو للاله شجوني

الى أن قال

ورنت الى القبر الشريف بمقلة

عبراء وقلب مكمد محزون

أبتاه هذا السامري وعجله

تبعا ومال الناس عن هارون

أفبعد هذا ريب في أن المبايعة كانت عن كره كلا ثم كلا الا أن يكابر الشخص وجدانه وخير السلوك معه السكوت عصمنا الله تعالى وكذا ما نقله في الينابيع ص ١٣٤ ج ١ طبع بيروت عن سنن ابن ماجة.

(١) ما كتبه في كتاب له عليه‌السلام الى معاوية المذكور في نهج البلاغة (ص ٤٢٤ طبع تهران).


الجمل المخشوش حتّى أبايع ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت وأن تفضح فافتضحت ، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه أو مرتابا في يقينه وهذه حجّتي إلى غيرك، وأوضح من هذا ما ذكره في الخطبة الموسومة بالشقشقيّة المذكورة (١) في النّهج أيضا وهي التي خطبها بعد مبايعة النّاس له وهي مشهورة وسيذكرها المصنّف في هذا الكتاب ، وقال ابن أبي الحديد (٢) المعتزلي في شرحه للنّهج عند عدّه فضائل عمر : إنّ عمر هو الذي وطَّأ الأمر لأبي بكر وقام فيه حتّى أنّه دفع في صدر المقداد وكسر سيف الزّبير وكان قد شهره عليهم وهذا غاية الإكراه ، ومما يوضح ذلك ويسدّ باب الإنكار على الخصم ويسجّل على أنّ بيعة عليّ عليه‌السلام كانت كرها ما رواه الحميدي في سادس حديث من المتّفق عليه من صحيح البخاري ومسلم من مسند أبي بكر قال : ومكثت فاطمة بعد وفات رسول الله ستّة أشهر ثمّ توفيت ، قالت عائشة : وكان لعلي عليه‌السلام وجه بين النّاس في حياة فاطمة فلمّا توفيت فاطمة انصرفت وجوه النّاس عن عليّ عليه‌السلام وفي جامع (٣) الأصول قالت يعني عائشة : فكان لعلي وجه بين النّاس في حياة فاطمة فلمّا توفيت فاطمة انصرفت وجوه النّاس عن عليّ عليه‌السلام ، ومكثت فاطمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ستّة أشهر ثمّ توفيت فاطمة فلمّا رأى عليّ عليه‌السلام انصراف وجوه النّاس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكر وأرسل إليه ايتنا ولا تأتينا معك بأحد ، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدّة عمر ، فقال عمر لا تأتيهم وحدك ، فقال أبو بكر والله لآتينهم وحدي عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر فدخل على عليّ وقد جمع بني هاشم عنده

__________________

(١) هي خطبة معروفة مذكورة في النهج (ص ٢٣ طبع طهران).

(٢) ذكر في الباب الثاني في ذكر الخلفاء من الكتاب الرابع في الخلافة والامارة.

(٣) أورده ابن الأثير في جامع الأصول (ج ٤ ص ٤٨٢ الطبعة الاولى بمصر الحديث ٢٠٧٩) وكذا مسلم في صحيحة على ما في ذيل تلك الصفحة من الجامع.


إلى آخر الحديث ، وفيه وجوه من الدّلالة على ما ادّعيناه كما لا يخفى على المتأمّل وذكر الواقدي (١) أنّ عمر جاء إلى علي في عصابة منهم أسيد (٢) بن الحصين

__________________

(١) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الواقد ، القاضي الأسلمي ، المدني الولادة المشتهر بالواقدى نشاء ببغداد وبها دفن ، من مشاهير قدماء مورخى الإسلامية ، خبير بجل الفتوحات والغزوات والطبقات والسير والحديث ، والاختلافات الواقعة في الفقه والحديث والاحكام والاخبار ، وله ستة صناديق مملوة من الكتب يحمل كل واحد من الصندوقات حاملان من الرجال ، ويقول : كتاب كل الناس أكثر من حفظه ، وحفظي اكثر من كتبي ، روى عن الثوري ومالك بن أنس وبعض مشاهير عصره ، ومن رواياته أن وجود على بن أبي طالب سلام الله عليه معجزة باهرة لتصديق نبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أن عصاء موسى واحياء أموات عيسى عليهما‌السلام معجزتان ثابتتان لتصديق رسالتهما ، قال ابن النديم : ان الواقدي شيعى المذهب وحسن العقيدة ولكنه أخفى مذهبه للتقية من الناس ، وكان يعظمه المأمون العباسي الى نهايته ولا يقصر من إكرامه وانعامه ، وكان قاضيا بالسمت الشرقي من بغداد المسمى بالرصافة ، توفى يوم الاثنين سنة ٢٠٦ وقيل ٢٠٧ وقيل ٢٠٨ وقيل ٢٠٩ إحدى عشر خلون من ذى الحجة ، وسنة في ذلك الوقت بلغ الى ثمان وسبعين عاما ودفن بمقابر خيزران ببغداد ، من تآليفه ١ أخبار الحبشة والفيل أو أمراء الحبشة ٢ أخبار مكة ٣ ذكر القرآن ٤ غلط الرجال ٥ فتوح الافريقية طبع بتونس ٦ فتوح الأمصار ٧ فتوح الجزيرة ، طبع بهامبورق ٨ فتوح العجم الجزيرة والعراق والعجم طبع بمصر ٩ فتوح الشام طبع بمبئى والقاهرة ، ١٠ فتوح العجم طبع بهند ١١ فتوح العراق ١٢ فتوح مصر والاسكندرية طبع بليدن ١٣ كتاب الترغيب في علم القرآن ١٤ كتاب ضرب الدنانير والدراهم ١٥ كتاب الطبقات ١٦ المغازي طبع بكلكته وبرلين مع مقدمة وتعليقات بالانجليزية ، ١٧ مقتل الحسين عليه‌السلام ١٨ مولد الحسن والحسين عليهما‌السلام فراجع الريحانة (ج ٤ ص ٢٧١ طبع طهران) والى فهرست ابن النديم والشذرات والوفيات ورجال شيخنا الأستاذ الآية المامقاني وغيرها.

(٢) قد مرت ترجمته في أوائل هذا المجلد فراجع.


وسلمة (١) بن سلامة الأشهلي فقال اخرجوا أو لنحرقنها عليكم ، وذكر ابن خذابة (٢)

__________________

(١) هو سلمة بن سلامة بن وقش بفتح القاف والمعجمة ابن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأنصاري أبو عوف الأشهلي الصحابي ، قال ابن حجر العسقلاني في كتاب (تعجيل المنفعة ص ١٦٠ طبع حيدرآباد) : انه استعمله عمر على اليمامة وتوفى بالمدينة في زمن معاوية وقد عمر ، يقال مات سنة ٣٤ ويقال سنة ٤٥ وبه جزم الطبري وقال عاش أربعا وسبعين ، وقال غيره مات وهو ابن تسعين إلخ ما قال. أقول بخ بخ لصحابى جاء الى باب بيت النبوة وهدد أهلها بالإحراق ان لم يبايعوا وهم ودائع الرسول والحبل الممدود من السماء لنجاة البرية وقرناء الكتاب ، وفيهم بضعة المصطفى التي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ، فليت شعري ما جواب هؤلاء يوم المعاد في حضرة سيد المرسلين شفيع ذلك اليوم ، وما عذر من يواليهم من إخواننا المسلمين ، ويذب عنهم ، ويذهب الى جواز اتباعهم أفلمثل هذا الصحابي قيمة أوله عند النبي الأكرم منزلة حاشا ثم حاشا وكلا ثم كلا اللهم امنن عليهم بالهداية وأزل عن بصائرهم الفطرية أغشية العصبية الجاهلية التي خسرت صفقة عبد احتجب قلبه بها آمين آمين.

(٢) لا يخفى أن في أكثر النسخ (ابن خنزابة) وعليه فهو الوزير المحدث الجليل أبو الفضل جعفر بن الفضل بن جعفر بن الفرات البغدادي نزيل مصر ، ولد سنة ٣٠٨ وتوفى سنة ٣٩١ ، كما في التذكرة للذهبى (ج ٣ ص ٢١٢ ط حيدرآباد).

يروى عنه حمزة الكتابي والحافظ عبد الغنى وغيرهما.

وفي بعض النسخ ابن خرذاذ بة ، وعليه فهو السائح الرحالة الرياضي المتوفى في حدود سنة ٣٠٠ ، واسمه عبيد الله بن عبد الله ، صاحب كتاب المسالك والممالك.

وفي بعض النسخ ابن خيرانة ، وعليه فهو محمد بن خيرانة المغربي المحدث الشهير من علماء المائة الرابعة.

وفي بعض النسخ المصححة من الكتاب ابن خذابة ، وعليه فهو عبد الله بن محمد بن خذابة المحدث الفقيه ، وأقوى المحتملات عندي أولها فتأمل.


__________________

ثم لا بأس بإيراد كلمات جماعة من اعيان القوم في مسألة المجيء بالحطب الى باب بيت الرسول وهم اضرام تلك الدار التي بها شيدت اركان الإسلام ومنها انتشرت الفضائل بين الأنام وهي كثيرة والتي نذكرها نزر قليل.

(١) فمنها ما في تاريخ ابى الفدا قال في (ج ١ ص ١٥٦ طبع مصر بالمطبعة الحسينية :) ما لفظه ثم ان ابا بكر بعث عمر بن الخطاب الى على ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضى الله عنها وقال ان أبوا عليك فقاتلهم فاقبل عمر بشيء من نار على ان يضرم الدار فلقيته فاطمة رضى الله عنها وقالت الى اين يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا قال نعم او تدخلوا فيما دخل فيه الامة فخرج حتى اتى ابا بكر فبايعه كذا نقله جمال الدين ابن واصل وأسنده الى ابن عبد ربه المغربي انتهى.

(٢) وفي العقد الفريد لابن عبد ربه المغربي المتوفى سنة ٣٢٨ في قرطبة من بلاد الأندلس (ج ٣ ص ٦٣ طبع مصر) ما لفظه في تعداد اسماء جماعة تخلفوا عن بيعة ابى بكر قال : وهم على والعباس والزبير وسعد بن عبادة واما على والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم ابو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له ان أبوا فقاتلهم فاقبل بقبس من نار على ان يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة فقالت يا ابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا قال نعم او تدخلوا فيما دخلت فيه الامة فخرج على حتى دخل على ابى بكر إلخ.

(٣) وفي الملل والنحل للشهرستانى المتوفى سنة ٥٤٨ (ص ٨٣ طبع مصر تحت اشراف محمد فتح الله بدران) نقلا عن النظام ما لفظه فقال اى النظام ان عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى القت الجنين من بطنها وكان يصيح احرقوا دارها بمن فيها وما كان في الدار غير على ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين انتهى وفي ذيل الصفحة زيادة هذه الكلمة (القت المحسن من بطنها) فراجع.

(٤) ونقل ذلك صاحب كتاب المحاسن وأنفاس الجواهر على ما سيذكره مولانا العلامة في باب المطاعن من الكتاب فراجع.

(٥) وكذا ينقل «قده» ذلك عن ابن خنزابة في باب المطاعن من الكتاب فراجع.


في غرره قال زيد بن أسلم كنت ممّن حمل الحطب مع عمر إلى باب فاطمة حين امتنع عليّ وأصحابه عن البيعة ، فقال عمر لفاطمة اخرجي من البيت أو لأحرقنّه ومن فيه قال وفي البيت عليّ والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبيّ ، فقالت فاطمة أفتحرق علىّ ولدي؟ فقال اي والله أو ليخرجن وليبايعنّ ، وفي هذا كفاية ، وقد ذكر

__________________

(٦) وكذا الطبري المؤرخ الشهير في تاريخه (ج ٢ ص ٤٤٣ ط مصر القديم).

(٧) وكذا الواقدي على ما في كتاب (اثبات الهداة) لعلّامة المحدثين صاحب الوسائل.

(٨) وكذا ابن ابى الحديد وسيأتي نقل عبارته بعينها في المطاعن.

(٩) وكذا البلاذري حيث قال ما لفظه على ما في (اثبات الهداة) انه حصر فاطمة في الباب حتى أسقط محسنا انتهى.

ونقل المؤرخ الثقة المسعودي في مروج الذهب في اخبار عبد الله بن الزبير وحصره بنى هاشم في الشعب وجمعه لهم الحطب ما هذا لفظه وحدث النوفلي في كتابه في الاخبار عن ابن عائشة عن أبيه عن حماد بن سلمة قال كان عروة بن الزبير يعذر أخاه إذا جرى ذكر بنى هاشم وجمعه الحطب لتحريقهم ويقول انما أراد بذلك إرهابهم ليدخلوا في طاعته كما ارهب بنو هاشم وجمع لهم الحطب لإحراقهم إذ هم أبوا البيعة فيما سلف وهذا خبر لا يحتمل ذكره هنا وقد أتينا على ذكره في كتابنا في مناقب اهل البيت واخبارهم المترجم بكتاب حدائق الأذهان انتهى.

هذا ما حضرني من كلمات مشاهير الجمهور أئمة الحديث والتاريخ والتفسير عندهم فتراها تفصح عن هم سلفهم الذين اطروا في الثناء عليهم والذب عنهم والتفانى والتهالك في حبهم وودادهم باضرام دار الرسول الأكرم مهبط الوحى ومسكن ذكر الله منزل البركة مختلف الملائكة وفيها ودائع النبوة بين المسلمين صنوه وناصره وبضعته الزهراء البتول وريحانتاه سيدا شباب اهل الجنة فبالله عليكم يا إخواني اهل الجماعة المشاركين لنا في القبلة والكتاب والسنة هل يسوغ لدى العاقل ان يتمكن أمثال هؤلاء على سرير الخلافة ويجعل نفسه زعيم المسلمين.


مؤلف (١) كتاب الملل والنّحل ما في معناها رواية عن النّظام والملخّص أنّه قد تقرّر في علم الميزان أنه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال وقد قام احتمال الإكراه بل وقوعه في هذا الإجماع النّاقص فيكون باطلا وما ظنك بأمر يدفع فيه صدور المهاجرين وتكسر سيوفهم وتشهر فيه السيوف على رؤس المسلمين ويقصد إحراق بيوت ساداتهم إلى غير ذلك وكيف لا يكون ذلك إكراها لو لا عمى الأفئدة ، فانّها (لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢) واما ثالثا فلأنّ الإجماع الثلاثي الذي ذكره باطل كالتثليث (٣) فانّ ما سيجيء من آية اولي الأرحام نصّ في بطلان خلافة عباس وأبي بكر كما سنبيّنه هناك إن شاء الله تعالى وايضا القول بامامة عباس مستحدث أحدثه الجاحظ (٤) في زمان خلافة العبّاسيّة تقرّبا إليهم كما صرّح به أهل البصيرة بالأخبار ، واما رابعا فلأنّ قوله : ثمّ إنّهما لم ينازعا أبا بكر ممنوع بل هو أوّل النّزاع وقد بينّا ذلك قبل هذا بما فيه كفاية فلا حاجة إلى الاعادة واما خامسا فلأنّ قوله ترك المنازعة مع الإمكان مخلّ بالعصمة مسلّم لكن لم يكن للنّزاع بالحرب والقتال

__________________

(١) قد تقدم بيان محله في التعليقة السابقة.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة الحج الآية ٤٦.

(٣) إيماء الى تثليث الأقانيم في دين النصارى ولا يخفى ما في التعبير من اللطافة.

(٤) هو عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الكناني الليثي البصري المعتزلي الأديب ، اللغوي المتكلم النحوي الشهير أبو عثمان المعروف بالجاحظ له تآليف وتصانيف ، ككتاب الحيوان طبع بمصر وأدب الكاتب والتاج في اخلاق الملوك طبع في بيروت ، والبخلاء طبع بمصر ، والأصنام والبيان والتبيين طبع بمصر ، والمحاسن والاضداد طبع بمصر ، الى غير ذلك ، وكان شديدا في الاعتزال وله في ذلك مقالات ورسائل ، توفى في شهر محرم سنة ٢٥٥ فراجع الريحانة (ج ١ ص ٢٤٢) وابن خلكان والشذرات ورياض العلماء والروضات وغيرها.


في عالم الإمكان مكان لما ذكرنا من اتّفاق ساير قريش على ذلك مع استمالتهم لأكثر الأنصار ، واما سادسا فلأنّ قوله : إذ هو معصية كبيرة توجب انثلام العصمة مناف لما حقّقه سابقا من أنّ صدور المعصية لا يوجب الخلل في ملكة العصمة فتذكر وتدّبر واما سابعا فلأنّ قوله : قلنا : قد ذهبتم وسلّمتم أنّ عليّا كان أشجع من أبي بكر وأصلب منه في الدّين وأكثر منه قبيلة إلخ مدخول بأنا قلنا : إنّه أشجع من نفس أبي بكر والآحاد من شجعان الدّنيا لا من جميع النّاس مجتمعا مزدحما عليه وإلا لزم انثلام عصمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدم قتل الكفّار في أوّل الأمر ، ثمّ في عام الحديبيّة (١) حيث صالح معهم مع وجود من معه من عليّ عليه‌السلام وخلق كثير من الصحابة حتى أبي بكر الشّجاع وعمر المقدام ، والجواب الجواب ، بل كان توقف عليّ عليه‌السلام عن الحرب مع هؤلاء المتظاهرين (٢) بالإسلام أظهر في الصّواب كما لا يخفى على اولي الألباب ، وكذا قلنا : إنّ بني هاشم كانوا أكثر قبيلة من تيم لا من جميع طوائف قريش الذين اجتمعوا على خلافة أبي بكر عداوة لعليّ عليه‌السلام حتّى روى أنّه لهذه العداوة كان مع عليّ منهم في حرب صفين خمس نفر من قريش وهم محمّد بن أبي بكر (٣)

__________________

(١) قال في القاموس : الحديبية كرويهية وقد تشدد بئر قرب مكة حرسها الله تعالى او لشجرة حدباء كانت هنالك انتهى أقول وبها وقعت واقعة الحرب والقتال بين المسلمين والكفار.

(٢) المراد أن كفار الحديبية كانوا كفارا في الظاهر والباطن والمنازعين له عليه‌السلام كانوا مسلمين ظاهرا. منه قدس‌سره.

(٣) هو ابو القاسم محمد بن أبي بكر امه اسماء بنت عميس الخثعمية قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج ١ ص ٢٣٥ ط حيدرآباد) ما محصله : انه ولد عام حجة الوداع في عقب ذى القعدة بذي الحليفة او بالشجرة في حين توجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى حجته ، وأنه لما ولد له القاسم ابنه اشتهر بأبى القاسم ، وكان في حجر على عليه‌السلام إذ تزوج


ربيبه ، وجعدة بن هبيرة المخزومي (١) ابن أخته ، وأبو الرّبيع بن أبي العاص

__________________

امه اسماء بنت عميس وكان على الرجالة يوم الجمل وشهد معه صفين ثم ولاه مصر فقتل بها قتله معاوية بن حديج صبرا وذلك في سنة (٣٨) الى أن قال وكان على (ع) يثنى على محمد ابن ابى بكر ويفضله لأنه كانت له عبادة واجتهاد إلخ.

أقول والرجل جليل عظيم المنزلة في الفقه والدين والشجاعة والورع ونقلت النقلة الثقاة ان عليّا (ع) كثيرا ما كان يقول محمد ابني وفي كتب الفريقين عدة روايات هو منسلك في أسانيدها ولم يقدح فيه الا من كان ناصبا مبغضا لأمير المؤمنين سلام الله عليه لأنه كان متفانيا في حبه خالصا في وداده حشره الله يوم المعاد مع السادة الأمجاد ، ثم ليعلم ان أم كلثوم التي تزوجها الثاني كانت بنت اسماء واخت محمد هذا فهي ربيبة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ولم تكن بنته كما هو المشهور بين المؤرخين والمحدثين ، وقد حققنا ذلك وقامت الشواهد التاريخية في ذلك واشتبه الأمر على الكثير من الفريقين وانى بعد ما ثبت وتحقق لدى أن الأمر كان كذلك استوحشت التصريح به في كتاباتى لزعم التفرد في هذا الشان الى أن وقفت على تأليف في هذه المسألة للعلامة المجاهد سيف الله المنتضى على اعداء آل الرسول آية الباري مولانا السيد ناصر الحسين الموسوي اللكنهوي الهندي ابن الآية الباهرة صاحب العبقات ورأيته قدس الله سره أبان عن الحق وأسفر وسمى كتابه ب (افحام الخصوم في نفى تزويج ام كلثوم) ولعل الله تعالى شأنه يوفق أهل الخير لطبعه ونشره والنسخة موجودة في مكتبة العامرة الوحيدة عنه نجله الأكرم حجة الإسلام السيد محمد سعيد آل العبقات أدام الله بركته ولعله نشير في المباحث الآتية الى هذا الأمر ونتعرض لبعض تلك الأدلة والشواهد ان شاء الله.

(١) هو (جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائد بن عمران بن مخزون القرشي المخزومي) امه ام هاني بنت أبي طالب قال في الاستيعاب (ج ١ ص ٩٢) طبع حيدرآباد انه ولاه خاله على (ع) على خراسان وكان فقيها قال أبو عبيدة : ولدت ام هاني بنت


ابن ربيع (١) المشهور بأنّه كان صهرا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومحمّد (٢) بن أبي حذيفة بن عتبة ابن اخت

__________________

أبي طالب من هبيرة أربعة بنين وهم جعدة وعمر ويوسف وهانئ قال الزبير وجعدة بن هبيرة هو الذي يقول :

أبي من بنى مخزوم ان كنت سائلا

ومن هاشم أمي لخير قبيل

فمن ذا الذي يباهى على بخاله

كخالى على ذى الندى وعقيل

روى عنه مجاهد بن جبير ، ولا يذهب على الناظر أن المترجم كما سردنا نسبه مخزومى وهو غير جعدة بن هبيرة الأشجعي وقد اشتبه الأمر على بعض الرجاليين فلا تغفل ، وذكره أبو حاتم الرازي المتوفى سنة ٣٢٧ في كتابه الجرح والتعديل في القسم الاول في المجلد الاول ص ٥٢٦ ونقل عن والده أنه روى عن خاله على (ع) وعنه أبو فاختة سعيد بن علاقة وأبو الضحى وأنه كانت للمترجم دار ببلدة رى (بالازدان) يقال لها دار جعدة بن هبيرة كلما قدم الري نزل بها ، ونقل عن يحيى بن معين أن المترجم لم يسمع عن النبي (ص) انتهى.

(١) هكذا في نسخ الكتاب والذي هو صهر للنبي هو أبو العاص بن عبد العزى العبشمي زوج ابنته زينب بنته الكبرى صلى‌الله‌عليه‌وآله وامه هالة بنت خويلد بن اسد اخت خديجة لأبيها وأمها.

(٢) هو محمد بن أبي حذيفة بن ربيعة بن عبد شمس العبشمي قال ابن عبد البر في الاستيعاب (ج ٢ ص ٦٣٥ طبع حيدرآباد) في ترجمة أبي حذيفة والده أنه هاجر مع امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو الى أرض الحبشة وولدت له هناك محمد بن أبي حذيفة إلخ. وقال (في ج ١ ص ٢٣٣) ما محصله : ان محمد بن أبي حذيفة أبا القاسم ولد بأرض الحبشة على عهد النبي (ص) ، ونقل عن ابن الخياط أن عليا (ع) ولى محمد بن أبي حذيفة مصر الى أن قال : وكان محمد هذا أشد الناس تأليبا على عثمان ، قتله مولى عثمان ، وقال أهل النسب انقرض ولد أبي حذيفة وولد أبيه عتبة الا من قبيل الوليد بن عتبة فان منهم طائفة بالشام إلخ.


معاوية ، وهاشم (١) بن عتبة بن أبي وقاص ابن أخ سعد بن أبي وقاص وكان مع معاوية ثلاث عشر قبيلة منهم مع أهلهم وعيالهم وقد قال (٢) عليه‌السلام في بعض خطبه إظهارا لتظلّمه عنهم : اللهم إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم فانّهم قد قطعوا رحمي وأكفأوا

__________________

(١) هو أبو عمرو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص القرشي الزهري قال ابن عبد البرقي الاستيعاب (ج ٢ ص ٦٠٠ طبع حيدرآباد) ما محصله نقلا عن خليفة ابن الخياط في تسمية من نزل الكوفة من اصحاب الرسول (ص) : هاشم بن عتبة بن ابى الوقاص الزهري ، وقال أبو عمر اسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح يعرف (بالمرقال) ، وكان من الفضلاء الخيار والابطال البهم فقئت عينه يوم اليرموك ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق الى سعد كتب اليه بذلك فشهد القادسية وأبلى بلاء حسنا وقام منه في ذلك ما لم يقم من أحد وكان سبب الفتح على المسلمين وكان بهمة من البهم فاضلا خيرا ، وهو الذي افتتح جلولاء في سنة ١٩ وانه شهد مع على (ع) الجمل وصفين وأبلى بلاء مذكورا وبيده راية على الرجالة يوم صفين ويومئذ قتل وهو القائل.

اعور يبغى أهله محلا

قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد أن يفل أو يفلا

وقطعت رجله يومئذ فجعل يقاتل من دنى منه وهو بارك وهو يقول الفحل يحمى شوله معقولا وقاتل حتى قتل وفيه يقول ابو الطفيل عامر بن واثلة

يا هاشم الخير جزيت الجنة

قاتلت في الله عدو السنة

أفلح بما فزت به من منة وكانت صفين سنة ٣٧ انتهى.

ثم اعلم ان لهاشم المرقال ابن وهو هاشم بن هاشم نقل أبو حاتم الرازي في كتاب الجرح (ج ٤ ص ١٠٣ طبع حيدرآباد) عن يحيى بن معين أنه قال في حقه ثقة.

(٢) ذكرها في النهج (ص ٣٦٥ الطبع القديم بطهران) وفي النهج خطبة أخرى تقرب من هذه لفظا ومعنى ذكرها (ص ٢٤٩ الطبع القديم بطهران).


إنائى وأجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به من غيرى ثمّ قالوا ألا إن في الحقّ أن تأخذه وفي الحقّ أن تمنعه فاصبر مغموما أومت متأسفا فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذابّ ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية فأغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم وآلم للقلب من حزّ الشفار انتهى كلامه عليه‌السلام ، وكذا قلنا إنّ النّص كان بمرأى من الناس وبمسمع من الأنصار لكن لم نقل : إنه لم يمكنهم أن يشبهوا الأمر على الناس وعلى الأنصار بالوجوه التي وقع عليها الاشعار ، واما قوله : والأنصار لم يكونوا يرجحون أبا بكر على عليّ عليه‌السلام ففيه دليل واضح على أنّ ترجيح قريش لأبي بكر على علي عليه‌السلام كان من محض العداوة والعناد ، واما ما ذكره من أنّ الأنصار كانوا الجند الغالب فغير مسلّم ولو سلّم فقد علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يؤول حالهم إليه بعد وفاته من خذلان بعضهم لبعض كما مرّ فضلا عن خذلان علي عليه‌السلام واما ثامنا فلأنّ إعانة عباس والزّبير لم تكن وافية في دفع جمهور قريش ، وأبو سفيان كان منافقا ولم يكن غرضه من قوله ذلك إلا إثارة الفتنة لا نصرة عليّ عليه‌السلام وحيث علم عليّ عليه‌السلام ذلك أعرض عنه وقال له ما حاصله : إنك من أهل النفاق لا يعبأ بكلامك ، ولهذا ايضا لمّا سمع أبو بكر وعمر كلامه لعلي عليه‌السلام في ذلك استألفوه واستمالوه بتولية ابنه يزيد (١) على الشام فسكت وصار من أعوانهم وأنصارهم ، مع أنّ ذلك الأقوال من عباس والزّبير وأبي سفيان إنّما كان بعد اتّفاق جمهور قريش والأنصار على بيعة أبي بكر فلتة (٢) وكان النّزاع بالحرب معهم مؤدّيا إلى الفساد. واما تاسعا فلأنّ ما ذكره من أنّ أبا بكر عند الشّيعة شيخ ضعيف جبان لا مال له إلخ مسلّم وما عندهم حقّ ، إذ لا ريب لأحد في

__________________

(١) المراد به يزيد بن أبي سفيان أخو معاوية.

(٢) قد سبق منا في التعاليق السابقة أن هذه العبارة صدرت من عمر وأكثر قريش مرارا بالنسبة الى سلطة أبي بكر فراجع.


ضعفه في نفسه ورذالته وانحطاطه في ذاته كما اعترف به أبوه أبو قحافة أيضا وتعجّب من اتّفاق قريش عليه كما رواه (١) ابن حجر في صواعقه حيث قال : وأخرج الحاكم أنّ أبا قحافة لمّا سمع بولاية ابنه قال : هل رضى بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة قالوا : نعم ، قال لا واضع لما رفعت ولا رافع لما وضعت وإنّما تقوى أبو بكر في أمر

__________________

(١) وروى ان أبا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبويع لأبي بكر فكتب الى أبيه كتابا عنوانه «من خليفة رسول الله ابى بكر الى ابى قحافة) ، اما بعد فان الناس قد تراضوا لي فانا اليوم خليفة الله فلو قدمت علينا لكان أحسن بك ، فلما قرء أبو قحافة الكتاب قال للرسول ما منعهم من على ، قال الرسول ، قالوا : هو حدث وقد اكثر القتيل من قريش وغيرها وأبو بكر أسن منه ، قال أبو قحافة ، ان كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر ، لقد ظلموا عليا وقد بايع له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأمرنا ببيعته ، ثم كتب اليه من أبي قحافة الى أبي بكر : اما بعد فقد أتانى كتابك فوجدته كتاب أحمق ينقض بعضه بعضا ، فمرة تقول خليفة الله ومرة خليفة رسول الله ، ومرة تراضى لي الناس وهو امر ملتبس فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غدا ويكون عقباك منه الى الندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب يوم القيامة ، فان للأمور مداخل ومخارج وأنت تعرف من هو أولى بك ، فراقب الله كأنك تراه ولا تدعن صاحبها فان تركها اليوم أخف عليك وأسلم لك ، كذا في كتاب الاحتجاج منه (قد).

ثم أبو قحافة هو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لوى بن غالب بن فهر القرشي كذا سرد النسب في الاستيعاب (ج ١ ص ٣٢٩ طبع حيدرآباد) وهناك أقوال أخر في ترتيب الأسماء في نسبه وقال في ص ٤٨٤ من ج ٢ : ان أبا قحافة أسلم يوم فتح مكه وعاش إلى زمان تولى عمر ومات سنة ١٤ وهو ابن سبع وتسعين وكانت وفاة ابنه قبله فورث منه السدس ، فرده على ولد ابى بكر انتهى.


الخلافة باتّفاق جمهور قريش على إعانته عداوة لعليّ عليه‌السلام كما مر مرارا ، وإنّما اختاروا الشيخ الضعيف اللئيم من بينهم ليدفعوا عن أنفسهم تهمة العداوة والأغراض الفاسدة ، بالجملة فيقول الناس : إنه لو كان غرضهم في ذلك مدافعة عليّ عليه‌السلام عن حقه من الخلافة لارتكبها واحد من أشرافهم وأكابرهم أو قسموها بينهم وليس فليس فافهم ويكشف عن هذه ما روي (١) في المشكاة وغيره في جملة حديث من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن تأمّروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم ويوضح عنه ما رواه ابن حجر في صواعقه (٢) حيث قال وصح أنّ العباس قال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يلقون من قريش من تعبيسهم وجوههم وقطعهم حديثهم عند لقائهم فغضب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضبا شديدا حتى احمرّ وجهه ودرّ عرق بين عينيه وقال : والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الايمان حتى يحبكم لله ورسوله ويؤيده ما رواه في موضع آخر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) إنّ أهل بيتي سيلقون بعدي من أمتي قتلا وتشريدا وإنّ أشدّ أقواما لنا بغضا بنو أمية وبنو المغيرة وبنو المخزوم صححه الحاكم وفي موضع آخر عن السلفي (٤)

__________________

(١) في المشكوة للخطيب التبريزي (ص ٥٦٧ ط الدهلى) نقلا عن أحمد بن حنبل.

(٢) في الصواعق (ص ١٣٧ ط القديم بمصر).

(٣) المستدرك (ص ٤٦٤ ج ٤ طبع حيدرآباد وكذا في ص ٤٨١ ج ٤ من ذلك الطبع). وكذا في ينابيع المودة (ج ١ ص ١٣٥ ط بيروت).

(٤) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن ابراهيم السلفي الأنصاري الشافعي صدر الدين أبو طاهر الاصبهانى المحدث الحافظ أخذ عن الخطيب التبريزي والكيا الهراسى له كتب منها الأربعين البلدانية في الحديث وغيره ، والسلفي نسبة الى سلفه لقب جده ابراهيم توفى في اليوم الخامس من ربيع الاول سنة ٥٧٦ باسكندرية فراجع الريحانة (ج ٢ ص ٢٢٠ ط طهران).

أقول وللسلفي عقب فيهم الفضلاء والمحدثون وأكثر محدثو القوم النقل عنه في كتبهم فراجع.


في الطيوريات عن عبد الله (١) بن أحمد (٢) بن حنبل قال سألت عن

__________________

(١) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني البغدادي الحافظ المحدث روى عن أبيه المسند والتفسير ويحيى بن عبد ربه وخلف بن هشام ويحيى بن معين ولم يكتب عن أحد الا بأمر أبيه وعنه روى الناس قال الخزرجي في الخلاصة (ص ١٦١ طبع مصر القديم) نقلا عن ابن المناوى انه مات سنة ٢٩٠ (انتهى).

أقول وعندنا قطعة من كتاب فضائل على عليه‌السلام كلها مرويات عن عبد الله المترجم وليس من أجزاء كتاب المسند لأبيه والنسخة قديمة جدا.

(٢) هو أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني المروزي البغدادي امام الحنابلة المحدث الفقيه العامل بالسنة التارك للقياس والاستحسان قال الخزرجي في الخلاصة (ص ١٠ طبع مصر (القديم) انه ولد سنة ١٦٤ روى عن هشيم وابراهيم بن سعد وجرير وعمرو بن عبيد ويحيى بن أبي زائدة وعبد الرزاق وابن علية والوليد بن مسلم ووكيع وابن مهدى والأسود بن عامر والقطان وابن عيينة وغندر وعفان وخلائق وعنه الشافعي وابن مهدى والأسود بن عامر ويزيد بن عامر وابن معين وابن المديني والكوسج والأثرم وأبو زرعة وخلق آخرهم موتا أبو القاسم البغوي الى أن قال توفى سنة ٢٤١ في ربيع الاول وقيل في رجب «انتهى».

أقول الرجل أحد الأئمة الأربعة لدى القوم وأكثر التابعين له بنواحي دمشق والصالحية والرياض وما والاها من أقطار الحجاز وممن روج مذهبه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ محمد بن عبد الوهاب من المتأخرين وهو الذي حرض آل السعود العائلة المالكة لأمر الحجاز على أن ينتقلوا الى مذهب الحنابلة وغذاهم بترهاته بحيث أسندوا الشرك الى كل من يستشفع الى الله سبحانه بالأنبياء وأوصيائهم حكموا بكفر كافة أهل القبلة سوى من يتمذهب بمذهبهم وهدموا قبور الصالحين والشهداء المقربين وأئمة المسلمين هتكوا حرمة الرسول الأكرم وأبا حوا الدماء الزكية نهبوا أموال أهل القرآن والسنة


__________________

بالحرمين الشريفين وكربلاء المشرفة وغيرها وبالجملة لا نظير لهم في فرق الإسلام في الخشونة والجمود والاسراع في التكفير والهتك سيما في زيارة أهل القبور مع ما ثبت بالطرق الصحيحة لدى العامة والخاصة من جواز ذلك ورجحانه سيما مع طرو العناوين الراجحة المرجحة بحيث تلحق المعنونات بها إلى المؤكدات لدى صاحب الشرع الشريف وظني وأرى اصابتى في ذلك أن الأيادي الخارجية التي أخرجت العائلة الشريفية وسلطت تلك النفوس على بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه اختارت بين طوائف الإسلام فرقة كانت غاية في التعبس والفظاظة والغلظة حتى تتنفر منها القلوب وتصير جريحة بسوء صنيعها من قتل المريض المبتلى بالقيء في سوق الصفا وضرب عنقه عنفا وهو لا يعرف لسانهم حتى يدافع عن نفسه وقد استفاض عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله (ان الحدود تدرأ بالشبهات) ومن منع المؤمنين ضيوف الله ورسوله أيام الحج عن تقبيل. الضريح النبوي وقبور العترة قرناء الكتاب والتبرك بها مع ان المقبل لها ليس الا مصداق قوله :

اقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حب من سكن الديارا

ومن القسر والجبر في ثبوت رؤية الهلال حتى بالنسبة الى من لا يرى في مذهبه ثبوت الرؤية بشهادة كل بر وفاجر ويشترط في الشاهد التجنب عن الكبائر وعدم الإصرار بالصغائر ونحوها وغيرها من الأمور التي يطول بنا الكلام لو عددناها وما ذكرته نفثة مصدور وتنفس الصعداء وبالجملة رأت مصلحتها في تسليط أمثال هؤلاء على الحرمين الشريفين المحلين الارفعين اللذين تتوجه إليهما أفئدة أهل القرآن من كل فج عميق حتى يسهل رفعها ووضعها متى ما أرادت.

ثم ان امامهم ابن حنبل لم يكن في تلك الأمور بهذه المثابة كما يتضح ذلك لمن سبر في كتابه بل زاد هؤلاء في الطنبور نغمات واعلم أنهم ألفوا في ترجمة أحمد بن حنبل كتبا منها كتاب القول المسدد في الذب عن الامام احمد وقد طبع بالهند وكتاب مناقب


__________________

أحمد وغيرهما مما هو مطبوع او مخطوط ولأحمد كتب أشهرها المسند في زهاء مجلدات رتبه على مسانيد منها ما سماه مسند اهل البيت عليهم‌السلام وله كتاب في التفسير وممن أكثر النقل عنه ابنه عبد الله بن أحمد. ودفن ببغداد وذهب بقبره السيل الجارف منذ سنين ومن غرائب معتقداته ومعتقدات تابعيه جواز رؤية الله تعالى واثبات الأعضاء له سبحانه مما ينسبون اليه. فبالله عليك أيها الناظر المنصف في الكلمات هذه كيف لا يكون الملتزم بهذه المقالات المخالفة للنصوص والضرورة العقلية كافرا ولكن من يجعل بينه وبين ربه في طلب حوائجه شفيعا مشفعا من المقربين في ساحة قدسه وذلك لأنه لا يرى نفسه حرية بطلبها من دون استشفاع نبى أو ولى لاحتجابها بالذنوب والعلائق والهواجس اللهم اهدهم ونور قلوبهم وأفض عليهم البصيرة حتى يتعمقوا في آيات الشفاعة وأخبارها كما نظروا سطحيا الى آيات الشرك والرواية الضعيفة المرمية بالوضع متنا والتدليس سندا كأمثال قوله (ص) ولا قبرا إلا سويته آمين آمين.

ومن أحسن ما كتب في الرد على الوهابية كتاب الصواعق الالهية في الرد على الوهابية للشيخ سليمان بن عبد الوهاب وهو أخو الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي به اشتهرت هذه الطائفة في القرون الاخيرة فانه شكر الله مساعيه قد أبطل فيه كلمات أخيه المبدع في الدين المخالف لعلماء الإسلام سلفهم وخلفهم وعندي أنه من جياد الردود عليه ومن راجعه صدق والكتاب مطبوع مرة ببغداد وأخرى في بلدة بمبئى سنة ١٣٠٦.

ويعجبني نقل كلام للعلامة الثقة الجليل في فنون الإسلامية السيد علوي بن طاهر بن عبد الله الهدار الحدادي العلوي الصادقي نسبا الحضرمي منشئا الجاوى مسكنا وهو من مشايخنا في الرواية قال عافاه الله من مرضه في كتابه القول الفصل (ج ٢ ص ٤١٧ طبع افريقيا) ما لفظه : ابن تيمية طالما رتع في أعراض أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منهاجه من السب والذم المورد في قالب المعاريض ومقدمات الأدلة في أمير المؤمنين على والزهراء البتول والحسنين وذريتهم ما تقشعر منه الجلود وترجف له


__________________

القلوب وكتاب التلميذ الذي نرد عليه ونظائره انما يستمد من ذلك النتن الذي قذفته جوانحه ولا سبب لعكوف النواصب والخوارج على كتابه المذكور الا كونه يضرب على أوتارهم ويتردد على أطلالهم وآثارهم فكن منه ومنهم على حذر والله يتولى هداك.

الى أن قال ومن عيوبه أنه كثيرا ما يورد في كلماته كلمات النواصب والخوارج وأدلتهم ويتلذذ في نفسه بما فيها من الطعن على أمير المؤمنين عليه‌السلام ويحاول بها إيقاع الشبه في القلوب وتزيين مذهب النصب والدعوة اليه وقد رماه بعض العلماء بالنفاق وقال انه يبغض عليّا عليه‌السلام سرا ولا يظهره كما نقله الحافظ في بعض كتبه وبالبدعة كما قاله الأكثر الى آخر ما قال ، ومراده بالحافظ هو ابن حجر العسقلاني فلا تغفل انتهى وبالجملة اعتقادي أن ابن تيمية كان مخالفا لابن حنبل في امور بها كفره علماء الإسلام وأنه كان ممن يكمن النصب في سر الستر كما أشار اليه العلامة الحداد.

ومن مطاعنه أنه التزم بالتحامل على أمير المؤمنين عليه‌السلام بتكذيب الأحاديث الصحاح الصراح التي في فضائله ومناقبه وخالف في ذلك عامة محدثي القوم وأرباب الرجال والدراية منهم ومنا وانخلع بسبب تعصبه ونصبه الكامن عن مقتضى الفطرة السليمة والرسول الباطني حتى صار موردا لملام مثل الذهبي المعروف بالنصب وابن حجر المشهور بتعديل كل جريح أعاذنا الله من هذه الخصال ونسأله أن يوقظ إخواننا عن سلوك جواد التعصبات.

ومن مطاعن ابن تيمية أنه كثيرا ما يأخذ من كتب الغزالي في الرد على أهل المعقول والفلسفة بعين عباراته بدون أدنى تغيير ويسندها الى نفسه مع أنه من القبيح الواضح سرقة المطالب العلمية ومن الشواهد على هذه السرقة ما أورده الحافظ السيوطي في كتابه (صون الكلام والرسالة التي في آخرها والنسخة مطبوعة بمصر) من رام الوقوف على الحقيقة الراهنة راجعه.

وكذا يسرق من فلسفة ابن رشد الأندلسي من غير عز واليه وقد تبعه في هذا الصنيع تلميذه الخصيص به ابن قيم الجوزية ثم خمدت فتنتهما حتى قام الشيخ محمد بن


__________________

عبد الوهاب النجدي المسكن وأثار الفتن كما أسلفنا بنشر عقائد ابن تيمية وتلميذه بين العوام والجهال وبث مقالاتهما العاطلة الباطلة ، فانقاده البسطاء من أهل نجد فحرضهم على نهب أموال المسلمين واراقة دمائهم وتحليل أعراضهم وتخريب ديارهم وإحراق كتبهم واسناد الشرك الى أهل القبلة فلم يزالوا كذلك حتى قام الخديو محمد على باشا فأبادهم واستأصلهم ومحا أسماءهم عن صفحة الأرض الى أن اقتضت السياسة الاجنبية تسليطهم على الحرمين الشريفين وسائر بلاد الحجاز ففعلوا ما فعلوا طأطأوا هامات المسلمين عند غيرهم بشنائعهم وفجائعهم والعجب كل العجب من إخواننا التابعين لهم كيف لم يتأملوا في آيات الكتاب والاخبار سلكوا مسلكهم الفاسد واشتروا متاعهم الكاسد ومما يضحك الثكلى ويبكى العريس تلقيبهم أنفسهم ب (السلفي) نسبة الى السلف أى مذهب السلف فليسأل أى سلف كان يقول بهذه المقالات المنكرة قبل ابن بطه وتيمية وتلاميذه فهذا ابن حنبل آراءه منبثة ظاهرة في كتبه (كالمسند) (الورع والزهد) (والتفسير) (والمناقب) وغيرها فهل ترى فيه شيئا من البدع التي أحدثوها حاشاه عنها ثم حاشاه (وكذا) ما ينقل عن ابن بطه أفلا مثال ابن بليهد والقصيمى حق أن يتسمى بالسلفى أو جدير أن يعبر بالبدعى وقد نقلوا عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وأعجب من ذلك متابعة (المتوهبين) عندنا حيث قلدوا الوهابية من غير شعور والتفات وتركوا السنة والعترة ، عصمنا الله من الهفوة ووفق إخواننا لمجانبة التعسف والتعصب آمين آمين ، واوصيهم في الختام وصية مسلم متمسك بالكتاب والسنة تابع لأهل البيت النبوي في الاستفادة منهما والاستضاءة من أنوارهما : أن يتركوا التقليد ومشى المعزى في المعتقدات.

فما عذرهم لو لم يجتهدوا فيها وليس باب الاجتهاد فيها كباب الاجتهاد في الفروع عندهم منسدا واؤكد عليهم أن يراجعوا الى ما ألفه وصنفه علماء الإسلام في رد تلك المقالات كشفاء السقام للعلامة السبكى الشافعي والصواعق الالهية للشيخ سليمان


أبي ، عن علي ومعاوية فقال : اعلم ان عليا كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه شيئا فلم يجدوا فجاءوا الى رجل قد حاربه وقاتله فاطردوه كيادا منهم له انتهى كلامه ووجه التأييد أنّ أعداء عليّ عليه‌السلام في زمانه لم يكونوا من اليهود والنصارى ولا من الأنصار وأعراب البوادي والبراري وإنما كانوا طوائف قريش الفجار فجاءوا أوّلا برجل قد أخذ بتقويتهم الخلافة عنه من غير احتياج إلى استعمال السيف والسنان وثانيا برجل حاربه وقاتله كما قيل ، ويفصح عن ذلك ما روي عنه في الخطبة

__________________

ابن عبد الوهاب وكشف الحقائق للشيخ محمد بن عبد الله الشيباني وكشف النقاب للعلامة الفقيد الآية السيد محسن الحسيني الامين الدمشقي من مشايخنا في الرواية والآيات البينات للعلامة المصلح الآية الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي من مشايخنا والوهابية في التاريخ للسيد حسن المصري الشافعي والوهابية والمشاهد المشرفة ، والغدير للعلامة المؤيد المسدد الآية الحاج الشيخ عبد الحسين الأميني وكتاب الرد على الوهابية لزميلنا العلامة الحجة السيد علينقى النقوى وكتاب الرد عليهم للعلامة الآية السيد محمد المهدى القزويني الكاظميني من مشايخنا في الرواية وتحفة المنصف للشيخ محمد الجاوى وكتاب الرد عليهم لعلامة الجمهور في البلاد العراقية السيد ابراهيم الراوي الرفاعي البغدادي من مشايخنا في رواية كتب القوم وكتاب الرد عليهم لعلامة الحنفية في عصره الشيخ محمد نجيب الحنفي المطيعى المصري المفتي من مشايخنا في رواية كتبهم وكتاب الرد عليهم للعلامة السيد علوي الهدار الحداد العلوي الصادقي الشافعي الحضرمي الجاوى المعاصر من مشايخنا في الرواية وكتاب الجوهر المنظم لابن حجر العسقلاني الى غير ذلك مما يطول الكلام لو سردنا أسمائها والله القابض الباسط يعلم أنى مخلص في هذه الوصية المؤكدة لإخواننا والرجاء الواثق أن تؤثر في قلوبهم المجبولة على الفطرة والله مقلب القلوب ومحول الأحوال.


الطالوتية (١) حيث قال بعد الحمد والصلاة مخاطبا لمن حضره من المحبين والمنافقين ولمن غاب منهم : أيتها الامة التي خدعت فانخدعت وعرفت خطيئة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواها وضربت في عشواء غوايتها (عوائها خ ل) وقد استبان لها الحق فصدعت (فصدت خ ل) عنه ، والطريق الواضح فتنكبته ، أما والذي فلق الحبة وبرء النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه وشربتم الماء من منبعه (بعذوبته خ ل) وادّخرتم الخير في موضعه وأخذتم الطريق من واضحه وسلكتم من الحق نهجه لنهجت (لابتهجت خ ل) بكم السبيل وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الإسلام فأكلتم رغدا ، (٢) وما عال فيكم عائل ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ولكن سلكتم سبيل الظلام فأظلمت عليكم دنياكم برحبها (٣) وسدّت عليكم أبواب العلم فقلتم بأهوائكم واختلفتم في دينكم فأفتيتم في دين الله بغير علم واتّبعتم الغواة فأغوتكم وتركتم الأئمة فتركوكم فأصبحتم تحكمون بأهوائكم إذا ذكر الأمر سئلتم أهل الذكر فإذا أفتوكم قلتم هو العلم بعينه ، فكيف وقد تركتموه ونبذتموه وخالفتموه (٤) ، رويدا عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم وتجدون وخيم ما اجترمتم (٥) ، (اجتنيتم خ ل) والذي فلق الحبّة وبرء النسمة لقد علمتم أنّي صاحبكم والذي به أمرتم ، وأنّي عالمكم والذي بعلمه نجاتكم ووصي نبيّكم وخيرة ربّكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل

__________________

(١) أوردها الحافظ الكليني في روضة الكافي (ص ٢٣ ط الجديد بطهران) واشتهرت بالطالوتية لاشتمالها على ذكر أصحاب طالوت.

(٢) أى واسعة طيبة.

(٣) الرحب بالضم : السعة.

(٤) أى كيف ينفعكم هذا الإقرار والإذعان لقد تركتم متابعة قائله أو كيف يقولون هذا مع أنه مخالف لأفعالكم. مرآة العقول.

(٥) الاجترام : الاكتساب. والاجتناء اكتساب الثمرة اطلق على كسب الجرم استعارة.


رويدا ينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالأمم قبلكم وسيسألكم الله عزوجل عن أئمتكم معهم تحشرون وإلى الله عزوجل غدا تصيرون ، أما والله لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدّة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتّى تولوا إلى الحق وتنيبوا للصّدق فكان أرتق للفتق وآخذ بالرّفق اللهم فاحكم بيننا بالحقّ وأنت خير الحاكمين انتهت (١) ولنعم ما قال الشاعر في هذا المعنى شعر :

لو سلّموا لولاة الأمر أمرهم

ما سلّ بينهم في الأرض سيفان

__________________

(١) وقال بعض قدماء أصحابنا في بعض رسائله : مخفي نماند كه يوسف صديق عليه‌السلام هنوز طفل بوده پيشتر از اين خوابى ديده بود كه تعبيرش بزرگى وپادشاهى مينمود ، وپدرش يعقوب عليه‌السلام كه پيغمبر وپيغمبر زاده بود هنوز زنده بود وهمه برادران او كه بقول مخالف پيغمبر بودند معلوم است كه بسبب آن خواب از حسد با يوسف (ع) چه كردند ، پس عرب كه عادت ايشان دشمنى كردن وحسد بردن بود چه عجب باشد كه نسازند با امير المؤمنين عليه‌السلام كه ايشان را بكشتن قرابتشان آزرده باشد وبكارهاى بزرگ نام وذكر اندوخته بودند. منه «قده».

ديگر بنى اسرائيل كه خداى تعالى ايشان را اصحاب موسى خواند واز وى چندان معجزات وآيات ديدند وبسبب وى از فرعون وفرعونيان برستند وپادشاهى ومملكت مصر يافتند وآنچه بدين ماند با اين همه چون موسى را روزى چند جانب ديدند وهنوز زنده بود وهارون را در ميان بگذاشته بود بيشتر از ايشان بعبادت گوساله كه از وى هيچ منفعتي نمى ديدند مشغول شدند وبگفتن هارون التفاتى نمى كردند ونزديك بود وى را بكشند پس جماعتى كه بنوى در اسلام در آمده بودند وپيغمبر خويش را از دنيا رفته يابند وشغلي يابند كه در آن حرمت يابند وجمع مال كنند چه عجب كه نسازند با كسيكه هر يك از ايشان را بقدر كردار ايشان حرمت دارد وچيزى بمقدار آن بخشد ونصيب چندان دهد كه در شريعت باشد. انتهى. منه «قده».


وأما عاشرا فلأن ما ذكره من أنّه لم يكن غرض بين الصّحابة لأجل السّلطنة إلخ فيه من آثار الغرض والعصبيّة والمرض ما لا يخفى ، وكيف يخفى ذلك بعد ما قدّمناه من استعجالهم واستعمالهم كلّ حيلة ومكيدة في تقمص الخلافة وبعد ما نقده الصغاني (١) في المشارق عن البخاري من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطبا لأصحابه : إنّكم ستحرصون على الامارة وإنّها ستكون ندامة يوم القيامة فنعم (٢) المرضعة وبئست الفاطمة (٣) الحديث ، وقال الشّارح الهروي (٤) أخرجه البخاري في الأحكام ، والسّين في (ستحرصون)

__________________

(١) هو رضى الدين أبو الفضل حسن بن محمد بن حسن بن حيدر بن على العمرى النسب الحنفي المذهب المحدث الفقيه اللغوي النحوي ، روى عنه السيدان الجليلان أحمد بن طاوس وأخوه رضى الدين على ، له تآليف وتصانيف منها كتاب العباب الزاهر في اللغة وكتاب الدرر الملتقطة في الأحاديث الموضوعة ومشارق الأنوار النبوية من صحاح الاخبار المصطفوية وقد أورد فيه ٢٢٥٢ حديثا ودر السحابة في وفيات الصحابة وشرح صحيح البخاري ، توفى سنة ٦٥٠ ببغداد فراجع الريحانة (ج ٢ ص ٤٥٢ ط) ثم الصغاني والصاغاني نسبة الى صغانيان بما وراء النهر وكتابه المسمى بالمشارق مطبوع معروف وشرحه المولى عز الدين عبد العزيز بن عبد الملك المعروف بابن الملك المتوفى سنة ٧٩٧ وسماه مبارق الازهار في شرح مشارق الأنوار (طبع بالاستانه سنة ١٣٢٨ في دار الطباعة العامرة).

(٢) نعم فعل غير متصرف ، وإذا كان فاعله مؤنّثا جاز إلحاق تاء التأنيث به وتركها وانما لم تلحق التاء بنعم وألحقت ببئس إشارة الى أن ما يناله الأمير في الآخرة من البأساء داهية بالنسبة الى ما ناله في الدنيا من النعماء كذا نقله في المبارق عن الطيبي

(٣) مذكور في مبارق الازهار (ج ١ ص ١٩٥ طبع دار الطباعة العامرة بالاستانة)

(٤) الظاهر أن المراد به شرح العلامة الشيخ أبو عبد الله بن أبي بكر الهروي المسكن البلخي الأصل وكان من كبار عصره في الحديث والفقه والرجال والوعظ والخطابة والتأليف والتصنيف ويظن أن وفاته كانت قريبا من سنة ٧٩٠


للاستقبال كما في ستكون ويكون المراد بيان حرصهم عليها بعد ذلك الزّمان ، ويحتمل أن يكون للتأكيد كما في قوله تعالى (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) (١) الآية ، والمراد بيان شدّة حرصهم على ذلك ، وكرّر لفظة ان في قوله : وإنّها للتأكيد وبيان أن ذلك واقع البتّة (انتهى).

