بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه

وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين‌

وبعد‌

فهذا هو الجزء الثالث والأخير من دورتنا الفقهية الاستدلالية الموسومة ب «دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي على المذهب الجعفري» ، وبإكمال الطالب لها يكون قد تمّ له الاطلاع على دورة فقهية في امهات المسائل مع الاستدلال عليها باحدث طرق الاستدلال التي تداولها فقهاؤنا الكرام. ومن خلال فهمها واستيعابها يشعر الطالب في أعماقه بتقدمه خطوة الى الإمام نحو ملكة الاستنباط.

وإذا كان الكتاب يشتمل على مواضع تأمل كثيرة فهو في ظني جيد بشكل عام ويحقق بعض الأهداف المنشودة. وباصلاح بقية الاخوة الفضلاء لما زاغ عنا يتم كامل الهدف ان شاء الله تعالى.

أسأله عزّ وجلّ بحق محمّد وآل محمّد ان ينفع به من كتب لأجلهم ويجعله خالصا لوجهه الكريم انه سميع مجيب.

باقر الايرواني

٢٨ / رجب / ١٤١٩ ه‍ قم المشرّفة‌


الأحكام‌

١ ـ القضاء‌

٢ ـ الشهادات‌

٣ ـ الاقرار‌

٤ ـ اللقطة‌

٥ ـ الأطعمة والأشربة‌

٦ ـ الصيد والذباحة‌

٧ ـ الأنفال والمشتركات‌

٨ ـ الارث‌

٩ ـ الحدود‌

١٠ ـ القصاص‌

١١ ـ الديات‌



كتاب القضاء‌

١ ـ القضاء في الشريعة‌

٢ ـ الشروط اللازمة في القاضي‌

٣ ـ كيفية القضاء‌

٤ ـ شروط سماع الدعوى‌

٥ ـ وسائل الاثبات‌

٦ ـ قسمة المال المشترك‌

٧ ـ احكام عامة في القضاء‌



١ ـ القضاء في الشريعة‌

القضاء واجب كفائي. وهو منصب جليل وخطير.

وحكم القاضي نافذ على الجميع ولا يجوز نقضه من قبل قاض آخر الا مع فرض فقدان الاول للشروط المعتبرة في القاضي أو فرض مخالفة حكمه لما ثبت بنحو القطع من الكتاب والسنة الشريفين.

والقاضي على نحوين : القاضي المنصوب وقاضي التحكيم. وحكم كليهما نافذ.

وفي جواز اخذ الاجرة على القضاء كلام بخلاف الرشوة فانها محرمة على الآخذ والدافع بلا خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ المعروف لدى المتقدمين تحديد القضاء بالولاية على الحكم شرعا بين المتخاصمين لفصل الخصومة‌ ، ولدى المتأخرين بالحكم بين المتخاصمين لرفع الخصومة دون مجرد الولاية.

ولعل الانسب الجمع بين الامرين وتحديده بالحكم لفصل‌


الخصومة ممن له الولاية على ذلك شرعا ، فان المفهوم لدى المتشرعة من القضاء ذلك دون مجرد الحكم ولو ممن لا ولاية له عليه ولا مجرد الولاية من دون الحكم.

وقد يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالى : (يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ) (١).

والمطلب لا يستحق الاطالة بعد عدم ترتب ثمرة عليه.

ثم ان حكم القاضي يختلف عن فتوى المفتي في ان الثاني بيان للأحكام الكلية بحسب ما يؤدي إليه نظر المجتهد ، بخلاف الاول فانه تطبيق لتلك الاحكام الكلية على الوقائع الخاصة ، فالقضاء على هذا يكون في طول الفتوى ومتفرعا عليها.

ويضاف إلى ذلك ان الفتوى لا تكون حجة الا في حق مقلدي المفتي بخلاف القضاء فانه نافذ في حق الجميع كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وفرق ثالث هو ان نظر المجتهد في الفتوى يكون محكّما في بيان الحكم الكلي دون تطبيقه على مصاديقه فان ذلك وظيفة المقلد دون المجتهد ، وهذا بخلافه في القضاء فان التطبيق راجع إلى القاضي بل ذلك هو وظيفته.

٢ ـ واما انه واجب فلتوقف حفظ النظام عليه. مضافا الى انه مقدمة لتحقيق المعروف والانتهاء عن المنكر.

واما انه كفائي فلان الغرض ـ وهو حفظ النظام ـ يتحقق بتصدي‌

__________________

(١) ص : ٢٦.


من به الكفاية له.

٣ ـ واما ان القضاء منصب جليل‌ فلانه منصب الانبياء : (يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ) (١) ، بل هو منصب اشرف الخلق نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (٢) والائمة الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين ، ففي الحديث ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال لشريح : «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه الا نبي أو وصي نبي أو شقي» (٣) ، ومنهم صلوات الله عليهم منح للمجتهدين ، ففي صحيحة ابي خديجة : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ... انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه ...» (٤).

واما انه منصب خطير فلما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتى يقضي بين الناس فاما إلى الجنة واما إلى النار» (٥).

وفي حديث آخر : «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين» (٦).

وفي حديث ثالث : «ان النواويس (٧) شكت الى الله عز وجل شدّة‌

__________________

(١) ص : ٢٦.

(٢) النساء : ١٠٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٧ الباب ٣ من أبواب صفات القاضي الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٤ الباب ١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٧ الباب ١٢ من أبواب آداب القاضي الحديث ٢.

(٦) وسائل الشيعة ١٨ : ٨ الباب ٣ من أبواب صفات القاضي الحديث ٨.

(٧) النواويس : موضع في جهنم على ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين في مادة : «نوس».


حرها فقال لها عز وجل : اسكتي فان مواضع القضاة أشد حرا منك» (١).

٤ ـ واما نفوذ حكم القاضي وعدم جواز نقضه حتى من حاكم آخر‌ فلوجهين :

أ ـ التمسك بمقبولة عمر بن حنظلة : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الى السلطان والى القضاة أيحل ذلك؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الى الطاغوت ... قلت : فكيف يصنعان؟ قال : ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما ، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله ...» (٢) ، فان الذيل يدل بوضوح على ان الحكم اذا كان على طبق القواعد فعدم قبوله استخفاف بحكم الله سبحانه.

وليس في السند من يتأمل فيه سوى ابن حنظلة نفسه حيث لم يوثق ، بيد انه قد يتساهل في امره لرواية صفوان ـ الذي هو أحد الثلاثة ـ عنه ، بناء على كفاية ذلك في اثبات الوثاقة. مضافا الى ان يزيد بن خليفة قد روى : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان عمر بن حنظلة اتانا عنك بوقت فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : اذن لا يكذب علينا» (٣). ويزيد وان لم يوثق ولكن روى عنه يونس الذي هو من اصحاب الاجماع بناء على كفاية ذلك في قبول الرواية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٠ الباب ٦ من أبواب آداب القاضي الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٩٩ الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٧٥.


يضاف الى ذلك ان تلقي الاصحاب للرواية بالقبول قد يورث للفقيه الوثوق بصدورها.

ب ـ ان القضاء شرّع لفصل الخصومة فلا بدّ من نفوذه والا يلزم نقض الغرض.

هذا كله اذا لم يفترض حلّ الخصومة بيمين المدعى عليه والا امكن ان يضاف الى ذلك التمسك بصحيحة عبد الله بن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف ان لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوى له. قلت له : وان كانت عليه بينة عادلة؟ قال : نعم وان اقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له وكانت اليمين قد ابطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه» (١).

٥ ـ واما وجه الاستثناء‌ فلان الشروط اذا لم تكن متوفرة في القاضي فلا يكون منصوبا من قبلهم عليهم‌السلام. كما ان الحكم اذا كان على خلاف الموازين الشرعية ـ كالحكم بلا بينة ومن دون علم الحاكم ـ فلا يصدق ان الحاكم قد حكم بحكمهم ليكون عدم قبوله استخفافا بحكم الله سبحانه.

وبالجملة : الحكم على خلاف الموازين الشرعية هو كلا حكم ولا يتم فيه شي‌ء ممّا سبق.

واما اعتبار ان تكون المخالفة مخالفة لما ثبت اعتباره بنحو القطع فلانه بدون ذلك يعود الحكم مشمولا لقوله عليه‌السلام : «فاذا حكم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٩ الباب ٩ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


بحكمنا ...» اذا المراد فاذا حكم على طبق الموازين الشرعية التي يؤدي اليها نظره.

٦ ـ واما القاضي المنصوب وقاضي التراضي‌ فيقصد من الاول من كان منصوبا للقضاء من قبل الشرع قبل ان يتراضى عليه المتخاصمان ، ومن الثاني من كان منصوبا من قبل الشرع بعد تراضي المتخاصمين عليه.

وتدل على الاول مقبولة ابن حنظلة المتقدمة حيث قال عليه‌السلام : «فانى قد جعلته عليكم حاكما» (١) وصحيحة ابي خديجة المتقدمة أيضا : «انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه» (٢).

وقد يستدل على ذلك أيضا بفكرة حفظ النظام بتقريب ان مقتضى حفظ النظام لزوم نصب القاضي ، وذلك القاضي المنصوب هو المجتهد لان مقتضى الاصل عدم نفوذ حكم احد على غيره ، والقدر المتيقن الخارج من الاصل المذكور هو المجتهد.

وعليه فحتى لو قطعنا النظر عن الروايتين السابقتين فبالإمكان التمسك بالتقريب المذكور لإثبات المطلوب.

واما الثاني فقد يستدل عليه بالبيانين التاليين :

أ ـ التمسك بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (٣) ، فانه باطلاقه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٩٩ الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤ الباب ١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥.

(٣) النساء : ٥٨.


يشمل قاضي التراضي ويدل على نفوذ الحكم بالعدل حتى لو كان صادرا من غير المجتهد المنصوب شرعا.

ب ـ التمسك بصحيحة الحلبي : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربما كان بين الرجلين من اصحابنا المنازعة في الشي‌ء فيتراضيان برجل منّا فقال عليه‌السلام : ليس هو ذاك انما هو الذي يجبر الناس على حكمه بالسيف والسوط» (١). ودلالته واضحة.

٧ ـ واما اخذ الاجرة على القضاء‌ فقد قيل بعدم جوازه اما لان القضاء واجب ، وحيثية الوجوب نفسها تمنع من اخذ الاجرة ، او لان حيثية القضاء بخصوصها تمنع من ذلك.

اما المنع من الحيثية الاولى فقد ذكرت له عدّة تقريبات اشرنا الى بعضها في كتاب الاجارة عند البحث عن جواز الاجارة على الواجبات. وقد اتضح عدم المنع من الحيثية المذكورة.

واما المنع من الحيثية الثانية فيمكن اثباته من خلال صحيحة عمار بن مروان : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : كل شي‌ء غل من الامام فهو سحت. والسحت انواع كثيرة منها : ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة ، ومنها اجور القضاة واجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ والمسكر ...» (٢).

وقد يقال : انها ناظرة الى القضاة المنصوبين من قبل الظلمة بقرينة التعبير بكلمة «منها» أي ومن جملة ما اصيب من اعمال ولاة الظلمة اجور القضاة. والقرينة على رجوع ضمير «منها» الى ما ذكر وليس الى كلمة «أنواع كثيرة» عدم تكرار كلمة «منها» مع البقية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٥ الباب ١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٦٤ الباب ٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٢.


وفيه : ان المناسب لو كان ذلك هو المراد التعبير بكلمة «منه» بدل «ومنها».

على ان اعمال مثل هذه التدقيقات وتحميلها على الروايات امر زائد على طاقة الراوي الذي ينقل بالمعنى ولا يلتفت الى مثل هذه الدقائق.

وعليه فالتمسك بالصحيحة تام.

وقد يضاف الى ذلك انه قد علم من مذاق الشارع ارادته لصدور القضاء والافتاء بنحو المجانية لأنهما من شئون تبليغ الرسالة وقد قال تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ...*) (١).

ثم ان المنع من اخذ الاجرة على القضاء لا يمنع من جواز ارتزاق القاضي من بيت المال لأنه معدّ لمصالح المسلمين.

ومما يؤكد جواز الارتزاق تأكيد امير المؤمنين عليه‌السلام في عهده الى مالك الاشتر عند تعرضه للقضاء والقاضي : «... واكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيح علته وتقل معه حاجته الى الناس ..» (٢).

٨ ـ واما حرمة الرشوة‌ فهي من الضروريات. وقد دلّ عليها قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٣).

وفي الروايات ان : «الرشا في الحكم هو الكفر بالله» (٤).

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٣ الباب ٨ من أبواب صفات القاضي الحديث ٩.

(٣) البقرة : ١٨٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٢ الباب ٨ من أبواب آداب القاضي الحديث ٣.


٢ ـ الشروط اللازمة في القاضي‌

يلزم في القاضي : البلوغ ، والعقل ، والذكورة ، وطهارة المولد ، والعدالة ، والايمان ، والاجتهاد بل الاعلمية في قول.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة الى اعتبار البلوغ‌ فلان الوارد في صحيحة ابي خديجة المتقدمة عنوان الرجل : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ... انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا ...» (١) ، فان اللقب وان كان لا مفهوم له الا انه لوروده مورد التحديد لمن نصب شرعا للقضاء يثبت له المفهوم ، بل بقطع النظر عن ذلك يكفي التمسك بالاصل ، فانه يقتضي عدم نفوذ حكم أي شخص على غيره وخرج من ذلك الرجل ، ومع الشك في خروج غيره منه يتمسك به.

اجل التمسك بالاصل ينفع لو لم يكن لمقبولة ابن حنظلة اطلاق والا تعين البيان الاول.

٢ ـ واما اعتبار العقل‌ فللمقيّد المتصل اللبي.

٣ ـ واما اعتبار الذكورة‌ فلما تقدم في وجه اعتبار البلوغ.

ولا ينبغي ان يفهم من هذا تفضيل الإسلام للرجل على المرأة ، فان الجميع من حيث الكرامة بدرجة واحدة : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤ الباب ١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٥.


أَتْقاكُمْ) (١) ، (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) (٢) ، بل ذلك تمييز في الوظائف على اساس ما يملكه كل واحد من الصنفين من تركيبة فسلجية خاصة به.

ويبقى اضافة الى ذلك نظام الاسرة بحاجة الى حنان الام ونشاطها البيتي اكثر من حاجة وظائف الدولة لها بعد امكان تصدي الرجل لها بشكل اتم.

ولا يعني هذا عدم وجود شواذ في الرجال أو في النساء ، فلربّ امرأة أفقه من رجل ـ كما ورد في الحديث (٣) ـ وأسمى في نشاطها وعقلها وتدبيرها ولا يكون نظام الاسرة بحاجة اليها الا ان التشريع ينظر الى الاعم الاغلب من الافراد.

٤ ـ واما اعتبار طهارة المولد‌ فلم ينقل فيه خلاف.

وقد يستدل له اما بانصراف صحيحة ابي خديجة الى غير ولد الزنا او بان عدم قبول شهادته وامامته في الصلاة يفهم منه عدم قبول قضائه بالاولوية العرفية او على الاقل يفهم منه ان ذوق الشارع على عدم منح الوظائف بشكل عام لولد الزنا.

ولا ينبغي ان يفهم من هذا تحميل الإسلام الوزر على الولد البري‌ء ، فان عدم منحه الوظائف اما وليد عدم تفاعل المجتمع مع ولد الزنا الذي هو اثر وضعي للجريمة التي ارتكبها الزاني وهو الذي يتحمل وزرها ، او وليد بعض السلبيات الكامنة في ولد الزنا التي تسبب‌

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) آل عمران : ١٩٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٦.


الزاني اليها.

٥ ـ واما اعتبار العدالة‌ فهو اما لما ذكره السيد اليزدي قدس‌سره وغيره من ان الفاسق ظالم لنفسه ، والترافع اليه نحو ركون اليه ، وقد قال تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١) ، او لان القضاء منصب رفيع وخطير فكيف يمنح لغير العادل الذي لا يؤمن انحرافه ، او لان غير العادل اذا لم تقبل شهادته فبالاولى لا يقبل قضاؤه.

٦ ـ واما اعتبار الايمان‌ فلصحيحة ابي خديجة ومقبولة ابن حنظلة المتقدمتين.

٧ ـ واما اعتبار الاجتهاد‌ فلأن المدرك لنصب القاضي من قبل الشارع اما توقف حفظ النظام على ذلك او مثل مقبولة ابن حنظلة.

فعلى الاول يكون الوجه في اعتبار الاجتهاد هو ان مقتضى الاصل عدم ثبوت الولاية لأي شخص على غيره ، والقدر المتيقن الخارج من الاصل المذكور هو المجتهد.

وعلى الثاني يكون الوجه في اعتبار الاجتهاد هو ان عنوان «روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا» الوارد في مقبولة ابن حنظلة لا يصدق الا على المجتهد.

واذا كان عنوان «رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا» الوارد في صحيحة ابي خديجة مطلقا وقابلا للانطباق على غير المجتهد أيضا فلا بدّ من تقييده بالاجتهاد المستفاد اعتباره من المقبولة.

ومن هذا يتضح التأمل فيما اختاره صاحب الجواهر من عدم‌

__________________

(١) العروة الوثقى ٣ : ٥. والآية ١١٣ من سورة هود.


اعتبار الاجتهاد في القاضي لوجهين :

أ ـ التمسك باطلاق قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (١) الدال على طلب الحكم بالعدل ولو من خلال التقليد.

ب ـ ان المستفاد من الروايات جعل الولاية المطلقة للمجتهد ، ولازم ولايته المطلقة ثبوت الحق له في نصب من يقضي بين الناس على طبق فتاواه. ثم اخذ قدس‌سره بذكر بعض ما يستفاد منه ثبوت الولاية المطلقة للمجتهد (٢).

ووجه التأمل : انه بعد دلالة المقبولة على اعتبار الاجتهاد لا يبقى مجال للتمسك باطلاق الآية الكريمة وتكون دائرة الولاية الثابتة للمجتهد ضيقة وغير شاملة لنصب غير المجتهد فان المجتهد يثبت له ما هو الثابت للإمام عليه‌السلام ، فاذا كان الثابت للإمام عليه‌السلام نصب خصوص المجتهد فتكون حدود ولاية الفقيه خاصة بذلك أيضا.

اجل لا يبعد في حالة اتساع دائرة الحكومة الاسلامية وعدم كفاية عدد المجتهدين لإدارة القضاء ثبوت الحق للحاكم الشرعي في نصب غير المجتهد للقضاء حفظا للنظام من الاختلال.

وليس ذلك من باب توكيل المجتهد غيره في القضاء عنه ـ فان صحة التوكيل تختص بالامور الاعتبارية وبعض الامور التكوينية كالقبض مثلا ، وليس القضاء منها ـ بل ذلك من باب ثبوت الحق للمجتهد في جعل منصب القضاء لغيره لأجل المحافظة على النظام.

__________________

(١) النساء : ٥٨.

(٢) جواهر الكلام ٤٠ : ١٥.


٨ ـ واما الاعلمية‌ فقد يستدل على اعتبارها بأحد البيانات التالية :

أ ـ انه بناء على استكشاف نصب القاضي من خلال فكرة حفظ النظام يقال ان الاصل عدم نفوذ قضاء اي شخص في حق غيره ، والقدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور من باب حفظ النظام هو قضاء المجتهد الاعلم. اجل لا يحتمل ارادة الاعلم بلحاظ جميع العالم لأنه شخص واحد ولا يمكن تصديه للقضاء بين جميع الناس وانما المحتمل هو الاعلم ممن في البلد او ما يقربه.

ب ـ التمسك بما ورد في عهد الامام عليه‌السلام للأشتر : «اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك» (١).

ج ـ ان الروايات الدالة على النصب وان كانت مطلقة الا ان حكم العقل القطعي بترجيح الاعلم اشبه بالقرينة المتصلة. ولا يبعد اعتماد اطلاق النص على الوضوح المذكور.

٣ ـ كيفية القضاء‌

اذا طرحت دعوى في مال على الحاكم يلزمه للقضاء فيها تشخيص المدعي وتمييزه عن المدعى عليه ثم ملاحظة جواب الثاني ، وهو لا يخلو من :

أ ـ اما ان يعترف بكون الحق مع المدعي فيلزمه الحاكم بذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٣ الباب ٨ من أبواب آداب القاضي الحديث ٩.


ب ـ او ينكر فيطالب الحاكم المدعي بالبينة فان لم يقمها حلف المدعى عليه وتسقط بذلك الدعوى. وان لم يحلف وردّ اليمين على المدعي وفرض حلفه تثبت بذلك الدعوى.

وان نكل عن كلا الامرين ـ الحلف والرد ـ ففي القضاء عليه بمجرد ذلك أو بشرط ردّ الحاكم اليمين على المدعي وحلفه خلاف.

ج ـ أو يسكت ـ أي لا يعترف ولا ينكر ـ فالحكم كما في حالة الانكار ، بيد انه اذا كان يدعي الجهل بالحال امكن للمدعي طلب احلافه على نفي العلم ان لم يصدّقه في دعواه الجهل.

وفي الحالتين الاخيرتين اذا حلف المدعى عليه فلا تسمع البينة بعد ذلك من المدعي حتى لدى حاكم آخر كما لا تحق له المقاصة أيضا.

والحاكم لا يحق له طلب الحلف من المدعى عليه الا بعد طلب المدعي احلافه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما لزوم تشخيص الحاكم المدعي وتمييزه عن المدعى عليه‌ فلكي يطالب المدعي بالبينة مع فرض انكار المدعى عليه ، فان اقامها ثبت ما ادعاه والا ألزم المدعى عليه بالحلف وسقطت الدعوى لصحيحة جميل وهشام عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» (١) وغيرها.

٢ ـ واما ان الحاكم يلزم المدعى عليه مع اعترافه‌ فلحجية الاقرار.

٣ ـ واما ان الحاكم يطالب المدعي بالبينة عند انكار المدعى عليه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


فلقاعدة البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه الثابتة بالصحيحة المتقدمة وغيرها.

٤ ـ واما ان المدعى عليه بالخيار بين الحلف فتسقط الدعوى الموجهة اليه وبين ردّ اليمين على المدعي والزام المدعى عليه عند حلفه‌ فلصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «الرجل يدعي ولا بينة له ، قال : يستحلفه ، فان ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له» (١) وغيرها.

٥ ـ واما الخلاف في القضاء بمجرد النكول عن الامرين أو بشرط ردّ الحاكم اليمين على المدعي وحلفه‌ فسببه عدم وجود رواية تدل بوضوح على أحد الاحتمالين.

وقد استدل السيد اليزدي وجماعة آخرون على عدم القضاء بمجرد نكول المدعى عليه عن الحلف والرد بالبيانين التاليين :

أ ـ التمسك بالأصل المقتضي لعدم نفوذ قضاء أي شخص في حق غيره ، والقدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور حالة ردّ المدعى عليه اليمين على المدعي او ردّ الحاكم عليه ذلك ، واما حالة عدم تحقق الرد من أحد الطرفين فهي للشك في خروجها عن الاصل يحكم ببقائها تحته.

ب ـ التمسك بما دلّ على ان القضاء بين الناس انما هو بالبينات والايمان ـ كما دلت على ذلك صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انما اقضي بينكم بالبينات والايمان.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٦ الباب ٧ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


وبعضكم الحن بحجته من بعض ، فايما رجل قطعت له من مال اخيه شيئا فانما قطعت له به قطعة من النار» (١) ـ بتقريب ان المدعي اذا لم تكن له بينة والمدعى عليه لم يحلف فالقضاء آنذاك على المدعى عليه قضاء من دون بينة ولا يمين فلا يكون نافذا (٢).

واذا اشكل بان هناك رواية تدل على القضاء بمجرد النكول عن الامرين ، وهي رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يدّعى عليه الحق ولا بينة للمدعي ، قال : يستحلف أو يرد اليمين على صاحب الحق فان لم يفعل فلا حق له» (٣) ، حيث تدل بوضوح على ان المدعى عليه مخير بين امرين : الحلف او رد اليمن على المدعي فان لم يفعلهما فلا حق له ويقضى عليه من دون حاجة الى ردّ اليمين على المدعي.

امكن الجواب بان سند الرواية لو تمّ ـ ولم يناقش فيه من ناحية القاسم بن سليمان الذي تبتني وثاقته على قبول كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات أو تفسير القمي ـ فهي معارضة بالعموم من وجه بصحيحة هشام عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ترد اليمين على المدعي» (٤) ، فان مقتضى اطلاق الرواية الاولى ان المدعى عليه اذا لم يفعل الامرين فلا حق له ويقضى عليه سواء ردّ الحاكم اليمين على المدعي أم لا ، في حين ان مقتضى اطلاق الرواية الثانية ان اليمين يلزم ردها على المدعي سواء كان الراد هو المدعى عليه او الحاكم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٩ الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) العروة الوثقى ٣ : ٦٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٦ الباب ٧ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٦ الباب ٧ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٣.


وبعد التعارض والتساقط في مادة الاجتماع يبقى الوجهان السابقان بلا مانع يمنع من الرجوع اليهما والتمسك بهما.

٦ ـ واما ان حكم حالة السكوت نفس حكم حالة الانكار‌ فلإطلاق صحيحة جميل وهشام المتقدمة الدالة على ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. غايته انه في حالة الانكار يلزم حلف المدعى عليه على نفي الحق واقعا ، واما في حالة السكوت ودعوى المدعى عليه الجهل بالحال فبامكان المدعي طلب احلافه على الجهل وعدم العلم بالحال وليس على نفي الحق واقعا لفرض عدم انكاره.

٧ ـ واما ان حلف المدعى عليه يمنع من قبول البينة بعد ذلك والمقاصة‌ فلصحيحة ابن ابي يعفور المتقدمة عند البحث عن عدم جواز نقض حكم القاضي.

ولا ينبغي ان يفهم من هذا صيرورة المال حلالا واقعا للحالف ، كلا بل هو حرام واقعا لو كان كاذبا في حلفه. ودلالة صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة على ذلك واضحة.

٨ ـ واما ان الحاكم لا يجوز له احلاف المدعى عليه قبل طلب المدعي‌ فلان عدم طلب المدعي لذلك يعني غلقه للدعوى ولو مؤقتا وذلك حق ثابت له.

٤ ـ شروط سماع الدعوى‌

يلزم لسماع الدعوى من المدعي ـ لدى المشهور ـ تحقق :

أ ـ البلوغ والعقل.


ب ـ ان يكون جازما في دعواه لا ظانا أو محتملا. ويستثنى من ذلك ما اذا دفع الانسان ماله الى شخص كوديعة ونحوها وادعى تلفه فانه مع اتهامه يضمن الا ان يقيم البينة على نفي اتهامه.

ج ـ ان تكون دعواه لنفسه او لمن له الولاية او الوكالة عنه.

د ـ ان يكون متعلق الدعوى امرا سائغا فلا تسمع الدعوى من المسلم على غيره باشتغال ذمته بالخمر او ما شاكله.

ه ـ ان يكون المتعلق ذا اثر شرعي فلا تسمع دعوى الهبة او الوقف من دون اقباض.

و ـ ان يكون المدعى به معلوما في الجملة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار البلوغ فعلّل بانه لو لم تكن للصبي بينة‌ فليس له طلب احلاف المدعى عليه كما لا يتمكن من الحلف لو ردّ المدعى عليه ذلك.

بل اذا كان للصبي ولي ـ يمكنه اقامة البينة والتصدي للحلف او طلبه ـ فلا دليل على وجوب سماع دعوى الصبي ، وذلك يكفي في رفضها بعد عدم لزوم الاخلال بالنظام واقرار الظلم حيث فرض وجود ولي بامكانه التصدي.

وفي مقابل هذا قد يقال بلزوم قبول دعوى الصبي لو كانت له بينة لعدم احتمال الخصوصية لبلوغ المدعي بعد فرض وجود البينة وبلزوم رفضها مؤقتا الى ان يبلغ لو لم تكن له.

هذا بالنسبة الى شرطية البلوغ.

واما بالنسبة الى شرطية العقل فوجه اعتبارها واضح.


٢ ـ واما اعتبار الجزم في الدعوى‌ فهو المشهور. وعلل ذلك :

تارة بانتفاء عنوان المدعي مع عدم الجزم ، وبانتفائه لا يمكن تطبيق قاعدة البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.

وتارة اخرى بان في سماع الدعوى من دون جزم ضررا على المدعى عليه من حيث الزامه اما بالاقرار او الانكار. وقد نسب هذان الوجهان الى صاحب الرياض (١).

وثالثة بان من لوازم الدعوى الصحيحة امكان ردّ اليمين على المدعي ، وهو هنا منتف لعدم تمكن المدعي من الحلف بعد عدم جزمه.

ورابعة بان المدعي اذا ادعى سرقة مثلا على شخص فالاصل يقتضي عدم ذلك وبراءة ذمة المدعى عليه ، وهذا الاصل كما هو حجة للمدعى عليه هو حجة على المدعي ، ومعه فلا يحق له الزام المدعى عليه بشي‌ء. وهذا بخلافه عند فرض الجزم فان الاصل لا يكون حجّة على المدعي لفرض جزمه ، وشرط حجية الاصل الشك وعدم العلم (٢).

٣ ـ واما وجه الاستثناء‌ فاستدل عليه بصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن قصّار دفعت اليه ثوبا فزعم انه سرق من بين متاعه ، قال : فعليه ان يقيم البينة انه سرق من بين متاعه وليس عليه شي‌ء ، فان سرق متاعه كله فليس عليه شي‌ء» (٣) وغيرها.

وهي وان كانت ضعيفة بطريق الشيخ الكليني بالارسال الا انها بطريق الشيخ الصدوق والطوسي صحيحة.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٠ : ١٥٦.

(٢) مباني التكملة ١ : ١٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٧٢ الباب ٢٩ من أحكام الاجارة الحديث ٥.


٤ ـ واما اعتبار ان تكون دعوى المدعي لنفسه او لمن له الولاية عليه او الوكالة عنه‌ فلانصراف قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» (١) عن المدعي الذي هو اجنبي عن الدعوى ولا ارتباط له بها.

وأضاف السيد اليزدي قدس‌سره التمسك باصالة عدم وجوب السماع وعدم وجوب الجواب على المدعى عليه (٢).

٥ ـ واما اعتبار كون متعلق الدعوى امرا سائغا‌ فواضح بعد عدم اشتغال الذمة شرعا بغيره.

٦ ـ واما اعتبار كون المتعلق ذا اثر شرعي‌ فلعدم الفائدة في قبول الدعوى في غير ذلك.

٧ ـ واما اعتبار المعلومية في الجملة‌ فلأن المجهول بشكل كلي ـ كما لو قال المدعي : لي عليه شي‌ء ـ لا يمكن الالزام به لتردده بين ما تسمع فيه الدعوى وما لا تسمع.

اجل اذا فسره بما يمكن الالزام به قبل ذلك منه وتحصل آنذاك دعوى ثانية.

واذا قال : لي عليه فرس مثلا طلب منه تحديده باعتبار ان للفرس أنواعا متعددة ، فان لم يمكنه تحديده لعدم علمه التفصيلي بما يستحقه فلا يبعد المصير الى القرعة لتعيينه اذا فرض قيام البينة على استحقاق الفرس في الجملة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) العروة الوثقى ٣ : ٣٦.


٥ ـ وسائل الاثبات‌

الوسائل التي يعتمد عليها الحاكم للإثبات وحل الخصومة هي : البينة ، واليمين ، والاقرار ، والقرعة ، وعلم الحاكم نفسه.

واما قاعدة العدل والانصاف فهي على تقدير تماميتها ليست وسيلة لحل الخصومة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما البينة فهي حجة لإثبات دعوى المدعي بخلاف اليمين‌

فانها حجة لإسقاط المدعى عليه الدعوى عن نفسه. وهكذا هي حجة للمدعي لإثبات دعواه لو ردت عليه من قبل المدعى عليه أو الحاكم.

والمستند لحجيتهما قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انما اقضي بينكم بالبينات والأيمان ...» (١) وغيره على ما تقدم.

ثم ان هناك كلاما في حجية البينة من المدعى عليه وانه هل تختص الحجة من ناحيته باليمين او تعم البينة أيضا؟

ولا يبعد ان يقال بحجيتها من ناحيته أيضا ، فان ما ورد من ان : «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» (٢) لا يدل على نفي الحجية عن بينة المدعى عليه بل غاية ما يدل عليه هو مطلوبية اليمين منه ، ومعه فتكون البينة من المدعى عليه حجّة أيضا تمسكا باطلاق دليل حجية البينة ، غايته لا يكتفى منه بها بل لا بدّ من ضم اليمين اليها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٩ الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


تمسكا باطلاق «واليمين على من ادعي عليه».

والثمرة تظهر فيما لو أقام كل من المدعي والمدعى عليه البينة ، فانه تتعارض البينتان وتتساقطان وتبقى يمين المدعى عليه هي المحكم.

٢ ـ واما الاقرار فلا اشكال في حجيته‌. وليس ذلك للحديث المشهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اقرار العقلاء على انفسهم جائز» (١) فانه كما قال صاحب الوسائل في ذيل الحديث المذكور : «رواه جملة من علمائنا في كتبهم الاستدلالية من دون ان يعرف له مستند غير ذلك» بل ذلك للسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

واذا قلت : كيف يجعل الاقرار وسيلة للإثبات في باب القضاء والحال ان مدارك القضاء قد حصرت بالبينات والايمان حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انما اقضي بينكم بالبينات والايمان. وبعضكم ألحن بحجته من بعض فايّما رجل قطعت له من مال اخيه شيئا فانّما قطعت له به قطعة من النار» (٢)؟

قلت : ان الحديث ناظر الى حالة الخصومة ، ومع فرض الاقرار لا خصومة.

هذا مضافا الى ان دلالته على الحصر قابلة للتأمل ، فانه في صدد بيان اني استند في باب القضاء الى البينة واليمين ، ولربما لا يكونان مصيبين ويأخذ أحد الطرفين ما ليس حقا له وهو فرح بذلك ولا يلتفت الى اني قد قلت : «قطعت له به قطعة من النار» ، انه في صدد بيان هذا ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٣ الباب ٣ من ابواب الاقرار الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٩ الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


وليس في صدد بيان ان المستندات في باب القضاء منحصرة بالبينة واليمين.

٣ ـ واما القرعة‌ فتدل على حجيتها سيرة العقلاء والسنة الشريفة.

اما السيرة فانعقادها على العمل بالقرعة واضح. وحيث لا ردع عنها شرعا فيستكشف امضاؤها.

واما السنة فالدال منها في الموارد الخاصة المتفرقة كثير الا ان ما يدل على حجيتها بشكل عام روايتان :

أ ـ رواية محمد بن حكيم بل صحيحته : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام عن شي‌ء فقال لي : كل مجهول ففيه القرعة. قلت : ان القرعة تخطئ وتصيب. قال : كل ما حكم الله به فليس بمخطئ» (١) ، فانه وان لم يحدد فيها المقصود من كلمة «شي‌ء» ، ومن المحتمل اختصاصه بمورد معين الا ان ذلك لا يمنع من استفادة العموم منها فان العبرة بعموم الجواب ، ولا يضر بذلك اختصاص السؤال بمورد معين.

ب ـ صحيحة ابراهيم بن عمر عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل قال : اول مملوك أملكه فهو حر فورث ثلاثة. قال : يقرع بينهم فمن اصابه القرعة اعتق. قال : والقرعة سنة» (٢) ، فان موردها وان كان خاصا الا انه بواسطة الذيل يمكن استفادة التعميم.

هذا وقد يستدل من الكتاب الكريم أيضا بالآيتين الكريمتين التاليتين :

أ ـ (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨٩ الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨٧ الباب ١٣ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢.


فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) (١) ، فان المساهمة عبارة اخرى عن الاقتراع ، وحيث قد شارك فيه النبي يونس عليه‌السلام فيدل ذلك على حجية الاقتراع.

ب ـ (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٢) ، فان إلقاء الاقلام في الماء لتعيين الكفيل لمريم عبارة اخرى عن الاقتراع ، وحيث قد شارك فيه النبي زكريا عليه‌السلام فيدل ذلك على حجيته.

بيد ان دلالة الآيتين الكريمتين لو تمت فهي خاصة بموردهما ولا تنفعان في غيره.

ثم انه قد يشكل على حجية القرعة في باب القضاء بما تقدم عند البحث عن حجية الاقرار وان قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انما اقضي بينكم بالبينات والايمان» قد حصر مدارك القضاء بالبينة واليمين ، وذلك يدل على عدم حجية القرعة.

والجواب عن ذلك ما تقدم وان الدلالة على الحصر قابلة للتأمل.

٤ ـ واما حكم القاضي استنادا الى علمه‌ فقد ذكر صاحب الجواهر : ان المشهور بل المتفق عليه جواز حكم القاضي بعلمه في حقوق الناس وحقوق الله سبحانه ولم ينسب الخلاف الا الى ابن الجنيد حيث منع مطلقا.

وأنكر عليه بان الامامية مطبقة على جواز ذلك ، ولذا ينكرون على ابي بكر مطالبته الصديقة الطاهرة سلام الله عليها بالبينة على ان أباها‌

__________________

(١) الصافات : ١٣٩ ـ ١٤١.

(٢) آل عمران : ٤٤.


قد أنحلها فدكا وقالوا : انه ما دام يعلم بعصمتها وانها لا تدعي الا حقا فلا وجه لمطالبتها بالبينة لان البينة لا وجه لها مع العلم بالصدق (١).

وقد استدل على اعتبار علم القاضي بوجوه نذكر منها :

أ ـ ان البينة جعلت حجة لكاشفيتها ، ومن المعلوم ان العلم اقوى منها كاشفية فيلزم ان يكون حجة بالاولوية.

ب ـ التمسك بما دلّ على وجوب الحكم بالعدل والحق ، كقوله تعالى : (يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ) (٢) ، (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (٣) ، بتقريب ان الحاكم لو علم ان هذا زان مثلا فاذا حكم بزناه وثبوت الحدّ عليه كان ذلك حكما بالحق والعدل فيكون جائزا بل واجبا.

ج ـ انه في باب السرقة والزنا علق الحكم بالحدّ على عنوان فرض العلم بتحققه حيث قال تعالى : (السّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٤) ، (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ ...) (٥) ، فان الخطاب موجّه للحكام والمراد : ايها الحكام متى ما فرض انكم علمتم بتحقق عنوان الزنا والسرقة فعليكم اجراء الحد ، اذ السارق والزاني هو من تلبس بالوصف دون من قامت عليه البينة او اقر بذلك.

واذا ثبتت حجية علم الحاكم في حدود الله سبحانه ثبت ذلك في‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٠ : ٨٨.

(٢) ص : ٢٦.

(٣) النساء : ٥٨.

(٤) المائدة : ٣٨.

(٥) النور : ٢.


حقوق الناس بالاولوية.

د ـ التمسك بصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «في كتاب علي عليه‌السلام : ان نبيا من الانبياء شكا الى ربه فقال : يا رب كيف اقضي فيما لم أر ولم اشهد؟ قال : فأوحى الله اليه : احكم بينهم بكتابي واضفهم الى اسمي فحلفهم به ، وقال : هذا لمن لم تقم له بينة» (١) ، فانه يدل على جواز قضاء الحاكم فيما اذا رأى الواقعة وشهدها. والظاهر من نقل القصة في الحديث امضاء ما نقل فيها من حكم.

هذه وجوه اربعة. واذا امكنت المناقشة في بعضها ففي الباقي كفاية.

ولا موجب للتوقف في المسألة الا حصر مستندات القضاء في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انما اقضي بينكم بالبينات والايمان» (٢) في خصوص البينة واليمين او ان قضاء الحاكم بعلمه يورث له التهمة التي يلزم ان ينزّه نفسه عنها.

والاول مدفوع بان الحديث لو كان دالا على الحصر فهو ناظر الى الحالة الغالبة الفاقدة للعلم.

والثاني يدفع بان افتراض عدالة الحاكم واخباره برؤية الواقعة يدفع عنه التهمة. على انه قد يشكك في مانعية التهمة ما دامت في سبيل اقامة حدّ من حدود الله سبحانه.

٥ ـ واما قاعدة العدل والانصاف‌ فقد وقع الخلاف في حجيتها.

ويمكن الاستدلال على ذلك بقوله تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٧ الباب ١ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٩ الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (١).

واذا سلّم بتمامية القاعدة المذكورة والحكم بلزوم تنصيف المال المتنازع فيه عند تساوي المتنازعين فيه من حيث وجدان البينة او اليد او فقدانهما فهي ـ كما هو واضح ـ ليست وسيلة لإثبات كون الحق في هذا الجانب او ذاك بل هي بمنزلة الأصل العملي الذي يرجع اليه الفقيه عند فقدان الوسيلة المثبتة للحكم.

٦ ـ قسمة المال المشترك‌

قسمة الشركاء ما اشترك بينهم صحيحة. ويجبر الممتنع عليها فيما اذا لم يلزم منها ضرر ـ اما اذا لزم منها ذلك على الكل او البعض فتصح مع التراضي ولا يجوز الاجبار ـ سواء كانت قسمة افراز أم قسمة تعديل أم قسمه رد. غايته في الاخيرة ان تمّ الاتفاق على تعيين الراد فلا مشكلة والا عيّن بالقرعة.

واذا كان المال المشترك غير قابل للقسمة حتى مع الرد فمع التراضي على تقبّل البعض له ودفع حصة الآخر من القيمة فلا مشكلة والا أجبرا على بيعه وتقسيم الثمن بينهما.

والقسمة عقد مستقل لازم لا يحق فسخها الا مع التراضي.

والمدعي لوقوع الغلط فيها بعد تحققها لا يقبل ذلك منه الا بالبينة. وليس له احلاف صاحبه الا اذا ادعى علمه بذلك فله احلافه على عدم العلم.

__________________

(١) النساء : ٥٨.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان القسمة ـ التي هي تعيين حصة أحد الشريكين او الشركاء وفرزها عن حصة الآخر ـ صحيحة‌ فهي من الامور الواضحة. ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) (١) ، والسيرة العقلائية المنعقدة على ذلك الممضاة بعدم الردع.

بل مع فرض التراضي يمكن التمسك بقاعدة سلطنة الناس على اموالهم.

٢ ـ واما جواز الاجبار‌ فلا يمكن التمسك لإثباته بقاعدة السلطنة لكونها معارضة بالمثل في حق الطرف الثاني ، بل ذلك للسيرة المتقدمة المنعقدة على جواز الاجبار أيضا.

واما التخصيص بحالة عدم لزوم الضرر فلان ذلك هو القدر المتيقن من السيرة.

٣ ـ واما انها تصح حالة الضرر مع التراضي‌ فللسيرة وقاعدة السلطنة.

٤ ـ واما عدم الفرق بين افراد القسمة في الصحة وجواز الاجبار‌ فلعموم السيرة المتقدمة ، فانها لا تفرّق بين ان تكون القسمة قسمة افراز ـ وهي قسمة العين المشتركة ذات الاجزاء المتساوية من جهة القيمة ـ أو قسمة تعديل ـ وهي قسمة العين المشتركة ذات الاجزاء غير المتساوية من حيث القيمة التي لا بدّ فيها من تعديل السهام ـ او قسمة‌

__________________

(١) النساء : ٨.


رد ، وهي القسمة التي لا تمكن الا برد احد الشركاء الى الآخر شيئا من الخارج.

٥ ـ واما اللجوء الى القرعة لتعيين الراد اذا لم يتم الاتفاق عليه‌ فلأنها لكل امر مجهول.

٦ ـ واما ان غير القابل للقسمة حتى مع الرد ـ كما في العبد المشترك مثلا ـ يباع ويقسم ثمنه‌ فلقضاء السيرة بذلك.

٧ ـ واما انها عقد مستقل فلأنها في روحها معاملة يراد بها تعيين الحصص‌ ، وهي بهذا المعنى لا ترجع الى البيع ولا إلى غيره من المعاملات.

٨ ـ واما انها عقد لازم‌ فلان ذلك هو مقتضى الاصل في كل معاملة استنادا الى قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ـ الدال على لزوم الوفاء بكل عقد ، ولازم ذلك عدم صحة الفسخ من دون تراض ـ وغيره من الوجوه التي تقدّمت الاشارة إليها في أوائل كتاب البيع.

٩ ـ واما ان المدعي لوقوع الغلط في القسمة تلزمه اقامة البينة‌ فلان الاصل في كل عقد يشك في فساده هو الصحة طبقا لأصالة الصحة ، والمدعي للفساد لا يصدّق الا اذا اثبت مدعاه بالبينة لقاعدة «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه».

١٠ ـ واما ان مدعي الغلط له احلاف صاحبه اذا ادعى علمه به‌ فلانه مدعى عليه آنذاك ووظيفته اليمين ، بخلاف ذلك فيما لو لم يدع عليه العلم بالغلط فانه ليس له احلافه آنذاك لعدم كونه مدعى عليه.

__________________

(١) المائدة : ١.


٧ ـ احكام عامة في باب القضاء‌

المدعي هو من خالف قوله الحجة. وقيل غير ذلك.

وهو مطالب بالبينة بلا حاجة الى ضم يمينه الا في الدعوى على الميت بدين.

والمدعى عليه يطالب باليمين دون البينة الا في موردين ، أحدهما : قد تقدم عند البحث عن شروط سماع الدعوى. وثانيهما : باب القتل ، فان المدعي يمكنه اثبات دعوى القتل بالبينة ، ومع عدمها لا تسقط دعواه بيمين المدعى عليه بل لا بدّ من اقامته البينة على نفي القتل عنه.

والحلف لا يصح الا بالله سبحانه وبأسمائه الخاصة ولو مع الترجمة.

ولا يتوجه اليمين على المنكر في باب الحدود بل الاثبات ينحصر بالبينة او الاقرار.

والدعوى على الغائب مسموعة اذا أقام المدعي البينة على ما يدعيه ويأخذ الحاكم بحقه من اموال المدعى عليه بعد طلب كفيل منه على المال ، ويبقى الغائب على حجته اذا رجع. ولو اثبت عدم استحقاق شي‌ء عليه يسترجع الحاكم ما دفعه الى المدعي.

واذا كان لشخص مال في يد غيره جاز له اخذه منه من دون استئذانه ان لم يستلزم ذلك تصرفا في ملكه.

هذا اذا كان المال عينا.

واما اذا كان دينا في ذمته فمع اعترافه وبذله لا يجوز اخذه منه من دون استئذانه. وهكذا لو كان غير باذل له وكان امتناعه بحق.


اجل اذا كان امتناعه بظلم جازت المقاصة بلا حاجة الى استئذان من الحاكم الشرعي.

ومن ادعى مالا لا يد لأحد عليه حكم له به بلا مطالبة بالبينة.

ومن ادعى مالا في يد غيره وفرض انكاره :

فتارة يفرض عدم البينة لأحدهما فيحلف ذو اليد ويحكم له به. ومع عدم حلفه ورده اليمين على المدعي وفرض حلفه يحكم له به. ومع عدم حلفه هو أيضا يحكم به لذي اليد.

واخرى يفترض وجود البينة للمدعي فيحكم له به.

وثالثة يفترض وجودها لذي اليد فيحكم له به أيضا مع يمينه.

ورابعة يفترض وجود البينة لكليهما فيحكم به لذي اليد مع حلفه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما الضابط في تحديد المدعي‌ فقد وقع فيه الاختلاف بين الاعلام بعد اتفاقهم على كونه المطالب بالبينة. ومنشأ الاختلاف عدم ورود تحديد شرعي له ليكون عليه المعول. ومن هنا قيل :

أ ـ ان المدعي هو من اذا ترك ترك. وفيه : ان هذا يتم فيما لو ادعى شخص على آخر دينا او عينا او غيرهما ، ولا يتم فيما اذا اعترف الآخر بالدين وادعى ايفاءه او اعترف بأخذ العين عارية او وديعة وادعى ارجاعها فانه مدع جزما مع انه اذا ترك لا يترك.

ب ـ ان المدعي هو كل من يدعي شيئا ويرى العقلاء كونه ملزما‌


بالاثبات (١).

وفيه : ان تحديد المدعي بمن يدعي شيئا هو تفسير للشي‌ء بنفسه واشبه بتفسير الماء بالماء.

واما تحديده بمن يكون ملزما لدى العقلاء بالاثبات فهو تحديد للمدعي من خلال حكمه ـ فان العقلاء يرون أيضا ان على المدعي الاثبات ، وليس ذلك حكما خاصا بالشرع ـ وهو غير ممكن لان اثبات الحكم لموضوع فرع كون ذلك الموضوع محددا في نفسه وبقطع النظر عن حكمه.

ج ـ ما يظهر من الجواهر وصرّح باختياره الآشتياني وغيره من ان المرجع في تحديد المدعي هو العرف ، فكل من صدق عليه عرفا عنوان المدعي ثبت كونه كذلك وكان ملزما بالبينة (٢).

وهذا التحديد وان كان من جهة جيدا لان الشرع ما دام لم يتصدّ لتحديد مفهوم المدعي فالمرجع يكون هو العرف ، كما هو الحال في كل مفهوم لم يرد فيه تحديد شرعي ، ان هذا امر مسلّم به الا ان الكلام هو في تحديد نظر العرف وانه من هو المدعي في نظر العرف ليكون ملزما بالبينة.

ولعل المناسب ان يقال : ان المدعي في نظر العرف هو من خالف قوله الحجة ، فاليد حجة كاشفة عن الملكية ، واستصحاب الحالة السابقة حجة على بقائها ، ومن خالف في دعواه احدى هاتين الحجتين وما شاكلهما فهو المدعي ويكون ملزما بالاثبات لأنه يدعي شيئا يخالف‌

__________________

(١) مباني التكملة ١ : ٤٢.

(٢) جواهر الكلام ٤٠ : ٣٧١ ، وكتاب القضاء للآشتياني : ٣٣٦.


ما عليه الحجة بخلاف المدعى عليه فان قوله موافق للحجة.

ولعل هذا هو مقصود من فسّر المدعي بمن خالف قوله الأصل او الظاهر بعد اخذ الأصل او الظاهر كمثال لمطلق الحجة.

٢ ـ واما ان المدعي لا يطالب باليمين اضافة الى البينة‌ فلدلالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» (١) على ذلك بعد الالتفات الى ان التفصيل قاطع للشركة.

٣ ـ واما وجه استثناء الدعوى على الميت‌ فيأتي في كتاب الشهادات ان شاء الله تعالى.

٤ ـ واما ان المدعى عليه يطالب بالبينة في باب القتل لدفع دعوى القتل عن نفسه‌ فلصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم ، حكم في أموالكم ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وحكم في دمائكم ان البينة على من ادعي عليه واليمين على من ادعى لئلا يبطل دم امرئ مسلم» (٢) وغيرها.

وهي وان كانت مطلقة من حيث اعتبار اللوث (٣) وعدمه الا انه لا بدّ من تخصيصها بذلك ، فان ذلك مضافا الى كونه متسالما عليه بين الاصحاب يمكن استفادته من بعض الروايات التي تأتي الاشارة اليها في كتاب القصاص إن شاء الله تعالى. ويأتي أيضا ان المدعى عليه اذا لم تكن له بينة فبامكان المدعي اثبات دعواه بقسامة خمسين رجلا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧١ الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٣.

(٣) اللوث : كل امارة تورث الظن بصدق المدعي في دعواه نسبة القتل الى شخص ، كوجود شخص بيده سلاح متلطخ بالدم عند قتيل. مجمع البحرين : مادة «لوث».


٥ ـ واما ان الحلف لا يصح الا بالله سبحانه‌ فلصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة : «في كتاب على عليه‌السلام ان نبيا من الأنبياء شكا الى ربه فقال : يا رب كيف اقضي فيما لم أر ولم اشهد؟ قال : فأوحى الله اليه : احكم بينهم بكتابي واضفهم الى اسمي فحلّفهم به. وقال : هذا لمن لم تقم له بينة» (١).

وهي تدل على صحة الحلف بجميع اسمائه عز وجل لإطلاق كلمة «اسمي» في جملة «واضفهم الى اسمي». كما يدل ذلك أيضا على اجزاء الترجمة.

ثم انه قد يستدل على عدم صحة الحلف الا بالله سبحانه واسمائه بالروايات المطلقة الناهية عن القسم بغيره سبحانه حتى في غير باب القضاء ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عز وجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (٢) ، (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (٣) وما أشبه ذلك ، فقال : ان لله عز وجل ان يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه ان يقسموا الا به» (٤) فانها تدل باطلاقها على حرمة القسم بغير الله سبحانه حتى في باب القضاء ، ولازم ذلك عدم كفاية القسم بغيره سبحانه.

الا انه لا بد من حمل مثل الرواية المذكورة على الكراهة بقرينة ما دلّ على جواز القسم بغير الله سبحانه ، من قبيل صحيحة علي بن مهزيار : «قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه‌السلام الى داود بن القاسم : اني قد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٧ الباب ١ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) الليل : ١.

(٣) النجم : ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ١٩١ الباب ٣٠ من أبواب الايمان الحديث ٣.


جئت وحياتك» (١) وغيرها.

٦ ـ واما عدم توجه اليمين الى المنكر في باب الحدود‌ فلموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن ابيه عليه‌السلام : «ان رجلا استعدى عليا عليه‌السلام على رجل فقال انه افترى عليّ ، فقال علي عليه‌السلام للرجل : أفعلت ما فعلت؟ فقال : لا. ثم قال علي عليه‌السلام للمستعدي : ألك بينة؟ فقال : ما لي بينة فاحلفه لي قال علي : ما عليه يمين» (٢).

واذا لم يكن للموثقة المذكورة اطلاق لغير موردها فيمكن التمسك بموثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن ابيه عن امير المؤمنين عليهم‌السلام : «لا يستحلف صاحب الحد» (٣).

وعليه فلو ادعى شخص ان فلانا قذفني مثلا فلا بد من اقامته البينة والا تسقط دعواه بلا حاجة الى يمين المدعى عليه.

٧ ـ واما ان الدعوى على الغائب مسموعة‌ فلصحيحة جميل عن جماعة من اصحابنا عنهما عليهما السّلام : «الغائب يقضى عليه اذا قامت عليه البينة ويباع ماله ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجته اذا قدم. قال : ولا يدفع المال الى الذي اقام البينة الا بكفلاء» (٤).

وهي اذا كانت ضعيفة في بعض طرقها فيمكن التعويض ببقية طرقها التي أشار اليها صاحب الوسائل.

ولا يشكل عليها بالارسال حيث عبّر «عن جماعة من أصحابنا»

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٩٥ الباب ٣٠ من أبواب الايمان الحديث ١٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٣٦ الباب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٣٦ الباب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢١٦ الباب ٢٦ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


بدون تشخيصهم.

فانه يجاب بان الجماعة ـ التي أقلها ثلاثة ـ لا يحتمل اجتماعها على الكذب وعدم وجود ثقة من بينهم خصوصا وهم مشايخ لجميل بن دراج الذي هو من أعاظم الرواة.

على انه في بعض الطرق الاخرى قد صرح هكذا : عن جميل عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام فراجع (١).

واذا قيل : ان الرواية المذكورة معارضة برواية الحميري في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن ابي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام : «لا يقضى على غائب» (٢).

قلنا : هي مطلقة فيمكن حملها بقرينة الرواية السابقة على ان المقصود : لا يقضى عليه بنحو كامل بل يبقى على حجته او انه لا يقضى عليه من دون كفلاء.

هذا مضافا الى ضعف سندها بأبي البختري وهب بن وهب الذي قيل عنه : انه اكذب اهل البرية (٣).

٨ ـ واما جواز اخذ الشخص ماله اذا كان في يد غيره بدون استئذانه ما دام لا يستلزم ذلك تصرفا في ملكه‌ فلقاعدة الناس مسلطون على اموالهم الثابتة بسيرة العقلاء.

والتقييد بعدم استلزام ذلك التصرف في ملك الغير باعتبار ان ذلك هو القدر المتيقن من معقد السيرة.

__________________

(١) ذيل الحديث في وسائل الشيعة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢١٧ الباب ٢٦ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٤.

(٣) اختيار معرفة الرجال الرقم ٥٥٨.


٩ ـ واما ان المال اذا كان دينا فلا يجوز اخذه بدون استئذان مع فرض الاعتراف والبذل‌ فلان الكلي في الذمة لا يتشخص في الفرد الخارجي الا بتشخيص صاحب الذمة المشغولة.

ونفس النكتة المذكورة تأتي لو كان الامتناع عن البذل بحق.

١٠ ـ واما جواز المقاصة مع الامتناع بغير حق‌ فلصحيحة داود بن زربي : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي ان آخذه؟ قال : خذ مثل ذلك ولا تزد عليه» (١) وغيرها.

ومقتضى اطلاقها عدم الحاجة الى الاستئذان من الحاكم الشرعي ، بل بعد ثبوت الاذن من الشرع لا تعود حاجة الى الاستئذان المذكور.

واذا قيل : من المحتمل ان ما صدر من الامام عليه‌السلام كان اذنا خاصا ، ومعه لا يمكن التمسك بالاطلاق او بصدور الاذن من الشرع.

قلنا : ان الراوي سوف ينقل الاذن الى غيره ويفهم الجميع من ذلك الاذن العام فلو كان مقصوده عليه‌السلام الاذن الخاص احتاج ذلك الى تقييد بعد ما كان ـ الاذن الخاص ـ مجرد احتمال يبرز في خصوص الاوساط العلمية وليس في نطاق اوسع.

١١ ـ واما ان من ادعى مالا لا يد لأحد عليه حكم له به بلا مطالبة بالبينة‌ فلقاعدة قبول دعوى المدعي بلا منازع الثابتة بسيرة العقلاء الممضاة بعدم الردع.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٠٢ الباب ٨٣ من ابواب ما يكتسب به الحديث ١.


وتدل على ذلك أيضا صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه الف درهم فسأل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس فقالوا كلهم : لا ، وقال واحد منهم : هو لي فلمن هو؟ قال : للذي ادعاه» (١).

١٢ ـ واما ان المدعي لما في يد غيره يحكم بكونه لذي اليد مع يمينه اذا لم تكن بينة لأحدهما‌ فلان صاحب اليد مدعى عليه فيقبل قوله بيمينه ما دام لا بينة.

أجل مع عدم حلفه وردّه اليمين على المدعي يحكم له به على تقدير حلفه ، ومع عدم حلفه يحكم به لذي اليد لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «الرجل يدعي ولا بينة له ، قال : يستحلفه فان ردّ اليمين على صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له» (٢) وغيرها.

بل يمكن التمسك بقاعدة اليد التي هي امارة على الملك لإثبات كونه لذي اليد اذا ردّ اليمين على المدعي ولم يحلف.

١٣ ـ واما الحكم بالمال للمدعي مع وجود البينة له‌ فواضح.

١٤ ـ واما الحكم به لذي اليد مع يمينه اذا كانت له بينة‌ فلما تقدمت الاشارة اليه ـ عند البحث عن وسائل الاثبات ـ من ان مقتضى اطلاق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «واليمين على من ادعي عليه» ان اليمين ثابتة على المدعى عليه حتى مع اقامته البينة.

واذا قيل : ان صحيحة حماد بن عثمان : «بينما موسى بن عيسى في داره التي في المسعى يشرف على المسعى اذ رأى ابا الحسن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٠٠ الباب ١٧ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٦ الباب ٧ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


موسى عليه‌السلام مقبلا من المروة على بغلة فامر ابن هياج ـ رجلا من همدان منقطعا اليه ـ ان يتعلق بلجامه ويدعي البغلة فاتاه فتعلق باللجام وادعى البغلة فثنى ابو الحسن عليه‌السلام رجله ونزل عنها وقال لغلمانه : خذوا سرجها وادفعوا اليه فقال : والسرج أيضا لي فقال : كذبت ، عندنا البينة بانه سرج محمد بن علي ، واما البغلة فانّا اشتريناها منذ قريب وانت اعلم وما قلت» (١) تدل على ان صاحب اليد اذا كانت له بينة فلا يحتاج الى اليمين.

قلنا : انه عليه‌السلام لم يقل : اني لا احتاج الى يمين بل قال انت كاذب لان عندي بينة على كذبك ، فالبينة قد اكتفى بها عليه‌السلام في الحكم بكذب المدعي وليس للاكتفاء بها في مقام اسقاط الدعوى.

١٥ ـ واما تقديم قول ذي اليد مع حلفه على تقدير وجود البينة له وللمدعي‌ فلموثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان رجلين اختصما الى امير المؤمنين عليه‌السلام في دابة في ايديهما واقام كل واحد منهما البينة انها نتجت عنده فاحلفهما علي عليه‌السلام فحلف احدهما وأبى الآخر ان يحلف فقضى بها للحالف. فقيل له : فلو لم تكن في يد واحد منهما واقاما البينة ، فقال : احلفهما فايهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف ، فان حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين. قيل : فان كانت في يد احدهما واقاما جميعا البينة؟ قال : اقضي بها للحالف الذي هي في يده» (٢) حيث يدل ذيلها على ما ذكرنا.

بل ان القاعدة تقتضي ذلك أيضا ، فانه بعد تعارض البينتين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢١٤ الباب ٢٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٨٢ الباب ١٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢.


وتساقطهما يعود صاحب اليد بلا مزاحم فيقدم قوله مع يمينه.

واذا قيل : ان الحجة من المدعى عليه هي اليمين دون البينة ، ومعه فلا تقع بينته معارضة لبينة المدعي لتسقط الاخيرة عن الاعتبار.

قلنا : ان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» (١) لا يدل على عدم اعتبار البينة من المدعى عليه ، بل يدل بمقتضى اطلاقه على ان المطلوب منه اليمين وان البينة وحدها لا يكتفى بها منه ما لم تنضم اليها اليمين. وعليه تعود البينة من المدعى عليه حجة بمقتضى اطلاق دليل حجية البينة وتقع طرفا للمعارضة لبينة المدعي.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


كتاب الشّهادات‌

١ ـ شرائط الشاهد‌

٢ ـ اختلاف الحقوق في الاثبات‌

٣ ـ احكام عامة في باب الشهادات‌



١ ـ شرائط الشاهد‌

يلزم لقبول شهادة الشاهد في مطلق موارد الشهادة ما يلي :

١ ـ البلوغ فلا تقبل شهادة غير البالغ الا في القتل فانه يؤخذ باول كلامه.

وفي التعدي الى الجرح خلاف. هذا في الصبي. واما الصبية فينبغي الجزم بعدم قبول شهادتها.

٢ ـ العقل.

٣ ـ العدالة.

