

[عليه أتوكل
بسم الله الرحمن
الرحيم
وبه أستعين]
ودخلت سنة ١٠٩٧
سبع وتسعين وألف :
وفي اليوم الثالث
عشر من محرم أظهر مولانا [الشريف] نفرة من الوزير عثمان حميدان ، فرأى الجمال محمد علي بن
__________________
سليم أن هذه فرصة ، فتطاول لأخذ هذه المكانة ، وبذل فيها إمكانه ، فأجراه مولانا الشريف على طارئة.
وشاع ذلك في جيرانه وجواريه ، وكتب عهد وزارته ، وكاد أن يكتب ، فأخلفه القضاء ،
والقضاء لا يعتب.
فإنه لما كان عصر
يوم الأربعاء الثاني والعشرين من المحرم ، طلع الوزير عثمان ، وحلّ كل ما أبرم ،
ونزل والقفطان منثور عليه ، وكل الأمور قد رجعت إليه ، وجلس للتهنئة ،
وأخلع على ابن أخيه «الخواجا حسين حميدان» خلعة استمراره أيضا على
__________________
وزارة جدة. وأخذ كل من الرجلين في نفسه على صاحبه .
وفي ليلة الثلاثاء
العشرين من صفر ، خرج مولانا الشريف إلى الخّبت متصيّدا ، بعد أن أخرج له الوزير ما يليق به من الأهبة.
فأقام بالخّبت نحو خمسة عشر يوما ، ورجع عازما [على الخروج] إلى الشرق . وشرع في حركة التوجه ، واحتفل به الوزير عثمان حميدان.
وفي أوائل ربيع من
هذه السنة ، جعل شيخ الحرم طوقا من فضة للحجر الأسود ، وله جرم ظاهر ، وهو الباقي إلى
الآن . وفي يوم
__________________
الثلاثاء العاشر
من ربيع الثاني ، خرج مولانا الشريف بعد صلاة العصر متوجها نحو الشرق ، في موكب
عظيم ، ونزل بالأبطح حسب عادته.
وأخبرني من أثق به
أن مولانا الشريف خرج في هذا المخرج بنحو خمسمائة بعير.
وفي يوم الخميس
الثاني عشر من ربيع الثاني ، ضرب ميمون تابع أحمد ابن جوهر بجنبيّة في فتنة عرضت بين العبيد / ، وجاء صاحب العبد إلى مولانا
الشريف ، [واستعفاه لكون الجراحة وقعت من الجانبين فأعفاه
__________________
مولانا الشريف].
وفي يوم الأحد
الخامس عشر من ربيع الثاني ، وافق أن كانت صلاة الصبح مباشرة صاحبنا القاضي تاج الدين ابن القاضي عبد
المحسن القلعي ، وكأنه تأخر قليلا ، فدخل للصلاة بعض المجاورين . فلما أتم الصلاة ، سأل شيخ الحرم عن صاحب النوبة ، فأخبر
به ، فدعاه إلى مدرسته بالداودية ، فلما وصل إليه ، أمر فضرب على رجليه. فلما سمع بذلك بعض
الأئمة أنفت نفوسهم فاجتمع منهم من وفقه الله مع
__________________
بعض أئمة الشافعية
وهو الشيخ العالم الزاهد علي العصامي ، وكان أكبر الجماعة.
واجتمعوا بمولانا
الشريف وعرفوه : «أن جرم التأخير بعذر ، لا يوجب هذه الإهانة». وطلبوا منه «أن
يعفوهم من هذه الخدمة بعد هذا القدر ، فإنهم لا طاقة لهم بذلك.
ثم على فرض كون
الإمام أتى بجرم يستحق به التعزير ، لا يوصل به إلى هذه الرتبة ». فقال مولانا الشريف :
«لا يخفى عليكم أنّا لا نرضى بهذا لمن هو دونكم ، ولكن اكتبوا سؤالا ،
وخذوا عليه خط المفتي ، ونأخذ لكم النصفة منه بعد ذلك بالوجه الشرعي». وأمرهم بكتابة السؤال. فكتبوا
السؤال.
وأجابهم المفتي
عبد الله عتاقي زاده بأنه :
__________________
«يجب تعزير من
أهان أهل العلم». وطلع جماعة بهذا الجواب إلى مولانا الشريف. فاعتذر إليهم «بأن
النهار قد مضى ، وسنرسل إلى القاضي وشيخ الحرم يحضرون الدعوى».
ثم إن الشريف أمر
المفتي والقاضي مرشد الدين أحمد بن عيسى المرشدي : «أن يجتمعوا عند
القاضي ، ويحضروا شيخ الحرم والخصم ويشرفوا القاضي على ما بيد الخصم ، من الجواب
على السؤال».
فحضّر عند القاضي
المذكورون ، والشيخ ، علي العصامي ، وبعثوا لشيخ الحرم. وحكم القاضي على شيخ الحرم بما يوجبه
الجواب ، في ضربه لهذا الرجل ، حيث إنه عوقب بما ليس من أهله. ثم اصطلحوا في
المجلس ، وخرج به شيخ الحرم إلى منزله.
__________________
وحمل شيخ الحرم في نفسه على الأفندي عبد الله عتاقي لأجل هذه الفتوى ، وفعل به ما يأتي مسطرا في هذا الكتاب.
وأقام مولانا
الشريف بالمنحنى إلى يوم الخميس التاسع عشر من الشهر ، وتوجه ذلك اليوم إلى الشرق.
وفي يوم الجمعة
العشرين من ربيع الثاني ، إدّعى سردار الإنقشارية
__________________
على «محمد [علي] بن سليم» ، وأظهر حجة شرعية تتضمن أن الوزير المذكور «محمد
[علي] بن سليم هو وذو الفقار أغا» عبد مولانا الشريف زيد ، ضمنا في ذمتهما ثمانية عشر
ألف قرش دينا عند مولانا الشريف سعد بن زيد ، أخذهما من الأتراك
الإنقشارية عام خروجه من مكة ، وأنه يطالب محمد علي بن سليم بمناصفتها .
فثبت ذلك عند
القاضي ، وسجل ، وطلب منه المال ، فامتنع ، فحبس عند القاضي في المدرسة .
__________________
واستمر إلى الرابع
والعشرين من شهر ربيع الثاني ، فتوسط في المال الوزير عثمان حميدان ، وأخرجه بعد
ادخاله ، وأخذ بيوت المذكور رهنا ، فيما سلمه للعسكر من ماله لبلوغ آماله.
وفي السابع
والعشرين من الشهر المذكور ، وصل قاصد من الديار الرومية بخبر بأن سليمان أمير ياخور السابق ذكره ولي الوزارة ، وجاء منه قفطان على فرو / سمور لمولانا الشريف.
فتوجه القاصد
لمولانا الشريف بالقفطان المذكور ، فلبسه مولانا الشريف بالمبعوث ، وكتب له الجواب ، فرجع السابع من جمادى الأولى.
__________________
وفي يوم الأحد
الثاني من جمادى الأولى : ركب مصطفى أغا المعمار ، وقاضي الشرع ، وشيخ الحرم ،
وكاتب الجراية ، وطلعوا إلى المعلاة ، وقاسوا بالذراع من تربة السيد ناصر إلى قبة الشريف أبي
طالب بن حسن .
وسبب ذلك : أن
الوزير [المذكور] سليمان أمير ياخور كتب إلى الوزير عثمان ، أنه يريد أن
يبني جدارا على المقبرة ، فأراد تعريفه
__________________
بحدود ذلك ،
ومراده إرسال المصروف في الحج ، وأمرهم بإحضار آلة البناء من الحجارة والنورة ، وشرعوا في ذلك.
وفي ليلة السبت
التاسع عشر من جمادى الأولى : توفي الخواجا زين العابدين بن عثمان حميدان فجأة ، فدفن يوم السبت. فخرج القاصد المذكور إلى الأبواب
أواخر جمادى الأولى.
وفي الثامن عشر من
جمادى الآخر : خرج من مكة صاحبنا السراج عمر ابن محمد بن علي سليم إلى [اليمن].
وفي أواسط رجب :
وصلت المراكب الهندية وفيها جواب كتاب مولانا الشريف أحمد ، وصل به «أمين صدقة» بعث بها سلطان الهند أورنك زيب . فلما وصل القاصد إلى جدة أخرجها الباشا وعشرها ،
__________________
وفك هدية مولانا
الشريف ، وأخذ منها ما أراد ، ولم يعط في هذه السنة ما هو لمولانا الشريف من
البندر ، وزعم أنه له على مولانا الشريف دين ، وأنه لم يقبض ما هو له بجدة من
محصول المراكب.
وورد صاحب الصدقة
مكة في أواخر رجب بما معه منها. وزاد ظلم أحمد باشا ، بأخذ ما يريد من أهل
المراكب. وفي أواخر شعبان نزل قاضي مكة بأهله إلى جدة [وهذا لم يعهد].
وفي أواخر النصف
الأول طلع شيخ الحرم بجامكية نصف السنة من جدة ، ولم يصرف لبعض الناس منهم القاضي تاج
الدين القلعي المذكور ، والسيد علي ميرماه ، والخواجا محمد علي بن سليم ،
__________________
والقاضي عيد ، ومنعه من الخطابة والإمامة.
وفي أواخر رمضان فرّقت الصدقة الهندية بالمدرسة الباسطية ، بمقتضى رأي شيخ الإسلام قاضي الهند ، وكان مجاورا بمكة ، وكان يتردد عليه القاضي عيد السابق
ذكره ، فأنفت نفس شيخ الحرم ، وجعل في تقسيمه الصدقة بالحرم ضجة.
وادعى على القاضي
عيد ، فبعث إليه القاضي وأهانه ، فتكلم عليه ، فتعب شيخ الإسلام قاضي الهند واشترط
أن يأتيه من يريد شيئا من الصدقة ، فلم يأته أحد منهم من ذوي البيوت.
فلما تيقن ذلك
أرسل من جهته مع أمين من جهته ، فأعطى لكل
__________________
إنسان بيده ، وقصد
بذلك بعض الناس إلى بيوتهم بما قسمه الله لهم على اختلاف في ذلك.
وفي ليلة السادس
عشر من رمضان : طلع الوزير عثمان من جدة ، فأخبر بما كان ، فدعى القاضي عيد
المذكور ، وأهانه ، وتكلم عليه ، وحبسه إلى الصبح ، فشفع فيه الشيخ محمد السقطي
وكان ورد صحبة الشريف أحمد بن زيد ، وكان بينهما مودة. فشفعه فيه.
وفي يوم الثامن
عشر من رمضان ، حجر الوزير عثمان على محمد السقطي المصري الخطيب بمكة ، أن لا يخطب
العيد ، وكانت نوبته ، لكونه يتّجر ، وهو في عداد / التجار الواردين من الهند ،
فباشر العيد / ٢٧٧ الشيخ صبغة الله بن المنلا مكي فروخ بأمر الوزير المذكور ، فقام صاحب النوبة بلوازمها.
وفي هذا الشهر ـ أعني
رمضان ـ جدد شيخ الحرم درجة للكعبة ، وجعل لها حاجزا من خشب ، وكان أول الدخول
عليها يوم الجمعة سادس عشر رمضان.
ونرجع إلى ذكر
مولانا الشريف : فإنه لم يزل ينتقل في تلك
__________________
الرحاب ، ويطفي ما توقد من لهب الأعراب ، إلى أن وصل إلى المدينة المشرفة ، يوم الخميس سادس عشر
شوال من السنة ، فخرج إليه أهل المدينة من الأعيان ، واستمر إلى العصر ، ثم سار إلى زيارة السيد حمزة سيد الشهداء ، وبات هناك ثم دخل المدينة يوم الجمعة.
وفي يوم الأحد
الثامن عشر من شوال : ورد قاصد من الروم من الوزير بخلعة سمور وسيف ، ووصل معه قفطان شيخ الحرم المدني داود
أغا. فلبس مولانا الشريف قفطانه بالروضة الشريفة ولبس شيخ الحرم
__________________
قفطانه ، واستمر
به إلى أن توجه إلى مكة ثاني عشر ذي القعدة ، ودخل مكة محرما بالحج ليلة هلال ذي الحجة
، فطاف وسعى ، وعاد للزاهر ، ودخل في آلاي أعظم.
وفي يوم الأربعاء
الرابع من ذي الحجة : وصل من الأبواب إبراهيم أغا الطواشي ـ قايقجي مولانا السلطان ـ بخلعة سمور ، على ظهره
__________________
صوف أبيض ،
لمولانا الشريف. فدخل بها في الحجون مع العسكر الإنقشار والعرب وغيرهم ، ونزل مولانا الشريف إلى الحطيم ، فدخل المذكور بالخلعة ، وألبسها مولانا الشريف ، وقريء
المرسوم الوارد إليه ، وفيه غاية التعظيم.
وطلع إلى دار
السعادة ، وجلس / للتهنئة ، ومدحه الشعراء. وممن مدحه في هذا اليوم
، الفقير ، مسود هذه الأحرف بقصيدة رائية
__________________
، وأنشدته إياها
في مجلسه الخاص. وهي هذه :
مرحبا مرحبا
بشمسي وبدري
|
|
حيث زارت من بعد
ما عيل صبري
|
ربة الحسن لا
يليق في التشبي
|
|
ب بعد المشيب
فاصغي لشكري
|
للمليك الذي له
خدم الده
|
|
ر وناهيك من
مليك ودهر
|
نجل زيد بن محسن
بن حسين
|
|
أحمد المرتجى
لكشف المضرّ
|
سر طه وابن البتول وحامي
|
|
بلد الله
بالسيوف البتر
|
والذي أذعنت له
الشم من ها
|
|
شم بعد الإباء
لا من ذعر
|
فهو اليوم واسطة
العقد في
|
|
صدر الملوك عقد
الصدر
|
ملك عالم ومن
جمع العل
|
|
م إلى الملك فهو
رب الفخر
|
رفع الظلم عند
ما نصب العد
|
|
ل وجر القلوب
نحو البر
|
فأتته جوازم
الفعل فاعجب
|
|
لإمام عادل
العوالم المستقر
|
حرك العزم
للبراري
|
|
لما سكن المصر
فهو كالغيث يسري
|
__________________
فهو طورا شفا ما
حلّ قفر
|
|
وهو طورا شقا
مناهل مهر
|
ثم لما أذعن
البدو كالحضر
|
|
وصار الهزبر للشاة يقري
|
وجه العزم نحو
طه وهذا
|
|
منتهى الفخر بعد
نهي وأمري
|
أيها العاطف
المطيّ على المو
|
|
ضع للسيد العظيم
القدري
/
|
من أتاه جبريل
بالوحي حتى
|
|
أنقذ الخلق من
ضلال وكفر
|
يهنيك الوصل من
حبيب رأينا
|
|
نوره ساطعا
بوجهك يجري
|
قسما بالحطيم
والبيت والأس
|
|
تار والطائفين
في ذي العشر
|
لو أميط الحجاب
عن من صحبتم
|
|
نحوه حدث العداة
بخبر
|
ورأى ما به تلقاك
من رحب
|
|
ومن فرحه ومن
حسن بشر
|
كيف لا يفرح
الأب البر بالإب
|
|
ن إذا كان ساعيا
في البر
|
يا ابن بنت
الرسول وابن علي
|
|
حبذا حبذا أبا
مع صهر
|
لو مدحنا سواك
قلت له اقصر
|
|
قد بلغت المدى
مع كل قطر
|
غير إن المقام
منك علي
|
|
والترقي يزيد في
كل عصر
|
فابق وارق العلى
إلى حيث شئت
|
|
فلا منتهى ليوم
الحشر
|
وقف العقل دون
ما أنت معط
|
|
واعتمت منتجاة
الفكر
|
فتلق العام
الجديد بيمن
|
|
كافلا بالمراد
في كل قطر
|
__________________
وتهنى التأييد
من آل عثما
|
|
ن به قد أتاك
شام ومصري
|
هكذا الملك أو
فلا إنما المل
|
|
ك على السادة
الملوك الغر
|
فانظر أنظر
لموكب هو فيه
|
|
مايج بالحديد
موج البحر
|
وتأمل هل تلق
غير شريف
|
|
لاح في عين كنجم
يسري
|
ملك خاضع لأمر
ابن عم
|
|
حاز عقد العلا
بأغلى المهر
|
هجر النوم عند
ما رقه الغي
|
|
ر إلى أن بدى
كضوء الفجر
|
وأتته السعود
تسعى فأغنت
|
|
عن صفاح بيض
ولدن سمر
|
إن قتل العدا
بغير سلاح
|
|
آية الله لا
كفعل السحر
|
كم فؤاد بأضلع
حبسته
|
|
لشقي أضحى على
مثل جمر
|
قد رأت مقلتاه
منك هزبر
|
|
حال دون المنى
على قيد شبر
|
فهو في جنبه من
الأرض يصلى
|
|
نار خوف وهكذا
المستجر
|
أي عيش لحاسد لك
أضحى
|
|
ينصب الحبل
لاصطياد البدر
|
حسبه إن أساء
تعفو عنه
|
|
رب محمر وجنة من ضر
|
أيها البحر إنما
الفضل يحيى
|
|
بك من جعفر بكفك
يجري
|
فلو أن الزمان
جاء قديما
|
|
بك لم توأد
البنات لفقر
|
__________________
بل ولو كان مسير
العرب العر
|
|
باء كيما يفيده
ذو عسر
|
أنت فلترغم
العداء حجة الله
|
|
على خلقه ببدو
وحضر
|
طاعة الله حبكم
آل طه
|
|
جاءنا محكم بنص
الذكر
|
لعن الله باغضيك
لقد قل
|
|
ت بها مفعما بلا
سوق غدر
|
وإذا قلت ما به
رضى الله
|
|
فلا عبرة بأهل
الغدر
|
هاكها كاللجين جابها الي
|
|
وم إليك الحس
معنى الشعر
|
زانها الطي بعد
نشر كمالا
|
|
منكم فالبديع طي
ونشر
|
وتأمل فيها رقيق
معان
|
|
لم يلقها الصفي وابن المقري
|
__________________
فأجزني [عنها] القبول فإني
|
|
لم أقلها كالغير
حوزا لتبر
|
غير أني امتثلت
أمرك في المد
|
|
ح على أرؤس يا
ذخر
|
لا برحت الزمان
في كل عام
|
|
لابس العز شاهرا
للذكر
|
ما تغنت حمائم
الدوح لما
|
|
بكت السحب في
الرياض الخضر /
|
وفي يوم الخميس
العاشر من ذي الحجة منها : أمر صاحب جدة بهدم الخلاوي التي في المسجد ، فهدمت جميعها ، وكان الواجب ألا تهدم
لكونها من بنية المسجد علوا أو سفلا ، بناها سمكا واحدا. وسبب ذلك
__________________
أنه بلغه فساد فيها بقول ثقة عنده. والله أعلم بذلك.
[وفي يوم] الثلاثاء الخامس عشر من ذي الحجة ، أرسل مولانا الشريف ابنه السيد عبد المحسن ومعه
إبراهيم أغا قايقجي السلطان الوارد بالخلعة السابق ذكره ، وصحبته أحمد باشا صاحب
جدة والوزير عثمان حميدان ، [أن يشرفوا على العمارة الخاصكية . فأشرفوا على ما جدده الوزير عثمان حميدان] وقومه المهندسون بثلاثين ألف أحمر شريفي. وسجل ذلك عند
القاضي ثم رجعوا.
__________________
ودخلت سنة ١٠٩٨ ألف وثمانية وتسعين :
وفي يوم الثلاثاء
الثاني من محرم أمره أحمد باشا بإصلاح فصوص اختلت في الشاذروان .
وأمر بالحجر
السماق السابق ذكره سنة ١٠٨٧ ، فوضعه
__________________
تحت الركن الأسود
مما يلي الأرض ، ودفن ما كان [من] ذلك الموضع المبارك من الرخام بعد قلعه ، ونجزوا من هذا
الشغل قبيل الغروب من اليوم المذكور .
ولما كان يوم
الإثنين الثامن من محرم الحرام أيضا ، أمر أحمد باشا نائب الشرع الشريف ،
وبلكات العسكر الإنقشارية ، والأصباهية بشواويشهم ، أن يجروا من باب الصفا إلى المروة ، وأمرهم بإزالة دكك الباسطية في الشارع والظلل ، فأزيلت. وركب بنفسه ضحى
__________________
ذلك اليوم ، وأشرف
على المسعى ، ودخل سويقة الشامي ، وأمر بإزالة بعض الدكك. وفي هذا اليوم أرسل شيخ
الفراشين إلى أصحاب الوظائف يأمرهم بالمباشرة ، إلا من له عذر شرعي يوجب التأخير
أو النيابة.
وفي هذا اليوم ألبس / مولانا الشريف الوزير عثمان حميدان قفطانا. وسبب
ذلك أنه حصل عليه غضب [من] مولانا الشريف ، فجمع بينهما الباشا المذكور في بيته ، وأزال ما في الخواطر. وألبس الباشا تلك الليلة
مولانا الشريف أحمد سمورا ، وكذلك ألبس الوزير عثمان سمورا أبيض أيضا ، وخرجا
متصافيين ، كل ذلك ليلة ثامن محرم ، فأعطى مولانا الشريف الباشا فرسا من خيله بذهابها .
__________________
ولما كان يوم
الثلاثاء تاسع محرم : خرج الباشا المذكور إلى الحرم ، فأوحى إليه أن في سبيل
السلطان مراد خان مرحاضا أحدثه الأفندي عبد الله عتاقي ، قصبته في جدار المسجد ، فأرسل نقيب الأغوات مشدي باشي الفراشين وبعض خدم يشرفون على ذلك ، فأتوا إلى
الأفندي عبد الله ، وأشرفوا على المرحاض. وعادوا فأخبروه أنه قديم من البناء
الأصلي. فقام بنفسه إلى أن دخل علي المذكور في السبيل ، فأخبره المذكور بأن هذا
قديم ، وليس بحادث. فكان جوابه عقابه بسبّ وضرب إلى أن أدماه ، ورماه على الأرض ، وداسه برجله ، وما نظر إلى الله . وخرج ، فتلاه الأفندي بخروجه ، وقصد منزل مولانا الشريف ، وعليه دمه.
فلما علم مولانا
الشريف بحاله ، كثر ندمه ، وأمر بتعزيل السوق . وجاء الخبر إلى الباشا ، فدخل مدرسة السلطان سليمان
__________________
خان ، وجلس عند القاضي في شباك المدرسة ، ينظر إلى من يمر ،
فأرسل مولانا الشريف بعض الأشراف إلى القاضي ليحفظوه عن الفرار / ، وأمر شيخ
الفراشين بأن يدعو الفقهاء ووجوه الناس للقيام بهذا الشأن ، فسبقت العامة إلى
المدرسة ، ورجموا الباشا والقاضي بحصي المسجد.
وما كان من السادة
الأشراف ، فقال لهم القاضي :
«هذا حاضر ،
فليحضر خصمه».
فلما بلغ الخواجا
عثمان ذلك ، جاء إلى القاضي ، فلما رأى الأشراف قال : «إن مولانا الشريف بعثني
يدعوكم إليه». فخرجوا قاصدين الشريف ، فلما علم أنهم وصلوا الحرم ، أخذ الباشا
وخرج به من
__________________
الباب الخارج على
باب الزيادة ، ونزل به من الحرم إلى بيته ، فلما رأته العامة تبعته
بالرجم ، إلى أن وصل منزله ـ دار الوزير عثمان ـ فجعلت العامة ترجم الدار بالحصى ،
وقد غلقت طيقانها ، ثم إن الفقهاء اجتمعوا ، وعرجوا مع الأفندي عبد الله إلى
القاضي ، فأمر القاضي بإحضار أحمد باشا ، فامتنع من الحضور ، فادعت الفقهاء أنه
خالف الشرع ، فحكم بارتداده وكفره لمخالفته أمر الشرع ، وضربه لمفتي السلطان.
فأخذوا بذلك حجة ، وطلعوا بها إلى مولانا الشريف ، فأخذها مولانا الشريف
أحمد منهم ، ولم يؤذن في هذا اليوم لصلاة الظهر ، غير أن أئمة الرواتب صلوا وقامت الجماعة.
ثم نادى المنادي
من جهة مولانا الشريف بالأمان ، ونادى مناد آخر بالمسجد لتأمن الأتراك ، ولزم
الباشا منزله.
__________________
فلما كان بعد صلاة
العشاء طلع [به] الوزير عثمان إلى مولانا الشريف ، فلامه على فعله ، وعرّفه
بجهله ، وأوقره ملاما ، فلم يحر جوابا ولا كلاما. فطلب مولانا الشريف
الأفندي عبد الله عتاقي ، فاعتذر أولا ، فعاد إليه المرسول ، فطلع إليه ، وجلس في
معزل ، ولم يجتمع بالباشا. فلما تحقق [الباشا] عدم اجتماعه به ، نزل من عند مولانا الشريف ، فاجتمع
مولانا الشريف بالأفندي عبد الله ، وقال له : «أما يكفيك نصفه ما وقع لهذا الباشا من هذه الهيضلة ، وقد جاء معتذرا؟!. فكان من الواجب عليك الإجتماع به ،
والسماح عما مضى».
فقال الأفندي : «يا
مولانا ليس لي حاجة في الاجتماع به أصلا». وخرج من عنده.
ولما كان يوم
الخميس طلع الباشا إلى بستان الوزير عثمان ، وأقام إلى آخر النهار ، ونزل ليلة
الجمعة إلى بيت الشريف ، وطلع إليه ، وسمر عنده.
__________________
ثم إنه طلع
البستان المذكور يوم السبت ، وطلع مولانا الشريف إليه ، واستمرا إلى الليل ، ونزل
مولانا الشريف ، وبات هو.
واستمرّ إلى يوم
الأحد إلى بعد صلاة العصر ، ونزل في عسكره إلى بيت الشريف ، واستمر عنده إلى بعد
العشاء ، ونزل من عنده متوجها إلى جدة.
ومن اللطائف أن
وافق ضبط عام نزوله [هذا لفظ]مغبون». وكتب مولانا الشريف في الباشا إلى الأبواب ، وكتب الأفندي عبد الله عتاقي أيضا إلى من يعتمد عليه
هناك ، بما وقع له من هذا الباشا.
وفي أواخر محرم من
هذه السنة ، شرع الوزير عثمان في بناء الحائط على المقبرة المعلومة صفته.
وفي يوم الخميس
عشر جمادى الأولى نادى مناد من قبل مولانا الشريف بتخريج التكارنة من مكة ، لأمر بلغه
__________________
عنهم ، فاجتمع منهم نحو مائة رجل ، وتفرقوا في البلدان.
وفي يوم الخميس عاشر
شعبان ، ورد قاصد من الأبواب [السلطانية] بعزل أحمد باشا شيخ حرم مكة ، الذي [هو] عم / الباشا ، والطلب الحثيث له بالحضور إلى الأبواب ،
وأعطيت جدة ومشيخة الحرم لمحمد بيك ، ووصل مستلمه ، وسجل القاضي أمره ، قائم مقامه في نيابة
الحرم السيد محمد ، نائب الحرم سابقا ، فألبس مولانا الشريف ونائب الحرم قفطانين ، ونزل
المستلم جدة ، وذكر أن الصنجق محمد
__________________
بيك في الأثر.
وفي أوائل شعبان
عزل مولانا الشريف ناظر قايتباي حسين القبرصلي ، وجعل ناظر الوقف مصطفى القندلجي ، وحوسب الناظر الأول على ما بيده.
وفي الخميس رابع
عشر شعبان وصل أحمد باشا مكة.
وفي سابع عشر
شعبان ، وقعت فتنة بين الإنقشارية وشاووشهم ،
__________________
جرح فيها السردار
، فاقتضى رأيهم تخريج الشاووش ، فخرج إلى جدة. وتأهب للسفر أحمد باشا ، فأعانه
مولانا الشريف بنحو عشرين نجيبا ، وكذلك [الحاكم] والسيد أحمد بن غالب. وتوجه يوم الاثنين تاسع عشر الشهر
المذكور مع مماليكه ، ومن صحبه من العسكر في نحو مائة بعير إلى مصر.
وفي سادس عشرين
شعبان وصل محمد بيك ، صنجق جدة ، فدخل مكة ، وطاف وسعى ، ورجع إلى الزاهر ، ودخل
في آلاى الإنقشارية والعرب ، ونزل بدار السيد محمد نائب الحرم.
واستمر إلى أوائل
رمضان ، ثم نزل جدة ، وكان من أحسن ما فعل النداء بجدة أن لا يسكنها نصراني ، وكان بها عدة منهم ، فخرجوا منها ، وشدد في التفتيش
عليهم ، حتى أسلم بعضهم ، وسافر الآخرون إلى ينبع .
وفي هذا غيرة
إسلامية ، فإن دخولهم جزيرة العرب مما ابتليت به
__________________
هذه الأمة بسبب
أحمد باشا.
وفي أوائل شوال
ورد قاصد من السوارجية بأن عربها قتلوا السيد عبد الله بن مبارك بن بشير ، وقتلوا
زهاء خمسة عشر من العسكر.
فاستعدت العسكر على مولانا الشريف ، وأمروه بالخروج ، فاعتذر
بإقبال الحج ، واستمهلهم إلى بعد الحج.
ثم إن مولانا السيد
أحمد بن سعيد بن شنبر قصدهم مع أهل بيته ، فظفر بالغرماء ، وجاءت بشائره بالظفر.
وفي يوم الجمعة
ثاني عشر ذي القعدة ورد خبر نصرة مولانا السلطان الأعظم على النصارى ، وزينت مكة ، وحج مولانا
__________________
الشريف بالناس.
ولما كان يوم النحر ورد أمين الصرة بالأمر السلطاني والخلعة لمولانا الشريف ، التي
يلبسها يوم النحر.
فقريء المرسوم على
جري العادة ، وألبس مولانا الشريف الخلعة الواردة عليه ، ثم ألبسها لولده في مجلس
الأمر السلطاني. فتعب من هذا القدر مولانا السيد أحمد بن غالب لعدم مشاورتهم في هذا الأمر ، ولكنه كتم ما وجد ولم يظهر عليه أحد.
__________________
ودخلت سنة ١٠٩٩
تسع وتسعون وألف :
وفيها اعتذر
الوزير عثمان من الخدمة لمولانا الشريف ، وطلب العفو [من] الوزارة ، فأعفاه مولانا الشريف.
فابتدر إليها
الأغا يوسف السقطي ، فألبسه مولانا الشريف فرو سمور ، وولاه الوزارة يوم
الإثنين حادي عشر محرم من السنة المذكورة ، فأبان عن جدّ / واجتهاد ، وجاد بنفسه
أو كاد.
وفي صفر من هذه
السنة كان أوحى إلى مولانا الشريف ما وجده السيد أحمد بن غالب في نفسه من مجلس منى
، فخشي مولانا الشريف من العناء ، فأمر مولانا السيد أحمد بالخروج من البلد في يوم
التاسع من صفر ، فطلب المهلة ، فامتنع مولانا الشريف ، فالتمس السيد أحمد من السيد
عبد [المحسن] بن أحمد ، فأمهله مولانا الشريف لتعرض ولده ثلاثة أيام ،
فخرج ليلة الحادي عشر من صفر إلى بلده بالركاني ، ثم
__________________
أرسل خدامه
لتجهيزه ، وانحازت عليه فئة من الأشراف .
ثم إن مولانا
الشريف أخذ في التحرز ، وطلب العربان.
ولم يزل الأمر في
اشتداد إلى أوائل ربيع الأول ، فدخل بعض الأشراف وعاملوا مولانا الشريف ، وخرج
جماعة ممن كان بمكة إلى جانب السيد أحمد.
وفي عاشر ربيع
الأول سافر السيد أحمد بمن معه متوجها إلى نحو الشام .
وفي يوم الخميس
غرة ربيع الثاني عمر محمد بيك شيئا من أخشاب الكعبة ، وطلعوا أرسالا من جدة ، جعلوها حول الكعبة من خارج ، وركبوا الكسوة [فيها] لتغير إفريز السطح من التي تربط فيها الكسوة ، فإنه استأكل فيه ،
وجددوا رفرف مقام
__________________
الشافعي لخلل وقع فيه ، ولم يزالوا إلى أن خلصوا منه.
وما كان من السيد
أحمد : فإن مولانا الشريف بعث خلفه ابنه السيد عبد المحسن ، ومعه السيد ناصر
الحارث ، وبيرق عسكر ، وبعض أشراف ، فانتهى بهم السير إلى ينبع. فسار بهم
السيد أحمد ومن معه [إلى] مرحلتين من ينبع واستمر هناك ، وجاء الخبر بأنهم بعثوا
كتابا ورسلا إلى صاحب مصر .
ثم جاء الخبر أنهم
ارتحلوا إلى جهة جهينة .
وفي هذه المدة وفد
على مولانا الشريف بعض عرب من تلك الجهة ،
__________________
فأخلع عليهم
مولانا الشريف ، ولم يظهر من خبرهم شيئا.
وفي أوائل جمادى
الأولى اشتكى مولانا الشريف أحمد بن زيد ، فافتصد ، وتزايدت عليه الحمى ، ولم يزل
بذلك نحو خمسة عشر يوما.
فلما كان يوم
الخميس ثاني عشر جمادى الأولى توفي إلى رحمة الله تعالى ، في وقت الضحى من ذلك
اليوم في الساعة الثالثة منه ، وكتم موته إلى بعد صلاة الظهر.
[ولاية الشريف سعيد
بن سعد]
وكان مولانا
الشريف [سعيد ابن مولانا الشريف سعد بمكة ، وكان مولانا الشريف] يلذ إليه ، ويخصه بمزيد محبته ، لما يرى من نجابته ، وربما
أمره بالجلوس في ديوان بدايته في مدة توعكه ، فلما أن وقع ما وقع ، جلس مولانا الشريف سعيد في الديوان العام ، وبعث إلى
الوزير يوسف السقطي وكبار العسكر الإنقشارية والأصباهية ، فتكلم معهم في المكانة ، فأذعنوا [له وطلعوا إلى قاضي الشرع مع جماعة من وجوه
الفقهاء].
واتفق رأيهم على
إقامة المذكور مقام عمه بعد كلام وقع في المحكمة ، فأخذ سردار الأصباهية الخلعة من
القاضي ، وطلع بها إلى دار السعادة ، فألبسها مولانا الشريف سعيد بعد صلاة الظهر
من اليوم
__________________
المذكور ، فأخلع مولانا الشريف على الوزير والقائد أحمد بن جوهر
خلع الإستمرار ، على ما هم عليه.
واستقر الحال على
أحسن ما يكون ، وصلى على مولانا الشريف صلاة العصر ، ودفن بالمعلاة على والده رحمهالله تعالى.
فكانت مدة ولايته
أربع سنين إلا ثلاثة أيام ، وتقدم / ذكر مولده / ٢٨٣ أول ترجمة أخيه .
ومما قلت راثيا له
رحمهالله تعالى على جري العادة في مدائح هؤلاء السادة :
خذا خبر الأحزان
عن فيض أدمعي
|
|
ولا تسألا عن
ناحل الجسم موجع
|
دهتني صروف
الدهر فيمن أحبه
|
|
وأخلت من
الأفراح قلبي ومربعي
|
كأن اللقا قد
كان مرسول فرحة
|
|
فمنذ قبلناه أتت
دون مرجع
|
فلله طود من حمى
الملك قد هوى
|
|
فأوهن قلبي عند
حنينه أضلعي
|
وشمس جمال عند
ما لاح ضوءها
|
|
ففي كسفها من
حيث لم أتوقع
|
إلى الله أشكو
ما لقيت من
الأسى
|
|
فما في البرايا
راحم لمفزع
|
وما زال هذا
الدهر في الناس شأنه
|
|
بتفريق مجموع
وتجميع موزع
|
__________________
ولكنها نفسي تحن
لألفها
|
|
فيسترها عقل
بصير مرقع
|
فيا حزن أهل بعد
ملك ويا صفى
|
|
القلوب إلى من
شئت قول مودع
|
ويا شدة الأيام
غبت ولم يطل
|
|
مغيبك حتى عدت
لا عدت فارجع
|
خليلي مالي
والزمان فانني
|
|
أراه مسيئا بي
على غير مطمع
|
أيحسب إذ قد مات
أحمد لم
يكن
|
|
سعيد بن سعد حاميا كل مربع
|
فتى علم الأيام
شدة بأسه
|
|
هموما فقالته
ولم تتوقع
|
ولكنها قد صادفت
منه حولا
|
|
يخوض بحار الهم
غير مقرع
|
فتى من غدا
بالصبر يأمره إذا اب
|
|
تلى مثل من قد
قال للشمس شعشع
|
وآية ما قد قلته
فيه أنه
|
|
كما قد رأته
العين في كل المعي
|
تأمل إلى نور
النبوة والعلا
|
|
يحفانه في منزل
السعد واقنع
|
ولى ناظرا فعل
الإله به ترى
|
|
عناية من قد خص
من دون أربع
|
ألا إن هذا
الملك ملكا لزيد لا
|
|
يكون سوى في
أهله نقلة فع
|
فأحمد سعد والسعيد كأحمد
|
|
تجمعت العلياء
في البيت فاصدع
|
وقل للعدا موتوا
بغيظكم فما
|
|
لملك بني عيناء من متزعزع
|
فيا أيها المولى
الأجل ومن له
|
|
ودادي ومدحي في
مغيبي ومجمع
|
__________________
تهن به ملكا
حميت ذماره
|
|
وأحرزته لا
ظالما حق مورع
|
وكن حافظا حق
العشيرة وانتبه
|
|
فما تحفظ
العلياء حق مضيع
|
وأعط الورى استحقاقها بعد خبرة
|
|
ونظم عقود الملك
نظم مرصع
|
ودونكها بكر أتت
بنت ليلة
|
|
تعثر في ذيل
الحياء الممرغ
|
تعزيك بل تعزي
إليك لفخرها
|
|
بإنشادها في
الجمع منك لتسمع
|
وإن عشت تأتيك
القصائد بعدها
|
|
قواصد فضل دونها
كل أصمعي
|
من الشعر لا
يرجو لمسلم درة
|
|
على لبس خز بل
مجالس أرفع
|
بقيت لهذا الدهر
ما ذر شارق
|
|
وما غربت شمس
الضحى بعد مطلع
|
ورثاه صاحبنا
الشيخ الفاضل عبد الملك بن الحسين العصامي بقصيدة مؤرخة بقوله :
دار نعيم حبي
كريم
|
|
قرّ بها أحمد بن
زيد
|
__________________
وكان جعل برسم
خزانته العالية تاريخه ، الذي جمعه في مدة غيبتهم من مكة ، المسمى بسمط النجوم العوالي بأنباء الأوائل والتوالي
، وأجازه عليه إجازة سنية ، وأرخ وفاة المذكور بعضهم بقوله من قصيدة :
فنعم فتى جاء
تاريخه
|
|
لدار الخلود سعى
أحمد
|
فولي مكة الشريف
سعيد بن مولانا الشريف سعد ابن المرحوم / الشريف زيد ، مولده سنة خمس وثمانين . وسافر والده من مكة وهو عند مراضعه ، إلى أن عاد إلى
مواضعه ، وفرق في يوم السبت على العسكر جوامكهم ، وزاد من أراد زيادته ، وأعطى
العساكر المصرية جملة بخاشيش .
كل ذلك بعد أن ختم
على جميع مخلفات عمه بحضرة مولانا السيد ثقبة بن قتادة.
__________________
وكتب إلى ابن عمه
السيد عبد المحسن ، وإلى أخيه يخبرهم بذلك ، ويأمرهم بالمقام هناك ، أعني بينبع
للمحافظة على ما يليهم ، وعامله من بمكة من الأشراف بالسمع والطاعة والبقاء على
القدس الأقدم ، وزينت البلد خمسة أيام.
ولما كان يوم
الثلاثاء سابع عشر الشهر المذكور ورد نجاب من جهة مصر ، يخبرهم بقايقجي خارج من الأبواب بخلعة
لمولانا المرحوم الشريف أحمد ، ومعه ميرياخور الشريف أحمد ، كان بعثه بكتب مع أحمد
باشا ، لما سار من مكة.
وشاع أن
الإنقشارية تعصبت ، واستفحل أمرهم ، واقتضى رأيهم مع اتفاق أركان الدولة الرومية
على اعتقال مولانا السلطان محمد خان ، وتولية السلطان سليمان خان بن إبراهيم خان أخو مولانا السلطان
__________________
محمد خان.
فأمر مولانا
الشريف بزيادة ليلتين في الزينة. فلم يدخل صاحب القفطان ، فأمر بزيادة ليلتين
أخريتين . كل ذلك ليدخل القايقجي في ظرف هذا الأمر السائر ، ويرى
اطمئنان البلد.
وفي ليلة الجمعة
أول جمادى الثاني : دخل جماعة من الأشراف الذين هم بينبع ، منهم : السيد ناصر
الحارث ، والسيد عبد الله بن عمرو. ودخل القايقجي يوم الثلاثاء
خامس جمادى الثاني ومعه شيخ الحرم المتولي .
فطافا وسعيا ، ونزل
القايقجي أحد المدارس السليمانية ، فأخبر مولانا الشريف أن لبس الخلعة يكون سادس الشهر يوم الأربعاء.
فلما كان الأربعاء
سادس جمادى الثاني : نزل مولانا الشريف سعيد إلى الحطيم ، وحضر قاضي الشرع والمفتي
، والأشراف ، والفقهاء ، وخرجت العسكر إلى الزاهر ، ودخلوا بالقايقجي في آلاي أعظم
، إلى أن
__________________
وصلوا باب السلام .
فدخلوا بالقفطان
على جري العادة ، وألبسوه مولانا الشريف سعيد ، والريس يدعو له بأعلى زمزم ، وقد
فتحت الكعبة الشريفة. وقرأ المرسوم الوارد مولانا القاضي مرشد الدين أحمد بن عيسى
المرشدي الحنفي ، مضمونه بعد العبارة المعلومة : أن الله قد شرف الممالك العثمانية
والأقطار السلطانية والمنابر الإسلامية باسم مولانا السلطان سليمان خان بن ابراهيم خان.
وقد كان ذلك
بتاريخ يوم السبت المبارك ثاني محرم الحرام سنة ١٠٩٩ ه ، وقد أنعمنا على حضرة
الشريف أحمد بحماية الحرمين الشريفين على ما كانت عليه أوائله ، فالله الله
بالرعيّة ، إلى غير ذلك.
وطلع مولانا
الشريف سعيد إلى دار السعادة ، وألبس قفطانه الوارد عليه لوزيره الأعظم يوسف أغا
السقطي ، وأخلع ذلك اليوم نحوا من ثمانين خلعة على أرباب المناصب كلا بقدره ، ولم
يجلس للتهنئة في هذا اليوم ، وجلس يوم الخميس ثاني يوم قفطانه مجلسا عاما ، وقرت
به العين ، ولله [الحمد].
__________________
[ومدحه] صاحبنا الشيخ الفاضل عبد الملك بن الحسين العصامي ، وغيره
من الشعراء بقصائد على جري العادة.
ومن محاسن قول
الشيخ عبد الملك في قصيدته التي امتدحه بها قوله :
بني زيد الأمجاد
لا ثلّ عرشكم
|
|
وعنكم نبانا
بالزمان المغانم
|
لكم أنفس مليكة
تحت نبضها
|
|
قلوب أسود في
شخوص أوادم
|
فلا زال ممدودا
عليكم ظلالها
|
|
سماء نعيم في
ذرى العزائم
|
وفي ليلة الرابع
عشر من جمادى الثاني ورد السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد والسيد مساعد بن سعد ،
وجلسا للعزاء .
وفي ليلة السبت
السادس والعشرين من جمادى الثانية ، عزم من مكة رسول مولانا الشريف سعيد بعرضه إلى
صاحب مصر بالتقرير ، وهو صاحبنا الفاضل الشيخ محمد سعيد ابن الشيخ محمد المنوفي بنظر
__________________
الأغا يوسف السقطي
، وعزم صحبته أحمد بن محمد البغدادي أحد تجار مكة ، مصاحبا له إلى مصر لإرادته
دخولها.
وفي رجب من هذه
السنة بلغ مولانا الشريف عن بعض الفقهاء ، تكلما فيما لا يعنيهم ، فبعث إليهم أن
يلزموا منازلهم ، ويحفظوا ألسنتهم ، بعد التهديد لبعضهم من حاكمه القائد أحمد بن
جوهر.
وفي هذا الشهر بعث
مولانا الشريف إلى بعض المغاربة ، وكان يلم بأولئك الجماعة ، فأخذ وختم على داره ،
وحبس عند الحاكم ، ثم نقل إلى عند السردار ، ثم أطلق بشفاعة بعض الناس.
وفي غرة شعبان جاء
الخبر بأن مولانا السيد أحمد بن غالب اعترض الشيخ محمد المنوفي رسول مولانا الشريف
سعيد ، وأخذ المكاتيب من عنده ، واعتقله عنده ، وأطلق ابن البغدادي إلى وجهته.
ولما بلغه وفاة
مولانا الشريف أحمد ، كتب إلى مولانا الشريف ، يطلب منه المنكسر له عند مولانا
الشريف أحمد بن زيد ، وأن يعامله على أن يكون على جماعته كما كانت في زمن ، الشريف سعيد بن بركات .
__________________
فبعث مولانا
الشريف إلى قاضي الشرع وأغوات العسكر ، وعرفهم بذلك. ثم إن مولانا الشريف كتب عرضا
آخر ، وأخذ عليه خطوط العلماء ، وعرفهم بواقعة الحال ، وما جرى من السيد أحمد بن
غالب ، وبعثه من جهة الشام .
وفي يوم الأحد
الحادي والعشرين من شعبان ، وردت نجابة من جهة مولانا الشريف سعد بن زيد إلى
مولانا الشريف مع جماعته من بني صخر من الشام ، فأخلع عليهم مولانا الشريف.
ولما كان يوم
الإثنين سلخ شعبان ورد مكة مولانا الشيخ محمد سعيد المنوفي من جدة ، ركب بحرا من
ينبع ، بعد أن أذن له السيد أحمد
__________________
في الرجوع ، وبعث
السيد أحمد بن غالب إلى صاحب مصر ، وبذل له مالا يقال إنه مائة كيس .
وكان هناك بمصر
مال تجمع لفقراء أهل مكة من منكسر الحب ، حوسب عليه الباشا المعزول ، وأخذ منه نحو
خمسة وسبعين ألف قرش ، فقام إبراهيم بيك القاسمي أمير الحاج الشريف ويوسف وكيل صاحب مكة ، وأعطى الباشا ذلك المال من قبل السيد أحمد
بن غالب. وقاما في تولية لكتب وردت إليهما منه ، وتصالحا على ذلك ، وأخذا بقية المال
طمعا فيه ـ نعوذ بالله ـ.
[ولاية الشريف
أحمد بن غالب]
ولم يزل في ذلك
إلى أن استخرجوا له أمرا من الباشا بولاية مكة . فجاء الأمر مع بعض أعوان الباشا ، وبعث إلى محمد بيك صاحب
جدة ، يأمره بالنظر في تنفيذ أمره.
فلما كان ليلة
الثلاثاء رابع عشر رمضان : ورد من صاحب جدة
__________________
قاصد إلى قاضي
الشرع وآغات الإنقشارية / يعرفهم بأن صاحب السعادة وصلنا منه كتب ، وأن مكة قد تولاها السيد أحمد بن غالب ،
وقد بعث إلينا السيد أحمد بن غالب [بعض الأشراف ، وأننا واصلون إليكم مع مستلم
مولانا الشريف أحمد بن غالب] وهو مولانا السيد محمد بن مساعد بن مسعود بن حسن .
فطلع مولانا
القاضي إلى مولانا الشريف ، وأخبره بذلك. فما أجاب :
ـ إلا بالتصميم
على القتال.
ـ وأنه لا يسلم
مكة إلا بأمر باشوي.
ـ وعلى فرض وصول
الامر الباشوي فكان وصوله إليك هو الواجب ، لا إلى صاحب جدة.
فلما تعقل كلامه
مولانا القاضي ، بعث إلى صاحب جدة يحذره عاقبته. فجاء جوابه ـ بأنا نادينا للسيد
أحمد بجدة في ثالث عشر رمضان ، وأنه طالع إلى مكة مع قائم مقام المذكور السيد مساعد.
فلما بلغ مولانا
الشريف ذلك ، تأهب للقتال ، وجمع عبيد ذوي زيد ، وكلم العساكر. فظهر له أصحابهم ،
فلم يعبأ بهم.
__________________
وبعث نحو عشرين
خيالا من عبيده إلى نحو جدة ، يرقبون له وصول صاحبه ، وذلك ليلة الأربعاء خامس عشر رمضان. فجاءه النذير بأن
صاحب جدة وصل هو وبعض الأشراف ، ممن كان مع السيد أحمد ، ومنهم السيد مساعد السابق
ذكره ، وأنهم نزلوا الركاني بلد مولانا السيد أحمد في طريق جدة ، وأن جماعة الشريف
واجهوه ، وقالوا له : «لا تدخل مكة ، فإن مولانا الشريف سعيد غير مسلم للبلد دون
قتال ، أو أمر سلطان».
فأفهم أنه لا بد
له من دخول مكة.
فجاؤوا إلى مولانا
الشريف بهذا الخبر ، فتلقتهم خيل من جماعة الشريف ، تخبر بأن صاحب جدة قد رجع عن
عزمه ، وعاد إلى جدة.
وفي هذه الليلة
ظفروا بمورق معه كتاب من قاضي مكة المتولي إلى صاحب جدة ، يأمره
بالدخول ، ويخبره فيه بأنه استمال له أغوات العسكر.
فحفظ مولانا
الكتاب ، وزاد في التحرز ، وحفظ الطرقات ، وأقام العسكر اليمني ببابه محافظين ،
فأقام آخرين في بعض البيوت التي على الطريق ، واستمر الحال إلى ليلة الحادي
والعشرين من رمضان .
__________________
وفيها : ظهر لمولانا الشريف أن شيخ عسكره محمد البغدادي ممالئا
لمولانا السيد أحمد بن غالب ، وأنه بعث إلى صاحب جدة يأمره بالطلوع ، وأنه عازم
على تثبيط العسكر الشريفي.
فأمر مولانا
الشريف بقتله ، فقتل بعد الإعتراف .
وبعث إلى بيته من
يثق به من العسكر ، فقام عبيده ، وحموا منزله ، فتواقعوا مع العسكر ، ثم تكاثرت
العسكر عليهم ، وكسروا الباب ، وقتلوا ثلاثة أعبد بعد جراحات حصلت ، ونهب البيت ،
ولم يصبح له أثر.
وفي أواخر رمضان ،
ورد الخبر بقدوم مولانا الشريف أحمد بن غالب إلى مكة ، فاشتدّ التحفظ.
وفي ليلة الأربعاء
تاسع عشرين من رمضان ، وصل المذكور النوارية .
وهلّ شهر شوال
ليلة الخميس ، فبات الناس في أعلى درجات الشدة ، وجلس مولانا الشريف بعد صلاة
المغرب لرؤية العيد على جري العادة ، وهو على غاية التحفظ من كل الجهات.
__________________
وصلّت الناس العيد
، وكان الخطيب صاحبنا القاضي تاج الدين بن القاضي عبد المحسن القلعي ـ ولما فرغ
الخطيب من الصلاة طلع إلى مولانا الشريف إلى البيت. فإنه لم يحضر الصلاة في هذا
اليوم.
وعيّد الشريف أحمد
بن غالب بن محمد في النوارية ، ومد لجماعته سماطا أعظم ـ على ما يقال ـ.
وترددت الرسل بينه وبين مولانا الشريف سعيد بن سعد بن زيد ، وكل يعذل / صاحبه عن
القتال.
فلما كان عصر يوم
الخميس ، جاء الخبر بأنه وصل العمرة ، وجاء جماعة من الأشراف الذين بمكة ، وأخبروا مولانا
الشريف بعد وصولهم إلى الشريف سعيد بن سعد ، بأن الأمر قد خرج عنه ، وأظهروا له
التخلي عنه بالكلية ، حتى أخوه وابن عمه ، فلما رأى انحلال الأمر والقوم ، وكل
الأمر إلى الله ، وقال : «اليوم بعد اليوم»!!. فأودع طوارفه
__________________
لمولانا السيد
أحمد بن سعيد بن شنبر وسار متوجها إلى الطائف.
فولي مكة مولانا
الشريف أحمد بن غالب بن محمد بن مساعد بن مسعود بن حسن بن أبي نمي ، مولده بعد
الأربعين تقريبا . فدخل مكة ضحى يوم الجمعة ثاني شوال في آلاى أعظم من
الحجون لابسا خلعة الباشوية ، ومعه جميع الأشراف ، ونزل داره ـ بيت الشريف محسن بن
الحسين بن الحسن بن أبي نمي ، وكان قد اشتراها من السيد محمد بن زيد ـ وجلس
للمباركة. وحقن الله الدماء ـ ولله الحمد والمنة ـ وامتدحه الشعراء بقصائد أمثلها عندي قول صاحبنا السيد الفاضل محمد بن حيد [ر] الشامي وهي :
أسفر الدهر عن
محّيى السعود
|
|
ووفا بعد مطله
بالوعود
|
نشرت راية
التهاني فعمت
|
|
كل قطر بظلها
الممدود
|
وتحلت بالبشر
دهم الليالي
|
|
فغنينا عن نيرات
الوجود
|
__________________
أينعت للورى رياض الأماني
|
|
فاجتنوا طيب
زهرها والورود
|
أعتب الدهر بعد
طول غياب
|
|
وحبا أهله بأعلى
الجدود
|
واستحق المدح
المحبب والحم
|
|
د وليس المذموم
كالمحمود
|
حين أعطوا قوس
المعالي لباري
|
|
ها وراس السهام
بالتسديد
|
ذلك الفخر أنت
يا دهر رق
|
|
تحت أمر الولي الأجلّ الفريد
|
أحمدي الصفات والاسم والذا
|
|
ت عطاء من
العزيز الحميد
|
خصك الله بالنصر
في تنفيذ أحكا
|
|
مه وفي العدل
والتمهيد
|
ملك أشرقت
لدولته الأر
|
|
ض بأنوار الطالع
المسعود
|
فأنارت ونورت فكأن الزه
|
|
ر زهر الأفلاك
في التنفيذ
|
ورآها حلت قلوب
الرعايا
|
|
إذ وفت بقول عدل وجود
|
__________________
وحكتهم أغصانها
حين هزت
|
|
بالتهاني أعطاف
تلك القدود
|
ملك أرشد الإله
به الخل
|
|
ق فنالوا سكنى
جنات الخلود
|
سار فيهم بالعدل
فاغتنموا الشك
|
|
ر ففازوا بالأجر
فوق المزيد
|
ملك أفعم القلوب
ودادا
|
|
من قريب من
الورى وبعيد
|
فله من دعائهم
سابغات
|
|
أحكمت نسجها يدا
داوود
|
وله من دعائهم
نافذات
|
|
من سهام الدجى
بقلب الحسود
|
فجميع الورى له
جند نصر
|
|
إن جند الإخلاص
خير الجنود
|
بل هم رق فضله
ونداه
|
|
وعبيد الأمنان
أغلى العبيد
|
قابلته أم الورى
بابتهاج
|
|
وسرور عند
القدوم السعيد
|
أنشدت يوم حلها
يوم عيد
|
|
هو لا السعيد
حين أقبل عيد
|
شرف الملك إذ
حواه وحلا
|
|
ه بأوصاف ذاته
كالعقود
/
|
فتجلى بكل وصف
جميل
|
|
وتجلى بكل سعد
مديد
|
قد قضى الله
بالصلاح وأجرى
|
|
لطفه شاملا لكل
العبيد
|
عم أم القرى
بفيض العنايا
|
|
ت فبشر بذاك كل الوجود
|
مذ حباها منه
بأكرم ملك
|
|
خيمت فوقه ظلال
البنود
|
سيد حاز من حميد
السجايا
|
|
أفخر الإرث عن
كرام الجدود
|
هو فخر الملوك
من آل طه
|
|
سيما رهطه ذوي
مسعود
|
__________________
يا مليكا به
تتيه الرعايا
|
|
إفتخارا على
الملوك الصيد
|
إهن باللطف
والعناية والتو
|
|
فيق من ربك
العزيز الحميد
|
لاحظتك الألطاف
حتى أنا
|
|
لتك الذي رمته
من المقصود
|
لم تصطفيك للمجد
والسؤ
|
|
دد والعز والعلى
والجدود
|
ومساعيك لم تزل
بصلاح ال
|
|
حال تقضي في كل
خطب شديد
|
إن لله في
مساعيك سرا
|
|
دق إذ حلّ موقعا
في الوجود
|
فهنيئا للملك إذ
كنت تحوي
|
|
ه وتحميه من
جميع الحدود
|
وهنيئا لمكة حيث
أضحت
|
|
في حمى ظل عدلك
الممدود
|
وهنيئا لآل
عجلان طرا
|
|
سادة الخلق خيرة
المعبود
|
حيث أصبحت منهم
درة التا
|
|
ج على مفرق
الفخار المجيد
|
وابق واسلم في
أوج سعدك
|
|
تجني أطول العمر
كل يوم جديد
|
هاكها مدحة تسامت فخارا
|
|
بعلاكم عن كل
نظم مزيد
|
أنت بين الملوك
بدر الدراري
|
|
وهي بين القريض
بيت القصيد
|
__________________
دمت في نعمة وعز
منيع
|
|
بابتهاج في ظل
عيش رغيد
|
ما تلا حين سأل
فضلك راج
|
|
أسفر الدهر عن
محيى السعود
|
وممن مدحه المنيفي
المذكور بقصيدة يتعرض فيها للتنصّل عما وقع منه. فرضي عنه ، وألبسه صوفا من ثيابه .
وما كان من
الحيدري ، فصادف من إقباله ما تمنى ، وأثبت له مصروفا ، وجعله كاتب
الإنشاء ، ولله في ملكه ما يشاء ـ.
ومدحه صاحبنا
السيد هاشم بن أحمد الأزراري وغيره.
فلما أن استقر ،
عزل القائد أحمد بن جوهر من الحكامة وجعل فيها عبده القائد سنبل بن أحمد.
وأمر القائد أحمد
بالخروج من البلد ، فشفع فيه بعض الأشراف ، فأبقاه.
وعزل أحمد
الملتاني من الدويدارية ، وولاها القاسم بن طاهر
__________________
التربتي ، وولى محمد شريف ـ أحد أولاد العجم ـ كتابة العدني ، وبعث إلى الطائف ، يطلب الخواجه عثمان حميدان وابن عمه
إبراهيم حميدان.
ولما كان يوم
السبت الثالث من شوال أظهر الأصباهية أن محمد البغدادي المقتول السابق ذكره من بلكّهم ، وأن
الآمر بقتله إنما هو القائد أحمد ، وإنهم يريدون الدعوى عليه عند القاضي.
فقام في صدورهم
السيد أحمد بن سعيد بن شنبر ، فأصلح خاطر الشريف عليه.
وقام صاحب جدة
محمد بيك على الوزير يوسف السقطي في الحب الذي أخذه الشريف أحمد بن زيد ، وكتب
الوزير على نفسه حجة بأنه يوفي أهل الحب ، وكان ثمنه ألف وخمسمائة أحمر ، وادعى أن
أجلها قد
__________________
حلّ في هذا الشهر ، فأمر بجمع الفقهاء عند القاضي ، / فاجتمعوا ، فلاذ
الوزير المذكور ببلك الإنقشارية ، فقام في صعدته الإنقشارية ، فسكنت الفتنة.
ثم إن الأصباهية
ادعت على محمد علي بن سليم وزير مولانا الشريف سعد ـ أنه هو الآمر للشريف سعيد بقتل
البغدادي ، وأنه هو الذي حمله على محاصرة الشريف أحمد بن غالب ، فاقتضى الحال أن
اختفى المذكور ، إلى أن شفع له بعض الأشراف.
وصمّم الأتراك على
طلب محمد علي ، وقام معه القاضي ، فدخل على السيد حمزة بن مغامس بن سليمان ، فأنزله في بلده الركاني ، وحال بينه وبينهم.
وفي يوم الأحد
الحادي عشر من شوال ، ألبس مولانا الشريف إبراهيم ابن علي بن حميدان خلعة الوزارة
، وخرج راكبا في عسكر مولانا الشريف إلى منزله بسويقة وبورك له فيه.
ولما كان يوم
الجمعة السادس عشر من شوال : جمع محمد بيك الفقهاء بعد صلاة العصر في مدرسة
قايتباي عند القاضي ، للدعوى على السقطي
__________________
وثمن الحب السابق
ذكره ، فقال :
«أقررت مكرها» . فانفضّ المجلس عن لا شيء.
ونزل في هذا اليوم
صاحب جدة.
وفي هذا اليوم جاء
الخبر بوصول فرقاطة من البحر فيها الاستمرار لصاحب جدة.
وفي ليلة الأربعاء
الخامس من ذي القعدة الحرام : وردت النجابة بخبر القفطان السلطاني ، أنه وصل ينبع ، فأخلع عليهم مولانا الشريف. ثم عقبهم صبيحة.
ووردت يوم
الأربعاء نجابة أخرى ، ووصل أغاة القفطان ، فدخل مكة في آلاى العسكر الإنقشارية ضحى يوم
السبت الثامن من ذي القعدة الحرام ، ونزل مولانا الشريف أحمد بن غالب إلى
الحطيم ، وحضر السادة الأشراف والفقهاء وقاضي الشرع ، وجاء الآغا بالأمر
__________________
السلطاني ،
والخلعة السلطانية محمولة بين يديه ، إلى أن وصل إلى الحطيم ، وقد فتح البيت
الشريف.
فلبس مولانا
الشريف القفطان ، وقرأ المرسوم القاضي مرشد الدين ابن أحمد بن عيسى المرشدي
ومضمونه :
ـ بلوغ وفاة
الشريف أحمد بن الشريف زيد إلى الأبواب السلطانية .
ـ وتعريف صاحب
السعادة صاحب مصر حسين باشا باستحقاق مولانا الشريف أحمد بن غالب لهذه الشرافة ،
ورضى الأشراف بذلك ، وقد أنعم عليه بذلك.
وتلا هذه الوصاية
على الرعية والحجاج إلى غير ذلك.
فلما انتهى المجلس
، طلع مولانا الشريف إلى منزله للمباركة ، وأمر فزينت البلد ثلاثة [أيام].
ودخل مع هذا الآغا
معمار للعين ، بسبب عرض بعثة مولانا الشريف أحمد بن زيد ، ووصل أيضا من جهة البحر
ريس الكتاب بنية الحج.
__________________
وفي اليوم السابع
عشر من ذي القعدة طلع صاحب جدة وقاضي الشرع ومعهم المعمار المذكور إلى نعمان ، للإشراف على العمارة التي عمرها صاحب جدة في السنة التي
قبل هذه ، فأشرفوا ونزلوا.
وفي يوم الثلاثاء
الخامس عشر من ذي القعدة ، ورد نجاب على مولانا الشريف ، فألبسه قفطانا.
وفي هذا الشهر وقع
من مولانا الشريف غضّ عن بعض أبناء الفقهاء ـ عفا الله عنه ، وجزاه خيرا ـ.
وفي يوم الاثنين
مستهل ذي الحجة الحرام ألبس مولانا الشريف القاضي مرشد الدين تشريفا ، وجعله ناظر الصّرّ حال قسمته بالمسجد.
__________________
وفي يوم السبت السادس من ذي الحجة / خرج مولانا الشريف على جري
العادة لملاقاة الأمير المصري في العرضة العظمى ، فألبسه الأمير القفطان الوارد به ، وألبسوا ابنه ـ أبا طالب ـ ابن أحمد قفطانا ، وهو لم يبلغ الحلم إذ ذاك. وكذلك
جميع أرباب المناصب ، ورجع.
ثم خرج يوم الأحد
للقاء الأمير الشامي ، وألبسه الخلعة الواردة معه ، وحج بالناس ، ونزل وفرق الصر ،
وجعل [أحمد] الملتاني كاتبا في الصر ، ولم ترد بعض المواد من الصدقات في هذا العام.
وفي هذا الموسم
ورد من الطائف مولانا السيد مساعد بن سعد ،
__________________
وعامله مولانا
الشريف أحمد بن غالب ، واستقر الحال.
وسافر الحج ، وجاء
الخبر : أن الشريف سعيد بن سعد ، توجّه مع الحج الشامي إلى جهة والده ، وجهز مولانا الشريف قاصدا إلى الروم بهدية سنية. وبعث
خديمه المنلا قاسم بن محمد طاهر التربتي ، فتوجه بعد خروج الآمر من مكة.
__________________
ودخلت سنة ألف
ومائة (١١٠٠ ه):
وفي يوم الجمعة
التاسع عشر من محرم الحرام : طلع مولانا الشريف سطح الكعبة المشرفة للإشراف على
إفريز الكعبة ، التي تربط فيه الكسوة ، لإخبار المعلمين له بأنه استأكل ويحتاج إلى
التغيير. وجاءه أمر من الأبواب بعمارة ما يحتاج إليه في الكعبة وتعريف جهة السلطنة
بما صرف في ذلك.
فاتفق أن وجبت
الجمعة ، ودخل الخطيب وهو في الكعبة ، فصلى الجمعة وهو في جوفها.
والكلام في هذه
المسألة محله في غير هذا الكتاب فراجعه إن شئت .
إلا أن تكون صحة
الصلاة في جوف الكعبة مؤتما بالإمام الخارج ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم.
ولما أن فرغ ، أخلع على الشيخ عبد الواحد الشيي ، وولده الشيخ عبد
المعطي ، وعلى المهندسين.
__________________
وفي يوم السبت
السادس والعشرين من محرم الحرام من السنة المذكورة : خرج مولانا الشريف إلى الزاهر قاصدا [جهة] المدينة ، وأناب منابه بمكة مولانا السيد بشير بن مبارك بن
فضل بن مسعود .
في هذه الأيام أمر
مولانا الشريف بأناس ، بلغه أنهم يصكون الدراهم ، فأمر بنهب بيوتهم ، ففعل بهم ذلك ، وأمهلوا نحو خمسة
أيام ، وأخرجوا من البلد ، وأحضرت آلات الصك بين يديه ، فصلحت المعاملة. ثم ظهر له أن نائب حكمه خانه
في بعض مال المنهوبين ، فعزله ، وأمر بنهب بيته أيضا ، فأخذ جميع ما فيه ، وجعل
نائبا غيره.
__________________
ولما كان يوم
السبت أول هلال ربيع الأول من السنة المذكورة : ألبس حاكمه القائد سنبل قفطانا ، وجعله وزيرا له. فجمع
له بين الحكامة والوزارة ، وعزل الخواجة إبراهيم حميدان.
وفي هذا اليوم :
ألبس عبد الله حميدان قفطانا وجعله وزير جدة ، وعزل حسن حميدان عن وزارة جدة أيضا
، فنزل المذكور بعد لبس خلعته.
وفي هذه السنة :
تولى محمد بن عبد المجيد الفقيه قضاء جدة نيابة عن قاضي مكة ، ونزل من يومه.
وفي هذه الأيام :
أمر كتبة جدة بمنع الطلقات التي من الجلاب لبعض الناس من السادة والتجار ، وكانوا
يأخذون عشورها مسامحة من الملك.
وفي أوائل ربيع
الثاني : أمر بفتح دشيشة السلطان جقمق ،
__________________
وأصرف لها ألف
أردب حبّ ، وصلت في هذا العام من حب سليمان .
وفي يوم الجمعة
السادس من / ربيع الثاني : وصل نجاب إليه من البحر بأمر باشوي ، مقتضاه : رجوع أمر
جميع العسكر الإنقشارية وغيرهم ممن بمكة إلى رأيه ، وإطاعته في جميع الأمور ، يسافر بمن شاء منهم ، ويبقي من
شاء ، دون مخالفة منهم له.
وقرأ عليهم الأمر
بعد صلاة العصر ، بحضور قاضي الشرع والمفتي وأغوات البلكات ، فأجابوه بالسمع
والطاعة.
والسبب الحامل له
على طلب هذا الأمر ، استفحال الإنقشارية والأصباهية بمكة ، وجعلوا إذا مات أحد من
أصحاب الأموال ، ادّعوا أنه من بلكهم ، واستحقوا عليه . وبلغه أن بعض أولاد الفقهاء المتلبسين بالخطابة والإمامة
جعلوا إنقشارية ، فأراد حسم هذا الباب بهذا الأمر. وهو نعم الرأي ، لو أنه تم ، إلا أنه لم يتم له مقصود.
__________________
وطلع صاحب جدة في السابع عشر من ربيع الثاني ، واستمر إلى الخامس
والعشرين ، ونزل.
وفي ليلة الثلاثاء
سلخ ربيع الثاني : ورد مورّق من ينبع. وأخبر بورود آغا من مصر ، وصحبته ولد مولانا
السيد ناصر الحارث وشريف آخر ، بعثهما السيد ناصر إلى صاحب مصر . فوردوا مكة سابع جماد الأولى ، ومعهم السيد حسن بن أحمد
الحارث.
ونزل الآغا
المذكور في دار السيد ناصر الحارث.
وبعد مواجهة
مولانا الشريف لم يظهر له نبأ ، وجاء مع هذا القاصد أمر باشوي لسردار الإنقشارية
بالاستبداد في الأمر ، فيما يراه الأصلح في شأن العسكر.
وبهذا انفسح الأمر
الوارد لمولانا الشريف ، فأراد أن يسجل هذا الأمر الوارد إليه ، فأمهله القاضي حتى
يشرف عليه مولانا الشريف.
فيقال إنه لما وصل
إليه ، احتبسه عنده ، وأبى تسجيله ، إلا أن يكتب له السردار المذكور ضمانه بما يقع
بمكة من الاختلال. فلم يجبه السردار ، وأنفت نفسه من هذا الفعل.
وفي يوم الأحد
الثالث عشر من جمادى الأولى من السنة المذكورة : جاء الخبر من الطائف ، أن الإمام الحسين ابن الإمام
__________________
إسماعيل المتوكل
على الله صاحب اليمن ، قد ورد الطائف من طريق الحجاز الأعلى. فجاء الخبر يوم
الرابع عشر من جمادى الأولى تحقيق ذلك ، وأنه مقبل إلى مكة ، وأنه وصل الطائف ثاني
عشر الشهر ، ونزل على مولانا الشريف السيد عبد المحسن ابن مولانا السيد أحمد بن
زيد بالأخيضر من أرض الطائف ، فاضطربت الأروام لذلك.
ولما كان ليلة
الأربعاء السادس عشر من جمادى الأولى : دخل مكة حسين ابن الإمام المذكور ، ومعه
أخوه ، وولد صاحب كوكبان حسين بن عبد القادر في نحو أربعين عنانا من الخيل. وصح أنهم
__________________
خرجوا هاربين من
الإمام المتولي الناصر محمد بن أحمد بن الحسن . فأمرهم مولانا الشريف بالنزول في دار السيد محمد بن أحمد
بن الحسن.
وفي ضحى يوم
الأربعاء ركب حسين المذكور ، وجماعته ، إلى مولانا الشريف بالزاهر ، فلاقاهم أحسن
لقاء ، وعادوا من عنده ، ونزلوا دار النصاري أحد تجار اليمن ـ بإذن من مولانا
الشريف. ورتب لهم مولانا الشريف مصروفا بعد إرسال الهدايا على جري العادة.
وكان في صحبتهم
السيد أحمد بن محمد الأنسي السابق ذكر والده في ترجمة مولانا الشريف زيد بن محسن.
__________________
وكان المذكور
أديبا طريفا ، فلما قدم هذا القدوم امتدح مولانا الشريف بقصيدة يذكر فيها استيلاء
الناصر على اليمن ، وظلمه لهم ، وإخراجهم من بلادهم خوفا منه على نفوسهم ، وعدم
النصرة لهم. وهي هذه القصيدة / :
عج بالكثيب وحي
الحي من كثب
|
|
فثم يذهب ما
بالصب من وصب
|
وانزل بحيث ترى
الأرام راتعة
|
|
بين الأسنة
والهندية القضب
|
ترعى القلوب
والا ما إذا وردت
|
|
أسرابها غير ما
المدامع السرب
|
من كل وسناء طرف
بالسنا حجبت
|
|
عن ناظري وسناها
غير محتجب
|
إذا رأيت محياها
وطرتها
|
|
رأيت شمس الضحى
في الليل لم تغب
|
وإن تأملت في
الخد الأسيل فقل
|
|
سبحان جامع بين
الماء واللهب
|
رقّت وراقت
كدمعي إذ جرى حصبا
|
|
كأنما أسكبت من
مدمعي السرب
|
لو لا اللحاظ
ورمح القد أحذره
|
|
نلت الوصال فلا
أعنا بمرتقب
|
عن قوس حاجبها
بالهدب مصحبة
|
|
لا يتقي نبلها
بالزعف واليلب
|
وسحر مقلتها عز
النظير له
|
|
إلا بألفاظها من
ثغرها الشنب
|
__________________
أضحى بها كل طرس
كالضحى
سنا
|
|
والحبر كالليل
والألفاظ كالشهب
|
مدحت قوما
أراشوني بجودهم
|
|
والمدح أشرف
مكسوب لمكتسب
|
أما ترى المال
والأذهاب ذاهبة
|
|
والمدح يبقى مدى
الأيام والحقب
|
وملت عنه ولى
عزم يحثني
|
|
عن السلام إلى
ذي المجد والحسب
|
وقلت للنفس لا
أرضاك صاحبة
|
|
حتى تبلغني أرض
النجا نجبي
|
لا أركب اليم
بالعزم الأبر كما
|
|
طواه من قبل
بالعزم الأبي أبى
|
وما رضيت بأرض
الشام عن يمن
|
|
إلا لتبلغ نفسي
منتهى أربي
|
حيث النبوة
مضروب سرادقها
|
|
تفيء ظلا ظليلا
راسخ الطنب
|
وحيث تلقى الصفا
فيه الصفاء إذا
|
|
رمت المنى فمنى
أو طيبة فطب
|
فإم أم القرى ثم
المقام وقل
|
|
هذا مقام خليل
الله خير نبي
|
واقر السلام على
باب السلام لها
|
|
ملبيا [فيه] واسجد ثم واقترب
|
وقبل الركن أو
كف الشريف وقل
|
|
تساويا لذوي
التقبيل في الطلب
|
فإنما يده يده
البيضاء لمستلم
|
|
كأسود الركن بين
العجم والعرب
|
ناهيك يا نازعا
راشت قوادمه
|
|
قوم هم الأسد
فاحذرها لدى الغضب
|
من كل أروع إن
وافيت تسأله
|
|
يكفيك من كف
مختضب
|
إلى بني حسن
يعزى الفخار كما
|
|
أضحى إلى الهند
يعزى كل ذي شطب
|
__________________
مولاي إنّ رموز
الفخر قد نطقت
|
|
بحسبة منك في
الأرضين فاحتسب
|
ودونك اليمن
الميمون قد عبثت
|
|
به الأراذل أهل
اللهو واللعب
|
كان المؤيد والمهدي قبلهم
|
|
خلائفا خلفا
للعلم والكتب
|
فخلفوا خلفة ضلت
طريقهم
|
|
قد أصبحوا خلفاء
الرقص والطرب
|
رعاع قوم
رعاياهم مورعة
|
|
من جورهم كل قلب
أبي مرتعب
|
كأنما الجود
يخشى أن تلامسه
|
|
أيديهم فهو
كالعنقاء في
الهرب
|
ومنهم من دعا
للحق محتسبا
|
|
بزعمه وهو أطغى
من أبي لهب
|
تبت يداه وأيد
بايعته على
|
|
ما يدعي أنها
حمالة الحطب
|
ما زال ينتهب
الأموال يصرفها
|
|
في غير مصرفها
في غير منتهب
|
لم يرع حرمة ذا
البيت الحرام ولا
|
|
وفى بحق
المساكين وذي سغب
|
__________________
دعى فلباه كل
الخلق عن عزل
|
|
فقال من بعد كل
ليت لم أجب
|
فالحال منهم
كإبليس ورفقته
|
|
عند الخصام فيا
لله من عجب
|
قد بدل الطرد
علسا في حكومته
|
|
وأجلس الرأس
منهم موضع الذنب
|
وصار منه رفيع
القوم منخفضا
|
|
يدعو عليه بكل
الويل والحرب
|
وكل قلب عليه
صار منقلبا
|
|
لا بد للسوء
والبغضاء من سبب
/
|
فهذه الحكمة
المذا خاطبة
|
|
على المنابر لا الورقاء على القضب
|
فيا ابن غالب
احفظها مهذبة
|
|
تغنى عن السجع من
شدو ومن خطب
|
بصدق مدحك قد
جاءت مذكرة
|
|
ما قلت في مدح
من فارقت من كذب
|
وقد تغربت عن
أهلي وعن وطني
|
|
إليك يا غوث
ملهوف ومغترب
|
فالحمد لله قد
نلنا المراد وقد
|
|
جوزيت بالخير عن
كربي وعن تعب
|
فنا يقبل من عفنا منازلهم
|
|
إني نزلت بحيث
الجود في حسب
|
وحيث يلقى
الشريف الملك مبتهجا
|
|
مكللا تاجه
بالمجد لا الذهب
|
وهذا ما اخترته
منها. وهي طويلة.
فأجرى مولانا
الشريف رزقا في جملة من معه ، وأقاموا بمكة إلى أن خرجوا عائدين إلى اليمن. كما
يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
__________________
ولما كان يوم
الخميس السابع عشر من جمادى الأولى : طلع صاحب جدة ، ومعه الأغا الوارد مع السيد
حسن الحارث السابق ذكره ، بعد أن لبس خلعة وردت عليه بجدة ، فنزل بالزاهر بالقرب
من مولانا الشريف.
ولما كان يوم
الجمعة الثاني عشر من جمادى الأولى : ورد مولانا السيد محمد بن أحمد الحارث مكة من
نجد .
وفي يوم الأحد
الثامن والعشرين من جمادى الأولى : انتقل مولانا الشريف أحمد من الزاهر إلى
المعابدة ، ونزل ببستان الخواجه عثمان حميدان ، وانتقل معه صاحب جدة
، فنزل في وطاقه عند بستان جانيبك على يسار الصاعد إلى منى.
وفي يوم السبت
الحادي عشر من جمادى الأخرى : عزم القائد سنبل ـ وزير مولانا الشريف ـ وحاكمه ـ مولاه
الأعظم ومالك رقه الأفخم ـ إلى منزله دار مولانا الشريف ثقبة بن أبي نمي ، واحتفل
له بحيث أنه ضبط ما قدمه له من الهدية ، فبلغت عشرة آلاف قرش ـ كذا أخبرني من لا
أتهمه . فخرج من عنده ليلا وطلع إلى البستان بالمعابدة.
ولما كان ليلة
الإثنين الثالث عشر من جمادى الأخرى : اختصم بعض العجم مع زوجته ، فدخل الأعجمي
على مولانا السيد بشير بن مبارك بن
__________________
فضل ، فبعث [إلى] الوزير المذكور ، فبعث الوزير إلى امرأة الرجل يدعوها إليه
، فبلغ العجمي ذلك ، فأنف ، وطلع إلى مولانا الشريف ، وأنهى إليه ذلك.
وعزمت المرأة إلى
مولانا الشريف أيضا شاكية من زوجها والوزير ، فاشتد غضب مولانا الشريف ، ودعى
بالوزير والعجمي ، وأمر بضرب العجمي ، وأراد الفتك بالوزير المذكور ، إلا أنه
تداركه بلطفه ورحمته.
وتشفعت فيه زوجة
مولانا الشريف الشريفة مزينة ، وأمرت ابنها السيد أبا طالب أن يدخل بالقائد المذكور على
مولانا الشريف ، ويستسمحه له ، فقبل ذلك. غير أنه أمره بالنزول ، وهو غير راض عنه.
وفي يوم الجمعة
السادس عشر من الشهر : رضي على القائد المذكور ، وألبسه فروا سمورا ، وكتب له عهدا
بالوزارة والحكامة ، فنزل معه يوم الجمعة للصلاة في أعلى درجات الإقبال.
وفي ليلة الثلاثاء
الثامن عشر من شعبان من هذه السنة : وصل مكة قايقجي من الأبواب من البحر ، ونزل من ينبع ، فخرج له آلاى بعد ان بات بالزاهر.
ودخل ضحى يوم الثلاثاء ، ومعه أمر سلطاني ، وخلعة سلطانية على فرو سمور ، / فنزل
له مولانا الشريف إلى الحطيم ، وحضره
__________________
الأعيان ، وفتحت
الكعبة ، فقرأ المرسوم ، ولبس الشريف الخلعة الواردة إليه بحضرة القاضي والمفتي
والفقهاء والسادة الأشراف ، وهو جواب عرضه الذي بعثه بعد دخوله مكة في شوال ،
وتاريخه أوائل ربيع الثاني.
وامتدحه في هذا
اليوم غرس نعمته وربيب دولته صاحبنا السيد محمد بن حيدر الشامي بقوله :
تساميت بالأجداد
يسمو بك الجد
|
|
وجددت مجدا دونه
يقف المجد
|
وشرفت أقدار
الممالك عند ما
|
|
زهى بك دست الملك والتاج والعقد
|
بعزك سرح الحل
والحرم احتمى
|
|
غداة اليك الحل
أصبح والعقد
|
ليهن ملوك الدهر
إذ كنت فيهم
|
|
بحيث رسى بين
الملك على فرد
|
فإنك شمس
والملوك كواكب
|
|
إذا اتصلت
ودابها حفها السعد
|
على أن شمس
الأفق بالبرج شرفت
|
|
وأنت لأبراج
العلا شرفا عد
|
ولله كل الأمر
والله قد قضى
|
|
بأن إليك الأمر
من قبل أو بعد
|
أليس الذي لم
تطو يوما طويته
|
|
على غير ما يرضى
به الصمد الفرد
|
ولم ترض بالحسنى
بديلا وإن أبى
|
|
سوى من غدا فخر
الملوك له ند
|
أليس بك اللطف
في الكون مظهر
|
|
يمازج بطش الانتقام به الرشد
|
__________________
فمن رحمة قد
صورت ذاتك التى
|
|
تصور من إقدامها
الأسد الورد
|
ألست المثيل
الغيث غيثا لطامع
|
|
بصوب ولا برق
يخاف ولا رعد
|
ألست الذي شدت
الفخار بهمة
|
|
وعن دونها أوهى
بالاسكندر الجهد
|
فما قلت في خطب
أعينوا بقوة
|
|
ولو صدّ دون
القصد من بهم فاسد
|
أغثت بني أم
القرى وقد أنبرت
|
|
بنات الليالي في
مصر بهم تعد
|
فسوّغتهم دارا
من العدل حافلا
|
|
وقد ضمهم كالطفل
من رأفة مهد
|
وألبستهم بردا
من الأمن صافيا
|
|
يحاك على سمر
القنا ذلك البرد
|
لقد جاء ملبوس
الخلافة إذ سما
|
|
بعطفيك فخرا هز
عطفا له المجد
|
طوى البحر ثم
البرّ شوقا لسيد
|
|
هو البرّ من
أفضاله البحر يمتد
|
فيا خلعة لو أنها خلعت سنا
|
|
على الشمس ما
لاح الكسوف لها بعد
|
إلى غير ذلك .
ووصل مع هذا
القايقجي الأمر بالإمساك على مصطفى أغا سردار الإنقشارية بالأبواب ، وكان حج هذه
السنة ، وأقام بمكة ، فاستدعى مولانا الشريف بعد صلاة العصر في هذا اليوم قاضي
الشرع والمفتى والآغا
__________________
المذكور مصطفى ،
فطلع ولم ينزل ، وجاء قاضي الشرع ، وختم على مسكنه لحلول القدر ، وأخذت
أعوانه وعبيده أينما وجدوا في الحرم وغيره من الأماكن والطرقات. ثم إن مولانا
الشريف أسلمه إلى القاصد ، وأمره بإخراجه من مكة ، وأن لا يقتله بها ، فنزلوا به
إلى جدة ، وقتل في الطريق ، ودفن خارج باب جدة ، رحمهالله تعالى .
ولما كانت ليلة
السبت : نزل الأغا القايقجي إلى جدة بخلعة إلى صاحبها محمد بيك ، وأقام مدة ،
وطلع.
وأمر القاضي ببيع
مخلفات مصطفى أغا المقتول ، فباعوا جميع مخلفه ، وضبطوه ، وأسلموه للقايقجي
المذكور.