وقد أنصف واعترف شارح (٢) المقاصد بظهور ما وقع بين الصحابة من التشاجر والخلافة وتعريض النّفوس لكلّ بليّة وآفة فلا ينفع في إصلاحها ما تكلفه النّاصب من التأويلات الباردة الصّادرة عن الحماقة والخرافة ، ولنذكر كلام شارح المقاصد قصرا للمسافة على النّاظر الذي يطول عليه الرّجوع ولا يسمنه الاشارة ولا يغني من جوع ، فنقول : قد أنطق الله لسانه بالحقّ فقال رغما لأنفه : إنّ ما وقع بين الصّحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثّقات يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن الطريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق ، وكان الباعث عليه الحقد والعناد والحسد واللّداد (٣) وطلب الملك والرّياسات والميل إلى اللّذات والشّهوات ، إذ ليس كل صحابى معصوما ولا كل من لقى النبي (ص) بالخير موسوما إلا أنّ العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (ص) ذكروا لها محامل وتأويلات بها يليق وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين من الزّيغ والضّلالة في حقّ كبار الصّحابة سيّما المهاجرين منهم والأنصار المبشّرين بالثّواب في دار القرار ، واما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبيّ (ص) فمن الظهور بحيث لا مجال للاخفاء ومن الشّناعة بحيث لا اشتباه على الآراء ويكاد يشهد به الجماد

__________________

(١) آل عمران. الآية ١٨١.

(٢) هو المحقق التفتازاني المولى سعد الدين وقد مرت ترجمته.

(٣) «لد لدا ولاد لدادا وملادة وألد» الرجل خاصمه خصومة شديدة


العجماء ويبكي له من في الأرض والسّماء وتنهدم منه الجبال وتنشق منه الصخور ويبقى سوء عمله على كرّ الشّهور والدّهور فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى ، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى انتهى.

واما الحاديعشر فلأنّ إشعاره بأنّ الحق هو الذي عليه السّواد الأعظم من الامّة مردود بأنّ اتّفاق السّواد الأعظم بمعنى أكثر النّاس على ما فهمه النّاصب سوّد الله وجهه ممّا لا يركن إلى اعتباره إلا القلوب الساذجة والأنفس الخالية من معرفة الحقّ واليقين الغافلة عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّهم في النّار إلا واحدة (١)، فانّه دلّ على أنّ النّاجي قليل بل نادر بالنّسبة إلى الكثير من الهالكين وقد نصر الله تعالى على ذلك في كتابه العزيز بقوله : (وَقَلِيلٌ ما هُمْ) (٢) (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) (٣) (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٤) (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٥) (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (٦) إلى غير ذلك.

والحق أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بالسّواد الأعظم في قوله عليكم بالسواد الأعظم الكتاب والعترة كما مرّ (٧) بيانه أو خصوص مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام كما يشعر به

__________________

(١) أورد الشيخ علاء الدين المتقى الهندي المتوفى سنة ٩٧٥ في كنز العمال عدة روايات صريحة في هذا المعنى فراجع (ج ١ من ص ٣٣٨ الى ص ٣٤٤) وكذا غيره من محدثي العامة والخاصة.

(٢) ص. الآية ٢٤.

(٣) السباء. الآية ١٣.

(٤) هود. الآية ٤٠.

(٥) الانعام. الآية ١١٦.

(٦) الرعد. الآية ١.

(٧) عند شرح ما ذكره المصنّف في خاتمة الآيات التي بين مخالفتها للقول بنفي فاعلية


كلام (١) الزمخشري وفخر الدّين الرّازي (٢) في تفسيرهما لما ورد في شأنه عليه‌السلام من قوله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٣) على ما سيذكره المصنّف فانّهما قالا : فان قيل لم قال أذن واعية على التوحيد والتنكير ، قلنا للإيذان بأنّ الوعاة فيهم قلّة وتوبيخ النّاس بقلّة من يعي فيهم والدلالة على أنّ الاذن الواحدة إذا وعت فهو السّواد الأعظم وأنّ ما سواها لا يلتفت إليهم وان امتلأ العالم منهم (انتهى) فظهر أنّ الحديث النّبوي لنا لا علينا ، ويمكن أن يقال : لعلّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما قال ذلك في بعض الغزوات إشارة إلى طائفة من عسكره بالقصد والتعرض بجماعة كثيرة من جيش العدوّ المجتمعين في ناحية كما نقل ابن اعثم (٤) في الفتوح نظير هذه العبارة عن

__________________

العباد لأفعالهم.

(١) قال في الكشاف (ص ١٣٤ ج ٣ طبع مصر بمكتبة محمد مصطفى) عند التعرض لقوله (أُذُنٌ واعِيَةٌ) : ما لفظه وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لعلى رضى الله عنه عند نزول هذا الآية سألت الله أن يجعلها اذنك يا على ، قال على رضى الله عنه فما نسيت شيئا بعد وما كان لي أن أنسى إلخ وترجمة الزمخشرىّ قد مرت فليراجع.

(٢) وقال الرازي في تفسيره الكبير (ج ٣٠ ص ١٠٧ الطبع الجديد بمصر تحت مراقبة عبد الرحمن محمد) وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند نزول هذه الآية ، سألت الله أن يجعلها اذنك يا على ، قال على فما نسيت شيئا بعد ذلك وما كان لي أن أنسى ، وترجمة الرازي قد مرت في ج ١ ص ١١٠ فراجع.

(٣) الحاقة. الآية ١٢.

(٤) هو أحمد أو محمد بن على أبو محمد الأعثم الكوفي المورخ ، له كتب منها كتاب التاريخ الفارسي المطبوع المعروف ، ومنها كتاب الفتوح وقد طبع ببلدة بمبئى ، توفى في حدود سنة ٣١٤ كما في الريحانة (ج ٥ ص ٢٥١ طبع طهران) وكتابه مشهور معروف اعتمد عليه المتأخرون بل ذهب بعضهم الى كون مؤلفه من أجلاء الشيعة والله أعلم.


عليّ عليه‌السلام في حرب صفّين حيث قال : إنّ في بعض أيّام صفين أصحب معاوية جماعة من قبايل يحصب (١) وكندة (٢) ولخم (٣)

__________________

(١) قال العلامة النسابة الشيخ أبو العباس شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن سليمان بن اسماعيل القلقشندي الشهير بابن غدة في كتابه نهاية الارب (ص ٣٥٩ طبع بغداد) : ان بنى يحصب بكسر الصاد المهملة بطن من زيد الجمهور من حمير من القحطانية والنسبة إليهم يحصبى بالفتح وهم بنو يحصب بن مالك بن زيد الجمهور ، وزيد الجمهور تقدم نسبه في حرف الزاء ، وإليهم ينسب ابن عامر أحد القراء السبعة (انتهى) وقال الأستاذ عمر رضا كحالة في كتاب المعجم (ج ٣ ص ١٢٦٠ طبع مصر) يحصب بن دهمان بطن من عامر بن حمير إلخ ، أقول وقد نبغ بينهم فطاحل في الحديث والفقه والأدب والكلام ، فمن مشاهيرهم القاضي عياض المغربي اليحصبى صاحب كتاب الشفا ، في التعريف بحقوق المصطفى وهو الكتاب الشهير السائر.

(٢) قال القلقشندي في النهاية (ص ٣٣١) ما لفظه : كندة قبيلة من كهلان ، وكندة هذا أبوهم واسمه ثور الى أن قال ، وبلاد كندة باليمن وكان لكندة هؤلاء ملك بالحجاز واليمن ومنهم إمرئ القيس بن عابس الكندي الصحابي إلخ ، وقال كحالة في المعجم (ص ٩٩٨ ج ٣ طبع مصر) ما محصله : ان كندة بن عفير قبيلة عظيمة تنسب الى كندة واسمه ثور بن عفير بن عدى الى أن قال : ونزلت كندة سنة ١٧ في الكوفة وأصبحت من سكانها وقد اشتركت بحوادث سنة ٦١ فجاءت بثلاثة عشر ممن قتل مع الحسين عليه‌السلام من شيعته وأهل بيته الى عبيد الله بن زياد إلخ أقول والأشعث بن قيس وابنه محمد وبنته جعدة قتلة الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام من بنى كندة.

(٣) قال القلقشندي في النهاية (ص ٣٣٢ ط مصر) لخم قبيلة من كهلان ، ولخم هذا أخو جذام ، عم كندة ، وكان للخميين ملك بالحيرة من العراق وكان لبقايا هم ملك باشبيلية من الأندلس وهي دولة بنى عباد وأول من ملك منهم القاضي محمد بن اسماعيل بن


وجذام (١) مع ذي الكلاع (٢) الحميري وقال له : اخرج واقصد بحربك همدان خاصّة ، فلمّا علم عليّ عليه‌السلام بذلك أخبر همدان عن ذلك وقال لهم : عليكم بهذا الخيل فانّ معاوية قد قصدكم بها خاصّة دون غيركم (انتهى).

__________________

قريش بن عباد إلخ وقال الأستاذ كحالة في المعجم (ج ٣ ص ١٠١١ ط مصر) ما محصله : أن لخم بن عدى بطن عظيم ينتسب الى لخم واسمه مالك فهو مالك بن عدى ابن الحارث كانت مساكنهم وأكثرها بين الرملة ومصر في الجفار ، وأن منهم بالشام ومنهم ببيت المقدس فدعيت باسمهم وتسميها العامة اليوم ببيت لحم ومنهم آل المنذر ملوك العراق وبنو عباد ومنهم بطون كثيرة بالديار المصرية ، وقد انضمت سنة (٨) طائفة من لخم الى الروم في غزوة (موته) وسارت طائفة منهم سنة (١٤) مع هرقل الى أنطاكية وحاربوا مع معاوية بن أبي سفيان ضد على بن أبي طالب سنة (٣٧) إلخ ، أقول وكثيرا ما يشتبه لخم باللحم ولحم من قبائل نجد مسكنهم القصيم وقبيلة لخم بالخاء المعجمة التي كلامنا فيه تنسب إليها جماعة من قواد الجيش الأموي وذو والمناصب.

(١) في نهاية الارب (ص ١٧٤ ط بغداد) ما محصله : ان جذام بضم الجيم والذال المعجمة بطن من كهلان من القحطانية وهم بنو جذام بن عدى بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد ابن يشحب بن عرب بن زيد بن كهلان ، وجذام هذا أخو لخم وعم كندة إلخ وقال الأستاذ كحالة في المعجم (ج ١ ص ١٧٤) ما محصله : جذام بن عدى بطن من كهلان ، كان بالاسكندرية منهم أقوام ذو عدد وعدد وكانوا يسكنون الحوف شرقى (الدلتا) في سنة ٨٠٣ إلخ.

(٢) هو ذو الكلاع (اسميفع) ويقال (سميفع) بن ناكور ، ويقال أيفع أبو شرجيل الحميري أسلم في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في تاريخ دمشق هكذا قال الذهبي في التجريد (ص ١٨١ ط حيدرآباد) فراجع.

والحميري نسبة الى قبيلة (حمير) من بنى سباء من القحطانية كما في النهاية (ص ٢٠٠ ط مصر).


واما الثاني عشر فلأنا قد أعد منا ما قدّمه من عدم وجوب العصمة ورميناه في ظلمات العدم ، وكذا ما قدّمه في جواب الدّليل الثّاني من عدم اشتراط أن لا يسبق من الامام معصية ، ونستدل على الاشتراط هاهنا بقوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) في جواب إبراهيم عليه‌السلام حيث سأل الامامة لذريته (٢) بقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) الآية تقرير الاستدلال أنّ لفظة من تبعيضيّة كما هو الظاهر ، وصرّح به المفسّرون ، وحينئذ نقول : إنّ سؤال الامامة إمّا أن كان لبعض ذرّيته المسلمين العادلين مدّة عمرهم أو لذريته الظالمين في تمام عمرهم أو لذريته المسلمين العادلين في بعض أيّام عمرهم الظالمين في البعض الآخر ، لكن يكون مقصوده عليه‌السلام إيصال ذلك إليهم حال الإسلام وعدالتهم أو للأعم من ذلك ، فعلى الاول يلزم عدم مطابقة الجواب للسؤال ، وعلى الثاني يلزم طلب الخليل ذلك المنصب الجليل للظالم حال ظلمه وهذا لا يصدر عن عاقل بل جاهل من أمته (٣) فضلا عنه ، وعلى الثالث والرابع يلزم

__________________

(١) البقرة. الآية ١٢٤.

(٢) قال فخر الدين الرازي : الآية دالة على أنه تعالى سيعطى بعض ولده ما سأل ولو لا ذلك لكان الجواب لا ، أو يقال : لا ينال عهدي ذريتك فان قيل : أو ما كان ابراهيم عليه‌السلام عالما بأن النبوة لا تليق بالظالمين ، قلت بلى ولكن ما كان يعلم حال ذريته ، فبين الله تعالى أن منهم من هذا حاله ، أو أن النبوة انما تحصل لمن ليس بظالم انتهى كلامه منه «قده».

(٣) هذا الاستبعاد نظير ما ذكره الناصب في بحث الرؤية في رسالته الفارسية في العقائد الكلامية ، حيث قال : «از آن جمله آنچه ميفرمايد در باب سؤال موسى كه (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) يعنى اى پروردگار خود را بمن بنما تا تو را ببينم موسى اين سؤال بعد از آن فرمود كه سالها بود كه پيغمبر مرسل بود ومحال بود كه پيغمبر مرسل مثل موسى عليه‌السلام در چنين مدت اين مقدار از الهيات نداند كه بر خدا رؤيت جايز نباشد. الى آخر الكلام. منه «قده»


المطلوب وهو أنّ الامامة ممّا لا ينالها من كان كافرا ظالما في الجملة وفي بعض أيّام عمره ، ان قيل : إنّ بعضا من المفسّرين حمل العهد في الآية على عهد النّبوّة وحينئذ لا دلالة في الآية على اشتراط عدالة الامام في جميع عمره ، وأيضا أنّ هاهنا شقا خامسا قد أهملتم أخذه في الاستدلال وذلك لجواز أن يكون إبراهيم عليه‌السلام قد زعم أنّ ذلك البعض من ذريته الذين سأل لهم الامامة يكونون متّصفين بالإسلام والعدالة وقد كان زعمه هذا في جميع أفراد ذلك البعض أو في بعضها مخالفا لما في نفس الأمر فأجابه تعالى بأنّ عهد الامامة ممّا لا تناله الظالمون تنبيها على بطلان ما زعمه لاسلام هؤلاء كلا أو بعضا ، وحينئذ لا يلزم سؤال ما لا يليق بشأن النّبوة ولا عدم مطابقة الجواب للسؤال ، فلا يثبت الاشتراط.

قلت في الجواب عن الأول : إنّه يكفي في دلالة الآية على ما ذكرنا وحجيّته على الخصم تصريح البعض الآخر بل أكثرهم ، ومنهم صاحب الكشّاف وأمثاله من أكابر المفسّرين على أنّ المراد بالعهد عهد الامامة وهو الظاهر أيضا من سياق الآية ، على أنا نقول يلزم من اشتراط ذلك في النّبي اشتراطه في الامام بطريق أولى لعدم تأييده بالوحي العاصم عن الخطاء ، وقد مرّ تحقيق الكلام في وجوب عصمتهم عليهم‌السلام.

وعن الثاني أنّ بطلان زعم إسلام بعض من جماعة إنّما يتصوّر إذا كان ذلك البعض موجودا متعيّنا يمكن أن ينظر في سلامة أحواله واختلالها أو إذا كان هؤلاء الجماعة بأجمعهم ممّن يتّصفون أو سيتّصفون بالكفر والضّلال ، ومن البين أنّ الموجودين في زمان إبراهيم عليه‌السلام من ذريته كإسماعيل وإسحاق كانوا معصومين لا مجال لزعم الباطل فيهما ، ومن وجد بعده من ذرّيته إلى يومنا هذا كان بعض منهم أنبياء معصومين أيضا وبعضهم أولياء مرحومين وبعضهم من فسّاق المسلمين وبعضهم من الكفّار


المردودين كما أخبر الله تعالى عن ذلك في سورة الصافات (١) بقوله : (وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) الآية ولا ريب في أنه عليه‌السلام إذا طلب الامامة لبعض ذرّيته المعدومين لا بدّ بمقتضى شأن نبوّته وقرينة تخصيصه بالبعض أن يكون طلبه ذلك لهم بشرط اتصافهم بالإسلام والعدالة الدائمتين أو في الجملة ولما احتمل أن يكون بعض من ذرّيته المعدومين مسلمين عادلين في الواقع ولم يكونوا متعينين عنده حتى ينظر في حالهم فيزعم فيهم ما ليسوا عليه في نفس الأمر صار احتمال كون ذلك البعض الذي خصهم بسؤال الامامة لهم ممن كانوا على خلاف ما زعم فيهم عليهم‌السلام ساقطا عن أصله وقد منع بعض القاصرين (٢) لزوم عدم مطابقة الجواب للسؤال قائلا إنّ الله تعالى لمّا عدل عن جواب سؤال إبراهيم عليه‌السلام إلى الاخبار بعدم نيل الظالم لعهد الامامة فكأنّه أجاب دعائه مع زيادة ، ووهنه ظاهر إذ لم يعهد في فصيح الكلام فضلا عن كلام الملك العلام أن يسكت رأسا عن جواب ما ذكر في السؤال ويقال في مقام الجواب ما لم يسأل عنه أصلا إلا إذا إذا كان السؤال ممّا لا يستحق الجواب كما قاله أئمة البيان في أسلوب الحكيم (٣) وما نحن فيه ليس كذلك على أنّ هذا التّوجيه يجري في كلّ مقام يعترض فيه بأنّ الجواب ليس بمطابق للسّؤال فلو صحّ لزم أن لا يكون إيراد هذا القسم من الاعتراض موجّها في شيء من المواضع أصلا فضلا عن أن يكون واردا أو متوجّها فتوجّه فكذا الكلام فيما

__________________

(١) الصافات. الآية ١١٣.

(٢) هو المولى شمس الدين الهروي الحنفي نزيل مكة.

(٣) قال في الدستور (ج ١ ص ١١١ ط حيدرآباد) ما لفظه : الأسلوب الحكيم هو تقديم الأهم تعريضا للمتكلم على ترك الأهم وكذا في رسالة الحدود للجرجانى (ص ٤٠ ط مصر).


قدّمه من جواب الدّليل الرّابع والخامس واشتراط الأكمليّة والأفضليّة والأشرفيّة فتذكر.

قال المصنّف رفع الله درجته

وأمّا المنقول فالقرآن والسنّة المتواترة ، أمّا القرآن فآيات ، الاية الاولى (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (١) أجمعوا على نزولها في عليّ عليه‌السلام وهو مذكور في الجمع بين الصّحاح الستة (٢) لمّا

__________________

(١) المائدة الآية ٥٥.

(٢) رواه في جامع الأصول (ج ٩ ص ٤٧٨ ط مصر) عن الجامع بين الصحاح الست للشيخ أبي الحسن رزين بن معاوية بن عمار العيدرى الأندلسي السرقسطي.

ثم اعلم أن نزول الآية الشريفة في حق امام الإسلام مولانا أمير المؤمنين ووصى سيد المرسلين مما دلت عليه الروايات المتواترة معنى بل لفظا نقلت في كتب الحديث والتفسير والكلام والفقه ، ونص الأعاظم من الجمهور على صحة تلك المرويات والوثوق بها والركون عليها ، ونذكر كلمات جماعة وقفنا عليها في كتبهم التي كانت بمحضر منا لدى التحرير ونجزم بأن ما لم نذكره منها شيء كثير ، هذه كتب القوم فكيف بأصحابنا شيعة أهل البيت عليهم‌السلام فان زبرهم على تنوعها مشحونة بذلك أفبعد ذلك يبقى ريب وشك!؟ كلا ورب الراقصات وداحي المدحوات.

فممن نص على ذلك العلامة المحدث الثقة الشهير الشيخ محب الدين الطبري المكي المتوفى سنة ٦٩٤ في كتابه ذخائر العقبى (ص ٨٨ طبع مكتبة القدسي بالقاهرة) وأورد روايات صحاح صراح في الباب.

ومنهم علامة القوم في عصره السيد شهاب الدين محمود عبد الله الرضوى النسب الآلوسى الأصل البغدادي المسكن المتوفى سنة ١٢٧٠ في كتابه تفسير روح المعاني (ج ٦ ص ١٤٩ طبع المطبعة المنيرية بمصر) قال ما لفظه : وغالب الأخباريين على أنها نزلت في


__________________

على كرم الله وجهه ، فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بإسناد متصل قال : أقبل ابن سلام ونفر إلخ.

ومنهم العلامة المحدث المحقق الشيخ محمد بن على القاضي الشوكانى المتوفى سنة ١٢٥٠ في تفسيره فتح القدير الجامع بين فنى الدراية والرواية من علم التفسير (ج ٢ ص ٥٠ طبع مصر) قال ما لفظه : واخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس قال تصدق على بخاتم وهو راكع فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للسائل من أعطاك هذا الخاتم قال : ذاك الراكع فأنزل الله فيه (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ).

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت في على بن أبي طالب وأخرج ابو الشيخ وابن مردويه عن ابن عساكر عن على ابن أبي طالب نحوه وأخرج ابن مردويه عن عمار نحوه أيضا وأخرج الطبرانيّ بسند عنه نحوه انتهى.

ومنهم العلامة أبو عبد الله محمد بن يوسف بن حيان الجيانى الغرناطي الأندلسي النحوي المتوفى بالقاهرة سنة ٧٥٤ في تفسيره البحر المحيط (ج ٣ ص ٥١٣ طبع مصر) على نفقة سيد السلاطين (عبد الحفيظ الحسنى) ملك مراكش وما والاها قال ما لفظه : وقيل (الَّذِينَ آمَنُوا) هو على رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال مقاتل إلخ.

ومنهم ابن كثير الشامي المحدث المفسر الشهير في تفسيره (ج ٢ ص ٧١ طبع مصر) قال ما خلاصته : ان الآية الشريفة نزلت في على بن أبي طالب عليه‌السلام ، روى ذلك بسنده عن مجاهد وابن عباس.

ومنهم العلامة المحدث الشيخ أبو الحسن على بن أحمد الواحدي النيسابوري في اسباب النزول (ص ١٤٨ ط مصر بالمطبعة الهندية سنة ١٣١٥) قال ما لفظه : قال الكلبي وزاد أن آخر الآية في على بن أبي طالب رضوان الله عليه ، لأنه أعطى خاتمه سائلا وهو راكع في الصلاة.


__________________

أخبرنا أبو بكر التميمي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال حدثنا الحسين بن محمد ، عن أبي هريرة ، قال حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، قال حدثنا محمد الأسود عن محمد بن مروان عن محمد بن سائب عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : أقبل عبد الله بن سلام ومعه نفر من قومه قد آمنوا ، فقالوا : يا رسول الله ان منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله وصدقناه رفضونا وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا ، فشق ذلك علينا ، فقال لهم النبي عليه‌السلام : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، الآية ؛ ثم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج الى المسجد والناس بين قائم وراكع ، فنظر سائلا فقال : هل أعطاك أحد شيئا ، قال : نعم خاتم من ذهب ، قال : من أعطاكه؟ قال : ذلك القائم ، وأومأ بيده الى على بن ابى طالب رضى الله عنه ، فقال : على أى حال أعطاك؟ قال : أعطانى وهو راكع فكبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قرأ : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) انتهى.

ومنهم العلامة الشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي في كتاب لباب النقول المتوفى سنة ٩١١ (ص ٩٠ ط الثانية بمطبعة مصطفى الحلبي) قال ما لفظه : أخرج الطبرانيّ في الأوسط عن عمار بن ياسر ، قال : وقف على على بن أبي طالب سائل وهو راكع في تطوع فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فنزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ، الآية ، وله شاهد ، قال عبد الرزاق : حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ، الآية ، قال : نزلت في على بن أبي طالب.

وروى ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس مثله ، وأخرج أيضا عن على مثله ، وأخرج ابن جرير عن مجاهد وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل مثله ، فهذه شواهد يقوى بعضها بعضا ، انتهى.

ومنهم العلامة سبط ابن الجوزي في كتاب التذكرة (ص ١٨ ط النجف الأشرف) قال ما لفظه ، ومنها في المائدة قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الى قوله


__________________

(وَهُمْ راكِعُونَ) ، ذكر الثعلبي في تفسيره عن السدى وعتبة بن أبي الحكيم وغالب بن عبد الله ، قالوا : نزلت هذه الآية في على بن أبي طالب ، مربه سائل وهو في المسجد راكع فأعطاه خاتمه ، وذكر الثعلبي القصة مسندة الى أبي ذر الغفاري ، الى أن قال : وفي رواية أخرى خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى قائم يصلى ، وفي المسجد سائل معه خاتم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل أعطاك أحد شيئا؟ فقال : نعم ذلك المصلى هذا الخاتم وهو راكع ، فكبر رسول الله (ص) ونزل جبرئيل عليه‌السلام يتلو هذه الآية ،

فقال حسان بن ثابت :

من ذا بخاتمه تصدق راكعا

وأسرها في نفسه اسرارا

من كان بات على فراش محمد

ومحمد أسرى يؤم الغارا

من كان في القرآن سمى مؤمنا

في تسع آيات تلين غزارا

(خ ل جعلن كبارا) أشار الى قول ابن عباس ما أنزل الله آية في القرآن الا (وعلى) أميرها ورأسها الى آخر عبارته.

ومنهم العلامة السيد محمد مؤمن بن الحسن الشبلنجي المصري المتوفى في أوائل القرن الرابع عشر في كتاب نور الأبصار (ص ١٠٥ ط مصر بالمطبعة العثمانية) روى ذلك مسندا الى أبي ذر.

وفي كتاب المباهلة (مخطوط) نقلا عن كتاب كفاية الطالب للگنجى الشافعي في الباب الحادي والستين (ص ١٠٦ طبع النجف الأشرف) أنه روى نزول الآية الكريمة في حق على عليه‌السلام بإسناده عن أنس بن مالك الى أن قال : فانشأ حسان بن ثابت :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكل بطيء في الهدى ومسارع

أيذهب مدحيك المحبر ضائعا

وما المدح في ذات الإله بضائع

وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا

زكاة فدتك النفس يا خير راكع


__________________

بخاتمك الميمون يا خير سيد

ويا خير شار ثم يا خير بايع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وبينها في محكمات الشرائع

وروى أيضا في الباب الثاني والستين (ص ١٢٢) نزولها في على عليه‌السلام بإسناده عن ابن عباس ، ثم ذيله بكلمات الى أن قال : هكذا ذكره حافظ العراقين في مناقبه وتابعه الخوارزمي ، ورواه الحافظ محدث الشام بطريقين ، وذكر الخوارزمي عقيب شأن نزول هذه الآية ما لفظه : ولبعضهم في حق على شعر :

وافى الصلاة مع الزكاة فقاما

والله يرحم عبده الصبارا

الى أن قال

من ذا بخاتمه تصدق راكعا

الى آخر ما تقدم نقله من الأبيات

وكذا أفاد البيضاوي في تفسيره أنوار التنزيل (ص ١٢٠ الطبع القديم بمصر)

ومنهم العلامة الطبري في التفسير (ج ٦ ص ١٦٥ ط مصر) بإسناده عن عتبة بن أبي حكيم ومجاهد أنهما قالا نزلت في على بن أبي طالب حين تصدق بخاتمه إلخ.

ومنهم الشيخ علاء الدين الخازن الخطيب البغدادي في تفسيره (ج ١ ص ٤٧٥ طبع مصر) نقل عن السدى أنه مر بعلى سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه ،

ومنهم العلامة النسفي المطبوع بهامش تفسير الخازن (ج ١ ص ٤٨٤ طبع مصر) ما لفظه : أنها نزلت في على حين سأله سائل وهو راكع في صلاته وطرح خاتمه ، ومنهم العلامة السيد سليمان البلخي القندوزى الحنفي المذهب الرضوى النسب في ينابيع المودة (ج ١ ص ١١٤ طبع بيروت) نقل رواية مفصلة في هذا الباب ، وكذا في (ج ٢ ص ٣٧) من ذلك الطبع فراجع.

ومنهم العلامة جار الله الزمخشرىّ في الكشاف (ج ١ ص ٣٤٧ ط مصر بمطبعة التجارية الكبرى) قال بعد كلام له ما لفظه : وانها نزلت في على كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مزجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته (فان قلت) كيف صح أن يكون لعلى رضى الله عنه واللفظ لفظ جماعة


__________________

(قلت) جيء به على لفظ الجمع وان كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء حتى أن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه الى الفراغ منها (انتهى)

ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة ٨٥٣ في كتاب الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (ص ٥٦ الطبع المذكور) في مقام تخريج الحديث قال ما لفظه : فقد رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل قال : تصدق على بخاتمه وهو راكع فنزلت (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) ولابن مردويه من رواية سفيان الثوري عن ابن سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال كان على قائما يصلى ، فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت. وروى الحاكم في علوم الحديث من رواية عيسى بن عبد الله بن عمر بن على ، حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن على بن أبي طالب قال نزلت هذه الآية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ). الآية فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد والناس يصلون بين قائم وراكع وساجد وإذا سائل ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعطاك أحد شيئا؟ قال لا ، الا هذا الراكع ، يعنى عليّا أعطانى خاتمه. رواه الطبرانيّ في الأوسط في ترجمة محمد بن على الصائغ ، وعنه ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال : وقف بعلى سائل وهو واقف في صلاته ، الحديث. وفي اسناده خالد بن يزيد العمرى ، وهو متروك. ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا واسناده ساقط.

ومنهم العلامة فخر الدين الرازي في تفسيره (ج ١٢ ص ٢٦ ط مصر الجديد) قال : روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في على بن أبي طالب عليه‌السلام. روى أن عبد الله ابن سلام قال : لما نزلت هذه الآية قلت : يا رسول الله أنا رأيت عليّا تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع ، فنحن نتولاه. وروى عن أبي ذر رضى الله عنه أنه قال : صليت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما صلاة الظهر ، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده الى السماء وقال : اللهم اشهد انى سألت في مسجد الرسول صلّى الله


__________________

عليه وسلّم فما أعطانى أحد شيئا ، وعلى عليه‌السلام كان راكعا ، فأومأ اليه بخنصره اليمنى ، وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرئى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : اللهم ان أخى موسى سألك ، فقال : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) الى قوله (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فأنزلت قرآنا ناطقا (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك ، فاشرح لي صدري ويسر لي أمرى ، واجعل لي وزيرا من أهلى عليا ، اشدد به ظهري ، قال أبو ذر : فو الله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الى آخرها.

ومنهم السيد رشيد رضا المصري الموطن الوهابى المذهب في تفسير «المنار» (ج ٦ ص ٤٤٢ ط مصر) ما لفظه : ورووا من عدة طرق أنها نزلت في أمير المؤمنين على المرتضى كرم الله وجهه إذ مر به سائل وهو في المسجد فأعطاه خاتمه انتهى.

ومنهم المولى نظام الدين النيسابوري الأعرج في تفسيره المطبوع بهامش تفسير الطبري (ج ٦ ص ١٤٥ ط مصر) ما لفظه : رواه عن ابن عباس وعبد الله بن سلام وعبد الله ابن سلام وأبي ذر قال : روى عن أبي ذر أنه قال : صليت مع رسول الله (ص) يوما صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد فرفع السائل يده الى السماء وقال : اللهم اشهد انى سألت في مسجد الرسول فما أعطانى أحد شيئا وعلى كان راكعا ، فأومأ بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم ثم قرء (اشْرَحْ لِي صَدْرِي) الى قوله (أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فأنزلت قرآنا ناطقا (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) الآية قال أبو ذر :فو الله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبرئيل فقال : يا محمد اقرأ (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) الآية.

ومنهم علامة الجمهور في البلاد العراقية السيد شهاب الدين محمود الرضوى الآلوسى البغدادي في كتابه روح المعاني أورد رواية نزول الآية الشريفة في حق مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام بعدة طرق ينتهى بعضها الى ابن عباس وبعضها الى عبد الله بن سلام فراجع الكتاب (ج ٦ ص ١٤٩ الطبع الثاني بالقاهرة)

ومنهم العلامة المحدث المفسر الشيخ اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤


__________________

في تفسيره الشهير (ج ٢ ص ٧١ طبع مصر) أورد عدة روايات صحيحة دالة على نزول الآية الكريمة في حق امامنا امير المؤمنين عليه‌السلام تنتهي أسانيدها الى عدة كمجاهد ، والضحاك ، وابى صالح ، وميمون بن مهران وكلهم عن ابن عباس.

ومنهم العلامة الشيخ حسن بن الحسين بن على بن محمد بن بطريق الأسدي النسب الحلي المسكن أورد في كتاب العمدة (ص ٥٩ طبع تبريز) عدة روايات دالة على نزول الآية في حق مولانا الأمير عليه‌السلام ينقلها عن الثعلبي بطرقه الى عبد الله بن غالب وابن عباس وعن الشيخ ابى الحسن رزين بن معاوية بن عمار السرقسطي الأندلسي في كتاب الجمع بين الصحاح الستة ، والسند ينتهى الى ابن سلام وعن كتاب المناقب لابن المغازلي بطرقه الى ابن عباس ومحمد بن الحنفية عن أبيه (ع) وعن غيرهم من الصحابة والتابعين والمحدثين.

ومنهم العلامه الشيخ ابو بكر احمد بن على الرازي الحنفي المتوفى سنة ٣٧٠ في كتاب احكام القرآن (ج ٢ ص ٥٤٣ طبع القاهرة بالمطبعة البهية) فانه أورد فيه عدة روايات دالة على نزولها في حق على عليه‌السلام تنتهي أسانيدها الى مجاهد والسدى وابى جعفر وعتبة بن ابى حكيم وغيرهم.

ومنهم العلامة الشيخ ابو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الأندلسي في كتابه الجامع لأحكام القرآن (ج ٦ ص ٢٢١ طبع مصر) حيث نقل عن الامام أبي جعفر باقر العلوم سلام الله عليه نزولها في حق مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام وعن مجاهد السدى وقال في آخر كلامه (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة فان عليا تصدق بخاتمه في الركوع انتهى.

ومنهم العلامة الحافظ الشيخ جلال الدين عبد الرحمن بن ابى بكر السيوطي الشافعي في تفسيره الدر المنثور (ج ٢ ص ٢٩٣ الطبعة الاولى بمصر) أورد عدة روايات دالة على نزولها في حق على عليه‌السلام وتنتهي طرقها الى ابن عباس وسلمة بن كهيل وعمار وغيرهم.


__________________

ومنهم العلامة المحدث القدوة في فنه الشيخ أسعد بن ابراهيم بن الحسين بن على الأردبيلي في كتابه (الأربعين حديثا) والنسخة مخطوطة روى بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : كنا جلوسا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ ورد أعرابى شعث الحال رث الثياب كأنما خرج من تحت التراب فحيا تحية مسنت مدقع وانشد مشيرا الى النبي (ص) :

أتيتك والعذراء تبكى برنة

وقد ذهبت ام الصبى عن الطفل

واخت وبنتان وام كبيرة

وقد كدت من فقرى أخالط من عقلي

وقد مسنى عرى وفقر وفاقة

وليس لنا مال يمر ولا يحلى

وما المنتهى الا إليك مفرنا

وأين فرار الناس الا الى الرسل

فلما سمع النبي (ص) شعر الأعرابي بكى بكاء شديدا ثم قال لأصحابه : معاشر الناس ان الله ساق إليكم ثوابا وقاد إليكم أجرا والجزاء من الله غرف من الجنة يضاهي غرف ابراهيم الخليل (ع) وكان على بن أبي طالب كرم الله وجهه في ناحية من المسجد يصلى ركعات يتنفل بها تطوعا فأومى الى الأعرابي أن يدنو اليه فدنى منه فدفع اليه خاتمه وهو في الصلاة ولم يصبر الى ان يتم صلاته لسرعة اغتنامه الثواب فنزل الوحى في الحال على النبي (ص) وأنزل «(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا). الآية فقال النبي (ص) معاشر الناس من فيكم اليوم عمل خيرا ذكره الله من فوق سبع سماواته قالوا : ما منا من عمل اليوم خيرا سوى ابن عمك تصدق بخاتمه على الأعرابي وهو قائم في الصلاة يصلى لم يقطع صلاته فقال النبي (ص) وجبت لابن عمى غرف وأنزل الله فيه مدحا وقرء عليهم الآية فتصدق الناس على الأعرابي بأربعمائة خاتم وهو يقول : وهذا أيضا من بركاتك يا حيدر.

نقلنا كلام الشيخ اسعد بألفاظه من كتاب مناقب امير المؤمنين (ع) للشيخ الأجل الثقة المحدث محمد بن على بن حيدر بن الحسن المقري الكاشي من علماء المائة الحادية عشر ، والكتاب مخطوط نفيس في بابه أورد فيه مؤلفه أربعمائة حديثا في مناقب الأمير (ع) وهو حسن جدا محتو على فوائد لطيفة ، والتزم بنقل الروايات عن كتب مشاهير


تصدّق بخاتمه على المسكين في الصّلاة بمحضر من الصحابة ، والولي هو المتصرّف وقد أثبت الله الولاية لذاته وشرّك معه الرّسول وأمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ، وولاية الله تعالى عامّة فكذا النبي والولي (١) انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : جوابه أنّ المراد من الولي في الآية الناصر فانّ الوليّ لفظ مشترك يقال للمتصرف والنّاصر والمحبّ والأولى بالتّصرف كوليّ الصبي والمرأة ، والمشترك إذا تردّد بين معانيه يلزم وجود القرينة للمعنى المطلوب منه ، وهاهنا كذلك ، فلا يكون هذا نصّا على إمامة عليّ عليه‌السلام ، فبطل الاستدلال به ، وأمّا القرائن على أن المراد بالولي النّاصر في الآية لا الأولى والأحقّ بالتّصرف ، لأنّه لو حمل على هذا

__________________

القوم وأجلائهم وترجمة كل حديث بالفارسية بعد نقله ، وكان الفراغ من تأليفه سنة ألف من الهجرة الشريفة.

ومنهم المير محمد صالح الترمذي الحنفي المتخلص بالكشفى في كتاب مناقب المرتضوي (ص ٧ ط الهند) ما لفظه بالفارسية : در اين آيه كريمه اختلاف را راه نيست چرا كه هيچ كس بجز امير المؤمنين در ركوع صدقه نداده وچون الكناية ابلغ من التصريح دأب عرب است بنابر اين حضرت بيچون بكنايه واشاره متكلم شده إلخ.

هذا ما اقتضته الحال ووسعه المجال من ذكر كلمات القوم في الباب وأما أصحابنا الامامية شيعة آل رسول الله فقد اتفقت كلمتهم في كتب الحديث والتفسير والكلام على نزول الآية الشريفة في حقه عليه‌السلام وانه المعنى بها لم يخالف فيه احد بل قد يدعى التواتر في شأن نزولها فإذن لا مسرح ولا مساغ للتشكيك والترديد الا ان يكون الشخص مبغضا ناصبا او سوفسطائيا في البديهيات ، وليعلم أن هاهنا مباحث في دلالة الآية الشريفة وفوائد جمة قد غمضنا عنها رعاية للاختصار واحالة الى محل آخر والله تعالى هو الهادي.

(١) ويكفى في دلالتها ما ذكره العلامة في الفنون فخر الدين الرازي في تفسيره المسمى


__________________

بمفاتيح الغيب (ج ١٢ ص ٢٦ ط القاهرة سنة ١٣٥٧) وحيث قد أجرى الله سبحانه وتعالى الحق على قلمه وأنطقه بقدرته وافصح ذاهلا عن عصبيته كان الأنسب لنا ان نورد كلامه بعين ألفاظه ليعتبر من أنصف وحكم وجدانه السليم فنقول : قال : نقلا عن جماعة ان هذه الآية دالة على أن الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو على بن أبي طالب وتقريره أن نقول : ان الآية دالة على أن المراد بهذه الآية امام ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الامام هو على بن أبي طالب.

بيان المقام الاول أن الولي في اللغة قد جاء بمعنى الناصر والمحب كما في قوله (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) وجاء بمعنى المتصرف ، قال عليه الصلاة والسّلام : «أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها»

فنقول : هاهنا وجهان : الاول : أن لفظ الولي جاء بهذين المعنيين ولم يعين الله مراده ، ولا منافاة بين المعنيين ، فوجب حمله عليهما ، فوجب دلالة الآية على أن المؤمنين المذكورين في الآية متصرفون في الامة.

الثاني : أن نقول : الولي في هذه الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر فوجب ان يكون بمعنى المتصرف وانما قلنا انه لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر لان الولاية المذكورة في هذه الآية غير عامة في كل المؤمنين ، بدليل انه تعالى ذكر بكلمة «انما» وكلمة «انما» للحصر ، كقوله (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) والولاية بمعنى النصرة عامة لقوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) وهذا يوجب القطع بأن الولاية المذكورة في هذه الآية ليست بمعنى النصرة ، وإذا لم تكن بمعنى النصرة كانت بمعنى التصرف ، لأنه ليس للولي معنى سوى هذين فصار تقدير الآية : انما المتصرف فيكم أيها المؤمنون هو الله ورسوله والمؤمنون الموصوفون بالصفة الفلانية ، وهذا يقتضى أن المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة في هذه الآية متصرفون في جميع الامة ، ولا معنى للإمام الا الإنسان الذي يكون متصرفا في كل الامة فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على أن الشخص المذكور فيها يجب أن يكون امام الامة.

أما بيان المقام الثاني وهو انه لما ثبت ما ذكرنا وجب أن يكون ذلك الإنسان هو على


لكان غير مناسب لما قبلها وهو قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، فانّ الأولياء هاهنا بمعنى الأنصار لا بمعنى الأحقّين بالتصرف ، وغير مناسب لما بعدها وهو قوله (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) ، فانّ التولي هاهنا بمعنى المحبّة

__________________

ابن أبي طالب ، وبيانه من وجوه : الاول : أن كل من اثبت بهذه الآية امامة شخص قال ان ذلك الشخص هو على ، وقد ثبت بما قدمنا دلالة هذه الآية على امامة شخص ، فوجب أن يكون ذلك الشخص هو على ضرورة انه لا قائل بالفرق. الثاني تظاهرت الروايات على أن هذه الآية نزلت في حق على ، ولا يمكن المصير الى قول من يقول : انها نزلت في ابى بكر رضى الله عنه ، لأنها لو نزلت في حقه لدلت على إمامته ، وأجمعت الامة على أن هذه الآية لا تدل على إمامته فبطل هذا القول. والثالث : أن قوله(وَهُمْ راكِعُونَ) لا يجوز جعله عطفا على ما تقدم لان الصلاة قد تقدمت ، والصلاة مشتملة على الركوع فكانت اعادة ذكر الركوع تكرارا فوجب جعله حالا أى يؤتون الزكاة حال كونهم راكعين ، وأجمعوا على أن إيتاء الزكاة حال الركوع لم يكن الا في حق على ، فكانت الآية مخصوصة به ودالة على إمامته من الوجه الذي قررناه ، وهذا حاصل استدلال القوم بهذه الآية على امامة على عليه‌السلام ثم قال : والجواب : اما حمل لفظ الولي على الناصر والمتصرف معا فغير جائز ، لما ثبت في اصول الفقه أنه لا يجوز حمل اللفظ المشترك على مفهوميه معا (انتهى كلامه) قلنا : ان كون على عليه‌السلام متصفا بوصف الناصر لا يقتضى كون وصف الناصر مرادا من كلمة الولي في هذه الآية توضيحه أن اللفظ قد يكون له معنيان ويكون كلاهما صادقين على فرد واحد ولكن القائل يطلق عليه اللفظ ولا يريد منه الا احد معنييه وبالجملة لا ملازمة بين تحقق معنى وبين إرادة ذلك المعنى من اللفظ ، كيف؟ والا لاستحال اطلاق كلمة لها معنيان في حق احد تحقق فيه كلا المعنيين لاستحالة ان يراد منه معنيان في اطلاق واحد كما قال الفخر.


والنصرة فوجب أن يحمل ما بينهما على النصرة أيضا لتتلاءم أجزاء الكلام انتهى.

أقول

فيه نظر من وجوه أما أولا فلأنّ القرينة في أنّ المراد بالوليّ الأولى بالتّصرف دون المعاني الأخر موجودة فانّ حصر الولاية في المؤمنين الموصوفين في الآية بإيتاء الزّكاة حال الرّكوع يدلّ على عدم إرادة معنى النّصرة والّا لزم بمقتضى الحصر أن يكون من شرط الوليّ المؤمن مطلقا (١) إيتاء الزّكاة حال الرّكوع وفساده ظاهر والحاصل أنّه إن أريد بالولي النّاصر وبالذين آمنوا جماعة من المؤمنين الذين يمكن اتّصافهم بالنّصرة فيستقيم الحصر حينئذ لكن لا يستقيم الوصف بإيتاء الزّكاة حالة الرّكوع ، وان أريد به النّاصر وبالذين آمنوا عليّ عليه‌السلام يبطل الحصر وان أريد به الأولى بالتصرّف وبهم عليّ عليه‌السلام يستقيم الحصر والوصف معا لأنّ كون إيتاء الزّكاة حال الرّكوع من شأن الامام الأولى بالتصرّف في أحكام المؤمنين غير مستبعد بل روى (٢) انّه قد وقع هذه الكرامة عن باقي الأئمة المعصومين عليهم‌السلام واما ثانيا فلأنّ الولاية بمعنى الامامة والتصرّف في الأمور أعمّ من الولاية بمعنى النصرة في الجملة فنفى الولاية بمعنى الامامة مفيد لنفى الولاية المنفيّة عن اليهود والنّصارى في الآية الاولى على أتمّ وجه بأنّ نفى العام نفى الخاص مع الزّائد ، فهو أتمّ في النّفي فتكون المناسبة حاصلة ، وكذا الكلام في ما بعد الآية فلا دلالة

__________________

(١) أى سواء كان اولى بالتصرف ام لا.

(٢) وفي كتاب الاصفى للعلامة المحدث الفيض الكاشاني صاحب الوافي (ص ١٥١ ط طهران) ما لفظه : وفي رواية انه ناول السائل الخاتم من إصبعه كما يأتى وهي أشهر وقد روته العامة أيضا ولعله عليه‌السلام تصدق في ركوعه مرة بالحلة وأخرى بالخاتم والآية نزلت بعد الثانية فان (يؤتون) يشعر بالتكرار والتجدد. وقال قبيل ذلك : فكل من بلغ من أولاده مبلغ الامامة يكون بهذه النعمة مثله ، فيتصدقون وهم راكعون.


على مقصودهم إلا إذا حمل حزب الله على معنى أنصار الله كما تمحله بعضهم وهو كما ترى وأيضا العطف دالّ على تشريك الثلاثة في اختصاص الولاية (النصرة خ ل) بأىّ معنى كان بهم ولا خفاء في أنّ نصرة الله ورسوله للمؤمنين مشتملة على التصرف في أمرهم على ما ينبغي ، فكذلك نصرة الذين آمنوا ، غاية الأمر أنّ التّصرف في أمرهم مفهوم مشكك يختلف بالأولوية والأشدّيّة ، بل حقّق أنّ جميع المعاني العشرة التي ذكروها للوليّ مرجعها إلى الأولى بالتصرف ، لأنّ مالك الرّق وهو أحد تلك المعاني أولى برقّه والرّقّ أولى به ، وكذا المعتق أولى بمعتقه وبالعكس وكذا الجار بالجار والحليف بالحليف والنّاصر بالمنصور وابن العمّ بالعمّ فانّ كلا من هذه المذكورات وما لم يذكر أولى بصاحبه من الذين ليس له تلك الولاية كما لا يخفى على من تأمّل وأنصف ، واما ثالثا فلأنّ توافق الآيات إنّما يجب إذا لم يمنع عنها مانع وقد بينّا عدم صحّة حمل الولي هاهنا على النّاصر والمحبّ ونحوهما ، وايضا هذه الآيات الثلاث لم تنزل دفعة حتّى تلائم أن يكون الوليّ في جميعها بمعنى واحد بل نزلت تدريجا والصحابة جمعوها بهذا الوجه ، بل نقول : لو سلّم عدم الملائمة على التّقدير المذكور فهذا اعتراض يرد في الحقيقة على خليفتهم عثمان حيث جمع المصاحف على مصحف واحد وحرّف الكلم عن مواضعها (١) ولم يرتّب الآيات كما هو حقّها وكان له في ذلك مآرب شتّى لا يخفى على اولي النّهى.

واما رابعا فلأن تفريع الوجوب في قوله : فيجب أن يحمل إلخ على ما قبله محلّ تأمّل ، وقوله : لتتلاءم أجزاء الكلام لا يدلّ على الوجوب خصوصا إذا دلّ الدّليل على أنّه لا يصح إرادة النّصرة فتأمّل هذا ،

واعترض شارح المقاصد على احتجاج الشّيعة بالآية المذكورة بأنّ الحصر إنّما يكون فيما فيه تردّد ونزاع ، ولا خفاء في أنّ النزاع في الولاية والامامة لم يكن

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى في سورة النساء. الآية ٤٦.


عند نزول الآية ولم تكن في ذلك الزّمان إمامة حتّى يكون نفيا للتردّد ، والجواب عنه من وجوه اما أولا فلما يستفاد من كلامه في شرحه للتّلخيص في مبحث القصر حيث قال : إنّ اعتقاد المخاطب بثبوت ما نفاه المتكلم قطعا أو احتمالا مختصّ بالقصر الغير الحقيقي ، ألا ترى أنّهم اتفقوا على صحّة ما في الدّار إلا زيد قصرا حقيقيّا مع أنّه ليس ردّا على من اعتقد أنّ جميع النّاس في الدّار ، والحاصل أنّه يجوز أن يكون هذا القصر قصر الصّفة على الموصوف قصرا حقيقيا ودفع التردّد والنّزاع وردّ الخطاء إنما يشترط في القصر الاضافي واما ثانيا فلأنه يجوز أن يكون قصرا إضافيا فانه تعالى عالم بجميع الأشياء فلما علم اعتقادهم إمامة غيره في الاستقبال كما يدلّ عليه حديث المشكاة (١) الذي من جملته وإن أمّرتم عليا ولا أراكم فاعلين إلخ قال لهم على أبلغ وجه وآكده (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ) تتميما للحجة ، وأما ثالثا فلأنه يجوز أن يكون الحصر لدفع التردّد الواقع من بعضهم عند نزول الآية بين انحصار الولاية في الله ورسوله واشتراكه بينهما وبين غيرهما على أن يكون القصر لتعيين الاشتراك كما أنّ القصر في قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (٢) قصر القلب لتحقيق اشتراك الرّسالة وعمومها لجميع الناس وردّ اختصاصها بالعرب كما زعمته اليهود والنصارى ، واما رابعا فلأن حاصل كلام المعترض هو الاعتراض على الله تعالى ونسبة اللّغو إليه ، إذ محصله أنّ النزاع في خلافة الثلاثة وولايتهم إنما وقع بعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالحصر لا يرفعه ، وباعتقادهم لم يكن في حال حياة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمام وخليفة وتردّد في خلافة أحد فيكون الحصر لغوا واما خامسا فلأنّ الحصر يدلّ على نفى إمامة من ينازع مطلقا لا أن ينازع في ذلك الوقت ، وإلا لزم أن تكون كلمة التوحيد نافيا لالوهية من ادّعى الالوهية في وقت نزولها

__________________

(١) قد مر نقل الحديث عن الكتاب مع تعيين محله.

(٢) السباء. الآية ٢٨.


لا مطلقا وهو ظاهر الفساد هذا ،

وقد اعترض ايضا بعض المتعصبين (١) على الاحتجاج بهذه الآية وقال إنكم تقولون إنّ عليّا عليه‌السلام في حال صلاته في غاية ما يكون من الخشوع والخضوع واستغراق جميع حواسه وقواه وتوجهها شطر الحقّ حتى أنكم تبالغون وتقولون كان إذا أريد إخراج السهام والنصول من جسمه الواقعة فيه وقت الحرب تركوه إلى وقت صلاته فيخرجونها منه وهو لا يحس بذلك لاستغراق نفسه وتوجهها نحو الحقّ ، فكيف مع ذلك أحس بالسائل حتى أعطاه خاتمه في حال صلاته ، وأجاب (٢) عنه بعض علمائنا فقال : شعر :

يعطي ويمنع لا تلبيه سكرته

عند النديم ولا يلهو من الكاس

أطاعه سكره حتى تمكن من

فعل الصحاة وهذا أفضل الناس

وحاصل الجواب أنه عليه‌السلام في تلك الحالة وإن كان كما ذكر لكنه حصل منه التفات أدرك به السائل وسؤاله ولا يلزم منه التفاته إلى غير الحقّ لأنّه فعل فعلا تعود نهايته إلى الحقّ ، فكان كالشارب الذي فعل حال سكرته فعلا موافقا (٣) لفعل الصحاة ولم يلهه ذلك عن نديمه ولا عن كأسه ولا خرج بذلك عن سكرته فتأمل ،

__________________

(١) هو المولى شمس الدين الهروي الحنفي الناصب من مشاهيرهم. منه «قده».

(٢) ومن الاجوبة أنه عليه‌السلام لما كان بكليته متوجها الى الله تعالى مقبلا اليه معرضا عما سواه متمحضا في العبادة نبهه سبحانه بالإلهام والإلقاء في الروع في هذه العطية الكريمة وذلك لعموم افضاله جل وعز شأنه على عباده فكيف بالمؤمن السائل في بيته أعنى المسجد النبوي (ص) ، فلا غرو أن يلقى في قلب وليه اعانة المسكين المفتاق فالتصدق (ح) طاعة في طاعة ، وهذا الوجه مما يقبله الذوق السليم والفكر المستقيم نبهنا الله وإخواننا من سنة الغفلة آمين آمين.

(٣) لا يخفى عدم حسن هذا التعبير والاولى ما ذكرناه فلا تغفل.


