بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسّلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين من الآن الى قيام يوم الدين اما بعد فيقول العبد الفاني المحتاج الى رحمة ربه الغني محمد علي بن مراد علي المدعو بالمدرس الافغاني هذا هو الجزء الخامس من كتابنا المسمى بالمدرس الأفضل في شرح ما يرمز ويشار اليه في المطول وبه يتم الفن الاول اسئل الله العلي القدير ان يوفقني لاتمامه انه على كل شيء قدير وبالاجابة جدير.


«الباب السادس الانشاء»

اعلم ان (الانشاء) في اللغة يطلق على الابداع والاختراع والاحداث واما في الاصطلاح فيطلق على شيئين لانه (قد يقال) اي يطلق (على الكلام الذي ليس لنسبته خارج تطابقه او لا تطابقه) قد تقدم الكلام في ذلك في اوائل الكتاب في اول التنبيه فلا حاجة الى الاعادة ولكن لبعض المحققين كلام يناسب المقام يعجبني ذكره قال في الحاشية في بحث تقديم المفعول في الباب الرابع من هذا الكتاب الخطأ فى الحكم إنما يتصور اذا كان السامع عالما به قبل القاء الكلام وفي الانشاء إنما يفهم من نفسه وما قيل من ان الخطأ إنما يكون في الحكم ولا حكم فى الانشاء لانه من قبيل التصورات فليس بشيء لان ذلك اصطلاح المنطقيين واما عند علماء العربية فالحكم هو النسبة التي يصح السكوت عليها ولذا قسموا الجملة الى الخبرية والانشائية انتهى.

(وقد يقال) اي يطلق (على فعل المتكلم اعني القاء الكلام الانشائي كالاخبار) فانه ايضا قد يطلق على نفس الكلام الذي كان لنسبته خارج تطابقه او لا تطابقه وقد يقال على فعل المتكلم اعني القاء هذا الكلام الخبرى.

فالمقام نظير ما قال محشى التهذيب من ان العكس كما يطلق على المعنى المصدرى المذكور كذلك يطلق على القضية الحاصلة من التبديل وذلك الاطلاق مجازى من قبيل اطلاق اللفظ على الملفوظ والخلق على المخلوق.


(والمراد) منه في صدر الكتاب الكلام لا القائه لانه قال هناك في وجه الحصر فى ثمانية ابواب لان الكلام اما خبر او انشاء والمراد (ههنا هو) الاطلاق (الثاني) المصدرى يعني القاء الكلام الانشائي (لانه قسمه) ههنا كما يأتي فى المتن الآتي (الى الطلب وغيره وقسم الطلب الى التمني والاستفهام وغيرهما) يعني الامر والنهي والنداء (واراد بها معانيها المصدرية) يعني القاء الكلام المشتمل على احد الامور المذكورة وذلك لان القسم عبارة عن المقسم مع ضم قيد زائد اليه الا ترى ان الانسان عبارة عن الحيوان بعينه مع ضم النطق اليه.

(لا الكلام المشتمل عليها) اى على الامور المذكورة (بقرينة قوله) فيما يأتي (واللفظ الموضوع له كذا وكذا لظهور ان ليت مثلا موضوع لافادة معنى التمني) اى طلب حصول شيء على سبيل المحبة (لا للكلام الذى فيه التمني) كقولنا ليت زيدا قائم (وكذا البواقي) فان لفظ هل مثلا موضوع لافادة معنى الاستفهام اى طلب حصول صورة الشيء في الذهن وقس عليه سائر الاقسام.

(ولا يتوهم ان هذا) اى كون المراد ههنا معانيها المصدرية القائمة بالقلب لا الكلام المشتمل على تلك المعاني (يقتضي كون البحث عن غير احوال اللفظ فيقتضي خروج مباحث هذا الباب عن علم المعاني لانه كما تقدم في صدر الكتاب علم يعرف به احوال اللفظ التي بها يطابق اللفظ مقتضى الحال (لان المقصود) من تلك المباحث (ينجر اليه) اى الى اللفظ (آخر الامر) باعتبار ان البحث فيها من كون اللفظ الفلاني موضوع للمعنى الفلاني ومن المعلوم ان هذا اعتبار راجع الى اللفظ وهذا نظير ما قال هناك من ان احوال الاسناد ايضا من


احوال اللفظ العربي باعتبار ان كون الجملة مؤكدة او غير مؤكدة اعتبار راجع اليها.

(فالانشاء ضربان طلب كالاستفهام والامر والنهي ونحو ذلك او غير طلب كافعال المقاربة وافعال المدح والذم وصيغ العقود) والايقاعات (والقسم ولعل ورب وكم الخبرية ونحو ذلك) كالتنبيه والالتماس ونحوهما وكصيغ التعجب وفعلية التي ذكرها السيوطي عند قول ابن مالك :

بافعل انطق بعد ما تعجبا

او جىء بافعل قبل مجرور ببا

قال في شرح المطالع ما خلاصته ان الكلام الانشائي اما ان يدل على طلب الفعل دلالة اولية اى او لا وبالذات او لا فان دل وكان مع الاستعلاء فهو امران كان الفعل المطلوب غير كف ونهى ان كان كفا مع التساوى التماس ومع الخضوع سؤال ودعاء وانما قيد الدلالة بالاولية ليخرج الاخبار الدالة على طلب الفعل فان قولنا اطلب منك الفعل لا يدل بالذات على طلب الفعل بل على الاخبار بطلب الفعل والاخبار بطلب الفعل يدل على طلب الفعل فدلالته على طلب الفعل بواسطه الاخبار به لا بالذات.

وان لم يدل على طلب الفعل دلالة اولية فهو التنبيه ويندرج فيه التمني والترجي والقسم والنداء والاستفهام والتعجب والفاظ العقود وقال ايضا ان دلالة نحو ليت زيدا يضرب ولعل الله يحدث بعد ذلك امرا ليست ذاتية اولية لانها بواسطة تمنيه او ترجيه فلذلك جعلهما من اقسام ما لم يدل على طلب الفعل دلالة اولية فتأمل.

(والمقصود بالنظر ههنا) من قسمي الانشاء (هو الطلب لاختصاصه


بمزيد ابحاث لم تذكر في بحث الخبر ولا كثيرا من الانشاءات الغير الطلبية لان الاصل في كثير منها الاخبار واما ما ليس الاصل فيها ذلك فهو نحو رب وكم الخبرية فتأمل جيدا.

(فالانشاء ان كان طلبيا استدعى مطلوبا غير حاصل وقت الطلب لامتناع طلب الحاصل) وايضا الانشاء انما يتعلق بالمستقبلات ولذا قالوا الانشاء ايجاد ما لم يجد ولكن لا بد فيه من ان يكون مشعورا به بوجه ما لامتناع توجه النفس نحو المجهول المطلق فضلا عن طلبه.

(والغرض ان جميع انواع الطلب يستدعي ذلك) المطلوب غير الحاصل (حتى اذا كان المطلوب حاصلا) وقت الطلب (يمتنع اجرائها على معناها الحقيقي ويتولد منها بحسب القرائن) معان مجازية حسب (ما يناسب المقام) كارادة استمرار الهداية ودوامها في قرائة (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) واستمرار عدم الحسبان في قوله تعالى (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) وسيأتي الكلام فيهما في آخر بحث النهي وكالمعاني المجازية المتولدة عن اداة الاستفهام وسيأتي بيانها.

(وانواعه) اي انواع الطلب (كثيرة) وقد اشير اليها فيما نقلناه عن شارح المطالع (وهي على ما ذكره المصنف) ههنا (خمسة التمنى والاستفهام والامر والنهي والنداء لانه اما ان يقتضي كون مطلوبه ممكنا أو لا الثاني التمني والاول ان كان المطلوب به حصول امر) اي صورة شيء (في ذهن الطالب فهو الاستفهام وان كان المطلوب به حصول امر) اي شيء (في الخارج فان كان ذلك الامر انتفاء فعل) وعدمه على قول او كف النفس عنه على قول آخر وسيأتي بيانهما (فهو النهي) ان كان معه استعلاء وإلا فهو الالتماس او الدعاء (وان كان) ذلك


الأمر (ثبوته فان كان) طلبه (باحدى حروف النداء فهو النداء وإلا) اي لم يكن طلبه باحدى حروف النداء (فهو الامر) ان كان معه استعلاء وإلا فهو الالتماس او الدعاء.

(منها) اي من انواع الطلب (التمني وهو طلب حصول شيء على سبيل المحبة واللفظ الموضوع له ليت) واما سائر ما يتمنى به كهل ولو فليست موضوعة له بل انما تستعمل فيه مجازا كما سيصرح بذلك الآن (ولا يشترط امكان المتمني لان الانسان كثيرا ما يحب المحال ويطلبه فهو) اي المتمني (قد يكون ممكنا كما تقول ليت زيدا يجيىء وقد يكون محالا) عادة (كما تقول ليت الشباب يعود لكنه اذا كان ممكنا يجب ان لا يكون لك توقع وطماعية في وقوعه وإلا لصار ترجيا ويستعمل فيه) اي في الترجي لفظة (لعل او عسى) فانهما موضوعان للترجي.

(ولما ذكر ما هو موضوع للتمنى اشار الى ما يستعمل في التمنى مجازا فقال وقد يتمنى بهل نحو هل لي من شفيع حيث) اي في مقام او زمان (يعلم) القائل لهذا الكلام (ان لا شفيع) له فان قلت لم لم يحمل الكلام على حقيقة الاستفهام وهو الاصل في اداة الاستفهام.

قلت (لانه حينئذ) اي حين يعلم القائل ان لا شفيع له (يمتنع حمله) اي حمل الكلام (على حقيقة الاستفهام لحصول الجزم بانتفاء هذا الحكم) اى كون شفيع للقائل (واستدعاء الاستفهام) الحقيقي (الجهل بثبوته) اى الحكم (وانتفائه) فلو حمل الاستفهام على حقيقته للزم التناقض فتدبر جيدا.

(والنكتة فى التمني بهل) مع كونه مجازا فيه وخلاف الاصل


(والعدول) اي عدول المتكلم (عن ليت) مع كونه حقيقة فيه واصلا (هو) الاولى تأنيث الضمير لانه عائد الى النكتة ولعل التذكير باعتبار الخبر اعني (ابراز المتمنى لكمال العناية به في صورة) الشيء (الممكن الذي لا جزم بانتفائه) فيناسبه اداة الاستفهام الذي يقتضي الجهل بالثبوت والانتفاء.

(وقد يتمنى بلو) ايضا مجازا (نحو لو تأتني فتحدثني بالنصب) اى بنصب تحدثني (على تقدير فان تحدثني فان النصب قرينة على ان لو ليست على اصلها الذى هو الشرط فى الماضي مع القطع بانتفاء ما يليها (اذ لا ينصب المضارع بعدها) اذا تكون على اصلها (على اضماران) المصدرية (وانما يضمر) لفظة (ان) المصدرية (في جواب الاشياء الستة) او الثمانية التي اشار اليها ابن مالك بقوله :

وبعد فاء جواب نفي او طلب

محضين ان وسترها وجب

(والمناسب للمقام ههنا) من تلك الستة (هو التمني) فثبت ان كلمة لو ههنا استعمل في التمنى مجازا والنكتة ههنا مثل ما تقدم آنفا فتبصر.

(و) اعلم ان استعمال لو في موقع ليت انما هو لمناسبة بينهما في اصل المعنى اذ (كما يفرض بلو غير الواقع واقعا) كما بينه السيوطي في شرح قول الناظم :

لو حرف شرط في مضى ويقل

ايلائها مستقبلا لكن قبل

(كذلك يطلب بليت وقوع ما لا طماعية في وقوعه) ولو كان ممكنا فبينهما مناسبة ظاهرة.

(وقيل) والقائل الرضي وجماعة (انها) اى لو التي يتمني بها


(لو التي تجيء بعد فعل فيه معنى التمني نحو (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) وهي) كما صرح به السيوطي في باب الموصول (حرف مصدرية وكثيرا ما يستغنى بها عن) ذكر (فعل التمني فينتصب الفعل بعدها) بان الناصبة المقدرة كما ينتصب الفعل بان المقدرة بعد سائر الاشياء الستة (نحو لو كان لي مال فاحج قال الله تعالى (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً)).

قال في المغنى في بحث لو الرابع ان تكون للتمني نحو لو تأتيني فتحدثني قيل ومنه فلو ان لناكرة اى فليت لناكرة ولهذا نصب فتكون في جوابها كما انتصب فافوز في جواب ليت فى ياليتني كنت معهم فافوز الى ان قال واختلف في لو هذه فقال ابن الضايع وابن هشام هي قسم برأسها لا تحتاج الى جواب كجواب الشرط ولكن قد يؤتي لها بجواب منصوب كجواب ليت وقال بعضهم هي لو الشرطية اشربت معنى التمني بدليل انهم جمعوا لها بين جوابين جواب منصوب بعد الفاء وجواب باللام كقوله :

فلو نبش المقابر عن كليب

فيخبر بالذنائب اى زير

بيوم الشعثمين لقرعينا

وكيف لقاء من تحت القبور

وقال ابن مالك هي لو المصدرية اغنت عن فعل التمنى وذلك انه اورد قول الزمخشرى وقد تجيء لو في معنى التمني نحو لو تأتيني فتحدثنى فقال ان اراد الاصل وددت لو تأتيني فحذف فعل التمني لدلالة لو عليه فاشبهت ليت في الاشعار بمعنى التمني فكان لها جواب كجوابها فصحيح او انها حرف وضع للتمني كليت فممنوع لاستلزامه منع الجمع بينها وبين فعل التمنى كما لا يجمع بينه وبين ليت انتهى.

(قال السكاكي كان حروف التنديم وهي هلا والا بقلب الهاء


همزة) وبتشديد اللام فيهما (ولو لا ولو ما مأخوذة منهما اى كأنها مأخوذة من هل ولو اللتين للتمني حال كونهما مركبتين مع لا) فى الثلث الاول (وما) في الاخيرة (المزيدتين) وانما اتى بلفظ كان الدال على الظن لعدم الجزم بما ذكره من التركيب لجواز ان يكون كل واحدة منها كلمة برأسها لان التصرف فى الحروف بعيد وسيأتي تصريحه بذلك عن قريب.

(لتضمينهما علة لقوله مركبتين والتضمين جعل الشيء في ضمن الشيء تقول ضمنت الكتاب كذا بابا اذا جعلته متضمنا لتلك الابواب يعني ان الغرض من هذا التركيب والتزامه جعل هل ولو متضمنتين معنى التمني).

ان قلت ان هل ولو كانا قبل التركيب مع لا وما للتمنى فما معنى كون تركيبهما معهما لاجل ان يضمنا معنى التمني.

قلت انهما قبل التركيب كانا للتمني جواز او احتمالا وبعده يكونان للتمنى وجوبا فمعنى المتن لتضمينهما معنى التمني على التنصيص والوجوب.

(ليتولد علة لتضمينهما يعني ان الغرض من تضمينهما معنى التمنى ليس افادة التمنى) فحسب (بل) الغرض من ذلك التضمين (ان يتولد منه اي من معنى التمني المتضمنتين هما) اي هل وان (اياه) اي معنى التمنى (في الماضي التنديم) اى التوبيخ واللوم على ترك الفعل فيما مضى (نحو هلا اكرمت زيدا ولو ما اكرمته على معنى ليتك اكرمته قصدا الى جعله نادما على ترك الاكرام).

قال الرضي ولا يكون التحضيض في الماضي الذي قد فات إلا انها


تستعمل كثيرا في لوم المخاطب على انه ترك في الماضي شيئا يمكن تداركه في المستقبل فكأنها من حيث المعنى للتحضيض على فعل مثل ما فات (وفي المضارع التحضيض) اي الحث على الفعل والترغيب فيه (نحو هلا تقوم ولو ما تقوم على معنى ليتك تقوم قصدا الى حثه على القيام) وترغيبه فيه (ومع هذا فلا يخلو) في المضارع كما في الرضي (من ضرب من التوبيخ واللوم على ما كان يجب ان يفعله المخاطب قبل ان يطلب منه).

فان قلت اذا كان تولد معنى التنديم والتحضيض من معنى التمنى فيجوز ان يتولدا من معنى التمنى المستعمل فيه هل ولو مفردتين فما وجه التزام التركيب ليحصل لزوم معنى التمنى ليتولد التنديم والتحضيض.

قلت لعل ذلك باعتبار انه الى الضبط اقرب وبقواعد الوضع انسب وسيأتي الاشارة الى ذلك ايضا في ضمن كلامه عن قريب.

(فقوله لتضمينهما مصدر مضاف الى المفعول الأول ومعنى التمنى مفعوله الثاني وهذا) اى قوله لتضمينهما معنى التمنى (وان لم يكن مصرحا به في لفظ المفتاح لكنه حاصل معناه لانه قال مركبة مع ما ولا المزيدتين مطلوبا بالتزام التركيب التنبيه على الزام هل ولو معنى التمنى وهذا) اللفظ من المفتاح (مشعر بان ما وقع في بعض النسخ) من المتن (لتضمنهما) بصيغة المصدر من باب التفعل (ليس على ما ينبغي) اذ المناسب لقول المفتاح الزام هل ولو معنى التمنى ان يؤتي كما في هذه النسخة بصيغة المصدر من باب التفعيل وجه الاولوية ان الاول لازم والثاني متعد كالالزام فتدبر جيدا.

(وكذا قوله ليتولد ايضا) ليس مصرحا به في لفظ المفتاح بل هو


(محصول كلام المفتاح حيث قال اذا قيل هلا اكرمت زيدا فكان المعنى ليتك اكرمته متولدا منه معنى التنديم) والتحضيض.

(وانما لم يجعل تركيبهما من اول الامر لتضمين معنى التنديم والتحضيض من غير توسط معنى التمنى جريا على مقتضى المناسبة) لقواعد الوضع كما اشرنا اليه آنفا (فان هل ولو قد يستعملان للتمني وتمني ما مضى تناسب التنديم) والتوبيخ (و) تمنى (ما يستقبل) يناسب (السؤال) اي الطلب (والتحضيض) حسبما مر آنفا.

(وانما ذكر) السكاكي (هذا الكلام) المنقول عنه في المتن (بلفظ كان لعدم القطع بذلك) اي بكون هلا واخواته مركبة مع ما ولا المزيدتين (لاحتمال ان يكون كل منها حرفا) مستقلا (موضوعا للتنديم والتحضيض من غير اعتبار التركيب فان التصريف في الحروف مما ياه كثير من النحاة) منهم ابن مالك حيث يقول :

حرف وشبهه من الصرف برى

وما سواهما بتصريف حرى

(وقد يتمنى بلعل فيعطي له حكم ليت و) ذلك بان (ينصب في جوابه المضارع على اضماران) الناصبة المصدرية والى ذلك يشير في الالفية حيث يقول :

والفعل بعد الفاء في الرجا نصب

كنصب ما الى التمنى ينتسب

(نحو لعلى احج فازورك بالنصب) اي بنصب ازورك (لبعد المرجو عن الحصول) اي الحج واللام متعلقة بقوله يتمنى او بقوله فيعطي (فبسبب بعده عن الحصول اشبه المحالات والممكنات التي لا طماعية في وقوعها فيتولد منه التمنى لما مر من انه طلب محال او ممكن لا طمع في وقوعه بخلاف الترجي فانه ارتقاب شيء) اي انتظار شيء (لا وثوق بحصوله


فمن ثم لا يقال لعل الشمس تغرب) لانه متيقن الحصول (وتدخل في الارتقاب الطمع والاشفاق فالطمع ارتقاب المحبوب نحو لعلك تعطينا) ما نحتاج اليه (والاشفاق ارتقاب المكروه) او الخوف من وقوعه (نحو لعلي اموت الساعة وبهذا) اي بدخول الاشفاق في الترجي (ظهر ان الترجي ليس بطلب) وجه الظهور ان العاقل لا يطلب ما يكرهه او يخاف منه.

(ومنها اي من انواع الطلب الاستفهام وهو طلب حصول صورة في الذهن فان كانت تلك الصورة وقوع نسبة بين الشيئين او لا وقوعها فحصولها هو التصديق وإلا فهو التصور) وذلك لما قال في التهذيب من ان العلم ان كان اذ عانا النسبة فتصديق وإلا فتصور.

(والالفاظ الموضوعة له الهمزة وهل وما ومن واي وكيف وكم واين واني ومتى وايان فبعضها مختص بطلب التصور وبعضها بطلب التصديق وبعضها لا يختص بشيء منهما بل يعم القبيلتين) اى مشترك بينهما (وبهذا الاعتبار) اى باعتبار عمومه للقبيلتين (صار) هذا البعض (اهم فقدمه المصنف) على سائر الفاظ الاستفهام.

قال في المغنى ما خلاصته والالف اصل ادوات الاستفهام ولهذا اختصت باحكام احدها جواز حذفها سواء تقدمت على ام ام لم تتقدمها الثاني انها ترد لطلب التصور ولطلب التصديق وهل مختصة بطلب التصديق وبقية الادوات مختصة بطلب التصور الثالث انها تدخل على الاثبات وعلى النفي ذكره بعضهم وهو منتقض بام فانها تشاركها في ذلك تقول اقام زيد ام لم يقم انتهى باختصار.

والى بعض ذلك اشار بقوله (فالهمزة لطلب التصديق اى ادراك وقوع النسبة) ادراكا اذ عانيا (او) ادراك (لا وقوعها) كذلك.


قال في شرح المطالع ان القضية لا تحصل في العقل إلا اذا حصلت اربعة اشياء مفهوم الموضوع كزيد ومفهوم المحمول كالكاتب ولا شك انه من حيث المفهوم ممكن النسبة الى امور كثيرة فلا بد من تعقل نسبة ثبوتية بينه وبين زيد والرابع وقوع تلك النسبة او لا وقوعها فما لم يحصل في العقل ان تلك النسبة واقعة او ليست بواقعة لم تحصل ماهية القضية ايضا وان كان ربما يحصل النسهة بدون الحكم كما للمتشككين والمتوهمين فكل من الامور الاربعة اذا ارتفعت ارتفعت ماهية القضية لا وجودها فقط فهي اجزاء لها لكنها فى القضية السالبة خمسة اذ اللا وقوع عند التفصيل شيئان فالنسبة التي هي جزء القضية هي التى ورد عليها الايجاب والسلب ثم اذا حصل الحكم حدث لزيد مثلا صفة اعنى انه موضوع وللكاتب صفة اخرى وهي انه محمول فالموضوعية والمحمولية انما يتحققان بعد تحقق الحكم اذ لا معنى للموضوع إلا كونه محكوما عليه ولا معنى للمحمول إلا كونه محكوما به وما لم يتحقق الحكم لم يصر احدهما محكوما عليه والآخر محكوما به فكل من النسبتين ليس بمتقدم على الحكم والنسبة التي هي جزء القضية متقدم عليه فلا يكون احديهما نسبة هى جزء القضية نعم اذا تحقق الحكم يعرض لتلك النسبة انها نسبة المحمول الى الموضوع فان النسبة التي هى مورد الايجاب والسلب هى نسبة الكاتب الى زيد لا نسبة زيد الى الكاتب ولذلك قيل ان الجهة عارضة لها لا بمعنى ان الجهة عارضة للمحمولية بل لما صدقت هى عليها وتحققت قبلها بمرتبتين فحقق هذا الموضع على هذا النسق وامح عن لوح ذهنك ما يقولون ويزخرفون فلا شبهة بعد شروق الحق المبين. انتهى وانما نقلنا هذا الكلام بطوله لتعرف المراد من قوله (وهذا) الادراك


(معني الحكم والاسناد وما يجرى مجريهما) فانه من غوامض العبارات في هذا الكتاب وبعد في المقام كلام طويل الذيل فلذلك اثرنا طى ذكرها على غره.

(كقولك اقام زيد) في الجملة الفعلية (و) كقولك (ازيد قائم) في الجملة الاسمية (فانت عالم بان بينهما) اى بين زيد والقيام فى الجملتين (نسبة اما بالايجاب او بالسلب ولكن تطلب) انت (تعيينها) لتدركها.

(او) لطلب (التصور اى ادراك غير النسبة التامة من اجزاء القضية (كقولك في طلب تصور المسند اليه ادبس في الاناء ام عسل فانك تعلم ان في الاناء شيئا والمطلوب تعيينه) لتدركه (و) كقولك (فى طلب تصور المسند في الخابية) وهي وعاء كبير من الخزف يسمى بالفارسية خم او خمرة (دبسك ام في الزق) وهو كما في المصباح ظرف زفت او قير (فانك تعلم ان الدبس محكوم عليه بالكينونة في الخابية او الزق والمطلوب هو التعيين) ليدرك ما فيه الدبس.

(فالمطلوب في جميع ذلك معلوم بوجه اجمالي ويطلب بالاستفهام نفصياء) وتعيينه (ولهذا اى ولمجيىء الهمزة لطلب التصور لم يقبح في طلب تصور الفاعل ازيد قام كما قبح هل زيد قام ولم يقبح) ايضا (في طلب تصور المفعول اعمرا عرفت كما قبح هل عمرا عرفت) وذلك اى قبح استعمال هل في المثالين وعدم قبح استعمال الهمزة فيهما (لان التقديم) اى تقديم المرفوع وهو الفاعل المعنوى بناء على ما تقدم في الباب الثاني نقلا عن السكاكي فتذكر وتقديم المفعول (يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل) حسبما مر بيانه هناك من ان التقديم


يفيد التخصيص وهو يستدعى حصول ما ذكرا عنى التصديق بنفس الفعل (فيكون هل لطلب حصول الحاصل لان هل لطلب التصديق (وهو) اي طلب حصول الحاصل كما اشرنا اليه سابقا (محال).

فان قلت مقتضى هذا ان استعمال هل في المثالين ممنوع لا انه قبيح فقط.

قلت إنما لم يكن ممنوعا لجواز ان يكون التقديم لغير التخصيص كالتبرك والاستلذاذ ونحوهما مما مر فى المباحث المتقدمة فى الباب الاول والثاني فلذا لم يمنع استعماله فيهما وسيجينى تصريحه بذلك بعيد هذا (بخلاف الهمزة فانها تكون لطلب التصور وتعيين الفاعل او المفعول) ولا تستدعي ان لا يكون اصل الفعل معلوما فلا مانع من حصول التصديق باصل الفعل فلا يقبح استعمال الهمزة فى المثالين ولو كان التقديم فيهما للتخصيص إذ لا تنافي بين طلب التصور والتصديق باصل الفعل وبعبارة اخرى التقديم في زيد قام لتخصيص الفاعل بعد العلم والتصديق بوقوع اصل القيام فدخول اداة الاستفهام عليه للسؤال عن المختص بالقيام بعد العلم والتصديق بوقوع اصل القيام اما من زيد او من غيره والتقديم في عمرا عرفت لتخصيص المفعول بعد العلم والتصديق بوقوع اصل العرفان على مفعول فدخول اداة الاستفهام عليه للسؤال عن المختص بالمفعولية بعد العلم والتصديق بوقوع اصل العرفان على مفعول اما زيد او عمرو فاستعمال هل فى المثالين يكون لطلب التصديق باصل الفعل مع ان التصديق بذلك حاصل حسب الغرض فيكون استعمال هل فيهما لطلب حصول الحاصل وهو محال بخلاف الهمزة لان استعمالها فيهما لطلب التصور ولا تنافى بين طلب التصور وحصول


التصديق باصل الفعل.

(و) لكن (هذا) اي استدعاء التقديم حصول التصديق بنفس الفعل وقبح استعمال هل لذلك (ظاهر فى اعمرا عرفت) لان الاصل والغالب الراجح في تقديم ما حقه التأخير ان يكون للتخصيص فلا بد من ان يحمل تقديم عمرو فيه على التخصيص فيستلزمه حصول التصديق باصل الفعل اعني العرفان الصادر من الفاعل على مفعول ما فيقبح حينئذ استعمال هل لاستلزامه طلب حصول الحاصل وهو محال.

(واما في أزيد قام فلا) يكون ذلك الاستدعاء ظاهرا (اذ لا نسلم ان تقديم المرفوع يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل) وذلك لما مر في الباب الثاني من ان تقديم المسند اليه اذا كان مظهرا لا يكون على مذهب السكاكي للتخصيص البة اى لا يكون للتخصيص اصلا فلا يستدعي حصول التصديق باصل الفعل اعني القيام الصادر من فاعل ما فلا يلزم من استعمال هل فيه طلب حصول الحاصل فلا قبح فيه.

(غايته انه) اي التقديم في ازيد قام (محتمل لذلك) الاستدعاء (على مذهب عبد القاهر) وذلك لما مر ايضا هناك من ان تقديم المسند اليه ان لم يل حرف النفى فقد يأتي على مذهبه للتخصيص وقد يأتي لتقوية الحكم (فيجوز) على مذهبه (ان يكون) الاستفهام في (أزيد قام لطلب التصديق) باصل الفعل لا لطلب التصور (و) ذلك اذا (يكون تقديم زيد للاهتمام ونحوه من الاغراض فلا يقبح حينئذ استعمال هل فيه ويجوز ان يكون الاستفهام فيه لطلب التصور وذلك اذا يكون التقديم فيه للتخصيص لا لغيره من الاغراض فيقبح حينئذ استعمال هل لكونه حينئذ لطلب حصول الحاصل فظهر مما قررناه ان


استعمال هل في ازيد قام ليس بقبيح عند السكاكي ولا عند الشيخ عبد القاهر إلا اذا كان التقديم للتخصيص وسيأتي الكلام فيه عن قريب.

فتعليل قبح استعمال هل في ازيد قام بان التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل فيكون هل لطلب حصول الحاصل غير مرضى باعتبار اطلاقه كما يصرح بذلك عن قريب.

(ويدل على هذا) اي على جواز كون الاستفهام في ازيد قام لطلب التصديق ويكون التقديم فيه للاهتمام ونحوه فلا مانع فيه من دخول هل عليه من حيث كون هل فيه لطلب حصول الحاصل (انه) الضمير للشأن (علل) مبنى للمفعول اسند الى (قبح هل زقام بان هل بمعنى قد لا بانه) اي هل (مختص بطلب التصديق) ويحتمل ان يكون ضمير انه للمصنف وعلل مبنيا للفاعل والحاصل انه يدل على الجواز المذكور انهم عللوا قبح استعمال هل في المثال المذكور بانه بمعنى قد وهى من مختصات الافعال (كما سيجيىء) بيانه عن قريب لا بانه مختص بطلب التصديق والتقديم يستدعى حصول التصديق فيلزم من استعماله في المثال طلب حصول الحاصل.

(والمسئول عنه بها اي الذي يسئل عنه بالهمزة هو ما يليها كالفعل في اضربت زيدا اذا كان الشك في نفس الفعل اعني الضرب الصادر من المخاطب الواقع على زيد واردت انت ايها المستفهم (ان تعلم وجوده) اى وجود هذا الضرب بمعنى انه هل وجد ام لا (فهي) اى الهمزة (على هذا) المعنى (لطلب التصديق بصدور الفعل عنه واذا قلت اضربت زيدا ام اكرمته فهو اي هذا الكلام مع الهمزة (لطلب تصور


المسند اضرب هو ام اكرام والتصديق حاصل بثبوت احدهما) لا على التعيين.

فان قلت يظهر من هذا البيان تأخر التصور عن التصديق وهو خلاف المعهود عندهم من توقف التصديق على التصور اما شطرا او شرطا.

قلت نعم ولكن التصور المتأخر تصور خاص وهو تصور ان الصادر من المخاطب خصوص الضرب او خصوص الاكرام بخلاف التصور المتقدم المتوقف عليه التصديق فانه مطلق لانه تصور شيء دائر بين الضرب والاكرام لا خصوص احدهما المعين قتنبه وسيأتي الاشارة الى الايراد وجوابه عن قريب.

(فمثل هذا) الكلام الذي فيه الهمزة التي يليها الفعل (يحتمل ان يكون لطلب التصديق) كالمثال المتقدم في المتن (و) يحتمل (ان يكون لتصور المسند) كالمثال الذي ذكره في الشرح (ويفرق بينهما بحسب القرائن فنحو قولك افرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه سؤال عن وجود نفس الفعل) يعني الفراغ من كتابة الكتاب فهو لطلب التصديق بصدور الفراغ من المخاطب والقرينة على كونه لطلب التصديق انك تعلم اشتغاله بالكتابة لكنك اردت بالاستفهام ان تعلم انه وجد الفراغ منه ام لا.

(ونحو) قولك (اكتبت هذا الكتاب ام اشتريته سؤال عن تعيين المسند) اي الكتابة والاشتراء فهو لطلب التصور والقرينة على كونه لذلك انك تعلم ان الكتاب حصل له باحد الامرين اي الكتابة والاشتراء وانك اردت بالاستفهام تعيينه (وبهذا) اي بكون الهمزة


التي يليها الفعل لطلب التصديق تارة ولطلب التصور تارة اخرى (يظهر ان كلام المصنف) اي قوله والمسئول عنه هو ما يليها كالفعل فى اضربت زيدا (لا يخلو عن تعسف).

وجه التعسف انه اذا كان المطلوب اعنى المسئول عنه هو التصديق فلا لفظ له حتى يلي الهمزة اللهم إلا ان يقال ان المسئول عنه حينئذ النسبة التي هي بين المسند اليه والمسند وهي جزء مدلول الفعل وقد بينا ذلك مفصلا في المكررات عند قول الناظم :

المصدر اسم ما سوى الزمان من

من مدلولي الفعل كامن من امن

فعليه لا بد ان يلي الفعل الهمزة (و) نحو (الفاعل في ا انت ضربت زيدا اذا كان الشك في الفاعل مع العلم بوقوع ضرب علي زيد والمفعول في ازيدا ضربت اذا كان الشك في المفعول من هو مع القطع بوقوع ضرب من المخاطب وكذا سائر المتعلقات) فان المسئول عنه بالهمزة هو ما يليها من المتعلقات.

(نحو) الظرف فى (افي الدار صليت وايوم الجمعة سرت و) نحو المفعول له في (اتاديبا ضربته و) نحو الحال في (اراكبا جئت ونحو ذلك) كالتميز في قوله :

انفسا تطيب بنيل المنى

وداعي المنون ينادي جهارا

وان ادعى ابن هشام في اوائل الباب الرابع ان التقديم في البيت الضرورة لكنه ليس كذلك والى معنى البيت اشار الشاعر الفارسي بقوله :

اميد بسته برايد ولي چه فائده زانكه

اميد نيست كه عمر دوباره بازايد


(قال الشيخ فى دلائل الاعجاز) في بحث مواضع التقديم والتأخير ومن ابين شيء في ذلك الاستفهام بالهمزة فان موضع الكلام على انك اذا قلت افعلت فبدأت بالفعل كان الشك في الفعل نفسه وكان غرضك من استفهامك ان تعلم وجوده واذا قلت أأنت فعلت فبدأت بالاسم كان الشك فى الفاعل من هو وكان التردد فيه.

ومثال ذلك انك تقول ابنيت الدار التي كنت على ان تبنيها اقلت الشعر الذي كان في نفسك ان تقوله افرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه تبدا في هذا ونحوه بالفعل لان السؤال عن الفعل نفسه والشك فيه لانك في جميع ذلك متردد في وجود الفعل وانتفائه مجوز ان يكون قد كان وان يكون لم يكن.

وتقول أأنت بنيت هذه الدار أأنت قلت هذا الشعر أأنت كتبت هذا الكتاب فتبدأ في ذلك كله بالاسم وذلك لانك لم تشك في الفعل انه كان كيف وقد اشرت الى الدار مبنية والشعر مقولا والكتاب مكتوبا وانما شككت في الفاعل من هو.

فهذا من الفرق لا يدفعه دافع ولا يشك فيه شاك ولا يخفى فساد احدهما فى موضع الآخر فلو قلت أأنت بنيت الدار التي كنت على ان تبنيها أأنت قلت الشعر الذي كان في نفسك ان تقوله أأنت فرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه خرجت من كلام الناس وكذلك لو قلت ابنيت هذه الدار اقلت هذا الشعر اكتبت هذا الكتاب قلت ما ليس بقول وذلك لفساد ان تقول في الشيء المشاهد الذي هو نصب عينيك اموجود ام لا ثم قال الشيخ ومما يعلم به ضرورة انه لا تكون البداية بالفعل كالبداية بالاسم انك تقول اقلت شعرا قط أرأيت اليوم انسانا


فيكون كلاما مستقيما.

ولو قلت أأنت قلت شعرا قط أأنت رأيت انسانا اخطأت والى هذه الفقرة من كلامه اشار التفتازاني بقوله (ومما يؤيد ذلك انك تقول اقلت شعرا قط أرأيت اليوم انسانا فيصح ولا يصح ان تقول أأنت قلت شعرا قط أأنت رأيت اليوم انسانا).

ثم قال الشيخ وذاك انه (لا معنى للسئوال عن الفاعل من هو في مثل هذا لان ذلك إنما يتصور اذا كانت الاشارة الى فعل مخصوص نحو ان تقول من قبل هذا الشعر من بنى هذه الدار) ومن اتاك اليوم ومن اذن لك فيما فعلت (وما اشبه ذلك مما يمكن ان ينص فيه على معين فاما قيل شعر في الجملة ورؤية انسان على الاطلاق فمحال ذلك فيه لانه ليس مما يختص بهذا دون ذاك حتى يسأل عن فاعله) انتهى كلام الشيخ وقد اشرنا الى المواضع التي غيرها التفتازاني او زاد فيها كلفظة إذ لا معنى فتأمل جيدا.

(وهل لطلب التصديق فحسب) فلا تستعمل في طلب التصور اصلا (وتدخل على الجملتين) الفعلية (نحو هل قام زيد و) الاسمية نحو (هل عمرو قاعد اذا كان المطلوب التصديق بحصول القيام لزيد والقعود لعمرو ولهذا اى ولاختصاصها بطلب التصديق امتنع استعمالها مع أم المتصلة نحو (هل زيد قام ام عمرو لان وقوع المفرد بعد أم دليل على كونها متصلة) وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في الباب الثالث قبيل قول الخطيب ولا بد للحذف من قرينة (وام المتصلة) في نحو هذا المثال (لطلب تعيين احد الامرين مع العلم بثبوت اصل الحكم) قال في المغني ام المتصلة التي تستحق الجواب انما تجاب بالتعيين لانها سؤال


عنه فاذا قيل ازيد عندك ام عمرو قيل في الجواب زيد او عمر ولا يقال لا ولا نعم انتهى.

(فهي لا تكون إلا لطلب التصور بعد حصول التصديق بنفس الحكم وهل ليس إلا لطلب التصديق فبينهما) اى ام المتصلة وهل (تدافع فيمتنع) المثال المذكور بسبب استعمال هل مع ام المتصلة (بخلاف ما اذا لم يذكر) في المثال المذكور (ام عمرو وقيل هل زيد قام فانه يقبح ولا يمتنع) لما تقدم آنفا و (لما سيجيىء) عن قريب.

(فان قلت التصديق) كما اشرنا اليه سابقا (مسبوق بالتصور) لانه جزئه او شرطه فالتصديق متأخر عنه بالطبع او بالعلية فكيف يصح طلب التصور مع حصول التصديق في ام المتصلة نحو أزيد قام او عمرو) وهل هذا إلا من قبيل طلب حصول الحاصل الذي قد تقدم انه محال.

(قلت) قد تقدم فى نظير هذا الايراد ما حاصله ان (التصديق الحاصل) قبل الاستفهام (هو العلم بنسبة القيام الى احد المذكورين والمطلوب بالاستفهام تصور احدهما على التعيين وهو غير التصور السابق على التصديق لانه تصور بوجه ما) بمعنى ان القيام منسوب الى احدهما لا على التعيين.

(ولهذا) اي لاختصاص هل بطلب التصديق (ايضا قبح هل زيدا ضربت لان التقديم) كما مر سابقا (يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل فيكون هل طلبا لحصول الحاصل وهو محال وانما) قبح (ولم يمتنع لاحتمال ان يكون زيدا مفعول فعل محذوف يفسره) الفعل (الظاهر) اي المذكور (اي هل ضربت زيدا ضربت لكنه


يقبح لعدم اشتغال الفعل) الظاهر (المفسر) للفعل المحذوف (بالضمير) الراجع الى المفعول المقدم فيلزم من تقدير المفسر بالفتح واعماله في الاسم المتقدم منع الفعل الظاهر من العمل بلا شاغل وهو قبيح قاله الفاضل الدسوقي وقال الدماميني في حاشية له في بحث هل وانما قبح لانه يحتمل ان يكون مفعولا بمحذوف وتقديره هل ضربت زيدا ضربت لكن هذا التقدير بعيد لان فيه حذف عامل المفعول المذكور وحذف مفعول الثاني فكان الحمل عليه مرجوحا قبيحا والحمل على غيره راجحا حسنا وقيل إنما حكم بقبحه دون امتناعه لان المفضي الى الامتناع هو التخصيص والتخصيص ليس بلازم بل هو راجح ولا سيما في نحو هل رجل قام فلو كان التخصيص لازما لامتنع هذا التركيب فلما كان المفضي الى الامتناع راجحا كان هذا قبيحا لمخالفة الراجح انتهى.

(وقيل لم يمتنع لاحتمال ان يكون التقديم لمجرد الاهتمام به غير التخصيص فلا يستدعي التقديم حصول التصديق بنفس الفعل فلا يكون هل طلبا لحصول الحاصل لكنه يقبح لان الغالب في التقديم الاختصاص لا الاهتمام فيكون هل حينئذ طلبا لحصول الحاصل فيقبح فحمل صورة الاهتمام لكونه نادرا على الغالب فحكم بقبحه كليا (وفيه نظر لانه لا وجه حينئذ) اى على هذا التعليل (لتقبيحه) اي لتقبيح هل زيدا ضربت (سوى ان الغالب في التقديم هو الاختصاص) وحمل صورة الاهتمام عليه حملا للنادر على الغالب وهذا يوجب ان يقبح وجه الحبيب اتمنى على قصد الاهتمام دون الاختصاص) بناء على الحمل المذكور (ولا قائل به) اي بقبح وجه الحبيب على قصد الاهتمام دون الاختصاص.


واجيب عن النظران وجه التقبيح على ما ذكره هذا القائل هو لزوم طلب حصول الحاصل بناء على اختصاص هل بطلب التصديق واستدعاء التقديم حصول التصديق بنفس الفعل نظرا الى ان الغالب في التقديم الاختصاص المستلزم لذلك الحصول فالقبح انما هو فيما اذا وجد الامر ان اي التقديم ولفظة هل كما فى هل زيدا ضربت ولا يلزم من هذا تقبيح وجه الحبيب اتمنى لعدم وجود الامرين فيه حتى يلزم طلب حصول الحاصل.

(دون هل زيدا ضربته اي لم يقبح هل زيدا ضربته لجواز تقدير المفسر) بالفتح قبل زيدا اي هل ضربت زيدا ضربته بل هذا ارجح) بل واجب عند الاكثر (لان الاصل تقديم العامل على المعمول).

قال في المغنى في الباب الخامس القياس ان يقدر الشيء في مكانه الاصلي لئلا يخالف الاصل من وجهي الحذف ووضع الشيء في غير محله فيجب ان يقدر المفسر في نحو زيدا رأيته مقدما عليه وجوز البيانيون تقديره مؤخرا عنه وقالوا انه يفيد الاختصاص وليس كما توهموا وانما يرتكب ذلك عند تعذر الاصل او عند اقتضاء امر معنوي لذلك فالاول ايهم رأيته إذ لا يعمل في الاستفهام ما قبله ونحو (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) فيمن نصب إذ لا يلي اما فعل انتهى.

(فلا يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل فيكون) حينئذ (هل لطلب التصديق فيحسن) إذ ليس فيه حينئذ طلب حصول الحاصل هذا (و) لكن في هذا المثال مناقشة لانه (ذكر بعض المحققين من النحاة) يعني الرضي (انها) اي هل (مع وجود الفعل في الكلام لا تدخل على الاسم وان كان منصوبا بمضمر) اي بفعل مقدر (يفسره)


الفعل (الظاهر) كما في المثال (فلا يجوز اختيارا هل زيدا ضربته بل لا بد من ايلائها) اي هل (اياه) اي الفعل (لفظا) فالمثال غير صحيح إذ لا بد فيه من ان يقال هل ضربت زيدا وسيأتي لهذا زيادة توضيح بعيد هذا.

(وجعل السكاكي قبح هل رجل عرف لذلك اي لان التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل لما سبق فى الباب الثاني من ان اعتبار التقديم والتأخير في نحو رجل عرف) اي فيما كان المبتدأ نكرة (واجب) وذلك لئلا ينتفي التخصيص إذ لا سبب له سواه (وان اصله عرف رجل على انه بدل من الضمير) المستتر في عرف كما في قوله تعالى (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) على ما تقدم بيانه هناك (وانما لم يحكم بالامتناع) اي بامتناع هل رجل عرف (لاحتمال ان يكون رجل فاعل فعل) مقدر يفسره الظاهر هذا ولكن يأتي فيه ايضا المناقشة المتقدمه آنفا (و) لكن يرد عليه انه (يلزمه اي السكاكي ان لا يقبح هل زيد عرف لان تقديم المظهر المعرفة) كما تقدم هناك (ليس) على مذهبه (للتخصيص) البة (حتى يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل على ما مر) هناك او على ما مر آنفا من ان التقديم في نحو هل زيدا ضربت يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل الخ. (مع انه) اى رجل عرف (قبيح باتفاق النحاة).

فان قلت كيف تقول انه قبيح باتفاق النحاة وقد ذكر صاحب المفصل نظير المثال ووجهه بتوجيه صحيح.

قلت (و) اما (ما ذكره صاحب المفصل من ان نحو هل زيد خرج على تقدير الفعل) اى هل خرج زيد خرج (فتصحيح) وتوجيه


(للوجه القبيح البعيد) باتفاق النحاة (لا انه شائع حسن) عنده (وههنا) اى في قوله ويلزمه ان لا يقبح هل زيد عرف (نظر وهو انا لا نسلم لزوم ذلك) اى عدم قبح هل زيد عرف (لجواز ان يكون قبيحا لعلة اخرى) غير كون التقديم للتخصيص واستدعائه التصديق بنفس الفعل (فان انتفاء علة مخصوصة) يعني كون التقديم للتخصيص واستدعائه التصديق بنفس الفعل (لا يوجب انتفاء الحكم) اي القبح (مطلقا) لما ثبت في محله من ان رفع الاعم يوجب رفع الاخص واما العكس فلا (فغاية ما في الباب انه لا يلزم على ما ذكره السكاكي) في قبح هل رجل عرف من ان التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل الخ (قبح هل زيد عرف لا انه يلزم عدم قبحه) وذلك لما قلنا من جواز ان يكون قبيحا لعلة اخرى.

(وعلل غيره اي غير السكاكي قبحهما اي قبح هل رجل عرف وهل زيد عرف بان هل بمعنى قد في الاصل واصله اهل كقوله اهل عرفت الدار بالغريين) اي اقد عرفت (وترك الهمزة قبلها لكثرة وقوعها في الاستفهام فاقيمت هي مقام الهمزة وتطفلت عليها في الاستفهام وقد من لوازم الافعال) اي لا يدخل إلا عليها (فكذا ما هي بمعناها) وقوله تطفلت معناه مالت مأخوذ من قولهم تطفلت الشمس اذا مالت الى الغروب كذا نقل عن الصحاح ويحتمل ان يكون بمعنى تابعت مأخوذا من الطفيلي وهو كما فى المصباح الذي يدخل الوليمة من غير ان يدعى اليها ولا يخفى عليك وجه المناسبة.

(فان قلت هذا) اي كون هل بمعنى قد في الاصل (يقتضي ان لا يصح) نظرا الى ان قد لا يدخل إلا على الفعل فكذا ما هو بمعناه


(او) ان (يقبح) نظرا الى انه ليس يجب ان يكون كل شيء في معنى شيء حكمه حكم ذلك الشيء من كل وجه (دخولها على الجملة الاسمية التي طرفاها اسمان نحو هل عمرو قاعد وإلا) اي وان لم يقتض هذا عدم الصحة ولا القبح (فما الفرق بينه) اي بين عمرو قاعد (وبين ما اذا كان الخبر فعلا نحو هل زيد قام) حيث حكم بجواز الاول بلا قبح على ما يظهر من المثالين في اول البحث وبقبح الثانى باتفاق النحاة كما مر آنفا.

(قلت الفرق انها) اي هل (اذا رأت الفعل في حيزها تذكرت العهود) التي كانت بينها وبين الفعل (بالحمى) اى في الحمى حاصله انها اذا رأت الفعل في حيزها تذكرت التألف الذى كان بينها وبين الفعل في الاصل قبل ان تتطفل على الهمزة في الاستفهام (وحنت الى الالف المألوف) اى مالت او اشتاقت الى الانيس الذى انسه في الاصل وهو الفعل (وعانقته ولم ترض بافتراق الاسم بينهما) اى بين هل وانيسه اعنى الفعل (بخلاف ما اذا لم تره) اى الفعل (في حيزها فانها تسلت عنه) اى طابت نفسها عن الفه اى تخلت من عشقه (ذاهلة) اى حال كونها غافلة عنه ومع وجود الفعل لا تقنع به مفسرا ايضا للفعل المقدر بعدها قاله الرضي فراجعه تستفيد منه فائدة مهمة والى ذلك اشار السيوطي عند قول الناظم.

سواهما الحرف كهل وفي ولم

فعل مضارع يلي لم كيشم

وقد بينا ذلك في المكررات بما لا مزيد عليه فراجع ان شئت (وهي اى هل) من الاشياء التي (تخصص المضارع بالاستقبال) بعد ان كان مشتركا بينه وبين الحال وذلك (بحكم الوضع) لا لاجل خصوصية في


معناها (كالسين وسوف) فانهما تخصصان المضارع بالاستقبال لكن لا لاجل خصوصية فى معناهما بل لاجل نفس ما لهما من المعنى كما يظهر ذلك من قول النحويين فيهما حرف تنفيس اى حرف توسيع.

(فلا يصح هل تضرب زيدا وهو اخوك كما يصح) على ما صرح به ابن الحاجب (اتضرب زيدا وهو اخوك يعني انه لا يصح استعمال هل لانكار الفعل الواقع (في) زمان (الحال) وذلك للتدافع بين زمان الحال والاستقبال والانكار ههنا (بمعنى انه) اي الفعل الواقع كالضرب في المثال (لا ينبغي ان يقع) لا بمعنى الحكم بعدمه كما في قوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وبعبارة اخرى المراد من الانكار هنا الانكار التوبيخي وهو كما في المغنى يقتضي ان ما بعدها واقع وان فاعله ملوم لا الانكار الابطالى وهو كما فيه يقتضي ان ما بعدها غير واقع وان مدعيه كاذب.

(كما يصح استعمال الهمزة فيه) اي في انكار اثبات الفعل الواقع في زمان الحال (وذلك) اى عدم صحة المثال الاول (لان هل تخصص المضارع بالاستقبال فلا تصلح لانكار الفعل الواقع في) زمان (الحال فعلم) من هذا البيان (ان التقييد) اي تقييد المثال في الصورتين (بقوله وهو اخوك ليكون قرينة على ان المراد الضرب الواقع في الحال) لان المتبادر عرفا ان الاخوة ثابتة في زمان الحال فكذا الضرب لان الحال قيد لعاملها والاصل اتحاد زمان القيد والمقيد (لا الاستفهام عن وقوع الضرب الواقع في المستقبل) إذ لا معنى للاستفهام عن وقوع الضرب المقارن لكون المضروب اخا (وقد صرح السكاكي بذلك) اي بكون التقييد بقوله وهو اخوك قرينه لما ذكر (وقال) ما هذا


نصه ولا بد لها من ان يخصص الفعل المضارع بالاستقبال فلا يصح ان يقال هل تضرب زيدا وهو اخوك على نحو اتضرب زيدا وهو اخوك (فى ان يكون الضرب واقعا في الحال) انتهى.

(واعلم ان هذا الامتناع) المذكور في هل تضرب زيدا وهو اخوك (جار فيما اذا دلت القرينة على ان المراد انكار الفعل الواقع بمعنى انه لا ينبغي ان يقع سواء كانت القرينة) على الانكار المذكور (مقالية كما في هذا المثال) فان القرينة فيه انما هى عمل الفعل المضارع في الجملة الحالية اعنى وهو اخوك والجملة الحالية مقال (او) كانت القرينة عليه (حالية كما في قوله تعالى (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) ونحو (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) وقوله :

اطربا وانت قنسري

والدهر بالانسان دواري

(وقولك اتضرب اباك واتشتم السلطان) فان القرينة في جميع هذه الامثلة حالية وهي التوبيخ لانه لا يكون إلا على الفعل الواقع اما في زمان الحال او الماضي المستمر الى زمان الحال والى ذلك اشار بقوله (فانه لا يصح وقوع هل في هذه المواقع) وذلك لانها تخصص المضارع بالاستقبال ولان التوبيخ لا يصح ان يتوجه الى المخاطب بسبب فعل يوقعه في الاستقبال.

(وبهذا) الذي ذكرنا من ان الامتناع في هل تضرب زيدا وهو اخوك انما هو بسبب ان هل تخصص المضارع بالاستقبال فلا تصلح لانكار الفعل الواقع في الحال لما بينهما من التدافع (ظهر فساد ما قيل إنما امتنع) المثال المذكور لا للتدافع بل (من جهة ان الفعل المستقبل لا يتقيد بالحال) النحوي (لعدم المقارنة بينهما) وانما حكمنا بظهور


فساد ما قيل (لان الواجب مقارنة الحال) النحوى (لوقوع الفعل) العامل فيه وبعبارة اخرى كما في السيوطي ان الحال الذى هو قيد على حسب عامله فان كان ماضيا او حالا او مستقبلا فكذلك الحال (وانتفائها) اى انتفاء المقارنة (ههنا) اى في الفعل المستقبل المقيد بالحال (ممنوع) لما قلنا من انه بحسب العامل (ألا ترى الى صحة قولنا سيجيىء زيد راكبا) مع كون الفعل فيه مستقبلا بالضرورة لوجود السين وكذلك الامثلة الآتية (وسأضرب زيدا وهو بين يدى الامير قال الحماسي :

ساغل عني العار بالسيف جالبا

على قضاء الله ما كان جالبا

وفي التنزيل (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) واعجب من هذا) القيل (ان بعضهم لما سمع قول النحاة انه يجب تجريد صدر الجملة الحالية عن علامة الاستقبال لما سنذكره في الباب السابع (في بحث الحال فهم) ذلك البعض (منه) اى من قول النحاة (ان الفعل المقيد بالحال يجب تجريده عن حرف الاستقبال فلا يصح تقييد) المثال المذكور اى (هل تضرب) زيدا (بالحال) اى بجملة وهو اخوك او بغيرها من نحو راكبا وذلك لان في صدر المثال المذكور لفظ هل وهو من حروف الاستقبال (واورد قول النحاة دليلا على كلامه) اى على امتناع المثال المذكور (وهو) اى قول النحاة (ينادى على خطائه) لان قول النحويين انما هو في الجملة الحالية وكلامنا ههنا في الفعل المضارع المقيد بتلك الجملة (ولم ينقل عن احد) من النحاة (امتناع تقييد الفعل المستقبل بالحال) فلا وجه للحكم بعدم صحة تقييد المثال


بالحال لاجل قول النحاة بوجوب تجريد صدر الجملة الحالية عن علامة الاستقبال.

(ولعمرى ان التعرض لامثال هذه المباحث) الواضحة الفساد الصادرة اما من العناد او قصور الباع وقلة الاطلاع (مما لا ينبغي ان نشتغل به لكنا نخاف على القاصرين ان يقعوا فيها من غير تأمل ويأخذوها مذهبا) كما وقع كثير منهم في كثير من امثالها بل فيما هو اوضح فسادا منها.

(ولاختصاص التصديق بها) هذا تعليل مقدم لقوله الآتي كان لها مزيد اختصاص الخ (اى لكون هل مقصورة على طلب التصديق وعدم مجيئها لغير التصديق كما يقال نخصك بالعبادة بمعنى لا نعبد غيرك) وقد تقدم الوجه في هذا التفسير في الباب الثاني فى بحث ضمير الفصل مستوفي فراجع ان شئت.

(وتخصيصها المضارع بالاستقبال كان لها) اى لهل (مزيد اختصاص) اى مزيد ارتباط ومناسبة (بما كونه زمانيا اظهر) لفظة (ما) المجرورة بالباء (موصولة وكونه مبتدء وخبره اظهر وزمانيا خبر لكون) والجملة صلة ما (اى بالشيء الذى زمانيته اظهر كالفعل فان الزمان جزء من مفهومه) كما قال في الالفية :

المصدر اسم ما سوى الزمان من

مدلولى الفعل كامن من امن

(بخلاف الاسم فانه يدل عليه) اى على الزمان (حيث يدل لعروضه) اى الزمان (له) اى للاسم وقد تقدم بعض الكلام في في ذلك بعيد بحث الالتفات فلا نعيده فتحصل مما ذكونا ان المقتضى والسبب في زيادة اختصاص هل من سائر ادوات الاستفهام بما كونة


زمانيا اظهر يعنى الفعل امران (اما اقتضاء الثاني اعني تخصيصها المضارع بالاستقبال فظاهر إذ المضارع انما يكون فعلا) فهو نوع من مطلق الفعل وظاهر ان ما كان لازما للنوع كان لازما للجنس فى الجملة ضرورة (واما اقتضاء الاول اعني اختصاصها بالتصديق لذلك) المزيد (فلان التصديق هو الحكم) والاذعان (بالثبوت) اي بثبوت شيء (او الانتفاء) اى انتفاء شيء (والنفي والاثبات إنما يتوجهان الى الصفات) اي المعاني والاحداث كالقيام والقعود ونحوهما (التي هي مدلولات الافعال من حيث هي لا الى الذوات التي هى مدلولات الاسماء من حيث هي لان الذوات ذوات فيما مضى وفي الحال وفيما يستقبل).

وقال في المفتاح ما هذا نصه وانت تعلم ان احتمال الاستقبال إنما يكون لصفات الذوات لا لانفس الذوات لان الذوات من حيث هي هي ذوات فيما مضى وفي الحال وفي الاستقبال استلزم ذلك مزيد اختصاص لهل دون الهمزة بما يكون كونه زمانيا اظهر كالافعال انتهى.

(ولهذا اي ولان لها مزيد اختصاص بالفعل كان قوله عزوجل فهم (أَنْتُمْ شاكِرُونَ) اي الجملة الاسمية التي فيها عدول عما لها مزيد اختصاص به (ادل على طلب الشكر) اي طلب حصوله في الخارج (من فهل تشكرون) اي من المضارع الذي هو عين ما لها مزيد اختصاص به اعني الفعل (و) من (فهل انتم تشكرون) الذي هو ايضا عين ما لها مزيد اختصاص به (مع انه مؤكد بالتكرير لان انتم فاعل فعل محذوف) والحاصل ان وقوع الجملة الاسمية بعد هل لما كان على خلاف مقتضى الظاهر لا بد فيه من نكتة والى ذلك اشار بقوله (لان ابراز ما سيتجدد في معرض الثابت) وذلك بسبب الجملة الاسمية


التي لا فعل فيها (ادل على كمال العناية بحصوله) هذا هو النكتة فادخالها على الجملة الاسمية المذكورة ادل على كمال العناية بحصول ما سيتجدد (من ابقائه) اي من ابقاء لفظ هل تشكرون لانها داخلة على الفعل حقيقة (و) كما (في هل انتم تشكرون لانها) ايضا (داخلة على الفعل) لكن (تقديرا) وذلك (لان انتم فاعل فعل محذوف يفسره) الفعل (الظاهر) ولا يذهب عليك ان الاستفهام في امثال المقام ليس على حقيقته لانها محال على علام الغيوب عزوجل.

(وايضا (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ)) يعني الجملة الاسمية مع هل (ادل على طلب الشكر من ا فانتم شاكرون يعني من الجملة الاسمية مع الهمزة (وان كان) الكلام الثاني اي افأنتم شاكرون ايضا (للثبوت باعتبار كون الجملة) مثل الكلام الاول (اسمية لان هل) كما تقدم آنفا (ادعى للفعل من الهمزة) اي اقوى طلبا من الهمزة (فتركه معها اي ترك الفعل مع هل ادل على ذلك اي على كمال العناية بحصول ما سيتجدد) وبعبارة اخرى لما كان هل اقوى طلبا للفعل من الهمزة وذلك لان الفعل كما تقدم آنفا لازم بعد هل بخلاف بعد الهمزة فترك اللازم والعدول عنه الى الجملة الاسمية لا يكون من المتكلم البليغ إلا لنكتة وهي ههنا كمال العناية والاهتمام بطلب الشكر وحصوله في الخارج.

(ولهذا اي ولان هل ادعى للفعل من الهمزة لا يحسن هل زيد منطلق إلا من البليغ لانه الذى يقصد به الدلالة على الثبات وابراز ما سيتجدد في معرض الوجود بخلاف غير البليغ فانه لا يفرق بينه) اي بين خلاف الاصل اعني ادخال هل على الجملة الاسمية (وبين هل


ينطلق زيد) يعني الاصل الذى هو ادخالها على الفعل وذلك لان غير البليغ غافل عن اعتبار اللطائف والخواص الزائدة على اصل المراد ولذلك الحق كلامه كما صرح في آخر المقدمة باصوات الحيوانات التي تصدر من محالها بحسب ما يتفق من غير اعتبار اللطائف والاعتبارات الزائدة على اصل المراد (فكان الاولى به) اي بغير البليغ (ان يدخله) اي هل (على الفعل كما هو اصله).

قال في المفتاح ولكون هل ادعى للفعل من من الهمزة لا يحسن هل زيد منطلق الا من البليغ كما لا يحسن نظير قوله ليبك يزيد ضارع لخصومة من كل احد على ما سبق في موضعه وقال عند الكلام في قوله ليبك يزيد الخ ان هذا التركيب متى وقع موقعه رفع شأن الكلام في باب البلاغة الى حيث يناطح السماك وموقعه ان يصل من بليغ عالم بجهات البلاغة بصير بمقتضيات الاحوال ساحر في اقتضاب الكلام ماهر في افانين السحر الى بليغ مثله مظلع من كل تركيب على حاق معناه وفصوص مستتبعاته فان جوهر الكلام البليغ مثله مثل الدرة الثمينة لا ترى درجتها تعلو ولا قيمتها تغلو ولا تشتري بثمنها ولا تجري في مساومتها على سننها ما لم يكن المستخرج لها بصيرا بشأنها والراغب فيها خبيرا بمكانها وثمن الكلام ان يوفي من ابلغ الاصفاء واحسن الاستماع حقه وان يتلقى من القبول له والاعتزاز باكمل ما استحقه ولا يقع ذلك ما لم يكن السامع عالما بجهات حسن الكلام ومعتقدا بان المتكلم تعمدها في تركيبه للكلام عن علم منه.

فان السامع اذا جهلها لم يميز بينه وبين ما دونه وربما انكره وكذلك اذا اساء بالمتكلم اعتقاده ربما نسبه في تركيبه ذاك الى الخطأ


وانزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة.

ومما يشهد لك بهذا ما يروى عن علي (ع) انه كان يشيع جنازة فقال له قائل من المتوفي بلفظ اسم الفاعل سائلا عن المتوفي فلم يقل فلان بل قال الله ردا لكلامه عليه مخطئا اياه منبها له بذلك على انه كان يجب ان يقول من المتوفى بلفظ اسم المفعول.

ويقال ان هذا الواقع كان احد الاسباب التي دعته الى استخراج علم النحو فامر ابا الاسود الدؤلي بذلك فهو (ع) اول ائمة علم النحو رضوان الله عليهم اجمعين وما فعل ذلك كرم الله وجهه إلا لانه عرف من السائل انه ما اورد لفظ المتوفى على الوجه الذي يكسوه جزالة في المعنى وفخامة في الايراد وهو وجه القراءة المنسوبة اليه (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) بلفظ بناء الفعل للفاعل من ارادة معنى معنى والذين يستوفون مدد اعمارهم. انتهى.

(وهي اى هل قسمان بسيطة وهي التي يطلب بها وجود شيء او لا وجوده كقولنا هل الحركة موجودة ومركبة وهي يطلب بها وجود شيء لشيء او لا وجوده كقولنا الحركة دائمة فان المطلوب وجود الدوام للحركة او لا وجوده وقد اخذ في هذه) اي الثانية (شيئان غير الوجود وفي الاولى شيء واحد فلذا كانت) الثانية (مركبة بالنسبة اليها) وتسمى القضية على الاولى ثنائية وعلى الثانية ثلاثية كما قال الحكيم الالهي في اللئالى في بحث المفرد والمركب في شرح قوله.

كذا الثنائي والثلاثي مطلبا

هل بسيط وهل قد ركبا

يعني قضية محمولها الوجود المطلق كالانسان موجود ثنائية لان مفادها ثبوت الشيء ولا وجود رابط فيها كما قرر في محله وقضية محمولها


الوجود المقيد كالانسان كاتب ثلاثية لان مفادها ثبوت شيء لشيء وفيها وراء الموضوع والمحمول وجود رابط انتهى (فالوجود في البسيطة محمول وفي المركبة رابطة) قال الحكيم الالهي في شرح قوله :

ان الوجود رابط ورابطي

ثمة نفسي فهاك واضبط

ان الوجود رابط اي ثبوت الشيء شيئا ورابطي ثمة نفسي قد يلحق التاء المتحركة بثم العاطفة ومنه قوله فمضيت ثمة قلت لا يعنيني والمعنى المشترك بين الرابطي والنفسي ثبوت الشيء فهاك اي خذ واضبط لانه اي الوجود مطلقا اما ان يكون وجودا فى نفسه ويقال له الوجود المحمولي وهو مفاد كان التامة المتحقق في الهليات البسيطة او يكون وجودا لا في نفسه وهو مفاد كان الناقصة المتحقق في الهليات المركبة ويقال له في المشهور الوجود الرابطي والاولى على ما في المتن ان يسمى بالوجود الرابط.

وقال في بحث ان الوجود مطلق ومقيد ان الوجود المطلق ما هو المحمول في الهلية البسيطة كالانسان موجود والمقيد ما هو المحمول في الهلية المركبة كالانسان كاتب. انتهى.

(والباقية من الفاظ الاستفهام تشترك في انها لطلب التصور فقط وتختلف من جهة ان المطلوب بكل منها تصور شيء آخر فيطلب بما شرح الاسم كقولنا ما العنقاء طالبا ان يشرح هذا الاسم ويبين مفهومه وانه لاي معنى وضع فيجاب بايراد لفظ اشهر سواء كان من هذه اللغة) كان يجاب بانها طائر معروف الاسم مجهول الجسم (او من غيرها) كان يجاب باللغة الفارسية (سيمرغ است) وفيها اقوال اخر ليس هنا محل ذكرها.


(او) يطلب بما (ماهية المسمى أى حقيقته التي هو بها هو كقولنا ما الحركة اي ما حقيقة مسمى هذا اللفظ فيجاب بايراد ذاتياته) اي ذاتيات المسمى (من الجنس والفصل) كان يقال في الجواب كما في التجريد هي كمال اول لما هو بالقوة من حيث هو بالقوة قال القوشجي في شرحه قدماء الفلاسفة عرفوا الحركة بانها خروج من القوة الى الفعل على التدريج او يسيرا يسيرا او لا دفعة. انتهى.

فتحصل في المقام ان ههنا مطلبين مطلب ما ومطلب هل وما سؤال عن التصور وهل سؤال عن التصديق والسؤال بما ان كان عن تصور الشيء قبل العلم بوجوده فالجواب شرح اسمه وتعيين ما هو المراد من اسمه وما هذه يقال لها ما الشارحة وان كان السئوال بما عن تصور شيء معلوم وجوده فالجواب بالحد او الرسم والى ذلك اشار الحكيم حيث يقول بالفارسية (مهيت پاسخ پرسش از كوهر شيء است وشرح اسم پاسخ پرسش نخستين است) واما هل فان طلب بها التصديق عن وجود الشيء في نفسه فيقال لها هل البسيطة وان طلب بها التصديق عن وجود الشيء بصفته فيقال لها هل المركبة وقد تقدم مثال كل واحد منها فلا نعيده.

(وتقع هل البسيطة في الترتيب بينهما اي بين ما التي لشرح الاسم والتي لطلب الماهية) والى ذلك اشار الحكيم بقوله :

فما هو الشارح والحقيقي

وذو اشتباك مع هل انيق

(يعني مقتضى الترتيب الطبيعي ان يطلب او لا شرح الاسم ثم وجود المفهوم فى نفسه ثم ماهيته وحقيقته لان من لا يعرف مفهوم اللفظ استحال منه طلب وجود ذلك المفهوم ومن لا يعرف انه موجود


استحال منه طلب حقيقته وماهيته إذ المعدوم لا مهية له ولا حقيقة لان الماهية ما به يكون الشيء هو هو والمعدوم لا مهية له).

واوضح من ذلك كله واضبط للاقسام ما ذكره الحكيم الالهي في شرح قوله :

اس المطالب ثلاثة علم

مطلب ما مطلب هل مطلب لم

فما هو الشارح والحقيقي

وذو اشتباك مع هل انيق

وهل بسيطا ومركبا ثبت

لمية ثبوتا اثباتا حوت

وهذا نصه اس المطالب للناظر في استعلام الشيء ثلاثة علم وكل منها اثنان فالكل ستة اولها مطلب ما وثانيها مطلب هل وثالثها مطلب لم فما قسمان احدهما هو الشارح وثانيهما هو الحقيقي فيطلب بما الشارحة او لا شرح مفهوم اللفظ مثل ما الخلاء وما العنقاء وبما الحقيقية تعقل مهية النفس الامرية مثل ما الحركة وما المكان ولذا يقال التعريف للمهية وبالمهية وذو اشتباك مع هل انيق اي ما وهل ذوا ترتيب حسن فكما اشرنا ما الشارحة مقدمة على هل البسيطة بل على الكل إذ لا بد ان يفهم مدلول اللفظ او لا ثم هل البسيطة مقدمة على ما الحقيقية اذ الوجود مقدم بالحقيقة على المهية وما لا وجود له والحكيم يبحث عن الحقايق وما لم يعتبر الوجود مع المهية لا تستحق اطلاق لفظ ولهذا فالوجود حقيقة كل ذي حقيقة وبعدها هل المركبة وانما كانت بعدها لان ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له.

وهل بسيطا انما سمى بسيطا لان المطلوب به وجود الشيء والوجود المطلق بسيط ومركبا ثبت لان المطلوب به الوجود المقيد كالكتابة والضحك ونحوهما للانسان والوجود المقيد مركب من الوجود والقيد.


لمية ثبوتا اثباتا حوت اي يطلب بلم علة الحكم والواسطة له وهي قسمان واسطة فى الثبوت وواسطة في الاثبات ثم قال في شرح قوله :

اليه الت ما فريق ثبتا

مطلب اي اين كيف ومتى

اليه اى الى المذكور من اس المطالب الت ما اى مطالب اخرى فريق اثبتا ان كانت وهي مطلب اى ومطلب اين ومطلب كيف ومطلب كم ومطلب متى.

اما مطلب اى فلان اى الجوهرية يطلب بها الفصل وسيأتي ان شيئية النوع بالفصل وبالصورة فيؤل الى ما الحقيقية واي العرضية يطلب بها عوارض الشيء فيؤل الى هل المركبة واما البواقي فرجوعها الى هل المركبة فواضحة.

ثم قال انما قلنا ان كانت لان كثيرا من الاشياء كالمجردات لا اين ولا كم ولا متى بل ولا كيف لها زائدا على وجودها وان كان زائدا على مهيتها فيقال ما العقل الكلي وهل هو ولم هو ولكن لا يقال اين هو ومتى هو وكم مقداره انتهى فاحفظ ذلك لانه يفيدك فيما يأتي والله الموفق والمعين.

(والفرق بين المفهوم من اللفظ بالجملة وبين المهية التي تفهم من الحد بالتفصيل غير قليل) اي كثير جلى فلا يتوهم اتحاد الحد والمحدود وعدم فائدة التحديد اسميا كان او حقيقيا (فان كل من خوطب باسم) كالانسان والفرس والحمار ونحوها من الاسماء (فهم منه) اي من الاسم (فهما ما ووقف) اي اطلع (على الشيء) اي على المعنى (الذى يدل عليه الاسم اذا كان عالما باللغة) التي ذلك الاسم من تلك اللغة (واما الحد فلا يقف) اي فلا يطلع (عليه) اي على الحد


(الا المرتاض) اي المتذلل والمتسع والمنبسط (بصناعة المنطق) بل لا يكاد يطلع عليه احد الاعلام الغيوب جل جلاله.

قال الهروي فى بحث المشتق والتحقيق ان يقال ان مثل الناطق ليس بفصل حقيقي بل لازم ما هو الفصل واظهر خواصه وانما يكون فصلا مشهوريا منطقيا يوضع مكانه اذا لم يعلم نفسه بل لا يكاد يعلم كما حقق في محله ولذا ربما يجعل لازمان مكانه اذا كانا متساويي النسبة اليه كالحساس والمتحرك بالارادة في الحيوان انتهى.

وقال الفاضل المشكيني في الحاشية على قوله بل لا يكاد يعلم كما حقق في محله ما هذا نصه يعني لغير علام الغيوب وذلك اما اشارة الى ما ما ذكره الشريف في كتاب الكبرى من ان معرفة حقايق الاشياء من الاجناس والفصول والانواع في غاية الاشكال.

واما اشارة الى ما حققه صدر المتالهين من ان الفصول الحقيقية انحاء الوجودات والوجود غير معلوم بالكنه لغير علام الغيوب نعم هو معلوم بالعناوين وكلاهما ضعيفان كما قرر في محله انتهى.

والى كون الوجود غير معلوم بالكنه اشار الحكيم في بحث بداهة الوجود :

مفهومه من اعرف الاشياء

وكنهه في غاية الخفاء

(فالموجودات لما كان لها مفهومات وحقايق كان لها حدود بحسب الاسم وبحسب الحقيقة) وليعلم ان الحد ينقسم الى الحقيقي واللفظي والاول اي الحقيقي ينقسم الى التعريف بحسب الحقيقة سواء كان حدا او رسما والى التعريف بحسب الاسم فهو قسم من التعريف الحقيقي فلا يكون اللفظي ما هو بحسب الاسم كما توهمه البعض وقد تقدم


ان الحقيقي بقسميه محصل للصورة واللفظي لا يحصل إلا تعيين مدلول اللفظ فيكون مرجعه الى التصديق بان هذا اللفظ بازاء هذا المعنى فلذلك كان قابلا للنفي فيحتاج الى النقل من اصحاب اللغة والاصطلاح وقد تقدم ايضا ان الفرق بين التعريف بحسب الحقيقة والتعريف بحسب الاسم ان الاول محصل للصورة التي علم وجوده في الخارج اما بالكنه او بالوجه والثاني محصل صورة ما لم يعلم وجوده في الخارج فتدبر جيدا.

(واما المعدومات فلما لم يكن لها إلا المفهومات لم يكن لها حدود إلا بحسب الاسم لان الحد بحسب الذات لا يكون إلا بعد ان يعرف ان الذات موجودة) وبعبارة اخرى لان الحد بحسب الذات موقوف على العلم بوجود الذات وقوله (حتى) تعليل لقوله لان الحد بحسب الذات (ان ما يوضع في اول التعاليم) قيل هو جمع التعليم والمراد به التراجم كالفصل والابواب مثلا يقال التعليم الاول في المبتدأ والتعليم الثاني في الفاعل وقيل المراد منه الرياضيات باقسامها الاربعة اعنى الهيئة والهندسة والحساب والموسيقى وانما سميت هذه العلوم الاربعة بالتعاليم لان الحكماء كانوا يعلمونها صبيانهم او لا والمعنى الاول اقرب بسياق الكلام واشمل ، واما قوله (من حدود الاشياء) فهو بيان لما يوضع في اول التعاليم كان يقال المبتدأ اسم مجرد عن العوامل اللفظية غير المزيدة مثلا يعني الاشياء (التي يبرهن على وجودها في اثناء العلم) وهو الاقرب.

واما قوله (انما هي حدود بحسب شرح الاسم) فهو خبر ان ما يوضع (ثم لما اثبت وجودها) اي الاشياء (صار تلك الحدود)


التي يوضع في اول التعاليم (بعينها حدودا بحسب الذات والحقيقة كذا ذكره الشيخ) ابو علي سيناء (في الشفاء فعلم) مما ذكره (ان الجواب الواحد جاز ان يكون حدا بحسب الاسم وبحسب الذات) والحقيقة (بالقياس الى شخصين) احدهما في اول التعليم والآخر فى اثنائه فالاول بالقياس الى الاول والثاني بالقياس الى الثاني (وبالقياس الى شخص واحد في وقتين) احدهما اول التعليم وثانيهما اثناء التعليم فالاول بالقياس الى هذا الشخص الواحد في اول التعليم والثاني بالقياس اليه في اثناء التعليم.

(و) يطلب (بمن العارض المشخص) بكسر الخاء المعجمة اي المعين لا مطلق العارض كالضاحك والكاتب ونحوهما (لذى العلم) عبر بالعلم دون العقل ليشمل الباري عز اسمه لانه جل جلاله خالق العقل (اي يطلب بمن الامر الذي يعرض لذى العلم فيفيد تشخصه وتعينه كقولنا من في الدار فانه يجاب عنه بزيد) ولا شك انه عارض عليه بسبب تسميته به (ونحوه) من الالقاب والكنى لانها ايضا (مما يفيد تشخصه) وتعينه كما قال في الالفية :

واسما اتى وكنيه ولقبا

واخرن ذا ان سواه صحبا

(واما الجواب بنحو رجل فاضل من قبيلة كذا ونحو ابن فلان) يعني زيد مثلا وكذا في سائر الامثلة قال الرضي واعلم انه يكنى بفلان وفلانة عن اعلام الادمي خاصة فيجريان مجرى المكنى عند اي يكونان كالعلم فلا يدخلهما اللام ويمتنع صرف فلانة كما يجري افعل بمعنى احمق مجرى المكنى عنه في الامتناع من الصرف على ما مر ولا يجوز تنكير فلان كسائر الاعلام فلا يقال جائني فلان وفلان آخر اذ هو


موضوع للكناية عن العلم واذا كنى عن الكنى قيل ابو فلان وام فلان واذا كنى بفلان وفلانة عن اعلام البهائم اسما كانت او كنى ادخل عليهما لام التعريف فيقال الفلان والفلانة وابو الفلان وام الفلان لقصد الفرق وكان كناية اعلام البهائم اولى باللام من كناية اعلام الانسان لان انس الانسان بجنسه اكثر فهو عنده اشهر من اعلام البهائم فكان فيها نوع تنكير انتهى.

(واخو فلان وما اشبه ذلك) نحو غلام فلان وجار فلان وتلميذ فلان ونحو ذلك (فانما يصح من جهة ان المخاطب يفهم منه التشخص بحسب الخارج انحصار الاوصاف في الخارج في شخص واحد وان كانت نظرا الى مفهوماتها كليا) هذا الكلام بالنظر الى نحو رجل فاضل من قبيلة كذا مسلم بناء على ما تقدم في اول باب المسند اليه في نحو قولك اعبد الها خلق السماء والارض ونحو لقيت رجلا سلم عليك اليوم وحده قبل كل احد وكذلك بالنظر الى سائر الامثلة بناء على ما تقدم فى بحث تعريف المسند اليه بالعلمية من ان سائر المعارف لا تفيد اول زمان ذكرها إلا مفهوماتها الكلية واما بناء على ما نقلناه من الرضى فلا لانها حينئذ اما كنايات او مضافة الى الكنايات واياما كان فهي في حكم الاعلام الشخصية بل نفسها والاعلام الشخصية مفهوماتها ليست إلا جزئية اللهم إلا ان يكون نظره الى ما تقدم في بحث تعريف المسند من انه قد يقال جائني غلام زيد من غير اشارة الى معين كالمعرف باللام هذا وبعد فية تأمل يظهر وجهه من النظر الآتي.

(وقال السكاكي) في مقام الفرق بين ما ومن (يسئل بما عن الجنس) سواء كان من ذوى العلم او غيرهم والمراد من الجنس غير


الصفة اى الذات لا الجنس المنطقي فيشمل النوع والصنف وذلك بقرينة الاجوبة الآتية فان شيئا منها ليس بجنس منطقي (تقول ما عندك اى اى اجناس الاشياء عندك وجوابه كتاب ونحوه) كالطعام والفرس والانسان والحمار ونحوها فتأمل.

(ويدخل فيه) اى في السؤال عن الجنس (السؤال عن المهية والحقيقة نحو ما الكلمة اى اى اجناس الالفاظ هي وجوابه لفظ مفرد موضوع وما الاسم اي اي اجناس الكلمات هو وجوابه الكلمة الدالة على معنى في نفسه غير مقترن باحد الازمنة الثلاثة) وما الانسان اي اي اجناس الحيوانات هو وجوابه حيوان ناطق فتأمل.

(او) يسئل بما (عن الوصف) كذلك (تقول ما زيد وجوابه الكريم ونحوه) كالفاضل والشجاع ونحوهما (وفي الحديث سيروا فقد سبق المفردون قيل وما المفردون يا رسول الله فقال (ص) (الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ)) وتقول ما الصلوة وجوابه الناهية عن الفحشاء والمنكر وتقول ما الصوم وجوابه جنة من النار فتأمل جيدا.

(و) قال ايضا (يسئل بمن عن الجنس) بالمعنى المتقدم (من ذوى العلم تقول من جبرئيل اى ابشر هو ام ملك ام جنى وفيه) اى في الشق الثاني من قوله (نظر اذ لا نسلم انه لفظ من للسؤال عن الجنس) اذ لم يثبت استعماله في اللغة لذلك (و) لا نسلم (انه يصح في جواب من جبرئيل ان يقال ملك بل جوابه) الصحيح (انه ملك يأتي بالوحي الى الرسل ونحوه مما يفيد للسامع تشخصه وتعينه) كان يقال ملك ناغي الحسين (ع) حين كان فى المهد بهذين البيتين.

ان في الجنة نهر من لبن

لعلي ولزهرا وحسين وحسن


كل من كان محبا لهم

يدخل الجنة من غير حزن

فانه يفيد تشخصة وتعينه اذا كان السامع ممن له خبرة كاملة بفضائل الحسين عليه‌السلام.

(واما ما ذكره السكاكي فى قوله تعالى حكاية عن فرعون (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) ان معناه ا بشر هو ام ملك ام جنى) فعليه يكون للسؤال عن الجنس (ففساده يظهر من جواب موسى (ع) بقوله (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) فانه (ع) قد اجاب بما يفيد تعينه وتشخصه على ما ذكرنا) وقد ذكرنا ان فيما ذكره تأمل لان التشخص المفهوم من قوله عليه‌السلام انما هو بحسب انحصار الاوصاف المذكورة في قوله (ع) فى الله جل جلاله وقد منع من كون مثل ذلك جوابا للسؤال بمن مع ان في تسمية ما وقع في هذا الجواب بالعارض من سوء الادب ما لا يخفى.

(ويسئل باى عما يميز احد المتشاركين في امر يعمهما نحو) قوله تعالى حكاية عن الكفار حين سئلوا علماء اليهود ((أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً) اي انحن ام اصحاب محمد (ص) فان الكافرين والمؤمنين وهم اصحاب محمد (ص) قد اشتركا في الفريقية فسئلوا) اي الكفار عن علماء اليهود (عما يميز احدهما عن الآخر والامر الاعم المشترك فيه هو مضمون ما اضيف اليه اي) كالفريقية في الآية (يوضحه) اى يوضح كون الامر الاعم هو مضمون ما اضيف اليه اى (قوله) اي السكاكي (في المفتاح يقول القائل عندي ثياب فتقول اي الثياب هي فتطلب منه وصفا يميزها) اى الثياب التي عند القائل (عندك عما يشاركها في الثوبية قيل انه اذا اضيف) لفظ اى (الى مشار اليه)


يعني الى الجزئي (كقولنا ايهم يفعل كذا فجوا به اسم متضمن للاشارة الحسية) نحو هذا وانا وانت يظهر ذلك من قوله تعالى حكاية (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ) الآية (او اسم علم) بان يقال زيد مثلا.