وفي ليلة الجمعة
الثالث عشر من رمضان : أمر الوزير سنبل بن أحمد بحبس جميع الشرابجة المقيمين بمكة ، وأحمد الجامي [المصري] ، وكان أرسله الشريف بركات سابقا إلى الهند ، فجاء [الخبر] إلى
__________________
سردار الإنقشارية
، فأرسل يشفع فيه ، فقال : «نطلقه الآن» / ، وأمر بإخراجه من الحبس ، وضربه في
الشارع تحت بيت الوزير المذكور ، ولم يتكلم فيه أحد.
ثم إن الوزير [المذكور] لزم رجلين من المحشرين إلى العسكر ، وثقل عليهم بالحديد ، وضرب أحدهما بعد ثلاثة
أيام نحو ثلاثمائة كرباج ، وذلك لكونه ضرب عبدا طالبه بدراهم لمولاه عنده. فأنهى
مولى العبد ذلك إلى الوزير المذكور ، أما الثاني فكان يحاول وكالة على أبناء عمه ،
وإرشاء السردار على ذلك.
ولما كان يوم
الاثنين الثاني والعشرين من شوال : ورد الخبر برجوع قاسم التربتي إلى المويلح متوجها إلى مكة.
وفي هذا اليوم : ورد الخبر من الشام بوفاة السيد عبد الله الحارث ، فإنه
كان في ينبع ، فالتقت حرب
__________________
وصبح ، ففزع مع صبح على حرب ، ومعه السيد باز بن هاشم بن عبد
الله ، فضرب عبد الله بن أحمد بن الحارث برصاصة ، وقتلت فرس باز ابن هاشم ، وقتلت
بعض الأشراف الرواجح وحاكم ينبع.
وفي يوم الأحد
الثامن والعشرين من شوال : دخل مكة قاسم التربتي مرسول مولانا الشريف أحمد بن غالب
إلى الأبواب ، ودخل معه السيد سعد بن المرحوم الشريف بركات.
وفي يوم السبت
الرابع من ذي القعدة : جمع مولانا الشريف قاضي الشرع والفقهاء في منزله ، وقرأ
عليهم أمرين استخرجهما من الأبواب السلطانية. [مضمون] أحدهما :
ـ أنه عين السلطنة
الناظرة في جميع الأوقاف ، وليس للقضاة
__________________
الواردين شيء من
ذلك.
ومضمون الثاني :
ـ أنه بلغنا تقصير
الوكلاء والعمال في أمر الوارد من الصدقات السلطانية لأهل الحرم.
ـ وأنهيتم إلينا
أن بعض الناس تطرق إلى التقرير من صاحب مصر في حقوق بعض الأحياء الموجودين. فأمرنا
صاحب مصر بالنظر في أمر الصرّ والحبّ ، وأن لا يعمل بعرض وصل إليه ، ما لم يكن
خطكم الشريف عليه ، المظهر للاستحقاق في المتكلم في تلك [المادة]. إلى غير ذلك من التأكيدات.
فحمدته الجماعة
على ذلك ، وشكروا فضله ، ودعوا له بالبقاء.
ودخل حج سنة ١١٠٠
مائة وألف : فورد الحج المصري ، وخرج مولانا الشريف في العرضة العظمى للقاء الأمير
في اليوم السادس من ذي الحجة ، ولبس خلعته الواردة إليه معه ، وكذلك أصحاب المناصب
، وحج بالناس. وكانت الوقفة يوم الجمعة ، ودخل صحبة الأمير المصري مولانا
السيد عبد الله بن [محمد بن زيد]. وكان خرج إلى مصر
__________________
مغاضبا ، فلاقاه
مولانا الشريف بالصفح والإكرام.
ودخلت سنة ألف
ومائة وواحد :
وفي ليلة ثاني
محرم الحرام ، خرج مولانا السيد مساعد بن مولانا الشريف سعد ، وأخوه السيد
دخيل الله ، ومولانا السيد محسن بن الحسين بن زيد ، وعبد الله بن محمد بن زيد
متوجهين إلى الأبواب ، لمنافرة وقعت بينهم وبين مولانا الشريف ، ولم يبق من ذوي
زيد بمكة غير السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد.
ثم جاء الخبر
بأنهم اقتصروا على ينبع البحر ، وأنهم أقاموا هناك. ثم إنهم استمالوا العرب هناك ، ولم يزالوا ، حتى أنهم نادوا للشريف محسن بن الحسين
بن زيد في الصفراء وبدر وتلك النواحي.
ثم تقدم مولانا
الشريف مساعد بن سعد إلى السويق ـ قرية
__________________
قريبة من ينبع ـ.
فلما جاء هذا
الخبر إلى مولانا الشريف أحمد بن غالب ندم / على تفريطه فيهم وعدم ملاطفتهم.
ثم إنه لما كان
أوائل المحرم من هذه السنة : حسن لمولانا الشريف من يلوذ به من أهل الفساد ، طلب زكاة
الأموال من الناس عامة. وابتدأوا بالتجار وأصحاب الأسباب والحرف التافهة ، فظهرت من ذلك شناعته في العامة.
وما أحسن ما أنشده
بعضهم في هذه الحالة :
ما للشريف
منادما ذو منطق
|
|
حلو فينشد عنده
تعليما
|
لا يلفك الراعون
إلا مظهرا
|
|
خلق الكرام ولو
تكون عديما
|
ولما كان يوم
الاثنين الثامن من صفر خرج مولانا الشريف إلى الزاهر متوجها إلى ينبع ، فأقام هناك
أياما. فجاءه الخبر في ثاني عشرين [من شهر] صفر [أن السيد مساعد
ومن معه من الأشراف قد دخلوا
__________________
ينبع] ، ونادى فيها للشريف محسن بن الحسين ، وأنهم تلاقوا مع
السيد محمد بن مساعد القائم بينبع مقام مولانا الشريف سابع عشر صفر.
وفي ليلة الأربعاء
مستهل ربيع الأول : جاء الخبر بوفاة مولانا السيد محمد بن مساعد ، لأنه أصيب ،
وعاش يومين بعدها ومات ، رحمهالله تعالى ، وبكوا عليه بمكة.
واستولى السيد مساعد
على ينبع ، وأخذ ستمائة أردب حب كانت هناك لمولانا الشريف ـ وشرع أمر مولانا
الشريف في الإنحلال.
ثم ورد الخبر
بوصول قفطان إلى ينبع لمولانا ، وأن الأشراف بينبع استولوا عليه ، وأن الواصل به
استأذنهم في الزيارة ، فأذنوا له ، وكتبوا إلى صاحب مصر يعرفونه بإخراجهم من مكة ،
وإقامتهم بينبع ، إلى غير ذلك.
وخرج جماعة من ذوي
عبد الله إلى جهة اليمن ، فأخذوا القنفذة ، ومنعوا النزالة ، وانقطع طريق اليمن ، وكثرت القطاع في
__________________
طريق جدة ، وكثرت
السرقة بمكة. ووقع القتل بها ليلا ونهارا ، وكثرت الأقاويل من العامة في ذلك.
فبلغ مولانا
الشريف حديث في الحاكم وبعض الأشراف ، واتفق في هذه المدة وصول مركبين من الهند ، وفيها ما علي آغا التركماني ، كان بعثه مولانا الشريف أحمد بن زيد بهدية إلى صاحب
الهند ، فلما ورد جدة ، طالبه مولانا السيد عبد المحسن بما جاء به لكونه عوضا عن
هدية أبيه ، فاستجار ، فمانع مولانا الشريف وقال : «إنما هي لصاحب مكة أيا كان». فتنازعا في ذلك.
واستعدى مولانا
السيد عبد المحسن بمولانا السيد أحمد بن سعيد بن مبارك بن شنبر على الشريف أحمد بن
غالب ، فاقتضى الحال بمفارقة الشريف [أحمد] بن سعيد لمولانا الشريف.
وكان قبل هذا
بأيام قد فارق ذوو الحارث وجماعة من الأشراف ، وخرجوا مغاضبين.
__________________
فلما خرج السيد
أحمد بن سعيد تتالت إليه الأشراف المغاضبين ، فنزل الحسينية بمن معه من الأشراف ، وألّم به ذوو الحارث وغيرهم ، وانتقل
بعد أيام إلى العمق ـ موضع قريب من جدة ـ ، ثم توسط بين البلدين.
وتفاقم الأمر على
مولانا الشريف ، وجاء الخبر أن خليصا أخذت من حاكمها ، وورد حاكمها مكة.
وفي اليوم العشر
من جمادى الأولى : اشتد الأمر ، فطلب مولانا الشريف من معه من الأشراف ـ كذا ـ بالركوب
على السيد أحمد بن سعيد ، فامتنعوا قبل أن يستخبروه عن شأنه ، فذهب إليه [بعضهم ، وطلب مولانا الشريف العسكر
المصري أن يخرج إليه] ليلة ثاني عشر جمادى
__________________
الأولى ، فخرجوا
إلى وطاقه ، وباتوا عنده تلك الليلة بجرول إلى الصبح.
ثم إنهم امتنعوا
وقالوا : «ليس علينا أن نخرج للمبات في خيامكم كل ليلة ، إنما نحن للمدافعة ، سر
حيث سرت ، نسير معك».
فجاء الخبر ، أن
مولانا السيد أحمد بن سعيد توجه إلى جهة اليمن ، وأنه أخذ قافلة جاءت من تلك الجهة
نحو مائة وثلاثين / جملا. فاقتضى رأيه الخروج إلى هذا الجانب ، فتوجه من مكة ليلة
الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى قاصدا نحو السعدية .
وأقام بمكة السيد
شنبر بن بشير بن سليمان نائبا عنه ، وبات تلك الليلة بالقوز قريبا من بركة ماجن . ثم عنّ له فانحرف إلى بحرا ، ثم إلى العد ـ موضع بالخبت ـ. فصادف هناك جماعة من
__________________
الأشراف والعربان
، ففتك بهم ، وكانت وقعة شنيعة ، نهبت فيها النساء ، وقتلت فيها الأطفال ، وأخذوا
ما وجدوه من غنم وجمال وحمير.
ورجع إلى مكة [يوم
الأربعاء] ثالث جمادى الثاني ، ونزل داره ، واستمر إلى رابع عشر
جمادى الثاني : فجاءه الخبر أن آغاة القفطان الوارد السابق ذكره ، قد ورد جدة ،
وألبس محمد بيك قفطان الإستمرار ومعه بعض الأشراف من ينبع.
ثم عقب هذا أنه
نودي بجدة لمولانا الشريف محسن بن الحسين ، فاضطرب حال الشريف ، وفرق العسكر في المتاريس والطرقات وشعاب مكة ، واضطرب
الناس لذلك ، فأمر بمنادي ينادي بالأمان ، فركب حاكمه ومعه السيد عبد الله بن
جازان ، ونادى في شوارع مكة بالأمان ، فهدأ الناس ، ثم اجتمع قاضي الشرع ورؤوس
بلكات العساكر ، واتفق معهم على أن يبعثوا إلى صاحب جدة ، ويسألونه عن هذا الشأن.
فجمعوا الفقهاء ، وكتبوا محضرا وضع عليه الحاضرون خطوطهم بتخطئة الباشا في هذا
الفعل ، وعرفوه بأن مولانا الشريف غير مسلم لهذا الأمر ، إلى غير ذلك. ونزل به
مولانا السيد عبد الله بن حسين ابن عبد الله ومعه عبد المحسن بن هاشم بن محمد بن
عبد الله ، ومعهم جماعة من القاضي ، وجماعة من أصحاب البلكات ، فرجعوا وخبروا بعدم
الوفاق ، ولم يزل الأمر يتفاقم.
__________________
وسبب انقلاب صاحب
جدة على مولانا الشريف ، توليته وزارة جدة لابن حميد القرشي ، فإنه ورد جدة ، وجعل
يناقض الباشا [في كل أمر] ، إلى توحش خاطره بعد صفائه ، فرجع لغدره بعد وفائه.
ثم إنه ورد الخبر من
الطائف بأن السيد حسن بن أحمد بن الحارث نادى في الطائف للشريف محسن ، وتدانت
الأشراف الذين مع السيد [أحمد] بن سعيد إلى البلد ، فأخذوا إبلا لمولانا الشريف نحو خمس
مائة ناقة من نحو السعدية.
ولم يزل مولانا
الشريف في التحرز ، وأمر عسكر اليمن بملازمة الأروقة التي خارج المسجد ليلا ونهارا.
ولما كان يوم
الخميس العشرين من جمادى الثانية : خرج من مكة السيد محمد بن حمود مغاضبا أيضا ، ونزل العابدية من نحو نعمان.
وفي يوم الجمعة
السادس عشر من جمادى الثاني كتبوا عرضا إلى صاحب مصر وإلى الأبواب ، ينهون ما وقع
من صاحب جدة ، وأكثروا
__________________
الشناعة عليه.
ولما كان السادس
من رجب : اجتمع في الحطيم مولانا الشريف ، وقاضي الشرع ، والفقهاء ، وجماعة من
الأشراف.
فجعل مولانا
الشريف يشكو حاله على القاضي ، وما وقع من صاحب جدة [في حقه] ، وأنه كان سبب تفرق الكلمة منه ، وتفحل الأشراف ، وقد انقطعت الطرق ، ونادى في جدة من غير أمر السلطنة ، وأن مطلوبي أن تكتبوا لي حجة في تجويز
مقاتلتة ، لئلا تنقم علي السلطنة ذلك.
فقال له كبير أغا
سردار العسكر : «يا شريف نحن محافظون لمكة ، إذ ورد عليها عدو ونحن نقاتل ، وأما
الأشراف فهم بنو عمك ، لا ندخل بينكم. وأما الباشا فنسأله عما فعل ، فإنه لا يفعل
شيئا من ذاته في بلد السلطان».
فاتفق الأمر على
أن يرسلوا إلى صاحب جدة رسولا من القاضي ، وانفض المجلس عن شناعة ظاهرة ، فأرسل /
القاضي رسولا إلى صاحب جدة ، فعاد الرسول بلا مراد. وفي هذا اليوم أخرج مولانا الشريف بعض المدافع
إلى جهة الشبيكة ، وبعضها إلى جهة المعلاة ، وبعضها إلى
__________________
جهة بركة ماجن من
جهة اليمن ، في كل جهة مدفعان.
وخرج في عصر ذلك
اليوم إلى بركة ماجن ، ومعه الحاكم ومن معه من الأشراف ، ولعب هناك الحمام ، ثم
بعد ذلك اليوم خرج إلى جهة الزاهر ، وحصل هناك بعض لعب أيضا. ثم خرج في اليوم
الثالث إلى نحو البركة.
ولما كان ليلة
الخميس التاسع من رجب : دخل مكة السيد بشير بن مبارك بن فضل من المدينة ، وكان
قائم مقام مولانا الشريف هناك ، فتحقق بذلك إنحلال الأمر ، وأخذ في
التأهب للقتال ، وتفكك عنه جماعة من الأشراف كانوا معه ، إلا من شذ وكانوا قليلين ، وصاروا يخرجون في الدروع والزرد إلى البركة ، إلى أن كان
يوم الجمعة ثاني عشر رجب الفرد ، ففي ضحى ذلك اليوم : جاء الخبر أن الشريف محسن
ومن معه نزلوا بالزاهر ، وأن السيد أحمد بن سعيد والصنجق في أول القوم ، فأطلق
الصنجق سبع مدافع لما نزل الزاهر ، فركبت الأشراف الذين مع الشريف أحمد بن غالب ،
وخرجوا إلى جرول ، واستمروا هناك ومعهم بيرق عسكري من اليمن.
وخرج إلى جهة
المعلاة جماعة أيضا من العسكر ، وجماعة إلى جهة
__________________
البركة ، ومولانا
الشريف في بيته.
ولما كان يوم
السبت : بعثوا من جهتهم السيد عبد الله بن سعيد بن مبارك بن شنبر ، والسيد حمزة بن موسى ، وشريف آخر ، فدخلوا إلى قاضي الشرع ، واستدعوا رؤوس
البلكات ، وأظهروا صورة بيوردي باشوي ، وطلبوا من القاضي تسجيله ، ومقتضاه : تولية الشريف
محسن ، فامتنع. وطلب نفس البيوردي الباشوي ، فرجعوا. فركب سردار الإنقشارية ، وخرج
إلى الصنجق في هذا اليوم. ورجع من دون فصل أمر ، وباتوا تلك الليلة والمحاصرة
والفزعات في كل مكان ، ونهب الوزير سنبل في هذه الأيام بعض التجار ،
وأخذ منهم أموالهم.
فلما كان ضحى يوم
الاثنين : ثارت الإنقشارية لعدم تنفيذ البيوردي الواصل صورته من الباشا ، لأمر وقع
بليل. فهجموا على القاضي في مدرسة السليمانية ، وأعانتهم العامة لما لحقهم من
التعب ، فرجموه ورجمته العامة معهم ، فهرب من سطح المدرسة ، فلم يجدوه ، فنهبوا ما
وجدوه ، وأطلقوا البنادق على المدرسة. فجاءت طائفة من
__________________
جماعة مولانا
الشريف ، ودخلوا الحرم ، ورموا في وسط الحرم وتطارحوا ساعة ، ودخل عسكر الشريف مدرسة الأفندي عبد الله
عتاقي مفتي الحنفية على أهله وعياله ، وكان قصدهم الإيقاع به في هذا اليوم ، إلا
أن بعض حضار مجلس الشريف أوصى إليه بذلك ، ففر من داره واستتر عنهم ، فقالوا حينئذ
: «إنما نريد أن نمتنع من العسكر». فكثر العسكر على طائفة مولانا الشريف ،
وأخرجوهم من الحرم ، بعد قتل بعض العبيد ، وقتل رجل في المسجد من الهنود في /
الواقعة ، ثم انحاز العسكر إلى بيت السردار ، وعزل السوق .
وورد من جهة
الشريف محسن والصنجق ، السيد عبد الله بن سعيد ، فاجتمع بمولانا الشريف ، وخرج من
عنده إلى جماعته ، فكان قول مولانا الشريف : «من الصواب تسليم البلد».
فدعى بالحاكم أحمد
بن جوهر ، وقال له : «استلم البلد لسيدك».
وأرسل إلى الجماعة
يطلب منهم رجلا يودعه طوارفه على جري عادتهم ، فعينوا له السيد أحمد بن سعيد ،
وطلب له مهلة عشرين يوما يتجهز فيها ، وهو خارج من البلد.
وخرج الحاكم أحمد
بن جوهر ، فنادى في الشوارع بالأمان ، وأن
__________________
السوق يبسط .
ولما كان ليلة
الثلاثاء الثاني والعشرين من رجب : خرج مولانا الشريف أحمد بن غالب إلى الحسينية ،
قاصدا جهة اليمن.
فلما كان ضحى يوم
الثلاثاء : ألبس مولانا الشريف محسن بن الحسين القفطان الوارد به الأغا المذكور
سابقا من مخيمه بالزاهر.
وخرجت إليه
العساكر المصرية ، ودخل هو ومن معه من الأشراف من الحجون في آلاي عظيم ، ومعه محمد باشا صاحب جدة ، وخرج إليه الأشراف الذين
تخلفوا عن الشريف أحمد بن غالب ، فلاقوه عند سبيل السلطان مراد بالمعلاة ، فحيوه ودخلوا معه ، ولم يخرج مع مولانا الشريف
أحمد بن غالب أحد من الأشراف سوى ذوي فضل ،
__________________
ومن يلوذ به
كالترجمان ، وقاسم التربتي ، وولده ونحوه.
[ولاية الشريف
محسن بن الحسين بن زيد]
فولي مكة مولانا
الشريف محسن بن الحسين بن زيد ، وجلس بدار السعادة للتهنئة يوم الثلاثاء ثاني
عشرين من رجب الفرد الحرام.
ومولد المذكور بعد
الخمسين والألف ، نشأ في كفالة جده المرحوم الشريف زيد بعد انتقال والده بعد
الستين ، ولم يزل إلى أن سافر إلى الأبواب مع عميه ، ثم انتقل قبلهم إلى مصر ، وأقام بها ، إلى أن رجع إلى
مكة هذا المرجع ، فأقام مع عمه إلى أن توفي ، ثم خرج هذا المخرج ، فرجع وقد كمل بدره ،
وبذخ فخره.
وفي هذا اليوم دخل
عليه الشيخ عبد الواحد بن محمد الشيي الحجبي وولده الشيخ عبد المعطي ، فما قام لهما ـ فقبلوا يده ، وخرجوا ـ لأمر في نفسه منهم ، وكذلك
دخل عليه السيد [علي] ميرماه مدرس السليمانية ، ابن امرأة السيد صادق بادشاه مفتي
الحنفية سابقا ، فلم يقم له لأخبار بلغته عنه .
وفي يوم الأربعاء
: تشفع قاضي الشرع بسردار العرب ، فطلع معه
__________________
مولانا الشريف ،
فلاقاه بالإجلال والإكرام ، وألبسه فروا سمورا ، وكان شدد في عدم دخوله إلى مكة ، فلم
يعامله بعمله.
وامتدح مولانا
الشريف أدباء العصر ، على جري العادة ، ومما قلته أنا فيه ، وأنشدته إياها في مجلس
خاصّ ، قولي :
يا عين هذا
الملك المحسن
|
|
وهذه مكة
والموطن
|
قد رجع الملك
إلى أهله
|
|
وليس في ذا
القول من يطعن
|
فشاهدي من فيه [لي] شاهد
|
|
بأنه الأكمل
والأمكن
|
والتفتي هل
تبصري حوله
|
|
غير بني عمه له
أذعنوا
|
من كل من لو
عاند الدهر ما
|
|
دارت به الأفلاك
أو يأذن
|
ذرية بعضها من
بعضها
|
|
حتى يوافي الحسن
الأحسن
|
أبو الملوك الشم
من هاشم
|
|
ومن به طاب لهم
معدن
/
|
يأخذ الثأر بمحض
الحجا
|
|
والرأي لا
بالقوس يسترهن
|
ما احتجت في
النصر إلى سعف
|
|
بفتية في سفن
ترفن
|
بل سرت من نفسك
في جحفل
|
|
ضاق به جنح
الدجى الأدكن
|
مصاحب الحرم وما
مكة
|
|
إلا لذي حزم فتى
ضيزن
|
حتى انجلى بدرك
في هالة
|
|
لا يقدر النحس
لها يركن
|
وحين ضاق الرحب
وسعته
|
|
بالسيف يعزى
والقنا تجفن
|
والحلم إلا عن
ظلوم فمن
|
|
يحلم عن ظالمه
يجبن
|
__________________
قد أعطت الحرب
لحرب أعز
|
|
وقد أتى البراض ما يمكن
|
وما شفا لوعة
مستنقم
|
|
كدمع عن معقودها
المأمن
|
فهي إذا ما ندبت
سيد
|
|
شدت بمدح الآخر
الألسن
|
والعقل والسيف
إذا اجتمعا
|
|
للمرء فالقصد له
ممكن
|
ولم تزل حتى
أتتك العلا
|
|
سامرة قد شاقها
البهكن
|
لله ما أبداه
ومن حكمة
|
|
للناس طرأ منعك المتقن
|
خرجت كي تأتي
لنا واليا
|
|
والحق من يطلب
لا يغبن
|
لقد رمن ناويك أن الورى
|
|
أيديكم السمح
لها أرسن
|
وأينما كنتم
تكون المنى
|
|
وأينما الظعن
لكم يظعن
|
فهذه مكة ألقت
لكم
|
|
أفلاذها واجتمع
الأذهن
|
وفارقت أوطانها
سادة
|
|
في حبكم لو لا
أن اخشوشنوا
|
فالشام أضحى مثل
أم القرى
|
|
أمنا بكم والحل
لا يؤمن
|
تخطفها الأعراب
من بعدكم
|
|
وضاق ذرعا من
بها ممكن
|
__________________
وسلط الله على
أهلها
|
|
من ذكره في
الشعر لا يحسن
|
فلم تزل تدنو
على هونة
|
|
محاولا أن
الدماء تحقن
|
وسعد الذابح عن برجه
|
|
يفعل ما لا يفعل
الأرعن
|
حتى لقد مل
العنا حامل
|
|
والسيف قد أعيى
به البرثن
|
فعدت والأمن كأن لم يكن
|
|
سار بك الحاضر
والفرسن
|
فالحمد لله على
عودكم
|
|
لمكة حتى بها
يسكن
|
فها هي اليوم
عروس الهنا
|
|
ما مصر ما
الغوطة ما أردن
|
مهابط الوحي
التي عندها
|
|
يرخص در المدمع
الميمن
|
__________________
حليتم أجياد
ساداتها
|
|
فيكم بعقد فضله
بيّن
|
وقلتم للأمن من
بعد الجلا
|
|
عد للورى فالحر
لا يضغن
|
فمن لي شاهدها
عندكم
|
|
بشكركم إذ تنطق الألسن
|
علمتم الفخر حسن
الثنا
|
|
حتى تساوى الفحل
والألكن
|
فكل من الكون حي
وليكن
|
|
رقيق اللفظ له
مستحسن
|
فهاك من حلة لم
تكن
|
|
تبصرها لولاكم
الأعين
|
بمثلها أولا فان
لا أرى البلي
|
|
غ أمثالكم به
يلهن
|
فلاقها بالبش
فهي التي
|
|
في الشعر كالخال
بها يفتن
|
بقيت ما طاب
نسيم الصبا
|
|
غب سحاب في
الربى يهتن
/
|
ولا خلوت الدهر
من قائل
|
|
يا عين هذا
الملك المحسن
|
وممن مدحه ،
صاحبنا الشيخ عبد الملك العصامي ، بقوله :
تهلل الدهر عن
نشوق ذي أثر
|
|
مراوحا بين طيب
البشر والبشر
|
وطاب من بعد
لقياه المقيل فمن
|
|
شمول أصالة أو
عنبر السحر
|
وغنا أفق الهنا
والروض فاشتبهت
|
|
ألحان ذاك وذا
بالزهر والزهر
|
وواصلت بعد وشك
الناي غانية
|
|
قصر عن طول طول
لا عن لقصر
|
صفراء يبدو
محياها لناظره
|
|
شمسا تلفع شفافا
من الخمر
|
__________________
بهراء ألبسها بهرام حلته
|
|
وقلدت من حلي
الجوزاء بالدرر
|
عذراء ساكنة
اللحظين سا
|
|
مكة النهدين
ساحبة البردين في خفر
|
من قوس حاجبها
خوف الأمان كما
|
|
من قوس حاجب أمن
الخائف الحذر
|
تريك من ميم ثغر
سين مبتسم
|
|
عذب شهي برود
مسكه عطر
|
كشمسه من لجين في زمردة
|
|
قد ضمنت لؤلؤ
يزدان بالصفر
|
شماء ان سفرت وطفاء ان نظرت
|
|
لفاء إن خطرت أذنت إلى الخطر
|
لله كم خفرت
عهدي على خفر
|
|
فمن خفيري ترى
من ذلك الخفر
|
شكوت للطيف
أشواقي فعاتبها
|
|
عني فزارت تداوي الجرح بالبتر
|
في ليلة صقل
الأضواء ملبسها
|
|
لما بدا بدرها
يستن في البدر
|
__________________
كأنها راية
الإجلال يقدمها
|
|
لمحسن بن حسين
راية الظفر
|
سلطان أم القرى
كاليء طوارقه
|
|
أكفاف الحجاز
شريف العين والأثر
|
شهم أحد إلى
العلياء طول سرى
|
|
في عصبة كلهم
شهم أغر سري
|
فأبلغته سعودات
الجدود إلى
|
|
منازل أعظم بها
كانت لمفتخر
|
جاءته رائعة للوصل طامعة
|
|
خجلا خاضعتة في
زي معتذر
|
كأن من شوق إليه
بها
|
|
ما بالغريب إلى
الأحباب والدير
|
التام فرق عصاها
وارتضاه لها
|
|
منظور أهل بهاها
بعد معتبر
|
سرت سر حميا سرور
بالنداء له
|
|
سرت سرائر أهل
السهل والوعر
|
سرا من الله في
ذا البيت حبهم
|
|
عند الأنام شقيق
السمع والبصر
|
فيا ذوي زيد لا ثلت عروشكم
|
|
وسالمتكم صروف
الدهر والغير
|
لكم خلايق أملاك
تسر بها
|
|
قلوب اساد غاب
في رؤوس بشر
|
فدمتم لرواق الملك أعمدة
|
|
بها يقام قوام
الدين عن أطر
|
__________________
وحاط دولتكم سور
يمنعها
|
|
على الدوام من
الآيات والسور
|
وروض البلاد
أكناف البلاد بكم
|
|
وانهل في
ساحتيها وابل المطر
|
ومن ذلك قول
صاحبنا الشيخ سعيد المنوفي مؤرخا الولاية المذكورة بقوله / :
يا مليكا قرت به
أعين المج
|
|
د وسرت به
أباطيح مكة
|
يهنك الملك
المنصب الذي تقلد
|
|
ت على رغم من يساويك ملكه
|
منصب قد أتاك
تاريخه في
|
|
بيت شعر أجاد ذا العبد سبكه
|
أولى الملك محسن
سبط زيد
|
|
أيد الله
بالسيادة ملكه
|
ولما كان يوم
الجمعة ، الخامس والعشرين من رجب : جلس مولانا الشريف في الديوان العام ، وحضر
الفقهاء والصنجق ، وكبار العسكر ، فطلع من جملة الفقهاء الشيخ عبد الواحد الشيي ،
فأرسل مولانا الشريف يطلب السيد علي ميرماه السابق ذكره ، فجاء وحضر ، فأمر مولانا
الشريف بإحضار بعض شيء من السكة التي سكها مولانا الشريف أحمد ابن غالب ، وأحضر
الصوغ الذين سكوها ، فسألهم مولانا الشرف عن هذا الذهب ، فقالوا :
«نحن سكبناه بأمر
مولانا الشريف أحمد».
فسألهم : «ما الذي
سكبتموه؟».
__________________
فقالوا : «أسورة
وحجول»!!.
فسئلوا عن سبب
قساوته. فقالوا : «لما خالطه من اللحام في الصنع الأول».
فقامت العامة ،
وقال :
«انه أصله من ذهب
قناديل الكعبة ، مكّنه منها الشيخ عبد الواحد. وتكاثر الكلام عليه من بعض الفقهاء
الحاضرين لذلك المجلس ، إلى أن أخذته العامة بالأيدي هو وميرماه.
وكانت ساعة شنيعة
، ووقع فيها لفظ فاحش ، فقام الصنجق ، وأخذ الشيبي من أيدي العامة ، ودخل به محلا
خاصا في دار مولانا الشريف. وكذلك أخذ معه السيد علي ميرماه ، وانفض المجلس ، ففزع
أهل الشيخ عبد الواحد إلى مولانا السيد ناصر الحارث . فركب وأتى إلى دار مولانا الشريف ، وفزع أهل السيد [علي] ميرماه إلى السيد عبد الله بن هاشم ، فركب وأتى إلى دار مولانا الشريف في طلب المذكور. فخرجوا
بهم بعد التشفع فيهم.
__________________
ثم إن الصنجق بعث
إلى جدة يطلب الشيخ عبد الله بن محمد الشيبي ، وكان بجدة فحضر.
ولما كان يوم
الاثنين الثاني والعشرين رجب : أمر مولانا الشريف بزيادة الزينة في السوق / ثلاثة
أيام على السبعة الماضية.
وفي يوم الثلاثاء
التاسع والعشرين من رجب : أمر مولانا الشريف بعض الفقهاء أن يدعي عند القاضي بطريق
الوكالة عن مولانا الشريف بخيانة الشيخ عبد الواحد الشيبي ، وأنه أعطى الشريف أحمد
بن غالب أربعة قناديل من الكعبة ، فادّعى عليه ، وأثبت ذلك عند القاضي بشهود ، ـ والله
أعلم بهم ـ.
فحكم القاضي بعزله
عن هذه المكانة التي هي حجابة البيت الشريف ، فألبس مولانا الشريف محسن الشيخ عبد
الله الشيبي ، وأسلمه الحجة ، وخرج إلى بيته.
ثم حضر يوم
الأربعاء عند مولانا الشريف ، فأمر مولانا الشريف بالعمل بحق الأخوة ، وأن يكونا
شيئا واحدا ، فتصافحا بحضرته ، وتعاهدا على ذلك.
ولما كان يوم
الخميس : ورد نجاب من مصر لمولانا الشريف ولأكابر العسكر ، وظهر من خبره أن صاحب
مصر حبس أمير الحاج ،
__________________
وبعض أكابر
الأغوات ممن كان اعتماد الشريف أحمد بن غالب عليهم.
وفي يوم السبت
السابع من شعبان : أطلع مولانا الشريف قفطان الوزارة على الآغا يوسف السقطي ، فخرج
في العسكر إلى منزل الصنجق ، فأخلع عليه الصنجق أيضا فروا آخر غير فرو مولانا
الشريف ، وخرج من عنده إلى داره ، وجلس للتهنئة.
واستمر الصنجق إلى
النصف من شعبان. فدخل البيت ، وسافر إلى جدة لخبر مركب هندي وصل إليها ، وبعض جلاب
من اليمن.
وفي هذه الأيام
أمر الصنجق المذكور ببناء بئر طوى ، فبنى عليه طاجن بقبة صغيرة ، وبنى إلى جانبه مسقفا للبواب ، ومطاهر ،
ومسجدا ، وجعل هناك صفة منتزه ، وعين لها معلوما ، وجراية للخادم المقيم بها لجبذ الماء ـ جزاه الله خيرا ـ. وأمر أيضا ببناء مسقف على
__________________
مسجد العمرة ،
فبني في صدر القبلة.
وفي ليلة الجمعة
السابع عشر من شعبان : دخل مكة السيد حسن بن غالب ، ونزل على السيد أحمد بن سعيد ، وكان مقيما بالمعابدة في بستان الوزير عثمان حميدان. فاستأذن له مولانا المذكور الشريف ، فأذن له في أن يطوف ويسعى ويخرج من وقته. فكان
الأمر كذلك.
فخرج إلى الحسينية
، وكلم السيد أحمد مولانا الشريف في شأنه ، ولم يزل به ، حتى أذن له أن يقيم بمكة
شهرين.
فدخل مكة يوم /
الخميس ثالث عشرين شعبان ، ونزل بداره.
وفي يوم الاثنين
العاشر من شوال : ورد نجاب بخبر آغاة ، واصل بقفطان الاستمرار.
فدخل الآغا
المذكور مكة يوم الإثنين سابع عشر شوال ، وكان أشل اليد ، فحصل به التفاؤل ، وأن هذا الأمر لا يتم بقاؤه. فإن من الأمثال المشهورة : «يد
أشلاء وأمر لا يتم». وقال بعضهم :
إن تم أمرك مع
يديك أصبحت
|
|
شلاء فالأمثال
عندي باطلة
|
__________________
فنزل مولانا
الشريف الحطيم ، وحضر القاضي والمفتي والفقهاء والأشراف ، ولبس القفطان الوارد
عليه ، وسجل الآغا الواصل أمرا بيده مخاطبا به صاحب جدة ، بأن يسلم إليه ثمن الحب الذي ضمنه على أمير الحاج لما طولب به في الموسم ، بأمر مولانا الشريف أحمد بن غالب
، وكتب له حجة بذلك ، وإنه في ذمته لأهل مكة.
فلما عزم الأمير
إلى هناك ، بعد أن حيّره المجاورون من الأتراك ومنعوه من الخروج ، طلبه الباشا ، فأظهر الحجة التي كتبها له القاضي ، وأن الدراهم في ذمة الصنجق ، وأنه
استلمها منه بمقتضى الحجة.
فبعث صاحب مصر يتحقق الأمر.
ولما وصل الخبر إلى صاحب جدة ، ونزل له الآغا ، عرفه بأنه ما
فعل ذلك إلا لتخليص الأمير ، وتخليص محمل السلطان من المذلة ،
__________________
ويعلم هذا كل أهل
البلد.
واتفق الأمر على
أن يكتبوا عرضا للباشا ، ويعرفوه بهذا القدر ، وذلك بأمر مولانا الشريف. فكتب له
ذلك ، ووضع عليه الفقهاء خطوطهم ، وعرفوا الباشا أنه لم يصلهم شيء من ثمن الحب
المنكسر. وكان قدره شيئا وتسعين كيسا. وكان ذلك في أواسط ذي القعدة من السنة المذكورة.
(وفي أواخر شوال هذا : بعث مولانا الشريف الشيخ محمد سعيد بن الشيخ محمد
المنوفي بهدية إلى سلطان الهند اورنق زيب شاه بواسطة الوزير يوسف السقطي ، وجهزه
الوزير المذكور من ماله بجميع ما يحتاجه ، وبعث معه هدية من جانبه ، وأجرى مصروفه
على عياله وأولاده ، وسافر المذكور ثاني عشر شوال) .
ودخل شهر الحج ،
ووردت الأمراء ، وعرض لها مولانا الشريف محسن ، ولبس الخلع الواردة على جري العادة
، وحج بالناس.
وفي يوم النحر من
هذه السنة : ظهرت بمنى كتب بأيدي السادة الأشراف ، وأنها وردت من اليمن من جهة
السيد أحمد بن غالب ، ومن جملتها كتب لمولانا الشريف ، ومضمون الكتب :
الإنذار ، وطلب
المواجهة ، وأن القصد إليكم عن قريب.
__________________
فاضطرب أمر الناس
بمنى ، وحصل للعالم قلق [عظيم] ، اقتضى أن جمع مولانا الشريف أكابر الدولة الرومية ، وأمراء الحج والفقهاء بعد النزول من منى ، وتجادلوا في
هذا الأمر ، فاقتضى رأيهم تعريف صاحب مصر بذلك ، وأمر صاحب جدة بتحير أموال التجار وضبطها التي في
جدة .
واشتد الأمر. وكثر
القيل والقال ، ثم ظهر أن كل ذلك مختلق من مكة من بعض الأشراف. نسأل الله تعالى
لهم الهداية.
وفي يوم النفر
الأول من هذه السنة : ظفر بعض عبيد السيد ناصر بن أحمد بن الحارث برجلين من حرب ، وردا حاجّين ، فقبضوا عليهما في المسعى ،
وذهبوا بهما إلى سيدهم ، فأمر بقتلهما ، فقتلا صبرا على جبل أبي قبيس ، ولا حول ولا قوة إلا بالله (العلي
__________________
(العظيم) .
ولزم من ذلك أن
فسخ عملته مع مولانا الشريف ، فخرج إلى بلدته بالحسينية من وادي مر ، فلما وقع الاجتماع السابق ذكره بالأمراء ، اقتضى الحال
إحضار المذكور مع من بمكة من الأشراف ، وسؤالهم عن اعتقاد رأيهم على تولية مولانا
الشريف محسن ، فاستدعى من هناك مع من استدعى من الأشراف ، فجاء وعامله / معاملة [جيدة] جديدة.
__________________
ثم بعد أيام خرج
السيد أحمد بن سعيد بن شنبر مغاضبا ، وخرج معه جماعة [من الأشراف].
وفي هذه السنة :
ورد من الروم قنديل من ذهب ، طلع به أمير الحج إلى عرفة ، ونزل وعلقه بالكعبة.
وفيها : منع الشيخ
عبد الواحد من الخروج والاجتماع بأكابر الحج ، فلزم داره.
وفيها : ورد بقية
المتحصل من مال الحب السابق ذكره ، وهو أربعة وعشرون كيسا ، فوزعت على أصحاب الحب ، فحصى كل إردب بضعة وخمسون محلقا مقصوصا.
وفي أواخر ذي
الحجة ، من هذه السنة : وقع بيد مولانا الشريف عرض حال إلى صاحب مصر ، وعليه
خطوط السادة والأشراف ، مضمونه : عدم الرضا بالشريف المذكور.
فعتبهم على ذلك ،
ولام بعضهم بعضا ـ والأمر لله ـ.
__________________
ثم إن السيد أحمد
بن سعيد ، والسيد عبد الله بن هاشم وجماعة من الأشراف ، خرجوا أيضا مغاضبين ، وأخذوا الطرق على المارة ، فغليت الأسعار بسبب
ذلك في أواخر ذي الحجة ، واشتد الأمر.
__________________
ودخلت سنة ١١٠٢
ألف ومائة واثنتين :
واشتد الأمر ،
ونهبت الأموال من طريق جدة ، وكذلك من نحو خليص.
ولم يزل الأمر إلى
أن وقع الصلح بين مولانا الشريف والمذكورين ، ودخل مكة السيد أحمد بن سعيد ليلة الأحد الثالث من صفر
على أمر توافقوا عليه ، وهو : أن المنكسر للسادة الأشراف وقدره أربعة وعشرون ألف
قرش ، يسقط منه الثلث ، ويوفيهم مولانا الشريف الثلث في الحال ، ويصبرون عليه في
الثلث الآخر إلى أن ترد المراكب.
وكتبوا على ذلك
وفاقا بوثيقة بينهم ، فماطلهم مولانا الشريف بعد الإذعانات.
ولم يزل إلى أن
كانت ليلة السبت تاسع صفر من السنة المذكورة : ورد صاحب القفطان بالاستقرار من جهة
جدة ، فإنه ورد إلى ينبع وركب بحرا ، فنزل بستان الوزير عثمان [حميدان بالمعابدة] على صاحب جدة.
وفي يوم الأحد
العاشر من صفر المبارك : دخل في آلاي أعظم إلى الحطيم ، وقد نزل مولانا الشريف ، وحضر القاضي والمفتي
والفقهاء والأشراف ، فدخل ومعه خلعة الإستمرار ، والأمر السلطاني ، فقرأه
__________________
بالحطيم ، وألبس
مولانا الشريف محسن الخلعة المذكورة على فرو سمور ، وقرأ بعدها ثمانية أوامر ، منها
: أمر بأن تعطى السادة الأشراف ما كان لهم من غير زيادة تضر بمولانا الشريف ،
والتحذير من المخالفة.
وأمران من الوزير
، أحدهما : بتعريف مضمون الأولين .
والثاني : مخاطبته
به أصحاب البلكات بالأمر بالطاعة لمولانا الشريف.
وتلاهما أمران من
صاحب مصر. أحدهما : التعريف بمضمون الأوامر السابقة.
والثاني : مخاطبته
به أصحاب البلكات بالسمع والطاعة.
وبالجملة لم تعتن
السلطنة بغيره ما اعتنت به بمثل هذه المخاطبات.
وفي الثامن من هذا
الشهر : جاء مورق من القنفذة من السراج عمر ابن محمد علي بن سليم ، وأنه واصل إلى مكة من طريق البحر ، ودخل مكة ليلة الثاني
عشر من صفر ، وواجه مولانا الشريف يوم الثلاثاء الثاني عشر من صفر ، ومعه كتب من
الإمام المتولي ، يعتذر فيها عما شاع
__________________
في موسم هذه السنة
من إعانته للسيد أحمد بن غالب ، ويتنصل من ذلك .
ثم إن مولانا
الشريف بعث مولانا السيد دخيل الله بن سعد بن زيد ، ومعه السيد حسن بن أحمد الحارث
، وجماعة من العسكر ، إلى جهة الطائف لبعض فسدة العرب جلسوا في الطريق ، فقصدتهم
السرية المذكورة ، وأبعدتهم عن الطريق ، وأخذوا لهم بعض غنيمة ظفروا بها ، ورجعوا
يوم الخميس الحادي والعشرين من صفر.
ثم دخل العسكر
الذين كانوا بطريق جدة محافظين ، ودخلت الأشراف المغاضبين مكة.
__________________
ثم ورد الخبر : أن
الحسن بن الإمام إسماعيل دخل جدة في نحو خمسة وعشرين جلبة ، هاربا من الإمام
الناصر المتولي لليمن ، وكان المذكور متوليا على اللحية .
وجاء الخبر
لمولانا الشريف ، فقابله صاحب جدة محمد بيك ، وبعث إليه الشريف عمر بن محمد بن علي
بن سليم ، وأخرجوا له أمواله من غير تعشير ، وأفهم أنه يريد معونة السلطنة ، وأنه يضمن فتح اليمن ،
فإن الإمام تجبر وطغى وزاد في الظلم ، بحيث أنه أسر المسلمين من آل صنعاء ، وجعل يأخذ من المراكب الواردة من [جهة] الهند ما يساوي الثلث أو أكثر.
واستمر بجدة إلى
أوائل جمادى الأولى. وطلع مكة مع صاحب جدة ، ودخل مكة يوم الأحد ثاني عشر جمادى
الأولى ، ونزل مع الصنجق في جرول قريبا من تربة الشيخ محمود ، واستمر هناك.
وخرج إليه مولانا
الشريف يوم الثلاثاء الرابع عشر من الشهر بعد
__________________
الشروق.
ثم في أوائل جمادى
الثاني تفرقت كلمة الأشراف ، وخرجوا إلى الطرقات ، وأكثروا الأخذ والنهب في طريق
جدة وغيرها. وأخذوا ذخيرة طالعة للصنجق من جدة ، ثم تطرقوا إلى عيون بعثوها على
مخيم الصنجق.
فلما أحس بذلك دخل
هو وابن الإمام ، فأنزلوا ابن الإمام بيت البكري قريبا من باب إبراهيم ، واشتد الحال على الناس ، حتى وصل الإردب
من الحب ثمانية عشر قرشا وعشرين ، ولا يزداد الأمر إلا شدة.
وفي جمادى الثاني
/ (احتاج الصنجق إلى ذخيرة ، فما أمكن إخراجها من جدة إلا ببيرق على
نحو الخمسين.
ثم إن مولانا
الشريف أمر بخمسين عسكريا ، فخرج إلى طريق جدة ومعه بعض الأشراف) ليتطلع التجار لأسبابهم من الميرة.
ولم يزل الأمر
يشتد إلى أن تعب في ذلك القاضي والصنجق وغيرهم.
(ونمي إلى مولانا
الشريف أن بعض التكارنة سحرة ، يعملون السحور ، أن عملهم في ثور.
__________________
وكان الحال أن بعض
الأتراك كان له ثور معلوق ، فاغتلق ، وجعله سائبة من جهله ، فأخذ الثور المذكور وذبح ، وأخرج
رجل من التكارنة مجذوب بمكة لهذا الأمر.
وما أحسن ما رأيته
بخط صاحبنا الأديب السيد هاشم الأزراري وهو قوله :
يا صاح قل عني
لأم القرى
|
|
ومن تعاطى الحكم
فيها ودال
|
ما في خروج
الشيخ كلا ولا
|
|
في ذبحهم للثور
حل العقال
|
والرأي كل الرأي
لو أشهروا
|
|
بيض المواضي
والرماح الطوال
|
وطهروا البيت
وما حوله
|
|
بالضرب والطعن
ورمي النبال
|
وأهرقوا دم
الكلاب التي
|
|
دلت على سفك
الدماء والرزال
|
لكنهم أخطوا ولم
يعلموا
|
|
عواقب الأمر
بترك السؤال
|
وحيث كان الأمر
مقضي فلا
|
|
تعرض منا له
باحتيال
|
ما في القضاء
والله من حيلة
|
|
فحسبنا الله على
كل حال
|
وإن ترد تاريخ
عام به
|
|
أمسى البرايا
بين قيل وقال
|
فاقطع جدال الكل
عنهم وقل
|
|
عام ترى فيه
دليل القتال
|
وله أيضا مؤرخا
لهذا الغلاء الواقع في هذه السنة :
إن ترد تاريخ
عام فيه قد
|
|
نزل الهمّ على
جميع الملا
|
__________________
فاحسب العجم من
نظمي وقل
|
|
عام قحط وبلاء
وغلا)
|
وفي أوائل رجب :
نزل الصنجق إلى جدة.
وفي يوم الخميس
الثالث عشر من رجب : اجتمع القاضي وسرادير العسكر بمولانا الشريف ، وأسمعوه غليظ القول ، بحيث قالوا
له :
«إن كنت عاجزا عن
إصلاح البلد ، فعيّن لهذا المنصب من يقوم به».
فكان عذره أن قال :
«إن الأشراف لا تقاتل بني عمها ، وإذا أردتم الخروج إليهم بالعسكر المصري فأنا
أخرج بهم. فإن قاتلونا قاتلناهم».
فأمرهم القاضي
بالخروج ومقاتلة من قاتلهم.
فقال كبار العسكر :
«نحن حفظة لمكة [و] ليس هذا الأمر مما بعثنا له».
ولم يزل الأمر
يتفاقم ، ولا يطلع أحد من جدة إلا مع عسكر وأشراف ، تصحبهم من جدة إلى مكة ، ثم
يرجعون بهم ، ولا يرد [شيء] من جدة إلا حب العسكر.
وارتفع السعر حتى
وصل الثمن الإردب القمح عشرين شريفي
__________________
أحمر ، فأسعف الله
بالمراكب المصرية ، فكان السعر نزل قليلا ، وتراجعت بعض الأشراف مكرهة .
[ثم لما] كان أواخر ذي القعدة : ورد الخبر بدخول مولانا الشريف سعيد
بن سعد بن زيد المدينة متوجها إلى مكة ، فاختبط العالم وكثر القيل والقال ، إلى أن
كان يوم التاسع والعشرين من ذي القعدة وصل خبره أنه بوادي فاطمة ، ووصل رجال كانوا
معه إلى مولانا الشريف ، فتعجب مولانا الشريف محسن في شأنه وقال :
«لا يدخل مكة إلا
بأمر سلطاني ، إن كان متوليا».
فلما بلغه هذا
القول ، سار إلى أن وصل الفخ بين العمرة ومكة ، وبعث يطلب مضربا يجلس فيه ، فأخرج له أهله مضربا.
__________________
ثم انّه انتقل إلى
ريع أذاخر واستمر هناك.
ودخل شهر الحجة :
وكان أمير الشامي في هذه السنة مولانا السيد يحيى بن بركات بن محمد ، وجاء في زي الأتراك ، فدخل مكة [في] ثامن ذي الحجة ، وخرج له مولانا الشريف ، فألبسه. وحج
مولانا الشريف محسن بالناس.
وفي يوم النحر :
ورد نجاب الحاج بنعي مولانا السلطان سليمان ابن إبراهيم خان. وولاية مولانا السلطان أحمد بن إبراهيم [خان] أخي مولانا السلطان سليمان.
__________________
فأمر مولانا
الشريف بالنداء يوم النحر الثاني في شوارع منى لمولانا السلطان أحمد خان ، وصلى
عليه بمكة صلاة الغائب.
(ومن أحسن ما وقع
تاريخ لهذا العام قول الشيخ سعيد المنوفي :
لمولانا تعالى
الأفضل
|
|
وإحسان علينا
ليس يجحد
|
وأحسن منة عظمت
وجلت
|
|
لدينا ان حيط
بحصرها عد
|
بني خلفاء بني
عثمان فينا
|
|
أدام الله
صولتهم وأيد
|
ملوك كالكواكب
إن توارى
|
|
شهاب من سماهم
لاح فرقد
|
ولما قدر المولى
تعالى
|
|
وفاة مليكنا
الهنكار الأمجد
|
وأعقبه بخير بني
أبيه
|
|
أتى تاريخ ذا
بحساب أبجد
|
وها هو ذا
سليمان توفي
|
|
وأجلس بعده
السلطان أحمد)
|
وفي يوم الأحد
الرابع عشر من ذي الحجة : ورد أغاة من الأبواب بخلعة التأييد لمولانا الشريف ،
والتعريف بوفاة مولانا السلطان [سليمان] وتولية المتولي بعده .
ولنرجع لخبر السعيد
فنقول : إنه لم يحج هذا العام ، واستمر بأذاخر
__________________
إلى أن سافر
الشامي والمصري ، فخرجت الأشراف عن طاعة مولانا الشريف ، وعاد الأمر إلى انقطاع
الطرق ونهب الضعيف ، وترفعت الأسعار.
فنزل مولانا
الشريف سعيد ببستان الوزير عثمان حميدان بالمعابدة.
ولما كان سلخ هلال
ذي الحجة : اجتمع كبار العسكر إلى قاضي الشرع المتولي ، فأمرهم بمعاودته بعد صلاة
العصر ، وأمر فراشا بجمع الفقهاء وبياض الناس.
فأجمع رأيهم على
كتابة عرض إلى الأبواب في شكوى حالهم ، وما وقع لهم من الأشراف. فاشتد الأمر بهذا
الطارئ أكثر من الأول.
[سنة ١١٠٣ ه]
وهلّ شهر المحرم من سنة ١١٠٣ ألف ومائة وثلاثة ، فتفرقت عسكر مولانا الشريف
من يديه ، ولم يبق معه من يعول عليه. فنمي إليه أن الشريف سعيد والسيد عبد الله بن
هاشم يحاول كل منهما نيل هذه المنزلة.
فطلب ليلة
الأربعاء الثالث من محرم من صاحب جدة [محمد باشا] أن يبعث له عسكره يبيتون بالباب. فباتوا تلك الليلة إلى الصبح.
فكان صاحب جدة لما بلغه هذا الأمر ، كره أن يتم من غير رأيه ،
__________________
فتأهب في خدمه
وأترابه ، فطلع لمولانا الشريف ، ودعى القاضي وبعض الوجوه ، وبعثوا إلى الشريف
سعيد من يأمره بالخروج من البلد ، فامتنع المأمورون بذلك وقالوا :
«ما حصل من الرجل
ما يوجب خروجه على هذا الوجه».
فاقتضى رأي الصنجق
أن يركب بنفسه في عسكره ، ومعه الأصباهية من العسكر المصري ، ويطلع إلى المشار
إليه ، فيخرجه.
فركب قبيل صلاة
الظهر متوجها إليه في أوفر عدة ، نحوا من ستمائة عسكري.
فلما وصل سوق
المعلاة خرج في ساقته بعض الأشراف ، منهم السيد مساعد بن سعد ، والسيد عبد
المحسن بن أحمد بن زيد ، وجماعة أخرى من طريق سوق الليل ، واعترضوه عند تربة
النسفي ، فردوه مكرها قبل أن يصل ، وأخبروه أنه إن جاوز هذا الحد قتل البتة.
فرجع ، وبات ليلة
الخميس ، ورحل من / يومه بعد صلاة الظهر ، ونزل بالسبيل الذي بذي طوى . وبات تلك الليلة ، وسار يوم الجمعة إلى جدة.
__________________
ولما كان يوم
السبت السادس من محرم الحرام من السنة المذكورة : نزل مولانا الشريف سعيد بالمعلاة بالدفتردارية ، ولازمه بعض عسكر الشريف الذين نفروا عنه ، واجتمعت عليه
العامة.
فلما بلغ ذلك عسكر
مصر طلعوا إلى القاضي ، فاستدعى القاضي بعض الأشراف وبعض وجوه الناس ، وبعثوا إليه
يسألونه عن هذا الفعل. فقال : «مرادي أنزل دار أبي ، فمن يمنعني من
ذلك».
وجاء الخبر إلى
مولانا الشريف [محسن] فنزل عن المكانة لمولانا السيد مساعد بن سعد ، وجاء السيد
مساعد إلى القاضي لتسجيل هذا النزول.
فجاءهم الخبر أن
مولانا الشريف سعيد وصل المسعى ، فخرج مولانا من دار السعادة إلى منزل مولانا
السيد ثقبة بن قتادة.
ولم يزل مولانا
الشريف سعيد ، إلى أن دخل منزل أبيه وجده .
__________________
والمنادي بين يديه
ينادي له بالبلد ، وليس معه أحد غير العامة.
فلما بلغ أخاه ،
نزل له عمّا نزل له به مولانا الشريف من المكانة ، بحضرة القاضي
والمفتي وكبار العسكر ، فسجّل ذلك ، وبعث له القاضي بقفطان نيابة عن مولانا
السلطان ، فلبسه بعد صلاة العصر في منزله ، ونودي بالزينة في البلد لسبعة ليال ، ولم يخالف [أحد من الأشراف].
[ولاية الشريف
سعيد بن سعد بن زيد]
فولي مكة مولانا
الشريف سعيد بن سعد بن زيد بن محسن (وجلس للتهنئة يوم الأحد سابع محرم من السنة
المذكورة .
وممن امتدحه في
هذه الولاية صاحبنا الأديب الفاضل ، الشيخ حسن ابن زمر اليمني الشافعي بقصيدة طنانة ، وهي قوله :
لمعت في غياهب
الديجور
|
|
بارقات الوصال
للمهجور
|
__________________
وبكت أعين
الغمائم فافتر
|
|
ت من الروض
باسمات الثغور
|
ولجين الأقاح قد
|
|
قلد الطل عقودا
من لؤلؤ منثور)
|
وكتبوا إلى الصنجق
صاحب جدة بذلك ، فامتنع عن النداء له بجدة.
وفي يوم الخميس
الثامن عشر من محرم : ألبس قفطان الوزير لصاحبنا الجلبي مصطفى بن عبد المطلب جلبي ، وخرج لابسا للتشريف من دار السعادة في آلاي عظيم إلى أن وصل منزله وجلس للتهنئة.
وفي الحادي
والعشرين من محرم : أخذت قافلة من طريق جدة ، وكان فيها مال عظيم للتجار ، فلما
بلغه ذلك أراد الركوب عليهم ، فثبطه بعض بني عمه ـ كما هو عادتهم ـ وأوعده باعادة
الأموال من الآخذة.
وفرّ الآخذون عن
الطريق ، فاقتضى الحال بعث بيرق عسكر إلى جدة ، فخرج معهم مولانا السيد دخيل الله
بن سعد بن زيد وجماعة
__________________
من الأشراف ،
فنزلوا ليلة [الجمعة] السادس والعشرين من محرم ، ونزل معهم مفتي السلطان عبد الله أفندي بن عتاقي زادة
لملاقاة الصنجق ، وعذله عما فعله من الإمتناع عن النداء لمولانا الشريف [سعيد].
فجاء الخبر ليلة
الاثنين : بأن الصنجق وافق ، وأنه نادى لمولانا الشريف بالبلد يوم الثلاثاء سلخ محرم [الحرام].
وكان صمّم في
ثلاثمائة وخمسين أردب من الجراية ، أخذها مولانا الشريف من الحب الوارد في ذي
القعدة على جهة القرض ، وحبس على الوارد من الجلاب في هذه الأيام. وادّعى أن كاتب الجراية محمود
جلبي بن مصطفى ، سلم للشريف محسن من غير علمه ، ثم اصطلح الأمر بينهم.
ثم ان بعض السادة
الأشراف ، خرجوا إلى جهة اليمن مغاضبين لمولانا الشريف سعيد ، فأرسل الشريف سعيد
وراءهم عسكر نحوا من ثلاثمائة ، فخرجوا يوم السبت ثالث ربيع الأول ، وأمر عليهم
أخاه السيد دخيل الله بن سعد. هذا ما كان بمكة.
وما كان من مولانا
الشريف محسن : فإنه توجه إلى المدينة ، وزعم
__________________
أنه خرج من مكة
قهرا ، وأنه آثر عدم القتال بالحرم ، وأن الشريف تولاها من غير رضى الأشراف ،
فتوقف شيخ الحرم عن النداء . وأنزل المذكور ، وأجرى عليه ما يقوم به ، إلى أن جاء كتاب مولانا الشريف بصورة الواقعة ، وعليه
خط القاضي والمفتي وجماعة من الفقهاء. فنادى له بالبلد ، ودعا له على المنبر يوم
الجمعة الرابع عشر من صفر من السنة المذكورة .
وأمر قاضي المدينة
مولانا الشريف محسن بالخروج خوف الفتنة ، فخرج عنها.
ولنرجع لخبر أهل القنفذة فإنه :
لما كان يوم السبت
السابع من ربيع الثاني : وصل الخبر لمولانا الشريف أن السيد دخيل الله قد التقى
بجماعة من الأشراف سلخ ربيع الأول ، وأنه انتصر عليهم ، وقتل من الأشراف نحو
الخمسة والمصريين كثير. وأنه دخل القنفذة بعد هروب من بقي منهم. فضربت النوبة في دار مولانا
__________________
الشريف ، واختبطت
الأشراف بمكة لذلك.
وفي هذا اليوم :
خرج بيرق عسكر إلى / جهة عسفان لبعض الأشراف في ذلك الجانب ، فلما دنوا منهم أرسل
إليهم الأشراف الذين مع العسكر أن توسعوا ، وارجعوا إلى مكة ، وأخبروا مولانا الشريف بأن الأشراف توسعت عنا.
ثم إن تلك الأشراف
الذين كانوا في هذه الجهة ردّوا إلى طريق جدة ، وأخذوا قفلا آخر ، فبعث إليهم الشريف عسكرا ، ولم يبعث معهم أحدا من
الأشراف. وخرجوا في ربيع الثاني يسترصدونهم في الطرق
وفي ليلة الاثنين [الثاني] من جمادى الأولى : ورد صاحب القفطان من مصر ، فأخرجوا له
وطاقا بالزاهر.
ودخل يوم الاثنين
في آلاى العسكر المصري ، على جري العادة ، إلى أن وصل باب السلام ودخل الحطيم . وقد نزل مولانا الشريف سعيد بن سعد وبعض الأشراف ووجوه
أهل مكة ، فقرأ مرسوم من
__________________
صاحب مصر مؤرخا بغرة ربيع الأول ومقتضاه :
أنه وصل النبأ ،
واتصل بمسامعنا أن مولانا الشريف محسن بن الحسين بن زيد نزل عن الشرافة لمولانا
الشريف سعيد ، وما أحسن هذا ، يد فرغت في أخرى. وأن الواصل إليكم قفطان من جانبنا.
وأمر آخر مخاطب به
العسكر المحافظين مضمونه :
أن يكونوا تحت أمر
مولانا الشريف ، والحذر من المخالفة. إلى أن يأتي الأمر السلطاني من الأبواب.
فلبس مولانا
الشريف القفطان الوارد ، وأخلع على من يستوجب ذلك. فحصل هذا [اليوم] وطلع داره وجلس للمباركة.
[ولاية الشريف سعد
بن زيد]
ولما كان يوم
الاثنين الرابع عشر من جمادى الثاني : ورد في ليلته سلحدار مولانا الشريف سعد بن زيد ، ومعه صورة أمر مولانا السلطان أحمد
__________________
خان بن إبراهيم
خان ، بتفويض أمر الأقطار الحجازية إلى مولانا الشريف سعد بن زيد بن محسن ، وخلعة
سلطانية لمولانا الشريف سعيد.
فاجتمع بمولانا الشريف
وعرّفه ذلك. فنزل مولانا الشريف سعيد في جمع من الأشراف والفقهاء وقاضي الشرع
والمفتي ، وحضر أكابر العسكر ، وأتى السلحدار المذكور بصورة الأمر ، فقرأه على
رؤوس الأشهاد ، ومضمونه :
إنه لما بلغنا عجز
الشريف محسن عن حفظ الديار المكية ، أنعمنا على الشريف سعد بإيالة مكة والمدينة. ـ وضبط العربان والأشراف. ـ وحفظ الحجاج. ـ وقلدناه
جميع أمور الأقطار الحجازية من غير مراجعة في ذلك.
[إلى غير ذلك] من الوصاية / على الفقراء وأصحاب / ٣٠٩ الوظائف ، واشترط
إنعاما لهم من الحبوب والمعاليم.
وتحرير هذا الأمر
الخامس عشر من ربيع الأول سنة ١١٠٣ ه ، ألف ومائة وثلاثة من الهجرة النبوية على
صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية .
وأمر آخر من صاحب
مصر مخاطبا به مولانا الشريف سعيد وقاضي الشرع وبلكات العسكر ، ومضمونه :
__________________
حكاية الواقع ،
وأن مولانا السلطان أنعم بشرافة مكة لمولانا الشريف سعد ، قبل وصول عرضنا إليه.
وأنه أقام نائبا
عنه بمكة ابنه مولانا الشريف سعيد إلى وقت وصوله ، فالله الله في الطاعة وعدم
مخالفة أوامر مولانا السلطان .
وكتاب [آخر] ثالث ، من حضرة مولانا الشريف إلى نجله ذي الشرف المتين مضمونه :
التعريف بالواقع ،
وأنه قائم مقامه ، والوصاية ، إلى غير ذلك.
وفي أوائل جمادى
الثاني : دخل مكة الشريف دخيل الله بن سعد من القنفذة لتوعك حصل له هناك ، وأقام
مقامه أحد بني عمه من الأشراف وقائدا من أتباعهم.
ثم إن الشريف
المقام هناك تنافر مع القائد ، فرجع إلى مكة ، ثم جاء الخبر بعد أيام ، أن الأشراف الذين باليمن تغلبوا على القنفذة.
ولما كان أواخر
شعبان : ورد مع المراكب الهندية الشيخ سعيد بن محمد المنوفي المرسل سابقا من جهة الشريف محسن ، وطلع مكة الثامن
__________________
عشر من شعبان ،
فصام بمكة ، وأعطى مولانا الشريف [سعيدا] ما جاء به من الهدية ، إلا أنه ادعى أن من بعث إليه السقطي
هديته معه ، لم يقابله بأريحية ولا سعة ، وأنه أخذ منه الهدية والأوراق.
فاشتط السقطي لذلك
، وأقام البراهين على ما هنالك ، والمذكور لا يقر بشيء ولا يمكنه من فيء .
فاتفق نزول مولانا
السيد مساعد بن سعد إلى جدة ، فنزل المنوفي مختفيا [في] صحبته ، وجعله جنّته ، فراجع السقطي مولانا الشريف ، وطلب منه مطالبة أصحاب
المراكب بالتعريف . فبعث مولانا الشريف بتخير أموره ، واختبار طاموره .
وثوّر السقطي
سردار العسكر الإنقشارية ، فثار له ، وبعث جاووشا من جهته وخوخ دار الشريف ، وآخر من جهة
__________________
قاضي الشرع إلى جدة لإحضاره. ثم إنهم أحضروه إلى مكة.
ـ وقضيته من غرائب
المحسوس ، فإنه لم يزل في هوان ، وهو لا يزداد إلا شدة ـ. ثم إنه أمر بألف وثمانين
أحمر ، فكتبت عليه حجة سدت عليه المحجة ، إلى أن أدخل جميع الحبوس بمكة
وجدة. وانتهى أمره إلى أن حبس بعد الإهانة في السوق ، في حبس الحاكم الثامن عشر من شوال ١١٠٣ ه. وهو
في هذا التاريخ محبوس ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ.
ولنرجع إلى ما نحن
بصدده :
ففي السادس من
شوال : ورد مكة نائب متولي جدة ، وعزل محمد باشا ، فسجل أمره بالمحكمة الشريفة ، ونزل جدة . وجاء صحبته التفويض / في مفتاح الكعبة للشيخ عبد المعطي [الشيي] ابن الشيخ
__________________
عبد الواحد الشيي
، فسجل ذلك يوم الخميس الحادي عشر من شوال ، ففتح الشيخ عبد المعطي الكعبة بعد صلاة
الحنفي للدعاء لمولانا السلطان بحضرة مولانا الشريف. ولما انقضى المجلس طلع إلى
دار مولانا الشريف فألبسه خلعة ، وأركبه فرسا ، ونزل معه شرذمة من العسكر إلى أن
وصل منزله بسويقة ، وكان بها بعد خروجه من منزل السدنة بالصفا ، وجلس للمباركة.
فائدة :
اتفق في هذه
الواقعة أن مولانا الشريف أخذ المفتاح من الشيخ عبد الله الشيي يوم الثلاثاء ،
وبات عنده إلى أن أعطاه للشيخ عبد المعطي يوم الأربعاء ، ولم يعهد فيما وقفنا عليه
أخذ المفتاح من السدنة إلا في هذه الواقعة.
وبالجملة فقد صارت
السدانة وظيفة ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ.
وفي هذا الشهر : طلع صاحب جدة المعزول ، وحصل بينه وبين الشريف محبة واتحاد كلي. ولما اجتمع
بمولانا الشريف ألبسه فروا ، وأركبه فرسا مكللة من طوالة.
__________________
ثم إن مولانا
الشريف طلع إلى المعلاة لزيارته ، وكان نازلا بالسردارية هناك ، فقابله أيضا
الباشا بما هو أهله من اللطافة ، وألبسه فروا وأركبه فرسا من خلص خيله ، وأعطاه خمسة أعبد ، وغير ذلك.
فاستمر عنده إلى
أن غربت الشمس فنزل إلى داره.
ولم نزل نسمع
بورود خبر مولانا الشريف سعد بن زيد ، والوزير عثمان حميدان في الاحتفال للقائه ،
إلى أن ورد شهر ذي الحجة ، فدخل مكة ليلة ست من ذي الحجة ، وطاف وسعى ورجع إلى
الزاهر ، فخرج إليه بعض وجوه الناس للسلام عليه ، وخرج إليه ذووا
المنوفي ، فكلموه في الشيخ سعيد المنوفي ، وقصوا عليه قصته مع السقطي ، وسألوا منه
إطلاقه ليحج ، فأمر بإطلاقه. فطلب من قلعة جدة ، وأدرك الحج يوم التاسع بعرفة.
ثم إن مولانا
الشريف دخل مكة في آلاي أعظم من الشبيكة ، ولم يزل إلى أن دخل مكة والمسجد. وقد نزل القاضي والمفتي والفقهاء والأشراف
بالحطيم ، ودخل مكة قايقجي بالأمر السلطاني ، فقرأه بالحطيم. وقد سبق تعريفه .
__________________
ولبس الخلعة
السلطانية ، وصعد إلى داره للتهنئة ، وجاء في زي الأروام بعمامة على قاووق ، إلا أن لسانه بألفاظ أهل حماة الشام ، بحيث أنّ غالب
ألفاظه شامية. واستمر بهذا الزي. ثم إنه لبس عمامة العرب ، فجعل بعد ذلك يلبس [هذه]
تارة وهذه تارة. ولله الأمور.
وحج بالناس في هذه
السنة مولانا الشريف. وما أحسن قول بعضهم وهو قديم :
يا سعد دارت رحى
الأفلاك وانتصرت
|
|
لك الليالي
أمدتها المقادير
|
وأنشدني بعض
أصحابنا ممن كان بالمدينة ، حال دخول مولانا الشريف سعد إليها قول عبد الرحمن جلبي
عابدي ، وهي هذه القصيدة :
افتخر يا زمان
فالسعد وعد
|
|
وتطاول فما
لمثلك ند
|
__________________
فيك حاز الإمام
خير بلاد ال
|
|
له ملكا ولم يكن
منه بدّ
|
فهو القائم
المؤيد بالنص
|
|
ر له الرعب
والملائك جند
|
وارث الملك عن
أب وأبوه
|
|
عن أبيه وثم كم
ذا أعد
|
فبدا منه
للخلافة تاج
|
|
وزها منه
للشرافة عقد
|
ضحك العدل
واستبان وقد كا
|
|
ن لدينا به جفاء
وصد
|
فهنيئا به
الأراكة تزهو
|
|
في رباها وطائر
الأيك يشدو
|
قل لراجي الخطوب
ويك أرحها
|
|
والهزل في دولة الجدّ جدّ
|
هاك تاريخ ملك
حميد
|
|
حكمه في الأنام
جود وجدّ
|
افق الملك حله
بل حماه
|
|
نجم سعد فطالع الملك سعد /
|
[وامتدحه في يوم النحر صاحبنا الشيخ
عبد الملك بن الحسين العصامي بقصيدة وهي قوله :
تأن لا تربت
يمناك من رجل
|
|
وارفق هديت بها
يا سائق الإبل
|
عير لئن كن
أشباه القسي لها
|
|
مر السهام فهل
يعددن من
عجل
|
من المحامل قد
اعددن أجنحة
|
|
بها يطرن كخفق
البارق الأكل
|
أصبحن في نظري
من أجل ما صنعت
|
|
وإن كنّ من قباح
الخلق والشكل
|
لو استحب المعنى
عن تلمحها
|
|
عماه حاشاك لم
يلحقه من عذل
|
__________________
لكن أمرنا به في
قوله أفلا
|
|
ويوجر المرء قد
ما قيل في المثل
|
كأنما انحل
حاديهم جذبن له
|
|
مع الأزمة قلبا
موثق الجدل
|
لي في قلوب
العدا ظمياء مرهفة
|
|
سلت على قصي
حالي فلا تسبل
|
بانوا فأصبح نجم
الدمع منفجرا
|
|
إذ قام فوقي موج
الهم كالظلل
|
وقفت أبصر أعلا
الورد أسفله
|
|
الفعل في هبل والعين
في بهل
|
وظلت أنشق تربا
فيه ما تربت
|
|
بته يد فشكت من
عارض الشلل
|
لو تعلم العرب
هذا كان لا تربت
|
|
نشر العدا عندهم
لو لا عيا الجهل
|
تلك الأناكيد
كبدي كان قسمها
|
|
شكل المثلث سيف
البين والرجل
|
سطا وصال علينا
صال محتدما
|
|
عليه سعد بن زيد
أوحد الدول
|
أبو مساعد أسمى
من عطفن له
|
|
أعنة الموجفات
الخيل والإبل
|
خير الخلايق من
خير الوظائف في
|
|
خير الطوارف
أبناء الوصي علي
|
سلطان مكة
راعيها مملكها
|
|
عطفا على البدو
لا عطفا على العدل]
|
مذ غبت عن بلد
الله الأمين لقد
|
|
دحى ضحاياه لا
تسل عن الأصل
|
احدى وعشرين
عاما ثوب بهجتها
|
|
رث وحيد علاها
واضح العطل
|
نعم بأربعة فها
أعاد لها
|
|
أخوك وابنك بعض
الحلى والحلل
|
__________________
فكم إلى الله من
ورع تشتت بي
|
|
ن الركن
والأبواب في الأسحار مبتهل
|
أجاب دعوته
المولى وحقق ما
|
|
قد كنا بشرنا من
قبل كل ولي
|
وهي طويلة ، وهذا
ما اخترته منها.
ولما أراد الشامي الرجوع ، بعث معه ولده الشريف سعيد ، وخرجت معه عدة من
الأشراف.
__________________
ودخلت سنة ألف
ومائة وأربعة :
ولما كان يوم الأربعاء
عند صلاة الظهر تاسع عشر محرم الحرام : حصل من مولانا [الشريف] ما حصل على الوزير محمد علي بن سليم ، فأمر بأخذه من داره
هو وأولاده وحبسهم. فأخذ على أشنع حال ، وختم على داره ، [وأخرجت الحرم والأطفال ،
وكان صنعا شنيعا ، فحبس هو وأولاده].
ثم إن مولانا
الشريف أحمد بن سعيد ، تشفع في ولده علي بن محمد علي ، فأطلق ، واستمر والده مدة
طويلة إلى عشرين في صفر ، وأحضر لدى قاضي الشرع ، وادّعى عليه مصطفى بن عبد الرحيم
جلبي ، بطريق الوكالة عن مولانا الشريف ، بأربعة وعشرين ألف قرش ، فأقرّ بها ،
فطولب ، فادّعى الإعسار. فأورد عليه أن شرط في أوقافه التصرف مدة حياته ، فأثبت
ذلك.
فأمر القاضي بوفاء
ديونه من أوقافه ، فأخذت منه بعض بيوته الموقوفة بطريق البيع ، وسمح له مولانا
الشريف بجملة من الدين ، ومنعه الخروج من داره إلا إلى الصلاة.
فاستمر على ذلك
إلى أن رجع مولانا الشريف من الشام بعد
__________________
وقعة حرب الآتي
ذكرها. فلم يزل يستعطفه إلى أن عفا عنه ، وأعاد له حجج بيوته. فلزم بيته من نفسه ،
وترك الخلطة مع أبناء جنسه ، واختلط في آخر عمره ، حتى يقال أنه صار لا يعرف أولاده ، وربما
خرج به بعض أولاده قاصدا زيارة بعض أصحابه ، فوقف به الولد مع الأولاد الصغار في
الحارات لللعب معهم ، وهو معه إلى أن يسير به ، ولم يزل إلى أن توفاه الله تعالى.
وفي التاسع من صفر
: جاء الخبر ، بأن الشريف سعيد عدّ الحج الشامي ، وأن جماعة من عنزة [قد] اعترضوه على الماء ، فقتل منهم جماعة وأسر جماعة. وأوصل
الحج إلى العلا ، فنصبت الرايات بدور السادة الأشراف ، على جري العادة ،
لخبر النصرة ، وفرح بذلك الناس.
__________________
ثم ان مولانا
الشريف صار يخرج ليلا يتفقد البلد. وأمر بالنداء على الخمر والفواسق .
وفي يوم الإثنين
الثالث عشر من ربيع الثاني : كسر في قناة العين نحوا من ثلاثين ذراعا.
فجاء الخبر
لمولانا الشريف ، فبعث من وقته بالمهندسين. فأشرفوا ، فاقتضى رأيهم أن يجعلوا دبلا
من خشب ، يجروا فيه العين ، إلى أن يفرغوا من الشغل في المنهدم.
فبعث إلى نائب جدة
أحمد آغا ناظر العين ، فحضر في ليلته ، وأوجد لهم الوزير عثمان حميدان جميع ما يحتاجون إليه من خشب وغيره ، فبذلوا الهمة إلى أن تم فصنعوه بمكة ، وطلعوا به
رابع عشر الشهر ، وركبوه ، وأجروا فيه الماء يوم الجمعة سابع عشر الشهر. واستمر
الشغل فيها بغاية الهمة ، إلى أن تم بناء المهدوم ، وأجروا فيه الماء ، في اليوم الثامن عشر من الشهر.
وفي يوم العشرين
من هذا الشهر : ورد صاحب جدة أحمد بيك المتولي إلى مكة ، فاجتمع بمولانا الشريف
فأكرمه مولانا الشريف ،
__________________
وألبسه فروا ،
وأركبه حصانا ، ونزل بدار الوزارة ـ دار الوزير عثمان حميدان ـ.
وفي هذا الشهر :
ورد خبر مولود زاد لمولانا السلطان أحمد خان ، / ٣١٢ فزينت البلد ثلاثة أيام بأمر
مولانا / الشريف.
ولم يزل الصنجق
المتولي بمكة إلى يوم السبت الثالث من جمادى الأولى ، وعزم إلى جدة.
وفي يوم الاثنين
الثامن والعشرين في ربيع الآخر : خرج وطاق مولانا الشريف إلى الزاهر قاصدا الشام ، وخرج به خازن داره ، جوهر آغا ، بعد صلاة العصر من بستان الوزير عثمان
حميدان.
واستمر مولانا
الشريف إلى ليلة الخميس غرة شهر جمادى الأولى ، فخرج إلى الزاهر ، واستمر إلى يوم
الخميس الثامن من جمادى الأولى. فتوجه إلى الشام ، وأقام مقامه ابنه مولانا الشريف
سعيد.
[موقعة حرب]
وكان الحامل له [على
هذا] الخروج ، مولانا السيد ناصر بن
__________________
الحارث ، لأخذ
ثأره من حرب البدنة المعروفة.
فلما بلغ ذلك حرب
، أنفت نفوسهم لصدقهم مع مولانا الشريف ، وقيامهم بخدمة أهل هذا البيت المنيف.
فجمعوا الجموع ، وأرسلوا إليه يعذلونه عن هذه النية ، ويبذلون له الطاعة مع حفظ النفوس والقدس
بينهم.
فغلب على مولانا
الشريف رأي من معه من الأشراف ، فلم يزل إلى أن وصل بدرا ، [فخرج الاى] السابع والعشرين من جمادى الثانية.
فلما وصلوا إلى
بدر ، منعهم من المسير ، فأقاموا هناك ، ورجع الجمالون ، فتفرقوا ، وتحيرت القافلة
ثمة .
ولما كان يوم
الحادي عشر من رجب : ورد مورق بأوراق إلى الشريف سعيد ، يخبر وفاة السيد دخيل الله
بن سعد ، فأسفت عليه
__________________
الناس ، وكتم
الشريف سعيد هذا الخبر إلى عشرين رجب ، فأظهره لأهله. وصحّ أنه عثرت به فرسه وهو
يلعب بالحمام ، فصاح ، وبات ليلته تلك ، ومات رحمهالله تعالى .
وفي يوم الجمعة
التاسع عشر من رجب : ورد مكة مولانا السيد عبد الله ابن هاشم من جهة اليمن ، ودخل
معه جماعة من الأشراف ، وجلس في منزله للتهنئة ، وأتاه مولانا الشريف سعيد زائرا.
وفي السادس عشر من رجب : جاء خبر من جهة مولانا الشريف ، وأنه التقى بحرب
يوم السبت الثالث عشر من رجب ، فثبطت الأشراف وأحجموا عن اللقاء ، فحصل بموجب
ذلك الكسر ، وتقوت حرب ، ودخلوا بدرا. ورجعت الأشراف إلى رابغ.
فجهز الوزير عثمان
حميدان خزانة كاملة ، بعث بعضها برا ، وبعضها بحرا ـ جزاه الله خيرا ـ.
ثم جاء الخبر
بتحول مولانا الشريف ومن معه إلى خليص.
وفي أوائل شعبان :
ورد عليه قفطان من صاحب مصر ، فلبسه هناك.
[وفي ليلة الأحد
الثاني عشر من شعبان : خرج مولانا الشريف إلى لقاء
__________________
والده بخليص].
وفي يوم الثلاثاء
الثالث عشر من شعبان : ورد مكة السيد ناصر الحارث ، وأقام أياما ، ورجع.
ثم ان الشريف سعيد
دخل مكة ، وأقام أياما ، ورجع. ثم دخل في رمضان.
واستمر مولانا
الشريف يتدانى من مكة ، إلى أن دخل مكة ليلة الأربعاء الثامن عشر من رمضان ، فنزل بستان الوزير عثمان [حميدان] ، واستمر هناك وعيّد بمكة . واستمر إلى اليوم العاشر من شوال ، فسافر متوجها إلى
المبعوث ، ودخل الطائف ، فأقام بها يوما وليلة ، وخرج.
وبعث السيد عبد
الله بن هاشم للقاء الحج الشامي ، واستمر هناك إلى أن دخل مكة ليلة الأحد الثاني والعشرين
من ذي القعدة ، ولم يزل هناك إلى أن حج بالناس.
وفي هذا الموسم لم
يصل أحد من الحج العراقي في هذه السنة.
__________________
وورد الحاج
العراقي بعد النزول ، ومعه كثير من العجم ، فاتهم الحج لتعرض بعض العرب ، وظلم
أميرهم. فصودروا بمكة على ما يسمونه الصرمة لمولانا الشريف.
ثم إنه خرج بهم
السيد سعيد بن سعد في أواسط محرم ، وجعل في هذه السنة الخواجا حسن [ابن] حمدان ابن عمة الوزير ناظرا لهم. فجلس مع القاضي والكتبة في مجلس الصر بالحرم
الشريف.
__________________
ودخلت سنة ١١٠٥
خمسة ومائة وألف :
وفيها خرج بعض ذوي
عبد الله بن حسن مغاضبين إلى جهة اليمن. فاعترضوا القافلة الواردة من تلك الجهة.
وتأخرت المراكب
المصرية ، فوصل الأردب [الحب] في شهر ذي الحجة إلى عشرة قروش. فوردت المراكب في محرم ،
والأمر على ما هو عليه من السعر.
وقبل مولانا
الشريف الحسبة في هذه السنة بالرزين . وهو أن المحلق : أربعة علق من معاملة البلدة. ومعناه رده إلى الديواني في ما يتعلق
بالحسبة من عشور ورسوم ونحوها. وحصل للناس بذلك تعب ، يعرفه من عاناه من أهل
السبب.
وفيها : ولي أحد الأتراك المجاورين بمكة ، وهو محمد السبرطلي وزر
جدة ، فنزل.
وصعب إجراء الرزين
على أهل المراكب والجلاب الواردة إلى جدة.
__________________
وجاء حاكم القنفذة
إلى مكة ، وهو القائد أمبارك بن سليم ، فكلم مولانا الشريف في أمر العشور ، ولم يزل به
إلى أن رضي أنه يأخذ العشور بغير الرزين ، لّما علم أن أصحاب الجلاب عزموا
على التوجه إلى القنفذة ، فسمح بترك الرزين في حبوش هذه السنة فقط.
وفيها : خرج مولانا الشريف سعيد بن سعد في ساقة الحج العجمي في
محرم ، ولحق الشامي بالمدينة.
وصادف في دخوله
المدينة بعض عرب عنزة معترضين للحج ، ففتك بهم ، وقتل منهم عدة رجال. وجاء الخبر
إلى والده بذلك في صفر ، كما سيأتي في بيانه.
وفي هذه السنة :
تطرقت أهل الفساد ، فشرعوا في التلصص [في الطرقات] والسرقات ، ولم يزل الأمر يتفاقم إلى أن أمر مولانا الشريف
بعض الأشراف أن يعسّ مع من يعسّ من عسكره ، ثم أدى
__________________
الأمر إلى أن جعل
يخرج هو بنفسه متخفيا ، ليصادف أحدا من المفسدين .