وأقول : في الجواب أيضا أنّ غاية الأمر في ذلك أن يكون في مرتبة ما يحصل للأولياء من الوحدة في الكثرة والخلوة في الجلوة وقد أثبت النقشبندية (١) من متصوّفة أهل السنة هذه المرتبة لأنفسهم واشتهر منهم أنهم يقولون : «خلوت در أنجمن ميداريم» فلا ينبغي أن ينازع مع علي عليه‌السلام في حصول نظير هذه المرتبة له ، اللهم إلا أن يقال : إن النقشبندية قد نسبوا خرقتهم في التصوف إلى أبي بكر ، فجاز أن يحصل لهم من بركات أبي بكر مرتبة لا تحصل لعليّ عليه‌السلام ، فانّ هذا كلام لا دافع له إلّا غضب الله تعالى

قال المصنّف رفع الله درجته

الاية الثانية قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٢) نقل الجمهور (٣) أنها نزلت في بيان فضل عليّ عليه‌السلام يوم الغدير ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد عليّ عليه‌السلام وقال : أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم ، قالوا بلى يا رسول الله

__________________

(١) قد مر المراد بهم وانتسابهم وشطر من أحوالهم في حلقاتهم ويعبر عنهم ب (خواجه گان وتارة بالاحرار.)

(٢) المائدة. الآية ٦٧.

(٣) وهم جم غفير من محدثي القوم وفطاحلهم ونقتصر على ذكر قليل من كتبهم «فمنها» أسباب النزول للشيخ أبي الحسن على بن أحمد الواحدي النيسابوري.

حدثنا أبو سعيد محمد بن على الصفار ، قال : أخبرنا أحمد بن الحسن المخلدي ، قال حدثنا على بن عابس عن الأعمش وأبي حجاب عن عطية عن أبي سعيد الخدري (ص ١٥٠ ط مصر بالمطبعة الهندية) «ومنها» مطالب السؤول في مناقب آل الرسول للشيخ محمد بن طلحة كمال الدين الشافعي المتوفى سنة ٦٥٤.

روى عن أبي سالم النصيبي عن أبي سعيد (ص ١٦ ط طهران) «ومنها» تفسير مفاتيح الغيب لفخر الدين محمد بن عمر الرازي


__________________

روى عن ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن على (ج ١٢ ص ٥٠ ط مصر سنة ١٣٧٥) «ومنها» الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي.

روى عن الحافظ أبي الفتوح أسعد بن أبي الفضائل العجلى يرفعه بسنده الى حذيفة بن أسيد الغفاري وعامر بن ليلى بن ضمرة.

وروى عن الواحدي وعن الثعلبي عن أبي سعيد الخدري

وروى عن الشيخ محيي الدين النووي الشافعي (ص ٢٣ و ١٤ ط النجف)

«ومنها» تفسير الثعلبي على ما في ينابيع المودة للعلامة الثقة العارف الشهير السيد سليمان ابن ابراهيم الحنفي البلخي (ص ١٢٠)

روى عن أبي صالح عن ابن عباس

«ومنها» فرائد السمطين للحموينى (على ما في الكتاب المذكور ص ١٢٠)

روى عن أبي هريرة

«ومنها» تفسير الميرزا محمد البدخشانى الحنفي (على ما في العبقات)

روى عن أبي سعيد الخدري

«ومنها» الطرائف للعلامة رضى الدين بن طاوس.

روى عن الحافظ أبي سعيد السجستاني بإسناده عن ابن عباس وجابر بن عبد الله

«ومنها» الدر المنثور في التفسير بالمأثور للعلامة الشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي (ج ٢ ص ٢٩٨ ط مصر)

أخرج أبو الشيخ عن الحسن عن رسول الله (ص) ، قال : ان الله بعثني برسالة فضقت بها ذرعا وعرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فانزل الآية.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري

«ومنها» كتاب فتح القدير في التفسير (ج ٣ ص ٥٧ ط مصر) (ج ٢٦)


__________________

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس

واخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري

واخرج ابن مردويه عن ابن مسعود

«ومنها» تفسير المنار (ج ٦ ص ٤٦٣ ط مصر)

روى ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس

وروى أبو الشيخ عن أبي الحسن

وروى عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد

وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري

«ومنها» كتاب الدراية لمسعود السجستاني (كما في البحار)

روى بإسناده الى عبد الله بن عباس

«ومنها» كتاب النشر والطى (كما في البحار)

رواه مرسلا

«ومنها» كتاب ما نزل من القرآن في على (ع) للحافظ أبي نعيم

بإسناده يرفعه الى الحجاف عن الأعمش عن عطية

«ومنها» تفسير ابن جريح

روى عن ابن عباس

«ومنها» تفسير عطاء

روى عن ابن عباس

«ومنها» كتاب المناقب للسدى

رواه مرسلا

«ومنها» شرح النهج لابن أبي الحديد

روى عن ابراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن يحيى بن سليمان عن أبي فضيل عن الحسن


__________________

ابن الحكم النخعي عن رياح بن الحرث ثم قال على بن عيسى ناقلا عن ابن مردويه

وروى مرسلا أيضا عن ابن عباس

«ومنها» كتاب ابن جرير

رواه بإسناده عن ابن عباس

ورواه عن ابن مردويه بإسناده عن ابن مسعود

«ومنها» تفسير الثعلبي

روى بإسناده عن أبي محمد عبد الله بن محمد القاضي ، حدثنا أبو الحسين محمد بن عثمان النصيبي ، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين عن حسان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس

«ومنها» كتاب مفتاح النجا (كما في الغدير)

رواه عن الحافظ عز الدين الرسعنى في تفسير عن ابن عباس (كما فيه أيضا)

«ومنها» تفسير السيد عبد الوهاب البخاري (كما فيه أيضا)

في ذيل قوله تعالى (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ)

«ومنها» الأربعين للسيد جلال الدين «كما فيه أيضا»

روى عن ابن عباس

«ومنها» كشف الغمة للاربلى «كما فيه أيضا»

روى عن الرسعنى في تفسير عن ابن عباس (ص ٩٢)

«ومنها» تفسير البخاري «كما فيه أيضا»

روى عن محمد بن محبوب عن أبي سعيد الخدري

«ومنها» كتاب السائر الدائر «كما فيه أيضا»

روى عن نظام الدين القمي النيسابوري عن أبي سعيد الخدري (ج ٦ ص ١٧٠)

«ومنها» شرح الديوان لكمال الدين حسين الميبدى «كما فيه أيضا»

نقل عن الثعلبي


__________________

«ومنها» كتاب الولاية للحافظ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري كما فيه ونقلها بتمامها على نحو البسط في تفسير البرهان (ج ١ ص ٤٣٦ طبع طهران)

روى عن زيد بن أرقم

ونحن ننقل متن حديثه في المقام تيمنا قال : لما نزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع ، وكان في وقت الضحى وحر شديد ، أمر بالدوحات فقمت ، ونادى الصلاة جامعة ، فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ، ثم قال : ان الله تعالى أنزل الى : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ، وقد أمرنى جبرئيل عن ربى أن أقوم في هذا المشهد واعلم كل أبيض وأسود ان على بن أبي طالب أخى ووصيّي وخليفتي والامام بعدي ، فسألت جبرئيل أن يستعفى لي ربى لعلمي بقلة المتقين وكثرة الموذين لي واللائمين لكثرة ملازمتى لعلى ، وشدة إقبالي عليه حتى سموني اذنا ، فقال تعالى : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) ، ولو شئت أن اسميهم وأدل عليهم لفعلت ، ولكني بسترهم قد تكرمت فلم يرض الله الا بتبليغي فيه ، فاعلموا معاشر الناس ذلك ، فان الله قد نصبه لكم وليا واماما ، وفرض طاعته على كل أحد ، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدقه ، اسمعوا وأطيعوا ، فان الله موليكم وعلى امامكم ، ثم الامامة في ولدي من صلبه الى القيامة ، لا حلال الا ما أحله الله ورسوله ، ولا حرام الا ما حرم الله ورسوله وهم ، فما من علم الا وقد أحصاه الله في ونقلته اليه فلا تضلوا عنه ولا تستنكفوا منه ، فهو الذي يهدى الى الحق ويعمل به ، لن يتوب الله على أحد أنكره ولن يغفر له ، حتما على الله أن يفعل ذلك أن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين ، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق ، ملعون من خالفه ، قولي عن جبرئيل عن الله فلتنظر نفس ما قدمت لغد افهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسر ذلك لكم الا من أنا آخذ بيده وشائل بعضده ومعلمكم : ان من كنت مولاه فهذا على مولاه ، وموالاته من الله عزوجل أنزلها على. ألا وقد أديت ، ألا وقد بلغت ، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، لا تحل


__________________

امرة المؤمنين بعدي لاحد غيره. ثم رفعه الى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال :

معاشر الناس : هذا أخى ووصيّي وواعي علمي وخليفتي على من آمن بى وعلى تفسير كتاب ربى. وفي رواية : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه والعن من أنكره ، واغضب على من جحد حقه ، اللهم انك أنزلت عند تبيين ذلك في على : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ). بإمامته ، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه الى القيامة فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ، ان إبليس أخرج آدم عليه‌السلام من الجنة مع كونه صفوة الله بالحسد ، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم ، في على نزلت سورة : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ،

معاشر الناس : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي) انزل معه (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ). النور من الله في ثم في على ثم في النسل منه الى القائم المهدى. معاشر الناس سيكون من بعدي أئمة يدعون الى النار ويوم القيامة لا ينصرون ، وان الله وأنا بريئان منهم ، انهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار ، وسيجعلونها ملكا اغتصابا ، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان ، (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ). الحديث (ضياء العالمين)

ومن رام الوقوف على أكثر مما ذكرنا فعليه بالتتبع في كتب القوم ومن نأى بجانبه عن الاعتساف والعصبية الجاهلية يكفيه ما سردنا من عبائرهم الصريحة في الباب.

هذا ما وقفنا عليها من كلمات اعلام القوم كلها تنادى بأعلى صوتها ان الآية الشريفة نزلت في غدير خم وفي ذلك كفاية لمن اخمد نار العصبية الموقدة ولم يقلد على عمياء ما نسجه سلفه وحاكه الماضون ولنذيل الكلام بأسماء عدة من أعيان الشيعة الذين صرحوا بشأن نزولها.

فمنهم العلامة الزاهد الجليل الشهيد أبو على محمد بن أحمد بن علي الفتال النيسابوري في كتابه روضة الواعظين.


__________________

ومنهم شيخ طائفة الامامية مؤسس مبانى رد الفروع الى الأصول أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الأمالي نقله عن شيخه مفيد الشيعة

بسنده الى ابن أبي عمير وبسنده الى هارون بن عمرو المجاشعي وبسنده عن إسحاق بن اسماعيل النيسابوري

ومنهم العلامة الثقة شيخنا أبو طالب أحمد بن على الطبرسي في كتاب الاحتجاج بسنده المنتهى الى علقمة بن محمد الحضرمي

ومنهم شيخنا الأقدم العياشي بسنده المنتهى الى زرارة وبسنده المنتهى الى محمد ابن محمد الخزاعي وبسنده عن ابن اذينة عن زرارة وبسنده عن هشام بن سالم

ومنهم سليم بن قيس الهلالي الكوفي وهو كتاب معروف مطبوع منتشر في الأقطار معتمد عليه عند أصحابنا واكثر القوم ممدوح من ساداتنا الأئمة

ومنهم شيخنا العلامة المتبحر على بن شهر آشوب في كتاب المناقب

ومنهم العلامة السيد هاشم بن سليمان الموسوي البحراني في البرهان وغاية المرام

ومنهم شيخنا الأجل العلامة فخر الشيعة الامامية أبو عبد الله محمد بن النعمان المفيد البغدادي في كتبه.

ومنهم شيخنا القدوة المتبحر خاتم المحدثين غواص بحار الاخبار وخادم علوم الأئمة الاطهار مولانا المجلسي في تاسع البحار

ومنهم العلامة خريت الحديث ونابغة الرواية مولانا الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتابه إثبات الهداة

ومنهم العلامة الجليل الشيخ زين الدين في الصراط المستقيم

ومنهم العلامة المتبحر السيد حيدر الحسيني الاملى الطبري صاحب كتاب الكشكول فيما جرى على آل الرسول (ص)

ومنهم أديب قريش وفخر بنى هاشم سيدنا الشريف الرضى محمد بن الحسين الموسوي البغدادي جامع نهج البلاغة في كتاب المناقب «كما في تفسير البرهان»


قال : من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه (١) اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحقّ معه كيفما دار ، والمولى يراد به الأولى بالتصرّف لتقدّم ألست أولى ولعدم صلاحية غيره هاهنا انتهى.

__________________

رواه عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر الباقر عن جده.

ومنهم الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب الشواهد (كما في مجمع البيان ج ٣ ص ٢٢٣).

رواه بإسناده عن ابن أبي عمير عن ابن اذينة عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن عباس وجابر بن عبد الله.

ورواه أيضا بإسناده الى حيان بن على الغنوي عن أبي صالح الى غير ذلك.

هذا ما اقتضته الحال وأتاحته الظروف من ذكر بعض الأعاظم من أصحابنا وتركنا الكثير منهم مخافة السامة مضافا الى أن اعتراء الهموم والأحزان صيرني بحيث أرى الممات مما يليق ان يتنافس فيه المتنافسون ومن أشد تلك الخطوب إيذاء بعض الحسدة من المتسمين بسمة العلم لا أراهم الله الخير في الدارين وطأطأ رءوسهم عند أمي شفيعة يوم الجزاء سيدتي فاطمة الزهراء (ع)

(١) لا يذهب على اللبيب السالك مهيع الإنصاف التارك لهواه النائى بجنبه عن العصبية الباردة التي هي تراث بعض السفلة الكامنين بغض آل الرسول لاحقاد بدرية وحنينية ، أن هذا الحديث الشريف من المتواترات بين النقلة وحفاظ الأحاديث النبوية قد بلغت كثرة أسانيده واستفاضتها الى درجة لو ارتاب فيه احد لم يجد متواترا في الدنيا ، ولعد المكابر له من السوفسطائية في الحسيات ، فكيف يتطرق الى صدوره الإنكار والى صراحة دلالته الاحتمال وقد شهد بتواتره فطاحل الآثار وحفظة الاخبار أودعوه في كتبهم على تنوعها وأذعنوا بعد التأويلات الباردة بصراحته في ما نقول نحن معاشر شيعة أهل البيت.


__________________

فممن صرح بتواتره العلامة الشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي في كتابه الازهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة

ومنهم العلامة الجزري في أسنى المطالب ، حيث قال : انه حديث صحيح رواه الجم الغفير

عن الجم الغفير

ومنهم الشيخ العلامة جمال الدين النيسابوري في الأربعين ، حيث قال : حديث الغدير تواتر عن امير المؤمنين وهو متواتر عن النبي (ص) رواه جمع كثير وجم غفير من الصحابة ومنهم صاحب كتاب السراج المنير في شرح الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير ومنهم العلامة الشيخ ضياء الدين صالح بن المهدى المقبلى في كتاب الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة ، حيث قال بعد ذكر حديث الغدير ما لفظه : وطرقه كثيرة جدا ولذا ذهب بعضهم الى انه متواتر لفظا فضلا عن المعنى

ومنهم العلامة الشيخ ابن كثير الشامي في تاريخه عند ترجمة محمد بن جرير الطبري وانه رأى كتابا جمع فيه أسانيد هذا الحديث في مجلدين ضخمين

ومنهم العلامة السيد محمد بن اسماعيل بن صلاح الدين الأمير ، قال في كتابه الروضة الندية في شرح التحفة العلوية : وحديث الغدير متواتر عند اكثر أئمة الحديث.

ومنهم الميرزا مخدوم بن مير عبد الباقي الشريفى الحنفي المتعصب في كتاب نواقض الروافض.

ومنهم القاضي سناء الله الهندي الپانى پتى في كتاب السيف المسلول على ما نقله آية الله في الورى وسيفه المنتضى الذي عقمت أشكال الدهر أن تلدن بمثله سيدنا ومولانا المير حامد حسين الموسوي اللكنهوي الهندي في كتابه «عبقات الأنوار».

ومنهم شمس الدين التركمانى الذهبي ، حيث انه بعد معلومية حاله من التسرع في تضعيف الأسانيد حكم بكون هذا الحديث متواترا وجعل يتكلف في دلالته ويحمله على محامل بعيدة.

ومنهم العلامة ابو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني النيسابوري الرازي صنف كتابا


__________________

في حديث يوم الغدير سماه «دعاة الهداة الى أداء حق الموالاة» في مجلد كبير.

ومنهم صاحب كتاب نخب المناقب لآل أبي طالب ، حيث قال ما لفظه : قال جدي شهرآشوب سمعت ابا المعالي الجويني يتعجب ويقول : شاهدت مجلدا ببغداد بيد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله : من كنت مولاه فعلى مولاه ، وتتلوه المجلدة التاسعة والعشرون. وذكره ابن كثير أيضا في التاريخ.

ومنهم على ما في الطرائف أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني وهو من أوثق رجال المذاهب الأربعة له كتاب دراية حديث الولاية وهو سبعة عشر جزء روى فيه نص النبي على على بالخلافة عن مائة وعشرين صحابيا وست صحابيات ، وعدد أسانيد هذا الكتاب ألف وثلاثمائة.

ومنهم المولوى محمد مبين الهندي الحنفي في كتاب وسيلة النجاة «كما في العبقات» الى غير ذلك من كلماتهم المودعة في كتبهم قد طوينا عن نقلها كشحا روما للاختصار ورعاية لحال النظار وما نقلناه قطرة بالنسبة الى ما لم ننقل ومن أراد ان يقف على اكثر مما ذكر فليراجع الى كتبهم.

ونعم ما قال سيدنا ذو المجدين علم الهدى الشريف المرتضى على بن الحسين الموسوي في كتابه المسمى بالشافى في الرد على القاضي المعتزلي : وما المطالب بتصحيح خبر الغدير الا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي الظاهرة المنثورة وأحواله المعروفة وحجة الوداع نفسها لان ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة وقد أورده مصنفو الحديث في جملة الصحيح وقد استبد هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الاخبار لان الاخبار على ضربين أحدهما ان لا يعتبر في نقله الأسانيد المتصلة كالخبر عن واقعة بدر وخيبر والجمل والصفين وما جرى مجرى ذلك من الأمور الظاهرة التي يعلمها الناس قرنا بعد قرن بغير اسناد وطريق مخصوص والضرب الآخر يعتبر فيه اتصال الأسانيد كاخبار الشريعة وقد اجتمع في خبر الغدير الطريقان مع تفرقهما في غيره وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة المتصفة بالصحة الجمع الكثير انتهى.


__________________

ونقل مولانا قدوة الفقهاء مؤسس مبانى الاجتهاد شيخ الطائفة هذه العبارة عن السيد في كتاب تلخيص الشافي أيضا فليراجع.

وقال العلامة الثقة الأقدم على بن شهر آشوب السروي الطبرسي ما لفظه : المجمع عليه أن الثامن عشر من ذى الحجة كان يوم غدير خم ، قال : والعلماء مطبقون على قبول هذا الخبر ، وانما وقع الخلاف في تأويله ، وقد بلغ في الانتشار والاشتهار الى حد لا يوازى به خبر من الاخبار وضوحا وبيانا وظهورا وعرفانا حتى لحق في المعرفة والبيان بالعلم بالحوادث الكبار والبلدان ، فلا يدفعه الا جاحد ، ولا يرده الا معاند ، وأى خبر من الاخبار جمع في روايته ومعرفة طرقه أكثر من ألف مجلد من تصانيف الخاصة والعامة من المتقدمين والمتأخرين ، ذكره محمد بن إسحاق ، وأحمد البلاذري ؛ ومسلم بن الحجاج ، وأبو نعيم الاصبهانى ، وأبو الحسن الدارقطني ، وأبو بكر بن مردويه ، وابن شاهين المروزي ، وأبو بكر الباقلاني ، وأبو المعالي الجويني ، وأبو إسحاق الثعلبي ، وأبو سعيد الخرگوشي ، وأبو المظفر السمعاني ، وأبو بكر بن شيبة ، وعلى بن الجعد ، وشعبة ، والأعمش ، وابن عياش ، وابن السلاح ، والشعبي ، والزهري ، والافليسى ، والجعانى وابن اليسع ، وابن ماجة ، وابن عبد ربه ، والألكاني ، وشريك القاضي ، وأبو يعلى الموصلي من عدة طرق ، وأحمد بن حنبل من عشرين طريقا ، وابن بطة بثلاثة وعشرين طريقا ، وقد صنف على بن هلال المهلبي كتاب الغدير ، وأحمد بن محمد بن سعيد كتاب من روى خبر غدير خم ، وابن الجرير الطبري كتاب الولاية ، وهو كتاب غدير خم ، وذكر فيه سبعين طريقا ، ومسعود الشجري كتابا في رواة هذا الخبر وطرقها ،

وعندي ان الحيام حول البحث عن سند الحديث ودلالته غير محتاج اليه لدى المنصف إذ بعد ما سمعت وما سيتلى عليك هل يبقى ريب في صدوره او دلالته كلا ثم كلا ورب الراقصات ، ومن أنكره فينكره باللسان وقلبه مطمئن بالايمان نعم من انسلخ عن الفطرة السليمة الالهية التي هي من ودائع الباري سبحانه في الإنسان ولحق بصفى السوفسطائية والعنادية لا يبعد منه أن يؤول في دلالته المنصوصة ويحملها على ما تضحك منه الثكلى


__________________

ويبكى العريس

وأنت إذا أحطت خبرا بكون تواتر هذا الحديث الشريف مما ملأ الأصقاع وطرق الاسماع فاستمع لما يتلى عليك من الكتب والاسفار لائمة الحديث من القوم وهي التي وقفنا عليها بعد البحث والتنقيب الأكيد أولا ثم اتبعناه بما نقله غواص بحار الأنوار ومستخرج كنوز الآثار خادم علوم الأئمة الميامين مولانا العلامة المجلسي «قده» في المجلد التاسع من موسوعه «البحار» ثانيا ثم الحقنا به ما نقله العلامة المعاصر المجاهد في سبيل آل الرسول الآية النابغة الشيخ عبد الحسين الأميني ادام الله أيامه في كتابه الغدير ثالثا ثم ذيلناه بما نقله الأخ البحاثة الصالح الورع التقى الحجة المتتبع الشيخ قوام الدين الوشنوي في كتابيه «حياة محمد» و «مفتاح المسند» رابعا ادام الله عمره وكثر أمثاله فلنشرع في القسم الاول من المصادر التي هي بمرأى منا ومشهد راجعناها بالتخريج

أسانيد حديث الغدير ومصادر نقله

القسم الاول ما راجعنا إليها بلا واسطة

سنن المصطفى للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني المتوفى سنة ٢٧٣.

حدثنا على بن محمد ، ثنا أبو الحسين ، أخبرنى حماد بن سلمة عن على بن زيد بن جذعان عن عدى بن ثابت ، عن البراء بن عازب (ج ١ ص ٥٥ الطبعة الاولى بمصر) حدثنا على بن محمد ، ثنا أبو معاوية ، ثنا موسى بن مسلم عن ابن ثابت وهو عبد الرحمن عن سعد بن أبي وقاص (ج ١ ص ٥٨ الطبعة المذكورة).

فضائل على عليه‌السلام لأحمد بن حنبل برواية ابنه عبد الله عنه ، وهو مخطوط ولم نقف على مطبوعه ، والنسخة عتيقة جدا من خطوط المائة الخامسة تقريبا.


__________________

حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال حدثنا عدى بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب.

المسند ، لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي المتوفى سنة ٢٩٠ كما في كتاب مصباح المسند المخطوط للأخ البحاثة الصالح التقى حجة الإسلام الشيخ قوام الدين الوشنوي.

حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا ابن نمير ، ثنا عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكندي عن زاذان بن عمر عن على وثلاثة عشر رجلا (ج ١ ص ٨٤ ط الاول بمصر).

حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا محمد بن عبد الله ، ثنا الربيع يعنى ابن أبي صالح الأسلمي ، حدثني زياد بن أبي زياد عن اثنى عشر بدريا (ج ١ ص ٨٨ ، الطبع).

حدثنا عبد الله ، ثنا على بن حكيم الأودي ، أنبانا شريك عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يشيع عن اثنى عشر رجلا (ج ١ ص ١١٨ ، الطبع).

حدثنا عبد الله حدثني عبيد الله بن عمر القواريري ، ثنا يونس بن أرقم ، ثنا يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن اثنى عشر بدريا (ج ١ ص ١١٩ الطبع).

حدثنا عبد الله ، ثنا أحمد بن عمر الركيعى ، ثنا زيد بن الحباب ، ثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسي حدثني سماك بن عبيد بن الوليد العبسي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن اثنى عشر رجلا (ج ١ ص ١١٩ الطبع).

حدثنا عبد الله ، حدثني حجاج بن الشاعر ، ثنا شبابة ، حدثني نعيم بن حكيم ، حدثني أبو مريم ورجل من جلساء على عن على رضى الله عنه (ج ١ ص ١٥٢. الطبع).

حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا يحيى بن حماد ثنا ابو عوانة ، ثنا ابو بلج ، ثنا عمر بن ميمون عن ابن عباس (ج ١ ص ٣٣١. الطبع).

حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا عفان ، ثنا حماد بن سلمة أنبأنا على بن زيد عن عدى ابن ثابت عن البراء بن عازب (ج ٤ ص ٢٨١. الطبع).

قال أبو عبد الرحمن ، ثنا هدبة بن خالد ، ثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن عدى بن


__________________

ثابت عن البراء بن عازب (ج ٤ ص ٢٨١. الطبع).

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا ابن نمير ثنا عبد الملك يعنى ابن أبي سليمان عن عطية العوفى عن زيد بن أرقم.

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا حسين بن محمد ، ثنا فطر عن أبي الطفيل عن ثلاثين رجلا (ج ٤ ص ٣٧٠ ، الطبع).

حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا أبو نعيم المعنى ، ثنا فطر عن أبي الطفيل عن ناس كثير (ج ٤ ص ٣٧٠. الطبع).

حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا سفيان ، ثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي عبيد عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم (ج ٤ ص ٣٧٢. الطبع) حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة عن ميمون أبي عبد الله عن زيد ابن أرقم. (ج ٤ ص ٣٧٢ الطبع).

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن خمسة او ستة (ج ٥ ص ٣٦٦. الطبع).

حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا أسود بن عامر ، انبأنا أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي سلمان عن زيد بن أرقم عن ستة عشر رجلا (ج ٥ ص ٣٧٠ الطبع).

حدثنا عبد الله حدثني أبي ، ثنا يحيى بن آدم ، ثنا خنش بن الحرث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رياح بن الحرث عن نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري (ج ٥ ص ٤١٩. الطبع).

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا أبو أحمد ثنا خنش عن رياح بن الحرث عن قوم من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري (ج ٥ ص ٤١٥. الطبع).

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن سعيد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه (ج ٥ ص ٣٥٠ الطبع).

حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا وكيع ، ثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه (ج ٥ ص ٣٥٨. الطبع).


__________________

خصائص امير المؤمنين ، لأبي عبد الرحمن احمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة ٣٠٣.

أخبرنا : احمد بن المثنى قال حدثنا يحيى قال أخبرنا ابو عوانة عن سليمان قال حدثنا حبيب بن ابى ثابت عن الطفيل عن زيد بن أرقم. (ص ٢١ ط مصر بمطبعة التقدم).

أخبرنا : ابو كريب محمد بن العلاء الكوفي قال حدثنا ابو معاوية قال حدثنا الأعمش عن سعيد بن عمير عن ابن بريدة عن أبيه.

أخبرنا : محمد بن المثنى قال حدثنا ابو احمد قال أخبرنا عبد الملك بن ابى عيينة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس حدثني بريدة.

أخبرنا : ابو داود وقال حدثنا ابو نعيم قال حدثنا عبد الملك بن ابى عيينة قال أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة.

أخبرنا : زكريا بن يحيى قال حدثنا نصر بن على قال حدثنا عبد الله بن داود عن عبد الواحد ابن ايمن عن أبيه عن سعد.

أخبرنا : قتيبة بن سعيد قال حدثنا ابن ابى عدى عن عوف عن ميمون أبي عبد الله عن زيد ابن أرقم.

أخبرنا : محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوري واحمد بن عثمان بن حكيم قالا حدثنا عبد الله بن موسى قال أخبرنا هاني بن أيوب عن طلحة قال حدثنا عمرو بن سعد عن ستة نفر.

أخبرنا : محمد بن المثنى قال حدثنا محمد قال حدثنا شعبة عن ابى إسحاق قال حدثني سعيد بن وهب عن خمسة او ستة.

أخبرنا : على بن محمد بن على قاضى المصيصة قال حدثنا خلف قال حدثنا شعبة عن ابى إسحاق قال حدثني سعيد بن وهب عن ستة.

أخبرنا : ابو داود قال حدثنا عمر ان بن أبان قال حدثنا شريك قال حدثنا ابو إسحاق عن زيد بن يثيغ عن ستة.


__________________

أخبرنا : احمد بن شعيب قال أخبرنا الحسين بن حريث المروزي قال أخبرنا الفضل بن موسى عن الأعمش عن ابى إسحاق عن سعد بن وهب عن ستة (ص ٢٦ ط المذكور).

أخبرنا : احمد بن شعيب قال أخبرنا على بن محمد بن على قال حدثنا خلف بن تميم قال حدثنا إسرائيل قال حدثنا ابو إسحاق عن عمرو ذى مر عن أناس.

أخبرنا : يوسف بن عيسى قال أخبرنا الفضيل بن موسى قال حدثنا الأعمش عن ابى إسحاق عن سعيد بن وهب عن ستة (ص ٤٠ ط المذكور).

أخبرنا : احمد بن عثمان البصري ابو الجوزاء ، قال ابن عيينة عن بنت سعد عن سعد.

أخبرنا : احمد بن شعيب ، قال أخبرنا زكريا بن يحيى ، قال حدثنا يعقوب بن جعفر بن ابى كثير عن مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد عن سعد.

الكنى والأسماء لمحمد بن أحمد بن حماد الدولابي المتوفى سنة ٣١٠ أحمد بن شعيب ، قال : أنبأنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا ابن عدى عن عوف عن ميمون عن زيد بن أرقم.

الحسن بن على بن عفان ، قال : حدثنا الحسن بن عطية ، أنبأ يحيى بن سلمة بن كهيل عن حبة العرني عن أبي قلابة عن بضعة عشر رجلا (ج ٢ ص ٦١ ط حيدرآباد سنة ١٣٢٢).

مشكل الآثار لأبي جعفر أحمد الطحاوي المتوفى سنة ٣٣١ حدثنا ابراهيم بن مرزوق ، حدثنا أبو عامر العقدى ، حدثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن على عن أبيه عن على (ج ٢ ص ٣٠٧ ط حيدرآباد).

حدثنا أبو أمية ، حدثنا سهيل بن عامر البجلي ، ثنا عيسى بن عبد الرحمن ، أخبرنى أبو إسحاق السبيعي عن بضعة عشر رجلا.

عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن اثنى عشر بدريا.


__________________

كتاب جمهرة اللغة لإمام أهل الأدب أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد العضدي البصري المتوفى ببغداد سنة ٣٢١ (ج ١ ص ٧١ ط حيدرآباد) روى الحديث.

عقد الفريد ، لشهاب الدين أبي عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي المالكي المتوفى سنة ٣٢٨ (ج ٣ ص ٩٤ وص ٢٨٤ ط مصر الاولى).

قال : قال النبي (ص) : ومن جملة احتجاج المأمون.

كتاب الولاية للحافظ ابى العباس احمد بن محمد بن السبيعي ابن عقدة المتوفى سنة ٣٣٣ من أعاظم المحدثين وثقاتهم ، اعتمد عليه العسقلاني في الاصابة والعبر وتهذيب التهذيب والسيوطي وجمال الدين القضاعي الحلبي والسمعاني في الأنساب وابو على النيسابوري والكجراتى وسبط بن الجوزي ومحمد بن محمود الخوارزمي في جامع المسانيد ذكر عن عدة كثيرة من الصحابة الحديث كما في كتاب الطرائف لجمال السالكين ونقيب العلويين السيد رضى الدين على بن طاوس الحلي.

وعد منها أبو بكر (١) عبد الله بن عثمان (٢) عمر بن الخطاب (٣) عثمان بن عفان (٤) على بن أبي طالب (٥) طلحة بن عبيد الله (٦) زبير بن عوام (٧) عبد الرحمن بن عوف (٨) سعيد بن مالك (٩) عباس بن عبد المطلب (١٠) الحسن بن على بن أبي طالب (١١) الحسين بن على بن أبي طالب (١٢) عبد الله بن العباس (١٣) عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (١٤) عبد الله بن مسعود (١٥) عمار بن ياسر (١٦) أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري (١٧) سلمان الفارسي (١٨) أسعد بن زرارة الأنصاري (١٩) حزيمة بن ثابت الأنصاري (٢٠) أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري (٢١) عثمان بن حنيف الأنصاري (٢٢) سهل بن حنيف الأنصاري (٢٣) حذيفة اليمان (٢٤) عبد الله بن عمر بن الخطاب (٢٥) البراء بن عازب الأنصاري (٢٦) رفاعة بن رافع الأنصاري (٢٧) أبو ليلى الأنصاري (٢٨) أبو قدامة الأنصاري (٢٩) سهل بن سعد الأنصاري (٣٠) عدى بن حاتم الطائي (٣١) ثابت بن يزيد بن وديعة الأنصاري (٣٢) مالك بن الحويرث الأنصاري (٣٣) حبشي بن جنادة السلولي (٣٤) ضميرة بن الأسدي (٣٥) عبيد بن عازب الأنصاري (٣٦) عبد الله ابن ابى أوفى الأسلمي (٣٧) زيد بن شراحيل الأنصاري (٣٨) أبو حمراء خادم


__________________

رسول الله ص (٣٩) أبو فضالة الأنصاري (٤٠) عامر بن ليلى الغفاري (٤١) أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني (٤٢) عبد الرحمن بن عبد رب الأنصاري (٤٣) سعد بن جنادة العوفى (٤٤) عامر بن عمير العميري (٤٥) عبد الله بن ياميل (٤٦) حبة بن جوين العرني (٤٧) عقبة بن عامر الجهني (٤٨) أبو ذويب الشاعر (٤٩) أبو شريح الخزاعي (٥٠) سمرة بن جندب (٥١) سلمة بن الأكوع الأسلمي (٥٢) زيد بن ثابت الأنصاري (٥٣) أبو ليلى الأنصاري (٥٤) أبو قدامة الأنصاري (٥٥) سهل بن سعد الأنصاري (٥٦) كعب بن عجرة الأنصاري (٥٧) أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري (٥٨) هاشم بن عتبة بن أبي وقاص الزهري (٥٩) المقداد بن عمرو الكندي (٦٠) عمر بن أبي سلمة (٦١) عبد الله ابن أسيد المخزومي (٦٢) عمران بن حصين الخزاعي (٦٣) بريدة بن الحصيب الأسلمي (٦٤) جبلة بن عمرو الأنصاري (٦٥) أبو هريرة الدوسي (٦٦) أبو برزة فضلة بن عبيد الأسلمي (٦٧) أبو سعيد الخدري (٦٨) جابر بن عبد الله الأنصاري (٦٩) جرير بن عبد الله (٧٠) زيد بن أرقم الأنصاري (٧١) أبو رافع مولى رسول الله (٧٢) أبو عمرة بن عمرو ابن محصن الأنصاري (٧٣) أنس بن مالك الأنصاري (٧٤) ناجية بن عمرو الخزاعي (٧٥) أبو زينب بن عوف الأنصاري (٧٦) يعلى بن مرة الثقفي (٧٧) سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري (٧٨) حذيفة بن أسيد (٧٩) أبو سريحة الغفاري (٨٠) عمرو بن الحمق الخزاعي (٨١) زيد بن حارثة الأنصاري (٨٢) عبد الله بن بشر المازني (٨٣) النعمان ابن العجلان الأنصاري (٨٤) عبد الرحمن بن نعيم الديلمي (٨٥) عطية بن بشر المازني (٨٦) حسان بن ثابت الأنصاري (٨٧) جابر بن سمرة السوائى (٨٨) عبد الله بن ثابت الأنصاري (٨٩) أبو جحيفة (٩٠) وهب بن عبد الله السوائى (٩١) أبو امامة الصدى بن عجلان الباهلي (٩٢) عامر بن ليل بن ضمرة (٩٣) جندب بن سفيان العقلي البجلي (٩٤) امامة بن زيد بن حارثة الكلبي (٩٥) وحشي بن حرب (٩٦) قيس بن ثابت شماص الأنصاري (٩٧) عبد الرحمن بن مدلج (٩٨) حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي (٩٩) فاطمة بنت


__________________

رسول الله (١٠٠) عائشة بنت أبي بكر (١٠١) ام السلمة أم المؤمنين (١٠٢) ام هاني بنت أبي طالب (١٠٣) فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب (١٠٤) أسماء بنت عميس الخثعمية (١٠٥).

ثم ذكر ابن عقدة ثمانية وعشرين رجلا من الصحابة ولم يذكر أسمائهم.

الأمالي للشريف احمد بن الحسين الزيدي ابن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون ابن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الامام الحسن السبط المتوفى سنة ٤١١ (ص ١٣ ط صنعاء عاصمة اليمن).

حدثنا ابو نصر منصور الروياني قال أخبرنا الخرزي قال أخبرنا عبد الغنى قال أخبرنا يغنم عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على بن أبي طالب.

أخبرنا الكيا ابو داود سليمان بن جاوك قال أخبرنا السيد الامام ابو الحسين احمد بن الحسين بن هارون قال أخبرنا القاضي ابو الفضل زيد بن على الزبيري قراءة عليه قال حدثنا ابو محمد عبد الله بن بشر بن مجالد بن نصر البجلي قال أخبرنا ابو العباس احمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي قال أخبرنا مزيد بن الحسن بن مزيد بن باكر ابو الحسن الكاهلي الطبيب قال أخبرنا خالد بن يزيد الطبيب قال أخبرنا كامل بن العلاء قال أخبرنا جابر بن يزيد عن عامر بن واثلة عن على (ع) (ص ٢٤ ، الطبع المذكور).

أخبرنا محمد بن عثمان النقاش قال أخبرنا الناصر للحق الحسن بن على عن محمد بن منصور عن على بن الحسن بن على الحسيني والد الناصر عن ابراهيم بن رجاء الشيباني تاريخ بغداد للخطيب أحمد بن على بن ثابت البغدادي المتوفى سنة ٤٦٣ الحسن بن على بن سهل العاقولي ، حدث عن حمدان بن المختار ، روى عنه القاضي أبو بكر بن الجعابي ، أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين العطار ـ قطيط ـ أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المعدل ـ بأصبهان ـ حدثنا محمد بن عمر التميمي الحافظ ، حدثنا الحسن بن على بن سهل العاقولي ، حدثنا حمدان بن المختار ، حدثنا حفص بن عبيد الله


__________________

ابن عمر عن سفيان الثوري عن زيد عن أنس (ج ٧ ص ٣٧٧ ط مطبعة السعادة بمصر سنة ١٣٤٩).

أنبأنا عبد الله بن على بن محمد بن بشران أنبأنا على بن عمر الحافظ ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال ، حدثنا على بن سعيد الرملي ، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة (ج ٨ ص ٢٩٠ ، الطبع المذكور).

أخبرنا ابن بكير ، أخبرنا أبو عمر يحيى بن محمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن حفص ابن بيان بن دينار الاخبارى ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الضبعي ، حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي ، حدثنا العلاء بن سالم العطار عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (ج ١٤ ص ٢٣٦ ، الطبع المذكور).

كتاب التمهيد للقاضي ابى بكر محمد بن الطيب الباقلاني البغدادي المتوفى سنة ٤٠٣ (ص ١٦٩ ط مطبعة دار الفكر العربي بالقاهرة).

صرح هناك بتسلم صدور الحديث الشريف.

المستدرك ، للحافظ الكبير أبي عبد الله الحاكم النيسابوري الشهير بابن البيع المتوفى سنة ٤٠٥ (ج ٣ ص ١١٠ ـ ١٠٩ ط حيدرآباد الدكن سنة ١٣٤١) أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم لحنظلى ببغداد ، ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ، ثنا يحيى بن حماد ؛ ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش ، قال : ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.

أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ، وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار قالا : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا يحيى بن حماد ، ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش ، ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.

أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى ، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي ، ثنا خلف


__________________

ابن سالم المخزمى ، ثنا يحيى بن حماد ، ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش ، ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم.

ابو بكر بن إسحاق ودعلج بن أحمد السلجى ، قالا أنبأنا محمد بن أيوب ، ثنا الأزرق ابن على ، ثنا حسان بن ابراهيم الكرماني ، ثنا محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة عن زيد بن أرقم.

حدثنا محمد بن صالح بن هاني ، ثنا أحمد بن نصر وأخبرنا محمد بن على الشيباني بالكوفة ، ثنا أحمد بن حازم الغفاري ، ثنا أبو نعيم ، ثنا ابن أبي غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة الأسلمي.

محمد بن عبد الله العمرى ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف ثنا أبو نعيم ، ثنا ابن أبي غنية عن الحكم بن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة الأسلمي.

الاستيعاب للحافظ يوسف بن عبد البر المتوفى سنة ٤٦٣.

روى بريدة وأبو هريرة وجابر والبراء بن عازب وزيد بن أرقم (ج ٢ ص ٤٦٠ ط حيدرآباد).

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ، للحافظ ابى نعيم المتوفى سنة ٤٣٠ احمد بن جعفر بن سلم ، ثنا العباس بن على النسائي ، ثنا محمد بن على بن خلف ، ثنا حسين الأشقر ، ثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار ، عن طاوس عن بريدة (ج ٤ ص ٢٣ ط مصر سنة ١٣٥٢).

حدثنا محمد بن المظفر ، حدثنا زيد بن محمد ، قال : ثنا أحمد بن محمد بن الجهم ، قال : ثنا رجاء بن الجارود أبو المنذر ، قال : ثنا سليمان بن محمد المباركى ، ثنا محمد ابن جرير الصنعاني ، قال : ثنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن سعد بن أبي وقاص (ج ص ٣٥٦).


__________________

حدثنا سليمان بن أحمد بن ابراهيم بن كيسان ، ثنا اسماعيل بن عمرو البجلي ، ثنا مسعر ابن كدام عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد عن اثنى عشر رجلا من اصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفيهم أبو سعيد وأبو هريرة وأنس بن مالك (ج ٥ ص ٢٦) حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن ابراهيم بن سختويه التستري ، ثنا يعقوب بن ابراهيم عن عمر بن شعبة ، حدثني عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن على بن أبي طالب ، حدثني يزيد بن عمر بن مورق عن عمر بن عبد العزيز عن عدة (ج ٥ ص ٣٦٤).

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن ابراهيم بن سختويه التستري ، ثنا عمر بن محمد بن السرى ، ثنا عبد الله بن أبي داود عن عمر بن شعبة الى آخر السند (ج ٥ ص ٣٦٤).

المناقب لأبي الحسن المغازلي الشافعي المتوفى سنة ٤٨٣ (كما في العمدة لابن بطريق) روى اثنى عشر طريقا.

عن ابى طالب محمد بن احمد بن عثمان يرفعه الى أبي الضحى وزيد بن أرقم

عن ابى الطاهر محمد بن على البيع عن احمد بن صلت الأهوازي يرفعه الى عطية عن ابى سعيد الخدري.

عن ابى طالب محمد بن احمد بن عثمان عن محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى الحافظ البغدادي يرفعه الى حبة العرني عن اثنى عشر رجلا.

عن احمد بن عبد الوهاب عن الحسين بن محمد العدل العلوي الواسطي يرفعه الى بريدة عن أبي الفضل محمد بن الحسين بن عبد الله البرخى الاصفهانى يرفعه الى ابى جعفر محمد ابن على بن الحسين عن أبيه على.

عن احمد بن محمد البزاز قال حدثني الحسين بن محمد العدل يرفعه الى رباح بن الحارث عن قوم منهم ابو أيوب الأنصاري.

عن احمد بن محمد قال حدثني الحسين بن محمد العدل قال حدثني اسماعيل بن ابى الحكم الحوارى وقال حدثني يحيى الصوفي قال حدثني اسماعيل بن ابى الحكم الثقفي قال


__________________

حدثني شاذان عن عمران بن مسلم عن سويد بن ابى صالح عن أبيه عن ابى هريرة عن عمر بن الخطاب عن ابى طالب محمد بن عثمان يرفعه الى الأعمش ابراهيم بن علقمة عن عبد الله بن مسعود.

عن ابى الحسين على بن عمر بن عبد الله بن شوذب قال حدثني قال حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني قال حدثني احمد بن يحيى بن عبد الحميد حدثني إسرائيل الملائى عن الحكم ابن ابى سليمان المؤذن عن زيد بن أرقم.

عن احمد بن طاوان قال أخبرنا الحسين بن محمد العلوي الواسطي يرفعه الى عطية العوفى عن ابن ابى اوفى.

عن احمد بن محمد بن طاوان قال حدثني ابو عبد الله الحسين بن محمد العلوي العدل الواسطي يرفعه الى الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابى بريدة عن أبيه.

عن احمد بن محمد قال حدثني الحسين بن محمد العلوي الواسطي يرفعه الى ابن عباس عن بريدة.

مصابيح السنة ، للحافظ الحسين بن مسعود الشافعي البغوي المتوفى سنة ٥١٠ ـ ٥١٥ ـ ٥١٦.

من الصحاح عن زيد بن أرقم (ج ٢ ص ٢٠٢ ط مصر سنة ١٣١٨).

الشفا للعلامة المحدث ابى الفضل عياض بن موسى القاضي المتوفى سنة ٥٤٤ قال النبي (ج ٢ ص ٤١ ط الآستانة سنة ١٣١٢ بالمطبعة العثمانية).

تاريخ الدمشق للحافظ الكبير أبي القاسم على بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الشافعي المتوفى سنة ٥٧٧.

روى البيهقي عن فضيل بن مرزوق.

روى أيضا من طرق أخر (ج ٢ ص ١٦٦ ط مصر).

صفة الصفوة ، للعلامة الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن على بن محمد بن


__________________

على بن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧.

عن زر بن حبيش (ج ١ ص ١٢١ ط حيدرآباد سنة ١٣٥٥).

جامع الأصول لأبي السعادات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة ٦٠٦.

أخرجه الترمذي عن زيد بن أرقم وعن أبي سريحة حذيفة بن نافع (ج ٩ ص ٤٦٨ ط مصر سنة ١٣٧١).

النهاية له أيضا

روى الحديث (ج ٤ ص ٢٤٦ ط المطبعة الخيرية بالقاهرة).

التفسير الكبير للعلامة فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى سنة ٦٠٦.

عن العباس وعن البراء بن عازب وعن محمد بن على (ج ١٢ ص ٤٩ ط مصر سنة ١٣٧٥).

اسد الغابة ، لعز الدين أبي الحسن على بن محمد المعروف بابن الأثير المتوفى سنة ٦٣٠.

ابو محمد العسكري بإسناده عن عمارة بن يزيد عن عبد الله بن العلاء عن الزهري عن سعيد بن جناب يحدث عن أبي عنفوانة المازني ، قال : سمعت أبا جنيدة جندع بن عمرو ابن مازن (ج ١ ص ٣٠٨ ط جمعية المعارف سنة ١٢٨٥).

ذر بن حبيش عن قيس بن ثابت بن شماس (ج ١ ص ٣٦٨ ط م مصر).

ذر بن حبيش عن هاشم بن عتبة (ج ١ ص ٣٦٨ ط م مصر).

ذر بن حبيش عن حبيب بن بديل بن ورقاء (ج ١ ص ٣٦٨ ط مصر).

عن أبي زينب بن عوف (ج ٣ ص ٣٠٧ وج ٥ ص ٢٠٥) وعن أبي فضالة (ص مذكورة).

وعن عمرو بن محصن الأنصاري (ج ٣ ص ٣٠٧) وعن ثابت بن وديعة (ج ٣ ص ٣٠٧


__________________

وج ٥ ص ٢٠٥) وعن خزيمة بن ثابت (ج ٣ ص ٣٠٧) وعن سهل بن حنيف (ج ٣ ص ٣٠٧) وعن عامر بن ليلى (ج ٣ ص ٩٢) وعن عامر بن واثلة (ج ٣ ص ٣٠٧ وج ٥ ص ٢٠٥) وعن عبد الله بن باميل (ج ٣ ص ٢٧٤) وعن مقداد بن عمرو (ج ٥ ص ٦).

وأخبرنا أبو موسى كتابة ، أخبرنا حمزة بن العباس العلوي أبو محمد ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الفضل الناظر قانى ، أخبرنا أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم بن شهدل المديني ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة ، حدثنا عبد الله بن ابراهيم بن قتيبة ، أخبرنا الحسن بن زياد بن عمر ، أخبرنا عمر بن سعيد البصري عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده يعلى بن مرة عن رسول الله وسمع شهادة بضع عشر رجلا منهم يزيد أو زيد بن شراحيل الأنصاري.

مطالب السؤول للشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشامي المتوفى سنة ٦٥٤.

ابو الحسن الواحدي في أسباب النزول يرفعه بسنده الى أبي سعيد الخدري.

الترمذي بسنده عن زيد بن أرقم.

ونقل عن زاذان عن ثلثة عشر رجلا.

تذكرة الخواص ، للعلامة الشهير أبي المظفر يوسف شمس الدين الملقب بسبط العلامة الشهير أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى سنة ٦٥٤ (ص ٣٣ ط النجف الأشرف) بطرق متعددة بقوله :

احمد بن حنبل في المسند ، حدثنا ابن نمير ، حدثنا عبد الملك بن أبي عبد الرحيم الكندي عن زادان ، قال سمعت على بن أبي طالب (ع) يقول ، إلخ وأخرجه الترمذي أيضا في كتاب السنن ، وخرجه أحمد أيضا في الفضائل فقال : حدثنا وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله (ص)


__________________

وقال احمد في الفضائل : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا جيش بن الحرث بن لقيط النخعي عن رياح بن الحرث ،

وقال احمد في الفضائل : حدثنا ابن نمير ، حدثنا عبد الملك بن عطية العوفى ، قال : أتيت زيد بن أرقم ، إلخ.

وقال احمد في الفضائل : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا على بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب ،

ورواه أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيب عن عبد الله بن على بن محمد بن بشر عن على ابن عمر الدارقطني عن أبي نضر خيشون بن موسى بن أيوب الخلال رفعه الى أبي هريرة ، وقال ما لفظه اتفق علماء السير ان قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذى الحجة جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال من كنت مولاه فعلى مولاه.

كفاية الطالب للشيخ الحافظ أبي عبد الله الگنجى الشافعي المتوفى سنة ٦٥٨ (ص ١٣ ـ ١٧ ط الغرى).

حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا حسين بن محمد حدثنا فطر عن أبي الطفيل.

العدل ابو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن خلدون بجبل قاسيون والعدل نصر الله بن أبي بكر الأنصاري والأديب أبو عبد الله الحسين بن ابراهيم بن الحسين الإربلي قالوا : أخبرنا حنبل ، أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن مذهب ، أخبرنا ابن القطيعي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا عفان ، أخبرنا على بن زيد عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب

اخرج أحمد في مسنده عن زيد بن أرقم بطرق شتى (منها) عن ابن نمير ، ثنا عبد الملك يعنى ابن سليمان عن عطية العوفى عن زيد بن أرقم

وعن شعبة عن ميمون أبي عبد الله عن زيد بن أرقم


__________________

وعن المغيرة عن أبي عبد الله ميمون عن زيد بن أرقم.

شيخنا شيخ الإسلام عبد الله بن أبي الوفا البادرائي عن الحافظ أبي محمد عبد العزيز بن الأخضر ، أخبرنا أبو الفتح الكروخي ، وقرأت على عبد الصمد بن محمد الأنصاري وأبي الغيث فرج بن عبد الله فتى القرطبي وأبي الفتح نصر الله بن أبي بكر ، قالوا جميعا : أخبرنا أبو حفص عمر بن طبرزد ، أخبرنا الكروخي ، أخبرنا القاضي أبو عامر محمود بن القسم الأزدي وغيره ، أخبرنا الجراحي ، أخبرنا المحبوبى ، أخبرنا الامام أبو عيسى ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا به شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت أبا الطفيل يحدث عن زيد بن أرقم.

أخبرنى المشايخ منهم الشيخ الخطيب أبو تمام على بن أبي الفخار بن أبي منصور الهاشمي بكرخ بغداد ، وأبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن على بن حمزة القبيطي بنهر معلى ، وابراهيم بن عثمان بن يوسف بن أيوب الكاشغري ، قالوا جميعا : أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن سليمان المعروف بنسيب ابن البطي ، وقال الكاشغري أيضا أخبرنا أبو الحسن على بن أبي القاسم الطوسي المعروف بابن تاج القراء ، قالا : أخبرنا أبو عبد الله مالك بن أحمد بن على البانياسى ، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ، حدثنا ابراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا مطلب بن زياد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله.

الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي بحلب ، قال أخبرنا الشريف أبو المعمر محمد بن حيدرة الحسيني الكوفي ببغداد ، وأخبرنا أبو الغنائم محمد بن على بن ميمون النرسي بالكوفة أخبرنا أبو المثنى دارم بن محمد بن زيد النهشلي ، حدثنا أبو حكيم محمد بن ابراهيم بن السدى التميمي ، حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني ، حدثنا ابراهيم الوليد ابن حماد ، أخبرنا أبي ، أخبرنا يحيى بن يعلى عن حرب بن صبيح ، عن ابن اخت حميد الطويل ، عن ابن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي الوقاص.


__________________

الكاشغري ، أخبرنا أحمد بن عبد الغنى ، أخبرنا ابن البطر ، أخبرنا ابن البيع ، أخبرنا القاضي المحاملي ، أخبرنا يوسف بن موسى ، حدثنا عبيد الله بن موسى عن فطر بن خليفة عن أبي إسحاق عن عمرو وعن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع عن نفر.

المناقب ، لأبي المؤيد الموفق بن أحمد أخطب خوارزم المتوفى سنة ٥٦٨.

محمد بن أحمد بن شاذان ، أخبرنى محمد بن محمد بن مرة عن الحسن بن على العاصمي عن محمد بن عبد الملك ، عن جعفر بن سليمان الضبعي عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ قال : سئل سلمان الفارسي عن على بن أبي طالب وفاطمة عليهما‌السلام ، (ج ١ ص ٤١ ط طهران).

وأخبرني سيد الحفاظ فيما كتب الى من همدان ، أخبرنى الرئيس أبو الفتح كتابة ، أخبرني عبد الله بن إسحاق البغوي ، أخبرنى الحسن بن على الغنوي ، أخبرنى محمد بن عبد الرحمن الذارع ، أخبرنى قيس بن حفص حدثني على بن الحسين العبدى عن أبي هارون العبدى عن أبي سعيد الخدري عن النبي (ص).