هذا كله اذا كان المضاف اليه جزئيا (واذا اضيف الى كلي فجوا به كلي مميز لا غير) وهذا القسم مراد محشى التهذيب حيث يقول ان كلمة اى موضوعة ليطلب بها ما يميز الشيء عما يشاركه فيما اضيف اليه هذه الكلمة مثلا اذا ابصرت شبحا عن بعيد وايقنت انه حيوان لكن ترددت في انه هل هو انسان او فرس او غيرهما فتقول اى حيوان هذا فيجاب بما يخصصه ويميزه عن مشاركاته في الحيوانية انتهى (وعلى الجملة) اى والحاصل (هو) اى لفظ اى (طالب للتمييز) سواء اضيف الى مشار اليه او الى كلى.

(ويسئل بكم عن العدد نحو قوله تعالى (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) اى كم آية آتيناهم اعشرين لم ثلاثين ام غير ذلك) من الاعداد (والغرض من هذا السئوال التقريع) والتوبيخ (والاستفهام) فيه (استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الاقرار) والاعتراف بامر قد استقر عنده ثبوته او نفيه.

(ومن اية مميزكم بزيادة من) فان النحاة (قالوا اذا فصلوا) اى المتكلمون (بينه) اى بين كم سواء كان خبرية او استفهامية (وبين مميزه بفعل متعد) كما في الآية (وجب زيادة من فيه) أى في مميزه لئلا يلتبس بمفعول ذلك الفعل (كما مر في) كم (الخبرية) عند الكلام على قول البحترى في الباب الرابع.


كم زدت عني من تحامل حادث

وسورة ايام حززن الى اللحم

(وذكر بعض المحققين من النحاة) يعني الرضى (ان مميزكم الاستفهامية لم اعثر عليه مجرورا بمن في نظم ولا نثر ولا دل على جوازه كتاب من كتب (النحو) الى هنا كلام بعض المحققين يعني الرضي (و) اما (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) فهو تضمين او اقتباس من التفتازاني غرضه من ذلك الرد على الرضي حيث جاء مميزكم فى الآية مجرورا بمن وقد جوز الزمخشر كون كم فيها استفهامية فكيف يقول ان مميزكم لم اعثر عليه مجرورا في نظم ولا نثر ولا دل على جوازه كتاب من كتب النحو والظاهر ان بينة ليس جزء للآية بل مرفوع خبر وجملة سل بني اسرائيل مبتدأ اي هذا الكلام بينة على وقوع مميزكم الاستفهامية مجرورا بمن هذا ولكن الايراد غير وارد وذلك لان مراد الرضى من عدم العثور انما هو فيما لم يفصل بينه وبين مميزه فعل متعد والدليل على ذلك انه حكم قبيل ذلك بوجوب جر تمييزكم الخبرية اذا كان الفصل بينه وبين تمييزه بالفعل المتعدى ومثل لذلك بقوله تعالى (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) ثم قال وحال كم الاستفهامية المجرور مميزها مع الفصل كحال كم الخبرية في جميع ما ذكرنا فهذا الكلام منه قرينة قطعية على ما ذكرنا واما تجويز الزمخشر كون كم في الآية استفهامية فلا يثبت به ما ينافي كلام الرضى لانه لم يحكم بذلك قطعا بل جوز كما في الجامي كونها في الآية استفهامية وخبرية وبهذا القدر لا يثبت الوقوع حتى ينافي ما ادعاه من عدم العثور.

(ويسئل بكيف عن الحال) قال الجامي اي حال شيء وصفته فالمراد


بالحال صفة الشيء لا زمان الحال كما توهم بعض الشارحين قال صاحب المفصل وكيف جار مجرى الظروف ومعناه السؤال عن الحال تقول كيف زيد على اى حال هو انتهى.

وقال المحشى هناك على قوله بعض الشارحين هو صاحب المتوسط ووجه كونه توهما انك اذا قلت كيف زيد وهو سؤال عن حاله وصفته ولا دخل في زمان الحال اذ ليس المطلوب السؤال عن حاله في زمان الحال اى في هذه الحال كيف هو وعيار المفصل مؤيدة لما ذكره الشارح انتهى فاذا قيل كيف زيد فجوابه صحيح او سقيم او مشغول ونحو ذلك.

(و) يسئل (باين عن المكان) قال في المصباح واين ظرف مكان يكون استفهاما فاذا قيل اين زيد لزم الجواب بتعيين مكانه انتهى فالجواب فى الدار او في المدرسة او في السوق ونحو ذلك.

(و) يسئل (بمتى عن الزمان ماضيا كان او مستقبلا) قال في المصباح متى ظرف يكون استفهاما عن زمان فعل فيه او يفعل ويستعمل في الممكن فيقال متى القتال اي متى زمانه لا في المحقق فلا يقال متى طلعت الشمس انتهى محل الحاجة من كلامه.

(و) يسئل (بايان عن الزمان المستقبل) والقائل على ما في المفتاح على بن عيسى العربي امام ائمة بغداد في علم النحو (يستعمل في مواضع التفخيم مثل ان (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الدين) قال الجامى ايان للزمان استفهاما ما مثل متى نحو (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) والفرق بينهما ان ايان مختص بالامور العظام وبالمستقبل فلا يقال ايان يوم قيام زيد وايان قدوم الحاج بخلاف متى فانه غير مختص بهما انتهى.

(وانى تستعمل تارة بمعنى كيف ويجب) حينئذ (ان يكون بعده


فعل نحو (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) اي على اي حال شئتم ومن اى شق اردتم بعد ان يكون الماتي موضع الحرث) اي التناسل والتوالد وللفقهاء في المقام كلام ليس هنا محله وسياتي الكلام فيه في بحث الاطناب مستقصى انشاء الله تعالى (ولم تجىء انى زيد بمعنى كيف هو) كانه تعريض على المصنف او تقييد لكلامه فتامل.

(و) تستعمل تارة (اخرى بمعنى من اين نحو) قوله تعالى حكاية عن زكريا ((أَنَّى لَكِ هذا) اي من اين لك هذا الرزق الآتى كل يوم) لانه عليه‌السلام كان يجد عند ما فاكهة الشتاء في الصيف وعكسه وليس المراد من السؤال المكان ولا كيف لك هذا بل الجهة بدليل انها عليها‌السلام (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فراجع القرآن قال في المصباح انى استفهام عن الجهة تقول انى يكون هذا اي من اي وجه وطريق انتهى (وقوله تستعمل اشعار بانه يحتمل ان يكون مشتركا بين المعنيين) اي معنى كيف ومعنى من اين وذلك بناء على ما ذهب اليه بعض الاصوليين ومنهم السيد علم الهدى من ان الاستعمال دليل على الحقيقه (وان يكون في احدهما حقيقة وفي الآخر مجازا) وهذا بناء على ما ذهب اليه الاكثر من ان الاستعمال اعم (وايضا قد ذكر بعض النحاة) يعني الرضى (ان انى بمعنى اين الا انه في الاستعمال يكون مع من ظاهرة كما في قوله من انى عشرون لنا اي من اين او مقدرة كقوله تعالى (أَنَّى لَكِ) اي من انى اي من اين فقال المصنف انه قد يستعمل بمعنى من اين سواء كان ذلك من جهة اضمار من او بدونه) اي بدون اضمار من فالحاصل ان في كلامه اشعار على ان انى بمعنى من اين سواء قلنا باضمار من ام لم نقل به.


(فظهر) مما ذكرنا في شرح قوله فالهمزة لطلب التصديق الى هنا (ان كلمات الاستفهام) المذكورة في المتن (بعضها مختص بطلب التصديق) فقط (كهل وبعضها مختص بطلب التصور) فقط (كسائر اسماء الاستفهام وبعضها مشترك بينهما) اي بين التصور والتصديق (كالهمزة فانها تجيىء لطلب التصور والتصديق لعرافتها) اي لاصالتها (في الاستفهام) لانها موضوعة له وسائر الكلمات اسماء موضوعة لمعانيها التي بيناها انفا تضمت معنى الهمزة واما هل فقد تقدم انها كانت فى الاصل بمعنى قد ثم تطفلت على الهمزة في الاستفهام.

(ولهذا) اي ولعراقة الهمزة في الاستفهام (يجوز ان يقع بعد ام) التي للاضراب كما في المغنى (سائر كلمات الاستفهام سوى الهمزة كقوله تعالى (هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) وقوله (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) وقوله (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقول الشاعر)

انى جزوا عامرا سوء بفعلهم

ام كيف يجزونني السوىء من الحسن

(ام كيف ينفع ما تعطى العلوق به

(رئمان انف اذا ما ضن باللبن)

وللبيت حكاية ذكرها في المغنى في بحث ام (وام ههنا) اي في كل موضع وقع قبل كلمات الاستفهام (بمعنى بل) الاضرابية (التي تكون للانتقال من كلام الى) كلام (اخر من غير اعتبار استفهام كقوله تعالى) حكاية عن فرعون (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ).

قال في المغنى ومعنى ام المنقطعة الذى لا يفارقها الاضراب ثم تارة تكون له مجردا وتارة تضمن مع ذلك استفهاما انكاريا او استفهاما طلبيا فمن الاول هل يستوى الاعمى والبصير ام هل تستوى الظلمات والنور ام جعلوا لله شركاء اما الاولى فلانه لا يدخل الاستفهام على الاستفهام واما


لثانية فلان المعنى على الاخبار عنهم باعتقاد الشركاء قال الفراء يقولون هل لك قبلنا حق ام انت رجل ظالم يريدون بل انت.

ثم قال ونقل ابن الشجري عن جميع البصريين انها ابدا بمعنى بل والهمزة جميعا وان الكوفيين خالفوهم في ذلك والذي يظهر قولهم ان المعنى في نحو (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) ليس على الاستفهام ولانه يلزم البصريين دعوى التوكيد في نحو (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) ونحو (أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) وقوله انى جزوا عامرا البيت انتهى.

(وبهذا) اي بكون ام ههنا بمعنى بل التي تكون للانتقال من كلام الى آخر من غير اعتبار الاستفهام (ينحل ما قيل في قوله تعالى (أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من ان ام ان كانت متصلة فشرطها ان يليها احد المستويين والآخر يلي الهمزة) وبعبارة اخرى كما فى المغنى ما قبل ام وما بعدها لا يستغني باحدهما عن الاخر

(وهذا) اي قوله تعالى (أَكَذَّبْتُمْ) الخ (ليس كذلك وهو ظاهر) اذ كل مما قبلها وما بعدها لا ربط له بالآخر (وان كانت) ام (منقطعة بمعنى بل والهمزة) الاستفهامية (فلا وجه لوقوع ما الاستفهامية بعدها اذ لا يستفهم عن الاستفهام) وبعبارة اخرى كما تقدم لا يدخل الاستفهام على الاستفهام ووجه الانحلال انا نختار الشق الثاني وهو ان ام فى قوله تعالى (أَكَذَّبْتُمْ) الخ منقطعة بمعنى بل ولكن لا استفهام فيه (و) لا حاجة حينئذ (الى ما قيل فى الجواب) عما قيل فى الاية (من انها) اي ام فى الآية (متصلة والمعنى اكذبتم ام لم تكذبوا واذا لم تكذبوا فاي شيء كنتم تعملون) مع ان فى هذا المعنى تعسف


وتكلف ظاهر.

(ثم ان هذه الكلمات الاستفهامية كثيرا ما تستعمل) مجازا (فى غير الاستفهام مما يناسب المقام بمعونة القرائن) ويأتي فى آخر المبحث انه لا ينحصر المعاني المجازية التي تستعمل هذه الكلمات فيها فيما ذكره المصنف بل الحاكم في ذلك هو سلامة الذوق وتتبع التراكيب الواقعة في محاورات البلغاء او في كلام الله المجيد (وتحقيق كيفية هذا المجاز وبيان انه من اي نوع من انواعه مما لم يحم) اي لم يقرب ولم يدر (حوله احد) من مهرة هذا الفن بل لا يبعد دعوى عدم امكان بيان تلك الكيفية بناء على ما ذكره ابن صاحب الكفاية عند قوله صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له هل هي بالوضع او بالطبع وجهان بل قولان اظهرهما انها بالطبع بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه ولو مع ترخيصه ولا معنى لصحته الاحسنه انتهى.

ولكن لا يذهب عليك ان فى كلام ابيه ما يدل بظاهره بل بصريحه على انكار استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له فلا معنى للنزاع في انه هل بالوضع او بالطبع قال فى المبحث الاول من مباحث صيغة الامر ايقاظ لا يخفى ان ما ذكرناه فى صيغة الامر جار فى سائر الصيغ الانشائية فكما يكون الداعي الى انشاء التمني او الترجي او الاستفهام بصيغها قارة هو ثبوت هذه الصفات حقيقة يكون الداعي غيرها اخرى.

فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها فى غيرها اذا وقعت فى كلامه تعالى لاستحالة مثل هذه المعاني فى حقه تبارك وتعالى مما لازمه العجز او الجهل وانه لا وجه له.


فان المستحيل انما هو الحقيقي منها لا الانشائي الايقاعي الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة كما عرفت ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الايقاعية الانشائية ايضا لا لاظهار ثبوتها حقيقة بل لامر آخر حسب ما يقتضيه الحال من اظهار المحبة او الانكار او التقرير الى غير ذلك ومنه ظهر ان ما ذكره من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي ايضا انتهى وسيجيىء نقل مثله لي موضع آخر عنقريب انشاء الله تعالى فانتظر.

(كالاستبطاء) اي اظهار بطؤ الشيىء وتأخره مع شكاية من ذلك البطؤ والتأخر (نحو كم دعوتك) فانه ليس المراد فيه السؤال عن عدد الدعوات بل وصف المخاطب بالبطؤ والشكاية عن بطئه في الاجابة والحث عليها والترغيب فيها (ومنه قوله تعالى (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) فانه ليس الغرض فيه السؤال عن زمان النصر بل اظهار الشكاية عن تأخره (و) منه ايضا بيت السقط

الى م وفيم تنقلنا ركاب

ونامل ان يكون لنا او ان

لفظة م في الموضعين استفهامية بمعنى اي شيء حذفت الفها وجوبا كما قال في الالفية.

وما في الاستفهام ان جرت حذف

الفها واولها الهاء ان تقف

والغرض منه الشكاية عن تأخر الوصول الى المقصد وعدم انتهاء السفر والتنقل ومن ذلك ايضا قوله تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) (و) مثل (التعجب نحو) قوله تعالى حكاية عن سليمان عليه‌السلام (ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ) لانه كان لا يغيب عنه عليه‌السلام بلا اذنه فلما لم يبصره في مكانه تعجب من حال نفسه فى عدم ابصاره اياه


ولا يخفى انه لا معنى لاستفهام العاقل عن حال نفسه كذا في المختصر.

(و) مثل (التنبيه على الضلال) والخروج عن الطريق المستقيم (نحو قوله تعالى (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) فانه ليس الغرض السؤال عن مذهبهم بل التنبيه على انهم فى غفلة وضلال.

(و) مثل (الوعيد) اي التخويف (كقولك لمن يسيىء الادب الم أدب فلانا اذا علم) المخاطب (ذلك) اي علم تاديبك فلانا فيفهم من قولك الوعيد والتخويف ولا يحمل على السؤال كذا ايضا فى المختصر ومن هذا القبيل قوله تعالى (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) (و) مثل (التقرير) والتقرير يطلق على معنيين فانه (قد يقال التقرير بمعنى التحقيق والتثبيت) فيقال اضربت زيدا بمعنى انك ضربته البة البة كذا فى المختصر فينبغي ان يكون المراد انه كان ضرب المخاطب مجهولا لنفسه فالمقصود اخباره به على وجه التثبت او كان معلوما فالمقصود تثبيت اعلامه بكونه معلوما كانه يقال للمخاطب هذا معلوم فلا تطمع في انكاره وقد تقدم التقرير بهذا المعنى في بحث توكيد المسند اليه والابحاث الاخر (وقد يقال بمعنى حمل المخاطب على الاقرار بما يعرفه والجائه اليه) اي الى الاقرار وبعبارة اخرى كما في المغنى حملك المخاطب على الاقرار والاعتراف بامر قد استقر عنده ثبوته او نفيه (وهو الذي قصده المصنف ههنا) قال في المغنى ويجب ان يليها الشيء الذي تقرره به والى ذلك اشار بقوله (بايلاء المقرر به الهمزة اي بشرط ان يلي الهمزة ما حمل المخاطب على الاقرار به كما مر في حقيقة الاستفهام من ايلاء المسئول عنه الهمزة تقول اضربت زيدا اذا اردت ان تحمله على الاقرار بالفعل واءنت ضربت في تقريره بالفاعل


وازيدا ضربت في تقريره بالمفعول وكذا) سائر المتعلقات كالمفعول بالواسطة والحال في (ابزيد مررت واراكبا سرت وغير ذلك) من المتعلقات.

(ومما جعل الهمزة فيه للتقرير بالفاعل قوله تعالى حكاية) عن قوم ابراهيم عليه‌السلام ((أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) اذ ليس مراد الكفار حمله عليه‌السلام على الاقرار بان كسر الاصنام قد كان بل على الاقرار بانه) اي الكسر (منه) عليه‌السلام (كان كيف) يكون مراد الكفار حمله عليه‌السلام على الاقرار بان كسر الاصنام قد كان (و) الحال انهم (قد اشاروا الى الفعل في قولهم (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا)) يعني الكسر (وقال عليه‌السلام) في جوابهم (بَلْ فَعَلَهُ) اي الكسر (كَبِيرُهُمْ هذا) إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) (ولو كان) مراد الكفار (التقرير بالفعل) اي بفعل الكسر وحصوله منه عليه‌السلام (لكان الجواب) الصحيح (فعلت) الكسر ان اراد عليه‌السلام الاقرار بذلك (او لم افعل) ان اراد التورية.

(واعترض عليه المصنف) في الايضاح (بانه يجوز ان يكون الاستفهام على اصله اذ ليس في السياق ما يدل على انهم) اي قوم ابراهيم عليه‌السلام (كانوا عالمين بان ابراهيم عليه‌السلام هو الذي كسر الاصنام حتى يمتنع حمله على حقيقة الاستفهام) والى هذا الاعتراض اشار في المغنى حيث يقول وقوله تعالى (أَأَنْتَ فَعَلْتَ) محتمل لارادة الاستفهام الحقيقي بان يكونوا لم يعلموا انه الفاعل انتهى.

(واجيب بانه يدل عليه) اي على كونهم عالمين بانه عليه‌السلام هو الذي كسر الاصنام (ما قبل الآية وهو انه عليه‌السلام قد حلف


بقوله (تَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) ثم) يدل عليه ايضا انهم (لما راوا كسر الاصنام قالوا) اى جماعة من القوم (من فعل هذا) الكسر (بالهتنا انه من الظالمين قالوا) اي جماعة اخرى (سمعنا) في بعض الايام السابقة (فتى يذكرهم) بالسوء اي يذمهم (يقال له) اي لذلك الفتى (ابراهيم) حاصلة ان ذلك الفتي اسمه ابراهيم (فالظاهر) مما ذكر (انهم قد علموا ذلك) اي كونه عليه‌السلام هو الفاعل (من حلفه) المذكور (ومن ذمه عليه‌السلام الاصنام و) يؤيد ذلك انه (روي انهم) لما فهموا انه عليه‌السلام بصدد كسر الاصنام (هربوا) خوفا من المخاطر التي تحدث بسبب كسر الالهة (وتركوه في بيت الاصنام ليس معه احد فلما ابصروه يكسرهم اقبلوا) اي بعضهم (اليه يسرعون ليكفوه) اي ليمنعوه عليه‌السلام وينصر والهتهم.

(وقوله بايلاء المقرر به الهمزة) سواء كان المقرر به الفعل او الفاعل او المفعول او غيرها (يعني) ان هذا الحكم انما هو (اذا كان التقرير بالهمزة فانها هي التي تجيىء للتقرير بالفعل والفاعل والمفعول وغيرها) من متعلقات الفعل حسبما مر في الاستفهام الحقيقي (بخلاف البواقي فان هل تكون للتقرير بنفس الحكم) لانها لطلب التصديق فيدخل على مجموع الجملة ولا اثر للايلاء باحد جزئيها فيه (نحو (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ)) فان هل في هذه الجملة لانكار الحكم لا احد جزئيها.

(والاسماء الاستفهامية للتقرير بما يسئل بها) اي بكل واحد منها (عنه نحو) العدد في قوله تعالى (كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) (و)


كجنس الشيء او وصفه بناء على قول السكاكي فى قولنا (ما ذا فعلت و) كالجنس من ذي العلم او العارض المشخص له او وصفه في قولنا (من الذي قتلته ونحو ذلك) مما تقدم انفا في بيان ما يسئل عنه بكل واحد من الاسماء الاستفهامية فقس ولا تقتصر.

(والانكار كذلك اي بايلاء المنكر) بفتح الكاف (الهمزة يعني اذا كان الانكار بالهمزة) فيجري فيه التفصيل المتقدم فيما اذا كان التقرير بالهمزة (واما غيرها) اي غير الهمزة من كلمات الاستفهام (وان صح مجيئه للانكار لكن لا يجري فيه هذا التفصيل لانه كما نقدم في التقرير انفا لانكار ما يسئل بها عنه (وهو مثل قولك ما ذا يضرك او فعلت كذا ومن ذا فعل كذا وكم تدعوني وكيف تؤذي اباك) فان المنكر في كل واحد من هذه الامثلة ما بيناه انفا في امثلة التقرير (و) كذا قوله.

وتصبو الى رند الحمى وعراره

ومن اين تدرى ما العرار من الرند

(وما اشبه ذلك) المذكور من الامثلة كقوله تعالى حكاية (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) فتأمل (واما الهمزة) فلا تختص بانكار شيء خاص (فهي لانكار ما يليها) ايا كان (كالفعل في قوله) اي امره القيس.

ايقتلني والمشر في مضاجعي

ومسنونة زرق كانياب اغوال

سيأتي معنى هذا البيت في اول باب التشبيه (فانه) اي امره القيس (ذكر ما يكون مانعا من الفعل) وهو كون السيف المنسوب الى المشارف مضاجعا له (فلو كان لانكار الفاعل وانه ليس ممن يتصور منه الفعل) اي القتل (على ما يسبق الى الوهم) في بادىء الرأي


(لما احتاج الى ذلك) اي الى ذكر ما يكون مانعا من الفعل لان المانعية من الاوصاف التي تحدث فيما تحدث بعد ثبوت صفة الاقتضاء في المقتضى فتدبر جيدا.

(وكالفاعل في قوله تعالى (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) فان المنكران يكونوا هم القاسمين لانفس القسمة) اذ القسمة موجودة بالضرورة ومن هنا قيل بالفارسية (روزى خود ميخور ندبشه وعنقاء (وكالمفعول) الاول (في قوله تعالى) حكاية (أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) فان المنكر هو اتخاذ غير الله وليا لا اتخاذ الولى) فانه مما استقرت العقول السليمة على حسنة بل على وجوبه (واما قوله تعالى) حكاية (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) فان المنكر هو نفس اتخاذ الالهة) المتعددة فمنشاء الانكار العدد لا جنس إلا له ولا كون ذلك التعدد في ضمن الاصنام فتامل (فلذا اولى الفعل الهمزة) وان شئت توضيحا ازيد فراجع ما تقدم في الباب الثاني في قوله تعالى (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) (وكالحال في قولك اراجلا اسير اليه) فان المنكر كون السير في حال المشي لا نفس السير (وكذا غير ذلك من المتعلقات) نحو ا يوم الجمعة تسافر فان المنكر كون السفر فى يوم الجمعة لا نفس السفر فقس ولا تقتصر.

[و] اما [نحو ا زيدا ضربته] مما دخلت الهمزة على المفعول والفعل بعده مشتغل بالضمير فهو [يحتمل الانكار على المفعول و] الانكار [على نفس الفعل] وذلك [بحسب تقدير المفسر] بفتح السين ويظهر وجه ذلك مما تقدم انفا في هل زيدا ضربته فتذكر.

[وكذا] يحتمل الوجهين [إذا قدم المرفوع على الفعل] نحوءأنا قمت ونحو أءنت سميت في حاجتي ونحو أزيد قام [فقد يكون للانكار


على نفس الفاعل بحمل التقديم على التخصيص كما مر] في بحث تقديم المسند اليه من ان المسند اليه ان لم يل حرف النفي فالتقديم قد ياتي للتخصيص فنحو أزيد قام يكون للانكار على نفس الفاعل اي لانكار ان يكون زيد فاعلا للقيام لانه كان الكلام قبل دخول همزة الانكار على زيد لتخصيص الفاعلية به وحصرها عليه فلما دخلت همزة الانكار وهي كما يأتي بعيد هذا بمنزلة النفي صار الكلام لنفي تلك الفاعلية المختصرة واما اصل الحكم اعني القيام الصادر من الفاعل المسلم ثبوته بين المتكلم والمخاطب فلا فقس عليه سائر الامثلة المذكورة.

[وقد يكون لانكار الحكم] اي لانكار اصل القيام [على ان يكون التقديم لمجرد التقوى] اي لتقوى حكم الانكار اي انكار اصل الفعل وتقريره في ذهن السامع دون التخصيص فنحو أهو يعطى الجزيل يكون لانكار اصل الاعطاء على سبيل التقوى لانه قبل دخول الهمزة كان لتقوى ثبوته فيصير معنى الكلام بعد دخول الهمزة انكار اصل الاعطاء فقس عليه أزيد قام وغيره كما مر ايضا هناك.

[وجعل صاحب المفتاح قوله تعالى (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) و (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ) من قبيل تقوية حكم الانكار] دون التخصيص [نظرا الى ان المخاطب وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يعتقد اشتراكه] مع الله عزوجل [في ذلك] اي اكراه الناس وفى اسماع الصم [ولا انفراده به] اي بالاكراه والاسماع فليس التقديم في الآيتين للتخصيص بل للتقوى فدخول الهمزة فيهما يكون لتقوية حكم الانكار اي انكار اصل الاكراه والاسماع.

قال في المفتاح واياك ان يزل عن خاطرك التفصيل الذي سبق في


نحو انا ضربت وانت ضربت وهو ضرب من احتمال الابتداء واحتمال التقديم وتفاوت المعنى في الوجهين فلا تحمل نحو قوله تعالى (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) على التقديم فليس المراد ان الاذن ينكر من الله دون غيره ولكن احمله على الابتداء مرادا منه تقوية حكم الانكار وانظم في هذا السلك قوله تعالى (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) وقوله تعالى (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ) وقوله (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) وما جرى مجراه انتهى وسيجيىء الاشارة الى كلامه هذا بعيد هذا فليكن على ذكر منك ليفيدك هناك [وجعلهما] اي الآيتين [صاحب الكشاف من قبيل التخصيص نظرا الى انه صلى‌الله‌عليه‌وآله لفرط شغفه] اي لكثرة اشتياقة [بايمانهم وتبالغ حرصه على ذلك] قال في المصباح بالغت في كذا بذلت الجهد في تتبعه وقال فيه ايضا حرص عليه حرصا من باب ضرب اذا اجتهد والاسم الحرص بالكسر انتهى فحاصل معنى العبارة انه صلى‌الله‌عليه‌وآله لفرط شعفه بايمانهم وبذل غاية جهده في ذلك اي في ايمان الامة [كان صلى‌الله‌عليه‌وآله يعتقد قدرته على ذلك] اي على ايمانهم فاعتقد انحصار فاعلية الاكراه والاسماع في نفسه على سبيل القصر باحد الوجوه الثلاثة اعني الافراد والقلب والتعيين فانكر الله عزوجل هذا الاعتقاد المتوهم فتأمل.

[لا يقال همزة الانكار كما سيصرح عن قريب بمنزلة حرف النفي وقد مر] في ذلك المبحث نقلا عن الشيخ عبد القاهر [ان ما يلي حرف النفي تفيد التخصيص قطعا] فلا يحتمل غيره اعني التقوى [فكيف يحمله السكاكي على التقوى دون التخصيص.

[لانا نقول] اولا لا نسلم انها بمنزلته في جميع الاحكام وثانيا


[لو سلم ان الهمزة] الانكارية [بمنزلة حرف النفي في ذلك] اي في كون ما يليها مفيدا للتخصيص قطعا [فالسكاكي] كما مر ايضا هناك [لم يفرق] بل لم يتعرض للفرق [بين ما يلي حرف النفي وغيره بل جعل الجميع محتملا] للوجهين اي [للتقوى والتخصيص ان كان] المسند اليه المقدم على الفعل [مضمرا] كما في الآيتين بالتفصيل المتقدم هناك من انه ان قدر كونه في الاصل مؤخرا فهو للتخصيص والا فللتقوى [ومتعينا للتخصيص] فقط [ان كان مظهرا منكرا] لكن بشرط ان لا يمنع من التخصيص مانع كما تقدم بيانه هناك [و] متعينا [للتقوى] فقط [ان كان] مظهرا [معرفا] كما في زيد قام فلا يكون للتخصيص البة [وقد اشار هنا] اي في بحث همزة الانكار [الى تذكر هذا التفصيل] وهو ما نقلناه قبيل هذا من قوله واياك ان يزل عن خاطرك الخ [ثم قال] كما نقلنا عنه [فلا تحمل نحو قوله تعالى (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) على التقديم] ليفيد التخصيص [فليس المراد ان الاذن ينكر من الله دون غيره ولكن احمله عل الابتداء] اي احمل على ان لفظ الجلالة مبتدء [مرادا منه] اي من تقديمه اي من جعله مقدما [تقوية حكم الانكار وهذا] اي قوله فلا تحمل نحو قوله تعالى الخ [يوهم ان مثل هذا التركيب] الذي يكون المبتدء فيه مظهرا معرفا [يمكن حمله على التقديم] والتأخير ليكون للتخصيص [و] ليكون بعد دخول همزة الانكار عليه مفيدا [انكار نفس الفاعل اذا ساعد عليه المعنى] اي اذا صح في بعض المقامات ان يراد منه انكار نفس الفاعل [وهذا] الذي يوهمه قوله المذكور [خلاف ما ذهب اليه فيما سبق] في التفصيل الذى نقلناه عنه انفا


[من ان المظهر المعروف لا يحتمل اعتبار التقديم] والتأخير اصلا فلا يفيد التخصيص البة [فكانه بنى هذا] الذي قاله في هذا المبحث [على مذهب القوم] من انه لا فرق في المسند اليه المقدم على الفعل بين المضمر والمظهر ولا بين المنكر والمعرف كما نقدم ذلك في ذلك المبحث نقلا عن الشيخ.

[ومنه اي من مجيىء الهمزة للانكار نحو (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) اي الله كاف لان انكار النفي نفي له] اي للنفي ولذا اشتهر بين اهل العلم ان نفي النفي اثبات قال في المغنى ومن جهة افادة هذه الهمزة نفي ما بعدها لنرم ثبوته ان كان منفيا لان نفي النفي اثبات ومنه ا ليس الله بكاف عبده اي الله كاف عبده انتهى [وهذا المعنى مراد من قال ان الهمزة فيه] اي في ا ليس الله بكاف عبده [للتقرير اي لحمل المخاطب على الاقرار بما دخله النفي وهو الله كاف لا بالنفي وهو أليس الله بكاف وهكذا قوله تعالى (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) و (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً) وما اشبه ذلك] نحو (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) ونحو قوله :

ا لستم خير من ركب المطايا

واندى العالمين بطون راح

[فقد يقال ان الهمزة] فى هذه الامثلة واشباهها [للانكار وقد يقال انها للتقرير وكلاهما حسن] لانه اذا قيل انها للانكار فالمراد انها لانكار النفي واذا قيل انها للتقرير فالمراد التقرير بالمنفي اي بما بعد النفى.

[فعلم] من هذا البيان [ان التقرير ليس يجب ان يكون بالحكم الذي دخل عليه الهمزة] لانه لا يصح فى الامثلة المذكورة واشباهما مما دخلت الهمزة على النفى اذ ليس المراد فيها التقرير بالنفى بل بما


بعده كما هو واضح لمن يتدبر فالاطلاق فى قول المصنف بايلاء المقرر به الهمزة لا يخلو عن مسامحة [بل] يجب ان يكون التقرير [بما يعرف المخاطب من ذلك الحكم] وان كان ما يعرفه المخاطب خلاف ما دخل عليه الهمزة [وعليه] اي على التقرير بما يعرفه المخاطب يكون [قوله تعالى] مخاطبا لعيسى عليه‌السلام [(أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ) فان الهمز فيه للتقرير اى بما يعرفه عيسى عليه‌السلام من هذا الحكم] وهو ما ذكره فى قوله تعالى حكاية (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) فالمراد التقرير بنفى ذلك الحكم الداخل عليه الهمزة [لا] التقرير [بانه قد قال ذلك] الحكم المذكور الذي دخل عليه الهمزة فانه غير ما يعرفه عيسى عليه [فافهمم] فانه دقيق.

[وقوله] في المتن المقدم [والانكار كذلك دال على ان صورة انكار الفعل ان يلي الفعل الهمزة ولما كان له صورة اخرى لا يلي فيها الفعل الهمزة اشار اليها] اي الى تلك الصورة الاخرى [بقوله ولانكار الفعل صورة اخرى وهي] قولك [ازيدا ضربت ام عمرا لمن يردد الضرب بينهما من غير ان يعتقد تعلقه] اي تعلق الضرب [بغيرهما] اي بغير زيد وعمرو [فاذا انكرت تعلقه] اي تعلق الضرب [بهما] اي بزيد وعمرو [نفيته] اى الضرب [من اصله لانه لا بد له من محل يتعلق به وعليه] اي على انكار اصل الفعل يكون [قوله تعالى (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) اما اشتملت عليه ارحام الانثيين فان الغرض] منه [انكار التحريم من اصله] وذلك لانه لو كان من الله تحريم لكان متعلقا اما بالذكرين واما بالانثيين واما بما اشتملت عليه ارحام


الانثيين لان التحريم لا بد له من محل يتعلق به فاذا انكر الله عزوجل تعلقه بما ذكر نفاه من اصله [وكذا اذا وليها] اي الهمزة [الفاعل نحو] قولك [ازيد ضربك ام عمرو لمن يردد] صدور [الضرب بينهما وغير الفاعل نحو أفي الليل كان هذا ام في النهار وأفي السوق كان هذا ام في المسجد الى غير ذلك] من الصور التي تستعمل لانكار اصل الفعل مع عدم ايلاء الفعل الهمزة نحو ادينارا اعطتيني ام درهما ونحو ابالعصا ضربت ام بالسوط ونحوهما فقس ولا تقتصر قال في المفتاح قل في انكار نفس الضرب اضربت زيدا او قل ازيدا ضربت ام عمرا فانك اذا انكرت من يردد الضرب بينهما تولد منه انكار على وجه برهاني ومنه قوله تعالى (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) انتهى

[والانكار اما للتوبيخ اي ما كان ينبغي ان يكون ذلك الامر الذي كان] اى وجد وحدث [نحو اعصيت ربك فان العصيان واقع ففي هذا الاستفهام تقرير بمعنى التثبيت] الذى تقدم انه احد المعنيين الذين يطلق التقرير عليهما [و] فيه ايضا [انكار بمعنى انه كان لا ينبغي ان يقع وعليه] ورد [

افوق البدر يوضع له مهاد

ام الجوزاء تحت يدى وساد

[فانه للتقرير] بمعنى التثبيت [مع شائبة من الانكار بادعاء انه اعلى مرتبة من ذلك] اى من ان يوضع له فوق البدر مهاد ومن ان يوضع الجوزاء تحت يده وساد.

[اولا ينبغى ان يكون اى يحدث ويتحقق مضمون ما دخلت عليه الهمزة وذلك في المستقبل نحو ا تعصى ربك بمعنى لا ينبغى ان يتحقق العصيان او للتكذيب في الماضى اى لم يكن]


قال ابن هشام وهذه تقتضي ان ما بعدها غير واقع وان مدعيه كاذب انتهى [نحو (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) اي لم يفعل ذلك او في المستقبل اي لا يكون] اي لا يقع ولا يحدث [نحو (أَنُلْزِمُكُمُوها)] نلزم متكلم مع الغير من المضارع من باب الافعال فاعله ضمير انا مستتر فيه وجوبا والكاف مفعوله الاول والهاء مفعوله الثاني والميم في كمو زائدة والواو فيه علامة الجمع.

قال الرضى زادوا الميم قبل الف المثنى في تما وقبل واو الجمع في تموا لئلا يلتبس المثنى بالمخاطب اذا اشبعت فتحته للاطلاق والجمع بالمتكلم المشبع ضمته وكان اولى الحروف بالزيادة الميم لان حروف العلة مستثقلة قبل الالف والواو والميم اقرب الحروف الصحيحة الى حروف العلة لغنتها ولكونها من مخرج الواو اى شفوية ولذلك ضم ما قبلها كما يضم ما قبل الواو وحذف واو الجمع مع اسكان الميم ان لم يلها ضمير اشهر من اثبات الواو مضموما ما قبلها وذلك لانهم لما ثنوا الضمائر وجمعوها والقصد بوضع متصلها التخفيف كما قلنا لم يأتوا بنوني المثنى والمجموع بعد الالف والواو كما اتوا بهما في هذان واللذان واللذين فوقع الواو في الجمع في الآخر مضموما ما قبلها وهو مستثقل حسا كما مر في الترخيم فحذفوا الواو وسكنوا الميم التي ضموها لاجله للامن من الالتباس بالمثنى بثبوت الالف فيه دون الجمع ومن اثبت الواو مضموما ما قبلها فلان ذلك مستثقل في الاسم المعرب كما يجيء في التصريف.

واما ان ولى ميم الجمع ضمير نحو ضربتموه وجب في الاعرف رجوع الضم والواو لان الضمير لاتصاله صار كبعض حروف الكلمة فكان الواو لم يقع طرفا وجوز يونس حذف الواو وتسكين الميم مع


الضمير ايضا ولم يثبت ايضا ما ذهب اليه واذا لقى ميم الجمع ساكن بعدها ضمت الميم ردا لها الى اصلها ويجوز كسرها كما يجيء.

ثم قال والكاف للمخاطب مثل التاء فى التصرف نحوك كما كم ك كما كن وبعض العرب يلحق بكاف المذكر اذا اتصلت بهاء الضمير الفا وبكاف المؤنث ياء حكى سيبويه اعطيتكاه واعطيتكيه تشبيها للكاف بالهاء نحو اعطيتهاه واعطيتهيه قال ابو علي وقد يلحق الياء تاء المؤنث مع الهاء قال رميتيه فاقصدت وما اخطات الرمية وربما كسرت الكاف في التثنية والجمعين بعد ياء ساكنة او كسرة تشبيها لها بالهاء نحو بكما وبكم وبكن وعليكما وعليكم وعليكن والكلام في حذف الواو من عليكموا واسكان الميم كما مضى في نحو ضربتم انتهى.

وهذا الكلام حكاية عن نوح (ع) لقومه الذين اعتقدوا انه (ع) يقهر امته على الاسلام [اى انلزمكم تلك الهداية] اي الهداية الى الاسلام [او الحجة] القائمة على حقية الاسلام [اي انكرهكم على قبولها] اي على قبول تلك الحجة [ونقسركم] اي انجبركم [على الاهتداء بها] اى بتلك الحجة [والحال انكم لها كارهون يعني لا يكون هذا الالزام] يعني لا يكون لنا يعني لطائفة الانبياء الزم الامة الهداية وقبول الحجة والبر على دين الحق فانه لا يقدر على ذلك الا الله القادر على كل شيء.

[وعليه] اى على التكذيب في المستقبل ورد [قوله تعالى (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)] اى لا يكون جزاء الاحسان الا الاحسان لا الاسائة [و] عليه ايضا ورد [قول الشاعر] :

وهل يذخر الضرغام قوتا ليومه

اذا اذخر النمل الطعام لعامه


قال في المصباح ذخرته ذخرا من باب نفع والاسم الذخر بالضم اذا اعددته لوقت الحاجة اليه واذخرته على افتعلت مثله فهو مذخور وذخيرة ايضا وجمع الذخر اذخار مثل قفل واقفال وجمع الذخيرة ذخائر انتهى فعلم من ذلك ان اذخر اصله اذتخر قلبت التاء ذ الا ثم ادغم.

[وقد يكون استفهام الانكار الذي بمعنى النفي للتوبيخ ايضا كقوله تعالى (ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ) بمعنى اى تبعة] اى ظلامة قال في المصباح التبعة وزان كلمة ما تطلبه من ظلامة ونحوها [ووبال] ى سوء عاقبة ووخامة وشر [عليهم في الايمان وترك النفاق وهذا] الاستفهام [للذم والتوبيخ والا] اى وان لم يكن للذم والتوبيخ بل كان الاستفهام على حقيقته لم يصح لان الايمان مما استقرت العقول السليمة على كونه مصلحة للانسان في الدنيا والاخرة واليه اشار بقوله [فكل مصلحة فيه] اذ به ينتظم امر المعاش والمعاد جميعا كما اشير في ديباجة الكتاب [والتهكم] اما [عطف على الاستبطاء] او على الانكار وذلك انهم اختلفوا في انه اذا ذكر معطوفات كثيرة ان الجميع معطوف على الاول او كل واحد عطف على ما قبله كذا فى المختصر وقال بعضهم الاصل انه معطوف على الاول وقال بعض اخر ان محل ذلك الاصل ما لم يكن العطف بحرف يقتضي الترتيب كالفاء والا فهو عطف على ما قبله.

واما معنى التهكم فقد بيناه في الباب الثاني قبيل تعريف المسند اليه بالاشارة فلا نعيده [نحو (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ)] يا شعيب بتكليفك ايانا [(أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا)] وانما قدرنا التكليف لان الانسان


لا يومر بفعل غيره والوجه فى كون الاستفهام للتهكم اي السخرية والاستهزاء ان شعيبا (ع) كان كثير الصلوة وكان قومه اذا راوه يصلي تضاحكوا فقصدوا بقولهم اصلوتك تامرك الهزء والسخرية لا حقيقة الاستفهام كذا في المختصر.

[والتحقير نحو من هذا] استحقارا لشان المشار اليه مع انك تعرفه وذلك لان الاستفهام عن الشيء يقتضي الجهل به المقتضى لعدم الاعتناء به المستلزم لحقارته لان الحقير لا يلتفت اليه فلا يعرف.

[او التهويل] اى التفظيع والتخويف [كقرائة ابن عباس رضى الله عنهما (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ)] والشاهد في [من فرعون] فانه رضى الله عنه قرئه [بلفظ الاستفهام ورفع فرعون] على انه مبتدء ومن الاستفهامية خبره او بالعكس على اختلاف الرأيين في امثال المقام قال في الجامي واذا كان المبتدء مشتملا على ماله صدر الكلام اى على معنى وجب له صدر الكلام كالاستفهام فانه يجب حينئذ تقديمه حفظا لصدارته مثل من ابوك فان من مبتدء مشتمل على ماله صدر الكلام وهو الاستفهام فان معناه اهذا ابوك ام ذاك وابوك خبره وهذا مذهب سيبويه وذهب بعض النحاة الى ان ابوك مبتدء لكونه معرفة ومن خبره الواجب تقديمه على المبتدء لتضمنه معنى الاستفهام انتهى واما غيره فقرئه بلفظ من الجارة وجر فرعون بالفتحة لكونه غير منصرف للعملية والعجمة فهو حينئذ بدل من العذاب ولا شاهد فيه.

وانما كان على تلك القرائة للتهويل لانه لا معنى لحقيقة الاستفهام ههنا وهو ظاهر بل المراد انه لما وصف الله العذاب بالشدة والفظاعة زادهم تهويلا بقوله من فرعون اى هل تعرفون من هو فى فرط عتوة


وشدة شكيمته فما ظنكم بعذاب يكون المعذب به مثله كذا في المختصر.

[ولهذا] اى ولكون هذا الاستفهام للتهويل [قال] الله تعالى [(إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ)] اى متكبرا في ظلمه قال ذلك لزيادة تعريف حاله وتهويل عذابه.

[والاستبعاد] اى عد المستفهم عنه بعيدا بحيث لا يتوقع وجوده [نحو قوله تعالى (أَنَّى لَهُمُ)] اى لكفار مكة [(الذِّكْرى)] هي اسم مصدر والمصدر التذكرة فالمراد استبعاد ان يكون لهم الذكرى بقرينة قوله تعالى [(وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) ثم قولوا عنه] وقالوا معلم مجنون.

[هذا] المذكور من المعاني المجازية في الامثلة المتقدمة [كله ظاهر] كما بيناه [والحاصل ان كلمة الاستفهام اذا امتنع حملها على حقيقته تولد عنه] اى عن الاستفهام [بمعونة القرائن ما يناسب المقام] من المعاني المجازية [ولا ينحصر المتولدات] المجازية [فيما ذكره المصنف] بل يوجد منها اقام اخر لم يذكرها المصنف كالتسوية والامر وقد ذكرهما ابن هشام في بحث الهمزة [ولا ينحصر ايضا شيء منها] اى من المعانى المجازية [في اداة دون اداة بل الحاكم في ذلك هو سلامة الذوق وتتبع التراكيب] الا ترى ان كيف جاء للتعجب في قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) قاله السيوطى في اول باب التعجب [فلا ينبغي ان تقتصر في ذلك على معنى سمعته او مثال وجدته من غير ان تتخطاه] اى من غير ان تتجاوزه [بل عليك بالتصرف باستعمال الروية] والفكر الصائب والنظر الثاقب [والله الهادي] الى حقايق الاشياء.

[ومنها اى من انواع الطلب الامر] بالمعنى المصدرى [وعرفوه


بانه طلب فعل غير كف على جهة الاستعلاء واحترز بغير الكف عن النهي] لانه كما ياتي طلب الكف عن الفعل استعلاء [وبقوله على جهة الاستعلاء اى على طريق طلب العلو سواء كان عاليا حقيقة] والمراد به كما في القوانين من كان له تفوق يوجب اطاعته عقلا كالمولى او شرعا كالنبي والائمة عليهم‌السلام او عرفا كفرعون وامثاله من الجبابرة قال الله تعالى (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) [اولا] يكن عاليا باحد الانحاء الثلاثة [كالدعاء] وهو الطلب من السافل [والالتماس] وهو الطلب من المساوى.

[وفيه] اى فيما عرفوه به [نظر لانه يخرج عنه نحو اكفف عن القتل] لانه يصدق عليه ما تقدم من تعريف النهى دون الامر اللهم الا ان يقال كما في القوانين ان مثل اكفف عن القتل يدخل في الامر من حيث ملاحظة الكف بالذات وانه فعل من الافعال ونهى من حيث انه الة لملاحظة فعل اخر وهو القتل وحال من الاحوال هذا ولكن الاولى كما في القوانين زيادة لفظ القول وذلك بان يقال طلب فعل غير كف بالقول على جهة الاستعلاء ليخرج طلب الفعل بالاشارة ونحوها فانه ليس امرا عندهم.

[ثم اختلف الاصوليون في ان صيغة الامر] التي يذكرها المصنف في المتن الآتي [لماذا وضعت فقيل للوجوب فقط] وليعلم انه ليس المراد من وضع صيغة الأمر ان قم مثلا معناها الحقيقي الموضوعة هي له الوجوب بل المراد ان معناها الحقيقي طلب القيام على سبيل الحتم واللزوم بحيث يلزم منه المنع من الترك وقس على ذلك سائر الاقوال.

[وقيل للندب فقط وقيل للقدر المشترك بينهما وهو الطلب على جهة


لاستعلاء] في كون ذلك قدرا مشتركا بين الوجوب والندب مع كون المراد من الاستعلاء معناه الحقيقي تأمل بل منع وكيف كان فالاشتراك حينئذ معنوي [وقيل هي مشتركة بينهما لفظا] اى انها وضعت لكل واحد من المعنيين بوضع مستقل لا للقدر الجامع بينهما [وقيل بالتوقف بين كونها للقدر المشترك] حتى تكون مشتركة معنوية [وبين الاشتراك اللفظي] بالمعنى الذي بيناه [وقيل هي مشتركة بين الوجوب والندب والاباحة موضوعة لكل منها] فتكون مشتركة لفظا بين هذه المعاني الثلاثة [وقيل للقدر المشترك بين] هذه المعاني [الثلاثة وهو الاذن] فتكون مشتركة بين هذه المعاني الثلاثة معنى.

وليعلم ان الاقوال في المقام ليست بمخصرة فيما ذكر ههنا لانها كما ادعى بعضهم ترتقي الى ستة وعشرين قولا ولكل واحد من الاقوال ادلة مذكورة في محلها مع النقض والابرام [و] لكن [الاكثر] اي اكثر الاصوليين [على كونها] اي الصيغة [حقيقة في الوجوب] لذا نسبه المعظم الى المشهور.

[ولما لم تكن الدلائل مفيدة للقطع بشيء من ذلك] الاقوال [لم يجزم المصنف بشيء واشار الى ما هو اظهر عند العقل لقوة اماراته] جمع الاماره بفتح الاول كالشرافة قال الخواجه نصير الدين في التجريد ملزوم العلم دليل وملزوم الظن امارة [فقال والاظهر ان صيغته] اي صيغة الامر من المقترنة باللام نحو ليحضر زيد وغيرها [اي غير المقترنة باللام نحو اكرم عمرا ورويد بكرا] اي امهل بكرا [وفي هذا اشارة الى ان اقسام صيغة الامر ثلاثة الاول المقترنة باللام الجازمة وتختص بالفاعل غير المخاطب] اي الغائب والمتكلم وحده او مع الغير


لكن هذين قليل كما بيناه في الكلام المفيد وقد تستعمل للمخاطب نحو قوله تعالى فبذلك فلتفرحوا بتاء الخطاب في قرائة جماعة كما بيناه هناك.

[والثاني ما يصح ان يطلب بها الفعل] اللغوي اي المصدر [من الفاعل المخاطب بحذف حرف المضارعة] اي التاء [والثالث اسم دال على طلب الفعل وهو عند النحاة من اسماء الافعال كما قال في الالفية

والامر ان لم يك للنون محل

فيه هو اسم نحو صه وحيهل

والاولان لغلبة استعمالهما في حقيقة الامر اعني طلب الفعل على سبيل الاستعلاء سماهما النحويون امرا سواء استعملا في حقيقة الامر] نحو قوله تعالى (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ونحو (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [او] استعملا [في غيرها] اي في غير حقيقة الامر [حتى ان لفظ اغفر في قولنا اللهم اغفر لي امر عندهم] اما الاصوليون فلا يسمونهما امرا الا اذا استعملا في حقيقة الامر [واما الثالث فلما كان اسما لم يسموه امرا تمييزا بين البابين] اي باب الفعل والاسم واما الاصوليون فكما تقدم [موضوعة لطلب الفعل استعلاء اي حالكون الطالب مستعليا سواء كان عاليا في نفسه] عقلا او شرعا او عرفا كالامثلة المتقدمة [اولا] يكون عاليا لكن طلب مستعليا كالسراق واشباههم من السفلة الذين يطالبون الافعال من غيرهم استعلاء من دون ان يكون فيهم جهة علو باحد الوجوه الثلاثة والحاصل ان الاستعلاء لا يستلزم العلو فانه قد يوجد العلو بدون الاستعلاء وقد يوجد الاستعلاء بدون علو لان الاستعلاء عد الامر نفسه عاليا بان يكون الطلب الصادر


منه على وجه الغلظة وهذا المعنى يصح من المساوى بل من الادنى كما تراه ونرى لا سيما من السفلة [لتبادر الفهم عند سماعها اي سماع الصيغة الى ذلك الطلب اعني طلب الفعل استعلاء والتبادر الى الفهم من اقوى امارات الحقيقة] لا من التنصيص فانه اقوى من كل امارة

قال السيوطي في المزهر قال الامام واتباعه الفرق بين الحقيقة والمجاز اما ان يقع بالتنصيص او بالاستدلال اما التنصيص فمن وجهين أحدهما ان يقول الواضع هذا حقيقة وذاك مجاز او يقول ذلك ائمة اللغة قال الصفي الهندي لان الظاهر انهم لم يقولوا ذلك الا عن ثقة فتامل.

والثاني ان يقول الواضع هذا حقيقة او هذا مجاز فيثبت بهذا احدهما وهو ما نص عليه واما الاستدلال فبالعلامات فمن علامات الحقيقة تبادر الذهن الى فهم المعنى والعراء عن القرنية اى سمعنا اهل اللغة يعبرون عن معنى واحد بعبارتين ويستعملون احداهما بقرنية دون الاخرى فنعرف ان اللفظ حقيقة في المستعملة بدون القرنية لانه لو لا استقر انفسهم على تعيين ذلك اللفظ لذلك المعنى بالوضع لم يقتصر واعادة.

ومن علامات المجاز اطلاق اللفظ على ما يستحيل تعلقه به واستعمال اللفظ في المعنى المنسي كاستعمال لفظ الدابة في الحمار فانه موضوع في اللغة لكل ما يدب على الارض.

وفي تعليق الكيا قد ذكر القاضي ابو بكر فروقا بين الحقيقة والمجاز فمن ذلك ان الحقيقة يقاس عليها والمجاز لا يقاس عليه فان من وجد منه الضرب يقال ضرب يضرب فهو ضارب فيطلق هذا الاسم على كل


ضارب اذ هو حقيقة فيطلق ذلك على من كان في زمن واضع اللغة وعلى من ياتي بعده ولا يقال اسئل البساط واسئل الثوب بمعنى صاحبه قياسا على واسئل القرية.

والثاني ان الحقيقة يشتق منها النعوت يقال امر يامر فهو امر والمجاز لا يشتق منه النعوت والتفريعات الثالث ان الحقيقة والمجاز يفترقان في الجمع فان جمع امر الذي هو ضد للنهي او امر وجمع الامر الذي هو بمعنى القصد والشأن امور انتهى.

[قال صاحب المفتاح واتفاق ائمة اللغة] بالمعنى الاعم الذي تقدم قبيل الفن الاول عند قول المصنف منه ما يتبين في علم متن اللغة فراجع ان شئت [على اضافة] [نحو قم وليقم الى الامر بقولهم] ان قم وليقم [صيغة الامر ومثال الامر ولام الامر دون ان يقولوا] ان قم ولقم [صيغة الاباحة او لام الاباحة] او مثال الاباحة [مثلا يمد] اى يعين اى يساعد [كونها] اى كون صيغته [حقيقة في الطلب على سبيل الاستعلاء لانه] اى هذا الطلب [حقيقة الامر] حاصله ان المضاف اليه في قولهم صيغة الامر ومثال الامر ولام الامر حقيقة في الطلب على سبيل الاستعلاء فكونه كذلك يمد ويعين على ان المضاف اى الصيغة اى قم وليقم ورويد ايضا حقيقة في الطلب على سبيل الاستعلاء فيكون معنى قولهم صيغة الطلب على سبيل الاستعلاء لا صيغة الاباحة او الندب ونحوهما لان الاصل في المضاف اليه اعني الامر ان يحمل على حقيقته التي هي الطلب على سبيل الاستعلاء وكذلك معنى قولهم مثال الامر ولام الامر مثال الطلب المذكور ولامه لامثال الاباحة ولام الاباحة ونحوها لما ذكرنا من الاصل.


[وفيه] اى في كون الاضافة المذكورة ممدا ومعينا لكون الصيغة حقيقة في الطلب على سبيل الاستعلاء [نظر لانا لا نسلم ان الامر في قولهم) اى ائمة اللغة بالمعنى الاعم المشار اليه انفا [صيغة الامر مثلا بمعنى طلب الفعل استعلاء] لان ذلك معناه العرفى المتبادر منه او اللغوي او الاصولي على ما ادعاه صاحب القوانين ولذلك يستدل على كونه بهذا المعنى بالتبادر وبالايات وبفهم اهل اللغة كما فى قصة بريرة كما اشار اليها فى القوانين [بل الامر في عرفهم] اى ائمة اللغة ولا سيما الصرفيين منهم [حقيقة في] قسم من اقسام الكلمة التي عرفوها بانه لفظ مستقل دال بالوضع تحقيقا او تقديرا او منوى معه كذلك وذلك القسم [نحو قم وليقم ونحو ذلك] من الافعال التي تقبل النون المؤكدة ولا يشترط فى ذلك كونها مستعملة فى طلب الفعل استعلاء قال الرضي على قول بن الحاجب الامر صيغة يطلب بها الفعل من الفاعل المخاطب بحذف حرف المضارعة اقول لو قال صيغة يصح ان يطلب بها الفعل لكان اصرح فى عمومه لكل ما يسميه النحاة امرا وذلك انهم يسمون به كل ما يصح ان يطلب بها الفعل من القاعل المخاطب بحذف حرف المضارعة سواء طلب به الفعل على سبيل الاستعلاء وهو المسمى امرا عند الاصوليين نحو قولك اضرب على وجه الاستعلاء او طلب به الفعل على وجه الخضوع من الله تعالى وهو الدعاء نحو اللهم ارحم او من غيره وهو الشفاعة او من دون ان يطلب به الفعل بل كان على وجه الاباحة نحو (كُلُوا وَاشْرَبُوا) او للتهديد نحو (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) او غير ذلك من محامل هذه الصيغة وانما سمى النحاة جميع ذلك امرا لان استعمال هذه الصيغة فى طلب الفعل على وجه


الاستعلاء وهو الامر حقيقة اغلب واكثر وذلك كما سموا نحو المانت والضائق اسم الفاعل لان هذه الصيغة فيما هو فاعل حقيقة كالضارب والقاتل اكثر وكذا الكلام في النهى فان قولك لا تؤاخذني في نحو اللهم لا تؤاخذني بما فعلت نهى في اصطلاح النحاة وان كان دعاء فى الحقيقة انتهى.

والحاصل ان لفظ الامر اى .. أ.. م .. ر في قولهم صيغة الامر ليس بمعنى طلب الفعل استعلاء بل بمعنى لفظ خاص وهو ما يقبل النون المؤكدة ان امر بالمعنى المذكور فهم منه فهذا خلط نشاء من اشتراك لفظ الامر بين ما هو بمعنى طلب الفعل استعلاء وبين ما هو بمعنى اللفظ الخاص او من الخلط بين الاصطلاحين ان قلنا بان العرف العام واهل اللغة من اهل الاصطلاح.

قال الجامي على قول ابن الحاجب الامر هكذا في بعض النسخ وفي بعضها مثال الامر وكان المراد به صيغة الامر فانهم يطلقون امثلة المضارع ويريدون صيغتها وفي بعض الشروح انما قال مثال الامر لان الامر كما اشتهر في هذا النوع من الافعال اشتهر في المعنى المصدرى ايضا فاراد النص على المقصود وهو في اصطلاح النحويين والاصوليين مخصوص بالامر بالصيغة كذا ذكره المصنف في شرحه انتهى وقال المحشى هناك والوجه ان يقال الامر في السنة الصرفيين يشمل الامر باللام وهو الاصطلاح المشتهر فيما بين المحصلين.

[واضافة] الصيغة والمثال اليه] اى الى الامر بمعنى اللفظ الخاص [من اضافة العام الى الخاص] نظير اضافة الشهر الى رمضان او اضافة اليوم الى الجمعة ونحو ذلك [بدليل انهم يستعملون


ذلك في مقابلة صيغة الماضي والمضارع وامثالها] اى صيغة اسماء الفاعلين والمفعولين ونحوهما كما ان تينك الاضافتين في مقابلة شهر شوال ويوم السبت ونحوهما من الشهور والايام [فليتامل] فان المقام دقيق وبالتامل حقيق.

[و] لكن [يمكن ان يجاب] عن النظر المذكور [بانا سلمنا ذلك] النظر اى سلمنا ان الامر ليس في عرفهم بمعنى طلب الفعل استعلاء بل الامر في عرفهم حقيقة في نحو قم وليقم ونحو ذلك الخ [لكن تسميتهم نحو قم وليقم امرا دون الاباحة مثلا] مع كون الاباحة وغيرها مما ياتي ايضا من معاني الامر في عرفهم في الجملة [تمد ذلك في الجملة] اى تمد وتعين كونها اى الصيغة حقيقة في الطلب على سبيل الاستعلاء في الجملة اى يصير موجبا للاحتمال والاشعار بل للظن بذلك [وان لم تصلح] تلك التسمية [دليلا عليه] لان غاية ما توجبه تلك التسمية الاشعار او الظن والظن لا يغني من الحق شيئا فكيف بالاشعار والاحتمال.

[وقد تستعمل صيغة الامر لغيره اى غير طلب الفعل استعلاء مما يناسب المقام] من المعاني المجازية وهى مع ما ذكر في ضمن الاقوال انفا ترتقي على ما ذكره بعض المحققين في حاشية المعالم الى اربعة عشر معنى غير ما ادعى الخطيب ان الا ظهر كونها موضوعة له [وذلك بان لا تكون لطلب الفعل اصلا او تكون لطلبه لكن لا على سبيل الاستعلاء فالى الاول اشار بقوله كالاباحة نحو جالس الحسن او ابن سيرين] والعلاقة العموم والخصوص وان شئت فقل العلاقة كون الجامع بينهما الاذن بالمعنى الاعم وليعلم انه قد تقدم في بحث العطف على المسند


اليه ما بظاهره ينافي هذا اذ المستفاد مما ذكر هناك ان الاباحة انما هو مدلول لفظة او لا الفعل المذكور معها وان كان يظهر مما ذكره ابن هشام ان للفعل مدخلا في ذلك فراجع ان شئت.

[والتهديد اى التخويف] والعلاقة السببية فان ايجاب الشىء او تحريمه يستلزم التخويف على مخالفته [وهو اعم من الانذار لانه] اى الانذار [ابلاغ] من الغير [مع تخويف] نحو قوله تعالى (قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) [وفي المصباح] للجوهرى [هو] اى الانذار [تخويف مع دعوة] وقريب من ذلك ما ذكره في المعالم في بحث الخبر الواحد وهذا نصه الانذار هو الابلاغ ذكره الجوهرى قال ولا يكون الا في التخويف وقريب من ذلك في الجمهرة والقاموس انتهى.

[فالتهديد نحو (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ)] لظهور ان ليس المراد الامر بكل عمل شائوا [والتعجيز] اى اظهار عجز المخاطب واثباته [نحو (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)] اذ ليس المراد طلب اتيانهم بسورة من مثله لكونه محالا فالغرض اثبات عجزهم من الاتيان [والتسخير] اي جعل الشيء مسخرا منقادا لما امر به وذليلا اذ التسخير هو الذل في العمل ومنه قوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) اي ذلله لنركبه وقوله فلان سخره السلطان والعلاقة فيه وفي الاهانة الشباهة المعنوية مع المامورية وهي تحتم الوقوع وقيل هي الطلب فتامل والفرق بينه وبين التكوين نحو (كُنْ فَيَكُونُ) ان ايجاد الشيء على حالة بعد ان كان على حالة اخرى والتكوين ايجاد الشيء ابتداء بعد ما لم يكن فالتسخير [نحو (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)] لانهم كانوا على حالة الانسانية فصار واقردة من دون ان يكون ذلك باختيارهم.


[والاهانة نحو (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً)] او خلقا مما يكبر في صدوركم [اذ ليس الغرض] في الاية الاولى [ان يطلب منهم كونهم قردة او] يطلب في الاية الثانية كونهم [(حِجارَةً] أَوْ حَدِيداً) [لعدم قدرتهم على ذلك] وذلك واضح [لكن في التسخير تحصيل الفعل وهو صيرورتهم قردة ففيه دلالة على سرعة تكوينه تعالى اياهم قردة وانهم مسخرون له منقادون لامره و] لكن [في الاهانة لا يحصل] الفعل [اذ لا يصيرون حجارة] ولا حديدا [وانما الغرض اهانتهم وقلة المبالاة بهم] اى بالكفرة.

[والتسوية] والعلاقة هي المضاده لان التسوية بين الفعل والترك مضادة لوجوب الفعل [نحو قوله تعالى] في سورة الطور (اصْلَوْها [فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا)] سواء عليكم انما تجزون ما كنتم تعملون [والفرق بينهما] اى التسوية [وبن الاباحة ان المخاطب في الاباحة كانه توهم ان ليس يجوز له الاتيان بالفعل] اى المجالسة مع احدهما [فابيح له واذن له في الفعل مع عدم الحرج في الترك وفي التسوية كانه] اي المخاطب [توهم ان احد الطرفين من الفعل والترك] اي الصبر وعدمه [انفع وارجح بالنسبة اليه فرفع ذلك] التوهم [وسوى بينهما] اي بين الفعل والترك [والتمني] والعلاقة بينه وبين الامر مطلق الطلب [نحو قول امرء القيس] :

الا ايها الليل الطويل الا انجلي

بصبح وما الا صباح منك بامثل

[الا صباح الصبح والانجلاء الانكشاف] فخلاصة معنى البيت ان الشاعر [يقول] لليلة [ليزل ظلامك بضياء الصبح ثم قال وليس الصبح بافضل منك عندي لاني اقاسي همومي نهارا كما اقاسيها ليلا]


فهما متساويان لا فرق بينهما في ذلك فلا فضل عندي لاحدهما على الاخر [او لان نهاري يظلم في عيني لازدحام الهموم] على مثل ازدحامها في الليل لانه [فليس الغرض] من الامر اي قوله انجلي [طلب الانجلاء من الليل لانه] اي الليل [لا يقدر على ذلك] لانه بيد الله عزوجل [لكنه يتمنى ذلك] الانجلاء ابتداء [تخلصا عما غرض له في الليل من تباريح الجوي] التباريح بالحاء المهملة الشدائد مفرده التبريح بمعنى الشدة والجوي بالجيم الحرقة من حزن او عشق ويقال له بالفارسية [سوزش] واليه اشار الشاعر الفارسي بقوله :

وعده وصل چون شود نزديك

اتش عشق تيزتر گردد

وقريب من هذا قوله [ولو اعج الاشواق] يقال هوى لاعج لحرقة الفؤاد من الحب فان قلت حمل المثال على الترجي اولى من حمله على التمني لانه قد سبق انه يشترط في التمني ان يكون المتمني محالا او ممكنا لا طماعية فيه ولا توقع قلت [ولاستطالته تلك الليلة] اي لكون تلك في نظره طويلة [كانه] اي الشاعر [لا يرتقب انجلائها وليس له طماعية فيه] اي في الانجلاء [ولا توقع] اي ولا انتظار في حصول الانجلاء فاشبه المحالات والممكنات التي لا طماعية فيها ولا توقع [فلهذا يحمل على التمني دون الترجي] لان الترجي انما يكون في الممكن الذي يطمع في وقوعه ويتوقع حصوله عادة.

فان قلت قد سبق ان التمني من اقسام الطلب وعرفه بانه طلب حصول شيء على سبيل المحبة فصيغة الامر اذا استعملت في التمني كانت مفيدة لطلب الفعل فكيف جعله من القسم الاول وهو ان لا يكون لطلب الفعل اصلا.


قلت كانه اراد ان القسم الاول ما يفيد الطلب المعتبر في الامر اصلا اعني ما يستدعي امكان المطلوب وما لا يفيد هذا الطلب اصلا جاز ان يفيد نوعا اخر من الطلب فلا اشكال فتامل.

[والى] القسم [الثاني] من المعانى المجازية التي تستعمل صيغة الامر فيها [اعني ما يكون لطلب الفعل لكن لا على سبيل الاستعلاء اشار بقوله والدعاء نحو (رَبِّ اغْفِرْ لِي) فانه طلب الفعل] اى الغفران من العالى [على سبيل التضرع] لا على سبيل الاستعلاء والا لم يكن دعاء والوجه في ذلك يظهر مما تنقله عن المختصر بعيد هذا.

[والالتماس كقولك لمن يساويك رتبة افعل بدون الاستعلاء وبدون التضرع ايضا هذا ولكن الالتماس في العرف انما يقال للطلب على سبيل نوع من التضرع لا الى حد الدعاء.

قال في المختصر فان قيل اى حاجة الى قوله بدون الاستعلاء مع قوله لمن يساويك رتبة قلت قد سبق ان الاستعلاء لا يستلزم العلو فيجوز ان يتحقق من المساوى بل من الادنى ايضا انتهى.

[ولا يذهب عليك ان الظاهر من المقام بل صريحه كما بينا لك ان الصيغة مستعملة في نفس المعاني المذكورة ولكن الظاهر من كلام الهروي في كفايته خلاف ذلك وهذا نصه ربما يذكر للصيغة معان قد استعملت فيها وقد عد منها الترجى والتمني والتهديد والانذار والاهانة والاحتقار والتعجيز والتسخير الى غير ذلك وهذا كما ترى ضرورة ان الصيغة ما استعملت في واحد منها بل لم تستعمل الا في انشاء الطلب الا ان الداعي الى ذلك كما يكون تارة هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعى يكو اخرى احد هذه الامور كما لا يخفى.


وقصارى ما يمكن ان يدعى ان تكون الصيغة موضوعة لانشاء الطلب فيما اذا كان بداعى البعث والتحريك لا بداع اخر منها فيكون انشاء الطلب بها بعثا حقيقة وانشائه بها تهديدا مجازا وهذا غير كونها مستعملة في التهديد وغيره فلا تغفل.

[ثم الامر قال السكاكى حقه الفور] الفور مصدر قولك فارت القدر فورا اذا غلت فاستعير للسرعة ثم سميت به الحالة التي لا ريث فيها اى لا بطؤ فيها ولا لبث يقال جاء فلان من فوره اى من ساعته والمراد هنا وجوب الفعل عقيب ورود الامر في اول ازمنة الامكان فجواز التراخى موكول الى القرينة وذلك مذهب بعض الاصوليين [لانه] اى الفور [الظاهر من الطلب عند الانصاف] اى عند انصاف النفس لا عند الحمية والجدال وهذا اشارة الى ان القائل بعدم الفور غير منصف وذلك لان الظاهر من الطلب الفور [كما في الاستفهام والنداء] فانه لا خلاف في انهما لطلب الجواب والاقبال فورا والظاهر ان ذلك مقتضى مطلق الطلب لا لخصوصية فيهما فكذلك الامر.

[ولتبادر الفهم عند الامر بشيء بعد الامر بخلافه الى تغيير الامر الاول] الى الامر الثاني [دون الجمع بين الامرين وارادة التراخى] اي من غير ان يتبادر ان الامر اراد بامره الثاني الجمع بين الشيئين مع تراخى احدهما [فان المولى اذا قال لعبده قم ثم قال له قبل ان يقوم اضطجع حتى المساء يتبادر الى الفهم الى انه غير الامر بالقيام الى الامر بالاضطجاع لا انه اراد الجمع بين القيام والاضطجاع مع تراخى احدهما] هذا حاصل ما قاله السكاكى في المفتاح.

[و] لكن [فيه] اى فيما قاله السكاكى من الوجهين [نظر]


اما في الوجه الاول فلان الامر كما مر تعريفه هو طلب الفعل استعلاء وهو اعم من الفور والتراخى ولا دلالة للعام على الخاص وانما يفهم الفور بالخصوص اذا كان هناك قرينة تدل على الفور واما في الوجه الثاني فلانا لا نسلم ان التغيير يتبادر الى الفهم من غير قرينة تدل على الفور لما ذكرنا في بيان النظر في الوجه الاول والى اجمال ما ذكرنا اشار بقوله [لانا لا نسلم ذلك عند خلو المقام من القرائن] الدالة على الفور او التراخى وعلى تغيير الامر الاول [بل ليس مفهومه الا الطلب استعلاء والفور والتراخى مفوض الى القرينة كالتكرار وعدمه فانه لا دلالة للامر على شىء منهما] وقد بين ذلك في الاصول مستقصى

[ومنها اى من انواع الطلب النهى وهو طلب الكف عن الفعل استعلاء] على قول او طلب الترك على قول اخر كما ياتي بعيد هذا [وله حرف واحد وهو لا الجازمة] لفظا [في نحو قولك لا تفعل] يا زيد او محلا في نحو قولك لا تفعلن يا هند [وفي عرف النحاة] والصرفيين اى في اصطلاحهم [تسمى نفس هذه الصيغة] التي دخلت عليها لا الجازمة [نهيا في اى معنى] من المعانى الاتية [استعمل] وذلك [كما يسمى] نفس صيغة [افعل] في عرفهم [امرا] في اى معنى استعمل وقد تقدم بيانه. [وهو] اى النهى [كالامر] في اشتراط [الاستعلاء] لا العلو [لانه] اى اشتراط الاستعلاء [المتبادر] منه [الى الفهم و] لكن [ليس كالامر في عدم الفور وعدم التكرار إذ الحق ان النهى يقتضى الفور والتكرار] بنفسه لا بالقرائن بخلاف الامر فان الحق ان دلالته عليهما كما تقدم انفا بالقرائن لا بنفسه.

وقد فصل السكاكي تفصيلا غير معهود عندهم واليه اشار بقوله


[وقال السكاكى ان كان الطلب بالامر والنهى راجعا الى قطع] الشىء [الواقع] اى الحاصل الموجود [كقولك] في الامر [للساكن تحرك و] كقولك في النهى [للمتحرك لا تتحرك فالاشبه] اى فالاظهر والاولى والانسب بالمتفاهم العرفى [المرة] لا التكرار [وان كان] الطلب بهما [راجعا الى اتصال] الشىء [الواقع] واستمراره [كقولك فى الامر للمتحرك تحرك اى] اطلب منك الحركة [في الاستقبال] كما انك متحرك في الحال [و] كقولك [في النهى للمتحرك لا تسكن] اى اطلب منك عدم السكون في الاستقبال كما انك غير ساكن في الحال [فالاشبه الاستمرار] والدوام لا المرة.

[وقد يستعمل] النهى [في غير طلب الكف عن الفعل] استعلاء كما هو مذهب البعض او طلب الترك] استعلاء [كما هو مذهب البعض] الاخر [فانهم] ولا سيما الاصوليون منهم [قد اختلفوا في ان مقتضى النهى] هل هو [كف النفس عن الفعل بالاشتغال باحد اضداده] ان لم يكن له صارف عن المنهى عنه او قلنا ببقاء الاكوان وعدم الإحتياج الى المؤثر والا فلا يحتاج في الأمتثال الى الأشتغال بفعل شىء من الاضداد والتفضيل موكول الى كتب الاصول والاشتغال باحد الاضداد بان يخرج من الدار مثلا حتى لا يصدر منه الزناء مثلا [او] هو [ترك الفعل وهو نفس ان لا يفعل] ولكل من القولين ادلة مذكورة في محله [والمذهبان متقاربان] والفرق بينهما على ما قيل انه على الاول لا يحصل الامتثال بالترك لا عن قصد كان ترك ذاهلا او ناسيا ويحصل على الثاني بذلك فمن ترك شرب الخمر ذاهلا او ناسيا لا يكون ممتثلا على الاول للنهى عن شربها بخلاف الثانى فانه


عليه يكون ممتثلا له فتامل.

[ففي الجملة قد يستعمل النهي فى غير معناه] على كلا المذهبين [وذلك بان يستعمل لا لطلب الكف او الترك كالتهديد] اى التخويف [كقولك لعبد] لك [لا يمثل امرك] مع القدرة على الإمتثال [لا تمتثل امري فانه ظاهر ان ليس المراد] من هذا القول حينئذ [طلب كفه عن الأمتثال] لأن عدم الأمتثال حاصل فالمراد التهديد مع السخط.

[او يستعمل] النهى [لطلب الكف او الترك لكن لا على سبيل الأستعلاء] والغلظة [بل اما ولى سبيل التضرع] والمسكنة [فتكون دعاء نحو اللهم لا تشمت بي اعدائي] ولا تكلني الى نفسى طرفة عين ابدا [او على سبيل التلطف فيكون التماسا كقولك لمن يساويك لا تفعل كذا ايها الأخ] ونحو قوله تعالى حكاية (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) فتأمل [وقد يستعمل الامر والنهي لطلب الدوام والثبات على ما عليه المخاطب من الفعل او الترك] فالفعل [نحو (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)] والترك نحو [(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ)] يا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ([غافِلاً] عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [اى دم واثبت على ذلك اى على الهداية وعدم الحسبان وقد تقدم ذلك في المنقول عن السكاكي انفا فلا وجه لأعادتها فتامل.

[وهذه الأربعة يعنى التمنى والأستفهام والأمر] ولو كان دعاء او التماسا [والنهي] كذلك كما يظهر من قول الناظم :

وبعد غير النفي جرما اعتمد

ان تسقط الفا والجزاء قد قصد

واما العرض فسياتي الكلام فيه عنقريب وكذلك التخصيص [يجوز


تقدير الشرط وايراد الجزاء عقيبها مجزوما بان] الشرطية [المضمرة مع] فعل [الشرط] او بنفس هذه الاربعة اصالة او نيابة عن الجازم كما قال الرضى وانجزام الجزاء بهذه الاشياء لا بيان مقدرة مذهب الخليل لأنه قال ان هذه الأوائل كلها فيها معنى الشرط فلذلك انجزم الجواب ومذهب غيره ان مع الشرط مقدرة بعدها وهي دالة على ذلك المقدر ولعل ذلك لأستنكارهم اسناد الجزم الى الفعل وليس ما استبعدوه ببعيد لأنه اذا جاز ان يجزم الاسم المتضمن معنى ان فعلين فما المانع من جزم الفعل المتضمن معناها فعلا واحدا انتهى.

[كقولك في التمنى ليت لي ما لا انفقه] بسكون القاف للجزم [اى ان ارزقه] بالبناء للمفعول [انفقه] بالجزم ومثل الجامى بهذا المثال ثم قال لأن المعنى ان يكون لي مال انفقه [و] كقولك [في الأستفهام اين بيتك ازرك اى ان تعرفنيه ازرك] ومثل الجامى هل عندكم ماء فاشربه ثم قال لأن المعنى ان يكن عندكم ماء اشربه [و] كقولك [في الامر اكرمني اكرمك اى ان تكرمني اكرمك] ومثل الجامى بقوله زرني اكرمك ثم قال اي ان تزرنى اكرمك [و] كقولك [في النهى لا تشتمنى يكن خيرا لك اى لا تشتمنى يكن خيرا لك] ومثل الجامى بقوله لا تفعل الشريكين خيرا لك ثم قال اي ان لم تفعله يكن خيرا لك.

[وقد ذكر في تحقيقه] اى في تحقيق جواز تقدير الشرط بعد هذه الاشيئاء الأربعة وايراد الجزاء عقيبها مجزوما بان المضمرة مع الشرط [وجهان احدهما ان هذه الأربعة فيها معنى الطلب والطلب لا ينفك عن سبب حامل للطالب عليه] اى على الطلب مثلا اذا


قلت ليت لي مالا فانفقه فقد ذكرت الطلب وهو ليت لي مالا ثم ذكرت بعده الأنفاق الذي هو سبب حامل لك على الطلب [فوجود ذلك السبب الحامل] اعني الأنفاق [مسبب عن ذلك الطلب في الخارج لأن العلة الغائبة] كالأنفاق في المثال [بوجودها] الخارجي [معلولة للعلة الفاعلية وان كانت] تلك العلة الغائية [بمهيتها] المتصورة في عالم العقل اى في الذهن [علة لعلية العلة الفاعلية ولذا قالوا ان العلة الغائية تتقدم في الذهن على المعلول وتتاخر في الخارج عنه.

قال القوشجي في اول الفصل الثالث من التجريد ما خلاصته ان العلة ما يحتاج اليه امر في وجوده ثم المحتاج اليه اما جزء للمحتاج او امر خارج عنه والأول اما ان يكون به الشيء بالفعل كالهيئة للسرير فهو الصورة واما ان يكون الشيء به بالقوة كالخشب للسرير فهو المادة.

والثاني اعنى ما يكون خارجا اما ما منه الشيء كالنجار للسرير وهو الفاعل والموثر واما ما لأجله الشىء كالجلوس على السرير وهو العلة الغائية والغاية انما تكون علة بحسب وجودها الذهني واما بحسب وجودها الخارجي فهي معلولة لمعلولها لترتبها عليه وتاخرها عنه في الوجود فلها اعني الغاية علاقتا العلية والمعلولية بالقياس الى شيء واحد لكن بحسب وجوديها الذهنى والخارجي انتهى ملخصا.

[وهذا معنى قولهم اول الفكر آخر العمل ولما كان ذلك اعني كون وجود السبب الحامل] يعنى العلة الغائية كالانفاق في المثال [مسببا عن الطلب في الخارج مفهوما من ذكر الطلب] يعنى من ذكر ليت لي ما لا في المثال [ودل عليه] اى على كون وجود السبب


الحامل مسببا عن الطلب في الخارج (ذكر المسبب) اي الانفاق (الذي يصلح) ان يكون (سببا حاملا عليه) اي الطلب (اغنت هذه القرنية) المبنية بقوله ولما كان ذلك الخ (عن ذكر حرف الشرط والسبب) فعل الشرط المقدر اى ان ارزقه فتدبر جيدا.

(وثانيهما) ما يظهر من كلام الرضى وحامله (ان كل كلام) خبريا كان او انشائيا (لا بد فيه من حامل للمتكلم عليه والحامل على الكلام الخبرى افادة المخاطب مضمونة) او العلم به على ما تقدم في اول بحث الاسناد الخبري (و) الحامل (على) الكلام الانشائي (الطلبى كون المطلوب) كالمال مثلا (مقصود المتكلم اما لذاته) كالمال يطلبه البخلاء الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونهما في سبيل الله (او لغيره) كالانفاق مثلا (يعني يتوقف ذلك الغير) اي الانفاق مثلا على حصوله) اي على حصول المال مثلا (وتوقف غيره على حصوله هو معنى الشرط) كما صرح بذلك الجامي في بحث المبتدء والخبر ولكن لا بد ههنا من ذكر كلام له ذكره في بحث فعل المضارع وهذا نصه وكلم المجازاة المذكورة من قبل تدخل على الفعلين لسببية الفعل الاول ومسببية الفعل الثاني اي تجعل الفعل الاول سببا والثاني مسببا وفي شرح المصنف وكلم المجازاة لا تجعل الشيء سببا لشيء فالمراد بجعلها الشيء سببا ان المتكلم اعتبر سببية شيء لشىء بل ملزومية شيء لشيء وجعل كلم المجازاة دالة عليها ولا يلزم ان يكون الفعل الاول سببا حقيقيا للثاني الا خارجا ولا ذهنا بلى ينبغي ان يعتبر المتكلم بينهما نسبة يصح بها ان يوردهما في صورة السبب والمسبب بل اللازم والملزوم كقولك ان تشمتني اكرمك فالشتم ليس


سببا حقيقيا للاكرام والاكرام مسببا حقيقيا له لا ذهنا ولا خارجا لكن المتكلم اعتبر تلك النسبة بينهما اظهارا لمكارم الاخلاق يعني انه منها بمكان يصير الشتم الذي هو سبب الاهانة عند الناس سبب الاكرام عنده انتهى فاحفظ ذلك اذبه يرتفع كثير من الايرادات التي يرد في المقام في الامثلة التى ذكروها له (فاذا ذكرت) انت ايها المتكلم (الطلب) يعني ليت لى مالا مثلا (ولم تذكر بعده ما يصلح توقفه) اي توقف الطلب (على المطلوب) اي المال مثلا فيصير طلبك مجملا فحينئذ (جوز المخاطب كون ذلك المطلوب) اي المال مثلا مقصودا لنفسه) بان تريد ان تكنزه (و) جوز المخاطب كون ذلك المطلوب (لغيره) اي للانفاق.

(وان ذكرت بعده) اي بعد الطلب (ذلك) الذي يصلح توقفة على المطلوب (غلب على ظنه) اي على ظن المخاطب (كون المطلوب مقصودا لذلك المذكور) بعد الطلب (لا لنفسه) وبعبارة اخرى غلب على ظنه ان طلبك المال للانفاق لا لنفسه (فيكون اذن معنى الشرط) اي السببية والمسببية (في الطلب مع ذكر ذلك الشيء) الذي يصلح توقفه على المطلوب (ظاهرا) اذ ليس معنى الشرط والجزاء الا سببية الاول ومسببية الثاني فيصير قرنية مغنية عن ذكر حرف الشرط وفعله فيقدران بعد الطلب (هذا) كله (اذا كان المذكور بعد هذه الاربعة صالحا لان يكون جزء من مفهومها) اي من مفهوم هذه الاربعة (وقصد به) بذكره بعدها (السببية) اي سببية هذه الاربعة للمذكور بعدها كالامثلة المتقدمة والى ذلك اشار الناظم بقوله.

وبعد غير النفي جزما اعتمد

ان تسقط الفاء والجزاء قد قصد


(بخلاف قولنا اين بيتك اضرب زيدا في السوق اذ لا معنى لقولنا ان تعرفينه) اي ان تعرفني بيتك (اضرب زيدا في السوق) اذ لا توقف لضربه في السوق على معرفة البيت اللهم الاعلى وجه بعيد وهو ارادة جعل البيت ملجاء ومفرا بعد الضرب فتامل.