ولما كان يوم
الأحد السابع من صفر : جاءه الخبر ، أن بعض آغاوات الحرم أرسل إلى جدة ، فنزل عليهم / بعض البادية
، وضرب أحد الآغاوات ، ونهب ، ورجع الباقون. فثارت نفسه وركب ضحى بنفسه فازعا. وتلاحقته فتية من الأشراف ، بعد أن وصل
إلى الشيخ محمود فردوه ، وقالوا له :
«نحن نأتيك
بالغرماء».
فرجع ، وخرج
الباقون في طلب الأخذة ، ومعهم السيد عبد المحسن ، وابنه السيد مساعد في جماعة من الأشراف ، فتبعوا الجرة ، إلى أن وقعوا على عبيد للسيد شاكر بن يعلى فمانعهم عن
أخذهم ، فأرسلوا بتعريف ذلك لمولانا الشريف ، فتسامح في ذلك ـ ولله الأمر من قبل
ومن
__________________
بعد ـ.
ثم ورد شاكر
المذكور على مولانا الشريف ، واعتذر بأن الفعالة غير عبيده ، فترك.
وفي هذه الأيام
جاءت المبشرة بأخذ السيد سعيد [بن سعد] لبعض عرب عنزة ، وأنه قتل منهم مقتلة عظيمة. وركزت الرايات على بيوتهم
كما هو العادة ، وفرح الناس بذلك.
ثم أنه رجع ودخل المدينة ، وأقام بها مدة ، ثم رجع [إلى] مكة من طريق الشرقية ، فدخل مكة ليلة الجمعة سابع شهر ربيع
الأول.
ثم توجه إلى جدة
في أواسط ربيع الثاني لأمر عنّ له ، وطلع.
ومن الغريب أن في
يوم الإثنين الثالث عشر من ربيع الثاني أخبرت أنه نادى مناد في الأسواق بأمر
مولانا الشريف سعد بن زيد :
«معاشر بني حسن
الأشراف ، حسبما رسم مولانا الشريف ، أنه لا يخرج أحد منكم إلى جهة من [هذه] الجهات ، ويكون في ركاب الشريف سعد أينما يتوجه ، وليعلم الحاضر الغائب».
__________________
وفي [هذا اليوم] يوم الإثنين : ورد فضلي جوربجي ، من جهة صاحب مصر بأوراق
لمولانا الشريف ، وألبسه قفطانا ، وفرقت الكتب على أربابها ، وأخبر بخبر غرق
المبخرة الجديدة ، وهو مركب جديد جهز من مصر إلى جدة ، وفيه أموال العسكر وحبوب
الفقراء أهل مكة ، فارتفعت الأسعار. ولم يزل الأمر في الشدة.
وسبب ورود فضل جوربجي أنه :
جاء في صورة وكيل من
يوسف السقطي ، في طلب المنكسر له عند مولانا الشريف سعيد ، ومولانا السيد عبد
المحسن ، ويطلب في ضمن هذا مداعاة الشيخ سعيد ابن الشيخ محمد
المنوفي ، فدافعه مولانا الشريف ولم يحصل على طائل ، وكرّ راجعا بخفي حنين .
وفي يوم الاثنين
الثالث عشر من ربيع الثاني : عزل مولانا الشريف القائد أحمد بن جوهر
من الحكامة ، وولاها علي مملوك الحبشي ـ أحد عبيده ـ وجلس للتهنئة في دار سيده يوم
الثلاثاء الرابع عشر من الشهر المذكور.
__________________
ولم يزل مولانا
الشريف بالمعابدة ، إلى أن خرج من مكة ليلة الاثنين سابع جمادى الأولى متوجها إلى
الشام ، ونزل الوادي .
ثم عنّ له نزول
جدة ، فجاء الخبر بذلك ، أنه دخل جدة في أواسط جمادى الأولى ، وأقام بها في القلعة ثلاثة عشر
يوما. وصادر من بها من التجار ، فأخذ منهم عشور ما أخذوه في هذه السنة من البرّ كاملا.
وكان العادة أن
يؤخذ من الوارد نصف العشر ويكون النصف [الآخر] لصاحب الزاله تحت مصرفه عليها وعلى الخدام.
والحاصل أنه أخذ
من التجار بها نحوا من سبعين كيسا. وقيل ، سبعون ألف أحمر .
وخرج من جدة فنزل
ذهبان ، وأرسل إلى جدة لأجل أخذ
__________________
خزانة طعام ،
فاقتضى الحال أخذ جميع المبيع إلى أن يكتفي ، فتعب لذلك التجار ، واشتد الحال على
من بمكة إلى أن وصل الأردب من القمح خمسة عشر قرشا غير موجود ، وذلك في جمادى الثاني. ثم ارتفع
إلى ثمانية أحمر جديد.
وخرج مولانا
الشريف سعيد ، إلى تلقاء والده ، ظهر يوم الاثنين رابع رجب الفرد .
وفي يوم الثلاثاء
: ظفر الحاكم علي مملوك ، برجلين كانا قد سرقا سريقة من خان الهنود التجار بمكة ، وهربا من مكة.
فلما ظفر بهما
شنقهما في هذا اليوم بالمسعى الخامس رجب. أحدهما ـ مصري والآخر زنجي ـ.
ولما كان يوم
السبت الثالث عشر من رجب : ورد إلى مكة مورق من البحر ، من عند مولانا الشريف ،
ومعه أوراق لكبار العسكر ، ومضمونها :
«أن الرابع عشر من
الشهر ورد على مولانا الشريف قاصد من مصر معه خلعة ، وصحبته أمر باشوي ، بأن
مولانا الشريف لا يعترض
__________________
بدوي بن أحمد بن رحمة شيخ حرب ، ولا يقع منه تفريط في هذه
البدنة ، فإنها خدمة السلطنة ، والتحذير من الوقوع بهم».
فلم يلتفت مولانا
الشريف إلى ذلك ، واستمر إلى أن وصل ينبع.
وفي أثناء هذه
السنة جاءنا :
أن إمام اليمن ،
باين السيد أحمد بن غالب بعد مقاومة جرت بينهما ، وحمله على الخروج من البلد ، بعد
أن أخذ ما كان جعله عليه من بلدة أبي عريش ، وأنه توجه إلى جهة مكة.
وجاء الخبر في هذا
الشهر : أنه وصل إلى القنفذة هو ومن يلوذ به ممّن معه.
فبعث نائب مولانا
الشريف السيد عبد الله بن محمد يحيى بن زيد إلى عمه يخبره بذلك . فلم يأت منه خبر.
ولما كان ليلة
الأحد النصف من شعبان : توفي القائد أحمد بن جوهر حاكم مولانا الشريف ـ المنفصل عن
الحكامة بعلي مملوك ـ وصلي عليه بعد الشروق ، ودفن بالمعلاة ـ رحمهالله تعالى.
__________________
وفي ليلة الخميس
التاسع عشر من شعبان : جاء الخبر إلى مكة أن مولانا الشريف فضل بن شبير بن مبارك
بن فضل ، وصل السعدية ومعه قاسم التربتي.
وكان سبقه كتاب
يوم السادس عشر ، إلى السيد عبد الله بن محمد ابن زيد ، من السيد أحمد بن غالب
يستأذن فيه لدخول خدمته مكة يقضون له حوائجه.
فلما جاء مولانا /
السيد فضل ، وصحبته الخواجا قاسم التربتي ، في هذه الليلة المذكورة ، شقّ على مولانا الشريف السيد عبد الله ورودهم ، فاجتمع إليه أكابر العسكر المصري
، والقاضي بمكة ، والمفتي ، وتكلموا معه في دخول الجماعة المذكورين ، وطلبوا منعهم من الدخول. فكتب إليهم مولانا الشريف المذكور ، وعرّفهم أنهم أخطأوا في مجيئهم
قبل الإذن ، فدخلوا يوم الجمعة ، وأقاموا ببركة ماجن ، ومنعوا إلا لقضاء أمر الإحرام. فإنهم أحرموا لدخول مكة. فأمروا بالطواف والسعي ،
والرجوع إلى بركة ماجن ، والبقاء هناك. فامتنع السيد فضل وأقام هناك.
__________________
وفي يوم السبت
الثاني والعشرين : ورد مبشر من مولانا الشريف ، بالنصرة على حرب. وأن
غالبهم دخل تحت الطاعة لمولانا الشريف . وهرب بدوي بن أحمد بن رحمة إلى شظية ـ جبل معروف بهم ـ وطلب
الأمان ، فامتنعت الأشراف من ذلك. وأن الخبر يأتي بعد أيام. وحصل للناس بسبب ذلك فرح عظيم.
وأما ما كان من
أمر السيد فضل بن مبارك ، فإن أمره تقرر على أنه يعزم إلى مولانا الشريف. فرحل من مكة وصحبته قاسم التربتي ، فوصلوا إلى مولانا الشريف في ينبع
واجتمعوا به.
وفي يوم الأحد
الرابع عشر من رمضان المكرم : وردت البشائر من مولانا الشريف ، وأنهم التقوا مع
حرب يوم السابع من رمضان بالصفراء ، وحصلت ملحمة عظيمة ، قتل فيها من الفريقين نحو
المائة ، وأن بدوي بن رحمة وأخوه امبارك فرا بأنفسهما ، [فأتبعهم] ، وقتل فيمن قتل سليمان بن أحمد بن رحمة أخو بدوي ،
وامبارك أصيب.
__________________
وأن مولانا الشريف
اعتقل أربعة من مشايخ حرب ، وأصيب بعض الأشراف إصابة سهلة.
فأمر قائمقام
مولانا الشريف ـ مولانا السيد عبد الله بن محمد بن زيد ـ بتزيين البلد ثلاث ليال ،
فزينت.
وفي ليلة التاسع
والعشرين : ورد مكة السيد فضل ، وترك بمكة قاسم التربتي الواصل معه ، ثم ارتحل
السيد فضل راجعا إلى مرسله .
وانقطع الخبر من جهة مولانا الشريف.
وفي ليلة الجمعة
الثالث من شوال : ورد مكة حاكم القنفذة ، وبعض الأشراف الذين كانوا بها . وتحقق الأمر أن السيد أحمد بن غالب هجم على القنفذة ،
فدخلها قهرا .
فقام مولانا السيد
محسن بن حسين بن زيد ، وكان متخلفا بمكة ، فجاء إلى دار السعادة ، ودعا الوزير
عثمان حميدان ، وقاضي الشرع ، وكبار العسكر المصري ، وقال :
«إن هذا الرجل قد فعل ما سمعتم به ، والمقصود منكم حفظ البلد
،
__________________
وأنا أكفيكم هذا
الرجل».
وأمر بكتابة عسكر
، وإظهار العناية منه بهذا الشأن.
ثم اتفق أن جاء
بنفسه ـ أعني السيد محسن [بن حسين] ـ إلى قاضي الشرع ، واجتمعت هناك كبار العسكر المصري ،
واقتضى رأيهم كتابه القاضي إلى صاحب جدة ، بأن يطلق مدخول المراكب الهندية على الوزير عثمان حميدان ، ليستعين
بها على هذا الشأن ، فإنه ادعى أن مولانا الشريف أخذ منه جملة من المال ،
وأحاله على المراكب ، ومنع منها ـ الوزير المذكور ـ . فكتب القاضي له كتابا في هذا الشأن.
ثم إن حاكم مولانا
الشريف ، حجر على التربتي أن يخرج من بيته ، فإنه بلغه عنه ما يوجب ذلك ، وكتب إلى
مولانا الشريف بهذا القدر من يومه.
ولما كان يوم
السبت الحادي عشر من شوال : أتي إلى السيد محسن بمورق من السيد أحمد بن غالب ، ومعه مكاتيب لجماعة من أهل مكة
__________________
من عند السيد
أحمد. فحبس وضرب ، واستخلص منه المكاتيب.
وأمر مولانا السيد
محسن بأخذ إسحاق اليماني ـ أحد تلامذة صالح المقبلي الزيدي ـ ، فإنه ما وصلت
المكاتيب إلا إليه ففرقها على أهلها. فحبس [في] ليلة الأحد ثاني عشر شوال ، وعرف بذلك مولانا الشريف ،
فأمر بإطلاقه.
ثم جاء الخبر أن الأشراف وردت إلى مكة. ودخل مكة السيد سعيد بن سعد.
ولما كان أواخر
شوال ورد الخبر أن السيد أحمد بن غالب سار متوجها إلى مكة ، وأرسل الشريف
سعيد يحث والده ، وكان بعد أن دخل المدينة ، عطف من هناك على المبعوث بقصد مكة ،
فدخلها ليلة الثلاثاء خامس القعدة . وبات ببستان الوزير عثمان حميدان بالمعابدة ، واستمر هناك
يوم الثلاثاء ، ونزل يوم الأربعاء السادس من القعدة في آلاي أعظم ، إلى أن وصل إلى دار السعادة ، وتحقق [الأمر] أن السيد أحمد
__________________
ابن غالب وصل إلى
الليث ، ونودي فيه باسمه وأخذ الزالة من أصحاب الجلاب.
وما كان من مولانا الشريف : فإنه أمر بوطاقه إلى بركة ماجن من
يوم وصوله ، واستمر بمكة.
وفي يوم الثلاثاء
الثاني عشر من ذي القعدة من السنة المذكورة : جعل الشيخ سعيد بن الشيخ محمد المنوفي مفتي الشافعية ، وعزل الإمام حسن بن [علي] بن عبد القادر الطبري عن هذا المنصب / ، وجلس المتولي في هذا اليوم للمباركة.
واستمر مولانا
الشريف بمكة إلى يوم السبت الرابع عشر من ذي القعدة ، فخرج في هذا اليوم متوجها
إلى جهة اليمن ، ولم يخرج معه أحد إيهاما لقصد الشريف أحمد بن غالب ، ثم
رجع بعد صلاة المغرب.
__________________
ولم يزل ، إلى أن
طرقه خبر وصول إسماعيل باشا من جهة الروم ، ومعه محمد باشا صاحب جدة سابقا ،
فاضطرب حاله ، ولم يزل إلى أواخر ذي القعدة ، والأمر لا يزداد إلا شدة.
وما كان من السيد أحمد بن غالب : فإنه لم يزل يتنقل في المنازل. فلما أن بلغ
مولانا الشريف هذا الخبر ، بعث إليه يأمره بالدخول إلى مكة ، فبعث إليه :
«إني عابر سبيل ، وليس لي بمكة حاجة».
ولم يزل إلى أن
نزل بلده بالركاني ، يوم الاثنين الثاني من ذي الحجة سنة ١١٠٥ ه .
ولما كان يوم
الأربعاء الرابع من ذي الحجة : دخل الحج مكة ، وعرض مولانا الشريف للحج المصري يوم الخميس ، ولبس الخلعة الواردة مع الأمير ابراهيم بيك .
ولما أن كان يوم
السادس من ذي الحجة : كان يوم عرضة الشامي ،
__________________
فدخل مكة اسماعيل
باشا ومعه المحمل. ومعه محمد باشا صاحب جدة ، وقد أعطي جدة وغزة وسواكن ، على
اشتراط إصلاح البلد ، ومعهم من العسكر ما يناهز الألفين أو يزيدون.
فلما أن خرج
مولانا الشريف للقاء المحمل إلى الزاهر ، ولم ير معه أحد من العسكر المصري ، وقد انحاز الجميع إلى عسكر
الشامي الذي ورد صحبته الحاج من المغاربة ، فإنه بيت عليهم الباشا ، وألزمهم بالحضور معه.
فلما وقف مولانا
الشريف ـ موقفه العادة حين يطلب القفطان ـ أخذ محمد باشا بمن معه من العساكر ميمنة الباشا. وتقدم جماعة من عسكر الباشا إسماعيل يريدون أن
يحيطوا بالشريف. فاتسع مولانا الشريف منهم إلى جهة يساره ، فظنت الأشراف حدوث واقعة ـ
__________________
وكان معه فئة من
الأشراف ـ فانهزموا راجعين. وثبت مولانا الشريف ، وتواقع أطراف العسكر مع عسكر
مولانا الشريف.
فلما شعر إسماعيل
باشا بهذا الأمر ، بعث بالقفطان فلبسه مولانا الشريف. ورجع.
ووقعت بمكة بعد
رجوع الأشراف السابق ذكرهم تشوش في البلد ، وعزل السوق.
فلما رجع مولانا
الشريف نادى حاكمه بالأمان في السوق. ثم ان مولانا الشريف نزل داره ، ودخل إسماعيل
[باشا] بالمحمل ، ومعه محمد باشا من الحجون ومن معهم من العسكر [إلى بستان الوزير
عثمان حميدان ومعهم] المحمل الشامي. فبعث إليهم مولانا الشريف إبراهيم بيك أمير الحج المصري ، ومعه مولانا السيد مساعد بن سعد بما
محصله :
«إن يكن معكم أمر بعزلي فأنا طائع للسلطان ، فانزلوا وأقرؤه
بالحرم الشريف ، وتسلموا البلد ، وإن لم يكن الأمر كذلك ، فأخبروني عن سبب هذه
العساكر ، وابعثوا لي بالأمر السلطاني الذي يقرأ يوم
__________________
النحر ، لأنظر فيه».
فلم يعيدوا له
جوابا شافيا. فبات ليلة سبع .
ولما [كان] ليلة السبت سابع ذي الحجة : طلع أمير الحج ، ويوسف آغا الكزلار
شيخ حرم المدينة ، وسرادير العسكر ، وقاضي الشرع والمفتي. فلما أن وصلوا إلى حضرة محمد باشا ، وإسماعيل
باشا ببستان الوزير عثمان حميدان ، بعثوا إلى مولانا السيد عبد الله بن هاشم بن
محمد بن عبد المطلب بن حسن ، وأظهر محمد باشا الأمر السلطاني بختمه ، وفضّه بحضرة الجماعة ، ففتحوه وقبلوه. وفيه :
عزل مولانا الشريف
سعد ، وتولية الشريف عبد الله بن هاشم شرافة مكة.
فألبس إسماعيل
باشا قفطان الولاية في المجلس ، وأمره بالنزول إلى البلد ، فركب مقفطنا ، وخرج نازلا إلى مكة ، ومحمد باشا والأمر السلطاني بين
أيديهم ، فلم يزالوا إلى أن وصلوا إلى المسعى ، والمنادي
__________________
ينادي بالبلد
للشريف عبد الله بن هاشم.
فلما أن وصلوا
المحناطة ، جاءهم الخبر ، أن بعض جماعة مولانا الشريف ، سطا في المنادي ، وحصل عليهم الرمي ، وتحصّن
مولانا الشريف في داره ، وحصره ـ هذا ـ الرمى عن الوصول ، واستمروا إلى صلاة الظهر. ونزل مولانا الشريف عبد
الله بن هاشم بدار الشفاء في المحناطة ، وبقيت العساكر ، وانضمت إليهم العرب
والإنقشارية.
ووقعت العسكر إلى
قايتباي ، وملكت جماعة مولانا الشريف جبل أبي قبيس ، فانحازوا إلى المسعى. ونهبت بعض جماعة الشريف سعد بعض دور الأتراك. وقتل جماعة في المسعى ،
ونهب رباط الهندية بسوق الليل ، وبعض من دور أهل مكة.
ولما طال الأمر
على محمد باشا ، نزل بنفسه وأخذ مدفعا ، وجاء به إلى باب السدرة المسمى بباب ابن عتيق ، وأراد رميه على بيت
__________________
الشريف ، فأصيب
طبجيه قبل إطلاقه ، برصاصة مات بها ، فنقله عن ذلك المحل ، ورجع به إلى المسعى ، وقتل من
جماعته شيئا كثيرا بالمسعى ، واستمرّ الأمر إلى الليل.
فلما رأى مولانا
الشريف [أن] الأمر يطول ، رحل بالليل ، هو وابنه ، إلى جهة الحسينية ، وأصبحت الناس وقد رحل.
فجمع محمد باشا
القاضي المتولي والمعزول ، والمفتي ، وبعض الفقهاء بالحطيم ، وأظهر الأمر السلطاني
، ملخصه :
«أن مولانا
السلطان عزل الشريف سعدا ، عن شرافة مكة ، لأمور بلغته . وأنه أنعم بها على مولانا الشريف عبد الله بن هاشم بن
محمد بن عبد المطلب بن حسن».
__________________
وألبسه القفطان ،
وركب من باب السلام ، ودار شوارع مكة ، والمنادي ينادي له [ولاية الشريف عبد
الله بن هاشم] بالبلد.
ونهبت العسكر منزل
/ الشريف سعد ، ونحو عشرة بيوت من بيوت ذوي زيد .
ثم ان مولانا
الشريف عبد الله لما بلغه ذلك ـ ركب بنفسه ـ وكان نزل دار الوزير عثمان حميدان
بسويقة ، فركب ، وجاء إلى بيت الشريف ، وقال لمحمد باشا :
«إن هذا النهب لا نرضاه».
فاستردّ بعض أشياء
لا تذكر مما أخذ ، وجمع بدفتر وسلم لبعض خدم مولانا الشريف ، وهو الفقيه محمد
سعيد.
ورجع مولانا
الشريف إلى منزله المذكور ، واستمر به. وعد من قتل بذلك اليوم ، فكانوا زهاء عن مائة رجل .
ثم ان الباشا ظفر
برجل من عسكر الشريف ، شهد عليه جماعة بأنه
__________________
قتل بعض الرعايا ،
[فأمر بشنقه] ، وشنق بالجميزة ، في باب المعلاة ، تحت سبيل السلطان .
وطلع الأمير بالمحمل
يوم ثمان بعد الظهر.
وطلع إسماعيل باشا
بالمحمل الشامي يوم تسع .
ولم يحج أحد من
أهل مكة إلا من كتب له الحج ـ مما قل ـ وأخذ بعض الحجاج في طريق منى ، ونهبت عرب عتيبة
بعرفة من الحاج قبل وصول الأمراء ، بحيث أنهم لما وصلوا لم يجدوا شيئا من الميرة ،
وقتلوا بعرفة نحو أربعة من أهل اليمن الواردين على طريق الحج ، وفروا من هناك.
__________________
ودخلت سنة ١١٠٦ ه
:
ثم إن مولانا
الشريف عبد الله ، انتقل من منزل الوزير عثمان حميدان ، إلى دار السيد ثقبة بن عبد
الله ، الكائنة في العقد أول جياد ، وانتقل محمد باشا إلى دار الوزير عثمان حميدان
بسويقة ، واستمرّ به.
وخرجت جماعة إلى
جدة فأخذوا. واحتاج الأمر إلى [أن] تجمع أهل جدة ، وينزلوا جملة ، فاجتمعوا ، واجتمع إليهم من يريد جدة ، فنزلوا .
ثم تلتهم جماعة
أخرى ، فحأس بعضهم بشرّ. فرجع إلى مكة من الطريق ، واضطربت الناس ، ولم يحصل شيء.
ولم يرد في هذا
العام شيء من الحبّ للفقراء إلا ألف أردب في بعض المراكب ، أخذ منه أمير الحاج
الربع عن ما أخذه له الشريف سعد في ينبع ، وقسم الباقي على [أصحابها] على ـ صاحب الأردب [الواحد] قيراط [واحد] ـ ولم يحصل ١٠ ولم يزل الأمر ينحل
__________________
ويصعب. وصار الناس
ينزلون إلى جدة ببيرق عسكر من عسكر الباشا ، ومعهم شريف. وربما أخذ بعض أطراف القفل.
واتفق أن قافلة حب
وردت ، فأخذت بعض حبوب للفقراء ، فانتدب مولانا السيد أحمد بن غالب ، وردّ البعض على أهله.
كل ذلك وهو ببلده بالركاني ، ولم يدخل مكة ، ووزع على أهل الجراية بقدر الإستحقاق.
ثم ان مولانا
الشريف عبد الله ، لم يزل يلاطف مولانا السيد أحمد ابن غالب ، إلى أن وافقه على المعاملة. فلزم مولانا الشريف. فطلب الباشا
أن يكتب له حجة ، بأن دخوله برضا مولانا الشريف وضمانته ، أن [لا يقع منه] ما يضرّ بالرّعية.
فكتب له مولانا
الشريف ذلك ، وضمن له أنه ما يقع منه [شيء ولا] خلاف.
__________________
فدخل مولانا
الشريف أحمد [بن غالب مكة] ، ليلة الثلاثاء سابع صفر ، بعد صلاة الصبح ، فطاف وسعى ،
واجتمع بمولانا الشريف ، وركب وخرج إلى جرول.
فخرج له مولانا [الشريف] ، ودخل معه ، ونزل بعد صلاة الصبح إلى المسجد ، وفتح له
البيت ودخل الكعبة ، ثم خرج معه من باب السلام.
وتلاحقهم السادة
الأشراف ، وطلعوا إلى البستان . وقد أعد له الوزير سماطا هناك وجلس لرد السلام ، واستقرت الخواطر ـ والله الفعال لما يريد ـ. ولم يجتمع
بالباشا.
ولما أن كان يوم
السبت الحادي عشر من صفر : اتفق مولانا الشريف عبد الله ، والسيد أحمد بن غالب ،
ونزل مولانا السيد أحمد إلى مولانا الشريف ، وجاءهم الباشا هناك ، فاجتمع بمولانا
السيد أحمد ، وحصل
__________________
غاية السرور بذلك.
ثم رجع الباشا إلى
بيته بعد أن مدّ لهم مولانا الشريف صفرة طعام.
ثم أن مولانا
الشريف أحمد بن غالب ، بعد يومين أو ثلاثة ، نزل إلى الشريف عبد الله بعد صلاة
العصر ، واستمر عنده إلى المغرب. وركبا معا إلى الباشا ، واستمرا عنده إلى بعد
صلاة العشاء ، فركب مولانا السيد أحمد إلى منزله ببستان الوزير عثمان حميدان ،
وركب مولانا الشريف إلى منزله.
ثم ان الباشا حمل
معه نحو عشرة جمال ، على طريق الهدية ، وبقشتين تفاريق ، ونحو عشرين خروفا. وفيما حمل إليه السمن والأرز
والدقيق ، فقبله مولانا الشريف أحمد ، وألبس المرسول بها صوفا نفيسا.
وفي أواسط وأواخر ربيع الأول : شاع خبر قوة مولانا الشريف سعد في بندر
القنفذة.
__________________
ومرت نحو [من] إحدى عشرة جلبة من اليمن ، فأخذ عشورها كملا. ووردت جدة ،
وأخبرت بذلك فلم يؤخذ منها شيء.
وحصل اجتماع عند مولانا
الشريف عبد الله ، حضره الباشا والقاضي والمفتي ، وانتج هذا الإجتماع :
بعث نحوا من مائة
عسكري في قارب إلى القنفذة ، وطلب دراهم من التجار والهنود والعسكر. فامتنعت
التجار من الإنقشارية بحماية السردار ، وأخذ من البعض وكتبت حجة لهم. فامتنعوا ،
وفزعوا إلى تربة المرحوم الشريف أبي طالب بن حسن ، وحبس بعضهم وطال الأمر ، ثم أطلقوا ، وأخذ من بعضهم شيء.
ولما كان يوم
السابع عشر من الشهر المذكور : وردت كتب من الشريف سعد لمولانا الشريف عبد الله ،
والسيد أحمد بن غالب ، والباشا ، ومضمون كتابه :
«ان ما وقع من السلطنة ، إنما كان لما وصلهم من الأعداء ،
إني قتلت شيخ حرم المدينة ، وبعض الأروام بمكة ، ونهبت الحجرة ، وكل
__________________
ذلك لم يكن. وأنا
أدخل البلد أطلب شرع الله . وأريد حجة من القاضي ، أتوجه بها إلى الأبواب ، فإياكم
والمنع ، فإني مقاتل على الدخول من قاتلني».
وفي هذا اليوم :
وردت نجابة من مصر بعزل الكزلار ، عن مشيخة [حرم] المدينة ، ووليها عثمان آغا. وورد مستلمه ، وفارق النجابة
متوجها إلى المدينة. وألبس النجابة قفاطينهم المعتادة ، فاستدعى السيد أحمد أغوات [الحرم] العسكر ، وأخبرهم أن الشريف سعد مستعد» ، وعرفوا الباشا
بذلك. إلى غير ذلك.
ثم إن الباشا
اقتضى رأيه أن يعرض العسكر ، ويدخل فيهم ، فأمرهم بذلك.
وطلع يوم السبت
الثالث عشر الشهر إلى المعلاة بعد صلاة الصبح ،
__________________
وخرجت العساكر /
بأجمعها ، وصوروا له عدوا ، وخرجوا [به] من أسفل مكة ، ودخلوا [به] من الحجون ، وهو في منزل الإنقشارية بالمعلاة ، فعرضوا عليه ، إلى أن استكملهم. وأقام يومه إلى العصر هناك مع السردارية
، ثم نزل في آلاي أعظم.
فلما كان بالمسعى
عرض له بعض المجاذيب ، وأوقف حصانه ، وصاح عليه : «إنزل ، شرع الله». بحيث أن
الحصان جفل ، وكاد أن يوقعه ، فتداركته العسكر ، وسطوا في ذلك الرجل ، وأخذوه في
أيديهم ، إلى أن وصلوا به إلى عند الباشا ، فضربوه نحو مائة عصاة ، وبيتوه عندهم إلى الصبح ، ثم أطلقوه بأمر الباشا.
وفي أواخر الشهر :
كثر الشياع بوصول الشريف سعد إلى الليث ، مقبلا إلى مكة. وفزع الباشا لهذا الوارد ، وأطلع عسكره على جبال مكة ، وعمر المتاريس ، وفرق المدافع في الطرق.
وفي يوم الجمعة
غرة ربيع الثاني : نادى منادي مولانا الشريف في
__________________
البلد ، ومعه نائب
الحاكم ، بالنفير العام ، وخروج أهل البلد ، فاغتم الناس لذلك.
ثم إن مولانا
السيد أحمد بن غالب ، ركب إلى المعلاة ، ونزل السردارية الملاصقة للمقبرة.
وفي يوم الأحد
الثالث من ربيع الثاني : وصل مولانا السيد أحمد بن حازم [بن عبد الله] ، والسيد عنان بن جازان ، من عند الشريف سعد من السعدية.
وكانا أرسلا
لينظرا خبره ، فأخبرا [عنه] : «بأنه في أقوام
عظيمة لا تكاد توصف من العربان». فجاؤوا ، وأخبروا مولانا الشريف عبد الله بن هاشم
، والسيد أحمد بن غالب ، بما رأوا ، وما شاهدوا ، وما عزم عليه مولانا الشريف سعد.
فأنتج هذا الأمر ،
أن ركب مولانا الشريف عبد الله بن هاشم إلى الباشا ، ونزل أيضا مولانا السيد أحمد بن غالب إليهما ، فاجتمعا عند الباشا من الضّحى
إلى الظهر ، واستدعوا كبار العسكر المصري من السبع بلكات ، ثم خرجا من عنده.
ثم ان الباشا كتب صورة إفتاء ، كتب عليه المفتي عبد الله عتاقي ،
__________________
فأمر الناس والفقهاء بالكتابة عليه. ومضمونه :
«جواز قتال الداخل على صاحب مكة ، وأن القائم بأمرها مخاطب
بذلك ، وجميع من بها من أرباب الدولة وذوي القدرة على الدفاع». فكتب عليه الناس.
وفي ليلة الاثنين
الرابع من ربيع الثاني : تفرقت عساكر مصر ، عند كل رئيس منهم جماعة ، وباتوا إلى
الصبح ، وهم ساهرين مخافة أن يدهموا ليلا.
ولم يزالوا ، إلى
أن كان صبح يوم الخميس ، جاء الخبر بوصول مولانا الشريف من أعلى مكة ،
فكان أول من قام في هذا الأمر والقتال ، السيد أحمد بن غالب. فركب في خيله وسلاحه
وجماعته ومن يلوذ به ، وأظهر الهمة ومن معه من الأشراف إلى مولانا الشريف ، وطلع
بهم المعلاة ، فحارب هو والشريف عبد الله من هناك.
ثم ان مولانا
الشريف سعد بن زيد ، قد وصل إلى بستان الوزير عثمان حميدان بالمعابدة ، فانحاز
الشريف ومن معه إلى البلد ، وانطلق العربان على جبال مكة والمتارس ، فذبحوا من بها ، وفر من
فر ، واستولوا على المعلاة .
__________________
ثم انطلقوا إلى ما
حول البلد من المتارس ، وشرع القتل بالمعلاة في جماعة الشريف أحمد بن غالب ،
وجماعة الشريف عبد الله بن هاشم ، إلى أن قتل غالبهم ، وأسعف الله
بمطر أبرد ما كان هناك في المتارس من النار ، وفرق بين كل من الفريقين.
ثم إن مولانا
الشريف عبد الله بن هاشم ، والسيد أحمد بن غالب ، ومن معهم من الأشراف ، نزلوا من المدّعى إلى باب السلام ، ولم يزالوا كذلك ، إلى أن دخل الليل ، وأصبحوا يوم
الجمعة ، فرجعوا إلى ما هم عليه من الحرب والقتل ، والسيف يعمل والعسكر تقتل.
فما جاء وقت صلاة
الجمعة ، إلا وقد ملكت العرب جبل أبي قبيس ، وجماعة عطفت على
أجياد.
فلما ظهر للسادة
الأشراف ما ظهر من تلك الأمور والأهوال العظيمة ، خرج مولانا الشريف عبد الله بن هاشم ، وأخوه ، ومولانا الشريف أحمد بن غالب ، وأخوه ، ومن معهم من الأشراف ، متوجهين من أسفل مكة إلى محل يقال
له : الركاني ، في صوب طريق
__________________
جدة ـ بلد مولانا السيد أحمد بن غالب ـ ونزلوا به.
ثم بعد ذلك نزل
أهالي جبل أبي قبيس بحريمهم إلى أسفل مكة ، فعند ذلك اجتمع ناس عند القاضي ، منهم
القاضي مرشد الدين ، والشيخ سعيد المنوفي بن محمد المنوفي ، وابن عمه الشيخ عباس المنوفي وغيرهم.
ثم ان بعض
السرادرة من جيراننا طلب مني الخروج إلى القاضي ، وشنع بتأخيري عن من حضر. فخرجت
حينئذ إلى القاضي.
فلما دخلت عليهم ،
ذكرت للقاضي بحضرتهم ما لحق بالناس من الضرر ، وهتك الأستار ، وأعانني على ذلك
الشيخ عبد الله بن ربيعة الحضرمي ، والشيخ عباس المنوفي ، وأعوان البلكات.
فقال لنا سرادير العسكر : «ما القصد؟ وأنتم ترون محافظتنا».
فقلت لهم : «أما
محافظتكم وقيامكم على حفظ البلد فقد شاهدناه ، ولكن قد قوي النهب ، فإن كان
لهذا الباشا قدرة على دفاع هذا الرجل ، فليخرج لدفاعه. فإن جلوسه في بيته وقد
استحر القتل
__________________
بعسكره مضر به
وبالناس ، وان كان ما لكم قدرة على دفاعه ، فالواجب [عليكم] إدراء هذه الفتنة بالنداء لمولانا الشريف سعد».
فاقتضى رأي
الجماعة حضور شريف من كبار الأشراف ليحضرنا.
فكتب القاضي
يستحضر مولانا السيد أحمد بن سعيد ، وكان في منزل الوزير عثمان حميدان ، فأرسل
يعتذر عن الحضور.
فبينا نحن في
المجلس ، جاءنا موسى أغا ، وكيل الدشيشة من عند الباشا ، ولحقه عثمان حميدان
يخبران الباشا ، يقول :
«لا غرض لي في أحد ، وإذا جاءكم أحد يريد عدم القتال ،
فيذكروا من يولوا من الأشراف ، فأنا تبع لهم».
فقلت لموسى آغا : «أين
الأشراف الذين يريدون أن يولي واحدا / منهم؟!. فإنك لا تجد أحدا يقدم على هذه
المكانة . فالرأي أن تسجلوا للشريف سعد ، وتنادوا له ، وتخمد هذه الفتنة».
فلما سمعا مني هذا
الكلام ، صاحت بهم العامة من المسجد ، وخرجوا من عندنا ، وتبعتهم كبار البلكات ،
وأردنا أن نخرج فقال عثمان لبعضهم :
«ارجعوا واجلسوا حتى أراجع الباشا».
فرجعوا وجلسوا.
فجاء رسول الباشا ، وهو يقول للقاضي :
__________________
«ابعثوا لنا هؤلاء الجماعة الذين عندكم».
فأخبرنا بذلك
القاضي ، فوافقت الجماعة على المسير إليه ، فخرجنا إليه ، وإذا نحن أربعة أنفس لا غير ، ومعنا رسوله.
فلما وصلنا إلى
الباشا ، أمر بإدخالنا بنفرة وزجر. فعلمت أنّا وقعنا ، فأخذنا نتحصّن بالله .
ولم نزل ساعة ،
فدخل علينا الباشا بنفسه ، فقمنا له ، فوقف في وسط المجلس ، وجعل يعذلنا على فعلنا
، ويقول :
«نحن قاتلناهم على حفظكم ، بعد أن كتبتم لنا على الفتوى بجواز قتاله ، فكيف هذا الإختيار منكم له اليوم؟!.
فقلت له أنا والشيخ عباس المنوفي :
«ما جئنا ما يعدّ ذنبا ، هلكت الناس ، وجاءتنا الأتراك تشنع
علينا بعدم التكلم في حق المسلمين ، فتكلمنا بما فيه المصلحة».
فتركنا وخرج ،
وبعث لنا بقهوة ـ فكأنه أمّننا ـ.
ثم جاءت صلاة
العصر علينا ، فصليناها ثمة ، وسألنا الله تعالى التوفيق والخلاص.
__________________
فجاء أمره لنا
بالخروج ، فخرجنا ، فكأنه عرف الحق على نفسه ، وخاف على أبناء جنسه ، فأمرنا بالتسجيل والنداء ، فسجل ذلك ، بعد أن ذهب مولانا الشريف عبد الله ،
والشريف أحمد بن غالب ، إلى جهة الحسينية. ووصل مولانا الشريف سعيد بن سعد [بن زيد] منزله بسوق الليل.
[ولاية الشريف
سعيد بن سعد بن زيد]
فنودي للشريف سعيد
، وحصل الأمن في الساعة .
فما جاء المغرب
إلا والبلد لصاحبها ، ونودي بالزينة ثلاثة أيام ، وخرج جميع العسكر المصري يوم
السبت إلى بستان [الوزير عثمان] حميدان بالمعابدة.
ونزل مولانا
الشريف في آلاي أعظم ، ضحى يوم السبت ، تاسع ربيع الثاني ، فقدم العسكر المصرية ،
وجاء العرب من خلفه كالسيل حتى ملأوا ذلك الوادي.
ولم يزالوا على
ذلك ، إلى أن وصل لسوق المعلاة ، فعطف بالعسكر من سوق الليل ، ولم يزل سائرا إلى
أن وصل باب علي ، فبعث
__________________
للعسكر أن يعطفوا من السوق الكبير إلى بيوتهم.
فلما انتهى آخرهم
، قدم هو بمن معه من العرب ، حتى دخل منزله ، وامتلأ بهم ذلك الوادي.
ثم أمر بهم إلى
أجياد فدخلوها ، وجعلوا يدخلون شيئا فشيئا إلى ثالث يوم.
وجلس مولانا
الشريف للتهنئة ، يوم السبت ، حال دخوله ، وطلعت له الناس ، واستقرت البلد ـ ولله الحمد ـ.
وبعث إليه الباشا
بفرو سمور ، ألبسه إياه ، إلا أن بعض العرب خرج بما نهب من الأموال يبيعها في السوق على رؤوس الأشهاد ، ويشتري
منهم بالجملة ، وما أمكن رد شيء مما أخذوه ـ الأمر لله ـ.
وأكثر ما نهب جبل
أبي قبيس.
فلما كان يوم
الأحد : ألبس الوزير عثمان حميدان الفرو الذي ألبسه الباشا ، وجعله وزيرا كما كان
، وطلع له أصحاب الأدراك ، فأخلع عليهم الجميع.
ومدحه في هذا
اليوم صاحبنا الشيخ محمد سعيد المنوفي صدر وعجز
__________________
قصيدة أبي الطيب
التي مطلعها :
حاش الرقيب فخانته
ضمائره.
وأنشده إياها يوم
الأحد.
وامتدحته أنا
بقصيدة لم أنشده إياها ، ومطلعها :
ما لسعد عن مكة
وسعيد
|
|
من براح فقصّري
أو فزيدي
|
وهي مثبتة في
ديوان شعري .
ولما كان يوم
الخميس الرابع عشر من ربيع الثاني : اجتمع الباشا بمولانا الشريف في مدرسة ابن
عتيق عند صلاة الظهر ، فجلس عنده ساعة ، ورجع إلى بيته.
فبعث له مولانا
الشريف مركوبا من طوالته مكمل العدة.
ولما كان يوم
السبت السادس عشر من الشهر : نزل الباشا إلى جدة ، وركب مولانا الشريف معه إلى
الشيخ محمود هو وابنه ، فودّعه ، ونزل الباشا له عن حصانه فقدمه له ، لما أراد الرجوع. وقدم أيضا لابنه
__________________
مركوبا من مراكبه ، وسار إلى جدة.
ورجع مولانا
الشريف إلى بيته ـ والله الفعال لما يريد ـ.
واستمر مولانا
الشريف بمكة ، وسارت الأخبار بما وقع.
ثم ان مولانا
الشريف أمر وزيره الخواجا عثمان حميدان ، بصنع ضيافة للعرب في بستانه بالمعابدة.
فجعل لهم هناك سماطا ، حضره مولانا الشريف سعد وابنه الشريف سعيد ، واستمروا هناك إلى العصر.
ونزلوا ـ أعني
العرب ـ شاكرين. ثم أقاموا بعد هذا مدة يسيرة ، وأذن لهم في الرجوع ، فرجعوا.
وأبقى ناسا من كبارهم عنده بمكة.
ثم جاء الخبر من
المدينة بامتناعهم من النداء لمولانا الشريف بالمدينة.
وفي أواخر جمادى
الأولى : ورد شيخ حرم المدينة ، فتوجّه إليها من ينبع.
وما كان من مولانا
الشريف عبد الله ، والشريف أحمد بن غالب : فإنهم دخلوا ينبع ، وفيه مركب المعرف
متوجه إلى مكة. فأخذوا منه ألفين أردب حب لأهل مكة ، ومائتين لقاضي مكة ، وربع
لصاحب مكة.
وجاء الخبر إلى
مكة ، بأنهم كتبوا عرضا وبعثوا به إلى مصر. وهذا
__________________
ما بلغنا ـ والله
الفعال لما يريد ـ.
ثم ان الشريف جهز
جماعة من العسكر المقيمين بمكة ، وبعضهم بعثهم إلى جدة ، ليعزموا إلى ينبع من البحر. ثم إن العسكر رجعت من جدة ، وما رأى الباشا في
إرسالهم فائدة ، بعد أخذ الشريف عبد الله لربع المتحصل من المركب مما يخص الشريف.
ولما كان يوم
الخميس الرابع من جمادى الثاني : ألبس مولانا الشريف خلعة الوزير لأمين بن درويش المدني ،
وعزل الخواجة عثمان حميدان ، وأنزل المذكور بالمدرسة الداودية . وجلس فيها للمباركة. واستمر أمين [المذكور] إلى سادس عشر جمادى الثاني ، فعزله. وولى الوزير جوهر أغا
تابع مولانا الشريف ، وألبس القفطان يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر المذكور ، وجلس
للتهنئة في داره.
وفي هذه الأيام
وردت بعض جلاب من اليمن وإلى جدة.
ولما كان غرة رجب
المبارك : جلس مولانا الشريف للتهنئة بالشهر ، وطلع له الفقهاء ، على جري العادة. فلما خرجوا من عنده ،
قصد بعضهم الوزير ، وبعضهم الحاكم ـ كما هو المعتاد ـ. فكان مما
__________________
قدره الله تعالى ،
أن حضر مجلس الوزير جوهر آغا حسين بن حبيب السندي ، وكان المذكور تلبس بمنصبي
الخطابة والإمامة ، / فرغ [له] بها الشيخ صبغة الله بن الملا فروخ برضا منه ، قبل هذا
العام بعام ، لتبنيه له.
وكان المذكور رجلا
عاصيا سوقيا. وما اتفق له المباشرة إلا بعد جهد جهيد. ولم يباشر الخطابة إلا في
دولة الشريف سعد ، بعد رجوعه من اليمن في هذه السنة.
فاتفق أن حضر
المجلس السابق ذكره السيد علي ميرماه مدرس السليمانية ، ابن امرأة السيد صادق
بادشاه ، وغيره من أهل مكة. فانجرّ الكلام إلى ذكر علوفة أهل مكة ، وانقطاعها ،
وعدم إرسال الباشا بها لهم. فأبدى ابن حبيب زيادة الشكوى للوزير فقال له :
«ما تكلم مع الباشا أحد منكم يا أهل مكة.
فقال له : «أهل
مكة أعمى الله قلوبهم».
فثار في ذلك السيد
علي ميرماه ، فطلع إلى مولانا الشريف ، وأعانه بعض الناس. وذكر لمولانا الشريف ما
وقع له ، وأن هذا القدر لا تقبله
__________________
نفوس العالم ، وأنتم السبب في ذلك. فأمر مولانا الشريف بإحضاره
، فلما حضر بين يديه تكلم عليه ، فكان من جوابه :
«إني أهل للإمامة والخطابة ، وقد بذلت لكم فيها مال له
صوره" .
فأمر مولانا الشريف
بحبسه ، وتقييده ، والختم على بيته. وأقام في الحبس مدة.
ثم ان مولانا
الشريف ، وكّل القاضي عيد بن قاضي زاده ، على مطالبته للمذكور ، وسؤاله عن كتب وقف قايتباي التي تحت
__________________
يده من صبغة الله.
فأحضر المذكور عند قاضي الشرع ، وعزموا معه إلى قاعة الكتب ،
وراجعوا القوائم ، ففقدوا نحوا من سبعين كتابا ، فسألوه عنها فلم يقرّ بها ،
فأعادوه إلى الحبس ، وأطلعوا مولانا الشريف على ذلك. فدعاه إليه ، وأمره بالنزول
عن الوظائف ، فامتنع.
فأمر عيد المذكور
أن يدعي عليه بثمن [ما فقد من] الكتب. فقدرت بنحو ستمائة قرش ، فأحضر عند القاضي ، وادّعى عليه وأثبتت عليه ، ثم رجع به إلى الحبس.
ثم إن مولانا
الشريف أمر ببيع تركته ، فبيعت ، وأمر صبغة الله أن يحضر عند القاضي ، ويقرّ بأنه
أخطأ في فعله ، ونزوله عن الوظائف لمثل هذا الرجل الخائن ، وأنه راجع فيما نزل له
به عنه ، وسجل القاضي ذلك ، وكتب به حجة.
فاتفق رأي مولانا
الشريف والقاضي ، على جعل الوظائف المذكورة باسم مولانا الشيخ عبد القادر بن أبي
بكر ، أحد الأماثل والأعيان بمكة
__________________
المشرفة ،
والمذكور أهل لذلك باتفاق الخاص والعام من أفاضل الأنام ، خلافا لمن لا يعتد به من الحسدة
اللئام ، والجهلة الطغام.
وباشر الإمامة ظهر
يوم الاثنين تاسع عشر شعبان من السنة المذكورة . وجعل جوهر معتوق الشيخ عبد الله بن الشيخ مكي فروخ وكيلا عن الشيخ صبغة [الله] يستلم ما بقي باسمه من المعاليم ، ويصرف عليه كل يوم خمسين محلقا.
وأسكنه مولانا في
منزل صبغة [الله] الذي كان أنزل ولد حبيب المذكور فيه.
ثم باشر الخطابة
مولانا الشيخ عبد القادر المشار إليه ، وأنشأ لذلك خطبة بليغة وأحسن في أدائها. وكان له موكب
عظيم ، لم يتفق فيما أعلم لغيره ، وكاد أن يكون مشهدا. وألبس ـ وهو على المنبر ـ
__________________
خلعة فاخرة ملوكية
، وهو حري بذلك ـ أدام الله تعالى توفيقه عليه ـ.
ولما أن كان يوم
الاثنين الثامن عشر من رمضان المكرم : جاءت قصّاد من جدة لمولانا الشريف ، تخبره
بورود أغا المويلح جدة.
ودخل الأغا المذكور
بعد صلاة العصر مكة ، فنزل بيت نائب الحرم ، وطلع به نائب الحرم إلى مولانا الشريف
، وأخبر بوصول القفاطين للشريف سعد إلى مصر ، وأنها متوجهة إلى مكة من حضرة [مولانا] السلطان مصطفى بن محمد بن ابراهيم [خان] ، وأن السلطان أحمد توفي إلى رحمة الله تعالى. وسألت
مولانا الشريف عن تاريخ وفاته ، فأخبرني أنه يوم الجمعة سادس عشر جمادى الثاني.
فنودي له بالزينة ، ودعي للسلطان مصطفى تاسع عشر رمضان في المقامات ، وحصل للناس
غاية السرور.
وأنشدني صاحبنا
الأجلّ ، الشيخ محمد سعيد المنوفي ، قوله مؤرخا ولاية السلطان مصطفى خان :
كوكب النصر سما أفق العلا
|
|
عليك عدله للجور
أحمد
|
__________________
حاز تخت الملك عن
أسلافه
|
|
وحديث المكرمات الغر أسند
|
آل عثمان غياث
الخلق من
|
|
شيدوا للدين
مبنا قد تهدم
|
خلد الله تعالى
ملكهم
|
|
ولهم بالعز
والتأييد أيد
|
سيما الليث
الهمام المصطفى
|
|
من بنصر الله
سهم الدين سدد
|
ردّ مذ ولي
أراضي صاقن
|
|
وبحسن الرأي حصن
الشرك هدد
|
وحمى الدين
بعليا بأسته
|
|
ولما قلت لسان
الحال يشهد
|
شكر الله مساعي
فضله
|
|
وحباه كل مأمول
ومقصد
|
فهو أمسى ملك
طالعه
|
|
لقران السعد سعد
الملك أسعد
|
عام بشرانا به تاريخه
|
|
«مصطفى خان ولينا بعد أحمد»
|
ولما كان يوم
الأحد الخامس عشر من شوال : ورد مكة مصطفى القندلجي ، وصل من جدة بحرا ، ومعه آغاة
القفطان السلطاني.
وكان قد جاء الخبر
لمولانا الشريف في الرابع عشر من شوال بوصولهم جدة ، فأخلع مولانا الشريف على القندلجي ، ودخل عقبه صاحب القفطان يوم
الثلاثاء سابع عشر شوال ، ودخل في آلاي العسكر المصري في الحجون.
__________________
ونزل مولانا
الشريف إلى الحطيم ، وحضر مولانا قاضي [مكة] وفقهاؤها وفاتح البيت .
فلما أن لبس
مولانا الشريف القفطان ، قرأ مرسومه الشريف صاحبنا الشيخ سعيد بن محمد المنوفي
بالعربي ، ثم قرأ مصطفى أفندي صهر نائب الحرم المرسوم التركي ومرسوم الباشا ،
والكلّ بمضمون واحد ، وهو :
أنه بلغ أبوابنا
العلية ، خطاب صاحب السعادة ، علي باشا وزير مصر ، بتعرفنا
لاستحقاقكم لهذا المقام ، وقد أنعمنا على الشريف سعد بذلك. إلى غير ذلك من الألفاظ
المعلومة.
ودعا الشيخ عبد
الواحد الشيي لمولانا السلطان ولمولانا الشريف ، وطلع مولانا الشريف إلى [دار] السعادة ، وجلس للتهنئة ـ أدام الله دولته وأيد صولته ـ.
وفي يوم الخميس
العشرين من شوال : دعا مولانا الشريف بقاقبتلي ، ولد حسين القبرصلي السابق ذكره ،
وكان ولاه الحسبة ، وبذل / له فيها مالا ، إلا أنه كان رذلا سفيها جعل ينتقل في
المظالم ، فبذل مالا
__________________
أولا في ترجمة (القاضي
، ثم في نظر أوقاف السلطان) قايتباي ، ثم في الحسبة.
وبلغ الشريف أنه
في واقعة سبع من ذي الحجة ، لما نهب بيت الشريف ، كان أمير الحج ابراهيم بيك اشترى بعض الأمتعة من النهبة
، وردها على فقيه مولانا ليحفظها لأهلها ، وكان من جملة الأمتعة كرسي كبير ، حضر
شراؤه له هذا المغرور ، فقال له هذا الأمير :
«احمله إلى بيتك ، وأسلمه للفقيه محمد سعيد ، فقيه مولانا
الشريف».
فأخذه وأعطاه
للقاضي لما طلب الترجمة ، فجعل مولانا الشريف هذا القدر وساطة في تأديبه ، وأمر
بضربه ، وضرب نحوا من ثلاثمائة مقرعة ، ولم يقدر أحد أن يشفع [له] ، وحمل إلى منزله مضروبا ، وأتوا بالكرسي إلى مولانا الشريف ، فرده القاضي هبة منه. وفرح الناس
بإصابة هذا المغرور ، فإنه آذى العالم ، فانتقم الله منه لهم.
ولما كان ليلة
الثلاثاء الرابع والعشرين من شوال : ورد السيد هيازع
__________________
ابن هيزع ، من ينبع ، مبشرا بورود صاحب القفطان السلطاني ، وأنه ركب البحر من ينبع ، وقد أعد له ابن هيزع ركابا في رابغ [يخرج منه إلى مكة.
فبعث إليه مولانا
الشريف بعض العسكر يتلقونه من رابغ] ، فنقلوه ودخلوا به مكة ـ وكان سلخور السلطان ـ فأنزلوه بالزاهر ، إلى أن كان يوم الجمعة السابع والعشرين من شوال المكرم. فدخل مكة في آلاي الإنقشارية ، والعرب ،
وبقية البلكات.
ونزل مولانا
الشريف إلى الحطيم ، وحضر الفقهاء والقاضي والأشراف ، ولبس الخلعة الواردة ، وقرأ
الأمر السلطاني صاحبنا الشيخ سعيد بن [الشيخ] محمد المنوفي. ومقتضاه : الإنعام على مولانا الشريف
بالشرافة.
__________________
وامتدحه مهنئا
بتصدير وتعجيز لقصيدة ابن النبيه التي مطلعها :
باكر صبوحك أهنى
العيش باكره
ولما كان يوم
السادس من ذي القعدة : نزل مولانا الشريف ، وفتحت له الكعبة ، وأشرف على جدار بها يحتاج إلى الترميم ، وتبديل
خشبة في الكعبة. فأمر بذلك. ورممت الخشبة يوم السابع من ذي القعدة في هذه السنة.
واستمر مولانا
الشريف إلى أن دخل شهر الحج ، فخرج للقاء الأمراء على [جري] العادة ، ولبس الخلع الواردة إليه ، وحج
__________________
بالناس في أرغد
عيش ، وأنعم بال ، وكان حج (ويوم عرفة) الجمعة.
وما كان من أمر
محمد باشا : فجاءه التأييد السلطاني ، ونزل جدة بعد الحج.
__________________
ودخلت سنة ١١٠٧ ه
[سبع ومائة وألف] :
وفيها أرسل مولانا
الشريف ابن أخيه الشريف محسن بن حسين بن زيد متوليا على المدينة ، ولم تكن أهل المدينة دعت له على المنبر إلا بعد ورود القفطان السلطاني ، فذهب إليهم
الشريف محسن ، واستمر هناك إلى أن توفي بالمدينة يوم الجمعة بعد الخطبة والصلاة ـ رحمهالله تعالى ـ.
وفي أوائل ربيع
الأول : عزل الباشا محمد أفندي نائب الحرم عن نيابته في مشيخة الحرم ، وخرج منه ببروري إلى الأفندي عبد الله عتاقي مفتي السلطنة ، بأن يكون قائما
مقامه ، وكان بالطائف. فنزل مكة ، وما أمكنه أن يتخلف ، وجلس للمباركة.
ولما جاء عيد
المولد احتفل للناس احتفالا كليا ، وجعل سماطا مده في مدرسة
قايتباي يناهز الألف صحن ، وذبح نحو مائة خروف من الضأن ، وفرقت رباعا قرئت تحت المدرسة ، إلى أن
هييء السماط بعد
__________________
صلاة الظهر. وقسم
من الحلوى شيئا كثيرا.
إلا أنه طلب شطاطا
وأحاله على صاحب المنصب الأصيل ، وطلب أن يمشي الفراشون جميعهم معه من عزيز وذليل ، وشدد في ذلك ، وأبرق
وأرعد.
فمن الناس من سمحت
نفسه بالإتباع ، ومنهم من انتظر الفرج ورجا الاسماع ، إلى أن فرج الله بكرمه ،
وأبى أن يذل سكان حرمه.
وفي يوم الجمعة
تاسع عشر ربيع الأول : ألبس مولانا الشريف إمامه الشيخ إبراهيم الكاملي الشامي ، وجعله ناظر الصّرّ ، وجلس للمباركة في المجمع الذي في قايتباي ، وقد قرره فيه محمد باشا. وبقي في ذلك عشرين [يوما] أو نحوها ، ثم عزل ، وأقيم مقامه فيها مولانا أبو بكر أفندي بن عبد القادر الصديقي.
ولما كانت ليلة
السبت العشرين [من شهر ربيع الأول] : ورد مكة نجاب من مصر بخبر عزل الباشا وطلبه ، وانحلال سلك
__________________
جبروته وغلبه ـ وله
المنة ـ.
وفي يوم الأحد :
ورد مستلم البندر عن المتولي إلى مكة ، ونزل بدار نائب الحرم السيد محمد ، وسجل
عزل الباشا المذكور ، ونزل إلى جدة ، واستمر إلى أواسط ربيع الثاني.
فورد إلى مكة على مولانا الشريف نجاب من ينبع ، بخبر ورود آغا
من مصر.
فلما كان يوم
الأحد الثاني والعشرين من ربيع الثاني : ورد مكة المستلم من جدة وكتبة جدة. بأمر مولانا الشريف ، فادعى على المستلم صاحب مكة ،
بأن له على أستاذه أحمد باشا المتولي أحد عشر كيسا ، وأثبت ذلك عند الحاكم الشرعي
، وطالبه بها من المتحصل في مدة أحمد باشا في البندر. فأمر باعتقاله عند تلك العرب
، فاعتقلوه إلى أن وافق على أن يدفع لهم ما أراده. فأطلقوه. فنزل إلى جدة وأسلمهم ذلك [ثمة].
__________________
ثم ورد الخبر : أن
الآغا الوارد لما وصل عسفان ، نزل من هناك إلى جدة للباشا ، وطلعت أوراق أهل البلكات من مصر لهم ، وذلك يوم الجمعة رابع عشرين
الشهر المذكور .
وكان قبل ذلك
بأيام : بعث محمد باشا إلى قاضي الشرع ، بأن يكتب له على حجة ، كتبها له قاضي جدة
، كأنها باستيفاء الفقهاء علوفاتهم ، فامتنع القاضي ، وقطع الحجة ، وعزل قاضي جدة
، وبعث إلى الباشا ينهاه عن عدم الوفاء ، ويأمره بإعطاء المستحقين ، فإن لهم عنده
سنة وثلاثة أشهر لم يعطهم شيئا.
فبعث له بما يخصه
، فرده ، ولم يكترث به ، ولم يقبله. ـ جزاه الله خيرا ـ.
وإن مثل هذه العزة
أولى في مثل هذا الوقت ، وقال له في جوابه :
«أنا أحد المسلمين ، إن أعطيت الناس أخذت معهم».
فلم يكترث بذلك ـ والله
الفعال لما يريد ـ.
ثم إن القاضي تعطف
لما أعطاه من المعلوم ، وخلى بينه وبين الخصوم ، ورجع إلى طريقة أمثاله ، وخالف بين
أقواله وأفعاله .
__________________
فاستمرت الناس إلى
أن جاء المتولي الجديد ، وهو : الصنجق أحمد أغا ، فأرسل للناس بثلاثة أشهر بعد عيد الفطر ، فوقعت لهم موقع
القطر .
وما كان من مولانا
الشريف : فإنه توجه / في أوائل جمادى إلى جهة الشرق . ولم يعد إلا في يوم الثلاثاء ثاني شهر ذي الحجة ختام سنة
[١١٠٧] ألف ومائة وسبعة . وورد عليه في هذا اليوم القفطان السلطاني ، ولبسه في
الحطيم من حضرة مولانا السلطان مصطفى خان ـ أدام الله أيامه ومتع بوجوده المسلمين ـ.
وحج بالناس مولانا
الشريف على جري العادة. وكان أمير الحج المصري من أتباع إبراهيم بيك ، أمير الحج
المتوفي في هذا العام ، وأمير الحج الشامي محمد باشا ، فإنه لما توجّه من مكة عام
سبع ، ووصل إلى غزة ، جاءه الأمر السلطاني بأن يرجع أميرا على الحاج الشامي ،
فرجع من هناك .
__________________
ودخلت سنة [١١٠٨] ألف ومائة وثمانية :
وفي هذه السنة رجع
أحمد بيك صنجقا على جدة ، إلا أنه تأخر مجيئه.
ولم يزل مولانا
الشريف بمكة إلى أن توجه إلى المبعوث قاصدا المدينة. وكان خروجه ثالث عشر ربيع
الثاني.
وفي هذه الأيام
وردت النجابة [من مصر] بخبر قايقجي من جهة الأبواب إلى مصر ، ومنها إلى مكة ، ومعه
ثمن الحب المنكسر على أهالي الحرمين مائة وخمسين كيسا عن حب سنة إحدى ومائة ، وسنة
ستة وسبعة. وأمر بتفريقه على فقراء مكة والمدينة ـ أصحاب الحبوب ـ فركب في المراكب
الواردة إلى مكة ، ووصل إلى ينبع بالسلامة ، وتوجه من هناك إلى المدينة ، ففرق على
أصحاب الحبوب ما هو لهم بحضرة الكيخية وشيخ الحرم وأرباب الشعائر.
__________________
ثم توجه إلى مكة ،
ووصل جدة ، إلا أنه لما توجه إلى المدينة ، بعث بمال إلى مكة مع كيخيته في البحر ، فوصل به إلى جدة ، وحفظه في القلعة
عند صاحب جدة أحمد بيك. فلما أن وصل القايقجي إلى جدة ، إجتمع به البيك ، وفاوضه في أخبار مولانا الشريف ، وأطلعه على جلية الأمور. فقال القايقجي :
«الأمر غير منوط بمولانا الشريف ، وإنما معي مال أقسمه على
أصحابه ، وأوصله إليهم ، وليس لمولانا الشريف فيه شيء».
فلم يزل البيك [به] حتى عوقه. وأرسل كتابا إلى مولانا الشريف يعرّفه بذلك.
وكان مولانا
الشريف بالمبعوث ، واستمر [القايقجي] في جدة ، إلى أن عاد له الجواب. فيقال إنه لم يسمح بربعه ـ فإن له ربع الوارد من الحب ـ وعليه
فله ربع الوارد من المال .
فلما كانت ليلة
الأحد الخامس من جمادى الثاني : أمطرت السماء ليلا
__________________
كأفواه القرب ،
وأصبح الناس والحرم المكي ملآن بالماء ، كما هو العادة إذا كثر السيل. ودخل من أبواب الحرم.
واتفق في هذه
الليلة : أن بلاليع المسجد مسدودة لم تنظف ، فاستمر الماء إلى أن نزل قائم مقام
مولانا الشريف السيد عبد الكريم بن محمد ، وأمر بفتح السرب الذي للماء ، فما فتح إلا قريب الظهر ، ونجلت العامة منه قليلا وقد بلغ الماء باب الكعبة ، وقد غطى
الحجر والحجر الأسود ، وامتلأ المسجد بالقمامة ، فنظفت زيادة باب الزيادة ، واستمر
الماء إلى ثاني يوم ، فنزلت العامة ونزحته ، ثم شرعوا في تنظيفه.
وأما الأغا الوارد
بالمال : فإن الصنجق أحمد بيك لم يزل به إلى أن طلع معه إلى مكة ، وأبقى المال بجدة عند كيخيته.
__________________
ولما وصل مكة ،
توجّه إلى مولانا الشريف مع الصنجق ، والتقى به في الطائف ، واستمر عنده ، ثم رجع إلى مكة ، ودخلها
محرما من جعرانة ليلة الثلاثاء حادي عشرين جمادى الثاني. ونزل أحد المدارس
وهي الداودية.
وجاء المال من جدة
ليلة الخميس ، وجلس لتقسيمه بالمسجد تحت المدرسة السليمانية ، وحضر قاضي مكة وكتبة
مولانا الشريف ، وذلك يوم الجمعة رابع عشرين جمادى الثاني ، وطلب دفتر ست ومائة من الجلبي محمود بن مصطفى ، وقسم على حسب الوارد تلك السنة ، ثم طلب
دفتر سنة خمس ، وقسمه.
ولم يزل مولانا
الشريف في محلّه ، إلى أن رجع إلى مكة ليلة الجمعة ثامن عشر شعبان ، فدخل مكة ،
وصام بها.
وفي رابع عشرين
رمضان : وصل أمين الصدقة الهندية مكة من المراكب. وكان نزل للقائم المكرم أبو بكر
أفندي بن عبد القادر ، كاتب
__________________
الصرّ الشريف ،
بأمر [من] مولانا الشريف ـ سيد الجميع ـ واجتمع بمولانا الشريف ،
حفظه الله .
وفي هذا اليوم : أمر مولانا الشريف بتقسيم جامكية أهل مكة ، بالحرم
الشريف تجاه منزله تحت مدرسته ، ولم ـ يسبق بها سابقة ـ.
وسبب ذلك ، أن
السيد علي ميرماه الناظر على قسمة الصر ، طلب قلمية وصيرفية ، فامتنع كاتب الصر المقام من جهة السلطنة ، وهو الأفندي أبو بكر بن عبد القادر عن أخذ القلمية
والصيرفية ، وعن أخذ التفاوت لورود الأمر السلطاني بعدم الأخذ.
وكان أورد هذا الأمر صاحب جدة أحمد بك ، المتولي لها بعد محمد باشا ، فحسن السيد علي لمولانا الشريف أخذ التفاوت ، لمنافرة كانت بينه وبين الأفندي أبي بكر بن عبد القادر ،
فمال إلى قوله
__________________
مولانا الشريف ،
وأمر بتقسيم الجامكية تحت مدرسته ، وحضر في المدرسة بنفسه ، لئلا يتكلم بعض الناس في ذلك.
وفي هذه السنة :
كانت خطبة عيد المشهد لمولانا الشيخ عبد القادر بن أبي بكر بن عبد القادر ،
واحتفل والده في ذلك العيد احتفالا كاملا ، وفرش ساباط دشيشة السلطان جقمق كلها ، وأشعل في تلك الليلة نحو ألفين
فتيلة أو أكثر ، وجاءت الناس أفواجا حتى ضاقت بهم تلك الرحاب.
ومدح مولانا الشيخ
عبد القادر بنحو خمسة وعشرين قصيدة. وفرق على الناس من أنفس الملابس أكثر من مائة ملبوس ـ جزاه الله خير الجزاء ـ. وجعل نحو
ستة قناطير حلوى ، وألبسه مولانا الشريف وهو على المنبر فروا سمورا
وخلعة فاخرة ملوكية. وما اتفق لأحد قبله
__________________
ـ أن ألبس سمورا
من شريف مكة في مثل هذا المقام. ـ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، فسبحان المتفضل
بالأنعام ـ.
وقد أنشأ المذكور خطبة بليغة ، عارض بها الإمام عبد القادر الطبري ، والشيخ عبد الرحمن بن عيسى المرشدي ، والقاضي تاج الدين المالكي ، والتزم فيها ما لم
__________________
يلتزموه ، فكانت من أكبر الشواهد على قوة ملكته في هذه الصناعة
الأدبية ، وامتدح مولانا الشريف بقصيدة طنانة دالية مطلعها :
قلدت جيد الملك
عقدا
|
|
قسما على جلا
وعقدا
|
قرأها بين يديه
قبل ليلة العيد بلويلات ، بحضرة جمع من الأعيان ، / ٣٢٢ فوقعت من مولانا / الشريف
أحسن موقع ، فرأى جائزته ومكافئته عليها ذلك السمور الذي ألبسه في هذا المقام على
رؤوس الأشهاد.
ودارت هذه القصيدة
بين الأفاضل ، وعارضها صاحبنا الرئيس محمد يحيى المدني ، ولكن الفضل للمتقدم.
وفي يوم الخميس
عاشر شوال : جلسوا لتفرقة الصدقة الهندية في مدرسة سيدنا المرحوم الشيخ عيسى المغربي
بباب الحزورة ، وفرقوا
__________________
منها جانبا ، ثم
تكاثرت العامة عليهم بالحرم الشريف ، فاقتضى رأي مولانا أبي بكر أفندي بن عبد القادر ، ـ وكان التفريق على يده ـ أن
يكون التفريق في منزل أمين الصدقة. وكان في أحد بيوت مولانا أبي بكر المذكور بجانب الدشيشة الجقمقية.
ولما كان يوم
الثلاثاء خامس عشر شوال : جلس هناك في منزل الأمين ، وقد أجلس على الباب بعض عبيد الشريف ، تقرع العامة عن الزحام ، فقدر الله في هذا اليوم أن بعض نساء
العسكر اليمانية جاءت تريد لها شيئا ، فزوحمت ، وضربت. فجاء الخبر إلى
زوجها ، فلحقها عند منزل الأمين ، فأخبرته بضرب بعض عبيد الشريف لها ، فجاء
يتهدده.
وملخص الأمر أن
تجارحوا ، ففزعت اليمنية لصاحبهم ، وفزعت عبيد الشريف كذلك لصاحبهم. وقامت
فتنة ، قتل فيها ثلاثة من اليمن ، وامرأة وولد من العامة ، وعزل السوق.
فركب مولانا
الشريف سعيد بن مولانا الشريف سعد ، ومعه
__________________
شريفان أو ثلاثة ،
فرد العبيد بعد أن كادت تقتل كل من رأته. فدرأ به الشر ـ جزاه الله خيرا ـ.
واتفق أن حصل
للناس في هذه السنة قسمة ثمن الحب المتقطع ، وقسم الجامكية خمسة عشر شهرا ،
وهذه الصدقة. فاقتضى الحال أن قلت مؤرخا لهذه السنة بما نصه :
يا سعد دم في
دولة
|
|
وأشكر لمن لك قد
وهب
|
واهنأ بها سنة
أتى
|
|
تاريخها (شمل
الذهب)
|
ولما كان يوم
السبت سادس عشر شوال : عزل مولانا الشريف السيد علي ميرماه عن نظارة الصرّ ، وأقام مولانا الشيخ عبد القادر مقامه ، وجلس للتهنئة بداره يوم الأحد سابع عشر شوال.
ولما كان يوم
الاثنين ذي القعدة : ألبس مولانا الشريف الخلعة الواصلة إليه من الأبواب بالحطيم ، وقريء مرسومه الكريم بحضرة
القاضي والفقهاء والأشراف. ومضمونه بعد الترجمة والثناء :
بقاؤه [أميرا] ، والوصاية على الحجاج والأشراف ، وحفظ
__________________
العربان ، على ما
جرت به العادة [من حفظهم].
ولما كان يوم
الإثنين سابع عشر ذي القعدة : ورد مكة الآغا أحمد السواكني ، الذي بعثه مولانا الشريف إلى الأبواب لأمور أرادها. فجاء
بالجواب بما أراده مولانا الشريف ، ولم يأت بخلعة ، ولم يظهر من خبره شيء للناس ، سوى أن ما
ذهب به من أمور مولانا الشريف قد تمت على أحسن ما يكون.
ولما كان يوم
الجمعة رابع عشرين ذي القعدة : كشف مولانا الشريف بحضرة صاحب جدة ، والآغا الواصل بثمن الحب ،
وقاضي الشرع الشريف ، ومعلم مكة المهندس حسن ، على سقف الكعبة ، فرأوا فيه بعض خشب مكسّر نحو خمس خشبات ، وأن السقف
__________________
الأعلى يحتاج إلى
التعمير ، وشهد [عليه] بذلك [كل] من رآه بحضرة مولانا الشريف والقاضي.
فقدروا ما يصرف في
ذلك ، فجعلوه خمسة عشر كيسا عشرة آلاف قرش وخمسمائة .
وكان جاء لمولانا [الشريف] كتاب ، من والدة السلطان مصطفى [خان] ، تستأذنه في عمارة ذلك تقربا إلى الله تعالى . وأنها مرسلة نحو عشرة آلاف [وخمسمئة] قرش صحبة الحج لعمارة ذلك. فسجل ذلك عند القاضي.
ودخل موسم هذه
السنة : وحج مولانا الشريف بالناس ، وكان من الحوادث في هذا الموسم : أن صاحب مصر
أخذ مال
__________________
المصرية الذي يرد
إلى فقراء [أهل] مكة. وأحال أمير الحج على صاحب جدة أحمد بيك. فلما وصل
أمير الحج مكة ، امتنع صاحب جدة من التسليم ، فقام في ذلك مولانا الشريف ، وجمع
على [أمير الحج] أيوب بيك قاضي الشرع وسرادير العسكر. وقال :
«لا نأخذ شيئا من الصرّ إلا وافيا ، ولا يلزمنا بقول [قبول] إحالة صاحب مصر على صاحب جدة».
فحكم القاضي على
أمير الحج أن يسلم المال من عنده ، وهو : أربعون كيسا للفقراء.
فتعطل صرف الصرّ [لذلك] ، ولم يؤخذ منه شيء بأمر مولانا الشريف ، وجعل يجمع لهم
المال على ذمته ، إلى أن استوفوا منه. إلا أنه أعطاهم قروشا ، فخست في الحساب ، فقبلوا ذلك منه ،
__________________
وصرفوا على الناس
، فخسّ كل أربعة أحمر قرش كلب.
ولما كان يوم
السبت ثالث عشر ذي الحجة : توفي مفتي الأنام بالبلد الحرام ، عبد الله
بن شمس الدين عتاقي زاده مفتي الحنفية.
وتطاولت أعناق بعض
الناس إلى هذا المنصب ، وبذلوا فيه الجهد ، إلى أن أوصلوه إلى [نحو] ألف وثلثمائة أحمر . فاتفق رأي مولانا الشريف أن أقام فيه مولانا الشيخ عبد
القادر بن أبي بكر أفندي المتقدم ذكره ، بعد أن شهد جمع من العلماء الأعلام لدى
مولانا الشريف بتقدمه على غيره ، وانحصار الاستحقاق فيه ، خصوصا وقد باشر المذكور الفتوى في زمن عتاقي المذكور
بإجازة منه ، وأذن من مولانا الشريف.
(وقد ـ أخبر
الثقاة بأنه قد عهد بها للمذكور لدى مولانا الشريف) ، وشهد لديه في حياته بأنه لا يستحقها سواه. ولله در
القائل :
(وما أحسن الأشياء يوما إذا أتت
|
|
إلى أهلها من
أهلها في محلها
|
__________________
فجمع له بين خطابة
المنابر ، والمشاعر ، والإمامة ، ونظر الصر والتدريس ، والفتوى. فأخلع عليه ضحى
يوم الثلاثاء سادس عشر ذي الحجة بالفتوى وجلس في أحد منازل والده.
ومما قلت مؤرخا
ذلك) :
قيل مذ مات
عتاقي من ترى
|
|
هو للفتوى بحكم
الظاهر
|
قلت والتاريخ
فيه واجب
|
|
إنما الفتوى
لعبد القادر
|
__________________
ودخلت [سنة ١١٠٩] ألف ومائة وتسعة :
ولما كان يوم
الخميس سادس محرم منها ، طلع مولانا الشريف والقاضي المتولي في هذه السنة ، وجماعة
من الفقهاء ، وحضرة البيك صاحب جدة. وأشرفوا على سطح الكعبة ، وحقق المهندسون خراب
السقف عند القاضي بموجب الأمر الوارد من الأبواب.
ولما كان يوم
الأحد ثالث عشر من محرم : شرعوا في اصلاح سقف الكعبة ، فأخرجوا السقف المنكسر ،
وظهر أن الدرجة الصاعدة إلى السطح محتاجة إلى التغيير ، فاستمر العمل فيها ، وغيروا الدرجة ، وجعلوا فيها سبعة
درج رخام ، والباقي من خشب الساج السفلي ، وغير ذلك.
وحدث من البدع ضرب
خيمة بسطح الكعبة ، (زعموا أنها لاستظلال العملة ، وان زعموا أنها للوقاية من
النظر إليها ممن هو في جبل أبي قبيس ، وهذا لا ينتهض مبيحا ، والأول أضعف) ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ.
وفرغوا منها في
أوائل ربيع الأول ، وذبح صاحب جدة يوم فراغ العمارة نحوا من أربعين شاة ، وفرقها
على المساكين ، وفرق شيئا من
__________________
الدراهم على فقهاء
المكاتب بالحرم الشريف وبعض الفقراء.
وفي يوم السابع
عشر من ربيع الأول : شرعوا في هدم حائط الحجر [المرخم] ، لزعم أنه حصل فيه اختلال لموجب المطر .
وفي الواقع [و] في نفس الأمر ليس الأمر محتاج إلى هدمه ، ولكن ـ لله الأمر ـ [من
قبل ومن بعد].
ولما كان ليلة الجمعة السابع والعشرين من جمادى الأولى : ورد مكة ابن
السرهندي ، الذي وقع الكلام عليه سابقا في تكفير أبيه بين شيخنا البشبيشي والبرزنجي . وابنه هذا لم يرد مكة غير
__________________
هذه السنة ، وكان
رجلا كبيرا جاوز الثمانين ، يحمل على عربة. فطافوا به وسعى على العربة.
وخرج للقائه تلميذه
الشيخ مراد المقعد الوارد من الشام في هذه السنة ، وخرج للقائه وزير مكة جوهر آغا الشريفي ، وعثمان حميدان
، ومن يناسبه من أركان الدولة. ودخل في نحو مائة بعير لكثرة أتباعه ، وخرج من
القنفذة من البحر في مركب لحامد الهندي ، كان سفره فتاه في العمل هذه المدة في
البحر عن المراكب ، ووصل هذا الموصل ـ والله الفعال لما يريد ـ.
وجعل يطوف في كرسي
بقرتين . أي عجلتين ـ لكونه كبيرا مقعدا لا يقدر على الوقوف
والمشي. فكرهت العامة ذلك ، وتكلم [فيها] بعض الناس مع القاضي ، فأرسل إليه ينهاه عن ذلك. فتركها
وحملوه على سرير . وكانوا يطوفون به فيه ، وأسكنوه المدرسة
__________________
الداودية. وأتاه
أهل مكة كما هو عادتهم .
ثم انه جلس في
الحرم يرتقب على طريق النقشبندية . فكان يحضره بعض الناس ، ولم نجتمع به إلى الآن.
ولما كان يوم
الاثنين سابع عشر جمادى الثاني : ورد الخبر من جدة بوفاة أحمد بيك متوليها ، وأنه
مات يوم الأحد ، فأخلع وكيل الديرة مولانا السيد محمد بن عبد الكريم على الوزير
جوهر آغا. وجعله قائما مقام المتوفى ، ضابطا لما له وعليه ، بعد التوطئة مع قاضي
الشرع.
فقام مقامه ،
وكتبوا إلى مولانا الشريف بصورة اتفاق من الجماعة على تصويب طلب هذا المنصب ، من حضرة الأبواب أحالة لجوهر
آغا أمينا.
فلما وصل إلى
مولانا الشريف ذلك مع خبر وفاة الصنجق ، اقتضى
__________________
رأيه السديد أن
يكون طلب [هذا] المنصب لمولانا الشريف سعيد ، ويكون جوهر آغا أمينا [لمولانا
الشريف سعيد] على جدة ، ويبعث ببعض الآغاوات ، يكون شيخ حرم مكة كما هو القاعدة القديمة ،
وتكون صنجقية جدة لمولانا الشريف سعيد بن سعد في مقابلة إيصاله للحجوج إلى موضع أمنهم ، ويقوم بما للعرب من الاستحقاقات المسماة لهم من السلطنة من داخل البندر ، بعد توفية أهل الحرمين جوامكهم.
فكتب هذا العرض
بمكة ، وأخذت عليه خطوط الفقهاء ، وذلك في سابع رجب سنة ١١٠٩ ه.
وبعث به إلى
مولانا الشريف سعيد لينظر إليه ، وعين للسير به إلى الأبواب السلطانية يوسف أفندي الإمام الرومي ، ومحمد آغا
__________________
ترجمان مولانا
الشريف أحمد بن زيد سابقا.
فخرجوا بالعرض من مكة
إلى مولانا الشريف ، فعقبه مولانا الشريف سعيد بن الشريف سعد ، ودخل مكة في أوائل رمضان.
ثم شاع الخبر أن
متولي مصر ورد إليها وصحبته متولّ على جدة ، وأنه منتظر القدوم.
ولما كان يوم
السبت عشر من رمضان : دخل مكة مولانا الشريف سعد بن زيد ، وصام بمكة ، واقتضى رأيه تغيير ذلك المحضر. وكتب محضرا آخر في معناه.
وتعوق ارساله إلى شوال. وأرسل إلى جدة ، فطلب وكيل أحمد بيك ، وطالبه بجامكية أهل
الحرمين ، فصرف عليهم شهرين ونصف ـ ولله الحمد والمنة ـ. ثم إنه طالب لهم [أيضا] بأربعة أشهر أخرى من جوهر آغا ، بعد أن وردت المراكب
الهندية.
وفي يوم الأحد
سادس عشر شوال من السنة المذكورة : [ورد
__________________
مكة] متولي جدة ، ومعه سلخودار مولانا السلطان ، بخلعة لمولانا الشريف ، فطاف وسعى ورجع
إلى الزاهر.
ودخل ضحى يوم
الإثنين سابع عشر شوال من السنة المذكورة : ومعه السلخودار بالخلعة السلطانية ، وفتح البيت ، وقريء
المرسوم السلطاني بحضرة مولانا الشريف ، وقاضي مكة ، والمفتي ، والفقهاء. ولبس
مولانا الشريف الخلعة الواردة وألبس السلخور والصنجق والقاضي والمفتي ونائب الحرم أفروة على مقاديرهم. وألبس كبار العسكر القفاطين ، وجلس في داره للتهنئة. وأنزل الصنجق
مدرسة قايتباي والسلخور بالداودية.
واستمر الصنجق إلى
يوم السبت الثاني والعشرين من شوال. فنزل جدة بعد أن اتفق على ما اختاره مولانا
الشريف من التدبير ، وأهدى
__________________
لمولانا الشريف
هدية عظيمة ، وهي : فرس عرضته ، وسيف ودبوس ، ثمّنت بنحو ألفي قرش ، مرصّعة بالجواهر.
فجاء الخبر بعد
أيام بورود باشا لجدة متول من جهة الأبواب السلطانية ، وورد كتاب لمولانا الشريف ، وأنه يتولى أمر البندر إلى أن يصل.
فبعث مولانا
الشريف وزيره جوهر آغا لاستلام البندر ، فنزل إلى جدة واستلم البندر.
ودخل الباشا
المتولي صحبة الحج [سنة ١١٠٩ ه] ألف ومائة وتسعة ، فصادف مولانا الشريف قد وضع يده على البندر.
وحج مولانا الشريف
بالناس على جري العادة.
__________________
ودخلت سنة ١١١٠ [عشرة
ومائة وألف].
ولم يزل صاحب جدة
بمولانا الشريف ، إلى أن أعطاه نحو ثلاثين ألف قرش مما هو له ، ونزل إلى جدة.
ومن حوادث هذه
السنة : [أنه] جعل على كل فرق من البن ، شريفي أحمر إذا أرادوا / إرسال البن في المراكب
المصرية.
وفي هذه السنة :
دخل مولانا الشريف سعيد ، على الشريفة سعيدة بنت أحمد بن علي بن باز بن الحسن بن
أبي نمي ، في تاسع عشر صفر من هذه السنة ، وبعد أيام نقلها إلى دار الوزير عثمان
حميدان ، وصار يأتيها فيه.
وفي أوائل جمادى
الأولى : أمر مولانا الشريف قاضي الشرع بإحضار الباشا من جدة ، وصوّروا عليه دعوة
من الإنقشارية ، فطلع وعقد له مولانا الشريف مجلسا في ديوانه ، حضره القاضي وكان
قصاراه التسليم. وأقام الباشا بمكة.
وفي أواسط جمادى
الثاني : اتفق الأفندي أبو بكر بن عبد القادر ،
__________________
مع مولانا الشريف
، على محاسبة نائب الحرم السيد محمد ، فحاسبوه ، وأخذوا من يده جميع ما كان من
تعلقات المسجد ، وشدد في ذلك الباشا.