روى هذا الحديث عمر وعلى والبراء بن عازب ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة ابن عبيد الله ، والحسين بن على ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وأبو ذر ، وأبو أيوب وابن عمر ، وعمران بن حصين ، وبريدة بن الحصيب ، وأبو هريرة ، وجابر بن عبد الله ، وأبو رافع مولا رسول الله واسمه أسلم ، وحبشي بن جنادة وزيد بن شراحيل ، وجرير ابن عبد الله ، وأنس ، وحذيفة بن أسيد الغفاري ، وزيد بن أرقم ، وعبد الرحمن بن يعمر الدؤلي ، وعمرو بن الحمق ، وعمر بن شرحبيل ، وناجية بن عمر ، وجابر بن سمرة ، ومالك بن الحويرث ، وأبو ذويب الشاعر ، وعبد الله بن ربيعة.

ذخائر العقبى ، للعلامة الحافظ محب الدين احمد بن عبد الله الطبري المتوفى سنة ٦٩٤ (ص ٦٧ ط مكتبة القدسي بالقاهرة) بقوله : عن البراء بن عازب رضى الله عنهما ، قال : كنا عند النبي (ص) الى أن قال : أخرجه أحمد في مسنده ، وأخرجه في


__________________

المناقب من حديث عمر ، وعن زيد بن أرقم ، وعن زياد بن أبي زياد ، وعن عمر بن الخطاب أخرجه ابن السمان في كتاب الموافقة ، وعن عمران بن حصين ، أخرجه أحمد والترمذي وابو حاتم ، وعن بريدة ، خرجهما أحمد ،

الرياض النضرة ، للطبري المذكور (ج ٢ ص ١٦٩ و ١٧٠ و ١٧١ ط مصر بمطبعة محمد أمين الخانجى).

عن رباح بن الحارث عن رهط فيهم أبو أيوب الأنصاري وعن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم وعن عمر أبي الطفيل عن زيد بن أرقم وعن سعيد بن موهب عن ستة او خمسة زيد بن أرقم عن ستة عشر رجلا وعن بريدة وعن عمر ، وعن عمران وعن بريدة وعن ابن مسعود.

الأربعين للشيخ المحدث الحافظ اسعد بن ابراهيم بن الحسين بن على الأردبيلي (الإربلي خ ل) «كما في كتاب المناقب للشيخ العلامة محمد بن على بن حيدر بن الحسن المقري الكاشي ، وهو كتاب نفيس جمع فيه مؤلفه أربعمائة حديث في مناقب على عليه‌السلام» قال أسعد ما لفظه : وبالاسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أن النبي دعا الناس الى على في غدير خم ، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك ، وذلك يوم الخميس ، فدعا عليا فأخذ بعضديه ، فرفعهما الى أن قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضاء الرب برسالتي وبولاية على بن أبي طالب من بعدي ، ثم قال : من كنت مولاه فهذا على مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، ثم نقل أبياتا لحسان بن ثابت.

فرائد السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين (ع) للعلامة الحموينى وقد فرغ عن تأليفه سنة ٧٢٢ (ج ١) (الباب التاسع) عن النبي (ص).

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للحافظ نور الدين على بن ابى بكر الهيثمي


__________________

المتوفى سنة ٨٠٧

احمد والطبرانيّ بسندهما عن رباح بن الحارث عن نفر من الأنصار فيهم ابو أيوب الترمذي بسنده عن عمرو ذى مر وزيد بن أرقم

احمد والطبرانيّ بسندهما عن زيد بن أرقم احمد بسنده عن أبى الطفيل

احمد بسنده عن سعيد بن وهب البزار بسنده عن عمرو بن ذى مر وسعيد بن وهب

وعن زيد بن يثيغ. ابو يعلى وعبد الله بن احمد بسندهما عن عبد الرحمن بن ابى ليلى الطبرانيّ والبزار بسندهما عن زيد بن أرقم ابو يعلى والبزار والطبرانيّ بسندهم عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن ابى هريرة الطبرانيّ بسنده عن ابن عمر.

الطبرانيّ في الكبير والأوسط بسنده عن زيد بن أرقم بسند آخر الطبرانيّ بسنده عن مالك بن الحويرث الطبرانيّ بسنده عن حبشي بن جنادة الطبرانيّ بسنده عن جرير احمد بسنده عن زياد بن أبي زياد عن اثنى عشر رجلا البزار بسنده عن نذير عن طلحة البزار بسنده عن سعيد بن وهب عن ثلاثة عشر رجلا عبد الله بسنده عن زيد بن يثيغ احمد بسنده عن على ع احمد بسنده عن زيد بن أرقم عن ستة عشر رجلا احمد بسنده عن زاذان ابى عمر عن ستة عشر رجلا البزار عن حميد بن عمارة البزار بسنده عن ابن عباس الطبرانيّ في الأوسط والصغير بسنده عن ابى هريرة وابى سعيد وأنس بن مالك وتسعة رجال غيرهم الطبرانيّ بسنده عن عمير بن سعيد عن ثمانية عشر رجلا الطبرانيّ بسنده عن مالك بن الحويرث الطبرانيّ بسنده عن عبد الله بن مسعود البزار بسنده عن بريدة.

الخطط المقريزية لمورخ مصر السيد تقى الدين احمد بن على المقريزى المصري المتوفى سنة ٨٤٥ وقيل ٨٤٦.

احمد عن البراء بن عازب.

البداية والنهاية للمورخ الثقة الجليل اسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي المتوفى


__________________

سنة ٧٧٤ (ج ٥ ص ٢٠٨).

محمد بن إسحاق ـ في سياق حجة الوادع ـ حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى عمرة ، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة.

محمد بن إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب عن عجرة عن عمته زينب بنت كعب عن أبى سعيد الخدري.

ابن ابى غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة.

النسائي عن ابى داود الحراني عن أبى نعيم الفضل بن دكين عن عبد الملك بن غنية بإسناده نحوه النسائي عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبى معاوية عن الأعمش عن حبيب بن ابى ثابت عن ابى الطفيل عن زيد بن أرقم.

ابن ماجة حدثنا على بن محمد ، انبأنا أبو الحسين ، أنبأنا حماد بن سلمة عن على بن زيد بن جذعان عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب.

عبد الرزاق عن معمر عن على بن زيد بن جذعان عن عدى عن البراء.

الحافظ أبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان ، ثنا هدبة ، ثنا حماد بن سلمة عن على ابن زيد وأبى هارون عن عدى بن ثابت عن البراء.

ابن جرير عن أبى زرعة عن موسى بن اسماعيل عن حماد بن سلمة عن على بن زيد وأبى هارون العبدى عن عدى بن ثابت عن البراء بن عازب

ابن جرير عن موسى بن عثمان الحضرمي عن ابى إسحاق السبيعي عن البراء وزيد بن أرقم الامام احمد ، حدثنا ابن نمير ، ثنا عبد الملك عن أبى عبد الرحيم الكندي عن زاذان أبى عمر.

احمد بن حنبل ، حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم المعنى ، قالا ثنا قطعن عن أبى الطفيل النسائي عن الأعمش عن حبيب بن أبى ثابت عن أبى الطفيل عن زيد بن أرقم


__________________

الترمذي عن بندار عن غندر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبى الطفيل عن أبى سريحة أو زيد بن أرقم

ابن جرير عن أحمد بن حازم عن أبى نعيم عن كامل أبى العلاء عن حبيب بن أبى ثابت عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم الامام احمد ، حدثنا عفان ، ثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبى عبيد عن ميمون أبى عبد الله عن زيد بن أرقم

احمد عنه غندر عن شعبة عن ميمون أبى عبد الله عن زيد بن أرقم

الترمذي بهذا السند

الامام أحمد ، ثنا يحيى بن آدم ، ثنا خنش بن الحارث بن لقيط الأشجعي عن رباح ابن الحارث

الامام أحمد ، ثنا خنش عن رباح بن الحارث

ابن جرير ، ثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء ، ثنا محمد بن خالد بن عثمة ، ثنا موسى ابن يعقوب الزمعى ، حدثني مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد عن أبيها.

ابن جرير عن يعقوب بن جعفر بن ابن كبير عن مهاجر بن مسمار

الذهبي عن ابن جرير ، حدثنا محمود بن عوف الطائي ، ثنا عبيد الله بن موسى أنبأنا اسماعيل بن كشيط عن جميل بن عمارة عن سالم بن عبد الله بن عمر ، قال ابن جرير أحسبه قال عن عمرو ليس في كتابي

المطلب بن زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله

ابن لهيعة عن بكر بن سوادة وغيره عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بنحوه

الامام أحمد ، ثنا يحيى بن آدم وابن ابى بكير ، ثنا إسرائيل عن أبى إسحاق عن حبشي بن جنادة عن يحيى بن آدم

الامام أحمد عن أبى أحمد الزبيري عن إسرائيل ، ثنا شريك عن أبى إسحاق عن


__________________

حبشي بن جنادة.

الامام احمد عن أسود بن عامر ويحيى بن آدم عن شريك

الترمذي عن اسماعيل بن موسى عن شريك

ابن ماجة عن أبى بكر بن أبى شيبة وسويد بن سعيد واسماعيل بن موسى عن شريك به النسائي عن أحمد بن سليمان عن يحيى بن آدم عن إسرائيل به

سليمان بن قرم عن أبى إسحاق عن حبش بن جنادة

الحافظ أبو يعلى الموصلي ، ثنا أبو بكر بن أبى شيبة ، أنبانا شريك عن أبى يزيد الأودي عن أبيه عن أبى هريرة

ابن جرير عن أبى كريب عن شاذان عن شريك به تابعه إدريس الأودي عن أخيه أبى يزيد ، واسمه داود بن يزيد به

ابن جرير عن إدريس وداود عن أبيهما عن أبى هريرة

حبشون الخلال وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيرى عن على بن سعيد الرملي عن ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب عن أبى هريرة

تفسير الحافظ عماد الدين اسماعيل بن كثير المتوفى سنة ٧٧٤

ابن مردويه من طريق هارون العبدى عن أبى سعيد الخدري (ج ٢ ص ١٤ ط مصر سنة ١٣٥٦)

عبد الله بن الامام أحمد في مسند أبيه عن على بن حكيم الأودي عن شريك عن أبى إسحاق عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيغ

عبد الله عن على بن حكيم أنبأنا شريك عن أبى إسحاق عن عمرو ذى أمر عن سعيد

عبد الله حدثنا على ، ثنا شريك عن الأعمش عن حبيب بن ثابت عن أبى الطفيل عن زيد بن أرقم النسائي ما تقدم في الخصائص عن سعيد بن وهب سغبة عن أبى إسحاق ورواه النسائي


__________________

أيضا عن أبى إسحاق عن عمرو ذى مر (ص ٢٦ خصائص ط مصر)

ابن جرير عن أحمد بن منصور عن عبد الرزاق عن إسرائيل عن أبى إسحاق عن زيد بن وهب وعبد خير عن على

ابن جرير عن أحمد بن منصور عن عبيد الله بن موسى عن فطر بن خليفة عن أبى إسحاق عن زيد بن وهب وزيد بن يثيغ وعمرو ذى امر

عبد الله بن احمد حدثني عبد الله بن عمر القواريري ، ثنا يونس بن أرقم ، ثنا يونس ابن أبى زياد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى

عبد الله بن أحمد عن عمير الوكيعى ، ثنا زيد بن الحباب ، ثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي عن عبد الرحمن بن ابى ليلى

عبد الله بن احمد عن عبد الاعلى بن عامر التغلبي وغيره عن عبد الرحمن بن ابى ليلى ابن جرير ثنا أحمد بن منصور ثنا ابو عامر العقدى وروى ابن ابى عاصم عن سليمان الغلابي عن ابى عامر العقدى ، ثنا كثير بن زيد حدثني محمد بن عمر بن على عن أبيه عن على بعضهم عن ابى عامر عن كثير عن محمد بن عمر بن على عن على منقطعا

اسماعيل بن عمرو البجلي عن مسعر عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد

عبيد الله بن موسى عن هاني بن أيوب عن طلحة بن مصرف به

عبد الله بن احمد حدثني حجاج بن الشاعر ، ثنا شبابه نعيم بن حكيم حدثني ابو مريم ورجل من جلساء على عن على

ابو داود بهذا السند

تلخيص المستدرك للحافظ شمس الدين ابى عبد الله محمد بن احمد الذهبي المتوفى سنة ٨٤٨ (ج ٣ ص ١٠٩ ط حيدرآباد سنة ١٣٤١)

أبو عوانة عن الأعمش ، ثنا حبيب بن ابى ثابت عن ابى الطفيل عن زيد بن أرقم

حسان بن ابراهيم الكرماني ، ثنا محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن ابى الطفيل عن (ج ٢٨)


__________________

ابن واثلة.

ثنا ابن أبى غنية عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة الأسلمي

الاصابة للشيخ شهاب الدين أحمد بن على العسقلاني المعروف بابن حجر المتوفى سنة ٨٥٢

ابن عقدة في كتاب الموالاة عن أبى مريم عن زر بن حبيش عن قيس بن ثابت وحبيب بن بديل بن ورقاء وعشرة غيرهما (ج ١ ص ٣٠٤ ط مصر سنة ١٣٥٨)

ابن عقدة عن جبة بن جوين (ج ١ ص ٣٧٢ الطبع المذكور)

قال أبو موسى ذكره أبو العباس بن عقدة من طريق على بن الحسن العبدى عن سعد هو الإسكاف عن الأصبغ بن نباتة عن عدة منهم ابو أيوب وابو زينب بن عوف (ج ٤ ص ٨٠ الطبع المذكور)

ذكره ابو العباس بن عقدة في كتاب الموالاة الذي جمع فيه طرقا منها عن محمد بن كثير عن قطر عن أبى الطفيل عن سبعة عشر رجلا (ج ٤ ص ١٥٩)

تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر المذكور (ج ٧ ص ٣٣٧)

عن أبى هريرة وعن جابر وعن البراء بن عازب وعن زيد بن أرقم

الفصول المهمة في احوال الأئمة للعلامة الشهير على بن محمد بن أحمد المالكي المكي المشتهر بابن الصباغ المتوفى سنة ٨٥٥

وروى الترمذي أيضا عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله (ص) ، وروى الزهري أيضا ، وروى الامام أحمد بن حنبل في مسنده عن البراء بن عازب ، عن النبي (ص) ،

وروى الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي مرفوعا الى البراء بن عازب ،

وروى الحافظ أبو الفتوح أسعد بن أبى الفضائل بن خلف العجلى في كتابه الموجز في فضل الخلفاء الأربعة مرفوعا سنده الى حذيفة بن أسيد الغفاري وعامر بن ليلى بن ضمرة

ونقل الامام أبو إسحاق الثعلبي عن سفيان بن عتبة عن أبيه عن جعفر بن محمد


__________________

عن آبائه عليهم‌السلام

كتاب الدر المنثور في التفسير بالمأثور ، للعلم الشهير لجلال الدين بن عبد الرحمن بن ابى بكر السيوطي المتوفى سنة ٩١١

ابن مردويه وابن عساكر عن أبى سعيد الخدري

ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن أبى هريرة

ابن مردويه عن ابن مسعود (ج ٢ ص ٢٩٨ ط مصر)

ابن أبى شيبة وأحمد والنسائي عن بريدة (ج ٥ ص ١٨٢ ط مصر)

تاريخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي المذكور (ص ١١٥ ط لاهور مطبعة محمدي) الترمذي عن أبى سريحة ، أو زيد بن أرقم عن النبي (ص)

وأخرجه أحمد عن على وأبى أيوب الأنصاري وزيد بن أرقم وعمرو ذى مر وأبو يعلى عن أبى هريرة ، والطبرانيّ عن ابن عمرو ، ومالك بن حويرث ، وحبشي بن جنادة وجرير وسعد بن أبى وقاص ، وأبى سعيد الخدري ، وأنس والبزار عن ابن عباس ، وعمارة وبريدة ، وأحمد عن أبى الطفيل عن ثلاثين رجلا

الجامع الصغير لجلال الدين عبد الرحمن بن ابى بكر السيوطي المذكور أيضا عن بريدة ، وعن البراء ، وعن زيد بن أرقم (ج ٢ ص ٥٥٥ ، الحديث ٩٠٠٠ ط مصر مصطفى محمد)

حبيب السير ، لغياث الدين بن همام الدين الحسيني المشتهر بخواند مير المتوفى سنة ٩٤٢

نقله مرسلا (ج ١ ص ٤١١ ط طهران بمطبعة الحيدرى)

الصواعق المحرقة للمحدث احمد بن حجر الهيثمي المكي المتوفى سنة ٩٤٧ روى (ص ٢٦ ط دار الطباعة المحمدية)


__________________

ذكره سبعة عشر رجلا أو ثلاثون (ص ٣٩ ، الطبع المذكور)

كنز العمال ، للشيخ علاء الدين على المتقى بن حسام الدين الهندي المتوفى سنة ٩٧٥ روى الحديث عن عدة وهم : طلحة بن عبيد الله التميمي (ج ٦ ص ٨٣ و ١٥٤) وعبد الله بن عباس (ج ٦ ص ١٥٣) وعمرو بن مرة الجهني (ج ٦ ص ١٥٤) وابو أيوب خالد بن زيد الأنصاري (ج ٦ ص ١٥٤) وعامر بن واثلة الليثي (ج ٦ ص ٣٩٠) وعبد الله بن عمر (ج ٦ ص ٣٥٤) وجابر بن سمرة بن جنادة (ج ٦ ص ٣٩٨) وجرير بن عبد الله بن جابر البجلي (ج ٦ ص ١٥٤ و ٣٩٨) وحبشي بن جنادة السلوسى (ج ٦ ص ١٥٤) وانس بن مالك (ج ٦ ص ١٥٤ و ٤٠٣) والبراء بن عازب (ج ٦ ص ١٥٣) وابو سهل الأسلمي (ج ٣ ص ٣٩٧) وامير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه (ج ٦ ص ١٥٤ و ٣٩٦ و ٤٠٦) وسعد بن مالك الأنصاري الخدري ابو سعيد (ج ٦ ص ٣٩٠ و ٤٠٣) وزيد بن أرقم (ج ٦ ص ١٠٢ و ٥٢ و ١٥٤ و ٣٩٠) وسعد بن أبى وقاص (ج ٦ ص ١٥٤) وابو هريرة (ج ٦ ص ١٥٤ و ٤٠٣) منتخب كنز العمال ، لعلاء الدين المذكور المطبوع بهامش المسند عن عائشة وعن البراء وعن بريدة وعن الضياء عن زيد بن أرقم (ج ٥ ص ٣٠ ط مصر) عن حبشي بن جنادة وعن جابر (ج ٥ ص ٣٢ ط مصر)

مناقب مرتضوى للمير محمد صالح الحسيني الكشفى الترمذي

عن أحمد بن حنبل

عن حبيب السير عن عائشة (ص ٢٠٣ ط بمبئى سنة ١٢٦٩)

انسان العيون في سيرة الامين والمأمون المعروفة بالسيرة الحلبية ، لعلى ابن برهان الدين الحلبي الشافعي المتوفى سنة ١٠٤٤ (ج ٣ ص ٢٧٤ ، طبع سنة ١٣٢٠) ما لفظه في حق هذا الحديث.

ورد بأسانيد صحاح وحسان


__________________

وشهد لذلك يوم المناشدة ثلاثون صحابيا وفي المعجم الكبير ستة عشر وفي رواية اثنا عشر

البيان والتعريف ، للعلامة السيد ابراهيم بن محمد الحسيني الحنفي الدمشقي المشتهر بابن حمزة نقيب مصر والشام المتوفى سنة ١١٢٠

اخرج الطبرانيّ في الكبير والحاكم عن ابى الطفيل عن زيد بن أرقم (ج ٢ ص ١٣٧ ط حلب سنة ١٣٢٩)

اخرج الامام أحمد ومسلم عن البراء بن عازب (ج ٢ ص ٢٣٠ ، الطبع)

اخرج أحمد عن بريدة بن الحصيب (ج ٢ ص ٢٣٠ ، الطبع) اخرج الترمذي والنسائي والضياء المقدسي عن زيد بن أرقم (ج ٢ ص ٢٣٠ ، الطبع)

فتح القدير ، للعلامة الشيخ محمد بن على الشوكانى اليماني المتوفى سنة ١٢٥٠ من مشايخ مشايخنا في رواية الصحاح (ج ٢ ص ٥٧ ط القاهرة)

ابن مردويه عن ابن مسعود

ينابيع المودة ، للعلامة الفاضل السيد الأمجد سليمان بن ابراهيم المعروف بخواجه كلان البلخي القندوزى (ج ١ ص ٣٢ ـ ٢٨ ط بيروت) مطبعة العرفان كذا في طبع الآستانة

احمد بن حنبل حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة عن زيد بن على بن ثابت عن البراء ابن عازب

احمد بن حنبل حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا المغيرة عن أبى عبيدة عن ابن ميمون ابن عبد الله عن زيد بن أرقم

مشكاة المصابيح عن البراء بن عازب

احمد عن زيد بن أرقم بطريقين عن عطية العوفى عن زيد بن أرقم ، وعن ابن ميمون


__________________

عن زيد بن أرقم

الترمذي حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن أبى الطفيلي

ابن ماجة بسنده عن البراء بن عازب

مشكاة المصابيح عن زيد بن أرقم موفق بن أحمد الخوارزمي عن الأعمش ، قال : حدثنا حبيب بن ثابت عن أبى الفضيل عن زيد بن أرقم

احمد بن حنبل عن الفضل بن دكين عن ابن أبى عيينة عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة

احمد بن حنبل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

أحمد بن حنبل بسنده عن أبى عمر أحمد في زيادات المسند عن أبى عمر

احمد بسنده عن رباح بن الحارث ، ابن المغازلي اخرج هذا الحديث وفي كتاب الاصابة للشيخ ابن حجر وذكره العباس عن أبى الطفيل وبطريق آخر عن أبى إسحاق

وعن ذر بن حبيش عن قيس بن ثابت وحبيب بن بديل بن ورقاء وزيد بن شراحيل وعامر ابن ليلى الغفاري وعبد الرحمن بن مديح وأبو أيوب الأنصاري وأبو زينب الأنصاري وأبو قدامة الأنصاري وعبد الرحمن بن عبد ربه وناجى بن عمرو الخزاعي

واما الذين أخبروا الحديث بغير استشهاد على (ع) فهم جبة بن جوين البجلي وحذيفة بن أسيد وعامر بن ليلى بن ضمرة وعبد الله بن باميل

واخرج ابن عقدة في الموالاة عن عامر بن ليلى بن ضمرة وحذيفة بن أسيد وأخرج ابن عقدة عن جابر بن عبد الله

احمد عن البراء بن عازب عن عمران بن الحصين مرفوعا وذكر الترمذي عن عمران بن الحصين (ج ٢ ص ٣١)

الحموينى بسنده عن سليم بن قيس الهلالي عن جماعة من المهاجرين والأنصار


__________________

(ج ١ ص ١١٤)

تفسير روح المعاني للعلامة ابى الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسى البغدادي المتوفى سنة ١٢٧٠ (ج ٤ ص ١٧٢ ط دار الطباعة المنيرية بمصر) عن ابن عباس

اخرج الجلال السيوطي في الدر المنثور عن أبى حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبى سعيد الخدري

وروى عن ابن عباس عن بريدة الأسلمي

الذهبي عن زيد بن أرقم

ابن جرير عن على بن زيد وأبى هارون العبيدي وموسى بن عثمان عن البراء وروى ضمرة بإسناده عن أبى هريرة

وعن الذهبي أن الحديث متواتر

نور الأبصار للسيد مؤمن بن الحسن مؤمن الشبلنجي المتوفى في أوائل القرن الرابع عشر

نقل أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره عن سفيان بن عيينة (ص ١٠٦ ط مصر التي بهامشه اسعاف الراغبين للشيخ الصبان)

تاريخ آل محمد للقاضي محمد بهلول بهجت أفندى الزنگزورى الشافعي المتوفى قتيلا مظلوما سنة ١٣٥٠ (ص ٤٩ ط الرابع) رواه خزيمة بن ثابت وسهل بن سعد وعدى بن حاتم وعقبة بن عامر وأبو أيوب الأنصاري وأبو الهيثم بن تيهان وعبد الله بن ثابت وأبو يعلى الأنصاري ونعمان بن عجلان الأنصاري وثابت بن وديعة الأنصاري وأبو فضالة الأنصاري وعبد الرحمن بن عبد ربه وجنيدة بن جندع وزيد بن أرقم وزيد بن شراحيل وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو ذر وجبير بن مطعم وحذيفة بن يمان وحذيفة بن


__________________

أسيد وسلمان الفارسي

خطط الشام لمحمد كرد على الكاتب الفاضل العصرى

عن أبى سعيد الخدري (ج ٥ ص ٢٥١ و ٢٥٦)

تفسير المنار للفاضل المعاصر السيد محمد رشيد رضا الوهابى مذهبا المصري موطنا تلميذ العلامة الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية (ج ٦ ص ٤٦٤ الطبع الثالث بمصر) عن ابن عباس

احمد عن البراء وبريدة

الترمذي النسائي الضياء عن زيد بن أرقم.

ابن ماجة عن البراء.

القسم الثاني ما ننقله بواسطة البحار

وقال في المناقب

ذكر حديث الغدير محمد بن إسحاق وأحمد البلادرى ومسلم بن الحجاج وأبو نعيم الاصبهانى وأبو الحسن الدارقطنيّ وأبو بكر بن مردويه وابن شاهين وأبو بكر الباقلاني وأبو المعالي الجويني وأبو إسحاق الثعلبي وأبو سعيد الخركوشي وأبو المظفر السمعاني وأبو بكر بن شيبة وعلى بن الجعد وشعبة والأعمش وابن عباس وابن الثلاج والشعبي والزهري والاقليسى وابن البيع وابن ماجة وابن عبدويه واللالكائى وأبو يعلى الموصلي من عدة طرق

وابن بطة من ثلاث وعشرين طريقا

وأحمد بن حنبل من أربعين طريق

ا وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقا

وأبو العباس بن عقدة من مائة وخمس طريقا

وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقا

وقد صنف على بن هلال المهلبي كتاب الغدير

وصنف أحمد بن محمد بن سعيد كتاب من روى غدير خم


__________________

وصنف مسعود الشجري كتابا فيه رواة هذا الخبر وطرقها

دراية حديث الولاية ، لأبي سعيد مسعود بن ناصر السجستاني (كما في كتاب الإقبال) وهو سبعة عشر جزءا

روى حديث الغدير عن مائة وعشرين من الصحابة

كتاب منصور اللالكائى الرازي استخرج رواة هذا الحديث على حروف المعجم وذكر عن الصاحب الكافي أنه قال روى لناقصة غدير خم القاضي أبو بكر الجعابي عن (١) أبى بكر (٢) وعمر (٣) وعثمان (٤) وعلى (٥) وطلحة (٦) والزبير (٧) والحسن (٨) والحسين (٩) وعبد الله بن جعفر (١٠) وعباس بن عبد المطلب (١١) وعبد الله بن عباس (١٢) وأبو ذر (١٣) وسلمان (١٤) وعبد الرحمن (١٥) وأبو قتادة (١٦) وزيد بن أرقم (١٧) وجرير بن حميد (١٨) وعدى بن حاتم (١٩) وعبد الله بن أنيس (٢٠) والبراء بن عازب (٢١) وأبو أيوب (٢٢) وأبو بردة السلمى (٢٣) وسهل ابن حنيف (٢٤) وسمرة بن جندب (٢٥) وأبو الهيثم (٢٦) وعبد الله بن ثابت الأنصاري (٢٧) وسلمة بن الأكوع (٢٨) والخدري (٢٩) وعقبة بن عامر (٣٠) وأبو رافع (٣١) وكعب بن عجرة (٣٢) وحذيفة بن اليمان (٣٣) وأبو سعيد «ابن مسعود خ ل» (٣٤) والبردي (٣٥) وحذيفة بن أسيد (٣٦) وزيد بن ثابت (٣٧) وسعد بن عبادة (٣٨) وخزيمة بن ثابت (٣٩) وحباب بن عتبة (٤٠) وجند بن سفيان (٤١) وعمر بن أبى سلمة (٤٢) وقيس بن سعد (٤٣) وعبادة بن الصامت (٤٤) وأبو زينب (٤٥) وأبو ليلى (٤٦) وعبد الله بن ربيعة (٦٤) وأسامة بن زيد (٤٨) وسعد بن جنادة (٤٩) وحباب بن سمرة (٥٠) ويعلى بن مرة (٥١) وابن قدامة الأنصاري (٥٢) وناجية بن عميرة (٥٣) وأبو كاهل (٥٤) وخالد بن الوليد (٥٥) وحسان بن ثابت (٥٦) والنعمان بن عجلان (٥٧) وأبو رفاعة (٥٨) وعمر بن الحمق (٥٩) وعبد الله بن يعمر (٦٠) ومالك بن حويرث


__________________

(٦١) وأبو الحمراء (٦٢) وضمرة بن الحديد (٦٣) ووحشي بن حرب (٦٤) وعروة بن أبى الجعد (٦٥) وعامر بن النميري (٦٦) وبشير بن عبد النذر (٦٧) ورفاعة بن عبد المنذر (٦٨) وثابت بن وديعة (٦٩) وعمرو بن حريث (٧٠) وقيس بن عاصم (٧١) وعبد الاعلى ابن عبد عدى (٧٢) وعثمان بن حنيف (٧٣) وابى بن كعب «ومن النساء» (٧٤) فاطمة الزهراء (٧٥) وعائشة (٧٦) وام سلمة (٧٧) وام هاني (٧٨) وفاطمة بنت حمزة تفسير الثعلبي

روى الحديث عن البراء

وروى عن ابى صالح عن ابن عباسة

المناقب لابن الجوزي

أخرجه أحمد بن حنبل في المسند والفضائل عن زاذان عن ثلاثة عشر رجلا

واخرج في الفضائل عن رياح بن الحرث وعن بريدة عن أبيه

ورواه الترمذي

وقال أحمد حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا عدى عن زيد عن عدى بن ثابت عن براء بن عازب

الفردوس لابن شيرويه الديلمي

روى عن سمرة وعن حبشي بن جنادة

الأنساب لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري عن على (ع)

فضائل الصحابة للسمعاني

بإسناده عن زيد بن أرقم

وبإسناده عن البراء بن عازب

وبإسناده عن أبى هريرة عن عمر بن الخطاب


__________________

وبإسناده عن سالم بن أبى الجعد

كتاب اخلاق النبي ، للشيخ ابى محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الاصفهانى (على ما في كتاب مناقب أمير المؤمنين للشيخ محمد المقري الكاشاني)

بإسناده عن حذيفة بن أسيد قال قال رسول الله (ص) من كنت مولاه فعلى مولاه ، وأن أسامة قال لعلى : لست مولاي ، انما مولاي رسول الله فقال رسول الله (ص) من كنت مولاه فعلى مولاه

رسالة الاعتقاد للشيخ ابى بكر بن مؤمن الشيرازي (على ما في كتاب مناقب الأمير المتقدم ذكره)

بإسناده الى ابن عباس عن النبي (ص) أنه قال إلخ

المناقب لابن مردويه (على ما في الكتاب المذكور)

بالاسناد عن جابر بن عبد الله الأنصاري بعين ما نقلناه عن أربعين الشيخ أسعد

ما نزل من القران في على للحافظ أبى نعيم

بإسناده عن ابن عباس

بإسناده يرفعه الى الحجاف عن الأعمش عن عطية

بإسناده يرفعه الى قيس بن الربيع عن أبى هارون العبدى عن أبى سعيد الخدري

قال ابو نعيم رواه حبيب بن أبى ثابت وسلمة بن كهيل عن أبى الطفيل

ورواه يزيد بن حيان وعلى بن ربيعة ويحيى بن جعدة وأبو الضحى ابن امرأة زيد بن أرقم

عن زيد بن أرقم ورواه أيضا من الصحابة على بن أبي طالب (ع) وعبد الله بن عمرو البراء بن عازب وجابر ابن عبد الله وحذيفة بن أسيد وأبو سعيد الخدري

دعاة الهداة الى أداء حق الموالاة لأبي القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني


__________________

ابو بكر محمد بن محمد الصيدلاني عن أبى محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الأسدي حدثنا ابراهيم بن الحسين الكسائي ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور بن ربعي عن حذيفة بن اليمان

النشر والطى قال أبو سعيد الخدري وروى أبو سعيد السمان بإسناده

شرح النهج لابن أبى الحديد ابراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن يحيى بن سليمان عن أبى فضيل عن الحسن بن الحكم النخعي عن رياح بن الحرث ، ثم قال على بن عيسى ناقلا عن ابن مردويه وعن حبيب بن يسار عن أبى زميلة عن عدة

شرف المصطفى للخركوشي

روى عن البراء بن عازب

المناقب لأبي سعيد مسعود السجستاني بإسناده الى عبد الله بن عباس

سر العالمين للغزالى قال فيه ما لفظه :

أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته يوم غدير خم

كتاب الدراية في حديث الولاية لأبي سعيد مسعود بن ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت

روى عن مائة وعشرين صحابيا

كتاب الرد على الحرقوصية لمحمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ

روى من خمس وسبعين طريقا

الجمع بين الصحاح الستة عن ابن سرحة عن زيد بن أرقم

الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة لضياء الدين المقبلى

عزى السيوطي في الجامع الى أحمد بن حنبل والحاكم وابن أبى شيبة والطبرانيّ وابن ماجة والترمذي والنسائي وابن أبى عاصم والشيرازي وأبى نعيم وابن عقدة وابن حبان والخطيب بعضهم من رواية صحابى وبعضهم من أكثر


__________________

وذلك من حديث ابن عباس وبريدة بن الحصيب والبراء بن عازب وجرير البجلي وجندب الأنصاري وزيد بن شراحيل الأنصاري وعلى بن أبى طالب (ع) وابن عمر وأبى هريرة وطلحة وأنس بن مالك وعمرو بن مرة

وفي بعض روايات أحمد عن على وثلاثة عشر رجلا

وفي رواية له وللضياء المقدسي عن أبى أيوب وجمع من الصحابة

وفي رواية لابن أبى شيبة عن أبى هريرة واثنى عشر من الصحابة

وفي رواية أحمد والطبرانيّ والمقدسي عن على وزيد بن أرقم وثلاثين رجلا من الصحابة

القسم الثالث ما ننقله بواسطة كتاب الغدير

أسنى المطالب

عن أبى هريرة

(ص ٣)

وعن حذيفة بن اليمان

(ص ٤)

وعن أبى بكر

(ص ٣)

وعن أبى سعيد زيد بن ثابت

(ص ٤)

وعن اسعد بن زرارة الأنصاري

(ص ٤)

وعن عمر بن الخطاب

(ص ٣)

وعن أنس بن مالك

(ص ٤)

وعن البراء بن عازب

(ص ٣)

وعن أبى سهل الأسلمي بريدة بن الحصيب

(ص ٣)

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري

(ص ٣)

وعن أبى ذر جندب بن جنادة

(ص ٤)

وعن حبشي بن جنادة السلوسى

(ص ٤)

وعن أبى أيوب خالد بن زيد الأنصاري

(ص ٤)

وعن خزيمة بن ثابت

(ص ٤)

وعن زبير بن العوام القرشي

(ص ٣)

وعن أبى سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري

(ص ٣)

وعن سعد بن سعد بن عبادة

(ص ٤)

وعن سلمة بن عمرو بن الأكوع

(ص ٤)

وعن سهل بن حنيف الأوسي

(ص ٤)

وعن طلحة بن عبيد الله التميمي

(ص ٣)

وعن عائشة بنت ابى بكر

(ص ٣)

وعن أبى محمد عبد الرحمن بن عوف

(ص ٤)

وعن عبد الله بن مسعود الهذلي

(ص ٤)

وعن عمار بن ياسر

(ص ٤)


__________________

وعن زيد بن عبد الله الأنصاري (ص ٣)

وعن عمران بن الحصين

(ص ٤)

نظم درر السمطين

عن البراء بن عازب

مفتاح النجا

عن أبى سهل الأسلمي

وعن مالك بن الحويرث

وعن حبشي بن جنادة

وعن حذيفة بن أسيد

وعن عبد الله بن عباس

وعن على بن أبي طالب (ع)

وعن عمرو بن مرة الجهني

وعن عبد الله بن عمر

وعن عمارة الخزرجي

مودة القربى للهمدانى

عن جبير بن مطعم بن عدى القرشي النوفلي

وعن عمر بن الخطاب

وعن فاطمة الزهراء بنت رسول الله

عن عمرو بن مرة الجهني

المعجم الكبير للطبراني

وعن حذيفة بن أسيد أبى سريحة

وعن جرير بن عبد الله بن حائر البجلي

ميزان الاعتدال

عن زيد بن أرقم الأنصاري

وعن على بن ابى طالب

زين الفتى للحافظ العاصمي

عن زيد بن أرقم

وعن طلحة بن عبيد الله التميمي

وعن أبى عبد الله الحسين

شرح ديوان أمير المؤمنين لكمال الدين الحسين الميبدى اليزدي

وعن طلحة بن عبيد الله التميمي

وعن أبى عبد الله الحسين

عن زيد بن أرقم

معارج العلى

عن قيس بن ثابت بن شماس


__________________

وعن أبى جنيدة جندع بن عمرو

وعن مالك بن الحويرث

الموجز في فضائل الخلفاء الأربعة

عن حذيفة بن أسيد

وعن سعد بن أبى وقاص

مناقب الثلاثة

عن البراء بن عازب

وعن حذيفة بن أسيد

(ص ١٩)

شرح المواهب

عن زيد بن أرقم

(ج ٧ ص ١٣)

الأربعين الطوال لابن عساكر

عن عبد الله بن عباس

فضائل الصحابة

عن أبى إسحاق سعد بن أبى وقاص

وعن عمر بن الخطاب

وعن أبى سليمان مالك بن الحويرث

نوادر الأصول للترمذي

عن حذيفة بن أسيد (ج ٥ ص ٢٠٩ وج ٧ ص ٣٤٨)

وسيلة المآل في مناقب الال للشيخ أحمد المكي الشافعي

عن عدى بن حاتم

وعن اسعد بن زرارة الأنصاري

نخب المناقب

عن أبى هريرة ، وعن ابى الهيثم بن التيهان وعن ابى بن كعب الأنصاري ، وعن ابى ذر وعن ابى سليمان سمرة بن جندب وعن ابى بكر بن قحافة

نخب الجعابي عن ابى رافع القبطي

جمع الجوامع للسيوطي

عن حبشي بن جنادة وعن أبى أيوب خالد بن زيد وعن زيد بن أرقم وعن زيد بن ثابت وعن أبى سعيد الخدري وعن طلحة بن عبد الله وعن عبد الله بن عمر وعن على بن ابى طالب

المعارف

عن أنس بن مالك (ص ٢٩١)

شرح النهج لابن ابى الحديد


__________________

عن عمار بن ياسر (ج ٢ ص ٢٧٣)

كتاب الصفين لنصر بن مزاحم

عن عمار بن ياسر

أخبار الدول

عن حذيفة بن أسيد أبى سريحة (ص ١٠٢)

المعارف

عن أنس بن مالك (ص ٢٩١)

مسند البزاز

عن ام هاني

الكشف والبيان

عن براء بن عازب ، وعن عبد الله بن عباس

أمالى المرشد بالله

عن عبد الله بن عباس

الخصائص العلوية

عن أبى سعيد الخدري

فرائد الحموينى

عن عبد الله بن عباس

الأمالي للحافظ المحاملي

عن عبد الله بن عباس

الاكتفاء

عن عبد الله بن عباس وعن عمران بن الحصين وعن أبى سليمان مالك بن الحويرث شمس الاخبار

عن عبد الله بن عباس (ص ٣٨)

نزل الأبرار


__________________

عن أبى هريرة

(ص ٢٠)

وعن أبى حمزة أنس بن مالك

(ص ٢٠)

وعن براء بن عازب

(ص ١٩ و ٢١)

وعن بريدة بن الحصيب

(ص ٢٠)

وعن حبشي بن جنادة السلوسى

(ص ٢٠)

وعن حذيفة بن أسيد

(ص ١٨)

وعن أبى أيوب الأنصاري

(ص ٢٠)

وعن زيد بن أرقم

(ص ١٩ و ٢١)

وعن زيد بن عبد الله الأنصاري

(ص ٢٠)

وعن سعد بن مالك الأنصاري

(ص ٢٠)

وعن عبد الله بن عباس

(ص ٢٠ و ٢١)

وعن عبد الله بن عمر

(ص ٢٠)

وعن على (ع)

(ص ٢٠)

وعن عمار ياسر

(ص؟)

وعن عمرو بن مرة

(ص)

وعن مالك بن الحويرث

(ص ٢٠)

جواهر العقدين (كما في الغدير)

عن أبى ليلى الأنصاري

وعن أبى الطفيل عامر بن واثلة

وعن ابى قدامة الأنصاري

وعن اسعد بن زرارة الأنصاري

وعن أبى الهيثم بن التيهان

وعن عدى بن حاتم أبى طريف

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري

وعن خالد بن الوليد

وعن أبى أيوب الأنصاري

وعن سهل بن حنيف الأنصاري

القسم الرابع ما ننقله بواسطة كتابي مصباح المسند وحياة النبي

التاج الجامع للأصول للشيخ منصور على ناصف الفاضل المعاصر المصري «كما في حياة النبي» عن زيد بن أرقم (ج ٣ ص ٣٣٠ ط مصر الطبعة الاولى)

الاعتصام للشاطبى (كما في مصباح المسند)

قال : قال النبي (ص) (ج ٢ ص ٢٢٠ ط مصر مصطفى محمد)

المسند للإمام أحمد «كما في مصباح المسند»

وقد تقدم نقل الأحاديث الكثيرة عنه في هذا الباب ، وحيث انا راجعنا اليه ذكرناها في القسم الاول.


__________________

ثم انه قد فات منا في القسم الاول عدة كتب «منها»

مختلف الحديث (ص ٥٢ ط مصر بمطبعة كردستان العلمية)

أورد عبائر يظهر منها تسلم صدور الحديث عندهم ، ويتكلف في تأويل دلالته بما يتبسم منه الطير المشوى

الشرف المؤبد لال محمد للشيخ النبهاني (ص ١١٣ ط مصر)

أخرج ابن أبى شيبة عن زيد بن ربيع عن جماعة

التمهيد لأبي المظفر الأسفرايني (ص ١٦٩ ط مصر)

أورد الحديث

لسان العرب (ج ٢٠ ص ٢٩١ ط مصر ١٣٠٧)

أورد الحديث

الحدائق الوردية للعلامة الجليل صاحب التصانيف الشهيرة في الحديث والتفسير والتاريخ والكلام الشيخ حميد بن أحمد المحلى اليماني (مخطوط) روى عن بهاء الدين أبى الحسن على بن أحمد الأكوع يرفعه بإسناده الى القاضي الخطيب أبى الحسن على بن محمد الحلائى المعروف بابن المغازلي الشافعي بإسناده الى زيد ابن أرقم

كتاب الأربعين للعلامة الجليل الشيخ شمس الدين محمد الحنفي على ما في الأربعين للشيخ أبى الفتوح على بن مرتضى بن محبوب اليزدي قال ما لفظه :

الحديث الرابع ما أخرجه العالم الثقة الشيخ شمس الدين محمد الحنفي الحديث

تاج العروس في شرح القاموس للعلامة السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي المتوفى سنة ١٢٠٥

قال : ومنه الحديث

ومنهم العلامة المولى على بن ابراهيم بن على الملقب (بدرويش برهان البلخي) في كتاب بحر المناقب في الباب الاول حيث أورد حديث الغدير في الباب العاشر ونقله عن


__________________

جماعة من مشاهير القوم كصاحب نزل الأبرار ووسيلة المتعبدين وغيرهما

ثم ان هناك عدة كتب أخرى لم نذكرها لضيق المجال روما للاختصار ورعاية لضيق المجال واستعجال الناشر والطابع والمرجو من الاخوان الكرام ان لا ينسونا من الدعاء في المظان والسلام على من اتبع الهدى

دلالة الحديث الشريف

المولى والولي وصفان من الولاية ، وحقيقتها الجارية في جميع مشتقاتها «القيام بأمر والتقلد له» كما يستفاد من كتب اللغة.

قال في الصحاح : ولى الوالي الولد وولى الرجل البيع ولاية وأوليته معروفا ، ويقال في التعجب ما أولاه للمعروف ، وتقول : ولى وولى عليه وولاه الأمير عمل كذا وولاه بيع الشيء وتولى العمل تقلده.

وقال في النهاية : والولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، الى ان قال : وكل من ولى امرا فهو مولاه ووليه ، الى ان قال : وقول عمر لعلى : أصبحت مولى كل مؤمن أى ولى كل مؤمن

وقال في القاموس : ولى الشيء وعليه ولاية وولاية أو هي المصدر وبالكسر الخطة والامارة والسلطان ، وأوليته الأمر وليته إياه ، الى أن قال : تولى الأمر تقلده ، واولى على اليتيم أوصى ، واستولى على الأمر أى بلغ الغاية

وقال في لسان العرب : قال سيبويه : الولاية بالكسر الاسم مثل الامارة والنقابة لأنه اسم لما توليته وقمت به ، وإذا أرادوا المصدر فتحوا

الى أن قال : والولي ولى اليتيم الذي يلي أمره ويقوم بكفايته ، وولى المرأة الذي يلي عقد النكاح عليها ولاية عنها يستبد بعقد النكاح دونه ، وفي الحديث أيما امرأة نكحت بغير اذن موليها فنكاحها باطل ، وفي رواية وليها اى متولى أمرها (انتهى)

فحقيقة كلمة المولى من يلي امرا ويقوم به ويتقلده ، وما عدوه من المعاني له فإنما هي


__________________

مصاديق حقيقتها ، وقد أطلقت عليها من باب اطلاق اللفظ الموضوع لحقيقة على مصاديقها كاطلاق كلمة الرجل على زيد وعمرو وبكر ، فيطلق لفظ المولى على الرب لأنه القائم بأمر المربوبين ، وعلى السيد لأنه القائم بأمر العبد ، وعلى العبد لأنه يقوم بحاجة السيد ، وعلى الجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر لأنهم يقومون بنصرة صاحبهم فيما يحتاجون الى نصرتهم ، وهكذا فاللفظ مشترك معنوي فمعنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كنت مولاه فعلى مولاه ، من كنت متقلدا لأمره وقائما به فعلى متقلد أمره والقائم به ، وهذا صريح في زعامة الامة وامامتها وولايتها ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زعيم الامة ووليهم وسلطانهم والقائم بأمرهم فثبت لعلى (ع) ما ثبت له من الولاية العامة والزعامة التامة

هذا ما يقضى به التأمل في كلام أئمة اللغة وان أبيت الا عن تعدد معاني المولى وأنه مشترك لفظي ووضع لكل واحد واحد منها بوضع على حدة فمن جملة معانيها لا محالة بشهادة ارباب اللغة كالجوهري في الصحاح «الاولى» وذكروا قول اللبيد :

فغدت كلا الفرحين تحسب أنه

مولى المخافة خلفها وامامها

وتعرض لذكره جماعة من الافدمين

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى وهو من أئمة علوم العربية في كتابه غريب القرآن : المولى بمعنى الاولى ، واستشهد بقول اللبيد المتقدم وقول الأخطل في عبد الملك بن مروان :

فأصبحت مولاها من الناس كلهم

وأحرى قريش ان تهاب وتحمدا

وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتابه تفسير المشكل في القرآن ما لفظه : الولي والمولى : الاولى بالشيء.

وقال الزجاج والفراء (كما في تفسير الفخر) (ج ٢٩ ص ٢٢٧ ط مصر التزام عبد الرحمن محمد) المولى يجيء بمعنى الاولى

وقد حكى عن ابى العباس المبرد : أنه قال الولي : الذي هو الاولى والاحق ومثله المولى وقد ذكر جماعة كثيرة من مفسري العامة في تفسير قوله تعالى : (النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) أى أولى


__________________

بكم ، ونحن لا نذكر لضيق المجال الا أنموذجا منها ومن شاء فليراجع

فمنهم الطبري في تفسيره (ج ٢٧ ص ١١٧ ط مصر) قال : هي مولاكم أولى بكم ومنهم ابن كثير في تفسيره (ج ٤ ص ٣١٠ ط مصر ١٣٥٦) قال : هي مولاكم أى هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم

ومنهم الزمخشرىّ في تفسيره (ج ٤ ص ٦٦ ط مصر ١٣٥٤) قال : وحقيقة موليكم محراكم ومقمنكم أى مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم

ومنهم الكلبي ، قال الفخر في تفسيره (ج ٢٩ ص ٢٢٧ ط مصر بالتزام عبد الرحمن محمد) ، عند تفسير الآية المذكورة قال الكلبي : يعنى أولى بكم وهو قول الزجاج والفراء وأبى عبيدة

وبالجملة لم يمنع أحد من المتكلمين في الطبقات المختلفة مجيء كلمة المولى بمعنى الاولى

وأما تعين معنى الاولى للارادة من الحديث دون غيره من معاني كلمة المولى فلان لفظ المولى اما أن يكون مشتركا لفظيا بين هذا المعنى وغيره من المعاني المشار إليها آنفا ، أو يكون حقيقة في أحدها ومجازا في الباقي ، وعلى أى تقدير يتعين حمله على معنى «الاولى»

أما على التقدير الثاني فلما ذكره جماعة منهم الحلبي في التقريب ، من أن المولى حقيقة في الاولى لاستقلالها بنفسها ورجوع سائر الأقسام في الاشتقاق إليها لان المالك انما كان مولى لكونه اولى بتدبير رقيقه وتحمل جريرته والمملوك مولى لكونه أولى بطاعة مالكه والمعتق والمعتق كذلك والناصر لكونه أولى بنصرة من نصره والحليف لكونه أولى بنصرة حليفه والجار لكونه أولى بنصرة جاره والذب عنه والصهر لكونه أولى بمصاهره والامام لكونه أولى بمن يليه وابن العم لكونه أولى بنصرة محبه ، وإذا كانت لفظة مولى حقيقة في الاولى وجب حملها عليها دون سائر معانيها لافتقارها الى القرينة الصارفة عن الموضوع له والمعينة لاحدها بخلاف الاولى كما لا يخفى


__________________

وأما على التقدير الاول فلوجهين «أحدهما» ما ذكره العلامة ابن بطريق الأسدي الحلي ، قال في العمدة ما لفظه :

مقدمة الكلام التي بدء بذكرها وأخذ اقرار الامة بها من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الست أولى منكم بأنفسكم ثم عطف عليها بلفظ يحتملها ويحتمل غيرها دليل على أنه لم يرد بها غير المعنى الذي قررهم عليه من دون أحد محتملاتها وأنه قصد بالمعطوف ما هو معطوف عليه ، ولا يجوز أن يرد من الحكيم تقرير بلفظ مقصور على معنى مخصوص ثم يعطف عليه بلفظ يحتمله الا ومراده المخصوص الذي ذكره وقرره دون أن يكون أراد بها غيره ما عداه ، يوضح ذلك ويزيده بيانا لو قال : ألستم تعرفون دارى التي في موضع كذا ثم وصفها وذكر حدودها فإذا قالوا : بلى قال لهم : فاشهدوا ان دارى وقف على المساكين وكانت له دور كثيرة لم يجز أن يحمل قوله في الدار التي وقفها الا على أنها الدار التي قررهم على معرفتها ووصفها ، وكذلك لو قال : ألستم تعرفون عبدى فلانا فإذا قالوا بلى ، قال لهم : فاشهدوا ان عبدى حر لوجه الله تعالى وكان له مع ذلك عبيد سواء لم يجز أن يقال : انه أراد الا عتق من قررهم على معرفته دون غيره من عبيده وان اشترك جميعهم في اسم العبودية وإذا كان الأمر على ما ذكرناه ثبت أن مراد النبي (ص) من قوله : من كنت مولاه فعلى مولاه معنى الاولى الذي قدم ذكره وقرره ولم يجز ان يصرف الى غيره من سائر اقسام لفظة مولى وما يحتمله ، وذلك يوجب أن عليّا عليه‌السلام أولى بالناس من أنفسهم بما ثبت أنه مولاهم وأثبت له القديم تعالى أنه أولى بهم من أنفسهم فثبت انه أولى بلفظ الكتاب العزيز وثبت أنه مولى بلفظ نفسه ، فلو لم يكن المعنى واحدا لما تجاوز ما حد له في لفظ الكتاب العزيز الى لفظ غيره ، فثبت لعلى عليه‌السلام ما ثبت له في هذا المعنى من غير عدول الى معنى سواه (انتهى) وحيث أجاد فيما أفاد وأتى فوق ما يؤمل ويرى : نقلنا عبائره بعينها تتميما للفائدة وتعميما للمائدة

«الوجه الثاني» ما ذكره سيدنا الشريف المرتضى علم الهدى ذو المجدين في كتاب


__________________

الشافي وغيره في غيره وهو أن ما تحتمله لفظة مولى ينقسم الى أقسام ، منها ما لم يكن ع عليه ، ومنها ما كان عليه ومعلوم لكل أحد أنه ع لم يرده ، ومنها ما كان عليه ومعلوم بالدليل انه لم يرده ، ومنها ما كان حاصلا له ويجب أن يريده لبطلان سائر الأقسام واستحالة خلو كلامه من معنى وفائدة ، فالقسم الاول هو المعتق والحليف لان الحليف هو الذي ينضم الى قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته والدفاع عنه فيكون منتسبا إليها متعززا بها ولم يكن النبي (ص) حليفا لاحد على هذا الوجه

والقسم الثاني ينقسم الى قسمين أحدهما معلوم أنه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق والمالك والجار والصهر ، والآخر أنه لم يرده من حيث انه لم يكن فيه فائدة وكان ظاهرا شايعا وهو ابن العم. والقسم الثالث الذي يعلم بالدليل انه لم يرده وهو ولاية الدين والنصرة فيه والمحبة او ولاء العتق ، والدليل على أنه لم يرد ذلك ان كل أحد يعلم من دينه وجوب تولى المؤمنين ونصرتهم ، وقد نطق الكتاب به وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي حكيت في تلك الحال ويعلمهم ما هم مضطرون اليه من دينه وكذلك هم يعلمون أن ولاء المعتق لنبي العم قبل الشريعة وبعدها وقول ابن الخطاب في الحال على ما تظاهرت به الرواية لأمير المؤمنين (ع) أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن يبطل أن يكون المراد بالخبر ولاء العتق او إيجاب النصرة في الدين استبعد أن يكون أراد به قسم ابن العم لاشتراك خلو الكلام عن الفائدة بينهما فلم يبق الا القسم الرابع الذي كان حاصلا له ويجب أن يريده وهو الاولى بتدبير الأمر وأمرهم ونهيهم (انتهى)

الشواهد على دلالة الحديث

«منها» مخاطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجماهير الناس قبل إيراد هذا المقال بقوله : ألست أولى بكم من أنفسكم ثم فرع عليه بقوله : من كنت مولاه فعلى مولاه ، فان التقرير وكسب الإقرار منهم بكونه أولى بهم من أنفسهم قبل قوله من كنت


__________________

مولاه فعلى مولاه لا يكون الا لأجل أحد أمرين ، اما لأجل تحقيق شرط القضية وإقرارهم بتحققه ليترتب عليه تاليها فيتعين إرادة معنى الاولى من لفظ المولى دون غيره من معانيه فالمعنى ألست أولى بكم من أنفسكم فمن كنت اولى به من نفسه فعلى اولى به من نفسه ، واما لأجل تمكينهم وحملهم على أن لا يأبوا عما يريد أن يعقبه بجعل الزعيم عليهم والمتصرف في شئونهم لا محالة فليس مفاده ح الا تسليط على عليه‌السلام عليهم فتتعين إرادة ما هو متضمن لمعنى التسلط من معاني كلمة المولى كالسيد والمتصرف دون غيره من معانيه ، وعلى كلا التقديرين فالحديث يدل على كون على (ع) نافذ التصرف فيهم يجب عليهم الانقياد له ولا يجوز منعه عن التصرف فيهم.