(واما قوله تعالى (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) فلان الشرط) سواء كان مذكورا او مقدرا كما في الاية (لا يلزم ان يكون علة تامة لحصول الجزاء بل يكفى في ذلك توقف الجزاء عليه) اي على الشرط (وان كان) الجزاء (متوقفا على شيء اخر نحو ان توضأت صح صلوتك) فانه من المعلوم ان صحة الصلوة تتوقف على امور كثيرة اخرى غير الوضوء فلا يرد ما يقال من ان اقامة الصلوة لا يكون مسببة من قوله (ص) اذ كثيرا ما تكون متخلفة عنه فالمذكور بعد الامر اعني يقيموا لا يصلح جزاء له فكيف الجزم.

واعلم ان هذه الاية معركة الاراء بينهم قال ابن هشام في حرف اللام والجمهور على ان الجزم فى الاية مثله في قولك ائتني اكرمك وقد اختلف في ذلك على ثلثة اقوال احدها للخليل وسيبويه انه بنفس الطلب لما تضمنه من معنى ان الشرطية كما ان اسماء الشرط انما جزمت لذلك

والثاني للسيرافي انه بالطلب لنيابته مناب الجازم الذي هو الشرط المقدر كما ان النصب بضربا في قولك ضربا زيدا لنيابته عن اضرب لا لتضمنه معناه.

والثالث للجمهور انه بشرط مقدر بعد الطلب وهذا ارجح من الاول لان الحذف والتضمين وان اشتركا في انهما خلاف الاصل لكن في التضمين يغير معنى الاصل ولا كذلك الحذف وايضا فان تضمين


الفعل معنى الحرف اما غير واقع او غير كثير ومن الثاني لان نائب الشيء يؤدي معناه والطلب لا يؤدي معنى الشرط.

وابطل ابن مالك بالاية ان يكون الجزم في جواب شرط مقدر لان تقديره يستلزم ان لا يتخلف احد من المقول له ذلك عن الامتثال ولكن التخلف واقع واجاب ابنه بان الحكم مسند اليهم على سبيل الاجمال لا الى كل فرد فيحتمل ان الاصل يقم اكثرهم حذف المضاف واينب عنه المضاف اليه فارتفع واتصل بالفعل.

وباحتمال انه ليس المراد بالعباد الموصوفين بالايمان مطلقا بل المخلصين منهم وكل مؤمن مخلص قال له رسول (ص) اقم الصلوة اقامها.

وقال المبرر التقدير قل لهم اقيموا يقيموا والجزم في جواب اقيموا المقدر لا في جواب قل ويرده ان الجواب لا بد ان يخالف المجاب له في الفعل والفاعل نحو ائتنى اكرمك او في الفعل نحو اسلم تدخل الجنة او في الفاعل نحو قم اقم ولا يجوز ان يتوافقا فيهما وايضا فان الامر للمواجهة ويقيموا اللغيبة وقيل يقيموا مبنى لحلوله محل اقيموا وهو مبني وليس بشيء انتهى.

(واذا لم يقصد السببية يبقى المضارع على رفعه) فيكون حينئذ (اما حالا نحو (ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) او وصفا نحو اكرم رجلا يحبك او استينافا) بيانا (اي جوابا عن سؤال يتضمه ما قبله نحو قم يدعونك).

قال الجامي واما اذا لم يقصد السببية لم يجز الجزم قطعا بل يجب ان يرفع اما بالصفة ان كان صالحا للوصفية كقوله تعالى (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) فيمن قرء مرفوعا اي وليا وارثا او


بالحال كذلك كقوله تعالى (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) اي عمهين او بالاستيناف كقول الشاعر.

وقال رائدهم ارسوا نزاولها

فكل حتف امرء يجري بمقدار

(واما العرض وان عده النحاة احد الاشياء التي يقدر بعدها الشرط ويجزم في جوابه المضارع) كما اشار اليه الناظم بقوله.

وبعد غير النفي جزما اعتمد

ان تسقط الفاء والجزاء قد قصد

وكذا التحضيض ولا فرق بينهما من هذه الجهة فلا وجه لتركه ومعناهما كما قال ابن هشام في الوجه الخامس من الا طلب الشيء ولكن العرض طلب بلين والتحضيض طلب بحث (كقولك الا تنزل تصب خير اي ان تنزل تصب خيرا فمولد من) اداة (الاستفهام اي ليس هو) اي العرض وكذلك التحضيض (بابا على حده بل الهمزة فيه همزة استفهام دخلت على الفعل المنفي وامتنع حملها على حقيقة الاستفهام لانه يعرف عدم النزول فالاستفهام عنه) اي عن النزول (يكون طلبا للحاصل) وهو محال والعاقل لا يطلب المحال (فتولد مه) اي من الاستفهام (بقرنية الحال يعني بالعلم بعدم النزول (عرض) ومحبة (النزول على المخاطب وطلبه منه وهذه) الهمزة (في التحقيق همزة انكار اي لا ينبغي لك) ايها المخاطب (ان لا تنزل وانكار النفي اثبات ولهذا صح تقدير الشرط المثبت بعده) اي بعد العرض (نحو ان تنزل تصب خيرا فان الشرط المقدر بعد هذه الاشياء يجب ان يكون من جنسها) حتى في النفي والاثبات فلا يصح تقدير المنفي بعد المثبت وبالعكس مثلا لا يجوز لا تكفر تدخل) النار (او اسلم تدخل النار يعنى ان تكفر او ان لا تسلم تدخل النار خلافا للكسائي فانه


يجوزه تعويلا على القرنية).

قال الرضى على قول ابن الحاجب وامتنع لا تكفر تدخل النار خلافا للكسائي يعني ان الكسائي يجوز عند قيام القرنية ان يضمر المثبت بعد المنفي وعلى العكس فيجوز لا تكفر تدخل النار كما يجوز لا تكفر تدخل الجنة ويجوز ايضا اسلم تدخل النار بمعنى ان لا تسلم تدخل النار وقال غيره بل يجب ان يكون المقدر مثل المظهر نفيا او اثباتا واما قولهم في العرض الا تنزل تصب خيرا اي ان تنزل تصب فلان كلمة العرض اى همزة الانكار دخلت على حرف النفي فيفيد الاثبات وليس ما ذهب اليه الكسائي ببعيد لو ساعده نقل انتهى.

(ويجوز تقدير الشرط في غيرها اي في غير هذه المواضع) التي يجزم فيها المضارع ولا مضارع هنا فلا يرد ان قوله ام اتخذوا استفهام فيكون داخلا في تلك المواضع (لقرنية) تدل على الشرط المقدر (نحو (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ) فقوله (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) جواب شرط مقدر تدل عليه الفاء في الجملة مع الانكار المفهوم مما قبله (اي ان اراد واوليا بحق فالله هو الولى الذي يجب ان يتولى وحده ويعتقد انه هو المولى والسيد لان قوله ام اتخذوا انكار لكل ولى سواه) وذلك لان ام منقطعة بمعنى بل والهمزة والاستفهام الحقيقي لا يصح هنا فهو للانكار واولياء نكرة في سياق النفي فتفيد العموم فهو انكار لكل ولى سواه عزوجل.

(فان قلت لا شك) كما بينت (انه) اي الاستفهام (انكار توبيخ يعني لا ينبغي ان يتخذ من دون الله اولياء) بسبب ان الله هو الولى بحق (وحينئذ يترتب عليه) اي على هذا الاستفهام الانكارى


(قوله (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ)) كترتب السبب على المسبب او العكس (من غير) حاجة الى (تقدير شرط) والحاصل انه لا شك انه لو قيل لا ينبغي ان يتخذ غير الله وليا بسبب ان الله هو الولى بحق كان المعنى صحيحا فلا حاجة الى تقدير الشرط وجعل الفاء جزائية قرينة عليه فالاولى جعل الفاء عاطفة لجملة السبب على المسبب (كما يقال لا ينبغي ان يعبد غير الله فالله هو المستحق للعبادة) فانه يصح من دون تقدير شرط.

(قلت) قد تقدم في صدر الكتاب عند قول الخطيب واكثرها جمعا انه (ليس كل ما فيه معنى الشيء حكمه حكم ذلك الشيء) فليس استفهام الانكار كالنفي الصريح وان كان في الانكار معنى النفي (و) ذلك لانه (لا يخفى على ذي طبع) سليم وفهم مستقيم (حسن قولنا لا تضرب زيدا) برفع الفعل المضارع على ان لا نافية (فهو اخوك بالفاء) السببية العاطفة لجملة خبرية على مثلها ولهذا تترتب الثانية على الاولى (بخلاف اتضرب زيدا فهو اخوك) وان كان فيه معنى النفي لكونه (استفهام انكار فانه لا يحسن الا بالواو الحالية لا بالفاء السببية العاطفة اذ يلزم حينئذ عطف الجملة الخبرية على الانشائية وان كان الاستفهام بمعنى النفى (وذلك لانهم وان جعلوا استفهام الانكار بمعنى النفي لكن لم يقصدوا ان لا فرق بينهما اصلا لان كل سليم الذوق) والمعرفة (يجد من نفسه التفاوت) بين النفي الصريح وبين ما فيه معنى النفي (و) يجد ايضا (انه يصح وقوع احدهما حيث لا يصح وقوع الاخر) كما في المثالين فانه يصح كون النفي الصريح معطوفا عليه لجملة خبرية ولا يصح كون ما فيه معنى


النفي معطوفا عليه لتلك الجملة فتامل.

(وحذف الشرط في الكلام كثير وسنتعرض له) ولسائر اقسام الحذف (في بحث الايجاز انشاء الله تعالى) ونوضحه نحن بمقدار الحاجة ان ساعدنا التوفيق لذلك.

(ومنها اي من انواع الطلب النداء وهو طلب الاقبال) اي اقبال المنادى بفتح الدال (بحرف نائب مناب ادعوا) وههنا اشكال ذكره صاحب المطالع وهذا نصه زعموا ان الكلام لا يتالف الا من اسمين او اسم وفعل ونقض بالنداء وقال في شرحه فانه كلام مع انه مركب من اسم واداة ثم قال الشارح واجيب بان النداء في تقدير الفعل وقيل عليه لو كان فى تقدير الفعل لكان محتملا للصدق والكذب ولجاز ان يكون خطابا مع ثالث لان الفعل الذي قدر النداء به كذلك.

وجوابه منع الملازمتين وانما يصدقان لو كان الفعل المقدر اخبارا لا انشاء غاية ما في الباب انه في بعض موارد الاستعمال اخبار لكن لا يلزم منه ان يكون اخبارا في جميع الموارد الجواز ان يكون من الصبغ المشتركة بين الاخبار والانشاء كالفاظ العقود انتهى.

وقال في الحاشية هناك نقلا عن السيد مير شريف لما كان الفعل المقدر في النداء هو ادعوا انشاء لا اخبارا لم يحتمل الصدق والكذب ولم يصلح لان يخاطب به غير المنادى فان انشاء الدعاء انما يحصل اذا خاطب المنادى لا غير انتهى

(لفظا) نحو يا الله (او تقديرا) نحو (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) (فايا وهيا للبعيد) قال ابن هشام وفي الصحاح ان ايا لنداء القريب والبعيد وليس كذلك انتهى (وقد ينزل غير البعيد منزلة البعيد لكونه نائما


او ساهيا حقيقه او بالنسبة الى الامر) اى الشىء (الذي يناديه) المنادى اى المتكلم (له يعني انه بلغ من علو الشان) وارتفاع المنزلة (الى حيث ان المخاطب لا يفى بما هو حقه من السعى فيه وان بذل وسعه واستفرغ جهده فكانه غافل عنه بعيد) منه.

(واى والهمزة للقريب) قال ابن هشام ونقل ابن الخباز عن شيخه ان الهمزة للمتوسط وان الذي للقريب يا وهذا خرق لاجماعهم انتهى (وقد تستعملان) يعني اي والهمزة (في البعيد تنبيها على انه حاضر في القلب لا يغيب عنه اصلا كقوله.

اسكان نعمان الاراك تيقنوا

بانكم في ربع قلبي سكان

واما يا فقيل حقيقة في القريب والبعيد لانها لطلب الاقبال مطلقا) قريبا كان او بعيدا من دون تقييد باحدهما (وقيل بل) حقيقة وموضوع (للبعيد) فقط (واستعمالها في القريب اما لاستقصار الداعي نفسه واستبعاده عن مرتبة المدعو نحو يا الله) وذلك واضح ولذا قيل اين التراب ورب الارباب وهذا نظير ما تقدم فى تعريف المسند اليه بالاشارة من تنزيل بعد درجة المخاطب ورفعة محله منزلة بعد المسافة (واما للتنبيه على عظم الامر وعلو شانه و) على (ان المخاطب مع تهالكه على الامتثال كانه غافل عنه بعيد) منه (نحو (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ)) فتامل.

(واما للحرص على اقباله) اي المخاطب القريب (كانه امر بعيد نحو (يا مُوسى أَقْبِلْ) واما للتنبيه على بلادته و) على (انه بعيد من التنبيه نحو اسمع يا ايها الرجل واما لانحطاط شانه) اي شان المنادى القريب فيستعمل فيه يا (تبعيدا له عن المجلس نحو يا هذا) والمقام


نظير ما تقدم في بحث تعريف المسند اليه بالاشارة من انه قد يستعمل اسم الاشارة الموضوع للبعيد لتحقير المسند اليه بالبعد كما يقال ذلك اللعين فعل كذا تنزيلا لبعده عن ساحة عز الحضور والخطاب وسفالة محله منزلة بعد المسافة.

(وقد يستعمل صيغته اي صيغة النداء في غير معناه وهو) اي معناه (طلب الاقبال) واما غير معناه فهو (كالاغراء) وهو في الاصطلاح كما قال السيوطى الزام المخاطب العكوف على ما يحمد العكوف عليه من مواصلة ذوى القربى والمحافظة على العهود ونحو ذلك والمراد منه ههنا الحث والترغيب على الشيء كما (في قولك لمن اقبل) عليك حالكونه (يتظلم) اي يشتكي ظلم احد عليه ويظهر (يا مظلوم فانه ليس لطلب الاقبال لكونه حاصلا وانما الغرض اغرائه) وحثه (على زيادة التظلم وبث) قال في المصباح بث الرجل الحديث اذاعه ونشره انتهى فالمراد ههنا نشر (الشكوى) من الظالم الذى ظلمه.

(و) مثل الاختصاص في قولهم انا افعل كذا ايها الرجل فان قولنا ايها الرجل اصله تخصيص المنادى يطلب اقباله عليك) وبعبارة اخرى اصل ايها الرجل ان يستعمل مع حرف النداء لتخصيص المنادى بطلب اقباله عليك لان لفظة اي وضعت وصلة لنداء المعرف باللام كما قال الناظم.

وايها مصحوب ال بعد صفة

يلزم بالرفع لدى ذى المعرفة

(ثم جعل مجردا عن طلب الاقبال ونقل الى تخصيص مدلوله من بين امثاله بما نسب اليه) من اكرام الضيف ونحوه مما ياتي في الامثلة الآتية والحاصل ان المراد بايها الرجل في قولهم انا افعل كذا


ايها الرجل هو المتكلم نفسه اعني مدلول انا والمتكلم لا يطلب اقبال نفسه ولذلك جرد عن طلب الاقبال ونقل الى تخصيص مدلوله اي المتكلم بما نسب اليه فصورته صورة النداء وليس بنداء كما قال الناظم.

الاختصاص كنداء دون يا

كايها الفتى باثر ارجونيا

فهو خبر مستعمل بصورة الانشاء كما استعمل الخبر بصورة الامر فى احسن بزيد وعكسه في قوله تعالى (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) (وهو) اي المتكلم (اما في معرض التفأخر نحو انا اكرم الضيف ايها الرجل) لفظة انا مبتدء وجملة اكرم الضيف خبره واي مبنى على الضم في محل نصب مفعول لمحذوف وجوبا اي اخص والرجل مرفوع نعت لاي باعتبار لفظها والجملة في محل نصب على الحال والى ذلك اشار بقوله (اي مختصا من بين الرجال باكرام الضيف) وعلى معنى الاختصاص جاء قول الشاعر الفارسي حكاية عن لسان طائر صغير يسمى بالفارسية (پروانه).

اتش بجان افروختن

واز بهر جانان سوختن

اين كارها كار من است

(او) في معرض (التصاغر) اي عد نفسه صغيرا حقيرا (نحو انا المسكين ايها الرجل اي) حالكوني (مختصا) من بين الرجال (بالمسكنة) اي الذلة (او لمجرد بيان المقصود بذلك الضمير) اي بضمير انا ونحن (للتفاخر ولا للتصاغر نحو انا ادخل ايها الرجل (و) نحو (نحن نقرى ايها القوم فكل هذا) المذكور من الامثلة (صورته صورة النداء) والانشاء (وليس به) اي والحال انه ليس بنداء ولا انشاء (لان ايا وما جعل وصفا له) اي الرجل والقوم


ونحوهما (لم يرد به المخاطب بل هو عبارة عما دل عليه ضمير المتكلم السابق) في الكلام (ولا يجوز فيه) اي في الاختصاص (اظهار حرف النداء لانه لم يبق فيه معنى اصلا) اي لا حقيقة كما في يا زيد ولا مجازا كما في المتعجب منه والمندوب فانهما مندوبان دخلهما معنى التعجب والتفجع فمعنى يا للماء احضر حتى اتعجب منك ومعنى يا محمداه تعال فانا مشتاقون اليك.

وقد يتوهم انه يمكن ان يكون ايها الرجل خطابا لنفسه ونداء له مجازا بان يطلب من نفسه الاقبال على ذلك الفعل اي اكرام الضيف مثلا لكن هذا التوهم لا يجرى في نحو اللهم اغفر لنا ايتها العصابة فتامل.

(فكره التصريح باداته) اي باداة النداء (فقوله ايها الرجل فاي) كما قلنا (مضموم) مبنى (والرجل مرفوع) معرب تابع لاي باعتبار لفظه (كما في النداء) كما نقلناه عن الالفية انفا (لكن مجموعة في محل النصب على الحال) على ما بيناه انفا (ولهذا قال اي مختصا من بين الرجال) باكرام الضيف مثلا.

(وقد يقوم مقام اي اسم منصوب اما معرف باللام نحو نحن العرب اقرى الناس للضيف) يقال قريت الضيف اقريه من باب رمى قرى بالكسر والقصر والاسم القراء بالفتح والمد كذا في المصباح وحاصل المعنى بالفارسية (مهمان داري وطعام دادن بمهمان).

(و) اسم (مضاف نحو انا معشر الانبياء) لا نورث درهما ولا دينارا ما تركناه صدقة (وربما يكون) ذلك الاسم (علما نحو بنا نميما يكشف الضباب) والشاهد فى قوله تميما حيث نصب على الاختصاص اما للفخر او لزيادة البيان والتوضيح.


(قال ابن الحاجب المعرف) باللام في باب الاختصاص نحو العرب في المثال المتقدم ليس منقولا من النداء لان المنادى لا يكون ذا لام الا في الضرورة ولفظة الجلالة ومحكى الجمل كما قال فى الالفية.

وباضطرار خص جمع يا وال

الا مع الله ومحكى الجمل

(ونحو ايها الرجل منقول) من النداء (قطعا) حسبما بيناه انفا (والمضاف نحو معشر الانبياء يحتمل الامرين) احدهما (النقل) من النداء (فيكون منصوبا بياء مقدرة) فالتقدير يا معشر الانبياء (و) الثاني (كونه) غير منقول من النداء قطعا (مثل المعرف) باللام (فيكون منصوبا بتقدير اعني او اخص) او افتخر ونحوها مما يناسب المقام.

(قال الامام المرزوقي في قوله انا بنى نهشل لا ندعى لاب الفرق بين ان ينصب بني نهشل على الاختصاص وبين ان يرفع) بان يقال بنو نهشل بالواو (على الخبرية) من انا (هو) اي الفرق بين الوجهين (انه) اي الشاعر (لو جعله خبرا لكان قصده الى تعريف نفسه) وتوضيحها وبيانها (عند المخاطب وكان فعله لذلك) التعريف والتوضيح (لا يخلو عن) الاشعار والاخبار عن (خمول) اي عن سقوط من العيون بمعنى عدم الحظ (فيهم و) عن (جهل من المخاطب بشانهم واذا نصب) على الاختصاص (امن من ذلك) الاشعار والاخبار (فقال مفتخرا انا اذكر) مفتخرا (من لا يخفى شانه) لشهرتهم بين القبائل ومعروفيتهم عند الناس (لا نفعل كذا وكذا) اى لا ندعي لاب.

(ومما يستعمل فيه صيغة النداء) امور ذكر اكثرها في النحو منها (الاستغاثة) بالمنادى ليخلص المتكلم من شدة او يعين على دفع


مشقة فيخفض المنادى اعرابا باللام مفتوحا فرقا بين المستغات به والمستغاث من اجله فانه ايضا يخفض باللام المكسورة (نحو يالله من الم الفراق) فتامل.

(ومنها التعجب نحو يا للماء) وقد تقدم معناه (و) نحو (يا للدواهي) الداهية النائبة والنازلة والجمع الدواهي كذا في المصباح (كانه) اي المتعجب منه لغرابته يدعوه) المتكلم (ويستحضره ليتعجب منه) قيل اى ليندفع تعجبه به.

(ومنها التدله) اى عدم القدرة على ضبط النفس ودلهه الحب اى حيره وادهشه كذا في مجمع البحرين والى هذا المعنى يشير بقوله (والتضجر والتحير كما في نداء الاطلال) والطلل الشاخص من الاثار والجمع اطلال كذا في المصباح (والمنازل والمطايا ونحو ذلك) مما ينادى من غير ذوى العقول (كقوله ايا منازل سلمى اين سلماك وكقوله يا ناق جدى فقد افنت اناتك بى صبرى وعمرى واحلاسى واتساعى ومنها التوجع والتحسر كقوله.

فيا قبر معن كيف واريت جوده

وقد كان منه البر والبحر مترعا

والكلام في هذا البيت قد تقدم في اول الباب الثالث (وكقوله يا عين بكى عند كل صباح ومنها الندبة كقولك يا محمداه كانك تدعوه (ص) وتقول تعالى فانا مشتاق اليك وامثال هذه المعانى كثيرة في الكلام فتامل واستخرج ما يناسب المقام) والتوفيق لاستخراج امثال هذه المعاني من الله الملك العلام.

(ثم الخبر قد يقع موقع الانشاء اما للتقاول بلفظ الماضي على انه) اي الانشاء الذى وقع موقعه الخبر (من الامور الحاصلة التي


حقها ان يخبر عنها بافعال ماضية كقولك) في الدعاء (وفقك الله للتقوى) بلفظ الماضي للتفأول المذكور (او لاظهار الحرص في وقوعه كما مر في بحث الشرط من ان الطالب اذا عظمت رغبته في شي كثر تصوره اياه فربما يخيل اليه حاصلا فيورده بلفظ الماضي كقولك رزقني الله لقائك والدعاء بصيغة الماضي من البليغ نحو رحمه‌الله يحتملهما اي التفأل واظهار الحرص واما غير البليغ فهو ذاهل) اى غافل (عن هذه الاعتبارات) والحاصل ان الدعاء بصيغة الماضي نحو وفقك الله ونحو رحمه‌الله ان صدر عن البليغ يحمل على واحد من هذين الاعتبارين لانه مطلع بهما بخلاف غير البليغ فانه غير مطلع بشيء من الاعتبارات فلا يحمل على شيء منهما لذهوله عن جميع الاعتبارات.

(او) يقع الخبر موقع الانشاء (للاحتراز عن صورة الامر) تادبا (كقول العبد للمولى ينظر المولى الى ساعة دون ان يقول انظر في صورة الامر وان كان دعاء او شفاعة في الحقيقة) وقد مر نظير ذلك في بحث تنكير المسند اليه في قوله.

اذا سئمت مهندة يمين

لطول الحمل بدله شمالا

حيث لم يقل يمينه احترازا عن التصريح بنسبة السأمة الى يمين الممدوح تادبا (او لحمل المخاطب على المطلوب) اي مطلوب المتكلم (بان يكون المخاطب ممن لا يحب ان يكذب) بالبناء للمفعول من باب التفعيل ورفع (الطالب) اي المتكلم ومن معاني ذلك الباب النسبة يقال فسقته اي نسبته الى الفسق والى ذلك اشارة بقوله (اي ينسب) الطالب (الى الكذب كقولك لصاحبك الذى لا يحب تكذيبك تأتيني غدا) بلفظ الاخبار (مقام ائتني) بلفظ الانشاء اي الامر


(تحمله بالطف وجه على الاتيان لانه ان لم ياتك غدا صرت كاذبا من حيث الظاهر لكون كلامك في صورة الخبر) وهو لا يحب ذلك فياتي حتما.

(فالخبر في) جميع (هذه الصور مجاز لاستعمالها في غير ما وضع له) مع القرنية المانعة عن ارادة الموضوع له هذا ولكن للهروى في كفايته كلاما يناقض ذلك تصريحا وهذا نصه هل الجمل الخبرية التى تستعمل في مقام الطلب والبعث مثل يغتسل ويتوضا ويعيد ظاهرة فى الوجوب اولا لتعدد المجازات فيها وليس الوجوب باقويها بعد تعذر حملها على معناها من الاخبار بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها الظاهر الاول بل يكون اظهر من الصيغة.

ولكنه لا يخفى انه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام اى الطلب مستعملة في غير معناها بل تكون مستعملة فيه الا انه ليس بداعى الاعلام بل بداعى البعث بنحو اكد حيث انه اخبر بوقوع مطلوبه في المقام طلبه اظهارا بانه لا يرضى الا بوقوعه فيكون اكد في البعث من الصيغة كما هو الحال في الصيغ الانشائية على ما عرفت من انها ابدا تستعمل في معانيها الايقاعية لكن بداع اخر كما مر.

لا يقال كيف ويلزم الكذب كثيرا لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج تعالى الله واوليائه عن ذلك علوا كبيرا فانه يقال انما يلزم يلزم الكذب اذا اتى بها بداعى الاخبار والاعلام لداعى البعث كيف والا يلزم الكذب فى غالب الكنايات فمثل زيد كثير الرماد او مهزول الفصيل لا يكون كذبا اذا قيل كناية عن جوده ولو لم يكن له رماد او فصيل اصلا وانما يكون كذبا اذا لم يكن بجواد فيكون الطلب بالخبر في مقام


التأكيد ابلغ فانه مقال بمقتضى الحال هذا.

مع انه اذا اتى بها فى مقام البيان فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب فان تلك النكتة ان لم تكن موجبة لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده فان شدة مناسبة الاخبار بالوقوع مع الوجوب موجبة لتعين ارادته اذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرنية خاصة على غيره فافهم انتهى وقد تقدم نقل كلام منه فيما سبق ينافي بظاهره كلامه ههنا فتامل جيدا لتعرف الصحيح من الكلامين ولا تجعل نفسك من الذين لا يميز الشين من الزين.

(ويحتمل ان يجعل) الخبر (كناية في بعضها) كما في المثال الثالث فان حصول النظر الى العبد من المولى في المستقبل لازم لطلبه فعبر باللازم عن الملزوم كما هو طريق الكناية على مذهب السكاكى من انها الانتقال من اللازم الى الملزوم على عكس المجاز واما على مذهب المصنف من ان الكناية الانتقال من الملزوم الى اللازم كالمجاز والفرق بينها وبين المجاز بتحقق القرنية المانعة عن ارادة الموضوع له في المجاز دون الكناية ففي اختصاص الكناية بالبعض تامل بل منع.

(ومن الاعتبارات المناسبة لايقاع الخبر موقع الانشاء القصد الى المبالغة في الطلب حتى كان المخاطب سارع في الامتثال) وقد تقدم الاشارة الى ذلك في ما نقلناه عن الهروى انفا.

ومنها القصد الى استعجال المخاطب في تحصيل المطلوب ومنها التنبيه على كون المطلوب قريب الوقوع في نفسه او لقوة الاسباب المتاخذة في وقوعه ونحو ذلك من الاعتبارات) المناسبة للمقام وانت بمراجعة ما تقدم في بحث اداة الشرط عند قوله ولا يخالف ذلك الا لنكتة


كابراز غير الحاصل في معرض الحاصل تقدر على استخراج الامثلة لكل واحد من هذه الاعتبارات فراجع ان شئت.

(تنبيه) قد تقدم في اوائل الكتاب وجه تسمية بعض المباحث بالتنبيه فلا نعيده (الانشاء كالخبر في كثير مما ذكر في الابواب الخمسة السابقة يعنى احوال الاسناد والمسند اليه والمسند ومتعلقات الفعل والقصر) وانما قال في كثير لان الانشاء قد لا يكون كالخبر في بعض احواله كالتقيد بالشرط فان الشرط يحتمل الصدق والكذب بخلاف الانشاء وكذا مسند الانشاء غالبا لا يكون الا مفردا بخلاف مسند الخبر فانه قد يكون جملة ومن غير الغالب المسند فى التمنى والاستفهام فانه قد يكون جملة نحو ليت الشباب يعود ونحو هل زيد ابوه قائم وقد يذكر في المقام وجوه اخر اعرضنا عن ذكرها مخافة التطويل (فليعتبره اي ذلك الكثير الذي يشارك فيه الانشاء الخبر الناظر والمتامل في الاعتبارات ولطائف العبارات فان الاسناد الانشائي ايضا اما مؤكد) وجوبا اذا كان المخاطب منكر او استحسانا اذا كان مترددا نحو اضربن (او مجرد عن التاكيد) اذا كان خالى الذهن نحو اضرب هذا ولكن قال بعضهم ان التاكيد في الانشاء لا يقع لتوقفه على الانكار او الشك والترديد وذلك لا يتصور في الانشاء لعدم وجود المنشاء قبل التكلم حتى ينكر او يشك ويتردد فيه فتامل جيدا.

(وكذا المسند اليه) في الانشاء (اما مذكور او محذوف) كان يقال في السؤال عن زيد بعد ذكره هل قائم (مقدم او مؤخر) نحو (أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ) (معرف) نحو هل انت على العهد الذي فارقتنا (او منكر) نحو هل فتى فيكم (او غير ذلك) ككون


تقديمه مفيدا للتخصيص تارة وللتقوى تارة اخرى ونحو ذلك.

(وكذا المسند اما اسم او فعل) وكل واحد منهما اما (مطلق او مقيد بمفعول او شرط او غيره والمتعلقات اما متقدمة او متاخرة مذكورة او محذوفة واسناده وتعلقه ايضا اما بقصر) نحو هل زكى الا الورع ونحو هل ضربت الا زيدا (او بغير قصر) والامثلة التي لم نذكرها تعلم مما ذكرنا ومن الامثلة التى ذكرت في الابواب السابقة بسبب دخول اداة الانشاء ان كان لك لطف قريحة (والاعتبارات المناسبة في ذلك) اي الاغراض من الامور المذكورة وفوائدها مثل ما في الخبر ولا يخفى عليك اعتباره بعد الاحاطة بما سبق والله المرشد) والهادي الى سواء السبيل.

«الباب السابع الفصل والفصل»

قد قدم في اول باب القصر بيان الوجه في انه لم يقل احوال الفصل والوصل فراجع ان شئت

(الوصل عطف بعض الجمل على بعض) بحرف من حروف العطف (والفصل تركه اي ترك عطف بعضها على بعض فبينهما تقابل العدم والملكة).

قال القوشجي والمشهور في تقسيم المتقابلين انهما اما وجوديان اولا وعلى الاول اما ان يكون تعقل كل منهما بالقياس الى الاخر فهما المتضايفان اولا فهما المتضادان وعلى الثاني يكون احدهما وجوديا والاخر عدميا فاما ان يعتبر في العدمى محل قابل للوجودى فهما العدم والملكة اولا فهما السلب والايجاب انتهى.

والمراد من الوجودي فى المقام انما هو الوصل والمراد من العدمى


الفصل (ولهذا قدم) في التعريف (الوصل) على الفصل (لان الاعدام انما تعرف بملكاتها) مثلا يعرف العمى بعدم البصر عما من شانه البصر والبصر الملكة فكذا فيما نحن فيه فلذا عرف اولا الوصل ثم قال والفصل تركه (واما في صدر الباب فقد قدم الفصل لانه الاصل لانه عدمى والاصل في كل شيء العدم (والوصل طار) اى عارض عليه) اي على الفصل وليعلم ان العدم على قسمين ازلى واضافى والمراد هنا العدم الاضافي وذلك واضح.

(وانما قال عطف بعض الجمل على بعض دون ان يقول عطف كلام على كلام ليشمل الجمل التي لها محل من الاعراب) وهى على ما قاله ابن هشام سبع (وذلك لانهم) اي علماء العربية (وان جعلوا الكلام والجملة مترادفين لكن الاصطلاح المشهور على ان الجملة اعم من الكلام لان الكلام ما تضمن الاسناد الاصلى) لا التبعى بسبب التشبيه بالفعل (وكان) ذلك الاسناد (مقصودا لذاته) لا لغيره (والجملة ما تضمن الاسناد الاصلى سواء كان مقصودا لذاته اولا فالمصدر والصفات) اي اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة واسماء الافعال والظرف كما في الرضى ليست كلاما ولا جملة لان اسنادها ليس اصليا) بل على سبيل التشبيه بالفعل وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في اواخر بحث يقديم المسند اليه (والجملة الواقعة خبرا او وصفا او حالا شرطا او صلة او نحو ذلك) من الجمل التي تقع موقع المفرد (جملة وليست بكلام لان اسنادها ليس مقصودا لذاته) فكل كلام جملة ولا ينعكس كما في الرضى.

(فاذا اتت جملة بعد جملة فالاولى اما ان يكون لها محل من


الاعراب بان تكون من الجمل السبع التي تقع موقع المفرد (اولا) يكون لها محل من الاعراب بان تكون من الجمل السبع التى لا تقع موقع المفرد كالجملة الابتدائية وتسمى المستانفة ايضا (وعلى الاول اي على تقدير ان يكون للاولى محل من الاعراب ان قصد تشريك) لجملة (الثانية لها اى للاولى في حكمه اى حكم الاعراب الذي لها مثل كونها خبر مبتدء) فاعرابها رفع وحكم اعرابها كونها خبرا (او حالا) فاعرابها نصب وحكمها كونها حالا (او صفة) فاعرابها اعراب موصوفها وحكمها حكمه (او نحو ذلك) ككونها مفعولا او مضافا اليها وحكم اعرابهما كاعرابهما وذلك واضح لا يحتاج الى البيان (عطفت) الجملة (الثانية عليها) اى على الجملة الاولى ليدل العطف على التشريك المذكور) اي تشريك الثانية للاولى في حكم الاعراب الذي لها (كالمفرد فانه اذا قصد تشريكه لمفرد قبله في حكم اعرابه من كونه فاعلا او مفعولا او حالا او غير ذلك يجب عطفه عليه) اي عطف المفرد على المفرد قبله للتشريك المذكور.

(و) قد اشرنا سابقا ان (الجملة لا يكون لها محل من الاعراب الا وهى واقعة موقع المفرد فيكون حكمها حكم المفرد) من كونه فاعلا او مفعولا او نحوهما (واذا كان كذلك) اى اذا كان حكم الجملة حكم المفرد (فشرط كونه اى كون عطف) الجملة (الثانية على) الجملة (الاولى مقبولا) عند البلغاء (بالواو ونحوه ان يكون بينهما اى بين الجملة الاولى والجملة الثانية جهة جامعة) وسياتي بيان الجهة الجامعة مفصلا في اواسط الباب.

(نحو زيد يكتب ويشعر لما بين الكتابة والشعر من التناسب)


باعتبار ان كلا منهما مشتمل على التاليف لان الكتابة تاليف بالنثر والشعر تاليف بالنظم (او) نحو زيد (يعطى ويمنع لما بين الاعطاء والمنع من التضاد) وذلك ظاهر (بخلاف زيد يكتب ويمنع او) زيد (يشعر ويعطى) فان هذين المثالين غير مقبولين عند البلغاء اذ لا جهة جامعة بين الجملة الاولى والجملة الثانية في كل واحد من المثالين (وذلك لان هذا) العطف اى عطف الجملة على الجملة (كعطف المفرد على المفرد) من دون فرق (وشرط كون عطف المفرد على المفرد مقبولا) عند البلغاء (ان يكون بينهما) اي بين المفردين (جهة جامعة نحو زيد كاتب وشاعر (فالعطف فيه مقبول (بخلاف زيد كاتب ومعط) فانه غير مقبول لعدم الجامع بين الجملتين المتعاطفتين وذلك ظاهر.

(قوله) في المتن (ونحوه الظاهر انه) اي الخطيب اراد به) اي بقوله ونحوه (نحو الواو من حروف العطف الدالة على التشريك لفظا ومعنى (كالفاء وثم وحتى بالاجماع وام واو على الصواب على ما ادعاه السيوطي عند قول الناظم.

فالعطف مطلقا بواو ثم فا

حتى ام وكيفك صدق ووفا

(وهذا فاسد لان هذا الحكم) اي اشتراط ان يكون بين الجملتين المتعاطفتين جهة جامعة (مختص بالواو لان لكل من الفاء وثم وحتى) ونحوها (معنى) خاصا قد تقدم في بحث العطف على المسند اليه وسياتي ايضا ههنا عنقريب (اذا وجد) ذلك المعنى الخاص (كان العطف مقبولا سواء وجد بين المعطوف والمعطوف عليه جهة جامعة او لا نحو زيد زيد يكتب فيعطى او ثم يعطى اذا كان يصدر منه الاعطاء بعد الكتابة) اي مع الترتيب باتصال او انفصال (بخلاف الواو فانه


ليس له هذا المعنى) الخاص كما اشار اليه الناظم بقوله.

فاعطف بواو لاحقا وسابقا

في الحكم او مصاحبا موافقا

(فلا بد له من جامع ولهذا اى ولانه لا بد في العطف بالواو من جهة جامعة عيب على ابي تمام في قوله.

لا والذى هو عالم ان النوى

صبر وان ابا الحسين كريم

اذ لا مناسبة بين كرم ابي الحسين ومرارة النوى) اى الفراق (سواء كان نواه) اى ابي الحسين (او نوى غيره فهذا العطف غير مقبول سواء جعل) هذا العطف (عطف مفرد على مفرد) بان جعل ان المفتوحة في الجملتين المتعاطفتين مع اسمها وخبرها في تاويل المفرد اي عالم مرارة النوى وكرم ابي الحسين (كما هو الظاهر) في ان المفتوحة (او) جعل هذا العطف عطف جملة على جملة باعتبار وقوعه) اى وقوع قوله اى ان المفتوحة مع اسمها وخبرها (موقع مفعولى العلم) والعلم وما يشق منه من دواخل المبتدء والخبر فان المفتوحة ليست بتاويل المفرد لانها لا تغير معنى الجملة بهذا الاعتبار فهى بمعنى المكسورة وان كانت بحسب اللفظ مفتوحة (لان وجود الجامع شرط فيهما) اى في الصورتين اى في عطف المفرد على المفرد وفي عطف الجملة على الجملة (جميعا) وهذا علة لقوله فهذا العطف غير مقبول الخ.

واما (قوله) اى قول ابي تمام (لا) في صدر البيت فهو (لنفي ما ادعت الحبيبة عليه من اندراس هواه يدل عليه) اى على كون قوله لا لنفي ما ادعت الخ (البيت السابق وهو قوله.

زعمت هواك عفا الغداة كما عفا

عنها طلال باللوى ورسوم

(فاعل زعمت ضمير الحبيبة) وهواك مفعول اول (والخطاب في


هواك للنفس) اي لنفس الشاعر او انه التفات من التكلم الى الخطاب وجملة عفا مفعول ثان بمعنى اندرس (وجواب القسم) اي جواب الذي هو عالم الخ (البيت الذي هو بعده وهو قوله.

ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت

نفسي على الف سواك تحوم

(والا اي وان لم يقصد تشريك الثانية للاولى في حكم اعرابها) اى اعراب الاولى (فصلت الثانية عنها) اي يترك عطفها عليها (لئلا يلزم من العطف التشريك الذي ليس بمقصود) لان عطف الشيء بالوا ونحوها يوجب التشريك في الحكم فاذا لم يقصد وجب تركه لاقتضائه خلاف المراد اذ المراد حينئذ الاستيناف (نحو قوله تعالى (وَإِذا خَلَوْا) ضمن خلو معنى افضوا فعدى بالى والا فكان حقه التعدية بالباء اي واذا افضى المنافقون (إِلى شَياطِينِهِمْ) اى الى الكافرين في خلوة عن اصحاب النبي (ص) (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ)) اي بقلوبنا من حيث الثبات على الكفر وعداوة المسلمين (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بالمسلمين في اظهار الايمان (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) اى يجازيهم بالطرد من رحمته في مقابلة استهزائهم بالمسلمين ودين الاسلام ففي الكلام مشاكلة والا فالاستهزاء مستحيل على الله تعالى وسياتي المراد من المشاكلة في علم البديع انشاء الله تعالى.

والشاهد في انه (لم يعطف الله يستهزء بهم على انا معكم) بل جعل جملة مستانفة لانه) اي لان الله يستهزء (ليس من مقولهم) اى من مقول المنافقين (يعني ان قولهم (إِنَّا مَعَكُمْ) جملة في محل النصب على انه مفعول قالوا فلو عطف (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) عليها) اى على انا معكم (لزم كونه مشاركا لها في كونه مفعول قالوا وهذا باطل لانه


ليس من مقول المنافقين وانما قال على انا معكم دون (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) مع كونه اقرب اى انما قال المصنف لم يعطف (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على (إِنَّا مَعَكُمْ) ولم يقل لم يعطفه على (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (لانه) اى لان (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (بيان ل (إِنَّا مَعَكُمْ)) تنظر فيه بعضهم بان عطف البيان في الجمل لا بد فيه من وجود الابهام الواضح كما سياتى في قول المصنف او بيانا لها لخفائها ولم يوجد هنا في الجملة الاولى ابهام واضح ومن هنا ذهب بعضهم الى ان جملة (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) تاكيد للجملة الاولى او بدل اشتمال منها او مستانفة استينافا بيانيا ووجه الاول ان الاستهزاء بالاسلام يستلزم نفيه ونفيه بستلزم الثبات على الضلال الذى هو الكفر وهو معنى قوله (إِنَّا مَعَكُمْ) ووجه الثاني وهو كون الثانية بدل اشتمال ان الثبات على الكفر يستلزم تحقير الاسلام والاستهزاء به فبينهما تعلق وارتباط ووجه الثالث ان الجملة الثانية واقعة جواب سؤال مقدر تقديره اذا كنتم معنا فما بالكم تقرون لاصحاب محمد بتعظيم دينهم وباتباعه فقالوا في الجواب (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) وليس ما ترونه منا باطنيا فعلى هذا الاحتمال لو عطف عليها ايضا قوله (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) كانت هذه الجملة ايضا مقولا لهم لان الجملة الاستينافية لا تكون الا مقولة لقائل المستانف عنها واجيب بان مراد الشارح بالبيان البيان اللغوى وهو مطلق الايضاح لا الاصطلاحي والبيان اللغوي يعم التاكيد والبيان والبدل فتامل.

(فحكمه) اى فحكم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (حكمه) اي حكم (إِنَّا مَعَكُمْ) فالعطف على الجملة الثانية كالعطف على الجملة الاولى في لزوم المحذور المذكور لان كلا منهما من مقول المنافقين فاستغنى بالنص على


عدم صحة العطف على الجملة الاولى عن النص على عدم صحته على الجملة الثانية.

وان قلت حيث كان حكمها واحدا فهلا عكس قلت المتبوع اولى بالالتفات اليه لان العطف عليه هو الاصل.

(وعلى الثاني اي على تقدير ان لا يكون للاولى محل من الاعراب ان قصد ربطها بها اى ربط الثانية بالاولى).

فان قلت لم عبر ههنا بالربط وفيما تقدم انفا بالتشريك قلت ذلك لان الجملة الاولى هناك لها اعراب فناسب ان يعبر بالتشريك وههنا ليس لها اعراب فناسب ان يعبر بالربط اي ربطها (على معنى عاطف سوى الواو فحينئذ (عطفت به اى عطفت الثانية على الاولى بذلك العاطف من غير اشتراط شيء اخر) لصحة العطف والمراد من الشيء الاخر الجهة الجامعة وسياتي بيانها عنقريب (نحو دخل زيد فخرج) عمرو (او) دخل زيد (ثم خرج عمرو) وقوله (اذا قصد التعقيب) راجع الى الفاء كما ان قوله (او المهملة) راجع الى ثم كما قال في الالفية.

والفاء للترتيب باتصال

وثم للترتيب بانفصال

وانما يشترط في غير العطف بالواو شرط زائد لان لكل حرف من الحروف العاطفة معنى مخصوصا يكفى في الافادة عند قصده.

(وذلك لان ما سوى الواو من حروف العطف يفيد مع الاشتراك معاني محصلة وتفصيل ذلك ان حتى ولا العاطفتين لا تقعان) عند الاكثر (في عطف الجمل واما المفردات فحتى فيها لعطف الجزء على الكل ولا يكون ذلك الجزء الا غاية في الرفعة او الدنائة كقوله.


قهرناكم حتى الكماة فانتم

تهابوننا حتى بنينا الاصاغر

وهذا المعنى زائد على مطلق الاجتماع في الحكم فهو كاف فيها فلا يحتاج في العطف بها الى جامع اخر وان قلنا انها يعطف بها الجمل ايضا فلا بد في الجملة المعطوفة ان يراعى فيها ما روعى في عطف المفردات من كونها غاية فى احد الامرين فتامل.

واما لا العاطفة فهي لنفى الحكم عما بعده ولا يكون الا مفردا او بمنزلته فاذا قلت جاء زيد لا عمر افاد نفي المجيىء الثابت لزيد عن عمرو وذلك كاف في حسن الكلام وافادته فلا يحتاج فيها الى شيء اخر بشهادة الاستعمال والذوق وقد تقدم بعض الكلام فيها في الباب الخامس فراجع ان شئت.

(و) اما (او واما) بكسر الهمزة (وام في عطف الجمل مثلها) اي مثل او واما وام (في عطف المفردات) فمعانيها المعلومة اعني الشك والابهام والتخيير والتقسيم والاباحة كافية في الافادة سواء كانت في الجمل او في المفردات فلا يطلب فيها شيء اخر.

(وليست او في مثل قوله تعالى (كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) وقوله تعالى (مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) للعطف بل هو حرف استيناف لمجرد الاضراب بمعنى بل) على قول نقله ابن هشام عن بعضهم فحينئذ يخرج عن هذا الباب وفيها اقوال اخر مذكورة في النحو (وحكم لكن) اي معناها (قد عرفت فيما سبق) في بحث الحروف العاطفة في الباب الثاني (و) اما (بل) اذا كانت عاطفة فهي (في) عطف (الجمل مثلها في) عطف (المفردات) غاية الامر انها في الجمل لتقرير مضمونها وفي المفردات لتقرير الحكم بعد الاثبات والامر ولاثبات الضد بعد


النفي والنهي وذلك كاف بشهادة الاستعمال والذوق وقد كتبنا فيما سبق جدولا في ذلك فليراجع.

(الا انها قد تكون لتدارك الغلط) بناء على ما تقدم نقله في الباب الثاني عن بعض المحققين (بل) قد تكون (لمجرد الانتقال من كلام الى) كلام (اخر اهم من الكلام (الاول) المنتقل منه (بلا قصد الى اهدار) الكلام (الاول و) بلا قصد الى (جعله) اي جعل الكلام الاول (فى حكم المسكوت عنه كقوله تعالى (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) لان الغرض اثبات الامرين معا اي اثبات كونهم في شك منها واثبات كونهم منها عمون لا الانتقال من الاول واهداره وجعله في حكم المسكوت وذلك ظاهر.

(واما الفاء وثم فالفاء تفيد كون مضمون الجملة الثانية عقيب) الجملة (الاولى بلا فصل) ومهلة (وقد تفيد) الفاء كون المذكور بعدها كلاما مرتبا في الذكر على ما قبلها من غير قصد الى ان مضمونها عقيب مضمون ما قبلها في الزمان كقوله تعالى (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) فان) المتعارف فى المحاورات ان (مدح الشيء او ذمه انما يصح بعد جرى ذكره) سواء كان موجب المدح في نفس الامر متقدما او متاخر او يسمى هذا القسم بالتعقيب الذكرى.

(ومن هذا الباب عطف تفصيل المجمل) اي عطف مفصل على مجمل (نحو (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ) رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) (ونحو (كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)) ففصل النداء فى الاول بجملة القول بعده والاهلاك في الثاني بمجىء الباس والعذاب


بعده في احدى الحالتين (لان) المتعارف ان (موضع التفصيل بعد الاجمال) ولو اتحد الحكمان فيها او اقترنا هذا ولكن لابن هشام في امثال هذه الاية كلام دقيق حاصلة تاويل الفعل اى اهلكنا بالارداة اى اردنا اهلاكها فجائها باسنا كما هو كذلك في قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) الخ فعلى هذا يخرج الكلام عما نحن فيه فتدبر جيدا.

(و) ليعلم انه (لا ينافي) هذا المعنى اي التعقيب الذكرى (ان يكون فيها) اي في الفاء (معنى السببية) اى سببية مضمون الجملة الاولى لمضمون الجملة الثانية نحو يقوم زيد فيقعد عمرو) ونحو قوله تعالى (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) ونحو (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) ونحو الذي يطير فيغضب زيد الذباب بناء على ما ذكره السيوطي وبيناه نحن في شرح قول الناظم.

واخصص بفاء عطف ما ليس صلة

على الذي استقر انه صلة

(ثم) اعلم (ان كونها) اى الفاء (للترتيب بلا مهلة لا ينافي كون) الجملة (الثانية في المرتبة مما يحصل بتمامه في زمان طويل اذا كان اول اجزائه متعقبا) اى متصلا بمضمون الجملة الاولى (كقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) فان الاخضرار يبتدى عقيب نزول المطر لكن يتم فى مدة) طويلة بعد نزول المطر (و) لذلك (لو قال ثم تصبح نظرا الى تمام الاخضر جاز).

قال شمني في حاشية المغنى الظاهر ان تصبح على حقيقته فيكون الاخضرار فى وقت الصباح من ليلة المطر ويحتمل ان تكون بمعنى


تصير فلا يلزم ذلك والاول قول عكرمة وهو موجود مكة فى وتهامه قال ابن عطية وقد شاهدت في القدس الاقصى نزل المطر بعد قحط فاصبحت الارض الرملة التي تسقيها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف وفى البحر واذا كان الاخضرار متاخرا عن انزال المطر فثم جمل محذوفه اى فتهتز وتربو فتصبح بين ذلك بدليل قوله تعالى (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) انتهى محل الحاجة من كلامه.

(وثم) في عطف الجمل للترتيب مع التراخي كما فى) عطف (المفردات لكنها كثيرا ما تجيىء لاستبعاد مضمون الجملة الثانيه عن) الجملة (الاولى وعدم مناسبة له) اى عدم مناسبة مضمون الجملة الثانية لمضمون الجملة الاولى (نحو قوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) بعد قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) والاستبعاد وعدم المناسبة بينهما ظاهر كالنار على المنار والشمس فى رابعة النهار فسبحان من له هذه القدرة العزيز الجبار (ونحو قوله تعالى (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) بعد قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (لاستبعاد الاشراك بخالق السماوات والارض) وجاعل الظلمات والنور.

(وكذا قوله تعالى (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (بعد قوله تعالى (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ) (الاية) فى سورة البلد قال في تفسير البحر المحيط. ان (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) معطوف على (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) ودخلت


ثم لتراخي الايمان والفضيلة لا للتراخي في الزمان لانه لا بد ان يسبق تلك الاعمال الحسنة الايمان اذ هو شرط في صحة وقوعها من الطائع او يكون المعنى ثم كان في عاقبة امره من الذين وافوا الموت على الايمان اذا لموافاة عليه شرط في الانتفاع بالطاعات او يكون التراخي في الذكر كانه قيل ثم اذكر انه كان من الذين امنوا وتواصوا بالصبر اي اوصى بعضهم بعضا بالصبر على الايمان والطاعات وعن المعاصى وتواصوا بالمرحمة اى بالتعاطف والتراحم او بما يؤدي الى رحمة الله انتهى.

(وكذا) قوله تعالى (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) للبعد بين) الاستغفار اعني (طلب المغفرة) باللسان وبين التوبة (و) هى (الانقطاع بالكلية الى الله تعالى) بترك المعاصى وهما قد يقترنان وقد يتقدم الثاني على الاول وقد يعكس وقد يفتر فان بان يوجد احدهما دون الاخر فعطفت التوبة على الاستغفار بثم ايماء الى ان منزلة الانقطاع الى الله تعالى بالمعنى المذكور اعلى من الاستغفار باللسان.

(وهذا) القسم من العطف بثم الدال على الاستبعاد (في التنزيل اكثر من ان يحصى) فعليك بالتتبع في ايات القران الكريم (وقد يجيىء لمجرد الترتيب والتدرج في درج الارتقاء) والكمال مع بيان الكمال الذي هو الاولى بالتقديم (من غير اعتبار تعقيب او تراخ كقوله)

ان من ساد ثم ساد ابوه

ثم ساد قبل ذلك جده

فان سيادة الجد والاب سابقتان لكن اتى بثم لتدرج الممدوح بمدراج الارتقاء والكمال مع بيان الاولى منها بالتقديم لان الاولى بالانسان سيادته ثم تليه سيادة ابيه وجده ولو كان سيادة الكل مدحا له (وكذا قوله تعالى (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ


الدِّينِ) فان المراد من الجملة الاولى التعظيم لهول ذلك اليوم ومن المعلوم ان التكرار يوجب الدلالة على تعظيم اكمل وانما مثل بمثالين الاول لما كان التدرج في درج الارتقاء من الاعلى الى الاسفل كما في البيت فان سيادة نفسه في المرتبة مقدمة على سيادة ابيه وهي على سيادة جده والثاني لما كان بالعكس كما في الاية فانه اذا قيل اولا وما ادريك فهم منه تعظيم وتهويل واذا قيل ثانيا ما ادريك فهم منه زيادة اعتبار مما فهم اولا من التعظيم والتهويل وسياتي فيه كلام اطول في الباب الثامن انشاء الله تعالى فانتظر.

(اذا عرفت هذا) الذي بينا في معاني حروف العطف (فنقول اذا عطفت بواحد من هذه الحروف جملة على جملة ظهرت الفائدة فيه وهي حصول معاني هذه الحروف فتغنى تلك الفائدة عن طلب خصوصية جامعة بين الجملتين المتعاطفتين (بخلاف الواو فانه لا يفيد معنى (سوى مجرد الاشتراك وهذا) المعنى (انما يظهر فيما له حكم اعرابي) كالمفردات والجمل التي لها محل من الاعراب فاذا كان للجملة الاولى محل من الاعراب ظهر المشترك فيه وهو الامر الموجب للاعراب كالخبرية والحالية ونحوهما (وعند انتفائه) اي عند انتفاء الحكم الاعرابي (يثبت الاشكال) الذي ذكره الشيخ في دلائل الاعجاز بعد تقسيم الجمل على قسمين وهذا نصه ان الجمل المعطوف بعضها على بعض على ضربين احدهما ان يكون للمعطوف عليها محل من الاعراب واذا كانت كذلك حكمها حكم المفرد اذ لا يكون للجملة موضع من الاعراب حتى تكون واقعة موقع المفرد واذا كانت الجملة الاولى واقعة موقع المفرد عطف الثانية عليها جاريا مجرى عطف المفرد وكان وجه الحاجة


الى الواو ظاهرا والاشتراك بها في الحكم موجودا.

فاذا قلت مررت برجل خلقه حسن وخلقه قبيح كنت قد اشركت الجملة الثانية في حكم الاولى وذلك الحكم كونها في موضع جر بانها صفة للنكرة ونظائر ذلك تكثر والامر فيها يسهل.

والذي يشكل امره هو الضرب الثاني وذلك ان تعطف على الجملة العارية الموضع من الاعراب جملة اخرى كقولك زيد قائم وعمر قاعد والعلم والجهل قبيح لا سبيل لنا الى ان ندعى ان الواو اشركت الثانية في اعراب قد وجب للاولى بوجه من الوجوه.

ثم قال واعلم انه يعرض الاشكال في الواو دون غيرها من حروف العطف وذلك لان تلك تفيد مع الاشتراك معاني مثل ان الفاء توجب الترتيب من غير تراخ وثم توجبه مع تراخ واو تردد الفعل بين شيئين وتجعله لاحدهما لا بعينه فاذا عطفت بواحد الجملة على الجملة ظهرت الفائدة فاذا قلت اعطاني فشكرته ظهر بالفاء ان الشكر كان معقبا على العطاء ومسببا عنه واذا قلت خرجت ثم خرج زيد افادت ثم ان خروجه كان بعد خروجك وان مهلة وقعت بينهما واذا قلت يعطيك او يكسوك دلت او على انه بفعل واحدا منهما لا بعينه.

وليس للواو معنى سوى الاشتراك في الحكم الذي يقتضيه الاعراب الذى اتبعت فيه الثاني الاول فاذا قلت جاءني زيد وعمر لم تفد بالواو شيئا اكثر من اشراك عمرو في المجيىء الذي اثبته لزيد والجمع بينه وبينه ولا يتصور اشراك بين شيئين حتى يكون هناك معنى يقع ذلك الاشراك فيه واذا كان ذلك كذلك ولم يكن معنا في قولنا زيد قائم وعمر قاعد معنى تزعم ان الواو اشركت بين هاتين الجملتين فيه اثبت


اشكال المسئلة انتهى.

(فان قلت الواو ايضا تفيد الجمع بين مضمون الجملتين في الحصول نصا لانك اذا قلت يضر زيد ينفع من غير واو احتمل ان يكون قولك ينفع رجوعا عن قولك يضر وابطالا له كذا في دلائل الاعجاز) ونحن نذكر نص كلامه لزيادة التوضيح قال اذا قلت هو يضر وينفع كنت قد افدت بالواو انك اوجبت له الفعلين جميعا وجعلته يفعلهما معا ولو قلت يضر ينفع من غير واو لم يجب ذلك بل قد يجوز ان يكون قولك ينفع رجوعا عن قولك يضر وابطالا له انتهى.

(قلت) اولا ان (هذا القدر) من الجمع بين مضمون الجملتين (مشترك بين الواو والفاء وثم) فلا يختص هذا المعنى بالواو (و) ثانيا ان (الجمل المشتركة فى مجرد الحصول غير متناهية فتمييز ما يحسن فيه العطف عما لا يحسن هو الذى يسكب فيه العبرات) وذلك لصعوبة ذلك التمييز وخفائه.

قال الشيخ فى اول باب الفصل والوصل اعلم ان العلم بما ينبغي ان يصنع فى الجمل من عطف بعضها على بعض او ترك العطف فيها والمجيىء بها منثورة تستانف واحدة منها بعد اخرى من اسرار البلاغة ومما لا يتاتى لتمام الصواب فيه الا للاعراب الخلص والاعراب طبعوا على البلاغة واتوا فنا من المعرفة في ذوق الكلام وهم بها افراد وقد بلغ من قوة الامر في ذلك انهم جعلوه حدا (يعنى معرفا) للبلاغة فقد جاء من بعضهم انه سئل عنها فقال معرفة الفصل من الوصل ذلك لغموضه ودقة مسلكه وانه لا يكمل لاحراز الفضيلة فيه احد الا كمل لسائر معاني البلاغة انتهى.

(والا اي وان لم يقصد ربط الثانية بالاولى على معنى عاطف


سوى الواو فان كان للاولى حكم لم يقصد اعطائه) اي اعطاء ذلك الحكم (للثانية فالفصل واجب لئلا يلزم من الوصل) اي من العطف (التشريك في ذلك الحكم) الذي للجملة الاولى (نحو (وَإِذا خَلَوْا) إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) فالجملة الاولى اعني قالوا لها حكم في هذه (الاية) وهو كونها مقيدة بالظرف اعني (إِذا خَلَوْا) بمعنى انهم انما يقولون انا معكم في وقت خلوتهم بشياطينهم لا في وقت حضور اصحاب رسول الله (ص) فلذلك لم (يعطف) الجملة الثانية اعني ((اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) على (قالُوا) لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف لما مر) غيره مرة ولا سيما في باب القصر (من ان تقديم المفعول ونحوه من الظرف وغيره يفيد الاختصاص) والحصر (فليزم ان يكون استهزاء الله بهم وهو ان خذلهم وخلاهم وما) اي مع ما (سولت) اي زينت (لهم انفسهم) حالكونه تعالى مستدرجا اياهم من حيث لا يشعرون مختصا بحال خلوهم الى شياطينهم وليس كذلك بل هو اي استهزاء الله (متصل لا انقطاع له بحال) من الاحوال سواء خلوا الى شياطينهم ام لم يخلوا اليهم.

(فان قلت لا نسلم ان اذا فى الاية ظرفية بل شرطية) وفي العامل فيها اقوال ذكرت في النحو (وبعد تسليم ان العامل فى اذا الشرطية هو الجزاء) وهو في الاية (قالُوا) (فلا نسلم ان مثل هذا التقديم) اي تقديم اذا الشرطية وسائر ادات الشرط (يفيد الاختصاص بل هو) اي التقديم (لمجرد تصدر الشرط كالاستفهام) وسائر ماله التصدر (ولو سلم) ان مثل هذا التقديم يفيد الاختصاص (فلا نسلم ان العطف على مقيد بشيىء) كالعطف على (قالُوا) في الاية المقيد باذا (يوجب تقييد المعطوف) ك (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) في الاية (بذلك


الشيىء) اى كذا في الاية.

(قلت) اولا ان (اذا الشرطية هي بعينها الظرفية استعملت استعمال الشرط) كما نص عليه ابن هشام فلا معنى لقولك ان اذا ليست ظرفية بل شرطية (و) ثانيا انه (لا شك ان قولنا اذا خلوت قرأت القرآن يفيد معنى) القصر والاختصاص اى لا اقرء القرآن الا اذا خلوت سواء جعل ذلك) المعنى (باعتبار مفهوم الشرط) نظر الى كون اذا متضمنا معنى الشرط (او باعتبار ان التقديم) اي تقديم اذا (يفيد الاختصاص) والقصر مع قطع النظر عن كونها متضمنة معنى الشرط فلا يصح قولك ان هذا التقديم لا يفيد الاختصاص.

(ثم) نقول ثالثا ان (القيد) كاذا اذا كان مقدما على المعطوف عليه فالظاهر تقيد المعطوف به) ايضا (كقولنا يوم الجمعة سرت وضربت زيدا) فمفاد الكلام تقييد الفعلين بالظرف وانتفائهما عند انتفائه (و) كذلك (قولنا ان جئتني اعطك واكسك) يفيد تقييد الفعلين واختصاصه بالمجيىء (نعم انه ليس بقطعي) وذلك لاحتمال ان يكون فائدة الشرط شيئا اخر غير المفهوم والانتفاء عند الانتفاء (لكنه) اى التقييد اى المفهوم والانتفاء عند الانتفاء (السابق) المتبادر (الى الفهم في الخطابيات) اى فيما اذا كان الظن كافيا فلا معنى لقولكم لا نسلم ان العطف على مقيد بشيء الخ.

(فان قلت اذا عطف شيىء على جواب الشرط فهو على ضربين احدهما ان يستقل كل) اي كل واحد من المعطوف عليه والمعطوف (بالجزائية) بحيث لا يتوقف المعطوف على المعطوف عليه (نحو ان تاتني اعطك واكسك (والثاني ان) لا يستقل بالجزائية وذلك بان يكون المعطوف


بحيث يتوقف على المعطوف عليه ويكون الشرط سببا فيه) اي في المعطوف بواسطة كونه) اي الشرط (سببا في المعطوف عليه كقولك اذا رجع الامير استاذنت وخرجت اي اى اذا رجع استاذنت واذا استاذنت خرجت فلم لا يجوز ان يكون عطف الله يستهزء بهم) لو عطف (على قالوا من هذا القبيل) الثاني (قلت لانه حينئذ) اى حين اذ كان من قبيل الثاني (يصير المعنى واذا قالوا استهزء الله بهم وهذا غير مستقيم لان الجزاء) اي جزاء المنافقين لاجزاء الشرط فالمراد الجزاء اللغوى كما في قوله الناس مجزيون باعمالهم فتامل (اعني استهزاء الله بهم انما هو على نفس استهزائهم وارادتهم اياه لا على اخبارهم عن انفسهم بانا مستهزئون بدليل انهم لو قالوا ذلك) تقية (لدفعهم) شر اليهود (عن انفسهم والتسلم عن شرهم لم يكن عليهم مؤاخذة كذا) قال الشيخ (في دلائل الاعجاز) بتغير ما (والاعطف على قوله فان كان للاولى حكم اى وان لم يكن للاولى حكم) زائد على مفهومها (لم يقصد اعطائه للثانية وذلك على ضربين الاول (بان لا يكون لها حكم زائد على مفهوم الجملة) اصلا نحو قام زيد واكل عمرو والثاني (او يكون ذلك) الحكم الزائد للاولى (ولكن قصد اعطائه للثانية ايضا) كما اعطى للاولى نحو بالامس جاء زيد وذهب عمرو (فان كان بينهما اي بين الجملتين كمال الانقطاع بلا ايهام اى بدون ان يكون في الفصل ايهام خلاف المقصود) بمعنى ان الجملتين اذا فصلتا لم يحصل فيهما ايهام خلاف المراد وسياتي مثاله وبيانه مفصلا وكذا سائر الاقسام (او) كان بين الجملتين (كمال الاتصال او) كان بينهما (شبه احدهما اى احد الكمالين فكذلك يتعين الفصل) في هذه


الاحوال الاربعة ولا يجوز الوصل لان الوصل كما سيصرح بعيدا هذا يقتضي المغايرة من وجه والمناسبة من وجه.

(والا اى وان لم يكن بينهما كمال الانقطاع بلا ايهام) خلاف المقصود (ولا كمال الاتصال ولا شبه احدهما فالوصل متعين) ويأتي وجهه بعيد هذا (وتحقيق ذلك ان الواو للجمع المطلق والجمع بين الشيئين يقتضي مناسبة بينهما) والمناسبة تنافي كمال الانقطاع وشبهه (و) يقتضي ايضا (ان يكون بينهما مغايرة لئلا يلزم عطف الشيىء على نفسه فالمغايرة تنافي كمال الاتصال وشبهه (والحاصل من احوال الجملتين اللتين لا محل لهما من الاعراب ولم يكن للاولى حكم لم يقصد اعطائه للثانية ستة) اقسام (الاول كمال الانقطاع بلا ايهام الثاني كمال الاتصال الثالث شبه كمال الانقطاع الرابع شبه كمال الاتصال الخامس كمال الانقطاع مع الايهام السادس التوسط بين الكمالين) فهذه اقسام ستة (فحكم الاخيرين الوصل وحكم الاربعة السابقة الفصل اما في الاول والثالث فلعدم المناسبة) لان المناسبة تنافي كمال الانقطاع وشبهه (واما في الثاني والرابع فلعدم المغايرة المفتقرة الى الربط بالعاطف والمغايرة تنافي الاتصال وشبهه.

(فاخذ) اى شرع (المصنف في تحقيق المقامات الستة وقال اما كمال الانقطاع فلاختلافهما خبرا وانشاء لفظا ومعنى اى يكون احدى الجملتين خبرا ومعنى والاخرى انشاء لفظا ومعنى) سواء كانت الاولى خبرا والثانية انشاء كما تقدم في خطبة الكتاب في وهو حسبي ونعم الوكيل وقد تقدم الكلام فيه هناك مستقصى فراجع ان شئت او بالعكس نحو قوله.


وقال رائدهم ارسوا نزاولها

فكل حتف امرء يجري بمقدار

(الرائد الذى يتقدم القوم لطلب الماء والكلاء) للنزول عليه ولا يكون الا عريفهم ويسمى عند بعض الاعاجم سر قافله وعند بعضهم جاووش (وارسوا اي اقيموا) بهذا المكان للحرب وهو ماخوذ (من ارسيت السفينة اى حبستها) في البحر (بالمرساة) وهي حديدة ذات رؤوس متعدة وتسمى بالفارسية لنگر تلقى في الماء متصلة بالسفينة فتقف وقد تطلق المرساة بفتح الميم على البقعة التي رست فيها السفينة (نزاولها اي نحاولها) اى نحتال لها ونعالجها (والضمير للحرب) لانها مونث سماعي (اى قال رائد القوم ومقدمهم اقيموا) في هذا المكان الملائم للحرب (نقاتل فان موت كل نفس يجرى بمقدار الله وقدره) لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون (لا الجبن ينجيه) من الموت (ولا الاقدام يرديه) اى يهلكه ولذلك قال امام الموحدين عليه صلوات المصلين على ما نسب اليه.

اي يومين من الموت افر

يوم ما قدر ام يوم قدر

(وقيل الضمير للسفينة) فالمعنى قال رائد القوم للملاحين ارسوها اى السفينة ولا تجروها لكى نعالجها اى نصلحها ونسوي ما عيب وفسد منها (وقيل) الضمير (للخمر) وفي كلا القولين تكلف وهو ان يقال المعنى على القول الاول انهم اى القوم عجلوا ليخرجوا من السفينة لخوفهم من الغرق فلم يقيموا ولم يتوقعوا لمحة لمعالجة السفينة وعلى المعنى الثاني للاشتغال بشرب الخمر ومعلوم ان المصراع الثاني لا يناسب هذا المعنى كذا قيل فتامل (والوجه) الصحيح غير المتكلف فيه (ما ذكرنا) من كون الضمير للحرب لان المصراع الثاني يلائمه


اشد الملائمة.

(و) الشاهد فيه انه (لما كان ارسوا انشاء لفظا ومعنى ونزاولها خيرا كذلك) ومن المعلوم ان بينهما كمال الانقطاع فمن اجل ذلك (لم يعطف) نزاولها (عليه) اي على ارسوا (ولم يجعل) نزاولها (ايضا مجزوما) بجعله (جوابا للامر لان الغرض تعليل الامر بالارساء بالمزاوله) اي جعل مضمون نزوالها علة لارسوا فكانه قيل لماذا امرت بالارساء فقال نزاولها اي لنزاول امر الحرب.

(والامر في الجزم بالعكس اعني يصير الارساء علة للمزاولة) فيصير المعنى انه ان وجد الارساء وجد المزاوله لانه لا يمكن المزاوله الا بالارساء (كما في اسلم تدخل الجنة) فانه لا يمكن دخول الجنة الا بالاسلام.

قال الجامي في بحث تقدير ان الجازمة بعد الاشياء الخمسة هذا اي جزم المضارع اذا قصدت السببية واما اذا لم تقصد لم يجز الجزم قطعا بل يجب ان يزفع اما بالصفة ان كان صالحا للوصفية كقوله تعالى (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) يرثني فيمن قرء مرفوعا اي وليا وارثا او بالحال كذلك كقوله تعالى (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) اى عمهين او بالاستناف كقول الشاعر.

وقال رائدهم ارسوا نزاولها

فكل حتف امرء يجري بمقدار

قال المحشى هناك ان نزاولها فعل مضارع مرفوع على الاستناف خبر مبتدء محذوف اي نحن نزاولها انتهى.

(فان قلت هذه الاقسام كلها على التقدير الثاني وهو ان لا يكون للجملة الاولى محل من الاعراب والجملة الاولى وهو قوله ارسوا فى محل


النصب على انه مفعول) مطلق وياتي وجهه عنقريب او مفعول به لقوله (قال فكيف يصح) الاستشهاد بالبيت

(قلت لما ذكر انه قد يكون بين الجملتين اللتين لا محل لاوليهما من الاعراب كمال الانقطاع او كمال الاتصال او نحوهما اشار الى تحقيق هذه المعانى) اي كمال الانقطاع والاتصال ونحوهما (من غير نظر الى كونها) اى كون هذه المعاني (بين الجملتين اللتين يكون لاوليهما محل من الاعراب او لا يكون فهذا) البيت (مثال لمجرد كمال الانقطاع بين الجملتين).

والحاصل ان كمال الانقطاع نوعان احدهما فيما ليس له محل من الاعراب وهذا يوجب الفصل والثاني فيما له محل من الاعراب وهذا لا يوجبه وهذا البيت من الثاني دون الاول فتحصل مما قررنا ان لمنع العطف بين الانشاء والخبر ثلاثة شروط الاول ان يكون فيما لا محل له من الاعراب والثاني ان يكون بالواو والثالث ان لا يوهم خلاف المقصود فتامل.

(وقد يقال) في الجواب (ان المقصود بالتمثيل) بالبيت (هو ما وقع فى كلام الرائد والجملتان في كلامه ليس لهما محل من الاعراب) قطعا لان كلا منهما في كلام الرائد مستانفة نحوية والمستانفة لا محل لها من الاعراب قطعا.

(و) لكن (لا يخفي ما فيه من التعسف لان المثال انما هو هذا المصراع) في كلام الشاعر لا في كلام الرائد (والجملتان فيه) اى في هذا المصراع (مما له محل من الاعراب) لان قال متسلط عليهما (ولهذا جعل نحو قوله تعالى (إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) مما له محل من


الاعراب على ما مر).

واستشكل عليه بعض المحققين بان الذى له محل من الاعراب هو مجموع الجملتين لا الجملة الاولى وحدها ولا الثانية وحدها (لان كلا منهما جزء المحكى وجزء المحكى لا محل له من الاعراب كالموضوع فقط او المحمول فقط.

واجيب عن هذا بان الجزء التام الفائدة حكمه حكم الكل بخلاف غير التام وليعلم انه قد اختلف النحويون في المحكى هل هو في محل المفعول المطلق او المفعول به فاذا قيل قلت الحمد لله فالحمد لله نوع من القول فالقول مفعول مطلق او هو مفعول به اذ يقال هذا الكلام مقولى ولا يقال في المصدر في نحو قولك قلت قولا هذا القول اعني المصدر مقولى والاقرب الاول وقد استقرب الثاني بعض المحققين.

(او معنى فقط اى لاختلافهما خبرا وانشاء معنى بان تكون احديهما خبرا معنى والاخرى انشاء معنى وان كانتا خبرين او انشائين لفظا) فالاول اى ما كانا خبرين لفظا (نحو مات فلان رحمه‌الله) فجمله مات فلان خبرية معنى ولفظا واما جملة رحمه‌الله (اي ليرحمه‌الله فهو انشاء معنى فلا يصح عطفه على مات فلان) والثاني ما كانا انشائين لفظا كقولك عند ذكر من كذب على النبي (ص) ليتبوء مقعده من النار لا تطعه ايها الاخ فالجملة الاولى اعني ليتبوء خبرية معنى والجملة الثانية اعني لا تطعه انشائين معنى وكل واحدة منهما انشائية لفظا فلا يصح عطف الثانية على الاولى فتدبر جيدا.

(او لانه عطف على لأختلافهما والضمير) في لأنه (للشان) اى الشان انه (لا جامع بينهما كما سياتي في بيان الجامع) عنقريب.


(فلا يصح) الوصل اي العطف فيما لا جامع اما بين المسندين فقط نحو (زيد طويل وعمرو قائم) عند فرض الصداقة ونحوهما بين زيد وعمرو او بين المسند اليهما فقط نحو زيد طويل وعمرو قصير عند فرض عدمها بينهما مع كون الجامع بين المسندين التضاد (و) كذلك (لا) يصح الوصل اي العطف فيما لا جامع بين المسند اليهما والمسندين جميعا نحو العلم حسن ووجه زيد قبيح) ووجهه ظاهر.

(واما كمال الاتصال) بين الجملتين فيكون لاحد امور ثلاثة بينها بقوله (فلكون) الجملة (الثانية مؤكدة للاولى او بدلا عنها او بيانا لها واما النعت فلما لم يتميز عن عطف البيان الا بانه) اي النعت (يدل على بعض احوال المتبوع) اي على بعض اوصاف المتبوع (لا عليه) اي لا على ذات المتبوع (و) عطف (البيان بالعكس) فان البيان يدل على ذات المتبوع لا على بعض احواله ومن هنا قالوا في النحو ان الفرق بينهما ان النعت لا يكون الا مشتقا او مؤلا به والبيان لا يكون الا جامدا او مؤلا به بان كان صفة فصار علما بالغلبة كالصعق والرحمن والرحيم على قول واما تميز النعت عن التاكيد والبدل فبان المقصود من التاكيد كما سيصرح بعيد هذا التقرير ودفع توهم تجوز او غلط ومن البدل توفيه المراد وليس المقصود من النعت شيء منهما فتامل.

(وهذا المعنى) اى الدلالة على بعض احوال المتبوع (مما لا تحقق له في الجمل) لان الجملة انما تدل على النسبة ولا يتاتى ان تكون نسبة جملة دالة على وصف شيىء في جملة اخرى (لم تنزل) الجملة (الثانية من) الجملة (الاولى منزلة النعت من المنعوت) ولكن قد


تكون النسبة في جملة موضحة لنسبة جملة اخرى فلذا نزلت الجملة الثانية من الجملة الاولى منزلة الاولى عطف البيان من المبين.

فان قلت ان كل واحد من التوكيد والبدل او عطف البيان من جملة التوابع والتابع هو الثاني المعرب باعراب سابقه الحاصل او المتجدد وحينئذ فلا بد ان يكون للمتبوع اعراب لفظى او تقديري او محلى مع ان الكلام في الجمل التي لا محل لها من الاعراب.

قلت ان المراد من قولهم هو الثاني المعرب باعراب سابقه كونه كذلك فيما كان لسابقه اعراب او المراد باعراب سابقه ان يكون مثله في الاعراب نفيا واثباتا او ان هذا تعريف للتابع بالنظر للغالب وهو ما اذا كان للسابق اعراب نص على ذلك بعض المحققين.

(ثم جعل) الجملة (الثانية مؤكدة للاولى يكون لدفع) المتكلم (توهم) السامع ارادة (تجوز او) وقوع (غلط) من المتكلم (وهو) اى كون الجملة الثانية مؤكدة للاولى (قسمان لانه اما ان تنزل) الجملة (الثانية من) الجملة (الاولى منزلة التاكيد المعنوى من متبوعه في افادة التقرير) وذلك (مع الاختلاف) بين الجملة الاولى والثانية (في المعنى) المراد منهما لا ما يدل عليه الفاظهما المراد منهما وسياتي مثاله بعيد هذا (او) تنزل الجملة الثانية (منزلة التاكيد اللفظى) وذلك (فى) حال (اتحاد المعنى) اي معنى الجملة الاولى والثانية لا لفظهما فانه لا يتصور ههنا وسياتي مثاله عن قريب.

(فا) لقسم الاول نحو (لا رَيْبَ فِيهِ) بالنسبة الى (ذلِكَ الْكِتابُ) فان معناهما المراد منهما مختلفان (وهذا) اي كون (لا رَيْبَ فِيهِ) مؤكدة لقوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ) (على تقدير ان يكون (الم) جملة مستقلة) مع


حذف احد جزئيها اما المبتدء او الخبر ان جعلت اسمية بان يكون التقدير الم هذا او هذا الم ويصح جعلها فعلية بحذف الجار بان يكون التقدير اقسم بالم او بلا حذف الجار بان يكون التقدير اذكر الم فيكون منصوبا وعلى التقادير الم اما اسم السورة او القران او اسم من اسماء الله تعالى او مؤل بالمؤلف من هذه الحروف (او طائفة من الحروف المعجمة) لا يعلم معناها بناء على انها من سر الكتاب كما روى عن بعض الصحابة ان لكل كتاب سر وسر القرآن حروف اوائل السور او يعلم بناء على ان كل حرف منقطع من كلمة والمجموع في موضع جملة مستقلة فالهمزة من الجلالة واللام من جبريل والميم من محمد فكانه قيل الله نزل جبريل بالوحي على محمد (ص) وان هذه الحروف اشارة الى ان الكتاب المتحدي به مركب من جنس هذه الحروف فلا يكون لها محل من الاعراب لان المراد بها على هذا مجرد تعداد الحروف فلا تكون مسندة ولا مسندا اليها هذا ولكن احسن الاقوال انها مما اختص الله نبيه (ص) واهل بيته بمعرفة معانيها فظهر مما ذكرنا ان الم جملة مستقلة لكن على بعض الاقوال لا جميعها.

(ذلِكَ الْكِتابُ) جملة ثانية) لا محل لها من الاعراب (و) كذلك ((لا رَيْبَ فِيهِ) جملة ثالثة) لا محل لها ايضا من الاعراب (على ما هو الوجه الصحيح المختار) واما اذا جعل مجموع ذلك الكتاب مبتدء ومجموع لا ريب فيه خبرا او جعل الم مبتدء وذلك الكتاب خبرا او جعل الم مبتدء ولا ريب فيه خبرا وجملة ذلك الكتاب جملة معترضة فانه حينئذ لا يكون لا ريب فيه جملة لا محل لها من الاعراب مؤكدة لجملة قبلها كذلك ومعلوم انه حينئذ يخرج عما نحن والى بعض


ما ذكرنا اشار بقوله وهذا على تقدير الخ (وههنا وجوه اخر) قد ذكرنا اكثرها لكنها (خارجة عن المقصود) اذا المقصود من تلك الوجوه ههنا كما ياتي جعل المبتدء ذلك الخبر الكتاب ليصير جملة مستقلة لا محل لها من الاعراب وكذلك لا ريب فيه كما ينبه على ذلك قوله (فانه لما بولغ) اي وقع المبالغة (في وصفه اي وصف الكتاب والباء) المعدية (في قوله ببلوغه متعلق بوصفه اي) وقعت المبالغة (في ان وصف) الكتاب (بانه بلغ الدرجة القصوى) اي البعدى اى المنتهى (في الكمال) حاصله ان وصف الكتاب بانه بلغ في الكمال الى انتهاء درجات الكمال ورفعة الشان.

(وبقوله بولغ تتعلق الباء) السببية (في قوله بجعل) فيصير حاصل المعنى فانه لما وقعت المبالغة في الوصف المذكور بسبب جعل (المبتدء) لفظ (ذلك و) بسبب (تعريف الخبر) يعني الكتاب (باللام وذلك لما مر) في الباب الثاني (من ان تعريف المسند اليه با) سم (الاشارة يدل على كمال العناية يتمييزه و) مر ايضا هناك (انه ربما يجعل بعده) المدلول عليه باللام في اسم الاشارة (ذريعة) اى وسيلة (الى تعظيمه وبعد درجته).

(و) ايضا قد حصلت المبالغة بتعريف الخبر فانه قد مر ايضا (ان تعريف المسند باللام يفيد الانحصار) اما (حقيقة نحو الله الواجب) الوجود (او مبالغة نحو حاتم الجواد) اي لا جواد الا حاتم اذ جود غيره بالنسبة الى جوده كالعدم (فمعنى (ذلِكَ الْكِتابُ) انه) اى القران (الكتاب الكامل) في الهداية (كان ما عداه من الكتب) السماوية (في مقابلته ناقص) في الهداية بل ليس بكتاب ولو كان في


نفسه كتابا كاملا في نفسه (وانه) اي القران (الذي يستاهل) اي يستحق (ان يسمى كتابا) وهذا المعنى (كما تقول هو الرجل الكامل في الرجولية كان من سواه) من الرجال (بالنسبة اليه ليس برجل)

ولا يذهب عليك ان هذا المعنى الذي قررناه ليس سوء ادب بالنسبة الى ما سوى القران من الكتب السماوية لانا بينا المراد من الهيئة التركيبية التي وقعت في كلام الملك العلام حسبما يقتضيه القانون المستفاد من تتبع خواص تراكيب البلغاء والملك الجليل له ان يفضل ما شاء من كتبه على غيره بالمبالغة الحصرية وغيرها وقد تقدم في باب تقديم المسند ان المعتبر في مقابلة القران هو باقي كتب الله تعالى كما ان المعتبر في مقابل خمور الجنة خمور الدنيا لا سائر المشروبات وغيرها ومن هنا يفضل بعض ايات القران على بعض اخر منه من دون ان يكون في هذا التفضيل سوء ادب بالنسبة الى القران والا فكيف يقول الشاعر بالفارسية.

در بيان ودر فصاحت كى بود يكسان سخن

كرچه كوينده بود چون جاخط چون اصمعى

در كلام ايزد بيچون كه وحى منزل است

كى بود تبث يدا مانند يا ارض ابلعى

نعم لو وقع الحصر المذكور في المقام من غير الله الجليل لزم سوء ادب بل ازيد من ذلك لو كان ذلك من غير بينة ودليل والتفاضل الذي قد يدعى بين انبياء الله واوليائه من هذا القبيل لانه المستفاد من كلامه في التنزيل اعني (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ) ونحوه فافهم وتبصر.