وأمر مولانا
الشريف الأفندي أبا بكر بمباشرة النظر عن شيخ الحرم ، فاستولى على جميع ما كان تحت
يد السيد محمد من التعلقات.
ولما كان يوم
الجمعة ثامن عشر جمادى الثاني : ألبس المذكور قفطان النيابة عن مشيخة الحرم ، وبورك له في داره ، فاحتفل
بأمر المسجد. ورمّم ما يحتاج إليه من الترميم ، وأمر بدهان طوق القناديل التي للمطاف ، وجلى العواميد النحاس الأصفر المحيطة بالمطاف ، واخراج المسارج التي كانت تسرج قديما من هدايا ملك الهند ،
__________________
وجلاها وأصلحها
بعد أن كانت مطروحة في الحاصل ، وسرجها في ليلة النصف من شعبان ، إلى غير ذلك ، وانفرد
بجميع المناصب المكية.
ولم يزل إلى رمضان
، فاتفق أن حضر الفقهاء مجلس قائم مقام الشريف للختم في أواخر رمضان. وسبق السيد علي ميرماه للمجلس ، فجاء بعده الشيخ عبد الواحد الشيي. فأجلسه في محله ، ثم
جاء الشيخ أبو بكر وابنه الشيخ عبد القادر المفتي ، فقام الشيخ عبد الواحد وأجلس
المفتي في مجلسه ، وجلس في مجلس آخر. فتأذى السيد علي ميرماه [بذلك] ، ودفع ثلاثة آلاف شريفي أحمر. ألفين في وظائف الأفندي أبو بكر ،
وألف في مفتاح الكعبة . وادّعى أن الشيخ عبد الله الشيي أحق بهذه الوظيفة ، وليس
للشيخ عبد الواحد أن يفرغ لولد ولده في حياة والده ، وإن كان عاجزا لمرض حلّ به ،
لأن من عادتهم أن المفتاح للأكبر فالأكبر ـ. وكتب لمولانا الشريف بالواقع وبعثه
إليه
__________________
بالمبعوث ، وقامت
الفتنة فيما بينهم بمكة ، وكثر الهرج.
ثم أتى من عند
مولانا الشريف كتاب إلى حضرة المفتي المذكور ، وفيه أشاير وبشائر ، فجلس للناس يوم وصول الكتاب ، وهنّى
بالعيد والخطاب.
ولم يزل مولانا
الشريف في تلك الجهات ، إلى أن ورد مكة ليلة الثلاثاء سادس عشر ذي القعدة ، وطاف
وسعى ، وجلس للردية في منزله ، وأتاه القاضي لردية القدوم.
ومن لطائف
تنكيتاته وظرائف تلويحاته ـ أدام الله دولته ـ أنه دخل عليه الشيخ عبد الله
الشيي والسيد علي ميرماه ، فلما استقر بهم المجلس ، سأل السيد علي سيدنا" بما
رأيتم الهلال؟».
فقال له مولانا
الشريف : «إنما يتطلع لمثل هذا من يكون آمنا في بيته ، وأما الهاربون في البراري
المتوقعون للعزل ، فلا ينظرون إلى هلال و [لا] غيره» :
وقال المخبر لي : «فسكت
السيد علي ميرماه ولم يحرز جوابا ».
وكان في المجلس
القاضي ، فجلس يتشدّق بالأدعية والثناء على
__________________
هذه الدولة. فقال
له مولانا الشريف :
«دعنا من كلام المنافقين».
ودخل عليه رجل آخر
أشهر من قفا نبك ، فجعل يسأل عنه : من هذا؟ إلى أن قال له بعد ثالثة أو
رابعة : «أنا فلان بن فلان». فقال [له] تلك الساعة : كيف حال عملك. فقال بخير.
قال ذلك الرجل :
ودخل علينا رجل ، فخرجت في أثر دخوله ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
ولم يزل مولانا
الشريف إلى أن حج بالناس.
__________________
ودخلت سنة ١١١١ [ألف
ومائة وإحدى عشرة] :
ولما كان ليلة
الثلاثاء ثاني ذي الحجة : دخل مكة متولي جدة سليمان باشا بعد مضي الساعة الخامسة ، وطاف وسعى ، وأصبح جالسا للناس في الداوودية ، وشاع عزل المتولي الأول. إلا إن هذا الوارد لم يصل بأمر
سلطاني ، واختلف الخبر فيه ، فقيل إنما ولايته من أول محرم ، وقيل إنما ورد [للعمارة
، أي] بعمارة الحجرة النبوية ، ولم يظهر شيء.
ولما كان ليلة
الأربعاء ، رابع ذي الحجة : ورد وكيله الآغا الوارد مع مرضعة [مولانا] السلطان ، فطاف وسعى ، ونزل بدار موسى آغا آغاة الدشيشة الخاصكية ، وهو أغاة أسود.
وفي يوم الخميس
خامس ذي الحجة : خرج الطواشي
__________________
المذكور إلى الزاهر ، ودخل من الحجون في آلاي العسكر بالخلعة
السلطانية ، ومولانا الشريف جالس بالحطيم وجملة الأعيان ـ على جري العادة ـ إلى أن
وصل الآغا المذكور ، ودخل من باب السلام ، ففتح البيت الشريف ، ولبس مولانا الشريف
القفطان الوارد ، وقريء مرسومه الواصل بالتأييد والوصاية على الرعية والحاج ـ كما
هو المعتاد ـ من حضرة السلطنة العلية ، أدامها الله تعالى. وحج بالناس في هذه
السنة.
وورد عليه من
الأبواب أربعون ألف قرش ، له عشرون ، ولولديه سعيد ومساعد لكل [واحد] عشرة آلاف قرش ، وحصل بذلك ما تقرّ به العيون.
وفي يوم الخميس من هذه السنة خامس عشر ذي الحجة : وقعت فتنة بين العرب والشاميين بالمعابدة على الماء ، وتقاتلوا ، وفزعت الناس.
فركب مولانا
الشريف سعيد ، وأخوه [السيد] مساعد ، وابن عمهم السيد عبد المحسن بن الشريف أحمد بن زيد
، وغيرهم من الأشراف ، ففرّقوا بين الفريقين ، وأقاموا البادية من المعابدة إلى
المنحنى ،
__________________
بعد أن قتل من
الفريقين نحو ثمانية أنفس ، وجرح من العسكر البادية خلق كثير ، وقتلت جمال وأفراس للفريقين.
فأمر مولانا
الشريف حاكم البلد ـ القائم علي ـ بالبيات هناك إلى الصبح ، ـ وكف الله الشر ـ.
وفي هذه السنة : قسم الصرّ [من] شريفيه أبو طرّه كل شريفي بمشخص ، فخسّ المعلوم ، وجعلوا الريال بقرش ونصف ، فحصل للناس
بذلك تعب ـ نسأل الله اللطف ـ.
ووقع في هذه السنة
حوادث [مهمة] جمة ، مما يتعلق بالدولة في مكة وجدة مع التجار.
وفي هذه السنة :
ورد مع العجم طائفة كبيرة ، ولاذوا بالسادة الأشراف ، وبذلوا لهم الأموال ،
فمكّنوهم من المسجد ، وأنزلوا رؤساءهم في أحسن الدور ، وفسحوا لهم في الأمور ، بحيث أنهم اتخذوا المسجد ناديا يسمرون فيه ،
ويأتيهم فيه الطعام / والشراب وأباريق
__________________
الوضوء والطشوت والفرش ، ولا يقدر أحد ينكر شيئا من ذلك ، لتقدم أمر من
بعض الأشراف لشيخ الحرم والفراشين بعدم التعرض لهم ، وأنهم في وجهه. ـ ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ.
ومن الغرائب أن
هذه السنة ، وهي سنة ١١١١ ه [إحدى عشرة ومائة
وألف] ضبطها بالتأريخ الحرفي الرفض ، فهي سنة الرفض ، بحيث أن بعض الجهلة طمع في هذه الطائفة
الملعونة فاستمالوه.
وذكر لي من أثق به
: أنهم أدخلوا في مذهبهم نحوا من أربعة أنفس من أئمة الحنفية بمكة ، وقد ظهر
على بعضهم ذلك ، وعلمه كل أحد ـ نعوذ بالله من ذلك ـ.
وإذا نظرت إلى ما
حدث من العشور ، والمآخذ من الجهات من
__________________
المظالم ، يكون
ضبطها لفظ «الظلم عم» ـ الله يفعل ما يريد ـ.
ولما كان ليلة عيد المولد وهو الثاني عشر من ربيع الأول : احتفل نائب
الحرم الأفندي أبو بكر بن عبد القادر الصديقي بذلك العيد احتفالا بالغ فيه ، فجعل نحو ثلاثة قناطير أو أربعة قناطير حلوى. وعم بها سائر الناس حتى الأشراف ، والشرائف ، ومن بالطائف والمدينة من
أرباب المناصب.
وعزم الناس
بالمسير معه من الحرم إلى المولد ، فقضى الله تعالى بغيم ورعد ، كادت السماء [أن] تمطر ، فلم ينتظم له مراده في كل وجه ـ والله الفعال لما يريد ـ.
ولم يزل مولانا
الشريف إلى أن توجه إلى جهة الشرق ليلة الخميس الثاني والعشرين من ربيع الأول ، ـ جعله
الله مصحوب السلامة ـ. وجعل قائم مقامه السيد عبد الله بن سعيد بن شنبر (بن حسن بن
__________________
أبي نمي) .
ولما كان يوم
الجمعة ثاني عشر شوال من السنة المذكورة : دخل باشي مهتارية السلطان مصطفى خان
، بخلعة سلطانية ، ونزل بها في آلاى العسكر من الحجون ، إلى أن وضعها قائم مقام
الشريف في مقام سيدنا إبراهيم الخليل ، على جري العادة. وأنزل الآغا الوارد
بالداوودية ، وقاموا بجميع مهماته .
ولما كان ليلة
الجمعة عاشر ذي القعدة : ورد من جهة [مولانا الشريف بعض عترة وبني الصخر نحوا من
خمسة وعشرين رجلا ، وكان بمكة منهم جماعة أيضا ، وجاؤوا بكتاب إلى] الوزير جوهر آغا الشريفي ، فأمر بجمعهم ، فلما اجتمعوا [عنده] أمر بحبسهم الجميع ، فمسكوا ، وهرب بعضهم.
__________________
ودخل رجل على
الشريف ، عار من غير ثوب ، وقد تحيّر في أمره ، وفزع الناس والنساء ، بعد صلاة
العشاء ، فلحقوه جماعة الوزير ، وأمسكوه ، وأدخلوه الحبس مع أصحابه ، وفرّ منهم
ثلاثة نفر. فأمر الوزير بأن يلحقهم بعض الخيالة ، فخرجوا إليهم ، وسدوا عليهم الطرق. وكان الجميع نحو ثمانين رجلا .
ولما كان يوم
الاثنين العشرين من ذي القعدة الحرام سنة ١١١١ ه : دخل مكة مولانا الشريف ، وأصبح
، فنزل إلى المسجد ، ولبس القفطان الوارد عليه من السلطان السابق ذكره ، وجلس للتهنئة.
وقد دخل أول
المراكب الهندية ، وهو : مركب الدورلي سابع عشر الشهر. ودخلت بقية المراكب.
ودخل موسم ١١١١ ه
[إحدى عشرة ومائة وألف]. وكان أول الحجة الخميس والوقفة بالجمعة ، فلبس مولانا
الشريف الخلعة الواردة (عليه من الأبواب) وحج بالناس.
وجاءت الصدقة
الهندية ، فأمر مولانا الشريف بتفريقها بنظر الشيخ محمد سعيد المنوفي ، ففرقت بنظره.
__________________
ودخلت سنة ١١١٢
إثني عشر ومائة وألف :
وفيها : في يوم الأربعاء ثامن عشر محرم : دخل مكة إبراهيم آغا المعمار
في قارب من البحر ، ومعه ثلاثة أوامر لمولانا الشريف ، وللقاضي ،
وللباشا صاحب جدة ومضمونها :
ـ «النظر والالتفات إلى عمارة دار الخيزران وغيرها.
ـ والنظر فيما
يحتاج للعمارة في الكعبة والمسجد .
ـ وأن المال واصل
في البحر».
وشرع المعمار في
عمله ، وأشرف على دار الخيزران ، ومسجد الجن بالمعلاة ، وغير ذلك من الأماكن.
__________________
فكشف عن مسجد الجن بالمعلاة بالقرب من الترابية ـ الموضع الملاصق لتربة ـ الدفتردار ، فعمره. وشرع في عمارة دار الخيزران ، وعزم
إلى المدينة للإشراف على ما هناك .
وفي أواسط ربيع
الثاني : كانت وقعة الشيخ سعيد المنوفي ، وقصة مفتاح الكعبة ـ نعوذ بالله من ذلك ومن عمل الشيطان ـ.
ولما كان أوائل
جمادى الأولى من السنة المذكورة : جاء الخبر من مصر بعزل باشة جدة سليمان باشا ،
واستمر البندر في يده ، إلى أن ورد
__________________
المتولي صنجقا على
جدة.
وفي هذا الشهر :
شرعوا في تجديد بناء قبة السقاية التي للعباس .
وكان ورد صاحب جدة
جدة يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى من السنة المذكورة برا ، فدخل مكة بنحو
مائتين هجين ، ونزل الصنجق في آلاي العسكر إلى مدرسة قايتباي ، وسجل
أمره الوارد به عند القاضي ومضمونه :
ـ «أنه أعطى جدة.
ملتزما شراء مركبين هندية.
ـ والقيام بما
يعطاه أصحاب الأدراك للسير مع الحج الشامي.
ـ وأيضا جوامك أهل
الحرمين إلى غير ذلك».
وبعث مستلمه إلى
سليمان باشا ، فامتنع من تسليم البندر ، إلى أن يستوفي ما أعطاه لمولانا الشريف
على جهة القرض وهي شيء وثلاثين
__________________
كيسا.
ثم إنه طلع ودخل
مكة يوم الأحد سادس عشر جمادى الأولى ، ونزل دار الوزير عثمان حميدان ، وهو في أعظم درجات السيادة ، وجلس للناس ، وجاء البيك
المذكور ، فقابله أحسن مقابلة ، وألبسه فروا سمورا . وخرج من عنده إلى منزله بقايتباي.
ثم إنه نزل إلى
جدة ، وبقي الباشا بمكة ، فكلمه مولانا الشريف في علوفة أهل مكة ، وطلب منه ما هو
له عنده ، ليعطي منه أهل مكة ، وصرف أربعة أشهر ، فاعتذر مولانا
الشريف بأنه : ما لديه شيء ، وأراد إحالته على البندر في السنة الآتية. فأبى من
ذلك. وقال : لا أعزم من مكة إلا بعد وفاء الفقراء .
فلم يزل مولانا
الشريف ، وجمع له بعض الفقهاء ، وأشار عليهم بأن هذه الأربعة أشهر قد تعذر دفعها
على الباشا ، ويريد أن يحيلكم على صاحب جدة المتولي [وينقل ما بذمته إلى ذمة
المتولي]. وانقضى
__________________
المجلس على غير
طائل.
ثم لم يزل الأمر إلى أن كتب للمعزول حجة بأن ما من ذمته قد قام به المتولي ، وبرئت ذمة سليمان باشا من ذلك.
وفي هذه الأيام :
ثارت السادة الأشراف ذوي عبد الله عن آخرهم ، لعدم الوفاء بمعاليمهم من مولانا
الشريف ، وعزموا على الخروج ، فخرجوا من مكة. وهم نحو أربعين شريفا ، وكان من
جملتهم السيد أحمد بن حازم بن عبد الله .
ثم إن مولانا
الشريف نزل إلى جدة في هذه الأيام ، بعد أن تلافى أمر الأشراف ، وأوعدهم ، فنزل منهم
جماعة إلى جدة. / واستمر فيها ، وصادر أهلها من التجار ، وأخذ منهم نحو مائة ألف
شريفي أحمر سكة . ولم يزل بها إلى شهر رمضان. فطلع مكة ، وأوفى من نزل له
جدة [من الأشراف ، واستمر بمكة].
وفي هذه السنة ورد
خلق كثير من العجم ، وفيهم آغاة معتبر عندهم وردوا من القنفذة في البحر.
__________________
ووقعت بدعة شنيعة
من خطيب العيد ، وهو الخطيب (علي المزجاجي ، فإنه لما ذكر سيدنا) عليا في مقام الترضّي ، أعقبه بذكر ابنيه الحسن (والحسين ، ثم أتى بذكر الستة الباقين من العشرة رضياللهعنهم) .
فأنكرت الأروام ،
وأهل الدين ، ورأوا ذلك أشنع بدعة ، (وهو كذلك ، إذ ذكر) العشرة على نسق واحد كما هو المشهور كاد أن يكون متواترا ، أو ملحقا بالأعلام ، كما ذكره العلامة اللقاني في شرحه [الكبير] لجوهرة التوحيد ـ فراجعه إن شئت ـ إلى غير ذلك.
__________________
وفي أوائل ذي
القعدة : ورد على مولانا الشريف أخبار بورود خلع من الأبواب لحضرته الشريفة ، وأن
أموره قد تمت ، وأجيب في كل ما سأل.
ولما كان يوم
الخميس ثاني عشر ذي القعدة : دخل مكة مقدمات الآغا الوارد بالقفاطين ، وجاءت كتب
لمولانا الشريف وفيها : خبر وفاة مولانا الشريف أحمد بن غالب ، ومولانا الشريف عبد الله بن هاشم
بالروم ـ رحمهماالله تعالى ـ.
ولما كان يوم
الجمعة ثالث عشر ذي القعدة : دخل مكة الآغا الوارد بالقفطان ، وطاف وسعى ، ورجع إلى مخيمه بالزاهر ، وأقام هناك يوم الجمعة ، ودخل في آلاي العسكر بالخلع ضحى
يوم السبت ، رابع عشر الشهر المذكور . ونزل مولانا الشريف إلى الحطيم ، وحضر القاضي والفقهاء.
ودخل موسم هذه
السنة ختام سنة اثنتي عشرة ومائة وألف : وقسم الصر بنظر الأفندي أبي بكر ، وحج
بالناس الشريف سعد بن زيد.
وورد من الشام
الوزير سلحدار حسن باشا أميرا على الحج الشامي ، ومعه زهاء ألفي عسكري. وخرج من
مكة ثامن عشر ذي الحجة ، ولم
__________________
يقع شيء ـ والحمد
لله ـ.
[وفي هذا الموسم
ورد مع الأمير المصري ثوب باطن الكعبة ، وأمر من صاحب مصر بأن يبعث إليه بالثوب الظاهر ، ليبعثه
إلى الأبواب ، لأمر جاءه في طلبه. فبعث إليه به].
__________________
ودخلت سنة ١١١٣ ه
ألف ومائة وثلاث عشرة :
ولما كان يوم
الخميس تاسع محرم : خلع مولانا الشريف على محمد جلبي الشهير بهندي أوغلي خلعة الوزر ، وعزل وزيره الأول وهو جوهر أغا الشريفي ،
وجلس المتولي في بيته للتهنئة.
وخرج مولانا
الشريف إلى الطائف في أوائل محرم ، ونزل وزيره المذكور إلى جدة ، وطلع في أواخر
صفر ، ولحق بمولانا الشريف ، واستعفى عن الخدمة ، ورجع إلى مكة معزولا. وصادرته
الدّيّانة ، وأخذت ما بيده من الأملاك ، ودارت عليه الأفلاك ، فلزم داره بعد أن
ضرّ من كان جاره ، واستمر مسلوب العقل في داره ، إلى أن توفي يوم الاثنين ثامن
عشر ذي القعدة سنة ألف ومائة وثلاثة عشر ، وصلي عليه ، ودفن بالمعلاة ـ رحمهالله تعالى ـ.
وجاء الخبر بأن
الحج الشامي أخذ عن آخره ، وتفرّق ما بقي منه إلى المدينة وغيرها ، ولم يدخل الشام
إلا من نجا هاربا بنفسه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ.
ولما كان أواخر
رجب من السنة المذكورة : ورد ابراهيم أغا ، السابق ذكره من المدينة ، وشرع في ترميم المسجد ،
__________________
فنقض علو زمزم ، وأعاده على أحسن إحكام ـ كما هو مشاهد ـ وبيّض
المنائر ، وشرع في بقية شغله.
وفي هذه السنة :
اقتضى رأي مولانا الشريف سعد ، أن يطلب من الأبواب [السلطانية] العلية إقامة ولده الشريف سعيد مقامه في شرافة مكة ، وتواعد هو وسليمان باشا وقاضيا مكة
والمدينة ، فبعث إلى الأبواب بعرض يطلب فيه ذلك.
ولما كان ليلة
الأربعاء خامس شعبان : ورد مولانا الشريف مكة ، فطاف وسعى ، وجلس يوم الأربعاء
للتهنئة أي ـ تهنئة القدوم ـ.
وكان ورد عليه من
جهة اليمن ، أن إمام اليمن جهز غرابين ، شحن فيها هدية عظيمة تساوي ستين ألف شريفي ، وأرسل معها
رسولا من جهته ليوصلها إلى أبواب السلطنة العلية على سبيل الهدية. ثم لما دخلت
القنفذة حيرها صاحب القنفذة المتولي من قبل مولانا الشريف ، وأرسل يعرفه
بذلك ، فأمره بإرسالها إلى مكة ، وأسلموها [إلى] موسى أغا وكيل الخاصكية. وإذا هي لا يذكر ، هل ذلك إلى
الإمام على
__________________
إرسالها طول
المسافة ، وعدم درايته ، فبقيت عند المشار إليه ، إلى أن عزم بها الواصل معها إلى الأبواب.
وجاء الخبر إلينا
، في أواخر شوال من السنة التي بعد هذه ـ وهي سنة أربعة عشر ومائة وألف ـ ان المشار إليه ورد على الوزير واجتمع به ، وجعل يشكو مولانا الشريف ،
وأنه أخذ جملة من الهدية المذكورة. وكان حاضر المجلس ابن المفتي ، وكان في مكة عام
وروده إلينا. فكذبه ، وقال :
«إن الهدية إنما
استلمها موسى أغا ، وبقيت في داره إلى أن توجه بها هذا الرجل ، وكلّ ذلك باطّلاعي».
فأمر الوزير
بإخراجه من مجلسه مهانا مضروبا ، فخرج بهذه الحالة. ـ نعوذ بالله من أفعال أهل
الضلالة ـ.
ودخل موسم سنة
١١١٣ ه ألف ومائة وثلاث عشرة .
واستمر مولانا
الشريف ، إلى أن خرج للعرضة على جاري عادته ، / إلى المحل المعدّ للقاء الأمراء ،
ولبس سادس ذي الحجة قفطان المصري.
__________________
وكان أمير الحاج
أيوب بيك .
وفي هذا العام :
الحج ضعيف ، بالنسبة إلى العادة قريبا من أربعين درجة .
ويوم ثامن ذي الحجة
: لبس مولانا الشريف قفطان الشامي ، وكان أميره بيرم باشا ، وحجه أيضا ضعيف ، لموجب ما وقع للتجار من النهب في
السنة الماضية.
وحج مولانا الشريف
بالناس على جري عادته ، ولم يقع شيء من المخالفات ـ لله الحمد والمنة ـ.
وتوجه الحاج
المصري على حسب عادته ثاني عشرين ذي الحجة ، والشامي سادس عشرين.
وفي هذا العام :
وصل الحج الشامي إلى بلده بالسلامة. وذلك الفضل من الله.
__________________
ودخلت سنة [١١١٤ ه] أربع عشرة ومائة وألف :
ولما كان يوم
السبت ثاني عشرين محرم الحرام من السنة المذكورة : نادى الوزير سليمان في جدة بنقض
الصرف في المعاملة وتدليها ، فبعد أن كان صرف الشريفي المحمدي بخمس
وعشرين صرفا رده إلى عشرة صروف ، ونادى عليه بها. وكذلك القرش الريال ، كان
بثمانية عشر ، ردّه إلى سبعة صروف. والقرش الكلب بإثني عشر ردّه إلى خمسة صروف. ونادى هكذا سائر المعاملة
من النقدين ، نزل مصارفتها مما كانت عليه ، وردّ على صرف يليق بذلك
المصروف بعد الحدس والتخمين [الموافق] اللائق بالصيرفيين ، ونزول الأسعار عما كانت عليه في زمن تلك المصارفة.
ثم إنه أرسل
لمولانا الشريف ، وعرّفه بصورة الواقع ، وما اقتضى رأيه ، فاستحسن منه ذلك ، وأمر بالمنادي في مكة على الحكم
الصادر من حضرة الوزير. وكان ذلك يوم الثلاثاء رابع محرم الحرام. فاتفق
__________________
المصارفة في مكة
وجدة على سنن واحد.
والسبب لذلك : أن
المحلقة [الأولى زاد غشها ، وظهر فحشها ، حتى زال عنها اسم المحلقة] ، وتغلب عليها اسم طاريء مناسب لها ، فصارت تعرف بذلك. [وذلك] لما ابتنى عليها من المفاسد والمخالفة في مصارفتها وانهماك الاسقاط السفلة على سكتها وضربها . وثار كل سفيه بطال يتقن غشها وعمت بها البلوى. ـ نعوذ
بالله من ذلك ـ.
وربما تضرر غالب
المتسببين في البيع والشراء لكثرة اجتماعها عندهم ، حين نودي بكسادها وعدم رواجها
، فوقفت في أيديهم ، ولم تنفق في شيء من الأشياء لفحش غشها.
وفي هذا الشهر :
وقع بين مولانا الشريف سعد وذوي عبد الله منافرة ، من جهة معاليمهم وعدم الوفاء ،
ولم يتم لهم حال ، فخرجوا
__________________
حاملين على الشريف
، وتوجهوا إلى جهة الطائف. وتعرّضوا قافلة عند خروجهم وبعض حمارة . فأخذوا الجميع.
فلما بلغ مولانا
الشريف ذلك ، أرسل لمشايخ ذوي عبد الله ، وعرّفهم بما وقع [من رفقائهم].
ثم ان مولانا
الشريف استدنى السيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى ، شيخ ذوي بركات ، ودركه بدرب جدة ، وجعله في وجهه. فقبل ذلك ، وأرسل مولانا السيد
عبد الكريم لذوي زيد وذوي بركات الذين بالوادي . وأكد عليهم في حفظ الدرب. وقال لهم :
«متى أونستم أحد من السادة الأشراف الجلوية / حولكم ، أو
قريبا منكم فأسرعوا في تعريفنا بذلك». ودبرهم على شيء يعرفه .
ولما كان غرة ربيع
الأول : ورد من الشام ـ أي من جهة شام الحجاز ـ خبر لمولانا الشريف ، بوفاة بدوي
بن أحمد بن رحمة شيخ
__________________
عربان حرب. وسببه
تشويش عرض له ، فنقلوه إلى المدينة المنورة لقصد التداوي ، وأنزلوه النقا حول المدينة. فما حصل له الشفاء ، فردوه إلى الصفراء ، المنزل المعروف بالطريق.
وكان ترابه بها. ـ رحمهالله.
فأرسل مولانا
الشريف ، وأقام أخوه مبارك بن أحمد بن رحمة مقامه في المشيخة على حرب.
واتفق في هذه
الأيام : أن قافلة أخذت بسبب موته ، من الفريش ، خرجت من جدة لقصد الزيارة ، وفيها رجل من تجار المناسكة ،
__________________
يسمى محمد بن أحمد
بن جابر ، وجماعته من الجلابة أهل الرقيق ، ولم يسلم أحد منهم إلا القليل. وكانت
الأخاذة لهم بنو علي ، قبيلة من حرب ، قابلهم الله بحرب من عنده.
ولما كان يوم
الجمعة خامس عشر ربيع الثاني : أرسل السيد أبو زيد ، قاصدا من عنده لمولانا الشريف
، ولمولانا السيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى ، يعرفهما بأن السادة الأشراف
الجلوية مرّوا على اليفاع ، ومعهم غزو قاصدين درب جدة.
ففزع مولانا
الشريف عصر يومه ، وفزعت جميع الأشراف معه ، وأقام مقامه في الديرة وكيلا عنه السيد عبد الله بن سعيد بن زيد ، فبات تلك
الليلة بالوادي ، وسرح قاصدا الأهل المسمى بالحمام ، وتقدم قدامه بعض السادة الأشراف ، فاتجهوا بالسيد حسن بن
عبد الله بن حسين ابن عبد الله متقدما عن رفقائه ، فلما اختلطوا به سألوه ، فقال :
«قصدت مواجهة الشريف».
فأرسلوا إلى
الشريف ، وعرّفوه بذلك ، فلما رآه ، قال للأشراف الذين معه : «لا أحد يدخل منكم
محسن بن عبد الله ».
__________________
ثم لما وصل محسن ،
وأقبل على الشريف ترجّل ، نزل أيضا الشريف ، وتراود هو وإياه ، وقال له : «من أين
جئت؟».
قال : «من عند
الربع ، وإن قصدي الصحبة».
فقال له الشريف : «لنا عليك يمين».
فقال : «انطق ». فقال له :
«الغزو الذين معكم
خرجنا بقصدهم ، أيّ محل قصدوا؟».
قال : «لا علم لي
بهم».
ثم أراد أن يحلّفه
ثانيا ، فدخل على السيد عبد الكريم بن محمد ابن يعلى فأدخله. وتكلم مع
الشريف في شأنه. فقال له :
«احفظه حتى ننفضّ من غزونا».
فأرسله السيد عبد
الكريم إلى بيته بالوادي . ومشى الشريف والأشراف في طلب القوم ، إلى أن وصلوا إلى الحمام ، فسأل عن الأشراف الجلوية والغزو
الذين معهم ، فأخبروهم أنهم أخذوا فوق اليفاع ، وقصدوا درب جدة. فرجع الشريف ومن معه على الوادي
__________________
ووصلوا جدة ، وباتوا فيها ليلة الأحد.
فجاءهم هتيمي ، وأخبر الشريف بأن الأشراف الجلوية غزونا ، ونهبوا إبلنا
ونجعنا .
فقال له الشريف : «أتعرف
محلّهم؟». قال : «نعم».
قال : «أنت الدالّ
لنا عليه».
فسار ، وساروا في
جيشهم ، وحثوا في سيرهم ، وأدركوهم عند الظهر مقيلين ، وجميع ما أخذوه من هتيم عندهم.
فأقبل عليهم
الشريف ببعض الأشراف ، ومعه علي كتخذا الوزير سليمان باشا ، وبعض أنفار من أتباع الوزير ، وقتلوا
من القوم زهاء ثلاثين / غير المصوبين .
وكان مع الأشراف
الجلوية من شيوخ العرب ، هنيدس شيخ
__________________
الروقة ، وربعه ، وحسين بن سويدان وربعه ، وهو شيخ قبيلة مطير ، فنهب الشريف والأشراف جميع ما كان معهم من الإبل والبندق
وغير ذلك ، وردوا على عرب هتيم جميع ما أخذ منهم ، وردّوا أيضا على الجلوية بعض خيل وركاب بواسطة بعض
الأشراف.
وكانت هذه الوقعة
يوم الأحد سابع عشر ربيع الثاني ، ووصل خبرها مكة يوم الاثنين ، فدق الزير وألبس البشير على معتاده ، وركزت علامة النصرة في بيت
الشريف على جري عادتهم.
وفي هذا اليوم :
نزل الشريف على السيد علي بن مبارك بن يعلى ، فأضافوه. وأصبح يوم الأربعاء. وصل
بيته بمكة. وجلس للناس.
وأما ما كان من
السادة الأشراف الجلوية : فاستمروا خارج البلد إلى أواخر جمادى الثاني ، وفيه
اصطلحوا مع مولانا الشريف بركات ـ الساعي بينهم بالصلح السيد أحمد بن سعيد بن شنبر
، والسيد حسين بن
__________________
زين العابدين بن
عبد الله ـ توجهوا إلى مولانا الشريف ، واتفقوا [هم] وإياه على أن يعطيهم معلوم شهر ، ويكون أسوة رفقاتهم ، وأن ما مضى لا يعاد ـ ولله الحمد ـ.
ودخل موسم [سنة
١١١٤ ه] ألف ومائة وأربعة عشر.
ولما كان ليلة
السبت الحادي والعشرين من شوال : وردت نجابة من الشام بمكاتيب لمولانا الشريف
ملخصها :
ـ أنه أجيب لما
طلبه من حضرة الأبواب ، من تولية ولده مولانا الشريف سعيد شرافة مكة. وأن الخلع
الواصلة باسم الشريف سعيد.
ـ وأن المتوجّه في
هذا الأمر قد ورد الشام ، وتوجّه بها إلى مصر.
ونزلت النجابة على
مولانا الشريف بالمعابدة. فنزل بهم صبيحة يوم السبت إلى ولده ، وشاع ذلك. وشرع
مولانا في تلافي الأشراف ، وتمهيد هذا الأمر للمشار إليه . واجتهد أن يلبسه هو قبل ورود الخلعة ، وينزل له عن
الشرافة ، فامتنع المشار إليه ولم يوافق.
ولما [أن] كان يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة : وردت نجابة أيضا تبشر
بورود القفاطين ، وأن الآغا الوارد بها وصل إلى أملج
__________________
قريبا من ينبع .
فتأهب مولانا
الشريف لذلك. إلى أن كان ليلة الأربعاء سادس عشر ذي القعدة ، ورد الجمال محمد ،
الترجمان المرسول إلى الأبواب واجتمع بمولانا الشريف ، وأخبره أن آغاة القفطان في
الوادي ، وكان مولانا الشريف قد بعث إلى هناك من يقوم بخدمته ، ويمدّ له سماطا.
ودخل المذكور ليلة الخميس ، فطاف وسعى ، ورجع إلى مخيمه بالزاهر ،
واستمر إلى هناك يوم الخميس.
وفي صبيحة الجمعة
التاسع عشر من ذي القعدة : خرج له آلاي العسكر ، وآلاي باشة جدة ، ودخل بالأمر
السلطاني ، وقد جلس مولانا الشريف ، وابنه ، وعدة من الأشراف ، والقاضي ،
والمفتيين الحنفي والشافعي ، وباشة جدة ، وأعيان الفقهاء.
فورد إلى الحطيم
بالأمر السلطاني والتشريف. فلبس مولانا
__________________
الشريف سعيد ـ حفظه
الله ـ وألبس أصحاب المناصب على جري العادة ، وباب الكعبة مفتوح ، إلى أن انقضت
قراءة الأوامر. وكانت [هذه] كلها ، تشير إلى ما هو المطلوب لمولانا الشريف ، والوصاية على
الرعية والمجاورين / والحجاج كما هو العادة.
ودعى الشيخ محمد
ابن الشيخ عبد المعطي الشيي ، وعزم مولانا الشريف ، وتبعه ابنه ، فاقتضى رأيه أن اقتصر على الجلوس في المدرسة المعدّة للاقتصار من الحرم ، ودخل مولانا الشريف سعيد فقبل يديه
وركبتيه وهو يدعو له ، إلى أن ذرفت عينا كلّ منهما بالبكاء من شدة الفرح. ـ أدام
الله لهما السرور ـ.
ثم خرج من عند
والده ، [وركب] إلى داره بسوق الليل ، وجلس هناك للمباركة.
ومدحه في هذا
اليوم صاحبنا ، يحيى بن الريس تاج الدين المدني بقصيدة ، وأخلع على خادمه حسن بن
علي الفيومي ، وجعله وزيرا ، وعزله عن نظر السوق ، وولّى رجلا آخر من الحبابين عوضه ، وأخلع
__________________
عليه. وأعاد فتوى
الشافعية المقام فيها الشيخ سعيد المنوفي إلى الإمام علي الطبري المكي ، وعزل قائمقام بيت المال ، وجعل عليه السراج عمر بن بكر
الحلواني المدني.
ـ هذا ما وقع في
هذا اليوم ـ .
ولما كان صبيحة
يوم السبت : طلع الآغا الوارد بالقفطان بخلعة سمور ، وكتاب آخر خاص لمولانا الشريف
سعيد ، وألبسه الفرو الوارد عليه من الأبواب زيادة في الإكرام والعناية ، وخوطب كتابه بغاية اللطافة والرعاية ، وذلك ـ فضل الله يؤتيه من
يشاء ـ.
وأنشدني صاحبنا ،
عمر بن علي بن سليم ، لنفسه قوله [مؤرخا لهذه] الولاية على ما فيه :
تهنى بالشريف
سعيد ملكا
|
|
بنصر الله أيده
إقامة
|
__________________
على رغم المعاند
والمعادي
|
|
وطول عمره وله
السلامة
|
أدام الله دولته
زمانا
|
|
وشيدها إلى يوم
القيامة
|
وقال السعد في
تاريخه «البس
|
|
لباس العز
والتقوى كرامة»
|
ولكاتبه ـ عفى
الله عنه ـ :
إن الشريف
الأوحد المرتجى
|
|
سعيد دام له
المجد
|
قد أصبح الملك
به ساحبا
|
|
لذيل عز ماله حد
|
فالشكر لله على
نعمة
|
|
أنالها العالم
والحمد
|
وقائل هل ضبطوا
عامه
|
|
قلت وهل يعجزنا
العد؟!
|
لغاية التوجيه إن شئت قل
|
|
تاريخه «لا حظه
السعد»
|
واستمر مولانا
الشريف إلى أن دخل الحج ، فخرج للعرضة بأتم هيئة وأوفر هيبة ، وخرج والده مولانا الشريف سعد ،
فركب معه ، ووقف موقفه المعتاد ، وأوتي بالخلع ، فلبس خلعته ، وكذا ألبس أصحاب
الإدراكات على ما هو المعتاد.
وعاد إلى بيته ،
وتحته أصحاب الكلاخات الفضة المموهة بالذهب أربعة أنفس ، كما فعل عمه المرحوم
الشريف أحمد بن زيد .
__________________
وهكذا خرج المذكور
لعرضة أمير الحج الشامي ، وكان بيرم آغا باشا ، فلبس الخلعة. ورجع مولانا
الشريف سعيد ، وحج بالناس.
ودخل بيرم باشا
مكة بنحو ثلاثة الآف عسكري ، وأنزلهم بالمعابدة إلى الأبطح ، وبالغ في ضبطهم. فما
رؤي واحد منهم بمكة.
وشنق مولانا
الشريف رجلا بمنى من السّرّق ، ولم يحصل للحج في هذا العام شيء مما كانت الناس
تحسبه.
ونادى منادي أمير
الحاج الشامي المذكور ثاني / أيام النحر ، بمنى ، نداء عاما على الحج الشامي ،
أنه يتوجه بعد ثلاثة أيام من النزول إلى مكة. فشقّ ذلك على كثير من أهل حجه.
ولما أن نزلت
الناس ، كان مولانا الشريف طلب منه فسحة فتمهل ، وأمر مولانا الشريف بالنداء على
كافة الحجاج كلّهم بالرجوع ، وكذلك كلّ من كان بمكة من الغرباء متعاطين الأسباب في
القوت وغيره. وأنه لا يقيم بمكة [بعد الحج] إلا المولود بها ، أو صاحب
__________________
عقار. فشق ذلك على
كثير من الناس.
وكلم بعض الناس
مولانا الشريف في ذلك ـ وليته لم يفعل ـ فبعد ذلك أمر بالنداء بأن :
«من أراد أن يخرج
فليخرج مع الحج ، ومن أراد الإقامة فليقم».
ومن الوقائع في
هذه السنة أن أمير الشامي ذهب لبلك باشا عسكره غلام ، وذهب لابن أخت الباشا سليمان
صاحب جدة غلام ، فجعل كلّ واحد منهم يسأل عن ذاهبه. فجاء الخبر إلى ابن أخت الباشا
، أن غلامه عند بلك باشا العسكر الشامي. وكان المذكور شابا مغرورا ، فركب ليأخذ غلامه ، فلما وصل إلى الباشا أمر
بأخذه في الحديد ، [فأخذ وجعل في الحديد ، وخرج الباشا يوم عشرين بالمحل والعسكر
وهو معه في الحديد] ، وذلك بعد أن نزل سليمان باشا إلى جدة لاستلام المراكب
الهندية.
فأرسل مولانا
الشريف سعد إلى الباشا ، فلم يقبل شفاعته ، ثم أرسل قاضي مكة فلم يقبل ، وسار به
معه ، ولم يلتفت إلى أحد. فلما وصلوا إلى عسفان ، وجدوا غلام بلك باشا العسكر
الشامي ، فأمر مولانا الشريف ببعثه مع رجل إلى الباشا يسترجع الممسوك عنده ، فأخذ
الغلام
__________________
ولم يطلق المعتقل
معه. وسار إلى المدينة [به] ، فتكلم شيخ حرم المدينة ، وفكّه بنحو عشرين كيسا ، ورجع
من المدينة [إلى جدة] بعد جهد جهيد.
__________________
ودخلت سنة ١١١٥
ألف ومائة وخمس عشرة :
وفيها اشتد الغلاء
فوصلت كيلة الحب إلى قرش ، وكذلك الأرز والسمن من نصف قرش الرطل.
وفي هذه السنة :
وردت الصدقة الهندية لكاة من البرنيات .
وفي هذه السنة :
ورد من الهند في المراكب الهندية ، علي بن معصوم صاحب السلافة إلى مكة ، ولم يدرك
الحج مع قدرته على ذلك ، لإنشغاله بما جاء من أسبابه ، فطلع مكة ، ومدح مولانا الشريف سعدا بقصيدة ، قرأها عليه
صاحبنا الفاضل السيد محمد حيدر المكي ، وجعل أخرى لمولانا الشريف سعيد وقرأها عليه السيد محمد
حيدر المذكور. وبلغني أنه لم يستوعبها.
وجلس الوارد
المذكور بمنزله الموروث عن الشريفة بنت السيد نصير . وجاءه الناس ، ولم أتحدّبه ، وظفرت ببعض هجاء قاله فيّ ـ
__________________
قبحه الله ـ وألفت
فيه رسالة سمّيتها : الدلائل الواضحة على المثالب الفاضحة. إلى أن خرج هاربا من
مكة في سنة ١١١٥ ه ، وترك أهله وأولاده ، وجاءنا خبر موته سنة [].
وفي هذه السنة : جعل الغلاء يزداد كلّ يوم وساعة ، وأطال بالناس التعب وفقد كلّ شيء.
فلما كان شهر صفر اشتدّ الحال بالناس ، ووصل الحب الإردب إلى عشرين أحمر ، ونفر
كلّ شيء . والأمر لا يزداد إلا شدة ، إلى أن وصلت كيلة الحب المكي
إلى نصف ريال ، والأرز إلى قرش ريال ، وانتهى الأمر إلى الأطراف ، فساوى سعر الطائف سعر مكة ، وعدم السمن ، ولحقت / شدة.
ولم يزل الأمر كذلك ، إلى أن فرج الله بورود المراكب المحمدية المتّجرة الهندية الجديدة من مصر ، وفيها سبعة آلاف إردب جراية
مقسومة بين مكة
__________________
والمدينة . فوردت جدة سابع عشر ربيع الأول من السنة المذكورة ، فحصل
بها فرج كبير للناس.
وأظهر الأشقياء
بمكة ما حكروه من الحبوب ، وبادر صاحب جدة سليمان باشا بإرسال المبيع من
ثالث يوم وصوله جدة ، فباع الحبّ بمكة بأربعة وستين محلقا بعد أن كان بنصف ريال
الكيلة ـ ولله الحمد والمنة ـ.
ولما كان أواخر
رمضان سنة ١١١٥ ه : تنافر مولانا السيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى ، مع مولانا
الشريف سعيد بن سعد ، لأمر اقتضاه . وخرج لخروجه جماعة من بني عمه آل بركات ، وكان اجتماعهم عليه ـ أعني السيد عبد الكريم ـ.
ثم اتسع الخرق ،
فخرج جماعة من كبار الأشراف ومشايخ آل حسن
__________________
وسائر آل قتادة ، وأخذ كلّ لنفسه أجلة .
وفيها : توافق الخارجون وتحالفوا وتعاهدوا على اتحاد الكلمة. فقام مساعدا
بينهم بالصلح ، مولانا الشريف سعد ، وغيره من الأشراف ، واجتهدوا غاية الاجتهاد ،
فما أمكن. فانقطعت بسبب ذلك الطرق ، ونهبت الأموال في طريق جدة وسائر الجهات ، فكم
من مال أخذوه ، وقتيل نبذوه. ثم إن الشريف سعد ذهب إليهم بعد ما أنهوا إليه أمر
ولده وكان نازلا بطريق الخبت قريبا من جدة ، والأشراف المذكورون نازلون بوادي مرّ
، فورد عليهم الشريف سعد بن زيد ، وضمن لهم وفاء جميع ما أنكر لهم من المعلوم.
وقال : «ان ألزمت ولدي بتسليمه يعتذر الآن بالعجز ، وحسّن لهم أخذ البعض ، وعينه
لهم. وما بقي فأنا الكفيل لخلاصه».
فرضوا بذلك ،
وشرطوا عليه شروطا ، منها :
الدفان عما وقع في الطريق من النهب ، وما أخذ من
__________________
الأموات .
ومنها : أنهم
يكونون على ما تعاهدوا عليه من غير نقض إبرام.
ومنها : أنه إذا
لم يتم ما التزمته لنا ، فتكون يدك مع يدنا ، وتكون إلينا عنه وأنت منّا ونحن وأنت
عليه.
وضمن كل ذلك
وقبله.
واختار أن يدخل
معه جماعة من الأشراف ، منهم السيد عبد المحسن ابن أحمد بن زيد ، والسيد عبد
الكريم بن حمد بن يعلى ، وحسن بن غالب ، وسرور بن يعلى ، فدخلوا ولاقوا الشريف
سعدا ، وبدوا عليه في دار السعادة ، فخرجوا من عنده ، ولم يفاتحهم بشيء.
وعرض الشريف سعد
على ولده ما صار بينه وبين بني عمه ، فامتنع وأبى. وقال :
«بل أحاسبهم على جميع ما أخذوه على الناس من الأموال ،
وأحسبه من معاليمهم. ولا بد أن ينفكوا من هذا الحلف الذي بينهم ، ويعاملني كل واحد وحده».
فأقاموا يومهم هذا
عند الشريف سعد ، وكان نزل على ولده السيد مساعد بالطنبداوي .
__________________
فلما بلغهم ذلك ،
رجعوا إلى مرّ الظهران ، ونفوسهم غير طائعة ، بعد أن ألزموه أن يعطيهم / البدر وفاء بالشرط.
ولما اقترب شهر
الحج ، واحتاج الناس إلى قضاء شعائر الحج ، وضاق الوقت ، فتصدى الوزير سليمان باشا صاحب جدة لتسكين حركة هذه الفتنة
المطمة ، وبذل في ذلك الهمة. فكاتب السادة الأشراف ، ووعدهم ،
وضمن لهم خلاص ما هو لهم في الذمة والمال ، وبذل لهم ما وسعته قدرته في الحال ،
وشرط عليهم حفظ طريق جدة رعاية لمن بها من الغرباء الواصلين كي لا يفوتهم الحج.
ففعلوا ما شرط عليهم ، وأمنوا الطريق ، وسارت القوافل. بل ساروا يمشون مع القوافل
إلى أن تدخل مكة ذهابا وإيابا.
ثم إن سليمان باشا
، أخبر مولانا الشريف سعيد بما وقع ، " وإني التزمت لهم في ذمتي بخلاصهم».
__________________
فأجابه بأنّ : «ما
فعلته هو الصواب».
ثم إن الشريف
سعيدا بعث إلى الأشراف ، وكانوا نحوا من ثلاثمائة ، يسألهم أن يعرضوا معه في خروجه
إلى الأمراء على جري العادة. فامتنعوا ، ولم يعرض منهم أحد إلا بعض الأشراف كانوا
في عملته ، لم يجاوز الثلاثين.
فلما أقبلت
الأمراء تنقلت الأشراف إلى الحميمة بوادي مر.
فحجّ الناس وهم في
غاية الخوف ، ولم يحجّ من أهل مكة إلا اليسير. ظنوا أن الأشراف يدخلون مكة والناس
بعرفة. فلم يكن ذلك ، بل التزموا الوفاء لما أخذه عليهم الوزير سليمان باشا صاحب
جدة.
فلما أن سافر الحج
، وأقفر الفجّ ، أخذ الأشراف في الإرتحال من الحميمة ، ونزلوا بالزاهر
سابع عشرين ذي الحجة. فشعر بهم الشريف سعيد ، وطلبهم إلى الشرع [الشريف].
فوكّلوا من جانبهم
[السيد عبد الله بن سعيد بن شنبر ، فجاء ووصل المحكمة ومعه] السيد عبيد الله بن حسن بن جود الله ، وزين
__________________
العابدين بن إبراهيم
بن محمد ، شهدوا على الوكالة.
وكان الشريف قد
نزل قبلهم إلى المحكمة ، وكان القاضي لمكة حالا القاضي أحمد البكري أحد السادة
البكرية المقيمين بالشام لا المصريين.
فادّعى السيد عبد
الله بموجب وكالته عن جماعته على مولانا الشريف ، بأنه منعهم من حقوقهم من مداخيل البلد
ومخاليفها ، لم يعطهم ما يستحقونه ، واختص بكل [ذلك] دونهم. وهم شركاؤه فيه ، وقد قضت قواعدهم على ذلك من زمن الشريف قتادة بذلك ، وأن لا يعاملونه [إلا] على ذلك. فإن ذلك قوام معاشهم.
فأنكر مولانا
الشريف سعيد ، وقال :
__________________
«ليس لكم حقّ ، وإنما تأخذون من صاحب مكة ما يعطيكم من قبيل
صلة الرحم ، ومدخول مكة خاصّ بي».
فاتسع بينهم
المجال بحضرة القاضي والفقهاء ، وبما لا يليق بمقامهم ، فثارت نفوسهم بزيادة.
ثم انفضّ المجلس ،
ورجع جماعة الأشراف إلى جماعتهم بالزاهر ، بعد أن اجتمعوا بالشريف سعد ، وعاتبوه على دعواهم إلى القاضي ، فاعتذر وحلف أنه لا علم
له بهذا القدر ، فقبلوا عذره ، وعزموا.
فركب الشريف سعد
بنفسه ووصل إليهم ، وخطأ ابنه في فعله ، واستسمحهم وقال :
«هبوها لأجلي ، وسترون ما أفعل في حقكم معه ، وأنا الطالب
بجميع ما هو لكم».
فقبلوا ذلك. وطلب
جماعة منهم يدخلون معه. فدخل معه السيد أحمد بن زين العابدين لاستلام ما قام به
لهم. فلما دخل بهم البلد / رأوا زنده قد صلد . وكان آخر يوم من ذي الحجة سنة ١١١٥ ه.
__________________
ودخلت سنة [١١١٦] ست عشرة ومائة وألف.
فلما كان يوم
الثلاثاء من المحرم الحرام : رفعت الفتنة رأسها ، ووطأت أساسها ، فانتشرت عبيد
الأشراف بأعالي تلك الجبال ، وشنوا الغارة. وملكوا تلك الجبال إلى الجبل المطلّ
على تربة العيدروس ، وانتهوا إلى أسفل جبل عمر من المسفلة ، ومن جبل قعيقعان إلى جبل جزول المطلّ على سويقة ، وأخذ باطنة الشبيكة
__________________
جماعة من الأشراف
حتى انتهوا إلى مقبرة الشبيكة ، ووصل جماعة من العبيد إلى جهة المعلاة ، فملكوا
الجبل المطل على الوادي بحيث لا يفوتهم الصاعد من هناك ، وباقي الأشراف في مضاربهم
.
فلما رأوا شدة
الحركة انتقلوا من الزاهر إلى طوى ، ووقفوا هناك.
وكان تردّد على
الأقدام السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد ، وتقدم بعض العبيد نحو السبعة ، فدخلوا
بيت عتاقي أفندي ، الذي أخذه من عبد الباقي الشامي في الشبيكة. فانحازوا فيه ،
وجعلوا يضربون من أقبل عليهم.
فتهيأ الشريف سعيد
للخروج معهم ، ووجّه الهمة إليهم ، وجمع الجند ، وترّس المنافذ ، وجمع جماعة في
دار ابن العم الشيخ أبي السعود السنجاري ، ومن دار الشيخ عبد الله البصري ، وجماعة في منائر
__________________
المسجد من جماعة
عساكر مصر ومن عسكره أيضا اليمنة .
ثم أحضر عسكر مصر
، من متفرقة وأصباهية وعرب وإنقشارية ، فركب ، وركب معه خاصته من الغلمان والوصفان
وصارجية وسقمان ، وأرادوا الخروج فلم يتمكن من ذلك ، ووقف بسوق الصغير.
ووصل الرمي من جبل
عمر إلى محلّ وقوفه ، بل أصاب [بعض] الخيل بعض ذلك الرمي. واستمر إلى ضحوة عالية. فكان من
التقدير نزول الشيخ سعيد المنوفي ، والسيد علي ميرماه إلى حضرة القاضي ،
وجمعوا بعض الفقهاء والمفتي ، وأخذوا من القاضي حكما حكم به : «أنه لا يجوز عزل من
ولاه السلطان ، ويجب على العامة أن يقاتلوا معه هؤلاء الجماعة». وأمروا مناديا
ينادي في شوارع مكة.
__________________
فاضطربت الناس وهو
ينادي بالنفير العام حسبما رسم شيخ الإسلام .
فلما بلغ ذلك
سليمان باشا وجاءه الحكم وتأمله ، امتثل الأمر وأطاع ، وخادع خداعا. وأمر نحو مائة
من عسكر الدبابة أن يسيروا مع الشريف ، فحاصروا من كان في جبل عمر.
وبعث نحو ثلاثين مدرعا من الترك مع كيخيته علي آغا ، فلحقوا بالشريف سعيد.
وأخذ محمد بن
جمهور العدواني من جماعة الشريف ، الحكم المكتوب ، وطلع به إلى أمير العراق ، فأعانه بنحو مائتين عسكري ، فخرج بهم المذكور من ريع
أذاخر ، وعطف على الأشراف بالزاهر.
__________________
وفرغ بارود
الأشراف لطول رميهم ، فهمدت الفتنة ساعة ، فانتهزها الشريف سعيد من السوق الصغير ،
وسار بمن معه من عساكر الباشا إلى أن وصل إلى الزاهر ، ففرّت العبيد.
فلما وصل الشريف
إلى البيوت المسامتة لبيت عبد الباقي الشامي ، صدّه من كان فيه من العبيد السابق
ذكرهم الكاينين في البييت المذكور. فتوقف ، وقتل هناك بيرق دار الإنقشارية وعبد من
عبيد الشريف ، وجرح آخرون / من جماعته. وطال وقوفه ثمة ، ثم عطف على سويقة ، على
بيت الباشا ، وأمر بجر مدفع من المدافع ، وانتهى به إلى قريب بيت عبد الباقي ،
ورمى به على البيت ، ففرّ من كان فيه من الأسطحة ، وهربوا ، فكرّ عند ذلك ، وحصل
من خيالته اختلاط بمن كان هناك من الأشراف حول بيوت الشبيكة ، وقتل عبد لعبد
المحسن ابن أحمد وأخته ، وصوب فرس السيد مبارك بن زامل فحوّل عنها
وتركها. فأصيب السيد حسن بن حسين بن عبد الله برصاصة في رجله ، فتمنّعوا بعد ذلك
الاختلاط ، وافترقوا عن البلد.
هذا كله ، والشريف
سعد واقف تحت دار السعادة ، يرتجز
__________________
كاغلام الشير إليه
بالطعام ، ومعه نحو ثلاثة أو أربعة من الأشراف ، ثم لحق بولده ،
وساروا حتى وصلوا جبال أبي لهب ، فكانوا من الأشراف بعيان وهم وقوف حول مضاربهم ، فامتنع
الفتيان من القدوم.
فأقاموا الأشراف
ثمة ثلاثة أيام. ثم انتقلوا إلى الحميمة ، فلحق بهم الشريف سعد ، ونزل عليهم ،
وطرق منازل المشايخ منهم ، فاستعطى منهم ذلك القدر الذي يطلبوه ، فجازه بعد التنزل
لهم. فسمحوا له به كرامة لمجيئه إليهم ، والتزم لهم العوض ، وأصلح الأمر على : أن
يأخذوا الآن من الشريف سعيد مشاهرة بشهر واحد.
وطلب منهم الدخول
معه إلى مكة وملاقاة الشريف ، فدخل معه كبارهم ضحوة النهار في مدة المهلة المأخوذة
لهم ، فأضافهم الشريف سعد ذلك اليوم ، وجعل لهم أنواع الأطعمة ، وأقاموا بمكة
أياما ، فما وقعوا على طائل ، ولا أفادهم قول هذا القائل. فعند ذلك رجعوا إلى
الحميمة.
إلا أن السيد أحمد
بن زين العابدين ومن في عملته ، والسيد أحمد ابن حازم ومن في عملته ، ومحمد بن
أحمد بن حسين ومن في عملته ، نقضوا ما أبرموه مع القوم ، وبين السيد عبد المحسن ،
والسيد عبد الكريم ،
__________________
لما طمعوا فيه من
تسديد رأيهم وتوهموا النتاج به في أمرهم.
وأما ما كان من
أمر السيد عبد المحسن ، والسيد عبد الكريم ، ومن معهم ، بعد أن أودعوا طوارفهم على
عادتهم ، أقام السيد عبد المحسن بمكة باشارة من الشريف ، رجاء أن يكون واسطة للصلح
ومعينا له عليهم.
فبينما هم في
المشورة ، إذ جاء الخبر أن الأشراف أخذت قافلة عظيمة ، خرجت من جدة ، وقتلوا
الرجال ، ونهبوا الأموال. فاشتد غضب الشريف سعيد ووالده الشريف سعد ، وقال لمن
كفلهم من بني عمهم :
«أعطوا الحق من أنفسكم ، فإنكم كفلتم هؤلاء الجماعة أياما
معدودة ، واستردّوا منهم ما كانوا أعطوهم مما هو لهم».
فعسر استيفاؤه.
ثم إن مولانا
السيد عبد المحسن ، خرج إليهم ، حيث لم يتم له ما أراده عمه من الصلح ، وحدوث
أخذهم لهذه القافلة ، مع أن معها السيد مبارك بن حمود ، وخرج معها من جدة ، وأودعه
إياها الشريف سعيد في كتاب كتبه إليه وجعلها في وجهه. ومعه من السارجية والسقمان نحو أربعين فارسا.
__________________
فخرج إليهم
الأشراف هؤلاء ، عصر يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من محرم ، عند بئر شميس ، فاحتالوا على السيد مبارك بن حمود ونحّوه عنها / ،
وقبضوا عليه ، واستاقوا القافلة بأجمعها.
فلما رأى السيد
مبارك منهم ما رآه. وكان مبارك ـ كاسمه ـ نزل عن فرسه ودخل مكة راجلا ، فنزل على
السيد مساعد بن سعد بالطندباوي.
وكانت قافلة عظيمة
موفورة ، وفيها من كل الأنواع.
وقتل من الصارجية
خمس عشرة ، وأخذت خيولهم ، وبلغت القتلى من أصحاب القافلة وغيرهم نيفا وثلاثين ،
ولم يسلم إلا من هرب ، واستجار بعضهم بالأشراف ، فسلم من كتبت له السلامة بروحه
دون ماله ، ورجعوا بالقافلة يسحبون الرماح ، وينادون بحيّ على الفلاح. وكانوا نحو
العشرين أغلبهم شبانا.
فلما أن وصل إليهم
السيد عبد المحسن ، جعلوا كلمتهم الكلّ إليه ، واعتمدوا في تطريق هذا الوفق
عليه ، وبايعوه على شرافة مكة ، وعزل ابن عمه سعيد ، فرضي بعد تأبّ شديد ، ثم
ارتحلوا من الحميمة ، ونزلوا ماء قريبا من جدة يقال له غليل ـ مصغرا ـ وبعثوا إلى الوزير
__________________
سليمان [باشا] يعرفون بما اتفقوا عليه ، [فأمرهم بالدخول إلى جدة فدخلوا] جدة ، ومعه مولانا السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد ،
والسيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى ، والسيد أحمد بن هزاع ، وعبد الله ابن سعيد بن
شنبر ، وآخرون من الأشراف ، وأقام الباقون بغليل.
فبعث الوزير
سليمان باشا كتابا إلى الشريف سعيد ، وإلى والده الشريف سعد ، ملخصه :
«أن السادة الأشراف ، نزلوا على غليل ، وقصدهم محاصرة جدة ،
ومنعهم أهلها من الماء ، وربما يحصل منهم خلاف على البندر ، وليس لنا قدرة على
دفعهم. فالمقصود أن تخرجوا لهم ، ونحن من جهتنا معكم ، أو تدفعوا لهم ما هو لهم ليرجعوا
عما هم فيه من الضرر علينا وعليكم ، ويدخلون تحت الطاعة. وإن كنتم تعجزون عن ذلك
، فاخرجوا من البلاد ، فقد تعيّن لها من يقوم بحفظها». فردّوا له الجواب :
«ليس لهم عندنا إلا السيف ، أو يرضون بالحيف».
__________________
فلما جاءه هذا الجواب ، استدعى الباشا مولانا الشريف عبد المحسن بن
أحمد بن زيد هو وجماعة من الأشراف. وحضر قاضي جدة ، وجماعة من بياض الناس ، فألبسه الوزير قفطانا فروا سمورا [عظيما] ، وولاه شرافة مكة. ودعت له الأشراف بالعز على قواعدهم
السالفة.
فخرج من عنده في
آلاي أعظم والخلق بين يديه من عساكر وغيرها ، ومعه الأشراف ، إلى أن وصل سبيل محمد
جاووش خارج جدة. [ثم] نادى مناديه في الشوارع له بالبلد ، والأمان والاطمئنان ،
ووضع يده على البندر ، ورفع يد وزير الشريف سعيد وهو حسن بن علي الفيومي ، ورفع
جميع المباشرين الذين من جهة الشريف سعيد ، وأجلس آخرين غيرهم .
ثم ان الوزير سليمان
باشا ، هيأ لمولانا الشريف عبد المحسن كلّ ما يحتاج إليه الملك من نوبة ، وصنجق ،
وسعاة ، وعساكر دبابة ، وخيالة ،
__________________
وقام بما يكفيهم
من الملبس والمطعم وغيره. وأخرج له الذخيرة الوافرة من كل شيء ، وبعث كيخه محمد
آغا حفيظا للعساكر.
فأصرف مولانا الشريف على الأشراف معلوم / شهر.
وبعث إلى المدينة
لينادي باسمه له فيها. فنودي له بها ، وخطب له باسمه على المنبر النبوي ، وكتب إلى
الشام ، وإلى جميع الجهات ، فأجابوا بالطاعة ، وأطاعته حرب ، والقواد ، وجميع تلك
الجهات الشامية ، وبعث إلى الحجاز ، فأجابه قاصيه ودانيه ، وبعث إلى جهة اليمن وسائر نواحيها .
ثم انه بعث أخاه
عبد المطلب إلى الطائف ، ومعه السيد عبد الله بن حسن بن جود الله ، وعبد الله بن
أحمد بن أبي القاسم مع آخرين ، فنادوا
__________________
له بالطائف.
وأقام عبد المطلب
بن أحمد ثلاثة أيام ، فوصل إليه عبد الله بن سعيد ابن سعد ومعه من الجبالية ويافع نحو الخمسين ، ومن الأشراف محمد بن جازان ، وحروفا من ثقيف ، فتهيأ عبد المطلب بن أحمد لقتاله. وجمع الجموع ، فأتاه
أحمد بن زين العابدين فثبطه لكتب جاءت من الشريف سعد ، وحسن له الخروج فتأبى. ثم
خرج ليلا منها ، فدخلها عبد الله بن سعيد بن سعد ، ونادى فيها لأبيه.
وما كان من عبد
المطلب : فإنه نزل الأخيضر ، فجمع بعض البادية ، وكرّ بهم على الطائف. فتأهب عبد الله
بن سعيد لملاقاته.
[فلما] بلغ أحمد بن زين العابدين ذلك الأمر ، اجتمع بعبد الله ابن
سعيد ، وعرّفه أن الشريف عبد المحسن ولي مكة ـ وعزل أباك ـ وأخوه عبد المطلب يريد
حفظ الديرة لأخيه.
__________________
فأبى ، وقال : «هذا
كلام لا أسمعه».
فاتفق رأيهم على :
ـ دخول عبد المطلب
، مع بقاء عبد الله بن سعيد من غير قتال.
ـ وأنهم يكتشفون
الخبر ، ويرسلون إلى مكة. فإن كان الأمر غير صحيح فلك منا أن نخرج عبد المطلب ، ونحن الكفلاء بهذا.
فوافقهم على ذلك.
ثم انه عمل بالرأي
السعيد ، وخرج ليلا بمن معه من العسكر والعبيد ، ووصل إلى أبيه. وتخلّف عنه محمد
بن جازان بالطائف. فدخل عبد المطلب الطائف ، ونادى لأخيه ثانيا ، واستمر هناك إلى أن دخل أخوه مكة.
ـ هذا كلّه
والشريف عبد المحسن بجدة ـ.
فجمع الشريف سعد
والشريف سعيد جماعة من الفقهاء ، فيهم القاضي والمفتي وقوم آخرون. وتفرق المجلس
على أنهم يكتبون كتابا إلى الوزير سليمان باشا صاحب جدة ، أغلظوا فيه ، إلى أن
قالوا :
«ان بيدنا فتوى من المفتي ، وحكم بموجبها قاضي الشرع ، بكفر
من تجرأ على عزل من ولاه السلطان على بلد إذا كان بيده أوامر سلطانية ، وأنه لا
يعزل إلا بنقض الملك أو أمره. إلى غير ذلك. وأنه قد
__________________
جاءنا الخبر بعزلك
ومحاسبتك ، فكيف لك بالعزل والتولية مع أنك معزول من منصبك»؟!.
ثم أرسلوا هذا
الكتاب مع السيد دخيل الله بن حمود ، ومعه جوخدار القاضي. فلما أن وقف الباشا المذكور على ذلك قال :
«أنا بيدي من السلطان مصطفى ، والسلطان أحمد بن أخيه المتولي
بعده أوامر سلطانية ، أن أعزل وأولّي من أرى فيه المصلحة والصلاح لمكة المشرفة».
فلما علم السيد
دخيل الله حقيقة ذلك ، لم يطلع من جدة ، وعامل الشريف عبد المحسن من جملة من
عامله.
وجاء الجواب من
جوخدار القاضي بما قاله الوزير المذكور .
فاغتاظ الشريف سعد
وابنه الشريف سعيد ، وبعثا يطلبان منه الإشراف على ما بيده من الأوامر .
فبعث إليهم :
__________________
ـ «إن كنتما تريدان / ذلك ، فابعثوا رجلا من جهة القاضي ، ومن
كلّ بلك من العسكر رجلا يشرفون على ما بيدي من الأوامر».
ثم انقطعت بينهما
الوسائط ، إلى أن وصل مولانا الشريف عبد المحسن من جهة جدة متوجها إلى مكة ، وذلك
يوم السبت ثاني عشر ربيع الأول ، ومعه الجموع والأشراف ، إلى أن وصل وادي الجموم .
فخرج إليهم الشريف
سعيد بمن معه من العساكر المكية والمصرية ، ونزل بطوى ، وأخذ الشريف سعيد ما يلي
الحجون الصغير ومعه عبيده ، وجماعة من اليكون ، ومعهم محمد بن جمهور العدواني شيخا عليهم ، وفرقت على
الجبال المطلة على أبي لهب بعض العبيد ، وجماعة من يافع والجبالية.
ولما كان يوم
الأربعاء سادس عشر ربيع الأول : سار الشريف
__________________
عبد المحسن من
الجموم ، ونزل صبيحة يوم الخميس بالزاهر ، وأمر بحفر آباره ، وكان قد طمّها الشريف
سعيد.
فلما تلاقى الجمعان ، حمل بعض جماعة الشريف عبد المحسن على جبل كان به
بعض جماعة من عسكر الشريف سعيد ، فأنزلوهم عنه وملكوه ، وقتل فيه بيرق دار العسكر
، وعسكري آخر ، أراد أن يأخذ البيرق عند قتل الأول [فقتلوه] ، وحصل صواب .
وأما اليفعة مما يلي جانب الشريف سعيد ، فجاءتهم جماعة من بادية الشريف
عبد المحسن ، فأثخنوهم قتلا وجرحا وضربا وصرحا .
ولم يزالوا على
ذلك إلى الليل ، وربما رمت بعض عسكر الشريف عبد المحسن بمدافع معهم على جماعة
الشريف سعيد.
فبعث مولانا
الشريف إلى مشايخ الحارات ، وأخذ منهم الزرابطين ، الذي يطلقونها ليلة العيد وفي رمضان ، فرمى بها على
__________________
الجبال ، فأصاب
مضربا فيه عسكر من بعض عسكر سليمان باشا.
ثم أمر باستخراج
مدفع كبير كان مدفونا في دار السعادة. فأخرجوه وصلحوه ، وساروا به إلى طوى ، فطلعوا به إلى قلعة ، وحشوه وأطلقوه
على الأشراف ، فما أفاد إلا الصوت .
وغارت بعض شبان من
جهة الشريف عبد المحسن إلى بطن الوادي تطلب البراز من الشريف سعيد.
فصوب منهم السيد عبد المعين ابن حمود برصاصة في كفه ، ولم يقدم عليهم أحد.
ولم يكن مع الشريف
سعيد إلّا السيد عبد الله بن حسين بن عبد الله ، ومبارك بن حمود ، وعلي بن أحمد بن
باز ، وبشير بن مبارك بن فضل ، وقد حضروا معه بالحجون.
ولما كان ليلة
الأحد : وهو اليوم الرابع ظهرت الغلبة ، وضاق الأمر ، فنزل ضحوة يوم الأحد المذكور
الشيخ سعيد المنوفي ، والسيد علي ميرماه ، وأنهوا إلى القاضي ما لحق الشريف سعيد ،
وأمروه بكتابة حجة بالنفير العام ، فكتب لهم حجة بذلك ، وأمر مناديا ينادي في
الشوارع :
«كلّ من لم يأت إلى المحكمة الآن فهو منهوب الدار مطلوب بلا
اعتبار».
فاجتمع العالم تحت المدرسة السليمانية بالحرم الشريف ، فقرأ
__________________
عليهم المنوفي
صورة الحجة ، وهو مطلّ من طاقة المحكمة ، ومضمونها :
«أن هذا الشريف سعيدا قد ولاه السلطان مصطفى شرافة مكة ، /
٣٣٩ وأيده السلطان أحمد ، وقد رأيتم ما صار عليه / من هذا الباشا ، فيجب عليكم بذل
الطاعة والخروج معه للقتال. ودفع هؤلاء البغاة قطاع الطريق ، سيما وقد مات الجور
في دولته ، وعاش العدل بصولته».
فبينما هو ذلك إذ
صاح بعض الناس الحاضرين :
«هذا باطل! [باطل].
وانطقت العالم بلسان واحد ، وكاد أن يرجم المنوفي والقاضي ومن
معه. وفرّت العالم من المسجد.
فلما رأى القاضي
ومن معه قيام العامة ، وتفاقم الطاعة ، أمر بالخروج إلى الشريف سعيد إلى الزاهر
وإخباره بما وقع.
فخرج ومعه المنوفي
، والسيد علي ميرماه وجماعة من الفقهاء والمفتي وسواد الناس.
ولما اجتمعوا إليه
وأخبروه ، أنكر الأمر بذلك ، وسبّ من سعى في هذا الفعل ، وقال :
__________________
«من أمركم أن تنادوا في العامة؟!».
واتفق الرأي هنالك
، أن يكتبوا كتابا إلى كيخية الوزير سليمان باشا ، خطابا من الشريف سعيد وأبيه بأن
:
«له عليهم دعوى إلى القاضي ، فإن لم تجب وتمتثل كفرت» .
وبعثوه مع درويش كان حاضر المجلس قال لهم : «أنا أوصل هذا الكتاب إليه» بعد
أن لم يوافق أحد على إيصاله. فأوصله ذلك الدرويش إلى الكيخية المشار إليه.
فلما قرأه ، أشرفه
على مولانا الشريف عبد المحسن ، فكتب الجواب إليه مولانا الشريف عبد المحسن إلى الشريف سعيد :
«نحن إن شاء الله غدا لا بدّ لنا من دخول مكة والكيخية معنا ، وتكون
الدعوى عليه بحضورنا ، والنصيحة لله ولرسوله ، ولك أن
__________________
تأخذ لنفسك وتخرج
من البلاد ، وتترك ما لا طائل تحته ، فإن أصبح عليك الصباح وأنت بها ، فقد برئت
منك الذمة. وهذا غاية ما لكم علينا والسلام».
فلما جاءهم الكتاب
، رجعوا إلى الصواب ، فأودعوا طوارفهم للسيد عبد الكريم بن محمد ، وخرج معه السيد
عبد الله بن حسين ، ومبارك بن حمود ، وشنبر بن مبارك بن فضل. وأما أبوه فدخل مكة
وبات في دار السعادة.
أخبرني أبو السعود
ابن العم محمد السنجاري ، قال : «وبعث إليّ مولانا الشريف عبد المحسن يأمرني بفرش دار السعادة ،
فطلعت للشريف سعد وأخبرته بذلك ، فقال : «لا بأس». قال : «وجعل واقفا معنا إلى أن
فرشناه ، وهو يأمرنا بمحاسن المجانسة في الفرش».
ولما أن فرش
المحلّ خرج في الساعة الثانية من يوم الاثنين حادي عشرين ربيع الأول ، وطلع إلى
بستان الوزير عثمان حميدان بالمعابدة ، بعد أن أودع طارفه للسيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى.
ثم لما كان في
الساعة الرابعة من ذلك اليوم : دخل مكة مولانا الشريف عبد المحسن بن أحمد
بن زيد من أعلى مكة ، ومعه بنو عمه وهم في الدروع الضافية واللامات اللامعة الصافية على لباس العافية في آلاي
__________________
عظيم من سائر العساكر المصرية ، وجميع العساكر الذين كانوا مع
الشريف سعيد ، وما انضم إليهم من عسكر الباشا وأنواع من العرب الذين أجابوا داعيه.
ولم يزل سائرا إلى
أن دخل المسجد الحرام ، وقد بسط له بساط في الحطيم ، وفتح باب البيت الشريف العظيم
، وحضر القاضي ، والمفتي ، وجميع الفقهاء والعلماء ، والخلق كافة ، ومن دخل معه من
الأشراف في ملابس الحديد ، وقريء عليهم من الأوامر السلطانية أمران :
أحدهما : من /
السلطان مصطفى. والآخر من ابن أخيه السلطان أحمد. مضمونهما :
«أن سليمان باشا مفوض من قبلنا على الحرمين الشريفين ، قائم
مقامنا قد نصبناه ، بصدد من رأى فيه صلاح العباد والبلاد ، فمن رأى فيه غير ذلك
عزله ونفاه ، وأقام من يرى فيه الصلاح. وهذا خطاب شامل لمن كان تحت طاعتنا ،
محتميا بحمايتنا».
ثم بعد تمام قراءة
الأمرين ، دعى للسلطان على باب الكعبة محمد ابن الشيخ عبد المعطي الشيي ، وهو
قائم على الباب الشريف ، والريس
__________________
يدعو له من أعلى
زمزم على العادة المعروفة.
ثم دخل مولانا
الشريف الكعبة ، وخرج منها إلى دار السعادة ، وقد هيئت له ، وجلس للتهنئة ، وقابل
الناس ببشر وطلاقة ، ومدحه الشعراء بالقصائد الفائقة ، فمن ذلك قولي على جري
العادة مني في الإبلاغ عني ، ولم أقرأها عليه :
سفرت ولكن عند عف صين
|
|
وفرت ولكن كل
حلف مفتن
|
وبدت لما راقتك
أبهى روضة
|
|
ضحك الأقاح بها
وزهر الوسن
|
عربية الألفاظ آخر عصرها
|
|
فأتت كألف الهند
بعد الأدون
|
أنا ذا الخطيب
بها ولست بشاعر
|
|
إذ ليس فيها غير
حق بين
|
إن الإله بنا
اعتنى لما لنا
|
|
أجرى القضاء
بملك عبد المحسن
|
السيد الندب
الكريم ومن ثنا
|
|
عطفا ، فجاءته
المعالي تنثني
|
ما فاه قط
بذكرها حتى له
|
|
نادت فجاوبها
إجابة معتني
|
فجلا لنا أفق العلا عن طالع
|
|
عاد الزمان به
إلى العيش الهني
|
|
من بعد ما حشد
الزمان صروفه
|
|
وأهان كل بز
بأرذل هين
|
وجرى القضاء
بالقحط في أوقاتنا
|
|
والغيث كف وجف ضرع الملبن
|
__________________
وتهافت الضعفاء
من طول الطوى
|
|
ودنت قوى الدفان
عن من يدسن
|
والحر قد لبس
البيوت وزود
|
|
الأبواب ينتظر
الحمام الموقن
|
الله أكبر نور [وجهك] ساطع
|
|
كشفت به سجف
الظلام الأدكن
|
نقل الزمان به
خواتيم العلا
|
|
من خنصر اليسرى
بخنصر أيمن
|
فأتى لمكة في
أعز عصابة
|
|
من هاشم في قلب جيش
أرعن
|
مستصحب العقل
الرصين ولابس
|
|
الدرع الحصين
وحاميا للموطن
|
والرأي يعلو
والحجا متيقظ
|
|
والقوم تابعة
لأشرف مفتن
|
ومراعيا حفظ
الأصول وراجيا
|
|
أهنى الوصول بها
لأعلى مسكن
|
والبيض تبكي في الجفون
|
|
والسمر شاخصة بزرقاء الأعين
|
حتى انجلت عنا
الخطوب وأقبلت
|
|
أيامه يثنى بكل
الألسن
|
وتفتحت طرقاته
فأتى
|
|
جاء العروس يجر
ذيل المبتن
|
حتى أتى البيت
وأثبت الأم
|
|
ر المنيف بحطمه
المتيقن
|
__________________
فأبان عن شرف
قديم قبل أن
|
|
يقل الإله لمن
أراد له يكن
|
كان اختيار الله
حتى شاءه
|
|
فبدا على رغم العدا للأعين
|
يا نجل أحمد صخ لما أنا قائل
|
|
إن النصيحة من
صفات المؤمن
|
سر سير والدك
الذي نظم العلا
|
|
نظم القلادة فوق
صدر اليهتن
|
واغسل بماء
السيف وجه المجد عن
|
|
درن النفاق فقد أشان الأحسن
|
فتزاحم الأحداث
أحدث ما ترى
|
|
مما أضر بدولة
المستحسن المستهون
|
وانظر فكم من
معدن أزرى به
|
|
يوم التفاضل كون
ذلك معدن
|
عش مفردا واقنع بسيفك صاحبا
|
|
أو فاختبر واختر
لنفسك وافطن
|
ما اختص ربك
للنبي بعشرة
|
|
من صحبة الا
لحكمة متقن
|
وكن الخلي إذا تأمله الفتى
|
|
حتى مواضعه على
السنن السنى
|
للرأس تاج
والسوار لمعصم
|
|
والحجل لرجل
والزمام لمرسن
|
والحكمة الكبرى
اتصافك بالذي
|
|
وصف الاله [به] وذاني الممكن
|
فامنع وجد واسمح
وخذ
|
|
واعزز وذل واعطف واقتل واطعن
|
__________________
وتوسط الأمرين
تظفر بالمنى
|
|
فالميل يوهي
الميل فاعدل واعتن
|
وابغ الثنا فإنه
ربح الفتى
|
|
لا خير فيمن
للثنا لا يقتني
|
واجمع لشمل بني
أبيك بعطفة
|
|
إن القساوة لا
تليق بمحسن
|
حتى ومتى وبكل
عام فتنة
|
|
أو فتنتين على
توالي الأزمن
|
ما كان هذا قبل
فيمن قبلكم
|
|
أو ما قرأتم
لكتاب البين
|
لم يبق غيركم
المظنة للعلا
|
|
والدين والمجد
الأثيل الأمكن
|
صونوا نفوسكم
لحب أنتم
|
|
سفن النجاة
لأهله عن أن تني
|
(لا نالت الأعداء فيكم قصدها
|
|
وبقيتم في قوة
وتزين)
|
ما فاه بالنصح
الصديق وقال قد
|
|
سفرت ولكن عند
عف صين
|
والحاصل أنه أجاز
من مدحه من الشعراء ، وألبس الأغوات وأرباب المناصب على العادة. ونادى المنادي في
شوارع مكة بالزينة ، فزينت له مكة ثلاثة أيام.
[ولاية الشريف عبد
الكريم بن محمد بن يعلى]
واستمروا إلى يوم
الأربعاء العشرين من ربيع الأول . فكان مدة ولايته تسعة أيام ، عدد حروف اسمه .
فقلدها ابن عمه
الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى. فنزل إلى
__________________
المسجد الشريف
بالحطيم ، وحضر لحضوره وجوه السادة الأشراف والوزير المعظم سليمان باشا ، وقاضي
الشرع ، والمفتي ، والأئمة ، والخطباء ، وسائر العساكر ، وأهل الأدراك ، وعامة
العالم الذي لا تحصى .
ولما انعقد المجلس
قال مولانا الشريف عبد المحسن :
«أيها الناس اشهدوا ، إني [قد] نزلت عن شرافة مكة إلى سيدنا الشريف عبد الكريم بن محمد ، بطيب نفس وسماحة ، فإنه أهل لذلك"
فأمر حينئذ القاضي
عيد زاده المكي أن يخاطب السادة الأشراف :
«هل رضيتم بما رضي به مولانا عبد المحسن من ولايته الشريف
عبد الكريم؟!»
فقال الجميع : «نعم
رضينا بما رضيه لنا ، وفيه الكفاية والكفاءة».
وكلّ من حضر ذلك
المجلس سمع قولهم : «رضينا به واليا علينا».
فأمر القاضي
السفير أن يسألهم ثانيا :
«هذا إذعان منكم من غير كراهية ، ولا إجبار ، على شرط أن لا
تكلفوه ما لا يستطيع؟».
__________________
فقالوا : «نعم ،
لا نكلفه ما لا يستطيع ، وليس مرادنا إلا الصلاح لبلدنا ، ونحن معه في إصلاح البلد
، وما وقع فيها من فسادة ، فعلينا ازالته».
فسجل عليهم القاضي
ذلك في المجلس المذكور .
فعند ذلك أشار الوزير
المعظم سليمان باشا ، فأتى بفرو فألبسه مولانا الشريف عبد الكريم ، ثم أمر الوزير
المذكور بقراءة الأمرين السابق ذكرهما من الملكين المعظمين السلطان مصطفى والسلطان أحمد.
ثم لما فرغ من
قراءتهما دعى الشيي للسلطان على باب الكعبة ، وكذلك الريس بأعلى زمزم على جري
العادة.
ثم دخل مولانا
الشريف عبد المحسن ، ومولانا الشريف عبد الكريم إلى جوف الكعبة ، ومعهم الوزير
سليمان باشا ، ومكثوا بها ساعة ، وتعاهدوا ثمة على الصدق فيما بينهم ، وخرجوا
جميعا.
فسار الشريف عبد
الكريم إلى بيت الشريف بركات بن محمد ، وجلس للتهنئة ، وأتاه الناس على مراتبهم ،
فقابل بالإنعام ، وأخلع على أرباب المناصب والعساكر والحشم ، ونادى المنادي أيضا
بالزينة ثلاثة أيام.
__________________
ثم بعث إلى الطائف
، فنودي له فيه وخطب على منبره ، واطاعته جميع العرب قاصيها [ودانيها].
وبعث إلى المدينة.
وأرخ ولايته
مولانا الفاضل الشيخ سالم بن أحمد الشماع المكي بقوله :
سمح الدهر ياله
من سماح
|
|
بوجود المليك
عبد الكريم
|
هذا وما كان من
الشريف سعيد :
فإنه توجه [إلى
المدينة] ، فنزل على مبارك بن رحمة شيخ [عرب] حرب ، وشكى عليه ما فعل بنو عمه [به] ، واستنجد به فأبى. وقال :
«أنا خادم السلطنة ، ولا أعصي أمر السلطان».
فارتحل عنهم ،
ونزل ببني إبراهيم ، واستمر في ديارهم أياما
__________________
حتى اجتمع إليه
بعض عرب منهم ، ومن جهينة ، وآخرون من لفق هناك ، فأخذ بندر ينبع ، وأنزل فيه ابنه عبد الله بن سعيد ، وأقام هو
بالجابرية ، وصار يعطي كل بدوي عشرين أحمرا ، أو أردبين حبّ من حبّ أهالي مكة وجدة هناك من بقية الجراية.