وقد روى الحديث مسبوقا بقوله (ص): ألست أولى بكم من أنفسكم مئات من حفاظ الأحاديث صيارفة الاخبار وان شئت الوقوف عليها فراجع ما سردنا من المآخذ لاسانيد الحديث

«ومنها» دعائه ع بعد إلقاء هذا المقال في حق على عليه‌السلام على الناس بقوله : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله المروي بطرق كثيرة في آخر الحديث فإنها تدل لا سيما مع إسماعه ص بها لجماهير المسلمين الحاضرين في تلك البيداء على أن الأمر الذي أتى به في حق على يحتاج في تثبته الى النصرة والموالاة له ويحترز عليه من المعاداة والخذلان له مضافا الى دلالة هذا الدعاء في حق على عليه‌السلام على أنه لا تجوز معاداة على وخذلانه في شيء مما يريد ، فهي تدل على تسلطه على الناس بكل ما يريد ، ويدل ايضا على عصمته وانه لا يقدم على امر ببغضه الله حتى يجب على الناس التبري عنه في تلك العمل وزجره عنه

«ومنها» الاخبار الواردة بطرق كثيرة الدالة على نزول قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) في يوم الغدير فتدل على أن المراد بالمولى ما يرجع الى الامامة الكبرى ، إذ ما يكون سببا لكمال الدين وتمام النعمة على المسلمين ليس الا ما كان من اصول الدين وبها تتم نظام الدنيا والدين وتقبل الاعمال ، ويؤيد هذه


__________________

الاخبار ما في بعض طرق الحديث من أنه ص قال عقيب لفظ الحديث : الله اكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب برسالتي والولاية لعلى بن أبي طالب وفي بعض الطرق وتمام دين الله بولاية على بعدي.

«ومنها» الاخبار المتقدمة الدالة على نزول قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) في حق على عليه‌السلام في غدير خم فتدل الآية على ان ترك ما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بتبليغه مساوق لترك تبليغ الرسالة برأسها

«ومنها» فهم الحاضرين في غدير خم عند تلك الواقعة والمستمعين لكلامه هذا معنى الامامة الكبرى والزعامة العظمى ويشهد لذلك امور

«الاول» بيعة الناس لعلى ومصافقتهم معه وتهنئتهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وله عليهما‌السلام وأول من أقدم بالتهنئة والبخبخة عمر بن الخطاب ، وقد ورد حديث تهنئته لعلى ع بعد نصبه بطرق كثيرة تربو على الستين ومن شاء فليراجع الى ما أوردناه من المآخذ وانما نذكر أنموذجا من الروايات الدالة على تهنئة غيره من الناس

منها ما رواه الحافظ أبو سعيد الخركوشي النيسابوري المتوفى سنة ٤٠٧ في كتاب شرف المصطفى على ما في الغدير بإسناده عن البراء بن عازب بلفظ أحمد بن حنبل وبإسناد آخر عن أبى سعيد الخدري ولفظه : ثم قال النبي هنئونى هنئونى ان الله خصنى بالنبوة وخص اهل بيتي بالامامة فلقى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال : طوبى لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولا كل مؤمن ومؤمنة

ومنها ما رواه الامام محمد بن جرير الطبري في كتاب الولاية هاهنا بإسناده عن زيد ابن أرقم فقال في آخره : قولوا : أعطيناك على ذلك عهدا من أنفسنا وميثاقا بألسنتا وصفقة بأيدينا نؤديه الى أولادنا وأهالينا لا نبغى بذلك بدلا إلخ قال زيد بن أرقم : وعند ذلك بادر الناس بقولهم : نعم سمعنا وأطعنا على امر الله ورسوله بقلوبنا وكان أول من


__________________

صافق النبي ص وعليّا ابو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وباقى المهاجرين والأنصار الى أن صلى الظهرين في وقت واحد فامتد ذلك الى أن صلى العشاءين في وقت واحد وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا

وروى ذلك أحمد بن محمد الطبري الشهير بالخليلي في كتاب مناقب على وفي كتاب النشر والطى

وروى في روضة الصفا (ج ١ ص ١٧٣) بعد ذكر حديث الغدير ما ترجمته ثم جلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خيمة وأجلس أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام في خيمة أخرى وامر الناس بان يهنئوا عليّا في خيمته ولما ختم تهنئة الرجال امر رسول الله ص أمهات المؤمنين بان يسرن اليه ويهنئنه

وقال في حبيب السير (ج ٣ ص ١٤٤) ثم جلس امير المؤمنين على عليه‌السلام في خيمة مخصوصة تزوره الناس ويهنئونه وفيهم أبو بكر وعمر فقال عمر : بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ثم أمر أمهات المؤمنين أن يدخلن عليا ويهنئنه

ولنعم؟؟؟ ما قال الغزالي في كتاب سر العالمين في المقالة الرابعة بما لفظه : ولكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته (ع) في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه فقال عمر : بخ بخ لك يا ابا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولا كل مؤمن ومؤمنة فهذا تسليم ورضى وتحكيم ثم بعد هذا غلب الهواء بحب الرياسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود وخفقان الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقاهم كأس الهواء فعادوا الى الخلاف الاول فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون «انتهى» فانظر أيها القاري الكريم كيف انطق الله لسانه بالحق وأفصح عن الواقع مع ما تحكى عنه من العصبية واللجاج


__________________

«الثاني» واقعة الحارث بن النعمان الفهري ، وقد رواها جم كثير منهم الثعلبي على ما في البحار روى في تفسيره أنه لما كان رسول الله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد على وقال من كنت مولاه فعلى مولاه فشاع ذلك في كل بلد فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله (ص) على ناقة له حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها ثم اتى النبي وهو في سلة من الصحابة فقال : يا محمد أمرتنا عن الله ان نشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فقبلناه وأمرتنا ان نصلى خمسا فقبلناه وأمرتنا بالحج فقبلناه ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا فقلت : من كنت مولاه فعلى مولاه فهذا شيء منك ام من الله؟ فقال والله الذي لا اله الا هو ان هذا من الله ، فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللهم ان كان ما يقول محمد حقّا فأمطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله (انتهى)

وقد روى بطرق كثيرة ان قوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) نزل في هذا المورد.

«الثالث» استيذان حسان بن الثابت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في نظم أبيات في الواقعة المتواترنقله في كتب الفريقين فنظم :

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالرسول (بالنبي خ ل) مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبينا

ولم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا على فاننى

رضيتك من بعدي اماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له اتباع صدق مواليا

هناك دعا اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا

قال ابن الجوزي وصدر الحفاظ أبو عبد الله الگنجى الشافعي في كفاية الطالب (ص ١٨ ط الغرى) : فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس كافحت عنا بلسانك.


__________________

وقال قيس بن عبادة الأنصاري وأنشدها بين يدي امير المؤمنين يوم صفين :

قلت لما بغى العدو علينا

حسبنا ربنا ونعم الوكيل

وعلى امامنا وامام

لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولاه

فهذا مولاه خطب جليل

«الرابع» أن أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام بعد اجتماع الناس على نصبه بالخلافة واستقرار الأمر اليه لما نوزع معه في أمر الخلافة حضر رحبة الكوفة بمجتمع الناس واستنشد هم بهذا الحديث ردا على مخالفيه في أمر الخلافة وقال انشد الله رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه فقام جماعة وشهدوا بالحديث ، وقد كثر نقل هذه المنا شدة بحيث كاد أن يبلغ حد التواتر أو بلغ وتجاوز ، وقد تقدم بعض طرقه في ضمن ما سردناه من طرق الحديث وفي بعضها مثل ما رواه الحموينى في فرائد السمطين : فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وسلمان وأبو ذر فقالوا : نشهد لقد حفظنا قول رسول الله (ص) وهو قائم على المنبر وهو يقول : أيها الناس ان الله عزوجل أمر أن أنصب لكم امامكم والقائم فيكم بعدي ووصيّي وخليفتي والذي فرض الله عزوجل على المؤمنين في كتابه طاعته ، فقرب بطاعته طاعتي وأمركم بولايته إلخ.

الخامس وقوع التعبير عن هذه الواقعة في بعض الأحاديث بالنصب وان رسول الله (ص) نصب عليّا (ع) لمقام الولاية ومن البين انه لا يعبر عن النصرة والمحبة بالنصب

وبالجملة فكل من بلغه هذا الحديث فهم منه الامامة والزعامة الكبرى في تلك العصر والاعصار التالية عصرا بعد عصر من العلماء على اختلاف مشاربهم وفنونهم والشعراء وارباب الأدب ومن شاء الوقوف على تلك الاشعار فليراجع الى كتاب الغدير فانه جمع أشعارهم في الاعصار المتتالية من عصر النبي الى هذا العصر شكر الله مساعيه وحشره مع مواليه

«ومنها» قوله (ص) في بعض طرق الحديث : ان الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبي فأوعدنى لا بلغها او ليعذبني


__________________

«ومنها» إلقاء هذا المقال الشريف عقيب أخذ الشهادة منهم بالوحدانية والشهادة بالنبوة وذكر قوله هذا في سياقهما كما هو المذكور في عدة كثيرة من طرق الحديث فدل على أن ما أفاده بهذا المقال أمر مهم يبتنى عليه الإسلام

«ومنها» أنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل هذا : انه يوشك أن ادعى فأجيب وهذا يدل على مخافته وتحرزه عن ترك ما يشتد الاهتمام بتبليغه قبل ارتحاله وهل هو الا ما كانت نجاة الامة وفوزها فيه؟!

«ومنها» أنه صلى‌الله‌عليه‌وآلهبعد تبليغ الولاية الى الناس بمجمع من جماهير المسلمين قال : فليبلغ الحاضر الغائب ، فيدل هذا الاهتمام الشديد في إيصال خطابه الشريف وكلامه المنيف الى جميع المسلمين على ان المراد من الحديث ليس معنى معلوما بالكتاب والسنة يعلمه كل احد كالنصرة والمحبة

«ومنها» أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد تبليغ الولاية : اللهم أنت شهيد عليهم أنى قد بلغت ونصحت فدل على أنه قد بلغ أمرا جليلا عظيما خطيرا قد أداه الى الناس وأتم الحجة عليهم وأفرغ ذمته عن أدائه وأدى وظيفته في القائه وليس ذلك أمرا يعلم الناس من مناصرة المؤمنين وموالاتهم اللتين يعرفها القروي والبدوي بل الصبيان المميزون «ومنها» القرائن الحالية وهي كثيرة واضحة الدلالة على المقصود كنزوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حر الهجير والسماء صاحية غير مغيمة على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقد من اشراق الشمس بحيث نقلت النقلة من حفاظ الحديث وأئمة التاريخ أن شدة الحر كانت بمثابة وضع بعض الناس ثوبه على رأسه وبعضهم كان يلفه برجله وبعضهم استظل بمركوبه وبعضهم استظل بالصخور وانحنائه وترتيبهم منبرا له صلى‌الله‌عليه‌وآله في غاية الارتفاع من الاقتاب او الأحجار حتى يشرف على المسلمين إذ كانوا في نهاية الكثرة وقد قدرهم بعض من المورخين بسبعين ألف (٧٠٠٠٠) نسمة وبعضهم بثمانين ألف (٨٠٠٠٠) وبعضهم بمائة ألف (١٠٠٠٠٠) وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله برجوع من تقدم وتوقف من تأخر وانحنائه عن يمين الطريق الى جنب مسجد الغدير وإنشائه


__________________

تلك الخطبة الغراء المفصلة التي قد نقلنا شطرا منها سابقا عند التكلم في شأن نزول قوله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وهي بتمامها موجودة في الكتب المعتبرة منها البرهان للعلامة البحراني والبحار لمولانا العلامة المجلسي وغيرهما آخذا بضبع وصيه زوج البتول وأول من آمن به الذي لم يكفر ولم يشرك بالله طرفة عين ابدا فقد روى الجمهور أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله رفعه بحيث بان بياض إبطيه بمجمع من الناظرين.

هذا ما رمنا إيراده في بيان دلالة الحديث وسلكنا فيه مسلك الاختصار ولإطالة الكلام في جميع شئونه محل آخر.

وهناك أحاديث مروية من طرق القوم عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله شارحة لحديث الغدير قد تمسك بها جماعة من اعلام الفضل وخدمة باب أهل البيت عليهم‌السلام وأضف الى ذلك تصريح أجلائهم بدلالة الحديث الشريف على ما تقوله الشيعة من الامامة والزعامة الكبرى كأبي حامد الغزالي في كلامه المتقدم والگنجى الشافعي في كفاية الطالب (ص ٦٩ ط الغرى) قال ما هذا لفظه : حديث غدير خم دليل على التولية وهي الاستخلاف وكذا الشيخ كمال الدين ابن طلحة الدمشقي الشافعي في مطالب السؤول (ص ١٦ ط طهران) حيث قال بعد نقل كلامه (ص) من كنت مولاه فعلى مولاه ما لفظه : قد اشتمل الحديث على لفظة من وهي موضوعة للعموم فاقتضى ان كل انسان كان رسول الله مولاه فعلى مولاه الى غير ذلك من كلماتهم

فبالله عليك أيها القاري الكريم ويا أخى في الدين وخليلي في سبيل الحق أفيسوغ بعد هذا أن تشك وترتاب في خلافة مولانا على ووصايته اللهم الا ان تكابر وجدانك وتغض الطرف عن ذكر ما ذكرنا مع انها في الوضوح كالنار على المنار؟!

والشمس في رايعة النهار ، وليت شعري أى معذرة أعدها إخواننا اهل السنة ليوم تشخص فيه الأبصار والرب بالمرصاد ، فيا ليت ان يعرفوني من السلف الذي يجب تقليده في المعتقدات والأمور


__________________

الخطيرة ، هل المراد منهم كمثل أبى هريرة ومغيرة بن شعبة ومغيرة بن سعيد وسليمان الأحوص ويحيى بن أكثم وقيس بن مرة وأشباه هؤلاء ممن تبرّأ كل فرقة عن صنيعهم فهل يجوز لدى العاقل المنصف أن يترك النظر والتأمل بالتعمل في الشواهد والأدلة التي قد مناها وما سيأتي ويتبع من يعبر عنه بالسلف وينسلك في سلك من تفوه بمقال حكاه الله تعالى في القرآن الشريف بقوله (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) أنشدك برب السماوات العلى والأرضين السفلى وما فيهما وبينهما من الورى أيها المنصف أفي الحق بعد اسفراره ريب؟ أفإلى متى هذه اللجاج واللداد! او الى متى هذه الغميضة في حق امير المؤمنين ويعسوب الدين ومربى المسلمين بخطبه وكلماته أفتجدون بين اصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من يدانيه في الفضائل وصنوف الكمال فمن يضاهيه في علمه وزهده وشهامته وكرمه وخصاله اللهم انا أتممنا الحجة وأوضحنا المحجة لإخواننا اهل الجماعة المنتحلين الى السنة انا هديناهم السبيل اما شاكرا واما كفورا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

تنبيه

لا يذهب عليك أن «خم» بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم ، واد بين الحرمين الشريفين (مكة والمدينة) عند الجحفة به غدير عنده خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا الوادي موصوف بكسرة الوخامة هكذا في معجم البلدان (ج ٢ ص ٣٨٩ ط دار صادر في بيروت)

وقال قبل هذا بسطور : ما لفظه قال الزمخشرىّ خم اسم رجل صباغ أضيف اليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة بالجحفة ، وقيل هو على ثلاثة أميال من الجحفة ، الى أن قال وخم موضع تصب فيه عين بين الغدير والعين وبينهما مسجد رسول الله إلخ

وقال العلامة السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي في كتابه تاج العروس (ج ٨ ص ٣٨٣ ط مصر بمطبعة الخيرية) مازجا بعبارات القاموس : وغدير خم معروف


__________________

على ثلاثة أميال بالجحفة ، وقال النصر : ودون الجحفة على ميل بين الحرمين الشريفين وأنشد ابن دريد لمعن بن أوس

عفا وخلا ممن أحطت به خم

وشاقك بالمسخاء من سرف رسم

وجاء ذكره في الحديث إلخ وقال العلامة الأقدم قدوة اهل الأدب واللغة أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد العضدي البصري المتوفى سنة ٣٢١ ما لفظه : وخم غدير معروف وهو الموضع الذي قام فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا بفضل أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه‌السلام وقال العلامة ابن الأثير في النهاية (ج ١ ص ٣٥٨ ط مصر بمطبعة الخيرية) قال : غدير خم موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك وبينهما مسجد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولنختم الكلام في هذا المضمار بختام مسكى وهي أبيات لفقيد الأدب والفقه الآية الباهرة السيد محمد الباقر الحجة الحائرى في «مصباح الظلام» حيث قال :

وآية التبليغ أجلى آية

لمبتغى الرشاد والهداية

فما ترى الأمر الذي لو أهمله

أهمل ما به الا له أرسله

وأى أمر يقتضى التأكيدا

فيه بما يشاء به التهديدا

فهل تراه غير نصب من يلي

ولاية العهد من الله العلى

يقوم في مقامه مبينا

ما كان عند الله حكما بينا

مبينا عنه عن الامين عن

من فرض الفرض وسن بالسنن

محافظا حدوده معديا

حقوقه وللحدود مجريا

مفصلا ما جاء منه مجملا

لحكمة وناشرا ما فصلا

لا يصدر الخطاء منه أصلا

يحكم فصلا ويقوم عدلا

يحفظ ما أنزله الله على

قلب محمد على ما نزلا

الى أن قال :


__________________

خليفة من قبل الله

فصل كما بينه مفصلا

كان يتقى من البيان

من مضمر لوطره وشان

فلم يزل في حيرة حتى نزل

يا ايها النبي بلغ ما نزل

يوم الغدير قائماً بنفسه

على الحدوج في هجير شمسه

حذار أن يصاب من تأخيره

ما أبدت الابة من تحذيره

فاستقبل الملاء ومنهم سألا

ألست أولى بكم قالوا بلى

فقال عن أمر من الله العلى

من كنت مولاه فمولاه علي

فيا الهي وال مو والاه

من امتي وعاد من عاداه

وهو حديث أثبتوا تواتره

منهم فلا مجال للمكابرة

ومن سهام الشك معناه سلم

لكن حب الشيء يعمى ويصم

فاجملوا المولى ولم يبالوا

فيه فقد ألست أولى

كيف ولا حاجة للبيان

بعد امتناع سائر المعاني

اذ لا يشك في اتحاد المولى

معنى فكان كالنبي اولى

ولا يكون مفعل مستعملا

في افعل بل في المحل استعملا

فهيئة المولى على ماهى له

وضعا ففي محلها مستعملة

ومن يكون مورد الولاية

كان هو الاولى بلا عناية

وليت شعري ما يقول المنكر

ألم يبخبخ في الغدير عمر

وقل له قد اعترفت انه غدا

مولى الورى فما عدامما بدا

فهو حديث واضح المحجة

لم يبق للخصم الالد حجة

قد حصص الحق به واتضحا

مثل اتضاح الشمس في رادا الضحى

ولله در شاعر آل الرسول والمؤيد من عالم القدس في مديحه لهم عليهم‌السلام الشيخ كاظم الازرى المتوفي سنة ١٢١١ حيث يقول في هائيته السائرة الدائرة الوحيدة التي (ج ٣٠)


__________________

اجمع اهل الأدب على جزالتها واحتوائها لمضامين شامخة دقيقة

واتى الوحى يقظة لا بنوم

فه حبيبي لا تخش من كل لوم

والح الا له في كل يوم

فتفكرت في ضمائر قوم

وهي مطوية على شحناها

عمت في بحر فكرة اى عوم

وتفكرت كل ليل ويوم

بأمور نغصت كل نوم

وتطيرت من مقالة قوم

قد غلى بابن عمه وتناها

وتأملت إذ خشيت الدواهي

من طغام نفاقهم متناهي

كم عتت عن أوامر ونواهى

فاتتنى عزيمة من الهى

أوعدتني ان لم ابلغ سطاها

فرأيت البليغ للأمر اسدى

وهو للعالمين اهدى واجدي

وتطلبت للسلامة نجدا

فهداني الى التي هي اهدى

وحباني بعصمة من أذاها

فأسرعو للنجاح بعد التأنى

وخذوا الرشد والهداية منى

واشكروا للاله أعظم من

ايها الناس حدثوا اليوم عنى

وليبلغ ادنى الورى أقصاها

فاسمعوا ترشدوا ولا تعصوا قولا

وأطيعوا يزدكم الله طولا

أولست الذي بكم انا اولى

كل نفس كانت تراني مولا

فلترى اليوم حيدرا مولاها

وليفز بالنعيم في دار خلد

ذو ولاء من كل حر وعبد

وليؤدى امانة من يؤدى

ربى هذا امانة لك عندي

وإليك الامين قد أداها

فاهد يا رب في ولاه المضلا

وارع من يرع فيه عهدا والا


قال النّاصب خفضه الله

أقول : أماما ذكر من إجماع المفسرين على أنّ الآية نزلت في عليّ فهو باطل فانّ المفسرين لم يجمعوا على هذا ، وأما ما روى من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره يوم غدير خم حين أخذ بيد عليّ وقال : ألست أولى ، فقد ثبت هذا في الصّحاح وقد ذكرنا سرّ هذا في ترجمة كتاب كشف الغمّة في معرفة الأئمة ومجمله : أنّ واقعة غدير خم كان في مرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام حجة الوداع وغدير خم محلّ

__________________

وإذا ضل من سواه تولى

وال من لا يرى الولاية الا

لعلى وعاد من عاداها

كتموا أمرهم وللسلم القوا

إذ شقوا أنفسا وللناس اشقوا

ان أجابوا زورا وللحقد ابقوا

لم تسعهم الا الاجابة بالقول

وان كان قصدهم ما عداها الى ان قال

أنكرت نص ربها اشقياها

في على والمصطفى فيه فاها

لكم اولت حديثا أتاها

قل لمن أول الحديث سفاها

وهو إذ ذاك ليس يأبى السفاها

جامعا للأنام من كل شعب

قائلا ان ذاك عن أمر ربى

ماسكا كف حيدر خير ندب

راكبا ذروة الهدائج ينبى

عن امور كالشمس راد ضحاها

كاد قوم والرب قد كاد كيدا

وكفى بالجحيم سجنا وقيدا

قل ودع في الأنام عمروا وزيدا

ايها الراكب المجد رويدا

بقلوب تقلبت في جواها إلخ


افتراق قبايل العرب وكان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعلم أنّه آخر عمره وانّه لا يجتمع العرب بعد هذا عنده مثل هذا الاجتماع ، فأراد أن يوصي العرب بحفظ محبّة أهل بيته وقبيلته ، ولا شكّ أنّ عليّا عليه‌السلام كان بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيّد بني هاشم وأكبر أهل البيت فذكر فضائله وساواه بنفسه في وجوب الولاية والنصرة والمحبّة معه ، ليأخذه العرب سيّدا ويعرفوا فضله وكماله ، ولينصف المنصف من نفسه لو كان يوم غدير خم صرح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلافة عليّ نصّا جليّا لا يحتمل خلاف المقصود الا ترى العرب مع جلافتهم وكفرهم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعلهم الأنبياء ، فيهم مثل مسيلمة الكذاب (١) وسجاح (٢) وطليحة (٣) كانوا يسكتون على خلافة أبي بكر وكانوا لا يتكلمون بنباس (٤) في أمر خلافة عليّ عليه‌السلام مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على المنبر بمحضر جميع قبائل العرب : إن أنصف المتأمّل العاقل علم أنّه لا نصّ هناك (انتهى)

أقول

أولّا أنّ المصنّف لم يدّع إجماع المفسرين بل قال : نقل الجمهور ، والمعنيّ بالجمهور أكثرهم ، وبالجملة مراد المصنّف من ذلك موافقة جماعة من مفسري الجمهور مع مفسري الاماميّة فيما ذكر ولا يهمّنا اتفاق كافتهم في ذلك ، إذ ما ذهب إليه بعض من طائفة ووافق فيه آخرون من خصامهم يكون حجّة على باقي تلك الطائفة ولهذا ترى أنّ علماء الشيعة يحتجّون على جمهور أهل السّنّة بأنّ أبا حنيفة قال كذا ، والغزالي قال كذا إلى غير ذلك من آحاد علمائهم وكذا العكس كما وقع

__________________

(١) رجل تنبأ بأرض نجد أمره وحكاياته معروفة.

(٢) سجاح كقطام بالسين المهملة ثم الجيم ثم الحاء المهملة امراة تنبأت.

(٣) شخص تنبأ بالبادية.

(٤) نبس نبسا ونبسة : تكلم فأسرع وتحرك وأكثر ما استعمل في النفي وهو أنبس الوجه عابسه ، والنبس بضمتين الناطقون والمسرعون والنباس كفعال الاسراع.


عن هذا النّاصب في خطبة كتابه حيث احتجّ على الامامية قاطبة بأنّ الحاكم أبا عبد الله روى كذا وهو شيعيّ إماميّ ، وصدور المخالفة عن بعض أهل السنّة خصوصا المتأخرين منهم لا يقدح في ذلك ، بل ذلك دليل على أنّهم بعد ما رأوا قيام حجة الشّيعة عليهم بذلك استحسنوا المخالفة بوضع الرّواية المنافية إخفاء للحقّ وترويجا لما ركنوا إليه من الباطل كما فعله النّاصب في الآية الآتية ، بل نقول : إنّ الإجماع واقع على حقيّة ذلك أوّلا وظهور الخلاف إنّما حدث بعد الإجماع للأغراض المذكورة والذي يدلّ على ذلك أنّ المفسّرين الذين رووا خلاف ذلك كانوا متأخرين عن الثعلبي (١) ومن يحذو حذوه فضلا عن قدماء المفسرين من الصحابة والتّابعين ، وبالجملة من قبائح عادات القوم وفضائح وقاحاتهم أنّهم إذا وجدوا آية نازلة في فضائل أهل البيت ومناقبهم قد استدل به الشيعة على أفضليّتهم وأحقيّتهم فمع أنّهم رووه أيضا قبل ذلك في كتبهم يردّونه حينئذ تارة بإحداث مخالف وتارة بضعف الرّاوي وتارة بالتخصيص وتارة بالتعميم وتارة بالتأويل ، كأنّهم مفوّضون في وضع الدّين موكلون في تشريع الشرائع لسيّد المرسلين ولم يسمعوا كلام ربّ العالمين حيث قال : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) (٢) (إِنَّ الَّذِينَ

__________________

(١) هو العلامة أبو إسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم النيسابوري المحدث المفسر الفقيه المتكلم الحافظ الثقة له كتب ، منها كتاب الكشف والبيان في تفسير القرآن وأكثر ما أورده الزمخشرىّ في الكشاف من الأحاديث الواردة في فضائل العترة مأخوذ عن هذا الكتاب ومروى عن المترجم كرواية من مات على حب آل محمد مات شهيدا ونحوها من الفضائل ، توفى في ٢٣ من المحرم سنة ٤٢٦ وقيل ٤٢٧ وقيل ٤٣٧ وقد يطلق عليه الثعالبي أيضا ، فراجع الريحانة (ج ١ ص ٢٣٥ طبع طهران) وطبقات الشافعية والوفيات وغيرها.

(٢) الذاريات. الآية ١١.


يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (١) ومع ذلك كله لا يعتدون برواية كبار أسلاف الذّرية الأطهار وأخلاف أهل بيت النّبي المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل زين العابدين وباقر علوم الدّين وإمام الصّادقين وباقي الأئمّة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ومن شايعهم من الصّلحاء المؤمنين ووالاهم وتابعهم من العرفاء الموقنين ، ويطعنون فيما هم أولى به من أهل الحق واليقين حيث لا يجدون كلامهم مطابقا لمرامهم ، وما أقلّ حيائهم وأكثر اعتدائهم ، فأى خير في ذلك السّلف وأيّ جميل يترقب من هذا الخلف ، لا يرحمهم‌الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (٢) ، ولقد فضحهم هذا النّاصب الشّقي العتل الزّنيم (٣) حيث ارتكب تحريف آيات الكتاب العظيم وأحاديث الرّسول الكريم سيّما ما أتى به في مسألة إجماع العترة الطاهرة من تنظير آية التطهير بما اخترعه من الآية الحاكمة عليه بالتكفير فضلا عن عداوة أمير الغدير ، على انه روى الحديث في صحاح القوم (٤) كالبخاري ورواه أحمد بن حنبل إمامهم في مسنده بطرق متعدّدة على الوجه الذي ذكره المصنّف ، وكذا رواه الثعلبي في تفسيره (٥) وابن المغازلي (٦) الشافعي في كتاب المناقب من طرق شتى وابن

__________________

(١) البقرة. الآية ١٥٩.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٧٤.

(٣) اقتباس من سورة القلم. الآية ١٣.

(٤) قد تقدم موضع ذكره قبيل هذا.

(٥) وهو المسمى بالكشف والبيان والقوم لم ينشروه بالطبع مع ما يرى من مزيد اهتمامهم بنشر آثار أسلافهم ، والظاهر لأنه أورد في ذيل بعض الآيات الشريفة عدة روايات في مناقب أهل البيت عليهم‌السلام.

(٦) هو على بن محمد بن طيب الخطيب الواسطي الشافعي المحدث الفقيه المورخ


عقدة (١) في مائة وخمس طرق وذكر الشّيخ (٢) ابن كثير الشّامي

__________________

الأديب المتوفى سنة ٤٨٣ ، له كتب منها كتاب المناقب أورد فيه فضائل الال ومنها كتاب في أخبار صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف وغيرهما ، والرجل معتمد عليه لدى المتأخرين ينقلون عن كتابه في المناقب كثيرا ، وأورده العلامة المعاصر في الريحانة (ج ٦ ص ١٦٠ طبع طهران) وكذا في الشذرات وطبقات الشافعية فراجع.

(١) هو الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة بن زياد بن عبد الله بن زياد ابن عجلان السبيعي الهمداني الكوفي الحافظ المحدث الرجالي الأصولي المتكلم يقال : انه كان أحفظ المحدثين في عصره ، ذكره شيخنا النجاشي ومولانا العلامة وأثنيا عليه وقالا : انه كان من الزيدية الجارودية أقول : ولكنه كان مختلطا بأصحابنا واسع الاطلاع بأحوال رواتنا موثقا صدوقا ضابطا ، وبالجملة جلالة المترجم ونبالته وكثرة حفظه ووثوقه مما لا ينكر ، وقد أكثر أصحابنا كالعلمين الجليلين المذكورين وشيخ الطائفة وابنا طاوس وغيرهم النقل عنه والاعتماد عليه ، له كتب منها كتاب في أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق عليه‌السلام ، أورد فيه أسماء أربعة آلاف سمة الراوين عنه (ع) مع الأحاديث التي نقلوها ، ومن آثاره كتاب تفسير القرآن ، وكتاب تسمية من استشهد مع أمير المؤمنين عليه‌السلام وغيرها ، توفى بالكوفة سنة ٣٣٢ وقيل ٣٣٣ ، وترجمته مذكورة في كتب الزيدية كالطبقات للحوثي وفي كتب رجال العامة والخاصة فليراجع ، وأورده شيخنا المعاصر الفقيد في الريحانة (ج ٦ ص ٩١ طبع طهران) والمترجم أمره في الوثوق مشهور وممن نص على ذلك السمانى في الأنساب والعسقلاني في الاصابة وتهذيب التهذيب والعبر والسيوطي وابو على النيسابوري والكجراتى وغيرهم كما أسلفناه.

(٢) هو الشيخ أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير القرشي البصري الأصل الدمشقي المسكن الشافعي المفسر المورخ المحدث الحافظ الفقيه ، له كتب كثيرة في فنون العلم ، منها كتاب البداية والنهاية في التاريخ في زهاء أربعة عشر جزءا قد


الشافعي (١) عند ذكر أحوال محمّد بن (٢) جرير الطبري الشافعي انّي رأيت كتابا جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلدين ضخمين وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير ونقل عن أبي المعالي الجويني (٣) أنّه كان يتعجب ويقول : شاهدت مجلّدا ببغداد في يد صحّاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه المجلّدة الثامنة والعشرون من طرق من كنت مولاه فعليّ مولاه ويتلوه المجلّدة التّاسعة والعشرون وأثبت الشّيخ ابن الجوزي (٤) الشّافعي في رسالته الموسومة بأسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب عليهما‌السلام تواتر هذا الحديث من طرق كثيرة ، ونسب منكره إلى الجهل والعصبية ، وبالجملة قد بلغ

__________________

طبع بمصر ، وتفسير القرآن طبع بمصر في أربع مجلدات ، وشرح صحيح البخاري وجامع المسانيد ، وطبقات الشافعية وغيرها توفى سنة ٧٧٤ بدمشق ودفن بمقبرة الصوفية قريبا من قبر شيخه ابن تيمية فراجع الريحانة (ج ٦ ص ١٢٤ طبع طهران) والشذرات وغيرها وابن كثير في كتب التاريخ والتفسير والحديث ينصرف اليه كما أنه في كتب التجويد الى عبد الله بن كثير القاري المجود في التلاوة المتوفى سنة ١٢٠ كما أنه ينصرف في كتب النجوم وعلوم الفلك الى محمد بن كثير الفرغاني الهيوى من أعيان المائة الثالثة فلا تغفل

كما أن أبا الفداء لو اطلق ينصرف الى أبى الفداء اسماعيل بن على بن محمود الايوبى صاحب (حماة) من علماء المائة الثامنة فتبصر.

(١) الظاهر أنه ذكره في كتابه طبقات الشافعية وهو ليس بحاضر عندنا حتى يراجعه.

(٢) هو امام الحرمين الجويني صاحب كتاب الإرشاد في اصول العقائد المطبوع المعروف وقد مرت ترجمة حاله في أوائل هذا الجزء فراجع.

(٣) قد مرت ترجمته في أوائل هذا المجلد.

(٤) الظاهر كونه حنبليا.


هذا الخبر في الاشتهار إلي حد لا يوازي به خبر من الاخبار وتلقته محققوا الامة بالقبول والاعتبار فلا يردّه إلا معاند جاهد أو من لا اطلاع له على كتب الحديث والآثار ، وثانيا أنّ ما سرده في بيان سرّه الذي زعم كونه قادحا في دعوى نصوصية الحديث مدفوع بأنّ فضل عليّ عليه‌السلام وكماله وعلمه وجوده وشجاعته وقربه من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكونه صهره وابن عمّه وكاشف غمّه (١) كان ظاهرا على كافة العرب سيّما قريش الذين كان الوصية إليهم أهم وقد نطق القرآن بوجوب محبّتهم قبل

__________________

(١) إشارة الى حماية مولانا الأمير عليه‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الغزوات حيث فر جميع أصحابه وبقي وحيدا فريدا وجعل على عليه‌السلام يدافع عنه يفرق الجموع والكتائب بنفسه النفيسة يكشف الغم عنه ويذب عنه فما أحسن في المقام قول الشاب النشيط الشاعر الفاضل المعاصر الألمعي المسيحي الديانة اللبناني الموطن (بولس سلامة) في كتابه (ملحمة الغدير ص ٨٠)

جال في حومة البراز على

جولة الليث في قطيع الشاء

لا يدانيه في الصيال كمى

غير عم موكل بالفناء

الى أن قال

يسحب السيف ذا الفقار رهيفا

ويدوى بالضربة العصماء

يعرف الكر حيدر ليس يدرى

الفر إلا سجية الأعداء

إلخ وقال صديقنا العلامة المفضال فخر العلماء والأدباء في عصره حجة الإسلام المرحوم الشيخ جعفر النقدى النجفي شاعر آل الرسول ومادحهم ومن مشايخنا في الرواية ومؤلف كتاب زينب الكبرى في قصيدته الغديرية شعر

خير الورى بعد خير المرسلين ومن

لم يستقم دينه لو لا مساعيه

كشاف كرب رسول الله ناصره

حامى حمى الدين فانى الكفر ماحيه

كم موقف قد كفى الله القتال به

أهل الهدى إذ اباد الغي ماضيه

معنى الهدى منبع الايمان معدنه

سيف الا له حمى الإسلام حاميه


ذلك بقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١) وقال (٢) النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شأنهم : إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، الحديث وقال (٣) أذكركم الله في أهل بيتي مرّات كما ذكره ابن حجر في صواعقه إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المتضمنة للترغيب على حبّهم ومزيد توقيرهم وتعظيمهم والتحذير عن مخالفتهم كما فصّل في كتب الحديث سيّما المناقب (٤) ، وقد ذكر المصنّف قدس‌سره نبذا منها في هذا الكتاب ، فبديهة العقل حاكمة بأنّ نزول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمان ومكان لم يكن (٥) نزول المسافر متعارفا فيهما حيث كان الهواء على ما روي في غاية الحرارة حتّى كان الرّجل يستظل بدابّته ويضع الرّداء تحت قدميه من شدّة الرّمضاء والمكان مملوّ من الأشواك ، ثمّ صعوده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على منبر من الأقتاب والدّعا لعليّ عليه‌السلام على وجه يناسب لشأن الملوك والخلفاء وولاة العهد لم يكن إلا لنزول الوحى الإيجابي الفوري المذكور في ذلك الزمان لاستدراك أمر عظيم الشأن جليل القدر يختصّ بخصوص عليّ عليه‌السلام دون سائر أهل البيت كنصبه

__________________

(١) الشورى. الآية ٢٣.

(٢) في الصواعق (ص ٤٢ ط القديم) ثم قال : يا أيها الناس انى فرطكم ، وانكم واردون على الحوض ، حوض أعرض مما بين بصرى اى صنعاء ، فيه عدد النجوم قدحان من فضة ، انى سائلكم حين تردون على عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، الثقل الأكبر كتاب الله عزوجل سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا ، وعترتي أهل بيتي ، فانه قد نبأنى اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا على الحوض ، ومن أراد الاطلاع على أزيد من ذلك فعليه المراجعة الى حديث الثقلين.

(٣) في الصواعق (ص ١٣٦ ط القديم).

(٤) الظاهر أن المراد به مناقب ابن المغازلي.

(٥) هذه الجملة صفة لقوله : في زمان ومكان.


للامامة والخلافة لا لمجرّد طلب المحبّة والنّصرة ونظائرهما سيّما وقد انضمّ إلى ذلك ما لا مجال معه للاحتمال الذي توهّمه النّاصب الشّقي وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألست أولى بكم من أنفسكم فانّه نصّ صريح في إرادة رياسة الدّين والدّنيا ، فانّ الأولى بنفس الامّة منهم هو النّبي والامام عليهم‌السلام كما مرّت الاشارة إليه في تحقيق الآية السابقة وقد فهم هذا المعنى من الفصحاء السّامعين لذلك العارفين بمدلولات الكلام العربي عمر بن الخطاب (١) وحسّان بن ثابت (٢) وحارث بن نعمان

__________________

(١) هو أبو حفص عمر بن الخطاب العدوى نال الرئاسة لا بالنص النبوي ولا بالإجماع ، بل باستخلاف أبى بكر إياه ، وقتل في ٢٧ ذى الحجة وقيل ٢٨ وقيل ٢٩ منها سنة ٢٤ وصلّى صهيب خلف عدة منهم عبد الله وعاصم وعبيد الله وغيرهم

تزوج ام كلثوم بنت أبى بكر أمها أسماء بنت عميس ، وولد له منها زيد بن عمر ، فهي اخت محمد بن أبى بكر لأبيه وامه ، وحيث كانت ربيبة مولانا امير المؤمنين عليه‌السلام وبمنزلة بنته في بيته وحجر تربيته سرى الوهم الى أكثر المؤلفين ، وعندنا شواهد قوية على ذلك وسنبينها في المحل المناسب ان شاء الله تعالى ،

ولله در سيدنا ومولانا فخر آل الرسول ، سيف الله المنتضى على أعداء أهل البيت المير ناصر حسين نجل العلامة صاحب العبقات ومن مشايخنا في الرواية حيث أزاح العلة وأماط الريب والشبهة عن ذلك في كتاب (افحام الخصوم في نفى تزويج ام كلثوم) ولم يأل قدس‌سره جهدا في إقامة الدلائل المتينة على ذلك ، وأرجو من الله سبحانه أن يقيظ همم الرجال في نشره وإذاعته

ثم في دفن المترجم في الحجرة النبوية التي كانت مشتركة بين ورثة النبي وزوجاته ، وقد اعترضت بعضهن في ذلك كلام ، ولعلنا نتعرض في باب المطاعن لذلك ان شاء الله تعالى.

(٢) هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري البخاري ، أبو عبد الرحمن أو أبو الوليد ،


الفهري (١) أما عمر فلما تواتر من أنّه هنأ عليا عليه‌السلام هناك بقوله : بخّ بخّ (٢) لك يا بن أبي طالب صرت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة قال الغزالي في كتابه المسمى بسرّ العالمين في مقالته الرابعة التي وضعها لتحقيق أمر الخلافة بعد عدّة من الأبحاث وذكر الاختلاف ما هذه عبارته (٣) : لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته صلوات الله عليه في يوم غدير باتفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعليّ مولاه فقال عمر : بخّ بخّ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، فهذا تسليم ورضاء وتحكيم ، ثمّ بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرّياسة وحمل عمود الخلافة وعقود البنود (٤) (خ ل عقد البنود) وخفقان (٥) الهواء في قعقعة (٦)

__________________

شاعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال الخزرجي في الخلاصة (ص ٦٤ ط مصر) ما محصله : انه يروى عنه ابنه عبد الرحمن وابن المسيب ، قال النبي (ص): ان روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله (ص) ، قال أبو عبيد : توفى سنة ٥٤ ، قال ابن إسحاق : عاش مائة وعشرين سنة ، وقد جمع بعض الأدباء أشعاره في ديوان ، وترجمت بالفارسية أيضا.

(١) هو الحارث بن النعمان الفهري ، قال الذهبي في التجريد (ص ١١٨ طبع حيدرآباد) وفد واسلم والفهري بالفاء نسبة الى (فهر) وأشار الى أنه أحد من روى حديث الغدير.

(٢) بخ : اسم فعل للمدح واظهار الرضاء بالشيء ، ويكرر للمبالغة ويقال بخ بخ بالكسر والتنوين.

(٣) وفي تذكرة سبط ابن الجوزي ص (٦٨) ط النجف نقل عبارة الغزالي في كتابه سر العالمين فراجع.

(٤) بالباء الموحدة ثم النون : العلم الكبير فارسي معرب قال الشاعر : وأسيافنا تحت البنود الصواعق.

(٥) خفقان الهواء : دوى جريها.

(٦) القعقعة : صوت السلاح.


الرّايات واشتباك (١) ازدحام الخيول وفتح الأمصار سقتهم كاس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأوّل فنبذوا الحقّ وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون (٢) انتهى

واما حسان فلأنّه أنشد في مدحه عليه‌السلام الأبيات المشهورة الصّريحة فيما ذكرناه فاستحسنها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأثنى عليه ،

وأما حارث فلما رواه الثعلبي قدوة مفسّري أهل السنّة في شأن نزول قوله تعالى (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) الآية (٣) من أنّه لمّا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغدير خمّ نادى النّاس فاجتمعوا فأخذ بيد عليّ عليه‌السلام فقال : من كنت مولاه فعليّ مولاه فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ الحارث بن نعمان الفهري فأتى نحو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقته حتّى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها وعقلها ، ثمّ أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في ملاء من أصحابه فقال يا محمد أمرتنا عن الله أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ففعلناه وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه وأمرتنا أن نصوم شهر رمضان فقبلناه وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه ثم لم ترض بهذا حتّى رفعت بضبعي ابن عمك وفضّلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعليّ مولاه أهذا شيء منك أم من الله ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي لا إله إلّا هو انّه من الله ، فولى الحارث بن نعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهمّ إن كان ما يقول محمّد حقا فأمطر علينا حجارة من السّماء أو ائتنا بعذاب أليم فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله ، وأنزل الله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) (٤) انتهى

__________________

(١) الشبك : الخلط والتداخل ، ومنه تشبيك الأصابع.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة آل عمران. الآية ١٨٧.

(٣) المعارج. الآية ١.

(٤) المعارج. الآية ١.


فبعد تواتر الحديث كما اعترف به أكابر أهل السنة ووضوح حجّته وصراحة مدلوله على ما قرّرنا وفهمه فصحاء قريش يكون ارتكاب القدح والمنع عليه أو تأويله على وجه ينقبض عنه العقل السليم ناشيا عن اعوجاج الفطرة وسوء الاستعداد والتّورّط في العصبيّة والعناد ، ولو كان باعث إتيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتلك الخطبة في ذلك الزمان والمكان خوف افتراق قبائل العرب كما زعمه النّاصب الشقي دون نزول الوحى بالأمر الفوري كما ترويه الشّيعة عن أئمتهم عليهم‌السلام لكان النبي قرّر في نفسه قبل الوصول إلى ذلك المقام قراءة تلك الخطبة عند اجتماع الناس في ذلك اليوم ولكان الظاهر حينئذ أن يأتي به في صباح ذلك اليوم لا في حرّ الظهر وأثناء الارتحال ، بل كان الظاهر على ذلك التّقدير أن يخطب به في أيّام الحجّ حتّى يسمعه كلّ من حضرها لظهور أنّ جميع من حضر الحجّ من العرب وغيرهم لم يصحبوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكّة إلى غدير خم ، بل بعضهم بقي في مكّة ومن كان من أهل اليمن وباقي جزيرة العرب عادوا من مكّة إليهما ، فظهر أنّ الاعلام بذلك في ذلك الزّمان والمكان لم يكن من عند النبيّ ولا لأجل ما علّله النّاصب به ، وإنّما كان بالوحي الإلهي ولأجل أنّ مقاساة المشقة عند استماع مضمون الخطبة في ذلك الزمان والمكان كان أدعى إلى عدم نسيانه كما قيل : إنّ في الكسبيّات اعتمال (١) قلما تنسى ، ولأنّ ذلك أدلّ على كون ذلك مقتضى الحكم الإلهي دون اجتهاد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما جوزه القوم عليه إلى غير ذلك من الحكم الظاهرة والآيات الباهرة

ومما يدل على ذلك دلالة صريحة أنّ إبلاغ محبّة أهل البيت ونصرتهم ونحو ذلك ممّا احتمله النّاصب بعد ما سبق إبلاغهما منه عليه‌السلام مكرّرا لا يوجب التأكيد والمبالغة من الله تعالى في ذلك بحيث يخاطب نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه إذا لم يفعل ذلك كان كمن لم يبلغ شيئا من أحكامه تعالى ، فتعيّن أن يكون المراد بالابلاغ إبلاغ حكم يتحقّق بإبلاغه

__________________

(١) الاعتمال : الممارسة في العمل والتمرن به.


إبلاغ مجموع الأحكام وبه إكمال الدّين وإتمام الانعام وأنّه هو الحكم الذي كان صعبا ثقيلا على الأقوام من تعيين مصداق الأصل الخامس من اصول (١) دين الإسلام بنصب عليّ عليه‌السلام وإظهار إمامته ووجوب طاعته على الأنام لما علم أنّ قلوب القوم كانت مملوّة من بغض عليّ عليه‌السلام بقتله لآبائهم وإخوانهم وأولادهم وأقاربهم في غزوات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما تضمنته الرّواية السابقة من الثعلبي وغيره من الأعلام ، فكأنّه تعالى قال : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ) الأمر الإيجابي الفوري في تعيين عليّ للامامة ، فان لم تفعل وأهملت فيه كنت كمن لا يبلغ الكلّ ، ونظير ذلك أنّ المكلف بجميع ما جاء به النبي لو لم يؤمن بجميع ما جاء به وآمن بالبعض دون البعض الآخر كان كمن لم يؤمن بشيء ممّا جاء به ، ثمّ إنّه تعالى لما علم أنّ ذلك الخطب كان صعبا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حذرا عن أضغان القوم قال لتوطين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتسليته وعدم مبالاته منهم (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فقد تمّ النّص واندفع الاحتمال الذي قصد الشّقي الخنّاس أن يوسوس به في صدور عوام النّاس (٢) ،

وثالثا أن ما أشار إليه الناصب بقوله : وساواه في وجوب الولاية والنّصرة والمحبّة إلخ من أنّ المولى ليس بمعنى الأولى بالتصرف بل بمعنى المحبّة والنّصرة يرجع إلى منع المقدّمة التي استدل عليها المصنّف بقوله ألست أولى إلخ فلا يكون مسموعا نعم قد عارض ذلك صاحب المواقف (٣) بما في آخر الحديث من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللهم وال من والاه وبأنّ مفعل بمعنى أفعل لم يذكره أحد من الأئمّة العربية وبأن الاستعمال أيضا يدل على أنّ المولى ليس بمعنى الأولى لجواز أن يقال هو أولى من كذا وأن يقال أولى الرّجلين وأولى الرّجال دون مولى الرّجلين ومولى الرّجال

__________________

(١) قد تقدم اثبات كون الامامة من اصول الدين في أول مباحث الامامة.

(٢) اقتباس من قوله تعالى في سورة الناس.

(٣) ج ٢ ص ٤٧٢ ط مصر.


وان سلم أن المولى بمعنى الأولى ، فأين الدّليل على أنّ المراد الأولى بالتصرف والتدبير ، بل يجوز أن يراد الأولى في أمر من الأمور كما قال تعالى : (١) (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) وأراد الأولويّة في الاتباع والاختصاص به والقرب منه لا في التصرف فيه انتهى

وأقول فيه للنّظر تصرفات منها أنّ إشعار آخر الحديث بارادة المحبّة والنّصرة إنّما يتمّ لو قيل : إنّ اللّفظ بعد ما اطلق على أحد معانيه لا يناسب أن يطلق ما يناسبه ويدانيه في الاشتقاق على معنى آخر وليس كذلك ، بل قد يعدّ ذلك من وجوه المحسنات البديعية (٢) ، فالاشعار بذلك ممنوع خصوصا مع المقدّمة المتواترة ، وأيضا مؤخّر الخبر جملة دعائية مستأنفة ليس ارتباطه بوسط الحديث كارتباط المقدمة به ، فاشعاره بذلك لا يعارض إشعار المقدّمة بخلافه كما لا يخفى ، ومع هذا ليس الاستدلال على

__________________

(١) آل عمران. الآية ٦٨.

(٢) قال المحقق التفتازاني في شرح التلخيص ص ٣٥٨ طبع تبريز : بعد ما عرف الجناس ما لفظه : ويلحق بالجناس شيئان أحدهما أن يجمع اللفظين الاشتقاق وهو توافق الكلمتين في الحروف الأصول مرتبة والاتفاق في أصل المعنى نحو فأقم وجهك للدين القيم فإنهما مشتقان من قام يقوم ، والثاني أن يجمعهما اللفظين المشابهة وهو ما يشبه الاشتقاق وليس باشتقاق وذلك بأن يوجد في كل من اللفظين جميع ما يوجد من الحروف أو أكثر ، لكن لا يرجعان الى أصل واحد في الاشتقاق. نحو قال انى لعملكم من القالين فأن قال من القول والقالين من القلى ، ونحو اثاقلتم الى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا وبهذا يعرف أن ليس المراد بما يشبه الاشتقاق الكبير ، لان الاشتقاق الكبير هو الاتفاق في الحروف الأصول من غير رعاية الترتيب مثل القمر والرقم والمرق والأرض مع أرضيتم ليس من هذا القبيل وهو ظاهر.


تعيين المراد بمجرد تناسب المقدمة بل العمدة فيه ما ذكرناه من دلالته عليه بمعونة المقام وإنما المقدمة ضميمة الاستدلال

ثم أقول مترقيا عن ذلك إنّ مؤخّر الخبر لنا لا علينا ، لأنّ دلالته على ما قلناه أولى من دلالته على ما ذكرتم فانّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله وسلّم اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله لا يليق إلا بمن كان له أولياء وأعداء ويحتاج إلى النصرة ويحذر من الخذل ولا يكون كذلك إلا سلطان وإمام كما لا يخفى

ومنها أن مجيء مفعل بمعنى أفعل ممّا نقله (١) الشارح الجديد للتجريد عن أبي عبيدة (٢) عن أئمة اللغة ، وأنّه فسر قوله تعالى : مولاكم النار بأولاكم (٣) وقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّما امرأة نكحت بغير إذن مولاها أى الأولى بها والمالك لتدبيرها (٤) ومثله في الشعر كثير ، وبالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي

__________________

(١) هو الفاضل القوشجي صرح به في شرحه المعروف المطبوع مرارا بالاستانة وطهران

(٢) هو أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي البصري النحوي اللغوي الأديب الشهير ، كان من تلامذة أبى عثمان المازني وأبى حاتم السجستاني وأبى عبيد قاسم بن سلام وأبى عبد الرحمن يونس بن حبيب وأبى عمرو بن علاء اللغوي وغيرهم ، له تآليف يستمد منها المؤلفون في شئون العلم ، فمن آثاره كتاب غريب القرآن ، والظاهر أنه ثانى من ألف فيه ، وأول من ألف هو أبان بن تغلب النحوي اللغوي المحدث الشيعي. المتوفى سنة ١٤١ كما صرح به السيوطي في البغية والنجاشي في رجاله والشيخ في الفهرست ، ومن تآليف أبى عبيدة كتاب طبقات الشعراء ، وكتاب غريب الحديث ، وكتاب معاني القران ، توفى سنة ٢٠٧ وقيل ٢٠٨ وقيل ٢٠٩ وقيل ٢١٠ وقيل ٢١١ ، فراجع الريحانة (ج ٥ ص ١٢٧ ط طهران).

(٣) متخذ من سورة الحديد ، الآية ١٥.