٤ ـ الإسلام بل الايمان فلا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم ـ الا الذمي في الوصية بالمال اذا لم يوجد شاهدان عادلان من المسلمين ـ ولا شهادة غير المؤمن.

٥ ـ طهارة المولد الا في الشي‌ء اليسير.

٦ ـ ان لا تجر الشهادة نفعا ولا تدفع ضررا ، كشهادة الشريك لشريكه بانه اشترى من ثالث عينا لهما او شهادة بعض افراد العاقلة بجرح شهود الجناية.


٧ ـ ان لا يكون الشاهد ذا عداوة دنيوية مع المشهود عليه ولو لم توجب فسقا.

٨ ـ ان لا يكون سائلا بكفه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما الصبي غير المميز‌ فلا يمكن تحقق الشهادة منه. واما المميز فقد يمكن تحصيل بعض المطلقات الشاملة لشهادته ، كقوله تعالى : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) (١) ، (وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (٢).

الا انه على تقدير تمامية الاطلاق المذكور ـ وعدم المناقشة بكون الخطابات المذكورة في مقام بيان الحث على الشهادة وطلبها لا أكثر ـ لا بدّ من تقييده بصحيحة محمد بن حمران : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن شهادة الصبي فقال : لا ، الا في القتل يؤخذ بأول كلامه ولا يؤخذ بالثاني» (٣) وغيرها.

وقد تعارض الصحيحة المذكورة وغيرها اما بموثقة طلحة بن زيد عن الامام الصادق عن ابيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام : «شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا او يرجعوا الى اهلهم» (٤) ، أو بموثقة عبيد بن زرارة : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن شهادة الصبي والمملوك ، فقال : على قدرها يوم اشهد تجوز في الامر الدون ولا تجوز‌

__________________

(١) النساء : ٦.

(٢) النساء : ١٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٢ الباب ٢٢ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٣ الباب ٢٢ من أبواب الشهادات الحديث ٦.


في الامر الكبير» (١).

الا انه يمكن الجواب عن الاولى بانها وان كانت تامة سندا ـ لان طلحة وان لم يوثق الا ان تعبير الشيخ عن كتابه بانه معتمد (٢) يسهّل الامر في رواياته ـ الا انها خاصة بشهادة الاطفال بعضهم على بعض وليس على البالغين. على ان بالامكان تقييدها بمورد القتل.

وعن الثانية بهجرانها لدى الاصحاب وعدم قائل بمضمونها ، وذلك يوجب سقوطها عن الحجية.

ثم انه مما يؤكد عدم حجية شهادة غير البالغ قوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (٣) ، فان اعتبار بلوغ الشاهد في باب الدين يدل على اعتباره في غيره اما بالاولوية او بتنقيح المناط والغاء الخصوصية.

٢ ـ واما انه يؤخذ بأول كلام الصبي‌ فللصحيحة المتقدمة.

واعتبر البعض في القبول عدم التفرق مستندا الى موثقة طلحة المتقدمة. ولكنك قد عرفت نظرها الى شهادة الصبيان فيما بينهم وليس على البالغين.

٣ ـ واما الجرح‌ فقد قيل بقبول شهادة الصبي فيه أيضا بالاولوية ، بل خصّ المحقق في الشرائع قبول شهادة الصبي بذلك (٤) ، وهو غريب.

وفي مقابل هذا يمكن ان يقال باختصاص القبول بمورد القتل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٣ الباب ٢٢ من أبواب الشهادات الحديث ٥.

(٢) فهرست الشيخ الطوسي : ٨٦ الرقم ٣٦٢.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) شرائع الإسلام ٤ : ٩١٠ ، انتشارات استقلال.


لاحتمال وجود خصوصية في نظر الشارع ، وهي المحافظة على الدماء. بل ان لازم القول بالاولوية التعدي الى جميع الموارد الاخرى لأنها دون القتل.

٤ ـ ووجه الجزم في رفض شهادة الصبية‌ ان مثل صحيحة محمد بن حمران المتقدمة جاءت استثناء من شرطية البلوغ وليس من شرطية الذكورة.

٥ ـ واما العقل‌ فاعتباره واضح. اجل في الادواري لا محذور في قبول شهادته حالة افاقته لإطلاق الادلة. والمناسب ان يكون ذلك ـ كما قال المحقق ـ : «بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور ذهنه واستكمال فطنته» (١).

٦ ـ واما العدالة‌ فلا اشكال في اعتبارها في الشاهد في الجملة. وقد قال تعالى في شاهدي الطلاق : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٢). وقال في شاهدي الوصية : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٣). وقال في شاهدي كفارة الصيد : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٤) ، بناء على ارادة الشاهدين لتشخيص قيمة الصيد المقتول دون الرسول والامام عليهما السّلام اللذين‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٤ : ٩١١ ، انتشارات استقلال.

(٢) الطلاق : ٢.

(٣) المائدة : ١٠٦.

(٤) المائدة : ٩٥.


يقومان بتشخيص الكفارة في كل صيد وان في النعامة بدنة وفي الظبي شاة ونحو ذلك ـ كما دلت عليه بعض الروايات (١) ـ والا كانت خارجة عن محل الكلام.

وفي موثقة عبد الله بن أبي يعفور : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : ان تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا .... والدلالة على ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته ...» (٢).

وفيها دلالة واضحة على شرطية العدالة لا بمعناها الدقيق بل بمعنى حسن الظاهر.

والرواية قد رويت بطريقين ، ورد في احدهما احمد بن محمد بن يحيى العطار الذي تبتني وثاقته على كبرى وثاقة مشايخ الاجازة ولا أقلّ المعروفين منهم ، وفي ثانيهما محمد بن موسى الهمداني الذي قد استثناه ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة (٣).

ويمكن التعويض عنها ـ بناء على عدم تمامية سندها ـ بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : لا‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٣١٤ الحديث ٨٦٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨٨ الباب ٤١ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٣) لا حظ ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري في رجال النجاشي : ٢٤٥ ، من منشورات مكتبة الداوري.


بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا» (١) ، بناء على تنقيح المناط والغاء خصوصية المملوك.

واما بقية الروايات فهي بين ما دلّ على مانعية الفسق او الاكتفاء بالخير او الصلاح او العفة والصون فراجع.

وقد يفهم الفقيه من كل هذا ان العدالة بمعناها الدقيق المتداول بين الفقهاء ليست شرطا بل هي شرط بمعنى حسن الظاهر والعفة والمعروفية بالخير.

٧ ـ واما اشتراط الإسلام‌ فهو من واضحات الفقه. وقد دلت على ذلك موثقة سماعة : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن شهادة اهل الملة فقال : لا تجوز الا على اهل ملتهم» (٢) وغيرها.

واما الاستثناء المذكور فمما لا خلاف فيه لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ...) (٣) والروايات الكثيرة (٤).

واما الايمان فلا اشكال في اشتراطه اذا كان غير المؤمن معاندا لأنه فاسق ، والحديث الشريف يقول : «كان امير المؤمنين عليه‌السلام يقول : ... لا اقبل شهادة الفاسق الا على نفسه» كما في صحيح محمد بن قيس (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٣ الباب ٢٣ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨٤ الباب ٣٨ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٣) المائدة : ١٠٦.

(٤) وهي مذكورة في وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨٧ الباب ٤٠ من ابواب الشهادات ، و ١٣ : ٣٩٠ الباب ٢٠ من أحكام الوصايا.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٨ الباب ٣٢ من أبواب الشهادات الحديث ٤.


واما اذا كان مستضعفا فالمشهور عدم قبول شهادته أيضا ـ حيث لم يفصلوا في رفض شهادة غير المؤمن بين القسمين ـ الا ان الشهيد الثاني قدس‌سره شكّك في ذلك وابرز احتمال قبول شهادته بل اختار ذلك لوجود المقتضي وفقدان المانع.

اما وجود المقتضي فلا طلاق مثل قوله عليه‌السلام ـ في صحيحة محمد بن مسلم ـ : «لو كان الامر إلينا لأجزنا شهادة الرجل اذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس» (١).

واما فقدان المانع فلان ما يتصور كونه مانعا ليس الا صدق عنوان الفاسق عليه ، وهو مدفوع ، باعتبار ان صدقه يختص بالمعاند ، اي الذي يفعل المعصية وهو يعلم انها معصية دون من يرتكبها وهو يعتقد انها طاعة. ثم اضاف قائلا : ان تحقق العدالة لا يختص بالامامي بل تتحقق في جميع اهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم (٢).

٨ ـ واما اعتبار طهارة المولد‌ فقد دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : لا تجوز شهادة ولد الزنا» (٣) وغيرها.

ويستثنى من ذلك الشي‌ء اليسير لصحيحة عيسى بن عبد الله : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن شهادة ولد الزنا ، فقال : لا تجوز الا في الشي‌ء اليسير اذا رأيت منه صلاحا» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩١ الباب ٤١ من أبواب الشهادات الحديث ٨.

(٢) مسالك الافهام ٢ : ٤٠١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٦ الباب ٣١ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٦ الباب ٣١ من أبواب الشهادات الحديث ٥.


٩ ـ واما اعتبار ان لا تجر الشهادة نفعا‌ ، كشهادة الشريك فقد يستدل عليه بموثقة عبد الرحمن بن ابي عبد الله : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن ثلاثة شركاء شهد اثنان على [عن] واحد ، قال : لا تجوز شهادتهما» (١).

ودلالتها واضحة ـ بعد حمل حرف الجر على ارادة معنى اللام منه ـ الا انها معارضة بموثقته الاخرى : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن ثلاثة شركاء ادعى واحد وشهد الاثنان ، قال : يجوز» (٢). ووجه المعارضة :

اما لأنهما رواية واحدة لاستبعاد صدور النقلين المذكورين بعد كون القضية المسؤول عنها واحدة والراوي لها واحدا ، وهو عبد الرحمن ، بل الراوي عن الراوي واحد أيضا ، ومع وحدة الرواية وعدم تشخيص ما هو الصادر تسقط كلتاهما عن الاعتبار.

او لان الصادر وان كان متعددا واقعا الا انه لأجل التنافي لا يمكن الاخذ بشي‌ء منهما.

وقد يستدل أيضا بموثقة ابان التي رواها الشيخ الصدوق باسناده عن فضالة عن ابان : «سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن شريكين شهد احدهما لصاحبه ، قال : تجوز شهادته الا في شي‌ء له فيه نصيب» (٣).

وهي وان كانت تامة دلالة الا انها معارضة سندا برواية الشيخ الطوسي لها باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن ابان عمن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٢ الباب ٢٧ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٢ الباب ٢٧ من أبواب الشهادات الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٢ الباب ٢٧ من أبواب الشهادات الحديث ٣.


اخبره عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١) ، فانه لاستبعاد سماع ابان الرواية من الامام عليه‌السلام مرتين : مرة بلا واسطة واخرى مع الواسطة تسقط عن الاعتبار لان وجود الواسطة المجهولة يبقى ثابتا ولا نافي له.

والاولى الاستدلال على ذلك بالوجهين التاليين :

أ ـ التمسك بموثقة سماعة : «سألته عما يرد من الشهود ، قال : المريب ، والخصم والشريك ودافع مغرم والاجير والعبد والتابع والمتهم ، كل هؤلاء ترد شهادتهم» (٢) ، فان المنصرف من شهادة الشريك المردودة هو شهادته لشريكه فيما هو مشترك بينهما.

ب ـ ان الحكم ثابت بمقتضى القاعدة ، فان الشريك اذا شهد بشراء عين مشتركة لهما يصير الشاهد مدعيا والمدعي شاهدا ، وعدم جواز مثل ذلك لا يحتاج إلى دليل.

١٠ ـ واما عدم قبول شهادة من يدفع عن نفسه بشهادته ضررا‌ فلانه بمنزلة المدعى عليه فلا وجه لقبول شهادته ويصدق عليه عنوان الخصم المذكور في موثقة سماعة المتقدمة.

١١ ـ واما اعتبار عدم العداوة الدنيوية‌ فلموثقة اسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام : «لا تقبل‌

__________________

(١) كما اشار الى ذلك صاحب الوسائل في ذيل الحديث السابق.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٨ الباب ٣٢ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

والمريب هو كالفاسق أو جالب النفع او الاعم منهما.

ودافع مغرم هو من يدفع الغرامة بشهادته ، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية.

والتابع هو من لا رأي له ويتبع غيره في جميع اموره. وقد يفسر بمن يخدم غيره او يأكل من طعامه.


شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين» (١).

واطلاقها يقتضي عدم الفرق بين استلزام العداوة للفسق وعدمه هذا في العداوة الدنيوية.

واما العداوة الاخروية فلا تمنع جزما فانها تؤكد العدالة ، والموثقة منصرفة عن مثلها. وقد ورد في صحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد الله عليه‌السلام «تجوز شهادة المسلمين على جميع اهل الملل ولا تجوز شهادة اهل الذمة على المسلمين» (٢).

١٢ ـ واما منع السؤال بالكف عن قبول الشهادة‌ فلصحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن موسى عليهما السّلام : «سألته عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته؟ فقال : كان ابي لا يقبل شهادته اذا سأل في كفه» (٣) وغيرها.

والمقصود ما اذا اتخذ ذلك حرفة دون ما لو تحقق مرة أو مرتين لعارض ، للانصراف عن مثل ذلك.

٢ ـ اختلاف الحقوق في الاثبات‌

تثبت الدعوى بمقتضى الاصل الاولي بالبينة ، اي بشهادة رجلين عدلين.

وخرج عن ذلك :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٨ الباب ٣٢ من أبواب الشهادات الحديث ٥.

وذو المخزية هو من وقع في بلية يشار اليه بها كالمحدود قبل توبته وولد الزنا.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨٤ الباب ٣٨ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨١ الباب ٣٥ من أبواب الشهادات الحديث ١.


١ ـ دعوى الدين (١) على الميت ، فانها لا تثبت بالبينة وحدها بل مع ضم يمين المدعي.

٢ ـ دعوى الدين على الحي ، فانها كما تثبت بشهادة رجلين كذلك تثبت بشهادة رجل ويمين المدعي ، وبرجل وامرأتين ، وبامرأتين ويمين المدعي.

٣ ـ دعوى عين من الاموال على الحي ، فانها تثبت بما سبق ما عدا الرجل والمرأتين.

٤ ـ اللواط والمساحقة ، فانهما لا يثبتان الا بشهادة اربعة رجال عدول.

٥ ـ الزنا ، فانه لا يثبت الا بشهادة اربعة رجال عدول او ثلاثة وامرأتين بل برجلين واربع نساء ، غايته يثبت الجلد بذلك دون الرجم.

٦ ـ النكاح والدية ، فانهما كما يثبتان بشهادة عدلين كذلك يثبتان برجل وامرأتين.

٧ ـ العذرة ، والعيوب الباطنية للنساء ، والرضاع ، وكل ما لا يجوز للرجال النظر اليه فانه يثبت باربع نساء.

٨ ـ الوصية لشخص بمال ، فانه يثبت ربعه بشهادة امرأة واحدة ، ونصفه بشهادة ثنتين ، وعلى هذا المنوال.

وهكذا لو شهدت القابلة بل مطلق المرأة باستهلال الطفل عند فرض موت أبيه ، فانه يرث ربع التركة بذلك. ولو شهدت ثنتان بذلك ورث النصف ، وعلى هذا المنوال.

وهكذا لو شهدت المرأة بالقتل ، فانه يثبت ربع الدية. واذا شهدت ثنتان‌

__________________

(١) يراد بالدين مطلق المال الذي اشتغلت به الذمة اعم من كونه بالقرض او الغصب او الاتلاف او البيع وما شاكل ذلك.


بذلك يثبت نصفها ، وعلى هذا المنوال.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الاصل الاولي في الاثبات هو البينة‌ ، بمعنى شهادة رجلين عدلين فلان ذلك هو المنصرف من كلمة «البينة» المعتبرة في الاثبات في مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على من ادعى» (١) أو «انما اقضي بينكم بالبينات والايمان» (٢).

وعلى تقدير التشكيك في ذلك يمكن التمسك بالاطلاق المقامي ، فان الوسيلة المعروفة في الاثبات هي شهادة عدلين ، والسكوت عن تحديد البينة لا بدّ ان يكون اعتمادا على ذلك.

٢ ـ واما اعتبار ضم يمين المدعي الى البينة في دعوى الدين على الميت‌ فلم ينقل فيه خلاف.

واستدل على ذلك بصحيحة محمد بن يحيى : «كتب محمد بن الحسن يعني الصفار الى ابي محمد عليه‌السلام : هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع : اذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعي يمين ... وكتب أو تقبل شهادة الوصي على الميت [بدين] مع شاهد آخر عدل؟ فوقع : نعم من بعد يمين» (٣) ، بتقريب ان قوله عليه‌السلام في الذيل : «نعم من بعد يمين» يراد به : بعد يمين المدعي لا يمين الوصي الذي هو أحد الشاهدين بقرينة التعبير في الصدر : «فعلى المدعي يمين» ، فاطلاق كلمة «اليمين» في الذيل جاء اعتمادا على‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٣ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٩ الباب ٢ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٣ الباب ٢٨ من أبواب الشهادات الحديث ١.


تقييدها بالمدعي في الصدر.

واذا قيل : ان صدر الحديث يدل على لزوم اليمين مع البينة حتى اذا كانت الدعوى للميت لا عليه ، وذلك مما لا يلتزم به فيتعين الحمل على الاستحباب ، الامر الذي يوجب التشكيك في لزوم اليمين في الفقرة الاخيرة.

قلنا : الفقرتان مستقلتان ، وعدم امكان الالتزام بالوجوب في الاولى لا يستلزم عدمه في الثانية.

ومما يؤيد الحاجة الى اليمين في الدعوى على الميت رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله : «قلت للشيخ عليه‌السلام ... وان كان المطلوب بالحق قد مات فاقيمت عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله الا هو لقد مات فلان وان حقه لعليه ، فان حلف والا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد اوفاه ببينة لا نعلم موضعها او غير بينة قبل الموت فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البينة ...» (١) الضعيفة ب «ياسين الضرير» الذي لا توثيق له.

٣ ـ واما ثبوت الدين على الحي برجل ويمين المدعي‌ فمما لا اشكال فيه. وقد دلت عليه روايات كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجيز في الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ولم يجز في الهلال الا شاهدي عدل» (٢).

ويظهر من بعض النصوص ان ابا حنيفة كان منكرا لذلك ، فقد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٣ الباب ٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٣ الباب ١٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.


ورد في صحيحة البزنطي : «سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : قال ابو حنيفة لأبي عبد الله عليه‌السلام : تجيزون شهادة واحد ويمين؟ قال : نعم ، قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقضى به علي عليه‌السلام بين أظهركم بشاهد ويمين ، فتعجب ابو حنيفة ، فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : أتعجب من هكذا؟ انكم تقضون بشاهد واحد في مائة شاهد ، فقال له : لا نفعل ، فقال : بلى تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله وانما هو رجل واحد» (١).

٤ ـ واما ثبوت ذلك برجل وامرأتين‌ فلقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) (٢) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «.... تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال : نعم ...» (٣) وغيرها.

٥ ـ واما ثبوت ذلك بامرأتين ويمين المدعي‌ فلصحيحة الحلبي الاخرى عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف بالله ان حقه لحق» (٤) وغيرها.

والمراد من شهادة النساء شهادة امرأتين لان الديون حيث يكفي لا ثباتها رجل ويمين فيلزم ان يكون القائم مقام الرجل هو المرأتين.

٦ ـ واما ان الاعيان تثبت بشاهد ويمين‌ فلإطلاق بعض النصوص ، من قبيل صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٦ الباب ١٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٧.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٨ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٨ الباب ١٥ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٣.


«كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق» (١).

واما ثبوتها بامرأتين مع اليمين فلصحيحة منصور بن حازم الاخرى : «ان ابا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : «اذا شهد لطالب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز» (٢).

والطريق وان اشتمل على محمد بن علي ماجيلويه ـ الذي يروي بواسطته الشيخ الصدوق الرواية المذكورة ـ الذي لم يذكر بتوثيق في كتب الرجال الا ان الامر فيه سهل بناء على كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

واما انها لا تثبت برجل وامرأتين فلاختصاص دليل اعتبار ذلك ـ وهو الآية الكريمة وصحيحة الحلبي المتقدمتان في الرقم ٤ ـ بالدين فيتمسك بالاصل في غيره.

الا ان المنسوب الى المشهور هو التعدي اما لإلغاء خصوصية المورد او لان الاعيان اذا كانت تثبت برجل ويمين المدعي فيلزم ان تثبت برجل وامرأتين أيضا لقيام المرأتين مقام اليمين. وكلاهما كما ترى.

٧ ـ واما ان اللواط والمساحقة لا يثبتان الا باربعة رجال‌ فقد ذكر صاحب الجواهر عدم عثوره في النصوص على ما يدل على ذلك وان كان ذلك امرا متسالما عليه بين الأصحاب (٣).

بيد ان بالامكان التمسك في المساحقة بقوله تعالى : (وَاللاّتِي

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٣ الباب ١٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٧ الباب ١٥ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٤١ : ١٥٤.


يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (١) ، فان الفاحشة لا تختص بالزنا.

واما بالنسبة الى اللواط فقد يتمسك لاعتبار الاربعة بمقدمتين :

احداهما : ان اللواط يثبت بالاقرار اربع مرات كما تدل عليه بعض النصوص الآتية.

ثانيتهما : ان كل اقرار واحد منزل منزلة شهادة واحدة ، كما تدل عليه بعض النصوص الآتية أيضا.

ولازم المقدمتين المذكورتين عدم ثبوت اللواط الا باربع شهادات.

اما الدال على المقدمة الاولى فهو صحيحة مالك بن عطية عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «بينما امير المؤمنين عليه‌السلام في ملاء (٢) من أصحابه اذ اتاه رجل فقال : يا امير المؤمنين عليه‌السلام اني اوقبت (٣) على غلام فطهرني فقال له : يا هذا امض الى منزلك لعل مرارا (٤) هاج بك. فلما كان من غد عاد اليه فقال له : يا امير المؤمنين اني اوقبت على غلام فطهرني فقال له : اذهب الى منزلك لعل مرارا هاج بك حتى فعل ذلك ثلاثا بعد مرته الاولى ، فلما كان في الرابعة قال له : يا هذا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم في مثلك بثلاثة احكام فاختر ايهن شئت. قال : وما هنّ يا امير المؤمنين؟ قال : ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت او اهداب ـ اهداء (٥) ـ من‌

__________________

(١) النساء : ١٥.

(٢) في الوافي ١٥ : ٣٣٥ : ملأ.

(٣) الايقاب : الادخال.

(٤) جاء في مجمع البحرين في مادة مرر : «المرّة : خلط من اخلاط البدن غير الدم. والجمع مرار بالكسر».

(٥) وفي الوافي ١٥ : ٣٣٥ : او دهداء.


جبل مشدود اليدين والرجلين او احراق بالنار. قال : يا امير المؤمنين ايهنّ أشدّ عليّ؟ قال : الاحراق بالنار ، قال : فاني قد اخترتها يا امير المؤمنين ، فقال : خذ لذلك اهبتك فقال : نعم. قال : فصلّى ركعتين ثم جلس في تشهده فقال : اللهمّ اني قد أتيت من الذنب ما قد علمته واني تخوفت من ذلك فأتيت الى وصي رسولك وابن عم نبيك فسألته ان يطهّرني فخيرني ثلاثة أصناف من العذاب ، اللهمّ فاني اخترت اشدهن ، اللهم فاني اسألك ان تجعل ذلك كفارة لذنوبي وان لا تحرقني بنارك في آخرتي ، ثم قام وهو باك حتى دخل الحفيرة التي حفرها له امير المؤمنين عليه‌السلام وهو يرى النار تتأجج حوله. قال : فبكى امير المؤمنين عليه‌السلام وبكى اصحابه جميعا فقال له امير المؤمنين عليه‌السلام : قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء وملائكة الأرض ، فان الله قد تاب عليك (١) فقم ولا تعاودن شيئا مما فعلت» (٢).

واما الدال على المقدمة الثانية فهو ما رواه سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة : «ان امرأة أتت امير المؤمنين عليه‌السلام فقالت : يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني طهرك الله فان عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع فقال : ممّ اطهرك؟ قالت : من الزنا ، فقال لها : فذات بعل انت أم غير ذات بعل فقالت : ذات بعل فقال لها : فحاضرا كان بعلك أم غائبا؟ قالت : حاضرا ، فقال : انتظري حتى تضعي ما في بطنك ثم ائتيني فلما ولت عنه من حيث لا تسمع كلامه قال : اللهم هذه شهادة فلم تلبث ان أتته فقالت : اني وضعت فطهرني ... قال : اذهبي حتى ترضعيه‌

__________________

(١) ومن هنا يقول الاصحاب بان من اقرّ بحدّ ثم تاب كان الامام مخيرا في اقامته.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٣ الباب ٥ من ابواب حد اللواط الحديث ١.


فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال : اللهم انهما شهادتان فلما أرضعته عادت اليه فقالت : يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني ... قال : اذهبي فاكفليه حتى يعقل ان يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح ولا يتهور في بئر فانصرفت وهي تبكي فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال : اللهم هذه ثلاث شهادات ... وفي الرابعة رفع امير المؤمنين عليه‌السلام رأسه الى السماء وقال : اللهم اني قد اثبت ذلك عليها اربع شهادات وانك قد قلت لنبيك صلوات الله عليه وآله فيما اخبرته من دينك : يا محمد من عطّل حدّا من حدودي فقد عاداني ...» (١).

٨ ـ واما ان الزنا لا يثبت بأقل من اربعة‌ فمما لا اشكال فيه. وقد دلّ على ذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) (٢) ، (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... لَوْ لا جاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ..) (٣) ، (وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) (٤).

والروايات في ذلك كادت تبلغ حدّ التواتر ، من قبيل موثقة ابي بصير : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٢ ، وقد نقل الحر الرواية المذكورة بعدة طرق بعضها صحيح ، كطريق الشيخ الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن خلف بن حماد عن ابي عبد الله عليه‌السلام فراجع وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٧ الباب ١٦ من أبواب حد الزنا الحديث ١.

(٢) النور : ٤.

(٣) النور : ١١ ـ ١٣.

(٤) النساء : ١٥.


اربعة شهداء على الجماع والايلاج والادخال كالميل في المكحلة» (١).

واما انه يثبت بثلاثة رجال وامرأتين ، وبرجلين واربع نساء بالنسبة الى الجلد فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان وجب عليه الرجم. وان شهد عليه رجلان واربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ولكن يضرب حدّ الزاني» (٢).

٩ ـ واما ثبوت النكاح برجل وامرأتين‌ فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن شهادة النساء في النكاح ، فقال : تجوز اذا كان معهن رجل ...» (٣).

وبالصحيحة المذكورة يمكن الجمع بين بعض النصوص المجوزة مطلقا (٤) وبعضها الآخر المانع مطلقا (٥).

واما ثبوت الدية بذلك فلصحيحة جميل بن دراج ومحمد بن حمران عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال : في القتل وحده ، ان عليا عليه‌السلام كان يقول : لا يبطل دم امرئ مسلم» (٦) ، فانه بعد ضمها الى موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧١ الباب ١٢ من أبواب حد الزنا الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٠١ الباب ٣٠ من أبواب حد الزنا الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٨ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١١.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٧ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٤٢.

(٦) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٨ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١.


القود» (١) يفهم ان الذي لا يثبت بشهادة النساء في باب القتل هو القود دون الدية ، اذ بعدم ثبوت الدية يلزم بطلان دم المسلم بخلاف نفي القود مع ثبوت الدية فانه لا يلزم منه ذلك.

١٠ ـ واما ثبوت العذرة وما تلاها بأربع نساء‌ فلموثقة عبد الله بن بكير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «تجوز شهادة النساء في العذرة وكل عيب لا يراه الرجل» (٢) ، وصحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : ... تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر اليه ...» (٣) وغيرهما.

وبذلك يتضح الحال في الرضاع فانه مما لا يراه الرجال.

واما اعتبار ان تكون النساء اربعا مع اطلاق النصوص فلأن القائم مقام رجلين هو اربع نساء.

١١ ـ واما ان الوصية تثبت بالنحو المتقدم‌ فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام عن امير المؤمنين عليه‌السلام : «قضى في وصية لم تشهدها الا امرأة فأجاز شهادة المرأة في ربع الوصية» (٤) وغيرها.

هذا وقد ورد في بعض الروايات عدم نفوذ شهادة النساء في الوصية مطلقا ، من قبيل صحيحة عبد الرحمن : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة يحضرها الموت وليس عندها الا امرأة ، تجوز شهادتها؟ قال :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٤ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٩٦ الباب ٢٢ من أحكام الوصايا الحديث ٤.


تجوز شهادة النساء في العذرة والمنفوس ...» (١).

وقد تحمل على الوصية العهدية بقرينة الاولى الواردة في الوصية التمليكية. ونتيجة ذلك التفصيل بين الوصية اليه والوصية له ، فالاولى لا تثبت بشهادة النساء مطلقا في حين ان الثانية تثبت بالنحو المتقدم.

١٢ ـ واما ان القابلة تمضى شهادتها بلحاظ الربع‌ فلصحيحة عمر بن يزيد : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل مات وترك امرأته وهي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما وقع الى الارض فشهدت المرأة التي قبّلتها انه استهل وصاح حين وقع الى الارض ثم مات ، قال : على الامام ان يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام» (٢) وغيرها.

واذا كان بعض النصوص دالا باطلاقه على ثبوت تمام التركة بشهادة القابلة ـ من قبيل صحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : ... تجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس (٣) ـ فلا بدّ من رفع اليد عن اطلاقه بالصحيحة المتقدمة.

واما تعميم الحكم لمطلق المرأة فلما يستفاد من بعض النصوص ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم : «سألته تجوز شهادة النساء وحدهن؟ قال : نعم في العذرة والنفساء» (٤) وغيرها.

على ان ما دلّ على ثبوت ربع التركة بشهادة القابلة ليس له دلالة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٢ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٩ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٠ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٢ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ١٩.


على تقييد الحكم بها بل كان ذلك مورد السؤال ، ومعه يتعدى الى غيره لعدم فهم الخصوصية بلا حاجة الى البحث عن اطلاق يعم مطلق المرأة.

واما ان الدية يثبت ربعها بشهادة المرأة الواحدة ونصفها بشهادة ثنتين وهكذا فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في غلام شهدت عليه امرأة انه دفع غلاما في بئر فقتله فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة» (١) ، فان جملة «بحساب شهادة المرأة» تدل على ثبوت النصف بشهادة المرأتين ، وهكذا.

واذا قيل : ان الجملة المذكورة غير ثابتة في طريق الشيخ الصدوق (٢).

قلنا : هذا لا يستلزم عدم ثبوتها بعد ورودها بطريق الشيخ الطوسي الذي هو طريق معتبر.

على ان حذف الجملة المذكورة في طريق الشيخ الصدوق لعله من باب وضوح الامر لبعد ثبوت تمام الدية بشهادة المرأة الواحدة.

٣ ـ احكام عامة في باب الشهادات‌

لا تجوز الشهادة الا مع العلم بالمشهود به عن حس او ما يقرب منه ، كالحاصل من التواتر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٣ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢٦.

(٢) لا حظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.


وتحمّل الشهادة مع الدعوة الى ذلك واجب خلافا لصاحب الجواهر. وكذا اداؤها بعد التحمل فيما اذا تحققت الدعوة الى التحمل والا ثبت التخيير بين الاداء وعدمه الا اذا كان احد الطرفين ظالما فيجب اداؤها مطلقا.

وقد تسالم الاصحاب على اعتبار شرط آخر في وجوب الاداء ، وهو طلبه والا فالتبرع بالشهادة يوجب رفضها.

وتقبل الشهادة على الشهادة في حقوق الناس ـ كالطلاق والنسب ـ دون حقوق الله سبحانه سواء كانت خاصة أم مشتركة.

ولا يعتبر الاشهاد الا في الطلاق والظهار. اجل يستحب في النكاح والبيع والدين.

وتصدّق المرأة في دعواها انها خلية وان عدتها قد انقضت الا اذا ادعت ذلك بشكل مخالف للعادة الجارية بين النساء ، كما اذا ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث مرات. فانها لا تصدق الا اذا شهدت النساء من بطانتها ان عادتها سابقا كانت كذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار العلم في جواز الشهادة‌ فلأنها قسم من الاخبار الجازم وهو لا يجوز بدون العلم والا يلزم الكذب.

هذا مضافا الى صحيحة معاوية بن وهب : «قلت له : ان ابن ابي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان وتركها ميراثا وانه ليس له وارث غير الذي شهدنا له ، فقال : اشهد بما هو علمك. قلت : ان ابن أبي ليلى يحلفنا الغموس ، فقال : احلف انما هو على علمك» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٤٥ الباب ١٧ من أبواب الشهادات الحديث ١.


ان قلت : ان رواية حفص بن غياث عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال له رجل : اذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له؟ قال : نعم. قال الرجل : اشهد انه في يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : أفيحل الشراء منه؟ قال : نعم فقال ابو عبد الله عليه‌السلام : فلعله لغيره فمن اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال ابو عبد الله عليه‌السلام : لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» (١) دلت على جواز الشهادة عند عدم العلم بالمشهود به استنادا الى اليد.

قلت : هي لو تمت سندا ـ ولم يناقش في طريق الشيخ والكليني من ناحية القاسم بن يحيى الذي لم تثبت وثقاته الا بناء على كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارة ولا في طريق الصدوق من ناحية القاسم بن محمد الاصفهاني ـ لا بدّ من حملها على الشهادة بالملكية الظاهرية التي تولدها اليد دون الملكية الواقعية ، اذ بعد عدم العلم بها كيف يجوز الاخبار الجازم عنها والشهادة عليها ، ولو جاز ذلك جاز ان يشهد الحاكم بها وجميع الناس الذين يعرفون بان هذا صاحب يد ولم تبق بعد ذلك حاجة الى المطالبة بالبينة.

وان قلت : ان موثقة معاوية بن وهب دلت على جواز الاستناد في الشهادة الى الاستصحاب ، حيث ورد فيها : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون له العبد والامة قد عرف ذلك فيقول : أبق غلامي أو امتي فيكلفونه (٢) القضاة شاهدين بان هذا غلامه او امته لم يبع ولم يهب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢١٥ الباب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم الحديث ٢.

(٢) المناسب : فيكلفه.


أنشهد على هذا اذا كلفناه؟ قال : نعم» (١).

قلت : لا بدّ من فرض ان العبد كان يدعي انه حر او لا أقلّ لم يكن رقا للمدعي من البداية لا انه يعترف بكونه رقا له من البداية ولكنه بيع او وهب او تحرر والا لكان هو المكلف بالبينة. وبناء على هذا يكفي لدحض دعوى العبد شهادة معاوية ان هذا كان عبدا لهذا سابقا ولا اعلم انه بيع او وهب ، اي يشهد على الملكية السابقة وعدم العلم بزوالها دون ان يشهد على عدم ذلك واقعا.

هذا مضافا الى معارضة الرواية المذكورة برواية معاوية بن وهب الاخرى (٢) الواردة في القضية نفسها حيث دلت على عدم جواز الشهادة الا انها ضعيفة باسماعيل بن مرار.

٢ ـ واما ان مستند العلم لا بدّ من كونه الحس او ما يقرب منه‌ فذلك :

اما لان سكوت الروايات عن بيان مستند الشهادة يفهم منه ايكال القضية الى العرف ، وهو يعتبر ما ذكر.

او لان الشهادة عن حدس لا دليل على اعتبارها فلا تكون حجة بخلاف ما كانت عن حس ، فانها القدر المتيقن من دليل جواز الشهادة ، وهكذا اذا كان مستندها يقرب من الحس ، حيث لا يحتمل الفرق بينها وبين ما اذا كانت مستندة الى الحس مباشرة.

ثم انه مما يؤيد اعتبار الحس او ما يقرب منه في مستند الشهادة رواية علي بن غراب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تشهدن بشهادة حتى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٤٦ الباب ١٧ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٤٦ الباب ١٧ من أبواب الشهادات الحديث ٢.


تعرفها كما تعرف كفك» (١) ، فان ضعفها بابن غراب وغيره لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

ومثلها ما رواه المحقق في الشرائع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا حينما سئل عن الشهادة : «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع» (٢).

٣ ـ واما وجوب تحمل الشهادة مع الدعوة اليه فهو المعروف بين الاصحاب‌ لقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (٣) بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف ، وصحيحة ابي الصباح عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) قال : لا ينبغي لأحد اذا دعي الى شهادة ليشهد عليها ان يقول لا اشهد لكم عليها» (٤) وغيرها.

هذا وقد نقل صاحب الجواهر عن ابن ادريس ان الآية الكريمة ناظرة الى اداء الشهادة دون تحملها بقرينة التعبير بكلمة «الشهداء» الظاهرة في تمامية الشهادة وتحققها.

وأضاف صاحب الجواهر قائلا : ان ملاحظة ما قبل الآية المذكورة وما بعدها يعطي انها في صدد بيان بعض الآداب الشرعية ، فانظر الى قوله تعالى : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ ... وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً) (٥) ، ومعه يكون المناسب حمل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٠ الباب ٢٠ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٥٠ الباب ٢٠ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

(٣) البقرة : ٢٨٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٢٥ الباب ١ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٥) البقرة : ٢٨٢.


فقرة الاستشهاد على بيان الكراهة.

ثم أضاف : واما الروايات فقد ورد فيها التعبير ب «لا ينبغي» المشعر بالكراهة. وعليه فالانصاف عدم خلو القول بعدم الوجوب وانه مستحب بل تركه مكروه من قوة (١).

وفيه : ان بعض الروايات ظاهر في الالزام ، من قبيل ما رواه داود بن سرحان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يأب الشاهد ان يجيب حين يدعى قبل الكتاب» (٢).

والسند صحيح بناء على ان امر سهل الوارد فيه سهل.

وتؤيد ذلك رواية جراح المدائني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا دعيت الى الشهادة فأجب» (٣) ، فان جراح والقاسم بن سليمان وان لم يوثقا الا من خلال كامل الزيارة لكن ذلك لا يمنع من عدّها مؤيدة.

واما التعبير ب «لا ينبغي» الوارد في الروايات التي أشار اليها فهو ليس ظاهرا في الكراهة ليمنع من الاخذ بظهور ما ذكر بل دال على الجامع الاعم خلافا لبعض حيث اختار دلالته على الالزام.

واما التشكيك في دلالة الآية الكريمة فهو مبني على الرأي المشهور في الدلالة على الوجوب والتحريم ، واما بناء على مسلك حكم العقل فلا موجب له. ومع التنزل يكون السياق موجبا لتزلزل الظهور في الالزام دون ان يوجب الظهور في الكراهة ليمتنع الاخذ بظهور الروايتين المتقدمتين في الالزام.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤١ : ١٨٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٢٦ الباب ١ من أبواب الشهادات الحديث ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٢٥ الباب ١ من أبواب الشهادات الحديث ٣.


٤ ـ واما وجوب الاداء‌ فلم ينقل فيه خلاف. ويدل عليه قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (١) ، بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف ، وقوله تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (٢) لا طلاقه الشامل للأداء.

ومجرد ذكر ذلك بعد طلب الاستشهاد بشهيدين لا يدل على الاختصاص بالتحمل.

ومما يؤيد الوجوب الروايات الدالة على ذلك ، فان ضعف سندها لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

٥ ـ واما اشتراط وجوب الاداء بالدعوة الى التحمل‌ فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «اذا سمع الرجل الشهادة ولم يشهد عليها فهو بالخيار ان شاء شهد وان شاء سكت الا اذا علم من الظالم فيشهد ولا يحل له ان لا يشهد» (٣) وغيرها. ولولاها كان المناسب الوجوب مطلقا لإطلاق الآيتين الكريمتين.

٦ ـ واما استثناء حالة ظلم احد الطرفين‌ فلوجوب ازالة الظلم والصحيحة المتقدمة.

٧ ـ واما التبرع باداء الشهادة‌ فلا اشكال بين الاصحاب في عدم وجوبه بالرغم من ان مقتضى المطلقات عكس ذلك. قال تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) (٤) ، (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

(٢) البقرة : ٢٨٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٣٢ الباب ٥ من أبواب الشهادات الحديث ٤.

(٤) البقرة : ١٤٠.


يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (١) ، (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ) (٢).

وانما الاشكال في رفض الشهادة التبرعية وعدمه. وقد فصّل في هذا المجال بين ما اذا كان مورد الشهادة التبرعية حقوق الناس فترفض وما اذا كان حقوق الله سبحانه فتقبل.

اما الرفض في الاول فلان التبرع في الشهادة موجب لتطرق التهمة ، وللحديث النبوي : «ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل ان يستشهد» (٣) ، «ثم يجي‌ء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها» (٤) وغيرهما.

واما القبول في الثاني فعلّله المحقق في الشرائع بعدم وجود المدعي فيه لاختصاص الحق بالله سبحانه او لاشتراك الكل في ذلك ، كما في الشهادة للمصالح العامة كالقناطر والمدارس (٥).

والتفصيل المذكور بما اشتمل عليه من الاستدلال كما ترى.

والمناسب قبول الشهادة التبرعية لان ما ذكر بعد عدم صلاحيته للمانعية تعود المطلقات ـ من قبيل : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ) (٦) وغيره ـ سالمة عن المقيد من الناحية المذكورة فيتمسك باطلاقها.

هذا مضافا الى امكان التمسك بموثقة سماعة المتقدمة : «سألته‌

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

(٢) الطلاق : ٢.

(٣) سنن ابن ماجه ٢ : ٦٤.

(٤) مسند احمد ٤ : ٤٢٦.

(٥) شرايع الإسلام ٤ : ٩١٧ ، انتشارات استقلال.

(٦) الطلاق : ٢.


عما يرد من الشهود ، قال : المريب ، والخصم ...» (١) ، حيث لم يذكر المتبرع من جملة الاقسام.

٨ ـ واما الشهادة على الشهادة‌ فهي مقبولة عندنا من دون خلاف. ولا تثبت شهادة الاصل الا بشهادة رجلين.

ويظهر من بعض الاخبار الاكتفاء بشهادة الواحد ، كما دلت عليه صحيحة البزنطي المتقدمة ، حيث قال الامام الصادق عليه‌السلام لأبي حنيفة «... بلى تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله وانما هو رجل واحد» (٢). ومن هنا جاءت نصوصنا تؤكد اعتبار شهادة اثنين.

والمستند لثبوت الشهادة بالشهادة امران :

أ ـ اقتضاء القاعدة لذلك ، فان شهادة الاصل كسائر الأشياء مشمولة لإطلاق أدلة حجية الشهادة.

ب ـ النصوص الخاصة ، كموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام عن ابيه عن علي عليه‌السلام : «كان لا يجيز شهادة رجل على رجل الا شهادة رجلين على رجل» (٣) وغيرها.

ثم انه ورد في موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن ابيه : «ان عليا عليه‌السلام قال : لا اقبل شهادة رجل على رجل حي وان كان باليمين» (٤).

ويمكن حمل ذلك على كون المقصود : لا اجيز شهادة شخص‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٧٨ الباب ٣٢ من أبواب الشهادات الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ١٩٦ الباب ١٤ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٨ الباب ٤٤ من أبواب الشهادات الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٨ الباب ٤٤ من أبواب الشهادات الحديث ٣.


واحد من دون انضمام ثان اليه لإثبات شهادة الاصل.

ومما يؤكد ذلك موثقته الاخرى ، حيث ورد فيها : «ان عليا عليه‌السلام كان لا يجيز شهادة رجل على شهادة رجل الا شهادة رجلين على شهادة رجل» (١).

٩ ـ واما استثناء حدود الله سبحانه‌ فلموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام عن ابيه عن علي عليه‌السلام : «كان لا يجيز شهادة على شهادة في حدّ» (٢) وغيرها.

ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كون الحد خاصا بالله سبحانه او مشتركا كما هو واضح.

١٠ ـ واما عدم اعتبار الاشهاد في غير الطلاق والظهار‌ فللأصل بعد عدم الدليل على الاعتبار.

واما اعتباره في الطلاق فمما لا خلاف فيه عندنا لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ... فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٣).

واذا لم تكن في ذلك دلالة واضحة على اعتبار الاشهاد في الطلاق فيمكن الاستعانة بصحيحة احمد بن محمد بن أبي نصر : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين ، قال : ليس هذا طلاقا. قلت : فكيف طلاق السنّة؟ فقال : يطلقها إذا طهرت من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٨ الباب ٤٤ من أبواب الشهادات الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٩٩ الباب ٤٥ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٣) الطلاق : ١ ـ ٢.


حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما قال الله عز وجل في كتابه ، فان خالف ذلك ردّ الى كتاب الله» (١) وغيرها.

واما اعتباره في الظهار فمما لا خلاف فيه أيضا لصحيحة حمران : «قال ابو جعفر عليه‌السلام ... لا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين» (٢) وغيرها.

١١ ـ واما استحباب الاشهاد في النكاح‌ فهو المشهور بيننا ـ على العكس عند غيرنا حيث اعتبروا لزومه فيه وعدم لزومه في الطلاق ـ لصحيحة داود بن الحصين عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن اذا كانت المرأة منكرة ، فقال : لا بأس به. ثم قال : ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟ قلت : يقولون لا تجوز الا شهادة رجلين عدلين فقال : كذبوا لعنهم الله ، هوّنوا واستخفوا بعزائم الله وفرائضه وشددوا وعظموا ما هوّن الله ، ان الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد ، والنكاح لم يجئ عن الله في تحريمه [عزيمة] فسنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك الشاهدين تأديبا ...» (٣) وغيرها.

وهي كما تدل على نفي وجوب الاشهاد في النكاح تدل على استحبابه فيه.

هذا والمنسوب الى ابن ابي عقيل لزوم الاشهاد في الدائم (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٢ الباب ١٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٩ الباب ٢ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٦٥ الباب ٢٤ من أبواب الشهادات الحديث ٣٥.

(٤) جواهر الكلام ٢٩ : ٤٠.


وتدل على ذلك رواية مهلب الدلال : «كتبت الى ابي الحسن عليه‌السلام : ان امرأة كانت معي في الدار ثم انها زوجتني نفسها واشهدت الله وملائكته على ذلك ، ثم ان أباها زوّجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه‌السلام : التزويج الدائم لا يكون الا بولي وشاهدين ، ولا يكون تزويج متعة ببكر. استر على نفسك واكتم رحمك الله» (١).

الا انها مضافا الى ضعف سندها بالمهلب والفضل بن كثير المدائني مخالفة للروايات الكثيرة الدالة على عدم اعتبار ذلك ، بل كاد يكون ذلك من شعار الامامية. على ان رائحة صدورها تقية تفوح منها.

١٢ ـ واما استحباب الاشهاد في الدين والبيع‌ فلقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ... وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ... وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ...) (٢) بعد وضوح لزوم رفع اليد عن ظهوره في الوجوب والحمل على الاستحباب للضرورة والسيرة القطعية.

وقد يقال : ان الآية الكريمة لا تدل على استحباب الاشهاد شرعا بل على طلبه ارشادا لا أكثر.

١٣ ـ واما تصديق المرأة في دعوى كونها خلية‌ فلموافقة ذلك للأصل فلا تحتاج الى بينة ، كما لا تحتاج الى يمين لعدم كونها مدعى عليها.

واما تصديقها في انقضاء العدة بالرغم من مخالفة ذلك للأصل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٥٩ الباب ١١ من ابواب المتعة الحديث ١١.

(٢) البقرة : ٢٨٢.


فلصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «العدة والحيض للنساء ، اذا ادعت صدقت» (١).

واما انها لا تصدق اذا ادعت ما يخالف عادة النساء فلعدم وجود المثبت لذلك.

واما كفاية شهادة النساء من بطانتها بان عادتها سابقا كانت كذلك فلموثقة اسماعيل بن ابي زياد عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام : «ان امير المؤمنين قال في امرأة ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال : كلفوا نسوة من بطانتها ان حيضها كان فيما مضى على ما ادعت فان شهدن صدقت والا فهي كاذبة» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٥٩٦ الباب ٤٧ من أبواب الحيض الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٢ : ٥٩٦ الباب ٤٧ من ابواب الحيض الحديث ٣.


كتاب اللّقطة‌

١ ـ اللقطة واقسامها

٢ ـ من احكام اللقطة بالمعنى الاخص

٣ ـ من احكام اللقيط

٤ ـ من احكام الضالة

٥ ـ من احكام مجهول المالك‌



١ ـ اللقطة وأقسامها‌

اللقطة (١) كل مال ضائع اذا اخذ وكان مالكه مجهولا.

والمستند في اعتبار القيود الثلاثة هو :

اما بالنسبة الى القيد الاول‌ فلتقوّم عنوان اللقطة بالضياع ، فمن تبدل حذاؤه مثلا بحذاء الغير من دون معرفة صاحبه فلا يصدق على ذلك عنوان اللقطة وان صدق عنوان مجهول المالك.

ومنه يتضح ان النسبة بين عنوان اللقطة وعنوان مجهول المالك هو العموم والخصوص المطلق ، فكل لقطة هي مجهول المالك من دون عكس.

ويأتي فيما بعد ـ إن شاء الله تعالى ـ الفرق بين العنوانين من حيث الحكم.

واما بالنسبة الى القيد الثاني‌ فلانه بمجرد رؤية الشي‌ء من دون‌

__________________

(١) بضم اللام وفتح القاف او تسكينها.


أخذه لا يصدق عنوان اللقطة. وهكذا لو فرض امر شخص غيره بالاخذ فانه لا يصدق العنوان المذكور بالنسبة اليه ما دام لم يتصد بنفسه للأخذ.

واما القيد الثالث‌ فاعتباره واضح.

ثم ان المال الضائع تارة يكون طفلا واخرى حيوانا وثالثة غير ذلك.

ويصطلح على الاول باللقيط ، وعلى الثاني بالضالة ، وعلى الثالث باللقطة او باللقطة بالمعنى الاخص.

ولكل واحد من الاقسام الثلاثة احكامه الخاصة به. والمهم منها هو الثالث.

٢ ـ من احكام اللقطة بالمعنى الاخص‌

يجوز اخذ اللقطة ـ وان كان ذلك مكروها ـ بما في ذلك لقطة حرم مكة زادها الله شرفا.

ويلزم فيها تعريفها والفحص عن مالكها لمدة سنة فان لم يعثر عليه كان الملتقط بالخيار بين تملكها مع الضمان او التصدق بها مع الضمان او ابقائها امانة في يده بلا ضمان.

هذا اذا لم تكن دون الدرهم الشرعي (١) وإلاّ جاز اخذها بلا تعريف.

كما ان هذا يختص بغير لقطة حرم مكة زادها الله شرفا ، واما هي فحكمها‌

__________________

(١) المقصود من الدرهم الشرعي هو الفضة التي تعادل قيمتها ثلاثة غرامات الا ربع عشر الغرام تقريبا.


بعد التعريف سنة التصدق بها لا غير.

والمعروف ان التصدق لا بدّ ان يكون بقصد كونه عن صاحبها.

واللقطة التي لا يمكن تعريفها ـ اما لفقدانها العلامة الخاصة المميزة لها عن غيرها او لان مالكها سافر الى مكان بعيد لا يمكن الوصول اليه او لان الملتقط يخاف الخطر او التهمة لو عرّف وما شاكل ذلك ـ يسقط وجوب تعريفها. والمناسب وجوب التصدق بها وعدم جواز تملكها.

وفي جواز دفع الملتقط اللقطة الى الحاكم الشرعي وسقوط وجوب التعريف عنه بذلك خلاف.

والمناسب دفع اللقطة ـ اذا اريد التصدق بها ـ الى خصوص الفقراء دون الاغنياء.

كما ان المناسب دفعها الى الغير ولا يكفي احتساب الملتقط لها على نفسه اذا كان فقيرا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما جواز اخذ اللقطة‌ ـ بالرغم من اقتضاء القاعدة الاولية عدم ذلك ـ فللروايات الخاصة التي يأتي بعضها. على انه يكفي لإثبات ذلك تسالم الاصحاب.

واما ان ذلك مكروه فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «سألته عن اللقطة قال : لا ترفعوها فان ابتليت فعرّفها سنة فان جاء طالبها والا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك الى أن يجي‌ء لها طالب» (١) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٠ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ٣.


وانما حمل النهي على الكراهة ـ بالرغم من ظهوره في التحريم ـ لدلالة موثقة زرارة : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن اللقطة فأراني خاتما في يده من فضة قال : ان هذا مما جاء به السيل وانا اريد ان أتصدق به» (١) على جواز الالتقاط.

على ان الجواز قضية واضحة في اذهان المتشرعة ، وذلك بنفسه صالح للقرينية على حمل النهي على الكراهة.

٢ ـ واما لقطة الحرم المكي‌ ففي جواز اخذها خلاف. وقد يستدل على عدم الجواز :

أ ـ بقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) (٢) بتقريب ان جعل الحرم المكي آمنا يلازم تحريم اخذ اللقطة منه.

ب ـ وبصحيحة الفضيل بن يسار : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن لقطة الحرم فقال : لا تمس ابدا حتى يجي‌ء صاحبها فيأخذها. قلت : فان كان مالا كثيرا قال : فان لم يأخذها الا مثلك فليعرفها» (٣).

ج ـ وبصحيحة يعقوب بن شعيب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن اللقطة ونحن يومئذ بمنى فقال : اما بأرضنا هذه فلا يصلح ، واما عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع ثم هي كسبيل ماله» (٤).

والكل كما ترى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٨ الباب ٧ من أبواب اللقطة الحديث ٣.

(٢) العنكبوت : ٦٧.

(٣) وسائل الشيعة ٩ : ٣٦١ الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٩ : ٣٦١ الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ١.


اما الاول فلان جواز اخذ لقطة الحرم لغرض تعريفها وايصالها الى صاحبها لا ينافي جعله آمنا ، فان المراد من جعله آمنا كون الانسان فيه آمنا على نفسه وماله من القتل والنهب ولو بحق.

واما الثاني فلان الصحيحة بلحاظ ذيلها ادلّ على الجواز.

واما الثالث فلان تعبير «لا يصلح» بعد ملاحظة صحيحة فضيل السابقة يراد به الكراهة.

وعليه فالمناسب هو القول بالجواز مع الكراهة.

وقد يؤكد الجواز ـ مضافا الى ما تقدم ـ بصحيحة ابراهيم بن عمر عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اللقطة لقطتان : لقطة الحرم وتعرّف سنة ، فان وجدت صاحبها والا تصدقت بها ، ولقطة غيرها تعرف سنة فان لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك» (١).

٣ ـ واما انه يلزم في اللقطة التعريف لمدة سنة وبعدها يثبت التخيير بين الامور الثلاثة المتقدمة‌ فهو المعروف بين الاصحاب. ويمكن الاستدلال على ذلك :

اما بالنسبة الى جواز التصدق مع الضمان فقد يتمسك له برواية حفص بن غياث : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا واللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال : لا يرده فان امكنه ان يرده على اصحابه فعل والا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا فان اصاب صاحبها ردها عليه والا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٣٦١ الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطواف الحديث ٤.


تصدق بها ، فان جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الاجر (١) والغرم ، فان اختار الاجر فله الاجر ، وان اختار الغرم غرم له وكان الاجر له» (٢). وقد رواها المشايخ الثلاثة.

وتمكن المناقشة في سندها لا من ناحية حفص ـ فان امره سهل بالرغم من كونه عامي المذهب لتعبير الشيخ عنه : «له كتاب معتمد» (٣) وان الطائفة قد عملت باخباره (٤) ـ بل من ناحية اخرى.

اما طريق الشيخ فبلحاظ علي بن محمد القاساني ـ الذي لم يوثق بل غمز عليه احمد بن محمد بن عيسى على ما نقل النجاشي (٥) ـ وبالقاسم بن محمد المعروف ب «كاسولا» الذي قال عنه النجاشي : «لم يكن بالمرضي» (٦).

واما طريق الشيخ الكليني فهو ضعيف بذلك وبالارسال.

واما طريق الشيخ الصدوق فهو ضعيف بالقاسم بن محمد حيث ان طريقه الى المنقري في مشيخة الفقيه يمر به (٧).

والمناسب ـ بعد ضعف سند رواية حفص ـ الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «وسألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدّق بها؟ ولمن‌

__________________

(١) اي الثواب.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٦٨ الباب ١٨ من أبواب اللقطة الحديث ١.

(٣) الفهرست : ٦١ الرقم ٢٣٢.

(٤) العدة في الاصول : ٦١.

(٥) رجال النجاشي : ١٨٠ ، منشورات الداوري.

(٦) رجال النجاشي : ٢٢٢.

(٧) لاحظ مشيخة الفقيه المذكورة في آخر الجزء الرابع من الفقيه : ٦٥.


الاجر؟ هل عليه ان يرد على صاحبها او (١) قيمتها؟ قال : هو ضامن لها والاجر له الا ان يرضى صاحبها فيدعها والاجر له» (٢).

وسندها تام لأنها بطريق قرب الاسناد وان كانت ضعيفة ب «عبد الله بن الحسن» حيث انه مجهول الحال الا ان صاحب الوسائل رواها من كتاب علي بن جعفر وطريقه اليه صحيح على ما أوضحنا في أبحاث سابقة.

واما بالنسبة الى جواز التملك مع الضمان فقد يستدل عليه بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اللقطة يجدها الرجل ويأخذها قال : يعرفها سنة فان جاء لها طالب والا فهي كسبيل ماله» (٣) الا انها لا تدل على الضمان ، ومن هنا نحتاج الى ما يدل على ذلك. وقد يستدل عليه برواية حنان : «سأل رجل ابا عبد الله عليه‌السلام وانا اسمع عن اللقطة فقال : تعرّفها سنة فان وجدت صاحبها والا فانت احق بها. وقال : هي كسبيل مالك. وقال : خيّره اذا جاءك بعد سنة بين اجرها وبين ان تغرمها له اذا كنت اكلتها» (٤) ، ولكنها ضعيفة ب «ابي القاسم» فانه مجهول الحال.

والاولى ان يستدل على ذلك :

اما بالاولوية ، بتقريب ان الضمان اذا كان ثابتا في حالة التصدق فبالأولى يكون ثابتا في حالة التملك.

او بصحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) الظاهر ان كلمة «او» زائدة.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٢ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤٩ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٠ الباب ١٣ من أبواب اللقطة الحديث ٧.


«سألته عن رجل اصاب شاة في الصحراء هل تحلّ له؟ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هي لك او لأخيك او للذئب فخذها وعرّفها حيث اصبتها ، فان عرفت فردّها الى صاحبها ، وان لم تعرف فكلها وانت ضامن لها ان جاء صاحبها يطلب ثمنها ان تردها عليه» (١) ، بناء على التعدي من الضالة الى اللقطة وعدم فهم الخصوصية لذلك.

ثم ان جملة : «والا فهي كسبيل ماله» الواردة في صحيحة الحلبي قد يستفاد منها ان اللقطة تصير بعد التعريف وعدم العثور على المالك ملكا للملتقط بلا حاجة الى قصده. وفي المقابل قد لا يستفاد منها الا جواز التصرف والانتفاع بها كما ينتفع بالملك. وتبقى القضية بعد هذا مرهونة باستظهار الفقيه.

واما بالنسبة الى الاحتفاظ باللقطة بلا ضمان فيمكن استفادة جوازه من صحيحة الحلبي المتقدمة ، فان جعل اللقطة كسبيل اموال الملتقط يدل بوضوح على جواز الاحتفاظ بها من دون ضمان.

واذا قلت : ان صحيحة علي بن جعفر الاخرى : «وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم او ثوبا او دابة كيف يصنع؟ قال : يعرفها سنة ، فان لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتى يجي‌ء طالبها فيعطيها اياه ، وان مات اوصى بها ، فان اصابها شي‌ء فهو ضامن» (٢) قد دلت على الضمان.

قلت : لا بدّ من حملها على حالة التعدي او التفريط والا كانت ساقطة عن الاعتبار لهجران مضمونها لدى الاصحاب.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٦٥ الباب ١٣ من أبواب اللقطة الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٢ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ١٣.


٤ ـ واما ان اللقطة دون الدرهم الشرعي يجوز اخذها بلا حاجة الى تعريف‌ فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. ويمكن الاستدلال عليه بأحد امرين :

أ ـ رواية الشيخ الصدوق : «قال الصادق عليه‌السلام : ... وان كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها ...» (١).

ب ـ مرسلة محمد بن ابي حمزة عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن اللقطة قال : تعرف سنة قليلا كان أو كثيرا. قال : وما كان دون الدرهم فلا يعرّف» (٢).

وكلتا الروايتين ضعيفة السند بالارسال الا ان يقال بكبرى الانجبار بفتوى المشهور او يقال ـ بالنسبة الى خصوص الرواية الاولى ـ بحجية جميع روايات كتاب من لا يحضره الفقيه او بحجية كل ما ارسله الشيخ الصدوق بلسان قال.

وعليه فان قلنا باحد هذه المباني او قلنا بتحقق الا جماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام فلا مشكلة ويلزم التفصيل بين ما دون الدرهم وغيره ، اما اذا رفضنا كل ذلك فالمناسب عدم التفصيل والحكم بلزوم التعريف في كليهما.

ثم انه بناء على عدم وجوب التعريف هل يكون الحكم هو وجوب التصدق او جواز التملك؟ المعروف بين الاصحاب جواز قصد التملك ، ولكنا اذا لا حظنا الرواية الثانية نراها ساكتة عن ذلك ، ولو لاحظنا الرواية الاولى رأيناها تدل على تحقق الملك القهري بمجرد الاخذ من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥١ الباب ٢ من أبواب اللقطة الحديث ٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٤ الباب ٤ من أبواب اللقطة الحديث ١.


دون حاجة الى قصده على خلاف ما عليه المشهور بين الاصحاب من الحاجة الى ذلك.

٥ ـ واما ان لقطة الحرم المكي تعرّف سنة ثم يتصدق بها ولا يجوز تملكها‌ فهو المشهور بين الاصحاب بل ادعي في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه (١). وتدل عليه صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في الرقم ٢ ، فانها تدل على عدم جواز التملك لقاعدة التفصيل قاطع للشركة.

وهل وجوب التعريف والتصدق يعمّ اللقطة التي لا تبلغ الدرهم أيضا؟ المعروف بين الاصحاب عدم ذلك ، فاللقطة الاقل من ذلك لا يلزم تعريفها والتصدق بها حتى اذا كانت في الحرم.