فلما وصلت المراكب
الهندية ، أخذ منها ما يخصّ صاحب مكة من الدنانير والعطري والحب وغيره ، وأخذ بعض أموال مصر الواردة إلى الوكلاء
بجدة ، واستمر ابنه بينبع ، إلى أن جهز عليه مولانا الشريف عبد الكريم السيد عبد
الله بن محمد بن بركات بن محمد ، ومعه بعض أشراف وعسكر ، فنزل بالصفراء على ابن رحمة شيخ حرب ، فأكساه وكسا بقية المشايخ.
وأقام هناك يستجلب
العرب ، ثم لحقه السيد زين العابدين بن إبراهيم بن محمد ، ومعه بعض أشراف من ذوي
بركات ، وذوي شنبر وآخرون من بني حسن ، وعساكر من سليمان باشا ، ركبوا في
الزعائم من بندر جدة إلى ينبع.
__________________
ثم إن السيد عبد
الله بن بركات ، والسيد زين العابدين ، أرسلوا إلى السيد سعيد وقالوا له : «اخرج
من بلد الشريف».
فرد لهما جوابا
غير لائق ، فأيقنوا منه الخلاف. فسارت الأشراف بمن معهم من العسكر ، ومعهم ابن
زياد شيخ أهل الفرع بما معه من قومه ، ومعه أيضا ابن رحمة ، بمن معه من حرب ،
إلى أن وصلوا إلى ينبع البحر ، فمانعهم السيد عبد الله بن سعيد ، وحاصرهم أياما ،
ثم عجز ، وطلب الأمان ، فأمنوه ، [فخرج] ليلا إلى أن لحق بأبيه ، وأقام معه بالجابرية. وتفرقت عنهم
العرب ، ولم يبق معهم إلا عبيدهم ، ومن يلوذ بهم ، وكانت هذه الواقعة يوم الخميس
رابع عشر جمادى الأولى .
وورد بنصرة جماعة
الشريف عبد الكريم ، فألبس المبشّر ، ودار على دور الأشراف ، كما هو العادة في خبر
النصرة ، فألبسوه الملابس الحسنة ، وركزت الأعلام على بيوت السادة الأشراف.
هذا ما كان من أمر
الشريف سعيد.
وأما أبوه الشريف
سعد : فبعد أن خرج إلى المعابدة ، أرسل إلى ابن
__________________
أخيه السيد عبد
المحسن ، وطلب الإقامة بنجد ، مكفولا مكفوفا معاملا له .
ثم بعد خلع
الشرافة على الشريف عبد الكريم ، بعث فيما طلبه من ابن أخيه السيد عبد المحسن ،
فأجابه إلى ذلك ، [وذلك] بعد خروجه من مكة / إلى نواحي الشرق.
ثم بعد برهة ، جمع
جماعة من الروقة ومخلد والنفعة وقبائل من الأعراب ، وأطمعهم بالمال. وأراد أن
يدخل بهم الطائف ، فصدّه وكيل الديرة ، السيد عبد الله بن حسين جود الله ، وكان
معه من الأشراف مبارك بن أحمد بن زيد ، وعبد الله بن أحمد بن أبي القاسم ، وجماعة
آخرون ، كانوا بالطائف في عملة الشريف عبد الكريم ، وكانوا ينيفون
__________________
عن السبعمائة ، مع جملة عبيدهم وحواشيهم ، من ثقيف وبني سعد ، وغيرهم ، وتجهّزوا للقائه ، فهمّ لملاقاتهم ، فثبطه
السيد أحمد ابن زين العابدين بكتاب منه ، عرّفه فيه ما أوجب إعراضه عن
الطائف ، وتوجّه إلى مكة.
فتبعه السيد مبارك
بن أحمد بجماعة من نحو كرى ، وغيره من الطرق ، فدخل مكة.
فعرض بهم على
مولانا الشريف عبد الكريم ، بعد ظهر يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى بالمعابدة ، وكان الشريف لما سمع بقدوم
__________________
الشريف سعد ، خرج إلى المعابدة خامس الشهر ، واستمر هناك بالمحصب
متهيئا للقائه.
فلما كان ليلة
الثلاثاء سابع جمادى الثاني : وصل الشريف سعد الهيجاء ، ونزل بها ـ وهي على ميل من مكة مما يلي الجعرانة ـ.
وسار في آخر الليل
بمن معه ، فما شعروا به إلا وقد وصل بيوت المعابدة ـ مما يلي أذاخر ـ فنهب من معه
من البدو أهل المعابدة.
فركب الشريف عبد
الكريم بمن معه ، وطلع له عسكر الباشا من ترك ومغاربة ، ومعه علي آغا التركماني ، كيخية سليمان باشا ، وبعض
أشراف من آل أبي نمي .
فكرّ الشريف سعد
راجعا إلى نزل الخرمانية ـ محل ، قريب من الهيجاء ـ ووقعت العساكر في البدو ، وعمل السيف فيهم.
__________________
ولحق بالشريف عبد
الكريم السيد بشير بن جازان ، ومعه نحو سبعين مقاتل من هذيل ، ويقال لهم الصلمان ، وكانوا عصاة.
ولحق أيضا به
سليمان بن أحمد بن سعيد بن شنبر ، وكان ورد في هذا اليوم من جدة.
وكان قد تفرقت
الأشراف عن الشريف عبد الكريم مغاضبين ، ولم يحضر منهم هذه الواقعة أحد ، واستمر
في المقاتلة إلى الساعة الثالثة من النهار ، فصوّبت فرس الشريف سعد برصاصة ، وصوّب السيد
أبو نمي ابن باز بن هاشم بن عبد الله برصاصة ، فسقط من على فرسه. وقتل نحو خمسة
عشر فرسا من خيل الأشراف ، فتحوّلوا إلى غيرها ، وقتل من قوم الشريف سعد ما ينوف
على الثلاثين ، وعقر من إبلهم ما ينوف على العشرين ، وقتل من جماعة الشريف عبد الكريم نحو سبعة
أو ثمانية أنفس ،
__________________
وامتزجت الدماء
بالخرمانية إلى رأس الشعبة من أذاخر دماء الأناس والخيل والإبل.
وفي الساعة
الرابعة ظهرا : عجز جماعة الشريف سعد ، فولّوا هاربين ، فحمل عليهم الشريف عبد
الكريم بمن معه حملة واحدة ، وصاروا يقتلون فيهم ، وهم هاربين ، وخرج من عامّة
الرعية أكثر من عامّة المحاربين ، وهم يضجون برفع الأصوات ، ويكبرون عليهم /.
وكانت وقعة عظيمة
، ومصيبة مهيلة ، ولم يزالوا يقتلون فيهم إلى أن أوصلوهم الهيجاء.
فكمن الشريف سعد
ببستان هناك ، فيه ابنته الشريفة سعدية بنت سعد بن زيد.
فوقف السيد عبد
الكريم من جانب ، والسيد عبد المحسن من جانب ، ووقف لوقوفهما من معهما من الأشراف
والعرب ، إلا أنهم رموا الرصاص على نفس البستان ، وكادوا أن يصيبوا الشريف سعد ،
فخرج من الجانب الآخر ، وتبعه من سلم من القتل ، ورجع الشريف عبد المحسن من
الهيجاء.
وأما ما كان من
أمر الشريف عبد الكريم : فلحق بالشريف سعد ومن معه من الأتراك والعسكر ، وجدّوا
إلى أن وصلوا بستان
__________________
سليمى ، وهم يثخنون القتل ، وينهبون ما قدروا على نهبه من الإبل والخيل ، وقتل بين السليمى والهيجاء
أكثر من ما بين الهيجاء وأذاخر.
فصاح الشريف سعد ،
وطلب الأمان. ودخل على السيد محمد بن عبد الله بن حسين بن عبد الله ، فأدخله ،
وطلبه أن يأخذ له مهلة عشرة أيام ، ويقيم ببستان سليمى.
فكلم الشريف عبد
الكريم في ذلك ، فامتنع ، وأبى إلا أن يسير من وقته من حيث جاء ، وإلا فلا أدعه
أبدا.
فرجع السيد محمد
بن عبد الله ، وأخبره بما قاله الشريف عبد الكريم ، فبينما هو يحدثه إذ غدره ابن جمهور العدواني ، وهنيدس شيخ الروقة ، فطعنه ابن جمهور في
يده ، وخدشه هنيدس بالرمح في رأسه ، وهربا ، فأخذ في طلبهما ، فاقتفاه هنيدس ،
وطعن فرسه في فخذها ، وفازا بنفسيهما .
ثم إن الشريف سعد
سار مارا ببستان سليمى ، وبات بالزيمة ، وتفرق عنه من بقي من العربان معه.
__________________
فرجع الشريف عبد
الكريم عند ذلك إلى مضاربه بالمحصب ، وبات هناك.
ودخل صبيحة يوم
الأربعاء ثامن الشهر في آلاي عظيم ، بجميع عساكر مصر وعساكر الباشا ، إلى أن وصل إلى منزله ،
ومعه السادة الأشراف من ميمنة وميسرة ، وخلفه قبائل العرب. وكان يوما مشهودا ،
وجلس للتهنئة ، ومدحه الأدباء بالقصائد. فمن ذلك قول صاحبنا الفاضل أحمد بن علان
الصديقي ، أنشده إياه في هذا اليوم :
لقد علم القوم
الذي ولد النّضر
|
|
بأن ليس إلا عود
سؤددك النصر
|
ولا مقتب يسري
بربك عازما
|
|
على غارة إلا
ويقدمه النصر
|
وما المجد إلا
أنت كونك ناطقا
|
|
به يسفر الدنيا
ويستأمن السفر
|
وهل للورى غوث سواك نعده
|
|
أبا شاكر فالحمد
لله والشكر
|
أعدها لما كانت
لأول بدئها
|
|
فقد صح عند
الناس ما رمز الجفر
|
__________________
وقد صارت الدنيا
عروسا تبرجت
|
|
لنا عن جمال ليس
في دونه ستر
|
أظننت حمى البيت
الحرام عشية
|
|
مباحا لهم هيهات
قد كذب الزّجر
|
وقد أسعروا نار
الوغى بأذاخر
|
|
فعارضهم من دونه
البطل الزّبر
|
أبو شاكر في
عصبة هاشمية
|
|
كهول وشبان بهم
يذعر الذعر
|
وكان قراهم عنده
الطعن والقنا
|
|
وسقياهم دونه
الموت لا الخمر
|
كأن منى قد بدلت
بأذاخر
|
|
ويوم لقاهم قد
تضمنه النحر /
|
ستغزوهم الأخرى
إلى عقر دارهم
|
|
ويصبح فيها ضيفك
الذئب والنسر
|
هذا ، وما كان من
جهة الشريف سعد : فإنه وصل كلاخا ، ثم
__________________
انتقل منه وتيامن من طريق عفار ، ونزل الليث ، ثم منه إلى قوس الغزيري ، وكان فيه السيد محمد بن عبد الكريم ، فاجتمع به ، فاتفق رأيهما أن يجمعا
قبائل عرب الحجاز ، ويأخذ بهم القنفذة.
فدخل محمد بن عبد
الكريم المخواة ، ونادى في بني علي وبني عمرو ، وبني زهران ، وغامد ، والأخلاف ، وطمعهم في
__________________
نهب القنفذة وأخذ
ما فيها من الأموال.
ثم إن الشريف سعد
نزل وادي بين ، فاستعان منه بأخذ حبوبها ، يطعمها القبائل الذين معه.
ثم عاد إلى قوس
الغزيري ، وأخذ أموال بعض التجار ، وبعض قوافل.
ثم عاد إلى محمد
بن عبد الكريم ، وأخذوا جميع أولئك القبائل معهما ـ من كل فاتك خائن لا يعرف الدين
، ولا يؤمن بيوم اليقين ـ لأن الشريف عبد الكريم كان قد بعث إليهم السيد عبد الله
بن سعيد بن شنبر فدعاهم إلى المبايعة ، وأخذ عليهم المواثيق والعهود ، في رفض
المخادعة ، وكسى مشايخهم الجوخ ، وفرق عليهم من النقود ما أرضاهم ، فدخلوا تحت طاعته وهم
مضمرون الغدر والخيانة.
ثم لما وصل إليهم
الشريف سعد والسيد محمد بن عبد الكريم ، نقضوا العهود مع باريهم ، فاستحقوا ما
أصابهم من قتلهم ، وخراب أراضيهم.
فلما بلغ ذلك
الشريف عبد الكريم ، جهز إلى القنفذة من طريق
__________________
جدة عسكرا من
عساكر الوزير سليمان باشا ، وأمّر عليهم إيواز آغا ـ مملوك الشريف أحمد بن زيد ـ فركبوا
في غرابين ووصلوا القنفذة ، وأقام محاصرا لأولئك الأشقياء في المرسى ، ولحق بهم السيد عبد المطلب بن أحمد بن زيد ، وأقام هناك
لأخذ زالات الجلاب ، وعندهم من القوت والماء ما يكفيهم.
فخرج إلى القنفذة
منها ، ولم يبق أحد منهم خوفا على أموالهم وأنعامهم ، وعدم قدرتهم على القتال.
ثم جهز مولانا
الشريف بيرقين من عسكر الجبالية ، ويافع ، وأمّر عليهم السيد شنبر ، وأرسلهم إلى
القنفذة بحرا ، وأرسل خمسة وعشرين شريفا برّا ، فاجتمعا بقوس الغزيري ، ولحق بهم
السيد عبد المطلب.
وقد دخل السيد
شنبر الحجاز ، وجمع القبائل ، واستلحق السادات الأشراف والعسكر ، فلحقوه بمداسة ـ وهو منزل علو دوقة ـ نازل به الشريف سعد. وكانوا ينيفون على ثلاثة آلاف ،
ومعه نحو خمسة أشراف.
ولما وصل خبر
الملاقاة إلى الشريف عبد الكريم ، أمر بإخراج
__________________
مضاربه إلى كدي ، وخرج في خمسين فارسا من الترك. وذلك يوم سابع شهر شعبان.
وأقام إلى يوم الأربعاء ثاني عشر الشهر.
ثم رحل متوجها إلى
اليمن ، ومعه الشريف عبد المحسن بن أحمد ، وسائر بني عمه ، إلا من تخلف عنه يوم أذاخر ـ لأمر
في نفوسهم ـ.
ولم يزل سائرا إلى
أن نزل بالرباط ، فبعث إلى عمه السيد سرور ابن يعلى ، ومن معه من الأشراف
السابق ذكرهم ، يأمرهم بالتؤدة إلى أن يصلهم. فكان قضاء الله أن وقعت الملاقاة ،
وتراموا بالرصاص ، واشتد القتال ، وكادوا أن يهربوا لشدة من مع الشريف سعد ،
فصدقوا الله ، / ٣٤٦ وهجموا ، وهبّت عليهم ريح النصرة ، فانكسرت القبائل ، وقتل /
منهم نحو العشرين ، فهربوا.
وطلب الشريف سعد
منهم الذمة ثلاثة أيام. فسمحوا له بشرط ، أن يرحل ويدخل الحجاز أو اليمن. فلم يرد لهم جوابا. وكل
ذلك بمداسة ، سادس عشرين شعبان.
__________________
فلما كان اليوم الثالث
من أيام الذمة ، لم يشعر إلا وقد دهمهم بعد أن فسدت قبائله قبائلهم.
فلما ظهر للأشراف
ذلك ، وانحاز بعض من معهم إلى قوم سعد ، ولم يبق معهم إلا الجبالية ويافع ،
ترافعوا عنهم وعادوا إلى دوقة ، ونزل بمراحهم ، وأخذ ما وجد ، لكونهم لم يقبلوا [له]. فلما بلغوا دوقة ، وجدوا بها الشريف عبد الكريم ، وكان
الشريف سعد قد صيّر خلفهم محمد بن عبد الكريم ، فلما أن وصل دوقة ، ورأى قوتهم
بالشريف عبد الكريم ومن معه ، عاد راجعا إلى الشريف سعد ، وأخبره.
فلما فشى ذلك فيهم
، تفرقت عنهم القبائل ، ولم يبق منهم أحد ، فقصد الشريف سعد أرض غامد ، وليس معه
إلا ثلاثة أو أربعة من الخيل ، ومثلها من الركاب.
فأقام الشريف عبد
الكريم بالقنفذة ، وجعل عليهم العيون ، فجاءه خبر ضعفه ، وتفرق القوم عنهم.
ثم إن الشريف عبد
الكريم جهز أخاه حامدا في مائتي بدوي إلى الطائف ، خوفا من أن يدخله الشريف سعد.
فلما دنا من الطائف ، بلغه أن الشريف سعد سبقه إليه ، ودخل الطائف ،
ومعه نحو ألف
__________________
وثلاثمائة من غامد
وزهران وبني حسن .
وكان دخوله يوم
الخميس لست وعشرين خلت من رمضان ، ونادى فيه لنفسه ، وخرج متوجها إلى مكة يوم
السبت ـ أعني الثامن والعشرين من رمضان ـ.
فعقبه السيد حامد بن محمد على الطائف ، فوجده قد أخذ من أهله ست
وعشرين غرارة من الحب.
وكان دخول السيد
حامد إلى الطائف بعد خروج الشريف سعد سلخ رمضان. فنادى فيه لأخيه الشريف عبد
الكريم بن محمد ، وخطب يوم العيد ، ودعا للشريف عبد الكريم.
ولما بلغ الوزير
سليمان باشا ذلك الأمر والحال ، جمع محضرا ، وذلك يوم السبت ثامن عشرين رمضان
المعظم ، حضره القاضي ، والمفتي ، والعلماء ، والفقهاء ، والسادة الأشراف ، وأكابر
العسكر من السبع بلكات ، والكشاف الواردين من مصر. وكان ذلك المحضر بمقام
__________________
الحنفي بالحرم
الشريف. وقال لهم الباشا :
«إن الشريف سعد جمع جموعا وقصده مكة وأخذها بالغلبة ، والحال
أنه نزل عنها سابقا لولده الشريف سعيد لادعائه العجز عن القيام بها. وإنا قد عزلنا
سعيدا لعدم رضا بني عمه به ، حيث قطع معاشهم ، ووقع بذلك فساد الطرق ، وقتل العالم
، ونهب الأموال ، وتولد من ذلك ما شاهدوه العالم ، من القحط والغلاء . فوضعنا محل سعيد عمه الشريف عبد المحسن. ثم انه نزل عن طيب نفس ، وانشراح
صدر ، لابن عمه الشريف عبد الكريم لما رأى فيه من الصلاح ، وقد صلحت معه العباد
والبلاد ، وأمنت الطرق ، وعاش الناس».
فقال من في المجلس : «نعم لا يصلح لها إلا هو».
ثم قال : «وقد
عرضنا على الأبواب بعد رضا أهل العقد والحل ، ثم نسأل الحاضرين عن الحكم في هذا الداخل
المتغلب».
فقالوا : «على
عسكر السلطان وعونة الإسلام دفعه وقتاله».
فحكم القاضي بذلك
، وكتب بموجب ذلك حجة.
فأجاب جميع العسكر بالسمع والطاعة ، لدفع / هذا
__________________
المتغلب.
فلما كان يوم
التاسع والعشرين من رمضان : حملوا سلاحهم ، وباتوا ليلة الاثنين ، مظهرين الاستعداد
للمقاتلة على حسب الطاقة على طبق ما صار ، ونزلوا في المتارس.
فلما رأوا القوم
قد أقبلت ، نزلوا من مراكزهم من غير قتال ـ والله أعلم بحقيقة الحال ـ.
وبلغنا أن الشريف
سعد لما رجع إلى غامد وزهران ، راجع نفسه ، وقطع أمله ، وعاد إلى الله ، وبسط
العذر لمن معه ، ولم يبق إلا من هو يملكه . فبينما هو كذلك إذ جاءه بعض الرمالين فقال له :
«إني أرى لك أنك تلي أمر مكة ، ولا بد لك من دخولها ، ولكن
إن مضيت لها مجدّا في السير هذا ، فإنك تملكها ما دام الشريف عبد الكريم بأرض
اليمن».
فعند ذلك جدّد
العزم وشدّ مأزر الحزم ، وسار مجدّا ليله ونهاره ، قاطعا للجبال والرمال برجله ، لعدم سلوك الخيل مركوبة ، في تلك
__________________
الأماكن. ولم يدخل
معه من القبائل إلا من لا يؤمن بيوم المعاد. فما راع الناس صبح يوم الثلاثين من
رمضان إلا وهو بالأبطح.
وكان مولانا
الشريف عبد الكريم بالرباط من أرض اليمن ـ محل معروف جهة اليمن ـ ولم يكن بمكة من
الأشراف إلا شرذمة قليلة.
وكان وكيل الديرة
يومئذ السيد محمد بن عمرو بن محمد بن بركات ، فتهيأ بمن معه من الأشراف ، واستعان
بعسكر الباشا سليمان ، ومن تلفق بهم من البلد والبدو ، نحو سبعين ألف مقاتل . فأطلعوهم على جبال المعلاة المتصلة بالمعابدة ، وجعلوا
عسكر مصر الإنقشارية على جبل أبي قبيس ، وركب والي الديرة ومن معه من الأشراف ،
وتبطنوا وادي إبراهيم المعروف بالخريق ، ومعهم بعض عسكر من جماعة سليمان باشا ،
ورموا بالرصاص إلى أن تكاثرت عليهم العربان ، وانتشروا في البلاد والجبال كالجراد.
ونزلت العساكر من
مراكزهم ، فملكها حينئذ جماعة الشريف سعد الخارجون عن طاعة الولاة ، وصار رميهم بالرصاص إلى محل وقوف
__________________
الأشراف بالخريق .
فلما وصل الشريف
سعد إلى بستان الأزمرلي ، وهو بستان الخاصكية ، علمت الأشراف أن لا قدرة لهم عليهم ، فخرجوا من عنده من
مكة ، ونزلوا العالم في ربكة .
فدخلها الشريف سعد
ضحوة النهار من أعلى مكة من غير مقاومة ولا مقاتلة. غير أن السيد عبد المطلب بن
أحمد بن زيد ، واقف على باب داره موادعا لأهله ، فقدر الله عليه ، فجاءته رصاصة ،
فسقط من على فرسه ، وذلك بعد دخول عمه الشريف سعد مكة ، فنقل إلى الحسينية فمات بها يوم الخميس ، ثالث عيد الفطر ، ودفن رابعه يوم
الجمعة بالمعلاة ، وكان له مشهد ، بكى عليه فيه الخاص والعام ، ونزل مع الجنازة عمه الشريف
سعد ، وصلى عليه ورجع إلى داره.
__________________
وكان صوابه يوم
الاثنين ، يوم وصل الشريف سعد ، بعد أن استقر عمه في دار السعادة.
وتغلبت البادية
التي معه على النهب من كل جهة. فنهبت البيوت ، وأخذوا ما وجدوا من نقود وقوت وماعز
، وهان من متاع وأثاث ، وأراعت الذكور والاناث . فكم من رجل نزعت من فوقه ثيابه ومزقت منه إهابه ، وكم من
حرة شريفة هتكت ، وكاسية سلبت ، وحامل أسقطت. وحائل تسلم الجدار وسقطوا .
فما زالوا ينتهبون
الرفيع والوضيع ، ويسومونهم بالضرب والتقطيع حتى دخل الليل ، وبطل القوى والحيل.
فمن الناس من مات / فجأة ، ومنهم من مرض ، ومنهم من اختبل.
فلما حلّ دار
السعادة ، وجلس في تخت ولايته ، بعث إلى سليمان باشا بالأمان ، والتمس منه مثل ذلك
، ليكن الشأن. فأجابه إلى ذلك ، غير أنه لم يأمنه ، فجمع [جميع] جنده عند بابه ، وملأ المدافع ، وفرق بعض العسكر اللاواند في البيوت حوله ميمنة وميسرة أياما
__________________
عديدة ، والشريف
سعد يأمره بترك ذلك ، ويقول له : «أنت آمن على نفسك ومالك».
فقال له : «ليس
إلى ترك هذا سبيل ، والله حسبنا ونعم الوكيل».
ثم بعث إليه وقال :
«أنت من الوزراء وأرباب الدولة ، فلا بأس أن تلبسني خلعة التشريف ، لتأمن العباد والبلاد ، ويطيع الحاضر والباد».
فلم يجبه إلى
مطلوبه معتمدا على استعداده.
فلما أيس من ذلك ،
أمر بمجلس في الحرم الشريف حضره القاضي ، والمفتي ، وجماعة من الفقهاء ، وجماعة من
بني عمه ، فلما تكامل المجلس ، نزل لهم بنفسه ، وقال :
«اعلموا أيها الناس ، إني كنت نزلت عن الشرافة لولدي سعيد ،
فلما لم يصلح لها ، عزله بنو عمه ، وولوا ابن عمه عبد المحسن ، ثم انه نزل عنه
لابن عمه عبد الكريم ، فالتمست منه اقامة أودي . فأبى بعد الرضا بذلك ، فوثب عليها الآن . فهل ترون أني أحق بها وأهلها؟.
فقال الجميع : «نعم».
فقال : «إذهبوا
إلى سليمان باشا ، وألزموه أن يلبسني خلعة
__________________
التشريف ، لتقر
العباد والبلاد».
فذهبوا إليه ،
فقال : «أمر سهل ، لكن على شرط : أن يكتب له حجة شرعية ، تتضمن أن الشريف سعيدا قد
أفسد البلاد ، وأضرّ العباد. وأن ذلك سبب قيام بني عمه عليه ، وعزلهم له. وأنهم
ولّوا عبد المحسن برضاهم ، وأنه نزل عنها بطيب نفس للشريف عبد الكريم برضاه ، ورضى
بني عمه الأشراف ، لكونه أحقّ بهذه الشرافة ، وأصلح لها. وأنه خرج للإصلاح في بعض
الطرق ، فتغلبت ، بسبب غيبته ودخلت مكة».
فأنهى ذلك إلى
الشريف. فعجّل في إيذانه بذلك ، وكتب بذلك حجة ، وبعث له بقفطان ألبسه إياه بعد
أخذ الحجة.
فنادى مناديه في
شوارع مكة يوم الأربعاء سادس عشر شوال : بالأمان والإطمئنان ، وأن البلاد بلاد
الله ، وبلاد السلطان ، وبلاد الشريف سعد بن زيد.
وثاني يوم النداء
، سابع عشر شوال : جاء الخبر أن الشريف عبد الكريم في الحسينية ، قافل من اليمن ، ومعه بنوا عمه ، وقبائل من عتيبة وحرب ، واستمر
هنالك إلى الظهر ، وانتقل منها إلى المفجر
__________________
فقاومته هذيل ،
وقوّموا شرار الحرب. وكان قد [أدخلهم] مكة ، وجمعهم السيد أحمد بن جازان معونة للشريف سعد. فحملت
عليهم جماعة من عتيبة وحرب ، فاثخنوا فيهم الجراح ، وطردوهم عن مواقفهم. وذلك في
عصر يوم السابع عشر من الشهر المذكور .
وأما الشريف سعد :
فإنه لما بلغه انتقال الشريف عبد الكريم ، ومسيره بمن معه إلى المفجر ، خرج ظهر
يوم الاثنين السابع عشر من الشهر المذكور ، بمن معه من الأشراف ، وهم خمسة وأربعون
شريفا ، مكملون اللبسة في الخوذ والدروع ، وصعد بمن معه إلى أعلا مكة ، ونزل
المنحنى.
وما كان من الشريف
عبد الكريم ومن معه من الأشراف : / فإنهم بعد هزيمة هذيل ، شمروا عن ساعد الجد ،
ودخلوا بجميع من معهم من العرب والعبيد والأشراف ، وساروا إلى أن وصلوا المحصب ،
فانصب عليهم الرصاص من الجبال المحدقة بالمحصب ، فلم يبالوا بذلك ، إلى أن شارفوا
الشريف سعد ، ومن معه من الأشراف ، والقوم هناك مطاعنة من
__________________
الأشراف في بعضهم
البعض ، فضربت فرس الشريف سعد برصاصة فوقعت به على الأرض ، ونودي عليه ، فدخل على السيد عبد المعين بن
محمد ، فأكبّ عليه ، ومنعه من الطعن. ويقال أنه طعن ثلاث طعنات ، فأركبه على فرسه
، وحضنه ، ومشى به إلى العابدية ـ أعلا منى ـ بعد الكسر الشنيع في قبائله. وذلك
عند غروب شمس اليوم السابع عشر من الشهر المذكور ، وحصل قتل في جماعته ، وهرب من هرب ، منهم ابن جمهور العدواني.
ودخل الشريف عبد
الكريم ، والشريف عبد المحسن ، ما بين المغرب والعشاء ، ونزلا على سليمان باشا ،
وتلاهم من معهم من الأشراف وسيوفهم مشهرة في أيديهم ، ورماحهم مشرعة على أكتافهم ، وهم يضجون إلى أن
دخلوا بيوتهم.
ثم نودي في تلك
الليلة بالأمان والاطمئنان ، وأن البلاد بلاد الشريف عبد الكريم بن محمد.
وحال نزوله ببيت
الباشا ، بعث إلى الريس ، وأمره بالأذان للعشاء ، وإقامة الصلاة.
[فامتثل الريس ذلك
، وعدّ هذا من مناقب المشار إليه ، فأقيمت الصلاة] ، وأمنت الناس والعالم ، بعد أن كادت أرواحهم تزهق.
__________________
ثم إنه لما أقام
الفرض والنافلة ، رجع إلى المحصب ومعه جميع البادية ، وبات تلك الناحية.
ودخل صبيحة يوم
الجمعة ، ثامن عشر شوال ، في آلاي عظيم ، ودخل من أعلا مكة ، على سوق الشامي بسويقة ، إلى أن وصل
منزله.
وسبب ذلك أن عرب
الحجاز الواردين مع الشريف سعد ، لما حصل لهم الكسر ، وفقدوا الرأس ، فرّوا راجعين
إلى دار السعادة ، وبيت جوهر آغا ، ومعهم جماعة من الجبالية ويافع. وكان الشريف
سعد قد أمر جماعة منهم أن يطلعوا الجبل ـ أبي قبيس ـ فنزلوا بزاوية الشيخ بابقي هناك ، والبيوت التي حول الزاوية. فأقاموا يومهم وليلتهم
محاصرين ، وبقوا على الحصار إلى الضحوة الكبرى.
ثم أرسل الباشا
نائبا من جماعته ، فوقفوا على باب الحرم الشريف مقابلين لدار السعادة ، ولباب جوهر
آغا ، يرمون على من هناك بالرصاص ، ووجهوا المدافع على تلك الأبواب فكسرت ، فدخلوا
منها ، وقتلوا كل من هناك من بدوي وعسكري .
ثم هجموا على بيت
جوهر آغا ، وقتلوا من فيه ، واستمر القتل بقية ذلك النهار ، حتى لم يبق إلا من
توارى أو هرب ، وربطوا منهم ، ومن العسكر جماعة ، وذهبوا بهم إلى بيت الوزير
سليمان باشا فقتلوهم
__________________
هناك ، وربما
قتلوا في المسجد من أدركوه ، ولم يسلم منهم إلا قليل.
ثم إن الشريف عبد
الكريم بعث [إلى من] في جبل أبي قبيس عسكرا من الجبالية ويافع ، وأمرهم بقتل من
هناك ، فتسنموا جدار زاوية الشيخ سعيد بابقي ، وهدموا عليهم السقف. فلما خرجوا ،
وقعوا بهم ، وقتلوهم في نواحي ذلك الجبل ، حتى وصلوا بالقتلى إلى الصفا ، ولم ينج منهم أحد ، وكانوا فوق الستمائة. وكان
يوم سخط ـ نعوذ بالله من مكره ـ وكل محل من مكة تجد فيه القتلى. وقد بلغنا أن عدة
المقتولين في ذلك النهار ألف ومائتا / رجل ، حتى عجز الناس عن مواراتهم ، وصاروا يحملونهم
بالعجلات ، ويرمونهم من رواشن دار السعادة وأسطحتها إلى الأرض ، يجرونهم جر الرمم
، ويلقونهم في العجلات ، وجمعت الرؤوس في حوش الشريف وحملت في الخيش. وبني منها
رضم على خارجة سبيل السلطان مراد خان ، في المعلاة ، ليعتبر المارة بهم ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ.
وكانت مدته هذه
عدد «حي» . ومدة النداء له بجدة يوما أو
__________________
يومين.
واستمر الشريف سعد
بالعابدية مريضا ، حتى انتقل إلى رحمة الله ورضوانه ، يوم الأحد خامس ذي القعدة.
وأتوا به إلى مكة في محفة ، وغسل ، وصلى عليه مولانا الشيخ عبد القادر المفتي
الصديقي بوصاية وعهد منه إليه ، بأنه يتولى غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.
فباشر المفتي ذلك ، وطلع به إلى المعلاة يوم الإثنين سادس ذي القعدة ، ودفن في قبة
الشريف أبي طالب عند والده الشريف زيد ، وطلع في جنازته مولانا أمير مكة الشريف
عبد الكريم. ولم يبق أحد من الأشراف إلا شهد جنازته ، وكان له مشهد عظيم ، حضره
الخاص والعام. وأرخ وفاته جماعة كثيرون من أدباء مكة ، فمن ذلك قول صاحبنا الشيخ
أحمد بن علان الصديقي بقوله : «في جنة الفردوس سعد بن زيد» .
وقولي مؤرخا وفاته
بالعابدية :
هي المنايا فكن
منها على حذر
|
|
ولا تسوف فيها
أيها الساهي
|
وانظر إلى ملك
الدنيا الذي خضعت
|
|
له الملوك
بإذعان وإكراه
|
وافاه داعي حمام
حين قام على
|
|
ساق بهمة لا وان
ولا ساه
|
فلم يكن عنده
أغنى من أطاع له
|
|
من الجيوش وما
قد نال من جاه
|
أجاب لما دعاه
مولاه مبتدرا
|
|
وفارق الكل من
معد ومن واه
|
وجاء تاريخه مع
منتهى شرف «سعد بن زيد عليه رحمة الله» .
__________________
وقلت أيضا :
تعست دنياي يبق
لبنيها
|
|
أي ذات فجعت
فيها بنيها
|
ملك العصر ابن
زيد سعد من
|
|
تر العين له قط
شبيها
|
غاله الدهر
ويعبأ بما
|
|
ناله من شرف
أكسب تيها
|
ويحها من فتكة
تحكها
|
|
فتكة البراض لما إن وليها
|
قيل هل أرخته
قيل وما
|
|
عذر من أصبح [في] الشعر فقيها
|
جاهرا في الضبط
قل تاريخه
|
|
«جنة الفردوس سعد حل فيها»
|
وفي هذه المدة
تعطلت جميع الطرقات والجهات ، وصارت الناس تؤخذ من المعلاة ومن الشبيكة والمسفلة . وقلّ أن تجد أحدا يمشي منفردا وحده فيها ، لكثرة العربان
وانتشارهم ، وكثر القتل والنهب سيما جهة المعابدة.
ومما اتفق أن
عتيبة قتلت أربعا من هذيل ، واثنين من قريش ،
__________________
قريبا من السد ،
وذلك [ليلة] التاسع من شوال. فخرجت صبيحتها ، يوم التاسع من شوال ، نحو
ستين مقاتلا من هذيل ، إلى أن وصلت إلى المعابدة ، فوجدوا هناك حيا من عتيبة ،
وفيهم الحرامية وأكثر قطاع الطريق ، وفيهم هنيدس الروقي فقتلوه ، وقتلوا معه نحو
سبعة أنفار من عرب عتيبة ، وطرحوهم في الطريق ، ورقوا جبل الخندمة وصرخ صارخهم ، فارتجت لهم الأرض.
فركب السيد أحمد
بن حازم في جماعة من الأشراف ، فأعطوهم الأمان ، فلم يأمنوا ، لأن / عتيبة اجتمعت
منهم فرقة بالمعابدة ، فلم تزل بهم الأشراف حتى رضوا عند العصر ، فأخذوا هدنة عشرة
أيام ، ونادى أحمد بن جازان لهذيل أنهم في أمانه وفي وجهه ، ثم إن عتيبة رحلوا
غضابا ونزلوا بالخبت على غير رضى ، واستمر الحال والخوف إلى أن دخل الشريف عبد
الكريم وكان ما كان .
ثم إن السيد عبد
المحسن بن أحمد نادى لعرب هذيل وعتيبة ، بأن الكلّ في وجهه ، لا يمدّ أحد منهم يده
على رفيقه.
وفي يوم إحدى
وعشرين من شوال : ورد إلى الشريف عبد المحسن
__________________
كتب من ينبع ، من قبل الشريف عبد الله بن بركات يخبر : «أن
الشريف سعيد قدم من الجابرية إلى ينبع ، ومعه [من] لفائف العرب ، يريد أخذ البندر ، لما صدر له أن أباه دخل
مكة. فخرجنا إليه ، ورددناه ، فرجع بها إلى الجابرية وأقام بها».
وأما ما كان من
أمر مصر : فإن عروض مولانا الشريف عبد الكريم بعد وفاة الشريف سعد ، لما وصلت إلى
مصر ، ومعها أيضا عروض سليمان باشا صاحب جدة ، حير صاحب مصر عروض الشريف عبد الكريم ، لتواطؤ بينه وبين أيوب
بيك ، أمير الحج المصري ، لما في نفسه . وبعثوا بعروض كتبوها إلى الأبواب ، ومضمونها :
«أن الوزير سليمان باشا صاحب جدة ، عزل الشريف سعيد ، وولى
الشريف عبد الكريم من غير جناية».
فلما وصلت عروضه
الأبواب ، أمر الوزير الأعظم صاحب مصر أن يجهز عسكرا تجريده ، ويعين لهم الشريف سعيد ، ويرجعه إلى مكانته ، ويكون باشة
التجريدة أيوب بيك.
__________________
فتوافق أيوب بيك ،
أمير الحاج المصري مع إيواز بيك ، وصاحب مصر على إرسال التجريدة إلى مكة إعانة
للشريف سعيد. فكان الأمر كذلك.
وبعد هذا أطلقوا
الوارد عليهم بعروض الشريف عبد الكريم وعروض سليمان باشا ، فوصل بها الأبواب ،
فأراد الوزير كتمها ، فنما خبرها إلى السلطان أحمد خان ، فأمر بإحضارها ، فقرئت بين يديه ، فاستدرك الأمر ، وكتب
إلى سليمان باشا بأن ينظر فيما هو الأصلح للحرمين ، وفوض إليه الأمر أن يولي من
فيه الإصلاح.
وأما ما كان من
صاحب مصر : فإنه لما جاءه الأمر من الوزير الأعظم ، قام هو وأيوب بيك أمير الحاج
المصري ، وجهز التجريدة ، وجهز إيواز بيك باشة التجريدة وعجّلوا بخروجهم ، وباعوا
حب السلطان سليمان المعين لأهالي مكة ، واستعانوا بثمنه على ما أرادوه.
فخرج إيواز بيك
بالتجريدة متوجها إلى مكة ، وذلك في شوال. فورد إلى ينبع في ذي القعدة ، فسأل عن
الشريف سعيد ، فأخبر أنه بالجابرية ، فبعث إلى ذلك الخيف له ، واستدعاه إليه ، وقد
تخلّى من كل أحد إلا من السيف ، وأيس حتى من طروق الطيف.
فأعاد إليه الشريف
الجواب يعتذر إليه بعدم لوازم الهمة العلية من
__________________
اللقا ، لما فيه
من حوائج المقضية .
فبعث إليه إيواز
بيك بما يليق من مقامه من جهازه وخدمه وطعامه.
فأقبل إليه في
أردية الإقبال محفوفا بالعز والرجال ، فخلع عليه قفطان الشرافة الوارد صحبته مع
محمود آغا ـ أحد أغوات السلطان أحمد خان ـ ونادى له بينبع.
ولما كان يوم
الخميس الثالث والعشرين من ذي القعدة عند طلوع الشمس : ورد مكة سبعة أنفار من غزى مصر من كل بلك رجل.
ودخلوا / إلى قاضي مكة ، وبيدهم كتب من الشريف سعيد ، ومن إيواز
بيك ، وفيها خطاب لقاضي مكة وللسرادير مضمونها :
«إن السلطنة قد أنعمت بالشرافة لمكة على الشريف سعيد.
ـ فأنتم أطيعوا
الله والرسول والسلطان ، وإياكم والمخالفة.
ـ وقد ألبسناه
قفطان الشرافة ، الذي ورد علينا به محمود آغا صحبتنا ـ وهو أحد أغوات السلطان أحمد
ـ وهو وارد صحبتنا ، ووقع هذا حال وردنا ينبع ثالث ذي القعدة». فوقعت بمكة بموجب
هذا الشأن رجة عظيمة.
فلما بلغ ذلك
الشريف عبد الكريم ، أرسل إليهم ، وهمّ بقتلهم ،
__________________
وحبسهم إلى الظهر
، وفكّهم عند ورود خبر ينافي ذلك ، وأن القفاطين إنما وردت باسم الشريف عبد الكريم ، وأن هذا الأمر مزيف ،
وسببه قيام أيوب بيك أمير الحاج المصري لغرض في نفسه.
ثم لما كان يوم
السبت خامس عشر ذي القعدة : جعل الشريف عبد الكريم محضرا في المسجد ، جمع فيه
القاضي ، والمفتي ، والفقهاء ، والأشراف ، والسرادير ، واجتمعت عليهم الرعية.
فقال الشريف عبد
الكريم : «اعلموا أني دخلت مكة ، وقد حلّ بها ما حلّ من الغلاء وانقطاع الطريق ،
وهذا كله كان سببه الشريف سعيد وحكامه».
فقال الناس : «صدقت».
ثم قال : «هل
تشهدون أني ظللت البلاد ورعيت العباد ، وأمنت الناس بعد وليت؟».
قالوا : «نعم».
ثم قال : «هل حدث
مني من المظا ـ ما يوجب رفعي عنها؟!».
قالوا : «حاشا بني؟؟؟
».
قال : «هل ترضون
بولايتي عليكم ، أو ترضون بولاية سعيد؟».
فقالوا : «لا نرضى
إلا بك».
__________________
قال : «فهؤلاء
الأتراك يريدون تولية سعيد وعزلي».
فقالت العامة : «باطل
، [باطل]» ، عن لسان واحد.
ثم إن الأشراف
الحاضرين وقع منهم تهديد للقاضي ، ولمن حضر من العسكر المصرية. وقالوا :
«لا نسلم لما جاء به إيواز بيك ، ولو كان معه أمر سلطاني
بولاية الشريف سعيد ، فنحن لا نعصي أمر السلطان ، غير أن السلطان لا يرضى علينا
الخلاف ، ولا يولّي علينا إلا من نرضاه».
فسجل القاضي صورة
ما وقع في هذا المجلس ، وكتب بموجبه حجة ، ودارت على السادة الأشراف. فوافقوا
عليها ، وكذلك السرادير والعلماء والفقهاء ، وبعثوا إلى إيواز بيك ، فأجاب : «بأن
صحبتنا آغاة من أغوات السلطان معه أمر سلطاني ناص :
بأن شريف مكة لا
يكون إلا سعيد ، وليس لنا قصد إلا الإصلاح ، و ـ نؤمر إلا به ، فإذا وصلنا نحن
والشريف سعيد إليكم ، أشرفناكم على ما أمرنا به ، ويحصل هناك الإتفاق إن شاء الله
تعالى».
فأعاد إليه الشريف
عبد الكريم ، والسادة الأشراف :
«أن دخول سعيد لا يمكن ، وإنما يجلس بموضعه ، إلى أن ينزل
__________________
الناس من الحج ،
ثم ندعوه إلى مكة ، وننظر في الأمر».
فقال إيواز بيك : «لا
بد من دخوله صحبتنا».
فأرسل إليه الشريف
عبد الكريم والأشراف يقولون : «إذا دخلتم به فما عندنا إلا السيف ، فاجتهدوا ،
ونجتهد ».
فعند ذلك تخلف
إيواز بيك عن دخوله مكة بمن معه من العسكر التجريدة ، وجعلوا ينتظرون قدوم أمير
الحاج المصري بالحاج الشريف ، وإدراك التجريدة وإيواز بيك بالجموم من وادي مرّ الظهران إلى رابع عشر ذي الحجة.
وكان / في ذي
الحجة ، صمم الشريف على ملاقاتهم ، فخرج بعد صلاة العصر إلى طوى في عبيده ،
وتلاحقته بنو عمه من الأشراف. فما غربت الشمس إلا وقد اجتمع عنده نحو ألف مقاتل ، من عرب عتيبة وحرب وغيرهم ، وأصبح ذلك
الوادي ، وهو بحر غاصّ بالبوادي.
واستمر إلى سادس
ذي الحجة وهو مصمم على المقاتلة هو وبنو عمه ، ولو أفضى الأمر إلى قتل الجميع.
__________________
ومن الغريب أنه
ورد ثاني شهر ذي الحجة على سليمان باشا وهو بجدة ، أمر سلطاني من
البحر ، صحبة المراكب المصرية مضمونه :
ـ «ابقاؤه على جدة وزيادة سواكن .
ـ وابقياه على ما
في يدك من تفويض أمر الحرمين ، والأمر إليك في ولاية من ترى فيه إلا صلاح للبلاد
والرعية ، ولمن يرضاه أهل الحلّ والعقد ، ويروا فيه صلاحه ، وعزل من ثبت فيه فساده».
فبعث سليمان باشا
للشريف عبد الكريم يخبره بذلك ، فارتاضت نفسه عند ذلك ، وعلم أن الله ناظر إليه ،
فألبس القاصد ، ودق الزير ، وأظهر السرور ، واستفاض الخبر عند القاصي والداني. ففرح الناس بهذا الأمر.
ثم إن سليمان باشا
خرج من جدة ، ونزل طوى ، مع مولانا الشريف ثالث ذي الحجة.
ثم لما كان خامس
الشهر : دعى سليمان باشا بالقاضي والمفتي
__________________
وبعض الفقهاء ،
وأكابر العساكر المصرية الذين بمكة ما عدا الإنقشارية ، فلم يحضروا ، وأتوا
الجماعة المذكورين إلى طوى ، واجتمعوا بالشريف عبد الكريم وبالوزير سليمان باشا ،
وعذلوهم عما في نفوسهم ، وحذروهم فتكة بني حسن من الأشراف ،
وعرفوهم بما جمعوا من العرب ، وأن هذا أمر يترتب عليه إبطال الوقوف بعرفة وأداء
المناسك ، والسلطان لا يرضى بذلك فإن كان معكم فابعثوا به إلينا ونحن مطيعون لأمر السلطان.
وبعث القاضي
بالكتاب مع جوخداره وبعض البلكات ، فلما قرأوه هناك اضطربوا وشارفوا الإنقياد إليه
، إلا إنه كان من قضاء الله وقدره أن سليمان باشا نزل إلى القاضي بالمحكمة سادس ذي
الحجة ، قبل ورود الجواب إليه ، وأراد أن يجمع بياض الناس عند القاضي ، يستفيض خبر
أمره الذي بيده ، ويشهد الناس للشريف عبد الكريم بالاستحقاق وإن عزله للشريف سعيد
وقع في محله.
فلما اجتمع الناس
بالمحكمة ، ثارت الإنقشارية على القاضي وعلى الفقهاء ، وعلى الباشا ، وربما شهرت
السيوف بالمسجد الحرام ، فهرب الناس ، و ـ يبق إلا الباشا وحده عند القاضي ، فأخرج
القاضي صورة أمر ، قريء بحضرة الباشا والعسكر الانقشارية مضمونه :
__________________
«إنه قد ولينا الشريف سعيد مكة ، ورددناه إليها بعد عزلكم ،
وأنتم أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم».
فبرد سليمان باشا
عما أراد ، فقال له الأتراك :
«اذهب أنت والقاضي ، وجماعة من الفقهاء إلى الشريف عبد
الكريم بذي طوى ، فاسألوا منه أن يحقن الدماء ، ويقيم شعائر الحج بخروجه من البلد
، ولرسوله ».
فجمع البوادي
والأشراف ، وأخبرهم بما جاء فيه القاضي والوزير والعلماء ، فأطاعوه بعد تأبّ من
الأشراف ، / فرحل بمن معه يوم / ٣٥٤ سادس ذي الحجة إلى الركاني ، وبعث إلى الشريف سعيد وإلى إيواز
بيك وأيوب بيك أمير الحج المصري :
«أن ادخلوا ، فإني
أخرت اللقاء إلى بعد الحج».
فنودي للشريف
بالوادي ، وتعاطى وكالته على مكة السيد ناصر ابن أحمد الحارث.
وبمجرد خروج
الشريف عبد الكريم تقطعت الطرق ، وحصل النهب في طريق جدة وذهب جملة أموال الناس ،
وكذلك طريق اليمن ، وحصر عن الحج خلق كثير.
ثم ان الشريف عبد
الكريم ، ركب من الركاني ، وواجه بيرم باشا
__________________
أمير الحج الشامي
، ومعه جماعة من الأشراف. فاجتمع به في وادي الجموم ثامن شهر ذي الحجة ، وصار بينهما من التدابير ما تولد منه
النافع الكثير.
وأما الشريف سعيد
: فإنه استمر بالوادي ، و ـ يدخل مكة إلا يوم التاسع من ذي الحجة ، ودخل مع أمير
الحاج أيوب بيك ، [وأمير التجريدة إيواز بيك ، مع التجريدة وسائر عساكر الحج
المصري] ، ومعه نحو أربعين شريفا ـ يكونوا مع الشريف عبد الكريم في
عملته.
وكان دخوله من
الشبيكة ، إلى المسجد ، هو ومن معه ، وقد فرش له بساط في الحطيم ، وفتحت الكعبة الشريفة ، وقرئت له الأوامر على
من حضر من الأعيان ، ثم خرج إلى منزله بسويقة.
وفي ليلة التاسع من
ذي الحجة : دخل أمير الحاج الشامي ، بيرم باشا ، وأراد أن يؤخر القفطان إلى منى ،
فامتنع الشريف عن تأخيره ، فبعث به إليه ، وألبسه في منزله ، ثم خرج إلى عرفات من
أعمال نصف الليل بعد بيرم باشا ، ومرّ بمنى ، و ـ يبت بها ، ووقف بالناس يوم
الجمعة ، وحصل به الأمان.
__________________
ولم يحجّ أحد من
أهل مكة سوى قليل لا يعدّ ، ولم يرد في هذه السنة أحد من العراق إلا نحو خمسين
أعجميا ، ولم يحجّ أحد من النواحي غير الأتراك ، ومن ورد مع الحج المصري والشامي
فقط غير جماعة من أهل الحسا مع العجم السابق ذكرهم.
وارتفعت الأسعار
بعرفة ، حتى أخبرت أن بعضهم اشترى كبشا فدو بعشرة أحمر ، وارتفعت ، وشرع الارتفاع في الأسعار كل يوم إلى زيادة. فبعث الشريف
سعيد إلى ناظر السوق ، الذي كان من قبل الشريف عبد الكريم ، وهو صاحبنا مصطفى بن
إبراهيم القاشقجي ، وألبسه في زمن الحج قفطان النظر في السوق ، والعادة الجارية أن يبطل حكم الناظر في زمن الحج .
وفي خامس عشر ذي
الحجة أو سادس عشر : نزل الشريف عبد الكريم ومن معه من الأشراف بوادي التنعيم ، وبعثوا إلى الأمير بيرم
__________________
باشا ، فبعث إليهم
الخيام والصواوين ، وجعلوا بينهم سفيرا ، السيد عبد الله بن عمر بن بركات.
فنقم عليه مولانا
الشريف سعيد ، فبعث إليه ينهاه عن الدخول إلى مكة ، فسمع بذلك بيرم باشا ، فقال
للسيد عبد الله :
«البلد للسلطان ،
وأنا باشة السلطان ، فما عليك منهم».
واتبعه بيرق عسكري
يمشون معه أينما أراد ، وكان يمشي بهم في شوارع مكة كرها.
واستمر الشريف عبد
الكريم بالتنعيم [أياما] ، حتى ركب إليه بيرم باشا في بعض ليالي الحج ، فاستمر عنده إلى نصف الليل ، واقترب الفجر ورجع عنه.
و ـ يحصل منهم أذى
للناس ، يطرقهم الطارق آمنا ويسير إلى مكة ، و ـ تزل الرسل بينه وبين إيواز بيك
وبيرم آغا باشا أمير الحج الشامي.
ثم ارتحلت الأشراف
إلى اليفاع من أعلى الجموم /. وشاع في العامة أنهم يريدون أخذ الحج المصري ، وقتل
أيوب بيك ، فدخله من الخوف ما أخره عن السفر في معتاده ، فقامت عليه الحجاج
لشدة ما
__________________
لحقهم من الغلاء ،
وعدم الوجدان لما يريدونه. فخرج تاسع عشر ذي الحجة ، وهو باطل الحجة ضالّ المحجة.
وكان سبب إقدامه
على السفر : أن السيد ناصر الحارث وجماعة من كبار الأشراف خرجوا إلى الشريف عبد
الكريم ، ومن معه من الأشراف ، وساسوهم وضمنوا لهم الصلح ، وتواطؤا معهم على قالة
، وتكافلوا على ما يصلح الفريقين ، وأخذوا منهم عهدا على عدم تعرضهم للحج.
فخرج الأمير
مسافرا ، وخرج مسالما إلا أنه وقع النهب في أطراف الحج المصري.
وهل محرم الحرام
افتتاح سنة ١١١٧ سبعة عشر ، ومائة وألف :
وفي سادسه : دخل
مولانا السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد ، ومعه جماعة من الأشراف ، طمعا فيما جرى
بينهم وبين السيد ناصر الحارث من العهد المتقدم. فنزلوا على مولانا الشريف سعيد في
داره بسوق الليل ، ولم يتخلف إلا ذوو بركات ، فإن الشريف عبد الكريم أفهمه أنه
يريد التوجه إلى الشام بمن معه من ذوي بركات ، ثم عنّ له أن ينزل الحميمة ، ثم
ارتحل عنها إلى محلّ يقال له رشيم ، ومعه من البدو ما لا يحصى. فلم يزل إلى أن
نزلت عليه عرب حرب بجملتهم ، وقالوا : «لا نفارقك حتى تموت أو نموت».
فبلغ ذلك الشريف
سعيد ، واشتد عليه الأمر ، فجمع كبار الأشراف ، وأطلعهم على ما بلغه من قوة عبد
الكريم ، ووصول حرب إليهم ، وطلب منهم أن يسعفوه بالمسير معه عليهم. فما أجابه أحد
إلى ذلك. ـ هذا فعل من معه في عملته ـ.
وأما بقية الأشراف
الواردين مكة من جماعة عبد الكريم ، فطلبوا منه ما هو لهم ، فأخذ في جمع دراهم [لهم] ، فأعطاهم مما لهم شيئا يساوي الثلث.
ثم تجهز ، وخرج
إلى طوى ، فأقام بها أياما ، إلى أن لحقته الأشراف الذين في عملته ، ثم ساروا ،
وأودع البلد السيد أحمد بن حازم ، وبعث إلى هذيل ، فأقبلوا عليه. فلما وصلوا منى ،
نهبوا ما أدركوه من أموال الناس ، ودخلوا مكة ، وعاثوا فيها بالسرقة والنهب.
__________________
فلما شارف الشريف
جدة ، زحف إليه الشريف عبد الكريم بمن معه ، فركب إليه جماعة من كبار الأشراف
يصدونهم عن الملاقاة ، لأن الشريف سعيد لامهم ، وظن أن ذلك منهم عن تواطؤ .
فلحقوا بالشريف
عبد الكريم ، وطلبوا منه أجل ثلاثة أيام" ، حتى ننظر في أمرنا معه ومعك».
فأجابهم إلى ذلك ،
فرجعوا إلى الشريف سعيد ، وأخبروه" بأن [الشريف] عبد الكريم مقاتلك بعد أن خرجت إليه ، فإن لم تصلحه ، وإلا
فلا بعد هذا إلا الملاقاة ، وقد أخذنا لك أجلة ثلاثة أيام».
فجلسوا معه مجلسا
، واشتوروا فيما بينهم ، فرأوا : «أن يجعلوا له
الشام . وأن يجعلوا له كل شهر ألف شريفي أحمر ذهب ، وأن يقيم حيث شاء غير مكة ، إلى
أن تأتيه أجوبة كتبه من الأبواب».
فرضي الشريف سعيد
بذلك ، فرجعوا إلى الشريف عبد الكريم ، [وأخبروه] ، فقال : «إنه فينتقض هذا القول ولا شك».
__________________
فأعطوه العهد أنه
إن نقض هذا ، نقضوا عملته ، وعاملوا عبد الكريم ، ويكونون وإياه يدا واحدة.
فأخذ عليهم
العهود. /
ثم رجعوا إلى
الشريف سعيد ، وأخبروه بذلك فقبل ذلك ثم قال :
«مروه فليرتحل عن محله ، لتعلم الناس من البادية والأتراك
أننا اصطلحنا».
فضمنوا له ذلك.
وكفل جماعة هذا وجماعة هذا. وبعثوا إلى الشريف عبد الكريم بذلك ، فارتحل من محله
إلى محل يقال له شعثاء قريبا من جدة. فتارة تأمن الطرق ، وتارة تخاف.
واستمر الحال نحو
أربعين يوما.
ثم إن الشريف سعيد
، حدثته نفسه بالنزول إلى جدة ، ومناصاة سليمان باشا ، لأنه منعه من دخولها ، ومنع جماعة من
الأشراف. وكان بعثهم الشريف سعيد إلى جدة ، فدخل منهم محمد بن عبد الكريم بعد
__________________
جهد جهيد.
وحاول الباشا أن
يأخذ له شيئا من التجار للشريف سعيد ، يستعين به ، فما وافقه لا قرضا ولا على
الزالة. وأمرهم بالرجوع ، وأن لا يدخلوا جدة لخوف أن يؤذوا أهلها.
فتقرر عنده أن يده
مع عبد الكريم وجماعته ، فأرسل إلى ابن عمه عبد المحسن بالحسينية ، وأخبره ، وطلب
منه أن ينزل عليه بجدة.
فأتاه ، فتوسل به
أن ينزل على الباشا ، ويأخذ له شيئا من المال يستعين به ، أو يحيله على الزالة ،
فأبى. ثم التمس منه أن يركب معه لملاقاة سليمان باشا ، فقال له :
«وكيف نقاتل أحد وزراء السلطان»؟. ولم يوافقه.
ثم إنه بعث إلى
إيواز بيك ، صاري العسكر المصري ، وإلى الإنقشارية ، [وسائر البلكات ، يشكو من
سليمان باشا ، ويستدعيهم إلى قتاله] ، فلم يوافقوه. وبقي في حيرة عظيمة مقلا من المال والرجال
، ففارقه من معه من الأشراف لذلك ، ولما تقدم لهم مع عبد الكريم من العهود والوفاء
والمفارقة له ، فذهبوا إلى عبد الكريم.
فلما تكاملت
الأشراف عند الشريف عبد الكريم ، انتقل من شعثاء ، ناويا يصبّح سعيدا ، ويأخذه.
فلما استحسّ بذلك ، أشار إليه ابن عمه السيد عبد المحسن بالرجوع إلى
مكة ، فأودعه عزبته ، وسرى من ليلته ، فأصبح ضحوة
__________________
النهار بمكة ،
وذلك يوم الجمعة تاسع شهر ربيع ثاني .
ولما وصل مكة ،
أطلق المنادي في شوارعها وطرقاتها ، على أرحام ذوي شنبر ، وذوي جازان ، وذوي بركات
[وذوي ثقبة ، ورجاجيلهم :
«أن لا يبات أحد منهم بمكة هذه الليلة ، ومن بات بها] فهو مصلوب ، وبيته منهوب».
فحصل عند طوارف
السادة من الخوف ما أوجب أنهم يأوون بيوت سادتهم داخلين عليهم ، مما يخاف. فركب إليه السيد
أحمد بن حازم والسيد حسن بن غالب ، ولاموه على هذا النداء ، وقالوا له :
«هذا لا يكون ، فإنه يتأتى منه سالفة بيننا ، أن كل من خرج
من البلد تنهب طوارفه ويقتل ، وهذا أمر لا يمكن الوفاق عليه ، لكونه مضرا بالعالم».
فرجع المنادي عند
العصر ينادي بخلاف النداء الأول ، وإن النداء الأول مرجوع عنه ، وعليهم الأمان.
ثم إنهم في يوم الأحد
ثاني عشر الشهر : بعث مولانا الشريف سعيد ، المفتي ، وجماعة من السبع بلكات ، إلى الشريف عبد الكريم
ومن معه ، يطالبهم إلى الشرع ، فركب الجماعة المذكورون إلى الشريف عبد الكريم ، والتمسوا منه ذلك ، فقال : «سمعا
وطاعة».
__________________
فبعثوا من كبارهم
جماعة ، منهم السيد عبد المحسن بن أحمد بن زيد ، وسليمان بن أحمد بن سعيد ، وأحمد
بن هزاع ، وزين العابدين بن إبراهيم ابن محمد بن بركات ، وعبد الله بن حسن ،
وغيرهم.
فدخلوا مكة ،
ونزلوا على إيواز بيك ، فأخذوا إيواز بيك معهم ، ونزلوا على القاضي ، واستدعوا
الشريف للدعوى ، فنزل ومعه أحمد بن حازم / فصارت بينهم وبين الشريف للدعوى ، فنزل
ومعه أحمد بن حازم ، فصارت بينهم وبين الشريف سعيد مقاولة ، أنتجت زيادة الشقاق
وأبعدت الاتفاق. ثم انصرفوا والقلوب مشحونة ، والنفوس من زيادة البذاءة مغبونة غير
مأمونة.
ثم إن السيد أحمد
بن حازم ، وسليمان بن أحمد ، حضرا في اليوم الثاني مع جماعة من الأشراف في بيت إيواز بيك لفصل الخصومة. فتزايد [في] الكلام ، حتى قرب وقوع الكلام ، وحصل المباينة ، فانصرفوا من غير صفاء ، والأشراف لم
يخرجوا عن طلب الوفاء.
ثم إن الشريف
سعيدا ، اجتمع بالسيد عبد المحسن ، واتفق معه على : «أن يعطيهم ثلث المنكسر ، ويسمحوا له بالثلث ، ويصبروا عليه
في الثلث الآخر».
فتوافقت الأشراف
على ذلك ، ورأوا أن هذا عين الصلاح ، وغاية النجاح ، فعقدوا مجلسا لذلك الأمر في
منزل السيد علي بن أحمد باز
__________________
بأجياد ، وذلك ليلة الجمعة السادس ، أو السابع عشر من ربيع
الثاني.
فبينما هم كذلك
عند السحر ، جاءهم الخبر أن الشريف عبد الكريم وصل طوى هو ومن معه من الأشراف.
فلما بلغ ذلك
الشريف سعيد أرسل إليهم مرسولا لبيت السيد علي يقول لهم :
«ما هذا بيني وبينكم ، وهذا عين الغدر».
فاعتذروا إليه
بعدم علمهم بذلك ، «ونحن نخرج إليه ونرده».
فانصرف الكلّ ،
وخرجوا من طريق المسفلة ، وعرجوا على الطندباوي ، مما يلي الشبيكة ، إلى أن نفذوا
على طوى.
وما كان من الشريف
عبد الكريم : فإنه لما وصل طوى ، وجد على جبالها جماعة من عرب هذيل ، ووجد بعض
مضارب ، وبها عسكر للشريف سعيد.
فلما أقبل عليهم
هربوا ، وتركوا منازلهم ، فنهبها العبيد وما فيها ، فبينما هم بطوى ، إذ خرج عليهم الشريف سعيد من الشيخ محمود ،
__________________
فتلاقيا ، فانكسر
الشريف عبد الكريم ، وامتنع إلى جبال أبي لهب ، ثم كرّ بمن معه من الأشراف وجماعته
على سعيد ، فانهزمت قومه ، ووقع فيهم القتل ، فقتل نحو الستين من جماعته.
ولما وصل الشريف
عبد الكريم إلى الطندباوي ، وجد السيد عبد المحسن بن أحمد ومعه الأشراف السابق
ذكرهم ، فلم يعرج عليهم ، وسار خلف سعيد بمن معه من الأشراف ، حتى أوصله إلى دار
السعادة من السوق الصغير .
وكان معه نحوا من
أربعين شريفا شاروا عليه بالخروج من المعلاة ، وترك البلد ، فإنها أخذت. فلم
يلتفت إليهم ، وعطف على سويقة ، وجاء بيت سردار الإنقشارية ، فاستغاث بهم ،
فأجابوه ، وخرجوا معه ، ودخلوا من المسجد على بيت إيواز بيك وعنده العرب وبقية
البلكات ، فطلبوا منهم الخروج معهم ، فامتنعوا ، فصاحوا على إيواز بيك وقالوا له :
«إنك موالس ».
ثم خرجوا من باب
إبراهيم على السوق الصغير ، فرموا الشريف عبد الكريم بالرصاص ، فظن أن جميع
الأتراك خرجوا ، فترفّع عنهم ،
__________________
حتى خرج من
الشبيكة ، وكان قد فرق قومه على الجبال. فأشار عليهم بالنزول ، فنزلوا هاربين من
طريق الزاهر ، ولحق به الشريف سعيد إلى الزاهر ، فتناظروا هناك ، وأخذ كلّ من
صاحبه مهلة على قواعدهم.
ثم رجع الشريف إلى
داره ، وصوّب من معه من الأشراف جماعة ، منهم : السيد علي بن أحمد بن أبي القاسم
برصاصة مات منها ، وأصيب السيد أحمد بن حازم برصاصة مات منها بعد أيام ، وأصيب من الأشراف الذين مع عبد الكريم
أخوه حامد بن محمد / بن يعلي ، وأخو بركات بن محمد بن يعلى ، وشنبر بن جازان ،
وشريف آخر من ذوي حراز ، إلا أن صوابهم غير مضرّ بهم.
ورجع عبد الكريم
إلى رخيم ، وأقام هناك إلى أن وردت إلى سليمان باشا الأخبار المسرة
بجدة ، ضمن كتب من رامي باشا صاحب مصر ، ومن بعض الصناجق ، ومضمونها :
«أنه ورد مصر المحروسة سابع عشرين جمادي الأول ، محمد آغا
باش شاووش ومعه أربعة أوامر سلطانية من طرف السلطنة العلية :
ـ أحدها بعزل أيوب
بيك عن إمارة الحج ، لما تحققنا ما حصل منه من الفساد ، وتولية غيطاس بيك إمارة الحج.
__________________
ـ والثاني بعزل
الشريف سعيد ، وأنعمنا على الشريف عبد الكريم بشرافة مكة ، وأن أمره برز سنة ١١١٧
ه ، سبعة عشر ومائة وألف.
ـ الثالث : أننا
ولينا إيواز باشا جدة ، ومرادنا وصول سليمان باشا إلى حضرتنا.
ـ والرابع : أننا
أنعمنا على الشريف سعيد بسكنى مصر ، وأقطعناه بعض فدادين ، ورتبنا له كفايته من
المصرف كل يوم».
ولم تزل الأخبار
تقوى من الواردين في المراكب المصرية ، وتنشر في الناس ، وعند الأتراك ، والشريف سعيد غير معترف بذلك.
وكثر القيل والقال
، واستمر الشريف عبد الكريم ومن معه بالوادي ، إلى أن بلغهم أن الشريف سعيد أغرى
أغوات الإنقشارية على إيواز بيك ، فصالوا عليه غيلة ، وحصروه في بيته ، وأفهموه
أنه لما كان غرة جمادي الثاني وردت على إيواز بيك ركائب من بدو عترة ، بعثهم إليه
بيرم باشا من طريق الشام ، يخبره بأن السلطنة العلية ، والأبواب المحمية ، وصلت إلينا منهم أخبار ، أنهم أنعموا بشرافة مكة على
الشريف عبد الكريم.
فلما وردت هذه
الأخبار على الشريف عبد الكريم ، حمى
__________________
الطريق وأمر بكفّ
الأشراف الذين معه من النهب.
ولما تحقّق سليمان
باشا ، أمسك على ما بيده من مال البندر ، حتى يتعيّن صاحب الشرافة.
فكان هذا سبب تغير
الشريف سعيد على إيواز بيك ، وحصره في منزله ، ونهب أثاثا كان له في دار السعادة.
وأبطلت خمس صلوات
من المسجد الحرم بموجب القتال بالمسجد ، وانحازت الستة بلكات إلى إيواز بيك.
وكان من خبره :
أنه لما كان يوم الأحد غرة جمادي الثاني ، جمع الإنقشارية عليه في بيته ، وقتله ونهبه ، فحملوا أسلحتهم ، ونزلوا الحرم ، وأرسلوا إلى
الشريف سعيد ، وأخبروه ، فنزل بنفسه إلى القاضي بجميع عسكره وعبيده ، وأرسل إلى
العرب من هذيل وغيرهم ، أن يقفوا على أبواب الحرم. فلما خرج القاضي قالوا
:
«إنا لنا دعوة على إيواز بيك ، فأحضره لنا نتداعى على يدك».
فبعث إليه القاضي
، فأعاد المرسول ، وهو يقول :
«أنا بعيني أشاهد الفتنة من منزلي ، وأعاين اجتماع العسكر ،
وأمر الشرع مطاع ، غاية الأمر أمهلونا هذا اليوم لئلا تكبر الفتنة إذا جئت ذلك المكان
، فإذا تفرقت العساكر حضرت أنا وخصمي عند القاضي ويحكم بما أراده الله».
فعرض القاضي
مقالته على الشريف والحاضرين من العسكر ، فلم يقبلوا ذلك.
__________________
إلا أن الشريف صرف
جنده وبقيت الإنقشارية موجودين على حالها ، فأرسلوا مرسولا آخر إلى إيواز بيك ، فقال لهم
:
«ما دامت الإنقشارية موجودين عندك فالعذر واضح ، وليس لي قصد
إلا حقن الدماء بيننا وبينهم ، ولي قدرة على مكافحتهم ، ولكن ما في المهلة بأس ،
فإن الأمر ما يحمل قتل المسلمين» /. فحصل عند الشريف أنفة من هذا القول ، لعدم
مراده. فأظهر للقاضي غلاظة ، وقامت الغوغاء من الإنقشارية في المحكمة ، وارتفعت
الأصوات ، وقالوا :
«هذا عصا الشرع فاكتب لنا حجة بعصيانه».
فامتنع القاضي ،
فهجموا عليه يريدون قتله ، فهرب من هناك من الفقهاء ، ولحقوا القاضي ، ولزوه بالأيادي ، ورموا في جوف المحكمة بالبندق إرهابا له ، فلما
رأى ذلك كتب لهم حجة بما في نفوسهم. فعند ذلك خرج الشريف سعيد من المحكمة ، وأمر
الإنقشارية بالهجوم على إيواز بيك في بيته ، فسار ببيرقهم من ممشاة باب السلام على
يسار المنبر قاصدينه.
فلما وصلوا إلى
مقام المالكي ، بادر غلمانه إلى البنادق ، وكمنوا خلف عواميد المسجد ، مما يلي بيت مولاهم.
فلما أقبلوا ،
أطلقوا في وجوههم الرصاص ، فولوا هاربين إلى أن دخلوا من باب الزيادة ، وانحاشوا
في زيادته وما حولها من البيوت
__________________
والمدارس ، ولم
يزل الحصار بينهم.
وأما مولانا
الشريف : فسلط عليه عسكره وعبيده وبدوه من جهة عقد بشير ، فلما شعر بذلك أرسل
جماعة من البلكات إلى تلك الدور فترسوا هناك ، ومنعوا ما حولهم من العبيد والعرب
بالرصاص.
واستمر الرمي من
البيوت والمدارس في جوف المسجد بين الفريقين ، وإيواز بيك ومن معه من البلكات الست
محصورون في البيت.
ولم يزل الأمر
يتزايد حتى كثرت القتلى والجرحى في البيوت وخارجها
، وفي المسجد وسطح المسجد ، وما بين الأروقة.
وعزل السوق ،
وأظلم الجو من دخان البارود ، وبقي الأمر على هذا إلى اليوم الثاني ، فالتمس
مولانا الشريف من إيواز بيك الصلح ، وبعث إلى القاضي يأمره بإرسال جماعة من
الفقهاء إلى إيواز بيك يلتمس منه الكفّ.
فبعث إليه أن ذلك
لا يكون إلا إن كفّ هو جماعته.
واتفق الأمر على
إرسال جماعة من رؤوس البلكات ، حضروا عند القاضي [فأمرهم القاضي] بالسعي في الصلح.
فسعوا في ذلك بعد
التأبّي الأعظم ، وهمدت الفتنة ، بعد أن نهب لإيواز بيك وللعسكر ما يساوي نحو مائة كيس من القروش من الأمتعة وغير ذلك.
__________________
هكذا أخبرني فقيه
سردار المتفرقة ، وأنهم ضبطوا عند إيواز [بيك].
وفي اليوم الثاني
: جمع القاضي بين إيواز بيك والشريف عنده ، وأبان إيواز بيك عن حجته ، وذكر ما أخذ
عليه فقال : «أرد كلّ ما قدرت عليه مما هو لك ، وما لم أجده ، أعطيك ثمنه».
وقاما من عند
القاضي ، وذهب كلا إلى بيته ـ والله أعلم بما في نفوسهم ـ.
ثم لما كان يوم
سابع عشر ربيع الثاني : هجمت الأشراف مكة عند صلاة الحنفي ، فخرج عليهم الشريف سعيد ، فرجعوا.
ولم تزل العسكر
بين الشريف سعيد وإيواز بيك حتى جمعوا بينهما ، وحصل الصلح ـ بحسب الظاهر ، والله
أعلم بحقيقة الحال ـ.
ولما كان يوم
الاثنين ثامن عشر شهر رجب الفرد الحرام : ورد مكة خبر آغاة القفطان ، وأنه ، وصل
من ينبع وصحبته الأمر السلطاني بشرافة مكة لمولانا الشريف عبد الكريم بن محمد بن
يعلى ، وأن الوزير سليمان
__________________
باشا أرسله إليه
وألبسه القفطان ، ونادى له بجدة يوم سابع عشر الشهر المذكور.
فوصل الخبر
لمولانا الشريف سعيد بذلك ، فأجاب : «بأن البلاد [بلاد] السلطان ، ونحن خدام له ، فإن كان الأمر صحيحا ، فأنا مطيع
للأمر. وإن كان بالزور والبهتان ، فما عندي غير السيف».
وحضر عنده القاضي
والمفتي ، فسألهم فأجابوا بمثل ذلك.
وكتب للوزير
سليمان باشا كتابا مضمونه : «إن الشريف سعيد تولى بأمر سلطاني / في يده ، ولا يعزل
إلا بمثله».
وأرسلوا الكتاب
صحبة السيد مبارك بن حمود بن عبد الله. فتوجه إلى الباشا ، ورجع بالجواب إلى
الشريف يوم الجمعة ثاني شهر شعبان ، وذكر له أن الشريف عبد الكريم وجميع من معه من
السادة الأشراف وأغاة القفطان [وجماعة الباشا] وصلوا جدة.
ثم أعقبه الخبر
أنهم وصلوا وادي مرّ ، فأرسل إليهم مولانا الشريف سعيد ليلة الأحد رابع شعبان ،
سليمان جاووش الإنقشارية ، وجاووش المتفرقة ، وجاووش الجاويشية ومعهم السيد جاد الله بن صامل ، إلى الوادي بخطاب إلى
الشريف عبد الكريم ، وآغاة القفطان ، مضمونه :
«أن يشرفوا على الأمر السلطاني ، ويحيطوا به علما».
فحين وصلوا ، وسمع
آغاة القفطان أحمد آغا كلام سليمان
__________________
جاووش ، رزبه وزجره بالسب واللعن ، [ومن جملة ما] قاله له : «لو لا أنك مرسول لقطعت رأسك». فأخذوا أنفسهم ورجعوا ، وعند توجههم إلى الشريف وإلى آغاة القفطان أحمد آغا
لقيتهم خمسة من الأشراف ، وواحد من جماعة الآغا ، وصحبتهم صورة الأمر السلطاني.
فأتى الجميع ،
ونزلوا على الأمير إيواز بيك ، فأخذهم ، وتوجّه بهم إلى قاضي الشرع ، وسجلوا صورة
الأمر الوارد في المحكمة.
فبلغ الشريف سعيد
ذلك ، فأرسل إلى الصنجق يلومه على هذا الفعل ، ويخطئه في نزول هؤلاء الأشراف عنده. فأجابه الصنجق :
«إن الأمر السلطاني قد تحققناه ، والبلاد صارت للشريف عبد
الكريم ، وأما هؤلاء الأشراف فيعرفوا قواعدهم ، ويردوا عن أنفسهم الجواب».
فأرسل إليهم
الشريف [سعيد] ، يأمرهم بالخروج من البلد ، وكرّر عليهم الرسل بذلك.
فجلسوا عند الصنجق ذلك اليوم ، وحصل لهم الغداء. ثم بعد ذلك عزم [منهم] اثنان على الشريف
__________________
عبد الكريم
يعرفانه بالواقع ، والثلاثة عزموا إلى بيت السيد عبد المعين بن
محمد بن حمود وقالوا له : «يقول لك الشريف عبد الكريم ، تكون أنت القائم مقام في البلد إلى أن أصل».
فلما تحقّق الشريف
سعيد حقيقة الحال ، جمع عساكره وعربه ، وأفهمهم أن نيته الحرب. وأرسل عربان هذيل وعتيبة إلى جهات أبي لهب وبساتين العمرة ، وأمر صاحب الزير بالدق ، وأظهر حركة المقاومة.
فلما كان قرب
المغرب ، وصلوا إليه المراسيل ، ومن جملتهم جاويش الإنقشارية سليمان جاووش ، الذي
هو معتمد عليه في صدق الخدمة ، وأخبره بجميع ما صار إليه ، وما وقع له من آغات القفطان ، وأنّ الأمر صحيح سلطاني ،
ليس فيه شك ولا يختلف فيه أحد.
فذلك الوقت أخرج
نساءه ودبشهم من البيت ، وأرسلهما إلى البستان عند كريمته الشريفة
سعدية.
__________________
فلما قرب التذكير ، ركب هو ومن معه من السادة الأشراف وأتباعه ، وتوجه إلى
العابدية.
فجاء السيد ظافر
بن محمد ، وشريف آخر ، إلى الأمير إيواز بيك ، وأرسل معهما [بعض] مماليكه وعسكره ، ونادوا في ذلك الوقت في شوارع مكة :
«البلاد بلاد الله ، وبلاد مولانا السلطان أحمد خان ، وبلاد
مولانا الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى». وعسّوا البلد بقية تلك الليلة.
وأصبح يوم الاثنين
والبلاد خالية.
ولما كان يوم
الثلاثاء سادس شعبان المكرم : دخل مولانا الشريف عبد الكريم متوليا مكة المشرفة
بكرة النهار بالآلاي الأعظم ، ومعه السادة الأشراف ، وسائر عسكر مصر المحروسة ،
وعسكر الوزير سليمان باشا ، وعسكر الأمير إيواز بيك ، وآغاة القفطان أحمد أغا باش
جاووش ، إلى أن وصلوا باب السلام ، ودخلوا المسجد الحرام ، وفتح البيت الشريف ،
وجاءوا إلى الحطيم ، فوجوا القاضي والمفتي العلماء
__________________
والفقهاء ، وفاتح بيت الله الأمين ، ونائب الحرم الشريف ، وسائر أرباب
المناصب والوظائف ، كلا في محله على جاري عادته.
وألبس مولانا
الشريف عبد الكريم القفطان السلطاني بالفرو السمور ، وألبس هو آغاة القفطان فروا
سمورا ، وألبس كتخدا الوزير سليمان باشا فروا سمورا ، وألبس المفتي ونائب الحرم
والشيخ محمد الشيي أفرية من القاقم ، وألبس صاحبنا الشيخ عباس المنوفي قفطان كتابة الإنشاء ،
وكذلك مصطفى أفندي ديوان كاتب التركي ، وألبس سائر الأغوات وأصحاب الإدراكات ، وكل
من له عادة في اللبس ، على القانون المعتاد.
ثم قرئ الأمر
السلطاني في ذلك المجمع ، وكان القارئ له صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، ومضمونه :
«بعد الحمد والثناء ، الوصية على الرعايا والسادة الأشراف
والحجاج والعمار والتجار والوافدين إلى مكة المشرفة وإلى تلك الأقطار. ومحلّ
الشاهد : أن قد عزلنا الشريف سعيد عن شرافة مكة ، لموجب ما وقع علينا من عبد
أعتابنا سليمان باشا ، بجميع ما صار في الحرمين الشريفين من الشريف سعيد من الشقاق
، وعدم الوفاق بينه وبين بني عمه السادة الأشراف ، وإننا قد عزلنا المذكور ، وولينا
وأنعمنا على
__________________
الشريف عبد الكريم
بن محمد بن يعلى بشرافة مكة ، على ما هو مسطور في مرسومنا العالي ، وذلك بموجب ما
تحققنا ، أن الرعايا والسادة الأشراف مترضون عنه ، والحذر من مخالفته ، والخروج
من طاعته ، وأن يعمل كلّ بما هو مأمور به في مرسومنا البادشاهي المطاع في سائر البقاع على الوجه الشرعي من غير مخالفة ولا
نزاع"
ثم طلع مصطفى
أفندي ديوان كاتب التركي ، وقرأ نفس الأمر الوارد ، ثم بعد ذلك قرئت أوامر الصنجق الأمير إيواز بيك ، في
المجلس في ذلك المجمع ، ومضمونه :
«إننا قد أنعمنا
على إيواز بيك بولاية بندر جدة المعمورة ، ومشيخة الحرم الشريف».
وألبس الصنجق
القفطان الفرو السمور السلطاني الوارد صحبة الآغا ، وألبس هو من عنده آغاة القفطان الفرو
السمور الذي ألبسه إياه حضرة الشريف.
ثم إن مولانا
الشريف توجّه إلى داره السعيدة ، وجلس للتهنئة. فطلع إليه الناس وهنوه ، وباركوا
له بالشرافة ، ومدحه الأدباء ، وهنوه بالقصائد الفائقة .
__________________
ونودي له في ذلك
الوقت في شوارع مكة بالبلاد والزينة سبعة أيام. وحصل بذلك السرور التام للخاص
والعام.
وقد أرّخ ولايته
هذه ، الوجيه الشيخ عبد الرحمن ابن صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، وهو بمصر المحروسة
بقوله : «ولي حمى الحرمين عبد الكريم ابن محمد بن يعلى». ـ وفيه من اللطافة ما لا يخفى ـ.
ثم إن شيخ الحرم
المكي إيواز بيك ، وآغاة القفطان ، وكتخدا الوزير سليمان باشا ، وبعض جماعتهم ، دخلوا البيت الشريف.
وبعده عزم الصنجق
إلى داره ، وجلس للتهنئة ، فطلع إليه الناس وهنوه بالمنصب الشريف.
وفي يوم الخميس
ثامن عشر شعبان : عزم السيد دخيل الله بن حمود ، وأبو نمي بن باز ، ومعه كتخدا
لآغاة القفطان ، واثنان من صرايجة مصر ، إلى جهة الشريف سعيد في الشرقية وصحبتهم
الأمر الوارد صحبة الآغا بصدده ، ومضمونه :
«إننا قد عزلناك / ، وولينا الشريف عبد الكريم ، وعيّنا لك ما
يكفيك بمصر كل يوم ألف ديواني ، وجميع ما تنفقه من مكة إلى مصر المحروسة ، وما
تحتاج إليه تعطى من خزينتنا».
فلما فهم مضمون
الأمر استحسن ذلك ، وتوجه إلى جهة اليمن هو ومن معه ، ورجعوا المراسيل ، وعرّفوا
الشريف ، وآغاة القفطان والصنجق بالواقع.
__________________
ثم لما كان يوم
السبت عاشر الشهر المذكور : نزل الوزير عثمان آغا كتخدا الأمير إيواز بيك جدة ،
لاستلام البندر ، فوصل يوم الاثنين ثاني عشر الشهر المذكور ، فألبسه سليمان باشا قفطانا. وأصبح يوم الثلاثاء أسلمه
البندر.
ويوم الأربعاء :
أرسل الباشا خزنته وحريمه إلى مكة ، وتخلّف هو عنهم يوما. ثم شدّ ، وتوجه إلى مكة ، فدخلها يوم السبت سادس عشر شعبان ،
لإفادة حضرة الشريف والصنجق ، ونزل بطوى ، وطلع إليه الناس وسلّموا عليه في ذلك
المحلّ.