(٤) قال البيهقي في السنن الكبرى (ج ٧ ص ١٠٥ ط حيدرآباد) ما لفظه : كل ولى


والمالك للأمر والأولى بالتصرف شايع في كلام العرب منقول عن أئمة اللغة (١) والمراد أنّه اسم بهذا المعنى لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنّه ليس من صيغة اسم التفضيل ، وأنّه لا يستعمل استعماله ، وأيضا كون اللفظين بمعنى واحد لا يقتضي صحّة اقتران كلّ منهما في الاستعمال بما يقترن به الآخر من الصّلات لأنّ صحة اقتران اللّفظ باللّفظ من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني ولأنّ الصّلاة مثلا بمعنى الدّعاء والصّلاة إنّما يقترن بعلي والدّعاء باللام يقال صلّى عليه ودعا له ولو قيل دعا عليه لم يكن بمعناه ،

وقد صرح الشّيخ (٢) الرّضي بمرادفة العلم والمعرفة مع أنّ العلم يتعدّى إلى

__________________

للإنسان فهو مولاه ، ومنه قوله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) ، قال : ومما يبين لك أن المولى كل ولى حديث النبي (ص): أيما امرأة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها باطل ، أراد بالمولى الولي ، وقال الله تعالى : يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) ، وروى أحمد في المسند (ج ٦ ص ٧٤) بإسناده عن عائشة ، قالت : قال رسول الله (ص): إذا نكحت المرأة بغير أمر مولاها فنكاحها باطل ، فان أصابها ، فلها مهرها بما أصاب منها ، فان اشتجروا ، فالسلطان ولى من لا وليّ له ، الحديث وروى ايضا في (ج ٦ ص ١٦٦) بالاسناد عنها قالت : قال رسول الله (ص): أيما امرأة نكحت بغير اذن مواليها فنكاحها باطل ثلاثا ، ولها مهرها بما أصاب منها ، فان اشتجروا ، فان السلطان ولى من لا وليّ له.

(١) قال في القاموس في باب ما أوله الواو وآخره الياء ما لفظه : والمولى المالك ، الى أن قال : وتولاه أى اتخذ وليّا ، والأمر تقلده ، إلخ ، ومن تتبع كتب القوم في الفقه والحديث ، لوجد الكثير من الروايات في هذا الباب.

(٢) هو نجم الأئمة الشيخ محمد بن الحسين الأسترآبادي الجرجاني الشيعي العلامة المجتهد في العلوم الادبية ، سيما النحو والصرف ، كان من نوابغ الزمان ، له كتب ، منها شرح


مفعولين دون المعرفة وكذا يقال : إنّك عالم ولا يقال إنّ أنت عالم مع أنّ المتصل والمنفصل هاهنا مترادفان كما صرّحوا به وأمثال ذلك كثير ،

ومنها أنّ التّقييد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنفسهم قد دلّ أنّ المراد من الأولى هو الأولى بالتّصرف (١) دون الأولوية في أمر من الأمور ، وذلك لأنّه لا معنى للأولوية من النّاس بنفس النّاس إلا الأولوية في التصرّف ، نعم لو لم يوجد القيد المذكور لتم معارضته واستشهاده بقوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) ، فانّه لو كان نظم الآية مثلا إنّ أولى النّاس بإبراهيم من نفسه لكان المراد الأولى بالتّصرف وقس عليه فعلل وتفعلل.

ورابعا أنّ ما صدّره بقوله : فلينصف المنصف إلى آخره خال عن معنى الإنصاف مشتمل على غاية التعصب والاعتساف ، إذ لا يخفى أنّ عمدة العرب من أركان الدّين وأنساب سيّد المرسلين وسادة العرب أجمعين إنّما كانوا طوائف قريش الحافّين بمهبط الوحى والنّبوة من مكّة والمدينة ، وقد مرّ أنّهم كانوا منحرفين عن عليّ عليه‌السلام لما في صدورهم من ضغائن ثارات الجاهليّة كما اعترف به هذا الناصب الشقي فيما بعد ، وباقي طوائف العرب كانوا أعرابا رعايا يرعون دوابهم في الصحاري لا سابقة لهم في

__________________

الكافية في النحو وشرح الشافية في الصرف : طبعا مرارا ، وشرح القصائد السبعة العلوية لابن أبى الحديد ، قال السيوطي : لم ير كتاب في النحو مثل شرحه على الكافية من حيث اشتماله على صنوف التحقيقات ، قال شيخنا صاحب الوسائل في أمل الامل : ان المترجم توفى سنة ٦٨٤ ، وقيل سنة ٦٨٧ ، فراجع الريحانة (ج ٢ ص ٨٢ والشذرات والكنى والألقاب ، وبغية الوعاة وغيرها.

(١) قال السيد ركن الدين الجرجاني في شرحه لقواعد العقائد النصيرية : معنى أولوية النبي والامام عليهما‌السلام بالمؤمنين من أنفسهم أن نفاذ حكمهما بينهم أولى من نفاذ حكمهم على أنفسهم. انتهى. منه «قده».


الإسلام ولا ممارسة لهم في الأحكام ، فلا يتوجه إليهم في ذلك خطاب ولا يعتبر منهم امتناع ولا ارتكاب ، مع أنّ منشأ مخالفة طوائف العرب الذين منعوا أبا بكر في أيام خلافته عن الزّكاة (١) حتى سماهم بأهل الرّدة إنما كان اعتقادهم حقية خلافة أهل البيت عليهم‌السلام وقدحهم في خلافة أبي بكر كما ذكره صاحب كتاب الفتوح عن بني حنيف (٢) وبني كندة (٣) وغيرهم على ما نقلناه في كتابنا الموسوم بمجالس المؤمنين ويعضده ما ذكره ابن حزم (٤) في مسألة أحكام المرتدين من كتابه الموسوم بالمحلى حيث قال إنّ أهل الرّدة كانوا قسمين قسما لم يؤمن قط كأصحاب مسيلمة وسجاح فهؤلاء حربيون لم يسلموا قط لا يختلف أحد في أنّه تقبل توبتهم وإسلامهم ، والقسم الثاني قوم أسلموا ولم يكفروا بعد إسلامهم ، لكن منعوا الزكاة من أن يدفعوها إلى أبي بكر ، فعلى هذا قوتلوا ، ولا يختلف الحنفيون ولا الشافعيون

__________________

(١) وقال ابن قدامة الحنبلي في بحث الزكاة في كتابه المسمى بالمغنى : ان الذين منعوا الزكاة عن أبى بكر قالوا : انا كنا نؤدي الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لان صلاته سكن لنا وليس صلاة أبى بكر سكنا لنا فلا نؤدي اليه وهذا يدل على أنهم جحدوا وجوب الأداء الى أبى بكر انتهى ، وهذه القصة مذكورة في كتب كثيرة من تصانيف القوم بتعابير متفاوتة متقاربة المضمون فراجع.

(٢) هم اسرة من العدنانية ينتهى نسبهم الى حنيفة (حنيف خ ل) ابن لجيم بن صحب ابن على بن بكر بن وائل ، وكانت تسكن اليمامة ، ثم تفرقت في كثير من البلدان فسكنت الزوراء ورصافة وغيرهما ولهم أيام ووفود فراجع المعجم للاستاذ كحالة (ج ١ ص ٣١٢ طبع مصر) وصبح الأعشى (ج ١ ص ٣٣٩ طبع مصر) والتهذيب للنووي (ج ٢ ص ٢٨٩ طبع مصر).

(٣) قد مر المراد بهم وبيان نسبهم في أوائل هذا المجلد فراجع.

(٤) قد مرت ترجمته في أوائل هذا المجلد وج ١ ص ١٠١.


في أن هؤلاء ليس لهم حكم المرتد أصلا ، وهم قد خالفوا فعل أبي بكر فيهم ولا تسميهم أهل ردة ، ودليل ما قلناه شعر الحطيئة المشهور الذي يقول فيه :

شعر :

أطعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان بيننا

فيا لهفنا ما بال دين أبي بكر

أيورثها بكرا إذا مات بعده

فتلك لعمر الله قاصمة الظهر

وأنّ التي طالبتم فمنعتم

لك التمر أو أحلى لدى من التمر

فدا لبني بكر بن زوران رحلي ونا

قتى عشية يحدي بالرّماح أبو بكر (١)

(انتهى)

وبالجملة إخفاء الجمهور للنص غير مستبعد عادة ، فانّ وجود النص لا يقتضي تواتره ولا اشتهاره عند الجميع سيما مع داعي الكتمان كما عرفته فيما نحن فيه ، وذلك كما أنّه وقع ثلاثا وعشرين سنة بعد الوحى النص على سنية رفع اليدين خمس مرّات في اليوم والليلة وعلى جهر البسملة وإخفاتها ثلاث مرّات في كلّ يوم وليلة مع أنّه لم يتواتر أحدهما بحيث يرتفع الخلاف مع توفر الدواعي ، وكذا الأمر في فصول الأذان والمسح والغسل في الوضوء وغيرهما ، وعدم ترك الاحتجاج لازم على تقدير عصمتهم وأنتم تجوزون الصغيرة على الأنبياء عمدا ، والكبيرة قبل الوحى ، فما بال غيرهم ، والمقصود أنّه إذا لم يتحقق مع وجود النص على المسائل المذكورة كلّ يوم وليلة إلى ثلاث وعشرين سنة ارتفاع الخلاف وتعيين أحد الأمرين عند الجميع ، فالامامة التي وقع النصّ عليها بتلك الآية أو بغيرها مرّة أو مرتين أو ثلاث مرّات في تلك المدّة طريق أولى ،

قال بعض الحنفية في شرح بعض كتب اصول الفقه المسمى بالتحقيق (٢) في بحث

__________________

(١) فراجع المحلى (ج ١١ ص ١٩٣ ط مصر).

(٢) هو كتاب التحقيق للشيخ عبد العزيز بن أحمد البخاري الحنفي المتوفى سنة ٧٣٠


خبر الواحد : إنّ لقبوله شروطا رابعها أن لا يكون متروك المحاجة عند ظهور الاختلاف فإنهم إذا تركوا الاحتجاج به عنده فيما بينهم يكون مردودا عند بعض أصحابنا المتقدّمين وعامة المتأخرين ، وخالفهم في ذلك غيرهم من الأصوليين وأهل الحديث قائلين بأنّ الحديث إذا ثبت سنده فخلاف الصحابي إياه وترك العمل به والمحاجة لا يوجب ردّه ، لأنّ الخبر حجة على جميع الأنام ، فالصحابي محجوج به كغيره انتهى ، والذي يلوح عند التأمل أنّ تقديم هؤلاء الجهلاء على أمير المؤمنين عليه‌السلام غلط نشأ واشتهر حتى صار مذهبا بين الناس ، لعدم التمييز للبعض وعدم قوّة إظهار الحق للبعض الآخر ، أو لعروض الشبهة كما تقدّم ، وهذا كما قال (١) الفاضل التفتازاني في شرح التلخيص من أنّ التمليح بتقديم الميم على اللام مصدر ملّح الشعر إذا أتى بشيء مليح وهو هاهنا خطاء محض نشأ من قبل الشارح العلامة حيث سوّى بين التمليح والتلميح وفسرهما بأن يشار إلى قصة ومثل (٢) وشعر ثمّ صار الغلط مستمرا وأخذ مذهبا لعدم التمييز وكم مثله للعلماء المحققين كما وقع لابن الحاجب في بحث كلمة لو من الرّجوع إلى قول الحكماء وترك قول المتقدمين من أهل العربية فتأمل.

قال المصنف رفع الله درجته

الاية الثالثةقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣)

__________________

في شرح كتاب المنتخب للشيخ حسام الدين محمد بن محمد بن عمر الأخسيكثي الحنفي المتوفى سنة ٦٤٤ فراجع كشف الظنون ج ٢ طبع الآستانة ص ١٨٤٨.

(١) أورده في السرقات الشعرية خاتمة كتابه المطول (ص ٣٨٠ ط عبد الرحيم).

(٢) المثل بفتح الميم والثاء المثلثة : ما شبه مضربه بمورده.

(٣) الأحزاب. الآية ٣٣.


أجمع (١) المفسّرون وروى (٢) الجمهور كأحمد بن حنبل وغيره أنّها نزلت في عليّ عليه‌السلام فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وروى أبو عبد الله بن محمّد بن عمران

__________________

(١) حيث ان شمول الآية الكريمة لعلى عليه‌السلام وفاطمة والسبطين متفق عليه بين الفريقين وانما الخلاف لو كان فهو في دخول زوجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تمسكا بروايات ضعيفة الاسناد وغير ظاهرة الدلالة ، والذاهب الى دخولهن وعدم اختصاصها بآل العباء شر ذمة قليلة من العامة لا يعبأ بهم ، خالفوا الإجماع ممن سبقهم ولحقهم وقد صرح ابن حجر في الصواعق بهذا الإجماع ، وكذا المحدث الجليل السيد الدشتكي في روضة الأحباب وغيرهما.

(٢) لا يذهب عليك أيها القاري الكريم أن عدة تربو على المآت والألوف من حملة الأحاديث النبوية وحفاظها أوردوا ورووا في كتبهم الحديثية والتفسيرية والكلامية نزول الآية الكريمة في حق على وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام خاصة ، ونقلوا في هذا الشأن أحاديث متينة الاسناد واضحة الدلالة لا ينكرها سندا ودلالة وجهة الا من كابر وجدانه ونازع فطرته السليمة وديعة الله سبحانه ، وحيث ان ذكر كلماتهم جمع يورث إطالة الكلام وسامة الناظر فلنكتف باليسير من الكثير ونحيل البقية الى تتبع البحاثة النقاب ثم انا قسمنا سردا سماء المدارك على أربعة اقسام.

القسم الاول

ما وقفنا عليه من المراجع وراجعناه بالبحث والتنقيب

فنقول ان ممن صرح بنزولها في حقهم واختصاصها بهم

الحافظ المحدث ابو داود الطيالسي ، وهو سليمان بن داود بن الجارود ،

الفارسي الأصل ، البصري المسكن ، من تلاميذ ابني عون ونابل والدستوائى ، توفى


__________________

سنة ٢٤٠ في «كتاب المسند» (ج ٨ ص ٢٧٤ ط حيدرآباد) حيث قال ما لفظه : حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن أنس عن النبي (ص) أنه كان يمر على باب فاطمة شهرا قبل صلاة الصبح ويقول : الصلاة يا أهل البيت ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ).

«ومنهم» العلامة الحافظ أبو عبد الله احمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي الأصل البغدادي المسكن امام الحنابلة المتوفى سنة ٢٤١ حيث أورد الحديث بسنده المنتهى الى عائشة ونقل نزولها في حقهم عليهم‌السلام خاصة (ج ١ ص ٣٣١ ط القاهرة).

وعن كتاب المباهلة نقل نزولها في حقهم عن المسند أيضا (ج ٣ ص ٢٥٩ وص ٢٨٥ ط القاهرة) وكذا (ج ٤ ص ١٠٧) وكذا (ج ٦ ص ٢٩٣) بعدة أسانيد وعن (ج ٦ ص ٢٩٦) وكذا (ج ٦ ص ٢٩٨) وكذا (ج ٦ ص ٣٠٤) بسندين وكذا (ج ٦ ص ٣١٣ انتهى ما رمنا نقله عن ذلك الكتاب.

«ومنهم» محمد بن عيسى ابن عيسى الحافظ الترمذي صاحب الصحيح المتوفى سنة ٢٧٩ على ما نقله ابن حجر في «الصواعق»

«ومنهم» الحافظ محمد بن عثمان بن ابى شيبة الكوفي المتوفى سنة ٢٩٨ فانه أخرج حديث الكساء في «مسنده» (على ما في كتاب فلك النجاة ص ٤٣ ط لاهور) «ومنهم» العلامة ابو عبد الرحمن احمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة ٣٠٣ في كتاب «الخصائص» (ص ٤ ط مصر بمطبعة التقدم).

حيث قال ما لفظه : ولما نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي «انتهى» وكذا في (ص ١٦).

«ومنهم» الحافظ الطبري محمد بن جرير المتوفى سنة ٣١٠ في «تفسيره» (ج ٢٢ ص ٥ ، الطبع الاول بمصر)


__________________

أورد عدة روايات في هذا الباب وأنهاها الى ابى سعيد وعائشة وابى الديلم وام سلمة وعمرو بن أبى سلمة وأنس وأبى الحمراء وواثلة ويونس بن أبى إسحاق وأبى عمار وأبى هريرة عن ام سلمة وسعد ، كلها دالة على اختصاص آية التطهير بالخمسة اصحاب الكساء وذلك يقرب من خمسة عشر طريقا.

«ومنهم» الحافظ عبد الرحمن بن ابى حاتم محمد الرازي المتوفى سنة ٣٢٧ فانه قد أخرج الحديث في كتابه كما في الفلك (ص ٤٣ طبع لاهور)

«ومنهم» سليمان بن أحمد بن أيوب الطبرانيّ المتوفى سنة ٣٦٠ في «معجمه» كما في الصواعق (ص ٨٥ ، الطبع الاول بمصر) «ومنهم» العلامة الجصاص المتوفى سنة ٣٧٠ على ما في كتاب المباهلة.

حيث أورد الحديث في كتابه «احكام القرآن» (ج ٣ ص ٤٤٣ ط القاهرة) بأسانيد عديدة وأنهاها الى ابى سعيد الخدري وقال : انهم المقصودون باهل البيت فيها.

«ومنهم» الحافظ الحاكم ابن البيع وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المتوفى سنة ٤٠٥ في كتاب «المستدرك» على الصحيحين ج ٢ ص ٤١٦ حيث قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا عثمان ابن عمر ، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، ثنا شريك بن أبى نمر ، عن عطاء بن يسار عن ام سلمة رضى الله عنها انها قالت : في بيتي نزلت هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) ، قالت : فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى على وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم أجمعين فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، قالت ام سلمة يا رسول الله ما أنا من أهل البيت ، قال : انك أهلى الى خير وهؤلاء اهل بيتي اللهم أهلي أحق وكذا روى الحديث عن أبى العباس محمد بن يعقوب عن العباس بن وليد بن مزيد عن أبيه عن الأوزاعي عن أبى عمار عن واثلة بن الأسقع الى ان قال بعد ذكر الحديث هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

وكذا في (ج ٣ ص ١٤٦ من الكتاب طبع حيدرآباد) أورد الرواية بهذا السند ، حدثنا


__________________

أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه ، وأبو العباس محمد بن يعقوب ، قالا : ثنا الحسن بن مكرم البزاز ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبى نمر عن عطاء بن يسار عن ام سلمة الحديث.

وكذا في ذلك الجزء (ص ١٤٧) أورد الحديث بهذا السند ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا الربيع بن سليمان المرادي وبحر بن نصر الخولاني ، قالا ثنا بشر بن بكر ، وثنا الأوزاعي ، حدثني أبو عمار ، حدثني واثلة بن الأسقع الحديث.

وكذا في تلك الصفحة أورد الخبر بهذا السند ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا الربيع بن سليمان المراد وبحر بن نصر الخولاني ، قالا ثنا بشر بن أحمد المحبوبى بمرو ، ثنا سعيد بن مسعود ثنا عبيد الله بن موسى انا زكريا بن ابى زائدة ثنا مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة الحديث.

وكذا في تلك الصفحة ذكر الحديث بهذا السند ، كتب الى أبو اسماعيل محمد بن النحوي يذكر أن الحسن بن عرفة حدثني على بن ثابت الجزري ، ثنا بكير بن مسمار مولى عامر ابن سعد سمعت عامر بن سعد يقول الحديث.

وكذا في تلك الصفحة أورد الحديث بهذا السند حدثني أبو الحسن اسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني ، ثنا جدي ، ثنا ابو بكر بن أبى شيبة الحزامي ، ثنا محمد بن اسماعيل ابن أبى فديك ، حدثني عبد الرحمن بن أبى بكر المليكي عن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر ابن ابى طالب عن أبيه الحديث.

وكذا في ص ١٣٢ من ج ٣ أورد الحديث راويا عن أبى بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ببغداد من اصل كتابه ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبى ، ثنا يحيى ابن حماد ، ثنا أبو عوانة ، ثنا أبو بلج ، ثنا عمرو بن ميمون الحديث.

وكذا في ج ٣ ص ١٥٩ من الكتاب ، روى الحديث عن أبى بكر محمد بن عبد الله الحفيد عن الحسين بن الفضل البجلي عن عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن حميد وعلى بن زيد عن أنس بن مالك الحديث.


__________________

وكذا أورده في (ج ٣ ص ١٧٢) راويا عن أبى محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن أخي طاهر العقيقي الحسيني عن اسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن على ابن الحسين عن عمه على بن جعفر بن محمد عن الحسين بن زيد عن عمر بن على عن أبيه على بن الحسين والمتن هكذا : قال خطب الحسن بن على الناس حين قتل على فحمد الله واثنى عليه ثم قال لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعطيه رايته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله عليه ، وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه أراد ان يبتاع بها خادما لأهله ، ثم قال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا الحسن بن على ، وأنا ابن النبي وأنا ابن الوصي ، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي الى الله باذنه ، وأنا ابن السراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبرئيل ينزل إلينا ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودّتهم على كل مسلم ، فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ : لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) ، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ،

وكذا في (ص ١٥٠ من ج ٢) عن أبى عبد الله الحافظ وابى عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمى وأبى بكر أحمد بن الحسن القاضي قالوا حدثنا محمد بن يعقوب ، ثنا الحسن بن مكرم ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبى نمر عن عطاء بن يسار من ام سلمة فإنها روت الحديث كما مر مرارا.

وكذا في (ص ١٥٢ من ذلك الجزء) عن أبي عبد الله الحافظ وابى بكر القاضي وابى عبد الله السوسي ، قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن الوليد أخبرنى أبى قال سمعت الأوزاعي قال حدثني ابو عمار رجل منا قال حدثني واثلة بن الأسقع الليثي الى آخر ما نقل من متن الحديث.


__________________

«ومنهم» العلامة المحدث الفقيه المتكلم احمد المؤيد بالله ابن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن الأمير ابن زيد ابن الحسن السبط (ع) المتوفى سنة ٤١١ في كتاب «الأمالي» (ص ٢٣ طبع صنعاء) أورد الحديث.

ومما رأيت ذكره يناسب المقام ما وجدته في «تاريخ جرجان» لأبي القاسم حمزة بن يوسف بن ابراهيم السهمي الجرجاني المتوفى سنة ٤٢٧ قال (في ص ٤٦ من الكتاب طبع حيدرآباد) ما لفظه أخبرنا ابن عدى الحافظ حدثنا أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الرزاق الجرجاني بآمل ، حدثنا زريق بن محمد الكوفي ، حدثنا حماد ابن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الله طهر قوما من الذنوب بالصلعة في رؤسهم وان عليا لأولهم.

«ومنهم» الحافظ البيهقي وهو أحمد بن الحسين بن على المتوفى سنة ٤٥٨ في كتاب «السنن الكبرى» (ج ٢ ص ١٤٩ ط حيدرآباد) نقل حديث الكساء عن أبي عبد الله محمد بن احمد الدقاق عن أحمد بن عثمان الأدمي عن محمد بن عثمان بن أبى شيبة عن أبيه عن محمد بن بشر العبدى عن زكريا بن أبى زائدة عن مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة ورواه أيضا المسلم في الصحيح.

«ومنهم» العلامة الحافظ أبو بكر أحمد بن على بن ثابت الخطيب البغدادي المتوفى سنة ٤٦٣ في «تاريخ بغداد» (ج ١٠ طبع أمين الخانجى بمصر) قال فيه ما لفظه : أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق والحسن بن أبى بكرة قالا : أخبرنا اسماعيل ابن على الخطبي ، حدثنا عبد الرحمن بن على بن خشرم ، حدثني أبى ، حدثنا الفضل ابن موسى ، حدثنا عمران بن مسلم عن عطية العوفى عن أبى سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، قال : جمع رسول الله (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين ، ثم أدار عليهم الكساء ، فقال : هؤلاء أهل بيتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،


__________________

وام سلمة على الباب ، فقالت يا رسول الله : ألست منهم؟ فقال انك لعلى خير أو الى خير.

«ومنهم» العلامة حافظ الأندلس الشيخ ابو عمر ويوسف بن عبد الله بن محمد ابن عبد البر الأندلسي المحدث الشهير المتوفى سنة ٤٦٣ في كتاب «الاستيعاب» (ج ٢ ص ٤٦٠ ط حيدرآباد) قال ما لفظه : لما نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) دعا رسول الله (ص) فاطمة وعليّا وحسنا وحسينا في بيت ام سلمة وقال : اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

«ومنهم» العلامة المحدث ، الشيخ ابو الحسن على بن أحمد الواحدي النيشابوري المتوفى سنة ٤٦٨ وقيل ٤٦٥ في كتاب «اسباب النزول» ص ٢٦٧ ط مصر).

قد أورد أحاديث في شأن نزول الآية الشريفة بسنده المنتهى الى عطية عن أبى سعيد والى ام سليم وهي بعينها ام سلمة وحكم بصحته.

«ومنهم» الحافظ الديلمي المتوفى سنة ٥٠٩ في كتاب «الفردوس» على ما في الصواعق.

«ومنهم» لحافظ البغوي وهو الحسين بن مسعود الشافعي المتوفى سنة ٥١٦ في كتاب «مصابيح السنة (ج ٢ ص ٢٠٤ ط القاهرة بمطبعة الخشاب) قال ما لفظه : من الصحاح عن عائشة (رض) ، قالت : خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط مرجل من شعر اسود موشى منقوش فجاء الحسن بن على فادخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فادخلها ، ثم جاء على فادخله ، ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

«ومنهم» جار الله العلامة محمود بن عمر الزمخشرىّ المتوفى سنة ٥٢٨ في «تفسير الكشاف» (ج ١ ص ١٩٣ ط مصر بمطبعة مصطفى محمد) روى عن عائشة رضى الله عنها ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل الى آخر العبارة المذكورة في الكتاب السابق.

«ومنهم» العلامة القاضي ابو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله


__________________

الإشبيلي المالكي المعافري المشتهر بابن العربي المتوفى سنة ٥٤٢.

«احكام القرآن» (ج ٢ ص ١٦٦ ، المطبوع بمصر على نفقة فخر الملوك السلطان عبد الحفيظ الحسنى ملك مراكش)

أورد رواية عمر بن ابى سلمة نزول الآية في حقهم عليهم‌السلام

«ومنهم» العلامة الحافظ المحدث الفقيه ابو الفضل القاضي عياض المغربي اليحصبى المتوفى سنة ٥٤٤ في كتابه «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» (ج ٢ ص ٤١ ط الآستانة بمطبعة العثمانية).

حيث قال ما لفظه : وعن عمر بن أبى سلمة لما نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) ، الآية وذلك في بيت ام سلمة دعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره ، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا «ومنهم» أبو المؤيد موفق بن أحمد أخطب خطباء خوارزم المتوفى سنة ٥٦٨ في كتاب المناقب (ص ٣٥).

«ومنهم» العلامة على بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الشافعي المعروف بابن عساكر المتوفى سنة ٥٧١ في تاريخ دمشق على ما في منتخبه المطبوع (ج ٤ ص ٢٠٤ ، الى ٢٠٦ ط مصر).

«ومنهم» العلامة فخر الدين محمد الرازي المشتهر بالإمام المتوفى سنة ٦٠٦ في «تفسيره» (ج ٢ ص ٧٠٠ ط الآستانة).

حيث قال ما لفظه : روى انه عليه‌السلام لما خرج في المرط الأسود فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين فادخله ثم فاطمة ثم على ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ) إلخ.

«ومنهم» أبو السعادات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة ٦٠٦ في كتاب جامع الأصول (ج ١ ص ١٠١ ط القاهرة)

رواه عن ام سلمة وأنس وعائشة وعمرو بن أبى سلمة «ومنهم» العلامة المحدث الفقيه الشيخ حسن بن الحسين بن على بن محمد بن


__________________

بطريق الأسدي الحلي من علماء المائة السادسة بل السابعة صاحب كتاب نهج العلوم الى نفى المعدوم أورد عدة روايات رواها القوم ناصة صريحة في كتابه الذي سماه (العمدة ص ١٦ طبع تبريز) وينتهى سند بعضها الى الأوزاعي عن شداد بن عمارة عن واثلة ابن الأصقع ، وبعضها الى عبد الله بن أحمد بن حنبل بأسانيده الى ام سلمة ، وبعضها الى شداد بن عبد الله عن واثلة بن الأصقع وبعضها الى عمر بن ميمون عن أحمد بطرقه الى ابن عباس عنه وعن ام سلمة ، وبعضها الى الثعلبي صاحب التفسير بطرقه عن الصادق (ع) في تفسير(طه) وانه إشارة الى طهارة أهل بيت النبي وهم آله وعترته ، والى أبى سعيد الخدري والى عائشة والى اسماعيل بن عبد الله بن جعفر الطيار عن أبيه والى زيد بن أرقم والى أبى الحمراء ونقل هذه الاخبار والآثار عن الصحيحين وتفسير الثعلبي والجمع بين الصحيحين للحميدي والمسند لأحمد ، وكتاب أبى عوانة صاحب المسند ، وتاريخ عبد الغافر الفارسي ، وكتاب الجمع بين الصحاح الستة لأبي الحسن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي الأندلسي ، وغيرها من كتب الحديث والتفاسير التي ألفها أعيان الجمهور وهي من الكتب المعتبرة المعتمدة لديهم.

«ومنهم» العلامة البارع في الحديث والتفسير والكلام واللغة والأدب الشيخ عز الدين ابو الحسن على بن الأثير الجزري الموصلي المتوفى سنة ٦٣٠ في كتابه النفيس «اسد الغابة في معرفة الصحابة» (ج ٢ ص ١٢ طبع مصر) قال ما لفظه : عن عمر بن أبى سلمة ربيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : لما نزلت هذه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية في بيت ام سلمة فدعى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة وحسنا وحسينا ، فجللهم بكساء وعلى خلف ظهره ، ثم قال هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت ام سلمة : وأنا معهم يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : أنت على مكانك أنت في خير.

وكذا في (ج ٢ ص ٢٠ ذاك الطبع) ما لفظه عن شداد بن عبد الله قال سمعت واثلة ابن الأسقع (الأصقع خ ل) وقد جيء برأس الحسين الى أن قال : وقال والله لا أزال


__________________

أحب عليّا والحسن والحسين وفاطمة بعد ما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : فيهم ما قال ، لقد رأيتنى ذات يوم وقد جئت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيت ام سلمة فجاء الحسن فأجلسه على فخذه اليمنى وقبله ، ثم جاء الحسين فأجلسه على فخذه اليسرى وقبله ، ثم جاءت فاطمة فأجلسها بين يديه ، ثم دعى بعلى ، ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية قلت لواثلة : ما الرجس ، قال الشك في الله عزوجل إلخ.

وكذا في (ج ٣ ص ٤١٣) في ترجمة عطية ، أورد الحديث وأسنده الى الإسماعيلي في كتاب الصحابة بسنده عن عمر أبى عرفجة عن عطية.

وكذا أورد في (ج ٣ ص ١١) في ترجمة صبيح بسنده الى ابراهيم بن عبد الرحمن بن صبيح مولا ام سلمة عن جده صبيح ما عبارته : قال كنت بباب رسول الله (ص) ، فجاء على وفاطمة والحسن والحسين ، فجلسوا ناحية ، فخرج رسول الله (ص فقال : انكم على خير ، وعليه كساء خيبرى ، فجللهم به ، وقال : أنا حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمكم ، الى أن قال : وقد رواه السدى عن صبيح عن زيد بن أرقم ، أخرجه أبو موسى ، وصبيح بضم الصاد وفتح الباء الموحدة.

وقال في (ج ٢ ص ٩) في مناقب الامام الحسن المجتبى ما لفظه : وهو خامس أصحاب الكساء إلخ.

وكذا عبر عن مولانا الامام الحسين الشهيد في (ج ٢ ص ١٨) إلخ.

«ومنهم» العلامة الجليل الشيخ أبو المظفر يوسف الواعظ بن عبد الله المشتهر بسبط بن الجوزي المتوفى سنة ٦٥٤ في «كتاب تذكرة الأئمة»

(الباب التاسع ص ٢٤٤ ط النجف الأشرف)

قال ما لفظه : عن واثلة بن الأسقع قال : أتيت فاطمة عليها‌السلام أسألها عن على ، فقالت توجه الى رسول الله ص ، فجلست انتظره فإذا برسول الله قد اقبل ومعه على والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم حتى دخل الحجرة فاجلس الحسن على فخذه اليمنى والحسين على فخذه اليسرى واجلس عليّا وفاطمة بين يديه ، ثم لف عليهم كساه


__________________

أو ثوبه ، ثم قرء : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) ، الآية. ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي حقّا «انتهى» وكذا في (ص ٢٤٥) قد ذكر جملة يظهر منها تسلم الحديث «ومنهم» العلامة الكنجي الشافعي المحدث الشهير المتوفى سنة ٦٥٨ في كتاب «كفاية الطالب» (الباب المائة ص ٢٣٢ ط النجف الأشرف)

روى بإسناده عن أبى الحمراء ، قال صحبت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تسعة أشهر ، وكان إذا أصبح أتى باب على وفاطمة وهو يقول : يرحمكم الله ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) ، الآية.

ثم روى بإسناده عن أبى سعيد الخدري قال حين نزلت (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) كان يجيء نبى الله الى باب على صلاة الغداة ثمانية أشهر يقول : الصلاة رحمكما الله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية.

وروى (ص ١٣) عن مسلم عن عائشة الحديث.

أخبرنا العلامة حجة العرب ابو البقاء يعيش بن على بحلب أخبرنا الخطيب ابو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسي بالموصل أخبرنا ابو طاهر حيدر بن زيد بن محمد البخاري ببغداد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة قدم حاجا ، قيل له أخبرك ابو على حسن ابن محمد جوانشير حدثنا ابو زيد على بن محمد بن الحسين ، حدثنا ابو عمر بن مهدى حدثنا ابو العباس أحمد بن عقدة الحافظ حدثنا على بن الحسين بن عبيد حدثنا اسماعيل بن أبان عن سلام بن أبى عمرة عن معروف عن أبى الطفيل قال خطب الحسن بن على عليه‌السلام ومن كلامه عليه‌السلام في الخطبة أنا من أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا(ص ٣٢ الطبع المذكور) قد مر نقلها عن كتاب المستدرك للحاكم فليراجع.

«ومنهم» العلامة الجليل الشيخ كمال الدين محمد بن طلحة الشامي الشافعي المتوفى سنة ٦٥٤ في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) (ص ٨ ط طهران) حيث قال ما لفظه : وأما جعله أهل العباء فقد روى أئمة النقل والرواية (ج ٣٢)


__________________

فيما أسندوه واستفاض عند ذوى العلم والدراية ، فمما أوردوه ما صرح به الامام الواحدي في كتابه المسمى «بأسباب النزول» يرفعه بسنده الى ام سلمة زوج النبي (ص) ذكرت أن رسول الله كانت في بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة فدخلت بها عليه فقال لها ادعى لي زوجك وابنيك قال فجاء على والحسن والحسين فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الحريرة وهو على دكان وتحته كساء خيبرى قالت وأنا في الحجرة أصلي فانزل الله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال : فأخذ فضل الكساء فغشاهم به ثم اخرج يديه قالوا بهما الى السماء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. قالت فأدخلت رأسى البيت فقلت : أنا معكم يا رسول الله قال : آئل الى خير آئل الى خير ونقل الترمذي في صحيحه ان رسول الله (ص) كان من وقت نزول هذه الآية الى قريب من ستة أشهر إذا خرج الى الصلاة يمر بباب فاطمة يقول : الصلاة أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ،) الآية. وصرح الأستاذ ان رسول الله خرج وعليه مرط مرجل اسود فجاء الحسن فادخله ثم جاء الحسين فادخله ثم جاءت فاطمة فادخلها ثم جاء على فأدخله ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الى ان قال : فهؤلاء أهل بيتي المرتقون بتطهيرهم الى ذروة أوج الكمال المستحقون لتوقيرهم مراتب الإعظام والإجلال الموفقون لتأييدهم لابتهاج مناهج الاستقامة والاعتدال الى أن قال : فهذه الأدلة من خصوص النصوص وصحاحها ووجوها في دلائلها من مصابيح صباحها قد أرضعت فاطمة درة الفضيلة والشرف بصراحها وصدعت ألفاظها الفصيحة ومعانيها البليغة الى ان قال :

يا رب بالخمسة أهل العبا

ذوى الهدى والعمل الصالح

ومن هم سفن نجاة ومن

والاهم ذو متجر رابح

ومن لهم مقعد صدق إذا

قام الورى في الموقف الفاضح

لا تخزني واغفر ذنوبي عسى

اسلم من حر لظى اللافح

فاننى أرجو بحبي لهم

تجاوزا عن ذنبي الفادح


__________________

فهم لمن والاهم جنة

تنجيه من طائرة البازح

وقد توسلت بهم راجيا

نجح سؤال المذنب الطالح

لعله يحظى بتوفيقه

فيهتدى بالمنهج الواضح ـ إلخ

«ومنهم» العلامة الشيخ ابو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي الأندلسي المتوفى سنة ٦٧١ في كتابه «الجامع لأحكام القرآن» (ج ١٤ ص ١٨٢) الطبعة الاولى بالقاهرة المحمية.

نقل نزول الآية الشريفة في حقهم عليهم‌السلام

«ومنهم» العلامة الشيخ يحيى بن شرف الدين الدمشقي النووي المتوفى سنة ٦٧٦ وقيل ٦٧٧ في كتاب «شرح المهذب» على ما نقله عنه في كتاب فلك النجاة (ص ٣٩ ط لاهور بمطبعة الامامية)

«ومنهم» العلامة القاضي البيضاوي المتوفى سنة ٦٨٢ وقيل غيرها في «تفسيره» (سورة الشورى ص ٣٨٧ ط مصر القديم)

«ومنهم» الحافظ الفقيه محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري في كتاب ذخائر العقبى المتوفى سنة ٦٩٤ (ص ٢١ ط مصر) قال ما لفظه : عن عمر بن أبى سلمة ربيب رسول الله (ص) قال : نزلت هذه الآية على رسول الله (ص) (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ). الآية) في بيت ام سلمة رضى الله عنها ، فدعا النبي (ص) فاطمة وحسنا وحسينا؟ فجللهم بكساء ، وعلى خلف ظهره ، ثم قال اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت ام سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ، قال : أنت على مكانك وأنت على خير ، أخرجه الترمذي ، وفي رواية أنت على خير أنت من أزواج النبي وعن ام سلمة أن النبي (ص) جلل على الحسن والحسين وعلى وفاطمة كساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ؛ فقالت ام سلمة : أنا معهم يا رسول الله قال : انك على خير ، أخرجه الترمذي وقال حسن ، (شرح) الحامة : الخاصة ، يقال : جئناكم في الحامة ، لا في العامة ، ومنه الحميم ، وعنها أن رسول الله (ص) أخذ ثوبا وجلله


__________________

فاطمة وعليّا والحسن والحسين وهو معهم ، وقرء هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية ، قالت فجئت أدخل معهم ، فقال : مكانك ، انك على خير ، وعنها أن رسول الله (ص) قال لفاطمة : ائتى بزوجك وابنيك ، فجاءت بهم وأكفأ عليهم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم ؛ ثم قال : اللهم ان هؤلاء آل محمد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد ، انك حميد مجيد ، قالت ام سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول لله (ص وقال : انك على خير ، أخرجهما الدولابي في الذرية الطاهرة ،

الى أن قال (ص ٢٤) عن أبى سعيد الخدري رضى الله عنه في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، قال نزلت في خمسة ، في رسول الله (ص) وعلى وفاطمة والحسن والحسين ، أخرجه أحمد في المناقب ، وأخرجه الطيراني.

عن أنس بن مالك (رض) أن رسول الله (ص) كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج الى صلاة الفجر ، ويقول : الصلاة يا أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، أخرجه أحمد.

وعن أبى الحمراء قال : صحبت رسول الله (ص) تسعة أشهر ، فكان إذا أصبح أتى على باب على وفاطمة وهو يقول : يرحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، أخرجه عبد بن حميد ، وكذا أورد في كتابه الرياض النضرة (ص ١٨٨ ج ٢ ط مصر) وص ٢٠٣.

«ومنهم» العلامة النسفي المتوفى سنة ٧٠١ في تفسيره «المدارك» المطبوع بهامش تفسير الخازن (ص ٩٥ و ٤٨).

ومنهم على ما في المباهلة الشيخ علاء الدين البغدادي الصوفي المشتهر بالخازن المتوفى سنة ٧٤١ في تفسيره المعروف (ج ٣ ص ٣٦٦ ط مصر) ما لفظه : وذهب أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة الى أنهم على وفاطمة والحسن والحسين ، ويدل عليه ما روى عن عائشة ، ثم ساق الحديث ، ثم قال : وعن ام سلمة ، ثم ذكر الحديث ، ثم قال : أخرجه الترمذي وقال : حديث صحيح إلخ ، وكذا في (ج ٤ ص ٩٥٥)

«ومنهم» العلامة الشيخ ولى الدين محمد بن عبد الله الخطيب العمرى التبريزي من علماء القرن الثامن ، فانه نقل نزولها في كتاب «مشكاة المصابيح» في حقهم


__________________

عليهم‌السلام خاصة (ص ٥٦٨ ط لكهنو)

«ومنهم» العلامة الجليل الحافظ عماد الدين ، أبو الفداء ، اسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي المتوفى سنة ٧٧٤ في تفسيره (ج ٣ ص ٤٨٣ ط مصر) أورد الحديث بطرق مختلفة وأسانيد متعددة بقوله :

قال ابن جرير : حدثنا وكيع ، حدثنا أبو نعيم ، حدثنا يونس عن أبى إسحاق ، أخبرنى أبو داود عن أبى الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر إلخ.

وقال الامام أيضا : حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، حدثنا شداد بن عمار ، قال : دخلت على واثلة بن الأسقع (رض) وعنده قوم فذكروا عليا رضى الله عنه إلخ.

رواه أيضا عن عبد الاعلى بن زامل ، عن الفضل بن دكين ، عن عبد السّلام بن حرب ، عن كلثوم المحاربي ، عن شداد بن أبى عمار ، قال : انى لجالس عند واثلة بن الأسقع (رض) إذ ذكروا عليا (رض) إلخ.

قال الامام أحمد ، حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا عبد الملك بن أبى سليمان ، عن عطاء بن أبى رباح ، حدثني من سمع ام سلمة (رض) ، تذكر أن النبي (ص) كان في بيتها ، فأتته فاطمة (رض) ببرمة فيها خزيرة ؛ إلخ.

قال ابن جرير ؛ حدثنا أبو كريب ، حدثنا مصعب بن المقدام ؛ حدثنا سعيد بن زربي عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة عن أم سلمة رضى الله عنها قالت : جاءت فاطمة رضى الله عنها الى رسول الله (ص) ببرمة لها ؛ قد صنعت فيها عصيدة تحملها على طبق ، إلخ

قال ابن جرير ، حدثنا ابن حميد ، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ؛ عن حكيم ابن سعد ، قال : ذكرنا على بن أبي طالب (رض) عند ام سلمة (رض فقالت : في بيتي نزلت : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) إلخ.

قال الامام أحمد ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا عوف عن أبى المعدل ؛ عن عطية الطفاوي ، عن أبيه ، قال : ان ام سلمة (رض) حدثته قالت : بينما رسول الله ، إلخ.

رواها ابن جرير أيضا عن أبى كريب عن وكيع عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن


__________________

حوشب عن ام سلمة (رض) بنحوه.

قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثني موسى بن يعقوب ، حدثني هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبى وقاص عن عبد الله بن وهب بن زمعة ، قال : أخبرتنى ام سلمة (رض) قالت : ان رسول الله ص جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين (رض) ، إلخ رواها ابن جرير أيضا عن أحمد بن محمد الطوسي عن عبد الرحمن بن صالح عن محمد ابن سليمان الاصبهانى عن يحيى بن عبيد المكي عن عطاء عن عمر بن أبى سلمة عن امه (رض) بنحو ذلك.

قال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع ؛ حدثنا محمد بن بشر عن زكريا عن مصعب بن شيبة قال : قالت عائشة (رض): خرج النبي ص ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، إلخ قال ابن أبى حاتم : حدثنا أبى ، حدثنا شريح بن يونس أبو الحارث ، حدثنا محمد بن يزيد عن العوام يعنى ابن حوشب (رض) عن عم له قال : دخلت مع أبى على عائشة (رض) فسألتها عن على (رض) فقالت : تسألنى عن رجل كان من أحب الناس الى رسول الله ص كانت تحته ابنته وأحب الناس اليه ، لقد رأيت رسول الله ص دعا عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا (رض) إلخ.

قال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا بكر بن يحيى بن زبان العنزي ، حدثنا مندل عن الأعمش عن عطية عن أبى سعيد (رض) قال : قال رسول الله ص نزلت هذه الآية في خمسة ، إلخ.

قال ابن جرير : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا بكير بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد (رض) قال : قال سعد (رض) قال رسول الله ص ، إلخ.

قال مسلم في صحيحه : حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلد عن ابن عليه ، قال زهير : حدثنا اسماعيل بن ابراهيم حدثني أبو حيان ، حدثني يزيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين ابن سيرة وعمر بن مسلمة الى زيد بن أرقم (رض) فلما جلسنا اليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله ص ، قال يا ابن أخى والله كبرت


__________________

سنى وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعى من رسول الله ص ، وما حدثتكم فاقبلوا ، وما لا فلا تكلفوا فيه إلخ.

«ومنهم» الحافظ نور الدين على بن ابى بكر الهيثمي المتوفى سنة ٨٠٧ في كتابه «مجمع الزوائد» (ج ٩ ص ١٦٦ وص ١٦٨ ط القاهرة) أورد روايات في نزولها في حقهم عليهم‌السلام خاصة وأنهاها الى ام سلمة وواثلة وأبى سعيد وأبى الحمراء وغيرهم.

«ومنهم» الشيخ الامام على بن محمد أحمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ المتوفى سنة ٨٥٥ قال في كتاب الفصول المهمة (ص ٧ ـ ٨ ط النجف الأشرف) ما لفظه : وروى الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول يرفعه بسنده الى ام سلمة أنها قالت : كان النبي ص في بيتها يوما ، فأتته فاطمة عليها‌السلام ببرمة فيها عصيدة (خ ل خزيرة) فدخلت بها عليه ، فقال لها : ادعى لي زوجك وابنيك ، قالت : فجاء على والحسن والحسين ، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة ، والنبي ص جالس على دكة وتحته كساء خيبرى (خ ل حبرى) قالت : وأنا في الحجرة قريبا منهم أصلي ، فأخذ النبي ص الكساء فغشاهم به ، ثم قال : اللهم أهل بيتي وخاصتي ، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت : فأدخلت رأسى وقلت : وأنا معكم يا رسول الله ، قال : انك الى خير ثلاث مرات ، فانزل الله عزوجل (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية ، وذكر الترمذي في صحيحه : أن رسول الله ص كانت من وقت نزول هذه الآية الى قريب من ستة أشهر ، إذا خرج الى الصلاة يمر بباب فاطمة ثم يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وقال بعضهم في ذلك شعرا :

ان النبي محمدا ووصيه

وابنيه وابنته البتول الطاهرة

أهل العباء فاننى بولائهم

أرجو السلامة والنجا في الآخرة

«ومنهم» الحافظ شهاب الدين أحمد بن على بن محمد بن محمد بن على الكناني العسقلاني الشافعي المشتهر بابن حجر المتوفى سنة ٨٥٢ في كتاب


__________________

«الاصابة» (ج ٢ ص ٥٠٢ طبع مصر) فانه أورد رواية مسندة عن ابن عباس مشتملة على فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام وهي مفصلة طويلة مشتملة على جملات منها قوله : وأخذ ردائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوضعه على على وفاطمة والحسن والحسين وقال (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية وذكر ايضا نظير ذلك عن ام سلمة.

وكذا في (ج ١ ص ٣٢٩) روى عن ام سلمة أيضا نزول الآية في حقهم عليهم‌السلام.

وكذا في (ج ٤ ص ٣٦٧) روى عن ام سلمة انها قالت : في بيتي نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية وكذا في (ج ٤ ص ٢٠٧) وأورد في كتاب «الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف» (ص ٢٦ الحديث ٢١٦ ط مصر) المطبوع في آخر الكشاف طبعة (مصطفى محمد) ما لفظه : عن عائشة رضى الله عنها : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعرا سود فجاءه الحسن فادخله ثم فاطمة ثم على ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية. ومسلم من طريق صفية بنت شيبة عنها وغفل الحاكم فاستدركه.

وقال أيضا في كتابه «فتح الباري شرح صحيح البخاري» (ج ٣ ص ٤٢٢ طبع مصر القديم) حيث قال ما لفظه : لما ثبت في تفسير قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية قالت ام سلمة لما نزلت دعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة وعليّا والحسنين فجللهم بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي الحديث أخرجه الترمذي وغيره.

«ومنهم» شمس الدين ابو عبد الله محمد بن احمد الذهبي المتوفى سنة ٨٨٤ في كتابه «تلخيص المستدرك» (المطبوع في ذيل المستدرك ص ٤١٦ ج ٣ ط حيدرآباد) حيث قال ما لفظه. عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ، ثنا شريك بن أبى نمر عن عطاء بن يسار عن ام سلمه قالت : في بيتي نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى على وفاطمة والحسن والحسين فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي قالت ام سلمة يا رسول الله ما أنا من أهل البيت ، قال انك الى خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهلى أحق.


__________________

وكذا أورد الحديث في ذلك الكتاب (ج ٣ ص ١٤٦) وذكر السند هكذا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن أبى نمر عن عطاء بن يسار عن ام سلمة الحديث

وكذا أورد بسنده عن الأوزاعي عن ابى عمار عن واثلة فراجع ص ١٤٧ من ج ٣

وكذا في تلك الصفحة رواه بسنده عن زكريا بن أبى زائدة ثنا مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة.

وكذا في تلك الصفحة بسنده الى أبى اسماعيل النحوي يذكر ان الحسن بن عرفة حدثهم حدثني على بن ثابت ثنا بكير بن مسمار عن عامر بن سعد الحديث

وكذا في تلك الصفحة أورده بسنده الى عبد الرحمن بن أبى بكر المليكي عن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه الحديث.

وكذا في ص ١٣١ أورده بهذا السند أبو القاسم الحسن بن محمد السكوني بالكوفة من أصله ثنا عبيد بن كثير ثنا عبد الرحمن بن دبيس (ح) حدثنا السكوني ثنا مطين ثنا عبد الله ابن عمر عن أبان قالا ثنا ابراهيم بن ثابت القصار ثنا ثابت البناني الحديث ، وحكم بصحته وكذا أورده في (ج ٣ ص ١٥٨) راويا عن حماد بن سلمة عن حميد وعلى بن زيد عن أنس.

وكذا في تاريخ الإسلام (ج ٣ ص ٦ ط حسام الدين القدسي بالقاهرة)

«ومنهم» العلامة الجليل صاحب التصانيف الشهيرة في الحديث والتفسير والتاريخ والكلام الشيخ حميد بن أحمد المحلى اليماني في كتاب «الحدائق الوردية (المخطوط) قال ما لفظه : فمن ذلك ما رويناه عن الشيخ لعالم الورع الفاضل محيي الدين عمدة الموحدين أبى عبد الله محمد بن أحمد بن الوليد القرشي يرفعه الى السيد الامام الناطق بالحق أبي طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسنى عليه‌السلام بإسناده الى أبى الحمراء ، قال شهدت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أربعين صباحا ، فيجيء الى باب على وفاطمة فيأخذ بعضادتي الباب ويقول : السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله الصلاة يرحمكم الله ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).


__________________

وبالاسناد عنه عليه‌السلام يرفعه الى شهر بن حوشب عن ام سلمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ ثوبا فجلله على على وفاطمة والحسن والحسين ، ثم قرأ هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، الى آخر ما أورده ، والكتاب مما يعتمد عليه أهل النقل على اختلاف شئونهم في زبرهم.

«ومنهم» العلامة المولى نظام الدين الحسن الأعرج بن محمد بن الحسين القمي المتوفى في أواخر المائة التاسعة في تفسيره الشهير بتفسير النيسابوري المطبوع بهامش الطبري (ج ٣ في ذيل آية التطهير من سورة الأحزاب).

«ومنهم» المحدث الجليل السيد عطاء الله الحسيني الدشتكي الشيرازي ، اصيل الدين المتوفى سنة ٩٠٣ في كتابه «روضة الأحباب» قال ما لفظه : وبصحت پيوسته از عايشه صديقه (رض) كه گفت بيرون رفت پيغمبر ص وبروى كسائي از پشم بود حسن بن على ويرا پيش آمد واو را در زير كساء در آورد ، بعد از آن حسين بن على در آمد واو را نيز در آورد ، آنگاه فاطمه وعلى آمدند ، ايشان را نيز در آن كساء در آورد ، پس گفت : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ) ،

وأيضا قال في مورد آخر من الكتاب ما لفظه : مرويست كه حضرت به در خانه على وفاطمه آمدى وبايستادى وفرمود : السّلام عليكم أهل البيت ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) ، الآية. الى آخر ما قال ، وحيث كانت النسخة التي عندنا مخطوطة لم نعين الصفحة.

«ومنهم» العلامة الحافظ الشيخ عبد الرحمن جلال الدين أبو بكر السيوطي الشافعي المصري المتوفى سنة ٩١١ في كتابه «الدر المنثور» (ج ٥ ص ١٩٨ و ١٩٩ ط القاهرة) فانه أورد فيه عدة أحاديث صحيحة صريحة دالة على أن الآية الكريمة نزلت في حق الخمسة أصحاب الكساء وهي من مخرجات ابن جرير وابن المنذر والطبرانيّ وابن أبى حاتم وابن مردويه والحاكم والبيهقي وابن أبى شيبة وأحمد ومسلم وغيرهم من الحفاظ ، وتلك الروايات تنتهي أسانيدها الى جماعة من الصحابة والصحابيات والتابعين لآكام سلمة وعائشة وأبى سعيد الخدري وسعد وزيد بن أرقم وابن عباس والضحاك بن مزاحم


__________________

وأبى الحمراء وعمر بن أبى سلمة وغيرهم.

وكذا في كتابه «الخصائص الكبرى» (ج ٢ ص ٢٩٤ و ٢٦٤ ط حيدرآباد) قال ما لفظه : أخرج الحاكم عن ام سلمة قالت : في بيتي نزلت : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) ، الآية فأرسل الى على وفاطمة وابنيهما ، فقال : هؤلاء أهل بيتي ، إلخ.

وكذا في كتاب الإتقان (ج ٢ ص ٢٠٠ ط مصر) قال ما لفظه : أخرج الترمذي وغيره عن عمرو بن أبى سلمة وابن جرير وغيره عن ام سلمة : أن النبي ص دعا فاطمة وعليا وحسنا وحسينا ، لما نزلت : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) ، فجللهم بكساء وقال والله هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهرهم تطهيرا.