(جاز جواب لما) بولغ في وصفه الخ (اي يجوز بسبب هذه المبالغة المذكورة ان يتوهم السامع قبل التامل) والتدبر في القران ومزاياه (انه اي قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ)) المفيد للمبالغة المذكورة (مما يرمي به) اي من جملة الكلام الذى يتلفظه المتكلم (جزافا) مثلث الجيم يقال لمن يرسل كلامه ارسالا من غير قانون وهو فارسي معرب كزاف معناه بالفارسية (ياوه سرائي) ومن هنا قيل اصل الكلمة دخيل في العربية فحاصل معناه التكلم (من غير ان يكون) الكلام (صادرا عن روية وبصيرة) وانما كانت المبالغة المذكورة مما جاز ان يتوهم السامع انه مما يرمى به جزافا لما جرت به العادة غالبا ان المبالغ في مدحه لا يكون على ظاهره بل يخرج على خلاف مقتضى ظاهره اذ لا تخلو المبالغة غالبا من تجوز وتساهل بل من الكذب والمحالية كما ياتي بيان ذلك في تعداد المحسنات المعنوية في البديع انشاء الله تعالى مع توضيح منا ان ساعدنا التوفيق لذلك فان قلت ان توهم كون الكلام مما يرمى به جزافا انما يصح لو صدر عن غير الله الجليل فكيف يقال جاز ان يتوهم السامع في المقام انه مما يرمى به جزافا.

قلت ان المراد ان هذا الكلام لو كان من غير الله الجليل لتوهم ما ذكر وهذا نظير ما يجاب عما يرد في تعريف اللفظ والخبر ونحوهما فافهم.

(فاتبعه) بضم الهمزة وسكون التاء وكسر الباء وفتح العين لانه (على لفظ المبني للمفعول) من باب الافعال (و) والضمير (المرفوع المستتر) فيه نائب الفاعل وهو (عائد الى قوله) في المتن المتقدم


((لا رَيْبَ فِيهِ) و) الضمير (المنصوب) المتصل (البارز) عائد (الى قوله) في المتن المتقدم ((ذلِكَ الْكِتابُ) اى ولما جاز ان يتوهم) السامع (ان قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ) جزاف جعل قوله تعالى (لا رَيْبَ فِيهِ) تابعا لقوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ) فيا لذلك التوهم) فكانه قيل لا ريب فيه اى في الكلام المتقدم اي في قوله (ذلِكَ الْكِتابُ) ولا مجازفة.

والحاصل انه اجرى (لا رَيْبَ فِيهِ) مع (ذلِكَ الْكِتابُ) لدفع ذلك التوهم وذلك بناء على قاعدة ما يجب مراعاته في البلاغة العرفية لان القران ولو كان كلام الله تعالى جار على القاعدة العرفية (فوزانه) بكسر الواو على وزن قتال (اي وزان (لا رَيْبَ فِيهِ)) اى شانه ومرتبته مع ذلك الكتاب (وزان) كلمة (نفسه) مع زيد (في جائني زيد نفسه) وبعبارة اخرى فائدة لا ريب فيه نظير فائدة التاكيد المعنوى اي نفسه من حيث كونه لدفع التوهم والتقرير ونحوهما.

(و) القسم (الثاني) اي الذى تنزل الجملة الثانية منزلة التاكيد اللفظي في اتحاد المعنى (نحو (هُدىً) اى هو (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)) فجملة (هُدىً) بمنزلة التاكيد اللفظي لجملة ذلك الكتاب لاتحادهما معنى (فان معناه) اى معنى جملة هو هدى (انه اى الكتاب في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها لما في تنكير هدى من الابهام والتعظيم) والمستفاد من تنكير هدى انه لا يصل الى حقيقة تلك الدرجة بتمامها افهام البشر (وكنه الشيىء نهايته حتى كانه) اى الكتاب هداية محضة) حاصله ان الحمل والاسناد في هو هدى من قبيل الحمل والاسناد في انما هي اقبال وادبار على ما تقدم بيانه نقلا عن الشيخ والى ذلك اشار بقوله (حيث جعل الخبر مصدرا لا اسم فاعل ولم يقل هاد


للمتقين وهذا) المعنى الذى بينا لجملة هو هدى وهو بلوغ القران في الهداية درجة لا يدرك كنهها حتى كانه هداية محضة (معنى (ذلِكَ الْكِتابُ) لان معناه كما مر) انفا (الكتاب الكامل والمراد بكماله كماله في الهداية لان) تفاوت (الكتب السماوية) وتفاضلها (بحسبها اي بحسب الهداية) اي بقدر الهداية (يقال ليكن عملك بحسب ذلك اي على قدره وعدده وتقديم الجار والمجرور) يعني بحسبها على قوله تتفاوت (للحصر اي بحسبها تتفاوت في درجات الكمال لا بحسب غيرها) لان الغرض الاقصى من انزالها هو الهداية الى الحق والصراط المستقيم وسائر الاغراض الدنيوية والاخروية بالنسبة اليه كالعدم.

(فان قلت قد تتفاوت الكتب) السماوية (بحسب جزالة النظم وبلاغته كالقران فانه فاق سائر الكتب) السماوية (باعجاز نظمه) كما ان نفس القران قد فاق بعض اياتها بعضها الاخر في ذلك على ما اشرنا اليه انفا فكيف يحصر تفاوت الكتب السماوية في الهداية (قلت هذا) التفاوت (داخل في الهداية لانه ارشاد الى التصديق) بانه من عند الله (ودليل عليه) على ما بيناه في اوائل الكتاب.

(فوزانه اى وزان (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) وزان زيد الثاني في جائني زيد زيد) حاصله مماثلة جملة هو هدى لزيد الثاني في اتحاد المعنى المراد اى دفع توهم الغلط والسهو ونحوهما لان التاكيد اللفظي كما مر في باب المسند اليه انما يؤتي به للتقرير او لدفع توهم السامع ان ذكر زيد الاول على وجه الغلط او السهو او نحوهما وان المراد عمرو مثلا فيؤتي بزيد الثاني للتقرير او لدفع ذلك التوهم فكذلك قوله هو هدى فانه انما اتى بها (لكونه مقررا لقوله (ذلِكَ الْكِتابُ)) ودافعا للتوهم


المذكور اى كونه مما يرمى به جزافا (مع اتفاقهما) اى اتفاق جملة هو هدى مع ذلك الكتاب (في المعنى) المراد اى في كون المراد من كل منهما ان القران فى الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها حسبما بيناه

(بخلاف قوله (لا رَيْبَ فِيهِ) فانه وان كان) ايضا تاكيدا لقوله (ذلِكَ الْكِتابُ) و (مقررا) له (لكنهما مختلفان معنى) وجه الاختلاف ان المراد من ذلك الكتاب وصف القران بانه بلغ الدرجة القصوى في الكمال حسبما مر بيانه انفا والمراد من لا ريب فيه نفي الريب عنه حتى لا يتوهم ان قوله (ذلِكَ الْكِتابُ) مما يرمى به جزافا وظاهر ان المعنيين مختلفان وان كان معنى ذلك الكتاب يستلزم نفي الريب عنه لكنه غيره (فلذا جعل بمنزلة التاكيد المعنوى) واما لفظة (هذا) فسياتي في اخر الكتاب انشاء الله تعالى في قوله تعالى (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) و (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) ما هذا نصه قال ابن الاثير لفظ هذا في هذا المقام من الفصل الذى هو احسن من الوصل وهي علاقة وكيدة بين الخروج من كلام الى كلام اخر ثم قال وذلك من فصل الخطاب الذى هو احسن موقعا من التخلص انتهى.

فتحصل من كلام الخطيب ان لا ريب فيه بمنزلة التاكيد المعنوى (لكن ذكر الشيخ في دلائل الاعجاز) ما يدل بظاهره على خلاف ذلك اى يدل على ان لا ريب فيه بمنزلة التاكيد اللفظي فانه قال (ان قوله (لا رَيْبَ فِيهِ) بيان وتوكيد وتحقيق لقوله (ذلِكَ الْكِتابُ) وزيادة تثبيت له وبمنزلة ان تقول هو ذلك الكتاب هو ذلك الكتاب فتعيده مرة ثانية لتثبته) فتامل.

واعترض على المصنف بانه حيث كان قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) وزانه


وزان زيد الثاني كان المناسب حينئذ عطف هدى للمتقين على قوله (لا رَيْبَ فِيهِ) لاشتراكهما في التاكيديه لذلك الكتاب وان امتنع عطفه على المؤكد بفتح الكاف.

واجيب بان لا ريب فيه لما كان تاكيدا تابعا لما قبله صار مثله اي مثل ما قبله فلما امتنع العطف على ما قبله امتنع العطف عليه لشدة ارتباطه بما قبله فالعطف عليه كالعطف على ما قبله وقال بعضهم ان هذا الاعتراض غفلة عن انه لا يعطف تاكيد على تاكيد فلا يقال جاء القوم كلهم واجمعون وذلك لايهام العطف على المؤكد فتنبه.

(او بدلا منها عطف على قوله موكدة للاولى اي القسم الثاني من كمال الاتصال والجملة الثانية بدلا من الاولى لانها اى الا وان تكولى غير وافية بتمام المراد) كما في بدل البعض (او كغير الوافية) كما في بدل الكل على راى وسياتي مثاله منا قال بعضهم في شرح المقام اى لكونها مجملة او خفية الدلالة وذلك كما في الاية والبيت الاتيين على ما يقتضيه ضيع الشارح وعليه فيكون المصنف اهمل التمثيل لما اذا كانت الاولى غير وافية والا حسن ان يراد بغير الوافية الجملة التي اتبعت ببدل البعض والاشتمال لانه لا يفهم المراد الا بالبدل اذ لا اشعار بالاعم للاخص ولا للمجمل بالمبين وان يراد بكغير الوافية الجملة التي اتبعت ببدل الكل بناء على اعتباره في الجمل لان مدلول الاولى هو مدلول الثانية صدقا وان اختلفا مفهوما والما صدق اكثر رعاية من المفهوم وعلى هذا يكون قوله اوفي تفصيلا باعتبار مطلق المشاركة لا باعتبار الوفاء بالمقصود في الحالة الراهنة ولا يقال حمل قوله او كغير الوافيه على التي اتبعت ببدل الكل لا يناسب مذهب


المصنف لان بدل الكل عنده لا يجرى في الجمل التي لا محل لها لانا نقول قوله او كغير الوافية اشارة لمذهب غيره من جريان بدل الكل في الجمل وكانه قال او كغير الوافية على ما مشي عليه غيرنا وانما كان حمل كلام المصنف على هذا الذى قلنا احسن لان غير الوافية هى التى صدر بها فينصرف التمثيل الذي ذكره لها وتكون التى هي كغير الوافية كالمستطردة باعتبار ما لم يذكره وذكره الغير ويمكن ان يجعل قول المصنف او كغير الوافية للتنويع الاعتباري وحينئذ فتكون الجملة الاولى في كل من الاية والبيت غير وافية باعتبار ووافية تشبه غير الوافية باعتبار اخر بيان ذلك ان في الاولى وفاء باعتبار كونها اعم واشمل فيصح جعل الاولى مشاركة للثانية في الوفاء بالمراد وان كانت الاولى وافية به اجمالا والثانية وافية به تفصيلا وزادت الثانية بالتفصيل فتكون اوفي فشبه الاولى بغير الوافية لخلوها عن التفصيل الذي هو المقصود ويصح جعل الاولى غير وافية بالمراد الذى هو التفصيل حيث جعل المراد هو التفصيل تامل انتهى.

(بخلاف) الجملة (الثانية فانها وافية) بالمراد (لا تشبه غير الوافية والمقام يقتضى اعتناء بشانه اي شان المراد لان الغرض من الابدال ان يكون الكلام وافيا بتمام المراد وهذا) اي كون الجملة الثانية بدلا من الاولى (انما يكون فيما يعتني بشانه) لا فيما يتعلق الغرض بابهامه واجماله (لنكتة ككونه اي تلك النكتة مثل كون المراد مطلوبا في نفسه) كما في قوله تعالى (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) الخ لان المراد منه الايقاظ من سنة الغفلة عن نعم الله وذلك مطلوب في نفسه لانه تذكير للنعم لتشكر والشكر عليها مبدء لكل خير (او) مثل كون المراد (فظيعا) اي


عظيما في القبح والشناعة فلفظاعته يعتني بشانه فيبدل منه ليتقرر في ذهن المخاطب بذكره مرتين نحو ان يقال لامرئة تزني وتتصدق توبيخا لها وتقريعا لا تجمعي بين الامرين لا تزني ولا تتصدق وهذا المثال بناء على اتيان بدل الكل في الجمل التى لا محل لها من الاعراب.

(او) مثل كون المراد (عجيبا) فيعتنى به لاعجاب المخاطب قصدا لبيان غرابته وكونه بحيث يمكن ان ينكر وذلك كقوله تعالى (بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) فان البعث والحياة بعد صيرورة العظام ترابا عجيب بل منكر عند من هو غافل عن قدرة الباري جلت كبريائه وهذا المثال ايضا مثال بدل الكل فتامل.

(او) مثل كون المراد (لطيفا) اي ظريفا مستحسنا بحيث لا يدرك بسهولة فيقتضي ذلك الاعتناء بشانه لادخاله في ذهن السامع كما عرفت زيد انه رقيق القلب وحسن السيرة فتقول زيد جمع بين امرين جمع بين رقة القلب وحسن السيرة وكما اذ رايته محتاجا ويتعفف فتقول زيد جمع بين امرين يحتاج ويتعفف وهذا يمكن ان يكون ايضا مثالا لكون المراد عجيبا فتامل.

(فتنزل) في جميع هذه الصور الجملة (الثانية من) الجملة (الاولى منزلة بدل البعض او الاشتمال من متبوعه) او بدل الكل بناء على ما نبهناك عليه (فلا تعطف) الجملة الثانية (عليها) اي على الجملة الاولى (لما بين البدل والمبدل منه من كمال الاتصال ولم يعتبر) المصنف فيما نحن فيه (بدل الكل) من الكل (لانه لا يتميز عن التاكيد الا بان لفظه غير لفظ متبوعه و) الا با (نه المقصود


بالنسبة) اي الا بان المقصود في الابدال نقل النسبة من المبدل منه الى البدل واليه اشار الناظم بقوله.

التابع المقصود بالحكم بلا

واسطة هو المسمى بدلا

(بخلاف التاكيد) فان لفظه غالبا عين لفظ متبوعه ولان المقصود منه بالاصالة تفسير متبوعه وايضاحه فليس هو المقصود بالنسبة (وهذا المعنى) المذكور في البدل اى كونه مقصودا بالنسبة (مما لا تحقق له في الجمل لا سيما التى لا محل لها من الاعراب) لانه لا نسبة بين الجملة الاولى وبين شيىء اخر حتى ينتقل تلك النسبة الى الجملة الثانية فتكون بدلا هذا كله بناء على مختاره وقد اشرنا انفا الى ان راى بعضهم تحقق ذلك فى الجمل فانه جعل الاستئناف فيها منزلة الابدال ومثل بنحو قنعنا بالاسودين قنعنا بالتمر والماء واما بدل الغلط فقد مر فيما سبق انه لا يقع فى فصيح الكلام.

وليعلم ان المصنف اقتصر فى التمثيل على ما اختاره من قسمي البدل (فالاول) من القسمين (وهو ان ينزل) الجملة (الثانية منزلة بدل البعض) من الكل (نحو (أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ)) اى بالابل والبقر ونحوهما ((وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فان المراد) في المقام (التنبيه على نعم الله تعالى والمقام يقتضى اعتناء بشانه) اى بشان المراد يعنى التنبيه (لكونه) اى التنبيه (مطلوبا في نفسه) لكونه تذكير اللنعم (و) لكونه اى التنبيه (ذريعة الى غيره) اى الى الشكر وهو كما قلنا منبع كل خير قال الله تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ.)

(والثاني اعني قوله (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ) الى اخره اوفي بتاديته اى تادية


المراد لدلالته اى دلالة الثاني عليها اى على نعم الله بالتفصيل من غير احالة على علم المخاطبين المعاندين) الذين يعرفون نعمة الله ثم ينكروها واكثرهم الكافرون.

(فوزانه وزان وجهه) اى فمرتبته مرتبة وجهه (في اعجبني زيد وجهه) اي كما ان الوجه من زيد بعضه كذلك مضمون الجملة الثانية بعض من الجملة الاولى (لدخول الثاني في الاول لان ما تعلمون يشمل الانعام والبنين والجنات وغيرها) من نعم الله تعالى كما ان زيدا فى المثال يشمل الوجه وغيره (و) القسم (الثاني وهو ان تنزل) الجملة الثانية (منزلة بدل الاشتمال نحو).

اقول له لرحل لا تقيمن عندنا

والا فكن في السر والجهر مسلما

(اى ان لم تكن ترحل فكن على ما يكون عليه المسلم من استواء الحالين في السر والجهر) اى فى الباطن والظاهر وقريب من مضمون البيت قول الشاعر بالفارسية.

هركه زبانش دگر ودل دگر

كارد ببايد زدنش بر جگر

(فان المراد به اى بقوله ارحل كمال اظهار الكراهة لاقامته اى اقامة المخاطب وقوله لا تقيمن عندنا او في بتاديته اي تادية المراد لدلالته عليه اى دلالة لا تقيمن على المراد وهو كمال اظهار الكراهة لاقامته) اى اقامة المخاطب (بالمطابقة مع التاكيد الحاصل من النون) المؤكدة الثقيلة (فان قلت قوله لا تقيمن عندنا انما يدل بالمطابقة على طلب الكف عن الاقامة لانه موضوع للنهي واما اظهار كراهة المنهي) اى الاقامة (فمن لوازمه) اي من لوازم طلب الكف (ومقضياته فدلالته) اى دلالة لا تقيمن (عليه) اى على اظهار الكراهة (تكون بالالتزام


دون المطابقة) فكيف يدعى الخطيب انها بالمطابقة (قلت نعم ولكن) ذلك انما هو بالنظر الى الوضع اللغوي للنهى ودعوى المصنف بالنظر الى الوضع العرفى إذ من المعلوم عند الاذهان المستقيمة انه (صار قولنا لا تقم عندي بحسب العرف حقيقة في اظهار كراهة اقامته وحضوره حتى كثيرا ما يقال لا تقم عندى ولا يراد) من هذا الكلام بحسب العرف (كفه عن الاقامة) الذي هو المدلول اللغوي (بل مجرد اظهار كراهة حضوره) سواء وجد معها ارتحال أم لا (والتأكيد بالنون دال على كمال هذا المعنى) العرفي (فصار) قوله (لا تقيمن عندنا دالا) بحسب العرف (على كمال اظهار كراهته) اي كراهة المتكلم (لاقامته) اي اقامة المخاطب (بالمطابقة) فصح قول الخطيب انها بالمطابقة.

(وقريب من هذا الجواب ما يقال أنه) أي الخطيب (لم يرد بالمطابقة) ما هو المصطلح عند القوم اعني (دلالة اللفظ على تمام ما وضع له (بل) أراد (دلالته) أي دلالة اللفظ (على ما يفهم منه قصدا وصريحا) بسبب كون اللفظ حقيقة في ذلك المفهوم او مجازا مهشورا فيه او بسبب كون القرينة في غاية الوضوح عرفا ومن المعلوم ان قوله لا تقيمن عندنا بحسب الاستعمال العرفي دال على اظهار الكراهة صريحا وبالمطابقة بهذا المعنى باحد هذه الوجوه الثلاثة وذلك (بخلاف) قوله (ارحل فان دلالته على كمال اظهار الكراهة لاقامته ليست بالمطابقة).

لا بالمعنى المصطلح عندهم ولا بهذا المعنى القريب الذكر (مع انه ليس فيه) أي في قوله ارحل (شيء من التاكيد بل انما يدل على


ذلك) أي على اظهار الكراهة لاقامته (بالالتزام بقرينة قوله والا فكن في السر والجهر مسلما فانه يدل على ان المراد من امره بالرحلة اظهار كراهة اقامته بسبب مخالفة سره العلن) أي بسبب كونه منافقا ذا لسانين.

(وزعم صاحب المفتاح ان دلالة ارحل على هذا المعنى) أي على اظهار الكراهة (بالتضمن فكانه أراد بالتضمن معناه اللغوي) لا الاصطلاحي اعني دلالة اللفظ على جزء ما وضع له وذلك (لان ارحل معناه الصريح) المطابقي (طلب الرحلة وقد قصد في ضمن ذلك) المعنى شيئا خارجا من ذلك المعنى وهو (نهيه عن الاقامة اظهارا لكراهتها) اي كراهة الاقامة (وظاهر ان كمال اظهار الكراهة لاقامته ليس جزء من مفهوم ارحل حتى يكون دلالته) أي دلالة ارحل (عليه) أي على كمال اظهار الكراهة (بالتضمن) المصطلح عندهم.

(ويمكن ان يقال) ان مراد صاحب المفتاح بالتضمن ما هو المصطلح عندهم وذلك بدعوى (انه) أي ما زعم صاحب المفتاح (مبنى على) ما ذكره الاصوليون من (ان الأمر بالشيء يتضمن النهى عن ضده) الخاص (فقوله ارحل يدل بالتضمن على مفهوم لا تقم عندنا وهو اظهار كراهة اقامته بحسب العرف كما مر) انفا (وفيه تعسف) ظاهر وذلك لان كون النهى عن الضد جزء للأمر بالشيء مذهب مرجوح كما بين في محله وعلى تقدير صحته فالذي صار حقيقة عرفية في كراهة الاقامة هو لفظ لا تقم والموجود في ضمن ارحل هو معناه الاصلي لا معناه العرفي اذ لم تثبت في ارحل عرف مقتض لذلك وأيضا ان المعنى العرفي للفظ لا تقم هو مجرد الكراهة لا الكراهة


الكاملة فتأمل جيدا.

(فوزانه أي وزان لا تقيمن عندنا) أي مرتبة لا تقيمن عندنا مع ارحل (وزان) أي مرتبة (حسنها) مع الدار في كونه بدل اشتمال (في قولك اعجبني الدار حسنها) وذلك (لان عدم الاقامة) الذي هو مطلوب بلا تقيمن (مغاير للارتحال) الذي هو مطلوب بقوله ارحل لأن الارتحال انما يكون بعد الاقامة ولو ساعة وعدم الاقامة تدل على العدم الازلي الاصلي والمغايرة بينهما ظاهرة ظهور الشمس في رابعة النهار (فلا يكون لا تقيمن تأكيدا) لفظيا (لقوله ارحل) ولا تأكيدا معنويا لانه انما يكون بألفاظ مخصوصة محصوره فتأمل.

(او بدل كل) أي لا يكون بدل كل ايضا وذلك لما مر انفا من ان بدل الكل لا يتميز عن التأكيد الا بان لفظه غير لفظ متبوعة وانه المقصود بالنسبة دونه بخلاف التأكيد وهذا المعنى مما لا تحقق له في الجمل لا سيما التي لا محل لها من الاعراب فراجع ان شئت.

(وغير داخل فيه أي عدم الاقامه غير داخل في مفهوم الارتحال فلا يكون) عدم الاقامة أى جملة لا تقيمن عندنا (بدل بعض) من قوله ارحل (فيكون بدل اشتمال) منه.

فان قلت كان على المصنف ان يخرج بدل الغلط ايضا حتى يتم مدعاه من بدل الاشتمال قلت قد تقدم في الباب الثاني انه لا يقع في الفصيح من الكلام وقد اوضحناه هناك بما لا مزيد عليه ولكن قال بعضهم ان الذي لا يقع في الفصيح الغلط الحقيقي واما ان كان غير حقيقي بان تغالط بان يفعل المتكلم فعل الغلط لغرض من الاغراض فهذا واقع في الفصيح الا انه نادر وندرته لا تقتضي عدم ذكر ما


يخرجه فلعل المصنف انما ترك ما يخرجه لعدم تاتيه في قوله لا تقيمن لأن بدل الغلط انما يكون اذا لم يكن بين البدل والمبدل ملابسة لزومية على الظاهر والملابسة اللزومية بين لا تقيمن وارحل (من حيث دلالة احدهما على الآخر ظاهرة جلية كالنار على المنار هذا ولكن فيه نظر لا يخفى.

(و) ان قلت قد تقدم في اوائل المبحث ان هذه الاقسام كلها على التقدير الثاني وهو ان لا يكون للجملة الأولى محل من الاعراب والجملة الاولى في هذا البيت وهو قوله ارحل فى محل النصب على انه مفعول اقول فكيف يصح التمثيل بالبيت قلت ان (الكلام في) هذا البيت اعني في (ان الجملة الاولى اعني ارحل منصوبة المحمل لكونه مفعول أقول كما مر في قوله ارسوا نزاولها) وقد بيناه هناك مستقصى فلا نعيده.

(وقوله) أي الخطيب (في كلا المثالين اعني الآية والبيت ان الثاني او في بتادية المراد يدل على ان الجملة الاولى فيهما وافية بتمام المراد) وذلك لما بين في النحو من أنه يجب في افعل التفضيل اشتراك المفضل عليه والمفضل في اصل المادة وقد بينا ذلك في المكررات والكلام المفيد مستقصى فراجع ان شئت (لكنها كغير الوافية) فتحتاج الى البيان والتوضيح (أما) كون الجملة الاولى (في الآية) كغير الوافية (فلما فيها) أي في الجملة الاولى أي في بما تعلمون (من الاجمال) المحتاج إلى البيان والتوضيح نظرا إلى مقتضى الحال.

(أما) كون الجملة الاولى (في البيت) اعني قوله ارحل (فلما في دلالتها) أي دلالة جملة أرحل (على تمام المراد) أعني اظهار


الكراهة (من القصور) وذلك لان دلالته على المراد اعني اظهار الكراهة انما هو بالقرينة المتأخرة الخفية اعني قوله والا فكن في السر والجهر مسلما.

(او بيانا لها عطف على مؤكدة أي القسم الثالث من كمال الاتصال ان تكون الجملة الثانية بيانا للأولى فتنزل) الجملة الثانية (منها) أي من الجملة الاولى (منزلة عطف البيان من متبوعه في افادة الايضاح فلا تعطف) الجملة الثانية (عليها) أى على الجملة الاولى (لخفائها أي المقتضى لتبيين الجملة الاولى بالثانية خفاء الاولى مع اقتضاء المقام ازالته نحو (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ) وملك لا يبلى فان وزانه اي وزان قوله يا آدم وزان عمر في قوله.

اقسم بالله ابو حفص عمر)

ما مسها من نقب ولا وبر

اغفر له اللهم ان كان فجر

(حيث جعل قال (يا آدَمُ) بيانا وتوضيحا لقوله (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) كما جعل عمر بيانا وتوضيحا لابي حفص ولا يجوز ان يقال) فى الآية (أنه) أي قال يا آدم (من باب عطف البيان للفعل) فقط اى لوسوس من دون فاعله اعني الشيطان (لا الجملة) اى الفعل وفاعله (لانا إذا قطعنا النظر عن الفاعل اعني الشيطان لم يكن قال بيانا وتوضيحا لوسوس) إذ مع قطع النظر عن الفاعل في وسوس وقال ونظرا إلى مجرد الفعل اعني مطلق الوسوسة ومطلق القول لم يصلح الثاني ان يكون بيانا للأول لان القول اعم من الوسة مطلقا ولا يفهم منه ما يتضح به الوسوسة بل لا بد في القول من ملاحظة تعلقه بالمفعول


أيضا حتى يصلح بيانا للوسوسة فالنسبة البيانية انما هي بين الجملتين دون مجرد الفعلين (فليتأمل).

وجه التأمل انه قد يتوهم ان قال من حيث اسناده الى الفاعل بيان لوسوس لان مجموع الجملة بيان للجملة السابقة ومعلوم ان عدم كون القول المسند الى الشيطان بيانا لوسوسته محتاج الى التأمل ليظهر ان البيان ليس في نفس القول بل فى المجموع المركب من القول والقائل والمقول أيضا على ما اشرنا اليه انفا.

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الفصل وعدم العطف في الامثلة المتقدمة انما هو لكون الجملة الثانية بمنزلة التابع للجملة الاولى (و) لكن (قد تعطف الجملة) الثانية (التي تصلح) ان تكون (بيانا للأولى عليها) اي على الاولى (تنبيها على استقلالها) وعدم كونها بمنزلة التابع.

(و) على (مغايرتها للأولى كقوله تعالى) فى سورة البقرة (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) بدون الواو (وفي سورة ابراهيم «ع» (وَيُذَبِّحُونَ) بالواو فحيث طرح الواو جعله بيانا ل (يَسُومُونَكُمْ) وتفسيرا للعذاب) نظرا إلى انهما متحدان مصداقا فيكون بينهما كمال الاتصال (وحيث اثبتها جعل التذبيح لانه أوفى على جنس العذاب وأزداد عليه زيادة ظاهرة) لكونه عذابا وامانة فصار (كأنه جنس آخر) غير العذاب.

(وقد يكون قطع الجملة) الثانية (عما قبلها لكونها) أي الثانية (بيانا وتفسيرا لمفرد من مفرداته) أي مفردات ما قبلها (كقوله تعالى (فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) فانه بين


عذاب اليوم الكبير) أي القيامة (بان مرجعكم الى من هو قادر على كل شيء فكان قادرا على اشد ما أراد من عذابكم) فيأخذكم اخذ عزيز مقتدر.

(ولما فرغ) الخطيب (من كمال الاتصال) بين الجملتين (و) كمال (الانقطاع) بينهما (أراد ان يشير إلى شبهما) أي شبه كمال الاتصال والانقطاع (فقال وأما كونها أي كون الجملة الثانية كالمنقطعة عنها أى عن الاولى فلكون عطفها عليها أى عطف الثانية على الاولى موهما لعطفها على غيرها) أى غير الاولى (مما) أى من الغير الذي (يؤدى) العطف عليه (الى فساد المعنى) المراد من الكلام (وشبه هذا) الايهام (بكمال الانقطاع لانه يشتمل على مانع وهو إيهام خلاف) المعنى (المراد) وفساده (كما ان) الجملتين (المختلفتين انشاء وخبرا والمتفقتين) خبرا وانشاء (اللتين لا جامع بينهما تشمل على مانع) وهو عدم المناسبة إذ لا بد من المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه (لكن هذا) المانع الذى هو ايهام خلاف المراد (دونه) أى دون ذلك المانع الذي هو عدم المناسبة (لأن المانع في هذا خارجي) وعارضي (ربما يمكن دفعه بنصب القرينة بخلاف المانع في ذاك لأنه أمر ذاتي لا يمكن دفعه أصلا وهو كون احديهما خبرية والأخرى انشائية او لا جامع بينهما.

(ويسمى الفصل لذلك قطعا) أما لأن كل فصل قطع فيكون من باب تسمية المقيد بأسم المطلق أو الخاص باسم العام واما لأن فيه قطع توهم (مثاله) اي مثال الفصل لدفع الايهام المسمى بالقطع وعبر بالمثال لانه ليس نصا لما نحن فيه يدل على ذلك قوله بعيد هذا


ويحتمل الاستيناف فتأمل.

وتظن سلمى انني ابغى بها بدلا

أراها في الضلال تهيم

(فان بين الجملتين الخبريتين اعني قوله وتظن وقوله أراها مناسبة ظاهرة لاتحادهما في المسند لان معنى أراها اظنها والمسند إليه فى الأولى محبوبة وفي الثانية محب) والاتحاد بين المحبوبة والمحب مسلم عند أهله كما قيل فالفارسية :

من كيم ليلى وليلى كيست من

ما يكى جانيم اندر دو بدن

(لكن لم يعطف أراها على تظن لئلا يتوهم انه عطف على قوله ابغى وهو اقرب إليه فيكون هذا) أي أرى (ايضا من مظنونات سلمى) اذ المعنى حينئذ ان سلمى تظن انني ابغي بها بدلا وتظن ايضا انني أراها أي اظنها أيضا تهيم في الضلال وليس هذا المعنى مراد الشاعر لان مراده انني احكم على سلمى بأنها اخطأت في ظنها اني ابغى بها بدلا ويدل على ان مراده ما ذكر قوله قبل ذلك.

زعمت هواك عفا الغداة كما عفا

عنها طلال باللوى ورسوم

(ويحتمل) قوله أراها (الاستيناف) البياني اي ما كان جوابا عن سؤال مقدر) كأنه قيل كيف تراها في هذا الظن) اهو صحيح او لا (فقال) في الجواب (اراها) مخطئة لانها في الضلال تهيم اى (تتحير في اودية الضلال) اي في الضلال الشبيه بالاودية فهو من اضافة المشبه به الى المشبه فيكون المانع من العطف حينئذ كون الجملة الثانية كالمتصلة بما قبلها لاقتضاء ما قبلها السؤال او تنزيله منزلة السؤال والجواب ينفصل عن السؤال لما بينهما من الاتصال فالبيت على هذا من القسم الآتى الذي ذكره بقوله أما كونها كالمتصلة بها.


(ومن هذا القبيل) أي من قبيل القطع لدفع الايهام (قطع قوله (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) عن الجملة الشرطية اعني قوله تعالى (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) فان عطفه) اى عطف الله يستهزء بهم (عليها) اى على الجملة الشرطية (يوهم عطفه على جملة (قالُوا) او جملة (إِنَّا مَعَكُمْ) وكلاهما فاسد كما مر) آنفا.

(فظهر ان قطعه) اي قطع (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (أيضا للاحتياط) اى لدفع الايهام مع امكان العطف (كما في هذا البيت) المذكور في المتن (لا للوجوب) وامتناع العطف (كما زعم السكاكي لانه لم يبين امتناع عطفه على الجملة الشرطية) اى جملة إذا قالوا وانما بين امتناع العطف على جملة قالوا وجملة انا معكم انما نحن مستهزئون لا الجملة الشرطية اعنى اذا قالوا وهذا نص كلام السكاكي لم يعطف الله يستهزء بهم للمانع عن العطف بيان ذلك انه لو عطف لكان المعطوف عليه اما جملة قالوا واما جملة انا معكم انما نحن مستهزئون لكن لو عطف على انما نحن مستهزئون لشاركه في حكمه وهو كونه من قولهم وليس هو بمراد ولو عطف على قالوا لشاركه في اختصاصه بالظرف المقدم وهو اذا خلوا إلى شياطينهم لما عرفت في فصل التقديم والتأخير وليس هو بمراد فان استهزاء الله بهم وهو ان خذلهم فخلاهم وما سولت لهم انفسهم مستدرجا اياهم من حيث لا يشعرون متصل في شأنهم لا ينقطع بكل حال خلوا الى شياطينهم ام لم يخلوا اليهم انتهى.

(لا يقال أنه) اى السكاكى (تركه) اي ترك بيان امتناع العطف على الجملة الشرطية لامرين الاول (لظهور امتناع عطف غير الشرطية على الشرطية) والثاني (ظهور أنه لا جامع بينهما) اي بين


إذا قالوا والله يستهزء بهم.

(لأنا نقول الاول ممنوع فان عطف الشرطية على غيرها وبالعكس كثير في كلامهم) اما عطف الشرطية على غيرها فهو (مثل قوله تعالى (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) فعطف الجملة الشرطية اعني لو انزلنا على قوله قالوا وهو غير شرطية (و) أما عطف غير الشرطية على الشرطية فهو مثل (قوله تعالى (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)) فقوله (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) وهو غير شرطية معطوف على مجموع الشرط والجزاء لا على الجزاء وحده إذ لا معنى لقولنا (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَقْدِمُونَ).

(وكذا الثاني) اى عدم الجامع بينهما ممنوع (لظهور المناسبة) اى الجامع (بين المسندين اعني استهزاء الله تعالى وتقاولهم بهذه المقالات في اوقات الخلوات بل لاتحادهما في التحقيق) فان الاستهزاء والاستخفاف بحق المؤمنين استهزاء واستخفاف بساحة قدسه تعالى وتقدس فالاستهزاء والاستخفاف متحد في الجملتين (وكذا) المناسبة والجامع (بين المسند اليهما) ايضا ظاهرة (لكونهما متقابلين) اى متعاديين فالمناسبة هي العداوة التي هي كالتضايف (يستهز كل منهما بالآخر) وانما قلنا عدم الجامع ممنوع (بدليل انه) اى السكاكى علل في كلامه الذي نقلنا نصه انفا (قطع (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) عن جملة (قالُوا) او جملة (إِنَّا مَعَكُمْ) يما مر) انفا من الايهام (لا بعدم الجامع فليفهم) فانه دقيق وبالفهم حقيق.

(واما كونها اي كون) الجملة (الثانية كالمتصلة بها اي بالجملة) (الاولى فلكونها اي الثانية جوابا لسؤال) مقدر (اقتضته الاولى


فتنزل الاولى منزلته اي منزلة السؤال) اى يفرض ان الجملة الاولى نفس السؤال (لكونها) اى لكون الجملة الاولى (مشتملة عليه) اي على السؤال (ومقتضية له فتفصل) الجملة (الثانية عنها كما يفصل الجواب عن السؤال لما بينهما من الاتصال) وذلك لأن السؤال مستتبع للجواب والجواب لا يوجد ولا يصح بدون السؤال ومن هنا قال الحكيم الفارسي :

استاد سخن باش وسخن بيش مگو

چيزى كه نپرسند تو از پيش مگو

اعلم ان السؤال والجواب ان نظر الى مغييهما فبينهما شبه كمال الاتصال وان نظر إلى لفظيهما فبينهما كمال الانقطاع لان السؤال انشاء والجواب خبر وان نظر إلى قائلهما فكل منهما كلام متكلم ولا يعطف كلام متكلم على كلام متكلم آخر فعلى جميع التقادير الفصل متعين لكن هذا مخالف لما ذكره في اخر بحث الالتفات في قول الشاعر فلا صرمه يبدو وفى الياس راحة حيث جعل وفى الياس راحة جوابا لسؤال اقتضته الاولى حيث قال فكانه لما قال فلا صرمه يبدو قيل له ما تصنع به فاجاب بقوله وفي الياس راحه وقد اشتملت الجملة على الواو.

واجيب بان الواو في البيت للاستيناف لا للعطف وما قيل انه لم يعهد دخول الواو على الجملة المستانفة النحوية ففيه نظر بل قد عهد ذلك كالواو في قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) برفع يذرهم كما صرح به في المغنى وذكرناه في المكررات أيضا فتدبر جيدا.


(وقال السكاكي النوع الثاني من الحالة المقتضية للقطع ان يكون الكلام السابق بفحواه كالمورد للسؤال فينزل ذلك السؤال) المقدر (المدلول عليه بالفحوى منزلة الواقع) اي المحقق المصرح به ويطلب بالكلام الثاني وقوعه جوابا له فيقطع عن الكلام السابق لذلك) اى لاجل كون الكلام الثاني جوابا للسؤال المقدر إذا لا يعطف جواب سؤال على كلام آخر (و) لكن (تنزيل السؤال بالفحوى منزلة الواقع لا يصار إليه الا لنكتة كاغناء السامع عن ان يسئل) تعظيما له او شفقة عليه فالبليغ شأنه إذا تكلم بكلام متضمن لسؤال ياتي بجواب ذلك السؤال ولا يحوج السامع لكونه يسئل ذلك السؤال تعظيما له وشفقة عليه.

(او ان لا يسمع منه) هذا مبنى للمفعول وهو بتأويل المصدر مجرور لانه (عطف على اغناء أي مثل ان لا يسمع من السامع شيء تحقيرا له) أى للسامع (وكراهة لاستماع كلامه) وزاد في الايضاح (او مثل ان لا ينقطع كلامك) ايها المتكلم (بكلامه) اى السامع فيختل نظم الكلام (أو مثل القصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ) اى مع تقليل اللفظ (وهو تقدير السؤال أو غير ذلك) مثل ان لا يكون السامع كفوا لك في المحاورة فحسبه السماع وهذا اعم من التحقير لصحته بدون التحقير أيضا كما بين الوالد والولد لقصد تادبه أو مثل ادعاء ان هذا السؤال لا يحتاج الى ذكره او مثل تنبيه المتكلم على كمال فطانته وادراكه ان الكلام السابق مقتص للسؤال أو امتحان السامع هل يعلم ان ذلك جواب سؤال.

(فليس في كلام السكاكي دلالة على ان) نفس (الجملة الاولى


تنزل منزلة السؤال كما في كلام المصنف) أى الخطيب حاصل هذا الاعتراض ان المصنف مختصر لكلام السكاكي كما صرح بذلك في الديباجه فهو تابع له وهو لم يقل بما قاله المصنف وحينئذ فالمصنف مخطيء في كلامه.

وحاصل ما اجاب الشارح كما ياتي الآن انا نسلم ان المصنف مختصر لكلام السكاكي لكن لا نسلم خطائه وكونه تابعا للسكاكي لان المصنف أيضا مجتهد في هذا الفن فتارة يخالف اجتهاده اجتهاد السكاكي وتارة يوافقه كما هو الداب والديدن عند المجتهدين في غير هذا العلم.

فما ذكرنا هو الحاصل من قول الشارح (فكان المصنف نظر الى ان قطع) الجملة (الثانية عن) الجملة (الاولى مثل قطع الجواب عن السؤال لكونها كالمتصلة بها انما يكون على تقدير تشبيه الاولى بالسؤال وتنزيلها منزلته).

وهذا بخلاف ما زعمه السكاكي من تنزيل السؤال المدلول عليه بالفحوى منزلة الواقع الموجود.

وبعبارة أخرى حاصل ما ذهب إليه السكاكي ان السؤال الذي اقتضته الجملة الاولى بالفحوى ينزل منزلة الواقع الموجود بالفعل المصرح به وتجعل الجملة الثانية جوابا عن ذلك السؤال وحينئذ فتقطع الجملة الثانية عن الجملة الاولى إذ لا يعطف جواب سؤال على كلام آخر وعلى هذا فالمقتضى لمنع العطف كون الجملة الثانية جوابا بالسؤال محقق موجود لا تنزيل الجملة الاولى منزلة السؤال كما ذهب إليه المصنف.


(و) لكن (لا حاجة إلى ذلك) التنزيل والتشبية الذي ذهب إليه المصنف (لان كون الجملة الأولى منشاء السؤال كاف في الثانية التي هي الجواب كالمتصلة بها على ما أشار اليه صاحب الكشاف).

أي أشار في آخر كلامه الاتي الى الاكتفاء المذكور من غير حاجة الى تنزيل الجملة الاولى منزلة السؤال وتشبيهها به (حيث قال وانما قطع قصة الكفار يعني قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) الآية عما قبلها) يعني لم يعطف على ما قبلها (لان ما قبلها) وهو قوله تعالى (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (مسوق لذكر الكتاب وأنه (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) والثانية) يعني (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) الآية (مسوقة لبيان ان الكفار من صفتهم كيت كيت) معنى هذين اللفظين كما في انموزج بالفارسي (چنين وچنان) فهما من الكنايات (فبين الجملتين تباين في الغرض والاسلوب) أما التباين في الغرض فلان الغرض من الجملة الاولى بيان ان الكتاب متصف بغاية الكمال في الهداية لاثبات انه لا ريب فيه ولتحقيق انه الكتاب الكامل والغرض من الجملة الثانية بيان اتصاف الكفار بالاصرار على ما هم عليه من الكفر والضلال قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة بحيث لا يفيد فيهم الا لطاف وبعث الرسل وانزال الكتب ولا يؤثر فيهم الانذار.

وأما التباين في الاسلوب أى الفن والطريق فلأن طريق إداء المراد في الاول ان حكم على الكتاب مع حذف الضمير الراجع اليه في هدى للمتقين بخبر موصول به ذكر المتقين وأحوالهم بأنهم يؤمنون بالغيب


الى آخر الأوصاف وطريق الاداء في الجملة الثانية اعنى قوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) الآية ان حكم على الكفار مع ذكرهم لفظا بالاصرار المذكور فاشعرت هذه الجملة بانها فن آخر من الكلام (وهما) أي الجملة الاولى والثانية (على حد) من التباين والانقطاع (لا مجال فيه) اي في ذلك الحد (للعاطف) الموصل الثانية بالاولى وذلك لما سنذكره الآن من عدم التقابل بينهما فانفصلت الثانية عن الاولى (بخلاف قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) فانه وصلت الثانية اعنى قوله (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) بالاولى اعنى قوله (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) لما فيهما من التقابل الظاهر في المسند اليه والمسند لان المسند اليه في أحدهما مقابل للمسند اليه في الآخر وكذا المسند.

بخلاف الذين يؤمنون لان المسند اليه فيه بالحقيقة الكتاب لانه بيان لصفات المتقين الذين أنزل الكتاب لهدايتهم وهو أي الكتاب ليس في مقابل الكفار وذلك ظاهر لا غبار عليه.

(ثم قال) صاحب الكشاف (فان قلت هذا) الذي ذكرت في الآيتين المتقدمتين تام (اذا زعمت ان) الجملة الثانية يعنى ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) جار على المتقين) بان تكون صفة وبيانا للمتقين فتكون من أحكام الكتاب فيكون بينها وبين ان الذين كفروا سواء عليهم تباين في الغرض والاسلوب حسبما بين انفا.

(وأما إذا ابتدأته) أي إذا جعلته كلاما مستقلا لا تابعا للمتقين (وبنيت) هذا (الكلام بصفة المومنين) أي المتقين (ثم عقبته بكلام آخر) يعنى ان الذين كفروا سواء عليهم (في صفة أضدادهم كان مثل قوله تعالى (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)


في كونه من باب التقابل فيصح العطف والاتصال فكيف تحكم بنفي المجال للعاطف.

(قلت قد مر لي) أي لصاحب الكشاف في تفسير سورة البقرة (ان الكلام المبتدء عقيب المتقين) يعنى قوله تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) الى قوله (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (سبيله سبيل الاستيناف وانه مبنى على تقدير سؤال) قال في المثل السائر في بحث الايجاز ان الاستئناف في الآية واقع على اولئك لانه لما قال (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) الى قوله و (بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) اتجه لسائل ان يقول ما بال المستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى فاجيب بأن اولئك الموصوفين غير مستبعد ان يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا انتهى.

فقوله على تقدير سؤال للأشارة الى إن كون الجملة الاولى منشاء للسؤال كاف في كون الثانية التى هي الجواب كالمتصلة بها من غير حاجة الى تقدير تشبيهها بالسؤال وتنزيلها منزلته (فذلك) اى كون الكلام المبتدء عقيب المتقين سبيله الاستيناف (إدراج له) أى لذلك الكلام (في حكم المتقين) فذلك الكلام (تابع له) اى للمتقين (في المعنى) اى بالنظر الى المعنى (وان كان مبتدء) اى كلاما مستقلا منقطعا عما قبله (في اللفظ) اى بالنظر الى الاحكام اللفظية اى النحوية (فهو) اى الكلام المبتدء عقيب المتقين اى الذين يؤمنون (في الحقيقة كالجارى عليه) اى على المتقين لانه وان كان في صورة كلام مستقل منقطع عما قبله حيث جعل مبتدأ لفظا واخبر عنه باولئك لكنه مرتبط به ارتباط التابع بمتبوعه ارتباطا معنويا صار به متصلا


بما قبله اتصال التابع بمتبوعه فبينهما كمال الاتصال او شبهه فلذلك لم يعطف على ما قبله فظهر من هذه الفقرة الأخيرة من كلام صاحب الكشاف الاشارة المذكورة وظهر ايضا ان (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) و (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ) الآية ليستا من قبيل (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) فلذلك قطعت الثانية عما قبلها فتدبر جيدا.

(ويسمى الفصل) اى ترك العطف (لذلك اى لكون) الجملة (الثانية جوابا لسؤال اقتضته) الجملة (الاولى استينافا) في اصطلاح هذا العلم لا في اصطلاح علم النحو (وكذا الجملة الثانية نفسها تسمى استينافا كما تسمى) الجملة الثانية (مستانفة) في اصطلاح هذا العلم واما الجملة المستانفة في اصطلاح علم النحو وقد تسمى الابتدائية فهي كما في المغنى نوعان أحدهما الجملة المفتتح بها النطق كقولك ابتداء زيد قائم ومنه الجمل المفتتح بها السور الثانى الجمل المنقطعة عما قبلها نحو مات فلان رحمه‌الله وقوله تعالى (قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ) ومنه جملة العامل الملغى لتأخره نحو زيد قائم أظن إلى أن قال ويخص البيانيون الاستيناف بما كان جوابا لسؤال مقدر نحو قوله تعالى (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) فان جملة القول الثانية جواب لسؤال مقدر تقديره فما ذا قال لهم ولهذا فصلت عن الاولى ولم تعطف عليها انتهى.

(وهو اى الاستيناف ثلثة أضرب لان السؤال الذي تضمنته الجملة الاولى أما عن سبب الحكم) في الجملة الاولى وهو اى الحكم في المقام كونه عليلا (مطلقا) اى حال كون السبب المسؤول عنه مطلقا اى


لم ينظر فيه لتصور سبب معين خاص بل لمطلق سبب وهذا هو الضرب الاول (نحو).

قال لي كيف أنت قلت عليل

سهر دائم وحزن طويل

فقوله عليل خبر مبتدء محذوف اى أنا عليل وهو جملة اقتضت تساؤلا (اى ما بالك) اى ما حالك حال كونك (عليلا) اى مريضا (أو) معناه (ما سبب علتك) أي مرضك وليعلم ان لفظة أو للتنويع والتفنن في التعبير نظير ما قاله السيوطي في أول باب التصغير عبر به سيبويه وبالتحقير وهو تفنن لان كلا من العبارتين في المتن يفيد السؤال عن سبب العلة وإن كانت العبارة الاولى تفيد ذلك بالتلويح والثانية تفيده بالتصريح وقوله سهر دائم خبر مبتدء محذوف أى سبب علتي سهر دائم وحزن طويل وهذا محل الشاهد حيث ترك العطف لما بين الجملتين من شبه كمال الاتصال فالمغايرة التي يقتضيها العطف لا تناسبه وأما قوله عليل أي أنا عليل وان كان جواب سؤال وهو كيف أنت فلا شاهد فيه لان السؤال فيه ملفوظ لا مقدر فتدبر.

فالسؤال في البيت عن سبب الحكم مطلقا (وذلك لان العادة) العرفية (انه اذا قيل فلان عليل ان يسئل عن سبب علته وموجب مرضه لا ان يقال هل سبب مرضه كذا وكذا) أي السبب المعين الكذائي كوجع البطن أو ذات الجنب أو السل وأمثالها من الامراض المعينة عند العرف وذلك لما هو معلوم عرفا ان السائل في المقام لا يعرف مرضا من الامراض من حيث عروضه على العليل حتى يتردد ويسئل عن تعيينه (لا سيما السهر والحزن فانه قلما يقال هل سبب مرضه السهر والحزن) فهما أولى بعدم السؤال (لانهما من أبعد أسباب


المرض) وإلا يلزم ان يكون المحصلون للعلوم سيما الفقراء المتدينون منهم مرضى دائما مع ان الامر بعكس ذلك وكيف كان (فعلم ان السؤال) في البيت (عن السبب المطلق دون السبب الخاص وعدم التاكيد) اى عدم تاكيد الجواب وهو قوله سهر دائم وحزن طويل (أيضا مشعر بذلك) لما مر في أوائل الباب الاول من ان المخاطب ان كان خالي الذهن من الحكم والتردد فيه استغنى الكلام من مؤكدات الحكم والمخاطب بالجواب في البيت هو السائل عن علة المرض وسببه وهو خالي الذهن عن السبب لانه لا يعرفه مطلقا نعم يعرف ان العلة والمرض لا بد له من سبب فتدبر جيدا (واما عن سبب خاص لهذا الحكم) الذي في الجملة الاولى كعدم التبرئة في الآية الآتية فيكون المقام مقام ان يتردد في ثبوته وذلك (نحو) قوله تعالى حكاية عن يوسف على نبينا وآله وعليه الصلاة والسّلام (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) هذه الجملة الاولى منشأ للسؤال المقدر وقوله (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) الاستيناف والجواب عن ذلك السؤال المقدر (كأنه قيل) اى سئل منه (ع) لم نفيت البرائة عن نفسك (هل النفس أمارة بالسوء فقيل) أي أجيب (نعم ان النفس لامارة بالسوء) وسيأتي في بحث التشبيه وجه تسمية النفس بالامارة ، ذلك عند بيان القوى الباطنية (والتأكيد) بان واللام واسمية الجملة (دليل على ان السؤال عن السبب الخاص) مع التردد فيه (فان الجواب عن مطلق السبب لا يؤكد) كما بيناه آنفا.

(وهذا الضرب) الثاني من الاستيناف (يقتضي تاكيد الحكم) الذي فيه (بما مر في أحوال الاسناد الخبري من أن المخاطب) وهو


السائل فيما نحن فيه (إذا كان مترددا في الحكم طالبا له حسن تقويته بمؤكد) واحد أو اكثر كما في الآية (فعلم ان المراد بالاقتضاء ههنا) أي في الضرب الثاني (الاقتضاء على سبيل الاستحسان لا على سبيل الوجوب) فلا يكون تعبير المصنف بيقتضى المشعر بالوجوب مناسبا هذا ولكن المستحسن في باب البلاغة بمنزلة الواجب في طلب مراعاته والاتيان به وحينئذ فيكون التعبير بيقتضى مناسبا فافهم.

(فاذا قلت اعبد ربك) ثم قلت بعد ذلك (ان العبادة حق له) مؤكدا هذا الكلام بان (فهو) أي هذا الكلام المؤكد بان (جواب للسؤال) الذي اقتضته الكلام الاول أعني قولك اعبد ربك ويكون ذلك السؤال (عن السبب الخاص أى هل العبادة حق له وإذا قلت فالعبادة حق له) بالفاء العاطفة التي تدل على الوصل والسببية (فهو بيان ظاهر لمطلق السبب) أي سبب الامر بالعبادة (ووصل ظاهر بحرف موضوع للوصل وإذا قلت العبادة حق له) بدون التاكيد بان وبدون الفاء (فهو وصل خفى تقديرى) وذلك لخفاء اتصال الجواب الملفوظ بالسؤال المقدر قال في المثل السائر في بحث الايجاز ان اثبات الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل وحذفها وصل خفى تقديرى بالاستيناف (والاستيناف) أي جملة العبادة حق له (جواب للسؤال عن مطلق السبب أي لم تأمرنا بالعبادة وهذا) الاخير أي جملة العبادة حق له بدون الفاء (ابلغ الوصلين واقويهما) لما فيه من تقليل اللفظ وتكثير المعنى والمراد من الوصلين الوصل الظاهر والوصل الخفي (فيتفاوت هذه الثلثة) أي المؤكد بان والمؤكد بالفاء وبدون أن والفاء (بحسب تفاوت المقامات) وذلك لانك إذا قلت لمخاطبك


أعبد ربك فان كان المخاطب منكرا لاستحقاقه العبادة أو مترددا فيه أو خالي الذهن مع امارات انكار أو سؤال كان قولك ان العبادة حق له جيدا في الغاية لمصادفته مقتضى المقام وكان العبادة حق له بدون ان والفاء رديا لخلوه عن ذلك وكان فالعبادة حق له مع الفاء متوسطا بين الجيد والردىء لاشتماله على شائبة تاكيد واشعار بالسببية وان كان خالي الذهن من غير امارات انكار او مترددا وكان معه ما يزيل الانكار كان قولك العبادة حق له جيدا في الغاية وكان قولك ان العبادة حق له مع ان رديا وكان قولك فالعبادة حق له متوسطا لقربه من الكلام الابتدائي وان كان ممن لا يناسبه الا وصل الكلام بما قبله بحرف ظاهر دال على السببية كان قولك فالعبادة حق له جيدا في الغاية وكان العبادة حق له بدون الفاء رديا وكان ان العبادة حق له متوسطا لان ان كما تقدم في بحث أحوال الاسناد الخبري نقلا عن الشيخ لتصحيح الكلام السابق والاحتجاج له وبيان وجه الفائدة وتغنى غناء الفاء في الجملة وان كان ممن يناسبه الوصل الخفي كان الاجود العبادة حق له بدون ان والفاء.

(واما) يكون السؤال الذي اقتضته الجملة الاولى (عن غيرهما أي غير السبب المطلق والسبب الخاص) وهذا هو الضرب الثالث (نحو (قالُوا)) أي الملائكة (سَلاماً) هذا هو الكلام الذي تضمن السؤال المقدر (قالَ سَلامٌ) هذا هو الجواب عن السؤال المقدر (أى فما ذا قال ابراهيم (ع) في جواب سلامهم فقيل قال) ابراهيم (ع) في جواب سلامهم ((سَلامٌ) أى حياهم بتحية أحسن من تحيتهم لان تحيتهم) أى الملائكة (كانت بالجملة الفعلية الدالة على الحدوث أى


نسلم سلاما وتحيته) أى إبراهيم (ع) كانت بالاسمية الدالة على الدوام والثبوت أى سلام عليكم وقوله :

زعم العواذل انني في غمرة

صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي

(العواذل جمع عاذلة بمعنى جماعة عاذلة) أى لائمة (لا إمرأة عاذلة فالمراد من العواذل الجمع المذكر (بدليل) الضمير المذكر الراجع اليه من (قوله صدقوا ولما كان هذا مظنة ان يتوهم ان غمرته مما ستنكشف كما هو شأن اكثر الغمرات والشدائد) كما أشار الى ذلك الشاعر الفارسي بقوله :

بگذرد اين روزگار تلختر از زهر

بار دگر روزگار چون شكر ايد

(استدركه بقوله ولكن غمرتى لا تنجلي) أى لا تنكشف (ففصل قوله صدقوا عما قبله) أى عن زعم العواذل انني في غمرة (لكونه) أي لكون صدقوا (استينافا) أى (جوابا للسؤال) الذي تضمنه ما قبله مع كون السؤال (عن غير السبب كأنه قيل أصدقوا في هذا الزعم أم كذبوا فقيل) في الجواب (صدقوا) في هذا الزعم (و) انما (مثل المصنف بمثالين) يعنى الآية وهذا البيت (لان السؤال عن غير السبب أيضا) أى كالسؤال عن السبب (أما ان يكون على اطلاقه) أى على وجه العموم من دون تعيين مسؤول خاص (كما في المثال الاول) يعنى الآية (وأما ان يشتمل على خصوصية كما في المثال الثاني) يعنى البيت (فان العلم حاصل بواحد من الصدق والكذب وإنما السؤال عن تعيينه) أى تعيين ذلك الواحد (والاستيناف باب واسع متكاثر المحاسن) لا تدرك إلا بالذوق السليم والفهم المستقيم وهو موهبة من الله الحكيم ولذلك قال الشيخ في أول باب الفصل


والوصل أعلم إن العلم بما ينبغي ان يصنع في الجمل من عطف بعضها على بعض أو ترك العطف فيها والمجيء بها منثورة تستأنف واحدة منها بعد أخرى من أسرار البلاغة ومما لا يتأتى لتمام الصواب فيه الا للأعراب الخلص والاقوام طبعوا على البلاغة وأتوا فنا من المعرفة في ذوق الكلام هم بها أفراد.

(وأيضا) أى اضت ايضا اى عدت عودا اى رجعت رجوعا (منه هذا تقسيم آخر للأستيناف) باعتبار إعادة اسم ما استؤنف عنه الحديث والاتيان بوصفه المشعر بالعلية وان كان الاستيناف في هذا التقسيم ايضا لا يخلو عن كونه جوابا عن السؤال عن السبب أو غيره كما هو حاصل التقسيم المتقدم.

(وهو) أى التقسيم الآخر (ان منه) اى من الاستيناف (ما) اى استيناف (يأتي بأعادة اسم ما استؤنف عنه) لفظة استؤنف مبنى للمجهول والنائب هو الضمير المجرور والمفعول الآخر محذوف (اى أوقع عنه الاستيناف بحذف المفعول بلا واسطة) كما قلنا وهو لفظة الحديث كما أشار اليه بقوله (والاصل استؤنف عنه الحديث) قال بعضهم لما حذف المفعول بلا واسطة الذي له الاصالة بالنيابة اختصارا لظهور المراد والاصل استؤنف الحديث عنه فنزل الفعل أي استؤنف منزلة اللازم فانيب المجرور أو المصدر المفهوم من استؤنف بتاويل استونف باوقع كما قال الشارح.

(نحو أحسنت أنت الى زيد زيد حقيق بالاحسان) باعادة اسم زيد فقولك أحسنت الى زيد يتضمن سؤال المخاطب وهو هل زيد حقيق بالاحسان ام لا فاجبته زيد حقيق بالاحسان وانما جعل الشارح


التاء للخطاب مع انه يصح جعلها للمتكلم للتناسب مع أحسنت في المثال الآتي لانه يتعين ان تكون الثانية للخطاب والا لقال صديقي القديم (ومنه) أى من الاستيناف (ما يبنى على صفته اى صفة ما استونف عنه دون اسمه يعنى يكون المسند اليه في الجملة الاستينافية من صفات من قصد استيناف الحديث عنه اعنى صفة تصلح لترتب الحديث) أى الكلام المتقدم عليه (وهذه العبارة أوضح من قولهم ومنه ما يأتي بأعادة صفته أي اعادة ذكر ذلك الشيء بصفة من صفاته) وجه الا وضحية انه ليس المراد مطلق الصفة بل الصفة التي تصلح للترتب المذكور حاصله ان تكون مبينا لموجب الاحسان حتى يصح وقوعه جوابا للسؤال المقدر (نحو أحسنت الى زيد صديقك القديم أهل لذلك والسؤال المقدر فيهما) أى في المثالين (لماذا أحسن اليه أو) السؤال المقدر هل هو حقيق بالاحسان وهذا أى الاستيناف المبنى على صفة ما استونف عنه أبلغ وأحسن لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم كقدم الصداقة في المثال المذكور لما يسبق الى الفهم من ترتب الحكم على الوصف ان الوصف علة له) ومن هنا قالوا ان تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية فتأمل.

(وأما إذا عقبت المستأنف عنه في الكلام السابق بصفات ثم ذكرته) اى ذكرت المستأنف عنه (في الاستيناف بلفظ اسم الاشارة كقولك قد أحسنت الى زيد الكريم الفاضل ذلك حقيق بالاحسان فالاظهر انه من قبيل الثاني) أى ما يبنى على الصفة دون الاسم (وعليه قوله تعالى (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ)).

قال في المثل السائر في بحث الايجاز الاستيناف يأتي على وجهين


الوجه الاول اعادة الاسماء والصفات وهذا يجيء تارة باسم من تقدم الحديث عنه كقولك أحسنت الى زيد زيد حقيق بالاحسان وتارة يجيء باعادة صفته كقولك أحسنت الى زيد صديقك القديم أهل لذلك منك وهو أحسن من الاول وأبلغ لانطوائه على بيان الموجب للأحسان وتخصيصه فمما ورد من ذلك قوله تعالى (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) والاستئناف واقع في هذا الكلام على أولئك لانه لما قال ألم ذلك الكتاب الى قوله (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) اتجه لسائل ان يقول ما بال المستقلين بهذه الصفات قد اختصوا بالهدى فاجيب بان أولئك الموصوفين غير مستبعد ان يفوزوا دون الناس بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا.

الوجه الثاني الاستئناف بغير إعادة الاسماء والصفات وذلك كقوله تعالى (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ.)

فمخرج هذا القول مخرج الاستيناف لان ذلك من مظان المسئلة عن حاله عند لقاء ربه وكان قائلا قال كيف حال هذا الرجل عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه والتسخى لوجهه بروحه فقيل قيل ادخل الجنة ولم يقل قيل له لانصباب الغرض الى المقول لا الى المقول له مع كونه معلوما وكذلك قوله تعالى (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) مرتب على


تقدير سؤال سائل عما وجد.

ومن هذا النحو قوله عزوجل (يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ.)

والفرق بين اثبات الفاء في سوف كقوله تعالى (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) وبين حذف الفاء ههنا في هذه الاية ان اثباتها وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل وحذفها وصل خفى تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر كانهم قالوا فما ذا يكون اذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت انت فقال سوف تعلمون فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف للتفنن في البلاغة واقوى الوصلين وابلغهما الاستيناف وهو قسم من اقسام علم البيان تتكاثر محاسنه فاعرفه ان شاء الله تعالى.

(فان قلت ان كان السؤال في الاستيناف عن السبب فالجواب يشمل على بيانه لا محاله) وذلك لان الجواب لا بد ان يكون على طبق السؤال والا يكون سفها (سواء كان باعادة اسم ما استونف عنه الحديث او مبنيا على صفته وان كان) الاستيناف (عن غيره) اي غير السبب (فلا معنى لاشتماله على بيان السبب كما في قوله تعالى (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) و) كما في (قوله زعم العواذل البيت سواء كان باعادة الاسم او الصفة فما وجه هذا الكلام) اي قوله وهذا ابلغ لاشتماله على بيان السبب الموجب للحكم الخ فتامل.

(قلت وجهه انه اذا اثبت لشيىء حكم ثم قدر سؤال عن سببه واريد ان يجاب بان سبب ذلك انه) اي الشيىء (مستحق لهذا الحكم


واهل له فهذا الجواب يكون تارة باعادة اسم ذلك الشيىء فيفيد) الجواب (ان سبب) نفس (هذا الحكم كونه) اي كون ذلك الشيىء (حقيقا به) واهلاله (وتارة باعادة صفته فيفيد) الجواب (ان استحقاقه) اي استحقاق ذلك الشيىء (لهذا الحكم هو هذا الوصف)

حاصل الكلام في المقام انا نختار الشق الاول وهو ان السؤال المقدر عن السبب سواء كان باعادة الاسم او الصفة لكن الجواب اعني الاستيناف تارة يذكر فيه نفس سبب الحكم فقط وتارة يذكر فيه السبب وسبب السبب فان ذكر فيه السبب فقط فهو القسم الاول اعني ما بنى على اسم مثل كون زيد حقيقا بالاحسان فانه سبب للحكم الذى هو ثبوت استحقاقه للاحسان وان ذكر فيه السبب وسبب السبب فهو القسم الثاني اعني ما بنى على الصفة كالصداقة القديمة فانها سبب لاستحقاق الاحسان ولا شك ان الثاني ابلغ من الاول لانه كالتدقيق والاول من باب التحقيق.

(وليس يجرى هذا) اى كون الجواب باحد الامرين اي باعادة الاسم تارة واعادة الصفة اخرى (في سائر صور الاستيناف) لان الاستيناف قد يقع جوابا عن السؤال عن السبب او غيره بدون اعادة الاسم او الصفة) كما تقدم في الاية والبيت انفا فتامل (ولهذا قال منه ومنه دون اما واما فليتامل) لئلا يتوهم من قوله منه ما ياتي باعادة الاسم ومنه ما يبني على الصفة الحصر فان المفيد لذلك لفظة اما واما دون منه منه وذلك لان لفظة من للتبعيض فتدبر جيدا.

(وقد يحذف صدر) جملة (الاستيناف فعلا كان) ذلك الصدر كما في الاية (او اسما) كما في المثال الاتي (نحو (يُسَبِّحُ)) بالبناء


للمجهول ((لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) كانه قيل من يسبحه فقيل رجال اي يسبحه رجال) فحذف الفعل بقرنية يسبح المذكور لا الذي في السؤال المقدر (وعليه) اي وعلى حذف صدر الاستيناف يحمل (نعم الرجل زيد ونعم رجلا زيد على قول اي على قول من يجعل المخصوص) بالمدح (خبر مبتدء محذوف اي هو زيد ويجعل الجملة استينافا جوابا للسؤال) المقدر (عن تفسير الفاعل المبهم كما مر بيانه) مستوفي في الباب الثاني في بحث اخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر وقد مر هناك ايضا ان بعضهم يجعل المخصوص مبتدء فراجع ان شئت.

(وقد يحذف) جملة (الاستيناف كله اما مع قيام شيىء مقامه) اي مقام الاستيناف المحذوف (نحو قول الحماسي) اي الشاعر الذي دون اشعاره في كتاب الحماسة وهذه الاشعار في هجو بني اسد وتكذبيهم في انتسابهم لقريش وادعائهم انهم اخوتهم (زعمتهم ان اخوتكم قريش لهم الف اى ايلاف) الالف مصدر الثلاثي وهو الف والايلاف مصدر المزيد فيه وكلاهما بمعنى واحد وهو المؤالفة والرغبة (في الرحلتين المعروفتين لهم في التجارة) كما نص عليه القران (رحلة في الشتاء الى اليمن) لانه حار (ورحلة في الصيف الى الشام) لانه بارد (وليس لكم الاف اي مؤالفة) اي رغبة فى الرحلتين المعروفتين) اي فقد افتريتم في دعوى الاخوة لعدم التساوي في المزايا والرتب اذ لو صدفتم في ادعاء الاخوة لاستويتم مع قريش في مؤالفة الرحلتين المعروفتين.

(وبعده) اي وبعد هذا البيت.

اولئك اومنوا جوعا وخوفا

وقد جاعت بنو اسد وخافوا


(كانهم) اي بني اسد (قالوا) للشاعر (اصدقنا في هذا الزعم ام كذبنا فقيل في جوابهم (كذبتم فحذف هذا الاستيناف) اي جملة كذبتم (كله واقيم قوله) اي قول الشاعر (لهم الف وليس لكم الاف مقامه) اي مقام الاستيناف المحذوف.

(ويحتمل ان يكون قوله وليس لكم الاف جوابا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف) وهو كذبتم (كانه لما قال المتكلم) فى جواب الاستيناف المحذوف يعني كذبتم قالوا) اى بنو اسد (لم كذبنا فقال) فى الجواب ثانيا (لهم الف وليس لكم الاف فيكون في البيت استينافان) احدهما محذوف وهو كذبتم والاخر مذكور وهو لهم الف وليس لكم الاف (كذا في الايضاح).

فان قلت هذا الاحتمال عين ما بينه التفتازاني اولا فلا يصح جعله مقابلا له قلت لا نسلم ان هذا الاحتمال عين ما قاله اولا لان لهم الف وليس لكم الاف على ما قاله اولا تاكيد للاستيناف المحذوف او بيان له لاستلزامه له من غير تقدير سؤال اخر واما على هذا الاحتمال فيكون استئنافا مستقلا جوابا عن علة ادعاء الكذب فتغاير الوجهان بهذا الاعتبار وان كان مألهما في الحقيقة واحدا بحسب القصد والى ما ذكرنا اشار بقوله (فان قلت هذا هو الوجه الاول بعينه لان قوله لهم الف) وليس لكم الاف (بالنسبة الى كذبتم المحذوف لا يحتمل سوى ان يكون استيناف جوابا له وبيانا لسببه فاقيم السبب مقام المسبب قلت بل يحتمل التأكيد والبيان) لانه اي لهم الف وليس لكم الاف مقرر لمعنى كذبتم وموضح له (فكانه جعله فى الوجه الاول


مؤكد للجواب) اي لكذبتم (المحذوف او بيانا له) بخلاف هذا الاحتمال فانه فيه جعله كما بينا لك استئنافا مستقلا وجوابا عن علة ادعاء الكذب فتامل جيدا.

(او) يحذف الاستيناف كله (بدون ذلك اي بدون قيام شيىء مقامه نحو قوله تعالى (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) اى نحن على قول من يجعل المخصوص) بالمدح (خبر مبتدء محذوف) ليس يبدو ابدا كما قال في الالفية.

ويذكر المخصوص بعد مبتدء

او خبر اسم ليس يبدو ابدا

(اي هم نحن فحذف) هذا (المبتدء والخبر جميعا من غير ان يقوم شيىء مقامهما) واما على قول من يجعل المخصوص مبتدء والجملة قبله خبرا فليس من هذا الباب اي باب حذف الاستئناف كله بل مما حذف الصدر فقط فتامل.

(ولما فرغ) الخطيب (من الاحوال الاربعة المقتضية للفصل) اي ترك العطف وهى كمال الانقطاع بلا ايهام وكمال الاتصال وشبه الاول والثاني (شرع فى الحالتين المقتضيتين للوصل) اى للعطف (فقال واما الوصل) اي العطف (لدفع الايهام فكقولهم) في المحاورات عند قصد النفى لشيىء تقدم مع الدعاء للمخاطب بالتاييد وسياتي بيان ذلك فى مبحث الحال مفصلا انشاء الله تعالى (لا وايدك الله فقولهم لا رد لكلام سابق كانه قيل هل الامر) الفلاني (كذلك فقيل) في الجواب (لا اى ليس الامر كذلك فهذه) اى جملة ليس الامر كذلك الدال عليها لفظة لا (جملة اخبارية و) قولهم (ايدك الله جملة انشائية معنى لانها بمعنى الدعاء فبينهما كمال الانقطاع لكن


ترك العطف ههنا يوهم خلاف المقصود فانه لو قيل لا ايدك الله لتوهم انه دعاء على المجاطب) اى على ضرره اى (بعدم التائيد) والمقصود الدعاء له اى لنفعه اى التاييد (فلدفع هذا الوهم جيىء بالواو العاطفة للانشائية الدعائية على الاخبارية المنفية بكلمة لا كما ترك العطف في صورة القطع نحو وتظن سلمى البيت دفعا اللايهام) وقد مر بيانه قال بعضهم ذكر صاحب المغرب ان ابا بكر الصديق رضى الله عنه مر برجل في يده ثوب فقال له الصديق اتبيع هذا فقال لا يرحمك الله فقال له الصديق لا تقل هكذا قل لا ويرحمك الله ويحكى من الصاحب بن عباد انه قال هذه الواو احسن من واوات الاصداغ على حدود المرد الملاح.

فتحصل من جميع ما بينا لك انه لو ترك العطف في قولهم لا وايدك الله لتوهم انه دعاء على المخاطب بعدم التاييد مع ان المقصود الدعاء له بالتائيد فاينما وقع هذا الكلام فالمعطوف عليه هو مضمون كلمة لا.

(واما للتوسط اى اما الوصل للتوسط بين حالتى كما الانقطاع وكما الاتصال) وهو ان لا يكون بين الجملتين احد الكمالين ولا شبه أحدهما (وقد توهمه) اى لفظ اما (بعضهم اما بكسرة الهمزة) التي هي حرف العطف (فوقع في خبط عظيم) لفساده لفظا ومعنى اما لفظا فلان قرائتها بالكسر تحوجنا الى تقدير اما فى المعطوف عليه قبلها لان اما العاطفة لا بد ان يتقدمها اما في المعطوف عليه ولا يجوز ذلك قياسا الا عند الغراء على ما نقله ابن هشام في المغنى واما معنى فلانه قد علم من قول المصنف سابقا في مقام تعداد الصور اجمالا والا فالوصل


ان الوصل يجب في صورة كمال الانقطاع مع الايهام في صورة التوسط بين الكمالين فلو كسرت الهمزة ههنا لكان ما هنا عين ما تقدم هناك فيكون تكرارا ولا داعى للتكرار.

(وانما هو اما بفتح الهمزة عطفا على اما السابقة وقد علم مما مر) اجمالا (ان الوصل) لامرين (اما لدفع الايهام واما للتوسط بين كمال الاتصال والانقطاع فيقول) ههنا في مقام التفصيل اما الوصل لدفع الايهام فكذا واما الوصل للتوسط (فاذا اتفقتا اي الجملتان خبرا او انشاء لفظا ومعنى) اى اتفقتا في احدهما في اللفظ والمعنى معا (أو) اتفقتا خبرا او انشاء (معنى فقط) اي في المعنى دون اللفظ (بجامع اي مع وجود جامع بينهما وانما ترك الخطيب (هذا القيد) اي لفظة بينهما (استغناء عنه بما سبق) في اوائل المبحث (من انه اذا لم يكن بينهما جامع فبينهما كمال الانقطاع و) استغناء عنه بما يذكر بعيد هذا من ان الجامع بينهما يجب ان يكون كذا وكذا والاتفاق المذكور) في المتن (انما يتحقق) في ثماني صور فالصورة الاولى (اذا كان كلتا الجملتين خبريتين لفظا ومعنى والثانية (او انشائيتين كذلك) اى لفظا ومعنى والثالثة (او كان كلتاهما خبريتين معنى فقط بان تكونا انشائيتين لفظا) والرابعة (او تكون الاولى انشائية لفظا والثانية خبرية) مع كونهما خبريتين معنى والخامسة (او بالعكس) والسادسة (او كان كلتاهما انشائيتين معنى فقط بان تكونا خبريتين لفظا) والسابعة (او تكون الاولى خبرية لفظا والثانية انشائية) مع كونهما انشائيين معنى فقط الثامنة (او بالعكس) كذلك (فالمجموع ثمانية اقسام) كلها من باب التوسط بين حالتي كمال الانقطاع وكمال الاتصال.


ومما يجب ان يعلم في المقام ان الجملتين المتفقتين خبرا او انشاء لفظا ومعنى قسمان وهما صورتان الاوليان من الصور المذكورة والمتفقتان معنى فقط ستة وهي الباقية منها والخطيب اورد للقسمين الاولين مثاليهما في ضمن ثلاثة امثلة اثنان منها للقسم الاول وواحد للقسم الثاني فقال (فالاتفاق لفظا ومعنى كقوله تعالى (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) والجامع بينهما اتحاد المسندين لانهما معا من المخادعة وكون المسند اليهما احدهما مخادع والاخر مخادع فبينهما شبه التضايف او شبه التضاد لما تشعر به المخادعة من العداوة ان قلت هذه الاية في سورة النساء فالجملة لها محل من الاعراب لانها خبر ان من قوله تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ) وليست فى سورة البقرة لانها ليس فيها وهو خادعهم والكلام الان فيما لا محل له من الاعراب واجيب بان القصد بيان التوسط بين الكلامين بقطع النظر عن كون الجملة لها محل من الاعراب اولا فتامل

وقوله (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) والجامع بينهما التضاد بين المسندين والمسند اليهما وذلك ظاهر وليعلم ان هذين المثالين كليهما (في الخبريتين) لفظا ومعنى (المخالفتين اسمية وفعلية) كالمثال الاول (او المتماثلتين) كالمثال الثاني (وقوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) والجامع بينهما اتحاد المسند اليه وهو الواو التي هي ضمير المخاطبين وتناسب المسند لتقاربهما في الخيال لان الانسان اذا تخيل الاكل تخيل الشرب لتلازمهما عادة وكذا الاسراف لانهما اذا حضرا في الخيال تخيل مضرة الاسراف وليعلم ان هذا المثال (في الانشائئيتين لفظا ومعنى) الى هنا كان المثال للقسمين الاولين (و) اما اقسام (الاتفاق معنى فقط و) قد قلنا انها الستة الباقية فالخطيب


(لم يذكر له) اي للاتفاق معنى فقط (الا مثالا واحدا لكنه اشار) حيث قال اى لا تعبدوا ثم قدر تحسنون وقال انه بمعنى واحسنوا (الى انه يمكن تطبيقه على قسمين من الاقسام الستة) وهما السادس والسابع فاشار الى السابع أولا والى السادس ثانيا (واعاد فيه) اي في هذا المثال الواحد (الكاف تنبيها على انه مثال) لغير ما كان الامثلة المتقدمة له فأنه مثال (للاتفاق معنى فقط فقال وكقوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) فعطف (قُولُوا) على (لا تَعْبُدُونَ) فالآية مثال للقسم السابع (لانهما وان اختلفا لفظا) حيث ان الاول خبر لفظا لان لفظة لا فيه نافية بدليل بقاء النون التي هي علامة الرفع فلا يصح جعل لا ناهية لانها جازمة والثاني انشاء لفظا لانها امر (لكنهما متفقان معنى لان لا تعبدون اخبار في معنى الانشاء اي لا تعبدوا) وذلك لان اخذ الميثاق يلازمه الامر والنهى فهو نهى معنى (كما تقول) للمخاطب (تذهب الى فلان تقول كذا) مكان اذهب فقولك تذهب (تريد) منه (الأمر) اى اذهب (وهو) اي تذهب اى الجملة الخبرية (ابلغ من صريح الأمر) اى من اذهب فيقاس عليه النهى فيقال ان الخبر مكان النهى كما في الآية أبلغ من صريح النهى (لأنه) اى الشان وكذا الضمير في (كأنه سورع الى الامتثال فهو) اي المخاطب او الذهاب او المتكلم (يخبر عنه) اي عن المأمور به المفهوم من الامتثال وقد تقدم في اخر الباب السابع ما يفيدك ههنا فراجع ان شئت.

(وقوله (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) لا بد له من فعل) يعمل فيه والاصل


في العامل الفعل (فأما ان يقدر خبر) لفظا يكون (في معنى الطلب تنبيها على المبالغة المذكورة) انفا (اى وتحسنون بمعنى واحسنوا وهو) اى وتحسنون المقدر (عطف على (لا تَعْبُدُونَ)) المذكور (فيكون) هذا المثال ايضا (مثالا لقسم اخر) من الاقسام الثمانية اي يكون مثالا للقسم السادس (وهو ان تكونا انشائيتين معنى فقط بان تكون كلتاهما خبريتين لفظا) قال بعضهم لا تعبدون الا الله اي قائلين لهم لا تعبدون وفيه ان الكلام في الجمل التي لا محل لها من الاعراب وقد تقدم ان الكلام مع قطع النظر عن ذلك او يجاب بأن اخذ الميثاق بمنزلة القسم اي واذكر وقت قسمنا على بني اسرائيل وهذا جوابه فلا اعتراض الى هنا كان الكلام في تطبيق المثال على قسمين من الاقسام الستة فلا تغفل.

(أو يقدر من أول الامر صريح الطلب) وهو احسنوا (على ما هو الظاهر) لان الاصل في الطلب ان يكون بصيغته الصريحة فيكون هذا المثال أيضا من القسم السابع أي يكون من قبيل عطف قولوا على لا تعبدون فتدبر جيدا.

وليعلم ان تقدير تحسنون فيه مشاكلة في اللفظ لما قبله وهو لا تعبدون وفيه أيضا المبالغة المذكورة وتقدير احسنوا فيه مشاكلة لما بعده وهو قولوا وفيه اضمار أي تقدير فقط بخلاف اضمار تحسنون فانه مجاز في التعبير عن احسنوا فلكل من التقديرين مرجحان وظاهر كلام الخطيب ان التقدير الأول أولى لأنه قدمه وظاهر كلام التفتازاني أيضا ذلك لانه أعتنى بتوجيهه وبينه اتم بيان.

إلى هنا كان الكلام في أمثلة اقسام اربعة من الاقسام الثمانية


فبقى اربعة أمثلة للأقسام الاربعة الباقية وهي القسم الثالث أي ما تكون انشائيتين لفظا فقط وخبريتين معنى كقولك ألم أمرك بالتقوى وألم أمرك بترك الظلم أى أمرت والقسم الرابع أي ما تكون الاولى انشائية لفظا والثانية خبرية مع كونهما خبرين معنى كقوله تعالى : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) ودرسوا ما فيه فان درسوا معطوف على ألم يؤخذ والاستفهام فيه وان كان انشاء لفظا لكنه بتأويل الأخبار أي اخذ لان الاستفهام فيه للانكار وسيجييء لهذا زيادة توضيح فانتظر. والقسم الخامس وهو عكس الرابع كقولك أمرتك بالتقوى وألم امرك بترك الظلم والقسم الثامن وهو ما كان الأولى انشائية لفظا والثانية خبرية لفظا مع كونهما انشائيتين معنى فقط كقولك قم الليل وانت تصوم النهار فتأمل.

(ومنه) اي من عطف صريح الطلب على الخبرية لفظا مع كونها انشاء معنى (قوله تعالى في سورة الصف (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عطفا على (تُؤْمِنُونَ) قبله في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) لأنه) أي تؤمنون (بمعنى امنوا) فتكون الجملتان أي تؤمنون وبشر انشائيتين معنى فتكونان مثل (لا تَعْبُدُونَ) و (قُولُوا) فيصح العطف وان كانتا مختلفتين لفظا (كذا في الكشاف وفيه نظر لان المخاطب بالأول) يعني تؤمنون (هم المؤمنون خاصة بدليل قوله بالله ورسوله بالضمير الغائب دون بك بالضمير المخاطب (و) المخاطب (بالثاني) يعني بشر (هو النبي (ص) وهما) اى المؤمنون والنبي (ص) (وان كانا متناسبين) لوضوح المناسبة بين المرسل والمرسل اليهم (لكن لا يخفى أنه لا يحسن عطف


الأمر لمخاطب على لأمر لمخاطب اخر) نحو قولك أنا راض عنك وانا ساخط عليك والخطاب لشخصين (الا عند التصريح بالنداء نحو يا زيد قم واقعد يا عمرو) فلا مانع من اختلاف المخاطب في النداء مع ما بعده ومثل في الكشاف بقولك يا تميم احذر واعقوبة ما جنيتم وبشر يا فلان بني اسد باحساني اليهم هذا ولكن لا يخفى ان التصريح بالنداء انما يلزم في مثله إذا لم يوجد قرينة واضحة على تغاير المخاطبين إذ لو وجدت لحسن العطف بلا تصريح بالنداء كما في قوله تعالى (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) فكذلك الآية فان افراد احد الفعلين اعني بشر وجمع الآخر اعني تؤمنون قرينة جلية على اختلاف المخاطبين فلا لبس فيجوز العطف ويحسن فتأمل.