ولعل الوجه في ذلك ان صحيحة ابراهيم بن عمر لا اطلاق لها للّقطة الاقل من الدرهم حيث انها تتحدث عن اللقطة التي يجب تعريفها سنة سواء كانت في الحرم أم في غيره ، وليست هي الا ما كانت درهما فما زاد ، ومعه تعود مرسلة محمد بن ابي حمزة ـ الشاملة باطلاقها للقطة الحرم ـ بلا معارض فيتمسك باطلاقها.

٦ ـ واما ان التصدق لا بدّ ان يكون عن صاحبها‌ فهو المعروف في كلمات الاصحاب الا ان الروايات خالية منه. ولعل ذلك للانصراف اليه والا فالمناسب كفاية التصدق المطلق لو لا كونه اولى من جهة موافقته للاحتياط.

٧ ـ واما ان المناسب في اللقطة التي لا يمكن تعريفها هو التصدق بها لا غير‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٨ : ٢٩٠.


فباعتبار ان جواز تملك مال الغير والتصرف فيه من دون احراز رضاه امر على خلاف قاعدة «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفس منه» (١) ولا بدّ من الاقتصار على المورد الذي دل الدليل فيه على جوازه ، وهو بعد التعريف سنة ، وفي غير ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك ـ بعد تعذر تطبيق حكم اللقطة التي هي مصداق من مصاديق مجهول المالك ـ وهو التصدق.

٨ ـ واما جواز دفع اللقطة الى الحاكم الشرعي وسقوط وجوب التعريف عن الملتقط بذلك‌ فقد ذكر صاحب الجواهر في توجيهه بانه ولي الغائب في الحفظ بل قد يقال بوجوب القبول عليه لأنه معدّ لمصالح المسلمين (٢).

وفيه : ان ولاية الحاكم مختصة بالمورد الذي لم يجعل الشارع فيه الولاية للغير فانه ولي من لا ولي له ، وفي المقام قد جعلها للملتقط حيث جعل له الحق في التصدق. اجل لا بأس بدفع اللقطة اليه على ان تبقى امانة بيده ويستمر الملتقط بالتعريف طول السنة ، واذا انتهت ولم يجد المالك تخير بين الامور الثلاثة المتقدمة أو يوكل الامر في ذلك الى الحاكم.

٩ ـ واما ان المناسب دفع اللقطة ـ اذا اريد التصدق بها ـ الى خصوص الفقراء‌

فباعتبار ان المتبادر من مفهوم التصدق لزوم الفقر في المتصدق عليه ولا أقلّ من الشك في صدقه بدون ذلك فيلزم الاحتياط بعد عدم امكان التمسك بالاطلاق لأنه تمسك به في الشبهة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٤٢٤ الباب ٣ من ابواب مكان المصلي الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٣٨ : ٣٦٨.


المصداقية ، وهو غير جائز.

١٠ ـ واما اعتبار الدفع الى الغير وعدم الاكتفاء باحتساب الملتقط اللقطة صدقة على نفسه‌ فلان ظاهر طلب التصدق في مثل صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في الرقم ٢ هو المغايرة وانه تصدق على الغير.

٣ ـ من احكام اللقيط‌

يجب اخذ الطفل الضائع اذا خيف عليه التلف ورعايته والانفاق عليه سواء علم بتعمد اهله لنبذه عجزا عن تربيته او خوفا من الفضيحة او لغير ذلك أم علم بضياعه من اهله أم علم بهلاك اهله وبقائه وحده أم جهل حاله.

ولا فرق في ذلك بين كونه طفلا رضيعا او اكبر من ذلك ما دام هو بحاجة ماسة الى من يتكفل شئونه.

والملتقط احق باللقيط من غيره الى ان يبلغ فان له الحق آنذاك في ان يوالي من شاء بعد ان يرد على الملتقط كل ما انفق عليه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما لزوم اخذ الطفل الضائع اذا خيف عليه التلف‌ فلانه بعد كونه نفسا محترمة فالحفاظ عليه يكون واجبا بالضرورة.

واما عدم الفرق بين كون الطفل رضيعا او اكبر من ذلك فلعموم النكتة المتقدمة.

٢ ـ واما ان الملتقط احق من غيره ما دام اللقيط لم يبلغ‌ فلان الاسبقية نفسها تمنح صاحبها حقا بالسيرة العقلائية الممضاة من‌


خلال عدم ثبوت الردع عنها.

هذا مضافا الى امكان استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن العرزمي عن ابي عبد الله عن ابيه عليهما السّلام : «المنبوذ حر ، فاذا كبر فان شاء توالى الى الذي التقطه والا فليرد عليه النفقة وليذهب فليوال من شاء» (١) الدالة على لزوم رد النفقة بعد البلوغ اذا اراد ان يوالي الغير.

٤ ـ من احكام الضالة‌

الحيوان المملوك للغير اذا عثر عليه في الصحراء ونحوها من الامكنة التي لا يؤمن فيها من السباع ونحوها وكان قادرا على حفظ نفسه ـ اما لكبر جثته او سرعة عدوه كالبعير ونحوه ـ فلا يجوز اخذه ، ومن فعل ذلك كان ضامنا له ولا تبرأ ذمته من ضمانه الا بدفعه الى مالكه ، ولا يزول الضمان عنه بارساله في الموضع الذي اخذ فيه ، ويلزم تعريفه ، ومع اليأس من الوصول الى مالكه ومعرفته يتصدق به.

واذا كان لا يقدر على حفظ نفسه ـ كما في الشاة ونحوها ـ فلا يجب اخذه وان جاز ويلزم تعريفه في موضع الالتقاط ، ومع عدم معرفة صاحبه يجوز التصرف فيه بالاكل ونحوه مع ضمان قيمته بعد ذلك لو عاد صاحبه ولم يرض بما حصل.

واذا عثر على الحيوان في الامكنة العامرة التي يؤمن فيها من السباع عادة فلا يجوز اخذه ، ومع الاخذ يضمن ، ويلزم تعريفه ويبقى الى ان يؤدى الى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٧١ الباب ٢٢ من أبواب اللقطة الحديث ٣.


مالكه ، ومع اليأس عنه يتصدق به.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز اخذ الحيوان في الصحراء ونحوها ما دام قادرا على حفظ نفسه‌

فهو مقتضى قاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير ما دام لا يحرز طيب نفسه ، المستندة الى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله الا بطيبة نفس منه» (١).

هذا مضافا الى دلالة صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سأل رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الشاة الضالة بالفلاة فقال للسائل : هي لك او لأخيك او للذئب. قال : وما احب ان امسها. وسئل عن البعير الضال فقال للسائل : ما لك وله ، خفه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه ، خل عنه» (٢) وغيرها على ذلك. والسؤال في ذيلها وان كان خاصا بالبعير الا ان الجواب يستفاد منه العموم لكل حيوان قادر على حفظ نفسه.

٢ ـ واما ضمان من اخذ الحيوان القادر على حفظ نفسه‌ فهو مقتضى قاعدة على اليد الثابتة بالسيرة العقلائية الممضاة من خلال عدم الردع عنها.

٣ ـ واما بقاء الضمان بعد الاخذ الى ان يتم تسليمه الى مالكه ولا يكفي ارساله‌ فلقضاء قاعدة على اليد بذلك وان الضمان يستمر الى ان يتمّ التسليم بشكل كامل الى المالك.

٤ ـ واما لزوم تعريف الحيوان‌ فلانه مقدمة للإيصال الى المالك المفروض وجوبه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٤٢٤ الباب ٣ من ابواب مكان المصلي الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٦٤ الباب ١٣ من أبواب اللقطة الحديث ٥.


واما انه مع اليأس عنه يتصدق به فلان ذلك حكم مجهول المالك على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

٥ ـ واما ان الحيوان اذا كان لا يقدر على حفظ نفسه فلا يجب اخذه‌ فلان الحفاظ على مال الغير لا دليل على وجوبه.

واما جواز اخذه ـ بالرغم من اقتضاء القاعدة عدم جوازه ـ فلصحيحة معاوية المتقدمة. وموردها وان كان خاصا بالشاة الا ان المستفاد من الجواب التعميم لغيرها.

واما لزوم تعريفه فلانه مقدمة للإيصال الى المالك المفروض وجوبه. هذا مضافا الى دلالة صحيحة علي بن جعفر ـ المتقدمة في احكام اللقطة الرقم ٣ ـ على ذلك. وهي كما تدل على لزوم التعريف تدل أيضا على جواز الانتفاع مع الضمان.

٦ ـ واما انه لا يجوز اخذ الحيوان الضائع في الامكنة العامرة‌ فهو مقتضى قاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير من دون احراز طيب نفسه.

واما انه يضمن مع الاخذ ويلزم تعريفه ويبقى الضمان الى ان يؤدى الى المالك ومع اليأس عنه يتصدق به فقد اتضح مما تقدم.

٥ ـ من احكام مجهول المالك‌

عنوان اللقطة لا يرادف عنوان مجهول المالك.

وحكم اللقطة ما تقدم ، في حين ان حكم المال المجهول مالكه هو الفحص عنه الى حدّ اليأس ـ من دون تقيد بمدّة سنة ـ فان تحقق تصدق به.


واذا كان المالك معلوما وتعذر الوصول اليه وكسب الاجازة منه في تحديد كيفية التصرف فحكمه حكم المال المجهول مالكه.

وعليه فمن أخذ قلما او مسبحة او غير ذلك من الغير لقضاء حاجة فعلية له ولم يعرف ممن اخذ ذلك او كان يعرفه ولكن لا يعرف خبره فحكمه حكم مجهول المالك دون اللقطة.

وهكذا الحال في من اودع بعض اثاث بيته في دار شخص وسافر من دون ان يعرف خبره فانه يلزم تطبيق حكم مجهول المالك عليه دون اللقطة.

وهكذا الحال في سائر الأمثلة التي لا يكون فيها عنوان الضياع متحققا.

ومن خلال هذا يتضح الحال في من تبدل حذاؤه او عباءته اشتباها فانه يجري في مثل ذلك حكم مجهول المالك ولا يجوز التصرف الا مع احراز رضا المالك. وفي جواز المقاصة اشكال خصوصا اذا كان الاشتباه منه لا من الغير.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان عنوان اللقطة عنوان آخر يغاير عنوان مجهول المالك‌ فواضح ، اذ اللقطة فرد من افراد مجهول المالك ولا تصدق عرفا الا مع الضياع. وقد رتب عليها شرعا حكم خاص ، وهو وجوب الفحص عن المالك لمدة سنة ثم مع عدم العثور عليه يتخير بين امور ثلاثة حسبما تقدم حتى مع فرض عدم اليأس من العثور عليه ، وهذا بخلاف عنوان مجهول المالك غير اللقطة فان الفحص عن مالكه لازم من دون تقيد بمدة سنة بل المدار ـ حسبما هو المختار لجملة من الاصحاب وتدل عليه بعض الروايات الآتية ـ على اليأس منه ، ومع تحققه لا يتخير بين الامور الثلاثة بل يتعين التصدق.


٢ ـ واما الفرق بين اللقطة ومجهول المالك في الحكم‌ فمستنده :

اما بالنسبة الى اللقطة فهو ما تقدم من الروايات.

واما بالنسبة الى مجهول المالك فهو ما يظهر من بعض الروايات ، كصحيحة يونس بن عبد الرحمن : «سئل ابو الحسن الرضا عليه‌السلام وانا حاضر ... رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الى منزله ورحلنا الى منازلنا فلما ان صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا فاي شي‌ء نصنع به؟ قال : تحملونه حتى تحملوه الى الكوفة. قال : لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع. قال : اذا كان كذا فبعه وتصدق بثمنه. قال له : على من جعلت فداك؟ قال : على اهل الولاية» (١) ، وصحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل كان له على رجل حق ففقده ولا يدري أين يطلبه ولا يدري أحي هو أم ميت ولا يعرف له وارثا ولا نسبا ولا ولدا. قال : اطلب. قال : فان ذلك قد طال فاتصدق به؟ قال : اطلبه» (٢).

بل يمكن التمسك لا ثبات وجوب الفحص في مجهول المالك الى حد اليأس بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (٣).

٣ ـ واما تعميم حكم مجهول المالك للمال المعلوم مالكه مع تعذر الوصول اليه‌ فباعتبار ان مورد الروايات السابقة هو معلوم المالك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٥٧ الباب ٧ من أبواب اللقطة الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٨٣ الباب ٦ من ابواب ميراث الخنثى الحديث ٢.

وسند الصحيحة الذي سجله الحر في الوسائل ضعيف ـ لعدم ثبوت وثاقة ابن عون وابي ثابت ـ الا ان هناك سندا آخر صحيحا أشار اليه الشيخ في تهذيبه ٦ : ١٨٨.

(٣) النساء : ٥٨.


وانما تعدينا الى مجهول المالك لأجل الغاء الخصوصية عرفا.

٤ ـ واما اعتبار تعذر كسب الاجازة من المالك المعلوم‌ فباعتبار انه لا يجوز التصرف في مال الغير بدون طيب نفسه فاذا امكن كسب الاجازة في تحديد كيفية التصرف فلا يجوز من دونه.

٥ ـ واما الحكم المذكور لتبدل العباءة او الحذاء‌ فواضح اذ مع احراز رضا المالك بالتصرف بنحو خاص فلا تعود مشكلة ، ومع عدم احراز ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك.

واما وجه الاشكال في جواز المقاصة فباعتبار ان مستندها خاص بمورد التعمد والمفروض في محل كلامنا هو الاشتباه فلاحظ صحيحة داود بن رزين : «قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال : خذ مثل ذلك ولا تزد عليه» (١).

واما اوضحية الاشكال في جواز المقاصة في حالة كون الاشتباه من الشخص نفسه دون الغير فباعتبار ان مستند جواز المقاصة على تقدير عمومه لحالة الاشتباه خاص بما اذا كان الاشتباه من الغير لا من الشخص نفسه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٠١ الباب ٨٣ من ابواب ما يكتسب به الحديث ١.


كتاب الاقرار‌

١ ـ حقيقة الاقرار ومدرك حجيته‌

٢ ـ من أحكام الاقرار‌



١ ـ حقيقة الاقرار ومدرك حجيته‌

الاقرار اخبار الشخص عن حق ثابت عليه او نفي حق له على غيره.

وهو حجة ونافذ على المقر بلا اشكال.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حقيقة الاقرار ما ذكر‌ فمما لا تأمل فيه ، فان لفظ الاقرار ـ بناء على كون مدرك حجية الاقرار لفظيا ـ ظاهر عرفا فيما ذكرناه. واذا كان مدرك الحجية هو السيرة العقلائية فهي تقتضي ثبوت الحجية للإقرار بالمعنى المذكور.

ثم ان لازم كون الاقرار اخبارا خروجه عن العقود والايقاعات وكونه شيئا ثالثا في مقابلهما كما هو واضح.

وينبغي التفرقة بين قاعدة حجية الاقرار وقاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به ، فان معنى الاولى : ان من أقرّ على نفسه بشي‌ء كان ملزما به ، في حين ان معنى الثانية : ان من كان له الحق في تصرف معين فاخباره عن تحققه نافذ ، فالزوج ما دام له الحق في طلاق زوجته‌


فاخباره عن تحققه نافذ ، والوكيل في بيع دار ونحوها بما ان له الحق في ايقاع ذلك فاخباره عن تحققه نافذ.

٢ ـ واما ان الاقرار حجة على المقر وملزم به‌ فلا ينبغي التأمل فيه للسيرة العقلائية على ذلك. وهي حجة بسبب عدم الردع عنها الكاشف عن امضائها.

هذا هو مدرك حجية اقرار العاقل على نفسه.

واما الحديث المشهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اقرار العقلاء على أنفسهم جائز» (١) فلا وجود له في كتب الحديث وانما هو مذكور في الكتب الاستدلالية لفقهائنا ـ من دون سند ـ كما اشار الى ذلك الحر العاملي (٢).

ودعوى صاحب الجواهر انه حديث نبوي مستفيض او متواتر لا نعرف وجهها (٣) ، فانه لم يثبت كونه حديثا ليكون مستفيضا او متواترا.

واما شهرة العمل به ـ على تقدير كونه حديثا ـ فهي لو تمت صغرى وكبرى فلا يمكن الاعتماد عليها في المقام لاحتمال ان استنادهم اليه ليس لكونه حديثا صادرا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقا بل لان مضمونه مضمون عقلائي لا يحتاج الى رواية.

وعليه فالمدرك منحصر بالسيرة العقلائية.

واما الاستدلال على حجية الاقرار بمثل قوله تعالى : (أَأَقْرَرْتُمْ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٣ الباب ٣ من ابواب الاقرار الحديث ٢ ، مستدرك الوسائل (نقلا عن عوالي اللآلي) ١٣ : ٣٦٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٣.

(٣) جواهر الكلام ٣٥ : ٣.


وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا) (١) ، (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) (٢) ، (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٣) فهو كالاستدلال بحكم العقل ـ بتقريب ان العاقل حيث انه لا يكذب على نفسه بما يضره فاذا اقرّ على نفسه بشي‌ء حصل القطع بصدق المضمون المقر به ـ لا يخفى ما فيه.

٢ ـ من احكام الاقرار‌

لا يلزم الشخص باقراره الا اذا كان اخباره ـ بثبوت الحق عليه او انتفائه عنه ـ بنحو الجزم دون الاحتمال او الظن.

ولا يكون الاقرار حجة الا بلحاظ الآثار التي هي في ضرر المقر دون الآثار التي هي في صالحه او التي هي مرتبطة بالغير وهو أجنبي عنها.

ولا تختص حجية الاقرار بما اذا كان بلفظ معين بل يكفي كل ما يدل عليه ولو بالاشارة او الدلالة الالتزامية.

ولو عقّب المقر اقراره بما يضاده فان كان ذلك تراجعا منه عن اقراره فلا ينفذ بخلاف ما اذا كان تفسيرا وتوضيحا.

ولو قال المقر هذا الشي‌ء لفلان ثم قال بل لفلان فالمشهور ذهب الى لزوم دفعه الى الاول وغرامة قيمته للثاني.

ولو قال لفلان عليّ مال ألزم بتوضيحه.

ومن ادعى زوجية امرأة وصدّقته قبل ذلك منه. ولو انكرت ذلك ولم تكن‌

__________________

(١) آل عمران : ٨١.

(٢) التوبة : ١٠٢.

(٣) الاعراف : ١٧٢.


له بينة ألزم بترتيب ما عليه من الآثار.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الاقرار لا يكون ملزما للمقر الا اذا كان بنحو الاخبار الجازم‌ فلقصور السيرة عن الشمول الا لمثل ذلك. ولا أقلّ من الشك في الشمول ، وهو كاف في اثبات المطلوب.

٢ ـ واما ان الاقرار لا يكون حجة الا بلحاظ الآثار التي هي في ضرر المقر‌ فباعتبار ان الاقرار على النفس لا يصدق الا بلحاظ ذلك.

ومنه يتضح لزوم التفكيك في كل اقرار بلحاظ آثاره فيلزم المقر بالآثار التي هي في ضرره دون غيرها ، فلو أقر بابوة شخص له ألزم بالانفاق عليه دون العكس.

٣ ـ واما عدم اختصاص حجية الاقرار بما اذا كان بلفظ معين وكفاية الاشارة والدلالة الالتزامية‌ فلإطلاق السيرة العقلائية من هذه الناحية.

٤ ـ واما التفصيل ـ فيما لو عقّب المقر اقراره بما يضاده ـ بين ما كان تراجعا فلا يقبل وبين ما اذا كان تفسيرا فيقبل‌ فلاقتضاء السيرة ـ التي هي المستند لحجية الاقرار ـ لذلك.

٥ ـ واما انه لو قال المقر هذا الشي‌ء لفلان ثم قال بل لفلان دفع الى الاول وغرم قيمته للثاني‌ فقد علله المشهور بان دفع العين للأول هو باعتبار حجية الاقرار الاول ، ودفع القيمة الى الثاني هو باعتبار ان المقر باقراره الاول قد حال بينه وبينها فهو كالمتلف.

٦ ـ واما ان المقر يلزم بالتوضيح لو قال لفلان عليّ مال‌ فباعتبار ان ذمة المقر لما ثبت اشتغالها بالمال بمقتضى الاقرار فمن اللازم‌


تفريغها ـ على تقدير المطالبة ـ وهو لا يتحقق الا بذلك.

٧ ـ واما ان من ادعى زوجية امرأة وصدّقته قبل ذلك منهما وحكم بالزوجية‌ فلقاعدة «من ملك شيئا ملك الاقرار به» الثابتة بالسيرة العقلائية.

واما ان المرأة لو أنكرت ألزم بترتيب الآثار التي هي عليه ـ كحرمة التزويج بأمّها أو أختها ـ فباعتبار حجية الاقرار على النفس. واما بقية الآثار ـ كجواز النظر ونحوه ـ فحيث انه لا تدخل تحت القاعدة المذكورة فتعود بلا مثبت.

اجل بالنسبة الى الانفاق بالخصوص يمكن ان يقال بعدم وجوبه لأنه مقابل التمكين ـ اذ مع عدمه تكون ناشزا ، وهي لا نفقة لها ـ المفروض عدمه.



كتاب الأطعمة والأشربة‌

١ ـ حيوان البحر

٢ ـ حيوان البر

٣ ـ الطيور

٤ ـ ما يحرم من الحيوان المذبوح

٥ ـ التحريم الطارئ‌



افراد ما يحرم تناوله

ما يحرم تناوله تارة يكون من الحيوان واخرى من غيره. ونقصر الحديث ـ خوف الاطالة ـ على الاول.

والحديث يقع تاره عن حيوان البحر ، واخرى عن حيوان البر ، وثالثة عن الطيور ، ورابعة عما يحرم من الحيوان المذبوح ، وخامسة عن التحريم الطارئ على الحيوان في حالات معينة.

١ ـ حيوان البحر‌

كل حيوان يعيش في الماء محرم ما عدا قسمين : السمك الذي له فلس (١) ، والطيور المائية.

واذا شك في وجود الفلس بني على الحرمة. اما اذا شك في فلسية الموجود بني على الحلية.

__________________

(١) وقد عبّر عن الفلس في الروايات بالقشر.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما انحصار الحلية في الحيوانات التي تعيش في الماء‌ بما تقدم فمرجعه الى دعويين :

الاولى : حلية السمك الذي له فلس ، والطيور المائية.

الثانية : حرمة ما عدا ذلك.

اما بالنسبة الى الدعوى الاولى فيدل عليها امران :

أ ـ التمسك بأصل الحل ـ الذي هو الاصل الاولي في الاشياء ـ المستند الى مثل قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ...) (١) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن امتي ... ما لا يعلمون» (٢) ، وغير ذلك.

ب ـ الروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قلت له : رحمك الله انا نؤتى بسمك ليس له قشر فقال : كل ما له قشر من السمك ، وما ليس له قشر فلا تأكله» (٣) وغيرها.

هذا بالنسبة الى السمك.

واما الطيور فيأتي التحدث عنها تحت عنوان الطيور إن شاء الله تعالى.

واما بالنسبة الى الدعوى الثانية فهي متسالم عليها بين الاصحاب وان نسب صاحب الجواهر الى بعض متأخري المتأخرين الوسوسة في ذلك بل الميل الى الحلّ في الجملة. وربما ينسب ذلك الى الشيخ‌

__________________

(١) الانعام : ١٤٥.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٧ الباب ٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.


الصدوق أيضا ولكنه لم يثبت (١).

وعلى اي حال يمكن التمسك لذلك بموثقة عمار بن موسى الساباطي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الربيثا فقال : لا تأكلها فانا لا نعرفها في السمك يا عمار» (٢).

ان قلت : ان الربيثا التي هي مورد الموثقة قد وردت روايات تدل على حليتها من قبيل صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع : «كتبت الى ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : اختلف الناس عليّ في الربيثا فما تأمرني به فيها؟ فكتب عليه‌السلام : لا بأس بها» (٣). ولازم ذلك حمل النهي عن أكلها على الكراهة ، ومعه فكيف يتمسك بالتعليل؟

قلت : ان ذلك لا ينافي حجية التعليل وجواز التمسك به ، فانه على اي حال يستفاد منه عدم حلية غير السمك ، غايته بالنسبة الى خصوص الربيثا يلتزم بحليتها وان لم تكن من السمك (٤) للروايات الصريحة في جوازها.

٢ ـ واما تقييد حلية السمك بما اذا كان ذا فلس‌ فهو المعروف بين الاصحاب بل كاد يكون ذلك متسالما عليه بينهم. وتدل عليه الروايات الكثيرة التي من جملتها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

الا ان في مقابل ذلك روايات تستفاد منها حلية ما ليس له فلس ، كصحيحة محمد بن مسلم الاخرى : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الجري‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٤٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٠٨ الباب ١٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٠٧ الباب ١٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٤) بيد ان الفيض الكاشاني في الوافي ١٩ : ٤٢ ذكر ان الربيثا نوع من السمك.


والمارماهي والزمّير وما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ قال لي : يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الانعام (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى ...) (١) قال : فقرأتها حتى فرغت منها فقال : انما الحرام ما حرّم الله ورسوله في كتابه ولكنهم قد كانوا يعافون اشياء فنحن نعافها» (٢) وغيرها.

وقد يجاب عنها اما بانه لا اعتبار بها بعد كثرة الروايات الدالة على تقيّد الحل بالفلس او بلزوم حملها على التقية.

وكلاهما كما ترى ، فان الجمع العرفي ـ بالحمل على الكراهة ـ ما دام ممكنا فلا تصل النوبة الى ما ذكر ، فان ذلك فرع التعارض المستقر المفروض عدمه.

وعليه فلا مناص لأجل ردها الا دعوى تسالم الاصحاب على خلافها وهجرانهم لمضمونها حتى قال صاحب الجواهر : «لا تنبغي الوسوسة في الحكم المذكور خصوصا في مثل هذا الزمان الذي كاد يكون من ضروري المذهب» (٣).

٣ ـ واما انه اذا شك في وجود الفلس يبنى على الحرمة‌ فلاستصحاب عدمه.

واما انه اذا شك في فلسية الموجود يبنى على الحلية فلان مرجع الشك المذكور الى الشك في سعة الحرمة وشمولها لمثل الحيوان المذكور فيبنى على البراءة.

__________________

(١) الانعام : ١٤٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٠٤ الباب ٩ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٢٠.

(٣) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٥٠.


٢ ـ حيوان البر‌

الحيوان الذي يعيش في البر تارة يكون اهليا واخرى وحشيا.

اما الاهلي فتحل منه الانعام الثلاث والخيل والبغال والحمير وان كانت الثلاثة الاخيرة مكروهة.

واما الوحشي فيحل منه البقر وكبش الجبل (١) والحمر الوحشية والغزلان واليحامير (٢).

وهل ينحصر الحل ـ في حيوان البر ـ بما ذكر؟ يشكل ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حلية الانعام الثلاث‌ فهي من ضروريات الدين. ويدل عليها مضافا الى ذلك :

أ ـ قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‌ءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٣) ، (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ

__________________

(١) كبش الجبل ـ على ما قيل ـ هو الضأن والمعز الجبليان.

(٢) اليحمور حيوان شبيه بالابل. وقيل هو دابة وحشية لها قرنان طويلان كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما كل سنة.

(٣) النحل : ٥.


حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ..) (١).

ب ـ وبقطع النظر عن ذلك يكفينا اصل الحل.

٢ ـ واما حلية لحم الخيل والبغال والحمير‌ فهي المشهور بين الاصحاب. ونسب الخلاف الى الشيخ المفيد والحلبي حيث حرّم الاول البغال والحمير والهجين من الخيل (٢) ، والثاني خصوص البغال (٣).

وتدل على الحلية ـ مضافا الى الاصل ـ صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «انهما سألاه عن اكل لحوم الحمر الاهلية فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن اكلها يوم خيبر وانما نهى عن اكلها في ذلك الوقت لأنها كانت حمولة الناس وانما الحرام ما حرّم الله في القرآن» (٤) ، وصحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن لحوم الخيل والبغال والحمير فقال : حلال ولكن الناس يعافونها» (٥) وغيرهما.

وفي مقابل ذلك نصوص دلت على النهي عن اكلها ، من قبيل صحيح ابن مسكان : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام ... عن اكل الخيل والبغال فقال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها ولا تأكلها الا ان تضطر اليها» (٦) ، وصحيح سعد بن سعد عن الرضا عليه‌السلام : «سألته عن لحوم البراذين (٧)

__________________

(١) الانعام : ١٤٢ ـ ١٤٤.

(٢) الهجين هو ما كان احد ابويه غير عربي.

(٣) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٦٨.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٠ الباب ٤ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٣ الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٦) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٣ الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٧) البرذون هو التركي من الخيل في مقابل العراب.


والخيل والبغال فقال : لا تأكلها» (١).

وذكر في الجواهر ان بالامكان ترجيح الطائفة الاولى باعتبار موافقتها للكتاب الكريم ومخالفتها للعامة (٢).

هذا ولكن المناسب الجمع بحمل الثانية على الكراهة فان الاولى صريحة في الجواز والثانية ظاهرة في التحريم ، والعرف يجمع بتأويل الظاهر بحمله على الكراهة بقرينة الصريح.

وعليه فالتعارض غير مستقر لا مكان الجمع العرفي بينهما ، ومعه لا تصل النوبة الى اعمال المرجحين السابقين فان اعمال المرجحات فرع التعارض المستقر ، والمفروض عدمه.

ومن خلال الجمع العرفي المتقدم اتضح وجه الحكم بكراهة اكل لحم الثلاثة.

٣ ـ واما ان الخمسة من الحيوان الوحشي يحل اكل لحمها‌ فلم يعرف فيه خلاف. ويدل عليه :

أ ـ أصل الحل بالبيان المتقدم في بداية البحث.

ب ـ النصوص الخاصة ، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «سألته عن ظبي او حمار وحش او طير صرعه رجل ثم رماه بعد ما صرعه غيره فمتى يؤكل؟ قال : كله ما لم يتغير اذا سمى ورمى» (٣) ، وصحيحة سعد بن سعد : «سألت الرضا عليه‌السلام عن اللامص فقال : وما هو؟ فذهبت أصفه فقال : أليس اليحامير؟ قلت : بلى ، قال : أليس تأكلونه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٤ الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٥.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٦٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤ الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٥.


بالخل والخردل والابزار؟ قلت : بلى ، قال : لا بأس به» (١) ، وصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال في إيل يصطاده رجل فيقطعه الناس والرجل يتبعه أفتراه نهبة (٢)؟ قال : ليس بنهبة وليس به بأس» (٣) ، فان الأيل هو بقر الجبل.

ويبقى كبش الجبل لا رواية خاصة فيه الا انه يمكن التمسك لا ثبات حليته بقوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) (٤) ، بناء على تفسير الأنثيين بالاهلي والوحشي ، بل حتى لو فسر بالذكر والانثى فبالامكان التمسك بالاطلاق.

٤ ـ واما وجه الاشكال في حصر حلّ حيوان البر بما ذكر‌ فباعتبار ان ادلة حلية ما تقدم لا يستفاد منها حصر الحل بذلك ، ومعه يبقى غيره على اصل الحل الا ما دل الدليل على تحريمه بعنوانه الخاص ، وهو ما يلي :

أ ـ نجس العين ، كالكلب والخنزير ، فان حرمة لحمه هي من لوازم نجاسته العينية ، كما هو واضح.

ب ـ السباع (٥) ، كالأسد والنمر والفهد والثعلب والضبع و... ولا خلاف في تحريمها. ويدل على ذلك صحيح داود بن فرقد عن ابي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٤ الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المباحة الحديث ٢.

(٢) أي هل يعدّ أخذ الناس له نهبا وغصبا محرما بعد فرض ان الرجل قد جرحه.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٧٥ الباب ١٧ من أبواب الصيد الحديث ٢.

(٤) الانعام : ١٤٣.

(٥) السبع : كل حيوان مفترس. وقيل : هو كل حيوان له ظفر وناب. والناب هو السن الذي يتم به الافتراس.


عبد الله عليه‌السلام : «كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير حرام» (١) ، وصحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يصلح اكل شي‌ء من السباع ، اني لا كرهه واقذره» (٢).

ومقتضى الصحيح الاول اعتبار وجود الناب بخلاف الصحيح الثاني فان مقتضاه عدم اعتبار ذلك على تقدير وجود سبع لا ناب له.

وقد يجمع بحمل المطلق على المقيد بناء على ثبوت المفهوم للمقيد.

وهو وجيه لو لا موثقة سماعة : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المأكول من الطير والوحش فقال : حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ذي مخلب من الطير وكل ذي ناب من الوحش فقلت : ان الناس يقولون : من السبع فقال لي : يا سماعة السبع كله حرام وان كان سبعا لا ناب له وانما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا تفضلا الى ان قال : وكل ما صف وهو ذو مخلب فهو حرام» (٣) الدالة على حرمة مطلق السبع.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يدل على عدم حرمة السبع ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سئل عن سباع الطير والوحش ... فقال : ليس الحرام الا ما حرم الله في كتابه ...» (٤) وغيرها ، الا انها ساقطة عن الحجية لهجران مضمونها بين الاصحاب.

ج ـ المسوخ ، كالقردة والخنازير و... ولا خلاف في تحريمها. وتدل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٧ الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٨ الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٨ الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٤ الباب ٥ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٦.


على ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن اكل الضب فقال : ان الضب والفأرة والقردة والخنازير مسوخ» (١) ، وموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «حرّم الله ورسوله المسوخ جميعها» (٢) وغيرهما.

د ـ الحشرات. وهي كل حيوان يأوي ثقوب الارض ، كالحية والعقرب والجرذ والفأرة و... ولم يعرف خلاف في حرمتها ، الا انه لا دليل على ذلك سوى رواية دعائم الإسلام عن امير المؤمنين عليه‌السلام : «انه نهى عن الضب والقنفذ وغيره من حشرات الارض» (٣).

وتمامية الحكم المذكور تتوقف على احد الامور التالية :

الاول : ان الرواية وان كانت ضعيفة السند ـ باعتبار انها مرسلة بل هذا هو الطابع العام على روايات دعائم الإسلام ـ الا انها تعود حجة بناء على تمامية كبرى انجبار الرواية الضعيفة بفتوى المشهور على وفقها.

الثاني : البناء على حجية الشهرة الفتوائية كمدرك لإثبات الحكم الشرعي كما هو رأي المشهور بعد الالتفات الى ان حرمة الحشرات امر مشهور لو لم تكن مجمعا عليها.

الثالث : ان الحكم بحرمة الحشرات اجماعي ـ على ما قيل ـ والاجماع حجة بالرغم من كونه محتمل المدرك ، بتقريب ان المجمعين اما ان يكونوا قد استندوا الى رواية الدعائم ، وهذا يدل على حقانية مضمونها ، او لم يستندوا اليها ، وهذا يعني ان الاجماع تعبدي وقد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٧٩ الباب ٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٠ الباب ٢ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٣) مستدرك وسائل الشيعة ١٦ : ١٧٠.


وصل الحكم المجمع عليه يدا بيد من المعصوم عليه‌السلام.

وينبغي الالتفات الى ان من مصاديق الحشرات الديدان فهي محرمة على هذا ، الا انه ينبغي ان يستثنى من ذلك الديدان المتكونة في الفاكهة.

والوجه في ذلك اما القصور في المقتضي ، باعتبار ان الشهرة او الاجماع دليل لبي ينبغي الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، وهو غير ذلك ، او لوجود المانع وهو انعقاد سيرة المتشرعة على التسامح مع ديدان الفاكهة.

هذه عناوين اربعة قد ثبت التحريم فيها.

وربما يضاف اليها خامس ، وهو عنوان الخبائث ويحكم بحرمة مثل الخنافس والخفاش والقمل وغيرها من جهته ـ حتى مع فرض عدم دخولها تحت احد العناوين السابقة ـ استنادا الى مثل قوله تعالى : (يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (١).

وهو وجيه لو كان المراد من الخبائث ما تشمئز منه النفوس ولم يحتمل كون المراد منها الاعمال السيئة.

هذا وقد ادعي الاجماع على حرمة مثل الزنابير والذباب والبق والفراش والديدان وما شاكل ذلك.

ولعل النكتة كونها من الخبائث ، بل ان بعضها هو من المسوخ ـ على ما قيل ـ كالزنابير.

__________________

(١) الاعراف : ١٥٧.


٣ ـ الطيور‌

يحل كل حيوان طائر الا اذا :

أ ـ كان سبعا ، أي ذا مخلب.

ب ـ أو كان صفيفه اكثر من دفيفه (١).

ج ـ أو لم تكن له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية (٢).

والطير متى ما احرز حال صفيفه حكم بمقتضاه من دون ان تصل النوبة الى ملاحظة القانصة ونحوها وانما يلحظ ذلك في الطير الذي لا يعرف حال صفيفه.

وعليه فعند التعارض بين العلامة الثانية والثالثة تقدم الثانية.

__________________

(١) صفيف الطائر بسطه لجناحيه حالة طيرانه ، كما هو الحال في جوارح الطير. ودفيفه تحريكه لجناحيه.

(٢) القانصة هي للطير بمنزلة المصارين في غيره ، وتجتمع فيها الاجسام الصلبة ، ويعبر عنها في الفارسية ب «سنك دان».

والحوصلة للطير كالمعدة لغيره ، وتكون في آخر العنق عادة.

وهذان العضوان يختص بهما الطائر الذي يأكل الحبوب ليسهل عليه من خلالهما هضم ما يعسر هضمه. وهما مفقودان في جوارح الطيور التي تأكل اللحوم لان اللحم سريع الهضم.

والحبّ متى ما اجتمع في الحوصلة يلين من خلال افرازاتها الخاصة ويستعد للهضم في القانصة.

وقد قيل : ان افرازات القانصة تحلل ما كان في غاية الصلابة ، بل ان قانصة النعامة قابلة لتحليل الحديد.

هذا كله في القانصة والحوصلة.

واما الصيصة فهي شوكة خلف رجل الطائر خارجة عن قدمه ، وهي له بمنزلة الابهام للإنسان.


ويكفي عند فقدان العلامة الثانية وجود احد الامور الثلاثة ولا يلزم وجود جميعها.

ولا فرق في الاحكام المذكورة للطائر بين كونه طير بر او طير ماء.

وقد وقعت بعض الطيور الخاصة محلا للخلاف ، كالغراب واللقلق مثلا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان كل طائر هو محكوم بالحلية الا اذا انطبق عليه احد العناوين المذكورة‌

فلأن ذلك مقتضى اصل الحل.

٢ ـ واما حرمة السبع من الطائر‌ فهي مما لا يعرف فيها خلاف. وتدل عليها صحيحة داود بن فرقد وموثقة سماعة المتقدمتان في الرقم ٤ من حيوان البر ـ وغيرهما.

٣ ـ واما حرمة ما يصفّ‌ فلم يعرف فيها خلاف. وتدل عليها صحيحة زرارة : «سأل ابا جعفر عليه‌السلام عما يؤكل من الطير فقال : كل ما دفّ ولا تأكل ما صفّ» (١) ، وموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل ما صفّ وهو ذو مخلب فهو حرام ...» (٢) وغيرهما. والمراد كل ما دفّ اكثر ولا تأكل ما صفّ اكثر ـ كما فهم الفقهاء ـ وليس المراد ما كان كذلك دائما ، اذ كل ما يصف يدف أيضا والعكس بالعكس كما هو واضح.

٤ ـ واما حرمة الطائر الفاقد للقانصة والحوصلة والصيصة‌ فلم يعرف فيها خلاف. وتدل عليها صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : الطير ما يؤكل منه؟ فقال : لا تأكل ما لم تكن له‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٢٠ الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٢١ الباب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٢.


قانصة» (١) ، وموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل من طير البر ما كانت له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له قانصة ... والقانصة والحوصلة يمتحن بهما الطير ما لا يعرف طيرانه وكل طير مجهول» (٢) ، ورواية ابن بكير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة» (٣).

وقد ورد في سند الاخيرة سهل. والامر فيه ان كان سهلا فلا مشكلة والا فحجيتها ـ من حيث علامية الصيصة التي لم ترد الا فيها ـ تبتني على القول بكبرى الانجبار.

٥ ـ واما ان العلامة الثالثة هي في طول فقدان العلامة الثانية‌ فيمكن استفادته من موثقة سماعة المتقدمة.

هذا ويمكن ان يقال : ان العلامتين المذكورتين متلازمتان في الوجود الخارجي عادة بل ان العلامة الثانية ملازمة للأولى أيضا ، فان اكثرية الصفيف هي من لوازم الطيور الجوارح ذات المخلب باعتبار قوتها بخلاف الدفيف فانه من لوازم الطير الضعيف الذي لا يكون من الجوارح.

وربما يقال اكثر من ذلك : وهو ان الميزان الاساسي في تحريم الطيور كونها من السباع ـ اي ذات مخلب ـ واما كثرة الصفيف فهي علامة على ذلك ، وفقدان الامور الثلاثة المتقدمة هو علامة على العلامة المذكورة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤١٨ الباب ١٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤١٩ الباب ١٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٤١٩ الباب ١٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٥.


والوجه فيه :

اما بلحاظ ان فقدان الامور الثلاثة علامة على العلامة المذكورة فقد اتضح مما سبق.

واما ان اكثرية الصفيف لو حظت علامة على اثبات السبعية وان الملاك هو السبعية فيتضح بملاحظة موثقة سماعة المتقدمة في الرقم ٤ من حيوان البر حيث قالت في بدايتها : «حرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ذي مخلب من الطير ...» (١) ، وهذا يدل على كون الميزان في التحريم كون الطير ذا مخلب ، ثم قالت في ذيلها : «وكل ما صف وهو ذو مخلب فهو حرام» ، وهذا يدل على اخذ الصفيف علامة على كون الطائر ذا مخلب والا فمن المعلوم عدم اعتبار الاجتماع ، بل قيل ان الوارد في بعض النسخ : «فهو ذو مخلب» (٢) وهو واضح فيما ذكرناه.

ويترتب على هذا انا لو علمنا بكون الحيوان ليس ذا مخلب فمجرد اكثرية الصفيف لا تكون موجبة لتحريمه.

٦ ـ واما الاكتفاء بأحد الثلاثة في ثبوت الحل للحيوان‌ فباعتبار ان ذكرها في الروايات متفرقة دليل على عدم اعتبار اجتماعها. هذا مضافا الى دلالة موثقة سماعة ورواية ابي بكير ـ المتقدمتين في الرقم ٤ ـ على ذلك بوضوح.

٧ ـ واما عدم الفرق بين طير البر وطير الماء في الاحكام المتقدمة‌ فباعتبار اطلاق النصوص المتقدمة ، بل ان رواية مسعدة بن صدقة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب له. قال :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٨٨ الباب ٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ٣٠٧.


وسئل عن طير الماء فقال : مثل ذلك» (١) صريحة في التعميم.

٨ ـ واما الغراب‌ فمنشأ الخلاف في تحريمه اختلاف الروايات فيه ، فان صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «ان اكل الغراب ليس بحرام انما الحرام ما حرّم الله في كتابه ...» (٢) دلت على حليته ، في حين ان صحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الغراب الابقع والاسود أيحل اكلهما؟ فقال : لا يحل اكل شي‌ء من الغربان زاغ ولا غيره» (٣) دلت على حرمته.

والتعارض مستقر. والمناسب ترجيح الاولى لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ ...) (٤).

اجل لو لا المرجح المذكور كان المناسب التساقط والحكم بالحرمة تمسكا باطلاق الروايات الدالة على حرمة كل ما كان له مخلب ، حيث نقل وجود المخلب في جميع اقسام الغراب (٥).

هذا كله لو فرض حجية صحيحة زرارة في نفسها. اما اذا قلنا بعدم حجيتها ـ من باب هجران الاصحاب لمضمونها ، فانهم لم يلتزموا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤١٩ الباب ١٨ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٦ الباب ٧ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٩٦ الباب ٧ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٣.

والابقع : هو ما خالط بياضه لون آخر.

والزاغ نوع من الغربان اسود صغير وقد يكون احمر المنقار والرجلين.

هذا وقد قيل بان الغراب على اربعة اقسام ، والزاغ والابقع هما من جملتها.

(٤) الانعام : ١٤٥.

(٥) جواهر الكلام ٣٦ : ٣٠٣.


بقاعدة ليس الحرام الا ما حرّم الله في كتابه ، كما تقدمت الاشارة الى ذلك عند البحث عن حرمة السباع ـ فتبقى صحيحة علي بن جعفر بلا معارض ويلزم الاخذ بمضمونها والحكم بالحرمة.

وبهذا اتضح ان الحكم بالحرمة هو المناسب على تقديرين ، والحكم بالحلية هو المناسب على تقدير واحد.

٩ ـ واما الخلاف في اللقلق‌ فليس لاختلاف النصوص فيه ـ فانه لا نص فيه بالخصوص ـ بل للاختلاف في تحقق ضوابط التحريم السابقة فيه وعدمه.

وقد قيل بوجود احدى العلامات الثلاث السابقة فيه فيلزم الحكم بحليته. وهذا وجيه اذا لم يثبت ان صفيفه اكثر ، اما اذا ثبت ذلك ـ كما ادعي ـ فالمناسب الحكم بالحرمة ولا ينفع وجود احدى الثلاث السابقة فيه لما تقدم.

٤ ـ ما يحرم من الحيوان المذبوح‌

اذا ذبح الحيوان الذي يحل اكله لم يجز تناول جملة من الاشياء منه هي :

الدم ، الخصيتان ، القضيب ، المثانة ، الغدد (١) ، الطحال ، المرارة.

وزاد المشهور اشياء اخرى ، كالفرج ، والمشيمة (٢) ، وخرزة الدماغ (٣) ،

__________________

(١) هي اجسام مدورة تشبه البندق.

(٢) وهي موضع الولد.

(٣) هي حبة بقدر الحمصة موجودة في وسط الدماغ.


والنخاع (١) ، والعلباءين (٢) ، وحدقة العين (٣) ، والفرث.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة السبعة الاولى‌ فهي ما عليه المشهور ، بل قد يدعى الاتفاق على حرمة الدم والخصيتين والقضيب والطحال. وتدل على ذلك صحيحة ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن عليه‌السلام : «حرم من الشاة سبعة أشياء : الدم ، والخصيتان ، والقضيب ، والمثانة ، والغدد ، والطحال ، والمرارة» (٤) وغيرها. بل ان حرمة الدم هي من ضروريات الإسلام. وقد دلّ على ذلك قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ...) (٥) وغيره مما ورد في الكتاب الكريم.

ومقتضى الاطلاق حرمة الدم بجميع اقسامه بما في ذلك دم ما لا نفس له كالسمك.

اجل ينبغي ان يعفى من ذلك ما كان تابعا للّحم من دون ان يكون له وجود عرفي متميز ، بل قد يتأمل في حرمة دم السمك من هذه الناحية.

٢ ـ واما حرمة البقية‌ فقد دلت عليها روايات (٦) لا تخلو من ضعف‌

__________________

(١) هو خيط ابيض في وسط فقار الظهر.

(٢) هما عصبان ممتدان على الظهر من الرقبة الى الذنب.

(٣) وهي الحبة الناظرة منها لا جسم العين كله.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٣٧ الباب ٣٧ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

والسند بطريق الكليني اذا كان قابلا للمناقشة من ناحية عبيد الله الدهقان فهو بنقل البرقي في محاسنه لا اشكال فيه.

(٥) المائدة : ٣.

(٦) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٣٧ الباب ٣١ من أبواب الأطعمة المحرمة.


سندي. وبناء على تمامية كبرى الانجبار يمكن الافتاء بمضمونها. بل ان المحقق مال الى التحريم في المثانة والمرارة والمشيمة من جهة كونها من الخبائث (١).

٥ ـ التحريم الطارئ‌

قد تعرض الحرمة على الحيوان المحلل بامور نذكر منها :

أ ـ الجلل ، بان يتغذى الحيوان على عذرة الانسان الى حدّ يصدق انها غذاؤه.

وتزول الحرمة بمنعه من التغذي بذلك الى ان يزول عنه اسم الجلل.

ب ـ وطء الانسان لحيوان ، فانه بذلك يحرم لحمه ولبنه ونسله. وقد قيل باختصاص التحريم بذوات الاربع.

ج ـ الموت ، بمعنى زهاق روح الحيوان من دون تذكية ، فانه بذلك يحرم بجميع أجزائه الا ما لا تحله الحياة ، كاللبن والبيضة اذا اكتست قشرها الاعلى والانفحة (٢).

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الجلال‌ فهي المشهور بين الاصحاب. وتدل عليها صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تأكل لحوم الجلالات‌

__________________

(١) شرايع الإسلام ٤ : ٧٥٢ ، انتشارات استقلال.

(٢) الانفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء ـ وقد تكسر ـ وتشديد الحاء وتخفيفها : شي‌ء اصفر يستخرج من بطن الجدي الراضع قبل ان يأكل فيعصر في صوف فيغلظ ويستعمل كخمرة للجبن. ويعبر عنه في الفارسية ب «پنيرمايه».


وان اصابك من عرقها فاغسله» (١) وغيرها.

ونسب الى الاسكافي والشيخ الحكم بالكراهة دون التحريم. ولا وجه له ـ على ما ذكر في الجواهر (٢) ـ سوى الاصل الذي لا بدّ من رفع اليد عنه بالصحيحة.

وعن السبزواري الميل الى الكراهة أيضا بتقريب ان مستند التحريم اخبار لا تدل الا على الرجحان ، وهي معارضة في الوقت نفسه بالعمومات الدالة على الحل (٣).

وفيه : ان النهي ظاهر في التحريم ، ومعه لا مجال للعمل بالعمومات للزوم رفع اليد عن العموم بعد وجود المخصص له.

٢ ـ واما قصر الجلال على ما تغذى بعذرة الانسان وعدم التعميم لما تغذى بغيرها من النجاسات‌ فلانه اذا لم يجزم بكون ذلك هو معنى الجلاّل لغة فلا أقل من كونه القدر المتيقن ، ويبقى الزائد مشمولا لأصل البراءة بعد عدم امكان التمسك بالعموم لكونه تمسكا به في الشبهة المصداقية ، وهو لا يجوز ، لان الحكم لا يتكفل اثبات موضوعه.

وبكلمة اخرى : ان المورد داخل تحت الشبهة المفهومية الناشئة من تردد المفهوم بين السعة والضيق ، وفي مثله ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن ويجري في الزائد المشكوك اصل البراءة.

٣ ـ واما التقييد بما اذا كان التغذي الى حدّ يصدق ان ذلك غذاؤه‌ فلانه من دون ذلك ان لم يجزم بعدم صدق عنوان الجلال فلا أقل من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٣١ الباب ٢٧ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٧٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٧٣.


الشك ، وهو كاف في عدم تطبيق حكم الجلال لدخول المورد تحت الشبهة المصداقية التي لا يجوز فيها التمسك بالعموم.

٤ ـ واما زوال التحريم بمنع الحيوان من التغذي بذلك الى

ان يزول عنه اسم الجلل‌ فلان النهي كان متعلقا بعنوان الجلل فاذا زال زال.

واما تحديد الفترة بمقدار معين ـ كأربعين يوما في الناقة وعشرين في البقرة و... ـ فمستنده اخبار ضعيفة فلاحظ (١).

٥ ـ واما حرمة موطوء الانسان‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، وعن الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام ، وعن اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم موسى عليه‌السلام : «الرجل يأتي البهيمة فقالوا جميعا : ان كانت البهيمة للفاعل ذبحت فاذا ماتت احرقت بالنار ولم ينتفع بها وضرب هو خمسة وعشرين سوطا ربع حد الزاني ...» (٢) ، وموثقة سماعة : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي بهيمة : شاة أو ناقة أو بقرة فقال : عليه ان يجلد حدا غير الحد (٣) ثم ينفى من بلاده الى غيرها. وذكروا (٤) ان لحم تلك البهيمة محرم ولبنها» (٥) وغيرهما.

ويمكن ان يستفاد من الصحيحة حرمة النسل ، حيث قالت : «ولم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٣٣ الباب ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٧٠ الباب ١ من ابواب نكاح البهائم الحديث ١.

(٣) أي يحد أقل من حدّ الزنا ، فان الزاني يحدّ بمائة في حين ان هذا يحد بخمسة وعشرين سوطا ربع حد الزاني.

(٤) قال المجلسي : اي الائمة عليهم‌السلام. ثم قال : ولعله من كلام يونس او سماعة.

(٥) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٧١ الباب ١ من ابواب نكاح البهائم الحديث ٢.


ينتفع بها».

٦ ـ واما اختصاص التحريم بذوات الاربع‌ فقد صار اليه جماعة باعتبار ان ذلك هو المنصرف عرفا من كلمة البهيمة ، ومعه يتمسك في غير ذلك بأصل البراءة.

٧ ـ واما حرمة الميتة فامر‌ متسالم عليه بل هو من ضروريات الدين. قال تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ ... وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ) (١). وفي الذيل دلالة واضحة على حصر الحل بالمذكى وكون المراد من الميتة غير المذكى لا خصوص ما مات حتف انفه.

ثم ان حرمة الميتة لا تختص بما كان له نفس سائلة بل تعم غيره كالسمك مثلا لإطلاق دليل التحريم ، اجل تختص النجاسة بميتة ذي النفس الا ان ذلك مطلب آخر.

٨ ـ واما استثناء ما ذكر من حرمة الميتة‌ فلصحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت قال : لا بأس به. قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ، قال : لا بأس به. قلت : والصوف والشعر وعظام الفيل والجلد والبيض يخرج من الدجاجة فقال : كل هذا لا بأس به» (٢) وغيرها.

وانما قيدنا البيضة بما اذا اكتست القشر الاعلى فلموثقة غياث بن ابراهيم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال :

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٤٩ الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ١٠.


ان كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٤٨ الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٦.

ومن جملة روايات المسألة ما رواه الشيخ الكليني في الكافي ٦ : ٢٥٦ بسنده الى ابي حمزة الثمالي قال : «كنت جالسا في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اذ اقبل رجل فسلّم فقال : من أنت يا عبد الله؟ قلت : رجل من اهل الكوفة. فقلت : ما حاجتك فقال لي : أتعرف ابا جعفر محمد بن علي عليهما السّلام فقلت : نعم فما حاجتك إليه؟ قال : هيّأت له اربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته وما كان من باطل تركته ، قال ابو حمزة : فقلت له : هل تعرف ما بين الحق والباطل؟ قال : نعم ، فقلت له : فما حاجتك إليه اذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل؟! فقال لي : يا اهل الكوفة انتم قوم لا تطاقون اذا رأيت ابا جعفر عليه‌السلام فاخبرني فما انقطع كلامي معه حتى اقبل ابو جعفر عليه‌السلام وحوله اهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريبا منه. قال ابو حمزة : فجلست حيث اسمع الكلام وحوله عالم من الناس ، فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت الى الرجل فقال له : من انت؟ قال : انا قتادة بن دعامة البصري فقال له ابو جعفر عليه‌السلام : أنت فقيه اهل البصرة؟ قال : نعم ، فقال له ابو جعفر عليه‌السلام : ويحك يا قتادة ان الله عز وجل خلق خلقا من خلقه فجعلهم حججا على خلقه فهم اوتاد في ارضه ، قوّام بأمره ، نجباء في علمه ، اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه ، قال : فسكت قتادة طويلا ثم قال : اصلحك الله والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدامك قال له ابو جعفر عليه‌السلام : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي (بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ* رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] فانت ثمّ ونحن اولئك. فقال له قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك والله ما هي بيوت حجارة ولا طين. قال قتادة : فاخبرني عن الجبن ، قال : فتبسم ابو جعفر عليه‌السلام ثم قال : رجعت مسائلك الى هذا؟ قال : ضلت عليّ فقال : لا بأس به فقال : انه ربما جعلت فيه انفحة الميت قال : ليس بها بأس ان الانفحة ليس لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم انما تخرج من بين فرث ودم. ثم قال : وانما الانفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة فهل تؤكل تلك البيضة فقال قتادة : لا ولا آمر بأكلها فقال له ابو جعفر عليه‌السلام : ولم؟ فقال : لأنها من الميتة ، قال له : فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أتأكلها؟ قال : نعم ، قال : فما حرّم عليك البيضة وحلّل لك الدجاجة ...»



كتاب الصّيد والذّباحة‌

(وسائل التذكية)

١ ـ وسائل تحقق التذكية‌

أ ـ الذبح‌

ب ـ النحر‌

ج ـ الاصطياد‌

٢ ـ ما يقبل التذكية وأثرها‌



١ ـ وسائل تحقق التذكية‌

لا يجوز اكل لحم الحيوان المحلل شرعا الا اذا كان مذكى. وتتحقق التذكية بالذبح والنحر والاصطياد.

أ ـ الذبح‌

لا تتحقق تذكية الحيوان شرعا بالذبح الا اذا توفر ما يلي :

١ ـ قطع الاعضاء الاربعة : المري‌ء والحلقوم والودجين (١).

٢ ـ اسلام الذابح ، فلا تحل ذبيحة الكافر بما في ذلك الكتابي وان تحققت منه التسمية على المشهور.

٣ ـ الذبح بالحديد ، فلا يحل الحيوان اذا كان الذبح بغيره الا في حالة عدم وجوده فيجوز بغيره مما يتحقق به قطع الاعضاء الاربعة المتقدمة.

٤ ـ ذكر اسم الله سبحانه حالة الذبح.

٥ ـ استقبال القبلة بالحيوان حالة ذبحه.

__________________

(١) المري‌ء : مجرى الطعام. والحلقوم : مجرى النفس ، ومحله فوق المري‌ء.

والودجان : عرقان غليظان يجري فيهما الدم محيطان بالحلقوم ، وقيل بالمري‌ء.


٦ ـ قصد الذبح بقطع الاعضاء ، فلا يكفي الذبح من السكران والصبي والنائم ، بل لا يكفي لو وقعت السكين على الاعضاء وقطعتها او حرك الذابح السكين على الاعضاء لا بقصد الذبح فتحقق حصوله مع التسمية.

٧ ـ خروج الدم بالمقدار المتعارف مع تحريك الحيوان بعض اطرافه ـ كالرجل او الذنب او الاذن وما شاكل ذلك ـ بعد الذبح. بل يلزم في الدم الخارج ان لا يكون متثاقلا في خروجه.

وقد يقال باختصاص اعتبار حركة بعض الاطراف في حلية الذبيحة فيما اذا شك في حياتها قبل الذبح ، اما مع احرازها فلا يعتبر ذلك.

هذه شروط تحقق التذكية.

ولا تجوز ابانة رأس الحيوان عمدا او انخاعه (١) قبل خروج روحه ولكنه لا يحرم بذلك.

والذبح بواسطة المكائن الحديثة جائز ولا اشكال فيه ما دامت الشروط المتقدمة متوفرة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اشتراط حلية الحيوان بالتذكية‌ فينبغي ان يكون من الواضحات لقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ... وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ) (٢).

ويمكن ان يقال : ان ذلك شرط فيما كانت روحه زاهقة ، اما ما كان على قيد الحياة فيجوز اكله بالرغم من عدم تحقق تذكيته ـ كما في‌

__________________

(١) النخاع هو الخيط الابيض الممتد وسط الفقار من الرقبة الى الذنب. والانخاع اصابة النخاع بالسكين لقطعه.

(٢) المائدة : ٣.


ابتلاع السمك داخل الماء وهو حي او اكل بقية الحيوانات التي هي على قيد الحياة ان امكن ذلك فيها ـ لان الآية الكريمة وان حصرت الحل بالمذكى الا انها منصرفة الى الحيوان الذي ليس على قيد الحياة ، ومعه يبقى الحي مشمولا لأصل البراءة.

٢ ـ واما حصر الوسائل التي تتحقق بها التذكية بالامور الثلاثة المتقدمة‌ فلدلالة الروايات على ذلك كما سيتضح.

٣ ـ واما اعتبار قطع الاعضاء الاربعة‌ فهو المشهور. ولا مستند له من الروايات سوى صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت ابا ابراهيم عليه‌السلام عن المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الانسان اذا لم يجد سكينا؟ فقال : اذا فري الاوداج فلا بأس بذلك» (١). والمقصود من الاوداج هي الاعضاء الاربعة المتقدمة لعدم احتمال ارادة شي‌ء آخر غيرها.

وسندها معتبر بطريق الشيخ الطوسي وبكلا طريقي الشيخ الكليني فلاحظ.

الا ان في مقابل ذلك صحيحة زيد الشحام : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟ فقال : اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود اذا لم تصب الحديدة اذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به» (٢) الدالة على كفاية قطع الحلقوم.

والمناسب الاخذ بمضمون الصحيحة المذكورة ، فان صحيحة ابن الحجاج هي في صدد بيان ان وسيلة الذبح لا بدّ ان تكون لها القابلية‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٨ الباب ٢ من ابواب الذبائح الحديث ١.

والمروة : الحجر الحاد. والقصب : نبات مائي يكثر عند المستنقعات.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٨ الباب ٢ من ابواب الذبائح الحديث ٣.


على قطع الاوداج ، اما انه يلزم قطع جميعها او بعضها فليست بصدده ، ومعه تبقى صحيحة الشحام بلا معارض.

هذا ولكن تحفّظ الفقيه عن مخالفة المشهور باحتياطه في الفتوى امر مناسب.

وهل يلزم عند قطع الاعضاء بقاء الخرزة ـ المعبر عنها بالجوزة ـ في العنق او يجوز بقاؤها في الجسد؟

والجواب : المهم تحقق قطع الاوداج كلا او خصوص الحلقوم ، واما بقاء الجوزة في هذا المحل او ذاك فغير مهم بعد فرض تحقق ما ذكر.

اجل قيل بان تلك الاعضاء الاربعة متصلة بالجوزة بحيث اذا لم تبق في العنق بتمامها ولم يقع الذبح من تحتها فلا يمكن تحقق قطعها ، الا ان هذا مطلب آخر فان صحّ لزم ابقاء الجوزة في العنق للجهة المذكورة لا لأنه مطلوب في نفسه.

٤ ـ واما اعتبار الإسلام في الذابح‌ فهو المشهور بين الاصحاب ، بل في الجواهر انه كاد يكون من ضروريات المذهب في زماننا (١).

واذا رجعنا الى الروايات وجدناها على طوائف مختلفة ، نذكر من بينها :

أ ـ ما دل على النهي عن ذبيحة غير المسلم بشكل مطلق ، كصحيحة حميد بن المثنى عن العبد الصالح عليه‌السلام : «سأله عن ذبيحة اليهودي والنصراني فقال : لا تقربوها» (٢) وغيرها. وبالاولوية يتعدى الى بقية اصناف الكفار من غير اهل الكتاب.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٦ : ٨٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٢ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٣٠.