وفي يوم الخميس
ثاني عشرين شعبان : جعل مولانا الشريف عبد الكريم مجلسا جمع فيه السادة الأشراف
والوزير سليمان باشا ، وشيخ الحرم المكي إيواز بيك ، وقاضي الشرع ، والمفتيين
والعلماء والفقهاء ، [وأغوات السبع بلكات ، وآغاة القفطان ، وسائر عساكر مصر].
فلما تمّ بهم
المجلس ، تكلم مولانا الشريف مع السادة الأشراف ، وشرط عليهم شروطا فقال :
«يا رفاقة : قد شاهدتم ما وقع بيننا من الشقاق ، وعدم الوفاق
، حتى آل الأمر إلى الحرب والقتال ، وتعبنا نحن والرعايا وعمّت الفتن ، وأصيب فيها الغني والفقير ، وذهب بسببها الأموال والرجال ، ومضى
على هذا الحال زمن ، والكلّ منكم قد تحقق ما صار ، وحضره عيانا ،
__________________
والموجب لهذا
الشقاق والتعب كله زيادة المعاليم الخارجة عن المعتاد الذي عجزت عن تحصيلها البلاد والعباد.
فكلّ منكم ينكر على من يتولى ، ويحصل بينكم وبينه التعب والمشقة بسبب المعلوم.
فالقصد منكم ، أنكم تنظرون في مدخول البلاد ، وتوزّعونه أرباعا ، فثلاثة أرباعه
لكم ، يكون بينكم ، والربع يكون لي ولجماعتي وعسكري ومهمات البلد».
وإن كان فيكم من
يقدر على القيام به ، فليتقدم ، وأنا أنزل له عن الشرافة ، وأكون كواحد منكم ».
وطلب منهم الجواب.
فانتدب السيد محمد بن أحمد شيخ ذوي عبد الله ، وقال :
«قد سمعتم ما قاله الشريف لكم ، فما تجيبوه بما في مرادكم»؟.
فأجابوا جميعا ،
وقالوا : «رضينا بذلك».
فسجل القاضي ما
سمعه من رضاهم في المجلس ، وكتب عليهم بموجب ذلك حجة شرعية.
ثم التفت إليهم
الوزير سليمان باشا ، وقال لهم :
«أنا متوجّه إلى الأعتاب العلية ، وإذا وصلت إن شاء الله
تعالى
__________________
بالسلامة ، أجتهد
لكم فيما يعود به النفع عليكم».
وانقضى المجلس إلى
ذلك .
وفي غرة رجب الفرد
الحرام : توجه الأمير إلى حضرة الشريف ، وكذلك أغوات السبع بلكات ، وأرباب
الأدراك ، وأحضروا القاضي والمفتين والعلماء والفقهاء ، وادّعى الصنجق على
الإنقشارية بحضرة / [القاضي] ، وقال لهم :
«جميع ما وقع من
الحصار والنهب في زمن الشريف سعيد فكان بسببكم وبحركة منكم».
فأنكروا ذلك.
فأورد عليهم الشهود في المجلس ، فثبتت الدعوى ، وكتب عليهم حجة بعصيانهم ، وخروجهم
عن طاعة السلطان.
ثم إنهم اختشوا العقاب بعد ذلك من طرق السلطنة العلّية ، فدخلوا على حضرة
الشريف والقاضي ، وطلب العفو عن الصنجق ، فعفا عنه.
وفي يوم الأحد
رابع شهر رمضان المعظم : أمر الشريف بشنق أحد عشر رجلا من عرب هذيل من بني مسعود ، فعلقوا خمسة في
السوق الصغير ، واثنين في المسعى عند البزابيز ، واثنين في المدعى ، [واثنين
__________________
في] سوق المعلاة.
والسبب في شنقهم :
أن مورقا أرسله السيد أحمد بن يوسف إلى جدة في مصالح الشريف ، فتعرض له هؤلاء
العرب عند المحل المعروف بأبي الدود ، فأخذوه ، وصوبوه. فرجع المورق ، وأخبر بما وقع له من
العرب ، ففزع الشريف بعض الخيل ، وأرسل معهم السيد عبد الله بن بركات ، فأخذ أثرهم
، وقصوا جرتهم ، إلى أن أوصلوها مراح هؤلاء المشنوقين ، فأدركوهم هناك ، وتراموا
هم وإياهم بالبندق ساعة ، ثم ظفر بالأحد عشر فمسكوهم ، وما بقي [منهم] فرّ بنفسه وملك الجبال وتزبن فيها. ومنية هؤلاء عقبتهم عن رفقائهم ـ فسبحان الفعال لما
يريد ـ.
وفي يوم الأحد
المبارك ثامن شهر شوال : نزل شيخ الحرم المكي
__________________
إيواز بيك إلى جدة
، ودخلها يوم الثلاثاء عاشر الشهر المذكور بموكب عظيم إلى القلعة ، ووصل إليه الناس ، والتجار وأعيان
البندر يهنونه بالمنصب ، ويسلمون عليه سلام القدوم.
وفي يوم الأحد
خامس عشر الشهر المذكور : ورد خبر إلى الشريف ، أن السيد محمد بن عبد الكريم وصل
القنفذة ، وتعرّض لبعض جلاب واصلة من اليمن وأخذ ما فيها ، وفرّقها هو والشريف
سعيد على عرب حجاز اليمن ، وجمعوا بها العربان ، وصار مع الشريف سعيد من
القوم زهاء [من] خمسة آلاف مقاتل ، وقصده يدخل بهم مكة.
فلما بلغ الشريف
ذلك ، شرع في جمع القبائل من العربان ، وأرسل إليهم بعض السادة الأشراف يأتيه بهم.
فلما كان يوم
الأربعاء خامس عشر الشهر المذكور : وصل السيد مبارك بن أحمد بن زيد ، ومعه بعض عرب
، عرض بهم على الشريف.
ويوم [الأحد] تاسع عشر الشهر : وصل بعض عرب الشرق وعرضوا.
وفي غرة ذي القعدة
: وصلت قبيلة من عربان مخلد.
__________________
وفي يوم الجمعة
خامس ذي القعدة : دخل أخو مولانا الشريف ، ومعه الروقة ، قبيلة من عتيبة ، وعرض
بهم أيضا.
ثم لم تزل العربان
تتوارد على مولانا الشريف إلى يوم الثلاثاء تاسع عشر الشهر المذكور .
وفي هذا اليوم :
وصل الشريف بنفسه عند القاضي بعد صلاة العصر ، وجمع المفتين والعلماء ، وبعض
الفقهاء ، وأغوات السبع بلكات وأصحاب الإدراك ، وقال لهم : «تحيطون علما أن الشريف
سعيد جمع أشقياء العرب المفسدين البغاة ، وقصده يدخل بهم بلاد السلطان ومحاربتنا ،
فما تقولون»؟.
فأجابوا جميعهم :
«نحن تحت أمر السلطان وأمرك ، وقد كنا عند الوزير سليمان
باشا ، وأخبرنا بمثل هذا ، فأجبناه بالسمع والطاعة ، ولا فينا من يخرج من الأمر».
فقال لهم الشريف :
«إن قصدي إقامة أحد إخواني في البلاد ، فتكونوا جميعا تحت أمره ، فتحفظوا نفسكم
ومن / يلوذ بكم من الفساد ، وتفيدوا في محافظة العباد والبلاد».
فأجابوا جميعا : «بأننا
في خدمتك ، وتحت أمرك وأمر السلطان».
فقال : «هذا القصد
منكم».
__________________
ثم طلب منهم جماعة
يمشون صحبته ، فأعطوه قدر ما طلب ، وقرأوا الفاتحة على ذلك ، وتوجّهوا في أخذ أسباب السفر مع الشريف.
فلما كان يوم
الأربعاء عاشر ذي القعدة : برز الشريف بعسكره وأتباعه في بركة ماجن ، وخرج معه من
عسكر مصر مائتي نفر ، ومائة من الإنقشارية والعزب ، ومائة من بقية
البلكات.
وخرجت جميع
العربان التي تجمعت عن الشريف من سائر القبائل ، وخرج أيضا الوزير سليمان باشا ،
والشريف من سائر القبائل.
وباتوا ليلة
الخميس في البركة ، وأصبحوا شدّوا منها إلى الحسينية ، وباتوا بها ليلة الجمعة.
وفي هذا اليوم :
وصل إليهم السيد عبد الله بن سعيد بن شنبر ، وصحبته زهاء من خمسمائة رجل من ثقيف ،
جاء بهم من الطائف.
ثم إن الشريف
والباشا ، أرسلوا من يكشف لهم [عن] خبر الشريف سعيد ، فرجعت المراسيل ، وأخبرت أنه حط الشرقية
، فعند
__________________
ذلك تقدم الشريف
عبد الكريم ومن معه ونزل العابدية.
وقد كان الشريف
سعيد قدّم جميع من معه من الأشراف والأتباع المتشوشين إلى العابدية ، منهم السيد
عبد الله بن محمد بن يحيى ، والسيد محسن بن عبد الله ، وخازن داره ، وبعض أهالي
مكة ممّن تبعه. وأدخل الجميع على بعض ذوي عبد الله ، قبل قيام الحرب.
ويوم السبت : وصل
الشريف سعيد بقومه العابدية ، وقبل وصوله أرسل إليه الشريف [السيد] دخيل الله بن حمود ، وعرفه بأن :
«هذا الفعل ليس
بصواب ، وأن مجيئك بهؤلاء القوم ـ كلاب الحجاز ـ ، السلطنة ما ترضى هذا الفعل. والأولى أن تحقن دماء المسلمين ، وترجع
بهم من حيث جئت. ومن حذّر فقد أنذر».
فما التفت إلى هذا
الكلام ، لأن قومه في غاية الكثرة ، وكذلك القوم أيضا تحققوا من أنفسهم الظفر ،
وأعجبتهم كثرتهم.
فرجع السيد دخيل
الله ، وأفهم الشريف بما سمعه من الشريف سعيد.
ـ وقد سبق في علم
الله وقدره ما كان وما سيكون ، فنسأله اللطف في الحركة والسكون ـ.
فحين نزل الشريف
سعيد العابدية ، وجد بها الشريف عبد الكريم ،
__________________
فلما تراءى
الجمعان ، وقع بينهم الرمي بالبندق من البعد.
وفي هذا اليوم :
وصل الأمير إيواز بيك بمماليكه وعسكره وأتباعه ، من جدة ، ونزل في طوى ، وقيّل إلى
بعد الظهر ، ثم ركب ، وطلع من ثنية كدي ، وتوجه مع بعض خدم الشريف عبد الكريم ،
وفي آخر النهار وصل إلى عرفة ، ونزل قرب الجبل ، وباتوا تلك الليلة جميعا في عرفة. وأصبحوا يوم الاثنين ،
أرسل الشريف للصنجق يقول :
«تأنّ لا تعجل في الركوب».
فوافق في الظاهر ،
وأما في الباطن فقد تأهب للقتال والبروز في الميدان ، ووقع الرمي من جهته ساعة ،
ثم رمح بنفسه ومماليكه.
فبلغ [الشريف] أنّ الصنجق رمح ، فركض بنفسه وجماعته ، وتخلّف سليمان باشا
عقب العسكر للنظر في حالهم ، وحثهم على التقدم.
فعند ذلك انكسر
قومه كسرة شنيعة ، ووقع فيهم مقتلة عظيمة. فانهزموا ، وتركوا جميع ما وصلوا
به من مال وجمال وغنم وبقر وحمير / ٣٦٥ وغير ذلك ، ومن صنف الذخائر ، فتركوا شيئا
كثيرا. /.
فنهب جميع ذلك
عسكر الشريف والباشا والصنجق وعبيد السادة الأشراف.
وجاءت الناس هارعة إلى مكة فوجا بعد فوج ، والكسب في
__________________
أيديهم.
وحال وقعة النصرة
للشريف عبد الكريم ، أرسل بالمبشر لقائم مقامه ، فحصل بذلك السرور التام ، وألبس
المبشر ، ودار على بيوت الأشراف ، وركّزت علامة النصرة في بيت الشريف والأشراف ،
ودقّ الزير على جري العادة.
وكان وصول المبشر
ظهر يوم الاثنين ، وهو يوم الواقعة.
وأصبحوا يوم
الثلاثاء ، ودخلت جميع السادة الأشراف والعساكر والعربان بآلاي الأعظم ،
ودخل الشريف [البلد] بالموكب ، وبات حضرة الشريف وسليمان باشا وإيواز بيك
بالأبطح.
وصبح يوم الأربعاء
: طلعت السادة الأشراف [وسائر] العساكر والعربان بآلاي الأعظم ، ودخل الشريف البلد
بالموكب العظيم ، وجميع من تقدم ذكرهم بين يديه ، وهو بين الباشا والصنجق. وكان
يوما مشهودا.
ومن حين توجه
الشريف للحرب إلى أن دخل البلد ، في كل يوم ينادي المنادي ، بالأمن والأمان وعدم
المخالفة ، فما حصل على أحد ضرر ، وجميع الأسواق معمرة من سائر الأقوات ـ ولله
الحمد والمنة ـ وحمدت الناس الشريف على فعله هذا وخروجه للحرب خارج البلاد ، بحيث أن الناس لم يكن عندهم خبر إلا بوصول المبشر ـ فجزاه
الله خيرا
__________________
على ما فعله .
ثم لما وصل الشريف
داره السعيدة جلس للناس ، فطلعوا وسلموا عليه وهنوه بالظفر ، ومدحه
الأدباء بالقصائد الفائقة. فمن ذلك قولي في قصيدة هنأته بها ، وقرأتها عليه في ديوان بدايته بحضور جمع من الأفاضل ، وهي :
عزت القوم ويحها
هن الأماني
|
|
أم دفر وما وفت بالأماني
|
ودهتهم لما
دعتهم لحرب
|
|
مع سعيد لسعد
غير واني
|
وهو عبد الكريم
نجل بن يعلى
|
|
أكمل العالم
العظيم الشان
|
ملك خصه الله
بحسن الخل
|
|
ق مع ثبات
الجنان
|
ملك سابق القضاء
بحكم السي
|
|
ف حتى أمضاه قبل
الأوان
|
بجيوش تسوق حتف
نفوس
|
|
كالمطايا من
عسكر السلطان
|
كل ذمر في جوفه قلب عز
|
|
يتراءى في صورة الإنسان
|
__________________
منتهى مشتهاه أن
يبصر القر
|
|
ن ولو فوق أروق
الغزلان
|
فسل الحل عند ما
حلّ فيه
|
|
جيشه عن حلول ذلك المكان
|
كم قتيل على
بقايا قتيل
|
|
وطعين على طعين
سنان
|
وتراه في القلب
من جش نصر
|
|
مثله البدر فيه
من غيرتاني
|
وبنو هاشم
الفحول لديه
|
|
كنجوم السماء في
الدوران
|
من أناس لا
يألمون فضرب السي
|
|
ف فيهم تجريد
أهل المعاني
|
فتراهم على
الخيول تراهم
|
|
للأعادي لها
زمام المران
|
يلتقي منهم
المدجج في
السّر
|
|
د فيلقيه راخي الأذان
|
وهو يفتر عن
شبيه أقاح
|
|
ضاحكا ثمّ من
بكاء الخرصان
|
لا بسا قلبه على
حر جسم
|
|
آمنا من حوادث
الأزمان
/
|
لو ثبيرا أصابه السيف من
|
|
يمناه يوما لعاد
في الكثبان
|
فعلات موروثة عن
علي
|
|
فهي فيهم إلى
انقضاء الزمان
|
إن نحر الطغاة في
عرفات
|
|
فوق ما في منى
من الخرفان
|
__________________
وصلت أرؤس العدا طرقات
|
|
الحل تدحى بأرجل الصبيان
|
كم عزيز في نفسه
ذل لما
|
|
أن دهته الشجعان
في الميدان
|
أخذوا سلبه وفيه
كتاب
|
|
لفلان لا لآل
فلان
|
ويل أهل الضلال
ما قرؤوا ما
|
|
جاء في فيل فتية
الحبشان
|
أترى يدفع
الفساد غيورا
|
|
يبتغي هتك حرمة الرحمن
|
إن دون البيت
الحرام ومن قد
|
|
حلّ فيه ما لا
يرى بالعيان
|
قهر من قد عز
قبل قريش
|
|
وهم في عبادة
الأوثان
|
كيف والدين قائم
بأناس
|
|
صفوة الله من
بني عثمان
|
لا أصاب العدو فيكم
مناه
|
|
آل طه وملة الإيمان
|
قد أبيحت لولاكم
مكة اليو
|
|
م فحاشاكم من
الخذلان
|
قد جرى ما كفى
وها أنا ذا
|
|
فيكم خطيب
بالنصح للديان
|
حصنوا أرضكم
بسور وفاق
|
|
بينكم من معرة
العدوان
|
فالعلا دونها
مهامه قفر
|
|
لا يرى قطعها بلا
إذعان
|
__________________
أنتم ما اجتمعتم
الروح للعز
|
|
ومهما اختلفتم
فهو فان
|
يورث الله أرضه
من يشاء قد
|
|
جاء هذا في محكم
القرآن
|
أو لستم بخيرة
الله في الأرض
|
|
على رغم كل عال
ودان
|
إنما العدل حلية
لملوك الأر
|
|
ض والجور حلية
الشيطان
|
لا تبيعوا جواهر
المدح فيكم
|
|
بطفيف الخلاف
للأقران
|
واجمعوا شملكم
ليجتمع الدي
|
|
ن بكم في منازل
العدنان
|
هذه نفثة الصدق فمن لم
|
|
يعها فهو صاحب
الحرمان
|
قلتها مفصحا
لحبّ أبي لي
|
|
كتمها وهو ثابت
في جناني
|
لم أقلها رجاء
كسب ولا فخ
|
|
ر إذا قلتها على
إخواني
|
غير أنّي أديت
واجب شكر
|
|
لمليكي في مجلس
للتهاني
|
فتأمل فيها بديع
معان
|
|
لم يقلها قبلي
صريع الغواني
|
تصل القلب قبل
أن يكمل الن
|
|
طق بها من محاسن
التبيان
|
فأجزني عنها
القبول فإني
|
|
بك أغنى الورى
وعش في أمان
|
__________________
إن تعش أنتعش
ويخضر عودي
|
|
فسعودي بقاك في
ذي الأوان
|
لا برحت الزمان
تسحب ذيل
|
|
النصر مسترحما
على الإمكان
|
وممن مدحه أيضا
صاحبنا الشيخ أحمد بن علان الصديقي ، وهنأه بقصيدة ، وهي هذه :
أبا شاكر دم
قبلة للمحامد
|
|
موقى على رغم
العدا والحواسد
|
فمولاك قد أولاك
ما أنت أهله
|
|
وما أنت [راج] من جميل العوائد
|
أغاث بك الله
البلاد وأهلها
|
|
فخيرهم في كل يوم لزائد
|
وقد بدلوا
بالخوف أمنا فأصبحوا
|
|
لمولاهم ما بين
مثن وحامد
|
وكم من قريح
جفنه صاد / رامها
|
|
يقلب في أجفانه
عين راقد
|
وصار في البشر
الصديق مبادرا
|
|
أخاه إذا ما
سامه بالتعايد
|
وهنيت بالفتح
المبين وكيف لا
|
|
وأنت الذي أحرزت
أجر مجاهد
|
شفيت فؤاد الدين بعد ضنائه
|
|
بقتلة زهران
وقتلة غامد
|
وآل سليم حين
ضلت حسومها
|
|
توزعها أيدي
الضياع الجواهد
|
فإن نسأل
المخواة عن
حال أهلها
|
|
وعن ما دهاهم في الديار الأباعد
|
__________________
فعند عتاق الطير تحقيق شأنهم
|
|
سلوهم وهل ينبيك
مثل مشاهد
|
لقد دمّر الله
الشديد عقابه
|
|
عليهم وعدّوا في
القرون البوائد
|
أتوا لحمى البيت الحرام وقصدهم
|
|
على زعمهم تعطيل
خير المساجد
|
وقد تركوا الأرض
السراة وراءهم
|
|
يجوسون ما بين
الزوراء والفدافد
|
فعارضهم من دونه
ذو عزيمة
|
|
طويل نجاد السيف
جمّ الفوائد
|
أعز عليه للسياد
رونق
|
|
لديه لها ألفا
دليل وشاهد
|
يباشر تدبير
الحروب بذاته
|
|
بإقدام ذي رأي
صحيح المقاصد
|
فأقصاهم من مترس
بعد مترس
|
|
وأدنى نياهم واحدا بعد واحد
|
يحفّ به من آل
هاشم عصبة
|
|
طوال الردينات زرق الحدائد
|
عراض مراكيض
الجياد تزينهم
|
|
حداد المواضي في طوال السواعد
|
كأنهم يوم الوغى
في دلاصهم
|
|
أسودي في جلود الآساود
|
__________________
على كل مصقول
الأديم مطهم
|
|
بعيد مدى
المطراد أو
قيد الأوابد
|
وكل طمه ما يرخي
غلائه
|
|
يطارد من أمثاله
في جرائد
|
تخال الخيال
الشامخات وخيلهم
|
|
تجالد في لباتها
كالقلائد
|
معلّمة الأرساغ
شولا كأنما
|
|
سنابكها قد
رصّعت في جلامد
|
ومن آل قنطور الليوث كواسر
|
|
كأنهم قد كوّنوا
من شدائد
|
يقودهم الليث
الغضنفر عازما
|
|
على الطعن وفاقا
له غير حائد
|
يلمان باشا
الشهم آخر عصره
|
|
وحافظ ناموس الملوك
الأماجد
|
وعن فعل إيواز
الأمير فلا تسل
|
|
لقد كاد في
مركاضه كلّ كائد
|
وعداهم بالطغى
عن كل مترس
|
|
فهم بين أيدي
خلفه كالطرائد
|
ومن آل حام كل أحرز يابس
|
|
إذا ما اعتزى في
الصف عين القوائد
|
ينادي بضرب في
الجهام مبرح
|
|
وطعن بأطراف الأسنة
نافذ
|
فلله من يوم أغر
محجل
|
|
ومن عثير في الجو كالسحب عاقد
|
وقد استقرت فيه
المنون قناعها
|
|
تدير لهم فيه
كؤوس التجالد
|
ويوردهم عبد
الكريم حياضها
|
|
وذلك ورد رشفه
غير بارد
|
فما لبثوا أهل
الحجاز لديهم
|
|
سوى ساعة حتى
رموا بالتفاقد
|
__________________
كأن جليلات
المدافع عند ما
|
|
أصيبوا بها مثل
السحاب الرواعد
|
فولوا ولم يعطف
على ذي قرابة
|
|
قريب ولا البرّ
الحنيّ بوالد
|
وقد صار في
رهجان أول
فلهم
|
|
من الخوف عدوا
كالنعام الشوارد
|
وقد خلفوا في
السبّي كل خريدة
|
|
كما أعناق ظبي
في حبائل صائد
|
ولم ينجها من
قتلها غير ذلّها
|
|
وتقويم هانيك
الثّدى النواهد
|
ولو لا انتهاز
الجند نهب أثاثهم
|
|
لما عدّ في
أحيائهم من
معاود
|
إذا لم يكن مثل
ابن يعلى مملّكا
|
|
لأسّ دعام المجد
أحكم شاهد
/
|
فليس إلى نيل
الفخار وسيلة
|
|
له تتبدى في
صدور المشاهد
|
شريف عليه هيبة
وجلالة
|
|
يدين لها في
سرّه كلّ جاحد
|
فتى ينهب
الأرواح عفوا عقابه
|
|
نقودا وفيها من
طريف وتالد
|
وينتهب الأرواح
في كل مأزق
|
|
يدمر فيه كل باغ
وحاسد
|
به عين بيت الله
صارت قريرة
|
|
وأصبح أعداؤه على جفن ساهر
|
أدام به النعماء
علينا الذي به
|
|
أفاء عليه مرغما
للمعاند
|
وممن مدحه أيضا
صاحبنا الشيخ سالم الشماع ، وهنأه بقصيدة وهي هذه :
ألا قل لقوم
حاولوا القتل والنهبا
|
|
لجيران بيت الله
تبّا لكم تبا
|
رجعتم بما جئتم
به من جناية
|
|
غداة لقيتم أولي
المصطفى حربا
|
__________________
أتيتم جيوشا فرّق الله شملها
|
|
وأصبح الأموال
منهم لكم كسبا
|
ومن أنتم حتى
تروم نفوسكم
|
|
مراحا تروا من
دونه مركبا صعبا
|
وما أنتم إلا
على كل حالة
|
|
قبائل أجلاف
أدانو كموا غضبا
|
ومن أيّ بطن
أنتم هل بلغتم
|
|
كلابا معاذ الله
أو تبلغوا كعبا
|
ألا تذكرون عاما
مضى قد شربتم
|
|
كؤوس المنايا فيه دون المنا شربا
|
عشية غارت
بالمحصب خيلهم
|
|
عليكم وقلت منهم
الفارس الشطبا
|
أجئتم لأخذ
الثأر أم كان غرّكم
|
|
خطيب عوى في
أرضكم يشبه الكلبا
|
فجرّكم جرّ
الكلاب ببغيه
|
|
إلى أن قضى منكم
قصير المدى نحبا
|
فيا آل زهران
ويا آل غامد
|
|
ويا آل شمران
أبارتكم النكبا
|
إلى كم إلى
البيت الحرام جراءة
|
|
تسومونه خسفا
أولو القربا
|
حماة رعاياهم من
السود كلما
|
|
أحاط ومنهم
طالما فرّجوا الكربا
|
كماة أباة الضيم
من آل هاشم
|
|
نزيلهم يزداد
عندهم حبّا
|
سيوف وغي أمضى
من السيف مضربا
|
|
هم أسكنوا قهرا
قلوب العدا رعبا
|
يقودون خيلا
للوقائع شزبا
|
|
وينصون قوما في
ديارهم غلبا
|
__________________
إلى أن يبيدوا
منهم كلّ أصيد
|
|
يهون عليه الموت
أن يظهر الغلبا
|
مصابيح حرب إن
دجى ليل عثبر
|
|
ميامين ذكر يملأ
الشرق والغربا
|
كرام نفوس ما
لهم قطّ مطمح
|
|
سوى رفدة
المسلوب في الحرب لا السلبا
|
يؤمهم القرم الذي ليس ينثني
|
|
عن القرن حتى
يصدق الطّعن والضّربا
|
سلوا أذاخر
والمنحنى كيف
أصبحت
|
|
أعاديه من ماض
عرايمه عطبا
|
وكيف غدت في
العابدية إذ بغت
|
|
تسفّ الثرى يسفي
سما
دمها التربا
|
وفي عرفات كيف
أمسى لحومها
|
|
مكومة هبرا
فتحسبها كثبا
|
نهاهم فلما لم
يصيخوا لنهيه
|
|
وزادوا عتوّا
حكّم الرّمح والعضبا
|
ونازلهم في
العابدية بغتة
|
|
وجرّ عليهم من
يداوينه ركبا
|
وساق إليهم صيد أبناء جده
|
|
قتادة سحب الخير
في السنة الشهبا
|
وجند أجناد من
الترك حاملي
|
|
من البندق
الرومي ما
يشبه اللبّا
|
__________________
غشمشهم صنديدهم بأس عزمهم
|
|
سليمان باشا
الشهم اثبتهم قلبا
|
وإيواز ساق
الغرّ من أرض جدة
|
|
وسارع حتى شبّ
نار اللقا شبّا
|
وخاض حياض الحين
يمنى
ويسرة
|
|
وماج بها
مستطعما منزها عذبا
|
فلو يشعروا أهل
الحجاز بما جرى
|
|
لما جازوا سعيا والليث والهضبا
|
ولكنهم كالهدي
سيقوا لنحرهم
|
|
إلى جبل الكسار واكتسبوا الذنبا
|
ولكنهم همّوا
بأفضل بلدة
|
|
خرابا وأيم الله
لم يخف الربا
/
|
وهذا الذي لا
قوه بعض جزائهم
|
|
وأعظمهم يوم
الجزار له يخبأ
|
فيا ليتهم لم
يحملوا مع ذنوبهم
|
|
على غرر الأعراض
سبّا ولا ثلبا
|
فإن هم يعودوا
بعدها خطو مرة
|
|
إلى مثلها
الأقدار تخطبهم خطبا
|
وهذا الفتى عبد
الكريم الذي إذا
|
|
دعاه أخو الهيجا
إلى
غارة لبّا
|
أمير الفناء
والخيل فهو عروسها
|
|
جواهرها
والأعوجيات مع
هدبا
|
__________________
فمتى شاء يرى من
آل بركات واحدا
|
|
كألف يرى هذا
الخبعثنّة الندبا
|
أخا همة يستصغر
الدر عندها
|
|
بأيسرها لو رام
لاستنزل الشهبا
|
يهون عليه الخطب
من حيث أنه
|
|
له سهم رأي مارق
يغلق الخطبا
|
ومن لقصير مثله
يهتدي به
|
|
إلى غير جذع
الأنف في قتله الزبا
|
وما سمع البراض قطّ بفتكة
|
|
كفتكة هذا الشهم
في العرب العربا
|
يجيد العطا
والسمهرية والظّبا
|
|
تشك الكلا تفري
الطلا يعزل الجنبا
|
وتعرب عن بشر
طلاقة وجهه
|
|
إذا فرّت
الأبطال من كرّها عضبا
|
فيا آل بيت
المصطفى لا برحتم
|
|
تذبّون عنّا من
نوى حربنا ذبّا
|
فهذي بلاد الله
ثغر بلادكم
|
|
فحاشاكم ترضون
كلا لها خربا
|
سقى الوابل
الوسمي ما لاح بارق
|
|
أجارعها أجيادها
المنحنى الشعبا
|
عليكم سلام الله
ما تغنت حمامة
|
|
وهزّت منن الشوق
المقيم بها القضبا
|
ولا زالت الدنيا
بكم مستقيمة
|
|
ومفخر عالي
فخركم يفعم الكتبا
|
__________________
ثم ما كان من أمر
الشريف سعيد : فإنه بعد [ما] انكسر قومه ، توجه إلى الطائف ، وأرسل عرب اليمن الذين جاء
بهم صحبة ابن أخيه السيد مساعد إلى بلادهم وأماكنهم.
فلما بلغ الشريف
عبد الكريم ، أن الشريف سعيد وصل الطائف ، أرسل خلفه أحد أخوانه بعرب من ثقيف
وعتيبة ، خوفا من أن يقع منه مخالفة على أحد من أهل الطائف.
فلما عزم أخو
الشريف إليه ، وجده قد خرج منه ، فرجع إلى مكة ، وأخبر الشريف بذلك.
ودخل موسم هذه
السنة ، والناس في غاية من الأمن والأمان.
ولما كان يوم
السابع : ركب مولانا الشريف ، وعرض لأمير المصري ، وتوجه إلى المحل المعتاد ببقاء الأمراء هو والسادة
الأشراف وسائر العساكر والعربان ، ولبس القفطان الوارد صحبة الأمير غيطاس بيك أمير
الحاج المصري ، وهذه أول سنة حج فيها أميرا على المحمل ،
__________________
واتفق له في الطريق
، وهو نازل من العقبة ، قعدوا له بعض عربان من الأشقياء على رؤوس الجبال ،
وتكاون هو وإياهم إلى أن تعدّى الحاج بالسلامة.
وفي عوده إلى مصر [أيضا] وقع له مكاونة مع قبيلة من حرب ، في المحل المعروف بنقب
علي ، وسبب ذلك :
أن بعض جماعة من
أصحاب الإدراك قتلوا ثلاثة من العرب على ظن أنهم سرق ، فطالبوهم بديتهم ، فامتنع ،
فقعدوا له ، واحتربوا هم وإياهم.
ثم لما كان اليوم
الثامن : ركب الشريف بالموكب العظيم ، وعرض الأمير الشامي إلى
المحل المعتاد ، ولبس القفطان الوارد صحبته.
__________________
وكان أمير الشامي
عبد الرحمن باشا ابن أخت محمد باشا ، كرديم ير .
وحج مولانا الشريف
بالناس على جاري العادة في غاية الأمن والأمان. ولم يحصل في هذه الموسم ـ لله
الحمد ـ شيء من المخالفات جملة كافية.
ولما كان يوم خامس
وعشرين ذي الحجة : رحل الحاج المصري من مكة ، لأنه تأخر عن معتاده ثلاثة أيام.
وفي هذا الموسم :
توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة / العلية يوسف أفندي شيخ القراء صحبة الحاج المصري.
وأما أمير الشامي
، فإنه برز ثامن عشرين ذي الحجة إلى طوى ، واستمر إلى ثاني شهر محرم الحرام ينتظر
خروج الشريف ويسافر معه ، فما أمكن ذلك.
والحاج العجمي كان
في هذا الموسم كبيرا ، وأخّر إلى خامس عشر شهر صفر ، وسافر على طريق الشرق وحصل له
مشتقات كثيرة ـ نسأل الله العافية ـ.
__________________
ودخلت سنة [١١١٨] ألف ومائة وثمانية عشر :
وكان غرة محرم
الحرام بالخميس.
ويوم الجمعة ثاني
الشهر : رحل أمير الحاج الشامي من طوى ، وتوجه إلى المدينة المنورة ،
وجلس بعده سليمان باشا يومين. فلما كان يوم الأحد رابع الشهر المذكور رحل ، وقصد ينبع ، ومنه إلى طريق مصر إلى العقبة ومنها إلى غزة ، ثم منها إلى دمشق الشام .
ولم يزل لكونه ما
أخذ الطريق المعتاد . وتوجه من مكة وفي ذمته للفقراء علوفة ثمانية عشر شهرا ،
وللتجار جانب من المال ـ ولا حول
__________________
ولا قوة إلا بالله
ـ.
وفي خامس عشر شهر
صفر الخير : رحل الحاج العجمي من الوادي ، ومشى على طريق الشرق.
وفي أواخر الشهر
المذكور : بلغ الشريف أن الشريف سعيد جمع جموعا من أشقياء العربان وقصده يدخل بهم
مكة. فأرسل إلى الأمير إيواز بيك ، وإلى الوزير عثمان حميدان ، وأخذ منهما من
الدراهم ما احتاج [إليه] ، وأصرف على السادة الأشراف معلوم نصف شهر ، وصبرهم بما هو
لهم من المنكسر ، وأصرف على العسكر جامكية شهر ، ثم شرط على السادة الأشراف : أن
من الآن يصرف عليكم الأمير إيواز بيك صاحب جدة ، والوزير عثمان حميدان كل شهر
بشهر.
فوافقوا على ذلك ،
ورضي الجميع بهذا.
وجملة المعلوم
إثنا عشر ألف شريفي منها : تسعة آلاف على الصنجق ، وثلاثة آلاف على الوزير عثمان
حميدان.
فتم الأمر على هذا
، إلى أن توجه الصنجق إلى مصر المحروسة ، وهو يسلم ذلك من تحت مداخيل البندر مما
يخص الشريف.
وفي يوم السبت غرة
ربيع الأول : برز عسكر الشريف إلى الأبطح ، ثم لحقتهم السادة الأشراف.
واستمروا في
الأبطح ، إلى أن عيّد الشريف عيد المولد في مكة ،
__________________
ثم توجه إليهم ،
وأقام السيد علي بن أحمد وكيلا عنه في الديرة.
وفي يوم الأربعاء
تاسع عشر الشهر المذكور : لحقهم الأمير إيواز بيك بمماليكه وعسكره.
ولما كان الشريف
في الشرقية ـ وهي بلاد ذوي جازان ـ على مرحلة من مكة ، ورد عليه الخبر هناك أن الشريف
سعيد دخل الطائف ، يوم الثلاثاء ثامن عشر ربيع الأول ، وأن قومه زهاء أربعمائة ،
من عرب مخلد وعتيبة والشلاويين ، وأنه لزم أهل الطائف وبعض من كان هناك من أهل مكة ، وأخذ
منهم جانبا من الدراهم.
فركب الشريف يوم
السبت ثاني عشر الشهر ، ودخل الطائف يوم الاثنين ، وفيها برز إليه الشريف سعيد إلى
جهة المليساء ، والكلّ [منهم] معتد للحرب ، ووقع بينهم الرمي بالبندق ساعة إلى أن حمي
__________________
الوطيس ، فانكسر
قوم الشريف سعيد ، وولى منكسرا.
فلما رأى الشريف
سعيد ذلك ، توجه هو ومن معه إلى محل يسمى ليه ، ومشى خلفه الشريف عبد الكريم ، والأشراف ، والأمير إيواز
بيك إلى المحل المعروف بالجال فردوهم بعد ذلك السادة الأشراف ، فرجعوا جميعا إلى الطائف.
وأرسل الشريف
المبشر إلى قائم مقامه ، يخبره بالواقع ، وبالنصرة.
ووصل المبشر مكة
يوم الأربعاء سادس عشر الشهر المذكور فألبس المبشر ،
ودق الزير ، وركزت / علامة النصرة في دار الشريف على جاري العادة ، وفرحت الناس بسلامة الجميع .
وفي هذا الشهر :
وصل نجاب من مصر المحروسة ، وأرسله قائم مقامه إلى الشريف بالطائف. ومضمون الكتب
التي وصلت صحبته :
__________________
أن مصر رخاء وسخاء
وأمن وأمان ـ لله الحمد ـ.
وفي هذا الشهر
أيضا : وصل بعض عرب عترة ، وأخبروا أن الحاج الشامي وصل إلى بلده بالسلامة ، إلا
أنه تحير في المدينة المنورة ، وجلس إلى إحدى وعشرين صفر ، والسبب لذلك على ما قيل
:
أنه في إيابه إلى
مكة ، حيره عرب عترة أربعة أو خمسة أيام في العلا ، وأخذوا من صرّ سنتين اللتين مضتا في زمن خاله بيرم أغلى
وسنته هذه ، وأنه مسك منهم ستة أنفار ، ووضع فيهم الحديد ، ووصل بهم إلى المدينة
المنورة ، وحبسهم في القلعة إلى أن حج ورجع. فوجد جماعة من عترة قد وصلوا إلى
الجرف ـ طرف المدينة ـ. فخرج شيخ حرمها وأغوات العسكر ، وأصلحوا بينهم ، وكتبوا على
العرب حجة بأنه ما يقع منه شيء من الضرر على الحجاج ، ولا يعترضوا أحدا منهم ، فتم
الأمر على ذلك وتوجه بالسلامة.
فهذا هو السبب
المحير له على ما يروى ـ والله أعلم بحقيقة الحال ـ.
وفي يوم الجمعة
سادس عشر ربيع الآخر : وصل بعض عسكر الشريف إلى مكة ، واستمر البعض عنده.
وفي هذا الشهر : تشكى الشريف بعض كل ، ولحقه شدة ،
__________________
[ثم] منّ الله عليه وحفّه باللطف ، فحصل الشفا ـ لله الحمد
والمنة ـ.
ودخل شهر جمادي
الأولى والثانية وهو بالطائف. واستمر الأمير إيواز عنده نازلا في المثنى ببستان السيد أحمد بن سعيد ، ببعض مماليكه وعسكره وأتباعه
على مائها ومرعاها ، والجميع في أوج الأنس الماكن والتنزة في الجنان
والمآثر وسائر تلك الأماكن.
ودخل شهر رجب
الفرد الحرام :
ولما كان يوم
الأربعاء الخامس ، منه : رحل الصنجق من الطائف هو ومن معه من المماليك والعساكر
والأتباع ، وخرج لخروجه بعض السادة الأشراف ، ومشوا معه إلى خارج البلاد ، ثم
رجعوا وأخذ طريق اليمانية ، واجتمع بمولانا السيد زين العابدين بن إبراهيم في نبا ـ وهو
على مرحلة من الطائف إليها ـ ومشوا صحبته إلى مكة.
وفي يوم الأحد
تاسع الشهر المذكور : دخل الأمير إيواز بيك في موكب عظيم ، وقدامه عساكره وأتباعه
، وأغوات السبع بلكات ، إلى أن وصل داره وجلس للناس ، فأتاه السادة الأشراف
والعلماء والفقهاء ،
__________________
وسائر أرباب
المناصب والوظائف ، وسلموا عليه ، واستمر بمكة.
ولما كان يوم
الخميس سابع عشرين الشهر : وصل مورق من جدة إلى الصنجق ، يخبره بأن واحدا من
أتباعه وصل صحبة المراكب ، ومعه كتب مضمونها :
«أن أخبار مصر سارة ، قارة ، وأمن ، وأمان ، وسخاء ، ورخاء».
ـ لله الحمد والمنة ـ.
وفي يوم الأحد
ثاني عشرين شهر شعبان : وصل نجاب ، وأخبر :
أن القفطان الوارد
لحضرة الشريف ، ورد مصر صحبة الأغا.
وأخبر أيضا بأن
محمد باشا عزل عن مصر ، وتولى علي باشا ، وأن أخبار مصر سخاء ، ورخاء
، وأمن ، وأمان .
وفي رابع عشر
الشهر المذكور : شدّ الأمير إيواز بيك من مكة ، وتوجه إلى بندر جدة المعمورة.
ثم دخل شهر رمضان
المعظم.
وفي يوم الأربعاء
سادس عشر الشهر سنة [١١١٨] ألف ومائة وثمانية عشر : / وصل الشيخ تاج الدين القلعي من
اسطنبول متوليا الإفتاء ، وكان وصوله ظهر اليوم المذكور ، جاء على مصر ، ومنها إلى
__________________
ينبع صحبة المراكب
، [ثم طلع] واستعمل لنفسه نجابا ، ومشى من ينبع إلى مكة في ثلاثة أيام ، وظهر يوم الرابع وصل مكة ، وطاف
وسعى ، ثم توجه إلى مولانا الشريف السيد علي بن أحمد قائم مقام حضرة الشريف ،
وبيده الأمر السلطاني المتضمن :
عزل المفتي عبد
القادر عن الإفتاء وتوليته .
فبعد أن وقف عليه
قائم مقام الشريف ، أرسل صحبته بعض جماعته إلى القاضي ، وأشرفوه على الأمر ، وسجله
في المحكمة.
وهذا انعكاس
الزمان ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، واليه المشتكى وهو المستعان.
وفي غرة شهر شوال
: وصل نجاب من مصر المحروسة والناس في صلاة العيد ، وتوجه رفيق النجاب إلى جدة
بمكاتيب الأمير إيواز بيك ومضمون الكتب :
«أن قفاطين حضرة الشريف وصلت مصر صحبة الآغا ، وأن البلاد
أمان وسخاء ورخاء ـ لله الحمد والمنة».
وفي يوم الأحد
حادي عشر الشهر المذكور : وصل مولانا الشريف
__________________
عبد الكريم ، هو
ومن معه ، من السادة الأشراف والعساكر والعبيد والأتباع ، المنحنى ، ونزل بستان الوزير عثمان حميدان ، واستمر إلى بعد المغرب ، ونزل
المسجد ، وطاف وسعى ، وتوجه إلى بيته ، وسلم على والدته الشريفة ، وعلى أهله ،
وعاد إلى البستان.
وأصبح يوم الاثنين
لم يتخلف أحد من الوصول والسلام عليه وعلى من معه من السادة الأشراف.
واستمر يومين.
ويوم الأربعاء عاشر الشهر المذكور : دخل البلد بالآلاي في الموكب العظيم ، ومعه
السادة الأشراف والعساكر إلى بيته.
وفي يوم الأحد
ثامن عشر الشهر : وصل الأمير إيواز بيك من جدة ، وسلم على مولانا الشريف ،
ثم وصل إليه ثانيا ، واجتمع به لأجل مصالح أخرى ، واستمر بمكة إلى ثاني شهر ذي القعدة
، ونزل جدة.
ودخل موسم هذه
السنة .
وفي يوم الأحد غرة
ذي الحجة الحرام : وصل الصنجق من جدة.
وفي هذا الموسم :
وصل أغاة القفطان صحبة الحاج الشريف المصري برا ، وقد تقدم قريبا أنه وصل مصر في
شعبان ، واستمر فيها إلى زمن الحج ، ومشى صحبته ، وهو رجل عظيم في غاية الوقار
والاحترام من أركان الدولة العلية ، واسمه محمد أغا ، خاص سجي باشا سابقا.
__________________
وفي رابع ذي الحجة
الحرام دخل مكة بالآلاي والموكب الأعظم من الحجون ودخل الحرم ، وقد فتح البيت
الشريف وفرش الحطيم ، وجلس حضرة الشريف ، والسادة الأشراف ، والقاضي ، والمفتيون ،
والعلماء ، والفقهاء ، وشيخ الحرم المكي.
ووصل الصنجق من
جدة في هذا الموسم الأمير إيواز بيك ونائب الحرم ، وكل من له عادة في الحضور ،
ووصل الأغا ، وألبس حضرة الشريف القفطان السلطاني ، وتقلد بالسيف المرصع الوارد
صحبة القفطان من الدولة العلية ، وألبس الشريف أغاة القفطان فروا سمورا ، وألبس الصنجق فروا سمورا ،
وألبس كل من له عادة في اللبس على ما جرت به العادة من القوانين ، وقرئ المرسوم السلطاني ، وكان القارئ له صاحبنا الشيخ عباس
المنوفي ، ومضمونه :
[بعد] الدعاء ، والثناء ، والوصاية على السادة الأشراف ، والحجاج
، والزوار ، والرعايا والتجار :
«يكون في معلومكم أن الحجة والمحضر المرسلة من طرف أهالي / ٣٧٣ مكة المشرفة وصلت ، وبعدها وصل
/ أيضا من طرفكم ، مكتوب بالصداقة مصحوب ، وعروضات إلى باب دولتنا ، فعرض
على سرير سعادتنا خلاصة مفهومها ، فاستدلينا بذلك على حسن سيرتكم ، وصفاء
__________________
طويتكم وسريرتكم».
وأطنب بعد هذا في
المرسوم غاية الإطناب ، ثم بعد زيادة الاعتناء واللطف والتعطف ، ذكر :
«قد وجهنا إليكم جميع ما طلبتم ، ومن جملة ذلك ما كان متعينا
من طرف متصرفي بندر جدة للشريف سعيد ، وهي الأربعون كيسا ، وما كان أيضا معينا
لجوهر تابع المشار إليه خمسة أكياس من عشور سفائني الهند ، يكون مجموعه خمسة
وأربعون كيسا ، تستعينون بها على مصالحكم وتقوية أمركم ، عناية منا بكم ، وإحسانا
إليكم.
وقد أرسلنا إلى
شيخ الحرم المكي وصنجق جدة قدوة الأمراء ، عرض دام مجده وعزه بالأمر ، وأنهينا
إليه في دفع المبلغ المرقوم إليكم في كل سنة بسنتها تستلمون ذلك منه ، ومن كل
متصرف على بندر جدة ، وتصرفونه في مصالحكم».
إلى آخر ما ذكر في
المرسوم.
ولما كان يوم
الخامس من ذي الحجة : دخل الحج المصري مكة.
وفي هذا الموسم :
حج إيواز الكبير الوزير والد الصدر الأعظم علي باشا صاحب جدة.
ويوم ستة : عرض
الشريف على جري عادته بالآلاي الأعظم والموكب وتوجه إلى المحل المعتاد للقاء الأمراء ، ولبس
القفطان الوارد صحبة أمير الحاج غيطاس بيك.
ويوم ثمانية : كذلك لأمير الحاج الشامي ، وركب بالآلاي
__________________
والموكب المعتاد ،
ولبس القفطان الوارد معه. وكان أمير الحاج في هذا الموسم [الوزير] سليمان باشا صاحب جدة سابقا ، والوقائع المتقدم ذكرها في
السنين الماضية .
ورجع الشريف إلى
بيته ، ودخل سليمان باشا بالمحمل والآلايات من الحجون على القانون .
ثم طلع الشريف ،
وحج بالناس على عادته ، وكانت الوقفة بالسبت.
فلما كان بعرفة ،
وذلك المجمع في الموقف [الشهير] العظيم ، وأرادوا النفر ، حصل بين المحملين مشاجرة في التقدم وعدمه ، أوجبت المراماة بالرصاص مع أن القانون القديم أن التقدم لأمير الحاج
المصري ، وفي هذا الزمان طلب باشات الشام الزائد المخلّ بالقواعد
، بسبب هذا يقع الفساد والفزع للعباد في مثل هذا الموقف الذي يأمن
فيه الخائف.
ـ نسأل الله اللطف
في جميع الأمور ، ولزوم الأدب مع الأمراء
__________________
والمأمور ـ.
ثم لما رأى حضرة
الشريف ذلك ، أرسل للأشراف ، وفرق البعض منهم إلى الأمراء لتسكين الفتنة ، والبعض
منهم لحفظ الحجاج الذين تجرعوا كؤوس المشقات ، حتى وصلوا إلى الجهات ، [وتخلف هو بنفسه عن
معتاده في النفر إلى بعد العشاء] وهو واقف بعرفة في موقفه ، فسكنت الفتنة.
ثم توجه الشريف
وأبقى بعض الأشراف في الموقف ، إلى أن شد الحاج كله ، ولم يبق من أهل مكة أحد ،
فإنهم يتأخرون عادة عن الحجاج ، فجزاه الله خيرا عن المسلمين.
وفي هذا الشهر :
وصلت المراكب الهندية إلى بندر جدة وعدتها سبعة.
فلما كان يوم
الجمعة ثالث عشر ذي الحجة : أتم الأمير إيواز بيك نسكه ، وأراد النزول إلى جدة
لينجل المراكب الواردة لأجل تدارك الموسم ، فتعرض له عسكر سليمان باشا ، ومنعوه من
النزول ، فأرسل لأمير الحاج غيطاس بيك أن يحضر هو وعسكره وجماعته ، فتوجه إليه
بكامل أتباعه ، ووصلوا إلى الشريف وعرفوه بالواقع ، وطلبوا الباشا يحضر مجلس
القاضي / لأجل سماع الدعوى عليه ، ولأي شيء منع الوزير / ٣٧٤ إيواز بيك من نزوله
جدة ، وقامت الغوغاء.
__________________
فأرسل حضرة الشريف
والمفتي والشيخ الشيي ، وجماعة آخرين إلى الباشا يعرفهم بمطلوب الصناجق ، وأن
القصد من ذلك الصلح والتوفيق من الجميع ، واستماع الدعوى.
فتكررت الرسل إليه
بذلك ، إلى أن وافق ، وأرسل وكيلا عنه في سماع الدعوى سقي باشا .
فأرسل حضرة الشريف
، وأحضر عنده قاضي الشرع ، وأمين الصرة ، وأغا القفطان ، والمفتيين ، وبعض العلماء
، وحضر عمر أغا بن نعمة الله أغاة الإنقشارية وكيلا عن شيخ الحرم المكي إيواز بيك
، وحضر أغاة المتفرقة مصطفى آغا وكيل الباشا ، وأرادوا الدعوى عليه فامتنع وعزل
نفسه عن الوكالة. وقال :
«صاحب الدعوى الباشا ، فأرسلوا إليه يحضر إليكم».
فأرسلوا إليه ،
وعرفوه بالواقع.
فأرسل يقول لهم :
«معي أمر سلطاني بمحاسبة إيواز بيك فأرسلوه [إليّ] يحاسبني».
فامتنع الصنجق من
ذلك ، وقال :
«بل ينزل إلى مجلس القاضي ويسمع الدعوى».
واستمروا في القيل
والقال وعدم الوفاق ، من ثالث عشر ذي الحجة إلى تاسع عشرة.
ثم وفق بينهم حضرة
الشريف على أمر ارتضاه الجميع ، وحصل
__________________
الصلح. لله [الحمد] والمنة.
ففي ليلة تاسع عشر
ذي الحجة : توجه الأمير إيواز بيك إلى جدة ، ونزل صحبته كل من له حاجة إلى جدة في
المراكب.
ولذلك حصل الصلح
بين الباشا وأمير الحاج غيطاس بيك ، وركب كل منهما ، وأتى صاحبه وأزالوا ما كان في
النفس ، وتهادوا وصفيت الخواطر ـ لله الحمد والمنة ـ.
وفي يوم الجمعة
عشرين من ذي الحجة : نزل الباشا [من] طوى بجميع أثقاله وعسكره ، وبات هو في البلد ، وأصبح توجه
إلى طوى ، وجلس يومين ، ثم رحل.
وفي يوم الخميس
سادس عشرين الشهر المذكور : وصل الأمير إيواز بيك من جدة ، واجتمع هو وحضرة الشريف
وقاضي الشرع وأمير الحاج غيطاس بيك ، ووالد الوزير في مقام الحنبلي ، وأرسلوا للشيخ محمد الشيي وفتح الكعبة
الشريفة ، وأشرفوا على ما يحتاج إليه من العمارة والترميم في الخشب وغيره.
وفي يوم السبت
ثامن عشرين الشهر : رحل الحج المصري [بالسلامة].
__________________
وفي هذا الموسم :
توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة العلية يوسف أفندي شيخ القراء صحبة الحاج
المصري) .
__________________
ودخلت سنة ١١١٩
تسع عشرة ومائة وألف :
وكان غرة محرم
الحرام بالاثنين .
وفي يوم الأربعاء
سابع عشر : وصل مورق لحضرة [مولانا] الشريف من المدينة المنورة في مسك رجلين من أهلها. والسبب
في ذلك : أن شيخ الحرم ورد إليه فرمان سلطاني بوضع الشمامة في الحجرة الشريفة ،
لأن حين أرسلها شاه العجم امتنعوا من وضعها. فلما بلغ الشاه ذلك ، أرسل إلى السلطنة
العلية ، وجعل الشمامة هدية منه إليهم ، والتمس منهم أن يضعوه في الحجرة المطهرة الشريفة باسمهم ، فأرسلوا هذا الفرمان بالإذن في
وضعها.
فاجتمع علماء
المدينة وخطباؤها وأكابرها ، وشيخ الحرم المتولي حالا ، محمد آغا ، والمعزول
أحمد آغا ، وقاضي الشرع المتولي ، والمعزول ، والوزير سليمان باشا أمير الحج
الشامي ، وغيطاس بيك أمير الحج المصري ، وجمع من المسلمين ، وقرئ الفرمان بحضرة
ذلك الجمع.
فبعد تمام القراءة
أخذ خازندار الحرم المفاتيح ، وفتح قبة الزيت ، وأخرج الصندوق الذي وضعت فيه / تلك
الشمامة ، وفتحوه ، فوجدوه خاليا ، فتعجب الحاضرون من ذلك ، وحصل لهم غاية التعب ،
لأنها
__________________
مقومة بمال كثير ،
نحوا من أربعين ألف أحمر ، لكونها مرصعة بالفصوص من الألماس واليواقيت وسائر أنواع
الجوهر ، ولها قوائم من الذهب وجوفها مملوء من العنبر ، وهي في غاية الصنعة
والحكمة.
ونسبوا شيخ الحرم إلى التقصير في حفظ مهمات الحرم النبوي ، وشاع هذا الأمر
عند الخاص والعام ، فأتى بعض الناس إلى شيخ الحرم ببعض فصوص من الياقوت والألماس
وقال له :
«أنظر هذه الفصوص لعل فيها شيء من فصوص الشمامة ، فإني
اشتريتها من فلان أغا تابع الخزندار».
فلما علم الأغا
البائع لهذه الفصوص أن الأمر انكشف ، اختفى جهة العوالي .
فمسكوا اثنين من أصحابه
، وقرروهم ، فأقر أحدهما بأن الأغا الذي باع الفصوص اختفى بالمحل الفلاني بالعوالي
، فمسكوه ، وأتوا به إلى شيخ الحرم ، فأوجعوا الجميع ضربا ، فأقروا :
«بأننا أربعة أنفار الذين فعلنا هذا الأمر اثنان من الأغوات ، واثنان من المستورين ، وسموهم له ، وأن
هذا الفعل وقع في العام الماضي
__________________
في زمن الموسم ،
حين مكث عبد الرحمن باشا أمير الشامي ، وطال جلوسه وتحيره في البلد نحو شهر زمان ،
فجعلنا مفتاحا لقبة الزيت ، ومفتاحا للصندوق الذي فيه الشمامة ، لأن
أبواب الحرم مدة إقامة الحاج بالمدينة مفتحة بالليل والنهار. هذا هو السبب.
فأرسل مولانا
الشريف واجتهد في إحضار الرجلين ، فأحضرهما بين يديه ، وقررهما ، ثم أرسلهما إلى
قائده الحاكم القائد هتان بن مطر ، فشدد عليهما ، فأقرا ، ووجدا عندهما جانبا من الفصوص ، فجمعها حضرة الشريف وربطها بحضرة القاضي ، وختمها سيد الجميع بختمه.
ثم لما كان يوم
السبت سابع عشر الشهر المذكور : أرسل الرجلين والحديد في أعناقهما ، صحبة المرسول الذي جاء في طلبهما ، وأرسل معه ما تحصل من
الفصوص إلى شيخ الحرم محمد أغا.
وقد كانوا كتبوا
محضرا وأرسلوه إلى الأعتاب العلية بتعريف الواقع ، فجاءهم الجواب في شهر رجب من
هذه السنة بعزل شيخ الحرم والنائب وحبسهما.
__________________
ولمولانا السيد
عمر ابن مولانا السيد علي السمهودي مفتى السادة الشافعية بالمدينة المنورة رسالة
مستقلة في هذه الواقعة.
وفي يوم الثلاثاء
ثاني عشر شهر صفر الخير : وصلت المراكب الهندية إلى بندر جدة ، ووصلت الأخبار
بصحبتها ، بأن أورنك زيب سلطان السند انتقل إلى رحمة الله تعالى ، ثامن عشر شهر ذي
القعدة من السنة التي قبلها . وجلس مكانه في التخت ابنه الأكبر عالم شاه ، وكان والده ـ
سامحه الله ـ في غاية من الزهد والورع من أهل السنة والجماعة ، مكث في السلطنة زهاء
من خمسين سنة وله حسنات وخيرات ومرتبات لأهل الحرمين الشريفين جارية إلى الآن ، تغمده الله برحمته ورضوانه ، وأسكنه أعلى فراديس جنانه بمنه وكرمه آمين ـ.
وخلف من الأولاد
الذكور ثلاثة : عالم وأعظم شاه ، وكم
__________________
بخش .
فعالم شاه تولى بعد جلوسه في مكان أبيه بأشهر ، ركب على أخويه
فقتلهما. وهو وأعظم شاه في غاية من الرفض والمخالفة لأهل السنة والجماعة.
وأما الثالث وهو
كم بخش ففي غاية من العلم والزهد والورع ، ومحب للعلماء من أهل
السنة والجماعة ـ فرحمهالله ، وسبحان الحي الذي لا يموت أبدا ، وهو الفعال لما يريد ـ.
وفي يوم الثلاثاء
سابع عشرين ربيع الأول : تفرق ستة من الأشراف من ذوي عبد الله وتعرضوا في هذا
اليوم / لحمارة الطائف في عرفة وأخذوهم.
فجاء الخبر لحضرة
الشريف نصف الليل ، ففزع من ساعته هو والأشراف ، وتخلف السيد سليمان بن أحمد لحفظ
البلد ، فأدركهم الشريف ، وقطع رؤوس ثلاثة من جماعتهم ، ورد جميع ما أخذوه ، وأرسل
بالرؤوس المقطوعة إلى مكة للأمير إيواز بيك.
ودخل الأشراف
الفعالة على السيد عبد المحسن بن أحمد ، فأدخلهم.
__________________
وأصبح ثاني يوم
دخل حضرة الشريف مكة عند المغرب.
وفي هذا اليوم وهو
يوم الثلاثاء المذكور : ورد نجاب من مصر المحروسة ، ووصلت صحبته مكاتيب للناس
ومضمونها :
«إن إسماعيل بيك دفتر دار مصر انتقل إلى رحمة الله تعالى في
شهر محرم الحرام من هذه السنة ، وأقاموا مكانه الأمير إيواز بيك ، إلى أن يأتي خبر
الدولة العلية بإنعامهم لها على من أرادوه.
وأخبروا أن مصر في
غاية الرخاء والأمن والأمان ـ لله الحمد والمنة ـ.
وفي يوم الجمعة
عشرين في جمادى الأولى :
«ورد أيضا نجاب من مصر المحروسة إلى [الأمير] إيواز بيك وصحبته مكاتيب للتجار والوكلاء مضمونها :
«إن البن في هذا العام كاسد ، فلا ترسلوا منه شيئا.
والسبب في ذلك أنه
ورد فرمان سلطاني مضمونه :
أن لا يباع البن
على الفرنج بمصر.
فامتنع التجار من البيع عليهم ، فهذا هو الموجب لكساده».
وفي يوم الأحد
ثامن عشر جمادى الآخرة : دخل الشريف سعيد
__________________
الطائف ضحوة
النهار ، فطلب الضيفة من أهلها ، فجمعوا له شيئا وقدموه له ، ومسك جماعة من أهل الطائف وأهل مكة ، وأخذ منهم جانبا من
الدراهم.
فبلغ الشريف ذلك.
ففي يوم الثلاثاء
سابع عشر رجب : برز إلى المنحنى في بستان الوزير عثمان حميدان قاصدا الطائف
لمدافعة الشريف سعيد.
وفي يوم الأحد
عشرين في رجب : ورد مورق من المدينة المنورة ، يخبر أن يوم ثاني عشر الشهر المذكور
وصل إليها قايقجي من الأعتاب العلية ، وصحبته فرمان سلطاني مضمونه :
«عزل شيخ الحرم ونائبه وحبسهما ».
واجتمع القاضي
وأغوات العسكر وأكابر أهل المدينة ، وقرأوا الفرمان.
فبعد القراءة
عزلوهما ، وحبسوهما ، وأقاموا مقامهما اثنين من الأغوات إلى أن يصل المتولي من
السلطنة العلية.
واستمر شيخ الحرم
المعزول ونائبه في الحبس إلى سنة ١١٢٢ ألف ومائة واثنين وعشرين ، فجاءهم العفو
صحبة باشة جدة إبراهيم باشا ، فأطلقوهما.
وفي يوم الأربعاء
تاسع عشرين رجب : ورد نجاب من مصر المحروسة لحضرة الشريف عبد الكريم بمكاتيب ،
مضمونها :
__________________
«ان جميع ما أرسلتم في طلبه من السلطنة العلية ، تم وفق المراد ، وأن المراسيم السلطانية وصلت إلى مصر صحبة
أغاة القفطان مصطفى أغا قايقجي باشا أحد أركان الدولة العلية ، وهو رجل كبير في
غاية من الرئاسة والوقار.
وأخبر أيضا أن
إبراهيم بيك الكبرلي أمير الحاج سابقا ، أنعم عليه حضرة السلطان
بالدفتر دارية فصار دفتر دار مصر ، وعزل أيوب بيك عنها ، لأنه كان قائم مقام إلى
أن يصل خبر من السلطنة.
وأخبر أيضا أن
سليمان باشا عزل عن الشام ، وأعطى بلدة تسمى وان ، وهي آخر مملكة العثمنلي مما يلي بلاد العجم.
وأن الشام صارت
ليوسف باشا ، وإمارة الحج الشامي لحسن باشا ابن القواس.
وأخبر أيضا أن
السيد يحيى باشا بن الشريف بركات جاءه أمر سلطاني بالإذن بالتوجه إلى مكة ، حكم ما
طلبتم في عرضكم /».
ووصل صحبة هذا
النجاب مكاتيب للشيخ تاج الدين القلعي مضمونها :
«انك عزلت عن الإفتاء».
وتولاها المفتي
عبد القادر بن أبي بكر أفندي بعرض حضرة
__________________
الشريف.
وفي يوم السبت
ثالث عشر شهر شعبان : وصل نجاب من حسن باشا أمير الحج الشامي بمكاتيب لحضرة الشريف
وللأمير إيواز بيك مضمونها :
«المحبة والتودد مع السؤال عن حالهما ، والتوصية بحسن النظر
إلى من يصله من أتباعه إليهما ، وإخبارهما بأنه أنعم عليه بأمارة الحج الشامي».
ووصل أيضا صحبة
النجاب مكاتيب من الباشا لموسى أغا ناظر الخاصكية المعروفة بدار الشفاء ومضمونها :
«الوكالة في استلام ما يصل من ذخائره في البحر ، وبمشترى ما
يحتاج إليه من علف ومصالح ومهمات ، وغير ذلك».
ووصل صحبة هذا
النجاب خبر موت سليمان باشا ، وأنه حين وصل وان البلدة التي توجه إليها ، انتقل
إلى رحمة الله تعالى ، فسبحان الحي الذي لا يموت أبدا.
وفي يوم الأربعاء
سابع عشر شهر شعبان : ركب مولانا الشريف ، وتوجه إلى الطائف ، بقصد إصلاح ما وقع
فيه من فساد أشقياء العربان ، عند دخول الشريف سعيد والأشراف الجلوية.
وركب معه السادة
الأشراف والعساكر ، فوصل الطائف ، فوجد [الشريف سعيد قد خرج منه ، فمشى خلفه] فوجده نزل ديرة مخلد ـ
__________________
قبيلة من عتيبة ،
بينها وبين الطائف ثلاثة أيام ـ.
ونزل الشريف أيضا
مقابلا له وأراد الركوب عليه ، فمنعه السادة الأشراف بحسب قواعدهم بأنه :
«بعد أن رحل مالك عليه ركوب».
فرجع الشريف ونزل
الأخيضر.
وفي يوم تاسع عشر
شهر رمضان المعظم : وصل من مصر المحروسة برا مولانا السيد يحيى باشا ، ابن الشريف
بركات ، إلى وادي مرّ الظهران بأهله وأتباعه ، وصحبته يوسف أفندي شيخ القراء ،
واجتمعوا بأغاة القفطان في ينبع لأنه كان في المراكب ، ومشوا صحبته من ينبع إلى الوادي.
فلما كان يوم
الثلاثاء ثامن شهر شوال : دخل مكة السيد يحيى باشا ، وصاحب القفطان بآلاي في
الموكب العظيم بسائر العساكر ، على القانون المعتاد عند دخول الأمر السلطاني ، صحبة الآغا ، إلى أن وصلوا باب
السلام ، ودخلوا المسجد الحرام ، ووضعوا الأمر السلطاني والقفطان في جوف مقام
سيدنا إبراهيم الخليل ، بحضرة الأعيان والخاص ، والعام ، من السادة
والأشراف والعلماء وغيرهم.
ثم ركب مولانا
السيد يحيى وأغاة القفطان من باب السلام ،
__________________
ومشوا على طريق
سويقة ، فنزل السيد يحيى في بيت دار جعفر ، لأنه أعده سكنا ، ونزل أغاة القفطان
عند الوزير عثمان حميدان ، ودخل السيد يحيى في زي الأروام بالقاووق على رأسه ، واستمر به هكذا.
فوصل جميع أهل مكة
من الأشراف والعلماء والفقهاء ، والأمير إيواز بيك ، وسائر العساكر وغيرهم ،
وسلموا عليه وهنوه بالسلامة.
وقابلهم بالمقابلة
الحسنة اللائقة به ، ونزل الرؤوس منازلهم ، فشكروه على ذلك ، ووصلت إليه
الهدايا من سائر المحبين ، وألبس الأمير إيواز بيك فروا سمورا عند قيامه ليرد السلام عليه.
وفي يوم الاثنين
تاسع عشر شوال : وصل مولانا الشريف عبد الكريم مكة ونزل ببستان الوزير عثمان
حميدان ، وطلع إليه بياض من الناس ، ولم يتخلف أحد وسلموا [عليه] ، وطلع إليه أيضا السيد يحيى ، وسلم عليه واجتمع به. وهذا
أول اجتماع حصل بينهما ، والشريف عبد الكريم شريف مكة ، واستمر عنده في البستان
إلى بعد المغرب ، ونزل هو وإياه ، ثم طاف / حضرة الشريف وسعى ، وطلع السيد يحيى بن
بركات [في] بيت الحارث وسلم عليه ، وجلس عنده.
وأرسلوا للشيخ
محمد الشيي ، وفتح المقام ، ونزل معه أغاة القفطان ، وأخرجوا الأمر السلطاني ،
وسلمه الأغا لمولانا الشريف ،
__________________
فأعطاه لصاحبنا
الشيخ عباس المنوفي ، ومصطفى أفندي ديوان كاتب ، وعربوه ، وردوه إلى محله. واستمر
الشريف عند السيد يحيى لنصف الليل ، وطلع إلى البستان وجلس فيه يومين.
فلما كان يوم
الخميس ثاني ذي القعدة : دخل بآلاي الأعظم ، في الموكب العظيم ، بالعساكر والأغوات
والسادة الأشراف جميعا ، وقد فتح البيت الشريف ، وفرش الحطيم ، وحضر الأمير إيواز
بيك وقاضي الشرع وكذا المفتيون والعلماء والفقهاء ينتظرون مولانا الشريف. فعند
وصوله تقدم السيد يحيى بن بركات ، وصاحب جدة إيواز بيك ، وتلقوه إلى أن وصل ذلك
الجمع على جاري عادته ، وتقدم الشيخ محمد الشيي وفتح المقام ودخل الأغا ، وأخرج
الأمر السلطاني ، والقفطان والسيف المرصع ، وألبس حضرة الشريف القفطان بالفرو
السمور ، وتقلد بالسيف الهنكاري ، وألبس السيد يحيى ، وشيخ الحرم المكي إيواز بيك
وقاضي الشرع ، وأغاة السلطان بالقفطان أربعة من الأفرية السمور ، وألبس حضرة
المفتي ، والسيد أحمد نائب الحرم ، والشيخ محمد الشيي وابن أغاة القفطان أربعة من
الأفرية القاقم ، وألبس صاحبنا [الشيخ] عباس المنوفي قفطانا ، وكذلك مصطفى أفندي ، ديوان كاتب ،
وسائر الأغوات ، وأصحاب الأدراك ، وكل من له عادة في اللبس.
ثم قريء المرسوم
السلطاني على ما جرت به القوانين المعتادة من الثناء والتوصية وغير ذلك.
__________________
وبعد تمام القراءة
دخل أغاة القفطان الكعبة المشرفة ، هو وأتباعه ، وتوجه مولانا الشريف إلى داره
السعيدة وجلس للتهنئة. فطلع إليه الناس وسلموا عليه ، وباركوا له ، ولم يتخلف أحد.
وكان يوم عظيم.
وفي يوم السبت
رابع ذي القعدة : اجتمع مولانا الشريف السيد يحيى بن بركات ، وشيخ الحرم المكي
إيواز بيك ، وقاضي الشرع الشريف ، وأصحاب الأدراك من السبع بلكات ، وبرزوا إلى
الأسواق والأزقة ، وشرعوا في هدم الدكك التي قدام الدكاكين والبيوت ، والظلل
والأشرعة ، وجميع الزوائد الحادثة ، والمباسط التي في الطرق والأسواق. ومن جملة ما
هدموه خارجة محمد السرطلي التي أحدثها قدام بيته بإذن من الشريف سعيد وكان هدمها
ليلا على المشاعل.
وجلسوا على هذه
الحال ثلاثة أيام. وفي كل يوم يركبون جميعهم ، ويأمرون الفعلة بالهدم ، وداروا
جميع الحارات والأسواق وشوارع مكة ، حتى ما أبقوا شيئا ، وحصل بذلك غاية السعة في
جميع الأماكن وبالخصوص المسعى ، فإن في زمن الموسم يحصل بذلك على الحجاج غاية
المشاق .
فلما حصل هذا
الأمر استراح الناس بذلك ، والسبب لذلك ورود الأمر السلطاني به.
وفي آخر الشهر
المذكور : حضر شيخ الحرم الأمير إيواز بيك ، والسيد يحيى بن بركات
وقاضي الشرع ، وأحضروا بعض المعلمين ،
__________________
وقلعوا خدود باب
الكعبة ، والطراز الذي من الذهب الحائف ، فوجدوا فيه شيئا كثيرا ، فأصلحوه ، وطلوا الخدود بالذهب
وكتبوا على الطراز تاريخا ذكروا فيه :
«أنه تجديد السلطان أحمد خان نصره الرحمن». وحضر عند تركيبه
حضرة مولانا الشريف عبد الكريم ، وجميع من تقدم ذكرهم ، وأغاة القفطان أيضا ،
وركبوه على الوجه المطلوب ، وصار الباب يفتح بسهولة من غير تعب.
ودخل موسم هذه
السنة وكان غرة ذي الحجة بالخميس.
وفي اليوم السادس
منه : دخل الحاج المصري مكة.
ويوم السابع : ركب
مولانا الشريف / بآلاي والموكب العظيم ، وعرض لملاقاة الأمير إلى المحل المعتاد ،
ولبس القفطان الوارد صحبته. وكان أميره حسن باشا الشهير بابن القواس المتقدم ذكره .
ثم حج مولانا
الشريف بالناس على جاري عادته في غاية الأمن والأمان ، ولم يحصل على أحد شيء من
الخلاف جملة كافية ـ لله الحمد والمنة ـ.
وكان حسن باشا هذا
في غاية [من] الوقار والكمال ، ولم يحصل منه ولا من عسكره ضرر.
وكانت الوقفة في
هذا العام بالجمعة ، وعند ذهابه إلى الموقف
__________________
الشريف حذر عسكره
وجماعته من التعدي وقلة الأدب ، ولم يأت إلى الموقف إلا بشرذمة يسيرة من العسكر والأتباع
لموجب :
أن حضرة الشريف
أرسل إليه في هذا اليوم صحبة السيد يحيى بن بركات وشيخ الحرم المكي الأمير إيواز
بيك ، وأمير الحاج غيطاس بيك ، الأمر السلطاني الوارد ، وقرأوه عليه ومضمونه :
«إن كل أحد يمشي على القواعد والقوانين السالفة».
فأجاب بالسمع
والطاعة ، وامتثل الأمر. ـ فجزاه الله خيرا عن نفسه وعن المسلمين ، فإن طلب الشر
قبيح ، وفي مثل هذا الموقف العظيم أقبح ـ.
ثم حج المسلمون في
غاية الأمن والأمان ، والرفاهية ، والإطمئنان ، وأتموا مناسكهم . ـ تقبل الله ذلك منهم وشكر سعيهم ـ.
ولما كان يوم ثاني
عشر الشهر المذكور : رحل الحاج المصري من مكة المشرفة على معتاده.
وفي هذا الموسم :
توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة العلية تابعه مصطفى أفندي ديوان كاتب ، صحبة
الحاج المصري.
وفي ثامن عشرة :
رحل الحاج الشامي ، وتوجه على معتاده ـ والله تعالى يحمل الجميع بالسلامة في السفر
والإقامة.
__________________
ودخلت سنة ١١٢٠
ألف ومائة وعشرين :
وكان غرة محرم الحرام بالسبت.
وفي يوم الاثنين
سابع منه : وقع بين عبيد السيد يحيى بن بركات ، وبين عسكر مصر ، وهم جماعة يوسف
كتخدا أغاة العزب ، هدة عظيمة بسبب سقا للسردار اعترضه بعض عبيد السيد يحيى ، وطلبه القربى ، فامتنع أن
يمشي معه ، فضربه ، فرآه بعض العسكر ، فضرب العبد ، ثم كل منهما جمع جماعته ،
وأتوا إلى بيت السردار واهتوشوا ، وقتلوا سراج الأغا ، فبلغ السيد يحيى ذلك ففزع ورد
عبيده.
وما كان من أمر
القتيل ، فأخذه العسكر إلى بيت السردار ، ثم أرسلوه إلى حضرة الشريف ، وعرفوه
بالواقع ، وطلبوا منه النصفة والغريم ، فأمهلهم إلى الصبح.
فبلغ العبيد أن
الشريف قصده يعطيهم القاتل ، فاجتمع عبيد السادة الأشراف وحلفاؤهم ، وخرجوا إلى
بركة ماجن يطلبون المقاومة مع العسكر ، وامتنعوا أن يسلموا واحدا من رفقائهم.
فركب إليهم السيد
عبد المحسن بن أحمد ، والسيد عبد الله بن بركات ، وخطئوهم في فعلهم ، وردوهم إلى البلد.
وأرسل حضرة الشريف
بعض العلماء إلى السردار والعسكر ،
__________________
يطيب خاطرهم
فأعادوا له الجواب ، وطلبوا الوجه الشرعي ، وأرسلوا إلى جدة يلتمسون من الأمير إيواز بيك وقاضي الشرع وأغوات العسكر ، يحضروا
إلى مكة لأجل الصلح بينهم. فوصل هو ومن في جدة من العسكر يوم الأحد ثالث عشرين
الشهر المذكور وطلع لحضرة الشريف ، واجتمع به ، وشكى عليه أمر العسكر ،
وما صار عليهم من العبيد ، فوعده الشريف بالغريم ، وطيب خاطره وخاطر السردار ، فطابت نفوس
الجميع ـ لله الحمد والمنة ـ.
وفي يوم الثلاثاء
ثالث شهر صفر : جعل حضرة الشريف مجلسا ، جمع فيه السادة الأشراف ، وشيخ الحرم
المكي إيواز بيك ، وقاضي الشرع وأغوات العساكر ، وتكلم مع السادة الأشراف بحضرة
ذلك الجمع ، وقال لهم :
«يا رفاقة ، قد رأيتم ضيق / المعاش ، وعدم مدخول البلاد ، وتعب الأشراف الذين ما لهم غير المعلوم ، وما هم فيه من الضيق ،
والقصد من ذلك ، أن كل من بيده جهة من الجهات ، أو من الرسوم أو الأخوان أو
المدخول ، يرده علي وأكون أنا المتصرف فيه ، وليس لكم إلا
__________________
تمام المعلوم من
الكيس».
فوافقوا جميعهم
على ذلك ، وقالوا :
«نحن معك في جميع ما رأيته صوابا».
وأول من وافق
وتكلم بهذا ، السيد عبد المحسن بن أحمد ، والسيد عبد الله بن بركات ، والسيد
سليمان بن أحمد بن سعيد ، وقرأوا الفاتحة على هذا الأمر ، وانقضى المجلس عليه.
وفي يوم الخميس
تاسع عشر الشهر المذكور : وصل كتاب من الحسينية ، من السيد عبد المحسن بن أحمد بن
زيد لعند حضرة الشريف ، مضمونه :
«بعد السلام الذي يحيط به علمكم الشريف أن الشريف سعيد وصل الحسينية ، ونزل على مبارك بن أحمد بن
زيد».
فعند وصول هذا
الخبر ، أحضر مولانا الشريف عسكره ، وطلب منهم المشي ، وواعدهم على يوم ، وأرسل أيضا لعسكر مصر ، فأجابوا بالسمع والطاعة
، وقالوا :
«نحن تحت الداعي».
وأرسل للأمير إيواز
بيك ، فأجاب كذلك.
فلما بلغ الشريف
سعيد ركوب الشريف ، أرسل إلى السيد عبد المحسن وطلب منه أن يأخذ له أجلة من الشريف
قدرها خمسة عشر يوما.
__________________
فوصل السيد عبد
المحسن مكة يوم الجمعة بهذا الطرف ، فوافق الشريف على ذلك.
فبعد مضي الأجلة ،
توجه الشريف سعيد إلى جهة اليمن .
وفي يوم الخميس
سادس عشرين الشهر المذكور : وصل مورق من الليث يخبر :
«أن الأشراف الجلوية صدفوا ثلاثة من الجلاب ، واصلة من اليمن
، وأخذوا جميع ما فيها من البن وغيره».
فأحضر الشريف
عسكره ، وعسكر مصر ، وعسكر الصنجق ، وبعض الأشراف ، وأخبرهم بما فعله الأشراف من
أخذ البن ، وقال :
«قصدي الركوب عليهم».
فأجابوا جميعا
لذلك ، وأرسل الصنجق عسكره ، وتخلف هو بإجازة من الشريف.
وأصبح ثاني يوم ،
برز الشريف بالجميع إلى بركة ماجن ،
__________________
وتوجه الشريف
قاصدا الأشراف الجلوية ، فحال بلغهم أن الشريف لحقهم ، بادروا لدفن البن الذي
أخذوه ، والبعض منهم أطلقوا فيه النار ، والبعض أودعوه ، والذي عجزوا عنه تركوه في
الساحل.
فجاء جماعة الشريف
عبد الكريم ، وأخرجوا جميع ما كان مدفونا ، وأخذوا كل ما لقيوه.
وأما السادة
الأشراف الجلوية ، فتوجهوا إلى ديرة بني سليم ، ونزلوا عندهم.
وما كان من الشريف
سعيد وابنه السيد عبد الله ، والسيد محسن بن عبد الله ، فتوجهوا إلى المخواة .
فوصل المبشر مكة
بهذا الخبر ليلة الثلاثاء ثامن ربيع الأول بعد المغرب ، وجاؤا إلى الأمير إيواز بيك في
المسجد خلف مقام الحنفي ، وأخبروه بالواقع من غير كتب ، فأعطاه البخشيش.
وثاني يوم وصل
المورق بالكتب لقائم مقام الشريف ، وللصنجق ، ومضمونها : «السرور إلى الجميع».
فدق الزير عند باب
الشريف ، وألبس المبشر ، وحصل بذلك غاية الهنا والفرح.
وفي يوم الأحد
ثالث عشر الشهر المذكور : وصل نجاب من مصر عند الباشا للأمير إيواز بيك ، في شأن
المركبين اللذين باتا في جدة ،
__________________
وتخلفا عن الوصول
صحبة المراكب لأي سبب ، وهما مركب سلمى ، ومركب حسين بك.
وأخبر هذا النجاب
، أن أخبار الحاج الشامي وصلت إلى مصر المحروسة / وأنه وصل إلى بلده بالسلامة ،
ويخبر أيضا :
أن الباشوات الذين
خرجوا لملاقاة الحج الشامي ، وقع بينهم وبين عترة وبين صخر قتلة عظيمة ، قتل منهم
شيخهم دبيس.
وفي يوم الأحد
سابع عشرين الشهر المذكور : وصل حضرة الشريف عبد الكريم إلى مكة من الليث ، لأنه عند
توجهه إلى السادة الأشراف الجلوية وصل إلى هذا المحل ، بلغه أنهم تفرقوا ، وشعثروا
جميع ما نهبوه ، والذي عجزوا عنه تركوه ، فجلس في الليث ، وأرسل جماعته حيث
أراد.
وفي غرة ربيع
الثاني : وقع بين الإنقشارية في بعضهم فتنة ، بسبب واحد منهم ، وتزايد بينهم القيل
والقال ، ولم يتفقوا على حال .
فاجتمع جماعة مع
هذا الشخص على أنهم يخرجون من بلكهم إلى بلك العرب ، ففعلوا ذلك.
فاشتدت الفتنة ،
وتطالبوا على قوانينهم فما حصل بينهم وفاق ، فطلعوا لحضرة الشريف ، ورفعوا إليه
أمرهم بجميع ما صار لهم ، فأظهر
__________________
لهم الشريف بروري
باشوي مضمونه :
«أن لا يخرج أحد
من العسكر من وجاقه إلى وجاق غيره».
وأرسله إلى القاضي
وسجله في المحكمة فثبت ذلك.
ثم ان حضرة الشريف
أمر أغاة المتفرقة ، أن يصلح بين العسكر بموجب هذا البروري المسجل ، وأن أغاة
العرب يرد جميع ما دخل في وجاقه من الإنقشارية ، فامتثل ، وردع كل شخص في محله ،
فطلب العفو لهم من أغاتهم ، فعفى عنهم ، وحصل الصلح على هذا.
وفي ثاني يوم :
وصل جماعة من حدة زهاء ثلاثين ، واجتمعوا بالعسكر ، وربطوا على نقض الصلح ،
وخروجهم من الوجاق ، وتوجهوا إلى أغاة العرب وطلبوا منه أن يكونوا في وجاقه. فما
قبلهم لوجب البيوردي الذي بيد حضرة الشريف. فبلغ هذا الفعل أغوات البلكات ، فوصلوا
إلى الشريف وأخبروه به.
فأرسل حضرة الشريف
، وأحضر قاضي الشرع ، والمفتيين ، وجميع الأغوات وأصحاب الأدراك ، فحضروا ثم التفت إليهم وقال لهم :
«أنتم جئتم من فوق
الأمر أو من تحته؟!».
فقالوا جميعا :
__________________
«بل جئنا تحت أمرك وطاعتك وفي خدمتك».
فقال :
«إذا كنتم كذلك ، فالقصد منكم أن متى وقع من العسكر ذنب أو
قلة أدب أو خلاف تخرجوه من الوجاق ، ويكون أمره إلي وأكون أنا المتصرف فيه ، وأطلع في حقه بكل ما يليق به. من نفي أو
حبس أو قتل».
فوافقوا جميع
الأغوات على ذلك وأجابوا بالسمع والطاعة.
وتم الأمر بحضرة
الجميع على هذا.