(و) التحقيق (على ان قوله تعالى (تُؤْمِنُونَ) بيان) وجواب لما قبله) أي لقوله تعالى (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (على طريق الاستيناف) البياني (كأنهم قالوا كيف نفعل) حتى يحصل التجارة (فقيل) في جوابهم ((تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) أي آمنوا) فلا يصح عطف بشر عليه لأنه ليس استينافا عن ذلك.

(فالأحسن) كما ذهب إليه السكاكي (أنه) اى (بَشِّرِ) (عطف على قل مرادا قبل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي قل يا محمد كذا) أي قل يا محمد (هَلْ أَدُلُّكُمْ) الخ (بشر) فحينئذ لا مانع من العطف لاتحاد المخاطب في المتعاطفين (أو) أن

بشر عطف (على) فعل (محذوف أي فابشر يا محمد وبشر) قال في مجمع البحرين البشري والبشارة أخبار بما يسر وإلى ذلك اشار بقوله (يقال بشرته فابشر أي صار مسرورا) وقال فيه أيضا في حديث صفات المؤمن بشره في وجهه


وحزنه في قلبه أي بشره في وجهه تحببا إلى الناس وحزنه في قلبه اصطبارا على مكاره الدنيا وشدائدها انتهى.

(ومما اتفق الجملتان في الخبرية معنى فقط والثانية انشاء) لفظا ولكن (في معنى الاخبار قوله تعالى (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ) من المشركين) فالجملة الثانية اعني اشهدوا انشاء لفظا لانه صيغة أمر لكنها في معنى الاخبار (أي واشهدكم) فالجملتان كلتاهما خبريتان معنى فقط.

(و) مما هو (بالعكس) أي مما اتفق الجملتان في الخبرية معنى فقط والاولى انشائية لفظا ولكن في معنى الأخبار (قوله تعالى (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ) فالجملة الاولى اعني الم يؤخذ انشاء لفظا لانها استفهامية لكنها في معنى الاخبار (أي اخذ عليهم لأنه للتقرير) اي للانكار الابطالي.

قال ابن هشام في تعداد معاني المجازية للهمزة الثاني الانكار الابطالي وهذه تقتضي ان ما بعدها غير واقع وان مدعيه كاذب نحو (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَفَسِحْرٌ هذا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) ومن جهة افادة هذه الهمزة نفى ما بعدها لزم ثبوته ان كان منفيا لان نفى النفى اثبات انتهى فتأمل.

(فان قلت قد جوز صاحب الكشاف عطف الانشاء على الاخبار من غير ان يجعل الخبر بمعنى الانشاء او على العكس) بان يجعل الانشاء بمعنى الخبر (بل يؤخذ عطف الحاصل من مضمون احدى الجملتين على الحاصل من مضمون) الجملة (الاخرى) وانما جوز ذلك (حيث


ذكر في قوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) الى قوله تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) انه ليس المعتمد بالعطف هو الامر) اى صيغة بشر (حتى يطلب له مشاكل) في الانشائية (من أمر او نهى يعطف) هذا الامر أي بشر (عليه) اي على ذلك المشاكل (وانما المعتمد بالعطف هو جملة) اي حاصل (وصف ثواب المؤمنين) المفهوم من قوله تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الى قوله (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ) (فهي) اي الجملة اي الحاصل (معطوفة على جملة) اي على حاصل (وصف عقاب الكافرين) المفهوم من قوله (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) (كما تقول زيد يعاقب بالقيد والازهاق اى الاهلاك وبشر عمرا بالعفو والاطلاق) فان المعتمد بالعطف عند العرف انما هو حاصل الجملة الثانية على حاصل الجملة الاولى.

(قلت هذا) الذي ذكره صاحب الكشاف دقيق حسن لكن من يشترط اتفاق الجملتين) المتعاطفتين (خبرا وانشاء لا يسلم صحة ما ذكره) صاحب الكشاف (من المثال) لانه ليس من كلام العرب الموثوق بعربيتهم (ولهذا قال المصنف) في الايضاح ان قوله تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على) فعل أمر (محذوف يدل عليه ما قبله) من قوله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) الآية (اى فانذرهم) اي الكافرين (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) الآية.

(وقال صاحب المفتاح) كما قلنا انفا (أنه) اى بشر (عطف على قل مرادا قبل (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) الآية فكان) تبارك وتعالى (امر النبي (ص) بان يؤدي معنى هذا الكلام)


لا عين عبارته ولفظه (لانه قد ادرج فيه قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) بالضمير المتكلم (وهذا كما تقول لغلامك وقد ضربه زيد قل لزيد اما تستحي ان تضرب غلامي وانا المنعم عليك بانواع المنعم).

حاصل هذا اشارة الى دفع سؤال أو رد على كلام المفتاح وهو ان قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) ان لم يدخل في حيز القول المقدر اختل نظم الكلام وان دخل كان (ص) مامورا بان يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) بالضمير المتكلم وفساده ظاهر فاجيب بأنه (ص) مأمور بتأدية معنى هذا الكلام بعبارة تليق به (ص) كان يقول وان كنتم في ريب مما نزل الله على وقد يجاب بانه (ص) مأمور بتبليغ هذه العبارة على طريق الحكاية عن الله فلا محذور في ان يقول (ص) عبدنا وقد يجاب أيضا بانه اى بشر معطوف على قل مرادا قبل فان لم تفعلوا وحينئذ لا يرد شيء حتى يحتاج الى الجواب فأفهم.

(والجامع) الذي تقدم ان انتفائه يمنع العطف (بينهما أي بين الجملتين) بحيث يكون مقربا لهما (يجب ان يكون باعتبار المسند اليهما والمسندين جميعا اي باعتبار المسند اليه في الجملة الاولى والمسند إليه في الجملة الثانية وكذا باعتبار المسند في الاولى والمسند في الثانية) فأذا وجد الجامع على الوجه الذي ذكر صح المطف (نحو يشعر زيد ويكتب) لاتحاد المسند اليهما و (للمناسبة الظاهرة بين الشعر والكتابة) لأن الشعر تأليف كلام موزون والكتابة تأليف كلام نثر (وتقارنهما في خيال اصحابهما) وهم الادباء الذين يجيدون النظم


والنثر ويميزون الجيد من الرديء.

(و) نحو زيد (يعطي ويمنع لتضاد الاعطاء والمنع) أي لتناسبهما بحكم التضاد اللغوي اعني مطلق التنافي او الاصطلاحي ان قلنا ان المنع كف النفس عن الاعطاء وان قلنا أنه عدم الاعطاء فالتقابل بينهما العدم والملكة فيكون التضاد بينهما اللغوي كما قلنا.

(هذا) الذي ذكر من المثالين (عند اتحاد المسند اليهما) في الجملتين لان الاتحاد مناسبة بل اتم مناسبة لأنه جامع عقلي (واما عند تغايرهما فلا بد ان يكون بينهما) اي بين المسند اليهما (أيضا جامع) أى مناسبة وعلاقة خاصة.

والحاصل انه إذا اتحد المسند اليه فيهما كما في المثالين السابقين لا يحتاج العطف الى جامع اخر غير ذلك الاتحاد لأن ذلك الاتحاد هو الجامع بل اتم جامع وان لم يتحدوا فلا بد من مناسبة خاصة بينهما أى بين المسند اليهما ولا تكفي المناسبة العامة (كما اشار اليه بقوله زيد شاعر وعمرو كاتب وزيد طويل وعمرو قصير لمناسبة بينهما أي بشرط ان يكون بين زيد وعمرو مناسبة) خاصة (كالأخوة أو الصداقة أو العداوة أو نحو ذلك) كاشتراكهما في زراعة أو تجارة او اتصافهما بعلم أو شجاعة ونحوها (وعلى الجملة) أي خلاصة الأمر وحاصل المقام ان (يكون احدهما بسبب من الآخر) أي يكون مرتبطا ومتعلقا بشيء ناشئا من الآخر) (وملابسا له) هذا عطف تفسيري لقوله بسبب من الآخر (بخلاف زيد شاعر وعمرو كاتب بدونها اي بدون المناسبة بين زيد وعمرو فأنه لا يصح) العطف (وان كان المسندان) اى الشعر والكتابة في المثال الاول والطول والقصر في المثال الثاني


(متناسبين) قد علم المناسبة في المثالين المتقدمين انفا فلا يحتاج الى التوضيج (بل) لا يصح العطف بدون المناسبة بين المسندين (وان كانا) اي المسندين (متحدين أيضا ولهذا صرح السكاكي بامتناع العطف في نحو خفى ضيق وخاتمي ضيق) وذلك لعدم المناسبة بين المسند اليهما اعني الخف والخاتم ولا عبرة بمناسبة كونهما ملبوسين لبعدها ما لم يوجد بينهما تقارن في الخيال لأجل ذلك او كان المقام مقام ذكر الاشياء الضيقة من حيث هي اشياء ضيقة.

قال في المفتاح بعد كلام طويل ما حاصله انك لو قلت ان خاتمي ضيق وتذكرت ضيق خفك وعنائك منه فلا يجوز ان تقول وخفى ضيق بالعطف لنبو مقامك عن الجمع بين ذكر الخاتم وذكر الخف فيجب ان تقول بدون العطف خفى ضيق قولوا ما ذا اعمل انتهى الحاصل من كلامه وقد عرفت بما اشرنا مقامة.

(وبخلاف زيد شاعر وعمرو طويل) فانه لا يصح العطف في هذا المثال (مطلقا أي سواء كان بين زيد وعمرو مناسبة) خاصة كالاخوة والصداقة ونحوهما (أو لم تكن) بينهما مناسبة اصلا (فأنه لا يصح) العطف فيه (لعدم المناسبة بين المسندين اعني الشعر وطول القامة) فالمناسبة في هذا المثال معدومة من جهة المسندين وكذا بين المسند اليهما في أحدى الحالتين اى في حالة عدم المناسبة بينهما ايضا.

(قال الشيخ في دلائل الاعجاز اعلم انه كما يجب ان يكون المحدث عنه) اى المسند اليه (في احدى الجملتين بسبب) قد تقدم المراد منه انفا وحاصله بمناسبة (من للحدث عنه في) الجملة (الاخرى كذلك ينبغي ان يكون الخبر عن الثاني) اى الاخبار عن المسند اليه


الثاني (مما يجري مجرى الشبيه او النظير او النقيض للخبر عن الاول فلو قلت زيد طويل القامة وعمرو شاعر لكان خلفا من القول) اى كان قولا غير فصيح بل غير صحيح وذلك لما تقدم انفا.

قال (السكاكي الجامع بين الشيئين) وليعلم انه (قد نقل المصنف) ههنا (كلام السكاكي وتصرف فيه بما جعله مختلا ظنا منه) اى من المصنف (انه) اى التصرف فيه (اصلاح له) اى لكلام السكاكي (ونحن نشرح اولا هذا الكلام مطابقا لما ذكره السكاكي ثم نشير) في اخر المبحث قبيل قوله ومن محسنات الوصل) الى ما في نقل المصنف من الاختلال فنقول من القوى المدركة) على ما قاله الحكماء (العقل وهي القوة العاقلة المدركة للكليات) والجزئيات المجردة عن عوارض المادة وذلك لانها مجردة ولا يقوم بها الا المجرد (ومنها الوهم وهي القوة المدركة للمعاني الجزئية الموجودة في المحسوسات من غير ان تتادى) تلك المعاني الجزئية (اليها) اي الى الوهم (من طرق الحواس) الخمس الظاهرة وذلك كادراك العداوة والصداقة الجزئيتين من زيد مثلا وكادراك الشاة معنى) هو الايذاء الجزئي (في الذئب) فيهرب منه وكالمحبة الجزئية التي تدركها السخلة من امها فتميل اليها ولذلك يقال ان البهائم لها وهم تدرك به كما ان لها حسا وقد تحكم تلك القوة باحكام كاذبة كما انا نحكم بأن زيدا صديق ثم يظهر لنا خلافه وبالعكس.

ومنها الخيال وهي قوة يجتمع فيها صور المحسوسات) بالحواس الخمس الظاهرة (ويبقى) تلك الصور المجتمعة (فيها) اى في تلك القوة (بعد غيبتها) اي غيبتة تلك الصور (عن الحس المشترك وهى


القوة التي تتادى اليها صور المحسوسات) الجزئية (من طرف الحواس) الخمس (الظاهرة فتدركها وهي) اى الحس المشترك والتأنيث باعتبار كونه قوة (الحاكمة بين المحسوسات الظاهرة كالحكم بأن هذا الاصفر هو) نفس (هذا الحلو) مثلا يحكم بان هذا المشمش هو نفس هذا الحلو الذي ادركه ذائقتنا (ونعني بالصور) التي تجتمع في الخيال (ما يمكن ادراكه باحدى الحواس الظاهرة وبالمعاني) التي تدرك بالوهم (ما لا يمكن) ادراكه باحدى الحواس الظاهرة.

(ومنها) اي من القوى (المفكرة وهي القوة التي لها قوة التفصيل والتركيب بين الصور المأخوذة عن الحس المشترك والمعاني المدركة بالوهم بعضها مع بعض) أما تركيب الصورة بالصورة كما قال القوشجى كما في قولك وصاحب هذا اللون المخصوص له هذا الطعم المخصوص وتركيب المعنى بالمعنى كما في قولك ما له هذه العداوة له هذه النفرة وتركيب الصورة بالمعنى كما في قولك صاحب هذه الصداقة له هذا اللون واما تفصيل الصورة عن الصورة كما في قولك هذا اللون ليس هذا الطعم وقس على هذا وقد يقال تركيب الصورة بالصورة كما في تخييل انسان ذي جناحين وتفصيل الصورة عن الصورة كما في تخييل انسان بلا رأس وتركيب المعنى بالصورة كما في توهم صداقة جزئية لزيد انتهى.

(وهي) أى المفكرة (دائما لا تسكن نوما ولا يقظة وليس من شأنها ان يكون عملها منتظما بل النفس تستعملها على اي نظام تريد فان استعملتها) النفس (بواسطة القوة الوهمية فهي) القوة (المتخيلة) وحينئذ قد يكون حكمه كذبا كبعض الامثلة المنقولة عن القوشجي انفا وكالحكم بان رأس الحمار ثابت على جثة زيد والعكس وهذا قد


استعمله بعض الدول في زماننا بالنسبة الى بعض الرؤساء كاستعمالهم بعض الأمور الخيالية الكاذبة الأخرى وسيأتي بعض ما في المقام في بحث التشبيه انشاء الله تعالى (وان استعملتها) اي استعملت النفس المفكرة (بواسطة القوة العاقلة وحدها او مع القوة الوهمية فهي المفكره).

ومما يجب ان يعرف في هذا المقام ما يسمى بالحس المشترك فنقول قال القوشجي عند قول الخواجة ومن هذه القوى المدركة للجزئيات الحس المشترك ويسمى باليونانية نبطاسيا اي لوح النفس ما هذا نصه واستدلوا على وجود الحس المشترك بوجوه احدها انا نحكم ببعض المحسوسات الظاهرة على البعض كما نحكم بان هذا الاصفر حلو والحاكم بين الشيئين يحتاج الى حضورهما عنده ولا يكون حصول هذين الامرين في النفس لانها لا يرتسم فيها الماديات على ما سبق ولا في الحس الظاهر لأنه لا يدرك غير نوع واحد من المحسوسات فأذن لا بد من قوة غير الحس الظاهر يجتمع فيها صور المحسوسات الظاهرة بالتأدي اليها من طرق الحواس فهي كجواسيس لهذه القوى يؤدى مدركاتها اليها فيجتمع فيها الملموسات والمبصرات والمسموعات والمذوقات والمشمومات بأسرها فلذلك سميت بالحس المشترك انتهى.

وسننقل كلاما للميبدى في الهداية عند البحث عن طرفي التشبيه وتعميمهما من حيث كونهما حسيين او عقليين فراجعه لانه يفيدك جدا (اذا تمهد هذا فنقول ذكر السكاكي انه يجب ان يكون بين الجملتين ما يجمعهما عند القوة المفكرة من جهة العقل او من جهة الوهم او من جهة الخيال فالجامع بين الجملتين اما عقلي بأن يكون بينهما) اي بين الجملتين) اتحاد في التصور) اي عند تصور العقل لهما فعلم ان


(المراد بالجامع العقلي أمر بسبه يقتضي العقل اجتماع الجملتين في المفكرة) فيصح العطف لذلك الاجتماع.

(قال السكاكي هو) اي الجامع العقلي (ان يكون بين الجملتين اتحاد في تصور) من تصوراتهما (مثل الاتحاد في المخبر عنه) نحو زيد يقرء ويفهم (او في الخبر) نحو زيد كاتب وعمرو كاتب (او في قيد من قيودهما) اي من قيود المخبر عنه او الخبر (مثل الوصف او الحال او الظرف او نحو ذلك) مثال الاتحاد في قيد المخبر عنه قولنا القائم عندنا شجاع والجالس عندنا عالم ومثال الاتحاد في قيد الخبر زيد كاتب في الدار وعمر جالس فيها وعليك بأستخراج باقي الامثلة.

(فظهر انه) أي السكاكي (اراد بالتصور الامر المتصور) وذلك لما سيجيء في اخر المبحث من ان الاتحاد انما هو بين نفس الشيئين لا بين تصوريهما فهو من باب المجاز في الكلمة كما في زيد عدل حيث يقال انه بمعنى زيد عادل (اذ كثيرا ما يطلق التصورات والتصديقات على المعلومات التصورية والتصديقية) وذلك كما قلنا من باب المجاز في الكلمة فتأمل.

(او) بان يكون بينهما اي بين الجملتين اي في متصور من متصوراتهما اى في مفرد من مفرداتهما مثل التماثل في المخبر عنه) نحو زيد كاتب وعمرو شاعر فبين زيد وعمرو تماثل في الحقيقة الانسانية فكانه قيل الانسان كاتب والانسان شاعر (او في الخبر) نحو زيد كاتب وعمرو كاتب فأن كتابة زيد وكتابة عمرو ولو اختلفا بالشخص حقيقتهما واحدة فأذا جردتا عن الاضافة المشخصة صارتا شيئا واحدا الى آخر ما ذكر.


(ثم اشار الى سبب كون التماثل مما يقتضي بسبه العقل جمعها في) القوة (المفكرة بقوله فالعقل بتجريد المثلين عن الشخص) اي عما يميز احدهما عن الاخر اي عن الصفة المميزة لهما (فى الخارج) من طول وعرض ولون والمكان ومن اللون المخصوص والمكان المخصوص والمقدار المخصوص وغير ذلك من المشخصات الخارجية (يرفع) العقل (التعدد بينهما) اى بين المثلين (لان العقل مجرد) عن المادة اعني العناصر الأربعة ولواحقها اعني الصور والابعاد كالطول والعرض والعمق وغير ذلك من عوارض الاجسام المركبة من العناصر فلا يدرك الا الكلي المجرد عن تلك الامور الخارجية فهو (لا يدرك بذاته الجزئي من حيث هو جزئي) لان الجزئي معروض لتلك العوارض المنافية للتجريد فلا تناسب العقل المجرد بخلاف الكلي او الجزئي المجرد وانما يدرك الجزئي غير المجرد بواسطة الة الحس أو الوهم وانما قلنا بالالة لانه يحكم على الجزئيات بالكليات كقولنا زيد انسان والحكم فرع التصور.

(بل يجرده) اى يجرد العقل الجزئي (عن) تلك (العوارض المشخصة في الخارج وينتزع منه المعنى الكلي أى الماهية الكلية كماهية الانسان أعني الحيوان الناطق (فيدركه فالمتماثلان) كما اشرنا إليه انفا (إذا جردا عن المشخصات) الخارجية (صارا متحدين فيكون حضور احدهما في المفكرة حضور الآخر) وفي المقام نظر واشكال يأتي مع جوابه عن قريب فانتظر.

(وانما قال) الخطيب (عن الشخص في الخارج لان كل ما هو حاصل في العقل فلا بد له من تشخيص عقلي ضرورة أنه متميز عن


سائر المعلومات) ومن هنا قال ابن هشام في بحث آل ان الاجناس أمور معهودة في الاذهان متميز بعضها عن بعض انتهى.

(وانما قلنا انه) اي العقل (لا يدرك الجزئي بذاته لانه) كما قلنا (يدرك الجزئيات بواسطة الالات الجسمانية) يعني الحواس الخمس الظاهرية (لانه يحكم بالكليات على الجزئيات كقولنا زيد انسان والحاكم) كما قلنا (يجب ان يدركهما) أى الكلي المحكوم به والجزئي المحكوم عليه (معا) إذ الحكم تصديق والتصديق فرع التصور (لكن إدراكه للكلي بالذات وللجزئي بالالات) الجسمانية (وكذا حكمه) أى حكم العقل (بان هذا اللون) المخصوص (هذا الطعم) المخصوص (ونحو ذلك) مما يحكم فيه بالكلي على الجزئي.

(فأن قلت تجريدهما) أى المثلين (عن التشخيص في الخارج لا يقتضي ارتفاع تعددهما لجواز ان يتعددا بعوارض كلية حاصلة في العقل مثل ان يعلم من زيد انه رجل احمر فاضل ومن عمرو أنه رجل أشود جاهل) فيبقى المثلان أعني زيدا وعمرا على تعددهما بسبب تلك الاوصاف الكلية الموجودة في كل واحد منهما.

(قلت إذا كانت الاوصاف كلية كان اشتراك زيد وعمرو وغيرهما من الجزئيات فيها على السوية بأعتبار العقل) فلا تعدد (وان كانت) تلك (الاوصاف بحسب الخارج مختصة ببعض منها) كان يكون الحمرة والفضل مختصا بزيد والسواد والجهل مختصا بعمرو دون بكر وخالد فأن الاوصاف المذكورة عند صيرورتها كليا صار جميع الجزئيات على السوية ولا يضر ان يكون تلك الاوصاف المذكورة بحسب الخارج مختصة ببعض ولا يوجد في غيره والفرق واضح.


(وههنا نظر) وقد اشرنا اليه انفا (وهو ان التماثل اذا كان جامعا لم يتوقف صحة قولنا زيد كاتب وعمر شاعر على مناسبة) اخرى (بين زيد وعمرو مثل الاخوة والصداقة ونحو ذلك) كاشتراكهما في صنعة او حرفة (وقد مر بطلانه) حيث قلنا ان المسند اليهما اذا تغايرا فلا بد من تناسبهما نحو زيد شاعر وعمر وكاتب وزيد طويل وعمرو قصير لمناسبة بينهما الخ.

(والجواب) عن النظر (ان المراد بالتماثل) ههنا ما هو المصطلح عند البيانيين لا الحكماء والتماثل عندهم اي البيانيين اخص مما عند الحكماء اذ هو عند البيانيين (اشتراكهما) اي الشيئين المتماثلين (في وصف له نوع اختصاص بهما) مع اشتراكهما فى الحقيقة النوعيه واما عند الحكماء فيكفى في التماثل كونهما مشتركين في الحقيقة النوعية فقط فعلم ان النظر والاشكال مغالطة نشأ من اشتراك لفظ التماثل بين الاصطلاحين كما في لفظ الحال على ما بينه السيوطى في باب الحال (وسيتضح ذلك في) الفن الثاني في (باب التشبيه) حيث يقول ووجهه ما يشتركان فيه اى في وجه التشبيه هو المعنى الذى قصد اشترك الطرفين فيه تحقيقا او تخيلا والا فزيد والاسد في قولنا زيد كالاسد يشتركان في الوجود والحيوانية وغير ذلك من المعاني مع ان شيئا منها ليس وجه التشبيه فالمراد المعنى الذي له زيادة اختصاص بهما وقصد بيان اشتراكهما فيه ولهذا قال الشيخ عبد القاهر التشبيه الدلالة على اشتراك الشيئين في وصف هو من اوصاف الشيىء في نفسه خاصة كالشجاعة في الاسد والنور في الشمس انتهى.

(او) يكون بينهما اي بين شيئين من الجملتين (تضايف وهو ان


يكون الشيئان بحيث لا يمكن تعقل كل واحد منهما الا بالقياس الى تعقل الاخر فحصول كل واحد منهما في) القوة (المفكرة يستلزم حصول الاخر) فيها (ايضا) ضرورة وهذا معنى الجمع بينهما كما بين العلة) من حيث هي علة (والمعلول) كذلك (فان كل امر يصدر عنه امر اخر اما بالاستقلال) كالعلة التامة (او بواسطة انضمام الغير) كالعلة الناقصة (فهو علة والامر الاخر معلول) والاول كحركة اليد بالنسبة الى حركة المفتاح وكحركة السفينة بالنسبة الى حركة الجالس فيها والثاني كالنجار بالنسبة الى السرير فانه يصدر عنه بواسطة الالة اعني القدوم ونحوه مما يحتاج اليه في صنعه وكالنار بالنسبة الى الاحتراق فانه يصدر عنها بواسطة اليبوسة وانتفاء البلل والاتصال (فتعقل كل واحد منها) اي العلة والمعلول (بالقياس الى تعقل الاخر) وبعبارة اخرى تصور كل منهما مستلزم لتصور الاخر فيجوز ان تعطف جملة المعلول على جملة العلة بان يقال العلة اصل والمعلول فرع او بان يقال هذا النجار صانع والسرير مصنوع فتامل.

(او) كما بين (الاقل والاكثر) اي كالتضايف الذي بين الاقل والاكثر (فان كل عدد يصير عند العد) اي عند السرد واحدا واحدا او اثنين اثنين (فانيا قبل) فناء (عدد اخر فهو اقل من الاخر والاخر اكثر منه) فيجوز العطف بان يقال هذا العدد الاقل لزيد وذلك العدد الاكثر لعمر او بان يقال الاربعة اقل من الخمسة والخمسة اكثر من الاربعة او يقال هذه الاربعة لزيد وهذه الخمسة لعمرو فتامل

(وذكر الشارح العلامة) في وجه تعدد المثال للتضايف (ان المثال الاول مثال للتضايف بين الامور المعقولة) لان مفهوم العلة


والمعلول من الامور المعقولة لا المحسوسة (و) المثال (الثاني مثال للتضايف بين ما يعم المحسوسات كالكتب القليلة والكتب الكثيرة (والمعقولات) كالعلوم القليلة والعلوم الكثيرة.

(وفيه) اى فيما ذكره الشارح العلامة في وجه تعدد المثال (نظر لان التضايف انما هو بين مفهومي العلة والمعلول) يعني كون الشيىء سببا وكون الشيىء مسببا (وبين مفهومي الاقل والاكثر) يعني كون عدد الشيىء بحيث يفنى عند العد قبل عدد اخر وكونه بحيث يبقى عند فناء عدد اخر (لا بين الذاتين المتصفتين بذينك المفهومين الا ترى ان تعقل ذات الواجب ليس بالقياس الى تعقل ذات مخلوقاته) يعني الممكنات (وبالعكس) يعني ليس تعقل ذات المخلوقات اى الممكنات بالقياس الى ذات الواجب بل التضايف في كلتا الصورتين بين المفهومين المتقابلين.

(وكذا تعقل خمسة من الرجال بالقياس الى تعقل ستة) من الرجال (وبالعكس) يعني ليس تعقل الذات بالقياس الى الذات بل التضايف انما هو بين المفهومين المتقابلين (والمفهومات) كلها (صور معقولة لا محسوسة) فلا فرق بين المثالين.

(وان اراد ان ما يصدق عليه الاقل والاكثر يجوز ان يكون محسوسا) كالكتاب ونحوه (وان يكون معقولا) كالعلم ونحوه (فكذا العلة والمعلول) يجوز ان يكون محسوسا (كالنجار والكرسي فانهما محسوسان) ويجوز ان يكون معقولا كملكة الحلم والعفو فانهما معقولان.

(وان ارد ان) وصف (العلية والمعلولية معقولتان لكونهما نسبيين) وذلك لتوقف كل واحد من الوصفين على تعقل الاخر


(فالاقليلة والاكثرية ايضا كذلك) وذلك واضح لا يحتاج الى البيان والى هنا كان الكلام في اقسام الجامع العقلى فلا تغفل (او) الجامع بين الشيئين فى الجملتين (وهمى) فهذا (عطف على قوله عقلى) لا على اتحاد في التصور وتالييه (والمراد بالجامع الوهمى امر) اي شيىء (بسببه يقتضي الوهم اجتماعهما) اي اجتماع الشيئين في الجملتين (في) القوة (المفكرة اعني الوهم يحتال في ذلك) الاجتماع وذلك بان يصور الوهم ذلك الامر بصورة تصير سببا لاجتماعهما وليس في الواقع للاجتماع سببا وذلك (بخلاف العقل فانه اذا خلى ونفسه) اي مع نفسه بان لم يتبع الوهم (لم يحكم باجتماعهما) لان العقل انما يدرك الاشياء على حقايقها ومقتضياتها بخلاف الوهم فانه يدرك الاشياء لكن لا على حقيقتها ومقتضياتها.

(وذلك) الجامع الوهمى (بان يكون بين تصوريهما) اي الشيئين في الجملتين (شبه تماثل كلوني بياض وصفرة) اي كلون بياض في احد الشيئين ولون صفرة في شيى اخر كالفضة والذهب فيصح العطف فيقال بياض الفضة يذهب الغم وصفرة الذهب تذهب الهم (فان الوهم يبرزهما) اى الشيئين المذكورين اي البياض والصفرة (في معرض المثلين) اى في مكان عرض المثلين وليسا بمثلين لما تقدم من ان المثلين لا بد فيهما ان يكونا مشتركين في الحقيقة النوعية ويكون الاختلاف بينهما بالعوارض الخارجية فكون شبه التماثل في اللونين المذكورين جامعا انما هو (من جهة انه يسبق الى الوهم انهما نوع واحد زيد في احدهما) وهو الصفرة (عارض) لا يخرجه عن حقيقته النوعية وذلك الزائد الكدرة ويحتمل ان يكون المراد من احدهما


البياض بان يقول الوهم ان البياض اصله الصفرة زيد فيها شيىء قليل من الاشراق.

(بخلاف العقل فانه يعرف انهما نوعان متباينان داخلان تحت جنس واحد هو اللون وكذا الخضرة والسواد) فيجوز فيهما ايضا العطف كما فى لوني بياض وصفرة بالبيان المتقدم.

(ولذلك اي ولان الوهم يبرزهما في معرض المثلين ويجتهد في الجمع بينهما في المفكرة حسن الجمع بين الثلثة) المتباينة (التي في قوله)

ثلثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحى وابو اسحق والقمر

(فان الوهم يبرزها) اى يبرز الثلاثة المتباينة في البيت (في معرض الامثال ويتوهم ان هذه الثلاثة) المتباينة في النوع غاية التباين (من نوع واحد) وهو المشرق او المنور للدنيا (وانما اختلفت) الثلاثة) بالعوارض والمشخصات) وهي كون الشمس كوكبا نهاريا وكون القمر كوكبا ليليا وكون ابي اسحق حيوانا ناطقا (وذلك (بخلاف العقل فانه يعرف ان كلا منها) اى من الثلاثة يعني شمس الضحى وابو اسحق والقمر (من نوع اخر) وذلك لان الشمس كوكب نهارى مضيىء لذاته والقمر كوكب ليلى مطموس لذاته مستفاد نوره من نور غيره وهو الشمس واما ابو اسحق فانسان عم نور عدله واحسانه جميع الدنيا كالشمس والقمر بزعم الشاعر (وانما اشتركت) الثلاثة فى عارض وهو اشراق الدنيا ببهجتها على ان ذلك) الاشراق (في ابى اسحق مجاز) لانه شبه عموم نفعه بعموم نور الشمس فاطلق عليه المشرق هذا ولكن لا يذهب عليك ان البيت ليس مما نحن فيه لانه ليس من عطف الجمل وانما هو من عطف المفرد) وقد تقدم بعض الكلام


في هذا البيت في الباب الثالث في بحث تقديم المسند فراجع ان شئت ومن هذا القبيل قوله.

اذا لم يكن للمرء في الخلق مطمع

فذوا التاج والسقاء والذر واحد

فالوهم هو الذي حسن الجمع بين السلطان والسقاء وصغار النمل لاشتراكها في عدم التوقيع منهم والاستغناء عنهم مع كونها متباعدة متباينة غاية الثباين وقريب من معنى البيت قول الشاعر الفارسي

شرف مرد بجود است وسخاوت بسجود

هركه اين هرسه ندارد عدمش به ز وجود

(او يكون بين تصوريهما) اي بين تصور الشيئين في الجملتين (تضاد وهو التقابل بين امرين وجوديين) فخرج به تقابل الايجاب والسلب كتقابل الحركة لعدمها او تقابل السكون لعدمه وتقابل العدم والملكة وهو ثبوت شيىء وعدمه عما من شانه ذلك كتقابل العمى والبصر (يتعاقبان على محل واحد) اى يوجدان على التعاقب في محل واحد ولا يجتمعان والمراد من التعاقب امكانه لا الفعلية لان الضدين قد يرتفعان فتنبه.

(بينهما غاية الخلاف) هذا القيد لاخراج التقابل بين المتعاندين كالسواد والحمرة وكالبياض والصفرة ونحو ذلك قال القوشجي وقد في الضدين ان يكون بينهما غاية الخلاف والبعد كالسواد والبياض فانهما متخالفان متباعدان في الغاية دون الحمرة والصفرة اذ ليس بينهما ذلك الخلاف والتباعد فيسميان بالمتعاندين والضدان بهذا المعنى يسميان بالحقيقين.

(كالسواد والبياض في المحسوسات) فيصح فيهما العطف فيقال


ذهب سواد شعري وجاء بياضه ومن هذا القبيل قوله تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) الاية (و) كذلك (الايمان والكفر في المعقولات) فان بينهما ايضا تقابل التضاد بناء على ان الكفر كما ياتي الانكار وجحد شيىء مما هو متعلق تصديق النبي (ص) والجحد امر وجودى كالتصديق الذى هو الايمان (و) لكن (الحق ان بينهما تقابل العدم والملكة لا تقابل التضاد) كما هو ظاهر الخطيب (لان الايمان هو تصديق النبي (ص) في جميع ما علم مجيئه به بالضرورة) كالوحدانية والبعث وغيرهما مما هو مذكور في محله (اعني) من التصديق المذكور (قبول النفس لذلك) اي لما علم مجيئه بالضرورة (والاذعان له من غير اباء ولا جحود حاصله قبول ذلك في القلب بان يقول في نفسه امنت وصدقت (على ما فسره) اي الايمان (المحققون من المنطقيين مع الاقرار باللسان) قيل ولو مرة في العمر (والكفر عدم الايمان عما من شانه ان يكون مؤمنا) فليس الكفر وجوديا (اللهم الا ان يقال) كما اشرنا انفا ان (الكفر انكار شيىء من ذلك) وجحده (فيكون ضد الايمان لكونه وجوديا مثله) اى مثل الايمان.

(و) كذلك (ما يتصف بها اى بالمذكورات) اى بالسواد والبياض والايمان والكفر (كالاسود والمؤمن والكافر فانه قد يعد مثل الاسود) اي الذات المتصف بالسواد (و) كذلك (الابيض متضادين باعتبار اشتمالهما على الوصفين المتضادين وهما السواد والبياض والا) اى ولن لم يكن العد بالاعتبار المذكور (فهما) اى الاسود والابيض (لا يتواردان اى لا يتعاقبان (على المحل اصلا فكيف يتضاد ان وذلك لان الاسود مثلا هو المحل مع السواد) لكونهما من الاجسام


لا الاعراض ولانهما مع قطع النظر عن الوصفين المتضادين ليسا من التضاد في شيىء كزيد وعمرو اذا كان احدهما اسود والاخر ابيض فيصح العطف بان يقال ذهب هذا الاسود وجاء هذا الابيض وقس على ذلك المؤمن والكافر (او) يكون بين الشيئين في الجملتين (شبه تضاد كالسماء والارض في المحسوسات فان بينهما شبه التضاد باعتبار انهما وجوديتان احدهما) يعني السماء (في غاية الارتفاع والاخرى) يعني الارض (في غاية الانحطاط لكنهما لا تتواردان على محل لكونهما من الاجسام دون الاعراض) وايضا لم تشعر احدهما بوصف اشعرت الاخرى بضده كالاسود والابيض وذلك لان السماء جرم مخصوص تنوسى فيه معنى السمو اى العلو والارض جرم مخصوص تنوسى فيه الانحطاط (فلا يكونان متضادين) والمراد بالسماء جميع السموات لا خصوص ادناها حتى يقال ليس فيها غاية الارتفاع وكذا الارض.

(و) كا (لاول والثاني في ما يعم المحسوسات) وذلك كان يقال المولود الاول بمنزلة الاخ للاب والمولود الثاني بمنزلة الصديق له (والمعقولات) كما يقال علم الاب اول وعلم الابن ثان.

وانما كان بينهما شبه تضاد (فان الاول هو الذي يكون سابقا على الغير ولا يكون مسبوقا بالغير والثاني هو الذي يكون مسبوقا بواحد فقط) اي لا غير وليكن هذا على ذكر منك فانه ينفعك عن قريب (فاشبها اي الاول والثاني المتضادين) (باعتبار اشتمالهما على وصفين) هما عدم المسبوقية والمسبوقية (لا يمكن اجتماعها لكنهما) اى الاول والثاني (ليس بمتضادين لكونهما عبارة عن المحلين الموصوفين بالاولية والثانوية) والمحلان من قبيل الأجسام لا الأعراض


فلا يتواردان على محل واحد فتامل.

(فان قلت كما جعل نحو الاسود والابيض من قبيل المتضادين فليجعل نحو السماء والارض والاول والثاني ايضا من هذا القبيل بهذا الاعتبار) اي باعتبار اشتمالها على الوصفين المتضادين لما تقدم انفا من ان السماء مشتمل على وصف غاية الارتفاع والارض على غاية الانحطاط والاول على وصف عدم المسبوقية بالغير والثاني على المسبوقية (والا) اى وان لم يجعل هذه الامور من قبيل الاسود والابيض مع وجود ذلك الاعتبار في الكل (فما الفرق) بين هذه الامور والاسود والابيض.

(قلت الفرق ان الوصفين المتضادين في نحو الاسود والأبيض جزءا مفهوميهما) لان مفهوم الاسود الذات مع السواد والابيض الذات مع البياض (بخلاف نحو السماء والارض فانهما) اى الوصفين المتضادين لا زمان لهما) اي السماء والارض (خارجان) منهما لان مفهوم السماء والارض نفس الجرم المخصوص من دون ان يعتبر وصف غاية الارتفاع والانخفاض غاية الامر انه لزم في الخارج كون السماء في غاية الارتفاع والارض في غاية الانخفاض فالمقام نظير ما ذكره السيوطي فى شرح قول ابن مالك.

فما لذى غيبة او حضور

كانت وهو سم بالضمير

فراجع ان شئت (واما الاول والثاني وان كانت) الصفتان يعني (الاولية والثانوية) يعني عدم المسبوقية بالغير والمسبوقية بواحد فقط (جزئين من مفهوميهما) اي الاول والثاني (لكنهما) اي الاولية والثانوية (ليستا بمتضادتين اذ ليس بينهما غاية الخلاف) وقد تقدم


انه اشترط في المتضادين ان يكون بينهما غاية الخلاف واذ ليس فليس وذلك (لان العاشر ابعد من الثاني) هذا كله بناء على قول من يشترط فى المتضادين ان يكون بينهما غاية الخلاف واما بناء على قول من لا يشترط ذلك فيجاب بقوله (مع ان العدم معتبر في مفهوميهما) اى الاول والثاني (فلا يكونان وجوديين) فليسا متضادين لان المتضادين يجب ان يكونا امرين وجوديين اما اعتبار العدم في مفهوم الاول فظاهر لانه كما مر ما لا يكون مسبوقا بالغير فلم يكن وجوديا لان الوجودى ما لا يشتمل مفهومه على عدم واما اعتباره في مفهوم الثاني فلاعتبار قيد فقط فيه وقد نبهناك انفا انه بمعنى لا غير فتذكر.

فتحصل من جميع ما ذكر فى المقام ان الاول والثاني لا يكونان متضادين عند من يشترط في المتضادين ان يكون بينهما غاية الخلاف ولا عند من لم يشترط ذلك اما عند من لم يشترط فظاهر لان مخالفة الثالث والرابع ونحوهما الى العاشر فما فوق للاول اكثر من مخالفة الثاني له واما عند من لم يشترط ان يكون بينهما غاية الخلاف فيمتنع ايضا جعلهما من المتضادين لكن لا من هذه الجهة بل من جهة اخرى وهي كونهما معتبرا العدم في مفهومهما لما مر من ان الضدين هما الامران الوجوديان

(ثم بين) الخطيب (سبب كون التضاد وشبهه جامعا وهميا بقوله فانه اي الوهم اي الوهم ينزلهما اي التضاد وشبه التضاد منزلة التضايف) يعنى ان التضاد عند الوهم كالتضايف عند العقل (فى انه) اي الوهم (لا يحضره) اي لا يحضر في الوهم (احد المتضادين او الشبيهين بهما الا ويحضره) اي فيه (الاخر) من المتضادين (ولذلك) التنزيل (تجد الضد اقرب خطورا بالبال) اي في الوهم (مع)


خطور (الضد) الاخر (من المغايرات التي ليست اضدادا له فأنه قلما يخطر بالبال) اي في الوهم (السواد الا ويخطر به) اي فيه اى في الوهم (البياض) لانه ضده فخطور البياض في الوهم اقرب من خطور القيام والعقود ونحوهما مما ليس ضدا للسواد.

(وكذا السماء والارض) فأنه قلما يخطر بالبال السماء الا ويخطر به الأرض دون غيرها من المغايرات التي ليست شبه اضداد للسماء.

(يعني ان ذلك) الخطور والاقربية والاجتماع بين الشيئين (مبنى على حكم الوهم) لاتساعه ومجازفته لأنه لا يبحث عن صحة وجود احد الضدين وشبهما بدون الاخر (والا) اي وان لم يكن ذلك مبنيا على حكم الوهم (فالعقل يتعقل) اي يتصور (كلا منهما) اي كلا من المتضادين وشبهما حالكونه (ذاهلا عن الاخر) لأن العقل يميز بين التضايف وما نزل منزلته من التضاد وشبهه لأنه كثيرا ما يستحضر الضد دون الضد الاخر وكذلك شبه المتضادين بخلاف المتضايفين فأنه لا ينفك عنده احدهما عن الاخر (وليس عنده) أي العقل (ما يقتضي اجتماعهما في المفكرة) فلا يحكم بالاجتماع في الضدين وشبهما لأنه خلاف الواقع والعقل ليس من شأنه الحكم على خلاف الواقع والوهم ليس كذلك لانه يحكم في الجميع بالاجتماع لما ذكر انفا من اتساعه ومجازفته فيحكم على خلاف الواقع.

(او خيالي عطف على وهمي والمراد بالجامع الخيالي أمر بسببه يقتضي الخيال اجتماعهما في المفكرة وان كان العقل من حيث الذات) اي ان خلى ونفسه (غير مقتض لذلك) الاجتماع (وهو) اي كون الجامع خياليا (بأن يكون بين تصوريهما) اي بين تصور الشيئين في الجملتين


(تقارن في الخيال) أى في خزانة الحس المشترك (سابق) ذلك التقارن (على العطف) ليكون مصححا له وأما لو كان التقارن حاصلا بسبب العطف فلا يكفى ويكون ذلك التقارن في الخيال (لأسباب مؤديه الى ذلك) التقارن.

(واسبابه اي اسباب التقارن في الخيال مختلفة) فيمكن وجود تلك الأسباب عند بعض دون بعض مثلا اذا كان الانسان من أهل صنعة الكتابة فأنها تقتضي اقتران الاتها من قلم وقرطاس ومسطر ودوات ومداد ونحوها في خياله فيصح عطف بعض تلك الالات على بعض فيقول القلم عند زيد والدواة عند بكر واذا كان من اهل صنعة الصياغة اوجب ذلك اقتران الاتها من ذهب وفضة ونحوهما في خياله فيصح العطف فيقول الذهب مثقاله بدينار والفضة مثقالها بدرهم وهكذا الات سائر الصنائع والحرف ومن هنا قيل بالفارسية.

هركسى او نقش خود بيند در اب

بر زكر باران وكازر افتاب

(ولذلك) الاختلاف في اسباب التقارن (اختلف الصور الثابتة في الخيالات ترتبا وضوحا) أي من حيث الترتب والوضوح وفسرت الترتب بارتباط الصور في الخيال بحيث لا تنفك فاذا كانت في خيال كذلك فربما كانت في خيال اخر لا تجتمع اصلا كما بينا وفسرت الوضوح بان لا تغيب عن الخيال اصلا كصورة المحبوب في خيال المحب فأذا كانت كذلك في خيال فربما لم تكن كذلك في خيال اخر لعدم وجود السبب والى ذلك اشار بقوله (فكم من صور لا انفكاك بينها أصلا في خيال وهي في خيال اخر مما لا تجتمع أصلا وكم من صور لا تغيب عن خيال وهي في خيال مما لا يجتمع قط) والى هذا المعنى اشير


في البيت المنسوب الى سيد الشهداء «ع» مخاطبا به العلي الاكبر وهو :

واذا نطقت فأنت اولى منطقي

واذا سكت فأنت في مضماري

ولصاحب علم المعاني فضل احتياج الى معرفة الجامع لان معظم ابوابه الفصل والوصل فمن ادركه كما ينبغي لم يصعب عليه شيء من سائر الابواب بخلاف العكس ولبيان عظمته.

قال الشيخ في أول هذا الباب اعلم ان العلم بما ينبغي ان يصنع في الجمل من عطف بعضها على بعض او ترك العطف فيها والمجيء بها منثورة تستأنف واحدة منها بعد اخرى من أسرار البلاغة ومما لا يتأنى لتمام الصواب فيه الا للاعراب الخلص والاقوام طبعوا على البلاغة واتوا فنا من المعرفة في ذوق الكلام هم بها أفراد وقد بلغ من قوة الامر في ذلك انهم جعلوه حدا للبلاغة فقد جاء عن بعضهم انه سئل عنها فقال معرفة الفصل من الوصل ذلك لغموضه ودقه مسلكه وانه لا يكمل لاحراز الفضيلة فيه احد الا كمل لسائر معاني البلاغة انتهى.

(وهو) اي الوصل (مبنى على الجامع لا سيما) معرفة الجامع (الخيالي) فأن الاحتياج الى معرفته ازيد من غيره (فأن جمعه) اي جمع الخيال بين الشيئين (على مجرى) اى على جريان (الالف) اي المألوف (والعادة) عطف تفسير للألف ومعنى الجريان وقوع ذلك المألوف والمعتاد في الخيالات والنفوس (بحسب انعقاد الاسباب في اثبات الصور في خزانة الخيال وبيان الاسباب) الموجبة لتقارن الاشياء في الخيال (مما يفوته الحصر) لانها تختلف باختلاف الاشخاص والاغراض والازمنة والامكنة ولما كانت الاشخاص والاغراض وتالياهما غير منحصرة بالضرورة تكون الاسباب أيضا مما يفوته الحصر ولهذا


تجد الشيء الواحد قد يحضر ويراد تشبيهه بصور من الصور الحسية المخزونة في الخيال فيشبهه كل شخص بصورة مخالفة لما شبه به الاخر.

(ولهذا) المقام (امثلة وحكايات) طويلة وظريفة (ذكرت في المفتاح) ونحن اشرنا الى حاصل بعض منها انفا ونذكر حاصل بعض اخر ههنا وهو انه حكى ان جنديا وصائغا وصاحب بقر ومعلم صبيان طلع عليهم القمر فأراد كل تشبيهه بأحسن ما في خزانة خياله فشبهه الجندي بالجنة المذهبة والصائغ بالسبيكة المدورة من الذهب وصاحب البقر بالجين الابيض ومعلم الصبيان برغيف احمر يصل اليه من بيت احد الصبيان فالصور التي من شأنها حصولها في الخيال اختلفت في حضورها في الخيالات بمعنى انها وجدت في خيال دون آخر لان كل شخص من هؤلاء الاشخاص الاربعة شبه بما هو مألوف عنده ونظير هذه الحكاية ما حكاه الفاضل الچلبي عن مجلس صاحب ابن عباد في الفن الثاني عند قول الخطيب في بحث التشبيه والضرب الثاني بيان الاهتمام به اي بالمشبه به كتشبيه الجائع وجها كالبدر في الاشراق والاستدارة بالرغيف فراجع ان شئت.

فتحصل مما ذكرنا ان صحة العطف في الجامع الخيالي انما هو بأعتبار من يوجد عنده الاقتران والا كان العطف فاسدا الا انه يبقى الكلام هنا في المعتبر خياله هل المراد خيال المتكلم او السامع او هما معا والاقرب ان المعتبر السامع لانه هو الذي يراعي حاله في غالب المحاورات ومن هنا قيل بالفارسية :

حكايت بر مزاج مستمع كوى

اگر دانى كه دارد با تو ميلى

هران عاقل كه با مجنون نشيند

نگويد جز حديث از روى ليلى


وقد علم مما ذكرنا في بيان الجامع ان الجامع بين الشيئين ثلثة احدها العقلي وهو على ثلاثة اقسام الاتحاد في التصور والتماثل والتضايف وثانيها الوهمي وهو أيضا على ثلثة أقسام شبه التماثل والتضاد وشبه التضاد وثالثها الخيالي وهو واحد فالمجموع سبعة اقسام وقد بين كل واحد منها مفصلا مشروحا والحمد لله.

(وقد ظهر لك مما ذكرنا) في بيان الجامع واقسامه (ان ليس المراد بالجامع العقلي) خصوص (ما يكون مدركا بالعقل) بأن يكون كليا بل المراد بالعقلي امر بسبه يقتضي العقل اجتماع الشيئين في المفكرة سواء كان كليا ومن مدركات العقل بنفسه) من دون معونة الوهم (او جزئيا ومن مدركات العقل بواسطة الوهم.

والحاصل انه لم نشترط في الجامع العقلي ان يكون كليا بل يكون عقليا ولو كان جزئيا يدرك في الاصل بالوهم فتسمية الاتحاد فى التصور مثلا جامعا عقليا لكونه سببا في جمع العقل بين الشيئين فيعلم من هذا ان الجامع العقلي هو ما كان سببا في جمع العقل سواء كان مدركا بالعقل لكونه كليا او مضافا لكلي او كان مدركا بالوهم بان كان جزئيا لكونه مضافا لجزئي فليس المراد بالجامع العقلي خصوص ما كان مدركا بالعقل.

(و) كذلك ليس المراد (بالوهمي ما يكون مدركا بالوهم) ويأتي بيان ذلك بعيد هذا (و) كذلك ليس المراد (بالخيالي ما يكون مدركا بالخيال) وقوله (لان التضاد) الخ تعليل للنفي الذي ادعى في المراد الوهمي والخيالي وانما لم يلتفت الى بيان النفي الذى ادعى في العقلى لوضوح ادراك العقل ما ذكره المصنف فيه من الاتحاد


والتماثل والتضايف وان كان الجامع العقلي قد يكون مدركا بالوهم اذا عرفت ذلك فنقول ليس المراد بالجامع الوهمي ما يكون مدركا بالوهم (لان التضاد وشبه التضاد) الذين جعلا من أقسام الجامع الوهمي (ليسا من المعاني التى يدركها الوهم) وقد تقدم بيان ذلك انفا (و) كذلك ليس المراد بالجامع الخيالي ما يكون مدركا بالخيال لان (التقارن في الخيال ليس من الصور التي تجتمع في الخيال) بل هو وصف للصور (بل جميع ذلك) المذكور اي جميع الجوامع السبعة (معان معقولة) اي يدركها العقل لكونها معان كلية ان لم تضف الى شيء او اضيفت الى كلى فلن اضيفت الى جزئي كانت من مدركات الوهم فالتماثل مثلا ان اعتبر غير مضاف او مضافا لكلى كان من مدركات العقل وان اعتبر مضافا للجزئي كان من مدركات الوهم وسيأتي المراد من الاضافة بعيد هذا.

(وبعضهم لما لم يقف) اي لم يطلع اي لم يفهم (ذلك) الذي بينا من انه ليس المراد بالجامع العقلي (الخ) (اعترض اولا بأن السواد والبياض مثلا محسوسان) بالباصرة فحينئذ يجب ان يجعل الجامع بينهما من الخياليات لان الخيال يدركهما بعد أدراكهما بالحس المشترك (فكيف يصح ان يجعلا من الوهميات ويجعل الجامع بينهما وهميا) مع ان الوهم على ما تقدم بيانه انما يدرك المعاني الجزئية.

(واجاب) المعترض نفسه (بان الجامع) بينهما (كون كل منهما) أي السواد والبياض (مضاد اللآخر وهذا معنى جزئي لا يدركه الا الوهم) وقد تقدم بيانه.

(وهذا) الجواب (فاسد لانا لا نسلم ان تضاد السواد) الكلي


(والبياض) الكلي (معنى جزئي) لا يدركه الا الوهم.

(وان أراد) المعترض (ان تضاد هذا السواد) الجزئي المعين (وهذا البياض) الجزئي المعين) جزئي فتماثل هذا) الجزئي المعين كزيد مثلا (مع ذلك) الجزئي المعين كعمرو مثلا (وتضايفه) اي تضايف هذه العلة المعينة كالنجار المعين مثلا (معه) أى مع ذلك المعلول المعين كالسرير المخصوص المعين مثلا (أيضا معنى جزئي فلا تفاوت بين التماثل والتضايف وشبه التماثل والتضاد وشبه التضاد في انها إذا اضيفت الى الجزئيات كانت جزئيات وإذا اضيفت الى الكليات كانت كليات فكيف يصح جعل بعضها) يعني التماثل والتضايف (على الاطلاق) اى مطلقا اى من دون ان يقيدا بكونهما بين الكليين او الجزئيين (عقليا) مع انهما إذا كانا بين الجزئيين لا يدركهما الا الوهم (وبعضها) يعني شبه التماثل والتضاد وشبه التضاد على الاطلاق (وهميا) مع انها إذا كانت بين الكليين كانت كليات فتكون مدركة بالعقل فلا معنى للاطلاق المذكور في الموضعين.

والحاصل انه ان أراد ان تضاد هذا الشيء المعين لهذا الشيء المعين يكون وهميا لكونه جزئيا من مدركات الوهم فحينئذ يلزم ان يقال ان مماثلة هذا الشيء المعين لهذا الشيء المعين وكذلك المضايفة وهميان فكيف يصح جعلهما عقليا مع كونهما من مدركات الوهم وان اراد ان التضاد مطلقا جزئي فلا يصح لان تضاد كلي لكلى كلى لا جزئي وكذا التماثل فكيف يصح جعلهما وهميين مع ان الوهم لا يدرك الا المعاني الجزئية.

فتلخص المقام والاشكال في انه اى المعترض فرق بين التضاد وشبهه والتماثل والتضايف حتى جعل الاولين وهميين على الاطلاق من غير


تفريق بين جزئيهما وكليهما والاخرين عقليين من غير تفريق بين كليهما وجزئيهما مع ان الجزئي في البابين مدرك بالوهم والكلي مدرك بالعقل.

أما قوله (ثم ان الجامع الخيالي) الخ فهو اعتراض آخر على المعترض الذى لم يقف على المراد بالجامع فجعل المراد بالجامع ما يدرك بهذه القوى الثلاث اعني العقل والوهم والخيال ثم اعترض بالجامع الوهمي بقوله ان السواد والبياض مثلا محسوسان فكيف يصح ان يجعلا من الوهميات فاعترض عليه التفتازاني بأن كون المراد بالجامع ما يدرك بهذه القوى غير صحيح في الجامع الخيالي لان الجامع الخيالي (هو تقارن الصور في الخيال وظاهر انه لا يمكن جعله صورة مرتسمة في الخيال لانه من المعاني) فكيف يصح ان يقال ان المراد بالجامع ما يدرك بهذه القوى.

(وجميع ما ذكرنا يظهر بالتأمل في لفظ المفتاح) فعليك بمراجعته (فان قلت ما ذكرت من تقرير كلام صاحب المفتاح مشعر بأنه يكفي لصحة العطف وجود الجامع بين الجملتين بأعتبار مفرد من مفرداته مثل الاتحاد في المخبر عنه أو في الخبر أو في قيد من قيودهما) مثل الاتحاد في احد التوابع أو الحال ونحوها ووجه الاشعار انه قال الجامع بين الجملتين اما عقلي وهو ان يكون بين الجملتين اتحاد في تصور ما الخ ومن المعلوم ان الكلام في الجامع المصحح للعطف بين الجملتين اذ ما لا يصحح العطف لا يتعلق الغرض ببيانه وقد تقدم فيما سبق ان لفظة تصور في كلامه بمعنى متصور وتنوينه يدل على الوحدة فيدل على ما ذكرنا من الاشعار.

(وفساده واضح للقطع بأمتناع العطف في نحو هزم الامير الجند


يوم الجمعة وخاط زيد ثوبه فيه) مع اتحاد الجملتين في الظرف.

(والسكاكي ايضا معترف) في كلام طويل له بامتناع خفى ضيق وخاتمى ضيق) مع اتحادهما في الخبر (و) كذلك (نحو الشمس والف بادنجانة ومرارة الارنب محدثة) وليعلم ان التفتازاني غير المثالين ونحن نذكر نص كلامه لعله يفيد مزيدا من التوضيح قال في موضع من بحث الفصل والوصل وانت كما قلت ان خاتمي ضيق تذكرت ضيق خفك وعنائك منه فلا تقول وخفى ضيق لنبو مقامك عن الجمع بين ذكر الخاتم وذكر الخف فتختار القطع قائلا خفى ضيق قولوا ما ذا اعمل.

وقال في اوائل ذلك البحث واذا عرفت ان شرط كون العطف بالواو مقبولا هو ان يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جهة جامعة مثل ما ترى في نحو الشمس والقمر والسماء والارض والجن والانسان كل ذلك محدث وسنفصل الكلام في هذه الجملة بخلافه في نحو الشمس ومرارة الارنب وسورة الاخلاص والرجل اليسرى من الضفدع ودين المجوس والف بادنجانة كلها محدثة حصلت لك الاصول الثلاثة انتهى ومراده من الاصول الثلاثة ما يدل عليه وجوه الاعراب الثلاث من المعنى.

(قلت ليس في هذا الكلام) اي كلام المفتاح المشعر بما ذكر (الا بيان الجامع بين الجملتين) من حيث هو (واما) بيان (ان مثل هذا الجامع هل يكفي في صحة العطف) اى عطف جملة على اخرى (فمفوض الى ما قبل هذا الكلام) وهو ما ذكرنا من المثال الذى فيه ذكر البادنجان (وما بعده) وهو ما ذكرنا من المثال الذي فيه ذكر الخاتم (وقد صرح) السكاكى كما نقلنا نص كلامه (فيهما) اي


فيما قبل وفيما بعد اى في المثالين المذكورين (بامتناع العطف فيما لا تناسب بين المخبر عنهما وان كان الخبران متحدين) كما في المثالين

(فعلم منه) اى مما صرح في المثالين من الامتناع (ان الجامع) بين الجملتين (يجب ان يكون باعتبارهما) اى باعتبار المخبر عنه والخبر جميعا وذلك واضح لا يحتاج الى البيان.

(والمصنف لما اعتقد ان في كلامه) اى السكاكي (في بيان الجامع سهو منه) اي من السكاكي وجه ذلك الاعتقاد ان المصنف قال في الايضاح واما ما يشعر ظاهر كلام السكاكي في موضع من كتابة انه يكفى ان يكون الجامع باعتبار المخبر عنه او الخبر او قيد من قيودهما فهو منقوض بنحو ما مر يعنى زيد شاعر وعمر وكاتب فانه غير صحيح كما عرفت وبنحو هزم الامير الجند يوم الجمعة وخاط زيد ثوبه فيه ولعله سهو منه فانه صرح في موضع اخر منه بامتناع عطف قول القائل خفى ضيق على قوله خاتمى ضيق مع اتحادهما في الخبر (واراد) المصنف (اصلاحه) وقول التفتازاني (غيره الى ما ترى) جواب لما (فذكر مكان الجملتين الشيئين) اي بدل المصنف لفظ الجملتين في كلام السكاكي بلفظ الشيئين لغرض اصلاح كلام السكاكي (واقام) المصنف (قوله اتحاد فى التصور) مع اللام (مقام قوله) اى قول السكاكي (اتحاد في تصور ما) بدون اللام والتنكير يدل على الوحدة فيدل على انه يكفى كون الجامع باعتبار مفرد من مفردات الجملتين (مثل الاتحاد في المخبر عنه او في الخبر او في قيد من قيودهما) فيصير حاصل كلام السكاكي ان الجامع يجب ان يكون بين المفردين من الجملتين لان لفظ تصور بدون اللام في كلامه من باب المجاز في الكلمة فهو بمعنى متصور


كما ان عدل في قولنا زيد عدل من هذا القبيل فانه بمعنى عادل والقرنية على هذه المجازية قوله مثل الاتحاد في المخبر عنه او في الخبر الخ فالمراد من لفظة تصور بدون اللام في كلامه معناه الغير المتعارف اعني المعلوم لا معناه المتعارف اعني العلم واما بناء على التغيير الذي اراد المصنف به الاصلاح فيكون المراد من لفظة التصور مع اللام معناه المتعارف اعني العلم لا معناه الغير المتعارف اعنى المعلوم (فظهر الفساد) والخلل (في قوله) اي المصنف (الوهمي ان يكون بين تصوريهما شبه تماثل او تضاد او شبهه وفي قوله الخيالي ان يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال لان التضاد) الذى جعله جامعا وهميا (مثلا انما هو بين نفس السواد والبياض) الذين هما من قبيل المعلوم (لا بين تصوريهما اعني العلم وكذا التقارن) الذي جعله جامعا خاليا (انما هو بين نفس الصور) المعلومة المخزونة في الخيال لا بين التصورات التى هي العلم بتلك الصور.

(فيجب ان) يؤل كلام المصنف وذلك بان يقال (يريد) المصنف (بتصوريهما) فى الموضعين اى في الوهمي والخيالي (مفهوميهما) وهما الامران المتصوران فتكون الاضافة الى الضمير بيانية وحاصله انه اطلق المصدر اعنى التصور على الامر المتصور (حتى يكون له) اى لكلام المصنف (وجه صحة) لانه حينئذ من باب المجاز فى الكلمة على ما تقدم بيانه الان.

(واما يقال) جوابا عن المصنف (من انه) اى المصنف (اراد بالشيئين الجملتين وبالتصور المفرد الواقع في الجملة كما هو مراد السكاكي بعينه) فلا فساد حينئذ في كلامه (فهو) اى ما يقال (غلط)


ظاهر (لانه قد رد هذا الكلام على السكاكي وحمله على انه سهو منه وقصد بهذا التغير) المذكور (اصلاحه) اي اصلاح كلام السكاكي (على ان هذا المعنى مما لا يدل عليه لفظه) اى لفظ المصنف اذ المتبادر من الشيئين اى شيئين من اجزاء الجملتين لا نفس الجملتين (وياباه قوله) اى المصنف (في التصور معرفا) باللام اذ المتبادر منه معناه المتعارف اعني العلم لا المفرد المعلوم الذي هو معناه الغير المتعارف (كما لا يخفى على من له معرفة باساليب الكلام) في الكتب المصنفة اذا كان المقصود الايراد على احد لا سيما مع التصريح بنسبة السهو اليه (فليتامل في هذا المقام فان تحقيقه على ما ذكرت من اسرار هذا الفن) وكذلك ما بينته في شرح ما فيه من العويص ولا اظن ان تجد عند غيرى ما فيه محيص (والله الموفق) على كل ما فيه خير وهو المعين.

(ومن محسنات الوصل بعد تحقق المجوزات) ككون الجملتين انشائيتين لفظا ومعنى او معنى فقط او خبريتين كذلك لكن مع وجود جامع بينهما على الوجه الذي تقدم بيانه (تناسب الجملتين في الاسمية والفعلية) وليعلم ان الياء في الاسمية والفعلية ليست للنسبة وانما هي ياء المصدر اى المصيرة مدخولها مصدرا والى ذلك اشار بقوله (اى في كونهما اسميتين او فعلتين وتناسب الفعليتين في المضى) بان يكون الفعل في كل منهما ماضيا (و) فى (المضارعة) بان يكون الفعل في كل منهما مضارعا (وما شاكل ذلك ككونهما شرطيتين) ونحو ذلك كالاتفاق في القيد والاتفاق في ذلك القيد بان يكون فيهما جملة او مفردا.


(مثلا اذا اردت مجرد الاخبار من غير تعرض للتجدد في احديهما والثبوت في الاخرى لزمك ان تقول قام زيد وقعد عمرو) فتجعل كلتا الجملتين فعلية ماضوية (و) ان شئت عدم تعيين الزمان لزمك ان تقول (زيد قائم وعمرو قاعد) وقوله لزمك اشارة الى انه يحتمل ان يراد بالمحسن للكلام الموجب لان واجبات البلاغة اكثرها من المحسنات فان كل ما وجب لغة وجب بلاغة من غير عكس والى ذلك اشار ايضا في المفتاح حيث قال ان محسنات الوصل ان يكون الجملتان متناسبتين في الاسمية او الفعلية فاذا كان المراد من الاخبار مجرد نسبة الخبر الى عنه من غير تعرض لقيد زائد لزم ان يراعى ذلك انتهى فعبر اولا بالمحسنات ثم جعله لازما فتنبه.

(قال صاحب المفتاح وكذا زيد قام وعمر قعد وزعم الشارح العلامة انه) اى صاحب المفتاح (انما فصله بقوله وكذا لاحتمال كونهما اسميتين بان يكون زيد) في الجملة الاولى (وعمرو) في الجملة الثانية (مبتدئين وقام وقعد خبريهما وان يكونا فعليتين بان يكون زيد وعمرو فاعلين لقام وقعد قد ما عليهما يعنى يجب ان يقدرا ما اسميتين واما فعليتين لا ان يقدر احدهما اسمية والاخرى فعلية ولعمرى انه) اى ما زعمه الشارح والعلامه من احتمال كون الجملتين فعليتين بان يكون زيد وعمرو فاعلين لقام وقعد (في غاية السقوط) لما تقدم في بحث تقديم المسند اليه من ان الفاعل لا يحتمل التقديم بوجه ولا ضرورة تلجئنا الى القول بذلك ههنا (ما كان ينبغي ان يصدر مثله) اى مثل هذا الزعم (عن مثله) اى عن مثل الشارح العلامه (بل وجه الفصل) اى فصل قوله كذا الخ (ان الخبر في كل منهما


جملة فعلية وفيه) اى في الفصل لما ذكر (اشارة الى ان) الجملة (الاولى اذا كانت) كبراها (جملة اسمية) وصغراها اى (خبرها جملة فعلية) فحينئذ (كان المناسب رعاية ذلك في) الجملة (الثانية ايضا لحفظ المناسبة ولا تحصل المناسبة بان يؤتي بالثانية فعلية صرفة نحو زيد قام وقعد عمرو) وذلك لان الجملة الاولى ذات وجهين والثانية ذات وجه واحد والتخالف بينهما واضح بين.

(وهذا) الذى ذكر من الاولوية (مبنى على ما ذكره السيرافي ومن تبعه) في باب الاشتغال (في نحو زيد قام وعمرو اكرمته كما اشار اليه ابن مالك في قوله

وان تلى المعطوف فعلا مخبرا

به عن اسم فاعطفن مخيرا

(من انه اذا رفع عمرو فالجملة) اي عمرو اكرمته حينئذ اسمية (عطف على الجملة الاسمية) يعنى الكبرى اي مجموع زيد قام (واذا نصب) عمرو (بتقدير فعل) هو اي المقدر اكرمت (فهي) اي عمروا اكرمته مع الفعل المقدر جملة فعلية (عطف على) الصغرى اي على (الجملة الفعلية التي هي خبر المبتداء والضمير) العائد الى المبتدء (محذوف اى واكرمت عمرا عنده او في داره) قال السيوطي في شرح البيت المذكور وتسمى الجملة الاولى من هذا المثال ذات وجهين لانها اسمية بالنظر الى اولها فعلية بالنظر الى اخرها وهذا المثال اصح كما قال الابدى في شرح الجزولية من تمثيلهم بزيد قام وعمرا كلمته لبطلان العطف فيه لعدم ضمير في المعطوفة يربطها بمبتدء المعطوف عليها اذ المعطوف بالواو يشترك المعطوف عليه في معناه فيلزم ان يكون في هذا المثال خبرا عنه ولا يصح الا بالرابطة وقد فقد انتهى (كلام


الابدى) ثم قال السيوطي ولعله يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها انتهى (و) بما نقلناه يظهر ما في قوله (انما ترك سيبويه في المثال ذكر الضمير) في عمرا اكرمته اى ترك عنده او في داره (لان غرضه تعيين جملة اسمية) كبرى يكون (خبرها) اى صغراها (جملة فعلية وتصحيح المثال انما يكون باعتبار) تقدير (الضمير وقد اعتمد فيه على علم السامع) العارف بقواعد النحو.

(والذي يشعر به كلام بعض المحققين) يعنى كلام ابن الحاجب في الايضاح (ان المعطوف عليه في الوجهين) اى رفع عمرو ونصبه (هو جملة زيد قام لانها) كما قال السيوطي (ذات وجهين) اى اسمية بالنظر الى اولها او فعلية بالنظر الى اخرها (فالرفع بالنظر الى اسميتها والنصب بالنظر الى فعليتها والمعطوف عليه في الوجهين واحد واختلاف الاعرابين) اى رفع عمرو ونصبه (باختلاف الاعتبارين) اى الاسمية والفعلية (وبهذا) الذى يشعر به كلام بعض المحققين (يحصل المناسبة) بين المعطوف والمعطوف عليه في الصورتين (ولا يخفى على المنصف لطف هذا الوجه ودقته وان ذهل) اى غفل عنه الجمهور وخفى على كثير من الفحول) اى الاكابر من النحاة.

فتحصل من جميع ما تقدم انه لا يترك التناسب بين الجملتين (الا لمانع) يمنع منه (مثل ان يراد في احديهما) اى الجملتين (التجدد وفي الاخرى الثبوت مثل زيد قام وعمرو قاعد) فان الاختلاف فيهما لانه اريد في الجملة الاولى التجدد وفي الثانية مجرد الاخبار وذلك يمنع التناسب وذلك ظاهر لا يحتاج الى البيان.

(او يراد في احديهما المضى وفي الاخرى المضارعة مثل قوله تعالى


(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وقوله تعالى (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) ونحو قوله تعالى (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) ففزع فاتى بضيعة المضى اشارة الى ان الفزع المترتب على النفخ كانه قد وقع حتى عبر عنه بلفظ الماضي وقد تقدم ذلك في الباب الثاني في بحث اخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر فراجع فان هناك بحثا (او يراد فى احديهما الاطلاق) اي عدم التقييد بالشرط (و) يراد في الاخرى التقييد بالشرط مثل اكرمت زيدا وان جئتنى اكرمك ايضا ومنه قوله تعالى (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ)).

فجملة قضى الامر عطف على جملة قالوا وهي اى قضى الامر مقيدة بالشرط اعني لو انزلنا لان الشرط قيد للجزاء وقد تقدم بيان ذلك في الباب الثالث مفصلا وانما قلنا ان قضى عطف على قالوا لا على المقول اعني لو لا انزل عليه ملك لانها ليست من مقولهم بل مقول الله تعالى وحاصل معنى الاية والله العالم هلا انزل عليه ملك فنعرف انه مرسل من الله فنومن به وننجو ولكن قضى الامر بهلاكهم وعدم ايمانهم لو انزلنا ملكا والجامع بين الجملتين ان الاولى تضمنت على ما يقولون ان نزول الملك يكون على تقدير وجوده سبب نجاتهم وايمانهم وتضمنت الثانية ان نزوله سبب هلاكهم وعدم ايمانهم والغرض في الجملتين واحد وهو بيان ما يكون نزول الملك سببا له وقد تقدم بعض الكلام في الاية في الباب الثالث قبيل بحث لو فراجع ان شئت.

(تذنيب) وهو في الاصل اى اللغة كما سيصرح جعل الشيء ذنابة والذنابة بضم الذال المعجمة وكسرها مؤخر الشيء ومنه الذنب وهو ذيل الحيوان (شبه تعقيب باب الفصل والوصل بالبحث


عن الجملة الحالية وكونها بالواو تارة وبغير الواو اخرى بالتذنيب) اللغوى (وهو) كما قلنا (جعل الشيء ذنابة للشى وبعبارة اخرى لما كانت الحال الواقعة جملة تارة تدخلها الواو وتارة لا تدخل صار لها صورة الفصل والوصل فناسب ذكر ذلك عقيب باب الفصل والوصل وجعله كالذنب له (فكان هذا تتميم لباب الفصل والوصل وتكميل له) لانه كان ناقصا من هذه الجهة.

ومن هنا قيل الفرق بين التذنيب والتنبيه اصطلاحا مع اشتراكهما اصطلاحا في ان كلا منهما يتعلق بالمباحث المتقدمة ان ما ذكر في حين التنبيه بحيث لو تامل المتامل في المباحث المتقدمة لفهمه منها بخلاف التذنيب وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في اول بحث الصدق والكذب فراجع ان شئت.

(والحال على ضربين) احدهما (مؤكدة يوتي بها لتقرر مضمون الجملة الاسمية) فقط (على راى) واشترط حينئذ في ذلك الجملة كما صرح به السيوطي ان تكون معقودة من اسمين معرفتين جامدين لبيان يقين او فخر او تعظيم او نحو ذلك نحو هذا ابوك عطوفا فان الجملة اعني هذا ابوك تقتضى العطف وتستلزمه ويكون عطوفا تاكيدا له وليعلم انه ليس المراد بالمضمون معناه المعروف اعني المصدر الماخوذ عن الجملة كما قاله النحويون لان مضمون هذه الجملة ابوة زيد وهي غير العطف بل المراد به ما قلناه اعنى ما تستلزمه الجملة فتصبر (و) لتقرير (مضمون الجملة مطلقا) اسمية كانت او فعلية (على راي) اخر وليعلم ان الحال الموكدة قد توكد غير الجملة كما صرح بذلك في الالفية بقوله.

وعامل الحال بها قدا كدا

في نحو لا تعث في الارض مفسدا


وقال السيوطي في شرحه وكذا صاحبها فتامل (و) الضرب الثاني (غير مؤكدة) وهى كثيرة (والحق ان الحال التي ليست مما يثبت تارة ويزول اخرى) حاصله الحال التي لازمة لصاحبها (كثيرا ما تقع بعد الجملة الفعلية ايضا) اى كما تقع بعد الجملة الاسمية فما يقع بعد الاسمية نحو هذا مالك ذهبا والفعلية نحو خلق الله الزرافة يديها اطول من رجليها وغير ذلك مما ذكره السيوطي عند قول ابن مالك.

وكونه منتقلا مشتقا

يغلب لكن ليس مستحقا

(فمن اشترط في المؤكدة كونها بعد جملة اسمية لزمه ان يجعلها قسما اخر غير المؤكدة والمنتقلة ولتسم دائمة او ثابتة) او لازمة كما هو ظاهر كلام السيوطي في شرح البيت المذكور.

واعلم ان الحال الواقعة جملة تارة تدخلها الواو وتارة لا تدخلها وقد بين ذلك في النحو مفصلا فذكر ذلك في هذا الفن انما هو لبيان بعض الدقائق التى اهملت فى ذلك العلم (فبالجملة الحال الغير المنتقلة ليست محلا للواو لشدة ارتباطها بما قبلها) اي ليصرورتهما كالشيىء الواحد فالحاصل ان الحال المؤكدة لظهور ارتباطها بالمؤكد بالفتح لانها في معناه لا يحتاج فيها الى ارتباط بالواو (فلا بحث ههنا) اى في هذا المبحث من هذا الفن (الا عن) الحال (المنتقلة فنقول اصل الحال المتنقلة) اي الكثير الراجح فيها كما يقال اصل الكلام الحقيقة اي الكثير الراجح ان يكون حقيقة والمرجوح ان يكون مجازا فليس المراد بالاصل الدليل والقاعدة لان للاصل كما في اول كتاب القوانين معاني كثيرة منها الظاهر والدليل والقاعدة والاستصحاب وقال بعضهم الاولى


ان يراد بالاصل ههنا مقتضى الدليل وذلك بقرنية قوله في مقام التعليل لانها في المعنى حكم الخ.

وكيفكان فاصل الحال المنتقلة اى الغير المؤكدة (ان تكون بغير واو لانها معربة بالاصالة لا بالتبعية) لانها ليس من التوابع الخمسة (والاعراب) بالاصالة (في الاسماء) كما صرح السيوطي (انا جيىء للدلالة على المعاني الطارية) اى العارضة (عليها) اى على الاسماء كالفاعلية والمفعولية ونحوهما (بسبب تركيبها مع العوامل فهو) اى الاعراب بالاصالة (دال على التعلق المعنوي بينها وبين عواملها فيكون مغنيا عن معلق اخر كالواو).

والمراد من التعلق المعنوى كونها قيدا للعوامل باعتبار كونها مبينة لهيئة الفاعل او المفعول به الحاصلة تلك الهيئة له حين وقوع الفعل عنه او عليه فان قلت فاى حاجة الى الضمير قلت ليس الضمير للربط بل لكونها مشتقا فالاحتياج الى الضمير انما هو لذات المشتق لا لوصفه العنواني اعني الحالية فتدبر فانه دقيق.

(واستدل المصنف على ذلك) الاصل (بالقياس) اى بقياس الحال (على الخبر والنعت فقال لانها اى الحال وان كانت في اللفظ فضلة يتم الكلام بدونها) اى لانها ليست احدر كنى الكلام (لكنها في المعنى حكم) اى محكوم به (على صاحبها كالخبر بالنسبة الى المبتدء من حيث انك تثبت بالحال المعنى) كالركوب مثلا (لذي الحال كما تثبت بالخبر المعنى للمبتدء فانك في قولك جاء زيد راكبا تثبت الركوب لزيد كما في قولك زيد راكب الا ان الفرق) بين القولين (انك جئت به) اى براكبا في المثال الاول (لتزيد معنى في اخبارك عنه) اى عن


زيد (بالمجيىء ولم تقصد ابتداء اثبات الركوب له بل اثبته على سبيل التبع بخلاف الخبر) اى راكب في المثال الثاني (فانك تثبت به المعنى) اى الركوب (ابتداء وقصدا) والحاصل ان الحال ليست حكما في اللفظ لان الحكم في اللفظ انما يكون بالمسند كالخبر من قولك زيد قائم والفعل من نحو جاء زيد لكن الحال حكم في المعنى لان قولك جاء زيد راكبا فيه حكم بالركوب على زيد لكن لا بالاصالة بل بالتبع لان استفادة هذا الحكم لكونه جعل قيدا للفعل العامل فانك اذا قلت جاء زيد راكبا حكمت بالركوب تبعا واذا قلت زيد راكب حكمت بالركوب استقلالا وبعبارة اخرى انك اذا قلت جاء زيد راكبا تضمن هذا الكلام ثلاثة اشياء مجىء زيد وركوبه واقتران ركوبه بمجيئه فالاول مستفاد بالنص من قولك جاء زيد والحال قيدت المجيىء اى ان المجيى الذى اخبرت به مقيد لا مطلق فكانك قلت المجىء المقارن للركوب حصل من زيد والاخبار بالمقيد بدل على وقوع القيد تبعا والتزاما لا بالاصالة فتدبر فتحصل مما ذكرنا ان المقصود من اتيان الحال ليس اثباتها لصاحبها ابتداء بل المقصود ابتداء اثبات شيىء اخر لصاحبها ثم اتيانها لتقييد ذلك الشيىء بها فيستفاد ثبوت الحال لصاحبها بالتبع بخلاف الخبر فان المقصود ابتداء ثبوته للمبتدء فثبوت الخبر اصلى وثبوت الحال تبعى.

(ووصف له اى ولان الحال في المعنى وصف لصاحبه) لانها تقتضى اتصاف صاحبها بها حالة الحكم لتكون كما قلنا قيدا له فصارت في اتصاف صاحبها بها (كالنعت بالنسبة الى المنعوت) في كون كل منهما وصفا لموصوف وقيدا لمقيد (الا انك تقصد في الحال ان صاحبها كان على هذا


الوصف حال مباشرة الفعل) اللغوى اى الحدت سواء دل عليه بفعل اصطلاحي نحو شرب زيد راكبا او وصف نحو زيد شارب راكبا (فهو قيد للفعل وبيان لكيفية وقوعه) فاذا قلت جاء زيد راكبا افاد ان زيدا موصوف بالمجيىء وان اتصافه بذلك المجيىء انما هو في حال اتصافه بالركوب (بخلاف النعت فان المقصود منه بيان حصول هذا الوصف لذات المنعوت من غير نظر الى كونه) اي المنعوت (مباشرا للفعل او غير مباشر) فاذا قلت جاء زيد الراكب فالمقصود تقييد ذات زيد بالركوب لا تقييد حكمه الذي هو المجيىء (ولهذا جاز ان يقع نحو الاسود والابيض والطويل والقصير وما اشبه ذلك من الصفات التى لا انتقال فيها نعتا لا حالا) لان الاصل اي الكثير الراجح في الحال ان تكون منتقلة كما قال في الالفية.

وكونه منتقلا مشتقا

يغلب لكن ليس مستحقا

فلا ينبغي الا ان تكون من الاوصاف التى تثبت بثبوت الاحكام وتنفي بانتفائها فاذا ثبت ان الحال مثل الخبر والنعت فكما ان الخبر والنعت يكونان بدون الواو ولو كانا جملة فكذلك الحال (وبالجملة كما ان من حق الخبر والنعت ان يكونا بدون الواو) وسياتي وجه ذلك عنقريب (فكذلك الحال) من حقها ان تكون بغير الواو.

(فان قلت الخبر والنعت قد يكونان مع الواو ايضا) فبطل قولكم ان من حق الخبر والنعت ان يكونا بدون الواو (اما الخبر فكخبر باب كان) اى الافعال الناقصة (كقول الحماسى) اى الشاعر الذي دون ابو العلاء المعري اشعاره في كتابه الذى سماه الحماسة.

فلما صرح الشر فامسى وهو عريان

ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانو


الشاهد في هو عريان فانه خبر امسى وقد دخل عليه الواو (وخبر ما الواقع بعد الا كقولهم ما اخذ الا وله نفس امارة واما النعت فكا الجملة الواقعة صفة للنكرة فانها قد تصدر بالواو لتوكيد لصوق الصفة بالموصوف اى الدلالة على ان اتصافه بها امر مستقر اذ الاصل في الصفة مقارنة الموصوف (كقوله تعالى (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) وقوله تعالى (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) ونحو ذلك) فان الجملة التى دخلت عليها الواو فى الايتين عند صاحب الكشاف صفة للنكرة والواو من الحروف الزائدة دخولها وعدم دخولها على حد سواء وفائدتها كما قلنا تاكيد وصل الصفة بالموصوف اذ الاصل في الصفة كما قلنا مقارنة الموصوف فهذه الواو اكدت اللصوق والوصل بالموصوف.

قال الجامي في بحث حروف الزيادة وانما سميت هذه الحروف زوائد لانها قد تقع زائدة لا انها زائدة ومعنى كونها زائدة ان اصل المعنى بدونها لا يختل لا انها لا فائدة لها اصلا فان لها فوائد في كلام العرب اما معنوية واما لفظية فالمعنوية تاكيد المعنى كما في من الاستغراقية والباء في خبر ما وليس.