ب ـ ما دل على الجواز بشكل مطلق ، كصحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة اهل الكتاب ونسائهم فقال : لا بأس به» (١) وغيرها.

ج ـ ما دلّ على التفصيل بين سماع التسمية منهم فتحل الذبيحة وبين عدمه فلا تحل ، كصحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام وعن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام انهما قالا في ذبائح اهل الكتاب : «فاذا شهدتموهم وقد سموا اسم الله فكلوا ذبائحهم ، وان لم تشهدوهم فلا تأكلوا ، وان اتاك رجل مسلم فأخبرك انهم سموا فكل» (٢) وغيرها.

د ـ ما دلّ على عدم الحلية حتى مع التسمية ، كرواية زيد الشحام : «سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن ذبيحة الذمي فقال : لا تأكله ان سمى وان لم يسم» (٣) ، وموثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام : «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : كلوا من طعام المجوس كله ما خلا ذبائحهم فانها لا تحل وان ذكر اسم الله عليها» (٤).

الا ان هذه الطائفة لا بدّ من حذفها من الحساب لضعف سند الاولى بالمفضل بن صالح الذي لم يوثق بل ضعف ، واختصاص الثانية بالمجوسي الذي يحتمل ان يكون النهي عن ذبيحته من باب انه ليس من اهل الكتاب.

وعليه نبقى نحن والطوائف الثلاث الاولى.

وقد يقال بترجيح الطائفة المانعة وحمل غيرها على التقية ـ كما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٢ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٣٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٢ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٣٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٤٦ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٤٨ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ١٢.


اختار ذلك صاحب الجواهر (١) ـ باعتبار ان من يلقي نظرة على اخبار المسألة يحصل له القطع بذلك ، فلاحظ مثل صحيحة شعيب العقرقوفي حيث يقول : «كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام ومعنا ابو بصير واناس من اهل الجبل يسألونه عن ذبائح اهل الكتاب فقال لهم ابو عبد الله عليه‌السلام : قد سمعتم ما قال الله عز وجل في كتابه فقالوا له : نحب أن تخبرنا فقال لهم : لا تأكلوها. فلما خرجنا قال ابو بصير : كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته واباه جميعا يأمران بأكلها ، فرجعنا اليه فقال لي ابو بصير : سله فقلت له : جعلت فداك ما تقول في ذبائح اهل الكتاب فقال : أليس قد شهدتنا بالغداة وسمعت؟ قلت : بلى فقال : لا تأكلها» (٢).

الا ان ما ذكر قابل للتأمل فان الحمل على التقية فرع التعارض المستقر وعدم امكان الجمع العرفي ، وهو في المقام ممكن ، فانه بواسطة الطائفة الثالثة يمكن الجمع بين الطوائف بحمل الاولى على حالة عدم تحقق التسمية والثانية على حالة تحققها.

بل يمكن تعميم التفصيل المذكور لغير الكتابي أيضا ، فلاحظ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «كل ذبيحة المشرك اذا ذكر اسم الله عليها وانت تسمع ولا تأكل ذبيحة نصارى العرب» (٣).

اجل هي معارضة بموثقة الحسين بن علوان المتقدمة ، الا ان التعارض ليس مستقرا لإمكان حملها على الكراهة بقرينة الصحيحة بعد ضعف احتمال كونها مخصصة للصحيحة ـ باستثناء المجوسي‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٦ : ٨٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٠ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٢٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٥٢ الباب ٢٧ من أبواب الذبائح الحديث ٣٢.


من بين اقسام الكافر ـ ولو لأجل عدم القائل بذلك.

والنتيجة : ان مقتضى الصناعة هو التفصيل بين التأكد من تحقق التسمية فيحكم بالحل وبين عدمه فلا يحكم به ، الا ان الشهرة بين الاصحاب على عدم الحل مطلقا يحول دون جزم الفقيه بالتفصيل المذكور ومن ثمّ تفرض عليه التنزل الى الاحتياط في الفتوى.

٥ ـ واما عدم جواز الذبح الا بالحديد‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن الذبيحة بالليطة وبالمروة فقال : لا ذكاة الا بحديدة» (١) ، وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في الرقم ٣ وغيرهما.

واذا قيل : لم لا تفسر الحديد بكل فلز حاد بقرينة جعل المقابلة بين الليطة والمروة وبين الحديد.

قلنا : هذا مجرد احتمال ، وهو ليس حجة ما دام لم يرتق الى مستوى الظهور ، فان الحجة هي الظهور دون مجرد الاحتمال.

وينبغي الالتفات الى انه قد تداول في زماننا صنع السكاكين من الاستيل ، وقد وقع الكلام في كونه مصداقا للحديد كي يجوز الذبح به او لا.

والمنقول عن بعض اهل الخبرة انه حديد مصفى مشتمل على خليط من مواد اخرى كالحديد نفسه فانه مشتمل على مواد اخرى أيضا. وعلى هذا لا بدّ من ملاحظة نسبة الخليط في الاستيل ، فاذا كانت مقاربة لنسبته في الحديد المتعارف ـ ولعل الغالب هو ذلك ـ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٧ الباب ١ من أبواب الذبائح الحديث ١.

والليطة بفتح اللام : القشر الظاهر من القصبة. والمروة : الحجر الحاد.


جاز الذبح به.

٦ ـ واما عدم حلية الحيوان مع ذبحه بغير الحديد عمدا‌ فلأن ذلك لازم نفي الذكاة الا مع الحديد.

٧ ـ واما جواز الذبح بغير الحديد اذا لم يمكن الذبح به‌ فمما لا اشكال فيه. وتدل عليه صحيحة ابن الحجاج المتقدمة في الرقم ٣ وغيرها.

ثم ان المراد من عدم وجود الحديد مطلق عدم الوجود ولو من دون ضرورة الى الذبح تمسكا بعدم استفصال الامام عليه‌السلام في مقام الجواب.

واما رواية محمد بن مسلم : «قال ابو جعفر عليه‌السلام في الذبيحة بغير حديدة قال : اذا اضطررت اليها فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر» (١) الدالة على اعتبار الاضطرار فقد اجاب عنها في الجواهر (٢) باحتمال كون المراد من الاضطرار مطلق الحاجة الى الذبح فلا تنافي غيرها.

وهذا ان تمّ فهو والا انحصرت المناقشة بالسند ، فانه ورد فيه عبد الله بن محمد ، وهو مجهول الحال.

ومن خلال هذا يتضح ان ما افاده بعض الاعلام من تقييد جواز الذبح بغير الحديد بحالة خوف تلف الحيوان بتأخير ذبحه او الاضطرار الى ذلك لا يخلو من تأمل.

٨ ـ واما اعتبار ذكر اسم الله سبحانه حين الذبح‌ فهو مما لا خلاف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٩ الباب ٢ من أبواب الذبائح الحديث ٤.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ١٠٢.


فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (١) ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٢) ، وصحيحة محمد بن مسلم : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يذبح ولا يسمي قال : ان كان ناسيا فلا بأس اذا كان مسلما وكان يحسن ان يذبح ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح» (٣) وغيرها.

اجل مع تركها نسيانا لا تحرم للصحيحة المذكورة وغيرها ، وهذا بخلاف تركها جهلا ، فانها تحرم لا طلاق دليل الشرطية ، ولاستفادة ذلك من تقييد نفي البأس في الصحيحة بالنسيان.

ان قلت : لما ذا لا نتمسك بحديث الرفع عن الناسي (٤) مضافا الى الصحيحة.

قلت : ان حديث الرفع اما ان نتمسك به لرفع جزئية الذكر في حالة النسيان من دون اثبات تحقق التذكية بالباقي او نتمسك به لإثبات كلا المطلبين.

والاول غير نافع ، لأنه اذا لم يثبت تحقق التذكية بالباقي فلا يمكن الحكم بحلية الحيوان ، فان الحلية فرع ثبوت التذكية ، والمفروض عدم احرازها.

والثاني غير ممكن لان حديث الرفع يتكفل النفي دون الاثبات.

اذن لا يمكن التمسك بحديث الرفع في المقام.

__________________

(١) الانعام : ١١٨.

(٢) الانعام : ١٢١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٦ الباب ١٥ من أبواب الذبائح الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.


وهل تلزم العربية في الذكر؟ مقتضى اطلاق ادلة اعتبار الذكر عدمه وان كان ذلك هو المناسب للاحتياط.

٩ ـ واما اعتبار استقبال القبلة بالذبيحة‌ فهو مورد لتسالم الاصحاب. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن الذبيحة فقال : استقبل بذبيحتك القبلة» (١) وغيرها.

اجل ان الشرطية تختص بحالة الالتفات ولا تعم حالة النسيان والجهل والاضطرار لصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة فقال : لا بأس اذا لم يتعمد» (٢) وغيرها ، فان التعمد لا يصدق في الحالات المتقدمة.

١٠ ـ واما اعتبار قصد الذبح‌ فهو معروف في كلمات الاصحاب. وعلّله الشيخ النراقي ب «ان المتبادر من الذبح المحلل هو الصادر من القاصد» (٣).

ولعل الانسب من ذلك ان يقال : ان التذكية المحللة للأكل قد نسبت الى الفاعل في قوله تعالى : (إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ) (٤) ، والمفهوم عرفا من نسبة المادة الى الفاعل صدورها منه بالاختيار والقصد ، فلو قيل : اكل فلان الطعام فالمفهوم انه اكله عن قصد واختيار ، وهذا الانصراف ان لم يجزم به في كلمة «ذكيتم» فلا أقلّ من كونه محتملا ، ومعه يشك في تحقق التذكية المعتبرة شرعا مع عدم ذلك والأصل عدمه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٤ الباب ١٤ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٥ الباب ١٤ من أبواب الذبائح الحديث ٣.

(٣) مستند الشيعة ١٥ : ٣٨٩.

(٤) المائدة : ٣.


١١ ـ واما اعتبار خروج الدم‌ فيمكن استفادته من صحيحة زيد الشحام المتقدمة ، حيث ورد فيها : «اذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس» وغيرها.

واما اعتبار كونه بالمقدار المتعارف فلان ذلك هو المنصرف من جملة : «وخرج الدم».

واما اعتبار الحركة فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الذبيحة فقال : اذا تحرك الذنب او الطرف او الاذن فهو ذكي» (١) وغيرها.

ثم ان مقتضى الصحيحة الاولى الاكتفاء بخروج الدم وعدم اعتبار الحركة في حين ان مقتضى الصحيحة الثانية اعتبار الحركة وعدم اعتبار خروج الدم. والمقام من صغريات مسألة «اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء» المعروفة في علم الاصول والتي يقع فيها التعارض بين اطلاق المفهوم في كل جملة مع المنطوق في الجملة الاخرى. وقد ذكرت هناك عدة وجوه للجمع ، اهمها اثنان : تقييد اطلاق المفهوم في كل واحدة بمنطوق الاخرى ، ونتيجة ذلك الاكتفاء باحد الشرطين في تحقق الجزاء ، وتقييد اطلاق المنطوق في كل واحدة بمنطوق الاخرى ، ونتيجة ذلك كون مجموع الشرطين شرطا واحدا ، فالجزاء لا يتحقق الا اذا تحقق مجموع الشرطين ، بخلافه على الاول فانه يكفي في تحقق الجزاء تحقق احد الشرطين.

وقد اختار جمع من الاعلام الاول وافتوا في ضوء ذلك بكفاية‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٠ الباب ١١ من أبواب الذبائح الحديث ٣.


الحركة او خروج الدم.

هذا ولكن المناسب هو الثاني حتى لو اخترنا في تلك المسألة الاول.

والوجه في ذلك : صحيحة ابي بصير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منها دم كثير عبيط فقال : لا تأكل ، ان عليا عليه‌السلام كان يقول : اذا ركضت الرجل او طرفت العين فكل» (١) ، فانها تدل على ان خروج الدم لا يكفي وحده بل لا بدّ من الحركة ، وهذا واضح في ان تحقق احد الامرين لا يكفي في ثبوت التذكية فيتعين المصير الى الثاني ، وهو اعتبار الاجتماع.

ثم ان اللازم في تحرك بعض الاطراف ان يكون بعد الذبح ولا يكفي كونه قبله لدلالة صحيحة ابي بصير عليه بوضوح.

١٢ ـ واما اعتبار عدم تثاقل الدم في خروجه‌ فتدل عليه صحيحة بكر بن محمد : «كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام اذا جاءه محمد بن عبد السلام فقال له : جعلت فداك يقول لك جدي : ان رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها ... فقال : ... فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا واطعموا ، وان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه» (٢).

والدلالة واضحة ، وانما الكلام في السند.

وتوضيح الحال فيه : ان الصحيحة رويت بثلاث طرق هي :

أ ـ الشيخ باسناده عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢١ الباب ١٢ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢١ الباب ١٢ من أبواب الذبائح الحديث ٢.


سليم الفراء عن الحسين بن مسلم (١).

ب ـ الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سليم الفراء عن الحسين بن مسلم (٢).

ج ـ الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن اسحاق عن بكر بن محمد عن ابي عبد الله عليه‌السلام (٣).

والطريقان الاولان لا يخلوان من الاشكال من ناحية الحسين بن مسلم ، فانه مجهول الحال والا فبقية افراد السند لا مشكلة من ناحيتهم.

واما الطريق الثالث فهو صحيح ، فان صاحب الوسائل له طريق معتبر الى الحميري ، حيث ان الشيخ الطوسي له طريق معتبر الى قرب الاسناد ذكره في الفهرست (٤) ، وصاحب الوسائل يروي الكتاب المذكور بطرق معتبرة تنتهي الى الشيخ الطوسي كما اشار الى ذلك في خاتمة الوسائل (٥).

واما الحميري فهو عبد الله بن جعفر الثقة الجليل (٦).

واما احمد بن اسحاق الاشعري فهو الثقة الجليل الذي تشرف نظره برؤية حجة الله في ارضه أرواحنا له الفداء (٧).

واما بكر بن محمد فهو الازدي الثقة (٨).

__________________

(١) ١ ، ٢ ، ٣ لاحظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.

(٢) ٤ الفهرست ١٠٢ الرقم ٤٢٩.

(٣) ٥ قد ذكر ان قرب الاسناد من جملة مصادره في الوسائل في ٢٠ : ٤٠ في الفائدة الرابعة. وذكر طريقه الى المصدر المذكور وغيره في ٢٠ : ٥٠ ـ ٥٤ في الفائدة الخامسة.

(٤) ٦ رجال النجاشي : ١٥٢ ، منشورات مكتبة الداوري ، الفهرست ١٠٢ الرقم ٤٢٩.

(٥) ٧ الفهرست : ٢٦ الرقم ٦٨ ، رجال النجاشي : ٦٦.

(٦) ٨ رجال النجاشي : ٧٨.


وعليه فلا مشكلة من حيث سند الرواية ، اذ يكفي في صحتها صحة بعض طرقها.

١٣ ـ واما القول باختصاص اعتبار حركة الاطراف بحالة الشك في حياة الذبيحة دون حالة احرازها‌ فمستنده أحد امرين :

أ ـ رواية ابان بن تغلب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك اذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فانها لك حلال» (١).

الا انها قابلة للمناقشة دلالة وسندا.

اما دلالة فلأنها تدل على اعتبار الحركة قبل الذبح لا بعد الذبح ، والحال ان القائل باعتبار الحركة يخصص ذلك بما بعد الذبح.

واما سندا فباعتبار ورود سهل فيه ، بناء على ان امره ليس سهلا.

ب ـ ان المفهوم من الروايات الدالة على اعتبار حركة الذبيحة بعد الذبح الطريقية الى احراز الحياة الذي لازمه عدم اعتبار ذلك عند احراز الحياة.

وفيه : ان احتمال ذلك وان كان وجيها الا ان الجزم به مشكل.

١٤ ـ واما عدم جواز قطع رأس الذبيحة قبل ان تخرج روحها‌ فقد صار اليه جمع من الاصحاب لصحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدمة في الرقم ٨ عند البحث عن التسمية ـ وغيرها.

هذا ولكن المنسوب الى كثير من الاصحاب الكراهة بل عن الشيخ في خلافه دعوى الاجماع على ذلك (٢) ، ومن هنا يكون المناسب التنزل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٢٠ الباب ١١ من أبواب الذبائح الحديث ٥.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ١٢١.


من الفتوى بالتحريم الى الاحتياط.

واما نخع الذبيحة فتدل على النهي عنه الصحيحة المتقدمة ، بيد ان المشهور بين الاصحاب على ما قيل هو الكراهة (١) ، بل عن الشيخ في مبسوطه نفي الخلاف عن ذلك (٢) ، ومعه يكون المناسب التنزل الى الاحتياط أيضا.

ثم انه بناء على تحريم ابانة الرأس والانخاع هل تحرم الذبيحة بذلك؟ اختار جمع من الاصحاب ذلك بدعوى ان الذبح الشرعي هو عبارة عن قطع الاوداج الاربعة فقط ، فاذا اضيف شي‌ء على ذلك خرج الذبح عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا ويجري ذلك مجرى ما لو قطع عضو من اعضاء الحيوان فمات بسبب انضمام ذلك (٣).

وفيه : ان مقتضى ما دلّ على جواز الاكل عند فري الاوداج او خصوص الحلقوم عدم اشتراط حلية الاكل بما زاد على ذلك. اجل بالنسبة الى الذكر والاستقبال وغير ذلك خرج بالدليل المقيد. واما بالنسبة الى الابانة والانخاع فحيث لا يدل دليل تحريمهما على تحريم الاكل فيعود ذلك مشمولا للإطلاق المتقدم.

هذا كله في حالة تعمد الابانة والانخاع والا فلا اشكال في عدم التحريم التكليفي والوضعي لموثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «اذا اسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا‌

__________________

(١) لاحظ مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ١٣٠.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ١٣٥.

(٣) لاحظ جواهر الكلام ٣٦ : ١٢٣.


بأس بأكلها» (١) وغيرها.

هذا بناء على كون كلمة «السكين» فاعلا ، واما بناء على كونها مفعولا فيستفاد نفي الحرمة الوضعية حتى في حالة التعمد.

١٥ ـ واما ان الذبح بالمكائن الحديثة جائز مع اجتماع الشروط المتقدمة‌ فللتمسك باطلاق ما دل على حلية الحيوان بالتذكية أو بفري الاوداج. ولا يتصور وجود مانع من حلية الحيوان الا :

أ ـ عدم وضعه على الارض حالة ذبحه.

ب ـ عدم استقرار الحياة الطبيعية فيه بسبب توجيه الشحنة الكهربائية اليه ليخمد عن الاضطراب والتحرك.

ج ـ عدم تحقق الذبح بالسكين.

د ـ عدم مقارنة ذكر الله سبحانه عند ذبح كل حيوان بل قد يتخلل فاصل في البين.

ه ـ عدم تحقق ذكر الله سبحانه من الذابح باعتبار عدم وجود ذابح في البين.

والكل لا يصلح للمانعية.

اما الاول فلعدم اعتبار وضع الحيوان على الارض حالة تذكيته لعدم الدليل على ذلك بل هو منفي باطلاق ما دلّ على الحلية عند تحقق فري الاوداج.

واما الثاني فلعدم الدليل على اعتبار استقرار الحياة بشكلها الطبيعي بل ذلك منفي بالاطلاق المتقدم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣١٦ الباب ٩ من أبواب الذبائح الحديث ٦.


واما الثالث فلعدم اعتبار السكين بعنوانه بل يكفي مطلق الحديد.

واما الرابع فلان الفاصل الزمني اذا كان قليلا ولم يكن مانعا عرفا من صدق مقارنة ذكر اسم الله عند ذبح الحيوان فلا مشكلة.

واما الخامس فباعتبار ان من يضغط على الزر الكهربائي يصدق عليه عرفا عنوان الذابح فاذا ذكر اسم الله ذلك الحين وكان مسلما حسب الفرض فلا تبقى مشكلة.

ب ـ النحر‌

تختص الابل من بين بقية الحيوانات بان تذكيتها لا تتحقق الا بالنحر ، وذلك بطعن الآلة الحديدية في لبتها (١) سواء كان ذلك حالة قيامها أم في غيرها من الحالات.

ولا بدّ من تحقق جميع الشرائط المتقدمة غير الاول منها.

والنحر خاص بالابل ولا تتحقق التذكية به في بقية الحيوانات.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان التذكية في الابل تتحقق بالنحر‌ فهو مما لا اشكال فيه. وتدل عليه الروايات المذكورة في باب الحج وان صاحب البدنة ينحرها ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن البدنة تنتج أيحلبها؟ قال : احلبها حلبا غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا ...» (٢) وغيرها.

وكذلك لا اشكال في ان تذكية غير الابل لا تتحقق بالنحر ،

__________________

(١) اللبة : الموضع المنخفض في أعلى الصدر متصلا بالعنق.

(٢) وسائل الشيعة ١٠ : ١٣٤ الباب ٣٤ من ابواب الذبح الحديث ٧.


وذلك لأمرين :

أ ـ الاصل ، حيث يشك في تحقق التذكية بالنحر ، والاصل عدمها.

ب ـ صحيحة صفوان : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام عن ذبح البقر من المنحر فقال : للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي» (١) وغيرها.

وانما الاشكال في وجه عدم جواز تذكية الابل بالذبح بعد شمول اطلاق ادلة تحقق التذكية بفري الاوداج لها. ولا دليل يمكن التمسك به لتقييد الاطلاق المذكور سوى :

أ ـ التمسك بمثل صحيحة معاوية بن عمار : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : النحر في اللبة ، والذبح في الحلق» (٢).

وفيه : انها تدل على ان بعض الحيوانات تتحقق فيه التذكية بالنحر ولا تدل على ان هذا البعض لا تتحقق فيه التذكية بغير النحر.

ب ـ التمسك بقوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٣) ، فانه ظاهر في وجوب النحر وتعينه ، وحيث لا يجب نحر غير الابل فيثبت وجوب النحر فيها وتعينه.

وفيه : ان من المحتمل ان يكون المقصود من الامر في كلمة «وانحر» رفع اليدين بالتكبير حالة الصلاة ، كما دلت على ذلك بعض الاخبار (٤).

ج ـ التمسك برواية الشيخ الصدوق : «قال الصادق عليه‌السلام : كلّ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣١٢ الباب ٥ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٠٩ الباب ٣ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٣) الكوثر : ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٤ : ٧٢٥ الباب ٩ من ابواب تكبيرة الاحرام.


منحور مذبوح حرام ، وكلّ مذبوح منحور حرام» (١) ، فانها تدل على ان ما ينحر يحرم اذا ذبح ، وحيث ان الذي ينحر هو الابل فيلزم ان تكون حراما لو ذبحت.

وفيه : ان السند ضعيف بالارسال الا ان يبنى على حجية مراسيل الشيخ الصدوق التي هي بلسان قال ، أو يبنى على حجية جميع روايات الفقيه اما لأنها مستخرجة من كتب مشهورة عليها المعول واليها المرجع او لأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصد الى ايراد ما يفتي به ويحكم بصحته ويعتقد انه حجة فيما بينه وبين ربه تقدس ذكره وتعالت قدرته حسبما اشار اليه في مقدمة كتابه المذكور (٢).

اما من لم يبن على هذا ولا على حجية الشهرة الفتوائية ـ التي هي منعقدة في مقامنا على تعيّن النحر في الابل ـ فالحكم عنده بذلك مشكل. ومن هنا مال الشيخ الأردبيلي الى جواز ذبح الابل بمقتضى الصناعة وان احتاط باعتبار انه طريق السلامة (٣).

٢ ـ واما ان النحر يتحقق بطعن السكين ونحوها في اللبة‌ فهو مما لا اشكال فيه. وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

واما جواز النحر في حال القيام وغيره فلإطلاق الصحيحة المتقدمة وغيرها.

٣ ـ واما انه لا بدّ من توفر جميع شرائط التذكية المتقدمة ما عدا الاول منها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣١٣ الباب ٥ من أبواب الذبائح الحديث ٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ : ٣.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ١١ : ٩٩.


فباعتبار اطلاق ادلة اعتبارها وعدم اختصاصها بما اذا كانت التذكية بالذبح فلاحظ.

ج ـ الاصطياد‌

تتحقق التذكية بالاصطياد في ثلاثة من الحيوانات : الحيوان الوحشي طير أو غيره ، والسمك ، والجراد.

ـ الحيوان الوحشي‌

لا تتحقق التذكية في الحيوان الوحشي بالاصطياد الا اذا كانت وسيلة ذلك احد امرين : كلب الصيد او السلاح.

الاصطياد بالكلب‌

اما كلب الصيد فعضه للحيوان وجرحه له هو بمنزلة ذبحه. ولا تتحقق به الذكاة الا اذا توفرت الامور التالية :

١ ـ ان يكون الكلب معلّما للاصطياد. ويتحقق ذلك فيما اذا كان ينبعث اذا بعثه صاحبه وينزجر اذا زجره.

٢ ـ ان لا يأكل ما يمسكه الا نادرا.

٣ ـ ذكر الله سبحانه عند ارساله.

٤ ـ ارساله للاصطياد ، فلا تتحقق الذكاة لو استرسل بنفسه.

٥ ـ ان يكون المرسل مسلما.

٦ ـ استناد موت الحيوان الى جرح الكلب ، اما اذا استند الى سبب آخر من تعب او اصطدام ونحو ذلك فلا يحل.

٧ ـ عدم ادراك صاحب الكلب الحيوان حيا مع تمكنه من ذبحه ، بان يدركه ميتا او حيا في زمان لا يسع لذبحه.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الاصطياد لا تتحقق به التذكية الا في الثلاثة المتقدمة‌ فلوجهين :

أ ـ ان النصوص الشرعية قد دلت على تحقق تذكية الثلاثة بالاصطياد ، ويبقى غيرها مشمولا لأصالة عدم تحقق التذكية لو اصطيد وشك في تحقق التذكية بذلك.

ب ـ ان عنوان الاصطياد لا يصدق الا بلحاظ الحيوان الوحشي ولا يصدق بلحاظ الاهلي كالبقر والدجاج وما شاكل ذلك. وهذا المعنى واضح ، وقد أشير اليه في رواية الافلح عن علي بن الحسين عليه‌السلام : «... لو ان رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير والفراخ جميعا فانه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ ، وذلك ان الفراخ ليست بصيد ما لم تطر وانما تؤخذ باليد وانما يكون صيدا اذا طار» (١).

والفارق بين الوجهين انه على الثاني يجزم بعدم تحقق التذكية فلا تصل النوبة الى اصالة عدم التذكية ، بخلافه على الاول ، فانه يفترض الشك في تحقق التذكية فتصل النوبة الى ذلك.

٢ ـ واما ان التذكية بالاصطياد لا تتحقق الا اذا كانت الوسيلة هي كلب الصيد دون بقية الجوارح‌ فلوجهين أيضا :

أ ـ ان الدليل قد دلّ على تحقق التذكية بما ذكر ويشك في تحققها بغير ذلك فيتمسك باصالة عدم التذكية.

ب ـ ان الروايات قد دلّت على انحصار وسيلة التذكية بكلب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٩١ الباب ٣١ من أبواب الصيد الحديث ١.


الصيد ، كما في صحيحة ابي عبيدة الحذاء عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... قلت : فالفهد قال : ان أدركت ذكاته فكل. قلت : أليس الفهد بمنزلة الكلب؟ قال : لا ، ليس شي‌ء يؤكل منه مكلب (١) الا الكلب» (٢) وغيرها.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) (٣) ، فان تقييد الجوارح بقيد «مكلبين» (٤) قد يفهم منه ان مطلق الجوارح لا يجوز الاصطياد بها بل بخصوص الكلاب التي قد دربت على الاصطياد.

الا ان في مقابل ذلك روايات دلت على تحقق التذكية بغير الكلب أيضا ، كصحيحة زكريا بن آدم : «سألت ابا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الكلب والفهد يرسلان فيقتل فقال : هما مما قال الله (مُكَلِّبِينَ) فلا بأس بأكله» (٥) وغيرها.

وحيث ان التعارض بين الطائفتين مستقر فيلزم اعمال المرجحات ، وبما ان الاولى هي الموافقة للكتاب الكريم بناء على تمامية دلالته فيلزم ترجيحها. ومع التنزل يلزم ترجيحها أيضا للزوم حمل الثانية على التقية بقرينة صحيحة الحلبي : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : كان ابي عليه‌السلام يفتي وكان يتقي ونحن نخاف في صيد البزاة والصقورة ، واما‌

__________________

(١) أي مدرب على الاصطياد.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٥٩ الباب ٦ من أبواب الصيد الحديث ١.

(٣) المائدة : ٤.

(٤) أي مدربين للكلب على الاصطياد.

(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٦٠ الباب ٦ من أبواب الصيد الحديث ٤.


الآن فانّا لا نخاف ولا يحل صيدها الا ان تدرك ذكاته ...» (١) وغيرها.

ومع التنزل والتسليم بالتساوي تتساقطان ويلزم الرجوع إلى الأصل ، والنتيجة واحدة على جميع التقادير.

ومن خلال هذا يتضح التأمل فيما ينسب الى ابن ابي عقيل من جواز الاصطياد بغير الكلاب من السباع المعلمة كالفهد والنمر وغيرهما (٢).

هذا كله بالنسبة الى الاصطياد بالكلب.

واما الاصطياد بالسلاح فيأتي البحث عنه مستقلا إن شاء الله تعالى.

٣ ـ واما اعتبار ان يكون الكلب معلّما‌

فهو مما لا خلاف فيه. ويدل عليه الوجهان التاليان :

أ ـ التمسك بالآية الكريمة المتقدمة ، حيث قيدت الجوارح بما اذا كانت مكلّبة وقد علّمت. والتكليب هو تدريب الكلب على الاصطياد.

ب ـ التمسك بصحيحة ابي عبيدة الحذاء : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسرح كلبه المعلم ويسمي اذا سرحه قال : يأكل مما أمسك عليه ، فان ادركه قبل قتله ذكاه ، وان وجد معه كلبا غير معلم فلا يأكل منه» (٣) وغيرها.

٤ ـ واما ان كون الكلب معلّما‌ يتحقق بما ذكر فليس ذلك لتحديد شرعي بل لان المفهوم عرفا من كون الكلب معلّما هو ذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٦٤ الباب ٩ من أبواب الصيد الحديث ٣.

(٢) جواهر الكلام ٣٦ : ٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٥٠ الباب ١ من أبواب الصيد الحديث ٢.


٥ ـ واما اعتبار ان لا يأكل ما يمسكه الا نادرا‌ فهو المشهور بين الاصحاب. واستدل عليه بما يلي :

أ ـ التمسك باصالة عدم تحقق التذكية فيما اذا كان الكلب معتادا على أكل ما يمسكه.

وفيه : ان الاصل لا مجال له بعد اطلاق مثل قوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ ...) (١).

ب ـ ان عنوان المعلم لا يصدق مع الاكل بنحو معتاد.

وفيه : ان ذلك وجيه لو كان اكله المعتاد لمجموع الحيوان او لغالبه ، اما اذا كان لجزء يسير منه فلا يضر ذلك بصدق العنوان المذكور.

ج ـ التمسك بقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (٢) ، فان الامساك علينا لا يصدق مع اعتياد الاكل.

وفيه : ان ذلك لا يصدق لو فرض اكل الكلب لجميع الحيوان دون ما لو ابقى بعضه او غالبه.

د ـ التمسك بالروايات الدالة على ذلك ، كموثقة سماعة : «سألته عما امسك عليه الكلب المعلم للصيد ... قال : لا بأس ان تأكلوا مما امسك الكلب مما لم يأكل الكلب منه ، فاذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه» (٣) وغيرها.

ولا يضر اضمار الموثقة اما لان المضمر من اجلاء الاصحاب‌

__________________

(١) المائدة : ٤.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٥٥ الباب ٢ من أبواب الصيد الحديث ١٦.


الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه‌السلام او للبيان العام في جميع المضمرات الذي تقدمت الاشارة اليه في ابحاث سابقة.

وفيه : ان الروايات المذكورة معارضة بغيرها ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «واما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله عليه فكل منه وان اكل منه» (١) وغيرها. والتعارض غير مستقر لإمكان الجمع عرفا بحمل الاولى على الكراهة بقرينة الثانية.

والنتيجة انه لا دليل على الشرط المذكور غير ان ما صار اليه مشهور الاصحاب هو مقتضى الاحتياط.

٦ ـ واما اعتبار ذكر الله سبحانه عند ارسال الكلب‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) (٢) ، (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٣) ، وصحيحة الحلبي : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : من ارسل كلبه ولم يسم فلا يأكله» (٤) وغيرها.

وهل يعتبر تحقق الذكر عند الارسال او يكفي كونه بعده وقبل الاصابة؟ في ذلك خلاف بين الاصحاب. ولا يبعد استفادة الاول من الصحيحة المتقدمة.

٧ ـ واما اعتبار ارسال الكلب للاصطياد ولا يكفي استرساله من قبل نفسه‌ فلم يعرف فيه خلاف. وقد يستدل عليه بما يلي :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٥٣ الباب ٢ من أبواب الصيد الحديث ٩.

(٢) المائدة : ٤.

(٣) الانعام : ١٢١.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٧١ الباب ١٢ من أبواب الصيد الحديث ٥.


أ ـ التمسك باصالة عدم التذكية ـ كما صنع في الجواهر (١) ـ المقتصر في الخروج عنها بالمتيقن ، وهو الارسال للصيد.

وفيه : ان ذلك لا وجه له بعد ثبوت الاطلاق في الآية الكريمة وغيرها.

ب ـ التمسك برواية ابي بكر الحضرمي ـ برواية علي بن ابراهيم في تفسيره ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام حيث ورد في ذيلها : «اذا ارسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه فهو ذكاته» (٢).

وفيه : انها ضعيفة دلالة وسندا.

اما دلالة فلأنها مسوقة لبيان وجوب التسمية عند الارسال لا لبيان وجوب الارسال ووجوب التسمية عنده.

واما سندا فلان الحضرمي ـ عبد الله بن محمد الحضرمي ـ لم يوثق الا بناء على وثاقة كل من ورد في اسانيد كامل الزيارة.

ج ـ التمسك برواية القاسم بن سليمان : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه وقد قتله أيأكل منه؟ فقال : لا» (٣).

وفيه : انها قابلة للمناقشة دلالة وسندا.

اما دلالة فلاحتمال ان يكون عدم جواز الاكل من جهة عدم التسمية وليس من جهة عدم الارسال.

واما سندا فلعدم ثبوت وثاقة القاسم بن سليمان.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٦ : ٢٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٥١ الباب ١ من أبواب الصيد الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٦٩ الباب ١١ من أبواب الصيد الحديث ١.


د ـ ان ذكر الله سبحانه حيث انه معتبر حين الارسال فيلزم لتحقيق المقارنة الارسال للاصطياد ولا يكفي استرسال الكلب من قبل نفسه.

وهذا وجيه بناء على اعتبار المقارنة دون ما اذا لم نعتبرها او اعتبرناها في حالة الارسال دون الاسترسال.

ومن خلال هذا كله يتضح ان الحكم باعتبار الشرط المذكور لا بدّ ان يكون مبنيا على الاحتياط دون الفتوى.

٨ ـ واما اعتبار اسلام المرسل‌ فهو المعروف بين الاصحاب. وقد يستدل عليه بما يلي :

أ ـ انه من دون اسلام المرسل يشك في تحقق التذكية ، ومقتضى الاصل عدمها.

وفيه : ان ذلك وجيه لو لم يكن لدينا مثل اطلاق الآية الكريمة المتقدمة.

ب ـ ان الاصطياد فرد من التذكية ، وحيث يعتبر فيها الإسلام فيعتبر فيه أيضا.

وفيه : ان الكبرى لم تثبت بنحو الموجبة الكلية ، بل قد تقدم في التذكية بالذبح وجاهة القول بتحقق التذكية بالذبح من غير المسلم اذا تحقق معه ذكر الله سبحانه.

ج ـ التمسك برواية السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كلب المجوسي لا تأكل صيده الا ان يأخذه المسلم فيعلّمه ويرسله ...» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٧٣ الباب ١٥ من أبواب الصيد الحديث ٣.


وفيه : ان الرواية لو تمت سندا ولم يناقش من ناحية النوفلي ـ الذي لم تثبت وثاقته الا من خلال كامل الزيارة ـ فبالامكان المناقشة في دلالتها لاحتمال ان يكون الوجه في اعتبار ارسال المسلم هو عدم تحقق ذكر الله سبحانه من المجوسي او لعدم الاكتفاء بتدريبه وليس لاعتبار الارسال من المسلم بعنوانه.

د ـ التمسك بالشهرة الفتوائية على اعتبار اسلام المرسل.

وهذا وجيه بناء على حجية الشهرة الفتوائية في اثبات الحكم.

ومن خلال هذا يتضح ان الحكم باعتبار اسلام المرسل ـ عند من لا يقول بحجية الشهرة الفتوائيه ـ لا بدّ ان يكون مبنيا على الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور بل دعوى عدم الخلاف في المسألة.

٩ ـ واما اعتبار استناد موت الحيوان الى جرح الكلب فقط دون المجموع منه ومن الضميمة‌ فينبغي ان يكون واضحا باعتبار ان الادلة قد دلت على تحقق التذكية بجرح الكلب ولم تدل على تحققه بالمجموع المركب منه ومن الضميمة ، واذا شك في تحقق التذكية بذلك فبالامكان التمسك باصالة عدم التذكية.

١٠ ـ واما اعتبار عدم ادراك الحيوان في وقت يسع لتذكيته‌ فيمكن تقريبه بوجهين :

أ ـ التمسك بأصالة عدم التذكية ، فان الخارج منها هو الحالتان المتقدمتان دون ما زاد.

وهذا وجيه بناء على عدم تحقق الاطلاق في أدلة تحقق التذكية بالاصطياد.

ب ـ التمسك بصحيحة محمد بن مسلم وغير واحد عنهما عليهما السّلام :


«قالا في الكلب يرسله الرجل ويسمي قالا : ان اخذته فادركت ذكاته فذكه» (١) وغيرها.

الاصطياد بالسلاح‌

لا تتحقق تذكية الحيوان الوحشي بالسلاح الا اذا توفرت الامور التالية :

١ ـ ان تكون الآلة مما يصدق عليها عنوان السلاح ، كالسيف والسكين والسهم وطلقات البندقية.

٢ ـ ان يكون الصائد مسلما.

٣ ـ ذكر الله سبحانه عند استعمال السلاح للاصطياد.

٤ ـ ان يكون الرمي بقصد الاصطياد ، فلو رمى هدفا معينا لا بقصد الاصطياد فأصاب غزالا مثلا فقتله لم يحل.

٥ ـ ادراك الحيوان ميتا او حيا في وقت لا يتسع لتذكيته.

٦ ـ ان يكون السلاح مستقلا في قتله.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان التذكية بالاصطياد بالسلاح لا تثبت الا في الحيوان الوحشي‌ فلان عنوان الاصطياد لا يتحقق بلحاظ غيره كما تقدم.

٢ ـ واما اعتبار صدق عنوان السلاح على آلة الاصطياد‌ فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله عليه ثم بقي ليلة او ليلتين لم يأكل منه سبع وقد علم ان سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه ان شاء» (٢) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٥٧ الباب ٤ من أبواب الصيد الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٧٣ الباب ١٦ من أبواب الصيد الحديث ١.


ومنه يتضح الوجه في جواز الاصطياد بالبندقية ، فانها مصداق للسلاح.

اجل يلزم في الطلقات ان تكون بنحو صالح للنفوذ في بدن الحيوان وخرقه ، اما اذا لم تكن كذلك بل كانت تقتل الحيوان بسبب ضغطها او ما فيها من الحرارة المحرقة فلا يمكن الحكم بحلية الحيوان لصحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا رميت بالمعراض (١) فخرق فكل ، وان لم يخرق واعترض فلا تأكل» (٢) وغيرها.

وهل يلزم في السلاح ان يكون من جنس الحديد؟ كلا تمسكا بالاطلاق.

٣ ـ واما اعتبار اسلام الصائد بالسلاح‌ فهو المعروف بين الاصحاب ، وليس فيه كلام آخر يغاير ما تقدم عند البحث عن اعتبار اسلام الصائد بالكلب.

٤ ـ واما اعتبار ذكر الله سبحانه‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٣) ، والروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن قيس المتقدمة وغيرها.

٥ ـ واما اعتبار ان يكون الرمي بقصد الاصطياد‌ فيمكن التمسك له بالبيان المتقدم في الذبح.

__________________

والتقييد بعدم اكل السبع هو لاحتمال عدم تحقق القتل بالسلاح فقط بل به وبجرح السبع غير الكلب الذي لا تتحقق التذكية بواسطته.

(١) المعراض : سهم لا يشتمل على حديدة في طرفه ويكون دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٨٠ الباب ٢٢ من أبواب الصيد الحديث ١.

(٣) الانعام : ١٢١.


٦ ـ واما اعتبار ادراك الحيوان ميتا او في وقت لا يتسع لتذكيته‌ فلا وجه له سوى تعميم ما ذكر في الاصطياد بالكلب للمقام لعدم فهم الخصوصية.

على ان الحكم مشهور وبناء على حجية الشهرة الفتوائية يصلح ذلك بنفسه للمدركية.

اما من رفض هذا وذاك فالحكم عنده يكون مبنيا على الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

٧ ـ واما اعتبار استقلال السلاح في قتل الحيوان‌ فللبيان المتقدم في الاصطياد بالكلب.

السمك والجراد‌

لا بدّ لحلية السمك من تذكيته المتحققة باصطياده بأخذه حيا اما من الماء او من خارجه لو وثب اليه بنفسه او نضب الماء.

وتتحقق أيضا فيما اذا نصب الصائد شبكة أو صنع حظيرة فدخلها السمك ثم نضب الماء وهو حي.

ولو أخرج السمك من الماء وهو حي ثم ربط بخيط ونحوه وارجع اليه ومات فيه حرم.

ولو القي السم في الماء وطفا السمك بسببه فلا يحل الا اذا اخذ حيا.

ولا يلزم في صائد السمك الإسلام ولا ذكره لله سبحانه. وعلى هذا تتحقق تذكية السمك من الكافر ولكن لا يكون اخباره عن تحققها حجة الا مع الاطمئنان بصدقه.


وتذكية الجراد تتحقق بأخذه من الهواء ولو من الكافر ومن دون ذكر الله سبحانه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان السمك لا يحل الا بالتذكية‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه النصوص الآتية ان شاء الله تعالى.

واما قوله تعالى : (لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) (١) ، وقوله : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) (٢) بناء على تفسير الصيد بالمصيد فلا يدلان على نفي الحاجة الى التذكية كما هو واضح.

٢ ـ واما ان تذكية السمك تتحقق باصطياده واخذه‌ فهو مما لا خلاف فيه أيضا. وتدل عليه موثقة ابي بصير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن صيد المجوس للسمك حين يضربون للشبك ولا يسمون او يهودي قال : لا بأس انما صيد الحيتان (٣) اخذها» (٤) وغيرها.

٣ ـ واما ان السمك الذي يكون خارج الماء‌ ـ اما لأنه وثب اليه او نضب عنه الماء ـ لا يحل الا بأخذه حيا ولا يكفي مجرد موته خارج الماء فباعتبار ان التذكية تدور مدار عنوان الاخذ فلا بدّ من تحققه.

هذا مضافا الى صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه‌السلام : «سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد (٥) من النهر فماتت هل يصلح‌

__________________

(١) النحل : ١٤.

(٢) المائدة : ٩٦.

(٣) الحيتان جمع حوت وهي السمكة.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٣ الباب ٣٢ من أبواب الذبائح الحديث ٥.

(٥) الجدّ بالضم والتشديد : شاطئ النهر.


اكلها؟ قال : ان اخذتها قبل ان تموت ثم ماتت فكلها وان ماتت قبل ان تأخذها فلا تأكلها» (١).

واما مثل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان وما نضب الماء عنه» (٢) فلا بدّ من تقييده بما اذا لم يؤخذ حيا.

هذا ولكن ورد في بعض الروايات حل السمك بخروجه من الماء واضطرابه وان لم يؤخذ ، كما في صحيحة زرارة : «قلت له : سمكة ارتفعت فوقعت على الجدد فاضطربت حتى ماتت ، آكلها؟ فقال : نعم» (٣) وغيرها.

والاضمار لا يضرها بعد كون المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه‌السلام.

الا ان مثل الصحيحة المذكورة ان ثبت هجران الاصحاب لمضمونها كان ساقطا عن الحجية والا فالحكم بعدم الاكتفاء بمثل ذلك لا بدّ ان يكون مبنيا على الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

٤ ـ واما تحقق التذكية بنصب الشبكة او الحظيرة وموت السمك فيها بعد نضوب الماء‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويمكن توجيهه ببيانين :

أ ـ ان عنوان اخذ السمك من الماء صادق عرفا بنصب الشبكة وغيرها للاصطياد.

ب ـ التمسك بصحيحة الحلبي : «سألته عن الحظيرة من القصب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٦ الباب ٣٤ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٧ الباب ٣٤ من أبواب الذبائح الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٧ الباب ٣٤ من أبواب الذبائح الحديث ٥.


تجعل في الماء للحيتان فتدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها فقال : لا بأس ، ان تلك الحظيرة انما جعلت ليصاد بها» (١) وغيرها. وبقرينة التعليل يتعدى الى غير الحظيرة من الاجهزة التي تعدّ للاصطياد.

هذا لو مات السمك في الحظيرة ونحوها بعد نضوب الماء.

ويمكن ان تستفاد من اطلاق الصحيحة الحلية وتحقق التذكية حتى على تقدير الموت قبل نضوب الماء.

الا ان في مقابل ذلك رواية عبد المؤمن : «امرت رجلا ان يسأل لي ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صاد سمكا وهنّ احياء ثم اخرجهن بعد ما مات بعضهن فقال : ما مات فلا تأكله ، فانه مات فيما كان فيه حياته» (٢).

وهي اذا لم يناقش في سندها ـ من ناحية عبد المؤمن نفسه باعتبار تردده بين عبد المؤمن بن القاسم الانصاري الثقة وبين غيره ، ومن ناحية ذلك الرجل الوسيط ، حيث انه مجهول الحال ـ فبالامكان حملها على الكراهة بقرينة صحيحة الحلبي ، فان ذلك قد يكون اقرب عرفا من تقييد الصحيحة بحالة الموت بعد نضوب الماء.

وعليه فالحكم بحلية السمك لو مات في الحظيرة حتى قبل نضوب الماء وجيه تمسكا باطلاق الصحيحة بعد ردّ المعارض بما تقدم.

٥ ـ واما حرمة السمك لو اخرج من الماء ثم ارجع اليه ومات فيه‌ فلوجهين :

أ ـ ان عنوان الاخذ لا يفهم العرف منه الموضوعية التامة بحيث‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٨ الباب ٣٥ من أبواب الذبائح الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٨ الباب ٣٥ من أبواب الذبائح الحديث ١.


يكفي حتى مع ارجاع السمك الى الماء بل يفهم منه الاخذ المقيد بعدم الارجاع.

ب ـ التمسك بصحيحة ابي ايوب حيث : «سأل ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط وارسلها في الماء فماتت أتؤكل؟ فقال : لا» (١).

٦ ـ واما عدم حلية السمك لو طفا بالقاء السم‌ فباعتبار ان التذكية لا تتحقق الا بالاخذ او الاصطياد بتوسط الحظيرة ، والمفروض عدمهما ، ومعه فلا يحل الا اذا اخذ من الماء وهو بعد حي.

٧ ـ واما انه لا يعتبر في صائد السمك الإسلام‌ فهو مما لا كلام فيه. وتدل عليه موثقة ابي بصير المتقدمة في الرقم ٢ وغيرها.

واما انه لا يعتبر ذكر الله سبحانه فلصحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن صيد الحيتان وان لم يسمّ فقال : لا بأس به» (٢) وغيرها.

٨ ـ واما عدم حجية إخبار الكافر عن تحقق تذكية السمك‌ فباعتبار ان الاصل عدم التذكية ، ولا يمكن رفع اليد عنه الا بالاطمئنان ـ الذي هو حجة بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع عنها شرعا ـ او يد المسلم او سوق المسلمين او البينة الشرعية بل وإخبار الثقة على قول.

٩ ـ واما ان تذكية الجراد تتحقق بما ذكر‌ فلا خلاف فيه بين الاصحاب ، فكما ان تذكية السمك تتحقق بأخذه فكذلك تذكية الجراد. وتدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه‌السلام : «سألته عما اصاب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٥ الباب ٣٣ من أبواب الذبائح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٠ الباب ٣١ من أبواب الذبائح الحديث ١. والمناسب : إن لم يسمّ ... بدون الواو ، الا ان العبارة جاء كذلك في وسائل الشيعة والمصادر الأصلية.


المجوس من الجراد والسمك أيحل أكله؟ قال : صيده ذكاته ، لا بأس» (١) وغيرها.

واما عدم اعتبار الإسلام في الصائد فتدل عليه الصحيحة المتقدمة وغيرها.

واما عدم اعتبار ذكر الله سبحانه فيمكن استفادته من الصحيحة المتقدمة أيضا.

اجل هو مستفاد من اطلاقها ، ومعه فيمكن ان يقال ان الاطلاق المذكور معارض باطلاق قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٢) بنحو العموم من وجه ، والاطلاق الثاني ان لم يكن مقدما باعتبار كونه قرآنيا فلا أقلّ من التساقط والرجوع الى اصالة عدم التذكية ، ومن ثمّ يكون ذكر الله سبحانه واجبا ، وينحصر المدرك لنفي الاعتبار ـ بعد اقتضاء الصناعة للاعتبار ـ بالتسالم.

٢ ـ ما يقبل التذكية واثرها‌

التذكية تتحقق بالذبح وبالاصطياد على ما تقدم. وكل حيوان ـ حتى محرم الاكل الا نجس العين بل الحشرات على قول ـ يقبل التذكية بأحد الطريقين المذكورين.

نعم اذا كان الحيوان اهليا فتذكيته لا تكون الا بالذبح ، واذا كان وحشيا فتتحقق بالذبح وبالاصطياد.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٦٤ الباب ٣٢ من أبواب الذبائح الحديث ٨.

(٢) الانعام : ١٢١.


واثر التذكية في محلل الاكل حلية لحمه وطهارته وطهارة الجلد وجواز البيع بناء على عدم جواز بيع الميتة النجسة.

واثرها في محرم الاكل طهارة لحمه وجلده وحلية الانتفاع به فيما تعتبر فيه الطهارة ، كجعل الجلد وعاء للدهن ونحوه.

هذا كله فيما اذا كان للحيوان نفس سائلة.

واما اذا لم يكن له ذلك ، فان كان محلل الاكل ـ كالسمك والجراد ـ فاثر تذكيته حلية اللحم ، وان كان محرم الاكل ـ كالحية ـ فلا اثر لتذكيته.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان كل حيوان يقبل التذكية‌ فهو محل للخلاف بين الاعلام ، فقيل بان الاصل الاولي في كل حيوان عدم قبوله للتذكية الا ما خرج بالدليل ، باعتبار ان التذكية ليست مجرد فري الاوداج مع سائر الشرائط ، بل هي المجموع المذكور مع ضميمة اخرى ، وهي قابلية المحل للتذكية ، فاذا شك فيها ـ كما في المسوخ والحشرات ـ فمقتضى استصحاب عدم التذكية هو عدم تحققها.

وقيل ـ وهو الاوجه ـ بان الاصل الاولي يقتضي قبول كل حيوان للتذكية الا ما خرج بالدليل ، كنجس العين لان القابلية حتى لو سلمنا باعتبارها فبالامكان ان نقول : ان مقتضى بعض الروايات وجود القابلية المذكورة في كل حيوان وقبوله للتذكية ، كصحيحة علي بن يقطين : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود قال : لا بأس بذلك» (١) ، فان نفي البأس عن جميع الجلود‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٢٥٥ الباب ٥ من ابواب لباس المصلي الحديث ١.


يدل بالاطلاق على جواز لبسها في الصلاة ، ومن ثمّ على قبولها للتذكية.

وكموثقة سماعة : «سألته عن جلود السباع أينتفع بها؟ فقال : اذا رميت وسميت فانتفع بجلده ، واما الميتة فلا» (١) وغيرهما.

اجل بالنسبة الى الحشرات ـ كالفار وابن عرس ـ قد يدعى انصراف العمومات المذكورة عنها.

٢ ـ واما ان اثر التذكية في محلل الاكل ما تقدم‌ فباعتبار ان غير المذكى هو ميتة شرعا ، وهي نجسة ومحرمة الاكل ولا يجوز بيعها فاذا فرض تحقق التذكية ارتفعت الآثار المذكورة.

٣ ـ واما ان مثل السمك لا اثر لتذكيته الا حلية اللحم‌ فباعتبار ان ميتته طاهرة فيجوز آنذاك استعمالها فيما تعتبر فيه الطهارة بل يجوز بيعها بناء على جواز بيع الميتة الطاهرة.

٤ ـ واما انه لا اثر لتذكية محرم الاكل مما لا نفس له‌ فلانه طاهر ومحرم الاكل على كل حال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٤٥٣ الباب ٣٣ من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث ٤.


كتاب الأنفال والمشتركات‌

١ ـ الأنفال (ملكية الامام عليه‌السلام أو الدولة)

٢ ـ انحاء الملكية ووسائل تحصيلها‌

٣ ـ من أحكام المشتركات‌



١ ـ الانفال (ملكية الامام عليه‌السلام أو الدولة)

للأنفال ـ التي هي ملك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام من بعده او ملك الدولة ـ مصاديق متعددة اختلف الفقهاء في ضبطها ، نذكر منها :

١ ـ الاراضي الميتة (١) التي لا رب لها.

٢ ـ الاراضي التي يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال.

٣ ـ المعادن اما مطلقا او على تفصيل.

٤ ـ أسياف (٢) البحار.

٥ ـ بطون الأودية.

٦ ، ٧ ـ رءوس الجبال والآجام (٣).

__________________

(١) وهي الارض التي لا يمكن الانتفاع بها الا بعد اصلاحها واعمارها ، كالصحارى.

(٢) مفردها سيف ـ بكسر السين ـ هو بمعنى الساحل.

(٣) الآجام : جمع أجمة ـ بالتحريك ـ وهي الأرض المملوءة بالقصب أو بالشجر الملتف بعضه ببعض.


٨ ـ قطائع الملوك وصفاياهم (١).

٩ ـ غنائم الحرب الواقعة من دون اذن الامام عليه‌السلام.

١٠ ـ ميراث من لا وارث له.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الانفال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام من بعده‌ فهو من ضروريات الدين. ويدل عليه الكتاب الكريم : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ...) (٢) ، بعد الالتفات الى ان كل ما كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو للإمام عليه‌السلام بالضرورة.

والمراد من الانفال (٣) الاموال المملوكة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللإمام عليه‌السلام من بعده زيادة على ما لهما من سهم الخمس.

وقد تداول في كلمات الفقهاء الحكم على الانفال بكونها ملك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام ، وقد يستظهر من ذلك كونها ملكا شخصيا لهما ، وربما يستدل له بظهور كلمة الرسول والامام في ملك الشخص ، الا ان في مقابل ذلك قولا بكونها ملك المنصب والدولة بدليل عدم انتقالها بالارث. وبناء على هذا القول يكون البحث عن الانفال ضروريا لأنه بحث عن‌

__________________

(١) قطائع الملوك هي الأراضي التي اقتطعها الملوك لا نفسهم.

وصفاياهم هي الاموال المنقولة النفيسة للملوك غير الأرض.

(٢) الانفال : ١.

(٣) الانفال : جمع نفل ـ بسكون الفاء وفتحها ـ بمعنى الزيادة. ومنه صلاة النافلة ، حيث انها زيادة على الفريضة. ومنه قوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) الاسراء : ٧٩ ، اي زيادة لك ، ومنه أيضا قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) الانبياء : ٧٢ ، أي زيادة على ما سأل.

والاموال الخاصة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالامام عليه‌السلام حيث انها زيادة على مالهما من سهم الخمس فهي نفل.


ممتلكات الدولة التي تستعين بها على ادارة شئونها.

وفي الحديث الشريف : «الانفال هو النفل. وفي سورة الانفال جدع الانف (١)» (٢).

٢ ـ واما ان الاراضي الميتة هي للإمام عليه‌السلام‌ فهو مما لا خلاف فيه سواء لم يجر عليها ملك مالك ـ كما في الصحارى ـ او جرى ولكنه لم يبق له وجود.

وقد دلت على ذلك مرسلة حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه‌السلام : «... والانفال ... كل ارض ميتة لا رب لها ...» (٣) ، والروايات المعبّرة بالارض الخربة ، كصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الانفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب او قوم صالحوا او قوم اعطوا بأيديهم وكل ارض خربة وبطون الاودية فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» (٤) وغيرها. وقد فهم الفقهاء من الأرض الخربة الأرض الميتة (٥).

والمعروف في كلمات الفقهاء تقييد الارض بالميتة. ويمكن ان يقال بكون المدار على عدم وجود مالك للأرض حتى لو كانت عامرة ، كالغابات والجزر المشتملة على الاشجار والفواكه لموثقة اسحاق بن عمار : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الانفال فقال : هي القرى التي قد‌

__________________

(١) اي قطع أنف الخصوم. قال في الوافي ١٠ : ٣٠٢ : «يعني في هذه السورة قطع أنف الجاحدين لحقوقنا وارغامهم».

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٣٧٣ الباب ٢ من أبواب الأنفال الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٥ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٤ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ١.

(٥) الخرب لغة : ما يقابل العامر.


خربت ... وكل ارض لا رب لها ...» (١).

ومرسلة حماد المتقدمة وان ورد فيها التقييد بالميتة الا انه لا مفهوم له لوروده مورد الغالب. هذا لو قطعنا النظر عن السند والا فلا تعود صالحة للمعارضة.

ومن خلال هذا يتضح ان الارض اذا لم يكن لها مالك فهي للإمام عليه‌السلام او للدولة سواء كانت ميتة او عامرة ، واذا كان لها مالك فليست كذلك سواء كانت ميتة او عامرة ، فان الارض ما دام لها مالك فمجرد موتها وخرابها لا يستوجب خروجها عن ملكه.

وبعض النصوص وان كانت مطلقة وتعدّ كل ارض خربة جزءا من الانفال من دون تقييد بعدم وجود رب لها ـ كما في صحيحة حفص بن البختري المتقدمة وغيرها ـ الا انه بقرينة الروايات الاخرى وتسالم الفقهاء لا بدّ من تقييدها بذلك ، فلاحظ موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة ، حيث ورد فيها : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الانفال فقال : هي القرى التي قد خربت وانجلى اهلها ... وكل ارض لا رب لها ...» ، فلو كان الخراب وحده كافيا لصيرورة الشي‌ء من الانفال فلا داعي الى التقييد بالانجلاء او عدم وجود رب لها.

اجل هناك كلام في الارض المملوكة بالاحياء (٢) هل تزول ملكية المحيي لها بطرو الخراب عليها او لا ، وقد دلت صحيحة الكابلي الآتية ان شاء الله تعالى وغيرها على زوالها ، الا ان ذلك خاص بما اذا كان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٧١ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٢٠.

(٢) يأتي فيما بعد ان شاء الله تعالى ان الارض الميتة وان كانت ملكا للإمام عليه‌السلام ولكنه يجوز لأي فرد من الناس احياؤها ويثبت بذلك تملكها او الحق فيها على احتمالين في المسألة.


سبب الملك هو الاحياء دون ما لو كان مثل الارث والشراء.

٣ ـ واما الارض التي يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال ـ اما بانجلاء اهلها عنها او بتمكينهم المسلمين منها طوعا‌ ـ فلا خلاف في كونها من الانفال لقوله تعالى : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) (١) ، ولصحيحة حفص بن البختري المتقدمة ، وصحيحة معاوية بن وهب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال : ان قاتلوا عليها مع امير امّره الامام عليهم اخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم اربعة اخماس (٢) ، وان لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» (٣) وغيرهما.

وينبغي تعميم الارض المذكورة للمحياة أيضا ، اذ الميتة هي للإمام عليه‌السلام بقطع النظر عن الاستيلاء عليها من دون قتال ، وحفظا للمقابلة بين هذا القسم وسابقه لا بدّ من التعميم المذكور.

ثم انه قد وقع الخلاف في اختصاص القسم المذكور بالارض‌

__________________

(١) الحشر : ٦.

والفي‌ء لغة بمعنى الرجوع. والمراد منه في الآية الكريمة الغنيمة التي يتم الحصول عليها بدون قتال.

والإيجاف هو السير السريع.

والركاب هي الابل.

والمعنى : الذي ارجعه الله على رسوله من اموال بني النضير وخصّه به هو لم تسيروا عليه بفرس ولا ابل حتى يكون لكم فيه حق.

(٢) الموجود في الطبع القديم لوسائل الشيعة «ثلاثة أخماس» والصواب ما ذكرناه.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٥ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٣.


وعمومه لكل ما يغنمه المسلمون من الكفار بغير قتال ، ولعل المشهور هو الاول ، حيث قيدوا القسم المذكور بالارض ، الا ان المستفاد من الصحيحتين السابقتين العموم.

ان قلت : انه قد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم ...» (١) وغيرها التقييد بالارض ، وحيث ان ذلك وارد مورد التحديد فيدل على المفهوم ، ومن ثمّ يلزم تقييد الصحيحتين السابقتين به.

قلنا : انه لا بدّ من رفع اليد عن المفهوم وحمل الصحيحة على بيان بعض افراد الانفال دون افادة الحصر لصراحة صحيحة معاوية المتقدمة في الاستيعاب والشمول وعدم الفرق بين الارض وغيرها.

٤ ـ واما المعادن‌ فقد اختار جمع من اعلام المتقدمين ـ كالشيخ والكليني والمفيد والطوسي و... (٢) ـ كونها من الانفال بما في ذلك الموجودة في الملك الشخصي للأفراد ، غايته قد اباحها الائمة عليهم‌السلام لكل من اخرجها بعد اداء خمسها. وتشهد لذلك موثقة اسحاق المتقدمة : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الانفال فقال : هي القرى التي خربت وانجلى أهلها ... وكل أرض لا ربّ لها والمعادن منها ...» (٣) وغيرها.

وفي مقابل هذا القول قولان آخران :

أحدهما : انها من المباحات العامة والناس فيها شرع.