فلما بلغ العسكر
هذا المجلس ، وما وقع فيه من الإتفاق خافوا على أنفسهم ، واختشوا عاقبته ، فاجتمعوا فيما بينهم ، وأزالوا ما كان هناك من
الفساد والعناد ، وحصل تمام الرضا بذلك.
وفي يوم الأحد
عشرين الشهر المذكور : وصل مكة نجاب الحاج ، وأخبر أن مصر المحروسة في غاية
الأمن والأمان والسخاء والرخاء ـ جعلها الله دار السلام آمين إلى يوم الدين ـ.
وفي أواخر جمادى
الآخر : بلغ الشريف أن الشريف سعيد جمع جموعا ، وقصده مكة.
فأرسل رسلا من
طرفه إلى الجهة التي هو بها يكشفون له الخبر ، هل له صحة أم لا؟.
__________________
فلما كان يوم الخميس تاسع شهر رجب الفرد الحرام : وصل المراسيل ،
وأخبروا أن الشريف سعيد وصل بقومه إلى دوقة ، وهي ـ منزلة من مناهل اليمن ـ ،
وقصده مكة.
فأرسل الشريف بعض
إخوانه إلى مشائخ العربان ، من قريش وثقيف وهذيل وبني سعد ولحيان وعتيبة وبشر ، لأجل السير معه ، فوصل إليهم أخو الشريف ، وطلب منهم
المشي صحبته. فأجابوا لذلك ، فوصلوا جميعا / وألبسهم الجوخ على حكم القواعد ، وقال لهم :
«ارجعوا إلى بلادكم». وأوعدهم على وقت . وقال لهم :
«تحضرون عند وصول الداعي إليكم».
فامتثلوا أمره ،
وتوجهوا على هذا.
فلما كان يوم
السبت ثامن عشر الشهر المذكور : دخل مكة أول السيارات التي طلبهم مولانا الشريف وهم حرب وبشر. وكان
__________________
وصولهم قبل أذان
الظهر ، وعرض بهم أحد اخوان الشريف. ولم تزل العربان تجمع من سائر القبائل إلى يوم
الثلاثاء إحدى وعشرين الشهر المذكور.
وفيه : برز حضرة مولانا الشريف بآلاي والموكب العظيم ، ومعهم
إيواز بيك ، وعسكر مصر ، وعسكره ، ونزل أسفل بركة ماجن ، وأقام هناك إلى يوم تاسع عشر ، وركب ،
وتوجه هو ومن معه إلى الحسينية ، وسبوره مترادفة البعض خلف البعض ، يأتونه بالأخبار.
فجاء الخبر ، أن
الشريف سعيد وصل العابدية يوم تاسع عشر الشهر المذكور .
فلما بلغ قوم
الشريف سعيد أن الشريف وصل الحسينية ، وهو قد بلغ غاية القوة والعتلة ، ومعه الأمير إيواز بيك ، باتوا في العابدية ، وأصبحوا
تفرقوا. فبلغ الشريف سعيد ذلك فركب ورجع إلى الشرقية .
ثم سعت الأشراف ،
والسيد عبد المحسن ، والسيد سليمان ، والسيد أحمد بن الشريف عبد الكريم والشريف
سعيد ، وأخذوا له أجلة ، وجعلوا
__________________
له في كل شهر
ثلاثمائة أحمر وبيشة ، بشرط أن يتوجه إليها ويسكنها ، فوافق على ذلك.
فبعد أيام أرسل
إليه الشريف يقول له :
«ارحل إليها على
الشرط الواقع».
فاعتذر وتوقف ،
فانتقص ذلك المعين ، ولم يتم. وأوعد الشريف الأشراف بمعلوم شهرين [يسلمه] بسرعة لهم ، وحصل الرضا على هذا.
فرجع مولانا
الشريف عبد الكريم إلى مكة ليلة الخميس رابع عشرين الشهر المذكور ، وبات ببستان الوزير عثمان حميدان ، هو والسادة الأشراف ، والأمير إيواز
بيك وعسكر مصر ، وعسكره ، وسائر العربان.
ودخل صبح يوم الخميس
بالآلاي في الموكب العظيم أول النهار ، وجلس في داره السعيدة ، ولم يتخلف أحد من
الوصول إليه والسلام عليه ، وهنوه.
واستمر الشريف
سعيد في العابدية ، إلى أن دخل شهر رمضان المبارك عليه وصام هناك ، وأرسل إلى بعض عياله ، وصاموا عنده ، والبعض
منهم سلم عليه ورجع ، وكذلك كريمته الشريفة سعدية توجهت
__________________
إليه ، وسلمت عليه
ورجعت وعيد عيد رمضان في العابدية.
وفي سلخ شهر رمضان
: وصل أغاة القفطان ، يعقوب أغا تلخصبي باشا مكة ، وطلع إلى حضرة الشريف ، وسلم
عليه ، ونزل عند الوزير عثمان حميدان ، وأخروا اللبس إلى رابع العيد .
فلما كان يوم
الرابع من شوال : طلعت العساكر والأغوات إلى المحل المعتاد ، وطلع أيضا أغاة
القفطان ومعه الأمر السلطاني والقفطان والسيف المرصع الواصل من حضرة مولانا السلطان نصره الرحمن ، ونزلوا من أعلى مكة بآلاي والموكب العظيم ،
إلى أن وصلوه باب السلام ، ودخلوا المسجد الحرام ، وقد فتح البيت الشريف ، وفرش
الحطيم ونزل حضرة الشريف ، والسادة الأشراف ، وشيخ الحرم المكي الأمير إيواز بيك ،
وقاضي الشرع الشريف ، والمفتيون والعلماء والفقهاء ، وجمع من أعيان أهل المدينة
المنورة ومفتيها وخطباؤها ، لأن هذا العام غالب أعيانهم أقاموا بمكة.
فألبس مولانا
الشريف الفرو السمور بالخلعة الشريفة ، وتقلد بالسيف المرصع / الهنكاري ، وألبس هو
من عنده ستة من الأفرية السمور ، السيد يحيى بن بركات ، والأمير إيواز بيك ، وقاضي
الشرع ، والشيخ محمد الشيي ، وأغاة القفطان ومصطفى أفندي ديوان كاتب ، وألبس أربعة
من الأفرية القاقم ، ألبس المفتي تاج الدين القلعي ، ومفتي
__________________
المدينة المنورة
السيد محمد أسعد ، ونائب الحرم السيد أحمد أفندي ، وابن صاحب القفطان ،
وألبس صاحبنا الشيخ عباس المنوفي قفطانا غاليا ، وكذلك أغوات البلكات ، وأصحاب
الأدراك ، وكل من له عادة في اللبس.
ثم قريء المرسوم
السلطاني ، وكان القاريء له صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، ومضمونه :
«بعد المدح والثناء ، والاعتناء على الحجاج ، والزوار ،
والتجار ، والمجاورين كما هو معتاد المراسيم.
يكون في معلومكم
أن مفاخر الأماجد والأعيان ، مصطفى أمين الصرة ، ومصطفى قايقجي باش ، والشيخ مصطفى
كاتب ديوانكم ، دام مجدهم ، وصلوا إلينا بما أرسلتم صحبتهم من المكاتيب ، وصاروا
في منظورنا ، وفهمنا خلاصتهم ، فاستدلينا بهم على حسن سيرتكم وخلوص
طويتكم وسريرتكم ، وعلى وفور صداقتكم إلى آخر ما ذكرتم.
ثم بعد كلام كثير
: واستوجبت أن تواضاء من مشارف مطالع مواهبنا الشاهانية ، وأنوار مسامع عوارفنا
السلطانية ، وخاص خلعتنا الملوكانية الفاخرة ، وكسوتنا الخسروانية الباهرة ، سمور
فائض النور ، محيط على ثوب خلعة سلطانية ، مورث البهجة والسرور من إحسان
__________________
عنايتنا ، بخدمة
الدستور الأكرم ، المشير الأفخم ، نظام العالم ناظم مناظم الأمم ، الوزير الأعظم
علي باشا ـ أدام الله تعالى إجلاله وصحبته ـ مبلغ خدمتنا ، قدوة الأماجد والأعيان
، تلخيصبي زادة يعقوب ، زيد مجده ، مأمورنا الهمايوني الذي هو بأعلا صفة مقرون ، إلخ».
ومما ذكر في
المرسوم أيضا :
«وقبل هذا صدر أمرنا في خصوص الشريف سعيد ، وابعاده عن سائر أطراف الحجاز
والحرمين ، فتعهدت لنا بذلك ، فما علمنا هل فعلت بما تعهدت به أم لا؟ مع اعتقادنا
تنفيذ ما أمرناك به ، ولتكن كراكب الكميت ، المتمكن من سرجه ، يديره حيث شاء. وتستجلبوا لنا خير الدعاء ، لا سيما
أعقاب الصلوات الخمس ، ومظان إجابة قضاء الحاجات في الأوقات الفائضة البركات». إلى
آخر ما ذكر.
هذا مضمون المرسوم
السلطاني الوارد صحبة الآغا المذكور مع الحذف والاختصار ، وكمال الإعتناء من
قوله بخدمة الدستور الأكرم والمشير الأفخم.
__________________
فإنه جعل الوزير
في هذا الخطاب مقام قابي كيخية حضرة مولانا الشريف ، وإلا فالقواعد والمراسيم
والقوانين السابقة في المراسيم لم يذكروا فيها مثل هذا ، ولكن الخصوصية الزائدة
اقتضت ذلك .
ثم بعد تمام
القراءة توجه الشريف إلى داره السعيدة ، وجلس للتهنئة ، فطلع إليه الناس وهنوه ،
وباركوا له.
وفي يوم الخميس
سابع شوال : أرسل الشريف عبد الكريم إلى الشريف سعيد :
«بأنك ترحل من العابدية ومن هذه الجهات ، وأطراف الحجاز ،
فإن حضرة السلطان لزم علينا في نفس الأمر الوارد صحبة الأغا بذلك ، ونحن وأنت من
تحت أمر السلطان».
فرحل الشريف هو
وأتباعه ، وتوجه إلى جهة اليمن.
وفي يوم الاثنين
ثاني شهر ذي القعدة : ورد نجاب مصر المحروسة ، وصحبته أحد أتباع شيخ الحرم المكي
الأمير إيواز بيك ، والمرسل له إسماعيل أغلى ، وإن / المتولي وصل مصر ، وهذا العزل
كان بطلب الصنجق ، فإنه اشتاق إلى والده وبلاده ، وطلب من حضرة الشريف يعرض إلى
الدولة العلية بعزله ، فوافقه بعد التأبي الشديد ، فجاءه جواب العرض بالعزل ، لأن
في السابق طلب الصنجق ذلك من السلطنة ، فما وافقوه ، وجعلوا الأمر منوط بالشريف.
فلما علم ذلك ،
__________________
التمس من الشريف ،
يعرض له بهذا .
وفي يوم الثلاثاء
ثالث الشهر المذكور : وصل بعض عربان من أهل اليمن إلى مكة ، وأخبروا : أن الشريف
سعيد تعرض لقافلتهم وأخذها ، وأنها زهاء ثمانين جملا من القوت ، والمحل الذي نهبت
فيه القافلة قريب من الليث.
وفي يوم الاثنين
تاسع الشهر : وصل أربعة من بني صخر ، من جهة الشام إلى الشريف ، وإلى إيواز بيك
يخبرون بأن نصوح باشا ، وعثمان باشا ، تولى باشة الشام ، وأمير الحاج الشامي.
وفي يوم الأربعاء
ثامن عشر الشهر المذكور : ورد خبر مركب عثمان دورلي ، أنه وصل مرسى السيد عامر ، وأن خلفه مراكب
أخرى.
وفي عشرين منه :
توجه الأمير إيواز بيك إلى جدة لعشور المراكب الواردة.
وفي أواخر هذا
الشهر : وصلت جميع المراكب ، وهي خمسة : الدورلي ، وعبد الغفور ، وخوجا حميد ،
ومركبان آخران.
وفي يوم سابع
عشرين الشهر المذكور : وصل نجاب من غيطاس بيك أمير الحج المصري ، أرسله من
المويلح ـ البندر المعروف ـ من طريق مصر ـ لحضرة الشريف وللأمير إيواز بيك يخبرهما
:
__________________
«أن محمد باشا صاحب جدة ، أدركنا في الطريق وترك الحاج ،
وتقدم إليكم صحبة النجاب ، تحيطون علما بذلك».
فعين له حضرة
الشريف بيت مولانا الشيخ عبد الله سالم البصري ، ومولانا السيد محمد شيخان أعدهما لنزوله.
وثامن عشرين الشهر
: وصل محمد باشا إلى جدة ، وقابله الأمير إيواز بيك المقابلة اللائقة [به] ، وجعل له ضيافة ، وعزمه.
وتاسع عشرين : وصل مكة أحد الأتباع للباشا بالأمر حقة ، وسجله عند القاضي بالمحكمة.
ودخل موسم هذه
السنة المباركة ، وكان غرة ذي الحجة ، بالثلاثاء.
فلما كان يوم
الخميس [الخامس] منه : دخل الحاج المصري مكة.
وسادسه : ركب إليه
مولانا الشريف بآلاي والموكب العظيم ، وعرض بالسادة الأشراف والعساكر والعربان إلى
المحل المعتاد ، ولبس القفطان الوارد صحبة أمير الحاج المصري غيطاس بيك ، وألبس كل
من له عادة.
وأصبح يوم السابع
: وعرض بآلاي والموكب العظيم بجميع من
__________________
تقدم ، وركب إلى
المحل المعتاد ، ولبس القفطان الوارد صحبة نصوح باشا أمير الحج الشامي. وهذه أول
سنة وصل فيها أميرا على المحمل الشامي.
ثم رجع الشريف
بالآلاي إلى بيته ، وحج بالناس على جري عادته ، مع غاية الأمن والأمان ، وكمال
الرفاهية والاطمئنان.
وكانت الوقفة
بالأربعاء ، ولم يحصل في هذا الموسم شيء من المخالفات ـ لله الحمد جملة كافية ـ.
ولما كان يوم
السبت تاسع عشرين الشهر المذكور : رحل نصوح باشا أمير الحاج الشامي من مكة ، وتوجه قبل
معتاده خوفا من اجتماع العربان أمامه.
وفي يوم الجمعة
خامس عشرين الشهر : رحل أمير المصري بعد الصلاة ، وتوجه مع سلامة الله تعالى.
وفي هذا الموسم :
توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة العلية مصطفى أفندي ديوان كاتب ، وهذه سفرة
ثانية ـ وصحبته الهدية.
وتأخر الحاج
المصري عن عادته ثلاثة أيام لأجل الأمير إيواز / ٣٨٥ بيك ، لأنه كان عليه بعض مصالح ، ومحاسبة بينه وبين / حضرة
الشريف والتجار وغيرهم.
وتوجه صحبة الحاج
من مكة ، ولم يبق لأحد من الناس في ذمته
__________________
درهم ولا دينار ،
وجميع أهالي الحرمين أوفاهم حقوقهم من علوفة وغيرها ، ونشروا له الراية البيضاء ،
وتشكروا له من فضله ، وحسن سلوكه ، وإنصافه معهم ، وحصل لهم غاية الكرب الشديد في عزله.
ولم يتفق أن باشا
ولا غيره من الصناجق ممن تقدمه أو تأخر عنه ، أنه سلك في الحرمين وأهاليهما مسلكه
وحذوا حذوه ، فجزاه الله عن نفسه وعن المسلمين خيرا.
ومن حسن سلوكه
ووفائه لأهل الحرمين ضرب به المثل فقيل :
«ما بعد إيواز بيك أمير ، ولا بعد سليمان باشا وزير».
لكن فرق بين
الرجلين : هذا في الإحكام والتدبير والسياسة لا الوفاء بالحقوق. وإيواز حوى جميع
المحاسن.
__________________
ودخلت سنة ١١٢١
إحدى وعشرين ومائة وألف :
وكان غرة محرم
الحرام بالأربعاء ، وفيه نزل محمد جاووش باشا محسن أوغلي إلى جدة هو والسيد يحيى بن بركات.
وفي ثامن عشر
الشهر المذكور : رحل الحج العجمي ، وتحير عن معتاده في هذه السنة ، والسبب في ذلك
ما لحقه من المشقة والتعب من بعض السادة الأشراف ، فإنهم أخذوا منهم فوق المعتاد ،
وتصرفوا فيهم تصرف الملاك.
وفي أواسط شهر صفر
: ورد خبر نصوح باشا ، أنه حين وصل العلا جاءه شيخ العرب ملحم ، يطلب منه فكاك
ولده ، لأن في طلعة الحاج إلى مكة مسكه الباشا ، وربطه ، وأخذه معه ، فعند رجوعه
إلى العلا طلب والده فكاكه ، فأجابه :
«بأني إذا وصلت الشام أطلقته ، وأنعمت عليه ، وأرسلته إليك».
فأرسل ملحم [لشيخ
العرب] كليب يتشفع به في إطلاق ولده.
فأرسل كليب ولده
إلى نصوح باشا يتشفع عنده في فكاك ولد ملحم .
فقابل الباشا ابن
كليب بالمقابلة الحسنة ، وألبسه فرو سمور ،
__________________
وقدم له فرسا ،
وأنعم عليه بشيء من الدراهم وقال :
«سلم على والدك الشيخ وقل له شفاعتك مقبولة ، غايته أن القصد وصولك إلينا ،
نتفاوض نحن وأنت فيما يعود نفعه علينا وعليك وعلى المسلمين».
وأظهر له الملاطفة
ولين المخاطبة ، وبسط له بساط الأمان ، بحيث لم يدخله شك في ذلك ، ودس ما أراد له
من الغدر .
ثم توجه ابن كليب
إلى والده وهو متشكر من انعام الباشا ، وأخبر والده بحقيقة الواقع ، وأن الباشا في
غاية الصداقة والمحبة لك ، وأنه وافق على إطلاق ولد ملحم ، وقبل شفاعتك ، ولكن
قصده وصولك إليه لأمور مهمة ، يحتاجك إليها.
فحصل عن كليب غاية
التوفيق ، وخاف الغدر منه ، فألزمه ولده بالتوجه إليه ، وقال : «قد كشفت حقيقة
الباشا وأمنت غائلته من طرفك ، ولا هناك ما تخشى».
فركب كليب لأمر
أراده الله ، وتوجه إلى الباشا ، وقد نصب له شارقة بعيدة عن الحاج ، وأعدها للاجتماع به ، ولما أراد من
الخديعة.
فلما [رأى] كليب البعد عن الحي ازداد أمنا.
فعند وصوله إليه
تلقاه الباشا بالرحب والسعة ، وأعد له طبنجة
__________________
محشوة رصاص.
وقال لولد كليب : «إقف
أنت وجماعتك بعيدا عن المساررة بيني وبين أبيك».
وأدخل كليب
الشارقة المنصوبة واختلى به ، / ، وشرع يتكلم معه ، ثم غدره وضربه بالطبنجة.
وقد رتب جماعة من
الخيالة عن سماع رمي البندق «تحضرون على خيلكم». فحضروا.
فلما علم ابن كليب
بقتل أبيه ، كر عليهم بجماعته فتكاثروا عليه ، فهرب ، وقطعوا رأس كليب ، وبعض جماعته
الذين أدركوهم ، ودخل برأس كليب الشام ، ثم أرسله إلى الدولة العلية.
فكان غدر كليب
سببا لعلو نامته عند حضرة السلطان حتى صار منه ما صار .
وفي هذا الشهر : وصل مركب سعيد حامد بندر جدة ، وأخبر :
«أن خمسة لكوك ربية ، وصلت معه ، أرسلها سلطان شاه عالم صدقة لأهل الحرمين. وعند وصولها إلى سورت إنتقل إلى رحمة
__________________
الله تعالى الرجل
الأمين عليها. فأرسل صاحب سورت إلى السلطان يعرفه بذلك ، ليرسل من طرفه ناظرا
عليها. فهذا سبب تحيرها.
وفي سابع عشرين
الشهر المذكور : برز الشريف في بستان عثمان حميدان ، واستمر أتباعه بالبستان كامل
الشهر ـ ربيع الأول ـ وهو تخلف بمكة لبعض أمور.
وفي غرة ربيع
الثاني : برز العسكر والخزنة والدبش ، وعزم معهم السيد سرور بن يعلى أحد أعمام
حضرة الشريف.
فلما كان ليلة
رابع الشهر المذكور : نزل الشريف المسجد ، وطاف ، وودع ، وركب من باب السلام وتوجه
إلى البستان ، وأقام مقامه في الديرة وكيلا عنه مولانا السيد زين العابدين بن
إبراهيم ، ثم لحقه هناك السادة الأشراف ، كما هو عادتهم.
وأصبح شد إلى حواس
، وأقام فيه إلى يوم الأحد سابع الشهر المذكور. ثم شد ، وتوجه إلى المبعوث ،
وأقام فيه إلى أن دخل [شهر] جمادى الآخر ، وجميع القبائل تأتي إليه من سائر النواحي
بالهدايا من
__________________
الخيل والإبل
والغنم ، وجميع ما أهدي ، [إليه] فرقه على السادة الأشراف. وكان له صورة.
وقابل العربان على
حسب هداياهم أحسن المقابل ، وألبسهم الجوخ ، وأنعم عليهم بالإحسان الجميل الجزيل.
ورجعوا من عنده شاكرين ناشرين.
وفي هذا الشهر :
وصل نجاب المولد من مصر المحروسة ، وأخبر أنها في غاية الأمن والأمان وسخاء ورخاء
، وأن غيطاس بيك عزل عن امارة الحج ، وتولى إبراهيم بيك أبو شنب أمير الحج المصري.
وفي يوم الجمعة
خامس جمادى الآخر : وصل الشريف [إلى] الطائف ، هو وغالب العسكر ، بقصد زيارة الحبر سيدنا عبد
الله بن عباس ، ودخل بعد العصر بالنوبة وآلاي بالموكب العظيم وسائر
السادة والأشراف معه ، إلى أن وصل الضريح الشريف ، وزار واستمد ، ثم
__________________
توجه إلى بيت السيد
حسين بن زين العابدين وكيل الديرة عنه في الطائف ، وبات عنده تلك الليلة.
وأصبح يوم السبت
قيّل عنده ، وأعطى للشريفة عمرة بنت السيد أحمد بن حسين بن عبد الله زوجة السيد
حسين المذكور جميع ما تحصل له من الضيفة المعتادة ، وهي عشرة آلاف أشرفي ، وجعل
هذا في مقابلة نزوله [هذا اليوم] عند زوجها السيد حسين بن زين العابدين.
وفي هذا اليوم :
عزم عليه جميع من كان بالطائف من أهل مكة والمدينة وغيرهم ، بقصد السلام [عليه] ولم يتخلف أحد ، ومن جملة من عزم عليه صاحبنا القاضي خير الدين بن القاضي تاج الدين إلياس المدني
، ومدحه بقصيدة وألبسه صوفا نفيسا.
وأصبح يوم الأحد :
ركب مولانا الشريف وتوجه إلى المبعوث هو والسادة الأشراف الذين معه ، واستمروا فيه
إلى عشرين من شعبان ، ثم رحل منه إلى محل يسمى صلبه ، وأرسل إلى بعض شيوخ مطير
__________________
يأتون إليه ،
فتوقفوا. ثم أرسل إليهم ثانيا / وقال لهم :
«إن جئتم فعليكم الأمان ، وإلا فتؤخذوا».
فوصل إليه البعض ،
والبعض لم يصل ، فحصل منهم مخالفة للأمر ، وأيضا تعرضوا لبعض خطار الشريف ، فلما
بلغه ذلك ، ركب إليهم بالسادة الأشراف والعسكر ، وأخذهم أخذة عظيمة ، وانتصر عليهم
وغنم إبلهم وغنمهم ، فأدالهم قهرا ، وطلبوا الأمان وصالحوا على أنفسهم.
فوصل المبشر إلى
قائم مقامه غرة شهر رمضان المعظم بالكتب ، فدق الزير ، وألبس المبشر ، وركزت علامة
النصر في بيت الشريف على جاري عادتهم ، ونودي بالزينة ثلاثة أيام فحصل بذلك السرور
التام للخاص والعام.
وفي يوم الاثنين
خامس رمضان المعظم : وصل أغاة القفطان عبد الرحمن أغا ، رئيس الساعقبية ، ودخل مكة
بآلاي والموكب العظيم وسائر العساكر قدامه ، إلى أن وصلوا باب السلام ، ودخل المسجد
الحرام ، وفتحوا مقام سيدنا إبراهيم الخليل ، ووضعوا القفطان والأمر السلطاني فيه
على جري العادة لكون الشريف غائبا.
وفي ليلة الجمعة
تاسع عشر الشهر المذكور : وصل مولانا الشريف ،
__________________
وطاف وسعى ، وبات
ليلة في بيته ، وأصبح نزل المسجد ، وحضرت السادة الأشراف ، وقاضي الشرع ،
والمفتيون والعلماء ، ونائب الحرم ، والخطباء ، والأئمة ، وسائر من له الحضور من
أرباب الخدم ، والوظائف ، وحضر أغاة القفطان ، والشيخ محمد الشيي [وفتح المقام ،
وأخرج القفطان والمرسوم السلطاني منه على جري عادته] ، ثم فتح الكعبة الشريفة ، وألبس مولانا الشريف الفرو
السمور بالقفطان السلطاني ، وألبس هو أربعة من الأفرية السمور ، السيد يحيى بن
بركات ، وقاضي الشرع ، والشيخ محمد الشيي ، وأغاة القفطان ، وأربعة من أفرية القاقم ، المفتي تاج الدين
القلعي ، ونائب الحرم أحمد أفندي ، والشيخ عبد اللطيف الريس ، ويوسف أفندي شيخ
القراء لكونه قرأ الأمر السلطاني بطريقة النيابة عن مصطفى أفندي ديوان كاتب ـ فإنه توجه في خدمة سيد الجميع إلى الدولة العلية / ،
وألبس صاحبنا الشيخ عباس المنوفي قفطانا نفيسا ، وكذلك سائر الأغوات وأصحاب
الأدراك ، وكل من له عادة في اللبس.
ثم قريء المرسوم
السلطاني ومضمونه بعد المدح والثناء :
الوصاية على
الحجاج والمجاورين والتجار وغيرهم ، على ما جرت به العادة في المراسيم.
فبعد تمام الفراءة
بالعربي والتركي ، توجه حضرة
الشريف إلى
__________________
داره السعيدة ،
وجلس للتهنئة ، فطلع إليه جميع الناس ، وهنوه ، واستمر في بيته إلى نصف الليل ،
وعزم إلى مخيمه ، وكان قريبا من مزدلفة .
وفي يوم ثالث
وعشرين الشهر : انتقل إلى رحمة الله تعالى محمد باشا أغلي صاحب جدة ، وثاني يوم
وصل خبره لحضرة الشريف في المحل الذي فيه.
فوصل الشريف مكة
ليلة الخميس خامس عشرين رمضان ، ليقيم قائم مقام عن الباشا المتوفي في حفظ البندر ، وما يتعلق به
من مصوع وسواكن ، لأنه العين الناظرة من طرف السلطان ، نصره الرحمن
، فاستحسن ذلك إسماعيل أغا ، لكونه خزندار الباشا المتوفي وصهره.
فأرسل إليه في جدة
وأحضره وأحضر القاضي والمفتي وبعض أعيان البلد ، وشرط عليه قدام هذا الجمع بأن تكون قائم مقام أستاذك في حفظ البندر وطرف علوفة المستحقين وأنفائهم وجميع ما يتعلق بصاحب جدة.
فرضي بذلك. وقيل
كتب عليه حجة بهذا. وألبسه الشريف فرو سمور ، وخصه في هذه الخدمة ، إلى أن يعرض
إلى السلطنة العلية ويعرفهم بذلك ، لأن الأمر إليهم.
فخرج / من بيت
الشريف لابسا الفرو السمور إلى بيته ، فأتت / ٣٨٩
__________________
النوبة وسائر أهل
المواجب ، وباركوا له في المنصب ، وطلع إليه الناس ، وسلموا عليه ، وهنوه بالمنصب
، وعزوه في أستاذه ، ثم استمر إلى أن عيّد عيد رمضان بمكة.
وفي رابع شوال نزل
جدة ، وأرسل حضرة الشريف صحبته قاضي مكة المشرفة حامد زاده أفندي ، لضبط مخلفات
الباشا من نقد وأمتعة ، لأن له ولدا قاصرا بجدة.
فتوجهوا جميعا ،
وضبطوا مخلفات المرحوم محمد باشا من نقد وغيره. فبلغ جميع ذلك بعد إعطاء جميع
الدّيانة وإيفاء المستحقين نحوا من سبعين كيسا. فما كان في بيعه مصلحة للقاصر تصرفوا
، وما كان في إبقائه مصلحة أبقوه ، وأقام حضرة الشريف وكيلا والقاضي علي ابن
الباشا ، وعلى حفظ المخلفات ، علي جخدار كتخدا الوزير ، لأن كتخدا الوزير أخو
الباشا المتوفي ، وسلموا جميع ما تحصل من المخلفات للوكيل ، وكتبوا عليه حجة بذلك.
وتم أمرهم على هذا.
وما كان من مولانا
الشريف ، فإنه عيّد في مكة ، وتم له عيد في غاية النظام على جاري عادته.
وليلة رابع العيد
: ركب وتوجه إلى مخيمه ، واستمر هناك إلى يوم الأحد ثالث عشر الشهر المذكور ، ونزل
إلى بيته.
وصبح يوم الاثنين
رابع عشر الشهر : وصل مصطفى أفندي ديوان كاتب من جدة ، لأنه كان في خدمة الشريف ، فوصل بحرا ، وتحيّر
__________________
لبعض أمور ، ثم
طلع إلى حضرة الشريف ، وسلم عليه ، وقدّم [له] أجوبة الكتب التي أرسلها صحبته إلى الدولة العلية.
ومضمونها : تمام
المطلوب من كل ما طلب ، وألبسه فروا قاقم في غاية النفاسة.
وفي غرة [ذي] القعدة : وصل من جدة إسماعيل خزندار الباشا المتوفي بطلب من حضرة الشريف
، فوصل وقال له :
«قصدنا نرسل قاصدا إلى الدولة العلية بتعريف الواقع ، وجميع
ما شاء الباشا ، ونوليك مقامه ، وضبط مخلفاته ، والتوكيل على ولده».
فاجتمعوا ، وكتبوا
بموجب ذلك كتابا إلى الروم ، وإلى مصر ، وأرسلوها صحبة جخدار الباشا المتوفي.
وفي يوم الاثنين
تاسع الشهر المذكور : عزم مولانا السيد زين العابدين إلى ينبع مرسولا من طرف
الشريف ، لملاقاة أمير الحج المصري إبراهيم بيك ، مقصده من ذلك الوقوف والإخبار عن بلاد الروم ومصر والشام ، فإن
الشريف وصله مكتوب من الصدر الأعظم ، الوزير
__________________
علي باشا ، صحبة
مصطفى أفندي ديوان كاتب ، مضمونه :
«أن نصوح باشا الشام ، أرسل إلينا كتابا ، يشكو فيه من طرفكم
نوع برودة وعدم ملاطفة ، فاستغربنا من ذلك لعلمنا بحسن سريرتكم ، وصفاء طويتكم وسيرتكم. فلم التفتنا إلى كلامه ، غايته أن القصد من جنابكم ـ كما هو المأمول من
شرف شجرتكم وطينتكم المباركة ، أن تزيلوا ما هناك من البرودة ـ على فرض الوقوع ـ وتبدلونه
بحسن الملاطفة والمؤانسة ، كما هو العشم في صدق محبتكم ، وخلوص مودتكم». إلى آخر
ما ذكر.
ثم إن السيد زين
العابدين اجتمع بإبراهيم بيك أمير الحاج ، وفاوضه في جميع أموره. فوجده من طرف
الشريف بالمال والرجال ، وأخبره الأمير :
«أن في رمضان المعظم ، شاع عندنا بمصر أن نصوح باشا عرض في
الشريف عبد الكريم يشكو منه ، وبرز إليه أمر بالتفويض ، فاجتهدنا وعرضنا نحن وصاحب مصر حسن باشا إلى الدولة العلية بطلب الاستمرار
لحضرة الشريف ، وأن ما سمعناه من تفويض الحرمين لنصوح باشا أو غيره يحصل في ذلك
غاية التعب على الحجاج والمسلمين ، وطلبنا المبادرة بالجواب. فوصل إلينا أنه لم يقع شيء من ذلك ، وأن جميع ما سمعتموه كذب».
__________________
فحصل عند السيد
زين العابدين بهذا الخبر غاية السرور التام ، فكتب هو وأمير الحاج كتبا بموجب ذلك
، وأرسلوها مع نجاب لحضرة الشريف ، فكانت في غاية المطلوب.
ودخل موسم هذه السنة .
فلما كان يوم
السبت غرة شهر ذي الحجة : وصل السيد زين العابدين مكة ، من عند الأمير ، وصحبته جوخدار الوزير ، وكتخذا الأمير ، والوجيه
الشيخ عبد الرحمن ، ابن صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، وطلع إلى ملاقاتهم إلى طوى
السيد يحيى بن بركات ، وصنوه السيد عبد الله وأولادهما ، وبعض السادة الأشراف ، وخيالة
الشريف. ومشوا صحبته إلى أن وصلوا بيت مولانا الشريف ، وصحبتهم المكاتيب الواردة
من الصدر الأعظم الوزير علي باشا صحبة الجوخدار ، ومضمونها :
«إبطال ما في نفس
نصوح باشا من التصرف في الحرمين الشريفين».
فحصل بذلك تمام
الفرح للمسلمين.
وفي ثالث الشهر المذكور : وصل نجاب من أمير الحاج إبراهيم بيك يخبر :
«أن نصوح باشا
لحقنا في بندر بدر ، فعند نزوله شدّينا ، ونزلنا بندر رابغ ، فأخذنا مرحلتين في
مرحلة ، لأجل السعة واكتفاء للشر ،
__________________
فشد عقبنا ، وجدّ
في سيره إلى أن أدركنا ، وتقدم أمامنا ، وتعرض لنا في الطريق ، وطلب بذلك شرنا ،
وأرسل بكلام فهمنا منه الهوى والغرض في الأمور. فأجبناه بجواب لائق بمقامه.
والقصد أنه إذا
وصل إليكم تركبون إليه على جاري عادتكم ، وتلبسون القفطان الوارد صحبته ، فإنه
عديم الحركة من طرف السلطنة العلية ، ولا عنده ما يطفيء [به] فتيلة».
فلما فهم حضرة
الشريف من نصوح باشا الهوى والغرض بهذا الفعل ، وحزم أمره ، وجمع العربان ، واعتد
لمدافعته ونزوله عما هو عليه.
وأراد كشف ما هو
منطو عليه ، فكان تدبيره : أن أرسل إليه كتابا وجماعة من الأعيان إلى الوادي يردونه إلى الصواب ، ويعرفونه بالقواعد والقوانين ، وأخبروه بأن حضرة الشريف يقول لكم :
«التقدم في دخول
مكة المشرفة لأمير المصري ثم الشامي».
فامتثل الأمر ،
ووافق على ذلك ، وأزال ما كان في نفسه لعدم التمكن من مراده ، وألبس مولانا السيد
يحيى بن بركات فرو سمور ، وقدم له فرسا مكملة العدة ، وألبس باقي الجماعة أصوافا ،
وأرسلهم إلى أمير المصري يخبرونه بذلك المجلس. وربما أرسل إليه حضرة الشريف ، وأنه
يتقدم على جاري عادته.
وكان أمير المصري
في ذلك اليوم نزل الوادي ، فتوجهوا إليه
__________________
وأخبروه بالواقع ،
فاعتذر عن التقدم لبعض أمور اقتضت ذلك ، وقال لهم :
«يتقدم حضرة
الباشا بطيب خاطر ، وانشراح صدر مني».
ثم ألبس السيد
يحيى أيضا فروا سمورا ، وقدم له فرسا مكملة العدة ، وباقي الجماعة أصوافا مثل ما
فعل الباشا ، وطابت نفوس الأمراء بذلك.
ولما كان خامس ذي
الحجة الحرام : ركب [مولانا] الشريف بآلاي والموكب العظيم ، بالسادة الأشراف ، والعساكر
، وسائر العربان ، في غاية من الجند والعتلة / وتوجه إلى المحل المعتاد للقاء
الأمراء ، ولبس القفطان الوارد صحبة أمير الشامي نصوح باشا.
ولم يحصل شيء من
المخالفات جملة كافية.
وأصبح يوم ست : ركب وعرض لأمير المصري بذلك الجند ، ولبس القفطان الوارد صحبته.
وهذه مرة ثانية
وصل إبراهيم أميرا على الحاج ، وحج أولا في أيام المرحوم الشريف أحمد بن غالب ،
وكان أيضا أمير الحاج المصري وهو في غاية من العقل والوقار والكرم وحسن الملاقاة
للناس ، وبالخصوص لأهل الحرمين.
ثم إن الشريف طلع
وحج بالناس ، على جاري عادته في غاية الأمن والأمان ، لم يقع شيء من المكدرات
والمخالفات جملة كافية ـ لله الحمد
__________________
والمنة.
وكانت الوقفة
بالأحد المبارك.
ونزل الباشا في
بستان الوزير عثمان حميدان بالمنحنى .
وفي يوم الأربعاء
ثامن عشر ذي الحجة : رحل من مكة ، ونزل بالآلاي والمحمل من تحت باب الشريف ،
وركب الكيخية عوضه
، وهو نزل المسجد وطاف وودع ، وخرج من باب الحزورة ، وركب معه السيد يحيى بن
بركات.
وفي يوم الأحد
ثالث عشرين الشهر المذكور : رحل أمير المصري بالحج من مكة ، وخرج بالآلاي والموكب
العظيم ، وقد كان حضرة الشريف أهدى إليه من الخيل العربيات ، والنوق النعاميات ، وكذلك مولانا السيد يحيى بن بركات ، ومولانا السيد زين
العابدين بن إبراهيم ، وتوجه من مكة والكل متشكر من صاحبه.
وفي هذه السنة :
توجهت هدية مولانا الشريف إلى الدولة العلية بنظر عابدين آغا ، أحد أغوات حضرة
السلطان ، الذي جاء بمحضر إمارة الحاج لإبراهيم بيك إلى مصر ، ووصل إلى مكة صحبة
المراكب ، وأرخ خدمتها محمد برصلي أحد الأتراك المجاورين.
__________________
ودخلت سنة ١١٢٢
ألف ومائة واثنين وعشرين :
وكان غرة محرم
الحرام بالاثنين.
فلما كان يوم
الجمعة ثاني عشر الشهر المذكور : انتقل إلى رحمة الله تعالى
مولانا السيد سليمان بن أحمد بن سعيد بن شنبر بن حسن بن أبي نمي ، رحم الله الجميع
وكان له مشهد عظيم ، ودفن بقبة جده حسن بن أبي نمي بعد شروق الشمس من هذا اليوم ، ولم
يتخلف أحد من العلماء والأعيان عن تشييعه ـ رحمهالله ـ.
وفي أوائل ربيع
الثاني : وصل تابع السيد محمد بن عبد الكريم ، أبو الخناصر ، بكتب من سيده لحضرة
الشريف ، والسيد عبد المحسن ، والسيد زين العابدين مضمونها :
«طلب الصحبة
والمعونة».
وفي يوم الأحد غرة
جمادى الأولى : وصل نجاب المولد من مصر ، وأخبر :
«بأنها سخاء ورخاء
وفي غاية الأمن والأمان».
وأن ابراهيم بيك
نزل عن إمارة الحاج بموجب ضعفه وكبر سنه.
وأن الأمير إيواز
بيك ولي امارة الحاج ، وعرض له صاحب مصر إبراهيم باشا بعد أن ألبسه قفطان الإمارة
برضاء الصناجق وأهل مصر ، واختاروه جميعا لهذه المكانة».
__________________
وفي ليلة الثلاثاء
ثالث جمادى الأولى : كان دخول مولانا الشريف عبد الكريم على امرأة من عربان عدوان ، دخل بها في المنحنى في مخيمه ـ جعله الله تعالى عرسا
ميمونا وأقر به قلوبا وعيونا وجعل عاقبته خيرا ـ.
ولما كان [يوم] سابع عشر من جمادى الآخرة : شدت قافلة المدينة المنورة.
وفي هذه السنة :
زارت السيدة الشريفة عزة بنت المرحوم السيد يحيى بن عيسى ، والدة مولانا الشريف
عبد الكريم ، وخرجت في موكب عظيم. وزار في صحبتها جملة من أتباعها والشرائف ، منهن
/ ابنة حضرة الشريف. وشدت في ثمان محفات وجحفة ، ومن الجمال زهاء من مائة جمل بالخدم والحشم في غاية الإعزاز والإكرام. وحصل في زيارتها
كمال النظام ، وأرسل حضرة الشريف في صحبتها للنظر في جميع أمورها ومباشرة جميع
مهماتها صاحبنا الشيخ عباس المنوفي.
وفي ليلة سابع عشر
الشهر المذكور : دخل السيد محمد بن عبد الكريم ، أبو الخناصر ، مصالحا
لحضرة الشريف ، وأصبح توجه للشريف واجتمع به ، وسلم عليه ، فبعد خروجه من عنده ،
أرسل إليه حضرة الشريف بقشة ثياب وخمسمائة قرش إعانة له ولجماعته.
__________________
ثم أنه جلس في
بيته ، وطلع إليه الناس ، وسلموا عليه.
وفي يوم الثلاثاء
ثامن عشر الشهر المذكور : وصل نجاب من مصر وصحبته أحد أتباع إبراهيم باشا ،
المتولي جدة ، بكتب لحضرة الشريف ، ولإسماعيل خزندار قائمقام محمد باشا المتوفي ،
ومضمونها :
«أنه يكون على
حالته إلى أنه يصل ».
ووصلت الأخبار
صحبة هذا النجاب ، أن أغاة القفطان وصل مصر بالأمر السلطاني واسمه حسين أغا مهتار
باشا حق السلطان.
وفي أوائل شهر
شعبان : وصل إبراهيم باشا إلى رابغ صحبة المراكب.
وطلع إلى البر
وأحرم ، ومشى برا إلى أن دخل جدة ، وبعد يومين دخل مركبه البندر وفيه عسكره
وجماعته وذخيرته ، واستمر في جدة ثلاثة أيام.
ويوم السبت سابع
عشرين الشهر المذكور : طلع إلى مكة ، ودخلها تاسع عشرين الشهر وقد أمر مولانا
الشريف بنصب الخيام له في طوى ، وهيأ له سماطا ، وأرسل لملاقاته مولانا السيد يحيى
بن بركات بكامل خيالته ، وتلقوه إلى الصيوان ، واستمر إلى وقت السلام ، وتوجه إلى المسجد
الحرام ، فطاف وسعى.
وفي الصباح : طلع
إلى حضرة الشريف وسلم عليه ، فألبسه حضرة الشريف فروا سمورا ، وأرسل بقشتين من
الكساوي النفيسة ، ورجع إلى
__________________
طوى ، فخرجت إليه العساكر وعساكر مولانا الشريف ، ومولانا السيد يحيى ، وصنوه السيد
عبد الله بكامل الخدم ، ودخلوا به من أعلا مكة بالآلاي والموكب العظيم ، وأمامه من الخيل الجنائب ثمانية مكملة العدة الفاخرة ، إلى أن وصل إلى بيت الشيخ عيسى المغربي المعد له سكنا ، وأنزلوا باقي جماعته في بقية المدارس ، وطلع إليه أهالي
مكة ، وسلموا عليه ، ولاقاهم أحسن ملقى.
وفي يوم الخميس :
نزل إلى المسجد ، ودار على جاري عادته أو جاري عادة مشايخ الحرم ، ثم بعد ذلك فرق
شيئا من الإحسان على الأغوات والمشديين ومكاتب الأطفال ، وألبس الشيخ تاج الدين القلعي المفتي ـ مفتي
الحنفية ـ يومئذ ، والشيخ محمد الشيي ، والسيد أحمد أفندي نائب الحرم أفرية من القاقم
، وألبس الشيخ عبد اللطيف الريس صوفا نفيسا.
وفي ليلة الجمعة :
دخل البيت الشريف ، وبعد الصلاة من دها ، دخل قام سيدنا إبراهيم الخليل للزيارة.
__________________
وفي يوم الجمعة
ثالث عشرين شهر شعبان : بعد صلاة العصر ، ركب وتوجه إلى جدة ، وركب معه السيد يحيى
بن بركات ، وابنه السيد محسن بن غياث عم حضرة الشريف ، والمفتي ، وودعوه ، ورجعوا.
وفي يوم الخميس
تاسع عشرين شعبان : وصل أغاة القفطان / من طريق البحر ، وطلع إليه الآلاي وأدخلوه
من أعلا مكة بالموكب العظيم ، حكم العادة القديمة .
ونزل حضرة الشريف
إلى الحطيم ، ونزل معه سائر الجمع المعلوم ، وألبس الفرو السمور بالقفطان السلطاني
، وألبس هو وكل من له عادة في اللبس على جري العادة.
وقرأ المرسوم
السلطاني صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، ومضمونه :
«بعد المدح
والثناء ، الوصية على الحجاج والزوار والتجار والمجاورين ، على ما جرت به العادة في المراسيم».
وبعد تمام القراءة
توجه حضرة الشريف إلى داره السعيدة ، وطلع إليه الناس وهنوه بالخلع السلطانية.
وفي أواخر شعبان :
تفرق جماعة من السادة الأشراف ، وهم :
ذوي مسعود ، وذوي
عمر ، وذوي عبد الله ، وبعض ذوي جازان ، يكون عدة الجميع قريبا من مائة وعشرين
شريفا ، وطلبوا أجلة إلى عشر من رمضان المعظم ، فلما مضت ، توجهوا ونزلوا بئر
الغنم قريبا من
__________________
الوادي. فظن حضرة
الشريف أن قصدهم ينبع ، فجهز مائة من العسكر الجبالية ، وأرسلهم إلى جدة ،
يتوجهون بحرا ، ويحفظون بندر ينبع .
ثم إن السادة
الأشراف انعطفوا وأخذوا طريق اليمن ، فأرسل الشريف ، واستلحق العسكر من جدة.
وفي عشرين رمضان :
وصل مورق لحضرة الشريف ، من مبارك ابن سليم وزير القنفذة يخبر :
«بأن الأشراف
الجلوية التموا على الشريف سعيد ، وتعرضوا ثلاثة من الجلاب الواصلة من اليمن ،
وفيها بن للتجار وغيرهم».
فجهز الشريف جماعة
من عسكره ، وجماعة من عسكر الباشا ، وأرسل البعض برا ، والبعض بحرا ، والمدافع ،
لمنع من يتعرض الجلاب الواردة من اليمن ، وخرج مع عسكر الشريف بعض الإنقشارية ، لأن لهم في البن الذي أخذ
جانبا.
وكان تقديمه العسكر ثاني شهر شوال.
وفي يوم الأحد
رابع عشرين الشهر المذكور : وصل إبراهيم باشا ، والسيد يحيى بن بركات ، من جدة ،
لأجل المحاسبة بينه وبين
__________________
الشريف ، واسماعيل
خازندار محمد باشا محسن أغا المتوفي ، وحسن أفندي كاتب البندر.
فبعد أن تم الحساب
، واتفق الحال بينهم ، أمر حضرة الشريف الوزير عثمان [حميدان] أن يصنع ضيافة للباشا في بستانه ، ففعل ، وأرسل عزم الباشا
، وقاضي مكة ، وحسن أغا مهتار باشي أغاة القفطان ، ومولانا السيد يحيى بن بركات ،
والمفتي تاج الدين القلعي ، والشيخ محمد الشيي ، والسيد أحمد نائب الحرم.
وفي يوم الأربعاء
ثامن عشر شوال : عقد مولانا الشريف مجلسا في بيته ، وأحضر الجماعة المذكورين ،
والسبب لذلك : أنه وصل إليه كتاب من السادة الأشراف الجلوية ، صحبة ناخوذة جلبة الزيلعي ، لحضرة الباشا ومضمونه :
«أن الذي أخذناه
من الجلاب محفوظ عندنا ، ولنا عند الشريف عدة مشاهرات منقطعة ، والقصد أن ترسلوا
أحدا من طرفكم وطرف الشريف يحاسبنا على ما هو لنا. فإن زاد شيء مما أخذناه من البن
على ما هو لنا فيأخذه ، وإن بقي شيء يوفينا حقنا».
فكتب الجواب بحضرة
هذا الجمع ومضمونه :
«الذي يحيط به علم
السادة الأشراف ، أعز الله الجميع ، وصل كتابكم الكريم ، وفهمنا مضمونه ، وما
ذكرتم من قضية البنّ الذي أخذتموه ، فتحيطون علما ليس للشريف فيه / شيء من
الاستحقاق ،
__________________
وإنما هو أموال
التجار والعسكر وغيرهم.
فإن كنتم على ما
ذكرتم من الطاعة لحضرة السلطان والشريف والشرع ، ردّوا أموال المسلمين
عليهم ، وإن كان لكم دعوى على الشريف فيأتي من طرفكم من تختارونه وكيلا عنكم ، فيدّعي بمطلوبكم. وإن لم تردوا البنّ ،
وتفعلوا ما عرفناكم به ، وإلّا رفعنا أمركم إلى السلطنة العلية ، وعرفناهم
بمصادراتكم لأموال المسلمين».
وتم المجلس على
هذا.
وفي آخر النهار
ركب حضرة الباشا وتوجّه إلى جدة.
وفي يوم السبت
ثاني عشر شوال : عزم السيد محسن بن غيث ابن عم الشريف ، والسيد شاهين بن ظفير ، بجواب مكتوب الباشا ، وبكتب من الشريف
والقاضي وأغوات السبع بلكات إلى السادة الأشراف الجلوية.
وفي يوم الخميس
حادي عشر ذي القعدة : وصل مورق من السيد محسن بن غيث [إلى الشريف] يذكر :
«أن الشريف سعيد
والأشراف جمعوا جموعا من عرب اليمن ، وقصدهم المسير إلى مكة».
فجمع حضرة الشريف
القاضي ، وعسكر مصر ، وأخبرهم بهذا الخبر.
__________________
«وأنّ البنّ الذي
أخذوه فرقوه على أشقياء العرب ، ومرادهم من ذلك دخول بلد السلطان ، وقصدنا الركوب
لمدافعتهم ، فتكونوا على أهبة [السفر]».
فامتثلوا الأمر.
وأرسل [إلى] الباشا والإنقشارية الذين بجدة يعرفهم بذلك ، ويأمرهم
بالطلوع ، فأجابوا كذلك. وقد جمع الشريف السادة الأشراف والعسكر ، وسير من العربان ، فحضر الجميع .
وفي ليلة الثلاثاء
تاسع عشر الشهر المذكور : وصل خيال قبل المغرب إلى الشريف يخبره :
«أن الأشراف ،
ومولانا الشريف سعيد ، وصلوا السعدية ومعهم القوم».
فأرسل الشريف إلى
الأشراف الذين معه ، وعسكر مصر ، وعسكره والعربان ، ونبّه على الجميع ، فركب ،
وبرز في بركة ماجن ، وأرسل ترجمانه إلى الباشا والعسكر ، يستحثهم ، وأرسل جماعة من الأشراف
ومن أتباعه يسبرون القوم ، ويكشفون حقيقتهم ، ويأتونه بالخبر.
__________________
وفي يوم الخميس :
وصل المراسيل ، وأخبروا :
«أن القوم وصلوا
ايدام ـ المحل المعروف ـ وأن قراويهم يمسون الليلة الشرقية».
فعند ذلك فرّق
الشريف العرب والعسكر جهة المعابدة لمسك الماء ، وحفظ المتاريس ، وجلس هو وعسكر
مصر خلفهم ينتظر الباشا ، فإنه وصل طوى ، ثم لحق الشريف في بركة ماجن في عسكره
وصحبته المدافع ، واستمروا جميعا في البركة.
فبعد صلاة الجمعة
: ركبوا وتوجهوا إلى الحسينية ودخلوها عند المغرب ، فوجدوا السيد عبد المحسن بن أحمد قد جمع
جموعا من العربان ، ومنتظر وصول الشريف. وفي الحال وصل أتباع الشريف وأخبروه :
«أن القوم نزلوا
العابدية».
فاعترضهم من علو
المفجر ، ونزل المزدلفة ، والتقى القوم بالقوم ، وحصل الرمي بين الفريقين.
__________________
ثم إن الباشا رمى
بعض المدافع على العرب ، فاندهروا ، ووقع منهم جماعة ، فانكسروا عند ذلك وانهزموا.
وأما السادة
الأشراف جاؤوا صحبة الشريف سعيد ، فافترقوا فرقتين :
ـ السيد حسن بن
غالب ، ومعه جماعة من ذوي حراز ، وذوي منديل ، وذوي عبد المنعم ، وأولاد عبد الله بن عمر ، وأولاد سعود بن عمر ، فانحازوا
وحدهم ، واصطلحوا مع الشريف عبد الكريم قبل القتال لنكتة فعلها السيد حسن بن غالب
أوجبت ذلك.
ـ وأما ذوي عبد
الله ، وبعض ذوي جازان ، وذوي فضل ، السيد بشير ، وشنبر ، فهؤلاء انحازوا جهة
الشريف سعيد.
فلما رأى الشريف
اختلاف الأشراف وانهزام القوم ، أرسل طلب من / الشريف أجلة ثلاثة أيام ، فأعطاه.
وأتى المبشر على
عادته ، «ونودي بالأمان والبيع والشراء ، وعدم المخالفات ، وأنتم في أمان الله ،
وأمان السلطان ، وأمان الشريف عبد الكريم».
ثم إن الشريف سعيد
رجع ومن معه من الأشراف والعربان إلى الشرقية ، والشريف وإبراهيم باشا عزم عليهم السيد عبد
المحسن في محلّه
__________________
في الحسينية أول
يوم وثاني يوم ، وكان الجميع من الأشراف والباشا والعساكر في عزيمة الشريف ، ثم
عادوا جميعا وباتوا في المفجر ليلة الأربعاء رابع عشر ذي القعدة.
وفي الصبح : شدّوا
ونزلوا بستان الوزير عثمان حميدان بالمنحنى ، وباتوا فيه.
وصبح يوم الخميس :
ركب الشريف من البستان بالآلاي والموكب العظيم ، ومعه الباشا والأشراف والعساكر
والعربان ، ونزلوا إلى داره السعيدة ، فطلع إليه الناس وهنوه ، وسلّموا عليه وعلى
الباشا.
ودخل موسم هذه
السنة ، وكان غرة ذي الحجة الحرام بالأربعاء ، وفيه :
وصل السيد محمد بن
سلطان الحسيني أمير المدينة المنورة ، لأن الشريف أرسله لكشف خبر نصوح باشا من
العلا ، فوصل وأخبر : أنه وصل المدينة ثاني القعدة ، وأخبر :
«أن الباشا قبل
دخوله المدينة ، وجد عربان من حرب يسموا بني سليم عند بئر هبير ، بعيدا من الطريق ، فتعرض لهم ،
وقتل ستة منهم ، ومسك جماعة فيهم بنت وولد ، وأخذ إبلهم وغنمهم».
وفي يوم السبت
رابع الشهر : وصل سبق الحاج المصري والشامي في وقت واحد ، وأخبروا :
__________________
«أن الحجين اجتمعا
في بندر بدر ، وأن نصوح باشا عزم على أمير الحاج إيواز بيك ، فوصل إليه ولاقاه
ملقى حسنا ، وحصل بينهم غاية المؤانسة ، وقدّم له شيئا من الحلوى والشربات والقهوة».
وفي ذلك الوقت ،
وصل إليهم النجاب من الشريف بخبر الواقع ومدافعة القوم ، وعند قيام الصنجق ألبسه
فروا قاقم في غاية النفاسة.
وفي يوم الأحد
خامس الشهر المذكور : ركب الشريف بالآلاي والأشراف والعربان ، وعرضوا على القانون ، وتوجه إلى المحل المعتاد ، ولبس القفطان الوارد صحبة
نصوح باشا أمير الحج الشامي.
وأصبح يوم الاثنين
: عرض لأمير المصري بذلك الجمع ، إلى المحل المعتاد للقاء الأمراء ، وألبس القفطان
الوارد صحبته أكبر أحبابه الأمير إيواز بيك أمير الحاج المصري.
ثم نزل كل منهما بموكبه العظيم على قانونه القديم.
وحجّ مولانا
الشريف بالناس على جاري عادته ، ولم يحصل شيء من المخالفات ـ جملة كافية ، لله
الحمد والمنّة ـ.
وكانت الوقفة
بالخميس.
وأتى نصوح باشا
إلى الموقف وهو في جوف تخته ، وحج الناس ،
__________________
وأتموا مناسكهم
وهم في غاية من الأمن والأمان والرفاهية والاطمئنان.
ولما كان يوم
الجمعة سابع عشر ذي الحجة : رحل الباشا نصوح ، وبات بذي طوى.
وصبح يوم السبت
رحل حجاجه لأنهم باتوا في البلد.
وحصل بين الشريف
ونصوح باشا مشاجرة عظيمة ، والسبب في ذلك :
أن أمير الحاج
الإحسائي ، عليه لبعض السادة الأشراف دراهم ، بحسب الفوائد القديمة ، ونوى عدم
إعطائها ، فوصل إلى الباشا في طوى ، ودخل عليه ، وأراد المشي صحبته ، فأرسل الباشا خيلا
وعسكرا من جماعته إلى بيت الأمير حمزة لأخذ كراره ودبشه ، فبلغ / ٣٩٥ الأشراف ذلك
، فتوجهوا إلى الشريف وأخبروه بالواقع ، فاستغرب / من الباشا هذا الفعل ، وأرسل له
يعرفه بالقواعد والقوانين" وأن هذا الرجل جاء صحبة الحاج الحسائي ، ما هو من
حجاجك الذين جاؤوا صحبتك ، وعليه دراهم لبعض الأشراف». فما التفت إلى هذا ، ثم
أعاد الجواب بكلام أنفت منه نفس الشريف.
وأرسل إليه ثانيا
بعد أن أوقف القاضي والباشا حق جدة ، وأمير الحاج المصري ، وأغوات السبع بلكات يقول له :
«لا سبيل [لك] إلى هذا الفعل».
ومنعه في نفاذ
أحكامه من بلده ، واعتد لمدافعته.
__________________
فلما رأى عزم
الشريف وشدة بأسه ، أصبح يوم الأحد ، زعق نفيره ورحل من طوى .
وفي يوم الجمعة
رابع عشرين ذي الحجة : رحل الحاج المصري إلى الوادي ، وصلى أمير الحاج المصري
الجمعة ، وبعد الصلاة أراد التوجه ، فأرسل إبراهيم باشا صاحب جدة لبعض الناس ،
وقال لهم :
«ادعوا على أمير
الحاج ، واطلبوا بقية صركم».
والسبب في ذلك أن
السلطان نصره الرحمن ، جعل لمن كان أمير الحاج المصري عشرين كيسا على متولي جدة ، يستعين
بها على مهمات الإمارة ، وبرز بموجب هذا أمر سلطاني ، وقيد في ديوان مصر المحروسة
، وثبت هذا المرتب سابقا ، حتى أن نفس الأمير إيواز بيك لما كان شيخ الحرم ومتولي
جدة ، سلمها من البندر لغيطاس بيك حين جاء في زمنه أميرا على الحاج.
فلما تولى إيواز
بيك إمارة الحاج ، وبرز للسفر من مصر وطلب صرّ الحرمين ، بقي على الباشا من كمال
الصرّ عشرين كيسا ، [فطلب من أمير الحاج أن يوفي الصرة بالعشرين الكيس] التي له على صاحب جدة ، وقال له : «إذا وصلت نحاسبك على ما
هو لك».
فأخذ من صاحب مصر
فرمانا خطابا لإبراهيم باشا متولي جدة
__________________
مضمونه :
«إنك تكمل صرّ
أهالي مكة المشرفة بالعشرين كيسا التي هي عليك لأمير الحاج المصري ، بموجب الخط الشريف المقيد في
الديوان العالي ، لأن الصرة نقصت عند طلبها علينا هذا القدر ، وضاق الوقت ، وامتنع أمير الحاج أن يسافر إلا بتمامها ،
ففعلنا هذا الأمر خشية أن يتحير الحاج عن معتاده ، فالقصد من ذلك العمل بموجب الخط
الشريف والامتثال لما أمرناك به».
فلما وصل أمير
الحاج مكة المشرفة ، وسلم جميع الصر ، نقصت العشرين كيسا ، فأخرج الفرمان وأرسله
إلى صاحب جدة ، وقال له :
«كمّل صر أهالي
مكة بالعشرين الكيس التي عليك لي».
فامتنع من تسليمها
، وأخرج بيده فرمانا سلطانيا بعدم الإعطاء ، وسجله عند القاضي.
فبطل الفرمان الذي
بيد أمير الحاج بموجب ذلك ، وحصل القيل والقال ، فاحتاج الأمر أن الصنجق يتحيّر ،
فبات تلك الليلة بمكة ، والحج والكيخية والدويدار باتوا بالوادي.
وصبح يوم السبت :
عقد الشريف مجلسا في بيته ، وأحضر أمير الحاج ، وابراهيم باشا ، وقاضي مكة ،
والمفتيين والعلماء ، وتكلم كل من الباشا والصنجق وأظهرا ما بأيديهما ، فثبت الوجه
للباشا ، وطلب
__________________
من الأمير تمام
الصر ، وقد جعل الباشا هذا الأمر دسيسة منه ، وأخفى ما بيده من السند إلى هذا الوقت ، وأظهره. فكان من تدبير
أمير الحاج أن ادعى عليه في المجلس بالوكالة من طرف الخواجة محمد الشبابي ، واستيفاء ما هو عليه من الديون.
فأقرّ الباشا به ،
وطلبه ثبوت وكالته ، فأحضرها في الحال ، وحاسبه على كامل الدين ، فقطع العشرين
كيسا وما بقي عليه / من الدين غلقه للأمير ، وانقضى المجلس على هذا ، وحصل التوفيق بينهما على أن الصنجق يعرض
الأمر إلى السلطنة العلية :
«فإن جاءه الأمر بعودها ثانيا وإثباتها كما كانت ، فتكون عند الباشا دينا ، وإلا فلا».
وقرأوا الفاتحة على هذا ، وتوجه كل إلى محله ، وصلى أمير الحاج
المصري الظهر في المدرسة.
فلما كان بين
الظهر والعصر من يوم السبت المذكور : زعق نفيره وركب بالآلاي والموكب العظيم حكم قانونه
القديم ، وركبت
__________________
لركوبه بعض السادة
الأشراف ، وأهل مكة ، ومر على باب الشريف.
وفي هذا الموسم :
حج الوجيه الشيخ عبد الرحمن ، ابن صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ، وتخلف بعد سفر
الحاج ستة أيام ، والسبب لذلك :
أن حضرة الشريف
أراد إرساله وصحبته الهدية إلى الدولة العلية ، ثم عرض له ، وهو أن مولانا الشريف
استحسن كتابة محضر في نصوح باشا وما سلكه في هذا العام والذي قبله على [لسان] السادة الأشراف ، ومحضرا على لسان أهل مكة المشرفة ، وكتابة عرض من إبراهيم باشا ، وعرض من قاضي
مكة ، وكتب من عنده كتبا صحبة المحاضر.
ومضمون الجميع :
«شكوى نصوح باشا ،
ورفع أفعاله إلى الدولة العلية بجميع ما سلكه في الحرمين الشريفين».
فلما صار هذا
الحال ترجح عنده إرسال هذه المحاضر والعروض والهدية صحبة رجل من الأروام ، فعين لإرسالها يوسف أفندي شيخ القراء. والتزم للشيخ عبد الرحمن بالتوجه في سنة غير هذه شفقة عليه ، وأنعم عليه
مقابلة تخلفه وعدم إرساله مائتين ، وتم الأمر على ذلك.
فلما كان يوم غرة
محرم الحرام : سافر يوسف أفندي بالهدية ، وكذلك الشيخ عبد الرحمن ، ومشوا صحبته
إلى رابغ ، ومنها عين الشيخ
__________________
عبد الرحمن رجلا
من عربان حرب لأجل رفق الطريق ، وقصد زيارة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأخذ طريق القاحة ، وانعطف على [درب] ركوبه ، ودخل المدينة المنورة صبح يوم الجمعة.
فكان مشيه من رابغ
إلى المدينة المنورة في يومين ، وصبح يوم الثالث دخلها ، ووجد الحاج بها.
__________________
ودخلت سنة ١١٢٣
ألف ومائة وثلاثة وعشرين :
وكان افتتاح غرة
محرم الحرام بالخميس.
وفي اليوم الثاني
منه : وصل مورق من ينبع يخبر :
أن عربان حرب
جمعوا جموعا كثيرة ، وقصدوا لنصوح باشا في جبال خيف بني عمر وقبل وصوله إلى ذلك المحل أرسل إليه مبارك ابن مضيان يعرفه :
«أن العرب اجتمعوا
وجلسوا قدامك في الطريق ، والقصد أنك تطلق الجماعة الذين مسكتهم من بئر هبير ،
وتسلم لهم دية المقتول منهم ، وترد عليهم ما أخذته من مال وجمال وأغنام ، وإن لم
تفعل [ذلك] وإلا فما لي قدرة على مدافعتهم».
فما التفت الباشا
إلى هذا الكلام ، ونوى على قتالهم ، وأرسل من عسكره جماعة يكشفون له حقيقة الحال ،
فلما وصلوا إلى محل العربان كمنوا لهم إلى أن تمكنوا منهم ، وغاروا عليهم فقتلوا
غالبهم ، وما بقي رجع إلى الباشا وأخبره بالواقع ، فاشتد عليه الكرب ، وتعب غاية
التعب.
__________________
فلما رأى الغلب ،
وعدم الماء ، صالح على نفسه بخمسة وعشرين كيسا ، أرسلها إلى مبارك بن مضيان.
فأرسل مبارك إلى
العرب وجمعهم ، وتعاهدوا هو وإياهم عن الكف عن الحرب ، ويفرق عليهم هذه الدراهم.
فوافقوا على ذلك.
ثم أرسل إلى
الباشا يعرفه بذلك ويقول له : «حال يصل إليك رسولي إرحل بالحج ، لأن العربان
جمعتهم عندي ، وفرقت عليهم الدراهم».
فعند ذلك رحل
الباشا بخزنته ، وصحبته أكابر الحج وأتباع الدولة ، وتأخرت عنه بعض الحجاج لورود
الماء ، ولأمر أراده الله :
أن عرب عوف قبيلة
من حرب استقلوا ما أعطاهم / الشيخ مبارك من الدراهم لكثرتهم ،
فحصل بينهم وبينه مواثقة فنكثوا عليه ، ولحقوا الحجاج الذين تخلفوا ، ولحقوهم
وأخذوهم عن آخرهم. وحصل بذلك غاية المصيبة على المسلمين. ـ فإنا لله وإنا إليه
راجعون ـ.
فحصل عند الشريف
والمسلمين غاية الغمّ من هذا الفعل ، وأرسل [إلى] مبارك بن مضيان يقبح فعله ، ويعرفه أن سيف السلطان طويل .
وأما ما كان من
نصوح باشا : فعند وصوله إلى المدينة المنورة طلب
__________________
من أهلها محضرا
مضمونه :
«أن جميع ما صار
علي وعلى الحجاج من نهب وتعب ، فكله بأمر من الشريف عبد الكريم».
فما وافقوه على
ذلك ، وقالوا :
«ما عندنا علم
بهذا ، فكيف نكتب بشيء ما شهدناه»؟!.
فلما أيس من [ذلك] تكلم على شيخ الحرم ، وزربه ونسبه بالولس مع الشريف وحرب.
ثم أنه جمع أكابر
حجابه ، وقاضي المدينة المنورة المتوجه صحبته وأمير الصرة ، وكتب حجة مضمونها :
«أن الشريف عبد
الكريم أرسل اخوانه إلى عرب حرب ، وأمرهم بقتل الباشا ، ونهب الحجاج ، وأننا رأينا
إخوة الشريف بأعيننا يقاتلون مع عرب حرب».
وكتب فيها جميع ما
أراد ومن توقف عن الشهادة أرضى خاطره ، وكتب من عنده عرضا بما أراد ، وأرسله صحبة
الحجة إلى الدولة العلية من أثناء الطريق ، وأرسل صحبتهم خليل كيخية .
وفي يوم الجمعة
رابع عشر صفر الخير : عزل الشريف أغاة
__________________
الإنقشارية موسى
أغا ، ونصب عوضه الأوضة باشي لأمر أوجب ذلك ، وبطلب من العسكر ، فإنه أفتن بينهم ، فطلعوا إلى الشريف وطلبوا منه هذا الأمر.
وفي ليلة ثاني عشر
ربيع الأول : وصل مورق من جدة والشريف في المسجد ، فوصل إليه ، وبشره : «أن
المراكب الهندية وصلت مرسى إبراهيم وفيها من الصدقة لأهالي الحرمين خمسة لكوك ربية».
فحصل بذلك للشريف
والمسلمين غاية السرور التام للخاص والعام.
وفي يوم سابع عشر
ربيع الأول : انتقل إلى رحمة الله الخواجة الوزير عثمان حميدان ، ـ تغمده الله
بالرحمة والرضوان ـ ، وخلف من الذكور أولادا ثلاثة ، وبنتا واحدة.
فطلع أولاده
للشريف وأخذ بخاطرهم ، ومنع القاضي آغاة الإنقشارية من الختم على بيته. وحصل لهم
من الشريف غاية الرعاية ، لأن عثمان كان من أكبر أصدقائه خدمة مولانا الشريف.
وفي يوم الجمعة
سادس عشر الشهر المذكور :
وصل السيد قطب
الدين ، أمين الصدقة ، مكة ، وقد عين مولانا الشريف لسكنه بيت السيد زين العابدين
سمره عند باب ابن عتيق ،
__________________
وأرسل إليه صحبة
القاضي عيد زاده ، التخت إلى جدة ، ودخل مكة به ، وأرسل أيضا لملاقاته الشريف بعضا
من خيالته وعسكره يتلقونه من الطريق ، وأمر له بضيافة ، وأهدى إليه هدية ، وأكرمه
غاية الإكرام.
وفي يوم السبت
خامس شهر ربيع الثاني : وصل مستلم إسماعيل باشا متولي جدة ، وعزل إبراهيم باشا ،
ودخل مكة المشرفة ظهر اليوم المذكور ، ونزل بيت السيد أحمد أفندي نائب الحرم. وبعد
صلاة العصر طلع إلى الشريف ، وسلم عليه ، وأعطاه الكتب الواصلة صحبته من الآستانة ، ومن أمير الحاج إيواز بيك وإبراهيم بيك ، ومن أهل مصر ،
ومضمونها :
«بعد السلام
والدعاء ، أن حضرة السلطان أنعم علينا بولاية بندر جدة من غرة محرم / الحرام».
وألبس الشريف
المستلم فورا قاقم. وكتب له كتبا ، وأمره بالنزول إلى جدة من ليلته بعد أن سجل
صورة الأمر الوارد صحبة القاضي عيد ، ومضمون كتب الصناجق :
«بعد السلام
والدعاء والثناء ، الأخبار بما وقع في مصر المحروسة من الفتن بين العساكر والصناجق
، وشدة ما صار من الحصار ، ورمي المدافع ، وإنها إلى تاريخه ما سكتت ، والمسئول
منكم الدعاء أن الله يصلح أحوالنا والمسلمين أجمعين ».
__________________
وفي يوم الاثنين
حادي عشرين الشهر المذكور : وصل إبراهيم باشا من جدة ، وسلم البندر لمستلم إسماعيل
باشا ، ونزل بيت البلطجي ، وأنزل جماعته حواليه من البيوت ، وركب الشريف وسلم عليه.
وفي خامس جمادى
الآخر : شرعوا في تقسمة الصدقة الهندية على أهل مكة المشرفة ، حسبما رتبه ووزعه
الشيخ محمد أكرم بن الشيخ عبد الرحمن مفتي الهندية ، والسيد قطب الدين.
وفي يوم السبت
ثاني عشرين الشهر المذكور : ورد نجاب من مصر المحروسة ، وأخبر بجميع ما صار في مصر
من الفتن والحصار والقتال وهرب أيوب بيك ، وجمع من الأغوات والكواخي الكبار ونهب
بيوتهم ، وحرقها ، وقتل جماعتهم وأتباعهم ، وبيع أملاكهم.
فحصل بهذا الخبر
غاية الكرب والتعب على المسلمين.
وأخبر أيضا : أن
يوسف بيك مملوك الأمير إيواز بيك بعد ما مات أستاذه أقام الحرب ثانيا ، وأخذ بثأر
سيده ، وقتل خلقا كثيرا فيه ، وصار أميرا على الحاج عوض أستاذه ، وأن ابن المرحوم
إيواز بيك جعل وكيلا
__________________
على وقف الخاصكية
ـ والدة السلطان ـ عوض والده.
وكانت فتنة عظيمة
تاريخها" الفتنة الصماء" لم يسمع بمثلها في مصر ، واستمرت زهاء من سبعين يوما.
هذا ما وصل من
الأخبار صحبة النجاب مختصرا ، وإلا فقد أفردت هذه الواقعة بالتصانيف ـ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ـ.
وفي يوم السبت
ثاني عشر شهر شعبان : جلسوا وفرقوا على الناس بقية الصر الذي عند الشريف وهي ستة
دفاتر بقيت من : الجديدة ، والمستجدة ، والحلبية ، ومحمد باشا ، والسليمانية ، وكرى
حب سليمان.
ثم بعد ذلك سلم
إبراهيم باشا بقية ما عنده من الصرّ ، وفرقوه أيضا على الناس. فجملة ما كان عند
الشريف خمسة آلاف أحمر وخمسمائة ، والذي عند إبراهيم باشا ستة آلاف أحمر.
وفي يوم ثاني عشر
رمضان : وصل إسماعيل باشا إلى جدة صحبة المراكب ، وأرسل خازنداره إلى مكة للقيام
بخدمة ختم مولانا السلطان. فوصل وتوجه إلى حضرة الشريف ، وسلم عليه ،
وأخذ في أسباب المولد . فبعد أن تم رجع إلى جدة وأرسل إليه هدية ، وتوجه
__________________
وسلم على الشريف.
وعند خروجه أركبه حصانا مكمل العدة.
وفي ثالث عشرين
رمضان : وصل نجاب من مصر آخر النهار ، وكان حضرة الشريف في طوى ، فتوجه إليه
وأعطاه الكتب ، ومضمونها :
«أن الفتن سكنت ،
وأن مصر الآن في غاية الأمن والأمان والسخاء والرخاء ـ لله الحمد والمنة ـ.
وأن المحضر الذي
أرسلتموه بسبب غلال الحرمين وصل ، ونحن في مزيد من الهمة والإجتهاد
، وكامل الإسيالة قد شحنت في الخشب ، وكذلك / الحب المنكسر وقدره خمسة الآف إردب [حب] ، الجميع واصل إليكم وما عندنا تقصير ، وما طلبتم يتم على
أحسن حال».
وفي ليلة الخميس
سلخ رمضان : اتفق أن كان في السماء غيم ، فجاء بعض الناس وشهد عند القاضي فامتنع
من قبولها.
ثم شاع عند الناس
أن القاضي حكم برؤية الهلال ، فكبروا للعيد ، فسمع التكبير ، فأرسل ونادى في
البلاد :
«أن الهلال ما ثبت
عندي ، وأن غدا من رمضان».
ثم أصبح الصباح
وجاء جماعة عند القاضي وشهدوا ، فقبل ، وحكم بموجب هذا. وشاع عند الناس أيضا ، فما
صدقوا ، ووصلوا إلى القاضي ، ووقع القيل والقال ، فأخذ القاضي شربة ماء فشربها.
فلما شاهدوا فعله
كبروا وأرسلوا إلى الخطيب ، وأمروه بالنزول
__________________
للصلاة. فنزل وصلى
، وغالب الناس لم يدركوا صلاة العيد.
وفي يوم الأحد
حادي عشر شوال : وقعت لطيفة وهي من كمال الغفلة ، وسببها :
أن جارنا باكير
جلبي دورلي ، ماتت عنده جارية ، فبعد تمام غسلها وتجهيزها طلبوا التابوت لوضع الميت فيه
، فأدخلوه مسترا وخرجوا ، ثم دخلوا لأخذ الميت ظنا بأنهم قد وضعوه
فيه ، وشيّع الناس الجنازة إلى المسجد ، فعند وضعها تحت باب الكعبة ،
ظهر لهم خفتها ، فنظر بعض الناس جوف التابوت ، فوجده خاليا ، فرجعوا بالنعش إلى البيت ،
لوضع الميت فيه. وجلس الناس في المسجد ينتظرونهم ، حتى ظن بعض الناس بهذا الفعل أن
الميت قد رجعت روحه ، ثم وصلوا به ثانيا إلى باب الكعبة ، وصلوا عليه بعد العصر ،
ودفنوه .
وفي يوم الجمعة
ثالث وعشرين شوال : وصل مكة المشرفة محمد بيك بن حسين باشا ، المعين من طرف
السلطان الغازي أحمد خان
__________________
لعمارة عين مكة ،
وهو الذي قد جاء سابقا سنة ألف ومائة وثمانية بثمن غلال أهل الحرمين المنكسر ، وكان وصوله صحبة المراكب إلى
بندر جدة ، ومعه مهمات ما تحتاج إليه العمارة من خشب وحديد وغير ذلك.
وجاء بمعلمين من الآستانة
ـ اصطنبول ـ صحبة أرباب الخبرة ، وأخذوا له جميع ما يحتاج إليه من مصر لأنه وصلها
في السنة التي قبل هذه وأقام بها وقضى منها مصالحه ، وأتى من جدة
إلى مكة ، ودخلها ليلة الجمعة ، وطاف وسعى وطلع لحضرة الشريف ، وسلم عليه ، ثم رجع
إلى طوى ، وبات هناك.
وفي الصبح ركب
إليه السيد يحيى بن بركات ، وصنوه السيد عبد الله ، وابراهيم باشا المنفصل عن جدة
، وصحبتهم خيالة الشريف وأتباعه ، أرسل إليه فرسا عربية مكملة العدة ، فركبها ،
ودخلوا به من أعلا مكة ضحوة يوم الجمعة.
وقد عينوا لسكنته
بيت إبراهيم بلطجي الكائن بسويقة.
وفي يوم الثلاثاء
سابع عشرين الشهر المذكور : عزم مولانا الشريف بعد الظهر ، هو ومحمد بيك بن حسين
باشا المعمار ، والسيد يحيى بن بركات ، وجمع من السادة الأشراف ، وقاضي مكة
المشرفة ،
__________________
والمفتيون وبعض
العلماء ، وإبراهيم باشا ، ومحمد بيك صنو سليمان / باشا بطريق النيابة عن اسماعيل
باشا متولي جدة ، والشيخ محمد الشيي ، والسيد أحمد أفندي نائب الحرم
الشريف ، والمهندسون ، وأرباب الخبرة ، لأجل الكشف على الخراب الذي بالعين ، وما تحتاج إليه من العمارة ، فوصلوا
إلى عرفة.
وقد كان حضرة
الشريف أمر بنصب الصيوان والخيام ، وجعل السماط بها ، وكذلك ما يحتاج إليه الأمر
من عليق وعلف ، بحيث لا يتكلف أحد ممن تبعه من صغير وكبير إلى نقل طعام
ولا غيره منذ غيبتهم ، وباتوا تلك الليلة بها.
وفي الصبح قريء
الخط الشريف الوارد صحبة محمد بيك المعمار بسبب العمارة ، ومضمونه :
«إننا قد عيّنا
فخر الأماجد والأعيان ، محمد بيك بن حسين باشا ، وزير جدة ، لعمارة عين مكة
المشرفة ، وأصحبناه مائتي كيس ، منها خمسون [كيسا] مهمات ، ومائة وخمسون كيسا من النقد العين.
وأمرناه بعد الكشف
بنظركم ، ونظر قاضي مكة ، وشيخ الحرم متولي جدة ، أن يعمر عمارة ماكنة ، بحيث تبقى
زمنا طويلا ، وإذا
__________________
احتاجت العمارة
إلى مهمات ودراهم تعرفونا بسرعة ، نرسل لكم جميع ما يحتاج إليه الأمر منه».
فبعد تمام القراءة ، توجه الجميع إلى وادي نعمان ، وأشرفوا على
الخراب الذي بالعين ، وتكلم المهندسون بأن :
«الأمر يحتاج إلى
إصلاح خمس من الخرزات ، وإحداث عشر أخر مستجدة ، وتصليح بقية الدبول من نعمان إلى مكة».
فتكلم حضرة الشريف
مع محمد بيك فيما قاله المهندسون.
فأجاب : «بأني
مأمور بتعمير الخراب ، وأما إحداث شيء من الزوائد ، فيحتاج رفع ذلك بعرض إلى
السلطان نصره الرحمن».
فاتفق الحضور
جميعا أن الأمر يحتاج إلى ما قاله المهندسون من إحداث الخرزات ، وعمارة الدبول ، والعرض
بذلك.
فبات الجميع ليلة
الخميس بنعمان على أجل إكرام وأكمل نظام ، وصاروا منها يتبعون أثر العين ، ويكشفون ما بها من خراب
ودمار ، إلى أن وصلوا المفجر ، وباتوا فيه ليلة الجمعة على أحسن حال.
وصبح يوم الجمعة
سلخ شوال : ركبوا ودخلوا مكة ، واتفقوا في الشروع للعمارة بعد توجه الحج الشريف ،
لأن الوقت قد ضاق. وتم
__________________
الأمر على هذا.
وكتبوا محضرا إلى
الدولة العلية بجميع ما وقع من الكشف ، وطلب ما يحتاج إليه الأمر من الزوائد وغيره
بعد الحدس والتخمين اللائق بأهل الخبرة من المهندسين والحاضرين ، وقصدهم يرسلونه
إلى الدولة العلية.
وضمن المهندسون أن
قدر ما يصرف فيه من الدراهم على [تعمير] عمارة عين مكة على الوجه المطلوب نحوا من مائة ألف شريفي
أحمر ، ومائتين وأربعين أحمر.
فكتبوا بذلك دفترا
، ووضعوا عليه خطوط العلماء والفقهاء والمشرفين على العمارة جميعهم.
وفي يوم الثلاثاء
سابع عشرين شوال : وصل مورق من المدينة المنورة إلى الشريف ، وأخبر أن محمد ترجمان
الشريف سعيد ـ الذي كان في مصر ، وحين هرب أيوب [بيك] إلى الشام ، وتوجه صحبته ـ وصل المدينة المنورة ، ومعه
صورة / الأمر بالشرافة للشريف سعيد. وكتب من نصوح باشا لشيخ الحرم أيوب آغا
وللقاضي والأغوات الأسباهية وأغاة القلعة ، ومضمون الجميع :
«أن البلاد صارت
للشريف سعيد ، والأمر بالنداء له».
__________________
فتوقف شيخ الحرم
أياما ، ثم تغلب عليه بعض أهالي المدينة المنورة والقاضي بواسطة بعض الناس
، ونادوا للشريف سعيد بالبلاد يوم الاثنين تاسع شوال ، وزينوا المدينة ، وأرسلوا
صورة الأمر الوارد لإسماعيل باشا متولي جدة ، وطلبوا منه أن ينادي بجدة ، فامتنع
من النداء خوفا على البلد والطريق ، لئلا يقع خلف بموجب ذلك .
فبعد وصول هذا
الخبر ، أرسل الشريف السيد زين العابدين بن إبراهيم إلى جدة لحفظ البندر وتسلم
جميع ما يخص الشريف ، ولم يبق فيه شيئا ، واستمر فيه محافظا له ، إلى أن دخل
الشريف سعيد مكة ، وأرسل الشريف عبد الكريم إلى جدة ، يعرفه بالواقع.
وقال : «أصل إلينا
بالوادي».
فركب ، وأدركه به.
وفي يوم الأحد
تاسع شهر القعدة : وصل جماعة من الطائف ، وأخبروا الشريف :
«أن الشريف سعيد
وصل قرب الطائف ، ومعه بعض قوم».
فأمر الشريف عسكره
الجبالية ، والسقمان يبرزوا إلى المعابدة.
وصبح يوم الاثنين
برزوا عند أذان العصر إلى الأبطح.
وفي يوم الجمعة
رابع عشر الشهر المذكور : تعرض للخطيب
__________________
رجل من السوقة ،
وبيده جنبية مسلولة. فعند وصول الخطيب إلى المنبر ضربه بها ، فتلقى عنه المرقى ، وفعل هكذا ثانيا وثالثا والمرقى يتلقاها. ثم هرب الخطيب
، وصعد الرجل المنبر والسكينة في يده يومىء بها على من طلع إليه. فطلع إليه رجلان
، تركي وعبد زنجي ، ومسكوه ، ونزلوه من المنبر. فوقعت فيه العامة ضربا ، وأخرجوه
من المسجد ، وأثخنوه إلى أن مات .