واما الفائدة اللفظية فهو تزيين اللفظ وكونه بزيادتها افصح او كون الكلمة او الكلام بسببها مهيا لاستقامة وزن الشعر او لحسن السجع او لغير ذلك ولا يجوز خلوها من الفائدتين معا والا لعدت عبثا ولا يجوز ذلك في كلام الفصحاء ولا سيما في كلام الباري سبحانه.

(قلت امثال ذلك) انما هو (مما ورد على خلاف الاصل) في الصفة (تشبيها بالحال) اى ورد ذلك على سبيل التشبيه والالحاق بالحال لا على سبيل الاصالة وجه التشبيه والالحاق كونهما كما قلنا


حكما في المعنى لصاحبهما هذا كله بناء على ما ذهب اليه صاحب الكشاف من جعل الجملة في الايتين صفة لكن التحقيق (على ان مذهب صاحب المفتاح ان قوله تعالى (وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) حال عن قرية لكونها نكرة في سياق النفي) فيعم فيخصص كما ان المبتدء يخصص بذلك (وذو الحال كما يكون معرفة يكون نكرة مخصوصة) واليه اشار ابن مالك في قوله.

ولم ينكر غالبا ذو الحال ان

لم يتاخر او يخصص او يبن

من بعد نفى او مضاهيه كلا

يبغ امرء على امرء مستسهلا

(وحمله) اى حمل قوله تعالى (وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) (على الوصف كما هو مذهب صاحب الكشاف سهو) ظاهر اذ لم يثبت ولو بهذا المعنى (فاصل الحال ان تكون بغير واو) لما مر من قياسها على الخبر والنعت (ولكن خولف هذا الاصل اذا الحال جملة وانما جاز كونها جملة لان مضمون الحال قيد لعاملها ويصح ان يكون القيد مضمون الجملة) ليس المراد من المضمون هنا المصدر المتصيد من الجملة بل المراد منه ما تضمنته الجملة وذلك بدليل قوله (كما يكون مضمون المفرد) فتامل جيدا.

(فانها اي الجملة الواقعة حالا من حيث هي جملة مستقلة بالافادة من غير ان تتوقف على التعلق بما قبلها وان كانت من حيث هي حال غير مستقلة بل هي) من هذه الحيثية (متوقفة على التعلق بكلام سابق عليها لما مر من انك لا تقصد بالحال اثبات الحكم ابتداء) اى بالاصالة (بل تثبت اولا) وبالاصالة (حكما ثم توصل به الحال وتجعلها من صلته) ومتعلقاته (ليثبت على سبيل التبع له) اى للحكم (فتحتاج


الجملة الواقعة حالا بسبب كونها مستقلة) في نفسها (من حيث هي جملة الى ما يربطها بصاحبها الذى جعلت) الجملة (حالا عنه وكل) واحد (من الضمير والواو صالح للربط) اي لربط الجملة الحالية بصاحبها (والاصل) في الربط (الضمير بدليل الاقتصار عليه في الحال المفردة والخبر والنعت) مطلقا اى سواء كانا مفردين او جملتين (ومعنى اصالته انه لا يعدل عنه الى الواو ما لم تمس الحاجة الى زيادة ارتباط والا) اى وان لم يكن معنى الاصالة ما ذكرنا) (قالوا واشد في الربط) لانها تدل على الربط من اول الامر و (لانها موضوعة له) اى للربط واما الضمير فهو موضوع للعود على مرجعه والربط حاصل به من باب الاستلزام.

(فالحال لكونها فضلة تجيىء بعد اتمام الكلام احوج الى الربط) بصاحبها (فصدرت الجملة التي اصلها الاستقلال بما هو موضوع الربط اعنى الواو التي اصلها الجمع بين شيئين كما في باب العطف (ايذانا من اول الامر بانها لم تبق على استقلالها بخلاف الحال المفردة فانها ليست بمستقلة) فلا يحتاج الى رابط يؤذن من اول الامر بالارتباط (وبخلاف الخبر فانه جزء كلام وبخلاف النعت فانه لتبعيته المنعوت وكونه للدلالة على معنى فيه صار كانه من تمامه فاكتفى في الجميع بالضمير كالجملة الواقعة صلة فان الموصول لا يتم جزء للكلام بدونها) وليعلم انه قد يوجد مواضع يكتفى فيها بغير الضمير مما يؤدي مؤاده وقد بين بعض تلك المواضع السيوطي في شرح قول بن مالك.

ومفردا ياتي وياتي جملة

حلوية معنى الذي سيقت له

وعليك بالتتبع لتطلع على بعضها الاخر (فظهر ان ربط الجملة


الحالية قد يكون بالواو وقد يكون بالضمير) وقد يكون بهما معا كما قال في الالفية.

وجملة الحال سوى ما قدما

بواو او بمضمر او بهما

(فنقول الجملة التي تقع حالا اما ان تكون خالية عن ضمير صاحبها او لا تكون فالجملة التى تقع حالا ان خلت عن ضمير صاحبها الذى تقع حالا عنه وجب فيها الواو لتكون مرتبطة به غير منقطعة عنه فلا يجوز خرجت زيد على الباب) بدون الواو (وجوزه بعضهم عند ظهور الملابسة على قلة) وذلك عند قيام قرينة جلية على ان المراد ان زيد على الباب وقت خروجي.

(ولما بين) بقوله فالجملة ان خلت الخ (ان اي جملة يجب فيها الواو اراد ان يبين ان اى جملة يجوز ان يقع حالا بالواو واي جملة لا يجوز ذلك فيها) كالمضارع كما سياتي (فقال وكل جملة خالية عن ضمير ما اى الاسم الذى يجوز ان ينتصب عنه حال) اى يجوز ان يصير صاحب حال (وذلك بان يكون فاعلا او مفعولا) بشرط ان يكون (معرفا او منكرا مخصوصا) اذ يجب في صاحب الحال كالمبتدء كونه معرفة او نكرة مخصوصة كما اشار اليه في الالفيه بقوله

ولم ينكر غالبا ذو الحال ان

لم يتاخر او يخصص او يبن

من بعد نفى او مضاهيه كلا

يبغ امره على امرء مستسهلا

(لا مبتدء وخبرا) فانهما لا يجوز ان ينتصب عنهما الحال الاعلى تاويل فتامل (ولا نكرة محضة) اى لم يكن فيها شائبه تخصيص صرح بذلك الجامي (وانما لم يقل عن ضمير صاحب الحال) مع انه اخصر من قوله عن ضمير ما يجوز ان ينتصب عنه حال (لان) قوله (كل


جملة) خالية الخ (مبتدء وخبر المبتدء هو قوله يصح ان تقع تلك الجملة حالا عنه اي عما يجوز ان ينتصب عنه حالا بالواو اى اذا كانت تلك الجملة مع الواو وما لم يثبت هذا الحكم اعني وقوع الجملة حالا عنه لم يصح اطلاق صاحب الحال عليه الا مجازا) والحاصل انه لو قال عن ضمير صاحب الحال لزم جعله صاحب حال قبل تحقق الحال من قبيل من قتل قتيلا فله سلبه ولا ريب كما في اول الجامي انه مجاز باعتبار ما يؤل ومعلوم ان الحقيقة اولى لانها الاصل.

وبعبارة اخرى خبر المبتدء كما صرح هو قوله يصح والصحة لا تستلزم الوقوع كالاستحقاق كما قال الحكيم في حاشيته على قول ابن مالك.

وكل حرف مستحق للبناء

والاصل في المبنى ان يسكنا

وما دام وقوع الجملة حالا لم يحصل لا يسمى ما يجوز انتصاب الحال عنه صاحب الحال الاعلى سبيل المجاز باعتبار ما يئول كما في من قتل قتيلا فانه ما دام القتل لم يحصل لا يسمى قتيلا الاعلى سبيل المجاز باعتبار ما يئول وذلك ظاهر.

(وانما لم يقل عن ضمير ما يجوز ان يقع تلك الجملة) اى الجملة الخالية عن الضمير المذكور (حالا عنه) بدل قوله يجوز ان ينتصب عنه حال (ليدخل فيه) اى في قوله المذكور وهو كل جملة خالية عن ضمير ما ينتصب عنه حال (الجملة الخالية عن الضمير المصدرة بالمضارع) نحو جاء زيد ويتكلم عمرو وذلك لان دخولها مطلوب لاجل اخراجها واستثنائها بقوله الاتى اعني الا المصدرة بالمضارع المثبت وجه دخول الجملة المذكورة اعني الخالية عن الضمير المصدرة بالمضارع انه


يصدق عليها انها خالية عن ضمير زيد الذي يجوز ان ينتصب عنه حال في غير المثال المذكور ووجه خروجه لو قال عن ضمير ما يجوز ان يقع تلك الجملة حالا عنه ما اشار اليه بقوله (لان ذلك الاسم) اي زيد في المثال المذكور (مما لا يجوز ان تقع تلك الجملة) يعني ويتكلم عمرو (حالا عنه) اى عن زيد في المثال المذكور وذلك لما سياتي في المتن الاتي (لكنه) اي لكن ذلك الاسم يعنى زيد في المثال المذكور (مما يجوز ان ينتصب عنه حال فى الجملة) اي في غير هذا المثال اي فيما لم يكن الجملة مصدرة بالمضارع المثبت.

(وحينئذ يكون قوله كل جملة خالية عن ضمير ما يجوز ان ينتصب عنه حال متنا ولا للمصدرة بالمضارع المذكور فيصح استثنائها بقوله الا المصدرة بالمضارع المثبت نحو جاء زيد ويتكلم عمرو فانه لا يجوز ان يكون قولنا ويتكلم عمرو حالا عن زيد لما سياتي من ان ربط مثله يجب ان يكون بالضمير فقط) اي من دون الواو وهذا مراد ابن مالك بقوله.

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ومن الواو خلت

فان قلت قوله كل جملة الى اخره شامل للجملة الانشائية وهي لا تصح ان تقع حالا سواء كانت مع الواو او بدونها) الا بتقدير قول يتعلق بها فاذا قلت جاء زيد هل ترى فارسا يشبهه لم يصح ان تكون جملة هل ترى الخ حالا الا بتقدير مقولا فيه هل ترى الخ لان الحال كالنعت وهو لا يكون انشاء الا على ذلك التقدير كما قال ابن مالك.

وامنع هنا ايقاع ذات الطلب

وان انت فالقول اضمر تصب

(لان الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت


حصول مضمون الحال فيجب ان يكون مما يقصد فيه الدلالة على حصول مضمونه وهو الخبرية دون الانشائية) فانها لا تقع حالا الا بالتقدير المذكور.

قلت المراد كل جملة يصح وقوعها حالا في الجملة لانها المقصودة بالنظر بقرينة سوق الكلام) والانشائية لا يصح وقوعها حالا الاعلى ذلك التقدير فلا يشملها قوله كل جملة الخ وبعبارة اخرى انما الكلام في الجمل الصالحة في نفسها لكونها احوالا وذلك بقرنية سوق الكلام والانشائية لا تصلح الا على ذلك التقدير كالنعت.

(فان قلت هل تقع الجملة الشرطية حالا ام لا قلت قد منعوا ذلك وزعموا انه اذا اريد ذلك لزم ان يجعل الشرطية خبرا عن ضمير ما اريد الحال عنه نحو جائني زيد وهو ان يسئل يعط فيكون الواقع موقع الحال هو الاسمية) اى مجموع المبتدء اعنى هو والخبر اعنى ان يسئل يعط لا الجملة الشرطية فقط اعني ان يسئل يعط.

(وذلك لان) الجملة (الشرطية لتصدرها بالحرف المقتضى لصدر الكلام لا ترتبط بشيىء قبلها الا ان يكون له) اى للشى الذي قبلها (فضل قوة ومزيد اقتضاء لذلك) الارتباط (كما في) المبتدء والمنعوت بالنسبة الى (الخبر والنعت فان المبتدء لعدم استغنائه عن الخبر) له فضل قوة ومزيد اقتضاء بحيث (يصرف الى نفسه ما وقع بعده مما فيه ادنى صلوح لذلك) اى للخبرية.

(وكذا النعت لما بينه وبين المنعوت من الاشتباك والاتحاد المعنوى حتى كانهما شيىء واحد) فلا يحتاج الى ما يربط احدهما بالاخر (بخلاف الحال) فانه ليس لصاحبها فضل قوة ومزيد اقتضاء للحال


(فانها) اى الحال (فضلة فتنقطع عن صاحبها) فلا يصح جعل الشرطية حالا الا بعد جعلها اسمية حسبما بين.

(واما الواو الداخلة على الشرط المدلول على جوابه بما قبله من الكلام) اشارة الى ان الجواب محذوف وذلك اذا كان ضد الشرط المذكور اولى باللزوم لذلك الكلام السابق الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط).

قال الرضي واعلم انه اذا تقدم على اداة الشرط ما هو جواب من حيث المعنى فليس عند البصريين الجواب له لفظا لان للشرط صدر الكلام بل هو دال عليه وكالعوض منه وقال الكوفيون بل هو جواب في اللفظ ايضا لم ينجزم ولم يصدر بالفاء لتقدمه فهو عندهم جواب واقع في موقعه كما ذكرنا انما ينجزم على الجواز اذا تاخر عن الشرط وذلك نحو اضرب ان ضربتني فاضرب جواب من حيث المعنى اتفاقا لتوقف مضمونه على حصول الشرط ولهذا لم يحكم بالاقرار في قولك لك الف درهم ان دخلت الدار وعند البصرية ايضا لا يقدر مع هذا المقدم جواب اخر للشرط وان لم يكن جوابا للشرط لانه عندهم يغني عنه فهو مثل استجارك المذكور الذي هو كالعوض من المقدم اذا ذكرت احدهما ولم تذكر الاخر ولا يجوز عندهم ان يقال هذا المقدم هو الجواب الذى كان مرتبته التاخر عن الشرط تقدم على اداته لانه لو كان هو الجواب لوجب جزمه وللزم الفاء في انت مكرم ان اكرمتني ولجاز ضربت غلامه ان ضربت زيدا على ان ضمير غلامه لزيد فمرتبة الجزاء عند البصرية بعد الشرط وعند الكوفية قبل الاداة كما مر انتهى.

الى هنا كان الكلام فيما تقدم على الشرط اما الواو الداخلة عليه


اى على الشرط (كقوله اكرمه وان شتمنى واطلبوا العلم ولو بالصين) ففيها اقوال ثلاثة (فذهب صاحب الكشاف الى انها للحال) اى اكرمه في حال شتمه اياي فاحرى في حال عدم شتمه اياى واطلبوا العلم في حال كونه بالصين فاحرى في حال عدم كونه بالصين فالغرض من الكلام التعميم لا الشرط اى الاكرام ثابت في كلتا الحالتين وكذلك طلب العلم (والعامل فيها) حينئذ (ما تقدمه من الكلام وعليه) اي على هذا القول (الجمهور) من النحاة.

(وقال الخبزى انها للعطف على محذوف هو ضد الشرط المذكور اى اكرمه لم ان يشتمنى وان شتمني واطلبوا العلم لو لم يكن بالصين ولو كان بالصين) قال الرضى وقد تقدم في باب العطف جواز حذف المعطوف عليه مع القرينة كما اشار الى ذلك في الالفية بقوله.

وحذف متبوع بداهنا استبح

وعطفك الفعل على الفعل يصح

(قال بعض المحققين من النحاة) وهو الرضى (انها اعتراضية ونعنى بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين اجزاء الكلام متعلقا به معنى مستانفا لفظا على طريق الالتفات) عند البيانيين اى على طريق المعنى الاول من مغيي الالتفات اللذين تقدما في الباب الثاني قبيل بيان وجه حسن الالتفات حيث قال وقد يطلق الالتفات على معنيين اخرين الخ فراجع ان شئت (كقوله فانت طلاق والطلاق الية) وفي بعض الروايات كما في المغنى والطلاق عزيمة والشاهد فى قوله والطلاق الية او عزيمة حيث وقع جملة اعتراضية على طريقة الالتفات المبين في الموضع المذكور فتامل (و) نحو (قوله).

وتحتقر الدنيا احتقار مجرب

يرى كل من فيها وحاشاك فانيا


والشاهد في قوله حاشاك حيث وقع جملة اعتراضية بين المفعولين (وقد تجيىء) الجملة (الاعتراضية) التي دخلتها الواو (بعد تمام الكلام كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله انا سيد ولد ادم ولا فخر) وسياتي بعض الكلام في ذلك في الباب الثامن انشاء الله تعالى واعلم انه قد تسمى هذه الجملة الاعتراضية حشوا كما سياتي في الباب المذكور انشاء الله تعالى واني ليعجبنى نقل كلام مناسب للمقام للثعالبي في كتابه ثمار القلوب في المضاف والمنسوب قال حشو اللوزينج يضرب مثلا للشيىء يكون حشوه اجود من قشره وذلك ان حشو اللوزينج خير منه فيشبه به الحشو في الكلام يستغنى عنه وهو احسن منه وقيل هو نادر جدا في كلام العرب ومن اشهر ذلك قول عوف ابن محلم.

ان الثمانين وبلغتها

قد احوجت سمعي الى ترجمان

فقوله وبلغتها حشو مستغنى عنه ومعنى الكلام يتم بدونه ولكنه احسن من جملته سمعت ابا الفرج يعقوب ابن ابراهيم يقول سمعت ابا سعد رجاء يقول دخلت يوما على ابي الفضل بن العميد فقال لى امض الى ابي الحسين بن سعد فقل له هل تعرف لقول عوف ان الثمانين وبلغتها ثانيا في كون الحشو احسن من المحشو قال فسرت اليه وبلغته الرسالة فقال سئلنى عنه محمد بن على بن الفرات فسئلت عنه ابا عمرو غلام ثعلب فقال سئلت عنه ثعلبا فلم يات بشيىء ثم بلغنى ان عبيد الله بن عبد الله سئل المبرد عنه فانشده قول عدى بن زيد لابيه زيد بن عدى في حبس النعمان.

فلو كنت الاسير ولا تكنه

اذا علمت معدما اقول

قوله ولا تكنه حشو مستغنى عنه ولكنه في الحسن نظير وبلغتها قال


مؤلف الكتاب قد افتتحنا كتابا صغير الجرم لطيف الحجم في نظائر هذين الحشوين وترجمته بحشو اللوزينج فمما اودعته اياه ان المامون قال يوما ليحيى ابن اكثم هل تغديت اليوم فقال لا وايد الله امير المؤمنين فقال ما اظرف هذه الواو احسن موقعها.

وذلك انه لو قال لا ايد الله امير المؤمنين لكان اشبه الدعاء عليه لا له ولكنه استظهر بالواو وجعلها حاجزة بين لا وايد الله امير المؤمنين وكان الصاحب يقول هذه الواو احسن من واوات الاصداغ في خدود المرد الملاح.

وقرات في بعض الكتب ان ابا بكر الصديق (رض) سبق الى هذه اللفظة وذلك انه مر به رجل معه ثوب فقال له ابو بكر اتبيعه فقال له الرجل لا رحمك الله فقال ابو بكر قد قومت السنتكم لو تستقيمون الا قلت ورحمك الله.

ومما عثرت عليه من حشو اللوزينج في شعر البحتري قوله للمتوكل

وجزيت اعلى رتبة مامولة

في جنة الفردوس غير معجل

فقد تم الكلام عند قوله في جنة الفردوس وقال غير معجل اى بعد عمر طويل لان الجنة يوصل اليها بالموت وفي شعر لابي الطيب.

وتحتقر الدنيا احتقار مجرب

يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا

فقوله وحاشاك حشو فيه ما من الحلاوة وعليه ما عليه من الطلاوة وفي شعر الصاحب.

قل لابي القاسم ان جئته

هنيت ما اوتيت هنيته

كل جمال فائق رائق

انت برغم البدر اوتيته

فقوله برغم البدر حشو يتم الكلام دونه ولكنه في نهاية الظرف


والملاحة ومما استجيده جدا لابن مالك قوله.

لله همتك التي من شانها

جر الرماح على السماك الرامح

لان الرامح حشو ولكنه بمجانسة الرماح كما تراه غاية في الحسن وفي ضد حشو اللوزينج قولهم حشو الاكر لانها تحشى بكل شيء ساقط لا قدر له قال جحظه انشدت لابي الصقر شعرا لى فقالى يا ابا الحسن لا تزال تاتينا بالغرر والدرر اذا جائنا غيرك بحشو الاكر انتهى.

(والا عطف على قوله ان خلت اي وان لم تخل الجملة التى تقع حالا ضمير صاحبها فاما ان يكون فعليه او اسمية والفعلية اما ان يكون فعلها مضارعا او ماضيا والمضارع اما ان يكون مثبتا او منفيا) فكذلك الماضي (فبعض هذه) الجمل (يجب ان يكون فيه الواو) اى مع الضمير (وبعضها يمتنع) فيه الواو فيجب الاكتفاء بالضمير (وبعضها يستوي فيه الامران) فيكون الارتباط فيه بواو او بضمر او بهما (وبعضها يترجح فيه احدهما فاشار الى تفصيل ذلك وبيان اسبابه بقوله فان كانت) الجملة (فعلية والفعل مضارع مثبت امتنع دخولها اى دخول الواو ويجب الاكتفاء (بالضمير) كما قال في الالفية.

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ومن الواو خلت

(نحو قوله تعالى (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) اى لا تعط حالكونك (تعد ما تعطيه كثيرا) فلا يجوز ان يقال لا تمنن وتستكثر بالواو هذا على قرائة الرفع في تستكثر فيكون المعنى ما ذكروا ما على قرائة الجزم على انه جواب النهى فليس مما نحن وذلك ظاهر.

(لان الاصل في الحال هى الحال المفردة لعراقة المفردة) اى لاصالة المفرد (في الاعراب) لان المفرد يحتاج الى الاعراب للتمييز


بين المعاني المعتوره عليه (وتطفل الجملة عليه) اى على المفرد (بسبب وقوعها موقعه) اى موقع المفرد (وهي اى) الحال (المفردة تدل على حصول صفة لانها لبيان الهيئة التى عليها الفاعل او المفعول والهيئة ما) اى عرض (يقوم بالغير) وقد تقدم في اوائل الكتاب ان الهيئة والعرض متقاربا المفهوم (وهذا معنى الصفة غير ثابتة لان الكلام في الحال المنتقلة مقارن ذلك الحصول لما) اي لعامل (جعلت الحال قيدا له يعني العامل لان الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال وهذا) التخصيص المذكور (معنى المقارنة) اى تشارك وقوعى المضمونين (وهو كذلك اي المضارع المثبت) ايضا (يدل على حصول صفة غير ثابتة مقارن لما جعلت قيدا له كالمفرد فيمتنع فيه دخول الواو كما يمتنع في المفردة).

ان قلت هذا قياس في اللغة وقد بين في محله انه ممنوع فيها لانه من ادلة العقل والعقل لا سبيل له في مباحث الالفاظ قلت لا نسلم ان هذا قياس في اللغة اذا لتعليلات النحوية المذكورة في امثال هذه المباحث مناسبات لما وقع عليه الاستعمال والا فاصل الدليل كما تقدم في الباب الثاني في بحث المسند اليه المسور بكل الاستعمال (اما الحصول اي اما دلالته) اي دلالة المضارع (على حصول صفة غير ثابتة فلكونه فعلا مثبتا فالفعلية تدل على التجدد وعدم الثبوت) اي عدم الدوام والبقاء فلان الاصل في كل حادث عدم البقاء فلا ينافي ذلك ما تقدم في مبحث لو من ان دخولها على المضارع في نحو (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) لقصد استمرار الفعل وقتا فوقتا فتامل جيدا تعرف (والاثبات يدل على الحصول) وذلك ظاهر لا يحتاج


الى البيان.

(اما المقارنة) اى مقارنة الحصول لما جعلت الحال قيدا له (فلكونه مضارعا والمضارع كما يصلح للاستقبال يصلح للحال) اي لزمان الحال (ايضا) فالمضارع يصلح لكل واحد من الزمانين (اما) بناء (على ان يكون) المضارع (مشتركا بينهما) واستدل على ذلك بان المضارع يطلق عليهما كما تطلق الاسماء المشتركة على معانيها (او يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال) واستدل عليه بان المتبادر منه الحال وفهم الاستقبال يحتاج الى قرنية والتبادر كما بين في محله من امارات الحقيقة وبان المناسب ان يكون للحال صيغة كما للماضي نحو ضرب وللمستقبل نحو اضرب وههنا قول ثالث وهو انه حقيقة في الاستقبال مجاز في الحال وتمسك اصحاب هذا القول بان وجود الحال خفى حتى ذهب كثير من الحكماء على ما بين في كتبهم انه غير موجود لا نزاع فيه وفي المقام كلام لم نذكره مخافة التطويل ومن اراد الاطلاع عليه مراجعة شرح القوشجي في بحث الزمان فان فيه التفصيل.

(وههنا نظر وهو ان) المراد من (الحال الذي هو مدلول المضارع انما هو زمان التكلم وقد مر) في الباب الثالث في بحث كون المسند فعلا (ان حقيقة الحال اجزاء متعاقبة من اواخر الماضي واوايل المستقبل) وقد مر هناك منا تحقيق ذلك وتوضيحه فراجع ان شئت (و) اما (الحال الذي نحن بصدده) فهو (يجب ان يكون مقارنا لزمان وقوع) العامل في الحال اى (الفعل المقيد بالحال) لان الغرض من الحال كما في التصريح تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال (وهو) اي العامل في الحال (قد يكون ماضيا وقد


يكون استقبالا) فهو كما قال السيوطي على حسب عامله فاذا كان ماضيا او حالا او مستقبلا فكذلك الحال (فالمضارعة لا دخل لها فى المقارنة) المرادة هنا اى مقارنة مضمون الحال لمضمون العامل (فالاولى ان يقال) في وجه عدم دخول الواو في المضارع المثبت (ان المضارع المثبت على وزن اسم الفاعل لفظا) والمراد من الوزن العروضى لا النحوى والفرق بينهما ان المراد من الاول الموافقة في عدد الحركات والسكنات وترتيبها سواء وافق اشخاصها ام لا والمراد من الثاني الموافقة في الاشخاص ايضا فالنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق لصدق الاول على ينصر وناصر دون الثاني فتدبر جيدا.

(وبتقديره معنى) اي المضارع بتقدير اسم الفاعل الفاعل معنى وذلك لان المضارع اذا وقع حالا يؤل باسم الفاعل لاشتراكهما في الحال والاستقبال فان قولك جاء زيد يتكلم في معنى جاء متكلما (فيمتنع دخول الواو فيه مثله) لا يقال ان هذا التعليل موجود في المضارع المنفي مع انه يجوز ارتباطه بالواو لانا نقول هذا حكمة لا علة وقد بين في الاصول انه لا يجب في الحكمة الاطراد كما في استحباب غسل الجمعة لرفع ارياح الاباط فما ذكروه غلط كما قال السيوطي في نظير المقام نشاء من اشترك اللفظ (ولما كان ههنا مظنة اعتراض) اشار اليه السيوطي في المقام (وهو انه قد جاء المضارع المثبت بالواو في النظم والنثر اشار) المصنف (الى جوابه بقوله واما ما جاء من نحو قول العرب قمت واصك وجهه وقول عبد الله بن الهمام السلولى فلما خشيت اظافيرهم اى اسلحتهم نجوت وارهنهم مالكا) فان الظاهر فيهما ارتباط المضارع المثبت وهو اصك وارهنهم بالواو زيادة على الضمير (فقيل)


في الجواب عن ذلك اجوبة ثلاثة الاول انه (على حذف المبتدء اي وانا اصك وانا ارهنهم فتكون الجملة اسمية فيصح دخول الواو ومثله قوله تعالى) حكاية عن موسى على نبينا واله وعليه‌السلام (يا قَوْمِ (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ) إِلَيْكُمْ) (اى وانتم قد تعلمون) اني رسول الله اليكم والى هذا الجواب اشار ابن مالك بقوله.

وذات واو بعدها انو مبتدا

له المضارع اجعلن مسندا

(و) الثاني (قيل الاول اي قمت واصك وجهه شاذ) فلا ينخرم القاعدة المبنية على الاكثر الاشهر (والثاني اي نجوت وارهنهم ضرورة فلا ينجزم ايضا القاعدة المبنية على التوسعة (و) الثالث (قال الشيخ عبد القاهر هي اى الواو فيهما اى في قوله واصك وقوله وارهنهم للعطف لا للحال وليس المعنى قمت صاكا وجهه) بمعنى ان صدور القيام عنى كان في حال صكى وجهه (بل المضارع بمعنى الماضي) فالمتعاطفان متشاكلان معنى وان كانا مختلفين لفظا (والاصل قمت وصككت ونجوت ورهنت) وانما (عدل) فى المعطوف (عن لفظ الماضي الى المضارع حكاية للحال الماضية ومعناها) اى معنى الحكاية ان يفرض ان ما كان في الزمان الماضي واقع) وموجود (في هذا الزمان) اي في زمان التكلم (فيعبر عنه بلفظ المضارع) لانه يدل على الحضور وزمان الحال (كقوله).

ولقد امر على اللئيم يسبني

فمضيت ثمة قلت لا يعنينى

فان قوله امر (بمعنى مررت) وقد يكون الحكاية للحال الماضية بلفظ اسم الفاعل كقوله تعالى (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ) ولذا عمل باسط في المفعول اعني ذراعيه فانه يشترط في اعمال اسم الفاعل في المفعول كونه بمعنى الحال او الاستقبال كما صرح بذلك في الالفية بقوله.


كفعله اسم فاعل في العمل

ان كان عن مضيه بمعزل

وانما يرتكب هذا القسم من الحكاية فى امر عجيب مستغرب ليخيل ذلك الامر في ذهن المخاطب ويصور ويحضر عنده ليتعجب منه كما تقول رايت زيدا اخذا سيفه ليقاوم الاسد هذا حاصل معنى الحكاية على ما اختاره التفتازانى وقال بعضهم ان معنى حكاية الحال الماضية ان تقدر نفسك كانك موجود في الزمان الماضي او بقدر الزمان كانه موجود الان وليعلم ان للحكاية عندهم اقسام اخر ذكرناها في المكررات في اول باب الحكاية فراجع ان شئت.

(هذا اذا كان الفعل في الجملة الفعلية مضارعا مثبتا وان كان اى الفعل المضارع منفيا فالامران جائزان يعني دخول الواو وتركه من غير ترجيح اما مجيئه بالواو فهو كقرائة ابن ذكوان) وهو الذى نقلنا عنه فى بحث تقييد الفعل بالشرط حديثا شريفا ((فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِ) بتخفيف النون) في لا تتبعان (فان لا حينئذ) اى حين اذا قرء بالتخفيف (للنفي دون النهي لثبوت النون التى هي علامة المرفع (فيكون) قوله (وَلا تَتَّبِعانِ) (اخبارا فلا يصح عطفه على الامر قبله) اى على فاستقيما الذي هو انشاء (فتعين كون الواو للحال) والمعنى فاستقيما غير متبعين (بخلاف قرائة العامة) اي سائر القراء فانهم قرئوا ((وَلا تَتَّبِعانِ) بتشديد النون فانه) حينئذ (نهى معطوف على الامر قبله والنون للتاكيد) وفي الاية احتمالات اخر لم نذكرها مخافة الاطناب لو التطويل (واما مجيئه) اى مجيىء المضارع المنفي (بغير الواو فما اشار اليه بقوله (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) اي اى شيىء ثبت لنا) فكان مانعا لنا من الايمان بالله في حال كوننا غير مؤمنين بالله (و) بعبارة


اخرى (المعنى) اى معنى الاية ما نصنع حالكوننا غير مؤمنين بالله وحقيقته) اى حقيقة المعنى (ما سبب عدم ايماننا) والاستفهام انكاري اى لا سبب لعدم الايمان فالاستفهام انكار لحصول عدم الايمان على سبيل المبالغة اذ حصول شيى ما ضرورى في حال عدم الايمان واذا كان الشييء المطلق منكرا كانت تلك الحالة منكرا ضرورة.

(وانما جاز فى المضارع المنفي الامران) يعني دخول الواو وتركه (لدلالته على المقارنة لكونه مضارعا) والمضارع يدل على الحال المستلزم للمقارنة هذا ولكن اورد عليه ان المضارع انما يدل على مقارنة مضمونه للحال التى يدل عليها وهي زمان التكلم ومن المعلوم ان هذه المقارنة ليست هي المرادة في هذا المقام بل المرادة ههنا مقارنة مضمون الحال لمضمون العامل فى زمانه سواء كان حالا او استقبالا او ماضيا فالتعليل لا يناسب المعلل فتامل.

وكيفكان فالمضارع يدل على المقارنة (دون الحصول لكونه فعلا منفيا والمنفي من حيث انه منفي انما يدل) بالمطابقة (على عدم الحصول لا على الحصول وان جاز ان يدل) الفعل المنفي بالالتزام على حصول ما يقابل الصفة (المنفية) وذلك لان قوله (لا نُؤْمِنُ) يدل بالالتزام على حصول صفة الكفر وذلك لانه متى نفى شيىء ثبت نقيضه لان النقيضين لا يرتفعان (لكن الاصل المعتبر) في دلالة الالفاظ كما تقدم في الباب الثاني في بحث ما انا رايت احدا (هو) المفهوم الصريح اعنى (المطابقة) فتحصل مما ذكر انه اذا قلت مثلا جاء زيد ولا يتكلم فالذى دل عليه قولك ولا يتكلم بالمطابقة هو نفي الكلام وان لزم منه ثبوت السكوت فلاعتبار به لكون الدلالة عليه بالالتزام


وحيث شابه المضارع المنفي الحال المفردة في افادة المقارنة ولم يشابهها بعدم افادة حصول صفة روعيت الجهتان فجاز الامران اللذان كل منهما مقتضي جهة فلو اشبهه فيهما معا لامتنع دخول الواو كما امتنع في المفرد (و) ليعلم ان (المراد بالمنفي ههنا) المضارع (المنفي بما اولا دون) المنفي بكلمة (لن لانها حرف الاستقبال) سواء قلنا انها للتاييد ام لا (و) قد تقرر في النحو كما صرح به السيوطي انه (يشترط في الجملة الواقعة حالا خلوها من حرف الاستقبال كالسين ولن ونحوها) مما يخلص المضارع للاستقبال (وذلك لان هذه الحال) التى يقال لها الحال النحوي (والحال التي) يقال لها الحال الصرفي التى (تقابل الاستقبال وان تباينتا حقيقة) وماهية (لان لفظ يركب في قولنا يجيىء زيد غدا يركب حال بهذا المعنى) النحوى (غير حال بالمعنى) الصرفي (المقابل للاستقبال لانه) اى معنى لفظ يركب في المثال (ليس في زمان التكلم) بل هو في زمان المجيىء اعنى غدا وذلك ظاهر

(لكنهم استبشعوا) اى استقبحوا (تصدير الجملة الحالية بعلم الاستقبال) اى بعلامته لتناقض الحال والاستقبال في الجملة) اى فيما اذا كان زمان العامل الحال بالمعنى الصرفي لان مقارنتها بالعامل حينئذ تقتضى كونهما في زمان الحال وتصدرها بعلامة الاستقبال يقتضي كونها في زمان الاستقبال وهذا نظير ما ذكره ابو طالب في بحث نون الوية في حاشيته على قول السيوطي لانها تقية من الكسر المشبه للجر فراجع تعرف.

(وزعم بعض النحاة) يعنى الرضى (ان) المضارع (المنفي بلفظة ما يجب ان يكون بدون الواو) فعلى هذا ينبغي ان يلزمه الضمير صرح بذلك الرضى وذلك (لان المضارع) المثبت (المجرد)


عن لفظه ما (يصلح) كما تقدم انفا (للحال فكيف) لا يصلح للحال (اذا انضم اليه ما يدل بظاهره على) زمان (الحال وهو) لفظة (ما) لانها تخلص المضارع للحال المقابل للاستقبال فيكون انسب لما انعقد له المقال.

(وجوابه ان فوات الدلالة على الحصول) في المضارع المنفي ولو كان النفى بلفظة ما (جوز ذلك) اي كونه مع الواو ويؤيد ذلك انه (قال الشيخ عبد القاهر في قول بن رقيع.

اقادوا من دمي وتوعدوني

وكنت وما ينهنهنى الوعيد

(ان كان تامة والجملة الداخلة عليها الواو) يعني قوله وما ينهنهنى الوعيد (في موضع الحال) من فاعل كان اعنى التاء الذي هو ضمير المتكلم (والمعنى ووجدت غير منهنهة بالوعيد وغير مبال به ولا معنى لجعلها ناقصة وجعل الواو مزيدة) والجملة خبرا لها لانه خلاف الاصل لا يصار اليه الا للضرورة ولا ضرورة في البيت تلجئنا الى ذلك فتامل

(وكذا يجوز الامران اعني دخول الواو والاكتفاء (بالضمير ان كان الفعل في الجملة الفعلية ماضيا لفظا) ومعنى (او معنى) فقط كقوله تعالى اخبارا) عن زكريا (ع) (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) الشاهد في قوله (وَقَدْ بَلَغَنِيَ) فانه جاء (بالواو) فان قلت الكلام فى الحال المنتقلة على ما سبق في اول البحث والكبر اذا تحقق للانسان لا ينتقل فكيف اورده مثالا ههنا قلت الحال بلوغ الكبر والبلوغ كما يتحقق ينتفى واجاب بعض بان البلوغ المذكور تارة يحصل وتارة لا يحصل وان كان بعد حصوله لازما غير منتقل على ان الكبر يمكن عقلا زواله بعود الشخص شابا بل قد وقع ذلك لبعض الافراد كزليخا


والحاصل انه عرض مفارق كالشباب فتامل جيدا (و) كقوله تعالى (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) اي حالكونهم ضاقت صدورهم عن قتالكم مع قومهم اى جائوكم في هذه الحالة الشاهد في قوله (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) فانه جاء (بدون الواو هذا) الذي ذكر من المثالين (فيما هو ماض لفظا) ومعنى اما حصرت فواضح واما بلغني فلانها حال من اسم يكون وهو مستقبل المعنى لكنه ماض بالنسبة الى وقت كون الولد على احد الاحتمالين الاتيين (واما الماضى معنى) فقط (فيعنى به المضارع المنفي بلم او لما كلا منهما يقلب معنى المضارع الى الماضي واشار الى امثلة ذلك بقوله وقوله تعالى) حكاية عن مريم (ع) (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) هذا مثال للمنفي بلم مع الواو واورد على ذلك بان عدم مساس البشر اياها لم ينتقل فكيف اورده ههنا مع كون الكلام في الحال المنتقلة على ما سبق واجيب بان الحال المنتقلة هي التى تكون من الاعراض المفارقة وعدم المس المذكور من هذا القبيل وان لم ينفك عنها والفرق بين العرض المفارق واللازم مذكور في التهذيب فراجع ان شئت.

فان قلت عدم مس البشر ماض والعامل وهو يكون مستقبل فلا مقارنة بين الحال وعاملها قلت اجابوا عن ذلك بان التقدير كيف يكون لى غلام والحال اني اعلم حينئذ اني لم يمسني بشر فيما مضى ومن هذا يعلم ان العامل في الحال اذا قيد بحال يعلم مضيها وسبقها لذلك العامل وجب تقييدها بما يفيد المقارنة وسياتي لهذا زيادة توضيح بعيد هذا.

(و) نحو (قوله تعالى (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)


هذا مثال للمنفي بلم بدون الواو (و) نحو (قوله تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) هذا للمنفي بلما مع الواو (واهمل) الخطيب (مثال المنفى بلما مجردا عن الواو لانه لم يطلع عليه) في كلام العرب الموثوق بعربيتهم (لكن القياس جوازه) اي جواز المجرد عن الواو.

(ثم اشار الى سبب جواز الامرين) يعنى دخول الواو والاكتفاء بالضمير (في الماضي مثبتا كان او منفيا بقوله اما) الماضي (المثبت فلدلالته على الحصول يعني حصول صفة غير ثابتة لكونه فعلا مثبتا) وقد تقدم انفا ان الفعل المثبت يدل بفعليته على التجدد وعدم الثبوت وباثباته على الحصول وقد تقدم ايضا ان المضارع المثبت يشابه المفرد فيناسبه ترك الواو من هذه الجهة اما دخول الواو فلانه الاصل في الجمل لما تقدم من انها مستقلة بنفسها فتحتاج الى رابط يربطها بما قبلها واذا عرفت ذلك فاعلم ان الماضي المثبت كالمضارع المنفي في انه اشتمل على احد الامرين الموجودين فى المضارع المثبت وذلك لان المضارع المنفي اشتمل على المقارنة دون الحصول لكونه منفيا والماضي المثبت اشتمل على الحصول (دون المقارنة لكونه ماضيا والماضي لا يقارن الحال) فقد تساوى المضارع المنفي والماضى المثبت في ان كلا منهما وجد فيه جزء المقتضي لامتناع الواو فلم يترتب عليهما حكم امتناع الواو الذي ترتب على المضارع المثبت.

ولهذا اى ولعدم دلالته على المقارنة شرط عند جماعة (في الماضي المثبت ان يكون مع قد ظاهرة او مقدرة لان قد) كما بين في النحو (تقرب الماضي من) زمان (الحال) قال ابن هشام الثاني من


معاني قد الحرفية تقريب الماضي من الحال تقول قام زيد فيحتمل الماضي البعيد فان قلت قد قام اختص بالقريب وابتني على افادتها ذلك احكام احدها انها لا تدخل على ليس وعسى ونعم وبئس لانهن للحال فلا معنى لذكرها ما يقرب ما هو حاصل ولذلك علة اخرى وهى ان صيغهن لا يفدن الزمان ولا يتصرفن فاشبهن الاسم واما قول عدى.

لو لا الحيا وان راسى قد عسى

فيه المشيب لزرت ام القاسم

فعسى هنا بمعنى اشتد وليس الجامدة الثاني وجوب دخولها عند البصريين الا الاخفش على الماضي الواقع حالا اما ظاهرة نحو (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) او مقدرة نحو (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) ونحو (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) وخالفهم الكوفيون والاخفش فقالوا لا يحتاج لذلك لكثرة وقوعها حالا بدون قد والاصل عدم التقدير لا سيما فيما كثر استعماله انتهى.

(ويرد ههنا الاشكال المزبور) انفا (وهو) ما ذكره بقوله وفيه نظر وحاصله (ان المطلوب في الحال) النحوى الذى كلامنا فيه (مقارنة حصول مضمونها لحصول مضمون العامل لا) المقارنة (لزمان التكلم واذا كان العامل والحال ماضيين بجوزان يكونا متقاربين) وبعبارة اخرى اذا كانت الحال التي نحن بصدده الحال النحوى فيجوز المقارنة المطلوبة اذا كان العامل والحال ماضيين (كما اذا كانا) اى العامل والحال (مضارعين وايضا) ان ههنا اشكالا اخر وهو ان (لفظ قد انما يقرب الماضي الى الحال) الصرفي (المقابل للاستقبال وهو) اي الحال الصرفي (زمان التكلم فربما يكون قد فى الماضي) الذي وقع حالا (سببا لعدم مقارنته لمضمون العامل) وذلك اذا كان العامل


والحال ماضيين (كما في قولنا جاء زيد في السنة الماضية وقد ركب فرسه) لان ركب صار بسبب دخول قد عليه قريبا من زمان التكلم فلا يحصل المقارنة بينه وبين جاء فان مجئيه في السنة الماضية في حال الركوب ينافيه قرب الركوب من زمن التكلم الذي هو مفاد قد وحينئذ فدخول قد مضر لانها للمقاربة بالباء وهي تنافي المقارنة بالنون فلا وجه لاشتراط دخول قد عليه.

(ولو كان المعتبر) في الحال النحوي (هو المقارنة للحال التى هي زمان التكلم لوجب تصدير المضارع المثبت) الواقع حالا (بالواو اذا كان العامل) فيه (مستقبلا كقولنا سيجيىء الامير يقاد الجنائب بين يديه لعدم المقارنة) بين العامل المستقبل والمضارع الواقع حالا (للقطع بان المضارع ههنا ليس بمعنى الحال) الصرفي والتصدير بالواو ينافي قولهم.

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ومن الواو خلت

(وغاية ما يمكن ان يقال في هذا المقام) اي في جواب هذين الاشكالين (ان حالية الماضي) اى وقوع الماضي في الكلام حالا نحويا (وان كان بالنظر الى عامله) فيكون حينئذ زمان الحال النحوي وزمان العامل كلاهما ماضيين لما تقدم انفا من ان الحال النحوى بحسب عامله (ولفظه قد انما تقربه) اى تقرب الماضي الواقع حالا نحويا (من حال التكلم فقط والحالان) اى الحال النحوي وحال التكلم الذي هو الحال الصرفي (متباينان) فيكون دخول قد كما بين في الاشكال الثاني اى قوله وايضا لفظة قد الخ سببا لعدم المقارنة بين الحال والعامل فالاشكالان بظاهرهما واردان (لكنهم استبشعوا لفظة


الماضي والحالية لتنافي الماضي والحال في الجملة) وذلك اذا كان الحال بالمعنى الصرفي (فاتوا بلفظة قد) حتى لا يبقى الماضي الواقع حالا على ماضويته الصرفة وبعبارة اخرى اتو بلفظة قد حتى يكون مع الماضي الواقع حالا شىء وضع لتقريب الماضي الى الحال الصرفي في غير هذا المقام وذلك كله (لظاهر الحالية) اي لكون الماضي الواقع حالا نحويا مشتركا مع الحال الصرفي في لفظ الحال (وقالوا جاء زيد في السنة الماضية وقد ركب) مع لفظة قد (كما مر) نظير هذا الجواب انفا (في اشتراط خلو الجملة الحالية عن حرف الاستقبال (فظهر) مما ذكرنا (ان تصدير الماضي المثبت بلفظة قد) انما هو (لمجرد استحسان لفظي) لا لتقريب الماضي حقيقة من زمان الحال (و) توضيح ذلك انه (كثيرا ما يقيد الفعل الواقع في زمان التكلم بالماضي الواقع قبله بمدة طويلة لكن تصديره) اى تصدير الماضي (بلفظة قد يكسر سورة الاستعباد) اى صولة الاستعباد بين الماضوية والحالية (كقول ابي العلاء.

بني من الغربان ليس على شرع

يخبرنا ان الشعوب الى صدع

اصدقه في مرية وقد امترت

صحابة موسى بعد اياته التسع

الشاهد فيه تقييد قوله اصدقه الذي وقع في زمان التكلم بقوله امترت صحابة موسى الذي وقع قبله بمدة طويلة لكن تصديره بلفظة قد يكسر سورة الاستعباد) بين الماضوية والحالية (وبالجملة يجب ان يعلم ان الحال التى هي بيان الهيئة لا يجب ان يكون حصولها في الحال التى هي زمان التكلم) بل يجب ان يكون حصولها بحسب العامل فيها ويجب ايضا ان يعلم (انهما) اي الحالا (متباينان


حقيقة) وان اشتركا لفظا ولذلك قال السيوطي فما ذكروه غلط نشاء من اشتراك لفظ الحال بين الزمان الحاضر وهو ما يقابل الماضي وبين ما يبين الهيئة المذكورة.

(وبهذا) اى بقوله وكثيرا ما يقيد الفعل الخ (يظهر بطلان ما قال السخاوي من انك اذا قلت جئت وقد كتب زيد فلا يجوز ان يكون) قد كتب (حالا ان كانت الكتابة قد انقضت ويجوز ان يكون حالا اذا شرع في الكتابة وقد مضى منها جزء الا انه متلبس بها مستديم لها فلا نقضاء جزء منها جيىء بالماضى ولتلبسه بها ووامه عليها صح ان يكون لفظ الماضي حالا لاتصاله بالحال) وجه البطلان انه لا فرق في صحة الحالية بين الوجهين اذ الوجه الاول الذى حكم السخاوى بعدم الجواز من قبيل قول ابي العلاء فتدبر جيدا هذا كله في الماضي المثبت الواقع حالا.

(واما الماضي المنفي) اى الماضي لفظا ومعنى او معنى فقط كالمضارع المنفى بلم ولما (فلما جاز فيه الامران) اى دخول الواو والترك (مع انتفاء المقارنة والحصول ظاهرا لكونه ماضيا منفيا احتاج في تحقيق المقارنة فيه الى زيادة بيان فقال واما المنفي اى واما جواز الامرين في الماضي المنفى فلدلالته على المقارنة) فلذا جاز فيه ترك الواو لمشابهته بتلك الدلالة بالحال المفردة (دون الحصول) فلذا جاز فيه اتيان الواو لعدم مشابهته للحال المفردة.

والحاصل ان الماضي المنفي من حيث شبهه بالمفردة في الدلالة على المقارنة يقتضي سقوط الواو كما في المفردة ومن حيث عدم شبهه بها في الحصول الذى وجد في المفردة يقتضي الاتيان بها.


(اما الاول اى دلالته على المقارنة فلان لما للاستغراق) نصا (أي لامتداد النفي من حين الانتفاء الى حين التكلم نحو ندم زيد ولما ينفعه الندم اى عدم النفع متصل بحال التكلم) وانما قلنا ان لما للاستغراق نصا لان غيرها وان كان تاتي للاستغراق لكنه ليس نصا بل بمعونة ان الاصل استمرار النفي كما صرح بذلك بقوله (وغيرها اى غير لما مثل ما ولم لانتفاء متقدم على زمان التكلم مع ان الاصل استمراره اى ذلك الانتفاء) ياتي تحقيق هذا الاصل بعيد هذا (وان جاز) في نفس الامر (انقطاعه دون زمان التكلم نحو لم يضرب زيد امس لكنه ضرب اليوم) والحاصل ان الاصل بقاء النفي واستمراره ما لم يوجد قرنية على الخلاف كما في المثال فان لكنه ضرب اليوم قرينة على الخلاف اى على انقطاع النفي بمعنى ان انتفاء الضرب لم يستمر من الامس الى وقت التكلم.

(فيحصل به اي بالنفي) اى باستمرار النفي (او بان الاصل فيه الاستمرار) هذا الترديد في تفسير الضمير اشارة الى ان ضمير به يصح رجوعه الى اسم ان في قوله مع ان الاصل استمراره ويصح رجوعه لخبرها فعليه كان الاولى التعبير بالانتفاء لانه الذي تقدم ذكره صريحا فتامل.

فتحصل من جميع ما ذكرنا انه يحصل بسبب النفي المتقدم على زمان التكلم او بسبب ان الاصل استمرار ذلك النفى الى زمان التكلم (الدلالة عليها اى على المقارنة عند الاطلاق اى عند) عدم القرنية اي عند (عدم التقييد بما يدل على انقطاع ذلك الانتفاء كما) مر بيانه منا (في قولنا لم يضرب زيد امس ولكنه ضرب اليوم) فان هذا


كما قلنا انفا قرينة على ان انتفاء الضرب انقطع قبل زمان التكلم ولم يستمر من الامس الى زمان التكلم.

(بخلاف) الماضى (المثبت) فلا يفيد الاستمرار المقتضي للمقارنة لا وضعا ولا استصحابا (فان وضع الفعل على افادة التجدد) اى الوجود بعد العدم هذا دليل على عدم افادته الاستمرار وضعا واما على عدم افادته الاستمرار استصحابا فقوله (من غير ان يكون الاصل استمراره فاذا قلت ضرب مثلا كفى صدقه وقوع الضرب) ولو مرة واحدة (في جزء من اجزاء الزمان) ولذا قالوا في الاصول ان المولى اذا قال لعبده ادخل الدار فدخل مرة واحدة عد ممتثلا لان المطلوب به وجود الماهية وهو يحصل بوجود فرد من الافراد (واذا قلت ما ضرب افاد استغراق النفي لجميع اجزاء الزمان الماضي) ولذا قالوا فى الاصول ان النهي يفيد الدوام والتكرار لان المطلوب به عدم الماهية وهو لا يحصل الا بالترك في جميع اجزاء الزمان.

(وذلك لانهم ارادوا ان يكون النفي والاثبات المقيدان بزمان واحد) اى الزمان الماضي (في طرفي نقيض) الاضافة بيانية ولفظة في زائدة اي طرفين هما نقيض والمراد بالنقيض الجنس اى انهم ارادوا ان يكون الاثبات والنفي نقيضين (فلو جعلوا النفي كالاثبات مقيدا بجزء من الاجزاء) اى جعلوا كليهما جزئيتين (لم يتحقق) بينهما (التناقض لجواز تغاير الجزئين) وقد بين ذلك في محله (فاكتفوا في الاثبات بوقوعه مطلقا) اي ولو مرة في جزء من اجزاء الزمان (وقصدوا في النفي الاستغراق) ليكون كليا فيتناقض الاثبات لان نقيض الموجبة الجزئية انما هو السالبة الكلية ولم يعكسوا بان يكتفوا


في النفي مطلقا وفي الاثبات الاستغراق (اذ استمرار الفعل) اى استمرار وجود الحدث (اصعب واقل من استمرار الترك ولهذا كان النهي) كما قلنا انفا (موجبا للتكرار دون الامر) وقد بين ذلك في محله (و) لهذا ايضا (كان نفي النفي اثباتا دائما) اى مستمرا وفي جميع الازمان (مثل ما زال وما انفك) وما فتىء (ونحو ذلك) من الافعال الواقعة بعد النفي سواء كان ذلك شرطا في عمل ذلك الفعل كالافعال المذكورة ام لم يكن كسائر الافعال المنفية.

(وتحقيقه اي وتحقيق هذا الكلام) اي وتحقيق (ان الاصل في النفي) بعد تحققه (الاستمرار بخلاف الاثبات ان استمرار العدم) الذى من جملة افراده مفاد الماضي المنفي (لا يحتاج الى سبب) موجود يؤثر فيه (بخلاف استمرار الوجود) فانه يحتاج الى ذلك (يعني بقاء الحادث وهو استمرار وجوده يحتاج الى سبب موجود) يؤثر فيه (لانه) اي استمرار الوجود (وجود عقيب وجود والوجود الحادث لا بد له من سبب موجود لاجل ان يجدد ذلك الوجود (بخلاف استمرار العدم فانه عدم فلا يحتاج الى وجود سبب بل يكفي فيه انتفاء سبب الوجود والاصل في الحوادث) سببا كان او مسببا (العدم) وذلك ظاهر لا يحتاج الى البيان.

(والمراد ان استمرار العدم لا يفتقر الى سبب موجود يؤثر فيه والا فهو مفتقر الى انتفاء علة الوجود) فاستمرار العدم ايضا يحتاج الى سبب وهو انتفاء علة الوجود (وهذا) اى عدم احتياج استمرار العدم الى سبب موجود (مراد من قال ان العدم لا يعلل) اي لا يفتقر الى علة (وانه) اى العدم (اولى بالممكن من الوجود) بمعنى ان


العدم اصل في الممكن دون الوجود لان العدم لا يفتقر الى سبب موجود بخلاف الوجود (وبالجملة) اى واقول قولا متلبسا بالاجمال اى واقول قولا مجملا هو حاصل ما تقدم انه (لما كان الاصل في النفي الاستمرار حصلت من اطلاقه) اى من عدم تقييده بما يدل على انقطاعه قبل زمان التكلم (الدلالة على المقارنة) المطلوبة في الحال (وقد عرفت ما فيه) من الاعتراض الذى تقدم انفا من ان المطلوب في الحال مقارنة مضمونها لحصول مضمون العامل لا مقارنة مضمونها لزمان التكلم واللازم من استمرار النفي انما هو مقارنة مضمون الحال لزمن التكلم فاين هذا من ذاك.

(واما الثاني اى عدم دلالته على الحصول فلكونه منفيا) فهو اي النفي انما يدل بالمطابقة على عدم الحصول اى على عدم حصول صفة فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الماضي المنفى يشبه الحال المفردة في افادة المقارنة ولا يشبهه في الدلالة على حصول صفة فاستحق بالاول ترك الواو وبالثاني دخولها فجاز فيه الامران كما جاز في الماضى المثبت.

(هذا) اى ما ذكر من المباحث المتقدمة (اذا كانت الجملة فعلية وان كانت الجملة) الواقعة حالا (اسمية) سواء كان الخبر فيها فعلا او ظرفا او غير ذلك كما يظهر ذلك من الامثلة المذكورة في كلام الخطيب (فالمشهور) عند النحويين (جواز تركها) وجواز دخولها وانما نص على جواز الترك دون جواز الدخول لان جواز الترك هو المختلف فيه لا جواز الدخول لان الدخول لم يقل بامتناعه احد منهم الا لعارض كما فى قوله تعالى (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) والعارض فيه كراهة الجمع بين واو الحال التى اصلها العطف وبين كلمة


او التى هى ايضا حرف عطف.

(لعكس ما مر في الماضي المثبت) والذي مر فيه دلالته على الحصول دون المقارنة وفي الاسمية عكس ذلك (اى لدلالة الاسمية على المقارنة لا على حصول صفة غير ثابتة) وذلك اى عدم الدلالة على ذلك (لدلالتها على الدوام والثبات).

استشكل على هذا التعليل بان نحو جائنى زيد وعمرو يتكلم مما اخبر فيها بالمضارع المثبت يدل على الحصول والمقارنة وايضا كون الجملة الاسمية للدوام والثبوت يقتضى خروج الكلام عما نحن فيه لان الكلام في الحال المنتقلة واما غيرها فقد تقدم في صدر المبحث امتناع الواو فيها مطلقا.

واجيب عن ذلك كله بان التعليل ناظر الى اصل الجملة الاسمية فانها في الاصل وضعت للدوام والثبوت واكتفى في ما نحن فيه بذلك على وجه التوسع والا فكونها منتقلة يمنع دخولها فيما نحن فيه فالمقام نظير ما ذكره السيوطى في شرح قول ابن مالك.

وماضى الافعال بالتامز وسم

بالنون فعل الامران امر فهم

من ان المقصود علامة تختص الموضوع للمعنى ولو كان مستقبل المعنى ونظير ما قاله الجامى فى بحث الفعل من انه دخل في قول ابن الحاجب مقترن باحد الازمنة الافعال المنسلخة عن الزمان نحو عسى وكاد لاقتران معناها بحسب الوضع وكذا ما قاله المحشى هناك وهذا نصه كذا الافعال المنسلخة عن الحدث يدخل به لان الافعال الناقصة تامات في اصل الوضع منسلخات عن الحدث انتهى.

(نحو كلمته قوه الى فى) اي مشافها فالجملة الاسمية حال من


الفاعل اعني التاء اى كلمته حال كوني مشافها ويصح ان تكون حالا من المفعول اعنى الهاء اى حال كونه مشافها لى ويصح ايضا ان تكون حالا من كليهما اي حال كوننا مشافهين وقال بعضهم انه يروى فاه الى في خرج بانه على تقدير جاعلا فاه الى في وانا اقول يحتمل على لغة من قال.

ان اباها وابا اباها

قد بلغا في المجد غايتاها

(و) نحو (رجع عوده على بدئه فيمن رفع فوه) في المثال الاول وكذا فيمن قاله بالالف على الاحتمال المذكور (و) فيمن رفع (عوده) في هذا المثال (على الابتداء اى) رجع حالكون (رجوعه على ما ابتدئه على ان البدء مصدر بمعنى المفعول) هذا كله بناء على رفع عوده واما بناء على نصبه فالنصب للتنبيه من اول الامر على ان الجملة حال وهذا في التحقيق من نصب المبتدء للقطع بان الحال هي الجملة ويجوز ان يكون النصب على الظرفية اي رجع في عوده على بدئه اي رجع في طريقه الذي جاء فيه ويصح ان يكون على المفعول المطلق كما احتمل ذلك في وحده في قولنا مررت به وحده قاله الجامي وليعلم انه يجوز في المثالين دخول الواو بلا اشكال بل هو الاولى كما صرح بذلك بقوله (وان دخولها اي والمشهور ايضا ان دخول الواو اولى من تركها لعدم دلالتها على عدم الثبوت) اى لدلالتها على الثبوت لان نفي النفي اثبات فان قلت تعليل اولوية الدخول بالدلالة على الثبوت لم يصح لانه جعله اولا علة لجواز ترك الواو وههنا جعله علة لكون دخول الواو واولى.

قلت نعم لكنه لما كان دعوى الاولوية مركبة من جواز الترك ورجحان الدخول اعاد الدليل المذكور لجواز الترك وضم اليه دليل


الرجحان اعني قوله (مع ظهور الاستيناف) اي عدم الارتباط بما قبلها (فيها) اى في الجملة الاسمية دون الجملة الفعلية فان الجملة الفعلية وان كانت منتقلة لكن مضمونها الفعل والفاعل وذلك مضمون الحال المفردة المشتقة بخلاف الجملة الاسمية فقد يكون جزأها جامدين فلا يكون مضمونها كمضمون الحال المفردة المشتقة فكان الاستيناف فيها اظهر وظهور الاستيناف فيها يفيد استقلالها اي انقطاعها عن العامل قبلها (فحسن زيادة رابط) هو الواو زائدا على الضمير (نحو (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) اي وانتم من اهل العلم والمعرفة) ومن شان العالم التمييز بين الاشياء فلا يدعى مساواة الحق والباطل فعلى هذا المعنى يكون قوله تعالى (تَعْلَمُونَ) منزلا منزلة اللازم فلا يحتاج حينئذ الى تقدير مفعول في الاية (او) يكون التقدير (وانتم تعلمون ما بينه) اي الله (وبينها) اي الانداد (من التفاوت) الفاحش لانها مخلوقه عاجزه عن دفع ذبابة عن نفسها والله تبارك وتعالى خالق (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فكيف تجعلونها اندادا له ولنعم ما قيل بالفارسية

اگر بت پرستى بتى را پرست

كه دارد هزاران بت وبت پرست

فتحصل مما تقدم ان دخول الواو على الجملة الحالية الاسمية اولى من تركها (حتى ذهب كثير من النحاة الى ان تجرد) الجملة (الاسمية عن الواو) والاكتفاء بالضمير وحده (ضعيف) كما صرح بذلك ابن الحاجب وهذا نصه مع الشرح الجملة الاسمية الحالية متلبسة بالواو والضمير معا لقوة الاسمية في الاستقلال فناسب ان تكون الرابطة فيها في غاية القوة نحو جئت وانا راكب وجئت وانت راكب وجاء زيد وهو راكب او بالواو وحدها لانها تدل على الربط في اول الامر فاكتفى


بها مثل قوله (ص) كنت نبيا وآدم بين الماء والطين وهذا اي الربط بالواو وحدها او بها مع الضمير انما يكون في الحال المنتقلة واما في الحال المؤكدة فلا يجوز الواو تقول هو الحق لا شك فيه وذلك لان الواو لا تدخل بين المؤكد والمؤكد لشدة الاتصال بينهما او بالضمير وحده على ضعف لان الضمير لا يجب ان يقع في الابتداء فلا يدل على الربط في اول الامر نحو كلمته فوه الى في ورجع عوده على بدئه فلا بد من الواو على الصحيح انتهى.

الى هنا كان الكلام فيما هو المشهور بينهم في الجملة الاسمية الحالية من جواز ترك الواو فيها وجواز الاتيان بها مع اولوية ذلك من غير تفصيل بين الجمل الاسمية ومقابل المشهور قول الشيخ حيث فصل وفرق بين الجمل الاسمية فاوجب في بعضها الواو والى ذلك اشار بقوله (وقال عبد القاهر اذا كان المبتدء في الجملة الاسمية ضمير صاحب الحال وجبت الواو سواء كان خبره فعلا نحو جاء زيد وهو يسرع او) كان خبره (اسما نحو جاء زيد وهو مسرع وذلك) الوجوب (لان الجملة لا يترك فيها الواو) اى لا تستعمل بدون الواو (حتى تدخل) الجملة اي الا ان تدخل الجملة (في صلة العامل) اى الا ان يكون معمولا من معمولاته وقيدا من قيوده (و) حتى (تنضم) الجملة (اليه) اي الا ان تنضم الجملة اليه اي الى العامل اى الى مضمونه (في الاثبات) والمراد بانضمام الجملة لمضمون العامل في الاثبات ان يكون اثباتها في اثباته وتخصيص الاثبات بالذكر لانه الاصل والا فالحكم في النفي ايضا كذلك (وتقدر) الجملة (بتقدير المفرد) اي تنزل الجملة منزلة (المفرد (في ان لا يستانف) اى لا يتجدد مستقلا


(لها) اي للجملة (الاثبات) زائدا على اثبات العامل بل تضاف الجملة الى العامل وتجعل قيدا من قيوده كالمفرد نحو جاء زيد يسرع لان المضارع مع فاعله منزل منزلة المفرد فانه في تقدير جاء زيد مسرعا فالمثبت هو المجيىء حال السرعة لا مجيىء مقيد باثبات مستانف للسرعة فاثباتها منضم الى اثباته فلذلك يسقط من يسرع الواو كالمفرد وكذلك الحكم في النفي نحو لم يجيىء زيد يسرع فتبصر.

(وهذا) اى الدخول في صلة العامل والانضمام اليه في الاثبات او النفي والتنزيل منزلة المفرد في عدم استيناف اثبات زائد على اثبات العامل او نفى كذلك (مما يمتنع في نحو جاء زيد وهو يسرع او وهو مسرع لانك اذا اعدت ذكر زيد و) ذلك بان (جئت بضميره المنفصل المرفوع كان) ذلك الضمير (بمنزلة اعادة اسمه صريحا) اي كان بمنزلة ان تقول جاء زيد وزيد يسرع (في انك لا تجد سبيلا) اى طريقا (الى ان تدخل يسرع في صلة المجيىء و) لا تجد سبيلا الى ان (تضمنه) اي يسرع (اليه) اى الى المجيىء (في الاثبات) حاصله انك لا تجد طريقا الى ان تجعل يسرع قيدا للمجيىء منضما اليه في الاثبات (لان اعادة ذكره) بالضمير الذي هو بمنزلة اعادة الاسم صريحا (لا تكون حتى) اى الا ان يقصد استيناف خبر عنه بانه يسرع) حاصله ان المتبادر من اعادة اسمه قصد استيناف الاخبار عنه بانه يسرع (والا) اى وان لم يكن القصد الى استيناف الخبر عنه بان كان القصد الى ضمه للعامل وجعله قيدا للعامل في الاثبات (لكنت تركت المبتدء) اى الضمير (بمضيعة) على وزن معيشه او على وزن مسئلة اى تركت المبتدء في مكان الضياع وهو المفازة


الخالية عن العمر ان اى (وجعلته لغوا في البين) اي بين الحال وعاملها لان القصد حينئذ الى نفس تلك الحال كالحال المفردة التى ليس لها في الكلام اثبات زائد على اثبات عاملها (وجرى) عطف على قوله كان بمنزلة اعادة اسمه صريحا وجرى (مجرى ان تقول جاء زيد وعمرو يسرع امامه ثم) اى بعد كون وهو يسرع جار يا مجرى وعمرو يسرع (تزعم انك لم تستانف كلاما) جديدا (و) تزعم انك (لم تبتدء) اى لم تجدد (للسرعة اثباتا) ومن المعلوم ضرورة ان هذا الزعم فاسد لانك استانفت فيه كلاما يقينا وابتدات اى جددت للسرعة اثباتا بدليل كون المسند اليه في الجملة الثانية اعني وعمرو يسرع غير المسند اليه في الجملة الاولى اعني جاء زيد وكذلك ما هو بمنزلة وعمرو يسرع اعني وهو يسرع فلا يترك فيه الواو.

والحاصل ان امر الواو وجودا وعد ما في الجملة الحالية يدور على كونها ليست في حكم المفرد او في حكمه فالجملة الحالية لا يترك فيها الواو الا اذا كان في حكم المفرد بان تدخل في صلة العامل بان تكون من متعلقاته ومن قيوده وننضم اليه فى اثباته ولم يستانف لها اثبات اخر غير اثبات العامل بل تضاف اليه كما في المفرد فانك اذا قلت جاء زيد راكبا فالمثبت هو المجيىء حال الركوب فليس للركوب اثبات مستانف فاذا كانت الجملة الحالية بمنزلة هذا المفرد في عدم استيناف اثبات لها بل ادخلت في ثبوت العامل كقولك جاء زيد يسرع فان المقصود فيه الحكم باثبات المجيىء حال السرعه لا الحكم باثبات مجيىء مقيد باثبات مستانف للسرعة ولذلك يترك في يسرع الواو لما تقدم من ان المضارع مع فاعله في تاويل اسم الفاعل وفاعله.


واما اذا لم تكن الجملة الحالية في حكم المفرد وذلك كالتى صدرت بضمير صاحب الحال فانها لا يمكن ادخالها في حين العامل ادخالا تكون فى حكم المفرد في ان لا يستانف لها اثبات فانك اذا قلت جاء زيد وهو يسرع او وهو مسرع لم تستطع ان تدعى ان السرعة لم تستانف لها اثبات زائدة على اثبات المجيىء لانك اعدت المسند اليه بذكر ضميره المنفصل الذي هو بمنزلة اعادة لفظه صريحا فقولك وهو يسرع بمنزلة زيد يسرع واعادة لفظة انما تكون لقصد استيناف اثبات حديث اي خبر عنه اذ لو لم تقصد ذلك الاستيناف لوجب ان تقول مسرعا او يسرع بدون الواو لان المضارع كاسم الفاعل فانه من اول الامر يكون داخلا في حين العامل من حيث الاثبات فلو جئت بالواو كنت قد تركت الواو بمضيعة وجعلته لغوا في البين لان القصد حينئذ الى نفس الحال فليس لها اثبات زائد على اثبات.

فتحصل من مجموع ما ذكرنا ان الجملة الاسمية لقصد الاستيناف والاستيناف مقتضاه الانفصال عما قبله والانفصال فيه يستدعى اذا جعلتها حالا ربطها بالواو التي هي رابط قوى ليحصل ربطها بما قبلها حسبما بيناه انفا نقلا عن الجامى.

(فالاصل والقياس ان لا تجيىء الجملة الاسمية الا مع الواو وما جاء بدونه فسبيله سبيل الشيى الخارج عن قياسه واصله لضرب من التاويل) ونوع من التشبيه حسبما ياتي بيانه (وذلك) التاويل والتشبيه (لان معنى فوه الى في مشافها) فشبهت الجملة الحالية بالحال المفرد واولت به لانها بمعناه فترك فيها الواو (و) كذلك (معنى عوده على بدئه ذاهبا في طريقه الذي جاء منه) فهذا ايضا على التشبيه


والتاويل (واما قوله).

اذا اتيت ابا مروان تسئله

وجدته حاضراه الجود والكرم

حيث اتى الجملة الاسمية الحالية اعني حاضراه الجود والكرم بدون الواو (فلانه بسبب تقديم الخبر) يعنى حاضراه (قرب في المعنى من قولك وجدته حاضره اي حاضرا عنده الجود والكرم).

والحاصل ان الجملة بسبب تقديم الخبر فيها على المبتدأ قرب معناها من الحال المفرد فنزلت بمنزلته فلذا ترك فيها الواو (وتنزيل الشيىء منزلة غيره ليس بعزيز) اى ليس بقليل (في كلامهم) اى العرب بل هو كثير جدا قال ابن هشام في الباب الثامن من المغنى قد يعطى الشيىء حكم ما اشبهه في معناه او في لفظه او فيهما وذكر لكل واحد من هذه الاقسام الثلاثة امثلة كثيرة وقال هذا الباب واسع ولقد حكى ابو عمرو بن العلا انه سمع شخصا من اهل اليمن يقول فلان لغوب اتته كتابي فاحتقرها فقال له كيف قلت اتته كتابي فقال ا ليس الكتاب في معنى الصحيفة وقال ابو عبيدة لروبة بن العجاج لما انشد.

فيها خطوط من سواد وبلق

كانه في الجلد توليع البهيق

ان اردت الخطوط فقل كانها او السواد والبلق فقل كانهما فقال اردت كان ذلك وتلك انتهى.

والمراد مما اجاب به ابن العجاج انه يجوز ان يكنى باسم الاشارة الموضوع للواحد عن اشياء كثيرة باعتبار كونها في تاويل ما ذكر وما تقدم وقد يقع مثل ذلك فى الضمير الا انه في اسم الاشارة اكثر واشهر.

(ويجوز ان يكون جميع ذلك) اي جميع ما ذكر من الجمل الاسمية التى ترك فيها الواو (على ارادة الواو) اى على تقدير الواو (كما


جاء الماضي) الواقع حالا (على ارادة قد) وقد تقدم الكلام فيه (هذا كلامه في دلائل الاعجاز) فلخصه الخطيب بما يوهم خلاف ما اراده الشيخ من هذا الكلام (و) ذلك لان (الذى يلوح منه) اى من هذا الكلام (ان وجوب الواو في) الجملة الاسمية لا يختص بما اذا كان المبتدء ضمير صاحب الحال كما نقله الخطيب بل يجب الواو فيها ايضا اذا كان المبتدء اسما ظاهرا سواء كان ذلك الاسم اعادة صاحب الحال (نحو جائني زيد وزيد يسرع او) زيد (مسرع) او اسما اخر نحو جاء زيد وعمرو يسرع امامه او وعمرو مسرع يلوح ذلك من قوله فالاصل والقياس الخ (و) يلوح ايضا من كلامه ان وجوب الواو فيما اذا كان المبتدء اسما ظاهرا نحو جائني زيد وزيد يسرع امامه او مسرع (و) نحو (جاء زيد وعمرو يسرع امامه او مسرع اولى منه) اى من وجوب الواو (في) ما اذا كان المبتدء ضمير صاحب الحال (نحو جائني زيد وهو يسرع او مسرع) يلوح ذلك من قوله او لا كان ذلك بمنزلة اعادة اسمه صريحا في انك لا تجد سبيلا الخ فجعل اعادة ذكره بضميره مشبهة باعادة اسمه صريحا فيكون المشبه به اقوى على ما هو المتبادر منه وقال ثانيا وجرى مجرى ان تقول جائني زيد وعمرو يسرع امامه وهذا ايضا تشبيه والبيان البيان.

(وقال) الشيخ (ايضا في موضع احزانك اذا قلت جائني زيد السيف على كتفه) بدون الواو مع كونه حالا (او) اذا قلت (خرج) زيد (التاج عليه) بدون الواو مع كونه حالا (كان كلاما نافرا لا يكاد يقع في الاستعمال لانه) اى ما ذكره من المثالين (بمنزلة قولك جائني زيد وهو متقلد سيفه وخرج وهو لابس التاج) حاصله


انه بمنزلة الجملة الاسمية (في ان المعنى على استيناف كلام) جديد (وابتداء اثبات) اخر غير اثبات العامل (وانك لم ترد) في المثالين (جائني كذلك) اى لم ترد اثبات المجيىء حال كون السيف على كتفه وحال كون التاج على راسه (ولكن) تريد (جائني وهو كذلك) اى وهو السيف على كتفه وهو التاج على راسه اى تريد تقييد المجىء باثبات كون السيف على راسه والتاج على راسه.

(فظهر منه) اى من هذا الكلام الذي قاله في موضع اخر (ان الجملة الاسمية) مطلقا اى سواء كان المبتدء فيها ضمير ذى الحال او اسمه الصريح او اسم اخر (لا يجوز تجردها عن الواو الا بضرب) اى بقسم (من) اقسام (التاويل والتشبيه بالمفرد وبهذا) الذي ظهر منه (يشعر كلام صاحب الكشاف حيت ذكر في قوله تعالى (بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) هذا مشتق من القيلولة وهي قسم من النوم (ان الجملة الاسمية اذا عطفت على حال قبلها حذفت الواو) اى واو الحال (استثقالا لاجتماع حرفي العطف لان واو الحال هى واو العطف استعيرت للوصل) اى وصل الحال بعامله فاجتماعها مع كلمة او التى هي ايضا حرف عطف مستثقل (فقولك جائني زيد راجلا او هو فارس) بحذف الواو مع العطف باو (كلام فصيح) وارد على حده (واما جائني زيد هو فارس) بترك الواو بدون العطف باو (فخبيث) اذ لا وجه حينئذ لحذف واو الحال لانه حذف بلا استثقال لانه ليس في الكلام حرف عطف اخر انتهى خلاصة كلام صاحب الكشاف (وذكر) ايضا (في قوله تعالى (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) انه) ان قوله (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (في موضع الحال اى متعادين يعاديهما ابليس ويعاديانه)


فالعداوة من الطرفين (فاوله) اى قوله (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) (ونزله بالمفرد) المقابل للجملة فلذلك حذفت الواو منه مع كونه جملة اسمية (وهذا بخلاف جائني زيد هو فارس لانه لو اريد ذلك) اى لو اريد كونه في موضع الحال بدون الواو (لوجب ان يقال فارسا) لان المبتدء في هو فارس ضمير ذى الحال فلا يجوز حذف الواو لانتفاء الاستثقال (فلا بد من الاتيان بالواو او ان يقال فارسا) بالافراد حتى لا يحتاج الى واو الحال (فلهذا حكم بانه خبيث) اي غير وارد على حده.

(والذي يبين ذلك) اى كون جائني زيد هو فارس بدون الواو خبيثا (ما ذكره الشيخ في دلائل الاعجاز من انك اذا قلت جاء زيد بسرع) من دون ضمير صاحب الحال (فهو بمنزلة جاء زيد مسرعا في انك تثبت به مجيئا فيه اسراع و) في انك (توصل احد المعنيين) اى المجيىء والاسراع (بالاخر) بحيث كانهما اثبات واحد (و) في انك (تجعل) مجموع (الكلام خبرا واحدا كانك قلت جائني بهذه الهيئة) اى هيئة المسرعية فلا اثبات ليسرع وحده بل اثباته منضم الى العامل (واذا قلت جائني زيد وهو مسرع) مع كون المبتدء ضمير صاحب الحال (او) اسم اخر نحو جائني زيد (وغلامه يسعى بين يديه او سيفه على كتفه كان المعنى على انك بدات فاثبت) اولا مضمون العامل اعنى (المجيىء ثم استانفت) اى جددت (خبرا وابتدت اثباتا ثانيا لما هو مضمون الحال) يعني الاسراع في المثال الاول وكون الغلام ساعيا في الثانى وكون السيف على الكتف في الثالث (ولهذا) اي اي لكون المعنى على انك بدات الخ احتج الى ما يربط الجملة الثانية


بالاولى فجيىء بالواو كما جيىء بها) للعطف (في نحو زيد منطلق وعمر ذاهب وتسميتها واو الحال لا تخرجها) عن اصلها اى (عن كونها مجتلبة لضم الجملة كالفاء في جواب الشرط فانها بمنزلة) الفاء (العاطفة في انها جائت لربط جملة ليس من شانها ان يرتبط بنفسها) كما قال في الالفية.

وافرن انما حتما جوابا لو جعل

شرطا لان او غيرها لم ينجعل

(والجملة في نحو جائني زيد يسرع بمنزلة الجزاء المستغنى من الفاء لان من شانه ان يرتبط بنفسه) لكونه بمنزلة اسم الفاعل وهو غير مستقل بالافادة فلا بد من ان يرتبط في الكلام بغيره حتى يفيد (والجملة في نحو جائني زيد وهو مسرع او غلامه يسعى بين يديه او وسيفه على كتفه بمنزلة الجزاء ليس من شانه ان يرتبط بنفسه) وذلك لاستقلاله في الافادة وعدم وجدان سبيله الى ان يدخل في صلة العامل حسبما تقدم بيانه.

(ثم قال الشيخ وان جعل على كتفه سيف حالا) عن معرفة كالبيت الاتي فلو كان صاحب الحال نكرة لوجبت الواو لئلا يلتبس الحال بالنعت (كثر فيها اى في تلك الحال تركها اى ترك الواو) وكذلك كل جملة اسمية خبرها ظرف متقدم فلو كان موخرا وجب دخول الواو عنده كما تقدم وذلك لما سيذكره من انه بتقدير اسم الفاعل فيكون من قبيل المفرد (نحو قول بشار).

اذا انكرتني بلدة او نكرتها

خرجت مع البازى على سواد

(اي اذا لم يعرف قدرى) وفضلى (اهل بلدة ولم اعرفهم خرجت منهم وفارقتهم مبتكرا مصاحبا للبازى الذي هو ابكر الطيور مشتملا


على شيىء من ظلمة الليل غير منتظر لاسفار الصبح) اى لاضائة الصبح (فقوله على سواد اى بقية من الليل حال) من ضمير المتكلم اعني التاء (ترك فيها الواو) وقريب من معنى البيت ما قيل بالفارسية.

معرفت نيست در اين قوم خدايا مددى

كه برم كوهر خود را بخريدار دگر

بهر ديار كه در چشم خلق خوار شدى

سبك سفر كن از انجا برو بجاى دگر

درخت اگر متحرك شدى ز جاى بجاى

نه جور اره كشيدي ونى جفاى تبر

هماي كو مفكن سايهء شرف هرگز

بر ان ديار كه طوطى كم از زغن باشد

(ثم قال الشيخ الوجه) الاصح (ان يكون الاسم) الظاهر المرفوع (في مثل هذا) التركيب الذي قدم فيه الظرف على اسم ظاهر (فاعلا للظرف) المتقدم (لاعتماده) اى الظرف (على ذي الحال لا مبتدء) لان الاصل عدم التقديم والتاخير (وينبغي ان تقدر) اي ان تفرض (ههنا) اي في مقام وقوع الظرف حالا لا في مقام وقوعه خبرا او نعتا لانه حينئذ يقدر بالفعل ايضا كما قال في الالفية ناوين معنى كائن او استقر (خصوصا) اى بالخصوص (ان الظرف في تقدير اسم الفاعل) حاصل الكلام انه ينبغي ان يتعلق الظرف ههنا باسم الفاعل ليكون من قبيل المفرد لا الجملة الاسمية (دون الفعل) وههنا اقوال اخر ذكرناها في الكلام المفيد فراجع ان شئت.

(اللهم الا ان يقدر) المتعلق (فعلا ماضيا مع قد) فيكون من


قبيل الجملة الفعلية وايا ما كان فليس قسما من الجملة الاسمية (قال المصنف) في الايضاح (لعله انما اختار تقديره باسم الفاعل لرجوعه الى اصل الحال وهي المفردة ولهذا كثر فيها ترك الواو وانما جوز التقدير بالفعل الماضي) ايضا (لمجيئها بالواو قليلا كقوله).

وان امرء اسرى اليك ودونه

من الارض موماة وبيداء سملق

الشاهد في دونه موماة (وانما لم يجوز التقدير بالمضارع لانه لو جاز التقدير بالمضارع لامتنع مجيئها بالواو لانه مضارع مثبت وقد تقدم انه لم يجز فيه الواو لانه في حكم المفرد (هذا كلامه) اي كلام الشيخ

(وفيه) اى في كلام الشيخ (نظر لانه كما ان اصل الحال الافراد فكذا الخبر والنعت) فلا وجه لاختصاص ذلك بالحال كما يدل عليه قوله ههنا خصوصا (فالواجب) على الشيخ (ان يذكر مناسبة) اخرى (تقتضى اختيار الافراد في الحال على الخصوص دون الخبر والنعت) ولا يذهب عليك انه يرد هذا اذا كان المراد من قوله ههنا خصوصا الاحتراز من الخبر والنعت واما اذا جعل احترازا عن الظرف الواقع صلة فلا لانه حينئذ يقدر بالفعل كما بينه السيوطي عند قول ابن مالك.

وجملة او شبهها الذى وصل

به كمن عندي الذي ابنه كفل

(ولانا لا نسلم ان جواز التقدير بالمضارع يوجب امتناع الواو لجواز ان يكون المقدر عند وجود الواو) كما في ودونه موماة (هو الماضي) وعند عدم الواو يقدر بالمضارع ولا ضمير فيه (الا ترى انه اختير تقديره بالمفرد) للرجوع الى اصل الحال فيكثر فيها ترك الواو (مع هذا لم يمتنع الواو مع ان المفرد اولى بامتناع الواو


من المضارع) وجه الاولوية ان الامتناع في المفرد بالاصالة وفي المضارع بالعرض وهو شبهه بالمفرد كما مر بيانه.

(والحق ان) في (نحو على كتفه سيف) اى في كل تركيب قدم الظرف على الاسم الظاهر احتمالات اربعة لا اثنين كما يظهر من كلام الشيخ الاول (يحتمل ان يكون الاسم) الظاهر (مرفوعا بالابتداء والظرف خبره فيكون الجملة اسمية كما جاز ذلك) اى كون الاسم مرفوعا بالابتداء (فى نحو ا في الدار زيد و) في نحو (اقائم زيد) فيجوز كون الاسم الظاهر اعنى زيد مبتدء موخرا والوصف خبرا مقدما كما صرح بذلك السيوطي عند قول ابن مالك.