وقد وجّه ذلك بالاصل والسيرة بل وبدلالة اخبار وجوب الخمس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٧ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ١٠.

(٢) نقل ذلك في جواهر الكلام ١٦ : ١٢٩.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٧١ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٢٠.


فيها ، ضرورة انه لا معنى لوجوب الخمس على غير الامام عليه‌السلام ما دامت هي ملكا له. مضافا الى ان ظاهرها كون الباقي بعد الخمس هو للمخرج باصل الشرع لا بتمليك الامام عليه‌السلام.

ثانيهما : التفصيل بين المعادن المستخرجة من ارض الانفال وبين المستخرجة من غيرها فالاولى هي من الانفال بخلاف الثانية. ويساعد على التفصيل المذكور ان بعض النسخ في موثقة اسحاق المتقدمة قد اشتملت على كلمة «فيها» بدل «منها» اي والمعادن في الارض التي لا رب لها ، بل ان من الوجيه كون ذلك هو المقصود حتى بناء على كون النسخة «منها» فالضمير لا يرجع الى الانفال بل الى ما ذكرناه.

ولعل البحث المذكور علمي بحت ولا اثر عملي له لان التخميس واجب على كل حال وانما الكلام في أربعة الأخماس الباقية هل هي ملك للمخرج بتحليل من الله ابتداء او بتمليك من الامام عليه‌السلام.

٥ ـ واما أسياف البحار‌ فقد اشير الى كونها من الانفال في الشرائع (١). ولا يوجد نص شرعي يدل على كونها كذلك ، الا انه لا حاجة اليه بعد كونها من قبيل الارض التي لا ربّ لها التي تقدم كونها من الانفال.

٦ ـ واما بطون الاودية‌ فقد اشير اليها في صحيحة حفص ـ المتقدمة في الرقم ٢ ـ وغيرها.

ومقتضى ذكرها في مقابل الارض الخربة كونها من الانفال بعنوانها. ولازم ذلك ان لا تكون للمسلمين فيما اذا كانت جزءا من‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ١ : ١٣٧ ، انتشارات استقلال.


الارض المفتوحة عنوة ومحياة حين الفتح بل تكون للإمام عليه‌السلام.

كما ان لازم ذلك أيضا ان تكون للإمام عليه‌السلام لو فرض وجودها في ملك خاص بالغير.

٧ ـ واما رءوس الجبال والآجام‌ فقد ادعي عدم الخلاف في كونهما من الانفال. وقد ورد ذكرهما في اخبار ضعيفة السند ، كمرسلة حماد المتقدمة «... وله رءوس الجبال وبطون الاودية والآجام ...» (١) وغيرها.

والحكم بعدّهما من الانفال يبتني اما على تمامية كبرى الانجبار او على ضم عدم القول بالفصل ، بتقريب ان مستند عدّ بطون الاودية من جملة الانفال حيث انه صحيح السند فيلزم من ذلك عدّ رءوس الجبال والآجام من جملة الانفال أيضا لعدم القول بالفصل بين الثلاثة.

هذا لو قبلنا احد المبنيين المذكورين والا فينحصر الوجه في عدّهما من جملة الانفال بكونهما مصداقين للأرض التي لا ربّ لها.

وهل الحكم بعدّهما من الانفال يعمّ حالة كونهما جزءا من ملك الغير؟ والجواب : انه على المبنيين المتقدمين يلزم الحكم بالعموم بخلافه بناء على المبنى الاخير.

٨ ـ واما ان قطائع الملوك وصفاياهم من الانفال‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل على ذلك صحيحة داود بن فرقد : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : قطائع الملوك كلها للإمام وليس للناس فيها شي‌ء» (٢) ، وموثقة سماعة : «سألته عن الانفال فقال : كل ارض خربة او شي‌ء يكون للملوك فهو خالص‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٥ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٦ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٦.


للإمام وليس للناس فيها سهم ...» (١) وغيرهما.

٩ ـ واما ان غنيمة الحرب الواقعة من دون اذن الامام عليه‌السلام هي له بأجمعها‌ فقد ادعي في الجواهر انه المشهور بين الاصحاب (٢). وتدل عليه :

أ ـ مرسلة الوراق عن رجل سماه عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام ، واذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للإمام الخمس» (٣).

وضعفها السندي لا يضر بناء على تمامية كبرى الانجبار.

ب ـ صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في الرقم ٣ ، فان القيد المذكور فيها «امره الامام» يدل بالمفهوم على المطلوب.

هذا ولكن اختار العلامة في المنتهى مساواة ذلك لما يغنم باذن الامام عليه‌السلام في انه ليس فيه الا الخمس (٤).

وعلّق في المدارك (٥) على ذلك بانه جيد لإطلاق الآية الكريمة : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ ...) (٦) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة ، قال : يؤدي خمسا ويطيب له» (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٧ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٨.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ١٢٦.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٣٦٩ الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ١٦.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٥٥٤.

(٥) مدارك الاحكام ٥ : ٤١٨.

(٦) الأنفال : ٤١.

(٧) وسائل الشيعة ٦ : ٣٤٠ الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٨.


ولعل الجواب واضح ، فان اطلاق الآية الكريمة قابل للتقييد. وما تضمنته الصحيحة يمكن تخريجه اما على التحليل منه عليه‌السلام لذلك الشخص او على الاذن له في تلك الغزوة.

١٠ ـ واما ان ميراث من لا وارث له هو من الانفال‌ فقد ادعي عليه الاجماع. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «من مات وليس له وارث من قرابته ... فماله من الانفال» (١) وغيرها.

٢ ـ انحاء الملكية ووسائل تحصيلها‌

لملكية الثروة الطبيعية (٢) ثلاثة أنحاء :

١ ـ ملكية جميع المسلمين بالنسبة الى الارض الخراجية ، اي الارض المفتوحة باذن الامام عليه‌السلام عنوة (٣) المحياة حالة الفتح.

٢ ـ ملكية الامام عليه‌السلام أو الدولة بالنسبة الى الانفال.

٣ ـ الملكية الشأنية بالنسبة الى المباحات العامة.

اما ما كان من النحو الاول فامره بيد ولي الامر فله دفع الارض الخراجية الى من شاء مقابل الخراج (٤) بما يراه صلاحا ، ولا يجوز بيعها ولا وقفها ولا هبتها ولا تملكها بنحو الملك الشخصي.

ويصرف ولي الامر الخراج في المصالح العامة للمسلمين.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٤٧ الباب ٣ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والامامة الحديث ١.

(٢) المقصود من الثروة الطبيعية الارض وما فيها وما عليها.

(٣) بفتح العين وسكون النون ، بمعنى القهر والقوة.

(٤) الخراج : اجرة الارض.


واما النحو الثاني فتنتقل الارض فيه بالاحياء الى المحيي ملكا او حقا ، والمعدن باستخراجه الى المخرج ، والآجام بحيازتها الى الحائز.

واما ما كان من النحو الثالث ـ كالماء والطيور والاسماك وما شاكل ذلك ـ فيملك بالحيازة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الارض المفتوحة عنوة هي لجميع المسلمين ـ الحاضرين والغائبين والمتجددين بعد ذلك‌ ـ ولا تختص بالمقاتلين فلم يعرف فيه خلاف بيننا وان نسب الى بعض العامة اختصاص الغانمين بها كغيرها من الغنائم (١). ويدل على ذلك صحيح الحلبي : «سئل ابو عبد الله عليه‌السلام عن السواد (٢) ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد. فقلت : الشراء من الدهاقين (٣) ، قال : لا يصلح الا ان تشرى منهم على ان يصيرها للمسلمين ، فاذا شاء ولي الامر ان يأخذها أخذها ...» (٤) وغيره.

وقد يشكل بان السواد لم يفتح باذن الامام عليه‌السلام فهو من الانفال لا للمسلمين ، والحكم المذكور في الصحيحة بانه للمسلمين لا بدّ من حمله على الصدور للتقية.

وقد يجاب بصدور الاذن منه عليه‌السلام ، فان الخليفة الثاني كان‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢١ : ١٥٧.

(٢) اي ارض العراق المفتوحة عنوة في عصر الخليفة الثاني.

(٣) الدهقان بكسر الدال وضمها يطلق على رئيس القرية والتاجر ومن له مال وعقار. وهو اسم اعجمي مركب من (ده) و (قان).

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٧٤ الباب ٢١ من ابواب عقد البيع الحديث ٤.


يستشير امير المؤمنين عليه‌السلام في ذلك. وفي مشاركة عمار في تلك المعارك وتولي سلمان ولاية المدائن بل قبول الامام الحسن عليه‌السلام التوجه الى محاربة يزدجرد دلالة واضحة على ذلك.

وهذا الجواب ان صحّ وثبت تحقق الاذن فهو والا فبالامكان ان يجاب بان الحكم في الصحيحة المتقدمة بكون ارض السواد للمسلمين بعد معلومية اعتبار الاذن يدل بالالتزام على صدورها منه عليه‌السلام. والحمل على التقية بعد امكان الافتراض المذكور لا وجه له.

٢ ـ واما تقييد الفتح بما اذا كان باذن الامام عليه‌السلام‌ فلما تقدم من كون المفتوح بغير اذنه عليه‌السلام هو من الانفال.

واما تقييد الفتح بكونه عنوة فلما تقدم من كون المفتوح بلا قتال هو من الانفال.

واما تقييد الارض بما اذا كانت محياة حين الفتح فلأن الارض الميتة هي من الانفال على ما تقدم.

٣ ـ واما الترديد في ملكية الانفال بين كونها للإمام عليه‌السلام او للدولة‌ فقد تقدمت الاشارة الى وجهه سابقا.

كما تقدمت الاشارة الى الوجه في ملكية الامام عليه‌السلام للأنفال فراجع.

٤ ـ واما كون الملكية في النحو الثالث شأنية‌ فلان كل فرد من الناس له شأنية تملك المباحات العامة بالحيازة.

اما كيف يمكن اثبات الاباحة العامة للأشياء ما سوى الارض الخراجية والانفال؟ يمكن اثباته بوجهين :

أ ـ ان ثبوت الملكية لخصوص الامام عليه‌السلام او لجميع المسلمين هو‌


الذي يحتاج الى دليل ، بخلاف كون الشي‌ء ليس مملوكا لأحد بل لكل شخص الحق في تملكه بالحيازة فانه لا يحتاج الى دليل ، بل هو مقتضى الاصل المستفاد من مثل قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١).

ب ـ التمسك بسيرة المتشرعة ، فانها منعقدة على تملك الماء والطيور والاسماك والحيوانات والاعشاب وما شاكل ذلك بالحيازة ، ولا يحتمل نشوء مثل السيرة المذكورة عن تهاون وتسامح ، فانها منعقدة في حق جميع المتشرعة ، وذلك يكشف عن وصولها يدا بيد من معدن العصمة والطهارة.

ومما يؤيد ذلك في الجملة رواية محمد بن سنان عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن ماء الوادي فقال : ان المسلمين شركاء في الماء والنار والكلاء» (٢) وغيرها.

٥ ـ واما ان امر الارض الخراجية بيد ولي المسلمين‌ فلان ذلك مقتضى ملكيتها لجميع المسلمين. على ان صحيحة الحلبي السابقة واضحة في ذلك.

واما انحصار التصرف الجائز فيها بدفعها مقابل الخراج فهو لازم ابقاء عينها لجميع المسلمين مع التصرف فيها وفق مصلحتهم.

اجل لا بأس ببيع الحق الثابت فيها لفقدان المانع ووجود المقتضي ، بل قيل بجواز بيعها تبعا للآثار.

واما صرف ولي الامر الخراج في صالح المسلمين فلان ذلك لازم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٣١ الباب ٥ من ابواب احياء الموات الحديث ١.


ملكية جميع المسلمين لها. بل قد يقال بانه لا معنى لملكية جميع المسلمين لها الا استحقاقهم لصرف واردها في مصالحهم ، ولا يتصور معنى صحيح لملكية الجميع لها الا ذلك.

٦ ـ واما ان الارض الميتة ـ التي هي من مصاديق النحو الثاني ـ يجوز احياؤها وتنتقل الى المحيي‌ فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. ويدل على ذلك أمران :

أ ـ السيرة المستمرة للمتشرعة على التصرف في الارض الموات واحيائها من دون احتمال نشوء ذلك عن التساهل والتسامح.

ب ـ صدور الاذن من اصحاب تلك الارض بذلك ، كما دلت عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيا أرضا مواتا فهي له» (١) وغيرها. اجل دلت بعض النصوص الاخرى على ان الاذن المذكور ليس بنحو المجانية بل مشروط بدفع الاجرة الا اذا كان المحيي من الشيعة فانه لا يجب عليه ذلك ، فلاحظ صحيحة ابي خالد الكابلي عن ابي جعفر عليه‌السلام : «وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، انا واهل بيتي الذين أورثنا الارض ونحن المتقون والارض كلها لنا فمن أحيا ارضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها الى الامام من اهل بيتي وله ما اكل منها ، فان تركها واخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها واحياها فهو احق بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها الى الامام من اهل بيتي وله ما اكل منها حتى يظهر القائم عليه‌السلام من اهل بيتي بالسيف فيحويها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٧ الباب ١ من ابواب احياء الموات الحديث ٦.


ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعها الا ما كان في ايدي شيعتنا فانه يقاطعهم على ما في ايديهم ويترك الارض في ايديهم» (١) التي يستفاد منها جملة من الامور ، وهي :

أ ـ ان الارض بأجمعها ملك لله سبحانه.

ب ـ ان الارض ما دامت ملكا له سبحانه فمن حقه ان يملّكها لمن اراد من عباده.

ج ـ انه سبحانه قد ملّك الارض عباده المتقين ، وهم اهل البيت عليهم‌السلام ، فجميع الكرة الارضية ـ على هذا ـ هي لأهل البيت عليهم‌السلام (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٩ الباب ٣ من ابواب احياء الموات الحديث ٢.

(٢) وهذا المعنى قد اشارت اليه روايات متعددة ، وقد كان قديما محلا للتساؤل بين اصحاب الائمة عليهم‌السلام أنفسهم فقد ورد في الكافي ١ : ٤٠٩ «لم يكن ابن ابي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئا وكان لا يغبّ [يقال زر غبّا تزدد حبا ، اي زر يوما واترك يوما] اتيانه ثم انقطع عنه وخالفه وكان سبب ذلك ان ابا مالك الحضرمي كان احد رجال هشام ووقع بينه وبين ابن ابي عمير ملاحاة [اي منازعة] في شي‌ء من الامامة ، قال ابن ابي عمير : الدنيا كلها للإمام عليه‌السلام على جهة الملك وانه اولى بها من الذين هي في ايديهم وقال ابو مالك : ليس كذلك املاك الناس لهم الا ما حكم الله به للإمام من الفي‌ء والخمس والمغنم فذلك له وذلك أيضا قد بيّن الله للإمام اين يضعه وكيف يصنع به فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا اليه فحكم هشام لأبي مالك على ابن ابي عمير فغضب ابن ابي عمير وهجر هشاما بعد ذلك».

وقد يقال : ان هذا المعنى ـ ملكية الامام عليه‌السلام لجميع الكرة الارضية ـ مخالف للضرورة القاضية بانّا نملك هذه القطعة من الارض او تلك بالبيع او الشراء وما شاكل ذلك ولا يحتمل احد ان تلك القطعة لا حق لنا في بيعها وشرائها باعتبار انها ملك لغيرنا.

والجواب : ان الارض بأجمعها هي لأهل البيت عليهم‌السلام ولكنهم تنازلوا عن ملكهم لمن احياها ـ اما بنحو التمليك او بنحو احقية التصرف ـ مع المقابل او بدونه. والالتزام بذلك ليس فيه اي مخالفة للضرورة.

ولعل هذا هو مقصود الشيخ الهمداني في كتابه مصباح الفقيه ١٤ : ٨ والسيد الشهيد الصدر في اقتصادنا ٢ : ٤٨٢ حينما تعرضا للجواب عن الاشكال.


د ـ انهم عليهم‌السلام قد تنازلوا عن الارض لكل من احياها مقابل اداء الخراج.

ه ـ ان كل من لم يواصل احياء الارض حتى خربت فلبقية المسلمين الحق في احيائها ويكون المحيي الجديد احق بها.

و ـ ان الشيعة ـ أعزّهم الله تعالى ـ لهم الحق في احياء الارض بدون مقابل تفضلا منهم عليهم‌السلام عليهم.

والفترة الزمنية التي لوحظ فيها هذا الحكم الاخير وان كانت هي فترة ظهور القائم ـ ارواحنا له الفداء ـ الا انه يمكن ان يفهم من ذلك التعميم.

وفي المقام تساؤل علمي محصله : ان الارض اذا كانت لأهل البيت عليهم‌السلام فصدور الاذن في الاحياء من احدهم يبقى ساري المفعول طيلة فترة حياة صاحب الاذن فقط ولا يمكن استفادة العمومية لمثل زماننا.

وهذا وان كان مجرد احتمال ولكنه كاف في الحكم بلزوم الاقتصار على الفترة المتيقنة.

والجواب : ان الاحتمال المذكور وان كانت بعض النصوص لا تأباه الا انه بملاحظة بعضها الآخر ضعيف بل منتف ، ففي صحيحة الكابلي نلاحظ ان امير المؤمنين عليه‌السلام يأمر بدفع الخراج الى الائمة الطيبين الطاهرين الذين يأتون من بعده حتى يظهر القائم ـ ارواحنا له الفداء ـ وهذا لا يلتئم مع الاحتمال المذكور.

٧ ـ واما الترديد في امر الاحياء بين كونه مولّدا للملك او للحق‌ فهو باعتبار وجود احتمالين في المسألة فيحتمل انتقال ملكية الارض‌


من الامام عليه‌السلام او الدولة الى المحيي وصيرورتها ملكا شخصيا له ، ويحتمل بقاء ملكيتها السابقة على ما هي عليه ولا يتولد للمحيي سوى أولويته من غيره في التصرف فيها.

وقد صار مشهور الفقهاء الى الاحتمال الاول تمسكا بظهور اللام في قولهم عليهم‌السلام : «من أحيا ارضا مواتا فهي له» في افادة الملكية.

في حين صار الشيخ الطوسي الى الاحتمال الثاني ، حيث يقول : «فاما الموات فانها لا تغنم وهي للإمام خاصة ، فان احياها احد من المسلمين كان اولى بالتصرف فيها ويكون للإمام طسقها (١)» (٢).

وقد صار الى ذلك أيضا الفقيه السيد محمد بحر العلوم قدس‌سره في بلغته (٣).

ويمكن توجيه ذلك بان فرض الاجرة ـ المعبر عنها بالطسق ـ لا يتناسب مع انتقال العين الى المحيي بل يتناسب مع انتقال المنفعة فقط.

واما اللام فلا ظهور لها في الملك فانها جارية مجرى قول مالك الأرض للفلاحين عند تحريضهم على عمارة الارض : من عمرها وحفر انهارها فهي له ، فانه ليس المقصود انتقال العين الى الفلاح بل أحقيته من غيره وتقدمه على من سواه.

٨ ـ واما المعادن‌ فقد تقدم الخلاف في كونها من الانفال او لا ، ولكن على تقدير جميع الاقوال الثلاثة في المسألة يجوز استخراجها‌

__________________

(١) الطسق : الاجرة.

(٢) المبسوط ٢ : ٢٩.

(٣) بلغة الفقيه : ٩٨.


وتملكها بعد اخراج خمسها.

والوجه في ذلك امران :

أ ـ انعقاد السيرة القطعية بين المتشرعة على ذلك.

ب ـ التمسك بصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص فقال : عليها الخمس جميعا» (١) وغيرها ، فانها تدل بوضوح على ملكية المخرج لما اخرجه من المعدن بعد التخميس.

ثم ان المعادن على قسمين : ظاهرة وباطنة (٢).

وقد قال كثير من الفقهاء عن المعادن الظاهرة بانها تملك بمقدار ما يحوزه الشخص منها حتى لو كان ذلك المقدار زائدا عن حاجته ، وعن المعادن الباطنة بانها تملك للمنقّب فيما اذا وصل الى المعدن نفسه ، واما اذا حفر ولم يصل اليه كان ذلك تحجيرا يفيد الأحقية والاولوية دون الملكية.

وفي مقابل هذا قول آخر يرى ان الشخص لو نقّب ووصل الى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٣٤٢ الباب ٣ من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١.

(٢) يوجد تفسيران للمعدن الباطن والمعدن الظاهر :

الاول : ان المعدن الظاهر هو ما كان موجودا على سطح الارض ولا يحتاج الوصول اليه الى بذل مئونة عمل ، كالملح والقير وما شاكل ذلك ، والباطن هو ما توقف استخراجه على الحفر والعمل ، كما في الذهب والفضة.

ثانيهما : ان المعدن الظاهر هو المعدن الذي لا يحتاج في ابراز طبيعته وخصائصه المعدنية الى بذل جهود من دون فرق بين كونه على سطح الارض او في اعماقها ، بخلاف الباطن فانه ما احتاج الى ذلك حتى ولو لم يوجد في اعماق الارض ، كما هو الحال في الحديد والذهب والفضة ونحوها.


المعدن فلا يملك الا مقدار حاجته دون ما زاد عليها بأضعاف مضاعفة ويبقى الاستثمار بمجموع المعدن حقا للدولة او للإمام عليه‌السلام بوصفه الولي الشرعي.

ووجه القول المذكور : اننا لا نملك نصا شرعيا يدل على ان الحيازة سبب للملك ليتمسك باطلاقه لإثبات تحقق الملكية حتى للمقدار الزائد عن حاجة الشخص ، بل المدرك هو السيرة الممتدة الى عصر التشريع حيث كان الفرد يحوز المعدن من دون صدور ردع شرعي عن ذلك ، ومن الواضح ان ما انعقدت عليه السيرة ذلك الحين هو الحيازة في حدود حاجة الفرد نفسه ولم توجد في تلك الفترة الاجهزة الحديثة التي يتمكن الفرد من خلالها من حيازة ما يزيد على حاجته بأضعاف مضاعفة.

وعليه يبقى المقدار الزائد على الحاجة بلا دليل يدل على تملك الحائز له ، ومن ثم يبقى على حالته السابقة ، وهي كونه من المشتركات العامة.

هذا كله بالنسبة الى المعادن الظاهرة.

واما المعادن الباطنة فحيث ان فيها حفرا يصل الشخص من خلاله الى المعدن فقد يقال ان الحفر نفسه نحو من الإحياء والحيازة للمعدن ، وبما ان إحياء الشي‌ء وحيازته سبب لتملكه فيلزم ان يكون الحفر مع الوصول الى المعدن سببا لتملكه ، ومع عدم الوصول اليه سببا للتحجير والاولوية.

وفي الجواب عن ذلك يمكن ان يقال : انّا لو سلمنا بكون ذلك نحوا من الإحياء والحيازة لمجموع المعدن الا انه لا نملك دليلا يدل على‌


تحقق ملك مجموع المعدن بهذا النحو من الإحياء والحيازة على ما تقدم توضيحه.

واذا قلت : ان الدليل موجود ، وهو مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على تعلق الخمس بالمعدن عند استخراجه ، فانها تدل بالالتزام على تملك المخرج للباقي مهما بلغ مقداره بعد اخراج الخمس.

قلنا : ان مثل الصحيحة المذكورة ناظرة الى المورد الذي يفترض فيه تملك الشخص للمعدن باستخراجه له ، اما ما هو ذلك المورد فليست ناظرة اليه.

٩ ـ واما جواز حيازة الآجام بل الغابات ـ بناء على ملكية الامام عليه‌السلام او الدولة لها‌ ـ فينبغي ان لا يقع موردا للتأمل لانعقاد السيرة القطعية على الحيازة فيها.

اجل المناسب تحديد ذلك بالمقدار الذي لا يزيد على حاجة الفرد الحائز بأضعاف مضاعفة لما تقدمت الاشارة اليه.

١٠ ـ واما تحقق الانتقال في النحو الثالث بالحيازة‌ فهو مما لا اشكال فيه للسيرة القطعية المنعقدة على ذلك ، فمن اصطاد الاسماك او الطيور او اي ثروة طبيعية اخرى ملكها ، ومن قام بالحفر ووصل الى عين ماء كان مجرد ذلك كافيا في تحقق حيازته لها.

هذا ولكن لا يبعد ان يقال في مثل عين الماء بلزوم فسح المجال للآخرين متى ما اشبع الحافر حاجته منها لعدم الجزم بانعقاد السيرة ـ التي هي المدرك في باب الحيازة ـ الا بالمقدار المذكور.

ودعوى صاحب الجواهر عدم وجوب بذل الزائد اما لأصل البراءة‌


او لقاعدة الناس مسلطون على اموالهم (١) مدفوعة بان الاصل المذكور معارض باصل البراءة من حرمة الاستيلاء والاخذ من دون رضا الحافر.

وتطبيق قاعدة السلطنة فرع كون تمام ماء العين مالا للحافر ، وذلك عين المتنازع فيه.

٣ ـ من احكام المشتركات‌

من كان مالكا لأرض كان مالكا لما تشتمل عليه من معدن او كنز على المشهور.

ومن كان مالكا لأرض كان مالكا لعين الماء التي يتم كشفها فيها على المشهور أيضا.

ومن حاز لآخر تبرعا او وكالة عنه فالمال للحائز دون الآخر. واما لو كان ذلك باجارة فقيل بكونه للمستأجر دون الحائز الاجير.

والتحجير ـ بوضع سياج ونحوه للأرض الميتة ـ وان لم يكن كالإحياء في افادة الملك ولكنه يفيد الاولوية.

والناس وان كان لهم حق الاحياء او التحجير في اراضي الموات الا ان لولي المسلمين المنع منهما فيما اذا كان ذلك موجبا للإخلال بالنظام.

ومن سبق الى مكان في المسجد او المشاهد المشرفة فهو احق به ما دام شاغلا له بما لا يتنافى مع ذلك المكان المقدس. واذا فارقه بنية العود‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٨ : ١٢٣.


وكان تاركا لبعض رحله فيه فهو احق به من غيره.

ووضع الرحل قبل دخول وقت الصلاة بقصد الاستفادة من المحل عند دخوله لا يولّد حقا لصاحب الرحل مع افتراض الفاصل الزمني المعتد به.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تبعية ما في أعماق الارض من المعدن والكنز لها في الملكية‌ فقد يوجّه بانه نماء لها ، ونماء المال يتبع اصله في الملكية.

وفيه : ان المقام ليس مصداقا للنماء والثمرة بل مصداق للظرف والمظروف ، وواضح ان ملكية الظرف لا تلازم ملكية المظروف.

اذن ما عليه المشهور لا يتم الا اذا انعقد اجماع تعبدي او سيرة عقلائية عليه والا فتخريجه على طبق القاعدة مشكل.

٢ ـ واما تبعية عين الماء لصاحب الارض في الملكية‌ فقد يوجّه بما يلي :

أ ـ التمسك بفكرة النماء المتقدمة.

والجواب : ما تقدم.

ب ـ ان كشف العين نحو حيازة لها ، والحيازة سبب للملكية.

وفيه : ان ما ذكر يتم لو فرض وجود نص شرعي يدل على ذلك ليتمسك باطلاقه ، ولكنه مفقود ، والمستند لذلك ليس الا السيرة العقلائية ، وهي لا يمكن التمسك بها في المقام لعدم الجزم بانعقاد مثلها في عصر الائمة عليهم‌السلام.

ومع التنزل وافتراض انعقادها فتارة يفترض انعقادها من المتشرعة بما هم متشرعة ، واخرى يفترض انعقادها منهم بما هم عقلاء.


والاول لا يمكن الجزم به.

والثاني لا ينفع لان سيرة العقلاء لا تكون حجة الا في فرض الجزم بعدم الردع عنها ليتحقق العلم بالامضاء ، والجزم المذكور لا يمكن حصوله بعد مثل رواية عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين ... اهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء» (١).

واذا قيل : ان الرواية المذكورة ضعيفة السند بعقبة نفسه وبعبد الله بن محمد بن هلال فانهما مجهولا الحال.

قلنا : ان احتمال صدور الرواية موجود جزما ، ومعه فكيف يحصل الجزم بعدم صدور الردع؟

وبكلمة اخرى : ان احتمال صدور الردع ولو بسبب وجود رواية ضعيفة يكفي لعدم حجية السيرة.

وهذه نكتة مهمة في باب السيرة العقلائية تنبغي مراعاتها.

هذا كله مضافا الى امكان ان يقال باشتمال المقام على رواية تامة السند تردع عن السيرة ، وهي موثقة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن النطاف والاربعاء. قال : والاربعاء ان يسنى مسناة فيحمل الماء فيسقي به الأرض ثم يستغني عنه فقال : فلا تبعه ولكن اعره جارك. والنطاف ان يكون له الشرب فيستغني عنه فيقول :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٣٣ الباب ٧ من ابواب احياء الموات الحديث ٢.

والمقصود : لا يمنع الماء الفاضل عن الحاجة الذي يترتب عليه عدم نزول اصحاب المواشي تلك المنطقة ويترتب على امتناعهم من نزولها المنع من فاضل الكلأ.


لا تبعه ، اعره اخاك او جارك» (١).

والنتيجة من كل هذا : انه لا دليل على تبعية عين الماء والمعادن ونحوهما للأرض في الملكية بل ذلك باق على الاباحة العامة الا اذا فرض تصدي مالك الارض نفسه للحفر والتنقيب فان ذلك يولّد له اولوية على غيره ولكن في حدود حاجته على ما تقدم توضيحه سابقا.

ثم انه لا ينبغي ان يفهم من الحكم بعدم تبعية العين او المعدن لصاحب الارض في الملكية جواز دخول الآخرين في تلك الارض لمحاولة التوصل الى ذلك ، كلا انه تصرف في مال الغير من دون اذنه ، وهو لا يجوز ، ولكنه لو فرض عصيان شخص لذلك وتعديه على الحق المذكور ودخوله ارض الغير واستخراجه المعدن ونحوه كان ذلك له واحق به من غيره بالرغم من عصيانه في المقدمة.

بل يمكن تصوير ذلك من دون عصيان في المقدمة ، كما لو حاول الشخص المذكور الوصول الى المعدن من خلال حفر طريق في اعماق الارض من ارضه الى ارض الغير المشتملة على المعدن ، انه في مثل ذلك لا يلزم التصرف في ملك الغير لان المالك لأرض لا يملكها الى منتهى تخومها ولا الى عنان السماء ـ بل الى ما يمكن ان يصل في تصرفه اليه ـ لعدم قيام دليل على ذلك بل الدليل قائم على عكسه ، ولذا لا يعدّ سير الطائرات في أجواء السماء وسير الحفارات في الاعماق الساحقة للأرض تصرفا في املاك الآخرين.

٣ ـ واما ان من حاز لآخر تبرعا فالمال للحائز دون الآخر‌ فلان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٣٣ الباب ٧ من ابواب احياء الموات الحديث ١.


مدرك تحقق الملكية بالحيازة ليس الا السيرة ، وهي تقتضي ملكية الحائز نفسه دون غيره. ومجرد قصد الحيازة عن الغير لا يجعل الغير حائزا حقيقة.

٤ ـ واما ان الامر كذلك في من حاز عن الغير وكالة‌ فللنكتة المتقدمة نفسها ، فان الحيازة سبب لملكية الحائز نفسه دون غيره.

واذا قيل : انه بعد افتراض تحقق عقد الوكالة فسوف يصدق على الموكل نفسه عنوان الحائز لان فعل الوكيل ينتسب الى الموكل بسبب عقد الوكالة.

قلنا : ان ما ذكر وجيه في الامور الاعتبارية ـ كالبيع والاجارة ونحوهما ـ فانه بالتوكيل فيها ينتسب فعل الوكيل الى الموكل فيقال : فلان باع داره ، والحال ان وكيله باعها ؛ واما الامور التكوينية الخارجة عن دائرة الاعتبار فلا يتحقق الانتساب المذكور فيها ولا معنى للوكالة فيها فلا يصح ان يقال لمن وكّل غيره في الاكل او الشرب عنه : انه اكل او شرب. وحيث ان الحيازة هي من الامور التكوينية دون الاعتبارية فلا تقبل الوكالة ولا تنتسب حيازة الوكيل الى الموكل.

٥ ـ واما حيازة الاجير ـ التي هي محل ابتلاء في زماننا‌ حيث يستأجر الشخص او الدولة عمالا للحفر والتنقيب ـ فقد يقال باقتضائها لملكية المستاجر لأحد الوجوه التالية :

أ ـ ان عمل الاجير ـ وهو الحيازة ـ ملك للمستأجر بسبب عقد الاجارة ، وحيث ان المحاز يعدّ ثمرة ونتيجة للحيازة فيلزم تملك المستأجر له فان من يملك الأصل يملك نتائجه.

وفيه : ان البيضة تعدّ عرفا نماء للدجاجة فالمالك للدجاجة يكون‌


مالكا للبيضة ، وهذا بخلافه في المعدن فانه لا يعدّ عرفا نماء للحيازة الا بنحو المجاز.

ب ـ انه بعقد الاجارة يصدق عنوان الحائز حقيقة على المستأجر ، فالحيازة حيازته ، ولازم ذلك تملكه للمعدن باعتبار انه حائز حقيقة.

وفيه : ان اقصى ما يترتب على عقد الاجارة صيرورة المستأجر مالكا لحيازة الاجير لا انه حائز حقيقة.

ومع التنزل فيمكن القول بان دليل التملك بالحيازة حيث انه السيرة التي هي دليل لبي فينبغي الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، وهو ما لو تحققت الحيازة وتمّ صدقها حقيقة بتصدي الشخص نفسه دون اجيره.

ج ـ ان مقتضى اطلاق ادلة صحة الاجارة صحة كل اجارة بما في ذلك الاجارة على الحيازة ، ولازم ذلك تملك المستأجر لما يحوزه الاجير والا كانت بلا منفعة عائدة الى المستأجر فتكون سفهية وباطلة.

اذن الاجارة على الحيازة ما دامت صحيحة بمقتضى اطلاق ادلة صحة الاجارة فيلزم تملك المستأجر لما يحوزه الاجير.

وفيه : ان ادلة صحة الاجارة تدل على صحتها في كل مورد لا تكون فيه سفهية ، اي انها مشروطة بعدم كونها سفهية ، وفي المقام اذا لم يملك المستأجر ما يحوزه الاجير يلزم كون الاجارة سفهية وغير مشمولة لأدلة صحة الاجارة ، واذا كان يملك ذلك فلا تكون سفهية ومن ثمّ تكون مشمولة لأدلة صحة الاجارة. ويترتب على هذا انّا لو شككنا في المقام في تملك المستأجر لما يحوزه الاجير فسوف نشك في سفهية الاجارة وعدمها ، ومع الشك المذكور لا يصح التمسك باطلاق‌


ادلة صحة الاجارة لإثبات صحتها لأنه تمسك بالاطلاق في الشبهة المصداقية ، وهو غير جائز لان الحكم لا يثبت موضوعه.

د ـ ان السيرة العقلائية في زماننا قائمة على تملك المستاجر لما يحوزه الاجير ، فلاحظ عمليات التنقيب عن المعادن التي تتم على ايدي مجموعة من العمال من خلال تعاقد بعض الشركات معهم ، وهل يحتمل أحد ان المالك لتلك المعادن المستخرجة هم العمال دون الشركة؟

وفيه : ان الاستشهاد بمثال الشركة المذكور قابل للمناقشة ، فان السيرة وان كانت منعقدة في زماننا على ما ذكر الا ان ذلك غير نافع ما لم يثبت امتدادها الى عصر المعصوم عليه‌السلام ليكون سكوته وعدم ردعه عنها كاشفا عن امضائها ، ومن الواضح ان الامتداد المذكور ان لم يجزم بعدمه فلا أقل من الشك فيه ، ومعه فلا يمكن الحكم بحجيتها.

الا انه بالرغم من هذا يمكن التمسك بالسيرة ، بتقريب انه اذا قيل لشخص اذهب الى تلك الشجرة واقتطف ثمارها مقابل كذا اجرة او بدونها حكم بكونها للمستأجر او الموكل. ان هذا امر قريب في السيرة العقلائية ، ومن البعيد جدا عدم امتداد مثل السيرة المذكورة الى عصر المعصوم عليه‌السلام ، وحيث انه لم يردع عنها فيثبت امضاؤها.

واذا ثبتت السيرة في المثال المذكور فلا بدّ لأجل التعدي الى مثال الشركات وما شاكله من ضم مقدمة لا بدّ من بحثها في مسألة السيرة من علم اصول الفقه ، وهي ان المقدار الذي يراد استكشاف امضائه من قبل الشارع بواسطة السيرة هل ينبغي الاقتصار فيه على مقدار ما انعقدت عليه السيرة في عصر المعصوم عليه‌السلام على مستوى العمل بالفعل ، او يتعدى الى ما تقتضيه النكتة العقلائية للسيرة بدائرتها‌


الوسيعة بالرغم من بروز بعضها لا جميعها على مستوى العمل؟

وقد اختار كل واحد من الاحتمالين بعض الاعلام (١).

ونحن اذا اخترنا الاحتمال الاول لم يمكنّا التعدي الى مثال الشركات ولكن اذا اخترنا الاحتمال الثاني امكن ذلك كما هو واضح.

٦ ـ واما التحجير فالمعروف بين الفقهاء كونه سببا لتولد حق الاولوية. ويمكن توجيه ذلك بأحد الامور التالية :

أ ـ دعوى انعقاد الاجماع على ذلك.

وفيه : ان الاجماع لو صحّ تحققه فهو ليس كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام لاحتمال استناد المجمعين الى ما يأتي من الوجوه.

ب ـ ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من احاط حائطا على أرض فهي له» (٢).

وفيه : انه ضعيف السند ، اذ روي في عوالي اللآلي عن سمرة بن جندب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والسند الى سمرة غير معلوم ، وعلى تقدير العلم به فهو غير نافع لان حال سمرة غير خاف على أحد.

ج ـ ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سبق الى ما لا يسبقه اليه المسلم فهو احق به» (٣).

وفيه : ان السند ضعيف بالارسال.

__________________

(١) فقد جاء اختيار الاحتمال الاول في المستمسك ١ : ٢١٥ المسألة ٩ من فصل احكام البئر عند البحث عن ثبوت الكرية بقول صاحب اليد. في حين جاء اختيار الاحتمال الثاني في فقه الشيعة ٢ : ٧٥ والتنقيح ١ : ٣٢٩ ، وقد تعرض السيد الشهيد الى ذلك في بحوثه الفقهية ٢ :

١٢٧ وفي الحلقة الثالثة ١ : ١٨٩ ـ ١٩٠.

(٢) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ الحديث ٣.

(٣) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ الحديث ٤.


د ـ ما هو المنقول عن ابن نما شيخ المحقق الحلي من ان التحجير حيث انه يعدّ شروعا في الاحياء فيكون مفيدا للملك كالإحياء لإطلاق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحيا ارضا مواتا فهي له» (١).

ولعل هذا هو أوجه ما يمكن التمسك به في المقام ولكنه بناء عليه يكون التحجير مفيدا للملك دون حق الاولوية.

٧ ـ واما ان لولي الأمر المنع من الاحياء والتحجير حفاظا على النظام‌ فواضح لأنهما وان جازا بالعنوان الاولي الا ان فسح المجال من هذه الناحية بدون تحديد قد يسبّب الاخلال بالنظام فلولي الامر المنع منهما بالعنوان الثانوي لأنه المسؤول عن حفظ النظام.

٨ ـ واما ان الشاغل للمكان المقدس احق به من غيره ما دام شاغلا له‌ فهو من المسلمات لقضاء السيرة بأحقية السابق الى المكان المشترك من غيره ما دام شاغلا له وان طالت الفترة.

واما التقييد بما اذا لم يكن اشغال المحل منافيا لذلك المكان المقدس فالوجه فيه واضح.

٩ ـ واما ان من فارق المكان الذي كان شاغلا له مع ترك بعض رحله فيه‌ فهو احق به فقد ادعي عدم الخلاف فيه.

وقد يستدل عليه بما يلي :

أ ـ التمسك بالحديث الوارد : «اذا قام الرجل من مجلسه ثم عاد اليه فهو احق به» (٢).

وفيه : انه لم يرد من طرقنا فلا يمكن الاعتماد عليه.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٨ : ٧٤.

(٢) سنن البيهقي ٦ : ١٥١.


ب ـ التمسك برواية محمد بن اسماعيل عن بعض اصحابه عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : نكون بمكة او بالمدينة او الحيرة او المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي‌ء آخر فيصير مكانه فقال : من سبق الى موضع فهو احق به يومه وليلته» (١).

وفيه : انه ضعيف سندا بالارسال ودلالة باعتبار ان مضمونه مهجور لدى الاصحاب حيث يلتزمون بدوران الاحقية مدار شغل المحل وليس مدار اليوم والليلة.

ج ـ التمسك بموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الى مكان فهو احق به الى الليل ...» (٢).

وفيه : انه من حيث السند وان امكن الحكم باعتباره ـ اذ لا مشكلة فيه الا من حيث طلحة ، وهو وان لم يوثّق بالخصوص ولكن يكفي لاعتباره تعبير الشيخ عنه في الفهرست بان له كتابا معتمدا (٣) ـ الا ان دلالته قابلة للتأمل ، فان تحديد الفترة ب «الى الليل» ان كان راجعا الى السوق والمسجد معا فيرده ما تقدم من عدم التزام الاصحاب بتحديد الفترة الى الليل. وان كان راجعا الى السوق فقط ـ باعتبار ان فترة الحاجة الى السوق تتحدد بذلك ويبقى المسجد يدور الامر فيه مدار الحاجة من دون تحديد بالليل ـ فهذا وان كان وجيها ، ولكنه غير نافع لان لازمه زوال الحق بانتفاء الحاجة ومفارقة المحل سواء نوي العود‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٥٤٢ الباب ٥٦ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٣ : ٥٤٢ الباب ٥٦ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢.

(٣) الفهرست : ٨٦ الرقم ٣٦٢.


أم لا ، وسواء أبقي شي‌ء من الرحل أم لا.

د ـ التمسك بمرسلة ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سوق المسلمين كمسجدهم» (١).

وفيه : انه لو قيل باعتبار السند ـ من جهة ان ابن ابي عمير لا يروي ولا يرسل الا عن ثقة حسبما ذكر الشيخ في العدة (٢) ـ فالدلالة ضعيفة لان المراد منها مردد بين احتمالين ، فاما ان يكون المقصود ان سوق المسلمين كمسجدهم في ان من سبق يكون احق من غيره ، او يكون المقصود هو احق من غيره ما دام شاغلا للمحل ، وكلاهما لا ينفعان.

اما الاول فلعدم تحديد مقدار الاحقية فيه.

واما الثاني فلان لازمه ارتفاع الاحقية بمفارقة المحل كما تقدم.

ومن خلال هذا يتضح ان الاستناد الى الروايات لإثبات الحكم المذكور مشكل.

ولعل الاولى التمسك بسيرة العقلاء ، فانها منعقدة في الاماكن العامة المشتركة على عدم سقوط الحق بمفارقة المحل بعد ابقاء شي‌ء من الرحل فيه. وحيث ان السيرة المذكورة لم يردع عنها فتكون ممضاة وحجة.

اجل لا بدّ ان تكون فترة المفارقة قصيرة فان ذلك هو القدر المتيقن من السيرة.

١٠ ـ واما ان وضع الرحل في المسجد ونحوه قبل دخول الوقت

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٠٠ الباب ١٧ من أبواب آداب التجارة الحديث ٢.

(٢) العدة في الاصول : ٦٣.


بقصد اشغاله بعد دخول الوقت لا يولّد حقا لصاحبه‌ فلعدم دلالة دليل عليه.

اجل قد يقال بان عنوان السبق المذكور في مرسل محمد بن اسماعيل وموثقة طلحة صادق بمجرد وضع الرحل فتثبت الاحقية بذلك.

ولكن قد تقدمت المناقشة في السند والدلالة معا فلاحظ.

هذا اذا كان الفاصل الزمني طويلا.

واما اذا كان قصيرا فقد يدعى انعقاد سيرة العقلاء في الاماكن العامة المشتركة على ثبوت الحق بذلك.


كتاب الارث‌

١ ـ ما يوجب الارث‌

٢ ـ فروض الارث‌

٣ ـ الارث بالفرض وبالقرابة‌

٤ ـ الحجب‌

٥ ـ العول والتعصيب‌

٦ ـ من تفاصيل ارث الطبقات‌

٧ ـ من تفاصيل الارث بالزوجية‌



١ ـ ما يوجب الارث‌

يوجب الارث امران : النسب والسبب.

اما النسب فترث به ثلاث طوائف هي :

١ ـ الاب والام المباشران ، والاولاد ذكورا واناثا وان نزلوا.

٢ ـ الاجداد والجدات وان علوا كأب الجد وجده ، والاخوة والاخوات وأولادهم وان نزلوا.

٣ ـ الاعمام والعمات والاخوال والخالات وان علوا ـ كعم او خال الاب او الام او الجد او الجدة ـ واولادهم وان نزلوا.

وكل طائفة من هذه لا ترث مع وجود الطائفة السابقة عليها ولو واحدا الا اذا فرض وجود احد موانع الارث الآتية.

واما السبب فهو عبارة عن الزوجية والولاء (١).

__________________

(١) الولاء نحو ولاية يترتب عليها الارث. وهو ينشأ اما بسبب العتق او التعاقد على ضمان الجريرة او الامامة.


والولاء على ثلاثة انحاء مترتبة : ولاء العتق ثم وولاء ضامن الجريرة (١) ثم ولاء الامامة.

ومع تحقق المصداق للولاء السابق لا تصل النوبة الى الولاء اللاحق.

والارث بالولاء لا تصل النوبة اليه الا بعد فقدان جميع طوائف النسب بخلاف الارث بالزوجية فانه يجتمع مع الارث بالنسب.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الموجب للإرث هو النسب تارة والسبب اخرى وان طوائف النسب ثلاث بخلاف السبب‌ فانه على نحوين فيمكن عدّه من واضحات الفقه ولم يقع فيه خلاف وان كان لا يوجد نص يدل على ذلك بالترتيب المذكور ، ولكن ذلك غير مهم بعد تسالم الاصحاب عليه. اجل قد يستفاد ذلك من ضم النصوص بعضها الى البعض الآخر.

٢ ـ واما ان كل طائفة من طوائف النسب لا ترث مع وجود سابقتها‌ فهو متسالم عليه ويمكن استفادته من بعض الروايات التي تأتي الاشارة اليها عند البحث عن تفاصيل ارث الطبقات.

وهكذا الحال في اجتماع الارث بالزوجية مع جميع طبقات النسب فانه متسالم عليه وتأتي الاشارة الى بعض الروايات الدالة عليه عند البحث عن تفاصيل الارث بالزوجية.

__________________

(١) المراد به تعاقد شخصين على ان احدهما اذا تحققت منه جناية يقوم الآخر بدفع الدية عنه في مقابل ان يرثه اذا مات ولم يكن له وارث فيقول له : عاقدتك على ان تعقل عني وترثني فيقول الآخر : قبلت. والمراد من العقل الدية. وتعقل عني : تدفع عني دية جنايتي. وهذا التعاقد قد يكون من كلا الطرفين وقد يكون من احدهما.


٢ ـ فروض الارث‌

الارث بالنسب أو بالسبب تارة يكون بالفرض (١) واخرى بالقرابة.

والفروض هي : النصف ، الربع ، الثمن ، الثلثان ، الثلث ، السدس.

وتفصيل ذلك :

١ ـ اما النصف فهو لثلاثة :

أ ـ البنت الواحدة.

ب ـ الاخت للأبوين او للأب فقط اذا لم يكن معها اخ.

ج ـ الزوج مع عدم الولد للزوجة وان نزل.

٢ ـ واما الربع فهو لاثنين :

أ ـ الزوج مع الولد للزوجة وان نزل.

ب ـ الزوجة مع عدم الولد للزوج وان نزل.

والزوجة ان كانت واحدة اختصت به والا قسّم بينهن بالسوية.

٣ ـ واما الثمن فهو للزوجة مع الولد للزوج وان نزل.

وهي ان كانت واحدة اختصت به والا قسّم بينهن بالسوية.

٤ ـ واما الثلثان فهو لاثنين :

أ ـ البنتين فصاعدا اذا لم يكن معهن ابن مساو.

ب ـ الاختين فصاعدا للأبوين او للأب فقط مع عدم الاخ.

٥ ـ واما الثلث فهو لاثنين :

__________________

(١) يراد بالفرض السهم المذكور في القرآن الكريم.


أ ـ الام مع عدم الولد للميت وان نزل وعدم الاخوة على تفصيل يذكر في باب الحجب.

ب ـ الاخ والاخت من الام مع التعدد.

٦ ـ واما السدس فهو لثلاثة :

أ ـ لكل واحد من الابوين مع فرض وجود الولد للميت وان نزل.

ب ـ الام مع وجود الاخوة للأبوين او للأب على تفصيل يذكر في باب الحجب.

ج ـ الاخ الواحد من الام او الاخت الواحدة منها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الارث يكون بالفرض تارة وبالقرابة اخرى‌ فباعتبار ان الوارث اما ان يفرض له سهم محدد مذكور في القرآن الكريم او لا يكون له ذلك بل يرث من باب قاعدة (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (١). والاول ارث بالفرض والثاني ارث بالقرابة.

٢ ـ واما ان الفروض محصورة في الستة المتقدمة‌ فيتضح ذلك من خلال مراجعة كتاب الله العزيز كما سنشير الى ذلك.

٣ ـ واما ان النصف للأصناف الثلاثة المتقدمة‌ فلقوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) (٢) ، (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (٣) (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) (٤) ،

__________________

(١) الانفال : ٧٥ ، الاحزاب : ٦.

(٢) النساء : ١١.

(٣) سيأتي معنى الكلالة في الرقم ٩.

(٤) النساء : ١٧٦.


(وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) (١).

وتقييد البنت بما اذا كانت واحدة باعتبار ان فرض الاكثر الثلثان.

وتقييد الاخت بكونها للأبوين او للأب لما سيأتي من ان الاخت من الام فقط ترث الثلث مع التعدد والسدس مع وحدتها.

والتقييد بما اذا لم يكن معها اخ باعتبار انه مع وجوده يكون الارث بالقرابة.

٤ ـ واما تعميم ولد الزوجة ـ الذي عدمه شرط في ارث الزوج للنصف ـ للنازل‌ فهو للتمسك باطلاق كلمة الولد في قوله تعالى : (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ).

٥ ـ واما ان الربع لمن تقدم‌ فلقوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ ... وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ) (٢)

وتعميم الولد للنازل هو للتمسك بالاطلاق كما تقدم.

واما ان الربع يقسّم بالتساوي على الزوجات مع تعددهن فلان ذلك لازم اثبات الربع لهن ، اذ ثبوته لخصوص واحدة بلا مرجح ، وثبوته للجميع مع التفاضل ترجيح بلا مرجح فيتعين ثبوته للجميع بنحو التساوي.

وتؤيد ذلك رواية العبدي (٣) فلاحظ.

٦ ـ واما ان الثمن لمن تقدم‌ فلقوله تعالى : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ

__________________

(١) النساء : ١٢.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٥١١ الباب ٢ من ابواب ميراث الازواج الحديث ١.


الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ) (١).

وقد اتضح الوجه في تعميم الولد للنازل مما تقدم. كما اتضح الوجه في اشتراك الزوجات في الثمن بالسوية مع التعدد.

٧ ـ واما ان الثلثين لمن تقدم‌ فلقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ) (٢). والمراد اثنتان فما فوق بضرورة الفقه. ولقوله تعالى : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ) (٣).

والتقييد بعدم الابن باعتبار انه معه يكون الارث بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

واما تقييد الابن بالمساوي فباعتبار ان غير المساوي ـ كابن الابن ـ لا اثر لوجوده.

واما تقييد الاختين بكونهما للأبوين او للأب فقط وبعدم الاخ فقد اتضح وجهه من خلال ما تقدم في الرقم ٣.

٨ ـ واما ان الثلث لمن ذكر‌ فلقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) (٤) ، (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) (٥).

__________________

(١) النساء : ١٢.

(٢) النساء : ١١.

(٣) النساء : ١٧٦.

(٤) النساء : ١١.

(٥) النساء : ١٢.


٩ ـ واما ان السدس لمن تقدم‌ فلقوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ... فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (١) ، (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً) (٢) (أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (٣).

٣ ـ الارث بالفرض وبالقرابة‌

ثم ان الوارث بالفرض او بالقرابة ينقسم الى :

١ ـ من يرث بالفرض دائما من دون ان يرد عليه شي‌ء ، وهو الزوجة ، فان لها الربع مع عدم الولد للميت ، والثمن معه ، ولا يرد عليها شي‌ء.

٢ ـ من يرث بالفرض دائما مع الرد عليه احيانا ، كالأم ، فانه مع انفرادها يرد عليها الفاضل عن الثلث. وكالزوج فانه مع عدم وجود وارث سوى‌

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) المراد من الكلالة في هذه الآية الكريمة والتي سبقتها في رقم ٣ الاخوة والاخوات ، غايته ان المراد منها في هذه الآية الاخوة والاخوات من الام وفي الآية الاخرى الاخوة والاخوات من الابوين او الاب ، كما دلت على ذلك صحيحة بكير بن اعين الواردة في الباب ٣ من ابواب ميراث الاخوة والاجداد الحديث ٢.

والكلالة في الاصل مصدر بمعنى الاحاطة. ومنه الاكليل لإحاطته بالرأس. وقد قال الراغب :

«الكلالة اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة». وظاهر كلامه بل صريحه انها اسم للوارث الذي لا يكون ولدا ولا والدا. وقد قيل : انها تطلق أيضا على الميت الذي ليس له والد ولا ولد.

ثم ان كلمة «كان» في الآية الكريمة يحتمل كونها ناقصة وان «رجل» اسمها و «يورث» وصف لرجل و «كلالة» خبرها ، ويحتمل ان تكون ـ اي كان ـ تامة ، وان «رجل يورث» فاعلها ، وكلالة مصدر وضع موضع الحال.

(٣) النساء : ١٢.


الامام عليه‌السلام يرد عليه الفاضل عن النصف.

٣ ـ من يرث بالفرض تارة وبالقرابة اخرى ، كالأب ، فانه يرث السدس بالفرض مع وجود الولد وبالقرابة مع عدمه. وكالبنت والبنات فانهن يرثن مع الابن بالقرابة وبدونه بالفرض ، الى غير ذلك من الموارد.

٤ ـ من لا يرث الا بالقرابة ، كالابن ، والاخوة للأبوين او للأب ، والجد ، والاعمام والاخوال.

٥ ـ من لا يرث بالفرض ولا بالقرابة بل بالولاء ، وهو المعتق وضامن الجريرة والامام عليه‌السلام.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الزوجة ترث بالفرض دائما‌ فلانه اما ان يكون للميت ولد او لا ، وعلى كلا التقديرين قد ذكر سهمها في القرآن الكريم.

واما انه لا يرد عليها شي‌ء زائد على فرضها حتى لو لم يكن وارث غيرها من الطوائف الثلاث النسبية بل يكون الباقي للإمام عليه‌السلام ـ بعد فرض عدم تحقق ولاء العتق وضمان الجريرة ـ فهو المشهور. والمسألة ذات أقوال ثلاثة : ردّ الباقي عليها ، وعدمه فيكون الفاضل للإمام عليه‌السلام ، والتفصيل بين زمان الحضور فلا يرد عليها بل عليه عليه‌السلام وبين زمان الغيبة فيرد عليها.

ومنشأ الاختلاف هو الاخبار ، ففي مجموعة منها حكم بعدم الرد عليها ، كصحيحة ابي بصير عن ابي جعفر عليه‌السلام : «رجل توفي وترك امرأته قال : للمرأة الربع ، وما بقي فللإمام» (١) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥١٥ الباب ٤ من أبواب ميراث الازواج الحديث ٤.


وفي مقابل ذلك صحيحة اخرى لأبي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل مات وترك امرأته قال : المال لها» (١).

وقد يجمع اما بحمل الثانية على تبرعه عليه‌السلام بحصته او بحمل الزوجة على كونها من الاقارب فانها ترث جميع المال ، كما دلّ عليه صحيح محمد بن القاسم بن الفضيل : «سألت ابا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها قال : يدفع المال كله اليها» (٢).

٢ ـ واما ان الام ترث بالفرض دائما‌ فأمر واضح لأنه اما ان يكون للميت ولد او لا ، وسهمها على كلا التقديرين قد اشير اليه في القرآن الكريم كما تقدم.

واما انها اذا انفردت يرد عليها الباقي فلا خلاف فيه بيننا خلافا لغيرنا حيث قالوا بكونه للعصبة (٣).

٣ ـ واما ان الزوج مع انفراده يرد عليه الباقي‌ فهو المشهور ، وقد دلت عليه روايات كثيرة ، كصحيحة ابي بصير : «قرأ عليّ ابو عبد الله عليه‌السلام فرائض علي عليه‌السلام فاذا فيها : الزوج يحوز المال كله اذا لم يكن غيره» (٤) وغيرها.

واما ما ورد في موثق جميل بن دراج عن ابي عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥١٦ الباب ٤ من أبواب ميراث الازواج الحديث ٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٥١٧ الباب ٥ من أبواب ميراث الازواج الحديث ١.

(٣) يأتي معنى العصبة ان شاء الله تعالى عند البحث عن العول والتعصيب.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٥١٢ الباب ٣ من أبواب ميراث الازواج الحديث ٢.


«لا يكون الردّ على زوج ولا زوجة» (١) فلا بدّ من تأويله او رد علمه الى اهله لعدم مقاومته للروايات الكثيرة التي كادت تصل الى حدّ السنة القطعية.

ومنه يتضح ان ما ينسب الى الديلمي من الميل الى كون الباقي للإمام عليه‌السلام (٢) لا يمكن المصير اليه.

٤ ـ واما ان الاب يرث بالفرض تارة وبالقرابة اخرى‌ فواضح ، اذ مع وجود الولد يرث السدس كما دلت عليه الآية الكريمة المذكورة في الرقم ٩ من البحث السابق ، ومع عدمه يرث بآية اولي الارحام : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٣).

٥ ـ واما البنت والبنات فمع عدم وجود الابن المساوي لهن يرثن النصف او الثلثين‌ كما تقدم في الرقمين ٢ ، ٥ من البحث السابق ، ومع وجود الابن يرثن بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

٦ ـ واما ان الابن ومن بعده لا يرثون الا بالقرابة‌ فواضح لعدم ذكر سهم خاص بهم في الكتاب الكريم فيرثون بالقرابة بمقتضى آية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ).

٧ ـ واما ان المولى المعتق وضامن الجريرة والامام عليه‌السلام لا يرثون بالفرض ولا بالقرابة‌ فواضح اذ لم يذكر سهم خاص بهم في الكتاب الكريم ليرثوا بالفرض وليسوا من الارحام ليرثوا بالقرابة بمقتضى آية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥١٣ الباب ٣ من أبواب ميراث الازواج الحديث ٨.

(٢) جواهر الكلام ٣٩ : ٨٠.

(٣) الانفال : ٧٥ ، الاحزاب : ٦.


٤ ـ الحجب‌

قد يتحقق حجب الوارث عن الارث كلا او بعضا بسبب وارث آخر او مانع من الموانع.

وهو على نحوين : حجب حرمان وحجب نقصان.

والاول له مصاديق متعددة هي :

١ ـ حجب كل طبقة لاحقة بالطبقة السابقة.

٢ ـ حجب الاقرب للأبعد في افراد الطبقة الواحدة.

٣ ـ الحجب بالكفر.

٤ ـ الحجب بالقتل عمدا ظلما.

٥ ـ الحجب بالرقية وبالزنا وباللعان.

والثاني له موردان : حجب الولد ، وحجب الاخوة للأم عما زاد على السدس.

وشرط حجب الاخوة ما يلي :

١ ـ ان يكونوا رجلين فصاعدا او رجلا وامرأتين او اربع نساء.

٢ ـ ان يكونوا للأبوين او للأب فقط ولا يكفي كونهم للأم.

٣ ـ ان يكونوا منفصلين بالولادة فلا يكفي كونهم حملا.

٤ ـ ان يكونوا مسلمين واحرارا.

٥ ـ ان يكون الاب حيا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الحجب على نحوين‌ فواضح ، فان الحاجب تارة يمنع المحجوب من الارث رأسا فيكون حجبه حجب حرمان ، واخرى يمنعه‌


من بعض الارث فيكون حجبه حجب نقصان. ومصاديق كل واحد من القسمين قد اشير اليها في المتن.

٢ ـ واما ان كل طبقة لاحقة تحجب بالطبقة السابقة‌ فهو من واضحات الفقه ومما لا خلاف فيه بين المسلمين وتأتي ان شاء الله تعالى في مطاوي الابحاث الآتية بعض الروايات التي يستفاد منها ذلك.

واما حجب افراد الطبقة الواحدة بعضها لبعض فواضح ، فان الاقرب منهم يمنع الا بعد لقاعدة اولي الارحام ، فالولد يمنع ولد الولد ، والاخ يمنع ولد الاخ ، والجد يمنع اباه ، والاعمام والاخوال وأولادهم وان نزلوا يمنعون اعمام الاب واخواله.

٣ ـ واما الحجب بالكفر‌ فهو مما لا خلاف فيه ، فالكافر لا يرث المسلم ، بخلاف المسلم فانه يرث الكافر. والنصوص في ذلك مستفيضة ، كصحيحة جميل وهشام عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «روى الناس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يتوارث اهل ملتين قال : نرثهم ولا يرثونا ، ان الإسلام لم يزده في حقه الا شدة» (١) وغيرها. وقد دلت الصحيحة على ان المراد من الحديث النبوي المشهور الدال على نفي التوارث بين اهل ملتين هو نفي التوارث من الطرفين لا نفيه حتى من طرف واحد.

٤ ـ واما تحقق الحجب بالقتل عمدا ظلما‌ فهو مما لا خلاف فيه ، فالقاتل لا يرث المقتول. والروايات في ذلك متواترة ، كصحيحة ابي عبيدة : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن امرأة شربت دواء وهي حامل ولم يعلم بذلك زوجها فالقت ولدها فقال : ان كان له عظم وقد نبت عليه اللحم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٧٦ الباب ١ من ابواب موانع الارث الحديث ١٤.


عليها الدية تسلّمها الى ابيه ، وان كان حين طرحته علقة او مضغة فان عليها اربعين دينارا او غرّة (١) تؤديها الى ابيه. قلت له : فهي لا ترث ولدها من ديته مع ابيه؟ قال : لا ، لأنها قتلته فلا ترثه» (٢) وغيرها.