وكذا في كتابه الإكليل على ما في فلك النجاة (ص ٤٣ ط لاهور) فانه قال ما لفظه : اجماع أهل البيت حجة ، لان الخطاء رجس ، فيكون منفيّا عنهم.

«ومنهم» فضل بن روزبهان الخنجى الناصب المتوفى سنة ٩٢٧ عبر نفسه في ذيل تمسك مولانا العلامة بقوله تعالى (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) فراجع كلامه فيما سيأتي في الكتاب.

«ومنهم» العلامة المورخ الجليل غياث الدين بن همام الدين الملقب بخواند مير المتوفى سنة ٩٤٢ في كتابه المسمى «بحبيب السير» ج ١ ص ٤٠٧ ط تهران).

«ومنهم» الشيخ أحمد بن حجر المكي الهيثمي المتوفى سنة ٩٧٤ في كتابه «الصواعق المحرقة» (ص ٨٥ الطبع القديم) وقال ما لفظه : آية التطهير اكثر المفسرين على أنها نزلت في على وفاطمة والحسنين الى آخر ما قال.

«ومنهم» العلامة المير محمد صالح الحسيني الحنفي الترمذي الكشفى في كتابه «مناقب مرتضوى» (ص ٤٣ ط بمبئى) قال ما لفظه : قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ) ، در صواعق محرقة بياورد كه جمهور مفسرين بر اين اند كه آية مسطورة در شأن مرتضى على وسيده نساء وحسنين نازل شده ، الى ان قال : در صحيح مسلم ومصابيح ومشكاة از ام المؤمنين عائشة رضى الله عنها ودر تفسير ثعلبى وفصل الخطاب


__________________

از ابن عباس ومقاتل مروى است كه بعد از نزول آيه كريمه : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) ، آن سرور در چادرى از موى سياه كه در برداشت كه أمير المؤمنين على وفاطمه زهرا وحسنين آمدند ايشان را در زير آن چادر كشيده آيه مذكوره را قرائت نمود.

«ومنهم» المحدث الجليل المولى علاء الدين على بن عبد الملك حسام الدين بن قاضى خان المشهور بالمتقى الهندي المتوفى سنة ٩٧٥ في كتابه «منتخب كنز العمال» المطبوع بهامش كتاب مسند أحمد بن حنبل (ج ٥ ص ٩٦ ط مصر) أورد الحديث بإسناده عن ام سلمة.

«ومنهم» العلامة المحدث المفسر سراج الدين أو شهاب الدين محمد الشربينى الخطيب المتوفى سنة ٩٧٧ في تفسيره الذي سماه «بسراج لمنير في الاعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا اللطيف الخبير»

«ومنهم» العلامة المحدث ابو محمد الحسين بن محمد بن احمد العلوي الدمشقي من اسرة نقباء الشام في كتاب «المناقب» رأيت بخطه الشريف رواية حديث الكساء وقد انهى سنده الى صفية بنت شيبة وهي عن عائشة وكان تاريخ الكتاب سنة ٩٧٨.

«ومنهم» العلامة المحدث الشيخ محمد الشافعي اليماني القيسي الخزرجي الأشعري الأصول الابى بكسر الهمزة مدينة باليمن وهو من علماء أواخر المائة العاشرة ، قال في شرح منظومته المسماة «بالسعدية» ما لفظه في شرح هذين البيتين.

وآية التطهير قد تشهد له

ثم نظرنا إذ فقدنا الكلمة

الى كنانى فان لم نجد

فعربى كامل مسدد

ففي صحيح مسلم عن عائشة «رض» أن النبي (ص) خرج غداة وعليه مرط مرجل من شعر الأسود ، فجاء الحسن بن على فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فادخلها ، ثم جاء على فأدخله ، ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ


__________________

وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وكان فراغه من الكتاب سنة ٩٨٥.

«ومنهم» العلامة المولى على بن ابراهيم البلخي الحنفي من علما المائة العاشرة في كتاب «بحر المناقب (المخطوط) نقلا عن وسيلة المتعبدين للمولى ابى حفظ ابن المولى خضر قال ما لفظه :

ودر جميع تفاسير آمده است كه چون آيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ) فرود آمد حضرت رسول الله على وفاطمة وحسن وحسين را مخصوص گردانيد وفرمود اللهم هؤلاء أهل بيتي ، ودر وسيلة المتعبدين از عمر بن جميع از عايشه روايت كند كه حضرت رسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على وفاطمه وحسن وحسين را بعبا پوشانيد وفرمود اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت عائشة فذهبت لا دخل رأسى فمنعني فقلت يا رسول الله ألست من أهلك فقال على خير.

وبروايتى ديگر از ام سلمة كه گفت ان النبي اشتمل بالعباء ثم جعل ظهر على بن أبي طالب على صدره وظهر فاطمة الى ظهره والحسن والحسين عن يمينه وشماله ثم عمهم ونفسه بالعباء قالت ام سلمة : حتى انه صلعم جعل اطراف الكساء تحت قدمه ثم رفع طرفه الى السماء وأشار بسبابتيه ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، اللهم وال من والاهم وعاد من عاداهم وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وكان جبرئيل يؤمن الى آخر الحديث.

«ومنهم» العلامة المولى على القاري المتوفى سنة ١٠١٤ وقيل ١٠١٦ في كتاب «شرح الفقه الأكبر» على ما في فلك النجاة (ص ٣٨ ط المطبعة المعروفة بگلزار محمدي).

«ومنهم» العلامة العارف الشيخ عبد الرءوف المناوى المتوفى سنة ١٠٣١ وقيل ١٠٣٥ في شرح الجامع الصغير على ما في فلك النجاة (ص ٣٦ ، الطبع المذكور)

«ومنهم» صاحب كتاب أرجح المطالب أورده في فلك النجاة صفحة (ص ٥٦ ط لاهور) «ومنهم» صاحب كتاب الكفاية على ما في فلك النجاة (ص ٣٩ ، الطبع المذكور) «ومنهم» العلامة الشيخ برهان الدين على بن ابراهيم الحلبي الشافعي المتوفى


__________________

سنة ١٠٤٤ في كتاب (السيرة الحلبية).

«ومنهم» العلامة الشيخ عبد الحق الدهلوي المتوفى سنة ٢ ـ ١٠ في كتاب مدارج النبوة (ص ٥٨٩ ط دهلي) حيث صرح بنزول الآية في حقهم عليهم‌السلام خاصة «ومنهم» العلامة المحدث الزرقانى المتوفى سنة ١١٢٢ «في كتابه الشهير» (ص ٢ و ٤) أخرج الحديث كما في الفلك (ص ٤٩).

«ومنهم» العلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراويّ الشافعي المصري المتوفى سنة ١١٧٢ كما في كتاب «الإتحاف» (ص ٥ ط مصر بمطبعة مصطفى الحلبي) روى الترمذي عن عمر بن أبى سلمة ربيب النبي ص ، قال : لما نزلت هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) في بيت ام سلمة رضى الله عنها دعا فاطمة وحسنا وحسينا وجللهم بكساء وعلى خلف ظهره ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وفي رواية أخرى واسترهم كستري إياهم بملاءتي هذه. فأمنت اسكفة الباب وحوائط البيت آمين ، آمين ، آمين ، ثلاثا الى أن قال : قال الزمخشرىّ لا دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء وهم على وفاطمة والحسنان.

«ومنهم» العلامة الشيخ محمد الصبان المصري المتوفى سنة ٠٦؟؟ في كتاب «اسعاف الراغبين» المطبوع بهامش نور الأبصار (ص ١٠٥ ط مصر مطبعة مصطفى محمد) قال ما لفظه :

روى من طرق عديدة صحيحة ان رسول الله جاء ومعه على وفاطمة وحسن وحسين بين يديه ، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ثم لف عليهم كساء ثم تلا هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وفي رواية : اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل ابراهيم انك حميد مجيد وفي رواية ام سلمة قالت : فرفعت الكساء لا دخل معهم ، فجذبه من يدي فقلت : وأنا


__________________

معكم يا رسول الله ، فقال : انك من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على خير ، وفي رواية لها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في بيتها إذ جاءت فاطمة ببرمة بضم وسكون قدر من حجر فيها خزيرة بخاء معجمة مفتوحة فزاء مكسورة فتحتية ساكنة فراء ، ما يتخذ من الدقيق على هيئة العصيدة ، لكن أرق منها ، فوضعتها بين يديه فقال : أين ابن عمك وابناك ، فقالت : في البيت ، فقال : ادعيهم ، فجاءت الى على وقالت : أجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنت وابناك فجاء على وحسن وحسين فدخلوا عليه فجعلوا يأكلون من تلك الخزيرة تحت الكساء فأنزل الله عزوجل هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي رواية أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ ـ رج؟ معهم جبريل وميكائيل ، وروى احمد والطبرانيّ عن أبى سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنزلت هذه الآية في خمسة في وفي على وحسن وحسين وفاطمة ، وروى ابن أبى شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبرانيّ والحاكم وصححه عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يمر بيت فاطمة إذا خرج الى صلاة الفجر يقول : الصلاة أهل البيت ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وفي رواية ابن مردويه عن أبى سعيد الخدري أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء أربعين صباحا الى باب فاطمة يقول : السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمكم الله ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي رواية ابن عباس سبعة أشهر

«ومنهم» العلامة القاضي الحسين بن احمد بن الحسين بن على بن محمد بن سليمان بن صالح السياغى الحيمى اليماني الصغاني المتوفى سنة ١٢٢١ في كتاب (الروض النضير ج ١ ص ١٠٦) حيث قال في تعداد مناقب مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه ما لفظه : ولما نزل قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية دعاه النبي ص ، وزوجته وابنيه وجللهم بكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.


__________________

وكذا في (ص ٩٧ من ذلك الجزء) وأنهى سند الخبر الى واثلة بن الأسقع.

«ومنهم» العلامة الشيخ محمد بن على الشوكانى الصنعاني اليماني المتوفى سنة ١٢٥٠ ونروى عنه مروياته بواسطة مشايخنا اليمانيين ، منهم سيد ملوك الإسلام ، شرف آل الرسول ، حميد الدين يحيى الحسنى امام الزيدية وملك بلاد اليمن السعيدة قال في كتاب فتح القدير (ج ٤ ص ٢٧٠ ط القاهرة) ما لفظه : وقال أبو سعيد الخدري ومجاهد وقتادة وروى عن الكلبي : ان أهل البيت المذكورين في الآية هم على وفاطمة والحسن والحسين خاصة الى آخر ما أفاد ، ثم أورد عدة روايات بقوله : فأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن ام سلمة قالت : في بيتي نزلت : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) إلخ ، وفي البيت فاطمة ، وعلى ، والحسن والحسين ، فجللهم رسول الله ص بكساء كان عليه ، ثم قال : هؤلاء أهل بيتي ، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم والطبرانيّ ، وابن مردويه عن ام سلمة أيضا أن النبي ص كان في بيتها على منامة له عليه كساء خيبرى ، الى آخر الحديث ، وقد مر نقل متنه من الكتب العديدة ، وأخرجه أيضا أحمد من حديثها إلخ ، وقد أخرجه الطبرانيّ عنها من طريقين بنحوه ، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره لحديث ام سلمة طرقا كثيرة في مسند أحمد وغيره ، واخرج ابن مردويه والخطيب من حديث أبى سعيد الخدري نحوه ، وأخرج الترمذي وابن جرير والطبرانيّ وابن مردويه عن عمر بن أبى سلمة ربيب النبي (ص) قال : نزلت هذه الآية على النبي (ص) (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) ، إلخ ، وذكر نحو حديث ام سلمة ، واخرج ابن أبى شيبة واحمد ومسلم وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم عن عائشة قالت : خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط مرجل الى آخر الحديث ، وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانيّ والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع قال : جاء رسول الله (ص) الى فاطمة ومعه على وحسن وحسين حتى دخل ، إلخ ، وله طرق في مسند أحمد ، واخرج ابن أبى شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبرانيّ


__________________

والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس أن رسول الله (ص كان يمر بباب فاطمة الى آخر الحديث.

«ومنهم» العلامة المحدث أبو الفضل السيد شهاب الدين محمود الآلوسى البغدادي مفتى العامة بالعراق المتوفى سنة ١٢٧٠ في تفسير روح المعاني (ج ٢٢ ص ١٤ ط القاهرة بمطبعة المنيرية) ما لفظه :

اخرج الترمذي والحاكم وصححاه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن ام سلمة رضى الله تعالى عنها قالت : في بيتي نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية وفي البيت فاطمة وعلى والحسن والحسين فجللهم رسول الله (ص) بكساء كان عليه ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وجاء في بعض الروايات انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم اخرج يده من الكسا واومأ بها الى السماء وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ثلاث مرات.

وفي بعض آخر انه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ألقى عليهم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم ثم قال اللهم ان هؤلاء اهل بيتي وفي لفظ آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل ابراهيم انك حميد مجيد وجاء في رواية أخرجها الطبرانيّ عن ام سلمة انها قالت فرفعت الكساء لا دخل معهم فجذبه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يدي وقال : انك على خير.

وفي أخرى رواها ابن مردويه عنها انها قالت : ألست من أهل البيت فقال : صلى‌الله‌عليه‌وسلم انك الى خير انك من أزواج النبي وفي آخرها رواها الترمذي وجماعة عن عمر بن أبى سلمة ربيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قالت ام سلمة : وأنا معهم يا نبى الله قال أنت على مكانك وانك على خير.

واخبار إدخاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليا وفاطمة وابنيهما رضى الله تعالى عنهم تحت الكساء وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللهم هؤلاء أهل بيتي ودعائه لهم وعدم إدخال ام سلمة اكثر (ج ٣٣)


__________________

من ان تحصى وهي مخصصة لعموم اهل البيت بأي معنى كان البيت فالمراد بهم من شملهم الكساء ولا يدخل فيهم أزواجه.

وفي ص ١٣ وصح عن زيد بن أرقم في حديث أخرجه مسلم انه قيل له من أهل بيته نسائه ص؟ فقال لا ايم الله ان المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع الى أبيها وقومها ، اهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده (ص).

«ومنهم» العلامة الشبلنجي المتوفى في أوائل القرن الرابع عشر في كتاب نور الأبصار (ص ١١٢ ط مصر مطبعة مصطفى محمد) قال : روى الحديث من طرق عديدة صحيحة ، وروى أيضا عن ام سلمة ، وروى أحمد والطبرانيّ عن أبى سعيد الخدري ، وروى ابن أبى شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبرانيّ والحاكم وصححه عن أنس ، وروى ابن مردويه عن أبى سعيد الخدري وعن ابن عباس وروى أيضا بنحو آخر ابن جرير وابن المنذر والطبرانيّ وتركنا نقل متون الأحاديث لأنها بعينها هي التي أوردها الصبان في الاسعاف.

«ومنهم» العلامة المتفنن النواب السيد صديق حسن خان الحسيني ملك (بهوپال) من علماء القرن الرابع عشر في كتابه تشريف البشر بذكر الأئمة الاثني عشر (ص ٤ طبع بهوپال) حيث قال ما لفظه : المراد من الال على وفاطمة والحسنان ويدل عليه آية المباهلة وآية التطهير والكساء إلخ.

«ومنهم» العلامة الشيخ حسن العدوى الحمزاوى المصري المالكي المتوفى سنة ١٣٠٣ في كتابه الشهير مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار طبعة القاهرة على نفقة سعيد باشا (ص ٨٤) قال لما نزل (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية دعا النبي (ص) فاطمة وعليا والحسن والحسين والحسين وجللهم بكساء فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي الحديث.

وكذا في ص ٩٢ نقل عن ابن أبى شيبة وأحمد والترمذي والطبرانيّ والحاكم انهم رووا وصححوا عن أنس ان رسول الله (ص) كان يمر ببيت فاطمة إذا خرج الى صلاة الفجر يقول :


__________________

الصلاة أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

«ومنهم» الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني من علماء القرن الرابع عشر قال في كتابه المسمى بالشرف المؤيد لآل محمد (ص) (ص ٦ ط مصر) ما لفظه : واختلف المفسرون في أهل البيت في هذه الآية ، فذهبت طائفة منهم أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد وقتادة وغيرهم كما نقله الامام البغوي وابن الخازن وكثير من المفسرين الى أنهم هنا أهل العباء وهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم ، وذهب جماعة منهم ابن عباس وعكرمة الى أنهم أزواجه الطاهرات (ص) ، قال هؤلاء الآيات كلها من قوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ) الى قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) ، منسوق بعضها على بعض ، فكيف صار في الوسط كلام لغيرهن وأجاب عن هذا القائلون بأن المراد أهل العباء ، بأن الكلام العربي يدخله الاستطراد والاعتراض ، وهو تخلل الجملة الاجنبية بين الكلام المتناسق كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ) ، فقوله : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ) جملة معترضة من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس ، وقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) ، أى (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ) ، وما بينهما اعتراض على اعتراض ، وهو كثير في القرآن وغيره من كلام العرب ، وقد ثبت من طرق عديدة صحيحة أن رسول الله (ص) جاء ومعه على وفاطمة والحسن والحسين قد أخذ كل واحد منهما بيد حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد على فخذه ، ثم لف عليم كساء ، ثم تلا هذه الآية : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وفي رواية اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالت ام سلمة فرفعت الكساء لا دخل معهم فجذبه من يدي ؛ فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ، فقال : انك من أزواج النبي (ص) على خير ، وروى أحمد والطبرانيّ عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله (ص): أنزلت هذه الآية في خمسة : في وفي على وحسن وحسين وفاطمة ، وروى من


__________________

طرق عديدة حسنة وصحيحة عن أنس (رض) أن رسول الله (ص) كان بعد نزول هذه الآية يمر ببيت فاطمة إذا خرج الى صلاة الفجر يقول : الصلاة أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ،

وعن أبى سعيد الخدري أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء أربعين صباحا يعنى بعد نزول هذه الآية الى باب فاطمة يقول : السّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة رحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) إلخ ، وعن ابن عباس سبعة أشهر ، وفي رواية ثمانية أشهر ، وهذا نص منه (ص) على أن المراد من أهل البيت في هذه الآية هم الخمسة الى أن قال : وذكر ابن جرير في تفسيره خمسة عشرة رواية بأسانيد مختلفة في أن أهل البيت في الآية هم النبي (ص) وعلى وفاطمة وحسن وحسين ، وحكى عن خاتمة الحفاظ جلال الدين السيوطي في تفسيره الدر المنثور عشرين رواية من طرق مختلفة في أن المراد منهم النبي (ص) وعلى وفاطمة والحسن والحسين ، منها ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانيّ وابن مردويه عن ام سلمة زوج النبي (ص) أن رسول الله (ص) كان في بيتها على مقامة له عليه كساء خيبرى ، فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة ، فقال رسول الله (ص) ادعى زوجك وابنك حسنا وحسينا ، فدعتهم ، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على النبي (ص) (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فأخذ النبي (ص) بفضلة فغشاهم إياها ثم أخرج يده من الكساء وألوى بها الى السماء ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي ، وفي رواية وخاصتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، قالها ثلاث مرات قالت ام سلمة : فأدخلت رأسى في الستر فقلت يا رسول الله : وأنا معكم ، فقال : انك الى خير مرتين.

«ومنهم» العلامة السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي الحسيني الشافعي الحضرمي من علماء أوائل المائة الرابع عشر وهو من مشايخ العلامة السيد محمد بن عقيل شيخنا في الرواية قال في كتابه المسمى برشفة الصادي من بحر فضائل بنى النبي الهادي (ص ١٢ ط القاهرة بمصر) ما لفظه : قال الله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ


__________________

الرِّجْسَ) ، الآية : الرجس القذر والدنس ، والمراد هنا الإثم المدنس للقلوب ، وقيل : الرجس الشك ، وقيل : السوء ، وقيل : عمل الشيطان ، والعموم أولى ، وفي استعارة الرجس للاثم والترشيح لها بالتطهير تنفير بليغ عن اقترافه مطلقا ، وقد اختلف المفسرون في المراد بأهل البيت المذكورين في الآية الكريمة ، فمن قائلين : أهل بيته (ص) نساءه متمسكين بظاهر سياق الآيات منهم عكرمة وعطاء ومقاتل ،

ويرد هذا القول مع ما يأتى من الأحاديث الصريحة قول مجاهد ، وقتادة وأبى سعيد الخدري وغيرهم أنها لو نزلت في نسائه (ص) خاصة لكان الخطاب في الآية الكريمة بما يصلح للإناث ، ولقال تعالى : عنكن ويطهر كن كما في الآية قبلها ، الى أن قال : وهذا القول (أى القول بعموم شمول الآية للزوجات) أيضا لا يطابق ما سيرد من الأحاديث والزوجات الطاهرات وان كن داخلات في عموم الآية بمقتضى السياق ، لكن الخصوص موجه الى على وفاطمة وابنيهما ، ولو كان غير على وفاطمة وابنيهما مقصودا أو مشاركا في المعنى المراد بأهل البيت وهو موجود عند نزولها لقال (ص) حين جلل عليّا وفاطمة وابنيهما رضوان الله عليهم بالكساء المقدس : هؤلاء من أهل بيتي ، ولكنه حصر المعنى عليهم فقال : هؤلاء أهل بيتي ، وما كان تخصيصهم بذلك منه (ص) الا عن أمر الهى ووحى سماوي.

والذي قال به الجماهير من العلماء وقطع به أكابر الأئمة وقامت به البراهين وتظافرت به الأدلة أن أهل البيت المرادين في الآية هم سيدنا على وفاطمة وابناهما ، إذ المصير الى تفسير من أنزلت عليه الآية متعين.

دعوا كل قول غير قول محمد

فعند بزوغ الشمس ينطمس النجم

فانه صلوات الله وسلامه عليه وآله هو الذي فسرها بأن أهل بيته المذكورين في الآية الكريمة هم على وفاطمة وابناهما بنص أحاديثه الصحيحة الواردة عن أئمة الحديث المعتد بهم رواية ودراية.

فقد أخرج الامام أبو عيسى الترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه


__________________

وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن ام سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورضى عنها قالت : في بيتي نزلت : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ) الآية ، وفي البيت فاطمة وعلى والحسن والحسين ، فجللهم رسول الله (ص) بكساء كان عليه ، ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبرانيّ وابن مردويه عن ام سلمة رضى الله عنها أن النبي (ص) كان في بيتها على منامة له عليه كساء خيبرى ، فجاءت فاطمة رضى الله عنها ببرمة فيها خزيرة ، الى آخر الرواية المزبورة آنفا ، وأخرجه الامام أحمد من حديثها ، وأخرجه الطبرانيّ عنها من طريقين بنحوه ، وذكر ابن كثير في تفسيره والسمهودي في جواهره لحديث ام سلمة طرقا كثيرة ، وأخرج الامام مسلم والامام أحمد وابن أبى شيبة وابن جرير وابن أبى حاتم والحاكم عن عائشة (رض) قالت : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن والحسين فأدخلهما معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه ، ثم جاء على فأدخله معه ، ثم قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ،

وأخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبرانيّ وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع رضى الله عنه قال : جاء رسول الله (ص) الى فاطمة ومعه على وحسن وحسين حتى دخل ، فأدخل عليّا وفاطمة وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه ، ثم لف عليهم ثوبه وأنا مستدبرهم ، ثم تلا هذه الآية وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وله طرق في مسند أحمد ،

وأخرج ابن أبى شيبة وأحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبرانيّ والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس (رض) أن رسول الله (ص) كان يمر بباب فاطمة (رض) إذا خرج الى صلاة الفجر ويقول : الصلاة يا أهل البيت الصلاة ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ،


__________________

وأخرج الامام أحمد عن أبى سعيد الخدري (رض) أنها نزلت في خمسة : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم ، وأخرجه ابن جرير مرفوعا بلفظ : أنزلت الآية في خمسة ، في وفي على وحسن وحسين وفاطمة ، وأخرجه الطبرانيّ أيضا ، الى أن قال : والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وبما أوردته منها يعلم أن المراد بأهل البيت في الآية الكريمة هم على وفاطمة وابناهما رضوان الله عليهم ، ولا التفات الى ما ذكره صاحب روح البيان من أن تخصيص الخمسة المذكورين عليهم‌السلام بكونهم أهل البيت هو من أقوال الشيعة ، لان ذلك محض تهور يقتضى بالعجب ، وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين.

ولنعم ما قال الشاعر :

هم العروة الوثقى لمعتصم بهم

مناقبهم جاءت بوحي وإنزال

مناقب في الشورى وسورة هل أتى

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم أهل بيت المصطفى فودادهم

على الناس مفروض بحكم واسجال

وقال الشافعي :

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم القدر انكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له

وقال الشيخ قطب الإرشاد الحبيب عبد الله بن علوي بن محمد الحداد علوي (رض) شعرا

وآل رسول الله بيت مطهر

محبتهم مفروضة كالمودة

هم الحاملون السر بعد نبيهم

ووراثه أكرم بها من وراثة

قال السيد السمهودي في كتابه المسمى بجواهر النقدين في فضل الشرفين قلت : وانما أيدت بهذه الآية يعنى آية التطهير لأني تأملتها مع ما ورد من الاخبار في شأنها وما صنعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزولها ، فظهر لي أنها منبع فضائل أهل البيت النبوي لاشتمالها على امور عظيمة لم أر من تعرض لها ،

أحدها اعتناء الباري جل وعلا بهم وإشارته لعلو قدرهم حيث أنزلها في حقهم


__________________

ثانيها تصديره لذلك بانما التي هي أداة الحصر ، لافادة أن إرادته في أمرهم مقصورة على ذلك الذي هو منبع الخيرات لا تتجاوزه الى غيره ، ثم عد (رض) أمورا عظيمة ، ثم ذكر منها شدة اعتنائه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهم ، وإظهاره لاهتمامه وحرصه عليهم مع إفادة الآية لحصوله ، مع استعطافه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، وقد جعلت إرادتك في أهل بيتي مقصورة على اذهاب الرجس والتطهير ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ،

وعد منها أيضا دخوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معهم في ذلك ، ثم قال بعد أن أورد ما أثبت به ذلك : وفيه يعنى في دخوله معهم من مزيد كرامتهم وانافة تطهيرهم ، وابعادهم عن الرجس الذي هو الإثم أو الشك فيما يجب الايمان به ما لا يخفى موقعه عند اولى الألباب ،

ومنها أيضا أن دعاءه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجاب ، سيما في أمر الصلاة عليه ، وقد دعا مولاه أن يخصه بالصلاة عليه وعليهم ، فتكون الصلاة عليه من ربه كذلك ،

ومنها أيضا أن قصر الإرادة الالهية في أمرهم على اذهاب الرجس تشير الى ما سيأتي في بعض الطرق من تحريمهم في الآخرة على النار ، فمن قارف منهم شيئا من الأوزار يرجى أن بتدارك بالتطهير بالهام الإنابات وأسباب المثوبات وأنواع المصائب المولمات ونحو ذلك من المكفرات للذنوب وعدم انالتهم ما لغيرهم من الحظوظ الدنيويات وكذا بما يقع من الشفاعات النبويات ، انتهى كلام السمهودي.

قال السيد خاتمة المحققين السيد يحيى بن عمر مقبول الأهدل بعد إيراده كلام السمهودي ما لفظه : فإذا تقرر لديك ذلك ، فايضاح وجه الاستدلال أن من المعلوم المقطوع به عند أهل السنة أن إرادته تعالى أزلية ، وأنها من صفات الذات القديمة بقدمها ، الدائمة بدوامها ، وقد علق الله تعالى الحكم بها ، إذ أحكام صفات الذات المعلقة بها لا يجوز عليها التجوز لأنه يلزم منه حدوث تلك الصفة ، فيلزم من حدوثها حدوث ذات القديمة وقيام الحوادث بها ، وكل منهما يستحيل قطعا ، تعالى الله عن ذلك


__________________

حتى قال جمع من المشايخ العارفين : يجب على كل مسلم أن يعتقد أن لا تبديل لما اختص الله تعالى به أهل البيت بما أنزل الله فيهم ، إذ شهادته لهم بالتطهير واذهاب الرجس عنهم في الأزل على الوجه المذكور ، انتهى.

وقال صاحب كتاب رشفة الصادي أيضا في (ص ٢٨) ما لفظه : ويحكى عن الامام جعفر الصادق في قوله تعالى : (طه) أنه قال : الطاء طهارة أهل البيت والهاء هدايتهم ذكره الامام عبد الرحمن العيدروس في عقد الجواهر.

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبى الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله (ص) ، قال رأيت رسول الله (ص) إذا طلع الفجر جاء الى باب على وفاطمة فقال : الصلاة الصلاة (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وفي الباب أحاديث وآثار وقد ذكرنا هاهنا ما يصلح للتمسك به دون ما لا يصلح. هذا ما رمنا من نقل عباراته والسّلام على من اتبع الهدى ونأى بجانبه عن العصبية والهوى.«ومنهم» الفاضل المعاصر خريج الجامع الأزهر السيد محمد عبد الغفار الهاشمي العلوي الصادقي النسب الحنفي المذهب الأفغاني المولد في كتابه أئمة الهدى (ص ١٤٥ طبع القاهرة) حيث قال ما لفظه : وقد روى عن طرق عديدة صحيحة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جاء الى بيت ام سلمة رضى الله عنها الى آخر حديث الكساء.

«ومنهم» العلامة المعاصر السيد محمد بن يوسف الحسنى التونسى الشهير بالكافي ، وهو في حال الحياة في كتابه المسمى بالسيف اليماني المسلول المطبوع بدمشق في مطبعة الترقي في (ص ٩) أورد حديث الكساء وأنهى سنده الى عائشة ،

وكذا نقل عن البزاز وغيره ، والرجل من المتحاملين على الشيعة وقد أجرى الله الحق على قلمه «ومنهم» العلامة المعاصر المتفنن في العلوم سيما الحديث والفقه والرجال والدراية والتفسير ، الشريف الجليل السيد علوي الحداد العلوي الصادقي النسب ، الحضرمي الأصل ، الجاوى المسكن الشافعي المذهب ، وهو من مشايخنا في رواية كتبهم وكتب إجازة مبسوطة لنا وهي بخطه موجودة عندنا


__________________

قال في كتابه النفيس (القول الفصل فيما لبنى هاشم وقريش من الفضل ج ١ ص ٤٨ طبع افريقيا) ما لفظه : انه أى حديث الكساء من الأحاديث الصحيحة المشهورة المستفيضة المتواترة معنى اتفقت الامة على قبوله ، فهم بين من يحتج به كالشيعة ومؤول له كغيرهم والتأويل فرع القبول وقد قال بصحته سبعة عشر حافظا من كبار حفاظ الحديث انتهى.

وقال في (ج ٢ ص ١٦٢) من كتابه المذكور في مقام الرد على الناصب المشتهر بابن التلميذ وهو نصاب عصرنا في بلاد افريقيا ما لفظه : الحديث صحيح ، أخرجه مسلم في صحيحه ، وابن السكن في صحاحه المشهورة ، والترمذي في جامعه ، والامام أحمد في مسنده من طرق ، والحاكم في مستدركه وصححه والبيهقي وصححه ، وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، والنسائي والطبرانيّ في معجمه الكبير من طرق ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم في تفسيره ، وقد التزم أن يذكر أصح ما ورد ، وابن مردويه والخطيب وابن أبى شيبة والطيالسي وأبو نعيم والحكيم الترمذي ، والذين قالوا بصحته جمع غفير.

منهم الأئمة مسلم وابن أبى حاتم وصالح بن محمد الأسدي وابن شاهين والحافظ أحمد بن صالح المصري والحاكم والبيهقي والحافظ ابن حجر وابن عبد البر وابن تيمية والسخاوي والقسطلاني والكمال المزي والزرقانى والسمهودي والشوكانى وغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة ومحدثو الشيعة قاطبة.

وقد رواه من الصحابة الامام على والسبطان عليهم‌السلام وعبد الله بن جعفر وابن عباس وام سلمة وعائشة وسعد بن أبى وقاص وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وابن مسعود ومعقل بن يسار وواثلة بن الأسقع وعمر بن أبى سلمة وأبو الحمراء فهؤلاء خمسة عشر صحابيّا ، ورواه عمرو بن شعيب أيضا عن آبائه ، وأبو ليلى وعبد الله بن عياش بن ربيعة الى آخر ما أفاد من صحة الأحاديث في شأن نزول الآية ، وأنها نزلت في بيت ام سلمة وفاطمة عليها‌السلام، ولما فرغ من السند شرع في البحث عن الدلالة وعنون الباب بقوله : من هم أهل البيت في الآية ، ونقل عن بعض المحققين من الشافعية كلاما


__________________

وهو : قلت لهذا الحديث طرق جمة وصحته وثبوته مما لا شك فيه ولا مرية وهو نص صريح على انحصار الخصوصية العظمى في جميع ما جاء في أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هؤلاء وأبنائهم فقط ، وأن دخول غيرهم في شيء من رشاش ذلك الفضل انما هو على سبيل التبعية كدخول مواليهم لا غير ، فهم فقط حامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخاصته ووراثه وخلفائه وأهل الحق وقرناء الكتاب ولا يشاركهم في شيء من هذا ، ولا ما يقاربه أحد ، لا آل عباس ولا آل جعفر فضلا عن غيرهم ، بل ولا بنو على من غير فاطمة ولهذا قال البيهقي كما نقله الحفظى في كتابه عقد اللئال بعد أن ذكر الرواية في واثلة بن الأسقع ، أنت من أهلى ، قال البيهقي وكأنه جعله في حكم الأهل تشبيها لا تحقيقا انتهى ، ونقل عن المحب الطبري أن إدخال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهؤلاء الخمسة تكرر في بيت فاطمة وام سلمة وغيرهما وهو الصواب وسيأتي الكلام عليه قال العلامة السمهودي محدث القوم في عصره بالمدينة المشرفة على ما نقله العلامة الحداد في كتاب الفصل : اعلم انى تأملت هذه الآية مع ما ورد من الاخبار في شأنها وما صنعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد نزولها فظهر لي انها منبع فضائل اهل البيت النبوي لاشتمالها على امور عظيمة لم أرمن تعرض لها إلخ وحيث يطول بنا الكلام لو نقلنا ما عده من الأمور بعين ألفاظه فلنذكر محصل ما أفاده وملخصه.

الاول تصديرها بكلمة (انما) الدالة على الحصر لافادة أن إرادته تعالى مقصورة على ذلك الذي هو منبع الخيرات لا يتجاوزه الى غيره.

٢ اعتناء الباري بهم وإشارته بعلى قدرهم حيث أنزلها في حقهم دون غيرهم.

٣ تأكيده لتطهيرهم بذكر المصدر ليعلم أنه في أعلا مراتب التطهير.

٤ تنكيره تعالى لذلك المصدر حيث قال : تطهيرا للاشارة الى كون تطهيره إياهم نوعا عجيبا غريبا ليس مما يعهده الخلق ولا يحيطونه بدرك نهايته.

٥ شدة اعتنائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإظهاره اهتمامه بذلك وحرصه على ذلك مع إفادة الآية لحصوله ، فهو إذا لتحصيل المزيد من ذلك حيث كرر طلبه لذلك من مولاه عزوجل


__________________

مع استعطافه بقوله اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ، أى وقد جعلت إرادتك في أهل بيتي مقصورة على اذهاب الرجس وأذهبه عنهم وطهرهم تطهيرا بأن تجدد لهم من مزيد تعلق الإرادة بذلك ما يليق بعطائك.

٦ دخوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك لما ورد عن أبى سعيد الخدري وغيره أنها نزلت في خمسة وقد تقدم وقد جاء في رواية ام سلمة رضى الله عنها نزلت هذه الآية في بيتي (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية) في سبعة جبريل وميكائيل ورسول الله وفاطمة وعلى والحسن والحسين وفيه مزيد كرامتهم وابانة تطهيرهم وابعادهم عن الرجس ما لا يخفى موقعه عند اولى الألباب.

٧ دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما تضمنت الآية وبأن يجعل الله صلواته ورحمته وبركاته ومغفرته ورضوانه عليهم ، لان من كانت إرادة الله في أمره مقصورة على ذهاب الرجس عنهم والتطهير لهم كان حقيقا بهذه الأمور.

٨ في طلب ذلك له ولهم من تعظيم قدرهم وانافة منزلتهم حيث ساوى بين نفسه وبينهم في ذلك ما لا يخفى.

٩ أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم سلك في طلب ذلك من مولاه عزوجل أعظم أسلوب وأبلغه حيث قدم مناجاته تعالى على الطلب بقوله : اللهم قد جعلت صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك على ابراهيم فأتى بهذه الجملة الخبرية المقرونة (بقد) التحقيقية المفيد لتحقيق ذلك من مولاه ، ثم أتبعها بالمناجاة بقوله : انهم منى وأنا منهم ، وذلك من قبيل الاخبار ، ثم فرع على الجملة الطلبية حيث قال فاجعل صلواتك لسر لطيف ظهر لي بوجهين : الاول تمام المناسبة في الابوة الإبراهيمية التي فإنها تقتضي استجابة هذا الدعاء وأن يعطى ما طلبه لنفسه ولأهل بيته كما اعطى أبوه ابراهيم ، والثاني أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جملة آل ابراهيم كما عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ) الآية ، فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من آل ابراهيم وآله قد اعطوا


__________________

تلك الأنوار ، فقد ثبت إعطاء الأنوار له فيما مضى وآله منه وهو منهم ، فتوصل لاستجاب انعامه بذكر انعامه.

١٠ ان دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقبول سيما في امر الصلاة عليه ، فقد دعا مولاه ان يختصه وآله بالصلاة عليه وعليهم فتكون الصلاة عليه وعليهم من ربه عزوجل.

١١ أن جمعه معه صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذا التطهير الكامل وما نشأ عنه وعنهم من الصلاة عليه وعليهم مقتض لالحاقهم بنفسه الشريفة ، كما يشير اليه

قوله : اللهم انهم منى وأنا منهم ، وقوله أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم

، وكذا الحقوا به في قصة المباهلة المشار إليها بقوله تعالى (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) فألحق تعالى أهل الكساء به ولأنه آكد في الدلالة على ثقته واستيقانه صدقه حيث اجترأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس اليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه وعلى ثقته بكذب خصمه.

١٢ أن قصر الإرادة الالهية في أمرهم على اذهاب الرجس والتطهير يشير الى ما سيجيء من تحريمهم في الآخرة على النار.

١٣ حثهم بذلك على كمال البعد عن دنس الذنوب والمخالفات وتمام الحرص على امتثال المأمورات بدلالة ما سبق من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند تذكيرهم بالصلاة : (الصلاة يرحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

١٤ أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجعلني في خيرهم بيتا ، فذلك قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ) الآية ؛ دال على أنهم استحقوا بذلك أن يكونوا خير الخلق.

١٥ أن الآية أفادت طهارتهم ومساواتهم نشأ من ذلك إلحاقهم به في المنع من الصدقة التي هي أوساخ الناس وعوضوا عن ذلك خمس من الفيء والغنيمة ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا أحل لكم أهل البيت من الصدقات شيئا ولا غسالة الأيدي ، ان لكم في خمس الخمس ما يكفيكم الى آخر ما أفاد ، ثم نقل عن بعض المحدثين المحققين من


__________________

الجمهور ما لفظه : وقد زعم بعض حساد أهل البيت وأعدائهم أن الآية مخصوصة بأمهات المؤمنين لوقوعها في سياق آيات متعلقة بهن وتكلفوا في تأويل تذكير الضمير من المذكورين في هذه الآية خاصة دون ما قبلها وما بعدها وهي بضعة عشر ضميرا ، واحتجوا بما افتراه عكرمة الصغرى الخارجي ، وحاله معلوم ومن المشهور تردد ذلك الخبيث الى الأمراء يستعطيهم ويستطعمهم ، فغير بعيد أن ينال منهم أجرا وتشجيعا على هذا الافتراء إذ النصب قد كان فاشيا إذ ذاك والتأجير على بغضهم كانت من التجارات الرابحة في تلك الأيام كما لا يخفى على من درس التاريخ ، ويقارب عكرمة في النسب عروة بن الزبير ثم قال والتعبير بأهل بيت النسب هو المتعارف المتبادر فهمه كما في خبر كعب بن عجره عند الحاكم يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ وخبر على في مسنده عند النسائي وخبر أبى هريرة لأبي داود إذا صلّى علينا أهل البيت وخبر على للطيالسى وابن أبى شيبة وأحمد وابن ماجة وأبى يعلى والطبرانيّ وأبى نعيم والمستغفري المهدى منا أهل البيت ، الى أن قال : ولفظ أهل البيت وان صح إطلاقه على بيت السكنى وأهل بيت النسب فهؤلاء حقيقته وبالذات ، ولا يتصور انفكاكهم عنه ، واهل بيت السكنى بالعرض ، ويجوز أن ينفك عنهم ذلك الوصف بأن تعود المرأة الى بيت أبيها وتلحق بقوم آخرين ، وقوله : هو أهل التقوى وأهل المغفرة ، وكانوا أحق بها وأهلها ، فالذين لا ينفك عنهم ذلك الوصف هم المرادون عند الإطلاق قطعا كما قاله الأكثرون ، وجاءت به الروايات الجمة الصحيحة ، فالآية في أهل الكساء خاصة ، وهم أيضا أهل المباهلة لم يدخل فيهم أحد آخر ، الى أن قال : ويشهد لذلك ما صح عند الجمهور من رده صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة وام سلمة وعدم إدخاله لهما ، الى أن قال ومن تأمل أسلوب الآيات وتأنيث الضمائر فيهن ثم صرف ذلك وتغييره وتذكيره في تلك الآية وحدها وإيراد لفظ أهل البيت مناديا لهم مخصصا مع تكرار النداء فيما سوى ذلك بلفظ : (يا نِساءَ النَّبِيِ) ، وعرف ان الاضافة الى البيت لو تمحضت لما كانت خيرا من الاضافة الى النبي ، وكيف أفرد لفظ البيت مع أن لأمهات المؤمنين بيوتا متعددة للسكني ، وتحليته باللام التي هنا للعهد


__________________

الذهني ، ومن تأمل هذا لم يبق عنده غبار ريب في أن القول قول الجمهور ، وهو اختصاص الآية بالخمسة ، وهذا القول منقول عن زين العابدين والباقر والصادق ومجاهد وقتادة والمحدث المفسر ابن جرير أورد للقول بأن الآية في أهل الكساء أحاديث متعددة بأسانيد صحيحة وحسنة عن ثمانية من الصحابة ، وذكر الآثار في ذلك عن التابعين كذلك ، وقد حقق الطحاوي في مشكل الآثار استحالة دخول غير أهل الكساء معهم فيما اريدت من هذه الآية ، وهو الذي لا يتخطاه مسلم منصف ، إذ أى شبهة تبقى بعد قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لام المؤمنين لما سألته أن تكون معهم : (انك على خير وهؤلاء أهل بيتي) أو قوله لها : (لا وأنت على خير) وأين غفلوا عن قولها وددت أنه قال نعم فكان أحب الى مما تطلع عليه الشمس وتغرب ، وإذا كانت منهم فلم جذب الكساء من يدها؟ وقد خطب الامام الحسن السبط عليه‌السلام بعد دفن أبيه وبين اختصاص أهل البيت بالخمسة بمشهد ومسمع من ابن عباس وجماعة بنى هاشم وأصحاب على وابن مسعود ولم ينكره أحد فهل يبقى شك بعد ذلك؟

ثم ان بين علماء القوم خلافا في كون الإرادة المذكورة تكوينية كما عليه أكثر الاشاعرة منهم أو تشريعية كما عليه المعتزلة أو تكوينية وتشريعية كما عليه ابن تيمية ، وقد مر عنه نقل كلام السيد الأهدل الحضرمي اليماني الشافعي ما يغنيك عن بسط الكلام في المضمار. وأنت أيها القاري الكريم المتجنب عن العصبية الجاهلية إذا أحطت خبرا بما تليت عليك لدريت أن دلالة الآية الشريفه على طهارة أهل البيت النبوي (ص) وعصمتهم من كل رجس ظاهرى وباطني خلقى وخلقى قولي وفعلى كالشمس المشرقة على البسيط التي تستضىء بها الكائنات من الذرة الى الذرة ، فلا مجال للترديد في نزولها في حقهم وأن الخمسة صلّى الله عليهم أجمعين أصحاب الكساء هم المعنيون والمقصودون بها من غير تشريك أحد حتى أمهات المؤمنين.

ولله در العلامة الشيخ أحمد بن محمد الأشعري الخفطى المغربي حيث يقول في منظومة سماها (رد الوعوعة).


__________________

وقد أشار فيها الى بعض النكات والدقائق التي أسلفنا ذكرها عن السمهودي والأهدل وهي هذه بعد أبيات.

شعر

وآية التطهير من هذا النمط

وكل ما قالوه سهو وغلط

وغفلوا عن أربع من النكت

تفيد للحصر على قطع وبت

(فإنما) الاول ثم الثاني

(تأكيده) باللام للمبانى

(مؤكدا) بالمطلق المفعول

(منكرا) في الحكم والنزول

وجعله في سبب الانزال

لاية التطهير في السؤال

اسم إشارة لما قد اسندا

اليه في دعائه وما اعتدى

وعند أرباب البيان نكت

غير التي تسمعها قد أثبتوا

ان قلت : ان الآية المعظمة

قد أنزلت في خمسة مكرمة

فما الدليل في دخول عترته

تحت الكسا حكما وتحت دعوته

فعندنا دلائل تواترت

دلت على القطع وقد تظافرت

منها خصوص السبب المهم

لم يمتنع منه عموم الحكم

لم يخلقوا إذ ذاك والبطون

في عالم الظهور قد يكون

وقال : ألحقنا بهم سبحانه

ذرية فرددن قرانه

وأهل بيت المصطفى ذريته

حقيقة وهم بنوه عترته

مقارنين للكتاب أبدا

الى ورود الحوض في ما وردا

وواحد من ثقلين قد ترك

من بعده فينا تنور الملك

وأمر الامة بالتمسك

بهم فيا لله من مستمسك

فهذه دلائل الدخول

في آية التطهير والشمول

وأنهم قد الحقوا بنفسه

وكل فرع لاحق بغرسه

طهرهم ربهم وأذهبا

لكل رجس عنهم وطيبا

فكل فرد منهم مطهر

من ذلك اليوم الى أن يحشروا


__________________

وصيغة الفعل لها التجديد

على الدوام ولها الترديد

الى آخر ما نظمه.

وقال العلامة الحداد الحضرمي المذكور في كتاب القول الفصل (ج ٢ ص ٣٢٠) ما لفظه : واعلم انه مما يتصل بآية التطهير وحديثها ويثبت مقتضاها ويؤيد معناها وينزل منها بمنزلة المعلول من العلة والتفصيل من الجملة ما ثبت من تحريم الزكاة عليه وآله صلّى الله عليهم أجمعين تنزيها لمقامهم ، وتقديسا لذواتهم ، لأنها أوساخ الناس وغسالة الأيدي ومظنة المنة من معطيها وكون يده العليا ، ولا يليق ان يترفع عليهم احد ، أو تعلو أيديهم يد ؛ فان ذلك مباين لما يجب من تجليلهم واحترامهم وما يقتضيهم علو مكانهم ، الى آخر ما قال وأجال القلم في المضمار ، فلله دره وعليه اجره. ومما يناسب المقام أبيات من العلامة الجليل الشيخ محمد بن عوض بن بأفضل الحضرمي التريمى.

قال :

دع أمة في غيها راكضة

وفي ضلالات الردى خائضة

تجهد ان تطمس نور الهدى

وان ترى ابحره غائضة

وهي لعمر الله أخيب من

كف على الماء غدت قابضة

تنتحل الإرشاد جهلا به

وهي الى هدم العلى ناهضة

مذهبها بغض بنى المصطفى

يا قبحها من فئة باغضة

الى أن قال :

أيتها العترة لا تعبئوا

سحابة صيفية عارضة

وفيكم من سيفه مرهف

وقوسه موترة نابضة

يرمى بها الأعداء حتى ترى

وهي بإدراك الردى حارضة

من كل شحم من بنى هاشم

فروع مجد للعدى هائضة

أما تروا شمس الهدى أشرقت

فبان غي الفئة الراكضة

الى آخر ما قال (ج ٣٤)


__________________

القسم الثاني

ما ننقله بواسطة مولانا العلامة المجلسي في المجلد التاسع من «بحار الأنوار»

«فممن ننقل عنه بواسطته»

العلامة ابو الحسن احمد بن على الواحدي النيسابوري في الجزء الرابع من التفسير الوسيط بين المقبوض والبسيط.

«ومنهم» الحميدي في كتاب الجمع بين الصحيحين في الحديث الرابع والستين من افراد مسلم.

«ومنهم» الحافظ ابو نعيم الاصبهانى

بسنده عن عامر بن سعد عن أبيه ، قال : نزل على رسول الله الوحى فدعا عليّا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال ، هؤلاء اهل بيتي.

ثم قال : ورواه أحمد بن حنبل يرفعه الى قتيبة مثله.

وبسنده الى ابى هريرة عن ام سلمة مثله.

وبسنده الى ابى عبد الله الجدلي عن عائشة.

«ومنهم» ابو الحسن رزين بن معاوية العبدري في كتاب الجمع بين الصحاح الستة من صحيح ابى داود السجستاني وصحيح الترمذي عن حصين بن سيرة عن زيد بن أرقم.

القسم الثالث

ما ننقله من كلماتهم بواسطة علامة المحدثين السيد هاشم البحراني في تفسير البرهان.

«ومنهم» العلامة الثعلبي النيسابوري الشافعي في تفسيره

أخبرني عقيل بن محمد الجرجاني أخبرنا المعافى بن زكريا البغدادي أخبرنا محمد بن جرير حدثني المثنى حدثني ابو بكر بن يحيى بن ريان الغنوي حدثنا مندل عن الأعمش ابن عطية عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص) نزلت هذه الآية في خمسة في


__________________

وفي على وفي حسن وحسين وفاطمة عليهم‌السلام (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ). الآية ،

أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين بن عبد الله الثقفي حدثنا عمر بن الخطاب حدثنا عبد الله بن الفضل حدثنا الحسن بن على حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا العوام بن حوشب حدثني ابن عم لي من بنى الحارث بن تيم الله يقال له مجمع قال دخلت مع أمي على عائشة فسألتها أمي قالت رأيت خروجك يوم الجمل قالت انه كان قدرا من الله تعالى فسألتها عن على ، فقالت : سألتنى عن أحب الناس كان الى رسول الله (ص) لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وقد جمع رسول الله (ص) لفوعا عليهم ثم قال هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت ام سلمة يا رسول الله انا من أهلك قال تنحى انك الى خير.

أخبرني الحسين بن محمد حدثنا ابن حبش المقري حدثنا ابو زرعة حدثني عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة حدثني ابو فديك حدثني ابن ابى مليكة عن اسماعيل بن عبد الله بن جعفر الطيار عن أبيه قال لما نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى الرحمة هابطة من السماء قال من يدع مرتين قالت زينب انا يا رسول الله فقال ادعى عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام قال فجعل حسنا عن يمينه وحسينا عن شماله وعليا وفاطمة تجاهه ثم غشاهم كساء خيبريا ثم قال اللهم ان لكل نبى أهلا وهؤلاء اهل بيتي فانزل الله عزوجل (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فقالت زينب يا رسول الله الا ادخل معكم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكانك فإنك الى خير إن شاء الله تعالى.

أخبرني الحسين بن محمد حدثنا عمر بن الخطاب حدثنا عبد الله بن الفضل حدثنا ابو بكر ابن ابى شيبة حدثنا محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن شداد بن عمارة.

أخبرني ابو عبد الله بن فيجويه الدينوري حدثنا ابن حبش المقري حدثنا محمد بن عمران


__________________

حدثنا ابو كريب حدثنا وكيع عن أبيه عن سعد بن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد ابن أرقم ،

أخبرني ابو عبد الله حدثنا ابو سعيد احمد بن على بن عمر بن حبش الرازي حدثنا احمد بن عبد الرحيم الساتى ابو عبد الرحمن حدثنا ابو كريب حدثنا هشام عن يونس عن ابى إسحاق عن نفيع عن ابى داود عن ابى الحمراء.

أخبرني ابو عبد الله حدثنا عبد الله بن احمد بن يوسف بن مالك حدثنا محمد بن ابراهيم بن زياد الرازي حدثنا الحارث بن عبد الله الحارثي حدثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن ابن عباس.

(ومنهم) ابو عبد الله بن ابى نصر الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين.

(ومنهم) الشيخ ابو الحسن رزين بن معاوية العبدري الأندلسي في كتاب الجمع بين الصحاح الستة على ما نقله فيه ايضا.

وعنه ايضا عن ام سلمة.

وعنه بالاسناد المذكور في سنن ابى داود وموطإ مالك عن انس ،

وعنه ايضا في مناقب الحسن والحسين عليهما‌السلام من الجزء الثالث من الكتاب المذكور من صحيح ابى داود وهو السنن بالاسناد المتقدم عن صفية بنت شيبة عن عائشة.

«ومنهم» مسلم بن الحجاج في صحيحه على ما فيه ايضا عن زهير بن حرب وشجاع بن مخلد جميعا عن ابن علية قال زهير : حدثنا اسماعيل بن ابراهيم حدثني ابو حيان عن زيد بن أرقم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم.

«ومنهم» على ما فيه ايضا موفق بن احمد صدر الأئمة عندهم اخطب الخطباء عن الشيخ الزاهد ابى الحسن على بن احمد العاصمي أخبرنا شيخ القضاة اسماعيل بن احمد الواعظ أخبرنا والدي احمد بن الحسين البيهقي أخبرنا ابو محمد عبد الله بن يوسف الاصفهانى أخبرنا بكير بن احمد بن سهل الصوفي بمكة ، حدثنا ابراهيم بن حبيب ، حدثنا عبد الله بن سلام الملائى عن ابى حجاف ، عن عطية عن ابى سعيد الخدري ، ان رسول الله


__________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء الى باب فاطمة عليها‌السلام أربعين صباحا بعد ما دخل على بفاطمة عليها‌السلام يقول السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

«ومنهم» ابو سعيد الخدري انه قال لما نزل قوله (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) وكان رسول الله صلعم يأتي بباب فاطمة وعلى تسعة أشهر عند كل فيقول : الصلاة يرحمكم الله ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)

وعنه ايضا بهذا الاسناد عن احمد بن الحسين هذا أخبرنا ابو عبد الله الحافظ وابو بكر احمد بن الحسين القاضي وابو عبد الرحمن السلمى ، قالوا : حدثنا ابو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن مكرم حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن شريك بن ابى نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن ام سلمة.

القسم الرابع

ما ننقله من أصحابنا وهي تربو على الألوف واكتفينا بالنزر اليسير لضيق المجال واستدعاء الناشر الاستعجال.