والثانى مبتدء وذا الوصف خبر

ان في سوى الافراد طبقا استقر

(و) الثاني (يحتمل ان يكون) الظرف جملة (فعلية مقدرة بالماضي) والاحتمال الثالث (او) يكون الظرف جملة فعلية مقدرة بالفعل (المضارع (و) الرابع (يحتمل ان تكون حالا مفردة بتقدير اسم الفاعل و) الاحتمالان (الاولان) اى الاول والثاني (مما يجوز فيه ترك الواو) كما يجوز فيه دخولها وقد مر بيانه اى بيان جواز الامرين في هذين الاحتمالين (و) الاحتمالان (الاخيران) اى الثالث والرابع (مما يمتنع فيه الواو) وقد مر بيانه ايضا (فمن اجل هذا) الذي ذكر اى من اجل ان فى نحو هذا التركيب احتمالات اربعة يمتنع في بعضها الواو (كثر فيه) اى في نحو هذا التركيب (ترك الواو) وقل ذكرها.

(وهذا) اى جواز الامرين مع كثرة ترك الواو (اذا لم يكن صاحب الحال نكرة متقدمة) بان يكون معرفة متقدمة كما في الامثلة


السابقة (والا) اى وان لم يكن كذلك اى وان كان صاحب الحال نكرة متقدمة (فالواو واجب لئلا يلتبس الحال بالصفة) وذلك لما ثبت في محله من ان الظرف بعد النكرة يجوز ان يكون صفة لها وقد بينا ذلك في الكلام المفيد في الخاتمة في احكام ما يشبه الجملة.

(نحو جائني رجل فارس وعلى كتفه سيف و) نحو قوله تعالى (ما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) الى هنا كان الكلام في وجوب دخول الواو على الجملة الاسمية عند الشيخ خلافا للمشهور عند الجمهور من جواز تركها حسبما مر بيانه.

(ومن كلام الشيخ ايضا قوله) اى قول الخطيب (ويحسن الترك اى ترك الواو في الجملة الاسمية تارة لدخول حرف) غير الواو (على المبتدء) ووجه الحسن انه (يحصل بذلك الحرف نوع من الارتباط) فيغنى عن الارتباط بالواو وعلله بعضهم بكراهة اجتماع حرفين زائدين عن اصل الجملة وهذا التعليل احسن لكونه اشمل من الاول لاختصاصها بالحروف التى تفيد معنى الارتباط كتشبيه ما قبلها بما بعدها او تعليله به (كقوله اي الفرزدق) يخاطب امرئة لامته على اعتنائه بشان بنيه وقال بعضهم انه يخاطب امرئته وكان قد مكث زمانا لا يولد وهذا اقرب بسياق البيت.

فقلت عسى ان تبصريني كانما

بنى حوالى الاسود الحوارد

فبنى مبتدء والاسود خبر ولفظة الحوارد ماخوذ (من حرد اذا غضب) لان اهيب ما يكون الاسد اذا غضب فيقال اسد حارد ولبوث حوارد (فقوله بنى الاسود جملة اسمية وقعت حالا من) ياء المتكلم الذى هو (مفعول تبصرينى ولو لا دخول كان) التى لتشبيه ما قبلها بما


بعدها (عليها) اى على جملة بنى الاسود (لم يحسن الكلام) بل لم يجز (الا بالواو) لما مر من قول الشيخ ان القياس ان لا تجيىء الجملة الاسمية الا بالواو فدخول كانما حسن ترك الواو (وقوله حوالى) على وزن جناحى بتشديد الياء وفتح اللام ظرف مكان مضاف الى ياء المتكلم (اى في اكنافي وجوانبي) قال في مجمع البحرين وفي دعاء الاستسقاء حوالينا ولا علينا يقال رايت الناس حوله وحواليه اى مطيفين به من جوانبه انتهى.

وهو اي حوالى (حال من بنى لما في حرف التشبيه من معنى الفعل) كما في قوله.

كان قلوب الطير رطبا ويابسا

لدى وكرها العناب والحشف البالى

واما قول النحويين ان الحال لا ياتي من المبتدء فانما هو فيما لم يكن هناك عامل اخر من كان وامثالها مما فيه معنى الفعل.

(ويحسن الترك) اى ترك الواو (تارة اخرى لوقوع الجملة الاسمية الحالية بعقب مفرد) هو (حال كقوله اى ابن الرومى.

والله يبقيك لنا سالما

برداك تبجيل وتعظيم

(وهذه الجملة) اى قوله برداك تبجيل (حال) من الكاف في يبقيك وانما حسن فيه ترك الواو لمناسبة ما قبلها اعني الحال المفردة اذ لا يوتي معها بالواو وقيل لئلا يتوهم انها للعطف (ولو لم يتقدمها قوله سالما لم يحسن فيها ترك الواو و) هاتان (الحالان اعني الجملة الاسمية وسالما يجوز ان تكونا من الاحوال المترادفه وهى) على ما بين فى النحو (ان تكون احوال متعددة صاحبها واحد كالكاف في يبقيك ههنا) اى في قوله يبقيك (ويجوز ان تكونا من الاحوال المتداخلة وهي) على ما بين ايضا في النحو (ان يكون صاحب الحال المتاخرة الاسم الذي


يشتمل عليه الحال السابقة مثل ان يجعل قوله برداك تبجيل حالا من الضمير في سالما) وليعلم ان الاستشهاد بالبيت انما ياتي على الاحتمال الاول فليس البيت نصا في المقصود لوجود الاحتمال الثاني ايضا فتدبر وللحال اقسام اخر بيناها في المكررات عند قول ابن مالك.

مصليا على النبي المصطفى

واله المستكملين الشرفا

(وقال بعضهم) يعنى نجم الائمة (ان كان المبتدء) في الجملة الاسمية الحالية (ضمير ذى الحال يجب الواو) كما قال الشيخ عبد القاهر (والا) اى وان لم يكن المبتدء ضمير ذي الحال (فان كان الضمير فيما) اى في الاسم الذى (صدر به الجملة) الحالية (سواء كان) ذلك الاسم الذي صدر به الجملة (مبتدء نحو) كلمته (فوه الى في) قد مر بيانه (و) نحو قوله تعالى (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ)) وقد مر بيانه ايضا ونحو جائنى زيد يده على راسه (او) كان ذلك الاسم الذي صدر به الجملة وفيه الضمير (خبرا) مقدما (نحو وجدته حاضراه الجود والكرم) الشاهد في حاضراه فانه خبر مقدم وفيه ضمير ذي الحال ونحو خرجت مع البازي على سواد (فلا يحكم بضعفه) اى بضعف وقوع الجملة الاسمية حالا (مجردا عن الواو لكون الرابط) يعنى الضمير (في اول الجملة) الاسمية الحالية فلم تبق على الاستقلال (وهذان البيتان) اي قوله برداك تبجيل وحاضراه الجود (من هذا القبيل والا) اى وان لم يكن الضمير فيما صدر به الجملة بان يكون الضمير في اخر الجملة الاسمية الحالية (فهو) اى كونه مجردا عن الواو ضعيف كقوله.

نصف النهار الماء غامره

ورفيقه بالغيب لا يدري


هذا البيت في وصف غواص طال مكثه تحت الماء والشاهد في الماء غامره وفي الاستشهاد به كلام ذكره المحشى فراجع ان شئت.

(الباب الثامن الايجاز والاطناب والمساوات)

الايجاز لغة التقصير يقال اوجزت الكلام اى قصرته والاطناب لغة المبالغة يقال اطنب في الكلام اي بالغ فيه وسياتي معناهما الاصطلاحي وياتى ايضا في اخر الباب ان كل واحد منهما ضربان.

وانما قدم في العنوان الايجاز تنبيها على انه المطلوب غالبا عند البلغاء كما صرح بذلك السيوطي في بحث الضمائر واردفه بالاطناب لكونه مقابلا له فلم يبق للمساواة الا التاخير وقدم فيما ياتي المساواة لانه الاصل في الكلام المتعارف والمقيس عليه.

(قال السكاكي) اعتذارا عن ترك تعريف الايجاز والاطناب بتعريف يعين القدر لكل منهما) اما الايجاز والاطناب فلكونهما نسبيين اي من الامور النسبية التي يكون تعقلها) اي ادراكها والعلم بها (بالقياس الى تعقل شيىء اخر) نظير الفوقيه والتحتية ونحوهما من الامور النسبية (فان الموجز انما يكون موجزا بالنسبة الى كلام ازيد منه) فلا يدرك من حيث وصفه بالايجاز الا بالنسبة الى كلام اخر ازيد منه (وكذا المطنب انما يكون مطنبا بالقياس الى كلام انقص منه) اي لا يدرك من حيث وصفه بالاطناب الا بالقياس الى كلام اخر اقل منه فتعقل الايجاز وادراكه يتوقف على تعقل الاطناب وبالعكس فلذلك كانا نسبيين ولذلك (لا يتيسر الكلام) والبحث عنهما الا بترك التحقيق والتعيين) والتحديد اي تعيين مقدرا كل واحد منهما (يعني


لا يمكن ان يقال على التعيين والتحقيق ان الانيان بهذا المقدار من الكلام ايجاز وبذلك المقدار منه اطناب اذرب كلام موجز بالنسبة الى كلام يكون هو بعينه مطنبا بالنسبة الى كلام اخر) مثلا زيد المنطلق موجز بالنسبة الى زيد هو المنطلق ومطنب بالنسبة الى زيد منطلق (وكذا المطنب) اي رب كلام مطنب بالنسبة الى كلام يكون هو بعينه موجزا بالنسبة الى كلام اخر مثلا زيد المنطلق مطنب بالنسبة الى زيد منطلق وموجز بالنسبة الى زيد هو المنطلق واذا كان الامر كذلك (فكيف يمكن ان يقال على التحقيق والتحديد ان هذا ايجاز وهذا اطناب) اذ يمكن ان يكون المشار اليه في كل واحد من الوجهين موجزا بالنسبة الى كلام ومطنبا بالنسبة الى كلام اخر.

(والبناء على امر عرفى اي و) لا يتيسر الكلام والبحث عنهما (الا بالبناء على امر يعرفه اهل العرف وهو) اى الامر العرفي (متعارف الاوساط) وهم (الذين ليس لهم فصاحة وبلاغة ولاعى) بالعين المهمله اى ولا (فهاهة) وهي العجز في الكلام (اى كلامهم في مجرى عرفهم في تادية المعاني) التى يقصدونها (عند المعاملات والمحاورات) اي المخاطبات (وهو اى هذا الكلام) المتعارف بين الاوساط (لا يحمد من الاوساط في باب البلاغة) اى لا يعدون من البلغاء (لعدم رعاية مقتضيات الاحوال) اى لانهم لا يراعون مقتضيات الاحوال والمزايا وان كان في كلامهم الفا من مقتضيات الاحوال والمزايا بل وجودها في كلامهم رمية من غير رام ومن حيث لا يشعر ولكنه يحمد من البلغاء لانهم يراعونها من حيث انهم اهلها (ولا يذم ايضا منهم) اى من الاوساط (لان غرضهم تادية اصل المعنى بدلالات وضعية والفاظ) اما بالرفع


عطف على تادية او بالجر عطف على دلالات (كيف كانت و) غرضهم (مجرد تاليف يخرجها) اى الالفاظ (عن حكم النعيق) اى بسبب كون تلك الالفاظ المؤلفة موضوعة مطابقا للصرف واللغة والنحو مما يتوقف عليه تادية اصل المعنى واصل النعيق تصويت الراعي في غنمه والمراد به هنا اصوات الحيوانات العجم ولا يذهب عليك ان الحكم بكون الفاظهم مخرجة عن حكم النعيق ينافي ما تقدم في المقدمة من ان كلامهم ملحق وان كان صحيح الاعراب باصوات الحيوانات التي تصدر عن محالها بحسب ما يتفق من غير اعتبار اللطائف والخواص الزائدة على المراد ولا يذهب عليك ايضا انه قد علم من قوله ولا يذم من الاوساط انه يذم من البلغاء ان لم يراعوا في كلامهم كالاوساط مقتضيات الاحوال والمزايا الزائدة على اصل المراد وعلم ايضا من قوله ولا يحمد من الاوساط ما نبهناك انفا من انه يحمد من البلغاء لكونهم مراعين لتلك المقتضيات والمزايا لنكت تناسب المقام وبذلك يخرج كلامهم عن متعارف الاوساط وان كان مبنيا على متعارف الاوساط فتدبر جيدا.

(فالايجاز) يقال في تعريفه وتحديده هو (اداء المقصود باقل من عبارة المتعارف) اى متعارف الاوساط (والاطناب) يقال في تعريفه وتحديده هو (ادائه باكثر منها) اى من عبارة المتعارف (ثم قال) السكاكى (الاختصار) مراده الايجاز لانهما عند السكاكي مترادفان وانما عبر بالايجاز اولا وبالاختصار ثانيا تفنا نظير ما ذكر السيوطي في اول باب التصغير من ان سيبويه عبر بالتصغير وبالتحقير تفننا والدليل على ذلك قوله (لكونه نسبيا) وقد تقدم بيانه انفا (يرجع فيه) اي في الايجاز اى في تعريفه (تارة الى ما سبق اي الى كون عبارة المتعارف


اكثر منه) اي من الكلام الموجز الذي ذكره المتكلم (ويرجع تارة اخرى الى كون المقام) الذي اورد المتكلم كلامه الموجز فيه (خليقا) اي جديرا (بابسط مما ذكر اى من الكلام الذي ذكره المتكلم و) ليعلم انه (ليس المراد بما ذكر) في قوله بابسط مما ذكر (متعارف الاوساط على ما سبق الى بعض الاوهام) هو الشارح الخلخالي وحاصل كلامه ان المراد بما ذكر فى قول المصنف بابسط مما ذكر ما ذكره انفا وهو متعارف الاوساط وهذا غلط لانه عليه ينحل كلام المصنف الى ان الايجاز يرجع ايضا الى اعتبار كون المقام الذي اورد فيه الكلام الموجز ابسط من المتعارف ومحصل ذلك ان الموجز ما كان اقل من مقتضى المقام الابسط من المتعارف وهذا صادق اذا كان الكلام فوق المتعارف ودون مقتضى المقام او مساويا ودون مقتضى المقام او اقل منهما ولا يشمل ما اذا كان مقتضى المقام مساويا للمتعارف او انقص ففيه قصور.

ويلزم على هذا ان ما كان اقل من المتعارف او مساويا له وقد اقتضاه المقام لا يكون الاقل منه ايجازا ولا يعرف لهذا قائل اذ هو تحكم محض ويلزم ايضا التكرار فى كلام المتن مع وجود مندوحة عن التكرار وهو ما ذكره الشارح في تفسير ما ذكره ووجه التكرار ان كلا من قسمى الايجاز يرجع الى المتعارف وان اختلف المعنيان فالمعنى الاول فيه الرجوع اليه باعتبار ان المعنى المتعارف اكثر منه والمعنى الثانى يرجع اليه باعتبار ان المقام خليق بابسط من عبارة المتعارف فتفسير التفتازاني هو المتعين اذ عليه لا يلزم شيىء مما ذكر غيره.

(يعني) اى يقصد الخطيب بقوله ثم قال الاختصار الخ انه (قد


يوصف الكلام بالاختصار لكونه اقل من عبارة المتعارف وقد يوصف به لكونه اقل من العبارة اللائقة بالمقام بحسب مقتضى الظاهر كقوله تعالى (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) فانه اطناب بالنسبة الى المتاعارف وهو قولنا يا رب قد شخت لكنه ايجاز بالنسبة الى ما يقتضيه المقام لانه مقام بيان انقراض الشباب والمام المشيب) وهو اشد شيىء يشتكي منه لمن يدفع عوارضه الاسقبالية ويجدد الفوائت الماضية (فينبغى ان يبسط فيه الكلام غاية البسط ويبلغ في ذلك كل مبلغ ممكن فعلم ان للايجاز مغيين احدهما كون الكلام اقل من عبارة المتعارف والثاني كونه اقل مما هو مقتضى ظاهر المقام) اي بحسب ظاهر المقام لا بحسب باطنه لان باطن المقام يقتضى الاقتصار على ما ذكر لان المتكلم عدل عما يقتضيه الظاهر لغرض كالتنبيه على قصور العبارة او لاجل الانتقال الى المقصود بلفظ موجز فانه كما قال السيوطي سبب لسرعة الفهم ولو كان اقل مما يقتضيه المقام ظاهرا وباطنا لم يكن بليغا لعدم مطابقته لمقتضى المقام ظاهرا وباطنا والبليغ ما كان مطابقا لاحديهما (فبينهما عموم من وجه لتصادقهما فيما هو اقل من عبارة المتعارف ومقتضى الحال جميعا كما اذا قيل رب قد شخت بحذف حرف النداء وياء الاضافة) فهذا الكلام اقل من عبارة المتعارف اعنى يا رب قد شخت كما انه اقل من مقتضى المقام لاقتضائه ابسط من ذلك حسبما بيناه من كونه مقام التشكى من المام المشيب وانقراض الشباب فيناسبه تطويل الكلام.

(وصدق الاول) اى كون الكلام اقل من عبارة المتعارف (بدون الثاني) اى كونه اقل من مقتضى المقام (كما في قوله) لا يبعد الله


التلبب في الغارات (اذا قال الخميس نعم التلبب التشمر والتهيؤ والخميس الجيش سمي به لانه خمسة اقسام الميمنة والميسرة والمقدم والساقة والقلب وشرطة الخميس اعيانه ومنه حديث عبد الله بن يحيى الحضرمى انك واباك من شرطة الخميس واما شرطة قيل من الشرط وهو العلامة لان لهم علامة يعرفون بها او من الشرط وهو التهيؤ لانهم متهيؤن لدفع الخصم وقوله (ع) انك واباك من شرطة الخميس يريد (ع) انهما من اعيان حزبنا يوم القيمة كذا في المجمع والمعنى لا يبعد الله التشمر للنهب والاخذ اذا قال اهل الجيش بعضهم لبعض هذا نعم اى البقر والغنم والابل فاغيروها والشاهد في قوله نعم (بحذف المبتدء) عند خوف فوات الفرصة كما تقدم في نحو قولك للصياد غزال عند خوف فوات الفرصة فانه اقل من عبارة المتعارف وهى هذا غزال فاصطادوه والحاصل ان المقصود في المقام التحريص وزياده الحث (فانه اقل من عبارة المتعارف وهى هذا نعم) فاغتنموها (و) لكنه (ليس اقل من مقتضى المقام لان المقام لضيقه يقتضى حذف المسند اليه كما مر) في اول الباب الثاني في بحث حذف المسند اليه فراجع ان شئت.

(وصدق الثاني) اي كونه اقل مما هو مقتضى المقام بدون الاول) اى بدون كونه اقل من عبارة المتعارف (كما في قوله تعالى (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) فان المقام كما مر انفا يقتضى اكثر منه والمتعارف اقل منه هو قولنا يا رب قد شخت.

(ويمكن اعتبار هذين المعنيين في الاطنابين ايضا) فالاطناب باعتبار المعنى الاول اداء المقصود باكثر من عبارة المتعارف وباعتبار المعنى


الثانى ادائه باكثر من العبارة اللائقة بالمقام بحسب مقتضى الظاهر (لكنه) اى الخطيب (ترك) ذلك اي لم يقل انه يمكن اعتبار هذين المعنيين في الاطناب ايضا (لانسباق الذهن اليه) اي الى امكان ذلك الاعتبار (مما ذكر في الايجاز) وذلك بالمقايسة والمقابلة فتامل جيدا

والنسبة بين الاطنابين ايضا من وجه لتصادقهما فيما زاد في قوله تعالى حكاية عن ذكريا (ع) (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) بان يقال وهن عظم اليد والرجل وضعفت قوة الباصرة وحدة الاذن وسائر القوى بحيث لا اقدر على شيىء مما يستلزمه حفظ نظام الامة وصدق الاول بدون الثاني في قولنا يا ربي قد شخت بزيادة حرف النداء وياء المتكلم وحرف التحقيق وصدق الثاني بدون الاول في قوله قوله اذا لم يزد عليه شيىء.

(وكذا بين الايجاز بالمعنى الثاني وبين الاطناب) بالمعنى الثانى عموم من وجه لتصادقهما في غزال فاصطادوا بحذف المبتداء فان متعارف الاوساط هذا غزال فاصطادوا بذكر المبتدء ومقتضى المقام غزال فقط لضيق المقام ووجود الايجاز بالمعنى الاول دون الاطناب في قولنا قد شخت وبالعكس في قولنا هذا نعم.

(وقد توهم من كلام السكاكي ان الفرق بين الايجاز والاختصار هو ان الايجاز ما يكون بالنسبة الى المتعارف والاختصار ما يكون بالنسبة الى مقتضى المقام وهو وهم لان السكاكي قد صرح باطلاق الاختصار على كونه اقل من المتعارف ايضا) كما صرح باطلاقه على كونه اقل من مقتضى المقام كالايجاز فلا فرق عنده بينهما معنى والاختلاف لفظا تفنن منه (نعم لو قيل الايجاز اخص باصطلاحه لانه لم يطلق على


ما هو اقل بالنسبة الى مقتضى لم يبعد عن الصواب) لكنه لا يلائم بعض ما ذكر انفا فتامل.

(وفيه) اي فيما ذكره السكاكي من ان كون الشيىء نسبيا يوجب عدم تيسير الكلام فيه الا بترك التحقيق والتعيين والا بالبناء على امر عرفي (نظر) وذلك (لان كون الشيىء نسبيا لا يقتضى تعسر تحقيق معناه وتعينه (لان كثيرا من الامور النسبية والمعاني الاضافية قد تحقق معانيها وتعرف بتعريفات يليق بها كالابوة) فانهم عرفوها بكون الحيوان متولدا من نطفة حيوان اخر من نوعه (و) عرفوا (البنوة) بانه كون الحيوان متولدا من حيوان اخر من نوعه (ونحوهما) كالاخوة مثلا فانهم عرفوها بكون الحيوان متولدا هو وغيره من نطفة حيوان آخر من نوعهما.

(وجوابه ان المراد بعدم تيسر تحقيقه انه لا يمكن ان يحقق ويعين ان هذا المقدار من الكلام ايجاز وذاك) المقدار من الكلام (اطناب على ما مر وهذا) اي عدم امكان تحقيق المقدار وتعيينه (ضروري) والحاصل ان السكاكي اراد بتعسر التحقيق تعسر التعريف المحتوى على تعيين المقدار لكل منهما بحيث لا يزيد ولا ينقص عليه وانما كان تبيين هذا المقدار متعسرا لتوقفه على اتحاد المنسوب اليه وهو هنا مختلف (وليس المراد انه لا يمكن ان يبين معناهما اصلا لان ما ذكره السكاكي بعد الحكم بتعسر تحقيقها من ان الايجاز اداء المقصود باقل من عبارة متعارف الاوساط والاطناب ادائه باكثر من عبارته (تفسير لهما) اى للايجاز والاطناب (ثم البنا) في تعريفهما (على المتعارف و) على (البسط الموصوف بان يقال) كما مر انفا (ايجاز الكلام قد يكون


لكونه اقل من المتعارف وقد يكون لكون المقام خليقا بكلام ابسط من الكلام المذكور) في ذلك المقام (رد الى الجهالة) اى يكون البناء على ما ذكر تعريفا بالمجهول (لانه لا يعرف كمية متعارف الاوساط وكيفيته لاختلاف طبقاتهم ولا يعرف ان كل مقام اى مقدار يقتضى من البسط حتى يقاس عليه ويحكم بان المذكور اقل منه) فيكون ايجازا (او اكثر) فيكون اطنابا وهذا اعتراض ثان على السكاكي وحاصله ان ما ذكره السكاكي في تعريف الايجاز والاطناب من بنائهما على متعارف الاوساط ومن بنائهما على البسط الموصوف بانه ابسط مما ذكره المتكلم فيه نظر لان هذا في الحقيقة رد الى الجهالة والمطلوب من التعريف الاخراج من الجهالة لا الرد اليها ولذلك اشترطوا ان يكون المعرف اجلى.

(وجوابه ان الالفاظ قوالب المعاني) فالالفاظ على قدر المعاني بحسب الوضع بمعنى ان كل لفظ بقدر معناه الموضوع له فمن عرف وضع الالفاظ ولو كان عاميا عرف ان اي معنى يفرغ في ذلك القالب من اللفظ ضرورة ان المعنى الذي يكون على قدر اللفظ هو ما وضع له مطابقة فاذا اراد تادية المعنى الذى قصده عبر عنه باللفظ الموضوع له من غير زيادة ولا نقص (والقدرة على تادية المعاني بعبارات مختلفة في الطول والقصر والتصرف في ذلك بحسب مناسبة المقامات انما هي من داب البلغاء) والمحققين وديدنهم لانهم فرسان ذلك واما المتوسطون بين الجهال والبلغاء فلهم في تفهيم المعاني حد) اى مقدار (معلوم من الكلام يجرى) ذلك الحد من الكلام (فيما بينهم في الحوادث اليومية يدل) ذلك الحد من الكلام (بحسب الوضع على المعاني المقصودة وهذا) الحد


والمقدار من الكلام (معلوم للبلغاء وغيرهم فالنباء على المتعارف) في تعريف الايجاز ولاطناب (واضح بالنسبة اليهما) اى الى الايجاز والاطناب والى البلغاء وغيرهم فتامل (جميعا) فليس البناء على المتعارف رد الى الجهالة لكون المنسوب اليه معلوما.

(واما البناء على البسط الموصوف فانما هو بالنسبة الى البلغاء فقط وهم يعرفون ان اي مقام يقتضي البسط وان كل مقام اي مقدار يقتضي من البسط على ما مر نبذ من ذلك في الابواب السابقه) من الحذف والذكر والاضمار والاظهار ونحو ذلك (فلا رد الى الجهالة) للعلم بالبسط الموصوف عند البلغا حسبما بينا.

(والاقرب الى الصواب او الى الفهم ان يقال) في بيان الايجاز والاطناب ان (التعبير عن) المعنى (المقصود) له خمسة طرق لانه (اما ان يكون بلفظ مساو له) اي للمعنى المقصود (اولا) يكون بلفظ مساو للمعنى المقصود (الثاني) اي الذي لا يكون بلفظ مساو للمعنى المقصود (اما ان يكون ناقصا عنه او زائدا عليه والناقص اما ان يكون وافيا به) اى بالمعنى المقصود (اولا) يكون وافيا به (والزائد) على المعنى المقصود (اما ان يكون لفائدة اولا) يكون لفائدة (فهذه خمسة طرق ثلثة منها مقبولة واثنان مردودان اما المقبول من طرق التعبير عن المراد فهو تادية اصله بلفظ مساو له اى لاصل المراد) وهذا يسمى بالمساواة (او بلفظ ناقص عنه واف) بالمقصود وهذا يسمى بالايجاز (او بلفظ زائد عليه لفائدة) وهذا يسمى بالاطناب فالمساوات ان يكون اللفظ بمقدار اصل المراد والايجاز ان يكون اللفظ ناقصا عنه) اى عن اصل المراد (وافيا به) اي باصل المراد (والاطناب


ان يكون اللفظ زائدا عليه) اى على اصل المراد (لفائدة) في تلك الزيادة.

(واحترز) بتقييد اللفظ الناقص (بواف عن الاخلال وهو ان يكون اللفظ ناقصا عن اصل المراد غير واف ببيانه) اى ببيان اصل المراد (كقوله اى الحارث بن الحلزة اليشكرى والعيش خير في ظلال النوك اى الحمق والجهالة ممن) هذا بحذف المضاف (اى من عيش من عاش كدا) هذا المصدر يحتمل ان يكون حالا (اي مكدودا) اي (متعوبا) ويحتمل ان يكون صفة مصدر محذوف اي عيشا كدا ففي البيت اخلال بالمقصود لان في المصراع الاول حذف الصفة (اي) والعيش (الناعم) وفى المصراع الثاني حذف الحال (و) هو اي الحال المحذوف (في ظلال العقل) فالتقدير ممن عاش كدا فى ظلال العقل يقال فلان يعيش فى ظل فلان اي في حمايته (يعني ان اصل مراده ان العيش الناعم في ظلال النوك خير من العيش الشاق فى ظلال العقل ولفظه غير واف بذلك فيكون مخلا) بالمراد.

والحاصل ان البيت بسبب حذف ما ذكر يفيد ان العيش في حماية الجهل سواء كان ناعما اولا خير من عيش المكدود سواء كان عاقلا او لا وهذا المعنى غير مراد للشاعر بل مراده ان العش الناعم فقط مع رذيلة الجهل والحماقة خير من العيش الشاق مع فضيلة العقل والبيت غير واف بذلك لانه لا قرينة على الناعم في الاول وعلى ظلال العقل في الثاني فلا يفهم السامع المراد ففي البيت اخلال.

(وفيه) اى في كونه مخلا (نظر لانه قد اشتهر في العرف ان العيش المعتد به اعنى العيش الناعم انما هو عيش الجهلة الحمقي)


الذين لا يبالون ولا يستحيون (دون العقلاء المتاملين في عواقت الامور) ومن هنا قيل بالفارسية.

فلك بمردم نادان دهد زمام مراد

تو اهل دانش وفضلى همين كناهت بس

اسب تازي شده مجروح بزير پالان

طوق زرين همه در كرن خرمي بينم

(فجعل مطلق العيش الشاق كناية عن عيش العقلاء المتحيرين في امورهم) فذكر احد المتلازمين واراد به الاخر (واشار بالطف وجه الى ان العيش في ظلال الجهل والحماقة لا يكون الا ناعما وان العيش الشاق لا يكون الا عيش العاقل حتى انه لو ذكر) الوصف المحذوف اعني (الناعم و) الحال المحذوف اعني (في ظلال العقل لكان) في العرف (كالتكرار وينبه على ذلك) الوجه الا لطف او على الحصرين (لفظ الظلال) لانه يشعر بحسب العرف بان النوك شيىء يلتجى الى ظلاله اكثر الجهلة الطالبين للعيش الناعم وبان العقل شيىء يلتجى الى ظلاله اكثر العقلاء عند الابتلاء بالعيش الشاق وعند الاجتناب عن المكاسب الدنية.

(واحترز) بتقييد اللفظ (بفائدة) عن شيئين الاول (عن التطويل وهو ان يكون اللفظ زائدا على اصل المراد لا لفائدة ولا يكون لفظ الزائد متعينا نحو قول عدى بن الابرش يذكر غدر الزباء لجذيمة بن الابرش وقدت) من القد وهو القطع و (الاديم) الجلد (لراهشيه والفى اى وجد قولها كذبا ومينا و) الشاهد في (الكذب والمعين) فانهما (بمعنى واحد ولا فائدة في الجمع بينهما) فاحدهما غير المعين


زائد و (التقديد التقطيع والراهشان عرقان في باطن الزراعين والضمير في راهشيه وفي الفى لجذيمة وفي قدت وقولها للزباء) ولهذا البيت حكاية لطيفة ذكرها المحشى فراجع ان شئت.

(و) الثاني (عن الحشو المفسد اى واحترز بفائدة عن الحشو ايضا وهو الزيادة لا لفائدة بحيث يكون الزائد متعينا وهو قسمان لان ذلك الزائد اما ان يكون مفسدا للمعنى اولا يكون فالحشو المفسد كالندى في قوله اى كلفظ الندى في بيت ابي الطيب ولا فضل فيها اى في الدنيا للشجاعة والندى) اى الجود وبذل المال (وصبر الفتى لو لا لقاء شعوب هي) اى الشعوب بفتح الشين ماخوذ من الشعبة بمعنى الفرقة وهي (اسم) اي علم جنس (للمنية) اي سميت المنية بذلك لانها تشعب وتفرق بين الاحبة (غير منصرف للعلمية والتانيث) المعنوى (وانما صرفها) الشاعر (للضرورة) الشعرية.

(فالمعنى انها) هذا الضمير للشان (لا فضل في الدنيا) لثلاثة اشياء اي (للشجاعة والعطاء والصبر على الشدائد على تقدير عدم الموت وهذا) المعنى (انما يصح في الشجاعة والصبر دون العطاء فان الشجاع اذا تيقن بالخلود هان) وسهل (عليه الاقتحام في الحروب والمعارك) اى معارك القتال (لعدم خوفه من الهلاك فلم يكن في ذلك فضل) بخلاف ما اذا علم انه يموت ومع ذلك يقتحم فلا يكاد يوجد هذا المعنى الا في افراد قلائل من الناس فيثبت لهم الفضل باختصاصهم بما لا طاقة لكل احد عليه.

(وكذا الصابر اذا تيقن بزوال الحوادث والشدائد وبقاء العمر هان عليه صبره على المكروه لوثوقه بالخلاص عنه ومن هنا قيل بالفارسية.


صبر وظفر هردو دوستان قديمند

بر اثر صبر نوبت ظفر ايد

(بل مجرد طول العمر مما يهون على النفوس الصبر على المكاره ولهذا يقال هب) قد بينا معنى هذه اللفظة في المكررات في باب افعال القلوب فراجع (ان لى صبر ايوب فمن اين لى عمر نوح) ومن هنا قيل بالفارسية.

در اين خيال بسر شد دريغ عمر عزيز

كه انچه در دلم است از درم فرازيد

اميد بسته برايد ولى چو فائده زانك

اميد نيست كه عمر دوباره بازايد

(بخلاف الباذل ما له فانه اذا تيقن بالخلود شق عليه بذل المال لاحتياجه اليه دائما فيكون بذله حينئذ افضل واما اذا تيقن بالموت فقد هان عليه بذله ومن ثم كان بذل الشاب المال افضل من بذل الشيخ الفاني المال لظن الشاب طول العمر واحتياجه للمال عادة بخلاف الشيخ الفاني لترقبه الموت كل لحظة فيمون عليه البذل فلا فضل فيه ولهذا قيل.

فكل ان اكلت واطعم اخاك

فلا الزاد يبقى ولا الاكل

وقريب من ذلك ما قيل بالفارسية.

خيرى كن ايفلان وغنيمت شمار عمر

زان بيشتر كه بانك برايد فلان نماند

(وما يقال ان المراد بالندى بذل النفس فليس بشيىء لانه لا يفد من اطلاق لفظ الندى ولانه على تقدير عدم الموت لا معنى لبذل النفسى


الا عدم التحرز عن الامور التي من شانها الاهلاك وهذا بعينه معنى الشجاعة) فيكون تكرارا والاصل عدمه.

(والاظهر ما ذكره الامام ابن جنى) في شرح ديوان المتنبي (وهو ان الخلود وتنقل الاحوال فيه من عسر الى يسر ومن) فقر الى غناء ومن (شده الى رخاء يسكن النفوس ويسهل البؤس فلا يظهر لبذل المال كثير فضل) بخلاف ما اذا تيقن بالموت ومجيئه فجاه قبل تغير حاله وحينئذ يثبت الفضل للبذل.

(و) الحشو (غير المفسد كقوله اى عن الحشو الغير المفسد للمعنى) وقد تقدم بعض الكلام في ذلك فى مبحث الحال نقلا عن الثعالبي (كلفظ قبله في قول زهير بن ابي سلمى).

فاعلم علم اليوم والامس قبله

ولكنني عن علم ما في غد عمى

فلفظ قبله حشو غير مفسد للمعنى لان الامس يدل على القبلية لليوم لدخول القبلية في مفهوم الامس لانه اليوم الذى قبل يومك وقد بينا ذلك في المكررات في باب المعرب والمبني (فان قلت قد يقال ابصرته بعيني وسمعته باذني وضربته بيدي ولا يجعل مثل هذا حشوا لوقوعه في التنزيل نحو قوله تعالى (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ.)

قلت امثال ذلك انما يقال في مقام يفتقر الى التاكيد كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه يا هذا لقد كتبته بيمينك هذه) والحاصل ان التاكيد ان اقتضاه المقام كما في الامثلة المذكورة كان فائدة والا كان حشوا كما في البيت (واما قوله تعالى (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) فمعناه انه قول لا يعضده برهان فما هو الا لفظ يفوهون به لا معنى له كالالفاظ المهملة التي هي اجراس ونغم لا معاني لها وذلك لان القول الدال


على معنى لفظه مقول بالفم ومعناه مؤثر في القلب وما لا معنى له مقول بالفم لا غير ولهذا قال الله تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)).

ولما فرغ المصنف من ذكر الايجاز والاطناب والمساواة بما يفيد تعريف كل منها شرع في تفصيل امثلة كل منها فقال (المساواة) وانما قدمها (لانها الاصل والمقيس عليه نحو (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) وقوله اى قول النابغة يخاطب ابا قابوس) ملك الحيرة حين غضب عليه

فانك كالليل الذى هو مدركى

وان خلت ان المنتاي عنك واسع

(هو) اى المنتاي (اسم مكان (من افتاى عنه اى بعد عنك واسع اي ذو سعة) وحاصل معنى البيت ان الشاعر (شبهه) اى ابا قابوس (بالليل) فى الظلمة وفي بلوغه كل موطن في اسرع لحظة بحيث لا يفلت منه احد لانه وصفه في حال سخطه) وغضبه (وهو له) والا كان المناسب للمدح تشبيهه بالصبح أو شيىء لطيف اخر (والمعنى انه لا يفوت الممدوح وان ابعد في الهرب فصار الى اقصى الارض لسعة ملكه وطول يده ولان له في جميع الافاق مطيعا لاوامره يرد الهارب اليه) فلا ينجيه منه موضع ناي اى بعد وان توهمه واسعا عن مكان الملك الغاضب.

فان قيل كلا المثالين غير صحيح لان في الاية حذف المستثنى منه) اى لا يحيق المكر السيىء باحد الا باهله وفي البيت حذف جواب الشرط لان التقدير فيه وان خلت ان المنتاي عنك واسع فانك كالليل مدركى (فيكون ايجازا لا مساواة.

قلنا اعتبار ذلك) الحذف (امر لفظى ورعاية للقواعد النحويه من غير ان يتوقف عليه تادية اصل المراد) فان معني المستثني منه مفهوم من


الكلام وكذا مفهوم الجزاء من المصراع الاول في البيت هذا كله بناء على ان الجزاء لا يتقدم على الشرط والا فالجزاء مذكور فلا حذف وكيفكان فمعنى الجزاء مفهوم من الكلام (حتى لو صرح بذلك لكان اطنابا بل ربما يكون تطويلا) بالمعنى اللغوى اى الزائد لا لفائدة وان كامتعينا.

والحاصل ان ما جرى عرف الاستعمال بالاستغناء عنه بلا قرينة خارجة عن ذلك الكلام الماتي به يكون تقديره مراعاة للقواعد المتعلقة باللفظ فلا يكون حذفه ايجازا والمستثنى منه والجواب مستغنى عنهما في ذلك التركيب غير محتاج اليهما في الافادة فلا يكون حذفهما ايجازا وما جرى العرف بذكره بحيث لا يستغنى عنه في نفس التركيب الا بقرنيه خارجية يكون حذفه ايجازا للحاجة اليه في المعنى.

(وبالجملة) اي واقول قولا متلبسا بالجملة اى الاجمال اى واقول قولا مجملا وهو ان (كون لفظ الاية والبيت ناقصا عن اصل المراد ممنوع) هذا كله بناء على احتياج هذا الشرط الى الجزاء وهو خلاف التحقيق لان التحقيق (على انه قد صرح كثير من النحاة بان مثل هذا الشرط اعني الشرط الواقع حالا لا يحتاج الى الجزاء) يظهر ذلك من كلام الرضى في بحث كلم المجازات فراجع ان شئت.

(والايجاز ضربان) الضرب الاول (ايجاز القصر) بكسر القاف وفتح الصاد على وزن عنب كما حققه بعضهم وان كان المشهور فيه فتح القاف وسكون الصاد كشهد (وهو ما ليس بحذف نحو (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) فان معناه كثير ولفظه يسير لان المراد به ان الانسان اذا علم انه لو قتل) احدا (قتل) قصاصا (كان ذلك داعيا له الى ان لا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس


بعضهم لبعض وكان ارتفاع القتل حيوة لهم) اي لمن يعزم على قتل غيره وللذي عزم غيره على قتله ولا يذهب عليك ان ذلك بالنسبة الى العقلاء فيعم الحكم اى ثبوت الحياة جميع الناس ولا ينافي ذلك اقدام بعض السفهاء على اتلاف نفسه (ولا حذف فيه) فهو من ايجاز القصر

(فان قلت ا ليس فيه حذف الفعل الذي يتعلق به الظرف) الاولى ان يقول الظرفين فتامل.

(قلت لما سد الظرف مسده) اى مسد الفعل و (وجب تركه) في اللفظ (لعدم احتياج تادية اصل المراد اليه حتى لو ذكر) الفعل الذي يتعلق به الظرف (لكان تطويلا) بالمعنى الذي نبهناك انفا (صح ان ليس فيه حذف شيىء مما يؤدى به اصل المراد وتقدير الفعل انما هو مجرد رعاية امر لفظي وهو ان حرف الجر لا بد ان يتعلق بفعل) او اسم ثم ان المعنى المشار اليه في الاية قد نطقت العرب بكلام قصدا لافادته على وجه الايجاز فاراد المصنف ان يفرق بين الكلام القراني والكلام الذي جرى في السنتهم ليبين الفضل بين الكلامين والفرق بين العبارتين فقال (وفضله اى رجحان قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) على ما كان عندهم) لا في الواقع لان في القصاص حيوة اوجز من قولهم (اوجز كلام في هذا المعنى وهو قولهم القتل) اي قصاصا (انفى للقتل) اى ظلما بامور منها (بقلة حروف ما يناظره اي اللفظ الذي يناظر قولهم القتل انفى للقتل منه اي من قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) وما يناظره منه هو في القصاص حيوة لان قوله ولكم لا مدخل له في المناظره لكونه زائدا على معنى القتل انفى للقتل فحروف في القصاص حيوة احد عشر ان اعتبر التنوين والا)


اي وان لم يعتبر التنوين (فعشره) والحق ذلك لان التنوين تابع لحركة اخر الكلمة فان حرك وجد التنوين وان سكن للوقف سقط فلا اعتبار للتنوين لثبوته في حال دون حال (وحروف القتل انفى للقتل اربعة عشر).

ولما كان هنا مظنة سؤال وهو ان حروف في القصاص حيوة ثلاثة عشر باعتبار التنوين لان من جملة حروفه الياء في كلمة في والهمزة في كلمة ال وحينئذ فلا يتم قولكم ان حروفه احد عشر باعتبار التنوين اجاب عن ذلك بقوله (والمعتبر الحروف الملفوظة لا المكتوبة لان الايجاز انما يتعلق بالعبارة) اي ما يتلفظ به (دون الكتابة) وياء في وهمزة ال ليستا من العبارة وان كانتا في الكتابة.

(و) منها (النص على المطلوب الذي هو الحياة) لاجل ان يرغب الخاص والعام من العقلاء ويحافظوا الحكم في القصاص واما السفهاء الذين لا يحافظون هذا الحكم فلا اعتبار بهم والحاصل ان النص على المطلوب اعون على القبول ان كان الانسان من ذوى العقول الكاملة (بخلاف قولهم فانه لا يشتمل على التصريح بها) فدلالته على المطلوب اعني الحيوة بالاستلزام من جهة ان نقي القتل يستلزم ثبوت الحيوة) وبقائها.

(و) منها (ما يفيده تنكير حيوة من التعظيم لمنعه) هذا من باب اضافة المصدر الى الفاعل والمفعول محذوف والى هذا اشار بقوله (اي منع القصاص اياهم عما كانوا عليه) في الجاهلية كما هو كذلك في زماننا في بعض الاقوام الجهلة (من قتل جماعة) من عصبة القاتل (بواحد) اى بسبب قتل مقتول واحد قتله قاتل واحد (فالمعنى لكم


في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حيوة عظيمة) وقوله (او النوعية عطف على التعظيم) اي او ما يفيد تنكير حيوة من النوعية (اى لكم في القصاص نوع من الحياة وهي الحيوة الحاصلة للمقتول اى الذي يقصد قتله و) الحاصلة لنفس (القاتل بالارتداع عن القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل لانه اذا هم بالقتل فعلم انه يقتص منه فارتدع سلم صاحبه) اى من يراد قتله (من القتل وسلم هو) اي القاتل (من القود) اى القصاص قال في مجمع البحرين في الحديث لا تجوز شهادة النساء في القود القود بالتحريك القصاص يقال اقدمت القاتل بالقتيل قتلته به وبابه قال ومنه لا قود الا بالسيف اي لا يقام القصاص الا به انتهى.

(و) منها (اطراده اى يكون قوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) مطردا لان الاقتصاص مطلقا سبب للحياة) لان مشروعية القصاص تكون سببا من غير السفيه ومن رفع عنه القلم (بخلاف قولهم فان القتل الذى هو انفى للقتل ما يكون على وجه القصاص لا مطلق القتل لان القتل ظلما ليس انفى القتل بل ادعى له) ولا يذهب عليك ان جعل قولهم غير مطرد انما هو بالنظر الى الظاهر لا بالنظر الى المراد وذلك لان مرادهم القتل قصاصا فهو مساو للاية في الاطراد والحاصل ان ترجيح الاية على كلامهم بالاطراد في الاية وعدمه في كلامهم بالنظر الى ظاهر كلامهم وهذا المقدار كاف في الترجيح.

(و) منها (خلوه اى بخلو قوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) عن التكرار بخلاف قولهم فانه يشمل على تكرار القتل (و) قد تقدم فى اوائل الكتاب ان (التكرار من حيث انه تكرار من عيوب الكلام بمعنى ان ما يخلو عن التكرار افضل مما يشتمل عليه ولا يلزم من هذا


ان يكون التكرار مخلا بالفصاحة) وقد استوفينا الكلام فيه هناك فراجع ان شئت.

(فان قيل في هذا التكرار رد العجز على الصدر وهو) كما ياتي في الفن الثالث (من المحسنات) البديعة اللفظية ففى هذا التكرار امران العيب والحسن فيتساقطان وصار حينئذ لا عيب فيه.

(قلنا حسنه ليس من جهة التكرار بل من جهة رد العجز على الصدر وهذا لا ينافي رجحان الخالى عن التكرار) وبعبارة اخرى ان الترجيح من جهة لا ينافي المرجوحية من جهة اخرى فكلامهم اشتمل على التكرار وعلى رد العجز على الصدر فبالنظر الى الجهة الاولى معيب وبالنظر الى جهة الرد حسن فحسنه ليس من جهة التكرار بل من جهة رد العجز على الصدر (ولهذا قالوا الاحسن في رد العجز على الصدر ان لا يؤدى الى التكرار بان يكون كل من اللفظين بمعنى اخر) واما الرد في قولهم فهو مؤد الى التكرار لان كلا من اللفظين بمعنى الاخر فتامل جيد.

(و) منها (استغنائه اى وباستغناء قوله (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) عن تقدير محذوف بخلاف قولهم فانه يحتاج اليه اى القتل انفى للقتل من تركه) ولا يذهب عليك ان الترك لا يشارك القصاص في نفي القتل فلا يصلح لان يكون مفضلا عليه فالاولى ان يقال ان التقدير انفى للقتل من كل زاجر فتامل.

هذا ما يقتضيه هذه الفضيلة من الكلام ولكن يرد عليه ما لا بد في دفعه من ان انقل كلاما مناسبا للمقام للسيد الشريف في حاشية له في الباب الثالث في بحث حذف المسند على قول التفتازانى ولمعارض ان يفضل نحو لبيك بزيد وهذا نصه قد يقال اذا كانت القرينة على المحذوف


ظاهرة وكان معنى الكلام منصبا اليه بحيث لا يستعجم على احد كما في مثالنا هذا كان الحذف والاضمار تكثيرا للمعنى وتقليلا للفظ كما صرح به السكاكى في مباحث الاستيناف فمن هذا الوجه كان من محسنات الكلام ومرجحاته على خلافه واما قولهم القتل انفى للقتل فليس المحذوف فيه بتلك المثابة من الظهور وانصباب فحوى الكلام اليه فلذلك رجح عليه قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) بسلامته عن الحذف انتهى.

(و) منها (المطابقة اى وباشتماله على صنعة المطابقة (وهى) كما ياتي في الفن الثالث (الجمع بين المتضادين كالقصاص) الذى هو القتل (والحيوة) ولذلك قد تسمى كما ياتي هناك التضاد ايضا ولهذه الصنعة اسماء اخر ايضا ياتى بيانها هناك انشاء الله تعالى.

(ورجح) قوله تعالى (ايضا بما فيه من الغرابة وهو ان الاقتصاص قتل وتفويت للحياة وقد جعل مكانا وظرفا للحياة) قال في الايضاح في تعداد المرجحات ثامنها جعل القصاص كالمنبع والمعدن للحياة بادخال في عليه ومنه قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) اى هدى للضالين الصائرين الى الهدى وحسنه التوسل الى تسمية الشيىء باسم ما يئول اليه انتهى باختصار.

(و) رجح ايضا (بسلامته عن توالى الاسباب الخفيفة التي تنقص سلاسة الكلام) والمراد من الاسباب الخفيفة ما ذكره في قوله (بخلاف قولهم فانه ليس فيه) اى في قولهم (ما يجمع بين حرفين متحركين متلاصقين الا في موضع واحد وهو لام القتل الاول والف انفى فظهر من ذلك ان المراد من الاسباب الخفيفة ان يكون الحروف ساكنا بعد متحرك.


قال بعض المحققين في شرح الايضاح في بحث فصاحة الكلمة ما هذا نصه قد ذكر العلماء امورا بعضها يمكن ان يقال ان الخلوص منه شرط لفصاحة الكلمة وبعضها لا يمكن ادعاء ذلك فيه لوروده في القران الكريم الى ان قال ومنها ان تجتنب الاسباب الخفيفة المتوالية كقولهم القتل انفى للقتل وبرد عليه وروده في القران قال الله تعالى (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) وقال تعالى (لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) انتهى.

(و) رجح ايضا (بخلوه عما يشتمل عليه قولهم من التناقض بحسب الطاهر وهو ان الشييء ينفي نفسه وفيه نظر لان ذلك غرابة محسنة و) رجح ايضا (بما فيه من تقديم الخبر على المبتدء للاختصاص مبالغة وفيه) ايضا (نظر لان تقديم الخبر على المبتدء المنكر مثل في الدار رجل لا يفيد الاختصاص) وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في الباب الثالث في بحث تقديم المسند فراجع ان شئت.

ومما يفضل به عليه انه يعم جميع ما ارتكبه الجاني من القتل والقطع والجرح والضرب ونحو ذلك دونه كذا قيل فتامل الى هنا كان الكلام في الضرب الاول من الايجاز (و) الضرب الثاني (ايجاز الحذف عطف على ايجاز القصر وهو) اى ايجاز الحذف (ما يكون بحذف شيىء والمحذوف اما جزء جملة يعنى بالجزء ما يذكر في الكلام ويتعلق به ولا يكون مستقلا) بالافادة (عمدة كان) كالمبتدء والخبر والفعل (او فضلة) كالمفعول وما يلحق به (مفردا كان) كالخبر المفرد والحال المفردة ونحوهما (او جملة) كجملة الخبر ونحوها (مضاف بدل من جزء جملة نحو (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) اى اهل القرية) في الاستشهاد بذلك المضاف كلام ياتي في الفن الثاني قبيل بحث الكناية (او موصوف


نحو قول العرجى).

انا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى اضع العمامة تعرفوني

(الثنية العقبة) اي المحل المرتفع من الجبل او مطلقا (وفلان طلاع الثنايا اى ركاب لصعاب الامور) لقوة رجوليته ورفعة همته فلا يميل الى الامور المنخفضة لان المعالى لا تكتسب الا من الصعاب (اي انا ابن رجل جلا) لفظة جلا فعل ماض يستعمل لازما تارة ومتعديا اخرى (اى انكشف امره) هذا بناء على كونه لازما (او) المعنى انا ابن رجل (جلا الامور اي كشفها) هذا بناء على كونه متعديا وعلى التقديرين جلا جملة فعلية صفة لمحذوف هو رجل (فحذف الموصوف) يعنى رجل (وقيل ان الصفة اذا كانت جملة) كما في البيت او ظرفا (لا يحذف موصوفها الا بشرط ان يكون الموصوف بعض ما قبله من المجرور بمن او بفي) فالاول (كقوله تعالى (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) اي قوم دون ذلك فالمنعوت بعض ما قبله اعني الضمير المجرور بمن (و) الثاني (كقولك ما في القوم دون هذا) اي رجل دون هذا فالمنعوت بعض ما قبله اعني القوم المجرور بفي (وفي غيره نادر لا سيما اذا لزم منه) اي من حذف الموصوف اضافة غير الظرف الى الجملة).

اعلم ان ما ذكره الشارح اجمال ما ذكره الرضى فانه قال اعلم ان الموصوف يحذف كثيرا ان علم ولم يوصف بظرف او جملة كقوله تعالى (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ) فان وصفت باحدهما جاز كثيرا ايضا بالشرط المذكور بعد لكن لا كالاول في الكثرة لان القائم مقام الشييء ينبغي ان يكون مثله والجملة مخالفة للمفرد الذي هو الموصوف وكذا


الظرف والجار والمجرور لكونهما مقدرين بالجملة على الاصح وانما يكثر حذف موصوفهما بشرط ان يكون الموصوف بعض ما قبله من المجرور بمن او بفي قال الله تعالى (مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) وقال (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) اي مامن ملائكتنا الا ملك له مقام الى ان قال فان لم يكن كذا لم يقم الجملة والظرف مقامه الا في الشعر قال الشاعر.

انا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى اضع العمامه تعرفوني

وقال في اخر كلامه وانما كثر بالشرط المذكور لقوة الدلالة عليه بذكر ما اشتمل عليه فيكون كانه مذكور انتهى.

(فلفظ جلا) نظرا الى ما ذكر ليس بفعل حتى يكون صفة لمحذوف وذلك لفقدان الشرط المذكور بل هو (ههنا) اسم (علم) كشمر ونحوه (و) انما حذف منه (التنوين لانه محكى) باعرابه السابق (كبزيد في قوله).

نبئت اخوالى بني يزيد

ظلما علينا لهم قديد

(لا لانه غير منصرف للعملية ووزن الفعل على ما توهمه بعض النحاة لان هذا الوزن ليس مما يختص بالفعل) وذلك لوجهين الاول ان الاوزان المختصة بالثلاثي محصورة وهي ستة ثلاثة منها كما بين في الصرف اصول وثلاثة منها فروع وهذا ليس منها.

والثاني ان له استعمالين فانه قد يستعمل اسما وقد يستعمل فعلا فليس مختصا بالفعل (ولا في اوله زيادة كزيادة الفعل) اي ليس في اوله حرف من حروف انيت هذا ولكن فيه نظر لان الظاهر ان اشتراط ان يكون في اوله زياده كزيادة الفعل انما هو فيما لم يكن منقولا عن الفعل وما نحن فيه منقول منه فتامل.


(وتحقيق ذلك ان الفعل المنقول الى العملية اذا اعتبر معه ضمير فاعله وجعل الجملة) اى الفعل مع الفاعل (علما فهو محكى) صرح بذلك السيوطي عند قول ابن مالك.

وجملة وما بمزج ركبا

ذا ان بغير ويه تم اعربا

(والا) اى وان لم يعتبر معه لم ضمير فاعله (فحكمه حكم المفرد في الانصراف وعدمه وقد بينا ذلك في المكررات في بحث العلم وفي بحث غير المنصرف مستقصى فراجع ان شئت.

(او صفة) بالجر عطف على مضاف (نحو (وَكانَ وَراءَهُمْ)) اي امامهم على بعض التاويلات (مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) فحذف الوصف (اى سفينة صحيحة او نحوها) اى نحو هذه الصفة مما يؤدى معناها (كسليمة او غير معيبة وما يؤدي هذا المعنى (بدليل ما قبله وهو قوله تعالى (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) فانه يدل على ان الملك كان انما ياخذ الصحيحة دون المعيبة) اذ لو كان ياخذ كلا من المعيبة والصحيحة لم تكن فائدة لعيبها (او شرط كما مر في اخر باب الانشاء) عند قول المصنف يجوز التقدير الشرط بعدها فراجع ان شئت.

(او جواب شرط) وحذفه (اما لمجرد الاختصار) وذلك اذا كان هناك دليل وقرينة على ذلك الجواب المحذوف (نحو (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ)) فحذف الجواب (اى اعرضوا بدليل ما بعده وهو قوله تعالى (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) فمعرضين دليل وقرينة على المحذوف.

استشكل بانه يمكن ان يكون الحذف في هذه الاية من القسم الثاني اى كالاية الاتية بان يكون حذف الجواب اشارة الى انهم اذا


قيل لهم ذلك فعلوا شيئا لا يحيط به الوصف واما لقصد ان تذهب نفس السامع كل مذهب ممكن (او للدلالة عطف على قوله لمجرد الاختصار يعني يكون حذف جواب الشرط للدلالة على انه اي جواب الشرط شيىء لا يحيط به الوصف او لتذهب نفس السامع) في تقديره (كل مذهب ممكن و) حينئذ (لا يتصور) السامع شيئا (مطلوبا او مكروها) يقدره (الا وهو يجوز ان يكون الامر اعظم منه بخلاف ما اذا ذكر) الجواب فانه يتعين وربما سهل امره عنده) وقد تقدم نظير ذكر في اوائل الكتاب فتذكر.

(الا ترى ان المولى اذا قال لعبده والله لئن قمت اليك وسكت تزاحمت عليه) اى على العبد (من الظنون المعترضة للوعيد) والتخويف (ما لا يتزاحم لو نص) وصرح بالجزاء من مواخذته على ضرب من العذاب) فبالحذف يحصل الغرض والمطلوب اعني كمال التخويف ان كان الغرض ذلك او الوعد والترغيب ان كان الغرض ذلك.

(وكذلك اذا قال الشيخ المتبحح) اي الذي في صوته بحة وهي كيفية للصوت مشعرة بكثرة السن وعدم القوة (اذا رايتني شابا وسكت جالت الافكار له مما لم تجل به لواتى بالجواب).

واستشكل فيه ايضا بانه قد تقدم من الشارح آنفا في قول الشاعر فانك كالليل الذي هو مدركي الخ ما محصله ان حذف الجواب في مثله لرعاية أمر لفظي من غير ان يفتقر اليه في تأدية المراد حتى لو صرح به كان أطنابا بل تطويلا فلا يكون من ايجاز الحذف في شيء وهنا قد حكم هو وفاقا للمصنف ان الآية المذكورة من إيجاز الحذف والحاصل انه جعل حذف الجواب هنا من إيجاز الحذف وفيما مر آنفا حكم


بعدمه من إيجاز الحذف بل جعله من المساوات وهذا تناقض.

واجيب بأن جواب الشرط في البيت المتقدم تقدم ما يدل عليه فأغنى عرفا عن اعادته لانه لما تقدم عليه فكانه ذكر وفي الآية المذكورة هنا دل عليه متأخرا فلما تأخر الدليل ضعفت دلالته عليه فكانه لم يذكر فتأمل.

(مثالهما اي مثال الحذف للدلالة على انه شيء لا يحيط به الوصف والحذف ليذهب نفس السامع) في تقديره (كل مذهب ممكن (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ)) والتقدير والله العالم لرأيت أمرا فظيعا وكذلك قوله تعالى (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) فان قلت تقدير الجواب بما ذكر فيه شيء لان عظمة الجواب وفظاعته موجودة ولو مع الذكر وعدم الحذف قلت ان الجواب شيء مخصوص حذف لاظهار فظاعته وتهويل السامع واما ما ذكر فهو تقدير معنوي (ومنه) قوله تعالى (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ)).

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان حذف جواب الشرط انما هو عند قصد المبالغة لكونه امرا مخوفا منه وذلك في مقام الوعيد او مرغوبا فيه وذلك في مقام الوعد كالآية الأخيرة والقرائن المقامية تدل على هذا المعنى والمعنيان أعني كون المحذوف لا يحيط به الوصف وكون نفس السامع تذهب فيه كل مذهب ممكن مفهومهما متباين ومصداقهما متحد فقد يقصدهما المتكلم البليغ معا وقد يخطر بباله أحدهما فقط ولتباينهما مفهوما عطف الثاني باو فقال او لتذهب نفس السامع في تقديره كل


مذهب ممكن فيحصل الغرض أعني المبالغة في التخويف او الترغيب ولانفاق المعنيين مصداقا مثل الخطيب لهما معا بمثال واحد واما وجه تغيير التفتازاني الاسلوب في الآية الاخيرة بقوله ومنه فلأنه للوعد والترغيب فتدبر جيدا.

(او غير ذلك عطف على قوله جواب الشرط اي او المحذوف غير ذلك المذكور) يعني غير المضاف والصفة والموصوف والشرط وجوابه (كالمسند اليه والمسند والمفعول) غير المضاف والا فهو قد سبق (والفعل كما مر) جميع ذلك (في الابواب السابقة) مفصلا (وكالحال نحو البر الكر بستين درهما اي منه) قال في الانموذج فان الكر بستين درهما جملة مركب من المبتدأ والخبر وهي خبر للبر والضمير محذوف والتقدير البر الكر منه بستين درهما وانما حذف منه لدلالة سوق الكلام عليه فان تقديم البر على الكر يدل على ان الكر يكون من البر فيستغني عن ذكره والكر نوع من المكيال انتهى وقال المحشى هنا هو ستين فقيزا على ما ذكر في المقرب وقال صاحب الاسامي الكر اثنى عشر وسقا والوسق ستون صاعا انتهى.

(والمستثنى نحو جائني زيد ليس إلا) اي ليس الجائي إلا زيد (والمضاف إليه نحو بين ذراعي وجيهة الاسد) اي ذراعي الاسد وجبهة الاسد (ونحو يا رب ويا غلام) بحذف ياء المتكلم (وكجواب القسم نحو (وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ)) قال في الكشاف والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن يدل عليه قوله (أَلَمْ تَرَ) الى قوله (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) انتهى.

قال في الكشاف فان قلت اين جواب لما قلت هو محذوف تقديره


فلما أسلما وتله للجبين وناديناه ان يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما واغتباطهما وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله وما اكتسب في تضاعيفه بتوطين الانفس عليه من الثواب والاعواض ورضوان الله الذي ليس ورائه مطلوب انتهى فجعل مجموع كان ما كان الخ جواب لما ويؤيده ما تقدم آنفا.

وكالمعطوف وحرف العطف نحو (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ)) فحذف المعطوف وحرف العطف (اي انفق من بعده وقاتل بدليل ما بعده وهو قوله تعالى (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) فان هذا دليل على ان الذي لا يساوي الانفاق قبل الفتح هو الانفاق بعده لبيان ان الانفاق الاول اعظم.

(واما جملة) مستقلة بمعنى ان لا يكون جزء من كلام آخر (عطف على اما جزء جملة مسببة عن سبب مذكور نحو (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ)) فحذف المسبب (اي فعل ما فعل) الضمير في الفعلين له تعالى وما كناية عن كسر قوة أهل الكفر مع كثرتهم وغلبة المسلمين عليهم مع قتلهم قال في الكشاف فان قلت بم يتعلق قوله (لِيُحِقَّ الْحَقَ) قلت بمحذوف تقديره ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ذلك ما فعله إلا لهما وهو اثبات الاسلام واظهاره وابطال الكفر ومحقه انتهى.

(ومنه) اي من حذف جملة مسببة عن سبب مذكور (قول أبي الطيب).

أتى الزمان بنوه في شبيبة

فسرهم واتيناه على الهرم

فحذف المسبب (اي فسائنا) وليعلم ان كل علة غائية يصح ان


يطلق عليها اسم السبب واسم المسبب لانها علة في الاذهان معلول في الاعيان (او سبب المذكور نحو قوله تعالى (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) ان قدر فضربه بها) اي بالعصا (فيكون قوله فضربه بها جملة محذوفة هي سبب لمذكور وهو) اي المسبب المذكور (قوله تعالى (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ) اي من حذف جملة هي سبب المذكور (قوله تعالى (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ) فحذف فيه السبب وذكر المسبب (اي فاختلفوا) هذا هو السبب المحذوف (فَبَعَثَ اللهُ) هذا هو المسبب المذكور (بدليل قوله تعالى (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) وجه كونه دليلا وقرينة على ان المحذوف هو السبب لبعث الانبياء ان بعثهم انما هو لرفع الاختلاف في اصول العقائد بل الفروع ايضا لينتظم بذلك نظام بني آدم من حيث المعاش والمعاد.

قال في شرح باب الحاديعشر اعلم ان النبوة مع حسنها خلافا للبراهمة واجبة في الحكمة خلافا للاشاعرة والدليل على ذلك هو انه لما كان المقصود من ايجاد الخلق هو المصلحة العائدة اليهم كان اسعافهم بما فيه مصالحهم وردعهم عما فيه مفاسدهم واجبا في الحكمة وذلك اما في أحوال معاشهم أو احوال معادهم اما في أحوال معاشهم فهو انه لما كانت الضرورة داعية في حفظ النوع الانساني الى الاجتماع الذي يحصل معه مقاومة كل واحد لصاحبه فيما يحتاج اليه استلزم ذلك الاجتماع تجاذبا وتنازعا يحصلان من محبة كل واحد لنفسه وارادة المنفعة لها دون غيرها بحيث يفضي ذلك الى فساد النوع واضمحلاله فاقتضت الحكمة وجود عدل يفرض شرعا يجري بين النوع بحيث ينقاد كل واحد الى امره وينتهي عند زجره ثم لو فوض ذلك الشرع اليهم لحصل ما كان او لا إذ لكل واحد رأي يقتضيه


عقله وميل يوجبه طبعه فلا بد حينئذ من شارع متميز بايات ودلالات تدل على صدقه كي يشرع ذلك الشرع مبلغا له عن ربه يعد فيه المطيع ويتوعد العاصي ليكون ذلك ادعى الى انقيادهم لامره ونهيه واما في احوال معادهم فهو انه لما كانت السعادة الاخروية لا تحصل إلا بكمال النفس بالمعارف الحقة والاعمال الصالحة وكان التعلق بالأمور الدنيوية وانغمار العقل في الملابس البدنية مانعا من ادراك ذلك على الوجه الاتم والنهج الاصوب او يحصل ادراكه لكن مع مخالجة الشك ومعارضة الوهم فلا بد حينئذ من وجود شخص لم يحصل له ذلك التعلق المانع بحيث يقرر لهم الدلائل ويوضحها لهم ويزيل الشبهات ويدفعها ويعضد ما اهتدت اليه عقولهم ويبين لهم ما لم يهتدوا اليه ويذكرهم خالقهم ومعبودهم ويقرر لهم العبادات والاعمال الصالحة ما هي وكيف هي على وجه يوجب لهم الزلفى عند ربهم ويكررها عليهم ليحتفظوا التذكير بالتكرير كي لا يستولي عليهم السهو والنسيان اللذان هما كالطبيعة الثانية للانسان وذلك الشخص المفتقر اليه في احوال المعاش والمعاد هو النبي فالنبي واجب في الحكمة وهو المطلوب انتهى وقد تقدم بعض هذا المضمون في اول الكتاب فتذكر.

ويجوز ان يقدر فان ضربت بها فقد انفجرت فيكون) المحذوف خارجا عما نحن فيه لانه حينئذ (جزء جملة هي شرط) لا جملة مستقلة بالافادة فيكون كقوله (تعالى (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ) لان المحذوف فيه جزء جملة هي شرط (اى ان ارادوا وليا بحق (فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ)) وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في الباب السادس عند قول الخطيب ويجوز تقدير الشرط في غيرها فراجع ان شئت (والفاء في مثل قوله (فَانْفَجَرَتْ)


تسمى فصيحة وظاهر كلام الكشاف ان تسميتها فصيحة انما هي على التقدير الثاني وهو ان يكون المحذوف جزء جملة) لا جملة مستقلة بالافادة فيقال في تعريفها انها الفاء التي دلت على شرط مقدر (وظاهر كلام المفتاح على العكس) اي ان تسميتها فصيحة انما هي على تقدير الاول) قال في شرح الصمدية لانها على التقدير الثاني اي على تقدير الشرط تكون جزائية لا فصيحة وعرفوها بانها الفاء التي دلت على محذوف غير شرط هو سبب لما بعد الفاء (وقيل انها فصيحة على التقديرين) وعلى هذا فتعرف بانها الفاء التي دلت على محذوف سواء كان سببا او غيره قال في الشرح المذكور والاكثرون على تسميها على التقديرين لافصاحها عن المحذوف او وصفا لها باعتبار انها تدل على فصاحة المتكلم وبلاغته لانها لا تقع إلا في كلام بليغ فيكون من الاسناد المجازي كالكتاب الحكيم او لكونها فصيحة لما فيه من تقليل الحذف انتهى بتغيير وتصرف ما (والمشهور في تمثيلها قوله :

قالو خراسان اقصى ما يراد بنا

ثم القفول فقد جئنا خراسانا

اى ان كان خراسان اقصى ما يراد بنا ثم القفول فقد جئنا خراسان (او غيرهما اي غير المسبب والسبب نحو (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) على ما مر) في الباب السابع (في بحث الاستيناف من انه على تقدير المبتدأ والخبر) اي هم نحن وذلك (في قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف) وجوبا لا في قول من يجعل المخصوص مبتدأ خبره الجملة قبله فانه حينئذ مما حذف فيه جزء جملة والى القولين اشار ابن مالك بقوله :

ويذكر المخصوص بعد مبتدأ

او خبر اسم ليس يبدو ابدا

وههنا قول آخر وهو ان المخصوص مبتدأ يحذف خبره وجوبا ولكن


ابن هشام بأن الخبر لا يحذف إلا إذا سد مسده شيء (واما أكثر اى والمحذوف اما اكثر من جملة) واحدة (نحو (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ)) فانه حذف فيما بين يوسف وما قبله أكثر من جملة واحدة لانه لا يستقيم المعنى إلا بتقدير ذلك (اي فارسلون الى يوسف لاستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه وقال له يا يوسف) فقد ظهر ان المحذوف هنا خمس جمل الاولى لاستعبره الرؤيا اى اطلب منه تعبيرها وتفسيرها والثانية ففعلوا والثالثة فأتاه والرابعة وقال له والخامسة حرف النداء فانها نائبه عن جملة ادعوا واما قوله الى يوسف فهو متعلق الجملة المذكورة اعني ارسلون والدليل على ذلك والقرينة عليه ان نداء يوسف يقتضي ان صاحب السجن وصل اليه وهو متوقف على ارسال الملك وحاشيته اياه والايتاء الى يوسف ثم النداء محكى بالقول والارسال معلوم انه انما طلب للاستعبار فحذف كل ذلك للاختصار للعلم بالمحذوف لئلا يكون ذكره تطويلا لعدم ظهور الفائدة في ذكره مع العلم به.

(ومنه بيت السقط) :

طربن لضوء البارق التعالى

ببغداد وهنا مالهن ومالى

(اى طربن فاخذت اسكنها وهي لا تسكن ثم اعاودها وتدافعني الى ان قضيت العجب من كثرة معاودتي وشدة مدافعتها) فالمحذوف مجموع ما ذكر.

(والحذف) يأتي (على) وجوه كثيرة ذكرت في طي مسائل النحو منها حذف جزء كلمة مثل حذف النون في (لَمْ يَكُ) فانها حذفت للتخفيف ومثل حذف الياء في (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) وقد ذكرنا وجه ذلك في المكررات


في بحث المنادي المضاف الى ياء المتكلم ومنه حذف المضاف والمضافين ومنه حذف الصفة وحذف الموصوف وحذف المعطوف مع حرف العطف وغير ذلك مما يجده المتتبع في طى تلك المباحث إذا عرفت ذلك فاعلم ان الحذف يأتي على (ومهين) الاول (ان لا يقام شيء مقام المحذوف فيكتفي حينئذ بالقرينة الدالة عليه كما مر) انفا (و) الثاني (ان يقام) شىء مقامه (نحو (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ)) فحذف الجزاء (اى فلا تحزن واصبر لان تكذيب الرسل من قبله متقدم على تكذيبه فلا يصح وقوعه جزاء له) لان الجزاء يجب ان يكون مضمونه مترتبا على مضمون الشرط ومتأخرا عنه (بل هو) اي تكذيب الرسل من قبله (سبب لعدم الحزن) الذي هو الجزاء وانما كان سببا له لأن المكروه اذا عم هان فكانه قيل فلا تحزن واصبر لانه قد كذبب رسل من قبلك وانت مثلهم في الرسالة فلك بهم أسوة (فأقيم) السبب (مقام المسبب) الذي هو الجزاء.

(ثم الحذف لا بد له من دليل) يدل عليه (وأدلته كثيرة) منها القرائن اللفظية وهي الاغلب وقوعا والأكثر وضوحا ولذا لم يتكلم عليها و (ومنها ان يدل العقل عليه اي على الحذف و) ان يدل (المقصود الاظهر على تعيين المحذوف) اى ان يدل المقصود الاظهر على كونه مقصودا بحسب العرف في الاستعمال (نحو (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)) فالمحذوف هنا شىء يدل العقل على حذفه والمقصود الاظهر على تعيينه (اى تناولها فان العقل دل على ان الاحكام الشرعية) الفرعية بل الاصولية (انما تتعلق بالافعال دون الاعيان) كما بين ذلك في تعريف الفقه (فلا بد ههنا من محذوف) يتعلق به الحكم الشرعى أعني التحريم


(والمقصود الاظهر دل على ان المحذوف تناول لأن الغرض الأظهر من هذه الاشياء) المذكورة في الآية الكريمة (تناولها) فهو المحذوف (وتقدير التناول أولى من تقدير الأكل ليشمل شرب البانها فانه ايضا حرام وقوله منها ان يدل فيه تسامح لان ان يدل بمعنى الدلالة وليست من الادلة) وتأويله اما بأن يؤول الأدلة على الدلالات وهو الاولى او يؤول ان يدل بالدلالة التي بمعنى الفاعل كما هو قول في عسى زيد ان يقوم كما يؤول الموصول الحرفي وصلته بالمصدر بمعنى المفعول في قوله تعالى (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ.)

(ومنها ان يدل العقل عليهما اى على الحذف وتعيين المحذوف نحو (وَجاءَ رَبُّكَ) اي أمره او عذابه فان العقل) الكامل (يدل على امتناع المجيء على الله تعالى) واما العقل الناقص كعقل المجسمة القائلين بأن الله تعالى جسم فلا يدل على ذلك لانهم كالانعام بل أضل سبيلا فلذلك ينسب اليهم أمور لا يقبلها من له أدنى شعور (ويدل) العقل ايضا (على تعيين المحذوف بأنه الامر او العذاب اي أحدهما وليس المراد انه) اي العقل (يدل على تعيين) خصوص (الامر او تعيين) خصوص (العذاب فليتأمل) اشارة الى سؤال وجواب اما السؤال الحاصله ان او في قوله او عذابه للابهام وحينئذ فلا تعيين للمحذوف فلا يصح القول بدلالة العقل على التعيين وحاصل الجواب ان المراد انه يعين الاحد الدائر بين الامر والعذاب والاحد الدائر بين الامرين المذكورين معين بالنظر والدليل لعدم ثالث لهما وذلك لان العقل اذا تأمل ان ذلك المجيء في يوم القيامة ولم يجد ما يناسب يوم القيامة الموعود به للحساب والعقاب والرحمة إلا ان يقدر أمره الشامل للعذاب


او يقدر عذابه لانه هو الموجب للتهويل والتخويف المقصود من الآية فتأمل.

(ومنها ان يدل العقل عليه) اى على الحذف (و) يدل (العادة على التعيين نحو (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) فأن العقل دل على ان في قوله فيه مضافا محذوفا إذ لا معنى للوم الانسان على ذات شخص) آخر (بل انما يلام على فعل كسبه) والحاصل ان اللوم لا يتعلق عرفا بالذوات وانما يلام الانسان عرفا على أفعاله الاختيارية.

(واما تعيين المحذوف فانه يحتمل) تقدير أحد امور ثلاثة الاول (ان يقدر في حبه لقوله تعالى (قَدْ شَغَفَها حُبًّا)) اي اصاب حبه شغاف قلبها وهو غشائه وهذا كناية عن احاطة حبها له بقلبها حتى أحاط بشغافه وقيل المعنى أصاب باطن قلبها وقيل وسطه والثاني (او في مراودته لقوله تعالى (تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) و) الثالث (في شأنه حتى يشملها اي الحب والمراودة والعادة) المتقررة عند المحبين (دلت على) أن المقدر الثاني اي مراودته لان الحب المفرط) اي الشديد الغالب (لا يلام صاحبه عليه في العادة) اي في عرف المحبين وفي عادتهم المتقررة عندهم (لقهره اياه اى لقهر الحب المفرط صاحبه وغلبته عليه فلا يصح ان يقدر في حبه ولا في شأنه لكونه) اى لكون في شأنه (شاملا له) اى لفي حبه (ويتعين ان يقدر في مراودته نظرا الى العادة) فان المراودة من الامور الاختيارية التي يقدر الانسان على دفعها فيصح ان يلام عليها فتأمل.

(ومنها اى ومن أدلة تعيين المحذوف الشروع في الفعل لان الشروع مثلا انما يدل على ان المحذوف هو الفعل الذي يشرع فيه واما الدلالة


على الحذف فانما هي من جهة ان الجار والمجرور) والظرف (لا بد له من فعل) عام او خاص او اسم كذلك (يتعلق هو به على ما نشهد به القوانين النحوية ويدل على تعيينه الشروع في الفعل نحو (بِسْمِ اللهِ) فيقدر ما جعلت التسمية مبدء له اي يقدر عند الشروع في القرائة (بِسْمِ اللهِ) إقرء وعند الشروع في القيام او القعود (بِسْمِ اللهِ) أقوم أو أقعد وكذا كل فعل يشرع فيه) فان كانت عند الشروع في الاكل يقدر أكل او الشرب يقدر أشرب وهكذا.

(ومنها الاقتران اى من أدلة تعيين المحذوف اقتران الكلام او المخاطب بالفعل كقولهم للمعرس) اي المتزوج ماخوذ من أعرس إذا تزوج (بالرفاء والبنين اى اعرست) فالمحذوف هنا اعرست (فان كون هذا الكلام مقارنا لاعراس المخاطب دل على ان المحذوف أعرست والباء للملابسة) اى أعرست متلبسا بالرفاء والبنين (والرفاء الالتيام والاتفاق تقول رفأت أرفاه إذا وصلت ما وهن منه) حاصل معنى الكلام الدعاء لان الجملة خبرية لفظا إنشائية معنى اى جعلك الله ملتئما مع زوجتك والدا للبنين.

الى هنا كان الكلام في الايجاز (و) أما (الاطناب) فهو (اما) يحصل (بالايضاح بعد الابهام ليرى) السامع (المعنى في صورتين مختلفتين أحديهما مبهمة والاخرى موضحة وعلمان خير من علم واحد او ليتمكن في النفس فضل تمكن لما) تقدم في بحث وضع المضمر موضع المظهر من انه لما (طبع الله النفوس عليه من ان الشيء اذا ذكر مبهما ثم بين) مفصلا (كان) ذلك الشيء (أوقع فيها) اى في النفس (من أن يبين أولا) وانما كان أوقع في النفس لان الاشعار بالشيء


إجمالا يقتضي التشوق له والشيء إذا جاء بعد التشوق يقع في النفس فضل وقوع ويتمكن فضل تمكن لما مر من أن ما يحصل بعد مقاسات التعب ومعانات الطلب له في القلب محل ومكانة لا يكون لما يحصل بسهولة.

(او ليكمل لذة العلم به اى بالمعنى وذلك لان الادراك لذة والحرمان عنه مع الشعور بالمجهول بوجه ما ألم فالمجهول إذا لم يحصل به شعور ما فلا ألم في الجهل به وإذا حصل به الشعور بوجه دون وجه) اى بطريق الاجمال (تشوقت النفس الى العلم به) من كل وجه اي مفصلا (وتألمت) النفس (بفقدانها اياه) اى بفقدان النفس العلم به من كل وجه (فاذا حصل لها) اي للنفس (العلم به على سبيل الايضاح) ومن كل وجه (كملت لذة العلم به للعلم الضروري بان اللذة عقيب الالم أكمل وأقوى وكانها لذتان أحديهما (لذة الوجدان و) الاخرى (لذة الخلاص عن الالم) اى ألم الحرمان الحاصل بسبب عدم العلم بتفصيلة.

(ومما يواخى ذلك) اى يشابهه وجه الشبه انه كما ان اللذة عقيب الالم أشد وأقوى كذلك حصول شيء عقيب ما ينافيه أقوى وأشد تأثيرا في النفس (ما في قوله تعالى (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) أى باسه فانه من قبيل وجاء ربك (فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) وانما يشابه ذلك (فانه تعالى جعل العذاب) والباس (الذي يأتيهم) حاصلا (من الغمام الذي هو مظنة) الغيث الذي هو (الرحمة ليكون العذاب (أشد) وأقوى (لان الشر اذا جاء من حيث لا يحتسب كان أغم) وأشر (كما ان الخير اذا جاء من حيث لا يحتسب كان


أسر فكيف إذا جاء الشر من حيث يحتسب الخير) والى هذا المعنى أشار الشاعر الفارسي بقوله :

سگى را خون دل دادم كه با من يار ميگردد

ندانستم كه هركس خون خورد خونخوار ميگردد

(ولذلك كانت الصاعقة من العذاب المستفظع) اى الشديد (لمجيئها من حيث يتوقع الغيث) الذي هو الرحمة (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) إقتباس من القرآن الكريم (نحو) قوله تعالى حكاية عن موسى على نبينا وعليه وعلى آله أفضل الصلوة والسّلام (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) وجه الابهام والاجمال فيه فيما بينه الخطيب بقوله (فان اشرح لي يفيد طلب شرح لشيء ماله اى للطالب) اى لموسى (ع) (و) وجه الايضاح والتفصيل بعد الابهام أن (صدري يفيد تفسيره اى تفسير ذلك الشىء) المبهم (وايضاحه وهذا الايضاح بعد الابهام) في قوله تعالى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) (يحتمل ان يكون للاغراض الثلاثة المذكورة) في المتن اى ليرى المعنى في صورتين مختلفتين وليتمكن في النفس فضل تمكن وليكمل لذة العلم به) على ما بيناه آنفا.

فان قلت ان المخاطب بهذا الكلام هو الرب تعالى وتقدس فكيف يصح ان يقال ان موسى (ع) خاطبه بما يفيده علمين هما بالنسبة اليه تعالى خير من علم واحد وكذلك كيف يصح ان يقال انه خاطبه بما فيه تمكن المعنى في ذهن السامع فضل تمكن او بما يفيد كمال لذة العلم للمخاطب.

قلت جعل الأية الكريمة للاغراض الثلاثة المذكورة باعتبار الشانية والقابلية بمعنى ان هذا التركيب المشتمل على الايضاح بعد الابهام مع


قطع النظر عن المخاطب الخاص او المتكلم الخاص من شأنه ان يكون للاغراض الثلاثة وله قابلية لذلك فهو بحيث لو خوطب به غير الرب تعالى وتقدس أمكن فيه كل واحد من الاغراض الثلاثة المذكورة وان امتنع بعضها او كلها في بعض المواضع كافي الآية الكريمة وبنظير ذلك يجاب ما يرد على قولهم في تعريف الخبر من انه ما يحتمل الصدق والكذب حيث يقال ان كلام الله تعالى وأوليائه لا يحتمل الكذب او كلام بعض آخر لا يحتمل الصدق.

(وقد يكون ذلك) الايضاح بعد الابهام (لتفخيم الشيىء المبين وتعظيمه كقوله تعالى (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) قال في الكشاف فسر ذلك الامر بقوله ان هؤلاء مقطوع وفي ابهامه وتفسيره تعظيم ذلك الامر وتفخيم له ودابر القوم اخرهم مصبحين اي حال دخولهم الصبح والمراد انقطاع نسلهم بهلاكهم بالمرة انتهى (وكقوله (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)) فابهم القواعد (حيث لم يقل قواعد البيت بالاضافة) ثم فسره بقوله من البيت.

قال في الكشاف والقواعد جمع قاعدة وهي الاساس والاصل لما فوقه ورفع الاساس البناء عليها لانها إذا بنيت نقلت عن هيئة الانخفاض الى هيئة الارتفاع وتطاولت بعد التقاصر ومعنى رفع القواعد رفعها بالبناء لانه اذا وضع سافا فوق ساف فقد رفع السافات انتهى باختصار.

(ومنه اى من الايضاح بعد الابهام) ليكون اطنابا (باب نعم على أحد القولين أى قول من يجعل المخصوص خبر مبتدء محذوف) وكذا على قول من يجعل المخصوص مبتدأ محذوف الخبر وكلام المصنف صادق


بهذا القول كما انه صادق بما قاله الشارح لكن الشارح ترك التنبيه على هذا القول لضعفه عندهم بما هو معلوم في النحو وقد اشرنا اليه انفا.