٥ ـ واما التقييد بكون القتل عمدا‌ فهو المشهور. ويدل عليه صحيح عبد الله بن سنان : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل امه أيرثها؟ قال : ان كان خطأ ورثها ، وان كان عمدا لم يرثها» (٣) وغيره.

واما ما ورد في رواية العلاء بن فضيل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... ولا يرث الرجل الرجل اذا قتله وان كان خطأ» (٤) ومثله في رواية الفضيل بن يسار (٥) فهو ضعيف السند بمحمد بن سنان في الاول وبالارسال وغيره في الثاني فلاحظ.

٦ ـ واما التقييد بكون القتل ظلما‌ فلا خلاف في اعتباره. وقد يوجّه بانصراف دليل المنع الى القتل العمدي فيبقى القاتل خطأ مشمولا لمطلقات الارث.

ويؤيد التقييد بالظلم رواية حفص بن غياث التي رواها الشيخ والصدوق بسندهما عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث : «سألت جعفر بن محمد عليهما السّلام عن طائفتين من المؤمنين احداهما باغية والاخرى عادلة اقتتلوا فقتل رجل من اهل العراق اباه او ابنه او اخاه او‌

__________________

(١) الغرّة ـ بالضم ـ عبد او أمة. وفي بعض الأحاديث تحديد قيمتها بأربعين دينارا.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٩٠ الباب ٨ من ابواب موانع الارث الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٩٢ الباب ٩ من ابواب موانع الارث الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٩٢ الباب ٩ من ابواب موانع الارث الحديث ٤.

(٥) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٩٢ الباب ٩ من ابواب موانع الارث الحديث ٣.


حميمه وهو من اهل البغي وهو وارثه أيرثه؟ قال : نعم لأنه قتله بحق» (١).

والمنقري المعروف بابن الشاذكوني وان كان ثقة ، وهكذا الحال بالنسبة الى حفص ، فانه ثقة ، الا ان طريق العلمين الى المنقري ضعيف بالقاسم بن محمد الاصفهاني الذي لم تثبت وثاقته فلاحظ (٢) ، الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

٧ ـ واما الحجب بالرقية‌ فلا خلاف فيه ، فالرق في الوارث او الموروث مانع من الارث لصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «لا يتوارث الحر والمملوك» (٣) وغيرها.

٨ ـ واما الحجب بالزنا‌ فلا خلاف فيه أيضا ، فلا توارث بين الولد والزاني ولا بينه والمزني بها. والروايات في ذلك متعددة ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ايّما رجل وقع على وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعى ولدها فانه لا يورث منه شي‌ء فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٤) وغيرها.

وقيل بوقوع التوارث بينه وبين المزني بها ومن يتقرب بها لموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام : «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : ولد الزنا وابن الملاعنة ترثه امه واخواله واخوته لأمه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٩٧ الباب ١٣ من ابواب موانع الارث الحديث ١.

(٢) مشيخة الفقيه : ٦٥ ، فهرست الشيخ : ٧٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٩٩ الباب ١٦ من ابواب موانع الارث الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٦٦ الباب ٨ من ابواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه الحديث ١.


او عصبتها» (١).

ويمكن الجواب بأن مقتضى التعليل في صحيحة الحلبي نفي التوارث مطلقا. والموثقة المذكورة يمكن حملها على حالة كون الوطء من طرف المرأة بالشبهة كما ذكره صاحب الوسائل في ذيل الموثقة فلاحظ.

٩ ـ واما الحجب باللعان‌ فلا اشكال فيه ، فعلاقة الارث تنقطع بين الوالد ومن يتقرب به وبين ولده وتبقى بينه وبين امه ومن يتقرب بها. وقد تقدمت الاشارة الى ذلك عند البحث عن اللعان.

١٠ ـ واما ان الولد قد يحجب غيره حجب نقصان‌ فواضح فهو :

أ ـ يحجب الابوين عما زاد على السدس الا اذا فرض كونه بنتا واحدة قد اجتمعت معهما ـ فانه يبقى سدس يرد عليهم اخماسا ـ او اجتمعت مع احدهما ، فانه يبقى ثلث يرد عليهما ارباعا.

والا اذا فرض اجتماع احدهما مع البنتين فصاعدا فانه يبقى سدس يرد عليهما اخماسا.

ب ـ ويحجب الزوج او الزوجة عن نصيبهما الاعلى الى الادنى.

١١ ـ واما حجب الاخوة للأم عما زاد على السدس‌ ـ بالرغم من انهم لا يرثون معها ـ فهو مما لا تأمل فيه لقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (٢).

١٢ ـ واما انه يعتبر في حجب الاخوة للأم عما زاد على السدس الشرط الاول‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٦٩ الباب ٨ من ابواب ميراث ولد الملاعنة الحديث ٩.

(٢) النساء : ١١.


فامر متسالم عليه. ويدل عليه صحيح ابي العباس (١) عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا ترك الميت اخوين فهم اخوة مع الميت حجبا الام عن الثلث ، وان كان واحدا لم يحجب الام. وقال : اذا كنّ اربع اخوات حجبن الام عن الثلث لأنهن بمنزلة الاخوين. وان كنّ ثلاثا لم يحجبن» (٢). ويمكن ان يستفاد من التعليل المذكور فيه حاجبية الاخ الواحد اذا اجتمع مع الاختين.

١٣ ـ واما انه يعتبر في حجب الاخوة ان يكونوا للأبوين او للأب فقط‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة زرارة : «... فان كان له اخوة يعني الميت يعني اخوة لأب وأم او اخوة لأب فلأمه السدس وللأب خمسة أسداس. وانما وفّر للأب من اجل عياله. والاخوة لام ليسوا لأب فانهم لا يحجبون الام عن الثلث ولا يرثون ...» (٣) وغيرها.

١٤ ـ واما اعتبار الانفصال بالولادة‌ فهو المشهور. ويدل عليه انصراف عنوان «الاخوة» المذكور في الآية الكريمة عن الحمل ، بل قد يمنع صدق عنوان الاخوة مع عدم الانفصال.

١٥ ـ واما اعتبار الإسلام والحرية‌ فهو متسالم عليه. ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك والمشرك يحجبان اذا لم يرثا؟ قال : لا» (٤) وغيره.

وقد يناقش بظهوره في ارادة حجب الحرمان دون النقصان.

__________________

(١) اي البقباق.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٥٦ الباب ١١ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٥٥ الباب ١٠ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٥٩ الباب ١٤ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ١.


وفيه : انه ان لم يكن ظاهرا في الثاني فلا أقلّ من شموله له فيتمسك بالاطلاق او احتمال شموله فيتمسك بعدم الاستفصال.

١٦ ـ واما اعتبار حياة الاب‌ فهو المشهور. ويدل على ذلك ظاهر الآية الكريمة (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ). وهي ان دلت على اعتبار حياة الاب والا فلا ريب في اختصاصها بها فتبقى حالة عدم الحياة مشمولة لإطلاق ما دلّ على ان لها الثلث.

هذا مضافا الى دلالة صحيحة زرارة المتقدمة في الرقم ١٣ على ذلك ، حيث ورد في ذيلها : «... ان مات رجل وترك امه واخوة واخوات لأب وام ، واخوة واخوات لام وليس الاب حيا فانهم لا يرثون ولا يحجبونها لأنه لم يورث كلالة» (١).

بل ان حكمة الحجب المذكورة في الصحيحة تدل على المطلوب أيضا فلاحظ.

٥ ـ العول والتعصيب‌

اذا كان جميع الورثة ذوي فروض فتارة تفترض فروضهم مساوية لستة أسداس ، واخرى يفترض كونها اكثر من ذلك ، وثالثة يفترض كونها أقل.

مثال الاولى ما لو فرض ان الوارث ابوان وبنتان.

ومثال الثانية ما لو فرض ان الوارث زوج واخت للأب واختان للأم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٥٨ الباب ١٢ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ٣.

ثم انه يحتمل ان يكون المقصود من التعليل «لأنه لم يورث كلالة» انه لا ترثه الكلالة ـ اي الاخوة ـ لوجود الاقرب ، وانما يورث كلالة اذا لم يوجد الاقرب.


ومثال الثالثة لو فرض ان الوارث بنت واحدة لا غير.

والاولى لا اشكال فيها.

والثانية هي مورد العول (١) الذي ذهب اليه غيرنا وقالوا بورود النقص على جميع ذوي الفروض على نسبة فرضه كما يرد النقص على الديّان بنسبة دينهم.

وذهبت الامامية الى استحالة العول وان النقص يدخل على بعض منهم دون بعض ، ففي المثال السابق يدخل النقص على الاخت من الابوين.

والثالثة هي مورد التعصيب الذي ذهب اليه غيرنا ، بمعنى اعطاء الزائد للعصبة (٢) ـ وهم الذكور من اقارب الميت ممن ينتسب اليه من دون واسطة كالأخ او بواسطة ذكر كالعم (٣) وابنه وابن الاخ (٤) ـ فلو ترك الميت بنتا يدفع اليها نصف المال ويدفع النصف الآخر للأخ او ابنه ان كان او للعم او ابنه.

وقالت الامامية ببطلان ذلك ولزوم ردّ النصف الثاني الى البنت نفسها.

هذا اذا كان جميع الورثة ذوي فروض. وفي ذلك ينحصر مورد العول والتعصيب.

اما اذا كان بعضهم ذا فرض دون بعض دفع الى ذي الفرض فرضه وأعطي الباقي لغيره.

__________________

(١) المراد من العول زيادة مجموع السهام على ستة أسداس. يقال : عالت الناقة ذنبها اذا رفعته.

وسميت الزيادة في المقام عولا لارتفاع مجموع السهام على التركة التي هي ستة أسداس.

(٢) في الصحاح : عصبة الرجل : بنوه وقرابته لأبيه. وانما سمو عصبة لأنهم عصبوا ، اي احاطوا به ، فالاب طرف والابن طرف والعم جانب والاخ جانب.

(٣) فان العم هو اخ الاب فيكون منتسبا بواسطة الاب.

(٤) وربما تعمم للأنثى او للمنتسب بواسطة الانثى.


واما اذا لم يكن في الورثة ذو فرض ـ كما في الاعمام والاخوال ـ قسمت بينهم التركة على بيان يأتي فيما بعد ان شاء الله تعالى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الصورة الاولى لا اشكال فيها‌ فواضح.

٢ ـ واما ان الصورة الثانية هي مورد العول‌ فباعتبار ان للزوج نصفا وللأخت من الابوين النصف وللأختين من الام الثلث ، والمجموع يزيد على ستة أسداس بمقدار ثلث.

واول من قال بالعول ولزوم ادخال النقص على الجميع بالنسبة هو الخليفة الثاني كما طفحت بذلك كتب القوم. قال ابن قدامى المتوفى سنة ٦٣٠ ه‍ : «اول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي‌الله‌عنه فجمع الصحابة للمشهورة فيها فقال العباس : ارى ان تقسم المال بينهم على قدر سهامهم فأخذ به عمر رضي‌الله‌عنه واتبعه الناس على ذلك» (١). وخالف في ذلك ابن عباس متحديا بالمباهلة ، ومن هنا سميت المسألة المذكورة بمسألة المباهلة. يقول ابن قدامى : «روي عن ابن عباس انه قال في زوج واخت وأم : من شاء باهلته ان المسائل لا تعول. ان الذي أحصى رمل عالج (٢) عددا أعدل من ان يجعل في مال نصفا ونصفا وثلثا. هذان نصفان ذهبا بالمال فأين الثلث فسميت هذه‌

__________________

(١) المغني لا بن قدامة ٧ : ٢٦.

وقد جاء نقل ذلك في احكام القرآن للجصاص ٢ : ١١٤ والمستدرك للحاكم النيسابوري ٤ : ٣٤٠ والسنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٢٥٣ وكنز العمال للمتقي الهندي ٦ : ٧.

(٢) عالج اسم موضع كثير الرمل.


المسألة مسألة المباهلة لذلك» (١).

وقد تبع ابن عباس في خلافه هذا مولاه امير المؤمنين عليه‌السلام كما سيتضح.

٣ ـ واما استحالة العول في مذهب الامامية‌ فباعتبار انه يستحيل على الحكيم العالم ان يفرض في مال ما لا يقوم به ، ان ذلك لا يصدر من جاهل فضلا عن رب العزة الحكيم العالم ، فان النصفين اذا ذهبا بالمال فأين موضع الثلث. ومن هنا جاءت روايات اهل البيت عليهم‌السلام تردّ بلهجة شديدة على فكرة العول. يقول محمد بن مسلم : «اقرأني ابو جعفر عليه‌السلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي املاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط علي عليه‌السلام بيده فاذا فيها : ان السهام لا تعول» (٢).

وفي موثقة ابي بصير : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ربما اعيل السهام حتى يكون على المائة او أقلّ او اكثر فقال : ليس تجوز ستة ثم قال : كان امير المؤمنين عليه‌السلام يقول : ان الذي أحصى رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول على ستة لو يبصرون وجهها لم تجز ستة» (٣).

وورد في صحيحة الحضرمي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كان ابن‌

__________________

(١) المغني ٧ : ٢٦. يبقى الاشكال في انه كيف ترث الاخت مع وجود الام؟

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٢٣ الباب ٦ من أبواب موجبات الارث الحديث ١١.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٢٣ الباب ٦ من أبواب موجبات الارث الحديث ٩.

ثم ان في المراد من قوله عليه‌السلام : «لم تجز ستة» احتمالين :

١ ـ ان السهام المذكورة في القرآن الكريم ستة فلو دخل النقص على من له فرض اعلى وادنى يلزم صيرورة السهام أكثر من ستة ، وهذا بخلاف ما لو دخل على من له حدّ اعلى فقط فانه لا يلزم ذلك ، حيث انه لو لم يرث الحدّ الاعلى ورث الباقي بالقرابة.

٢ ـ ان التركة ستة اسداس ولا يمكن ان يشرّع الحكيم تعالى الارث بما يزيد على ذلك.


عباس يقول : ان الذي يحصي رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول من ستة فمن شاء لاعنته عند الحجر ان السهام لا تعول من ستة» (١).

٤ ـ واما ما ذهبت اليه الامامية من دخول النقص على بعض دون بعض‌ فقد تبعوا في ذلك أئمتهم عليهم‌السلام.

وضابط ذلك البعض الذي يدخل عليه النقص هو ان يكون ذا فرض واحد بحيث لو تغير عنه ورث الباقي بالقرابة الذي قد يكون زائدا او ناقصا. ان مثل هذا يدخل عليه النقص بخلاف من قرّر له القرآن الكريم فرضين اعلى وادنى فان مثله لا يدخل عليه النقص لفرض تشريع سهم معين له لا يتجاوزه.

ففي مثال الزوج والاخت من الابوين والاختين من الام يدخل النقص على الاخت للأبوين لان فرضها النصف واذا تغير بسبب انضمام الاخ لها ورثت الباقي مع اخيها بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا يدخل على الزوج لان فرضه النصف عند عدم الولد وينتقل عنه ـ بسبب وجود الولد ـ الى الربع. وهكذا لا يدخل النقص على الاختين من الام لان فرضهما الثلث ولا يتغير الى ارث الباقي بانضمام اخ او اخت ثالثة بل يبقى هو الثلث.

هذا هو الضابط.

والدليل عليه صحيحة عمر بن اذينة : «قال زرارة : اذا اردت ان تلقي العول فانما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والاخوة من الاب ، واما الزوج والاخوة من الام فانهم لا ينقصون مما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٢٣ الباب ٦ من أبواب موجبات الارث الحديث ١٢.


سمي لهم شيئا» (١).

والنقل في الصحيحة وان كان عن زرارة دون الامام عليه‌السلام الا انه لا يحتمل كونه اجتهادا من زرارة بعد صحبته الاكيدة للإمامين الباقر والصادق عليهما السّلام ـ والتي اطلع خلالها على صحيفة الفرائض المكتوبة بخط امير المؤمنين واملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ـ التي لا تبقى معها حاجة الى إعمال الاجتهاد ، خصوصا في مثل الحكم المذكور الذي هو توقيفي محض ولا يقبل الاجتهاد.

ومما يؤيد الضابط المتقدم حديث ابن عباس : «... سبحان الله العظيم أترون ان الذي أحصى رمل عالج عددا جعل في مال نصفا ونصفا وثلثا فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري : فمن اول من اعال الفرائض؟ فقال : عمر بن الخطاب لما التفت الفرائض عنده ودفع بعضها بعضا فقال : والله ما أدري أيكم قدّم الله وأيكم أخّر وما أجد شيئا هو أوسع من ان اقسّم عليكم هذا المال بالحصص فادخل على كل ذي سهم ما دخل عليه من عول الفرائض وايم الله لو قدّم من قدّم الله وأخّر من أخّر الله ما عالت فريضة فقال له زفر : وايها قدّم الله وايّها أخّر؟ فقال : كل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة الا الى فريضة فهذا ما قدّم الله واما ما أخّر فلكل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٢٥ الباب ٧ من أبواب موجبات الارث الحديث ١.

(٢) اطلع جملة من اصحاب الائمة عليهم‌السلام على الصحيفة المذكورة كزرارة ومحمد بن مسلم وابي بصير وعبد الملك بن أعين فلاحظ الأحاديث ٤ ، ٦ ، ١١ من الباب ٦ من ابواب موجبات الارث والحديث ٥ من الباب ١٧ من ابواب ميراث الابوين والاولاد. وفي بعض الروايات تشبيه تلك الصحيفة بأنها كفخذ الرجل مطويا فلاحظ الباب ٦ من ابواب ميراث الازواج الحديث ١٧.


فريضة اذا زالت عن فرضها لم يبق لها الا ما بقي فتلك التي أخّر ، فاما الذي قدّم فالزوج له النصف فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع الى الربع لا يزيله عنه شي‌ء ، والزوجة لها الربع فاذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت الى الثمن لا يزيلها عنه شي‌ء ، والام لها الثلث فاذا زالت عنه صارت الى السدس ولا يزيلها عنه شي‌ء ، فهذه الفرائض التي قدّم الله. واما التي أخّر ففريضة البنات والاخوات لها النصف والثلثان فاذا ازالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن الا ما بقي فتلك التي أخّر ، فاذا اجتمع ما قدّم الله وما أخّر بدئ بما قدّم الله فأعطي حقه كاملا فان بقي شي‌ء كان لمن أخّر ، وان لم يبق شي‌ء فلا شي‌ء له» (١).

والرواية وان لم تسند الى معدن العصمة والطهارة بل الطريق الى ابن عباس لا يخلو من مناقشة الا ان كل ذلك لا يمنع من الاستناد اليها على مستوى التأييد.

٥ ـ واما ان التعصيب باطل‌ فينبغي أن يكون من الواضحات بل هو من ضروريات مذهبنا لكونه على خلاف القاعدة القرآنية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٢). وقد جاء في الحديث : «المال للأقرب والعصبة في فيه التراب» (٣).

ولقد اجاد صاحب الجواهر في تعليقه على القول بالتعصيب والعول وانه «غصن من شجرة انكار الامامة والضلال الذي أشار اليه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٢٦ الباب ٧ من أبواب موجبات الارث الحديث ٦.

(٢) الانفال : ٧٥ ، الاحزاب : ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٣١ الباب ٨ من أبواب موجبات الارث الحديث ١.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمفهوم قوله : ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا» (١). وقد تابع قدس‌سره في ذلك مولاه ومولى كل مؤمن ومؤمنة حيث قال عليه أفضل الصلاة والسلام : «يا ايتها الامة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدّمتم من قدّم الله وأخّرتم من أخّر الله وجعلتم الولاية والوراثة لمن جعلها الله ما عال ولي الله (٢) ولا طاش سهم من فرائض الله (٣) ولا اختلف اثنان في حكم الله ولا تنازعت الامة في شي‌ء من أمر الله. ألا وعند علي علمه من كتاب الله فذوقوا وبال امركم وما فرطتم فيما قدمت أيديكم وما الله بظلام للعبيد» (٤).

٦ ـ من تفاصيل ارث الطبقات‌

ـ ارث الطبقة الاولى‌

اذا انفرد الاب او الام ورث جميع المال. واذا انفردا معا بالتركة كان للأم الثلث مع عدم الحاجب والباقي للأب ، ومع الحاجب لها السدس والباقي للأب.

واذا اجتمع الزوج او الزوجة مع احد الابوين كان للزوج ـ لو فرض ـ النصف وللزوجة ـ لو فرضت ـ الربع والباقي للأب بالقرابة او للأم فرضا وردا.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٩ : ١١٠.

(٢) اي ما مال عن الحق الى الباطل.

(٣) طاش السهم عن الهدف بمعنى عدل عنه.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٢٦ الباب ٧ من أبواب موجبات الارث الحديث ٥.


واذا اجتمع الزوج او الزوجة مع الابوين معا كان للزوج النصف ـ لو فرض ـ وللزوجة الربع ـ لو فرضت ـ وللأم الثلث والباقي للأب.

واذا انفرد الابن كان له تمام المال بالقرابة.

واذا انفردت البنت كان لها التمام أيضا.

واذا اجتمعا كان للذكر مثل حظ الأنثيين.

واذا انفرد الابنان او الابناء كان لهما او لهم تمام المال بالسوية.

واذا انفردت البنتان او البنات كان لهما اولهنّ التمام بالسوية أيضا.

واذا اجتمعا كان للذكر مثل حظ الأنثيين.

ويقوم اولاد الاولاد وان نزلوا مقام الاولاد في مقاسمة الابوين وحجبهما عن اعلى السهمين الى أدناهما.

ولا يرث ولد الولد مع وجود الولد وان كان انثى.

ويرث ـ ولد الولد ـ نصيب من يتقرب به ، فولد البنت يرث نصيب امه ذكرا كان او انثى ، ويرث ولد الابن نصيب ابيه ذكرا كان او انثى.

ولو كان للميت اولاد بنت واولاد ابن كان لأولاد البنت الثلث نصيب امهم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ولأولاد الابن الثلثان نصيب ابيهم يقسم بينهم كذلك.

ويحبى الولد الاكبر الذكر للميت بأربعة اشياء من تركة ابيه : ثياب بدنه ، وخاتمه ، وسيفه ، ومصحفه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الاب يرث جميع المال مع انفراده‌ فلعدم كونه ذا فرض ، ومعه فيرث بقاعدة (وَأُولُوا الْأَرْحامِ ...) ، وحيث لا مشارك له حسب الفرض فيلزم استحقاقه للجميع.


واما ان الام ترث جميع المال مع انفرادها فلان لها الثلث بالفرض والباقي بالقرابة.

٢ ـ واما حالة انفراد الابوين وما بعدها‌ فامرها واضح.

٣ ـ واما ان للابن المنفرد تمام التركة بالقرابة‌ فلانه لا فرض له فيرث جميع المال بقاعدة (وَأُولُوا الْأَرْحامِ ...).

واما ان للبنت المنفردة تمام التركة أيضا فلان لها النصف بالفرض والباقي بقاعدة (وَأُولُوا الْأَرْحامِ ...).

واما انه عند اجتماع الابن والبنت يقسم المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فلعدم الفرض لهما فيرثان بالقرابة ويقسم بينهما طبقا للقاعدة المذكورة.

٤ ـ واما ان للإبنين المنفردين تمام التركة بالسوية‌ فلانه لا فرض لهما فيرثان ذلك بقاعدة (وَأُولُوا الْأَرْحامِ ...) بالسوية.

واما ان للبنتين او البنات المنفردات تمام المال بالسوية أيضا فباعتبار ان للبنتين فصاعدا الثلثين بالفرض والباقي بالقرابة ويقسم الجميع بالسوية.

واما انه مع اجتماع البنين والبنات يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين فلانه لا فرض لهما بل يرثان بالقرابة ويلزم تقسيمه طبقا للقاعدة المذكورة.

٥ ـ واما قيام اولاد الاولاد وان نزلوا ذكورا واناثا مقام آبائهم في مقاسمة الابوين وحجبهم من اعلى السهمين الى أدناهما‌ فهو المعروف بين الاصحاب. وخالف في ذلك الشيخ الصدوق وحكم باختصاص الابوين بالارث. قال قدس‌سره : «اربعة لا يرث معهم أحد الا زوج او زوجة :


الابوان ، والابن ، والبنت. هذا هو الاصل لنا في المواريث ، فاذا ترك الرجل ابوين وابن ابن او بنت بنت فالمال للأبوين ، للأم الثلث وللأب الثلثان ، لان ولد الولد انما يقومون مقام الولد اذا لم يكن هناك ولد ولا وارث غيره والوارث هو الاب والام. وقال الفضل بن شاذان رحمه‌الله خلاف قولنا في هذه المسألة واخطأ قال : ان ترك ابن ابنة وابنة ابن وابوين فللأبوين السدسان وما بقي فلبنت الابن من ذلك الثلثان ولابن البنت من ذلك الثلث تقوم ابنة الابن مقام ابيها وابن البنت مقام امه. وهذا مما زلّ به قدمه عن الطريقة المستقيمة ، وهذا سبيل من يقيس» (١).

وعلّق المحقق على رأي الصدوق بقوله : «وهو متروك» (٢). وزاد صاحب الجواهر ان بالامكان تحصيل الاجماع على خلافه (٣).

ويمكن الاستدلال للمشهور بوجهين :

١ ـ التمسك بقوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) (٤) ، فان مقتضى كلمة «ولد» فيها الشمول لولد الولد وان نزل ، واذا كان ولد الولد حاجبا للأبوين الى السدسين فلازم ذلك ان لا يكون لهما معه جميع المال والا فلمن يكون الباقي؟

٢ ـ التمسك بالنصوص الخاصة ، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «بنات الابنة يرثن اذا لم يكن بنات كنّ مكان‌

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ : ١٩٦.

(٢) شرائع الإسلام ٤ : ٨٢٥ ، انتشارات استقلال.

(٣) جواهر الكلام ٣٩ : ١١٨.

(٤) النساء : ١١.


البنات» (١) ، وموثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ابن الابن يقوم مقام ابيه» (٢).

وفي مقابل هذا قد يستدل الشيخ الصدوق بوجهين أيضا :

١ ـ التمسك بقاعدة الاقرب يمنع الابعد.

٢ ـ التمسك بصحيحة سعد بن ابي خلف عن ابي الحسن عليه‌السلام : «بنات الابنة يقمن مقام البنات اذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن ، وبنات الابن يقمن مقام الابن اذا لم يكن للميت اولاد ولا وارث غيرهن» (٣) ، ونحوها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (٤) ، بتقريب انهما دلا على ان شرط القيام مقام الابن والابنة فقدان الوارث ، ومع وجود الابوين يصدق وجود الوارث.

والجواب :

اما بالنسبة الى الوجه الاول فلا معنى للتمسك به بعد وجود النص الدال على القيام.

واما بالنسبة الى الوجه الثاني فيمكن القول بتحقق معارضة بنحو العموم من وجه بين الصحيحتين الاوليتين من جانب والصحيحتين الاخيرتين من جانب آخر ، فان الاوليتين تدلان باطلاقهما على قيام الابناء مقام آبائهم حتى مع وجود الابوين للميت ، والاخيرتين تدلان باطلاقهما على اشتراط القيام بعدم وجود وارث بما في ذلك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٤٩ الباب ٧ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٤٩ الباب ٧ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٤٩ الباب ٧ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٥٠ الباب ٧ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ٤.


الابوان. ومع التعارض نرجع الى اطلاق الآية الكريمة : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (١) الدال على ارث ولد الولد مع الابوين بالبيان المتقدم ، ونأخذ به اما كمرجح أو كمرجع بعد التساقط ، والنتيجة واحدة على كلا التقديرين.

٦ ـ واما ان ولد الولد لا يرث مع وجود الولد ولو كان انثى‌ فهو مما لا خلاف فيه ، فان الاقرب يمنع الابعد. على ان صحيحة سعد بن ابي خلف المتقدمة واضحة في المدعى فلاحظ.

٧ ـ واما ان اولاد الاولاد يرثون نصيب من يتقربون به‌ فهو المشهور. ويدل عليه :

١ ـ النصوص المتقدمة الدالة على قيام الاولاد مقام الآباء ، فان ظاهرها ارادة التنزيل لا في اصل الارث فقط بل فيه وفي كيفيته والا لاكتفي بذكر اولاد الاولاد من دون تفصيل في الذكر بين اولاد البنين واولاد البنات فانه مجرد تطويل يمكن الاستغناء عنه.

٢ ـ صحيحة ابي ايوب الخزاز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان في كتاب علي عليه‌السلام ان كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به الا ان يكون وارث اقرب الى الميت منه فيحجبه» (٢).

هذا وقد خالف في المسألة السيد المرتضى حيث اختار لزوم قسمة الميراث بينهم كأولاد الصلب من غير ملاحظة لمن يتقربون به لأنهم اولاد حقيقة فتشملهم الآية الكريمة : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤١٨ الباب ٢ من أبواب موجبات الارث الحديث ١.


لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ...) (١). ولو لا قاعدة الاقرب لشاركوا آباءهم في الارث (٢).

والتأمل في ذلك واضح بعد ملاحظة الوجهين السابقين.

٨ ـ واما انه لو اجتمع اولاد البنت واولاد الابن دفع الى اولاد البنت الثلث يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ـ وليس بالسوية‌ كما هو الحال في كلالة الام ـ فهو المشهور لصدق الاولاد عليهم حقيقة فيدخلون في عموم (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ ...).

ونسب الى القاضي والشيخ لزوم اقتسامهم للثلث بالسوية بدعوى ان التقرب بالانثى يقتضي ذلك كما هو الحال في كلالة الام (٣).

والتأمل فيه واضح ، فان ذلك لا يعدو القياس ، اذ كون حكم كلالة الام ذلك لا يقتضي تعميم الحكم لكل من ينتسب بواسطة الانثى ولو لم تكن اما.

٩ ـ واما اختصاص الولد الذكر الاكبر بالاربعة المتقدمة‌ فهو على ما ذكر صاحب الجواهر مما انفردت به الامامية ومعلومات مذهبهم ، وبذلك تظافرت نصوصهم عن ائمتهم عليهم‌السلام (٤).

ومن جملة النصوص صحيحة ربعي بن عبد الله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده. فان كان الاكبر ابنة فللأكبر‌

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) جواهر الكلام ٣٩ : ١٢٤.

(٣) جواهر الكلام ٣٩ : ١٢٦.

(٤) جواهر الكلام ٣٩ : ١٢٧.


من الذكور» (١).

وصحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا هلك الرجل وترك ابنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف ، فان حدث به حدث فللأكبر منهم» (٢).

وصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الميت اذا مات فان لابنه الاكبر السيف والرحل والثياب ثياب جلده» (٣).

والمعروف بين الاصحاب تحديد المحبو بالاربعة المتقدمة الا انه لا يوجد نص يجمعها بل هي كما تراها. ومن هنا صار البعض الى الاستحباب مستندا في ذلك الى اختلاف الاخبار في بيان العدد كما وكيفا.

وقد علّق على ذلك صاحب الجواهر بان الاختلاف المذكور لا يصلح قرينة على الاستحباب ضرورة عدم كون مطلق الاختلاف دالا على ذلك والا فاغلب الاخبار في غالب الاحكام مختلفة. نعم لو بلغ الاختلاف الى حدّ اوجب القطع بارادة الاستحباب كما في اخبار البئر اتجه الحكم به ، وليس المقام من ذلك قطعا.

ثم اضاف قائلا : على ان من المحتمل ارادة القميص من الدرع لا الحديد ويلحق به غيره من ثياب البدن بالإجماع. واشتمال الخبر على ما لا يقول به احد من الطائفة لا يخرجه عن الحجية والا كان ذلك نقضا على القائلين بالاستحباب أيضا لأنه لم يحك عن احد منهم استحباب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٣٩ الباب ٣ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٤٠ الباب ٣ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٤٠ الباب ٣ من أبواب ميراث الابوين والاولاد الحديث ٥.


غير الاربعة.

هذا حصيلة ما افاده صاحب الجواهر (١).

والتعارض بين ظاهر الاصحاب وظاهر الاخبار واضح. والا نسب تحفظا من مخالفة الظاهرين المذكورين المصير الى التصالح بنحو من الانحاء.

ثم انه بناء على ما صار اليه الاصحاب هل يحكم باختصاص الذكر الاكبر بالاربعة مجانا او بالقيمة؟ المنسوب الى المرتضى قدس‌سره كونه بالقيمة. وثمرة خصوصية الاكبر هي الاختصاص بالعين من بين الورثة (٢).

وفيه : ان ظاهر الاخبار المتقدمة هو المجانية فلاحظ.

ارث الطبقة الثانية‌

اذا لم يخلّف الميت قريبا من الطبقة الثانية غير اخيه لأبويه ورث المال كله بالقرابة ، ومع التعدد يقسّم بينهم بالسوية.

وللأخت الواحدة من الابوين بانفرادها جميع المال أيضا نصف بالفرض ونصف يردّ بالقرابة.

وللأختين او الاخوات من الابوين المال كله ، يرثن ثلثيه بالفرض والباقي بالقرابة.

واذا خلّف الميت اخوة واخوات لأبويه اقتسموا جميع المال بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٩ : ١٣٠.

(٢) جواهر الكلام ٣٩ : ١٣٢.


وللأخ المنفرد من الام والاخت المنفردة منها المال كله السدس بالفرض والباقي يرد بالقرابة.

وللاثنين فصاعدا من الاخوة من الام ذكورا او اناثا او ذكورا واناثا المال كله ثلثه بالفرض والباقي بالقرابة يقسم بينهم بالسوية وليس بالتفاضل.

وكلالة الاب فقط تقوم مقام كلالة الابوين عند فقدها ولا ترث معها.

والجد اذا انفرد له المال كله لأب كان او لام. وكذا الحال في الجدة اذا انفردت.

ولو اجتمع جد او جدة او هما لام مع جد او جدة او هما لأب كان لمن يتقرب بالام الثلث بالسوية ولمن يتقرب بالاب الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الاخ يرث المال كله بالقرابة مع انفراده‌ فمما لا اشكال فيه. ويدل عليه :

أ ـ قوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ) (١) ، فان الذيل يدل باطلاقه على ان الاخ يرث جميع التركة مع عدم شريك له في طبقته وعدم وارث من الطبقة الاولى.

ب ـ صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجل مات وترك اخاه ولم يترك وارثا غيره قال : المال له ...» (٢).

٢ ـ واما انه مع تعدد الاخوة تقسم التركة بينهم بالسوية‌ فذلك مقتضى الاشتراك في المال الواحد وبطلان الترجيح بلا مرجح.

__________________

(١) النساء : ١٧٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٧٩ الباب ٢ من ابواب ميراث الاخوة والاجداد الحديث ١.


٣ ـ واما ان الاخت الواحدة من الابوين لها المال كله‌ فهو من المسلمات حيث ترث نصفا بالفرض لقوله تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ ... وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) (١) ونصفا بالقرابة لقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ ...) (٢).

٤ ـ واما ان الاختين او الاخوات من الابوين يرثن المال كله فلا كلام فيه فلهن الثلثان بالفرض‌ لقوله تعالى : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ) (٣) والثلث الآخر بالقرابة لآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ ...).

٥ ـ واما ان الميت اذا خلّف اخوة واخوات لأبويه قسّم المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين‌ فلا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٤) والروايات الخاصة (٥).

٦ ـ واما ان الواحد اخا او اختا من الام له السدس بالفرض‌ فمما لا تأمل فيه لقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (٦). والمراد من الكلالة في الآية الكريمة كلالة الام بخلافه في آخر سورة النساء فان المقصود كلالة الابوين او الاب لصحيحة بكير بن أعين عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... والذي عنى الله تبارك وتعالى في قوله : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ

__________________

(١) النساء : ١٧٦.

(٢) الانفال : ٧٥ ، الاحزاب : ٦.

(٣) النساء : ١٧٦.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) وسائل الشيعة الباب ٢ من ابواب ميراث الاخوة والاجداد.

(٦) النساء : ١٢.


أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) (١) انما عنى بذلك الاخوة والاخوات من الام خاصة. وقال في آخر سورة النساء : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ) يعني اختا لأب وأم او اختا لأب ...» (٢).

واما ان الباقي يرد عليهما بالقرابة فواضح لآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ).

واما ان الاثنين فصاعدا من الاخوة للأم يرثون جميع المال فواضح ، اذ الثلث يرثونه بالفرض لقوله تعالى في الآية السابقة : (فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) ، والباقي يرثونه بالقرابة لآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ).

اما كيف نثبت لزوم تقسيم الباقي ـ المردود بالقرابة ـ بالسوية أيضا بعد الالتفات الى اختصاص الآية الكريمة الدالة على التسوية في التقسيم بخصوص الثلث المدفوع بالفرض؟ يمكن اثبات ذلك اما ببيان ان الثلث اذا كان يقسّم بينهم بالسوية بنص الآية الكريمة فيلزم ذلك في غير الثلث أيضا لعدم احتمال الفرق او ببيان ان التفاضل في التقسيم هو الذي يحتاج الى دليل ـ والا فوحدة سبب الاستحقاق تقتضي التساوي في كيفيته ـ وقد ثبت ذلك في حق الاخوة من الابوين او الاب لقوله تعالى في آخر سورة النساء : (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً

__________________

(١) النساء : ١٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٨١ الباب ٣ من ابواب ميراث الاخوة والاجداد الحديث ٢ والآية ١٧٦ من سورة النساء.


فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (١) ، وفي حق الاولاد لقوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) (٢) ، ولم يثبت في حق الاخوة من الام فيلزم الحكم بالتساوي.

٧ ـ واما ان كلالة الاب تقوم مقام كلالة الابوين عند فقدها ولا ترث معها‌ فلم يعرف فيه خلاف. وقد وجّه ذلك بأن اصل ارثها هو مقتضى آية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) ، واما انها لا ترث الا بعد فقد كلالة الابوين فباعتبار ان ما كان واجدا لسببين هو اقرب ممن كان واجدا لسبب واحد ، والاقرب مقدّم بمقتضى آية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ).

ويؤيد ذلك خبر يزيد الكناسي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... واخوك لأبيك وامك اولى بك من اخيك لا بيك ...» (٣) وغيره.

٨ ـ واما ان الجد او الجدة اذا انفردا كان لهما جميع المال‌ فينبغي ان يكون واضحا لفرض عدم وجود مشارك لهما ليدفع له بعضه.

٩ ـ واما انه اذا اجتمع الجد او الجدة او هما للأم مع المماثل كان لمن يتقرب بالام الثلث ولمن يتقرب بالاب الباقي‌ فهو المشهور. ويدل عليه :

أ ـ عموم ما دل على ارث كل قريب نصيب من يتقرب به كصحيحة ابي ايوب الخزاز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان في كتاب علي عليه‌السلام ان كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به الا ان يكون وارث اقرب الى‌

__________________

(١) النساء : ١٧٦.

(٢) النساء : ١١.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٠٢ الباب ١٣ من ابواب ميراث الاعمام والاخوال الحديث ١.


الميت منه فيحجبه» (١).

ب ـ موثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «اذا لم يترك الميت الا جدّه من قبل ابيه وجدّ ابيه وجدته من قبل امه وجدة امه كان للجدة من قبل الام الثلث وسقط جدة الام والباقي للجد من قبل الاب وسقط جد الاب» (٢).

وسند الشيخ الى ابن فضال وان اشتمل على الزبيري الذي لم يوثّق الا ان الامر فيه سهل بناء على كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

١٠ ـ واما ان المدفوع لجدودة الام يقسّم بينهم بالسوية بخلاف المدفوع الى جدودة الاب‌ فانه يقسم بالتفاوت فقد ذكر صاحب الجواهر اني لم أجد فيه خلافا وان وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين (٣).

ويمكن التمسك لإثبات التقسيم بالتفاضل في جدودة الاب بصحيحة زرارة وبكير ومحمد والفضيل وبريد عن أحدهما عليهما السّلام : «ان الجد مع الاخوة من الاب يصير مثل واحد من الاخوة ما بلغوا ... وان ترك اخوة واخوات لأب وأم أو لأب وجدا فالجد احد الاخوة والمال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. وقال زرارة : هذا مما لا يؤخذ عليّ فيه قد سمعته من أبيه ومنه قبل ذلك وليس عندنا في ذلك شك ولا اختلاف» (٤) ، فانها دلت على ان الجد للأب بمنزلة الاخ للأب ، ومن ثمّ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤١٨ الباب ٢ من أبواب موجبات الارث الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٩٨ الباب ٩ من أبواب موجبات الارث الحديث ٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٩ : ١٥٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٩٠ الباب ٦ من ابواب ميراث الاخوة والاجداد الحديث ٩.


يفهم ان الجدة للأب هي بمنزلة الاخت للأب ، وحيث يلزم التفاضل بين الاخ والاخت للأب اذا اجتمعا فيلزم ذلك في الجد والجدة للأب أيضا.

واما لزوم التساوي في جدودة الام فيمكن الاستدلال لا ثباته بأن التفاضل هو المحتاج الى اثبات والا فالمناسب هو التساوي كما تقدم بيانه.

ارث الطبقة الثالثة‌

يرث الاعمام او العمات والاخوال او الخالات الميت مع عدم وجود وارث من الطبقة السابقة.

واذا انفرد العم او العمة او الخال او الخالة كان له جميع المال.

وعند اجتماع الخئولة والعمومة يكون للأولى الثلث وللثانية الباقي.

واذا اجتمع الاخوال والخالات اقتسموا حصتهم بالسوية.

واذا اجتمع الاعمام والعمات اقتسموا حصتهم بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الاعمام او العمات والاخوال او الخالات يرثون الميت‌ فأمر مسلم. وتدل عليه الروايات الآتية.

واما انهم يرثون مع عدم وجود وارث من الطبقة السابقة فهو المعروف. واستدل عليه بقاعدة الاقرب يمنع الابعد ، وبصحيحة ابي بصير : «الخال والخالة يرثان اذا لم يكن معهما احد يرث غيرهم ان الله تبارك وتعالى يقول : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ


اللهِ)» (١). وبضم عدم القول بالفصل وملاحظة التعليل يتعدى الى العم والعمة.

هذا ولكن المنسوب الى الفضل بن شاذان قسمة المال نصفين اذا اجتمع الخال والجدة للأم (٢).

٢ ـ واما انه اذا انفرد العم او العمة او الخال او الخالة كان له جميع المال‌ فأمر واضح ، اذ مع عدم وارث آخر يلزم ارثه للجميع والا يلزم خلف الفرض.

٣ ـ واما انه عند اجتماع الخئولة مع العمومة يكون للأولى الثلث وللثانية الباقي‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة الخزاز المتقدمة في الرقم ٩ ، وصحيحة ابي بصير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن شي‌ء من الفرائض فقال لي : ألا اخرج لك كتاب علي عليه‌السلام؟ فقلت : كتاب علي عليه‌السلام لم يدرس؟ فقال : ان كتاب علي عليه‌السلام لا يدرس فأخرجه فاذا كتاب جليل واذن فيه : رجل مات وترك عمه وخاله فقال : للعم الثلثان وللخال الثلث» (٣) وغيرهما.

٤ ـ واما ان الاخوال والخالات اذا اجتمعوا اقتسموا حصتهم بالسوية‌ فلم يعرف خلاف فيه. ووجهه ان التفاضل هو الذي يحتاج الى اثبات كما تقدم بيانه.

واما ان الاعمام والعمات اذا اجتمعوا اقتسموا حصتهم بالتفاضل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٠٣ الباب ١ من ابواب ميراث الاعمام والاخوال الحديث ١. والآية ٧٥ من سورة الأنفال و ٦ من الاحزاب.

(٢) جواهر الكلام ٣٩ : ١٧٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٠٤ الباب ٢ من ابواب ميراث الاعمام والاخوال الحديث ١.


فهو المشهور. ويدل عليه خبر سلمة بن محرز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال في عم وعمة : للعم الثلثان وللعمة الثلث» (١). ولكنه ضعيف بسلمة لعدم ثبوت وثقاته الا ان يبنى على كبرى الانجبار بعمل المشهور او بوثاقة كل من روى عنه احد الثلاثة.

وصحيحة الخزاز المتقدمة لا يمكن التمسك بها في المقام فلاحظ. والاولى كما قيل الرجوع الى الصلح.

٧ ـ من تفاصيل الارث بالزوجية‌

يختص الزوجان من بين سائر الورثة في مشاركتهما لجميع طبقات الارث ولا يختص ارثهما بحالة فقدان الغير.

ويرث الزوج مع عدم الولد للزوجة النصف ، ومعه وان نزل الربع.

وترث الزوجة مع عدم الولد للزوج الربع ، ومعه وان نزل الثمن.

واذا انفرد الزوج بالارث ولم يشاركه غيره سوى الامام عليه‌السلام ورث النصف بالفرض والباقي بالرد بخلاف ما اذا انفردت الزوجة فانها ترث الربع والباقي يدفع للإمام عليه‌السلام.

واذا تعددت الزوجات اشتركن بالسوية في الربع او الثمن.

والزوج يرث النصف او الربع من جميع التركة بخلاف الزوجة فانها ترث الربع او الثمن من المنقولات ، واما غيرها فتحرم من الارض عينا وقيمة وترث من الثابت على الارض ـ كالبناء والاشجار والابواب ونحوها ـ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٠٦ الباب ٢ من ابواب ميراث الاعمام والاخوال الحديث ٩.


قيمة لا عينا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الزوجين يشاركان بقية الورثة‌ فهو من واضحات الفقه. وتدل عليه جملة من الروايات ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لا يرث مع الام ولا مع الاب ولا مع الابن ولا مع الابنة الا الزوج والزوجة. وان الزوج لا ينقص من النصف شيئا اذا لم يكن ولد ، والزوجة لا تنقص من الربع شيئا اذا لم يكن ولد ، فاذا كان معهما ولد فللزوج الربع وللمرأة الثمن» (١) وغيرها.

٢ ـ واما ان الزوج يرث النصف او الربع والزوجة الربع او الثمن بالتفصيل المتقدم‌ فهو مما لا كلام فيه ، وقد تقدمت الاشارة اليه عند بيان فروض الارث.

٣ ـ واما ان الزوج لو انفرد ورث جميع المال النصف فرضا والباقي ردا في حين ان الزوجة لو انفردت ورثت الربع فقط والباقي يرد على الامام عليه‌السلام‌ فقد تقدم وجهه عند بيان الارث بالفرض وبالقرابة.

٤ ـ واما ان الزوجات مع تعددهن يرثن الثمن او الربع بالسوية‌ فقد تقدم وجهه عند بيان فروض الارث.

٥ ـ واما ان الزوج يرث من جميع التركة‌ فامر مسلم. ويكفي لإثباته اطلاق ما دلّ على ان له النصف او الربع.

٦ ـ واما ان الزوجة ترث بالتفصيل المتقدم‌ فهو المشهور بين اصحابنا بل ان حرمانها من بعض التركة مما لا خلاف فيه. وتدل على‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٥١٠ الباب ١ من ابواب ميراث الازواج الحديث ١.


ذلك عدة روايات ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «ان المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا ، وترث من المال والفراش والثياب ومتاع البيت مما ترك. وتقوّم النقض (١) والابواب والجذوع والقصب فتعطى حقها منه» (٢) وغيرها ، فانها تدل في صدرها على نفي ارث الزوجة من الارض عينا وقيمة ، وفي ذيلها على ثبوت ارثها من قيمة ما على الارض ، وفي الوسط على ثبوت ارثها من المنقولات ، بل لا حاجة في هذا الاخير إلى دلالة رواية كما هو واضح. ويبقى السلاح والدواب ـ المذكوران في الصدر ـ لا بدّ من الحاقهما ببقية المنقولات ورفع اليد عن ظهور الصحيحة لاتفاق الاصحاب على ذلك.

ثم انه في مقابل هذه الصحيحة وغيرها صحيحة الفضل بن عبد الملك وابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته او ارضها من التربة شيئا او يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال : يرثها وترثه من كل شي‌ء ترك وتركت» (٣) ، فانها تدل على ان الزوجة كالزوج ترث من جميع التركة. وقد ينسب العمل بمضمون الصحيحة المذكورة الى الاسكافي (٤).

__________________

(١) النقض ـ بالضم على وزن قفل. وقيل بالفتح أيضا على وزن حمل. بل قال في الوافي ٢٥ :

٧٨١ هو بكسر النون ـ بمعنى المنقوض ، اي ما انتقض من البنيان. وقد ذكر الشهيد الثاني في المسالك ٢ : ٣٣٣ أن ما اشتمل عليه الخبر من السلاح والدواب منفي بالإجماع.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٥١٧ الباب ٦ من ابواب ميراث الازواج الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٢٢ الباب ٧ من ابواب ميراث الازواج الحديث ١.

(٤) جواهر الكلام ٣٩ : ٢٠٧.


واجيب عنها بانها محمولة على التقية (١). وربما يؤيد ذلك ان ظاهر كلام السائل المفروغية في الاوساط التي كان يعيشها عن عدم ارث الزوجة من جميع التركة فلاحظ.

وفي المسألة قول بارث الزوجة من عين الارض على تقدير كونها ذات ولد. وربما يظهر اختيار ذلك من المحقق (٢).

وقد يستدل عليه بصحيحة عمر بن اذينة : «النساء اذا كان لهن ولد اعطين من الرباع» (٣) ، فان الرباع جمع ربع بمعنى المنزل.

ويردها : انها مقطوعة. ولا قطع بنقلها عن الامام عليه‌السلام ، والظن لا يغني من الحق شيئا.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٩ : ٢١٠.

(٢) شرائع الإسلام ٤ : ٨٣٥ ، انتشارات استقلال.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٥٢٣ الباب ٧ من ابواب ميراث الازواج الحديث ٢.



كتاب الحدود‌

١ ـ موجبات الحد‌

٢ ـ التعزير‌

٣ ـ اقامة الحدود في عصر الغيبة‌



١ ـ موجبات الحدّ‌

العقوبة الشرعية تارة تكون حدا واخرى تعزيرا.

ويجب الحدّ عند ارتكاب محرمات معينة نذكر من بينها :

الاول : الزنا‌

يتحقق الزنا بايلاج مقدار الحشفة في فرج امرأة من دون عقد ولا شبهة ولا ملك. ولا فرق في ذلك بين القبل والدبر.

وحدّه هو :

١ ـ القتل تارة. وذلك في :

أ ـ الزنا باحدى المحارم النسبية كالأم والبنت. وفي تعميم الحكم للزنا بالمحرمات السببية او بالرضاع خلاف.

ب ـ زنا الذمي بالمسلمة.

ج ـ الزنا بالاجنبية عن اكراه لها.

د ـ الزاني ثلاثا ، فانه اذا جلد ثلاث مرات قتل في الرابعة.

٢ ـ والجلد اخرى. وذلك في :


أ ـ الزاني او الزانية اذا لم يكونا محصنين.

ب ـ المرأة الزانية ولو كانت محصنة اذا زنى بها غير البالغ.

٣ ـ والرجم ثالثة. وذلك في الزاني المحصن والزانية المحصنة اذا كان الزاني بها بالغا.

٤ ـ والجلد والرجم معا رابعة. وذلك في الشيخ الزاني او الشيخة المزني بها اذا كانا محصنين.

٥ ـ وخامسة يلزم الجلد وجزّ (١) شعر الرأس والنفي من البلد لفترة سنة.

وذلك في الرجل البكر (٢) اذا زنى.

والاحصان في الرجل لا يتحقق الا مع حريته وكونه ذا زوجة دائمة قد دخل بها وهو متمكن من وطئها متى شاء ولا يمتنع عليه ذلك لغيبة او حبس او ما شاكل ذلك.

والاحصان في المرأة لا يتحقق الا مع حريتها وكونها ذات زوج دائم قد دخل بها.

ولا يثبت الحدّ بالزنا الا مع البلوغ والعقل والاختيار والعلم بالحكم والموضوع.

ولا يثبت الزنا في حق شخص الا بامرين : اقراره اربع مرات او قيام البينة عليه التي هي عبارة عن شهادة اربعة رجال عدول او ثلاثة وامرأتين بل يثبت بشهادة رجلين واربع نساء غايته يثبت بذلك الجلد دون الرجم.

ويعتبر في شهادة الشهود ان تكون عن حس ورؤية مع وحدة المشهود به‌

__________________

(١) الجزّ : القطع.

(٢) البكر هو من تزوج ولم يدخل. ويأتي تفسيره في صحيحة الحلبي بمن املك ـ اي تزوج ـ ولم يدخل.


زمانا ومكانا ، ولو شهدوا من دون ذلك حدّوا هم دون المشهود عليه.

ويلزم اداء الشهود للشهادة سوية فلو شهد بعضهم حدّوا حدّ القذف ولم ينتظر اتمام العدد.

ويلزم الاسراع في اقامة الحدود بعد اداء الشهادة ولا يجوز تأجيلها.

ويدفن الرجل اذا اريد رجمه الى حقويه (١) والمرأة الى موضع الثديين.

ويبدأ الامام بالرجم ان كان الزنا قد ثبت بالاقرار ويبدأ الشهود بذلك ان كان قد ثبت بواسطة البينة.

ويستحب اعلام الناس به ليحضروه بل يجب حضور طائفة عند اقامته.

وينبغي ان تكون الا حجار صغارا.

ويجلد الزاني وهو قائم على الحالة التي وجد عليها ان عاريا فعاريا وان كاسيا فكاسيا ويتقى الوجه والمذاكير.

وتجلد الزانية وهي جالسة مرتدية ثيابها.

ويؤمر من يراد رجمه باغتسال غسل الميت ويكفن ويحنط ثم يرجم الى ان يموت ويصلى عليه بعد ذلك ويدفن في مقابر المسلمين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان العقوبة الشرعية تكون تارة حدا واخرى تعزيرا‌ فواضح لان الشرع اما ان يكون قد حدّد مقدار العقوبة على مخالفة التكليف الشرعي او يكون قد اوكل امر ذلك الى نظر الحاكم الشرعي. والاول هو الحدّ والثاني هو التعزير.

٢ ـ واما ان الزنا موجب للحدّ‌ فهو من ضروريات الدين ، وصريح‌

__________________

(١) الحقو بفتح الحاء : معقد الازار.


الكتاب الكريم : (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (١) ناطق بذلك.

٣ ـ واما ان الزنا يتحقق بايلاج مقدار الحشفة‌ فهو المعروف بين الاصحاب. وقد دلت عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «جمع عمر بن الخطاب اصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها ولا ينزل؟ فقالت الانصار : الماء من الماء. وقال المهاجرون : اذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر لعلي عليه‌السلام : ما تقول يا ابا الحسن؟ فقال علي عليه‌السلام : أتوجبون عليه الحدّ والرجم ولا توجبون عليه صاعا من الماء؟ اذا التقى الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر : القول ما قال المهاجرون ودعوا ما قالت الأنصار» (٢) ، وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : اذا ادخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» (٣) ، وغيرهما فانها دلت على ان موضوع وجوب الغسل والمهر والحد شي‌ء واحد وهو التقاء الختانين. ويتحقق ذلك ـ التقاء الختانين ـ بادخال مقدار الحشفة ، كما هو واضح (٤) ، وقد دلت عليه صحيحة محمد بن اسماعيل‌

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٤٧٠ الباب ٦ من ابواب الجنابة الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١ : ٤٦٩ الباب ٦ من ابواب الجنابة الحديث ١.

(٤) ذكر الرازي عند تفسير قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) المائدة ٦ : ان ختان الرجل هو الموضع الذي تقطع فيه جلدة الغلفة. واما ختان المرأة فيتضح بعد الالتفات الى ان شفريها محيطان بثلاثة أشياء : ثقبة في اسفل الفرج هي مدخل الذكر ومخرج الحيض والولد ، وثقبة اخرى فوق ذلك مثل احليل الذكر هي مخرج البول ، وهناك شي‌ء ثالث فوق ثقبة البول هو‌


بن بزيع : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال : اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال نعم» (١).

٤ ـ واما عدم الفرق بين القبل والدبر‌ فهو المشهور. ونقل ابن حمزة قولا لقائل غير معروف كون الادخال في دبر المرأة لواطا (٢).

وقد يستدل على التعميم المذكور اما بان الوارد في خطابات الحدّ عنوان الزنا والفجور والاتيان ، واطلاق ذلك صادق على اتيان المرأة في دبرها ، او بالتمسك باطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة : «اذا ادخله فقد وجب الغسل والمهر والرجم» بعد وضوح انصرافها عن الادخال في غير الموضعين.

ولا ينافي ذلك التحديد بالتقاء الختانين في بعض الروايات المتقدمة ـ كما في صحيحة ابن بزيع المتقدمة ـ لأنها ناظرة الى الحالة الغالبة ، وهي الوطء في القبل.

اما كيف نثبت اعتبار دخول مقدار الحشفة بلحاظ الدبر أيضا؟ لا بدّ ان يدعى ان المفهوم مما دلّ على اعتبار غيبوبة الحشفة اعتبار ذلك في مطلق الدخول وعدم الخصوصية للقبل من هذه الناحية.

__________________

موضع ختانها وفيه جلدة رقيقة تشبه عرف الديك ، وختانها يتحقق بقطع تلك الجلدة.

والحشفة اذا غابت حاذى ختانها ختانه. لا حظ تفسير الرازي ٦ : ١٦٨ عند تفسير آية الوضوء من سورة المائدة.

(١) وسائل الشيعة ١ : ٤٦٩ الباب ٦ من ابواب الجنابة الحديث ٢.

(٢) جواهر الكلام ٤١ : ٢٦١.


حدّ الزنا‌

٥ ـ واما ثبوت القتل في الزنا بالمحارم النسبية‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة ابي ايوب : «سمعت ابن بكير بن أعين يروي عن احدهما عليهما السّلام : من زنى بذات محرم حتى يواقعها ضرب ضربة بالسيف اخذت منه ما اخذت. وان كانت تابعة ضربت ضربة بالسيف اخذت منها ما اخذت ...» (١) ، وصحيحة جميل بن دراج : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟ اين هذه الضربة؟ قال : تضرب عنقه او قال : تضرب رقبته» (٢) وغيرهما.

وقد يشكل بعدم دلالتهما على لزوم تحقق القتل بالضربة بل هما تدلان على اعتبار الضرب بالسيف بأي مقدار اثر.

وقد يجاب بان المراد عرفا من مثل تعبير «تضرب عنقه» الكناية عن القتل دون المدلول المطابقي. والتعبير بجملة «اخذت منه ما اخذت» لا يراد به الاشارة الى عدم لزوم تحقق القتل بل الى عدم لزوم التحفظ في مقام ايقاع الضربة. هذا مضافا الى ان المسألة لم يعرف فيها خلاف.

اجل ورد في رواية عامر بن السمط عن علي بن الحسين عليه‌السلام : «الرجل يقع على اخته قال : يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت فان عاش خلّد في السجن حتى يموت» (٣). ونحوها رواية محمد بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٥ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٥ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٧ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.


عبد الله بن مهران عمن ذكره عن ابي عبد الله عليه‌السلام (١). ولكنهما لضعف سندهما ـ الاولى بعامر لعدم ثبوت وثاقته ، والثانية بالارسال وبمحمد بن عبد الله الذي لم تثبت وثاقته أيضا ـ لا تصلحان للمعارضة.

واذا قلت : ان موثقة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا زنى الرجل بذات محرم حد حدّ الزاني الا انه اعظم ذنبا» (٢) دلت على عدم الخصوصية للزنا بذات محرم.

قلت : ان مضمونها مهجور بين الاصحاب فلا تصلح للمعارضة.

ثم ان المستفاد من الروايات اعتبار تحقق القتل بأمرين : ضرب الرقبة وكونه بالسيف. والحكم بالتعدي الى القتل بغير ذلك ـ كالقتل برصاص المسدس ونحوه في الصدر او الرأس ونحوهما ـ يتوقف على عدم فهم الخصوصية.

٦ ـ واما الخلاف في تعميم الحكم للزنا بالمحرمات السببيات ـ كالزنا بام الزوجة او بنتها ـ والمحرمات من الرضاع‌ فينشأ من دعوى اطلاق النصوص فيحكم بالتعميم ، ومن دعوى الاجماع او انصرافها عن مثل ذلك فيحكم بالاختصاص.

٧ ـ واما ثبوت القتل في زنا الذمي بالمسلمة‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة حنان بن سدير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن يهودي فجر بمسلمة قال : يقتل» (٣).

والمعروف في كلمات الاصحاب تخصيص الحكم بالذمي الا انه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٥ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٦ الباب ١٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٠٧ الباب ٣٦ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.


ينبغي التعدي الى غيره لإطلاق الصحيحة بل قد يدعى الجزم بعدم الخصوصية.

٨ ـ واما ثبوت القتل في الزنا بالمرأة عن اكراه لها‌ فلم يعرف فيه خلاف أيضا. وتدل عليه صحيحة بريد العجلي : «سئل ابو جعفر عليه‌السلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها قال : يقتل محصنا كان او غير محصن» (١) وغيرها.

واما صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها او عاش» (٢) فلا تصلح للمعارضة لهجران الاصحاب لمضمونها بل لم يفرض فيها تحقق الزنا.

٩ ـ واما القتل في المرة الرابعة اذا فرض تكرر الزنا والجلد ثلاث مرات‌ فهو المشهور بين الاصحاب. وتدل عليه موثقة ابي بصير : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : الزاني اذا زنى يجلد ثلاثا ويقتل في الرابعة ، يعني جلد ثلاث مرات» (٣) وغيرها.

وقيل يقتل في المرة الثالثة كسائر اصحاب الكبائر استنادا الى صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن ابي الحسن الماضي عليه‌السلام : «اصحاب الكبائر كلها اذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة» (٤) ، ولكنها ـ كما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨١ الباب ١٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٢ الباب ١٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٧ الباب ٢٠ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٨ الباب ٢٠ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٣.


نقل الحر عن شيخ الطائفة (١) ـ مطلقة فتقيد بغير الزاني لأجل الموثقة.

١٠ ـ واما ان الجلد ثابت في حق الزاني او الزانية اذا لم يكونا محصنين‌ فهو مما لا خلاف فيه للآية الكريمة : (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (٢) ، والروايات الشريفة ، كموثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الحر والحرة اذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة ، فاما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم» (٣) وغيرها.

١١ ـ واما ان المرأة اذا زنى بها صبي تجلد ولا ترجم حتى ولو كانت محصنة‌ فلصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى بامرأة قال : يجلد الغلام دون الحد وتجلد المرأة الحدّ كاملا. قيل : فان كانت محصنة ، قال : لا ترجم لان الذي نكحها ليس بمدرك ولو كان مدركا رجمت» (٤).