وفي ليلة الثلاثاء
ثامن عشرين ذي القعدة : أرسل الشريف للسيد محمد بن عبد الكريم يأمره بالخروج من
البلد ، ولزم عليه في ذلك. وخرج وتوجه إلى الشريف سعيد بالطائف. والسبب في هذا :
بلغ الشريف أن
صورة الأمر الوارد الذي جاء إلى الشريف سعيد عنده ، وأن قصده يجد فرصة ويسجله عند
القاضي بواسطة عسكر الإنقشارية ، فلزم عليه بالخروج بموجب ذلك.
وفي يوم الأربعاء
تاسع عشر الشهر المذكور : عقد مولانا الشريف مجلسا في ديوانه ، وأحضر قاضي الشرع
ومحمد بيك بن حسين باشا المعمار ، وإبراهيم باشا ، وأغوات السبع بلكات وقال لهم :
«بلغني أن الشريف
سعيد يريد دخول مكة ، وقصدي أركب إليه وأخرج أدفعه عن بلد السلطان ، وقد أقمت
السيد يحيى بن بركات قائمقامي في البلد ، فتجتهدون أنتم وإياه في حفظ البلد».
فأجابوه لذلك ،
وامتثلوا أمره ، وانقضى المجلس على ذلك.
__________________
وفي يوم الخميس
عشرين ذي القعدة : برز الشريف إلى المنحنى ، بعسكره وعسكر مصر ، والسادة الأشراف ،
وإبراهيم باشا في مخيمه ، وأرسل من يكشف له حقيقة / قوم الشريف سعيد ، ويأتونه بالخبر.
وفي يوم السبت
ثاني عشرين الشهر المذكور : وصل المراسيل وأخبروه أن الشريف سعيد وصل إلى شداد .
فعند ذلك أمر بدق الزير ، وأصرف على العسكر جامكية نصف شهر ، واجتمع
الأشراف والعساكر. وبعد الظهر ركب وتوجه إلى عرفة ، فوجد الشريف سعيد نازلا بها ،
فبات كل منهما.
وعند الصباح وقع
الرمي بين الفريقين بالبندق ، واستمرا في الحرب إلى آخر النهار ، ووقع الصواب في
الجيشين ، وقتل البعض من العسكرين.
ثم إن الأشراف
دخلوا بينهم بالكف عن الحرب يوم الاثنين والثلاثاء ، فانتقل الشريف سعيد إلى
الشريعة ـ بلاد ذوي جازان ـ والشريف عبد الكريم جلس مقابلا له
بينهما مسافة ساعة.
فركب السيد عبد
المحسن بن أحمد إلى الشريف سعيد وقال له :
__________________
«يا سيدي طلبنا
الكف عن الحرب بينكما يومين ، وقد مضت ، والآن قصدي أن تكون الأجلة إلى ثالث عشر
ذي الحجة ، فإن كان الأمر السلطاني جاء إليك ، فتكون هذه المدة للشريف عبد الكريم
، وإن كان الأمر على حالتها فتكون هذه الأجلة لك».
فتم الأمر بينهم
على هذا.
فركب الشريف عبد
الكريم بمن معه وجميع من عنده ، ونزل في بستان الوزير عثمان حميدان ، واستمر في
البستان من ظهر يوم الثلاثاء إلى [صبح] يوم الخميس.
وفيه طلع إليه
جميع عسكره ، والسادة الأشراف ، لقصد نزوله بالآلاي على جري العادة ، ما عدا عسكر
مصر الإنقشارية والمتفرقة ، فإنهم تأخروا عن الطلوع ، وحيروا بقية الخمس بلكات
عندهم على طريق القهر لموجب ما رتبوه من الهوى والغرض.
وسبب ذلك :
أن السيد محمد بن
عبد الكريم نزل البلد في مدة الأجلة بصورة الفرمان ، وبيت الأمر ليلا
مع الإنقشارية والمتفرقة وقاضي الشرع :
«أن في غد خروج
العسكر لأجل الآلاي ، يجتمعون عند القاضي ، ونسجل صورة الأمر ، وننادي في البلاد
للشريف سعيد». فكان الأمر كذلك .
__________________
فلما أصبح الصبح
حزب العسكر ، وجاؤوا إلى المحكمة على الترتيب المتقدم ، فظن الناس أن قصدهم
الطلوع إلى الآلاي ، وما خطر بالبال هذا الفعل .
فاجتمعوا بالمحكمة
، ووقع القيل والقال ، فحصل من ذلك ضجة شديدة ، وقد كان مولانا الشريف يحيى بن بركات ساعتها في الطواف ، فسمع الغوغاء في مدرسة
القاضي ، فخرج من الطواف وطلع إليهم. فوجد السيد محمد بن عبد الكريم والإنقشارية
والسردار والقاضي في يدهم صورة الأمر قد سجل ، فسأل عن سبب هذه الحركة ، فقالوا له
: «البلاد لمولانا الشريف سعيد ، والسلطان قد ولاه ونحن عبيد السلطان ، وأمره ما
يردّ».
فنظر السيد يحيى
في باطن الأمر ، فرأى الوقت ما يسع التكلم ، وليس له عليهم في تلك الحالة قدرة ،
فأخذ نفسه وأراد الخروج ، فمنعوه خوفا من أن يقع منه حركة في البلاد تمنعهم قصدهم
، فما التفت إليهم ، وقام قصده الخروج ، فقفلوا باب المحكمة في وجهه ، فتقدم عبيده
إلى الباب وخلعوه ، فخرج.
وقد كان أرسل
المنادي ومعه الشريف وبعض العسكر ينادي :
«أن البلاد للشريف
سعيد».
وأما ما كان من
أمر الشريف عبد الكريم ، فما عنده علم بجميع ذلك. واجتمعت عنده السادة الأشراف
والعساكر ، فركبوا جميعا
__________________
ينتظرون عسكر مصر
، فلما أبطأوا عليه شدّ بمن معه إلى أن وصل الدرويشية ، فلقيه السيد ظافر
بن محمد هناك ، وأخبره بالواقع ، وأن المنادي وصل إلى سوق المعلاة
، وأن بعض الأماكن مترسة بالعسكر. فأخذ الشريف في عاقبة هذا الأمر ، فتناخت عنده
السادة الأشراف والعسكر ، وقالوا :
«لا بد من الدخول
إلى البلاد».
فمنعهم الشريف من
ذلك. وقال :
«نخشى على الرعايا
تذهب بسبب ذلك ، ويهلك القوي الضعيف . وعذري منكم يا رفاقة ما سمعتم ، وأما مكة فقد أعطيتها
حقها ، وذبيت عنها ، ودفعت من أراد دخولها ، وجميع ما وقع من ولس
ومخاوزه فكانت في وجه جماعة من آل أبي نمي. والمراد أن ترجعوا شفقة على البلاد والعباد».
فمشوا إلى الحجون
إلى أن وصل طوى ، فوقف هناك الشريف ، ثم تناخت الأشراف أيضا ، وعزموا على دخول
البلد من الشبيكة ، فمنعهم أيضا ، ثم استدنى السيد عبد المعين بن محمد بن حمود ،
وأودعه طارفته
__________________
ورجاجيله وجميع ما
يتعلق به كما هو من عادتهم ، وتوجه إلى الوادي بمن معه من السادة الأشراف والأتباع ما عدا عسكر الجبالية
، فإنهم في خدمة كل متولي.
وأما ما كان من [أمر] الشريف سعيد ، فلما نودي له بالبلاد أرسل إليه السيد محمد
بن عبد الكريم :
«بأن الأمر قد تم
، وسجل عند القاضي ، فأقبل».
فوصل مولانا
الشريف سعيد المعابدة عصر يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة ، ونزل بالآلاي والموكب
العظيم ، وقدامه عسكر مصر والأشراف ، وجماعة إبراهيم باشا ، وطلع إلى دار السعادة
عند غروب الشمس.
وأصبح يوم الجمعة
طلع إليه الناس ، وسلموا عليه وهنوه ، ونودي له بالأمان بالبلاد في شوارع مكة ،
والزينة سبعة أيام.
فحصل بذلك غاية
السرور التام للخاص والعام .
وصبح يوم السبت :
ركب حضرة الشريف إلى مولانا السيد جعفر ميرك ، وسلم عليه ، وألبسه عباءة من الصوف ، وخرج من عنده إلى إبراهيم باشا المنفصل عن جدة
، وقدم له حصانا مكمل العدة.
__________________
وفي هذا اليوم
خرجوا بجاووش الإنقشارية جماعته عند الظهر ، ووصلوا به إلى أثناء طريق جدة ، وقتلوه. وسبب ذلك :
ما وقع منه في حركة عزل السردار سابقا ، واختصاصه بخدمة الشريف
عبد الكريم.
ثم دخل موسم هذه
السنة : وكانت غرة ذي الحجة الحرام بالأحد.
ففي اليوم الثاني
منه : وصل جماعة من السادة الأشراف الذين كانوا عند الشريف عبد الكريم.
وثالث الشهر : وصل
السيد عبد المحسن بن أحمد / وجماعة من ذوي بركات ، وطلعوا إلى الشريف ، وسلموا عليه. والسبب في ذلك : أنه
أرسل إليهم كتابا يتلطف بهم :
«وأنه واحد منهم ،
وجميع ما يجيء على هواكم أنا فيه».
وفي يوم الأربعاء
رابع الشهر : وصل إبراهيم باشا من جدة ، وأصبح الناس ، توجهوا إليه للسلام. وفي
آخر النهار طلع إلى الشريف سعيد وسلم عليه ، فعند خروجه ألبسه الشريف فروا سمورا.
وأصبح يوم الخميس
: ركب الشريف إليه وسلم عليه ، وخرج من عنده ، وتوجه إلى محمد بيك بن حسين باشا
المعمار ، وسلم عليه ، فقدم له فرسا عربية مكملة العدة.
__________________
وفي يوم الخميس
خامس ذي الحجة : وصل مكة عند العصر كيخية نصوح باشا ، ودخل من الشبيكة إلى المسجد
، وحضر مولانا الشريف سعيد وإبراهيم باشا ، وإسماعيل باشا صاحب جدة ، وقاضي مكة
الجديد والقديم ، وقاضي المدينة المنورة ، لأن الجميع وصلوا صحبة المراكب ، وكذلك
المفتيون والخطباء والأئمة ، وفتح البيت الشريف ، وقريء الأمر السلطاني على جاري
العادة ، ومن ذلك :
«الوصاية على
التجار والزوار والحجاج».
وألبس مولانا
الشريف القفطان بالفرو السمور ، وألبس هو الباشتين والقضاة وحضرة المفتي مولانا الشيخ عبد القادر أفرية من القاقم.
وكان القاريء
للأمر الوارد هذا ، الشيخ سعيد المنوفي.
وألبس الأغوات
وأصحاب الأدراك القفاطين المعتادة على جاري العادة.
وفي هذا اليوم :
وصلت البراءة السلطانية بالفتوى لصاحبها مولانا الشيخ عبد القادر المفتي بدون عرض
أحد ، بل محض اختيار وترجيح له عمن سواه من الدولة العلية. ـ جعلها الله ـ تعالى
ـ خادة تالدة فيه وفي عقبه ، هكذا هكذا وإلا فلا لا ـ.
ووصل في هذا اليوم
أيضا خيال من السيد عبد الله ابن الشريف سعيد يخبر :
__________________
«بأننا اجتمعنا
بنصوح باشا ، وألبسني فروا سمورا ، وقابلنا أحسن مقابل. وفي غد نصل نحن وإياه».
فعند ذلك أرسل
الشريف ونصب له صيوانا في العمرة ، أخذه محمد عطالي زاده بسبعة أكياس ، وهيأ له سماطا عظيما.
وصبح يوم الخميس
سادس الحجة : ركب مولانا الشريف بالآلاي والموكب العظيم ، والسادة الأشراف ،
وللعسكر ، إلى المحل المعتاد والمعد للقاء الأمراء ، وأبقى الجميع هناك ، وتقدم
وحده للعمرة لمقابلة نصوح باشا. فوجده قاعدا في الشارقة ، وهذا أول اجتماع حصل بين
الشريف سعيد ونصوح باشا.
ثم ألبس مولانا
الشريف القفطان الوارد صحبته ، ورجع بالآلاي إلى بيته.
وأصبح يوم السبت
سابع الشهر : عرض لأمير الحج المصري على القانون المعتاد ، ولبس القفطان الوارد
صحبة أمير الحاج الأمير يوسف بيك ، الملقب بالجزار تابع المرحوم إيواز بيك ، وهذه أول سنة
جاء أميرا على الحاج ، وإلا ففي العام الماضي ، كان كتخذا الحاج الشريف ، حين جاء
أستاذه الأمير إيواز بيك ـ أمير الحاج المصري ـ.
وفي هذا اليوم :
ختم نصوح باشا على الوكالة المعروفة الآن بالحلقة المعدة لخزن غلال أمير الحاج ،
وأخذ منها من الأرز والبقسماط والشعير ما احتاج إليه ، ووضع ختمه بعد ذلك عليها.
__________________
وكذلك في هذا
اليوم ختم على بيوت أولاد الوزير عثمان حميدان ، وحريمهم وعيالهم فيها ، حتى صار الواحد منهم إذا احتاج إلى طعام أو
شراب يطلبه من طيقان البيوت. وسبب ذلك :
«أنه ادّعى عليهم
، أن له عند والدهم سبعة ألف شريفي أحمر طره ».
فدخلوا على بعض
الأشراف ، وطلعوا إلى الشريف في مدافعة ذلك. فما أمكن ، وأخذها الباشا منهم على
طريق القهر والظلم. ثم فك الختم بعد الأخذ.
وأما ما كان من
أمير المصري ، فلما بلغه ذلك ، أرسل إلى الشريف ، وعرفه بما فعل نصوح
باشا من أخذ الغلال ، والختم على الحلقة. فما أفاده بشيء من ذلك.
ثم حج الشريف
بالناس على جاري العادة ، ولم يحصل من المخالفات شيء ـ لله الحمد والمنة ـ.
وفي يوم الجمعة
ثالث عشر ذي الحجة : قبض على محمد بيك صنو سليمان باشا ، ومحمد آغا كتخدا إسماعيل باشا سابقا في زمن سليمان باشا متولي
جدة ، بسبب وصول صورة الأمر للشريف سعيد إلى جدة لأجل النداء بتواطؤ إسماعيل باشا
، ومنعوه من النداء. ـ والله أعلم
__________________
بحقيقة الحال ـ.
وفي هذه السنة :
كان دخول نصوح باشا المدينة المنورة حادي عشر ذي القعدة ، فاجتمع عنده بعض الناس ،
ورتبوا حيلة في حبس جماعة من أهالي المدينة ، ونهب أموالهم وبيوتهم ، وهتك مرعيهم
وأعراضهم ، فعزل أيوب آغا شيخ الحرم المدني ، وأتى به إلى مكة صحبته. ونهب بيوت
عثمان آغا آغاة الإسباهية ، وهتك حريمه ، وأخذه في الحديد إلى مكة ، ونفاه إلى
سواكن ، وكذلك غيرهما.
وخرج من المدينة
ثالث عشرين الشهر المذكور ، وبلغه أن حرب جلسوا له في الطريق ، لما بلغهم أنه نوى
وعزم على حربهم وهلاكهم ، وأنه جاء إليهم بعدة أحمال مناشير لقطع نخلهم ، لموجب ما
سبق منهم في العام الماضي من الحرب ، فاعتدوا ، واحتزموا لقتاله.
فجاءه بعض أهل
المدينة ، وقال له :
«مالك قدرة عليهم».
فترك طريقهم ،
وأخذ طريقا غيره ، فحصل له غاية المشقة والتعب ، فزعق نفيره ، ومشى من طريق القاحة
، وتاه في جبالها ، ومات عطشا ، وحصل غاية المشقة والشدة على الحجاج حتى شاهدوا
__________________
الموت ، ثم إنهم
ظفروا بامرأة دلتهم على الماء والطريق.
وبلغ عرب حرب ذلك
فأدركه البعض منهم ، وأتعبه غاية التعب ، وقتلوا من جماعته زهاء من ثلاثين رجلا ،
وأخذوا من أطراف الحجاج بعض جمال [وأحمال] وخيل ، وحملين من المناشير ، عجزت عن حملها جمالها ،
فتركوها. فما وصل رابغ إلا بعد المقاساة الشديدة.
وفي يوم سادس عشر
ذي الحجة أرسل نصوح باشا لأمير الحاج المصري يوسف بيك :
«في غد ترحل من
مكة».
فأرسل إليه يقول
له :
«ما هذا قانوننا
المعتاد».
فأرسل إليه ،
وأعاد الجواب :
«لا بد أن ترحل في
غد».
فأرسل أمير الحاج
المصري لحضرة الشريف يعرفه بما قاله نصوح باشا. فما أمكن مراجعته.
وأصبح سابع عشر
نادى بالرحيل مكرها ، وبرز بطوى ، وبات فيها ، وعند الفجر ركب ، وتوجه إلى عسفان ، وحزم أمره وحث في السير إلى أن وصل بندر بدر في ثلاثة
أيام ، وأراد أن يبات فيها ، فأرسل إليه الشريف عبد الكريم ومبارك بن مضيان :
__________________
«إنك ترحل وتأتي
إلى الخيف». ـ المحل الذي هم حفظوه ، وجلسوا لنصوح باشا فيه ـ ، فعند ذلك رحل ،
ونزل عندهم.
وفي هذا اليوم حير
الشريف على الوجيه الشيخ عبد الرحمن بن صاحبنا الشيخ عباس المنوفي ورده من وطاق أمير الحاج ، ومنعه من التوجه إلى مصر ، بعد أن سافرت جميع
أسبابه وجيشه ، وتخلف وحده ، وأقام إلى العام القابل ، ووقع له العقل بواسطة بعض الناس.
وما كان من نصوح
باشا ، فأصبح ثامن عشر الشهر المذكور زعق نفيره من مكة ، ورحل لقصد ادراك أمير المصري ، وجدّ في السير أيضا ، وأدركه ففاته جميع ما رتبه
من سلوك أمر معه ، فما وصل بندر بدر إلا وحده في جوف الشريف عبد الكريم وقلب حرب ،
وصار في حصن حصين.
فلما علم نصوح
باشا فوات غرضه ، وعجز عن تحصيل مراده من يوسف بيك أمير المصري ، ندم غاية الندم ،
ثم قبل قيامه من بدر وصل إليه السيد محمد عبد الكريم ، والسيد عبد المعين بن محمد
، والسيد سليم ابن عبد الله الذين أرسلهم مولانا الشريف سعيد إلى عرب حرب لتوفيق الحال بينهم وبين نصوح باشا ، فأخبره :
«أننا وصلنا إليهم
، وعرفناهم بأنكم تترفعوا عن الطريق ، وتخلوا الحاج الشامي يتعدى.
__________________
فأجابوا بالسمع
والطاعة. وقالوا :
نحن عبيد السلطان
، وخدام هذا الدرب الشريف.
غايته أن الباشا
مراده قطعنا ، وقطع نخلنا وأملاكنا من غير موجب ، فما نسلم في ذلك حتى ما يبقى
واحد منا. وإن كان مر من غير ضرر علينا في أمر / من الأمور ، فما يحصل له من طرفنا
شيء من المخالفات جملة كافية. وتعاهدنا نحن وإياهم على هذا. فأنت شدّ ونحن نمشي
معك ، فما يحصل منهم خلاف ».
فطلب الباشا عشرة
أنفار من مشايخهم ضمائن ، فأرسلوا لحرب وعرفوهم بذلك. فما وافقوا على هذا.
وأيس الباشا من
بلوغ مراده منهم ، فعند ذلك قيّل في بدر ، وبات ، وأصبح زعق نفيره ، ورحل من طريق
آخر غير الجادة ، ودخل من العلو بعد التعب الشديد والعطش والمشقة.
وفي هذا الموسم :
توجه بهدية مولانا الشريف إلى الدولة العلية السيد محمد بن السيد عيسى المدني ،
صحبة الحاج الشامي.
__________________
ودخلت سنة ١١٢٤
أربع وعشرين ومائة ألف :
وكانت غرة محرم
الحرام يوم الثلاثاء.
وفي يوم الخميس
رابع عشر الشهر المذكور : وصلت قافلة من المدينة المنورة ، وأخبرت بجميع ما تقدم
ذكره :
«من سرعة سير
الحجوج.
وأن الحاج المصري
دخل المدينة ليلة سابع عشرين ذي الحجة ، وخرج يوم تاسع عشرين ، وأنه اجتمع بمولانا
الشريف عبد الكريم في الذهاب والإياب ، ومشى معه إلى ينبع ، ووقع بينهم تدابير
وجمعيات».
وأخبروا أيضا
بجميع ما صار لنصوح باشا." وأنه وصل المدينة المنورة من خلاف الطريق مع كامل
المشقة.
وكان دخوله يوم
السبت خامس محرم الحرام ، وخامس عشر الشهر المذكور رحل منها إلى الشام.
وإن إبراهيم باشا
قد وصل المدينة ، وادّعوا عليه أهاليها بجامكيتهم المنكسرة عندهم من بندر جدة.
فحاسبوه ، وأخذوها منه».
وفي يوم ثاني عشر
صفر الخير : سافر شاهين الموال بمحضر ، طلبه الشريف سعيد من طريق الشام إلى نصوح
باشا ، ومنه إلى الدولة العلية.
وفي ليلة الثلاثاء
خامس ربيع الأول : وصل السيد مبارك بن صامل من خليص ، وأخبر :
«أن الشريف عبد
الكريم وصل [إلى] خليص ، ونيته الوصول إلى مكة هو والأشراف الذين معه».
__________________
وفي يوم الخميس :
وصل اثنان من جهة الوادي ، واجتمعوا بالشريف. فعند ذلك ركب ، وأمر العسكر بالخروج
، فبرزوا آخر النهار في طوى.
وفي يوم الجمعة :
جمع مولانا الشريف عسكر مصر ، وأخبرهم بقدوم الشريف عبد الكريم ، وقال :
«قصدي تخرجون معي».
فوافقوا على ذلك ،
وطلبوا جمالا وجامكية.
وفي يوم الأحد
سابع عشر ربيع الأول : برز مولانا الشريف بالأشراف وعسكره وعسكر مصر ، والمدافع
إلى طوى ، واستمر هناك ثلاثة أيام ، ووصل إليه العربان الذين طلبهم من هذيل وثقيف
وبني سعد وناصر .
وفي يوم الأربعاء
: عشرين من الشهر المذكور رحل من طوى ، / ٤٠٨ وبات بالنوارية / ورحل منها إلى الوادي ،
واستمر فيه إلى يوم الجمعة والسبت ، وآخر النهار رحل ونزل الحمام ، وبات فيه ، وصبح يوم الأحد رحل منه.
وصبح يوم الاثنين
: تلاقى هو والشريف عبد الكريم بعسفان ، ولم يحصل بينهما شيء ، إلا أن الشريف عبد
الكريم لم يصل بقصد المقاومة وإنما قصده النزول في الحميما بلاده ، فظن مولانا الشريف سعيد أنه
__________________
جاء بقصد القتال ،
فاعتد لمقاومته ومدافعته ـ ولله الحمد لم يحصل شيء ـ. غير أن السيد يحيى بن بركات
وإخوان الشريف طلبوا الدخول في البلد لقضاء أشغالهم ، فأذن لهم ، ووافقهم الشريف
على ذلك.
وأما ما كان من
أمر الشريف عبد الكريم : فرجع ونزل الحميما بلاده. والشريف سعيد مقابلا له في
خليص.
فوصل الخبر بهذا
مكة يوم الثلاثاء سادس عشرين ربيع الأول ، واستمر الشريف سعيد مقيما في خليص إلى
غرة شهر ربيع الآخر ، والشريف عبد الكريم في جوف حرب في الفرع.
وفي يوم الجمعة
سادس عشر ربيع الآخر : وصل مبشر من مصر ، وأخبر : «أن مصر سخاء ورخاء في غاية
الأمن والأمان.
وأن أمير الحاج
يوسف بيك جاءه مقرر الإمارة ، واسماعيل بيك جاءه مقرر نظارة الخاصكية.
وأن غيطاس بيك
جاءه مقرر الدفتردارية.
وأن إبراهيم قد
مات. ووصل آغا من الدولة يضبط جميع ماله وحلوا جميع ما [ـ] وأن الجماعة صحبته جلوسهم في محل وحدهم».
ودخل موسم هذه
السنة : وكان نصيف باشا على الحج الشامي ،
__________________
وعلى المصري غيطاس
بيك المذكور.
ثم وصل مكة الشريف
سعيد ، وحجّ بالناس على حسب عادتهم.
وفي يوم السبت
سادس عشر ذي الحجة : برز نصيف باشا ، واستمر ثلاثا ، وقبض على الشيخ تاج القلعي ،
ويوسف شيخ القراء وآخرين ، لكونهم كانوا ينسبون إلى الشريف عبد الكريم.
فشفع في الأولين العلامة عبد الله بن سالم البصري ، فقال له : «إني أوصلهم المدينة ، وأودعهم فيها لشفاعتك فيهما» ،
ورحل مع الشامي عبد الله ومحمد أبناء مساعد بعسكر وخيالة.
وفي سابع عشرين ذي
الحجة : ركب الشريف سعيد وعزم إلى السيد جعفر ميرك ووادعه ، ثم توجه لإبعاد الشريف
عبد الكريم عن حدود السلطان ، وأوفى الأشراف والعساكر معاليمهم ، على أن يلحقوه
بعده.
والله سبحانه وتعالى
أعلم ـ
__________________
وإلى هنا انتهى
الجزء الثالث من كتاب منائح الكرم ، وللإفادة أضيف : [ونتيجة لهذه الأحداث ، نذكر
أن الشريف عبد الكريم لم يحاول أن يسترجع شرافة مكة مرة ثانية لاقتناعه بعدم جدوى
ذلك الأمر.
واقتنع بالبقاء في
بلده الحميما بعد سماح الشريف سعيد له بذلك ، وبعد مدة من الزمن رحل إلى ديار حرب
، ومكث بها مدة طويلة ، ثم سافر إلى مصر ، واستمر بها إلى أن توفي بالطاعون سنة
١١٣١ ه إحدى وثلاثين ومائة وألف .
وأما الشريف سعيد
فاستمر في شرافة مكة إلى حين وفاته سنة ١١٢٩ ه ألف ومائة ـ وتسع وعشرين ].
__________________
المصادر والمراجع
أولا : المخطوطات.
ثانيا : الكتب المطبوعة.
ثالثا : الدوريات.
أولا : المخطوطات.
* الحضراوي ـ أحمد بن
أحمد بن عبده (توفي سنة ١٣٢٦ ه).
ـ حسن الصفا
والابتهاج ، ١٨٠٩. تاريخ ، مكتبة الحرم المكي.
* عبد الستار الدهلوي (توفي ١٣٥٥ ه).
ـ موائد الفضل
والكرم الجامعة لتراجم أهل الحرم ، ١١٥ / تراجم (دهلوي) ، مكتبة الحرم المكي.
ـ الأزهار الطيبة
النشر في ذكر الأعيان من كل عصر أو أزهار البستان ، رقم ٦٥ / تراجم (دهلوي) ،
مكتبة الحرم المكي.
ـ تحفة الأحباب في
اتصال الأنساب (ملحق مع موائد الفضل والكرم ، رقم ١١٥ / تراجم (دهلوي)) ، مكتبة
الحرم المكي.
* عبد الله غازي ـ (توفي ١٣٥٧ ه).
ـ إفادة الأنام (يشتمل
على ثلاثة أجزاء) ، تاريخ ، مكتبة الحرم المكي.
* العجيمي ـ محمد حسن
العجيمي (توفي ١١١٣ ه).
ـ خبايا الزوايا ،
٧ / تراجم ، مكتبة الحرم المكي.
* محمد بن أحمد الصباغ ـ (توفي ١٣٢١ ه).
ـ تحصيل المرام في
أخبار البيت الحرام ، رقم ١١ / تاريخ (دهلوي) ، مكتبة الحرم المكي.
* مؤلف مجهول.
ـ تكميل وتذييل
فيما يتعلق بأمراء مكة ، ٢٣٦٧ / تاريخ ، مكتبة
الحرم المكي.
* محمد علي الطبري (توفي ١١٦٣ ه).
ـ إتحاف فضلاء
الزمن بتاريخ ولاية بني الحسن ويشتمل على ثلاثة أجزاء ، تاريخ (دهلوي) ، مكتبة
الحرم المكي.
* محمد أمين بن حبيب بن
جعفر.
ـ طبقات فقهاء
السادة الحنفية ١ فل ١٠ ، رقم ٢٩١ / تراجم ، مكتبة الحرم المكي.
ثانيا : المصادر والمراجع المطبوعة
* إبراهيم
أنيس وآخرون.
ـ المعجم الوسيط ،
ط ٢ ، دار إحياء التراث العربي ، القاهرة ١٣٩٣ ه.
* إبراهيم حليم.
ـ التحفة الحلمية
في تاريخ الدولة العلية ، ط ١ ، مطبعة ديوان الأوقاف ، القاهرة ١٣٣٣ ه.
* إبراهيم رفعت.
ـ مرآة الحرمين ،
بدون تاريخ.
* ابن الأثير ـ أبي
الحسن علي بن محمد الأثير (توفي ٦٣٠ ه).
ـ أسد الغابة في
معرفة الصحابة ، دار الفكر.
ـ الكامل في
التاريخ ، ط ٢ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٣٨٧ ه.
* ابن بشر ـ عثمان
بن بشر النجدي الحنبلي (توفي ١٢٨٨ ه).
ـ عنوان المجد في
تاريخ نجد ، مكتبة الرياض الحديثة.
* ابن بطوطة ـ محمد
بن عبد الله (توفي ٧٧٩ ه).
ـ رحلة ابن بطوطة
، دار بيروت ، بيروت ١٤٠٠ ه.
* ابن تيمية ـ أبي
العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم (توفي ٧٢٨ ه).
ـ السنة النبوية
في تقصي كلام الشيعة والقدرية ، دار الكتب العلمية ،
بيروت.
* ابن خلدون ـ عبد
الرحمن بن محمد (توفي ٨٠٨ ه).
ـ تاريخ ابن خلدون
، المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ،
لبنان ، ١٣٩١ ه.
* ابن دقيق العيد
ـ تقي الدين بن الفتح.
ـ إحكام الأحكام ،
دار الباز للنشر والتوزيع ، مكة.
* ابن رشيق ـ أبو
علي الحسن بن رشيق.
ـ العمدة ، حققه
محمد محيي الدين ، دار الجيل ١٩٧٢ م.
* ابن سلام ـ أبي
عبيد القاسم بن سلام (توفي ٣٣٨ ه).
ـ كتاب الأمثال ،
حققه وعلق عليه عبد المجيد قطامش ، ط ١ ، دار المأمون للتراث ، دمشق ، بيروت ١٤٠٠
ه.
* ابن ظهيرة ـ جمال
الدين محمد جار الله بن محمد نور بن أبي بكر بن ظهيرة القرشي (توفي ٩٨٦ ه).
ـ الجامع اللطيف ،
ط ١ ، دار الفكر ، توزيع مكتبة الثقافة ، مكة.
* ابن عبد ربه ـ أبي
عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (توفي ٣٢٨ ه).
ـ العقد الفريد ،
صححه : أحمد أمين وآخروت ، ط ٢ ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، ١٣٧٥ ه /
١٩٥٦ م.
* ابن عبد السلام
الدرعي.
ـ ملخص رحلتي بن
عبد السلام الدرعي ، ط ١ ، منشورات دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع ، الرياض
، ١٤٠٢ ه.
* ابن فهد ـ عز
الدين عبد العزيز بن عمر بن محمد الهاشمي القرشي.
ـ غاية المرام
بأخبار سلطنة البلد الحرام ، تحقيق فهيم شلتوت ، ط ١ ، جامعة أم القرى ، مكة ،
١٩٨٨ م.
* ابن قدامة ـ موفق
الدين بن قدامة.
ـ المغني مع الشرح
الكبير ، دار الباز للنشر والتزيع ، مكة.
* ابن ماجه ـ الحافظ
بن عبد الله محمد القزويني (توفي ٢٧٥ ه).
ـ سنن ابن ماجه ،
دار الفكر للطباعة والنشر والتزيع.
* ابن معصوم ـ علي
بن أحمد معصوم.
ـ سلافة العصر في
محاسن الشعراء بكل عصر ، ط ١ ، ١٣٢٤ ه.
* ابن منظور ـ محمد
بن مكرم بن علي الأنصاري (توفي ٧١١ ه).
ـ لسان العرب ، ط
١ ، دار لسان العرب ، إعداد وتصنيف يوسف خياط ونديم مرعشلي ، بيروت.
* ابن هشام ـ أبي
محمد عبد الملك بن هشام (توفي ٢٩٣ ه).
ـ السيرة النبوية
، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ، مكتبة الكليات الأزهرية.
* أبو بكر
الكاساني الحنفي.
ـ بدائع الصنائع
في ترتيب الشرائع ، مطبعة العاصمة ، القاهرة.
* أبو الخير عبد
الله مرداد.
ـ المختصر من كتاب
نشر النور والزهر. من تراجم أفاضل مكة ، اختصار أحمد سعيد العامودي وأحمد علي ، ط
٢ ، عالم المعرفة ، جدة ، ١٤٠٦ ه.
* أبو الفضل
البيهقي.
ـ تاريخ البيهقي ،
ترجمة يحيى خشاب وصادق نشأت ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ١٩٨٢ م.
* أحمد الأمين
الشنقيطي.
ـ شرح المعلقات
العشر وأخبار شعرائها ، دار الأندلس ، بيروت.
* أحمد المحلاوي.
ـ شذى العرف من فن
الصرف ، مصطفى البابي ، ط ١٦ ، القاهرة.
* أحمد بن حنبل.
ـ المسند ، بدون
تاريخ ، دار الباز للنشر.
* أحمد السباعي.
ـ تاريخ مكة ، ط ٢
، نادي مكة الأدبي ١٣٩٩ ه / ١٩٧٩ م ، مكة.
* أحمد بن عبد
الحميد العباسي.
ـ عمدة الأخبار في
مدينة المختار ، تحقيق حمد الجاسر ، ط ٥.
* أحمد عطية الله.
ـ القاموس
الإسلامي ، ط ١ ، مكتبة النهضة المصرية ، ١٣٨٦ ه.
* أحمد محمود
الساداتي.
ـ تاريخ المسلمين
في شبه القارة الهندية وحضارتهم ، ملتزم الطبع والنشر ، مكتبة الآداب ومطبعتها ،
القاهرة.
* الأزرقي ـ أبو
الوليد محمد بن عبد الله (توفي ٢٤٤ ه).
ـ أخبار مكة وما
جاء فيها من آثار ، تحقيق : رشدي الصالح ، ط ٣ ، دار الثقافة بمكة ، ١٣٩٩ ه.
* أنستاس الكرملي.
ـ النقود العربية
الإسلامية ، ط ٢ ، مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ، ١٩٨٧ م.
* الأنصاري ـ عبد
الرحمن (توفي ١١٩٧ ه).
ـ تحفة المحبين ،
تحقيق : محمد العروسي المطوي ، ط ١ ، المكتبة العتيقة ، تونس ، ١٣٩٠ ه / ١٩٧٠ م.
* إيلماز أوزتونا.
ـ تاريخ الدولة
العثمانية ، ترجمة عدنان محمود سلمان ، مراجعة د.
محمود الأنصاري ،
ط ١ ، مؤسسة فيصل للتمويل ، تركيا ، ١٤٠٨ ه / ١٩٨٨ م.
* البخاري ـ أبو
عبد الله بن محمد بن إسماعيل (توفي ٢٥٦ ه).
ـ صحيح البخاري ،
طبعة بالأوفست ، عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول ، دار الفكر.
* بطرس البستاني.
ـ محيط المحيط ،
نسخة طبق الأصل عن مطبعة الفوتوأوفست ، الناشر مكتبة لبنان ، بيروت.
* البكري ـ عبد
الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (توفي ٤٨٧ ه).
ـ معجم ما استعجم
من أسماء البلاد والمواضع ، تحقيق : السقا ، عالم الكتب ، بيروت.
* الترمذي ـ حافظ
أبي عيسى محمد بن عيسى بن سودة (توفي سنة ٢٧٩ ه).
ـ الجامع الصحيح ،
تحقيق عبد الرحمن عثمان ، مطبعة الإعتماد ، مصر.
* الجبرتي ـ عبد
الرحمن الجبرتي.
ـ تاريخ عجائب
الآثار في التراجم والأخبار ، دار الجيل ، بيروت.
* الجرافي اليمني.
ـ المقتطف من
أخبار اليمن ، ط ١ ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة.
* جرير.
ـ ديوان جرير ،
تحقيق إيليا الحاوي ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت.
* الجزيري ـ عبد
القادر بن محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الجزيري (توفي ٩٤٤ ه).
ـ درر الفرائد
المنظمة في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة ، المطبعة السلفية ، القاهرة ، ١٣٤٨ ه.
* جمال الدين
الشيال.
ـ تاريخ دولة
أباطرة المغول الإسلامية في الهند ، ط ١ ، دار المعارف ، الإسكندرية ، ١٩٦٧ م.
* جميل عبد الله
محمد المصري.
ـ حاضر العالم
الإسلامي ، ط ٢ ، دار أم القرى ، عمان ، ١٤٠٩ ه.
* حافظ وهبة.
ـ جزيرة العرب في
القرن العشرين ، ط ٥ ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ١٣٨٧ ه.
* الحاكم ـ أبي
عبد الله محمد النيسابوري.
ـ المستدرك على
الصحيحين ، ط ١ ، دار المدينة للطباعة والنشر ، بيروت ١٤٠٦ ه / ١٩٨٦ م.
* حسن الباشا.
ـ الألقاب
الإسلامية ، مكتبة النهضة ، القاهرة ١٩٧٥ م.
ـ الفنون
الإسلامية والوظائف على الآثار العربية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ١٩٦٦ م.
* حسن عبد الله
باسلامة.
ـ تاريخ عمارة
المسجد الحرام ، ط ٣ ، ١٤٠٠ ه ، الكتاب العربي السعودي ، جدة.
ـ تاريخ الكعبة
المعظمة عمارتها وكسوتها وسدنتها ، ط ٢ ، ١٤٠٢ ه ، جدة.
* حسين محمد نصيف.
ـ ماضي الحجاز
وحاضره ، مطبعة خضير ، القاهرة.
* حسين مجيب
المصري.
ـ معجم الدولة
العثمانية ، الأنجلو المصرية ، القاهرة.
* حمد الجاسر.
ـ المعجم الجغرافي
للبلاد العربية السعودية (معجم مختصر) ، منشورات دار اليمامة للبحث والنشر ،
الرياض.
* الحموي ـ ياقوت
بن عبد الله (توفي ٦٢٦ ه).
ـ معجم البلدان ،
بيروت ، دار صادر.
* دحلان ـ أحمد
زيني (توفي ١٣٠٤ ه).
ـ تاريخ الدولة
الإسلامية بالجداول الزمنية ، المطبعة الخيرية ، القاهرة ١٣٠٦ ه.
ـ خلاصة الكلام ،
ط ١ ، المطبعة الخيرية ، مصر ، ١٣٠٥ ه.
* دائرة المعارف
الإسلامية.
* دهلوي ـ عبد
الستار الصديقي.
ـ ولاة مكة بعد
الفاسي ـ ملحق بكتاب شفاء الغرام ـ تقي الدين الفاسي ، عيسى البابي الحلبي ، مصر.
* رينهارت دوزي.
ـ تكملة المعاجم
العربية ، ترجمة محمد سليم المنيسي ، ط ١ ، وزارة الثقافة والفنون ، العراق ، ١٩٧٨
م.
* الزبيدي ـ محيي
الدين أبي الفيض السيد محمد مرتضي الحسيني.
ـ تاج العروس من
جواهر القاموس ، منشورات دار الحياة ، بيروت.
* الزركلي ـ خير
الدين.
ـ الأعلام ، دار
العلم للملايين ، ط ٩ ، بيروت ، ١٩٩٠ م.
* الزرندي ـ مدني
أنور الدين علي بن محمد.
ـ المرور بين
العلمين ، تحقيق محمد العيد الخطرواي ، ط ١ ، دار التراث ، المدينة المنورة ، ١٤٠٧
ه.
* الزوزني ـ أبي
عبد الله الحسين بن أحمد.
ـ من شرح المعلقات
السبع ، دار القاموس الحديثة ، بيروت.
* سعاد ماهر.
ـ البحرية في مصر
الإسلامية ، وزارة الثقافة ، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ، القاهرة.
* السمهودي ـ علي
بن عبد الله (توفي ٩٢٢ ه).
ـ خلاصة الوفاء ،
المكتبة العلمية ، دمشق ، ١٣٩٢ ه.
* سيد عبد المجيد.
ـ الملامح
الجغرافية لدروب الحجيج ، ط ١ ، الكتاب الجامعي ، جدة ، ١٤٠١ ه / ١٩٨ م.
* شاكر مصطفى.
ـ التاريخ العربي
والمؤرخون ، ط ٣ ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ١٩٨٧ م.
* شرف بن عبد
المحسن البركاتي.
ـ الرحلة اليمانية
، ط ٢.
* الشرواني ـ أحمد
بن محمد علي إبراهيم الأنصاري اليمني (توفي ١٢٥٠ ه).
ـ حديقة الأفراح
لإزاحة الأقراح ، مطبعة بولاق ، مصر ، ١٢٨٢ ه.
* الشوكاني ـ محمد
بن علي (توفي ١٢٥٠ ه).
ـ البدر الطالع
بمحاسن من بعد القرن السابع ، ط ١ ، القاهرة ، مطبعة السعادة ، ١٣٤٨ ه.
ـ نيل الأوطار من
أحاديث سيد الأخيار ، دار الجيل ، بيروت.
* صادق باشا.
ـ دليل الحج
للوارد إلى مكة والمدينة في كل فج ، ط ١ ، بولاق
الكبرى الأميرية ،
١٣١٣ ه.
* صالح لمعي
مصطفى.
ـ التراث المعماري
الإسلامي في مصر ، ط ١ ، دار النهضة العربية ، بيروت ، ١٤٠٤ ه / ١٩٨٤ م.
* صفي الدين
الحلي.
ـ ديوان صفي الدين
الحلي ، مقدمة ديوان ، دار بيروت للطباعة والنشر ، بيروت ، ١٤٠٣ ه.
* طه حسن وإبراهيم
الأبياري.
ـ شرح لزوم ما لا
يلزم ، دار المعارف ، مصر.
* عائض الردادي.
ـ الشعر الحجازي
في القرن الحادي عشر الهجري ، ١٥٩١ ـ ١٦٨٨ م ، ط ١ ، مكتبة المدني ، ١٤٠٢ ه / ١٩٨٤
م.
* عاتق البلادي.
ـ على طريق الهجرة
، ط ١ ، دار مكة للنشر والتوزيع.
ـ معالم مكة
التاريخية والأثرية ، ط ١ ، دار مكة للطباعة والنشر ، ١٤٠٠ ه.
ـ معجم قبائل
الحجاز ، دار مكة للنشر والتوزيع ، ١٣٩٩ ه.
ـ معجم معالم
الحجاز ، دار مكة للطباعة والنشر ، ط ١ ، ١٤٠١ ه.
* عادل حسن غنيم.
ـ تاريخ الهند
الحديث ، ط ١ ، مكتبة الخانجي ، مصر ، ١٩٨٠ م.
* عبد الرحمن صالح
عبد الله.
ـ تاريخ التعليم
في مكة المكرمة ، ط ١ ، دار الفكر ، ١٣٩٢ ه.
* عبد العزيز
سالم.
ـ الدولة
العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ، مكتبة الأنجلو العربية ، مصر ، القاهرة ،
١٩٨٠ م.
* عبد القدوس
الأنصاري.
ـ تاريخ مدينة جدة
، طبع على نفقة بلدية جدة.
* عبد الكريم
القطبي ـ عبد الكريم بن محيي الدين (توفي ١٠١٤ ه).
ـ إعلام العلماء
الأعلام ببناء المسجد الحرام ـ تحقيق وتعليق أحمد محمد جمال ، عبد العزيز الرفاعي
، عبد الله الجبوري ، ط ١ ، دار الرفاعي للنشر والطباعة ، الرياض ، ١٤٠٣ ه.
* عبد الواسع بن
يحيى اليماني.
ـ تاريخ اليمن ،
فرجة الهموم ، ط ٤ ، الدار اليمنية للنشر والتوزيع ١٤٠٤ ه.
* العسقلاني ـ أحمد
بن علي بن محمد بن محمد بن حجر (توفي ٨٥٢ ه).
ـ فتح الباري في شرح
صحيح الإمام أبي عبد الله بن إسماعيل البخاري ، تحقيق محيي الدين الخطيب وآخرين ،
ط ١ ، دار الريان الحديثة ، القاهرة ، ١٤٠٧ ه.
ـ الإصابة في
تمييز الصحابة ، تحقيق علي محمد اليحياوي ، ط ١ ، دار الجيل ، بيروت ١٤١٢ ه /
١٩٩٢ م.
* العصامي ـ عبد
الملك العصامي (توفي ١١١١ ه).
ـ سمط النجوم
العوالي في أبناء الأوائل والتوالي ، المطبعة السلفية ، القاهرة.
* علي بن الحسين
اليماني.
ـ العلاقات
الحجازية المصرية زمن سلاطين المماليك ، الشركة المتحدة للنشر والتوزيع ، القاهرة
، ١٣٩٣ ه.
* علي علي البنا.
ـ الجغرافيا
الإقتصادية ، مكتبة دار الجامعة العربية ، بيروت ، ١٩٦٧ م.
* عمر رضا كحالة.
ـ العالم الإسلامي
، ط ٢ ، دمشق ١٣٧٧ ه.
ـ معجم قبائل
العرب ، ط ٢ ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ١٣٩٨ ه / ١٩٧٨ م.
* عمر عبد الجبار.
ـ سير وتراجم ، ط
٣ ، تهامة ، جدة ، ١٤٠٣ ه / ١٩٨٢ م.
* عمر فروخ.
ـ تاريخ الأدب
العربي ، ط ٤ ، ١٩٨٤ م.
* فائق بكر
الصواف.
ـ العلاقات بين
الدولة العثمانية وإقليم الحجاز في الفترة ما بين ١٣٣٤ ه ـ ١٣٩٣ ه.
* فالترهنش.
ـ المكاييل
والأوزان والمقاييس الإسلامية ، ترجمة كامل العسيلي ،
منشورات الجامعة
الأردنية.
* فؤاد حمزة.
ـ قلب جزيرة العرب
، مكتبة النصر الحديثة ، الرياض ، ١٣٨٨ ه.
* القرماني.
ـ تاريخ سلاطين آل
عثمان ، تحقيق : سالم عبد الوهاب ، ١٤٠٥ ه.
* القلقشندي ـ أبو
العباس أحمد (توفي ٨٢١ ه).
ـ صبح الأعشى في
صناعة الإنشا ، نسخة من الطبعة الأميرية ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر.
ـ نهاية الأرب في
معرفة أنساب العرب ، تحقيق إبراهيم الأبياري ، ط ١ ، الشركة العربية للطباعة
والنشر ، القاهرة ، ١٩٥٩ م.
* كمال الدين
الدميري.
ـ حياة الحيوان ،
ط ٢ ، ١٣١٣ ه.
* لويس معلوف.
ـ المنجد ، ط ١٠.
* ليلي عبد الله.
ـ الصوفية عقيدة
وأهداف ، ط ١ ، دار الوطن ، الرياض ، ١٤٠٤ ه.
* مؤلف مجهول.
ـ تراجم أعيان
المدينة المنورة في القرن ١٢ ه ، حققه دكتور محمد التويخي ، ط ١ ، ١٤٠٤ ه.
* المتنبي.
ـ ديوان أبي الطيب
المتنبي ، تصحيح ومقارنة عبد الوهاب عزام ،
مطبعة لجنة
التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، ١٣٦٣ ه.
* المحبي ـ محمد
الأمين بن فضل الله المحبي (توفي ١١١١ ه).
ـ خلاصة الأثر في
أعيان القرن الحادي عشر ، بدون تاريخ.
ـ نفحة الريحانة
ورشحة طلاء الحانة ، تحقيق عبد الفتاح الحلو ، ط ١ ، البابي الحلبي ، ١٣٨٩ ه.
* محمد بن أحمد بن
رشد القرطبي.
ـ بداية المجتهد
ونهاية المقتصد ، المكتبة التجارية الكبرى ، مصر.
* محمد بن أحمد
العقيلي.
ـ تاريخ المخلاف
السليماني ، ط ٢ ، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر ، الرياض.
* محمد أنيس.
ـ الدولة
العثمانية والشرق العربي ، مكتبة الأنجلو المصرية ، القاهرة.
* محمد عبد الله ملباري.
ـ المنتقى في
أخبار أم القرى ، مطابع الصفا بمكة ١٤٠٥ ه / ١٩٨٥ م.
* محمد بن علوي
عباس المالكي الحسن.
ـ في رحاب البيت
الحرام ، مطابع سحر ، جدة ١٣٩٩ ه.
* محمد فؤاد عبد
الباقي.
ـ المعجم المفهرس
لألفاظ القرآن الكريم ، ط ١ ، دار الفكر للطباعة والنشر ، ١٤٠١ ه.
* محمد فريد.
ـ تاريخ الدولة
العلية ، تحقيق : إحسان حقي ، ط ٢ ، بيروت ، دار النفائس ، ١٤٠٣ ه.
* محمد قنديل
البقلي.
ـ التعريف
بمصطلحات صبح الأعشى ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٨٣ م.
* محمد بن محمد بن
يحيى بن زيادة اليمني.
ـ ملحق البدر
الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ، ط ١ ، مطبوعات السعادة ، القاهرة ، ١٣٤٨ ه.
* محمود شاكر.
ـ التاريخ
الإسلامي والعهد الإسلامي ، ط ٢ ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، دمشق ١٤١١ ه.
* محمود شوكت.
ـ التشكيلات
والأزياء العسكرية العثمانية ، ترجمة يوسف نعيسه ومحمود عامر ، ط ١ ، دمشق ، ١٩٨٨
م.
* المرادي ـ محمد
خليل (توفي ١٢٠٦ ه).
ـ سلك الدرر في
أعيان القرن الثاني عشر ، مطبعة بولاق ، ١٣٠١ ه.
* المعري ـ أبو
العلاء المعري.
ـ لزوم ما لا يلزم
، دار صادر ، بيروت ١٣٨٢ ه.
* الموسوعة
العربية الميسرة ، دار الشعب القاهرة ، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر.
* الموسوي ـ العباس
بن علي بن نور الدين الحسيني الموسوي المكي (توفي ١١٨٠ ه).
ـ نزهة الجليس
ومنية الأديب الأنيس ، منشورات المطبعة الحيدرية ، النجف ، ١٣٨٧ ه.
* الميداني ـ أبو
الفضل بن محمد النيسابوري الميداني.
ـ مجمع الأمثال ،
حققه : محمد محيي الدين عبد الحميد ، ط ٢ ، المكتبة التجارية الكبرى ، ١٣٧٩ ه.
* النابغة
الذبياني.
ـ ديوان النابغة ،
تحقيق وشرح كرم البستاني ، دار صادر ، بيروت.
* ناجي زين الدين
المصرف.
ـ بدائع الخط
العربي ، ط ٢ ، مكتبة النهضة ، بغداد ، دار العلم ، بيروت ١٩٨١ م.
* ناجي معروف.
ـ مدارس مكة ،
مطبعة الإرشاد ، بغداد.
* نوال ششة.
ـ جدة في مطلع
القرن العاشر الهجري ، السادس الميلادي ـ الطالب الجامعي ، مكة المكرمة ١٤٠٦ ه.
* النهروالي ـ قطب
الدين محمد النهروالي (توفي ٩٨٨ ه).
ـ البرق اليماني
في الفتح العثماني ، ط ١ ، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة ، الرياض ، ١٣٨٧ ه.
ـ الإعلام بأعلام
بيت الله الحرام ، ط ١ ، المطبعة الخيرية ، ١٣٠٥ ه ،
القاهرة.
* يحيى عبد الأمير
الشامي.
ـ النجوم في الشعر
العربي القديم ، ط ١ ، دار الإعلانات الجديدة ، بيروت ، ١٤٠٢ ه.
* يسري عبد الرزاق
الجوهري.
ـ جغرافية الموارد
الاقتصادية عن منشأة المعارف الإسلامية بالإسكندرية ، ١٩٧٣ م.
* يوسف آصاف.
ـ تاريخ سلاطين آل
عثمان ، تحقيق باسم عبد الوهاب ، دار البصائر ، ط ٢ ، ١٤٠٥ ه.
ثالثا : الدوريات
* مجلة العرب (الرياض) ، الجزء
التاسع ، ١٠ س ١٠ الربيعان ، ١٣٩٦ ه ، آذار ـ نيسان ، مارس ـ ابريل ، ١٩٧٦ م.
مقال عن رحلات
الحج كتاب المجموع الظريف في حجة المقام الشريف.
أحمد بن يحيى بن
شاكر بن عبد الغني المعروف بابن الجيعان ولقبه أبو البقاء شهاب الدين.
محتويات
الجزء الخامس
أحداث
سنة ١٠٩٧ ه.................................................... ٥
ـ ٢٨
نفور بين الشريف أحمد بن زيد والوزير عثمان حميدان............................... ٥
تطلع الجمال محمد علي لمنصب الوزارة............................................ ٦
خروج الشريف أحمد إلى الصيد ثم إلى الشرق...................................... ٧
طوق للحجر الأسود........................................................... ٧
فتنة العبيد.................................................................... ٨
قضية الشيخ عبد المحسن القلعي................................................. ٩
إقامة الشريف بالمنحنى واتجاه إلى الشرق......................................... ١٢
إدعاء سردار الإنكشارية على محمد علي سليم................................... ١٢
تولي سليمان أمير ياخور الوزارة................................................. ١٤
بناء جدار مقبرة المعلاة........................................................ ١٥
وفاة زين العابدين بن عثمان حميدان............................................ ١٦
وصول صدقة سلطان الهند أورنكزيب........................................... ١٦
ظلم أحمد باشا.............................................................. ١٧
جامكية نصف السنة......................................................... ١٧
منع القاضي عيد من الخطابة والإمامة........................................... ١٨
توزيع الصدقة الهندية بالمدرسة الباسطية.......................................... ١٨
حبس القاضي عيد........................................................... ١٨
الحجر على محمد السقطي.................................................... ١٩
تجديد درج الكعبة........................................................... ١٩
وصول الشريف إلى المدينة..................................................... ٢٠
عودة الشريف أحمد إلى مكة.................................................. ٢١
وصول إبراهيم أغا بالخلعة إلى مكة............................................. ٢١
مدح السنجاري للشريف أحمد................................................. ٢٢
هدم الخلاوي بالمسجد........................................................ ٢٧
العمارة الخاصكية............................................................ ٢٨
أحداث
سنة ١٠٩٨ ه.................................................. ٢٩
ـ ٤١
اصلاح فصوص الشادروان.................................................... ٢٩
ازالة الدكك والمباسط من الشوارع.............................................. ٣٠
التصافي بين الشريف والوزير عثمان............................................. ٣١
أحمد باشا والأفندي عبد الله عتاقي............................................. ٣٢
بناء حائط مقبرة المعلاة....................................................... ٣٦
إخراج التكارنة من مكة....................................................... ٣٦
عزل أحمد باشا وتعيين محمد بيك لمشيخة الحرم وولاية جدة........................ ٣٧
عزل حسين القبرصلي عن وقف قايتباي........................................ ٣٨
منع النصارى من الاقامة بجدة................................................. ٣٩
مقتل السيد عبد الله بن بشير على يد عرب السوارجية............................ ٤٠
ورود خبر نصرة السلطان على النصارى......................................... ٤٠
حج الشريف بالناس ولبس الخلعة السلطانية..................................... ٤٠
أحداث
سنة ١٠٩٩ ه.................................................. ٤٣
ـ ٧٣
اعتذار عثمان حميدان عن الوزارة وتعيين يوسف السقطي.......................... ٤٣
خروج أحمد بن غالب من مكة................................................ ٤٣
تغيير افريز سطح الكعبة وتجديد مقام الشافعي................................... ٤٤
وفاة الشريف أحمد بن زيد..................................................... ٤٦
ولاية الشريف سعيد بن زيد................................................... ٤٦
رثاء السنجاري للشريف أحمد بن زيد........................................... ٤٧
رثاء عبد الملك العصامي للشريف أحمد......................................... ٤٩
عزل السلطان محمد خان وسلطنة سليمان....................................... ٥١
دخول القايقجي بالخلعة السلطانية............................................. ٥٢
مدح الشريف سعيد.......................................................... ٥٤
رسول الشريف سعيد إلى مصر................................................ ٥٤
تهديد الشريف سعيد لبعض الفقهاء............................................ ٥٥
مناهضة الشريف أحمد بن غالب للشريف سعيد................................. ٥٥
عودة الشيخ محمد المنوفي إلى مكة.............................................. ٥٦
أمر تعيين أحمد بن غالب الشرافة على مكة..................................... ٥٧
ولاية الشريف أحمد بن غالب................................................. ٥٧
مدح محمد بن حيدر الشامي للشريف أحمد بن غالب............................ ٦٢
تعيين إبراهيم حميدان الوزارة.................................................... ٦٨
وصول أغاة القفطان مكة بالأوامر السلطانية..................................... ٦٩
وصول معمار عين زبيدة...................................................... ٧٠
تعيين القاضي مرشد الدين المرشدي نظارة الصر.................................. ٧١
أحداث
سنة ١١٠٠ ه.................................................. ٧٥
ـ ٩٤
إشراف أحمد بن غالب على أفريز الكعبة....................................... ٧٥
صلاة الشريف أحمد في جوف الكعبة........................................... ٧٥
خروج الشريف أحمد إلى المدينة المنورة........................................... ٧٥
معاقبة مزيفي الدراهم......................................................... ٧٦
عزل إبراهيم حميدان وتعيين القائد سنبل......................................... ٧٧
عزل حسن حميدان عن وزارة جدة وتعيين عبد الله حميدان.......................... ٧٧
أمر دشيشة السلطان جقمق................................................... ٧٧
محاولة تفويض أمر الانكشارية للشريف......................................... ٧٨
وصول إمام اليمن إلى الطائف ثم إلى مكة....................................... ٧٩
مدح أحمد بن محمد الأنسي للشريف أحمد...................................... ٨٢
أحداث مختلفة............................................................... ٨٥
مدح محمد بن حيدر للشريف أحمد............................................. ٨٨
قتل مصطفى أغا سردار الإنقشارية............................................. ٨٩
حبس أحمد الجامي المصري.................................................... ٩٠
قتال قبيلة حرب وصبح....................................................... ٩١
أحمد بن غالب يستصدر أمرا برجوع الأوقاف إليه................................ ٩٢
حج سنة ١١٠٠ ه.......................................................... ٩٣
أحداث
سنة ١١٠١ ه................................................ ٩٥
ـ ١٢٥
منافرات الأشراف والمناداة بشرافة محسن بن الحسين في الصفراء وبدر وينبع........... ٩٥
مطالبة الشريف أحمد بالزكاة من أصحاب المهن والحرف التافهة..................... ٩٦
وفاة السيد محمد بن مساعد................................................... ٩٧
إنحلال أمر الشريف أحمد بن غالب............................................ ٩٧
المناداة بجدة والطائف للشريف محسن بن الحسين............................... ١٠١
وصول الشريف محسن إلى الزاهر............................................. ١٠٤
ظهور بيوردي باشوي بتولية الشريف محسن وخروج أحمد بن غالب إلى اليمن....... ١٠٥
ولاية الشريف محسن بن الحسين.............................................. ١٠٨
مدح الشعراء للشريف محسن................................................. ١٠٩
قضية سكة الشريف أحمد بن غالب.......................................... ١١٥
بناء بئر طوى وسقف مسجد العمرة.......................................... ١١٨
أمر السيد حسن بن غالب.................................................. ١١٩
وصول الأغا بالخلعة السلطانية............................................... ١١٩
مطالبة صاحب جدة بالحب الذي ضمنه على أمير الحاج........................ ١٢٠
هدية الشريف محسن إلى سلطان الهند أورنكزيب................................ ١٢١
ظهور كتب من الشريف أحمد بن غالب في منى................................ ١٢١
مقتل رجلين من حرب...................................................... ١٢٢
خروج السيد أحمد بن سعيد مغاضبا مع جماعة من الاشراف...................... ١٢٤
أحداث
سنة ١١٠٢ ه............................................... ١٢٧
ـ ١٣٧
تفرق كلمة الأشراف والاضطراب في مكة وأمر الغلاء........................... ١٢٧
أوامر سلطانية إلى الشريف محسن............................................. ١٢٧
دخول الشريف سعيد بن سعد المدينة ثم وادي فاطمة........................... ١٣٤
أمر أمير الحج الشامي السيد يحيى بن بركات بن محمد........................... ١٣٥
نعي السلطان سليمان خان وولاية السلطان أحمد بن إبراهيم...................... ١٣٥
أحداث
سنة ١١٠٣ ه............................................... ١٣٧
ـ ١٥٥
تفرق العساكر عن الشريف محسن............................................ ١٣٧
تنازل الشريف محسن للسيد مساعد بن سعد................................... ١٣٩
تنازل مساعد بن سعد إلى أخيه سعيد......................................... ١٤٠
ولاية الشريف سعيد بن سعد بن زيد.......................................... ١٤٠
مدح حسن بن زمر اليمني للشريف سعيد...................................... ١٤٠
استمرار تفرق كلمة الأشراف................................................ ١٤٢
أمر المدينة المنورة بين تنافس الأشراف......................................... ١٤٢
أمر القنفذة بين تنافس الأشراف............................................. ١٤٣
وصول صاحب القفطان من مصر بمرسوم باشوي للشريف سعيد.................. ١٤٤
ولاية سعد بن زيد.......................................................... ١٤٥
وصول أمر سلطاني بتعيين الشريف سعد بن زيد................................ ١٤٥
وصول الشيخ سعيد المنوفي من الهند بهدية وقضية الشيخ السقطي................. ١٤٧
عزل محمد بيك باشا........................................................ ١٤٩
فائدة : في اعطاء مفتاح الكعبة للشيخ عبد المعطي الشيبي........................ ١٥٠
وصول الشريف سعد إلى مكة............................................... ١٥١
في مدح الشريف سعد بالمدينة ومكة.......................................... ١٥٢
أحداث
سنة ١١٠٤ ه............................................... ١٥٧
ـ ١٦٤
أمر الوزير محمد علي بن سليم............................................... ١٥٧
انتصار الشريف سعيد على عرب عترة........................................ ١٥٨
الشريف سعد يتفقد أحوال البلاد ليلا........................................ ١٥٩
اصلاح قناة العين.......................................................... ١٥٩
موقعة حرب............................................................... ١٦٠
تعيين الخواجه حسن حميدان وزيرا............................................. ١٦٤
أحداث
سنة ١١٠٥ ه............................................... ١٦٥
ـ ١٨٦
استمرار تفرق كلمة الأشراف ومعاناة أهل مكة................................. ١٦٥
الشريف سعد يعس في البلاد مع الأشراف..................................... ١٦٦
أخطار طريق جدة.......................................................... ١٦٧
موقعة عرب عترة........................................................... ١٦٨
ورود القفطان للشريف سعد وخبر غرق المبخرة................................. ١٦٩
عزل أحمد بن جوهر عن الحكامة............................................. ١٦٩
نزول الشريف سعد إلى جدة وأخذ عشور البر.................................. ١٧٠
أمر بدوي بن أحمد بن رحمه شيخ قبيلة حرب................................... ١٧١
وفاة القائد أحمد بن جوهر................................................... ١٧٢
أمر القنفذة والشريف أحمد بن غالب......................................... ١٧٢
أمر الشريف أحمد بن غالب................................................. ١٧٥
أمر مفتي الشافعية.......................................................... ١٧٨
أمر الشريف مع إسماعيل باشا أمير المحمل الشامي ومحمد باشا أمير المصري......... ١٧٩
ولاية عبد الله بن هاشم..................................................... ١٧٩
أحداث
سنة ١١٠٦ ه............................................... ١٨٧
ـ ٢١٦
اضطراب الأمر في مكة وجدة................................................ ١٨٧
أمر الشريف أحمد بن غالب................................................. ١٨٨
أمر الشريف سعد في القنفذة................................................ ١٩٠
اجتماع الشريف عبد الله بالباشا والقاضي والمفتي................................ ١٩١
عزل الكزلار عن مشيخة الحرم المدني وولاية عثمان أغا.......................... ١٩٢
القتال بين جماعة الشريف أحمد وجماعة الشريف عبد الله بن هاشم................ ١٩٥
تدخل السنجاري لإنهاء الفوضى............................................. ١٩٧
ولاية الشريف سعيد بن سعد بن زيد.......................................... ٢٠٠
استمرار مناهضة الشريف عبد الله بن هاشم والشريف أحمد ابن غالب للشريف سعيد ٢٠٣
عزل الخواجا عثمان بن حميدان ووزارة أمين بن درويش........................... ٢٠٤
قضية الوزير جوهر وابن حبيب............................................... ٢٠٤
وصول نبأ وفاة السلطان أحمد وسلطنة مصطفى بن محمد........................ ٢٠٩
قصيدة محمد بن سعيد المنوفي................................................ ٢٠٩
وصول مصطفى القندلجي مكة............................................... ٢١٠
أمر حسين القبرصلي....................................................... ٢١١
هيزع يبشر بوصول صاحب القفطان.......................................... ٢١٢
ترميم خشبة في الكعبة...................................................... ٢١٤
أحداث
سنة ١١٠٧ ه............................................... ٢١٧
ـ ٢٢١
ولاية الشريف محسن بن حسين على المدينة المنورة............................... ٢١٧
عزل الباشا محمد أفندي عن نيابة الحرم وتولية عبد الله عتاقي..................... ٢١٧
احتفال الشريف ببدعة المولد................................................. ٢١٧
تولية الشيخ إبراهيم الكامل نظارة الصر....................................... ٢١٨
أمر محمد باشا............................................................. ٢١٨
أحداث
سنة ١١٠٨ ه.............................................. ٢٢٣
ـ ٢٣٧
أحمد بيك يعود صنجقا على جدة............................................ ٢٢٣
وصول مراكب الحبوب إلى ينبع.............................................. ٢٢٣
سيل عام ١١٠٨ ه........................................................ ٢٢٤
أمر الصدقة الهندية......................................................... ٢٢٦
أحتفال والد الشيخ عبد القادر بخطبة ابنه..................................... ٢٢٨
أمر تفرقة الصدقة الهندية والجامكية........................................... ٢٣١
أمر سقف الكعبة.......................................................... ٢٣٣
وفاة عبد الله بن شمس الدين مفتي الحنفية وتولية الشيخ عبد القادر ابن أبي
بكر..... ٢٣٦
أحداث
سنة ١١٠٩ ه............................................... ٢٣٩
ـ ٢٤٦
عمارة سقف القف......................................................... ٢٣٩
أمر ابن السرهندي في مكة.................................................. ٢٤٠
وفاة أحمد بيك وتولية الشريف سعيد على جدة................................ ٢٤٢
صنجق جده من قبل السلطان............................................... ٢٤٤
أحداث
سنة ١١١٠ ه............................................... ٢٤٧
ـ ٢٥١
زواج الشريف سعيد بالشريفة السعيدة......................................... ٢٤٧
فتنة بين الشيخ الشيبي والأفندي أبي بكر...................................... ٢٤٧
عودة الشريف إلى مكة من الشرق............................................ ٢٥٠
أحداث
سنة ١١١١ ه............................................... ٢٥٣
ـ ٢٥٩
أمر سليمان باشا........................................................... ٢٥٣
فتنة بين العرب والشاميين في المعابدة.......................................... ٢٥٤
تقسيم صر شريفة أبي طرة................................................... ٢٥٥
أمر مذهب الرافضة بمكة.................................................... ٢٥٥
أحتفال أبي بكر بن عبد القادر بالمولد........................................ ٢٥٧
توجه الشريف إلى جهة الشرق............................................... ٢٥٧
حبس جماعة من بني صخر وعترة............................................. ٢٥٨
عود الشريف إلى مكة...................................................... ٢٥٩
أحداث
سنة ١١١٢ ه............................................... ٢٦١
ـ ٢٦٨
أوامر سلطانية للشريف مع إبراهيم أغا........................................ ٢٦١
قضية الشيخ المنوفي ومفتاح الكعبة............................................ ٢٦٢
قبة سقاية العباس........................................................... ٢٦٣
أمر صاحب جدة.......................................................... ٢٦٣
خروج الأشراف ذوي عبد الله من مكة........................................ ٢٦٥
مصادرة الأشراف للتجار.................................................... ٢٦٥
بدعة في خطبة العيد........................................................ ٢٦٦
وفاة الشريف أحمد بن غالب والشريف عبد الله بن هاشم........................ ٢٦٧
ورود الوزير سلحدار حسن باشا أميرا على الحج الشامي......................... ٢٦٧
وصول ثوب باطن الكعبة من مصر........................................... ٢٦٨
أحداث
سنة ١١١٣ ه............................................... ٢٦٩
ـ ٢٧٢
عزل جوهر أغا الشريفي ووزارة محمد جلبي ووفاته................................ ٢٦٩
مأساة الحج الشامي......................................................... ٢٦٩
ترميم المسجد الحرام......................................................... ٢٦٩
إقامة الشريف سعيد بن سعد مقام أبيه........................................ ٢٧٠
هدية إمام اليمن إلى السلطنة................................................ ٢٧٠
موسم حج عام................................................... ١١١٣
ه ٢٧١
أحداث
سنة ١١١٤ ه............................................... ٢٧٣
ـ ٢٨٨
إصلاحات إقتصادية........................................................ ٢٧٣
منافرة بين الشريف سعد وزوي عبد الله على المعاليم............................. ٢٧٤
تولي السيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى درك جدة............................. ٢٧٥
وفاة بدوي بن أحمد شيخ حرب وإقامة مبارك أبنه............................... ٢٧٥
السطو على قافلة من الفريش................................................ ٢٧٦
أمر الأشراف الجلوية........................................................ ٢٧٧
ولاية الشريف سعيد بن سعد................................................ ٢٨١
تهنئة الشعراء للشريف سعيد................................................. ٢٨٤
حج الشريف سعيد ودور بيرم أغا............................................ ٢٨٥
فتنة بين أمير الشامي وصاحب جدة.......................................... ٢٨٧
أحداث
سنة ١١١٥ ه............................................... ٢٨٩
ـ ٢٩٧
إشتداد الغلاء بمكة وورد الصدقة الهندية....................................... ٢٨٩
علي بن معصوم في مكة..................................................... ٢٨٩
تنافر الشريف سعيد مع السيد عبد الكريم بن محمد بن يعلى..................... ٢٩١
تعاهد كبار الاشراف ومع أعقب ذلك من الخلاف مع الشريف سعيد............. ٢٩٢
أحداث
سنة ١١١٦ ه............................................... ٢٩٩
ـ ٣٦٩
أشتداد الفتنة بين الشريف سعيد والأشراف وآثار ذلك.......................... ٢٩٩
ولاية عبد المحسن بن أحمد بن زيد ومناوأة الشريف سعيد ودور الشريف سليمان
باشا ٣٠٦
مدح الشعراء للشريف عبد المحسن............................................ ٣٢٠
ولاية الشريف عبد الكريم بن محمد بن يعلى................................... ٣٢٣
مناوأة الشريف سعيد للشريف عبد الكريم وتفرق الأشراف....................... ٣٢٦
أمر الشريف سعد في نجد................................................... ٣٢٨
وقعة الخرمانية.............................................................. ٣٣١
موقعة سليمى.............................................................. ٣٣٣
مدح أحمد بن علام للشريف عبد الكريم....................................... ٣٣٥
استمرار مناوأة الشريف سعد وأبنه سعيد للشريف عبد الكريم.................... ٢٣٦
صراع الأشراف على القنفذة................................................. ٣٣٧
وقعة الرباط................................................................ ٣٤٠
أمر الطائف............................................................... ٣٤١
دور الوزير سليمان باشا في صراع الأشراف..................................... ٣٤٢
دخول الشريف سعد مكة ووفاة السيد عبد المطلب بن أحمد..................... ٣٤٤
تعرض مكة للنهب والسلب................................................. ٣٤٧
دخول الشريف سعد مكة وموقف الوزير سليمان باشا.......................... ٣٤٧
صراع الشريفين سعد وعبد الكريم............................................. ٣٤٩
موقعة أبي قبيس............................................................ ٣٥٢
وفاة الشريف سعد بالعابدية ودفنه في مكة..................................... ٣٥٤
أمر عربان عتيبة وهذيل..................................................... ٣٥٥
أمر الشريف سعيد......................................................... ٣٥٧
مواقف صاحب مصر والسلطنة وسليمان باشا من صراع الأشراف................ ٣٥٧
الأمر بتولية الشريف سعيد.................................................. ٣٦٤
السلب والنهب في طريق جدة ـ اليمن......................................... ٣٦٥
ولاية الشريف سعيد الثانية.................................................. ٣٦٥
ارتفاع الأسعار في مكة في موسم الحج واستمرار صراع الأشراف................... ٣٦٧
أحداث
سنة ١١١٧ ه............................................... ٣٧١
ـ ٤١٦
اضطراب الأوضاع في مكة واستمرار نزاع الأشراف.............................. ٣٧١
تدخل الوزير سليمان باشا في النزاع........................................... ٣٧٣
موقعة طوى بين الشريف عبد الكريم وسعيد................................... ٣٧٧
رجوع عبد الكريم إلى رخيم وأوامر سلطانية..................................... ٣٧٩
تجدد القتال في جدة ودور إيواز بيك أمير الحج المصري.......................... ٣٨٠
أغاة القفطان وخبر تعيين الشريف عبد الكريم.................................. ٣٨٤
ولاية الشريف عبد الكريم الثانية.............................................. ٣٨٨
الأمر السلطاني وتعيين أيواز بيك على ولاية جدة ومشيخة الحرم المكي............. ٣٨٩
موقف الشريف سعيد من ولاية الشريف عبد الكريم............................ ٣٩١
مجلس الشريف عبد الكريم بحضور الوزير سليمان باشا........................... ٣٩٢
من أعمال الشريف عبد الكريم للإستباب الأمن................................ ٣٩٤
أعمال الشريف سعيد المناوئة لعبد الكريم وقتاله خارج مكة...................... ٣٩٦
قصيدة السنجاري في الشريف عبد الكريم..................................... ٤٠٢
قصيدة أحمد بن علان في الشريف عبد الكريم.................................. ٤٠٦
قصيدة سالم الشماع في الشريف عبد الكريم................................... ٤٠٩
توجه الشريف سعد إلى الطائف.............................................. ٤١٤
غيطاس بيك أمير الحج المصري............................................... ٤١٤
الأمن والأمان في موسم حج عام ١١١٧ ه................................... ٤١٦
أحداث
سنة ١١١٨ ه.............................................. ٤١٧
ـ ٤٣٢
أمر أمير الحج الشامي....................................................... ٤١٧
رحيل الحاج العجمي........................................................ ٤١٨
استمرار مناوأة الشريف سعيد للشريف عبد الكريم.............................. ٤١٨
هزيمة سعيد بالمليساء........................................................ ٤١٩
أخبار الحاج الشامي........................................................ ٤٢١
الشريف عبد الكريم في الطائف.............................................. ٤٢١
أخبار مصر ووصول تاج الدين القلعي إلى مكة مفتيا............................ ٤٢٣
عودة الشريف عبد الكريم وإيواز بيك إلى مكة................................. ٤٢٤
موسم عام ١١١٨ ه....................................................... ٤٢٥
أمر المحمل المصري بعرفة..................................................... ٤٢٨
أمر إيواز بيك في جدة...................................................... ٤٢٩
ترميم وعمارة في الكعبة..................................................... ٤٣١
يوسف أفندي يتوجه إلى الدولة العلية بهدية الشريف............................ ٤٣٢
أحداث
سنة ١١١٩ ه.............................................. ٤٣٣
ـ ٤٤٧
قضية شمامة الحجرة النبوية................................................... ٤٣٣
وفاة السلطان أورنكزيب سلطان الهند وتعيين أبنه عالم شاه....................... ٤٣٦
إفساد الأشراف من ذوي عبد الله بالطائف.................................... ٤٣٧
مضمون مكاتيب من مصر وقضية البن....................................... ٤٣٨
دخول الشريف سعيد الطائف ومضايقته لأهلها................................ ٤٣٩
عزل شيخ حرم المدينة ونائبه وحسبهما......................................... ٤٣٩
نجاب مصر وأخبار مصر ونجاب أمير الحاج الشامي............................. ٤٣٩
أمر الشريف يحيى بن بركات................................................. ٤٤٢
هدم الدكك التي أمام الدكاكين والبيوت....................................... ٤٤٥
اصلاح باب الكعبة........................................................ ٤٤٥
موسم عام ١١١٩ ه....................................................... ٤٤٦
أحداث
سنة ١١٢٠ ه............................................... ٤٤٩
ـ ٤٦٧
الفتنة بين عبيد يحيى بن بركات وعسكر مصر.................................. ٤٤٩
ما دار في المجلس الذي عقده الشريف عبد الكريم............................... ٤٥٠
من أخبار الشريف سعيد.................................................... ٤٥١
من أخبار الأشراف الجلوية.................................................. ٤٥٢
أخبار متنوعة.............................................................. ٤٥٣
فتنة عسكر الأنكشارية..................................................... ٤٥٤
الشريف سعيد يتحرك بأتجاه مكة واستعداد عبد الكريم لملاقاته................... ٤٥٦
العرض في شوال والمرسوم السلطاني............................................ ٤٦٠
عزل إيواز بيك بطلبه....................................................... ٤٦٣
أخبار متنوعة.............................................................. ٤٦٤
أخبار غيطاس بيك أمير الحج المصري......................................... ٤٦٤
موسم حج عام ١١٢٠ ه................................................... ٤٦٥
مقارنة بين إيواز بيك وسليمان باشا الوزير..................................... ٤٦٦
أحداث
سنة ١١٢١ ه............................................... ٤٦٩
ـ ٤٨٤
رحيل الحج العجمي........................................................ ٤٦٩
نصوح باشا وقضيته مع ملحم شيخ العرب وكليب.............................. ٤٦٩
صدقة سلطان الهند عالم شاه لأهالي الحرمين................................... ٤٧١
وصول نجاب المولد من مصر................................................. ٤٧٣
وصول الشريف إلى الطائف وأخبار الضيفة.................................... ٤٧٣
أخبار قبيلة مطير........................................................... ٤٧٤
مضمون المرسوم السلطاني................................................... ٤٧٥
وفاة محمد باشا أوغلي صاحب جدة وتعيين إسماعيل آغا........................ ٤٧٧
حضور الشريف عبد الكريم العيد بمكة........................................ ٤٧٨
وصول مصطفى أفندي كاتب جدة من الأبواب بجواب الكتب................... ٤٧٨
رحيل السيد زين العابدين إلى ينبع لملاقاة أمير الحج المصري إبراهيم بيك........... ٤٧٩
أمر نصوح بيك............................................................ ٤٧٩
أمر الحج الشامي........................................................... ٤٧٩
موسم حج عام ١١٢١ ه................................................... ٤٨٣
أحداث
سنة ١١٢٢ ه............................................... ٤٨٥
ـ ٥٠٣
وفاة السيد سليمان بن أحمد بن أبي نمي....................................... ٤٨٥
الكتب التي حملها السيد محمد بن عبد الكريم أبو الخناصر وأخبار أخرى........... ٤٨٥
إيواز بيك أميرا للحج المصري................................................ ٤٨٥
زواج الشريف عبد الكريم بأمراة من عدوان..................................... ٤٨٦
زيارة والدة الشريف عبد الكريم إلى المدينة المنورة................................. ٤٨٦
أخبار إبراهيم باشا ودخوله إلى مكة.......................................... ٤٨٧
تفرق جماعة من الأشراف.................................................... ٤٨٩
مجلس محاسبة في شوال ومكاتبات............................................. ٤٩٠
تحركات الشريف سعيد والأشراف الجلوية...................................... ٤٩٢
أخبار نصوح باشا وعربان حرب وإيواز بيك.................................... ٤٩٦
حج الشريف بالناس........................................................ ٤٩٧
أسباب مشاجرة الشريف ونصوح باشا........................................ ٤٩٨
خلاف إيواز بيك وإبراهيم باشا.............................................. ٤٩٩
الشيخ عبد الرحمن بن عباس المنوفي يؤدي فريضة الحج........................... ٥٠٢
تعيين يوسف أفندي شيخ القراء لإرسال المحاضر والعروض والهدايا إلى الدولية
العلية.. ٥٠٢
أحداث
سنة ١١٢٣ ه............................................... ٥٠٥
ـ ٥٣٢
بقية أخبار نصوح باشا وحرب................................................ ٥٠٥
عزل موسى أغا أغاة الانكشارية وتنصيب الأوضة باشي......................... ٥٠٧
الصدقة الهندية............................................................. ٥٠٨
وفاة الوزير عثمان حميدان.................................................... ٥٠٨
عزل إبراهيم باشا مستلم جدة وتولية إسماعيل باشا.............................. ٥٠٩
أخبار فتنة العسكر بمصر ومقتل إيواز بيك.................................... ٥٠٩
توزيع بقية الصر............................................................ ٥١١
أخبار إسماعيل باشا مستلم جده.............................................. ٥١١
إنتهاء الفتنة بمصر.......................................................... ٥١٢
حادثة دخول العيد وما حصل فيها من ملابسات............................... ٥١٢
قصة وفاة جارية باكير جلبي................................................. ٥١٣
الاعداد لعمارة عين زبيدة.................................................... ٥١٣
الأمر بشرافة سعيد ووصوله الطائف.......................................... ٥١٧
تعرض خطيب الجمعة للقتل................................................. ٥١٨
اخراج السيد محمد بن عبد الكريم من مكة..................................... ٥١٩
تجدد النزاع والقتال بين الشريف عبد الكريم والشريف سعيد...................... ٥١٩
الشريف عبد الكريم يمنع الأشراف من قتال سعيد.............................. ٥٢٢
ولاية الشريف سعيد........................................................ ٥٢٤
مقتل جاووش الأنقشارية في طريق جدة........................................ ٥٢٥
موسم عام ١١٢٣ ه....................................................... ٥٢٥
الأمر السلطاني............................................................. ٥٢٦
وصول البراءة السلطانية بالفتوى للشيخ عبد القادر المفتي........................ ٥٢٦
خبر قدوم نصوح باشا إلى مكة............................................... ٥٢٦
وصول يوسف بيك الجزار أميرا للحج المصري.................................. ٥٢٧
أعمال نصوح باشا في مكة والمدينة........................................... ٥٢٧
عزل أيوب أغا شيخ الحرم المدني.............................................. ٥٢٨
قبيلة حرب تعترض طريق نصوح باشا......................................... ٥٢٨
أحداث
١١٢٤ ه................................................... ٥٣٣
ـ ٥٣٨
وصول قافلة من المدينة المنورة وما حملته من أخبار نصوح باشا.................... ٥٣٣
محضر سعيد باشا بشأن نصوح باشا.......................................... ٥٣٣
استمرار النزاع بين الشريفين عبد الكريم وسعيد................................. ٥٣٣
من أخبار مصر............................................................ ٥٣٥
نصيف باشا أمير الحج الشامي وغيطاس بيك أمير الحج المصري.................. ٥٣٥
القبض على الشيخ تاج الدين القلعي ويوسف شيخ القراء وآخرين................. ٥٣٦
ابعاد الشريف سعيد للشريف عبد الكريم عن حدود السلطنة..................... ٥٣٦
مصادر
ومراجع الجزء الخامس من التحقيق.................................... ٥٣٩
١ ـ المخطوطات............................................................ ٥٤١
٢ ـ المصادر والمراجع المطبوعة................................................. ٥٤٣
٣ ـ الدوريات.............................................................. ٥٦٠
فهرس
الموضوعات.......................................................... ٥٦١
انتهى الجزء الخامس
من كتاب منائح الكرم في أخبار مكة وولاة الحرم ويليه الجزء السادس
وهو خاص بالفهارس العامة
|