والحاصل ان الكلام يكون على كل من القولين جملتين احداهما مبهمة والاخرى موضحة واما على قول من يجعل المخصوص مبتدء قدم عليه خبره فلا يكون من الايضاح بعد الابهام لان الكلام عليه جملة واحدة والمخصوص فيها مقدم في التقدير وال فيه في الفاعل حينئذ للعهد.

(اذ لو اريد الاختصار) حتى يكون مساواة (كفى) ان يقال (نعم زيد) بالنسبة الى متعارف الاوساط وان كان هذا التركيب في نفسه غير صحيح في العربية لانه يجب في فاعل نعم ان يكون بال او مضافا لما فيه ال او ضميرا مفسرا بتمييز صرح بذلك ابن مالك في الفيته ولكن لا يذهب عليك انه قد تقدم الاشارة الى ان المراد بالاوساط هم الذين يفيدون المعنى بتراكيب موافقة للعربية من غير مراعات للمزايا والنكات التي تراعيها البلغاء اللهم الا ان يقال ان المراد بقوله كفى نعم زيد انه كفى ذلك في تادية اصل المساواة لو اريدت لا ان هذا التركيب يجوز ان يقال في العربية فتامل جيدا.

(فلما قيل نعم الرجل زيد او نعم رجلا زيد كان اطنابا) لانه (ابهم فيه الفاعل اولا وفسر ثانيا) فصار موجبا للاطناب (وقوله اذ لو اريد الاختصار مشعر بان الاختصار قد يطلق) كما هنا (على ما يقابل الاطناب ويعم) حينئذ (الايجاز والمساواة) وهذا المعنى الثاني اى المساواة هو المراد هنا كما اشرنا الى ذلك انفا لان نعم زيد لا ايجاز فيه بل هو مساواة (وهذا) اي اطلاق الاختصار على ما يقابل الاطناب (يوافق اصطلاح السكاكي) فانه قال فيما نحن فيه


اذ لو اريد الاختصار كفى نعم زيد وبئس عمرو ولا شك انهما من قبيل المساوات انتهى.

(ووجه حسنه اي حسن باب نعم سوى) ما ذكر عن النكات الحاصلة (من الايضاح بعد الابهام ابراز الكلام في معرض الاعتدال نظرا الى الاطناب من وجه حيث لم يقل نعم زيد والى الايجاز من وجه) اخر (حيث حذف المبتدء الذي هو صدر الاستيناف) على التفصيل الذي بيناه.

(و) في معرض (ايهام الجمع بين المتنافيين) احدهما (الايجاز و) الاخر (الاطناب وقيل) احد المتنافيين (الاجمال و) والاخر (التفصيل) وانما عبر هذا القول بقيل لما يرد عليه من ان الاجمال والتفصيل عين الابهام والايضاح فيكون عين ما تقدم فلا يصح قول المصنف سوى ما ذكر اللهم الا ان يقال ان مراد المصنف اجمال وتفصيل بغير الوجه السابق من الوجوه الثلاثة المتقدمة والايضاح بعد الابهام باعتبار ما فيه من فوائد اخرى غيره باعتبار ما فيه من الامور الثلاثة المتقدمة ولك ان تقول هو على هذا القيل ايضا غير ما تقدم لان ايهام الجمع بين الاجمال والتفصيل غير نفس الاجمال والتفصيل.

(و) كيفكان (لا شك) في (ان الجمع بين المتنافيين) وكذا ايهامه (من الامور المستطرفة) اى المستغربة (التي يظهر في النفس عند وجدانها تاثر وانفعال عجيب) وذلك لان ذلك الجمع وايهامه كايقاع المحال وهو مما يستغرب والامر الغريب تستلذ به النفس.

(وانما قال ايهام الجمع) بين المتنافيين) لا حقيقته (لان حقيقة جمع المتنافيين ان يصدق على ذات واحدة وصفان يمتنع اجتماعهما


على شيىء واحد في زمان واحد من جهة واحدة وهذا محال) لا يقع لما فيه من اجتماع الضدين المودي الى اجتماع النقيضين وهو باطل بالبداهة وانما في الكلام ايهامه لا ايقاعه حقيقة وانما كان ايهاما لان الجهة ليست واحدة لان الايجاز من جهة حذف المبتدء والاطناب من جهة ذكر الخبر بعد ذكر ما يعمه فتعدت الجهة.

(ومنه اي ومن الايضاح بعد الابهام التوشيع) وياتي معناه اللغوى بعيد ذلك (و) معناه الاصطلاحي (هو ان يوتي في عجز الكلام) اي في اخره (بمثنى) او جمع (مفسر) ذلك المثنى (باسمين) او ذلك الجمع باسماء (ثانيهما) اى ثاني الاسمين في المثنى والزائد على الاول في الجمع (معطوف على الاول) اما مثال التوشيع في المثنى فهو (نحو قوله (ص) يشيب ابن ادم ويشب فيه خصلتان الحرص وطول الامل) فقوله (ص) الحرص وطول الامل بيان المثنى الذي هو الخلصتان (لكنه ابهم اولا ثم اوضح لما سبق) من حصول علمين فاكثر والتمكن في النفس وكمال لذة العلم ويشب بكسر الشين وتشديد الباء بمعنى ينمو يقال شب الغلام يشب بالكسر اذا نما فلو اريد الاختصار لقيل ويشب فيه الحرص وطول الامل وانما لم يقل قوله (ص) لان الحديث كما قيل منقول بالمعنى فتامل.

واما مثال الجمع فكقولنا في فلان ثلاث خصال رفيعة الكرم والشجاعة والحلم ولو اريد الاختصار لقلنا في فلان الكرم والشجاعة والحلم وليعلم انه ينبغي ان يقال في عجز الكلام او في اوله او في وسطه لان تخصيص التوشيع بالعجز اصطلاح لم يظهر له وجه لان


الايضاح بعد الابهام حاصل بما ذكر اولا ووسطا واخرا وكان المصنف كغيره راعي ان اكثر ما يقع في تراكيب البلغاء التوشيع في عجز الكلام فتامل.

(ويسمى هذا) النوع من الايضاح بعد الابهام (توشيعا) في الاصطلاح (لان التوشيع) في اللغة (لف القطن المندوف وكانه يجعل التعبير عن المعنى الواحد بالمثنى المفسر باسمين) او الجمع المفسر باسماء بمنزلة لف القطن بعد الندف) حاصله ان الاتيان بالمثنى او الجمع شبيه بندف القطن من حيث عدم الانتفاع به انتفاعا كاملا لان التثنيه والجمع فيهما من الابهام ما يمنع فهم المعنى منهما فهما كاملا والتفسير باسمين او ازيد شبيه بلف القطن وجمعه في لحاف ونحوه من حيث كمال الانتفاع به.

وبما ذكرنا من وجه الشبه اندفع ما قيل ان المعنى الاصطلاحى على عكس المعنى اللغوي لان الاتيان بالمثنى او الجمع بمنزلة لف القطن بجامع الضم والجمع وتفسيره بالاسمين او ازيد بمنزلة الندف بجامع التفريق ومعلوم ان الندف في المعنى اللغوى مقدم على اللف والاتيان بالمثنى او الجمع الذي هو بمنزلة اللف في المعنى الاصطلاحي مقدم على التفسير الذي هو بمنزلة الندف فيكون في المعنى الاصطلاحي قلب بالنظر الى المعنى اللغوى وحاصل الدفع منع اعتبار القلب بما ذكرنا من وجه الشبه فلا تغتر بما قال بعضهم من ان وجه الشبه بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ان في الاصطلاحي لفا وندفا اي تفرقة وتفصيلا وان كان فيه اللف سابقا على الندف عكس اللغوي.

واما قوله (واما بذكر الخاص بعد العام) فهو (عطف على قوله


اما بالايضاح بعد الابهام) اي الاطناب اما بالايضاح بعد الابهام واما بذكر الخاص بعد العام (ونعني بذكره بعده ان يكون ذلك على سبيل العطف دون الوصف او الابدال) وانما قيد بذلك لاجل ان يغاير ما تقدم في الايضاح بعد الابهام وعلى هذا فلا بد ان يقيد الايضاح بعد الابهام بما لا يكون على سبيل العطف لئلا يكون هذا تكرارا مع ذاك لدخوله فيه على تقدير عموم ذاك.

وقد يقال لا حاجة لتقييد الايضاح بعد الابهام بذلك لانه ليس في ذكر الخاص بعد العام بطريق العطف ايضاح بعد الابهام اذ لا يقصد به ذلك فلا يكون داخلا في الايضاح بعد الابهام حتى يحتاج لتقييده بخلاف ما نحن فيه فان ذكر الخاص بعد العام صادق بما لا يكون بطريق العطف مما فيه ايضاح بعد ابهام كما في الامثلة السابقة فما هنا هو المحتاج للتقييد دون ما سبق ولهذا تعرض التفتازاني هنا للتقييد ولم يتعرض له فيما سبق.

والحاصل ان التقييد هنا للاحتراز عن ذكر الخاص بعد العام لا على سبيل العطف فان هذا داخل في الايضاح بعد الابهام بخلاف ذكره بعده على سبيل العطف فانه ليس داخلا فيه اذ لا يقصد به ذلك فتامل.

وقال بعض المحققين انما قيد ذكره بعده بكونه على سبيل العطف لانه هو المفتقر لما علل به من اعتبار التغاير واما ذكره على سبيل البدلية او غيرها مما ليس بعطف فلا يفتقر الى ذلك بل لا يصح تقييده بذلك لانه متصل بما قبله على نية طرح الاول اولا فكيف يعتبر فيه ما يوجب كونه جنسا اخر.

وكيفكان (فلو قال اما بعطف الخاص على العام لكان اوضح وذلك)


الذكر (للتنبيه على فضله اي مزية الخاص) وزيادته (حتى كانه) اي الخاص (ليس من جنسه اي جنس العام تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات يعني انه لما امتاز عن سائر افراد العام بما له من الاوصاف الشريفة) التقيد بالشريفة انما هو باعتبار الامثلة الاتية او باعتبار الاغلب وقوعا والا فقد يكون الاوصاف خبيثة نحو لعن الله الكافرين وابا جهل (جعل كانه) اي الخالص (شيىء اخر مغاير للعام مباين له) بحيث (لا يشمله لفظ العام ولا يعرف حكمه منه) ولذلك صح ذكره على سبيل العطف المقتضى للتغاير ومن هنا قيل.

فان تفق الانام وانت منهم

فان المسك بعض دم الغزال

(بل يجب التنصيص عليه والتصريح به) وحده ومنفردا (وذلك قد يكون في مفرد) من مفردات الكلام (نحو قوله تعالى (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) اي الوسطى من الصلوات) قيل لفظة من بمعنى بين اي المتوسطة بين الصلوات ويدل لكون من بمعنى بين انه وقع في بعض النسخ التصريح يبين هذا احد الاحتمالين في معنى الوسطى في الاية وقوله (او الفضلى) احتمال ثان) وهو من باب (قولهم) اى العرب (للافضل الاوسط) ومن هنا قالوا خير الامور اوسطها (وهى صلوة العصر على قول اكثر المفسرين) لتوسطها بين نهاريتين وليليتين.

وقيل المغرب لتوسطها بين صلوتين يقصران وقيل العشاء لتوسطها نهارية بين صلوتين لا يقصران وقيل الصبح لتوسطها بين نهاريتين وليلتين او بين وليلية يقصران وقيل الظهر ووجهه ظاهر وقيل انها احدى الصلوات الخمس لا بعينها ابهمها الله تحريصا للعباد على المحافظة على اداء جميعها كما قيل فى ليلة


القدر وساعة الجمعة لكنه لا يناسب الامر بالمحافظة فتامل.

(ومنه) اى من ذكر الخاص بعد العام للتنبيه المذكور (قوله تعالى (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) محل الاستشهاد ذكر الملكين الخاصين بعد عموم الملائكة للتنبيه المذكور.

الى هنا كان الكلام في كون ذكر الخاص بعد العام في مفرد من مفردات الكلام (وقد يكون في كلام نحو قوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فان الدعاء الى الخير اعم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا ولكن قيل فيه شيىء فان الجملة اى جملة يدعون الى الخير في معنى النكرة فغاية ما يتحقق منها مطلق الدعاء الى الخير لا عمومه وايضا الدعاء الى الخير منحصر في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فاين العموم اللهم الا ان يكون باعتبار كل منهما على الانفراد ولكنه خلاف الظاهر من كلام من استشهد بذلك فانه جعل الدعاء اعم من الامرين معا فليتامل.

(ومنه) اى من كون ذكر الخاص بعد العام في كلام (قوله تعالى (اصْبِرُوا وَصابِرُوا) وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (لان الصابرة) على ما قال في الكشاف (باب) اي نوع وقسم (من الصبر) فانه قال في تفسير الاية (اصْبِرُوا) على الدين وتكاليفه (وَصابِرُوا) على اعداء الله في الجهاد اي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا اقل صبرا منهم وثباتا والمصابرة باب من الصبر (ذكره بعده تخصيصا لشدته وصعوبته) انتهى كلام الكشاف بادنى تغيير لا يخل بالمقصود.

(واما) يحصل الاطناب (بالتكرير لنكتة) وانما قيد التكرار بالنكتة (ليكون اطنابا لا تطويلا) لان التكرار اذا كان لغير نكتة


كان تطويلا فلما كان التطويل ظاهرا في التكرار عند عدم النكتة قيده بها وهذا بخلاف الايضاح وذكر الخاص بعد العام فلا يكون كل منهما تطويلا اصلا لانه لا بد فيهما من النكتة ولذا لم يقيدهما بها والنكتة (كتاكيد الانذار) اى التخويف (في) التكرار في قوله تعالى (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) فقوله كلا ردع) اى زجر (وتنبيه على انه لا ينبغي للناظر لنفسه) والمتفكر في امره وشانه (ان يكون الدنيا جميع همه وان لا يهتم بدينه) وقوله (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) الخطاء فيما انتم عليه) من التكاثر في الاموال والهائه اياكم عن عبادة الله (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) اي الى ان تموتوا (اذا عاينتم ما قدامكم من هول لقاء الله تعالى (وفي تكريره) اي في تكرير الكلام (تاكيد للردع والانذار).

(و) ان قلت كيف يكون في هذا الكلام تكرار مع ان حرف العطف يستدعي كون المراد بالمعطوف غير المعطوف عليه وذلك لوجوب التغاير بين المتعاطفين والتكرار يستدعي الاتحاد بينهما.

قلت (في الاتيان بلفظة ثم دلالة على ان الانذار الثاني ابلغ من الاول واشد) فحصل التغاير (كما تقول للمنصوح اقول لك لا تفعل) فتتقوى قريحتك على النهى بابلع من الاول فتقول له (ثم اقول لك لا تفعل وذلك لان اصل) كلمة (ثم) كما تقدم في الباب الثاني (الدلالة على تراخي الزمان) وبعده (لكنه قد يجيىء مجازا كما تقدم في الباب السابع (لمجرد التدرج في درج الارتقاء اى الانتقال من درجة الى درجة اخرى في درجات الارتفاء والصعود المعنوي حاصله الانتقال من الا دون الى الاعلى معنى او العكس من غير اعتبار التراخي


والبعد بين تلك الدرج ولا ان الثاني بعد الاول في الزمان) اى المجرد عن اعتبار كون تاليها اي تالي ثم بعد متلوها في الزمان (وذلك اذا تكرر الاول بلفظه نحو والله ثم والله وكقوله تعالى (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) وقد تقدم بعض الكلام في هذه الاية الكريمة في الباب السابع وواعدناك هناك بكلام طويل وهو انه اورد على قوله كتاكيد الانذار الخ ان بين الجملتين حينئذ كما بين هناك كمال الاتصال وقد تقدم هناك انه اذا كان بين الجملتين كمال الاتصال يتعين الفصل ولا يجوز فيه الوصل اي العطف فكيف عطفت الجملة الثانية ههنا على الاولى.

واجيب عن ذلك بانه لم يرد ان الجملة الثانية مؤكدة للاولى بل هي تاسيس والتاكيد وقع في تكرار التاسيس وهذا ابلغ من التاكيد فان التاكيد يقرر ارادة المعنى الاول وعدم التجوز والعطف يحصل بتكرار الاسناد وفائدته زيادة تقرير لثبوت النسبة وفائدة التاكيد تقرير الاخبار بالنسبة حتى يفهم السامع ان ذلك من شانه ان يتكرر الاخبار به او طلبه لان الاخبار بالشيىء مرتين او طلبه مرتين كان موسسة لنسبة اخبارا او انشاء لقصد تقرير فائدة الخبر وتاكيد الطلب بطلب اخر ابلغ وسنذكر في قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ما يتضح منه هذا فانتظر.

(ومن نكت التكرير زيادة التنبيه على ما) اي شيىء (ينفي التهمة) في النصح (و) زيادة (الايقاظ عن سنة) اي عن نوم (الغفلة) والذهول وذلك (ليكمل) في السامع (تلقى الكلام بالقبول كما في قوله تعالى (وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ يا قَوْمِ إِنَّما


هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) والشاهد في تكرير يا قوم (فان في النداء واضافة القوم الى نفسه وبيان اختصاصهم به) يعني انه (ع) منهم اى من عشيرتهم (ايقاظا بهم وتنبيها على انه لا يريد لهم الا ما يريد لنفسه وفي التكرير زياده تنبيه وايقاظ).

(ومنها) اي ومن نكت التكرير اظهار (زيادة التوجع والتحسر كما في قوله).

فيا قبر معن انت اول حفرة

خطت للسماحة مضجعا

ويا قبر معن كيف واريت جوده

وقد كان منه البر والبحر مترعا

وقد مر بعض الكلام في هذا البيت في الباب الثالث والشاهد فيه ههنا في تكرير يا قبر معن لاظهار زيادة التوجع والتحسر والميت حكاية يظهر منها كون التكرير فيه لما قلناه.

(ومنها تذكير ما قد بعد بسبب طول فى الكلام وهذا التكرير قد يكون مجردا عن رابط) اى عن ضمير يربط الجملة الثانية بالاولى (كما في قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) والشاهد في تكرير ان ربك من دون رابط في الثانية وذلك بسبب البعد لتوسط المعطوف بينهما فتامل ومن هذا القبيل قوله تعالى (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (وكما في قول الشاعر).

لقد علم الحي اليمانون انني

اذا قلت اما بعد اني خطيبها

والشاهد فيه تكرير انني لتوسط الشرط بينهما (وقد يكون) هذا التكرير (مع رابطة كما في قوله تعالى (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما


أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ) فقوله (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تكرير لقوله (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) لبعده عن المفعول الثاني اى عن بمفازة من العذاب لانه المفعول الثاني لتحسبن

وقد يكون التكرير لتعدد المتعلق كما في قوله تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) لانه تعالى ذكر نعمة بعد نعمة وعقب كل نعمة بهذا القول ومعلوم ان الغرض من ذكره عقيب نعمة غير الغرض من ذكره عقيب نعمة اخرى.

فان قلت قد عقب بهذا القول ما ليس بنعمة كما في قوله تعالى (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) وقوله تعالى (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ) ان.

قلنا العذاب وجهنم وان لم يكونا من الاء الله تعالى فان ذكرهما ووصفهما على طريق الزجر عن المعاصي والترغيب فى الطاعات من الائه تعالى ومن ذلك يعلم الحكمه في كونه زائدا على ثلاثة فانه لو كان عائدا لشيىء واحد لما زاد على ثلاثة لان التاكيد لا يبلغ باكثر من ثلاثة ومن هذا القبيل قوله تعالى (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) لانه تعالى ذكر قصصا مختلفة واتبع كل قصة بهذا القول فصار كانه قال عقيب كل قصة (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).

فان قلت اذا كان المراد بكل ما قبله فليس ذلك باطناب بل هى الفاظ كل اريد به غير ما اريد بالاخر.

قلنا العبرة بعموم اللفظ فكل واحد اريد به ما اريد بالاخر ولكن كرر ليكون نصا فيما قبله وظاهرا في غيره.

فان قلت يلزم حينئذ التاكيد وقد قلت انه لا يبلغ باكثر من ثلاثة


قلنا ان ما قلنا انما هو في التاكيد الذي هو تابع اما ذكر الشيىء في مقامات متعددة اكثر من ثلاثة فلا.

(واما بالايغال) عطف على بالايضاح بعد الابهام اي يحصل اما بالايضاح بعد الابهام واما بالايغال وهو ماخوذ (من اوغل في البلاد اذا ابعد فيها) اى قطع كثيرا منها وعلى هذا فتسميه المعنى الاصطلاحي ايغالا لان المتكلم قد تجاوز حد المعنى وبلغ زيادة عنه ويحتمل انه ماخوذ من توغل الارض بمعنى سافر فيها وعلى هذا فيكون تسمية المعنى الاصطلاحي ايغالا لكون المتكلم او الشاعر توغل في الفكر حتى استخرج سجعة او قافية تفيد معنى زائدا على اصل معنى الكلام.

(واختلف فى التفسير) اي فى تفسير معناه الاصطلاحي (فقيل هو ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى) اي اصل المعنى (بدونها) وانما قال يتم دون ان يقول لا يتوقف لان النكتة لا تختص بما يتم المعنى بدونه بل يجوز ان يتوقف عليها كما يتوقف احيانا على بعض الفضلات كما في قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) وقد ذكرنا في المكررات في باب الحال ما يفيدك ههنا فراجع ان شئت.

(كزيادة المبالغة في قولها اى قول الخنساء في مرثية اخيها صخر) مادحا له في تحقيق الاقتداء به في المعالى (وان صخرا لتاتم اي تقتدى الهداة) اي الذين يهدون الناس الى المعالى واذا اقتدت به الهداة فالمهتدون بطريق اولى (به) اي بصخر (كانه) اي صخرا (علم اي جبل مرتفع) ولا شك ان في الحاقه بالجبل المرتفع الذي هو اظهر المحسوسات وابينها في الاهتداء به مبالغة في ظهوره في الاهتداء ثم زادت المبالغة بوصف العلم بقولها (في راسه) اي في رأس ذلك العلم


(نار) وفيه الشاهد (فان قولها كانه علم واف بالمقصود وهو تشبيهه بما هو معروف بالهداية) اي بالجبل المرتفع الذي يهتدي به المسافرون في الصحاري والبراري (لكنها) اى الخنساء (اتت بقولها في راسه نار ايغالا وزيادة للمبالغة) لانها لما ارادت ان تصف اخاها صخرا بالاشتهار لم تقتصر في بيان ذلك على تشبيهه بالعلم بل جعلت في رأس العلم نارا للمبالغة في ذلك البيان.

(وتحقيق اى وكتحقيق التشبيه في قوله اي قوله امرء القيس كان عيون الوحش) المصادة لنا والمراد به كما ياتي الظباء وبقر الوحش (حول خبائنا اي خيامنا وارحلنا الجزع الذي لم يثقب شبه عيون الوحش بالجزع وهو بالفتح) اى بفتح الجيم) وحكى ايضا كسرها والزاي ساكنة في الصورتين) وهو (الخزر اليماني) اي يجلب من اليمن (واما الجزع بفتح الجيم والزاى فهو ضد الصبر (شبه عيون الوحش) بالجزع وبذلك يتم المعنى المقصود (لكنه اتى بقوله لم تثقب ايغالا وتحقيقا للتشبيه) اى لبيان التساوى والاشتراك في وجه الشبه وذلك (لان الجزع اذا كان غير مثقوب كان اشبه بالعيون قال الاصمعى الظبي والبقرة اذا كانا حيين فعيونهما كلها سود فاذا ما تابدا بياضها وانما شبهها بالجزع وفيه سواد وبياض بعد ما موتث والمراد كثرة الصيد يعنى مما اكلنا كثرت العيون عندنا) حاصل المعنى انهم كانوا يصطادون الوحش كثيرا وياكلونها ويطرحون اعينها حول اخبيتهم فصارت اعينها بتلك الصفة (كذا في شرح ديوان امرء القيس وبه اي بما ذكرنا من معنى البيت مستندا بما قاله الاصمعي (يتبين بطلان ما قيل ان المراد انه قد طالت مسايرتهم في المفاوز حتى الفت الوحوش رحالهم


واخبيتهم) وجه البطلان ان عيون الظبا والبقر كما نقلنا عن الاصمعي حال حياتها كلها سود فلا تشبه الخزر اليماني الذي فيه سواد وبياض.

(وكدفع توهم غير المقصود في بيت السقط)

فسقيا لكاس من فم مثل خاتم

من الدر لم يهمم بتقبيله خال

(فانه لما جعل الفم كاسا ضيقا مثل خاتم من الدر وكان الكاس غالبا مما يكرع فيه كل احد من أهل المجلس حتى كأنه يقبله) وهذا مما يعاب عليه لانه يوجب كون المحبوبة ممن يتصرف فيها كل من أراد (دفع ذلك بأن وصفه) اى الفم (بأنه لم يقبله) خال اى (ملك متكبر فكيف غيره فعلى هذا) التفسير اى قول المصنف ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها (يختص الايغال بالشعر) لانه قيده بالبيت.

(وقيل لا يختص بالشعر بل هو ختم الكلام) سواء كان شعرا او نثرا (بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها ومثل لذلك بقوله تعالى (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فان قوله (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) مما يتم المعنى بدونه لان الرسول مهتد لا محالة لكن فيه زيادة حث على الاتباع وترغيب في الرسل اى لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم وتربحون صحة دينكم فينتظم لكم خير الدنيا والآخرة) وذلك من جهة وصف الرسل بالاهتداء المقتضى للاتباع.

(واما) الاطناب يحصل (بالتذييل وهو تعقيب الجملة) الاولى (بجملة) ثانية (تشتمل) تلك الجملة الثانية (على معناها) اى على معنى الجملة وقوله (للتوكيد علة للتعقيب فالتذييل أعم من الايغال من جهة انه) اى التذييل (يكون في ختم الكلام وغيره) بخلاف الايغال


فانه لا يكون إلا في ختم البيت (وأخص منه) اى من الايغال (من جهة ان الايغال قد يكون بغير الجملة ولغير التأكيد) بخلاف التذييل فانه لا يكون إلا بالجملة وللتأكيد فتحصل من بيان تينك النسبتين ان النسبة بينهما نظير النسبة بين الحمد والشكر على ما تقدم بيانه أول الكتاب (وهو اى التذييل ضربان ضرب لم يخرج مخرج المثل و) ذلك بان (لم يستقل بافادة المراد بل توقف) افادته المراد (على ما قبله) وسيأتي معنى المثل بعيد هذا (نحو قوله تعالى (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) فان هذه الآية الكريمة تكون مثالا لهذا الضرب من التذييل (على وجه وهو ان يكون المعنى وهل نجازي ذلك الجزاء المخصوص) وهو المذكور فيما قبل هذه الاية وهو ارسال سيل العرم وتبديل الجنتين إلا الكفور) اى الكافر الذي بالغ في الكفر والفساد مثل أهل سباء (فيكون) المعنى اى معنا هل نجازى إلا الكفور (متعلقا بما قبله) قيل المراد بما قبله قوله تعالى (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) الخ ولكن الظاهر ان المراد به قوله تعالى (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) فتأمل وكيفما كان فلا يجرى مجرى المئل في الاستقلال بافادة المراد فيكون من هذا الضرب من التذييل.

والحاصل ان قوله تعالى (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) مضمونه ان آل سبا جزاهم الله تعالى بكفرهم بان ارسل عليهم سيل العزم وبدل جنتيهم ومضمون قوله تعالى (هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) ان ذلك العقاب المخصوص المعين المذكور فيما قبل هذه الآية لا يقع إلا للكفور فكونه من هذا الضرب على هذا الوجه ظاهر لانه على هذا الوجه ارتبط معنى هل نجازى إلا الكفور بما قبله.


(واحترز به) اى بقوله على وجه (عن الوجه الآخر وهو أن يقال ان الجزاء) معناه (عام) فانه يقال (لكل مكافأة) ومقابلة بفعل من أفعال الانسان الناس مجريون باعمالهم ان خيرا فخبر وان شرا فشر وعلى هذا المعنى ورد قول الشاعر الفارسي :

از مكافات عمل غافل مشو

گندم از گندم برويد جو ز جو

فحينئذ (يستعمل) الجزاء (تارة في معنى المعاقبة) والعذاب (و) تارة (اخرى في معنى الاثابة) اى اعطاء الثواب (فلما استعمل) الجزاء (في معنى المعاقبة في قوله تعالى (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) بمعنى عاقبناهم اى ال سبا (بكفرهم قيل (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) بمعنى وهل نعاقب) اى عقاب كان لا العقاب المخصوص المذكور فيما قبل الآية فيكون المراد بيان حكم كلي وهو عدم معاقبة غير الكفور (فعلى هذا) الوجه (يكون من الضرب الثاني) من التذييل (لاستقلاله بافادة المراد) وهو اثبات عدله تبارك وتعالى.

(وضرب اخرج مخرج المثل بأن يكون الجملة الثانيه حكما كليا منفصلا عما قبلها جاريا) ذلك الحكم الكلي (مجرى الامثال في الاستقلال وفشو الاستعمال) لان ذلك شان الامثال لان المثل كما يأتي في الفن الثاني في بحث الاستعارة التمثيلية كلام تام نقل عن أصل استعماله لكل ما يشبه حال الاستعمال الاول فلهذا لا يلتفت في المثل الى مضربه تذكيرا وتأنيثا وافرادا وتثنية وجمعا بل ينظر الى مورد المثل مثلا اذا طلب رجل شيئا ضيعه قبل ذلك تقول له بالصيف ضيعت اللبن بكسر تاء الخطاب لان هذا المثل في امرئة ومن هنا قالوا لا تغير الامثال قال ابو العلاء في رسالة الغفران ان أمثال العرب يكنون فيها بالاسم عن


جميع الاسماء مثال ذلك ان يقول القائل :

فلا تشلل يد فتكت بعمرو

فانك لن تذل ولن تضاما

يجوز ان يرى الرجل رجلا قد فتكت بمن اسمه حسان او عطارد او غير ذلك فيتمثل بهذا البيت فيكون عمرو واقعا على جميع من يتمثل له به وكذلك قول الراجز :

اوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا تورد يا سعد الأبل

صار ذلك مثلا لكل من عمل عملا لم يحكمه فيجوز ان يقال لمن اسمه خالد او بكر او ما شاء الله من الاسماء ويضعون في هذا الباب المؤنث موضع المذكر والمذكر موضع المؤنث فيقولون للرجل اطرى فانك ناعلة والصيف ضيعت اللبن ومحسنة فهيلي انتهى باختصار وقد ذكرنا في باب نعم وبئس في المكررات ما يفيدك ههنا فراجع ان شئت.

(نحو قوله تعالى (قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ) والشاهد في قوله (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) لان المراد منه حكم كلي غير متقيد بالجملة الاولى بل يكون منفصلا عما قبله جار يا مجرى الامثال في الاستقلال وفشو الاستعمال وههنا نكتة يجب التنبيه عليها وهي انه يجب في كلا الضربين من التذييل ان يقع اختلاف بين النسبتين في الجملة الاولى والثانية حتى يخرج التكرار كما تقدم في قوله تعالى (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) اما الاختلاف الواقع في الضرب الاول فان قوله تعالى (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) مضمونه ان ال سبا جزاهم الله تعالى بكفرهم ومعلوم ان الجزاء بالكفر عقاب كما دلت عليه القصة ومضمون قوله تعالى (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) ان ذلك العقاب المخصوص لا يقع إلا الكفور وفرق بين قولنا جزيته بسبب كذا كما هو مضمون قوله


الاول أعني جزيناهم بما كفروا وبين قولنا ولا يجزي بذلك الجزاء إلا من كان متصفا بذلك السبب كما هو مضمون قوله الثاني أعني وهل نجازي إلا الكفور ولتغايرهما يصح ان يجعل الثاني علة للأول فيقال جزيته بذلك السبب لان ذلك الجزاء لا يستحقه إلا من اتصف بذلك السبب ولكن اختلاف مفهومهما لا ينافي في تأكيد احدهما بالاخر للزوم بينهما معنى والتأكيد الواقع في جعل الكفر سببا لذلك الجزاء مناسب هنا لما فيه من الزجر عنه المناسب للقبيح لشأنه على وجه التأكيد.

واما اختلاف النسبتين في الآية الثانية فلان الجملة الثانية اسمية مع زيادة التأكيد فيها والجملة الاولى فعلية دون تأكيد فيها وتأكيد زهوق الباطل في الجملة الثانية مناسب هنا لما فيه من مزيد الزجر عنه والاياس من احكامه الموجبة للاغترار به.

وقد اجتمع الضربان في في قوله تعالى (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) فقوله (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) تذييل من الضرب الاول) لارتباطها بما قبلها لان الفاء للترتيب على ما يقتضيه الاولى اذ كانه يقال اينتفي ذلك الحكم الذى هو ان لا خلود لبشر بالنسبة اليهم فيترتب انك ان مت فهم الخالدون والاستفهام للانكار اى لا ينتفي ذلك الحكم فلا يترتب انك ان مت فهم الخالدون.

(وقوله (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) من الضرب الثاني) لاستقلالها وذلك ظاهر (فكل منهما) اى قوله (أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ) وقوله (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (تذييل على ما قبله) يعني ان افان مت فهم


الخالدون تذييل على وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وكل نفس ذائقة الموت تذييل على افان مت فهم الخالدون.

(وهو ايضا اى التذييل) مطلقا لا الضرب الثاني فقط (ينقسم قسمة اخرى ولفظ ايضا تنبيه على ان هذا تقسيم للتذييل مطلقا) لا للضرب الثاني فقط (يعني قد علم) فيما تقدم (انه ينقسم الى القسمين المذكورين) يعني ما لم يخرج مخرج المثل وما اخرج لمخرج المثل (وهو ايضا ينقسم بقسمة اخرى الى قسمين اخرين) وذلك لان معنى ايضا كما ذكر محشى التهذيب الرجوع لما تقدم كالتقسيم هنا والرجوع الى التقسيم مع اتحاد المقسم أبلغ في معنى الرجوع واظهر وان أمكن انه تقسيم للثاني.

فحاصل المراد من قوله ايضا انه كما انقسم التذييل المطلق الى القسمين المذكورين فيما تقدم ينقسم الى هذين القسمين (ولو لا قوله ايضا لتوهم ان هذا تقسيم للضرب الثاني) فقط (كما توهمه نظرا الى الامثلة بعض من لم يتنبه بالتنبيه) الحاصل من قوله ايضا مراد التفتازاني من بعض من لم يتنبه بالتنبيه الخلخالي فانه على ما حكى عنه قال وهو ايضا اى التذييل او الضرب الثاني فقوله او الضرب الثاني وهم لانه يرده لفظة ايضا وهذا الوهم نشأ له من كون الامثلة التي مثل بها المصنف لهذا التقسيم من القسم الثاني وهو ما يخرج مخرج المثل في الاستقلال وفشو الاستعمال.

(فالتذييل) المطلق (الذي يجب ان يكون لتأكيد الجملة السابقة اما ان يكون لتأكيد منطوق) اى منطوق الجملة السابقة (لهذه الآية) المذكورة في المتن (فان زهوق الباطل منطوق في قوله (وَزَهَقَ الْباطِلُ)


المراد من المنطوق هنا المعنى الذي نطق بمادته والمراد بالمفهوم المعنى الذي لم ينطق بمادته وليس المراد بهما هنا ما اصطلح عليه الاصوليون وبعبارة اخرى المراد بتأكيد المنطوق هنا ان تشترك الفاظ الجملتين في مادة واحدة مع اختلاف النسبة فيهما بأن تكون احداهما اسمية مؤكدة والاخرى فعلية لا ان يكون لفظ الجملة نفس لفظ الثانية كما في كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون لان هذا ليس تذييلا فضلا عن كونه مؤكدا للمنطوق.

والمراد بتأكيد المفهوم هنا ان لا يشترك أطراف الجملتين في مادة واحدة مع اتحاد صورة الجملتين في الاسمية والفعلية اولا وذلك بأن تفيد الجملة الاولى معنى ثم يعبر عنه بجملة اخرى مخالفة للاولى في الالفاظ والمفهوم (كقوله اى قول النابغة الذيباني).

ولست بمستبق اخا لا تلمه

على شعث اى الرجال المهذب

(ولست) بفتح التاء على انه ضمير المخاطب (بمستبق) اى لست تبقى (اخا) ومعنى (لا تلمه) لا تصلحه كما يصرح بذلك بعيد هذا وهو (حال عن اخا) وان كان نكرة (لعمومه بوقوعه في سياق النفي) اشارة الى ما قال ابن مالك وهو :

ولم ينكر غالبا ذو الحال ان

لم يتأخر او يخصص او يبين

(و) حال (عن ضمير المخاطب في لست وهذا أحسن من ان يكون صفة لاخا يعرف) ذلك اى احسنية كونه حالا عن ضمير المخاطب في لست (بالتامل) في المعنى وذلك لان المقام يقتضي التعميم في الاخ وذلك بقرينة اى الرجال المهذب فان المقصود في المقام الحث على الصبر على الجفاء من الاخوان لئلا يبقى الانسان بلا أخ وذلك لئلا


يتوهم ان ترك الصبر على الجفاء ربما كان معه وجود أخ فيكون مهذبا في الاصل فلا يحتاج معه الى الصبر.

واما لو جعلناه صفة لاخا فلا يناسب المقام لانه يصير المعنى حينئذ كل اخ موصوف بانه على شعث لا تبقية لنفسك ان لم تلم شعثه ولا شك انه حينئذ فات التعميم في الاخ لان المعنى حينئذ كما قلنا انك لا تقدر ان تبقى مودة اخ موصوف بانك لم تلم شعثه وهذا المعنى لا ينتظم مع قوله اى الرجال المهذب لان المراد منه نفى الكامل من الرجال بطريق العموم.

والى حاصل ما ذكرنا اشار بقوله (يعني انك لا تقدر على استبقاء مودة اخ حالكونك ممن لا تلمه ولا تصلحه) وقريب من هذا المعنى ما قاله الشاعر الفارسي.

اسايش دو گيتي تفسير اين دو حرف است

با دوستان مروت با دشمنان مدارا

(على شعث) على بمعنى مع والشعث بفتح العين وهو في الاصل انتشار الشعر وتغيره لقلة تعهده بالتسريح والدهن فتكثر اوساخه ثم استعمل فى لازمه وهو الاوساخ الحسية ومن هذا المعنى استعير للاوساخ المعنوية وهي الخصال الذميمة ولذا فسره بقوله (اي) مع (تفرق) اى تفرق حال الاخ وتلونه (و) مع (ذميم خصال) هذا من اضافة الصفة الى الموصوف اي الخصال الذميمة.

(اي الرجال المهذب اى المنقح الفعال المرضى الخصال فصدر البيت دل بمفهومه) كما بينا لك (على نفى الكامل من الرجال وعجزه) اي قوله اى الرجال المهذب (تاكيد لذلك) اى لما دل عليه الصدر (وتقرير) له (لان الاستفهام) اى كلمة اى (فيه)


اي في العجز (للانكار اي لا مهذب في الرجال) الامن اصطفاه العزيز المتعال.

(واما) الاطناب (بالتكميل ويسمى) هذا النوع من الاطناب (الاحتراس ايضا لان الاحتراس هو التوقي) والحفظ (والاحتراز عن الشيىء وفيه توق عن ايهام خلاف المقصود) واما تسميته بالتكميل فلتكميله المعنى بدفع ايهام خلاف المقصود عنه (وهو ان يوتي فى كلام كلمة في بمعنى مع فيشمل الواقع في وسط الكلام وفي اخره وليست ظرفية والا فلا يشمل ما كان في اخره (يوهم خلاف المقصود بما يدفعه اي يوتي بشيى) اي بقول (يدفع ذلك الايهام) سواء كان ذلك القول مفردا او جملة كان للجملة محل من الاعراب اولا (و) انما (ذكر له مثالين لان ما يدفع الايهام قد يكون في وسط الكلام وقد يكون في اخره فالاول) اي ما كان في وسط الكلام وهو مفرد (كقوله اي قول طرفة) بن العبد.

فسقى ديارك غير مفسدها

صوب الربيع وديمة تهمى

(فسقى) دعاء للمدوح و (ديارك) مفعول مقدم والضمير في (غير مفسدها) للديار (اي غير مفسد للديار وهو) اى غير مفسدها (حال) مقدم (عن فاعل سقى اعني قوله صوب الربيع اي نزول المطر ووقوعه في الربيع) فاضافة الصوب الى الربيع من اضافة المظروف الى الظرف كصلوة الليل فالاضافة على تقدير فى (وديمة) بكسر الدال المطر المسترسل واقله ما بلغ ثلث النهار او الليل واكثره بلغ اسبوعا وقبل المطر الدائم الذى لا رعد فيه ولا برق (وتهمى) بفتح التاء ماخوذ من همي الماء والدمع اذا سال ومن هنا فسره بقوله (اى تسيل) والشاهد


في قوله غير مفسدها (لان نزول المطر) يوهم خلاف المقصود اي يوهم انه دعاء على الممدوح (لانه) اى نزول المطر (قد يكون سببا لخراب الديار وفسادها فدفع ذلك بتوسط قوله غير مفسدها) وليعلم ان هذا كله اذا اريد بالصوب النزول المطلق واما اذا اريد به ان يكون على قدر النفع كما احتمله بعض المحققين كان حينئذ من التتميم وسياتي بيانه.

(والثاني) اي ما كان الدافع لايهام خلاف المقصود واقعا في اخر الكلام (نحو قوله تعالى (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) فانه لو اقتصر على وصفهم بالذلة على المؤمنين لتوهم) نظرا الى ظاهر لفظ الذل من غير مراعاة قرنية المدح (ان ذلك لضعفهم) وهذا خلاف ما قصد من الكلام لان المقصود منه مدحهم بما يدل على موالاة المؤمنين ومعاملتهم بما يرضيهم لان اذلة من التذلل والخضوع لا من الذلة والهوان (فاتى على سبيل التكميل بقوله (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) دفعا لهذا الوهم واشعارا بان ذلك تواضع منهم للمؤمنين) والتواضع انما يكون عن رفعة لا لنفي قوتهم ومن هنا قيل بالفارسية.

تواضع ز گردن فرازان نكو است

گدا گر تواضع كند خوى او است

(ولهذا) اى لاجل كون ذلك الذل تواضعا منهم (عدى الذل بعلى لتضمنه معنى العطف) مع انه في الاصل يتعدى باللام فيقال ذل له (كانه قيل عاطفين عليهم على وجه التذلل) وخفض الجناح (والتواضع) هذا الوجه مبنى على قاعدة التضمين وفيها بحث ذكرناه في المكررات في باب حروف الجر فراجع ان شئت (ويجوز ان يكون التعدية بعلى للدلالة على انهم مع شرفهم وعلو طبقتهم وفضلهم وعلى


المؤمنين خافضون لهم اجنحتهم) اى ملينون لهم جانبهم حاصل هذا الوجه انه لا يراعي التضمين في الذلة بل تبقى الذلة على معناها وان فهم من القرائن انها عن رحمة وانما التجوز في استعمال كلمة على موضع اللام للاشارة الى ان لهم رفعة واستعلاء على غيرهم من المؤمنين وان تذللهم تواضع منهم لا عجز والفرق بين الوجهين انه على الاول وجود التضمين في الفعل وانتفائه على الثانى وانما استعمل الحرف موضع حرف اخر وفيه كلام ذكره ابن هشام في حرف الباء وهذا نصه مذهب البصريين ان احرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس كما ان احرف الجزم واحرف النصب كذلك وما اوهم ذلك فهو عندهم اما مؤل تاويلا يقبله اللفظ كما قيل في ولاصلبنكم في جذوع النخل ان في ليست بمعنى على ولكن شبه المصلوب لتمكنه من الجذع بالحال في الشيىء واما على تضمين الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف كما ضمن بعضهم شربن في قوله شربن بماء البحر معنى روين واحسن في وقد احسن بي معنى لطف واما على شذوذ انابة كلمة عن اخرى وهذا الاخير هو محمل الباب كله عند اكثر الكوفيين وبعض المتاخرين لا يجعلون ذلك شاذا ومذهبهم اقل تعسفا.

(ومن هذا القسم) من الاطناب (قول كعب بن سعد الغنوي

حليم اذا ما الحلم زين اهله

مع الحلم في عين العدو مهيب

(فانه لو اقتصر على وصفه بالحلم لاوهم ان ذلك من عجزه فازال ذلك الوهم بان حلمه انما هو في وقت تزبين الحلم لاهله وهذا انما يكون عند القدرة والا لم يكن زينا) هذا كله في المصراع الاول.

(واما المصراع الثاني فزعم المصنف انه تاكيد للازم ما يفهم من


قوله اذا ما الحلم زين اهله وهو) اي ما يفهم من قوله اذا ما الحلم زين اهله (انه غير حليم حين لا يكون الحلم زينا لاهله فان من لا يكون حليما حين لا يحسن الحلم) لاهله (يكون مهيبا في عين العدو لا محالة فيكون هذا تذييلا لتاكيد المفهوم لا تكميلا كما زعم بعض الناس وفيه) اى في ما زعم المصنف (نظر لانا لا نسلم ان من لا يكون حليما حين لا يحسن العلم) لاهله (يكون مهيبا في عين العدو لجواز ان يكون غضبه مما لا يهاب ولا يعبأ به) اي لا يعتني به كغضب بعض السفلة والسوقة.

(والذى يخطر بالبال ان معنى البيت الطف وادق مما يشعر به كلام المصنف وان المصراع الثاني تكميل) واحتراس عما يوهمه ما قبله (وذلك لان كونه) اي الممدوح (حليما في حال يحسن فيه الحلم يوهم انه في تلك الحالة ليس مهيبا لما به من البشاشة وطلاقة الوجه وعدم اثار الغضب والمهابة فنفى ذلك الوهم بقوله مع الحلم في عين العدو مهيب يعني انه مع الحلم في تلك الحالة التي يحسن فيها الحلم بحيث يهابه العدو لتمكن مهابته في ضميره) اى في ضمير العدو (فكيف في غير تلك الحالة) التي يحسن فيها الحلم.

(واما) الاطناب (بالتتميم وهو ان يوتي في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة) اي ما ليس احد ركني الكلام كالمفاعيل الخمسة والمجرور والحال والتمييز والتوابع سواء توقف اصل المعنى المراد عليه ام لا فالمراد من الفضلة ههنا الفضلة بالمعنى الاعم لا بالمعنى الاخص وقد بينا الفرق بينهما في المكررات في بحث الحال والتنازع فراجع يفيدك (لنكتة) هذا زيادة بيان لان النكتة والفائدة كما تقدم في اول الباب


شرط في كل ما حصل به الاطناب والا كان تطويلا.

والنكتة (كالمبالغة) في المدح الذي سبق له الكلام (نحو) على حبه في (قوله تعالى) في مدح على عليه‌السلام واهل بيته ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً) في وجه وهو ان يكون الضمير في حبه للطعام لا لله تعالى (اي يطعمونه) اى الطعام (مع حبه) اى مع حبهم له واشتهائهم اياه (والاحتياج اليه و) اما (اذا جعل الضمير) في (لله اي يطعمونه) اى الطعام (على حب الله تعالى) اى قربة الى الله لا لرياء وسمعة (فلا يكون) حينئذ (مما نحن فيه) اى من التتميم ولا يكون للمبالغة في المدح الذي سبق له الكلام (لانه) على هذا الوجه لتادية اصل المراد وهو مدحهم بالسخاء والكرم لان الانسان لا يمدح شرعا الا على فعل لاجل الله تعالى وبعبارة اخرى اذا كان الجار والمجرور اى على حبه بناء على هذا الوجه لتادية اصل المعنى المراد كان مساواة لا اطنابا فلا يكون تتميما لان التتميم نوع من الاطناب.

وكتقليل المدة في قوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) والشاهد في انه (ذكر ليلا مع ان الاسراء لا يكون الا بالليل للدلالة على التقليل وهو انه اسرى في بعض الليل) لا في كله.

قال في الكشاف فان قلت الاسراء لا يكون الا بالليل فما معنى ذكر الليل قلت اراد بقوله ليلا بلفظ التنكير تقليل مدة الاسراء وانه اسرى به في بعض الليل من مكة الى الشام مسيرة اربعين ليلة وذلك ان التنكير فيه قد دل على معنى البعضية ويشهد لذلك قرائة عبد الله وحذيفة من الليل كقوله (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً) يعني الامر بالقيام في بعض الليل انتهى.


(واما) الاطناب (بالاعتراض وهو) اي الاعتراض ان يؤتي في اثناء كلام) واحد فخرج بقيد الاثناء الايغال لانه كما مر ختم الكلام الواحد بما يفيد نكتة لا يتم المعنى بدونه هذا ولكن قال شمني في حاشية منه على قول ابن هشام في الباب الثاني في التنبيه الذي يذكره في اخر بحث الجملة المعترضة ان قوما من البيانيين جوزوا وقوع الاعتراض اخر جملة لا يليها جملة متصله بها معنى بان لا يليها جملة اصلا فيكون الاعتراض في اخر الكلام او يليها جملة غير متصلة بها معنى وهذا صريح في مواضع من الكشاف انتهى وسياتي مثل هذا الكلام في اخر المبحث مع بيان اختلاف هؤلاء القوم فانتظر (او بين كلامين متصلين معنى) سيبين المراد من الاتصال المعنوي بعيد ذلك (بجملة) واحدة (او اكثر) من جملة واحدة وقد نسب ابن هشام في بحث الجمل التي (لا محل لها من الاعراب) الى الزمخشري القول بجواز الاعتراض بسبع جمل وقد مثل بعضهم لذلك بقوله تعالى (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) الى قوله تعالى (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وذلك اذا جعل هذا حالا من قوله (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) وجعل (ذَواتا أَفْنانٍ) خبر مبتدء محذوف (لنكتة سوى دفع الايهام) فخرج بقيد عدم المحل التتميم لوجود الاعراب فيه وبقيد سوى دفع الايهام التكميل لان فيه دفع الايهام فالخارج ثلاثة امور وبقى بعض صور التذييل وهو ما اذا كانت الجملة المعترضة مشتملة على معنى ما قبلها وكانت النكتة التاكيد لان سوى الايهام شامل للتاكيد وفي المقام كلام ياتي عنقريب وليعلم انه (ليس المراد بالكلام هو المسند اليه والمسند فقط) والالم يشمل اكثر الامثلة (بل مع جميع ما يتعلق بهما من الفضلات والتوابع) المفردة ولو تاويلا وانما قيدنا بذلك


ليغاير الاعتراض بين الكلامين فهذا كله اذا كان الاعتراض في اثناء كلام واحد (و) اما اذا كان بين كلامين فا (لمراد باتصال الكلامين) معنى (ان يكون) الكلام (الثاني بيانا للأول او تاكيدا له او بدلا منه) او نحو ذلك كان يكون الثاني معطوفا على الاول كما في الاية الثانية المذكورة في الشرح (كالتنزيه في قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ)) اى المشركون ((لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)) هذا مثال للأعتراض في اثناء كلام واحد (فان قوله تعالى (سُبْحانَهُ) جملة لكونه) مفعولا مطلقا (بتقدير الفعل) اى اسبح سبحانه اى انزهه تعالى تنزيها (اوقعت) هذه الجملة (في اثناء الكلام لان قوله (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) عطف على قوله (لِلَّهِ الْبَناتِ)) والعامل في المعطوف هو العامل في المعطوف عليه فالضمير المجرور باللام معمول ليجعل على انه مفعول وفاعله الواو في يجعلون والضمير ان لشيىء واحد اي يجعلون لانفسهم ما يشتهون من الذكور.

فان قلت قد ذكر في النحو كما في المكررات في باب افعال القلوب ان عمل الفعل في ضمير لشييء واحد احدهما فاعل والاخر مفعول ممنوع فلا يقال ضربتني وذلك لان عمله فيهما على ان احدهما فاعل والاخر مفعول يوهم تغايرهما نظرا للغالب من مغايرة الفاعل للمفعول الا في افعال القلوب فانه يجوز فيها ذلك لعدم الايهام السابق لان علم الانسان وظنه بامور نفسه اكثر من علمه وظنه بامور غيره.

قلت اجيب باجوبة ثلاثة الاول ان هذا انما هو فيما اذا جعل الظرف لغوا متعلقا بالجعل بمعنى الاختيار فان جعل مستقرا والجعل بمعنى التصيير اي يصيرون البنات مستحقا لله تعالى وما يشتهون من البنين


مستحقا لهم فلا لان الامتناع انما هو اذا كان الضمير ان معمولين لفعل واحد لا اذا كان احدهما معمولا لمعموله وكذلك اذا كان الجعل بمعنى الاعتقاد لان الفعل حينئذ قلبي.

الثاني ان محل الامتناع فيما اذا لم يكن احد الضميرين مجرورا فان كان مجرورا جاز بدليل قوله تعالى (وَهُزِّي إِلَيْكِ) لانه يتوسع في الجار والمجرور والظرف ما لا يتوسع في غيره كما بين في مواضع متعددة من النحو.

الثالث ان محل الامتناع في غير المعطوف فان كان احد الضميرين معطوفا جاز ذلك لانه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع واحد الضميرين هنا مجرور ومعطوف.

واعترض الجوابان الاخيران بان تعليل المنع السابق المنع مطلقا حتى في هاتين الصورتين لوجود عله المنع فيهما.

واجيب بان وجود علة المنع فيهما لا يستلزم المنع لانهما مستثنيان للمعنى السابق فهما نظير ما تقدم في اول الكتاب في شطط وال ونحوهما من المستثنيات فتذكر.

(والنكتة فيه) اي في الاعتراض في الاية الكريمة (تنزيه الله تعالى وتقديسه عما ينسبون اليه) وهو غير دفع الايهام بل دفع لما اعتقد وافي حقه تعالى من النقص.

(والدعاء اى وكالدعاء في قول عوف ابن محلم الشيباني يشكو عن كبره وضعفه) في قصيدته التي قالها لعبد الله بن طاهر وكان قد دخل عليه فلم عليه عبد الله فلم يسمع فاعلم بذلك فدنا منه وانشده هذه القصيدة معتذرا ومادحا له ومنها.

ان الثمانين وبلغتها

قد احوجت سمعى الى ترجمان


اي ان الثمانين سنة التي مضت من عمرى وبلغك الله ولما ثقل بمضيها قد احوجت سمعي الى ترجمان بفتح الجيم والتاء يجمع على تراجم كزعفران وقد يقال بضم الجيم وفتح التاء وربما ضمت التاء مع الجيم (يقال ترجم كلامه اذا فسره بلسان اخر) هذا معناه في الاصل والمراد هنا التفسير بصوت اجهر من الصرت الاول (فقوله بلغتها) بالبناء للمجهول (جملة معترضة بين اسم ان وخبرها) لقصد الدعاء للمخاطب بطول عمره وبلوغه الثمانين سنة ولا يقال في هذا الدعاء دعاء على المخاطب بالصمم وضعف السمع فلا يناسب ادخال السرور على المخاطب لانا نقول ان الغبطة في طول العمر يغتفر معها ذلك الضعف لعدم امكانه الا به.

(والواو فيه) اى في قوله وبلغتها (اعتراضية ليست عاطفة ولا حالية كما ذكره بعض النحاة) وسياتي الفرق بين الاعتراضية والحالية (وبه) اى بكون الواو اعتراضية لا حالية (يشعر ما ذكره صاحب الكشف في قوله تعالى (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) انها اعتراضية لا محل لها من الاعراب نحو هل اتاها والحوادث جمة) بان امرء القيس بن تملك بيقرا يقال بيقر فلان اي سكن في الحضر وترك البادية والكلام تحزن وتحسر لان سكنى المدينة ذل عند العرب لما فيه من تسلط الحكام والشاهد في قوله والحوادث جمة فانه اعتراض والنكتة فيها قلنا كما التحسر والتحزن (فائدتها) اى فائدة جملة واتخذ الله ابراهيم خليلا (تاكيد) ما يدل عليه قوله تعالى (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) من (وجوب اتباع ملته) اي ملة ابراهيم (ص) لان من بلغ من الزلفى عند الله ان اتخذه خليلا كان جديرا بان تتبع ملته وطريقته كذا في الكشاف


ثم قال (ولو جعلتها عطفا على الجملة قبلها) اى على واتبع ملة ابراهيم حنيفا (لم يكن لها معنى) اذ لا مناسبة بينهما ولا جامع غير التاكيد.

(ومثله ما ذكره) صاحب الكشاف في قوله تعالى) في قصة مريم (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) انه) اي كل واحدة من هاتين الجملتين (اعتراض بين قوله (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) وقوله (إِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ)) وانما قلنا كل واحدة من هاتين الجملتين فانه صرح بذلك حيث قال فان قلت علام عطف قوله (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) قلت هو عطف على (إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) وما بينهما جملتان معترضتان كقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) انتهى.

(ومثل هذا الاعتراض) الذي يكون مع الواو (كثيرا ما يلتبس بالحال والفرق دقيق) فلا يعين احدهما الا قصد المتكلم فان قصد كون الجملة قيدا للعامل فهي حالية والا فهو اعتراضية وقد (اشار اليه) الى وجه الفرق وكونه بالقصد (صاحب الكشاف في قوله تعالى (اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) ان قوله (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) يحتملهما فانه ان قصد انه قيد للعامل فهو (حال) عن فاعل (اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ) (اي عبدتم العجل وانتم واضعون العبادة في غير موضعها) لان الظلم وضع الشيىء في غير موضعه (او) يكون القصد من قوله (وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ) التاكيد لظلمهم فهو (اعتراض) في اخر الكلام (اي وانتم قوم عادتكم الظلم) فهو جملة مستقلة لم يقصد ربطها بالعامل ولا كونها في وقته.

(والتنبيه في قوله اى كالتنبيه في قول الشاعر)

فاعلم فعلم المرء ينفعه

ان سوف ياتي ما قدرا


(ان هي مخففة من المثقلة وضمير الشان) اسمها (محذوف) او ضمير مخاطب للمامور بالعلم اى انك سوف ياتي كل ما قدرا كما اجازه سيبويه وجماعة في ان يا ابراهيم قد صدفت الرؤيا كذا في حاشية المغنى في الباب الثاني فى بحث الجملة المعترضة وخبرها جملة سوف ياتي كل ما قدرا (يعني ان المقدر) اى ما قدره الله تعالى (ات وان وقع فيه تاخير) اذ لا راد لقضائه (وفي هذا تسلية وتسهيل للامر) وذلك لان الانسان اذا علم ان ما قدره الله تعالى ياتيه ولا بد منه طال الزمان او قصر وان لم يطلبه وما لم يقدره لا ياتيه وان طلبه تسلى قلب ذلك الانسان وسهل عليه الامر يعني الصبر والتفويض الى الله وترك منازعة الاقدار والى هذا المعنى يشير ما نسب الى امام الموحدين.

اي يومين من الموت افر

يوم ما قدر ام يوم قدر

وكذا ما قيل بالفارسية اي طالب روزي بنشين كه بخورى واى مطلوب اجل مرو كه جان نبرى (و) الشاهد في (قوله فعلم المرء ينفعه) فانه (جملة معترضة بين اعلم ومفعوليه) الاولى ان يقول والجملة السادة مد مفعوليه فتنبه (والفاء) في قوله فاعلم (اعتراضية) قال ابن هشام في بحث الجملة المعترضة في تعداد ما يميز المعترضة عن الحالية (وفيها شائبة من السببية) اذ كانه يقول وانما امرتك بالعلم بسبب ان علم المرء ينفعه ايها المخاطب فهذا مما يفيد التنبيه بعد امره بالعلم ان العلم يفيده فالنكتة في هذا الاعتراض التنبيه على امر يؤكد الاقبال على ما امر به.

(ومما جاء اي من الاعتراض الذى وقع بين كلامين وهو) اي


الاعتراض (اكثر من جملة ايضا كما ان الواقع هو) اى الاعتراض (اكثر من جملة) فيها تمثيلان تمثيل ما جاء بين كلامين وتمثيل ما هو اكثر من جملة (قوله تعالى (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) فقوله (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) اعتراض من جملة) وان كانت الجملة الثانية في محل المفرد هذا اذا قدر كما هو الظاهر الثانية معطوفة على جملة يحب التوابين التى هي خبر ان.

واما اذا بنينا على ان المراد بالجملة ما لم تكن فى محل المفرد وهو الاظهر فانما يصح التمثيل اعنى كون الاعتراض اكثر من جملة اذا قدر عطف ويحب المتطهرين على مجموع ان الله يحب التوابين اما بتقدير او بدون التقدير لانها ليست فى محل المفرد حينئذ وذلك لما قرر في محله من ان المعطوف على الاول اول وان كان المعطوف حاوية على على ضمير عائد على ما في الاول ومن المعلوم انه اذا بنينا على ان المراد بالجملة ما لم تكن في محل المفرد وقلنا ان العطف اى عطف ويحب المتطهرين على يحب التوابين فليس هنا جملتان فليس الاعتراض باكثر من جملة بل بجملة واحدة فقط وذلك لماء تقرر في محله من ان المعطوف على الثاني ثان.

وكيفكان فالاعتراض في الاية (بين كلامين متصلين معنى) وهما قوله تعالى (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) وقوله (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (واشار الى اتصالهما بقوله فان قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) بيان لقوله تعالى (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) يعنى ان) المكان (الماتي الذي امركم به هو مكان الحرث) فيكون المستفاد منه ان النساء كمحل


الحراثة الحسية في طلب ما ينمو منهن بالقاء المنى الذي هو كالبذر (لان الغرض الاصلى في الاتيان طلب النسل) الذي هو اهم الامور المطلوبة منهن لما فيه من بقاء النوع الانساني (لاقضاء الشهوة فلا تاتوهن الا من حيث يتاتى منه هذا الغرض) الاصلى (والنكتة في هذا الاعتراض الترغيب فيما امروا به) الذي من جملته الاتيان من مكان الحرث (والتنفير عما نهوا عنه) الذي من جملته اتيانهن من غيره وذلك لان الاخبار بمحبة الله للتائبين اى الراجعين عما نهوا عنه الى ما امروا به والمتطهر من اوساخ الذنوب ولمنهيات بسبب التوبة مما يؤكد الرغبة فى المامور به وترك المنهى عنه وذلك مؤثر فيمن كان له قلب سليم.

(ومن نكت الاعتراض تخصيص احد المذكورين كالوالدين في الاية (بزيادة التاكيد في امر) كالوصية بالوالدة في الاية على ما سيصرح به (علق بهما) اى بالمذكورين يعنى الوالدين (كقوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) فقوله (أَنِ اشْكُرْ لِي) تفسير ل (وَصَّيْنَا)) فهما متصلان معنى (وقوله (حَمَلَتْهُ) اعتراض بينهما ايجابا) اي للايجاب والتثبت (للوصية بالوالدة خصوصا وتذكيرا لحقها العظيم).

والحاصل ان جملة حملته اعتراض يفيد تاكيد شكر الوالدة وهي احد الامرين المتعلق بهما الوصية بالشكر لدلالة هذا الاعتراض على ان الوالدة لها مزيد التعلق بالانسان اي بالولد وشدة الارتباط بمشقة القيام باموره فاستحقت بذلك او لويتها بالشكر قضاء لحقها واداء لشكر تعبها وقد تواترت الاخبار عليه عن المعصومين عليهم‌السلام.

(ومنها) اى من نكت الاعتراض (المطابقة والاستعطاف) كما


(في قول ابي الطيب.

وخفوق قلب لو رايت لهيبه

يا جنتي لرايت فيه جهنما

(فقوله يا جنتي اعتراض) بين الشرط والجزاء (للمطابقة) اي مطابقة الجنة مع جهنم (والاستعطاف) اى لاستعطاف محبوبه اي طلب عطوفته بسبب اضافة الجنة الى ياء المتكلم وتسميته جنة ليرق له ويعطف عليه فينجيه من جهنم التى في فواده بسبب الوصال وقريب من هذا المعنى ما قاله الشاعر الفارسي.

يا رب اين اتش كه بر جان من است

سرد كن زانسان كه كردى بر خليل

(ومنها بيان السبب لامر فيه غرابة كما في قول الشاعر.

فلا هجره يبدو وفي الياس راحة

ولا وصله يصفو فنكارمه

(فان كون هجر الحبيب مطلوبا للمحب امر غريب فبين سببه بان في الياس راحة) فهي المطلوبة لا ان الهجر نفسه مقصودة الى هنا كان الكلام في الاعتراض مبنيا على ما قاله الجمهور من البيانيين.

(وقال قوم) منهم (قد يكون النكتة فيه اى في الاعتراض غير ما ذكر) من النكات (مما سوى دفع الايهام) والمراد بالسوى التنزيه والدعا والتنبيه (بل يجوز) عند هؤلاء القوم (ان يكون الاعتراض لما ذكر من النكات ولدفع ايام خلاف المقصود) حاصل الكلام في المقام ان هؤلاء القوم لا يقيدون الاعتراض بما ذكر (في المتن السابق من كونه لنكتة سوى دفع الايهام بل يجوز عندهم كما صرح في الايضاح ان تكون النكتة فيه الامور الثلاثة المتقدمة وان تكون دفع توهم ما يخالف المقصود (ثم جوز بعضهم وقوعه يعني ان القائلين بان


النكتة في الاعتراض قد يكون دفع الايهام ايضا) كما تكون النكتة فيه ما ذكر (افترقوا فرقتين فجوز فرقة منهم) كما نقلنا في اول المبحث عن شمنى (وقوع الاعتراض اخر جملة) اى بعد جملة (لا يليها جملة) اخرى (متصلة بها) وذلك على قسمين الاول (بان لا يليها جملة اصلا فيكون الاعتراض في اخر الكلام) والثاني ما ذكره بقوله (او يليها جملة غير متصلة بها معنى وهذا) الذي جوزه فرقة منهم (صريح في مواضع من الكشاف) فراجعه (فيكون الاعتراض عند هؤلاء) الفرقة (ان يؤتي في اثناء الكلام او اخره او بين كلامين متصلين او غير متصلين بجملة او اكثر لا محل لها من الاعراب لنكتة) سواء كانت تلك النكتة دفع الايهام او غيره كالتنزيه والدعاء والتنبيه (لانهم) اى هؤلاء الفرقة (لم يخالفوا الاولين) اى الجمهور (الا في) شيئين احدهما (جواز كون النكتة دفع الايهام) ايضا (و) ثانيهما (جواز ان لا يليها جملة متصلة بها فيبقى اشتراط ان لا يكون لها محل من الاعراب بحاله) فهذا لم يقع فيه خلاف.

(فيشمل الاعتراض بهذا التفسير) الذي عند هؤلاء الفرقة (التذييل) بجميع صوره لان التذييل كما تقدم انفا يشترط فيه ان يكون بجملة لا محل لها من الاعراب فان قيد عدم المحل من الاعراب وان لم يذكره المصنف لكنه اشار اليه بالامثلة المذكورة في كلامه لان جملة التذييل في تلك الامثلة لا محل لها من الاعراب وسياتي ما يؤيد ذلك بعيد هذا فالاعتراض الذي وقع في الجملة للتاكيد تسمى باسمين التذييل والاعتراض (و) يشمل ايضا (بعض صور التكميل وهو ان يكون بجملة لا محل لها من الاعراب كما في قول الحماسي.


وما مات منا سيد في فراشه

ولا طل منا حيث كان قتيل

(فان المصراع الثاني اعتراض بهذا التفسير لانه جملة لا محل لها من الاعراب وقع بعد جملة لدفع الايهام كما انه (تكميل) فانه لدفع ايهام خلاف المقصود وذلك (لانه) اى الشاعر (لما وصف قومه بشمول القتل اياهم اوهم ان ذلك لضعفهم وقلتهم) وهذا خلاف ما قصده الشاعر لان المقصود بقرينة المقام التفاخر بشجاعة قومه وبانه لم يمت رئيس منهم الا في الحرب (فازال ذلك الوهم بوصفهم) اى بوصف قومه (بالانتصار) اى بالانتقام (من قاتليهم) فلا يطل دم قتيل منهم في اى موضع قتل وذلك لكونهم اقوياء كثيرين لا ضعفاء قليلين.

(وكلامه ههنا) اي قوله فيشمل التذييل (دال على ان الجملة في التذييل يجب ان لا يكون لها محل من الاعراب) وذلك لان شمول الاعتراض بهذا التفسير للتذييل مطلقا انما يصح اذا لم يكن له اى للتذييل محل من الاعراب (وهذا) الذي يدل عليه كلامه ههنا (مما لم يشعر به تفسيره) اى تفسير التذييل وهو قوله فيما تقدم وهو تعقيب الجملة بجملة تشتمل على معناها للتوكيد (لجواز ان يكون) اي يوجد (جملة ذات محل من الاعراب تعقب بجملة اخرى مشتمله على معناها معربة باعرابها) حالكون هذه الجملة الاخرى (بدلا منها) اى من الجملة التى هي ذات محل من الاعراب (او تاكيدا) لها (و) مع ذلك (يكون الغرض منها) اى من الجملة الاخرى (تاكيد) الجملة (الاولى) التى هي ذات محل من الاعراب فيصدق حينئذ على الجملة الاخرى التفسير المذكور للتذييل وذلك يخالف ما دل عليه كلامه


ههنا (اللهم الا ان يقال انه اعتمد في هذا الاشتراط) اى في اشتراط ان لا يكون للجملة فى التذييل محل من الاعراب (على الامثلة) لانه قد يكون كما صرح به السيوطي اعطاء الحكم بالمثال من دون ان يصرح به بالمقال (و) ليعلم (ان الاعتراض بهذا التفسير) بل بكل تفسير (يباين التتميم لانه) كما تقدم في تفسيره (انما يكون بفضله والفضلة) مطلقا اي جملة كانت او غيرها (لا بد لها من الاعراب) والاعتراض انما يكون بجملة لا محل لها من الاعراب وتباين اللوازم يدل على تباين الملزومات.

(وبعضهم اي وجوز الفرقة الثانية من القائلين بان النكتة في الاعتراض قد يكون دفع الايهام كونه اي كون الاعتراض غير جملة فالاعتراض عندهم) اى عند هذه الفرقة الثانية (ان يوتي في اثناء الكلام او بين كلامين متصلين معنى بجملة او غيرها لنكتة فيشمل الاعتراض بهذا التفسير بعض صور التتميم) وهو ما كان واقعا في اثناء كلام او بين كلامين متصلين معنى وكذا يشمل بعض صور التذييل ولكن لما كان اصل التفسير شاملا له ايضا وكان الغرض ههنا ذكر ما يخص هذا التفسير لم يتعرض له.

(و) يشمل ايضا (بعض صور التكميل وهو ما يكون واقعا في اثناء الكلام او بين كلامين متصلين معنى وتقرير كلامه) المذكور ههنا (على ما ذكرنا ظاهر) لانه اقتصر على ما ذكر في المتن ولم يزد عليه ما زاده في الايضاح في بيان شمول الاعتراض بهذا التفسير صور التتميم واشار الى ذلك بقوله (واما على ما ذكره في الايضاح حيث قال وفرقة تشترط في الاعتراض ان يكون في اثناء الكلام او بين


كلامين متصلين معنى لكن لا تشترط) هذه الفرقة (ان يكون جملة او اكثر من جملة فحينئذ يشمل) الاعتراض (من التتميم ما كان واقعا في احد الموقعين) اى في اثناء الكلام او بين كلامين متصلين معنى (ولا محل له من الاعراب جملة كان او اقل من جملة) وذلك بان يكون مفردا وهذا هو الذي زاده في الايضاح فصار منشاء للاشكال والاختلال واشار الى ذلك بقوله (ففيه اختلال) واشكال (لانه) اي الشان (اما ان يشترط في الاعتراض عند هؤلاء ان يكون له محل من الاعراب او لا يشترط فان اشترط ذلك لم يصح تجويز كونه) اى كون الاعتراض (غير جملة) اي مفردا وبعبارة اخرى لم يصح قوله او اقل من جملة (لان المفرد لا بد له في الكلام من الاعراب ولم يشمل شيئا من التتميم اصلا لانه) اي التتميم (انما يكون بفضلة ولا بد للفضلة من اعراب وان لم يشترط ذلك (فلا حاجة الى قوله ولا محل من الاعراب لانه) اى الاعتراض (يشمل) عند الجميع (من التكميل ما كان واقعا في احد الموقعين) اي في اثناء الكلام او بين كلامين متصلين معنى (سواء كان له محل من الاعراب او لا يكون) له محل من الاعراب

(اللهم الا ان يقال ان الاعتراض اذا كان جملة يشترط عند هؤلاء ان لا يكون لها محل من الاعراب) فبهذا التوجيه البعيد يمكن تصحيح قوله ولا محل له من الاعراب (واما قوله جملة كان او اقل من جملة او اكثر) من جملة (فهو) ظاهر بحيث لا يمكن تصحيحه بوجه من الوجوه (لان ما هو اقل من جملة لا بد من ان يكون له اعراب) هذا ولكن يمكن تصحيح ذلك على بعض الاقوال في اسماء الافعال لو كان الاعتراض بها (ففي الجملة كلامه لا يخلو عن خبط) واختلال


والله العالم بحقيقة الحال والمقال.

(واما بغير ذلك اى الاطناب يكون اما بالايضاح بعد الابهام واما بكذا وكذا واما بغير ذلك كقوله تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) الشاهد في الاطناب بقوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) لنكتة هي اظهار شرف الايمان للترغيب فيه (فانه لو اختصر) ولم يطنب (لم يذكر ويومنون به لان ايمانهم لا ينكره من يثبتهم) وبعبارة اخرى انما قلنا ان قوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) اطناب لان ايمانهم لا ينكره ولا يجهله من يخاطب بهذا الكلام (فلا حاجة الى الاخبار به) اي بايمانهم (لكونه معلوما) للمخاطب فليس فيه فائدة ولا لازم فائدة وقد تقدم في اول الفن الاول انه لا شك ان قصد المخبر بخبره افادة المخاطب اما الحكم او كونه عالما به ويسمى الاول فائدة الخبر والثاني لازمها واذا لم يكن قصده ذلك فلا بد من ان يكون في الكلام شيىء اخر يحسنه كما اشير الى ذلك هناك من انه كثيرا ما يورد الجملة الخبرية لاغراض اخر سوى افادة الحكم او لازمه الى اخر ما ذكر هناك.

(و) اما فيما نحن فيه فانما (حسن ذكره اى ذكر قوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) اظهار شرف الايمان) اى المدلول لجملة يومنون به لانها سيقت مساق المدح فاتى بها لاجل اظهار شرف مدلولها (و) لاجل اظهار (انه) اى الايمان (مما يتحلى به حملة العرش ومن حوله ترغيبا فيه اى في الايمان) وذلك لان مدح الملئكة الحاملين للعرش ومن حوله يدل على انه وصف شريف بحيث يمدح به حملة العرش ومن حوله فيرغب فيه الاذكياء.


(وكون هذا الاطناب غير داخل فيما سبق) كما صرح به في المتن انفا (ظاهر بالتامل فيها) اى في الاية او في الامثلة المذكورة فيما سبق للانواع المتقدمة اما ان هذا الاطناب ليس من الايضاح ولا من التكرار فواضح لان قوله تعالى (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) ليس ايضا حالما قبله ولا تكرارا له واما انه ليس من الايغال فلان قوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) ليس ختما للشعر ولا للكلام كما هو الايغال اذ قوله (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) عطف على ما قبله فليس ختما واما انه ليس تكميلا فلان قوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) ليس لدفع الابهام المعتبر في التكميل واما انه ليس من التتميم فلان قوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) ليس فضلة وذلك واضح واما انه ليس من الاعتراض ففيه اشكال من جهة ان قوله (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) كما قلنا عطف على قوله (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ) فبينهما اتصال معنى فليزم ان يكون ويؤمنون به معترضة بينهما اللهم الا ان يقال ان الواو فيه اى في قوله (وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) للعطف لا للاعتراض فتخرج بذلك عن الاعتراض فيصح بذلك قوله واما بغير ذلك فتامل.

(ومن الامثلة التى اوردها المصنف في هذا المقام) من الايضاح اى في مقام كون الاطناب بغير ذلك المذكور فيما سبق (قولهم رايته بعيني وقوله تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ)) ما ليس في قلوبهم وليعلم انه ليس المذكور في نسخة الايضاح التي عندى هذه الاية بل قوله تعالى (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) (و) ايا ما كان (فيه نظر لان هذا داخل في التتميم اذ قد اتى فيه بفضلة) وهو قوله بافواههما او بافواهكم (لنكتة هي التاكيد والدلالة على ان هذا قول يجري على السنتهم من غير ان يكون ترجمة عن علم في القلب).


قال في الكشاف فان قلت ما معنى قوله (بِأَفْواهِكُمْ) والقول لا يكون الا بالفم قلت معناه ان الشيىء المعلوم يكون علمه في القلب فيترجم عنه اللسان وهذا الافك (اى الافك الذي نسبه المنافقون الى ام المؤمنين عائشة وهو مذكور في التفاسير) ليس الا قولا يجري على السنتكم ويدور في افواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب كقوله تعالى (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) انتهى وقال المحشى هناك انه يحتمل ان يكون المراد المبالغة او تعريضا بانه ربما يتمشدق ويقضى تمشدق جازم عالم وهذا اشد واقطع وهو السر الذي انباء عنه قوله تعالى (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) انتهى.

(ومنها) اي ومن التي الامثلة اوردها المصنف في هذا المقام من الايضاح (قوله تعالى (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) بعد قوله (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) في الحج وسبعة (إِذا رَجَعْتُمْ) لازالة توهم الاباحة فان الواو) كما بين ابن هشام في حرف الواو (تجيىء للاباحة في نحو جالس الحسن وابن سيرين الا انه لو جالسهما جميعا او واحدا منهما كان ممتثلا وفيه نظر لانه حينئذ) اى حين اذا كان لازالة توهم الاباحة (يكون من باب التكميل اعني الاتيان بما يدفع خلاف المقصود) فليس هذا الاطناب بغير ذلك المذكور فيما سبق كما توهمه المصنف في الايضاح (ومنها قوله تعالى (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) فانه لو اختصر) ولم يطنب لترك قوله (يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ)) اذ لا حاجة اليه فيما هو المقصود من الاية (لان مساق الاية لتكذيب المنافقين في دعوى الاخلاص في الشهادة) وفي دعوى كونها من صميم القلب على ما بين في اول الكتاب


في بحث الصدق والكذب.

(و) انما (حسنه) اى ذكر قوله (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) مع انه خارج عن المقصود من الاية (دفع توهم انهم كاذبون في نفس الامر) اى في المشهود به اعني رسالة الله (ص) وقد تقدم الكلام في ذلك هناك مستقصى فراجع ان شئت (وفيه) ايضا (نظر لانه ايضا من قبيل التكميل او من) قبيل (الاعتراض عند من يجوز كون النكتة فيه اي في الاعتراض دفع الابهام) وقد مر ذلك انفا.

(واعلم انه كما يوصف الكلام بالايجاز والاطناب باعتبار كونه ناقصا عما يساوي اصل المراد او زائدا عليه حاصله انه قد تقدم انه قد يوصف الكلام بالايجاز انه ادى به اصل المعنى حالكونه اقل من عبارة المتعارف مع كونه وافيا بالمراد وقد يوصف بالاطناب باعتبار انه ادى اصل المعنى المراد مع زيادة على المتعارف لفائدة (فكذلك قد يوصف الكلام بالايجاز والاطناب باعتبار كثرة حروفه وقلتها) اى الحروف (بالنسبة الى كلام اخر مساو له اى لذلك الكلام) الاقل حروفا واكثرها (في الاصل المعنى) المراد فيقال للاكثر منهما اطناب وللاقل ايجاز وان تساويا في اصل المعنى المراد فمرجع التوصيف الاول الذى كان الكلام فيما سبق فيه هو قلة المعنى المراد وكثرته لفائدة ومرجع التوصيف الذي يبين ههنا قلة الحروف وكثرتها وان كان على التوصيف الاول مساواة او ايجازا او اطنابا) وذلك (كقوله اي قول ابي تمام).

يصدّ عن الدنيا اذا عن سودد

ولو برزت في زى عذراء ناهد

(يصد) بفتح الياء وكسر الصاد (اى يعرض) بضم اوله


من باب الافعال كيكرم (عن الدنيا اذا عن اي ظهر) له (سودد اى سيادة) حاصله ان هذا الممدوح يعرض عن الدنيا التى فيها الراحة والنعمة بالغني اذا ظهر له سيادة ورفعة بغير تلك الدنيا والراحة والنعمة (وتمامه) اى تمام البيت (ولو برزت) اى ظهر تلك الدنيا (في زى عذراء ناهد الزي الهيئة والعذراء البكر والناهد المرئة التي نهد ثديها اي ارتفع وقوله اى كقول الشاعر).

ولست بنظار الى جانب الغنى

اذا كانت العليا في جانب الفقر

حاصل معنى البيت اني لا التفت الى المال والراحة والنعمة مع الخمول اذا رايت العز والرفعة في التعب والمشقة لانه (اراد بالغنى مسببه اعني الراحة وبالفقر المحنة) والمشقة (يعني ان السيادة مع التعب والمشقة احب اليه من الراحة والدعة بدونها) فتحصل من ذلك انه اى الشاعر (يصفه) اى يصف نفسه بالميل الى المعالى) وقريب من ذلك ما قيل بالفارسية.

بدست اهك تفته كردن خمير

به از دست بر سينه پيش امير

فمصراع ابي تمام ايجاز بالنسبة الى) مجموع (هذا البيت لمساواته) اى مساواة هذا البيت (له) اي للمصراع الاول من بيت ابي تمام (في اصل المعنى) المراد (مع قلة حروفه والبيت اطناب بالنسبة اليه ومثل هذا الايجاز يجوز ان يكون ايجازا بالتفسير السابق) وذلك اذا كان اقل من عبارة المتعارف (و) يجوز (ان يكون مساواة) وذلك اذا كان بمقدارها (و) يجوز (ان يكون اطنابا) وذلك اذا كان اكثر منها لفائدة (وكذا مثل هذا الاطناب) يجوز ان يكون اطنابا بالتفسير السابق وذلك اذا كان اكثر من عبارة المتعارف لفائدة ويجوز


ان يكون مساواة وذلك اذا كان بقدرها ويجوز ان يكون ايجازا وذلك اذا كان اقل منها.

(ويقرب منه اي من هذا القبيل) الذي حصلت فيه المساوات في اصل المعنى المراد مع كون العبارتين ايجازا لقلة الحروف والاخرى اطنابا لكثرتها لا لزيادة فيه لفائدة (قوله تعالى (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) وقول) الشاعر (الحماسي) اى المنسوب الى الحماسة وهي الشجاعة لتعلق شعره بها والمراد به هنا السموئل بن عاديا اليهودي.

وننكر ان شئنا على الناس قولهم

ولا ينكرون القول حين نقول

(اى نغير ما نريد تغييره من قول غيرنا واحد لا يجسر على الاعتراض علينا انقيادا لهوانا واقتداء بحزمنا يصف رياستهم ونفاذ حكمهم ورجوع الناس فى المهمات الى رايهم فالاية ايجاز بالنسبة الى البيت وانما قال ويقرب) ولم يقل ومنه (لان ما في الاية يشمل كل فعل والبيت مختص بالقول وان كان يلزم منه عموم الافعال ايضا) وذلك لان عدم القدرة على انكار الاقوال مستلزم لعدم القدرة على انكار الافعال لكن النص على الشيىء ابلغ فمعنى الاية اعم (والله اعلم) بحقيقة الحال (تم علم المعاني بعون الله وحسن توفيقه ونحمده على جزيل نواله ونصلى على النبي محمد وآله ونسئله التوفيق لاتمام القسمين الاخيرين بمنة وجوده) كما اني اسئله التوفيق لشرحهما كما وفقني لشرح القسم الاول وقد كان الفراغ من هذا الجزء الخامس عصر يوم الجمعة ثالث شهر شوال المكرم من شهور السنة التسعين بعد الالف والثلثمائة من الهجرة على هاجرها الاف التحية بجوار مولانا امير المؤمنين عليه صلوات المصلين وكان الشروع فيه ثامن عشر شهر الله من السنة التاسعة بعد الثمانين والحمد لله اولا واخرا وانا العبد المذنب الفاني محمد علي المدرس الافغاني.

المدرس الأفضل - ٥

المؤلف:
الصفحات: 357