١٢ ـ واما ثبوت الرجم في حق الزاني والزانية المحصنين‌ فهو مما لا خلاف فيه للروايات المتعددة ، كموثقة سماعة المتقدمة في الرقم ١٠ وغيرها.

هذا في غير الشيخ والشيخة. واما هما فاللازم في حقهما الجمع بين الجلد والرجم كما سيأتي. بل قيل بلزوم ذلك في حق الشابين أيضا واختاره المحقق الحلي (٥).

__________________

(١) راجع ذيل الحديث في الوسائل.

(٢) النور : ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٧ الباب ١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٦٢ الباب ٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٥) شرائع الإسلام ٤ : ٩٣٧ ، انتشارات استقلال.


واما تقييد ثبوت الرجم في حق الزانية المحصنة بما اذا كان الزاني بها بالغا فلما تقدم.

وقيل بأن الحكم في حق الزاني ذلك أيضا فلا يثبت في حقه الرجم اذا كانت المزني بها مجنونة أو صبية بل يثبت الجلد واختاره المحقق قدس‌سره أيضا (١).

١٣ ـ واما ثبوت الجلد والرجم معا في حق الشيخ والشيخة المحصنين‌ فلم يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «في الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم. والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة» (٢).

واطلاقها وان اقتضى ثبوت الجمع في حق غير المحصن أيضا الا انه قد يقال بلزوم تقييده بالاحصان لصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في الشيخ والشيخة ان يجلدا مائة. وقضى للمحصن الرجم وقضى في البكر والبكرة اذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير مصرهما وهما اللذان قد املكا ولم يدخل بها» (٣) ، فان فقرة : «وقضى للمحصن الرجم» تدل على ان الرجم خاص بالمحصن ولا يثبت في حق غيره.

وهل تدل الفقرة المذكورة على ثبوت الرجم وحده ومن دون جلد‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٤ : ٩٣٧ ، انتشارات استقلال.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٨ الباب ١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٩.

والبكر والبكرة هما من تزوج ولم يدخل. وقد عبّر عنهما في بعض الروايات بمن املك ولم يدخل.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٧ الباب ١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.


في حق المحصن ـ لتعارض صحيحة الحلبي ـ أو هي ساكتة من هذه الناحية؟ لا يبعد الثاني. ومعه فلا تعارض صحيحة الحلبي الدالة على اضافة الجلد الى الرجم.

١٤ ـ واما ثبوت الجلد والجز والنفي من البلد في حق البكر‌ فتدل عليه صحيحة حنان : «سأل رجل ابا عبد الله عليه‌السلام وأنا اسمع عن البكر يفجر وقد تزوج ففجر قبل ان يدخل بأهله ، فقال : يضرب مائة ويجز شعره وينفى من المصر حولا ويفرّق بينه وبين أهله» (١).

هذا وقد ورد في صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام : «سألته عن رجل تزوج امرأة ولم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال : يجلد الحد ويحلق رأسه ويفرّق بينه وبين أهله وينفى سنة» (٢) التعبير بالحلق بدل الجز ، والجمع يقتضي الحمل على التخيير بينهما.

هذا وقد قيل بأن الجلد والجز والنفي لا يختص بالبكر بل يعم كل زان غير محصن. وممن اختار ذلك المحقق قدس‌سره (٣).

واما الحكم بالتفريق فلا بدّ من حمله على الاولوية دون الكناية عن الانفساخ وتحقق الحرمة المؤبدة لعدم احتمال ذلك فقهيا.

ثم ان الحكم بجز الشعر او حلقه يختص بالرجل ولا يعمّ المرأة من دون نقل خلاف في ذلك ، ويكفي لإثباته القصور في المقتضي فلاحظ.

اجل الحكم بالتغريب عن البلاد يعمها ـ وان استشكل فيه جمع‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٩ الباب ٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٩ الباب ٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٨.

(٣) شرائع الإسلام ٤ : ٩٣٧ ، انتشارات استقلال.


من الفقهاء ـ لدلالة صحيحتي محمد بن قيس والحلبي المتقدمتين في الرقم ١٣ ـ على ذلك.

الاحصان‌

١٥ ـ واما ان الاحصان في الرجل لا يتحقق الا مع حريته‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في العبيد اذا زنى احدهم ان يجلد خمسين جلدة وان كان مسلما او كافرا او نصرانيا ولا يرجم ولا ينفى» (١) وغيرها.

واما انه يعتبر في احصان الرجل أيضا كونه ذا زوجة دائمة قد دخل بها وهو يتمكن من وطئها متى شاء فتدل عليه صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام في حديث : «لا يرجم الغائب عن اهله ولا المملك الذي لم يبن بأهله ولا صاحب المتعة» (٢) ، فان الفقرة الثالثة تدل على اعتبار دوام الزوجية والثانية على اعتبار الدخول بها والاولى على اعتبار التمكن من وطئها متى ما شاء ، إذ الغيبة تلحظ عرفا بنحو الطريقية الى عدم التمكن من الوطء.

وبقطع النظر عن ذلك يمكن استفادة المطلوب بوضوح من صحيحة إسماعيل بن جابر عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قلت : ما المحصن رحمك الله؟ قال : من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن» (٣)

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٠٢ الباب ٣٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٥ الباب ٣ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥١ الباب ٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.


وصحيحة حريز : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المحصن ، قال : الذي يزني وعنده ما يغنيه» (١) وغيرهما.

ثم انه ورد في صحيحة عمر بن يزيد السابقة ذيل بالشكل التالي : «قلت : ففي أي حدّ سفره لا يكون محصنا؟ قال : اذا قصر وافطر فليس بمحصن» (٢) ، وهو يدل على ان الاحصان ينتفي بالسفر الموجب لقصر الصلاة والافطار في الصوم وليس بكل غياب. ولكن ذلك يلزم تأويله أو طرحه لعدم قائل به من الاصحاب ، ولذا قال المحقق : «وفي رواية مهجورة دون مسافة التقصير» (٣).

١٦ ـ واما ان المرأة لا يتحقق احصانها الا مع حريتها‌ فأمر لا خلاف فيه. ويمكن استفادته من صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ، فان كلمة «العبيد» يفهم منها العموم وعدم الخصوصية للذكورة.

واما اعتبار ان يكون لها زوج فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم الا ان يكون الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل» (٤) وغيرها.

واما اعتبار ان يكون الزوج قد دخل بها فيمكن استفادته من صحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن احدهما عليهما السّلام : «سألته عن قول الله عز وجل : (فَإِذا أُحْصِنَّ) (٥) قال : احصانهن ان يدخل بهن. قلت : ان لم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٢ الباب ٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٦ الباب ٤ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٣) شرائع الإسلام ٤ : ٩٣٣ ، انتشارات استقلال.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٥ الباب ٣ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٥) النساء : ٢٥.


يدخل بهن أما عليهن حدّ؟ قال : بلى» (١).

واما اعتبار دوام الزوجية فأمر متسالم عليه بين الاصحاب. وقد يستدل عليه بموثقة اسحاق بن عمار : «... قلت : فان كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟ فقال : لا ، انما هو على الشي‌ء الدائم عنده» (٢) ، بتقريب ان المراد من قوله : «انما هو ...» ان الاحصان لا يكون الا في الشي‌ء الدائم من دون فرق بين احصان الرجل واحصان المرأة.

شرائط ثبوت حدّ الزنا‌

١٧ ـ واما اعتبار البلوغ والعقل في ثبوت حدّ الزنا‌ فأمر متسالم عليه. ويكفي لا ثباته ما تقدم في أوائل الكتاب من اشتراط كل تكليف بالبلوغ والعقل وان فاقدهما قد رفع عنه القلم.

أجل قد يقال بلزوم تأديب الصبي من باب التعزير حسب ما يراه الحاكم مصلحة لدلالة بعض النصوص على ذلك ، ففي رواية بريد الكناسي عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... قلت : الغلام اذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال : اما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنه ...» (٣).

واما اعتبار الاختيار فأمر متسالم عليه أيضا ، ويكفي لا ثباته‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٨ الباب ٧ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٥٢ الباب ٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣١٤ الباب ٦ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ١.


حديث الرفع (١).

١٨ ـ واما اعتبار العلم بالحكم والموضوع‌ فلانه بدونه يكون الوطء بالشبهة ولا يصدق عنوان الزنا ليثبت حكمه. هذا مضافا الى دلالة جملة من النصوص عليه ، كصحيحة عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان رجلا أعجميا دخل المسجد يلبي وعليه قميصه فقال لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني كنت رجلا أعمل واجتمعت لي نفقة فحيث احج لم اسأل أحدا عن شي‌ء وافتوني هؤلاء ان اشق قميصي وأنزعه من قبل رجلي وان حجي فاسد وان عليّ بدنة فقال له ... اي رجل ركب امرا بجهالة فلا شي‌ء عليه ...» (٢) ، فانها باطلاقها تشمل المقام. ومجرد ورودها في باب الحج لا يمنع من انعقاد الاطلاق فيها.

واما حديث «ادرءوا الحدود بالشبهات» (٣) فقد رواه الشيخ الصدوق بشكل مرسل ولا يمكن الاستناد اليه الا بناء على حجية مراسيل الشيخ الصدوق بشكل مطلق او خصوص ما كان الارسال فيها بلسان قال او بناء على تمامية كبرى الانجبار.

ودعوى صاحب الرياض ان النص الدال على قاعدة «الحدود تدرأ بالشبهات» متواتر (٤) لا نعرف وجهها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من ابواب جهاد النفس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ١٢٥ الباب ٤٥ من ابواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٣٧ الباب ٢٤ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ٤.

(٤) رياض المسائل ٢ : ٤٩٥.


الوسائل المثبتة للزنا‌

١٩ ـ واما ان الزنا لا يثبت الا بالاقرار اربع مرات‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «رجل قال لامرأته : يا زانية انا زنيت بك قال : عليه حدّ واحد لقذفه اياها ، واما قوله : انا زنيت بك فلا حدّ فيه الا ان يشهد على نفسه اربع شهادات بالزنا عند الامام» (١) وغيرها. وهي باطلاقها تشمل الجلد أيضا ولا تختص بالرجم وان كانت بعض الروايات الاخرى خاصة به فلاحظ.

واما صحيحة الفضيل : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : من اقرّ على نفسه عند الامام بحق من حدود الله مرة واحدة حرا كان او عبدا او حرة او امة فعلى الامام ان يقيم الحد عليه ... الا الزاني المحصن فانه لا يرجمه حتى يشهد عليه اربعة شهداء ... فقال له بعض اصحابنا : يا ابا عبد الله فما هذه الحدود التي اذا اقرّ بها عند الامام مرة واحدة على نفسه اقيم عليه الحد فيها؟ فقال : اذا اقرّ على نفسه عند الامام بسرقة قطعه فهذا من حقوق الله ، واذا اقرّ على نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق الله ، واذا اقرّ على نفسه بالزنا وهو غير محصن فهذا من حقوق الله ...» (٢) التي يستفاد منها كفاية الاقرار مرة واحدة في ثبوت الجلد فلا بدّ من حملها على التقية لاشتمالها على ما يخالف مذهب اصحابنا من ناحيتين : دلالتها على عدم ثبوت الرجم بالاقرار اربع مرات بل بخصوص شهادة اربعة ، ودلالتها على نفوذ اقرار العبد والامة ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٤٦ الباب ١٣ من أبواب حدّ القذف الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٣ الباب ٣٢ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ١.


وكلاهما لا يلتزم به اصحابنا.

ثم انه هل يلزم في الاقرار اربع مرات ـ بعد كونه هو المعتبر ـ وقوعه في اربعة مجالس او يكفي وقوعه في مجلس واحد؟ قيل بالاول. والمناسب الثاني لإطلاق ما تقدم فلاحظ.

٢٠ ـ واما ان البينة التي يثبت بها الزنا هي ما تقدم‌ فقد اتضح وجهه في باب الشهادات تحت عنوان «اختلاف الحقوق في الاثبات».

٢١ ـ واما انه يعتبر في الشهادة ان تكون عن حس ورؤية‌ فهو مما تسالم عليه الاصحاب. وتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «حدّ الرجم ان يشهد اربعة انهم رأوه يدخل ويخرج» (١) وغيرها.

وهل يلزم رؤية نفس الادخال والاخراج والشهادة بانهم رأوا ذلك كالميل في المكحلة؟ يظهر من الاصحاب ذلك. ولعلهم استندوا الى موثقة ابي بصير : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما اربعة شهداء على الجماع والايلاج والادخال كالميل في المكحلة» (٢).

ولكن احتمال اعتبار ذلك بعيد جدا ، فان لازمه سدّ باب الشهادة على الزنا الا نادرا لعدم امكان تحقق ذلك في الخارج عادة ، والحال ان الشهادة على الزنا قد تحققت مرارا في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده.

والمناسب الاكتفاء برؤية المقدمات والافعال الملازمة لتحقق الدخول كالميل في المكحلة ، والموثقة لا تدل على اعتبار رؤية الايلاج‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧١ الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧١ الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٤.


نفسه بل تدل على ان الشهادة على الزنا بشكل مطلق لا تكفي بل لا بدّ من الشهادة على تحقق الايلاج كالميل في المكحلة وليس على رؤية ذلك.

٢٢ ـ واما انه يعتبر وحدة المشهود به زمانا ومكانا‌ فلانه بدونه لا يتحقق قيام البينة على الزنا الواحد.

واما ان الشهود يحدون مع عدم وحدة المشهود به فلأنه اذا لم يثبت الزنا بشهادتهم تكون شهادتهم مصداقا للقذف بالزنا فيلزم حدهم حدّ القذف.

واما انه اذا لم يؤدّ الشهود شهادتهم سوية يحدّ من سبق بشهادته حدّ القذف فلموثقة السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال علي عليه‌السلام : أين الرابع؟ قالوا : الآن يجي‌ء فقال علي عليه‌السلام : حدّوهم فليس في الحدود نظرة ساعة» (١) وغيرها.

٢٣ ـ واما لزوم التعجيل في اقامة الحدود من دون تأجيل‌ فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب. وتدل عليه موثقة السكوني السابقة.

كيفية اقامة الحدّ‌

٢٤ ـ واما ان الرجل يدفن الى حقويه والمرأة الى صدرها‌ فهو المشهور. وتدل عليه موثقة سماعة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «تدفن المرأة الى وسطها ثم يرمي الامام ويرمي الناس بأحجار صغار. ولا يدفن الرجل اذا رجم الا الى حقويه» (٢) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٢ الباب ١٢ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٤ الباب ١٤ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٣.


ولا يبعد كون المقصود من الوسط موضع الثديين بقرينة صحيحة ابي مريم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «اتت امرأة امير المؤمنين عليه‌السلام فقالت : اني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها فتحولت حتى استقبلت وجهه فقالت : اني قد فجرت فاعرض عنها ثم استقبلته فقالت : اني قد فجرت فأعرض عنها ثم استقبلته فقالت : اني فجرت فأمر بها فحبست وكانت حاملا فتربص بها حتى وضعت ، ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة ... وأدخلها الحفيرة الى الحقو وموضع الثديين ...» (١).

٢٥ ـ واما ان الامام يبدأ بالرجم ان كان الزنا قد ثبت بالاقرار والا فالبينة تبدأ بذلك‌ فهو ما عليه المشهور. وتدل عليه رواية صفوان عمّن رواه عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا اقرّ الزاني المحصن كان اول من يرجمه الامام ثم الناس فاذا قامت عليه البينة كان اول من يرجمه البينة ثم الامام ثم الناس» (٢). ولأجل انها مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها الا بناء على احد امور ثلاثة : تمامية كبرى الانجبار بعمل المشهور او البناء على وثاقة كل من روى عنه احد الثلاثة او البناء على حجية الرواية اذا ورد في سندها احد بني فضّال وان اشتمل على الضعف من بعض النواحي. واما اذا لم نبن على الامور المذكورة فيلزم على الامام البدأة مطلقا تمسكا باطلاق موثقة سماعة المتقدمة.

بل يلزم البناء على النتيجة المذكورة حتى لو قبلنا بكبرى الامر الثاني ، فان رواية احد الثلاثة عن شخص وان كانت من دلائل وثاقته الا انه حيث لم يذكر باسمه في الرواية فنحتمل وجود جارح له ولذلك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٠ الباب ١٦ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٤ الباب ١٤ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.


يدخل المقام في مورد تعارض الجرح والتعديل ويسقط توثيقه عن الاعتبار.

٢٦ ـ واما استحباب اعلام المؤمنين‌ فتدل عليه عدة روايات ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام ان امير المؤمنين عليه‌السلام : «أتاه رجل بالكوفة فقال : يا امير المؤمنين اني زنيت فطهّرني وذكر انه أقرّ اربع مرات الى ان قال : ثم نادى في الناس : يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام على هذا الرجل الحد ...» (١) وغيرها.

والصحيحة وان كانت ضعيفة السند بطريق الشيخ الكليني الا انه لا غبار عليها في طريقها الآخر ، حيث ان لصاحب الوسائل طريقا صحيحا الى تفسير القمي اشار اليه في آخر الوسائل (٢) ، والقمي بدوره له طريق صحيح الى ابي بصير وقد نقله الحرّ في ذيل الصحيحة فلاحظ.

واما وجوب حضور طائفة من المؤمنين فيدل عليه قوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٣).

٢٧ ـ واما انه ينبغي ان تكون الحجار صغارا‌ فلموثقة سماعة المتقدمة في الرقم ٢٤ وغيرها.

٢٨ ـ واما ان الزاني يجلد قائما اذا كان رجلا وقاعدا اذا كان امرأة ويتقى الوجه والمذاكير‌ فتدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٢ الباب ٣١ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ٣.

(٢) فقد نقل في الفائدة الرابعة ٢٠ : ٤٣ ان تفسير القمي هو من جملة الكتب التي ينقل منها ثم ذكر في الفائدة الخامسة ٢٠ : ٤٩ طرقه الصحيحة الى تفسير القمي وغيره.

(٣) النور : ٢.


«يضرب الرجل الحد قائما والمرأة قاعدة ، ويضرب على كل عضو ويترك الرأس والمذاكير» (١).

واما ان الرجل يجلد على الحالة التي وجد عليها ان كاسيا فكاسيا وان عاريا فعاريا فهو المشهور بين الاصحاب. وتدل عليه موثقة طلحة بن زيد عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام : «... ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها ، ان وجد عريانا ضرب عريانا ، وان وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه» (٢).

وطلحة وان لم يوثق في كتب الرجال الا ان شهادة الشيخ بالاعتماد على كتابه ـ حيث قال : «طلحة بن زيد. له كتاب. وهو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد» (٣) يسهّل الامر فيه.

وعليه فلا مشكلة من ناحية طلحة الا انه في مقابل موثقته موثقة اسحاق بن عمار : «سألت ابا ابراهيم عليه‌السلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال : أشد الجلد. قلت : فمن فوق ثيابه؟ قال : بل تخلع ثيابه ...» (٤). وهي ان امكن حملها على حالة وجدانه عاريا ثم اكتسى بعد ذلك فلا مشكلة والا فالمناسب تحقق التعارض فيما اذا وجد وهو مكتس. ومع التساقط يكون المرجع اطلاق مثل قوله تعالى : (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (٥) وتكون النتيجة جواز جلده وهو مكتس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٦٩ الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٧٠ الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٧.

(٣) فهرست الشيخ الطوسي : ٨٦ الرقم ٣٦٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٦٩ الباب ١١ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٢.

(٥) النور : ٢.


ان وجد كذلك.

٢٩ ـ واما ان المرأة تجلد وهي مرتدية لثيابها‌ فيكفي لإثباته القصور في المقتضي ، فان ما دلّ على الجلد عاريا يختص بالرجل. على انه لا يحتمل وجوب او جواز ابراز بدنها.

٣٠ ـ واما ان من يراد رجمه يؤمر باغتسال غسل الميت اولا ثم يكفن ويحنط‌ فهو المشهور بين الاصحاب ، بل قد يدعى عدم الخلاف فيه. وتدل عليه رواية مسمع كردين عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان ويصلّى عليهما ...» (١). وهي واضحة الدلالة على المطلوب الا انها ضعيفة السند بطرقها الأربع من عدة جهات فلاحظ. ولا يمكن الاعتماد عليها الا بناء على تمامية كبرى الجابرية.

٣١ ـ واما انه يصلى على الزاني بعد رجمه ويدفن في مقابر المسلمين‌ فهو واضح لاقتضاء القاعدة له ، فان المرجوم لا يخرج عن الإسلام بارتكابه الذنب ورجمه. هذا مضافا الى دلالة بعض الروايات على ذلك ، كصحيحة ابي مريم المتقدمة في الرقم ٢٤ حيث ورد في آخرها ان المرأة المرجومة لما ماتت قيل للإمام عليه‌السلام : «فكيف نصنع بها؟ قال : فادفعوها الى أوليائها ومروهم ان يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٧٠٣ الباب ١٧ من أبواب غسل الميت الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٨٠ الباب ١٦ من أبواب حدّ الزنا الحديث ٥.


الثاني : اللواط‌

حدّ اللائط والملوط به ـ اذا كانا مكلفين ـ القتل بأحد الاساليب التالية :

١ ـ الاحراق بالنار.

٢ ـ الدحرجة من شاهق مشدود اليدين والرجلين.

٣ ـ الضرب بالسيف ثم الاحراق بالنار.

٤ ـ الرجم.

وحدّ اللواط مع الايقاب (١) ما تقدم ، ومع عدمه ـ وذلك بالتفخيذ ـ مائة جلدة ، الا اذا تكرر مرتين مع الحد فانه يقتل في الثالثة.

ويثبت اللواط بالاقرار اربع مرات وبشهادة اربعة رجال عدول.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ اللواط احد الامور المتقدمة‌ فهو المشهور بين الاصحاب ، بل لعل الحكم في الملوط به كاد يبلغ حدّ التسالم. وتدل عليه صحيحة مالك عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال لرجل اقرّ عنده باللواط اربعا : يا هذا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر ايهن شئت ، قال : وما هن يا امير المؤمنين؟ قال : ضربة بالسيف في عنقك بالغة منك ما بلغت او اهداب [اهداء] (٢) من جبل مشدود اليدين والرجلين او احراق بالنار» (٣) ، وصحيحة عبد الرحمن العرزمي : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : وجد رجل مع رجل في امارة‌

__________________

(١) لاط به : لصق به. والايقاب : الادخال.

(٢) وفي الوافي ١٥ : ٣٣٥ : او دهداء.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤١٩ الباب ٣ من ابواب حد اللواط الحديث ١.


عمر فهرب احدهما واخذ الآخر فجي‌ء به الى عمر فقال للناس : ما ترون في هذا؟ فقال هذا : اصنع كذا ، وقال هذا : اصنع كذا. قال : فما تقول يا ابا الحسن؟ قال : اضرب عنقه فضرب عنقه. قال : ثم اراد ان يحمله فقال : مه انه بقي من حدوده شي‌ء قال : أي شي‌ء بقي؟ قال : ادع بحطب فدعا عمر بحطب فأمر به امير المؤمنين عليه‌السلام فأحرق به» (١) ، وموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : لو كان ينبغي لأحد ان يرجم مرتين لرجم اللوطي» (٢).

ومورد بعض هذه الروايات وان كان هو اللائط الا انه يمكن التعميم للملوط به اما بضم عدم القول بالفصل او لان المستفاد من الروايات ان عقوبة الملوط به اشد من عقوبة اللائط ـ فلاحظ صحيحة حماد بن عثمان : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل اتى رجلا ، قال : عليه ان كان محصنا القتل ، وان لم يكن محصنا فعليه الجلد. قلت : فما على المؤتى به؟ قال : عليه القتل على كل حال محصنا كان او غير محصن» (٣) ـ فاذا ثبت ما سبق في حق اللائط فيلزم ثبوته في حق الملوط به بالاولوية.

ثم ان المشهور ان حكم اللائط القتل حتى اذا لم يكن محصنا ، ولكن بعض الروايات ـ كصحيحة حماد المتقدمة وغيرها ـ دلت على ان اللائط يجلد ولا يقتل فيما اذا لم يكن محصنا. والمناسب العمل على طبقها لمن لا يرى سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٠ الباب ٣ من ابواب حد اللواط الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٠ الباب ٣ من ابواب حد اللواط الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤١٧ الباب ١ من ابواب حد اللواط الحديث ٤.


العمل بها.

ثم ان بعض الفقهاء ذكر في جملة أساليب القتل في اللواط القاء جدار على اللائط او الملوط به. ولا مستند لذلك سوى الفقه الرضوي (١) الذي لم يثبت كونه رواية. ومع التنزل فهو من قسم المراسيل.

٢ ـ واما تقييد ثبوت الحد على اللواط بحالة فرض التكليف‌ فباعتبار رفع القلم عن الصبي والمجنون. اجل يؤدب الصبي على ذلك لصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سمعته يقول : ان في كتاب علي عليه‌السلام اذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين ضرب الرجل وادب الغلام. وان كان ثقب وكان محصنا رجم» (٢). والمراد من قوله : «ضرب الرجل» ضرب الحد والا فهما في اصل الضرب مشتركان.

ويؤيد ذلك رواية ابي بكر الحضرمي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «أتي امير المؤمنين عليه‌السلام بامرأة وزوجها ، قد لاط زوجها بابنها من غيره وثقبه وشهد عليه بذلك الشهود فأمر به عليه‌السلام فضرب بالسيف حتى قتل وضرب الغلام دون الحد وقال : أما لو كنت مدركا لقتلتك لإمكانك اياه من نفسك بثقبك» (٣) ، فان سندها وان كان ضعيفا من ناحية بكر بن صالح بل ومن ناحية سهل ومحمد بن سنان على قول الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٨ : ٨٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢١ الباب ٣ من ابواب حد اللواط الحديث ٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤١٨ الباب ٢ من ابواب حد اللواط الحديث ١.


الثالث : حدّ التفخيذ‌

٣ ـ واما ان حدّ التفخيذ من دون ايقاب مائة جلدة‌ فهو المشهور. وقد يستفاد من صحيحة ابي بصير المتقدمة ، فان التعبير بقوله عليه‌السلام : «وان كان ثقب ...» يدل على وقوع شي‌ء من الرجل دون الثقب في مفروض الفقرة السابقة ، وليس هو الا التفخيذ. ومع فرض الاطلاق يلزم التقييد بالتفخيذ للاتفاق على عدم ثبوت مائة جلدة في النوم المجرد.

اجل ورد في صحيحة الحسين بن سعيد : «قرأت بخط رجل أعرفه الى ابي الحسن عليه‌السلام وقرأت جواب ابي الحسن عليه‌السلام بخطه : هل على رجل لعب بغلام بين فخذيه حد ، فان بعض الصحابة روى انه لا بأس بلعب الرجل بالغلام بين فخذيه؟ فكتب : لعنة الله على من فعل ذلك. وكتب أيضا هذا الرجل ولم أر الجواب : ما حدّ رجلين نكح احدهما الآخر طوعا بين فخذيه ما توبته؟ فكتب القتل» (١) ان حدّ التفخيذ هو القتل. ولكنه لا يمكن الاعتماد عليها لان الرجل الكاتب مجهول. وتعبير ابن سعيد بقوله : «اعرفه» لا يدل على توثيقه ، ولو دلّ فهو لا ينفي وجود الجارح المعارض بعد ما لم يذكر اسمه ، والمفروض ان جواب الامام عليه‌السلام لم يره ابن سعيد.

٤ ـ واما ان من تكرر منه التفخيذ مرتين وحدّ يقتل في الثالثة‌ فلإطلاق صحيحة يونس عن ابي الحسن الماضي عليه‌السلام : «اصحاب‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤١٧ الباب ١ من ابواب حد اللواط الحديث ٥.


الكبائر كلها اذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة» (١).

وقيل : بل يقتل في الرابعة. وكأن ذلك من باب القياس على الزاني ، حيث تقدم ان من جلد ثلاث مرات قتل في الرابعة. الا ان القياس المذكور لا وجه له بعد دلالة الصحيحة المتقدمة على القتل في مطلق الكبائر في المرة الثالثة ، والخارج منها هو الزنا لا غير.

٥ ـ واما ان اللواط يثبت بالاقرار اربع مرات دون الاقل من ذلك‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة مالك بن عطية المتقدمة في الرقم ١ ، حيث ورد فيها : «فلما كان في الرابعة قال له : يا هذا ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر ...» (٢) ، فان اللواط لو كان يثبت بالاقرار ثلاثا او بمرة واحدة لم يكن وجه لتأخير العقوبة الى الاقرار الرابع.

واما انه يثبت بشهادة اربعة رجال فباعتبار انه تقدم في بحث الشهادات تحت عنوان : «اختلاف الحقوق في الاثبات» ان كل اقرار واحد هو بمنزلة شهادة واحدة ، فاذا كان اللواط لا يثبت بأقل من اربعة اقرارات فيلزم ان لا يثبت بأقل من اربع شهادات.

الرابع : السحق (٣)

حدّ السحق مائة جلدة. ومع التكرر مرتين مع الحد يلزم القتل في الثالثة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣١٣ الباب ٥ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٢ الباب ٥ من ابواب حد اللواط الحديث ١.

(٣) السّحق : دلك المرأة فرجها بفرج أخرى. وقد كني عنه في بعض الروايات باللواتي مع اللواتي ، فلاحظ وسائل الشيعة الباب ٢٤ من ابواب النكاح المحرم الحديث ٤.


ويثبت ـ السحق ـ بأربعة رجال عدول.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ السحق مائة جلدة‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة محمد بن ابي حمزة وهشام وحفص كلهم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق فقال : حدها حد الزاني فقالت المرأة : ما ذكر الله ذلك في القرآن فقال : بلى. قالت : وأين هنّ؟ قال : هن اصحاب الرّس» (١) وغيرها. والمقصود من قوله عليه‌السلام : «حدّها حدّ الزاني» الاشارة الى الجلد ولو بقرينة صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «السّحاقة تجلد» (٢).

والمشهور ان ذلك حدّ للمحصنة أيضا. وقيل : بل ذلك حدّ غير المحصنة واما هي فحدّها الرجم.

٢ ـ واما انه مع التكرر واقامة الحد مرتين يلزم القتل في الثالثة‌ فقد تقدم وجهه عند بيان حدّ التفخيذ.

٣ ـ واما ان السحق يثبت بأربعة رجال‌ فقد تقدم وجهه في باب الشهادات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٤ الباب ١ من ابواب حد السحق الحديث ١.

ثم انه لا بدّ ان يكون المقصود من ذكر السحق في القرآن الكريم هو ذكر اصله وذاته لا حدّه والا فحدّه لم يذكر في آية اصحاب الرس ولا في غيرها. والمنقول ان فعل قوم لوط هو اللواط وفعل اصحاب الرس هو المساحقة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٢٥ الباب ١ من ابواب حد السحق الحديث ٢.


الخامس : القذف‌

حدّ القذف ـ وهو رمي الغير بالزنا او اللواط ـ ثمانون جلدة. ولا يثبت الا مع احصان المقذوف.

ولو قذف الوالد ولده لم يحد لأجله.

واذا تقاذف شخصان درئ الحدّ عنهما ولكن يعزران.

ومع تكرر القذف من القاذف وحدّه مرتين يقتل في الثالثة.

وسابّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بضعته الطاهرة سلام الله عليها أو احد الائمة من ابنائها صلوات الله عليهم اجمعين يجب على سامعه قتله بلا حاجة الى الاستئذان من الحاكم الشرعي الا ان يخاف على نفسه الضرر.

ويثبت القذف بشهادة رجلين عادلين وبالاقرار مرة واحدة.

المستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ القذف ثمانون جلدة‌ فيدل عليه صريح الكتاب العزيز : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١). ومورده وان كان خاصا برمي المحصنة الا انه يتعدى الى رمي المحصن اما بتنقيح المناط او بضم عدم القول بالفصل. وبقطع النظر عن ذلك تكفينا صحيحة ابي بصير عن ابي جعفر عليه‌السلام : «امرأة قذفت رجلا قال : تجلد ثمانين جلدة» (٢) وغيرها.

٢ ـ واما اعتبار احصان المقذوف في ثبوت الحدّ على القاذف‌ فهو‌

__________________

(١) النور : ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٣٢ الباب ٢ من ابواب حد القذف الحديث ١.


مما لا خلاف فيه ، اذ الآية الكريمة ان لم يكن لها مفهوم تنفي به الحدّ عن رمي غير المحصن فلا أقل من القصور في المقتضي فيتمسك بالبراءة.

والمراد من الاحصان العفة عن الزنا بنحو لا يكون الشخص متظاهرا به ، فالمتظاهر لا حدّ في قذفه بل قد يحكم بعدم التعزير أيضا لعدم احترامه.

ثم انه يعتبر في ثبوت الحدّ مضافا الى احصان المقذوف امور اخرى ، كإسلامه وبلوغه وعقله وحريته لدلالة الروايات على ذلك (١).

٣ ـ واما ان الاب لا يحدّ لو قذف ولده‌ فلصحيحة محمد بن مسلم : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن رجل قذف ابنه بالزنا قال : لو قتله ما قتل به وان قذفه لم يجلد له ...» (٢).

والسند تام ، فان الشيخ الكليني رواها عن شيخه علي بن ابراهيم بسند صحيح عن محمد بن مسلم ، والشيخ قد رواها بدوره أيضا عن علي بن ابراهيم بالسند السابق الصحيح عن محمد بن مسلم. والشيخ وان لم يكن معاصرا لعلي بن ابراهيم ولا يمكن ان يروي عنه مباشرة الا انه قد ذكر طريقه اليه في المشيخة والفهرست ، وهو في كليهما صحيح فلاحظ (٣).

٤ ـ واما ان المتقاذفين يعزران من دون حدّ‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة ابي ولاد الحناط : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : أتي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ ، ٤ ، ٥ من أبواب حد القذف.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٤٧ الباب ١٤ من أبواب حد القذف الحديث ١.

(٣) مشيخة تهذيب الاحكام : ٢٩ والفهرست : ٨٩ الرقم ٣٧٠.


امير المؤمنين عليه‌السلام برجلين قذف كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه قال : فدرأ عنهما الحد وعزرهما» (١) وغيرها.

٥ ـ واما ان القاذف يقتل في الثالثة لو حدّ مرتين حدّ القذف‌ فقد تقدم وجهه في حدّ التفخيذ.

٦ ـ واما ان ساب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتله السامع‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «ان رجلا من هذيل كان يسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : من لهذا؟ فقام رجلان من الانصار فقالا : نحن يا رسول الله فانطلقا حتى أتيا عربة (٢) فسألا عنه فاذا هو يتلقى غنمه فقال : من أنتما وما اسمكما؟ فقالا له : أنت فلان بن فلان؟ قال : نعم ، فنزلا فضربا عنقه. قال محمد بن مسلم فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت لو ان رجلا الآن سبّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيقتل؟ قال : ان لم تخف على نفسك فاقتله» (٣).

واما الحاق البضعة الطاهرة وأولادها الائمة الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو لا يحتاج الى دليل خاص بعد الضرورة الثابتة من الخارج على كون حكم الجميع واحدا.

وقد يستفاد المطلوب من صحيحة هشام بن سالم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل سبابة لعلي عليه‌السلام؟ فقال لي : حلال الدم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٥١ الباب ١٨ من أبواب حد القذف الحديث ٢.

ثم ان الوارد في الفقيه ٤ : ٣٩ «قذف كل واحد منهما صاحبه في بدنه ...» من دون كلمة «بالزنا». والظاهر ان احدى الكلمتين : «بالزنا» ، «في بدنه» زائدة.

(٢) عربة اسم موضع كان بالقرب من المدينة. وفي بعض النسخ : عرنة ـ كهمزة ـ الذي هو الموضع المعروف في عرفات.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٦٠ الباب ٢٥ من أبواب حد القذف الحديث ٣.


والله لو لا ان تعمّ به بريئا» (١).

٧ ـ واما عدم الحاجة الى استئذان الحاكم الشرعي‌ فقد يستفاد من اطلاق الروايات المتقدمة.

واذا نوقش بان ما صدر من الامام عليه‌السلام هو اذن خاص منه ولا يمكن استفادة عدم اعتبارها من الاطلاق امكن التمسك بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عمن شتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عليه‌السلام : يقتله الادنى فالادنى قبل ان يرفع الى الامام» (٢).

واما اعتبار عدم خوف الضرر فهو مقتضى قاعدة نفي الضرر ، مضافا الى التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الرقم ٦.

٨ ـ واما ان القذف يثبت بالبينة والاقرار مرة واحدة‌ فلإطلاق دليل حجيتهما ، والخروج عنه يحتاج الى دليل وهو مفقود. وقد تقدم في كتاب الشهادات تحت عنوان «اختلاف الحقوق في الاثبات» ما ينفع في المقام فراجع.

السادس : شرب المسكر‌

الحدّ في شرب الخمر وبقية المسكرات ثمانون جلدة يضرب الشارب مجردا من الثياب بين الكتفين ان كان رجلا ومن فوق الثياب ان كان امرأة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٦١ الباب ٢٧ من أبواب حد القذف الحديث ١.

ثم انه ورد في هامش الكافي ٧ : ٢٧٠ نقلا عن العلاّمة المجلسي في مقام التعليق على جملة «لو لا ان تعم به بريئا» ما نصه : «اي انت او البلية بسبب القتل من هو بري‌ء منه».

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٥٤ الباب ٧ من أبواب حد المرتد الحديث ١.


ومن حدّ مرتين لشرب الخمر قتل في الثالثة.

ويثبت الشرب بشهادة عدلين او الاقرار مرة واحدة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ شرب الخمر ثمانون جلدة‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه روايات كثيرة ، كصحيحة بريد بن معاوية : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان في كتاب علي عليه‌السلام يضرب شارب الخمر ثمانين ، وشارب النبيذ ثمانين» (١).

واما ان ذلك حدّ شرب بقية المسكرات أيضا فلصحيحة الكناني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كل مسكر من الاشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحد» (٢) وغيرها.

٢ ـ واما ان الشارب يضرب مجردا من الثياب بين الكتفين ان كان رجلا‌ فتدل عليه صحيحة ابي بصير : «سألته عن السكران والزاني ، قال : يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين» (٣). واضمارها لا يضر بحجيتها بعد ما كان المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا يحتمل في حقهم الرواية عن غير الامام عليه‌السلام.

واما ان المرأة تضرب من وراء الثياب فيكفي لا ثباته القصور في المقتضي. هذا مضافا الى ان المرأة عورة ولا يحتمل اعتبار تجريدها من الثياب.

٣ ـ واما ان من حدّ على شرب الخمر مرتين قتل في المرة الثالثة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٦٨ الباب ٤ من ابواب حد المسكر الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٧٣ الباب ٧ من ابواب حد المسكر الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٧٤ الباب ٨ من ابواب حد المسكر الحديث ١.


فقد تقدم وجهه في حدّ التفخيذ.

٤ ـ واما ان شرب المسكر يثبت بشهادة عدلين او بالاقرار مرة واحدة‌ فقد تقدم وجهه في حدّ القذف.

السابع : السرقة‌

الحدّ في السرقة قطع الاصابع الاربع للسارق من اليد اليمنى مع ترك الراحة والابهام ، فان تكررت منه قطعت رجله اليسرى من وسطها ، فان تكررت منه ثالثة خلّد في الحبس الى ان يموت ، وان تكررت منه رابعة في الحبس قتل.

ولا يحدّ السارق الا اذا كانت قيمة المسروق بمقدار ربع مثقال ذهب بوزن ١٨ حبة. هذا هو المشهور. وقيل بكفاية كونه بمقدار خمس المثقال المتقدم.

كما لا يحدّ الا اذا كان المال في مكان محرز لم يؤذن بالدخول فيه.

والمشهور ان السرقة لا تثبت الا بشهادة عدلين او الاقرار مرتين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الحدّ في السرقة ما ذكر‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه موثقة سماعة بن مهران : «اذا اخذ السارق قطعت يده من وسط الكف ، فان عاد قطعت رجله من وسط القدم ، فان عاد استودع السجن ، فان سرق في السجن قتل» (١) وغيرها.

والموثقة اذا كانت مقطوعة (٢) بطريق الشيخ الكليني فهي مسندة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٩٣ الباب ٥ من أبواب حد السرقة الحديث ٤.

(٢) الرواية المقطوعة هي الرواية التي ينقل الراوي فيها الحكم من دون اسناد الى الامام عليه‌السلام


الى الامام عليه‌السلام في طريق الشيخ الطوسي (١).

واذا كانت ـ الموثقة ـ مجملة من حيث المقدار المقطوع فبملاحظة موثقة اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم عليه‌السلام : «تقطع يد السارق ويترك ابهامه وصدر راحته وتقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها» (٢) يرتفع ذلك.

واما صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : من اين يجب القطع؟ فبسط اصابعه وقال من هاهنا ، يعني من مفصل الكف» (٣) فهي ساقطة عن الاعتبار بعد هجران الاصحاب لمضمونها.

٢ ـ واما اعتبار كون المسروق بمقدار ربع مثقال ذهب‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في كم يقطع السارق؟ قال : في ربع دينار. قلت له : في درهمين؟ قال : في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ. قلت له : أرأيت من سرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ وهل هو عند الله سارق؟ فقال : كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه واحرزه فهو يقع عليه اسم السارق وهو عند الله سارق ولكن لا يقطع الا في ربع دينار او اكثر ، ولو قطعت ايدي السراق فيما أقلّ هو من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين» (٤).

__________________

ولا ذكر ضمير يحتمل رجوعه اليه ، بخلاف المضمرة ، فانه يفترض فيها ذكر ضمير يحتمل رجوعه الى الامام عليه‌السلام من قبيل : «قلت له : ...».

(١) لاحظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٩٠ الباب ٤ من أبواب حد السرقة الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٩ الباب ٤ من أبواب حد السرقة الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٢ الباب ٢ من أبواب حد السرقة الحديث ١.


وهناك روايات تدل على التحديد بغير ذلك من قبيل صحيحة محمد بن مسلم الاخرى عن ابي جعفر عليه‌السلام : «أدنى ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار» (١) وغيرها. والمعارضة بينهما مستقرة.

وقد يقال : ان المناسب تقديم الثانية لموافقتها لإطلاق الكتاب ، فان مقتضى اطلاق الآية الكريمة وجوب القطع في السرقة مطلقا ولكن علم من الخارج عدم ثبوت القطع في الاقل من الخمس فترفع اليد عن الاطلاق بهذا المقدار ، واما التقييد بمقدار ازيد فحيث انه غير معلوم فيلزم الاخذ بالاطلاق بلحاظه ويكون حجة ومرجحا للطائفة الثانية على الاولى.

٣ ـ واما اعتبار ان يكون المال في مكان محرز لا اذن بالدخول فيه‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه موثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال امير المؤمنين عليه‌السلام : كل مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه ، يعني الحمامات والخانات والارحية (٢)» (٣) ، وهكذا موثقته الاخرى : «لا يقطع الا من نقب بيتا او كسر قفلا» (٤).

٤ ـ واما ثبوت السرقة بشهادة عدلين‌ فهو لإطلاق دليل حجية البينة.

واما اعتبار الاقرار مرتين فلرواية جميل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٣ الباب ٢ من أبواب حد السرقة الحديث ٣.

(٢) الارحية جمع رحى.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٠٩ الباب ١٨ من أبواب حد السرقة الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٠٩ الباب ١٨ من أبواب حد السرقة الحديث ٣.


يقطع السارق حتى يقر بالسرقة مرتين ...» (١) وغيرها.

ودلالة الرواية وان كانت واضحة الا ان في سندها علي بن السندي الذي قد يتأمل في وثاقته باعتبار عدم النص عليها في كتب الرجال ، وهكذا بقية الروايات فان سندها ضعيف كما يتضح من خلال المراجعة. ومع التنزل فهي معارضة بصحيحة الفضيل عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان اقرّ الرجل الحر على نفسه مرة واحدة عند الامام قطع» (٢). وبعد التعارض يعود التمسك بقاعدة «اقرار العقلاء على انفسهم جائز» لإثبات حجية الاقرار مرة واحدة بلا مانع.

ثم ان هذا كله بالنسبة الى الحدّ. واما الغرم فلا خلاف في لزومه بالاقرار مرة واحدة لإطلاق قاعدة الاقرار وعدم المقيد لها من هذه الناحية.

الثامن : المحاربة والافساد‌

المحارب ـ وهو من شهر السلاح لإخافة الناس والافساد في الارض ـ يقتل او يصلب او يقطع مخالفا (٣) أو ينفى من الارض.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حدّ المحارب ما ذكر‌ فواضح بعد دلالة صريح الآية الكريمة عليه : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٨ الباب ٣ من أبواب حد السرقة الحديث ٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٨٨ الباب ٣ من أبواب حد السرقة الحديث ٣.

(٣) بان تقطع يده اليمنى مع رجله اليسرى.


أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١).

وقد وقع الكلام في ان الانحاء الاربعة المذكورة هل هي ثابتة بنحو التخيير لولي الامر أو هي بنحو الترتيب حسب اختلاف الجناية.

ولو خلينا نحن والآية الكريمة لاستفدنا منها التخيير خصوصا بعد ملاحظة صحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... كل شي‌ء في القران أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء» (٢) ، الا ان في المقابل روايات قد يستفاد منها الترتيب. وكلمات الفقهاء في المقام مضطربة تبعا لاضطراب الروايات.

كل من خالف الشريعة بفعل محرم او ترك واجب من دون عذر ولم يرد تحديد شرعي لمقدار عقوبته عاقبه الحاكم الشرعي بما يراه صلاحا. وفي بعض الروايات تحديد ذلك بما دون اربعين ضربة.

والمستند في ذلك أمران :

١ ـ ان المحافظة على النظام قضية لا بدّ منها‌ ، وقد اهتم بها الإسلام ، وهي لا تتحقق الا بتشريع التعزير على مخالفة اي مقرر شرعي. وحيث ان منح هذا الحق لجميع الناس امر غير محتمل لأنه بدوره يوجب اختلال النظام فلا بدّ من ثبوته لطائفة معينة ، وبما ان القدر‌

__________________

(١) المائدة : ٣٣.

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ٢٩٥ الباب ١٤ من ابواب بقية كفارات الاحرام الحديث ١.


المتيقن من ذلك هو الحاكم الشرعي فيتعين اختصاص الحق به.

ومما يؤكد ذلك فعل امير المؤمنين عليه‌السلام ـ حيث كان يراقب الاسواق ويعزر كل من خالف المقررات الشرعية ـ والروايات الخاصة الواردة في الموارد المتفرقة ، كصحيحة ابي العباس عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : ما للرجل يعاقب به مملوكه؟ فقال : على قدر ذنبه» (١) الواردة في تأديب المملوك ، وموثقة اسحاق بن عمار : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم قال : وكم تضربه؟ قلت : ربما ضربته مائة فقال : مائة؟! مائة؟! فأعاد ذلك مرتين. ثم قال : حدّ الزنا؟! اتق الله. فقلت : جعلت فداك فكم ينبغي لي أن اضربه؟ فقال : واحدا. فقلت : والله لو علم اني لا اضربه الا واحدا ما ترك لي شيئا الا افسده قال : فاثنين فقلت : هذا هو هلاكي قال : فلم ازل أماكسه حتى بلغ خمسة ثم غضب فقال : يا اسحاق ان كنت تدري حدّ ما اجرم فاقم الحدّ فيه ولا تعدّ حدود الله» (٢) الواردة في تأديب الغلام.

٢ ـ صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : كم التعزير؟ فقال : دون الحدّ. قلت : دون ثمانين؟ قال : لا ، ولكن دون اربعين فانها حدّ المملوك. قلت : وكم ذاك؟ قال : على قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل وقوة بدنه» (٣) وما كان بمضمونها.

وسند الصحيحة بطريق الشيخ الكليني وان كان قد يتأمل فيه من ناحية المعلى بن محمد ـ حيث انه لم يوثق بل ضعّف ـ الا انه بطريق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٣٩ الباب ٣٠ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٣٩ الباب ٣٠ من أبواب مقدمات الحدود الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٥٨٤ الباب ١٠ من ابواب بقية الحدود الحديث ٣.


الشيخ الصدوق لا خدشة فيه فلاحظ.

٣ ـ اقامة الحدود في عصر الغيبة‌

يجوز للحاكم الشرعي اقامة الحدود في عصر الغيبة.

والمستند في ذلك أمران :

١ ـ ان الحكمة المقتضية لتشريع الحدود‌ ـ وهي الوقوف امام الفساد والفجور ـ لا يحتمل اختصاصها بعصر الحضور.

٢ ـ التمسك باطلاق ادلة وجوب اقامة الحدود ، كقوله تعالى : (الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (١) ، (وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٢) ، فانه يقتضي وجوب اقامة الحدود في كل زمان ، وحيث لا يحتمل جواز تصدي اي شخص لذلك ـ للزوم محذور اختلال النظام ـ فيلزم تصدي طائفة خاصة لذلك ، والقدر المتيقن منها هو المجتهدون العدول.

وتؤيد ذلك رواية اسحاق بن يعقوب : «سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه‌السلام : اما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك الى ان قال : واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله ...» (٣) ، فان اسحاق وان لم يذكر‌

__________________

(١) النور : ٢.

(٢) المائدة : ٣٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٠١ الباب ١١ من ابواب صفات القاضي الحديث ٩.


بتوثيق في كتب الرجال الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

واذا قيل : ان التمسك بالوجهين المذكورين تام لو لم يقم دليل على حصر وظيفة اقامة الحدود بالامام عليه‌السلام ، وذلك الدليل موجود ، وهو رواية دعائم الإسلام عن الامام الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : «لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة الا بامام عدل» (١). وقريب منها رواية الجعفريات (٢).

قلنا : يلزم حمل الرواية المذكورة على كون المقصود ان ذلك لا يصلح لغير الامام عليه‌السلام مع افتراض حضوره وعدم غيبته ، اي يلزم حملها على زمن الحضور والا فهل يحتمل عدم جواز الحكم لغير الامام عليه‌السلام في زمان الغيبة؟! ان لازم ذلك الفوضى وعدم استقرار النظام.

هذا لو قطعنا النظر عن سند الدعائم والا فالمناقشة أوضح باعتبار ان رواياته مراسيل لم يذكر اسنادها.

__________________

(١) مستدرك الوسائل ٦ : ١٣ الباب ٥ من ابواب صلاة الجمعة الحديث ٤.

(٢) مستدرك الوسائل ٦ : ١٣ الباب ٥ من ابواب صلاة الجمعة الحديث ٢.



كتاب القصاص‌

١ ـ القصاص وأقسامه‌

٢ ـ قصاص النفس‌

٣ ـ وسائل اثبات القتل عمدا‌

٤ ـ من احكام قصاص النفس‌

٥ ـ قصاص ما دون النفس‌



١ ـ القصاص واقسامه‌

القصاص ـ بكسر القاف وهو الجزاء على الجناية بمثلها ـ مشروع بل حياة للبشرية.

وهو يتعلق بالنفس تارة وبما دونها اخرى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان القصاص ما ذكر‌ فهو من واضحات اللغة والفقه.

٢ ـ واما انه مشروع‌ فهو من ضروريات الإسلام.

والاشكال على تشريعه بانه مخالف للإنسانية والعاطفة ناشئ عن الجهل او التجاهل بفلسفته.

وقد اشار الكتاب الكريم في كثير من آياته الى تشريع القصاص ، وفي بعضها الاشارة الى فلسفته ، كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (١) ، (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ

__________________

(١) البقرة : ١٧٩.


قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً) (١) ، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ...) (٢) ، (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاّ بِالْحَقِّ) (٣) ، (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (٤) ، (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...) (٥).

ويدل على ذلك بالعموم قوله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (٦) ، (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (٧) ، (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٨) ، (وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ) (٩).

ثم ان الآيات الكريمة المذكورة كما دلت على شرعية القصاص دلت أيضا على حرمة قتل المؤمن ظلما بل ان ذلك من ضروريات الإسلام ، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة (١٠).

وكما يحرم قتل الانسان الآخر يحرم أيضا قتل الانسان نفسه ، وذلك مما لا ينبغي التأمل فيه. وقد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَلا

__________________

(١) المائدة : ٣٢.

(٢) البقرة : ١٧٨.

(٣) الانعام : ١٥١.

(٤) الاسراء : ٣٣.

(٥) المائدة : ٤٥.

(٦) الشورى : ٤١.

(٧) الشورى : ٤٠.

(٨) النحل : ١٢٦.

(٩) البقرة : ١٩٤.

(١٠) راجع وسائل الشيعة ١٩ : ٢ الباب الاول وما بعده من ابواب القصاص في النفس.


تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً) (١). وقد روى ابو ولاد الحناط في صحيحة : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها» (٢).

ثم ان حرمة قتل الانسان الآخر لا تختص بما اذا كان واجدا للروح بل تعمّ الحمل الذي هو نطفة أو علقة. وتدل على ذلك موثقة اسحاق بن عمار : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها ، قال : لا ، فقلت : انما هو نطفة فقال : ان اول ما يخلق نطفة» (٣).

وبهذا اتضح ان الحرمة تعم ما اذا كان الحمل من الزنا لإطلاق الموثقة. ويأتي في باب الديات ان شاء الله تعالى ثبوت الدية في اسقاط الحمل وبيان مقدارها.

٢ ـ قصاص النفس‌

لا يثبت الحق لأولياء المقتول في الاقتصاص من القاتل الا اذا تمت الشروط التالية :

الاول : ان يكون القتل بنحو العمد.

الثاني : التساوي في الحرية والعبودية ، فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد ولا‌

__________________

(١) النساء : ٢٩ ـ ٣٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١٣ الباب ٥ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٥ الباب ٧ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.


يقتل الحر بالعبد بل يغرم قيمته يوم قتله مع تعزيره بالضرب الشديد.

الثالث : التساوي في الدين ، فلا يقتل المسلم بالكافر ـ وان لزم تعزيره فيما اذا لم يكن القتل جائزا ـ بل يغرم ديته لو كان ذميا.

الرابع : ان لا يكون القاتل ابا للمقتول فلا يقتل الاب بقتله لابنه بل يعزر ويلزم بالدية.

الخامس : ان يكون القاتل بالغا عاقلا والا فلا يقتل وتلزم العاقلة بالدية.

السادس : ان يكون المقتول محقون الدم فلا قصاص في القتل السائغ ، كقتل سابّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الائمة عليهم‌السلام أو قتل المهاجم دفاعا وما شاكل ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حق القصاص لا يثبت الا اذا كان القتل بنحو العمد‌ فهو مما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه الا ان يرضى اولياء المقتول ان يقبلوا الدية ، فان رضوا بالدية واحبّ ذلك القاتل فالدية» (١) وغيرها.

ولا اشكال في ظهور الصحيحة في ثبوت حق القصاص في موارد القتل العمدي ، واما ظهورها في نفيه في غير ذلك فلو شكك فيه فبالامكان الاستعانة بالنصوص الدالة على ثبوت الدية ونفي القصاص في موارد القتل خطأ والشبيه بالعمد ، كقوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (٢) فانه باطلاقه يدل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٣٧ الباب ١٩ من ابواب قصاص النفس الحديث ٣.

(٢) النساء : ٩٢.


على ان الخطأ بكلا قسميه تثبت فيه الدية دون القصاص.

والحكم متسالم عليه بيننا وان نسب الى مالك القول بلزوم القود في الشبيه بالعمد. وعلّق صاحب الجواهر على ذلك بقوله : «لكن الاجماع والسنة بل والكتاب على خلافه ضرورة عدم صدق قتل المؤمن متعمدا عليه» (١).

متى يصدق القتل متعمدا؟

ثم انه لا اشكال عرفا في صدق القتل متعمدا فيما اذا قصد القاتل القتل بآلة يتحقق بها القتل غالبا. واما اذا قصده بآلة لا يتحقق بها القتل الا نادرا او لم يقصده ولكن كانت الآلة يتحقق بها القتل غالبا فلا يبعد صدقه أيضا.

اما في الحالة الاولى فلفرض القصد الى القتل فيها وهو كاف عرفا لصدق القتل متعمدا. وقد يستدل عليه أيضا بصحيحة الحلبي : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : العمد كل ما اعتمد شيئا (٢) فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة (٣) فهذا كله عمد ، والخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره» (٤) وغيرها ، فان الوكزة ونحوها ليست من الوسائل القاتلة غالبا وبالرغم من ذلك عدت الاستعانة بها من مصاديق القتل العمدي ، وما ذاك الا لتحقق القصد الى القتل.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٣ : ٤.

(٢) اي قصد شيئا.

(٣) الوكز : الضرب بجميع الكف.

(٤) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٤ الباب ١١ من ابواب القصاص في النفس الحديث ٣.


واما في الحالة الثانية فلان الاستعانة بالآلة التي يعلم بترتب القتل عليها عادة لا تنفك عن قصده بالتبع. وتؤكد ذلك صحيحة ابي العباس الفضل بن عبد الملك عن عبد الملك عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد. قال : سألته عن ...» (١) ، فان مقتضى اطلاقها ان الضرب بالحديدة ـ الذي هو مما يترتب عليه القتل عادة ـ هو من مصاديق القتل العمدي وان لم يقصد الضارب القتل.

وسند الرواية وان كان ضعيفا بطريق الكليني والشيخ الا انه صحيح بطريق الشيخ الصدوق ، وهو كاف لاعتبار الرواية. وصدر الرواية «اذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد» وان لم يكن مذكورا في طريق الكليني والشيخ الا ان ذلك ليس بمهم بعد كونه مذكورا في الطريق الصحيح وهو طريق الشيخ الصدوق.

اقسام القتل‌

ثم ان القتل على اقسام ثلاثة : القتل عمدا ، والقتل الشبيه بالعمد ، والقتل بنحو الخطأ المحض المعبر عنه في بعض الروايات بالقتل الذي لا شك فيه (٢).

والفارق بينها ان القاتل اذا كان قاصدا للقتل او كانت الآلة التي استعان بها قاتلة غالبا فالقتل عمدي.

واذا كان قاصدا لفعل معين من دون قصد القتل ولا ترتب القتل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٦ الباب ١١ من ابواب القصاص في النفس الحديث ٩.

(٢) لاحظ الباب ١١ من ابواب القصاص في النفس من الوسائل الأحاديث ٧ ، ٩ ، ١٣ ، ١٧ ، ١٩.


عليه غالبا فالقتل شبيه بالعمد ، كالضرب تأديبا بالعصا فيتفق القتل وكإجراء الطبيب عملية جراحية لا يترتب عليها الموت عادة فيتفق حصوله من دون قصده.

واذا كان غير قاصد للفعل المعين فضلا عن فرض قصد القتل أو كون الآلة قاتلة غالبا فالقتل بنحو الخطأ المحض ، كمن وجّه طلقة مسدسه الى حيوان فأصابت انسانا او كان يصلحه فانطلقت منه رصاصة فقتلت انسانا.

وحكم القتل العمدي القصاص الا مع التراضي على الدية في حين ان حكم القتل في النحوين الاخيرين هو الدية ، غايته في القتل الشبيه بالعمد يتحملها القاتل لكنها في القتل خطأ تتحملها عاقلة الجاني.

٢ ـ واما ان الحر يقتل بالحر والعبد بالعبد‌ فمما لا اشكال فيه ، وهو القدر المتيقن من مورد تشريع القصاص وقد قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) (١).

واما ان الحرّ لا يقتل بالعبد فلم يعرف فيه خلاف للروايات الكثيرة ، كصحيحة ابي بصير عن أحدهما عليهما السّلام : «قلت له : قول الله عز وجل : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) فقال : لا يقتل حر بعبد ولكن يضرب ضربا شديدا ويغرم ثمنه دية العبد» (٢) وغيرها.

اجل ورد في بعض الروايات ما يدل على الخلاف ، كموثقة‌

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٧٠ الباب ٤٠ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.


اسماعيل بن ابي زياد (١) عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم‌السلام : «انه قتل حرا بعبد قتله عمدا» (٢) ، وموثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام : «ليس بين الرجال والنساء قصاص الا في النفس وليس بين الأحرار والمماليك قصاص الا في النفس ...» (٣) ، وموثقة السكوني الاخرى عن جعفر عن ابيه عن علي عليه‌السلام : «ليس بين العبيد والاحرار قصاص فيما دون النفس» (٤).

الا ان الروايات الثلاث المذكورة وان كانت دلالة بعضها واضحة غير انها ساقطة عن الاعتبار اما لهجران الاصحاب لمضمونها او لمخالفتها للكتاب الكريم حيث يستفاد من الآية المتقدمة ان الحر لا يقتل بالعبد فلاحظ.

٣ ـ واما ان المدار على قيمة العبد يوم قتله‌ فلانه اليوم الذي تشتغل فيه ذمة القاتل بالقيمة.

٤ ـ واما اعتبار التساوي في الدين‌ فلم يعرف فيه خلاف للنصوص المتعددة ، كصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لا يقاد مسلم بذمي في القتل ولا في الجراحات ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي على قدر دية الذمي ثمانمائة درهم» (٥) وغيرها.

ومورد النصوص وان كان هو الذمي الا انه يتعدى الى غيره ـ

__________________

(١) وهو المعروف بالسكوني.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٧٢ الباب ٤٠ من ابواب القصاص في النفس الحديث ٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٣٩ الباب ٢٢ من ابواب قصاص الطرف الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٩ : ١٣٩ الباب ٢٢ من ابواب قصاص الطرف الحديث ٣.

(٥) وسائل الشيعة ١٩ : ٨٠ الباب ٤٧ من ابواب القصاص في النفس الحديث ٥.


كالحربي والمستأمن ـ بالاولوية القطعية التي هي واضحة بلحاظ المستأمن أيضا لان الذمي مستأمن وزيادة فاذا ثبت الحكم له ثبت لمن دونه بالاولوية القطعية.

٥ ـ واما لزوم التعزير‌ فلما تقدم في البحث عن الحدود من ثبوته على ارتكاب اي محرم من المحرمات.

٦ ـ واما لزوم دفع الدية لو كان المقتول ذميا‌ فلصحيحة محمد بن قيس المتقدمة.

٧ ـ واما اعتبار ان لا يكون القاتل ابا للمقتول‌ فهو مما لا خلاف فيه لصحيحة حمران عن أحدهما عليهما السّلام : «لا يقاد والد بولده ويقتل الولد اذا قتل والده عمدا» (١) وغيرها.

واما انه يعزر فلما تقدم من ثبوته على ارتكاب اي محرم.