فممن ذكره شيخنا القدوة الثقة الأقدم محمد بن يعقوب الكليني في الكافي أورد جملة من الروايات.

منها ما رواه عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن المفضل ابن صالح عن محمد بن على الحلبي عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

ومنها ما رواه محمد بن يعقوب أيضا عن على بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس وعلى بن محمد عن سهل بن زياد ابى سعيد عن محمد بن عيسى عن ابن مسكان عن ابى بصير.

ومنها ما رواه هو أيضا عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى عمران الحلبي عن أيوب بن


__________________

الحر وعمران بن على الحلبي عن أيوب بن الحر وعمران بن على الحلبي عن ابى بصير عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه الحسن بن صفار عن محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة. عن ابى جعفرعليه‌السلام.

«ومنهم» ابن بابويه أورد جملة من الروايات.

منها قال حدثنا ابى ومحمد بن الحسن بن احمد بن الوليد قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن الحسين بن ابى الخطاب قال حدثنا نضر بن شعيب عن الغفار الحازي عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه على بن الحسين بن محمد قال حدثنا هارون بن موسى التلعكبري قال حدثنا عيسى بن موسى الهاشمي بسرمن رأى قال حدثني ابى عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن على عن على عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه هو أيضا قال حدثني ابى قال حدثني سعد بن عبد الله عن الحسن بن موسى الخشاب عن على بن الحسان الواسطي عن عمه عبد الرحمن بن كثير.

«ومنها» ما رواه عن على بن الحسين بن شاذويه المؤدب وجعفر بن محمد بن مسرور قالا حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن أبيه عن الريان بن الصلت عن الرضا عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه عن أبيه وعن محمد بن الحسين بن احمد بن الوليد قالا حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن الحسين بن ابى الخطاب عن الحكم بن مسكين الثقفي عن ابى الجارود وهيثم بن ابى ساسان وابى طارق السراج عن عامر بن واثلة.

«ومنها» ما رواه عن احمد بن الحسن القطان قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسنى قال حدثنا ابو جعفر محمد بن حفص الخثعمي قال حدثنا الحسن بن عبد الواحد قال حدثني احمد بن التغلبي قال حدثني محمد بن عبد الحميد قال حدثني حفص بن منصور العطار قال حدثنا ابو سعيد الوراق عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده.


__________________

«ومنها» ما رواه بالاسناد عن عمرو بن ابى المقدام عن ابى إسحاق عن الحارث عن محمد بن الحنفية وعمرو بن ابى المقدام عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه عن احمد بن الحسن القطان ومحمد بن احمد السناني وعلى بن احمد ابن موسى الدقاق والحسين بن ابراهيم بن احمد بن هشام المكتب وعلى بن عبد الله الوراق قالوا حدثنا ابو العباس احمد بن يحيى بن زكريا القطان قال حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال حدثنا تميم بن بهلول ، قال حدثنا سليمان بن حكيم عن عمرو بن يزيد عن مكحول عن امير المؤمنين عليه‌السلام.

«ومنهم» على بن ابراهيم قال حدثني أبى عن ابن ابى عمير ، عن عثمان بن عيسى ، عن حماد بن عثمان ، عن ابى عبد الله عليه‌السلام.

ومنهم محمد بن العباس قال حدثنا احمد بن محمد بن سعيد عن الحسن بن على بن بزيع عن اسماعيل بن بشار الهاشمي عن قنبر بن محمد الأعشى عن هاشم بن البريد عن زيد بن على عن أبيه عن جده عليهم‌السلام.

«ومنها» ما رواه هو أيضا قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى عن محمد بن زكريا عن جعفر ابن محمد بن عمارة قال حدثني ابى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على بن ابى طالب عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه هو أيضا قال حدثنا عبد الله بن على بن عبد العزيز عن اسماعيل ابن محمد عن على بن جعفر بن محمد عن الحسين بن زيد عن عمر بن على عن الحسن بن على عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه هو أيضا حدثنا مظفر بن يونس بن مبارك عن عبد الاعلى بن حماد عن مخول بن ابراهيم عن عبد الجبار بن العباس عن عمار الدهني عن عمرة بنت أفعى عن ام سلمة.

«ومنها» ما رواه الشيخ في اماليه قال : أخبرنا ابو عبد الله محمد بن محمد قال حدثنا ابو بكر محمد بن عمر رحمه‌الله قال حدثني احمد بن عيسى بن ابى موسى قال حدثنا عبدوس ابن محمد الحضرمي قال حدثني محمد بن فرات عن ابى إسحاق عن الحارث عن على عليه‌السلام.


__________________

«ومنها» ما رواه عن ابى عمر قال أخبرنا احمد بن محمد قال حدثنا الحسن بن عبد الرحمن ابن محمد الأزدي قال حدثنا ابى قال حدثنا عبد النور بن عبد الله بن سنان قال حدثنا سليمان بن قرم قال حدثني ابو الحجاف وسالم بن ابى حفصة عن نفيع ابى داود عن أبى الحمراء عن النبي. (ص)

«ومنها» ما رواه هو أيضا قال أخبرنا ابو عمر وعبد الواحد بن عبد الله بن مهدى قال حدثنا احمد بن محمد يعنى ابا سعيد بن عقدة قال أخبرنا احمد بن يحيى قال حدثنا عبد الرحمن قال حدثنا ابى عن ابى إسحاق عبد الله بن معين مولى ام سلمة عن ام سلمة زوج النبي.

«ومنها» ما رواه هو أيضا عن على بن الحسين (ع) عن ام سلمة.

«ومنها» ما رواه هو أيضا قال أخبرنا الحفار قال حدثنا أبو بكر بن محمد بن عمر الجعابي الحافظ قال حدثني أبو الحسن موسى الخزاز من كتابه قال حدثني الحسن بن على الهاشمي قال حدثنا اسماعيل بن أبان قال حدثنا أبو مريم عن ثوير بن أبى فاختة عن عبد الرحمن ابن أبى ليلى عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

«ومنها» ما رواه هو أيضا قال أخبرنا جماعة عن أبى المفضل قال حدثنا الحسن بن على ابن زكريا العاصمي قال حدثنا أحمد بن عبيد الله الغدانى قال حدثنا الربيع بن ساير قال حدثنا الأعمش عن سالم بن أبى الجعد يرفعه الى أبى ذر عن على.

«ومنها» ما رواه هو أيضا قال حدثنا جماعة عن أبى المفضل قال حدثنا أبو طالب محمد ابن أحمد بن أبى معشر السلمى الحراني بحران قال حدثنا أسود بن على الحنفي القاضي قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حفص الغائشى التيمي قال حدثني أبى عمر بن اذينة العبدى عن وهب بن عبد الله بن أبى الهنائي قال حدثنا أبو حرب بن أبى الأسود الدئلي عن أبيه عن أبى الأسود.

«ومنها» ما رواه هو أيضا عن جماعة عن أبى المفضل قال حدثنا محمد بن عبد الله بن جورويه الجند السابوري من أصل كتابه قال حدثنا على بن منصور الترجماني قال أخبرنا


__________________

الحسن بن عنبثة النهشلي قال شريك بن عبد الله النخعي القاضي عن أبى إسحاق عن عمرو ابن ميمون الأودي عن على عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه هو أيضا عن جماعة عن أبى المفضل قال حدثني أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عبد الرحمن الهمداني بالكوفة وقال حدثنا محمد ابن المفضل بن ابراهيم بن قيس الأشعري قال حدثنا على بن حسان الواسطي قال حدثنا عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده على بن الحسين عليهم‌السلام.

«ومنها» ما رواه هو أيضا عن جماعة عن أبى المفضل قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله العزرمي عن أبيه عن عمار أبى اليقظان عن ابن عمر.

«ومنها» ما رواه هو أيضا عن جماعة عن أبى المفضل قال حدثني أبو على أحمد بن على ابن الحسين قال حدثني أبو الحسن مهدى بن صدقة البرقي في إملاء على املاه من كتابه قال حدثنا أبى قال حدثنا الرضا أبو الحسن على بن موسى قال حدثني أبى موسى بن جعفر قال حدثني أبى جعفر بن محمد قال حدثني أبى محمد بن على قال حدثني أبى على بن الحسين قال حدثني أبى الحسين بن على عليهم‌السلام.

«ومنها» ما رواه هو أيضا عن جماعة عن أبى المفضل قال حدثنا محمد بن هارون بن حميد بن المجدر قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا جرير عن أبى شعيب بن إسحاق عن جعفر بن أبى المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

«ومنها» ما رواه الشيخ الجليل الأقدم الثقة صاحب التفسير الشهير على بن ابراهيم القمي المتوفى سنة () على ما في تفسير البرهان للعلامة البحراني انه قال في رواية أبى الجارود عن أبى جعفر عليه‌السلام.

«ومنها» ما رواه العلامة البحراني عن الطبرسي أيضا قال ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره قال حدثني شهر بن حوشب عن ام سلمة.

ومنها ما رواه العلامة الطبرسي عن الثعلبي في تفسيره بالاسناد الى ام سلمة.


__________________

ومنها على ما في كتاب اثبات الهداة في النصوص والمعجزات للعلامة الحافظ الشيخ محمد بن الحسن بن على بن محمد الحر العاملي صاحب الوسائل بطريقه الى شيخ الطائفة المحقة مولانا الشيخ أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسي عن سهل عن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين جميعا عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبى الديلم عن أبى عبد الله في حديث ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال انى تارك فيكم أمرين ان أخذتم بهما لن تضلوا كتاب الله وأهل بيتي عترتي أيها الناس اسمعوا قد بلغت انكم ستردون على الحوض فأسألكم عما فعلتم في الثقلين والثقلان كتاب الله جل ذكره وأهل بيتي فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم فوقعت الحجة بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالكتاب الذي يقرأه الناس فلم يزل يلقى فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم بالقرآن (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وقال عز ذكره (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) ثم قال (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) فكان على عليه‌السلام وكان حقه الوصية الى أن قال وقال جل ذكره (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) قال الكتاب الذكر وأهله آل محمد الى أن قال وقال عزوجل (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال عزوجل (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ) منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم.

مطهرون نقيات ثيابهم

تجرى الصلاة عليهم اين ما ذكروا

ولنختم الكلام بإيراد نسخة من حديث الكساء سائرة دائرة في مجالس المؤمنين شيعة آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستشفى بقراءته عند المرضى ويطلب قضاء الحاجات وانقلها من رسالة العالم الجليل الحجة الزاهد الحاج الشيخ محمد تقى بن الحاج الشيخ محمد باقر اليزدي البافقى نزيل قم والمتوفى مظلوما في الاسارة أخذ الله بحقه ممن ظلمه واجلاه عن وطنه ثم نشير الى ما وصلت إلينا من سائر النسخ بعونه وكرمه فنقول قال طاب ثراه بعد الحمد والصلاة لاهلهما ما لفظه.


__________________

بسم الله الرحمن الرحيم

چون از باب لطف بر حضرت حق جل جلاله اتمام حجت در تمام ازمنه وأمكنه بر تمام افراد بشر لازم است لذا آنچه متعلق باوست عزيز ومحترم داشته ودارد ، ملاحظه شود از اول آدم الى زماننا غالب ازمنه اگر نگوئيم تمام قوه كفار وفجار زيادتر بوده از اهل ايمان مع هذا از ايشان هيچ اثرى نيست ، اما أهل ايمان تمام حيثيات آنها محفوظ ومحترم از اولاد وآثار وقبور از آدم الى خاتم ، پس انسان عاقل عزت دارين را اخذ مينمايد ودر اطاعت حضرت احديت جلت عظمته وسائط فيض ونشر أخبار وآثار آنها كوشش وسعى مينمايد ، خصوص كتبي كه معتبر باشد وتا بحال طبع نشده مثل عوالم كه از كتب معتبر شيعه وصاحب آن در كمال جلالت واعتبار است ، وتقريبا زيادة از هفتاد جلد است وجلد يازدهم آن در احوالات حضرت سيدة النساء فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها است وحقير عباد الله محمد تقى بن محمد باقر البافقى اليزدي القمي النجفي اين حديث شريف را از كتاب مبارك نقل نمودم إن شاء الله تمام شيعيان سعى نموده اين حديث وآن كتاب وسائر كتب را طبع خواهند فرمود ، وحضرت احديت جلت عظمته همه را موفق ومؤيد فرمايد ، توضيح آنكه هفتاد جلد آن در يزد در كتابخانه مرحوم حجة الإسلام آقاى آقا ميرزا سليمان قدس‌سره موجود ميباشد تتمه آن ظاهرا در بحرين در خانواده مرحوم مؤلف ميباشد التماس دعا از منتظرين حجة بن الحسن صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين دارم.

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ عبد الله البحراني صاحب العوالم رأيت بخط الشيخ الجليل السيد هاشم البحراني عن شيخه الجليل السيد ماجد البحراني عن الشيخ الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني عن شيخه المقدس الأردبيلي عن شيخه على بن عبد العالي الكركي عن الشيخ على ابن هلال الجزائرى عن الشيخ أحمد بن فهد الحلي عن الشيخ على بن الخازن الحائرى


__________________

عن الشيخ ضياء الدين على بن الشهيد الاول عن أبيه عن فخر المحققين عن شيخه ووالده العلامة الحلي عن شيخه المحقق عن شيخه ابن نما الحلي عن شيخه محمد بن إدريس الحلي عن ابن حمزة الطوسي صاحب ثاقب المناقب عن الشيخ الجليل محمد بن شهرآشوب عن الطبرسي صاحب الاحتجاج عن شيخه الجليل الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي عن أبيه شيخ الطائفة الحقة عن شيخه المفيد عن شيخه ابن قولويه القمي عن شيخه الكليني عن على بن ابراهيم عن أبيه ابراهيم بن هاشم عن أحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي عن قاسم بن يحيى الجلاء الكوفي عن أبى بصير عن أبان بن تغلب عن جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمة الله عليهم أجمعين انه قال.

بسم الله الرحمن الرحيم

سمعت فاطمة الزهراء عليها سلام الله (بنت رسول الله (ص) خ ل) انها قالت دخل على أبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بعض الأيام فقال : السّلام عليك يا فاطمة ، فقلت وعليك السّلام يا أبتاه ، فقال : انى لأجد في بدني ضعفا فقلت له : أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف فقال : يا فاطمة ايتيني بالكساء اليماني وغطينى به ، فأتيته وغطيته به وصرت أنظر اليه فإذا يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله فما كانت الا ساعة وإذا بولدى الحسن عليه‌السلام قد أقبل فقال : السّلام عليك يا أماه فقلت وعليك السّلام يا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال لي : يا أماه انى أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : نعم يا ولدي ان جدك تحت الكساء فاقبل الحسن ع نحو الكساء وقال السّلام عليك يا جداه يا رسول الله أتأذن لي ان ادخل معك ، فقال : وعليك السّلام يا ولدي وصاحب حوضي قد أذنت لك فدخل معه تحت الكساء فما كانت الا ساعة فإذا بولدى الحسين ع قد اقبل وقال : السّلام عليك يا أماه ، فقلت : وعليك السّلام يا قرة عيني وثمرة فؤادي ، فقال لي : يا أماه انى أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله ص فقلت : نعم يا بنى ان جدك وأخاك تحت الكساء فدنى الحسين ع نحو الكساء وقال : السّلام عليك يا جداه السّلام عليك يا من اختاره الله أتأذن لي أن أكون معكما


__________________

تحت هذا الكساء فقال : وعليك السّلام يا ولدي ويا شافع أمتي قد أذنت لك ، فدخل معهما تحت الكساء فاقبل عند ذلك ابو الحسن على بن أبي طالب وقال : السّلام عليك يا فاطمة يا بنت رسول الله ص ، فقلت : وعليك السّلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين فقال : يا فاطمة انى أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة أخى وابن عمى رسول الله ص فقلت : نعم ها هو مع ولديك تحت الكساء ، فاقبل على نحو الكساء وقال : السّلام عليك يا رسول الله ص أتأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء قال له وعليك السّلام يا أخي وخليفتي وصاحب لوائى في المحشر ، نعم قد أذنت لك ، فدخل على تحت الكساء ثم أتيت نحو الكساء وقلت : السّلام عليك يا أبتاه يا رسول الله أتأذن لي ان أكون معكم تحت الكساء ، قال لي وعليك السّلام يا بنتي ويا بضعتي قد أذنت لك فدخلت معهم فلما اكتملنا واجتمعنا جميعا تحت الكساء فأخذ أبى رسول الله بطرفي الكساء وأومى بيده اليمنى الى السماء وقال : اللهم ان هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامتي ، لحمهم لحمى ، ودمهم دمى ، يؤلمنى ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم ، أنا حرب لمن حاربهم ، وسلم لمن سالمهم ، وعدو لمن عاداهم ، ومحب لمن أحبهم ، وانهم منى وأنا منهم ، فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك على وعليهم ، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقال عزوجل : يا ملائكتي ويا سكان سماواتي انى ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا فلكا تسرى ولا بحرا يجرى الا لمحبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء ، فقال الامين جبرئيل يا رب : ومن تحت الكساء ، فقال الله عزوجل : هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ، فقال جبرئيل يا رب ، أتأذن لي أن أهبط الى الأرض لا كون معهم سادسا ، فقال الله عزوجل : قد أذنت لك ، فهبط الامين جبرئيل وقال لأبي : السّلام عليك يا رسول الله ص العلى الاعلى يقرئك السّلام ويخصك بالتحية والإكرام ، ويقول لك : وعزتي وجلالي : انى ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجرى ولا فلكا تسرى الا


__________________

لاجلكم ومحبتكم ، وقد أذن لي أن أدخل معكم ، فهل تأذن لي أنت يا رسول الله ، فقال أبى : وعليك السّلام يا أمين وحى الله نعم قد أذنت لك ، فدخل جبرئيل معنا تحت الكساء ، فقال جبرئيل لأبي : ان الله قد أوحى إليكم يقول : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فقال على يا رسول الله أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت هذا الكساء من الفضل عند الله ، فقال ص : والذي بعثني بالحق نبيا ، واصطفاني بالرسالة نجيّا ، ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا الا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم الى أن يتفرقوا ، فقال على : إذا والله فزنا وفاز شيعتنا ورب الكعبة ، فقال أبى يا على : والذي بعثني بالحق نبيا ، واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم الا وفرج الله همه ، ولا مغموم الا وكشف الله غمه ، ولا طالب حاجة الا وقضى الله حاجته ، فقال على إذا والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة برب الكعبة ، انتهى ما وجدته بخط المرحوم العالم الزاهد البافقى المذكور.

ثم طلبت من الفاضل الجليل الحجة الشيخ محمد الصدوقى اليزدي ان يستكتب من نسخة العوالم سند الحديث ومتنه فاسعف مأمولى دام توفيقه فأتاني بالمرجو فقابلته مع نسخة المرحوم البافقى فوجدتهما متطابقين حرفا بحرف ولم يكن بينهما فرق بنحو من الأنحاء غير ان الصدوقى ذكر في كتابه انه وجد الحديث وسنده مكتوبا في هامش العوالم.

وممن نقل المتن العلامة الجليل الثقة الثبت شيخنا فخر الدين محمد العلى الطريحي الأسدي النجفي صاحب مجمع البحرين في كتاب المنتخب الكبير ولا فرق بينه وبين المنقول عن العوالم الا زيادة اجوبة التسليمات وجملة قوله (ص) اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي إلخ.

وممن يوجد في كلماته هذا المتن العلامة الجليل الديلمي صاحب الإرشاد في كتابه


__________________

الغرر والدرر فيوجد ما يقرب من نصف الخبر.

وكذا الحسين العلوي الدمشقي الحنفي من اسرة نقباء الشام وقد رأيته بخطه ونقل العالم الجليل الحجة خازن روضة سيدنا عبد العظيم الحسنى بالري الحاج الشيخ محمد جواد الرازي الكنى في كتابه (نور الآفاق ص ٤ طبع طهران) المتن الذي نقلناه بواسطة المرحوم البافقى عينا حرفا بحرف وقال ما لفظه : وسمعت عن شيخي الثقة الحاج الشيخ محمد حسين السيستانى في سند هذا الحديث الشريف قال سمعت عن السيد حسن بن السيد مرتضى اليزدي قال روى صاحب العوالم الى آخر السند الذي نقلناه ويظهر من كلامه ان الحديث مذكور في موردين في المجلد الحادي عشر والمجلد الثاني والستين فلاحظ.

وقد نظم هذا الحديث الشريف عدة من نوابغ الأدب وفرسان الشعر من أصحابنا وغيرهم (فمن أجلهم العلامة الفقيه الأديب آية الله ابو المعز السيد محمد ابن العلامة السيد مهدى القزويني الحلي المتوفى ١٣٣٥ وكان في غاية الجلالة والنبالة من أصدقاء والدي العلامة طاب ثراهما وننقل المنظومة من كتاب البابليات للفاضل المعاصر الجليل الأستاذ الشيخ على الخاقاني النجفي ناشر مجلة (البيان) ادام الله بركته وكثر بيننا أمثاله قال في (ج ٥ ص ٢٥٢ ط النجف الأشرف) في ترجمة الناظم ما لفظه : وله ناظما حديث الكساء بهذه الارجوزة قوله

روت لنا فاطمة خير النسا

حديث اهل الفضل اصحاب الكسا

تقول ان سيد الأنام

قد زارني يوما من الأيام

فقال لي انى ارى في بدني

ضعفا أراه اليوم قد أنحلني

قومي على بالكساء اليماني

وفيه غطينى بلا توانى

فقمت نحوه وقد لبيته

مسرعة وبالكسا غطيته

وصرت أرنو وجهه كالبدر

في اربع بعد ليال عشر

فما مضى إلا يسير من زمن

حتى اتى ابو محمد الحسن


__________________

فقال يا أماه انى أجد

رائحة طيبة اعتقد

بأنها رائحة النبي

أخي الوصي المرتضى على

قلت نعم ها هو ذا تحت الكسا

من علة مدثر به اكتسى

فجاء نحوه ابنه مسلما

مستأذنا قال له ادخل كرما

فما مضى غير القليل الا

وجاءني الحسين مستقلا

فقال يا ام أشم عندك

رائحة كأنها المسك الذكي

وحق من أولاك منه شرفا

أظنها ريح النبي المصطفى

قلت نعم تحت الكساء هذا

بجنبه أخوك فيه لاذا

فجاء نحوه ابنه مستأذنا

مسلما قال له ادخل معنا

فما مضت من ساعة الا وقد

جاء أبوهما الغضنفر الأسد

ابو الأئمة الهداة النجبا

المرتضى رابع اصحاب العبا

فقال يا سيدة النساء

ومن بها زوجت في السماء

انى أشم في حماك رائحة

كأنها الورد الندى فائحة

يحكى شذاها عرف سيد البشر

وخير من طاف ولبى واعتمر

قلت نعم تحت الكساء التحفا

وضم شبليك وفيه اكتنفا

فجاء يستأذن منه قائلا

أأدخلن قال فادخل عاجلا

قالت فجئت نحو هم مسلمة

قال ادخلى محبوبة مكرمة

فعند ما بهم أضاء الموضع

وكلهم تحت الكساء اجتمعوا

نادى اله الخلق جل وعلا

يسمع أملاك السماوات العلى

اقسم بالعزة والجلال

وبارتفاعى فوق كل عال

ما من سما خلقتها مبنيه

وليس ارض في الثرى مدحيه

ولا خلقت قمرا منيرا

كلا ولا شمسا أضاءت نورا

كلا ولا خلقت بحرا يجرى

ماء ولا فلك البحار تسرى


__________________

الا لأجل من هم تحت الكسا

من لم يكن امر هم ملتبسا

قال الامين قلت يا رب ومن

تحت الكسا بحقهم لنا أبن

فقال لي هم معدن الرسالة

ومهبط التنزيل والجلالة

وقال هم فاطمة وبعلها

والمصطفى والحسنان نسلها

فقلت : يا رب وهل تأذن لي

ان اهبط الأرض لذاك المنزل

فاغتدى تحت الكساء سادسا

كما جعلت خادما وحارسا

قال اهبطن فجاء هم مسلما

مستأذنا يتلو عليهم ـ انما

يقول ان الله خصكم بها

معجزة لمن غدا منتبها

اقرأكم رب العلى سلامه

وخصكم بغاية الكرامة

وهو يقول معلنا ومفهما

أملاكه الغر بما تقدما

قال ـ على ـ قلت يا حبيبي

ما لاجتماعنا من النصيب

فقال والله الذي اصطفاني

وخصنى بالوحي واجتبانى

ما ان جرى ذكر لهذا الخبر

في محفل الأشياع خير معشر

الا وانزل الإله الرحمة

وفيه قد حفت جنود جمة

من الملائك الذين صدقوا

تحرسهم في الأرض ما تفرقوا

كلا وليس فيهم مهموم

الا وعنه كشفت غموم

كلا ولا طالب حاجة يرى

قضاءها عليه قد تعسرا

الا قضى الله الكريم حاجته

وانزل السرور فصلا ساحته

قال على نحن والأحباب

شيعتنا الذين قدما طابوا

فزنا بما نلنا ورب الكعبة

فليشكرن كل فرد ربه ، انتهى

وممن نظمه العلامة الجليل المعاصر السيد هاشم بن المحسن اللعيبى الموسوي المتوفى سنة ١٣٧٦ قال طاب ثراه وحشره الله مع الخمسة الثاوين تحت الكساء (ج ٣٥)


__________________

قال ابن محسن اللعيبى هاشم

من قد نماه المرتضى وفاطم

الحمد لله مصليا على

محمد والال ارباب العلى

وبعد انى قد نظمت خبرا

لنا روته العلماء الخبراء

عن البتول فاطم تقول

يوما اتى منزلي الرسول

سلم ثم قال لي آتيني

بذا الكساء وبه غطينى

قلت له أفديك يا خير الورى

ما ذا تحسه وما الذي عرا

قال أحس ضعفا اعتراني

في بدني يا خيرة النسوان

لما سمعت من أبى أتيته

بذلك الكساء قد غطيته

وبعد ساعة من النهار

اتى ابني الزكي ذو الأنوار

سلم قائلا أشم رائحة

عندك يا أماه كانت فائحه

كأنها رائحة المختار

المصطفى جدي حبيب الباري

قلت نعم يا زهرة الزمان

ذا نائم تحت الكسا اليماني

الى آخر تلك المنظومة الشريفة الراقية.

وممن نظم العلامة مروج المذهب في الأقطار السورية آية الله شيخنا في الرواية الفقيد المرحوم السيد محسن الامين الحسيني العاملي الدمشقي صاحب كتاب اعيان الشيعة حيث يقول قدس‌سره في قصيدته الشهيرة التي انشدنيها ببلدة قم المشرفة عام مجيئه الى بلاد ايران حيث يقول :

وخامس اصحاب الكساء إذا اكتسى

به أحمد وابناك والبضعة الطهر

وسادسكم جبريل ليس مشاركا

لكم فيه زيد في الأنام ولا عمرو

وهند أرادت ان تشارككم به

فاخرها الهادي وافعالها غر

لانت الى خير ولكن تأخري

فللال قدر لا يماثله قدر

وقال العلامة الشيخ أحمد الشافعي مذهبا المالكي لقبا المصري موطنا على ما في المشارق للعدوى.

لآل البيت عز لا يزول

وفضل لا تحيط به العقول


__________________

وإجلال ومجد قد تسامى

وقدر ما لغايته وصول

وفي التنزيل بالتطهير خصوا

ومدحتهم بها شهد الرسول

وقال العلامة الشيخ يوسف النبهاني البيروتى.

آل طه يا آل خير نبى

جدكم خيرة وأنتم خيار

اذهب الله عنكم الرجس أهل ال

بيت قدما وأنتم الاطهار

لم يسل جدكم على الدين اجرا

غير ود القربى ونعم الاجار

وقال العلامة السيد محمود بن عبد المحسن المحيوى الخلوتى الدمشقي المتوفى سنة ١٣٢١ في ديوانه :

انى دخيل المرتضى وفاطمة

وابنيهما اهل العباء الباسمة إلخ

وقال العلامة المعاصر شاعر آل الرسول المجاهر بحبهم حجة الإسلام الشيخ عبد الحسنين ابن الشيخ عمران الحويزي الحائرى من الله علينا العترة النبوية ببقائه :

اذهب الله عنهم كل رجس

بهدى الآية التي أهداها

كان تطهيرها بأنفس أمجاد

بهم أفلح الذي زكاها

تتمة

اعلم ان الآية صريحة في الدلالة على عصمة أهل البيت توضيحه أن الآية صريحة في تعلق إرادته تعالى بتطهير أهل البيت فيثبت تحققه لاستحالة تخلف إرادته عز اسمه عن مراده لكونها مرادة بالارادة التكوينية لا محالة دون التشريعية فان الإرادة التشريعية لا تتعلق الا بفعل المكلف وهي مساوقة للأمر به وقد تعلق في الآية بفعل الله جل وعز فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) مضافا الى ان إرادته تعالى بالارادة التشريعية للطهارة لا تختص بأهل البيت بل يعم جميع المكلفين وبالجملة ما سموه في الاصطلاح بالارادة التشريعية ليس الا إرادة صدور الفعل عن العبد باختياره المستتبعة لمجرد امر المولى عبده بذلك الفعل من غيران يصدر من المولى ما يوقعه في


المرزباني عن أبي الحمراء قال خدمت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحوا من تسعة أشهر أو عشرة وكان عند كلّ فجر لا يخرج من بيته حتّى يأخذ بعضادتي باب علي عليه‌السلام ثم يقول السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته فيقول عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وعليك السّلام يا نبي الله ورحمة الله وبركاته ، ثمّ يقول الصّلاة رحمكم الله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ثمّ ينصرف إلى مصلاه والكذب من الرّجس ، ولا خلاف في أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ادّعى الخلافة لنفسه فيجب أن يكون صادقا انتهى.

قال النّاصب خفضه الله

أقول : أمّا إجماع المفسّرين على أنّ الآية نزلت في عليّ فخلاف الواقع ولم يجمعوا على ذلك بل أكثر المفسرين على أنّ الآية نزلت في شأن أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو

__________________

الفعل ويلزمه عليه بل العبد قد يختار عصيانه وقد يختار طاعته باستقلال إرادته من غير ان تتوجه اليه قدرة تقوده الى الفعل او الترك ومن هنا يعلم أن الإرادة التشريعية ليست إرادة في الحقيقة فان الإرادة على ما عرفوها هي كيفية نفسانية مستتبعة لتحريك العضلات نحو الفعل وان كان يجب تجريدها بالنسبة الى المبادي العالية عن خصوصية كونها كيفية عارضة وتجريد فعله عن كونه بتحريك العضلات فيكون ما يتحقق من المولى عند التكليف مجرد إرادة الأمر والإيجاب أو النهى والتحريم.

ثم ان من البديهي أيضا انه ليس المراد من الرجس الرجس البدني الظاهري فالمراد منه الجرس الباطني من الشرك والكفر والشك ودنس الذنب ومعصية الله وكل ما يعد رجسا (فان قلت) يحتمل ان يراد من التطهير انه تعالى غفر ذنوبهم (قلت) ان المغفرة لا تطهر الدنس الحادث في نفس العاصي بل انما يوجب رفع العقوبة عنه ضرورة ان مغفرة المعصية لا توجب انقلابها عما وقعت عليها ، ألا ترى ان مغفرة المظلوم لظلم من ظلمه لا يخرج فعله عن القبح ، هذا مضافا الى أن حمل الآية عليها تنافى اطلاق الآية


المناسب لنظم القرآن ، قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) هذا نص القرآن يدلّ على أنّها نزلت في أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه مذكور في قرن حكاياتهن والمخاطبة معهنّ ، ولكن لمّا عدل عن صيغة خطاب المؤمنين إلى خطاب الذكور فلا يبعد أن تكون نازلة في شأن كل أهل بيت النبيّ من الرّجال والنساء فشملت عليّا وفاطمة والحسن والحسين وأزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى هذا فليس الرّجس هاهنا محمولا على الطهارة من كلّ الذنوب ، بل المراد من الرّجس الشّرك وكبائر الفواحش كالزنا كما يدلّ عليه سابق الآية وهو قوله تعالى : (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) ، ولو سلّمنا هذا فلا نسلّم أنّ عليّا عليه‌السلام ادّعى الامامة لنفسه ، ولو كان يدعيها لما كان يدّعيها بالعجز والخفية لوجود القوّة والشّجاعة والأعوان وكثرة القبائل والعشائر وشرف القوم وغيرها من الفضائل ، ثم لو كان الرّجس محمولا على الذّنب لما كانت عائشة مؤاخذة بذنبها في وقعة جمل ، لأنّ الآية نزلت فيها وفي أزواج النبيّ غيرها على قول أكثر المفسرين فلا يتم له الاستدلال بهذه الآية انتهى.

__________________

فان مغفرة الذنب لا تكون الا بعد تحققه فالمذنب عند صدور الذنب منه غير مطهر لعدم إمكان مغفرة الذنب عند الارتكاب به والا خرج عن كونه ذنبا ولم يصدق عليه عنوانه.

وبالجملة قد ظهر من الأحاديث التي قدمنا نقلها وقد حكموا بصحتها ان أهل البيت هم اصحاب الكساء خاصة ودخول أزواجه (ص) معهم تحته مما لم ينقله احد مع انه لا محرمية بينهن وبين على (ع) فالظن بدخولهن اوهن مع من تحرم عليه الصدقة مطلقا في أهل البيت وهم وتخليط أو عناد أعاذنا الله منها.

والآية الكريمة دالة على عصمتهم عليهم‌السلام من الارجاس بجميع أنواعها بالتاكيدات


أقول

فيه نظر من وجوه ، أما أولا فلما مرّ من أنّ مراد المصنف من إجماع المفسرين هاهنا وفي أمثاله اتّفاق المفسّرين من الشيعة والسنة على ذلك ، وأنّ هذا المعنى يتحقق بموافقة بعض المفسّرين من أهل السنّة معهم ، وأنّ ما ذهب إليه بعض من طائفة ووافق فيه آخرون من خصامهم حجة على الكلّ ، وأيضا قد قلنا سابقا : إنّ مراد المصنّف دعوى إجماعهم على ذلك قبل ظهور المخالف ، والمخالف حادث لا يعتد به ، والذي يدلّ على ذلك أنّ من المفسّرين من روى خلاف ذلك كانوا متأخّرين عن الثعلبي وأحمد بن حنبل ، ولهذا لم يذكر النّاصب الرّجس المارد من أكثر هؤلاء المفسّرين المخالفين الذي ادّعى وجودهم واحدا باسمه بل قد كذبه في ذلك من هو أعلم منه

__________________

التي قدمنا الاشارة إليها من ذكر لفظة (انما) (وإدخال اللام في الخبر) واختصاص الخطاب وتكرير المؤدى وإيراد المفعول المطلق بعده وتنكيره الدال على الاهتمام والتعظيم وتقديم ما حقه التأخر كتقديم عنكم على الرجس فأنشدك ايها الأخ أفبعد هذا يبقى لك ريب وشك في السند او الدلالة أو الجهة لا والله العلى العظيم فأرجو من إخواني أهل الجماعة المنتحلين الى السنة ان ينبذوا اتباع سلفهم ويمعنوا النظر فيما تلونا عليهم وربى الواقف على الضمائر والمطلع على السرائر يعلم انى مخلص في هذه النصيحة إياهم لا في ضميري مرض وليس سوى الإرشاد غرض هذا سبيل ربى (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

الى الله في كل الأمور توكلي

وبالخمس أصحاب الكساء توسلي

محمد المبعوث للناس رحمة

وفاطمة الزهراء والمرتضى على

اللهم أمتنا مماتهم وأحينا حياتهم واحشرنا في زمرتهم ولا تفرق بيننا وبينهم طرفة عين ابدا آمين آمين.


بالحديث والتّفسير من مشايخ نحلته ، إذ قال الشيخ ابن حجر (١) في صواعقه (٢) إنّ أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين لتذكير ضمير عنكم إلخ.

واما ثانيا فلأنّ ما ذكره من المناسبة إنّما تجب رعايتها إذا لم يمنع عنه مانع ، ومن البيّن أنّ تذكير ضمير عنكم ويطهركم وبعض القرائن الخارجة الآتية مانع عن ذلك ، فمن ذهب من المفسرين إلى حمل الآية على خصوص الأزواج نظرا إلى تلك المناسبة قد جعل نفسه موردا لقول الشاعر :

حفظت (أتيت خ ل) شيئا وغابت عنك أشياء (٣)

على ان في تغيير الأسلوب في الآيات المتقاربة المسوقة لذكر أهل البيت والأزواج دقيقة هي أنّ الأزواج في محلّ وأهل البيت في محل آخر عند الله تعالى ، واما ثالثا فلأنّ قوله : هذا نصّ القرآن يدل إلخ إن أشار فيه بقوله هذا إلى الآيات التي ذكرها النّاصب وهي السابقة على آية التطهير التي ذكرها المصنّف فمسلّم أنها تدلّ على إرادة الأزواج ، لكن لا يجديه نفعا ، وإن أشار به إلى ما يعمّها وآية التطهير فكون خصوص آية التطهير أيضا دالة على ذلك ظاهر البطلان ، بل هو نصّ في خلاف ذلك لما عرفت وستعرفه ، وأما استدلاله على ما فهمه من الدّلالة بقوله : لأنّه مذكور في قرن حكاياتهن إلخ ففيه أنّ كون الآية الاولى في أزواجه عليه‌السلام لا يمنع عن كون ما هو في قرنها متصلا بها بعدها في غير هنّ ، سيّما إذا قام الدّليل على ذلك وهو تذكير ضمير عنكم ويطهركم

__________________

(١) قد تقدمت ترجمته.

(٢) ذكره في الصواعق (ص ١٤١ ط مصر تحت اشراف الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف)

(٣) أوله : قل للذي يدعى في العلم فلسفة. وينسب الى المحقق التفتازاني أو الرازي أو الغزالي.


وما روى (١) من أنه عليه‌السلام لمّا نزلت هذه الآية جمع عليّا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام وجلّلهم (٢) بكساء فدكي فقال هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا ، وكذا ما رواه المصنّف هاهنا عن محمّد بن عمران وما رواه الشيخ ابن حجر في الباب العاشر من صواعقه حيث قال في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم انّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال أذكركم الله في أهل بيتي قلنا لزيد : من أهل بيته نساءه؟ قال : لا ايم الله إنّ المرأة يكون مع الرّجل العصر من الدّهر ثم يطلقها فيرجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته هاهنا أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده وهو مذكور (٣) في جامع الأصول أيضا.

وأقول : يفهم من قوله إنّ المرأة يكون مع الرّجل العصر من الدهر إلخ أنّ إطلاق أهل البيت على الأزواج ليس على أصل وضع اللغة وإنّما هو إطلاق مجازي ، ويمكن أن يكون مراده أنّ الذي يليق أن يراد في أمثال هذا الحديث من أهل البيت أصله وعصبته الذين لا تزول نسبتهم عنه أصلا دون الأزواج ، وعلى التقديرين فهو مؤيّد لمطلوبنا.

وذكر سيد المحدثين جمال الملة والدين عطاء الله الحسيني (٤) في كتاب تحفة الأحباء خمسة أحاديث : اثنان منها وهما المسندان إلى أمّ سلمة رضي‌الله‌عنها نصّان صريحان

__________________

(١) قد مرت عدة أحاديث في هذا الشأن ، هي متواترة معنى ، صريحة دلالة فلا حاجة الى الاعادة.

(٢) وقد مر في تلك الأحاديث شيء كثير ذكرت فيه هذان اللفظان فليراجع.

(٣) ذكره في جامع الأصول (ج ١٠ ص ١٠٣) ونقله في الصواعق ابن حجر المكي (ص ١٤٨ ط الجديد بمصر).

(٤) هو كتاب التحفة في فضائل آل الرسول للسيد الجليل الأمير عطاء الله الحسيني الدشتكي الشيرازي ، وقد مرت ترجمة مؤلفه في أوائل هذا الجزء فراجع.


في الباب لأنّ أحدهما وهو الذي نقله (١) من جامع الترمذي ، وذكر أنّ الحاكم حكم بصحته وقد اشتمل على أنّه لمّا قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند إدخال علي وفاطمة وسبطيه في العباء ما قال ، قالت امّ سلمة رضي‌الله‌عنها يا رسول الله ألست من أهل بيتك؟ ، قال إنّك على خير أو إلى خير ، والحديث الثاني هو الذي نقله عن كتاب المصابيح (٢) بيان شأن النزول لأبي العباس أحمد بن حسن المفسّر الضرير (خ ل النصير) الأسفرايني قد تضمّن أنّه عليه‌السلام لما أدخل عليّا وفاطمة وسبطيه في العباء قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وأطهار عترتي وأطايب ارومتي (٣) من لحمي ودمي إليك لا إلى النّار ، أذهب عنهم الرّجس وطهرهم تطهيرا ، وكرّر هذا الدّعاء ثلاثا قالت ام سلمة (رض) : قلت يا رسول الله : وأنا معهم ، قال : إنك إلى خير وأنت من خير أزواجي ، ثم قال السيد قدس‌سره : فقد تحقق من هذه الأحاديث أنّ الآية إنّما نزلت في شأن الخمسة المذكورين عليهم‌السلام ، ولهذا يقول لهم آل العباء ولله درّ من قال من أهل الكمال : شعر

على الله في كلّ الأمور توكّلي

وبالخمس أصحاب العباء (الكساء خ ل) توسّلي

محمّد المبعوث حقّا وبنته

وسبطيه ثم المقتدى المرتضى علي

ان قيل ما ذكر من الأحاديث معارضة بما روي (٤) أنّ أمّ سلمة قالت لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ألست من أهل البيت؟ فقال بلى إن شاء الله ، قلنا لا نسلم صحة سندها ، ولو سلّم نقول : إنّها رضي‌الله‌عنها في هذه الرّواية في معرض التّهمة بجر نفع وشرف لنفسها ، فلا يسمع قولها وحدها ، ولو سلم نقول : إنّ كونها من أهل البيت

__________________

(١) رواه صاحب التاج الجامع للأصول في الجزء الثالث (ص ٣٦٤ ط مصر).

(٢) ذكره في كتاب المصابيح (ص ٢٠٥ ط مصر).

(٣) الارومة : أصل الشجرة.

(٤) قد مرت عدة روايات دالة عليه في ضمن الروايات المذكورة ذيل آية التطهير.


قد علّق فيها بمشية الله تعالى ، فلا يكون من أهل البيت جزما مع أنّها لو كانت منهم لما سألته ، لأنّها من أهل اللّسان والترّجيح معنا بعد التّعارض وهو ظاهر.

وايضا أهل بيت الرجل في العرف هم قرابته (١) من عترته لا أزواجه بدليل سبق الفهم إلى ذلك ، وهو السابق إلى فهم كلّ عصر والمتداول في أشعارهم وأخبارهم ، فما أحد يذكر أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شعر أو غيره ، إلّا وهو يريد من ذكرناه ، لا أزواجه ولا يمكن إنكار هذا ، ثم أقول : إن مناقشة الجمهور في هذا المقام ، إنّما نشأ من حملهم البيت في الآية والحديث على البيت المبني من الطين والخشب المشتمل على الحجرات التي كان يسكنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أهل بيته وأزواجه ، إذ لو أريد بالبيت : ذلك لاحتمل ما فهموه ، لكن الظاهر أن المراد بأهل البيت على طبق قولهم : أهل الله وأهل القرآن ، أهل بيت النبوة ، ولا ريب أن هذا منوط بحصول كمال الأهلية والاستعداد المستعقب للتنصيص والتعيين من الله ورسوله على المتّصف به ، كما وقع في الآية والحديث ، ولهذا احتاجت امّ سلمة إلى السؤال عن أهليتها للدّخول فيهم كما مرّ ونظير ذلك أنّ المتبادر من الإرث في قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) (٢) هو إرث المال وقد قيل : المراد به إرث النبوة أو العلم فافهم. وفوق ما ذكرناه كلام ، وهو : أنّه لا يبعد أن يكون اختلاف آية التطهير مع ما قبلها على طريق الالتفات

__________________

(١) وبهذا فسر كثير من المفسرين أهل البيت في قوله تعالى حكاية عن الرسل التي جاءت ابراهيم بالبشرى ، قالوا : أتعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، الآية ، وذلك لظهور أن الاستبعاد عن تعجب سارة زوجة ابراهيم عليه‌السلام وابنة عمه تولد إسحاق ويعقوب عنها وهي عجوز وعن بعلها ابراهيم عليه‌السلام وهو شيخ انما يتجه عن مثل سارة التي اصطفاها الله تعالى لا كل من كان في بيت ابراهيم من العبيد والإماء وهو ظاهر. منه «قده»

(٢) النمل الآية ١٦.


من الأزواج إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام على معنى أن تأديب الأرواج وترغيبهن إلى الصلاح والسداد من توابع إذهاب الرّجس والدّنس عن أهل البيت (ع) فالحاصل نظم الآية على هذا : أنّ الله تعالى رغّب أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى العفة والصّلاح ، بأنّه إنّما أراد في الأزل أن يجعلكم معصوما يا أهل البيت واللائق أن يكون المنسوب إلى المعصوم عفيفا صالحا كما قال : (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ) (١) ، وأيضا فما الدليل على أن هذه الآيات نزلت دفعة واحدة بهذا الترتيب وكانت في اللوح بهذا الوجه؟ وما المانع من أن يكون قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية نزلت في غير وقت الذي نزلت فيه أقمن الصلاة وآتين الزكاة؟ ويكون عثمان أو غيره جعلها في هذا الموضع ظنا منه أنهن المعنيات بها واجتهادا في الترتيب ، وليس يمكن إنكار هذا ، لأن من المعلوم أنه وقع اختلاف كثير في ترتيب المصاحف حتى اصطلح الناس على مصحف عثمان ، والاختلاف إنما هو في الترتيب البتّة ، لأنّ القرآن متواتر كما لا يخفى ، واما رابعا فلأنّ قول الناصب الرجس وعلى هذا فليس الرجس هاهنا محمولا على الطهارة من كل الذنوب إلخ مردود ، بأنّ الرجس لا يحمل على الطهارة لظهور بطلان ذلك ، وإنما يحمل الطهارة على الطهارة عن الرجس ، وأيضا الذي حمل الطهارة على الطهارة من كل الذنوب ، إنما حملها عليها على تقدير أن يكون المراد من أهل البيت المذكور في الآية الخمسة من آل العباء لا على تقدير أن يراد منها الأرواج ، فنفى كون الطهارة محمولا على الطهارة عن كل الذنوب على التقدير الثاني ظاهر لا حاجة إلى ذكره واما ما ذكره من أنا لا نسلم أن عليا ادعى الامامة لنفسه ، فقد مر الاستدلال عليه مفصلا ، واما خامسا فلأن ما ذكره بقوله ثم لو كان الرّجس محمولا على الذّنب لما كانت عائشة مأخوذة بذنبها في وقعة جمل إلخ فيه

__________________

(١) النور. الآية ٢٦.


مؤاخذة ظاهرة لأنّ دخول عائشة في الآية فرض محال (١) ، ومن الجايز أن يستلزم محال محالا آخر (٢) فافهم وتدبّر ، ومما ينبغي أن ينبّه عليه أنّ الخبر في الإرادة المدلول عليها بقوله تعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية إنّما هو خبر عن وقوع الفعل خاصة دون الإرادة التي يكون بها لفظ الأمر أمرا لأنّ قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) (٣) وقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (٤) ، لفظ عامّ في الآيتين ، فلو لم يكن بين آية التّطهير وبين هاتين الآيتين ، فرق لما كان لتخصيصها بأهل البيت عليهم‌السلام معنى ، لأنّه جلّ جلاله أراد بها المدح لهم ، ولا يحصل المدح إلّا بوقوع الفعل (٥) ولا يتوهمن

__________________

(١) لفظة فرض مضافة الى كلمة «محال» ووجه الاستحالة : أنها بعد ما فرضت مذنبة كيف يمكن دخولها في الآية؟

(٢) المحال الاول دخول عائشة في الآية والثاني عدم كونها مأخوذة بذنبها في وقعة جمل ، ومن البديهي جواز استلزام محال لمحال آخر بل استلزامه لذلك يؤكد استحالته فيكون محالا باستحالتين إحداهما لذاته والثانية من حيث استلزامه للمحال الثاني.

(٣) النساء. الآية ٢٦.

(٤) البقرة. ١٨٥.

(٥) وبعبارة أخرى لا تخلو الإرادة في الآية اما ان تكون إرادة محضة لم يتبعها الفعل أو إرادة وقع الفعل عندها ، والاول باطل ، لان ذلك لا تخصيص فيه بأهل البيت ؛ بل هو عام في جميع المكلفين ؛ ولا مدح في الإرادة المجردة وأجمعت الامة على أن الآية فيها تفضيل لأهل البيت وابانة لهم عمن سواهم ، فثبت الوجه الثاني. وفي ثبوته ما يقتضى عصمة من عنى بالآية وأن شيئا من القبائح لا يجوز أن يقع منهم على أن غير من سميناه لا شك أنه غير مقطوع على عصمته ، والآية موجبة للعصمة فثبت انها فيمن ذكرناهم لبطلان تعلقها بغيرهم منه. «قده»

ولقد اندفع بهذا ما ذكره أبو منصور الماتريدي في تفسيره لهذه الآية حيث قال : في


أحد أنّ الإذهاب لا يكون إلا بعد الثبوت ، فقوله تعالى : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) ، يكون دالا على أنّه كان ثابتا فيهم ، لأنّ هذا مدفوع بأنّ مبنى هذا القول على التخيّل الذهني

__________________

هذه الآية دلالة نقض ما يقوله المعتزلة من أن الله تعالى قد أراد أن يطهر الخلق كلهم الكافر والمسلم وأراد أن يذهب الرجس عنهم جميعا. لكن الكافر حيث أراد أن لا يطهّر نفسه ولا يذهب عنه الرجس لم يطهر ، فلو كان على ما يقولون لم يكن لتخصيص هؤلاء عن التطهير ورفع الرجس عنهم فائدة ولا منة ، فدل على أنه انما يطهر من علم منه اختياره الطهارة وترك الرجس ، وأما من علم منه اختيار الرجس فلا يحتمل أن يذهب منه الرجس أو يريد منه غير ما يعلم أنه يختار ، وأن التطهير لمن يكون ، انما يكون بالله لا بما يقوله المعتزلة حيث قال : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ؛ إذ على قولهم لا يملك هو تطهير من أراد تطهيره ، إذ لم يبق عنده ما يطهرهم ، فذلك كله ينقض عليهم أقوالهم ومذاهبهم (انتهى) ووجه الدفع ظاهر ، وأيضا مدفوع بأن الإرادة للعامة التي أثبتها المعتزلة لله تعالى في تطهير كل الخلائق هو إرادته ذلك مقرونا باختيار الخلق لا الإرادة الاجبارية المدلول عليها بقوله تعالى : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ، ونحوها من الآيات فوجه التخصيص ظاهر وفائدته ظاهرة والمنة فيه أوضح ولله الحمد والمنة. واما ما ذكره من أن التطهير انما يكون بالله لا بما يقوله المعتزلة إلخ ففيه أنا نسأل عنه ونقول له : ما تريد أيها الماتريدي بما يقوله المعتزلة هاهنا ولم يسمع أحد منهم القول : بأن التطهير وفعل العصمة صادر عن غير الله بل عدوهم ذلك من الألطاف وفسروها بأنها لطف يفعل الله بالمكلف لا يكون معه داع الى ترك الطاعة وفعل المعصية مع إمكان وجوده صريح في اعتقادهم أنه فعل الله تعالى فظهر أن إتيانه بهذه النقوض المنقوضة الواهية علامة حرمانه من ألطاف الله تعالى تأمل تقر بنفحات لطفه سبحانه (منه قده).


ولا يكون ثابتا ، ألا ترى أنك تقول للمخاطب : أذهب الله عنك كل مرض وإن كان ذلك غير حاصل فيه ، فهذه الآية تزيل الخيال الذي يتصوّره الإنسان في ذهنه ، هذا وسيجيء في بحث الإجماع من اصول الفقه عند استدلال المصنف على حجية إجماع أهل البيت عليهم‌السلام بهذه الآية ما اخترعه النّاصب هناك من نظير هذه الآية في شأن ساير الناس مع التنبيه منّا على ما يلزمه من كفره بالله تعالى وبغضه وعداوته لأهل البيت عليهم‌السلام فطالعه هناك والعنه لعنا وبيلا (١) ثمّ إنّ لنا في تحقيق هذه الآية رسالة منفردة ، فمن أراد زيادة استبصار في المرام فعليه بها وبالله التوفيق.

__________________

(١) متخذ من قوله تعالى في سورة المزمل. الآية ١٦. الوبيل : الشديد

فرغ العبد محمود الحسيني المرعشي النجفي بمساعدة الأخ الفاضل الورع الميرزا على اكبر الإيراني دام مجده من كتابة النسخة للطبع في شهر شعبان ١٣٧٧

وتم تصحيحه بيد العبد (السيد ابراهيم الميانجى) عفى عنه في ١٠ من

شهر رمضان من تلك السنة وله الحمد أولا وآخرا



إن كان حبّ المرتضى ذنبا فلا

يعطى كتاب الأمن إلّا المذنب

إن تفردوا عنّا الجحيم بحبّه

فرضيت أني في الجحيم معذّب

يا أيّها الرّجل المعاند قل لنا

من للمواضي والمنابر يندب

من للتقى من للوغى من للندى

من للشريعة والمشاكل يطلب

من ذا الّذي ذلّ الطغاة بسيفه

من ذا حبيب المصطفى والأقرب

تا لله ما غير الوصي باهلها

لكنّما تعمى القلوب وتعتب

يا صنو طه المصطفى أنت الّذي

لله يرضى في الأنام ويغضب

أنت الإمام المرتضى علم التقى

قمر الدّجى شمس الهدى لا تغرب

هيهات يا رب الفضائل والعلى

ربّ الفصاحة عن مديحك يعزب

يا ذا المناقب كالنّجوم مضيئة

دون التي فيها الأعادي كذّبوا

قد أخفت الأعداء مناقبك التي

ما ذاع منها ما يعدّ ويكتب

يا سيّدي إنّ المسيء أتاكم

هذي سفينته ببابك ترسب

من كان مثلك في القيامة حاكما

أحرى بأن يشكو إليه المذنب

قسما بعزة مجدكم وجلالكم

إنّي محبّ لا أقول فأكذب

وهواكم يجري بلحمي مع دمي

وسقيته مذ كنت طفلا ألعب

لفقيد الشعر والفضل العلّامة المرحوم الشيخ بشير العاملي البيروتي حشره الله مع أحبته ومواليه.

إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل - ٢

المؤلف:
الصفحات: 575