واما لزوم دفع الدية فلقاعدة «ان دم المسلم لا يذهب هدرا» المستفادة من صحيحة عبد الله بن سنان وعبد الله بن بكير جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله ، قال : ان كان له اولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرئ مسلم لان ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الامام ...» (٢) وغيرها.

على ان صحيحة ظريف قد دلت في ذيلها على ذلك حيث ورد فيها : «ويكون له الدية ولا يقاد» (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٥٦ الباب ٣٢ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١٠٩ الباب ٦ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ٥٨ الباب ٣٢ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١٠.


٨ ـ واما اعتبار ان يكون القاتل بالغا عاقلا‌ فأمر لا خلاف فيه لحديث رفع القلم (١) المشتهر بين الاصحاب. اجل هو لا يدل على لزوم تحمل العاقلة للدية ، ولا بدّ من الاستناد في ذلك الى الروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «كان امير المؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمدا» (٢) ، وموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه : «ان عليا عليه‌السلام كان يقول : عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة» (٣) وغيرهما.

٩ ـ واما اعتبار ان يكون المقتول محقون الدم‌ فواضح اذ بعد جواز القتل لا معنى للاقتصاص من القاتل بل لا مجال أيضا لاحتمال ثبوت الدية.

٣ ـ وسائل اثبات القتل عمدا‌

يثبت القتل عمدا بوسائل ثلاث : الاقرار ولو مرة واحدة ، وبالبينة بمعنى شهادة رجلين عدلين ، وبالقسامة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ثبوت القتل عمدا باقرار القاتل‌ فلإطلاق دليل حجية الاقرار المتمثل في السيرة العقلائية على نفوذ اقرار كل عاقل عليه. وتؤكد ذلك صحيحة الفضيل : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ومن أقرّ على نفسه عند الامام‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ : ٣٠ الباب ٤ من ابواب مقدمة العبادات.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٣٠٧ الباب ١١ من ابواب العاقلة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ٣٠٧ الباب ١١ من ابواب العاقلة الحديث ٣.


بحق حد من حدود الله في حقوق المسلمين فليس على الامام ان يقيم عليه الحد الذي أقرّ به عنده حتى يحضر صاحب الحق او وليه فيطالبه بحقه ، قال : فقال له بعض اصحابنا : يا ابا عبد الله فما هذه الحدود التي اذا اقرّ بها عند الامام مرة واحدة على نفسه اقيم عليه الحد فيها؟ فقال : اذا اقرّ على نفسه عند الامام بسرقة قطعه ، فهذا من حقوق الله ، واذا اقرّ على نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق الله ، واذا اقرّ على نفسه بالزنا وهو غير محصن فهذا من حقوق الله. قال : واما حقوق المسلمين فاذا اقرّ على نفسه عند الامام بفرية لم يحدّه حتى يحضر صاحب الفرية او وليه. واذا اقرّ بقتل رجل لم يقتله حتى يحضر اولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم» (١).

هذا والمنسوب الى جماعة ـ كالشيخ وابن ادريس وغيرهما ـ اعتبار الاقرار مرتين. وعلّق صاحب الجواهر على ذلك بقوله : «ولا نعرف له وجها الا الاحتياط في الدماء الذي لا يعارض الادلة. مع انه معارض بمثله وعدم بطلان دم المسلم» (٢).

وما ذكره وجيه. ويمكن ان يضاف اليه بان ذلك لو تمّ فلازمه اعتبار الاقرار اربع مرات فان ذلك معتبر في الزنا ، والقتل ليس بأدون منه.

٢ ـ واما ثبوت ذلك بالبينة‌ فلانصراف كلمة البينة في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على من ادعى» (٣) ، وقوله : «انما اقضي بينكم بالبينات‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٣٤٤ الباب ٣٢ من ابواب مقدمات الحدود الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٤٢ : ٢٠٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٣ من ابواب الشهادات الحديث ١.


والايمان» (١) الى شهادة رجلين عدلين. وعلى تقدير التشكيك في الانصراف المذكور يمكن التمسك بالاطلاق المقامي ، فان الوسيلة المعروفة للإثبات هي شهادة رجلين عدلين ، والسكوت عن تحديد البينة لا بدّ ان يكون اعتمادا على ذلك.

٣ ـ واما القسامة‌ (٢) فالاتكال عليها كوسيلة للإثبات مخالف للقاعدة الاولية ، اذ مقتضى قاعدة «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» ان كل من ادعى شيئا فلا تثبت دعواه الا اذا اقام البينة عليها ، ولكن شذّ من ذلك مورد الدم فان ولي المقتول اذا ادعى ان القاتل فلان فان كانت له بينة على ذلك حكم بصدق دعواه وان لم تكن له بينة فالمناسب للقاعدة المتقدمة وصول النوبة الى يمين المدعى عليه ، ولكن لأجل النصوص الخاصة انعكست القاعدة في ذلك فالمدعى عليه لا يمكنه دفع الدعوى عن نفسه باليمين بل ينحصر دفعها بالبينة التي تشهد بنفي نسبة القتل اليه ، واذا لم تكن له بينة فبامكان المدعي اثبات دعواه من خلال حلف خمسين رجلا من أقاربه أو غيرهم على صدق دعواه. وقد دلت على ذلك عدة نصوص ، كصحيحة بريد بن معاوية عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن القسامة فقال : الحقوق كلها البينة على‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٩ الباب ٢ من ابواب الشهادات الحديث ١.

(٢) القسامة ـ بفتح القاف ـ هي الايمان التي يؤديها جماعة او هي الجماعة التي تؤدي الايمان.

ويحتمل صدقها عليهما معا. وقد قيل بان القسامة كانت جاهلية وقد اقرها الإسلام. ويظهر من بعض الاخبار انها سنّة شرّعها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلاحظ رواية ابي

بصير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن القسامة اين كان بدوها؟ فقال : كانت من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان بعد فتح خيبر تخلّف رجل من الانصار ...» وسائل الشيعة ١٩ : ١١٨ الباب ١٠ من ابواب دعوى القتل الحديث ٥. بناء على قراءة «قبل» بكسر الاول وفتح الثاني.


المدعي واليمين على المدعى عليه الا في الدم خاصة فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينما هو بخيبر اذ فقدت الانصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا فقالت الانصار : ان فلان اليهودي قتل صاحبنا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للطالبين : اقيموا رجلين عدلين من غيركم اقده برمته (١) ، فان لم تجدوا شاهدين فاقيموا قسامة خمسين رجلا أقده برمته فقالوا يا رسول الله : ما عندنا شاهدان من غيرنا وانا لنكره ان نقسم على ما لم نره فوداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : انما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي اذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة ...» (٢). وموثقة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم ، حكم في اموالكم ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وحكم في دمائكم ان البينة على المدعى عليه واليمين على من ادعى لئلا يبطل دم امرئ مسلم» (٣) وغيرهما.

ثم انه توجد عدة اسئلة ترتبط بالمقام نذكر من بينها :

الاول : هل يشترط في قبول القسامة اللوث (٤)؟ مقتضى اطلاق‌

__________________

(١) اقدت القاتل بالمقتول : قتلته قصاصا.

والرمة ـ بضم الراء ـ قطعة حبل يشدّ بها القاتل عند اخذه الى محل القصاص لئلا يهرب. هذا في الاصل ، ولكنه قد تستعمل ـ لمناسبة أو بدونها ـ بمعنى جميع ، يقال أخذت الشي‌ء برمته ، اي أخذته كله وجميعه. والمراد في الرواية ذلك.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١١٤ الباب ٩ من أبواب دعوى القتل الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١١٥ الباب ٩ من ابواب دعوى القتل الحديث ٤.

(٤) اللوث : كل امارة توجب الظن بصدق المدعي ، كما اذا وجد عند المقتول شخص قد شهر السلاح الملوث بالدم او اخبر صبي باني رأيت فلانا يزاول عملية القتل وما شاكل ذلك من الامارات الموجبة للظن.


النصوص عدم اعتبار ذلك الا انه لا بدّ من رفع اليد عنه لتسالم الاصحاب على اعتبار ذلك ، فانه على ما قيل لم يعرف الخلاف الا من المحقق الأردبيلي القائل : «كأن لهم على ذلك اجماعا او نصا ما اطلعت عليه» (١).

وقد يستدل ـ مضافا الى التسالم ـ بجملة «انما جعلت القسامة احتياطا لدماء الناس» الواردة في بعض روايات المسألة (٢) بتقريب ان الاحتياط للدماء لا يتم الا مع فرض اللوث ، وبدونه يلزم هدرها ، فان الفاسق قد ينسب القتل الى بعض ويقيم عليه القسامة فيقتص من المدعى عليه ويذهب بذلك دمه هدرا.

الثاني : هل يجوز ان يكون المدعي احد الخمسين او يلزم ان يكون خارجا عنهم؟

يجوز ان يكون احدهم كما هو مقتضى ظاهر صحيحة بريد المتقدمة فلاحظ.

الثالث : هل يلزم في الايمان الخمسين ان تكون من خمسين رجلا او يجوز تكرارها من الرجل الواحد اذا كان العدد أقلّ من ذلك؟ مقتضى صحيحة بريد المتقدمة هو الاول ، الا ان المنسوب الى المشهور هو الثاني بل ادعي تسالم الاصحاب عليه. ويدعم ذلك ان النصوص قد دلت على ان العلة في تشريع القسامة هي الاحتياط للدماء فاذا كان يعتبر ان يكون عدد الحالفين خمسين رجلا يلزم عدم امكان تحقق الاحتياط لندرة تحصيل خمسين رجلا.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٢ : ٢٣٠.

(٢) فلاحظ صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في وسائل الشيعة ١٨ : ١١٦ الباب ٩ من ابواب دعوى القتل الحديث ٩.


ولك ان تقول بصيغة اخرى : ان لازم اعتبار خمسين رجلا لغوية تشريع القسامة لندرة حصول ذلك.

ثم ان المدعي اذا كان وحده ولم يكن له قوم او امتنعوا عن ذلك فهل يجوز له تكرار اليمين خمسين مرة؟ نقل صاحب الجواهر الجواز عن غير واحد من الاصحاب بل نقل عن صاحب الرياض نفي الخلاف في ذلك (١).

الرابع : ان العدد اذا كان أقلّ من خمسين وقلنا بجواز تكرار اليمين من الرجل الواحد فهل يلزم تقسيمها على العدد بالسوية او لا؟ قد يقال بعدم لزوم ذلك لان اليمين بمقدار خمسين متحققة على كلا التقديرين.

والانسب ان يقال بلزوم التقسيم بالسوية لان مقتضى النصوص اعتبار خمسين رجلا ، وانما خرجنا عنها للتسالم ومحذور اللغوية ، ومن الواضح ان ذلك لا يقتضي جواز التكرار كيفما اتفق بل يلزم اعتبار التساوي لأنه في غير ذلك لا دليل على نفوذ القسامة فينبغي الاقتصار على القدر المتيقن.

٤ ـ من احكام قصاص النفس‌

اذا قتل الرجل المرأة عمدا اقتص منه بعد ردّ نصف ديته الى اوليائه.

واذا اكره شخص غيره على قتل ثالث وتوعده على المخالفة فلا يجوز له قتله سواء كان ما توعد به ما دون القتل او هو.

__________________

(١) جواهر الكلام ٤٢ : ٢٤٦.


والحكم في القتل العمدي هو القصاص دون التخيير بينه وبين المطالبة بالدية الا اذا فرض تراضي الطرفين على ذلك.

والمشهور ان جواز المبادرة الى القصاص مشروط بالاستئذان من ولي المسلمين.

وفي تحديد من له حق القصاص خلاف.

ومع تعدد الاولياء فلا يبعد القول بجواز اقتصاص كل واحد منهم مستقلا ومن دون اذن البقية.

واذا اقتص بعض الاولياء مع رضا البقية فلا اشكال والا ضمن المقتص حصتهم من الدية ان طالبوا بها ، ويضمنها لورثة الجاني على تقدير العفو عن القصاص والدية.

والمشهور لزوم كون الاقتصاص بالسيف دون غيره.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الرجل لو قتل المرأة متعمدا اقتص منه بعد ردّ نصف ديته الى اوليائه‌

فلم يعرف فيه خلاف لما يأتي في باب الديات ـ ان شاء الله تعالى ـ من ان دية المرأة نصف دية الرجل فاذا جاز الاقتصاص منه لزم ردّ نصف الدية الى اوليائه ، كما دلت على ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يقتل المرأة متعمدا فاراد اهل المرأة ان يقتلوه ، قال : ذاك لهم اذا ادّوا الى اهله نصف الدية. وان قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل ...» (١) وغيرها.

هذا وفي مقابل ذلك رواية السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان امير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٥٩ الباب ٣٣ من ابواب القصاص في النفس الحديث ٣.


المؤمنين عليه‌السلام قتل رجلا بامرأة قتلها عمدا ...» (١) ، وموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عليه‌السلام : «ان رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي عليه‌السلام بينهما قصاصا والزمه الدية» (٢).

ويمكن الجواب :

اما عن الرواية الاولى فانها ـ لو تمت سندا ولم يناقش من ناحية النوفلي الذي لم يرد في حقه توثيق ـ مطلقة قابلة للتقييد بصحيحة الحلبي وغيرها الدالة على لزوم دفع نصف الدية.

واما عن الرواية الثانية فانها لو امكن حملها على كون المراد عدم جعل القصاص مجردا عن ردّ نصف الدية فلا مشكلة والا فهي ساقطة عن الاعتبار لهجران الاصحاب لمضمونها.

٢ ـ واما ان من اكره على قتل ثالث فلا يجوز له قتله ان كان ما توعد به دون القتل‌ فالامر فيه واضح اذ يحرم قتل المؤمن ظلما ومن دون حق ، ولا ترتفع الحرمة بالاكراه على ما دون القتل.

وبكلمة اخرى : المورد داخل تحت باب التزاحم فيلزم تقديم الاهم جزما او احتمالا ، وهو حرمة قتل المؤمن.

واذا قيل : لم لا ترتفع الحرمة بحديث رفع التسعة (٣)؟

قلنا : حيث ان الحديث مسوق مساق الامتنان على النوع فيلزم عدم شموله للموارد التي يلزم فيها خلاف ذلك كما هو المفروض في المقام لو قيل بالشمول.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٦١ الباب ٣٣ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٦٢ الباب ٣٣ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١٦.

(٣) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من ابواب جهاد النفس الحديث ١.


٣ ـ واما انه لا يجوز القتل حتى اذا كان المتوعد به هو القتل أيضا‌ فلما دلّ على انه لا تقية في الدماء ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت الدم فليس تقية» (١) وغيرها.

ولو لا ذلك لكان المناسب جواز القتل لان المورد داخل تحت باب التزاحم ، اذ الامر يدور بين واجب ـ حفظ النفس ـ وحرام ـ قتل النفس المحترمة ـ وحيث لا ترجيح فلا بدّ من الحكم بالتخيير.

واذا قيل : ان المقام أشبه بقتل شخص لأكله في المخمصة الذي لا يعدّ به كونه مضطرا بل هو قاتل ظلما وعدوانا فيلزم الاقتصاص منه.

قلنا : انه مع فرض دخول المورد تحت باب التزاحم والحكم بالتخيير لا يصدق كون القتل ظلما وعدوانا فيجوز القتل ، غايته يلزم دفع الدية لقاعدة «ان دم المسلم لا يذهب هدرا» التي تقدمت الاشارة الى مستندها فيما سبق.

وبالجملة : ان القاعدة تقتضي جواز القتل لو لا قاعدة لا تقية في الدماء بناء على شمولها لموارد الاكراه كما يظهر من الشيخ الاعظم في المكاسب (٢).

٤ ـ واما ان الحكم في القتل العمدي هو القصاص‌ فهو المشهور. ويدل عليه ظاهر الكتاب الكريم : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ ...) (٣) وغيره ، والنصوص الخاصة ، كصحيحة عبد الله بن سنان :

__________________

(١) وسائل الشيعة ١١ : ٤٨٣ الباب ٣١ من ابواب الامر والنهي الحديث ١.

(٢) المكاسب ١ : ٣٩٩ ، منشورات دار الحكمة.

(٣) البقرة : ١٧٨.


«سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه الا ان يرضى اولياء المقتول ان يقبلوا الدية ، فان رضوا بالدية واحب ذلك القاتل فالدية» (١).

هذا ولكن المنسوب الى الاسكافي والعماني الحكم بتخيير اولياء المقتول بين القصاص والمطالبة بالدية (٢). ويمكن الاستدلال على ذلك بصحيحة عبد الله بن سنان وابن بكير جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا هل له توبة؟ فقال : ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له ، وان كان قتله لغضب او لسبب من امر الدنيا فان توبته ان يقاد منه ، وان لم يكن علم به انطلق الى اولياء المقتول فاقرّ عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه اعطاهم الدية واعتق نسمة وصام شهرين متتابعين واطعم ستين مسكينا توبة الى الله عز وجل» (٣).

وقد يدعم ذلك ان ولي الدم اذا رضي بالدية وتمكن القاتل من دفعها لزمه ذلك من باب وجوب الحفاظ على النفس من الهلاك.

والمناسب ما ذهب اليه المشهور اذ الصحيحة معارضة بالصحيحة السابقة تعارضا مستقرا ويلزم تقديم السابقة لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم الدال على ان ولي المقتول له الولاية على القصاص فقط.

واما ما ذكر ثانيا فهو لا يدل على تخير ولي المقتول بل يدل على انه لو رضي بالدية لزم القاتل قبول ذلك حفاظا على نفسه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٣٧ الباب ١٩ من ابواب قصاص النفس الحديث ٣.

(٢) جواهر الكلام ٤٢ : ٢٧٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٩ الباب ٩ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.


٥ ـ واما انه مع تراضي الطرفين على الدية يسقط القصاص‌ فباعتبار ان الحق لا يعدو الطرفين فاذا تراضيا على الدية بمقدارها الشرعي او غيره جاز لهما ذلك. على ان صحيحة عبد الله بن سنان السابقة واضحة في ذلك.

٦ ـ واما ان جواز المبادرة الى القصاص مشروط بالاستئذان من ولي المسلمين‌ فقد ادعي عدم الخلاف فيه. والاستناد اليه وجيه لو فرض تحقق تسالم بين الكل بنحو يكون كاشفا عن وصول الحكم من الامام عليه‌السلام يدا بيد والا فالمناسب التمسك باطلاق ادلة جواز القصاص.

٧ ـ واما من له حق القصاص فقيل هو كل من يرث المال عدا الزوج والزوجة. اما انه هو كل من يرث المال فلعموم ادلة الارث من آية اولي الارحام (١) وغيرها. واطلاق قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٢) بناء على كون المقصود من الولي مطلق الوارث لا حصة خاصة منه.

واما استثناء الزوج والزوجة فللتسالم على ذلك. ويمكن استفادته من موثقة البقباق عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «هل للنساء قود او عفو؟ قال : لا ، وذلك للعصبة» (٣).

وقيل : ان من له حق القصاص هو كل وارث للمال غير النساء والزوج والزوجة ومن يتقرب بالام.

والوجه في ذلك هو الموثقة المتقدمة فانها حصرت حق القصاص‌

__________________

(١) الانفال : ٧٥.

(٢) الاسراء : ٣٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٣٢ الباب ٨ من ابواب موجبات الارث الحديث ٦.


بالعصبة ، وهم بنوه وقرابته لأبيه (١).

وقد تناقش الموثقة بمناقشتين :

الاولى : ان الشيخ قال بعد ذكره للموثقة : «قال : علي بن الحسن : هذا خلاف ما عليه اصحابنا» (٢). وعلّق في الوسائل بعد نقل ما ذكر عن الشيخ بما نصه : «اقول : هذا محمول على التقية» (٣).

وعليه فالموثقة لا يمكن العمل بها اما لكونها محمولة على التقية او لكونها على خلاف ما عليه اصحابنا.

والجواب :

اما عن الاول فان الحمل على التقية فرع تعارض الروايتين ، والمفروض عدم وجود المعارض.

واما عن الثاني فان نقل الشيخ عن ابن فضال مرسل لا يمكن الاعتماد عليه. على ان عبارته قد لا يظهر منها الا ان مضمون الموثقة مخالف لما عليه مشهور الاصحاب ، ومعه يدخل المورد تحت كبرى سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها ، ولربما يبنى على عدم تماميتها فلا تعود لدينا مشكلة بناء على ذلك.

الثانية : ان شيخ الطائفة روى الموثقة عن علي بن الحسن بن فضال ، وطريقه اليه في المشيخة والفهرست (٤) يمرّ بعلي بن محمد بن‌

__________________

(١) في الصحاح : عصبة الرجل : بنوه وقرابته لأبيه. وانما سموا عصبة لأنهم عصبوا ، اي أحاطوا به ، فالاب طرف ، والابن طرف ، والعم جانب ، والاخ جانب.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٩٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٣٣.

(٤) راجع المشيخة : ٥٥ نهاية الجزء العاشر من تهذيب الاحكام ، الفهرست : ٩٢ الرقم ٣٨١.


الزبير ، وهو لم يوثق بناء على عدم كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

وقد يجاب عن ذلك بان المخبر بكتب ابن فضال للشيخ والنجاشي واحد ، وهو احمد بن عبدون ، فالكتب التي كانت عند الشيخ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي ، وبما ان للنجاشي الى تلك الكتب طريقا آخر معتبرا (١) فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضا معتبرة.

٨ ـ واما جواز الاقتصاص لكل واحد من الاولياء بلا حاجة الى كسب الاذن من البقية‌ فهو رأي معروف. ويدل عليه ظاهر الآية الكريمة : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٢) ، فان الحكم ما دام مجعولا لطبيعي الولي فيلزم انحلاله بعدد افراده كما في سائر الموارد التي ينحل فيها الحكم بانحلال موضوعه.

واحتمال كون الحق قائما بالمجموع او بالجامع بنحو صرف الوجود بعيد بل ظاهر الآية تعلقه بالجامع بنحو الانحلال.

٩ ـ واما انه على تقدير اقتصاص بعض الاولياء من دون اذن البقية‌ فعليه دفع مقدار حصته من الدية ان طالب بذلك ، ويدفع ذلك الى ورثة الجاني على تقدير العفو عن القصاص والدية فهو المشهور بين الاصحاب. وتدل عليه صحيحة ابي ولاد الحناط : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قتل وله أمّ واب وابن ، فقال الابن : انا اريد ان اقتل قاتل ابي ، وقال الاب : انا اريد ان اعفو ، وقالت الام : انا اريد ان آخذ الدية فقال : فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية ، ويعطي ورثة القاتل السدس‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٣ ، منشورات مكتبة الداوري.

(٢) الاسراء : ٣٣.


من الدية حق الاب الذي عفا وليقتله» (١).

١٠ ـ واما لزوم كون الاقتصاص بالسيف‌ فتدل عليه صحيحة الحلبي وابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله عليه‌السلام قالا : «سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات أيدفع الى ولي المقتول فيقتله؟ قال : نعم ولكن لا يترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف» (٢).

الا انه قد يقال بان ذكر السيف هو من باب كونه آلة القتل المتداولة تلك الفترة ، ومعه فلا تدل على الحصر والاختصاص.

٥ ـ قصاص ما دون النفس‌

يجوز القصاص في الاطراف اذا جني عليها عمدا متى ما تمت الشروط السابقة في قصاص النفس.

ولا يشترط التساوي في الذكورة والانوثة ، فلو جنت المرأة على الرجل اقتص منها. اجل لو جنى هو عليها اقتصت منه بعد ردّ التفاوت اليه اذا بلغت دية الجناية الثلث والا فلا ردّ ، فلو قطع الرجل اصبع امرأة جاز لها قطع اصبعه بدون ردّ شي‌ء اليه ولكن لو قطع يدها جاز لها قطع يده بعد ردّ نصف دية يده اليه.

ويجوز القصاص أيضا في الجروح فيما اذا امكن ضبطها ، بان كان يمكن القصاص ، بمقدار الجرح والا تعينت الدية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٨٣ الباب ٥٢ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٩٥ الباب ٦٢ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.


والمستند في ذلك :

١ ـ اما جواز القصاص في الاطراف اذا جني عليها عمدا‌ فهو من ضروريات الإسلام. ويدل عليه قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (١) ، والعمومات المذكورة عند البحث عن قصاص النفس. والروايات في ذلك كثيرة. وستأتي الاشارة الى بعضها ان شاء الله تعالى.

٢ ـ واما اعتبار شروط قصاص النفس في المقام أيضا‌ فهو مما تسالم عليه الاصحاب. وتدل على ذلك الادلة المتقدمة لشروط القصاص في النفس فانها عامة. واذا كان في بعضها قصور عن اثبات التعميم فالتسالم القطعي كاف لإثبات ذلك.

٣ ـ واما ان جواز القصاص ليس مشروطا بالتساوي في الذكورة والانوثة‌ فيدل عليه اطلاق الآية المتقدمة ، مضافا الى قضاء الروايات الخاصة ـ التي ستأتي الاشارة الى بعضها ـ بذلك.

هذا وفي المقابل دلت موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام : «ليس بين الرجال والنساء قصاص الا في النفس ...» (٢) على ان المرأة لا تقتص من الرجل.

ويردها :

اولا : ان مضمونها مهجور بين الاصحاب فتكون ساقطة عن الاعتبار.

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١٣٩ الباب ٢٢ من ابواب قصاص الطرف الحديث ٢.


وثانيا : انها معارضة للروايات الآتية الدالة على ان للمرأة حق القصاص من الرجل ، وحيث ان المعارضة مستقرة فتقدم الروايات الدالة على جواز القصاص لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم.

٤ ـ واما ان المرأة يجوز لها الاقتصاص من الرجل لو جنى عليها بشرط ردّ التفاوت فيما اذا بلغت دية الجناية الثلث‌ فهو يتضمن مطلبين :

احدهما : ان المرأة تساوي الرجل في دية الاعضاء ما دام لم يحصل تجاوز عن الثلث.

ثانيهما : ان المرأة يجوز لها القصاص من الرجل بشرط رد التفاوت ان حصل تجاوز عن الثلث والا جاز لها القصاص من دون ردّ.

اما بالنسبة الى المطلب الاول فيأتي ما يدل عليه في باب الديات ان شاء الله تعالى.

واما بالنسبة الى المطلب الثاني فتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل فقأ عين امرأة فقال : ان شاءوا ان يفقئوا عينه ويؤدوا اليه ربع الدية ، وان شاءت ان تأخذ ربع الدية. وقال في امرأة فقأت عين رجل : انه إن شاء فقأ عينها والا اخذ دية عينه» (١).

٥ ـ واما جواز القصاص في الجروح‌ فيدل عليه قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (٢) ، واطلاق قوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) (٣) ونحوه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٢٤ الباب ٢ من ابواب قصاص الطرف الحديث ١.

(٢) المائدة : ٤٥.

(٣) النحل : ١٢٦.


واما اعتبار امكان ضبط الجرح فواضح لعدم جواز القصاص من دون مماثلة : (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) ، بل مع عدم المماثلة لا يصدق عنوان القصاص.

__________________

(١) البقرة : ١٩٤.


كتاب الدّيات‌

١ ـ الدية وأقسامها‌

٢ ـ مقادير الديات‌

٣ ـ من أحكام القتل والديات‌



١ ـ الدية واقسامها‌

الدية ـ بكسر الدال وتخفيف الياء ـ غرامة مالية شرعت كجزاء على ارتكاب الجناية.

وهي مشروعة بالكتاب والسنة القطعية.

وتنقسم الى المقدّرة شرعا وغيرها.

وهي ثابتة في موارد خاصة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان تحديد الدية ما تقدم‌ فهو من واضحات اللغة والفقه.

واما انها مشروعة فهو من ضروريات الإسلام. ويدل عليه قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (١) ، والروايات الكثيرة التي تأتي الاشارة الى بعضها.

٢ ـ واما انقسامها الى المقدّرة شرعا وغيرها‌ فباعتبار ان الجناية‌

__________________

(١) النساء : ٩٢.


تارة يكون لها تقدير شرعي واخرى لا يكون لها ذلك. ويصطلح على الاول بالدية ، وعلى الثاني بالارش او الحكومة.

ويتم تعيين الارش وفق طريقة يأتي بيانها فيما بعد ان شاء الله تعالى.

والدية بكلا قسميها تؤخذ من الجاني ان كانت الجناية عمدية أو شبه ذلك ومن العاقلة ان لم تكن كذلك.

٣ ـ واما موارد ثبوتها‌ فهي :

أ ـ الخطأ المحض والشبيه بالعمد. وثبوت الدية فيهما دون القود امر متسالم عليه بيننا. ويدل عليه قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (١) ، فانه باطلاقه يشمل الخطأ بكلا قسميه. ويمكن استفادة ذلك من الروايات أيضا ـ ولكن الطابع العام عليها ضعف السند ـ كرواية الفضل بن عبد الملك عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة ، هو الرجل يضرب الرجل ولا يتعمد؟ قال : نعم ...» (٢) وغيرها.

هذا وقد تقدمت في بداية البحث عن القصاص الاشارة الى خلاف مالك فلاحظ.

ب ـ الموارد التي لا يثبت فيها القصاص بالرغم من كون القتل عمدا ، كقتل الاب ولده او المسلم الذمي. وقد تقدمت الاشارة الى وجه ثبوت الدية في مثل ذلك في بداية البحث عن القصاص.

ج ـ الموارد التي لا يمكن فيها القصاص ، كبعض الجروح التي لا‌

__________________

(١) النساء : ٩٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٨ الباب ١١ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١٩.


يمكن ضبطها. وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في نهاية البحث عن القصاص.

د ـ موارد القصاص فيما اذا تراضى الطرفان على الدية. وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في مبحث القصاص تحت عنوان «من أحكام قصاص النفس».

٢ ـ مقادير الديات‌

الديات المقدرة شرعا هي على انحاء مختلفة نشير الى بعضها (١) :

دية القتل عمدا.

دية قتل المسلم عمدا ـ اذا تمّ التراضي عليها ـ احد امور ستة :

مائة من الابل الفحولة المسنّة (٢).

او مائتا بقرة.

او الف دينار ذهب (٣).

او عشرة آلاف درهم فضة (٤).

__________________

(١) حيث ان الديات المقدّرة شرعا كثيرة جدا ، واستيعابها يوجب التطويل ويورث الملل اقتصرنا على البعض المهم منها.

(٢) المسنّة من الابل ـ على ما قيل ـ هي ما دخلت في السنة السادسة.

(٣) المقصود الدينار الشرعي الذي مقداره مثقال ذهب بوزن ١٨ حمصة. وقيل بان الدينار الشرعي يعادل اربعة غرامات من الذهب وربع الغرام تقريبا ، فالدية على هذا اربعة كيلوات من الذهب وربع الكيلو تقريبا.

(٤) المقصود الدرهم الشرعي الذي هو من الفضة ويعادل ٦ / ١٢ حمصة. وقيل بان الدرهم‌


او الف شاة.

او مائتا حلّة (١). وكل حلة ثوبان : ازار ورداء.

واستيفاؤها يكون ضمن فترة سنة.

ويجوز الاستيفاء بالاوراق النقدية المتداولة في زماننا مع تعذر الستة أو تراضي الطرفين على ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان دية القتل عمدا ما تقدم‌ فمما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سمعت ابن ابي ليلى يقول : كانت الدية في الجاهلية مائة من الابل فأقرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم انه فرض على اهل البقر مائتي بقرة ، وفرض على اهل الشاة ألف شاة ثنية (٢) ، وعلى اهل الذهب الف دينار ، وعلى اهل الورق عشرة آلاف درهم ، وعلى اهل اليمن الحلل مائتي حلة. قال عبد الرحمن بن الحجاج : فسألت ابا عبد الله عليه‌السلام عما روى ابن ابي ليلى فقال : كان علي عليه‌السلام يقول : الدية الف دينار ـ وقيمة الدينار عشرة دراهم ـ وعشرة آلاف لأهل الامصار ، وعلى اهل البوادي مائة من الابل ولأهل السواد مائتا (٣) بقرة او الف‌

__________________

الشرعي يعادل ثلاثة غرامات الا ربع عشر الغرام تقريبا ، فالدية على هذا ثلاثون كيلوغراما الا ربع الكيلو من الفضة تقريبا.

(١) الحلّة ـ بضم الاول ، والجمع حلل وحلال ـ مطلق الثوب او خصوص الثوب الساتر لجميع البدن. والفقهاء فسروها بالثوبين ، بل قد يقال : ان ذلك هو معناها لغة ، ففي المصباح المنير : «الحلة بالضم لا يكون الا ثوبين من جنس واحد» ، ونحو ذلك ذكر في غير المصباح.

(٢) الثنية من الغنم : ما دخل في السنة الثالثة.

(٣) الوارد في الطبع القديم من وسائل الشيعة : مائة بقرة. وهو اشتباه ، فان الموجود في المصادر الاصلية للصحيحة وهي الكتب الاربعة : مائتا ـ مائتي ـ بقرة.


شاة» (١) وغيرها.

وموضع الاستشهاد نقل ابن الحجاج عن الامام عليه‌السلام والا فما نقله ـ في صدر الصحيحة ـ عن ابن ابي ليلى ليس حجة كما هو واضح.

ومنه يتضح ان مستند عدّ مائتي حلّة من جملة افراد الدية ينحصر بالتسالم الفقهي على ذلك والا فكلام ابن ابي ليلى ـ الذي ذكر فيه ذلك ـ ليس حجة.

ثم ان المذكور في الصحيحة : ان على اهل السواد مائتي بقرة وعلى ... وهذا لا ينبغي أن يفهم منه التعيين بل هو وارد مورد الارفاق والتسهيل كما هو واضح.

وينبغي الالتفات الى ان المعروف بين الفقهاء بل ادعي عدم الخلاف فيه ان التخيير بين الافراد الستة ثابت للجاني دون اولياء المجني عليه. وهو ان لم يستفد من الصحيحة المتقدمة فيكفي لإثباته كونه مقتضى الاصل.

وينبغي الالتفات أيضا الى ان المسألة تشتمل على روايات اخرى قد تدل على مضامين اخرى تغاير مضمون الصحيحة المتقدمة من بعض الجهات ، ولكن لأجل عدم القائل بها وهجران الاصحاب لها تكون ساقطة عن الحجية.

٢ ـ واما انه يعتبر في الابل ان تكون فحولة مسنّة‌ فهو رأي معروف. وتدل عليه صحيحة معاوية بن وهب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن دية العمد فقال : مائة من فحولة الابل المسان ...» (٢) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٤١ الباب ١ من ابواب ديات النفس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١٤٦ الباب ٢ من ابواب ديات النفس الحديث ٢.


٣ ـ واما ان استيفاء دية العمد يكون ضمن فترة سنة‌ فمما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة ابي ولاد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «كان علي عليه‌السلام يقول : تستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين ، وتستأدى دية العمد في سنة» (١).

٤ ـ واما جواز الاستيفاء بالاوراق النقدية مع التعذر او التراضي‌ فواضح لأنه مع التعذر حيث لا يحتمل سقوط الدية رأسا فيتعين الرجوع الى البدل الاقرب وهو الاوراق النقدية.

واما انه مع التراضي يجوز ذلك فاوضح لان الحق لا يعدو الطرفين.

ثم انه لو فرض وجود بعض الافراد الستة فهل يحق للجاني الزام اولياء المجني عليه بقبول الاوراق النقدية؟ المناسب هو العدم لان ظاهر الصحيحة الالزام بالاعيان نفسها فمع التمكن منها لا وجه للإلزام بالبدل.

دية الشبيه بالعمد‌

دية القتل الشبيه بالعمد هي احد الامور الستة المتقدمة غير انه يعتبر في الابل ان تكون اربعون منها خلفة من بين ثنية الى بازل عامها ، وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٥٠ الباب ٤ من ابواب ديات النفس الحديث ١.

(٢) الخلفة ـ بفتح الحاء وكسر اللام ـ هي الحامل من النوق.

والثنية من الابل : ما دخل في السنة السادسة.


وتستوفى من الجاني خلال سنوات ثلاث.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان دية القتل الشبيه بالعمد هي احد الافراد الستة أيضا‌ فباعتبار اطلاق صحيحة عبد الرحمن المتقدمة.

٢ ـ واما انه يعتبر في الابل ما ذكر من الاوصاف‌ فهو رأي معروف. وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : قال امير المؤمنين عليه‌السلام في الخطأ شبه العمد ان يقتل بالسوط او بالعصا او بالحجر ان دية ذلك تغلظ وهي مائة من الابل : منها اربعون خلفة من بين ثنية الى بازل عامها ، وثلاثون حقة ، وثلاثون بنت لبون» (١).

وهي اذا كانت ضعيفة السند ببعض طرقها ففي بعضها الآخر كفاية فلاحظ.

٣ ـ واما انها تستوفى من الجاني دون العاقلة‌ فهو المشهور بين الاصحاب. ويدل عليه اطلاق الآية الكريمة : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) (٢) ، فانها ظاهرة في ان‌

__________________

والبازل من الابل هو ما دخل في التاسعة. يقال : هو بازل ، اي طلع نابه. واذا دخل في العاشرة قيل هو بازل عام.

وعلى هذا يكون المقصود انه تجب اربعون من الابل الحامل التي عمرها بين ست الى عشر سنوات.

والحقة هي الناقة الداخلة في الرابعة. سميت بذلك لأنها استحقت ان يحمل عليها.

وبنت اللبون هي الناقة الداخلة في الثالثة. سميت بذلك لان امها قد وضعت وصار لها لبن.

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٤٦ الباب ٢ من ابواب ديات النفس الحديث ١.

(٢) النساء : ٩٢.


الدية ثابتة على الجاني ، وباطلاقها تشمل كلا قسمي الخطأ ، غايته خرج الخطأ المحض ـ الذي تجب فيه الدية على العاقلة ـ بالدليل الخاص.

٤ ـ واما انها تستوفى في سنين ثلاث‌ فلصحيحة ابي ولاد المتقدمة.

هذا ولكن المشهور انها تستوفى في سنتين لا ثلاث ، الا انه لا دليل على ذلك سوى الاجماع المدعى من بعض. وعليه فالمناسب العمل بالصحيحة بناء على ان اعراض المشهور عن رواية لا يوجب سقوطها عن الاعتبار.

دية الخطأ المحض‌

دية الخطأ المحض احد الامور الستة المتقدمة ـ غايته يلزم في الابل ان تكون ثلاثون منها حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض (١) وعشرون ابن لبون ـ وتستوفى من العاقلة خلال سنين ثلاث.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان دية الخطأ المحض احد الامور الستة السابقة أيضا‌ فلنفس ما تقدم في القتل الشبيه بالعمد.

٢ ـ واما انه تلزم في الابل الاوصاف السابقة‌ فهو المشهور بين الاصحاب. وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : ... والخطأ يكون فيه ثلاثون حقة وثلاثون ابنة لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر» (٢).

__________________

(١) بنت المخاض هي الناقة التي دخلت في الثانية. وسميت بذلك لان امها قد حملت.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ١٤٦ الباب ٢ من ابواب ديات النفس الحديث ١.


٣ ـ واما انها تستوفى من العاقلة‌ فأمر لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام ... والاعمى جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما ...» (١).

واما انها تستوفى في سنوات ثلاث فللصحيحة المذكورة وصحيحة ابي ولاد المتقدمة.

دية الجوارح‌

في الجناية على العين الواحدة نصف الدية وعلى كلتيهما الدية كاملة.

وهكذا الحال في الجناية على الاذن الواحدة والأذنين والشفة الواحدة والشفتين واليد الواحدة واليدين والرجل الواحدة والرجلين. وفي استئصال اللسان الدية كاملة.

والمستند في ذلك :

ان ما ذكر لا خلاف فيه. وتقتضيه قاعدة «ان كل ما كان منه في الجسد واحد ففيه الدية كاملة وما كان فيه اثنان ففي كل واحد منهما نصف الدية وفيهما معا الدية كاملة» المستفادة من صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ، مثل اليدين والعينين. قلت : رجل فقئت عينه ، قال : نصف الدية. قلت : فرجل قطعت يده ، قال : فيه نصف الدية ...» (٢) وغيرها.

ومن ذلك يتضح الوجه في حكم البقية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٣٠٦ الباب ١٠ من ابواب العاقلة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٢١٤ الباب ١ من ابواب ديات الاعضاء الحديث ١.


دية الاصابع‌

في قطع كل واحد من اصابع اليد عشر دية اليد ، وفي قطع كل اصبع من اصابع الرجل عشر دية الرجل.

والمستند في ذلك :

ان ما ذكر هو المشهور. وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اصابع اليدين والرجلين سواء في الدية في كل اصبع عشر من الابل» (١) وغيرها.

وفي مقابل ذلك صحيحة ظريف عن امير المؤمنين عليه‌السلام : «... ففي الابهام اذا قطع ثلث دية اليد ... وفي الاصابع في كل اصبع سدس دية اليد ...» (٢).

الا ان الصحيحة المذكورة لاعراض المشهور عنها ساقطة عن الاعتبار بناء على تمامية كبرى سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها وتعود الصحيحة الاولى بناء على ذلك سالمة من المعارض ويتم رأي المشهور.

دية الضرب‌

دية اللطمة على الوجه اذا احمرّ دينار ونصف ، واذا اخضرّ فثلاثة دنانير ، واذا اسودّ ستة دنانير (٣). واذا كان ذلك في البدن فالدية نصف ما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٩٤ الباب ٣٩ من ابواب ديات الاعضاء الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٢٩ الباب ١٢ من ابواب ديات الاعضاء الحديث ١.

(٣) مرّ المقصود من الدينار تحت عنوان «دية القتل عمدا».


في الوجه.

والمستند في ذلك :

ان ما ذكر هو المشهور. وتدل عليه موثقة اسحاق بن عمار ـ برواية الشيخ الصدوق ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في اللطمة يسود اثرها في الوجه ان ارشها ستة دنانير ، فان لم تسود واخضرّت فان ارشها ثلاثة دنانير ، فان احمارّت ولم تخضارّ فان ارشها دينار ونصف. وفي البدن نصف ذلك» (١) وغيرها.

والوارد في الموثقة وان كان هو كلمة «اللطمة» الظاهرة في الضرب باليد الا ان المناسب هو التعدي الى غير الضرب والى غير ما كان باليد للقطع بعدم الخصوصية لذلك.

دية الحمل‌

في اسقاط الحمل اذا كان نطفة عشرون دينارا ، واذا كان علقة أربعون دينارا ، واذا كان مضغة ستون دينارا ، واذا كان فيه عظم ثمانون دينارا ، واذا كسي لحما مائة دينار ، واذا ولجته الروح ألف دينار ان كان ذكرا وخمسمائة ان كان أنثى.

والحكم المذكور يعم ما اذا زاولت الام نفسها عملية الاسقاط ولو بشرب دواء ونحوه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان دية الحمل ما ذكر‌ فهو المعروف بين الاصحاب. وتدل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٩٥ الباب ٤ من ابواب ديات الشجاج والجراح الحديث ١.


عليه صحيحة ظريف عن امير المؤمنين عليه‌السلام : «جعل دية الجنين مائة دينار ، وجعل مني الرجل الى ان يكون جنينا خمسة أجزاء ، فاذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار ، وذلك ان الله عز وجل خلق الانسان من سلالة (١) وهي النطفة فهذا جزء ثم علقة فهو جزءان ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء ثم عظما فهو اربعة أجزاء ثم يكسى لحما فحينئذ تمّ جنينا فكملت لخمسة أجزاء مائة دينار ، والمائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين دينارا ، وللعلقة خمسي المائة أربعين دينارا ، وللمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين دينارا ، وللعظم أربعة أخماس المائة ثمانين دينارا ، فاذا كسي اللحم كانت له مائة كاملة فاذا نشأ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذ نفس بألف دينار كاملة ان كان ذكرا ، وان كان انثى فخمسمائة دينار ...» (٢) وغيرها.

٢ ـ واما ان الحكم المذكور يعمّ ما اذا زاولت الام نفسها عملية الاسقاط‌ فباعتبار اطلاق الصحيحة المتقدمة. وتدفع الدية ـ كما هو واضح ـ الى الاب.

٣ ـ من احكام القتل والديات‌

تجب على القاتل عمدا ـ مضافا الى الدية لو تمّ التراضي عليها ـ كفارة الجمع.

__________________

(١) السلالة : ما استل من الشي‌ء. وتطلق على النسل والولد ، يقال : هو سلالة طيبة ومن سلالة طيبة ، اي من نسل طيب.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٣٧ الباب ١٩ من ابواب ديات الاعضاء الحديث ١.


وتجب أيضا في القتل الشبيه بالعمد والخطأ المحض ولكنها مرتبة ، فيجب العتق ، فان لم يمكن فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يمكن فاطعام ستين مسكينا.

والجناية تارة يكون لديتها مقدّر شرعي واخرى لا يكون. ويصطلح على الاول بالدية وعلى الثاني بالارش او الحكومة. ويتمّ تعيين الارش بواسطة الحاكم الشرعي بعد استعانته بذوي عدل.

ودية المرأة نصف دية الرجل في القتل. واما في غيره فديتها تساوي دية الرجل ـ فيما اذا كان لها مقدّر شرعي ـ ما لم تبلغ الثلث والا رجعت الى نصف دية الرجل.

ومن حفر حفيرة فوقع فيها شخص او وضع حجرا فعثر به شخص فجرح او مات فان كان ذلك في ملكه فلا ضمان ، وان كان في الطريق العام ضمن الا اذا كان ذلك لمصلحة العابرين. والكلام نفسه يأتي في من القى قشر موز او بطيخ ونحو ذلك فزلق بسببه شخص فجرح او مات.

والعاقلة التي يلزمها تحمّل دية الجناية في الخطأ المحض هي عصبة الجاني ، اي الرجال المتقربون اليه بالاب ، كالاخوة والاعمام وأولادهم وان نزلوا. وليس من العاقلة الصبي والمجنون والمرأة.

والتقسيم على افراد العاقلة يتم بالتساوي ومن دون فرق بين الغني والفقير والقريب والبعيد.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه تجب على القاتل عمدا ـ مضافا الى الدية اذا تمّ التراضي عليها ـ كفارة الجمع‌ فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب. وتدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : كفارة الدم‌


اذا قتل الرجل المؤمن متعمدا فعليه ان يمكّن نفسه من اوليائه ، فان قتلوه فقد ادّى ما عليه اذا كان نادما على ما كان منه عازما على ترك العود. وان عفا عنه فعليه ان يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا وان يندم على ما كان منه ويعزم على ترك العود ...» (١) وغيرها.

٢ ـ واما ان الكفارة مرتبة في قتل الخطأ بكلا قسميه‌ فلصحيحة عبد الله بن سنان أيضا : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : ... واذا قتل خطأ ادى ديته الى اوليائه ثم اعتق رقبة فان لم يجد صام شهرين متتابعين فان لم يستطع اطعم ستين مسكينا مدا مدا. وكذلك اذا وهبت له دية المقتول فالكفارة عليه فيما بينه وبين ربه لازمة» (٢).

الارش او الحكومة‌

٣ ـ واما ان الدية قد لا يكون لها مقدّر شرعي‌ فيجب دفع ما يصطلح عليه بالارش او الحكومة فهو من المسلمات فانه لا يحتمل عدم ثبوت دية في الموارد التي ليس فيها مقدّر شرعي والا يلزم اما ذهاب دم المسلم هدرا أو نقصان الإسلام في تشريعه ، وكلاهما غير محتمل.

ويمكن استفادة ذلك من النصوص ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... ان عندنا الجامعة. قلت : وما الجامعة؟ قال : صحيفة فيها كل حلال وحرام وكل شي‌ء يحتاج اليه الناس حتى الارش في الخدش ، وضرب بيده إليّ فقال : أتأذن يا أبا محمد؟ قلت : جعلت فداك انما انا لك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٧٩ الباب ٢٨ من ابواب الكفارات الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٥٩ الباب ١٠ من ابواب الكفارات الحديث ١.


فاصنع ما شئت فغمزني بيده وقال : حتى ارش هذا» (١) ، فان ارش الخدش لم يرد فيه مقدّر شرعي فلا بدّ وان يكون المقصود الاشارة الى الارش.

ومن ذلك صحيحة ابي عبيدة : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن أعمى فقأ عين صحيح فقال : ان عمد الاعمى مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله فان لم يكن له مال فالدية على الامام ولا يبطل حق امرئ مسلم» (٢) ، فان التعليل يدل على ان حق المسلم لا يذهب هدرا حتى فيما لا يكون هناك مقدر شرعي ، فلو لم يحكم بالارش يلزم ذهابه هدرا.

وأوضح من ذلك صحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «دية اليد اذا قطعت خمسون من الابل. وما كان جروحا دون الاصطلام (٣) فيحكم به ذوا عدل منكم» (٤).

٤ ـ واما انه يتم تعيين الارش بواسطة الحاكم الشرعي بعد الاستعانة بذوي عدل‌

فيمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة فانها وان لم تصرح بان المتصدي لتعيين الارش هو الحاكم الا ان ذلك هو المقصود جزما ، «فانه لا بدّ من وجود شخص يتصدى هو لتعيين العدول واتخاذ القرار بعد ذلك. بل من دون افتراض مثل الشخص المذكور يلزم ازدياد المشاكل تعقيدا ، والقدر المتيقن من ذلك الشخص هو الحاكم الشرعي. ولا اطلاق في الصحيحة من هذه الناحية ليمكن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٧١ الباب ٤٨ من ابواب ديات الاعضاء الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٦٥ الباب ٣٥ من ابواب القصاص في النفس الحديث ١.

(٣) الاصطلام : الاستئصال.

(٤) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٩٩ الباب ٩ من ابواب ديات الشجاج والجراح الحديث ١.


التمسك به لا ثبات الاكتفاء بتصدي اي شخص عادل لذلك.

يبقى شي‌ء ، وهو ان اي طريق يسلكه العدلان لتعيين الارش؟ ان ذلك لم تتعرض له الروايات. والمعروف في كلمات الاصحاب ـ كما في الشرائع (١) وغيرها ـ ان المجروح يفترض مملوكا ثم يقوّم صحيحا تارة ومعيبا بالجرح اخرى ويؤخذ من دية النفس بحساب التفاوت بين القيمتين.

ولعل الاولى من ذلك ان يقال : ان الحكمين يلحظان اولا الديات المقدّرة شرعا للنفس والاطراف وغيرهما ثم ينسب غير المنصوص الى المنصوص ويعيّن مقدار الارش في ضوء ذلك حسبما يتوصل اليه اجتهادهما.

دية المرأة‌

٥ ـ واما ان دية المرأة نصف دية الرجل في القتل‌ فلا خلاف فيه بين الاصحاب. وتدل عليه صحيحة عبد الله بن مسكان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا قتلت المرأة رجلا قتلت به. واذا قتل الرجل المرأة فان أرادوا القود ادّوا فضل دية الرجل على دية المرأة وأقادوه بها ، وان لم يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة. ودية المرأة نصف دية الرجل» (٢) وغيرها.

واما ان دية المرأة في غير القتل تساوي دية الرجل ما لم تبلغ الثلث والا رجعت الى نصف دية الرجل فتدل عليه صحيحة ابان بن‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٤ : ١٠٤٥ ، انتشارات استقلال.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٥٩ الباب ٣٣ من ابواب القصاص في النفس الحديث ٢.


تغلب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في رجل قطع اصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال : عشرة من الابل. قلت : قطع اثنتين؟ قال : عشرون. قلت : قطع ثلاثا ، قال : ثلاثون. قلت : قطع اربعا ، قال : عشرون. قلت : سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع اربعا فيكون عليه عشرون! ان هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول : الذي جاء به شيطان فقال : مهلا يا ابان هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ان المرأة تعاقل (١) الرجل الى ثلث الدية فاذا بلغت الثلث رجعت الى النصف. يا ابان انك اخذتني بالقياس ، والسنة اذا قيست محق الدين» (٢) وغيرها من الروايات الكثيرة.

حكم الحفيرة ونحوها‌

٦ ـ واما ان من حفر حفيرة او وضع حجرا ووقع او عثر بذلك شخص فجرح او مات ضمن ان كان ذلك في غير ملكه‌ فلصحيحة زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : رجل حفر بئرا في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها فقال : عليه الضمان لان كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان» (٣) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الشي‌ء يوضع على الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره‌

__________________

(١) كلمة «تعاقل» مشتقة من العقل بمعنى الدية ـ سميت بذلك اما لان من معاني العقل المنع ، والدية تمنع صاحبها من الجرأة على الجناية او باعتبار ان الدية كانت ابلا تعقل عند ولي المقتول ـ والمقصود ان المرأة تستحق العقل وهو الدية بمقدار دية الرجل وتساويه في ذلك الى حدّ الثلث.

(٢) وسائل الشيعة ١٩ : ٢٦٨ الباب ٤٤ من ابواب ديات الاعضاء الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٩ : ١٧٩ الباب ٨ من ابواب موجبات الضمان الحديث ١.


فقال : كل شي‌ء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه» (١) وغيرهما.

واما تقييد الضمان بما اذا لم يكن ذلك لمصلحة العابرين فيمكن استفادته من صحيحة الحلبي حيث اخذت قيد الاضرار. وموردها وان كان وضع شي‌ء لكنه لا مدخلية له جزما فتعم حفر الحفيرة أيضا.

٧ ـ واما تعميم التفصيل المتقدم لقشر البطيخ والموز ونحوهما‌ فلصحيحة الحلبي المتقدمة حيث ان الوارد فيها كلمة «شي‌ء» ، وهي مطلقة تشمل ما ذكر. بل ان قوله عليه‌السلام : «كل شي‌ء يضر بطريق ...» يمكن ان يستفاد منه ذلك أيضا حتى لو قطعنا النظر عن اطلاق كلمة «شي‌ء».

العاقلة‌

٨ ـ واما تفسير العاقلة بالعصبة‌ فهو المعروف في كلمات الفقهاء. ويمكن استفادته من صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام على امرأة اعتقت رجلا واشترطت ولاءه ولها ابن فالحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه (٢) دون ولدها» (٣). وقريب من ذلك ما جاء في صحيحة الآخر عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا احدث حدثا يكون فيه عقل» (٤).

٩ ـ واما ان العصبة تختص بالمتقربين بالاب‌ ولا تشمل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ : ١٨١ الباب ٩ من ابواب موجبات الضمان الحديث ١.

(٢) المناسب : عنها ، كما جاء ذلك عند ذكر الحديث في جواهر الكلام ٤٣ : ٤١٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ٥٢ الباب ٣٩ من ابواب العتق الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٥٣ الباب ٤٠ من ابواب العتق الحديث ١.


المتقربين بالام فهو المشهور بين الاصحاب. ووجهه : ان ذلك هو معنى العصبة لغة كما تقدمت الاشارة الى ذلك سابقا (١).

١٠ ـ واما ان الصبي والمجنون ليس من العاقلة‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويدل عليه حديث رفع القلم حتى بناء على اختصاصه بقلم التكليف ، فان ثبوت الدية على العاقلة تكليف محض ومن البعيد ان يكون حكما وضعيا.

واما ان المرأة ليست من العاقلة فباعتبار اختصاص العاقلة لغة بالذكور.

١١ ـ واما ان التقسيم يتم بالتساوي‌ فباعتبار ان ما دلّ على كون الدية على العاقلة يدل بنفسه على ذلك ، فان التقسيط بشكل آخر يحتاج الى دليل ، وهو مفقود.

وقيل : ان امر التقسيم بيد الامام عليه‌السلام أو نائبه.

وقيل : ان على الغني نصف دينار وعلى الفقير ربعه.

وكلاهما لا دليل عليه. والمناسب ما تقدم.

١٢ ـ واما عدم الفرق بين الغني والفقير‌ فلعدم الدليل على الاختصاص بالغني. اجل اذا كان الفقير عاجزا عن الدفع اختص العقل بغيره لان ثبوت الدية على العاقلة ـ كما تقدم ـ تكليف محض ، وهو لا يعم العاجز.

١٣ ـ واما عدم اختصاص العقل بالقريب‌ فلأن لفظ العاقلة يشمل البعيد أيضا ، ولا دليل على التقييد.

__________________

(١) لاحظ مبحث العول والتعصيب من كتاب الارث.


تمّ بتوفيق الله سبحانه ورعاية حجّته في ارضه ـ روحي وارواح العالمين له الفداء ـ كتابي هذا الموسوم ب «دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي» في مدينة قم المشرّفة جوار كريمة اهل البيت عليهم‌السلام السيدة فاطمة المعصومة عليها وعلى آبائها الكرام افضل التحية والسلام في صباح يوم الاثنين ٢٧ / صفر المظفر / ١٤١٩ ه‍. وكان آخر ما كتبته كتاب الانفال والمشتركات.

اللهم اني اشكرك على هذه النعمة وعلى جميع نعمك عليّ وأسألك بحق محمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان تجعله موردا لاستفادة اخوتي الاعزاء طلبة الحوزات العلمية انك كريم جواد سميع الدعاء.

باقر الايرواني‌


الفهرس

الاحكام........................................................................ ٧

كتاب القضاء................................................................... ٩

١ ـ القضاء في الشريعة........................................................ ١١

٢ ـ الشروط اللازمة في القاضي................................................ ١٩

٣ ـ كيفية القضاء............................................................ ٢٣

٤ ـ شروط سماع الدعوى...................................................... ٢٧

٥ ـ وسائل الاثبات........................................................... ٣١

٦ ـ قسمة المال المشترك....................................................... ٣٧

٧ ـ احكام عامة في باب القضاء............................................... ٤٠

كتاب الشهادات............................................................... ٥١

١ ـ شرائط الشاهد........................................................... ٥٣

٢ ـ اختلاف الحقوق في الاثبات............................................... ٦٢

٣ ـ احكام عامة في باب الشهادات............................................ ٧٤


كتاب اللقطة.................................................................. ٨٧

١ ـ اللقطة وأقسامها.......................................................... ٨٩

٢ ـ من احكام اللقطة بالمعنى الاخص........................................... ٩٠

٣ ـ من احكام اللقيط....................................................... ١٠٠

٤ ـ من احكام الضالة....................................................... ١٠١

٥ ـ من احكام مجهول المالك................................................. ١٠٣

كتاب الاقرار................................................................. ١٠٧

١ ـ حقيقة الاقرار ومدرك حجيته............................................. ١٠٩

٢ ـ من احكام الاقرار....................................................... ١١١

كتاب الاطعمة والاشربة....................................................... ١١٥

افراد ما يحرم تناوله....................................................... ١١٧

١ ـ حيوان البحر........................................................... ١١٧

٢ ـ حيوان البر............................................................. ١٢١

٣ ـ الطيور................................................................. ١٢٨

٤ ـ ما يحرم من الحيوان المذبوح................................................ ١٣٣

٥ ـ التحريم الطارئ......................................................... ١٣٥

كتاب الصيد والذباحة (وسائل التذكية)......................................... ١٤١

١ ـ وسائل تحقق التذكية..................................................... ١٤٣

ب ـ النحر.............................................................. ١٥٩

ج ـ الاصطياد........................................................... ١٦٢

الاصطياد بالسلاح...................................................... ١٧١

السمك والجراد.......................................................... ١٧٣


٢ ـ ما يقبل التذكية واثرها................................................... ١٧٨

كتاب الانفال والمشتركات...................................................... ١٨١

١ ـ الانفال (مليكة الامام عليه السلام أو الدولة)............................... ١٨٣

٢ ـ إنحاء الملكية ووسائل تحصيلها............................................. ١٩٢

٣ ـ من احكام المشتركات.................................................... ٢٠٣

كتاب الارث................................................................. ٢١٥

١ ـ ما يوجب الارث........................................................ ٢١٧

٢ ـ فروض الارث.......................................................... ٢١٩

٣ ـ الارث بالفرض وبالقرابة.................................................. ٢٢٣

٤ ـ الحجب............................................................... ٢٢٧

٥ ـ العول والتعصب........................................................ ٢٣٣

٦ ـ من تفاصيل ارث الطبقات................................................ ٢٤٠

ارث الطبقة الثانية....................................................... ٢٤٨

ارث الطبقة الثالثة....................................................... ٢٥٤

٧ ـ من تفاصيل الارث الزوجية............................................... ٢٥٦

كتاب الحدود................................................................ ٢٦١

١ ـ موجبات الحد........................................................... ٢٦٢

الاول: الزنا............................................................. ٢٦٣

حد الزنا................................................................ ٢٦٨

الاحصان............................................................... ٢٧٤

شرائط ثبوت حدّ الزنا.................................................... ٢٧٦

الوسائل المثبتة للزنا....................................................... ٢٧٨


كيفية اقامة الحد......................................................... ٢٨٠

الثاني: اللواط........................................................... ٢٨٥

الثالث: حد التفخيذ..................................................... ٢٨٨

الرابع: السحق.......................................................... ٢٨٩

الخامس: القذف........................................................ ٢٩١

السادس: شرب المسكر.................................................. ٢٩٤

السابع: السرفة.......................................................... ٢٩٦

الثامن : المحاربة والافساد.................................................. ٢٩٩

٢ ـ التعزير................................................................. ٣٠٠

٣ ـ اقامة الحدود في عصر الغيبة.............................................. ٣٠٢

كتاب القصاص.............................................................. ٣٠٥

١ ـ القصاص واقسامه....................................................... ٣٠٧

٢ ـ قصاص النفس......................................................... ٣٠٩

متى يصدق القتل متعمداً؟................................................ ٣١١

اقسام القتل............................................................. ٣١٢

٣ ـ وسائل اثبات القتل عمداً................................................ ٣١٦

٤ ـ من احكام قصاص النفس................................................ ٣٢١

٥ ـ قصاص ما دون النفس.................................................. ٣٣٩

كتاب الديات................................................................ ٣٣٣

١ ـ الدية وأقسامها......................................................... ٣٣٥

٢ ـ مقادير الديات......................................................... ٣٣٧

دية الشبية بالعمد....................................................... ٣٤٠


دية الخطأ المحض......................................................... ٣٤٢

دية الجوارح............................................................. ٣٤٣

دية الاصابع............................................................ ٣٤٤

دية الضرب............................................................. ٣٤٤

دية الحمل.............................................................. ٣٤٥

٣ ـ من احكام القتل والديات................................................ ٣٤٦

الارض او الحكومة....................................................... ٣٤٨

دية المرأة................................................................ ٣٥٠

حكم الحقيرة ونحوها...................................................... ٣٥١

العاقلة................................................................. ٣٥٢

دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي على المذهب الجعفري - ٣

المؤلف:
الصفحات: 359